العنوان: الكتابة التاريخية لكتب المقتل الحسيني حتي أواخر القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي: دراسة نقدية تحليلية/
بيان المسؤولية: تأليف: د. عباس محيسن حريجة اللامي.
بيانات الطبع: الطبعة الأُولي.
بيانات النشر: النجف، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية، 2018 م/1439ﻫ.
الوصف المادي: 562 صفحة ؛ 24 سم.
سلسلة النشر : (العتبة الحسينية المقدسة ؛ 476).
سلسلة النشر : (مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية).
تبصرة عامة: جاء في المقدمة عنوان الكتاب (منهج الكتابة التاريخية لكتب المقتل الحسيني حتي أواخر القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي).
تبصرة عامة: أصل الكتاب اُطروحة جامعية مقدمة لنيل درجة دكتوراه فلسفة في التاريخ الإسلامي.
تبصرة ببليوجرافية: يتضمن هوامش، لائحة المصادر (الصفحات 509 - 547).
مصطلح موضوعي: واقعة كربلاء، 61 للهجرة - تاريخ - دراسة.
مصطلح موضوعي: واقعة كربلاء، 61 للهجرة - المصادر - دراسة.
مصطلح موضوعي: التاريخ عند المسلمين.
اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (النجف، العراق). مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية - جهة مصدرة.
_____________________
تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة
رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد (3400) لسنة (2018م)
ص:1
ص: 2
الكتابة التاريخية لكتب المقتل الحسيني حتي أواخر القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي دراسة نقدية تحليلية
تأليف: د. عباس محيسن حريجة اللّامي
الإشرافُ العِلمِيُّ مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية
ص: 3
جميع الحقوق المحفوظة
للعتبة الحسينية المقدسة
العطبعة الاولي
1440ﻫ - 2019 م
إصدار مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحيم
ص: 5
تنويه: هذا الكتاب هو جزء من متطلبات نيل درجة
دكتوراه فلسفة في التاريخ الإسلامي
وهي بعنوان: الكتابة التاريخية لكتب المقتل الحسيني
حتي أواخر القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي (دراسة نقدية تحليلية)
تقدم بها الطالب عباس محيسن حريجة اللام-ي
قدمت إلي مجلس كلية التربية - جامعة واسط
بإشراف الأستاذ الدكتور عطا سلمان جاسم
1437ه- - 2016م
مراجعة وتدقيق
اللجنة العلمية في قسم الرسائل الجامعية في مؤسسة وارث الأنبياء
د. الشيخ عبد الرحمن الربيعي، د. السيد محمد المدني، الشيخ فضيل الجزائري
هوية الكتاب
عنوان الكتاب الكتابة التاريخية لكتب المقتل الحسيني
حتي أواخر القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي (دراسة نقدية وتحليلية)
المؤلفد.عباس محيسن حريجة اللامي
الإشراف العلمي اللجنة العلمية في مؤسسة وارث الأنبياء
الإخراج الفنيحسين المالكي
الطبعةالأُولي
سنة الطبع1440ه- / 2019م
عدد النسخ1000
ص: 6
«مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَي نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا»
صدق الله العلي العظيم
(الأحزاب: آية 23).
ص: 7
ص: 8
إلي من أنار لي طريق العلم..
وحبّب إليَّ الارتشاف من منهله العذب..
وحثني علي مواصلة التحصيل ومهَّد لي الطريق..
إلي روح أبي وإلي والدتي وإخواني وأخواتي..
وجميع أصدقائي أهدي هذه الأُطروحة.
الباحث
ص: 9
ص: 10
بعد حمد الله وشكره علي نعمه التي لا تحصي ومنها إتمام الأطروحة يسرني أن أتقدم بعظيم شكري وبالغ احترامي وتقديري لأستاذي المشرف الأستاذ الدكتور عطا سلمان جاسم الذي واكب الأطروحة، وكان خير عون لي باستكمال متطلباتها، وقد أمدَّني بالتوجيهات السديدة والآراء الصائبة المفيدة، وكان من عوامل الوصول إلي إكمال الأطروحة وإخراجها في هذه الصورة.
كما أتقدَّم بالشكر لجميع أساتذتي في المرحلة التحضيرية من الدراسة وهم: السيد رئيس القسم سابقاً الدكتور رحيم كاظم الهاشمي، ورئيس القسم الحالي الدكتور حسين سيد نور الأعرجي، والأستاذ الدكتور فاضل جابر ضاحي، والدكتور طالب محيبس الوائلي، والدكتور مهدي علوان، والأستاذة الدكتورة ناهضة مطير حسن، والدكتورة سادسة حلاوي.
وأحسُّ بأنَّ من واجب العرفان بالفضل والجميل أن أقدِّم وافر شكري وعظيم امتناني إلي الدكتور هادي عبد النبي التميمي، في كلية الآداب، جامعة الكوفة، إذ كان له الفضل لما أبداه من مساعدة كبيرة للباحث في ملاحظاته القيمة وآرائه السديدة.
ومن واجب الوفاء أن أشكر الأستاذ الدكتور جواد كاظم النصر الله في كلية الآداب/جامعة البصرة لجهوده الكبيرة في إبداء ملاحظاته وآرائه السديدة، وتوجيهاته العلمية التي أغنت الأطروحة، وكذلك الشكر موصول إلي الدكتور
ص: 11
علي موسي الكعبي، في كلية التربية، جامعة ميسان، لما قدَّمه لي من مساعدة كبيرة خاصة في ترجمة بعض النصوص الفارسية.
كما أشكر الأخوة العاملين في مكتبات العتبات المقدسة؛ لما أبدوه لي من تسهيل كبير في الحصول علي المصادر والدراسات حول الأطروحة، ولا يفوتني أن أشكر العاملين في المكتبة المركزية في محافظة ميسان ومكتبة كلية التربية في جامعة ميسان، ومؤسسة الهدي للدراسات الاستراتيجية وأخصُّ بالذكر رئيسها الشيخ حسين جلوب الساعدي؛ لمساعدتهم لي خدمة للعلم.
وأخيراً أشكر جميع من مدَّ لي يد المساعدة والعون ولم يبخل بنصيحة، فجزاهم الله تعالي عني خير الجزاء ووفقهم لما فيه الخير والمحبة.
وأسأل الله أن يوفِّق الجميع لكلِّ خير، والحمد لله أوّلاً وأخيراً، وبه العون ومنه التوفيق، وصلي الله علي رسوله وآله وصحبه وسلم تسليماً.
الباحث
ص: 12
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام علي أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد وعلي آله الطيبين الطاهرين.
إنّ العلم والمعرفة مصدر الإشعاع الذي يهدي الإنسان إلي الطريق القويم، ومن خلالهما يمكنه أن يصل إلي غايته الحقيقية وسعادته الأبدية المنشودة، فبهما يتميّز الحقّ من الباطل، وبهما تُحدد اختيارات الإنسان الصحيحة، وعلي ضوئهما يسير في سبل الهداية وطريق الرشاد الذي خُلق من أجله، بل علي أساس العلم والمعرفة فضّله الله عز وجل علي سائر المخلوقات، واحتج عليهم بقوله: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَي الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»((1))، فبالعلم يرتقي المرء وبالجهل يتسافل، وقد جاء في الأثر «العلمُ نورٌ»((2))، كما بالعلم والمعرفة تتفاوت مقامات البشر ويتفوّق بعضهم علي بعض عند الله عز وجل، إذ «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ»((3))، وبهما تسعد المجتمعات، وبهما الإعمار والازدهار، وبهما الخير كلّ الخير.
ص: 13
ومن أجل العلم والمعرفة كانت التضحيات الكبيرة التي قدّمها الأنبياء والأئمةوالأولياء(عليهم السلام)، تضحيات جسام كان هدفها منع الجهل والظلام والانحراف، تضحيات كانت غايتها إيصال المجتمع الإنساني إلي مبتغاه وهدفه، إلي كماله، إلي حيث يجب أن يصل ويكون، فكان العلم والمعرفة هدف الأنبياء المنشود لمجتمعاتهم، وتوسّلوا إلي الله عز وجل بغية إرسال الرسل التي تعلّم المجتمعات فقالوا: «وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»((1))، و«لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ»((2))، ما يعني أنّ دون العلم والمعرفة هو الضلال المبين والخسران العظيم.
بل هو دعاؤهم(عليهم السلام) ومبتغاهم من الله عز وجل لأنفسهم أيضاً، إذ طلبوا منه تعالي بقولهم: «وَاملأ قُلُوبَنا بِالْعِلْمِ وَالمَعْرفَةِ»((3)).
وبالعلم والمعرفة لا بدّ أن تُثمّن تلك التضحيات، وتُقدّس تلك الشخصيات التي ضحّت بكلّ شيء من أجل الحقّ والحقيقة، من أجل أن نكون علي علم وبصيرة، من أجل أن يصل إلينا النور الإلهي، من أجل أن لا يسود الجهل والظلام.
فهذه هي سيرة الأنبياء والأئمة(عليهم السلام) سيرة الجهاد والنضال والتضحية والإيثار لأجل نشر العلم والمعرفة في مجتمعاتهم، تلك السيرة الحافلة بالعلم والمعرفة في كلّ جانب من جوانبها، والتي ينهل منها علماؤنا في التصدّي لحلّ مشاكل مجتمعاتهم علي مرّ العصور والأزمنة والأمكنة، وفي كافّة المجالات وشؤون البشر.
ص: 14
وهذه القاعدة التي أسسنا لها لا يُستثني منها أيّ نبي أو وصي، فلكلّ منهم(عليهم السلام) سيرته العطرة التي ينهل منها البشر للهداية والصلاح، إلّا أنّه يتفاوت الأمربين أفرادهم من حيث الشدّة والضعف، وهو أمر عائد إلي المهام التي أنيطت بهم(عليهم السلام)، كما أخبر عز وجل بذلك في قوله: «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَي بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ»((1))، فسيرة النبي الأكرم(صلي الله عليه و آله) ليست كبقية سير الأنبياء، كما أنّ سيرة الأئمة(عليهم السلام) ليست كبقية سير الأوصياء السابقين، كما أنّ التفاوت في سير الأئمة(عليهم السلام) فيما بينهم مما لا شك فيه، كما في تفضيل أصحاب الكساء علي بقية الأئمة(عليهم السلام).
والإمام الحسين(عليه السلام) تلك الشخصية القمّة في العلم والمعرفة والجهاد والتضحية والإيثار، أحد أصحاب الكساء الخمسة التي دلّت النصوص علي فضلهم ومنزلتهم علي سائر المخلوقات، الإمام الحسين(عليه السلام) الذي قدّم كلّ شيء من أجل بقاء النور الرباني، الذي يأبي الله أن ينطفئ، الإمام الحسين(عليه السلام) الذي بتضحيته تعلّمنا وعرفنا، فبقينا.
فمن سيرة هذه الشخصية العظيمة التي ملأت أركان الوجود تعلَّم الإنسان القيم المثلي التي بها حياته الكريمة، كالإباء والتحمّل والصبر في سبيل الوقوف بوجه الظلم، وغيرها من القيم المعرفية والعملية، التي كرَّس علماؤنا الأعلام جهودهم وأفنوا أعمارهم من أجل إيصالها إلي مجتمعات كانت ولا زالت بأمس الحاجة إلي هذه القيم، وتلك الجهود التي بُذلت من قبل الأعلام جديرة بالثناء والتقدير؛ إذ بذلوا ما بوسعهم وأفنوا أغلي أوقاتهم وزهرة أعمارهم لأجل هذا الهدف النبيل.
ص: 15
إلّا أنّ هذا لا يعني سدّ أبواب البحث والتنقيب في الكنوز المعرفية التي تركها(عليه السلام) للأجيال اللاحقة - فضلاً عن الجوانب المعرفية في حياة سائر المعصومين(عليهم السلام) - إذ بقي منها من الجوانب ما لم يُسلّط الضوء عليهبالمقدار المطلوب، وهي ليست بالقليل، بل لا نجانب الحقيقة فيما لو قلنا: بل هي أكثر مما تناولته أقلام علمائنا بكثير، فلا بدّ لها أن تُعرَف ليُعرَّف، بل لا بدّ من العمل علي البحث فيها ودراستها من زوايا متعددة، لتكون منهجاً للحياة، وهذا ما يزيد من مسؤولية المهتمين بالشأن الديني، ويحتّم عليهم تحمّل أعباء التصدّي لهذه المهمّة الجسيمة؛ استكمالاً للجهود المباركة التي قدّمها علماء الدين ومراجع الطائفة الحقّة.
ومن هذا المنطلق؛ بادرت الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدّسة لتخصيص سهم وافر من جهودها ومشاريعها الفكرية والعلمية حول شخصية الإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة؛ إذ إنّها المعنيّة بالدرجة الأولي والأساس بمسك هذا الملف التخصصي، فعمدت إلي زرع بذرة ضمن أروقتها القدسية، فكانت نتيجة هذه البذرة المباركة إنشاء مؤسّسة وارث الأنبياء للدراسات التخصّصية في النهضة الحسينية، التابعة للعتبة الحسينية المقدّسة، حيث أخذت علي عاتقها مهمّة تسليط الضوء - بالبحث والتحقيق العلميين - علي شخصية الإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة وسيرته العطرة، وكلماته الهادية، وفق خطة مبرمجة وآلية متقنة، تمّت دراستها وعرضها علي المختصين في هذا الشأن؛ ليتمّ اعتمادها والعمل عليها ضمن مجموعة من المشاريع العلمية التخصصية، فكان كلّ مشروع من تلك المشاريع متكفّلاً بجانب من الجوانب المهمّة في النهضة الحسينية المقدّسة.
كما ليس لنا أن ندّعي - ولم يدّعِ غيرنا من قبل - الإلمام والإحاطة بتمام جوانب شخصية الإمام العظيم ونهضته المباركة، إلّا أنّنا قد أخذنا علي أنفسنا بذل قصاري جهدنا، وتقديم ما بوسعنا من إمكانات في سبيل خدمة سيّد الشهداء(عليه السلام)، وإيصال أهدافه السامية إلي الأجيال اللاحقة.
ص: 16
بعد الدراسة المتواصلة التي قامت بها مؤسَّسة وارث الأنبياء حول المشاريع العلمية في المجال الحسيني، تمّ الوقوف علي مجموعة كبيرة من المشاريع التي لميُسلَّط الضوء عليها كما يُراد لها، وهي مشاريع كثيرة وكبيرة في نفس الوقت، ولكلٍّ منها أهميته القصوي، ووفقاً لجدول الأولويات المعتمد في المؤسَّسة تمّ اختيار المشاريع العلميّة الأكثر أهميّة، والتي يُعتبر العمل عليها إسهاماً في تحقيق نقلة نوعية للتراث والفكر الحسيني، وهذه المشاريع هي:
إنّ العمل في هذا القسم علي مستويين:
ويُعنَي هذا القسم بالكتابة في العناوين الحسينية التي لم يتمّ تناولها بالبحث والتنقيب، أو التي لم تُعطَ حقّها من ذلك. كما يتمُّ استقبال النتاجات القيِّمة التي أُلِّفت من قبل العلماء والباحثين في هذا القسم؛ ليتمَّ إخضاعها للتحكيم العلمي، وبعد إبداء الملاحظات العلمية وإجراء التعديلات اللازمة بالتوافق مع مؤلِّفيها يتمّ طباعتها ونشرها.
والعمل فيه قائم علي جمع وتحقيق وتنظيم التراث المكتوب عن مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، ويشمل جميع الكتب في هذا المجال، سواء التي كانت بكتابٍ مستقلٍّ أو ضمن كتاب، تحت عنوان: (موسوعة المقاتل الحسينيّة). وكذا العمل جارٍ في هذا القسم علي رصد المخطوطات الحسينية التي لم تُطبع إلي الآن؛ ليتمَّ جمعها وتحقيقها، ثمّ طباعتها ونشرها. كما ويتمُّ استقبال الكتب التي تمّ تحقيقها خارج المؤسَّسة، لغرض طباعتها ونشرها، وذلك بعد إخضاعها للتقييم العلمي من قبل اللجنة
ص: 17
العلمية في المؤسَّسة، وبعد إدخال التعديلات اللازمة عليها وتأييد صلاحيتها للنشر تقوم المؤسَّسة بطباعتها.
وهي مجلّة فصلية متخصّصة في النهضة الحسينية، تهتمّ بنشر معالم وآفاق الفكر الحسيني، وتسلِّط الضوء علي تاريخ النهضة الحسينية وتراثها، وكذلك إبراز الجوانب الإنسانية، والاجتماعية والفقهية والأدبية في تلك النهضة المباركة، وقد قطعت شوطاً كبيراً في مجالها، واحتلّت الصدارة بين المجلات العلمية الرصينة في مجالها، وأسهمت في إثراء واقعنا الفكري بالبحوث العلمية الرصينة.
إنّ العمل في هذا القسم قائم علي جمع الشُّبُهات المثارة حول الإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة، وذلك من خلال تتبع مظانّ تلك الشُّبُهات من كتب قديمة أو حديثة، ومقالات وبحوث وندوات وبرامج تلفزيونية وما إلي ذلك، ثُمَّ يتمُّ فرزها وتبويبها وعنونتها ضمن جدول موضوعي، ثمّ يتمُّ الردُّ عليها بأُسلوب علميّ تحقيقي في عدَّة مستويات.
وهي موسوعة علمية تخصصية مستخرَجة من كلمات الإمام الحسين(عليه السلام) في مختلف العلوم وفروع المعرفة، ويكون ذلك من خلال جمع كلمات الإمام الحسين(عليه السلام) من المصادر المعتبرة، ثمّ تبويبها حسب التخصّصات العلمية مع بيان لتلك الكلمات، ثمّ وضعها بين يدي ذوي الاختصاص؛ ليستخرجوا نظريات علميّة ممازجة بين كلمات الإمام(عليه السلام) والواقع العلمي.
وهي موسوعة تشتمل علي كلّ ما يرتبط بالإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة من
ص: 18
أحداث، ووقائع، ومفاهيم، ورؤي، وأعلام وبلدان وأماكن، وكتب، وغير ذلك، مرتّبة حسب حروف الألف باء، كما هو معمول به في دوائر المعارفوالموسوعات، وعلي شكل مقالات علميّة رصينة، تُراعَي فيها كلّ شروط المقالة العلميّة، مكتوبة بلغةٍ عصرية وأُسلوبٍ حديث.
إنّ العمل في هذا القسم يتمحور حول أمرين: الأوّل: إحصاء الرسائل والأطاريح الجامعية التي كُتبتْ حول النهضة الحسينية، ومتابعتها من قبل لجنة علمية متخصّصة؛ لرفع النواقص العلمية، وتهيئتها للطباعة والنشر، الثاني: إعداد موضوعات حسينيّة من قبل اللجنة العلمية في هذا القسم، تصلح لكتابة رسائل وأطاريح جامعية، تكون بمتناول طلّاب الدراسات العليا.
يقوم هذا القسم بمتابعة التراث المكتوب حول الإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة باللغات غير العربية لنقله إلي العربية، ويكون ذلك من خلال تأييد صلاحيته للترجمة، ثمَّ ترجمته أو الإشراف علي ترجمته إذا كانت الترجمة خارج القسم.
يتمُّ في هذا القسم رصد جميع القضايا الحسينيّة المطروحة في جميع الوسائل المتّبعة في نشر العلم والثقافة، كالفضائيات، والمواقع الإلكترونية، والكتب، والمجلات والنشريات، وغيرها؛ ممّا يعطي رؤية واضحة حول أهمّ الأُمور المرتبطة بالقضية الحسينية بمختلف أبعادها، وهذا بدوره يكون مؤثّراً جدّاً في رسم السياسات العامّة للمؤسّسة، ورفد بقيّة الأقسام فيها، وكذا بقية المؤسّسات والمراكز العلمية في شتّي المجالات.
ص: 19
ويتمّ العمل في هذا القسم علي إقامة مؤتمرات وملتقيات وندوات علميّة فكريةمتخصّصة في النهضة الحسينية، لغرض الإفادة من الأقلام الرائدة والإمكانات الواعدة، ليتمّ طرحها في جوٍّ علميّ بمحضر الأساتذة والباحثين والمحقّقين من ذوي الاختصاص، كما تتمّ دعوة العلماء والمفكِّرين؛ لطرح أفكارهم ورؤاهم القيِّمة علي الكوادر العلمية في المؤسَّسة، وكذا سائر الباحثين والمحققين وكلّ من لديه اهتمام بالشأن الحسيني، للاستفادة من طرق قراءتهم للنصوص الحسينية وفق الأدوات الاستنباطية المعتمَدة لديهم.
وهي مكتبة حسينية تخصّصية تجمع التراث الحسيني المخطوط والمطبوع، أنشأتها مؤسَّسة وارث الأنبياء، وهي تجمع آلاف الكتب المهمّة في مجال تخصُّصها.
وهو موقع إلكتروني متخصِّص بنشر نتاجات وفعاليات مؤسَّسة وارث الأنبياء، يقوم بنشر وعرض كتبها ومجلاتها التي تصدرها، وكذا الندوات والمؤتمرات التي تقيمها، وكذا يسلِّط الضوء علي أخبار المؤسَّسة، ومجمل فعالياتها العلمية والإعلامية.
يعمل هذا القسم من خلال كادر علمي متخصص وبأقلام علمية نسوية في الجانب الديني والأكاديمي علي تفعيل دور المرأة المسلمة في الفكر الحسيني، كما يقوم بتأهيل الباحثات والكاتبات ضمن ورشات عمل تدريبية، وفق الأساليب المعاصرة في التأليف والكتابة.
ص: 20
إنّ العمل في هذا القسم قائم علي طباعة وإخراج النتاجات الحسينية التي تصدر عن المؤسَّسة، من خلال برامج إلكترونية متطوِّرة يُشرف عليها كادر فنيّ متخصِّص، يعمل علي تصميم الأغلفة وواجهات الصفحات الإلكترونية، وبرمجة الإعلانات المرئية والمسموعة وغيرهما، وسائر الأمور الفنيّة الأخري التي تحتاجها كافّة الأقسام.
وهناك مشاريع أُخري سيتمّ العمل عليها إن شاء الله تعالي.
يتكفّل قسم الرسائل الجامعية بمهمّة نشر الفكر الحسيني المبارك، من خلال تفعيل الدراسات والأبحاث العلمية الحسينية في الأوساط الجامعية والأكاديمية بمستوياتها الثلاثة: البكالوريوس، والماجستير، والدكتوراه، مضافاً إلي الرُقي بالمستوي العلمي والتحقيقي للكفاءات الواعدة المهتمّة بالنهضة الحسينية في جميع مجالاتها. وقد تصدّي لهذه المسؤولية نخبة من الأساتذة المحقِّقين في المجال الحوزوي والأكاديمي.
الغاية من وراء إنشاء هذا القسم جملة من الأهداف المهمّة، منها:
1- إخضاع الدراسات والأبحاث الحسينية لمناهج البحث المعتمَدَة لدي المعاهد والجامعات.
2- إبراز الجوانب المهمّة وفتح آفاق جديدة أمام الدراسات والأبحاث المتعلّقة بالنهضة الحسينية، من خلال اختيار عناوين ومواضيع حيوية مواكبة للواقع المعاصر.
ص: 21
3- الارتقاء بالمستوي العلمي للكوادر الجامعية، والعمل علي تربية جيل يُعنَيبالبحث والتحقيق في مجال النهضة الحسينية الخالدة.
4- إضفاء صبغة علمية منهجية متميزة علي صعيد الدراسات الأكاديمية، المرتبطة بالإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة.
5- تشجيع الطاقات الواعدة في المعاهد والجامعات؛ للولوج في الأبحاث والدراسات العلمية في مختلف مجالات البحث المرتبطة بالنهضة الحسينية، ومن ثَمّ الاستعانة بأكفّائها في نشر ثقافة النهضة، وإقامة دعائم المشاريع المستقبلية للقسم.
6- معرفة مدي انتشار الفكر الحسيني في الوسط الجامعي؛ لغرض تشخيص آلية التعاطي معه علمياً.
7 - نشر الفكر الحسيني في الأوساط الجامعية والأكاديمية.
8 - تشخيص الأبعاد التي لم تتناولها الدراسات الأكاديمية فيما يتعلّق بالنهضة الحسينية، ومحاولة العمل علي إبرازها في الدراسات الجديدة المقترحة.
9- التعريف بالرسائل الجامعية المرتبطة بالإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة؛ والتي تمّت كتابتها ومناقشتها في الجامعات.
إنّ طبيعة العمل في قسم الرسائل الجامعية تكون علي مستويات ثلاثة:
المستوي الأوّل: العناوين والمواضيع الحسينية
يسير العمل فيه طبقاً للخطوات التالية:
1- إعداد العناوين والموضوعات التخصّصية، التي تُعنَي بالفكر الحسيني طبقاً للمعايير والضوابط العلمية، مع الأخذ بنظر الاعتبار جانب الإبداع والأهمية لتلك العناوين.
2- وضع الخطّة الإجمالية لتلك العناوين والتي تشتمل علي البحوث التمهيدية
ص: 22
والفصول ومباحثها الفرعية، مع مقدّمة موجَزَة عن طبيعة البحث وأهميته والغاية منه.
3- تزويد الجامعات المتعاقد معها بتلك العناوين المقترَحَة مع فصولها ومباحثها.
المستوي الثاني: الرسائل قيد التدوين
يسير العمل فيه علي النحو التالي:
1- مساعدة الباحث في كتابة رسالته من خلال إبداء الرأي والنصيحة.
2- استعداد القسم للإشراف علي الرسائل والأطروحات فيما لو رغب الطالب أو الجامعة في ذلك.
3- إنشاء مكتبة متخصِّصة بالرسائل الجامعية؛ لمساعدة الباحثين علي إنجاز دراساتهم ورسائلهم، فضلاً عن إتاحة الفرصة أمامهم للاستفادة من مكتبة المؤسَّسة المتخصّصة بالنهضة الحسينية.
المستوي الثالث: الرسائل المناقشة
يتمّ التعامل مع الرسائل التي تمّت مناقشتها علي النحو التالي:
1- وضع الضوابط العلمية التي ينبغي أن تخضع لها الرسائل الجامعية، تمهيداً لطبعها ونشرها وفقاً لقواعد ومقرَّرات المؤسَّسة.
2- رصد وإحصاء الرسائل الأكاديمية التي تمّ تدوينها حول النهضة الحسينية المباركة.
3- استحصال متون ونصوص تلك الرسائل من الجامعات المتعاقَد معها، والاحتفاظ بها في مكتبة المؤسَّسة.
4- قيام اللجنة العلمية في القسم بتقييم الرسائل المذكورة، والبتِّ في مدي صلاحيتها للطباعة والنشر من خلال جلسات علمية يحضرها أعضاء اللجنة المذكورة.
ص: 23
5- تحصيل موافقة صاحب الرسالة لإجراء التعديلات اللازمة، سواء أكان ذلك من قبل الطالب نفسه أم من قِبل اللجنة العلمية في القسم.
6- إجراء الترتيبات القانونية اللازمة لتحصيل الموافقة من الجامعة المعنِيَّة وصاحب الرسالة علي طباعة ونشر رسالته التي تمّت الموافقة عليها بعد إجراء التعديلات اللازمة.
7- فسح المجال أمام الباحث؛ لنشر مقال عن رسالته في مجلة (الإصلاح الحسيني) الفصلية المتخصِّصة في النهضة الحسينية التي تصدرها المؤسَّسة.
8 - العمل علي تلخيص الرسائل الجامعية، ورفد الموقع الإلكتروني التابع للمؤسَّسة بها، ومن ثَمَّ طباعتها تحت عنوان: دليل الرسائل الجامعية المرتبطة بالإمام الحسين(عليه السلام) ونهضته المباركة.
هذه الرسالة
إنّ حادثة كربلاء وما جري في واقعة الطف كان له التأثير البالغ علي مجريات التاريخ منذ ذلك اليوم وإلي زماننا المعاصر، وذلك لما لهذه الواقعة من عظمة اكتسبتها من قائدها العظيم ومبادئها وقيمها الأصيلة، فلولاها لما انحفظ الدين ولحرّفت آخر رسالة سماوية لهداية البشر، قال رسول الله(صلي الله عليه و آله): «حسين منّي وأنا من حسين».
من أجل ذلك فإنّ نقل تلك الواقعة بجزئياتها وأحداثها وكلماتها أمر في غاية الأهمية، فمن خلاله تنشر مبادئ وقيم تلك النهضة الإلهية، لذلك دوّنت كتب عديدة في هذا المجال اصطلح عليها بكتب المقتل، أو المقتل الحسيني، وهي عديدة ومتنوّعة، وقد كتبت في أزمان متفاوتة، متقاربة ومتباعدة، تتحد في نقل معيّن وتختلف في آخر، بعضها واسع وبعضها مختصر، بعضها يشير إلي الجزئيات وبعضها في الكليات، وبعضها متخصص في نقل المقتل وبعضها أوسع من ذلك.
ص: 24
وبعضها بل أكثرها كتبت بيد الطرف المخالف، وغيرها من الخصوصيات الكثيرة التي يشترك فيها بعض المقاتل ويختلف عنها البعض الآخر.ومن المؤسف جدّاً أنّ بعضها أتلفته يد الزمان أو يد الخيانة وبعضها وصل إلينا.
هذه المقاتل جميعاً يشترك بعضها في كيفيّة معيّنة للكتابة ويختلف بعضها الآخر، ومن تلك الكيفيّات المهمّة هو الكتابة التاريخية لكتب المقتل الحسيني، والذي بحثته هذه الرسالة من القرن الأوّل وحتّي القرن السابع الهجري بدراسة نقدية تحليلية.
نسأل الله تعالي للمؤلِّف دوام السَّداد والتوفيق لخدمة القضية الحسينية، ونسأل الله تعالي أن يبارك لنا في أعمالنا إنَّه سميع مجيب.
اللجنة العلمية في
مؤسسة وارث الأنبياء
للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية
ص: 25
ص: 26
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام علي أشرف الخلائق محمد وآله الطاهرين.
لا شكّ أنّ التعرّف علي تجليات النهضة الحسينية هو تعرّف علي السنن التاريخية والسنن الإلهية التي تتعلّق برسالة السماء، وسيرة المعصومين(عليهم السلام)، فنهضة الإمام الحسين(عليه السلام) هي أهمّ محطات الإصلاح التي تركت بصماتها خالدة علي جبين التاريخ، غير متأثّرة بعامل الزمان والمكان؛ ما جعل عطاءها دائماً ومستمرّاً.
لقد عاين الإمام الحسين(عليه السلام) من خلال نهضته في وجه الظلم سرّ الخلود الأبدي وفتح بدمائه ودماء أنصاره أبواب الملكوت، حتي تجلّي علي رمضاء كربلاء الكمال الإنساني بأعظم بهائه وجماله.
إنّ النهضة الحسينية تتعالي عن كلِّ نظرة تعبوية ومذهبية؛ إنَّما هي مجمع المبادئ الإنسانية ومنتهي كمالات البشرية، لهذا تجد الكلَّ يفتخر بالانتماء إليها لا فرق في ذلك بين المسلم وغيره، وهذا شاهد وجداني صريح علي أنَّها تراث عالمي وقيمة حضارية عليا، وأمانة إنسانية.
من هنا تعيَّن علي الذين وعوا حكمة تلك النهضة الحسينية، وعقدوا العزم علي أن يعيشوا نهج سيد الشهداء(عليه السلام) الحفاظ علي رايته الإنسانية والمعرفية، فانقدحت ذهنا، وانعقدت عزما وعملا فكرة هذا المشروع المبارك الذي أخذ أصحابه علي عاتقهم مهمة تفعيل الفكر الحسيني بجميع أبعاده العقدية والتاريخيةوالفقهية
ص: 27
والأخلاقية و... في الوسط الجامعي بمستوياته الثلاث: البكالوريوس والماجستير والدكتوراه. حيث لا شكَّ أنَّ الرسائل الجامعية الحسينية من شأنها أن تلعب دوراً ريادياً في نشر الوعي الحسيني، و تنشئة جيل من الأقلام الواعية ترفد فكر النهضة الحسينية علميا، خصوصا أنَّ الوسط الجامعي هو محلٌّ لتجاذب الأفكار، وتلاقح الثقافات المختلفة، وبتفعيل تلك الأبحاث الحسينية في دائرة البحث المنهجي الأكاديمي نكون قد خطونا خطوة واعية علي طريق الإرتقاء بالفكر الحسيني الأصيل.
وانطلاقا من هذه الرؤية الواعية والواقعية سطَّر قسم الرسائل الجامعية في مؤسسة وارث الأنبياء(عليهم السلام) خطَّة المشروع بدءا من رصد عناوين الرسائل الجامعية المتعلِّقة بالنهضة الحسينية وتجميعها، ثمّ إخضاعها للمعايير والضوابط التي يتبناها القسم المذكور؛ حيث يتسنَّي من خلال تلك القوانين التي تعتبر أسسا معرفية ومعيارية يوظّفها المقيّم في تعاطيه مع مكوِّنات الرسالة لغة وصيانة وتقريراً بأن يتعيَّن كلُّ مكوَّن بنظم مناسب، فضلا عن تعيُّن مجموع الرسالة بنظم عام كلي، وصولا إلي المرحلة التي يتمُّ فيها إدخال التعديلات اللازمة بالتنسيق المباشر مع صاحب الرسالة؛ لأنَّ المؤسسة لا تريد أن تكون بديلا عن الباحث، وبانتهاء هذه المرحلة تكون الرسالة جاهزة للطبع والنشر.
وممّا جادت به أقلام الباحثين الجامعيين هذه الرسالة الجامعية الموسومة ب-(منهج الكتابة التاريخية لكتب المقتل الحسيني) التي وقع عليها الإختيار من جانب قسم الرسائل الجامعية. حيث تناولت موضوعاً مهماً من مواضيع النهضة الحسينية يرتبط بمصادر المقتل الحسيني، وما دوّنه المؤرِّخون عن الأحداث التي حصلت في كربلاء وما بعدها مما جري علي السبايا حتي عودتهنَّ إلي المدينة المنورة، واختار من تلك المصادر ما دوّن منها من القرن الأول إلي أواخر القرن السابع،أي اختار أهمَّ المصادر
ص: 28
وأكثرها اعتباراً؛ نظرا لقربها الزماني من تلك الأحداث، وما لهذا القرب من دور أساسي في اعتبار المصادر التاريخية، وقد بدأ بحثه في تلك المصادر بتوثيقها والتعريف بها، ولم يكتفِ بالمصادر المتداولة والموجودة منها، بل شمل ذلك التوثيق والتعريف حتي المصادر المفقودة، وهذه من حسنات الرسالة، ثم تناول المادَّة التاريخية التي تضمنتها تلك المصادر بالتحليل والنقد التاريخي المقارن، وقد استوعب ذلك أغلب بحوث الرسالة واظهر في ذلك جهدا علمياً لافتاً، وكانت له محاولة جادَّة في إثبات عدم صحة بعض كتب المقاتل المتداولة، وهو عمل علمي له أهميته البالغة، بالإضافة إلي بحوث علمية أخري ضمَّتها الرسالة لا تقلُّ أهمية عن سابقاتها، حتي إذا اكتملت سلسلة المقاربات العلمية للرسالة خلصت إلي نتائج علمية لافتة عكست قدرة كاتبها علي البحث والتحقيق وأهلية رسالته للنشر والمطالعة.
وبما أنَّ أيَّ عطاء علمي لا يخلو من نقد - ولولا النقد البنّاء لما ارتقت المسيرة العلمية للبشرية - فقد رأت إدارة قسم الرسائل الجامعية في مؤسسة وارث الأنبياء أنَّ وسم الرسالة المذكورة ب-(الكتابة التاريخية لكتب المقتل الحسيني حتي أواخر القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي (دراسة نقدية تحليلية)) هو أقرب لما تضمنته الرسالة من فصول ومباحث حيث لم يتعاطَ الباحث مع محورية مفردة (المنهج) في عنوانه المختار إنمّا كان جلُّ سعيه هو النقد والتحليل لكتب المقتل؛ فكان حريَّاً أن تتوافق اللجنة العلمية في وارث الأنبياء علي ذلك مع الكاتب؛ لكي تحصل الموافقة والمواءمة بين العنوان ومضامين الرسالة.
قسم الرسائل الجامعية
في
مؤسسة وارث الأنبياء
ص: 29
ص: 30
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الهادي المعين الذي به أستهدي وبه أستعين، والصلاة والسلام علي خير الخلق أجمعين، إمام المرسلين وخاتَم النبيِّين سيدنا محمد وعلي آله الطيِّبين الطاهرين، وبعدُ:
يُعدُّ موضوع «منهج الكتابة التاريخية لكتب المقتل الحسيني حتي أواخر القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي» من الموضوعات المهمَّة من الناحيتين التاريخية والعقائدية علي حدّ سواء، التي تستحقُّ الدراسة والتحقيق والتحليل، لسبب وآخر حتي أنَّها ارتبطت ارتباطاً وثيقاً ومؤثِّراً بدفع عجلة النشاط الديني والثقافي والسياسي عند المسلمين عامة، وأتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) خاصَّة.
أُحيط هذا الموضوع (المقتل) وعلي مرِّ العصور التاريخية ببعض الشكوك والغموض والملابسات من قبل بعض المؤرخين، خصوصاً وإنَّ لهؤلاء توجُّهاتٍ وميولاً مذهبيةً وسياسية مختلفة فمن المؤكَّد أنَّها تؤثّر في كتاباتهم التاريخية عن المقتل، وتحرفها عن مساره الحقيقي، والمصادر التاريخية ملآي بالأخبار والروايات التي تتحدَّث بشأن ﻫذا الموضوع إثباتاً وتشكيكاَ، ومن منطلقات عقائدية ومذهبية وحتي سياسية وعاطفية، أثرّت علي مادة المقتل التاريخية وحرفتها عن حقيقتها، فضلاً عن الإضافات التي وضعها بعض المؤرخين؛ لأسباب مختلفة والتي أثَّرتعلي حقيقة الرواية التاريخية عن المقتل وشوَّهتها.
ص: 31
وفضلاً عن ذلك فإنَّ الموضوع بحث في تعريف مناهج المؤرخين، الذين صنَّفوا مؤلفاتهم لعرض المقتل الحسيني وتفاصيله، سواء في مصنفات متخصصة عن المقتل، أو ضمن مصنفاتهم التاريخية، وتدقيق تلك الروايات التي أوردوها وتعريضها للنقد التاريخي، ولم تغفل الدراسة عن مناقشة الروايات الضعيفة أو المشكوك بصحتها علي وفق الأسس المنهجية التاريخية والدليل العقلي، ولهذه المبرِّرات والأسباب جاء اختيار موضوع الأطروحة، عسي أن نضيف من خلالها جهداً متواضعاً إلي جهود من سبقونا في مثل هذه الدراسة؛ لإغناء المكتبة التاريخية.
ومما لا شكَّ فيه أنَّ موضوع الدراسة يشكِّل أهمية كبيرة؛ لما تركه استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) وواقعة الطفِّ من أثر في قلوب المسلمين حتي الوقت الحاضر، وأنَّ أكثر ما أستأثر باهتمام الناس في ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) هو جانب الرواية التاريخية فيها؛ لما أشتمل عليها من مظاهر البطولة والتضحية والسموِّ الإنساني لدي الثائرين وقائدهم العظيم، المتمثِّل بالتضحية بكلِّ عزيز علي النفس من الولد والمال والأمن في سبيل المبدأ، وتحقيق العدالة بكل مظاهرها.
من جهة أخري اشتمل هذا الجانب علي مظاهر الإنحطاط الإنساني لدي التيار الأموي، الذي تفنَّن في تنفيذ جريمته الوحشية باستئصال الثائرين، وعلي رأسهم الإمام الحسين(عليه السلام) بصورة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً علي مرِّ العصور.
حدَّدت الأطروحة المدَّة الزمنية التي تدرسها، وهي من القرن الأول حتي أواخر القرن السابع الهجري، وذلك لجملة من المبِّررات والأسباب، منها:إنَّ كلَّ دراسة أكاديمية متخصصة لابَّد وأن تُحدَّد بمدة زمنية وتاريخية معينة، فضلاً عن ذلك أنَّ كتب المقتل التي صُنِّفت بعد هذه المدة ابتعدت كثيراً عن المنهج التاريخي وبشكل كبير جداً، واحتوت متونها علي المرويات الضعيفة التي لا سند تاريخيلها، والتي عرضت حادثة المقتل بشكل قصصي خيالي من قبيل: روضة الشهداء، لحسين
ص: 32
الكاشفي (ت910ﻫ/أ1504م)، وكتاب المنتخب في جمع المراثي والخطب، لفخر الدين الطريحي (ت 1085ﻫ/1674م) الذي وصفه أحد الباحثين قائلاً: «بأنَّه ألَّفه بهدف إبكاء المؤمنين وحثِّهم علي إقامة العزاء، وقد ألَّفه في صورة موسوعة، وليس تأليفاً تاريخياً علمياً عن حياة الإمام الحسين(عليه السلام) أو ثورته؛ فقد جاءت معظم موضوعات الكتاب دون ذكر المصدر، وذكرت أحاديثه بشكل مُرسَل، وامتزج فيه الغثُّ بالسمين...»((1)) هذا فيما يخصُّ بعض مؤلفات كتب المقتل الحسيني المتخصِّصة.
أمّا المصنَّفات التاريخية، فإنَ أغلبها قد اعتمد في إيراد أخبار المقتل علي المؤلَّفات التي سبقته من الناحية الزمنية ونقلته بنصِّه، دون أن تطرحه بشكل جديد، أو أن تضيف لها تعليلاً أو تحليلاً، أو أن تتناوله بالنقد والتحقيق.
ركَّزت الأطروحة بشكل مستفيض علي المؤلَّفات المشرقية دون المؤلَّفات الأندلسية إلا بشكل محدود؛ وذلك لوجود دراسة أكاديمية متخصِّصة تناولت المؤلَّفات الأندلسية تحت عنوان «ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) في المصنَّفات الأندلسية (422ﻫ/897ﻫ) دراسة تاريخية»((2)).
أمّا المصادر والدراسات الأكاديمية، والبحوث والمؤلَّفات الحديثة التي اعتمدت عليها الأطروحة والتي كان لها أثرٌ في إغنائها بالمعلومات القيِّمة، فهي عديدة ومثبتة في قائمة المصادر والمراجع، ولعلَّ في مقدِّمتها كتب المقتل الحسينيالسبعة محور الأطروحة، وهي مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، لأبي مخنف (ت157ﻫ/759م)، وقد اشملت الدراسة فيه علي محورين الأول خُصِّص لدراسة المقتل المنسوب إليه والذي أثبتت الأطروحة ذلك وفق الأدلَّة والقرائن التاريخية والعلمية، بينما كُرِّس
ص: 33
المحور الثاني لبيان منهج أبي مخنف في مروياته في تاريخ الطبري والمصنَّفات الأخري، وتسمية مَن قُتل مع الإمام الحسين(عليه السلام)، للفضيل بن الزبير الرسَّان (المتوفي في القرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي) والذي أورد فيه المؤلف بعض الروايات التي انفرد بها عن المصادر الأخري.
أمَّا كتاب نور العين في مشهد الحسين(عليه السلام) المنسوب للأسفراييني (ت417ﻫ/ 1026م)، فقد أثبتت الدراسة أنّ هذا المقتل لم يكن للأسفراييني، وإنما نسب إليه بعد تحليل مروياته ونقدها والتحقق منها، ومقتل الإمام الحسين(عليه السلام) للخوارزمي (ت568 ﻫ/1172م)، إذ قدَّم معلومات مهمة وقيِّمة أفادت جميع فصول الأطروحة، وتميَّز هذا المقتل بسعته عن بقية كتب المقتل؛ إذ يقع في جزأين، فضلاً عن تضمينه العديد من الروايات ذات الطابع السياسي والعسكري، يضاف إلي ذلك ذكره للعديد من الروايات في الحادثة الواحدة، ودُرَر السِّمط في خبر السِّبط لابن الأبار (ت658ﻫ/1260م)، الذي أورد المقتل بأسلوب أدبي نثري معتمداً علي الرواية التقليدية للمقتل التي أوردتها أغلب المصادر، واللهوف في قتلي الطفوف، لابن طاووس (ت664ﻫ/1266م)، الذي وردت فيه العديد من الروايات المهمة عن حادثة استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام)، وقد اتبع ابن طاووس منهجاً متميزاً في عرض مادته التاريخية، فضلاً عن انفراده ببعض الروايات، ومثير الأحزان لابن نَما الحلي (ت685ﻫ/1287م).
كما شكَّلت بعض المصادر أهمية كبري لا تغني عنها سابقاتها، منها:
1- كتب التاريخ العام: يأتي في مقدِّمتها كتاب (الإمامة والسياسة) المنسوبلابن قتيبة الدينوري (ت276ﻫ/879م)، وقد فصّل فيه خبر أحداث طلب البيعة ليزيد في زمن معاوية بن أبي سفيان أكثر من غيره من المؤرخين الذين جاؤوا بعده، فضلاً عن إيراده بعض الروايات المنفردة والمضطربة الخاصة بالمقتل، والأخبار
ص: 34
الطوال للدينوري (ت282ﻫ/895م) والذي انفرد في بعض الروايات عن الرواية التقليدية للمقتل، وتاريخ الرسل والملوك، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، (ت310ﻫ/922م)، ويُعدُّ المصدر الأساس في رفد الأطروحة بالمعلومات التاريخية المهمة، خاصة وأنَّهُ حفظ لنا بعض روايات وأخبار كتب المقتل المفقودة؛ مثل مرويات أبي مخنف، وهشام بن محمد الكلبي، والمدائني وغيرها، وهذا الكتاب اعتمد عليه كلُّ من كتب عن المقتل وجعله المصدر الأساس؛ لأنَّه أورد الأحداث بدقَّة وفصَّلها، وذكر أبرز سماتها ومعالمها الأساسية، وكتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر لأبي الحسن علي بن الحسين المسعودي (ت346ﻫ/974م) الذي ذكر بعض الروايات المشكوك بصحتها والتي تستحقُّ الوقوف والمناقشة، من قبيل إشارته إلي أنَّ الذين حضروا لحرب الإمام الحسين(عليه السلام) لم يكن فيهم شامي ولا حجازي ولا مصري بل جميعهم من أهل الكوفة، وهذا مخالف للحقائق ولأغلب النصوص التاريخية.
2- كتب الفتوح: لعلّ كتاب الفتوح، لأحمد بن أعثم الكوفي، (المتوفي في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي)، هو المصدر الوحيد من بين تلك الكتب؛ إذ فصّل في المقتل وحيثياته علي الرغم من انعدام السند في رواياته، وقد اعتمد الباحث عليه في الموضوعات التي أغفلها الطبري، وابن الأثير، وابن كثير، وقد عقدنا مقارنة علمية بين ابن اعثم والطبري في عرضهما لمادة المقتل، وطبيعة الروايات التي أورداها.
3- استفادت الدراسة أيضاً من بعض كتب الأنساب: مثل نسب معد واليمن الكبير، وجمهرة النسب لابن الكلبي (ت204ﻫ/819م)، وأنساب الأشراف للبلاذري (ت 279ﻫ/892م) الذي كانت أغلب مادته عن المقتل موافقة للرواية التقليدية، كما احتفظ لنا ببعض مرويات أبي مخنف والمدائني، وجمهرة أنساب العرب
ص: 35
لابن حزم الأندلسي (ت456ﻫ/1064م)، والأنساب للسمعاني (ت562ﻫ/ 1167م)، واللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير، (630ﻫ/1232م)، ونهاية الإرب في معرفة أنساب العرب للقلقشندي (821ﻫ/1423م)، ولب اللباب في تحرير الأنساب للسيوطي (ت911ﻫ/1513م).
4- كتب التراجم: كان لها دورٌ مهمٌ في إنجاز الأطروحة منها: الطبقات لابن سعد (ت230ﻫ/844م)، وطبقات ابن خياط (ت240ﻫ/842م)، واختيار معرفة الرجال، لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، (ت460ﻫ/1062)، ويعتبر المصدر الأساس الذي اعتمدت عليه الأطروحة خصوصاً في الكشف عن أسماء مؤلِّفي كتب المقتل المفقودة، والإستيعاب لابن عبد البر (ت463ﻫ/1065م)، وأسد الغابة لابن الأثير (ت630ﻫ/1232م)، ورجال ابن داود (ت707ﻫ/1309م)، وخلاصة الأقوال للعلَّامة الحلي (ت726ﻫ)، وتهذيب الكمال للمزي (ت742ﻫ/1344م)، وسير أعلام النبلاء، وتذكرة الحفاظ، وميزان الإعتدال للذهبي (ت748ﻫ/1350م)، والإصابة، وتقريب التهذيب، وتهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني (ت852ﻫ/1454م).
5- وكان لكتب البلدانيات: دورٌ أساسيٌّ في معرفة الأماكن من المدن والقري والمنازل وغيرها؛ ككتاب مختصر كتاب البلدان لأبي بكر أحمد بن محمد الهمداني (ت نحو 365ﻫ/975م)، ومعجم البلدان لياقوت الحموي (ت626ﻫ/1228م).
6- أمّا كتب اللغة: فكان لها الأثر البالغ في تعريف بعض المعاني والمفرداتالتي تحتاج الي توضيح من قبيل بيان مفردة المقتل، وبعض النقاط المهمة، ومنها كتاب العين للفراهيدي (ت175ﻫ)، والصحاح للجوهري (ت373ﻫ/975م)، ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس (ت395ﻫ/997م)، ولسان العرب لابن منظور (ت711ﻫ/1313م)، وتاج العروس للزبيدي (ت1205ﻫ/1807م).
ص: 36
وفرضت طبيعة موضوع الدراسة تقسيمها علي خمسة فصول، سُبقت بمقدِّمة، وانتهينا بخاتمة لأهمِّ النتائج التي توصَّلت إليها الأطروحة، تناول الفصل الأول أخبار المقتل الحسيني في المصنفات التاريخية من القرن الأول حتي القرن السابع الهجريين، وتمَّ عرض مادته في مبحثين الأول تناول أخبار المقتل في كتب التاريخ العام والأنساب، والثاني في كتب الفتوح والطبقات والتراجم، بينما خُصِّص الفصل الثاني إلي كتب المقتل المفقودة، وقُسِّم إلي مبحثين أساسيين، تضمَّن الأول بيان كتب المقتل الحسيني المفقودة خلال القرون الثلاثة الأولي الهجرية، في حين اشتمل الثاني علي كتب المقتل المفقودة خلال القرون الرابع والخامس والسادس والسابع الهجرية.
أمّا الفصل الثالث فقد تضمَّن موارد كتب المقتل، وقُسِّم علي مبحثين الأول خُصِّص لموارد كتب المقتل خلال القرنين الثاني والخامس الهجريين، والثاني تعرَّض لموارد كتب المقتل خلال القرنين السادس والسابع الهجريين.
علي حين اقتصر الفصل الرابع علي دراسة وتحليل المتون الروائية لكتب المقتل الحسيني، وعلي وفق خطة الدراسة قُسِّم أيضاً إلي مبحثين الأول كُرِّس لدراسة المتون الروائية لكتب المقتل خلال القرن الثاني الهجري، بينما خُصِّص المبحث الثاني لدراسة المتون الروائية لكتب المقتل خلال القرن الخامس الهجري.
أمّا الفصل الخامس فقد قُسِّم إلي مبحثين تناولا دراسة وتحليل المتون الروائية لكتب المقتل خلال القرنين السادس والسابع الهجريين.
الباحث
ص: 37
ص: 38
المبحث الأول: أخبار المقتل الحسيني في كتب التاريخ العام والأنساب
المبحث الثاني: أخبار المقتل الحسيني في كتب الفتوح والطبقات والتراجم
ص: 39
ص: 40
وردت مفردة (مقتل) في المعاجم اللغوية بشكل واسع وبمعان مختلفة، فمادة مقتل علي وزن مفعل، وهو اسم مكان من مادة (قتل) بمعني مكان القتل، (والقتل) جمع قتول كصبور لكثرة القتل، من أبنية المبالغة((1)).
أمّا إذا قلنا هذا (مقتل) فلان فهو إشارة إلي الموضع الذي ضُرب فيه ضرباً شديداً، أو مرقد فلان لقبره((2))، كما أشار الزبيدي((3)) إلا أنَّ مقاتل الإنسان هي المواضع التي إذا اصيبت منه قتلته واحداها مقتل، علي حين حدَّد الفيروزآبادي((4)) مادة (مقتل) بأنَّها تُطلق علي كلِّ قوم قُتلوا في بقعة واحدة.
وتعني كتب المقتل في الإصطلاح: بأنَّها الكتب الّتي تروي أحداث واقعة استشهاد، أو قتل إحدي الشخصيات المهمة والمعروفة، خاصةً واقعة كربلاء، وتُطلَق أحياناً علي مجالس العزاء أيضاً، هذا ويُعَدُّ رواة واقعة كربلاء في الدرجة الأولي سبايا واقعة الطّف، في طليعة أرباب المقاتل في تاريخ التشيّع، كما يُعَدّ الّذين
ص: 41
تمكّنوا من تدوين ما رأوه أو سمعوه عن تلك الواقعة من أوائل كتّاب المقاتل((1))، وأشار أحد الباحثين إلي أنَّ كتب المقاتل هي الكتب التي تخصَّصت بدراسة واقعة الطف وسردها التاريخي((2)).
ولابدَّ من الإشارة إلي مسألة مهمة وهي أنَّ تأليف وتصنيف كتب المقاتل لم تقتصر علي الإمام الحسين(عليه السلام) أو واقعة الطف أو أحد المعصومين(عليهم السلام)، بل امتدَّ إلي أبعد من ذلك؛ بدليل وجود العديد من المؤرخين الذين ألَّفوا كتباً عن مقتل بعض الشخصيات المهمة والمشهورة ذات المكانة المرموقة في المجتمع، منها مقتل عثمان بن عفان (ت35ﻫ/656م) ومقتل الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب(عليه السلام) (ت50ﻫ/670م)، ومقتل حجر بن عدي(رضي الله عنه) (ت51ﻫ/671م)، وهي بلا شكّ تسبق من الناحية الزمنية تأريخ استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام)، ويتضح لنا أنَّ أكثر شخصية أُلّفت عنها كتب بعنوان (المقتل) هي شخصية الإمام الحسين(عليه السلام)، فضلاً عن أنّ الأحداث المأساوية التي تعرَّض لها الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه هي من أكسبت الشهرة والإنتشار الواسع للمقتل علي بقية المقاتل الأخري، فضلاً عن ذلك فقدان أغلب المقاتل التي أُلِّفت عن تلك الشخصيات وعلي مرِّ العصور مقابل بقاء بعض كتب المقتل التي تناولت مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)((3)).
ص: 42
حفلت المصادر التاريخية بأخبار المقتل الحسيني، وإن اختلفت في عرض تلك المرويات، تبعاً لمنهج المؤرخ وطبيعة مصنَّفه، وسنبين في هذا الفصل طبيعة المنهج المعتمد من قبل المؤرِّخ في هذه الروايات - وإن كان ذلك المنهج لم يخرج عن السياق العام للمؤرِّخ في مصنَّفه - فضلاً عن ذلك سنحدِّد رواة مؤرخي المقاتل، وبيان ومناقشة بعض تلك المرويات ومقارنتها مع ما جاء في بقية المصادر التاريخية الأخري، وسنركِّز علي أهمِّ تلك المؤلَّفات وإن كان من الصعب حصرها جميعاً، فضلاً عن أنَّ بعضها لم يتطرق للمقتل سوي إشارة بسيطة، وتُصنَّف هذه المؤلفات إلي كتب أنساب، وكتب طبقات وتراجم، وكتب تاريخ عام وغيرها من التصنيفات الأخري.
ص: 43
ص: 44
صنَّف المؤرخون المسلمون كتباً تميَّز أغلبها بالضخامة، أُطلِق عليها من قبل بعض الباحثين مصطلح (كتب التاريخ العام)؛ لأنها حوت مادة تاريخية عن الأحداث منذ بدء الخليقة وحتي السنة التي يتوقف فيها المؤلِّف عن متابعة الكتابة، وهي في الغالب قبل وفاته بمدة قصيرة، ورُتِّبت فيها الأحداث التاريخية التي وقعت قبل البعثة النبوية ترتيباً موضوعياً، أو حسب تعاقب الأحداث، أما الفترة الإسلامية فقد اعتُمِد في تنظيمها حسب تعاقب السنين، وتُعرف عند بعض الباحثين بالحوليات، أو كما تُسمَّي بالمصطلح الغربي (Chronicles) وهي تسمية قد لا تصحُّ علي المادة التي حواها الكتاب عن أحداث الفترة قبل الإسلام، ولهذا فإنَّ التسمية الأصحَّ هي الأولي؛ وذلك لأنَّ مصطلح التاريخ العام - ينسجم مع طبيعة المادة التي تضمنتها تلك الكتب وتنوِّعها؛ إذ تشمل الجوانب السياسية والعسكرية والإدارية والإجتماعية والإقتصادية والعلمية وغرائب الأحداث، ولكن بنسب متفاوتة من حيث حجم المادة المقدمة، فضلاً عن ذكر الوفيات لمشاهير الأشخاص وأغلبهم من الرجال((1))، وسنقف علي أهمِّ المؤلَّفات التي صُنِّفت في التاريخ العام التي منها:
ص: 45
تناول ابن خياط مادة المقتل ضمن حديثه عن ولاية يزيد بن معاوية، وقد تحدَّث عنه بشكل مقتضب بحدود ثلاث صفحات، أورد إشارة بسيطة عن إقدام والي المدينة الوليد بن عتبة((1)) لأخذ البيعة من الإمام الحسين(عليه السلام) وابن الزبير، بقوله: «فأتاه ابن الزبير فنعي له معاوية وترحَّم عليه، وجزاه خيراً، فقال له: بايع، قال: ما هذه ساعة مبايعة ولا مثلي يبايعك ها هنا، فترقي المنبر فأبايعك ويبايعك الناس علانية... فجاء الحسين بن علي علي تلك الحال فلم يُكلَّم بشيء حتي رجعا جميعاً...»((2))، ثم أشار إلي خروج الإمام الحسين(عليه السلام) إلي الكوفة والتقائه بالشاعر الفرزدق، وحديث الأخير عن الأوضاع في الكوفة مع الإمام(عليه السلام)، ثم بعد ذلك ختم حديثه بذكر أسماء من قتل من آل أبي طالب(عليه السلام) معه((3)).
ونميل إلي رأي المرعبي عن ابن خياط قائلاً: «حاول تسليط الضوء علي عبد الله ابن الزبير في أخذ البيعة منه وإعطاءه الدور البارز، بل يبدو أنَّ ابن الزبير هو المستهدف الأول في طلب البيعة، مخالفاً بذلك أغلبالروايات التي تشير إلي أنَّ هذا الحوار أو قريباً منه دار بين الإمام الحسين(عليه السلام) والوليد بن عتبة بحضور مروان بن الحكم»((4)).
ص: 46
قسَّم ابن قتيبة تأريخه علي أساس الموضوعات، إذ جعل الشخصيات من أنبياء وخلفاء وملوك، والأحداث ذات الطابع السياسي والديني والعسكري محاور لدراسته، وجاءت مادة المقتل وفق هذا المنهج، مع اتصاف أغلب رواياته بالإضطراب والضعف والتناقض.
ومن الأخبار المضطربة التي تستوقفنا تحديده لشخص والي المدينة الذي أقدم علي إستدعاء الإمام الحسين(عليه السلام) لأخذ البيعة منه، فيذكره بأنَّه خالد بن الحكم((1))((2))، وهذا خلاف ما ذكرته أغلب المصادر التاريخية((3))، باستثناء البري (المتوفي في القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي) الذي أشار إلي هذه الرواية مع أنَّه ضعّفها بقوله: «وقيل: إنَّ الوالي كان علي المدينة عند بيعة يزيد بن معاوية خالد بن الحكم أخو مروان، ثم عُزل وولَّاها عثمان بنمحمد بن أبي سفيان»((4))، ويُحتمل أنّ البري نقلها عن ابن قتيبة، بوصفه الراوي الأول لها بحسب إطلاعنا.
أشار ابن قتيبة بعد ذلك إلي أنَّ يزيد بن معاوية قد عزله ونصَب مكانه عثمان بن محمد((5))، ونصُّ ذلك: «إنَّ يزيد بن معاوية عزل خالد بن الحكم عن المدينة، وولاها
ص: 47
عثمان بن محمد بن أبي سفيان الثقفي، وخرج الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير إلي مكة، وأقبل عثمان بن محمد من الشام والياً علي المدينة ومكة وعلي الموسم في رمضان، فلما استوي علي المنبر بمكة رعف، فقال رجل مستقبله: جئت والله بالدم، فتلقاه رجل آخر بعمامته. فقال: مه، والله عمَّ الناس. ثم قام يخطب، فتناول عصا لها شعبتان، فقال: مه: شعب والله أمر الناس، ثم نزل. فقال الناس للحسين: يا أبا عبد الله، لو تقدَّمت فصليت بالناس؟ فإنَّه لَيَهمُّ بذلك إذ جاء المؤذِّن، فأقام الصلاة، فتقدم عثمان فكبر، فقال للحسين: يا أبا عبد الله، إذا أبيت أن تتقدَّم فاخرج. فقال: الصلاة في الجماعة أفضل. قال: فصلَّي، ثم خرج، فلما انصرف عثمان بن محمد من الصلاة، بلغه أنَّ الحسين خرج. قال: اركبوا كلَّ بعير بين السماء والأرض فاطلبوه، فطُلب، فلم يُدرك»((1)).
وتحدَّث ابن قتيبة بعد ذلك قائلاً: «إنه لما بُويع يزيد بن معاوية خرج الحسين حتي قدم مكة، فأقام هو وابن الزبير. قال: وقدم عمرو بن سعيد بن العاص في رمضان أميرا علي المدينة وعلي الموسم، وعزل الوليد بنعقبة فلما استوي علي المنبر رعف((2)) فقال أعرابي مستقبله: مه مه! جاءنا والله بالدم فتلقاه رجل بعمامته، فقال مه! عمَّ والله الناس، ثم قام يخطب، فناوله آخر عصا لها شعبتان. فقال: مه! شعب والله الناس. ثم خرج إلي مكة، فقدمها يوم التروية، فصلي الحسين ثم خرج. فلما انصرف عمرو بلغه أنَّ الحسين خرج، فقال: اركبوا كلَّ بعير بين السماء والأرض فاطلبوه. قال: فكان الناس يعجبون من قوله هذا. قال: فطلبوه فلم يدركوه»((3)). التناقض واضح علي هاتين الروايتين، وذلك لعدَّة أسباب، منها:
ص: 48
أ - إنَّها تخالف أغلب المصادر، فضلاً عن ذلك لم نجدها في المصادر المتوافرة لدينا باستثناء إيرادها من قبل الباعوني الشافعي (ت871ﻫ/1466م)((1)).
ب - لم تحدِّثنا المصادر المتوافرة لدينا أنَّ أربعة ولاة قد أُسند إليهم منصب والي المدينة، وكلُّ ذلك وقع في عام ستين للهجرة، فكيف حصل ذلك؟
ت - السرد التاريخي تطابق بشكل حرفي ونصي (بين الروايتين) في آلية تنصيب الولاة وصلاتهم وموقفهم من الإمام الحسين(عليه السلام)، وطريقة تعامل أهل المدينة معهم، مما يدلُّ علي أنّ تلك الأخبار موضوعة.
ث - الروايتان تشيران إلي دخول الإمام الحسين(عليه السلام) إلي مكة مرتين الأولي في عهد عثمان بن محمد والثانية في عهد عمرو بن سعيد، وكلاهما طلبا الإمام(عليه السلام) ولم يدركاه، فكيف حصل ذلك؟ ومتي؟
ح - تطابق النصّ الحرفي للروايتين في المواقف باستثناء تغيير أسماء الولاة،وهذا غير ممكن تاريخياً ومنطقياً.
وقد انفرد ابن قتيبة بروايتين بخصوص مسلم بن عقيل(عليه السلام)، الأولي تشير إلي أنَّ مسلماً دخل دار هانئ ابن عروة بعد أن خذله الناس بقوله: «وبايع له مسلم بن عقيل وأكثر من ثلاثين ألفا من أهل الكوفة، فنهضوا معه يريدون عبيد الله بن زياد، فجعلوا كلما أشرفوا علي زقاق أنسلَّ عنه منهم ناس، حتي بقي مسلم في شرذمة قليلة. قال: فجعل أناس يرمونه بالآجر من فوق البيوت، فلما رأي ذلك دخل دار هانئ بن عروة المرادي»((2)).
أمّا الثانية فقد انفرد فيها بتحديده للشخصية التي أوصي لها مسلم بن عقيل،
ص: 49
فأغلب المصادر((1)) أشارت إلي أنَّه عمر بن سعد، علي حين أشار هو((2)) إلي عمرو بن سعيد الاشدق((3)). ونحن نميل إلي رأي أغلب المصادر بكونه عمر بن سعد وليس الأشدق.
ومن الروايات الأخري التي أختصَّ بها هي تحديده لقائد الجيش الأموي الذيحارب الإمام الحسين بواقعة الطفِّ بأنَّه عمرو بن سعيد أيضاً، وهذا خلاف ما أجمعت عليه المصادر((4)).
ومن الملاحظ أنَّ ابن قتيبة أعطي دور عمر بن سعد في واقعة الطف لعمرو بن سعيد الاشدق بشكل كامل، ولعلَّ ذلك ناجم عن وهم وخلط قد وقع فيه المؤرخ، علي حين فسَّر أحد الباحثين ذلك بأنَّه يرجع إلي: «نشأة المؤرخ في عائلة كانت علي الدوام الي جانب الامويين، واعتلت مناصب بارزة في ظل خلافتهم، اضافة إلي أنَّه قد تتلمذ في بغداد، ودرس علي يد كبار علمائهم، في حقبة ساد فيها التعتيم عن تاريخ آل
ص: 50
البيت(عليهم السلام)؛ لذا لا نستبعد أن يكون هذا اللبس في الأسماء جاء من قلَّة اطلاع المؤرِّخ في ما يتعلَّق بواقعة الطفِّ وما دُوِّن عنها»((1)). وهذه أهمُّ الروايات التي وجدناها جديرة بالوقوف عندها ومناقشتها ونقدها.
قَسَّمَ الدينوري تأريخه علي أساس الموضوعات، جاعلاً من الشخصيات من أنبياء وخلفاء وملوك، وبعض الأحداث ذات الطابع السياسي والعسكري والإجتماعي محاور لدراسته، وأورد أخبار المقتل من ضمن حديثه عن يزيد بن معاوية، مقسِّماًإياه علي موضوعات عدَّة جزئية مثل: أهل الكوفة والحسين(عليه السلام)، مسلم بن عقيل في الكوفة، قتل مسلم بن عقيل، خروج الحسين إلي الكوفة، نهاية الحسين((2)).
ومجمل مادته عن المقتل كانت علي وفق الرواية التقليدية التي أوردتها أغلب المصادر التاريخية، وتحديداً لمادة الطبري بإشارة أحد الباحثين قائلاً: «أما بخصوص المادة التاريخية التي ذكرها الدينوري، فإنها لا تختلف كثيراً عما جاء بها الطبري، فبالرغم من أنَّ الدينوري سبق الطبري في وفاته إلا أنهما ينتميان إلي نفس العصر تقريباً، وبالرغم من أنَّ الدينوري لم يذكر سلسلة سند لرواياته إلا أنَّ بعضها يكاد يكون مطابقاً لروايات الطبري التي نقلها عن أبي مخنف، واختلف مع الطبري في أنَّه حدَّد مقتل هانئ بن عروة قبل مقتل مسلم بن عقيل(عليه السلام)»((3)).
وثمَّة اختلاف آخر بين الدينوري والطبري لم يشر إليه الباحث يتعلَّق بعدد الشخصيات التي نجت في واقعة الطف من أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)، فبينما
ص: 51
حدَّدها الطبري بثلاث، ذكر الدينوري بأنَّ الذين نجوا اثنان فقط بقوله: «لم يسلم من أصحابه إلا رجلان، أحدهما المرقع بن ثمامة الأسدي، بعث به عمر بن سعد إلي ابن زياد فسيره إلي الربذة((1))، فلم يزل بها حتي هلك يزيد، وهرب عبيد الله إلي الشام، فانصرف المرقع إلي الكوفة، والآخر مولي للرباب أم سكينة، أخذوه بعد قتل الحسين، فأرادوا ضرب عنقه،فقال لهم: إني عبد مملوك. فخلَّوا سبيله»((2)).
كما أورد بعض الروايات المخالفة، فضلاً عن الأخبار المتناقضة، وفيما يخصُّ الأخبار التي خالف بها مجمل المصادر ذكرهُ أنَّ المجير لمسلم بن عقيل(عليه السلام) هو هانيء بن ورقة بقوله: «حتي أتي دار هانئ بن ورقة المذحجي، وكان من أشراف أهل الكوفة...»((3)).
بينما ذكر في رواياته الأخري الاسم صحيحاً هانئ بن عروة((4))، ولعلَّ الخلط في الأسماء قد وقع من النساخ.
بينما فسَّرَ أحد الباحثين ذلك من أنَّ: «الدينوري أخطأ في الاسم فقط، إذ لم نجد لهاني بن ورقة ذكراً عند غيره من المؤرخين»((5)).
ونميل إلي السبب الأول لكونه أكثر قبولاً، لاسيما وأنَّ هانئ بن ورقة لا وجود له ولا أثر في المصادر، فمن غير الممكن أن يورده الدينوري وهو شخصية لا وجود لها، فضلاً عن ذلك أنَّ الدينوري قد أورد هانئ ابن عروة فهل غفل عن ذلك أم أنَّ
ص: 52
هناك شخصيتين؟ مما نتج عن ذلك أنَّ احتمال وقوع النساخ في الخطأ هو الأقرب للصواب.
وأورد الدينوري تضارباً واضحاً في عدد أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام) فذكر في رواية أنَّ عددهم: «اثنين وثلاثين فارساً وأربعين راجلاً»((1))، علي حين خالف هذا العدد برواية تقسيم الرؤوس بين القبائل من أنَّ مجموعها بلغالخمسة والسبعين رأساً((2))، وهذا خلاف الرواية الأولي التي أشارت إلي أنَّ العدد اثنان وسبعون رأساً، وفضلاً عن ذلك أنَّه ذكر أنَّ اثنين من أصحابه(عليه السلام) قد نجا((3))، مما يجعل الفارق بحدود الخمسة فأين مصير هؤلاء؟ هذا ما لم يكشفه لنا الدينوري.
اعتمد اليعقوبي منهج التاريخ بحسب الموضوعات في كلا قسميه: تاريخ ما قبل الإسلام والتاريخ الإسلامي، فضلاً عن ذلك اتبع إسقاط الأسانيد، ونظَّم الأخبار في نسق واحد متصل، والإكتفاء في مقابل ذلك بذكر المصادر في مقدِّمة الكتاب((4)).
وعلي هذا المنهج عرض مادته عن المقتل، التي اتصفت بالإقتضاب وعدم الإسهاب؛ إذ شغل بحدود خمس صفحات((5))، ولم يقسِّم اليعقوبي حديثه عن المقتل كبقية المؤرخين علي عنوانات وموضوعات وإنَّما اقتصر فقط علي عنوان عام هو (مقتل الحسين بن علي)، ومن ثَمَّ شرعَ بالحديث عن التفاصيل مبتدئها بمسلم بن
ص: 53
عقيل وهانئ بن عروة(عليه السلام) ومقتلهما، بعدها تحدَّث عن مسير الإمام الحسين(عليه السلام)، دون أن يتتبع المواقع الجغرافية التي سار بها الركب باستثناء ذكره لمنطقة القطقطانية((1)) التي جاء بها خبر مقتل مسلم بن عقيلللحسين(عليه السلام)، ثم ينتقل بعد ذلك إلي الإلتحام العسكري بين الطرفين، وختم حديثه عن الأسر والسبي الذي تعرَّض له أهل البيت في الشام((2)).
ومن الجدير بالذكر أنَّ اليعقوبي اهتمَّ بالجانب الفلكي كثيراً في تاريخه وربطه بالأحداث، ولم يستثنِ المقتل من ذلك، فقد حدَّد اليوم الذي استُشهِد فيه الإمام الحسين(عليه السلام) من الناحية الفلكية ووضعية الأبراج ودرجاتها((3)).
ومن الملاحظ أنَّ أغلب ما أورده اليعقوبي عن المقتل لم يخرج عن سياق الرواية التقليدية باستثناء الرواية التي انفرد بها عن ولادة ولد للإمام الحسين(عليه السلام) في واقعة الطف بقوله: «حتي بقي وحده ما معه أحد من أهله، ولا ولده، ولا أقاربه، فإنَّه لواقف علي فرسه إذ أُتي بمولود قد وُلد له في تلك الساعة، فأذَّن في أذنه، وجعل يحنِّكه، إذ أتاه سهم، فوقع في حلق الصبي، فذبحه، فنزع الحسين السهم من حلقه، وجعل يلطِّخه بدمه ويقول: والله لأنت أكرم علي الله من الناقة، ولمحمد أكرم علي الله من صالح! ثم أتي فوضعه مع ولده وبني أخيه»((4)).
وأشار أحد الباحثين إلي هذه الرواية، بقوله: «وربما نجد في هذه الرواية التفسير
ص: 54
المنطقي لمعني وجود الطفل الرضيع بين يدي الحسين(عليه السلام) في ساحة المعركة، والسهام تنهال عليه، والتي فسحت المجال أمام المؤرخين لتصوير الإمام(عليه السلام) وكأنه يحمل الطفل ليطلب بهالماء، ولا نعلم كيف ممكن أن يتجهوا إلي مثل هذا الإتجاه، وهل ينتظر الإمام الحسين(عليه السلام) رحمتهم بالطفل...»((1)).
وتعليقاً علي رأي الباحث نقول إن لم يكن الإمام الحسين(عليه السلام) قد أخرج طفلاً في واقعة الطف ليطلب له الماء، وإنَّما ولد له في تلك الساعة فأخرجه، فنحن نتساءل لماذا أتي بالطفل الذي وُلد له في تلك الساعة إلي أرض المعركة ولم يبقَ مع أُمِّه؟ ثم لعلَّ طلب الماء لطفله من باب إلقاء الحجة علي أعدائه مع علمه المسبق بعدم حصوله علي الماء، وليكشف للعالم مدي وحشية هؤلاء وابتعادهم عن الإنسانية.
يُعَدُّ تأريخ الطبري من أهمِّ المصادر التاريخية في رواية مجمل الأحداث التي تناولها، ويأتي في مقدمة ذلك مادة المقتل الحسيني، إذ أورده بشكل كامل متبعاً في ذلك منهج سلسلة الأسناد في إيراد الروايات((2)).
ومن الجدير بالذكر أنَّ المقتل الذي أورده الطبري قد أعتمد في نقله بنسبة عالية علي مرويات أبي مخنف، ومن ثَمَّ علي هشام الكلبي، وبعدها علي النصِّ الروائي الذي نقله عمار الدهني((3)) عن الإمام محمد الباقر(عليه السلام)، وتأتي أهمية تاريخالطبري من
ص: 55
كونه حفظ لنا بعضاً من كتب المقاتل المفقودة والتي لم تصلنا.
وبخصوص مرويات كلٍّ من أبي مخنف وهشام الكلبي سنركِّز عليهما بالدراسة والتحليل، بشكل مفصل في الفصل الثاني والثالث والرابع من هذه الأطروحة، علي حين ستتركز دراستنا في هذا الفصل علي النص الروائي لعمّار الدهني.
يشكِّل النصُّ الروائي عن المقتل المروي عن الإمام محمد الباقر(عليه السلام) والمنقول عن عمّار الدهني، محوراً مهماً في رفد المقتل بالمادة التاريخية المهمة، فضلاً عن ذلك فمرويات الإمام الباقر(عليه السلام) حول معركة الطف غاية في الأهمية؛ لأنَّه نقل أحداثها عن أبيه الإمام زين العابدين(عليه السلام) الذي تابع تلك الأحداث، وبذلك اكتسبت أهمية تاريخية من حيث الزمان والمكان؛ لأنَّ الإمام زين العابدين(عليه السلام) عاصر الأحداث وشاهد جميع فصولها، ورواها بأمانة وثقة((1)).
وقبل الدخول في دراسة النصِّ لا بدّ من الإشارة إلي أنَّ الطبري يُعَدُّ الناقل الأول من الناحية الزمنية لنصِّ عمار الدهني، والذي شغل تقريباً ثمان صفحات((2)).
شرع الطبري بنقل النصِّ بقوله: «حدثني زكرياء بن يحيي الضرير((3)) قالحدثنا أحمد بن جناب المصيصي، ويُكنَّي أبا الوليد((4)) قال حدثنا خالد بن يزيد بن أسد بن عبد
ص: 56
الله القسري((1)) قال حدثنا عمار الدهني قال قلت لأبي جعفر حدثني بمقتل الحسين حتي كأني حضرته قال...»((2)).
هنا يجب أن يخضع هذا النصُّ لدراسة سند سلسلته الروائية؛ لكونه نصَّاً مهماً لاحتوائه علي مادة تاريخيه متسلسلة بنصٍّ واحد عن المقتل من ناحية، وينتهي سنده بالإمام المعصوم(عليه السلام) وهو الإمام الباقر(عليه السلام) من ناحية أخري، وعند تتبع مدي وثاقة هذه السلسة التي بموجبها وصل إلينا هذا النصّ تتضح لنا جملة من النقاط المهمة والأساسية في بيان مدي وثاقة النصِّ وسلسلة رواته، منها:
أ - يبدأ النصُّ بالراوي زكرياء بن يحيي، والذي قال عنه أبو حاتم الرازي بأنَّه: «ليس بشيء»((3)) ولعلَّ هذه أولي نقاط الضعف في السلسة.
ب - أمّا الراوي الثاني أحمد بن جناب، فقد وثَّقه بعض المؤلفين وعدوه منالرواة الموثوق بهم((4)).
ت - أمّا الراوي المباشر عن عمار الدهني للنصِّ فهو خالد بن يزيد القسري،
ص: 57
الذي ضعَّفه العديد من المؤرخين، ووصفوه بعدم تمتعه بالوثاقة، وأنَّ أحاديثه لا يمكن الأعتماد عليها، منهم:
أ- العقيلي (ت322ﻫ/924م): «خالد بن يزيد القسري لا يُتابع علي حديثه»((1)).
ب - ابن عدي (ت365ﻫ/967م): «خالد بن يزيد... أحاديثه كلُّها لا يُتابع عليها لا إسناداً ولا متناً ولم أرَ للمتقدمين الذين يتكلمون في الرجال لهم فيه قول، ولعلَّهم غفلوا عنه، وقد رأيتهم تكلموا في من هو خير من خالد هذا، فلم أجد بدّاً من أن أذكره وأن أبيِّن صورته عندي، وهو عندي ضعيف، إلا أنَّ أحاديثه إفرادات ومع ضعفه كان يُكتب حديثه»((2)).
ت - ابن الجوزي (ت597ﻫ/1199م): «أحاديثه كلُّها لا يُتابَع عليها لا متناً ولا إسنادا»((3)).
ث - الذهبي (ت748ﻫ/1350م): «لا يُتابَع علي رواياته»((4)).
ج - ابن العجمي (ت841ﻫ/1343م): فقد نقل مجمل الآراء آنفة الذكر التي ضعَّفته مما يشير إلي ذهابه للطعن به أيضاً بقوله: «خالد بن يزيد بن أسدالقسري، قال ابن عدي هو عندي ضعيف، وقال ابن أبي حاتم سألت أبي عنه فقال ليس بقوي، وقد ذكره الذهبي وذكر تعقيب ابن أبي حاتم في كونه جعلهما اثنين، وذكر العقيلي أنه لا يُتابع علي حديثه، ثم ذكر الحديث المشار إليه، وقد ذكر بن الجوزي حديثاً في باب موت المرأة، ثم قال موضوع والمتهم به خالد بن يزيد بن أسد القسري، ثم ذكر ابن عدي
ص: 58
أحاديثه كلَّها لا يُتابع عليها لا متناً ولا سنداً»((1)).
ونستنتج من ذلك كلّه أنَّ السند الروائي لنصِّ عمار الدهني يشوبه كثير من الشكِّ والضعف؛ لورود رواة فيه لا يتمتعون بالوثاقة والأمانة في النقل في طريقه السندي، مما ينتج عن ذلك التعامل بحذر مع الروايات التي أوردها وعدم التسليم المطلق لها.
أمّا من ناحية مضمون رواياته وطبيعتها فيبدأ النَّصُّ بالحديث عن إقدام والي المدينة الوليد بن عتبة بمحاولة أخذ البيعة من الإمام(عليه السلام)، بعدها انتقل إلي مراسلة أهل الكوفة له(عليه السلام)، ثم استعرض دور مسلم بن عقيل(عليه السلام) في نهضة الحسين(عليه السلام)، واسترسل بعد ذلك ليتحدث عن دخول عبيد الله بن زياد إلي الكوفة والأحداث التي رافقت ذلك، ثمَّ عرَّج بحديثه عن مقتل كلٍّ من مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة(عليه السلام)، بعدها تناول مسير الإمام الحسين(عليه السلام) إلي العراق، ليختم حديثه عما جري لآل البيت(عليه السلام) في الأسر إلي الشام حتي رجوعهم للمدينة المنورة((2)).ومن الجدير بالذكر أنَّ الطبري أجري مقارنة بين رواية عمار الدهني وأبي مخنف بخصوص المادة التاريخية عن حادثة مسلم بن عقيل(عليه السلام)، مرجِّحاً مادة أبي مخنف، بقوله: «وأما أبي مخنف فإنه ذكر من قصة مسلم ابن عقيل وشخوصه إلي الكوفة ومقتله قصة هي أشبع وأتم من خبر عمار الدهني عن أبي جعفر»((3)).
وقد نقل نصَّ عمار الدهني أكثرُ من مؤرخ بعد الطبري منهم المزي
ص: 59
(ت742ﻫ/1344م)((1))، والذهبي((2))، وابن كثير (ت774ﻫ/1376م)((3))، وابن حجر (ت 852ﻫ/1454م)((4)).
وعند دراسة النصِّ بشكل دقيق تتضح لنا عدَّة أمور نستبعد فيها أن يكون النصُّ صادراً عن الإمام الباقر(عليه السلام)، فينتج عن ذلك نتائج مفيدة منها: إمّا أن يكون النصُّ قد نُقل بالمعني وليس باللفظ، وحصل التحريف والتغيير فيه، وإمّا أن يكون الناقل وهو عمار الدهني قد حرَّف فيه، أو أن يكون الطبري - بوصفه الناقل الأول للنصِّ من الناحية الزمنية - قد غيَّر في ألفاظه وتعابيره ورواياته، وهنا أشار أحد الباحثين إلي هذا المعني بقوله: «ولذا فإنَّ مما يبعث علي الدهشة أن نجد في الرواية تحريفاً منكراً لوقائع التاريخ، فهي تخالف من عدة وجوه، بعض الحقائق الهامة المتصلة بمعركة كربلاء، ونرجِّح أنَّ ذلك ناشئ منتلاعب الرواة...»((5))، ومن جملة تلك الامور:
أ - رواية البيعة ونصّها: «مات معاوية والوليد بن عتبة بن أبي سفيان علي المدينة، فأرسل إلي الحسين بن علي ليأخذ بيعته، فقال له أخِّرني، وأرفق به فأخَّره، فخرج إلي مكة...»((6)).
وأشار أحد الباحثين إلي أنَّه عند مقابلة هذه الرواية مع ما نقله الصدوق عن الإمام الباقر(عليه السلام) نجدها خلاف ذلك بقوله: «فإنَّه لم يذكر طلب الإمام الحسين(عليه السلام)
ص: 60
من والي المدينة تأخيره، بل يؤكِّد أنَّ الإمام الحسين(عليه السلام) قد رفض أن يبايع ليزيد عند والي المدينة، فكتب الأخير إلي يزيد: فإنَّ الحسين بن علي(عليه السلام) ليس يري لك خلافة ولا بيعة، فرأيك في أمره والسلام، ويضيف قائلاً: وإذا صحَّت رواية المزي بطلب الإمام الحسين(عليه السلام) التأخير عن البيعة، فيبدو أنَّها محاولة منه للتمويه وكسب الوقت، فموقف الإمام الحسين(عليه السلام) من البيعة ليزيد واضح منذ أيام معاوية»((1)).
أ - التعبير عن السيدة العلوية التي أراد الشامي أخذها بأنَّها وصيفة، ونصُّ ذلك: «وحملهم إلي يزيد فلما قدموا عليه جمع من كان بحضرته من أهل الشام، ثم أدخلوهم فهنأوه بالفتح، قال رجل منهم أزرق أحمر ونظر إلي وصيفة من بناتهم فقال يا أميرالمؤمنين هب لي هذه، فقالت زينب لا والله ولا كرامة لك ولا له إلا أن يخرج من دين الله، قال فأعادهاالأزرق فقال له يزيد كفَّ...»((2)).
نستبعد أن يصف الإمام الباقر(عليه السلام) تلك العلوية سليلة آل البيت(عليه السلام) بهذا الوصف الذي لا يتوافق مع أخلاق وسموِّ ومكانة الإمام(عليه السلام) من جانب، ولا يليق بسيدة علوية طاهرة من جانب آخر.
ب - رواية تراجع الإمام الحسين(عليه السلام) ما نصُّها: «فتوجَّه إليه عمر بن سعد فلما أتاه قال له الحسين اختر واحدة من ثلاث إمَّا أن تدعوني فانصرف من حيث جئت، وإمَّا أن تدعوني فأذهب إلي يزيد، وإمَّا أن تدعوني فألحق بالثغور، فقبل ذلك عمر، فكتب إليه عبيد الله لا ولا كرامة حتي يضع يده في يدي، فقال له الحسين لا والله لا يكون ذلك أبداً، فقاتله فقتل أصحاب الحسين كلُّهم...»((3)).
سنترك نقاش الرواية هذه للفصل الرابع من هذه الأطروحة، إلا أنَّه يمكن
ص: 61
الإشارة إلي أنَّها لا يمكن أن تصدر من الإمام الحسين(عليه السلام) الذي أراد تغيير الأوضاع الفاسدة، والثورة ضدَّها أن ينزل علي حكم يزيد ابن معاوية الذي وصفه(عليه السلام) بأنَّه«رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحرمة»((1)).
فضلاً عن ذلك فقد ناقش أحد الباحثين هذه الرواية بشكل مستفيض بقوله: «وهذه الخيارات الثلاثة لم يذكرها الشيخ الصدوق في روايته عن الإمام الباقر(عليه السلام)، وهي تبدو ضعيفة التطلع ولا تتماشي وطروحات الإمام الحسين(عليه السلام) في هذه المرحلة، فهل يُعقل أنَّ الإمام(عليهالسلام) يطلب منه السماح له بالإلتحاق بالثغور بأهل بيته والأطفال التي معه والنساء، وهو القائل: وإنِّي لم أخرج أشراً ولا بطراً... فهل طلب الإصلاح الذي دعا إليه الإمام الحسين(عليه السلام) في عنوان نهضته يتحقَّق بالإلتحاق بالثغور؟ أو أن يطلب منه الذهاب إلي يزيد؟ وهو الشخص الذي رفض بيعته منذ أيام معاوية... أمَّا الخيار الثالث فهو طلب العودة إلي المدينة، وهذا الطلب يبدو أيضاً ضعيف ولا يوجد له مبرِّرٌ، فمتي خرج الإمام الحسين(عليه السلام) قسراً من المدينة حتي يطلب العودة إليها، والدلائل كلُّها تشير إلي أنَّه خرج بإرادته»((2)).
ت - رواية تفرُّق أنصار مسلم بن عقيل(عليه السلام) ولجوئهِ إلي دار طوعة ونصّها: «أشرفوا علي عشائرهم فجعلوا يكلمونهم ويردونهم، فجعل أصحاب مسلم يتسلَّلون حتي أمسي في خمسمائة فلما اختلط الظلام ذهب أولئك أيضاً، فلما رأي مسلم أنَّه قد بقي وحده يتردَّد في الطرق حتي أتي بابا فنزل عليه فخرجت إليه امرأة، فقال لها اسقيني فسقته، ثم دخلت فمكثت ما شاء الله، ثم خرجت فإذا هو علي الباب قالت يا عبد الله إنَّ مجلسك مجلس ريبة فقم، قال إنِّي أنا مسلم بن عقيل فهل عندك مأوي؟
ص: 62
قالت نعم ادخل...»((1))، لا يمكن الركون إلي هذه الرواية، لعدة أسباب منها اختلافها مع خبر أبي مخنف - والتي سنفصِّل الحديث عنه في الفصل الرابع من هذه الأطروحة - من حيث إنَّها مقتضبة، ولم ترد فيها التفاصيلالدقيقة، فضلاً عن أنَّها اختلفت معها في عدد الذين بقوا مع مسلم بن عقيل(عليه السلام) ومراحل تفرُّقهم، يضاف إلي ذلك أنّ الرواية لم تشر إلي اسم طوعة؟ ولم تذكر المسجد وصلاة مسلم فيه، ولم تتطرق لحديث مسلم وطوعة في الباب، والذي فيه كشف لها أسراره وشخصه، فضلاً عن ذلك تحمل تلك الرواية بعض التشكيكات والتي سنناقشها بشكل أوسع عند التعرض لها ضمن مرويات أبي مخنف.
ويتضح لنا من خلال ذلك كلّه، أنَّ نصَّ عمار الدهني الذي يسنده إلي الإمام الباقر(عليه السلام)، لا يتمتع بالوثاقة من ناحية السند والمتن علي حدٍّ سواء، وأنَّ الروايات الواردة فيه بعضها ضعيفة وتثير الشكَّ؛ لذا لا يمكن الإعتماد علي هذا النصِّ والتسليم به؛ بكونه صادراً عن الإمام المعصوم(عليه السلام)، ولعل هذه أهمّ النقاط التي استوقفتنا في دراسة هذا النصِّ.
6- البدء والتاريخ، المنسوب لأبي زيد أحمد بن سهل البلخي (ت322ﻫ/924م)((2))
يُلاحَظ أنَّ البلخي استعمل الإسناد الجمعي الذي سبقه إليه في ذلك اليعقوبي في تاريخه، وقد قسَّم البلخي مصنَّفه علي أساس الموضوعات والعناوين، ولم يستثنِ
ص: 63
إيراده للمقتل عن منهجه العام الذي اتبعه، إلا أنَّ السِّمة الغالبة التي امتاز بهاالمقتل هو الاقتضاب الشديد، إذ لم يتجاوز الصفحتين، مبتدئاً بحادثة مقتل مسلم بن عقيل(عليه السلام) ومنتهياً بحادثة الأسر والسبي التي تعرَّض له الركب الحسيني في الشام((1)).
لم يُشر البلخي إلي ذكر أيٍّ من المصادر التي اعتمد عليها في نقل رواياته عن المقتل، وإنَّما أوردها بصيغة الجمع «قالوا»((2)) دون أن يحدِّد لنا مصادره.
وشكَّك البلخي ببعض الروايات التي أوردها مستعملاً لفظ: (وزعم)؛ منها الرواية التي أشارت إلي إقدام الوالي عبيد الله بن زياد بتكليف عمر بن سعد لحرب الإمام الحسين(عليه السلام) وقتله، وكذلك تشكيكه بروايات ضرب ثنايا الإمام الحسين(عليه السلام)، مع أنَّه أشار إلي حصول حادثة ضرب الثنايا مرتين: الأولي في مجلس عبيد الله بن زياد في الكوفة، والثانية عند يزيد بن معاوية في الشام((3))، أي أنَّه رجَّح وقوع الحادثة مرتين وليس مرة واحدة، فضلاً عن ذلك فهو يميل إلي تبرئة يزيد بن معاوية من قتل الإمام الحسين(عليه السلام).
وهنا تجدر الإشارة إلي أنَّ تشكيك البلخي بحادثة ضرب ثنايا الإمام الحسين(عليه السلام) سواء من قبل الوالي عبيد الله بن زياد، أو يزيد بن معاوية لا يصمد أمام القرائن والأدلَّة والروايات التي أثبتت تلك الواقعة وبشكل متواتر((4)).
ص: 64
وختم البلخي حديثه عن المقتل بتوجيه اتهامه للروافض (الشيعة)؛ لكونهم أضافوا كثيراً من الروايات والأخبار للمقتل دون أن يذكرها، أو يشير إليها بقوله: «إنَّ للروافض في هذه القصة من الزيادات والتهاويل شيئاً غير قليل»((1)).
وهنا لا بدّ من القول أنَّ البلخي وجَّه اتهاماً لمؤرخي الشيعة بتحريف رواية المقتل، لكن دون أن يحدِّد لنا من هم هؤلاء المؤرخون الشيعة؟ وماهي المادة التاريخية التي أضافوها للمقتل؟ كلُّ ذلك لم يجبنا عليه البلخي، مما يجعل اتهامه هذا لا قيمة علمية له، بل مجرَّد تصريح لا نصيب له من الصحة.
التزم المسعودي تقسيمه للتاريخ بحسب الموضوعات، فجعل الأمم والأنبياء والملوك والأسر محاورلدراسته، وهو المنهج الذي سبقه إليه أبو حنيفة الدينوري في الأخبار الطوال، كما تابع المنهج الذي اعتمده اليعقوبي قبله بإسقاط الأسانيد ووصل الأخبار والإكتفاء بذكر مصادره في مقدمة الكتاب((2)).
بالمنهجية نفسها هذه عرض المسعودي مادته التاريخية عن المقتل، إذ أوردها ضمن حديثه عن حكم يزيد بن معاوية، وقد قسَّمه إلي عدَّة محاور مبتدئها بعنوان عام للموضوع وهو: (ذكر مقتل الحسين بن علي ابن أبي طالب(عليه السلام) ومَن قُتِل معه من أهل بيته وشيعته)، بعدها تناول المقتل وفق المواضيع التي حدَّدها وبالشكل الآتي: «ذكر مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب(عليه السلام) ومَن قُتِل معه من أهل بيته وشيعته،
ص: 65
أهل الكوفة يدعون الحسين، مسلم بن عقيل يتقدم الحسين إلي الكوفة، ابن عباس((1)) ينصح الحسين، يزيد يستعدُّ، مقتل هانئ بن عروة، الحسين يقاتل جيش ابن زياد، أسماء ولد علي وأمهاتهم، رثاء قتيل الطف»((2)). ومن الملاحَظ أنَّ المسعودي لم يسهب كثيراً في تفاصيل المقتل ومقدِّماته وحيثياته، إذ شغلت مجمل المادة التاريخية عنه عشر صفحات تقريباً((3))، ولم نلحظ فيها أيّ نقد تاريخي، أو تحليل قد مارسه المسعودي.
ولابدَّ من التركيز علي أمرين مهمَّين تعرَّض لهما المسعودي، الأول: إنَّ جميع مَن شارك بحرب الإمام الحسين(عليه السلام) في واقعة الطف هم من أهل الكوفة بقوله: «وكان جميع من حضر مقتل الحسين من العساكر وحاربه وتولَّي قتله من أهل الكوفة خاصة، لم يحضرهم شامي»((4))، وهو أمر لا يمكن قبوله؛ فهناك العديد من العناصر غير الكوفية التي اشتركت في حرب الإمام الحسين(عليه السلام).
وفي تحليل لأحد الباحثين عن سبب إيراد المسعودي لهذه الرواية، قال: «قد يكون دافع المسعودي إلي حصر قتلة الإمام الحسين(عليه السلام) بأهل الكوفة، هو سعيه لتبرئة أبناء كبار الصحابة في المدينة المنورة ومكة، وتبرئة أهل الشام والمدينة من قتل الإمام الحسين(عليه السلام)، علماً أنَّ مَن اشترك في قتل الحسين(عليه السلام) هم من المدينة المنورة ومكة والشام أيضاً ونستدلُّ علي ذلك من الشخصيات التي كانت في جيشيزيد بن معاوية، ومن كان منهم من المدينة مثل الحصين بن النمير وعمر بن سعد... ونستغرب أيضاً من إلقاء المسعودي اللائمة علي أهل الكوفة فقط، فحقيقة النصوص التاريخية تقودنا إلي القول أنَّ قتل الحسين(عليه السلام) شاركت به شخصيات من بلدان عدَّة لم تكن الكوفة المغلوبة
ص: 66
علي أمرها يومئذ هي مَن تتحمَّل المسؤولية وحدها في ذلك»((1)).
ومما يجدر التنويه إليه أنَّ الباحث أشار في نصِّه أعلاه إلي أنَّ الحصين بن نمير من شخصيات المدينة، وهو غير صحيح؛ فهو شخصية شامية وتحديداً من أهل حمص((2))، وليس من رجالات المدينة.
أمّا الأمر الثاني: فهو التناقض في عدد من كان مع الإمام الحسين(عليه السلام) ففي رواية له ما نصُّها: «فعدل إلي كربلاء - وهو في مقدار خمسمائة فارس من أهل بيته وأصحابه ونحو مائة راجل - فلما كثرت العساكر علي الحسين أيقن أنَّه لا محيصَ له...»((3))، علي حين نجد خبراً آخر يناقض تلك الرواية بقوله: «وكان جميع من قُتل مع الحسين في يوم عاشوراء بكربلاء سبعة وثمانون»((4)).
ويميل أحد الباحثين إلي صحَّة هذه الرواية في تحديدها لعدد أنصار الإمام(عليه السلام) بقوله: «إنَّ هذه الرواية تختلف عن كلِّ الروايات المعروفة التي أُحصيت لنا، أو قدَّرت لنا العدد الكلي لأنصار الحسين(عليه السلام) فيواقعة الطف. ولربما تكون رواية المسعودي صحيحة إذا كان في إطارها الجغرافي، أي قبل أن يتفرَّق الناس عن الإمام الحسين(عليه السلام) في موقع زُبالة((5)) عندما علموا بمقتل مسلم بن عقيل وأصحابه وخطب بهم الحسين(عليه السلام) وأذِن لهم بالإنصراف»((6)).
ص: 67
ولعلَّ هذا التناقض يدلُّ علي أنَّه لا يوجد رقم ثابت لعدد أنصار الإمام(عليه السلام)، وهناك تعتيم إعلامي حول العدد الحقيقي للأنصار، فضلاً عن ذلك فقد طرح أحد الباحثين جملة من التشكيكات حول هاتين الروايتين منها أنَّ المسعودي «لا يسعفنا بمعلومة عن مصير الباقين هل نجوا من المعركة؟ وكيف؟ ومتي؟ لذا تبقي هذه الرواية ضمن الروايات المنفية من المؤرِّخ نفسه»((1)).
ونختم حديثنا عنه ببيان روايتين متضاربتين له في تحديده للقاتل المباشر للإمام الحسين(عليه السلام)، فقد أشار في الأولي أنَّ «الذي تولّي قتله رجل من مذحج واحتزَّ رأسه، وانطلق به إلي ابن زياد...»((2))، علي حين حدَّد في الثانية الشخصية بقوله: «وطعنه سنان بن أنس النخعي، ثم نزل فاحتزَّ رأسه...»((3)).
وهنا لا بدّ من الإشارة إلي أنَّ المسعودي قد أورد المقتل أيضاً في كتابه إثباتالوصية، لكن بشكل مقتضب جداً، ولم يشر إلي أيٍّ من المصادر التي أستعملها، وإنَّما ذكرها بصيغة مجهولة: «ورُوي»((4)).
وخصَّص عنواناً عاماً للحديث عنه هو «قصة كربلاء»((5)) وقد أستهلَّ حديثه برواية حديث أمِّ سلمة عن القارورة، ثم ذكر بعد ذلك بقية الأحداث حتي استشهاد الإمام(عليه السلام)((6)).
ونختم حديثنا عنه بعرضنا لرواية نشكُّ بصحتها - لأنَّها لا تنسجم مع المنطق
ص: 68
العقلي - بما نصّها: «ورُوي أنَّه - أي الإمام الحسين(عليه السلام) - قتل بيده ذلك اليوم ألفاً وثماني مائة مقاتلاً»((1)). ويمكن تسجيل عدَّة نقاط عنها؛ لمخالفتها الموازين العقلية والنواميس الطبيعية.
أ - الرواية لا يُعتمد عليها من الناحية التاريخية، لكون المسعودي أوردها بصيغة مجهولة ومبهمة وهي (ورُوي) فمن هو الذي رواها؟ وما مصدرها؟
ب - كيف لشخص واحد أن يقدم علي قتل هذا العدد الكبير من المقاتلين العسكريين المدرَّبين والمجهَّزين بكافة العدد العسكرية؟ وكم يحتاج من الوقت لذلك لو قارناه مع واقعة الطف التي استمرت لساعات محدودة؟ ولنفترض أنَّ كلَّ مقاتل يحتاج إلي قتله دقيقة واحدة - وإن كان الأمر غير ممكن عقلاً - فهذا يتطلب ثلاثين ساعة، أي يوماً كاملاً وستّ ساعات، بدون أيّ توقف أو انقطاع، وهذا أمر محال عقلاً.
اتَّبع مسكويه منهجية خاصة لطرح مادته التاريخية في مصنَّفه هذا، وقد أشار إلي منهجه في مقدمة كتابه قائلاً: «وإنّي لمّا تصفّحت أخبار الأمم، وسير الملوك، وقرأت أخبار البلدان، وكتب التواريخ، وجدت فيها ما تُستفاد منه تجربة لا تزال يتكرّر مثلها، ويُنتظَر حدوث شبهها وشكلها: كذكر مبادئ الدول، ونشء الممالك، وذكر دخول الخلل فيها بعد ذلك، وتلافي من تلافاه وتداركه إلي أن عاد إلي أحسن حال، وإغفال من أغفله واطَّرحه إلي أن تأدّي إلي الإضمحلال والزوال، وذكر ما يتّصل بذلك من السياسات في عمارة البلدان، وجمع كَلِم الرعيّة...»((2)).
ص: 69
فأشار مسكويه إلي الأساطير والخرافات، بقوله: «ووجدت هذا النمط من الأخبار مغموراً بالأخبار التي تجري مجري الأسمار والخرافات التي لا فائدة فيها غير استجلاب النوم بها، والإستمتاع بأنس المستطرف منها، حتي ضاع بينها، وتبدّد في أثنائها، فبطل الإنتفاع به، ولم يتصل لسامعه وقارئه اتصالاً يربط بعضه بعضاً، بل تُنسَي النكتة منها قبل أن تجيء أختها، وتتفلَّت من الذهن قبل أن تقيّدها نظيرتها، ويشتغل الفكر بسياقة خبرها دون تحصيل فائدتها...»((1)).
أمّا بخصوص موقفه من معجزات الأنبياء والرسل(عليهم السلام) فقال: «لم نتعرّض لذكر معجزات الأنبياء(عليهم السلام) وما تمّ لهم من السياسات بها؛ لأنّ أهل زماننا لا يستفيدون منها تجربة فيما يستقبلونه من أمورهم،اللَّهمّ إلَّا ما كان منها تدبيرا بشريّا لا يقترن بالإعجاز»((2)).
حدَّد مسكويه منهجه اتجاه المصادفة في التاريخ، بقوله: «وقد ذكرنا أشياء مما يجري علي الإتّفاق والبخت وإن لم يكن فيها تجربة، ولا تُقصد بإرادة. وإنّما فعلنا ذلك لتكون هي وأمثالها في حساب الإنسان وفي خلده ووهمه، لئلَّا تسقط من ديوان الحوادث عنده وما ينتظر وقوع مثله، وإن لم يستطع تحرّزاً من مكروهه إلَّا بالإستعانة بالله، ولا توقّعا لمحبوبه إلَّا بمسألته التوفيق، وهو(عزوجلّ) خير موفّق ومعين»((3)).
وبخصوص عرضه لمادة المقتل، يُلاحَظ أنَّه أوردها ضمن حديثه عن حكم يزيد بن معاوية، واستعرض الأحداث الأساسية للمقتل المتمثلة بوصية معاوية لولده يزيد، ثم تعرَّض لذكر مجمل الذين أبدوا المشورة علي حدِّ تعبيره للإمام
ص: 70
الحسين(عليه السلام)، بعد ذلك عرّج إلي مكاتبة أهل الكوفة للإمام(عليه السلام)((1)).
وخصَّص مساحة واسعة لحادثة مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة(عليه السلام) ومقتلهما والأحداث التي ارتبطت بهما((2)).
وفضلاً عن ذلك تطرَّق لمجمل الأحداث السياسية والعسكرية التي تخصُّ دخول الإمام الحسين(عليه السلام) إلي العراق حتي إستشهاده(عليه السلام)((3)).
ومن الجدير بالذكر أنَّ مسكويه لم يذكر الأحداث ذات الطابع الإعجازي التيوقعت عقب استشهاد الإمام(عليه السلام)، ولعلَّ ذلك واضح، لأنَّ هذا يتعارض مع منهجيته القائمة علي أساس تجنُّب ذكر الحوادث التي تحمل طابعاً إعجازياً، وتعليل ذلك بعدم استفادة البشرية من المعاجز بصورة عامة بكونها خاصَّة بمن وقعت لهم((4)).
ولم نجد أيّ نقدٍ أو تحليل استخدمه مسكويه في طرحه لمادة المقتل، أو ذكره لروايات منفردة، وإنَّما أورد الرواية التقليدية للمقتل.
اتَّبع القضاعي في تاريخه المنهج الموضوعي في طرح الأحداث التاريخية، فجعل الخلفاء والشخصيات ذات المكانة، وبعض الأحداث ذات الطابع السياسي والديني والعسكري محاور لدراسته، وتطرَّق إلي المقتل من خلال حديثه عن
ص: 71
شخصية يزيد بن معاوية.
اتسمت أخبار المقتل عنده بالإقتضاب الشديد، حيث شغلت صفحتين((1))، ابتدأها بحديثه عن توجُّه الركب الحسيني للكوفة، فضلاً عن تعرضه بإشارة بسيطة لحادثة السبي لآل البيت(عليهم السلام) في الشام التي ختم بها حديثه((2)).
اعتمد ابن الأثير المنهج الحولي بشكل عام - في تاريخ الإسلام - فرتَّب كتابه بحسب السنين وهو المنهج الذي سبقه إليه الطبري في تاريخه، لكنَّه عالج نواقصهذا المنهج أحيانا، فحاول جمع ما يتصل بالحادثة الواحدة في موضع واحد، كما صنع مثل هذا مع الحكام الذين لم تطل مدَّة حكمهم((3)).
ولتسليط الضوء أكثر حول منهجيته لا بدّ أن نورد المنهج الذي اتَّبعه في عرض كتابه، والذي أورده في مقدمة مصنَّفه، إذ يقول: «ورأيتهم أيضاً يذكرون الحادثة الواحدة في سنة، ويذكرون منها في كل شهر أشياء فتأتي الحادثة مقطَّعة لا يحصل منها علي غرض، ولا تُفهم إلا بعد إمعان النظر، فجمعت أنا الحادثة في موضع واحد وذكرت كلَّ شيء منها في أيّ شهر أو سنة كانت؛ فأتت متناسقة متتابعة قد أخذ بعضها برقاب بعض»((4)).
وبخصوص عرضه للأحداث قال: «وذكرت في كلِّ سنة لكلِّ حادثة كبيرة مشهورة ترجمة تخصُّها، فأمَّا الحوادث الصغار التي لا يُحتمل منها كلّ شيء ترجمة فإنَّني
ص: 72
أفردت لجميعها ترجمة واحدة في آخر كلِّ سنة، فأقول ذكر عدة حوادث، وإذا ذكرت بعض مَن تبع وملك في قطر من البلاد ولم تطل أيامه فإنِّي أذكر جميع حاله من أوله إلي آخره عند ابتداء أمره؛ لأنَّه إذا تفرَّق خبره لم يُعرف؛ للجهل به، وذكرت في آخر كلِّ سنة مَن تُوفي فيها من مشهوري العلماء والأعيان والفضلاء، وضبطت الأسماء المشتبهة المؤتلفة في الخطِّ، المختلفة في اللفظ، الواردة فيه بالحروف ضبطاً يُزيل الإشكال، ويغني عن النقاط والأشكال...»((1)).وقال أحد الباحثين بخصوص المنهج الذي اتَّبعه ابن الأثير في عرض مادته التاريخية ما نصُّه «يقوم علي أساس إسقاط الأسانيد، وحذف الروايات المتكرّرة والمتعدِّدة علي الأغلب، ولم يذكر للحادثة الواحدة روايتين أو أكثر إلا قليلاً، كما أنَّه اعتمد أسلوباً جديداً في عرض الأحداث، فبدلاً من أن يتناول الحدث علي الطريقة التقليدية منذ بداياته الأُولي، اعتمد اختيار العنوان المعبِّر عن جوهر الحدث ونتيجته...»((2)).
- عرض مادة المقتل: استعرض ابن الأثير مادته التاريخية عن المقتل علي وفق المنهج الذي حدَّده في بداية مصنَّفه؛ إذ تحدَّث عن المقتل ضمن حديثه عن حكم يزيد بن معاوية مقسِّماً إيّاها علي عدَّة عناوين بعضها أساسية، وأخري جزئية وبالشكل الآتي:
1- بيعة يزيد بن معاوية.
2- ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين بن علي ليسير إليهم وقتل مسلم بن عقيل.
3- ذكر مسير الحسين إلي الكوفة.
ص: 73
4- ذكر مقتل الحسين(عليه السلام).
5- ذكر أسماء مَن قتل معه((1)).
وبصورة عامة فإنَّ ابن الأثير تطرَّق إلي المقتل وبشكل كامل ومُسهَب إلي حدٍّ ما، فضلاً عن ذلك فقد تعرَّض إلي السبي والأسر الذي تعرَّض له أهل البيت، سواءفي الكوفة أو الشام، والأحداث التي رافقت ذلك((2)).
أمّا المصادر التي اعتمدها ابن الاثير في إيراده لأخبار المقتل فلم يُشِر إلي أيٍّ منها إلا أنَّ مجمل أخباره تتطابق بشكل كبير مع مادة الطبري، لاسيما وإنَّه أشار إلي اعتماده عليه في مقدمة كتابه، بقوله: «فابتدأتُ بالتاريخ الكبير الذي صنَّفه الإمام أبو جعفر الطبري إذ هو الكتاب المُعَّول عند الكافة عليه، والمرجوع عند الإختلاف إليه، فأخذتُ ما فيه من جميع تراجمه، لم أخلَّ بترجمة واحدة منها، وقد ذكر هو في أكثر الحوادث روايات ذوات عدد، كلُّ رواية منها مثل التي قبلها، أو أقلّ منها، وربّما زاد الشيء اليسير أو نقصه، فقصدتُ أتمَّ الروايات فنقلتها وأضفتُ إليها من غيرها ما ليس فيها، وأودعت كلَّ شيء مكانه، فجاء جميع ما في تلك الحادثة علي اختلاف طرقها سياقاً واحداً علي ما تراه، فلما فرغت منه أخذت غيره من التواريخ المشهورة فطالعتها وأضفت منها إلي ما نقلته من تاريخ الطبري ما ليس فيه، ووضعت كلَّ شيء منها موضعه...»((3)). وقد عرض ابن الأثير المقتل الحسيني ومقدماته وحيثياته، فابتدأ بذكر مقدِّمات المقتل السياسية التي تتعلَّق بمحاولة أخذ البيعة من الإمام الحسين(عليه السلام) وبعض الشخصيات المؤثِّرة في المجتمع آنذاك، وقد أورد نصاً روائياً في
ص: 74
حادثة البيعة يستحقُّ الوقوف وهو: «فقال الحسين: أظنُّ أنَّ طاغيتهم قد هلك فبعث إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشو في الناس الخبر، فقال عبد الله بن الزبير وأنا ما أظنُّ غيره فما تريد أن تصنع؟ قال الحسين: أجمع فتياني الساعة ثم أمشي إليهوأجلسهم علي الباب وأدخل عليه، قال: فإنِّي أخافه عليك إذا دخلت، قال: لا آتيه إلا وأنا قادر علي الإمتناع، فقام فجمع إليه أصحابه وأهل بيته، ثم أقبل علي باب الوليد وقال لأصحابه إني داخل فإذا دعوتكم أو سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليَّ بأجمعكم وإلا فلا تبرحوا حتي أخرج إليكم...»((1)).
يثير هذا النصُّ عدَّة تساؤلات تجعله في دائرة الشكِّ والريبة، منها كيف للإمام الحسين(عليه السلام) أن يفكِّر في اقتحام مقرِّ الوالي آنذاك بمجموعة من الفتيان علي حدِّ تعبير الرواية، وهل السلطة في المدينة منهارة في ذلك الوقت أم في أوجِّ قوتها؟ فضلاً عن ذلك أنَّ جلوس الفتيان علي الباب بحسب الرواية أمر مشكوك فيه فأين حرس الوالي أو الشرطة؟ إذ بمجرد أن يُنادي عليهم يقتحمون مقرَّ الوالي، وينقذون الإمام(عليه السلام)، ثم إنَّ استدعاء الوالي للإمام كان بشكل طبيعي لا يثير الريبة أو الشكَّ أو التخوُّف، بحيث يلجأ الإمام إلي أخذ حرس له؛ تخوّفاً من أن تعتقله السلطة، ولعلَّ آخر تشكيك يمكن أن نورده ما هي المسافة بين مكان جلوس الوالي والباب؟ أي الخارج الذي بمجرد أن يناديهم الإمام يسمعونه ويلبُّون نداءه، كلُّ هذه الأمور تجعل هذه الرواية مشكوكاً فيها.
ومن الجدير بالذكر أنَّ البلاذري((2)) أسبق من الناحية الزمنية من ابن الأثير، قد أورد هذه الحادثة، لكن بدون ذكر التفاصيل التي وردت في النصِّ أعلاه.
ص: 75
ويلاحظ أنَّ ابن الأثير قد وجَّه انتقاداً تاريخياً وتحليلاً لبعض فقرات الرواية التي ذكرت وصية معاوية بن أبي سفيان لولده يزيد، ونصُّها: «أمّا الحسين بن عليفهو رجل خفيف ولن يتركه أهل العراق حتي يخرجوه، فإن خرج وظفرت به فاصفح عنه؛ فإنَّ له رحماً ماسَّة وحقاً عظيماً، وقرابة من محمد، وأمّا ابن أبي بكر((1)) فإن رأي أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثله، ليس له همة إلا في النساء واللهو...»((2)).
إذ أشار ابن الأثير إلي أنَّ عبد الرحمن بن أبي بكر لم يكن علي قيد الحياة آنذاك، الأمر الذي دفعه إلي انتقاد تلك الرواية بقوله: «هكذا في هذه الرواية ذكر عبد الرحمن ابن أبي بكر، وليس بصحيح؛ فإنَّ عبد الرحمن بن أبي بكر كان قد مات قبل معاوية»((3))، وقد اختلفت المصادر في تحديدها لتأريخ وفاة عبد الرحمن، فبعضها أشارت إلي سنة ثلاث وخمسين للهجرة، علي حين رجّحت الأخري سنة الثمان والخمسين((4)).أشار ابن حجر برواية تؤكِّد وفاته قبل حصول عملية البيعة ليزيد بن معاوية، إذ قال: «وخرج إلي مكة فمات بها قبل أن تتمَّ البيعة ليزيد، وكان موته فجأة من نومة نامها
ص: 76
بمكان علي عشرة أميال من مكة، فحمل إلي مكة ودفن بها، ولما بلغ عائشة خبره خرجت حاجَّة فوقفت علي قبره فبكت...»((1)).
عقَّب ابن حجر بعد هذه الرواية إلي ذكر الآراء المختلفة في تحديد تأريخ وفاة عبد الرحمن، مرجِّحاً إيّاها بين سنة الثلاث والخمسين إلي الثمان والخمسين للهجرة((2)).
وعند مقارنة رواية ابن الأثير مع رواية الطبري((3)) نجدها طبق الأصل، مما يشير إلي أنَّ ابن الأثير قد نقلها اعتماداً علي تاريخ الطبري.
ولعلَّ نقد ابن الأثير للرواية والإختلاف بين المصادر في تاريخ وفاة عبد الرحمن، أكان موجوداً في عهد وصية معاوية أم لا، ينتج عدة احتمالات ونتائج مفيدة، منها:
1- الإحتمال الأول: أنَّ عبد الرحمن لم يكن علي قيد الحياة إبّان وصية معاوية وإنّما توفي قبلها، ويمكن قبول هذا الإحتمال لكن بعد تضعيف رواية ابن قتيبة والطبري وابن الأثير؛ ليصبح الإحتمال مقبولاً.
2- الإحتمال الثاني: وهو ما ذهب إليه أحد الباحثين، بقوله: «إنَّ ابن الأثير أراد من تأكيده وفاة عبد الرحمن أن يتخلَّص من التشكيك بشرعية ما فعله معاوية عن طريق الموقف المعارض لعبد الرحمن بن أبي بكر، فهو ابن الخليفة الأول علي كلِّ حال، فلا يبقي موقف أحد مشكلاً بالنسبة إليه إلا موقف ابن عمر وهو هين؛ لأنَّ أمره سيؤول إلي الموافقة في نهاية المطاف، أمّا ابن الزبير فتعساً له؛ منبوذ عند الجميع، فليس هو بمرضي عند أنصار موقف الحسين، ولا عند أنصار الموقف الآخر الذي مثَّله الإتجاه
ص: 77
الآخر الغالب في التاريخ»((1)).
3- الإحتمال الثالث: أنَّ عبد الرحمن كان موجوداً، وبعد الوصية بمدة وجيزة توفي، ويبدو هذا الإحتمال هو الأقرب للقبول، وهذا ما نجده في رواية البلاذري، بقوله: «وأمّا عبد الرحمن فشيخ عشمة، هامة اليوم أو غد وهو مشغول عنك بالنساء، وأمّا الذي يجثم لك جثوم الأسد، ويراوغك مراوغة الثعلب فإن أمكنته فرصة وثب، فهو عبد الله بن الزبير، فإذا فعلها فاستمكنت منه فلا تبقِ عليه، قطَّعه إربا إربا إلَّا أن يلتمس منك صلحا، فإن فعل فاقبل منه، واحقن دماء قومك ما استطعت، ولم يمكث إلَّا يسيراً حتّي أتاه موت عبد الرحمن بن أبي بكر فدعا يزيد فبشّره بذلك...»((2)).
ونفي ابن الأثير حضور يزيد في مرض معاوية ووصيته بقوله: «وقيل:إنَّ يزيد كان غائباً في مرض أبيه وموته... وهو الصحيح»((3))، ويتفق ابن الأثير مع منسبقه من المؤرِّخين((4)) في هذا الرأي.
ويورد ابن الأثير بعض الروايات التي نشكِّك بمصداقيتها، منها حديث الإمام الحسين(عليه السلام) مع أخته زينب بنت علي(عليهما السلام) قائلاً: «يا أخية لا يذهبن بحلمك الشيطان، قال بأبي أنتِ وأمي استقلت نفسي لنفسك الفداء فردَّد غصته وترقرقت عيناه، ثم قال: لو تُرك القطا ليلاً لنام، فلطمت وجهها وقالت وا ويلتاه أفتغصبك نفسك اغتصابا فذلك أقرح لقلبي، وأشدُّ علي نفسي، ثم لطمت وجهها وشقَّت جيبها، وخرَّت مغشياً
ص: 78
عليها، فقام إليها الحسين فصبَّ الماء علي وجهها، وقال اتقِ الله وتعزَّي بعزاء الله، واعلمي أنَّ أهل الأرض يموتون، وأهل السماء لا يبقون وأنَّ كلَّ شيء هالك إلا وجه الله...»((1)).
ومن الجدير بالذكر أنَّ هذه الرواية قد أوردها مسكويه((2)) لم ترد فيها العبارات التي لا تليق بالسيدة زينب(عليها السلام) من قبيل (شقَّت جيبها)، مما يشير إلي أنَّ تلك الفقرات أضيفت إلي الرواية لاحقاً من قبل بعض المؤرخين، ولعلَّ سبب ذكرها هو للطعن بالسيدة زينب(عليها السلام)، والتقليل من مكانتها وأثرها في النهضة الحسينية.
استخدم ابن الأثير أحياناً منهج تعدُّد الروايات في أخبار المقتل، وإن كان بشكلمحدود، من قبيل تحديده لحاملي رأس الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه إلي الوالي عبيد الله بن زياد، فأورد هنا روايتين الأولي:تشير إلي أنَّ حاملي هذه الرؤوس هما كلٌّ من «خولي بن يزيد وحميد بن مسلم الأزدي»((3))، علي حين ذكرت الرواية الثانية:أنَّ حاملي الرؤوس هم «شمر بن ذي الجوش وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجاج وعروة بن قيس»((4))، ومن الملاحظ أنَّ الرواية الأولي تتفق مع ما ذهب إليه الطبري والنويري((5)).
وبالمنهج نفسه أورد ابن الأثير روايتين في تحديده للوفد الذي رافق السبي إلي
ص: 79
الشام بقوله: «ثمّ أرسل ابن زياد رأس الحسين ورؤوس أصحابه مع زحر بن قيس((1)) إلي الشام إلي يزيد ومعه جماعة، وقيل: مع شمر بن ذيالجوشن وجماعة معه، وأرسل معه النساء والصبيان...»((2))، وهنا يرجح ابن الأثير الرواية الأولي ويوردها بكلِّ تفاصيلها ويعتمدها((3))، ولعلَّ هذه الإشارات المنهجية التي عرضناها هي أهمُّ النقاط التي عرضها ابن الأثير لمادة المقتل.
تُعدُّ كتب الأنساب من المصادر المهمة في التاريخ الإسلامي؛ إذ تزود الباحث بمادة تاريخية خصبة لما تحويه من معارف شتَّي، كمعرفة أسماء الرجال وأحوالهم وأقوالهم ومراتبهم((4))، ومن هنا تأتي أهمية هذه الكتب في ذكر مَنْ شارك في معركة
ص: 80
الطفِّ، ومعرفة أثرهم في ذلك، وسنعتمد في عرض آراء أبرز المؤرِّخين الذين صنَّفوا في هذا المجال وفق التسلسل الزمني:
أورد ابن الكلبي تفاصيل مَن شارك في ثورة الإمام الحسين(عليه السلام)، وذكر منهم قيس بن مسهر الصيداوي((1)) الذي أرسله الإمام الحسين(عليه السلام)إلي أهل الكوفة وكتب إليهم كتاباً، فلما وصل إلي القادسية((2))، تمَّ اعتقاله من قبل أعوان السلطة الأموية((3)).
وفي رواية أخري ذكر فيها الحرَّ بن يزيد((4)) بقوله: «لما عرض الإمام الحسين علي ابن مرجانة ما عرض فلم يقبل منه وصار الحرُّ إلي الحسين(عليه السلام) فقاتل معه حتي قُتل»((5)) ومن هنا يتضح لنا بأنَّ الحرَّ بن يزيد التحق مع بعض الأنصار من معسكر الجيش الإموي إلي معسكر الإمام الحسين(عليه السلام) وقاتلوا بين يديه حتي استُشهِدوا.
ص: 81
أمّا في كتابه نسب معد واليمن الكبير فهو من عنوانه يعرض لنا أنساب القبائل اليمنية، إلا أنَّه أورد فيه أسماء مَن كان مع الإمام الحسين(عليه السلام) في واقعةالطفِّ بقوله: «اخرج النفر المذحجيون إلي الحسين بن علي(عليه السلام) بالكوفة»((1))، والملاحَظ علي الرواية أنَّها لم تحدِّد عدد هؤلاء الرجال، ومَن هم، علي حين نجد أنَّ الطبري أورد رواية قريبة إلي هذا المعني، إذ ذكر بأنَّ هناك أربعة فتيان من اليمن جاؤوا إلي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وعرضوا له قضية تتعلَّق بأختهم فقام الإمام(عليه السلام) بحلها، فتعجبوا من ذلك، وبقوا في الكوفة مرافقين للإمام علي(عليه السلام)، ثم للإمام الحسن(عليه السلام)، ثم جاؤوا مع الإمام الحسين(عليه السلام) إلي كربلاء واستُشهِدوا معه((2)).
ومن الملاحظ أنَّ هؤلاء الفتية لم تذكرهم المصادر الأولية - بحسب اطلاعنا - وقد انفرد الطبري بذكرهم دون الإشارة إلي أسمائهم، ويُحتمل من خلال المقارنة بين الروايتين أنَّ المذحجيين المشار إليهم من قبل ابن الكلبي الذين خرجوا مع الإمام الحسين(عليه السلام) هم الفتية أنفسهم الذين ذكرهم الطبري، وقد استُشهِدوا في معركة الطف.
تركَّزت معظم رواياته علي مادة المقتل من خلال ذكره لقتلي بني هاشم، وعرض أنسابهم ووفياتهم((3)).
ومن الروايات التي تستحقُّ الوقوف والتأمل التي ذكرها مصعب الزبيري
ص: 82
قوله: «لما قُتل الحسين قال عمر بن سعد لا تعرضوا لهذا المريض، قال عليبن الحسين فغيبني رجل منهم، وأكرم نزلي، واحتضنني وجعل يبكي كلما خرج ودخل، حتي كنت أقول: إن يكن عند أحد من الناس وفاءٌ فعند هذا! إلي أن نادي منادي ابن زياد: ألا من وجد علي بن حسين فليأتِ به، فقد جعلنا فيه ثلاثمائة درهم! قال: فدخل والله عليَّ وهو يبكي وجعل يربط يديَّ إلي عنقي وهو يقول: أخاف، فأخرجني والله إليهم مربوطاً حتي دفعني إليهم، وأخذ ثلاثمائة درهم وأنا أنظر إليها فأخذت وأدخلت علي ابن زياد، فقال ما اسمك؟ فقلت علي بن حسين، قال أو لم يقتل الله عليا؟ قلت كان لي أخ يقال له علي أكبر مني قتله الناس، قال بل الله قتله، قلت الله يتوفي الأنفس حين موتها...»((1)).
يمكن تسجيل عدَّة ملاحظات نقدية حول هذه الرواية، منها: محاولتها بشكل غير مباشر النيل من مكانة وشخصية الإمام علي بن الحسين(عليه السلام)، ثم هل من المعقول أن يلجأ الإمام السجاد(عليه السلام) الذي ضَربَ أروع صور البطولة والتضحية إلي الاختباء خوفاً من السلطة الأموية؟ فضلاً عن ذلك أنَّ الرواية ذكرت أنَّ عمر بن سعد قد عفا عنه، فما الداعي إلي الإختباء أو الخوف؟ وإن كان الجواب أنَّ تصرف عمر بن سعد شخصي ولا علم للسلطة فيه، فهذا غير ممكن؛ لكون عمر بن سعد من أبرز رجالات السلطة الأموية، ومن المطيعين لأوامرها، وقد قتل الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته من أجل الدنيا وتنفيذ رغبات تلك السلطة، فكيف يخالفها ويعصي أوامرها من أجل العفو عن الإمام السجاد(عليه السلام)؟ يضاف إلي ذلك أنَّها لم تحدِّد شخصية الرجل الذي غيَّب الإمام(عليه السلام) عنده، وإنماجعلته مجهولاً وهذا ما يثير
ص: 83
الشكَّ، ثم كم استمر اختفاء الإمام(عليه السلام) وهل ترك حرم رسول الله خلال مدة الإختباء؟ فضلاً عن ذلك أنَّ ميول وتوجهات المؤلف لا تنسجم مع أهل البيت؛ لكونه من آل الزبير، كلُّ هذا يجعلنا نشكِّك في مصداقية هذه الرواية ونجعلها في عداد الروايات الموضوعة التي لا يمكن الإعتماد عليها والركون إليها مطلقاً.
كما أورد مصعب الزبيري رواية في طلب البيعة ليزيد بعد وفاة معاوية؛ إذ أرسل والي المدينة الوليد بن عتبة إلي الإمام الحسين(عليه السلام) وعبد الله بن الزبير وطلب بيعتهما، فقالا: «نصبح ويجتمع الناس فنكون منهم، فقال مروان بن الحكم إن خرجا من عندك لن ترهما فنازعه ابن الزبير الكلام وتغالظا، حتي قام كلُّ واحد منهما إلي صاحبه فتناصيا، فقام الوليد فحجز بينهما حتي خلَّص كلَّ واحد منهما من صاحبه...»((1)) وعند مقارنة هذه الرواية مع المصادر التاريخية نجدها تتعارض معها في مسألة مهمة ألا وهي خروج الإمام الحسين(عليه السلام) مع عبد الله بن الزبير لمقابلة والي المدينة، فقد نفي الدينوري أنَّ ابن الزبير كان مع الإمام الحسين(عليه السلام) في طريقه إلي مكة((2)) ويتفق معه الطبري في هذا المعني بقوله: «إن ابن الزبير خرج قبل الحسين(عليه السلام) بليلة...»((3)) ويؤيد هذه الرواية المفيد في نفيه مصاحبة ابن الزبير للإمامالحسين(عليه السلام) في مقابلته لوالي المدينة((4)).
لعلَّ السبب الذي دفع مصعب الزبيري لإيراد هذه الرواية هو العامل ألقبلي،
ص: 84
المتمثِّل بالقرابة النسبية التي تربطه مع عبد الله بن الزبير؛ إذ أراد أن يُظهره بموقف مُشرِّف ومُناصر للإمام الحسين(عليه السلام)، علي حين كان هدف ابن الزبير حصوله علي السلطة، ومن الملاحَظ أيضاً أنَّ هذه الرواية أوردها ابن عساكر((1)) عن طريق الزبير ابن بكار (ت 256ﻫ/858م)((2))، مما يؤيِّد أنَّ تلك الرواية قد نظَّر لها رواة آل الزبير وهم مصدرها الأساس، وعلَّق أحد الباحثين حول هذه الرواية بقوله: لو كان الاثنان قد ذهبا فما موقف الإمام الحسين(عليه السلام) من هذا النزاع؟ ولماذا بقي متفرِّجاً ولم يسند صاحبه ولو بكلمة؟»((3))، ومن هنا نستبعد هذه الرواية ونشكِّك بمصداقيتها.
يُعدُّ كتاب أنساب الأشراف((4)) من المصادر الأساسية والمهمة عن المقتل؛ لأنَّ مادته التاريخية قد استوعبت مساحة واسعة من مقدمات وأحداث ونتائج المقتل، إذذكر البلاذريّ عدداً من الأخبار حول الإمام الحسين(عليه السلام) بخصوص ولادته(عليه السلام) وأولاده، ثم شرع ببيان واقعة كربلاء، وكانت الروايات الأولي التي أوردها تتحدّث عن علاقة الشيعة بالإمام الحسين(عليه السلام) منذ صلح الإمام الحسن(عليه السلام) مع معاوية بن أبي سفيان.
ويلاحظ أنَّ البلاذري قسَّم المقتل علي أربع مراحل هي:
ص: 85
أولاً: شخوص الإمام الحسين(عليه السلام) إلي مكة.
ثانياً: مراسلات أهل العراق له(عليه السلام).
ثالثاً: خروجه(عليه السلام) إلي الكوفة.
رابعاً: إستشهاده(عليه السلام)، وبعد مقارنة مرويات تلك المحاور وجدناها مطابقة مع ما موجود عند الطبري في تاريخه((1)).
أما المنهج التاريخي الذي اتبعه البلاذري في إيراده أحداث المقتل، فيمكن تلخيصه بعدة نقاط أساسية هي:
1- استعمل في إيراد روايات المقتل منهج التركيب مثلما فعل اليعقوبيّ والدينوريّ، لذا نراه بدلاً من ذكر سند مستقلّ لكلّ خبر، كان في أغلب الحالات يكتفي بنقله مكتفياً بعبارة: «قالوا»((2))، ويعلِّل أحد الباحثين سبب استعمال البلاذريلهذه الصيغة: (قالوا) في مصادره، بقوله: «ويظهر أنَّ بعض الروايات كانت مقبولة لدي عامة المؤرخين كما يظهر من بعض أخباره التي تبدأ ب-(قالوا)»((3)).
2- أشار في بعض مروياته إلي سندها كما في نقله عن أبي مخنف((4))، وعوانة بن
ص: 86
الحكم((1))، والهيثم بن عدي((2)) وعمر بن شبه((3))((4)) والواقدي((5)) والمدائني((6)).وغيرهم((7)).
استعرض البلاذري مجمل الأحداث الخاصة بالمقتل، منها حديثه لبيان بعض أسباب خروج الإمام الحسين(عليه السلام) إلي العراق((8))، ومن الروايات التي أوردها
ص: 87
وتستحقُّ الوقوف عليها هي أنَّ عبد الله بن عباس قال: «استشارني الحسين في الخروج فقلت: والله لولا أن يزري((1)) بي وبك لنشبت يدي في رأسك، فقال والله لأن أُقتل بمكان كذا وكذا أحبُّ إليّ من أن يُستحلَّ بي هذه الحرمة غداً»((2)).وهنا عدَّة إشكالات نقدية يمكن تسجيلها ضدَّ هذه الرواية منها:هل من المعقول أن يستشير الإمام الحسين(عليه السلام) ابن عباس في مسألة مفصلية ألا وهي الجهاد ضد السلطة الأموية الحاكمة وهو إمام زمانه؟ ثم هل إنَّ ابن عباس أعرف بمصلحة الإمام الحسين(عليه السلام) من نفسه لكي يعمل علي منعه؟ ثم كيف لابن عباس أن يسلك أُسلوباً عنيفاً مع إمام معصوم بهذه الطريقة؟
من خلال دراستنا لمرويات البلاذري الخاصة بالمقتل نجده قد انفرد بجملة من الأخبار والأحداث منها قوله إنَّ الوالي عبيد الله بن زياد بعث برأس عمارة بن صلخب((3)) مع رأسي مسلم بن عقيل(عليه السلام) وهانئ بن عروة(عليه السلام) إلي يزيد بن معاوية((4)).
ومن الأخبار الأخري التي أوردها البلاذري موقف الإمام الحسين(عليه السلام) من الرسول((5)) الذي أبلغه بمقتل مسلم بن عقيل(عليه السلام) فصور البلاذري ذلك الموقف،
ص: 88
بقوله: «فلم يلتفت إلي قوله وأبي إلا القدوم إلي العراق»((1)).
وانفرد أيضاً بقول للإمام الحسين(عليه السلام) موجِّهاً أصحابه ليلة العاشر منالمحرم: «ما كانت كتب مَن كتب إليَّ - فيما أظنُّ - إلا مكيدة لي وتقرباً إلي ابن معاوية بي»((2)).
وهذه الرواية يمكن أن تُسجل عليها عدة نقاط سلبية، منها:هل إنَّ خروج الإمام الحسين(عليه السلام) ضدَّ السلطة الأموية كان بدافع مراسلة أهل العراق له ولولاها لما خرج؟ هذا ما أرادت الرواية إيصاله مع أنَّ هذا الأمر مردود؛ لأنَّ استعدادات الإمام الحسين(عليه السلام) للخروج ضدَّ السلطة الأموية ومقدمات ذلك، سبقت مراسلة الكوفيين له((3))، كما أنَّ الرواية توحي بتحميل أهل العراق وتحديداً أهل الكوفة مسؤولية ما جري للإمام الحسين(عليه السلام) من الأحداث المؤلمة، لأنَّهم هم من كاتبوه(عليه السلام).
يبدو أنَّ سبب إيراد البلاذري لمثل هذه الروايات وأشباهها كونه كتب مصنّفه أنساب الأشراف في عصر الدولة العباسية، ومن المؤكَّد أنَّ الحكّام العباسيين أرادوا الطعن بالكوفة والنيل منها؛ لكونها رمزاً ومقرَّاً للحركات والثورات العلوية، لكي لا تشكِّل خطراً عليهم، لا سيما وأنَّ البلاذري كانت له علاقات وثيقة مع بعض الحكام العباسيين((4))، هذا من جانب ومن جانب آخر أنَّ البلاذري وعلي حدِّ تعبير أحد الباحثين كان عثمانيَّ الهوي((5)).
ص: 89
ص: 90
يركِّز هذا المبحث علي أخبار المقتل التي وردت في كتب الفتوح والطبقات والتراجم العامة والخاصة بتراجم أئمة آل البيت(عليه السلام)، ويتناول تلك الروايات بالنقد والتحليل، مع بيان مناهج مؤلفيها.
تُعدُّ من المصادر المهمة والأساسية في إثراء التراث الاسلامي بالأحداث والأخبار التأريخية، وكان اهتمامها الأوَّل منصبَّاً علي الفتوحات الإسلامية سواء في الشرق أم في الغرب((1))، ويلاحَظ أنَّه باستثناء كتاب الفتوح لابن أعثم، لم تستعرض أيّ روايات أو اخبار واقعة الطف، ولعلَّ ذلك يعود إلي طبيعة تلك المؤلَّفات، إذ ركَّزت اهتمامها علي الفتوحات ومتعلقاتها، وعلي هذا النحو سيكون تركيزنا علي كتاب الفتوح لابن أعثم، ودراسة رواياته ومقارنتها بالمصادر التاريخية الأخري.
كتاب الفتوح لابن أعثم (المتوفي في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي)((2))
صنَّف ابن أعثم كتابه الفتوح (وفق التسلسل الزمني للأحداث)؛ لبيان وقائعالتاريخ الإسلاميّ منذ وفاة النبيّ(صلي الله عليه و آله) لاسيما الحروب والفتوحات التي خاضها
ص: 91
الخلفاء والولاة المسلمون، وعندما وصل إلي أحداث سنة (60-61 ﻫ/679-680م) ابتدأها بتناول واقعة الطف ومقدماتها التي خصّص لها مساحة واسعة من صفحات كتابه، قُدِّرت ب- مائة وخمسين صفحة((1))، وهذا ما يؤكِّد أهمية وغزارة المادة التاريخية لواقعة الطف عند ابن أعثم، وقد أجمل ابن أعثم المحاور الأساسية التي استعرضها في فتوحه، وفق النحو الآتي:
1- ذكر أخبار الكوفة وما كان من كتبهم إلي الحسين(عليه السلام).
2- ذكر خروج مسلم بن عقيل(عليه السلام) نحو العراق.
3- ذكر نزول مسلم بن عقيل الكوفة واجتماع الشيعة إليه للبيعة.
4- ذكر مسير عبيد الله بن زياد ونزوله الكوفة وما فعل بها.
5- ذكر هانئ وعبيد الله بن زياد.
6- ذكر مسلم بن عقيل وخروجه علي عبيد الله بن زياد.
7- ذكر دخول مسلم بن عقيل علي عبيد الله بن زياد وما كان من كلامه وكيف قُتِل.
8- ذكر هانئ بن عروة ومقتله.
9- ابتداء أخبار الحسين بن علي(عليه السلام).
10- ذكر الحرِّ بن يزيد الرياحي.
11- ذكر نزول الحسين(عليه السلام) أرض كربلاء.
12- ذكر اجتماع العسكر إلي حرب الحسين(عليه السلام).
13- ذكر ابتداء الحرب بين الحسين وبين القوم.
ص: 92
14- ذكر كلام زينب بنت علي(عليهما السلام).
15- ذكر دخول القوم علي عبيد الله بن زياد.
16- ذكر عبد الله بن عفيف الأزدي(رحمة الله) ومقتله علي يد عبيد الله بن زياد((1)).
هذه أبرز المحاور التي سار علي وفقها ابن أعثم، وقد اتَّبع في إيرادها المنهج الموضوعي بأسلوب قصصي هو أقرب إلي منهج اليعقوبيّ والدينوريّ، الذي كان عماده الأساسي عدم ذكر الأسانيد، وبنحوٍ تركيبيّ إذ إنَّه يسمِّي رواته بصورة جمعية، ويتمحور هذا المنهج عند ابن أعثم من خلال ذكره لأخبار واقعة الطف بذكر من أخذ عنهم، ويبدأ بالقراءة المباشرة عن رواته، وينتهي بأسماء كثيرة، وتمثل ذلك.
في قوله: «حدثني أبو الحسن أحمد بن الحسين النيسابوري((2)) قال: حدثني محمد بن القاسم المديني((3)) عن أبي حازم((4)) مولي ابن عباسعن ابن عباس، قال:وحدثني علي ابن عاصم((5)) عن الحصين بن عبد الرحمن((6)) عن أبيه عن مجاهد((7)) عن ابن عباس... عن
ص: 93
رجاله كلِّهم قد حدَّث بهذا الحديث وبعضهم أوعما له من بعض وزيادته ونقصانه علي من نقله إلينا وقرأه علينا»((1))، والقائمة طويلة، وقد ضمَّت في رواتها بعضاً من الرواة المشهورين((2)).
أمّا الميول المذهبية لابن أعثم فيشير أحد الباحثين إلي ذلك بقوله: «وتظهر الميول العلوية أيضاً قوية جداً عند ابن أعثم في قصة استشهاد الحسين بن علي(عليه السلام)، حيث تناولها بشيء من التفصيل، ولم يحاول ابن أعثم نقد أو إلغاء أو إبراز رواية دون أخري من مروياته عن العصر الأموي بصورة عامة، وحركات العلويين وأنصارهم بصورة خاصة، ونادراًما نري روايات في صالح الأمويين، أو دفعها مسؤولية بعض الأعمال عنهم، ونري فكرة حرية الإرادة ومسؤولية البشر عما يقترفون واضحة في بعض ما كتبه الرواة ذوو الميول العلوية مثل أبي مخنف، وخاصة فيما يورده عن حركة الحسين بن علي(عليه السلام)، وحركة التوابين، وحركة المختار، وحركة زيد بن علي(رضي الله عنه). وابن أعثم في تناوله لهذه الحركات كلها لم يستطع أن يكبت حقده لقتلة آل البيت وأنصارهم ونعتهم بأشنع الألقاب، مثل زياد (لعنه الله)، وشمر بن ذي جوشن (لعنه الله)، وتارة أخري (عدوّ الله)، وتظهر ميول ابن أعثم العراقية أيضاً واضحة في أخبار العصر هذا، فهو
ص: 94
يقول: «فحمل أهل العراق علي أهل الشام، فانهزموا وقد ألقي الله الرعب في قلوبهم»»((1)).
وأضاف الباحث قائلاً: «إنَّه ومن خلال مقابلة بعض روايات ابن أعثم عن العصر الأموي مع مثيلاتها في المصادر الأخري، يظهر الوهن واضحاً عليها، منها بعث الوليد ابن عتبة (أميرالمدينة ليزيد) لأربعة نفر من قريش بينهم عبد الرحمن بن أبي بكر، لمبايعة يزيد. ولكنَّ مصادرنا الأخري تشير إلي أنَّ عبد الرحمن مات بمكة قبل أن تتمَّ البيعة ليزيد، وذلك في عهد معاوية سنة ثمان وخمسين للهجرة، وذُكِر أنَّه مات سنة قدوم معاوية إلي المدينة لأخذ البيعة ليزيد. وفي مكان آخر ذكر ابن أعثم أنَّ مسلم بن عقيل ضرب بكير بن حمران الأحمري وقتله، في حين أنَّ المصادر تشير إلي أنَّ مسلماً ضرب بكير فأصابه، ولما أُسِر مسلم طلب عبيد الله بنزياد من بكير قتل مسلم فقتله»((2)).
سارت دراستنا لروايات ابن أعثم الخاصة بالمقتل باتجاهين، الأول:المقارنة (وتحديداً مع روايات الطبري)، والثاني:مناقشة الروايات المنفردة أو المتناقضة، أمّا الإتجاه الأول من الدراسة فيتركَّز حول بيان أوجه الإختلاف بين مرويات ابن أعثم ومادة الطبري التاريخية عن المقتل، فضلاً عن دراسة الروايات التي أوردها ابن أعثم وأحجم عنها الطبري أو العكس.
أشار أحد الباحثين إلي المقارنة بين روايات الطبري وابن أعثم وبيانه لأهميتها قائلاً: «إنَّ المدقِّق المتتبع لما جاء في المادة التاريخية عن حركة الإمام الحسين(عليه السلام) في كتب التاريخ الإسلامي، يجد أنَّ مادة الطبري التاريخية عنها لا يمكن مقارنتها من حيث الكم والمضمون مع أيٍّ من المؤرخين باستثناء المادة التاريخية التي جاء بها ابن أعثم
ص: 95
الكوفي المعاصر((1)) للطبري»((2)).
وبعد دراسة كلا المصدرين تأريخ الطبري والفتوح يلاحَظ أنَّ ابن أعثم أورد روايات وأخباراً تخصُّ المقتل ومقدماته، قد غفل عنها الطبري، أو أورد بعضها بإشارات بسيطة ومشوَّشة، وسنذكر أبرز تلك الروايات وبشكل نقاط منها:1- بدأ ابن أعثم أخباره عن المقتل برؤيا الإمام الحسين(عليه السلام) قائلا: «وخرج الحسين بن علي من منزله ذات ليلة وأتي إلي قبر جدِّه(صلي الله عليه و آله) فقال: السلام عليك يا رسول الله أنا الحسين بن فاطمة، أنا فرخك وابن فرختك وسبطك في الخلف الذي خلَّفت علي أمَّتك فاشهد عليهم يا نبي الله أنَّهم قد خذلوني وضيعوني وأنَّهم لم يحفظوني... ثم رجع الحسين إلي منزله مع الصبح، فلما كانت الليلة الثانية خرج إلي القبر أيضاً فصلَّي ركعتين، فلما فرغ من صلاته جعل يقول: اللهمَّ! إنَّ هذا قبر نبيك محمد، وأنا ابن بنت محمد، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللهم! وإنِّي أحبُّ المعروف وأكره المنكر...»((3)).
ويستمرُّ النصُّ «ثم جعل الحسين يبكي حتي إذا كان في بياض الصبح وضع رأسه علي القبر فأغفي ساعة، فرأي النبي قد أقبل في كبكبة من الملائكة... حتي ضمَّ الحسين إلي صدره وقبَّل بين عينيه وقال: يا بني! يا حسين! كأنك عن قريب أراك مقتولا مذبوحا بأرض كرب وبلاء من عصابة من أمتي، وأنت في ذلك عطشان لا تُسقي وظمآن لا تروي وإنَّ لك في الجنة درجات لن تنالها إلا بالشهادة. قال: فجعل الحسين
ص: 96
ينظر في منامه إلي جده ويسمع كلامه وهو يقول: يا جداه! لا حاجة لي في الرجوع إلي الدنيا أبدا فخذني إليك، واجعلني معك إلي منزلك. قال: فقال له النبي: يا حسين! إنه لا بدَّ لك من الرجوع إلي الدنيا حتي تُرزق الشهادة، وما كتب الله لك فيها من الثواب العظيم... قال: فانتبه الحسينمن نومه فزعا مذعورا، فقصَّ رؤياه علي أهل بيته وبني عبد المطلب، فلم يكن ذلك اليوم في شرق ولا غرب أشدَّ غماً من أهل بيت الرسول ولا أكثر منه باكياً وباكية»((1)).
إنَّ هذه الرواية لا تخلو من بعض الإشكالات النقدية والمناقشة لها مما يجعلها في دائرة الشكِّ، ومن أبرزها:
أ - إنَّها تعد من المرويات التي انفرد بها ابن أعثم دون بقية المؤرخين، ولم يوردها من سبقه من المؤرخين من الناحية الزمنية أمثال الدينوري في الأخبار الطوال، والبلاذري في أنساب الأشراف، والطبري في تاريخه، علي الرغم من أنَّ الأخير قد أورد مادة تاريخية جيدة عن المقتل ومقدماته من ناحية الكم والمضمون، ومن ثم تُعدُّ هذه الرواية من الروايات المنفردة.
ب - الرواية تصوّر الإمام الحسين(عليه السلام) وقد غفا علي قبر جده الرسول محمد(صلي الله عليه و آله)، وبعدها دخل في مرحلة النوم، فرأي جدَّه ونحن نتساءل ما الحكمة من نوم الإمام(عليه السلام)؟ ويا تري كم استغرق ذلك النوم من وقت لكي تكتمل فصول الرؤيا؟
ج - والرواية توحي أيضاً بأنَّ الإمام الحسين(عليه السلام) كان خائفاً من مصيره ومستقبله بحيث طلب من جده(صلي الله عليه و آله) أن لا يرجعه إلي الدنيا - ومن ثَمَّ لا يكون وجود لواقعة الطف - وأن ينقله إلي منزله؛ لكي يتخلَّص من الأحداث العصيبة التي تنتظره،
ص: 97
وهذا يتنافي مع إيمان وعقيدة ومبادئ الإمام الحسين(عليهالسلام) - كما أنَّ هذا يتعارض مع ما أخبر به رسول الله من الأخبار المستقبلية التي تحدَّثت عن مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) - ثم ترجع الرواية مرة أخري لتؤكد خوف الإمام الحسين(عليه السلام) لتقول (فانتبه الحسين من نومه فزعاً مذعوراً)، ولا شكَّ أنَّ الإمام(عليه السلام) لم يكن مذعوراً، لأنَّه كان يعرف ما سيجري عليه من القتل والسبي والمتاعب في دار الدنيا، وقد أثبت هذا المعني العديد من النصوص التاريخية((1)).
وبعد مقارنة هذه الرواية مع مادة المقتل التي أوردها الطبري((2)) يتضح لنا أن هذه الرواية لم ترد بهذه التفاصيل الدقيقة إطلاقاً، وإنما أشار إليها الطبري بشكل بسيط دون ذكر أيّ من التفاصيل التي أوردها ابن أعثم.
2- روي ابن أعثم خبراً يتعلَّق بوصية الإمام الحسين(عليه السلام) لأخيه محمد بن علي بن ابي طالب(عليه السلام)، المعروف ب-(ابن الحنفية) والتي نصُّها: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصي به الحسين بن علي بن أبي طالب لأخيه محمد بن الحنفية ولد علي بن أبي طالب: إنَّ الحسين بن علي يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنَّ محمدا عبده
ص: 98
ورسوله، جاء بالحق من عنده، وأنَّ الجنة حقٌّ والنار حقٌّ. وأنَّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنَّ الله يبعث من في القبور، وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنَّما خرجت لطلب النجاح والصلاح في أمة جدي محمد أريد أن آمر بالمعروف، وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدي محمد وسيرة أبي علي بن أبي طالب، وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين(رضي الله عنهم)، فمن قبلني بقبول الحقِّ فالله أولي بالحق، ومن ردَّ عليَّ هذا أصبر حتي يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، ويحكم بيني وبينهم بالحق وهو خير الحاكمين، هذه وصيتي إليك يا أخي وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، والسلام عليك وعلي من اتبع الهدي، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم: ثم طوي الحسين الكتاب وختمه بخاتمه ودفعه إلي أخيه محمد بن الحنفية، ثم ودَّعه وخرج في جوف الليل يريد مكة بجميع أهله»((1)).
يُلاحَظ أنَّ الطبري لم يورد هذه الرواية بكلِّ تفاصيلها، ولعلَّ ذلك مدعاة إلي نقده لعدم إيراده لهذه الوصية، لكونها مهمة من جهتين: الأولي لأنَّها تشكِّل مادة تاريخية مهمة في بناء رواية المقتل وتحدِّد معالمه الأساسية، أما الجهة الأخري فتتمثَّل باحتواء تلك الوصية علي نقاط أساسية في بيان جزء من الأسباب الحقيقيةالتي دفعت بالإمام الحسين(عليه السلام) إلي الثورة ضدَّ الحكم الإموي المستبدّ والمتمثلة بالإصلاح بكافة أشكاله، ولعلَّ أحد الإحتمالات التي دفعت الطبري إلي عدم ذكر تلك الوصية هو النظرة التي تبناها في مصنَّفه من كون خروج الإمام الحسين(عليه السلام) ضدَّ السلطة الأموية لم يكن بدافع ديني عقائدي (أمر بالمعروف ونهي عن المنكر)، وإنَّما كان لظروف قد استجدَّت سواء علي الصعيد السياسي أم المجتمعي، والتي حرَّكت
ص: 99
الإمام الحسين(عليه السلام) للقيام بثورة ضدَّ الحكم الأموي، منها كما أشار إليها أحد الباحثين مراسلة الكوفيين له((1)).
3- وقد ورد اختلاف عند كلا المؤرِّخَين في معرض بيان نصيحة محمد بن الحنفية للإمام الحسين(عليه السلام) إذ ذكر الطبري وصية محمد لأخيه الإمام الحسين(عليه السلام) بقوله: «يا أخي أنت أحبّ الناس إليَّ وأعزَّهم عليَّ ولست أدّخر النصيحة لأحد من الخلق أحقّ بها منك تنحَّ بتبعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثم ابعث رسلك إلي الناس فادعُهم إلي نفسك... قال له الحسين فإني ذاهب يا أخي، قال فأنزل مكة فإن اطمأنَّت بك الدار فسبيل ذلك، وإن نَبَتْ بك لحقتَ بالرمال وشعوف الجبال، وخرجتَ من بلد إلي بلد حتي تنظر إلي ما يصير أمر الناس...»((2)).
في حين يُلاحَظ أنَّ الرواية تلك قد أوردها ابن أعثم لكن مع بعض الزيادات فيها، إذ أورد فيها أنَّ ابن الحنفية قد أشار للإمام الحسين(عليه السلام) بالذهاب إليبلاد اليمن؛ إذ يقول: «وإن تكن الأخري خرجت إلي بلاد اليمن؛ فإنَّهم أنصار جدِّك وأخيك وأبيك، وهم أرأف الناس وأرقَّهم قلوبا، وأوسع الناس بلاداً، وأرجحهم عقولاً، فإن اطمأنَّت بك أرض اليمن وإلا لحقت بالرمال وشعوب الجبال، وصرت من بلد إلي بلد لتنظر ما يؤول إليه أمر الناس ويحكم بينك وبين القوم الفاسقين...»((3)).
وقد علَّق أحد الباحثين علي هذا الإختلاف بقوله «ويكشف ابن أعثم عن ميوله اليمنية عندما يذكر نصيحة محمد بن الحنفية للإمام الحسين(عليه السلام) باختياره بلاد
ص: 100
اليمن»((1))، ونحن لا نتفق مع هذا الرأي؛ لأنَّنا لا نجد أيَّة علاقة بين ابن أعثم وبلاد اليمن؟ لكي تكون هناك ميولٌ يمانية لديه، لكن نرجِّح وجود ميول علوية دفعته إلي إيراد مثل هكذا خبر، بوصفه بلاد اليمن بأنَّها قاعدة موالية لأهل البيت علي حدِّ تعبير الرواية علي لسان ابن الحنفية.
وفي تحليل لأحد الباحثين عن سبب امتناع الإمام الحسين(عليه السلام) من التوجُّه نحو اليمن معلِّلاً ذلك بقوله «لموقعها الجغرافي حيث كانت اليمن بعيدة عن الرأي العام الإسلامي آنذاك، وبالتالي سوف يؤدي ذلك إلي طمس معالم ثورته التي أراد أن يسمع بها القاصي والداني فيحقِّق بذلك أهداف هذه الثورة، علاوة علي ذلك أنَّ أهل اليمن لم يكاتبوه ولم يبايعوه»((2)).4- ومن المواد التاريخية التي أغفلها الطبري في بناء رواية المقتل والتي شكَّلت خللاً في المادة التاريخية لديه، هي خطبة السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب(عليه السلام) أمام والي الكوفة عبيد الله بن زياد، تلك الخطبة التي أوردها ابن أعثم بنصِّها وبتفاصيلها الدقيقة((3))، ولعلَّ عدم إيراد الطبري لتلك الخطبة يُعدُّ من أبرزالمآخذ
ص: 101
التي تُسجَّل ضدَّه، لا سيما وأنَّ خطبة بهذا الحجم لا يمكن التغافل عنها، لأنَّها تحمل في طياتها جملة من الحقائق منها أنَّ السيدة زينب(عليها السلام)، قد حمَّلت المجتمع الكوفي بصورة عامة مسؤولية ما جري عليهم، لا كما يدَّعي البعض من أنَّ شيعته في الكوفة هم من خذله وقتله، وذلك لكون المجتمع الكوفي يضمُّ عناصر وأطيافاً وشرائح اجتماعية وقبلية وسياسية ومذهبية مختلفة ومتباينة فيما بينها، فضلاً عن السياسات التي اتَّبعتها السلطة الحاكمة، كلُّ ذلك أدي إلي خلق مجتمع معقَّد يكون علي استعداد للغدر بعترة آل الرسول(صلي الله عليه و آله)، ومن ثَمَّ لم يكن شيعة الإمام الحسين(عليه السلام) هم مَن قتلوه((1)).
5- ويستمرُّ الطبري بالإحجام عن إيراد بعض الروايات التاريخية المهمة في تحديد معالم ومقدِّمات المقتل، ومن تلك الحوار الذي جري بين الإمام علي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام) والحاكم الأموي يزيد بن معاوية في الشام، والذي حمّل
ص: 102
فيه الإمام زين العابدين(عليه السلام) يزيد بن معاوية مسؤولية ما جري للإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته، ثم صعود الإمام زين العابدين(عليه السلام) المنبر وتعريفه للناس بمقامه السامي ومكانته الرفيعة، ثم محاولة يزيد إسكات الإمام(عليه السلام) والتي كان مصيرها الفشل، علي حين نجد ابن أعثم قد أولي هذا الحوار أهمية بالغة، إذ خصّص له مساحة واسعة قُدِّرت بثلاث صفحات((1)).وبعد أن أوردنا أبرز الروايات التي أغفلها الطبري أو تغافلها علي حين أثبتها ابن أعثم، وبيَّنا مدي خطورة منهج الطبري في إحجامه عن تلك الروايات في بناء مادة المقتل، أوضحنا ذلك وفق المنهج الذي حدَّدناه، الذي تركَّز علي الإتجاه الأول، وهو المقارنة بين روايات كلا المؤرِّخين الطبري وابن أعثم، أمّا الإتجاه الثاني فيتمحور حول تناقضات مرويات ابن أعثم عن المقتل الحسيني ومقدماته، فضلاً عن إيراد الروايات والأخبار التي انفرد بها عن بقية المؤرخين، ويمكن إجمال ذلك بعدة نقاط منها:
1- من الروايات المتناقضة عند ابن أعثم هي ما يخصُّ عبد الله بن مطيع العدوي((2))، ولعلَّ هذا التناقض ناجم عن الفارق الزمني، إذ إنَّ ابن مطيع تمَّ زجُّه في السجن بسبب أحداث رفض بيعة الحاكم الأموي يزيد بن معاوية، ثم تمَّ إطلاق سراحه، وفي تلك المدة مازال الإمام الحسين(عليه السلام) موجوداً في المدينة المنورة((3)).
ص: 103
وأورد رواية أخري مفادها أنَّ ابن مطيع استقبل الإمام الحسين(عليه السلام) بين المدينة ومكة((1)) والإشكال هنا حول هذه الرواية يخصُّ المدة الزمنية التي استغرقها ابن مطيع من خروجه من السجن في المدينة المنورة حتي ذهابه لمكة ثم عودتهمنها، واستقباله للإمام الحسين(عليه السلام) بلا شكٍّ يحتاج ذلك إلي مدة زمنية طويلة جداً، لا تتناسب مع طلب البيعة وخروج الإمام الحسين(عليه السلام) من المدينة، التي تتطلب مدة أقل بكثير من تلك التي قطعها ابن مطيع.
2- وفي خبر منفرد أشار إليه ابن أعثم هو أنّ بكيراً بن حمران قد قتله مسلم بن عقيل، بقوله: «وضربه مسلم بن عقيل ضربة فسقط إلي الأرض قتيلاً»((2))، في حين نجد أنَّ أغلب المصادر التاريخية أثبتت العكس من ذلك، من كون بكير بن حمران هو من باشر عملية إعدام مسلم بن عقيل(عليه السلام) بأمر من عبيد الله بن زياد((3)).
3- ومن الروايات المنفردة والخطيرة التي أوردها ابن أعثم التي شكَّلت محوراً جديداً عن بقية المؤرِّخين هو مراسلة أهل الشام للإمام الحسين(عليه السلام)، ونقف علي هذا المعني من خلال هذه الرواية: «التفت الحسين إلي غلام له يقال له عقبة بن سمعان فقال: يا عقبة! هاتِ الخرجين((4)) اللذين فيهما الكتب: فجاء عقبة بكتب أهل الشام
ص: 104
والكوفة فنثرهما...»((1)).
ونحن نشكِّك بصحة هذه الرواية ونجعلها في عداد الروايات الضعيفة؛ لجملةمن الأسباب التي تدفعنا إلي ذلك، منها:
أ - الرواية أشارت بشكل بسيط إلي مكاتبة أهل الشام للإمام الحسين(عليه السلام)، ولم تبيِّن كم عدد تلك الكتب التي بعثها أهل الشام، ومن هي الشخصيات التي كتبت تلك الكتب؟ وما عدد الذين وردت بيعتهم للإمام الحسين(عليه السلام) في تلك الكتب؟ ومتي وصلت تلك الكتب؟ ومن الذي أوصلها وكيف؟ ولو قارنا بين مراسلة أهل الكوفة ومراسلة أهل الشام لوجدنا فرقاً شاسعاً إذ إنَّ مراسلة أهل الكوفة حقيقة تاريخية، علي الرغم من اختلافها في عدد المبايعين للإمام(عليه السلام)، في حين أنَّ مراسلة أهل الشام لا أساس لها، بل هي مجرد إشارة أوردها ابن أعثم((2)).
ب - إنَّ طبيعة أهل الشام وميولهم الأموية لا تتفق ومسألة مراسلتهم ومكاتبتهم للإمام الحسين، وذلك بحكم السياسة التي اتبعها معهم معاوية بن أبي سفيان وإعلامه المُضلِّل، بحيث جعل منهم مجتمعا لا يعرف سوي بني أمية وتبجيلهم، علي الرغم من أنَّ هذا لا يعني أنَّ المجتمع الشامي بأجمعه موالٍ لبني أمية وإنَّما بصورة عامة أو الأعمّ الأغلب منهم، وهذا يكفي في عدم مراسلتهم.
ت - فضلاً عن ذلك أنَّ الرواية لم ترد في المصادر الأولية، التي كوَّنت بناء مادة
ص: 105
المقتل بكل حيثياته، وإنَّما أوردها فقط ابن أعثم مما يسهم بشكل كبير فيإضعافها وعدم قبولها.
ث - من الملاحَظ أنَّ الدور الشامي كان سلبياً تجاه مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)؛ حيث أشارت بعض المصادر إلي مشاركة العديد من العناصر الشامية في الجيش الأموي الذي شنَّ الحرب علي الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته الأطهار بواقعة الطف((1)).
ه- - أضاف أحد الباحثين احتمالاً بخصوص تلك المراسلة بما نصه: «إنَّ من راَسلَ الإمام الحسين(عليه السلام) كان يعمل تقرباً إلي يزيد بن معاوية، وإنَّهم مدسوسون فعلاً من قبل السلطة الأموية لإغراء الإمام بالخروج إلي الكوفة، فهل مثل الإمام الحسين(عليه السلام) ليغفل عن ذلك؟ ولو صحَّت مراسلة أهل الشام للإمام لأيقن الإمام بأنَّها دسيسة وخديعة، وتنتفي بعد ذلك الحاجة لأن يعاتبهم»((2))، ويمكن أن نضيف توضيحاً آخر هو: هل كان سبب خروج الإمام الحسين(عليه السلام) نتيجة لمكاتبة أهل الكوفة له؟ وهل تلك المكاتبة أغرت الإمام بالخروج علي الحكم الأموي؟ والجواب بكل تأكيد: كلا؛ لأنَّ الحسين(عليه السلام) خرج ثائراً ضدَّ الظلم والإستبداد المتمثِّل بالحكم الأموي سواء أكاتبه أهل الكوفة أم لم يكاتبوه.
ص: 106
أورد ابن سعد في طبقاته بعض الروايات التي تخصُّ المقتل الحسيني((1)) بصورة مقتضبة، أمَّا ما حقَّقه الباحث عبد العزيز الطباطبائي من كتاب الطبقات الكبري من غير القسم المطبوع تحت عنوان ترجمة الإمام الحسين(عليه السلام) ومقتله من كتاب الطبقات الكبري((2))، فقد وردت فيه مادة تاريخيه مهمة عن مجريات المقتل وحيثياته، التي ستتركَّز دراستنا فيها حول الروايات التي تستحقُّ الوقوف والمناقشة والنقد التاريخي، لكن قبل البدء بذلك لابَّد من معرفة رواته في هذا المجال، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال ما تحدَّث به في مقدمة حديثه عن المقتل، إذ أورد سلسلة طويلة من الرواة، من أبرزهم: أبو مخنف لوط بن يحيي، ثم عقّب بعد ذلك بقوله:«وغير هؤلاء أيضاً قد حدثني في هذا الحديث بطائفة، فكتبت جوامع حديثهم في مقتل الحسين»((3)).من خلال ذلك يتضح لنا أنَّ ابن سعد استعمل الإسناد الجمعي في عرضه لروايات المقتل، إذ استعرض مجمل رواته في مقدِّمة حديثه عن المقتل، وهذا المنهج أقرب إلي منهج اليعقوبي في تاريخه الذي جاء بعده.
أمّا بخصوص المادة التاريخية التي تخصُّ المقتل وما يتعلَّق به، التي استعرضها ابن سعد، فيمكن إجمالها بالمحاور والموضوعات الآتية:
1- استهلَّ المقتل بخبر رفض الإمام الحسين(عليه السلام) بيعة يزيد بن معاوية، ومكاتبة أهل الكوفة له((4)).
ص: 108
2- تطرَّق إلي مغادرة الإمام الحسين(عليه السلام) إلي مكة، وبعدها استعرض عدداً كبيراً من النصحاء الذين أبدوا مواقفهم المعُارضة من توجُّه الإمام(عليه السلام) إلي العراق((1)).
3- حادثة الشاعر المعروف الفرزدق بن غالب مع الإمام الحسين(عليه السلام)((2)).
4- خبر مسلم بن عقيل(عليه السلام) وإرساله إلي العراق، وما جري لهانئ بن عروة(عليه السلام) ومقتلهما((3)).
5- توجُّه الإمام الحسين(عليه السلام) نحو كربلاء والأحداث التي تلتها حتي استشهاده(عليه السلام)((4)).6- بيان شهداء آل أبي طالب(عليه السلام)، وتحديد قاتليهم((5)).
7- السبي الحسيني في الكوفة والأحداث التي رافقته((6)).
8- السبي الحسيني في الشام والأحداث التي رافقته((7)).
9- الروايات ذات الطابع الغيبي التي تحدَّثت عن الكرامات التي حصلت للإمام الحسين(عليه السلام) عقب استشهاده((8)).
من خلال استعراض هذه المحاور تتضح لنا عدَّة أمور، منها: إنَّ ابن سعد أورد مادة تاريخية جيدة من ناحية الكم والمحتوي، كما إنَّها من الناحية الزمنية مهمة جداً؛
ص: 109
لكونه متوفي بحدود (230ه- أو 231ﻫ) ولعلَّه الأقرب زماناً بعد أبي مخنف (ت157ﻫ) من حوادث المقتل وحيثياته، إضافة إلي أنَّ مرويات ابن سعد لم تتوقف عند مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) من الناحية الزمنية، بل امتدَّت لتشمل ما تعرَّضت له سبايا أهل البيت سواء في الكوفة أم في الشام، مما كان له أثر مهمٌّ في بناء الرواية التاريخية للمقتل، ورفدها بالأحداث والأخبار التي تسهم في اكتمالها التاريخي والروائي.
وبعد دراستنا لتلك الروايات التي عرضها ابن سعد، أتضح لنا أنَّ هناك العديد منها يستحقُّ المناقشة والنقد، فضلاً عن مقارنتها مع مصادر أخري؛ للكشف عن مدي مصداقيتها ومقبوليتها من الناحية التاريخية، منها:
1- الرواية التي نصُّها: «كان الحسن والحسين يصليان خلف مروان بنالحكم يبتدران الصف، وكان الحسين ليسبّه وهو علي المنبر حتي ينزل...»((1)). لا شكَّ أنَّ تلك الرواية لا يمكن قبولها من الناحية التاريخية بل وحتي الشرعية والإخلاقية، ولعدَّة أسباب:
أ - كيف لإمامين معصومين أن يكونا ضمن المأمومين، بل لا يجوز تقدمهما من الناحية الشرعية وحتي الأخلاقية.
ب - كيف لإمامين معصومين يصليان خلف رجل هو من الفاسقين - والصلاة خلف الفاسق غير جائزة من الناحية الشرعية، أمّا الواقع فهو غيرذلك؛ فالخليفة في مركزه والوالي في ولايته هو الذي يتقدَّم الصفَّ - مع أنّ غالبية ولاة بني أمية هم من الفساق والفجرة، ولنا حادثة صلاة والي الكوفة في عهد الحاكم عثمان بن عفان
ص: 110
بأهل الكوفة وهو سكران((1))، فلا يمكن شرعياً ولا أخلاقياً أن يصليان خلف طريد رسول الله(صلي الله عليه و آله)((2))، بوصفهما إمامين معصومين، ولهما مركزهما وثقلهما في المجتمع.
ج - ما أوجه العلاقة التي تربط الإمامين الحسن والحسين(عليه السلام) بمروان بن الحكم الذي كانت مواقفه علي مرِّ التاريخ مع أهل البيت تتسم بالعداء والكره؟
د - ورد في ذيل الرواية دسٌّ آخر حيث تُصوِّر الإمام الحسين(عليه السلام) رجلاً سبَّاباً شتَّاماً وأنَّه كان يسبُّ مروان بن الحكم بدون سبب أو حتي مع وجود السبب، هذا بلا شكّ لا يتفق مع سيرة وأخلاق الإمام الحسين(عليه السلام) وسموّ نفسه، ثم إذا كان الإمام(عليه السلام) يسبُّ مروان ويشتمه فلماذا يا تري يصلي خلفه؟ هذه ازدواجية في الشخصية، والإمام(عليه السلام) أكرم من هكذا فعل شنيع.
ه - فضلاً عن ذلك كلّه أنَّ ابن سعد قد انفرد بتلك الرواية، إذ لم نعثر عليها في المصادر التي عاصرته أو التي كانت قريبة الظهور منه - بحسب اطلاعنا((3)) - ويلاحَظ أنَّ ابن عساكر((4)) قد أورد تلك الرواية وبالسند نفسه الذي اعتمده ابن سعد، مما يدلِّل علي أنه اقتبسها منه، - مما يجعلنا نشكِّك فيها ونستبعدها بشكل قطعي.
ص: 111
2- مما لا شكَّ فيه أنَّ ابن سعد أورد روايات تنال من شخصية ومكانة الإمام الحسين(عليه السلام)، منها ما نصُّه: «كان الوليد بن عتبة - والي المدينة - قد أغلظ للحسين، فشتمه الحسين وأخذ بعمامته فنزعها من رأسه، فقال الوليد: إن هجنا بأبي عبد الله إلا أسدا. فقال له مروان - أو بعض جلسائه -: اقتله، قال: إنَّ ذاك لدم مظنون في بني عبد مناف. فلما صار الوليد إلي منزله قالت له امرأته: أسببت حسينا؟! قال: هو بدأ فسبَّني، قالت: وإن سبَّك تسبُّه؟ وإن سبَّ أباك تسبُّ أباه؟»((1))، الرواية فيها الكثير من المآخذونقاط الضعف والنقد، ولعلَّ من أبرزها:
أ - إنَّ أغلب المصادر((2)) التي روت تلك الحادثة - استدعاء والي المدينة للإمام الحسين(عليه السلام) لأخذ البيعة منه - لم تذكر تلك الرواية والتفاصيل التي أوردها ابن سعد، مما يجعل هذه الرواية من الروايات الضعيفة والمنفردة التي أنفرد بها ابن سعد عن بقية المؤرِّخين، وهذا يسهم في تضعيفها إلي حدٍّ ما.
ب - وفضلاً عن ذلك أنَّ الرواية لم تبين ما السبب الذي أدي إلي غضب الوالي من الإمام الحسين(عليه السلام) بحيث جعل الإمام يشتمه ويعتدي عليه؟ هل لمجرد عرض البيعة عليه ومطالبته بها، أم هناك أسباب أخري؟ وهل من المعقول أن يتصرَّف الإمام(عليه السلام)، بهذا الشكل ويقدم علي شتم الوالي، بل والإعتداء عليه وهو صاحب الخلق الرفيع؟ والأغرب من ذلك أنَّ الرواية تصوِّر أنَّ هذا الوالي يحمل خلقاً أرفع وأنبل من خلق الإمام الحسين(عليه السلام)، لكون الذي بدأ السبَّ هو الإمام الحسين(عليه السلام)
ص: 112
وليس الوالي علي حدِّ تعبير الرواية؟ أولم يكن هناك حرسٌ للوالي يمنع الإمام(عليه السلام) من الاعتداء عليه لدرجة انتزاع عمامته؟
ت - فضلاً عن ذلك أنَّ من الممكن أن تؤثِّر الميول السياسية والفكرية علي المؤرخ في كتاباته، كما أشار روزنثَال إلي ذلك بقوله: «استخدم المؤرِّخون المسلمون في كتبهم... الأحكام التأريخية التي كانت نتيجة الأهواء السياسية بصورة واضحة... والحقيقة أنَّ اتجاه تفكيرهم كان يعبر عن نفسهفي كلِّ عملهم، وكانت مكانتهم في المحيط الفكري لعصرهم تقرِّر اختيار صور ومحتويات التواريخ التي كتبوها...»((1)). ولعلَّ ابن سعد لا يخرج عن تلك التأثيرات، مما دفعه إلي إيراد الروايات التي تنال من مكانة أهل البيت.
3- ومن الإشارات المهمة التي أشار إليها ابن سعد، ولعلَّ له السبق الزمني فيها هي ما نصُّه: «إنَّ محمد بن الحنفية أدرك حسيناً بمكة وأعلمه أنَّ الخروج ليس له برأي يومه هذا، فأبي الحسين أن يقبل، فحبس محمد ابن علي ولده، فلم يبعث معه أحداً منهم، حتي وجد الحسين في نفسه علي محمد، قال: ترغب بولدك عن موضع أصاب فيه؟ فقال محمد: وما حاجتي أن تصاب ويصابون معك، وإن كانت مصيبتك أعظم عندنا منهم؟»((2)).
ومن الجدير بالذكر أنَّ هذا النصَّ يخرج عن سياق مجمل الأخبار التي فسَّرت امتناع ابن الحنفية عن الإلتحاق بأخيه الإمام الحسين(عليه السلام) بداعي المرض، وإنَّما علَّلته بدافع شخصي.
من خلال هذه الرواية نستشفُّ أنّ محمد بن الحنفية لم يشرك أولاده في واقعة
ص: 113
الطفِّ، الأمر الذي يقودنا إلي التساؤل عن السبب في ذلك، وللإجابة علي هذا التساؤل يجب أن نطرح عدَّة احتمالات وإشكالات منها:
أ - إنَّ محمد بن الحنفية ليس له أولاد ليزجَّهم بواقعة الطف ليشتركوا فيها، وهذا الإحتمال مردود؛ وذلك لأنَّ المصادر التاريخية أثبتت أنَّ لابن الحنفية أولاداًوعقباً((1)).
ب - هنالك احتمال آخر، هو: إنَّ أولاد ابن الحنفية كانوا صغار السن ولم يبلغوا التكليف، وهذا الإحتمال هو الآخر لا يمكن قبوله؛ لأنَّ هناك من اشتركوا في واقعة الطفِّ وهم صغار السنِّ، فضلاً عن أنَّه من غير المعقول أن يكون أولادهُ جميعاً صغار السنِّ أو بنفس العمر؛ وذلك لأنَّ ابن حزم قد أورد له عدداً من الأولاد الذكور، بقوله: «وهؤلاء ولد محمّد بن الحنفيّة، وهو محمّد بن عليّ بن أبي طالب، ولد محمّد هذا: جعفر، وعلي، وعون وإبراهيم، والقاسم والعقب لهؤلاء، ولا عقب لسائر ولده، وكان له من الولد غير هؤلاء: عبد الله أبو هاشم، والحسن، لم يعقبا»((2))، فكيف يكونون بعمر واحد؟ هذا من غير الممكن. إذاً هذا الإحتمال ساقط أيضاً، ولنفرض جدلاً حصول هذا الإحتمال ألا كان الأجدر به أن يقدِّمهم للإمام الحسين(عليه السلام) ومن ثم يرجعهم الإمام(عليه السلام) لصغر سنهم؟ لكن هذا لم تذكره المصادر الأخري.
ت - ولعلَّ الخبر الذي ورد في متن الرواية هو الأقرب للقبول لتفسير هذا المنع من قبل ابن الحنفية لأولاده من الإشتراك في واقعة الطف وهو«وما حاجتي أن
ص: 114
تُصاب ويصابون معك، وإن كانت مصيبتك أعظم عندنا منهم»، فضلاً عن ذلك ومن خلال سياق الرواية أنَّ ابن الحنفية لم يكن مقتنعاً بخروج الإمام الحسين(عليه السلام) أو علي أقلِّ تقدير باختيار العراق، ويُستشفُّ ذلك من خلالالنصائح التي قدَّمها للإمام(عليه السلام)((1)).
وهنا قد يُطرح إشكالٌ آخر هو لماذا لم يشترك ابن الحنفية مع الإمام الحسين(عليه السلام) في واقعة الطف بدلاً من أن يقدمَّ النصائح له في اختيار المكان المناسب، أو أن يكتفي بتحذيره من أهل الكوفة؟ وقد يرد علي ذلك بأنَّه كان مريضاً ولم يستطع المشاركة بسبب مرضه، ولكن قد يكون هذا الإحتمال ضعيفاً؛ لأنّ العديد من المصادر الأولية لم تُشر إلي مرضهِ، ومنهم البلاذري إذ قال: «وخرج الحسين إلي مكة في بنيه وإخوته وبني أخيه وجلّ أهل بيته غير محمد بن الحنفيّة فإنّه قال له: يا أخي أنت أعزّ الناس عليّ... ابعث رسلك إلي الناس فإن أجمعوا عليك حمدت الله علي ذلك، وإن أجمع الناس علي غيرك لم ينقص الله دينك ومروءتك وفضلك، إنّي أخاف أن تدخل بعض الأمصار ويختلف الناس فيك ويقتتلون... فإذا خير الناس نفساً وأمّاً وأباً قد ضاع دمه وذلّ أهله، قال: وأين أذهب يا أخي؟ قال: تنزل مكة فإن اطمأنّت بك الدار وإلَّا لحقت باليمن، فإن اطمأنّت بك وإلَّا لحقت بشعف الجبال حتي تنظر إلي ما يصير أمر الناس ويفرق لك الرأي...»((2)).
وصرَّح الطبرسي بهذا الخصوص، قائلاً: «خرج الإمام الحسين(عليه السلام)... متوجهاً نحو مكة ومعه بنوه وبنو أخيه الحسن وإخوته وجلُّ أهل بيته، إلا محمد بن الحنفية فإنَّه
ص: 115
لم يدرِ أين يتوجَّه، وشيَّعهوودَّعه»((1))، لعلَّ الطبرسي أراد أن يقول إنَّ ابن الحنفية كان متحيِّراً في اتخاذ قراره من الإلتحاق بالركب الحسيني أم لا. فاختار عدم الإلتحاق.
4- من خلال بعض الروايات يُستنتَج أنَّ ابن سعد علي وفق تنظيره علَّل سبب خروج الإمام الحسين(عليه السلام) بدافع مكاتبة أهل العراق له - وهو عامل سياسي - وأنَّه(عليه السلام) قد ندم علي استجابته لتلك المكاتبات والمراسلات التي بعثها إليه أهل العراق، والتي علي أثرها خرج(عليه السلام) ضدَّ السلطة الحاكمة وذلك من خلال الروايتين الآتيتين.
أ - الرواية الأولي: «وبعث أهل العراق إلي الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم، فخرج متوجِّهاً إلي العراق في أهل بيته وستين شيخاً من أهل الكوفة...»((2)).
ب - أمّا الثانية:فتؤكِّد أنَّ الإمام الحسين(عليه السلام) قد تمَّ خداعه من خلال المكاتبة من قبل أهل العراق ونستنتج ذلك من قوله(عليه السلام) «اللهمَّ إنَّ أهل العراق غرُّوني وخدعوني وصنعوا بحسن بن علي ما صنعوا، اللهمَّ شتِّت عليهم أمرهم وأحصهم عددا...»((3)).
من خلال اطلاعنا علي ما تيسر لنا من المصادر، يتضح لنا أنَّ الرواية الثانية، لم ترد في مصادرنا((4))، وأنَّها من الروايات التي انفرد بها ابن سعد عن بقية المؤرِّخين.
يضاف إلي ذلك أنَّ الهدف الحقيقي لخروج الإمام الحسين(عليه السلام) ليسمراسلة أهل العراق، وإنَّما لتغيير الأوضاع الفاسدة في المجتمع الإسلامي وإصلاحها لقوله(عليه السلام): «وأني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنَّما خرجت لطلب الإصلاح في أمَّة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي
ص: 116
طالب(عليه السلام)؛ فمن قبلني بقبول الحقِّ فالله أولي بالحقِّ، ومن ردَّ عليَّ هذا أصبر حتي يقضي الله بيني وبين القوم بالحقِّ وهو خير الحاكمين...»((1)).
ونستنتج من هذا النصِّ أنَّ خروج الإمام الحسين(عليه السلام) كان مُعَدَّاً له ومدروساً من قبله، أما مكاتبة أهل العراق له، فقد جاءتْ كجزء من مشروع الإمام الثوري القائم ضدَّ كلِّ أنوع الظلم والجور وتلبية لنداء العديد من المسلمين الذين عانوا من الإضطهاد الأموي - بالرغم من تغيير موقفهم اتجاه الإمام بفعل سياسات السلطة الحاكمة انذآك.
5- ومن الروايات الخطيرة التي أوردها ابن سعد، ولعلَّه من الناحية الزمنية له السبق في إيرادها((2))، مانصُّها: «لما رأي الحسين عمر بن سعد قد قصد له فيمن معه قال: يا هؤلاء اسمعوا يرحمكم الله، ما لنا ولكم! ما هذا بكم يا أهل الكوفة؟! قالوا: خفنا طرح العطاء، قال: ما عند الله من العطاء خير لكم، يا هؤلاء دعونا فلنرجع من حيث جئنا، قالوا: لا سبيل إلي ذلك،قال فدعوني أمضي إلي الري فأجاهد الديلم، قالوا: لا سبيل إلي ذلك، قال دعوني أذهب إلي يزيد بن معاوية فأضع يدي في يده، قالوا: لا، ولكن ضع يدك في يد عبيد الله بن زياد، قال: أما هذه فلا، قالوا: ليس لك غيرها وبلغ ذلك عبيد الله، فهمَّ أن يخلِّي عنه، وقال: والله ما عرض لشئ من عملي، وما أراني إلا مخلٍّ سبيله يذهب حيث شاء. قال شمر بن ذي الجوشن الضبابي: إنَّك والله إن فعلت وفاتك الرجل لا تستقيلها أبداً، وإنَّما كان همُّ عبيد الله أن يثبت علي العراق،
ص: 117
فكتب إلي عمر بن سعد: الآن حين تعلَّقتهُ حبالنا يرجو النجاة ولات حين مناص فناهضه، وقال لشمر بن ذي الجوشن: سِرْ أنت إلي عمر بن سعد فإن مضي لما أمرته وقاتل حسيناً وإلا فاضرب عنقه، وأنت علي الناس...»((1)).
هذه الرواية لا يمكن قبولها، بل نستبعد مثل هذا الكلام من الإمام الحسين(عليه السلام)، لعدَّة أسباب، منها:
أ- كون الإمام خرج ليغيِّر الإنحراف الذي أحدثه يزيد بن معاوية - كما بينا ذلك قبل قليل في العالم الإسلامي، فكيف يضع يده بيده وهو فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحرمة كما وصفه الإمام الحسين(عليه السلام) بذلك((2))؟ ونحن نتساءل إذا كان الإمام(عليه السلام) قد وضع يده بيد يزيد بن معاوية فما المانع من وضع يده بيد عبيد الله بن زياد إن صحَّت تلك الرواية؟
ب - لم تحدِّد الرواية إلي من وجَّه الإمام الحسين(عليه السلام) خطابه؟ هل إلي أهل الكوفة أم إلي غيرهم؟ فإذا كان لأهل الكوفة، فهل لهم الحقُّ والقرار فيتوجيه الإقتراحات؟ وهل يمتلكون تلك الصلاحيات للتفاوض مع الإمام الحسين(عليه السلام)؟ ثم من الذي اقترح علي الإمام أن يضع يده في يد عبيد الله بن زياد إذ لم تحدِّدهُ الرواية وجعلته مبهماً بصيغة (قالوا)؟
ت - من خلال تحليل الرواية نستنتج بأنَّها توحي بأنَّ الإمام الحسين(عليه السلام) يرضي بكلِّ شيء إلا بإعطاء البيعة للوالي عبيد الله بن زياد، وإنَّ المشكلة تتركَّز حول عبيد الله بن زياد وليس مع يزيد بن معاوية وهذه خطوة لتبرئة يزيد من قتل الإمام الحسين(عليه السلام) - ولعلَّ الرواية تُنظِّر لمسألة وجوب الخضوع للحاكم حتي وإن كان
ص: 118
ظالماً، لا سيما وأنَّ الكتاب قد تمَّ تأليفه في عصر الدولة العباسية وهي بحاجة الي هذا التنظير، ونحن نتساءل ما الفرق بين عبيد الله بن زياد ويزيد بن معاوية، لكي يرفض الإمام الحسين(عليه السلام) التعامل معه - بحسب فرض الرواية - لاسيما وان عبيد الله بن زياد يمثل جزءاً من منظومة الدولة الإموية التي يترأسها يزيد بن معاوية؟
ث - إنَّ حكم عبيد الله بن زياد هو نفس حكم يزيد بن معاوية، ويستمدُّ سلطته منه، فمن غير المعقول أن ينزل الإمام الحسين(عليه السلام) علي حكم يزيد ولا يقبل أن يبايع عبيد الله بن زياد.
ج - توحي الرواية بإنّ شمر بن ذي الجوشن هو من عارض مقترحات الإمام الحسين(عليه السلام)، مما ترتب علي ذلك من تغيير وجهة نظر عبيد الله بن زياد في إخلاء سبيل الإمام الحسين(عليه السلام)، ونحن نتساءل ماهي الصلاحيات الممنوحة للوالي ابن زياد لكي يخلي سبيل الإمام الحسين(عليه السلام)؟ وهل مشكلة الإمام الحسين(عليه السلام) كانت مع ابن زياد أم مع الحاكم يزيد بن معاوية، أم مع المنهج الأموي بأجمعه؟
ح - الرواية بكلِّ فقراتها تُنظِّر لمسألة مهمة وخطيرة ألا وهي تحميل أهل الكوفةمسؤولية قتل الإمام الحسين(عليه السلام) والغدر به، وهذا يصبُّ في صالح الدولة العباسية التي تنظر إلي الكوفة بأنَّها مركزعلوي كبير مُعاِرض لها، ولا بدَّ من التخلُّص منه، وأحد سبل ذلك وصف أهل الكوفة بالخونة وأنَّهم غدروا بالإمام الحسين(عليه السلام) والكوفة ليس فيها قواعد شيعية كبيرة، ويسهم ذلك في تحجيم التحرك الثوري في الكوفة من خلال ذلك التنظير، لاسيما وأنَّ أغلب المصادر كُتِبت في عهد الدولة العباسية.
ولهذا أشار أحد الباحثين المعاصرين إلي حقيقة موقف أهل الكوفة ببحث مستقلٍّ، بقوله: «إنَّ الجمهور العام في الكوفة كان شيعياً مخلصاً، وهم من كتب للإمام الحسين(عليه السلام) يستحثونه للإسراع في المجيء إلي الكوفة وهو(عليه السلام) يدرس الموقف، وقد
ص: 119
توافدت عليه بعد ذلك كتب أهل الكوفة وتكاثرت... وإنَّ أغلب المؤشِّرات تدلُّ علي أنَّ الكوفيين صادقون في طلبهم...»((1))، ثم أورد الباحث الأدلة التاريخية التي توضِّح السبب في تغيير موقفهم والتحليلات والإستنتاجات التي تؤكِّد ذلك((2)).
6- وبخصوص دفن الأجساد الطاهرة أشار ابن سعد برواية شاذة، إذ قال: «قال ذكوان أبو خالد لعبيد الله بن زياد: خلِّ بيني وبين هذه الرؤوس فأدفنها، ففعل فكفَّنها ودفنها بالجبَّانة، وركب إلي أجسادهم فكفَّنهم ودفنهم، وكان زهير بن القين قد قُتِل مع الحسين، فقالت امرأته لغلام له يقال له شجرة: انطلق فكفِّن مولاك، قال: فجئت فرأيت حسيناً ملقي، فقلت: أكفِّن مولاي وأدع حسيناً؟ فكفَّنت حسيناً، ثم رجعت فقلت ذلكلها، فقالت: أحسنت، وأعطتني كفنا آخر، وقالت: انطلق فكفِّن مولاك، ففعلت»((3)).
الرواية تحمل في طيَّاتها عدداً من التساؤلات والتشكيكات التي تجعلها في عداد الروايات الضعيفة منها:
أ- من هو ذكوان أبو خالد؛ إذ لم نجد له ترجمة في المصادر المتوافرة لدينا؟ وما علاقته بالسلطة الأمويةوتحديداًبالوالي عبيد الله بحيث سمح له بدفن الأجساد الطاهرة؟ أو له علاقة بآل البيت(عليه السلام) أو لسبب آخر؟
ب - أشارت الرواية إلي حصول فاصل زمني بين عملية دفن الرؤوس ودفن الأجساد من قبل القائم بهذه العملية، مما يترتَّب علي ذلك أنّ الأجساد لم تُدفن مع الرؤوس، وهذا مالم تؤيده المصادر التي ذكرت حادثة الدفن.
ص: 120
ج - كيف استطاع (شجرة) - غلام زهير بن القين - أن يحدِّد ويتعرَّف علي الشخصيات أمثال زهير بن القين والإمام الحسين(عليه السلام)؟ لاسيما وأنَّ الإمام(عليه السلام) كان مقطوع الرأس، وهل كان للإمام الحسين(عليه السلام) جسد كامل أم مقطع بفعل رضِّ الخيول وسحقها له؟ فضلاً عن تأثير الأحوال المناخية ودورها في تغيير معالم الشخص، كلُّ ذلك يجعل من الصعوبة، بل من غير الممكن التعرُّف علي أصحاب تلك الأجساد وتحديد شخصياتها.
ه - لو قابلنا تلك الرواية مع المصادر الأخري التي عرضت حادثة الدفن لوجدناها تتعارض معها بشكل جذري، مما يترتب علي ذلك أنّ تلك الرواية تُعدُّ شاذَّة ولا قيمة لها، فقد ذكرت أغلب المصادر أنَّ حادثة الدفن كانت بالشكلالآتي: «ودَفَنَ الحسينَ وأصحابه أهلُ الغاضرية من بني أسد...»((1))، وبهذا يتضح ضعف رواية ابن سعد، لكن قد يرد إشكال آخر في هذا الموضوع، هو كيف تسنَّي لبني أسد تحديد الشخصيات والتعرُّف عليها، ومن ثَمَّ دفنها، لاسيما ونحن قد بيَّنا في معرض نقدنا لرواية ابن سعد بأنَّ ملامح ومعالم الشخصيات قد تغيَّرت وأصبحت من الصعوبة تحديدها، وللإجابة علي هذا الإشكال نوضِّح ما يلي:
أ - إنَّ بني أسد دفنوا الأجساد بدون تحديد شخصياتها، هذا الإحتمال ساقط من الإعتبار؛ لأنّ عملية الدفن التي قام بها بنو أسد اعتمدت علي تحديد الشخصيات، وهذا التحديد موجود منذ ذلك الوقت وحتي اليوم، ولأنَّ عملية دفن الأجساد وتحديدها قد حصلت مرة واحدة علي يدي بني أسد منذ ذلك الوقت بدليل قول ابن طاووس: «لما انفصل عمر بن سعد عن كربلاء خرج قوم بني أسد فصلُّوا علي
ص: 121
تلك الجثث الطواهر المرمَّلة بالدماء ودفنوها علي ما هي الآن عليه»((1))، لاسيما وأنَّ ابن طاووس من جيل القرن السابع الهجري، ولاشكَّ أنَّهُ يتحدَّث عن ذلك القرن ومشاهداته له.
ب - إنَّ هناك جانباً غيبياً إعجازياً يكمن وراء عملية الدفن، ويتمثَّل ذلك بحضور الإمام علي بن الحسين(عليه السلام) وتوليه عملية تحديد الشخصيات ومن ثَمَّ دفنها، بيدَ أنّ الأدلة التاريخية لا تساعدنا كثيراً علي تأييد هذا الجانب، ولعلَّالإشارة التاريخية الوحيدة بهذا الخصوص هي ما نقله الطوسي من مناظرة جرت بين الإمام علي بن موسي الرضا(عليه السلام) وعلي بن أبي حمزة((2)) بما نصُّه «قال له علي: إنَّا روينا عن آبائك أنَّ الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله؟ فقال له أبو الحسن(عليه السلام): فأخبرني عن الحسين بن علي(عليه السلام) كان إماما أو كان غير إمام؟ قال: كان إماما، قال: فمن ولي أمره؟ قال: علي بن الحسين، قال: وأين كان علي بن الحسين(عليه السلام)؟ قال: كان محبوساً بالكوفة في يد عبيد الله بن زياد، قال: خرج وهم لا يعلمون حتي ولي أمر أبيه ثم انصرف، فقال له أبو الحسن(عليه السلام):ان هذا أمكن علي ابن الحسين(عليه السلام) أن يأتي كربلا فيلي أمر أبيه، فهو يمكِّن صاحب هذا الامر أن يأتي بغداد فيلي أمر أبيه ثم ينصرف وليس في حبس ولا في أسارٍ»((3))، يتضح لنا من خلال تلك المناظرة أنَّ حضور الإمام زين العابدين(عليه السلام) لدفن شهداء الطف كان بطريق إعجازي، فضلاً عن ذلك فقد ذهب أحد الباحثين إلي هذ الرأي بقوله: «إنّ التنظيم الذي ساد عملية الدفن يثبت بما لا يقبل الشك أنّ الإمام السجاد (عليه السلام) هو الذي خطَّط مواضع القبور الشريفة، إذ إنّه أفرد قبراً للإمام
ص: 122
الحسين ودفن ابنه علي الأكبر مما يلي رجلي أبيه، ودفن العباس بن علي في موضعه الذي استُشهِد فيه، كما أنّ حبيب بن مظاهر حُمل ناحية عنالشهداء الذين دُفنوا مما يلي رجلي الإمام الحسين»((1)).
وأضاف هذا الباحث تساؤلاً مهماً عن كيفية تمكُّن الإمام السجاد(عليه السلام) من إتمام عملية الدفن، وكيف استطاع مع بني أسد دفن حوالي اثنتين وسبعين جثَّة، بقوله: «اتضح من خلال الروايات التاريخية أنّ الجثث لم تكن متناثرة؛ لأنّ الإمام الحسين كان يحمل الشهداء من أهل بيته وأصحابه بمساعدة من لم يستشهد بعد، فعندما استُشهِد علي الأكبر بن الحسين أقبل إليه أبوه وأقبل فتيانه فقال: «احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه حتي وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه»، ولما استُشهِد القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب(عليه السلام) حمله الإمام الحسين وجاء به حتي ألقاه مع ابنه علي بن الحسين، وقتلي قد قُتِلت حوله من أهل بيته، وفي النهاية فإنّ معظم الشهداء كان قد جمعهم الإمام الحسين، وهذا مما ساعد وسهّل في عملية الدفن»((2)).
أورد ابن حبان المقتل وما يتعلَّق به في كتابه (الثقات) بشكل مختصر، وقد تمَّ الإطلاع عليه ودراسته، ويمكن إجمال أبرز معالم تلك الدراسة بعدد من النقاط الأساسية، منها:
أ - إنَّ ابن حبان قد استعرض أخبار المقتل بشكل مختصر جداً دون التطرق إلي التفاصيل المهمة بحسب منهجيته التي اتبعها في إيراده لمادة المقتل، والتي شغلت ما يقارب الخمس صفحات، علي الرغم من أنَّ المقتل ضمَّ في رواياته أخباراً تتعلَّق بالسبي في الكوفة والشام((3)).
ص: 123
ب - لم يذكر ابن حبان أيَّاً من المصادر أو الرواة الذين اعتمد عليهم في إيراده لروايات المقتل، ولعلَّ هذه من أبرز المآخذ التي تُسجَّل عليه، وتُعدُّ خللاً في المنهج الذي اتَّبعه في تدوينه لحادثة المقتل.
ويمكن ملاحظة أنَّ ابن حبان قد أورد بعض الروايات التي انفرد بها وتستحقُّ الوقوف والدراسة منها:
أ - أورد في مستهلِّ حديثه عن المقتل رواية نصُّها: «ولما بايع أهل الشام يزيد بن معاوية واتصل الخبر بالحسين بن علي جمع شيعته واستشارهم، وقالوا إنَّ الحسن لما سلَّم الأمر لمعاوية سكت وسكت معاوية، فالآن قد مضي معاوية ونحبُّ أن نبايعك، فبايعته الشيعة ووردت علي الحسين كتب أهل الكوفة من الشيعة يستقدمونه إياها...»((1)).
إنَّ تحليل الرواية يشير إلي أنَّ الإمام الحسين(عليه السلام) قد سبق من الناحية الزمنية السلطة الأموية بالتحرُّك ضدَّها، ولعلَّ ابن حبان كان معتقداً بهذه الفكرة؛ لكونه لم يورد حادثة استدعاء الإمام الحسين(عليه السلام) من قبل والي المدينة لأخذ البيعة منه، هذا من جانب، ومن جانب آخر، نجد أنَّ ابن حبان علَّل خروج الإمام الحسين(عليه السلام) إلي أسباب سياسية، تتعلَّق بنقض معاوية بن أبي سفيان بنود الصلح التي عقدها مع الإمام الحسن بن علي(عليه السلام) وجعل الخلافة تقوم علي أساس وراثي؛ بدليل مبايعة أهل الشام ليزيد بن معاوية، وهذا خلاف بنود الإتفاق المعقود بينهما((2)).
ص: 124
ب - أشار ابن حبان إلي مسألة - ولعلَّه انفرد بها - هي: أنَّ السلطة الأموية ِلم تقدم علي قتل الإمام علي ابن الحسين(عليه السلام) في واقعة الطفِّ؛ لسبب يتعلَّق بصغر سنِّه لقوله: «استُصغِر علي بن الحسين بن علي فلم يُقتل، انفلت في ذلك اليوم من القتل، لصغره وهو والد محمد بن علي الباقر...»((1)).
والرواية تنُظِّر إلي مسألة مهمة ألا وهي أنَّ السلطة الأموية لم تقدم علي قتل الإمام زين العابدين(عليه السلام) لصغر سنه فقط، وهذا لا يمكن قبوله من الناحية التاريخية؛ لعدَّة اعتبارات منها: إنَّ العديد من المصادر التاريخية((2)) أكدت أنَّ سبب عدم قتل الإمام(عليه السلام) لمرض ألمَّ به في وقت حدوث واقعة الطف ومنعه من المشاركة في الجهاد، باستثناء ما أنفرد به الرسان من مشاركته(عليه السلام) في القتال((3))، مما ترتَّب علي ذلك عدم اشتراكه بالقتال لوجود سبب مانع هو المرض، هذا من جهة، ومن جهة أخري نتساءل هل أنَّ السلطة الأموية استثنت قتل كلّ من كان صغير السِّنِّ لكي لا تقتل الإمام زين العابدين(عليه السلام) لهذا السبب؟ هذا الأمر لا يمكن قبوله تاريخياً لسببين، الأول:إنَّ السلطة الأموية قد قتلت العديد منالأطفال في واقعة الطف((4)) ودليل ذلك قتلها طفل الحسين(عليه السلام) الرضيع عبد الله، أما السبب الثاني فلأنَّ الإمام زين العابدين(عليه السلام) لم يكن صغير السِّنِّ في واقعة الطف، لكي تستثنيه من القتل،
ص: 125
لكون ولادته(عليه السلام) كانت سنة ثمان وثلاثين من الهجرة((1)) وواقعة الطف سنةإحدي وستين للهجرة، فيكون عمره حينئذ ثلاثاً وعشرين سنة، وفي مقابل ذلك ذكر ابن عساكر رأياً آخر بخصوص تأريخ ولادته(عليه السلام) فقال: «وفي سنة ثلاث وثلاثين ولد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب»((2))، وعلي هذا الرأي يكون عمر الإمام في واقعة الطف ثمان وعشرين سنة، وعلي كلا الرأيين لم يكن الإمام صغيراً، فكيف يعدُّه ابن حبان صغيراً جاعلاً من صغر سنِّه سبباً في نجاته من القتل، ومما يترتب علي ذلك أنَّه لا يمكن قبول هذه الرواية التي ذكرها ابن حبان التي علَّلت سبب بقاء الإمام زين العابدين(عليه السلام) علي قيد الحياة في واقعة الطف لصغر سنِّه.
من المؤكَّد أنَّ بقاء الإمام زين العابدين(عليه السلام) علي قيد الحياة في واقعة الطف، كان لمصلحة ربانية وتدبير إلهي، ومما يؤيِّد هذا التفسير ما أورده المجلسي وهو يشرح حال الإمام الحسين(عليه السلام) في العاشر من المحرَّم، قائلاً: «التفت الحسين عن يمينه فلم يَرَ أحداً من الرجال، والتفت عن يساره فلم يرَ أحداً، فخرج علي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام) وكان مريضاً لايقدر أن يقلَّ سيفه، وأمُّ كلثوم تنادي خلفه: يا بنيَّ ارجع فقال: يا عمتاه ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول الله، فقال الحسين(عليه السلام): يا أمَّ كلثوم خذيه؛ لئلا تبقي الأرض خالية من نسل آل محمد»((3)).
وفضلاً عن ذلك أنّ السبب الظاهري الأساس في حفظه من القتل(عليه السلام)، يرجع إلي الموقف الجهادي، الذي قامت به السيدة زينب بنت علي(عليهما السلام)؛ إذ تعلّقت به وانقذته من القتل، في مجلس الوالي عبيد الله بن زياد بقولها له حينما أراد قتله(عليه السلام):
ص: 126
«حسُبك من دمائنا! والله، لا أُفارقه، فإن قتلته فاقتلني معه»((1)) أو قولها(عليه السلام): «لا يُقتَل حتّي تقتلوني...»((2)).
يُعَدُّ كتاب المعجم الكبير من كتب التراجم المهمة والزاخرة بالمعلومات التاريخية للمترجَم لهم، وقد رتَّبه علي أساس حروف المعجم العربي، ويُلاحَظ أنَّ منهج الطبراني في مصنَّفه هذا قد اتسم في ترجمة وجيزة للشخصيات المترجم لها، وروي عن كلِّ واحد منها بعض أحاديثهم أو جميعها، كما ذكر في المقدمة وأنَّهم حضروا المشاهد والمواقع، أو يكتفي بذكر أسمائهم أحياناً أخري((3)).
وفيما يخصُّ المقتل فتُلاحَظ عليه عدَّة نقاط أساسية، يمكن من خلالها التعرُّفعلي منهجيته في انتقاء نوع الروايات في معجمه الكبير، منها:
أ- استعرض الطبراني روايات المقتل وما يتعلَّق به من خلال ترجمته للإمام الحسين(عليه السلام).
2- امتازت روايات المقتل التي أوردها من ناحية المساحة بالإقتضاب والإختصار فيها، إذ نلحظ أنَّ الطبراني خصَّص للحديث عن الإمام الحسين(عليه السلام) ما يقارب من اثنتين وأربعين صفحة بصورة عامة، وإذا ما دقَّقنا في الروايات التي خصَّصها للمقتل وحيثياته نجدها بحدود الثلاثين صفحة، وبالشكل الآتي:
ص: 127
- مسند الحسين بن علي(عليه السلام).
- ذكر مولده وصفته وهيأته.
- ما أسند للحسين بن علي.
- ما أسنده علي بن الحسين عن أبيه.
- ما أسندته فاطمة بنت الحسين عن أبيها.
- ما أسندته سكينة بنت الحسين عن أبيها، فضلاً عن بعض الشخصيات التي أسندت أحاديث للإمام الحسين(عليه السلام)((1)).
من خلال دراستنا لتلك المحاور، وجدنا أنَّ مجمل الروايات التي أوردها الطبراني عن المقتل، قد تركَّزت في المحور الثالث (وما أسند للحسين بن علي).
3- أما المنهج الذي اتَّبعه الطبراني فهو المنهج الإسنادي في ذكر الأخبار والروايات من خلال كلمة (حدَّثنا)، ومن أبرز الرواة الذين اعتمد عليهم في ذكر روايات المقتل هم الليث بن سعد (ت 165ﻫ)((2))، وأبو الزنباع روح بن الفرج (ت282ﻫ/884م)((3))، وعمار الدهني، والزبير بن بكار((4)) والإمام الصادق(عليه السلام) والواقدي وآخرون.
ص: 128
4- من خلال دراسة المعجم لم نلحظ أنَّ الطبراني قد خصَّص مساحة لحادثة تاريخية معينة بحجم تلك التي خصَّصها للمقتل، مما يدلُّ علي مدي اهتمام المؤرخين في حادثة المقتل وعلي اختلاف مذاهبهم وتوجهاتهم السياسية والدينية.
5- بعد دراستنا لروايات المقتل اتضح لنا أنَّ الطبراني خصَّص بعضاً منها للنبوءات المستقبلية التي تحدَّث عنها الرسول(صلي الله عليه و آله) والإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) من قبيل تحديد الأمَّة التي ستقتله، وتعيين الأرض التي سيُستَشهد عليها(عليه السلام)((1)).
6- إنَّ الطبراني خصَّص القسم الأكبر من روايات المقتل للحديث عن الروايات ذات الطابع الغيبي والأحداث الكونية، التي حدثت عقب مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) والتي منها:أ- «لما قُتل الحسين بن علي(رضي الله عنه) لم يُرفع حجر ببيت المقدس إلا وُجِد دمٌ عبيط»((2)).
ب - «ما رُفع بالشام حجر يوم قُتل الحسين بن علي إلا عن دم»((3)).
ت - «لما قُتل الحسين بن علي(رضي الله عنه) انكسفت الشمس كسفة حتي بدت الكواكب نصف النهار...»((4)).
ث - «لم يكن في السماء حمرة حتي قُتل الحسين»((5))، ولم يقتصر الطبراني علي إيراد الأحداث الكونية فقط بل ذكر أحداثاً أخري ذات طابع إعجازي وقعت بعد مقتل الحسين(عليه السلام)((6)).
ص: 129
- كما نقل لنا الطبراني الحادثة الإعجازية التي وقعت في أرض الطف قائلاً: «قام رجل فقال أفيكم حسين؟ قالوا نعم، فقال أبشر بالنار، فقال أبشر بربٍّ رحيم وشفيع مطاع، قال من أنت؟ قال: انا بن جويز أو حويزة،: فقال(عليه السلام): اللهمَّ حزْهُ إلي النار، فنفرت به الدابة فتعلَّقت رجله في الركاب، قال فوالله ما بقي عليها منه إلا رجله»((1)).
ولعلَّ كثرة الروايات ذات الطابع الغيبي عند الطبراني تنمُّ عن إيمانه بفلسفة الغيب، وأثرها في تفسير حركة التاريخ وتعليلها.
7- ومن أبرز الروايات التي استوقفتنا، والتي بلا شكٍّ تستحقُّ الدراسة والمناقشةهي:
أ - «قُتل الحسين بن علي(رضي الله عنه) وعليه دين كثير، فباع فيها علي بن حسين عين كذا وعين كذا»((2))، وعند التمعُّن في هذه الرواية نستنتج جملة من المآخذ والتشكيكات التي تجعلها في دائرة الروايات الموضوعة.
أ- لم ترد هذه الرواية في المصادر التاريخية الأخري بحسب اطلاعنا((3)) مما يدلُّ أنَّها من الروايات الشاذة التي انفرد بها الطبراني دون بقية المؤرِّخين، مما يؤكِّد ضعفها من الناحية التاريخية.
ب - لم تحدِّد الرواية سبب الدين؟ ومن هم الذين استدان منهم الإمام(عليه السلام)؟ وإنما جعلت الأمر مبهماً عاماً.
ت - وبعد أن أورد الطبراني هذه الرواية أورد بعدها مباشرة رواية تناقضها وتخالفها من حيث المضمون، بما نصُّه «قال أمر الحسين منادياً فنادي: لا يُقبل معنا
ص: 130
رجل عليه دين، فقال رجل:إنَّ امرأتي ضمنت ديني فقال حسين(رضي الله عنه) وما ضمان امرأة؟»((1))، ونحن نتساءل إذا كان الإمام الحسين(عليه السلام) عليه دين فكيف له أن يسأل الآخرين عن دينهم؟ وهذا لا ينسجم مع أخلاقه ومبادئه؟ ثم كيف له أن لا يقبل أيّ رجل عليه دين دين ويقبلها علي شخصه الكريم؟
ت - فضلاً عن ذلك أنَّ أحد الباحثين قد ضعَّف هذه الرواية، بإثارته جملة من التشكيكات ضدَّها، بقوله: «لماذا الإمام الحسين(عليه السلام) لم يفِ دينهوهو في مكة، وكان مكوثه بها لمدة ليست بالقصيرة ويترك الأمر لولده الإمام علي بن الحسين(عليه السلام)؟ وماذا لو لم يسلم الإمام علي بن الحسين من أحداث كربلاء؟ أكان سيرضي بضمان امرأة؟ وهو ما رفضه بالرواية الثانية... وبذلك نضعِّف تلك الرواية والتي لا تتناسب مع أهداف مسير الإمام الحسين(عليه السلام) في طلب الإصلاح، ومنها ردُّ حقوق الناس إلي أهلها...»((2)).
يضاف إلي ذلك أنَّهُ من الناحية الفقهية والشرعية لا يجوز الخروج للجهاد لأيِّ إنسان مسلم وعليه دين إلا بعد موافقة غريمه (دائنه)، أو تسديد ما بذمته((3)) كلُّ ذلك يجعل منها رواية ضعيفة ومشكوك فيها.
ب - ومن الأخبار المتناقضة التي أوردها الطبراني قوله: «رأس الحسين(عليه السلام) أول رأس حُمل في الإسلام»((4)).
هنالك جملة من المصادر التاريخية((5)) اختلفت مع الطبراني من الناحية الزمنية في
ص: 131
ذكرها أنَّ رأس عمرو ابن الحمق((1)) هو أول رأس حُمل في الإسلام، وليسرأس الإمام الحسين(عليه السلام)، ولاحظ أحد الباحثين((2)) أنَّ الطبراني قد وقع في تناقض من خلال إيراده رواية في كتابه الأوائل((3)) أنَّ أول رأس حُمل في الإسلام هو رأس عمرو ابن الحمق.
ت - ومن باب الإنفراد((4)) نسب الطبراني القصيدة التي نظمها الشاعر الفرزدق بحقِّ الإمام علي بن الحسين السجاد(عليه السلام) إلي الإمام الحسين(عليه السلام) ومطلعها:
هذا الذي تعرفُ البطحاءُ وطأتهُ *** والبيتُ يعرفهُ والحلُّ والحرمُ
هذا ابنُ خيرِ عبادِ الله كلهمُ *** هذا التقي النقي الطاهرُ العلمُ((5)).
يُعدُّ كتاب تاريخ مدينة دمشق من أوسع الكتب التي صُنِّفت في مجال كتب التراجم من حيث الكم والمادة التاريخية التي ضمَّها، وقد وصفه أحد الباحثين بقوله «وهو أضخم معجم للتراجم ظهر بعد تاريخ بغداد، وهو مصدر لتاريخ رجال الشام كلّه، لا دمشق وحدها، ويُستفاد من خلاله أمور كثيرة تتعلَّقب التاريخ السياسي
ص: 132
والعلمي والحضاري للشام»((1)).
اتبع ابن عساكر منهج الأسناد في مروياته التاريخية، فضلاً عن تكراره الروايات للحادثة الواحدة مما انعكس ذلك علي حجم المادة التاريخية، وترتَّب علي ذلك تضخُّم حجم الكتاب، وللوقوف أكثر علي منهجيته لا بدّ من إيراد ما أوضحه هو في مقدمته، بقوله: «هو كتاب مشتمل علي ذكر مَن حلَّها من أماثل البرية أو اجتاز بها أو بأعمالها من ذوي الفضل والمزيد من أنبيائها وهُداتها وخلفائها وولاتها وفقهائها وقضاتها... وذكر ما لهم من ثناء ومدح، وإثبات ما فيهم من هجاء وقدح، وإيراد ما نُقل عنهم من جدٍّ ومزح، وبعض ما وقع إليَّ من رواياتهم، وتعريف ما عرفت من مواليدهم ووفياتهم...»((2)).
أمّا تنظيم وترتيب المُترجَم لهم في الكتاب فقد كان علي المنوال الذي ذكره قائلاً: «وبدأت بذكر مَن اسمه منهم أحمد؛ لأن الإبتداء بمن وافق اسمه اسم المصطفي، ثم ذكرتهم بعد ذلك علي ترتيب الحروف مع اعتبار الحرف الثاني والثالث تسهيلاً للوقوف، وكذلك أيضاً اعتبرت الحروف في أسماء آبائهم وأجدادهم، ولم أرتِّبهم علي طبقات أزمانهم أو كثرة أعدادهم، وعلي قدر علوهم في الدرجات والرتب، ولا لشرفهم في الأفعال والنسب وأردفتهم بمن عُرف بكنيته ولم أقف علي حقيقة تسميته ثم ذكر تنسيبه، وبمن لم يُسمَّ في روايته وأتبعتهم بذكر النسوة المذكورات والإماء الشواعر المشهورات...»((3)).ولعلَّ هذه أبرز المعالم الأساسية للمنهج الذي سار وفقها ابن عساكر، أمّا
ص: 133
مصادره فهي متنوعة وعديدة، وقد قسّمها أحد الباحثين((1)) علي الشكل الآتي: السماع من الشيوخ، والمكاتبة معهم، الكتب المخطوطة، مؤلفات السابقين.
هذه أبرز سمات منهجه العام في مؤلَّفه، أما منهجه في إيراد روايات المقتل، فهو لم يخرج عن أطار منهجه العام، وبعد دراستنا لها، تمَّ الوقوف علي جملة من النقاط الأساسية، منها:
1- استعرض ابن عساكر مجمل روايات وأحداث المقتل من خلال ترجمته للإمام الحسين(عليه السلام)((2))، والتي استوعبت مائة وخمسين صفحة تقريباً، وقد شغلت أخبار المقتل ما يقارب من الخمس والخمسين صفحة، ويمكن تقسيم أبرز المحاور التي تحدَّث عنها بالشكل الآتي:
أ- ولادة الإمام الحسين(عليه السلام) ومكانها((3)).
ب - فضائل الإمام الحسين(عليه السلام) وشمائله، ومكانته عند رسول الله(صلي الله عليه و آله)((4)).
ت - الأخبار المستقبلية التي أخبر عنها الرسول والتي تتعلَّق بمقتل سبطه الإمامالحسين(عليه السلام) وموضع قتله((5)).
ث - النصحاء الذين أبدوا مواقفهم بشأن خروج الإمام الحسين(عليه السلام) وجواب الإمام لهم((6)).
ص: 134
ج - أخبار المقتل الحسيني ومقدماته((1)).
2- استعمل ابن عساكر في إيراد روايات المقتل منهج إسناد الروايات بصيغ عدة أبرزها «حدَّثنا((2))، أخبرنا((3))، انبأنا»((4)).
3- من ضمن منهجه ذكر أكثر من رواية لبعض الأحداث التاريخية، منها، تحديد عُمر الإمام الحسين(عليه السلام) حين استشهاده أو الإختلاف في سنة استشهاده، أو تحديد اليوم الذي استُشهِد فيه، ونجد أنَّ ابن عساكر ذكر العديد من الروايات بهذا الخصوص ومن مصادر مختلفة((5)).
4- أمّا مصادر رواياته عن المقتل فنلحظ أنَّ ابن عساكر قد اعتمد علي النقل التاريخي الحرفي وبشكل كبير جداً في إيراد روايات المقتل الحسيني، وقد ابتدأ في نقله عن ابن سعد بقوله: «قال ابن سعد وغير هؤلاء أيضاً قد حدَّثني في هذا الحديث بطائفة فكتبتُ جوامع حديثهم في مقتل الحسين(عليهالسلام)»((6))، ثم استمرَّ ابن عساكر في النقل التاريخي النصِّي حتي أورد الخبر كاملاً والذي بلغ سبع صفحات تقريبا، وتضمَّن الخبر إجراءات معاوية بن أبي سفيان في إسناد الحكم لولده يزيد ووصيته له، فضلاً عن مكاتبة أهل الكوفة للإمام الحسين(عليه السلام) للخروج، ثم استعرض محاولات والي المدينة لأخذ البيعة من الإمام الحسين(عليه السلام)، ثم ذكر كلام النصحاء الذين أبدوا رأيهم للإمام(عليه السلام) من مسألة توجُّهه نحو العراق وجوابه لهم((7)).
ص: 135
واعتماد ابن عساكر بالدرجة الثانية من حيث المادة التاريخية الخاصة بالمقتل علي جملة من الرواة والمؤرِّخين، منهم ابن سيرين((1)) الذي نقل منه ابن عساكر روايتين: الأولي حول وضع رأس الإمام الحسين(عليه السلام) في الطست((2)) بينما كانت الرواية الثانية ضمن الروايات ذات الطابع الغيبي، والتي تناولت معجزة من معاجز السماء التي وقعت عقب استشهاده(عليه السلام)((3)). كما اعتمد ابن عساكر علي الواقدي في بعض مرويات المقتل، والتي كانت بحدود ستِّ روايات، وقد تركَّزت حول عمر الإمام(عليه السلام) وتاريخ استشهاده((4))، فضلاً عن ذلك فقد اعتمد علي غير هؤلاء المؤرِّخين ولكن بشكل ضئيل جداً((5)).وفيما يخصُّ الروايات التي ذكرها ابن عساكر التي تستحقُّ الوقوف فقد ناقشناها في معرض حديثنا عن مروِّيات ابن سعد والطبراني التي نقلها ابن عساكر((6)) ويُستشفُّ من عرض منهج ابن عساكر الخاص بالمقتل، أنَّه خصَّص مادة تاريخية واسعة لفضائل الإمام الحسين(عليه السلام) مقارنةً بالمادة التاريخية ذات الطابع السياسي، التي نجد أنَّه أغفل الكثير من جوانبها لاسيما مقدماتها، فضلاً عن أنَّ ابن عساكر لم
ص: 136
يبدِ أيَّ نقدٍ تاريخي أو مناقشة لأيٍّ من الأحداث، إذا استثنينا مناقشته لتأريخ استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) ونقله لآراء المؤرخين((1)).
هناك نوع آخر من التراجم خُصِّص لترجمة حياة أئمة آل البيت(عليه السلام) والعلويين، مع أنَّها لا تحمل عنوان التراجم إلا أنَّ محتواها يشير إلي أنَّها من هذا النوع، منها:
تناول أبو الفرج أحداث المقتل من خلال تراجمه للشخصيات التي اشتركت فيه، وقد أوضح منهجه في عرض مادته التاريخية، فمن حيث المدَّة الزمنية لمصنَّفه فقد حدَّدها بقوله: «ونحن ذاكرون في كتابنا... أخبار من قُتل من ولد أبي طالب منذ عهد رسول الله إلي الوقت الذي ابتدأنا فيه هذا الكتاب، وهوفي جمادي الأولي سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة للهجرة»((2)).
أمّا مَن يشمله موضوع مصنفه من شخصيات آل أبي طالب فهم: «مَن احتِيل في قتله منهم بسَمٍّ سُقِيه وكان سبب وفاته، ومَن خاف السلطان وهرب منه فمات في تواريه، ومَن ظفر به فحبس حتي هلك في محبسه... ووفاة مَن تُوفي بهذه الأحوال، لا علي قدر مراتبهم في الفضل والتقدُّم... وعلي أنَّا لا ننفي من أن يكون الشئ من أخبار المتأخرين منهم فاتنا ولم يقع إلينا، لتفرُّقهم في أقاصي المشرق والمغرب، وحلولهم في نائي الأطراف وشاسع المحال التي يتعذَّر علينا استعلام أخبارهم فيها، ومعرفة قصصهم لاستيطانهم إيَّاها سيما مع قصور زماننا هذا وأهله، وخلوِّه من مدوَّن الخبر،
ص: 137
أو ناقل الأثر كما كان المتقدِّمون قبلهم يدوِّنون ويصنِّفون وينظِّمون ويرصفون... وجاعلون ما نؤلِّفه في هذا الكتاب ونأتي به، علي أقرب ما يمكننا من الإختصار، ونقدر عليه من الإقتصار، وجامعون فيه ما لا يُستغنَي عن ذكره من أخبارهم وسيرهم ومقاتلهم وقصصهم...»((1)).
امتازت ترجمة الأصفهاني لتلك الشخصيات المشاركة في المقتل تحديداً بالإقتضاب والإختصار، حيث تضمَّنت الترجمة الاسم الكامل للمترجَم له والكنية مع ذكر اسم الأم، وتحديد الشخصية التي قتلته، ومن أمثلة ذلك: «عثمان بن علي بن أبي طالب(عليه السلام) وأُمُّه أمُّ البنين... قُتِل عثمان بن علي وهو ابن إحدي وعشرين سنة... إنَّ خولي بن يزيد رمي عثمان بن عليبسهم... وشدَّ عليه رجل من بني أبان بن دارم فقتله وأخذ رأسه...»((2)).
وفي معرض ترجمته لعبد الله بن الإمام الحسن(عليه السلام) إذ قال: «عبد الله بن الحسن بن علي ابن أبي طالب(عليه السلام)، وأمُّه بنت السليل بن عبد الله أخي جرير بن عبد الله البجلي. وقيل: إنَّ أمَّه أمُّ ولد... إنَّ حرملة بن كاهل الأسدي قتله، وذكر المدائني... أنَّ رجلاً منهم قتله»((3)).
وعلي هذا المنهج سار الأصفهاني في إيراد تراجمه للشخصيات المشاركة في المقتل مع التفصيل في بعضها مثل ترجمته للإمام الحسين(عليه السلام)((4)) وأخيه أبي الفضل العباس(عليه السلام)((5)).
وفي أثناء ترجمته للإمام الحسين(عليه السلام) تطرَّق الأصفهاني إلي أحداث المقتل السياسية
ص: 138
والعسكرية من قبيل قصة مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة(عليه السلام) حتي استشهادهما، بعدها استعرض الأحداث التي جرت للإمام(عليه السلام) منها موقفه من الحرِّ بن يزيد الرياحي وما جري بينهما، ثم استرسل بالحديث حتي ذكر الإصطدام العسكري بين الطرفين الذي أدَّي إلي استشهاد الإمام(عليه السلام) والسَّلَب الذي تعرَّض له، ثم انتقل إلي السبي والأسر الذي تعرَّض له أهل البيت في الشام، والأحداث التي جرت لهم هناك((1)).
واتبع أبو الفرج الأصفهاني مع بعض الروايات النقد التاريخي، منها: تحديده لليوم الذي استُشهِد فيه الإمام الحسين(عليه السلام) إذ حدَّده الأصفهاني بيوم الجمعة لعشر خلونَ من المحرم، سنة إحدي وستين من الهجرة، ثم أورد بعد ذلكالآراء المختلفة بقوله «وقيل: إنَّ مقتله كان يوم السبت، روي ذلك عن أبي نعيم الفضل بن دكين والذي ذكرناه أولاً أصحُّ، فأمَّا ما تقوله العامة إنَّه قُتل يوم الاثنين فباطل، وهو شئ قالوه بلا رواية»((2)).
دافع الأصفهاني عن روايته بدليل منطقي باستناده إلي أنَّ: «أول المحرَّم الذي قُتل فيه يوم الأربعاء، أخرجنا ذلك بالحساب الهندي من سائر الزيجات، وإذا كان ذلك كذلك فليس يجوز أن يكون اليوم العاشر يوم الاثنين، وهذا دليل صحيح واضح تنضاف إليه الرواية... فأمَّا ما تعارفه العوام من أنَّه قُتل يوم الاثنين فلا أصل له ولا حقيقة ولا وردت به رواية»((3)).
وشكَّك الأصفهاني باستشهاد إبراهيم بن علي بن أبي طالب(عليه السلام) في واقعة الطف، بقوله: «وما سمعت بهذا، ولا رأيت لإبراهيم في شيء من كتب الأنساب ذكراً»((4)).
ص: 139
علي حين استبعد مقتل عبيد الله بن علي(عليه السلام) مع الحسين(عليه السلام)، واصفاً إيَّاه «بالخطأ وإنَّما قُتل عبيد الله يوم المذار((1))، قتله أصحاب المختار بن أبي عبيد الثقفي»((2)).
ومن الجدير بالذكر أنَّ العديد من المؤرخين قد ذهبوا إلي هذا الرأي من أنَّ عبيدالله ابن علي(عليه السلام) قد قُتل مع المختار بن أبي عبيد الثقفي، ومنهم ابن سعد((3)) والجاحظ((4)) وابن قتيبة((5)) واليعقوبي((6)) والطبري((7)) والمسعودي((8)) وابن أعثم الكوفي((9)) ومسكويه((10)) وابن الأثير((11))، والذهبي((12)).
وفضلاً عن ذلك فقد ردَّ ابن إدريس الحلي علي رواية المفيد((13)) التي أشارت إلي استشهاد عبيد الله في واقعة الطف بقوله: «وقد ذهب أيضاً شيخنا المفيد في كتاب الإرشاد إلي أنّ عبيد الله بن النهشلية قُتل بكربلاء مع أخيه الحسين(عليه السلام)، وهذا خطأ محض بلا مراء؛ لأنّ عبيد الله بن النهشلية كان في جيش مصعب بن الزبير، ومن جملة
ص: 140
أصحابه قتله أصحاب المختار بن أبي عبيد بالمذار، وقبره هناك ظاهر، والخبر بذلك متواتر»((1))، ونستنتج من مجمل تلك الدلائل والقرائن عدم مشاركة عبيد الله في واقعة الطف، وإنَّما قُتل مع المختار بن أبي عبيد الثقفي.وآخر ما تستوقفنا من روايات الأصفهاني إشارته إلي وجود أخ للإمام الحسين(عليه السلام) قد استُشهِد معه في كربلاء يكني بأبي بكر، ولم يحدِّد اسمه ولا اسم قاتله، قائلاً: «قتله رجل من همدان»((2))، علي حين ذكره القاضي النعمان بإنَّه ابن الإمام الحسين(عليه السلام) وليس أخاه((3)).
ونميل إلي ضعف هذه الرواية لاضطراب الروايتين في تحديد انتسابه من كونه أخاً للإمام الحسين(عليه السلام) أو ابنه، يُضاف إلي ذلك مجهولية الاسم لأبي بكر واسم قاتله، فضلاً عن تفنيد أحد الباحثين المتأخرين لهذه الرواية بشكل مستفيض علي وفق الأدلة والقرائن العلمية والمصادر التاريخية((4)).
ابتدأ القاضي سرده لمادة المقتل بحديثه عن الأخبار المستقبلية التي أخبر بها كلٌّ من الرسول محمد(صلي الله عليه و آله) والإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) عن مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) مكاناً وزماناً، وبعد ذلك تسلسل بالحديث عن الأحداث السياسية والعسكرية عن المقتل؛ ليركِّز علي قصة مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة(عليه السلام)، ثم توجُّه الإمام(عليه السلام) إلي
ص: 141
كربلاء، حتي استشهاده(عليه السلام)، ثم استعرض بعد ذلك الوقائع التي حصلت بعد استشهاد الإمام سواء في الكوفة أو في بلاد الشام، ليختم حديثه بعد ذلك بإيراد أسماء مَنقُتل مع الحسين(عليه السلام)((1)).
أشار القاضي إلي مسالة مهمة تتعلَّق بآلية وطريقة مبايعة أهل الكوفة لسفير الإمام الحسين(عليه السلام) مسلم ابن عقيل(عليه السلام)، بأنَّها كانت بسريِّة تامَّة، بقوله: «وكان مسلم ابن عقيل(عليه السلام) قد بايع له جماعة من أهل الكوفة في استتارهم»((2)).
وقد خالف القاضي بهذا النص الرواية التقليدية للمقتل((3)) التي صوَّرت عملية البيعة تلك بأنَّها علنية وأمام الأنظار، فقد أشار الدينوري إلي هذا المعني بقوله: «فسار مسلم حتي وافي الكوفة، ونزل في الدار التي تُعرف بدار المختار بن أبي عبيد، ثم عُرفت اليوم ب-:دار المسيَّب، فكانت الشيعة تختلف إليه، فيقرأ عليهم كتاب الحسين، ففشا أمره بالكوفة...»((4)) ومنها ما أورده المسعودي: «فخرج مسلم من مكة في النصف من شهر رمضان، حتي قدم الكوفة لخمس خلونَ من شوال، والأمير عليها النعمان بن بشير الأنصاري، فنزل علي رجل يُقال له عَوْسَجة مستتراً، فلما ذاع خبر قدومه بايعه من أهل الكوفة اثنا عشر ألف رجل، وقيل: ثمانية عشر ألفاً...»((5))، ووصف ابنأعثم البيعة بقوله: «وجعلت الشيعة تختلف إلي دار مسلم وهو يقرأ
ص: 142
عليهم كتاب الحسين والقوم يبكون شوقا منهم إلي قدوم الحسين...»((1)).
ويقترب مسكويه من النَّصَّين السابقين كثيراً، قائلاً «فسار مسلم إلي الكوفة، وبها النعمان بن بشير الأنصاري أميراً من قبل يزيد. فلما تحدّث الناس بمقدمه دبّوا إليه، فبايعه منهم اثنا عشر ألفا...»((2)).
وعند مقارنة هذه النصوص مع رواية القاضي النعمان نقدِّم عدَّة احتمالات ونتائج مفيدة منها:
أ - إنَّ نصّ القاضي النعمان يخالف أغلب النصوص أعلاه بخصوص شكل وطريقة مبايعة الشيعة لمسلم بن عقيل(عليه السلام) إذ أكَّدت تلك النصوص علنية البيعة، وبحضور جمع كبير من المبايعين مع اختلافها في العدد إلا أنَّها أشارت إلي حضور الآلاف من الشيعة وإعلان ولائهم لمسلم(عليه السلام)، بينما أشارت رواية القاضي إلي سرِّيَّة البيعة وكتمانها.
ب - في حال احتمال علنية البيعة تواجهنا إشكالات عدَّة، منها: لماذا جعل مسلم البيعة علنية مع أنَّ تعليمات الإمام الحسين(عليه السلام) أكَّدت علي كتمان الأمر، ثم إنَّ علنية البيعة تؤدي إلي فشل الثورة في بداياتها؟ فما الداعي إلي العلنية والسلطة الحاكمة تبحث عنهم؟ ثمَّ إذا كان عددهم يتجاوز الآلاف فأين السلطة الحاكمة، من هؤلاء؟ ولماذا لم تلقِ القبض عليهم؟
ت - في حال سرِّيَّة المبايعة: نري أنّ هذا أقرب للقبول والتفسير المنطقي - وإن كان مخالفاً لمجمل النصوص - وأنَّ انفراد مؤرخ برواية عن بقية المؤرِّخين لا يعنيعدم وقوعها أو مقبوليتها؛ إذ من المنطق أن يجعل مسلم تحركاته التنظيمية ذات
ص: 143
طابع سرِّي بموجب الوضع في الكوفة الذي يحتِّم عليه ذلك بوصفه معارضاً للحكم الأموي، فضلاً عن التزامه بوصايا إمامه وقائده الحسين(عليه السلام).
ويورد القاضي النعمان إشارة تأريخية مهمة تؤكِّد حضور الإمام محمد الباقر(عليه السلام) في واقعة الطف بعمر سنتين، والظاهر من الخبر أنَّه يضعِّفه بقرينة قوله: «وقيل: إنَّ ابنه محمداً بن علي(عليه السلام) يومئذ كان مع الحرم ابن سنتين»((1)).
وهنا لا بدّ من التأكُّد من حقيقة وجود الإمام الباقر(عليه السلام) في واقعة الطفِّ أوعدمها، ولتسليط الضوء أكثر علي ذلك هناك عدَّة أدلة وقرائن تثبت حضوره في تلك الواقعة منها:
أ- اختلف المؤرِّخون((2)) في تحديدهم لتأريخ ولادة الإمام الباقر(عليه السلام) إلا أنَّ ذلك الإختلاف يمكن تحديده من أنَّ أقلَّ تأريخ ذكروه هو (سنة 56ﻫ/676م)، وأقصاه (سنة 59ﻫ/677م)، ينتج عن هذا أنَّ كلا التأريخين لولادته(عليه السلام) يؤكد أنَّه موجود في واقعة الطف، ويتراوح عمره ما بين (3 إلي 5 سنوات) تقريباً.
ب - تصريح الإمام الباقر(عليه السلام) نفسه بقوله: «قُتل جدِّي الحسين ولي أربع سنين، وإني لأذكر مقتله، وما نالنا في ذلك الوقت»((3))، يدلُّ هذاالنصُّ علي أنَّ الإمام(عليه السلام) قد شاهد أحداث واقعة الطفِّ ومأساتها.
ت - إشارة المسعودي الصريحة، بقوله: «حمل علي بن الحسين مع الحريم، وأُدخل علي اللعين يزيد وكان لابنه أبي جعفر(عليه السلام) سنتان وشهور فأدخل معه...»((4)).
ص: 144
ث - وردت بعض الروايات والأخبار عن المقتل مسندة عن طريق الإمام الباقر(عليه السلام)؛ وهي بذلك تدلُّ علي أنَّه شاهد عيان للحدث آنذاك، منها أنَّه عندما رفع الحسين(عليه السلام) رضيعه، وطالب أعداءه أن يسقوه الماء، رماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فأصابه في نحره: «تلقي الحسين(عليه السلام) الدم بكفيه فلما امتلأتا رمي بالدم نحو السماء قائلاً: هَوَّنَ عليَّ ما نزل بي أنه بعين الله»((1)) وبهذا الصدد قال الإمام الباقر(عليه السلام): «فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلي الأرض»((2))، وقوله(عليه السلام): «أُصيب الحسين بن علي(عليه السلام)، ووجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرون طعنة برمح أو ضربة بسيف أو رمية بسهم»((3)).
من خلال تلك النصوص والقرائن نستنتج أنَّ الإمام الباقر(عليه السلام) كان موجوداً في واقعة كربلاء، علي اختلاف تحديد عمره الشريف(عليه السلام).
وفي جانب آخر حلَّل القاضي النعمان من الناحية النفسية والتأريخية سبب استبشار مروان بن الحكم (ت 65ﻫ/685م) بقتل الإمام الحسين(عليه السلام) معلّلها بدافع قبلي جاهلي بقوله: «هذه العداوة المحضة الأصيلة، وطلب القديم منثأر الجاهلية، لم يستطع مروان اللعين أن يخفيه، وبعثه السرور بقتل الحسين علي أن أخذه بيده، وقال ما قاله. وقد كان علي(عليه السلام) أسره يوم الجمل، فمنَّ عليه وأطلقه، فما راعي ذلك ولا حفظه، بل قد شاور معاوية اللعين في نبش قبر علي(عليه السلام) لما غلب علي الأمر... ويذكِّره قتلي بدر من بني عبد الشمس، ومن قُتل منهم علي الكفر غير موسَّد ولا مدفون»((4)).
ص: 145
وآخر ما يستوقفنا في منهجيته استعمالهُ للنقد والتحقيق في بعض الأحداث، من قبيل تحقيقه في علي الأكبر(عليه السلام) بقوله: «واختُلف القول فيهما، فقيل: إنَّ المقتول هو علي الأصغر، إنَّه قُتل يومئذ وفي أذنه قرط، وإنَّ علياً الأكبر هو الباقي يومئذ، وكان(عليه السلام) عليلاً... وإنَّه يومئذ ابن ثلاث وعشرين سنة، وكان معه ابنه محمد بن علي(عليه السلام) ابن سنتين، وإنَّه كان وصي أبيه الحسين(عليه السلام)، وهذه الرواية هي الرواية الفاشية الغالبة، وقال آخرون: المقتول هو علي الأكبر وصي أبيه. فلما قُتل عهد إلي علي الأصغر الذي هو لأُمِّ ولد، فأما المقتول يومئذ فأمُّه ليلي بنت مرة بن عروة بن مسعود الثقفي، وعلي الباقي لأمِّ ولد فيما أجمعوا عليه»((1)).
بعدها لجأ القاضي النعمان إلي تقسيم آراء المؤرخين التي تناولت موضوع علي الأكبر بقوله: «وكان للحسين(عليه السلام) ابنان، يدعي كل واحد منهما علياً. فالعامة تزعم أنَّ المقتول منهما معه هو الأكبر، وأهل العلم منأوليائهم وشيعتهم وغيرهم من علماء العامة العارفين بالأنساب والتواريخ يقولون: إنَّ المقتول مع الحسين(عليه السلام) هو الأصغر وإنَّ الباقي منهما هو الأكبر، وإنَّه كان يوم قُتل الحسين(عليه السلام)... شديد العلَّة، فذلك كان سبب بقائه»((2)).
وعند تتبعنا لبعض المصادر التاريخية نجد روايتي القاضي مخالفة لها وتتعارض مع بعضها بشكل كبير، وسندرج نصوص قول المؤرخين وفق التسلسل التاريخي وهم:
أ - الدينوري: «لم يزل أصحاب الحسين يقاتلون ويُقتلون، حتي لم يبقَ معه غير أهل بيته، فكان أول من تقدم منهم، فقاتل علي بن الحسين، وهو علي الأكبر، فلم يزل يقاتل
ص: 146
حتي قُتل، طعنه مرة بن منقذ العبدي، فصرعه»((1)).
ب - اليعقوبي: «وكان للحسين من الولد: علي الأكبر، لا بقية له، قُتل بالطف، وأمُّه ليلي بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي، وعلي الأصغر»((2)).
ت - الطبري: «وكان أوَّل قتيل من بني أبي طالب يومئذ علي الأكبر بن الحسين بن علي وأُمُّه ليلي ابنة أبي مرة ابن عروة بن مسعود الثقفي»((3)).
ث - الكاتب البغدادي (ت322ﻫ/924م): «ولد للحسين بن علي(عليهالسلام) علي الأكبر الشهيد مع أبيه وعلي سيد العابدين»((4)).
ج - المسعودي: «وكان جميع مَن قُتل مع الحسين في يوم عاشوراء بكربلاء سبعة وثمانين، منهم ابنه علي بن الحسين الأكبر...»((5)).
ح - أبو الفرج الأصفهاني: «وعلي بن الحسين وهو علي الأكبر... وهو أول من قُتل في الواقعة»((6)).
خ - المفيد: «وكان للحسين(عليه السلام) ستة أولاد: علي بن الحسين الأكبر، كنيته أبو محمد، وأمُّه شاه زنان بنت كسري يزدجرد وعلي بن الحسين الأصغر، قُتل مع أبيه بالطف... وأمُّه ليلي بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفية»((7)).
د - الطبري الشيعي: «علي الأكبر قُتل معه، وعلي الإمام زين العابدين، وعلي الأصغر»((8)).
ص: 147
ذ - العمري، نجم الدين أبو الحسن علي بن أبي الغنائم (المتوفي في القرن الخامس الهجري/الحادي عشرالميلادي): وجَّه العمري انتقاداً لاذعاً لكلِّ مَن يروي بأنَّ علياً الأصغر هو مَن قُتل في واقعة الطف بقوله: «وزعم مَن لا بصيرة له أنَّ علياً الأصغر هو المقتول بالطف، وهذا خطأ ووهم»((1)).
ر - الطبرسي: «علي بن الحسين الأكبر زين العابدين(عليه السلام)، أُمُّه شاه زنان بنت كسري يزدجرد بن شهريار، وعلي الأصغر، قُتل مع أبيه،أُمُّه ليلي بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفية، والناس يغلطون ويقولون: إنَّه علي الأكبر»((2)).
ز - ابن الخشاب البغدادي (ت 567ﻫ/1169م): «علي الأكبر الشهيد مع أبيه، وعلي الإمام سيد العابدين، وعلي الأصغر»((3)).
س - أبو عبد الله محمّد بن عليّ بن شهر آشوب (ت 588 ﻫ/1190م): «علي الأكبر الشهيد، أُمُّه برَّة بنت عروة بن مسعود الثقفي، وعلي الإمام وهو علي الأوسط، وعلي الأصغر»((4)).
ش - ابن الجوزي: «وخرج علي بن الحسين الأكبر... فطعنه مرة بن منقذ فصرعه»((5)).
وعند مقارنة هذه النصوص مع بعضها البعض، ومقابلتها مع روايتي القاضي النعمان آنفتا الذكر، نصل إلي جملة من النتائج، منها:
أ - إنَّ إدعاء القاضي النعمان من أنَّ أغلب مؤرخي الشيعة أشاروا إلي كون
ص: 148
المقتول في واقعة الطف هو علي الأصغر، أمر فيه نظر وتأمل؛ وذلك لأنَّ جميع المؤرخين أعلاه - الذين أغلبهم من أعلام الشيعة - قد أشاروا إلي أنَّ علياً الأكبر هو من استُشهد في واقعة الطف، وليس علياً الأصغر بإستثناء روايتي المفيد و الطبرسي، وكلاهما متأخران عنه من الناحية الزمنية.
ب - إنَّ رواية القاضي النعمان تخالف مجمل المصادر أعلاه، إذ إنَّه أشار إلي وجود ولدين للإمام الحسين(عليه السلام) باسم علي، أحدهما الإمام السجاد(عليهالسلام)، علي حين أشارت تلك المصادر إلي وجود ثلاثة أولاد للإمام(عليه السلام) متسمَّين باسم علي.
ت - أشار القاضي النعمان إلي أنَّ رواية استشهاد علي الأصغر هي (الفاشية الغالبة)، ولم تكن كذلك، لكونها تتعارض مع المصادر التي أوردناها، لاسيما وإنَّ بعضها أقدم من الناحية الزمنية من عصر القاضي النعمان، بل إنَّ الرواية الغالبة هي التي أشارت إلي استشهاد علي الأكبر وليس علياً الأصغر.
ث - أشار بعض الباحثين((1)) إلي أنَّ علياً الاكبر هو أسنُّ عمراً من الإمام السجاد(عليه السلام)، وبالتالي فإنَّ رواية القاضي التي تشير إلي استشهاد علي الأصغر والتي وصفته (في أُذنه قرط) - ولعلَّ لبس القرط فيها دلالة علي صغر عمره - تتعارض بشكل كبير مع الرواية التقليدية للمقتل.
ج - إنَّ روايات كلٍّ من القاضي النعمان والمفيد والطبرسي التي أشارت إلي استشهاد علي الأصغر في الطف تُعدُّ ضعيفة؛ وذلك لوجود مصادر أقدم منها من الناحية الزمنية، قد أشارت إلي خلاف ذلك مبيّنة أنَّ علياً الأكبر هو من استشهد وهم: اليعقوبي، والطبري، والكاتب البغدادي، والمسعودي، وأبو الفرج الإصفهاني.
ص: 149
ح - ثَمَّة تساؤل قد يُطرح، مَن هو علي الأصغر؟ وما مصيره؟ الجواب نجا من واقعة الطف بنصِّ تصريح الدينوري إذ قال: «ولم ينجُ من أصحاب الحسين(عليه السلام) وولده وولد أخيه إلا ابناه، علي الأصغر، وكان قد راهق...»((1)).من خلال هذه الرواية نستنتج أنَّ علياً الأصغر هو الإمام السجاد(عليه السلام)، ومن ثَمَّ فإنَّ أغلب المصادر التي أشارت إلي ذلك كانت تقصد به الإمام السجاد(عليه السلام)، وسلَّط القندوزي (ت 1294ﻫ/1896م) الضوء أكثر حول هذا المعني بقوله: «وكان للحسين(رضي الله عنه) ثلاثة أبناء وبنتان: علي الأصغر، وهو الإمام زين العابدين، لُقِّب بالأصغر، لأنَّه وُلِد في حياة جدِّه، وعند وفاة جدِّه كان ابن سنتين، فجدُّه أميرالمؤمنين، سعلي الأكبر وهو الأصغر، وفي حادثة كربلا كان ابن اثنتين وعشرين سنة، وكان عليلاً بالإسهال، فلم يقدر أن يخرج إلي الحرب»((2)).
ح - يُستنتَج من ذلك كلّه أنَّ للإمام الحسين(عليه السلام) ثلاثة أولاد يحملون اسم علي، وأنَّ الذي استُشهد في واقعة الطف هو علي الأكبر وليس الأصغر، وأنَّ رواية القاضي النعمان، والمفيد، والطبرسي مخالفة لأغلب المصادر التأريخية.
وهذه هي أهمُّ معالم القاضي النعمان المنهجية التي تمَّ تسجيلها في عرض مادته التاريخية عن المقتل ورواياته التي انفرد بها.
ت - الإرشاد في معرفة حجج الله علي العباد، لمحمّد بن محمّد بن النعمان المعروف ب-:المفيد (ت413ﻫ/1015م).
أورد المفيد مادة المقتل من خلال حديثه عن حياة الإمام الحسين(عليه السلام) في فصلٍ مستقلّ بحسب منهجه في ترجمته لأئمة أهل البيت في مصنَّفه((3)).
وأمّا مصادره عن المقتل فقد صرَّح بأنَّه نقلها عن هشام الكلبي والمدائني، فضلاً
ص: 150
عن مصادر أخري لم يسمِّها بقوله: «ما رواه الكلبي والمدائني وغيرهما من أصحاب السيرة...»((1)).
إنّ متابعة مادة المقتل التي أوردها المفيد ومقارنتها ولو بصورة إجمالية مع المصادر الأخري، تظهر لنا أنَّ معظمها مطابق للرواية التقليدية للمقتل، وتحديداً لما أورده تأريخ الطبري مع حذف السند الروائي وبنحوٍ مختصر، فالمقارنة بين ما موجود في تأريخ الطبريّ مع الأسانيد وبين ما نقله المفيد يثبت هذا التطابق، وقد أشار أحد الباحثين إلي ذلك بقوله: «إنَّ المتتبِّع لحركة الإمام الحسين(عليه السلام) لدي الشيخ المفيد مقارنة بما أورده الطبري، ذلك التوالي والتشابه في المضمون الذي وصل في بعض الأحيان إلي حدِّ التطابق التامِّ... وهذا يبعث علي التساؤل: ماذا إذا كانت هذه الروايات تعود في مصدرها الأساسي إلي شخص واحد نقل عنه الأخباريون جميعهم، استفاد منه الطبري والمفيد»((2))، إلا أنَّ للمفيد زيادات في بعض الأخبار علي مادة الطبري، من قبيل تحديده لمكان دفن عليّ الأكبر والعبّاس(عليه السلام) والشهداء الآخرين((3)).
ث - مناقب آل أبي طالب، لأبي عبد الله محمّد بن عليّ بن شهر آشوب (ت588ﻫ/ 1190م).
تناول ابن شهرآشوب المقتل في فصل مستقلٍّ ضمن ترجمة سيرة الإمام الحسين(عليه السلام) وفضائله ومناقبه علي وفق منهجيته التي اتَّبعها في مصنَّفه، فبعد أن بيّن في عدّة فصول روايات من كرامات الإمام(عليه السلام) ومحاسن أخلاقه ومعاجزه التي حصلت عقب استشهاده(عليه السلام)، فضلاً عن بعض الأخبار التي بيّنت منزلة ومكانته
ص: 151
عند جدِّه المصطفي، وتطرُّقه أيضاً إلي تأريخ ولادتهوألقابه(عليه السلام)، بعدها عرض مادة المقتل وتفاصيله ومقدماته((1)).
من الملاحَظ أنّ ابن شهرآشوب، وبحسب منهجه في عرض المقتل القائم علي أساس الإختصار واجتناب التفصيل في بعض الأخبار لم يتطرَّق للمسائل الدقيقة والمفصلة لبعض مرويات المقتل، إلا أنَّه تناولها بالإجمال، بل لم يتعرّض أصلاً لكثير من الوقائع بسبب اختياره بعضها دون البعض الآخر، ومن المآخذ التي تُسجَّل عليه أنَّه لم يراعِ كثيراً الترتيب الزمنيّ بين الأحداث وتسلسلها، فقد أورد فصلاً تحدَّث فيه عن الكرامات التي تحقَّقت للإمام الحسين(عليه السلام) بعد استشهاده، ثم تناول أيضاً فصلاً في بيان مكارم أخلاقه(عليه السلام)، ثم أورد بعد ذلك فصلاً بعنوان معالي أُموره... ثم أورد فصلاً آخر خاصاً بمقتله(عليه السلام)، وهذا واضح من خلال تتبُّع الفصول أنَّه لم يراعِ التسلسل الزمني للأحداث((2)).
اعتمد المؤلِّف في عرض مادته هذه علي بعض مرويات الأئمة(عليهم السلام) منهم الإمام السجّاد(عليه السلام) والإمام الصادق(عليه السلام) والإمام الرضا(عليه السلام)((3))، فضلاً عن اعتماده مصادر متعدّدة من قبيل: أنساب الأشراف للبلاذريّ، وتاريخ الطبريّ، ومقتل ابن بابويه، وفضائل العشرة لأبي السعادات، وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهانيّ، وأمالي الطوسي، وعن رواة مثل أبي مخنف، وعن القاسم بن الأصبغ - ومن المحتمل أنَّه اعتمد علي مقتله المفقود - مما يترتب علي ذلك أنَّ كتاب المقتل قد فُقد بعد عصر ابن شهر آشوب((4)).
ص: 152
ومن الروايات الجديرة بالوقوف عليها إخباره عن عدد القتلي، والتي لا تتفق معالعقل والمنطق، من قبيل قوله عن الإمام الحسين(عليه السلام): «وجعل يقاتل حتي قتل ألفاً وتسعمائة وخمسين سوي المجروحين، فقال عمر بن سعد لقومه: الويل لكم أتدرون من تبارزون؟! هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتَّال العرب، فاحملوا عليه من كلِّ جانب، فحملوا بالطعن مائة وثمانون، وأربعة آلاف بالسهام»((1)).
إنَّ المبالغة واضحة جداً في الرواية، فكيف تمكَّن الإمام الحسين(عليه السلام) من قتل هذا العدد من الجنود المدرَّبين والمجهَّزين بكامل عُدَدهم العسكرية؟ فضلاً عن ذلك لم يحدِّد لنا ابن شهر آشوب مصدر هذه الرواية ومن أين جاء بها.
أو قوله عن عبد الله بن مسلم بن عقيل(عليه السلام): «فقاتل حتي قتل ثمانية وتسعين رجلاً بثلاث حملات»((2)).
وآخر ما نختم به حديثنا هو أنّ ابن شهر اشوب قد ذكر بعض الأراجيز التي أطلقها أبو الفضل العبّاس والإمام الحسين(عليه السلام) في واقعة الطف، والتي لم نطَّلع عليها في المصادر المتوافرة لدينا، مما يدلُّ علي انفراده بها((3)).
ح - تذكرة خواص الأمَّة في خصائص الأئمة(عليهم السلام)، ليوسف بن فرغلي بن عبد الله المعروف ب-(سبط ابن الجوزي)، (ت654ﻫ/1256م).
ترجم فيه المؤلِّف لأئمة أهل البيت ابتداءً من الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) حتي الإمام محمد المهدي(عليه السلام) وبخصوص الإمام الحسين(عليه السلام) فقد ابتدأ حديثه عنه ببيان منزلته وفضله عند رسول الله(صلي الله عليه و آله) ثم استعرض بعد ذلك مقدّمات المقتل وحيثياته.وهناك جملة من الخصائص المنهجية التي اتَّبعها المؤلِّف في إيراده لأخبار المقتل
ص: 153
والتي منها:
أورد سبط ابن الجوزي المقتل كجزء من ترجمته لسيرة الإمام الحسين(عليه السلام)، وقد خصَّص للمقتل حدود ثمانين صفحة، تناولت المقتل بشكل متسلسل من الناحية التاريخية إذ ابتدأه بوصية معاوية بن أبي سفيان لولده يزيد بن معاوية، التي تضمَّنت بعض المعالم الأساسية في إدارة دفَّة الحكم لولده يزيد، ومطالبة والي المدينة للإمام الحسين(عليه السلام) بالبيعة، ثم استعرض الأحداث التي تعاقبت علي ذلك، وكيفية خروج الإمام الحسين(عليه السلام) من المدينة، ووصول كتب أهل الكوفة له وجوابه لهم((1)).
بعدها استعرض حادثة مقتل كلٍّ من مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة(عليه السلام)، والأحداث التي ارتبطت بهما((2))، ثم انتقل ليركّز حديثه عن وصول الركب الحسيني إلي العراق والإستعدادات العسكرية التي اتخذتها السلطة الحاكمة لمواجهته، فضلاً عن المواجهة العسكرية بين الطرفين حتي استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) في كربلاء((3)).
أورد السبط إحصاءً دقيقاً بأسماء مَن قُتل من آل أبي طالب(عليه السلام)، ثم عرَّج بعد ذلك إلي السبي والأسر الذي تعرَّض له أهل البيت في الكوفة والشام،بعدها ختم حديثه عن المقتل بالجزاء والعقوبة الدنيوية التي تعرَّض لها بعض قتلة الإمام الحسين(عليه السلام)((4)) جزاءاً لجريمتهم النكراء.
ص: 154
اعتمد سبط ابن الجوزي علي العديد من المصادر في ذكره لروايات وأخبار المقتل، ومنها ما أشار إليه بشكل صريح من قبيل الواقدي((1)) ومحمد بن هشام الكلبي((2)) ومحمد بن سعد((3)) والبلاذري((4)) ومحمد بن جرير الطبري((5)) وعلي بن الحسين المسعودي((6))، وابن الجوزي((7)).
فضلاً عن ذلك نجد أنَّ سبط ابن الجوزي أورد بعض الروايات ولم يشر إلي مصادرها التي استقاها منها مستعملاً في ذلك عبارات وصيغاً مختلفة من قبيل «قال علماء السير((8))، وفي رواية»((9)).
اتبع السبط في منهجيته أسلوب المقارنة بين المصادر، فبخصوص المادةالتاريخية عن حادثة مسلم بن عقيل(عليه السلام) يقارن السبط بين مادة الواقدي عن تلك الحادثة، ومادة ابن هشام الكلبي وابن إسحاق قائلاً: «وذكر ابن هشام بن محمد وابن إسحاق في قصة مسلم بن عقيل ما هو أتمُّ من هذا»((10)).
ص: 155
إنّ مسلم بن عقيل(عليه السلام) قد طلب من الإمام الحسين(عليه السلام) إعفاءه من مهمة الذهاب للكوفة لدراسة أوضاعها، ونصُّها: «ثم بعث الحسين قبل خروجه من مكة إلي الكوفة مسلم بن عقيل، وقال له انظر ما كتبوا به إلينا فإن كان حقاً فأخبرني، فاستعفاه مسلم، فلم يعفه فقال له يا ابن عمّ الناس كثير فبالله لا تلقي الله بدمي، فقال له لا بدّ من مسيرك، فسار حتي أتي الكوفة»((1)).
إنّ موقف مسلم في هذه الرواية لا يتفق مع سيرته وإخلاصه العقائدي تجاه إمامه الحسين بن علي(عليهما السلام)، ويلاحظ أنَّ الرواية تحاول تصوِّر أنَّ مسلماً خرج مجبراً من قبل الإمام الحسين(عليه السلام)، وهذا غير ممكن لأنَّ مسلماً كان معتقداً تماماً بإمامة الحسين(عليه السلام) ويعرف أنّ هذا هو جزء من تكليفه الشرعي، ولا يمكن أن يعترض علي ذلك، فضلاً عن أنَّ سبط ابن الجوزي قد نقلها عن طريق الواقدي، ولم نطلع عليها في بقية المصادر التاريخية المتوافرة لدينا.
وفضلاً عن ذلك فإنَّ هذه الرواية تخالف مجمل ما ذكره المؤرخون الذين لم يشيروا في روايتهم لقصة مسلم بن عقيل(عليه السلام) لهذه الرواية وتردّد الأخيرفي إسناد المهمة إليه من قبل الإمام الحسين(عليه السلام)، ومنهم ابن قتيبة((2))، والبلاذري((3))، واليعقوبي((4)) والطبري((5)) والمسعودي((6))، وأبو الفرج الإصفهاني((7))، والقاضي
ص: 156
النعمان((1))، وما أشار إليه الفتّال النيسابوري في إيراده لقصة مسلم((2))، وما أورده ابن نما((3)) وغيرها، وهذا يجعل الرواية في دائرة الشكِّ والضعف، ومن الأخبار المنفردة.
لجأ سبط ابن الجوزي إلي نقد وتحليل بعض الروايات - وإن كان في حالات محدودة - منها، انتقاده لرواية قول الحسين(عليه السلام) إلي عمر بن سعد بأنَّه سوف يتراجع عن موقفه والذهاب للمدينة، أو النزول علي حكم يزيد بن معاوية، فقال منتقداً هذا النصَّ: «وقد وقع في بعض النسخ أنَّ الحسين(عليه السلام) قال لعمر بن سعد دعوني أمضي إلي المدينة أو إلي يزيد فأضع يدي في يده، ولا يصحُّ ذلك؛ لأنَّ عقبة ابن سمعان قال:صحبت الحسين من المدينة إلي العراق ولم أزل معه إلي أن قُتل والله ما سمعته قالذلك»((4)).
وجَّه سبط ابن الجوزي انتقاداً تاريخياً إلي البلاذري بخصوص حضور أنس بن مالك في مجلس يزيد بن معاوية في الشام ومشاهدته ضرب الأخير لثنايا الإمام الحسين(عليه السلام)، قائلاً: «وهو غلط لأنَّ أنس بن مالك كان بالكوفة عند ابن زياد ولما جيء بالرأس بكي»((5)).
وأحياناً يرجِّح السبط بعض الروايات المتعدِّدة للحادثة الواحدة، كما هو الحال في عدد أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)، فقد أورد عدة أخبار مختلفة منها أنَّ «عددهم
ص: 157
سبعون فارساً ومائة راجل، وقيل كان معه ثلاثون فارساً، وذكر المسعودي: أنَّه كان معه ألف»((1))، ويرجِّح السبط الرأي الأول بقوله: «والأول أصحُّ»((2))، ولعلَّ سبب ترجيحه هذا يرجع إلي شهرة هذا الرقم عند المؤرخين.
وذكر أيضاً روايات عدَّة بخصوص الشخصية التي أقدمت علي قتل وذبح الإمام الحسين(عليه السلام) مرجِّحاً سنان بن أنس وبمشاركته من قبل شمر بن ذي الجوشن((3)).
ومن منهجه العلمي أيضاً أنَّه أورد عدة مصادر تاريخية لنقل خبر واحد اتفقت عليه، من قبيل إيراده لحادثة إرسال الرؤوس والسبايا إلي الوالي عبيد الله بن زياد، بقوله: «قال هشام بن محمد، والواقدي، وابن إسحاق: ثم بعث عمر بنسعد إلي ابن زياد...»((4)).
وهنا لا بدّ من الإشارة إلي أنَّ سبط ابن الجوزي نقل بعض الروايات الضعيفة التي لا يمكن قبولها من قبيل، نقله لرواية المسعودي بقوله: «ولم يحضر قتال الحسين أحد من أهل الشام، بل كلُّهم من أهل الكوفة ممن كاتبه وكانوا ستة آلاف مقاتل...»((5))، وعند التدقيق بهذه الرواية ومقابلتها مع رواية المسعودي((6)) لم نجدها مطابقة لها، وإنَّ سبط بن الجوزي قد أضاف عليها بعض الزيادات، منها ذكره للعدد ستة آلاف الذين كاتبوا الإمام الحسين(عليه السلام) ومن ثَمَّ قاتلوه، مما يدلُّ علي أنَّ
ص: 158
السبط قد تلاعب بهذه الرواية ولم يتّبع الأمانة العلمية في نقلها.
وفضلاً عن إيراده لرواية ابن شهر آشوب بخصوص عدد الذين قتلهم الإمام الحسين(عليه السلام) والضربات التي تعرَّض لها والتي فيها مبالغة واضحة ومخالفة للمنطق بقوله: «وجعل يقاتل حتي قتل الفاً وتسعمائة وخمسين سوي المجروحين، فقال عمر بن سعد لقومه: الويل لكم أتدرون من تبارزون! هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتَّال العرب، فاحملوا عليه من كلِّ جانب. فحملوا بالطعن مائة وثمانون وأربعة آلاف بالسهام»((1)). وقد ناقشنا هاتين الروايتين في معرض حديثنا عن كلا المؤرِّخينِ، وبهذا نختم حديثنا عن مرويات سبط ابن الجوزي.
ص: 159
ص: 160
المبحث الأول: كتب المقتل الحسيني المفقودة من القرن الأول حتي القرن الثالث الهجري
المبحث الثاني: كتب المقتل الحسيني المفقودة من القرن الرابع حتي أواخر القرن السابع الهجري
ص: 161
ص: 162
إنَّ ظاهرة فقدان الكتب وتلفها من الظواهر التي برزت في التاريخ الإسلامي، وعند مختلف الأمم الأخري وعلي مرِّ العصور، والتي تسبَّبت بفقدان الكثير من المصادر الأساسية والقيِّمة، وهنالك عدة عوامل ودوافع أدَّت إلي فقدان تلك الكتب، بعضها سياسي وآخر ديني مذهبي، فضلاً عن العوامل الإجتماعية والإقتصادية الأخري.
تعرَّض الكثير من الباحثين إلي الخوض بشكل تفصيلي في بيان أسباب ودوافع ضياع الكتب وحرق المكتبات وإتلافها((1))، والذي يبدو أنَّ كتب المقتل الحسيني شكَّلت جزءاً من تلك الكتب التي تعرَّضت للفقدان، ومن أدلَّة ذلك أنَّ بعض كتب المقاتل قد وُجدت في حِقَب زمنية معيَّنة وقد اعتمد عليها بعض المؤرخين في ذكر رواياتهم عن مقتل الحسين بن علي(عليه السلام)، في حين فُقِدت فيما بعد وأصبحت في عداد الكتب المفقودة.
ومن الجدير بالذكر أنَّ العديد من المصادر التاريخية اعتمدت علي بعض كتب المقاتل المفقودة والتي لم تصلنا، ومنها علي سبيل المثال لا الحصر، ما اعتمده أبوالفرج الأصفهاني في كتابه مقاتل الطالبيين علي بعض مرويات المدائني((2))، كما نقل
ص: 163
ابن عساكر في كتابه تاريخ مدينة دمشق جزء من مرويات الواقدي((1))، الخاصة بالمقتل، وكذلك أورد الذهبي بعض الأخبار التي تخصُّ مقتل الحسين(عليه السلام) استناداً إلي روايات الواقدي((2)).
إنَّ ما ذكرناه يدلُّ علي أنَّ كتب المقاتل المشار إليها آنفاً كانت موجودة أو قريبةً زمانياً من عصر هؤلاء المؤرخين وتناقلها بعض المحدِّثين؛ وذلك لأنَّ بعض المؤرخين اعتمد علي تلك الكتب عن طريق سلسلة من الأسناد بعبارة (حدَّثنا).
1- الأصبغ بن نُباته (ت100ﻫ/702م)((3))
من أصحاب وخواصِّ الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) وعمَّر بعده، وأورد عنه الطوسي أنَّه روي عن مقتل الحسين(عليه السلام)((4)).
لكن لم نُوفَّق - بحدود اطلاعنا - للتعرُّف علي أيِّ رواية تخصُّ المقتل فيالمصنفات التاريخية مروية عن الأصبغ بن نُباتة، علي حين هناك ثلاث روايات وردت في بعض المصادر عن طريق القاسم بن الأصبغ بن نُباته، وهي: الأولي مفادها: «أنَّ رجلاً من بني أبان بن دارم دعا قومه إلي منع الحسين(عليه السلام) من الوصول إلي
ص: 164
الماء، فدعا عليه الإمام(عليه السلام) بالظمأ حتي صبَّ الله عليه الظمأ»((1)) الثانية أوردها أبو الفرج الأصفهاني: «عن القاسم بن الأصبغ بن نباتة قال: رأيت رجلاً من بني أبان بن دارم أسود الوجه، وكنت أعرفه جميلاً شديد البياض فقلت له: ما كدت أعرفك قال. إني قتلت شاباً أمرد مع الحسين بين عينيه أثر السجود، فما نمت ليلة منذ قتلته إلا أتاني فيأخذ بتلابيبي((2)) حتي يأتي جهنم فيدفعني فيها، فأصيح فما يبقي في الحي أحد إلا سمع صياحي، قال: والمقتول العباس بن علي(عليه السلام)»((3)).
أمّا الثالثة فقد أوردها القندوزي عن طريق هشام بن محمد الكلبي ونصُّها: «عن القاسم بن الأصبغ... قال: لما أُتي بالرؤوس إلي الكوفة إذ فارساً منأحسن الناس وجهاً قد علق في لبب فرسه رأس... كأنه القمر ليلة تمامه والفرس طوح فإذا طأطأ رأسه لحق الرأس بالأرض. فقلت له: رأس من هذا قال: رأس العباس بن علي(رضي الله عنه) قلت: وأنت؟ قال: حرملة بن كاهل الأسدي، قال: فلبث أياما وإذا بحرملة فصار وجهه أشد سواداً من القار، فقلت له: لقد رأيتك يوم حملت الرأس وما في العرب أنضر وجها منك وما أدري اليوم إلا أقبح وإلا أسود وجها منك! فبكي، وقال: والله منذ حملت الرأس والي اليوم ما تمر علي ليلة إلا واثنان يأخذاني... ثم ينتهيان بي إلي النار فيدفعاني فيها وأنا أنكص فتسفعني، ثم مات علي أقبح حال»((4)).
ص: 165
بعد إيرادنا لهذه الروايات يبدو لنا أنَّ القاسم بن الأصبغ بن نُباتة هو من ألَّف كتاب مقتل الحسين(عليه السلام) لا والده الأصبغ، بقرينة الروايات الثلاث آنفة الذكر، فضلاً عن ذلك وحسب اطلاعنا لا توجد أيَّة رواية للأصبغ تخصُّ المقتل، أمّا من ترجم للأصبغ وذكر أنَّه ألَّف كتاب مقتل الحسين(عليه السلام)، كما أشار إلي ذلك الطوسي((1))، فلعله ناجم عن الإشتباه بين الأصبغ وولده القاسم، و ما شاكل ذلك.
ومن الجدير بالذكر أنَّ الروايات الثلاث التي أسُندت للقاسم بن الأصبغ كانت ذات طابع غيبي إعجازي حيث تحدَّثت عن الجزاء الدنيوي الذي طال قتلة الإمام الحسين(عليه السلام).
المجالات والتخصُّصات والأحداث، إلا أنَّه لم يورد لنا روايات أو أخباراً تخصُّ المقتل في المصادر المتوافرة لدينا.
3- الواقدي (ت207ﻫ/822م)((1))
أخباري معروف، له عدَّة مؤلفات في السير والتاريخ، منها كتاب مقتل الحسين(عليه السلام). وهو كتاب مفقود((2))، وقد اعتمد علي مروياته الخاصة بالمقتل جملة من المؤرخين الذين اقتبسوا بعض النصوص التاريخية الخاصة بالمقتل عنه، أمثال ابن سعد (مؤلف الطبقات الكبري) إذ ذكر اللقاء الذي دار بين الإمام الحسين بن علي(عليه السلام) وابن مطيع عندما خرج من المدينة باتجاه مكة نقله استنادً إلي ما رواه الواقدي((3)).
ص: 167
واعتمد الطبري هو الآخر علي بعض مرويات الواقدي في أخبار المقتل نقلاً عن ابن سعد، منها ما يخصُّ تاريخ استشهاد الإمام(عليه السلام)؛ إذ ذكر مروياً عن الواقدي فقال: «قُتل الحسين لعشر خلون من المحرم عام 61هجرية، قال الواقدي هذا أثبت»((1))، ولعلَّ قول الواقدي (هذا أثبت) تشير إلي أنَّ هناك آراء مختلفة قد تناولت تأريخ استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) وقد رجَّح الواقدي هذا التأريخ.
وأشار البلاذري إلي بعض مصادره التي اعتمدها في رواية المقتل، منها مرويات الواقدي، إذ ذكر مروياً بما نصه: «قتل الحسينَ شمرُ بن ذي الجوشن، وقد فصَّل خضاب لحيته وكان يخضب بسواد، وأوطأ شمر فرسه وذلك في يوم عاشوراء سنة إحدي وستين، وهو ابن ثمان وخمسين سنة. ويقال: ابن ست وخمسين»((2)).
ولم يذكر ابن عساكر روايات عن المقتل منقولة عن الواقدي سوي تاريخ استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) وحديث يخصُّ أمَّ سلمة((3)).
من خلال استقراء وتتبع المصادر يتضح لنا أنَّ سبط ابن الجوزي هو من أكثر المؤرخين الذين نقلوا روايات مسندة للواقدي تخصُّ مادة المقتل، وهي أشبه بمقتل كامل للواقدي، وقد ابتدأ بنقله عنه فيما يخصُّ نزول الإمام الحسين(عليه السلام) في مكة بقوله: «قال الواقدي: ولما نزل الحسين مكة كتب يزيد بن معاوية إلي ابن عباس أمّا بعد فإنَّ ابن عمك حسيناً وعدوَّ الله ابنالزبير التويا ببيعتي ولحقا بمكة مرصدين للفتنة...»((4)).
وأورد كذلك عنهُ رواية بخصوص النصيحة أو المشورة التي وجَّهها عبد الله بن
ص: 168
عمر للإمام الحسين(عليه السلام) ونصّها: «قال الواقدي ولما بلغ عبد الله بن عمر ما عزم عليه الحسين دخل عليه... فلامه ووبَّخه ونهاه عن المسير، وقال يا أبا عبد الله سمعت جدَّك رسول الله يقول مالي وللدنيا، وما للدنيا ومالي وأنت بضعة منه»((1)).
وهنا لا بدّ أن نشير إلي بعض النقاط السلبية التي حملتها هذه الرواية، منها: إنَّ تلك الرواية قد تمَّ التلاعب بألفاظها؛ وذلك من غير المعقول أن يوجِّه عبد الله بن عمر كلاماً وانتقاداً بهذا المستوي تجاه الإمام الحسين(عليه السلام)، وفضلاً عن ذلك فإنَّ سياقها وأسلوبها يشيران إلي أنَّها نُقلت بالمعني وليس باللفظ، ومن المؤكَّد أن يحصل تغيير وتحريف في العبارات والألفاظ، وكيفما يشاء الناقل يُعبِّر - تحكمه في ذلك منظومته العقائدية والمذهبية والسياسية - هذا من جانب، ومن جانب آخر كيف يحقُّ لشخص مثل عبد الله بن عمر أن يوبِّخ إماماً معصوماً مفترض الطاعة مثل الإمام الحسين(عليه السلام)، أضف إلي ذلك أنَّ رواية إبداء النصيحة أو المشورة من قبل عبد الله بن عمر للإمام(عليه السلام) قد أوردها البلاذري((2)) وعند مقارنتها مع رواية الواقدي وجدناها تختلف عنها، وبشكل جذري، ولا تتفق معها بشكل أو بآخر، مما يدلُّ علي أنَّ هذه الرواية من نسج وتأليف الناقل لها سواء الواقدي أو سبط ابن الجوزي.ونقل سبط بن الجوزي عن الواقدي أيضاً الروايات ذات الطابع الإعجازي، بقوله: «وقال الواقدي وغيره لمَّا رحل الحسين(عليه السلام) من القادسية وقف يختار مكاناً ينزل فيه واذا سواد الخيل قد أقبل كالليل، وكأنَّ راياتهم أجنحة النسور... فنزلوا مقابلهم ومنعوهم الماء ثلاثة أيام، فناداه عبد الله بن حصن الأزدي يا حسين ألا تنظر إلي الماء كأنَّه كبد سماء والله لا تذوق منه قطرة حتي تموت عطشا، فقال الحسين اللهم اقتله
ص: 169
عطشاً ولا تغفر له أبداً فكان بعد ذلك يشرب الماء ولا يروي حتي سقي بطنه فمات عطشا»((1)).
وذكر أخري أشارت إلي حصول لقاء بين الإمام الحسين(عليه السلام) وبين عمر بن سعد بين العسكرين وهي تصوّر تراجع الإمام(عليه السلام) عن مشروعه الإصلاحي الثوري، مطالباً السلطة الأموية باختيار أيّ مكان يلجأ إليه، وإنَّه انخدع بأهل الكوفة ويريد التراجع، ويطلب من عمر بن سعد مكاتبة الوالي عبيد الله بذلك، وتحاول الرواية أن تعطي لشمر بن ذي الجوشن دوراً كبيراً في منع الوالي عبيد الله من الإنصياع لمطلب الإمام الحسين(عليه السلام) ووجوب الرضوخ لحكم الوالي عبيد الله أو القتل، وبدوره - أي عبيد الله - كتب إلي القائد عمر ابن سعد بذلك((2))، هذه الرواية من المؤكَّد هي ضمن الموضوعات التي تحاول أن تشوِّه نهضة الإمام(عليه السلام).
وحدَّد الواقدي أنَّ أول من رمي معسكر الإمام الحسين(عليه السلام) بسهم، هو:عمر بن سعد، وهو يتفق مع العديد من المصادر((3)) التي أشارت إلي هذا الأمر.
وذكر السبط رواية بأسلوب الإسناد الجمعي ومن بينهم الواقدي، تتعلَّق بحمل الأسري والسبايا إلي الكوفة ونصُّ الرواية: «ثم بعث عمر بن سعد إلي ابن زياد برأس الحسين ورؤوس أصحابه وبناته ومن بقي من الأطفال مع خولي بن يزيد الأصبحي، وفيهم علي بن الحسين الأصغر وكان مريضاً...»((4)).
ص: 170
ولم تقتصر روايات الواقدي التي نقلها لنا سبط بن الجوزي عن المقتل فقط، بل تعدَّت إلي أكثر من ذلك فقد أوردت لنا الأخبار التي تحدَّثت عن الرأس الشريف للإمام الحسين(عليه السلام) والسبي والأسر الذي تعرَّض له أهل البيت في الشام ونصُّ الرواية: «قال الواقدي: ثم دعا ابن زياد زحر بن قيس الجعفي وسلَّم إليه الرؤوس والسبايا وجهَّزه إلي دمشق... فحكي ربيعة بن عمر((1)) وقال كنت جالساً عند يزيد بن معاوية في بهو له إذ قيل له زحر بن قيس بالباب وأذن له في الحال، فدخل فقال ما وراءك؟ فقال ما تحبُّ ابشربفتح الله ونصره؛ ورد علينا الحسين في سبعين راكباً من أهل بيته وأصحابه، حتي أخذت السيوف مأخذها من هام الرجال فهاتيك أجسامهم مجرَّدة وهم صرعي في الفلاة...»((2))، إلي آخر الرواية التي تصوِّر أنَّ يزيد بكي وحَمّلَ أهل العراق وخصوصاً عبيد الله مسؤولية ما جري يوم عاشوراء.
وذكر الواقدي رواية عن عاقبة المتخاذلين عن نصرة الإمام الحسين(عليه السلام) والذين لاقوا جزاءهم في الدنيا قبل الآخرة، والرواية أشارت إلي أنَّ رجلاً لم تسمِّه أو تحدِّد هويته، قد حضر واقعة الطف ولم ينصر الإمام الحسين(عليه السلام) بأيِّ شكل من الأشكال، وإنَّ الله عاقبه بعمي بصره في الدنيا؛ لتخاذله عن المشاركة في نصرة الإمام الحسين(عليه السلام)((3)).
ونقل الذهبي أيضاً العديد من النصوص الخاصة بالمقتل عن ابن سعد الذي
ص: 171
بدوره يسندها إلي الواقدي، منها:خبر مسلم بن عقيل(عليه السلام) وكيفية خروجه واشتباكه مع عناصر السلطة الأموية، والأحداث الأخري التي تلتها حتي استشهاده(عليه السلام)((1)).
أوردَ الذهبي رواية بنفس إسناده آنف الذكر ما نصُّها: «إنّ عمر بن سعد بن أبي وقاص أرسل رجلاً علي ناقة إلي الحسين، يخبره بقتل مسلم بن عقيل، وكان قد بعثه الحسين إلي الكوفة كما مرَّ في سنة ستين، فقال للحسين ولده علي الأكبر: يا أبه ارجع، فإنهم أهل العراق وغدرهم، وقلَّةوفائهم، ولا لك بشيء، فقالت بنو عقيل: ليس هذا حين رجوع، وحرَّضوه علي المضي»((2)).
الرواية لا تخلو من الإشكالات النقدية والتساؤلات التي تجعلها بدائرة الأخبار الموضوعة، منها:
1- ما الدافع الذي جعل عمر بن سعد يرسل رسولاً لإبلاغ الإمام الحسين(عليه السلام) بقتل سفيره مسلم بن عقيل(عليه السلام)؟ هل حبّاً بالإمام الحسين أم خوفاً من التورط بقتله؟ ومن خلال الوقائع والتصرفات التي أقدم عليها عمر بن سعد تجاه الإمام(عليه السلام) وأهل بيته الأطهار تؤكِّد أنَّ عمر بن سعد لم يكنْ لديه دافع الحبِّ للإمام الحسين أو الخوف من التورط في قتله، فيا تري أيّ دافع أو أيّ سبب حرَّضه علي هذا التصرف؟
2- تبيِّن الرواية أنّ علياً الأكبر(عليه السلام) إنسان لا يمتلك أيّ عقيدة راسخة، ومتخوِّف من السلطة الأموية وأنَّه تراجع بمجرد سماعه نبأ قتل مسلم بن عقيل(عليه السلام)، كما وتشير إلي أنَّ علياً الأكبر هو أعرف وأدري بأهل العراق ونفسياتهم من الإمام الحسين(عليه السلام)، كما تصوِّر أنَّ خروج الإمام الحسين(عليه السلام) كان بسبب أهل
ص: 172
العراق ودعوتهم ومكاتبتهم له، وهذا بعيد جداً.
3- تحاول الرواية أن تبيِّن أنَّ موقف بني عقيل أكثر ثباتاً ورسوخاً من موقف علي الأكبر، وهذا خلاف الحقيقة؛ لما بذله الأكبر من تضحية وفداء في سبيل الدين ونصرة إمام زمانه.
4- وبحسب فرض الرواية: لماذا جاءت نصيحة علي الأكبر لوالده الإمام الحسين(عليه السلام) متأخِّرة؟ ولماذا لم ينصحه قبل خروجه من المدينة؟ ولماذافي هذا الوقت؟ كلُّ هذا يؤكِّد أنّ الرواية تريد الطعن بعلي الأكبر(عليه السلام).
4- يضاف إلي ذلك تشكيك أحد الباحثين المعاصرين بهذه الرواية بقوله: «إنَّ القراءة الخاطئة للرواية تظهر عجز الإمام الحسين(عليه السلام) عن الإستمرار في المسير، وإنَّه - بحسب الرواية - لأجل إرضاء أخوة مسلم»((1)) نستنتج من خلال ذلك كلّه أنَّ هذه الرواية تحاول التنظير لثلاث نقاط أساسية:
أ - الطعن بنهضة الإمام الحسين(عليه السلام) وإنَّها لم يخطّط لها مسبقاً وإنَّما جاءت لظروف استُجدّت آنذاك، وإنَّ بني عقيل هم من حرَّضوه علي المضي، وتوحي إلي حصول تراجع من الإمام الحسين(عليه السلام).
ب - الطعن بعلي الأكبر(عليه السلام) وإنَّه تراجع بمجرد سماعه خبر استشهاد مسلم بن عقيل(عليه السلام)، بل إنَّه أخذ يحثُّ أباه الإمام الحسين(عليه السلام) علي التراجع.
ت - الطعن بأهل العراق وإنَّهم لا وفاء لهم وأهل غدر.
ويشير الذهبي إلي رواية دفن رأس الإمام الحسين بن علي(عليه السلام) في منطقة البقيع في المدينة المنورة استناداً إلي ما نقله الواقدي((2))، والرواية تحتاج للمناقشة والدراسة؛
ص: 173
لكونها تتعارض مع عدَّة مصادر في تحديدها لمكان دفن رأسالإمام الحسين(عليه السلام)((1)).
ويبدو أنَّ الرواية الوحيدة التي اعتمدها ابن كثير بخصوص المقتل عن الواقدي هي ما تخصُّ مناقشته لتأريخ استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام)؛ إذ أشار إلي أنَّ هناك من يذكر أنَّ الإمام الحسين(عليه السلام) استشهد في شهر صفر، ويضعِّف ابن كثير رأي من يذهب إلي هذا القول، وذلك بعبارته «وزعم بعضهم أنَّه قُتل في صفر»((2)) ويرجِّح رأي الواقدي القائل باستشهاده(عليه السلام) في يوم عاشوراء من شهر المحرم من سنة (61ﻫ) علي المشهور((3)).
4 - هشام بن محمد بن السائب الكلبي (ت206 ﻫ/819 م)((4))
عالم بالأنساب والأخبار، وله مؤلَّفات عدَّة، وقد استعرض كتبه ابن النديم((5)) ولكنه أهمل كتابه مقتل الحسين(عليه السلام) وبعض كتبه، في حين أثبت النجاشيفي معرض ترجمته له كتاب مقتل الحسين(عليه السلام) ضمن مصنََّفاته((6)).
اعتمد علي ابن الكلبي عدد من المؤرخين في بعض الروايات الخاصة بالمقتل
ص: 174
الحسيني، ويأتي في مقدمتهم ابن سعد الذي لم يذكر سوي خبر يخصُّ شمر بن ذي الجوشن كونه اشترك في قتل الإمام الحسين(عليه السلام)، وإنَّه كان يكني ب-:أبي السابغة((1)).
أمّا الطبري فقد اعتمد علي ابن الكلبي بشكل واسع جداً، وقبل الدخول في بيان طبيعة وماهية رواياته، لا بدّ من الإشارة إلي أنَّ هناك ثلاثة طرق روائية استعملها ابن الكلبي في نقل أخبار المقتل، الأول: بوساطة شيخه أبي مخنف، أمّا الثاني: فبوساطة عوانة بن الحكم((2))، علي حين نقل بقية أخباره بطرق مختلفة ومتعددة سنوضّحها بعد قليل.
نقل عن ابن الكلبي ثماني روايات خاصَّة بالمقتل عن طريق شيخه أبي مخنف، الأولي تناولت الكتاب الذي كتبه الإمام الحسين(عليه السلام) إلي أشراف البصرة والذي فيه: «أنا أدعوكم إلي كتاب الله وسنة نبيه(صلي الله عليه و آله)؛ فإنَّ السنَّة قد أُميتت وإنَّ البدعة قد أُحييت، وأن تسمعوا قولي وتطيعواأمري أهدكم سبيل الرشاد والسلام عليكم ورحمة الله»((3))، أمّا الرواية الثانية فتناولت خطبة الوالي عبيد الله بن زياد في أهل الكوفة، والتي احتوت علي التهديد والوعيد((4))، علي حين أشارت الرواية الثالثة إلي محاولة عمر بن عبد الرحمن((5)) إبداء النصيحة للإمام الحسين(عليه السلام) بعدم الذهاب إلي العراق وتحذيره
ص: 175
من ذلك، فأجابه الإمام قائلاً له: «جزاك الله خيرا يا ابن عم فقد والله علمت أنَّك مشيت بنصح، وتكلمت بعقل، ومهما يقضِ من أمر يكن أخذت برأيك أو تركته فأنت عندي أحمد مشير وأنصح ناصح...»((1)).
نشكِّك بمصداقية الرواية الرابعة والتي أشارت إلي أنَّ الإمام الحسين(عليه السلام) جاء إلي العراق بسبب مكاتبة أهل الكوفة له، وأنَّه بعد أن غدروا به أراد الإنصراف، وطلب من القائد عمر بن سعد مكاتبة الوالي عبيد الله بن زياد بذلك، والأخير رفض ذلك((2))، علي حين اختصت الرواية الخامسة ببيان مقتل نافع بن هلال((3))، أمّا السادسة فتصوِّر لنا الأحداث التاريخية التي جرت للأسري والسبايا فيمجلس يزيد ابن معاوية في دمشق((4))، بينما ذكرت الرواية السابعة إجراء مراسيم العزاء من قبل عبد الله بن جعفر بن أبي طالب(رضي الله عنه) بعد وصوله نبأ استشهاد ولديه((5)).
أمّا الرواية الثامنة فسردت لنا حصص القبائل من عدد رؤوس الشهداء من أهل بيت الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه الأطهار، ثم أشارت إلي أسماء الشهداء من آل أبي طالب(عليه السلام)، وأسماء أمهاتهم، وتحديد أسماء قاتليهم((6))، وهنا لا بدّ من القول
ص: 176
بأنَّ الرواية أعلاه والتي اتَّسمت بتعداد أسماء الشهداء وأسماء أمهاتهم وأسماء قاتليهم هو منهج خاص اتَّبعه بشكل أوسع في مصنفه أبو الفرج الأصفهاني، وسبقه إلي ذلك أبو مخنف.
ونقل ابن الكلبي سبع روايات عن طريق عوانة بن الحكم تناولت الأولي وصية معاوية بن أبي سفيان لولده يزيد التي رسم فيها المعالم الأساسية في إدارة دفَّة الحكم، وأوجد معاوية فيها منهجاً للتعامل مع كلِّ شعب وبلد وفق المنظور العقائدي والنفسي لسكان البلد قائلاً له: «انظر أهل الحجاز فإنَّهم أصلك فأكرم من قدم عليك منهم، وتعاهد من غاب، وانظر أهل العراق فإن سألوك أن تعزل عنهم كلَّ يوم عاملاً فافعل فإنَّ عزل عامل أحبُّ إليَّ من أن تُشهر عليك مائة ألف سيف، وانظر أهل الشأم فليكونوا بطانتك وعيبتك فإن نابك شئ من عدوك فانتصر بهم...»((1))، ثم تستمرُّ الوصية فيتحذيره من الشخصيات التي لها تأثير في الرأي العام ومنها شخصية الإمام الحسين(عليه السلام).
وأوردت لنا الرواية الثانية استشارة يزيد بن معاوية لمستشاره الخاص سرجون الرومي بتحديد والٍ جديد للكوفة، واقتراحه له بتنصيب عبيد الله بن زياد((2)). أمّا الثالثة فأشارت إلي اللقاء الذي جري بين الإمام الحسين(عليه السلام) والشاعر الفرزدق والحديث الذي جري بينهما((3)).
وسردت لنا الرواية الرابعة استعدادات القائد عمر بن سعد لحرب الإمام الحسين(عليه السلام) وارساله الرسل للاستفسار عن سبب قدومه للعراق((4))، والخامسة
ص: 177
أوردت في متنها حادثة تجهيز الأسري والسبايا إلي الشام بقيادة محفِّز بن ثعلبة((1)) وشمر بن ذي الجوشن، ودخولهما مجلس يزيد بن معاوية والأحداث التي جرت في ذلك المجلس((2)).
أمّا الروايتان السادسة والسابعة فقد أشارت الأولي: إلي إرسال الوالي عبيد الله ابن زياد رسولاً لأهل المدينة المنورة لينبأهم بمقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، أمّا الثانية فمطالبة عبيد الله بن زياد بعد قتل الإمام الحسين(عليه السلام) للقائد عمر بنسعد بالكتاب الذي كتبه له بخصوص قتل الإمام الحسين(عليه السلام) وجواب الأخير له بإنَّه فقده((3)).
وأورد ابن الكلبي عشر روايات مع اختلاف الوسائط الروائية في نقلها، الأولي أسندها ابن الكلبي إلي أبي بكر بن عياش الكوفي((4)) والذي بدوره نقلها عن جهة مجهولة لم يسمِّها أو يحدِّد هويتها، بقوله: «قال هشام حدثنا أبو بكر بن عياش عمَّن أخبره قال...»((5)).
ص: 178
أشارت تلك الرواية إلي مسألة مهمة، هي: أنَّ أنصار الإمام الحسين(عليه السلام) الذين استشهدوا معه في كربلاء لم يكونوا هم منذ البداية العدد الحقيقي الثابت، وإنَّما كانوا أعداداً كبيرة إلا أنَّهم تفرَّقوا عن الركب الحسيني في منطقة زبالة علي إثر إبلاغهم من قبل الإمام الحسين(عليه السلام) نبأ استشهاد مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة(عليها السلام).
ويبدو أنَّ السبب في إبلاغهم بخبر استشهاد مسلم وهانئ في منطقة زبالة وبهذا الوقت هو لاختبارهم بعد أن درس الإمام(عليه السلام) نفسيتهم وعقيدتهم، بقرينةنصِّ الرواية: «فأتي ذلك الخبر حسيناً وهو بزبالة فأخرج للناس كتابا فقرأ عليهم بسم الله الرحمن الرحيم أمَّا بعدُ فإنَّه قد أتانا خبر فظيع؛ قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة، وعبد الله بن بقطر، وقد خذلتنا شيعتنا؛ فمن أحبَّ منكم الإنصراف فلينصرف، ليس عليه منَّا ذمام قال فتفرَّق الناس عنه تفرقا، فأخذوا يمينا وشمالا حتي بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة؛ وإنمَّا فعل ذلك لأنَّه ظنَّ أنمَّا اتبعه الأعراب لأنَّهم ظنوا أنَّه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهله، فكره أن يسيروا معه إلا وهم يعلمون علامَ يقدمون، وقد علم أنَّهم إذا بيَّن لهم لم يصحبه إلا من يريد مواساته والموت معه....»((1)).
الرواية الثانية أوردها ابن الكلبي عن طريق لقيط((2)) مسندة إلي أحد شهود العِيان آنذاك وهو (علي بن الطعان المحاربي) - الذي كان أحد أفراد جيش الحر بن يزيد الرياحي - وتتمحور الرواية حول حادثة التقاء الإمام الحسين(عليه السلام) مع الحر بن يزيد الرياحي
ص: 179
والأحداث التي جرت بينهما((1))، ونقل ابن هشام الكلبي الرواية الثالثة عبر واسطتين روائيتين الأولي عن رجل من السكون كناه بأبي الهذيل ولم يسمِّه أو يحدِّده لنا، والثانية عن شاهد عِيان هو هانئ بن ثبيت الحضرمي - كان ضمن معسكر عمر بن سعد - والرواية أشارت إلي قيام أحد عناصر الجيش الأموي بقتل غلام من آل الحسين(عليه السلام)((2)).
علي حين أورد الرواية الرابعة عن طريق عمرو بن شمر((3)) بوساطة جابر الجعفي،وفيها دعاء للإمام الحسين(عليه السلام) علي أعدائه وهو: «اللهمَّ أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تذرعلي الأرض منهم أحداً»((4)).
إنَّ هذا الدعاء الوارد في هذه الرواية قد أوردته العديد من المصادر، لكن دون الإشارة إلي مصدر راويه هشام بن الكلبي، وبعضها أوردته بصيغة الجمع «قالوا»((5)).
بينما أورد هشام بن الكلبي الروايتين الخامسة والسادسة المسندتين عن طريق أبيه (محمد بن السائب الكلبي) تناولت الأولي محاولة عسكر الأعداء منع الإمام الحسين(عليه السلام) من الوصول إلي ماء الفرات ونجاحهم بذلك، والثانية تطرَّقت إلي الرأس الشريف الذي وضعه خولي بن يزيد الأصبحي في داره، والكرامات التي
ص: 180
حصلت داخل الدار، وقد نقلت هذه الرواية بوساطة زوجة خولي (النوار بنت مالك)، وتُعَدُّ شاهدة عِيان لهذه الرواية((1)).
استعرضت الرواية السابعة الأحداث التي رافقت وصول الأسري والسبايا من أهل البيت إلي دمشق ودخولهم إلي مجلس يزيد بن معاوية، ومحاولة الأخير تبرئة نفسه من الجريمة النكراء التي اقترفها بحق أهل البيت، وتحميله واليه عبيد الله بنزياد مسؤولية ذلك((2))، مع أنَّه من الواضح تاريخياً أنَّ ما حصل لآل البيت كان بإيعاز مباشر من قبله ووفق تعليماته.
ومن الجدير بالذكر أنَّ هذه الرواية قد تناقلتها العديد من المصادر عن هشام أيضاً وبنصِّها الكامل((3)).
أمّا الروايتان الأخيرتان الثامنة والتاسعة التي نقلهما لنا الطبري عن هشام بن الكلبي فتركِّزان علي حصول نداء أوسماع صوت في السماء صبيحة استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) بترديد أبيات من الشعر تدين الأمَّة التي أقدمت علي قتل إمامها الحسين(عليه السلام) وتنذرهم بالويل والعذاب((4)).
الرواية الأولي التي أوردها ابن الكلبي بوساطة ثلاث طرق روائية للوصول إلي الحدث ونقله، وهي الطريق الأول قوله: «حدَّثنا بعض أصحابنا»((5)) ولم يحدِّدهم أو يسمِّهم، وإنَّما بصورة جمعية، وهذا يضعف من الرواية، الطريق الثاني عمرو بن أبي
ص: 181
المقدام((1))، أما الطريق الثالث والناقل للحدث فهو عمرو بن عكرمة((2)).وليؤكِّد ابن الكلبي هذه الرواية أكثر أورد رواية ثانية عن طريق مختلف عن الرواية السابقة، وهذا ينمُّ عن امتلاكه منهجاً تاريخياً علمياً في طرح الروايات وتثبيتها، ونصُ ذلك: «قال هشام: حدثني عمر بن حيزوم الكلبي((3)) عن أبيه قال سمعت هذا الصوت»((4)).
وهنا لا بدّ من الإشارة إلي أنَّ هذه الرواية التي أوردها هشام بن الكلبي قد ذكرها أيضاً وبنصِّها الكامل ابن قولويه، لكن من طريق آخر غير طريق هشام((5))، مما يثبت صحتها ووثاقتها.
أما الرواية التي أوردها ابن عساكر عن ابن الكلبي فهي مخالفة لمجمل المصادر، ولعلَّها من الروايات المنفردة والشاذة التي رواها ابن الكلبي وتتعلَّق بتأريخ سنة استشهاد الإمام(عليه السلام)؛ إذ يذكر ابن الكلبي أنَّ الإمام الحسين(عليه السلام) استشهد سنة 62هجرية((6))، وهذا يناقض أغلب المصادر التي ذكرت أنّ سنة 61ه- هي السنة التي استُشهِد فيها الإمام الحسين(عليه السلام).
ص: 182
وقد فنَّد ابن عساكر هذه الرواية من خلال نقله لرواية أخري عارضت ما أورده ابن الكلبي، مفادها أجمع أكثر أهل التاريخ أنَّه استُشهِد في المحرم سنة إحديوستين إلا هشام بن الكلبي فإنَّه قال سنة اثنين وستين وهو وهم((1)).
ونقل لنا سبط ابن الجوزي العديد من الروايات الخاصة بالمقتل((2)) عن طريق هشام بن الكلبي وهي مطابقة لما أورده الطبري، باستثناء رواية واحدة ما نصُّها: «قال هشام: لما وُضِع الرأس بين يدي ابن زياد، قال له كاهنه قم فضع قدمك علي فم عدوك، فقام فوضع قدمه علي فيه، ثم قال لزيد بن أرقم كيف تري؟ فقال والله لقد رأيت رسول الله واضعاً فاه حيث وضعت قدمك»((3)).
من خلال اطلاعنا المحدود نرجِّح كون هذه الرواية من المنفردات التي أختصَّ بها هشام بن الكلبي، ولم تُشِر إليها المصادر المتوافرة لنا لتوثيق تلك الحادثة، ومن ثَمَّ فإنَّ نسبة الشكِّ فيها قائم.
علي حين يورد ابن كثير عدة روايات منقولة عن ابن الكلبي؛ منها الرسالة التي أرسلها الإمام الحسين بن علي(عليه السلام) إلي أشراف البصرة والتي نصُّها: «أما بعد فإنَّ الله اصطفي محمداً علي خلقه وأكرمه بنبوته، واختاره لرسالته، ثم قبضه إليه وقد نصح لعباده وبلَّغ ما أُرسِل به، وكنَّا أهله وأولياءه وورثته، وأحقَّ الناس به وبمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا وكرهنا الفرقة، وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنَّا أحقُّ بذلك الحقّ المستَحقِّ علينا ممن تولاه، وقد أحسنوا وأصلحوا، وتحروا
ص: 183
الحقَّ فرحم الله وغفر لنا ولهم، وقد بعثت إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلي كتاب الله وسنَّة نبيه، فإنَّ السنَّة قد أُمِيتت، وإنَّ البدعة قد أُحييت، فتسمعوا قولي وتطيعوا أمري، أهدكم سبيل الرشاد، والسلام عليكم ورحمة الله»((1)).
وبعد ان أورد ابن كثير الرسالة هذه علَّق عليها بقوله: «وعندي في صحة هذا عن الحسين نظر، والظاهر أنَّه مطرَّز بكلام مزيد من بعض رواة الشيعة»((2)).
وهنا يلاحظ أنَّ كلام ابن كثير فيه اتهام واضح لمؤرخي الشيعة بوضع الزيادات علي تلك الرسالة، ولكن علينا أن نتساءل ما الذي وضعه هؤلاء لكي يعترض عليها ابن كثير؟ ثم إنَّ الرسالة لا تحتوي أموراً منفردة أو شاذة، أو جاءت بشيء غريب أو مخالف للمنهج الاسلامي، إذ إنّ المغزي الحقيقي للرسالة هو الدعوة إلي كتاب الله وسنَّة نبيه؛ وذلك لأنَّ سنَّة النبي قد أُمِيتت بفعل السلطة الأموية التي أرادت محو معالمها، فأين الزيادة في ذلك؟ فضلاً عن ذلك أنَّ تلك الرسالة قد أوردها كلاً من الطبري((3)) والدينوري((4)) وهما ليسا من مؤرخي الشيعة، الأمر الذي ينتج عنه صحة الرسالة والوثوق بها، وإنَّها ليست من موضوعات الشيعة - بحسب فرض ابن كثير -.
ذكر ابن الكلبي وفق ما نقله ابن كثير خطبة الوالي عبيد الله بن زياد إلي أهل البصرة، قبل أن يخرج منها بيوم واحد، وقد اشتملت تلك الخطبة علي الوعيدوالتهديد بإنزال أقصي العقوبات بحقِّ المخالفين للسلطة الأموية((5)).
ص: 184
ولا شكَّ أنَّ ابن الكلبي نقل بعض الأخبار الخاصة بالمقتل عن بعض شهود العِيان، ومنها الخبر الذي نقله عن طريق عوانة بن الحكم، عن ليطة بن غالب بن الفرزدق عن أبيه، والحديث مشهور فيما يخصُّ لقاء الشاعر المعروف الفرزدق بالإمام الحسين(عليه السلام) وما دار بينهما من كلام((1)).
أكَّد ابن الكلبي بطريقين مختلفين في السند رواية تتحدَّث عن سماع نداء من السماء صبيحة مقتل الإمام الحسين بن علي(عليه السلام) تقول:
أيها القاتلون ظلماً حسيناً *** ابشروا بالعذاب والتنكيلِ
كلُّ أهل السماء يدعو عليكم *** من نبي ومالك وقبيلِ
لقد لُعْنتم علي لسان ابن داودَ *** وموسي وحامل الإنجيلِ
والطريقان هما، الأول: «قال هشام: حدثني بعض أصحابنا عن عمرو بن أبي المقدام((2))، قال: حدثني عمرو بن عكرمة((3))... أمّا الثاني: قال هشام:حدثني عمرو بن حيزوم الكلبي((4)) عن أُمِّه، قالت: سمعت هذا الصوت»((5)).
ص: 185
5- معمر بن المثني (ت209ﻫ/811م)((1))
أشار ابن طاووس بأنَّ لمعمر كتاباً بعنوان مقتل الحسين(عليه السلام)، واعتمد عليه، ويبدو أنَّها الإشارة الوحيدة التي ذكرت بأنَّ لمعمرٍ مصنَّفاً في مقتل الحسين بقوله: «وروي معمر بن المثني في مقتل الحسين(عليه السلام)، فقال: ما هذا لفظه، فلما كان يوم التروية قدم عمر بن سعد بن أبي وقاص إلي مكة في جند كثيف قد أمره يزيد أن يناجز الحسين القتال إن هو ناجزه أو يقاتله إن قدر عليه. فخرج الحسين(عليه السلام) يوم التروية»((2)).
ويبدو من خلال نقل ابن طاووس لهذه الرواية أنّ كتاب المقتل لمعمر كان موجوداً لديه بدليل نقل الرواية بصورة مباشرة عن معمر من دون وسائط روائية، مع أنّ الفارق الزمني بينهما كبير، فكيف حصل ذلك والكتاب لم يكن موجوداً عنده؟فضلاً عن ذلك أنَّ الرواية نُقلت بلفظها وليس بمعناها بقوله (ما هذا لفظه) فكيف تمَّ ذلك إن لم يكن الكتاب موجوداً عنده؟ لكن يرد احتمال آخر هو أنَّهُ نقلها من كتاب آخر دون أن يسمِّيه لنا، يمكن أن نحتمل ذلك، لكن يبدو هذا الإحتمال ضعيف؛ وذلك لماذا لم يسمِّ الكتاب ويحدِّده؟ مع أنَّهُ عرّف في بعض الأحيان أسماء الكتب التي نقل عنها كما سنوضِّح ذلك بشيء من التفصيل في الفصل الخامس من هذه الأطروحة.
روي الطبري عن معمر رواية واحدة تخصُّ المقتل، وهي تبيِّن مدي ازدواجية
ص: 186
يزيد بن معاوية مع أنَّها مشكوك فيها؛ وذلك لأنَّها تحاول أن تبرّئ يزيد من جريمته النكراء التي ارتكبها بحقِّ أهل البيت، ونصُّها: «قال أبو جعفر: وحدثني أبو عبيدة معمر بن المثني أنَّ يونس بن حبيب الجرمي((1)) حدَّثه قال: لما قتل ابن زياد الحسين ومن معه بعث برؤوسهم إلي يزيد، فسُرَّ بقتله وحسنت بذلك منزلة ابن زياد عنده، ثم لم يلبث إلا قليلاً حتي ندم! فكان يقول: وما كان عليّ لو احتملت الأذي وأنزلته في داري وحكمتهفيما يريده، وإن كان عليَّ في ذلك وكف ووهن في سلطاني، حفظاً لرسول الله ورعاية لحقه وقرابته، ثم يقول: لعن الله ابن مرجانة فإنَّه أخرجه واضطرَّه، وقد كان سأله أن يخلي سبيله، أو يأتيني، أو يكون بثغر من ثغور المسلمين حتي يتوفاه الله، فلم يفعل، بل أبي عليه وقتله، فبغَّضني بقتله إلي المسلمين، وزرع لي في قلوبهم العداوة، فأبغضني الَبرُّ والفاجر بما استعظم الناس من قتلي حسيناً، مالي ولابن مرجانة قبَّحه الله وغضب عليه»((2)).
وعند التدقيق في هذه الرواية تظهر لنا عدَّة ملاحظات نقدية تجعلها مشكوكاً فيها وضعيفة، منها:
أ - لو درسنا الرواية من ناحية السند للاحظنا أنّ الطبري قد نقل هذه الرواية
ص: 187
وفق منهجه عن طريق معمر بن المثني، والأخير نقلها بوساطة يونس بن حبيب - الناقل المباشر لها - و في سند سلسلة هذه الرواية خلل وشكٌّ، ولعلَّ هناك قطعاً روائياً، لكون صيغة الرواية تزيدها ضعفاً وشكاً من جانب، ومن جانب آخر أنَّ وفاة الطبري كانت سنة (310ﻫ)، ووفاة معمر بن المثني كانت سنة (209ﻫ)، ويونس بن حبيب كانت ولادته سنة (90ﻫ) ووفاته (183ﻫ)، وعاش (93سنة)((1)).
من خلال تواريخ هؤلاء الأعلام يتبيَّن لنا عدَّة إشكالات وانتقادات منها: كيف يقول الطبري حدثني معمر بن المثني والفارق الزمني بينهما يقارب المائة عام؟ لاسيما دلالة حدثني تعطي معني المحادثة وجهاً لوجه أي المعاصرة، وأنَّهُ حدثه بمفرده وليس معه آخرون - فكيف حصل ذلك؟يضاف إلي ذلك، كيف نقل يونس بن حبيب هذه الرواية؟ والفرق بينه وبين واقعة الطف كبير جداً كما هو واضح، وقد يقول قائل:إنَّه نقل هذه الرواية عن طريق واسطة أخري، يمكن أن نحتمل ذلك، لكن لماذا لم يسمِّها لنا أو يحدِّدها؟ وما درجة وثاقتها وقربها من الحدث؟ وما اتجاهاتها السياسية والمذهبية؟ حتي نستطيع أنْ نطمئن علي صحتها وحياديتها من حيث النقل.
ب - رواية الطبري هذه تحمل تناقضا واضحاً في سلوك يزيد بن معاوية؛ إذ تبيِّن أنَّ يزيد قاتل أولاد الأنبياء في حين تبيِّن أنّه حافظ لحرمة رسول الله، وهذا يؤدي إلي الشكِّ بصحتها؛ لأنَّها تتعارض مع أفعال وتصرفات يزيد مع أهل البيت.
ومن الجدير بالذكر أنَّ هذه الرواية قد نقلها عن الطبري بنصِّها الكامل كلٌّ من
ص: 188
ابن عساكر((1))، والذهبي((2))، وابن كثير((3)).
ولعلَّ تواترها بهذا الشكل بين هذه المصادر لا قيمة له؛ إذ نقلوها عن الطبري، الذي اتضح لنا ضعف روايته وأنَّها موضوعة، لاسيما وإنَّ الناقل المباشر لها علي حدِّ تعبير الطوسي أنَّهُ ذو ميول عثمانية((4)).
6- نصر بن مزاحم المنقري (ت212ﻫ/827 م)((5))
مؤرِّخ مشهور، له مصنَّفات عدَّة منها كتاب مقتل الحسين(عليه السلام) الذي أشارت إليه بعض المصادر((6))، ويري أحد الباحثين بأنَّ تشيُّع ابن مزاحم قد انعكس علي مؤلَّفاته، من ضمنها كتاب المقتل بقوله: «هو أول أخباري شيعي، ونجد كتبه تدور حول موضوعات تهمُّ الشيعة - مثل كتاب الجمل، وكتاب صفين، وكتاب مقتل الحسين(عليه السلام)، ومقتل حجر بن عدي، وأخبار المختار...»((7))، ولم يصل إلينا كتاب المقتل إلا أنَّه وردت له العديد من الروايات الخاصة بالمقتل في بطون المصنَّفات التاريخية، والتي منها مافي كتاب مقاتل الطالبيين؛ إذ وردت فيه عدَّة مرويات مسندة عن نصر
ص: 189
ابن مزاحم منها: «أنَّ خولي بن يزيد الأصبحي - لعنه الله - قتل جعفر بن علي»((1)).
ونقل ابن مزاحم رواية عن أبي مخنف سنذكرها بنصِّها؛ لأنَّها تستحقُّ المناقشةقائلاً: «حدثنا نصر بن مزاحم عن أبي مخنف، عن الحرث بن كعب((2)) عن علي بن الحسين(عليه السلام) قال: إني والله لجالس مع أبي في تلك الليلة وأنا عليل، وهو يعالج سهاماً له، وبين يديه جون - مولي أبي ذر الغفاري - إذ ارتجز الحسين(عليه السلام):
يا دهر أُفٍّ لك من خليلِ *** كم لك في الإشراقِ والأصيلِ
من صاحب وماجد قتيلِ *** والدهرُ لا يقنعُ بالبديلِ
والأمرُ في ذاك إلي الجليلِ *** وكلُّ حيّ سالكٌ السبيلِ
قال: وأمَّا أنا فسمعته ورددت عبرتي. وأمَّا عمتي فسمعته دون النساء فلزمتها الرِّقَّة والجزع، فشقَّت ثوبها ولطمت وجهها، وخرجت حاسرة تنادي: وا ثكلاه! وا حزناه! ليت الموت أعدمني الحياة، يا حسيناه يا سيداه يا بقية أهل بيتاه استقلت ويئست من الحياة، اليوم مات جدي رسول الله وأمي فاطمة الزهراء وأبي علي وأخي الحسن يا بقية الماضين وثُمال الباقين. فقال لها الحسين: يا أختي «لو تُرك القَطا لنام». قالت: فإنَّما تغتصب نفسك اغتصاباً فذاك أطول لحزني، وأشجي لقلبي، وخرَّت مغشياً عليها، فلم يزل يناشدها واحتملها حتي أدخلها الخباء»((3)).الرواية فيها بعض الفقرات التي لا يمكن أن تصدر عن بيت النبوة؛ إذ أشار
ص: 190
النصُّ إلي أنّ الإمام السجاد علي بن الحسين(عليه السلام) قال بخصوص عمته السيدة زينب إنَّها سمعته دون باقي النساء، فكيف حصل ذلك والرواية تدلُّ علي وجود نساء أخريات؟ ولماذا لم يسمعنَه باقي النساء، فضلاً عن ذلك كيف يمكن للسيدة زينب(عليها السلام) أن تشقَّ ثوبها وهي التي كان لا يُري ظلُّها؟ كما أنَّ الرواية أشارت إلي خروجها من خيمتها بدليل قوله: «وخرَّت مغشيا عليها فلم يزل يناشدها، واحتملها حتي أدخلها الخباء». وهذا لا ينسجم مع المنهج الإسلامي والتربوي الذي تربي عليه آل بيت النبوة، فالرواية مشكوك فيها، أو علي أقلّ تقدير في هذه الفقرة التي ذكرت شقِّ ثوب السيدة زينب(عليها السلام).
أمّا ابن قولويه، جعفر بن محمد (ت 368ﻫ/978م)((1)) فقد نقل هو الآخر روايات عن ابن مزاحم لكن الروايات التي نقلها عنه لم تكن ذات طابع سياسي وعسكري، ولعلَّ السبب في ذلك يرجع إلي طبيعة الكتاب الذي فرض عليه ذلك، إذ إنّ الكتاب لم يكن ذا طابع تأريخي، إنما كان عقائدياً يتناول بعض الأدعية والزيارات، والرواية الأولي التي وردت فيه هي رواية تتحدَّث عن تنبؤات ستحدث في المستقبل؛ أيْ ضمن الأخبار التي أخبر عنها الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) التي ستحدث في المستقبل؛ إذ قال: «ليُقتَل الحسين قتلاً، وإنِّي لأعرف تربة الأرض التي يُقتَل عليها قريباً من النهرين»((2)).
علي حين تحدَّثت الرواية الثانية عن إحدي الظواهر الكونية التي حصلت عقباستشهاد الإمام(عليه السلام) ومفادها أنَّه لما قُتِل الحسين(عليه السلام) أمطرت السماء تراباً أحمر((3)).
ص: 191
أمّا الثالثة فقد أوردها ابن مزاحم نقلاً عن أمِّ سلمة((1))، تتعلَّق ببكاء الجنِّ علي مقتل الحسين(عليه السلام)((2)).
وحفظ لنا الصدوق((3)) بعض أخبار ابن مزاحم، ويأتي في مقدِّمتها الرواية التي تحدَّثت عن بكاء الجنِّ علي الإمام الحسين(عليه السلام) نقلاً عن أمِّ سلمة((4)) وهي عينها التي نقلها ابن قولويه((5)).
ويفسِّر أحد الباحثين روايات بكاء الجنِّ علي الإمام الحسين(عليه السلام) بكونها موضوعة بقوله: «لا يُستبعَد أن تكون مراثي الجنِّ قد نُظمت من قِبل المحبين والشيعة خاصة، وأنَّها تعبِّر عن حنين وعمق في الإحساس والعواطف، ولكن لما كان الوضع لا يحتمل التصريح بتلك العلاقة فيزمن الحكومات التي كانت تطارد الشيعة والمحبين لآل البيت(عليه السلام) فإنَّ أصحابها كانوا ينشرونها علي أنَّها من أشعار الجن، وبهذا كانوا يخفون علي النظام الجهات الحقيقية الناظمة لها»((6))، ومما سبق تولدت لنا بعض الملاحظات التي تضعف هذا الرأي منها:
أ - إذا كان هناك خوف من السلطة الحاكمة في التصريح باسم قائل تلك
ص: 192
الأبيات الشعرية، فالأجدر إخفاء اسم مؤلف الكتاب الذي وردت فيه تلك الأبيات، وهذا الأمر لم يحصل.
ب - إنَّ تأليف كتاب يتناول ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) ومقتله والتصريح باسم مؤلِّفه، أخطر من نظم بضع أبيات شعرية وعدم التصريح باسم قائلها - لاسيما وإنَّ جميع مؤلفي كتب المقتل معروفون ومُصرَّح بأسمائهم، وبحدود اطلاعنا علي المصادر المتوافرة لنا لم نلحظ وجود كتاب عن المقتل لمؤلف مجهول وعلي مرِّالعصور.
ت - إنَّ أغلب موضوعات أبيات نوَح الجنِّ التي وردت في المصادر((1)) ذات طابع عاطفي ولم تتطرَّق إلي موضوع سياسي أو ثوري؛ لكي يخشي أصحابها من السلطة الحاكمة.
ث - هناك الكثير من الأبيات الشعرية والقصائد قد أُلفت حول مقتل الإمامالحسين(عليه السلام) وأصحابُها معروفون علي مرِّ العصور، فلماذا لم يخفوا أسماءهم وينسبونها للجنِّ أيضاً.
ج - إذ اكان هناك مانع سياسي - بفرض رأي الباحث - من التصريح باسم قائل تلك الأبيات، فلماذا لم يجعلوا قاءلها مجهولاً بدلاً من أن ينسبوها للجنِّ، مثلما هناك العديد من المؤلفات لمؤلف مجهول؟
ح - أشار ابن أبي الدنيا((2)) إلي ابيات من الشعر يقول: إنَّ الجنَّ قالتها بحقِّ مقتل
ص: 193
الخليفة عثمان بن عفان فهل هناك عامل سياسي يخصُّ الخليفة عثمان منع من التصريح باسم قائل تلك الأبيات؟
وذكر لنا ابن مزاحم نقلاً عن أبي مخنف رواية مروية عن فاطمة بنت علي بن أبي طالب(عليهما السلام)((1)) تشرح فيها حالة السبي التي تعرَّض لها آل البيت(عليه السلام) من قبل السلطة الأموية بوصفها إحدي النساء المعاصرات لواقعة الطف، ولحالة السبي التي تعرَّضت له إذ تقول: «إنَّ يزيد (لعنه الله) أمر بنساء الحسين(عليه السلام) فُحبسْنَ مع علي ابن الحسين(عليه السلام) في مَحبَس لا يكنّهم من حرٍّ ولا قرٍّ حتي تقشَّرت وجوههم»((2)).
وكشف ابن مزاحم برواية تاريخية، أنَّ رأس الإمام الحسين(عليه السلام) تمَّ إرجاعه إلي كربلاء، ودُفن مع الجسد الشريف من قبل الإمام علي بن الحسين(عليهالسلام)((3)).
ونقل أيضاً حديثا لميثم التمار((4)) عن الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) الذي أخبره به - وهو يقع ضمن الأخبار الغيبية التي أخبر بها أميرالمؤمنين والتي ستحدث في
ص: 194
المستقبل - قائلاً: «والله لَتقتل هذه الأُمَّة ابن نبيها في المحرم لعشرٍ يمضين منه، وليتخذنَّ أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة، وإنَّ ذلك لكائن قد سبق في علم الله تعالي ذكره أعلم ذلك بعهد عهده إليَّ مولاي أميرالمؤمنين(عليه السلام)، ولقد أخبرني أنَّه يبكي عليه كلُّ شيء حتي الوحوش في الفلوات والحيتان في البحر والطير في السماء...»((1)).
لاشكَّ أنَّ بعض رموز السلطة الأموية اتخذت إجراءات في المجال العقائدي والفكري، في محاولاتها الرامية إلي دثر معالم الثورة الحسينية، منها: الترويج لوصف يوم مقتل الحسين(عليه السلام) يوم عيد وبركة، كما ناقش ذلك جملة من الباحثينوالمحقِّقين((2)).
وقد نُظِّرَ لتلك الفكرة بأحاديث وروايات موضوعة، وهذا المعني نقله ابن مزاحم بأنَّ بني أمية ستتخذ يوم مقتل الحسين(عليه السلام) عيداً بوصف هذا اليوم: «الذي تاب الله فيه علي آدم وإنَّما تاب الله علي آدم في ذي الحجة، ويزعمون أنَّه اليوم الذي قبل الله فيه توبة داود وإنَّما قبل الله(عزوجلّ) توبته في ذي الحجة، ويزعمون أنَّه اليوم الذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت وإنَّما أخرج الله(عزوجلّ) يونس من بطن الحوت في ذي الحجة...»((3))، فضلاً عن ذلك فقد أشار الطوسي بنصٍّ صريح قائلاً: «إنَّ آل أمية (عليهم لعنة الله) ومن أعانهم علي قتل الحسين من أهل الشام، نذروا نذراً إن قُتل الحسين(عليه السلام) وسلم من خرج إلي الحسين، وصارت الخلافة في آل أبي سفيان أن يتخذوا ذلك اليوم عيداً لهم، وأن يصوموا فيه شكرا...»((4)).
وهكذا أخبر الإمام علي(عليه السلام) بما ستقدم عليه السلطة الأموية من إجراءات في
ص: 195
سبيل محو معالم ومنهج ثورة الإمام الحسين(عليه السلام)، إلا أنّ تلك المحاولات لم يكن نصيبها سوي الفشل.
7- المدائني، علي بن محمد (ت 225ﻫ/840م)((1))
مؤرخ مشهور له مصنَّفات عديدة منها، كتاب مقتل الحسين بن علي(عليه السلام) حسب ما ذكره الطوسي((2)) علي حين ذكر ابن شهر آشوب الكتاب باسم (السيرة في مقتل الحسين(عليه السلام))((3))، وبحسب اطلاعنا علي المصادر نجد أنَّ معظم روايات المقتل عنه قد استقرَّت في كتاب مقاتل الطالبيين، وأنَّ أغلبها كانت تقتصر علي تحديد هوية الأشخاص القتلة الذين قتلوا رجالات آل أبي طالب(عليهم السلام)، ومن بينهم محمد الأصغر ابن علي بن أبي طالب(عليهم السلام)، فلم يحدِّد المدائني القاتل بشكل دقيق، وإنَّما حدَّد قبيلته بقوله: «رجلاً من تميم، من بني أبان بن دارم قتله»((4))،أمّا أبو بكر بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام) فقد ذكر المدائني عن أبي مخنف أنَّ قاتله هو عبد الله بن عقبة الغنوي.
ص: 196
ومن خلال استقراء المصادر فيما يخصُّ مسألة أنّ عبد الله الغنوي قد قتل أبا بكر ابن الحسين(عليه السلام) كما ذكر أبو الفرج الأصفهاني ذلك نقلاً عن المدائني بواسطة أبي مخنف، يتضح أنَّ هؤلاء قد وقعوا في اشتباه، أو أنَّ الأمر يرجع إلي حصول تصحيف في الاسم؛ وذلك لأنَّ جملة من المصادر ذكرت أنَّ عبد الله الغنوي قد قتل أبا بكر بن الإمام الحسن الزكي(عليه السلام)، وليس ابن الإمام الحسين الشهيد(عليه السلام)((1))، وحدَّد المدائني قاتل عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب(عليه السلام) بأنَّه عقبة بن بشر((2))، علي حين لم يذكر الطوسي هوية قاتله، وإنَّما اكتفي بذكر أنَّهُ قُتل مع أبيه الحسين(عليه السلام)((3))، إلا أنّ ابن الاثير حدَّد هوية قاتله مع اختلافه مع المدائني: فقال قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي((4)) كما وذكر المدائني أنَّ عبد الله بن عقيل بن أبي طالب(عليه السلام) قتله عمرو بن صبيح ولعلَّ نسبة قاتل عبد الله بن عقيل إلي عمرو بن صبيح علي وفق قول المدائني صحيح؛ وذلك لأنَّ هناك عدة مصادر تاريخية قد أثبتت ذلك واتفقت معقوله((5)).
وأشار المدائني إلي مسألة مكاتبة أهل الكوفة للإمام الحسين(عليه السلام) للبيعة له، وخلع الحاكم الأموي يزيد بن معاوية، وقد حدَّد بعض الزعماء الذين كاتبوه، وهم
ص: 197
أبو عبد الله الجدلي((1)). وابن صرد((2)) وشبث بن ربعي((3)) وآخرين((4))، وعلي أثرتلك المكاتبة التي قدَّمها زعماء الكوفة يذكر بأنَّ الإمام الحسين قد استجاب لهم وأرسل سفيره وابن عمِّه مسلم بن عقيل(عليه السلام)؛ للتحقُّق من الأوضاع وتقييمها وإبلاغه بذلك.
حدَّد المدائني أول من استُشهِد من آل أبي طالب(عليه السلام) هو:علي الأكبر بن الحسين(عليه السلام) الذي قتله مرة بن منقذ بن النعمان العبدي((5))، وقد اتفقت العديد من
ص: 198
المصادر علي هذا الرأي((1)). كما ذكرناه سابقاً.
ونقل الذهبي روايتين عن المدائني، الأولي تتحدَّث عن وصية معاوية بن أبي سفيان لولده يزيد بخصوص الحسين(عليه السلام) إذ قال فيها: «انظر حسين بن فاطمة، فإنَّه أحبُّ الناس إلي الناس، فصِل رحمه، وارفق به، فإنَّ بك منه شيء، فإني أرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه»((2)).ولعلَّ هذه الوصية تكشف عن أمورٍ عدَّة منها محاولة معاوية استصغار الإمام الحسين(عليه السلام) من خلال حذف الألف واللام من اسمه وتسميته باسم أُمِّه فاطمة(عليها السلام) وفق اعتقاده أنَّ ذلك يقلِّل من شأن وعلوِّ منزلته(عليه السلام)، أمّا الأمر الآخر فهو يشير إلي الشعبية التي كان يتمتع بها الإمام الحسين(عليه السلام) من خلال قوله «أحبُّ الناس إلي الناس»، ولعلَّ الأمر الآخر في غاية الخطورة؛ يشير إلي الذين سيغدرون بالإمام الحسين(عليه السلام) ليسَ شيعته كما يزعم البعض، إنَّما فئات وعناصر خارجية سبق وأن اشتركت في قتل أبيه الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وخذل أخيه الإمام الحسن(عليه السلام) وهم الخوارج الفئة الباغية، وهم ليسوا من الشيعة ولا من القواعد الموالية لهم. وهذا يشير بدلالة واضحة علي أنَّ الذين اشتركوا في حرب الإمام الحسين(عليه السلام) فئات وتحزّبات ليسوا من شيعته أو من الموالين لهم - بحسب ما ورد في رواية الوصية - لا كما تنظر لها الرواية التقليدية من أنّ شيعته هم من قتله.
وقد ركَّزت الرواية الثانية علي العلامات الكونية التي وقعت عقب استشهاد
ص: 199
الإمام الحسين(عليه السلام) منها: «احمرَّت آفاق السماء بعد قتل الحسين ستة أشهر»((1)).
8- أبو عبيد القاسم بن سلام (ت244ﻫ/839م)((2))
أشار الذهبي أنّ لأبي عبيد كتاباً، بعنوان: مقتل الحسين(عليه السلام)((3))، وقد أورد ذلك في معرض ترجمته لأبي علي الحداد((4)).
وقد نقل ابن عبد ربه الأندلسي من مقتله العديد من الأخبار، منها أخذ البيعة من الإمام الحسين(عليه السلام) بقوله: «لما مات معاوية بن أبي سفيان وجاءت وفاته إلي المدينة وعليها يومئذ الوليد بن عتبة، فأرسل إلي الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، فدعاهما إلي البيعة ليزيد فقالا: بالغد إن شاء الله علي رؤوس الناس...»((5)).
بعدها تعرَّض لقضية لقاء الإمام الحسين(عليه السلام) بعبد الله بن مطيع العدوي، ويبدو أنَّ هذه الرواية تخالف أغلب المصادر، ونصُّها: «ومرَّ حسين حتي أتي علي عبد الله بن مطيع وهو علي بئر له فنزل عليه فقال له... أين تريد؟ قال العراق، قال سبحان الله لمِ؟ قال: مات معاوية وجاءني أكثر منحمل صحف... فخرج الحسين حتي قدم مكة فأقام
ص: 200
بها هو وابن الزبير»((1)).
من الملاحظ علي هذه الرواية أنَّها تحدِّد تاريخ مراسلة أهل الكوفة للإمام(عليه السلام) قبل دخوله مكة وإقامته بها فكيف حصل ذلك؟ ومتي راسل هؤلاء الإمام(عليه السلام)؟ وكم استغرق من الوقت والإمام لم يصل إلي مكة بعد؟ بدليل (فخرج الحسين حتي قدم مكة)، فضلاً عن ذلك أنَّ الرواية التقليدية لهذه الحادثة تخالف ذلك إذ تشير إلي أنَّ مراسلة أهل الكوفة قد جاءت بعد إقامة الإمام بمكة((2)).
ويبدو أنَّ هذه الرواية قد انفرد بها القاسم بن سلام، ونصُّها: «لما بلغ يزيد - انحياز الوالي لمسلم بن عقيل - فقال يا أهل الشام اشيروا عليّ منْ استعمل علي الكوفة؟ فقالوا ترضي من رضي به معاوية؟ قال: نعم، قيل له فإنَّ الصكَّ بإمارة عبيد الله بن زياد علي العِراقين قد كُتب في الديوان، فاستعمله علي الكوفة فقدمها»((3)).الرواية تخالف أغلب المصادر((4)) التي أَشارت إلي أنّ يزيد بن معاوية استشار مستشاره الشخصي سرجون الرومي في قضية ولاية الكوفة، ولم يستشر أهل الشام الذي أشار بدوره إلي معاوية بتولية عبيد الله ابن زياد عليهم.
ص: 201
ثم استرسل القاسم بن سلام في ذكر أخبار المقتل، فذكر حادثة مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة(عليها السلام) ومقتلهما، حتي نزول الإمام(عليه السلام) في كربلاء((1)).
وتجدر الإشارة هنا إلي أنَّ أبا العرب محمد بن أحمد بن تميم (ت333ﻫ/935م) قد نقل مجمل الروايات تلك عن القاسم بن سلام، وهي مطابقة بشكل تام مع ما نقل ابن عبد ربه من روايات آنفة الذكر((2)).
كما أنَّ ابن كثير نقل جزءاً من تلك المرويات((3))، كذلك الباعوني الشافعي هو الآخر قد نقل نصاً مروياً عن القاسم بن سلام اعتماداً علي ابن عبد ربه الأندلسي((4))، ولعلَّ ذلك يدلُّ علي أنَّ ابن عبد ربه الأندلسي هو الناقل الأول لمرويات القاسم بن سلام عن المقتل.
10- عبد الله بن عمرو الوراق (ت 274ﻫ/876م)((1))
بحسب المصادر المتوافرة عندنا، لم نجد للوراق مرويات عن المقتل سوي إشارة سبط ابن الجوزي الذي ذكر اسم كتابه (المقتل) مع إيراده لرواية واحدة عنه فقط ونصُّها: «وذكر عبد الله بن عمرو الوراق في كتاب المقتل، أنَّه لما حضر الرأس بين يدي عبيد الله بن زياد أمر حجاما فقال قوِّره فقوَّرهوأخرج لغاديده ونخاعه وما حوله من اللحم، واللغاديد ما بين الحنك وصفحة العنق من اللحم»((2)).
11- ابو جعفر محمد الأشعري المعروف ب-:دبة شبيب (ت280ﻫ/882 م)((3))
أشار النجاشي من ضمن ترجمته له وذكر مصنَّفاته أنَّ له كتاباً بعنوان مقتل الحسين(عليه السلام)((4))، ولم نجد له مرويات تخصُّ المقتل الحسيني في المصنفات التاريخية المتوافرة لدينا.
ص: 203
12- ابن أبي الدنيا (ت281ﻫ/883م)((1))
له مؤلَّفات عديدة منها كتاب مقتل الحسين(عليه السلام) وفق ما ذكرهالطوسي((2)) وابن شهر آشوب((3)).
وردت له روايتان عند ابن عساكر الأولي: «استيقظ ابن عباس من نومه فاسترجع وقال قُتل الحسين والله فقال له أصحابه كلا يا ابن عباس كلا، قال:رأيت رسول الله(صلي الله عليه و آله) ومعه زجاجة من دم فقال ألا تعلم ما صنعت أمتي من بعدي؟ قتلوا ابني الحسين، وهذا دمه ودم أصحابه أرفعها إلي الله(عزوجلّ)، قال فكُتب ذلك اليوم الذي قال فيه وتلك الساعة، قال فما لبثوا إلا أربعة وعشرين يوما حتي جاءهم الخبر بالمدينة أنَّه قُتل ذلك اليوم وتلك الساعة»((4)).
اقتصرت الثانية علي مكان وتاريخ استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) وعمره الشريف، إذ قال: «قُتل الحسين بنهر كربلاء يوم عاشوراء في المحرم سنة إحدي وستين، وهو ابن ست وخمسين سنة»((5)).
علي حين نقل ابن الجوزي عنه رواية واحدة بقوله: «وذكر ابن أبي الدنيا أنَّهم وجدوا في خزانة يزيد رأس الحسين، فكفنوه، ودفنوه بدمشق عند باب
ص: 204
الفراديس...»((1))، وقد أشار ابن حبان إلي هذه الرواية وأنَّه ضعّفها وأورد معها أقوال وآراء أخري((2))، في حين ضعّف ابن كثير الراوي الذي نقل عنه ابن أبيالدنيا هذه الرواية((3))، كما أورد السخاوي (ت902ﻫ/1504م) هذه الرواية دون الإشارة إلي مصدرها بصيغة (وزعم) مما يدلِّل علي عدم قناعته بها وتشكيكه لها، ذاكراً آراء أخري في تحديد مصير الرأس الشريف((4))، فضلاً عن ذلك أنَّ هذه الرواية تتعارض مع الروايات المُعتمدة التي تشير إلي إلحاق الرأس الشريف مع الجسد الطاهر في كربلاء، وهذا ما يجعلها من الروايات الضعيفة والمشكوك بها.
وذكر لنا سبط ابن الجوزي بعض مرويات ابن أبي الدنيا التي تتعلَّق بالأحداث التي جرت للأسري والسبايا في الكوفة عند الوالي عبيد الله بن زياد، وفي مجلس يزيد بن معاوية وتطاوله وضربه للرأس الشريف واعتراض بعض من حضر إلي المجلس علي تصرُّف يزيد وانتقاده((5)).
وناقش ابن تيمية((6)) بشكل مستفيض المواضع والأماكن التي يُعتَقد أنَّ رأس الإمام الحسين(عليه السلام) دُفن فيها ومنها الشام، وعسقلان، وأثبت بطلانها وعدم صحتها، وأنَّ الرأس أُرجع إلي أهله ودُفن بالمدينة((7))، علي أنَّنا لا نتفق مع هذا
ص: 205
الرأي، بل إنَّ الرأس الشريف دُفن مع الجسد الطاهر في كربلاء كما هو متفق عليه((1)).
باستثناء الرواية التي أوردها ابن العديم عنه، والذي بدوره رواها عن ابن عائشة((1)) قال: «وقف سليمان بن قتة((2)) بمصرع الحسين وأصحابه بكربلاء فاتكأ علي قوسه وجعل يبكي ويقول:
إنَّ قتيلَ الطفِّ من آل هاشمٍ *** أذلَّ رقاباً من قريشٍ فذلَّتِ
مررتُ علي أبياتِ آلِ محمدٍ *** فلم أرَها أمثالهَا يومَ حلَّتِ
فلا يبعد اللهُ الديارَ وأهلَها *** وإن أصبحت منهم برغمي تخلَّتِ
ألم ترَ أنَّ الأرضَ أمست مريضةً *** لفقدِ حسينٍ والبلادَ اقشعرَّتِ
وكانوا رجاءً ثم عادوا رزيةً *** لقد عظمتْ تلك الرزايا وجلَّتِ»((3)).
15- أبو الحسين زيد الأصغر(عليه السلام)((4)) (المتوفي في القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي)
أشار ابن عنبه إلي أنَّهُ صنف كتاباً في المقتل بعنوان مقتل الحسين(عليه السلام)((5))، وهو الآخر ليس لديه مرويات عن المقتل في المصادر المتوافرة لدينا.
ص: 207
ص: 208
ألَّف مؤرِّخو تلك القرون العديد من كتب المقاتل، لكنّها تعرَّضت كسابقاتها للفقدان والضياع، ولعلَّ من أهمِّ مؤلِّفيها:
1- إبراهيم الأحمري (المتوفي في القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي)((1))
وذكر الطوسي عن طرقه وأسانيده بأنَّها كلَّها ضعيفة، بجهالة ظفر بن حمدون((2)) وأحمد بن نصر بن سعيد((3)) وأحمد بن هوذة((4))، أمّا طريقه إلي كتابه في مقتلالحسين(عليه السلام) فهو صحيح((5))، ويُحتمل من خلال كلام الطوسي أنَّه اطلع علي كتاب
ص: 209
المقتل ومن ثم درس طرقه فوجدها صحيحة. أمّا مروياته عن المقتل لم نجدها في المصنفات التاريخية المتوافرة لدينا.
2- عمارة بن زيد الخيواني((1))
ذكر النجاشي له مصنَّفاً بعنوان مقتل الحسين(عليه السلام)((2))، ولم نعثر علي أيّ روايات مُسْنَدة إليه تخصُّ المقتل.
3- عبد العزيز الجلودي (ت332ﻫ/942م)((3))
ذكر العديدُ من المؤرِّخين أنّ له مصنَّفاً بعنوان: مقتل الحسين(عليه السلام)((4))،ووفق المصادر المتوافرة لدينا لم نجد له أيّة روايات في المصنَّفات التاريخية.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلي أنَّ كتاب المقتل الذي صنَّفه الجلودي كان موجوداً في حدود القرن الثامن الهجري، بدليل قول العلامة الحلي: «رأيت علي مقتل الحسين(عليه السلام) الذي صنفه أبو أحمد الجلودي(رحمة الله) ما هذه حكايته: توفي أبو أحمد عبد العزيز
ص: 210
ابن يحيي بن عيسي الجلودي(رحمة الله) يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، ودُفن(رحمة الله)، في اليوم الثامن عشر وهو يوم الغدير»((1))، ونرجِّح أنَّ هذا المقتل فُقِد بعد القرن الثامن الهجري.
4- أبو الحسين عمر بن الحسن المعروف ب-:ابن الأشناني (ت339ﻫ/941م)((2))
أشار الطباطبائي((3)) بأنَّ له كتاب مقتل الحسين(عليه السلام)، ولم نجد له مرويات في المصادر المتوافرة لدينا.
5- محمد بن علي الصدوق (ت381ﻫ/991م)((4))
صنَّف الصدوق العديد من المؤلَّفات، ومن بينها كتاب مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)((5)).
أشار الصدوق نفسه أنَّ لهُ مصنَّفاً بعنوان مقتل الحسين(عليه السلام) في أكثر من مناسبة، ففي معرض حديثه عن منزلة ومقام أبي الفضل العباس بن علي بن أبي طالب(عليه السلام) قال: «وإنَّ للعباس عند الله تبارك وتعالي لمنزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة،
ص: 211
والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه مع ما رويته في فضائل العباس بن علي(عليه السلام) في كتاب مقتل الحسين بن علي(عليه السلام)»((1))، وذكر أيضاً - إلي أنه ضمن كتاب المقتل - أنواعاً متعددة من الزيارات قائلاً: «وقد أخرجت في كتاب الزيارات، وفي كتاب مقتل الحسين(عليه السلام) أنواعاً من الزيارات...»((2)).
وعند تتبع مؤلَّفات الصدوق((3)) نجد العديد من الروايات التي تخصُّ مادة المقتل، لكنَّه لم يُشِر إلي أنَّه أخذها من كتاب المقتل المفقود الذي ألَّفه، ونرجِّحأنَّ تلك الروايات التي ضمنّها الصدوق في مؤلفاته كان الجزء الأكبر منها من كتاب المقتل المفقود؛ وذلك أنّ رواية المقتل التي أوردها الصدوق في مؤلفاته هي مقاربة للرواية التي وضعها في كتاب المقتل (المفقود)، ومنْ غيرِ المعقول أن يأتي الصدوق برواية جديدة للمقتل تغاير تلك التي ضمَّنها مصنَّفاته، خاصة وأنَّه قد عرض مساحة واسعة من المادة التاريخية لرواية المقتل في مصنفاته، فيا تري ما المادة الجديدة التي ضمَّنها في كتاب المقتل المفقود؟ من المحتمل لم تكن هناك مادة جديدة، إلا أنَّ الفارق بين المادة الموجودة في المصنَّفات وكتاب المقتل المفقود هو احتواؤه علي تفاصيل دقيقة وموسَّعة للإرهاصات ومقدِّمات وحيثيات المقتل بوصفه يركِّز في المقتل، بخلاف المؤلَّفات العامة التي صنَّفها والتي تضمَّنت بعض روايات المقتل.
من الملاحظ أنّ ابن شهر آشوب قد نقل العديد من الروايات الخاصة بالمقتل من الصدوق، وتحديداً من كتاب الأمالي((4))، ولم يُشِر إلي أيّ روايات قد نقلها عن المقتل المفقود، مما يرجِّح لنا أنّ كتاب المقتل للصدوق قد فُقِدَ في وقت قريب من تأليفه؛
ص: 212
ودليلنا علي ذلك أنَّه لو كان موجوداً علي سبيل المثال في القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي لاعتمده ابن شهر آشوب بدلاً من الإعتماد علي كتاب الأمالي.
6- محمد بن علي بن سكين (المتوفي في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي)((1))
ذكر النجاشي بأنَّ له مصنَّفات عدَّة منها كتاب مقتل الحسين(عليه السلام)((2))، هو الآخر لم نجد لمروياته عن المقتل أثراً في بطون المصنَّفات التاريخية المتوافرة لدينا.
7- أبو جعفر العطار القمي((3))(المتوفي في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي)
من مصنَّفاته، كتاب مقتل الحسين(عليه السلام) وهو في عداد الكتب المفقودة، فضلاً عن عدم وجود أيّة روايات له في المصادر تخصُّ المقتل باستثناء واحدة أوردها الكليني عنه تشير إلي فضل وأهمية زيارة الإمام الحسين(عليه السلام)((4)).
8- أبو سعيد التستري((5))(المتوفي في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي)
هناك العديد من الإشارات التأريخية التي تدلُّ علي تصنيفه كتاباً عن مقتل
ص: 213
الإمام الحسين(عليه السلام)((1))، منها: ما أورده الصدوق وهو أشبه بمقتل متكامل لأبي سعيد بقوله: «حدثنا أبو سعيد الحسن بن عثمان بن زياد التستري من كتابه قال: حدثنا إبراهيم بن عبيد الله بن موسي بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي قاضي بلخ((2))... حدثتني صفية بنت يونس ابن أبي إسحاق الهمدانية((3) ) وكانت عمتي عن خالها عبد الله ابن منصور، وكان رضيعا لبعض ولد زيد بن علي(عليه السلام)، قال: سألت جعفر بن محمد بن علي بن الحسين(عليه السلام)، فقلت: حدثني عن مقتل ابن رسول الله فقال: حدثني أبي، عن أبيه....»((4))، واورد المقتل بنصِّه والذي شغل بحدود اثنتي عشرة صفحة.
وهنا لا بدّ من القول أنَّ الصدوق حفظ لنا الجزء الأكبر من مقتل أبي سعيد منالضياع والإندثار((5))، ويمكننا تسليط الضوء علي بعض ما ورد في هذا المقتل وعلامَ ركَّز، ابتدأ أبو سعيد مقتله بوصية معاوية بن أبي سفيان لولده يزيد بن معاوية، والتي تضمنت تحديده للبرنامج السياسي الذي يجب أن يسير عليه وتحذيره من بعض الشخصيات، ومنها الإمام الحسين بن علي(عليه السلام)((6)). ثم استعرض الظروف والإجراءات التي اتخذتها السلطة الحاكمة في سبيل أخذ البيعة من الإمام الحسين(عليه السلام)، وموقف الإمام من ذلك، بعدها انتقل مباشرة إلي الأماكن والمناطق
ص: 214
التي مرَّ بها الركب الحسيني منها الثعلبية((1)) والرهيمة((2)) والقطقطانية((3)).
ثم يورد سرداً تاريخياً للاستعدادات العسكرية بين الطرفين، وخطب ولقاءات الإمام الحسين(عليه السلام) مع أصحابه وأهل بيته، ثم تقدُّمهم للمبارزة العسكرية الواحد تلو الآخر حتي استشهادهم(عليهم السلام)، ثم يتناول حادثة استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) والمباشرة في قتله، ويختم أبو سعيد حديثه عن حمل رأس الإمام(عليه السلام) إلي الوالي عبيد الله بن زياد من قبل سنان بن أنس الإيادي الذي تمَّ قتله من قِبل الوالي عبيد الله بن زياد((4)).وهنا تجدر الإشارة إلي أنَّ منهج أبي سعيد في سرد مروياته كان مقارباً لجملة من المؤرِّخين الذين ذكروا المقتل في مصنَّفاتهم التاريخية، مع الإنتباه إلي أنَّ رواية أبي سعيد للمقتل كان أصلها ومنبعها مصدراً واحداً وهو ما نقله عن أحد الزيدية عن الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام)((5))، ولعلَّه أرادها أن تكون سِمَة يتميز بها مقتله عن بقية المقاتل الأخري، أمّا الحديث عن حجم المقتل فمن المتعذر تحديده بشكل دقيق؛ لكونه مفقوداً وإنَّ ما نقلهُ الصدوق كان جزءاً منه وليس بأكمله، وإن كان الجزء الأكبر وليس كلّ المقتل بقرينة «حدثنا أبو سعيد الحسن بن عثمان بن زياد التستري من كتابه»، فالإشارة واضحة أنَّ الذي أورده الصدوق يمثِّل جزءاً من كتاب المقتل لأبي سعيد وليس بأكمله.
ص: 215
9- سليمان بن محمد الكوفي((1))(المتوفي في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي)
ذُكِر أنَّهُ ألَّفَ كتاباً بعنوان مقتل الحسين(عليه السلام)((2))، ولم نجد له روايات في المصادر المتوافرة لدينا.
10- محمد بن إبراهيم الكاتب، المعروف بالشافعي((3))(المتوفي في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي)
ذكر النجاشي مُصنَّفاً له بعنوان مقتل الحسين(عليه السلام)((4))، ولم نجد مرويات لهذا المقتل في المصادر المتوافرة لدينا.
11- الحاكم النيسابوري (ت405ﻫ/1007م)((5))
أشار الحاكم إلي مصنَّف له بعنوان:مقتل الحسين(عليه السلام) بقوله: «وقُتل الحسين يوم الجمعة يوم عاشوراء، لعشر مضين من المحرم سنة إحدي وستين، وهو ابن أربع
ص: 216
وخمسين سنة، وقد ذكرت هذه الأخبار بشرحها في كتاب مقتل الحسين(عليه السلام)، وفيه كفاية لمن سمعه ووعاه»((1)).
12- الطوسي (ت460ﻫ/1062م)((2))
ألَّفَ العديد من المصنَّفات ومنها ما أشار إليه ابن شهر آشوب بأنّه ألَّفَ ضمن مؤلفاته كتاباً بعنوان مختصر في مقتل الحسين(عليه السلام)((3))، ويبدو أنّ سببَ فقدان مقتله هذا يعود إلي ما ذكره الذهبي من أنّ مصنَّفاته قد تعرَّضت للحرقِ((4))، ولعلَّ كتاب المقتل من ضمن الكتب التي تعرَّضت للحرق والضياع، أمّا ما يخصُّ مروياته عن المقتل فلم نطلع عليها في المصادر المتوافرة لدينا.
13- نجم الدين القوسيني (ت 585ﻫ/1187م)((5))
ذكر ابن بابويه منتجب الدين((6)) (ت585ﻫ/1187م)، فضلاً عن إشارة بعض الباحثين أنَّ له مؤلَّفاً بعنوان مقتل الحسين(عليه السلام)((7))، أمّا ما يخصُّ مروياته في المصنَّفات التي تخصُّ المقتل فلم نطلع علي أيّ من تلك الروايات في المصادر المتوافرة لدينا.
ص: 217
14- محمود بن المبارك المعروف ب-:المجير البغدادي (ت 592ﻫ/1194م)((1))
أشار أحد الباحثين((2)) بأنَّ له مصنَّفاً في المقتل، تحت عنوان مقتل الحسين(عليه السلام) ولم نطلع له علي مروياته في المصنَّفات التاريخية المتوافرة لدينا.
15- أبو المفاخر الرازي (المتوفي في القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي)((3))
أشار بعض الباحثين((4)) بأنّ لأبي المفاخر مصنَّفاً بعنوان مقتل الشهداء(عليه السلام)، ذكر فيه شهداء واقعة الطف، وأنَّ بعض مرويات هذا المقتل نقلها
ص: 218
الكاشفي((1)) (ت910ﻫ/1512م) في مقتله المعنون (روضة الشهداء).
تركَّزت أغلب الروايات التي نقلها الكاشفي عن أبي المفاخر حول الأراجيز الشعرية في مختلف المناسبات، منها ما نظمه أهل الكوفة في كتبهم للإمام الحسين(عليه السلام)، وأبيات قالها الإمام الحسين(عليه السلام) في رثاء الحر بن يزيد الرياحي، فضلاً عن الأراجيز التي نظمها أبو المفاخر في رثاء بعض الشخصيات العلوية من قبيل علي الأكبر بن الإمام الحسين(عليه السلام)، وعبد الله بن الإمام الحسن(عليه السلام)، وعون بن عبد الله ابن جعفر الطيار(عليه السلام)((2)).
أمّا الروايات ذات الطابع التاريخي التي أوردها الكاشفي عن أبي المفاخر، فيمكن إجمالها بثلاث روايات الأولي: حدَّدت مصير فرس الإمام الحسين(عليه السلام) بأنَّه أمَّ البادية ولم يقع أحد له علي أثر((3))، أمّا الثانية والتي انفرد أبو المفاخر بها عن بقية المصادر فكان نصُّها «أنَّ ابن زياد لما وضع الرأس الشريف علي فخذه قطرت منه قطرة دم علي ثيابه فأحدثت ثقباً في الثياب حتي وصلت إلي لحم فخذه ونفذت من الطرف الآخر فخرقت الفراش والسرير ووقعت علي الأرض، وغابت عن العيون وبقي الجرح فاغراً في فخذ ابن زياد، وعُولج فلم يبرأ ونتن نتناً شديداً، فكان مجلسه لا يستطيع تحمل ذلك النتن المزعج، وكان يضع عليه ابن زياد نافجة المسك فلم يفلح لأنَّ
ص: 219
رائحة الجرح غلبت رائحة المسك، وظلَّ ملازماً له حتي قتل...»((1))، وقد ركَّزت الرواية الثانية علي المحاورة التي جرت بين يزيد بن معاوية والتاجر اليهودي الذي كان حاضراً في مجلسه آنذاك والتي انتقد فيهااليهودي يزيد لإقدامه علي قتل الإمام الحسين(عليه السلام) لاسيما بعد أن أعلن اليهودي إسلامه واعتقاده بإمامة الإمام الحسين(عليه السلام)((2)).
أمّا الرواية الثالثة فقد نقلت لنا المعاجز التي حدثت للإمام الحسين(عليه السلام) عقب استشهاده، التي نقلها أبو المفاخر عن أحد العناصر المشاركة في قتال الإمام(عليه السلام)((3)).
16- عبد الرزاق الرسعني((4)) (ت661ﻫ/1263م)
ذكر الذهبي أنهّ ألَّف كتاباً في مقتل الحسين(عليه السلام)((5)) بينما ذكر له عبد الرحمن الدمشقي اسم الكتاب مع اختلاف بسيط في العنوان هو: مصرع الحسين(عليه السلام)((6)) ومع اختلاف كلا العنوانين فإنَّ الكتاب يخصُّ مقتل الحسين(عليه السلام)، وهو من الكتب المفقودة، ولم نطلع له علي أيّ روايات منقولة عنه في المصنَّفات التاريخية المتوافرة لدينا، وبهذا نختم دراستنا لكتب المقتل المفقودة.
ص: 220
المبحث الأول:موارد كتب المقتل الحسيني بين القرنين الثاني والخامس الهجريين/ الثامن و الحادي عشر الميلاديين.
المبحث الثاني:موارد كتب المقتل الحسيني خلال القرنين السادس و السابع الهجريين/ الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين.
ص: 221
ص: 222
المورد لغةً: استعرضت المعاجم اللغوية هذه المفردة وأرجعت معناها إلي الطريق والورود، إذ قال ابن فارس (ت395ﻫ/997م) في معرض حديثه عن الفعل ورد: «المورد الطريق الموفاة إلي الشيء»((1))، ولم يخرج أبو الفضل ابن منظور (ت711ﻫ/1313م) عن هذا المعني كثيراً فقال: «الموارد: المناهل، أحدها مورد وورد مورداً أيّ وروداً. والمورد: الطريق إلي الماء»، وأحدها مورد، وهو مفعل من الورود، «يقال: ورَدْتُ الماءَ أَرِدُه وُرُوداً إذا حضرته لتشرب. والوِرد: الماء الذي ترد عليه»((2)) ويتفق معهم بهذا المعني محمد أبو بكر الرازي (ت721ﻫ/1323م)، بقوله: «والوارد الطريق وكذا المورد»((3)).
أمّا الموارد اصطلاحاً: يقُصد بها مصادر الروايات، فهي المنبع أو الأصل((4)) وقد تنوعت الموارد التي اعتمدت عليها روايات كتب المقاتل الحسينية منها: الإعتماد علي المصادر السابقة المدوَّنة، ومنها الإعتماد علي الرواية الشفوية، فضلاً عن ذلك فقد اعتمدت تلك الكتب علي أخبار مُسنَدة وأخري غير مُسنَدة.
ص: 223
ص: 224
حفلت تلك القرون بظهور العديد من كتب المقاتل، إلا أنَّها فُقِدت - كما أوضحنا فيما سبق - ومن الملاحظ أنَّه لم تصلنا كتب عن المقتل من القرنين الأول والرابع الهجريين، وإنمَّا فُقِدت جميعها، أمَّا كتب المقاتل التي وصلتنا والتي أصبحت متداولة ومطبوعة عن هذه المدة الزمنية فهي من القرن الثاني الهجري وتشمل المقتل المنسوب لأبي مخنف، وتسمية من قُتل مع الإمام الحسين(عليه السلام) للرسان، ومن القرن الخامس الهجري كتاب نور العين في مشهد الحسين(عليه السلام) المنسوب للإسفراييني، وسنتناول موارد تلك الكتب في هذا الفصل.
هو أبو مخنف لوط بن يحيي بن سعيد بن مخنف بن سُليم بن الحارث بن عوف ابن ثعلبة بن عامر بن ذهل الأزدي، الغامدي، الكوفي، كان أبوه من أصحاب
ص: 225
أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب والإمامين الحسن والحسين(عليهم السلام)((1)).
ويُعدُّ أبو مخنف من العلماء المؤرِّخين، بل هو شيخ المؤرِّخين وعميدهم بالكوفة، روي عنه هشام بن محمد السائب الكلبي، ونصر بن مزاحم، ومحمد بن موسي وغيرهم، له كتب كثيرة منها: مقتل الحسين(عليه السلام)، ومقتل محمد بن أبي بكر(رضي الله عنه)، ومقتل عثمان بن عفان، وخطبة الزهراء(عليها السلام) وكتاب الردة، وكتاب فتوح الشام، وكتاب فتوح العراق، وكتاب الجمل، وكتاب صفين، وكتاب النهروان، وكتاب الغارات((2)).
ولابدَّ من الفحص والتحقيق عن هذه الشخصية لدي المؤرِّخين، ومن أوليات التحقيق التحقُّق من درجة وثاقته في النقل وأقوال وآراء المؤلِّفين فيه، علي الرغم من أنَّ هناك أختلافاً شديداً في توثيقه أو تضعيفه، ومن هذه الآراء والأقوال التي تضعِّفه وتطعن في رواياته:
1- ابن معين (ت233ﻫ/835م): «قال عنه ليس بثقة»((3)).
2- العقيلي (ت322ﻫ/924م): وصفه بأنَّه: «ليس بشيء وفي موضع آخر ليس بثقة»((4)).3- أبو حاتم الرازي (ت 327ﻫ/929م) قال عنه: «متروك الحديث»((5)).
4- ابن عدي (ت356ﻫ/958م) قال عنه: «حدَّث بأخبار من تقدَّم من السلف
ص: 226
الصالحين، ولا يبعد منه أن يتناولهم وهو شيعي محترق صاحب أخبارهم وإنَّما وصفته لا يُستغني عن ذكر حديثه فإني لا أعلم له من الأحاديث المسنَدة ما أذكره وإنما له من الأخبار المكروه الذي لا أستحب ذكره»((1)).
5- الذهبي قال عنه: «أخباري تالف، لا يوثق به»((2)).
6- وصفه الصفدي بإنه «يروي عن المجاهيل»((3)).
وفي مقابل الإنتقاد الشديد الذي تعرَّض له أبو مخنف من قبل هؤلاء المؤلِّفين نجد أن هناك قسماً منهم من لم يطعن به:
1- النجاشي (ت450ﻫ/1052م) وفي معرض ترجمته له قال: «شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم، وكان يسكن إلي ما يرويه»((4)).
2- الطوسي (ت460ﻫ/1062م)، ذكر أنَّه من أصحاب أميرالمؤمنين(عليه السلام)، ومن أصحاب الحسن والحسين(عليه السلام)، علي ما زعم الكشي (ت340ﻫ/942م)((5))، والصحيح أنَّ أباه كان من أصحاب الإمام علي(عليه السلام)،وهو لم يلقَه((6)).
ويُلاحَظ أنّ الطوسي قد مارس النقد التاريخي تجاه الكشي في تصحيحه للرواية التي أوردها فيما يخصُّ أبا مخنف، وقال عنه إنَّه معاصر للإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)
ص: 227
والحسنين(عليه السلام)، وقد ذكر الطوسي أنَّ والد أبي مخنف هو من عاصر الإمام علياً(عليه السلام) لا أبا مخنف نفسه، وحلّل أحد الباحثين هذا الموضوع بقوله: «إنَّ لوط بن يحيي لم يثبت دركه أميرالمؤمنين(عليه السلام)، بل إنَّ روايته لخطبة فاطمة الزهراء(عليهما السلام) عنه(عليه السلام) بواسطتين، يدلُّ علي عدم دركه إياه(عليه السلام)، وكذلك روايته خطب أميرالمؤمنين(عليه السلام) بواسطتين»((1)).
3- ابن شهر آشوب قال عنه: «أبوه من أصحاب أميرالمؤمنين والحسن والحسين(عليهم السلام)، له كتب كثيرة في السير كمقتل الحسين(عليه السلام)، ومقتل محمد بن أبي بكر، ومقتل عثمان والجمل وصفين»((2)).
وفضلاً عن ذلك أنَّ تاريخ وفاته (157ﻫ) توضِّح الفرق الشاسع بينه وبين الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) من حيث المدة الزمنية، كما أنَّ المصادر لم تُشِر إلي أنَّه من المُعمَّرين، وبالتالي يُستبعد أن يكون من أصحاب أميرالمؤمنين(عليه السلام).ولعلَّ سبب الإختلاف في تحديد وثاقة أبي مخنف من عدمها بين المؤرخين يرجع إلي أسباب مذهبية، ويتضح ذلك من خلال عدة قرائن: أولها أنَّ الذين ضعَّفوه واتهموه أغلبهم من علماء أهل السنة، علي حين أغلب من لم يضعِّفه هم من علماء الشيعة، كما مبين أعلاه بدليل أنَّ بعض من اتّهمُه بالضعف وصفه بأنَّه رافضي وعلي أساسها ضعَّفوه، أمثال الذهبي((3)).
وفضلاً عن ذلك فإنَّ أغلب من جرحَ أو ضعَّفَ أبا مخنف لم يُشِر إلي السبب أو العلة التي علي أساسها تمَّ تضعيفه، وإنَّما جعل ذلك مطلقاً بلا قرينة، مما يجعل تلك الأقوال والآراء مشكوكاً فيها ولا تستند إلي أدلة علمية، وهناك من أشار إلي أنَّ أبا
ص: 228
مخنف يُعدُّ من الشيعة الإمامية أمثال الفيروزآبادي (ت817ﻫ/1419م)((1))، كذلك بعض الباحثين((2))، ونحن لا نتفق مع هذا الرأي لعدة أسباب، منها: إنّ جملة من المؤرخين لا سيما الشيعة منهم لم يشيروا صراحةً إلي هذا الأمر أمثال: النجاشي((3)) والطوسي((4)) وابن شهر آشوب((5))، كما إنّ ابن النديم وضمن منهجه من يريد الترجمة لسيرته الذاتية يبين مذهب المترجم لهُ، كما في ترجمته للواقدي الذي بيَّن مذهبه بأنّه تشيع((6)) لم يُشِر إلي أبي مخنف بذلك، لا من قريب ولا منبعيد.
وقد بيَّن ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 656ﻫ/1258م) بشكل صريح مذهب أبي مخنف قائلاً: «وأبو مخنف من المحدِّثين وممن يري صحة الإمامة بالإختيار، وليس من الشيعة ولا معدودا من رجالها»((7))، فأشار أحد الباحثين((8)) إلي أنّ لأبي مخنف ميولاً علوية وعراقية، ونحن نتفق مع هذا الرأي من كون أبي مخنف يحمل ميولاً شيعية وليس شيعياً.
وبعد أنْ تبيَّن لنا أنّ أبا مخنف لم يكن متروكاً أو ضعيفاً علي حدِّ قول بعض المؤرخين، وإنَّما كان يتصف بالإعتدال الي حدٍّ ما، نود أن نوضح أنَّ هناك عوامل
ص: 229
واهية دفعت هؤلاء المؤرخين الي شنِّ جملة من الإنتقادات عليه، ويأتي في مقدمتها العامل المذهبي، فضلاً عن مؤلفاته التي صنفها بحقِّ أهل البيت، وكلا العاملين لا يجيزان لهم أنْ يصنفوه ضمن الضعفاء أو المتروكين.
وفضلاً عن ذلك فقد أوضح أحد الباحثين وبشكل مفصَّل لمجمل الآراء والأقوال للعلماء المتقدمين والباحثين في تحديد مذهب أبي مخنف مثبتاً فيه بكونه لم يكن إمامياً من الناحية الإعتقادية((1)).
تبوّأ أبو مخنف مكانة متميزة لدي أكثر الأخباريين والمؤرخين، وقد شغلت رواياته عن المقتل مساحة مكانية وزمانية أسهمت بشكل كبير في بناء المادةالتاريخية للمقتل، كما أنهّ يُعدُّ القاعدة الأساسية من الناحية التاريخية والزمانية لروايات المقتل.
أمّا الموارد التي استقي منها مادته عن المقتل فتتركَّز بالدرجة الأولي من شيوخه الذين كان جلُّهم من أهل الكوفة - موطنه الذي نشأ فيه - لكن هذا لا يلغي عدم وجود شيوخ له من مناطق أخري غير الكوفة، مثل: بغداد والشام والبصرة واليمن.
وسنذكر أسماء أبرز الشيوخ الذين اعتمد عليهم أبو مخنف في مرويات وأخبار المقتل، وطبيعة المادة التاريخية التي استقاها منهم، كذلك الوسائط الروائية التي اعتمدها بعض الشيوخ في رواية وتثبيت الحدث التاريخي الخاص بالمقتل، وهم:
ص: 230
1- أبو زهير، النضر بن صالح((1))
نقل عنه أبو مخنف أربع روايات تخصُّ أحداث المقتل، الأولي تتركز في الكتب الرسمية التي دارت بين الوالي عبيد الله بن زياد والقائد عمر بن سعد حول أخذ البيعة من الإمام الحسين(عليه السلام)((2))، علي حين أورد النضر الرواية الثانية عن طريق قرَّة ابن قيس - شيخ وزعيم النضر((3)) وأحد شهود العيان آنذاك عندخول السبايا الي الوالي عبيد الله بن زياد في الكوفة مع اثنين وسبعين رأساً((4))، وروايتان عن المختار ابن أبي عبيدة الثقفي ودوره في نصرة مسلم بن عقيل، وإخفاقه في ذلك، ومن ثَمَّ إلقاؤه في السجن من قبل سلطة الكوفة آنذاك((5)).
ص: 231
2- فضيل بن خديج الكندي((1))
نقل عنه أبو مخنف رواية تتحدث عن أسماء زعماء القبائل التي شاركت في قتال الإمام الحسين(عليه السلام) وأسماء قادة جيش عمر بن سعد بن أبي وقاص((2)).جاءأبو مخنف بهذه الرواية بوساطتين هما محمد بن بشر((3)) عن عمرو الحضرمي (أحد شهود العيان) ورواية ثانية ينتهي سندها بفضيل نفسه، تتحدَّث عن قتال يزيد بن زياد، وهو أبو الشعثاء الكندي وعدد من أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام) في معركة الطف((4)).
ومن الملاحَظ أنّ الرواية الأخيرة التي أسندها أبو مخنف للفضيل مباشرة بلا واسطة كان نصُّها: «قال أبو مخنف حدثني فضيل بن خديج الكندي...»((5))، تثير التساؤل؛ إذ كيف نقل فضيل هذه الرواية وهو لم يعاصر الحدث؟ ولعلَّ مَرَدَّ ذلك لاحتمالين الأول: إنَّ الطبري قد أسقط الواسطة، والثاني:إنّ أبا مخنف أسقط
ص: 232
الواسطة الروائية المعاصرة للحدث، وذلك لأنَّه من غير الممكن أن ينقل فضيل حدثاً عن واقعة الطف بصورة مباشرة؛ لكونه لم يكن معاصراً للحدث آنذاك.
3- عبد الرحمن بن جندب الازدي((1))
نقل أبو مخنف عن شيخه هذا، أربع روايات تخصُّ المقتل، ثلاث منها مُسنَدة عن عقبة بن سمعان (بوصفه شاهد عيان)((2)).
أ - الأولي: عن مغادرة الإمام الحسين(عليه السلام) المدينة المنورة إلي مكة المكرمة بعد اعتلاء يزيد بن معاوية سدَّة الحكم، ووصف الطبري هذه الرواية بأنَّها «أشبع وأتمّ من خبر عمار الدهني»((3)) بكونها مختصرة.
ب - الثانية: تتحدّث عن ملازمة الحر بن يزيد الرياحي للإمام الحسين(عليه السلام)، ومسير القائد عمر بن سعد لحرب الإمام(عليه السلام)((4)).
ت - الثالثة: نقلت قول الإمام الحسين(عليه السلام): «دعوني أذهب في هذه الأرض العريضة حتي ننظر ما يصير أمر الناس»((5)).
وهنا لا بدّ من الإشارة إلي أنَّ ما ذهب إليه بعض الباحثين((6)) من أنّ عقبة بن سمعان قد استشهد مع الإمام الحسين(عليه السلام) في واقعة الطف، لكن الحقيقة أنّانرجِّح
ص: 233
عدم دقة هذا الرأي؛ وذلك لتعارضه مع العديد من المصادر((1)) التي أشارت وبشكل صريح إلي أنَّ عقبة بن سمعان قد نجا من القتل في واقعة الطف.
وفضلاً عن ذلك أنَّ أغلب منْ يعتقد باستشهاد عقبة بن سمعان مع الإمام الحسين(عليه السلام) يستدلُّ علي ذلك بوجود اسمه بالزيارة المسماة (زيارة الناحية المقدسة)((2)) مع جملة الشهداء(عليه السلام) الذين استُشهِدوا في واقعة الطف وخُصُّوا بالتسليم عليهم((3)).
ث - أمّا الرواية الرابعة فهي غير مُسنَدة، وتدور حول الحوار الذي جري بين الوالي عبيد الله بن زياد وأحد أشراف الكوفة عبيد الله بن الحر((4))، ونُقِلت مباشرة عن عبد الرحمن بن جندب((5)).
ص: 234
4- سليمان ابن أبي راشد الأزدي((1))
من خلال تتبعنا لمرويات أبي مخنف عنه نجد أنَّه اعتمد عليه في الكثير من الروايات الخاصة بالمقتل والتي قُدِّرت بعشرين رواية، بوسائط وطرق روائية مختلفة:
أ - رواية مُسنَدة إلي عبد الله بن خازم - رجل من بني كثير الذين كانوا مع مسلم ابن عقيل(عليه السلام) - عن قيام كثير بن شهاب - أحد أشراف الكوفة الموالين للسلطة الأموية((2))، ببثِّ الإشاعات لتفريق أنصار مسلم ابن عقيل(عليه السلام) وتحذيرهم غضب السلطة الحاكمة وأجهزتها العسكرية((3))، وأشار أحد الباحثين((4)): «بأنَّ ابن الأثير قد نقل هذه الرواية وروايات أخُر دون أن يصرِّح بنقلها عن أبي مخنف»، ولعلَّ السبب في ذلك يرجع إلي اعتقاد ابن الأثير بأنّ رواياتأبي مخنف تَتَّسم بالضعف، أو أنَّ هناك عاملاً مذهبياً منعه من التصريح بذلك.
ب - هناك سبع عشرة رواية نقلها سليمان بن أبي راشد مسندة إلي حميد بن مسلم (بوصفه أحد شهود العيان)، وكان من جانب السلطة الحاكمة((5))، الأولي: عن عطش الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه وأمره لأخيه العباس(عليه السلام) بجلب الماء((6))، والثانية: تتناول كتاب ابن زياد لابن سعد جوابا علي كتابه يأمره بضرورة نزول
ص: 235
الإمام الحسين(عليه السلام) علي حكمه((1))، والثالثة تتحدَّث عن أول سهم رماه عمر بن سعد في معسكر الإمام الحسين(عليه السلام)، والرابعة عن استحياء شمر بن ذي الجوشن من حميد ابن مسلم وشبث بن ربعي لتوبيخهما إيّاه لمحاولته حرق فسطاط الإمام الحسين(عليه السلام)((2))، كما نقل سليمان عن حميد رواية فيها تألُّم الإمام الحسين(عليه السلام) وحزنه علي ولده الذي استُشهِد في المعركة، وحزن السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب(عليه السلام) عمته عليه((3)).
وثمان روايات أُخَر عن استشهاد أهل بيت الإمام الحسين(عليه السلام)((4))، ورواية عن دعاء الإمام(عليه السلام) علي أعدائه، ثم تتطرَّق إلي السلب والنهب الذي تعرَّض له(عليه السلام) علي يد بعض عناصر الجيش الأموي عقب استشهاده(عليه السلام)((5))، ورواية مُسنَدة تتناول مسير أصحاب عمر بن سعد برأسالإمام الحسين(عليه السلام) إلي والي الكوفة عبيد الله بن زياد((6))، ورواية بالسند نفسه عن دخول رأس الإمام الحسين(عليه السلام) والسبايا إلي مجلس الوالي عبيد الله بن زياد((7))، ورواية تتحدَّث عن الحوار الذي دار بين الوالي عبيد الله ابن زياد والإمام علي بن الحسين(عليه السلام) ومحاولة الوالي قتل علي بن الحسين ومن ثَمَّ عدوله عن ذلك علي إثر تدخُّل عمَّته السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب(عليه السلام)((8)).
ص: 236
ت - ونقل سليمان بن أبي راشد رواية مُسنَدة عن عبد الرحمن بن عبيد أبي الكنود((1)) تتناول مقالة عبد الله بن جعفر بن أبي طالب حينما بلغه استشهاد ولديه مع الإمام الحسين(عليه السلام) في معركة الطف، وخروج ابنة عقيل بن أبي طالب(رضي الله عنه) لرثاء الإمام الحسين(عليه السلام) بعد استشهاده((2)).
وأشار بعض المؤرِّخين((3)) إلي أنّ ابنة عقيل - اسمها (زينب الصغري) - هي التي رثتْ الإمام الحسين(عليه السلام) في المدينة المنورة.
أ - رواية مُسنَدة إلي أبي عثمان النهدي((1)) عن كتاب الإمام الحسين(عليهالسلام) إلي أهل البصرة يدعوهم فيه إلي نصرته ثم قدوم الوالي عبيد الله بن زياد إلي الكوفة((2)).
ب - رواية مُسنَدة إلي عبد الرحمن بن شريح((3))، روي فيها خروجه إلي اتِّباع قبيلة مذحج الذين جاؤوا لإنقاذ زعيمهم - هانئ بن عروة المرادي - وقد أبلغهم بأنَّه علي قيد الحياة، وأنَّ السلطة الحاكمة لم تقتله((4)).
ت - روايتان مُسنَدتان إلي عون بن أبي جحيفة((5)): الأولي تتناول الحوار الذي دار
ص: 238
بين الوالي عبيد الله ابن زياد وبكير بن حمران - أحد عناصر السلطة الأمويةوقاتل مسلم بن عقيل(عليه السلام)((1))، والثانية: تذكر تأريخ خروج مسلم بن عقيل(عليه السلام) والإمام الحسين(عليه السلام) من المدينة نحو مكة ومنها إلي العراق((2)).
ث - رواية نقلها أبو مخنف عن طريق الصقعب بن زهير بوساطة عمر بن عبد الرحمن المخزومي((3))، تتحدَّث عن نصيحة الأخير للإمام الحسين(عليه السلام) بعدم الخروج والتوجه إلي العراق، لكونهم أهل غدر، بحسب التعبير الذي وصفهم به((4)).
ج - هناك روايتان مُسنَدتان عن الصقعب بوساطة حميد بن مسلم، الأولي: تشير إلي أول سهم رماه عمر بن سعد باتجاه معسكر الإمام الحسين(عليه السلام)((5))،والثانية ذكرت الجنود الذين بدأوا بعملية قتل الإمام الحسين(عليه السلام)((6)).
ح - رواية مُسنَدة ذكرها أبو مخنف عن الصقعب بوساطة القاسم بن عبد
ص: 239
الرحمن((1)) (شاهد عيان آنذاك) تضمن أبياتاً شعريةً استشهد بها يزيد بن معاوية في مجلسه بالشام، حينما أدخلوا عليه رؤوس أهل بيت الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه قائلاً:
يفلقنَ هاماً من رجالٍ أعزَّةٍ علينا *** وهم كانوا أعقَّ وأظلما((2)).
ومن الجدير بالذكر أنَّ الأبيات السابقة الذكر ذكرتها بعض المصادر((3)) ليس عن طريق أبي مخنف الأزدي وإنَّما من طرق روائية مختلفة.
6- أبو جناب يحيي الكلبي((4))
أحد شيوخ أبي مخنف، نقل عنه ثلاثاً وعشرين رواية، لأحداث تاريخية مختلفة، منها عشر روايات تخصُّ المقتل، بعضها مسندة وأخري غير مسندة، وهي:
أ - رواية عن أمر الوالي عبيد الله بن زياد ومسلم بن عقيل(عليه السلام) ومحاصرة الأخير قصر الأمارة، ومحاولة بعض العناصر الموالية للسلطة تفتيت وتشتيت أنصار مسلم بن عقيل(عليه السلام).
ص: 240
ب - رواية غير مُسنَدة لم يُشر أبو جناب الكلبي إلي الوساطة الروائية التي اعتمدها في نقله، تتحدَّث عن إرسال والي الكوفة رأسي مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة(عليه السلام) إلي يزيد بن معاوية((1)).
ت - رواية غير مُسنَدة أوردها تتعلَّق بكتاب الوالي عبيد الله بن زياد إلي القائد عمر بن سعد فيه تعليمات الوالي لابن سعد بتعجيل قتل الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه، والتمثيل بهم إن رفضوا الاستسلام والنزول علي حكم الأمير((2)).
ث - أربع روايات مُسنَدة إلي عدي بن حرملة((3)) بوساطة عبد الله بن سليم والمذري بن المشمعل الأسديين - كانا شهود عيان في نقل الحدث - الأولي:ذكرت الحوار الذي وقع بين الإمام الحسين(عليه السلام) وعبد الله بن الزبير بمكة وسبب مغادرة الإمام مكة((4))، أمّا الرواية الثانية فتتعلَّق بالتقاء الشاعر الفرزدق بالإمام الحسين(عليه السلام) وإبلاغه بحال وموقف أهل العراق((5))، علي حين ركَّزت الرواية الثالثة علي مسير الإمام الحسين(عليه السلام) نحو العراق، ووصول نبأ مقتل مسلم وهانئ إليه(عليه السلام)((6))، وذكرت تلك الرواية أيضاً الحرَّ بن يزيد الرياحي وجيشه البالغ عددهم ألف فارس ومسايرتهم للإمام الحسين(عليه السلام)((7)).
ص: 241
ج - رواية مُسنَدة بوساطة هانئ بن ثبيت الحضرمي((1)) - وهو أحد شهود العيان وكان ضمن المعسكر الأموي((2))- تحدَّثت عن التقاء الإمام الحسين(عليه السلام) مع عمر بن سعد بين العسكرين((3)).
ح - رواية مُسنَدة ينتهي إسنادها إلي عدي بن حرملة الأسدي عن انقلاب موقفالحر بن يزيد((4)). وانحيازه إلي جانب الإمام الحسين(عليه السلام)((5)).
خ - رواية غير مُسنَدة وتنتهي بأبي الجناب نفسه: عن مشاركة عبد الله بن عمير الكلبي((6)) في القتال مع الإمام الحسين(عليه السلام)((7)).
ص: 242
7- أبو نوفل عبد الملك العامري المدني((1))
روي عنه أبو مخنف إحدي وعشرين رواية في مختلف القضايا التاريخية((2))،وكانت حصة المقتل منها روايتين الأولي مُسنَدة عن طريق أبي سعيد المقبري((3)) بخصوص الأبيات الشعرية التي قالها الإمام الحسين(عليه السلام) في المدينة المنورة، والثانية أسندها أبو نوفل إلي أبيه بقوله: «عن عبد الملك بن نوفل قال حدثني أبي...»((4))، وهي تشير إلي خطبة عبد الله بن الزبير في أهل مكة بعد استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) وهو ينتقد قاتليه ويُحمِّل أهل العراق المسؤولية في ذلك وتحديدا أهل الكوفة ويصفهم بأهل الغدر والشرار((5)).
وهنا لا بدّ من الإشارة إلي الرواية الأولي التي نقلها أبو مخنف عن طريق شيخه أبي نوفل كانت بإسناد ينتهي بأبي سعيد المقبري، وتوهَّم أحد الباحثين((6))، حينما خلط بين أبي سعيد المقبري وبين أبي سعيد دينار في أسناد الرواية إليه، إذ إنَّ أبا سعيد دينار كان من أصحاب أميرالمؤمنين(عليه السلام)، اشترك معه في موقعة صفين، وهو
ص: 243
ليس أبا سعيد المقبري((1)) ناقل هذه الرواية.
8- المجالد بن سعيد الهمداني((2))
يُعدُّ من أبرز مشايخ أبي مخنف، والذي بدوره نقل عنه ثماني عشرة رواية في مختلف الأحداث، منها:مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) الذي كان حصته منها ستَّ روايات انتهي إسنادهنّ بالمجالد نفسه دون الإشارة إلي أسماء الوسائط الروائية التي نقل عنها باستثناء رواية واحدة. أما الروايات الخمس غير المسنَدة فهي:
أ- الأولي: تحدَّثت عن إرسال الوالي عبيد الله بن زياد عدداً من الشخصيات المقرَّبة منه إلي هانئ بن عروة؛ لبيان سبب عدم حضوره للوالي بخلاف حضور أشراف وزعماء أهل الكوفة الآخرين((3)).
ب - الثانية: تتعلَّق بتشتُّت الأنصار عن مسلم بن عقيل(عليه السلام)؛ بفعل إشاعة قدوم جيش الشام، وعلم السلطة الحاكمة بمكان تواجد مسلم واجتهادها بإحضاره((4)).
ت - الثالثة: أشارت إلي الخصال الثلاث التي عرضها الإمام الحسين(عليه السلام) علي قائد الجيش الأموي عمر بن سعد((5)).
ص: 244
ث - الرابعة: أوضحت كتاب القائد عمر بن سعد إلي الوالي عبيد الله بن زيادبخصوص الشروط التي أعلنها الإمام الحسين(عليه السلام) والتي رفضها الوالي((1)).
ج - الخامسة: تحدَّثت عن محاولة الوالي عبيد الله بن زياد قتل الإمام علي بن الحسين(عليه السلام) بعد دخوله إلي مجلس الوالي مع السبايا، وتراجع الوالي عن قرار القتل((2)).
ح - الرواية السادسة: مُسنَدة عن عامر الشعبي((3)) ركَّزت الرواية علي الحوار الذي دار بين الإمام الحسين(عليه السلام) وعبد الله بن الحرِّ الجحفي((4)).
ورجَّح أحد الباحثين((5)) أنّ عامر الشعبي يُعدُّ من شيوخ المجالد، كما يتجلَّي ذلك من خلال عدد من الروايات التي ينتهي فيها السند إليه.
خصَّص الحارث للمقتل ستَّ روايات بأسانيد وطرق روائية مختلفة: وبالشكل الآتي:
أ - روايتان مُسنَدتان إلي عقبة بن سمعان - شاهد عيان -: الأولي عن عزم الإمام الحسين(عليه السلام) الخروج إلي العراق، وتحذير عبد الله بن عباس له((1))، أمّا الثانية فتتعلَّق بمحاولة السلطة الحاكمة في مكة المكرمة منع الإمام الحسين(عليه السلام) من الخروج ورفض الإمام ذلك((2)).
ب - روايتان مُسنَدتان عن الإمام علي بن الحسين(عليهما السلام) (شاهد عيان)، الأولي تحدَّثت عن كتاب عبد الله بن جعفر بن أبي طالب للإمام الحسين(عليه السلام) يحذِّره من المسير نحو العراق، ثم كتاب والي مكة إليه يسأله الرجوع عمَّا قرره، ثم كتاب الإمام الحسين للأخير جواباً علي كتابه((3))، والرواية الثانية تضمَّنت أبياتاً شعرية أنشدها الإمام الحسين(عليه السلام) قبل استشهاده((4)).
ت - روايتان مُسنَدتان عن السيدة فاطمة بنت علي بن أبي طالب(عليه السلام)((5))(شاهد عيان للحدث) الأولي ذكرت الحوار الذي دار بين السيدة زينببنت علي بن أبي
ص: 246
طالب(عليه السلام) ويزيد بن معاوية في الشام((1))، والثانية: تحدَّثت عن إحسان السيدتين زينب وفاطمة ابنتي علي بن أبي طالب(عليه السلام) للرجل الشامي الذي بعثه معهم يزيد بن معاوية لحسن صحبته لهم((2)).
10- أبو معشر يوسف بن يزيد العطار((3))
روي عنه أبو مخنف سبع عشرة رواية عن مراحل زمنية تاريخية مختلفة وقضايا متنوعة، منها أخبار المقتل الذي حدَّد له روايتين بسندين مختلفين، هما:
أ - الرواية الأولي: مُسنَدة إلي عبد الله بن خازم - شاهد عيان للحدث وكان رسول مسلم بن عقيل لقصرالإمارة((4)) تدور حول تطويق قوات مسلم بن عقيل قصر عبيد الله بن زياد((5)).
ب - الرواية الثانية ينتهي إسنادها إلي عفيف بن زهير - (شاهد عيان للحدث)، وكان قد شهد مقتل الحسين(عليه السلام) - وهي تورد الحوار الذي دار بين يزيد بن معقل - أحد عناصر جيش عمر بن سعد - وبرير بن خضير الهمداني - أحدأصحاب الإمام الحسين(عليه السلام) - ثم ذكرت مقتل برير وكيفيتها((6)).
ص: 247
11- الحارث بن حصيرة الأزدي((1))
أشار أحد الباحثين إلي أنَّ أبا مخنف روي عنه ثلاث عشرة رواية((2))، منها ثلاث روايات مُسنَدة تخصُّ المقتل، هي:
أ - الأولي: مُسنَدة عن عبد الله، عن شريك العامري((3)) تتعلَّق بكتاب الوالي عبيد الله بن زياد إلي القائد عمر بن سعد يخصُّ الإمام الحسين(عليه السلام)، وكتاب الأمان الذي كتبه شمر بن ذي الجوشن للعباس بن علي بن أبي طالب وإخوته(عليهم السلام) ورفضهم ذلك الأمان، وإصرارهم علي الشهادة مع إمامهمالحسين(عليه السلام)((4)).
ب - الثانية والثالثة: بالسند نفسه آنف الذكر عن علي بن الحسين(عليه السلام) (شاهد عيان للحدث) تناولت الأولي موعد بدء الحرب بين المعسكرين معسكر الإمام الحسين(عليه السلام) ومعسكر ابن سعد((5))، والثانية سردت لنا خطبة الإمام الحسين(عليه السلام) بأصحابه((6)).
ص: 248
12- نمير بن وعلة((1))
بلغ مجموع الروايات التي رواها عنه أبو مخنف ثلاث عشرة رواية في أحداث تاريخية مختلفة((2))، خصَّص من مجموعها أربعاً عن المقتل بأسانيد متعدِّدة وبالشكل الآتي:
أ - روايتان مُسنَدتان إلي أبي الوداك((3))، الأولي سردت لنا خطبة والي الكوفة النعمان بن بشير، تضمَّت عدم خلع أهل الكوفة بيعتهم ونصُّها: «قال أبو مخنف: حدثني نمر بن وعلة عن أبي الوداك قال خرج إلينا النعمان ابن بشيرفصعد المنبر، فحمد الله وأثني عليه...»((4))، أمّا الثانية فهي تخصُّ الأحداث التي جرت بين الوالي عبيد الله بن زياد وهانئ بن عروة، وحبس الأخير من قبل الوالي((5)).
ب - الرواية الثالثة: ينتهي سندها إلي أيوب بن مشرح الخيواني - من معسكر عمر بن سعد - التي استعرضت عقر فرس الحر بن يزيد الرياحي من قبله وحديث أبي الوداك معه((6)).
وهنا لا بدّ من الوقوف علي الروايات الثلاث أعلاه؛ إذ ورد في سند الروايتين الأُولتين، أبو الوداك الناقل لهما، وفي الرواية الثالثة كان حديث الحر مع أبي الوداك،
ص: 249
وبهذا تبيِّن تلك الروايات أنَّ أبا الوداك كان شاهداً ومشاركاً في أحداث واقعة الطف.
ومن الملاحظ أنَّ كتب التراجم التي ترجمت لأبي الوداك لم تذكر مشاركته في واقعة الطف من جانب، ومن جانب آخر أنَّ المصادر التي ذكرت الروايات أعلاه - والتي نقلها لنا أبو الوداك - لم تذكر اسمه إطلاقاً، وهذا يقودنا إلي الشكِّ بمشاركته في أحداث واقعة الطف.
ت - والرواية الرابعة مُسنَدة إلي ربيع بن تميم((1)) التي أشارت إلي مقتل أحد أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)((2)).
بتشتيت وتفريق أنصار مسلم بن عقيل(عليه السلام)، الذين كانوا متواجدين حول القصر((1)).
ب - الثانية: ينتهي إسنادها بعباس الجدلي أيضاً دون أن يذكر لنا الواسطة التي نقل عنها الرواية وهي تتحدَّث عن إجراءات السلطة بوضع المسالح العسكرية في طريق موكب الإمام الحسين(عليه السلام)((2)).
من بيعته، وموقف أبنائه وإخوته وبني عمِّه من ذلك((1)).
ب - ورواية تحدَّثت عن صلاة الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه في الليلةالتي قامت الحرب فيها، والحوار الذي دار بين برير بن خضير - من أصحاب الإمام الحسين وأبي حرب السبيعي - أحد عناصر الجيش الأموي -((2)).
ت - رواية سردت لنا خطبة الإمام الحسين(عليه السلام) بمعسكر الأعداء، مذكِّراً إيَّاهم بنسبه الشريف ورفضه لحكمهم الظالم((3)).
ث - رواية أشارت إلي نجاة أحد أصحاب الإمام(عليه السلام) من الموت وهو:الضحاك ابن عبد الله المشرفي، ومن ثَمَّ أذن له الإمام بالإنصراف إن استطاع((4)).
ج - رواية سردت قصة استشهاد كلٍّ من:عبد الله وجعفر وعثمان أبناء الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، بين يدي أخيهم أبي الفضل العباس(عليه السلام)((5)).
وهنا لا بدّ من الإشارة إلي أنَّ الطبري لم ينقل هذه الرواية عن عبد الله بن عاصم، وإنَّما أوردها بصيغة مجهولة بقوله: «وزعموا أنَّ العباس بن علي قال لأخوته من أُمِّه عبد الله وجعفر وعثمان يا بني أُمِّي تقدَّموا حتي أرثكم فإنَّه لا ولد لكم»((6))، خاطب العباس أخاه عبد الله قائلاً «تقدم بين يديَّ حتي أراك وأحتسبك فإنه لا ولد لك»((7)).
ص: 252
وشكك أحد الباحثين بهذه الرواية بقوله: «ان رواية مقولة أبي الفضل العباس اعلاه ذكرها الطبري في تاريخه لكن دون ان يصرح بأسم الشيخوربما كان هذا لسببين: أولها إما أن يكون غير متأكد من أسم الشيخ أو شاكاً به وأما انْ يكون غير مقتنع بمتن الرواية، هذا فضلاً عن ذلك كيف يقول العباس لأخوته ارثكم وهو يعلم إنه وابناءه سيلحقون بهم»((1)).
ونحن نتفق مع رأي الباحث بضعف هذه الرواية، خاصة وان قول أبي الفضل العباس(عليه السلام) فيه نظر وتأمل؛ لأنه لا ينسجم مع اخلاق وسمو نفسه الطاهرة، فضلاً عن ذلك ان اجواء الحرب آنذاك لا تساعد في التفكير بمثل هذه المسائل فكيف تصدر من أبي الفضل العباس(عليه السلام) الذي دافع عن إمامه حتي استشهد.
16- قدامة بن سعيد الثقفي((2))
أورد عنه أبو مخنف ثلاث روايات غير مُسنَدة، الأولي:عن القتال الذي وقع بين رجال السلطة الأموية ومسلم بن عقيل(عليه السلام) والذي انتهي بأسر الأخير((3))، والثانية: تتعلَّق بالحديث الذي دار بين مسلم بن عقيل ومسلم بن عمرو الباهلي (أحد عناصر السلطة الأموية) وطلب مسلم للماء((4))، أمّا الثالثة: فتتعلَّق بإرسال عمرو بن
خاطب العباس أخاه عبد الله قائلاً «تقدم بين يديَّ حتي أراك وأحتسبك فإنَّه لا ولد لك»((5)).
ص: 253
وشكَّك أحد الباحثين بهذه الرواية بقوله: «إنَّ رواية مقولة أبي الفضلالعباس أعلاه ذكرها الطبري في تاريخه لكن دون أيصرِّح باسم الشيخ وربما كان هذا لسببين: أولها إمَّا أن يكون غير متأكِّد من اسم الشيخ أو شاكّاً به وإمَّا انْ يكون غير مقتنع بمتن الرواية، هذا فضلاً عن ذلك كيف يقول العباس لأخوته أرثكم وهو يعلم أنَّه وأبناءه سيلحقون بهم»((1)).
ونحن نتفق مع رأي الباحث بضعف هذه الرواية، خاصَّة وإنَّ قول أبي الفضل العباس(عليه السلام) فيه نظر وتأمل؛ لأنَّه لا ينسجم مع أخلاق وسموِّ نفسه الطاهرة، فضلاً عن ذلك أنَّ أجواء الحرب آنذاك لا تساعد في التفكير بمثل هذه المسائل، فكيف تصدر من أبي الفضل العباس(عليه السلام) الذي دافع عن إمامه حتي استُشهِد.
حريث (أحد عناصر السلطة الأموية)((2)) غلامه ليسقي مسلم بن عقيل(عليه السلام)((3)).
الروايات الثلاث غير مُسنَدة، وتنتهي بقدامة بن سعيد الذي لم تترجم له كتب الرجال والتراجم، فضلاً عن كتب التاريخ العام وِفق اطلاعنا، أمّا ما أشار إليه أحد الباحثين بأنّه محتمل أن يكون قدامة ممن شهد الأحداث في واقعة الطف((4))، فنحنلا نتفق مع هذا الرأي؛ وذلك لعدم وجود أدلّة تثبت ذلك، وعليه فإنَّ رواياته أعلاه تعد ضعيفة من الناحية التاريخية، لمجهولية ناقلها (قدامة بن سعيد)،
ص: 254
وإنّها تحتوي في متونها أموراً لا يمكن أن تصدر من مسلم بن عقيل(عليه السلام) الذي عُرِفَ عنه الفداء والتضحية في سبيل العقيدة من قبيل التوسُّل بالأعداء لطلب الماء، وغيرها من المسائل التي لا تليق بمكانته وسموِّ نفسه.
17- أبو عتبة عبد الرحمن الداراني الدمشقي((1))
روي عنه أبو مخنف روايتين إحداهما تتعلَّق بالمقتل وينتهي إسنادها إلي حميد بن مسلم عن استشهاد علي الأكبر بن الإمام الحسين(عليه السلام)((2)).
18- محمد بن قيس((3))
روي عنه أبو مخنف روايتين انتهي إسنادهما إليه دون الإشارة إلي أيّ واسطة روائية:الأولي تتعلَّق بإرسال الإمام الحسين(عليه السلام) مبعوثاً لأهل الكوفة ومقتله علي يد السلطة الحاكمة، أمّا الثانية فتسرد لنا قصة استشهاد عدد من أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)((4)).
ص: 255
19- أبو داود يحيي بن هانئ الكوفي((1))
نقل عنه أبو مخنف روايتين ينتهي إسنادهما إليه الأولي محور موضوعنا عنالمقتل، تناولت قتال أحد أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)، فضلاً عن نصيحة أحد قيادات الجيش الأموي لجنوده بعدم البروز لأصحاب الإمام الحسين(عليه السلام) وأنصاره؛ لشجاعتهم((2)). أمَّا الرواية الثانية فهي خارج أطار موضوعنا.
20- زهير بن عبد الرحمن بن زهير الخثعمي((3))
مجموع الروايات التي نقلها عنه أبو مخنف روايتين تتعلَّقان بالمقتل الأولي:عن مقتل علي الأكبر بن الإمام الحسين(عليه السلام)((4))، والثانية:تسرد لنا قصة مقتل سويد بن عمرو بن أبي المطاع - وهو آخر مَن قُتل من أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)((5)).
21- سويد بن حية الأسدي((6))
نقل عنه أبو مخنف روايتين أحدهما تتعلَّق بالمقتل الحسيني، ومفادها أنَّ عبد الله ابن حوزة - أحد عناصر الجيش الأموي - جمحت به فرسه فسقط منها، وبقيت
ص: 256
رجله عالقة في الركاب ولم تتوقَّف فرسه حتي مات((1)).
ويعلِّق أحد الباحثين((2)) علي هذه الرواية بقوله: «وهذه الرواية تبيِّن عدم تحيُّز أبي مخنف فقد وردت بالشكل الآتي: وأمَّا سويد بن حية فزعم لي أنَّ عبد الله بن حوزة؛ وكلمة زعم لي تدلُّ علي عدم اقتناعه بما سمعهمن شيخه، أو عدم اقتناع شيخه نفسه بما رواه».
22- جميل بن مرثد من بني معن((3))
روي عنه أبو مخنف روايتين مُسنَدتين بوساطة الطرماح بن عدي (شاهد عيان)((4)) الأولي تتعلَّق بنصيحة الطرماح للإمام الحسين(عليه السلام) بعدم الذهاب إلي الكوفة((5))، والرواية الثانية تحدَّثت عن استئذان الطرماح من الإمام الحسين(عليه السلام) للذهاب إلي قومه، ثمَّ الرجوع إليه للقتال بقوله: «أنه دنا - أيّ الطرماح - من الحسين فقال له والله إني لأنظر فما أري معك أحداً، ولو لم يقاتلك إلا هؤلاءِ الذين أراهم ملازميك لكان كفي بهم، وقد رأيت قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم ظهر الكوفة وفيه من الناس ما لم ترَ عيناي في صعيد واحد جمعاً أكثر منه فسألت عنهم، فقيل اجتمعوا ليعرضوا ثم يسرحوا إلي الحسين؛ فأنشدك الله إن قدرت علي ألا تقدم عليهم شبراً إلا فعلت، فإن
ص: 257
أردت أن تنزل بلداً يمنعك الله به حتي تري من رأيك ويستبين لك ما أنت صانعٌ. فسر حتي أنزلك مناع جبلنا الذي يدعي أجأ امتنعنا والله به من ملوك غسان وحمير ومن النعمان ابن المنذر ومن الأسود والأحمر، واللهإن دخل علينا ذلٌّ قطُّ فأسير معك حتي أنزلك القرية، ثم نبعث إلي الرجال ممن بأجأ وسلمي من طيئ فو الله لا يأتي عليك عشرة أيام حتي يأتيك طيئ، رجالاً وركبانا، ثمَّ أقم فينا ما بدا لك فإنْ هاجك هيج فأنا زعيم لك بعشرين ألف طائي يضربون بين يديك بأسيافهم والله لا يوصل إليك أبدا ومنهم عين تطرف، فقال له جزاك الله وقومك خيراً؛ إنَّه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قولٌ لسنا نقدر معه علي الإنصراف، ولا ندري علام تنصرف بنا وبهم الأمور في عاقبه...»((1))، ثمَّ تستمرُّ الرواية والتي تشير إلي عدم اشتراك الطرماح بواقعة الطف «حدثني الطرماح بن عدي قال:فودَّعته وقلت له: دفع الله عنك شرَّ الجن والإنس إني قد إمترت لأهلي من الكوفة مِيرة ومعي نفقة لهم فآتيهم فأضع ذلك فيهم، ثم أقبل إليك إن شاء الله فإن ألحقك فوالله لأكونن من أنصارك قال: فإن كنت فاعلاً فعجِّل رحمك الله، قال فعلمت أنَّه مستوحش إلي الرجال حتي يسألني التعجيل، قال فلما بلغت أهلي وضعت عندهم ما يصلحهم وأوصيت، فأخذ أهلي يقولون إنَّك لتصنع مَرَّتَك هذه شيئا ما كنت تصنعه قبل اليوم، فأخبرتهم بما أريد، وأقبلت في طريق بني ثعل حتي إذا دنوت من عذيب الهجانات استقبلني سماعة بن بدر فنعاه إليَّ فرجعت»((2)).
من خلال التدقيق بكلام الطرماح بن عدي الطائي مع الإمام الحسين(عليه السلام) تتضح لنا عدة ملاحظات تثير الشكَّ والريبة في كلامه وتضعف من مصداقيته، منها:
أ - الرواية تصف الطرماح بأنَّه زعيم أو سيد قبيلته، وتأثيره في قبيلته يصل إليعشرين ألف مقاتل، ونحن هنا نتساءل بأنَّ الروايات التاريخية أشارت إلي أنَّ
ص: 258
وظيفة الطرماح أنَّه كان دليلاً للنفر الذين قدموا من الكوفة((1))، فكيف يمكنه العمل بين الزعامة القبلية والدليل والتوفيق بينهما؟
ب - هل قبيلة طيء((2)) لم تكن علي علم بمجمل تحرُّكات الإمام الحسين(عليه السلام) من بدايتها إلي زمان التقاء الطرماح بالإمام الحسين(عليه السلام)؛ لكي تنصره وتعدُّ رجالها للإنضمام إلي ركبه؟ نستبعد عدم علم قبيلة طيئ بموقف الإمام الحسين(عليه السلام) من السلطة الأموية، ومن ثَمَّ يصبح كلام الطرماح ضعيفاً، ولا نصيب له من الصحة، هذا وقد شكَّك أحد الباحثين((3)) بهذه الرواية، بقوله: «إنًَّ الطرماح بن عدي، ليس أكثر من رجل واحد، ومن المحال أن تكون له القدرة علي جمع عشرين ألفا بعشرة أيام، ومن جهة أخري فإنَّ قومه قد علموا بخروج الإمام الحسين(عليه السلام) من المدينة، وبامتناعه عن البيعة منذ أكثر من شهرين، فما الذي منعهم خلال هذه المدة من الإلتحاق بالحسين ومن نصره وحمايته؟! فلو وقف من عشرين ألف الطرماح ألفان مع الإمام الحسين لكان بإمكان الحسين أن يهزم جيش فرعون، وأن يغِّير موازين القوي وحركة التاريخ».ت - ما حجم الطرماح لكي يؤثِّر علي عشرين ألف شخص علي حدِّ تعبير الرواية أعلاه؟ وكيف جمع هذا العدد في مدة زمنية قدرها عشرة أيام وفق كلامه، لاسيما وأنَّ الدلائل لا تشير إلي كونهِ زعيماً لقبيلته آنذاك؟
ث - ونحن نتساءل لماذا لم ينضمَّ الطرماح للركب الحسيني؟ وهل إيصال الميرة
ص: 259
- علي حدِّ تعبير الرواية - يُعدُّ مسوّغاً شرعياً للطرماح لترك الجهاد مع الإمام(عليه السلام)؟ ثم لماذا لم يرسل تلك الميرة أو نفقة عياله مع أيِّ شخص آخر ويلتحق هو بالإمام إن كان يريد الإنضمام للركب الحسيني؟
ح - وعلي هذا ينتج من كلام الطرماح في هذه الرواية أمران، الأول: إنَّ هذه الرواية موضوعة ولا تمتُّ إلي الحقيقة بصلة، ولعلَّ هذا الإحتمال يتعارض مع المصادر التاريخية التي أوردت هذه الرواية والتي أشرنا إليها في معرض سردنا للرواية، والإحتمال الثاني:إنّ كلام الطرماح لا يستند إلي الحقيقة، وقد ابتدع من مخيلته هذا الكلام نثراً وشعراً، فمزج بين انتمائه الشيعي في نصرته للإمام الحسين(عليه السلام) وعاطفته الشعرية ليخرج لنا هذا الكلام الذي لا أثر له علي أرض الواقع، وهذا ما دفع أحد الباحثين((1)) إلي تحليل ذلك بقوله: «إنَّ أقوال الطرماح ليست أكثر من تصورات شاعر، وما كان ينبغي للإمام الحسين(عليه السلام) أو لأيِّ عاقل أن يترك ما بينه وبين القوم، ويتبع تلك التصورات النظرية دون أن يعرف عاقبة أو مآل ما تمَّ عليه الإتفاق بينه وبين أهل الكوفة».
ويمكن استنتاج احتمالٍ آخر بشأن رواية الطرماح وهو أنَّ الطبري حاول تشويه حقيقة الطرماح ورفاقهِ وأنَّهم كانوا من ضمن معسكر الإمام الحسين(عليه السلام)، وكانت مهمَّتهم تقتصر علي العمل اللوجستي في إيصال الميرة لمعسكر الإمام(عليهالسلام)، ولعلَّ الذي يسند هذا الإحتمال عدَّة أدلَّة منها:
أ- إحجام الطبري عن تحديد شخصية وهوية النفر الأربعة((2)) الذين كانوا مع الطرماح وتصريح البلاذري بأسمائهم، فضلاً عن دفاع الإمام الحسين(عليه السلام) عنهم، ووصفهم (بالأصحاب والانصار)، بقوله: «وكان الأربعة النفر: نافع بن هلال
ص: 260
المرادي، وعمرو بن خالد الصيداوي، وسعد مولاه، ومجمع بن عبد الله العائذي من مذحج((1)). فقال الحرُّ: إنَّ هؤلاء ليسوا ممن أقبل معك فأنا حابسهم أورادُّهم. فقال الحسين: إذاً أمنعهم مما أمنع منه نفسي إنَّما هؤلاء أنصاري وأعواني وقد جعلتَ لي أن لا تعرّض لي حتي يأتيك كتاب ابن زياد. فكفَّ الحرُّ عنهم»((2)).
ب - أورد الخوارزمي((3)) موقف الطرماح لكنَّه لم يُشِر إلي أنَّه كان دليلاً للنفر الأربعة الذين ذكرتهم رواية الطبري آنفة الذكر.
ت - اختلاف رواية الطبري عن الخوارزمي في عدد العناصر التي ضمَّنها الطرماح للإمام الحسين(عليه السلام) من المقاتلين، فبينما أشارت رواية الطبري إليالعشرين ألف، علي حين قلَّلت رواية الخوارزمي من هذا العدد وحدَّدته بخمسة الآف((4)).
ث - توحي رواية الخوارزمي إلي أنَّ الطرماح كان من ضمن المعسكر الحسيني؛ بقرينة نصِّ الرواية: «أقبل الحسين علي أصحابه فقال: هل فيكم أحد يخبر الطريق علي غير الجادة؟ فقال الطرماح بن عدي الطائي: أنا يا ابن رسول الله أخبر الطريق، فقال الحسين: فسر إذن بين إيدينا، فسار الطرماح واتبعه الحسين واصحابه...»((5)).
نستخلص من ذلك كلّه أنَّ حقيقة الطرماح ورفاقه قد تناثرت بين المصادر التي عرضناها آنفاً وأنَّه لم يكن عابر سبيل أو دليلاً - بحسب تنظير رواية الطبري - وإنَّما
ص: 261
كان من جملة أنصار الإمام الحسين(عليه السلام) هو ورفاقه، وكانت لهم مهمة خاصة تتعلَّق بتقديم التموين لمعسكر الإمام الحسين(عليه السلام)، والذي يؤكِّد لنا ذلك اختلاف رواية الطبري مع رواية البلاذري وتضاربها مع ما أشار إليه الخوارزمي، فضلاً عن ذلك الإشكالات التي سُجِّلت ضدَّ رواية الطبري آنفة الذكر.
نقل عنه أبو مخنف رواية واحدة ينتهي إسنادها به دون أن يذكر أيّ واسطة روائية، تتعلَّق بعدد الطعنات والضربات التي ُوجِدت في جسم الإمام الحسين(عليه السلام)، والسلب الذي تعرَّض له الإمام الحسين(عليه السلام) وحرق الخيام، فضلاً عن أمر عمر بن سعد بعدم قتل الإمام علي بن الحسين(عليه السلام)((1)).
24- عوانة بن الحكم((2))
وهو تلميذ أبي مخنف((3)) وروي عنه رواية واحدة مُسنَدة تخصُّ المقتل الحسيني ينتهي إسنادها به، تتناول موقف أهل الكوفة وأشرافها من حكم يزيد بن معاوية، وخلعه ومبايعتها للإمام الحسين(عليه السلام)، الأمر الذي ترتَّب عليه إرسال الإمام(عليه السلام) سفيره مسلم بن عقيل(عليه السلام) إليهم لدراسة الأوضاع العامة في الكوفة وتقييمها((4)).
ص: 262
27- أبو علي الأنصاري((1))
نقل عنه أبو مخنف رواية مسندة إلي بكر بن مصعب المزني((2)) تتعلَّق بانضمام بعض الناس إلي الإمام الحسين(عليه السلام)، فضلاً عن إقدام السلطة علي قتل رسول الحسين وأخيه من الرضاعة عبد الله بن يقطر، الذي أُرسل لتقصِّي خبر مسلم بن عقيل(عليه السلام)((3)).
28- أبو الحكم يزيد بن عياض بن جعدبة الحجازي((4))
نقل عنه أبو مخنف رواية ينتهي إسنادها به، دون أن يذكر لنا أيّ واسطة روائية نقل عنها الحدث، والرواية التي رواها تتضمَّن إعلان بعض سادات أهل الكوفة بيعتهم للإمام الحسين(عليه السلام) في مقابل خلع بيعة يزيد بن معاوية، وإرسال الإمام الحسين(عليه السلام) سفيره مسلم بن عقيل(عليه السلام) إليهم؛ لمعرفة الوضع العام في الكوفة وتقييمه ودراسته((5)).
ص: 264
في ختام حديثنا عن موارد أبي مخنف التي استسقي منها مادته التاريخية عن المقتل، تتضح لنا بعض معالم منهجه التاريخي في سرده لمرويات المقتل، منها:
1- اهتمامه بالسند الروائي (سلسلة الرواية)، حيث يُلاحَظ أنَّ أبا مخنف يذكر الروايات في الكثير من الأحيان بسلسة إسناد كاملة، لكن وردت بعض الحالاتأسند فيها أبو مخنف الروايات إلي شاهد العيان للحدث دون المرور عبر سلسة السند، وإنمَّا النقل بصورة مباشرة عنه - اي شاهد العيان - كقوله «حدثتني دلهم بنت عمرو امرأة زهير بن القين...»((1))، أو قوله: «حدثني لوذان أحد بني عكرمة أنَّ أحد عمومته...»((2))، وقد أشارت بعص المصادر((3)) إلي أنَّ (لوذان) الذي اعتمد عليه أبو مخنف هو لوذان بن عمرو وأنَّه نفسه الذي التقي بالإمام الحسين(عليه السلام) وليس أحد عمومته.
2- تميَّزت سلسلة السند الروائية عند أبي مخنف بكونها مطوَّلة في بعض المرويات، وقصيرة في أحيانٍ أخري، فضلاً عن ذلك احتوت سلسة السند عند أبي مخنف بعض المجاهيل، الذين لا أثر لهم في كتب التراجم والتاريخ العام((4)).
3- التنوع الزمني في المصادر التي أخذ مادته منها، فهنالك رواة سبقوه زمنياً، أو كانوا قريبين منه، أمثال: عامر الشعبي، وأبي المخارق، والمجالد وآخرين.
4- من خلال استقراء الروايات التي أوردها أبو مخنف عن المقتل نلحظ أنّ
ص: 265
مصدره لتلك الروايات كان علي صنفين، الصنف الأول: شهود عيان للحدث ينتمون للسلطة الأموية الحاكمة من أمثال: حميد بن مسلم، وكثير بن عبد الله الهمداني، وأيوب بن مشرح الخيواني، وقرة بن قيس التميمي، وآخرين((1))، أمَّا الصنف الثاني فهم شهود عيان للحدث من معسكر الإمام الحسين(عليه السلام)حيث نجا بعض منهم، من أمثال: الإمام زين العابدين علي بن الحسين(عليه السلام)، وعقبة بن سمعان (مولي الرباب زوجة الإمام الحسين)، أو دلهم بنت عمرو (زوجة زهير بن القين)، وآخرين((2))، ويدلُّ اعتماد أبي مخنف علي هذين الصنفين من الموارد علي حياديته وأمانته العلمية، وتطبيقه لشروط المنهج التاريخي التوثيقي العلمي، القائم علي أساس نقل وتوثيق الحقيقة، بغضِّ النظر عن المنظومة العقائدية والمذهبية والسياسية التي يحملها الراوي.
5- امتاز أبو مخنف في بعض الأحيان بالتوثيق الدقيق للأحداث التاريخية، وعلي سبيل المثال ما يخصُّ موضوع دراستنا عن أخبار المقتل؛ إذ حدَّد خروج سفير الإمام الحسين(عليه السلام) مسلم بن عقيل(عليه السلام) باليوم والشهر والسنة، كقوله: «كان مخرج مسلم بن عقيل بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان ليال مضين من ذي الحجة سنة 60ويقال يوم الأربعاء لسبع مضين سنة 60من يوم عرفة...»((3))، وكذلك تحديده لتحرك الإمام الحسين(عليه السلام) من المدينة إلي مكة المكرمة «وكان مخرج الحسين من المدينة إلي مكة يوم الأحد لليلتين
ص: 266
بقيتا من رجب سنة 60، ودخل مكة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان...»((1)).
6- اتَّبع في بعض مروياته أسلوب الإسناد الجمعي لشيوخه، إذ أورد أكثر من شيخ لرواية واحدة أو خبر معين، ولعلَّ السبب الذي دفع أبا مخنف إلي هذاالأسلوب يرجع إلي إجماع شيوخه واتفاقهم علي حدث معين، ومن أبرز مرويات هذا المنهج هي:
أ - «ما حدثنا به المجالد بن سعيد، والصقعب بن زهير الأزدي، وغيرهما من المحدِّثين فهو ما عليه جماعة المحدِّثين...»((2)).
ب - قال أبو مخنف: «حدثني المجالد بن سعيد الهمداني، والصقعب بن زهير...»((3)).
ت - «قال أبو مخنف: عن الصقعب بن زهير، وسليمان بن أبي راشد.»((4))، وهناك بعض الحالات الروائية التي أوردها أبو مخنف، والتي تنتهي بصيغ مجهولة غير محدَّدة، وهذه من الناحية التاريخية ضمن أطار المنهج التاريخي تُعدُّ خللاً في عمل الإخباري أو المؤرِّخ؛ لكونها تسهم في تضعيف الرواية أو الخبر الي حدٍّ ما، ومن تلك الحالات:
أ - قال أبو مخنف: «عن أبي سعيد عقيصي، عن بعض أصحابه...»((5)).
ص: 267
ب - قال أبو مخنف: «عن بعض أصحابه، عن أبي خالد الكاهلي...»((1)).
ت - هناك حالات يكون شاهد العيان للحدث لدي المحدِّث الذي نقل عنه أبو مخنف غير محدَّد (مجهول) مثل قوله: «حدثني علي بن حنظلة بن أسعدالشامي، عن رجل من قومه شهد مقتل الحسين...»((2)).
وفي تعليقة لأحد الباحثين بشأن السبب في اعتماد بعض الإخباريين منهج الإسناد الجمعي فيقول: «ولعلَّ هذا النهج الذي اتَّبعه الإخباريون والرواة للتخلص من تكرار الأسانيد، أو ربما كان الغرض منه زيادة توثيق الرواية والتأكُّد من مدي صحتها»((3)).
ولعلَّ هذه الملاحظات هي الأبرز في بيان معالم منهج أبي مخنف وتحديداً في موارده، أمّا الروايات وطبيعة عرضها ومناقشة متونها والتفصيل في ذلك فسيترك إلي الفصل القادم من هذه الدراسة.
قبل الدخول في تفاصيل كتابه السند الروائي لتسمية مَن قُتِل، لا بدّ من التعريف بشخصية الفضيل، والبحث عن بعض جزئياتها وتفاصيلها.
ص: 268
الفضيل بن الزبير الأسدي، الكوفي الرَسّان((1))، عُدَّ من أصحاب الإمام محمدالباقر(عليه السلام) والإمام جعفر الصادق(عليه السلام) علي رأي الطوسي، قائلاً: «الفضيل بن الزبير الأسدي، مولاهم، كوفي، الرسان»((2))، علي حين عدَّه ابن النديم من أصحاب الإمام محمد الباقر(عليه السلام)((3)).
أمّا بعض الباحثين المتأخرين فقد رجَّحوا((4)) أنّ الفضيل بن الزبير من جملة أصحاب الإمامين الباقر والصادق(عليه السلام).
ونلحظ أنَّ للفضيل بن الزبير العديد من الروايات التاريخية بعضُها مُسنَد عن الإمام محمد الباقر(عليه السلام)، وأخري عن مشايخه، وقد جمعتها بعض المصنَّفات((5))، وأغلبها تخصُّ عصر الرسالة والأحداث التي وقعت فيها، كما أورد قسماً كبيراً من رواياته عن أخبار الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، والأحداث التي عاصرها.
أمّا مروياته عن المقتل في المصنَّفات التاريخية، فكانت محدودة وبحدود
ص: 269
الروايتين، الأولي: تناولت حديث الإمام الحسين(عليه السلام) مع عبد الله بن الزبيرفي ضرورة مغادرته(عليه السلام) مكة؛ لئلا تراق فيها دماؤه الزاكية الطاهرة((1)) علي حين ركَّزت الرواية الثانية علي مكانة ومنزلة الإمام الحسين(عليه السلام) وبكاء كلِّ شيء عليه، وذلك يوم استشهاده في العاشر من محرم الحرام حتي الوحوش والطير والشمس والنجوم وغيرها((2)).
أمّا مذهب الفضيل فهو علي الأرجح كان يعتنق المذهب الزيدي((3)) ويُعدُّ منْ أبرز المتكلمين عندهم كما صرَّح بذلك ابن النديم، قائلاً: «ومن متكلميالزيدية، فضيل الرسان...»((4)).
أشار أيضاً الأشعري إلي نسبة الرسّان إلي مذهب الزيدية قائلاً: «من فرق الزيدية
ص: 270
يسمَّون (السرحوبية) ويسمَّون (الجارودية)((1)) وهم أصحاب أبي الجارود زياد بن منذر، وإليه نُسِبت الجارودية، وأصحاب أبي خالدالواسطي، وأصحاب فضيل بن الزبير الرسَّان»((2))، وقد قُسِّمت الزيدية إلي ضعفاء وأقوياء، ثم قال: وأمَّا الأقوياء منهم: فهم أصحاب أبي الجارود، وأصحاب أبي خالد الواسطي، وأصحاب فضيل الرسَّان((3)).
لم يقتصر الأمر في إثبات انتماء واعتقاد الرسّان بالزيدية علي آراء هؤلاء مؤلفي الفرق والملل والنحل أعلاه، بل رجَّح بعض الباحثين صحة اعتقاد الرسّان بالزيدية، فقد أشار حسن الأمين إلي هذا المعني مع مناقشة مستفيضة للروايات بهذا الخصوص بقوله: «أقول: مجرد الخروج مع زيد ليس دليلا علي الزيدية كما ذُكِر، لكن
ص: 271
تصريح علماء الفرق والرجال - كالأشعري وابن النديم - وضمّ الروايات الأخري التي تلائم زيدية الرجل، حجة للإستظهار المذكور، فهو زيدي علي الأظهر، وما ذكره الشيخ المامقاني - بعد ما نُقل عن الشيخ الطوسي، ذكر الرجل في بابي أصحاب الباقر والصادق(عليه السلام) - من: أنَّ ظاهره كونه إماميا لا وجه له أصلا؛ وذلك: أولا: لما عرفت من أنَّ الأظهر كونه زيدي المذهب، وثانيا: أنَّ مجرد ذكر الشيخ الطوسي للراوي في كتاب رجاله لا يدلُّ علي كونه إمامياً؛ لأنَّ الشيخ لم يلتزم في الرجال بذكر من كان إمامياً، بل هو بصدد جمع أسماء الرواة عن الأئمة، بمجرّد عثوره علي رواية له عن أحدهم، فكتابه في الحقيقة فهرس لأسماء الرواة، من دون نظر له فيه إلي توثيق أو جرح، ولا إلي تعيين مذهب أو غير ذلك من الإهتماماتالرجالية، وهذا واضح لمن راجع كتاب الرجال، نعم التزم الشيخ الطوسي في الفهرست بأن يذكر فيه المؤلفين من الإمامية عدا من يصرِّح بمذهبه من غيرهم»((1))، كذلك ذهب إلي هذا الرأي الشاهرودي((2)) من كون الرسّان يعتقد مذهب الزيدية.
يُعدُّ كتاب التسمية من الناحية التاريخية كتاباً مُسنَداً، إذ وردت فيه سلسلة الإسناد الروائي كاملة، إذ ذكر مجمل الرواة الذين نقل عنهم الكتاب وبالشكل الآتي: «قال الإمام المرشد بالله((3)): أخبرنا الشريف أبو عبد الله، محمد بن علي بن الحسن
ص: 272
قراءة، قال: حدثني عمي طاهر بن مدرار((1))، قال: حدثني فضيل ابن الزبير، قال: سمعت الإمام أبا الحسين، زيد بن علي(عليه السلام)((2))، ويحيي بن أمِّ الطويل((3)) وعبدأخبرني الحسن بن جعفر بن مدرار((4))، قراءة، قال: حدثني عمي طاهر بن مدرار((5))، قال: حدثني فضيل ابن الزبير، قال: سمعت الإمام أبا الحسين، زيد بن علي(عليه السلام)((6))، ويحيي بن أمِّ الطويل((7)) وعبدالله بن شريك العامري((8)) يذكرون: - تسمية من قُتِل مع الحسين بن علي(عليه السلام)، من ولده وإخوته وأهله، وشيعته - وسمعته - أيضاً - من آخرين سواهم....»((9)).
وبهذا تتضح لنا عدَّة ملاحظات حول السند الروائي لكتاب التسمية منها:
1- إنَّ سلسلة السند الروائي لهذا الكتاب اتسمت بقلَّة العدد؛ إذ إنَّ عدد
ص: 275
الوسائط الروائية الناقلة عن الفضيل ستُّ وسائط فقط، بينما نقل الفضيل روايات الكتاب عبر واسطة روائية واحدة مع تعدُّد روافدها؛ فتارة من زيد بن علي، وأخري من يحيي بن أمِّ الطويل، وثالثة مجهولة لم يسمِّها لنا مكتفيا بقوله من (آخرين سواهم).
2- أغلب الوسائط الروائية التي وردت في طريق الفضيل من الناحية العقائدية كانت من الشيعة الزيدية، بحسب التراجم التي أثبتناها لهم، مما يزيد من احتماليةانتساب الفضيل إلي المذهب الزيدي.
4- وتجدر الإشارة إلي أنَّ ثقافة الرسّان واتجاهه المذهبي قد أثَّرت تأثيراً بالغاً في طبيعة تلكم الموارد، وبإمكان القارئ أن يلاحظ بسهولة أنه استقي معلوماته في هذا المجال - من أئمة المذهب الزيدي.
هو أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران، الأسفراييني الأصولي الشافعي، الملقَّب ب-:ركن الدين، أحد المجتهدين في عصره، وصاحب المصنَّفات الباهرة، بلغ حدَّ الإجتهاد؛ لتبحره في العلوم واستجماعه شرائط الإمامة من العربية والفقه والكلام والأصول ومعرفة الكتاب والسنة، رحل إلي العراق في طلب العلم وحصل ما لم يحصله غيره، وأخذ في التدريس والتصنيف والإفادة، وكان ذا فنون بالغاً في كلِّ فنٍّ درجة الإمامة، وكان طراز ناحية الشرق، فضلاً عن نيسابور وناحيته التي كان منها، ثم كان من المجتهدين في العبادة المبالغين في الورع والتحرج، أخذ الكلام والأصول من عامة شيوخ نيسابور، وبني له أهل نيسابور مدرسة
ص: 276
كبيرة، فدرّس بها إلي أن توفي - سنة ثماني عشرة وأربعمائة، ونُقل إلي أسفرايين((1))،ودُفن بها((2))، وصفه السبكي قائلاً: «أحد أئمة الدين كلاماً وأصولاً وفروعاً، جمع أشتات العلوم واتفقت الأئمة علي تبجيله وتعظيمه وجمعه شرائط الإمامة...»((3)).
وللأسفراييني رحلة علمية واسعة الأرجاء؛ إذ ارتحل إلي العديد من المناطق والبلدان بغية استحصال العلوم والمعارف العلمية، ومنها نيسابور وخراسان وبغداد وأسفرايين((4)).
أمّامصنَّفاته فقد وصفها المؤرِّخون ب-: المفيدة، وأخري ب- الباهرة، وكانت في مختلف المجالات والتخصُّصات: كتاب، جامع الحَلْي في أصول الدين والردّ علي الملحدين (يقع في خمسة مجلدات)، وتعليقة في أصول الفقه، وشرح فروع ابن الحدّاد، ومسائل الدور((5)).
ص: 277
لم نلحظ اعتماد مؤلِّف نور العين علي أيٍّ من المصادر، أو الروايات الشفوية، أو علي رواة ذكرهم أو اعتمد عليهم، وإنَّما اكتفي بقوله: «قال الراوي»((1)) في جميع الروايات التي أوردها في المقتل، ولم يحدِّد لنا من هو هذا الراوي المجهول، الأمر الذي يجعل رواياته لا سند تاريخي لها، فضلاً عن ضعفها، وعدم مطابقتها لمجمل المصادر التي ذكرت روايات المقتل، ويتضح لنا ذلك بعد مقارنتها مع تلك المصادر ومناقشتها منطقياً وتاريخياً.
ص: 278
هو أبو المؤيد وأبو محمد موفق بن أحمد((1)) بن أبي سعيد إسحاق، ابن المؤيد المكي الحنفي، المعروف ب-:أخطب خوارزم (ولد سنة 484ﻫ/1086م) كان فقيهاً غزير العلم، حافظ، محدِّثاً، خطيباً، متمكناً في العربية، خبيراً في السيرة والتاريخ، أديباً شاعراٌ، له خطب و شعر مدوَّن((2)).اعتمد علي الخوارزمي كبار العلماء ونقلُوا عنه، كما وصفوه بأوصافٍ حميدة وألقاب جميلة، منها الشيخ والإمام، وصاحب جامع مسانيد أبي حنيفة، فقد روي عنه في الكتاب المذكور في مواضع عديدة، مع وصفه ب-«العلَّامة، أخطب خطباء
ص: 279
خوارزم، صدر الأئمّة »ونحو ذلك((1)).
يُعدُّ الخوارزمي من أبرز العلماء الكبار في القرنين الخامس والسادس الهجريين، وقد تخرّج علي يد الزمخشري حتي قيل له: خليفة الزمخشري، رحل في طلب العلم إلي العديد من البلدان كالحجاز والعراق، ولقيَ العلماء الكبار وأخذ عنهم وأجاز لهم، وبالجملة فإنَّه من فقهاء الحنفيّة، ومن علماء الدين، ومن رجال الأدب((2)).
- مذهب المؤلِّف: يظهر الغموض في مذهب الخوارزمي، فالذهبي((3)) يدَّعي أنَّه علي المذهب الحنفي، وفي قوله دليل، فالمذهب كان منتشراً في عصر الخوارزمي - وتحديداً في بلاد خراسان، والتي من ضمنها منطقة خوارزم، وأنَّه كان علي المذهب الحنفي في الفروع، ومن الأدلة الواضحة علي ذلك كتابه تأليف (مناقب أبي حنيفة) الذي تضمَّن فضائل أبي حنيفة النعمان، وقد أورد في الكتاب مدحاً كبيراً له في قصيدة طويلة، وفي الأصول العقائديّة هو أشعريّ((4)).
ويذهب أحد الباحثين((5)) إلي هذا الرأي من كون الخوارزمي حنفي المذهب مستدلاً بقرائن عدَّة تدلُّ علي ذلك بقوله: «فقد ترجم له في (الجواهر المضيّةفي طبقات الحنفية) و (الطبقات السنية في تراجم الحنفية) و (الفوائد البهيّة في تراجم الحنفيّة)، وقد ألّف الخوارزمي كتاباً في مناقب أبي حنيفة، طبع في حيدرآباد سنة 1321ﻫ، وفي (جامع مسانيد أبي حنيفة) تأليف محمد بن محمود الخوارزمي فيه نقل كثير عن الموفق بن أحمد، واحتجاج بأقواله وأشعاره في مدح أبي حنيفة وغير ذلك...»
ص: 280
ولكن تظهر علي الخوارزمي أحياناً ميول شيعية من خلال مؤلَّفات أخري صنَّفها بحقِّ أهل البيت منها فضلاً عن كتابهِ الذي يُعدُّ محور الدراسة (مقتل الحسين(عليه السلام))، فقد صنّف في فضائل أميرالمؤمنين(عليه السلام) كتاباً تحت عنوان: المناقب وكتاب ردّ الشمس لأميرالمؤمنين(عليه السلام) وكتاب قضايا أميرالمؤمنين(عليه السلام) والأربعين في مناقب النبيّ الأمين ووصيّة أميرالمؤمنين(عليه السلام).
وقد يكون هذا التناقض في مذهبه راجعاً إلي أنَّه علي المذهب الحنفي عقائدياً لكنَّه محبٌّ لآل البيت(عليهم السلام) عاطفياً.
للخوارزمي موارد كثيرة استعملها في انتقاء مادَّته التاريخية عن المقتل، وإنْ كانت أغلبها من طريق شيوخه وبطرق مختلفة ومتعدِّدة، وهي:
إنَّ استعمال الخوارزمي للمصادر التاريخية السابقة (المكتوبة) كان قليلاً مقارنةً مع حجم الكتاب والمادة التاريخية الموجودة فيه، ومن المصادر التي اعتمدها الخوارزمي، هي:
أ- أبو مخنف، علي الرغم من أنَّ أبا مخنف هو أول من روي بشكل تفصيليأحداث المقتل من الناحية الزمنية، إلا انَّنا نلحظ أنَّ العديد من المؤرِّخين الذين صنَّفوا كتاباً متخصصاً في المقتل لم يعتمدوا بشكل أساس علي مقتل أبي مخنف المُضَمَّن في تاريخ الطبري، أو وجوده قبل ضياعه، ولعلَّ ذلك يرجع إلي أسباب عدَّة سنأتي علي تفصيلها في موضعها، والخوارزمي واحد من أولئك الذين كان اعتمادهم عليه محدوداً للغاية وبحدود الستِّ روايات هي:
- الأولي: تتحدَّث عن التحاق الحرِّ بن يزيد الرياحي بمعسكر الإمام
ص: 281
الحسين(عليه السلام)((1)).
- الثانية: تتعلَّق بدخول السبايا في دار يزيد بن معاوية والأحداث التي رافقتها((2)).
- الثالثة: تتركَّز حول أخذ خولي بن يزيد الأصبحي رأس الإمام الحسين(عليه السلام) إلي داره((3)).
- الرابعة: استعرضت حبس المختار بن أبي عبيدة الثقفي من قبل والي الكوفة عبيد الله بن زياد، ومن ثم تدخُّل بعض الوسطاء لإطلاق سراحه والإفراج عنه((4)).
- الخامسة: تناولت حديث الشعبي عن دور المختار بن أبي عبيد وأنصاره في الإقتصاص من قتلة الإمام الحسين(عليه السلام)((5)).
- السادسة: أشارت إلي تتبع المختار للإقتصاص من قتلة الإمام الحسين(عليه السلام)((6)).ب - كما يُلاحَظ اعتماده بشكل محدود علي كُلٍّ من ابن إسحاق، وأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458ﻫ/1060م) وبحدود ثلاثة نصوص((7)).
ت - ابن أعثم: اعتمد الخوارزمي علي نسبة كبيرة من المادة التاريخية الخاصة بالمقتل علي ابن أعثم الكوفي، ونقل العديد من النصوص المطوَّلة والكاملة عنه هي:
1- النصُّ الروائي الأول: نقل الخوارزمي نصَّاً مطوَّلاً عن الأخبار المستقبلية التي أخبر عنها رسول الله(صلي الله عليه و آله) بخصوص قتل ولده الحسين(عليه السلام) والأرض التي
ص: 282
سيُقتَل عليها((1)).
2- النصُّ الروائي الثاني: نقل فيه الخوارزمي نصَّاً مهمَّاً مبتدءاً الكلام فيه بقوله: «وذكر الإمام أحمد بن أعثم الكوفي...» والنصُّ يتحدَّث عن وصية معاوية بن أبي سفيان والسياسة التي رسمها لولده يزيد لتطبيقها في إدارة سدة الحكم، ثم تطرَّق إلي وفاته والأحداث التي أفرزتها((2)).
3- النصُّ الروائي الثالث: وفي هذا النصِّ الكتاب الذي أرسله يزيد بن معاوية إلي والي المدينة الوليد ابن عتبة، والذي يطلب فيه أخذ البيعة من الإمام الحسين(عليه السلام) وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبدالله بن عمر، ثم استعرض كيفية دخول الإمام الحسين(عليه السلام) علي الوليد والأحداث الأخري التي جرت، وموقف الوالي ويزيد ابن معاوية من الإمام الحسين(عليه السلام)، وبعدها عرَّج علي توجُّه الإمام الحسين(عليه السلام) نحو مكة والحوار الذي دار بين الإماموأخيه محمد بن الحنفية(عليه السلام)((3)).
4- النصُّ الروائي الرابع: يتعلَّق في بيان أحوال الإمام الحسين(عليه السلام) في مكة المكرمة وما ورده من كتب أهل الكوفة، وإرسال سفيره مسلم بن عقيل(عليه السلام) للكوفة؛ لتقييم ودراسة أوضاعها حتي استشهاده فيها((4)).
5- النصُّ الروائي الخامس: يتعلَّق بتتبع مسيرة الإمام الحسين(عليه السلام) والمناطق التي مرَّ بها، والشخصيات التي التقي بها أثناء تلك المسيرة((5)).
ص: 283
انتقي الخوارزمي جزءاً كبيراً من أخبار المقتل اعتماداً علي بعض مشايخه وعلمائه، وهم:
1- أبو القاسم الزمخشري((1))
يُعدُّ من أبرز المشايخ والعلماء الذين نقل عنهم الخوارزمي العديد من الرواياتوالأخبار المُسنَدة، منها:منزلة ومكانة الإمام الحسين(عليه السلام) عند رسول الله، فضلاً عن روايات تأريخية عدَّة عن رأس الإمام الحسين(عليه السلام)((2)).
2- أبو منصور الديلمي((3))
نقل الخوارزمي عن الديلمي بعض الروايات التي تخصُّ المقتل منها، انتقادات
ص: 284
كلٍّ من رسول الله(صلي الله عليه و آله)، وعبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة، والسيدة عائشة بنت أبي بكر للحكم الأموي، فضلاً عن حديث أمِّ سلمة عن نوح الجن وبكائه لاستشهاد الإمام الحسين(عليه السلام)((1)).
ولابدَّ من الإشارة إلي أنَّ الخوارزمي نقل هذه الروايات عن الديلمي بطريقة الكتابة بقرينة قوله «وأخبرني أبو منصور الديلمي... فيما كتب إليَّ من همدان...»((2)).
3- أبو الحسن علي بن أحمد الكرباسي الخوارزمي((3))
نقل عنه روايتين، الأولي: تتعلَّق برجل كلَّفه يزيد بن معاوية بحمل رأس الحسين(عليه السلام)، وذكر الأحداث الإعجازية التي رآها، والثانية تدور حول مصير وعاقبة أحد الرجال الذين منعوا الإمام الحسين(عليه السلام) من شرب الماء((4)).
4- أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي((5))
هو أحد شيوخ الخوارزمي الذي نقل عنه عدَّة روايات بأسانيد مختلفة هي:
أ - الأولي: تتناول إخبار رسول الله(صلي الله عليه و آله) عن الأحداث المستقبلية للإمام الحسين(عليه السلام) ومنها مقتله((6)).
ب - الثانية: تتحدَّث عن إخبار الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) عن المكان الذي سيُقتَل فيه ولده الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه((7)).
ص: 285
ت - الثالثة: مُسندَة إلي عمرو بن دينار((1)) وهي تتحدَّث عن قوة وشجاعةمسلم بن عقيل(عليه السلام)((2)).
ث - الرابعة: مُسندَة إلي بشر بن غالب (من أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام))((3)) تتعلَّق بنصيحة عبد الله بن عباس للإمام الحسين(عليه السلام)((4)).
ت - الخامسة: تتحدَّث عن تحذير عبد الله بن الزبير للإمام الحسين(عليه السلام)((5)).
ث - السادسة: مُسندَة إلي الشعبي: ذكرت نصيحة عبد الله بن عمر للإمام الحسين(عليه السلام)((6)).
ج - السابعة: مُسندَة إلي الفرزدق (شاهد عيان للحدث) تتعلَّق بالتقاء الأخير مع الإمام الحسين(عليه السلام) والحوار الذي دار بينهما((7)).
ح - الثامنة: مُسندَة إلي مجاهد «لم تحدِّد لنا الرواية من هو مجاهد وما اسمه أو كنيته»((8)) وهي تتحدَّث عن دخول رأس الإمام الحسين(عليه السلام) ورؤوس أهل بيته علي
ص: 286
يزيد بن معاوية((1)).
خ - التاسعة: تتناول العقاب الدنيوي لقتلة الإمام الحسين(عليه السلام)((2)).
د - هناك خمس عشرة رواية نقلها الخوارزمي عنه، تتحدَّث عن الأمور الغيبية الإعجازية التي حدثت عقب استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) التي منها مطر السماء دماً، كما أنَّ الأعداء حينما أقدموا علي مهاجمة معسكر الإمام الحسين(عليه السلام) سرقوا إبلاً فنحروها وطبخوها، فكانت مثل العلقم((3)) فما استطاعوا أن يسيغوا منها شيئاً((4)).
5- أبو العلاء الحسين بن أحمد الهمداني((5))
يُعدُّ من أبرز مشايخ الخوارزمي، نقل عنه روايات عديدة تخصُّ المقتل وهي:أ - أورد سبع روايات تتحدَّث عن إخبارات الرسول محمد(صلي الله عليه و آله) المستقبلية عن
ص: 287
الأمَّة التي ستقتل ولده الإمام الحسين(عليه السلام)، وعن كيفية انتقام الله من قاتليه، ونوح وبكاء الجنِّ عليه((1)).
ب - الرواية الخامسة: تسرد لنا خطبة الإمام الحسين(عليه السلام) في أصحابه قبيل بدء المعركة((2)).
ت - الرواية السادسة: رواية مسندَة إلي أنس بن مالك((3))(شاهد عيان للحدث) تتعلَّق بإقدام الوالي عبيد الله بن زياد علي ضرب رأس الإمام الحسين(عليه السلام) بالقضيب((4)).
ث - الرواية السابعة وقد أسندها الخوارزمي عنه بوساطة مشايخه دون أن يحدِّدهم، أو يشير إليهم وتتعلَّق بمصير رأس الإمام الحسين(عليه السلام)، وأنَّه كُفِّن ودُفِن في البقيع((5)).
وهنا لا بدّ من الإشارة إلي أنّ الخوارزمي لم يكن مقتنعاً بهذه الرواية؛ لذا أورد عدَّة روايات مختلفة في بيان موضع دفن الرأس الشريف، ومنها إرجاعه إلي كربلاءودفنه مع الجسد الطاهر((6)).
ج - الرواية الثامنة وينتهي إسنادها إلي حاجب عبيد الله بن زياد والذي لم تُسمِّه
ص: 288
أو تحدِّده لنا الرواية والتي تتحدَّث عن أمر إعجازي يتعلَّق بالتهام النار لوجه عبيد الله بن زياد عند دخوله القصر((1)).
ويبدو لنا ضعف سند هذه الرواية فهي لم تُسمِّ لنا من هو حاجب الوالي عبيد الله؟ ثم هل أثَّرت النار في وجه عبيد الله؟ الذي نستشفُّه من خلال الرواية أنَّ النار لم تؤثِّر في وجهه، بدليل استمرار حديثه مع حاجبه، إذ ما الحكمة والمغزي من تلك الرواية أو ما الفائدة المرجوَّة منها؟
ح - الرواية التاسعة وينتهي سندها إلي (عمار)، ولا نعرف من هو عمار؟ إذ لم تشر الرواية إلي اسمه الكامل أو حتي كنيته، ليتسنَّي لنا معرفته وتشخيصه، وهي تتحدَّث عن رؤية شاهد فيها عبد الله بن عباس الرسول محمداً(صلي الله عليه و آله) وبيده قارورة فيها دم الإمام الحسين(عليه السلام)((2)).
خ - نقل أبو العلاء رواية عن طريق سلسلة من المشايخ تنتهي بشاهد عيان للحدث هو عبد الملك بن عمير((3)) وتتعلَّق بتقديم رأس الإمام الحسين(عليهالسلام) للوالي عبيد الله بن زياد في الكوفة((4)).
ص: 289
6- أبو القاسم منصور بن نوح الشهرستاني((1))
يُعدُّ من أبرز شيوخ الخوارزمي، أخذ منه الحديث في رجوعه من حجه سنة أربع وأربعين وخمسمائة بشهرستان((2))، نقل عنه روايتين بخصوص موضوعنا، تناولتا صيام يوم عاشوراء، ومناقشتهما من قبل الخوارزمي((3)).
7- محمد بن منصور بن علي المقرئ المعروف ب-:الديواني((4))
لقيه بالري، وسمع منه بداره في محلَّة نصرآباد: نقل فيما يخصُّ موضوعنا رواية واحدة فقط تتعلَّق بصيام يوم عاشوراء((5)).
8- أبو جعفر محمد بن عمر الجمحي((6))
نقل عنه رواية واحدة ينتهي سندها إلي علي بن الحسين(عليه السلام) (شاهد عيان للحدث)، تضمَّنت خُطبة الإمام الحسين(عليه السلام) بأصحابه وبدايتها: «أيها الناس خُطَّ الموت علي بني آدم كما خُطَّ القلادة علي جيد الفتاة. وما أولعني بالشوق إلي أسلافي اشتياق يعقوب إلي يوسف...»((7)).
ص: 290
9- مجد الأئمة السرختكي((1))
نقل عنه روايتين متضاربتين بسند منقطع، لم ينتهيا إلي شاهد عيان للحدث، تناولتا وهب بن عبد الله النصراني ومقتله، إذ ذكرت الأولي أنّ عمر بن سعد هو من قتل وهب النصراني((2))، علي حين أشارت الرواية الثانية إلي أنّ القاتل هو الوالي عبيد الله بن زياد((3)) بينما لم يحدِّد ابن أعثم القاتل؛ مكتفياً بإشارته إلي مقتله في أثناء المعركة((4)).
الخوارزمي رواية واحدة مطوَّلة بالمكاتبة ينتهي أسنادها بشيخ من بني تميم من أهل الكوفة، ولعله كان شاهداً للحدث، تناولت إقدام يزيد بن معاوية علي ضرب ثنايا الإمام الحسين(عليه السلام) حينما أُحضِر الرأس الشريف له في مجلسه، ثم خطبة السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب(عليهما السلام) في ذلك المجلس بقولها: «أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، وأصبحنا نُساق كما تُساق الأساري أنَّ بنا علي الله هواناً وبك عليه كرامة، وأنَّ ذلك لعظم خطرك عنده فشمختَ بأنفك...»((1)) وتضمنت الخطبة رداً ساطعاً علي تصرفات السلطة الحاكمة عموماً، ويزيد بن معاوية خصوصاً، الرامية إلي محو معالم الدين وذكر أهل البيت((2)).
14- أبو الحسن علي بن أحمد الكرباسي((1))
نقل عنه روايتين مُسنَدتين، الأولي: مُسنَدة إلي ابن لهيعة الذي نقلها بدوره عن أحد قتلة الإمام الحسين(عليه السلام) وهو يروي أحداثاً إعجازية وقعت لهم أثناء حملهم لرأس الإمام الحسين(عليه السلام) إلي الشام((2))، أمّا الرواية الثانية: فينقلها الحسن البصري عن أحد العناصر الذين شاركوا في قتل الإمام الحسين(عليه السلام)ومنعه من شرب الماء، والعاقبة السيئة التي أُصيب بها في حياته((3)).
نستنتج من خلال عرضنا لمجمل المشايخ الذين اعتمد عليهم الخوارزمي في نقله للروايات والطرق التي اتَّبعها في ذلك، مدي اهتمامه بعلم الحديث وإتقانه له.
لابدَّ من التطرُّق إلي بعض المعالم المنهجية التي استعملها الخوارزمي، في إيراده لموارده في نقل المقتل والتي من أبرزها:
1- أولي مسألة السند الروائي أهمية كبيرة، وحرص علي عرض سلسلة السند كاملة عن مشايخه في ذكره للأخبار والروايات((4)).
2- استعماله عدَّة ألفاظ للسماع من شيوخه في نقل الرواية، مثل:- أخبرنا((5))،
ص: 293
حدثني((1))، أخبرني((2)) حدثنا((3))، هذه من الألفاظ التي استعملها الخوارزمي في نقل الروايات والأخبار الخاصة بالمقتل من شيوخه.
وهنا لا بدّ من التنبيه إلي موضوع مهمٍّ، ألا وهو: لماذا تعدَّدت الإستعمالاتاللفظية من قبل الخوارزمي؟ وهل ثَمَّة اختلاف في صيغ الألفاظ أعلاه؟ ولعلَّ الإجابة علي هذا التساؤل تكمن في عدَّة نقاط منها:
أ - يُلاحَظ أنّ هناك اختلافاً بين لفظ (أخبرني) أو (حدَّثني) ولفظ (أخبرنا أو حدَّثنا)، من كون لفظ أخبرني أو حدَّثني يدلُّ علي المفرد، وأنّ هذا الإخبار كان منحصراً للخوارزمي فقط دون غيره، وأمَّا لفظ أخبرنا أو حدَّثنا فيدلُّ علي الجمع، وأنّ هناك حلقة دراسية أو مجموعة من الطلاب وأنَّ الخوارزمي كان أحد هؤلاء، ويعلِّل أحد المختصين في مجال دراسة علم الحديث((4)) بأنّ استعمال لفظ حدَّثنا بدل حدَّثني يدلُّ علي حصول الشكِّ.
ب - فصّل المختصُّون في علم الحديث هذا المجال بالقول: «إنَّ المتحمل بالسماع أو الاستماع من الشيخ إذا أراد أن يروي الحديث المسموع لغيره يقول: سمعت فلاناً، أو حدَّث فلان، أو حدَّثني أو حدَّثنا، أو أخبرنا أو أنبأنا أو روي، أو ذكر لنا أو سمعته يروي أو يحدِّث أو يخبر أو نحو ذلك، وقد وقع الخلاف في تعيين أعلي العبارات في تأدية المسموع علي قولين: أحدهما: ما عن الأكثر من أنَّ أعلاها هو قول: سمعت فلاناً
ص: 294
يقول، أو يحدِّث، أو يروي، أو يخبر لدلالته نصَّاً علي السماع الذي هو أعلي الطرق، ثم بعدها في المرتبة أن يقول: حدَّثني أو حدَّثنا لدلالته أيضاً علي قراءة الشيخ عليه، وإنَّما جعلوا هذا دون سمعت في المرتبة لاحتمال حدث الإجازة من كون إجازة بعضهم هذه العبارة في الإجازةوالمكاتبة بخلاف سمعت، فإنَّه لا يكاد أحد يقول: سمعت في أحاديث الإجازة والمكاتبة، ولا في تدليس ما لم يسمعه»((1)).
3- يُلاحَظ من خلال استقراء لمجمل الروايات التي نقلها الخوارزمي عن شيوخه الإختلاف في الطريقة التي تمَّ عن طريقها نقل الرواية من الشيخ، ويُستدلُّ علي ذلك من خلال الألفاظ التي استعملها الخوارزمي، والتي عن طريقها نقل الروايات والأخبار هي: الإجازة((2))، المكاتبة((3))،
ص: 295
الإذن((1))، الإملاء((2))، ويبدو لنا أنّ هذه الألفاظ تدلُّ علي العلمية العالية والثقةالكبيرة التي يتمتع بها الخوارزمي عند مشايخه وأساتذته في نقله للروايات، وهذا يترتب عليه من الناحية المنهجية الإطمئنان في النقل والتوثيق إلي حدٍّ ما.
4- لم يكرِّر الخوارزمي سلسلة الأسناد التي روي من خلالها الروايات عن مشايخه، وإنمَّا استعمل ألفاظاً وعباراتٍ تدلُّ علي ذلك، منها ما ذكره عن شيخه
ص: 296
الزمخشري، وحينما ذُكِر له روايات أخري لم يكرِّر سندها، وإنَّما استعمل صيغاً تدلُّ علي ذلك من قبيل: «وبهذا الأسناد عن الزمخشري»((1))، أو «وبهذا الأسناد الذي مرَّ عن أحمد بن الحسين»((2))، أو قوله «بإسناده الذي مرَّ آنفا»((3)) أو عبارته «وبهذا الاسناد»((4)) إشارة إلي تكرار الروايات عن شيخه، وعدم تكراره للسند.
5- في كثير من الروايات التزم الدقَّة في ذكر أسماء مشايخه وتحديده لمكان وتاريخ نقل الرواية عنهم باليوم والشهر والسنة، لكنَّه في بعض الحالات يقتصر علي ذكر المكان دون التفاصيل الأخري:
أ - «أخبرنا أبو القاسم منصور بن نوح... بها وقت رجوعي من السفرة الحجازية غُرَّة شهر جمادي الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة...»((5)).ب - «أخبرنا محمد بن منصور... بمحلَّة نصر آباد بمدينة الري»((6)).
ت - «أخبرنا الثقة أبو بكر محمد بن عبد الله بمدينة السلام، منصرفي عن السفرة الحجازية»((7)).
ث - «وأخبرني أبو منصور الديلمي فيما كتب إليَّ من همدان»((8)).
ص: 297
ج - «أخبرنا مسعود بن أحمد فيما كتب إليَّ من دِهِستان»((1))((2)).
6- قام بتحديد مواضع ابتداء الرواية وانتهائها: نلحظ أنّ الخوارزمي قد طبَّق العديد من القواعد المنهجية في مقتله، ومنها تحديده مواطن ابتداء وانتهاء الرواية، مستعملاً ألفاظاً وعبارات تدلُّ عليها، ففي معرض سرده لروايات ابن أعثم والتي أحياناً يقطِّعها ويتخلَّلها أسانيد عدَّة لمرويات مشايخه، ثم يعود مرة أخري ليكمل حديثه عن مرويات ابن أعثم((3)) مشيراً إلي ذلك بعبارات منها: «قوله: رجعنا الي حديث ابن أعثم الكوفي»((4))، أو «عدنا إلي الحديث»((5))، وهكذا انتهج الخوارزمي منهجاً علمياً في مقتله وطبَّق العديد من خطوات المنهج التاريخي التوثيقي علي موارده.
أمّا بخصوص مادته التاريخية حول المقتل وطبيعتها وصحتها فسوف نتركها إلي الفصل القادم من دراستنا هذه.
هو محمد بن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن أبي بكر
ص: 298
القضاعي المعروف ب-:ابن الأبار((1)).
أما عن كنيته فيُكَنَّي «أبا عبد الله»((2))، ومن خلال نسبه الواضح يتضح لنا انتسابه إلي قبيلة قضاعة((3)) العربية التي سكنت في الأندلس، أمّا تسميته بابن الأبار فهو لقبه((4)).وُلِد ابن الأبار بمدينة بلنسية شرقي الأندلس سنة (595ﻫ/1196م)((5)) تلك المدينة التي أنجبت كثيراً من الشخصيات العلمية والسياسية، وقد انحدر ابن الأبار من أسرة ذات مستوي علمي كبير، فضلاً عن مكانتها الإجتماعية المرموقة التي حظيت بها في المجتمع الأندلسي آنذاك((6)).
ص: 299
أمّا نشأته فقد نشأ بمدينة بلنسية المشهورة بجمال طبيعتها، واعتدال مناخها، وبين أهلها الذين عُرفوا بحسن الطباع، وكرم النفوس، وأناقة الأزياء، وفي عائلة معروفة بالعلم والدين، فنشأ نشأةً صالحة محاطاً برعاية عائلته التي وفَّرت له ظروفاً ساعدته علي النبوغ والتفوق العلمي؛ إذ والده كان من علماء بلنسية وكانت له علاقات وصلات علمية بعدد من علماء الأندلس عموماً وشرقها خصوصاً، فنهل من معارف والده، زيادة علي ذلك مجالسته للعلماء واعتمادهُ علي ذكائه ونباهته في تحصيل العلوم والمعارف المتاحة في عصره آنذاك، وفي مختلف المجالات والاختصاصات((1)).
تفاعلت العديد من العوامل في بناء وتطوير وصقل شخصية ابن الأبار، منها العوامل البيئية والنفسية والمكانية المتمثلة بالأندلس وما تمتلكه من رصيد ثقافي وعلمي معرفي، كلاُ ذلك جعل منه موسوعة ثقافية نالت إعجاب العديد منالمؤرخين والأدباء والذين أبدعوا في توصيفهم واطرائهم عليه منهم شهادة معاصره ابن المرابط المرادي (ت663ﻫ/1265م) إذ وصفه: «ب-:الفقيه الأديب الأجلّ»((2))، أمَّا ابن سعيد المغربي (ت685ﻫ/1287م) فقد مدحه قائلاً: «كان فاضلاً في النظم والنثر والتاريخ وملح الآداب»((3))، وقد تعدَّدت مواهبه العلمية فهو: «كاتب مشهور وشاعر مذكور»((4)).
ص: 300
ولعلَّ قول ابن عبد الملك المراكشي (ت703ﻫ/1305م) الأكثر دقَّة وتفصيلاً؛ لكونه يكشف فيه الكثير من الجوانب العلمية والنقدية والأدبية الخاصة بابن الأبار؛ إذ قال عنه: «كان آخر رجال الأندلس براعة واتقاناً وتوسُّعاً في المعارف، محدِّثاً مكثراً ضابطاً عدلاً ثقة، ناقداً يقظاً ذاكراً للتواريخ علي تباين أغراضها، مستبحراً في علوم اللسان نحواً ولغة وأدباً، كاتباً بليغا، شاعراً مفلقاً مجيداً، عُنِي بالتأليف وأُعين عليه بوفور مادته وحسن التهدي لسلوك جادته، فصنَّف في ما كان ينتحله مصنفات برز في إجادتها وأعجز عن الوفاء بشكر إفادتها»((1)).
هذه أهمُّ آراء وأقوال المؤرخين في ابن الأبار والتي تمثِّل وجهة نظر مؤرخي بيئته التي عاش فيها - البيئة الإندلسية - أمّا أبرز آراء المؤرخين المشرقيين فيمكن الإقتصار فيها علي رأي الصَّفدي؛ إذ يقول عنه في معرض ترجمته له: «الحافظ العلامة الكاتب الأديب... عُني بالحديث وجال في الأندلس، وكتب العالي والنازل وكان بصيراً بالرجال، عارفاً بالتاريخ، إماماً في العربية،فقيها مقرءاً إخبارياً فصيحاً، له يد في البلاغة والإنشاء في النظم والنثر كامل الرياسة ذا جلالة وأبهة وتجمل وافر»((2)).
ومما سبق ذكره يتضح أن ابن الأبار تمتع بعلمية وُصفت ب-:الموسوعية، وفي مختلف المجالات العلمية من قبيل الأدب، والحديث، واللغة، والشعر، وضروبه، فضلاً عن ذلك له العديد من التلاميذ والآثار العلمية والمصنَّفات ذات الإختصاصات المتعددة التي منها: (التكملة لكتاب الصلة)((3)) (الحلة
ص: 301
السيراء في أشعار الأمراء)((1)) (الوشي القسي في اختصار الفتح القسي)((2)) (وكتاب التاريخ)((3)) (وأعتاب الكتاب)((4)) (وإفادة الوفادة)((5)) (والإيماء إليالمنجبين من العلماء)((6)) وغيرها من المصنَّفات الأخري((7)).
بعد الإطلاع علي كتاب (درر السمط في خبر السبط) والذي كُتِب بطريقة أدبية نثرية، لم نلحظ استعمال المؤلف أياً من المصادر التاريخية، بل وحتي غير التاريخية، سواء الأدبية أو اللغوية، فضلاً عن كتب الحديث والتراجم، إنما استشهد بعدد كبير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأبيات الشعرية والحكم والأمثال دون أن يوثّقها((8))، إن اتِّباعه لهذا النوع من المنهج في إيراده للروايات وسرده للأحداث التاريخية، يترتَّب عليه عدَّة ملاحظات مفيدة منها:
ص: 302
1- اتسمت مادته عن المقتل بموافقتها للرواية التقليدية التي روتها معظم المصادر.
2- لم يتبع المؤلف أهمَّ الأسس المنهجية ألا وهي التوثيق للأخبار والأحداث، ومن ثَمَّ يكون فاقداً لأهمِّ شرط من شروط الكتابة التاريخية وهو التوثيق.
3- لم نجد أيّ مناقشة أو نقد للمؤلِّف، وإنَّما اقتصر عمله علي السرد التاريخي ذي الطابع الأدبي (النثري)، ولعلَّ السبب في ذلك يرجع إلي عوامل عدَّة منها طبيعة الكتاب وأسلوب كتابته وخلوُِّه من المصادر والإشارات التوثيقية.
4- أهمل المؤلِّف العديد من التفاصيل المهمة التي تتعلَّق بالمقتل ومقدِّماته منقبيل تحركات الإمام الحسين(عليه السلام) من مكة إلي المدينة ومن ثَمَّ إلي العراق، كما أغفل الكتب والرسائل التي دارت بين السلطة الأموية بالشام وولاتها، ولم يتطرق إلي الخطب المهمة التي ألقاها الإمام الحسين(عليه السلام) في كلّ مراحل تحركاته، وكذلك خطب الإمام السجاد(عليه السلام)، والسيدة زينب(عليها السلام)، وعقائل الوحي(عليه السلام).
ونختم حديثنا بشأن هذا الموضوع بالإشارة إلي أنّ المؤلف لم يذكر الوحشية التي استعملتها السلطة الأموية ضدَّ الإمام الحسين(عليه السلام) في العاشر من المحرَّم، ولم يتطرَّق إلي المقتل ومجرياته؛ ويعلِّل ذلك كونه أندلسياً بعيداً عن أجواء وظروف العراق عامة، وكربلاء خاصة، ومعركة الطف وما رافقتها من وحشية بصورة أخصّ، ولعلَّه لم يتصوَّر حجم المأساة وحرارتها.
5- قسَّم ابن الأبار كتابه إلي فصول، لكنه لم يسمِّ هذه الفصول، أو يعطها عنوانات أو موضوعات مستقلة، وإنمَّا جعل البعض يكمِّل البعض الآخر، وهذا أيضاً يُعدُّ خللاً في ترتيب هيكلية الكتاب.
6- لعلَّ طبيعة منهج ابن الأبار وأسلوب كتابته قد فرضا عليه أن لا يتبع منهج تعدد الروايات، أو نقده لبعض الأخبار ومناقشتها.
ص: 303
هو السيد النقيب رضي الدين أبو القاسم علي((1)) بن سعد الدين أبي إبراهيم موسي بن جعفر بن محمد ابن أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي عبد الله محمد الطاووس ابن إسحاق بن الحسن بن محمد بن سليمان بن داود ابن الحسن المثني بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب(عليه السلام)، كني ب-:ابن طاووس نسبة إلي جدِّه الأعلي أبي عبد الله محمد بن إسحاق، أمَّا والده فهو أبو إبراهيم موسي بن جعفر بن طاووس، من الرواة المحدِّثين، كتب رواياته لكن لم يسعفه الزمن لجمعها، فجمعها ولده رضي الدين في أربعة مجلدات وسماه (فرحة الناظر وبهجة الخاطر)، مما رواه والدي موسي ابن جعفر، روي عنه ولده رضي الدين علي((2)).أمّا مسيرته ودراسته العلمية فقد تحدَّث عنها بشكل شخصي؛ إذ قال: «أول ما نشأت بين جدي ووالدي... وتعلَّمت الخط والعربية، وقرأت في علم الشريعة المحمدية، وقرأت كتباً في أصول الدين... واشتغلت بعلم الفقه، وقد سبقني جماعه إلي
ص: 304
التعليم بعدة سنين، فحفظت في نحو سنة ما كان عندهم وفُضِّلت عليهم... وابتدأت بحفظ الجمل والعقود… وكان الذين سبقوني ما لأحدهم إلا الكتاب الذي يشتغل فيه، وكان لي عدة كتب في الفقه من كتب جدي انتقلت إليَّ من والدتي(رضي الله عنه) بأسباب شرعية في حياتها... فصرت أطالع بالليل كلَّ شيء يقرأ فيه الجماعة الذين تقدموني بالسنين، وأنظر كلَّ ما قاله مصنَّف عندي وأعرف ما بينهم من الخلاف علي عادة المصنفين، وإذا حضرت مع التلامذة بالنهار أعرف ما لا يعرفون وأناظرهم... وفرغت من الجمل و العقود وقرأت النهاية. فلما فرغت من الجزء الأول منها استظهرت علي العلم بالفقه حتي كتب شيخي محمد بن نما خطَّه لي علي الجزء الأول وهو عندي الآن. فقرأت الجزء الثاني من النهاية أيضاً ومن كتاب المبسوط، وقد استغنيت عن القراءة بالكلية. وقرأت بعد ذلك كتبا لجماعة بغير شرح، بل للرواية المرضية… وسمعت ما يطول ذكر تفصيله»((1)).
وبهذا الشكل صُقِلت شخصية ابن طاووس، ومن خلال هذا النصِّ نلحظها قد اتسمت بالموسوعية في كسب المعارف العلمية، زيادة علي ذلك له العديد من التلاميذ والرواة والذين يشار إليهم بالبنان، وهذا يدلُّ علي سعة أفقه وموسوعيتهالمعرفية ومن أبرز أؤلئك:
1- بهاء الدين أبو الحسن علي بن عيسي بن أبي الفتح الأربلي((2)) (ت692ﻫ/ 1294م)، كان عالماً محدِّثاً وشاعراً أديباً منشئاً((3)).
2- سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر - والد العلامة الحلي - كان من كبار
ص: 305
علماء الشيعة الإمامية في وقته((1))، روي عن ابن طاووس بعض الروايات ذات الطابع الإعجازي((2)).
3- جمال الدين الحسن بن يوسف المطهر الذي عُرف بالعلامة الحلي((3)) من كبار علماء الشيعة الإمامية، صنَّف العديد من المؤلَّفات وفي مختلف الإختصاصات، روي عن ابن طاووس بعض الأخبار ذات الطابع الإعجازي((4)).
4- النسابة أحمد بن محمد العلوي((5)).
5- النقيب نجم الدين محمد الموسوي((6)).6- صفي الدين محمد بن بشير العلوي الحسيني، كان عالما فاضلاً((7)).
7- جعفر بن نما الحلي((8)).
ويضاف إلي ذلك امتازه بسعة التأليف والنتاج العلمي الغزير من مؤلَّفاته، وفي مختلف الإختصاصات وجوانب المعرفة، منهاإغاثة الداعي وإعانة الساعي((9)) وكتاب
ص: 306
الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يُعمل مرَّة في السنة((1))، والبشارات بقضاء الحاجات علي يد الأئمة بعد الممات((2))، كما وصنَّف كتاب (البهجة لثمرة المهجة) يبحث في مهمات الأولاد وهو يختلف عن (كشف المحجة) أشار إليه في كشف المحجة((3)).
ولم تقتصر مصنَّفاته علي المعارف الدينية فحسب، بل شملت التاريخية أيضاً؛ إذ ألَّفَ (التحصيل من التذييل) - وهو تذييل شيخه ابن النجار علي تاريخ بغداد((4)) - وبحث ابن طاووس أيضاً في المذاهب والملل فصنَّف كتاباً في هذا المجال أسماه (الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف)((5)). وغيرها من المؤلفات التي انتجها ابن طاووس والتي تجاوزت الخمسة والخمسين مؤلَّفاً((6)).ولعلَّ آخر ما يمكن الإشارة إليه هو علاقته بالسلطة السياسية في عصره آنذاك، والمتمثلة بالخلافة العباسية، وتحديداً بالحاكم المستنصر بالله (623-640ﻫ/ 1226-1242م)، والذي يبدو ومن خلال جملة من القرائن والأدلة التاريخية أنَّ العلاقة بينهما كان يسودها الود والوئام المتبادل، ومن أبرز أدلة ذلك إنعام الحاكم عليه بدار يسكن فيها عند المأمونية((7))((8)) ثم أصبحت من أملاكه الشخصية، ويُضاف
ص: 307
دليل آخر حول صفاء العلاقة بين الطرفين، وهو عندما توسَّط بين أصحاب الحاجات وبين الخليفة المستنصر لسدِّ حاجاتهم والنظر في عوزهم((1))، ولم تقف العلاقة بين الجانبين بحدود الودِّ والإحترام المتبادل بل شمل ذلك تبوُّء المناصب السياسية؛ إذ أقدم الحاكم المستنصر علي مفاتحة ابن طاووس في مسألة تسليم الوزارة له بعد محاولاته السابقة بتسليمه منصب الإفتاء ونقابة الطالبيين. ويبدو أنَّ حبَّ المستنصر كأبيه للعلويين وعطفه عليهم واهتمامه بشؤونهم هو السبب في هذه العلاقة القوية واستمرارها((2)).
ويسلِّط ابن طاووس الضوء أكثر علي العلاقة الودِّية بينهما قائلاً: «طلبني الخليفة المستنصر- جزاه الله عنا خير الجزاء - للفتوي علي عادة الخلفاء، فلما وصلت إلي باب الدخول إلي من استدعاني لهذه الحال تضرعت إلي الله(عزوجلّ) وسألته أن يستودع مني ديني وكلَّ ما وهبنيه، ويحفظ عليَّ كلَّما يقربني من مراضيه… فحضرت فاجتهد بكلِّ جهد بلغ توصله إليه أنني أدخل في فتواهم، فقواني الله جل جلاله علي مخالفتهم والتهوين بنفسي»((3))، هذا فضلاً عن العديد من الحوادث التاريخية التي وقعت بين الطرفين، والتي تدلُّ علي حسن العلاقة ومتانتها بينهما، وكونها تتسم بالودِّ والإحترام((4)).
تنوَّعت المصادر والموارد التي استعملها ابن طاووس في مقتله الموسوم (اللهوف) في عرضه الروايات والأخبار وهي:
ص: 308
اعتمد ابن طاووس في كتابه (اللهوف) في ذكره روايات المقتل علي جملة من المصادر التي استقي منها مادته التاريخية، وقد أشار إلي بعض أسماء تلك المصادر ومؤلِّفيها، وحتي يؤكِّد علي دقَّة معلوماته يشير أكثر الأحيان إلي أجزائها، وبالشكل الآتي:
أ- محمد بن جرير الطبري الإمامي((1)) أشار ابن طاووس إلي الطبري الإماميولكن بشكل ضئيل جداً إذ اعتمد عليه في نصٍّ واحد من كتابه المعنون ب-(دلائل الإمامة) وهو ينقله عن زرارة بن خلج((2)) بقوله: «لقينا الحسين بن علي(عليه السلام) قبل أن يخرج إلي العراق فأخبرناه ضعف الناس بالكوفة، وإنَّ قلوبهم معه، وسيوفهم عليه، فأومي بيده نحو السماء ففُتِحت أبواب السماء ونزلت الملائكة عددا لا يحصيهم إلا الله(عزوجلّ)، فقال: لولا تقارب الأشياء وحبوط الأجر لقاتلتهم بهؤلاء، ولكن أعلم يقيناً أنَّ هناك مصرعي ومصرع أصحابي لا ينجو منهم إلا ولدي علي(عليه السلام)»((3))، وعند رجوعنا للكتاب الأصل للطبري الإمامي((4)) وجدنا النصَّ مطابقاً معني ومضموناً مع مانقله ابن طاووس، وهذا يدلُّ علي دقَّته وأمانته في نقل النصِّ.
ب - معمر بن المثني:أشار ابن طاووس أيضاً إلي أنّ لمعمر كتاباً بعنوان مقتل
ص: 309
الحسين(عليه السلام) اعتمد عليه، وهي الإشارة الوحيدة التي أشارت إلي أنَّ لمعمر مصنَّفاً في مقتل الحسين بقوله: «وروي معمر بن المثني في مقتل الحسين(عليه السلام)، فقال: ما هذا لفظه، فلما كان يوم التروية قدم عمر بن سعد بن أبي وقاص إلي مكة في جند كثيف قد أمره يزيد أن يناجز الحسين القتال إن هو ناجزه، أو يقاتله إن قدر عليه، فخرج الحسين(عليهالسلام) يوم التروية»((1)).
ت - أحمد بن الحسين بن عمر((2)): ويُستَشفُّ من كلام ابن طاووس أنَّه من كتب الأصول((3))، إذ قال في معرض حديثه في اعتماده عليه «ورويتُ من كتاب أصل أحمد
ص: 310
ابن الحسين بن عمر بن يزيد الثقة، وعلي الأصل أنَّه كان لمحمد بن داود القمي((1))»((2))، ويُحتمَل من كلامه الأخير أنَّه كان موجوداً عنده، وكان مكتوباً عليه أنَّه كان ملك محمد بن داود القمي.
ومما تقدَّم نستنتج أنَّ ابن طاووس اعتمد عليه في رواية مهمة (سنناقشها في الفصل القادم) تتعلَّق بالحِوار الذي دار بين الإمام الحسين(عليه السلام) وأخيه محمد بن الحنفية، ووجهة نظره بالنهضة الحسينية((3)).
ث - محمد بن يعقوب الكليني((4)) (ت 328ﻫ/930م).
نقل ابن طاووس رواية مهمة من كتابه المعنوَن ب-:الرسائل، مروية عن الإمامجعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) كونها تبيِّن وجهة نظر الإمام الحسين(عليه السلام) تجاه كلِّ من تخلَّف عن نصرته.
ج - ابن عبد ربه الأندلسي، تتجلَّي في بعض الأحيان دقَّة ابن طاووس في ذكر تفاصيل المصدر الذي يعتمده منها العقد الفريد لابن عبد ربه وقد حدَّد بها الجزء الذي نقل منه الرواية.
ص: 311
«وذكر ابن عبد ربه في الجزء الرابع من كتاب العقد، قال: قيل لعلي بن الحسين(عليهما السلام) ما أقلَّ وَلَدَ أبيك، فقال: العجب كيف ولدت له! كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، فمتي كان يتفرغ للنساء؟»((1)).
ح - المفيد، ولا شكَّ أنْ يعتمد ابن طاووس علي بعض المؤلِّفين الموثوقين، والمفيد أحد هؤلاء والذي نقل عنه رواية تُعدُّ ضمن الروايات ذات الطابع الغيبي، وهي مُسنَدَة عن الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) تتحدَّث عن نزول الملائكة لنصرة الإمام الحسين(عليه السلام)((2)).
خ - ابن بابويه القمي الملقب ب-: الصدوق، نقل عنه خبرين من كتابه المعنوَن (عقاب الأعمال) يتعلَّقان بجزاء قتلة الإمام الحسين(عليه السلام) يوم القيامة وكيفية عذابهم((3)).
وهنا يتبادر إلي أذهاننا تساؤل مهمٌّ، هو: لماذا اعتمد ابن طاووس علي كتاب عقاب الأعمال للصدوق، ولم يعتمد علي كتاب مقتل الحسين(عليه السلام)للصدوق الذي ذكرته بعض المصادر؟((4))، يبدو أنَّ السبب في ذلك يرجع إلي كون كتاب مقتل الحسين(عليه السلام) للصدوق لم يكن موجوداً عند ابن طاووس، أو كانَ مفقوداً في عصره.
اعتمد ابن طاووس علي رواية من كتاب دون الإشارة إلي اسم مؤلِّفه، بقوله:
ص: 312
«رويتُ من كتاب المصابيح»((1))، وهذه من المآخذ التي تُسجَّل ضدَّه؛ لكونها تسبِّب إرباكاً في المنهج التاريخي؛ لأنَّ هناك العديد من المؤلَّفات التي تتطابق في الأسماء لمؤلِّفين كثُر، الأمر الذي يتطلَّب جهداً كبيراً للتوصل إلي معرفة اسم المؤلِّف الذي قصده ابن طاووس، والرواية تدور حول الحسن بن الحسن المثني،وعدد الذين قتلهم وجرحهم في واقعة الطف، إضافة إلي ذلك إيراده قولاً للإمام علي بن الحسين(عليه السلام) وفيه ينتقد أهل الكوفة ويصفهم بأنَّهم قتلة آل الرسول(صلي الله عليه و آله)((2)).
ولعلَّ المأخذ الآخر الذي يُسجَّل علي منهج ابن طاووس هو ذكره لأسماء بعض الرواة والمؤرِّخين دون الإشارة إلي أسماء مؤلَّفاتهم، مما يشكِّل صعوبة بالغة في توثيق تلك النصوص إلي مصادرها، منها اعتماده في ذكر بعض الروايات علي ابن لهيعة((3))
ص: 313
الذي لم يحدِّد لنا أسماء الكتب التي نقل عنها((1)).
وكذلك إشارته لأبي عمرو الزاهد((2)) الذي نقل عنه رواية تتحدَّث عن الأشخاص العشرة، الذين أقدموا علي سحق صدر الإمام الحسين(عليه السلام) فيواقعة الطف، وبيان حقيقة نسبهم((3)).
ومن أبرز النقاط السلبية الأخري في منهجية ابن طاووس هو إشارتُه للعديد من الروايات والأخبار ذات المصادر المجهولة، مستعملاً ألفاظاً وعبارات شتَّي تدلُّ علي ذلك، منها: «رُوي، رُوي أيضاً، قال رواة الحديث، وفي رواية، ورُوي من طريق آخر، قال بعض الرواة، قال الراوي»((4)).
أورد ابن طاووس العديد من الأقوال والروايات عن أئمة أهل البيت، منها ما ذكره الإمام علي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام)، والإمام الباقر(عليه السلام)، والإمام جعفر بن
ص: 314
محمد الصادق(عليه السلام)، ولكن لم يُسنِد ابن طاووس تلك الأقوال والأخبار الصادرة عن الإمام المعصوم، إلي أيٍّ من المصادرٍ، وإنَّما اكتفي بذكر اسم الإمام(عليه السلام) ونصِّ الرواية((1)).
وتجدر الإشارة إلي أنَّ ثقافة ابن طاووس واتجاهه المذهبي أثَّرت تأثيراً بالغاً في طبيعة تلكم الموارد، إذ إنَّ القارئ يستطيع أن يجد بسهولة أنَّه استقي أغلب معلوماته من مؤرِّخي وعلماء الشيعة، ولكن ينبغي أن نذكِّر بأنَّه استقي معلومات - وإن كانت نسبتها قليلة إلي حدٍّ ما - من مصادر أخري غير شيعية.
هو الفقيه نجم الدين جعفر بن محمد بن هبة الله بن نما الحلِّي((2))، كان عظيم الشأن، جليل القدر، من مشايخ آية الله العلاّمة الحلّي المتوفّي (726ﻫ/1328م) والولد من مشايخ العلاّمة الحلّي((3))، وهو يروي عن الشيخ نجيب الدين يحيي بن سعيد الحلي، ويروي عنه الشيخ الشهيد، ولعله بالوساطة وإلاّ فالشهيد متأخِّر الطبقة عنه((4))، له
ص: 315
العديد من المصنَّفات، منها كتاب (مثير الأحزان) - موضوع دراستنا - وكتاب (شرح الثأر المشتمل علي أحوال المختار)، ولعلَّ مثير الأحزان بعينه هو (التهاب نيران الأحزان ومثير اكتئاب الأشجان) فيما جري علي آل الرسول(صلي الله عليه و آله)((1)).
ومن الجدير بالذكر أنّ المجلسي أشار إلي أنّ ابن نما الحلي أورد سند رواية كتاب الإستبصار للطوسي بقوله: «قد وجدت هذا الكلام مرقوما خلفالإستبصار بخطِّ الشيخ ابن نما نوَّر الله ضريحه: يقول جعفر بن محمد ابن هبة الله بن نما: إنِّي أروي هذا الكتاب عن أبي، عن جدي هبة الله، عن أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن طحال المقدادي، عن الشيخين أبي الوفاء عبد الجبار بن عبد الله المقري الرازي وأبي علي الحسن بن أبي جعفر عن مصنِّف الكتاب أبي جعفر الطوسي رحمهم الله جميعا»((2)).
يُعدّ كتاب (مثير الأحزان) من المصادر المهمة للمقتل؛ لأنَّه استوعب مساحة تاريخية واسعة عن أحداث ومجريات المقتل، ويمتدُّ ليشمل السبي الذي تعرَّض له آل بيت رسول الله(صلي الله عليه و آله) والأحداث التي مرَّت عليهم وعاصروها.
وقد تعدَّدت الموارد التي اعتمدها ابن نما بين المصادر التاريخية السابقة له، فضلاً عن الموارد الشفوية وأخري مجهولة، وغير ذلك.
اعتمد ابن نما الحلي علي جملة من المصادر المهمة التي تعرَّضت لذكر المقتل الحسيني وبشكل مفَصَّلٍ، منها:
ص: 316
1- البلاذري((1)) نلحظ أنّ ابن نما اقتبس أربع روايات من البلاذري، الروايةالأولي كانت تبيِّن منزلة الإمام الحسين(عليه السلام) عند جدِّه رسول الله(صلي الله عليه و آله)، والثانية تتعلَّق برأس الإمام الحسين(عليه السلام) من كونه أول رأس في الإسلام حُمِل علي خشبة، بينما أوردت الرواية الثالثة حديث القارورة الشهير، علي حين كانت الرواية الرابعة تشير إلي الجانب الغيبي، وهو مطر السماء دماً في يوم مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)((2)).
2- الطبري، من المصادر التي اعتمدها ابن نما، لكن كان اعتماده عليه محدوداً جداً، إذ نقل من تاريخه خبرين: الأول: يتعلَّق بلقاء الفرزدق بركب الإمام الحسين(عليه السلام)((3)) بينما تَرَكَّز الخبر الثاني حول خبر رأس الجالوت بن يهوذا ومروره بكربلاء((4)).
3- الخطيب البغدادي((5)) اعتمد عليه ابن نما في نصٍّ واحد، يتعلَّق بحديث القارورة
ص: 317
التي وُضِع فيها دم الإمام الحسين(عليه السلام)((1)) وهي من الروايات ذات الطابع الغيبي.
4- ابن عساكر، اقتبس ابن نما نصّاً تاريخياً مهماً من تاريخ مدينة دمشق، تحدَّث عن دخول آل بيت رسول الله(صلي الله عليه و آله) علي يزيد بن معاوية والأحداث التي جرت في ذلك المجلس((2)).
5- ابن الجوزي، اقتبس ابن نما النصوص القليلة من المصادر، كما هو الحال في اعتماده علي ابن الجوزي في نقله لنصٍّ تأريخي من كتابه الموسوم (النور في فضائل الأيام والشهور)، والنصُّ ذا طابع غيبي تحدَّث فيه عن نوح وبكاء الجن علي قتل الإمام الحسين(عليه السلام)((3)).
6- أبو عمرو الزاهد، امتاز ابن نما في بعض توثيقاته بالدقَّة، ومنها ذِكره لاسم المصدر ومؤلِّفه كما هو الحال في ذكره لأبيات من الشعر نقلها عن كتاب الياقوت لأبي عمر الزاهد، وفيها وعيد وتهديد لقتلة السبط الإمام الحسين(عليه السلام)((4)).
7- النطنزي((5))، نظراً لسعة اطلاع ابن نما نلحظ أنَّه نقل - رواية للنطنزي من
ص: 318
كتابه(الخصائص) - أبياتاً من الشعر، قيل:سُمِعتْ بالهواء في المدينة المنورة، ويذكر ابن نما أنّ هذه الرواية هي من الروايات التي انفرد بها النطنزي عن سائر المؤرِّخين((1))، كما ونقل ابن نما نصَّاً تاريخياً مهمّاً آخر عن النطنزي حول إحدي المعاجز والكرامات لرأس الإمام الحسين(عليه السلام)((2)).
أورد ابن نما بعض الروايات اعتماداً علي بعض المصادر، التي اكتفي بذكر أسماء مؤلِّفيها دون ذكر أسماء المؤلَّفات التي وردت بها تلك الروايات والأخبار، ومنها قوله: «نقلت عن الترمذي»((3)) أو «حدَّث المرزباني((4))(ت384ﻫ/987م)»((5)).
وبلا شكٍّ أنَّ فقدان أحد العناصر التوثيقية للمصدر، يسبِّب إرباكاً في المنهج
ص: 319
التأريخي ويُعدُّ خللاً كبيراً للأسباب التي بيناها مسبقاً، ونجد هذا الموضوع قد تكرَّر عند ابن نما حينما ذكر أسماء مؤلَّفات دون الإشارة إلي أسماء مصنفيها منها قوله: «نقلت من كتاب أحداق العيون في أعلاق الفنون...»((1))، أو قوله: «وذكر صاحب الذخيرة عن المحشر»((2)).
وعلي منهاج بعض المؤرِّخين في ذكر بعض الروايات والأخبار دون الإشارة إلي مصادرها، سار ابن نما علي هذه الطريق، وأورد عدداً كبيراً من تلك الروايات غير الموثَّقة بأيّ مصدرٍ، مستعملاً عبارات وأوصاف عديدة تدلُّ علي ذلك منها، «قال أصحاب الحديث»((3))، فهو لم يحدِّد لنا من هم أصحاب الحديث وبلاشك أنّ عدد أصحاب الحديث كثيرون، وبالتالي من الصعب تحديدهم أو تشخيصهم أو تشخيص منْ قصدهم ابن نما، أو عبارة «رُوي، أو قال الراوي، أو قالت الرواة، أو عن مشايخ طي»((4)) فمن هم هؤلاء المشايخ ومن أين انتقوا رواياتهم؟ وما مصدرها؟
ص: 320
المبحث الأول: دراسة تحليلية للمتون الروائية لكتب المقتل الحسيني
خلال القرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي
المبحث الثاني: دراسة تحليلية للمتون الروائية لكتب المقتل الحسيني
خلال القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي
ص: 321
ص: 322
يدرس هذا المبحث المتون الروائية لكتب المقاتل خلال ذلك القرن، ويبيِّن مناهج مؤلِّفيها، كذلك مناقشة وتحليل مروياتها ومحاولة نقدها تاريخياً.
قبل دراسة وتحليل روايات المقتل المنسوبة لا بدّ من بيان أهمية روايات مقتل أبي مخنف، المُضمَّنة في تاريخ الرسل والملوك للطبري والمؤلفات الأخري.
يُعدُّ مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) للإخباري أبي مخنف من المقاتل المهمة والأساسية لرواية واقعة الطف، وتكمن تلك الأهمية من جهتين: الأولي الناحية الزمنية؛ إذ إنَّه أول مقتل وصلنا (عن طريق تاريخ الطبري) لرواية المقتل بشكل كامل، فضلاً عن احتوائه علي تفاصيل تخصُّ المقتل ومقدماته وحيثياته التي ابتدأ تدوينها من (مراسلة الكوفيين للإمام الحسين(عليه السلام)، ومن ثَمَّ إرساله(عليه السلام) لسفيره مسلم بن عقيل لدراسة وتقييم الوضع العام في الكوفة، وبعدها متابعة الأحداث التي جرت لمسلم وهانئ بن عروة ومقتلهما، ومن ثَمَّ الإجراءات التي اتخذتها السلطة الأموية علي أثر ورودها معلومات بتحرك الإمام الحسين(عليه السلام) المعارض للحكم الأموي ونهجه، ثم استعرض بعدها الأحداث التي تتعلَّق بخروج الإمام الحسين(عليه السلام) من المدينة إلي
ص: 323
مكّة ثم العراق، وحتي مقتله بكربلاء((1))، وهو ما تفتقده المؤلَّفات الأخري من ناحية حجم المادة التاريخية وتفاصيلها من جهة، واستقائها من المنابع الأصلية - عن طريق شيوخه - من جهة أخري.
والمسألة المهمَّة الأخري أنّ جملة من المؤرِّخين قد اعتمدوا عليه في رواية المقتل، فقد تبنَّي روايته محمد ابن سعد (ت230ﻫ/833م) في (الطبقات الكبري)، والبلاذري في (أنساب الأشراف)، والمسعودي في (مروج الذهب ومعادن الجوهر)، وابن أعثم (المتوفي في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي) في (الفتوح)، ثم أخذ كلٌّ من ابن الأثير في (الكامل في التاريخ)، والذهبي في (سير أعلام النبلاء) (وتاريخ الاسلام)، وأبي الفدا إسماعيل الدمشقي المعروف ب-:ابن كثير (ت 774ﻫ/1376م)، في (البداية والنهاية)، من الطبري لكونه أورد الواقعة كاملة، وعلي هؤلاء اعتمد المؤرِّخون الآخرون في القرون اللاحقة المتأخِّرة. وبذلك يتضح لنا أنَّ رواية أبي مخنف للمقتل قد اعتمدت عليها أغلب المصادر وبدرجات متفاوتة، ونسب مختلفة من حيث عدد الروايات وحجمها.
مناقشة وتحليل ونقد مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) المنسوب لأبي مخنف بالمقارنة مع ما ورد من روايات لأبي مخنف عن المقتل في المصادر التاريخية:
هناك مقتل لأبي مخنف مطبوع ومتداول في المكتبات العامة، تحت عنوان:مقتل
ص: 324
الحسين(عليه السلام)((1))، وفي الحقيقة أنَّ هذا المقتل لا يمتُّ لأبي مخنف بصلة؛ وذلك لكون الروايات الموجودة فيه تتعارض مع الروايات الحقيقية لأبي مخنف، والمتركزة بشكل كبير في تاريخ الطبري((2)) ومقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني وغيرهما من المصادر، وأشار بعض الباحثين إلي انتساب المقتل لأبي مخنف، منهم الأمين بقوله: «ولما تأملت بعض هذا المقتل المطبوع المنسوب إلي أبي مخنف علمت أنَّه ليس لأبي مخنف وأنَّه منه برئ، وإنَّما ألَّفه رجل ونسبه إلي أبي مخنف. وربما يكون فيه شئ من مقتل أبي مخنف، بأن يكون هذا الرجل عمد إلي مقتل أبي مخنف فمسخه، وغيَّره وحرَّفه تحريفاً قبيحاً، فزاد عليه ونقص منه وغيَّر وبدَّل. وأبو مخنف من رؤساء أهل الأخبار، وكلُّ من ألَّف في التاريخ نقل عنه وأخذ منه، وأكثر ما في هذا المقتل لا يمكن صدوره من أبي مخنف»((3))، وهنا نجد تعليق الأمين علي مقتل أبي مخنف واضحاً في عدم صحَّة انتساب المقتل المتداول لأبي مخنف.
وأضاف أحد الباحثين تعليقاً قيِّماً بشأن المقتل المنسوب فيقول: «وأما ما يُنسَبإلي أبي مخنف تحت عنوان مقتل الحسين(عليه السلام) الذي طُبِع عدة مرات في العراق وإيران والهند، فمن اليقين أنَّه ليس له، وأفضل دليل علي زيف هذه النسبة (نسبة الكتاب إلي أبي مخنف) - هو هذه المواضيع الواهية والروايات الكاذبة، ونحن نجلُّ أبا مخنف - بمقامه الشامخ - عن كتابة مثل هذه السفاسف»((4))، ولكن الكلام المجرد من الدليل
ص: 325
والقرائن لا يكفي أو يكسب الكلام طابعاً تاريخياً علمياً منطقياً، الأمر الذي دفعنا إلي دراسة ومراجعة المقتل المنسوب لأبي مخنف ومناقشة وتحليل رواياته ومقارنتها مع المقتل المُضمَّن في أمهات المصادر التاريخية أمثال: تاريخ الطبري ومقاتل الطالبيين وغيرهما، لكي تتضح لنا من خلال المقارنة مدي صحة المقتل المنسوب لأبي مخنف من عدمها، وستوضِّح تلك المقارنة والدراسة النقاط الأساسية والجوهرية في المقارنة والتحليل لها، منها: -
1- من الأخطاء الكبيرة الموجودة في المقتل اعتماد أبي مخنف علي رواية للكليني التي نصُّها: «روي الكليني في حديث أنّ معاوية لما حضرته الوفاة مرض مرضا شديداً، وكان يزيد لعنه الله غائبا عنه....»((1))، ولا توجد هذه الرواية في مقتل أبي مخنف المُضمَّن في تاريخ الطبري، والإشكال الزمني التاريخي واضح في هذه الرواية من خلال عملية حسابية هي أنَّ تأريخ وفاة أبي مخنف (157ﻫ/759م) علي حين تأريخ وفاة الكليني (329ﻫ/931م) فيكون الفارق الزمني شاسعاً جداً بحدود (172 سنة) فكيف حصل ذلك؟ وكيف روي أبومخنف عن الكليني وهو لم يُولَد بعدُ؟
وعليه فيدلُّ - اعتماد الرواية أعلاه المنسوبة لأبي مخنف في روايتها عن الكليني - علي أنّ هذا المقتل قطعاً ليس لأبي مخنف من جهة، ومن جهة أخري أنَّه أُلِّف ما بعد القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، من كونها أوردت اسم الكليني، وهو من أعلام القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي.
2- حادثة استشهاد مسلم بن عقيل(عليه السلام) هي الأخري تعرَّضت لتشويه وتحريف،
ص: 326
لا سيما فيما يخصُّ عدد القتلي الذين قتلهم(عليه السلام)، إذ تجاوز المائة والثمانين قتيلاً((1))، وفي الحقيقة أنّ هذا العدد لا يمكن قبوله؛ إذ من غير المعقول أن يقدم شخص واحد علي قتل هذا العدد، مع العلم أنَّ أفراد الجيش الأموي كانوا مسلَّحين ومجهَّزين بكافة العدد العسكرية، ولاسيما أنّ القتال قد جري وفق المعايير الطبيعية، ولم يتدخل الإعجاز الإلهي في ذلك، بل في كلِّ واقعة الطف، فضلاً عن ذلك أنّ هذه الرواية لا أصل لها في مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري أو المصادر الأخري التي أوردت مرويات أبي مخنف، وهذا ما دفعنا إلي مناقشة الرواية وتسجيل عدَّة ملاحظات نقدية ضدَّها، منها:
أ- الرواية أشبه بالقصة الأسطورية في أسلوب طرحها.
ب - هل من المعقول أنْ يعَجَز الجيش الأموي عن محاصرة مسلم بن عقيل(عليه السلام)، واقتحام الدار التي يتواجد فيها وإلقاء القبض عليه؟
ت - هل من المنطقي أنْ تَفكِّر أيُّ قوات بحفر بئر، وكان بإمكانها أن تستدعي قوات أخري بدل تلك الفكرة البدائية؟ ثُمَّ كم من الوقت استغرق حفر البئر؟ وهلكان عميقاً جداً بحيث وقع فيه مسلم بن عقيل(عليه السلام)؟ ثم هل أنَّ مسلماً شاهد أمامه آثاراً تدلُّ علي وجود مخطط للمكر به، أم أنّه لم يشاهد؟
ث - فضلاً عن ذلك أنّ المعركة كانت تسير بشكل سريع بحيث إنّ جنود السلطة الحاكمة عندما أقبلوا تأكَّدوا أنّهم سيقبضون عليه بسهولة، لكنّ قتال مسلم بن عقيل(عليه السلام) العنيف بقرينة طلب محمّد بن الأشعث المدد من السلطة الحاكمة لا يشير إلي أنّهم أقدموا علي حفر حفرة، خصوصاً وأنّ المعركة دارت بين الأزقّة والطرقات، وليست في منطقة مكشوفة حتّي تتقدّم فرقة للقتال، وأُخري للحفر مثلاً.
ص: 327
ج - إنّنا وبحسب اطلاعنا لم نجد ذكراً لهذه الرواية في المصادر، وهذا كلّه يدفعنا إلي الطعن فيها لمجهولية مصدرها وسندها.
3- ومن الأخبار التي تستحقُّ الوقوف والمناقشة - التي وردت في المقتل المنسوب لأبي مخنف - ما نصُّه: «لمّا قُتل مسلم وهانئ انقطع خبرهما عن الحسين(عليه السلام)، فقلق قلقاً عظيماً فجمع أهله... وأمرهم بالرحيل إلي المدينة، فخرجوا سايرين بين يديه إلي المدينة حتّي دخلوها، فأتي قبر رسول الله (صلي الله عليه و آله) وبكي بكاءً شديداً، فهوّمت عيناه بالنّوم...»((1)).
وتحليل الرواية يشير إلي عدَّة نقاط، منها:أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) لم يكن يتابع تحركات وأخبار سفيره مسلم بن عقيل(عليه السلام)، ولم يعرفْ أيّ شيء عن تنظيمه ونشاطه السياسي، فضلاً عن ذلك أنّ الإمام(عليه السلام) في حالة ارتباك وقلق؛ إذ لم يعرف مصير مبعوثه مسلم بن عقيل، وعند مطابقتها مع ما موجود في تاريخ الطبري من مرويات أبي مخنف لم نجد لها أثراً لا من قريب ولا من بعيد،مما يدلِّل علي ضعفها وعدم صدورها عن أبي مخنف.
4- ورد في المقتل المنسوب خبر في غاية الغرابة جاء فيه ما نصُّه: «إنَّ الإمام الحسين(عليه السلام) لما أتي أرض كربلاء، وقف فرسه فنزل عنها، وركب أخري، فلم تنبعث خطوة واحدة، ولم يزل يركب فرساً بعد فرس حتي ركب سبعة أفراس وهنَّ علي هذه الحال...»((2))، لو راجعنا تاريخ الطبري لما وجدنا لهذه الرواية أثراً ولا حتي في أيِّ مصدر آخر، فضلاً عن أنَّ الطبري أورد مسألة نزول الإمام الحسين(عليه السلام) أرضَ كربلاء، لكنه لم يذكر قضية الأفراس السبع، أو حتي توقُّف فرس الإمام(عليه السلام)،
ص: 328
وكذلك لم تذكرمصادر أخري تلك الرواية وأشارت فقط إلي نزول الإمام(عليه السلام) أرض كربلاء((1)).
5- ومن الأخبار الضعيفة التي وردت في المقتل المنسوب هي قول الإمام الحسين(عليه السلام) حينما اشتدَّ به العطش لأخيه أبي الفضل العباس بن علي «يا أخي اجمع أهل بيتك واحفروا بئراً، ففعلوا ذلك فلم يجدوا فيها ماء»((2)).
وتُعدُّ هذه الرواية من الأخبار المنفردة والموضوعة، كونها لم يروِها أبو مخنف في مقتله المُضمَّن في تاريخ الطبري، كما لم ترد في بقية المصادر الأخري المتوافرة لدينا.
6- وورد في هذا المقتل المنسوب أيضاً خطأٌ تاريخي يتركَّز حول أنّ الطرماحبن عدي قُتل مع الإمام الحسين(عليه السلام) في واقعة الطف((3))، ومن خلال مقارنة هذه الرواية مع مقتل أبي مخنف في تاريخ الطبري نجد أبا مخنف أشار إلي وجود الطرماح في كربلاء، وأنَّه لم يُستشهَد مع الإمام الحسين(عليه السلام)، فتُعدُّ تلك الرواية كسابقاتها من حيث عدم صدورها عن أبي مخنف قطعاً.
7- ويرد خبر منفرد لأبي مخنف من خلال اعتماده علي راوٍ لم نرَ له أثراً في تاريخ الطبري، ولا حتي في بقية المصادر الأخري هو سهل بن سعيد الشهرزوري، ومن ثَمَّ يُعدّ من الرواة المُختلقين الذين لا وجود لهم في كتب التراجم والرجال.
أمّا الروايات التي أسندها أبو مخنف للشهرزوري، فتتركَّز في خبرين مهمَّين سنذكرهما مع مناقشتهما ومقارنتهما مع المصادر الأخري، ولكن قبل إيرادهما لا بدّ من مطابقتهما مع تاريخ الطبري - بوصفه المصدر المُضمَّن لمقتل أبي مخنف - وللتأكُّد
ص: 329
من صحتهما، وعند مراجعتنا لتاريخ الطبري لم نجد أثراً لهذين الخبرين، فضلاً عن ذلك لم نجد راوياً من رواة أبي مخنف في تاريخ الطبري باسم سهل بن سعد الشهرزوري.
أ - يُنسب الخبر المعروف الذي دار بين سهل بن سعد الساعدي مع السيدة سكينة بنت الإمام الحسين(عليهما السلام) في الشام((1))، إلي سهل الشهرزوري((2))،مع أنَّ هناك اختلافاً شديداً في بعض فقرات الرواية، فمثلاً ورد في المقتل المنسوب لأبي مخنف أنَّ السيدة أمَّ كلثوم هي من تحدَّثت مع سهل الساعدي علي حين ذكر المجلسي أنَّها السيدة سكينة بنت الإمام الحسين(عليهما السلام) وليس أمَّ كلثوم.
ب - أمّا الخبر الثاني فيهتمُّ بمشاهدات سهل الشهرزوري في الكوفة من مباهج
ص: 330
الفرح ودلائل الحزن، ثم مشاهداته دخول رأس الإمام الحسين(عليه السلام) للكوفة وما رافقها من أحداث أخري((1)).
وثَمَّة سؤال في غاية الأهمية هو أنّ الشهرزوري إذا كان موجوداً بالكوفة وتعرَّف علي سبايا الحسين(عليه السلام) بشكل واضح، وبعدها انتقل إلي الشام،فلماذا لم يعرفهم حينما وصلوا الشام؟ هذا ما يدلُّ علي عدم وجود راوٍ بهذا الاسم.
8- من المسائل التاريخية المهمة التي تستحقُّ المناقشة والوقوف علي حقيقتها هي ما نُسِب لأبي مخنف قوله بخصوص العناصر التي تشكَّل منها الجيش الذي أقدم علي حرب الإمام الحسين(عليه السلام) قائلاً: «كانوا من أهل الكوفة ليس فيهم شامي ولا حجازي...»((2))، هذه الرواية لم نجدها قطعاً في تاريخ الطبري؛ مما يشير إلي نسبتها لأبي مخنف.
يبدو أنَّ هذه الرواية تتعارض مع كثير من الحقائق التي أشارت إليها بعضُ المصادر والتي أكَّدت وجود عناصر عديدة من المقاتلين الذين شاركوا في حرب الإمام الحسين(عليه السلام)، وأنّ تلك العناصر قد تمَّ جمعها وتجنيدها من بلدان مختلفة منها الشام واليمن، مما يدلُّ بشكل واضح علي أنَّ الجيش الذي أقدم علي حرب الإمام الحسين(عليه السلام) لم يكن كوفياً خالصاً كما يُنظِّر البعض بأنَّ شيعته مَنْ قتله، وسنورد النصوص كما هي:
أ- ما كشفهُ يزيد بن معاوية في خطابه لأهل الشام عن حقيقة ما جري في كربلاء، وأنَّ أهل الشام هم من تولوا محاربة الإمام الحسين(عليه السلام) بقوله: «فابشروا يا أهل الشام فإنَّ الخير لم يزل فيكم، وسيكون بينكم وبين أهل العراق ملحمة؛ فإنِّي
ص: 331
رأيت في منامي قبل ثلاث ليالٍ كأنّ بيني وبين أهل العراق نهراً يطَّرد بالدم العبيط... وجعلت أجهد في منامي أن أجوز ذلك النهر فلم أقدر علي ذلك حتي جاءني - عبيد الله ابن زياد - فجازه بين يدي وأنا أنظر إليه، فأجابه أهل الشام وقالوا: أمضِ بنا يا أميرالمؤمنين حيث شئت، فنحن بين يديك، وسيوفنا هي التي عرفهاأهل العراق في يوم صفين...»((1)).
ويُستنتَج من خلال هذه الوثيقة عدَّة نتائج مفيدة منها:
1- إنَّ يزيد كان عازماً علي حرب الإمام الحسين(عليه السلام)، وإنَّه كان مخطِّطاً لهذه المسألة مسبقاً.
2- استند يزيد في حربه ضدَّ الإمام(عليه السلام) بخصوص الدعم العسكري علي أهل الشام، ومن ثَمَّ فإنّ أهل العراق بريئون من تهمة مشاركتهم في الحرب ضدَّ الإمام الحسين(عليه السلام)، وإنْ كانت المشاركة فبنسبةٍ قليلةٍ.
3- كشف أهل الشام عن طبيعتهم الحاقدة علي أهل العراق من الموالين للإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) من خلال إشارتهم لواقعة صفين، واستعدادهم لمحاربتهم مرة أخري، وهو الذي حصل في واقعة الطف.
ب - ذكر الطبري - في معرض حديثه عن تفرُّق أنصار مسلم بن عقيل عنه - أنّ منْ جملة أسباب تفرُّق أنصاره: «أنَّ المرأة كانت تأتي ابنها أو أخاها فتقول:انصرف الناس يكفونك، ويجئ الرجل إلي ابنه أو أخيه فيقول غدا يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشرِّ؟ انصرف فيذهب به، فما زالوا يتفرقون ويتصدَّعون»((2)).
أشارت الرواية إلي أنَّ السلطة الأموية كانت تروِّج لفكرة قدوم جيش من
ص: 332
الشام؛ للمشاركة في ردع الخارجين عن السلطة بحسب ادعائها، بل إنّ هناك نصوصاً أوضحت بشكل صريح حضور العناصر الشامية لمحاربة الإمام الحسين(عليه السلام)منها:
ت - ما رواه الكليني عن الإمام الصادق(عليه السلام) قوله: «تَاسُوعَاءُ يَوْمٌ حُوصِرَ فِيه الْحُسَيْنُ(عليه السلام) وأَصْحَابُه(رضي الله عنهم) بِكَرْبَلَاءَ واجْتَمَعَ عَلَيْه خَيْلُ أَهْلِ الشَّامِ وأَنَاخُوا عَلَيْه وفَرِحَ ابْنُ مَرْجَانَةَ وعُمَرُ بْنُ سَعْدٍ بِتَوَافُرِ الْخَيْلِ وكَثْرَتِهَا واسْتَضْعَفُوا فِيه الْحُسَيْنَ صَلَوَاتُ الله عَلَيْه وأَصْحَابَه(رضي الله عنهم) وأَيْقَنُوا أَنْ لَا يَأْتِيَ الْحُسَيْنَ نَاصِرٌ ولَا يُمِدَّه أَهْلُ الْعِرَاقِ»((1)).
النصُّ واضح عن مشاركة أهل الشام بشكل فعَّال في قتال الإمام الحسين(عليه السلام)، وأشارت الرواية إلي كثرة عددهم بدليل (وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها).
ث - أشار أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت460ﻫ/1062م) إلي مشاركة الجيش الشامي في واقعة الطف من خلال حديثه عن اتخاذ يوم عاشوراء يوم عيد وفرح من قبل بني أُمية، قائلاً: «إنَّ آل أمية (عليهم لعنة الله) ومن أعانهم علي قتل الحسين من أهل الشام، نذروا نذرا إن قُتِل الحسين(عليه السلام) وسلم من خرج إلي الحسين(عليه السلام)، وصارت الخلافة في آل أبي سفيان، أن يتخذوا ذلك اليوم عيدا لهم، وأن يصوموا فيه شكراً ويُفرِحون أولادهم، فصارت في آل أبي سفيان سنة إلي اليوم في الناس، واقتدي بهم الناس جميعا، فلذلك يصومونه ويدخلون علي عيالاتهم وأهاليهم الفرح ذلك اليوم. ثم قال: إنَّ الصوم لا يكون للمصيبة، ولا يكون إلا شكراً للسلامة، وإنَّ الحسين(عليه السلام) أصيب، فإن كنت ممن أُصِبت به فلا تصم، وإن كنت شامتاً ممن سرَّك
ص: 333
سلامةبني أمية فصم شكرا لله تعالي»((1)).
ج - أمّا أبو جعفر محمد بن علي الملقب ب-:الصدوق (ت381ﻫ/983م): فقد بيَّن أنّ أهل الشام لم يكونوا مجرد مقاتلين عسكريين بل أشرفوا بشكل مباشر علي ذبح الإمام الحسين(عليه السلام)، وكان لهم الأثر الكبير في ذلك إذ يقول: «ونظر الحسين(عليه السلام) يميناً وشمالاً ولا يري أحداً، فرفع رأسه إلي السماء، فقال: اللهمَّ إنَّك تري ما يصنع بولد نبيك، ورُمِي بسهم فوقع في نحره، وخرَّ عن فرسه... صريعا، وأقبل عدوُّ الله سنان بن أنس الأيادي، وشمر بن ذي الجوشن العامري (لعنهما الله) في رجال من أهل الشام حتي وقفوا علي رأس الحسين(عليه السلام)، فقال بعضهم لبعض: ما تنتظرون؟ أريحوا الرجل. فنزل سنان (لعنه الله) وأخذ بلحية الحسين(عليه السلام) وجعل يضرب بالسيف في حلقه وهو يقول: والله إني لأحتزُّ رأسك، وأنا أعلم أنَّك ابن رسول الله وخير الناس أباً وأماً»((2)).
ح - وفي إشارة لأبي جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الشيعي: ذكَر اشتراك عناصر من أهل اليمن ومصر في الجيش الذي حارب الإمام الحسين(عليه السلام) في الطفِّ؛ إذ قال: «وكان في تلك الخيل والله أعلم قوم من أهل مصر وأهل اليمن»((3)).
خ - ويحدِّد ابن شهر آشوب عدد العناصر الشامية المشاركة في حرب الإمام الحسين(عليه السلام) والبالغة أربعة آلاف شامي بقوله: «وجهَّز ابن زياد عليهخمسا وثلاثين ألفاً... وشمر بن ذي الجوشن السلولي في أربعة آلاف من أهل الشام»((4)).
أشارت هذه الرواية إلي مسألة خطيرة، وهي العدد الكبير للجيش الشامي
ص: 334
المشارك بواقعة الطفِّ الذي بحسب الرواية يشكِّل العمود الفقري للجيش العام آنذاك.
بعد إيرادنا لهذه النصوص الصريحة في بيان أنّ الجيش الذي أقدم علي حرب الإمام الحسين(عليه السلام) في واقعة الطف لم يكن مقتصراً علي أهل العراق وتحديداً الكوفة، بل اشتركت فيه عناصر شامية ويمنية ومصرية، وهذا يدلُّ علي أنّ السلطة الحاكمة كانت متخوِّفة من أهل العراق، والسبب في ذلك يرجع إلي معرفة أهل العراق بمكانة الإمام(عليه السلام) بوصفه سبط رسول الله(صلي الله عليه و آله) وأحد الأئمة المعصومين(عليهم السلام)، وأنَّ له في العراق قاعدة جماهيرية شيعية واسعة موالية؛ لذا اعتمدت علي عناصر غير عراقية، وزيادة علي ذلك أنّ بيئة الشام كانت آنذاك تميل للأمويين بفعل الإعلام الأموي المضلِّل لهم، ولعلَّ هذا الرأي هو أحد الإحتمالات التي دفعت السلطة إلي اتخاذ هذا القرار العسكري المتمثل بإشراك عناصر غير عراقية.
9- من الروايات الضعيفة التي وردت في المقتل المنسوب لأبي مخنف هي: إنَّه لما عبر موكب سبايا آل محمد(صلي الله عليه و آله) شوارع الكوفة، أعطي لهم أهل الكوفة بعض الجوز والتمر صدقة، لكنَّ أُمَّ كلثوم بنت علي(عليهما السلام) رفضت ذلك، وقالت: «الصدقة علينا حرام»((1)).الرواية لا تناسب مقام أهل البيت بشكل أو بآخر هذا من جانب، ومن جانب آخر أنَّها لم ترد في مصادرنا التي عرضت حادثة السبي والأسر، منها أنساب الأشراف للبلاذري، وتاريخ اليعقوبي، وتاريخ الطبري، ومروج الذهب للمسعودي، ومقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني، والإرشاد للمفيد، ومقتل الحسين للخوارزمي، والمنتظم لابن الجوزي، واللهوف لابن طاووس، ومثير
ص: 335
الأحزان لابن نما، مع أنَّها وردت عند الاسفراييني((1)) وفخر الدين الطريحي (ت1058ﻫ/1660م)((2)) وبخصوص الأول يحتوي مقتله علي العديد من الروايات الضعيفة والمحرَّفة والتي لا يمكن قبولها، وسنناقش هذا المقتل لاحقاً من هذه الأطروحة، أمَّا الطريحي فهو من المصادر المتأخرة، ولا شكَّ أنَّه اعتمد في نقلها علي ما نُسِب لأبي مخنف و ما ذكرُه الاسفراييني في مقتله.
10- وسنذكر الروايات التي ذُكرت في المقتل المنسوب والتي لا يمكن قبولها لعدم تناسبها مع مقام ومكانة نساء أهل البيت، بل من غير الممكن أن تصدر مثل هذه التصرفات التي تخدش العفَّة والحشمة عن نساء الأطهار، ولاسيما ونحن نتحدَّث عن نساء أهل البيت، اللواتي ضربنَ أروع صور العفة والطهارة، ألم يُذكر في الروايات أنَّ السيدة زينب بنت علي بن ابي طالب(عليهم السلام) لم يكن يُري ظلُّها؟ ألم تكن السيدة سكينة بنت الحسين(عليهما السلام) منقطعة إلي الله سبحانه وتعالي؟ وبهذا تُعدُّ تلك الأخبار ضمن الموضوعات والتحريفات التي طالت ملحمة الخلود في كربلاء؛ هدفها تشويه صورة نساء أهل البيت(عليهم السلام)، ومن الروايات الضعيفة التي لا تتوافق مع أخلاق وآداب بنات الرسالة، هي:أ - «إنَّ السيدة أُمَّ كلثوم(عليها السلام) صرخت وهتكت خمارها»((3)) أو إنَّ السيدة زينب «تقول جاء رجل وأخذ القناع من رأسي»((4))، كما وردت رواية تخصُّ السيدة سكينة بنت الحسين(عليهما السلام)، وهي «إنَّ السيدة سكينة عندما رأت رجوع جواد أبيها الحسين(عليه السلام) عارياً، والسرج خالياً من راكبه هتكت خمارها، ونادت واابتاه واحسيناه...»((5)).
ص: 336
11- موت يزيد بن معاوية. أشار أبو مخنف إلي موت يزيد بن معاوية بثلاث روايات تتسم بالأسطورية، وبالشكل الآتي:
أ - الأولي: «إنّ يزيد (لعنه الله) بقي بعد الحسين(عليه السلام) أياماً قليلة وخرج ذات يوم إلي الصيد في عسكره فلاحت له ظبية، فطلبها وقال لأصحابه لا ينبغي منكم أحد، فركض شديداً حتي وصل إلي مكان لا يهتدي فيه طريقا، فلقيه أعرابي وقال له: أضالٌّ فأرشدك أم جائع فأطعمك أم عطشان فاسقيك؟ فقال يزيد (لعنه الله) لو عرفتني لزدت كرامتي، فقال الأعرابي: من أنت؟ أنا يزيد (لعنه الله)، فقال الأعرابي: لا مرحبا بك ولا أهلا، ما أقبح طلعتك وما اشنع سمعتك، والله لا قتلنَّك كما قتلت الحسين(عليه السلام)، وجذب سيفه وهمَّ أن يعلوه فذعرت فرس يزيد لعنه الله من بريق السيف، فطرحته تحتها وقطَّعت أمعاءه»((1)).
ب - الثانية: «قال بعضهم هلك عطشا»((2)).ت - الثالثة: «قيل ورد علي قليب ماء وقلبه يلهب عطشا، وعلي القليب طائر عظيم الجثة فأراد أن يشرب فابتلعه الطير وطار به نحو السماء، ورجع إلي ذلك الماء فتقيأه خلقا سويا، فهمَّ أن يشرب ثانية فأهوي إليه الطير فقطَّعه بمنقاره، ولم يزل يلتقمه ويتقيأه إلي يوم القيامة، ثم الإنتقام منه في جهنم»((3)).
ومن الملاحظ علي هذه الروايات اتسامها بالطابع الأسطوري، ويمكن تسجيل عدة ملاحظات نقدية وإشكالات ضدَّها منها:
أ - الروايات من ناحية السند: لا تحتوي تلك الروايات علي سند روائي، ولم تُشِر
ص: 337
إلي أيّ مصدر، أو راوٍ اعتمدت عليه في إيرادها لتلك الأخبار، والذي ينتج عن ذلك ضعفها وإهمالها من الناحية التاريخية، ومن ثَمَّ لا يمكن الإعتماد عليها.
ب - مقارنة تلك الروايات مع بعض المصادر((1))، تعرَّضت الكثير من المصادر إلي موضوع وفاة يزيد بن معاوية ولم تُشِر إلي ما أوردته تلك الروايات من أخبار، وإنمَّا اكتفت بتحديد تاريخ وفاته، وهو سنة أربع وستين للهجرة، ومكانها في قرية حوارين - من قري حمص في الشام - مما يشير إلي أنّ تلك الروايات قد جاءت من نسج خيال واضعها وتصوراته.
ومن الجدير بالذكر أنّ الطبري الذي اعتمد بشكل كبير علي أبي مخنف فينقل العديد من الأخبار عنه وفي مختلف الأحداث نلحظه لم يعتمد عليه في نقل رواية موت يزيد بن معاوية، وإنَّما اعتمد علي الزُهري وهشام بن محمد الكلبي، فضلاً عن أنَّه لم يُشِر إلي أيٍّ من تلك الروايات أعلاه وإنمَّا اكتفي فقط بتحديد تأريخ وفاته((2))، وهذا يدلُّ علي أنّ أبا مخنف لم يتطرَّق في مروياته إلي وفاة يزيد بن معاوية، ولو كان روي ذلك لاعتمد عليه الطبري ونقلها لنا - لكونه أكثر من نقل مروياته وفي مختلف الأحداث.
ت - ورد في الرواية الأولي أنّ المدة الزمنية بين استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) وبقاء يزيد في الحكم (أيام قليلة) وهذا خلاف المنطق والتأريخ، لكون استشهاد الإمام(عليه السلام) كان سنة إحدي وستين للهجرة، ووفاة يزيد سنة أربع وستين للهجرة
ص: 338
فالمدة بينهما ثلاث سنوات وليس أياماً، ولعلَّ واضع هذه الرواية لم يتقنها بشكل جيد أو خانه التعبير.
ث - أمّا ما ورد في الرواية الثالثة فهو أشبه بالحكاية الشعبية، حيث تقول إنّ الطائر الذي التقم يزيد بقي يلتقمه إلي يوم القيامة؟ كيف عرف واضع هذه الرواية أنّه باقٍ وسيستمرُّ إلي يوم القيامة؟ وكيف حدَّد ذلك؟ ومن هذا الطائر؟ وما الحكمة من تكرار العملية التي قام بها الطائر أكثر من مرة؟ ومن شاهد ذلك ونقله؟ إضافة إلي ذلك هل الراوي كان موجوداً في يوم القيامة أو حضر هذا اليوم ورأي فعل الطائر بيزيد؟
ويُستشفُّ من ذلك كلّه أنّ الروايات الثلاث مخالفة لأغلب المصادر التاريخية كما مرَّ آنفاً، وبحدود اطلاعنا قد انفرد بهنَّ مؤلف هذا المقتل، ويغلب الطابع القصصي والخيالي عليهنَّ، ولا سند تأريخي لهن؛ ومن ثَمَّ فهنَّ في عداد الرواياتالموضوعة.
بعد أنْ بيَّنا بأنّ مقتل الحسين(عليه السلام) لأبي مخنف المنسوب إليه، وأنّ أغلب رواياته لم ترد في تاريخ الطبري المُضمّن للمقتل الصحيح، كما أنّها كانت تتسم بالأسطورية والإرتباك التاريخي؛ لذلك يتضح لنا بأنّ هذا المقتل ليس لأبي مخنف وإنَّما نُسب إليه، أو تمَّ تحريفه عن المقتل الأصل، وهذا ما أشار إليه أحد الباحثين بقوله: «من المرجَّح أنّ كُتبَ أبي مخنف كانت من الكتب التي كثر قراؤها بين الشيعة، وهناك مؤلفات وصلت إلينا منسوبة إليه، غير أنَّها تبدو بتعديلات متأخرة، فيها تصرف في النصِّ زاد بمضي الوقت زيادة مطردة حتي أصبحت نصوصها بعيدة عن أصل المؤلف...»((1)).
وهنا لا بدّ من السؤال عن تأريخ كتابة هذا المقتل المنسوب لأبي مخنف، في
ص: 339
الحقيقة لم تشر لنا المصادر بذلك، لكن نستطيع أن نرجِّح بأنَّه وُضِع بعد القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي - من خلال الإستناد إلي قرينتين أساسيتين هما:
1- القرينة الأولي أو الدليل الأول: لقد ورد في هذا المقتل اسم الشيخ الكليني((1)) كما أوضحنا ذلك آنفاً، وبما أنَّه من أعلام القرن الرابع الهجري، فوجود اسمه في المقتل يشير إلي أنَّه صُنِّف بعد القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي.
2- القرينة الثانية أو الدليل الثاني: إنَّ المؤرخ المسعودي أورد رواية موضوعة كما بينا ذلك آنفاً - قد انفرد بها المقتل المنسوب لأبي مخنف، وهي تتحدَّث عن تحديد العناصر التي شاركت في حرب الإمام الحسين(عليه السلام) وتحدِّدهم فقطبأهل الكوفة((2)) - وهذه الرواية وردت فقط في المقتل المنسوب، فيُستنتَج من ذلك كلّه، أنّ من المحتمل أنْ يكون المقتل المنسوب لأبي مخنف قد أُلِّف بعد القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي.
معالم منهج الكتابة التاريخية لابي مخنف في المقتل الحسيني المُضمَّن في تاريخ الطبري والمؤلَّفات الأخري.
يُعدُّ أبو مخنف أحد أعمدة المدرسة الكوفية (العراقية)، التي امتازت بالتدوين التاريخي في القرن الثاني الهجري/السابع الميلادي، لذا يتبوَّأ أبو مخنف أهمية تاريخية في تدوين الأحداث، ومنها المقتل الحسيني، ولم يخرج عن سياق منهجه التاريخي العام بشكل كبير في سرده وتدوينه للمقتل، وسنركِّز في دراستنا هذه وتحديداً في هذا الفصل علي منهج أبي مخنف بالمقتل حصراً دون أحداث التاريخ الإسلامي
ص: 340
الأخري((1))، ومن أهمِّ معالم ذلك المنهج ما يلي:
ويقصد به رفع الحديث إلي قائله بالتناقل((2)) أو بتعبير آخر هو طريق المتن: وهو جملة من الرواة مأخوذ من قولهم وأمّا المحدثون - وأبو مخنف أحدهم - فقداستعملوا السند والإسناد بمعني واحد، أي الطرق الموصلة إلي المتن، فهو عبارة عن الرواة، وقد يكون بمعني حكاية طريق المتن((3))، لذلك نرجِّح من خلال عرض أبي مخنف لمرويات المقتل اهتمامه بالسند الروائي، وقد أشار أحد الباحثين إلي أهمية السند لدي المحدِّثين بقوله: «إنّ المحدِّثين قد أدركوا في مرحلة مبكرة ما للإسناد من أهمية بالغة في الصناعة الحديثية إذ هو دعامتها الأساسية ومرتكزها في أبحاث العدالة والضبط»((4))، بهذا يتضح لنا أنّ أبا مخنف أهتمَّ بطريقة المحدِّثين في الإسناد لاسيما وأنَّ أبا مخنف من أبرز أولئك وأشهرهم.
لعلَّ من المقوِّمات الأساسية التي يجب أن يمتلكها المؤرِّخ هي الملكة النقدية للأحداث والروايات والتشكيك بها، ونجد أنَّ أبا مخنف أوردَ بعض الإشارات النقدية لبعض الروايات الخاصة بالمقتل (وإنْ كانت محدودة)، التي لم يكن مقتنعاً
ص: 341
بها ومشككاً فيها، مستعملاً لفظاً يدلُّ علي ذلك، وهو (زعم) والروايات هي:
أ - تشكيكه بعدم معرفة وعلم حسان بن أسماء بن خارجة، وهو ابن أخ هانئ ابن عروة؛ بسبب استدعاء هانئ من قبل السلطة المتمثلة بوالي الكوفة عبيد الله بن زياد الذي أرسل بطلبه للإيقاع به وإلقاء القبض عليه((1))، ونصُّ الرواية: «وزعموا أنّ أسماء لم يعلم في أيّ شيء بعث إليه عبيد الله...»((2))، علي حين أشارتبعض المصادر والمراجع التاريخية((3)) إلي أنّ حسان بن أسماء لم يكن علي علم بالمؤامرة ضدَّ هانئ، إلا أنّ أبا مخنف يفنِّد تلك المزاعم ويرجِّح علمه ومعرفته بتلك المؤامرة.
ب - ونجد أبا مخنف ضعَّف وفنّد ما أجمع عليه العديد من المحدِّثين بخصوص الإقتراحات التي طرحها الإمام الحسين(عليه السلام) للسلطة الحاكمة، قال أبو مخنف: «وأما ما حدّثنا به المجالد بن سعيد والصقعب بن زهير الأزدي وغيرهما من المحدِّثين فهو ما عليه جماعة المحدِّثين قالوا إنَّه قال - أي الإمام الحسين - اختاروا مني خصالا ثلاثاً إمّا أن أرجع إلي المكان الذي أقبلت منه، وإمّا أن أضع يدي في يد يزيد بن معاوية فيري فيما بيني وبينه رأيه، وإما أن تُسيِّروني إلي أي ثغر من ثغور المسلمين شئتم، فأكون رجلا من أهله لي ما لهم وعليَّ ما عليهم»((4)).
وبعد أنْ ذكر أبو مخنف هذه الرواية - التي لم يكن مقتنعاً فيها - فنَّدها برواية أخري، بقوله: «فأمّا عبد الرحمن بن جندب فحدثني عن عقبة بن سمعان قال صحبت
ص: 342
حسيناً، فخرجت معه من المدينة إلي مكة ومن مكة إلي العراق، ولم أفارقه حتي قتل، وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلي يوم مقتله إلا وقد سمعتها، ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون من أن يضعيده في يد يزيد ابن معاوية، ولا أن يسيِّروه إلي ثغر من ثغور المسلمين، ولكنه قال دعوني فلأ ذهب في هذه الأرض العريضة حتي ننظر ما يصير أمر الناس»((1)).
ومن الملاحَظ أنّ أبا مخنف اتَّبعَ في هذه الرواية منهج المقارنة بين الروايات وترجيحه للرواية التي يعتقد بصحتها، وقد اعتمد بتفنيده للرواية أعلاه باستدلاله برواية أقوي منها من الناحية التاريخية التي أوردها عن طريق شاهد عيان للحدث، ومعاصرا له هو - عقبة بن سمعان مولي الرباب زوجة الإمام الحسين(عليه السلام) - الذي كان ملازماً للركب الحسيني.
ولابدَّ من القول هنا أنّ بعض المؤرخين((2)) أوردوا هذه الرواية إمّا عن طريق أبي مخنف، أمثال: ابن حجر العسقلاني، أو عن طريق آخر، ولم يعلِّقوا عليها، أو يضعِّفوها أو يشكِّكوا فيها، وهذا يدلُّ علي أمر مهمِّ، هو أنّ عدم تفنيدها وتضعيفها يرجع إلي عوامل سياسية ومذهبية، فضلاً عن التوجهات والميول التي حملها هؤلاء المؤرِّخون، ومن جانب آخر عدم تمتع بعضهم بالأمانة العلمية وتحيّزهم أمثال ابن حجر الذي أورد هذه الرواية ولم يورد الرواية التي من خلالها فنَّد أبو مخنف تلك الرواية وضعَّفها.
ص: 343
ت - تضعيفه لقضية عبد الله بن حوزة الذي دعا عليه الإمام الحسين(عليه السلام)، ونال عاقبته في ساحة المعركة حتي مات، من خلال تشكيكه برواية سويدبن حية بقوله: «وأمّا سويد بن حية فزعم لي أنَّ عبد الله بن حوزة حين وقع فرسه بقيت رجله اليسري في الركاب، وارتفعت اليمني فطارت، وعدا به فرسه يضرب رأسه كلَّ حجر وأصل شجرة حتي مات»((1))، مع العلم أنَّ أبا مخنف أورد الرواية نفسها لكن عن طريق شيخه (حسين أبي جعفر) ولم يضعّفها((2))، علي حين شكَّك بالرواية التي أوردها عن طريق سويد بن حية، ولعلَّ من خلال المقارنة بين الروايتين نجد أنَّ رواية سويد زادت بعض الشيء عن رواية أبي جعفر من قبيل: «أنَّ عبد الله بن حوزة حين وقع فرسه بقيت رجله اليسري في الركاب وارتفعت اليمني فطارت...»، هذه الزيادة لم توردها رواية أبي جعفر، ومن المحتمل أنّ هذه الزيادة في رواية سويد هي التي دفعت أبا مخنف إلي تضعيفها والتشكيك فيها، وهذا يدلُّ علي الدقة العالية التي يتمتع بها في تدقيقه برواياته.
ث - تشكيكه بقول أبي الفضل العباس(عليه السلام) لأخوته، بما نصُّه: «زعموا أنَّ العباس بن علي قال لأخوته من أمِّه عبد الله وجعفر وعثمان يا بني أمي تقدموا حتي أرثكم؛ فإنَّه لا ولد لكم ففعلوا فقُتِلوا...»((3)).
وقد أشار القاضي النعمان إلي اعتقاده بصحة الرواية أعلاه من قوله «وورثهم العباس وقُتِل بعدهم...» وكذلك ابن الاثير بقوله: «وقال العباس بن علي لأخوته من أمِّه عبد الله وجعفر وعثمان تقدموا حتي أرثكم؛ فإنَّه لا ولد لكم ففعلوا فقُتِلوا...»((4))،
ص: 344
ونحن نتساءل أيّ إرث ورثه العباس(عليه السلام)؟لاسيما وأنّهم - أي من أورد رواية الإرث - أشاروا إلي مقتل العباس(عليه السلام)، ثمَّ هل بالإمكان التفكير بمسائل الإرث لشخص بمستوي إيمان أبي الفضل العباس وعقيدته، كذلك الأجواء كانت آنذاك مملوءة بالرعب والحرب والخوف، ثم إنَّه يعلم يقيناً أنَّه مستشهدٌ لا محالة، وقد رفض رفضاً قاطعاً الإنسحاب والأمان الذي مُنِح له ولأصحابه.
لجأ أبو مخنف إلي تقديم توضيح بعض المفردات والأشخاص ممَّا يحتاج إلي توضيح؛ لكي يستقيم معني الرواية، ومن الملفت للنظر أنَّ التوضيح جاء ملائماً للموضوع الذي وردت فيه تلك المفردة، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
ا- من الشخصيات التي قام أبو مخنف بتعريفها وتوضيح مهمَّتها، أبو ثمامة الصائدي إذ قال عنه: «وهو الذي كان يقبض أموالهم (أي الشيعة) وما يعين به بعضهم بعضا، يشتري لهم السلاح، وكان به بصيراً وكان من فرسان العرب ووجوه الشيعة»((1))، فحدَّد أبو مخنف مهمة الصائدي بأنّها كانت ذات طابع عسكري؛ لكونه خبيراً بهذا المجال.
ب - تعريفه لشخصية طوعة أثناء ورود اسمها في الرواية بقوله: «حتي انتهي - أي مسلم بن عقيل - إلي باب امرأة يقال لها طوعة أمَّ ولد كانت للأشعث بن قيس فأعتقها، فتزوَّجها أسيد الحضرمي، فولدت له بلالا»((2))، وكذلك حدَّد وظيفة شخصية الحصين بن نمير بأنَّه قائد شرطة الوالي عبيد الله بن زياد((3)).
ص: 345
ت - تعريفه لعبد الله بن عمير وتحديد مكان سكنه قائلاً: «كان رجل يُدعَي عبد الله بن عمير من بني عُليم كان قد نزل الكوفة، واتخذ عند بئر الجعد من همدان داراً، وكانت معه امرأة له من النمر بن قاسط يُقال لها أمّ وهب بنت عبد»((1)).
ث - من خلال استقرائنا لروايات المقتل، نجد أنَّ أبا مخنف اهتمَّ بالجغرافية التاريخية بشكل دقيق وحدَّد المنازل والمناطق التي مرَّ الركب الحسيني بها أو التي نزلَ فيها((2)).
والتي تمَّ مراسلتها بين القيادة المركزية في الشام وولاتها سواء في المدينة أو الكوفة، أم بين الولاة أنفسهم، أو التي أرسلها الإمام الحسين(عليه السلام) لشيعته، فضلاً عن الخطب التي نُقلت بنصِّها الكامل أيضاً سواء كانت لرجال السلطة الحاكمة أو للإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه(عليه السلام)((3)).
من أبرز معالم المنهج التاريخي هو تفسير الأحداث وطريقة سيرها وايجاد تعليل لها؛ لكي تصبح الحقيقة التاريخية واضحة ومعلومة، ونجد أنّ أبا مخنف استخدم التعليل لبعض الأحداث المتعلِّقة بالمقتل، وهذا ينمُّ عن امتلاكه حسَّاً تأريخياً كبيراً، كذلك تطبيقه لشرط التعليل من شروط المنهج التاريخي، والروايات التي تتعلَّقبهذا الموضوع هي:
ص: 346
أ - علَّل أبو مخنف سبب إقدام الوالي عبيد الله بن زياد بتكليف قوة تقوم بإلقاء القبض علي مسلم بن عقيل(عليه السلام) بعد تحديد مكانه بقيادة محمد بن الأشعث، أنْ يكونَ جميع رجالها من قيس حصراً، وقد فسَّر أبو مخنف ذلك بقوله: «وإنَّما كره - ابن زياد - أن يبعث معه قومه لأنَّه قد علم أنَّ كلَّ قوم يكرهون أن يصادف فيهم مثل ابن عقيل فبعث معه عمرو بن عبيد الله بن عباس السلمي في ستين أو سبعين من قيس حتي أتوا الدار التي فيها ابن عقيل...»((1)).
ب - وعلَّل سبب انضمام عمر بن سعد لحرب الإمام الحسين(عليه السلام) إلي عامل سياسي، يتعلَّق بالبحث عن المناصب الرفيعة في الدولة الأموية، ومنها تسلميه ولاية الري((2))، بقوله: «وكان سبب خروج ابن سعد إلي الحسين(عليهالسلام) أنَّ عبيد الله بن زياد بعثه علي أربعة آلاف من أهل الكوفة يسير بهم إلي دستبي((3)) وكان الديلم قد خرجوا إليها، وغلبوا عليها، فكتب إليه ابن زياد عهده علي الري، وأمره بالخروج،
ص: 347
فخرج معسكراً بالناس بحمّام أعين((1)) فلما كان من أمر الحسين ما كان وأقبل إلي الكوفة دعا ابن زياد عمر بن سعد، فقال سر إلي الحسين فإذا فرغنا مما بيننا وبينه سرت إلي عملك...»((2)).
هذه أبرز معالم المنهج التأريخي لدي أبي مخنف في عرضه لمادة المقتل، والتي تُعدُّ القاعدة الأساسية لرواية واقعة الطف، وبعد دراستنا لمتون تلك الروايات وجدنا عدم ملائمتها لبعض الشخصيات وانتقاصها منها، زيادة علي بعض القضايا التي تثير التساؤل التاريخي والإستفسار عنها، كما أنّ هناك بعض الأحداث والروايات التي تحتاج إلي توضيح وتفسير وترتيب لكي تكون أقرب للقبول والتفسير المنطقي لها.
مناقشة وتحليل بعض مرويات أبي مخنف المُضمَّنة في تأريخ الطبري والمصادر الأخري.
سنركِّز حديثنا في هذا المحور حول مايستحقُّ المناقشة والتحليل من الرواياتالتي أوردها ابو مخنف؛ لكون بعضها مشكوكاً بصحتها؛ لمخالفتها العقل والمنطق، ولعلَّ سبب تركيزنا علي روايات أبي مخنف لكونه القاعدة الأساسية في بناء مادة المقتل التي استقي منها أغلب المؤرِّخين مادَّتهم - وأصبحت الرواية التقليدية للمقتل - أمّا جمع جميع روايات أبي مخنف وترتيبها فقد سبقنا إلي ذلك بعض الباحثين والمحققين من قبيل حسن الغفاري((3)) والغروي((4)) فكان لهما الفضل في
ص: 348
استخراج مجمل الروايات بكتاب مستقلٍّ، لذا سيقتصر منهجنا حول تحليل ونقد بعض تلك الروايات، منها:
1- مسألة خروج الإمام الحسين(عليه السلام) وعبد الله بن الزبير من المدينة نحو مكة المكرمة: إذ ذكر أبو مخنف أنّ عبد الله بن الزبير وأخاه جعفر قد غادرا المدينة بعد أنْ طلب واليها ببيعته باتجاه مكة المكرمة من خلال طريق الأفرع متجنباً الطريق الأعظم مخافة الطلب((1)).
هذه الرواية فيها عدَّة نقاط تثير التساؤل، منها أنَّ ابن الزبير اتخذ في مغادرته المدينة طريق الأفرع متجنباً الطريق الأعظم - الذي هو طريق الدولة - فقد علَّلَ أبو مخنف ذلك بمخافة الطلب من قبل السلطة الحاكمة، ولو قارنا هذه الرواية مع الرواية التي تتحدَّث عن طريقة مغادرة الإمام الحسين(عليه السلام) ونصُّها: «عن عقبة بن سمعان مولي الرباب ابنة امرئ القيس الكلبية امرأة حسين، وكانت مع سكينة ابنة حسين، وهو مولي لأبيها وهي إذ ذاك صغيرةقال:خرجنا فلزمنا الطريق الأعظم، فقال للحسين أهل بيته لو تنكبت الطريق الأعظم كما فعل ابن الزبير لا يلحقك الطلب، قال لا والله لا أفارقه حتي يقضي الله ما هو أحبُّ إليه»((2)).
ولدي المقارنة بين الروايتين تقودنا إلي نقطة مهمَّة ألا وهي لماذا اختار ابن الزبير طريق الأفرع واختار الإمام الحسين(عليه السلام) الطريق الأعظم؟ وهنا يشير أحد الباحثين إلي الدلالات التي يحملها الإمام(عليه السلام) بسلوكه الطريق الأعظم، بقوله: «حرص أبو عبد الله علي أن تكون ثورته جماهيرية التأثير والإستمرار... إذ لم يكن خروج الإمام الحسين(عليه السلام) مع جماعته من المدينة فراراً من مطالبة الوالي إيَّاه بالبيعة ليزيد... إذ لو كان
ص: 349
الخروج فراراً لسلك مسلك عبد الله بن الزبير في الذهاب إلي مكة من خلال اتباعه الطرق الفرعية؛ ليفوِّت علي السلطة الأموية فرصة اللحاق به»((1))، نعم هذه الأطروحات لعلَّها كانت في فكر الإمام الحسين(عليه السلام)، ولكن لماذا لم تتخذ السلطة الأموية إجراءات بحقِّ الركب الحسيني وخروجه كمعارض سياسي له؟ ولماذا سمحت له بالمرور دون أيِّ اعتراض؟ أمَّا بخصوص ابن الزبير فالسبب واضح من خلال الرواية (مخافة الطلب) أي أنّ السلطة الحاكمة سوف تلاحقهم وتمنعهم باستخدام القوة؛ لذا لجأ إلي اتخاذ طريق الأفرع البعيد عن أنظار السلطة، هذا ينتج عنه عدَّة احتمالات منها:
أ - الاحتمال الأول: إنّ الإمام الحسين(عليه السلام) له مركز ديني واجتماعي كبير في المجتمع، ليس أفضل منه مكانة ابن الزبير، ومن ثَمَّ لا تستطيع السلطة الحاكمةاعتراض طريق الركب الحسيني. هذا الإحتمال فيه التباس كبير، فابن الزبير له مكانة دينية واجتماعية في المجتمع كذلك من خلال منزلة أبيه الزبير بن العوام، أما تخوّف السلطة الحاكمة من الإمام الحسين(عليه السلام) فهو مردود أيضاً، من كون السلطة الحاكمة لا تتورع باستعمال القوة ضدَّ أيّ معارض لها مهما كانت مكانته حتي لو كان الإمام الحسين(عليه السلام)؛ بدليل الكتاب الذي أرسله يزيد بن معاوية إلي والي المدينة، والذي جاء فيه ما نصُّه: «أمَّا بعد فخذ حسينا وعبد الله بن عمر وعبد الله ابن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتي يبايعوا والسلام...»((2))، فضلاً عن ذلك أنّ السلطة الأموية قد أقدمت فعلاً علي قتل الإمام الحسين(عليه السلام) ومن ثَمَّ أسر عياله وسبيهم، وبالتالي فإنّ هذا الإحتمال لا يمكن أنْ يصمد أمام المنطق العقلي والتاريخي.
ص: 350
ت - الاحتمال الثاني: إنّ والي المدينة الوليد بن عتبة كان متعاطفاً مع الإمام الحسين(عليه السلام)، وقد خالف أوامر السلطة العليا المتمثلة بيزيد بن معاوية، وغضَّ النظر عن خروج الإمام(عليه السلام) بدون أيّ عرقلة أو اعتراض لطريقه، ورفض مقترح مروان ابن الحكم القاضي بقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، بقوله له: «إنَّك اخترت لي التي فيها هلاك ديني، والله ما أحبُّ أنَّ لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وأنّي قتلت حسينا، سبحان الله أقتل حسيناً إن قال لا أبايع؟ والله إنِّي لأظنُّ امرءاً يُحاسب بدم حسين لخفيف الميزان عند الله يوم القيامة»((1)) لكن هذا الإحتمال ضعيف لعدَّة أسباب منها: إنّ التاريخ لم يورد لنا أنَّ والي المدينة كان متعاطفاً معأهل البيت، أو محباً لهم بحبِّ العقيدة والإيمان، نعم لعله لا يريد أنْ يتورط بقتل الإمام الحسين(عليه السلام) كما يُستشفُّ ذلك من الرواية، لكن هذا غير كافٍ كي يخالف الوالي أوامر السلطة العليا في دمشق، ولو تعاطف مع الركب الحسيني وسمح لهم بالخروج لحدَّثنا التاريخ بذلك، كلُّ ذلك يجعل هذا الإحتمال ضعيفاً.
ب - الاحتمال الثالث: إنّ الإمام الحسين(عليه السلام) كان يمتلك قوة بحيث تمنع السلطة الحاكمة في المدينة من اعتراضه، ولعلَّ هذا الإحتمال هو الأكثر ترجيحاً وقبولاً، لاسيما وأنَّ التعليمات لدي سلطة المدينة تسمح لها باستعمال القوة والشدة مع الإمام الحسين كما بيَّنه كتابُ يزيد أعلاه، لكن لم تستعملها؛ هذا ما يفسِّر سلوك الركب الحسيني الطريق الأعظم؛ إذ لو كان الإمام الحسين(عليه السلام) لا يمتلك قوة لقضت سلطة المدينة علي الركب الحسيني وقائده الإمام الحسين(عليه السلام) مباشرة، بوصفه معارضاً سياسياً للحكم الأموي، ويشكِّل خطراً عليها في حال خروجه من المدينة، لكن ذلك لم يحدث.
ص: 351
ومما تجدر الإشارة إليه أنَّ السلطة الأموية قد استعملت القوة العسكرية ضدَّ أهل المدينة في واقعة الحرَّة سنة (63ﻫ/682م) مع أنَّ المعارضين للحكم كانوا بحدود ألف شخص، إلا أنَّها قضت عليهم وقتلت أعداداً كبيرة منهم((1))، فمن المنطقي إذ لوكان عدد الذين خرجوا مع الإمام الحسين(عليه السلام) قليلاً لاتخذت معهم السلطة الأموية الموقف ذاته الذي اتبعته مع أهل المدينة، وقضت عليهم قبلخروجهم بوصفهم معارضين للسلطة الحاكمة.
وفضلاً عن ذلك هنالك قرينة أخري تدلُّ علي أنَّ سلطة المدينة كانت عاجزة سياسياً وعسكرياً عن مواجهة الركب الحسيني؛ لكونها قد لجأت إلي إرسال الجند لإلقاء القبض علي عبد الله بن الزبير، حينما وصلتها أخبار هروبه عبر سلوكه طريق الأفرع، إلا أنَّها لم تستدلَّ عليه((2))، فلو كان الركب الحسيني بموقف الضعف وفي متناول السلطة لمنعته من الخروج، وألقت القبض علي أفراده جميعاً.
يورد أبو مخنف عدَّة روايات تخصُّ سفير الإمام الحسين(عليه السلام) وطريقة دخوله الكوفة وغيرها من الأحداث، لكن استوقفتنا بعض الروايات التي تثير الشكَّ بعدم واقعيتها وحقيقتها، منها:
ص: 352
أورد أبو مخنف رواية الدليلين وهذا نصُّها: «ثم دعا مسلم بن عقيل فسرَّحه مع قيس بن مسهر الصيداوي وعمارة بن عبيد السلولي، وعبد الرحمن بن عبد الله بن الكدن الأرحبي، فأمره بتقوي الله وكتمان أمره واللطف فإن رأي الناس مجتمعين مستوثقين عجَّل إليه بذلك فأقبل مسلم حتي أتي المدينة فصلَّي في مسجد رسول الله(صلي الله عليه و آله) وودَّعمن أحبَّ من أهله ثم استأجر دليلين من قيس، فأقبلا به فضلَّا الطريق وجارا وأصابهم عطش شديد، وقال الدليلان هذا الطريق حتي ينتهي إلي الماء وقد كادوا أن يموتوا عطشا، فكتب مسلم بن عقيل مع قيس بن مسهر الصيداوي إلي حسين وذلك بالمضيق من بطن الخبيت أمّا بعدُ فإني أقبلت من المدينة معي دليلان لي فجارا عن الطريق وضلَّا واشتدَّ علينا العطش فلم يلبثا أن ماتا، وأقبلنا حتي انتهينا إلي الماء فلم ننجُ إلا بحشاشة أنفسنا، وذلك الماء بمكان يدعي المضيق من بطن الخبيت، وقد تطيَّرت من وجهي هذا، فإن رأيت أعفيتني منه وبعثت غيري والسلام، فكتب إليه حسين أمّا بعدُ فقد خشيت ألا يكون حملك علي الكتاب إليَّ في الإستعفاء من الوجه الذي وجَّهتك له إلا الجبن فامض لوجهك الذي وجَّهتك له والسلام عليك...»((1)).
بعد دراستنا لهذه الرواية تولَّدت لدينا عدَّة شكوك، مما يحتمل عدم واقعيتها وتعارضها مع المنطق العقلي، وهي:
أ- لماذا أقدم مسلم بن عقيل علي استئجار الدليلَين؟ وهل مسلم بن عقيل لا يعرف مسالك الطريق نحو الكوفة وأراد الاهتداء بهما للطريق؟
ب - أشارت الرواية إلي أنّ مسلم بن عقيل لم يذهب وحده إنمَّا رافقه كلٌّ من: قيس بن مسهر الصيداوي، وعمارة بن عبيد السلولي، وعبد الرحمن بن عبد الله بن
ص: 353
الكدن الأرحبي، وهؤلاء من أهل الكوفة وهم علي علم بمسالكها وطرقها بقرينة أنَّ أهل الكوفة هم من أرسلوا هؤلاء، وهذا يدلُّ علي أنَّهم كانوا في الكوفة، وهو ماأشارت إليه العديد من المصادر((1))، فما الحاجة إلي أنْ يأخذ مسلم معه دليلين مع وجود من يدلُّه إلي طريق الكوفة؟
ت - لم تحدّد الرواية هوية هذين الدليلَين، من هما؟ وإنّما اكتفت بالقول من (قيس) علي حين زاد عليها ابن أعثم بقوله من«قيس عيلان»((2))، وبكلا الروايتين يُعدُّ الدليلان مجهولان غير معروفين، وهذا يعزِّز من ضعفها وارتباكها تاريخياً واحتوائها علي ثغرات.
ث - لماذا ضلَّا الطريق ولم يعرفاه؟ والمعلوم أنّ الأدلّاء لهم خبرة واضحة في الطرق والمسالك ويحفظانها جيداً.
ج - والإشكال الآخر: إنَّ الرواية تعزو سبب موت الدليلَين إلي العطش، والسؤال لماذا لم يمُتْ من كان معهما أمثال مسلم بن عقيل ورفاقه؟ ثم هل من المعقول أنْ يموت كلاهما؟ ثُمَّ هل بُعد المسافة التي قطعها الدليلان كافية لموتهما؟ يتطلب هذا الأمر أن تكون المسافة طويلة جداً، ومن المفترض أنْ يموت رفاق السفرة جميعاً دون تمييز بينهم.
ح - أمّا رواية الكتاب الذي أرسله مسلم إلي الإمام الحسين(عليه السلام) ليعلمه بخبر موت الدليلَين وتطيّره من ذلك، فينقدها أحد الباحثين بقوله: «إنّ الإمام اتهم مسلماً - في رسالته - بالجبن، وهو يناقض توثيقه له من أنه ثقته وكبير أهل بيته، والمبَّرز
ص: 354
بالفضل عليهم، ومع اتصافه بهذه الصفات كيفيتَّهمه بالجبن، ثمَّ إنَّ اتهام مسلم بالجبن يتناقض مع سيرته، فقد أبدي هذا البطل العظيم من البسالة والشجاعة النادرة ما يبهر العقول فإنَّه حينما انقلبت عليه جموع أهل الكوفة قابلها وحده من دون أن يعينه أو يقف إلي جنبه أيُّ أحد، وقد أشاع في تلك الجيوش المكثفة القتل مما ملأ قلوبهم ذعرا وخوفا، ولما جيء به أسيراً إلي ابن زياد لم يظهر عليه أيُّ ذلٍّ أو انكسار، إنَّ هذا الحديث من المفتريات الذي وضع للحطِّ من قيمة هذا القائد العظيم الذي هو من مفاخر الأمة العربية والإسلامية»((1)).
ويمكن أنْ نضيف إلي ذلك أنّ الرواية لم تُشِرْ إلي أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) كان علي علم باستئجار الدليلين، وعليه فإنَّ مسلم هو من عمل ذلك، ولم يُشر عليه الإمام بهذا الأمر، وهذا يخالف طاعة مسلم لإمامه وسيده، ففي سياق الرواية أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) لا علم له بالدليلين، ولم يكلِّف مسلم باصطحابهما، بقرينة قول مسلم للإمام: «أمّا بعد فإنِّي أقبلت من المدينة معي دليلان... »، اذاً ما الداعي إلي أنْ يرسل مسلم كتاباً إلي الإمام ليبلغه بموت الدليلَين وتشاؤمه من ذلك، ولكن قد يُفسَّر ذلك بإنّ مسلماً بكتابه إلي الإمام الحسين(عليه السلام) قد أبلغه باستئجار دليلَين؛ ليرشداه الطريق، ولو كان الإمام الحسين(عليه السلام) علي علم بالدليلَين لأرسل كتاباً يسأله فيه عن حالهما. لكن الكتاب جاء ليوجِّه الإتهام لمسلم بالجبن والتراجع دون التطرق لموضوع الدليلَين، أو حتي السؤال والإستفسار عنهما.
ويضيف أحد الباحثين تشكيكاً آخر بقوله: «إنَّ مضيق الخبت يقع بين مكة والمدينة كما ذكره الحموي، وقد نصَّت الرواية علي أنَّه استأجر دليلينمن المدينة، وخرجوا من المدينة إلي العراق وأنَّه راسل الإمام من مضيق الخبت وذكر ما حلّ
ص: 355
بالدليلين، أي قبل وصوله إلي المدينة، وهذا تناقض واضح، فكيف يستأجر مسلم الدليلين وهو لم يكن قد التقي بهما أصلاً؛ لأنَّه لم يصل إلي المدينة بعد... لو سلَّمنا أنَّ هناك مكاناً يُسمَّي مضيق الخبت يقع ما بين المدينة والكوفة لم يذكره الحموي، فإنَّ السفر منه إلي مكة لمقابلة الإمام يستوعب زماناً يزيد علي عشرة أيام، في حين أنَّ سفر مسلم من مكة إلي العراق مع مروره بالمدينة وتوديعه أهله قد حدَّده المؤرخون بعشرين يوماً، وهي أسرع مدة يقطعها المسافر، فإذا استثنينا مدَّة سفر رسول من ذلك المكان ورجوعه إليه وهو يقارب عشرة أيام علي الأقلّ فيكون مجموع المدة في سفر مسلم عشرة أيام، ويستحيل أن يقطع الطريق من مكة إلي الكوفة بعشرة أيام»((1)).
وتجدر الإشارة هنا إلي اضطراب المصادر في تحديدها للشخصية التي بعث معها مسلم بن عقيل(عليه السلام) الكتاب ليبلِّغ الإمام الحسين(عليه السلام) بخبر موت الدليلَين وتراجعه عن مهمته، إذ ذكر الدينوري بأنَّ مسلم بن عقيل(عليه السلام) استأجر رسولاً ليبلِّغ الإمام(عليه السلام) بذلك دون أن يحدِّد لنا هويته((2)) في حين لم يصرِّح كلٌّ من البلاذري((3)) وابن أعثم((4)) وابن الجوزي((5)) وابنالأثير((6)) والذهبي((7)) وابن كثير((8)) وابن خلدون((9)) باسم الواسطة التي بموجبها أبلغ مسلم بن عقيل الكتاب للإمام(عليه السلام)، بينما حدَّده كلٌّ من
ص: 356
الطبري((1)) والمفيد((2)) بأنَّه قيس بن مسهر الصيداوي، ولعلَّ هذا الإختلاف كاشف عن ضعف الرواية واضطرابها.
وفيما يخصُّ سندها وجدنا أبا مخنف يسندها إلي أبي المخارق الراسبي((3)) (وهو لم يكن شاهد عيان للحدث أو معاصراً له)، ولم يُشِر أبو المخارق إلي مصدر حصوله علي المعلومات، وَمنْ هي الشخصية التي نقل عنها تلك الرواية؟ وما مدي مصداقيتها؟ وعليه فإنَّ هذه الرواية تُعدُّ ضعيفة ومشكوكاً بصحتها، بعد أن بيَّنا مواطن ضعفها من ناحية السند والمتن، وإنَّها لا تمتُّ للحقيقة بصلة، ولعلَّ المراد من وضعها للنيل من شخصية مسلم بن عقيل(عليه السلام)، والتقليل من دوره في الثورة الحسينية.
هناك تعارض بين بعض الروايات من ناحية تطبيقها علي أرض الواقع، فمثلاً إنّ الإمام الحسين(عليه السلام) حينما أرسل سفيره مسلم بن عقيل(عليه السلام) إلي الكوفة؛ لدراسة أوضاعها وتقييمها أوصاه بعدَّة أمور، منها: «تقوي الله وكتمانأمره واللطف، فإن رأي الناس مجتمعين مستوثقين عجَّل إليه بذلك»((4)) نلاحظ أنّ الوصية واضحة وأشارت إلي كتمان الأمر، وأنْ يكون بشكل سري ومنظَّم وبعيداً عن أنظار السلطة الحاكمة؛ لكي لا يُكشَف الأمر في البداية ويفشل التخطيط الذي خطَّط له الإمام
ص: 357
الحسين(عليه السلام)، وأمر مسلم بن عقيل برسمه وتطبيقه في الميدان.
نستخلص من خلال المقارنة التاريخية بين رواية الوصية للإمام الحسين(عليه السلام) وبين الإشارات التي وردت في بعض الروايات، أنّ نشاط مسلم في الكوفة لم يكن بمستوي الوصية، ولم يلتزم بالسريَّة والكتمان في التنظيم الثوري وفي دراسته لوضع الكوفة، الأمر الذي ترتَّب عليه التشكيك بتلك الإشارات الروائية من جهة، واحتياج بعضها إلي التفسير والتوضيح؛ لكي يستقيم المعني وتتضح الحقيقة الروائية من جهة أخري، ومن تلك الإشارات التي أوردها أبو مخنف هي: «أقبل مسلم حتي دخل الكوفة فنزل دار المختار بن أبي عبيد، وهي التي تدعي اليوم دار مسلم بن المسيب، وأقبلت الشيعة تختلف إليه فلما اجتمعت إليه جماعة منهم قرأ عليهم كتاب حسين فأخذوا يبكون...»((1)) وكذلك قول أبي مخنف: «واختلفت الشيعة إليه حتي عُلِم مكانه فبلغ ذلك النعمان بن بشير»((2))، أو كتاب يزيد بن معاوية إلي واليه عبيد الله بن زياد والذي نصُّه: «كتب إليَّ شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أنّ ابن عقيل بالكوفةيجمع الجموع لشقِّ عصا المسلمين فَسِرْ حين تقرأ كتابي هذا حتي تأتي أهل الكوفة، فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتي تثقفه، فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام»((3)).
أمّا الرواية الأخري فتخصُّ عدد الذين بايعوا مسلماً ونصُّها: «وقد بايعه ثمانية عشر ألفا، وفي الدور أربعة آلاف رجل، فقال لي نادِ يا منصور أمت، فناديت يا منصور أمت وتنادي أهل الكوفة فاجتمعوا إليه...»((4)).
ص: 358
ومن خلال عرضنا لهذه الروايات نتساءل هل عبارة (أقبلت الشيعة إليه) أو (اختلفت الشيعة إليه) تشير إلي أنّ الشيعة كانت تأتي وبجماعات كبيرة وتدخل الدار التي كان يتواجد فيها مسلم لتعلن ولاءها وبيعتها له؟ وجوابنا علي ذلك تدلُّ عليه قرينة سياق الروايات أعلاه، فضلاً عن ذلك أنّ كتاب يزيد بن معاوية يدلُّ علي أنَّ أمر مسلم بن عقيل ومبايعته من قبل الشيعة كان معلناً للجميع وحتي السلطة الحاكمة علي علم بذلك، وهذا يشير إلي أنّ مسلم بن عقيل لم يتبع الأسلوب السري في تنظيم الثوار لدراسته لأوضاع الكوفة، ومن المؤكَّد أنَّ هذا يتعارض مع وصية الإمام الحسين(عليه السلام) لمسلم بضرورة الكتمان والسرية في نشاطه السياسي.
ويرد إشكال آخر هو:بعد أن عرفنا أنّ نشاط مسلم بن عقيل(عليه السلام) كان بشكل علني، وأنَّ السلطة أو أتباعها قد علموا بذلك، فلماذا يطلب يزيد من واليه أن يبحث عن مسلم كالبحث عن (الخرزة)؟ ولعلَّ سبب تعبير يزيد عن مسلم بالخرزة يدلُّ علي أنّ أمر مسلم مخفي، ومكانه غير محدَّد ولم يطلع عليه أحد. اذاً هناكتناقض في الروايات، كيف علمت السلطة بإنَّ مسلماً يجمع الجموع ويهيئها، وأنَّ الشيعة تختلف اليه؟ وبعدها تطلب البحث الدقيق عنه والتي وصفته كالبحث عن الخرزة؟
نستنتج من الروايات أعلاه أنَّ مسألة تحديد مكان مسلم لدي السلطة الحاكمة لم يكن أمراً معلوماً إطلاقاً، وإنّ توافد الشيعة عليه لم يكن علنياً، وأمره لم يُكشَف بشكل علني، وإنَّما اتبع الوصية وتقيَّد بها والتي تدعوه إلي العمل بشكل سري ومنظَّم ودقيق.
أمّا الأعداد الكبيرة التي بايعت مسلم بن عقيل التي أشارت إليها الرواية، فيُحتمل أنْ يكون الزعماء والقادة وأشراف القوم هم من بايعوا سفير الحسين(عليه السلام) نيابة عن عشائرهم، والأفراد الواقعين تحت سلطتهم وإدارتهم وزعامتهم، أي أنَّه ليس مَن ذكرتهم الرواية المبايعين لمسلم هم الذين جاؤوا بأشخاصهم، وإنمَّا جاءت
ص: 359
قياداتهم نيابة عنهم فبايعت مسلماً(عليه السلام).
ولعلَّ مسألة (نشاط معقل وتجسّسه علي مسلم) تدلُّ علي أنَّ السلطة الحاكمة لم تحدِّد مكان مسلم، فلجأت إلي استعمال الجهد الإستخباري في الكشف عن مكانه، وهذا يتعارض مع الروايات التي أشارت إلي أنَّ الشيعة كانت تتوافد علي مسلم بن عقيل، وأنَّ أمره يعرفه الجميع، في المقابل هناك عدَّة استفسارات نثيرها ضدَّ معقل ونشاطه التي تجعل رواياته ودوره في دائرة الشكِّ والضعف، وقبل الإشارة إلي تلك الإنتقادات لا بدّ من إيراد نصِّ الرواية وهو: «دعا ابن زياد مولي يُقال له معقل، فقال له:خذ ثلاثة آلاف درهم، ثم اطلب مسلم بن عقيل واطلب لنا أصحابه، ثمَّ أعطهم هذه الثلاثة آلاف، فقال لهم:استعينوا بها علي حرب عدوكم وأعلمهم أنَّك منهم فإنَّك لو قد أعطيتها إياهم اطمأنوا إليك، ووثقوا بك، ولم يكتموك شيئا من أخبارهم ثم اغدُ عليهم ورُحْ،ففعل ذلك فجاء حتي أتي إلي مسلم بن عوسجة الأسدي من بني سعد ابن ثعلبة في المسجد الأعظم وهو يصلي، وسمع الناس يقولون إنَّ هذا يبايع للحسين، فجاء فجلس حتي فرغ من صلاته، ثم قال يا عبد الله إنِّي امرؤ من أهل الشام مولي لذي الكلاع أنعم الله عليَّ بحبِّ أهل هذا البيت وحبِّ من أحبَّهم فهذه ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم، بلغني أنَّه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله(صلي الله عليه و آله) وكنت أريد لقاءه فلم أجد أحداً يدلُّني عليه ولا يعرف مكانه، فانِّي لجالس آنفا في المسجد إذ سمعت نفراً من المسلمين يقولون هذا رجل له علم بأهل هذا البيت، وإنِّي أتيتك لتقبض هذا المال وتدخلني علي صاحبك فأبايعه، وإن شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه...»((1))، ومن أبرز الإنتقادات والإشكالات التي توجَّه لهذه الرواية هي:
ص: 360
أ- من خلال سياق الرواية يُستشفُّ أنّ السلطة الحاكمة لم تعرف مكان مسلم بن عقيل ولا تحركاته ونشاطه السياسي في الكوفة، وقد أشار الدينوري بشكل صريح إلي هذا المعني قائلاً: «إنّ عبيد الله بن زياد خفي عليه حديث مسلم، دعا مولي يُقال له معقل فأعطاه أربعة آلاف درهم... وأمره بحسن التوصُّل إلي من يتولي البيعة»((1))، وهذا النصُّ صريح من أنّ أمر مسلم كان مخفياً عنالسلطة، الأمر الذي دفعها إلي بثِّ الجواسيس في الأوساط العامة لكشف مكانه، ويُستدلُّ علي ذلك بالكتاب الذي أرسله الوالي عبيد الله بن زياد إلي يزيد ابن معاوية بشأن قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة، والذي أشار فيه إلي صعوبة كشف أمر مسلم، ونصُّ ذلك «إنَّ مسلم بن عقيل لجأ إلي دار هانئ بن عروة المرادي، وإنِّي جعلت عليهما العيون ودسست إليهما الرجال وكدتهما حتي استخرجتهما»((2))، فعبارة استخرجتهما تشير إلي تنظيمهم وسرية عملهم، الأمر الذي جعل الروايات التي أشارت إلي توافد الشيعة إليه وعلنية تنظيمه، وأخذ البيعة من الشيعة بشكل علني وأمام أنظار عامة الناس، كلُّ هذه لا نصيب لها من الصحة.
ب - إذا كانت السلطة الحاكمة تعرف الشخصيات المقرَّبة من مسلم بن عقيل أمثال مسلم بن عوسجة، وهي من أرسلت معقل للتجسس عليهم، فلماذا لم تُلقِ القبض علي مسلم بن عوسجة؟ وبحسب الرواية فإنّ الجميع يعرف مسلم بن عوسجة يبايع للإمام الحسين(عليه السلام).
ص: 361
ت - حدَّد معقل لمسلم بن عوسجه (أنَّه رجل من أهل الشام)، والمعروف أنَّ أهل الشام كانوا من أشياع وأتباع بني أمية وإنْ لم يكن جميعهم، إلا أنَّ الغالب عليهم ميول أموية بحكم سياسة ودهاء معاوية بن أبي سفيان فيهم((1))، فكيف لميتوخَّ ابن عوسجة الحذر والتدقيق في هويته وميوله وتوجّهاته؟ أو علي أقل تقدير يسأله ويستفسر منه؛ لكي يطمئن إليه ويثق به، لكن ذلك لم يحصل وإنَّما اطمئن إليه ابن عوسجة بمجرد أخذ المواثيق ومن ثَمَّ الإطمئنان منه، وهذا ما يثير الشكَّ في هذه الرواية؛ إذ كيف اطمأنَّ مسلم بن عوسجة كلَّ هذا الإطمئنان بعد أن أخبره أنَّه من أهل الشام؟
ث - لماذا أصَرَّ معقل علي الدخول ومقابلة مسلم بن عقيل؟ ولِمَ لم يشكَّ ابن عوسجة في ذلك؟ ولِمَ لم يستلم الأموال منه دون أنْ يسمح له بمقابلة مسلم بن عقيل؟
ج - أشارت الرواية إلي أنّ معقل قدَّم أموالاً لابن عوسجة، ونحن نتساءل ماذا يفعل ابن عوسجة بالأموال؟ ولماذا لم تحدِّثنا المصادر عن إقدام مسلم بن عقيل وأعوانه علي استلام أموال من الشيعة الذين بايعوه؟ وهل كان محتاجاً للأموال في تمويل تنظيمه؟ ولماذا استلمها ابن عوسجة من معقل فقط؟ ثم ماذا يفعل مسلم بن عقيل في الأموال؟ وما مدي مساحة تحرُّكه التي كانت ضيقة وهو مراقَب من قبل السلطة والجميع يبحث عنه؟ قد يُحتمل أنّ مسلماً كان يريد الأموال لشراء السلاح، وهذا احتمال ضعيف لكون عملية شراء السلاح وتوزيعها علي المقاتلين تحتاج وقتاً، إذا أخذنا بنظر الإعتبار أنّ مسلماً ينوي التحرُّك العسكري ضدَّ السلطة الحاكمة في
ص: 362
الكوفة ومن ثم إسقاطها، مع العلم أنَّ إسقاط الكوفة عسكرياً يتعارض مع تعليمات الإمام الحسين(عليه السلام) الرامية إلي التعامل بالسرية والكتمان ودراسة أوضاع الكوفة وتقييمها، ولم يرد في توجيهات الإمام لمسلم باستعمال الأسلوب العسكري لإسقاط الكوفة، لذا يكون هذا الإحتمال مستحيلاً لتعارضه مع بعض الروايات التي أوردناها آنفاً.
ح - يضاف إلي ذلك أنّ المبلغ المالي الذي دفعه معقل إلي مسلم بن عوسجةاختلفت المصادر في تحديد مقداره، فذكرت بعض المصادر أنّ مقداره ثلاثة آلاف درهم((1))، علي حين ذكر ابن نما أنّ مقداره أربعة آلاف درهمٍ((2))، وعلي كلا الرقمين فإنَّ المبلغ لا يشكِّل أهمية مالية لتمويل حركة ثورية عسكرية تنوي إسقاط سلطة الكوفة بحسب فرضية الإحتمال العسكري، وعليه فإنَّ المبلغ المالي الذي استلمه ابن عوسجة من معقل لا قيمة له وفق الحسابات العسكرية، ومن ثَمَّ لا داعي أنْ يغترَّ به ابن عوسجة ليستلمه من معقل الذي أصبح من أصدقائه الخلص، والذي اطَّلع علي كلِّ الأسرار والمعلومات بسرعة لا يمكن تصوُّرها أو توقعها إلا نتيجة قلة خبرة وحنكة سياسية، وعدم المعرفة بأمور السياسة والتنظيم الثوري من قبل مسلم بن عقيل وأتباعه والمقربين منه.
خ - والذي يثير الشكَّ ماذا يفعل مسلم بن عوسجة بالمسجد، والوضع بالكوفة مضطرب أمنياً وسياسياً، وهو شخصية معروفة لها مكانة في المجتمع ومن كبار قيادات الشيعة؟
ص: 363
بعد أنْ بيَّنا نقاط الضعف والإشكالات حول (نشاط معقل) نضيف إشكالاً آخر، له أهمية كبري في جعل تلك الروايات موضع الشكِّ والنقد، ألا وهو مَن هو معقل؟ وما اسمه الكامل؟ وما هي شخصيته؟ ومن أين جاء؟ وما دوره؟ هذا ما لم تجبنا عنه كتب التراجم وكتب التاريخ المتوافرة لدينا، فضلاً عن ذلك أنّ شخصية معقل مُبهمة وغير معروفة، ولم نعرفْ عن تاريخها شيئاً سوي ما ورد عنه في حدود الرواية التي أوردناها، والتي تتعلَّق بتجسّسه علي مسلم بن عقيل بعد تكليفه من قبلالسلطة الحاكمة في الكوفة كما أشارت إليه الرواية.
- الرواية تصوِّر مسلم بن عوسجة بأنّه أُغري وانخدع بالأموال وأنّ همَّه الحصول عليها، مما أوقعه في شباك تجسس السلطة الحاكمة، وهذا لا ينسجم ولا يتوافق مع شخصية وعقيدة مسلم بن عوسجة إطلاقاً.
- تحاول الرواية أنّ تحمِّل مسلم بن عوسجة مسؤولية مقتل مسلم بن عقيل، وكشف تحركه ونشاطه السياسي، وأنّ الإثنين لا يصلحان للحكم وإدارة القيادة السياسية.
كلّ تلك الإنتقادات والتساؤلات تجعلنا نشكِّك بدور ونشاط معقل وطريقة خداعه لمسلم بن عوسجة، وسرعة إطمئنان الأخير إليه، وإفشاء الأسرار التنظيمية له وإطلاعه عليها؛ لذا نعدُّها من الروايات الموضوعة للنيل من شخصيات الشيعة المقرَّبة من الإمام الحسين(عليه السلام) التي كان لها دور في النهضة الحسينية أمثال سفير الإمام مسلم بن عقيل وأحد مقربيه وخواصَّه مسلم بن عوسجة.
ب - تناول أبو مخنف قصة مسلم بن عقيل(عليه السلام) بتفصيل واسع، وقدَّم تفاصيل دقيقة عن تلك الحادثة، منها ما يتعلَّق بإلقاء القبض عليه، والأمان الذي أُعطي له، وأخذه أسيراً للقصر، وطريقة قتله منها:
ص: 364
نقل الطبري عن أبي مخنف رواية تخاذل وغدر المبايعين لمسلم بن عقيل(عليه السلام) حتي أصبح وحيداً، ونصُّ الرواية: «قال أبو مخنف فحدثني المجالد بن سعيد أنَّ المرأة كانت تأتي ابنها أو أخاها فتقول انصرف؛ الناس يكفونك، ويجيء الرجل إلي ابنه أو أخيه فيقول غدا يأتيك أهل الشأم فما تصنع بالحرب والشر انصرف، فيذهب به، فما زالوا يتفرَّقونويتصدَّعون حتي أمسي ابن عقيل وما معه ثلاثون نفسا في المسجد، حتي صليت المغرب فما صلَّي مع ابن عقيل إلا ثلاثون نفسا، فلما رأي أنَّه قد أمسي وليس معه إلا أولئك النفر خرج متوجها نحو أبواب كندة، فلما بلغ الأبواب ومعه منهم عشرة، ثم خرج من الباب وإذا ليس معه إنسان، والتفت فإذا هو لا يحسُّ أحدا يدلُّه علي الطريق ولا يدلُّه علي منزل، ولا يواسيه بنفسه إن عرض له عدوٌّ، فمضي علي وجهه يتلدَّد في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب حتي خرج إلي دور بني جبلة من كندة، فمشي حتي انتهي إلي باب امرأة يقال لها طوعة... فسلَّم عليها ابن عقيل فردَّت عليه، فقال لها يا أمة الله اسقيني ماءً فدخلت فسقته، فجلس وأدخلت الإناء ثم خرجت فقالت يا عبد الله ألم تشرب؟ قال بلي قالت فاذهب إلي أهلك فسكت، ثم عادت فقالت مثل ذلك فسكت، ثم قالت له... يا عبد الله فمر إلي أهلك عافاك الله فإنه لا يصلح لك الجلوس علي بابي ولا أحلُّه لك، فقام فقال يا أمة الله مالي في هذا المصر منزل ولا عشيرة فهل لك إلي أجر ومعروف ولعلي مكافئك به بعد اليوم؟ فقالت يا عبد الله وما ذاك؟ قال أنا مسلم ابن عقيل كذبني هؤلاء القوم وغرُّوني، قالت أنت مسلم؟ قال نعم، قالت ادخل، فأدخلته بيتا في دارها غير البيت الذي تكون فيه...»((1)).
لعلَّ دراسة هذا النصِّ بشكل متمعن ودقيق يكشف لنا عدَّة ملاحظات نقديه وإشكالات تاريخية، منها:
ص: 365
1- السند الروائي للنصِّ: نقله أبو مخنف عن طريق المجالد بن سعيد، وهنا لا بدّ من التركيز حول مدي وثاقة المجالد في كتب الجرح والتعديل وغيرها؛ للاطمئنانعلي نقله للروايات:
أ- البخاري (ت 256ﻫ/858م)، قال عنه: «مجالد بن سعيد بن عمير الكوفي كان يحيي القطان يضعِّفه، قال أحمد بن سليمان عن إسماعيل مجالد مات سنة أربع وأربعين ومائة وقال أحمد بن حنبل مجالد ليس بشئ»((1)).
ب - العقيلي (ت 322ﻫ/924م): «مجالد... ضعيف»((2)).
ت - ابن حبان (ت 354ﻫ/956م): «مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني، من أهل الكوفة... روي عنه أهل العراق مات سنة ثلاث أو أربع وأربعين ومائة، وكان رديء الحفظ، يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل لا يجوز الاحتجاج به»((3)).
ث - الجرجاني (ت 365ﻫ/967م): «مجالد بن سعيد بن عمير ذي مران ضعيف»((4)).
ج - ابن النديم (ت 438ﻫ/1040م): «مجالد بن سعيد بن عمير، من همدان ويكني أبا عمير.. وكان ضعيفاً عند المحدثين، وتوفي سنة أربع وأربعين ومائة»((5)).
نستنتج - من خلال تقييم النصوص هذه لمجالد بن سعيد - أنَّه لا يتمتع بالوثاقة والأمانة في النقل التاريخي، فضلاً عن ذلك أنّ تاريخ وفاته سنة مائة وأربع وأربعينللهجرة، وعمره ستٌّ وتسعون سنة((6))، وهذا يكشف لنا أنّ مجالد لم يعاصر أحداث
ص: 366
واقعة الطف، وإنَّما نقلها عن طريق وسطاء، وهذا لم يكشفه لنا في سنده الروائي، فمن هم الذين نقل عنهم هذه الرواية؟ وما قربهم من واقعة الطف؟ هل هم شهود عيان أولا؟ كلُّ هذه التحليلات والأسئلة تجعل الرواية ضعيفة ومشكوكاً بصحتها.
2- إنّ الرواية تشير إلي أنَّ سبب تفرُّق أنصار مسلم بن عقيل(عليه السلام) يرجع إلي الدعاية التي بثَّتها الدولة الأموية، بقدوم جيش الشام((1))، فيرجع عامل تفرُّق هؤلاء الأنصار إلي العامل العسكري، وليس إلي عامل الغدر والخيانة - علي فرض صحة الرواية -.
3- هل من المعقول أن يتفرَّق العدد الكبير من هؤلاء الأنصار إلي درجة لم يبقَ منهم أحد، لمجرد وجود إشاعة بقدوم جيش الشام؟ أوليس لهم مقدرة عسكرية لمواجهتم؟ فلماذا خرجوا مع مسلم؟ أولم يعلموا أنَّ خروجهم تشوبه الأخطار لكي يتراجعوا؟ .
4- إنّ الرواية أوردت أرقاماً دقيقة لا يمكن تسجيلها إلاّ بوجود شخص ما، كان يراقب بشكل دقيق تحركاتهم ويدوِّنها علي الفور، من قبيل ذكر عددهم في أول الأمر ثلاثين، ثم أصبح عددهم عشرة وبعدها لم يبقَ أحد، فيا تري من وثَّق هذه الأرقام؟ وكيف تحقَّقوا من صحتها؟
5- كيف استطاع الراوي أنْ يعرف ويتابع تحركات مسلم من تفرُّق أنصاره حتي وصوله دار (طوعة)؟ هل كان هذا الراوي أو الناقل لهذا النص يراقبه؟ فإنَّ تلك التفاصيل من المؤكَّد تحتاج إلي من تكون مهمته فقط مراقبة مسلم ورصدتحركاته، فكيف حصل ذلك؟
ص: 367
6- لماذا لم تْقِدْم السلطة الحاكمة علي اعتقال مسلم عندما كان في المسجد ومعه ثلاثون رجلاً فقط؟ وهذا الرقم لا يشكِّل أيّ خطر عسكري ضدَّ السلطة الأموية، وبإمكانها السيطرة عليهم بسهولة، لا سيما أنّهم لم يكونوا في الوضع والإستعداد العسكري، حيث كانوا في المسجد، أو عندما خرج من المسجد أوعندما يتلدَّد في أزقة الكوفة - بحسب تعبير الرواية.
أضف إلي ذلك تشكيك أحد الباحثين بتلك الرواية بقوله: «كيف يستطيع مسلم ابن عقيل أنْ يخرج بمفرده وجواسيس ابن زياد تلاحقه؟ فكيف غفلوا عنه؟ ويخرج سائرا في أزقة الكوفة ولا يعرفه أحد»((1)).
7- ثم كيف اطمأنَّ مسلم بن عقيل(عليه السلام) لطوعة ودخل بيتها؟ وكيف تأكَّد من كونها موالية لآل البيت(عليهم السلام) وأفشي سرَّه لها وكشفه؟ ولمَ لم يجعلْ في ذهنه احتمال كونها من الموالين لآل أمية، وكلُّ هذا قد جري في باب دار طوعة، إنّ هذا يتعارض مع بقية الرواية التي أشارت إلي خوفه وهروبه من السلطة والبحث عن مكان آمن.
8- اورد ابن قتيبة رواية - وإن انفرد بها عن الرواية التقليدية للمقتل - بخصوص مسلم بن عقيل(عليه السلام) واستشهاده، تنفي بشكل كامل وقطعي وجود شخصية طوعة وإيوائها لمسلم بن عقيل(عليه السلام)، وكامل تفاصيل رواية أبي مخنف آنفة الذكر، التي أشارت إلي دخول مسلم بن عقيل بعد تفرُّق أنصاره عنه إلي دار هانئ ابن عروة، ثم إعلام السلطات بمكانه واقتحامه، ومن ثَمَّ أسره بعد مقاومتهلهم(عليه السلام)((2)) ومن الجدير بالذكر أن ليست كلُّ رواية منفردة تعتبر غير صحيحة أو لا يمكن قبولها، اللهمَّ إلّا إذا كانت تتعارض مع العقل والمنطق.
ص: 368
عند مقابلة هذه الرواية مع بقية المصادر الأولية الأساسية، ينتج مايلي:
أ - رواية عمار الدهني التي نقلها الطبري((1))، ونصُّها: «أشرفوا علي عشائرهم فجعلوا يكلمونهم ويردونهم فجعل أصحاب مسلم يتسلَّلون حتي أمسي في خمسمائة، فلما اختلط الظلام ذهب أولئك أيضاً، فلما رأي مسلم أنَّه قد بقي وحده يتردَّد في الطرق حتي أتي بابا فنزل عليه، فخرجت إليه امرأة فقال لها: اسقيني، فسقته ثم دخلت فمكثت ما شاء الله، ثم خرجت فإذا هو علي الباب، قالت: يا عبد الله إن مجلسك مجلس رِيبة فقم، قال: إني أنا مسلم ابن عقيل فهل عندك مأوي؟ قالت نعم ادخل...»((2))، تختلف هذه الرواية عن خبر أبي مخنف آنف الذكر من حيث إنَّها مقتضبة ولم ترد فيها التفاصيل الدقيقة، فضلاً عن أنَّها اختلفت معها في عدد الذين بقوا مع مسلم ابن عقيل(عليه السلام) ومراحل تفرّقهم، يضاف إلي ذلك أنّ الرواية لم تُشِر إلي اسمطوعة، ولم تذكر المسجد وصلاة مسلم فيه، ولم تتطرَّق إلي الحديث الذي جري بين مسلم وطوعة في باب بيتها والذي فيه كشف لها أسراره الشخصية، إضافة إلي ذلك فقد تعرضنا لنص عمار الدهني بالدراسة والتحليل واتضح لنا ضعفه من ناحية السند والمتن في الفصل الأول من هذه الأطروحة.
أ - ابن حبيب (ت 245ﻫ/846م)، أورد رواية تفرُّق أنصار مسلم عنه بشكل
ص: 369
مقتضب ولم يُشر إلي المصدر الذي نقله عنه، أو الراوي الذي أوردها((1)).
ب - البلاذري، ذكرها ولم يُشر إلي مصدره الذي اعتمده في نقلها وإنَّما ذكر ذلك بصيغة مجهولة هي «قالوا»((2)).
ت - المسعودي، ذكرها دون التصريح باسم المصدر أو الراوي الذي نقلها عنه((3)).
ث - أبو الفرج الأصفهاني، هو الآخر نقلها، لكن عن طريق أبي مخنف((4)).
ج - ابن أعثم، أوردها بشكل مفصَّل((5)) وفق منهجه في ذكر مصادره في بداية حديثه عن المقتل، والتي من بينها رواية أبي مخنف((6)).
ح - المفيد، نقلها دون الإشارة إلي مصدرها أو الراوي الذي نقله عنها((7)) وهي تطابق رواية أبي مخنف.خ - الطبرسي، نقلها((8)) كما نقل بقية روايات المقتل بصيغة مجهولة بقوله: «قال أصحاب السير...»((9)).
وبعد عرضنا لجملة من المصادر التي أوردت رواية تفرُّق أنصار مسلم بن عقيل(عليه السلام)، نحصل علي جملة من النتائج منها:
ص: 370
أ - نقل هذه الرواية كلٌّ من أبي الفرج الأصفهاني - عن أبي مخنف - وابن أعثم حدَّد جملة من المصادر والرواة، منهم أبو مخنف في بداية حديثه عن المقتل.
ب - بعض المصادر نقلت عن الطبري أمثال المفيد، ومن المؤكَّد أنَّ هذه الرواية نقلها أيضاً عنه.
ت - إنّ المصادر التي أوردت هذه الرواية بصيغة مجهولة ومبهمة لم تُشر إلي مصدرها، لذا ينتج عنها أمران، الأول: إنَّها نُقلت عن أبي مخنف لكن دون التصريح باسمه، لاسيما وأنَّ جميع مؤرخي تلك المصادر قد سبقهم أبو مخنف من الناحية الزمنية، فضلاً عن ذلك تطابقها مع رواية أبي مخنف في مجمل تفاصيلها باستثناء بعض المتغيرات في الصياغة - والتي من المحتمل أن تكون من المؤرِّخ - و الأمر الثاني:تُعدُّ هذه الرواية الواردة بالصيغة المجهولة ضعيفة من الناحية التاريخية لعدم بيان مصدرها واسم راويها أو ناقلها.
ث - نستنتج من ذلك كلّه أنّ الراوي المصرِّح باسم الناقل لهذه الرواية - رواية تفرُّق أنصار مسلم بن عقيل(عليه السلام) المفصلة - هو: أبو مخنف - وأورد عمار الدهني الرواية المقتضبة -، ولم تحدِّد المصادر التي أوردت هذه الرواية بكل تفاصيلها راوياً أو ناقلاً آخر، فبعضها نقلتها عن طريق أبي مخنف نفسه، والبعضالآخر بصيغة مجهولة، والذي ينتج عن ذلك أنْ يكون أبو مخنف الراوي الأول لهذه الرواية، وبقية المصادر نقلت عنه سواء عن طريق تاريخ الطبري أو غيره، وبما أننا أوضحنا ضعف رواية أبي مخنف، فينطبق ذلك علي جميع المصادر التي أوردتها - ومن الجدير بالذكر أنَّ مُجمل المصادر التي نقلت هذه الرواية تنطبق إلي حدٍّ ما مع رواية أبي مخنف، ولم نجد اعتماد أيّ مصدر في نقله لهذه الرواية علي رواية عمار الدهني المقتضبة، وبالتالي فلا قيمة لتواترها في أغلب المصادر مادام الناقل والراوي لها واحد، وحتي إنْ وجد راوٍ آخر لها فيمكن أن تطبق عليه الإشكالات والملاحظات النقدية نفسها التي
ص: 371
طُبِّقت علي رواية أبي مخنف وعمار الدهني وتكون ضعيفة أيضاً؛ لكونه سيوردها بالتفاصيل والسياق نفسه.
كلّ تلك الأدلة والقرائن والأحداث الأخري التي تمَّ مناقشتها، تشير إلي ضعف هذه الرواية والتشكيك بصحتها، ويبدو أنّ السبب في وضعها يرجع إلي عاملين مهمين، هما:
أ - الطعن بمسلم بن عقيل(عليه السلام) - ومن الراجح أنَّها تطعن بشكل غير مباشر بالإمام الحسين(عليه السلام) لكون مسلم سفيره الذي اختاره لهذه المهمة - حيث صوَّرته الرواية بأنَّه قائد فاشل، وأنَّه هرب بنفسه خوفا من السلطة الحاكمة، وذهب يبحث عن مخبأ له للحفاظ علي حياته، علاوة علي ذلك عدم امتلاكه الخبرة في تقدير الأمور عسكرياً وسياسياً، وعدم امتلاكه أسلوباً تنظيمياً يحافظ فيه علي أنصاره ومؤيديه.
ب - الرواية تنظِّر للطعن بشيعة أهل الكوفة، وإنَّهم غدرة وخونة، بقرينة تفرُّق الأنصار عنه - وهم جلّهم من الشيعة - وإنّ مسلماً لم يجد له بيتاً يأويه في الكوفة، فلماذا لم يجد داراً من دور الشيعة تأويه؟ فاين ذهبت شيعة الكوفة؟
نصُّ الرواية: «جاء عمرو بن عبيد الله بن عباس السلمي في ستين أو سبعين من قيس حتي أتوا الدار التي فيها ابن عقيل، فلما سمع وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال عرف أنَّه قد أُتي، فخرج إليهم بسيفه واقتحموا عليه الدار، فشدَّ عليهم يضربهم بسيفه حتي أخرجهم من الدار، ثم عادوا إليه فشدَّ عليهم كذلك، فاختلف هو وبكير بن حمران الأحمري ضربتين، فضرب بكير فم مسلم فقطع شفته العليا
ص: 372
وأسرع السيف في السفلي ونصلت لها ثنيتاه، فضربه مسلم ضربة في رأسه منكرة وثنّي بأخري علي حبل العاتق كادت تطلع علي جوفه، فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق ظهر البيت، فأخذوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار في أطنان القصب، ثم يقلبونها عليه من فوق البيت فلما رأي ذلك خرج عليهم مصلتا بسيفه في السِّكَّة فقاتلهم»((1)).
ولعلَّ دراسة هذا النص بشكل دقيق يكشف لنا عن عدَّة ملاحظات نقديه وإشكالات تاريخية أبرزها:
1- النصُّ يصوّر انقلاب المجتمع الكوفي علي مسلم بن عقيل(عليه السلام) بشكل سريع وكبير - بقرينه بقائه وحده، ونحن نتساءل: أين الأعداد الغفيرة التي بايعته والتي قُدِّرتْ بالآلاف؟ وهل من المعقول لم يبقَ منهم أحد ولا حتي جماعة صغيرة تقاتل إلي جنبه، ونذكر تحليلاً مفيداً لأحد الباحثين وهو يشكِّك بهذهالحادثة بقوله: «ننفي المبالغة في تألُّب الناس ضدَّ مسلم بن عقيل(عليه السلام)، وذلك أنَّه جمع الناس في أحد الأيام كجيش محارب وزوَّدهم بالأسلحة وأمَّر عليهم الأمراء... واجتمعت الكوفة إليه برمَّتها، حتي إذا كان المساء نفسه تفرَّقوا عنه حتي بقي وحده يتلدَّد في أزقَّة الكوفة، فلما كان الصباح نفسه تألَّبوا جميعا ضدَّه وقاتلوه... هذه خريطة ذهنية غير معقولة ولئن يمكن حصولها في مدة طويلة، فلا يمكن حصولها في مدة قصيرة في عشية واحدة، فلئن كان يمكن تفرُّق الناس عنه لمدي الضغط والمكر الذي مارسه ابن زياد وأصحابه غير أنَّه لا يمكن تألُّبهم ضدَّه إلي هذه الدرجة، فإذا علمنا أنَّه كان يحارب وحده حين هجموا عليه في الدار بقصد إلقاء القبض عليه إذن لم يكن الحاكم في حاجة إلي جيش عرمرم ضدَّه مهما كان شجاعاً ومقاتلاً بارعاً...»((2)).
ص: 373
2- إنّ عدد العسكر الذي ذهب لقتاله قرابة سبعين رجلاً، ونحن نتساءل هل من المعقول أنّ سبعين رجلاً مسلحاً ومجهزاً لم يستطيعوا أنْ يسيطروا علي رجل واحد مساحة تحركه قليلة جداً كونه داخل الدار؟
3- الرواية تقول إنّ مسلماً خرج إليهم بسيفه أي من الدار، ولعلَّه لا يريد أنْ يسبِّب خراباً لدار طوعة - ولكن بعد ذلك تقول الرواية اقتحموا الدار، فإن كان مسلم قد خرج من الدار، وهو الهدف المطلوب لهم فما الداعي من اقتحامها ومسلم غير موجود فيها؟ كما أشار إلي هذا المعني ابن أعثم الكوفي((1))، ولكن قد يفسَّر تفسيراً آخر هو أنَّ مسلماً خرج من الحجرة التي كان متواجداً فيها داخل الدار،ويبدو هذا الإحتمال ضعيفاً؛ إذ كم هي مساحة دار طوعة لكي تستوعب الأعداد الكبيرة من العساكر والإقتتال في داخلها.
3- هل من المعقول أنّ مسلماً بقي يقاتل والعسكر خائف منه لاسيما بعد تعرضه لضربة بحسب الرواية «فضرب بكير فم مسلم فقطع شفته العليا وأشرع السيف في السفلي ونصلت لها ثنيتاه»؟ وكذلك تعرَّضه للرمي بالحجارة والقصب المشتعل بالنار من فوق القصر وهو لازال يقاتل، ونحن نؤكِّد بموجب الموازين الطبيعية: لا يمكن لشخص تحمل كلّ هذه الضربات وهو مستمرٌّ بالقتال.
4- ويُوجَّه انتقاد آخر مهمٌّ يتعلَّق باقتراح سلطة الكوفة بإعطاء الأمان لمسلم بعد أن قتل منهم مقتلة عظيمة علي أثر مكاتبة محمد بن الأشعث لهم وتوبيخ السلطة لهم، علماً بأنّ هذه الرواية لم يذكرها أبو مخنف في مقتله، وإنَّما أوردتها بعض المصادر((2))، ونحن نتساءل إذا كان السبعون رجلاً الذين أُرسلوا لمسلم لم يتمكنوا
ص: 374
من إلقاء القبض عليه كان الأحري بالسلطة تعزيزهم بقوات إضافيه لا أنْ تقترح الأمان، فهل عجزت كلُّ قوات السلطة لمواجهة مسلم كي تقترح فكرة الأمان؟
5- والنقطة الأهمُّ هو الإختلاف الروائي الكبير، والزيادات الروائية بين المصادر التاريخية التي لم يُشر إليها أبو مخنف في مقتله التي تتركَّز في إبلاغ محمد بن الأشعث الوالي عبيد الله بأنَّ مسلماً قد قتل منهم جماعة، واقتراح الوالي بإعطاء مسلم الأمان، ثم امتداح ابن الأشعث لمسلم بن عقيل، بقوله: «أيُّها الأمير إنَّك بعثتني إلي أسد ضرغام وسيف حسام في كفِّ بطل همام من آل خيرالأنام»((1)).
هذه الرواية ومدح ابن الأشعث لمسلم لم يذكرها أبو مخنف في مقتله، لكن أوردها ابن أعثم الكوفي((2)) دون أنْ يشيرَ إلي مصدرها وسندها، أمَّا ابن شهر آشوب((3)) فقد أوردها ضمن سياق إيراده للمقتل والذي اعتمد في سرده علي الإسناد الجمعي الذي أخذه من جملة من مشايخه أمثال أبي جعفر بن بابويه، وابن مهدي المامطيري((4)) وآخرين دون إعطاء مصدر وسند لكلِّ رواية أو بيان للطريقة التي نقل منها الرواية.
وهنا لا بدّ من القول أنّ الزيادة الروائية التي أوردتها المصادر أعلاه تُعدُّ ضعيفة من الناحية التاريخية، لكونها لم تحدِّد لنا ممن تمَّ نقل هذه الزيادات، ومن الراوي المباشر الذي نقلها، وما سندها، كلُّ ذلك يجعلنا نشكِّك بهذه الروايات؛ لعدم نقلها
ص: 375
من قبل أبي مخنف الذي يُعدُّ الراوي الأول من الناحية الزمنية لمجمل أحداث المقتل بتفاصيله الدقيقة؛ وعليه ينتج عن ذلك أنّ هناك احتمالين بشأن الروايات أعلاه هما:
- الإحتمال الأول: إنّ الروايات أعلاه وبكلِّ تفاصيلها لا صحة لها، وإنّ أصل الحادثة يكمن في أنّ مسلم بن عقيل(عليه السلام) تمَّت محاصرته وبعدها أُلقي القبضُ عليه في الدار من دون التفاصيل الدقيقة التي أوردتها الروايات التي تمَّتمناقشتها سلفاً.
- الإحتمال الثاني: إنَّ مسلم بن عقيل(عليه السلام) لم يكن وحده حينما حصل الإشتباك مع رجال سلطة الكوفة، وإنمَّا كان معه أنصاره وأتباعه، مما صعب الأمر لدي رجال السلطة، وهذا دفعهم إلي استخدام شتَّي أنواع الهجوم البري والرمي من أعلي المنازل بالحجارة وإشعال النيران، وإنّ الوالي عبيد الله بن زياد قد وبَّخ ابن الأشعث بسبب الخسائر الجسيمة التي تعرَّض لها رجاله((1))، والتي قدَّرها ابن شهر آشوب((2)) بواحد وأربعين رجلاً، هذه القرائن كلُّها تجعلنا نرجِّح الإحتمال الثاني من أنّ مسلماً حينما اشتبك مع رجال ابن الأشعث كان معه أنصار وأعوان.
هناك العديد من الملاحظات النقدية التي تمَّ تسجيلها علي بعض النصوص، كما هو منهجنا الذي اتَّبعناه سنورد الروايات بنصوصها ومن ثَمَّ مناقشتها:
- نصُّ الرواية: «فلما رأي ذلك خرج عليهم مصلتا بسيفه في السكة فقاتلهم، فأقبل عليه محمد بن الأشعث فقال يا فتي لك الأمان لا تقتل نفسك فأقبل يقاتلهم... فقال له
ص: 376
محمد بن الأشعث: إنَّك لا تُكذب ولا تُخدع ولا تُغرَّ إنَّ القوم بنو عمِّك وليسوا بقاتليك ولا ضاربيك، وقد أُثخن بالحجارة وعجز عن القتال وانبهر، فأسند ظهره إلي جنب تلك الدار فدنا محمد بن الأشعث فقال لك الأمان فقال آمن أنا؟ قال:نعم،وقال القوم: أنت آمن غير عمرو ابن عبيد الله بن العباس السلمي فإنَّه قال:لا ناقة لي في هذا ولا جمل وتنحَّي، وقال ابن عقيل: أما لو لم تؤمِّنوني ما وضعت يدي في أيديكم، وأُتي ببغلة فحُمل عليها، واجتمعوا حوله وانتزعوا سيفه من عنقه، فكأنه عند ذلك آيس من نفسه فدمعت عيناه...»((1)).
يحمل النصُّ عدَّة إشكالات وملاحظات نقدية مهمّة منها:
1- وأورد ابن قتيبة رواية - وإن انفرد بها عن الرواية التقليدية للمقتل - بخصوص مسلم بن عقيل(عليه السلام) واستشهاده، تنفي بشكل كامل وقطعي وجود شخصية (طوعة) وإيوائها لمسلم بن عقيل، ومسألة قبوله الأمان وكامل تفاصيل هذه الرواية، وأشارت إلي دخول مسلم بن عقيل(عليه السلام) بعد تفرُّق أنصاره عنه دار هانئ بن عروة، ثم إعلام السلطات بمكانه واقتحامه، ومن ثَمَّ أسره بعد مقاومته لهم(عليه السلام)((2)).
2- إنّ هذه الرواية أو المقطع الروائي هو مرتبط بالروايات التي تمَّت مناقشتها سلفاً والتي توصلنا إلي عدم دقَّتها وصحتها ومطابقتها للواقع؛ لاحتوائها علي ثغرات تاريخيه كبيرة.
3- أشارت الرواية إلي أنّ محمد بن الأشعث حدَّث مسلم بن عقيل أثناء القتال،
ص: 377
وهل توقَّف ابن عقيل عن القتال حينما تحدث معه ابن الأشعث وبعدها استأنفالقتال؟ ثم إذا توقَّف عن القتال لماذا لم يبادروا إلي إلقاء القبض عليه؟ وذكرت الرواية أيضاً أنَّ محمد بن الأشعث اقترب من مسلم وجري بينهما حديث، فلماذا لم يقدم ابن الأشعث علي الغدر به؟ كذلك يُستنتَج من الرواية أنَّ القتال كان خارج الدار ومن المؤكد أنّ الأعداء كانوا يحيطون بمسلم من كلِّ الجهات، فلماذا لم يتمكّنوا عليه من إحدي الجهات؟ نقول: ماهي المسافة بين مسلم وبين رجال ابن الأشعث حتي يكلمه ابن الأشعث ويرجع بعدها يقاتلهم مرة أخري؟
4- كيف لمسلم بن عقيل الذي غدر به أهل الكوفة وجعلوه وحيداً - بحسب الرواية التقليدية للمقتل - أن يطمئنَّ ويثق بهم، بل بسلطتها وهم أعداءٌ له؟
5- هناك إشكال آخر، هو: إنّ الرواية أشارت إلي انهيار وضع مسلم العسكري بشكل كامل، وأصبح لا يقوي علي القتال بقرينة القول: «وقد أُثخن بالحجارة وعجز عن القتال»((1))، وعليه فبإمكان رجال ابن الأشعث أن يلقوا القبض عليه - بعد عجزه عن قتالهم - بصورة سهلة ولا حاجة إلي توسُّلهم به وخديعته بالأمان من أجل السيطرة عليه.
6- الرواية تحاول أنْ تضفي علي قتال مسلم بن عقيل مع رجال محمد بن الأشعث نوعاً من النزاع القبلي ذا طابع اجتماعي بقرينة: «إنَّ القوم بنو عمِّك وليسوا بقاتليك ولا ضاربيك...».
7- الرواية تحاول أنْ تصوِّر بدائية مسلم في القتال وأنَّه لا يملك مبدأ، وإنَّه من تسبب في مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته، وإنَّه لا يملك أيَّ خبرة وحنكة سياسية في تنظيم العمل الثوري، وإنّه ركَنَ إليهم؛ بسبب الأمان الذي منحوه إيَّاه.
ص: 378
8- نصٌّ مكمِّل لهذا النصِّ أورده أبو مخنف وهو «يا عبد الله إنِّي أراك والله ستعجز عن أماني، فهل عندك خير تستطيع أن تبعث من عندك رجلاً علي لساني يبلِّغ حسينا؟ فإني لا أراه إلا قد خرج إليكم اليوم مقبلاً أو هو يخرج غداً هو وأهل بيته، وإنَّ ما تري من جزعي لذلك فيقول:إنَّ ابن عقيل بعثني إليك وهو في أيدي القوم أسير لا يري أن تمشي حتي تُقتل، وهو يقول ارجع بأهل بيتك ولا يغرك أهل الكوفة فإنَّهم أصحاب أبيك الذي كان يتمني فراقهم بالموت أو القتل، إنَّ أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني وليس لمكذوب رأي... قال دعا محمد بن الأشعث إياس بن العثل الطائي من بني مالك بن عمرو بن ثمامة - وكان شاعرا وكان لمحمد زواراً - فقال له إلقَ حسينا فأبلغه هذا الكتاب، وكتب فيه الذي أمره ابن عقيل، وقال له هذا زادك وجهازك ومتعة لعيالك، فقال من أين لي براحلة فإنَّ راحلتي قد أنضيتها؟ قال هذه راحلة فاركبها برحلها، ثم خرج فاستقبله بزبالة لأربع ليال فأخبره الخبر وبلَّغه الرسالة...»((1)).
هناك بعض نقاط الضعف بالنصِّ منها:إنّ الشخصية التي بعثها محمد بن الأشعث لإخبار الإمام الحسين(عليه السلام) بعدم القدوم للعراق علي أثر طلب مسلم بن عقيل ذلك هي (إياس بن العتل أو العثل الطائي) والتي لم نجد لها ذكراً في كتب التراجم - بحدود اطلاعنا - وبالتالي تُعدُّ شخصية مجهولة ومبهمة من الناحية التاريخية، وهذا يسهم بشكل أو بآخر بإضعاف الرواية وزيادة نسبة الشكِّفيها.
فضلاً عن ذلك هل من المعقول أن يفكِّر مسلم بن عقيل بأنْ يعفو عنه الوالي عبيد الله وهو الذي جاء للبحث عنه؟ ومن ثمَ يسمح له بالذهاب إلي إبلاغ الركب الحسيني بالرجوع؛ لكي يقول ذلك، والأكثر غرابة من ذلك هل يُعقل أنَّ أحد
ص: 379
عناصر السلطة الحاكمة وأبرز رجالاتها وهو (محمد بن الأشعث) يقوم بتقديم الدعم والعون لأكبر معارضي الدولة هو الإمام الحسين(عليه السلام) ويستجيب لطلب مسلم بن عقيل بدون علم الوالي عبيد الله بن زياد؟ فضلاً عن ذلك أنَّ الدينوري ذكر رواية تؤكِّد أنّ مسلم بن عقيل حينما أُدخل إلي قصر الإمارة طلب من عمر بن سعد وأوصاه: «إنَّ الحسين ومن معه وهم تسعون بين رجل وامرأة في الطريق فارددهم، واكتب إليهم بما أصابني»((1))، وهنا يأتي التساؤل والإشكال المهمُّ وهو إن صّحت رواية أبي مخنف آنفة الذكر التي مفادها أنَّ ابن الأشعث بعث من يخبر الإمام الحسين(عليه السلام) بما أراده مسلم بعدم القدوم إلي الكوفة، فما هي الحاجة لأن يكرِّر ذلك مسلم مرة أخري لو حصل فعلاً؟ ونتيجة لهذا التعارض بين الروايتين يجعلهما موضع الشكِّ والضعف.
بعد دراستنا للأحداث التي وقعت لمسلم بن عقيل في قصر الإمارة، هنالك العديد من الروايات التي جاءت ببعض الأحداث البعيدة عن الواقع والمنطق العقلي والتي منها: «إنَّ مسلم بن عقيل حين انتهي إلي باب القصر فإذا قُلَّة باردةموضوعة علي الباب، فقال ابن عقيل اسقوني من هذا الماء، فقال له مسلم بن عمرو: أتراها ما أبردها، لا والله لا تذوق منها قطرة أبدا حتي تذوق الحميم...»((2))، نعم الإرتواء من الماء شيء ضروري لديمومة الحياة وبقائها، لكن تصوير الرواية لطلب
ص: 380
مسلم فيه نوع من الذلَّة وبالخصوص البحث عن الماء والتوسل بالأعداء لكي يعطوه ماء، ونحن نعرف أنّ مسلماً بذل نفسه في سبيل الدين والعقيدة ولم يرضخ للأعداء، هذا من جانب، ومن جانب آخر أنَّ الرواية غير مسندة، وتنتهي بشخصية قدامة بن سعيد والتي كما تطرقنا إليها في الفصل الثاني من هذه الأطروحة، شخصية مجهولة ومبهمة ولم تترجم لها كتب التاريخ.
كذلك ذكر أبو مخنف رواية مشكوكاً بها تتعلَّق بدخول مسلم بن عقيل إلي القصر بقوله: «وأُدخل مسلم علي ابن زياد فلم يسلِّم عليه بالإمرة فقال له الحرس ألا تسلِّم علي الأمير؟ فقال له: إن كان يريد قتلي فما سلامي عليه؟ وإن كان لا يريد قتلي فلعمري ليكثرن سلامي عليه...»((1)).
حاولت هذه الرواية تصوير مسلم بن عقيل(عليه السلام) بأنَّه لا عقيدة له، وأنَّه علي استعداد أن يتعاون مع السلطة ويركن إليها مقابل إبقائه علي قيد الحياة، ثم ما العلاقة والربط بين كثرة السلام والقتل بحسب الرواية؟ وهل عبيد الله بن زياد يحتاج إلي تحية وسلام مسلم بن عقيل(عليه السلام)؟ فضلاً عن ذلك أنّ مسلم بنعقيل أوضح أنّ سلامه علي الأمير عبيد الله مرهون بالإبقاء علي حياته، وهذا يتعارض مع تأريخ مسلم بن عقيل(عليه السلام) وعقيدته الراسخة.
أما من ناحية السند فالرواية غير مُسنَدة، وتنتهي بشيخ أبي مخنف: (سعيد بن مدرك بن عمارة) الذي لم تترجم له كتب التراجم بحسب المصادر المتوافرة عندنا، وبالتالي يُعدُّ شخصية مجهولة، ولا نعرف من الذي نقل له هذه الرواية؟ وما طريق
ص: 381
السند الروائي لها؟ وقد ذكرت هذه الرواية بعض المصادر((1)) لكن دون الإشارة إلي سندها والمصدر الذي نقلت منه؛ مما يجعل هذه الرواية موضع الشكِّ والضعف.
تطرَّق أبو مخنف في مقتله إلي حادثة حمل رأس الإمام الحسين(عليه السلام) والسبايا إلي يزيد بن معاوية، ولكن بعد دراسة هذه الرواية اتضحت لنا عدَّة ملاحظات نقدية تجاهها، مما يترتب عليها الشكُّ والضعف والإرباك التاريخي، ونصُّ ذلك: «عن أبي مخنف قال حدثني أبو حمزة الثمالي، عن عبد الله الثمالي، عن القاسم بن بخيت قال لما أقبل وفد أهل الكوفة برأسالحسين دخلوا مسجد دمشق، فقال لهم مروان بن الحكم كيف صنعتم قالوا ورد علينا منهم ثمانية عشر رجلاً فأتينا والله علي آخرهم، وهذه الرؤوس والسبايا، فوثب مروان فانصرف وأتاهم أخوه يحيي بن الحكم فقال ما صنعتم؟ فأعادوا عليه الكلام، فقال حُجِبتم عن محمد يوم القيامة لن أجامعكم علي أمر أبدا، ثم قام فانصرف، ودخلوا علي يزيد فوضعوا الرأس بين يديه وحدَّثوه الحديث، قال فسمعت دور الحديث هند بنت عبد الله... وكانت تحت يزيد بن معاوية، فتقنَّعت بثوبها وخرجت، فقالت يا أميرالمؤمنين أرأس الحسين بن فاطمة بنت رسول الله؟ قال: نعم فاعولي عليه وحدي علي ابن بنت رسول الله(صلي الله عليه و آله) وصريحة قريش عجَّل عليه ابن زياد فقتله قتله الله، ثم أذن للناس فدخلوا، والرأس بين يديه ومع يزيد قضيب فهو
ص: 382
ينكت به في ثغره ويقول:
يفلُقْنَ هاماً من رجال أحبةٍ *** إلينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما
قال:فقال رجل من أصحاب رسول الله يُقال له أبو برزة الأسلمي((1)):أتنكت بقضيبك في ثغر الحسين؟ أما لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذا لربمَّا رأيت رسول الله يرشفه، أما إنَّك يا يزيد تجيء يوم القيامة وابن زياد شفيعك، ويجيء هذا يوم القيامة ومحمد شفيعه، ثم قام فولَّي»((2)).
وأشارت بعض المصادر((3)) إلي أنّ يزيد قد استشهد بأبيات عبد الله بن الزبعري((4)) وهو يقول:
ليتَ أشياخي ببدر شَهدوا *** جَزَعَ الخزْرجِ من وَقع الأسلْ((5)).
ص: 383
أهمُّ الملاحظات النقدية بشأن هذه الرواية:
1- الرواية من ناحية السند: فهي تنتهي بالقاسم بن بخيت، وهل كان القاسم شاهداً للحدث ومعاصراً لأحداث المقتل بحيث نقل لنا هذه الرواية؟ وبنظرة شاخصة للمصادر التي تطرَّقت للمقتل لم يُلاحظ أيُّ ذكر أو دور لهذه الشخصية، أو حتي الإشارة إليها، ومن ثَمَّ لا دور لهذه الشخصية، فكيف نقل لنا هذه الرواية؟نعم هناك إشارة في تاريخ الطبري باسم (القاسم بن بخيت المراغي) وكان قائداً عسكرياً للحاكم هشام بن عبد الملك (105-125ﻫ/724-743م) إذ تولَّي عام (119ﻫ/721م) مهمة عسكرية في قمع بعض المتمردين((1))، ولا سبيل لنا لمعرفة هل إنَّ القاسم الذي نقل لنا هذه الرواية هو نفسه الذي كان قائدا في عهد هشام بن عبد الملك؟ وعلي كلا التقديرين فإنَّ وجوده في موقعة الطف لا دليل عليه ولا يوجد ما يثبت ذلك، بل إنَّه لا ذكر له في كتب التراجم وفق اطلاعنا؛ الأمر الذي يجعلنا نُشكِّك بهذه الشخصية المبهمة والمجهولة التي نقلت هذه الرواية؟ وما هو الطريق الذي اعتمده في نقلها؟ وما مصدر نقله لها؟
2- إنّ الوفد الكوفي الذي يحمل الرأس الشريف والسبايا مهمته إيصال السبايا إلي يزيد بن معاوية فما الغاية والسبب من دخول الوفد إلي مسجد دمشق؟ ثم أين بقيت السبايا؟ أكان هذا التصرُّف بعلم من قبل السلطة العليا في دمشق أم اجتهاد شخصي من قبل زعماء الوفد؟ وكيف لهم أن يفعلوا ذلك بدون أيّ أوامر من قبل سلطة دمشق بقيادة يزيد بن معاوية؟ ولماذا لم يذهب الوفد بصورة مباشرة إلي يزيد ابن معاوية؟ لاسيما وإنَّهم يحملون السبايا وهي مهمة خطيرة من الناحية الأمنية.
3- الرواية تحاول أن تعطي مكانة دينية لمروان وأخيه يحيي، فضلاً عن إبعاد
ص: 384
إشراكهم في التخطيط والترتيب لقتل الإمام الحسين(عليه السلام) كونهم لم يقبلوا علي ما جري علي آل البيت، لاسيما قول يحيي لهم: «حُجِبتم عن محمد يوم القيامة، لن أجامعكم علي أمر أبدا...».
4- تنُظِّر الرواية لمسألة خطيرة تتعلَّق بتبرئة يزيد بن معاوية من قتل أهل البيت، وتوجيه الإتهام إلي واليه عبيد الله بن زياد، من خلال كلامه مع زوجته هند بنت عبدالله بن عامر بن كريز بأن تقيم المأتم علي مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، وقوله علي واليه «عجَّل عليه ابن زياد فقتله قتله الله»، ونحن نتساءل من الذي أعطي الأوامر بقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، وسبي آل البيت ونقلهم إلي الشام؟ ألم يكن يزيد بن معاوية من فعل ذلك؟
5- كذلك تحمل تناقضاً في المواقف ليزيد بن معاوية؛ فهي من جهة تبرئ يزيد وتنسب قتل الإمام إلي الوالي عبيد الله، ثم بعد قليل تشير إلي إقدامه علي إهانة الرأس الشريف للإمام الحسين(عليه السلام)، وفي مجلس عام أعِدَّ لهذا الغرض، وضربه للرأس بالقضيب والإستهانة به، فضلاً عن الشعر الذي قالَهُ يزيد والذي يتبيَّن فيه عدم ندمه علي مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، فكيف يمكن التوفيق بين هذين الموقفين المختلفين والمتعارضين في رواية واحدة وسياق واحد؟
وهنا تجدر الإشارة إلي مسألة غاية في الأهمية تتعلَّق بمرويات أبي مخنف المضمَّنة في تاريخ الطبري، وهو: كيف استطاع الطبري الوصول إليها؟ وهل كان مقتل الحسين(عليه السلام) لأبي مخنف موجوداً عند الطبري ونقل منه تلك الروايات؟ أو هناك طريقٌ آخر نقل منه؟ وتكمن الإجابة علي هذا التساؤل في طرح احتمالٍ مهمٍِّ يتلخَّص بأنَّ مقتل الحسين(عليه السلام) لأبي مخنف - المفقود - كان موجوداً عند الطبري وفُقِدَ بعد ذلك، استناداً إلي قرينتين أساسيتين، هما:
ص: 385
الأولي: نقله الكامل للمقتل عن أبي مخنف بخلاف بقية المؤرِّخين((1)) الذين نقلوا بعض تلك المرويات.
الثانية: طريقتُهُ في النقل: توحي طريقة نقل الطبري لمرويات أبي مخنف عن وجود كتاب المقتل لديه؛ إذ إنَّه نقل جميع مروياته بصورة مباشرةٍ وبدون سلسة روائية بقوله: «قال أبو مخنف»((2)) باستثناء ثلاث حالات نقلها عنه بوساطة هشام بن محمد الكلبي((3))، وذلك لأنَّ التعبير بمثل هذا الأسلوب يشير إلي أمرين إمَّا أن يكون معاصراً له، وهذا محال للفارق الزمني الكبير بينهما؛ لأنَّ وفاة أبي مخنف (157ﻫ) والطبري (310ﻫ)، وإمّا أن يكون كتاب المقتل موجوداً لديه، وهو احتمال مرجَّح.
بعد أن اتضح أنّ مجمل مرويات المقتل الحسيني لأبي مخنف قد نقلها لنا الطبري في تاريخه لا بدّ من إجراء مقارنة تاريخية بين تلك التي أوردها الطبري مع بقية المصادر الأخري؛ للكشف عن مدي المطابقة والإختلاف، منها:
أ- البلاذري: - أورد رواية نقلاً عن عبد الملك بن نوفل، عن أبي سعيد المقبري الذي شاهد الإمام الحسين(عليه السلام) وهو ينشد أبياتاً من الشعر، فايقن المقبري أنّ الإمام الحسين لا يلبث إلا قليلاً وقد تحقق ذلك((4))، وعند مقارنة الرواية مع تاريخ الطبري
ص: 386
نجدها مطابقة من ناحية السند والمتن((1)).
2- حادثة مقتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة(عليه السلام) أوردها البلاذري((2))نقلاً عن أبي مخنف، وعند مقارنتها مع رواية الطبري((3)) وجدناها تتفق معها مع وجود تفاصيل أكثر في رواية الطبري.
3- ونقل البلاذري((4)) عن أبي مخنف رواية تقسيم رؤوس أصحاب الإمام الحسين وأهل بيته بين القبائل، وتحديد كلِّ قبيلة عدداً من تلك الرؤوس، ومن خلال مقارنتها مع تاريخ الطبري((5)) وجدنا الرواية تتفق وبشكلٍ كامل مع رواية الطبري، من حيث ذكر القبائل، وعدد الرؤوس التي حصلت عليها.
وخلاف هذه الروايات لم نجد إشارات صريحة للبلاذري أشار فيها إلي أبي مخنف، لكن من خلال الإطلاع علي كلا المصدرين اتضح أنّ البلاذري اعتمد علي العديد من النصوص التي رواها أبو مخنف ولكن دون الإشارة إلي مصدرها، وإنَّما اكتفي بعبارة: (قالوا)، وقد اتضح لنا ذلك من خلال المقارنة بين مرويات البلاذري التي تُروي بصيغة: (قالوا) وبين ما موجود عند الطبري مروياً عن أبي مخنف. ولعلَّ أحد الإحتمالات التي دفعت إلي عدم ذكر أبي مخنف من قبل البلاذري - في نصوص عديدة - يرجع إلي عامل سياسي لاسيما وإنَّ البلاذري كتب مؤلَّفه أنساب الأشراف في العصر العباسي.
ب - ابن أعثم: وبخصوص المرويات التي اعتمدها ابن اعثم علي أبي مخنف
ص: 387
الخاصة بالمقتل الحسيني، فلم نجد أنَّه أشار إليه بمروياته التي أوردها عن المقتل، لكنَّه ذكره في جملة الرواة الذين اعتمد عليهم دون أن يذكر أو يحدِّد الروايات التي اعتمدها عليه؛ وفقاً لمنهجه بذكر مصادره في مقدمة حديثه عن المقتل الحسيني بقوله: «قال الواقدي أيضاً وحدَّثني محمد بن عبيد الله بن عنبسة، عن محمد بن عبيد الله، عن عمرو، عن أبيه، وعبد الله بن بجير السهمي، عن سعيد بن قيس الهمذاني ومحمد بن خالد الهاشمي، عن يعقوب بن سليمان من بني عبد الله الأوسي، عن عبد الرحمن بن المنذر من بني عدي بن النجار، عن العلاء بن يعقوب العجلاني وأبي المنذر هشام بن محمد بن السائب، عن أبي مخنف لوط بن يحيي بن سعيد الأزدي، عن الحسين ابن كثير الأزدي، عن أبيه..»((1))، ويبدو أنَّ منهج ابن أعثم هذا يسبِّب إرباكاً تاريخياً في تخريج الروايات التي اعتمد في نقلها عن أبي مخنف أو غيره في مسألة مقارنتها مع مرويات أبي مخنف في بقية المصادر، أو التأكد من صحة انتسابها إليه.
ت - نقل أبو الفرج الأصفهاني((2)) عن أبي مخنف بعض الروايات التي تخصُّ مسلم بن عقيل، وتحديداً مسألة دخوله قصر الإمارة والأحداث التي جرت له هناك، فضلاً عن الروايات التي تطرقت لسرد قصة استشهاد علي الأكبر بن الإمام الحسين(عليه السلام)، وكذلك استشهاد كلٍّ من عبد الله وجعفر وعثمان أبناء الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام).
وهنا لا بدَّ من القول إنّ بعض الروايات التي أوردها أبو الفرج الأصفهاني بإسناد أبي مخنف قد انفرد بروايتها - تحديداً - عن الطبري، علي حين اتفق بروايات أخري مع الطبري مع اختلاف في سندها((3)).
ص: 388
ث - الطوسي: نقل عن أبي مخنف - وبحسب اطلاعنا - رواية بوساطة واحدةمباشرة هي عن الحارث ابن كعب نقلاً عن السيدة فاطمة بنت علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وهي تتحدَّث عن أحد فصول مأساة السبي في الشام قائلة: «إنَّ يزيد(لعنه الله) أمر بنساء الحسين(عليه السلام) فحُبِسنَ مع علي بن الحسين(عليه السلام) في محبس لا يكنُّهم من حرٍّ ولا قرٍّ حتي تقشَّرت وجوههم»((1)).
عند مقارنتنا لهذه الرواية مع تاريخ الطبري وجدناها مروية عن أبي مخنف، وبالوساطة نفسها (الحارث بن كعب)، والناقل نفسه وهي فاطمة بنت علي لكن في متنها اختلاف شديد عن هذه الرواية، إذ احتوت إضافات وزيادات عديدة وخطيرة كقولها أي فاطمة: «لما أُجلِسنا بين يدي يزيد بن معاوية رقَّ لنا وأمر لنا بشيء وألطفنا»((2))، نحن الآن بين نصَّين مختلفين، ويبدو لنا أنّ سبب الإختلاف ناشئ من المؤرخ - أي الطبري -، ونحن نرجِّح الرواية التي أوردها الطوسي، وذلك لكون سياسة وتصرُّفات يزيد بن معاوية تدلُّ علي ذلك كونه هو المسؤول الأول عن قتل الإمام الحسين(عليه السلام)؛ لأنَّ إساءة معاملة السبايا شيء طبيعي عنده، وأنَّ بعض المصادر التاريخية((3)) قد أشارت إلي الحالة اللاإنسانية التي تعرَّض لها سبايا آل البيت(عليهم السلام) لا سيما في الشام، ولم يشيروا إلي تعامل السلطة الأموية برفق أولين مع هؤلاء السبايا.
ج - ابن جرير الطبري الشيعي: نقل خبراً واحداً بسنده عن أبي مخنف ما نصُّه:«حدثنا محروز بن منصور((4))، عن أبي مخنف لوط بن يحيي الأزدي قال: حدَّثنا عباس بن
ص: 389
عبد الله، عن عبد الله بن عباس، قال: لقيت الحسين بن علي وهو يخرج إلي العراق، فقلت له: يا بن رسول الله، لا تخرج. قال: فقال لي: يا بن عباس، أما علمت أنَّ منيتي من هناك، وأنَّ مصارع أصحابي هناك؟ فقلت له: فأنَّي لك ذلك؟ قال: بسرٍّ سُرَّ لي، وعلم أُعطيته»((1)).
نلحظ أنّ الجهة التي نقلت هذه الرواية عن طريق أبي مخنف هي (محروز بن منصور)، ولم نجد له علي ترجمة في المصادر المتوافرة لدينا، أو أيّ إشارت تحدد لنا هويته فمن هو؟ وما علاقته بأبي مخنف؟ مما يُدخل هذه الرواية في دائرة الشك من الناحية التاريخية وتحديداً من ناحية سندها لوجود شخصية مجهولة في طريقها، وإن وردت في مصادر أخري لكن ليست بالألفاظ نفسها وإنما تقترب منها بالمضمون.
وعند مقارنتها بنصِّها مع تاريخ الطبري((2))، نجد أنَّ الطبري لم يذكرها عن أبي مخنف، وإنما ذكرها فيما يخصُّ اعتراض ابن عباس (ت68ﻫ/687م) لخروج الإمام الحسين(عليه السلام) إلي العراق مع تفاصيل لا توجد في هذه الرواية، من قبيل توضيح ابن عباس للإمام الحسين(عليه السلام) طبيعة المجتمع الكوفي وتحذيره منهم، كما أنّ الطبري ذكر هذه الرواية عن أبي مخنف عن وسائط روائية تختلف عن التي أوردها الطبري الإمامي.ح - الصفدي (ت764ﻫ/1366م): يُلاحَظ أنَّ الصفدي نقل عن أبي مخنف رواية دون الإشارة إلي سندها، تتعلَّق بحمل السبايا من الكوفة إلي الشام، وإبلاغ يزيد عن أوضاعهم، وما تعرَّض له أهل البيت من القتل والظلم علي أيدي جلاوزته، فتذكر الرواية بعد سماع يزيد هذه الأخبار دمعت عيناه، وحمَّل الوالي
ص: 390
عبيد الله بن زياد مسؤولية ذلك((1)).
وعند مقابلة هذه الرواية مع رواية أبي مخنف التي أوردها الطبري((2)) اتضح لنا أنَّه أورد تلك الرواية عن أبي مخنف فيما يخصُّ حمل رأس الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه من الكوفة إلي يزيد في الشام، أمَّا تكملة الرواية - أي فيما يتعلَّق ببكاء يزيد وتحميله المسؤولية للوالي عبيد الله بن زياد علي ما جري في كربلاء - فنقلها عن طريق هشام الكلبي دون الإشارة لأبي مخنف.
ولعلَّ سبب سلوك يزيد هذا وأنَّه دمعت عيناه، وتحميله للوالي عبيد الله مسؤولية قتل الإمام الحسين(عليه السلام) هو لكسب الرأي العام، والتظاهر بأنَّه ليس له علاقة بقتل الحسين لاسيما بعد أنْ حقَّق هدفه السياسي، ونفَّذ مخططه في قتل آل الرسول(عليه السلام)، وهذا جزء من سياسة المكر والخداع التي اتبعها يزيد بن معاوية.
ولعلَّ في ذكرنا لهذه المصادر التي اعتمدت في نقل بعض مرويات المقتل عن أبي مخنف، تتضح لنا الصورة عن مدي صحة بعض روايات أبي مخنف منعدمها، فضلاً عن أهمية مروياته في هذا الجانب، ولا بدَّ من الإشارة إلي أنّ بعض المؤرِّخين((3)) وبحسب منهجهم المتبع في مصنفاتهم في ذكر مصادرهم في مقدمة حديثهم، ولاسيما فيما يخصُّ موضوعنا (المقتل)، قد أشاروا إلي اعتمادهم علي أبي مخنف في نقلهم التاريخي لبعض مرويات المقتل، لكن دون أنْ يحدِّدوا لنا الروايات التي نقلوها عن أبي مخنف.
ص: 391
سنركِّز علي الكتاب بشيء من التفصيل: ويمكن ملاحظة بعض معالم المنهج الذي اتبعه الفضيل في مصنَّفه ومنها:
أولاً: إنَّ الكتاب لا يحتوي علي فصول أو أبواب أو مسالك أو مقاصد، وإنَّما صنَّف الرسان أسماء الذين استُشهِدوا في واقعة الطفِّ علي أساس قَبَلي باستثناء شهداء أهل البيت وشهداء أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام).
ثانياً: قدَّم ترجمة موجَزَة لشهداء أهل البيت، فمثلاً في ترجمته للإمام الحسين(عليه السلام) قال: «الحسين بن علي، ابن رسول الله(صلي الله عليه و آله) قتله سنان بن أنس النخعي وحمل رأسه، فجاء به خولي بن يزيد الأصبحي»((1)) كما أنَّ ترجمته لبعض شهداء أهل البيت تميَّزت بذكر اسم والدة الشهيد كما هو الحال في ترجمته لجعفر: «وجعفر بن علي بن أبي طالب(عليهالسلام): واُمّه - اُمّ البنين بنت حزام، قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي»((2))، واتَّبع المنهج نفسه مع شهداء أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)، أمّا بقية الشهداء(رضي الله عنه) فقد اقتصر علي ذكر أسمائهم فقط مع بيان القبيلة التي ينتمون إليها.
ومن أمثلة ذلك ذكره لشهداء قبيلة كندة بقوله: «وقُتل من كندة:
(1) الحارث بن امرئ القيس.
(2) ويزيد بن بدر بن المهاصر.
(3) وزاهر، صاحب عمرو بن الحمق، وكان صاحبه حين طلبه معاوية»((3)).
ص: 392
ثالثاً: أمّا المواضيع التاريخية التي استعرضها الكتاب: فضلاً عن ذكره أسماء الشهداء الذين استُشهِدوا في واقعة الطف، فقد ذكر بعض أحداث السبي التي تعرَّض لها أهل البيت بالكوفة والشام، ولكن باختصار شديد جداً.
رابعاً: يُعدُّ كتاب تسمية من قُتل مع الحسين(عليه السلام) من الناحية المنهجية التاريخية، ومن ناحية تصنيف المصادر من كتب التراجم؛ لأنَّه يورد أسماء الرجال الخاصة بالموضوع الذي يتطرق إليه الكتاب.
خامساً: يُصنَّف كتاب تسمية من قُتل مع الحسين(عليه السلام) كنوع من التأليف الخاص إلي جانب تصانيف أخري مثل الطبقات التراجم، وكتب التاريخالمحلي وغيرها((1))، وإنّ اتّباع منهج التسميات لم يكن الرسان هو أول من طبَّقه وأوجده، وإنَّما سبقه إلي ذلك عبيد الله بن أبي رافع كاتب أميرالمؤمنين(عليه السلام)؛ إذ ألَّف كتاباً بعنوان «تسمية من شهد مع أميرالمؤمنين(عليه السلام) الجمل وصفين والنهروان من الصحابة»((2)).
سادساً: يُعَدُّ هذا المصدر من المصادر الأولية لواقعة الطف - بوصفه من مؤلِّفي القرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي - ويُعدُّ حسب التسلسل الزمني أول كتاب
ص: 393
تناول واقعة الطف وصل إلينا لاسيما وأنَّ مقتل أبي مخنف لم يصلنا - لكون المقتل المتداول هو منسوب له، كما أثبتنا ذلك في هذه الأطروحة، وقد احتوي علي العديد من المعلومات المهمة التي لم تُذكَر في بقية المصادر.ومن المسائل التي انفرد بها الرسان هو ذكره الشهداء الذين استُشهِدوا في واقعة الطف، ولم تذكرهم المصادر الأخري. وهم:
أ - واضح الرومي وهو غلام جنادة بن الحارث السلماني
ب - يزيد بن بدر بن المهاصر - من كندة -
ت - عمار بن سلامة الدالابي - من همدان -
ث - همام بن سلمة القانصي - من همدان -
هؤلاء الأربعة قد انفرد بهم الرسان بأنَّهم من أنصار الإمام الحسين(عليه السلام) والذين استُشهِدوا في واقعة الطف - ولم نجد لهم تراجم في المصادر التاريخية المتوافرة لدينا-.
فضلاً عن ذلك انفرد الرسان برواية ولادة ولد للإمام الحسين(عليه السلام) في ساعة الحرب بقوله: «وعبد الله ابن الحسين(عليه السلام)، وأمُّه الرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن حكيم الكلبي، قتله حرملة ابن الكاهل الأسدي الوالبي، وكان وُلِد للحسين بن علي(عليه السلام) في الحرب، فأتي به وهو قاعد، وأخذه في حجره ولبَّاه بريقه، وسمَّاه عبد الله، فبينما هو كذلك إذ رماه حرملة بن الكاهل بسهم فنحره، فأخذ الحسين(عليه السلام) دمه، فجمعه ورمي به نحو السماء، فما وقعت منه قطرة إلي الأرض»((1)).
ومن القضايا التأريخية المهمة التي انفرد بها الرسان هو إشارته إلي مشاركة الإمام علي بن الحسين السجاد(عليه السلام) في القتال بكربلاء، ونصُّ قوله: «وكانعلي بن
ص: 394
الحسين(عليه السلام) عليلاً، وارتثَّ يومئذ، وقد حضر بعض القتال فدفع الله عنه، وأُخذ مع النساء...»((1))، والنصُّ فيه عدَّة ملاحظات منها:
أ- النصُّ أشار إلي أنّ الإمام السجاد(عليه السلام) كان عليلاً، ومع علَّته ومرضه شارك في بعض القتال، ولعلَّ النصَّ يوحي الي أنّ مشاركته كانت محدودة بسبب مرضه.
ب - ورود مفردة (وارتُثَّ) والتي بيَّن معناها ابن سلام قائلاً: «هو أن يُحمَل من المعركة وبه رَمَق، فإن حمُل ميتا فليس بارتثاث»((2))، ووضَّحها ابن فارس بشكل دقيق بقوله: «أمَّا قولهم ارتُثَّ في المعركة فهو من هذا وذلك أنَّ الجريح يسقط كما تسقط الرَّثَّة ثم يُحمَل وهو رثِيث»((3)).
وبهذا يتضح أنّ الرسان أراد التصريح بمشاركة الإمام السجاد(عليه السلام) في المعركة وأنَّه تعرَّض إلي جراح قد أصابته. أمّا المصادر التاريخية لا سيما التي تطرَّقت لذكر واقعة الطف فلم تُشِر إلي مشاركة الإمام السجاد(عليه السلام)، فضلاً عن جراحه، ونحن نرجِّح أنَّ سكوت المصادر عن قضية تاريخية، أو خبر معيَّن لا يعني عدم وقوعه، فلعلَّ الإمام السجاد(عليه السلام) قد اشترك بشكل بسيط في المعركة من باب تلبية نداء الإمام الحسين(عليه السلام) «أَمَا من مغيث يغيثنا لوجه الله؟ أما من ذابٍّ يذبُّ عن حرم رسول الله»((4)).فضلاً عن إشارة أحد الباحثين إلي مشاركة الإمام السجاد(عليه السلام) في معركة الطف
ص: 395
مستنداً إلي تحليل بعض النصوص التاريخية((1)).
وقد انفرد الرسان أيضاً بحادثة استشهاد الهفهاف بن المهند((2)) بقوله: «خرج الهفهاف بن المهند الرسان من البصرة، حين سمع بخروج الحسين(عليه السلام)، فسار حتّي انتهي إلي العسكر بعد قتله فدخل عسكر عمر بن سعد، ثمّ أنتضي سيفه، وقال: يا أيّها الجند المجنّد، أنا الهفهاف بن المهنّد، أبغي عيال محمّد. ثمّ شدّ فيهم، فتداعوا عليه خمسة نفر فاحتوشوه حتّي قتلوه»((3)).
الرواية تثير عدَّة تساؤلات، منها:إنَّ الهفهاف خرج من البصرة حينما سمع بخروج الحسين(عليه السلام) ولم تُحدِّد الرواية مكان خروج الإمام الحسين(عليه السلام) من أين، أمن مكة أو المدينة أو مكان آخر؟ ثم إنّ المسافة بين البصرة وكربلاء ليست بالطويلة حتي لم يتمكَّن الهفهاف من الإلتحاق بركب الإمام الحسين(عليه السلام) لو قارنا مسافتها مع المكان الذي تحرَّك منه الإمام(عليه السلام) حتي وصوله إلي كربلاء، لا سيما والرواية توحي بخروج الإمام(عليه السلام) متوجهاً إلي العراق، وإنَّ الرجل الواحد يقطع مسافة أطول مثل الهفهاف مقارنةً بموكب الإمام(عليه السلام) الذي كان يحمل الرجال والنساء والأطفال والإحتياجات الأخري التي يتطلبها السفر، فيحتاج إلي وقت أطول. هذه الملاحظات تجعلنا نشكِّك في هذه الرواية ومدي مصداقيتها. وهذه أهم الأخبارالتي استوقفتنا عن الرسان وبها نختم حديثنا عنه.
ص: 396
يقتصر هذا المبحث علي كتاب نور العين في مشهد الحسين(عليه السلام) لأبي إسحاق الأسفراييني، بوصفه المصدر الوحيد المطبوع الذي وصلنا من ذلك القرن.
يُعدُّ الأسفراييني من كبار علماء الشافعية، من ضمن مؤلَّفاته نور العين في مشهد الحسين(عليه السلام) موضوع دراستنا، وقد انقسم الباحثون بين من يؤيِّد بأنَّ مؤلَّف (نور العين) للأسفراييني((1))، وبين مشكِّك في نسبة الكتاب إليه معلِّلين ذلك بأنّ الكتاب منسوب إليه ومنحول، وأسلوبه لا يلائم عصر الأسفراييني((2)).
وعلي الرغم من ذلك فلابدَّ من مناقشة ودراسة الروايات في هذا الكتاب، وبيان مدي مصداقيتها وحقيقتها بشكل منطقي وعلمي، مستندين إلي التحليلات التاريخية والمصادر المعتبرة والمقارنة بين النصوص، للتأكُّد من نسبته للأسفراييني من عدمها.
أوضح الأسفراييني سبب تأليف مصنَّفه، قائلاً: «طُلِب مني أن أروي ما ورد في
ص: 397
مصرع الحسين(رضي الله عنه) فألَّفت هذا الكتاب، وسمَّيته نور العين في مشهد الحسين»((1)) والمسألة واضحة؛ إذ إنَّ سبب تأليف الكتاب هو علي أثر طلب، لكن لم يبيِّن من هو الذي طلب منه تأليف الكتاب أعامة الناس أو علماء أو حكام أو جهات أخري؟ لم يوضح ذلك في كتابه.
أشارَ العديد من الباحثين إلي طبعات الكتاب، والأماكن التي وُجِدت فيها نسخ هذا الكتاب، فبالنسبة إلي طبعاته فقد طُبِع الكتاب عدَّة مرات منها الطبعة الحجرية لعام (1299ﻫ/1882م)، وطُبع في مكتبة التعاون في بيروت بدون تاريخ، وطُبع في القاهرة سنة (1302ﻫ/1885م)، وكذلك طُبع سنة (1315ﻫ/1897م)، وطُبع في القاهرة طبعة ثالثة سنة (1374ﻫ/1955)، مطبعة البابي الحلبي، وفي آخره كتاب قرّة العين في أخذ ثار الحسين، لكاتب سمّي نفسه عبد الله ابن محمّد، يبدأ كتاب قرّة العين من ص 85 في هذه الطبعة. ونور العين هو في مصرع الحسين(عليه السلام)، وطُبع في بومباي سنة (1299ه/1882م)((2)).
أمّا أبرز المكتبات التي تتواجد فيها نسخ هذا الكتاب فهناك نسخة في مكتبةسپهسالار في طهران رقم 451، أولها: الحمد لله الذي خلق محمّداً قبل خلق الأولين... ، فهرس سپهسالار 5/731، وكذلك توجد نسخة في جامعة كمبردج، رقم 1198، ذكرها براون في فهرسها المطبوع: 240، ونسخة في دار الكتب
ص: 398
الوطنية في طهران رقم 1357/ع، كتبت سنة 1296، ومعها قرّة العين لعبد الله بن محمّد، فهرسها 9/352، كما توجد نسخة في المكتبة المركزية بجامعة طهران رقم 1689، كتبت سنة 1296 في 89 ورقة، ذكرت في فهرسها 8/247((1)).
بعد اطلاعنا علي الكتاب لم نلاحظ اعتماده علي أيّ مصدر، أو راوٍ سوي أنَّه كرَّر عبارته علي طول الكتاب (قال الراوي)، ولا نعرف من هو الراوي الذي يقصده المؤلف؟ كما ذكر بعض الأقوال عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) غير مسندة، وروي خبراً يخصُّ رأس الإمام الحسين(عليه السلام) مروياً عن طائفة الفاطمية في مصر، وخبراً ايضاً عن أحمد الباني، عن الأعمش، وما عدا هذا، فقد جاءت كلُّ رواياته بصيغة (قال الراوي)، ومن ثَمَّ فإنَّ الكتاب فاقد للمصادر المعتبرة والرواة الموثوقين، مما جعل رواياته تتسم بالضعف والإنتحال، وهذا ما سنوضِّحه من خلال مناقشة ودراسة رواياته ونقدها.
من الملاحظ أنّ عنوان الكتاب لا يتطابق مع محتواه، لكون العنوان يشير إلي المشهد (أيّ الضريح أو المقام) في حين أنّ مضمون الكتاب يتناول المقتل الحسيني لا المشهد وتأريخه، لا سيما وإنّ عدداً من المؤرخين قد أشاروا إلي هذاالمعني، أي أنّ المشهد هو المقام أو الضريح؛ أي أنَّ هذا المعني كان متداولاً عند المؤرِّخين بهذا المضمون((2)) فلماذا اختار المؤلِّف هذا العنوان؟ ولم يختر عنوان مقتل أو مصرع الإمام
ص: 399
الحسين(عليه السلام)، كما فعل العديد من المؤلِّفين الذين تحدَّثنا عنهم في هذه الأطروحة؟ ويبدو أنّ هذه أولي الملاحظات التي أغفلها مؤلِّف هذا الكتاب، مما يدلِّل علي أنَّه لم يكن بمستوي مؤرِّخي القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، بل لم يكن مؤلَّفه بمستوي مؤرِّخ يمتلك إمكانية اختيار العنوان، بالرغم منْ محتواه الذي يتسم بالضعف والإرتباك التاريخي والأخطاء التي لا تُغتفَر.
بعد بيان مصادر الكتاب وعنوانه نأتي الآن لمناقشة مضمونه ومحتواه، وهل يتوافق مع المصادر التي أوردت رواية المقتل التقليدية؟ وهل فيه روايات منفردة أو شاذة؟
وبعد دراسة رواياته وجدناها تخالف مجمل المصادر وكتب المقاتل الحسينية، وإنَّ المقتل بصورة عامة أشبه بالقصة أو الحكاية الخيالية التي عُرضت بأسلوب أُسطوري خرافي لا أساس تأريخي له، وسنذكر النصوص والروايات التي وردت في هذا الكتاب؛ لدراستها ومناقشتها، وبيان زيفها وشذوذها وتحريفها:
1- رواية تتحدَّث عن وجود الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته في دمشق بما نصُّها: «إنّ معاوية بن أبي سفيان أخذ معه الحسين وإخوته وأولاده وأولاد أخيه وجميع عشيرته وقرابته وارتحل بهم جميعاً، وأتي إلي ناحية دمشقبأرض الشام...»((1)).
هذه الرواية غير مسندة ولم يُشر المؤلِّف إلي مصدرها، علماً أنَّها لم تُذكَر في أيّ مصدر تأريخي بحسب اطلاعنا، ثم ما وجه العلاقة بين معاوية والإمام الحسين(عليه السلام)؟ ولماذا يرحل الحسين(عليه السلام) إلي الشام؟ وما الدافع في ذلك؟ ولماذا يحمل عشيرته معه؟ كلُّ هذه التساؤلات تحملنا إلي جعل هذه الرواية من الموضوعات والمنفردات التي لا حقيقة ولا وجود لها.
ص: 400
2- وصية معاوية بن أبي سفيان إلي ولده يزيد:أشار مؤلِّف (نور العين) إلي وصية قد أختلقها وابتدعها، ولا أصل لها في المصادر، ونصُّها: «وأوصيك يا بني بالحسين وأولاده وإخوته وأولاد إخوته وجميع عشيرته وجميع بني هاشم الوصية التامة، ويا يزيد لا تفعل في الرعية شيئاً حتي تشاور الحسين ولا أمر عندك فوق أمره ولا يد عندك فوق يده، لا تأكل حتي يأكل هو ولا تشرب يا بني حتي يشرب هو وأهل بيته...»((1)).
من خلال مقابلة تلك الوصية مع بعض المصادر لا نجد لها ذكراً، بل نجدها مختلفة تماماً لاسيما فيما يخصُّ الإمام الحسين(عليه السلام) إذ أوصاه قائلاً: «وأما الحسين بن علي فإنَّ أهل العراق لن يدعوه حتي يخرجوه فإن خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه فإنَّ له رحما ماسة وحقاً عظيماً...»((2))، كما أورد ابن أعثم الوصية باختلاف قليل فقال: «أما الحسين بن علي فأوّه أوّه يايزيد! ماذا أقول لك فيه! فاحذر أن لا يتعرَّض لك، ومدَّ له حبلاً طويلاً وذره يضرب في الأرض حيث شاء ولا تؤذِه، ولكن ارعد له وأبرق، وإيَّاك والمكاشفة له في محاربة سل سيف أو محاربة طعن رمح، ثم أعطه ووقِّره وبجِّله...»((3))، هذا ما ذكرته المصادر التاريخية بخصوص الوصية، أمّا ما ذُكر في نور العين فلا صحة له لو قارنا بين النصِّ الذي أورده مؤلِّف نور العين مع النصِّ الذي أوردته المصادر لاتضح لنا الإختلاف الكبير بين النصين.
3- وردت ضمن الوصية فقرة فيها خطأٌ تاريخي كبير فيما يخصُّ مدَّة تنصيب يزيد علي سدَّة الحكم إذ قال: «ولا تستخلف يا يزيد إلا مدة يسيرة حتي يبلغ الحسن
ص: 401
مبالغ الرجال ويمضي إلي مكة في أحسن حال، ويكون هو الخليفة أو من يشاء من أهل بيته، وترجع الخلافة إلي أهلها؛ لأنَّنا يا بني ليس لنا خلافة، بل نحن عبيد له ولأبيه وجدهm»((1)).
يبدو أنّ مصادرنا تخلو من هذا الخبر، فمن أين جاء به مؤلِّف كتاب نور العين؟ لا بّد أنَّه أطلق العنان لمخيلته؛ لكي يختلق مثل هذه الأخبار، هذا من جانب ومن جانب آخر أنَّه ورد في الرواية أنَّ معاوية قد تنبأ بمدة حكم يزيد القصيرة وأنَّ الإمام الحسن(عليه السلام) أو أيّ شخص من أهل البيت سيتولي الخلافة بعده، كما وأنّ الرواية علَّلت سبب عدم تولي الإمام الحسن(عليه السلام) للخلافة بأنَّه لم يبلغ مبلغ الرجال، ونحن سنجري مقارنة حسابية تاريخية لنكشف زيف وبطلان هذه الرواية، وكيف أنَّ الإمام الحسن(عليه السلام) لم يبلغ مبلغ الرجال في تلك المدة الزمنية.من الملفت للنظر أنّ الإمام الحسن(عليه السلام) لم يكن موجوداً في هذه المدة إذ سَمَّه معاوية واستُشهِد سنة خمسين للهجرة((2))، فكيف يبلِّغ معاوية ابنه يزيد من خلال وصيته له في سنة ستين للهجرة بأنَّ الخلافة ستكون من بعده للإمام الحسن(عليه السلام) وقد مضي علي استشهاده(عليه السلام) قرابة عشر سنوات؟ وكيف لمؤلِّف هذا الكتاب أن يغفل هذه المعلومات التاريخية البديهية؟
وبحسب افتراض روايات نور العين فإنَّ الإمام الحسين(عليه السلام) قد سكن في دمشق
ص: 402
مع أهل بيته(عليه السلام)، إلاّ أنَّه قرَّر بعد ذلك الرحيل ومغادرة دمشق، ويعلِّل صاحب المقتل سبب الرحيل بعامل مادي اقتصادي بقوله: «إنّ يزيد بن معاوية أعطي العطايا وأولم الولائم، وأعطي جميع عساكره وجنده إلاّ الحسين وأهل بيته فإنَّه لم يعطِهم شيئاً، وجميع رواتب والده التي كان مرتبها لهم قطعها في مدَّة ولايته، وصار لم يعطهم ولم يخرج لهم من بيت المال شيئاً من يوم مات والده معاوية، وتمرَّد علي الحسين، وقسا قلبه عليه ولم ينظر إليه، وضاعت وصية والده عليه وصار لا يذكر الحسين ولا أحداً من أهل بيته ولا قرابته علي لسانه ولا في مجلسه، ومن ذكره في مجلسه مقته ونهره وطرده من عنده، قال فلما رأي الحسين ذلكمن يزيد أتي إلي أخته سكينة ودموعه جارية، وقال لها يا أختي امضِ بنا إلي مكة أو المدينة، وحكي لها جميع ما هو ناظره من يزيد وأحواله من قساوة قلبه وتغير حاله وعدم عمله بوصية أبيه عليهم، فقالت يا أخي نعم لا مقام لنا عنده، ولكن الرأي أن تستأذنه ونمضي إلي حال سبيلنا، فقال لها يا أختي نِعْمَ الرأي»((1)).
الرواية لا تخلو من المناقشة والنقد - وإنْ كانت في حقيقتها وأصلها رواية خيالية أسطورية لا سند تأريخي لها - إنَّها صوَّرت الإمام الحسين(عليه السلام) رجلاً صاحب مصالح دنيوية، وإنَّه غادر دمشق - علي فرض الرواية، وإلا فإنَّها مختَلَقة من أصلها - علي أثر قطع يزيد بن معاوية الأموال والعطايا، وسوء معاملته لهم علي عكس ما أوصاه أبيه، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنَّ الإرباك التاريخي في نسبة الشخصيات واضح إذ جعل السيدة سكينة بنت الحسين(عليه السلام) أختاً للإمام الحسين(عليه السلام) بدلاً من ابنته، ويبدو أنّ هذا لا يتفق مع المتعارف عليه من أنَّها بنت الإمام الحسين(عليه السلام)
ص: 403
وليست أخته((1)) كما ورد بحسب فرض الرواية آنفة الذكر، ونجد أنَّ صاحب المقتل الموسوم ب-(نور العين) قد كرَّر في أكثر من مناسبة علي أنَّ السيدة سكينة أخت للإمام الحسين(عليه السلام) في مقتله((2)).4- ومن الروايات الموضوعة والمحرَّفة تلك التي تتحدَّث عن دخول الحسين(عليه السلام) مكة، والرواية فيها الكثير من المغالطات التاريخية ونصُّها: «وكان عبد الله بن الزبير(رضي الله عنه) خليفة مكة حينئذ، وهو أخو الحسن من الرضاعة، وبعد أنْ لاقاه وسلَّم عليه وعلي جميع عشيرته أدخلهم داره، وأنزلهم أحسن منزل، وأكرمهم غاية الإكرام وعمل لهم وليمة عظيمة ليلة دخولهم كفي بها جميع أهل مكة...»((3)).
إنَّ كلّ المعلومات الواردة في هذه الرواية لا تمتُّ للحقيقة التاريخية بصلة وليست بصحيحة، فهل من المعقول أنَّ عبد الله بن الزبير أصبح خليفة في مكة قبل عام إحدي وستين للهجرة ولم تحدِّثنا المصادر بذلك قطعاً؟ ولم يُشر أيّ مصدر إلي أنَّ الإمام الحسين(عليه السلام) سكن في دار عبد الله بن الزبير، ثم كيف أصبح الإمام الحسن(عليه السلام) أخاً لعبد الله بن الزبير من الرضاعة؟ والملاحظة الأخري ما الوليمة التي تتحدَّث عنها الرواية وما حجمها؟ وكم استغرق إعدادها؟ وكم عدد العاملين فيها لكي تستوعب جميع أهل مكة؟ إنَّ المبالغة والأخطاء التاريخية واضحة جداً علي هذه الرواية، بل علي جميع روايات هذا المقتل.
5- روايات مكاتبة أهل الكوفة للإمام الحسين(عليه السلام): أورد المؤلف حادثة مكاتبة
ص: 404
أهل الكوفة للإمام الحسين(عليه السلام) بشكل مختلف جذرياً عما ذكرتْهُ المصادر((1))، ولا يوجد مصدر واحد يتفق مع مؤلِّف نور العين، علماً أنّ الكثير منالتصرفات التي أوردتها تلك الروايات لا تنسجم بشكل أو بآخر مع أخلاق ومكانة ومنزلة الإمام الحسين(عليه السلام)، ويذكر المؤلف تلك الروايات وفيها إرباك تأريخي واضح، يتضح منها أنّ أهل الكوفة قد أجمعوا علي مكاتبة الإمام بسبب ظلم الحكم الأموي؛ فكاتبوه بما نصُّه: «قال الراوي ثم إنَّهم طووا الكتاب وأرسلوه بصحبة رجل من أهل الكوفة، فأخذه وسار به من عندهم ولم يزل يجدُّ في السير إلي أن دخل مكة المشرفة، وأتي إلي دار الحسين(رضي الله عنه) فوجده فيها، فاستأذنه في الدخول فأذن له وسلَّم عليه وقبَّل يديه وأخرج الكتاب وناوله له(رضي الله عنه) فأخذه وقرأه وفهم معناه، فلما عرف ما فيه رماه من يده وطرد الرسول، ولم يردَّ له جوابا، ولم يبدله خطابا فذهب رسول أهل الكوفة خائبا، ولم يزل سائراً إلي أن أتي أهل الكوفة، وحكي لهم ما جري له مع الحسين، وإنَّه لم يلتفت إليه ولا ردَّ له جوابا ولم يبدله خطابا، فأرسلوا له ثانياً وثالثاً ورابعاً، وهو لا يلتفت إلي ذلك...»((2)).
الرواية تختلف تماماً عما أوردته المصادر التي تطرَّقت إلي ذكر تلك الحادثة، ثمَّ لم تحدِّد الرواية من هو رسول أهل الكوفة للإمام الحسين(عليه السلام)؟ وما هو الداعي الذي دفع الإمام الحسين(عليه السلام) إلي طرد الرسول؟ وهل هذه أخلاق الإمام(عليه السلام)؟ ثم لماذا لم يستجب الإمام الحسين(عليه السلام) لنداء أهل الكوفة وفق فرض الرواية وقد تكرَّرالطلب
ص: 405
أربع مرات والإمام(عليه السلام) يرفض ذلك؟
واستمرَّ أهل الكوفة بالطلب من الإمام الحسين(عليه السلام) وهو يقابل ذلك بالرفض، معلِّلاً ذلك بالبقاء في مكة؛ لكونها حرم الله، ثم بعد ذلك يستجيب لطلبهم ونصُّ الرواية: «فبينما الحسين(رضي الله عنه) جالس في بيته وما من الأيام وإذا بفارس من الكوفة أتي إلي بابه فطرقه، فقال الحسين(رضي الله عنه) من بالباب؟ فقال له الرسول يا أبا عبد الله فأذن له بالدخول، فدخل عليه وسلم عليه وقبَّل يديه، وأخرج الكتاب وناوله له، فأخذه وقراه وفهم معناه فإذا هو من أهل الكوفة يقولون فيه... يا حسين يابن بنت رسول الله إنَّ يزيد بن معاوية ظلم وجار وقتل الرجال ونهب الأموال وطغي وتمرَّد وولَّي علينا رجلاً اسمه عبيد الله بن زياد بن مرجانة، وهو ظالم جبار ومعتد غدّار، وقد عمَّ ظلمه سائر الأقطار، يأمر بالمنكر وينهي عن المعروف ويشرب الخمر... وإنَّنا قد أرسلنا إليك يا أبا عبد الله سابقاً نحو ألف كتاب نطلبك أن تحضر عندنا، ونحن نساعدك علي يزيد ونقتله، وتأخذ خلافة أبيك وجدِّك وتتولَّي علينا أنت أو أحد من أهل بيتك... (قال الراوي) فلما قرأ الحسين(رضي الله عنه) المكتوب اقشعرَّ جلده خوفاً من الله وتقطَّعت احشاؤه علي ظلم خلق الله وإقسامه عليه بجده رسول الله، فقام من وقته وساعته قائما علي قدميه، ودموعه تجري علي خديه، وأتي بدواة وقرطاس وقلم من نحاس، وكتب إلي أهل الكوفة والعراق: بسم الله الرحمن الرحيم، من عند الحسين بن علي بن أبي طالب إلي أهل الكوفة والعراق أعلمكم أنَّكم أرسلتم لنا ألف كتاب ونحن ما نلتفت إليها وأنا ما مرادي إلا الجوار بكعبه الله أقيم فيها إلي انقضاء الأجل، والآن ظهر منه الشكوي من ظلم يزيد وغيره وإنِّي حاضر إليكم عن قريب إن شاء الله، والواصل لكم مسلم بن عقيل بكتابي وهو يصلي بكم في مسجد الكوفة، ويقضي بينكم والنعمان يحكم
ص: 406
بينكم إلي أن أحضر لكم...»((1))، الرواية تحوي العديد من التناقضات والتحريف التاريخي الواضح، ومن ذلك:
أ - الرواية كسابقتها غير مُسنَدة ولا أصل تاريخي لها، فهي لم تحدِّد لنا أسماء الرسل الذين بعثهم أهل الكوفة للإمام الحسين(عليه السلام)، ونحن نتساءل لماذا لم تحدَّد أسماء الرسل وتسمِّيهم لنا كبقية المصادر التي تطرقت لهذه الحادثة؟ .
ب - لم تحدِّد الرواية الجهة التي أقدمت علي الإمام(عليه السلام) بكتب أهل الكوفة، وإنمَّا حصرتها برجل مجهول لم تُسمِّه (ووصفتُه ب-:الفارس)، وهذا مخالف للرواية التقليدية للمقتل التي حدَّدت أسماء رسل أهل الكوفة للإمام(عليه السلام) وشخَّصتهم((2)).
ت - ورد في الرواية خطأ تاريخي وتناقض كبير من كون أهل الكوفة قد شكَوا للإمام الحسين(عليه السلام) ظلم وتجبُّر عبيد الله بن زياد عليهم، في حين أشارت أغلب المصادر((3)) إلي أنَّ تنصيب عبيد الله والياً علي الكوفة جاء بعد مكاتبتهمللإمام(عليه السلام) وليس قبلها، وكان عليهم حينئذ النعمان بن بشير الأنصاري.
ت - ثم إنّ الرواية علَّلت سبب استجابة الحسين(عليه السلام) لمطلب أهل الكوفة في الخروج ضدَّ الحكم الأموي إلي ثلاثة عوامل الأول: مكاتبة أهل الكوفة له، والثاني:
ص: 407
خوفه من الله، أمَّا العامل الثالث: فيتعلَّق بقَسَم أهل الكوفة عليه بجدِّه رسول الله(صلي الله عليه و آله)، ولولا تلك العوامل لما خرج الإمام الحسين(عليه السلام) ضدَّ الحكم الأموي، وهذا يتقاطع ويتعارض مع الهدف الأساس الذي خرج من أجله الإمام الحسين(عليه السلام)، وهو الإصلاح في أُمَّة جدِّه النبي محمد(صلي الله عليه و آله).
ت - الرواية تصوِّر الإمام الحسين(عليه السلام) بأنَّه رجل طالب للسلطة والحكم، ولا علاقة لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في نهضته ضدَّ الحكم الأموي.
ث - وهنا نتساءل هل أنَّ الإمام الحسين(عليه السلام) لم يعرفْ شخصية يزيد بن معاوية وظلمه وفسقه؟ وهو الذي رفض بيعته قائلاً: «إناّ أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، ويزيد فاسق شارب الخمر، وقاتل النفس ومثلي لا يبايع لمثله...»((1)).
ج - الرواية نصَّت علي اختيار مسلم بن عقيل من قبل الإمام الحسين(عليه السلام) لكي يكون قاضياً في الكوفة والنعمان بن بشير حاكماً، وهذا ما لم تحدِّثنا به المصادر، وهل أنَّ اختيار مسلم بن عقيل لأجل القضاء فقط أم لمهمة أعظم من هذه المهمة؟ أمّا النعمان فكيف يكون هو الوالي وقد عزله يزيد واستبدله بعبيد الله بنزياد بنصِّ الرواية؟ فأصل الرواية فيها تناقض واضح فيما يخصُّ الوالي.
6- من خلال مقارنة بعض الروايات الواردة في هذا الكتاب مع المقتل المنسوب لأبي مخنف وجدنا أنّ بعض تلك الروايات قد تمَّ اقتباسها منه بنصِّها، منها:
أ - رواية حفر بئر لنصب كمين للإيقاع بمسلم بن عقيل(عليه السلام) فيه، بعد أنْ عجز الجيش الأموي من إلقاء القبض عليه((2)).
ب - أمّا الرواية الأخري ٍفتحدَّثت عن السيدة زينب وهي تروي حال الهجوم
ص: 408
علي الخيام وتقول: «دخل رجل أزرق العيون فأخذ كلَّ ما كان في خيمتنا التي كنَّا مجتمعين فيها، ثم نظر إلي علي الصغير بن الحسين وهو مطروح علي قطعة من الأديم، فجذبها من تحته ورماه علي الأرض، ثم أخذ قناعي من رأسي ونظر إلي قرط كان في أذني فعالجه وقرضه بأسنانه»((1)).
ج - كذلك تمَّ اقتباس رواية الصدقة التي نقلها سهل الشهرزوري - بحسب افتراض رواية المقتل المنسوب لأبي مخنف - وهي الأخري اقتُبِست أيضاً((2)).
إنّ تطابق هذه الروايات مع ما موجود في المقتل المنسوب لأبي مخنف يدلُّ علي أنّ مؤلف نور العين قد اعتمد علي هذا المقتل في الكثير من الأخبار التي أوردها والتي كانت بصيغة (قال الراوي) لا سيما وإنّ تلك الأخبار قد انفرد بها المقتل المنسوب لأبي مخنف دون بقية المصادر.
7- ومن الشخصيات الخيالية المختلقة التي أوردها المؤلِّف هي مارد بنصديق((3))، الذي صوَّره المؤلف بأنَّه بارز أبا الفضل العباس بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام) وجاء بقصَّة مطوَّلة هي أشبه بالحكايات الشعبية، ثم نسب المؤلف لأبي الفضل العباس أقوالاً لا تلائم شخصيته ومكانته وتضحيته وإيمانه وتقواه، ونصُّ ذلك «أقبل المارد إلي نحو العباس وهو منفرد بنفسه متدرِّع بدرعه وعلي رأسه بيضة عمادية وهو راكب علي فرس أشقرَ وبيده رمح طويل، فلما نظره العباس قد انفرد بنفسه تأهَّب له حتي دنا منه وصاح به يا غلام ارمِ حسامك وأظهر للناس استسلامك، فإنَّ الذين برزوا إليك كانوا رفيقين بك وأنا رجل قد نُزِعت من قلبي الرحمة ونزل مكانها
ص: 409
النقمة، وما سمتي أن أحتوي علي كبير إلا وأتركه حقيراً غير أنَّي لما نظرت إلي حداثة سنك وملاحة وجهك رقَّ لك قلبي، فارجع ولا تباهِ بنفسك، وفي هذا كفاية للعاقل، وإنِّي لم أسمح به لأحد غيرك»((1)).
8- الروايات الأخري التي لا يمكن أن يقبلها العقل ولا المنطق، والتي ليس لها وجود في مصادرنا التاريخية، ومن المؤكَّد تضاربها مع المصادر التي تطرَّقت إلي ذكر تلك الأخبار، هي:
أ- الأعداد الخيالية والمبالَغ فيها من أنّ مسلم بن عقيل قتل ألفاً وخمسمائة فارس من الجيش الأموي، وأنَّ أبا الفضل العباس قتل بحدود الخمسمائة فارس، وأنَّ علياً الأكبر بن الإمام الحسين(عليه السلام) قتل بحدود الخمسمائة فارس((2))، ونحن نتساءل كيف يمكن لشخص مهما كانت قوّته أنْ يقتل هذه الأعداد ولاسيما أنَّهممن الفرسان، وكان كلُّ واحد يحمل التجهيزات العسكرية الكاملة بوصفه جندياً وفارساً مقاتلاً، وكم يحتاج من الوقت لقتل هذه العساكر؟
ب - إنّ الإمام الحسين(عليه السلام) قتل من الأعداء ألفاً وستمائة شخص((3))، كما أنّ المؤلف حاول إضفاء الصفة الأسطورية الخيالية علي الإمام(عليه السلام) بقتاله تلك الأعداد الكبيرة بقوله: «وكان يحمل علي القوم كحملة والده ويأخذ الفارس بيده ويضرب به الآخر فيموت الإثنان، ويأخذ الإثنين باليدين ويضرب بهما الإثنين فيموت الأربعة»((4)).
ت - إنّ قوماً من الجنِّ تولَّوا عملية دفن شهداء كربلاء((5))، علي حين أشارت
ص: 410
أغلب المصادر إلي خلاف ذلك من أنّ قوماً من بني أسد هم من تولَّوا عملية الدفن((1)).
ث - إنّ الجيش الذي حارب الحسين(عليه السلام) ليس فيه حجازي ولا شامي ولا مصري((2)).
9- أمّا أبو الفضل العباس بن علي(عليه السلام) فقد نسب إليه صاحب نور العين، «بأنَّ له زوجة وولدين، وأنَّهما شاركا في القتال، وقتل أحدهما وهو القاسم ثمانمائة رجل من الأعداء»((3)).هذه الرواية لم تذكرها المصادر والتي لا صحَّة لها؛ إذ كيف لشخص أن يقتل هذا العدد الكبير من الفرسان، ونحن نعرف أن واقعة الطف جرت وفق النواميس الطبيعية، ولم تتدخل المعجزة الإلهية فيها؟ وقتل هذا العدد مخالف للقوانين الطبيعية، فكم يحتاج من الوقت لقتل هؤلاء المقاتلين؟ وواقعة الطف جرت بوقت قياسي جداً.
10- تضارب بعض الروايات من قبيل إشارة المؤلف إلي أنّ عدد أصحاب وأنصار الإمام الحسين(عليه السلام) سبعة وسبعون رجلاً((4))، ثم يرجع ويقول بأنّ عدد الرؤوس التي ذهبتْ إلي الكوفة قد بلغت ثمانية عشر رأساً((5)) - وهذا الرقم لم يرد في مصادرنا التاريخية - فيكون الفارق تسعةً وخمسين رأساً، وهذا الفارق قد أهمله
ص: 411
المؤلف ولم يبيِّن لنا مصيره.
نستنتج من عرضنا للروايات والأخبار الواردة في كتاب نور العين في مشهد الحسين(عليه السلام) ودراستها ومناقشتها ومقارنتها مع بقية المصادر التاريخية، وبيان مدي ضعفها وانتحالها، ومخالفتها للنصوص التاريخية المعتبرة، بل وجدنا روايات كتاب نور العين لا أساس تأريخي لها، كما أنّ الأخبار والروايات التي وردت فيه قد نُقِلتْ بالمعني وليس بالنصِّ واللفظ، مما يسهم في جعله ضعيفاً من الناحية التاريخية، ومن ثَمَّ لا يمكن الإعتماد عليه أو الأخذ من رواياته، كما أنَّنا نشكِّك في نسبة الكتاب للأسفراييني، وذلك لعدِّة اعتبارات منها:أ - إنّ الكثير من المصادر وكتب التراجم((1)) التي تعرَّضت لذكر الأسفراييني وترجمت له وذكرت مصنَّفاته لم تُشر إلي مصنَّف له بعنوان (نور العين في مشهد الحسين) مما يجعل نسبة الكتاب إليه ضعيفة جداً.
ب - لم يكن الكتاب بمستوي مؤلَّفات القرنين الرابع والخامس الهجريين/العاشر والحادي عشر الميلاديين التي امتازت بالتوثيق والرصانة في الأسلوب والكتابة، وكتاب نور العين جاء مخالفاً وفاقداً لهاتين الميزتين.
ت - احتواء الكتاب علي مفردات هي من اللغة العربية الدارجة - وبعضها ذات مفردات مبهمة - وليس من لغة مؤرِّخي القرنين الرابع والخامس الهجريين/العاشر والحادي عشر الميلاديين من قبيل «وأطاعه جميع العربان، وقلوبنا عليك بالأشواق ملهوفة، بغلة زرورية، نزلوا علي الشوارع... الخ»((2)).
ص: 412
ث - استعمال مصطلح (مكة المشرَّفة أو المدينة المشرَّفة) هو من استعمال المؤلِّفين المتأخرين((1))، وليس من مؤرِّخي القرنين الرابع والخامس الهجريين، في حين استعمل في كتاب نور العين هذا المصطلح بشكل متكرِّر((2))، مما يدلِّل علي أنّ هذا الكتاب ليس من مؤلَّفات هذين القرنين، كما ويدلُّ علي أنّ المقتل لم يؤلَّف في القرن الرابع أو الخامس، وإنَّما في القرون المتأخرة، وهذا يرجِّح بشكلأو بآخر بكون المقتل ليس من مصنَّفات الأسفراييني، ولا يمتُّ له بصلة لا من قريب ولا من بعيد.
ص: 413
ص: 414
المبحث الأول: دراسة تحليلية للمتون الروائية لكتب المقتل الحسيني
خلال القرن السادس الهجري
المبحث الثاني: دراسة تحليلية للمتون الروائية لكتب المقتل الحسيني
خلال القرن السابع الهجري
ص: 415
ص: 416
يركِّز هذا المبحث علي دراسة المتون الروائية لكتاب مقتل الحسين(عليه السلام) للخوارزمي بوصفه المقتل الوحيد المطبوع الذي وصلنا، ولم يتعرض للضياع والفقدان خلال هذا القرن، ويُعدُّ هذا المقتل من المصادر المعتبرة والمهمِّة في عرض واقعة الطف وتفاصيلها، ولابدََّ من تسليط الضوء علي بعض النقاط التي تتعلَّق بالمؤلِّف ومنهجيته في عرضه للمقتل وتفاصيله.
يُستدَلُّ من خلال قوله الذي أورده في مقدمة مصنَّفه أنَّ سبب تأليفه لمقتل الإمام الحسين(عليه السلام) هو دافع ديني عقائدي قائلاً: «وأنا لما عجزت لتأخير زماني عن المناضلة دونه، وإراقة دمي والمثول بين يديه علي قدمي، أحببت أنْ أجمع مقتله بلعاب قلمي، وأطاعن دونه ودون ذريته باللسان... وليكون لي حظ في شفاعة جدِّهم محمد المجتبي من بريته»((1)) ولعلَّ دافعه هذا يُضاف إلي الأسباب التي يُستدلُّ بها علي ميوله الشيعية.
يُلاحَظ أنّ مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) للخوارزمي قد شمل الإمتداد الزماني
ص: 417
للمقتل بشكل واسع، واستوعب المساحة التي تحرَّك بها الركب الحسيني من حيث إرهاصاته ومجرياته ونتائجه؛ كونه استعرض الأحداث أو مقدِّمات المقتل التي وقعت عام (60ﻫ/680م) وتحديداً السياسية((1))، وبعدها استعرض الأحداث التي جرت للإمام الحسين(عليه السلام) مسلِّطاً الأضواء علي الأمور السياسية أيضاً((2))، ثم استعرض مجمل أحداث عام (61ﻫ/681) ومنها أحداث المقتل، ولم يكتفِ بذلك، بل تطرَّق إلي واقع الأسْر والسبي الذي تعرَّض له آل البيت(عليهم السلام)، سواء في الكوفة أوفي الشام((3))، ومن المؤكَّد أنّ الخوارزمي قد جعل ثأر المختار بن أبي عبيد الثقفي امتداداً لآثار المقتل وإفرازاته السياسية والعسكرية((4)).
أمَّا العامل المكاني فهو الآخر وجد اهتماماً لدي الخوارزمي؛ حيث تتبَّعه بشكل متسلسل ومنظَّم مبتدئاً بالأحداث التي وقعت في مكة المكرمة، ثم انتقل بعدها إلي أحداث المدينة، لاسيما السياسية منها، ثم يفصِّل في أحداث العراق والمواقع الجغرافية التي سلكها الركب الحسيني، والأحداث التي واجهتهم.
يُعَدُّ كتاب مقتل الحسين(عليه السلام) للخوارزمي من المصادر المعتبرة والمهمة، وتكمن أهميته بكونه كتاباً تاريخيّاً روائيّاً، إذ ذَكرَ في معظم أخباره السلسلة السنديّة للروايات التي أوردها في كتابه (مقتل الحسين(عليه السلام)). أمّامنهجيته في ترتيب مقتله فقد قسَّم الكتاب علي خمسة عشر فصلاً، تناول كلُّ فصلٍ موضوعاً معيَّناً، وقد جاء الكتاب - بجزئيه - علي الشكل الآتي:
ص: 418
الجزء الاول: يتضمَّن الجزء الأول من الفصل الأول إلي الفصل الخامس ذكر فضائل النبي(صلي الله عليه و آله) والسيدة خديجة والإمام أميرالمؤمنين والسيدة فاطمة الزهراء(عليهم السلام)، علي حين ركَّزت الفصول من السادس إلي الفصل الثامن علي فضائل الإمامين الحسن والحسين(عليهما السلام)، ومكانتهما عند الرسول محمد(صلي الله عليه و آله).
بينما خُصِّص للحديث عن ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) ومقدِّماتها ومقتله من الفصل التاسع إلي الفصل الحادي عشر، وبالشكل الآتي:
الفصل التاسع: ما جري بين الحسين(عليه السلام) والوليد بن عتبة ومروان بن الحكم في المدينة علي عهد معاوية وبعد مماته.
الفصل العاشر: عرض الخوارزمي في هذا الفصل الأحداث التي جرت للإمام الحسين في مدة إقامته بمكّة، والرسائل التي وصلت إليه من أهل الكوفة، وإرسال مسلم بن عقيل(عليه السلام) إلي الكوفة وشهادته هناك.
الفصل الحادي عشر: خروج الحسين بن عليّ من مكّة إلي العراق، والحوادث التي حصلت أثناء المسير، ونزوله في أرض الطفّ.
أمّا الجزء الثاني: فقد تضمَّن من الفصل الثاني عشر إلي الفصل الخامس عشر، وبالشكل الآتي:
الفصل الثاني عشر: تطرَّق فيه إلي بيان عقوبة قاتل الحسين(عليه السلام) وخاذله وما له من الجزاء.
الفصل الثالث عشر: ذكر ما قِيل من المراثي بحقِّ الحسين(عليه السلام).
الفصل الرابع عشر: في زيارة تربته(عليه السلام).
الفصل الخامس عشر: في ذكر انتقام المختار بن أبي عبيدة الثقفي من قاتليالحسين(عليه السلام).
وبحسب موضوع دراستنا فسيكون التركيز بلا شكٍّ من الفصل التاسع إلي الفصل الحادي عشر بشكل أساسي؛ لكونه محور دراستنا.
ص: 419
اعتمد الخوارزمي علي جملة من المصادر في مقتله، لكننا سنركِّز علي المصادر التي تخصُّ الفصول التي حدَّدناها والتي لها علاقة بمقتل الإمام الحسين(عليه السلام) وحيثياته.
ويُلاحَظ أنّ معظم الروايات - التي تخصُّ موضوع دراستنا ممَّا يقع ضمن الفصول التي حدَّدناها - تتركَّز علي ما جاء عن ابن أعثم وصيغته (قال أحمد بن أعثم الكوفيّ)، وكان ينقل معظم هذه الأخبار المضافة مسنَدة عن مشايخه، وفي مقدِّمتهم: جار الله بن عمر الزمخشريّ (ت 538 ﻫ)((1))، وأبو منصور الشهردار بن شيرويه الديلميّ (ت 558 ﻫ/1160م)((2))، والحسن بن أحمد العطّار الهمدانيّ(ت544 ﻫ/1146م)((3))، وأبو الحسن عليّ بن أحمد العاصميّ.
وبما أنّ أغلب الأخبار التي جاءت في المقتل للخوارزمي تمَّ الإعتماد في إيرادها علي ابن أعثم الكوفي، فلابدَّ من التحقُّق من تلك الروايات، ومطابقتها لما هو موجود في الفتوح لابن أعثم.
وبعد دراسة ومقارنة روايات ابن أعثم في الفتوح مع تلك التي اعتمدها
ص: 420
الخوارزمي عن ابن أعثم، تبيَّن أنّ الكثير منها تطابقت مع روايات الفتوح لابن أعثم مع وجود بعض الإختلافات والزيادات في بعضها، ومنها:
أ- ذكر الخوارزمي أنّ مسلم بن عقيل(عليه السلام) اتخذ بعد دخوله الكوفة دار مسلم بن المسيب((1)) علي حين ذكر ابن أعثم بأنَّه نزل دار سالم بن المسيب، وهي دار المختار بن أبي عبيد الثقفي((2)). وهذا الإختلاف بين سالم ومسلم قد يكون خطأ وقع في النسخ، لتقارب الاسمين في النداء والتسمية لهما.
ولم يقتصر الخوارزمي علي حذف بعض الروايات وإنَّما شمل الزيادة في بعضها، فمثلا أضاف الخوارزمي لرواية ابن أعثم((3)) بخصوص استشارة يزيد بنمعاوية لسرجون الرومي - مستشاره - بعض الزيادات إذ يقول: «إنّ يزيد دعا بغلام كان كاتباً عند أبيه - يقال له سرجون - فأعلمه بما ورد عليه بخصوص أوضاع الكوفة فقال: أشير عليك بما تكره، قال: وإنْ كرهت، قال استعمل عبيد الله بن زياد علي الكوفة، قال إنَّه لا خير فيه، وكان يبغضه فأشير بغيره، قال لو كان معاوية حاضرا أكنت تقبل بقوله؟ قال: نعم، قال: فهذا عهد عبيد الله علي الكوفة أمرني معاوية أكتبه، فكتبته وخاتمه عليك فمات وبقي العهد عندي، قال ويحك فأمضه»((4)) ويُلاحَظ من خلال
ص: 421
المقارنة بين الروايتين أنَّ هناك اختلافاً واضحاً في إيراد تفاصيلها، وأنَّ رواية الخوارزمي هي أقرب إلي رواية الطبري((1)).
ويُلاحَظ وجود اختلاف في الرسالة التي أرسلها يزيد بن معاوية إلي عبيد الله بن زياد بخصوص تطورات الوضع في الكوفة؛ فإنَّ ما ذكره ابن أعثم يختلف عما ذكره الخوارزمي؛ إذ ذكرها بالشكل الآتي: «أمَّا بعد فإنَّ الممدوح مسبوبٌ يوماً، وإنَّ المسبوب ممدوحٌ يوماً... وقد ابتلي بالحسين زمانُك من بين الأزمان، وبلدك من بين البلدان وابتُليتَ به من بين العمال، وعندها يُعتَقُ أو يعود عبدا كما تعبد العبيد لي بالحسين...»((2)) ومن خلال مراجعتنالبعض المصادر وجدنا أنَّ رواية الخوارزمي هذه هي أقرب إلي رواية البلاذري((3)).
ب - أمّا مسيرة الإمام الحسين(عليه السلام) ووصوله إلي هدفه فقد مرّت بعدة طرق، وقد تتبَّعها ابن أعثم بشكل دقيق، ونقل الخوارزمي ذلك عنه، لكنَّه أهمل بعض ما ذكره ابن أعثم، ومنها مرور الإمام ب-:ذات عرق((4)) وملاقاته لرجل من بني أسد، وحديثه معه بخصوص موقف أهل العراق منه.
ت - روي الخوارزمي خبراً عن ابن أعثم يتعلَّق بملاقاة الإمام الحسين بن
ص: 422
علي(عليه السلام) لزهير بن القين((1)) وأنَّ الإمام(عليه السلام) دعاه إلي نصرته فأجابه زهير، وأقدم علي طلاق زوجته وصرفها إلي أهلها وسرد بقية الحادثة((2))، ومن خلال الرجوع إلي كتاب الفتوح لابن أعثم لم نجد ذكراً لهذه الرواية، ومما يثير التساؤل كيف ذكره الخوارزمي بأنَّه نقلها عن ابن أعثم وهو لم يذكرها؟ث - ذكر الخوارزمي أيضاً كتاباً((3)) أرسله عمر بن سعد إلي أميره عبيد الله بن زياد علي حين لم يرد هذا الكتاب عند ابن أعثم الكوفي.
ج - أمّا القيادات التي قادت الجيش المشارك في حرب الإمام الحسين(عليه السلام) فقد أغفل الخوارزمي أسماء تلك القيادات باستثناء بعضها((4)) علي حين لم نجد ذلك في الفتوح؛ إذ ذكر أسماء القيادات كاملة. ولعلَّ سبب تلك الإختلافات يعود إلي جملة من العوامل منها:
أ - اختلاف النسخ الموجودة فعلاً عن النقل الذي ذكره الخوارزميّ، ولعلَّ النسخة الموجودة عند الخوارزمي أثناء عملية النقل منها هي غير النسخة المتداولة الآن.
ب - اعتماد الخوارزمي علي النقل بالمعني، الذي كان أحد أسباب الإختلاف وكثيراً ما اعتمد علي التغيير بالمعني؛ لتكون أقرب وأوضح للقارئ مع التنويه علي أنّ التغيير بالمعني لم يؤدِّ إلي الإخلال بالأصل التاريخي للوقائع.
ص: 423
ت - الفارق الزمني بين المؤرِّخينِ جعل الخوارزمي يغيِّر بعض مفردات الروايات.
ث - اعتماد الخوارزمي علي بعض النسخ من كتاب الفتوح وسقوط بعض العبارات والأسماء منها، الأمر الذي جعل المؤلِّف يذكرها بصيغة مجهولة، كما هو الحال في ذكر أسماء القيادات العسكرية التي اشتركت في الحرب ضدَّ الإمام الحسين(عليه السلام).
منها نسبة القصيدة التي نظمها الشاعر المعروف الفرزدق بحقِّ الإمام علي بن الحسين السجاد(عليه السلام) والتي مطلعها.
هذا الذي تعرفُ البطحاءُ وطأتَهُ *** والبيتُ يعرفُه والحِلُّ والحرمُ
هذا ابنُ خيرِ عباد ِاللهِ كلِّهُمُ *** هذا التقيُّ النقيُّ الطاهرُ العلمُ
فقد ذكرها علي أنّ الفرزدق أنشدها بحقِّ الإمام الحسين(عليه السلام)، علي حين أغلب المصادر قد أشارت إلي أنّ الشاعر نظمها بحقِّ الإمام علي بن الحسين(عليه السلام) في عهد هشام بن عبد الملك والقصة مشهورة((1)).
واستعمل العبارات الآتية: «وذكر غيره، وفي رواية - ورُوي - وقال غيره»((2)).
ص: 424
ولعلَّ الغالبية العظمي من الروايات الخاصة بالمقتل اعتمد فيها علي ابن أعثم، هذا يجعلنا نطرح تساؤلاً مهماً، هو لماذا لم يعتمد الخوارزمي علي المصادر الأولية التي تحدَّثت عن المقتل أمثال:أبي مخنف (الموجود في تاريخ الطبري) والبلاذري، وأبي الفرج الاصفهاني (مقاتل الطالبيين) وغيرها؟
الروايات كقوله: «قُتِل الحسين(عليه السلام) باتفاق الرواة - يوم عاشوراء - في العاشر من المحرم سنة 61ه- وهو ابن أربع وخمسين سنة وستة أشهر ونصف»((1)).
اتَّبع الخوارزمي منهج تعدُّد الروايات للحادثة الواحدة وبشكل مستفيض منها:
يُلاحَظ أنَّ الخوارزمي اهتمَّ بشكل واسع بهذا الموضوع حتي أنَّه خصَّص له فصلاً مستقلاً استعرض فيه إحدي وعشرين روايةً بطرق مختلفة، ولو قارنا من حيث المساحة التي خصَّصها الخوارزمي لهذا الموضوع مع أصحاب كتب المقاتل المتخصِّصة السابقين له أو المتأخِّرين عنه، لوجدنا فرقاً شاسعاً لكون الخوارزمي الأكثر من بين هؤلاء المؤرخين الذين فصّلوا في هذا الموضوع، حيث ذكر العديد من الروايات في هذا المجال، ومن طرق روائية مختلفة، منها:
أ - رواية عن طريق شيخه علي بن أحمد العاصمي، وهذا نصُّها: «عن أمّ الفضل بنت الحرث أنّها دخلت علي رسول الله فقالت: يا رسول الله! إنّي رأيت حلماً منكَراً
ص: 425
الليلة، قال: وما هو؟ قالت: إنّه شديد. قال: وما هو؟ قالت: رأيت كأنّ قطعة من جسدك قُطِعت ووُضِعت في حجري، فقال رسول الله: رأيت خيراً ; تلد فاطمة إن شاء الله غلاماً فيكون فيحجرك، فولدت فاطمة الحسين فكان في حجري كما قال رسول الله، فدخلت يوماً علي رسول الله فوضعته في حجره، ثمّ حانت منّي التفاتة فإذا عينا رسول الله تهريقان الدموع، فقلت: يا نبيّ الله! بأبي أنت وأمّي مالك؟ فقال: أتاني جبرئيل فأخبرني أنّ أمّتي ستقتل ابني هذا، فقلت: هذا؟ فقال: نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء»((1)).
ب - كما أنَّه أورد رواية عن طريق أمِّ سلمة زوج الرسول بقوله: وفي رواية أمّ سلمة «أخبرني جبرئيل أنّ هذا يقتل بأرض العراق، يعني الحسين، فقلت: يا جبرئيل! أرني تربة الأرض التي يُقتَل بها، قال: فهذه تربتها»((2)).
ونقل الخوارزمي أيضاً روايات عن الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) بقوله: «إنّ أميرالمؤمنين(عليه السلام) لمّا سار إلي صفّين نزل بكربلا وقال لابن عبّاس: أتدري ما هذه البقعة؟ قال: لا. قال: لو عرفتها لبكيت بكائي، ثمّ بكي بكاء شديداً ثمّ قال: مالي ولآل أبي سفيان، ثمّ التفت إلي الحسين وقال: صبراً يا بنيَّ فقد لقي أبوك منهم مثل الذي تلقي بعده»((3)).
ص: 426
وقد أورد هذه الرواية ابن أعثم((1)) لكن بشكل أطول مما أوردها الخوارزمي؛ إذ تجاوزت الصفحتين تقريباً.
ينقل الخوارزمي روايتين مختلفتين في كيفية القضاء علي مسلم بن عقيل(عليه السلام) بعد أن علمت السلطة بمكان تواجده، الأولي: أشارت إلي أنَّه بعد أن تجمَّعوا عليه وأخذ العطش مأخذه منه ضعف عن القتال وضربه بكير بن حمران الأحمري وبعدها تمَّ أسره((2))، علي حين كانت الرواية الثانية مغايرة لهذه الرواية التي مفادها: أنّ محمد بن الأشعث - قائد القوة التي كُلِّفت بإلقاء القبض علي مسلم - قد خدع مسلم بن عقيل(عليه السلام) بإعطائه الأمان له، ومن ثَمَّ تمَّ إلقاء القبض عليه((3)).
ويبدو أنّ سبب إيراد الخوارزمي لهاتين الروايتين المختلفتين ناشئ من اختلاف المصادر التاريخية، فقسم من تلك المصادر لم تُشِر إلي أنّ مسلم بن عقيل(عليه السلام) استسلم بسبب أمان ابن الأشعث وانخداعه بتلك الحيلة والمكيدة، وإنَّما قاتل حتي النهاية((4)).
أمّا القسم الآخر من المصادر((5)) فقد أشار إلي أنَّهُ عن طريق الأمان وفيها تمَّخداع مسلم، ومن ثَمَّ سهلت عملية القبض عليه.
ولعلَّ سبب الإختلاف الشديد بين تلك الروايات وفي التفاصيل الأخري،
ص: 427
يكشف عن ضعف تلك الروايات من الناحية التأريخية، لا سيما تلك التي تقلِّل من شأن مسلم بن عقيل(عليه السلام) التي أشارت إلي انخداعه بالأمان، بل إنّ مكانة مسلم ومنزلته وقول الإمام المعصوم الإمام الحسين(عليه السلام) فيه (أنت ثقتي)، وتكليفه بمهمة استطلاع أوضاع الكوفة ودراستها، لا تنسجم مع الروايات التي أشارت إلي استسلامه لأمان السلطة واحد أركانها، وهو محمد بن الاشعث.
واستعرض الخوارزمي حادثة إبلاغ القائد عمر بن سعد من قبل الوالي عبيد الله ابن زياد بتعجيل حرب الإمام الحسين(عليه السلام) روايتين مختلفتين، الأولي ما نصُّها: «ورد عليه كتاب من ابن زياد يؤنّبه ويضعّفه ويقول: ما هذه المطاولة، انظر إن بايع الحسين وأصحابه ونزلوا عند حكمي فابعث بهم إليّ سلماً، وإن أبوا ذلك فازحف إليهم حتّي تقتلهم وتمثّل بهم، فإنّهم لذلك مستحقّون، فإذا قتلت الحسين فأوطئ الخيل ظهره وبطنه، فإنّه عاقّ شاقٌّ قاطعٌ ظلومٌ، فإذا فعلت ذلك جزيناك جزاء السامع المطيع، وإن أبيت ذلك فاعتزل خيلنا وجندنا وسلّم الجند والعسكر إلي شمر بن ذي الجوشن، فإنّه أشدّ منك حزماً، وأمضي منك عزماً»((1)).
وذكر الرواية الثانية بتفاصيل أكثر دقَّة من سابقتها ونصُّها: «إنّ عبيد الله بن زياد دعا حويرة بن يزيد التميمي وقال: إذا وصلت بكتابي إلي عمر بن سعد، فإن قام من ساعته لمحاربة الحسين... وإن لم يقم فخذه وقيّده، واندب شهر بن حوشب ليكون أميراً علي الناس، فوصل الكتاب، وكان في الكتاب: إنّي لم أبعثك يا بن سعد لمنادمة الحسين، فإذا أتاك كتابيفخيّر الحسين بين أن يأتي إليّ وبين أن تقاتله، فقام عمر بن سعد من ساعته وأخبر الحسين بذلك، فقال له الحسين(عليه السلام): أخّرني إلي غد، ثمّ قال عمر بن سعد للرسول: اشهد لي عند الأمير أنّي امتثلت أمره»((2)).
ص: 428
من خلال المقارنة بين الروايتين نجد أنَّهما يشيران إلي أصل الحادثة مع اختلافهما في بعض التفاصيل، علي أنّ الرواية الأولي أوردتها العديد من المصادر، في حين لم نلحظ إيراد الرواية الثانية في المصادر بحسب اطلاعنا، لاسيما وإنّ الخوارزمي لم يُشِر إلي المصدر الذي نَقل منه تلك الرواية، وإنَّما أوردها بصيغة مجهولة «وقال غيره»((1)).
وبالمنهجية نفسها نقل الخوارزمي ومن طرق روائية مختلفة عدَّةَ نصوص عن عدد الذين قُتِلوا مع الإمام الحسين(عليه السلام) من أهل بيته الأطهار(عليهم السلام) منها:
- الأولي: نقلها من كتاب (نزهة الطرف وبستان الظرف) مسنَدَة إلي الحسن البصري أشارت إلي أنَّ عددهم ستة عشر رجلاً((2)).
- الثانية: عن طريق شيوخه، وينتهي أسنادها إلي الحسن البصري أيضاً، وهي تخالف سابقتها؛ إذ ذكرت أنّ عددهم سبعة عشر رجلاً((3)).بعد إيراد الخوارزمي لهاتين الروايتين عقَّبهما برواية عن طريق شيخه علي بن أحمد العصامي مسنَدة إلي الليث بن سعد((4)) عدَّد بها أسماء الذين قُتِلوا مع الإمام الحسين(عليه السلام) من أهل بيته(عليهم السلام) وعددهم سبعة عشر رجلاً((5))، مما يدلِّل علي أنَّ
ص: 429
الخوارزمي قد رجَّح هذه الرواية والرواية التي سبقتها التي أشارت إلي أنّ عددهم سبعة عشر رجلاً، ويُلاحَظ أنَّ المصادر هي الأخري اختلفت في تحديدها للعدد، ففريق منها ذكر أنَّ الذين قُتِلوا كانوا ستة عشر رجلاً((1))، علي حين أشارت بعضها إلي أنَّهم سبعة عشر رجلاً((2))، بينما عدَّت بعض المصادر الإمام الحسين(عليه السلام) من ضمنهم ليرتفع عددهم إلي ثمانية عشر رجلاً((3)).
كما عرض الخوارزمي روايتين في تحديد الشخصية التي أقدمت علي قتل أبي بكر ابن علي بن أبي طالب أخي الإمام الحسين(عليه السلام) بقوله: «فبرز أبو بكر... فحمل عليه زُحَر بن قيس النخعي فقتله، وقيل رماه عبد الله بنعقبة الغنوي فقتله»((4)).
ومن جانب آخر شكَّك الطبري بمقتله((5))، بينما حدَّده ابن أعثم بأنَّه زُحَر بن قيس((6))، أمَّا ابن شهرآشوب فقد اتفق مع الخوارزمي في تعيين الروايتين نفسهما في قاتل أبي بكر بن علي بن أبي طالب(عليه السلام)((7)).
وأشار أيضاً إلي اختلاف الروايات في تحديدها لعدد أنصار الإمام الحسين(عليه السلام)، فرواية أشارت إلي أنَّ عددهم اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً، وأخري
ص: 430
ذكرت خلاف ذلك، وتحصرهم باثنين وثمانين راجلاً((1)).
ويبدو أنَّ السبب في عدم الدقَّة في تحديد عدد أنصار الإمام الحسين(عليه السلام) يرجع إلي كونه غير ثابت منذ خروج الإمام الحسين(عليه السلام) من مكة حتي استشهاده(عليه السلام)، وذلك لأنَّ بعض العناصر قد انضمَّت لاحقاً للركب الحسيني، بقرينة بعض النصوص، منها ما أورده الطبري، بقوله: «كان الحسين لا يمرُّ بأهل ماء إلا اتبعوه...»((2))، ولعلَّ ما أشار إليه المسعودي يسلِّط الضوء أكثر علي هذا الموضوع حينما ذكر أنّ الأنصار بدأت تلتحق بالركب الحسيني حتي بلغوا خمسمائة فارس، ومائة راجل من أهل بيته وأصحابه((3)).
واختلفت المصادر في تحديد الشخصية التي باشرت قتل الإمام الحسين(عليهالسلام)، وعدم وجود دليل علي ترجيح وتحديد القاتل، لهذا نجد الخوارزمي يورد ثلاث روايات بهذا الخصوص الأولي:لم تحدِّد الاسم مطلقاً وجعلتُه مجهولاً بقوله: «فغضب عمر بن سعد، فقال لرجل كان عن يمينه: أنزل ويحك إلي الحسين فأرحه فنزل إليه»((4))، علي حين حدَّدته الرواية الثانية:بأنَّه خولي بن يزيد الأصبحي((5))، بينما ذكرت الرواية الثالثة:بأنَّ الشمر بن ذي الجوشن هو من أقدم علي قطع رأس الإمام الحسين(عليه السلام)((6))، والمتمعِّن في هذه المسألة يجد أنَّ هؤلاء جميعاً قد اشتركوا في قتل الإمام الحسين(عليه السلام)، وسبي حرمه الأطهار.
ص: 431
ورجَّح أحد الباحثين أنَّ الشمر هو من باشر عملية القتل، لعدَّة مبرِّرات منها: «إنَّ دلالة قول الرسول(صلي الله عليه و آله) أو رؤيا الحسين(عليه السلام) أن شمراً كان أشدَّ الناس في التحريض عليه(عليه السلام) فهو الذي دعا ابن زياد إلي رفض مشورة ابن سعد بتركه(عليه السلام) وحسّن إليه أن ينزل علي حكمه، وهو يعلم إباء الإمام(عليه السلام) ورفضه لذلك، ثم إنَّ شمراً كان علي مدار المعركة قاسياً جبَّاراً، يحاول حرق فسطاط الحسين علي أهله»((1)).
وقد جمع الخوارزمي عدَّة روايات؛ إذ كانت متفقة علي حادثة معيَّنة، كما هو الحال في تأريخ استشهاد الإمام(عليه السلام) بقوله: «وقُتل الحسين(عليه السلام) يوم عاشوراء سنة إحدي وستين، وهو ابن أربع وخمسين سنةوستة أشهر ونصف»((2)).
وذكر الخوارزمي عدَّة روايات عن حادثة ضرب ثنايا الإمام الحسين(عليه السلام) في مجلس يزيد بن معاوية عن طريق سلسلة من مشايخه منها:
- الأولي: نقلها عن شيخه أبي الحسن علي بن أحمد العاصمي وتنتهي بمجاهد «إنّ يزيد حين أُتي برأس الحسين بن علي ورؤوس أهل بيته، قال ابن محفز يا أميرالمؤمنين: جئناك برؤوس هؤلاء الكفرة اللئام، فقال يزيد ما ولدت أمُّ محفز أكفر وألأم وأذمَّ ثم كشف عن ثنايا رأس الحسين بقضيبه ونكته وأنشد... فقال له بعض جلسائه: ارفع قضيبك فو الله ما أُحصي ما رأيت شفتي محمد (صلي الله عليه و آله) في مكان قضيبك يقبِّله فأنشد يزيد...
يا غرابَ البينِ ما شئتَ فُقل *** إنَّما تندبُ أمراً قد فُعِلْ»((3)).
- الثانية: عن طريق شيخه أبي العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن، بطريق الإجازة
ص: 432
عنه، وتنتهي الرواية بسند أنس بن مالك (ت92ﻫ/711م) قال: «لما أُتي برأس الحسين إلي عبيد الله بن زياد جعل ينكته بقضيب في يده ويقول: إنَّه لحَسنُ الثغر...»((1)).
- الثالثة: «أُتي بالرأس حتي وُضِع بين يدي يزيد في طست من ذهب... ثم دعا بقضيب خيزران، فجعل ينكت به ثنايا الحسين(عليهالسلام) وهو يقول: لقد كان أبو عبد الله حَسنَ المضحك، فاقبل عليه أبو برزة الأسلمي أو غيره من الصحابة، وقال له يا يزيد لقد أخذ قضيبك هذا مأخذا من ثغره...»((2)).
ويمكن تسجيل عدَّة نقاط وإشكالات من الروايات أعلاه منها:
1- ورد في الأولي إنّ الذي جلب الرؤوس إلي يزيد بن معاوية هو أبو محفز، وهذا ما لم تذكره بقية المصادر، كذلك لم تحدِّد الشخصية التي طلبت من يزيد أنَّ يرفع قضيبه عن ثنايا الإمام الحسين(عليه السلام)، وهذا خلاف الروايتين اللتين ذكرهما - الثانية والثالثة - آنفتي الذكر، واللتين حدَّدتا الشخصية مع اختلافهما فيها.
2- علَّق الخوارزمي علي رواياته وعلي الزيادات التي وُضِعت فيها معتبرها مرسلة((3)).
3- ما أورده الخوارزمي بخصوص هذا الموضوع فيه اختلاف كبير، فبعضها حصرت الحادثة بالوالي عبيد الله بن زياد، وأخري بيزيد بن معاوية، والذي يُستنتَج من خلال استقراء المصادر أنَّ الحادثة قد وقعت مرَّتين الأولي في الكوفة((4)) والثانية
ص: 433
في الشام((1)).
4- ورد في الرواية الثانية أنَّ الشخصية التي اعترضت علي الوالي عبيد الله بن زياد هو الصحابي أنس ابن مالك، لكن بعد الرجوع إلي مصادرنا التي ترجمت له((2)) لم تذكر لنا مغادرة أنس بن مالك إلي الكوفة ودخوله مجلس الوالي عبيد الله بن زياد، بل لم تُشِر إلي الحادثة من أصلها، وعلي الرغم من أهميتها الكبيرة في مقابل ذلك أوردت دقائق الأمور وصغائرها، مما يرجَّح لنا عدم مشاركة أنس بن مالك وحضوره واعتراضه علي تصرُّف الوالي عبيد الله بخصوص ضرب ثنايا الإمام الحسين(عليه السلام) كما أشارت إليه الرواية.
وفي حادثة مصير رأس الحسين(عليه السلام) الشريف ذكر الخوارزمي ثلاث روايات في أصل الموضوع، الأولي تذكر أنَّه دُفن في البقيع، علي حين أشارت الثانية إلي بقائه في خزائن بني أمية في دمشق، أمّا الثالثة فقد رجَّحها الخوارزمي، ومفادها أنَّ الرأس دُفن مع الجسد الطاهر في كربلاء((3)).
ص: 434
من خلال دراستنا للمقتل يُلاحَظ أنَّ الخوارزمي وفي بعض الحالات - وإن كانت محدودة - قد حلَّل وفسَّر بعض الروايات تحليلاً علمياً ومن ذلك:
في معرض حديثه عن تسلسل من تقدَّم للإستشهاد أمام الإمام الحسين(عليه السلام) وتحديداً من أهل بيته الأطهار(عليهم السلام)، ذكر أسماءهم واحداً تلو الآخر، فبعد أن برز عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وقاتل حتي قُتِل، أخذ الخوارزمي يورد عدداً من الروايات؛ لتحديد الشخصية التي تلت عوناً في التقدُّم نحو ميدان القتال، فقال خرج من بعده عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب في بعض الروايات، وفي أخري أنّ القاسم بن الإمام الحسن(عليه السلام) خرج، ثم خرج بعده عبد الله بن الإمام الحسن(عليه السلام)، ورجَّح الخوارزمي أنّ عبد الله خرج بعد القاسم، ثم يعلِّق الخوارزمي بعد ذلك علي كلتا الروايتين فيقول: وهاتان الروايتان وقع فيهما الشكُّ بالسابق منهما((1)).
عرض الخوارزمي رواية نطق الرأس الشريف لرجل يهودي ونصُّها: «إنّ رأس الحسين(عليه السلام) لمّا حُمل إلي الشام، جنّ عليهم الليل، فنزلوا عند رجل من اليهود، فلمّا شربوا وسكروا قالوا له: عندنا رأس الحسين، فقال لهم: أروني إيّاه، فأروه إيّاه بصندوق يسطع منه النور إلي السماء، فعجب اليهودي، واستودعه منهم، فأودعوه عنده، فقال اليهودي للرأس وقدرآه بذلك الحال: اشفع لي عند جدّك، فأنطق الله
ص: 435
الرأس وقال: إنّما شفاعتي للمحمّديين ولست بمحمّدي، فجمع اليهودي أقرباءه ثمّ أخذ الرأس ووضعه في طست وصبّ عليه ماء الورد وطرح فيه الكافور والمسك والعنبر، ثمّ قال لأولاده وأقربائه: هذا رأس ابن بنت محمّد، ثمّ قال: وا لهفاه! لم أجد جدّك محمّداً فأسلم علي يديه، ثمّ وا لهفاه! لم أجدك حيّاً فأسلم علي يديك وأقاتل دونك، فلو أسلمت الآن أتشفع لي يوم القيامة؟ فأنطق الله الرأس فقال بلسان فصيح: إن أسلمت فأنا لك شفيع، قالها ثلاث مرّات وسكت. فأسلم الرجل وأقرباؤه»((1)).
الرواية بلا شكٍّ تحدَّثت عن إعجاز إلهي واضح من خلال نطق الرأس المقطوع، ففي الأمور الطبيعية لا يمكن أنْ يحصل ذلك إطلاقاً، إلا بالأمور الإعجازية الإلهية، ولعلَّ التشكيك في هذه الرواية كان في حسبان الخوارزمي؛ لذا ساقَ أدلَّة روائية لنفي الشكِّ عن هذه الحادثة بعد أن حدَّد هوية ذلك اليهودي بقوله: «لعلّ هذا الرجل اليهودي كان راهب قنسرين((2))، لأنّه أسلم بسبب رأس الحسين(عليه السلام)، وجاء ذكره في الأشعار، وأورده الجوهري والجرجاني في مراثي الحسين. ومثل هذا يجوز إذ أخبر به النبي أنّه سيكون بعدي كذا وكذا، كما أخبر عن بقيلة بنت الشماء الأزديّة صاحبة الحيرة، وكما أخبر سفينة مولاه أنّه يكلّمه الأسد، وكما أخبر عن تبليغ صوت عمر من المدينة إلي نهاوند حين افتتحوها وفي حربها صاح عمر:يا سارية الجبل في أخبار له(عليه السلام) كثيرة»((3)).
من خلال هذا النصِّ استدلَّ الخوارزمي علي إمكانية تحقُّق هذه الحادثة بتحقُّق
ص: 436
حوادث مثلها سابقة لها، فبالإمكان وقوعها أيضاً؛ لذا سرد الأدلة التي تثبت ذلك، وهو أسلوب منهجي علمي قائم علي المقارنة والإستدلال بها.
ومن أساليب نقده للرواية الإستدلال بالقرائن والروايات التي تُضعِّفها، مثال ذلك: فبعد أنْ يذكر رواية طويلة تُعدِّد الأحداث التي وقعت منذ أن خلق الله آدم في يوم عاشوراء، ينقل بعدها رأياً لأحد مشايخه؛ تعليقاً علي رواية حديث فضيلة صوم عاشوراء والأحداث التي وقعت فيه بقوله: «هذا حديث مُنكَر وأسناده ضعيف، وفي متنه ما لا يستقيم، وهو ما رُوي فيه من خلق السموات والأرضين والجبال كلِّها في يوم عاشوراء والله يقول: («إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ»((1))، ومن المحال أن تكون هذه السنة كلُّها يوم عاشوراء، فدلَّ ذلك علي ضعف هذا الخبر، والله أعلم»((2)).
ومن الملاحظ أنّ روايات استحباب صيام يوم عاشوراء تُعدُّ من ضمن الموضوعات والمشكوك بصحتها، وقد ناقش أحد المختصين في المجال الفقهي والعقائدي تلك الروايات نقاشاً مستفيضاً من ناحية السند والمتن، وبيَّن مدي ضعفها، وبكونها مختلقة ولا نصيب لها من الصحة((3)).
يُعدُّ الشعر أحد المصادر المهمة في توثيق الأحداث التاريخية وحفظها، ومن ضمن منهج الخوارزمي اهتمامه الأدبي والشعري الخاصُّ بالرثاء الحسيني، وقد
ص: 437
خصَّص فصلاً كاملاً عن الرثاء الحسيني تحت عنوان (في ذكر بعض ما قيل فيه من المراثي)، وأورد فيه العديد من القصائد الشعرية التي وثَّقت بعض أحداث المقتل، منها: قصيدة الشاعر دعبل بن علي الخزاعي((1)) والتي مطلعها:
بكيتُ لرسم الدار من عرفات *** وأذريتُ دمعَ العين بالعبراتِ
أبانَ عري صبري وهاجتْ صبا *** بتي رسومُ ديار قد عفت بشتاتِ
مدارسُ آياتٍ خلتْ من تلاوةٍ *** ومنزلُ وحي مقفرُ العرصاتِ
لآلِ رسول الله بالخِيفِ من مني *** وبالبيت والتعريف والجمراتِ
ديارُ علي والحسين وجعفر *** وحمزة والسجّاد ذي الثفناتِ
منازل كانت للصلاة وللتقي *** وللصوم والإعطاء للزكواتِ((2)).
ص: 438
وكذلك وظَّف الخوارزمي قصيدة الشاعر الصاحب بن عباد((1))، والتي منها:
ورأي زينبَ إذ شمرٌ *** أتاها وسباﻫا
لشكَا الحالَ إلي الله *** وقد كان شَكاﻫا
وإلي الله سَيأتي *** وهو أوْلي مَن جزاﻫا((2)).
كماوظَّف الخوارزمي أبياتاً من الشعر للكميت بن زيد الأسدي((3)) من قصيدةانتُخِبت منها:
أضحكني الدهرُ وأبكاني *** والدهرُ ذو صِرف وألوانِ
لتسعة بالطفِّ قد غُودِروا *** فيها جميعاً رهنُ أكفانِ
ص: 439
وستّة لا يُتمارَي بهم بنو *** عقيلٍ خيرُ فرسانِ
وابن علي الخيرٍِا مولاهم *** فذِكرُهم هيّجَ أشجاني((1)).
اهتمَّ الخوارزمي بالمواقع الجغرافية والمناطق التي مرَّ بها الموكب الحسيني عبر مسيرته الطويلة، التي ابتدأها من المدينة وانتهت بكربلاء موطن الإستشهاد، ومن تلك المناطق التي استعرضها الخوارزمي التنعيم والصفاح((2)) والخزيمية والثعلبيةوقصر بني مقاتل، والقادسية والقطقطانية وحفان وزرود وزُبَالة التي فيها وصله نبأ استشهاد أخيه من الرضاعة عبد الله بن يقطر، والتي أشار فيها الخوارزمي إلي أنّ أنصار الإمام(عليه السلام) فيها كانوا كثيرين، إلا أنَّهم تفرقوا عنه بعد خطاب الإمام الحسين(عليه السلام) فيهم بنصِّ قوله: «ثم سار الحسين حتي انتهي إلي زبالة... وكان قد تبع الحسين خلق كثير من المياه التي يمرُّ بها معلِّلاً ذلك بأنَّهم كانوا يظنون استقامة الأمور له(عليه السلام)، فلمّا صار بزبالة قام فيهم خطيباً فقال: ألا إنّ أهل الكوفة وثبوا علي مسلم بن عقيل وهاني بن عروة فقتلوهما، وقتلوا أخي من الرضاعة، فمن أحبّ منكم أن ينصرف فلينصرف من غير حرج، وليس عليه منّا ذمام. فتفرّق الناس، وأخذوا يميناً وشمالاً حتّي بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من مكّة، وإنّما أراد أن لا يصحبه إنسان إلاّ علي بصيرة»((3)).
ونلحظ في ذيل الرواية هذه تعليلاً لطيفاً للخوارزمي للخطبة التي ألقاها الإمام
ص: 440
الحسين(عليه السلام) في هذه المنطقة، من أنّ الإمام أراد أن يجعل جميع أتباعه في مرحلة الإختبار والتحمُّل؛ لكي يختار منهم الخلصاء دون غيرهم، وهو تعليل منطقي منهجي للخوارزمي.
وتابع الخوارزمي المسيرة الجغرافية للركب الحسيني بشكل متسلسل، مشيراً إلي أنَّ الركب تحرَّك من منطقة (زبالة) باتجاه منطقة ذي حسم، ثم بعدها وصل إلي منطقة عُذيب الهجانات حتي وصلوا إلي كربلاء أرض الشهادة((1))، التي كانت موطن الشهادة للإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه وأهل بيته الأطهار(عليهمالسلام).
وبعد أنْ أوردنا بعض المعالم الأساسية في منهج الخوارزمي في مقتله لا بدّ من الإشارة إلي أنّ الخوارزمي أورد بعض الروايات التي نرجِّح عدم صحتها أو المبالغة فيها، لكن دون أنْ ينقدها أو يضعِّفها، ولكون تلك الروايات لا تنسجم مع الشخصيات التي تتحدَّث عنها ومكانتها الدينية والإجتماعية ومنزلتها السامية، ومن تلك الروايات الرواية التي أوردها الخوارزمي، وهي بطريقة النقل بالمعني وليس باللفظ والتي تصف السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب(عليه السلام) علي لسان الإمام علي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام) بأنَّها «ضعيفة القلب»((2))، ونحن نقول كيف كانت السيدة زينب ضعيفة القلب وهي التي تحمَّلت العديد من المصاعب والآلام وبصبرها رسمت المعالم الثورية للنهضة الحسينية؟ والإمام زين العابدين نفسه وصفها بأنَّها «عالمة غير معلَّمة، وفهِمَة غير مُفَهَّمَة»، ومن ثَمَّ فإنَّ ذلك لا ينسجم بين كونها عالمة وفهمة وبين أنّها ضعيفة القلب.
أما الروايات التي أوردها الخوارزمي والتي فيها نوع من المبالغة فهي تلك التي
ص: 441
تخصُّ أعداد القتلي، لاسيما أنَّ واقعة الطف قد سارت وفق النواميس الطبيعية، ومنها ما ذكره الخوارزمي دون أن يحدِّد لنا مصدره بما نصُّه «من أن علياً الأكبر قد قتل تمام المائتين رجل»((1)).
الرواية فيها نوع من المبالغة؛ لأنّ قتلَ مثل هذا العدد وفق الأمور الطبيعية ليس بالأمر السهل، لعدَّة اعتبارات، منها: إنَّ قتل مثل هذا العدد يحتاج إلي وقت طويل لا يتوافق مع الوقت القصير الذي شغلته واقعة الطف، وتحديدا الوقت الذي يخرج فيهالمقاتل للمبارزة، فضلاً عن ذلك أنَّ هؤلاء المائتين الذين قتلهم علي الأكبر من المؤكَّد أنَّهم كانوا من الجنود العسكريين والفرسان المدرَّبين، فكيف يتمُّ قتلهم بهذه السرعة؟
وفضلاً عن ذلك أنَّ الرواية لم تُسَمِّ ولو جزءاً بسيطاً من هذا العدد، وكيف تمَّ إحصاؤهم وحسابهم؟ ومن الذي قام بذلك؟ كلُّ هذه الإشكالات والأسئلة تجعل هذه الرواية ونظائرها من الروايات المشكوك بها والضعيفة.
ص: 442
يتناول هذا المبحث كتب المقاتل التي برزت خلال القرن السابع الهجري التي وصلتنا، لكون العديد من كتب المقاتل قد فُقِدت في هذه الحقبة، كما بيَّنا ذلك في الفصل الثاني من هذه الأطروحة، ولم يصلنا عن هذه المدة الزمنية إلا ثلاثة مقاتل مطبوعة هي:
يُعدُّ كتاب ابن الأبار (دُرَرُ السِّمط) من الكتب المهمة التي تطرَّقت لمأساة المقتل الحسيني؛ لكونها احتوت علي أخبار وروايات عن المقتل، فقد صُنِّف الكتاب بأسلوب أدبي رفيع؛ لأنَّه أخرج الروايات التاريخية بقالب أدبي نثري، ولعلَّ في اطار تصنيف كتب المقاتل يُعدُّ الأسبق من الناحية الزمنية بحدود دراستنا.
لم يصرِّح المؤلِّف في مقدمة كتابه عن سبب تأليف مصنَّفه هذا، وإنَّما أشار في خاتمة الكتاب إلي ذلك بقوله: «وهذا التأمين عما في الضمير يبين، ورُبَّ لسان أشفي من سَنان، ومقولٍ أمضي من مفصَّل، إلي علمك المحيط أكل صفاءه، وعلي فضلك البسيط أقف رجاءه، فأكرمْه اللهم بقبولك، ولا تحرمه شفاعة رسولك، واجعله لي بين يديك حجة لا تُدحَض،وحسنة لديك تمحو سيئاتي وترحض حتي أنعم في دار القرار، بمجاورة الأبرار، ولا أندم يوم السؤال علي الإعلان والإسرار. إنَّك ذو الصفح
ص: 443
الجميل، والمنح الجزيل...»((1)).
من خلال هذا النصِّ يُستشَفُّ أنَّ سبب التأليف كان ذا طابع ديني عقائدي بحت، ولم يُشر المؤلِّف إلي سبب آخر، ولعلَّ طبيعة الكتاب تفصح عن ذلك من حيث حجمه وأسلوب كتابته وطرحه للروايات والأخبار علي إنّ دافع التأليف ديني، إلا أنَّ أحد الباحثين أشار إلي أسباب أخري قد دفعتْ ابن الأبار إلي التأليف، منها:إنَّه أراد من خلاله إظهار مظلومية أهل البيت، والنقص الذي اعتري مصنَّفات من سبقه من أهل المغرب والأندلس عن التأليف في هذا الموضوع، ومآخذه علي مناهج بعضهم سبباً آخر لتأليفه، وأخيراً فإنَّ الدافع العلمي من جملة الأسباب المهمة التي تركت أثرها في التأليف((2)).
اتبع ابن الأبار منهجاً خاصاً في تأليف كتابه هذا؛ إذ قسَّمه علي فصول قصيرة متتابعة الواحد تلو الآخر بأسلوب أدبي رفيع، والكتاب من حيث تقويمه وترتيبه وأسلوبه يُعدُّ كتاباً نثرياً أدبياً فنياً، لكنَّه يركِّز حول قضية تاريخية (مقتل الإمام الحسين(عليه السلام))، ومن هنا جاء الكتاب متميزاً بخصيصتين: الأولي الروايات والأخبار التاريخية، والثانية التعبير الأدبي المؤثِّر وقد مزج المؤلِّف الروايات التاريخية بالعاطفة الجيّاشة في مجمل فصوله.
ولئن لم يكن الكتاب من حيث موضوعه وفكرته بدعاً من الآثار الأندلسية فإنَّهمتميز من حيث طريقة عرضه، ومستقلٌّ بأسلوبه وصياغته، خاصة من حيث الشحنة العاطفية الغامرة التي غلبت علي جوانبه وفصوله.
ص: 444
يتألَّف الكتاب علي صغر حجمه من مقدِّمة، وأربعين فصلاً، والمقدِّمة قصيرة مهمَّتها ربط الكلام بالفصل الأول الذي تتلوه الفصول الأخري، دون مشقَّة في تتابع وتسلسل الفصول، وعنوان (الفصل) الذي يفصل فقرة عن أخري هو لتنبيه القارئ بانتقال المؤلِّف من جانب من جوانب الموضوع إلي آخر جديد، فكأنَّها حلقات متسلسلة متواصلة متناسقة.
خصَّص المؤلِّف من الفصل الأول إلي الفصل العشرين لعرض الأحداث السياسية والدينية والإجتماعية الخاصة بعصر الرسالة، مركِّزاً علي أثر كلٍّ من الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) والسيدة خديجة بنت خويلد زوج الرسول(صلي الله عليه و آله) في بعض الأحداث التي عرضها، كما أشار إلي المبعث النبوي والأحداث الخاصة به، وبعدها خصَّص الفصل العشرين للحديث عن صلح الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب(عليه السلام) والمؤامرة التي تعرَّض لها من قبل زوجته جعدة بنت الأشعث والتي أدَّت إلي استشهاده(عليه السلام)((1)).
ووفق تقسيم المؤلِّف وترتيبه خصَّص لحادثة مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) تسعة عشر فصلاً، تبتدئ من من الفصل الحادي والعشرين إلي الفصل الأخير، وهو الأربعون، مستعرضاً فيها وبشكل مقتضب بعض مقدِّمات المقتل من قبيل قدوم مسلم بن عقيل(عليه السلام) إلي الكوفة ومقتله فيها مع هانئ بن عروة، ثم ينتقل بشكل سريع مهملاً المواقع الجغرافية التي سلكها الركب الحسيني، لينتقل مباشرةإلي كربلاء موطن الحدث والشهادة، ويستعرض أحداث العاشر من المحرم، بعدها
ص: 445
يتطرَّق إلي السبي والأسر في الكوفة والشام بشكل مقتضب((1)).
إنّ مجمل عبارات الكتاب ذات تأثير بليغ في النفوس بسبب قوة العبارة ورصانتها وبلاغتها، ولكونها تحاكي العاطفة والوجدان، مثال ذلك: وصفه لما جري يوم العاشر من المحرم، بقوله: «عاشر المحرم أُبِيحت الحرمات، وأفيضت علي النور الظلمات. فتفاقم الحادث، وحمل علي الطيبين الأخابث. وضرب السبط علي عاتقه ويسراه، وما أجرأ من أسال دمه وأجراه! ثم قُتِل بعقب ذلك ذبحا، يبكي حتي العاديات ضبحا. أجزاء حائلة الحلي، وأشلاء كرمن علي البلي، ومال الغواة علي المتاع والثياب، ونازعوا النساء ما عليهن في النهاب، إلي خدود خدوها، وقدود قدوها، ومحارم استحلوها وانتهكوها، وأكارم أبقوا جثثهم وتركوها...»((2)).
لقد أبدع المؤلف في وصف حالات الأسر والسبي التي تعرَّض لها أهل البيت بقوله: «وهب الرجال تُجَزُّ رؤوسهم وتبيد نفوسهم... لا ينقضي العجب من يزيد، يعير عبيد الله حملهن علي الأقتاب مسافرات، ويقعد هو وبطانته لرؤيتهن سافرات، بعد أن بعث بالرأس للبعيد والقريب، وعبث في قرع الأسنان بالقضيب ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾((3))»((4)).
ومن الملاحظ أنّ المؤلِّف استرسل في جميع فصول كتابه علي هذا النمط من التعبير والأسلوب، موظِّفاً معلوماته الأدبية والتاريخية في طرح فصوله ورفدهاوصياغتها، ليخرجها بإطار نثري ممزوج بألوان من الشعر والأمثال والحكم والتاريخ.
ص: 446
وظَّف ابن الأبار في العديد من المناسبات والأحداث التي درسها بعض الآيات القرآنية، وقد جاءت تلك الآيات منسجمة مع الحادثة التي وصفها أو قريبة منها، ولعلَّ المؤلِّف في طرحه هذا يريد من المقارنة التاريخية بين الأحداث التي يدوِّنها في مؤلَّفه هذا وبين والأحداث التي دوَّنها القرآن الكريم، منها: مقارنته(رحمة الله) بين أهل مصر وأهل الكوفة في غفلتهم، فأهل مصر قد دخل عليهم النبي موسي(عليه السلام) وهم في شغل وغفلة عنه، كما صرَّحت بذلك جملة من التفاسير((1))، وأهل الكوفة كذلك قد دخل عليهم الوالي عبيد الله بن زياد وهم لم يعرفوه، وإنمَّا تصوَّروه الإمام الحسين(عليه السلام) وهم في غفلة عن ذلك، هذه المقارنة بين هذين الحدثين التاريخيين قد وظَّفهما ابن الأبار((2)) حينما وجد لهما وصفاً دقيقاً في القرآن الكريم لقوله تعالي: «وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَي حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا»((3)).
واستدلَّ ابن الأبار((4)) بالآية القرآنية: («لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَي يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ»((5))، بشكل جيد، وفي المكان المناسب؛ إذ كان سبب توظيفها لردِّه علي مزاعم يزيد بن معاوية في تبرئة شخصه، و تحميل واليه عبيد الله بن زياد مسؤوليةقتل الإمام الحسين(عليه السلام).
ص: 447
وعلَّل ابن الأبار((1)) استناداً إلي القرآن الكريم سبب إقدام الأعداء علي حرب الإمام الحسين(عليه السلام) وبكافة الأشكال والأساليب لقوله تعالي: «إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا»((2)).
من الملاحظ أنَّ ابن الأبار لم يتناول بشكل واسع المساحة الزمانية والمكانية للمقتل، بل تناول إشارات سريعة مرَّ عليها مرور الكرام، ولعلَّ أسلوب ومنهج المؤلِّف قد فرضا عليه ذلك.
لم نجد حالات تعليلية للروايات عند ابن الأبار سوي تلك التي تتعلَّق بالمقارنة بين سياسة يزيد بن معاوية وسياسة عبد الملك بن مروان؛ إذ علَّل ابن الأبار((3)) سبب تجنُّب عبد الملك بن مروان لدماء أهل البيت واحترامهم علي حدِّ تعبير المؤلِّف لسلب الملك والحكم، وهو الولوغ في دماء أهل البيت؛ لذا تجنَّبها عبد الملك.
وإضافة إلي ذلك فإنَّه أضفي نوعاً من الصفة القبلية علي مقتل الإمام(عليه السلام) من كونه حمَّل عمر بن سعد مسؤولية مقتله(عليه السلام) وذلك بقوله: «وقبل قتل مسلم حرص علي ملمح بخبره معلم، فأسرَّ إلي ابن سعد بن أبي وقاص مقدم الحسين في الخيول القلاص، رجاء أن يرجع أدراجه،ويدفع إلي موقفه استدراجه. فباح لعبيد الله بذلك، وارتاح لإشعاره بما هنالك، وقد أمره بالكتمان، وحذَّره خون الإئتمان. فمن أجلها أخرجه لقتاله، وجهَّزه في أربعة آلاف من رجاله... ثم كن بالقرابة شديد الإسترابة،
ص: 448
فالمدخر الشفيق لا الشقيق، والمعتبر الوداد لا الولاد... هذا ابن الرسول قتله ابن خاله، وحال في حفظ العهد عن حاله...»((1)).
وفي الحقيقة نحن لا نتفق مع هذا النصِّ الذي يحاول أن يصوِّر النهضة الحسينية بأنَّها نزاع قبلي بين الأقارب، لكون الملحمة الحسينية مشروعاً إلهياً رسم طريق الحرية والعدالة ضدَّ كلِّ مظاهر التخلُّف والظلم السياسي والإجتماعي والديني والإقتصادي، ومن ثَمَّ فإنَّ نهضته(عليه السلام) هي نزاع وصراع بين الحقِّ والباطل وبين العدل والظلم؛ لكون مشروع الإمام الحسين(عليه السلام) يرمي إلي إصلاح أوضاع المجتمع وإنتشاله من حالة الركون والتخلف إلي الإصلاح والتغيير، لا كما يُصوَّر بأنَّه صراع قبلي.
نجد أنّ ابن الأبار قد وظَّف العديد من الأبيات الشعرية واستشهد بها؛ لأجل توصيف وتقريب الأحداث التاريخية التي سردها في مؤلَّفه هذا، والتي تدلُّ علي امتلاكه ثقافة واسعة في الجانب الأدبي والتاريخي، إلا أنَّه لم يُشِر إلي مصادر تلك الأبيات، ومنها التي أوردها بخصوص مقتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة، والتي منها:
إن كنتِ لا تدرينَ ما الموتُ فانظري *** إلي هانئ في السوق وابنِ عقيلِ
تَرَي جسداً قد غيَّر الموتُ لونَه *** ونضحَ دمٍ قد سال كلَّ مسيلِ((2)).
ص: 449
وكذلك استشهاده بالبيت الشعري للشاعر سليمان بن قتة((1)) الذي وصف حالة الذلِّ التي أصابت المسلمين باستشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) بقوله:
وإنَّ قتيلَ الطفِّ من آل هاشمٍ *** أذلَّ رقاب المسلمين فذلَّتِ((2)).
وفي الختام:فإنّ ابن الأبار في روايته للمقتل اتَّبع الرواية التقليدية التي أوردتها كتب المقاتل التي تطرَّقنا إليها، ومجمل المصادر الأخري التي تعرَّضت للمقتل، باستثناء بعض الإشارات التي أوردها منها تعليلهُ لسبب خروج الإمام الحسين(عليه السلام) أنَّه كان بدافع مكاتبة أهل الكوفة له((3))، وفي الحقيقة فإنّ هذا الرأي يتعارض مع العديد من الحقائق والتي منها أنّ خروجه(عليه السلام)، وإعلان رفضه للظلم، وللمنهج الأموي قد سبق - من الناحية الزمنية - مكاتبة أهل الكوفة له.
من خلال دراسة المقتل لابن طاووس وجدنا بعض المعالم المنهجية التاريخية التي طبَّقها في منهجه التاريخي من ناحية إيراده للروايات المنفردة، أو بيانه لبعض الأحداث، فضلاً عن اعتماده بشكل كبير علي أقوال أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، وإعطاء تعليل تاريخي منطقي لبعض الأخبار التي تستوجب التحليل والتفسير، وغيرها من المعالم المنهجية التي وظَّفها والتي تنمُّ علي امتلاكه شروط المؤرخ التاريخي وقدرته علي تطبيق المنهج التاريخي، وتوظيفه في إيراد وسرد روايات وأخبار المقتل، والتي
ص: 450
سنتناولها بشئ من التفصيل خلال هذا الفصل:
أوضح ابن طاووس في مقدمته سبب تأليفه بقوله: «إنَّ من أجَلِّ البواعث لنا علي سلوك هذا الكتاب، أنَّني لما جمعت كتاب مصباح الزائر وجناح المسافر، ورأيته قد احتوي علي أقطار محاسن الزيارات، ومختار أعمال تلك الأوقات فحامله مستغن عن نقل مصباح لذلك الوقت الشريف، أو حمل مزار كبير أو لطيف، أحببت أيضاً أن يكون حامله مستغنيا عن نقل مقتل في زيارة عاشوراء إلي مشهد الحسين(عليه السلام) فوضعت هذا الكتاب؛ ليُضَمَّ إليه، وقد جمعت هاهنا ما يصلح لضيق وقت الزوّار، وعدلت عن الإطالة والإكثار وفيه غنية لفتح أبواب الأشجان، وبغية لنجح أرباب الإيمان، فإنَّنا وضعنا في أجساد مغناه روح ما يليق بمعناه، وقد ترجمته ب-:كتاب اللهوف علي قتلي الطفوف»((1)).
من خلال هذا النصِّ تتضح دوافع التأليف ومنها: الباعث العقائدي هوالدافعالأساس في تصنيف وتأليف هذا المقتل، كما أنّ الإختصار الشديد هو السِّمة البارزة في سرد روايات هذا المقتل؛ ليسهل حملهُ من ناحية الحجم - لاسيما إذا عرفنا أنَّ السفر في ذلك الوقت صعب ويتطلب عناءً كبيراً - فضلاً عن قراءته وتحديداً في العاشر من المحرم علي حدِّ تعبيره.
من الملاحظ أنّ ابن طاووس اعتمد منهجاً تاريخياً في تقسيم مادته العلمية الخاصة بالمقتل، حيث قسَّمه علي أساس المسالك؛ إذ تضمَّن المسلك الأول: الأمور
ص: 451
المتقدِّمة علي القتال والتي هي ولادة الإمام الحسين(عليه السلام)، وأخذ البيعة منه، وكتب أهل الكوفة له، وخبر مسلم وهانئ ومقتلهما، وخروج الحسين(عليه السلام) من مكة وصولاً إلي كربلاء((1)).
علي حين خصَّص المسلك الثاني: لمقتل الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه الأبرار((2))، فيما كرَّس المسلك الثالث والأخير: علي تناول أوضاع الأسري والسبايا من آل الحسين(عليه السلام) وخطبهم في الكوفة، ومن ثَمَّ في بلاد الشام أيضاً((3)).
علي الرغم من صغر حجم المقتل - والذي يقع بحدود مائة وخمس عشرة صفحة - إلّا أنَّه تنوَّع في ذكره الأحداث مع الإختصار الشديد؛ فقد ذكر مقدِّمات المقتل السياسية في المدينة المنورة، وبعدها تطرَّق إلي العراق والأحداث التي وقعت فيه، ثمانتقل إلي الشام واستعرض الأحوال التي مرَّ بها الأسري والسبايا من آل محمد(صلي الله عليه و آله).
لعلَّ أهمَّ صفة يتصف بها المؤرخ هي صفة التوثيق التاريخي، والذي نلاحظه عند ابن طاووس أنَّه اعتمد في بعض رواياته علي جملة من المصادر((4)) إلا أنّ هناك العديد من الروايات لم يذكر فيها المصادر التي اعتمدها، وإنَّما استعمل عبارات وألفاظاً مجهولة من قبيل: قال «الراوي أو ورُوي»((5))، مما تشكِّل نقطة ضعف في
ص: 452
منهجيته، علي الرغم من أنّ أغلب الروايات التي أوردها بهذه الطريقة هي ضمن الروايات التقليدية التي روتها المصادر التاريخية التي سبقته زمنياً.
لم يتعرَّض مؤلِّفنا هذا لنقد وتحليل رواياته التاريخية، إلا في حالات محدودة، منها رواية الإمام الحسين(عليه السلام) وعلمه لما يؤول إليه مشروعه الإصلاحي ونهايته بقوله: «والذي تحقَّقناه أنَّ الحسين(عليه السلام) كان عالماً بما انتهت حاله إليه، وكان تكليفه ما اعتمد عليه»((1)).
بعد أن أورد المحاورة التي جرت بين الإمام الحسين(عليه السلام) وأخيه محمد بن الحنفية ذكر بعدها مباشرة رواية نقلها من الكليني تبيِّن موقف الإمام(عليه السلام) من المتخلِّفين عن الركب الحسيني والتي نصُّها: «عن حمزة بنحمران((2)) قال ذكرنا خروج الحسين(عليه السلام) وتخلُّف ابن الحنفية عنه، فقال أبو عبد الله(عليه السلام) ياحمزة إني سأحدِّثك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا، إنَّ الحسين(عليه السلام) لما فصل متوجهاً أمر بقرطاس، وكتب بسم الله الرحمن الرحيم - من الحسين بن علي إلي بني هاشم. أما بعد فإنَّه من لحق بي منكم استُشهِد، ومن تخلَّف عني لم يبلغ الفتح والسلام»((3)).
ومن خلال عرض ابن طاووس للروايتين الخاصتين بابن الحنفية لا سيما الرواية الثانية، نجد أنَّه قد حمَّل محمد بن الحنفية جزءاً من تخلُّفه عن الإلتحاق بالركب الحسيني، وأنَّه لم يبلغ الفتح، وأنَّ ابن طاووس كان معتقداً بذلك، أي كون ابن
ص: 453
الحنفية قد تخلَّف عن الركب لسبب أو لآخر.
كما نجد تعليلاً آخر له في بيان السبب الذي دفع الإمام الحسين(عليه السلام) لحمل عياله ونسائه معه بقوله: «ومما يمكن أن يكون سبباً لحمل الحسين(عليه السلام) لحرمه وعياله؛ إنَّه لو تركهنَّ(عليه السلام) بالحجاز أو غيرها من البلاد كان يزيد ابن معاوية عليهما لعائن الله قد أنفذ ليأخذهنَّ إليه وصنع بهن من الاستيصال وسيئ الأعمال ما يمنع الحسين(عليه السلام) من الجهاد والشهادة، ويمتنع(عليه السلام) بأخذيزيد بن معاوية لهنَّ عن مقامات السعادة»((1)).
يتضح لنا من هذا النصِّ بأنَّ الإمام الحسين(عليه السلام) بخروجه إلي الكوفة ومعرفته المطلقة بقتله وسبي عياله ونسائه، أراد إثبات الحجة علي الذين يقاتلونه ممن يدَّعون الإسلام، لذلك أراد أن يعلمهم بأنَّ الذي يقاتلونه هو ابن بنت رسول الله (صلي الله عليه و آله) وأنَّ هؤلاء الحرم والعيال هم حرم رسول الله(صلي الله عليه و آله) وعياله. وفي حمل الإمام الحسين(عليه السلام) لحرمه وعياله مغزي آخر، وهو معرفته بسبي ذراريه ودخولهم إلي الكوفة والشام، وإنَّ ذلك سوف يشكِّل حملة دعائية كبيرة ضدَّ حكم يزيد، وتوعية المسلمين ضدَّ حكم هذا الطاغية، وتعريفهم بأعماله التي كانت تغيب عنهم، إضافة إلي ذلك تأجيج الرأي العام للمسلمين ضدَّ حكم يزيد، ولو لم يأخذ الإمام الحسين(عليه السلام) معه حرمه وعياله لأثار الأمويون ضدَّه دعاية: بأنَّهم من الخوارج كما روّجوا لهذه الفكرة أو من قطّاع الطرق، أو اللصوص الذين قضي عليهم جيش الخلافة في الكوفة، وعندها تذهب شهادة الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه دون أن تعطي ثمارها ونتائجها التي خطَّط لها.
وتعزيزاً لهذا التحليل الصائب لفكر الإمام الحسين(عليه السلام) البعيد المدي، نورد تحليلاً معاصراً واستنتاجاً قيِّماً قدَّمته إحدي الباحثات عن هذا الموقف قائلة: «إنَّ الرؤيا
ص: 454
العميقة والتحليل الدقيق، أوجب علي الإمام الحسين(عليه السلام) أن يصطحب هؤلاء النسوة معه، وذلك لدورهنَّ في كشف الحقائق، التي ستبرز علي أرض الواقع؛ لأنَّ الإمام الحسين(عليه السلام) بخبرته يعرف أنَّ السياسة الأموية ستتنكَّر لتلك الجريمة التي سترتكبهابحقِّه، وأنَّها ستُسجَّل ضدَّ مجهول، بعد أن تمهِّد لذلك بالدعاية، كما أنَّ بقاء سيدات البيت العلوي في المدينة سيصبحن في قبضة السلطة الأموية، وبذلك ستكون ورقة ضغط ومساومة عليه حيث لا يستسلم لضغطهم، أو ستبقي حرمه في حوزتهم، وهذا غير مستبعد من الأمويين، لأنَّ مؤسس دولتهم معاوية استخدم هذا الأسلوب مع المنكرين له، ومنهم عمرو بن الحمق الخزاعي الذي سُجنت زوجته لمدة سنتين وحتي قُبِض عليه وقُطِع رأسه، وزُجَّ إليها وهي في السجن»((1))
نستنتج من خلال هذا النصِّ أنّ لابن طاووس بُعد نظر تاريخي، وله قدرة تحليلية مميزة، بحيث علَّل سبب حمل الإمام الحسين(عليه السلام) عياله معه لكيلا يستعملهم يزيد بن معاوية كورقة ضغط ضدَّ الامام(عليه السلام) مما يؤثِّر علي حركته ومشروعه الإصلاحي علي حدِّ تعبيره.
انفرد ابن طاووس بعدد من الروايات والأخبار الخاصة بالمقتل الحسيني، وحيثياته التي لا ذكر لها في المصادر التي تعرَّضت لسرد المقتل ومنها:
أ- رواية خطبة الإمام الحسين(عليه السلام) بأصحابه: «جلس الحسين(عليه السلام) فرقد ثم استيقظ، فقال: يا أختاه إني رأيت الساعة جدي محمد اًوأبي علياً وأمي فاطمة الزهراء وأخي الحسن، وهم يقولون:يا حسين إنَّك رائح إلينا عن قريب قال الراوي: فلطمت زينب وجهها وصاحت وبكت، فقال لها الحسين: مهلاً لا تشمتي القوم بنا، ثم جاء الليل
ص: 455
فجمع الحسين(عليه السلام) أصحابه فحمد الله وأثني عليه، ثم أقبل عليهم فقال: أمّا بعدُ. فإنِّي لا أعلم أصحابا أصلح منكم ولا أهل بيت أبرَّ، ولا أفضل من أهل بيتي، فجزاكم الله جميعا عني خيراً، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا وليأخذ كلُّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، وتفرَّقوا في سواد هذا الليل، وذروني وهؤلاء القوم فإنَّهم لا يريدون غيري»((1)).
أورد ابن طاووس هذه الرواية كما ذكرتها العديد من المصادر، وعند مقارنتها مع المصادر الأخري((2)) وجدنا فيها بعض الإختلاف؛ لأنَّ ابن طاووس أضاف بعض المقاطع الروائية التي لا أصل لها في المصادر التاريخية التي سبقته من الناحية الزمنية، مما يدلُّ علي أنّ ابن طاووس قد زاد في هذه الرواية عن رواية الأصل، وتكمن الزيادة في الرواية بعدِّة فقرات منها:إنّ المصادر التي تعرَّضت لهذه الرواية لم تحدِّد بأنّ السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب(عليه السلام) هي التي خاطبها الإمام الحسين(عليه السلام)، وإنَّما أشارت إلي عبارة (أخته) دون أنْ تسميها أو تعرّفها، بينما حدَّدتها رواية ابن طاووس من كونها السيدة زينب(عليها السلام).
أمّا المقطع الروائي الذي أضافه ابن طاووس إلي هذه الرواية فهوقول الإمام الحسين(عليه السلام) للسيدة زينب(عليها السلام) حينما أقدمت علي لطم وجهها والبكاء: «مهلا لا تشمتي القوم بنا...»، فهذا المقطع لا يوجد في المصادر التيأشرنا إليها والتي ذكرت تلك الرواية، وإنما أضافها ابن طاووس في روايته بحسب اطلاعنا.
أمّا هذا المقطع الذي أورده ابن طاووس عن الرواية الأصل، فنحن لا نتوقع
ص: 456
صدوره عن الإمام بحقِّ أخته السيدة زينب(عليها السلام)؛ لعدة اعتبارات، منها:إنَّ الإمام الحسين(عليه السلام) لا يهمه رأي القوم وشماتتهم، أيْ لا يجعل للإعتبار الإجتماعي وزناً في مقابل الإعتبار الإلهي، كما من غير المعقول أنْ يجعل الإمام الحسين(عليه السلام) في حسبانه شماتة الأعداء به وأنَّه يحاول أنْ لا يبين لهم ذلك، فضلاً عن ذلك فإنّ هذا القول لايتلاءم إطلاقاً مع مقام السيدة زينب(عليها السلام)، وهي التي قال بحقِّها الإمام زين العابدين علي بن الحسين(عليه السلام) «وأنت بحمد الله عالمة غير معلَّمة، فهِمَة غير مُفَهَّمة...»((1))، أضف إلي ذلك بأنَّ تلك الزيادة من إضافات ابن طاووس، إذ لم توردها المصادر التي أشرنا إليها، ومن ثَمَّ تُعدُّ ساقطة تاريخياً، ومخالفة لأخلاق وسيرة كلٍّ من الإمام الحسين(عليه السلام) وأخته السيدة زينب(عليها السلام).
ب - رواية امرأة من بني بكر بن وائل: «وروي حميد بن مسلم قال: رأيت امرأة من بني بكر بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد، فلما رأت القوم قد اقتحموا علي نساء الحسين وفسطاطهن، وهم يسلبونهنَّ أخذت سيفا وأقبلت نحو الفسطاط، وقالت: يا آل بكر بن وائل أُتسلَب بنات رسول الله(صلي الله عليه و آله) لا حكم إلا لله يا لثاراترسول الله(صلي الله عليه و آله) فأخذها زوجها وردَّها إلي رحله»((2)).
من خلال هذه الرواية التي انفرد فيها ابن طاووس وفق اطلاعنا عليها هي مجهولة المصدر عنده، من وجود نساء في معسكر الجيش الأموي، أو أن بعض العناصر العسكرية كانوا يصحبون معهم نساءهم.
ج - رواية أخري عن أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام): «وبات الحسين وأصحابه تلك
ص: 457
الليلة، أي ليلة العاشر من محرم.. ولهم دويٌّ كدويِّ النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد، فعبر إليهم في تلك الليلة من معسكر عمر بن سعد اثنان وثلاثون رجلاً»((1)). يجب أن نتعامل مع هذه الرواية بحذر ونظر وتحقيق؛ وذلك لعدم ذكرها في مصادرنا التاريخية المتوافرة لدينا.
ت - رواية حال الأسري والسبايا في الكوفة: «قال الراوي: فأشرفت امرأة من الكوفيات، فقالت:من أيِّ الأساري أنتنَّ؟ فقلن نحن أساري آل محمد فنزلت المرأة من سطحها فجمعت لهنَّ مُلاءً وأُزُراً ومقانع وأعطتهنَّ فتغطينَ. قال الراوي: وكان مع النساء علي بن الحسين(عليه السلام) قد نهكته العلَّة والحسن بن الحسن المثني وكان قد واسي عمَّه وإمامه في الصر علي ضرب السيوف وطعن الرماح وإنما أُرتَثَّ وقد أُثخِن بالجراح. وروي مصنِّف كتاب المصابيح أنَّ الحسن بن الحسن المثني قتل بين يدي عمِّه الحسين(عليه السلام) في ذلك اليوم سبع عشرة نفساً، وأصابه ثماني عشرة جراحة فوقع، فأخذه خاله أسماء بن خارجة فحمله إلي الكوفة، وداواه حتي برأ وحمله إلي المدينة، وكان معهم أيضاً زيدوعمر ولدا الحسن السبط(عليه السلام) فجعل أهل الكوفة ينوحون ويبكون. فقال علي بن الحسين(عليه السلام): تنوحون وتبكون من أجلنا فمن ذا الذي قتلنا؟ قال بشير بن خزيم الأسدي: ونظرت إلي زينب بنت علي يومئذ ولم أرَ خَفِرة والله أنطق منها كأنَّها تفرغ من لسان أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وقد أومأت إلي الناس أن اسكتوا فارتدَّت الأنفاس وسكنت الأجراس ثم قالت: الحمد الله والصلاة علي أبي محمد وآله الطيبين الأخيار. أمّا بعدُ: يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر، أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنَّة إنَّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا...»((2)).
ص: 458
وقبل الخوض في مناقشة هذه الرواية لا بدَّ من الإشارة إلي أنّ مصدرها مجهول، ولا تحتوي علي سند روائي، ولم يشخِّص لنا ابن طاووس مَنْ هذا الراوي الذي أورد هذه الرواية؟ الأمر الذي يجعلها من ناحية السند ضعيفة ومشكوكاً فيها.
وبهذا الشكل صوَّر ابن طاووس دخول الأساري إلي الكوفة والأحداث التي رافقت عملية دخولهم للكوفة كما هو مذكور في الرواية أعلاه، ولكن بعد مراجعتنا لجملة من المصادر التي تصدَّت لهذه الحادثة وجدنا فيها اختلافاً شديداً بين تلك الرواية التي أوردتها المصادر وبين رواية ابن طاووس، ومنها يتضح مقدار الإضافة والزيادة في رواية ابن طاووس، ونذكرها كالاتي:
أورد ابن الفقيه تلك الحادثة ونصُّها: «وقال جرير بن سيير((1)): قدمت الكوفة وقد انصرف علي بن الحسين من كربلاء، فرأيت نساء أهل الكوفة يلتدمنَ مُهتَّكات الجيوب. فسمعت علي بن الحسين يقول بصوت صبي وقد نهكته العلة: ألا إنّ هؤلاء قتلونا. ورأيت زينب بنت علي(رضي الله عنها) وقد أومأت إلي الناس أن انصتوا. فارتدَّت الأنفاس وسكنت الأجراس، ثم قالت: الحمد لله والصلاة علي نبيه. أمّا بعدُ يا أهل الكوفة. يا أهل الختل والخذل. فلا رقأت العبرة ولا هدأت الرنّة. إنَّما مثلكم كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً...»((2)).
وبهذا الصدد قال: «قال: وساق القوم حرم رسول الله(صلي الله عليه و آله) من كربلاء كما تُساق
ص: 459
الأساري، حتي إذا بلغوا بهم إلي الكوفة خرج الناس إليهم، فجعلوا يبكون وينوحون، قال: وعلي بن الحسين في وقته ذلك قد نهكته العلَّة فجعل يقول: ألا! إنَّ هؤلاء يبكون وينوحون من أجلنا فمن قتلنا؟ قال خزيمة الأسدي: ونظرت إلي زينب بنت علي(رضي الله عنها) يومئذ ولم أرَ خَفِرة قطُّ أفصح منها، كأنَّها تنطق عن لسان أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب(رضي الله عنه)، فأومأت إلي الناس أن اسكتوا! فارتدَّت الأنفاس، ثم قالت: الحمد لله وصلواته علي أبي محمد رسول الله وعلي آله الطاهرين الأخيار، أمَّا بعدُ! يا أهل الكوفة! يا أهل الختل والخذلأتبكون؟ فلا رقأت لكم دمعة، إنمَّا مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً...»((1)).
هو الآخر تعرَّض لهذه الحادثة من خلال إيراده لخطب النساء فذكر ما نصُّه: «عن حذام الأسدي، وقال مرة أخري حذيم قال قدمت الكوفة سنة إحدي وستين وهي السنة التي قُتل فيها الحسين(عليه السلام)، فرأيت نساء أهل الكوفة يومئذ يلتدمنَ مُهتَّكات الجيوب، ورأيت علي بن الحسين(عليه السلام) وهو يقول بصوت ضئيل وقد نحل من المرض: يا أهل الكوفة إنَّكم تبكون علينا فمن قتلنا غيركم؟ ثم ذكر الحديث... عن جعفر بن محمد عن آبائه(عليهم السلام) قال لما أدخل بالنسوة من كربلاء إلي الكوفة كان علي بن الحسين(عليه السلام) ضئيلاً قد نهكته العلَّة ورأيت نساء أهل الكوفة مشقَّقات الجيوب علي الحسين بن علي(عليه السلام) فرفع علي بن الحسين بن علي(عليه السلام) رأسه فقال:ألا إنّ هؤلاء يبكين فمن قتلنا؟ ورأيت أمَّ كلثوم(عليها السلام) ولم أرَ خَفِرة والله أنطق منها كأنما تنطق وتفرغ علي لسان
ص: 460
أميرالمؤمنين(عليه السلام)، وقد أومأت إلي الناس أنْ اسكتوا فلما سكنت الأنفاس وهدأت الأجراس قالت: أبدأ بحمد الله والصلاة والسلام علي نبيه أمَّا بعدُ يا أهل الكوفة، ياأهل الختل والخذل ألا فلا رقأت العبرة ولا هدأت الرنَّة إنَّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا...»((1)).
مانصُّها: «عن حذيم بن شريك((2)) قوله: لما أتي علي بن الحسين زين العابدين بالنسوة من كربلاء، وكان مريضا، وإذا نساء أهل الكوفة ينتدبنَ مشقَّقات الجيوب، والرجال معهنَّ يبكون. فقال زين العابدين(عليه السلام) - بصوت ضئيل وقد نهكته العلة -: إنَّ هؤلاء يبكون علينا فمن قتلنا غيرهم؟ ، فأومت زينب بنت علي بن أبي طالب(عليه السلام) إلي الناس بالسكوت. قال حذيم الأسدي: لم أرَ والله خَفِرة قطُّ أنطق منها، كأنَّها تنطق وتفرغ علي لسان علي ع، وقد أشارت إلي الناس بأن انصتوا فارتدَّت الأنفاس وسكنت الأجراس، ثم قالت - بعد حمد الله تعالي والصلاة علي رسوله(صلي الله عليه و آله) - أمّا بعدُ يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر، والخذل!! ألا فلا رقأت العبرة، ولا هدأت الزفرة، إنَّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها...»((3)).
ذكر الحادثة بشكل مقارب للمصادر أعلاه مع العلم أنَّه معاصر لابن طاووس
ص: 461
وكلاهما متوفي سنة (664ﻫ) ونصُّ روايته: «عن حذيم الأسدي، قال: دخلت الكوفة سنة إحدي وستين ورأيت نساء أهل الكوفة يلتدمنَ قائمات، مُهتَّكات الجيوب، وسمعت عليا - يعني علي بن الحسين(عليه السلام) - وهو يقول بصوت ضئيل قد أنحله المرض: وإنكم لتبكون علينا فمن قتلنا غيركم؟! ورأيت زينب بنت علي(عليهما السلام) فلم أرَ والله خَفِرة أنطق منها كأنَّما تنزع عن لسان أبيها، فأومأت إلي الناس أن اسكتوا، فسكتت الأنفاس، وهدأت الأجراس، فقالت: الحمد لله ربِّ العالمين، وصلي الله علي محمد خاتم المرسلين، أمَّا بعدُ يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والخذل، أتبكون؟ فلا سكتت العبرة، ولا هدأت الرنَّة، إنَّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا...»((1)).
من خلال مقارنة رواية ابن طاووس مع روايات المصادر التي أشرنا إليها آنفاً خلا رواية المشغري العاملي المعاصر له، تكون سابقة لابن طاووس من الناحية الزمنية، وعليه فمن خلال إجراء المقارنة يتضح لنا ما يلي:
أ - إنّ ابن طيفور ذكر أنّ المرأة التي خطبت في الكوفة هي أمُّ كلثوم، علي حين أجمعت بقية المصادر التي أوردناها علي أنَّها السيدة زينب بنت أميرالمؤمنين(عليه السلام).
ب - يُلاحَظ من خلال المقارنة أنّ رواية ابن طاووس احتوت علي إضافات روائية اختلفت عن بقية المصادر المارَّة الذكر من قبيل: «فأشرفت امرأة من الكوفيات، فقالت من أيِّ الأساري أنتنَّ؟ فقلن:نحن أساري آل محمد،فنزلت المرأة من سطحها فجمعت لهنَّ ملاءً وأُزراً ومقانع وأعطتهن فتغطين» هذه الرواية أضافها ابن طاووس علي أصل الحادثة، ولا وجود لها في المصادر كما بينا ذلك آنفاً، وهل كانت النساء بلا مقانع ولا أزر لكي تعطيهن تلك المرأة ويتغطينَ بهنَّ؟ ثم ألا تُعدُّ
ص: 462
هذه العطية صدقة، والصدقة محرَّمة علي أهل البيت؟ إنَّ هذه الأسئلة والإشكالات تجعل هذه الرواية في دائرة الشكِّ والضعف، فضلاً عن عدم ذكرها في المصادر التي تعرَّضت لهذه الحادثة، وإنمَّا أضافها ابن طاووس ولم يذكر لنا مصدرها.
ت - إنّ الرواية التي أوردتها بعض المصادر كما أشرنا لذلك قد سبقت ابن طاووس من الناحية الزمنية، لم تُشِر إلي المرأة الكوفية التي عطفت علي سبايا آل محمد(صلي الله عليه و آله) فكيف تمَّ إضافتها ولماذا؟ ومن أين جاء بها ابن طاووس؟
ث - أمّا ورود رواية ابن طاووس في بقية المصادر، فيلاحَظ أنّ بعض المصادر المتأخرة أوردتها بنقلها عن طريق ابن طاووس، أمثال: ابن نما((1)) والمجلسي((2))، وهذا يدلُّ علي أنَّ المصدر الوحيد لها هو ابن طاووس.
ت - رواية حامل رأس الحسين(عليه السلام) وكلام أمِّ كلثوم له: أورد ابن طاووس حادثة حمل الرأس الطاهر والأحداث التي رافقته ونصُّ ذلك: «قال الراوي: وسار القوم برأس الحسين ونسائه والأسري من رجاله فلمّا قربوا من دمشق دنت أُمُّ كلثوم من شمر - وكان من جملتهم - فقالت له: لي إليك حاجة: فقال: ما حاجتك؟ قالت: إذا دخلت بنا البلد فاحملنا فيدرب قليل النظَّارة وتقدِّم إليهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل، وينحُّونا عنها؛ فقد خُزِينا من كثرة النظر إلينا ونحن في هذه الحال، فأمر في جواب سؤالها أن يجعل الرؤوس علي الرماح في أوساط المحامل؛ بغياً منه وكفراً، وسلك بهم بين النظَّارة علي تلك الصفة حتي أتي بهم باب دمشق، فوقفوا علي درج باب المسجد الجامع حيث يُقام السبي»((3)).
ص: 463
وبحسب اطِّلاعنا أنّ هذه الرواية قد أختصَّ بها ابن طاووس، بل هي من الروايات التي انفرد بها، وكان كلٌّ من ابن نما((1)) والمجلسي((2)) قد نقلاها عنه، مما يدلِّل علي أنّ المصدر الوحيد لها هو ابن طاووس، ولم يُشر ابن طاووس إلي مصدر هذه الرواية وإنَّما اكتفي بقوله: (قال الراوي)، ومن ثَمَّ تكون هذه الرواية من الروايات التي انفرد بها.
استند ابن طاووس في العديد من الأخبار وبشكل واسع علي أقوال ومرويات أئمة أهل البيت لاسيما وأنّ الذين سبقوه لم يوظِّفوا مرويَّات أهل البيت بمستوي توظيفه واستناده علي تلك المرويات إلا في حالات قليلة، ومن ثَمَّ كان لابن طاووس السبق الزمني بهذا المجال؛ أيْ في توظيف أقوال الأئمة ورواياتهم التاريخية في المقتل، وتحديدا في كتب المقاتل الحسينية، ومن أمثلة ذلك:
نجد أنّ ابن طاووس أورد رواية عن الإمام محمد الباقر(عليه السلام) تحدِّد عدد أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)، مع أنَّه أشار إلي وجود روايات أخري تذكر خلاف العدد الذي حدَّدته الرواية الصادرة عن الإمام الباقر(عليه السلام) بقوله: «فرُوي عن الباقر(عليه السلام) أنَّهم كانوا خمسة وأربعين فارساً ومائة راجل، وروي غير ذلك»((3)).
ص: 464
أورد ابن طاووس رواية صادرة عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) تشير إلي أنّ التأييد الإلهي لنصر الإمام الحسين(عليه السلام) كان موجوداً ألا أنّ الإمام اختار لقاء الله سبحانه وتعالي عن تحقيق النصر بالإعجاز الالهي، ونصُّ الرواية مع إشارته لقائلها: «فرُوي عن مولانا الصادق(عليه السلام) أنَّه قال: سمعت أبي يقول لما التقي الحسين(عليه السلام) وعمر بن سعد لعنة الله عليه وقامت الحرب أنزل الله تعالي النصر حتي رفرف علي رأس الحسين (عليه السلام)، ثم خُيِّر بين النصر علي أعدائه وبين لقاء الله، فاختار لقاء الله. رواها أبو طاهر محمد بن الحسين النرسي في كتاب معالم الدين»((1)).
من روايات ابن طاووس التي نقلها عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)هي مايتعلَّق بدم طفل الإمام الحسين(عليه السلام)، إذ رُوي عن الإمام محمد الباقر(عليه السلام) قوله: «فلم يسقط من ذلك الدم قطرةٌ إلي الأرض»((2)).
ومما يشار إليه هنا أنّ ابن طاووس ينقل رواية مجهولة المصدر، بقوله: «ورُوي أنَّه وُجِد في قميصه مائة وبضع عشرة ما بين رمية وطعنة سهم وضربة «ثم يُقرنُها بأخري صادرة عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) بقوله: «وُجِد بالحسين(عليه السلام) ثلاث وثلاثون طعنة، وأربع وثلاثون ضربة...»((3)).
ص: 465
والجدير بالذكر أنَّ عدَّة مصادر نقلت هذه الرواية عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)((1))، علي حين ذكرتها بعض المصادر دون إسنادها للإمام الصادق(عليه السلام)((2)).
وصف ابن طاووس ما كان يجري في مجالس يزيد بن معاوية والأحداث التي جرت فيها، ومنها: إدخال الرأس الشريف إلي المجلس، وما رافق ذلك منأحداث، كلُّ ذلك رواه ابن طاووس عن طريق رواية للإمام علي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام) - بوصفه شاهد عيان آنذاك - ونصُّ الرواية: «ورُوي عن زين العابدين(عليه السلام) قال: لما أُتي برأس الحسين(عليه السلام) إلي يزيد كان يتخذ مجالس الشرب، ويأتي برأس الحسين(عليه السلام) ويضعه بين يديه ويشرف عليه، فحضر ذات يوم في مجلسه رسول ملك الروم، وكان من أشراف الروم وعظمائهم، فقال يا ملك العرب هذا رأس مَنْ؟ فقال له يزيد: مالك ولهذا الرأس؟ فقال إنِّي إذا رجعت إلي ملكنا يسألني عن كلِّ شيء رأيته فأحببت أن أخبره بقصَّة هذا الرأس وصاحبه حتي يشاركك في الفرح والسرور، فقال يزيد: عليه اللعنة هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب(عليه السلام)... فقال النصراني أُفٍّ لك ولدينك...»((3)).
ص: 466
تعرَّض ابن طاووس إلي الجزاء الأخروي الذي ينتظر كلَّ من ساهم وباشر واشترك في قتل الإمام الحسين(عليه السلام) مستنداً في ذلك إلي رواية عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) بقوله: «إذا كان يوم القيامة نُصِب لفاطمة(عليه السلام) قُبَّة من نور، ويقبل الحسين(عليه السلام) ورأسه في يده، فإذا رأته شهقت شهقة لا يبقي في الجمع مَلَك مقرَّب ولا نبيٌّ مُرسَل إلا بكيلها فيمثِّله الله(عزوجلّ) لها في أحسن صورة وهو يخاصم قتلته بلا رأس، فيجمع الله(عزوجلّ) لها قتلته والمُجهِزين عليه ومن شركهم في قتله فأقتلهم حتي آتي علي آخر هم، ثم يُنشَرون فيقتلهم أميرالمؤمنين(عليه السلام)، ثم يُنشَرون فيقتلهم الحسن(عليه السلام) ثم يُنشَرون فيقتلهم الحسين(عليه السلام)، ثم يُنشَرون فلا يبقي أحد من ذريتنا إلا قتلهم قتلة. فعند ذلك يُكشَف الغيظ ويُنسَي الحزن»((1)). غير أنَّه وبالاطلاع علي مصادرنا التاريخية المتوفرة لنا لا نكاد نعثر علي هذه الرواية.
ويختتم ابن طاووس ذلك بحديث للإمام الصادق(عليه السلام) يخصُّ شيعة أهل البيت المواسين لهم بقوله: «رحم الله شيعتنا هم والله شيعتنا المؤمنون فقد والله شركونا في المصيبة بطول الحزن والحسرة»((2)).
إنّ منهج تعدُّد الروايات التزمه الكثير من المؤرخين، منهم ابن طاووس في المقتل، إذ نجده أورد أكثر من رواية للحادثة الواحدة، ومن ذلك:
ص: 467
تُعدُّ هذه الحادثة من الحوادث المؤلمة التي مرَّت علي الإمام الحسين(عليه السلام)، وقد أورد ابن طاووس روايتين لهذه الحادثة هما:
- الأولي: بعد أنْ سمعت زينب بنت فاطمة(عليهما السلام) كلام الإمامالحسين، والأبيات الشعرية التي قالها والتي مطلعها
يا دهرُ أُفٍّ لكَ من خليلِ *** كم لكَ بالإشراقِ والأصيلِ
من طالبٍ وصاحبٍ قتيلِ *** والدهرُ لا يقنعُ بالبديلِ
وكلُّ حيٍّ سالكٌ سبيلِ *** ما أقربَ الوعدَ من الرحيلِ((1)).
«قالت له: يا أخي هذا كلام من أيقن بالقتل، فقال(عليه السلام):نعم يا أختاه، فقالت زينب:وا ثكلاه ينعي الحسين(عليه السلام) إليَّ نفسه، قال: وبكي النسوة ولطمنَ الخدود وشقَّقن الجيوب، وجعلت أُمُّ كلثوم تنادي وا محمداه، وا علياه، وا أماه، وا أخاه، وا حسيناه، وا ضيعتنا بعدك يا أبا عبد الله. قيل:فعزَّاها الحسين وقال لها: يا أختاه تَعزَّي بعزاء الله؛ فإنَّ سكّان السماوات يفنون، وأهل الأرض كلّهم يموتون، وجميع البرية يهلكون، ثم قال: يا أختاه يا أُمَّ كلثوم، وأنت يا زينب وأنت يا فاطمة وأنت يا رباب انظرنَ إذا أنا قُتِلت فلا تشقُقنَ عليَّ جيباً ولا تخمشنَ عليَّ وجهاً ولا تقلنَ هُجراً»((2)).
ص: 468
نقل هذه الرواية ابن أعثم((1)) علي حين أوردها كلٌّ من الطبرسي((2))، وابن الجوزي((3))، وابن الأثير((4)) وابن كثير((5)) بتصرُّف قليل في بعض الألفاظ والزيادات.
الرواية الثانية: «وروي من طريق آخر أنَّ زينب لما سمعت مضمون الأبيات وكانت في موضع آخر منفردة مع النساء والبنات خرجت حاسرة تجرُّ ثوبها حتي وقفت عليه، وقالت واثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة اليوم ماتت أمي فاطمة، وأبي علي، وأخي الحسن، يا خليفة الماضين وثمال الباقين فنظر إليها الحسين(عليه السلام) فقال:يا أختاه. لا يذهبَنَّ بحلمك الشيطان، فقالت: بأبي وأمي أستقتل؟ نفسي لك الفداء فردَّت غصته وترقرقت عيناه بالدموع، ثم قال:لو تُرِك الَقطَا ليلا لنام، فقالت: يا ويلتاه أفتغتصب نفسك اغتصاباً؟ فذلك أقرح قلبي وأشدُّ علي نفسي، ثم أهوت إلي جيبها فشقَّته وخرَّت مغشياً عليها، فقام(عليه السلام) فصبَّ عليها الماء حتي أفاقت، ثم عزَّاها(عليه السلام) بجهده وذكَّرها المصيبة بموت أبيه وجده صلوات الله عليهم أجمعين»((6))، وقد سبق اليعقوبي((7)) ابن طاووس في إيراد هذه الرواية، كما أنّ ابن نما بدوره نقل هذه الرواية عن ابن طاووس أيضاً.الملاحظات النقدية حول الروايتين اللتين أوردهما ابن طاووس فضلاً عن بعض المصادر التي سبقته، والتي جاءت بعده من الناحية الزمنية، والتي كما أشرنا إليها أعلاه.
ص: 469
أ - الرواية الأولي: تحمل تناقضاً واضحاً من كون الإمام الحسين(عليه السلام) قد أوصي النساء بعدم شقِّ الجيوب وخدش الخدود علي حين نجد في متن الرواية أنّ النسوة لطمنَ الخدود وشققنَ الجيوب، وهل نساء الإمام الحسين(عليه السلام) لا يلتزمن بكلام الإمام المعصوم ومن ثَمَّ يخالفْنَه في ذلك؟ نعم المصيبة كانت تستحقُّ ذلك ولكن عفَّة وأخلاق نساء أهل البيت أكبر من ذلك.
ب - ما ورد من كلام للإمام الحسين(عليه السلام) بحقِّ السيدة زينب(عليها السلام) - من قبيل «لا يذهبَنَّ بحلمك الشيطان» وغيره - لا يتناسب مع مقام السيدة ومنزلتها وصبرها وعلمها، بل لا يمكن أنْ يصفها الإمام الحسين(عليه السلام) بهذا الوصف؛ لكونه يعرفها حقَّ المعرفة، وأنّها «عالمة غير معلَّمة، وفهِمَة غير مُفَهَّمة»، وهذا يتعارض مع ما ورد في تلك الرواية. ومن ثَمَّ فإنَّ مثل هذه الروايات هي من الروايات التي دُسَّت إلي أخبار المقتل بفعل التحريف والوضع الذي تعرَّض له تاريخ أهل البيت.
ويورد ابن طاووس روايتين بخصوص كلام السيدة زينب(عليها السلام) حينما شاهدت مصرع أخيها الإمام الحسين(عليه السلام)، الأولي: «يا محمداه صلي عليك ملائكة السماء، هذا حسين مرمَّل بالدماء، مقطَّع الأعضاء، وبناتك سبايا، إلي الله المشتكي وإلي محمد المصطفي وإلي علي المرتضي وإلي فاطمة الزهراء وإلي حمزة سيد الشهداء، يا محمداه هذا حسين بالعراءتسفي عليه الصبا، قتيل أولاد البغايا وا حزناه، وا كرباه...»((1)).
ثم يعقِّبها برواية ثانية دون أن يحدِّد مصدرها بالموضوع نفسه بقوله: «وفي رواية: يا محمداه بناتك سبايا وذريتك مقتَّلة تسفي عليهم ريح الصبا، وهذا حسين محزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والرداء، بأبي مَن أضحي عسكره في يوم الاثنين نهبا،
ص: 470
بأبي مَن فسطاطه مقطَّع العري، بأبي من لا غائب فيُرتَجي، ولا جريح فيُدَاوي، بأبي مَن نفسي له الفداء، بأبي المهموم حتي قضي...»((1)).
أشار ابن طاووس إلي حادثة السلب التي قام بها الجيش الأموي لممتلكات الإمام الحسين(عليه السلام)، وبشكل دقيق في تحديده للأسماء التي قامت بذلك، فضلاً عن نوعية الحاجات المسلوبة، ومنها العمامة المباركة للإمام(عليه السلام)، وقد رجَّح في تحديد الجهة التي أقدمت علي سلبها هي شخصيتان بقوله: «وأخذ عمامته أخنس بن مرثد ابن علقمة الحضرمي، وقيل جابر بن زيد الأزدي لعنه الله فاعتمَّ بها فصار معتوهاً...»((2))، ونلحظ أنَّ المصادر التاريخية قد انقسمت إلي فريقين فريق يشير إلي الأخنس بن مرثد هو من أقدم علي سلبعمامة الإمام الحسين(عليه السلام)((3))، بينما أشارت بعض المصادر((4)) إلي الشخصية الثانية وهو جابر بن زيد الأزدي بكونه هو من أقدم علي سلب عمامة الحسين(عليه السلام).
ومن الجدير بالذكر أنّ ابن طاووس أشار إلي مسألة مصير رأس الإمام الحسين(عليه السلام) فيرجِّح أنَّه أُعيد إلي كربلاء ودُفِن مع الجسد مع أنَّه أشار إلي وجود روايات عدَّة مختلفة في تحديدها لمصير الرأس، إلا أنّه عزف عن ذكرها لالتزامه بمنهج الإختصار في المقتل بقوله: «فأمَّا رأس الحسين(عليه السلام) فروي أنَّه أُعيد فدُفِن
ص: 471
بكربلاء مع جسده الشريف(عليه السلام)، وكان عمل الطائفة علي هذا المعني المشار إليه، ورُويت آثار كثيرة مختلفة غير ما ذكرناه تركنا وضعها؛ كيلا ينفسخ ما شرطناه من اختصار الكتاب»((1))، واستعرض ابن طاووس أيضاً روايتين تتعلَّقان بالسيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) وأنَّها ستنتقم من قتلة ولدها الإمام الحسين(عليه السلام) يوم القيامة((2)).
ولعلَّ منهج ابن طاووس في تعدُّده للروايات للحادثة الواحدة ينمُّ عن سعة اطلاعه علي المصادر، وإنّه حريص علي نقل الروايات المختلف فيها وإن كان اختلافها يسيراً، ولكن ليس في كلِّ الحالات نجد منهجه بهذا المستوي، فهناك الكثير من الحوادث التي من المفترض أن يورد فيهاعدَّة روايات إلّا أنّه اقتصر علي رواية واحدة من قبيل الرواية التي تشير إلي أنّ الجهة التي أقدمت علي حملالرؤوس والأسري إلي يزيد ابن معاوية، حدَّدها ابن طاووس بمحفز بن ثعلبة((3)). علي حين نجد المصادر قد اختلفت في تحديدها لتلك الشخصية((4)).
وأورد ابن طاووس رواية واحدة بخصوص ضرب يزيد بن معاوية ثنايا الإمام الحسين(عليه السلام) في مجلسه واعتراض أبي برزة الأسلمي علي ذلك، بينما نجد المصادر التاريخية((5)) التي تعرَّضت لهذه الحادثة قد اختلفت في تحديد مكان الحادثة، فبعضها
ص: 472
أشارت إلي وقوعها في الكوفة في مجلس الوالي عبيد الله بن زياد، وخري في دمشق في مجلس يزيد بن معاوية، فضلاً عن الإختلاف في الشخصية المعترضة.
أمّا رواية عدد رؤوس أصحاب وأنصار الإمام الحسين(عليه السلام) التي اقتسمتها القبائل الموالية للسلطة الأموية فيما بينها نجد أنّ ابن طاووس استند علي رواية واحدة في هذا الجانب، وتختصُّ بعدد محدَّد دون الإشارة إلي الروايات التي ذكرت هذه الحادثة، والتي تختلف عن روايته بشكل واضح. وقد حدَّد ابن طاووس عدد الرؤوس بقوله: «ورُوي أنَّ أصحاب الحسين(عليه السلام) كانت ثمانية وسبعين رأساً، فاقتسمتها القبائل لتقرب بذلك إلي عبيد الله بن زياد وإلي يزيد بن معاوية لعنة الله عليه فجاءت كندة بثلاثة عشر رأساًوصاحبهم قيس بن الأشعث، وجاءت هوازن باثني عشر رأساً وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن لعنة الله عليه، وجاءت تميم بسبعة عشر رأساً، وجاءت بنو أسد بستة عشر رأساً، وجاءت مذحج بسبعة رؤوس، وجاء باقي الناس بثلاثة عشر رأساً»((1)) .
وهنالك اختلاف بين المصادر، سواء في أصل العدد، أو في تقسيمات أو حصة كلِّ قبيلة من عدد الرؤوس، منها:
- رواية البلاذري: «لما قُتِل الحسين جيء برؤوس مَنْ قُتِل معه من أهل بيته وأصحابه إلي ابن زياد، فجاءت كندة بثلاثة عشر رأساً وصاحبهم قيس بن الأشعث، وجاءت هوازن بعشرين رأسا وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن، وجاءت بنو تميم بسبعة عشر رأساً، وجاءت بنو أسد بستة عشر رأساً، وجاءت مذحج بسبعة رؤوس، وجاءت قيس بتسعة رؤوس»((2)).
- رواية الطبري: «لما قُتِل الحسين بن علي(عليه السلام) جئ برؤوس من قُتل معه من أهل بيته
ص: 473
وشيعته وأنصاره إلي عبيد الله بن زياد فجاءت كندة بثلاثة عشر رأساً وصاحبهم قيس ابن الأشعث، وجاءت هوازن بعشرين رأساً وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن، وجاءت تميم بسبعة عشر رأساً، وجاءت بنو أسد بستة أرؤس، وجاءت مذحج بسبعة أرؤس وجاء سائر الجيش بسبعة أرؤس فذلك سبعون رأساً»((1)) ويتفق مع رواية الطبري كلٌّ من ابن الجوزي((2)) وابن الأثير((3)) والنويري((4)).- رواية ابن شهر آشوب: «جاءت كندة إلي ابن زياد بثلاثة عشر رأساً وصاحبهم قيس بن الأشعث، وجاءت هوازن بعشرين رأساً وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن، وجاءت بنو تميم بتسعة عشر رأساً، وجاءت بنو أسد بتسعة رؤوس، وجاء سائر الجيش بتسعة رؤوس، فذلك سبعون رأساً»((5)).
من خلال هذه الروايات المختلفة في أصل العدد وتقسيمات القبائل وحصَّتها يتضح لنا ما يلي:
1- إنّ لابن طاووس روايته الخاصَّة بهذه الحادثة، وهي تخالف رأي الأغلبية من خلال مقارنتها مع المصادر الأخري.
2- يُلاحَظ وجود اختلاف جوهري بين المصادر في هذه الحادثة، مما ينتج عنه عدم التحديد الدقيق لأنصار الإمام(عليه السلام)، وهذا ينتهي بنا إلي فكرة أنّ أنصاره(عليه السلام) ليس بالعدد الذي ذكرته المصادر، وإنمَّا أكثر من ذلك.
3- كان علي ابن طاووس أنْ يشير علي أقلّ تقدير إلي وجود روايات مختلفة في
ص: 474
هذه الحادثة كما فعل في تحديده لمصير رأس الإمام الحسين(عليه السلام) والذي أشرنا إليه.
هذه أبرز النقاط الأساسية التي حدَّدناها في منهج ابن طاووس في تناوله لروايات وأحداث وأخبار المقتل، والتي تعرفنا من خلالها علي البعد التاريخي لابن طاووس، ومواطن القوة والضعف في منهجه التاريخي الذي سلكه في مصنفه الموسوم باللهوف.
3- مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) المسمي (مثير الأحزان ومنير سبلالأشجان)، لابن نما.
يُعدُّ هذا المقتل من المقاتل المهمة والمعتبرة؛ لاحتوائه علي روايات ومضامين موثَّقة، إضافة إلي انفراده ببعض الروايات، وسنركِّز علي بعض النقاط التي تستحقُّ الوقوف، وبيان منهج وطريقة المؤلف في عرض مادته التاريخية عن المقتل.
- نسبة الكتاب: وقع بعض الباحثين((1)) في اشتباه في نسبة المقتل إلي غير مؤلِّفه الحقيقي (نجم الدين جعفر بن محمد) إذ نسبوه إلي والد المؤلِّف وهو نجيب الدين.
وقد طُبِع المقتل عدَّة مرات، وهو يحمل اسم المؤلِّف نجيب الدين محمد بن جعفر، إذ طُبع في المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف عام 1950م وهو يحمل هذا الاسم للمؤلِّف، وكذلك طُبع في قم الطبعة الثالثة عام (2006م)((2)).
ويبدو أنّ هذا المقتل هو من تصنيف المؤلِّف نجم الدين جعفر بن محمد، وليس لغيره وفق الأدلة والقرائن الآتية:
ص: 475
1- تصريح المؤلِّف نجم الدين نفسه: صرَّح (نجم الدين جعفر بن محمد) في أحد مصنَّفاته بأنّ (مثير الاحزان) هو من تصنيفه وتأليفه بقوله: «فإنّي لما صنَّفت كتاب المقتل الذي سميته (مثير الأحزان ومنير سبل الأشجان)،وجُمِع فيه من طرائف الأخبار، ولطائف الآثار ما يربي علي الجوهر والنَّضار...»((1)).
2- تصريح المجلسي: أشار المجلسي إلي أنّ (مثير الأحزان) من تصنيف المؤلِّف نجم الدين جعفر بن محمد((2)). ونجد أنّ المجلسي أورد العديد من الروايات والأخبار من هذا المقتل، وأشار إلي مؤلِّفه الحقيقي ومن ذلك قوله: «وروي ابن نما في مثير الأحزان من تاريخ البلاذري...»((3))، أو نقله لرواية ابن نما بخصوص ولادة الإمام الحسين(عليه السلام) ونصُّها: «وقال الشيخ ابن نما في مثير الأحزان: وُلد(عليه السلام) لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة، وقيل الثالث منه، وقيل: أواخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث، وقيل: لخمس خلون من جمادي الأولي سنة أربع من الهجرة، وكانت مدة حمله ستة أشهر، ولم يُولد لستة سواه وعيسي، وقيل يحيي(عليه السلام)»((4)).
ونقل المجلسي رواية نَوح الجِنِّ وبكائهم علي مقتل الحسين(عليه السلام) عنه إذ قال: «وقال ابن نما(رحمة الله) في مثير الأحزان: ناحت عليه الِجنُّ وكان نفر من أصحاب النبي(صلي الله عليه و آله)منهم المسور بن مخرمة((5)) يستمعون النوح ويبكون»((6)).
ص: 476
وهناك العديد من الروايات والأخبار التي نقلها المجلسي والتي أشار إليها بشكل صريح إلي أنّ مصنَّف مثير الأحزان هو من تأليف جعفر بن محمد وبتعابير مختلفة((1)).
3- شهادات بعض الباحثين((2)) إذ ذهب بعض الباحثين إلي أنّ مصنَّف (مثير الأحزان) من تأليف نجم الدين جعفر بن محمد، ومن أبرزآثاره العلمية.
4- إشارة في متن المقتل: وردت في متن المقتل إشارة تدلُّ علي أنَّه من تأليف نجم الدين جعفر بن محمد وليس لغيره، وهي: «قال جعفر بن محمد بن نما مصنِّف هذا الكتاب وقد رثيتها بأبياتي هذه للدار وجعلتها خاتمة ما قلته من الأشعار
وقفتُ علي دار النبي محمدٍ *** فألفيتُها قد أقفرتْ عرصاتُها
وأمستْ خلاءً من تلاوة قارئ *** وعُطِّلَ منها صومُها وصلاتُها
وكانت ملاذاً للعلوم وجُنَّةً *** من الخطب يغشي المعتقين صلاتُها
فأقوت من الساداتِ من آلِ هاشمٍ *** ولم يجتمع بعدَ الحسينِ شتاتُها
فعيني لِقتلِ السِّبطِ عَبْرَي ولوعَتِي *** علي فقده ما تنقضي زفراتُها»((3)).
ومن خلال هذه القرائن نستطيع أن نرجِّح نسبة مثير الأحزان إلي نجم الدين
ص: 477
جعفر بن محمد وليس لوالده نجيب الدين محمد بن جعفر أو لغيره.
ومن ضمن المنهج التاريخي أنْ يقدم المصنِّف إلي بيان سبب تأليف كتابه والغاية منه، ولم يخرج ابن نما الحلي عن هذا المنهج؛ إذ بيَّن سبب تأليفه لهذا المقتل بقوله: «إنّ الذي بعثني علي عمل هذا المقتل أنّي رأيت المقاتل قد احتوي بعضها علي الإكثار والتطويل، وبعضها علي الإختصار والتقليل، فهي بين طويل مُسْهَب، وقصير قاصر عن الفوائد غير معرب، والنُّكَت فيها قليلة، ومرابعها من الطرف والغرائب محيلة، فوضعت هذا المقتل متوسطا بين المقاتل، قريباً من يد المتناول، لا يُقصَي لملالَة وهذر، ولا يُجفَي لنزارة وقِصَر. ترتاح القلوب إلي عذوبة ألفاظه، ويوقِظُ الراقد من نومه وإغماظه، وتسرح النواظر في رياضه وينبِّه الغافل عن هذا المصاب والذاهل عن الجزع والاكتئاب، وأودعته ما أهمله كثير من المصنِّفين، وأغفلتْهُ خواطر المؤلِّفين وسمَّيته «مثير الأحزان أو منير سبل الأشجان»((1)).نستنتج من خلال كلام ابن نما أنّ هناك سببين أساسيين دفعاه إلي تأليف هذا المقتل، الأول:يتعلَّق بحجم المقاتل التي تتسم بعضها بالإختصار والأخري بالإطالة فجاء مقتله وسطاً بين الاثنين، أمّا السبب الثاني الذي يقف وراء تأليف المقتل لديه:فهو أنّ بعض المقاتل أهملت العديد من الحقائق والأحداث فجاء هذا المقتل ليثبِّتها.
اتَّسم ابن نما الحلي بجملة من الميزات الخاصة بالمنهج التاريخي في سرد وإيراد
ص: 478
الروايات والأخبار التي طبَّقها في مقتله - وإن كان أغلبها قد طبَّقها المؤرِّخون الذين سبقوه - ويمكننا أنْ نورد منهجه علي شكل نقاط أساسية ومحورية منها:
نلحظ - من خلال دراستنا لمقتل ابن نما - بأنَّه امتاز من حيث المساحة التاريخية بالشمول الزماني والمكاني لأحداث ومقدِّمات ومجريات المقتل، ويمكن توضيح ذلك بالشكل الآتي:
أ - الشمول الزماني: استوعب كتاب المقتل لابن نما البُعدَ الزماني بشكل متسلسل ومنظَّم وفق تسلسل وقوع الأحداث وترتيبها؛ إذ نجد أنّه ابتدأ بذكر الأحداث الخاصة ببيان منزلة الإمام الحسين(عليه السلام) ومكانته عند الرسول محمد(صلي الله عليه و آله)((1))، ثم انتقل بعد ذلك للحديث عن الأوضاع السياسية التي سبقت مقتله(عليه السلام)، والمتمثلة بمحاولة السلطة الحاكمة في أخذ البيعةمنه(عليه السلام)((2)) ثم - بشكل متسلسل - ينتقل إلي مكاتبة أهل الكوفة للإمام(عليه السلام) والأحداث التي شملتها((3))، وبعدها استعرض أحوال كلٍّ من مسلم بن عقيل وهانئ ابن عروة المرادي وتفصيل ذلك((4))، ومن ثَمَّ تابع ابن نما التسلسل الزمني للأحداث وعرض الشخصيات التي التقي بها الركب الحسيني ومحاوراته معهم، والأماكن التي تمَّ فيها اللقاء((5)).
تابع ابن نما تلك الأحداث بتسلسل مرتَّب زمنياً حتي يدخل في تفاصيل المقتل
ص: 479
العسكرية والإلتقاء بين الطرفين، والوقائع التي حصلت بينهما ويفصِّل في ذلك((1))، بعدها يختم حديثه بما أسماه (الوقائع المتأخِّرة عن المقتل) والتي قصد بها ماتعرَّض له أهل البيت من الأسر والسبي، وخطبهم ومواقفهم وأسلوب مواجهتهم للسلطة الحاكمة((2))، وبذلك يكون قد استوعب المساحة الزمانية التاريخية الكاملة للمقتل من حيث المقدِّمات والمجريات (الأصطدام العسكري).
ب - الشمول المكاني: امتاز كتاب المقتل لابن نما - علي صغر حجمه - بشموله المكاني لأحداث المقتل التي توزَّعت بين مناطق شاسعة وعديدة، حيث أورد الأحداث التي وقعت في المدينة، ثم انتقل إلي سرد أحداث مكة المكرمة، بعدها تابع المسيرة الجغرافية بشكل منظَّم، ثم انتقل إلي بلاد الشام وأورد ما وقعت فيها من حوادث تخصُّ المقتل منها الأسر والسبي وهو ما اصطلح عليه ب-:الوقائعالمتأخِّرة عن المقتل((3))، وبذلك اتضح لنا أنَّ ابن نما قد استوعب - وإن كان بشكل موجَز- مجمل المناطق التي وقعت فيها أحداث المقتل.
إنّ توظيف الشعر في توثيق الحادثة التاريخية يُعدُّ من سِمات المنهج التاريخي الرصين، لأنَّه يُقدِّم للحادثة التاريخية قوّةً في التوثيق والتثبيت، لذا نلحظ أنّ ابن نما الحلي وظَّف العديد من الأبيات الشعرية منطلقا من دوافع عدَّة بعضها ماأشرنا إليه، وأخري تتعلّق بتوصيل الفكرة أو المعني أو شرح الحادثة، في حين ركَّز بعضها علي مخاطبة المشاعر والأحاسيس وإثارة العواطف لبعض أحداث المقتل.
هناك نوعان من التوثيق الشعري لدي ابن نما النوع الأول:يعتمد فيه علي
ص: 480
الشعراء والأدباء الذين أجادوا في نظم بعض الأبيات الشعرية، وهم إمّا سابقون لعهده، وإمّا معاصرون له، أو قريبو العهد به، أمّا النوع الثاني:فيتعلَّق بالأشعار التي كان ينظمها في تعليقه علي بعض أحداث المقتل.
اعتمد ابن نما علي جملة من الشعراء والأدباء ومن مختلف العصور ووظَّف أشعارهم في بعض أحداث المقتل، من ذلك:
وظَّف ابن نما في مناسبة استشهاد مسلم وهانئ شعر عبد الله بن الَزبِير((1)) وهويذكر فيها بعض ما جري لهما، ومن ثَمَّ تُعدُّ هذه القصيدة وثيقة تاريخية مهمّة في تثبيت الأحداث وتوثيقها، وقد جاء فيها:
إذا كنتِ لا تدرينَ بالموتِ فانظري *** إلي هانئٍ بالسوقِ وابنِ عقيلِ
إلي بطلٍ قد هشَّم السيفُ وجهَهُ *** وآخرَ يهوي من طمار قتيلِ
أصابَهما أمرُ الأمير فأصبحا *** أحاديثَ مَن يسعي بكلِّ سبيلِ
أيركبُ أسماءُ الهماليج آمناً *** وقد طلبته مذْحجٌ بذُحولِ
ص: 481
تري جسداً قد غيَّر الموتُ لونَهُ *** ونضخَ دمٍ قد سالَ كلَّ مسيلِ
تُطيفُ حواليه مرادٌ وكلُّهم *** علي رِقبةٍ من سائلٍ ومسولِ
فإنْ أنتمُ لم تثأروا بأخيكم *** فكونوا بغايا أُرضِيتْ بقتيلِ((1)).
كما وظَّف شعر عبد الله بن المعتز((2)) في وصف شدَّة قتال عبد الله بن عميرالكلبي بقوله:
ولي صارمٌ فيه المنايا كوامنٌ *** فما يُنتَضَي إلا لِسفك دماءِ
تري فوقَ متنَيهِ الفرندَ كأنَّهُ *** بقيةُ غيمٍ رقَّ دونَ سماءِ((3)).
ويلاحظ أنَّه اختار الأشعار التي لها وقع في النفس؛ ليجعل القارئ في قلب الحدث، ولكي يتفاعل معه كما هو الحال في توظيفه لشعر الحسين بن الضحاك((4)) في
ص: 482
وصف حال عيال الإمام الحسين(عليه السلام) وتعرّضهم للسلبمن قِبَلِ السلطة الأموية ورجالاتها قائلاً في ذلك:
ومما شَجَا قلبي وكفكفَ عبرتي *** محارمٌ من آلِ النبيِّ استُحلَّتِ
ومهتوكة بالطفِّ عنها سجونها *** كعابٌ كقرنِ الشمسِ لمّا تبدَّتِ
إذا حفَّزتْها وزعةٌ من منازعٍ *** لها المرطُ غارتْ بالخضوعِ ورَنَّتِ
وسِربُ ظباءٍ من ذؤابةِ هاشمٍ *** هتفْنَ بدعوي خيرِ حيٍّ ومَيِّتِ
أردُّ يداً منِّي إذا ما ذكرتُهُ *** علي كبدٍ حَرَّي وقلبٍ مُفتَّتِ
فلا باتَ ليلاً شامتين بغبطةٍ *** ولا بلغتْ آمالهُا ما تمنَّتِ((1)).
وقد استشهد ابن نما بشعر أكثر من شاعر في عرضه موقفاً معيَّناً، كاستشهاده بشعر الشاعر الحميري((2)) في تصوير موقف النسوة اللاتي مررنَ بمصرع الحسين(عليه السلام)، وذلك بقوله:
امرُرْ علي جدَثِ الحسينِ *** وقُلْ لأعظُمِهِ الزكيَّه
يا أعظُما لا زِلتِ منْ *** وطْفاءَ ساكبةٍ رويّه
ص: 483
وإذا مررتَ بقبرِه *** فأطلْ به وقفَ المطيَّه
وابكِ المطهَّرَ للمُطَهَّرِ *** والمطهَّرةِ التقيَّه
كبُكاءِ مُعوِلَةٍ أتتْ *** يوماً لواحدِها المنيَّه((1)).
وشعر عقبة بن عمر السهمي((2)) الذي وظَّفه أيضاً ابن نما لهذا الغرض بقوله:
إذا العينُ قرَّتْ في الحياة وأنتُمُ *** تخافون في الدنيا فأظلمَ نورُها
مررتُ علي قبر الحسين بكربلاءَ *** ففاضَ عليه من دموعي غزيرُها
فما زلتُ أرثيه وأبكي لِشجوِهِ *** ويُسعدُ عيني دمعُها وزفيرُها
وبكيتُ من بعدِ الحسينِ عصائبا *** أطافتْ به من جانبيها قبورُها
سلامٌ بآصالِ العشيِّ وبالضُّحي *** تؤدِّيهِ نكباءُ الرياحِ ومورُها
ولا بَرِحَ الوفادُ زوَّار قبرِهِ *** يفوحُ عليهم مِسْكُها وعبيُرها((3)).
لم يقتصر ابن نما علي توظيفه لأشعار الأدباء والشعراء والشخصيات التي سبقته، وإنَّما وظَّف قريحته الشعرية والعاطفية في رسم بعض الصور لبعض المواقف التيفرضت قريحته وإحساسه الشعري كما نظم بعض الأبيات من الشعر، فمن
ص: 484
قوله في سلب آل أمية لحقوق أهل البيت(عليهم السلام).
ولما طعنتم نازحينَ وضمَّكم *** مقامٌ به الجَلْدُ العزيزُ ذليلُ
وصرتم طعاماً للسيوفِ ولم يكنْ *** لما رمتُموهُ منهجٌ ووصولُ
وأموالكم فئٌ لآلِ أميةَ وبدرُكُم *** قد حانَ منه أُفولُ
تيقَّنْتُ أنَّ الدِّينَ قد هانَ خطبُهُ *** وأنَّ المُرَاعِي للنبيِّ قليلُ((1)).
كما نجده قد نظم بيتين في مصرع الحسين(عليه السلام) بقوله:
يُصلِّي الإلهُ علي المرسَلِ *** ويُذكَرُ في المحكَمِ المنزَلِ
ويُغزَي الحسينُ وأبناؤُهُ *** وهذا من المُعجَبِ المعضِلِ((2)).
وينتقد ابن نما تصرُّف الوالي عبيد الله بن زياد من فرحه بقتل الإمام الحسين(عليه السلام) في مجلسه وأمام سبايا أهل البيت(عليهم السلام)، ويرسم انتقاده بصورة أدبية شعرية بقوله:
يا أيُّها المتشفِّي في قتلِ أئمتِهِ *** قلبي من الوَجْدِ علي مثلِ الجَمُرْ
لا بلَّغتْكَ الليالي ما تُؤمِّلُه *** منها وبلَّ سداكَ المالحَ المقرّ
قومٌ هُمُ الدينُ والدنيا فَمَن *** قَلاهُم فمأواهم إذنْ سَقَرْ
لهم نبيُّ الهدي جدٌّ وجدُّهُمُ *** يومَ المعادِ بنصرِ اللهِ تنتصرْ((3)).وصوَّر ابن نما موقف السَّبِي الذي تعرَّض له آل الحسين(عليه السلام) بأبيات شعرية عبَّرت عن عمق المأساة والألم، وعبَّر عما أقدمت عليه السلطة الأموية تجاه أهل البيت(عليهم السلام) بالغزو بقوله:
ص: 485
فَوَا أسفاً يُغزَي الحسينُ ورهطُهُ *** ويُسبَي بتطوافِ البلادِ حريمُهُ
ألم يعلموا أنَّ النبيَّ لِفقدِهِ *** له عزبُ جفنٍ ما يخفُّ سجومُهُ
وفي قلبِهِ نارٌ يَشبُّ ضِرامُها *** وآثارُ وَجْدٍ ليس تُرسَي كلومُهُ((1)).
وبذلك اتضح لنا أنّ ابن نما لم يكن مؤرِّخاً فحسبُ، بل كان شاعراً وأديباً، وظَّف شعره في توثيق وتصوير بعض أحداث المقتل الحسيني في مصنَّفه.
اهتمَّ ابن نما بما يُصطلَح عليه ب-:الجغرافية التاريخية، وذلك من خلال تتبعه للمناطق والأماكن التي مرَّ بها الموكب الحسيني، وتحديده الدقيق لها، فمن المناطق الجغرافية التي ذكرها: التنعيم، ووادي العقيق، والحاجر من بطن الرمة، والقادسية والتي أشار فيها إلي مسألة تنظيم الخيل لمعسكر الأعداء بقوله: «ونظم الخيل بين القادسية إلي خفان وما بين القطقطانية إلي القلع»((2)) والثعلبية، وطريق عذيب الهجانات، وغيرها من المناطق الجغرافية((3)).
نلحظ في بعض الحالات أنّ ابن نما يورد أكثر من رواية أو معلومة للحادثة الواحدة، من قبيل الرواية التي أوردها بخصوص الكتاب الذي وجَّهه الإمامالحسين(عليه السلام) إلي وجهاء أهل البصرة، فقد ذكر ابن نما شخصيتين للمبعوث الذي جاء بكتاب الإمام لأهل البصرة بقوله: «وبعث الكتاب مع ذراع السدوسي((4))،
ص: 486
وقيل: مع سليمان المكنَّي بأبي رزين فيه أنّي أدعوكم إلي الله وإلي نبيِّه فإنَّ السنة قد أُمِيتت، فإن تجيبوا دعوتي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد»((1))
ومن الملاحظ أنّ بعض المصادر((2)) التي تعرَّضت لهذه الرواية لم تُشِر إلي شخصية ذراع السدوسي بكونه مبعوث الإمام الحسين(عليه السلام) لأهل البصرة، وإنَّما أشار بعضها إلي شخصية سليمان، فضلاً عن ذلك فإنّ شخصية (ذراع السدوسي) لم نجد لها ذكراً في المصادر أو كتب التراجم؛ مما يجعلها في عداد الشخصيات الوهمية المجهولة.
أمّا مسألة تحديد مكان مقتل هانئ بن عروة المرادي فيُورِدُ ابن نما روايتين في هذا الجانب، ولعلَّ السبب في ذلك هو اختلاف المؤرِّخين الذين سبقوه في هذه الحادثة، فعمد ابن نما إلي إيراد الروايتين معاً، الرواية الأولي التي أشار إليها ذكرت أنّ هانئ ابن عروة سُحِب إلي الكناسة فقُتِل وصُلِب هناك، أما الرواية الثانية والتي نلحظ أنّ ابن نما ضعَّفها بقرينة: (وقيل) وهي التي تحدِّد مكان تنفيذ القتل بحقه في السوق بقوله: «وقيل:ضرب عنقه في السوق غلام لعبيد الله اسمه رشيد»((3)).
وقد رجَّح ابن نما الرواية الأولي القائلة بسحب هانئ إلي الكناسة، وهناككانت شهادتُهُ(رضي الله عنه) علي الرواية الثانية، ومن الجدير بالذكر أنّ الرواية الأولي أشارت إليها بعض المصادر التي سبقته((4)).
وأحياناً ولتأكيد بعض الروايات لجأ ابن نما إلي اختيار عدَّة روايات ومن طرق مختلفة (كشهود عيان للحادثة) من قبيل الروايات التي تحدَّثت عن إقدام الوالي
ص: 487
عبيد الله بن زياد علي ضرب ثنايا الإمام الحسين(عليه السلام) في مجلسه، والرواية الأولي عن طريق أنس بن مالك بقولة: «شهدت عبيد الله بن زياد وهو ينكت بقضيب علي لسان الحسين ويقول إنَّه كان حسن الثغر، فقلت أَمَ والله لأسؤنَّك لقد رأيت رسول الله يقبِّل موضع قضيبك من فيه»((1)).
والرواية الثانية ذكرها عن طريق كلٍّ من سعيد بن معاذ وعمر بن سهل؛ إذ ذكرا ما نصُّه «إنَّهما حضرا عبيد الله يضرب بقضيبه أنف الحسين وعينيه، ويطعن في فمه، فقال له زيد بن أرقم:ارفع قضيبك إنّي رأيت رسول الله(صلي الله عليه و آله) واضعا شفتيه علي موضع قضيبك ثم انتحب باكيا، فقال له أبكي الله عينيك يا عدوَّ الله لولا أنَّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك، فقال زيد لأحدثنَّك حديثا هو أغلظ عليك من هذا، رأيت رسول الله(صلي الله عليه و آله) أقعد حسناً علي فخذه اليمني وحسيناً علي فخذه اليسري فوضع يده علي يافوخ كلِّ واحد منهما وقال إنِّي أستودعكما وصالح المؤمنين، فكيف كانت وديعتك لرسول الله...»((2)).
ومن الجدير بالذكر أنَّ ابن نما قد أورد الروايتين السابقتين في حادثة ضربثنايا الإمام الحسين(عليه السلام) دون الإشارة إلي وقوعها في الشام بمجلس يزيد بن معاوية، التي أشارت إليها العديد من المصادر((3)).
ص: 488
وإنَّما حدَّد وقوعها بالكوفة بمجلس الوالي عبيد الله بن زياد((1))، مما يرجِّح اعتقاده بوقوع الحادثة في الكوفة وليس في الشام.
وذكر ابن نما روايتين مختلفتين بخصوص الشخصية التي أبلغت أهل المدينة المنورة بمقتل الإمام الحسين(عليه السلام) والجهة الرسمية التي أرسلتها، فالرواية الأولي ذكرت أنّ عبيد الله بن الحرث السلمي هو من أبلغ أهل المدينة والجهة الرسمية أو الحكومية التي أرسلته التي تمثَّلت في الوالي عبيد الله بن زياد، علي حين أنّ الرواية الثانية تذكر خلاف ذلك؛ إذ تشير إلي أنّ يزيد بن معاوية قد أرسل محرز بن حريث ابن مسعود الكلبي ليخبر أهل المدينة بنبأ استشهاد الإمامالحسين(عليه السلام)((2)).
وهنا مسألة لا بدّ من الإشارة إليها وهي أنّ ابن نما قد رجَّح أنّ رأس الإمام الحسين(عليه السلام) ورؤوس أصحابه الأطهار قد تمَّ حملها إلي يزيد بن معاوية، والذي تولَّي ذلك محفز بن ثعلبة العائذي، علي حين نلحظ أنَّ المؤرِّخين اختلفوا اختلافاً شديداً في تحديد الشخصية التي حملت الرؤوس إلي يزيد بن معاوية، فمثلاً روي كلٌّ من الطبري((3)) والمفيد((4)) وابن أعثم((5)) والخوارزمي((6)) والطبرسي((7)) وابن
ص: 489
الأثير((1)) أنّ زحر ابن قيس الجعفي هو من حمل تلك الرؤوس، وهو الرأي الأغلب بين المؤرِّخين، بينما أشار البلاذري((2)) وابن عساكر((3)) والذهبي((4))، إلي أنّ محفز بن ثعلبة هو من حمل تلك الرؤوس وليس زحر.
ومن هنا يتضح لنا أنَّ ابن نما قد خالف الأغلبية في تحديده لحامل الرؤوس دون أن يفصِّل لنا في ذلك.
3- التوضيحات والتعريفات والتعليلات: من ضمن منهج المؤرِّخ أنْ يوضِّح بعض المفردات والمصطلحات التي ترد في مؤلَّفه لاسيما التي تحتاج إليذلك، كما عليه أنْ يفسِّر ويعلِّل بعض الأحداث والأخبار التي تحتاج إلي تعليل تاريخي منطقي. وهذا ما فعله وطبَّقه ابن نما في بعض الحالات والأخبار والروايات التي أوردها في مقتله والتي منها:
- حديثهُ عن الشخصيتين اللتين بعث معهما الوالي عبيد الله بن زياد رأسي مسلم ابن عقيل وهانئ بن عروة، نجد أنَّه عرَّف أحدهما نسباً وهي شخصية الزبير بن الأروح التميمي - أحد بني مالك بن سعد((5)).
- وفي معرض حديثه عن شخصية عامر بن نهشل (من معسكر الأعداء) سمَّاه بأنَّه أحد بني تيم اللات من ثعلبة، علي حين وصف إحدي الشخصيات من معسكر الإمام الحسين(عليه السلام)، وهو أبو عمر النهشلي من الناحية العسكرية قائلاً: «يقاتل قتالاً شديداً لا يحمل علي قوم إلا كشفهم...»((6))، أما من الناحية الدينية فأشار
ص: 490
إليه بأنَّه كان: «متهجدا كثير الصلاة...»((1))، كذلك وصفه «لبرير بن خضير، وكان زاهداً يُقالُ له سيِّد القرَّاء...»((2))، وفي ذكره ليزيد بن المهاجر- الذي التحق بمعسكر الإمام الحسين متأخِّراً - قال عنه:«وكان يُكنَّي أبا الشعثاء من بني بهدلة من كندة»((3)).
- التعليلات والإنفرادت الروائية: لم نلحظ الكثير من التعليلات والتفسيرات التاريخية في كتاب (مثير الأحزان) لابن نما باستثناء تعليل يتعلَّق بحجِّ الإمام الحسين(عليه السلام) الذي جعله عمرةً، فقد علّل ابن نما ذلك بقوله: «ولما أرادالخروج من مكة طاف وسعي وأحلَّ من إحرامه، وجعل حجَّه عمرة؛ لأنَّه لم يتمكَّن من إتمام الحجِّ مخافة أن يُقبَض عليه»((4)).
أمّا الروايات التي انفرد بها فهي الأخري كانت محدودة، منها إشارته((5)) إلي أنَّ الطرماح بن عدي الذي التقي بالإمام الحسين(عليه السلام) هو ابن الحكيم((6)) وليس ابن عدي الذي صرَّحت به أغلب المصادر((7))، مع أنَّ الطرماح بن الحكيم كان شامياً ومعتقداً
ص: 491
بالمذهب الخارجي؛ فمن غير الممكن التقاؤه بالإمام(عليه السلام)، ويبدو أنَّ ابن نما قد وقع في اشتباه.
وأشار إلي أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) أراد التراجع عن محاربة آل أمية - لفقد أحبته - والرجوع إلي بلده لقوله: «ثم أراد(عليه السلام) الرجوع حزنا وجزعا؛ لفقد أحبته، والمضي إلي بلدته، ثمَّ ثاب إليه رأيه الأول وقالعلي ما كنت عليه المعوَّل، وقال متمثِّلاً:
سأمضي وما بالموت عارٌ علي الفتي *** إذا ما نوي حقاً وجاهدَ مسلما
وواسي الرجالَ الصالحين بنفسِهِ *** وفارقَ مثبوراً وخالفَ مجرما
فإن متُّ لم أندم وإن عشتُ لم أُلَم *** كفي بك موتاً أن تُذلَّ وتُرغَما»((1)).
ولعلَّ هذه الزيادة من ابن نما هي تحليله الشخصي لموقف الإمام(عليه السلام)؛ وذلك لكون أغلب المصادر((2)) التي أوردت تلك الأبيات الشعرية لم تذكر هذه الزيادة، وحدَّدت سبب إلقاء تلك الأبيات الشعرية هو الحوار الذي جري بين الإمام الحسين(عليه السلام) والحرِّ بن يزيد الرياحي.
كما أنّ هذه المقولة من غير المعقول أنْ تصدر من شخص الإمام الحسين(عليه السلام)؛ لكونها لا تتفق مع أخلاق ونبل وسُمُوِّ روحه الطاهرة، وثباته علي العقيدة، وتضحيته بكلِّ ما يملك في سبيل الدين والمبدأ. فضلاً عن أنّ هذه المقولة لا أصل تاريخي لها، ولا سند روائي؛ لذا تُعتَبر ساقطة تاريخياً، ولا يترتَّب عليها أيُّ أثر، بل
ص: 492
هي أشبه بالتحليل الشخصي لابن نما.
- الروايات الضعيفة والمشكوك بها: أورد ابن نما بعض الأخبار والروايات التي فيها نوع من الشكِّ والضعف، منها:أ- رواية الإقتراحات التي طرحها الإمام الحسين(عليه السلام) لعمر بن سعد، بخصوص إنهاء الصراع الدائر بينهما، ونصُّها: «إنَّ الحسين(عليه السلام) لما علم أنَّهم مقاتلوه، وسأل عمر ابن سعد المهادنة وترك القتال بواحدة من ثلاث أنْ يرجع إلي موضعه الذي جاء منه، أو يمضي إلي بعض البلاد يكون كأحدهم، أو يمضي إلي يزيد فيري فيه رأيه، فقال عمر ابن سعد أخاف أن تُهدَم داري...»((1)).
هذه الرواية أوردتها بعض المصادر((2)) ومنها ابن نما في مؤلَّفه، لكنَّه لم يعلِّق عليها. ونحن نشكُّ بصحتها؛ إذ كيف للإمام الحسين(عليه السلام) أن يضع يده بيد الحاكم الجائر الظالم وقدخرج من أجل تغيير وإصلاح أوضاع الأمَّة الإسلامية آنذاك؟ فضلاً عن ذلك أنَّ أبا مخنف قد أورد هذه الرواية ولكن شكَّك في صحتها قائلاً: «فأما عبد الرحمن بن جندب فحدثني عن عقبة بن سمعان قال صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة إلي مكة، ومن مكة إلي العراق ولم أفارقه حتي قُتِل، وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكة ولا بالطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلي يوم مقتله إلا وقد سمعتها، ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد ابن معاوية، ولا أن يسيِّروه إلي ثغر من ثغور المسلمين،ولكنَّه قال دعوني فلأ ذهب في
ص: 493
هذه الأرض العريضة حتي ننظر ما يصير إليه أمر الناس...»((1))، وكان الأجدر بابن نما أن يُشكِّك في هذه الرواية كما فعل أبو مخنف إلا أنَّه ترك ذلك.
ب - رواية تخصُّ السيدة زينب بنت عقيل(عليه السلام) والتي فور سماعها بنبأ مقتل الحسين(عليه السلام) «خرجت امرأة من بنات عبد المطلب قيل: هي زينب بنت عقيل، ناشرة شعرها، واضعة كمَّها علي رأسها تتلقاهم، وهي تبكي وتقول: ماذا تقولون إذ قال النبي لكم ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقَدي *** منهم أساري ومنهم ضُرِّجوا بدمِ»((2)).
ومن خلال مراجعتنا لبعض المصادر التي تعرضت لهذه الرواية نجدها قد اختلفت في سردها لتلك الرواية فمثلاً ابن قتيبة((3)) وابن عساكر((4)) والزمخشري((5)) وأبو الفداء((6)) لم يشيروا إلي أنَّ تلك العلوية قد نشرت شعرها، أمّاالمسعودي((7)) والمفيد((8)) والفتال النيسابوري((9)) وابن الجوزي((10))، فقد وصفوها بأنَّها خرجت(حاسرة الرأس)، علي حين نري أنَّ ابن أعثم((11)) نسب تلك الأبيات إلي الإمام علي
ص: 494
ابن الحسين(عليه السلام) وليس لبنت عقيل ابن أبي طالب، وعلي كلا التقديرين من المصادر واختلافهما نستبعد صدور مثل هذا التصرف من قبل بنت عقيل(عليه السلام) التي تربَّت في بيت الطهارة والعفَّة، لاسيما ومن خلال اختلاف الروايات في التعبير نري انّ هذه الرواية قد نُقِلت بالمعني وليس باللفظ، ومن المؤكَّد أن يحصل تغيير في التعبير والمحتوي العام للرواية.
ت - روي ابن نما روايةً وصفت تعرُّض نساء وبنات الحسين(عليه السلام) إلي هجوم الأعداء بقوله: «وبقينَ عرايا تراوحهنَّ رياح النوائب...»((1)).
لعلَّ القريحة الشعرية لابن نما الممزوجة بالعاطفة قد لعبت دوراً كبيراً في تصويره حال نساء الحسين(عليه السلام)، وإلّا فمن غير الممكن أنْ يصلنَ بنات آل الرسول إلي هذه الحال - علي الرغم من أنّ آل أميَّة لادين لهم إلاّ أنّ الإرادة الإلهية تأبي ذلك - التي فيها مذلَّة ومهانة كبيرة لهنَّ.
وهذه أبرز النقاط الأساسية في منهج ابن نما في مصنَّفه (مثير الأحزان)، وفي سرده لأخبار وأحداث المقتل، علماً بأنَّ مقتله اتَّسم بالإختصار وعدم الإسهاب، ولعلَّ ذلك يعود إلي ما أوضحه مؤلِّفه في المقدِّمة من أنَّه جاء ليشير إلي ما أهمله المؤرِّخون الذين سبقوه في تصنيف كتب المقاتل الحسينية.
ص: 495
ص: 496
الخاتمة وأهم النتائج
في ختام دراستنا هذه لا بدَّ من الإشارة إلي بعض النتائج التي توصّلنا إليها منها:
1- كشفت الدراسة عن انتساب بعض كتب المقاتل إلي مؤلِّفين لم يكونوا قد صنَّفوها أو ألَّفوها مثل:مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) المنسوب لأبي مخنف، ونور العين في مشهد الحسين(عليه السلام) المنسوب للإسفراييني، وقد ثبت ذلك بالأدلَّة والقرائن العلمية والتاريخية.
2- إنَّ موضوع هذه الدراسة بيَّن أنَّ كتب المقاتل لها مناهج ومحاور خاصة مثل بقية الإختصاصات والتقسيمات من قبيل كتب الطبقات و التراجم وكتب التاريخ المحلي وغيرها.
3- سلَّطت هذه الدراسة الأضواء علي العديد من أسماء كتب المقاتل الحسينية المفقودة، وبحثت عن مروياتها المتناثرة في بطون المصنَّفات التاريخية، وجمعتها بعد مناقشة رواياتها التي تطلَّبت التحقيق والتحليل.
4- اتضح لنا من خلال استعراض مؤلِّفي كتب المقاتل الحسينية المفقودة أو التي وصلت إلينا، أنَّها لم تقتصر علي مؤلِّفي الشيعة الإمامية فقط، بل شملت عدداً من مؤلِّفي المذاهب والطوائف الإسلاميةالأخري.
5- لا يوجد قرن من القرون - بحدود المدَّة الزمنية للأطروحة أي حتي القرن السابع الهجري - إلا وألَّف المؤرِّخون فيه كتاباً عن المقتل الحسيني، وهذا يدلُّ علي عدم توقُّف عجلة التأليف والإبداع والتصنيف في موضوع المقتل الحسيني، وأنَّها سارية في وجدان المجتمع وتتفاعل معه.
6- اختلفت احجام كتب المقاتل؛ وذلك يعود إلي ثقافة وعصر المؤلِّف وطبيعةالظرف التي دفعته للتأليف، فهناك الصغيرة مثل: كتاب تسمية فيمن قُتِل مع الإمام
ص: 497
الحسين(عليه السلام) لفضيل الرسان، وهناك المتوسطة الحجم مثل: اللهوف لابن طاووس، ومثير الأحزان لابن نما، وهناك الكبيرة مثل: كتاب مقتل الخوارزمي الذي يقع في جزأين.
7- مناقشة وتحليل العديد من الروايات والأخبار منها:حادثة الدليلَيين اللذين استأجرهما مسلم بن عقيل؛ ليدلّاه علي الطريق إلي الكوفة، وحادثة تجسُّس معقل وكشف مكان مسلم بن عقيل، وخبر ضرب ثنايا الإمام الحسين(عليه السلام) في مجلس يزيد ابن معاوية، وغيرها.
8- التركيز علي الروايات التي انفرد بها بعض مؤلِّفي كتب المقاتل، أو مؤرِّخي المصنَّفات الأخري ومناقشتها وتحليلها وبيان مدي مصداقيتها.
9- توصَّلت الدراسة بالقرائن والأدلَّة التاريخية إلي وجود العديد من العناصر غير الكوفية التي اشتركت في حرب الإمام الحسين(عليه السلام)، ومنها الشامية واليمنية والمصرية والحجازية، ولم تكن الكوفة وحدها هي التي شنَّت الحرب وقاتلت الإمام(عليه السلام)، وإنَّما كان للإعلام الأموي والعباسي دور فعَّال ومؤثِّر في نشر فكرة أنَّ الكوفة هي من قتلت الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته الأطهار(عليهم السلام)، وأنَّ شيعته من قتلته(عليه السلام).
10- تفنيد بعض الروايات الضعيفة التي لا تليق بمكانة أهل البيت من قبيل إقدام النساء علي (شقِّ الجيوب وهتك الخمور ولطم الوجوه)، أو الروايات التي فيها مبالغة في الأرقام والأعداد في عدد القتلي.
11- ناقشت الدراسة أيضاً - في بعض جوانبها - الروايات ذات الطابع الإعجازي التي أوردها بعض مؤلِّفي كتب المقاتل، أو المصنَّفات التاريخية، بوصف تلك الروايات من الدلائل الباهرة علي مظلومية الإمام الحسين(عليه السلام)، وإشارتهاإلي الإمداد الغيبي الإلهي له؛ بوصفه إماما ربانيا للأمة مؤيَّداً من الله جلا وعلا، مما
ص: 498
يكسب نهضته(عليه السلام) طابعاً دينياً محضاً خالصاً لوجه الله تعالي.
12- ومن النتائج التي توصَّلت إليها الدراسة أنَّ التأثيرات الدينية المذهبية والسياسية لها أثر في حركة التدوين التاريخي مما أدَّي إلي حدوث نوع من التباين في المناهج والإتجاهات بين المراكز العلمية المختلفة في البلدان الإسلامية، الأمر الذي سبَّب نشأة مدارس تاريخية عدَّة، تميَّزت كلُّ مدرسة منها بمميزات خاصة، تبعاً للبيئة الفكرية والسياسية والمذهبية التي نشأت فيها، فانعكس ذلك علي تدوين المقتل الحسيني بشكل واضح؛ إذ انتجت تلك التأثُّرات اتجاهاً خاصاً في تأليف المقتل الحسيني، ولُوحِظ أنَّ مدرسة العراق كانت الأكثر إنتاجاً في هذا النوع من التأليف، ولعلَّ العوامل الدينية، وثقافة وميول المؤرِّخين لها الأثر الأكبر في ذلك، لذلك تميَّزت المدة الواقعة بين القرنين الثاني والسابع الهجريين تميَّزت بغزارة التأليف في كتب المقاتل مقارنة مع القرون المتأخرة.
13- نستنتج من خلال عرضنا لمؤرِّخي ومؤلِّفي كتب المقتل الحسيني المفقودة أنَّ معظمها من الناحية الجغرافية كانت من نتاج العراق، أمّا من الناحية العقائدية فهم يميلون إلي الشيعة أو من مؤرخي الشيعة، مما يدلُّ علي مدي تأثير الثقافة العقائدية علي حركة التأليف والتدوين في هذا المجال، إلا أنَّ هذا لا ينفي وجود مؤلِّفين آخرين من مختلف البلدان والأقاليم، وهم يحملون توجُّهات مذهبية متباينة، قد ألَّفوا كتباً في هذا المجال، إلا أنَّهم قليلون مقارنةً بالمذهب الشيعي، ولعلَّ السبب في ذلك أنَّ العراق يمثِّل مركزاً لأهمِّ القواعد الشيعية مقارنة مع البلدان الأخري، الأمر الذي جعل مؤرِّخيه يصنِّفوا في هذا المجال؛ تلبية لرغبة الرأي العام في العراق، فضلاً عن النزعة المذهبية التي تفرض علي هؤلاء المؤرِّخين التأليف في هذا الجانب.
14- هناك العديد من المصنَّفات التاريخية علي اختلاف زمانها قد حفظت لنا
ص: 499
أغلب روايات كتب المقاتل المفقودة، منها علي سبيل المثال، تأريخ الطبري الذي حفظ لنا مقتل أبي مخنف، وبعض أخبار محمد بن هشام الكلبي، كما تضمَّن كتاب (تذكرة الخواص) للسبط ابن الجوزي بعض مرويات تلك المقاتل من قبيل مرويات محمد بن هشام الكلبي، والواقدي، والمدائني، وغيرها.
15- إنَّ روايات كتب المقاتل المفقودة التي أُلِّفَت من القرن الثاني الهجري وحتي القرن السابع الهجري تُعدُّ من الأخبار الموثوق بها والتي يمكن الإعتماد عليها - باستثناء بعضها - لمحدودية التلاعب والتحريف فيها؛ وسبب ذلك اتباعها منهج السند الروائي في عرض الروايات، بخلاف مرويات وأخبار القرون المتأخِّرة التي اتَّسمت بالضعف والإنتحال والوضع.
وتجدر الإشارة إلي أنَّ أغلب كتب المقاتل المفقودة فُقِدت في القرنين السادس والسابع الهجريين، مما يرجَّح أنَّ للغزو المغولي أثراً كبيراً في ذلك من؛ لتعرُّض الكتب والمكتبات إلي الدمار والحرق آنذاك((1)).الملاحق: أسماء كتب المقتل الحسيني المطبوعة والمفقودة من القرن (1 إلي 7) ه-
ص: 500
ص: 501
ص: 502
ص: 503
ص: 504
يُعدُّ موضوع الأطروحة الموسوم ب-(تطوّر منهج الكتابة التاريخية لكتب المقتل الحسيني) من أهمِّ الموضوعات التاريخية، بل حتي العقائدية التي تستحقُّ الدراسة والتحليل والتحقيق، علي طول الفترة الزمنيه، لسبب وآخر حتي أنَّها ارتبطت ارتباطاً وثيقا ومؤثِّراً لدفع عجلة النشاط الديني والثقافي والسياسي عند المسلمين عامة، وأتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) خاصة، وقد أُحيط هذا الموضوع (المقتل) وعلي مرِّ الحُقَب التاريخية ببعض الشكوك والغموض والملابسات من قبل بعض المؤرِّخين، خصوصاً وأنَّ لهؤلاء توجُّهاتٍ وميولاً مذهبية وسياسية مختلفة؛ فمن المؤكَّد أنَّها تؤثِّر علي كتاباتهم التاريخية عن المقتل وتحرفها عن مسارها الحقيقي.
وقد حاولتْ هذه الدراسة تسليط الضوء علي العديد من الروايات والأخبار التي لا تتلاءم مع منهج النهضة الحسينية والمرتكزات التي سارت عليها، فضلا عن مخالفتها للحقائق التاريخية والمنطق العقلي.
كما خرجت الأطروحة ببعض النتائج المهمة والمفيدة والتي منها:
1- كشفت عن نسبة بعض كتب المقاتل إلي غيرمصنِّفيها أومؤلِّفيها، كمقتل الإمام الحسين(عليه السلام) المنسوب لأبي مخنف، ونور العين في مشهد الحسين(عليه السلام) المنسوب للأسفراييني، وقد أُثبِت ذلك بالأدلَّة والقرائن العلمية والتاريخية.
2- كما بيَّن موضوع هذه الأطروحة أنَّ كتب المقاتل لها منهج ومحور خاصٌّ كبقية الإختصاصات والتقسيمات من قبيل كتب الطبقات و التراجم، وكتب التاريخ المحلي وغيرها.
ص: 505
3- سلَّطتْ هذه الدراسة الأضواء علي العديد من أسماء كتب المقاتل الحسينية المفقودة، وبحثت عن مروياتها المتناثرة في بطون المصنَّفات التاريخية، وجمعتْها بعد مناقشة رواياتها التي تتطلَّب التحقيق والتحليل.
4- اتضح لنا أنَّ المقاتل - ومن خلال استعراض مؤلِّفي كتب المقاتل الحسينية المفقودة أو التي وصلت إلينا - لم تقتصر علي مؤلِّفي الشيعة الإمامية فقط، بل شملت مجمل مؤلِّفي المذاهب والطوائف الاسلامية الأخري.
ملخص الاطروحة
5- لا يوجد قرن من القرون - بحدود المدة الزمنية للأطروحة، أي حتي القرن السابع الهجري - إلا وألَّفَ المؤرِّخون كتابا عن المقتل الحسيني، وهذا يدلُّ علي عدم توقُّف عجلة التأليف والإبداع والتصنيف في حادثة المقتل الحسيني؛ لأنَّها تسري في وجدان المجتمع وتتفاعل معه.
6- اختلفتْ أحجام كتب المقاتل - وذلك يعود لثقافة وعصر المؤلِّف، وطبيعة الظرف الذي دفعه للتأليف - فهناك الصغيرة؛ كالتسمية فيمن قُتل مع الإمام الحسين(عليه السلام) لفضيل الرسان، وهناك المتوسطة الحجم كاللهوف لابن طاووس، ومثير الأحزان لابن نما، وهناك الكبيرة كمقتل الخوارزمي الذي يقع في جزئين.
7- لكلِّ مؤرِّخ من مؤلِّفي كتب المقاتل منهجٌ وأسلوبٌ خاصٌّ في مصنَّفه في عرضه للمادة التاريخية الخاصة بالمقتل وحيثياته ومقدِّماته.
8- مناقشة وتحليل العديد من الروايات والأخبار كحادثة الدلِيلَين اللذين استأجرهما مسلم بن عقيل ليدلَّاه علي الطريق إلي الكوفة، وحادثة تجسُّس معقل وكشف مكان مسلم بن عقيل، وخبر ضرب ثنايا الإمام الحسين(عليه السلام) فيمجلس يزيد ابن معاوية وغيرها.
9- أشارت الدراسة بالقرائن والأدلّة التاريخية إلي وجود العديد من العناصر
ص: 506
غير الكوفية التي اشتركت في حرب الإمام الحسين(عليه السلام)، والتي منها الشامية واليمنية والمصرية والحجازية، ولم تكن العناصرالكوفية وحدها مَن شنَّت الحرب وقاتلت الإمام(عليه السلام)، ولكنَّ الإعلام الأموي والعباسي هو مَن بثَّ فكرة أنَّ العناصرالكوفية هي التي قتلتْ الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته الأطهار(عليهم السلام)، وبالتالي فإنَّ شيعته هم الذين قتلوه(عليه السلام).
ص: 507
ص: 508
* القرآن الكريم.
ابن الأبار، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي، (ت658ﻫ/ 1260م).
1- درر السمط في خبر السبط، تحقيق:عز الدين عمر موسي، ط1، دار الغرب الإسلامي، (بيروت -1987 م).
ابن الأثير، عزُّ الدين أبو الحسن علي ابن أبي الكرم محمد بن عبد الكريم (ت: 630ﻫ/1232م).
2- اللباب في تهذيب الأنساب، دار صادر، (بيروت - د.ت).
3- الكامل في التاريخ، دار صادر، (بيروت - 1966م).
ابن الأثير، المبارك بن محمد (ت 606ﻫ/1209م).
4- النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، محمود محمد الطناحي، ط4، (قم المقدسة - 1364 ش).
ابن الأحمر، إسماعيل بن يوسف أبو الوليد، (ت 807ﻫ/1404م).
5- مستودع العلامة و مستبدع العلامة، تحقيق محمد التركي التونسي ومحمد بن تاويت التطواني، جامعة محمد الخامس، (د.ت).
ابن إدريس الحلي، أبو عبد الله محمد بن إدريس، (ت598ﻫ/1202م).6- السرائر، تحقيق: لجنة التحقيق، ط2، مؤسسة النشر الإسلامي، (قم المقدسة -1989م).
ص: 509
الإدريسي، أبو عبد الله محمد، (ت560ﻫ/1165م).
7- نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، عالم الكتب، (بيروت -1989م).
الأردبيلي، أحمد (ت 993ﻫ/1603م).
8- مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، تحقيق: الحاج آغا مجتبي العراقي، الشيخ علي پناه الاشتهاردي، الحاج آغا حسين اليزدي الأصفهاني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
الأسفراييني، إبراهيم بن محمد (ت 418ﻫ/1027م).
9- نور العين في مشهد الحسين، مطبعة المنار، (تونس – د ت).
الأشعري، أبو الحسن علي بن إسماعيل (ت 324 ﻫ/935 م).
10. مقالات الإسلاميين واختلاف المصلِّين، تح: هلموت ريتر، ط3، دار إحياء التراث العربي، (بيروت – د ت).
الأصفهاني، أبو الفرج علي بن الحسين (ت 356 ﻫ/966 م).
11- الأغاني، دار إحياء التراث العربي، (د.ت).
12- مقاتل الطالبيين، تحقيق: كاظم المظفر، ط2، المكتبة الحيدرية، (النجف - 1974م).
ابن أعثم، أبو محمد احمد بن أعثم الكوفي (توفي بعد350ﻫ/926م).
13- الفتوح، تحقيق: علي شيري، دار الاضواء، (بيروت: 1991م).
ابن بابويه، منتجب الدين (ت585ﻫ/1187م).
14- الفهرست، تحقيق: سيد جلال الدين محدث الأرموي، (قم المقدسة - 1366 ش).الباجي، سليمان بن خلف بن سعد (ت 474ﻫ/1081 م).
15- التعديل والتجريح لمن خرج عنه البخاري في الجامع الصحيح، تحقيق: أحمد البزار.
ص: 510
الباعوني الشافعي، شمس الدين أبو البركات محمد بن احمد (ت 87ﻫ/ 1466م).
16- جواهر المطالب في مناقب علي بن أبي طالب(عليه السلام)، تحقيق: محمد باقر المحمودي، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، (قم المقدسة -1994م).
البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل (ت 256 ﻫ/869 م).
17- التاريخ الصغير، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، ط1، (بيروت - 1985م).
18- التاريخ الكبير، ط1، جمعية دائرة المعارف العثمانية، (حيدر اباد دكن - 1361 ﻫ).
19- الضعفاء الصغير، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، ط1، (بيروت - 1986م).
البرقي، ابو جعفر أحمد بن أبي عبد الله (ت 274ﻫ/884م).
20- الرجال، (طهران - د.ت).
البري، محمد بن أبي بكر التاهساني (توفي في القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي) -21- الجوهرة في نسب الإمام علي وآله، تحقيق، محمد التونجي، مكتبة النوري، (دمشق - د.ت).
ابن البطريق، شمس الدين يحيي بن الحسن الأسدي (ت 600 ﻫ/1203 م).
22- عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار، مؤسسة النشر الاسلامي، (قم المقدسة - 1986م).
البغدادي، عبد القادر بن عمر (ت 1090ﻫ/1693م).23- خزانة الأدب ولبُّ لباب لسان العرب، تحقيق: محمد نبيل طريفي/إميل بديع اليعقوب، ط1، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1998م).
البلاذري، أحمد بن يحيي بن جابر (ت 279 ﻫ/892م).
24- أنساب الأشراف، تحقيق: محمد حميد الله، دار المعارف بمصر، (د.ت).
ص: 511
البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين (ت 458ﻫ/1060م).
25- دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، تعليق: عبد المعطي قلعجي، ط1 دار الكتب العلمية، (بيروت - 1985م).
ابن تغري بردي، جمال الدين أبو المحاسن يوسف (ت874ﻫ/1469م).
26- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، (المؤسسة المصرية العامة، للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، د.ت).
التنوخي، علي المحسن بن علي (ت 384ﻫ/986م).
27- الفرج بعد الشدة، ط2، (قم المقدسة -1364ش).
28- المستجاد من فعلات الأجواد، تحقيق: محمد كرد علي، 1970م.
التفتازاني، أسعد الدين (ت792ﻫ/1410م).
29- مختصر المعاني، ط1، (قم المقدسة -1411ﻫ).
ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية (ت 728ﻫ/1338م).
30- رأس الحسين(عليه السلام)، تحقيق: السيد الجميلي، ط1، (بيروت -1985م).
الثقفي، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد (ت283ﻫ/896م).
31- الغارات، تحقيق: جلال الدين المحدث، مطبعة بهمن، (قم: د.ت).
الجاحظ، عمرو بن بحر بن محبوب (ت 255ﻫ/868 م).32- البيان والتبيين، ط1، المكتبة التجارية الكبري، (القاهرة -1926 م).
33- العثمانية، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الكتاب العربي، (القاهرة - د.ت).
الجرجاني، أحمد بن عدي (ت 365 ﻫ/975 م).
34- الكامل في ضعفاء الرجال، تحقيق: يحيي مختار غزاوي ط3، دار الفكر، (بيروت -1988م).
ص: 512
ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي بن محمد (ت 597 ﻫ/1200م).
35- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، تحقيق: مصطفي عبد القادر عطا، ط1، دار الكتب العلمية، (بيروت – 1991م).
36- الموضوعات، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، ط1، (المدينة المنورة -1966م).
الجوهري، إسماعيل بن حماد (ت393 ﻫ/995م).
37- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية تحقيق: أحمد عبد الغفور العطار، ط4، دار العلم للملايين (بيروت -1987م).
الجوهري، أبو بكر أحمد بن عبد العزيز (ت 323ﻫ/925م).
38- السقيفة وفدك، تحقيق: محمد هادي الأميني، ط2، (بيروت -1993م).
أبو حاتم الرازي، عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر (ت327ﻫ/929م).
39- الجرح والتعديل، ط1، دار إحياء التراث العربي، (بيروت -1952م).
ابن حبان، محمد بن أحمد بن أبي حاتم البستي (ت 354ﻫ/965م).40- الثقات، ط1، مجلس دائرة المعارف العثمانية، (الهند -1313ﻫ).
41- المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، (د.ت).
42- مشاهير علماء الأمصار أعلام فقهاء الأقطار، تحقيق: مرزوق علي إبراهيم، ط1، دار الوفاء، 1990م.
الحاكم النيسابوري، أبو عبد الله محمد بن عبد الله (ت405 ﻫ/1014م).
43- المستدرك علي الصحيحين، تحقيق: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، (بيروت - د.ت).
ص: 513
ابن حبيب البغدادي، محمد (ت 245ﻫ/847م).
44- المحبر، مطبعة الدائرة، (د.ت).
ابن حجر، شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر، (ت852ﻫ/1448م).
45- الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، وعلي محمد معوض، ط1، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1994م).
46- تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة، دار الكتاب العربي (بيروت - د.ت)
47- تهذيب التهذيب، ط1، دار الفكر للطباعة (بيروت -1984م).
48- تقريب التهذيب، دراسة وتحقيق: مصطفي عبد القادر عطا، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1995 م، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت.
49- لسان الميزان، ط2، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، (بيروت -1971م).
الحلي، ابن داود (ت707ﻫ/1307م).
50- رجال ابن داود، المطبعة الحيدرية، (النجف الاشرف -1972م).ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله (ت 656ﻫ/1258م).
51- شرح نهج البلاغة للإمام علي(عليه السلام)، تحقيق: نخبة من الأفاضل، ط1، (قم المقدسة -1362ش).
ابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد (ت: 456ﻫ/1063م).
52- جمهرة أنساب العرب، تحقيق: لجنة من العلماء، ط1، (بيروت -1983م).
ابن حمدون، محمّد بن الحسن بن محمّد بن علي (ت 562ﻫ/1165م).
53- التذكرة الحمدونية، تحقيق: إحسان عبّاس و بكر عبّاس، ط1، (بيروت -1996م).
ص: 514
ابن حمزة، عماد الدين أبو جعفر محمد بن علي (ت 560ﻫ/1162م).
54- الثاقب في المناقب، تحقيق: الأستاذ نبيل رضا علوان، ط2، (قم المقدسة -1991م).
الحميري القمي، أبو العباس عبد الله بن جعفر الحميري (متوفي في القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي).
55- قرب الإسناد، تحقيق: مؤسسة آل البيت(عليه السلام) لإحياء التراث، ط1، (قم المقدسة -1413ﻫ/1993م).
الحميري، محمد بن عبد المنعم (ت: 911ﻫ/1505م).
56- الروض المعطار في خبر الأقطار، تحقيق: إحسان عباس، ط3 (بيروت 1984 م).
الحنبلي، أبو الفلاح عبد الحي بن العماد (ت 1089ﻫ/1678م).57- شذرات الذهب في أخبار من ذهب، دار إحياء التراث العربي - (بيروت، د.ت).
ابن خرداذبة، أبو القاسم عبيد الله (ت300ﻫ/912م).
58- المسالك والممالك (ليدن، يريل، 1889).
الخزاز القمي، أبو القاسم علي بن محمد بن علي (متوفي في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي).
59- كفاية الأثر في النصِّ علي الأئمة الاثني عشر، تحقيق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي، (قم المقدسة -1401ﻫ).
ابن الخشاب البغدادي، أبو محمد عبد الله بن النصر (ت 567ﻫ/1169م).
60- تاريخ مواليد الأئمة (المجموعة)، (قم المقدسة/1985م).
ص: 515
الخصيبي، الحسين بن حمدان (334ﻫ/936م).
61- الهداية الكبري، مؤسسة البلاغ، ط4 (بيروت – 1991م).
الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي (ت463ﻫ/1070م).
62- تاريخ بغداد، تحقيق: مصطفي عبد القادر عطا، ط1 (بيروت - 1997م).
63- الكفاية في علم الدراية، تحقيق: أحمد عمر هاشم، ط1، الطبعة: الأولي، سنة الطبع: 1405 - (بيروت - 1985 م).
ابن خلدون، عبد الرحمن (ت 808ﻫ/1410م).
64- العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، دار احياء التراث العربي، (بيروت - د.ت)
ابن خلكان، شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر (ت 681ﻫ/1282م).
65- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: إحسان عباس، دار الثقافة، (بيروت - د ت).
ابن خليل، محمد بن عبد الله بن خليل، (توفي بعد سنة 685ﻫ/1286م).
66- اختصار القدح المعلي في التاريخ المحلي، تحقيق إبراهيم الأبياري، اختصره محمد بن عبد الله بن خليل،د0ط، دار الكتاب اللبناني، (بيروت، د.ت).
الخوارزمي، أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكي، (ت: 568ﻫ/1172م).
67- مقتل الحسين(عليه السلام)، تحقيق: محمد السماوي، انتشارات أنوار الهدي، ط5، (قم - 2010م).
ابن خياط، أبو عمرو خليفة بن خياط العصفري، (ت: 240ﻫ/854م).
68- تاريخ خليفة بن خياط، تحقيق: سهيل زكار، دار الفكرللطباعة والنشر والتوزيع، (بيروت - 1993 م).
69- طبقات، تحقيق: سهيل زكار، دار الفكر، (بيروت 1414 - 1993 م).
ص: 516
الدارقطني، علي بن عمر، (ت 385ﻫ/995م).
70- سنن الدارقطني، تحقيق: مجدي بن منصور سيد الشوري، ط1، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1996م).
الدميري، كمال الدين (ت 808ﻫ/1411م)
71- حياة الحيوان الكبري، ط2، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1424ﻫ/2003م).
ابن أبي الدنيا، عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان (ت281ﻫ/883م).
72- الهواتف، تحقيق: مصطفي عبد القادر عطا، ط1، (بيروت - 1413ﻫ/ 1992م).
الدينوري، أحمد بن داود، (ت 282ﻫ/895م).
73- الأخبار الطوال، تحقيق عبد المنعم عامر، مراجعة جمال الدين الشيال، ط1، دار أحياء التراث العربي، (القاهرة، 1960م).
الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 ﻫ/1347م).
74- تاريخ الإسلام، تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري، ط1، دار الكتاب العربي (بيروت - 1987م).
75- سير أعلام النبلاء، تح: شعيب الارنؤوط وآخر، ط9، مؤسسة الرسالة، (بيروت – 1993م).
76- الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة، ط1، دار القبلة الثقافية الإسلامية، (جدة – 1992).
77- المختصر المحتاج من تاريخ ابن الدبيثي، دراسة وتحقيق: مصطفي عبد القادر عطا، ط1، (بيروت - 1997م).
78- المغني في الضعفاء، تحقيق: أبي الزهراء حازم القاضي ط1، دار الكتب
ص: 517
العلمية، (بيروت - 1997م).
79- ميزان الإعتدال في نقد الرجال، تحقيق: علي محمد البجاوي، الطبعة: الأولي، سنة الطبع: 1382 - 1963 م، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر - (بيروت - 1963م).
الرسان، فضيل بن الزبير بن عمر بن درهم (توفي في القرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي).
80- تسمية من قُتل مع الحسين بن علي(عليه السلام) من ولده وأخوته وأهل بيته وشيعته، تحقيق: محمد رضا الحسيني الجلالي، مجلة تراثنا، س1، ع2، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، 1406ﻫ/1986م.
ابن رشيد، أبو عبد الله محمد بن عمر بن رشيد الفهري، (ت721ﻫ/1347م).
81- ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة في الوجهة الوجيهة، تقديم وتحقيق محمد الحبيب بن الخوجة، دار الغرب الإسلامي، (بيروت، 1988م).
ابن الزبعري، عبد الله بن الزبعري بن قيس (ت15ﻫ/618م).
82- ديوان، تحقيق: يحيي الجبوري، مؤسسة الرسالة، (بيروت - د.ت).
الزبيدي، محمد مرتضي الحسيني (1205ﻫ/1807م).
83- تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: علي شيري، دار الفكر
(بيروت - 1994م).
الَزبِير، عبد الله بن الأشيم (ت 75ﻫ/678م).
84- ديوان، جمع وتحقيق: يحيي الجبوري، دار الحرية للطباعة (بغداد - 1975م).
الزبيري، مصعب بن عبد الله (ت: 236ﻫ/850م).
85- نسب قريش، تحقيق: ليفي بروفنسال، دار المعارف، (القاهرة - د.ت).
ص: 518
زكريا، أبو الحسين أحمد فارس (ت395ﻫ/1004م).
86- معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الاعلام الإسلامي 1983م.
الزمخشري، محمد بن عمر (ت 538ﻫ/1143م).87- ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، تحقيق: عبد الأمير مهنا، ط1، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، (بيروت - 1992م).
88- أساس البلاغة، دار ومطابع الشعب (القاهرة - 1960م).
سبط بن الجوزي، يوسف بن عبد الله البغدادي (ت654ﻫ/1256م).
89- تذكرة الخواص، تقديم: محمد صادق بحر العلوم، (طهران. د.ت).
السبكي، تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن علي، (ت771ﻫ/1369م).
90- طبقات الشافعية الكبري، تحقيق محمود محمد الطناحي و عبد الفتاح محمد الحلو، دار أحياء الكتاب العربي، (د.ت).
السخاوي، شمس الدين (ت 902 ﻫ/1496م).
91- التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة، ط1، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1993).
ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع البصري، (ت: 230ﻫ/844م).
92- الطبقات الكبري، دار صادر (بيروت - 1957م).
93- ترجمة الإمام الحسين(عليه السلام)، تحقيق، عبد العزيز الطباطبائي، مؤسسة آل البيت قم -، 1993م).
ابن سعيد، علي بن موسي بن محمد بن عبد الملك، (ت685ﻫ/1286م).
94- رايات المبرزين وغايات المميزين، تحقيق وتعليق محمد رضوان الداية، ط1، دار طلاس، 1987م.
ص: 519
السيد الحميري، إسماعيل بن محمد بن يزيد (ت173ﻫ/776م).
95- ديوان، شرحه وضبطه وقدَّم له: ضياء حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي، (بيروت - 1999م).
ابن سلام، لأبي عبيد القاسم (ت224ﻫ/838م).
96- غريب الحديث، تحقيق: محمد عبد المعيد خان، ط1، دار الكتاب العربي، بيروت.
السمعاني، ابو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي (ت 562ﻫ/1165م).
97- الأنساب، تقديم وتعليق: عبد الله عمر البارودي، ط1، (بيروت - 1988م).
السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911ﻫ/1505م).
98- تاريخ الخلفاء، تحقيق: لجنة من الأدباء، مطابع معتوق اخوان - (بيروت - د.ت).
99- طبقات المفسرين، راجع النسخة وضبط أعلامها: لجنة من العلماء بإشراف الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت.
100- المحاضرات والمحاورات، تحقيق: يحيي الجبوري، الطبعة: الأولي، سنة الطبع 2003 م، الناشر: دار الغرب الإسلامي.
101- لب اللباب في تحرير الأنساب، د ط، مط: دار صادر، (بيروت - د.ت).
الشريف الرضي، (ت 406ﻫ/1009م).
102- حقائق التأويل في متشابه التنزيل، تحقيق: محمد رضا آل كاشف الغطاء، دار المهاجر، بيروت.
ص: 520
ابن شهر آشوب، أبو جعفر محمد بن علي (ت: 588ﻫ/1192م).
103- معالم العلماء، (قم - د.ت).
104- مناقب آل أبي طالب، قيق: تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، سنة الطبع: 1376 - 1956 م، المطبعة: الحيدرية - النجف الأشرف.
الشهرستاني، محمد بن عبد الكريم (ت 548ﻫ/1153م).
105- الملل والنحل، تحقيق: محمد سيد كيلاني، المطبعة: دار المعرفة، الناشر: دار المعرفة - بيروت – لبنان.
الشهيد الثاني، زين الدين بن علي بن أحمد الجبعي العاملي (ت 965ﻫ/ 1575م).
106- الرعاية في علم الدراية، تحقيق: عبد الحسين محمد علي بقال، ط2، (قم المقدسة - 1408ﻫ).
الصاحب بن عباد، إسماعيل بن عباد بن العباس (ت385ﻫ/989م).
107- ديوان، تحقيق: محمد حسن آل ياسين، ط1، دار القلم (بيروت - د.ت).
ابن الصباغ المالكي، علي بن محمد بن أحمد المالكي (ت 855ﻫ/1457م).
108- الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة، تحقيق: سامي الغريري، ط1، (ايران - 1422ﻫ).
الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت381 ﻫ/983م).
109- الأمالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية، ط1، مؤسسة البعثة – (قم المقدسة - 1417ﻫ).
110- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، تحقيق: محمد مهدي السيد حسن الخرسان، ط2، (قم المقدسة - 1368 ش).
ص: 521
111- الخصال، تحقيق: علي أكبر الغفاري، (قم المقدسة - 1403ﻫ/1982م).
112- علل الشرائع، تحقيق: محمد صادق بحر العلوم، المكتبة الحيدرية، (النجف الأشرف - 1966 م).
113- عيون أخبار الرضا(عليه السلام)، تحقيق: حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي، (بيروت - 1984م).
114- الهداية، تحقيق: مؤسسة الإمام الهادي(عليه السلام)، ط4، (قم المقدسة - 1418ﻫ/1987م).
الصفار، أبو جعفر محمد بن الحسن بن فروخ (ت 290ﻫ/903م).
115- بصائر الدرجات الكبري في فضائل آل محمد(عليهم السلام)، تصحيح وتعليق وتقديم: الحاج ميرزا حسن كوچه باغي، (طهران - 1404ﻫ).
الصولي، محمد بن يحيي (ت 335ﻫ/937م).
116- كتاب الأوراق، تحقيق: ج. هيورث. دن، (القاهرة - 2004م).
الصفدي، صلاح الدين خليل بن ايبك (ت 764ﻫ/1362م).
117-الوافي بالوفيات، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفي (بيروت - 1420 - 2000م).
ابن طاووس، رضي الدين علي بن موسي (ت 664ﻫ/1265م).
118- الإقبال بالأعمال الحسنة، مكتب الأعمال الاسلامي، (قم: د.ت).
119- سعد السعود، د.ط، منشورات الرضي، (قم، 1363ﻫ).
120- الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، ط1، (قم، 1393ﻫ).
121- فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم، منشورات الرضي، (قم - 1363ش).
122- كشف المحجة لثمرة المهجة، د0ط،المطبعة الحيدرية، (النجف، 1950م).
ص: 522
123- اليقين، تحقيق: الأنصاري، دار الكتاب الجزائري، مؤسسة الثقلين.124- اللهوف علي قتلي الطفوف، ط1، (قم المقدسة 1417ﻫ/1996م).
125- مهج الدعوات ومنهج العبادات، (د.ت).
ابن طاووس، السيد عبد الكريم بن طاووس الحسني، (ت693ﻫ/1298م).
126- فرحة الغري في تعيين قبر أميرالمؤمنين علي، تحقيق تحسين آل شبيب الموسوي، ط1، مركز الغدير، (د.م، 1998م).
الطبراني، سليمان بن أحمد (ت 360ﻫ/962م).
127- الأوائل، تحقيق: محمد شكور بن محمود الحاجي أمرير، ط1، (بيروت - 1403ﻫ).
128- المعجم الكبير، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، ط2، (بيروت - د.ت).
الطبرسي، أبو علي، الفضل بن الحسن (ت 548ﻫ/1053م).
129- إعلام الوري بأعلام الهدي، تحقيق: مؤسسة آل البيت، (د.ت).
الطبرسي: أبو منصور، أحمد بن علي (توفي في القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي).
130- الإحتجاج، النجف (د.ت).
الطبري، أبو جعفر جرير بن رستم الطبري (الشيعي) (توفي في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي).
131- دلائل الإمامة، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية، ط1، - مؤسسة البعثة - (قم - 1413ﻫ/1992م).
132- نوادر المعجزات في مناقب الأئمة الهداة، تحقيق (مؤسسة الإمام المهدي(عج))، (قم المقدسة - 1410ﻫ/1989م).
ص: 523
الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير (ت310ﻫ/922م).
133- تاريخ الرسل والملوك، تحقيق (نخبة من العلماء) مؤسسة الاعلمي، (بيروت - 1983).
134- جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تحقيق: الشيخ خليل الميس/ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطا، (بيروت - 1995م).
الطبري، محب الدين أحمد بن عبد الله (ت694ﻫ/1294م).
135- ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربي، مكتبة القدس، (القاهرة - 1356ﻫ).
الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي (ت 460ﻫ/1067م).
136- اختيار معرفة الرجال، تحقيق: ميرداماد وآخرين، مؤسسة آل البيت(عليهم السلام)، (قم: 1404ﻫ).
137- الأمالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة، ط1، (قم المقدسة - 1414ﻫ).
138- الفهرست، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، ط1، (قم المقدسة - 1417ﻫ/1997م).
الطريحي، فخر الدين النجفي، (ت 1085ﻫ/1674م).
139- المنتخب، منشورات مكتبة الشريف (قم - 1423ﻫ/2003م).
ابن طيفور، احمد بن أبي طاهر (ت 280ﻫ/893م).
140- بلاغات النساء، مكتبة بصيرتي، (قم المقدسة - د.ت).
ابن عبد ربه، أبو عمر أحمد بن محمد (ت 328ﻫ/939م).
141- العقد الفريد، تحقيق: عبد المجيد الترحيني، ط1، دار الكتب العلمية، (بيروت - 1983م).
ص: 524
عبد الرحمن الدمشقي، زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بنشهاب الدين (ت 795ﻫ/1410م).
142- الذيل علي طبقات الحنابلة، دار المعرفة، (بيروت - د.ت).
ابن العبري، غريغوريوس الملطي (ت 685ﻫ/1287م).
143- تاريخ مختصر الدول، دار الميسرة، (بيروت - د.ت).
144- الكشف الحثيث عمَّن رُمي بوضع الحديث، تحقيق: صبحي السامرائي، ط1، عالم الكتب، (بيروت - 1987م).
العجلي، أحمد بن عبد الله بن صالح أبو الحسن الكوفي (ت261ﻫ/874م).
145- معرفة الثقات، ط1، تحقيق:عبد العليم عبد العظيم البستوي، مكتبة الدار (المدينة المنورة - 1405ﻫ/1985م).
أبو العرب، محمد بن أحمد بن تميم التميمي (ت 333ﻫ/935م).
146- المحن، تحقيق يحيي وهيب الجبوري، ط3، (بيروت - 2006م).
ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسين بن هبة الله (ت 571 ﻫ/1175م).
147- تاريخ مدينة دمشق، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، (بيروت - 1415 ﻫ/1994م).
148- ترجمة الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق، تحقيق محمد باقر المحمودي، ط1،مؤسسة المحمودي، (بيروت، 1980م).
ابن عقيل، بهاء الدين عبد الله بن عقيل (ت 769ه- 1371م)
149- شرح ابن عقيل علي ألفية ابن مالك، ط14، (القاهرة - 1964م).
العقيلي، أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسي بن حماد، (ت322ﻫ/933م).
150- كتاب الضعفاء الكبير، تحقيق عبد المعطي أمين قلعجي، ط2، دار الكتب العلمية، (بيروت، 1418ﻫ/1998م).
ص: 525
العمري، أبو الحسن نجم الدين علي بن محمد العلوي (توفي في القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي).
151- المجدي في أنساب الطالبين، تح: احمد المهداوي الدامغاني، ط1، مط: سيد الشهداء، (قم – 1409 ﻫ/1989م).
ابن العديم، كمال الدين عمر بن أحمد بن أبي جرارة (ت 660ﻫ/1261م).
152- بغية الطلب في تاريخ حلب، تحقيق: سهيل زكار، مؤسسة البلاغ، (بيروت - 1988).
ابن عنبة، جمال الدين أحمد بن علي الحسيني (ت 828ﻫ/1424م).
153- عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، تحقيق: محمد حسين آل الطالقاني، ط3، (النجف – 1380ﻫ/1960م).
العلامة الحلي، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي (ت726ﻫ/1329م).
154- خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، تحقيق: جواد القيومي، ط1، 1417ﻫ.
العيني، بدر الدين محمود (ت 855 ه/1451 م).
155- عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان، تحقيق: محمد محمد أمين، (القاهرة - 1987م).
الغبريني، أبو العباس أحمد بن أحمد بن عبد الله، (ت714ﻫ/1323م).
156- عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية، تحقيق عادل نويهض، ط2، منشورات دار الآفاق الجديدة، (بيروت، 1979م).
ابن الغضائري، أحمد بن الحسين (ت 450ﻫ/1058م).
157- رجال ابن الغضائري، ط2، مط: مؤسسة إسماعيليان، (قم -1364ﻫ).
ص: 526
الفارسي، أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل (ت 529ﻫ/1131م).
158- تاريخ نيسابور (المنتخب من السياق)، (1403ه- - 1362 ش/1983م).
الفتال النيسابوري، محمد بن الفتال (ت508ﻫ/1114م).
159- روضة الواعظين، تقديم: محمد مهدي - حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضي (قم المقدسة - د.ت).
الفراهيدي، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد (ت175ﻫ/791م).
160- العين، ط2، تحقيق (مهدي المخزومي - إبراهيم السامرائي)، مطبعة صدر، (مؤسسة الهجرة - 1409ﻫ/1989م).
الفرزدق، همام بم غالب (ت 114ﻫ/718م).
161- ديوان الفرزدق، شرحه وضبطه: علي فاعور، ط1، دار الكتب العلمية (بيروت - 1987).
ابن الفقيه، أبو بكر أحمد بن محمد الهمداني (ت نحو 340ﻫ/951م).
162- مختصر كتاب البلدان، تحقيق: يوسف الهادي، ط1، عالم الكتب، (بيروت - 1996م).
الفيروز آبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب الشيرازي (ت817ﻫ/1414م).
163- القاموس المحيط والقابوس الوسيط في اللغة. (د.ت).القاضي النعمان، أبو حنيفة النعمان محمد بن تميم المغربي، (ت363ﻫ/973م).
164- شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، تحقيق: محمد الحسيني الجلالي،ط2، مؤسسة النشر الإسلامي، (قم، 1414ﻫ/1994م).
ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم، (ت276ﻫ/889م).
165- الإمامة والسياسة، تحقيق محمد الزيني، د0ط، مؤسسة الحلبي، (د.ت).
ص: 527
166- المعارف، تحقيق ثروت عكاشة، ط2، دار المعارف، (القاهرة،1969م).
القضاعي، محمد بن سلامة بن جعفر (ت 454ﻫ/1056م).
167- عيون المعارف وفنون أخبار الخلائف - المعروف بتاريخ القضاعي، تحقيق: جميل عبد الله المصري، 1995 م.
القفطي، جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف، (ت624ﻫ/1266م).
168- إنباه الرواة علي أنباه النحاة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم،ط1،المكتبة العصرية، (بيروت - 2004م).
القلقشندي، أحمد بن عبد الله (ت: 821ﻫ/1418م).
169- صبح الأعشي في صناعة الإنشا، تحقيق: محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية، (بيروت - د.ت).
170- مآثر الأنافة في معالم الخلافة، تحقيق: عبد الستار أحمد فراج، سلسلة التراث العربي، (الكويت - 1964).
ابن قنفذ القسنطيني، أبو العباس أحمد بن علي الخطيب، (ت810ﻫ/1407م).
171- الفارسية في مبادئ الدولة الحفصية، تحقيق محمد الشاذلي وعبد المجيدالتركي، د.ط، الدار التونسية للنشر، (تونس، 1968م).
172- كتاب الوفيات، تحقيق عادل نويهض، ط4،دار الآفاق الجديدة، (بيروت، 1987م).
ابن قولويه، أبو القاسم، جعفر بن محمد (ت 368ﻫ/978م).
173- كامل الزيارات، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، ط1، (قم المقدسة - 1417ﻫ/1997م).
القيرواني، أبو إسحاق إبراهيم بن علي الحصري، (ت453ﻫ/1062م).
174- زهر الآداب وثمر الألباب، حقَّقه وزاد في تفصيله وضبطه وشرحه محمد
ص: 528
محي الدين عبد الحميد، ط4،مكتبة المحتسب، (عمان، 1972م).
الكاتب البغدادي، محمد بن أحمد بن عبد الله (ت 322ﻫ/924م)
175- تاريخ الأئمة (المجموعة)، (ايران - 1406ﻫ).
الكتبي، صلاح الدين محمد (ت764ﻫ/1362م).
176- فوات الوفيات، تحقيق: علي محمد بن يعوض الله/عادل أحمد عبد الموجود، ط1، (بيروت - 2000م).
الكاشفي، حسين بن علي (ت 910ﻫ/1512م).
177- روضة الشهداء، تحقيق: محمد شعاع فاخر، ط1، (ايران - 1388ش).
ابن كثير، أبو الفدا إسماعيل بن عمر (ت 774ﻫ/1372م).
178- البداية والنهاية، تحقيق: علي شيري، ط1، دار إحياء التراث العربي (بيروت - 1988 م).
ابن الكلبي، أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب (ت 204ﻫ/819م).179- جمهرة النسب، تحقيق: محمود فردوس العظم، ط2، دار اليقظة العربية، (دمشق - د.ت).
180- نسب معدّ واليمن الكبير، تحقيق: ناجي حسن، ط1، (بيروت - 1988م).
الكليني، محمد بن يعقوب الرازي (ت 329ﻫ/940م).
181- الكافي، تحقيق: علي أكبر غفاري، ط5، دار الكتب الاسلامية، (طهران 1363ش).
الكناني، علي بن محمد بن عراق (ت 963ﻫ/1565م).
182- تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة، تحقيق: عبد الله بن الصديق الغماري - عبد الوهاب عبد اللطيف، ط1، (القاهرة - د.ت)
ص: 529
ابن ماكولا، علي بن هبة الله (ت 475ﻫ/1082م).
183- الإكمال في رفع الإرتياب عن المؤتلِف والمختَلِف في الأسماء والكني والأنساب، دار احياء التراث العربي، (د.ت).
أبو مخنف، لوط بن يحيي بن سعد بن مسلم الأزدي الغامدي (ت157ﻫ/ 773م).
184- مقتل الحسين، تحقيق، ميرزا حسن الغفاري (قم، المطبعة العلمية، 1398ﻫ/1978م).
185- مقتل الحسين(عليه السلام) ومصرع أهل بيته وأصحابه في كربلاء، دار الزهراء، ط1، (ايران - 1428ﻫ/2008م).
186- مقتل الحسين(عليه السلام) ومصرع أهل بيته وأصحابه في كربلاء، ط2، مكتبة الألفين، (الكويت - 1987م).
ابن المرابط، أبو العلاء محمد بن علي المرادي، (ت663ﻫ/1261م).187- زواهر الفكر وجواهر الفقر، دراسة وتحقيق أحمد المصباحي،د.ط، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، (المغرب،د.ت).
المراكشي، أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الملك، (ت703ﻫ/1303م).
188- الذيل والتكملة لكتاب الموصول والصلة، تحقيق محمد بن شريفة وإحسان عباس، ط1،دار الثقافة، (بيروت، 1973م).
المرزباني، أبو عبد الله محمد بن عمران (ت 384ﻫ/987م).
189- مختصر أخبار شعراء الشيعة، تقديم وتحقيق وتعليق: محمد هادي الأميني، ط2، (بيروت - 1993م).
المزي جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن زكي (ت 742ﻫ/1341م).
190- تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة
ص: 530
الرسالة، (بيروت - د.ت).
المسعودي، أبو الحسن، علي بن الحسين بن علي (ت 346ﻫ/957م).
191- مروج الذهب ومعادن الجوهر، ط3، دار الهجرة، (ايران - 1404ه- - 1363 ش - 1984م).
192- إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، اعتني بنشره: مسلم حميد الدجيلي، ط1، (لبنان - 2009م).
مسكويه، أبو علي أحمد بن محمد الرازي، (ت421ﻫ/10031م).
193- تجارب الأمم، تحقيق أبو القاسم إمامي، ط2، دار سروش، 2001م.
المشهدي، محمد بن جعفر (توفي في القرن السادسالهجري/الثاني عشر الميلادي).
194- المزار، تحقيق: جواد القيومي، ط1، (قم - 1419ﻫ/1999م).
المشغري العاملي، جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي (متوفي في القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي).
195- الدرُّ النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم، مؤسسة النشر الإسلامية، (قم المقدسة - د.ت).
ابن المعتز، أبو العباس عبد الله بن المعتز بن المتوكل (ت 296ﻫ/908م).
196- ديوان، تحقيق: كرم البستاني، دار صادر (بيروت - د.ت).
المفيد، أبو عبد الله محمد بن النعمان العكبري (ت 413ﻫ/1022م).
197- الإرشاد في معرفة حجج الله علي العباد، تحقيق مؤسسة آل البيت لتحقيق التراث، ط2، دار المفيد، (بيروت، 1993م).
198- الأمالي،تحقيق حسين الإستاد ولي وعلي أكبر الغفاري، ط2،دار المفيد، (بيروت - 1993م).
ص: 531
199- الفصول المختارة، تحقيق:علي مير شريفي، ط2، دار المفيد (بيروت - 1993م).
ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم (ت 711ﻫ/1313م).
200- لسان العرب، (قم المقدسة - 1405ﻫ/1985م).
ابن معين، عثمان بن سعيد (ت 233ﻫ/835م).
201- تاريخ ابن معين، تحقيق: أحمد محمد نور سيف، دار المأمون للتراث (دمشق - د.ت).ابن المغازلي، علي بن محمد بن محمد الواسطي (ت 483ﻫ/1085م).
202- مناقبُ علي بن أبي طالب(عليه السلام)، ط1، (ايران - 1426ﻫ).
المقري، أحمد بن محمد بن أحمد، (ت 1041ﻫ/1631م).
203- نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق إحسان عباس،د.ط، دار صادر، (بيروت، 1988م).
المنقري: نصر بن مزاحم (ت 212ﻫ/827م).
204- وقعة صفين، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، المؤسسة العربية للطبع والنشر، (بيروت – 1382ﻫ/1962م).
ابن ناصر الدين، محمد بن عبد الله القيسي الدمشقي (ت842ﻫ/1452م).
205- توضيح المشتبه، تحقيق: محمد نعيم العرقسوسي، ط2، (بيروت - 1993م).
النجاشي، أبو العباس أحمد بن علي الأسدي (ت 450ﻫ/1058م).
206- رجال النجاشي، ط5، (قم المقدسة - 1416ﻫ/1996م).
ابن النديم، محمد بن إسحاق (ت438ﻫ/1040م).
207- الفهرست، تحقيق: رضا تجدد، (د.ت).
ص: 532
النسائي، أحمد بن علي بن شعيب (ت 303ﻫ/905م).
208- الضعفاء والمتروكين، تحقيق محمود إبراهيم زايد، ط1، (بيروت - 1986م).
ابن نما الحلي، نجم الدين محمد بن جعفر (ت 685ﻫ/1287م).
209- ذوب النضار في شرح الثار، تحقيق: فارس حسون كريم، ط1، (ايران - 1416ﻫ/1996م).210- مثير الأحزان ومنير سبل الأشجان، (النجف الاشرف - 1950م).
النويري، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب (ت 733ﻫ/1332م).
211- نهاية الارب في فنون الأدب، مطابع گوستاتسوماس وشركاه
الناشر: وزارة الثقافة والارشاد القومي المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، د.ت.
الهيتمي، أحمد بن حجر (ت 974ﻫ/1576م).
212- الصواعق المحرقة في الردِّ علي أهل البدع والزندقة، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، ط2، (القاهرة - 1965م).
ياقوت الحموي، أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي (ت: 626ﻫ/ 1228م).
213- معجم الأدباء، ط3، دار الفكر، (بيروت - 1979م).
214- معجم البلدان، دار إحياء التراث العربي، (بيروت - 1979م).
اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب (ت 292ﻫ/894م).
215- تاريخ اليعقوبي، دار صادر، (بيروت: د.ت).
ص: 533
أرسلان، شكيب.
216- الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية،دار مكتبة الحياة، (بيروت، د.ت).
الإشتهاري، علي پناه.
217- مدارك العروة، ط1، (طهران - 1417ﻫ).الأمين، حسن.
218- مستدركات أعيان الشيعة، دار التعارف للمطبوعات، (بيروت - 1987م).
الأمين، محسن.
219- أعيان الشيعة، تحقيق: حسن الأمين،: دار التعارف للمطبوعات (بيروت - د.ت).
الأميني، عبد الحسين أحمد النجفي.
220- الغدير في الكتاب والسنة والأدب، عُنِي بنشره: حسن إيراني، ط4، (بيروت –1977م).
الأميني، محمد هادي.
221- معجم المطبوعات النجفية، ط1، (النجف الاشرف - 1966).
البابلي، أبو الفضل حافظيان.
222- رسائل في دراية الحديث، ط1، دار الحديث للطباعة، 1424 - 1382ش/2004م).
بالنثيا، انخل جنثالث.
223- تاريخ الفكر الأندلسي، ترجمة حسين مؤنس، د.ط،مكتبة الثقافة الدينية، (القاهرة، 1955م).
ص: 534
اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق(عليه السلام).
224- موسوعة طبقات الفقهاء، إشراف: جعفر السبحاني، ط1، (قم المقدسة - 1418ﻫ/1998م).
البحراني، عبد الله بن نور.
225- عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار والأقوال، نشر مدرسة الإمام المهدي، (قم: د.ت).
البروجردي، علي.226- طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال، تحقيق: مهدي الرجائي، ط1، (قم المقدسة - 1410ﻫ/1990م).
التبريزي، الميرزا جواد.
227- الأنوار الإلهية في المسائل العقائدية، ط1، دار الصديقة الشهيدة(عليها السلام) (ايران - 1422 ﻫ/2002م).
التبريزي، علي بن موسي بن محمد.
228- مرآة الكتب، تحقيق: محمد علي الحائري، ط1، (قم - 1414ﻫ/1994م).
التستري، محمد تقي.
229- قاموس الرجال، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، ط1، (ايران - 1419 ﻫ/1999م).
ترحيني، محمد أحمد.
230- المؤرِّخون والتاريخ، دار الريف، دار الكتب العلمية، بيروت (د.ت).
التفرشي، مصطفي بن الحسين.
231- نقد الرجال، ط1، (قم المقدسة - 1418ﻫ/1998م).
الجابري، عامر.
ص: 535
232- دفن شهداء واقعة الطف، ط1، دار الضياء، 2013م.
جاسم، عطا سلمان.
233- دراسات في التاريخ والمؤرِّخين المسلمين.
234- العقيدة العسكرية عند العرب والمسلمين، ط1، دار تموز - (سوريا - 2013).
الجلالي، محمد رضا.
235- جهاد الإمام السجاد(عليه السلام) (د.ت).236- فهرس التراث، ط1، (ايران - 1422 - 1380ش/2002م).
الجواهري، محمد.
237- المفيد من معجم رجال الحديث، ط2، (قم المقدسة - 1424ﻫ).
الحائري، جعفر عباس.
238- بلاغة الإمام علي بن الحسين(عليه السلام)، ط1، (قم - 1425ﻫ/2005م).
الحر العاملي، محمد بن الحسن.
239- وسائل الشيعة إلي تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق: مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، (د.ت).
الحزيمي، ناصر.
240- حرق الكتب في التراث العربي، منشورات الجمل، (د.ت).
حسن، حسن إبراهيم.
241- تاريخ عمرو بن العاص، مكتبة مدبولي – (القاهرة - 1996م).
الحسن، عبد الله.
242- ليلة عاشوراء في الحديث، ط1، 1418ﻫ.
ص: 536
الحسناوي، باسم الماضي.
243- الإمام الحسين(عليه السلام) تاريخيا بين القراءة الفلسفية والسرد الإعتباطي عند ابن الأثير، 2012م.
الحمد، عبد الله خلف.
244- الإسناد وأهميته في نقد مرويات التاريخ الاسلامي، (د.ت).
حيدر، أسد.
245- مع الحسين(عليه السلام) في نهضته، ط3، دار التعارف للمطبوعات،(بيروت - 1399ﻫ/1979م).
الخوانساري، محمد باقر.
246- روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات، تحقيق: أسد الله إسماعيليان، (طهران - 1392ﻫ/1972م).
الخوئي، أبو القاسم الموسوي.
247- معجم رجال الحديث، ط5، 1992م.
الدجيلي، عبد الصاحب عمران.
248- أعلام العرب في العلوم والفنون، ط2، (النجف، 1966م).
الدوري، عبد العزيز.
249- نشأة علم التاريخ عند العرب، مركز زايد للتراث والتاريخ، د.ت.
الزركلي، خير الدين.
250- الأعلام، ط5، دار العلم للملايين، (بيروت – 1980).
سزكين، فؤاد.
251- تاريخ التراث العربي، ترجمة: محمد فهمي حجازي وآخرين، (السعودية - 1991م).
ص: 537
آل درويش، عبد الله بن الحاج حسن.
252- المجالس العاشورية في المآتم الحسينية، ط1، (قم المقدسة - 1428ﻫ/2008م).
روزنثَال، فرانز.
253- علم التاريخ عند المسلمين، ترجمة: صالح أحمد العلي، ط2، مؤسسة الرسالة، (بيروت -1993م).
الريشهري، محمد.254- الصحيح من مقتل سيد الشهداء وأصحابه(عليهم السلام)، بمساعدة: محمود الطباطبائي - وروح الله السيد طبائي، تحقيق، مركز بحوث دار الحديث، ط2، (ايران - 1232ق - 1391ش).
255- موسوعة العقائد الإسلاميّة، تحقيق: مركز بحوث دار الحديث، ط1، (قم المقدسة - 1425ﻫ/2005م).
زيدان، جرجي.
256- تاريخ آداب اللغة العربية، مراجعة وتعليق شوقي ضيف، د.ط، دار الهلال، (د.م، د.ت).
سركيس، إليان.
257- معجم المطبوعات العربية، (قم المقدسة - 1410ﻫ/1990م).
الشاكري، حسين.
258- شهداء أهل البيت (عليهم السلام)، قمر بني هاشم، ط1، (ايران - 1420ﻫ/ 2000م).
259- علي في الكتاب والسنة والأدب، تحقيق: فرات الأسدي، ط1، 1418ﻫ.
ص: 538
260- نشوء المذاهب والفرق الإسلامية، ط1، (ايران - 1418ﻫ/1998م).
الشيرازي، الشيخ مهدي الكجوري.
261- الفوائد الرجالية، تحقيق: محمد كاظم رحمان ستايس، ط1، (قم المقدسة - 1424ﻫ).
شرف الدين، عبد الحسين.
262- المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة، تحقيق: محمود بدري، ط1، (قم المقدسة - 1421ﻫ/2001م).
شمس الدين، محمد مهدي.263- أنصار الحسين(عليه السلام)، ط2، الدار الإسلامية (ايران -1401- 198م).
الصدر، حسن.
264- نهاية الدراية، تحقيق: ماجد الغرباوي، المطبعة اعتماد، (د.ت).
الصدر، محمد صادق.
265- أضواء علي ثورة الإمام الحسين(عليه السلام)، تحقيق: كاظم العبادي الناصري، مركز الدراسات التخصصية في فكر السيد الشهيد محمد الصدر، (د.ت).
266- أضواء علي ثورة الإمام الحسين(عليه السلام)، ط1، مؤسسة الكتاب العربي، (ايران - 2006م).
ضاحي، فاضل جابر.
267- أغرب الأخبار في ضياع الحقائق والكتب والآثار، (بغداد - 2006م).
268- محاضرات في منهج البحث التاريخي، ط 5، (دمشق - 2013).
الطائي، نجاح.
269- من وراء المحرقة الكبري لكتب البشرية، ط1، دار الهدي، (ايران - 2009م).
ص: 539
الطباطبائي، عبد العزيز.
270- أهل البيت(عليهم السلام) في المكتبة العربية، ط1، (قم المقدسة - 1417 ﻫ/1997م).
الطباطبائي، علي.
271- رياض المسائل، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي ط1، (قم - 1412ﻫ).
الطناحي، محمود محمد.
272- الموجز في مراجع التراجم والبلدان والمصنفات وتعريفات العلوم،ط1،مكتبة الخانجي، (القاهرة، 1985م).الطهراني، آغابزرك.
273- الأنوار الساطعة في المائة السابعة المعروف بطبقات أعلام الشيعة، تحقيق علي تقي، ط1، دار الكتاب العربي، (بيروت،1972م).
274- الذريعة إلي تصانيف الشيعة، ط3، دار الأضواء، (بيروت 1983م).
العاملي، أمين ترمس.
275- ثلاثيات الكليني وقرب الإسناد، تحقيق: السيد أحمد المددي، ط1، مؤسسة دار الحديث الثقافية، 1417ﻫ.
العاملي.
276- الإنتصار، ط1، دار السيرة، (بيروت – 2000م).
العاملي، جعفر مرتضي.
277- الصحيح من سيرة النبي الأعظم(صلي الله عليه و آله)، ط1، دار الحديث للطباعة والنشر، (ايران - 1426ق1385 ه. ش. /2006م).
عبد الحميد، صائب.
278- علم التاريخ ومناهج المؤرِّخين، ط2، (بيروت - 2010م).
ص: 540
علي النمازي.
279- مستدركات علم رجال الحديث، ط1، (طهران - 1412ﻫ/1992م).
الغروي، هادي اليوسفي.
280- وقعة الطف، ط1، مؤسّسة النّشر الإسلامي، قم المقدسة.
غفاري، علي أكبر.
281- دراسات في علم الدراية، ط1، (ايران - 1369 ش).
فرغلي، إبراهيم.
282- الحركة التاريخية في مصر وسوريا خلال القرن السابع الهجري، (القاهرة -1997م).
القرشي، باقر شريف.
283- حياة الإمام الحسين(عليه السلام)، ط1، (النجف الاشرف: 1394-1974م).
284- النظام السياسي في الإسلام، ط2، دار التعارف للمطبوعات، (بيروت - 1978م).
القزويني، لطيف.
285- رجال تركوا بصمات علي قسمات التاريخ، (د.ت).
القطيفي، محمد أبو السعود.
286- جاء الحق، ط2، دار السيرة، (بيروت - 1998م).
القمي، عباس.
287- الكني والألقاب، مكتبة الصدر، (طهران د.ت).
القندوزي، سليمان بن إبراهيم، (ت 1294ﻫ/1876م).
288- ينابيع المودة لذوي القربي، تحقيق سيد علي جمال أشرف الحسيني، ط1، دار الأسوة، (د.م، 1416 ﻫ).
ص: 541
كحالة، عمر رضا.
289- معجم قبائل العرب، ط2، دار العلم للملايين، (بيروت - 1388 - 1968م).
290- معجم المؤلِّفين، دار إحياء التراث العربي، (بيروت - د.ت).
الكرباسي، محمّد جعفر بن محمّد طاهر الخراساني.
291- كليل المنهج في تحقيق المطلب، تحقيق: السيد جعفر الحسيني الاشكوري، ط1، (قم المقدسة - 1425ﻫ).
الكوراني، علي.
292- جواهر التاريخ، ط1، (ايران - 1426ﻫ/2006م).المازندراني، محمد بن إسماعيل.
293- منتهي المقال في أحوال الرجال، تحقيق: مؤسسة آل البيت(عليه السلام) لإحياء التّراث، ط1، (قم - 1416ﻫ/1996م).
مطهري، مرتضي.
294- الملحمة الحسينية، تعريب: محمد صادق الحسيني، ط2، (بيروت - 1992م).
المظفر، محمد حسن.
295- دلائل الصدق لنهج الحق، تحقيق: مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، (دمشق 1380 ﻫ/1960م).
معهد باقر العلوم(عليه السلام)، لجنة الحديث.
296- موسوعة شهادة المعصومين(عليهم السلام)، ط1، (قم - 1380ش).
المغربي، أحمد بن محمد.
297- فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي، حققه وعلَّق علي
ص: 542
حواشيه وصحَّح أسانيده: محمد هادي الأميني، مكتبة الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) العامة، أصفهان، إيران.
المقرم، عبد الرزاق.
298- مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، ط1، مؤسسة التاريخ العربي، (بيروت - 2009م).
الميلاني، علي الحسيني.
299- شرح منهاج الكرامة والردّ علي منهاج ابن تيميّة، ط1، (قم المقدسة - 1428ﻫ/2008م).
المنجد، صلاح الدين.300- المؤرخون الدمشقيون وآثارهم المخطوطة من القرن الثالث الهجري إلي القرن العاشر، (د.ت).
النوري، ميرزا حسين.
301- خاتمة مستدرك الوسائل، تحقيق: مؤسسة آل البيت(عليه السلام) لإحياء التراث، ط1، (قم المقدسة - 1415ﻫ/1995م).
آل ياسين، راضي.
302- صلح الإمام الحسن(عليه السلام)، د.ت.
اليحيي، يحي بن إبراهيم بن علي.
303- مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري - عصر الخلافة الراشدة - دراسة نقدية -، دار العاصمة، الرياض.
يعقوب، أحمد حسين.
304- كربلاء الثورة والمأساة، ط1، (بيروت - 1418 - 1997م).
ص: 543
305- البياتي، نور سعد محسن، تطور المذهب الأشعري في خراسان (334ﻫ/485ﻫ)، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة بغداد، 2006م.
306- التميمي، هادي عبد النبي، ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) في المصنَّفات المصرية في القرن العشرين الميلادي، أطروحة دكتوراه منشورة، كلية الآداب، جامعة الكوفة، 2007م.
307- الجابري، ستار جبار نعمة، الطالبيون في العصر الأموي، دراسة سياسية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية، الجامعة المستنصرية، 2008م.
308- الخفاجي، عباس كريم عبد سالم، ابن الأبّار (595-658ﻫ/1199-1260م)، وإسهاماته في حقل التأليف والأدب، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية/ابن رشد - جامعة بغداد، 2005م.
309- الربيعي، فرحان كاظم علوان، الحركات والثورات العلوية والمؤيِّدة للعلويين في العصر الأموي من خلال كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية، جامعة واسط، 2013م.
310- الشريفي، حيدر حسين حمزة سلمان، الأوضاع السياسية في العراق والحجاز من (60ه- - 65ﻫ)، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية، جامعة بابل، 2006 م.
311- عبد عميش، سعد كاظم، الحركات العلوية في تاريخ الطبري (41ﻫ/302ﻫ)، أطروحة دكتوراه غير منشورة، كلية التربية، جامعة القادسية، 2008م.
312- العذاري، محمد عبد الرضا شنيتر، أخبار الحسن والحسين(عليهما السلام)، في كتاب
ص: 544
مدينة دمشق لابن عساكر (ت 571ﻫ)، دراسة تاريخية، أطروحة دكتوراه غير منشورة، كلية التربية، الجامعة المستنصرية، 2013م.
313- الكرد، زينب كاظم جمعة، أثر المرأة العلوية في أحداث العصر الأموي، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة الكوفة، 2010م.
314- الطائي، ورقاء يونس يحيي، ابن طاووس (589- 664 ﻫ) عصره، مؤلفاته، خزانة كتبه، رسالة ماجستير غير منشورة كلية الآداب، جامعة بغداد، 2006م.
315- الطائي، محمد عبيس حميد، الإمام الباقر ومروياته التاريخية 56 – 114 ﻫ، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية، جامعة بابل، 2005م.
316- الطوكي، محمد عويد غليم ناصر، ابن الأبار ومروياته عن أهل البيت(عليهم السلام) (ت 595- 658ﻫ)، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية،جامعة واسط، 2014م.
317- عزيز، حوراء كاظم، ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) في المصنَّفات الأندلسية (422ﻫ/897ﻫ) دراسة تاريخية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية، جامعة واسط، 2013م.
318- العقابي، حامد عبد الصاحب خليف، شهادات الأئمة المعصومين(عليهم السلام) دراسة تاريخية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية، الجامعة المستنصرية، 2009م.
319- علي، امير جواد كاظم، الحائر الحسيني دراسة تاريخية (61-656ﻫ/ 680- 1258 م) رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة الكوفة، 2007م.
320- العلي، كفاية طارش، أبو مخنف ودوره في التدوين التاريخي، رسالة
ص: 545
ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة البصرة، 1997م.
321- العوادي، محمد حسين إدريس سلمان، قبيلة طيِّئ وأثرها في الحياة العامة حتي نهاية العصر الراشدي (40ﻫ/660م) دراسة تأريخية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية، جامعة بابل، 2007م.
322- الكنعاني، نغم حسن عبد النبي، المواقف السياسية للأئمة الاثني عشر(عليهم السلام)، أطروحة دكتوراه غير منشورة، كلية الآداب، جامعة البصرة، 2005م.
323- المرعبي، إسراء محسن، واقعة الطف في كتب التراث الإسلامي خلال القرنين الثالث والرابع الهجريين، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية للعلوم الإنسانية، جامعة كربلاء، 2013م.
324- الناصري، عماد تالي، أنصار الإمام الحسين(عليه السلام) في واقعة الطف، دراسة تاريخية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية، الجامعة المستنصرية،2009م.
325- البهادلي، حسين داخل، كتب الكوفيين إلي الإمام الحسين(عليه السلام) دراسة نقدية، مجلة كلية الآداب، جامعة بغداد، العدد (101).
326- التميمي، هادي عبد النبي، لماذا اختار الإمام الحسين(عليه السلام) العراق موطنا للشهادة، مجلة دراسات إسلامية معاصرة، العدد (8)، 2013م.
327- جاسم، سامي حمود، نضال حميد سعيد، الرواية التاريخية لمعركة الطف دراسة في مصادر الجمهور، كلية التربية، الجامعة المستنصرية.
328- الخفاجي، إياد عبد الحسين صيهود، محمد حسين إدريس، تأملات في رواية تلقي الإمام الحسين(عليه السلام) خبر استشهاد السفير مسلم بن عقيل(عليه السلام)، دراسة تحليلية، جامعة كربلاء.
ص: 546
329- دخيل، محمد حسن، الثورة الحسينية دراسة في أبعادها السياسية والعسكرية وأسباب اختيار الكوفة منطلقا للتحرك، ودلالات الرسائل الكوفية للإمام الحسين(عليه السلام)، مركز دراسات الكوفة، العدد (28)، 2013م.
330- درويش، عبد الستار مطلك، عبد علي، عبد المنعم حامد، تأثير الغزو المغولي علي الحياة العلمية في بغداد، مجلة مداد الآداب، العدد (5).
331- الشرهاني، حسين علي، روايات أبي مخنف بين آراء المؤرِّخين وأصحاب الحديث (رواية الطف نموذجا)، مجلة كلية التربية، جامعة ذي قار، العدد (3) المجلد الثاني، 2012م.
332- علي عبد، زينب، المواقف الإنقلابية في واقعة الطف (دراسة تحليلية)، مجلة دراسات إسلامية معاصرة، العدد (8)، السنة الرابعة 2013م.333- نوري، محمد نوفل، إتلاف الكتب في الحضارة العربية الإسلامية دراسة تاريخية في أسبابها في العصر العباسي (132-656ﻫ)، مجلة التربية والعلم، العدد (4)، المجلد (17)، 2010م.
ص: 547
ص: 548
الإﻫداء. 9
شكر وتقدير. 11
مقدمة المؤسّسة. 13
مقدِّمة قسم الرسائل الجامعية. 27
المقدّمة: نطاق البحث وتحليل أهمِّ المصادر. 31
الفصل الاول
أخبار المقتل الحسيني في المصنَّفات التاريخية
من القرن الأول حتي أواخر القرن السابع الهجري/السادس والثالث عشر الميلاديين
المقتل في اللغة والاصطلاح.. 41
أ- المقتل لغة. 41
ب - المقتل اصطلاحاً 41
المبحث الأول: أخبار المقتل الحسيني في كتب التاريخ العام والأنساب... 45
أولاً: كتب التاريخ العام. 45
ص: 549
1- تاريخ خليفة بن خياط، ابن خياط (ت240ﻫ/854م) 46
2- الإمامة والسياسة، (المنسوب) لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت276ﻫ/889م) 47
3- الأخبار الطوال، لأبي حنيفة الدينوري (ت282ﻫ/884م) 51
4- تاريخ اليعقوبي، لأحمد بن اسحاق بن جعفر اليعقوبي (ت292ﻫ/894م) 53
5- تاريخ الرسل والملوك، لمحمد بن جرير الطبري (ت310ﻫ/912م) 55
6- البدء والتاريخ، المنسوب لأبي زيد أحمد بن سهل البلخي (ت322ﻫ/924م) 63
7- مروج الذهب ومعادن الجوهر، لعلي بن الحسين المسعودي (ت346ﻫ/948م) 65
8- تجارب الأمم وتعاقب الهمم، لأحمد بن محمد بن يعقوب مسكويه (ت421ﻫ/1023م) 69
9- كتاب عيون المعارف وفنون أخبار الخلائف - المعروف ب-: تاريخ القضاعي، لمحمد بن سلامة بن جعفر المعروف ب-: القضاعي (ت454ﻫ/1056م) 71
10- الكامل في التاريخ، لعلي بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري المعروف بابن الأثير (ت630ﻫ/1232م) 72
ثانياً: كتب الأنساب... 80
1- جمهرة النسب ونسب معد اليمن الكبير لابن الكلبي (ت204ﻫ/819م) 81
2- نسب قريش، لعبد الله بن مصعب الزبيري (ت226ﻫ/850م) 82
3- أنساب الأشراف، لأحمد بن جابر البلاذري (ت279ﻫ/892م) 85
المبحث الثاني: أخبار المقتل في كتب الفتوح والطبقات والتراجم. 91
أولاً: كتب الفتوح.. 91
كتاب الفتوح لابن أعثم (المتوفي في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي) 91
ثانياً: كتب التراجم والطبقات... 107
1- الطبقات الكبري لابن سعد (ت230ﻫ/818م) 108
2- كتاب الثقات، لمحمد بن أحمد المعروف ب-:ابن حبان (ت354ﻫ/965م) 123
ص: 550
3- المعجم الكبير، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، (ت 360ﻫ/970م) 127
4- تاريخ مدينة دمشق، لابن عساكر (ت 571ﻫ/1175م) 132
مصادر تراجم أخري.. 137
أ - مقاتل الطالبيين، لأبي الفرج علي بن الحسين الأصفهاني (ت 356ﻫ/958م) 137
ب - شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار(عليهم السلام)، لأبي حنيفة النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيون المعروف بالقاضي النعمان (ت363ﻫ/965م) 141
1- الشمول الزماني والمكاني للمقتل.. 154
2- المصادر والموارد. 155
3- انفرد سبط ابن الجوزي بالرواية الآتية. 156
4- النقد والمنهج العلمي.. 157
الفصل الثاني
كتب المقتل الحسيني المفقودة
من القرن الأول حتي أواخر القرن السابع الهجري/السادس والثالث عشر الميلاديين
المبحث الأوّل: كتب المقتل الحسيني المفقودة من القرن الأول حتي القرن الثالث الهجري 163
أسماء مؤلِّفي كتب المقتل الحسيني بحسب التسلسل الزمني.. 164
1- الأصبغ بن نُباته (ت100ﻫ/702م) 164
2- جابر بن يزيد الجعفي (ت 138ﻫ/745 م) 166
3- الواقدي (ت207ﻫ/822م) 167
4 - هشام بن محمد بن السائب الكلبي (ت206 ﻫ/819 م) 174
5- معمر بن المثني (ت209ﻫ/811م) 186
ص: 551
6- نصر بن مزاحم المنقري (ت212ﻫ/827 م) 189
7- المدائني، علي بن محمد (ت 225ﻫ/840م) 196
8- أبو عبيد القاسم بن سلام (ت244ﻫ/839م) 200
9- أبوالفضل سلمة البرواستاني (ت270ﻫ/872م) 202
10- عبد الله بن عمرو الوراق (ت 274ﻫ/876م) 203
11- ابو جعفر محمد الأشعري المعروف ب-:دبة شبيب (ت280ﻫ/882 م) 203
12- ابن أبي الدنيا (ت281ﻫ/883م) 204
13- إبراهيم الثقفي (ت283ﻫ/893م) 206
14- أبو عبد الله الغلابي (ت 298ﻫ/908م) 206
15- أبو الحسين زيد الأصغر(عليه السلام) (المتوفي في القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي) 207
المبحث الثاني: كتب المقتل الحسيني المفقودة من القرن الرابع حتي أواخر القرن السابع الهجري 209
1- إبراهيم الأحمري (المتوفي في القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي) 209
2- عمارة بن زيد الخيواني.. 210
3- عبد العزيز الجلودي (ت332ﻫ/942م) 210
4- أبو الحسين عمر بن الحسن المعروف ب-:ابن الأشناني (ت339ﻫ/941م) 211
5- محمد بن علي الصدوق (ت381ﻫ/991م) 211
6- محمد بن علي بن سكين (المتوفي في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي) 213
7- أبو جعفر العطار القمي(المتوفي في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي) 213
8- أبو سعيد التستري(المتوفي في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي) 213
9- سليمان بن محمد الكوفي(المتوفي في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي) 216
10- محمد بن إبراهيم الكاتب، المعروف بالشافعي(المتوفي في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي) 216
11- الحاكم النيسابوري (ت405ﻫ/1007م) 216
ص: 552
12- الطوسي (ت460ﻫ/1062م) 217
13- نجم الدين القوسيني (ت 585ﻫ/1187م) 217
14- محمود بن المبارك المعروف ب-:المجير البغدادي (ت 592ﻫ/1194م) 218
15- أبو المفاخر الرازي (المتوفي في القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي) 218
16- عبد الرزاق الرسعني (ت661ﻫ/1263م) 220
الفصل الثالث
موارد كتب المقتل الحسيني المطبوعة
من القرن الثاني حتي أواخر القرن السابع الهجري/الثامن و الثالث عشر الميلاديين
تمهيد.. 223
المبحث الأول: موارد كتب المقتل الحسيني بين القرنين الثاني والخامس الهجريين.. 225
1 - موارد أبي مخنف، لوط بن يحيي (ت157ﻫ/759م) في إيراد روايات المقتل المتضمن في تأريخ الطبري وبقية المصادر الأخري 225
أ - تعريف ب-: المؤلِّف.... 225
ب - موارده عن المقتل.. 230
1- أبو زهير، النضر بن صالح.. 231
2- فضيل بن خديج الكندي.. 232
3- عبد الرحمن بن جندب الازدي.. 233
4- سليمان ابن أبي راشد الأزدي.. 235
5- الصقعب بن زهير الكوفي.. 237
6- أبو جناب يحيي الكلبي.. 240
ص: 553
7- أبو نوفل عبد الملك العامري المدني.. 243
8- المجالد بن سعيد الهمداني.. 244
9- الحارث بن كعب الوالبي.. 245
10- أبو معشر يوسف بن يزيد العطار. 247
11- الحارث بن حصيرة الأزدي.. 248
12- نمير بن وعلة. 249
13- يونس بن أبي إسحاق.. 250
14- أبو المخارق الكوفي.. 251
15- عبد الله بن عاصم الفائشي.. 251
16- قدامة بن سعيد الثقفي.. 253
17- أبو عتبة عبد الرحمن الداراني الدمشقي.. 255
18- محمد بن قيس.... 255
19- أبو داود يحيي بن هانئ الكوفي.. 256
20- زهير بن عبد الرحمن بن زهير الخثعمي.. 256
21- سويد بن حية الأسدي.. 256
22- جميل بن مرثد من بني معن.. 257
23- الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) 262
24- عوانة بن الحكم.. 262
25- أبو حمزة الثمالي.. 263
26- أبو ابراهيم عمرو بن شعيب المدني.. 263
27- أبو علي الأنصاري.. 264
28- أبو الحكم يزيد بن عياض بن جعدبة الحجازي.. 264
ص: 554
ت - منهجية أبي مخنف في توظيف موارده عن المقتل الحسيني.. 265
2 - موارد الفضيل بن زبير بن عمر الكوفي الأسدي الرَسَّان (المتوفي في القرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي) في كتابه المعنون (تسمية من قُتِل مع الحسين(عليه السلام) مِنْ ولده وأخوته وأهل بيته وشيعته). 268
أولاً: تعريف ب-: المؤلِّف.... 268
ثانياً: موارده 272
3- موارد أبي إسحاق الأسفراييني (ت418ﻫ/1020م) للمقتل المنسوب إليه المعنون (نور العين في مشهد الحسين(عليه السلام)) 276
أولاً: تعريف ب-: المؤِّلف.... 276
ثانياً: موارده 278
المبحث الثاني: موارد كتب المقتل الحسيني خلال القرنين السادس والسابع الهجريين/الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين 279
1- موارد الخوارزمي (ت568ﻫ/1270م) في كتابه الموسوم (مقتل الحسين(عليه السلام)). 279
أولاً: تعريف ب-: المؤلِّف.... 279
ثانياً: موارده 281
1- المصادر السابقة. 281
2- مشايخه الذين اعتمد عليهم في رواية المقتل.. 284
1- أبو القاسم الزمخشري.. 284
2- أبو منصور الديلمي.. 284
3- أبو الحسن علي بن أحمد الكرباسي الخوارزمي.. 285
4- أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي.. 285
5- أبو العلاء الحسين بن أحمد الهمداني.. 287
6- أبو القاسم منصور بن نوح الشهرستاني.. 290
ص: 555
7- محمد بن منصور بن علي المقرئ المعروف ب-:الديواني.. 290
8- أبو جعفر محمد بن عمر الجمحي.. 290
9- مجد الأئمة السرختكي.. 291
10- سعيد بن محمد بن أبي بكر الفقيمي.. 291
11- مسعود بن أحمد الدهستاني.. 291
12- أبو بكر محمد بن عبد الله بن نصر بن الزاغوني.. 292
13- أبو الفتح عبد الملك الكروخي.. 292
14- أبو الحسن علي بن أحمد الكرباسي.. 293
منهجية الخوارزمي في توظيف موارده. 293
2- موارد ابن الأبار (ت658ﻫ/1260م) في كتابه (درر السمط في خبر السبط). 298
أولاً: تعريف ب-: المؤلِّف.... 298
ثانياً: موارده 302
3- موارد ابن طاووس (ت664ﻫ/1266م) في مقتله الموسوم (اللهوف في قتلي الطفوف). 304
أولاً: تعريف ب-: المؤلف.... 304
ثانياً: موارده 308
1- المصادر التاريخية. 309
2- المؤلَّفات التي لم يُشِر إلي مؤلِّفيها 312
3- المؤلِّفون الذين لم يُشِر إلي مؤلَّفاتهم. 313
4- المصادر المجهولة. 314
5- أقوال الائمة المعصومين الاثني عشر(عليهم السلام) 314
4- موارد ابن نما الحلِّي (ت 685ﻫ/1287م) في مقتله الموسوم (مثير الأحزان ومنير سبل
الأشجان). 315
ص: 556
أولاً: تعريف ب-: المؤلِّف.... 315
ثانياً: موارده 316
أ- المؤلَّفات التاريخية السابقة. 316
ب - ذكر أسماء المؤلِّفين دون ذكر مؤلَّفاتهم. 319
ت - ذكر المؤلَّفات دون ذكرأسماء مؤلِّفيها 319
ث - مصادر مجهولة. 320
الفصل الرابع
دراسة تحليلية للمتون الروائية
لكتب المقتل الحسيني
خلال القرنين الثاني والخامس الهجريين/الثامن والحادي عشر الميلاديين
المبحث الأوَّل: دراسة تحليلية للمتون الروائية لكتب المقتل الحسيني خلال القرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي 323
1- المقتل المنسوب لأبي مخنف.... 323
- مناقشة وتحليل ونقد. 324
معالم منهج الكتابة التاريخية. 340
1- اهتمامه بالسند. 341
2- التشكيك ببعض الروايات وتضعيفها 341
3- توضيح وشرح بعض المفردات والأماكن والشخصيات وتحديد وظيفتها 345
4- ومن ضمن منهجيته إيراده للكتب الرسمية بنصوصها الكاملة. 346
5- التعليل والتفسير التاريخي للأحداث... 346
ص: 557
مناقشة وتحليل بعض مرويات أبي مخنف.... 348
2- مناقشة الروايات التي تخصُّ مسلم بن عقيل(عليه السلام) والأحداث التي جرت له. 352
أ - استئجار مسلم لدليلين ليرشداه الطريق نحو الكوفة. 353
ب - مناقشة روايات نشاط وتحرُّك مسلم بن عقيل(عليه السلام) وتفرُّق أنصاره عنه في الكوفة. 357
- رواية تفرُّق أنصار مسلم بن عقيل(عليه السلام) عنه. 365
- مقارنة رواية أبي مخنف مع بقية المصادر التاريخية. 369
- رواية الهجوم علي الدار التي تحصَّن فيها مسلم بن عقيل(عليه السلام) واشتباكه مع رجال السلطة. 372
ج - الروايات التي تحدَّثت عن قبول مسلم بالأمان واقتياده إلي القصر والأحداث التي جرت حتي استشهاده(عليه السلام) 376
- روايات دخول مسلم بن عقيل إلي قصر الإمارة: 380
3- رواية أبي مخنف عن رأس الإمام الحسين(عليه السلام) في مجلس يزيد بن معاوية في دمشق والأحداث التي جرت للرأس الشريف 382
د - مقارنة مرويات الطبري عن أبي مخنف في المقتل الحسيني مع بقية مرويات أبي مخنف في المصادر التاريخية ومناقشتها 386
4- تسمية مْن قُتِل مع الإمام الحسين(عليه السلام) من ولده وإخوانه وأهل بيته وشيعته، للمحدِّث الفضيل بن الزبير الرسان 392
المبحث الثاني: دراسة تحليلية للمتون الروائية لكتب المقاتل خلال القرن الخامس الهجري 397
1- سبب تأليف الكتاب... 397
2- نسخ الكتاب وطبعاته. 398
3- مصادر الكتاب... 399
4- عنوان الكتاب... 399
ص: 558
الفصل الخامس
دراسة تحليلية للمتون الروائية
لكتب المقتل الحسيني
خلال القرنين السادس والسابع الهجريين/الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين
المبحث الأول: دراسة تحليلية للمتون الروائية لكتب المقتل الحسيني خلال القرن السادس الهجري.. 417
1- سبب تأليف الكتاب... 417
2- الشمول الزماني والمكاني للمقتل.. 417
3- أهمية الكتاب والمواضيع التي وثَّقها 418
4- موارده 420
5- لم يُلاحَظ للخوارزمي أيّ نقد أو تصحيح للأخطاء التاريخية الخاصة بالمقتل التي وقع فيها ابن أعثم..424
6- لم يصرِّح الخوارزمي عن مصادره في بعص الروايات التي نقلها 424
7- لم يستعمل مصادر متعدِّدة في مقتله. 425
8- يقطع الخوارزمي حكمه أحياناً بالإعتماد علي بعض.... 425
9- منهج تعدُّد الروايات... 425
- الأخبار المستقبلية التي أخبر عنها الرسول(صلي الله عليه و آله) بشأن مقتل الحسين(عليه السلام) 425
- حادثة مسلم بن عقيل(عليه السلام). 427
- عدد المتقدِّمين للإستشهاد بين يدي الإمام الحسين(عليه السلام) 429
2- التعليل والمنهج العلمي.. 435
- المتقدِّمون للإستشهاد أمام الإمام الحسين(عليه السلام) 435
- رواية نطق رأس الإمام الحسين(عليه السلام) 435
ص: 559
3- التوظيف والتوثيق الشعري لأحداث المقتل.. 437
4- الجغرافية التاريخية. 440
المبحث الثاني: دراسة تحليلية للمتون الروائية لكتب المقتل الحسيني خلال القرن السابع الهجري 443
1- (دُرَر ُالسِّمط في خبر السِّبط) لابن الأبار القضاعي.. 443
أولاً: سبب تأليف الكتاب... 443
ثانياً: منهج المؤلِّف.... 444
ثالثاً: محتوي الكتاب... 445
رابعاً: التوظيف القرآني.. 447
خامساً: الشمول الزماني والمكاني.. 448
سادساً: التعليل التأريخي.. 448
سابعاً: التوظيف الشعري في المقتل.. 449
2- (اللهوف في قتلي الطفوف) لابن طاووس... 450
أولاً: السبب في تأليف المقتل.. 451
ثانياً: خطَّة تصنيف المقتل.. 451
1- الشمول الزماني والمكاني للمقتل.. 452
2- التوثيق التاريخي لابن طاووس... 452
3- النقد والتحليل عند ابن طاووس... 453
4- الروايات المنفردة عند ابن طاووس... 455
- رواية أحمد بن محمد ابن الفقيه الهمذاني (ت340ﻫ/942م) 459
- رواية ابن أعثم. 459
- رواية أبي الفضل أحمد بن أبي طاهر ابن طيفور (ت380ﻫ/982م) 460
- رواية أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي (ت 548ﻫ/1160م) 461
ص: 560
- رواية يوسف بن حاتم المشغري العاملي (ت 664ﻫ/1266م) 461
5- توظيف أقوال أئمة أهل البيت ومروياتهم في المقتل.. 464
- أعداد أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام) 464
- الإعجاز الإلهي لنصر الإمام الحسين(عليه السلام) 465
- عظمة دم طفل الحسين(عليه السلام) 465
- تحديد عدد الطعنات والضربات التي تعرَّض لها الإمام الحسين(عليه السلام) 465
- مجلس يزيد بن معاوية ورأس الإمام الحسين(عليه السلام) 466
- جزاء قتلة الإمام الحسين(عليه السلام) 467
6- تعدد الروايات والأخبار للحادثة الواحدة 467
- حادثة توديع الإمام الحسين(عليه السلام) لعياله. 468
- سبب تأليف المقتل.. 478
معالم منهجه التاريخي في إيراده للمقتل.. 478
1- الشمول الزماني والمكاني للمقتل.. 479
2- التوظيف الشعري لأحداث المقتل.. 480
- اعتماد ابن نما علي أشعار بعض الشعراء والأدباء. 481
- حادثة استشهاد مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة المرادي.. 481
- اعتماد ابن نما علي بعض أشعاره التي نظمها 484
3- الإهتمام بالجغرافية التاريخية. 486
4- تعدُّد الروايات... 486
الملاحق: أسماء كتب المقتل الحسيني المطبوعة والمفقودة من القرن الأول حتي القرن السابع الهجري.. 501
ملخَّصُ الأطروحَة. 505
ص: 561
المصادر والمراجع.. 509
أولاً: المصادر الأولية. 509
ثانياً: المراجع الثانوية. 534
ثالثاً: الرسائل والأطاريح الجامعية. 544
رابعاً: البحوث والدراسات... 546
المحتويات... 549
ص: 562