حقيقة الاعتقاد بالأمام المهدي المنتظر

اشارة

حقيقة الاعتقاد بالأمام المهدي المنتظر

احمد حسين يعقوب

اردن - جرش

ص: 1

اشارة

ص: 2

حقيقة الاعتقاد بالأمام المهدي المنتظر

احمد حسين يعقوب

اردن - جرش

ص: 3

ص: 4

المقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين،و الصلاة و السلام علي سيدنا و مولانا محمد رسول اللّه و خاتم النبيين،و علي آله الطيبين الطاهرين،الذين اصطفاهم و ميّزهم علي علم من عباده المسلمين أما بعد:

فبعد أن طبعت كتابي الحادي عشر«الهاشميون في الشريعة و التاريخ» صممت علي الشروع بتأليف كتاب خاص عن«القضاء و الإفتاء عند أهل بيت النبوة»و جمعت و هيأت المصادر و المراجع المتعلقة بهذا الموضوع و رتبتها علي طاولتي،و لم يبق علي سوي المباشرة فعلا بالكتابة،بعد ذلك اجتمعت مع أخ كريم،و صديق بارز،فسألني عن مشاريعي الجديدة بعد طباعة كتابي الأخير، فأخبرته بما عزمت عليه،فقال أبو علي:لقد أثبت بالدليل القاطع في كتابيك «المواجهة»و«الهاشميون في الشريعة و التاريخ»أن عدد الأئمة الشرعيين من بعد النبي اثنا عشر إماما،فما رأيكم لو كان كتابك الثاني عشر عن الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة و هو الإمام المهدي المنتظر؟ثم إنك قد غطيت بالبحث و الدراسة الفكر السياسي لأهل بيت النبوة خاصة،و النظام السياسي الإسلامي عامة من خلال مؤلفاتك فلماذا تترك هذه الثغرة،لأن نظرية الإمام المهدي المنتظر مقطع بارز بالفكر و النظام السياسي الإسلامي،و أن الإمام المهدي هو المؤسس الفعلي لدولة آل محمد التي ستكون آخر الدول،و بالتالي فلا يمكنك تجاهل هذه الحقائق،أو القفز عنها،و الأهم أن تناول الإمام المهدي بالبحث و الدراسة يشكل إغلاقا مناسبا لدائرة بحوثك عن الفكر السياسي العالمي عامة،و لفكر أهل بيت النبوة خاصة،و بعد ذلك فلا تثريب عليك لو طرقت أي موضوع شئت.فاقتنعت

ص: 5

بصواب الاقتراح،و تفاءلت خيرا،و لكني أو جست في نفسي خيفة و تهيبت كثيرا، لأن:كافة المعلومات المتعلقة بالإمام المهدي من أنباء الغيب التي لم تقع بعد، و لا مجال فيها للاجتهاد و لا للتحليل،بل آلت إلي الأمة من الأحاديث النبوية الشريفة،ثم إن الحديث النبوي نفسه قد تعرض لمحنة قاسية حيث منعت دولة الخلافة التاريخية كتابة و رواية الأحاديث النبوية منعا باتا قرابة مائة عام تحت شعار «حسبنا كتاب اللّه»و زاد المشكلة تعقيدا أن دولة الخلافة قد عزلت أئمة أهل بيت النبوة،و هم ورثة علمي النبوة و الكتاب،و فرضت عليهم نوعا من الإقامة الجبرية، و هكذا حوصرت أنباء الغيب محاصرة تامة،و بعد المائة عام حدث الانفراج عن مصادر تلك الأنباء،و بدأ المسلمون يروون و يكتبون الأحاديث النبوية علنا!!هذه الظروف تجعل الوصول إلي الحقائق الشرعية الصادرة بالفعل عن رسول اللّه أمرا ليس سهلا.

و يكمن الخوف و التهيب في منهجية عرض و تقديم نظرية الإمام المهدي المنتظر،فالعشرات من العلماء الأجلاء قد بحثوا هذه النظرية،و عرضوها بأشكال متشابهة،و ما ينبغي أن يكتب يجب أن يكون مختلفا تماما.

ثم إن شعور النخبة المستنيرة من المسلمين و لا شعور الخاصة و العامة من أبناء الجنس البشري قد انفض تماما من حول العقائد و الأنظمة الوضعية،و يئس من قدرتها علي إنقاذ البشرية،و قد حمت عندهم و تواترت بينهم،و اقتنعوا بأن العالم الإنساني لن ينقذه،و لن يخلصه من مستنقعات واقعه إلا المهدي المنتظر!! فعشقوه عشقا،و عشقوا حكومته العالمية التي سيخضع لسلطانها كافة سكان الكرة الأرضية،و الملتزمة بتطهير الأرض من الظلمة،و نشر العدالة المطلقة في أرجائها،و تحقيق الكفاية التامة و الرخاء المطلق لكل بني البشر،و إتمام المصالحة التامة بينهم بعد أن تقتلع جذور الخلاف و الاختلاف فيسود الانسجام التام،هؤلاء بحاجة إلي دعم معنوي من الباحث،و تنسيق خاص لأنباء الغيب المتعلق بمثل هذه الأمور،و الأهم كيف يرتقي الواقع العالمي إلي مستوي فهم الإمام المهدي و أهدافه و غاياته المعلنة؟و بتعبير أدق كيف تتسلسل الحادثات و حلقات الوقائع تسلسلا منطقيا بحيث تؤدي أو تفضي مباشرة إلي دولة آل محمد،أو إلي عهد الإمام

ص: 6

المهدي المنتظر؟و كيف نخلص هذا الكم من الآمال من بين مخالب واقع عالمي يبعث علي اليأس و القنوط؟كل هذا يحتاج إلي قدرة هائلة علي الاستقراء و الاستنباط و المقارنة و تحليل الثوابت من النصوص تحليلا يبقيك دائما ضمن دائرتها.

و اجتزت حواجز التهيب و الخوف،و صممت علي الكتابة،و جمعت مجموعة كبيرة من المراجع أهمها و أعظمها علي الإطلاق«معجم أحاديث الإمام المهدي»الذي ألفته الهيئة العلمية في مؤسسة المعارف الإسلامية تحت إشراف سماحة الأخ و الصديق الشيخ علي الكوراني،و هو يقع علي خمسة مجلدات اشتملت علي كافة الأحاديث النبوية و أحاديث أئمة أهل بيت النبوة،و شرعت بالكتابة،و لم أجد بحمد اللّه و منّته عسرا،و لا حرجا،لأن مولانا الإمام المهدي يسر و فرج.

و بعد أن أتممت الكتاب أيقنت أن قوانينا،و مناهجنا و أساليبنا بالتغيير، تعكس حجم قدراتنا و قوانا المحدودة،و أن للّه نواميس و أساليب بالتغيير تعكس حجم قدرته التي استطال بها علي كل شيء،لا إله إلا هو شديد المحال،الكبير المتعال.

و قد اشتمل فهرس الموضوعات علي الأبواب و الفصول و يمكنني القول و بغير ادعاء أن الكتاب مختلف تماما عن الكتب التي سبقته و التي عالجت نفس الموضوع،لقد قدمت نظرية الإمام المهدي المنتظر،بروح العصر و لغته بعد أن أصّلتها و جذّرتها دينيا و تاريخيا.

اللّهم اجعل عملي خالصا لوجهك الكريم،و تقبل منا إنك أنت السميع العليم و آخر دعواهم أن الحمد للّه رب العالمين.

المحامي أحمد حسين يعقوب

ص: 7

ص: 8

حقيقة الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر

ص: 9

ص: 10

الباب الأول: نقض عري الإسلام و غربته و التهيئة لظهور المهدي المنتظر

اشارة

ص: 11

ص: 12

الفصل الأول: نقض عري الإسلام و ناقضوها الأسباب و النتائج نجاح لا مثيل له في التاريخ البشري

اشارة

لقد نجح محمد رسول اللّه نجاحا لا نظير له في تاريخ البشرية كلها،فقد نقل العرب من دين إلي دين،و كون لهم دولة شملت كل بلادهم،و وحّدهم وحدة حقيقية لأول مرة في التاريخ كله بمدة لا تتجاوز 23 سنة و بكلفة بشرية لم تتجاوز 389 قتيلا من طرفي الصراع،و وضع تحت تصرفهم نظاما سياسيا لو أخذوا به لدخل العالم كله في طاعتهم من غير إكراه،و لتغير مجري التاريخ العالمي تماما، و لما اختلف اثنان قط.

و بكل الحياد و التجرد و الموضوعية،فإن نجاح النبي محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم هذا نجاح لا يضاهيه نجاح في الدنيا قط،خاصة و أنه و الهاشميون من خلفه قد شقوا طريقهم بموضوعية و بحدود قدرة العقل البشري علي الاستيعاب،و تخطوا قبل النجاح عوائق عظمي لا طاقة لقدرة في الأرض علي مواجهتها و تخطيها.و اكتمل كل شيء.بلّغ الرسالة علي خير ما تبلغ الرسالات،و أدي الأمانة علي خير ما تؤدي الأمانات،و انتهت مرحلة الإبداع و التأسس،و خيّر النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بين النبوة و الملك و البقاء،و بين ما عند اللّه،فاختار ما عند اللّه،و أعلن للأمة أنه سيمرض بعد عودته من حجة الوداع و سيموت في مرضه،و حذرها من فتن و عواصف و محن تتربص بها،و تنتظر موته بفارغ الصبر لتنقض كالصاعقة.فتلغي عمليا كافة الترتيبات

ص: 13

الإلهية لعصر ما بعد النبوة و تضع ترتيبات بديلة تؤدي لتفريغ الإسلام من مضامينه و محتواه مع الإبقاء علي القشرة أو الاسم ليكون الغطاء الشرعي للملك و ضرورات توسعه و توسيعه.

بيان ما هو كائن و ما سيكون

رحمة من النبي بالأمة،و رغبة منه بتبصيرها معالم الطريق،و إقامة للحجة بيّن الرسول للأمة كل ما كان في الأمم السابقة،و ما كان أثناء مرحلة بناء الدعوة و الدولة،و ماذا سيكون بعد موته،و أن ما سيكون يمكن تجنبه تماما إذا التزمت الأمة بتوجيهات نبيها،لأن النبي لا ينطق عن الهوي،بل يتبع ما يوحي إليه و يتكلم بالعلم الإلهي اليقيني،و بيان ما كان و ما سيكون هو جزء من رسالته،و هو فيض الرحمتين الإلهية و النبوية،و أكد لهم النبي أن الفتن ستزحف عليهم بعد موته و هي مشتبهة كوجوه البقر لا تدرون أيا من أي.قال حذيفة:قلت:«يا رسول اللّه،إنّا كنا في جاهلية و شر،فجاء اللّه بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟قال:نعم! قال حذيفة:ما هو؟قال النبي:فتن كقطع الليل المظلم،يتبع بعضها بعضا، تأتيكم مشتبهة».[راجع صحيح البخاري،كتاب بدء الخلق،باب علامات النبوة، و رواه أحمد.راجع الفتح الرباني ج 23،ص 38]،و روي مسلم في صحيحه كتاب الفتن ج 16 ص 18 و أحمد في الفتح الرباني ج 1 ص(274)عن أبي زيد أنه قال:«صلي بنا رسول اللّه الفجر و صعد المنبر،فخطبنا حتي حضرت الظهر، فنزل فصلي ثم صعد المنبر فخطبنا حتي حضرت العصر،ثم نزل فصلي،ثم صعد المنبر فخطبنا حتي غربت الشمس،فأخبرنا بما كان،و بما هو كائن فأعلمنا أحفظنا».قال أسامة:أشرف النبي علي أطم من آطام المدينة،ثم قال:«هل ترون ما أري؟إني لأري مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر».[رواه البخاري في كتاب الحج من صحيحه ج 1 ص 322،و رواه مسلم في صحيحه ج 7 ص 8].

نقض عري الإسلام كلها و الناقضون

لقد حذر رسول اللّه المؤمنين بأنهم إن لم يتبعوا ما أمرهم به فإن عري الإسلام كلها ستنقض عروة بعد عروة،فطالما أعلن أمام أصحابه قائلا:«لينقض

ص: 14

الإسلام عروة عروة،فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها،فأولهنّ نقضا الحكم،و آخرهن الصلاة».[رواه أحمد و ابن حبان و الحاكم،راجع كنز العمال ج 1 ص 238].و عملية نقض العري لن تتم من تلقاء نفسها بل سيتولاها و ينفذها فريق من المسلمين المحسوبين علي الأمة،لذلك كشف رسول اللّه حقيقة هذا الفريق ليحذر الناس من شرورهم قبل وقوعها.قال حذيفة:«و اللّه ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا،و اللّه ما ترك رسول اللّه من قائد فتنة إلي أن تنقضي الدنيا بلغ من معه ثلاثمائة فأكثر،إلا قد سماه لنا باسمه و اسم أبيه و اسم قبيلته».[رواه أبو داود في عون المعبود حديث 4243 و 4222]،و وضع رسول اللّه النقاط علي الحروف،قال حذيفة:قال رسول اللّه:«إن في أصحابي اثني عشر منافقا منهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتي يلج الجمل في سم الخياط،[رواه الإمام أحمد و الإمام مسلم،راجع كنز العمال ج 1 ص 169 و معالم الفتن ج 1 ص 67]، و قال حذيفة:أشهد أن الاثني عشر حرب للّه و لرسوله في الحياة الدنيا،و يوم يقوم الأشهاد[راجع صحيح مسلم ج 17 ص 125]،و روي عن عمار بن ياسر مثل ذلك.[رواه الإمام أحمد،راجع الفتح الرباني ج 21 ص 202.]إن اثني عشر مجموعة تخريبية كذبت بآيات اللّه و استكبرت عنها كما يستفاد ذلك من الآية 40 من سورة الأعراف.و اقترب الرسول من نقطة الخطر فأعلن أمام أصحابه قائلا:

«إن هلاك أمتي علي يد غلمة من قريش».[رواه البخاري في صحيحه كتاب بدء الخلق،باب علامات النبوة من صحيحه ج 2 ص 280]ثم قال:«يهلك أمتي هذا الحي من قريش»[رواه البخاري أيضا في كتاب بدء الخلق،باب علامات النبوّة من صحيحه ج 2،ص 280 و مسلم في صحيحه كتاب الفتن ج 18 ص 41]،و عن ابن عباس أنه قال:قال رسول:«و لتحملنكم قريش علي سنّة فارس و الروم و لتؤمنن عليكم اليهود و النصاري و المجوس».[رواه الطبراني،راجع مجمع الزوائد ج 7 ص 236]،و قال الرسول مرة لأصحابه:«إن هذا الحي من مضر لا تدع للّه في الأرض عبدا صالحا إلا فتنته و أهلكته».[رواه الإمام أحمد،و قال الهيثمي:رواه أحمد و البزار و رجاله رجال الصحيح الفتح الرباني ج 23 ص 240].

ص: 15

و عندما ذكر رسول اللّه الغلمة من قريش،و الحي من قريش طالب الناس باعتزالهم قائلا:«لو أن الناس اعتزلوهم».[راجع صحيح البخاري ج 2 ص 280 و صحيح مسلم ج 18 ص 41 و الفتح الرباني ج 23 ص 39 و معالم الفتن ج 1 ص 303].

ثم وقف النبي طويلا عند بني أمية،و حذر الأمة منهم،فبيّن أن أكثر بطون قريش بغضا لمحمد و لآل محمد هم بنو أمية،و بنو مخزوم...[راجع المستدرك علي الصحيحين للحاكم و حلية الأولياء لأبي نعيم،و كنز العمال ج 11 ص 169 حديث 31074]،و تحدث عن الشجرة الملعونة و عن رؤي نزو الأمويين علي منبره نزو القردة،و تيقن المسلمون من استياء النبي البالغ من تلك الرؤيا،[رواه الحاكم في المستدرك ج 3 ص 171،و أقره الذهبي و قال ابن كثير في البداية و النهاية ج 6 ص 243،و رواه الترمذي و ابن جرير و الحاكم و البيهقي]و تحدث النبي عن أصحاب الخطر من بني أمية،و ركز عليهم واحدا واحدا،و حذّر الأمة منهم.ثم وقف النبي وقفة طويلة و خاصة عند الحكم بن العاص والد وجد الخلفاء الأمويين،فقال أمام أصحابه:«ويل لأمتي مما في صلب هذا»[رواه ابن عساكر راجع الكنز ج 11 ص 167]،و قال أيضا:«ويل لأمتي من هذا و ولد هذا»، [الكنز ج 11 ص 167 و الإصابة لابن حجر ج 2 ص 29]،و قال النبي لأصحابه عن الحكم:«إن هذا سيخالف كتاب اللّه و سنة نبيه،و سيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء،و بعضكم يومئذ شيعته،[رواه الدارقطني الكنز ج 11 ص 166 و ابن عساكر ج 11 ص 360 و الطبراني ج 11 ص 667].

و بعد أن كشف الرسول حقيقة هذا الخطر لعنه رسول اللّه،و لعن ولده.[قال الهيثمي،رواه أحمد و البزار و الطبراني راجع الزوائد ج 5 ص 241].قال عبد الرحمن بن أبي بكر لمروان بن الحكم:«إن رسول اللّه لعن أباك»[رواه البزار و مجمع الزوائد ج 5 ص 21]،و قال الحسن بن علي لمروان:لقد لعنك اللّه علي لسان رسوله،و أنت في صلب أبيك[رواه أبو يعلي مجمع الزوائد ج 5 ص 240، و ابن سعد و ابن عساكر ج 11 ص 357 و ابن كثير في البداية ج 8 ص 280].

و حتي يكون الأمر معلوما للجميع،و الخطر واضحا أمام الجميع أمر رسول اللّه

ص: 16

بنفي الحكم بن العاص،فنفاه الرسول من المدينة و أعلن أن الحكم بن العاص عدو للّه و لرسوله،و بقي الحكم منفيا طوال عهد النبي المبارك،و بعد وفاة النبي راجع عثمان أبا بكر لإعادة الحكم فرفض ذلك أبو بكر،و بعد وفاة أبي بكر راجع عثمان عمر فرفض عمر ذلك،و لما آلت الخلافة لعثمان أدخله معززا مكرما، و اتخذ ابنه مروان رئيسا لوزرائه،و لما مات الحكم أقام عثمان علي قبره فسطاطا تعبيرا عن حزنه و عميق مصابه بموت الحكم[راجع الإصابة ج 2 ص 29].

استمع المسلمون إلي كافة تحذيرات الرسول مما سيكون!!و تعجبوا كيف يكون ذلك!!و هل يعقل أن تنقض عري الإسلام كلها!!فأراد الرسول أن يحذر أصحابه أنفسهم،و أن يضعهم أمام مسؤولياتهم فذكرهم أنه سينتظرهم علي الحوض و فاجأهم قائلا:«...و ليردن عليّ أقوام أعرفهم و يعرفوني،ثم يحال بيني و بينهم.[راجع صحيح بخاري ج 4 ص 141 كتاب الدعوات و صحيح مسلم ج 5 ص 153 كتاب الفضائل و الفتح الرباني ج 1 ص 192]،و في رواية عن عبد اللّه:«فأقول يا رب أصحابي!!فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك».[صحيح البخاري كتاب الدعوات ج 1 ص 141 و صحيح مسلم كتاب الفضائل ج 15 ص 159،و رواه أحمد و البيهقي،راجع كنز العمال ج 14 ص 418]،و في رواية عن أبي هريرة:«فيقال إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا علي أدبارهم القهقري».[راجع صحيح البخاري ج 4 ص 142 باب الصراط]،و في رواية عن ابن عباس:«فيقال إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين علي أعقابهم منذ فارقتهم».[راجع صحيح البخاري تفسير سورة الأنبياء ج 3 ص 160،و صحيح مسلم ج 17 ص 194]،و نادي مناد فقال هلم،قلت:أين؟قال:إلي النار و اللّه!قلت:ما شأنهم؟قال:إنهم ارتدوا بعدك علي أدبارهم القهقري،فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم»[راجع صحيح البخاري ج 4 ص 142 كتاب الدعوات باب الصراط].هذه التحذيرات التي أطلقها الرسول بمواجهة أصحابه كانت إغلاقا للدائرة فقد بيّن كل شيء علي الإطلاق،فمن وعي بيانه تيقن أن الوقائع التي جرت بعد وفاته،ما كانت إلا ترجمة حرفية،لكل ما حذر منه،و باختصار شديد قال رسول اللّه:«و ايم اللّه لقد تركتكم علي مثل البيضاء ليلها و نهارها سواء».[رواه ابن

ص: 17

ماجه راجع الكنز ج 11 ص 370،و قال الألباني له منابع قوي عند الإمام أحمد كتاب السنة ج 1 ص 27].

أخطر التحذيرات النبوية

لغايات إكمال الحلقة،و حتي لا يضل الناس بعد هدي،و تبيانا يقينيا لما سيكون قال النبي لأصحابه و منهم أصحاب الخطر:«أكثر ما أتخوف علي أمتي من بعدي رجل يتأول القرآن،يضعه علي غير مواضعه،و رجل يري أنه أحق بهذا الأمر من غيره»،[رواه الطبراني في الأوسط،راجع معالم الفتن ج 1 ص 91]،لأن اللّه تعالي قد خصص فئة معينة لفهم القرآن فهما يقينيا،و هم أهل البيت و المتأول يقف بما ليس له به علم،و يتولي مهمة مخصصة لغيره،و لأن هذا المتأول محكوم بهواه فسيضطر،لترك النصوص الشرعية التي لا تتفق حتما مع هواه،و اتباع آرائه الشخصية،مما يعني إهمال مضامين النصوص الشرعية و إحلال التحليلات و الآراء الشخصية محلها تحت شعار أن هذا المتأول مشفق و ناصح للّه و لرسوله،و أنه يري ما لا يرون!!!و بيّن الرسول أن القرآن سيقرأه في زمن الأزمان ثلاثة«مؤمن و منافق و فاجر».[رواه الحاكم و أقره الذهبي في ذيل المستدرك ج 4 ص 507]،و لكن لا يمسه و لا يفهم المقصود الشرعي منه إلا المطهرون،و ليقنع الرسول أصحابه،بأن ما يقوله يقينا و من عند اللّه،فقد ذكّر أصحابه قائلا:«لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلا حتي نشأ فيهم المولدون و أبناء سبايا الأمم التي كانت بنو إسرائيل تسبيها، فقالوا بالرأي فضلوا و أضلوا».[رواه الطبراني في الكبير،راجع كنز العمال ج 11 ص 181].

أما الشق الآخر من الخطر المحدق الذي حذر منه رسول اللّه فهو رجل يري أنه أحق بهذا الأمر من غيره!!لقد أعلن رسول اللّه بأمر من ربه حديث الثقلين،و بيّن بأمر من ربه بأنه قد ترك هذين الثقلين.خليفتين من بعده،و بين أيضا بأن القرآن لا يمسه إلا المطهرون و المطهرون الذين أذهب اللّه عنهم الرجس هم أهل البيت أحد الثقلين،بمعني أن النقاط موضوعة علي الحروف و أن كل شيء مرتب ترتيبا إلهيا محكما،و أخطر ما حذر الرسول من الوقوع فيه بعد موته هو ادعاء عمرو أو

ص: 18

زيد من الناس أنه أحق بالأمر أي(بقيادة الأمة)و مس القرآن من أهل بيت النبوة و أن«مصلحة المسلمين»تقتضي تقديم المفضول علي الأفضل،و هكذا و بجرة قلم ينقضوا أعظم عروة من عري الإسلام،و هي نظام الحكم و يلغوا كافة الترتيبات الإلهية المتعلقة بها،و كافة النصوص الشرعية التي تعالجها مستندين إلي الرأي الشخصي،و التأويلات الخاطئة،و هكذا يضلّون و يضلّون الأمة،و يدخلوها...

و العالم معهم في ليل طويل لا آخر له.و قد حذرهم الرسول إن فعلوا ذلك قائلا:

«إنه سيلي أمركم بعدي رجال يطفئون السنّة،و يحدثون البدعة،و يؤخرون الصلاة عن مواقيتها.و عندما سأله ابن مسعود:كيف بي إذا أدركتهم؟أجابه النبي قائلا:

«يابن أم عبد،لا طاعة لمن عصي اللّه»،قالها ثلاث مرات.[رواه أحمد،الفتح الرباني ج 29 ص 23 و قال:حديث صحيح].

اللّه و رسوله يكشفان العقول و الجموع التي ستنقض عري الإسلام

إن نقض عري الإسلام لم يتم آليا أو بصورة عفوية إنما كان وراء عملية النقض؛تخطيط محكم،و عقول كبيرة كانت تعرف ما تريد و تسعي،بلا كلل و لا ملل،لتحقيق ما تريد،و تقف وراءها جموع إلهها هواها،و لا همّ لها إلا هدم دين الإسلام و تفريغه نهائيا من مضامينه،و الإبقاء علي قشوره ليستقيم لها الملك الذي جاءت به النبوة.و قد أشرنا إلي قيادات النقض،بالقدر الذي تحتمله عقول العامة، و نشير الآن إلي الجموع التي وقفت خلف تلك القيادات التي تولت كبر عملية نقض عري الإسلام و هذه الجموع هي:

1-بطون قريش:منذ اليوم الأول الذي أعلن فيه الرسول أنباء النبوة و الكتاب،و طوال مدة ال 15 سنة التي سبقت الهجرة النبوية،و بطون قريش ال 23 تقف وقفة رجل واحد ضد محمد،و ضد بني هاشم،و قد استعملت بطون قريش كافة سهام كيدها،و فنون مكرها،و تآمرت علي قتل النبي مرات متعددة، لأنها ببساطة تحسد الهاشميين،و تكره ما أنزل اللّه،و لا تريد أن يكون النبي من بني هاشم،و لما هاجر النبي جيّشت بطون قريش الجيوش،و استعدت العرب علي

ص: 19

النبي،و حاربته حربا لا هوادة فيها،و بعد حروب طاحنة،و لما هزمها النبي اضطرت مكرهة أن تدخل،أو أن تتظاهر بالدخول في الإسلام،و بنفس الوقت أخفت تركة صراع طويل،و حسدا متمكنا من النفوس،و حقدا دفينا ألقي أجرانه في القلوب.و لما رأت بطون قريش أن النبوة قد أسفرت عن ملك رأت من مصلحتها أن تعترف بهذه النبوة طمعا بالانقضاض علي الملك ذات يوم،و عندما تيقنت البطون،بأن الرسول قد رتب مرحلة ما بعد النبوة،و أنه قد عين خليفتين من بعده«كتاب اللّه و عترة النبي أهل بيته»،صممت بطون قريش أن تستولي علي الملك من بعد النبي،و أن تحارب الإسلام بأسلحته فروّجت،بإن الإسلام قد جاء بالعدل و المساواة و الإنصاف،و ليس من العدل و لا من الإنصاف أن ينال الهاشميون الملك و النبوة معا،و أن تحرم بطون قريش من هذين الشرفين معا، و الأفضل أن يختص الهاشميون بالنبوة،و أن تختص بطون قريش بالملك تتداوله فيما بينها،لذلك صممت بطون قريش علي فرض هذه القسمة بالقوة الغاشمة بعد وفاة النبي،و هكذا نقضت بطون قريش عمليا العروة الأولي من عري الإسلام، و هي الحكم.و اتحدت ضد آل محمد بعد وفاة النبي تماما،كما اتحدت ضد النبي،و حاربت آل محمد بكل وسائل الحرب و فنونه،تماما كما حاربت النبي من قبل،و استعدت عليهم العرب،تماما كما استعدت العرب علي النبي من قبل!! و كانت بطون قريش علي استعداد أن تمد يدها للشيطان إن ساعدها علي تحقيق ذلك كله.و قد وثقنا ذلك في كتابنا«المواجهة»و سقت 394 دليلا علي ذلك من عيون المراجع المعتمدة عند أهل السنة،فليرجع إليه من يشاء.

2-المنافقون:و هم العمود الفقري للجموع التي دعمت نقض عري الإسلام،و كانت لهم قواعد في المدينة،و ما حولها و في مكة و ما حولها،و قد حمل عليهم القرآن حملات متكررة،حتي كشفهم و عرّاهم علي حقيقتهم،و وضع اللّه و رسوله معيارا لمعرفة المؤمن من المنافق،فمن والي عليا بن أبي طالب و أحبه،فهو مؤمن،و من عاداه و أبغضه فهو منافق.[راجع علي سبيل المثال صحيح الترمذي ج 2 ص 299 و مسند أحمد بن حنبل ج 6 ص 292 و صحيح النسائي ج 2 ص 27 و خصائص النسائي ص 27 و صحيح ابن ماجه ص 2].

ص: 20

و كتابنا«الهاشميون في الشريعة و التاريخ»ص 225 يشتمل علي عشرات المراجع و المثير للدهشة أنه لم يرو راو قط أن أحدا من المنافقين علي الإطلاق قد عارض أي خليفة،أو امتنع عن بيعة أي خليفة،أو تلكأ عن نصرة أي خليفة من الخلفاء الذين حكموا الأمة عبر التاريخ،و الوحيد الذي عارضه المنافقون و امتنعوا عن بيعته هو علي بن أبي طالب،و هكذا فعلوا مع ابنه السبط الإمام الحسن!!أتحدي أي عالم علي وجه الأرض أن ينقض هذه الحقيقة!!بل الأعظم من ذلك أنه بعد موت النبي اختفت المخاوف من ظاهرة النفاق،و اندمج المنافقون في المجتمع اندماجا تاما!!و وقفوا بكل قواهم مع دولة الخلافة،و مارسوا حياتهم بحرية، و أصبح الولاء للدولة هو المعيار لتمييز الحق من الباطل،فمن يوالي دولة الخلافة فهو علي الحق،أو مستور الحال بغض النظر عن إيمانه أو نفاقه!و من يعارضها فهو علي الباطل،و شاق لعصا الطاعة،و مفرق للجماعة،و دمه حلال للخليفة!!

3-الذين في قلوبهم مرض:و هم غير الفئة المنافقة،و يمكن أن نسميهم بأصحاب المصالح،أو ضعاف الإيمان،و قد وصفهم القرآن الكريم وصفا دقيقا، و قد ساهمت هذه الفئة في نقض عري الإسلام.

4-الذين في قلوبهم زيغ:و هم فئة رابعة متميزة عن غيرها من الفئات،و هؤلاء يفرون من الوضوح إلي الغموض،و من الحق إلي الباطل،و هم التاركون للنص الآخذون بالرأي حرصا علي مصلحة الإسلام و المسلمين!!!

5-أصحاب التخشع الكاذب:فئة يتظاهر أفرادها بالورع،و التقي و الدين، و هم كاذبون و لهم القدرة علي خداع كل الناس،و أبرز مثال علي هذه الفئة ابن ذي الثدية،فقد خدع أبا بكر،و خدع عمر رضي اللّه عنهما،و تصور أنه خاشع تقي فكلف رسول اللّه أبا بكر ليقتله فلم يفعل تقديرا لخشوعه،ثم كلف الرسول عمر بقتله فلم يفعل،لأنه قد اغتر بخشوعه،فأمر الرسول عليا بقتله فلم يجده،و أخبر الرسول.أن هذا المتخشع الكاذب مارق،و أن عليا سيقتله ذات يوم و قتله علي بالنهروان بالفعل،[راجع البداية و النهاية لابن كثير ج 7 ص 299،و مجمع الزوائد ج 6 ص 227].و قد ساهمت هذه الفئة بنقض عري الإسلام،و قد كشف

ص: 21

اللّه و رسوله حقيقة هذه الفئة،كما كشف حقيقة غيرها من الفئات التي ستقود، و تتبني عمليا عملية نقض عري الإسلام.

البيان اليقيني و إقامة الحجة علي الجميع

من خلال الترابط و التكامل بين القرآن و بيان النبي لهذا القرآن،و بمتابعة من الوحي الإلهي الذي لم يتوقف،بيّن الترتيبات الإلهية لمرحلة ما بعد موت النبي، و أثبت بالدليل القاطع،بأن هذه الترتيبات محكمة،و أنها صنع اللّه،و هي الهدي بعينه،و هي الصراط المستقيم نفسه.

و نجح النبي نجاحا منقطع النظير في وصف الطريق التي سيسلكها المسلمون بعد وفاته،و كشف مخاطرها و منعطفاتها،و تحديد الأعداء تحديدا دقيقا،و بيان طريق النجاة من كل خطر،و المنهج الفرد لهزيمة الشيطان و أوليائه.و هكذا وضع اللّه و رسوله تحت تصرف طلاب الهدي التصوّر اليقيني،لما هو كائن و لما ينبغي أن يكون،فقامت الحجة علي الجميع،فمن يترك الطريق القويم لا يتركها بشبهة، أو بعذر لأنه لا شبهة مع اليقين،إنما يتركها منحرفا متعمدا مع سبق الإصرار.

المفاجأة الكبري

بعد أن وضع النبي تحت تصرف المسلمين التصوّر اليقيني لما هو كائن، و لما ينبغي أن يكون،و بعد أن رسم لهم مخططا للطريق التي سيسلكونها بعد وفاته،مرض كما أخبرهم من قبل،و أعلن أنه سيموت في مرضه،و أنه سيلخص لهم الموقف خطيا،فيؤمنهم ضد الضلالة و الانحراف تأمينا شاملا،و ضرب موعدا لكتابة توجيهاته النهائية للأمة،و دعا لهذا الموعد الخلّص من أصحابه،ليأمنهم علي عهده،و ليشهدوا كتابة توجيهاته النهائية،و ما أن جلس النبي مع خلّص أصحابه،و في الوقت الذي همّ بكتابة توجيهاته النهائية فوجيء النبي و الخلّص من أصحابه،بجمع كبير من بطون قريش يدخل حجرة النبي دون استئذان،و يجلسون دون دعوة متجاهلين بالكامل وجود النبي،و لم يثن هذا التصرف النبي عما أراد، فقال النبي لخلّص أصحابه:«قربوا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا»،فتجاهل

ص: 22

جمع بطون قريش وجود النبي،و تجاهلوا ما قاله،و وجهوا كلامهم للخلّص من أصحابه قائلين:«إن النبي قد غلبه الوجع،حسبنا كتاب اللّه»أن النبي يهجر حسبنا كتاب اللّه استفهموه!إنه يهجر!!!القرآن وحده يكفينا و لا حاجة لوصية الرسول!!!

احتج الخلّص من أصحاب النبي علي هذا التصرف المستغرب،و اصطدموا مع جمع البطون،و علت الأصوات بين أصحاب النبي الخلّص القلة،و بين الكثرة من بطون قريش،و تنازعوا،فأطلّت النسوة من وراء الستر،و قلن:ألا تسمعون رسول اللّه يقول:قرّبوا يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده؟فنهرهن أحد الصحابة قائلا لهن:«إنكن صويحبات يوسف»هنا تكلم النبي فقال:«إنهن خير منكم»ما أنا فيه خير مما تدعونني إليه،قوموا فلا ينبغي عندي تنازع!!و هكذا صرف النبي النظر عن كتابة توجيهاته الخطية،إذ لو أصر النبي علي الكتابة لأصرت بطون قريش في ما بعد علي أن الكتابة قد صدرت عن النبي و هو يهجر حاشاه،مع ما يستتبع ذلك من خطر ماحق علي الدين نفسه،و هكذا نجحت بطون قريش و من لف لفها بإخراج النبي من التأثير علي سير الأحداث بلحظات حاسمة،و حرقت الأمة و العالم من الاستفادة من توجيهات النبي النهائية الخطية.و ما ذكرناه حقائق رواها البخاري في صحيحه في ست روايات،و رواها مسلم في صحيحه،و النووي في شرحه علي صحيح مسلم و ابن القيم الجوزي في تذكرة الخواص،و أبو حامد الغزالي في سر العالمين،و كشف ما في الدارين،و لا خلاف إطلاقا بين المسلمين علي صحة و حقيقة هذه الوقائع،و هكذا صدمت بطون قريش خاطر النبي الشريف، و قصموا ظهر الإسلام بالفعل.و تلك حادثة فريدة من نوعها في التاريخ السياسي الإسلامي،فما من خليفة علي الإطلاق إلا و قد مرض قبل موته،و اشتد به الوجع أكثر مما اشتد الوجع برسول اللّه.و ما من خليفة علي الإطلاق إلا و قد كتب توجيهاته النهائية أثناء مرضه،و قبل موته،و لم يصدف علي الاطلاق أن قال أحد لأي خليفة من الخلفاء أنت تهجر،أو أن الوجع قد اشتد بك،و أنه لا حاجة لنا بوصيتك،و لا بتوجيهاتك لأن القرآن عندنا و هو يكفينا و يغنينا عنك!!.بل علي العكس فقد كانت وصايا الخلفاء و هم علي هذه الحالة تنفذ كأنها وحي إلهي

ص: 23

تنزلت به الملائكة علنا،و علي رؤوس الأشهاد!!!و بعض الخلفاء و هو مشرف علي الموت أوحي بقتل كل من لا يلتزم حرفيا بتوجيهاته النهائية التي أصدرها، و هو مريض علي فراش الموت،و مع هذا نفذت تلك التوجيهات بدقة متناهية.

حلقة من مخطط و خطوة علي طريق

لم تكن مواجهة بطون قريش للنبي في الحجرة المقدسة و قولهم له«أنت تهجر،و القرآن يغنينا عنك،و لا حاجة لنا بوصيتك»وليدة لحظتها إنما كانت الحلقة قبل الأخيرة من مخطط أعدّ له بدقة،و نفّذ خطوة بعد خطوة.كانت بطون قريش و من لف لفها تريد أن تبقي من الدين و النبوة فقط،ما هو ضروري لبقاء الملك الذي تمخضت عنه النبوة و ما لا يتعارض مع هذا الملك،و تريد في النهاية الاستيلاء علي هذا الملك بالقوة و القهر و التغلب،و أن تنسف كافة تعاليم الدين و ترتيباته التي تتعارض مع أهدافها تلك.لقد أدركت هذه الجبهة خطورة البيان النبوي،و قدرة النبي علي إيصال ما يريد إلي قلوب سامعيه،و أدركت إحكام الترتيبات الإلهية لذلك،و أثناء حياة النبي و صحته كانت بطون قريش تشكك بكل ما قاله النبي،و تصد عن كتابة أحاديث النبي.قال عبد اللّه بن عمرو بن العاص:

«كنت أكتب كل شيء سمعته من رسول اللّه...فنهتني قريش و قالت:الرسول بشر يتكلم في الغضب و الرضي...[راجع سنن أبي داود ج 2 ص 126،و سنن الدارمي ج 1 ص 125 و مسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 162 و 207 و 216 و المستدرك للحاكم ج 1 ص 105 و 106 و جامع بيان العلم لابن عبد البر]، و كانت بطون قريش تشيع بأن الرسول يفقد السيطرة علي أعصابه،فيسب و يشتم و يلعن من لا يستحق ذلك،[راجع صحيح البخاري،كتاب الدعوات باب قول النبي«من آذيته»،و صحيح مسلم،كتاب البر و الصلة،باب من لعنه النبي]،و أن النبي قد سحر و أنه يخيل إليه أنه قد فعل الشيء و ما فعله..[راجع صحيح البخاري،بدء الخلق،باب صفة إبليس و جنوده،و صحيح مسلم باب السحر]..

إلي آخره من تلك الأراجيف و الأكاذيب التي لا أساس لها من الصحة،و لما أدركت البطون الطامعة بالملك فشل إشاعاتها،و استبطأت أجل النبي صممت علي

ص: 24

قتله،و شرعت في جريمتها في غزوة تبوك،و لكن اللّه حمي نبيه؛كل ذلك يجري تحت خيمة الإسلام التي استظلت بها الفئة الطامعة بالملك،فجاء يوم الرزيّة كما يسميه ابن عباس،و هو يوم المواجهة في الحجرة المقدسة ليكشف الأسرار، و ليظهر حقيقة توجهات البطون الحاقدة علي بني هاشم.

كانت جبهة الصد عن سبيل اللّه تشكل فريقا حقيقيا،و حزبا منظما،رتب كل شيء،و اقتسم الملك و الغنائم،حتي قبل موت النبي،و جاءت المواجهة في الحجرة المقدسة بمثابة استعراض للقوة،و لإقناع أولياء النبي بأنه لا فائدة ترجي من المعارضة،فإما أن يقبلوا بترتيبات البطون و ما قبلته من الإسلام،أو يواجهوا الموت،و يتوقعوا عودة الشرك بعد التوحيد،و هذا يفسر اضطرار بعض الصحابة الكرام لمجاراة هذا التيار الساحق.و كانت هذه الجبهة تضم بطون قريش التي قاومت النبي قبل الهجرة،و حاربته بعد الهجرة،ثم اضطرت مكرهة للدخول في الإسلام،و تضم المنافقين من أهل المدينة،و من حولها؛منافقون من أهل مكة، و ممن حولها من الأعراب بالإضافة إلي المرتزقة من الأعراب الذين لا همّ لهم إلا الكسب،الذين ينتظرون من تدور عليه الدوائر ليأكلوه،و القاسم المشترك بين هذه الفئات هي كراهيتهم لآل محمد،و عدم قبولهم بأن يجمع الهاشميون النبوة و الملك معا!!!لأن في ذلك إجحاف بحق البطون!!فهل من العدل-برأي البطون-أن يجمع الهاشميون النبوة و الملك،و أن ينالوا الشرفين،و يحوزوا الفخرين معا،و تحرم بقية البطون!!أليس محمد من قريش!!لماذا يرث سلطانه الهاشميون وحدهم!!و من الذي يضمن للبطون أن الهاشميين لن يجحفوا عندما يؤول الملك إليهم بعد وفاة النبي!!ثم إن الهاشميين قد وتروا بطون قريش أثناء حروبها مع النبي،فما من بطن من بطون قريش إلا و قتل منه الهاشميون،فهل تقبل بطون قريش رئاسة الذين قتلوا أبناءها،و يتّموا أطفالها و رمّلوا نساءها!!إن من مصلحة الإسلام أن تتوحد بطون قريش خلفه،و لن تتحقق هذه الوحدة إلا إذا استبعد الهاشميون عن الملك،و سلمت قيادة المسلمين لبطون قريش،و من والاها من العرب خاصة و أن الجميع يتلفظون بالشهادتين و البواطن للّه.أما الاحتجاج بالترتيبات التي أعلنها النبي في غدير خم،فالنبي بشر و الناس أعلم بشؤون

ص: 25

دنياهم!!!و هكذا صارت الفتنة كوجوه البقر،لا تدري أيا من أي،و أصبح أولياء النبي أقلية يخافون مرة ثانية أن يتخطفهم الناس من حولهم.و قد وثقنا كل ذلك بكتابنا؛المواجهة.

و هكذا افترق الإسلام عن السلطان«مع أنهما توأمان لا يصلح واحد منهما إلا بصاحبه،فالإسلام أس و السلطان حارس،و ما لا أس له يهدم،و ما لا حارس له ضائع».[رواه الديلمي،راجع كنز العمال ج 6 ص 1].و مع الأيام آلت الخلافة لمن لا مؤهل له،إلا الغلبة و كثرة الأتباع و لمن لا يعرف من الدين إلا اسمه!!!

ص: 26

الفصل الثاني: بطون قريش و أنصارها يستولون عمليا علي مقاليد الدولة الإسلامية

اشارة

قبل فتح مكة كانت الفئة المؤمنة الصادقة أقلية وسط أغلبية ساحقة من المشركين و المنافقين و المرتزقة من الأعراب.و بعد فتح مكة و دخول العرب بالإسلام بقيت الفئة المؤمنة الصادقة أقلية أيضا وسط أكثرية ساحقة من المنافقين و المرتزقة من الأعراب و حديثي الدخول بالإسلام الذين يجهلون تاريخه و رجاله.

و في الحالتين كان وجود النبي كقيادة إسلامية،و التفاف الفئة المؤمنة الصادقة حوله الضمانة الوحيدة لنقاء الحكم الإسلامي و بقائه.و هنا يكمن سر تركيز النبي المكثف علي من يخلفه.لقد أدركت بطون قريش هذه الناحية،و رأت أن استغلالها هي الطريق الوحيد للوصول إلي الملك،و فصل السلطان عن الإسلام، لذلك استغلت هذه البطون سماحة الإسلام و عدالته،و جمعت حولها كافة العناصر التي اشتركت بمقاومة النبي و محاربته سابقا،و انصب هدفها علي عزل الفئة المؤمنة عن المجتمع،و تهميشها تماما و دس الوقيعة بين رموزها،و استعمال الكثرة الساحقة،كطريق فرد للاستيلاء علي الدولة الإسلامية.و التفرد بالملك الذي تمخضت عنه النبوة!!و كمرحلة أولي رأت البطون أن تسند رئاسة الدولة لرموز إسلامية مقبولة و معروفة«الخليفة الرمز»علي أن تكون بطانته،و قادة جنده و عمال ولايته و أهل الحل و العقد عنده،و بعد أن تضرب جذور البطون في الأرض تلغي فكرة الخليفة الرمز و تستولي علنا و رسميا علي كافة مقاليد الدولة الإسلامية، و تفرض علي الناس مناهجها التربوية و التعليمية،و خلال هذه المدة تمنع رواية

ص: 27

الحديث النبوي و كتابته،حتي تطمس كلّ ما يذكر الناس بالحقيقة و بالشرعية السياسية الإلهية.و سواء في عهد الخليفة الرمز،أو عندما استولت البطون علي مقاليد الدولة،كانت الفئة المؤمنة مهمشة تماما.و راجت قناعة بأن أفرادها لا يصلحون للقيادة،و غير موالين لدولة البطون و متحفزين لشق عصا الطاعة، و مفارقة الجماعة!!و من مصلحة الإسلام و المسلمين،و من دواعي استقرار الدولة أن تبقي هذه الفئة تحت الرقابة المباشرة للخليفة الرمز و بطانته،و أن لا يتولي أفرادها أي مصلحة من المصالح العامة،بمعني أن الفئة المؤمنة عمليا تحت الإقامة الجبرية،فنادرا ما يأذن الخليفة لأحد من أفرادها بمغادرة العاصمة إلي الأقاليم البعيدة عن إشرافه المباشر.و لأن الخليفة عادل فقد كان يغدق علي الشخصيات البارزة من أفراد هذه الفئة المؤمنة الأموال الطائلة من بيت مال المسلمين تأليفا لقلوبها،و اتقاء لخطرها و طمعا باستقرار الدولة،حتي صارت تلك الشخصيات من أصحاب الملايين في مجتمع أكثريته الساحقة جائعة و محتاجة!!.

المعايير الجديدة لتعبئة الوظائف العامة

عند ما نجح التحالف الذي قادته بطون قريش،بالاستيلاء علي مقاليد الدولة اختفت المعايير التي كانت سائدة في زمن الرسول،فلم يعد منها البلاء في سبيل اللّه،و لا السابقة في الإسلام،و لا العلم،و لا الإخلاص للّه و لرسوله،و حلت محلها معايير جديدة أهمها؛موالاة دولة البطون،و إرضاء رموزها و الأكثرية الساحقة،و القدرة علي تنفيذ سياسة الدولة و برامجها التربوية و التعليمية،و معاداة أعداء الدولة،و الحط من قيمتهم،بحيث لا يبقي لهم شأن و لا ذكر،و إرغام أنوفهم لتبقي دوما في التراب!

الاستعانة بالمنافقين و الفاسقين و المرتزقة

قال ابن حجر في فتح الباري«و الذي يظهر من سيرة عمر رضي اللّه عنه في أمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد أنه كان لا يراعي الأفضل في الدين فقط،بل كان يضم إليه الذي عنده مزيد من المعرفة السياسية،فلأجل ذلك استخلف معاوية

ص: 28

و المغيرة بن شعبة،و عمرو بن العاص مع وجود من هو أفضل منهم في أمر الدين و العلم،[راجع فتح الباري،كتاب الأحكام ج 13 ص 198].

قال حذيفة:«أمين سر رسول اللّه»لعمر بن الخطاب يوما:«يا عمر إنك تستعين بالرجل الفاجر»،[راجع كنز العمال ج 5 ص 77]«و اللّه يا عمر إنك تستعمل من يخون و تقول ليس عليك شيء و عاملك يفعل كذا و كذا»،[راجع تاريخ الطبري ج 5 ص 31]،و كان عمر يعلم أن الذين يستعين بهم و يستعملهم فجار،أو منافقون أو خونة للّه و لرسوله و لكنه كان يبرر استعماله لهم بالقول:

«نستعين بقوة المنافق،و إثمه عليه».[رواه ابن أبي شيبة و البيهقي،راجع كنز العمال ج 4 ص 614].و هكذا صارت الاستعانة و تأمير الفاسقين و المنافقين و الفجار طمعا بقوتهم سنّة و نظرية تتبناها دولة البطون و تنفذها بوفاء،فأينما وجدت القوة،استعانت بصاحبها بغض النظر عن دينه،أو علمه أو سابقته أو جهاده أو ماضيه،و القوة تعني الالتزام بسياسة الدولة العامة،و الولاء لها،و كراهية أعدائها،و حرمان أولئك الأعداء و أوليائهم من كافة الوظائف العامة،و الكارثة حقا أن«أعداء»الدولة و معارضيها سواء بالعلن أم بالسر هم أولياء النبي و قرابته الأدنون،و من قام الإسلام كله علي أكتافهم!!

طواقم جديدة من الولاة

بعد أقل من شهرين علي وفاة الرسول الأعظم تم عزل كافة العمال و الولاة و الأمراء الذين عينهم الرسول،و قتل بعضهم شر قتلة،كمالك بن نويرة،و نجا أسامة بن زيد الذي عينه الرسول أميرا علي جيش من العزل بأعجوبة!!و عينت الدولة طواقم جديدة من الولاة و الأمراء بدلا من الذين عينهم رسول اللّه، و اقتسمت بطون قريش الوظائف العامة،و حصل البطن الأموي علي نصيب الأسد، لأن هذا البطن قد ساهم مساهمة فعالة بإقامة دولة البطون.و هذا البطن مشهور بعداوته للنبي و ببغضه لآل النبي،و حقده عليهم،فالعرب كلهم بل العالم بأسره يعلم بأن أبا سفيان و أولاده خاصة،و الأمويين عامة هم الذين قادوا جبهة الشرك ضد رسول اللّه طوال فترة ال 15 سنة التي سبقت الهجرة،و أنهم هم الذين جيّشوا

ص: 29

الجيوش و ألبوا العرب علي رسول اللّه و حاربوه بكل فنون القتال،و عادوه بكل وسائل العداء حتي أحيط بهم عندما فتح الرسول مكة،فاضطروا مكرهين للتلفظ بالشهادتين،و كتموا إحباطهم و حقدهم علي آل محمد،لأنهم فئة موتورة،فما من بيت من بيوت البطن الأموي إلا و أصاب الهاشميون منه مقتلا،و قد بيّن الرسول لأصحابه،بأن الأمويين هم أكثر بطون قريش بغضا لآل محمد،و أنهم طامعون بملك النبوة لأنه رآهم ينزون علي منبره نزو القردة،و طلب من الناس أن يعتزلوهم و أن يحذروا منهم،و بعد وفاة النبي بفترة و جيزة ولت الدولة يزيد بن أبي سفيان قائدا عاما لجيش الشام،و لما مات يزيد عينت أخاه معاوية أميرا علي الشام خلفا لأخيه،[راجع البداية و النهاية ج 8 ص 118،و تاريخ الطبري ج 5 ص 69، و الاستيعاب ج 3 ص 596،و كنز العمال ج 13 ص 606]و أطلق عمر بن الخطاب يد معاوية في بلاد الشام،و أعطاه الحرية الكاملة ليفعل ما يشاء، و ليتصرف علي الوجه الذي يراه،بلا رقيب و لا حسيب،فقد قال عمر لمعاوية يوما:«...لا آمرك و لا أنهاك»،[راجع البداية و النهاية ج 8 ص 125،و تاريخ الطبري ج 6 ص 184]،و كان عمر يوطد له بين الناس فيقول عن معاوية:«إنه فتي قريش و ابن سيدها»،[راجع البداية و النهاية ج 8 ص 125،و الاستيعاب ج 8 ص 397]،و كان يقول للناس:«تذكرون كسري و عندكم معاوية»،[راجع تاريخ الطبري ج 6 ص 184]،و خاطب عمر أصحاب الشوري قائلا:«إذا اختلفتم دخل عليكم معاوية بن أبي سفيان من الشام»،[راجع الطبقات الكبري لابن سعد ج 5 ص 535].و كان عمر يعرف أن معاوية يعد أهل الشام للخروج، و أنه سيخرج ذات يوم،فقد صرح عمر في يوم من الأيام قائلا:«يا أهل الشام استعدوا لأهل العراق».[راجع الدلائل لابن سعد،و كنز العمال ج 12 ص 354].و مع هذا لم يتعرض له عمر،إنما تركه ليكمل استعداداته و عدته و يخرج في الوقت المناسب!!و كان وراء تأمير عمرو بن العاص،فقد أعلن عمر أمام علية القوم قائلا:«لا ينبغي لأبي عبد اللّه أن يمشي علي الأرض إلا أميرا».

[راجع الاصابة ج 5 ص 3]،و استعان عمر بقوة الوليد بن عقبة،مع أن الوليد فاسق بنص القرآن،و كان يسكر علنا و صلي بالناس و هو سكران.[راجع الإصابة

ص: 30

ج 3 ص 363].و استعان عمر بعبد اللّه بن أبي سرح،و كان من المقربين إليه، [راجع تاريخ الطبري ج 5 ص 59،و البداية و النهاية ج 8 ص 214].و عبد اللّه ابن أبي سرح هذا هو الذي افتري علي اللّه الكذب،و أباح الرسول دمه حتي لو تعلق بأستار الكعبة،ثم أتمها عمر علي بني أمية،و وضع الأساس المتين لحكمهم يوم عهد عمليا بالخلافة لعثمان.

و استعان عمر بقوة أبي الأعور السلمي الذي شهد حنين مشركا،[راجع الإصابة ج 2 ص 540،و أسد الغابة ج 6 ص 16]،و قد لعنه رسول اللّه[رواه أبو نعيم،راجع كنز العمال ج 8 ص 82].و كان من أشد المبغضين لعلي بن أبي طالب،و قد أمّره عمر،و جعله علي مقدمة جيش.[راجع الإصابة ج 2 ص 541].

و أمّر عمر يعلي بن منبه علي بعض بلاد اليمن،و كان من الحاقدين علي علي بن أبي طالب،فقد أعان الزبير بأربعمائة ألف عندما خرج علي علي،و اشتري لعائشة أم المؤمنين جملا يقال له(عسكر)،و جهز سبعين رجلا من قريش لقتال علي بن أبي طالب.[راجع الاستيعاب ج 3 ص 662-663].

و استعان عمر ببسر بن أرطأة،و أياس بن صبيح،و هو من أصحاب مسيلمة الكذاب،أسلم و ولاّه عمر القضاء علي البصرة،[راجع الإصابة ج 1 ص 120].

و استعان عمر بطليحة بن خويلد الذي ادعي النبوة بعد النبي،و قد أعجب عمر به و رضي عنه،و كتب إلي أمرائه أن يشاوروه.[راجع البداية و النهاية ج 7 ص 130].و ابن عدي الكلبي الرجل النصراني الذي تلفظ بالشهادتين،و فورا دعا له عمر برمح فولاه الإمارة،قال عوف بن خارجة،ما رأيت رجلا لم يصلّ صلاة أمّر علي جماعة من المسلمين قبله،[راجع الإصابة ج 1 ص 116].و استعمل عمر أبا زبيد علي صدقات قومه و كان نصرانيا،و لأنه قوي استعمله،و لم يستعمل نصرانيا غيره.[راجع الاستيعاب ج 4 ص 80].و استعان عمر بكعب الأحبار اليهودي الذي أسلم فصار من خلص الخليفة و أصفيائه و مرجعه و موضع أسراره، و المجيب الموثوق علي كل تساؤلاته،و تولي كعب عملية القص في المساجد و صار القص سنّة.[راجع الإصابة ج 3 ص 316]،فكان كعب يقص ما يحلو له

ص: 31

في مسجد رسول اللّه،في الوقت الذي منعت فيه دولة الخلافة كتابة و رواية أحاديث رسول اللّه نفسه!!

و لما مات عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه كانت ولايات الدولة و أعمالها و وظائفها العامة غاصة بأصحاب«القوة»من الفاسقين و المنافقين،و قد استخدمهم الخليفة ليستعين بقوتهم،كما قال و نفاقهم و فسقهم علي أنفسهم.

و لما آلت الخلافة إلي عثمان رضي اللّه عنه،رفع شعار صلة الرحم،بدلا من القوة،فعمر كان يبحث عن الأقوياء ليستعين بقوتهم،أما عثمان فقد كان يبحث عن الأرحام ليصلها،و من نافذة الأرحام و بابها الواسع دخل الأمويون كلهم، و دخل معهم أولياؤهم إلي ولايات الدولة و أعمالها و وظائفها،فما من مصر من الأمصار،و ما من عمل من الأعمال،إلا و واليه أموي،أو موال لبني أمية.و كان أول الداخلين من هذا الباب الحكم بن العاص،طريد رسول اللّه و عدوه اللدود، لعنه رسول اللّه و طرده و حرم عليه دخول المدينة،و لما آلت الخلافة لعثمان أعاده للمدينة معززا مكرما،و لما مات بني علي قبره فسطاطا،و مع الحكم دخل ابنه مروان.قالت عائشة أم المؤمنين لمروان:«أما أنت يا مروان فأشهد أن رسول اللّه لعن أباك و أنت في صلبه».قال الذهبي و ابن عبد البر و غيرهما:«مروان أول من شق عصا المسلمين بلا شبهة».[راجع شذرات الذهب ابن العماد ج 1 ص 69].

و كان مروان من أسباب قتل عثمان.[راجع الإصابة ج 6 ص 157].و مع أن مروان ملعون علي لسان نبيه،إلا أنه تولي الخلافة،و لقب بأمير المؤمنين و توارث أبناؤه ملك النبوة.و قد وصف مروان بن الحكم وضع دولة الخلافة بآخر أيام عثمان،وصفا دقيقا فقال لجموع الثوار الذين احتشدوا حول دار عثمان:«ما شأنكم قد اجتمعتم كأنكم قد جئتم لنهب،شاهت الوجوه،كل إنسان آخذ بإذن صاحبه إلا من أريد،جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا،اخرجوا عنا،غب رأيكم،ارجعوا إلي منازلكم،فإنا و اللّه ما نحن مغلوبين علي ما في أيدينا».[راجع تاريخ الطبري ج 5 ص 110].

و الخلاصة أن دولة الخلافة تحولت إلي ملك أموي خالص،و أن الأمويين قد غلبوا علي كل شيء،و أن الأكثرية الساحقة مع بني أمية طمعا بما هم غالبون

ص: 32

عليه،و أنه لم يبق من الإسلام السياسي إلا لقب الخليفة«أمير المؤمنين»،و أن الولايات و الأعمال و الوظائف العامة بالكامل مع بني أمية،و أموية من جميع الوجوه،بمعني أن الدولة بكل مؤسساتها قد أصبحت تحت سيطرة الذين عادوا رسول اللّه و حاربوه بالأمس،و أن الفئة المؤمنة مهمشة بالكامل،و أقلية،و ليس لها من أمر الدولة شيء.و لو تولي الخلافة بعد عثمان أي رجل في الدنيا غير علي بن أبي طالب لما استطاع أن يصمد بمثل هذه الظروف أكثر من ساعة من الزمان،لأن الملك الأموي،و سلطان المنافقين و الفاسقين،قد توطّد و ضربت جذوره في الأرض و في النفوس و المصالح طوال عهود الخلفاء الثلاثة،و وفقا للمعايير التي عممتها الدولة،فلا فرق بين أي صحابي من السابقين في الإيمان،و من أهل البلاء و بين أبي سفيان،أو الحكم بن العاص،فهم بدون تفصيلات صحابة،لأنهم شاهدوا النبي،و كلهم عدول و التفاضل بينهم في الآخرة،و ليس في الدنيا، و الأهم من ذلك هو اعتقاد الأكثرية،بأن أبا سفيان و الحكم بن العاص أصلح لإمارة الناس من أصحاب السابقة،و من أهل البلاء في سبيل اللّه،ممن قامت الدولة النبوية علي أكتافهم و بسواعدهم،أما أهل بيت النبوة،فقد تم التعتيم رسميا علي كل فضائلهم،و لا يجرؤ أحد علي ذكرهم بخير،و هم في أحسن الظروف صحابة مثلهم مثل أبي سفيان،و مروان بن الحكم،و معاوية،بل إن هؤلاء و أمثالهم أعظم شانا عند الأكثرية و الأولي بالطاعة من أهل بيت النبوة،لأن وسائل إعلام الدولة الرسمية نفخت الثلاثة و أمثالهم،و أعطتهم أحجاما أسطورية ليست لهم في الحق و الحقيقة،بينما تجاهلت وسائل إعلام الدولة التاريخية أهل بيت النبوة،و عتمت علي صورهم،و سخرت الدولة كافة مواردها لإبراز أهل بيت النبوة بصورة النكرات!!!و استقرت تلك الأوهام التي خلقتها وسائل الإعلام، و إمكانيات دولة الخلافة في قلوب الأكثرية الساحقة من أبناء الأمة،لأن تلك الأوهام كانت بمثابة القناعات الرسمية التي تبنتها دولة البطون،و علي منوالها سارت عهود الخلافة التاريخية.

و باختصار شديد فإن أهل بيت النبوة،و أولياء النبي و هم علماء الإسلام و أساتذته الذين قامت دعوة الإسلام و دولة النبوة علي أكتافهم،قد أخروا بالقوة،

ص: 33

و صاروا رعايا و محكومين،لا تقدم مواقفهم و لا تؤخر مع إجماع أغلبية ساحقة، أما الذين قاوموا النبي و النبوة قبل الهجرة و حاربوا النبي بعد الهجرة،و جهلوا أحكام الدين فقد غلبوا بعد وفاة النبي،و تسلموا بالقوة أو بالعهد و التسلل مقاليد الدولة،فصاروا هم السادة و الحكام و الأساتذة و أصحاب الكلمة المسموعة،لأن بيدهم النفوذ و الجاه و المال و السلطة،و مؤهلهم الوحيد هو القوة.تلك حقيقة لا يماري فيها إلا جاهل،أو متجاهل أو عابد هواه.

و تحقق ما حذر منه النبي و تفكك الإسلام و حلت كافة عراه!!!

بيّنا بأن رسول اللّه و قبل أن ينتقل إلي جوار ربه،حذر المسلمين و بأنهم إن لم يلتزموا بما أمرهم به،فإن الإسلام سيتفكك،و ستحل عراه عروة بعد عروة، فكلما انتقضت عروة تثبت الناس بالتي تليها،و أن أول عري الإسلام نقضا الحكم،و آخرها نقضا الصلاة.[رواه أحمد و ابن حبان في صحيحه،و الحاكم في مستدركه،راجع كنز العمال ج 1 ص 238].

و كرر النبي التحذير في مناسبات متعددة،و أطلعهم علي ما هو كائن و بالتصوير الحي البطيء،و أحيط الجميع علما بما حذر منه الرسول،و قامت الحجة علي الجميع.و لخص الرسول الموقف للجميع،و أكد هذا التلخيص بكل وسائل التأكيد،و بيّنه و بكل طرق البيان،و حذر المسلمين بأنهم لن ينجوا و لن يهتدوا،و لن يتجنبوا الضلالة من بعده،إلا إذا تمسكوا بالثقلين كتاب اللّه،و عترة النبي أهل بيته.

ثم بعد ذلك مرض النبي،و كان ما كان،فما أن مرض النبي حتي تنكرت له الأكثرية الساحقة رغبة أو رهبة،و قالوا له وجها لوجه:«أنت تهجر!!و القرآن وحده يكفينا،و لسنا بحاجة لوصيتك»!!بل و الأعظم من ذلك أن هذه الأكثرية بعد أن استولت علي مقاليد الحكم منعت رواية و كتابة أحاديث رسول اللّه منعا باتا، و رفعت شعار«حسبنا كتاب اللّه»!!و صارت رواية أحاديث الرسول من الجرائم الكبري التي يستحق مرتكبها القتل،فكان حذيفة يقول:«لو كنت علي شاطيء

ص: 34

نهر،و قد مددت يدي لأغترف فحدثتكم بكل ما أعلم ما وصلت يدي إلي فمي حتي أقتل».[راجع كنز العمال ج 3 ص 345 نقلا عن ابن عساكر]و روي البخاري في صحيحه[كتاب العلم ج 1 ص 34]عن أبي هريرة أنه قد قال:

«حفظت من رسول اللّه و عائين،فأما أحدهما فبثثته و أما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم»!!و قال:«إني لأحدث أحاديثا لو تكلمت بها في زمن عمر أو عند عمر لشجّ رأسي».[راجع البداية لابن كثير ج 8 ص 107]و في عهد عمر بن الخطاب عزم أبي بن كعب أن يتكلم في الذي لم يتكلم به بعد وفاة الرسول فقال:«لأقولن قولا لا أبالي أستحييتموني عليه أو قتلتموني».[راجع ابن سعد،الطبقات الكبري ج 3 ص 501 و الحاكم باختصار ج 2 ص 329 و ج 3 ص 303].و وعد أن يكشف الحقائق أمام الناس يوم الجمعة،و ترقب الناس ذلك اليوم الذي يكشف فيه أبي بن كعب حقائق ما سمعه من رسول اللّه،و لكن في يوم الأربعاء مات الصحابي العظيم الذي وعد بكشف الحقائق.قال قيس بن عباد:رأيت الناس يموجون، فقلت:ما الخبر؟فقالوا:مات سيد المسلمين أبي بن كعب،فقلت:ستر اللّه علي المسلمين حيث لم يقم الشيخ ذلك المقام».[راجع المسترشد لابن جرير الطبري ص 28،و معالم الفتن لسعيد أيوب ج 1 ص 257].

و الخلاصة أن منع رواية و كتابة أحاديث الرسول قد تحوّل إلي قانون أساسي،نافذ المفعول في كل أرجاء دولة الخلافة،و لكن لا بأس برواية الأحاديث التي تمدح القائمين علي الحكم،و تضفي طابع الشرعية و المشروعية علي تصرفاتها،فرواية مثل هذه الأحاديث مباحة حتي و إن كانت مختلقة،و رواة هذه الأحاديث من المقربين،حتي و إن كانوا أعداء للّه و لرسوله!!

و بمدة وجيزة،حلت عري الإسلام كلها عروة بعد عروة،و لم يبق غير الصلاة،و حشر المؤمنون الذين كانوا يصلون علي طريقة رسول اللّه،و ضيق الخناق عليهم علي اعتبار«أنهم شواذ»يخالفون جماعة المسلمين و إمامهم، و يتفردون بصلاة تختلف عن صلاة الأمة!!قال حذيفة أمين سر رسول اللّه:«لقد ابتلينا حتي أن الرجل ليصلي وحده و هو خائف».[راجع صحيح البخاري ج 1 ص 180 كتاب الجهاد و السير].و قال حذيفة أيضا:«فابتلينا حتي جعل الرجل منا

ص: 35

لا يصلي إلا سرا».[راجع صحيح مسلم ج 2 ص 179،و رواه أحمد في الفتح الرباني ج 23 ص 40،و ج 2 ص 462 من معالم الفتن].و روي البخاري أن الزهري قد دخل علي أنس بن مالك فوجده يبكي،فقال له ما يبكيك؟فقال أنس:

لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة،و هذه الصلاة قد ضيعت.[راجع الفتح الرباني ج 1 ص 200].و قال أنس بن مالك مرة أخري:«لا أعرف شيئا اليوم مما كنا عليه علي عهد رسول اللّه!!فقلنا:فأين الصلاة؟فقال أولم تضعوا بالصلاة ما قد علمتم؟»![رواه أحمد و الترمذي،و حسنه و قال في الفتح الرباني ج 1 ص 199 روي عن أنس من غير وجه].

هذه شهادة حذيفة أمين سر رسول اللّه و تكتسب شهادته أهمية خاصة لأنه أمين سر رسول اللّه بإجماع المسلمين،و لأنه بقي علي عهد رسول اللّه لم يبدل و لم يتبدل،و لم يرجع القهقري علي عقبيه،تدعمها شهادة أنس بن مالك الذي وعي عمليا الصلاة بحكم خدمته للنبي،و كان أنس إلي جانب السلطة دائما عايشها و تعايش معها،و لم يثنه عن الولاء لهذه السلطة تبدلها و لا تغيرها،و كان يسمع مسبته من رجالها بصبر بالغ.

فإذا ثبت بأن المخلصين من الصحابة كانوا يصلون سرا،و هم في حالة خوف،من غضب السلطة،أو من غضب الجماهير الموالية لها،و إذا كان أحد الذين خدموا الرسول فترة طويلة،و شاهد رسول اللّه مئات المرات و هو يصلي عمليا يشهد و يقر و يعترف بأن الصلاة قد ضيعت بالفعل و نقضت من أصولها،ففي هذا دليل قاطع علي أن آخر عروة من عري الإسلام،و هي الصلاة قد حلت تماما بشهادة شهود عيان عاصروا حكومة الرسول،و حكومة الخلفاء الثلاثة،و حكومة بني أمية،و لا خلاف بين اثنين من المسلمين علي أن رسول اللّه قد أخبر الأمة بما هو كائن،مثلما أخبر الأمة بأن عري الإسلام ستنقض عروة بعد عروة،و أن نقض نظام الحكم هو أول عري الإسلام نقضا،و أن نقض الصلاة هو آخر عري الإسلام نقضا،و لا خلاف بين اثنين من المسلمين علي أن رسول اللّه صادق فيما أخبر، و أنه لم ينطق عن الهوي-علي الأقل في هذه الأخبار-حتي نتجنب معارضة أولئك الذين يزعمون بأن محمدا بشر يتكلم في الغضب و الرضي!!ثم إنه من المحال

ص: 36

عقلا أن يخبر الرسول الأمة بهذه الأخبار الخطيرة علي مسؤوليته،و باجتهاد منه، و بدون تفويض إلهي!!و من الناحية الواقعية فقد تحقق ما أخبر به الرسول و حذر منه،فلا أحد من أولياء الخلفاء،و من شيعة الخلافة التاريخية يمكنه أن يزعم بأن الإسلام كله قد بقي علي حاله.أو ينكر بأن عري الإسلام كلها لم تنقض.لقد بين الرسول ما هو كائن و ما سيكون إشفاقا و رحمة بالأمة،و قياما بواجب البيان،و لقد حذر و أنذر إقامة للحجة علي المكذبين و المكابرين،و إرشادا للصادقين ليبقوا دائما علي الصراط المستقيم.و كان الرسول صادقا في بيانه و رحمته،و تحذيره و إنذاره،و أنه لم يخبر بتلك الأخبار المستقبلية اجتهادا منه كما كانوا يتصورون، أو تحليلا شخصيا،إنما كانت تلك الأخبار الموثوقة ثمرة وحي إلهي،صدقه ما وقع في المستقبل،لأن اللّه و رسوله لا يقولان إلا الحق و الحقيقة.

ص: 37

الفصل الثالث: مظاهر نقض عري الإسلام و وسائله

1-استبعاد النبي!!

أول و أخطر مظاهر نقض عري الإسلام هو مواجهة بطون قريش و زعامتها للنبي أثناء مرضه،و الحيلولة بين النبي و بين كتابة توجيهاته النهائية و تجاهلهم لوجوده تجاهلا تاما،و قولهم علي مسمعه:إن النبي يهجر!!استفهموه إنه يهجر، و لا حاجة لنا بكتابه،حسبنا كتاب اللّه!!![راجع صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قوموا عني ج 7 ص 9 و ج 4 ص 31 و ج 1 ص 37، و صحيح مسلم آخر كتاب الوصية ج 5 ص 75،و صحيح مسلم بشرح النووي ج 11 ص 95،و مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 356 ح 2992،و الكامل في التاريخ لابن الأثير ج 2 ص 230 و كتابنا نظرية عدالة الصحابة ص 287 و ما فوق].

كانت هذه أول عروة و أخطر عروة تنقض من عري الإسلام،فقد تجاهلت زعامة بطون قريش وجود النبي،و أعلنت و بكل صراحة،أن القرآن يكفي،و لا حاجة لما قاله النبي أو سيقوله!!

و قد مهدت زعامة بطون قريش لهذا الموقف المدمر،فبثت سلسلة من الشائعات التي تنصب كلها علي ضرورة عدم الوثوق بكل ما يقوله النبي،لأنه بشر يتكلم في الغضب و الرضي،و دوره مقتصر علي تلاوة القرآن،و تبليغ الناس،ما يوحي إليه من هذا القرآن فقط.و قد وثقنا ذلك في كتابنا«المواجهة»مع رسول اللّه و آله.و عندما تسلمت هذه الزعامة قيادة الأمة بعد وفاة النبي ترجمت أقوالها

ص: 38

و شائعاتها و قناعاتها إلي قوانين ملزمة للرعية بالقوة الجبرية،فمنعت رواية و كتابة الحديث النبوي،و أحرقت المكتوب منه،و صار من المعروف عند العامة و الخاصة أن عقوبة من يروي أحاديث النبي المتعلقة بالأمور الأساسية عقوبته قطع البلعوم علي حد تعبير أبي هريرة،أو الاستحياء و القتل،كما عبر عنهما أبي بن كعب رضي اللّه عنه.

و هكذا و اعتبارا من اللحظة التي قعد فيها رسول اللّه علي فراش المرض تم استبعاده بالكامل،و جمدت كافة أوامره و توجيهاته،و لم ينفذ منها شيء،و إن نفذت فقد جاء التنفيذ متأخرا و بالقدر الذي يخدم توجيهات زعامة بطون قريش، و خير مثال علي ذلك جيش أسامة،أو بعث أسامة،فالملك ملك النبوة،و زعيم البطون رسميا هو خليفة النبي،و المتصرف بالملك الذي بناه النبي،و الأمة هي أمة النبي.و مع هذا فلا يجوز لأي فرد من أفراد الأمة أن يروي أو يكتب حديثا عن النبي!!!

لأن رواية و كتابة أحاديث النبي تسبب الخلاف و الاختلاف بين الناس،كما ذكر ذلك الخليفة الأول في أول تصريح له حسب رواية الذهبي في تذكرة الحفاظ و بنفس التصريح أمر الخليفة رعاياه قائلا:«فمن سألكم عن شيء فقولوا بيننا و بينكم كتاب اللّه»!!!فعلي العموم،الرسول شخصيا مستبعد«كما في حالة مرضه»،و أحاديثه التي تضمنت توجيهاته مستبعدة من التأثير علي الحركة الكلية للمجتمع،إلا إذا كانت هذه الأحاديث تخدم الملك،و توجهاته الجديدة و القائمين عليه،فعندئذ تعمم هذه الأحاديث و تعامل بقداسة،و تروي و تبرز كأدلة قاطعة علي شرعية نظام البطون!!يمكن لمن يشاء أن يروي ما يشاء من أشعار الجاهلية، و خرافات الأقدميين و نجاسات الشرك،و يمكن لفئة أن تقص القصص و أساطير بني إسرائيل في مسجد الرسول نفسه،فلا خطر من ذلك علي ألفة الأمة و وحدتها و انقيادها لزعامة البطون.و لكن لا يمكن حتي لأبي بن كعب أن يروي حديثا عن النبي يمس واقع المجتمع أو مستقبله،لأن مثل هذا الحديث يسبب الخلاف، و الاختلاف علي حد تعبير الخليفة الأول و بهذه الحالة و أمثالها فالقرآن وحده يكفي!!!

ص: 39

2-استبعاد آل محمد و أهل البيت و الهاشميين و من والاهم!!!

و من مظاهر حل عري الإسلام أن زعامة بطون قريش التي استولت علي السلطة بعد وفاة النبي،قد استبعدت آل محمد الذين يصلي عليهم المسلمون في صلاتهم،كما استبعدت أهل بيت النبوة الذين شهد اللّه لهم بالطهارة،ثم هم أبناء النبي،و نساؤه،و كنفسه كما هو ثابت بآية المباهلة،و بعد يوم واحد من دفن النبي هددت زعامة البطون علي بن أبي طالب بالقتل،و أحضرت الحطب و شرعت بحرق بيت فاطمة بنت الرسول علي من فيه و فيه،فاطمة و الحسن و الحسين سبطا رسول اللّه،و حرمتهم من إرثهم من النبي،و من تركته،و صادرت كافة الإقطاعات التي أعطاها النبي لهم حال حياته،و جردتهم من كافة ممتلكاتهم،و لأسباب إنسانية تعهد الخليفة الجديد بتقديم المأكل و المشرب لهم لا يزيد عن ذلك!!و صورت السلطة الجديدة أهل بيت النبوة بصورة الشاقين لعصا الطاعة المفارقين للجماعة، فأذلتهم،و عزلتهم عزلا تاما،فتجنبهم الناس،و نفروا منهم مع أن آل محمد و أهل بيته قد ورثوا علم النبوة كاملا و عزل الهاشميون و هم بطن النبي و تجنبهم الناس، و اتخذوا منهم موقفا حذرا علي ضوء موقف السلطة،و أدعت بطون قريش أنها الأقرب للنبي لأن محمدا من قريش!!!

و يجدر بالذكر،أن بطون قريش ال 23 وقفت وقفة رجل واحد ضد النبي، فقاومته قبل الهجرة،و حاربته بعد الهجرة،و لم يقف مع النبي عمليا و لم يحمه من شرور بطون قريش إلا البطن الهاشمي،و عندما أشعلت بطون قريش حربها الآثمة ضد النبي،كان الهاشميون أول من قاتل و أول من قتل و بقوا إلي جانب النبي حتي انتقل إلي جوار ربه،هناك مزقت بطون قريش سجلات بني هاشم الحافلة بالأمجاد و الشرف و عزلتهم و عاملتهم معاملة العبيد و السوقة.

و أحكمت بطون قريش الحلقة عندما عاملت أولياء آل محمد و أهل بيت النبوة معاملة جائرة بجرم موالاتهم لأهل البيت،و قولهم بأن آل محمد كما قد عرفوا من النبي أولي بسلطانه.

و خوفا من هذه الدعوي استبعدت بطون قريش آل محمد،و أهل بيته، و بني هاشم،و من والاهم أو قال بمقالتهم أو تتلمذ علي أيديهم.و مع أن الخلفاء

ص: 40

التاريخيين،و بقوة الدفع النبوي،و بالآلية التي أوجدها النبي،و بالجيش الذي أسسه النبي قد فتحوا مشارق الأرض و مغاربها،إلا أنه لم يرو راو قط أن أحدا من الخلفاء قد أمّر أحدا من آل محمد أو من أهل بيته،أو أحدا ممن يواليهم،بل علي العكس كان الخلفاء يختارون الأمراء و العمال و الولاة من الكارهين لآل محمد و الحاقدين عليهم،أو ممن كانوا لا يرون لآل محمد أي فضل أو تميز عن الناس.

و لم تكتف زعامة قريش بذلك إنما حاولت أن تضرب آل محمد ببعضهم و أن توقع بينهم كما فعلت عندما و عدت العباس ببعض الأمر لتتمكن من الانفراد بعلي بن أبي طالب،و إبطال حجته،و حاولت أن تفتت وحدة البطن الهاشمي،و لكن محاولاتها فشلت في البداية و نجحت فيما بعد!!

و رصت زعامة البطون،و قادت بنفسها حملة كبري هدفها طرد و تقتيل و تشريد و إذلال آل محمد،فهددت عليا بالقتل،و شرعت بحرق بيت فاطمة علي من فيه،و فيه ابنا الرسول الحسن و الحسين،و حرمتهم من ميراث النبي و تركته و صادرت ممتلكاتهم،ثم سمت الحسن،ثم قتلت الحسين،و أبادت أهل بيت النبوة،و تجاهلت و معها الأكثرية الساحقة من المسلمين نداءات النبي التي لم تتوقف،و وصاياه المتلاحقة:«اتقوا اللّه في أهل بيتي»،و قد عبر الإمام زين العابدين عن هذا الهول بقوله:«لو أن رسول اللّه قد حرض المسلمين علينا ما زادوا علي ما فعلوا..».

و هكذا تم استبعاد أهل بيت النبوة،و حرمانهم،و التنكيل بهم و إذلالهم، و معاقبة أوليائهم،فقد مر علي المسلمين حين من الدهر كان فيه حب آل محمد أو موالاتهم من جرائم الخيانة العظمي التي عقوبتها القتل و هدم الدار،و الحرمان من العطاء،و التجريد من كافة الحقوق المدنية،بحيث لا تقبل شهادة من يحب آل محمد،[راجع كتاب الأحداث للمدائني برواية ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 3 ص 595 تحقيق حسن تميم].

فإذا عرفت أن أهل بيت النبوة هم أحد الثقلين بالنص الشرعي،و أن الهدي لن يدرك إلا بالتمسك بهما:«كتاب اللّه و عترة النبي أهل بيته»تكتشف بيسر بأن كافة عري الإسلام قد حلّت بالفعل،و أن الذين حكموا باسم الإسلام كانوا يصيبون

ص: 41

من الإسلام المقاتل،و يجردونه من كل مضامينه،و يهدمون كل أركانه،و لا يبقون منه إلا الشكليات اللازمة للمحافظة علي الملك!!!

و المدهش بالفعل،أن أهل بيت النبوة قد استغاثوا فلم يغثهم أحد، و استنصروا فلم ينصرهم أحد،و شرعت السلطة بحرق بيت فاطمة علي من فيه و فيه ابنا الرسول،و حرمت السلطة أهل البيت من ميراث النبي،و من تركته، و جردتهم من ممتلكاتهم.و مع هذا لم ينكر علي السلطة منكر،و لم يأمرها أحد بمعروف،و لم ينهها عن منكر،و المدهش أيضا أن تجنّد السلطة مائة ألف مقاتل لقتال الحسين و من معه،و هم لا يزيدون عن مائة رجل،و مع هذا لم ينكر عليها منكر،و لم يأمرها أحد بمعروف أو ينهها عن منكر،و بعد أن قتل كل من كان مع الحسين و بقي وحيدا شن جيش الخلافة هجوما شاملا علي رجل واحد!!و لهم غاية محددة و هي قتله،و التمثيل به،و مع هذا لم ينكر علي الخليفة أو جيشه منكر،و لم يؤمروا بمعروف أو ينهوا عن منكر!!و هذا ما لم يحدث حتي في مجتمع الفراعنة!!!و هكذا حدث ما أخبر به الرسول،و حذر منه.و لاقي أهل بيته القتل و التشريد و التطريد و اقترف هذه الجرائم زعماء القوم الذين سمعوا النبي و هو يخبر بما كان،و ما هو كائن،و يحذر،و شاهدوه و هو يبكي علي ما يفعل القوم بأهل بيته من بعده،و بعد موت النبي تذكرت زعامة القوم تحذيرات النبي، و استذكرت دموعه الشريفة،و لكن تلك الزعامة ارتكبت جرائمها مع سبق الترصد و الإصرار،و هي نفس الجرائم التي حذرها النبي منها.

3-غربة الإسلام و الإيمان

بعد أن حلت عري الإسلام كلها بدءا من الحكم و انتهاء بالصلاة،أصبح الإسلام الحقيقي الذي جاء به محمد غريبا علي المجتمع،إذ لم يبق من الإسلام إلا الشكليات الضرورية لبقاء الملك،و السيطرة علي البلاد المفتوحة باسمه، و المسلمون المؤمنون الحقيقيون الذي بنيت دولة النبي علي أكتافهم صاروا فئة قليلة معزولة غريبة غربة تامة عن مجتمع دولة الخلافة،لأن هذه الفئة تمسكت بالقرآن و والت أهل بيت النبوة،كما أمرت و شكلت مع أهل بيت النبوة الشيعة المؤمنة التي تحمل إرث الأنبياء و التي عاشت معزولة طوال التاريخ البشري،

ص: 42

فأفراد هذه الفئة المؤمنة هم الذين وقفوا مع النبي في لحظات شدته،و هم الذين نهلوا علوم النبوة يوما بيوم،و طبقوها فصلا فصلا،حتي صاروا هم أساتذة المجتمع و ينابيع الدين النقية،و لما استولت بطون قريش بالقوة و التغلب عل منصب الخلافة و اكتشفت أن هذه الجماعة المؤمنة موالية للّه و لرسوله و لأهل بيت النبوة،و أن ولاءها الثلاثي هذا لن يتجزأ لأن هذا الولاء بعرفها هو الدين الحقيقي،عندئذ أدركت دولة الخلافة خطورة هذه الفئة فنقمت عليها،و عزلتها تماما كما عزلت أهل بيت النبوة،و اعتبرت أفرادها غرباء متطرفين،و اعتبرت تعاليمهم خطرا علي وحدة الدولة،و وحدة الأمة،و حذرت دولة الخلافة أفراد تلك الفئة بأنهم إن لم يلتزموا بالطاعة،و إعلان الولاء للدولة،فإن الدولة ستسند لهم تهمة مفارقة الجماعة،و شق عصا الطاعة،و تفريق الأمة الواحدة و هي جرائم عقوبتها الموت،و كان واضحا لأفراد تلك الفئة المؤمنة،بأن العامة ينتظرون إشارة دولة الخلافة لقتل كافة أفراد هذه الفئة،و سبي ذراريهم،و نهب أموالهم،لأن العامة لا مطمع فعلي لها إلا المال و رضي الخليفة الغالب طمعا بما في يديه، و تلك حقيقة فلن يكون لأي فرد من أفراد هذه الفئة المؤمنة أهمية أعظم من علي بن أبي طالب،أو من فاطمة بنت محمد،أو من سادات بني هاشم،و قد سمع الجميع ما حل بهم،و ما آلت إليه أحوالهم من الذل و الهوان و العزلة!!

لذلك من الأفضل لأفراد هذه الفئة أن يتجاهلوا تاريخهم الحافل بالأمجاد، و علاقتهم الحميمة الخاصة بالنبي،و أن يتبالهوا،فيقوموا بدور التلاميذ الذين يسمعون للأمراء الأساتذة!!!

صحيح أن الأمراء طلقاء لا يفهمون من الدين شيئا،و أن أفراد الفئة المؤمنة هم العلماء،و كان ينبغي أن يكون أفراد الفئة المؤمنة هم الأمراء،و الأساتذة، الذين يفيضون علومهم علي الجميع،لكن الخليفة الغالب قد قرر الاستعانة بقوة «الطلقاء»و إثم الطلقاء علي أنفسهم كما قال عمر بن الخطاب،فأصبح الطلقاء أمراء و من حق الأمير أن يطاع و أن يوجه و يقود المأمورين!!و كان بيد دولة الخلافة و أركانها آلية الحكم الخاصة،فمن يعصي الخليفة الغالب الذي يتربع عمليا علي ملك الدنيا و نفوذها،يتصرف به علي الوجه الذي يريد بلا رقيب و لا حسيب،

ص: 43

و يطيع عليا بن أبي طالب المؤمن الذي لا يملك شروي نقير،و من يعصي معاوية بن أبي سفيان والي الشام المتصرف بخيراتها تصرف المالك بملكه،و يطيع عمار بن ياسر،و أبا ذر الغفاري،أو المقداد بن عمرو،الفقراء المغضوب عليهم من دولة الخلافة.صحيح أن معاوية بن أبي سفيان مثلا طليق و ابن طليق،و أحد أبرز قادة معسكر الشرك الذي قاوم و حارب رسول اللّه و بكل قواه حتي أحيط به فاضطر مكرها للاستسلام و الإسلام،و صحيح أيضا أن معاوية لا يعرف شيئا من الإسلام لأنه حديث العهد،و لا قدرة له علي تعريف أهل البلاد المفتوحة بالإسلام،و صحيح أيضا بأن عمار و أبا ذر و المقداد من أعمدة الإسلام و من رواده المؤسسين و بناته و من علمائه،لكن هذا تاريخ،و مثاليات،بعيدة عن إمكانية التطبيق فالواقع المفروض و الوحيد الذي يمكن تطبيقه هو أن معاوية هو الأمير الذي يجب أن يطاع،و المعلم الديني،و أن عمار و المقداد و أبا ذر و أمثالهم مأمورين و متعلمين،و يجب أن يرهفوا أسماعهم لمعاوية العالم الديني،و أن يتعودوا علي طاعة معاوية الأمير!!و إن لم يفعلوا ذلك فهم عصاة أو مشاغبون يهددون الأمن و وحدة الأمة!!و القانون الإسلامي يطبق علي الجميع لا فرق بين عربي و عجمي،و لا سابق بالإيمان و لا طليق،تلك هي الآلية القانونية التي أوجدتها دولة الخلافة!!!

و قد يخطر ببال عمار مثلا،و كما حدث بالفعل حسب رواية ابن الأثير في تاريخه أن يقدم احتجاجا خطيا إلي الخليفة الرمز يشكو له من أمور لا يمكن تبريرها،حتي وفق آلية الدولة،عندئذ يأمر الخليفة بعض أعوانه الطلقاء فيضربوا عمار بن ياسر،حتي يكسروا أضلاعه،و يرموه أخوار أسوار قصر الخليفة،لأنه تجرأ علي ذكر مثل تلك الأمور،و تجرأ علي الشكوي،و قد حدث هذا بالفعل كما روي ابن الأثير و غيره،و قد يخطر ببال أبي ذر أن يأمر بالمعروف و ينهي عن المنكر،و يحذر من مظاهر البذخ و سوء العاقبة،فيفسر عمل أبي ذر هذا بأنه «إفساد في الأرض»و إفساد للناس،فقد كتب معاوية إلي الخليفة،بأن أبا ذر في طريقه لإفساد الشام و أهلها،عندئذ يأمر الخليفة بنفيه،و ينفي من مكان إلي مكان بالفعل خوفا علي أمة محمد من أن يفسدها صاحبه أبو ذر،و يعيش الرجل مطاردا

ص: 44

منفيا،و يموت منفيا وحيدا!!!و قد تتولي دولة الخلافة قتل من لا تقوي علي تدجينهم من المؤمنين السابقين،و تسند تهمة القتل إلي الجن،كما فعلت مع سعد بن عبادة سيد الخزرج،فالرسالة الرسمية المصححة و المطلوب من المسلمين المؤمنين الصادقين أن يتناسوا بالكامل كل تاريخهم و علومهم و علاقتهم بالنبي،و أن يغضّوا أبصارهم تماما عما يجري،و أن يشهدوا بصمت عملية نقض عري الإسلام كلها،و أن يراقبوا عملية التغيير«الإسلامية الكبري»فإن فعلوا ذلك نجوا،و لن يتعرض لهم أحد،و يمكن لكل واحد منهم أن يأخذ عطاءه الشهري، و لن يغضب الخليفة منه،و ليس من المستبعد أن يرضي الخليفة و أعوانه عليه!!!

هذه الآلية العجيبة عزلت الفئة المؤمنة عمليا،و حيّدتها تحييدا تاما عن التأثير علي حركة الأحداث التي أدت لنقض عري الإسلام كلها،و بالتالي فقد أصبح الإسلام و الإيمان و كافة مضامينهما الحقيقية مفاهيم غريبة تماما،لا تنتمي لحركة الأحداث،و لا تؤثر علي الأحداث،و هي عرضة للتبديل و التحوير و التغيير،لأن هذه المضامين و في أحسن الظروف مجرد اجتهادات،لا تقدم و لا تؤخر،و لا تقيد الخليفة،فرسول اللّه مثلا كان يوزع العطاء بين الناس بالسوية،لا يفرق بين عربي و عجمي و أسود و أبيض،لأن حاجات الناس الأساسية متشابهة و مضي الخليفة الأول علي هذه السنّة،و لما جاء الخليفة الثاني اكتشف بأنه ليس من العدل أن يأخذ العربي كالعجمي،و أن يأخذ القرشي كغيره من العرب،لذلك اجتهد فأوجد موازين خاصة و مراتب للناس،و ألغي فكرة التسوية بالعطاء،و أعطي الناس حسب مراتبهم عنده،حتي أنه لم يساو بالعطاء بين زوجات الرسول، فلعائشة أم المؤمنين،و لحفصة ابنته و أم المؤمنين درجة أعظم من أم سلمة مثلا، فكانت عائشة مثلا تأخذ اثني عشر ألفا،و كان المئات من الناس لا يحصلون علي معشار هذا المبلغ،و نتيجة هذا الاجتهاد نشأت الطبقية فوجدت فئة يملك كل واحد من أفرادها الملايين،بل المليارات،و وجدت الملايين من الناس التي لا تدرك رغيف العيش إلا بشق الأنفس!!و اكتشف الخليفة بعد بضع سنين خطورة الآثار المدمرة لاجتهاده،فصرح بأنه إن عاش العام المقبل سيرجع إلي سنّة صاحبه و يوزع المال بالسوية،كما كان يفعل الرسول و أبو بكر!!!.و لا يخفي علي عاقل

ص: 45

بأن التسوية بالعطاء هي حكم شرعي صرح به النبي،و طبقه خلال حياته المباركة، و من الطبيعي أن هذا الحكم أمر إلهي،لأن الرسول يتبع و يطبّق ما يوحي إليه من ربه!!و مع هذا يتصرف الخليفة بهذا الحكم تصرف المجتهد الخبير الذي يتصور أن اجتهاده يمكن أن يكون أقرب للعدل،مما أمر اللّه به و طبقه رسوله.و يموت الخليفة العادل و الناس علي اجتهاده،و جاء اللاحقون فجعلوا اجتهاد الخليفة سنّة نافذة،غير قابلة للتغيير!!لماذا!بحجة أنها قد جرت أمام الصحابة فلم ينكر عليه منكر!!أما سنّة النبي فلم يسأل عنها أحد،و لم يطالب بإعادتها أحد!!و علي هذا فقس ما تشاء من الأحكام و القواعد و المفاهيم الإسلامية و عري الإسلام التي حلت كلها.

و هكذا صار الإسلام،و الإيمان و كافة مضامينهما و مفاهيمهما غريبة تماما.

هذا علي مستوي الدين.

أما علي مستوي المسلمين المخلصين و المؤمنين الصادقين،فقد صاروا غرباء أيضا عن المجتمع،فهم كفئة جاءت من مجتمع آخر،و سكنت في المجتمع الجديد،و اضطرت مكرهة أن تلتزم بقواعد و توجهات المجتمع الجديد الذي استضافها،لقد عزلتهم دولة الخلافة عن الأكثرية المسلمة عزلا تاما،و شككت بولائهم لأمير المؤمنين و لدولته،و حرّمت عليهم تولي الوظائف العامة لأنهم غرباء،و حرمت عليهم أن يكتبوا أو يرووا أو يحدثوا الناس بما سمعوه أو رأوه من رسول اللّه،باعتبارهم فئة تهدف إلي شق عصا الطاعة و تفريق الأمة المسلمة الواحدة!!!

فصارت الفئة المسلمة غريبة تماما عن المجتمع و يدها مشلولة و قدرتها محدودة علي تغيير ما يجري في المجتمع.

لقد انقلبت الدنيا رأسا علي عقب،فأعداء اللّه الذين قاوموا الرسول و حاربوه بكل وسائل الحرب،حتي أحيط بهم فاضطروا مكرهين للاستسلام و إعلان الإسلام صاروا قادة المجتمع و أمراؤه و خزنة أمواله و أساتذته،أما أولياء اللّه الذين وقفوا مع النبي في عسره و يسره،و حاربوا أعداءه و تلقوا و فهموا تعاليم الإسلام،فقد صاروا غرباء،محكومين،و اضطروا أن يدخلوا الصفوف الابتدائية،و يتتلمذوا علي يد

ص: 46

الذين يجهلون الإسلام،و الذين حاربوه بالأمس!!!و أن يقفوا في طوابير طويلة ليأخذوا ما تجود به أنفس الأمراء الجدد الذين كانوا أعداء للّه بالأمس!!

إنها غربة الإسلام و الإيمان،و غربة المسلمين المخلصين و المؤمنين الصادقين،تلك الغربة التي أخبر عنها النبي،و حذر منها قبل وقوعها بقوله:«إن الإيمان بدأ غريبا و سيعود كما بدأ،فطوبي للغرباء...«و بدأ الإسلام غريبا،ثم يعود غريبا كما بدأ...».[راجع معجم أحاديث المهدي ج 1 ص 71-77 تجد العشرات من مراجع هذين الحديثين الشريفين كصحيح مسلم،و ابن ماجه، و الترمذي،و مسند أحمد،و ابن أبي شيبة،و البزار و غيرهم].

لقد عاشت الفئة القليلة المؤمنة غربة كغربة الفئة المؤمنة التي عاشت في المجتمعات التي سبقت عصر النبوة المحمدية.فمارست عباداتها سرا،و دعت لأمر اللّه سرا،و كتمت إيمانها،و انتظرت فرج اللّه لأن قيادة المجتمع قد كانت لها، و خرجت من يدها بالقوة و التغلب و بالكثرة،حيث جرت الأكثرية خلف مصالحها العاجلة،و الفرق أن الفئة المؤمنة التي صارت غريبة بعد موت الرسول،صارت تعرف هدفها،و تعرف الوسيلة لتحقيق هذا الهدف،لذلك تجمعت حول أهل بيت النبوة و والتهم كما أمرت،و نهلت منهم علوم الإسلام،و أخذت تدعو إلي اللّه و دينه سرا و تنمو يوما بعد يوم،و هدفها هداية الأكثرية الساحقة إلي الطريق القويم لتتحصن الأمة ضد الانحراف و المنحرفين،و عودة الحق و الأمر إلي أهله الشرعيين،و إعادة حكم اللّه الحقيقي إلي الأرض.

4-أئمة الضلالة و أعوانهم

لغة و شرعا يطلق مصطلح الإمام علي رئيس الأمة و هاديها و مرجعها-أي أمة- و تعني الإمامة الرئاسة العامة و المرجعية معا،و هي إما أن تكون إمامة برّ و شرعية، كإمامة إبراهيم و الأئمة من بعده،و إمامة محمد و الأئمة الشرعيين من ولده تقود إلي الصراط المستقيم،و إما أن تكون إمامة فاجرة و غير شرعية سندها القوة و التغلب، كإمامة فرعون و غيره من أئمة الكفر تقود إلي دار البوار،و قد فصلنا كل ما يتعلق بهذين المصطلحين في كتابنا:«الإمامة و الولاية»فارجع إليه إن شئت.

ص: 47

و ما يعنينا أن رسول اللّه عندما لخص الموقف لأمته،و أخبرها بما هو كائن، و ما سيكون،و حذرها من مغبة معصية توجيهاته و أوامره و طاعة أعداء اللّه و أعداء رسوله توقف طويلا عند أئمة الضلالة،الذين سيأتون من بعده،و اعتبرهم ألّد الأعداء،و أعظم الأخطار التي تتهدد الأمة الإسلامية من بعده لأنهم هم الذين سيبدأون بحل عري الإسلام،و أول عروة سيحلونها هي نظام الحكم،ثم يستعينون بالسلطة و النفوذ فيحلون ما تبقي من عري الإسلام،حتي لا تبقي فيه و لا عروة واحدة دون حل،و أن هؤلاء الأئمة لن يبقوا من الإسلام إلا اسمه،و من القرآن إلا اسمه،و من الدين إلا أشكاله و مظاهره الخارجية لغاية محددة،و هي المحافظة علي ملك النبوة الذي اغتصبوه و التمتع بهذا الملك بعقلية و قلوب الجبابرة،و لكن بجبّة و عمامة إسلامية!!!هذا هو الخطر الحقيقي الذي يتهدد الإسلام و يتهدد المسلمين،و الذي توقف عنده النبي،و حذر منه و كرر التحذير،فقال مرة:«لست أخاف علي أمتي جوعا يقتلهم،و لا عدوا يجتاحهم،و لكني أخاف علي أمتي قبيحهم،و تصدقوا كذبهم...[راجع الطبراني في الكبير ج 22 ص 362 ح 910 و ص 373 و 934،و الفردوس ج 2 ص 317 ح 3437،و الجامع الصغير ج 2 ص 49 ح 4680،و كنز العمال ج 6 ص 67 ح 14876،و فيض القدير ج 4 ص 101 ح 4680،و المعجم ج 1 ص 29-30].

و وصفهم النبي مرة أخري فقال:«لا تقوم الساعة حتي يبعث اللّه أمراء كذبة، و وزراء فجرة،و أمناء خونة،و قراء فسقة....[رواه البزار،و الهيثمي في مجمع الزوائد ج 5 ص 233،و المعجم ج 1 ص 26].

و قد بين النبي الكريم أن أئمة الضلالة سيستغلون كل شيء لصالحهم، فالعطاء الذي فرضته الشريعة للمساعدة علي تأمين الحاجات الأساسية لأفراد المسلمين سيحوله أئمة الضلالة إلي رشوة!!بمعني أن أئمة الضلالة لن يعطوا أي مسلم عطاءه إلا إذا بايعهم،و رضي بجورهم و ظلمهم و قبل بوجودهم،لذلك أمر رسول اللّه المسلمين أن يأخذوا العطاء ما دام عطاء،فإذا استغل أئمة الضلالة هذا العطاء فجعلوه رشوة للسكوت،فلا ينبغي أن يأخذ المسلمون هذا العطاء،و لكن الرسول قد أخبر الأمة بأنها ستأخذ العطاء،بالرغم من أنه رشوة،لأن الفقر

ص: 48

و الحاجة يمنع المسلمين من ترك العطاء.[راجع الطبراني في الصغير ج 1 ص 264،و حلية الأولياء ج 5 ص 165-166،و تاريخ بغداد ج 3 ص 398، و معجم الأحاديث ج 1 ص 31-32].و أخبر الرسول المسلمين بمداهنة القراء، و نفاق العلماء و بعد أن أحكم أئمة الضلالة قبضتهم علي الأمة،و سلبوها أمرها من غير مشورة،و بعد أن نقضوا عري الإسلام كلها عروة عروة سخروا موارد الدولة و إمكانياتها،و أمروا ولاتهم و عمالهم و علماء السوء أن يكذبوا علي رسول اللّه و أن يختلقوا أحاديث تروي بطريقة فنية توجب علي المسلمين،طاعة أئمة الضلالة، لأن طاعتهم عبادة بوصفهم خلفاء للنبي،و تحرم علي المسلمين معصية أئمة الضلالة،لأن معصية أئمة الضلالة معصية للّه،و معصية اللّه معصية للرسول،و من عصي اللّه و الرسول فقد برئت منه الذمة،و أحل دمه حتي في الأشهر الحرم.

و أحكم أئمة الضلالة و أعوانهم الطوق عندما حرّموا علي أي مسلم أن يخرج عليهم مهما فعلوا.و سخر أئمة الضلالة كافة موارد الدولة و إمكانياتها لتعميم هذه الطاعة العمياء،و أدخلوها في مناهجهم التربوية و التعليمية،و رووا الأحاديث الكثيرة عن رسول اللّه،و مع الأيام و العادة و التكرار،صارت هذه القناعة التي لا يقبلها عقل جزءا من الدين نفسه.

قال أبو بكر الباقلاني القاضي المعروف في كتابه«التمهيد»باب ذكر ما يوجب خلع الإمام:«قال الجمهور من أهل الإثبات،و أصحاب الحديث:لا ينخلع الإمام بفسقه و ظلمه بغصب الأموال و ضرب الأبشار و تناول النفوس المحرمة و تضييع الحقوق و تعطيل الحدود و لا يجب الخروج عليه،بل يجب و عظه و تخويفه،فالأخبار متضافرة عن الرسول،و عن الصحابة في وجوب طاعة الأئمة».

و قال النووي في شروحه علي صحيح مسلم بيان لزوم طاعة الأمراء ج 12 ص 229 من صحيح مسلم بشرح النووي ما يلي و بالحرف:«قال جماهير أهل السنة من الفقهاء و المحدثين و المتكلمين:لا ينعزل الإمام بالفسق و الظلم و تعطيل الحدود،و لا يخلع،و لا يجوز الخروج عليه بذلك،بل يجب وعظه و تخويفه، و أما الخروج علي الأئمة و قتالهم فحرام بإجماع المسلمين،و إن كانوا فسقة

ص: 49

ظالمين»!!!أو أئمة مضلين،إن أطاعوهم فتنوهم،و إن عصوهم قتلوهم.[راجع مجمع الزوائد ج 5 ص 329 عن الطبراني،و الجامع الصغير ج 2 ص 403 ح 7238 للسيوطي عن الطبراني،و كنز العمال ج 6 ص 22 ح 14671 عن الطبراني،و فيض القدير ج 5 ص 264 ح 7238 عن الجامع الصغير،و معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 35-36].لقد حذر الرسول كثيرا من الدجال،و لكن أكد للمسلمين أن الأئمة المضلين أخطر من الدجال،[راجع نص الحديث بمسند الإمام أحمد ج 1 ص 98 و ج 5 ص 145،و أبو يعلي ج 1 ص 359 عن ابن أبي شيبة،و الفردوس ج 3 ص 131 ح 4163،و مجمع الزوائد ج 5 ص 238-239،و الجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 201،ح 5782، و كنز العمال ج 10 ص 191 ح 29008،و فيض القدير ج 4 ص 407 ح 5782 عن الجامع الصغير،و معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 33-34].

و وثق الرسول أثناء تحذيره الصلة بين الأئمة المضلين و بين الدجال،فقال:«إن طعام أمرائي بعدي مثل طعام الدجال،إذا أكله الرجل ينقلب قلبه».[راجع مسند أحمد ج 1 ص 98 و ج 5 ص 45،و ابن أبي شيبة ج 5 ص 142 ح 19332].

و قد وصف رسول اللّه الأئمة المضلين فقال لأحد الصحابة:«أعاذك اللّه يا كعب بن عمرة من إمارة السفهاء.قال كعب:و ما إمارة السفهاء؟قال الرسول:

أمراء يكونون بعدي لا يهدون بهديي،و لا يستنون بسنتي،فمن صدقهم بكذبهم، و أعانهم علي ظلمهم،فأولئك ليسوا مني و لست منهم،و لا يردون علي الحوض،و من لم يصدقهم علي كذبهم،و لم يعنهم علي ظلمهم فأولئك مني و أنا منهم و سيردون علي الحوض...[راجع عبد الرزاق ج 11 ص 345- 346 ح 20719،و مسند أحمد ج 3 ص 321 عن عبد الرزاق و ص 329 و ج 5 ص 11 و ج 6 ص 395،و البزار عن حذيفة،و النسائي ج 7 ص 160، و الطبراني في الكبير ج 4 ص 67 ح 3127 و ح 3628،و الطبراني في الأوسط و الحاكم ج 1 ص 78-79،و معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 23- 25].

و وصفهم النبي مرة أخري فقال:«ستكون عليكم أئمة يملكون أرزاقكم

ص: 50

يحدثونكم فيكذبونكم،و يعملون و يسيئون العمل،لا يرضون منكم حتي تحسنوا إن أئمة الضلالة و أعوانهم في منتهي الدهاء و الخبث،كما أخبر الرسول إنهم شياطين حقيقيون،سخروا كافة إمكانات الدولة و مواردها للتحريف و التبديل و الخلط.لقد«جيروا»أو ظهروا لهم كما تجير و تظهر قسائم الشيكات كافة الحقوق التي رتبها اللّه للرسول و للأئمة الشرعيين من بعده،فصار إمام الضلالة يتمتع بنفس حقوق الطاعة و الامتيازات التي يتمتع بها الرسول و الأئمة الشرعيين الذين اختارهم اللّه و أعدهم و أهّلهم لقيادة الأمة من بعده!!و انطلي خبث أئمة الضلالة علي العوام!!فهل يعقل أن يحذر رسول اللّه من أئمة الضلالة،و أن يخبر المسلمين بأن أئمة الضلالة سينقضون عري الإسلام كلها،و أنهم سينتهكون كل محرم،و يشردون و يطردون و يقتلون آل محمد و أهل بيت النبوة،و سيذلون المسلمين،و مع هذا يأمر الرسول بمكافأتهم علي جرائمهم العظمي،فيعتبر طاعتهم كطاعته عبادة و واجبة،و معصيتهم كمعصيته محرمة توجب العقوبة!!!ثم يحرّم الخروج عليهم مهما فعلوا و يتركهم يتنفعون بظلمهم و فسقهم و معاصيهم و إذلالهم للأمة و الجلوس علي رأسها!!فإي مجنون في الدنيا يصدق ذلك!!!و أي عقل يقره،و أي دين يأمر به!!!

و لكن و لأن أئمة الضلالة هم الحكام المالكون للسلطة و الجاه و النفوذ و المتصرفون بشؤون الأمة تصرف المالك فقد اختلقوا هم و أعوانهم علي الرسول، و وضعوا هذه الاختلاقات في مناهجهم التربوية و التعليمية،و فرضوا هذه المناهج علي المسلمين،و أوجبوا عليهم التدين بها بالإكراه،و تناقلتها أجيال المسلمين، و روجت لها وسائل إعلام الدولة،و بحكم العادة و التكرار و بدعم متواصل من أئمة الضلالة و أعوانهم صارت العامة،الأكثرية الساحقة من الأمة،تعتقد بصواب هذا الاعتقاد،و تتعبد به،و لم يجرؤ الخاصة علي الاعتراض.تلك معالم و شواهد و شواخص تكشف أئمة الضلالة و أعوانهم الذين نقضوا مجتمعين و منفردين عري الإسلام كلها،و أوردوا الأمة موارد الردي،و قدموا الدين بغير صورته الحقيقية، فحالوا بينه و بين الانتشار،و بين الأمم و بين الاستفادة من نوره المبين.

ص: 51

التناقض الصارخ بين الدين و الواقع و بين المظاهر و الحقائق

1-علي صعيد الإمامة أو رئاسة الدولة:لقد أعدّ اللّه سبحانه و تعالي رسوله محمدا و أهله للنبوة و الإمامة أو الرئاسة العامة للمسلمين و اختاره لهذه المراتب لأنه الأفضل و الأعلم و الأفهم و الأنقي و الأقرب إلي اللّه،و الأقدر علي القيادة في تلك المرحلة،و تلك مواصفات و مؤهلات لا يعلمها علم اليقين إلا اللّه، و كلها مؤهلات ضرورية لتكون القدوة المثالية،و ليتمكن من قيادة الأمة و فض ما يشجر بينها من مشكلات وفق الحكم الإلهي.و من المفترض بعد وفاة النبي أن تنتقل الإمامة و الرئاسة العامة لمن أعدّه اللّه و رسوله و اختاره لهذه المهمة ليتابع طريق النبوة و يتم ما لم يتحقق من برامجها!!هذا هو التنظير الديني للرئاسة،و هذا هو حكم الدين.أما علي صعيد الواقع فالأمر مختلف جدا فأبرز مؤهلات الذين خلفوا النبي برئاسة الدولة طوال التاريخ السياسي الإسلامي هو التغلب و القهر فأي شخص يغلب علي الأمر أو الخلافة يتقلدها و يتنعم هو و الذين أوصلوه لهذا المنصب بامتيازات الخلافة،فالمتغلب شخص عادي من جميع الوجوه فلم يدّع أحد من الخلفاء التاريخيين أنه الأفضل أو الأعلم أو الأفهم أو الأتقي أو الأقرب إلي اللّه و رسوله بل و صرح أول الخلفاء بما يلي:«إني قد وليت عليكم و لست بخيركم»...فالخليفة الأول صادق في ما يقول،و يعترف صراحة و ضمنا بأن بين المخاطبين المحكومين من هو خير منه،و من هو أفضل منه،و مع هذا فقد ولي الخلافة رسميا و أصبح خليفة النبي و القائم مقامه واقعيا و علي الأمة أن تسلم بذلك شاءت أم أبت،و أن تبايعه راضية أو كارهة لأنه لا بد للجماعة المؤمنة من رئاسة.

و هنا تقع المشكلات الكبري فالسلطة الفعلية و الأمر و النهي بيد الخليفة و القائم مقام النبي واقعيا أما الإمام الشرعي المؤهل و المختار إلهيا فهو مجرد مواطن عادي لا حول بيده و لا قوة،و يمكن للخليفة بإشارة من يده أن يطيح برأس الإمام الشرعي قبل أن يرتد إليه طرفه.بهذه الحالة،فإن الخليفة لا يعرف الحكم الشرعي و لا المقاصد الشرعية،و لا برامج النبوة،و لا معني كل آية معرفة يقينية؛هو يعرف و لكن ظنا و تخمينا،و الخليفة ليس محيطا بالبيان النبوي و لا معدا أصلا ليكون

ص: 52

خليفة و ليس لديه علم يقيني لا بالماضي و لا بالحاضر و لا بالمستقبل لأنه أصلا غير معد لهذه الأمور،لقد جلس مجلسا ليس له و ادعي أمرا فوق طاقته،و علي الخليفة أن يدير أمور الدولة،فإذا رجع الخليفة للإمام الشرعي فإنه مضطر أن يرجع إليه في كل الأمور و في ذلك حط من مقام الخليفة،و اعتراف ضمني بعدم أهليته للحكم،و اعتراف بأن الإمام الشرعي هو المؤهل الوحيد في زمانه لتولي الأمور.لكن الخليفة و أعوانه لن يستسلموا و لن يعترفوا بذلك فأول خطواتهم كانت تجاهل الإمام الشرعي تجاهلا كاملا و الحط من مكانته،و التعتيم الكامل علي مؤهلاته.ثم تسيير شؤون الحكم بالرأي لا بالشرع،فهم لا يعرفون الشرع، و لكنهم يعرفون الرأي،لذلك تركوا شرع اللّه الذي لا يعرفونه و لا يجيدون الحكم وفق أحكامه و اجتهدوا أو اخترعوا أحكاما من آرائهم الشخصية لحل المشكلات التي كانت تواجه الخلفاء،و كان يصدف أن يطرح سؤال علي الخليفة أو تعرض عليه مشكلة و الإمام الشرعي موجود فيجيب الإمام الشرعي،و يقدم الحل للمشكلة أمام الخليفة الساكت فيتبني الخليفة جواب الإمام أو الحكم الشرعي الذي أعلنه الإمام إذا كان هذا الجواب أو الحكم لا يتعارض مع نظام الخليفة أو يمس بوجوده و وجود أعوانه.و كثيرا ما كان العامة ينتقدون آراء الخليفة و أحكامه،و كثيرا ما كان يصدر حكما أو رأيا اليوم و ينقضه غدا ليتبني رأيا و حكما آخر،لأنه لا يعرف الصواب علي وجه اليقين و لا يعرف الأحكام الشرعية لذلك يبقي حبيس آرائه الشخصية و اجتهاداته ليجد الحل أي حل لمشكلات الناس التي تعرض عليه.

و الخلاصة أنه و حسب أحكام الدين فإن الإمام أو الرئيس من بعد النبي يتمتع بمؤهلات خاصة تجعله ملاذا للناس بمميزاته و قدراته التي تؤهله للإجابة علي كل سؤال مطروح في العالم جوابا شرعيا يقينيا،و تجعله مثلا أعلي و قدوة للمحكومين و لأبناء الجنس البشري تماما كما كان النبي إلا أن الإمام ليس نبيا و لا يوحي إليه إنما هو وارث لعلمي النبوة و الكتاب،و مسدد،و موفق إلهيا لأنه المكلف بتنفيذ البرامج الإلهية لهداية العالم كله،و لأنه مكلف ببيان و تنفيذ الحكم الشرعي علي صعيد الأمة الإسلامية.هذا هو الإمام القائم مقام النبي شرعا و كما هو في الحق و الحقيقة،و قد وجد مثل هذا الرجل المؤهل دائما،و لكن أئمة الضلالة حالوا بينه و بين ممارسة حقه الشرعي بالإمامة.

ص: 53

أما من الناحية الواقعية فالخليفة المتغلب الذي استولي علي منصب الخلافة بالقوة و القهر و الغلبة و كثرة الأتباع فليست له صفات و مؤهلات تميزه عن غيره من الناس،فهو رجل عادي من جميع الوجوه،و مؤهله الوحيد يكمن في القوة و التغلب،حتي إذا ما استولي علي منصب الخلافة سخر إمكانياتها و مواردها لتجميل صورته،و اختلاق مميزات خاصة له و اقناع الناس بالترغيب و الترهيب أنه بالذات الشخص المناسب ليقوم مقام النبي و خلفائه.

و الخليفة المتغلب يقر علنا بأنه ليس الأفضل و لا الأعلم و لا الأقرب للّه و لرسوله،و أنه مجرد شخص عادي ليست له مميزات خاصة،و يقر أيضا بأن الأفضل و الأعلم و الأقرب للرسول موجود بالفعل و يقر أعوانه بكل ذلك تبعا لإقراره!!!و لكنهم يدعون بأن المسلمين قد قدموا المفضول و هو الخليفة علي الأفضل و هو الإمام الشرعي لمصلحة قدروها في ذلك!!!و المقصود بالمسلمين هم الفئة التي جاءت بالخليفة المتغلب و دعمته حتي جعلته خليفة!!أما المسلمون الذين يعارضون هذا الخليفة فلا يعتد برأيهم،و لا يقام له وزن لأنه يفرق الأمة بعد توحدها!!

2-اللّه سبحانه و تعالي شهد لأهل بيت النبوة بالطهارة،و اعتبرهم أحد الثقلين فالقرآن الثقل الأكبر و أهل البيت هم الثقل الأصغر،و الهدي لا يدرك إلا بالثقلين معا،و الضلالة لا يمكن تجنبها إلا بالثقلين معا،و الأمة تشهد أن الهاشميين هم الذين احتضنوا النبي و حموه و حموا دعوته طوال مدة ال 15 سنة التي سبقت الهجرة،و أن بطون قريش مجتمعة قد حاصرت الهاشميين و قاطعتهم و لو لا الهاشميين لقتلت بطون قريش رسول اللّه و بعد الهجرة و عند ما جيشت بطون قريش الجيوش و حاربت الرسول كان الهاشميون هم أركان حرب الرسول و هم أول من قاتل و منهم أول من قتل و بقي الهاشميون إلي جانب الرسول حتي استسلمت بطون قريش و اضطرت مكرهة أن تعلن إسلامها،لهذه الأسباب مجتمعة و منفردة و لأسباب تتعلق بحكمة اللّه و فضله جعل اللّه الصلاة علي آل محمد ركنا من أركان الصلوات المفروضة علي المسلمين،و فرض مودتهم علي الناس،و فرض محبتهم.بعد موت النبي قالت بطون قريش أنها أولي بالنبي من آل محمد و من

ص: 54

أهل بيته و من بني هاشم!!!و أن هذه البطون هي الوارثة الوحيدة لأموال النبي و سلطانه لأنه من قريش أما آل محمد و أهل بيته و بنو هاشم فليست لهم أية حقوق أو امتيازات خاصة،و لا يجوز لهم أن يتولوا الخلافة لأن محمدا من بني هاشم و قد أخذ الهاشميون النبوة و لا ينبغي لهم أن يجمعوا مع النبوة الخلافة فينالوا الشرفين، و يذهبوا بالفخرين،و يحرموا بطون قريش كذلك لا يجوز للهاشميين عامة و لا لأهل بيت النبوة و آل محمد خاصة أن يتولوا الوظائف العامة لأنهم سيستغلون هذه الوظائف للوصول إلي منصب الخلافة،و قد وثقنا ذلك في كتابينا:«نظرية عدالة الصحابة»و المواجهة مع رسول اللّه و آله و فوق ذلك و حتي لا يستغل آل محمد قرابتهم للنبي،و حتي لا يستميلوا القلوب و يؤلفوها من حولهم قرر الخلفاء أن يبقوا آل محمد في حالة عوز و حالة تبعية اقتصادية تامة،فحرموهم من تركة النبي، و صادروا الإقطاعات التي أقطعها لهم النبي حال حياته،و حرموهم من إرث النبي، و منعوهم سهم ذوي القربي المخصص لهم بآية محكمة،و أعلن الخليفة الأول أنه علي استعداد لتقديم المأكل و المشرب لآل محمد لا يزيدون عليه!!!و هكذا كان حصار الخلفاء لآل محمد رسول اللّه و لأهل بيته حصارا محكما و شاملا لكل نواحي الحياة!!!و لم يكتف الخلفاء بذلك لأنهم اعتبروا وجود آل محمد و أهل بيته خطرا علي منصب الخلافة و قنبلة موقوتة لا يدري الخلفاء متي تنفجر لذلك طردوهم و شردوهم و قتلوهم تقتيلا،و إن جادل القوم بآل محمد و أهل بيته فلن يجادلوا أبدا بأن عليا بن أبي طالب و فاطمة الزهراء و الحسن و الحسين هم من آل محمد بل هم رأس و عماد آل محمد،و مع هذا فقد هددوا عليا بالقتل إن لم يبايع ثم قتلوه، و شرعوا بحرق بيت فاطمة بنت محمد علي من فيه و فيه الحسن و الحسين و ذلك في اليوم الثاني لوفاة أبيها رسول اللّه،و عندما كبر الحسن قتلوه بالسم.و بقي الحسين وحيدا يضم تحت جناحيه آل محمد،ثم أخرجه الخلفاء و من والاه من آل محمد، و قادوهم إلي حمراء لا ظل فيها و لا ماء،و حالوا بين آل محمد و بين ماء الفرات حتي لا يشربوا منه و يموتوا عطشا،ثم جهز الخليفة جيشا قوامه مائة ألف مقاتل أو ثلاثين ألف مقاتل بأقل الروايات و شن هذا الجيش هجوما ساحقا علي الحسين و من معه من آل محمد و أحفاده و أبناء عمومته و تمكن الجيش من إبادة كل من

ص: 55

حضر من آل محمد،و لم يبق إلا الحسين،و كان بإمكان جيش الخليفة أن يأسر الحسين لأنه رجل واحد،و لكن هذا الجيش شن هجوما شاملا علي ابن النبي و قتله شر قتلة و قطعه تقطيعا و نهب رحله،و ساق بنات النبي،و بنات عمومته حفاري أساري و بعد أن انتهت المعركة بانتصار جيش الخليفة،صلوا الفرائض و لم ينسوا أبدا بأن يصلوا علي محمد و آل محمد؛هم نظريا يصلون علي محمد و يقتلون ابنه و أحفاده و أولاد عمومته!!و هم يصلون علي آل محمد و يقتلونهم!! يصلون عليهم و بعد الانتهاء من الصلاة يستعدون لقتلهم ثم يقتلونهم،و بعد الانتهاء من القتل يصلون عليهم و هم يعتقدون أنه لا تناقض بين صلاتهم علي النبي و قتلهم لابنه و أحفاده،و لا تناقض بين صلاتهم علي آل النبي و قتلهم لأولئك الآل!!.و قد وقع في هذا التناقض حتي الخلفاء الراشدون،فقد أمر الخليفة الأول بحرق بيت فاطمة بنت الرسول علي من فيه و فيه الحسن و الحسين ابنا رسول اللّه،و قاد السرية التي تولت مهمة الشروع بحرق بيت فاطمة ولي عهد الأول و الذي أصبح الخليفة الثاني و جمع الحطب تحت إشرافه،و أشعلت فيه النيران بأمره،و سمع بأذنه فاطمة بنت الرسول و هي تنادي بأعلي صوتها:«يا أبتي يا رسول اللّه»و لم يرمش له جفن حتي حقق ما أراد تماما؛بعد ذلك عاد ولي عهد الأول و الخليفة الثاني و معه أركان دولة الخلافة فصلوا علي محمد و آل محمد،مع أنهم قبل قليل قد شرعوا بحرق بيت بنت الرسول عليها و علي ابنيه الصغيرين و هم أحب الناس إليه و صفوة آل محمد!!و اعتقد الخليفة و ولي عهده و أركان دولته أنه لا تناقض يذكر بين أفعالهم و بين حبهم للنبي و صلاتهم علي محمد و علي آل محمد!!!

و قد تقتضي مصلحة الخلفاء أو أوهام فيها مصلحة أن يسبوا و يشتموا و يلعنوا آل محمد،و يلزموا كل فرد من رعاياهم أن يلعن الآل الكرام أو يلعن عميدهم، و أن يقطعوا عطاء من يحبهم،أو يحكما بالموت علي من يواليهم كما فعل الخلفاء الأمويون،و خلال هذه المحنة الرهيبة كان الخلفاء الأمويون و أتباعهم يصلون علي النبي و آل النبي،و كانوا يعتقدون أنه لا تناقض يذكر بين أفعالهم بآل محمد و صلاتهم علي محمد و آله!!!

ص: 56

3-المؤمنون الصادقون الذين والوا رسول اللّه،و آله،و رافقوه في عسره و يسره و بذلوا له و لدينه النفس و النفيس،و جاهدوا في اللّه حق جهاده حتي نصر اللّه نبيّه،و أعز دينه،و قامت دولة النبوة علي أكتافهم،هؤلاء المؤمنون الصادقون قد استبعدوا تماما بعد موت النبي،و حرموا من تولي الوظائف العامة،و من نشر علوم النبوة،و عزلوا عزلا تاما عند الناس و أصبحوا موضع شبهة،و صاروا غرباء بالوطن الذي بنوه حجرا فوق حجر،و أعداء بمقاييس الدولة الجديدة التي بنوا أساسها بالعرق و الدم بحجة موالاتهم لآل محمد!!!

أما الذين قاوموا الرسول،و عادوه قبل الهجرة،و تآمروا علي قتله و حصروا الهاشميين و قاطعوهم،ثم جندوا الجيوش و حاربوا النبي بعد الهجرة،و قادوا جبهة الشرك،و رموا النبي بكل سهم في كناناتهم حتي أحيط بهم فاستسلموا و اضطروا مكرهين لإعلان إسلامهم،و اخفوا تركة الصراع الهائل و المرير و الطويل الذي دار بينهم و بين رسول اللّه!

بعد موت النبي مباشرة صاروا هم أركان دولة الخلافة و هم الأمراء،و هم الأساتذة،و هم أصحاب الأمر و النهي،و من بيدهم السلطة الفعلية يتصرفون بالجاه و الأموال و النفوذ علي الوجه الذي يريدون بلا حسيب و لا رقيب،و يمكّنون لأنفسهم في الأرض تحت سمع و بصر الخليفة الغالب،و المغلوب علي أمره، و لكنه لا يريد الاعتراف بالحقيقة،كان كل واحد من قادة جبهة الشرك السابقين يتصرف بولايته تصرف المالك بملكه،و يضع البرامج و المناهج التربوية و التعليمية التي يراها مناسبة،لإحداث التبديل و التغيير،بما يخدمه و يرغم أنوف خصومه و هم أهل بيت النبوة،و قدامي محاربي الإسلام!!و رموزه و أعلامه الذين حرموا من تولي الوظائف العامة،و استبعدوا بالكامل!!

و عندما سئل الخليفة الثاني عن هول ما جري،و عن سر استخدامه للمنافقين و الفجار،و تركه لأولياء اللّه و رسوله؟قال:«إننا نستعين بقوتهم و إثمهم علي أنفسهم و قد وثقنا ذلك!!!فالمنافقون و الفجار هم العناصر الوحيدة التي تملك القوة و القادرة علي إدارة ملك الخليفة!!!أما أهل بيت النبوة،و السابقون في الإيمان،و قدامي المحاربين الذين هزموا بطون قريش و ركّعوا العرب كلهم فليست

ص: 57

لديهم القوة لإدارة هذا الملك!!!

أمثلة حية علي هذا الانقلاب

لا خلاف بين اثنين بأن أبا سفيان و أولاده هم الذين قادوا جبهة الشرك و حروبها العدوانية ضد رسول اللّه و ضد دينه الإسلام،و أن أبا سفيان و أولاده قاوموا رسول اللّه بكل وسائل المقاومة،و حاربوه بكل فنون القتال،و يوم فتح مكة أحيط بهم،فاستسلموا و اضطروا لإعلان إسلامهم فصاروا طلقاء،بعد موت النبي مباشرة تولي يزيد بن أبي سفيان قيادة الجيش الزاحف لفتح الشام،و لما مات يزيد خلفه أخوه معاوية،و ترك معاوية واليا لبلاد الشام و هي أخطر ولايات دولة الخلافة مدة عشرين سنة يحكم كأنه ملك بلا رقيب و لا حسيب و يوطد لنفسه،ثم أصبح خليفة،و عهد بالخلافة لابنه يزيد،و جاء بعده حفيده معاوية الثاني.فكان التوطيد لأعداء اللّه مكافأة سخية علي عداوتهم و حربهم لرسول اللّه!!!

و الحكم بن العاص كان من ألد أعداء رسول اللّه،لعنه رسول اللّه.[راجع مجمع الزوائد للهيثمي ج 5 ص 241 و قال رواه أحمد بن حنبل و البزار و الطبراني]و كان هذا معروفا للعامة و الخاصة.قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج 5 ص 241 أن عبد الرحمن بن أبي بكر قال لمروان:«إن رسول اللّه لعن أباك».و قال ابن عساكر[راجع كنز العمال ج 11 ص 358 و الحاكم في مستدركه ج 4 ص 481]أن عبد اللّه بن الزبير قال و هو يطوف بالكعبة،و رب هذا البيت الحرام و البلد الحرام أن الحكم بن العاص و ولده ملعونين علي لسان محمد صلي اللّه عليه و آله و سلّم، و في الدر المنثور قال:أخرج ابن مردوية عن عائشة أنها قالت لمروان:«سمعت رسول اللّه يقول لأبيك وجدك أنكم الشجرة الملعونة في القرآن».لقد نفاه رسول اللّه لأنه من المرجفين.و مع هذا آلت الخلافة لذرية هذا الملعون يتوارثونها بينهم،مع أن رسول اللّه قد حذر المسلمين منه و من ولده،و من جملة تحذيرات الرسول أنه قد قال:«إن هذا،يعني الحكم،سيخالف كتاب اللّه و سنة نبيه و سيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء،و بعضكم يومئذ شيعته»،رواه الدارقطني[راجع كنز العمال ج 11 ص 166 و ابن عساكر ج 11 ص 36،

ص: 58

و الطبراني ج 11 ص 167].

و قد تواترت الأنباء عن رسول اللّه التي تؤكد بأن أشد العرب بغضا لرسول اللّه و آله هم بنو أمية،و وقائع التاريخ تؤكد صحة هذه الأنباء فقد ساد الأمويون أعداء اللّه،و قاد الهاشميون أولياء اللّه،و نتيجة الحروب الطاحنة،جري القتل و تكونت الأحقاد الأموية.و ربما لهذا السبب صار الأمويون بطانة الخلفاء الأول ثم أصبحوا خلفاء!!فكراهية آل محمد هي الوسيلة العملية للتقدم و الوصول إلي السلطة، و موالاة آل محمد هي معيار و سبب الغربة و العزلة!!إن هذا لأمر عجاب!!

هذا علي مستوي الخلافة،أما علي مستوي ولايات الأعمال و الأقاليم فنأخذ مثلا عبد اللّه بن أبي سرح فهو الذي افتري علي اللّه الكذب،و هو عدو اللّه و عدو رسوله،لقد أمر الرسول بقتله و لو تعلق بأستار الكعبة،و يوم فتح مكة أمر الرسول بالبحث عنه و قتله،فلجأ ابن أبي سرح إلي أخيه في الرضاعة عثمان بن عفان، فغيّبه عثمان و أخفاه،و في يوم من الأيام بعد الفتح بفترة جاء به عثمان إلي رسول اللّه فاستاء منه،فصمت رسول اللّه طويلا،ثم قال نعم فلما انصرف عثمان قال النبي لمن حوله:ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه!فقال رجل فهلاّ أو مأت إليّ يا رسول اللّه؟فقال النبي:إن النبي لا ينبغي أن تكون له خائنة أعين.[راجع ترجمة ابن أبي سرح في الاستيعاب لابن عبد البر ج 4 ص 378 و الأصابة لابن حجر ج 2 ص 309،و أسد الغابة ج 3 ص 173].و أصبح ابن أبي سرح طليقا و من المؤلفة قلوبهم،الذين كان يعطي لهم سهم من الصدقات لأنهم منافقون و ضعاف إيمان و حتي يصرفوا و بعد موت الرسول مباشرة صار عبد اللّه بن أبي سرح من أصفياء الخلفاء كما وثقنا،و من أهل الحل و العقد، و أسندت إليه إمارة ولاية مصر و هي تاج الولايات الإسلامية،و مرّ حين من الدهر كان فيه ابن أبي سرح الرجل الثالث في الدولة الإسلامية،مع أنه الأظلم بنص القرآن،و مفتر علي اللّه بنص القرآن و مع أنه عدو للّه و لرسوله!!

هذا هو فريق القيادة،و هذه هي الكوادر الفنية التي حلت عري الإسلام و أسست و رسمت معالم عصر ما بعد النبوة،فوضعت مناهجها التربوية و التعليمية،و فرضتها علي المسلمين قرابة قرن من الزمان،خلطوا خلاله الأوراق

ص: 59

خلطا عجيبا فبدّلوا و عدّلوا،و لم يبق من الإسلام إلا كتاب اللّه و أهل بيت النبوة، لمواجهة برامج تربوية و تعليمية قد استقرت في النفوس،فألغت دور كتاب اللّه و ما وصل إلينا من السنة النبوية و عملت علي تجميل أفعال تلك الكوادر،و إضفاء طابع الشرعية و المشروعية علي وقائع التاريخ،لقد اختلط الحابل بالنابل فلا تدري أيا من أي!!!«فلم يبق من القرآن إلا رسمه،و لا من الإسلام إلا اسمه،يسمون به و هم أبعد الناس عنه،مساجدهم عامرة و هي خراب من الهدي،فقهاء ذلك الزمان شرّ فقهاء تحت السماء،منهم خرجت الفتنة و إليهم تعود».

هذا هو وصف رسول اللّه لواقع الأمة بعد أن حلت عري الإسلام كلها.

[راجع ثواب الأعمال و عقابها ج 4 ص 301،و جامع الأخبار ص 129 فقرة 88 و البحار ج 52 ص 190،و منتخب الأثر للرازي ص 427 ف 6 ب 2 و معجم الإمام المهدي ج 1 ص 44-44]،أنت أمام جاهلية حقيقية أكثر شرا من الجاهلية الأولي كما ذكر رسول اللّه.[راجع معجم الإمام المهدي ج 1 ص 44].

و هكذا حدث كما أخبر به رسول اللّه،و اقترفت تلك الكوادر كافة ما حذر منه!فقال:قال الرسول يوما لأصحابه:«إن الإسلام بدأ غريبا و سيعود كما بدأ فطوبي للغرباء،رواه مسلم و ابن ماجه و الطبراني.[راجع كنز العمال ج 2 ص 177].قال النووي:أي أن الإسلام بدأ في آحاد من الناس و قلة،ثم انتشر و ظهر ثم سيلحقه النقض و الإخلال حتي لا يبقي إلا في قلة و آحاد أيضا.[راجع صحيح مسلم بشرح النووي ج 2 ص 177].

ص: 60

الفصل الرابع: المهمة الكبري للمهدي المنتظر

بعد انتقال النبي الأعظم إلي جوار ربه،و استيلاء بطون قريش علي منصب الخلافة بالقوة و التغلب،و حيازتها الفعلية للملك الذي تمخضت عنه النبوة، حدثت تغييرات هائلة و شاملة و جذرية،طالت كل شيء كان النبي قد مسّه،فنقلته من مكان إلي آخر،و عدلت و بدلت فيه،حتي غيرت حقيقته تماما و لم يبق منه إلا اسمه أو رسمه الإسلامي.

فقد حلت عري الإسلام كلها سريعا عروة بعد عروة،و رفعت مضامينه و مفاهيمه الجوهرية من واقع الحياة تماما أو حيّدتها!!و لم يبق من الإسلام إلا اسمه و الإطار العام أو الشكل اللازم لبقاء الملك،و توسيع رقعة المملكة أو الأمبراطورية و لكن باسمه،أما الإسلام الحقيقي بجوهره و مضمونه فقد صار غريبا،لا يعرفه المجتمع أبدا!!و لا شيء يدل عليه أو يرمز إليه إلا الفئة المؤمنة القليلة و المتكوّنة من آل محمد و أهل بيته و قدامي المحاربين المؤمنين الذين قامت دولة النبوة علي أكتافهم،و انتشرت دعوة الإسلام بسيوفهم و ألسنتهم،و صحبوا النبي فأحسنوا الصحبة و والوه فأخصلوا بالولاء،و استوعبوا و وعوا علوم الإسلام، فلما مات النبي تمسّكوا بالقرآن و بأهل بيت النبوة كما أمروا فنقمت عليهم دولة الخلافة،و صبت جام غضبها عليهم فعزلتهم مع أهل بيت النبوة،و حرّمت عليهم

ص: 61

تولي الوظائف العامة و كممت أفواههم،و ضيقت عليهم معيشتهم،و نفّرت الناس منهم،فأذلوا و عزلوا تماما و صاروا غرباء كغربة الإسلام و الإيمان!!و هم من عناهم النبي بقوله:«فطوبي للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس».[راجع سنن الدارمي ج 2 ص 311-312 و صحيح مسلم ج 1 ص 130 و صحيح الترمذي ج 5 ص 18]اسم الإسلام و رسمه،و القرآن الكريم بين دفتين،و أهل بيت النبوة،و الفئة القليلة المؤمنة الغريبة المستضعفة هم جميعا كل ما تبقي من الإسلام،و عمّق الشعور بالإحباط و جذّر المصيبة و ضاعفها أن دولة الخلافة قد أجبرت أهل بيت النبوة و آل محمد و قدامي المحاربين و كافة أفراد الفئة المؤمنة علي الجلوس علي مقاعد التلاميذ و قصرت دورهم علي الاستماع و الموافقة،بعد أن سلمت الأمرة و القيادة و منصب«الاستاذية و التعليم»إلي الطلقاء و حديثي العهد بالإسلام مع أنه لا علم لهم بالدين و يجهلون تاريخ رجالاته!!فقدمت دولة الخلافة المتأخرين بالقوة و أمّرتهم،و أخّرت المتقدمين السابقين بالقوة و أجبرتهم علي الاعتراف بأنهم متأخرون بالقوة أيضا!!!

و لم تكتف بذلك إنما خلطت الأوراق خلطا عجيبا!!فلم يعد المراقب المنصف يدري بالفعل أيا من أي كما قال الرسول و حذّر!!

و هكذا اقتصرت مهمة الدين علي حراسة تاريخ عصر ما بعد النبوة و إثبات شرعية وقائعه و ظواهره التي تمخضت عنها الحركة السياسية لمسيرة الخلفاء المتغلبين من بعد النبي!!!و هرولت وراءهم الأكثرية الساحقة من الأمة طمعا برغيف العيش و بقيا منها علي الحياة و تربت هذه الأكثرية تحت قبّة الرأي و التأويل المفضي مباشرة إلي فقه الهوي،و نشأ فقه الهوي بالفعل و صار هو القانون النافذ في المجتمع،و تمكن هذا الفقه من النفوس،و ظهر أو أظهر بصورة الدين الإسلامي و ثوبه،و ألقي هذا الفقه أجرانه في ديار الإسلام!!فعليك أن تقبل به و بتاريخ ما بعد النبوة معا،أو ترفض الدين و هذا التاريخ معا!!فهما وجهان لعملة واحدة،و كل جيل كان يسلم راية فقه الهوي للجيل الذي يليه،فأشربت قلوب المسلمين كليات و تفاصيل هذا الفقه بما كسبت أيديهم،و كانت الأجيال كلها تتحرك تحت إشراف و سطوة الخلفاء المنقلبين الذين صنعوا هذا الفقه و رعوه،

ص: 62

و منه استمدوا شرعية وجودهم و سلطتهم!!

و مع أن المسلمين يعترفون بأن عري الإسلام كلها قد حلت عروة بعد عروة، و أنه لم يبق من الإسلام عروة بدون حل!!و هم يعترفون أيضا بأن الإسلام قد أخرج من واقع الحياة و مسرحها و صار تاريخا،و هم يقرون أن الإسلام و الإيمان و المسلمين و المؤمنين الصادقين قد صاروا جميعا غرباء،و أن حكم اللّه قد رفع من الأرض،و أن الأمة الإسلامية لم تعد أمة وسطا و أنها لم تعد مؤهلة لتكون الشاهدة علي الناس،و كان هذا واضحا للناس جميعا من اللحظة التي أصبح فيها الذين عادوا اللّه و رسوله هم الحكام و المعلمون و أجبر أهل بيت النبوة و أولياء اللّه و رسوله علي أن يكونوا تابعين و محكومين و مقتصر دورهم علي الإصغاء و السكوت أو مواجهة الموت الزؤام!!

مع أن المسلمين يعرفون كل ذلك معرفة تامة،و يقرون بحدوثه و وقوعه إلا أنه ليست لأحد من المسلمين الرغبة لمعرفة:من الذي فكك الإسلام،و حلّ عراه،و تسبب بإخراجه من واقع الحياة،و جعله و المتمسكين به في حالة غربة و هو صاحب الدار،و من الذي مكّن أعداء اللّه و المتأخرين من أن يصبحوا هم القادة و فرض علي أهل بيت النبوة و قدامي المحاربين المؤمنين و الفئة المؤمنة التأخر و الذل؟!!

مع أن معرفة أولئك الذين تسببوا بكل هذه المصائب أمر ضروري!! و تشخيص لا بد منه لوصف الدواء!!

و إذا رغب المسلمون بمعرفة من الذي فعل بهذه الأمة هذه الأفاعيل، و تسبب بدمار الإسلام و المسلمين فإن رغبتهم تصطدم مع فقه الهوي الذي أشربته قلوبهم،و حسب قواعد هذا الفقه،فإن طاعة و محبة الذين حلّوا عري الإسلام و جعلوه غريبا واجبة،و معصيتهم،أو كراهيتهم،أو الخروج عليهم حرام بالإجماع!!!!فمحبتهم واجبة و هم أموات،و الاقتداء بهم دين حتي و إن كانوا مخطئين!!

و هكذا تصطدم الرغبة بتشخيص الداء و معرفة الأعداء بفقه الهوي الذي تمكّن من النفوس و استقر فيها بعد 14 قرنا من المداومة علي حفظه علي ظهر قلب

ص: 63

و الإيمان به و تصطدم مع اللاشعور المسكون بالرعب و الخوف من سيوف المتغلبين و أعوانهم،و الخشية من قطع العطاء،و الحرمان من الجاه و النفوذ!!فلا شعور الأمة ما زال تحت سطوة معاوية و الخلفاء الأمويين.

لهذا كلما سأل المسلم نفسه التساؤلات التي طرحناها قبل قليل يسيطر علي قلبه و سمعه و عقله عالم لا شعوره المملوء بالرعب و العائش بالفعل تحت سلطة معاوية و حكمه،عندئذ يلعن هذا المسلم الشيطان و يعود لنفس الدائرة التي سجن المسلمون فيها أنفسهم طوال التاريخ!!!

فنكون أمام مشكلة حقيقية مستعصية الحل،فلو عاش الناس مليون قرن فلن يخرجوا من هذه الدائرة التي سجنوا أنفسهم فيها،و لن تفارقهم أشباح الرعب التي تتحكم بلا شعورهم!!فنحن أمام عقبة كبري لا يمكن أن يقتحمها إلا نبي أو ولي مجرب و مدعوم إلهيا،و بما أن محمدا هو رسول اللّه و خاتم النبيين و لا نبي بعده، فيكون الولي العارف المجرب المطّلع هو القادر علي حل مشكلة المسلمين و اجتياز هذه العقبة الكؤود،و إخراجهم من الدائرة التي سجنوا أنفسهم فيها.

و قد اختار اللّه سبحانه و تعالي عبده محمد بن الحسن ليكون هو المهدي المنتظر،لحل المشكلة العالمية من عقالها و تجاوز العقبة،و إخراج الناس من دائرة التقليد الأعمي إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلي أُمَّةٍ إلي دائرة الإبداع الملتزم!و قد وهب اللّه تعالي للمهدي المنتظر عمرا طويلا،و قدرة هائلة علي التنقل و الاستيعاب،و التخفي،فهو يعيش بين الناس،و يفهم كليات و تفاصيل ما يجري في العالم و هو ينتظر اكتمال الأسباب و أمر اللّه له بالظهور و الخروج فعندما يخرج المهدي المنتظر تكون أسباب النجاح قد هيئت تماما،فيقوم المهدي المنتظر بإعادة الأمور إلي نصابها الشرعي تماما،و يدوس علي الخلط بقدمه،و يفرز الأوراق عن بعضها البعض،و يضع النقاط علي الحروف و يسمي الأشياء بأسمائها،و يقدم الإسلام علي حقيقته للعالم،فتزول الغشاوات عن العيون، و الرين عن القلوب،و يشكل المهدي حكومته العالمية من المؤمنين الصادقين أصحاب القوة و الأمانة من رجال العالم و نسائه،و تصبح كل أقاليم العالم«دوله» ولايات لدولته،و يصبح كل أبناء الجنس البشري رعايا و مواطنين في دولته

ص: 64

تعاملهم بكل المحبة و الاحترام لا فرق بين لون و لون أو بين عرق و عرق،أو بين قوم و قوم،و تؤول إلي خزينة دولة المهدي كافة موارد العالم الاقتصادية،فيوزعها بين الناس بالسوية دون أن يميز أحدا عن أحد،لأن الحاجات الأساسية لبني البشر متشابهة،و خلال عهده تعطي السماء كل بركاتها،و تخرج الأرض كل كنوزها و خيراتها و يقصم المهدي كل جبار في الأرض.و يتحرر الإنسان من الخوف و العوز معا،و تتفتح أمام أبناء الجنس البشري أبواب و منافذ العصر الذهبي الدنيوي الذي لا يضاهيه عصر في الدنيا،فلا عدوان و لا بغي و لا ظلم،و لا خوف و لا عوز،و لا مرض و لا قلق...

هذه هي الخطوط العريضة لتوجهات المهدي المنتظر و اتجاهاته و هذه هي المهمة الكبري التي اختار اللّه عبده المهدي لإنجازها و هذا هو المهدي الذي طالما بشر به النبي،و وعد المؤمنين و الجنس البشري بالخلاص علي يديه،و هذا هو خاتم الأئمة الذين اختارهم اللّه لقيادة العالم!

ص: 65

ص: 66

الباب الثاني: الاعتقاد بالمهدي المنتظر

اشارة

ص: 67

ص: 68

الفصل الأول: الاعتقاد بالمهدي المنتظر شيوع هذا الاعتقاد و انتشاره

اشارة

شاع الاعتقاد بحتمية ظهور المنقذ«المهدي»و انتشر في كافة أرجاء المعمورة،و أخذ أشكالا مختلفة،و لكنها تتعلق بالمآل بذات الفكرة.و سلمت بفكرة ظهوره كافة التيارات الكبري في كافة المجتمعات البشرية القديمة.

و أجمعت علي حتمية هذا الظهور الطلائع المستنيرة من أتباع الديانات السماوية الثلاث،و علي الأخص الديانة الإسلامية،و الطلائع المستنيرة من أتباع الملل الأخري الشائع بين الناس بأنها غير سماوية.

فعلي الرغم من اختلافهم في المنابت و الأصول و اختلاف عقائدهم و توجهاتهم و أديانهم،و مصادر معارفهم،إلا أنهم قد اتفقوا علي حتمية ظهور المنقذ،و أن هذا المنقذ مختلف و مميز من جميع الوجوه،و آمنوا بقدرته علي الإنقاذ،و اعتقدوا بأن عهده هو عهد العدل و الكفاية و العزة،تلك هي الفكرة الرئيسة التي لا خلاف عليها،و التي شاعت و انتشرت علي مستوي العالم،و طوال التاريخ البشري.و توارثتها الأجيال جيلا بعد جيل.

و يتعذر علي أي باحث منصف،في مجال الفكر السياسي العالمي أن يتجاهل حجم و مدي شيوع هذا الاعتقاد و انتشاره،حيث يجد له موقعا في كافة العقائد و الأديان.

ص: 69

حقيقة هذا الاعتقاد

من العسير علي أي باحث موضوعي،بل علي أي إنسان سوّي الفطرة أن يتصور و لو للحظة واحدة بأن هذا الإجماع العالمي علي الفكرة الرئيسة،قد حدث جزافا أو أنه وليد وهم أو خرافة أو أسطورة،أو أن هذا الإجماع كان صدفة!!لأن الثابت بأن هذا الاعتقاد بالفكرة الرئيسة له منابع و مصادر دينية و عقلية و تاريخية و واقعية تؤكده و تؤيده،و تجمع عليه و تنفي بالضرورة صلة هذه الفكرة الرئيسة بالوهم أو بالأسطورة أو بالصدفة،و من الممكن حدوث زيادة أو نقصان أو اختلاط الاجتهاد بالتفاصيل،أما الفكرة الرئيسة المتمثلة بظهور المهدي المنقد،فهي فكرة أصيلة و صحيحة و متواترة،و يعتقد بها أتباع الديانات السماوية الثلاث،كما يعتقد بها غيرهم من أتباع الملل الأخري الشائع بيننا،بأنها غير سماوية،و يعتقد بها عقلاء و فلاسفة العالم،و يرسلها الجميع إرسال المسلمات،و يعتبرها أتباع كل عقيدة جزءا لا يتجزء من عقيدتهم،تقرأ معها،و تحسب عليها.تلك هي طبيعة القوة التي يتمتع بها هذا الاعتقاد.

تعدد أشكال و نماذج هذا الاعتقاد

مع أن كافة العقائد و الديانات السماوي منها و غير السماوي قد أجمعت علي حتمية ظهور المهدي المنقذ،و علي تميز هذا المنقذ،و قدرته الفائقة علي الإنقاذ، و أن عهده الزاهر هو المأمول،إلا أنها اختلفت في التفاصيل،و هذا الاختلاف ناتج عن وضوح فكرة الظهور أو غموضها في أذهان معتنقيها،فبعضهم يري بأن مهمة المهدي تنحصر في إنقاذ هذا المجتمع أو ذاك،فهو منقذ خاص لجماعة من الناس من حيث المبدأ!!بينما يري البعض الآخر،بأن مهمة المهدي منصبّة علي إنقاذ العالم كله إنقاذا شاملا،و إقامة دولة عالمية،تصبح أقاليم العالم كله ولايات لها، و أبناء الجنس البشري،بمختلف ألوانهم و أعراقهم رعايا لها،و أصحاب القوة و الأمانة من رجال العالم و نسائه هم قادة تلك الدولة و أمرائها.دولة عالمية تحقق العدل المطلق،و الرخاء التام،و الاكتفاء الذي لا عوز معه،و السعادة لجميع أبناء الجنس البشري،و لم نر مثل هذه الرؤيا الشمولية إلا في الإسلام،ربما لأنه آخر الأديان،و لأنه المرشح بطبيعته ليكون الدين العالمي الأوحد.

ص: 70

و كما اختلفت العقائد و الديانات،بحجم و مدي عملية الإنقاذ،اختلفت أيضا في تحديد من هو المهدي بالفعل؟و أين يظهر؟و متي يكون زمن ظهوره؟ و يكمن سر هذا الاختلاف في أن هذه التساؤلات من تفاصيل الفكرة الرئيسة،و أن هذه التفاصيل قد خضعت للزيادة و النقصان و للاجتهاد لدي الأغلبية من أتباع الملل الأخري،و بالتالي تعدد منابع و مراجع المعلومات التي بنيت تلك التفاصيل علي أساسها،أو لعدم وثوق بعضها.فقد اكتفت الديانة اليهودية،أو ما وصل إلي علمنا منها علي الأقل،بتأكيد الفكرة الرئيسة،و الإشارة العامة إلي أصول المهدي،و أنه من نسل إسماعيل،و أنه أحد اثني عشرا عظيما،و أشارت أيضا إلي الظروف و المخاطر التي أحاطت بولادة هذا المنقذ العظيم،و صرحت بأن اللّه تعالي قد غيّب هذا المنقذ ليحفظه،ثم يظهر في اللحظة المناسبة،و بالرغم من إجمال تلك المعلومات،إلا أنها علي جانب كبير من الأهمية،كما سنري.أما الديانة المسيحية فقد أشارت إلي عهد الظهور،و أبرزت من هذا العهد ظهور السيد المسيح،فركزت عليه تركيزا خاصا،و أهملت ما سواه.

أما الديانة الإسلامية،و هي أحدث و آخر الديانات السماوية،فقد غطت نظرية ظهور المهدي تغطية كاملة،فعلي الرغم من المحنة التي تعرض لها الحديث النبوي،حيث منعت كتابته و روايته مدة طويلة من الزمن،إلا أن ما وصلنا من الأحاديث النبوية قد وصف المهدي وصفا دقيقا،و حدد علامات ظهوره تحديدا واضحا،و وصفت مهمته موضوعيا كما سنري.

و هذا الاختلاف بين العقائد و الأديان علي التفاصيل بعد الاتفاق علي الفكرة الرئيسة أفرز نماذج و أشكالا متعددة،للاعتقاد بالمهدي المنتظر،أو المنقذ الأعظم،و سنستعرضها بما أمكن من الإيجاز طمعا باستكمال دائرة البحث.

أشكال هذا الاعتقاد

1-عند اتباع الملل الأخري«غير السماوية»

لقد اعتقد الزرادشتيون بفكرة الظهور،و اعتقدوا أن المنقذ الذي سيظهر هو بهرام شاه.و اعتقد المجوس بعودة أرشيدو،و اعتقد البوذيون بعودة بوذا،و اعتقد

ص: 71

الأسبان بعودة ملكهم روذريق،و اعتقد المغول بعودة جنكيزخان،و قد وجد مثل هذه الاعتقادات عند قدماء المصريين و في كتب الصينيين القديمة.راجع المهدية في الإسلام سعيد محمد حسن ص 43،44 و قائم القيامة للدكتور مصطفي غالب ص 270 و المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي إصدار مركز الرسالة ص 8،9.

و الملفت للانتباه أن أصحاب تلك المعتقدات الآنفة الذكر قد آمنوا بفكرة ظهور أشخاص كانوا معروفين بعدما اختفوا في ظروف اكتنفها الغموض.لقد اتفق أصحاب تلك الاعتقادات علي حالات اختفاء لرجال مشهورين جدا،ثم آمنوا بحتمية عودتهم و ظهورهم لغايات الإنقاذ و تحقيق أهداف يتوقف تحقيقها علي وجودهم بالذات!!

2-عند اليهود و النصاري

لقد آمن اليهود بهذا الاعتقاد«ظهور المهدي»قال كعب الأحبار:مكتوب في أسفار الأنبياء:«المهدي ما في عمله عيب»قال سعيد أيوب الكاتب المصري الشهير في ص 370-380 من كتابه المسيح الدجال ما نصه:«و أشهد أني وجدت كذلك في كتب أهل الكتاب،لقد تتبع أهل الكتاب أخبار المهدي كما تتبعوا أخبار جده محمد»صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فأشارت أخبار سفر الرؤيا إلي امرأة يخرج منها إثنا عشر رجلا، و أشار إلي امرأة أخري و هي تلد الأخير.و جاء في سفر الرؤيا 3/12«و التنين وقف أمام المرأة الأخيرة حتي تلد ليبتلع ولدها متي ولدت»و جاء في سفر الرؤيا 5/12«و اختطف اللّه ولدها»و يقول باركلي في تفسيره«و عندما هجمت عليها-أي المرأة-المخاطر اختطف اللّه ولدها و حفظه أي أن اللّه قد غيب هذا الطفل».و ذكر سفر الرؤيا أن غيبة هذا الغلام ستكون ألفا و مائتي سنة و هي مدة لها رموزها عند أهل الكتاب،و قال باركلي عن نسل المرأة عموما:«إن التنين سيعمل حربا شرسة مع نسل المرأة»،و جاء في سفر الرؤيا 13/12«فغضب التنين علي المرأة و ذهب ليصنع حربا مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا اللّه».

و لا تنطبق أوصاف المرأة الأولي و نسلها إلا علي السيدة الزهراء و نسلها عمداء أهل بيت النبوة الأعلام،فقد طاردتهم السلطة«التنين»طوال التاريخ.أما المرأة الثانية و طفلها فلا تنطبق أوصافهما إلا علي المهدي و أمه،فالمهدي هو حفيد

ص: 72

الزهراء،و قد ترقب العباسيون ولادته يوما بيوم حتي يقتلوه،لأنهم قد عرفوا أنه المهدي المنتظر،و لكن اللّه سبحانه و تعالي نجّا الطفل و غيّبه بالفعل ليحفظه، و ليهيء الأسباب لإقامة دولته العالمية،ثم يظهره.و يؤيد ما ذهبنا إليه ما جاء بسفر التكوين 20/17:«و أما إسماعيل فقد سمعت قولك فيه،و ها أنا أباركه و أنميه، و أكثره جدا جدا،و يلد اثني عشر رئيسا،و أجعله أمة عظيمة»و من المسلم به أن رسول اللّه محمد من نسل إسماعيل،و أن عمداء أهل بيت النبوة الاثني عشر هم ذرية النبي و عصبته،و أنهم أعلام الأمة و ورثة علمي النبوة و الكتاب،فإذا لم يكن هؤلاء العمداء هم الرؤساء المعنيون،فمن هم الرؤساء إذن؟و من هو الأولي منهم بالنبي، أو الأقرب إليه منهم؟بل و من هم ورثته غيرهم؟قد يقول قائل ربما كان المقصود من الاثني عشر رئيسا«الخلفاء»الذين تعاقبوا علي رئاسة دولة الخلافة التاريخية، و حسب تسلسلهم الزمني!!و هذا غير معقول لأن بعضهم قد هدم الكعبة،و استباح المدينة المنوّرة أموالا و أعراضا،و أعلن كفره جهارا و نهارا،و بعضهم قد نفذ خطة لإبادة المؤمنين الصادقين!!فهل يعقل أن يعد اللّه سبحانه و تعالي برئاسة مثلهم،و أن يباركهم،و يعتبر رئاستهم منّة و نعمة!!و قد يقال أن الاثني عشر هم الصفوة المنتقاة من الخلفاء التاريخيين!!و لكن ما هو الدليل علي ذلك؟و من هم المخوّل بانتقائهم؟ ثم إنا لو وزنّا الخلفاء التاريخيين بموازين الشرع الحنيف لما صمد منهم ربع هذا العدد!!و قد يقال بأن الرئيس هو الملك فعلا!!لقد كان النمرود ملكا كان إبراهيم مواطنا في مملكته!!فمن هو العظيم و الرئيس بالمعايير الشرعية هل هو إبراهيم أم النمرود الطاغية!!!لقد عاصر كل الأنبياء ملوكا بيدهم الحول و الطول فهل كان الملوك هم الرؤساء العظماء،و هل كان الأنبياء عامة!!إن العبرة بالرئاسة هي الأهلية و المرجعية الشرعية فالأنبياء،و الأولياء هم الرؤساء الذين اختارهم اللّه وفقا لموازين عدله و فضله،و الملوك المتجبرون هم الذين فرضوا أنفسهم علي العباد بالغلبة و القهر فخرجوا و أخرجوا الناس من دائرة الشرعية و المشروعية الإلهية.

و ما يعنينا في هذا المقام هو حتمية الصلة بين الرؤساء الاثني عشر من نسل إسماعيل الذين وعد اللّه بهم و بين أئمة أهل بيت النبوة الكرام.و يعنينا أيضا هو النصوص الواردة بالأسفار بأن اللّه سبحانه و تعالي قد غيّب الرئيس الثاني عشر

ص: 73

ليحفظه و يوطد له،ثم يظهره،و تنطبق تلك الأوصاف انطباقا تاما علي العميد الثاني عشر من عمداء بيت النبوة و هو محمد بن الحسن حفيد النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

و هنالك إشارة في سفر أرميا 2/46-11 تتحدث عن قائد إسلامي عظيم يقود جند اللّه،و ينتقم من أعداء اللّه عند نهر الفرات و هو المكان الذي ذبحت للّه فيه «ذبيحة»و لا تنطبق أوصاف هذا...و تتبني الديانة المسيحية بالطبع نفس الإشارات الواردة في الأسفار عن المهدي المنتظر،و تؤمن بفكرة الظهور،و مع أن ظهور المهدي يتزامن و يتكامل مع نزول السيد المسيح إلا أن اعتقاد المسيحية منصب بالدرجة الأولي و الأخيرة علي السيد المسيح، و يتجاهل ما سواه!!و اعتقد مسيحيو الأحباش بعودة ملكهم ثيودور كمهدي في آخر الزمان.

3-عند بعض فلاسفة اليهود و النصاري في العصر الحديث

قال الفيلسوف الإنكليزي«برتراند راسل»إن العالم بانتظار مصلح يوحد العالم تحت علم واحد و شعار واحد.راجع المهدي للسيد الشهرستاني ص 6 و المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي ص 9.

و قال أينشتاين صاحب النظرية النسبية المشهور«إن اليوم الذي يسود العالم كله الصلح و الصفا و يكون الناس متحابين ليس ببعيد».راجع المهدي الموعود و دفع الشبهات للسيد الشهرستاني ص 7،و المهدي في الفكر الإسلامي ص 9.

و قد بشر به الفيلسوف الإنكليزي«برنارد شو»في كتابه الإنسان و السوبرمان، namrePuS naM و علّق عباس محمود العقاد علي هذه البشري بالقول:«يلوح لنا أن سوبرمان«شو»ليس بالمستحيل،و أن دعوته إليه لا تخلو من حقيقة ثابتة».راجع برنارد شو لعباس محمود العقاد ص 124-125 و المهدي في الفكر الإسلامي ص 9.

و أنت تلاحظ أن راسل يبرز حاجة العالم للمصلح،و انتظار العالم لذلك المصلح،بينما يتحدث أينشتاين عن بعض مظاهر عهد ذلك المصلح و بشري برنارد شو سندها العقل المستند إلي فكرة عالمية موروثة و متواترة.

ص: 74

الفصل الثاني: المهدي المنتظر في الإسلام

اشارة

احتل الاعتقاد بالمهدي مكانة بارزة في الإسلام كدين،علي صعيدي القرآن و السنّة المطهرة،فقد برزت نظرية الاعتقاد بالمهدي المنتظر بصورتها الكاملة و الواضحة و البعيدة عن التوهم و الغموض.حيث أكد دين الإسلام حقيقة و صحة هذا الاعتقاد العالمي المتواتر،ثم أبرز كلياته و تفاصيله الدقيقة،و أزال ما لحق بهذا الاعتقاد من نقص و زيادة و توهّم و اجتهاد،و أبقي علي الحقائق النقية القادرة علي الوقوف في كل زمان،و وضع تحت تصرف عشّاق الحقائق المجردة نظرية متكاملة واضحة تغطي بالكامل كل ما يتعلق بالاعتقاد بالمهدي المنتظر،فما من سؤال في هذا المجال إلا و تجد له في الإسلام جوابا مستندا إلي القرآن الكريم أو السنة المطهرة.و قد قدم الإسلام هذه النظرية كجزء لا يتجزأ من النظام السياسي الذي أنزله اللّه علي عبده و مصطفاه محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.فالمهدي المنتظر عند شيعة أهل بيت النبوة هو الإمام الثاني عشر من الأئمة أو القادة الشرعيين الذين اختارهم اللّه سبحانه و تعالي و أعلنهم النبي كقادة للأمة،و يجمع أهل السنة«شيعة الخلفاء»علي صحة و تواتر قول رسول اللّه بأن الأئمة أو الخلفاء أو الأمراء أو النقباء أو القادة العظام من بعده اثنا عشر،و أخالهم بالضرورة يعتبرون المهدي المنتظر أحدهم.ثم إن أهل بيت النبوة و هم أحد الثقلين و من والاهم قد أجمعوا علي أن الاعتقاد بالمهدي الموعود المنتظر هو جزء لا يتجزأ من دين الإسلام،ثم أن الخلفاء التاريخيين و من والاهم قد أجمعوا أيضا علي أن الاعتقاد بالمهدي المنتظر هو جزء من عموم المعتقدات الإسلامية المنبثقة عن القرآن الكريم و السنّة المطهرة و التي أجمعت الأمة علي صحتها.فإن المنكر لهذا الاعتقاد هو بحكم المنكر لما هو

ص: 75

ثابت من الدين،و قد ألف المتقي الهندي(ت 975 ه)صاحب كتاب كنز العمال كتابا عنوانه«البرهان في علامات مهدي آخر الزمان»أورد فيه فتاوي المذاهب الأربعة في زمانهم و هم ابن حجر الهيثمي الشافعي و أحمد أبي السرور بن الصبا الحنفي،و محمد بن محمد الخطابي المالكي،و يحيي بن محمد الحنبلي،و قال:

«إن هؤلاء هم علماء أهل مكة و فقهاء الإسلام علي المذاهب الأربعة،و من راجع فتاواهم علم علم اليقين أنهم متفقون علي تواتر أحاديث المهدي،و أن منكرها يجب أن ينال جزاءه،و صرحوا بوجوب ضربه و تأديبه و إهانته حتي يرجع إلي الحق رغم أنفه،-علي حد تعبيرهم-و إلا فيهدرون دمه»[البرهان علي علامات مهدي آخر الزمان ص 178-183 و المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي ص 41-42].

الاعتقاد بالمهدي المنتظر عند المسلمين

شق الاعتقاد بالمهدي المنتظر طريقه بيسر و سهولة إلي قلوب كل المسلمين و عقولهم،و اعتبره المسلمون جزءا من عقيدتهم الإسلامية و حكما من أحكامها، و واحدا من تعاليمها كالتسبيح أو التهليل أو الصلاة أو الصوم أو الإيمان بالغيب.

فكافة المسلمين مع اختلاف منابتهم و أصولهم و توجهاتهم السياسية و ثقافاتهم المختلفة يعتقدون بحتمية ظهور المهدي المنتظر في آخر الزمان،و أن هذا المهدي من عترة النبي،و أن عهده من أزهي العهود حيث سيملأ الأرض عدلا، و سينقذ الأمة الإسلامية و العالم كله إنقاذا شاملا،و أن اللّه تعالي سيرد بالمهدي الدين،و يفتتح له العالم كله،و أنه سينشر الرخاء في الأرض.و قد اعترف بهذه الحقيقة حتي المتشككين بهذا الاعتقاد.فابن خلدون مثلا أحد المتشككين و مع هذا فهو يشهد قائلا«أعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام علي ممر العصور أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين،و يظهر العدل،و يتبعه المسلمون،و يستولي علي الممالك الإسلامية و يسمي المهدي.

[راجع تاريخ ابن خلدون ج 1 ص 555 الفصل 52].و أحمد أمين الأزهري المعروف من المتشككين أيضا بهذا الاعتقاد و مع هذا فهو يشهد قائلا:«و أما أهل السنّة فقد آمنوا بها أيضا»أي آمنوا بحقيقة المهدي.[راجع كتابه المهدي و المهدية

ص: 76

ص 41]و بعد أن أدلي بشهادته ساق قول ابن خلدون الآنف الذكر.فإذا كانت هذه شهادة المتشككين فيعني أن شيوع هذا الاعتقاد و انتشاره بين كافة المسلمين العامة و الخاصة من الحقائق الإسلامية المسلم بصحتها علي مستوي المسلمين جميعا،و ليس بإمكان عاقل أن يتجاهل عموم و شمول هذا الاعتقاد لكافة أتباع الملة الإسلامية.و لقد أدرك الحكام الذين استولوا علي قيادة الأمة طوال التاريخ السياسي الإسلامي،خطورة هذه الفكرة علي حكمهم،و قدرتها الفائقة علي شق طريقها إلي قلوب المسلمين،و دور هذه الفكرة بنقد الظلم و فضح الظالمين، فسخروا كافة موارد الدولة التي استولوا علي قيادتها للتشكيك بالفكرة الأساسية تمهيدا لاقتلاعها من جذورها!!و مع أن الحكام قد نجحوا نجاحا ساحقا بحل عري الإسلام كلها عروة بعد عروة،و مع أنهم قد نجحوا بإخضاع الأمة لمشيئتهم،إلا أنهم قد فشلوا فشلا ذريعا باقتلاع الاعتقاد بالمهدي المنتظر من قلوب الناس و عقولهم،بل إن هذا الاعتقاد كان يترسخ و يتجذر طرديا كلما زاد ظلم الحكام و بطشهم،و يزداد المسلمون يقينا بحتمية ظهور المهدي!!.و توارثت الأجيال هذا الاعتقاد،و توارثت صلته الحميمة بالدين الإسلامي.

مصادر و منابع الاعتقاد بالمهدي المنتظر

لقد استمد المسلمون الاعتقاد بالمهدي المنتظر و استقوه من منبع أو مصدر واحد و هو الإسلام.فالإسلام هو الذي جاء بنظرية المهدي بكل تفاصيلها و كلياتها،و هو الذي كلف أتباعه و معتنقيه بالاعتقاد بها،و الالتزام التام بهذا الاعتقاد كغيره من المعتقدات النابعة من صميم الإسلام.

و يعني الإسلام علي الصعيد القانوني أو الحقوقي«الآمر و الناهي و المحلل و المحرم»كل ما جاء به القرآن الكريم،و بيان النبي لهذا القرآن سواء أكان البيان بالقول أو بالفعل أو بالتقدير،و يسمي هذا البيان بالسنّة المطهرة.و كل واحد من هذين المصدرين مكمل للآخر،و لا غني لإحدهما عن الآخر،لإن أولي مهمات النبي أن يبين للناس ما نزل إليهم من ربهم بيانا قائما علي الجزم و اليقين.

و لأن الإسلام آخر الأديان السماوية،و لأن محمدا خاتم النبيين فقد أجاب الإسلام علي كافة التساؤلات البشرية في ما مضي،و في ما يأتي،و غطي كافة

ص: 77

الاحتياجات الإنسانية علي كل الأصعدة اللازمة لنمو الحياة الإنسانية و تطورها و رقيها،فما من شيء،علي الإطلاق إلا و جاء به القرآن،و بيّنه النبي بالقدر الذي يستوعبه كل المكلفين و تصديق ذلك قوله تعالي في سورة النحل آية 89 وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ.

و أحكام الإسلام و تعاليمه ما شرعت لمعالجة مشكلات قومية أو إقليمية إنما هي منصبة بالأصل علي معالجة مشكلات العالم كله بأرضه و سكانه،و كانت الوحدة التاريخية و الدينية و السياسة للعالم هي محور عناية و اهتمام الإسلام.حيث وضع الإسلام تحت تصرف العالم نظاما حقوقيا لا مثيل له و معجز،و وضع تحت تصرف العالم أيضا قيادة سياسية و روحية لا مثيل لها.فالإمام القائد في زمانه هو الأفضل و هو الأعلم و هو الأقرب للّه و لرسوله،فإذا أراد العالم أن يهتدي فعليه بموالاة القيادة الإلهية و العمل بالنظام الإلهي فهما ثقلان يتكامل أحدهما مع الآخر و يتمم أحدهما الآخر و هذا هو المقصود الشرعي من حديث الثقلين.

و شاءت حكمة اللّه أن يكون المهدي هو آخر جيل القيادة الإلهية المسماة، و هو الذي سيتولي توحيد العالم دينيا و سياسيا و يترجم جهد الأنبياء و خاتمهم و يحقق هدفهم بتحقيق وحدة العالم الدينية و السياسية.بحيث تكون كل أقاليم الكرة الأرضية ولايات لدولته و كل سكان المعمورة رعايا لتلك الدولة،و كل أهل القوة و الأمانة من رجال العالم و نسائه بطانة له يستعين بهم لتنفيذ النظام الإلهي، فيكون عهده الزاهر عهد الرخاء الذي حلم به النبيون،و عهد العدل الذي جاهد لتحقيقه النبيون،و النموذج الرمز لوحدة الجنس البشري التي بشر بها النبيون.

و رمز انتصار الحق علي الباطل علي المستوي العالمي عبر الصراع الطويل بينهما و هنا يكمن سر تركيز الإسلام تركيزا خاصا علي نظرية المهدي المنتظر،و تكمن عناية النبي الفائقة بإبرازها و توضيحها و التبشير بها،بل و يكمن سر فخره بالمهدي المنتظر لأنه المؤهل إلهيا لعملية التغيير الكبري و لأنه ابنه و قرة عينه و حفيده.

و الخلاصة أن الإسلام بركنيه الكتاب و السنّة هما المصدر و المنبع الوحيد للاعتقاد بالمهدي المنتظر،و علي ذلك أجمع المسلمون.

ص: 78

الفصل الثالث: المهدي المنتظر في القرآن الكريم لكي نجد المهدي في القرآن

اشارة

قال تعالي و هو أصدق القائلين: وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ (سورة النحل،آية:89)،و معني هذا أنه ما من شيء علي الإطلاق إلا و قد بينه اللّه في هذا القرآن.

لكن عملية استخراج و تحديد بيان كل شيء،أو أي شيء في القرآن الكريم عملية فنية من جميع الوجوه،بمعني أنها تحتاج إلي رجل مؤهل إلهيا،و مختص و مزود بالقدرة علي معرفة مواضع بيان أي شيء في القرآن الكريم.و هنا يكمن سر التكامل و الترابط العضوي الوثيق بين كتاب اللّه المنزل،و نبي اللّه المرسل، فالكتاب يحتوي بيان كل شيء،و النبي يعرف حصة كل شيء من هذا البيان معرفة يقينية و بلا زيادة و لا نقصان أي تماما علي الوجه الذي أراد اللّه.

لذلك كانت مهمة الرسول الأساسية منصبة علي بيان ما أنزل اللّه،قال تعالي مخاطبا نبيه محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ و قال تعالي: وَ ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ (سورة النحل، الآيتان 44 و 64).فلا يعرف بيان الكتاب لأي شيء علي الوجه اليقيني القاطع إلا النبي،أو الشخص المؤهل إلهيا القائم مقام النبي بعد وفاته.و لأن الرسول خاتم النبيين،و لأن الإسلام آخر دين،و لأنه لا بد من بيان القرآن،فقد خصص اللّه سبحانه و تعالي اثني عشر إماما،أو خليفة،أو نقيبا،أو أميرا و سماهم بأسمائهم،

ص: 79

و عهد إليهم ببيان القرآن خلال الفترة الواقعة بين موت النبي و قيام الساعة.فكل واحد من هؤلاء الاثني عشر مخول و مؤهل ليكون المختص الوحيد لبيان القرآن و قيادة العالم في زمانه.

فالقرآن كمعجزه بيانية باقية ببقاء الحياة الدنيا،له أسلوبه البياني الخاص، فكلمة الصلاة يعرفها جميع البشر بأنها تعني الدعاء،و قد تكررت هذه الكلمة في القرآن الكريم عشرات المرات،دون تفصيل و لا بيان محدد لما ينبغي أن يقال فيها،لقد ترك القرآن كافة هذه الأمور و التفصيلات لبيان النبي،و يعتقد كل المؤمنين أن اللّه تعالي هو الذي أوحي للنبي و علمه كافة هذه الأمور.هذا حال الصلاة و هي عماد الدين،و يقال مثل ذلك عن الزكاة و الحج و الصوم و الشهادة، و هي أركان الإسلام،و كل ما يحتج به المسلمون بهذه الأمور و أمثالها يسندونه للرسول،و قد توخي القرآن من ذلك في ما توخي أبراز التكامل و الترابط العضوي الوثيق،بين ما أنزله اللّه و ما بيّنه نبيه،و إبراز الخط العام المتمثل بأن النبي يوحي إليه،و هو يتبع ما يوحي إليه تماما،و أن طاعة الرسول كطاعة اللّه،و معصية الرسول كمعصية للّه،و موالاة الرسول كموالاة اللّه،و اتباع أوامر الرسول تماما كاتباع أوامر اللّه،و مخالفة أوامر الرسول هي مخالفة لأوامر اللّه،و هي تهدف في ما تهدف لخلق حالة نفسية عند المسلمين تقر بتميز الرسول،أو القائم الشرعي مقامه بعد وفاته كشخص مختص بالبيان،و أن مكانته لا ترقي إليها مكانة،و أن علاقتهم به هي التجسيد العملي لعلاقتهم باللّه سبحانه و تعالي،فكل قول دون قوله،و كل مكانة دون مكانته،و كل فهم دون فهمه،فمن يتجاوز قول النبي و فهمه أو أمره و نهيه،و من يعتقد أن«اجتهاده»أو رؤيته للأمور الدنيوية،أو الأخروية هي أقرب للصواب مما بيّن النبي،فهو منحرف و ضال كائنا من كان،صحابيا أم خليفة.ثم إن تسليم مفاتيح بيان ما أنزل من بعد النبي إلي الأئمة الأعلام من أهل بيت النبوة الذين ورثوا علمي النبوة،فيه إبراز لمكانتهم،و تقديم لقولهم و فهمهم علي كل قول و فهم،لأن الواحد منهم لا يقول برأيه،فإذا حدث فإنما يحدث بحدود علمي النبوة،و الكتاب،و بنفس الوقت تأكيد نفسي لاستمرار وجود النبي،لأنهم بنوه و أحفاده.

ص: 80

الآن يمكننا أن نتعرف علي المهدي في القرآن الكريم

بعد هذه التوضيحات التي سقناها،فإننا و بحدود علمنا لا ندعي بأن مصطلح «المهدي المنتظر»أو اسم«محمد بن الحسن»قد وردا في القرآن الكريم صراحة و لكن يمكننا أن نتلمس الآيات الكريمة،التي تشير إلي المهدي المنتظر في القرآن الكريم.

و لن نتلمس ذلك في الآثار الواردة عن الأئمة الأعلام من أهل بيت النبوة الذين ورثوا علمي النبوة و الكتاب،لأن القسم الأكبر من المسلمين تربوا تربية ثقافية خاصة أساسها التشكك بكل ما يرد عن طريق أهل بيت النبوة،و القول بأفضيلة غيرهم عليهم،أو تقديم غيرهم عليهم لحكمة«شرعية».و لكن طمعا بالشمول و الإحاطة نقول أن الجزء الخامس من كتاب:«معجم أحاديث الإمام المهدي»الذي ألفته و نشرته مؤسسة المعارف الإسلامية في قم و الذي أشرفت علي إعداده نخبة من العلماء الإعلام،و قد اشتمل هذا الجزء الواقع في 530 صفحة كاملا علي الآيات المفسرة لوجود المهدي،و جاء في الجزء توضيحا لذلك ما يلي:«أن المقصود بالآيات المفسرة في هذا المجلد الروايات التي وردت في تفسير آيات،أو تأويلها،أو تطبيقها،أو الاستشهاد بها بحيث ترتبط بقضية الإمام المهدي بعنوانه الخاص أو العام».

و قد تضمن هذا المجلد 220 آية من القرآن الكريم منبثة في 79 سورة من سوره،مشفوعة بقرابة 220 رواية مروية عن أئمة أهل البيت تثبت علاقة المهدي المنتظر بهذه الآيات،و ارتباطها الوثيق بقضيته و بعصره،و قدرنا أن أذهان العامة و ثقافتهم لا تحتمل تلك التأويلات و لا ترقي إليها،لأن العامة قد أشربت ثقافة التاريخ و مناهجه التربوية و التعليمية المناهضة بالضرورة لخط أهل بيت النبوة، لذلك قصرنا اهتمامنا علي ما توصلت إليه العامة في هذا الموضوع.

أمثلة من القرآن الكريم

1-قال تعالي: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدي وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي

ص: 81

اَلدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (سورة التوبة،الآية:33).

قال الرازي في التفسير الكبير ج 16 ص 40:«و اعلم أن ظهور الشيء علي غيره قد يكون بالحجة،و قد يكون بالكثرة و الوفور،و قد يكون بالغلبة و الاستيلاء، و معلوم أنه تعالي بشّر بذلك و لا يجوز أن يبشر إلا بأمر مستقبل غير حاصل، و ظهور هذا الدين بالحجة مقرر معلوم،فالواجب حمله علي الظهور بالغلبة».

و المروي عن قتادة كما يقول السيوطي في الدر المنثور ج 4 ص 176 لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ قال:الأديان الستة: اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ الصّابِئِينَ وَ النَّصاري وَ الْمَجُوسَ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا (سورة الحج،الآية:17) فالأديان كلها تدخل في دين الإسلام..فإن اللّه قضي بما حكم و أنزل أن يظهر دينه علي الدين كله و لو كره المشركون،و في تفسير ابن جزي ص 252:«و إظهاره جعله أعلي الأديان و أقواها حتي يعم المشارق و المغارب»و هذا هو المروي عن أبي هريرة كما نص عليه جملة من المفسرين،[تفسير الطبري ج 14 ص 215، و التفسير الكبير ج 16 ص 40،و تفسير القرطبي ج 8 ص 121،و الدر المنثور ج 4 ص 176 راجع المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي ص 22].

و في الدر المنثور:و أخرج سعيد بن منصور،و ابن المنذر،و البيهقي في سننه عن جابر في قوله: لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ قال:لا يكون ذلك حتي لا يبقي يهودي و لا نصراني صاحب ملة إلا الإسلام،[راجع الدر المنثور للسيوطي ج 4 ص 175].و عن المقداد بن الأسود قال:سمعت رسول اللّه يقول:«لا يبقي علي ظهر الأرض بيت مدر و لا وبر إلا أدخله كلمة الإسلام،إما بعز عزيز،أو بذل ذليل.إما يعزهم فيجعلهم من أهله فيعزوا به و إما يذلهم فيدينون له».[راجع مجمع البيان ج 3 ص 35].

لم يتم الإظهار

حتي الآن لم يظهر الإسلام علي الدين كله لا من حيث كثرة الأتباع و لا من حيث الغلبة.صحيح أن الإسلام ظاهر علي الدين كله من حيث الحجة،لكن الوعد الإلهي يشمل الإظهار مطلقا،و هذا ما لم يحدث حتي الآن،و بما أن وعد

ص: 82

اللّه حق،و أنه لا يخلف الميعاد،فلا بد أن يأتي زمن تتولي القيادة الإسلامية المدعومة بالتوفيق الإلهي إظهار الإسلام علي الدين كله،بحيث يكون الإسلام هو الدين الرسمي للعالم.

الآية دالة علي ظهور المهدي المنتظر

قال الطبرسي في مجمع البيان ج 5 ص 35:«و من هنا ورد في الأثر عن الإمام الباقر بأن الآية مبشرة بظهور المهدي في آخر الزمان،و أنه بتأييد من اللّه تعالي سيظهر دين جده صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي سائر الأديان،حتي لا يبقي علي وجه الأرض مشرك و هذا هو قول السدي المفسر المعروف».

قال القرطبي في تفسيره ج 8 ص 121،و الرازي في التفسير الكبير ج 16 ص 40 قال السدي:«ذلك عند خروج المهدي لا يبقي أحد إلا دخل الإسلام»أي أن اللّه سبحانه و تعالي يظهر الإسلام علي الدين كله في عهد المهدي.و أهل بيت النبوة الذين ورثوا علمي النبوة و الكتاب مجمعون علي ذلك،و من المستحيل أن يجمعوا بغير دليل،أو قناعة،لأنهم أحد الثقلين و لأن المهدي المنتظر هو خاتم الأئمة عندهم،و قناعتهم مطلقة بأن اللّه تعالي:«قد فتح بهم«أي بالنبي»و يختم بهم«أي بالمهدي».

2-قال تعالي: وَ لَوْ تَري إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (سورة سبأ،الآية:51).أخرج الطبري عن حذيفة بن اليمان أن المعني في هذه الآية منصب علي الجيش الذي سيخسف به،و قد تواترت الأحاديث بأن جيشا سيرسل للقضاء علي المهدي،و أنه سيخسف بهذا الجيش،و هذا الخسف لم يحصل للآن،و حدوثه مرتهن بظهور المهدي.[راجع تفسير الطبري ج 2 ص 72،و عقد الدرر 84 ب 4 من الفصل الثاني،و الحادي للفتاوي للسيوطي ج 2 ص 81،و الكشاف للزمخشري ج 3 ص 467-468].

3-قال تعالي: وَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَ اتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (سورة الزخرف،الآية:61).

ص: 83

لقد ذكر البغوي في معالم التنزيل ج 4 ص 444 و الزمخشري في الكشاف ج 4 ص 6 و الرازي في التفسير الكبير ج 27،و القرطبي في تفسيره ج 16 ص 105 و النسفي بهامش تفسير الخازن ج 4 ص 108 و تفسير الخازن ج 4 ص 109 و ابن كثير في تفسيره ج 4 ص 124 و تفسير أبي السعود ج 8 ص 52 بأن هذه الآية بخصوص نزول عيسي بن مريم،و قال مثل ذلك مجاهد تفسير مجاهد ج 2 ص 583 و إلي هذا أشار السيوطي في الدر المنثور ج 6 ص 20، و قال أخرجه ابن حنبل و ابن أبي حاتم،و الطبراني و ابن مردويه و سعيد بن منصور عن ابن عباس.

و قال الكنجي الشافعي في كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان ص 528:

«قال مقاتل بن سليمان و من تابعه من المفسرين في تفسير قوله عز و جل: وَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ هو المهدي يكون في آخر الزمان و بعد خروجه يكون قيام الساعة و إماراتها».

و تجد مثل ذلك في الصواعق المحرقة لابن حجر ص 162 و نور الأبصار للشبلنجي الشافعي ص 186،و ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج 2 ص 126 باب 159.

و قد ذكر القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع ج 3 ص 76 باب 71 الكثير من الآيات التي فسرها أئمة أهل بيت النبوة بالإمام المهدي و ظهوره،[راجع المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي ص 21-25].و من يمعن النظر يجد أن في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي حملت و عودا إلهية دنيوية،و ربط تحققها بتوافر ظروف موضوعية معينة،وفق معايير خاصة لا تعرف إلا بالبيان النبوي،و من استعراض الحادثات التاريخية و استقراء الشرع الحنيف،و ما وصل إلينا من الآثار المروية عن الأئمة الأطهار من أهل بيت النبوة يتبين لنا أن الكثير من الوعود الإلهية الدنيوية مرتبط تحقيقها بعصر ظهور المهدي،و قيادة هذا المهدي.فإذا ظهر الإمام المهدي و آلت قيادة الأمة إليه تبدأ عملية ترجمة الوعود الإلهية من النظر إلي التطبيق و من الكلمة إلي الحركة،لأن ظهور المهدي سيكون في آخر الزمان،و من أشراط قيام الساعة،و من المحال عقلا أن تقوم الساعة و لا ينفذ اللّه و عوده لأنه

ص: 84

أصدق القائلين،و لأنه لا يخلف الميعاد.كل هذه الظروف تجعل من البيان النبوي المفتاح لكل غموض،و الطريق الفرد إلي اليقين،في كل متشابه و الأساس لكل المعارف الدينية التي صاغت نظرية المهدي المنتظر في الإسلام،و التي بشرت بعصر الظهور.و هذا يستدعي بالضرورة وقفة مطولة عند كل ما صدر عن الرسول حول المهدي المنتظر بالذات و حول عصر ظهوره.

ص: 85

الفصل الرابع: المهدي المنتظر في البيان النبوي أو السنة المطهرة التكامل و عمق الارتباط بين القرآن الكريم و السنّة النبوية

اشارة

القرآن الكريم و بيان النبي لهذا القرآن«السنّة النبوية»و جهان لعملة واحدة أو لشيء واحد،فلا يعرف أحدهما إلا بالآخر،و لا يفهم أحدهما فهما يقينيا إلا بالآخر،و لا تستقيم الحياة إلا بالاثنين معا.لقد اقتضت حكمة اللّه و طبيعة الإسلام كآخر دين،و طبيعة رسالة النبي،كخاتم للنبيين أن يكون التكامل و الترابط بين القرآن و البيان النبوي مطلقا،فالنبي خلال حياته المباركة هو المالك الشرعي و اليقيني لمفتاح بيان القرآن،و معرفة المقاصد الإلهية من كل نص من نصوصه، و حرف من حروفه يفيض علي الناس من هذه المعارف بحجم تطورهم و استيعابهم.و قد أعده اللّه تعالي و أهّله لهذه المهمة.

و أتم اللّه نعمته و أكمل دينه يوم أعدّ و أهل و خصص«طواقم»فنية مهمتها القيادة و البيان من بعد النبي،و هم الأئمة الكرام من أهل بيت النبوة الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا،و أعلن اللّه تعالي في القرآن الكريم بأن القرآن كتاب كريم لا يمسه إلا المطهرون،أي لا يعرف معناه و لا يجيد بيانه إلا المطهرون و هم أهل بيت النبوة،و بيّن النبي معني هذه الآية و حدد من هم آل بيت النبوة بكل وسائل التوضيح و البيان،و في اجتماع عام للمسلمين أعلن الرسول أن حجته تلك

ص: 86

هي حجة الوداع،و أنه لن يلقي المسلمين بعد هذا العام،و أنه و بمجرد عودته إلي المدينة سيمرض و سيموت في مرضه،و أنه أراد أن يلقي القول معذرة للمسلمين، و أنه قد ترك من بعده ثقلين أحدهما كتاب اللّه و هو الثقل الأكبر و ثانيهما أهل بيت النبوة،و هم الثقل الأصغر،و أن الأمة لن تهتدي إلا إذا تمسكت بالثقلين معا،و لا يمكن أن تتجنب الضلالة إلا بتمسكها بالاثنين معا،ثم سأل النبي المسلمين المجتمعين في غدير خم قائلا:ألست وليكم؟ألست مولاكم؟فأجاب المسلمون بلسان واحد،بلي يا رسول اللّه أنت ولينا و مولانا!!فقال الرسول:من كنت وليه فهذا علي بن أبي طالب وليه،و من كنت مولاه فهذا علي مولاه.و فهم المسلمون المغزي،و جلس عليّ و تقدم المسلمون واحدا واحدا و بايعوه بالولاية و قدموا له التهاني،و عرفوا بأن عليا هو أول أئمة أهل بيت النبوة،و أن الإمام من بعده هو ابنه الحسن،و أن الإمام من بعد الحسن هو ابنه الحسين،و أن نظام الولاية و القيادة من بعد النبي قد انتظم،فالقائم من الأئمة بعهد بالإمامة لمن يليه وفقا لترتيب إلهي عهد اللّه به لنبيه و عهد النبي به لأول الأئمة.و قد وثقنا كل ذلك في كتابينا:

«المواجهة مع رسول اللّه و آله»و نظرية عدالة الصحابة،فارجع إليهما إن شئت للتيقن من إجماع أصحاب الحديث علي كل ما ذكرناه.

الانقلاب و التنكر التام للرسول و لبيانه و لأهل بيته الكرام

بطون قريش التي قاومت النبي و عادته طوال ال 15 سنة التي قضاها في مكة قبل الهجرة،و حاربته طوال مدة 8 سنوات بعد الهجرة،ثم اضطرت مكرهة للدخول في الإسلام شكلت و أعوانها الأكثرية في المجتمع المسلم.لم ترق هذه الترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول لتلك البطون.و بنفس الوقت فإن البطون قد أدركت بأن النبوة قد تمخضت عن ملك عريض،لذلك طمعت البطون بهذا الملك،و خططت لغصبه من أهله و أخذت تتحين الفرص لتنفيذ مخططها.لقد أدركت البطون عمق التكامل و الترابط بين الكتاب المنزل و بيان النبي المرسل، و تيقنت من استحالة تنفيذ مخططها هذا في حالة بقاء هذا التكامل و الترابط بين كتاب اللّه و بيان النبي لهذا الكتاب.لذلك كله قررت بطون قريش و صممت نهائيا

ص: 87

علي أن تفرق بين اللّه و رسوله،و بين كتاب اللّه و بيان النبي لهذا الكتاب،لتجمد عمليا كافة النصوص الشرعية التي أعلنها النبي و المتعلقة بمنصب البيان و القيادة من بعد النبي،و أن تتجاهل بالكامل هذه النصوص الصادرة عن النبي،و تعتبرها كأنها غير موجودة،أو في أحسن الأحوال مجرد آراء شخصية لمحمد بن عبد اللّه الهاشمي،مثلما قررت بطون قريش أن تهمل بالكامل أهل بيت النبوة الذين اعتبرهم الدين أحد الثقلين،فاعتبرهم بطون قريش مجرد أفراد مسلمين لا ميزة لهم علي أحد في مجتمع كل أفراده قد اعتنقوا الإسلام.و بدأت بطون قريش بتنفيذ قراراتها.بعد دقائق من انفضاض الاجتماع التاريخي في غدير خم.و في كتابنا «المواجهة»أثبتنا أن بطون قريش قد مهدت لقراراتها قبل غدير خم بسنين.

مرض النبي و اتهامه بالهجر و إعلان النوايا بوضوح

بعد أيام من عودة النبي إلي المدينة مرض كما أخبر الناس في غدير خم، و كان سكان المدينة علي يقين بأن مرض النبي هو مرض الموت،و إنه سيموت في مرضه كما أخبرهم النبي بذلك.و قد جرت العادة عند كل زعماء العالم و حتي رؤساء القبائل و علية القوم أن يلخص الزعيم أو شيخ القبيلة،أو السيد لأتباعه الموقف من بعد موته،و أن يعلن توجيهاته و تعليماته النهائية لأتباعه فضرب النبي موعدا للخلص من أصحابه ليكتب توجيهاته النهائية للأمة.علمت بطون قريش بما عزم عليه النبي،فجمعت جمعا كبيرا،و بالوقت المحدد لكتاب التوجيهات النهائية اقتحم هذا الجمع بيت النبي،و دخلوه دون استئذان،فوجيء الخلّص من أصحاب النبي،و لم يكن بوسع النبي أن يتراجع و لا ينبغي له فقال لمن حوله قربوا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا،و ما أن أتم النبي كلامه حتي قال جمع البطون بصوت واحد،إن النبي قد غلبه الوجع،و لا حاجة لنا بكتابه،إن النبي يهجر!! استفهموه إنه يهجر!!!!و كرروا هذه الكلمة النابية علي مسامعه الشريفة متجاهلين بالكامل وجوده،و حدث نزاع بين الخلص الذين دعاهم النبي و هم قلة،و بين الجمع الكبير الذي حشدته بطون قريش و ارتفعت الأصوات،و أطلت النسوة من وراء الستر فقلن لجمع بطون قريش:ألا تسمعون رسول اللّه يقول لكم قربوا يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده!فنهر عمر بن الخطاب النسوة لأن رأيه كان كرأي بطون

ص: 88

قريش و قال لهن:«إنكن صويحبات يوسف...»هنا أتيحت الفرصة للنبي ليتكلم فقال:«إنهن خير منكم،قوموا عني لا ينبغي عندي تنازع،ما أنا فيه خير مما تدعونني إليه».و أدرك النبي أنه لم يعد هنالك ما يبرر كتابة توجيهاته النهائية،فلو أصر النبي علي كتابة توجيهاته النهائية،لأصر جمع بطون قريش علي اتهامه بالهجر مع ما يستتبع ذلك من عواقب مدمرة علي الدين نفسه،لذلك صرف النبي النظر عن كتابة هذه التوجيهات،و خرج جمع البطون و خرج الخلص من أصحاب النبي، و نجح جمع البطون بالحيلولة بين النبي و بين كتابة ما أراد،و نجحت بطون قريش عمليا،و لأول مرة بالتفريق بين اللّه و رسوله،و بين كتاب اللّه و بيان النبي لهذا الكتاب،و رفعت بطون قريش شعار:«حسبنا كتاب اللّه»أي يكفينا القرآن،و لسنا بحاجة لبيان النبي أو لوصيته!!و هكذا أعلنت بطون قريش نواياها و بكل سفور، فعرفها النبي،و عرفها الخلص من أصحابه.و خرج الرسول عمليا من التأثير علي مسرح الأحداث،و صار الذين آمنوا قلة كما كانوا دائما،وسط كثرة تدعي الإسلام!!و من المدهش حقا أنه ما من خليفة قط إلا و كتب توجيهاته النهائية و هو علي فراش الموت،و قد اشتد به الوجع أكثر مما اشتد برسول اللّه و مع هذا لم يقل أحد من المسلمين قط لأحد من الخلفاء قط«حسبنا كتاب اللّه،أو أن المرض قد اشتد بك،و لا حاجة لنا بكتابك،بل علي العكس كانت توجيهات الخلفاء تنفذ كأنها وحي من اللّه جاء به اللّه و الملائكة قبلا».

قد يقول قائل أن هذا غير معقول!!و لا يمكن أن يعامل الرسول بهذه القسوة،و لكن هذا ما حدث بالفعل فأصح الصحاح عند أهل السنة صحيحا البخاري و مسلم،و قد سلما بوقوع ذلك كله و في كتابينا:«نظرية عدالة الصحابة و المواجهة»سقنا و وثقنا كافة الروايات التي ذكرها البخاري و مسلم في صحيحهما.فارجع إليهما إن كنت في شك من ذلك.

منع رواية و كتابة أحاديث رسول اللّه

قبضت بطون قريش علي مقاليد الأمور حتي قبل أن يدفن رسول اللّه،و كانت أول المراسيم التي أصدرتها دولة الخلافة أن منعت رواية و كتابة أحاديث الرسول-

ص: 89

لأن كتابة و رواية أحاديث الرسول-تسبب الخلاف و الاختلاف بين الناس!!!هكذا ورد بالمرسوم الأول لدولة الخلافة،و جاء بالمرسوم أيضا:«فمن سألكم عن شيء فقولوا بيننا و بينكم كتاب اللّه»!!!فلم يعد بوسع أهل بيت النبوة،و لا بوسع غيرهم أن يروي حديثا أو يحتج بحديث إلا إذا كان هذا الحديث مؤيد لدولة الخلافة أو لسلوكها أو لاتجاهاتها،أو لسياساتها عندئذ يصبح هذا الحديث،أو ذاك سندا شرعيا لوجود دولة الخلافة،أو لسلوكها أو اتجاهها أو سياستها.كذلك لم يعد بوسع مسلم أن يكتب أحاديث الرسول،بل شجعت الدولة علي حرق المكتوب من أحاديث الرسول،و بدأ الخليفة الأول بنفسه حيث كان قد كتب خمسمائة حديث أثناء حياة الرسول،قالت أم المؤمنين عائشة فبات الخليفة يتقلب و لما أصبح الصباح أحرق الأحاديث التي كتبها فعلمت أم المؤمنين عائشة ابنته بأنه لن يعدل بكتاب اللّه شيء،و لما جاء الخليفة الثاني اشتد في هذه الناحية فناشد الناس أن يأتوه بكل ما كتبوا من أحاديث رسول اللّه،و ظن الناس أنه يريد أن يدونها و يكتبها فجاءوه بها فلما وضعت بين يديه أمر بتحريقها،و كان يوصي جيوشه قبل توجهها للقتال بعدم التحديث عن رسول اللّه!!حتي لا يصدوا الناس عن القرآن الكريم!! و كان يقرع و بشدة الذين يحدثون عن رسول اللّه!!و كان يحبس بعضهم بتهمة الإكثار من التحديث عن رسول اللّه،و أحيانا يضرب بعضهم،لأنه لا يريد إلا القرآن،و لأنه مقتنع بأن القرآن وحده يكفي!!و قد سبقت هذه الحملة الرسمية حملة سرية قادتها بطون قريش،حتي و الرسول علي قيد الحياة،و نهت أولياءها من أن يكتبوا أحاديث رسول اللّه بحجة أنه بشر يتكلم في الغضب و الرضي!! و الأخطر من ذلك أن سنة الرسول الثابتة في الأمور السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية صارت مجرد اجتهادات شخصية،و كان بإمكان الخليفة و بكل أعصاب هادئة أن يخالفها تماما،فالرسول مجتهد و الخليفة مجتهد،و لا حرج أن خالف المجتهد مجتهدا مثله!!!فعلي سبيل المثال كان الرسول يقسّم المال بين الناس بالسوية لأن حاجات البشر الأساسية متشابهة،و هكذا فعل الخليفة الأول، و لما آلت الخلافة إلي الخليفة الثاني رأي أن الأنسب و الأصوب عدم المساواة بين الناس في العطاء،بل عطاء الناس حسب منازلهم،فاجتهد و عمل جدولا للمنازل،

ص: 90

و وزع العطاء حسب هذا الجدول!!و حسب هذا الجدول لم يساو حتي بين زوجات النبي،و قد أدت عدم التسوية في العطاء إلي نشوء الطبقات فملك بعض الناس الملايين من الدنانير الذهبية بينما كان الآلاف من المسلمين لا يجدون رغيف العيش،و لما رأي الخليفة الثاني تلك الآثار المدمرة لعدم التسوية في العطاء قال و بكل بساطة:«لئن استقبلت من عامي ما استدبرت لأعملن بسنة النبي و صاحبه و لأسوّينّ بين الناس بالعطاء»!!!!!

و لما آلت الخلافة للخليفة الثالث كانت أول مراسيمه الإعلان عن عدم السماح برواية أي حديث لم يسمع به في زمن الخليفتين الأول و الثاني.و استمر المنع الشامل علي كتابة و رواية أحاديث الرسول.خلال عهود الخلفاء الثلاثة الأول ترسخت مفاهيم معينة عن الحديث النبوي و السنة النبوية بشكل عام و ارتبطت هذه المفاهيم بالسلطة الغالبة التي أرست حجر الأساس العملي للفترة التي تلت موت النبي.فإذا استعرضنا الأحاديث التي أذنت السلطة بشيوعها و انتشارها خلال عهود الخلفاء الثلاثة الأول نجدها منصبّة بالدرجة الأولي و الأخيرة علي تمجيد قريش و إبراز مكانتها كعشيرة النبي،و علي فضائل الخلفاء الثلاثة و مصاهرتهم للنبي،و مكانتهم عنده،و دورهم البارز في نصرة النبي.

و التركيز علي أن الرئاسة أو الإمامة أو الخلافة أو القيادة حق خالص للمسلمين، فهم وحدهم أصحاب الاختصاص ببيعة من يريدون،أما الأحاديث و السنن المتعلقة بالأحكام و العبادات و المعاملات،فلا حرج من روايتها إن كانت لا تتعارض مع اجتهادات الخلفاء و علومهم،و اجتهادات و علماء أولياء الخلفاء.

و هكذا خضعت كتابة و رواية الأحاديث لرقابة السلطة الصارمة،فمنع رواية الحديث و كتابته شامل و كامل،و لكن السلطة أذنت بل و شجعت علي رواية و كتابة ما يخدم سياستها و توجهاتها العامة،و ما يرغم أنوف معارضيها و يكبتهم،و قربت رواة تلك الأحاديث،فكعب الأحبار الذي أسلم بعد وفاة النبي يصغي إليه، و يتكلم و يسأل،و تقرب مكانته،و أبو ذر،و حذيفة و عمار بن ياسر يجبرون علي السكوت،و يطاردون في الأرض،و يضربون و ينفون من الأرض.

و ما يعنينا بأن الأحاديث المتعلقة بالإمامة أو الولاية من بعد النبي،

ص: 91

و الأحاديث المتعلقة بمكانة أهل بيت النبوة و فضائلهم كانت محظورة و محصورة حصرا تاما،و حيل بين الناس و بين معرفتها،و تم تجاهل أهل بيت النبوة سياسيا تجاهلا تاما،و تم استبعادهم و أولياؤهم عن كافة مراكز التأثير و الخطر فتأخروا و هم المتقدمون،و تقدم عليهم كافة المتأخرين،فمع وجود علي بن أبي طالب يتمني عمر بن الخطاب لو أن سالم مولي أبي حذيفة حيا ليوليه الخلافة،و سالم هذا مولي لا يعرف له نسب في العرب،فعمر بن الخطاب يعتقد حسب اجتهاده و موازينه أن سالم مولي أبي حذيفة هو أولي بخلافة النبي من علي بن أبي طالب ابن عم النبي،و أول المؤمنين به،و زوج ابنته و والد سبطيه،و فارس الإسلام و الولي الرسمي لكل مؤمن و مؤمنة،و سيد العرب و سيد المسلمين و إمامهم بالنص الشرعي!!

و عندما تمني عمر لو أن سالم أو خالد،أو أبا عبيدة،أو معاذ بن جبل أحياء لولّي أحدهم الخلافة،و يوضح عمر الأسباب فيقول فلو سألني ربي عن ذلك لقلت سمعت نبيك يقول،و يروي حديثا سمعه عن النبي في كل واحد من أولئك الذين تمني عمر حياتهم!!و المثير حقا أن عمر نفسه سمع النبي يقول:«من كنت وليه فهذا علي بن أبي طالب وليه،و من كنت مولاه فهذا علي مولاه،و سمع النبي و هو يقول عن علي:«إنه وليكم من بعدي»و سمعه و هو يقول له أنت سيد العرب، و أنت سيد المسلمين و إمام المتقين،و الأهم من ذلك أن عمر نفسه قد هنأ الإمام علي بالولاية في غدير خم...

لكنها سياسة لجم الحديث النبوي و إلزامه علي السير بما يتلاءم مع توجهات السلطة و إرغام أنوف معارضيها.

لما آلت الخلافة لعلي بن أبي طالب،و بايعته الأكثرية الساحقة التي بايعت الخلفاء الثلاثة،وجد أن دائرة الحصار و الخطر علي كتابة أحاديث الرسول محكمة تماما و أنه ليس من اليسير اختراقها و بيان الحقائق الشرعية للناس،لأن مضامين هذه الدائرة قد استقرت بعد أن أصبحت منهاجا تربويا و تعليميا رسميا للناس خلال عهود الخلفاء الثلاثة الأول،فأوجد الإمام طريقة خاصة لاختراق تلك الدائرة و فتح نوافذ فيها،فكان يشهد و يحدث شخصيا بما سمعه من النبي،و كان يغتنم فرصة

ص: 92

تجمع الصحابة في اجتماع عام و يناشد قائلا:«نشدت اللّه امرءا مسلما سمع رسول اللّه في المكان الفلاني قد قال كذا أن يقوم...فيقوم العشرة و العشرون، ليشهدوا علي أن الرسول قد قال كذا بالفعل،و كان يصدف أن بعض شانئي أهل بيت النبوة الذين سمعوا رسول اللّه لا يقومون،و إمعانا بإقامة الحجة عليهم يسألهم الإمام عن سبب عدم قيامهم مع أنه يعرف أنهم قد سمعوا الرسول و هو يقول...

فيدّعون النسيان،و يصدف أن يدعوا الإمام علي بعضهم،و يستجيب اللّه لدعوة الإمام،و يحمل السامع المنكر علامة تشهد بكذبه كما حدث يوم الرجعة و لقد استطاع الإمام علي خلال مدة حكمة أن يكشف للناس ما جهدت السلطة بإخفائه، طوال السنين التي تلت موت النبي الأعظم خاصة الأحاديث المتعلقة بمنصب القيادة من بعد النبي،و بمكانة أهل بيت النبوة،و فضائلهم.و جاء معاوية فسن ما يمكن أن نسميه بحرب الفضائل،فسخر كافة موارد الدولة و إمكانياتها للحط من مكانة أهل بيت النبوة،و للتشكيك بكل ما نشره علي بن أبي طالب و أولياءه عن منصب القيادة من بعد النبي،و للتنكر لكل الفضائل التي قالها رسول اللّه عن أهل بيته،و لخلط الأوراق خلطا عجيبا أمر معاوية كافة ولاته و عماله أن لا يدعوا فضيلة يرويها أحد من المسلمين في علي و أهل بيت النبوة إلا و جاءوا بمثلها لأحد من الصحابة،فسالت سيول الفضائل،و انفتحت الأرض عن عشرات الآلاف من الرواة،فرووا عشرات الألوف من الفضائل و نسبوها للرسول،ثم أمرت الدولة بتدريس هذه المرويات في المدارس و المعاهد و الجامعات،و فرضت دراستها علي العامة و الخاصة،فنشأ جيل يعتقد بصحة هذه المرويات،ثم انتقلت هذه المرويات من جيل إلي جيل و اقتصر اهتمام المسلمين عليها،و بقي الحظر و المنع علي رواية و كتابة أحاديث الرسول ساريا علي ما سواها،و إمعانا بإرغام أنوف أهل بيت النبوة و من والاهم أمر معاوية كافة رعاياه أن يلعنوا عليا بن أبي طالب و أهل بيته كما تلعن الشياطين،و أن لا يجيزوا لأحد ممن يحبهم شهادة،و أن يقطعوا عطاءهم و يهدموا دور الذين يوالونهم.[راجع كتاب الأحداث للمدائني،و قول ابن نفطويه في شرح النهج لابن أبي الحديد ج 3 ص 595 تحقيق حسن تميم].

و لما تولي الخليفة الأموي الفاضل عمر بن عبد العزيز الخلافة أدرك خطورة

ص: 93

منع كتابة و رواية أحاديث الرسول،و خشي أن يندرس هذا العلم و يموت ما تبقي من أهله،فكتب إلي و اليه علي المدينة و كلفه بكتابة أحاديث الرسول،و لأن الخليفة علي علم بتوجهات المجتمع فقد علل قراره بخشيته من موت العلماء، و اندراس علم الحديث.

فاحتج علماء عصره،و ضج المجتمع الإسلامي الذي تربي علي ثقافة معينة!!و تساءل الناس متعجبين؟كيف يجرؤ عمر بن عبد العزيز علي اقتراف ما نهي عنه الخلفاء الثلاثة أبو بكر و عمر و عثمان!!!و أهمل أمر الخليفة عمر بن عبد العزيز عمليا و لم ينفذ،لأن التوجه العام للمجتمع لا يحتمل ذلك،فمن غير الممكن أن يسمح بكتابة و رواية أحاديث صدرت عن رسول اللّه،تتضمن فضائل علي بن أبي طالب،مثلا في الوقت الذي أمرت فيه الدولة كافة رعاياها بلعنه!! و التبروء منه!!و لا يحتمل مجتمع دولة الخلافة إبراز فضائل و مكانة أهل بيت النبوة في الوقت الذي تعتبرهم الدولة أعداء الخليفة و أعداء المجتمع!!و لكن علي الرغم من أن أمر الخليفة لم ينفذ عمليا إلا أنه كان ثغرة واسعة في جدار سميك، و إعداد علمي للمجتمع ليرقي من طور إلي طور!!

و بعد قرابة مائة عام علي موت الرسول اقتنع مجتمع دولة الخلافة بضرورة كتابة و رواية أحاديث الرسول،و لم تر دولة الخلافة في ذلك ما يهدد وجودها أو يمس استقرارها،فإيديولوجيتها الواقعية قد رتبت عمليا و استقرت في أذهان العامة خلال مدة المائة العام التي منعت فيها رسميا كتابة و رواية أحاديث الرسول،لهذا كله أذنت دولة الخلافة برواية و كتابة أحاديث الرسول،أو علي الأقل لم تعترض عل هذا التوجه الجديد!!

الانطلاقة الكبري في رواية و كتابة الحديث

أ-علي صعيد علماء دولة الخلافة

علي ضوء التوجه العام و الواقع الجديدين،انطلق علماء دولة الخلافة ليبحثوا عن كل ما صدر عن نبيهم من قول أو فعل أو تقرير قبل مائة عام!!!

ص: 94

و أوجدوا ضوابط علمية لعمليتي كتابة و رواية سنّة الرسول من قول،أو فعل،أو تقرير،و بذلوا جهودا مضنية للوقوف علي كل ما قاله رسول اللّه بالفعل في كل أمر من الأمور،و في أي شخص من الأشخاص،أو أية جماعة من الجماعات،حتي أنهم رووا الأحاديث المتعلقة بعلي بن أبي طالب،و أهل بيت النبوة الذين صبت عليهم دولة الخلافة كل غضبها و نقمتها و قوتها!!فرويت الأحاديث التي تتحدث عن مكانة علي،و قربه من النبي،و جهاده المميز و سجله الحافل بالأمجاد، و رويت أحاديث تتحدث عن مكانة أهل بيت النبوة،و آل محمد و تميزهم عن غيرهم من المسلمين،و التي تبرز دور آل محمد بالدفاع عن دعوة الإسلام،و إقامة دولته الأولي،و معاناتهم الكبري،باحتضان النبي،و الدفاع عنه،و الجهاد بين يديه!!و أبعد من ذلك أن علماء دولة الخلافة قد رووا أحاديثا عن رسول اللّه عن عداوة أبي سفيان و بنيه خاصة،و البطن الأموي عامة للّه و لرسوله،و عن قيادتهم لجبهة الشرك طوال فترة ال 15 سنة التي سبقت الهجرة،و أنهم حاربوا الإسلام و نبيّه طوال مدة الثماني سنوات التي تلت الهجرة،و أنهم قد استعدوا العرب و اليهود علي رسول اللّه،و أعظم من ذلك،فقد روي العلماء أحاديثا عن رسول اللّه،بأن الحكم بن العاص و ذريته هم أعداء اللّه و رسوله،و أن اللّه قد لعنهم علي لسان نبيه،و مع هذا آلت خلافة الرسول لذرية الحكم،في الوقت الذي كانت فيه ذرية النبي و آل النبي يتعرضون للتقتيل و التشريد و التطريد!!!بعد أن فرضت الدولة علي العامة و الخاصة لعنهم.

و روي علماء دولة الخلافة أحاديث عن رسول اللّه تبين مكانة فاطمة الزهراء، و ابنيها الحسن و الحسين،عند رسول اللّه،و قرابتهم القريبة،و منزلتهم الرفيعة في قلبه الشريف.لقد أذهلت تلك المرويات العامة و الخاصة من المسلمين،و ربطوها بالمحن و المآسي و الآلام التي تجرعها أهل بيت النبوة مجتمعين و منفردين!!! و بدأت قلوب المسلمين تتعاطف مع أهل البيت،و تتيقن أن خللا كبيرا قد حدث، و أن لأهل بيت النبوة قضية عادلة لم تلق أبدا آذانا صاغية طوال التاريخ!!

و فجأة قررت جموع دولة الخلافة أن تعتبر عليا بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين،و أن تعترف به و بابنيه الحسن و الحسين،كعمداء لآل محمد الذين لا

ص: 95

تجوز صلاة المسلم بغير الصلاة عليهم!!و أنهم و السيدة الزهراء هم أهل بيت النبوة الذين اذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا،و اكتشفت تلك الجموع أنها قد سارت طويلا بالخط المعاكس للطريق الإلهي.و شعرت تلك الجموع بالندامة لأنها خذلت عليا و حسنا و حسينا،و سمت الحسن،و قتلت الحسين و هما ابنا رسول اللّه و مزقت آل محمد في كربلاء،أو علي الأقل لأنهم قتلوا أمامها دون أن تنصرهم أو تحرك ساكنا.

و هذا انقلاب حقيقي و ثورة فعلية تحدث في نفسية تلك الجموع التي استجابت لمعاوية،و خلفاء بني أمية،و لعنت الأمام علي في العشي و الإبكار، و تعبدت بكرهه و كراهية أهل بيت النبوة طمعا بدنيا معاوية و شيعته!!!

«و لم يجد العلماء صعوبة تذكر بكتابة و رواية الأحاديث التي احتضنتها دولة الخلافة،و التي كانت منسجمة مع توجهات تلك الدولة،و مع تاريخها السياسي، لأن تلك الأحاديث كانت مروية و مكتوبة بالفعل،و جاهزة،و كانت تشكل المناهج التربوية و التعليمية لدولة الخلافة،حيث كان تعلّمها مفروضا علي الخاصة و العامة،فنقلها العلماء كما هي،مسلمين بصحتها سندا لكثرة تداولها بين الناس، و لأنها جزء لا يتجزأ من وثائق الدولة الرسمية التي عمل بها المجتمع،بل و الأعظم من ذلك أنها قد صارت أحد مقاييس الصحة لما يروي من الحديث،فإذا تعارض حديث مع الأحاديث التي تبنتها الدولة،فهذا الحديث موضع شك!!! و المخرج يكمن بتضعيف رواته،أو أحد رواته أو تكذيبهم،أو تكذيب بعضهم، بمعني أن المناهج التربوية و التعليمية لدولة الخلافة كانت بمثابة رقيب ضمني علي ما يروي من أحاديث الرسول،فأي حديث يتفق مع هذه المناهج فهو صحيح و ما يعارضها فهو موضع شك،و مع هذا لم تكن هنالك موانع فعلية من رواية أي حديث،و هذا بحد ذاته إنجاز،بل و ثورة فعلية كبري أطلّ من أبوابها و نوافذها الرأي الآخر مدعوما بالسند الشرعي،و هذا ما كان ممنوعا طوال التاريخ.

و الخلاصة أن علماء دولة الخلافة لم يتوقفوا أبدا عن تقييد كل ما ذكر بأنه قد صدر عن الرسول،فكانوا يروونه،و يقيسونه بموازيينهم العلمية التي أوجدوها خصيصا لهذه الغاية،و يخرجونه للناس و يكتبونه بصحاحهم أو مسانيدهم،أو

ص: 96

تواريخهم،أو سيرهم أو مؤلفاتهم؛إنها انطلاقة عظيمة لأحياء كل ما و أدته دولة الخلافة عبر تاريخها السياسي الطويل!!

و من الطبيعي أن تعترض هذه الانطلاقة الكبري معوقات كبري أيضا فظهر الكذابون الذين تعمدوا الكذب علي رسول اللّه،إما تأييدا لتاريخ قد استقر،أو دفاعا عما تهوي الأنفس،أو نكاية و إرغاما لأنف خصم،و قد يكون الكذب لصالح الرسول كما زعم بعضهم حيث قالوا:«إننا لا نكذب علي الرسول إنما نكذب له»،و برع بعض الرواة بالرواية كما و كيفا و خلطوا فهمهم لما سمعوه من الرسول، بأرائهم الشخصية،و سوّقوا الاثنين معا،فإما أن ترفضهما معا أو تقبلهما معا!!

و مع هذا فقد تمخضت تلك الانطلاقة الكبري عن ثروة علمية عظمي،تجد فيها الجزء الأعظم من الحقيقة،التي تطمئن بها القلوب.لكن لا أحد من علماء دولة الخلافة قد أدعي بأن ما أخرجه من الأحاديث هو عين ما صدر عن رسول اللّه باللفظ و المعني،بلا زيادة و لا نقصان و الأحاديث التي وصلتنا عن النبي بهذا الوصف:«لفظا و معني،و بلا زيادة أو نقصان»أندر من النادر!!و هكذا ألحقت دولة الخلافة بالعالم و العلم خسارة فادحة عندما منعت رواية و كتابة أحاديث الرسول،بالوقت الذي أجازت فيه رواية و كتابة حتي الخرافات و الأساطير،و لولا جهود العالم لضاع الأثر و العين معا،و لكن اللّه غالب علي أمره.

و تمخضت تلك الانطلاقة الكبري عن تدوين الكم الهائل من الأحاديث في مجموعة كبيرة من كتب الحديث أبرزها عند أهل السنة ستة كتب عرفت بالصحاح و هي:«صحيح البخاري،و صحيح مسلم،و سنن أبي داود،و سنن ابن ماجه، و سنن الترمذي،و سنن النسائي»،و منهم من يقدم سنن الدارمي علي سنن النسائي،بالإضافة إلي المستدركات علي هذه الصحاح،و مجموعة من المسانيد.

ب-رواية و كتابة الحديث عند أهل البيت و أوليائهم

أهل البيت بما ورثوه من علمي النبوة و الكتاب،و بما خصهم اللّه به من مكانة،لا ترقي إليها مكانة،و بما أسند إليهم من وظائف و تكاليف شرعية،علي يقين تام و مطلق بعمق الارتباط و التكامل و التعاضد بين كتاب اللّه القرآن الكريم

ص: 97

و بين بيان النبي لهذا الكتاب،مثلما هم علي يقين تام بأن أحدهما لا يغني عن الآخر.و هم علي علم بتركيز النبي المكثف و الخاص علي هذه الناحية.

و قد تحدث أئمة أهل البيت عن مجموعة حقوقية شرعية كبري قد ورثوها عن رسول اللّه اسمها«الجامعة»أملاها رسول اللّه و كتبها الإمام علي بن أبي طالب بخط يده،و كلف رسول اللّه عليا أن يحتفظ بها،و أن يورثها للأئمة من بعده و هي تشتمل علي العلم كله،القضاء و الفرائض،و ما يحتاج إليه الناس حتي أرش الخدش،و ما خلق اللّه من حلال و لا حرام إلا و ضوابطه بهذه الجامعة،و أن هذه الجامعة لم تدع لأحد كلاما.و يبدو أن هذه المجموعة قد أملاها رسول اللّه خصيصا للأئمة القادة من أهل البيت ليحكموا بها إذا تولوا حكم الناس،لأن فيها حكم اللّه.

و تحدث الإمام علي عن صحف كثيرة عنده،و وصف تلك الصحف بأنها «قطايع»أي مخصصات رسول اللّه و أهل بيته.و يروي علماء دولة الخلافة أنه بعد فترة من موت رسول اللّه جاء علي بن أبي طالب و هو يحمل كتاب اللّه و تفسيره علي ظهره،و أنه قد عرض علي قيادة دولة البطون أن يحكم بينهم بما أنزل اللّه و ما أملي رسوله،و أن هذه الدولة رفضت العرض.

و يبدو من كثير من الأحاديث إن لدي أئمة أهل البيت كتابين آخرين قد كتبا بخط الإمام علي و علي عهد رسول اللّه،و يسمي أحد هذين الكتابين:«بمصحف فاطمة»و فيه أنباء من الحوادث الكائنة و المتعلقة بالأئمة،أما الكتاب الآخر فيسمي ب«الجفر»و هو يشتمل علي أنباء من الحوادث الكائنة عموما».[راجع بصائر الدرجات ص 144-148-156 و 160،و أصول الكافي ج 1 ص 241 و ص 57 و الوافي ج 2 ص 125 و معالم المدرستين ج 2 ص 300-312 و كتابنا الخطط السياسية ص 191-197].و من المؤكد أن ذلك قد حدث بالفعل فرسول اللّه متيقن أنه ميت لا محالة،و موقن من حاجة الأمة إلي بيان كافة الأحكام الشرعية بيانا قائما علي الجزم و اليقين،و هو بيانه الشريف،و لأن عليا بن أبي طالب هو المخول شرعا بالبيان بعد وفاة الرسول،و لأنه من الرسول بمنزلة هارون من موسي باعتراف قادة دولة البطون،و لأن الإمام علي أعظم علماء

ص: 98

الأمة و أعلمهم بإقرار كافة الخلفاء،و لأنه قاريء كبير في أمة أمية يندر فيها القاريء،و لأنه باب مدينة العلم.فقد أملي عليه رسول اللّه الحكم الشرعي لكل شيء،و كلف النبي عليا أن يجمع ذلك في كتاب ليكون مرجعا،للأمة في بيان القرآن بعد وفاة النبي،و كلف النبي عليا أن يحتفظ بهذا الكتاب،و أن يسلمه لأولاده الأئمة ليتوارثوه حسب ترتيب خاص،و يبينونه للأمة بعد وفاة النبي، و يحكمون بموجبه إن سلمت الأمة بحقوقهم،فتكون علوم هذا الكتاب من الأدلة المادية لمرجعيتهم و لحقهم بالقيادة و البيان من بعد النبي.ثم إن سادة أهل بيت النبوة كانوا يقيمون مع النبي في بيت واحد طوال حياة النبي المباركة،و كان النبي يزقهم بالعلم زقا،و يفيض عليهم من عجائب علمه و من أخبار المستقبل البعيد، و كانت تلك المعارف بكل الموازين ثروة كبري خصهم اللّه بها فمن غير المعقول أن لا يحفظوا تلك الثروة و يكتبوها!!!ليحتجوا بها القوم،و لينتفعوا بها، و يورثوها لذرياتهم تأكيدا للطهر و التميز،ثم إن العلوم التي أفاضها رسول اللّه علي أهل بيته هي بيان للقرآن،و من الضروري أن يحتفظ بها أهل بيت النبوة ليكون لديهم بيان القرآن،و ليحملوا هذا البيان للإنسانية في كل زمن،إن هذا البيان هو علم النبوة،و قد كلف اللّه نبيه أن يورث الأئمة الإعلام من ذريته علمي النبوة و الكتاب.

و الخلاصة أنه لما قبض اللّه نبيه،كان أهل بيت النبوة قد وعوا علمي النبوة و الكتاب بالتمام و الكمال،و وثقوا من هذين العلمين كل ما يحتاج إلي توثيق،فما من سؤال علي الإطلاق!إلا و يعرف عميد أهل البيت في زمانه جوابه،و ما من أمر من أمور الدنيا و الآخرة إلا و يعرف هذا العميد كلياته و تفاصيله الدقيقة،و حكم الشرع الحنيف فيه،و كل هذه المعارف موثقة و معروفة عندهم و معلومة علم اليقين.

أثناء مرض النبي الذي قبض منه،تجاهلت بطون قريش البيان النبوي تجاهلا كاملا،و استولت علي السلطة،و حجّمت أهل بيت النبوة بالقوة،و عتّمت علي كل فضائلهم و تنكرت لمقامهم و مكانتهم تنكرا تاما،و جردتهم من كافة حقوقهم،ثم أصدرت مراسيم منعت فيها رواية و كتابة أحاديث رسول اللّه،و قررت أن القرآن

ص: 99

وحده يكفي،و لا حاجة لبيان النبي،لأن بإمكان أي إنسان أن يفهم القرآن حسب رأي البطون!!و رواية أحاديث النبي و كتابة هذه الأحاديث تسبب الخلاف و الاختلاف بين المسلمين،و قيادة البطون تري أن منع الاختلاف و الخلاف يتحقق عندما تمنع رواية و كتابة أحاديث الرسول!!!

و بدأت قيادة البطون بتطبيق مراسيمها بصراحة تامة،فكانت تحرق كل ما وصل إليها من أحاديث الرسول،و كانت تتصيد كل ما هو مكتوب من أحاديث الرسول فتتلفه،و حرمت مرارا و تكرارا تلك الأحاديث،مثلما حرمت روايتها تحريما كاملا،إلا ما كان يخدم توجهاتها و سياستها،و بهذه الظروف خبأ أهل بيت النبوة كنوز العلم الثمينة و النادرة و التي تلقوها من رسول اللّه مباشرة،خوفا عليها، و تناقلوها كابرا عن كابر،و أفاضوا منها سرا علي أوليائهم،و كانت دولة الخلافة تراقبهم مراقبة دقيقة،و تتمني لو تجد تلك الكنوز النادرة لتحرقها تحريقا،و تتلفها إلي الأبد.و نجح أئمة أهل بيت النبوة بإخفاء تلك الكنوز العلمية،و رغم المنع المفروض علي رواية الحديث إلا أنهم نجحوا بتسريب الكثير الكثير من معارفهم إلي المسلمين عامة،و إلي أوليائهم خاصة،بالرغم من رقابة الدولة الصارمة، و أدعية الإمام زين العابدين المعروفة من الأمثلة الحية فالأدعية أحاسيس عميقة صادقة استوحاها الإمام من علمي النبوة و الكتاب،و من خلالها بث شكواه و لوعته و حزنه العظيم،ثم كتبها بخط يده لينقلها إلي الأجيال اللاحقة،و مع أنها أدعية إلا أنه كان خائفا عليها كما خافت أم موسي علي ولدها،فكان ينقلها من مكان إلي مكان،و من حرز إلي حرز لأن دولة الخلافة الأموية لو عثرت عليها لمزقتها تمزيقا و لحرقتها تحريقا.لأن دولة الخلافة أرادت أن تمحو من ذاكرة المسلمين نهائيا و إلي الأبد كل الأحكام الشرعية المتعلقة بمنصب القيادة من بعد النبي و المتعلقة بمكانة أهل بيت النبوة،حتي لا يبقي في الشريعة أثر يدين استيلائها علي القيادة بالقوة و التغلب و كثرة الأتباع.

و خلال مدة المائة سنة التي حرمت فيها دولة الخلافة كتابة و رواية أحاديث الرسول،عاش الإسلام و الفئة المتنورة من المسلمين محنة كبري،و وطأة عظمي، و كان أهل البيت الكرام أكثر الناس إحساسا بالمحنة و الوطأة و ما زاد الطين بلة أن

ص: 100

المجتمع الإسلامي أو العامة و هم الأكثرية تحولت إلي حارس و مدافع عن شرعية تحريم كتابة و رواية أحاديث الرسول.

و لما تحوّل الرأي العام،و أقبل علماء دولة الخلافة علي كتابة و رواية أحاديث الرسول،و لم تعترض دولة الخلافة علي هذا التحول و ذلك الإقبال، تنفس أهل بيت النبوة الصعداء،فراقبوا عن كثب عمليتي رواية و كتابة الحديث، و رسموا لها الطريق الأقوم:«سأل رجل الإمام جعفر الصادق عن مسألة فأجابه، فقال الرجل:أرأيت إن كان كذا و كذا ماذا يكون القول»؟.

فقال جعفر:«مه ما أجبتك فيه من شيء فهو من رسول اللّه لسنا ممن رأيت في شيء،و قوله:«مهما أجبتك بشيء فهو من رسول اللّه لسنا نقول برأينا»و قال مرة:«لو أنا حدثنا برأينا ضللنا كما ضل من كان قبلنا،و لكن حدثنا ببيّنة من ربنا، بيّنها لنبيّه،فبيّنها لنا»و كان يقول:«لو كنا نفتي الناس برأينا و هوانا لكنا من الهالكين،و لكنها آثار من رسول اللّه أصل علم نتوارثها كابرا عن كابر،نكتنزها كما يكتنز الناس ذهبهم و فضتهم».[راجع بصائر الدرجات ج 2 ص 29 و 301 و كتابنا الخطط السياسية ص 187-189].و قول الإمام جعفر هذا دعوة لمن أرادوا البحث عما صدر عن رسول اللّه ليرجعوا إلي أهل بيت النبوة،فهم وحدهم الذين يملكون مفاتيح البيان النبوي،و هي دعوة من الإمام للمعنيين برواية و كتابة أحاديث الرسول،للفصل التام بين آرائهم الشخصية و ما قاله الرسول.

و بدأ أهل البيت يفيضون علي الناس مما آتاهم اللّه من علمي النبوة و الكتاب،و بالحدود التي تتقبلها و تتحملها نفسية العامة التي تربت تربية ثقافية مناهضة لأهل بيت النبوة و موالية لدولة الخلافة.

و اصطدمت علوم أهل بيت النبوة مع الأحاديث التي تبنتها دولة الخلافة عبر تاريخها السياسي،و سمحت بكتابتها و روايتها،بل و اعتبرتها جزءا من مناهجها التربوية و التعليمية،و بحكم العادة و التكرار آمنت العامة بحتمية صدورها عن رسول اللّه.

و اصطدمت روايات أهل بيت النبوة بسيل من روايات الفضائل التي اشتراها معاوية و أولياؤه من الطامعين بدنياه،ثم عممها بقوة الدولة و نفوذها،و أجبر العامة

ص: 101

و الخاصة علي الاقتناع بها و التسليم بصحتها،و ذلك لإرغام أنوف أهل بيت النبوة، و تمييز و إبطال الفضائل الحقيقية التي خصهم اللّه بها!!

و مع أن دولة الخلافة لم تعترض علي إقبال علمائها علي كتابة و رواية أحاديث الرسول،و لم تعترض علي تحوّل الرأي العام و تأييده لهذا العمل،إلا أنها ضاقت ذرعا بأهل بيت النبوة و أوليائهم،و شككت بقدرتهم و بما يروونه، و شككت بحيادهم أيضا.و تأثر علماء الدولة بذلك تأثرا كبيرا،فإذا ثبت لديهم أن هذا الراوي أو ذاك يوالي أهل بيت النبوة أو يقدمهم علي غيرهم،أو يقول برئاستهم للأمة،أو بتقدمهم علي الخلفاء الثلاثة الأول اعتبروه كاذبا أو غير ثقة، و بالتالي لم يأخذوا بروايته و لما اكتشف بعض علماء الدولة أن الشافعي يوالي أهل بيت النبوة وصفه ابن معين بأنه ثقة!!!

و علي أي حال فقد انطلق أولياء أهل بيت النبوة يروون الأحاديث عن الرسول و عن الأئمة وفق القواعد و الأصول الشكلية التي كان يروي فيها علماء دولة الخلافة.و كان الشيخ الكليني المتوفي سنة 329 ه أول من ألف موسوعة بالحديث،ثم تلاه الشيخ الصدوق المتوفي سنة 381 ه،ثم الشيخ الطوسي المتوفي سنة 460 ه،ثم المجلسي«البحار»ثم الحر العاملي«الوسائل»و قد أحرقت موسوعة الشيخ الطوسي كما أحرق الكثير من كنوز أولياء أهل بيت النبوة، و لكنهم صمدوا و نقلوا ما وصل إليهم من كنوز و علوم أهل بيت النبوة التي غطت كل ما يحتاجه الناس في دنياهم و آخرتهم.[راجع كتابنا الخطط السياسية ص 192-209 لتقف علي تفاصيل ذلك].

ص: 102

الفصل الخامس: الآن يمكننا أن نتبين موقع المهدي في السنة النبوية

اشارة

بعد استعراضنا لتاريخ رواية و كتابة الأحاديث النبوية،و الظروف التي أحاطت بهذا التاريخ لدي دولة الخلافة و علمائها من جهة،و لدي أهل بيت النبوة و أوليائهم من جهة أخري،و بعد وقوفنا علي ما رواه الطرفان عن المهدي المنتظر، و علامات ظهوره،و عصر هذا الظهور،يتبين لنا بوضوح ساطع أن المهدي المنتظر حقيقة من الحقائق الدينية الرئيسة التي أجمع المسلمون علي صحتها،و تواترت أنباء هذه الحقيقة بينهم،تواترا لا يقل عن تواتر أركان الإسلام،و أساسياته الضرورية،و أن ما رواه الطرفان عن رسول اللّه في هذا الموضوع هو جزء لا يتجزأ من المعارف و المعلومات الدينية التي جاء بها الإسلام كدين،و أن هذه المعارف و المعلومات جزء لا يتجزأ من عقيدة الإسلام و تعاليمه.

مدرستا الأمة تخرجت الأمة الإسلامية من مدرستين لا ثالث لهما.

المدرسة الأولي:و هي مدرسة دولة الخلافة التاريخية و من والاها من علماء المسلمين رغبة أو رهبة و قد أجمع أساتذة و خريجو هذه المدرسة علي أن المهدي المنتظر حقيقة دينية،بشّر بها الرسول و أنه سيظهر ذات يوم،و رووا مئات الأحاديث عن رسول اللّه التي تحدثت عن المهدي و نسبه،و عن حتمية ظهوره،

ص: 103

و عن علامات الظهور،و عن عصر ظهوره،و وفق معايير هذه المدرسة و موازينها، فقد أجمع أساتذتها و خريجوها بأن تلك الأحاديث صحيحة،و متواترة و أنها قد رواها جمع كبير من الصحابة الكرام و العلماء الذين يمتنع عقلا اجتماعهم علي الكذب،و أن هذه الأخبار قد شاعت بين المسلمين و تناقلتها أجيالهم جيلا عن جيل،و اطمأنت لها القلوب فتحولت إلي جزء لا يتجزأ من العقيدة الدينية و الإسلامية.

المدرسة الثانية،و هي مدرسة أهل بيت النبوة:أساتذتها أئمة أهل البيت الإعلام الذين تتلمذوا علي يد الرسول شخصيا،و عاشوا و إياه تحت سقف واحد طوال حياته المباركة،و أورثهم علمي النبوة و الكتاب،و عهد إليهم بوظيفة بيان ما أنزل اللّه من بعده كل في عصره،و قد تخرج علي أيديهم علماء أفذاذ نبغوا بعلمي النبوة و الكتاب،و قد أجمع أئمة أهل بيت النبوة و خريجو مدرستهم علي أنهم قد سمعوا رسول اللّه يبشر بالمهدي المنتظر،و يسميه باسمه محمد بن الحسن و أنه حفيد النبي،و أنهم سمعوا رسول اللّه يصفه وصفا دقيقا،و يؤكد علي حتمية ظهوره،مثلما سمعوه و هو يبين علامات هذا الظهور،و يصف عهد المهدي و ما فيه من عدل و رخاء،و سيادة علي العالم كله،و ظهور لدين الإسلام علي كل الأديان،و أن هذا المهدي هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة،و من لا يعتقد بذلك فليس من شيعة أهل البيت و لا من مواليهم الخلص.بمعني أن هذا الاعتقاد جزء من حقيقة موالاة و تولي أهل بيت النبوة.ثم إنه ما من إمام من الأئمة الأخيار إلا و قد بشّر بالمهدي المنتظر،و روي عن جده رسول اللّه أحاديث تتعلق بذات المهدي و صفاته،و علامات ظهوره و مظاهر العدل،و العزة،و الرخاء في عصر الظهور،ثم إن الأحاديث التي رواها العلماء الموالون لأهل بيت النبوة في صحاحهم و كتب حديثهم تتحدث بالتفصيل عن المهدي،و يعتبرون ظهوره فرجا، و انتظار هذا الفرج قربي إلي اللّه و دينا.

إجماع المدرستين و استحالة إجماعهما علي كذب

لقد رأيت قبل قليل إجماع المدرستين الإسلاميتين الوحيدتين في العالم

ص: 104

الإسلامي علي حقيقة أن رسول اللّه بالفعل قد بشر بالمهدي المنتظر،و أكد حتمية ظهوره،بحيث أنه لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد،لطوّل اللّه ذلك اليوم حتي يظهر المهدي المنتظر فيه،و لا خلاف بين اثنين من كون المهدي من أهل بيت النبوة.

فهل يعقل بربك أن يجمع أهل بيت النبوة و أولياؤهم،و علماء دولة الخلافة و الخلفاء و أولياؤهم و هم علي طرفي نقيض علي كذب!!و بتعبير أدق هل يعقل أن يجمع كافة المسلمين علي كذب،أو علي أسطورة منسوبة للدين،أو علي الكذب علي رسول اللّه،أو التقول عليه!!

يمكن لدولة الخلافة أن تجبر فريقا من الأمة علي هدم الكعبة نفسها و هي أقدس مقدسات المسلمين،و تجبر الفريق الآخر علي السكوت،و يمكنها أن تنتهك أعظم حرمات الإسلام،فتقتل ابن النبي،و تقتل و تبيد ذرية النبي،و تسبي بناته و بأعصاب هادئة بأيدي فريق من الأمة مع ضمان سكوت الفريق الآخر، و يمكنها أن تستبيح مدينة النبي،فتفض بكارات بناتها و تنهب أموالها،و تقتل الأكثرية الساحقة من سكانها و تأخذ البيعة من الناس علي أنهم خول و عبيد لخليفة يتصرف بهم تصرف المالك بملكه و أشيائه!!كما حدث ذلك في التاريخ فعلا، بمعني أن دولة الخلافة قادرة علي فعل كل ما تريده،و لكنها لا تستطيع أن تجبر الأمة لتقتنع قناعة تامة،و تختلق علي رسول اللّه الأنباء المتعلقة بالمهدي المنتظر، و لنفترض بأنها استطاعت أن تقود رعاياها،و تسخر مواردها في حملة اختلاق كبري علي رسول اللّه،فهل يمكنها أن تجبر أئمة بيت النبوة علي المشاركة بمثل هذه الحملة!!و هل يمكنها أن تجبر الأئمة علي اقتراف جريمتي الكذب و الاختلاق علي رسول اللّه!!و هم نماذج بشرية فذة تعتبر الموت سعادة،و الحياة مع الظالمين شقاء لا يطاق!!

ثم ما هي مصلحة الخلفاء،أو رعاياهم،أو دولتهم ليجمعوا علي حقيقة أن المهدي المنتظر من أهل بيت النبوة!!و هم الخلفاء الذين كانوا يؤمنون أن العبيد و الموالي و أعداء اللّه و رسوله أولي بالخلافة من آل محمد،فهل يعقل أن يعملوا بأيديهم الدليل الذي سيدينهم!!

ص: 105

لقد فرضت كثرة و نوعية،و صحة و تواتر،الأحاديث الصادرة عن رسول اللّه نفسها علي الخلفاء و رعاياهم و دولتهم،فكان زخمها من القوة بحيث لم يعد بالإمكان إنكارها،أو تجاهلها أو تكذيبها،إنها قوة الحقائق الربانية التي يعترف بها المحب و الكاره،المؤمن و الفاسق.

لهذا كله أجمع أهل بيت النبوة و من والاهم علي أن الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر قد صدرت من رسول اللّه بالفعل،و أنهم قد سمعوا رسول اللّه يتحدث بها،و أنه قد كلفهم ببيانها و نقلها للمسلمين،و أنهم ورثوا هذه الحقيقة كجزء لا يتجزأ من علمي النبوة و الكتاب.

كذلك فقد أجمع علماء دولة الخلافة بأنه قد ثبت لديهم بالوجه القطعي بأن الأخبار المتعلقة بالمهدي المنتظر قد صدرت عن رسول اللّه بالفعل،و أنهم قد حصلوا تلك الأخبار بنفس الطرق و الوسائل التي حصلوا فيها علي أخبار النبي عن الصلاة و الصيام و الحج و غيرها من أحكام الإسلام،و أنه قد ثبت لديهم صحتها و تواترها،و علي ذلك تسالم جميع علماء دولة الخلافة و رعاياها عبر تاريخها السياسي الطويل،و ما زال ذلك إرثا مقدسا.

رواة الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر

روي الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر أكثر من خمسين صحابيا.شهدت الأكثرية الساحقة منهم بأنهم قد سمعوا رسول اللّه يدلي بهذه الأحاديث و يتحدث بها أمامهم و علي مسامعهم.

و تتبع العلماء بدقة متناهية بعض هذه الأحاديث حتي أوصلوها إلي بعض الصحابة فوقفت عندهم،دون أن يصرحوا بأنهم قد سمعوها من رسول اللّه.و لا يخفي أن أحاديث المهدي كلها من أنباء الغيب،و الصحابي لا يوحي إليه،و لا يعلم الغيب إلا من رسول اللّه،و هذا كله يعني أن الأحاديث الموقوفة عند بعض الصحابة قد صدرت بالفعل من رسول اللّه.و من المستحيل عقلا أن يتفق عدد يربو علي الخمسين صحابيا علي كذب!!خاصة و أنه لا مصلحة لهم بالكذب،و لم

ص: 106

يكرههم أحد علي ذلك،ثم إنهم لا يعرفون شخص المهدي المنتظر علي وجه اليقين ليكذبوا من أجله أو ليطمعوا بثواب عاجل منه لهذا الكذب.

من هم رواة الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر

1-أهل بيت النبوة و آل محمد:فعلي بن أبي طالب و السيدة فاطمة بنت محمد الزهراء و السبط الإمام الحسن،و السبط الثاني الإمام الحسين قد أجمعوا جميعا بأنهم قد سمعوا رسول اللّه يحدث بالأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر، و هؤلاء الأربعة هم أبناء النبي،و نساء النبي،و نفس النبي كما هو ثابت من آية المباهلة.و هم آل محمد،الذين لا تجوز صلاة مسلم إن لم يصل عليهم،و هم أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا،و لو لم يكن للأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر غير هؤلاء الرواة لكان فيهم الكفاية،و لتحقق بهم اليقين.ثم إن الأئمة الطاهرين الثمانية الذين آلت إليهم الإمامة بعد الإمام الحسين قد رووا هذه الأحاديث،و قدموها لأتباعهم و للأمة كجزء لا يتجزأ من علمي النبوة و الكتاب.

2-من بني هاشم أيضا:كان الهاشميون أكثر الناس التصاقا بالنبي و التفافا حوله،و جهادا معه،و دفاعا عنه،و بلاء في سبيله و قد وعي الكثير منهم ما صدر عن النبي من قول أو فعل أو تقرير،و نذكر من الرواة الهاشميين الذين رووا أحاديث متعلقة بالمهدي المنتظر:

1-العباس بن عبد المطلب عم النبي.

2-و عبد اللّه بن العباس.

3-و عبد اللّه بن جعفر الطيار.

3-الصحابة الأبرار:و من الذين رووا الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر طائفة من الصحابة الأبرار الذين ثبتوا علي الولاء للّه و لرسول و لأهل بيت النبوة، و اجتازوا المحن و البلاء بنفوس مطمئنة،و فارقوا الدنيا دون أن يغيروا و يبدلوا أو ينقلبوا علي أعقابهم منهم سلمان الفارسي،و أبو ذر الغفاري،و عمار بن ياسر،

ص: 107

و جابر الأنصاري و حذيفة بن اليمان.

4-خلفاء و مرشحون للخلافة و ممن روي الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر خلفاء،كعمر بن الخطاب،و عثمان بن عفان،أو ممن ترشحوا للخلافة كعبد الرحمن بن عوف،و طلحة بن عبيد اللّه،و عبد اللّه بن عمر بن الخطاب، و عبد اللّه بن عمرو بن العاص.

6-من زوجات النبي:و روي أحاديث متعلقة بالمهدي المنتظر بعض زوجات النبي كأم سلمة،و عائشة،و أم حبيبة.

7-طائفة من الصحابة الكرام:و روي جانبا من الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر طائفة من أجلاء الصحابة منهم أبو أيوب الأنصاري،و زيد بن أرقم، و أبو سعيد الخدري،و سهل بن سعد الساعدي،و حذيفة بن أسيد،و معاذ بن جبل.

8-مثلما روتها طائفة أخري من الصحابة:كأبي هريرة،و عبد اللّه بن عمرو بن العاص و عمران بن حصين،و أنس بن مالك،و زيد بن ثابت.[راجع المهدي المنتظر في الفكر لإسلامي،مركز الرسالة ص 28،و ما فوق:و«إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون»أبو الفيض الغماري ص 437،«و معجم أحاديث الإمام المهدي»،خمسة مجلدات مؤسسة المعارف الإسلامية بإشراف الشيخ علي الكوراني].

ص: 108

الفصل السادس: علماء المسلمين الأعلام الذين أخرجوا أحاديث المهدي

اشارة

أخرج علماء المسلمين الأعلام الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر و دونوها في صحاحهم و مسانيدهم و مؤلفاتهم،مسلمين بصحتها و تواترها.

1-علماء المسلمين الأعلام الذين تخرجوا من مدرسة أهل البيت

علماء المسلمين الأعلام الذين والوا أهل بيت النبوة،و قالوا بحقهم الشرعي برئاسة الأمة من الناحيتين الروحية و الزمنية و نقصد بهم علماء الشيعة:كالكليني، و الصدوق،و المجلسي،و العاملي و غيرهم ممن دونوا الأحاديث و الموسوعات الدينية،أخرجوا أحاديث المهدي المنتظر و تعاملوا معها كحقائق إسلامية ثابتة لديهم،و اعتبروها معارف و معلومات دينية وصلت إليهم من رسول اللّه،مثلما اعتبروها من أصول الدين و أساسياته،لأن الاعتقاد بالمهدي المنتظر و اعتباره ثاني عشر الأئمة الشرعيين من المسائل الأصولية و الأساسية عندهم.

2-علماء المسلمين الأعلام الذين تخرجوا من مدرسة دولة الخلافة

و أخرج أحاديث المهدي المنتظر العلماء المسلمين الأعلام الذين والوا دولة الخلافة التاريخية رغبة أو رهبة،و تخرجوا من مدرستها و هم من الكثرة و الشهرة و مؤلفاتهم من التعدد بحيث يستحيل تواطؤهم علي الاتفاق بإخراجها،و مع ذلك فقد أجمعوا علي إخراج الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر،لأن هذه الأحاديث

ص: 109

كانت من الثبوت و الشيوع و القوة،بحيث أنها قد فرضت نفسها فرضا علي دولة الخلافة و علي كافة علمائها،و تعذر تجاهلها أو إنكارها،لأنها شقت طريقها بيسر و سهولة إلي أسماع المسلمين و قلوبهم،و لم يكن بوسع دولة الخلافة،و لا بوسع علمائها أن يتجاهلوا قوة هذا التيار الغلاب،فأذعنوا أمام قوة الحقيقة الدينية، و أخرجوا الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر،و دونوها في صحاحهم و مسانيدهم و مؤلفاتهم،و اعتبروها معلومات عن الغيب،و حقائق دينية صادرة بالفعل عن الصادق المجرب الذي لا ينطق عن الهوي.

ممن أخرج الأحاديث المتعلقة بالمهدي

1-أصحاب كتب الحديث المعروفة بالصحاح الستة:البخاري،ذكر المهدي بالوصف لا بالاسم،و أخرج الأحاديث المتعلقة بعلامات الظهور،و بنزول السيد المسيح،و ظهور المسيح الدجال،و أخرج الحديث الذي يؤكد بأن إمام الأمة هو الذي سيؤم المسيح ابن مريم عند نزوله،و شراح صحيح البخاري أعلنوا بصراحة بأن الإمام الذي عناه البخاري هو المهدي المنتظر.[راجع فتح الباري ج 6 ص 383-385،و عمدة القاري ج 16 ص 39-40 المجلد الثامن، و فيض الباري ج 4 ص 44-47،و حاشية البدر الساري ج 4 ص 33-47، و المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي 140-143].

و يبدو أن البخاري قد تحاشي ذكر المهدي بالاسم لأنه عندما وضع صحيحه،كانت فرائص الدولة ترتجف رعبا من هذا المهدي،و تبحث عنه بعد أن تأكدت مخابراتها بأنه قد ولد بالفعل.

كذلك ذكر مسلم في صحيحه المهدي بالوصف لا بالاسم،لأن مسلم قد وضع صحيحه بنفس الفترة الزمنية،و مع هذا فقد ذكر ابن حجر الهيثمي،[راجع في الصواعق المحرقة الفصل 11،و المتقي الهندي في كنز العمال ج 14 ص 264،حديث 38662،و محمد علي الصبان في إسعاف الراغبين ص 145، و الشيخ حسن العدوي المالكي في مشارق الأنوار]،أن مسلم قد ذكر في صحيحه

ص: 110

المهدي بالاسم و بالوصف معا لكن الاسم قد حذف،و بقي الوصف،و ليس أدل علي ذلك من أن مسلم قد أخرج حديث الخليفة الذي يحثي المال حثيا،و لا يعده عدا.[راجع صحيح مسلم بشرح النووي ج 18 ص 38،و أخرج حديث خسف البيداء ج 18 ص 4-7 من صحيح مسلم بشرح النووي و كلاهما من الظواهر الخاصة بالمهدي المنتظر،التي لا تنطبق علي غيره،و لم تحدث مع غيره.و أخرج أحاديث المهدي المنتظر ابن ماجه ت 273 ه،و أبو داود ت 275 ه،و الترمذي المتوفي 279 ه،و هؤلاء هم أصحاب الصحاح عند أهل السنة].

2-و أخرج أحاديث المهدي كل علماء دولة الخلافة الأعلام الذين تألقوا خلال الفترة الزمنية الواقعة ما بين 100 ه 975 ه،و قد ورد ذكرهم في كتاب المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي ص 26-29 إصدار مركز الرسالة منهم ابن سعد صاحب الطبقات الكبري،و ابن أبي شيبة ت 235 ه،و أحمد بن حنبل ت 241 ه،و أبو بكر الإسكافي ت 260 ه،و ابن قتيبة الدينوري ت 276 ه، و البزار ت 292 ه،و أبو يعلي الموصلي ت 307 ه و الطبري ت 310 ه و العقيلي ت 322،و نعيم بن حماد ت 328،و شيخ الحنابلة البربهاري ت 329 و ابن حبان البستي ت 354،و المقدسي ت 355،و الطبراني ت 360، و أبو الحسن الأبري ت 363،و الدارقطني 385،و الخطابي ت 388،و الحاكم النيسابوري ت 405،و أبو نعيم الأصبهاني ت 430،و أبو عمرو الداني ت 444، و البيهقي ت 458،و الخطيب البغدادي ت 463،و ابن عبد البر المالكي ت 463،و الديلمي ت 509 ه و البغوي ت 510،و القاضي عياض ت 544، و الخوارزمي الحنفي ت 568،و ابن عساكر ت 571،و ابن الجوزي ت 597، و ابن الجزري ت 606 و ابن العربي ت 638،و محمد بن طلحة الشافعي ت 652، و السبط بن الجوزي ت 654 و ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي ت 655، و القرطبي المالكي ت 671،و الكنجي الشافعي ت 658،و ابن خلكان ت 681، و محب الدين الطبري ت 694،و العلامة ابن منصور في مادة هدي من لسان العرب و هو متوفي عام 711 ه،و ابن تيمية ت 728،و الجويني ت 730، و الذهبي ت 748،و ابن الوردي ت 749،و الزرندي الحنفي ت 750،و ابن القيم

ص: 111

الجوزي 751،و ابن كثير ت 774 ه،و ابن خلدون المغربي ت 808 ه.إلخ.

هؤلاء هم العلماء الأفذاذ الذين تألقوا في سماء دولة الخلافة و عرفتهم الخاصة و العامة،و كلهم قد أجمعوا علي إخراج الأحاديث النبوية المتعلقة بالمهدي المنتظر.

و يمكنك القول و بكل ارتياح،أنه ما من محدث إسلامي علي الإطلاق،إلا و قد أخرج الأحاديث المبشرة بظهور المهدي في آخر الزمان أو أخرج بعضها،أو أخرج أحاديث عن علامات الظهور أو مشاهد من عصر الظهور.

عدد الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر

بالرجوع إلي معجم أحاديث المهدي الذي ألفته مؤسسة المعارف الإسلامية و الواقع في خمسة مجلدات و المطبوع في قم الطبعة الأولي نجد أن:-

1-المجلد الأول و الثاني قد اشتملا علي 560 حديثا من الأحاديث المروية بطرق السنّة و الشيعة معا و المسندة جميعها إلي النبي.

2-المجلد الثالث و الرابع قد اشتملا علي 876 حديثا مسندة إلي أئمة أهل البيت،و اشترك أهل السنّة برواية الكثير منها مع الشيعة الإمامية.

3-أما المجلد الخامس فقد اشتمل علي 505 أحاديث و كلها من الأحاديث المفسرة لآيات قرآنية،و قد غطت هذه الأحاديث ما أورده المفسرون من أهل السنة و الشيعة.

4-و علي هذا تكون مجموع الأحاديث المسندة إلي النبي و أئمة أهل البيت 1436 حديثا،فإذا أضفنا لها محتويات المجلد الخامس المشتمل علي الأحاديث المفسّرة يكون مجموع الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر 1941 حديثا.[راجع المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي إصدار مؤسسة الرسالة ص 149.]

أحاديث المهدي المنتظر بموازيين علماء الحديث

1-صحة أحاديث المهدي المنتظر

1-قال الترمذي في سننه ج 4 ص 505 الأحاديث أرقام 2230 و 2231

ص: 112

و ج 4 ص 506 الحديث رقم 2233 عن كل واحد من الأحاديث الثلاثة المذكورة هذا حديث حسن صحيح.و قال في ج 4 ص 506 من سننه عن الحديث رقم 2232:«هذا حديث حسن».

2-قال أبو جعفر العقيلي ت 322:«و في المهدي أحاديث جياد»الضعفاء الكبير للعقيلي ج 3 ص 253 الحديث رقم 1257 في ترجمة علي بن نفيل الحراني.

3-قال الحاكم النيسابوري ت 405 ه في المستدرك ج 4 ص 429 و 465 و 553 و 558 عن كل واحد من الأحاديث الأربعة التي أخرجها:«هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه،و في ج 4 ح 450 و 557 و 558 قال عن كل واحد من هذه الأحاديث الثلاثة:«هذا حديث صحيح الإسناد علي شرط مسلم و لم يخرجاه»و في ج 4 ص 429 و 442 و 457 و 464 و 502 و 520 و 554 و 557، قال عن كل واحد من الأحاديث الثمانية:«هذا حديث صحيح الإسناد علي شرط الشيخين و لم يخرجاه».

4-قال البيهقي ت 458 ه في الاعتقاد و الهداية إلي سبيل الرشاد ص 127:«و الأحاديث علي خروج المهدي أصح إسنادا».

5-و في كتاب مصابيح السنة للبغوي ص 488،491 أخرج حديثا للمهدي في فصل الصحاح و في ص 492-493 أخرج خمسة أحاديث للمهدي في فصل الحسان.

6-قال ابن الأثير ت 606 ه في النهاية مادة«هدا»و به سمي المهدي الذي بشر به رسول اللّه أنه يجيء في آخر الزمان،[راجع النهاية في غريب الحديث و الأثر لابن الأثير ج 5 ص 254].و هذا لا يصدر إلا علي من يقول بالصحة.

7-قال القرطبي في التذكرة ص 704 باب ما جاء في المهدي عن حديث ابن ماجه في المهدي إسناده صحيح.

8-قال ابن تيمية في منهاج السنة:«إن الأحاديث التي يحتج بها الحلي علي خروج المهدي أحاديث صحيحة»منهاج السنة ج 4 ص 211.

ص: 113

9-سكت الذهبي علي ما صححه الحاكم في مستدركه من أحاديث المهدي و صرح بصحة حديثين،[راجع تلخيص المستدرك ج 4 ص 553 و 558 مطبوع بهامش المستدرك].

10-قال الكنجي الشافعي في كتابه:«البيان في أخبار صاحب الزمان عن حديث أخرجه الترمذي في سننه ج 4 ص 505 و صححه هذا حديث صحيح، و قال عن آخر هذا حديث حسن صحيح».

11-اعترف ابن القيم الجوزي في المنار المنيف ص 130-135 حديث 326 و 327 و 329 و 331 بحسن بعض أحاديث المهدي و صحة بعضها الآخر.

12-قال ابن كثير عن سند حديث في المهدي،و هذا إسناد قوي صحيح، ثم نقل حديثا عن ابن ماجه و قال:هذا حديث حسن،و قد روي من غير وجه عن النبي».[راجع النهاية في الفتن و الملاحم ج 1 ص 55 و 56 لابن كثير].

13-قال التفتازاني عن خروج المهدي في آخر الزمان:«و قد ورد في هذا الباب أخبار صحاح».[راجع شرح المقاصد للتفتازاني ج 5 ص 312].

14-قال نور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 313-314 عن أحد حديثين واردين في المهدي المنتظر رواه الترمذي و غيره،و رواه أحمد، و أبو يعلي و رجالهما ثقات،و قال عن آخر ج 7 ص 115:رواه الطبراني في الأوسط و رجاله رجال الصحيح،و في ج 7 ص 116 قال عن ثالث:و رجاله ثقات و في ج 7 ص 117 قال عن رابع:رواه البزار و رجاله رجال صحيح،و في ص 117 أيضا قال عن خامس:رواه الطبراني في الأوسط و رجاله ثقات.

15-و في الجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 672 رمز لبعض الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر بعلامة«صح»أي صحيح و لبعضها الآخر بعلامة«ح»أي حسن.

16-نقل القنوجي عن الشوكاني قوله بصحة أحاديث الإمام المهدي و تواترها.

17-قال ناصر الدين الألباني في مقال له بمجلة التمدن الإسلامي

ص: 114

دمشق22/ ذي العقدة 1371:«أما مسألة المهدي المنتظر فليعلم أن في خروجه أحاديث صحيحة قسم كبير منها له أسانيد صحيحة».[راجع المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي إصدار مركز الرسالة ص 34-38].

2-تواتر الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر

لا خلاف بين اثنين من أئمة أهل البيت أو من أوليائهم بأن الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر قد صدرت عن رسول اللّه بالفعل،و نقلها عنه جمع كبير من المسلمين يمتنع عقلا و بكل الموازين اجتماعهم علي الكذب،و أن هذه الأحاديث كانت معلومة بين الناس أثناء حياة الرسول و بعد وفاته،و أنها قد تواترت و استقرت في القلوب و الأذهان،و ما كانت حركة التدوين و الرواية إلا كشفا و تأكيدا لحقائق ثابتة و مستقرة.

كذلك فإن علماء دولة الخلافة قد توصلوا عمليا لهذه النتيجة و صرحوا بتواتر الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر،و صدر هذا التصريح عن غير واحد منهم كالسيوطي،راجع إبراز الوهم المكنون لأبي الفيض ص 436،و الهيثمي،راجع الصواعق المحرقة 162-167 فصل 1 باب 11 و المتقي الهندي،راجع البرهان علي علامات مهدي آخر الزمان 178-183،و البزرنجي،راجع الإشاعة لأشراط الساعة ص 87،و ابن حجر العسقلاني،راجع تهذيب التهذيب ج 9 ص 201/125 و احتج القرطبي بقول الحافظ الحاكم النيسابوري«و الأحاديث عن النبي في التنصيص علي خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة»التذكرة ج 1 ص 701.راجع المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي/إصدار مركز الرسالة ص 38-43.

ص: 115

الفصل السابع: التشكك بأحاديث المهدي بعد التيقن منها

حصول اليقين فيها

رأينا أن أحاديث المهدي المنتظر،قد رواها أهل بيت النبوة عن رسول اللّه، و قد شهدوا أنهم قد سمعوا رسول اللّه يحدث بها،و يبشر المؤمنين بالمهدي المنتظر،و علي ذلك قد أجمعوا،و تناقل أهل بيت النبوة هذا الإجماع جيلا بعد جيل.فلو لم يرويها من الأمة غيرهم لكانت رواية أهل بيت النبوة كافية،و لكانت شهادتهم صادقة،و لكان إجماعهم حجة علي المسلمين أجمعين،لأنهم الأبناء و النساء و الأنفس المنوّه عنهم بآية المباهلة،و لأن اللّه قد شهد لهم بالطهارة،و لأن الصلاة عليهم ركن من أركان الصلاة المفروضة علي العباد،ثم لأنهم أحد الثقلين.

و بعد مائة سنة من منع كتابة و رواية الأحاديث النبوية،و التزام دولة الخلافة و رعاياها بهذا القانون العجيب اكتشفوا خطورة هذا القانون و كم ضيعوا في جنب اللّه،فانطلقوا يروون و يكتبون أحاديث نبيهم بعد مائة عام من صدورها،و أوجدوا موازين الرواية و الدراية و توصلوا وفق هذه الموازين إلي نتيجة مفادها أن أكثر من خمسين صحابيا قد سمعوا رسول اللّه يحدث بأحاديث المهدي المنتظر،و يبشر المؤمنين به.

و كان الإخوان الذين سبقونا بالإيمان قد سمعوا رسول اللّه يحدث بها،و يبشر

ص: 116

بالمهدي فنقلوا ما سمعوه لأبنائهم،و صدق الناس لأن هذه من أنباء الغيب التي لا مجال للاجتهاد فيها.

و تضافر إجماع أهل بيت النبوة،مع شهادة الخمسين صحابيا مع القناعة العامة التي تولدت عند المسلمين و توارثوها جيلا بعد جيل،فصار الاعتقاد بالمهدي المنتظر و علامات ظهوره،و ملامح عهد الظهور عقيدة عند المسلمين تقرأ تماما مع عقيدتهم الدينية.

و علي هذا الأساس و بعد التحري و الإثبات قام علماء الحديث الأعلام بإخراج أحاديث المهدي المنتظر،و حكموا بصحتها وفق الموازين العامة التي أوجدوها،و قالوا بتواترها،و أخرجها المؤرخون و علماء التفسير و أصحاب السّير، و أفرد لها رجال الفكر و السياسة بحوثا خاصة،و تكونت لدي المسلمين مع اختلاف منابتهم و أصولهم و مذاهبهم و توجهاتهم عقيدة الاعتقاد بالمهدي المنتظر الواحدة.و هكذا تحقق اليقين بكل صوره و تصوراته القطعية.

2-أوهام الشك بعد حصول اليقين

بعد أن حصل اليقين بعقيدة المهدي المنتظر،و بعد أن عرف المسلمون إجماع أهل بيت النبوة علي صحة هذا الاعتقاد،و بعد أن أدلي خمسون صحابيا بشهادتهم علي أنهم سمعوا الرسول يبشر بالمهدي المنتظر و يحدث بأحاديثه،و بعد أن أخرج العلماء الأعلام هذه الأحاديث و حكموا بصحتها و تواترها كما أسلفنا، و بعد أن صار الاعتقاد بالمهدي المنتظر عقيدة لكل المسلمين،و صار انتظاره فرجا و مخرجا و عبادة،بدأت أوهام الشك تتجدد بعد حصول اليقين تراود أذهان البعض،ثم صرحوا بها مع علمهم بكل ما أسلفنا،و أخذوا يشككون بصحة الاعتقاد بالمهدي المنتظر.

الأسباب المعلنة للشك بعد اليقين و الرد عليها

اشارة

الذين أبدوا شكوكهم بفكرة الاعتقاد بالمهدي المنتظر،و بالأحاديث النبوية الواردة فيه،أعلنوا بأن شكوكهم لم تنطلق من فراغ،و لا هي من قبيل التشهي بل

ص: 117

تستند إلي أسباب معقولة منها:

1-أن البخاري و مسلم لم يرويا أي حديث صريح بالمهدي المنتظر

الرد علي هذا السبب:

أ-لم يقل أحد من علماء الحديث أن كل ما لم يروه البخاري و مسلم غير صحيح.

ب-صحيحا البخاري و مسلم لم يشتملا علي كافة الأحاديث الصحيحة بدليل قول البخاري عن كتابه الصحيح:«أخرجت هذا الكتاب من مائة ألف حديث صحيح،أو من مائتي ألف حديث صحيح،فما أعلن البخاري صحته يزيد عما أخرجه في صحيحه بعشرات الأضعاف».

ج-إن البخاري و مسلم قد كتبا صحيحيهما بتاريخ ولادة المهدي المنتظر و كان مجرد ذكر المهدي المنتظر يثير الرعب في أوصال أركان الدولة العباسية، فكانت مخابراتها و عيونها تتحري عن كل المواليد في ذلك التاريخ،فمن غير المعقول بهذه الظروف أن يخاطر الشيخان بذكر لفظ المهدي المنتظر،فلو فعلا ذلك لواجها دولة لا طاقة لهما بمواجهتها و الأهم أن الدولة يمكن أن تتلف صحيحيهما.

و مع هذا فقد تطرق الشيخان إلي الأحاديث الواردة بخروج الدجال، و أحاديث نزول عيسي،و إمامة أمير المسلمين لعيسي،فهما يعبران عن وجود الإمام المهدي:«بكلمة أمير»أو الإمام مطلقا ثم إن شراح صحيح البخاري متفقون علي أن البخاري قد قصد بلفظ الإمام:«الإمام المهدي».[راجع عمدة القاري بشرح صحيح البخاري ج 16 ص 39-40 المجلد الثامن.و فتح الباري ج 6 ص 383-385،و إرشاد الساري ج 5 ص 419].

ذ-أما مسلم فقد ذكر حديث عن خليفة يحثي المال حثيا و لا يعده عدا، و ذكر حديث الخسف،و هذه أوصاف و أحداث لا تنطبق إلا علي الإمام المهدي و علامات ظهوره.

ر-ثم إن الأحاديث التي أخرجها أصحاب الصحاح الأخري تتكامل إلي

ص: 118

درجة التطابق مع ما ذكره البخاري و مسلم،مما يؤكد تحاشي الشيخين المتعمد لإغفال الإمام المهدي خشية سطوة الدولة التي كانت معبأة بالكامل ضد شبح المهدي،و خوفا علي كتابيهما.

ز-لقد تعارف علماء دولة الخلافة علي أن كتب الأحاديث المشهورة عندهم هي ستة كتب،و سموها بالصحاح و منها صحيح البخاري و مسلم،و الكتب الأربعة الأخري التي تحمل صفة الصحاح أخرجت أحاديث المهدي المنتظر بمعني أن اثنين من أصحاب الصحاح قد أخرجا أحاديث المهدي المنتظر بالوصف دون أن يصرحا باسمه،بينما أخرج أربعة من أصحاب الصحاح أحاديث المهدي المنتظر و صرحوا باسمه و وصفه معا.

س-ثم إن البخاري و مسلم لم يخرجا كل الأحاديث المتفقة مع الشروط التي وضعاها فطالما كرر الحاكم النيسابوري جملة:«هذا الحديث صحيح علي شروط الشيخين و لم يخرجاه».

ش-لم يرد في القرآن و لا في السنّة،و لا أجمع المسلمون بأن البخاري و مسلم معصومان،و أن قولهما هو القول الفصل،فقد عاش المسلمون قرابة قرنين و نصف بدون البخاري و مسلم و تدبروا أمورهم!!

ص-ثم ما هي قيمة قولي البخاري و مسلم أمام إجماع أهل بيت النبوة أعدال الكتاب و المشهور لهم بالطهارة إلهيا،و المفروضة مودتهم علي العباد!!

ض-ثم إن البخاري و مسلم ليسوا أكثر من عالمين فاضلين من علماء الحديث من جملة مئات علماء الحديث الذين تألقوا في سماء العالم الإسلامي، و لهما شيوخ و أساتذة،كلهم أخرجوا أحاديث المهدي المنتظر و قالوا بصحتها و تواترها.

ط-ثم إنه ليس منطقيا أن نوقف أو أن نتجاهل حركة الأحداث الربانية لأن صحيحي البخاري و مسلم لم يشتملا عليها!!

ظ-من المؤكد أن البخاري و مسلم لم يخرجا في صحيحيهما بأن الشمس تطلع من المشرق،و تغيب من المغرب،فهل نتجاهل هذين الحدثين و ننكرهما أو

ص: 119

نتنكر لهما بحجة أن البخاري و مسلم لم يتطرقا إلي هذه الناحية!ما لكم كيف تحكمون!!

2-السبب الثاني:أن ابن خلدون ضعف بعض الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر!!
اشارة

الرد علي هذا السبب:

أ-ملخص الموضوع و حصر تضعيفات ابن خلدون:تناول ابن خلدون 23 حديثا من الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر فاخضع هذه الأحاديث للنقد و الدراسة فضعّف 19 عشر حديثا و لم يحكم بالضعف علي الأربعة المتبقية مما يعني أنها صحيحة في نظره،فجاء المتشككون،و طاروا بتضعيفات ابن خلدون كل مطار،و أشاعوا أن ابن خلدون لا يعتقد بالمهدي المنتظر،و يضعّف علي الإطلاق الأحاديث الواردة فيه مطلقا.و هكذا تاجر المشككون بشهرة الرجل،و سخّروا هذه الشهرة لخدمة هواهم.

ب-شهادة خطية لابن خلدون:قال ابن خلدون في تاريخه ج 1 ص 555 فصل 52 ما نصه حرفيا:«اعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام علي ممر الأعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين،و يظهر العدل،و يتبعه المسلمون،و يستولي علي الممالك الإسلامية و يسمي المهدي» انتهي كلام ابن خلدون.

ح-لم يذكر ابن خلدون من الذين أخرجوا أحاديث المهدي المنتظر غير سبعة و هم الترمذي،و أبو داود و البزار،و ابن ماجه،و الحاكم،و الطبراني، و أبو يعلي الموصلي،[راجع تاريخ ابن خلدون ج 1 ص 555 فصل 52].و هذا يعني أنه ترك 48 عالم حديث ممن أخرجوا أحاديث المهدي المنتظر أولهم ابن سعد في طبقاته ت 230 ه،و آخرهم نور الدين الهيثمي ت 807 ه،و حتي يكون الحكم سليما يجب أن يطلع علي ما أخرجه علماء الحديث،لأن الأحاديث في كل موضوع يكشف بعضها غموض بعض،و يؤيد بعضها بعضا.

قال الشيخ أحمد شاكر:«إن ابن خلدون قد قفا ما ليس له به علم و أقحم

ص: 120

قحما لم يكن من رجالها...إنه لم يحسن فهم قول المحدثين،و لو اطلع علي أقوالهم و فقههم ما قال شيئا مما قال».مقال في مجلة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة ج 1 سنة 12 رقم 46 سنة 1400،و جاء في هذا العدد أيضا عن الشيخ العباد أنه قال:«ابن خلدون مؤرخ و ليس من رجال الحديث،فلا يعتدّ به في التصحيح و التضعيف و إنما الاعتماد بذلك علي مثل:البيهقي،و العقيلي، و الخطابي،و الذهبي،و ابن القيم و غيرهم من أهل الرواية و الدراية الذين قالوا بصحة الكثير من أحاديث المهدي».

خ-لقد سكت ابن خلدون عما رواه الحاكم،و لم ينتقده بحرف لوثاقة جميع رجاله عند أهل السنة قاطبة،تاريخ ابن خلدون ج 1 ص 564 فصل 52.

و قال ابن خلدون عن حديث آخر:«هذا صحيح الإسناد»تاريخ ابن خلدون ج 1 ص 564 و قال عن ثالث و هذا إسناد صحيح،تاريخ ابن خلدون ج 1 ص 565، و قال عن رابع:«و رجاله رجال الصحيح لا مطعن فيهم و لا مغمز»تاريخ ابن خلدون ج 1 ص 568 فأنت تري أن ابن خلدون نفسه يصحح أربعة أحاديث من الأحاديث الواردة في المهدي!!

خ-لقد توفي ابن خلدون عام 808 ه،و دونت أحاديث المهدي المنتظر سنة 230 بمعني أنه بين تدوينها و تناول ابن خلدون لها قرابة 600 عام،فكيف يتمكن من دراستها و الحكم عليها و هو يتناول 55/7 ممن أخرجوها.

ذ-ثم لنفترض أن ابن خلدون أنكر و ضعف ال 23 حديثا التي تناولها بالدراسة كلها فما معني هذا العدد مع وجود 1941 حديثا!و لنفترض أنه ضعف أو أنكر كافة الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر،فما هي القيمة العلمية لإنكاره!! و لماذا اختاره المتشككون قدوة لهم لينقضوا كافة الأحاديث المتعلقة بالمهدي المنتظر؟و لم يختاروا عالما من ال 55 عالما الذين أخرجوا أحاديث المهدي المنتظر و حكموا بصحتها و تواترها!!

-ثم ما هي قيمة معارضة ابن خلدون أمام قول و إجماع أهل بيت النبوة؟!

ص: 121

جرأة ابن خلدون و تطاوله و مبلغه من العلم

قال ابن خلدون في مقدمته بالفصل الذي عقده لعلم النفقة ما يلي و بالحرف:و شذّ أهل بيت النبوة بمذاهب ابتدعوها،و فقه انفردوا به بنوه علي مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح،و علي قولهم بعصمة الأئمة،و رفع الخلاف عن أقوالهم،و هي كلها أصول واهية،و شك بمثل ذلك الخوارج،و لم يحفل الجمهور بمذاهبهم،بل أوسعوها جانب الإنكار و القدح،فلا نعرف شيئا من مذاهبهم،و لا نروي كتبهم،و لا أثر لشيء منها في مواطنهم،فهو يعتبر أهل بيت النبوة:مبتدعة،شذاد،و يري أن الأصول التي سار عليها أهل البيت أصول واهية!!و يكشف عن حقيقة شعوره و ما في نفسه،فيعبر عن ألمه و حزنه لأن فقه أهل السنة قد انقرض في مصر،و حل محله فقه أهل البيت!!و تلاشي من سواهم، ثم يرقص الرجل فرحا و يهلل عندما زالت دولة العبيديين و حل فقه الشافعي محل فقه أهل بيت النبوة.

فماذا تتوقع من رجل هذه حقيقة مشاعره عن أهل بيت النبوة!!ربما كان سر شهرته يكمن في طبيعة هذه المشاعر،و ربما كره اعتقاد المسلمين بالمهدي المنتظر و تصديقهم للأحاديث النبوية الواردة فيه،و حاول أن يوهن اعتقاد المسلمين بالمهدي،و أن يكذب الأحاديث الواردة فيه لأن المهدي المنتظر من أهل بيت النبوة!!فأراد بمحاولاته تلك الحصول علي مزيد من الشهرة،و التألق!!!

و الذي لا أعرفه بالفعل هو هل تلا ابن خلدون آية التطهير و آية المودة في القربي،و آية المباهلة،و آية الصلاة علي النبي؟و هل عرف معاني هذه الآيات و اطلع علي تفسيرها؟و هل مرّ عليه حديث الثقلين،و حديث السفينة،و حديث النجوم؟أكبر الظن-و بعض الظن إثم-أنه لم يتل هذه الآيات،و لم يقف علي تفاسيرها،و لم تمر عليه تلك الأحاديث!!

لكن ابن خلدون مؤرخ و ذكي و لا بد أنه قد اطلع بحكم دراساته التاريخية علي كليات و تفاصيل الصراع الذي دار بين الشرك و الإيمان،و عرف أن الذين قادوا جبهة الشرك و العداوة ضد رسول اللّه حتي أحيط بهم هم أنفسهم الذين

ص: 122

سلمهم ابن خلدون رايات السنة،و أن أهل بيت النبوة الذين قادوا جبهة الإيمان و جاهدوا في اللّه حق جهاده،هم الذين وصفهم ابن خلدون بالشذاذ و المبتدعة، و أهل الأحوال الواهية!!إن هذا هو جهد البلاء حقا!!

3-السبب الثالث : قد روي حديثا نبويا يخص عيسي ابن مريم بالمهدية و ينفيها عن سواه
اشارة

و السبب الثالث الذي شكك المتشككين بعقيدة المهدي و بالأحاديث النبوية الواردة فيه،أن أحد علماء الحديث قد روي حديثا نبويا يخص عيسي ابن مريم بالمهدية و ينفيها عن سواه،و نص الحديث كما يلي:«لا يزداد الأمر إلا شدة و لا الدنيا إلا إدبارا،و لا الناس إلا شحّا،و لا تقوم الساعة إلا علي شرار الناس و لا مهدي إلا عيسي ابن مريم».[راجع سنن ابن ماجه ج 2 ص 340 حديث 4039].و لأن المتشككين حريصون علي سنة رسول اللّه فقد تمسكوا بهذا الحديث الوحيد ليبطلوا به اعتقاد المسلمين بالمهدي المنتظر،و ليكذبوا به 1941 حديثا واردة بالمهدي!!!

الرد علي هذا السبب

1-نفس ابن ماجه الذي روي هذا الحديث الوحيد كان قد روي أحاديث عن المهدي المنتظر منها حديث:«المهدي حق و هو من ولد فاطمة»ج 2 ص 1368 حديث 4086 و قد صححه و حكم بتواتره جمع من أهل السنة.فلماذا يهمل المتشككون حديث المهدي حق....و يتمسكون بحديث لا مهدي إلا عيسي!!! و لماذا يتجاهلون بالكامل 1941 حديثا،أو يكذبون و يركزون كل اهتمامهم علي حديث واحد و يصدقونه!!

2-ثم لماذا وضع علم الرجال وفق الدراية،قال ابن القيم في المنار المنيف 129 حديث 324 و ص 130 حديث 325 أن الأبري ت 363 قد قال:«محمد بن خالد الجندي هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم و النقل،و قال البيهقي تفرد به محمد بن خالد هذا،و قال الحاكم مجهول،و قال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج 9 ص 125 و 202:قدح أبو عمرو و أبو الفتح الأزدي بمحمد بن خالد،و قال الذهبي في ميزان الاعتدال ج 3 ص 535 ح 479 قال

ص: 123

الأزدي منكر الحديث،و قال أبو عبد اللّه الحاكم مجهول،و حديث:«لا مهدي إلا عيسي خبر منكر أخرجه ابن ماجه.و قال القرطبي في التذكرة:«حديث لا مهدي إلا عيسي يعارض أحاديث هذا الباب،ثم نقل كلمات من طعن بمحمد بن خالد و أنكر عليه حديثه»ثم قال:«و الأحاديث عن النبي في التنصيص علي خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة و هي أصح من هذا الحديث فالحكم لها دونه».

و قال ابن حجر في الصواعق المحرقة:«و صرح النسائي بأنه منكر،و جزم غيره من الحفاظ بأن الأحاديث التي قبله أي الناصة علي أن المهدي من ولد فاطمة أصح إسنادا».

و وصف أبو نعيم في حلية الأولياء ج 9 ص 61 هذا الحديث بالغرابة و قال:

لم نكتبه إلا من حديث الشافعي.

و قال ابن تيمية و الحديث الذي فيه لا مهدي إلا عيسي رواه ابن ماجه و هو حديث ضعيف،رواه عن يونس،عن الشافعي،عن شيخ مجهول من أهل اليمن:

«محمد بن خالد»لا تقوم بإسناده حجة.و قال عن حديث محمد بن خالد الجندي:«و هذا تدليس يدل علي توهينه،و من الناس من يقول بأن الشافعي لم يروه».[راجع منهاج السنة ج 4 ص 101-102].

«و لكثرة ما طعن به محمد بن خالد حاول بعض أنصار الشافعي أن يدرأ عن الشافعي رواية هذا الحديث و ادعي أنه رأي الشافعي في المنام و هو يقول كذب عليّ يونس بن عبد الأعلي ليس هذا من حديثي».[راجع الفتن و الملاحم لابن كثير ص 32].

3-ثم إن الناصبة و أركان دولة الخلافة لن يقبلوا أبدا أن يكون المهدي المنتظر من عترة النبي أهل بيته،و قد هالهم أن يخص اللّه آل محمد بهذا الشرف الجديد،فليس من المستبعد أن يحرك الناصبة،و أركان دولة الخلافة أعوانهم و عيونهم لتنحية هذا الشرف عن آل محمد،أو تشكيك المسلمين بصحة الأخبار التي بدأت تفيض حول المهدي المنتظر،لكن علم الرجال و الدراية لهما المقدرة علي كشف الكثير من هذه العناصر بموضوعية و بدون مواجهة.و ليس في ذلك

ص: 124

عجب فقد حسدت بطون قريش النبي نفسه و حاولت و بكل أساليبها الفاشلة أن تصرف النبوة عنه،و أن تشكك بكل ما جاء به وصولا إلي غايتها المتمثلة بصرف النبوة عن بني هاشم حتي لا ينالوا هذا الشرف من دون البطون.

4-السبب الرابع : أن الادعاءات بالمهدية لم تتوقف طوال التاريخ،و قد ثبت بالدليل القاطع عدم صحة هذه الادعاءات
اشارة

يقول المتشككون بعقيدة المهدي المنتظر،و بالأحاديث النبوية الواردة فيه بأن الادعاءات بالمهدية لم تتوقف طوال التاريخ،و قد ثبت بالدليل القاطع عدم صحة هذه الادعاءات،و هذا سبب وجيه للشك بعقيدة المهدي،و بالأحاديث النبوية الواردة فيه ككل!!!

الرد علي هذا السبب

يعرف المتشككون أن هنالك من ادعي النبوة قبل ظهور النبي الحقيقي محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و هنالك من ادعي النبوة بعدما أعلن رسول اللّه محمد أنباء النبوة، و بعد موت النبي محمد ادعي بعضهم النبوة و ثبت لنا واقعيا و بالدليل القاطع عدم صحة ادعاءات الذين ادعوا النبوة قبل ظهور النبي و بعد ظهوره،و بعد موته.

فهل ادعاءات المدعين بالنبوة تبطل نبوة محمد!!!أو تبرر الشك فيها!!أو توجب عدم الاعتقاد بنبوة محمد،أو بالأدلة و البراهين الدالة عليها!!!

إن العكس هو الصحيح فطالما أنه قد ثبت لنا بالدليل القاطع عدم صحة ادعاءات المدعين بالنبوة قبل نبوة محمد و بعد ظهوره،و بعد موته فهذا من البراهين التي تثبت صحة نبوة محمد و بطلان نبوات الأدعياء!!ثم إنكم تحملون المعلومات الإسلامية،و الأنباء التي أعلنها رسول اللّه،و فكرة الاعتقاد بالمهدي المنتظر وزر كذب الكاذبين أو ادعاءات المدعين،و هذا هو الظلم بعينه الذي لا نرضاه لا لنا و لا لكم.

5-السبب الخامس
اشارة

و هنالك من يقول في زماننا أن رئاسة الدولة الإسلامية شأن يخص المسلمين وحدهم:«لأنهم الأعلم بشؤون دنياهم»و هم أصحاب الاختصاص باختيار الرئيس

ص: 125

أو الخليفة أو الإمام أو الأمير،و يستشهدون علي صحة هذا التصوّر بما فعل الخلفاء الثلاثة الأول و أولياؤهم بعد موت النبي،حيث أنهم لم يعيروا أي انتباه لتولية رسول اللّه لعلي بن أبي طالب،و لا للمكانة المميزة التي خص اللّه بها أهل بيت نبيه،إذ اعتبرها الخلفاء الثلاثة و أولياؤهم من قبيل المديح لا من قبيل الأحكام الشرعية الملزمة!!ثم إن تقديم المهدي المنتظر كرئيس للدولة الإسلامية المرتجاة هو إخلال بمبدأ الشوري،و بما فعله الخلفاء الثلاثة،و مجافاة لروح الديمقراطية السائدة في العالم الآن!!هذه الروح التي استقرت نهائيا!!فالمهدي كما تدل الأحاديث النبوية رجل قد اختاره اللّه تعالي،و أعلن النبي هذا الاختيار!! و هكذا يحرم المسلمون من المشاركة باختيار حاكمهم!!!لقد سمعت هذا السبب من بعض المتشككين بعقيدة المهدي و بالأحاديث الواردة فيه!!و من المفجع حقا أن هذا البعض يحتل مراكز قيادية في أحزاب تدعو إلي عودة الإسلام،و إعادة نظام الخلافة التاريخي!!و من المخجل أيضا أن هذه القيادات ما زالت تعتقد و تتيقن أن نظام الخلافة التاريخي هو نظام الإسلام،و أنه لا يوجد في الإسلام نظام غيره!! فإذا سألتهم ماذا تعني الخلافة؟اتهموك بالبلاهة و أجابوك علي الفور إنها خلافة النبي!!فإذا قلت لهم إذا كان نظام الخلافة التاريخي هو النظام الإسلامي،فما هو النظام الذي كان يطبقه النبي قبل أن ينتقل إلي جوار ربه؟لماذا تهملون بالكامل عصر النبوة و نظامه،و تتمسكون بكل قواكم بعصر ما بعد النبوة و نظامه؟أ ليس عصر النبوة هو الأصل،و عصر ما بعد النبوة هو الفرع؟فمن يلجأ إلي الفرع و يترك الأصل؟!عندئذ تضيق صدورهم،و تحمرّ وجوههم،و تنتفخ أوداجهم، و يصرخون بضيق ظاهر،هكذا فعل الصحابة الكرام!!و هذا ما اتفقوا عليه!!فإن قلت لهم:إن الصحابة الكرام بعيوننا رضي اللّه عنهم،و لكن أرأيتم إن أمر الرسول بأمر و فعل فعلا،و أمر الصحابة الكرام بأمر آخر و فعلوا فعلا فبمن نقتدي،و أي أمر نتبع؟هل نتبع أمر الصحابة و نقتدي بما فعلوا؟أم نتبع أمر الرسول و نقتدي بما فعل؟!ما لكم كيف تحكمون!!إن لكم لما تخيرون!!

الرد علي هذا السبب

حول قولهم بأن الرئاسة أو الإمارة أو الإمامة أو الخلافة شأن خاص

ص: 126

بالمسلمين،و أنهم أصحاب الاختصاص باختيار الإمام أو الخليفة أو الأمير ضمن قواعد الشوري.

أ-هذا القول ليس صحيحا لأن الرئاسة الإسلامية ليست شأنا خاصا بالمسلمين وحدهم بل تخص اللّه و رسوله و العالم كله و مستقبل البشرية،إنها تخص الشرعية الإلهية بكل مقوماتها،لأن مهمة الإمام في الإسلام أن يقود المسلمين و العالم وفق إطار الشرعية الإلهية،و أن يحكم بالحكم الإلهي بلا زيادة و لا نقصان،و هذا يستدعي أن يكون الإمام هو الأعلم و الأفهم علي وجه الجزم و اليقين،و المسلمون لا يعرفون من يتصف بهذه الصفة حتي يختاروه.لذلك اختص اللّه سبحانه و تعالي باختيار الإمام لأنه يعرف علي وجه اليقين من هو الأعلم و الأفهم و الأفضل و الأقرب إليه.

ب-لا يماري أي واحد من المتشككين بأن الرسول كان نبيا و كان إماما أو رئيسا للمسلمين،فهل اختاره المسلمون إماما أو رئيسا لهم،أم أن اللّه سبحانه و تعالي هو الذي اختاره و قدمه للناس و قاد عملية إقناعهم بأنه الأعلم و الأفهم و الأنسب لرئاستهم!!!و هل اختار الناس النبي سليمان رئيسا لهم،و هل اختاروا داود أو طالوت!!لأن مهمة الرئيس الإيماني،أو الإمام ليست الجلوس علي كرسي الحكم و إصدار الأوامر و النواهي،إنما هي منصبة علي تنفيذ برامج إلهية لإنقاذ العالم و ترشيد خطاه علي طريق الهداية الإلهية،و الناس لا يعرفون من هو المؤهل للقيام بهذه المهمة.و هذا هو سر إعلان النبي لإمامة علي بن أبي طالب و الإحدي عشر إماما من أحفاده الطاهرين،لأن اللّه تعالي أحكم و أرحم من أن يكل الناس لأنفسهم،و أن يتركهم بعد وفاة النبي و في مرحلة حرجة دون رعاة شرعيين و قادة مؤهلين.و قد ركزنا علي هذه الناحية في كل مؤلفاتنا و يمكنك مراجعة كتابنا «المواجهة مع رسول اللّه و آله»لتقف علي تفصيل ذلك و توثيقه.

ثم إنه لم يصدف طوال تاريخ الخلافة التاريخية أن اختار المسلمون خليفتهم وفق قواعد الشوري،لقد كانت الخلافة لمن غلب طوال التاريخ،فمن يغلب

ص: 127

بالقوة أو كثرة الأتباع يصبح خليفة،و يقتصر دور المسلمين علي إعطائه البيعة، و من يمتنع عن البيعة يعتبر شاقا للطاعة،و مفارقا للجماعة حتي لو كان عليا بن أبي طالب أو الحسين ابن النبي،فيستتاب و يخيّر بين البيعة أو القتل،فلا نجاة للمتخلف عن بيعة الغالب،فلو اختبأ هذا المتخلف ببيت فاطمة بنت رسول اللّه فإن الخليفة الغالب سيحرق بيت فاطمة بنت محمد علي من فيه حتي يخرج المتخلف و يعطي البيعة أو يموت حريقا هو و من آواه،و قد حدث هذا بالفعل حتي في أزهي عصور الخلافة،و لا يجرؤ عاقل واحد من المتشككين علي نفي ذلك.

و لو أن أهل مدينة رسول اللّه قد امتنعوا عن بيعة الخليفة الغالب ليقينهم بأنه كافر،أو فاسق يجاهر بالعصيان فإن الخليفة الغالب سيرسل لهذ المدينة جيشه و يأمره بالتنكيل بها حتي تبايع،و بناء علي أوامر الخليفة الغالب يقتل الجيش عشرة آلاف من أهل المدينة بيوم واحد،و ينهب أموالها،و يهتك أعراضها،فتحمل ألف عذراء من غير زوج،و يأخذ البيعة ممن تبقي من سكانها علي أنهم عبيد و خول للخليفة يتصرف بهم تصرف المالك بأشيائه و عبيده!!و قد حدث هذا بالفعل و مجنون من ينفي ذلك.

و لو احتمي من تخلف عن البيعة بالكعبة،فإن الخليفة الغالب سيرسل جيشه و معه أوامر بالحصول علي بيعة من تخلف،فإن أبي تهدم الكعبة نفسها علي رؤوس المتخلفين عن البيعة!!و قد حدث هذا بالفعل،راجع كتابنا«كربلاء الثورة و المأساة»و كتابنا«المواجهة مع رسول اللّه و آله»تجد التفصيل و التوثيق معا!!

و كان الغالب يعهد بالخلافة لمن يريد،و يتكرر العهد من الغالبين حتي يظهر متغلب جديد!!فتبدأ دورة العهد و إعطاء المسلمين البيعة للغالب و هم صاغرون!!

فأين هي الشوري،و أين هو الاختيار،و أين هو الاختصاص الذي يدعيه المتشككون.

2-أما قول المتشككين بأن تولية المهدي المنتظر قيادة الأمة بهذه الطريقة التي حملتها الأحاديث المتعلقة بالمهدي لا تتفق مع الطريقة التي تولي فيها الخلفاء الثلاثة الأول الخلافة،لأن خلافتهم هي مقياس الشرعية و المشروعية علي اعتبار أنها قد تمت تحت أسماع الصحابة و أبصارهم!!!!

ص: 128

الرد علي هذا القول

أ-إنكم تحشرون الجمل في سم الخياط،و تتقولون علي اللّه و رسوله و علي الحقيقة الشرعية بما لم ينزل به اللّه سلطانا،فليس صحيحا أن فعل الخلفاء هو مقياس الشرعية و المشروعية،فهم في أحسن الأوصاف من أتباع صاحب الرسالة، و لم يدّع أحد فيهم بأنه نبي،أو يوحي إليه أو معصوم عن الخطأ،و لم يدع أحد منهم بأنه الأعلم أو الأتقي أو الأفضل أو الأقرب للّه و لرسوله.و أول تصريح قد صدر عن الخليفة الأول هو قوله:«إني قد وليت عليكم و لست بخيركم..» و تواترت تصريحات الخليفة الثاني التي جاء فيها:«كل الناس أعلم من عمر، و جهل عمر و عرفت امرأة،اللّهم إني أعوذ بك من معضلة ليس فيها أبو الحسن...»و حسب مقاييسكم التاريخية فإن الذي جاء بعدهما أقل منهما فضلا،و أدني مرتبة،فكيف تجاهلتم صاحب الرسالة تجاهلا تاما و جعلتم من أفعال الخلفاء الثلاثة الأول هي المقياس الأوحد للشرعية و المشروعية!!!

ب-إن مقياس الشرعية و المشروعية الإلهية ليس قول و لا فعل الخلفاء الثلاية،أو غيرهم من الخلفاء التاريخيين،و لكنه قول و فعل صاحب الرسالة صلّي اللّه عليه و آله و سلّم، و مكانة أي فرد من المسلمين كائنا من كان تتحدد بحجم التزامه بأوامر رسول اللّه، و تقديم خيرة اللّه علي خيرته و أمر اللّه و رسوله علي اجتهاده و ما تهوي نفسه.

ج-إن اللّه تعالي الذي أختار رسوله لقيادة مرحلة التأسيس و الرسالة و الذي اختار الأنبياء الكرام و الأئمة الطاهرين هو نفسه الذي أختار محمد بن الحسن ليكون خاتما للأئمة،و قائدا لفترة آخر الزمان،و الفرق أن محمدا نبي و رسول، و المهدي إمام و ليس نبيا و لا رسول.و أن محمدا هو الوالد،و المهدي هو الابن و الحفيد و هو الوارث الشرعي لعلمي النبوة و الكتاب،و هو المؤهل الوحيد لقيادة المرحلة التي اختاره اللّه لقيادتها.فإذا أردتم القياس فقيسوا علي صاحب الرسالة لا علي غيره.و مهمة المهدي قيادة العالم في آخر الزمان،و إصلاح البشرية بعد فسادها،و إنقاذها بعد أن أوشكت علي الغرق،و هدايتها إلي الطريق القويم،ثم إن المهدي مسلح بآيات بيّنات ظاهرات في السماء و الأرض.

د-إذا كان اللّه تعالي قد اختار الأنبياء و خاتمهم محمد رسول اللّه و اختار

ص: 129

الأئمة و خاتمهم المهدي المنتظر لتحقيق غايات عالمية محددة فإن بطون قريش هي التي اختارت الخلفاء الثلاثة،و كان سبب الاختيار و هدفه منصبا بالدرجة الأولي و الأخيرة علي إرغام أنوف آل محمد و حرمانهم من الجمع بين النبوة و الملك.

و هي نفس البطون التي قاومت النبي و عادته و استعدت عليه العرب و حاربته طوال 23 عاما،حتي أحيط بها فأسلمت أو تظاهرت بالإسلام طمعا بالملك الذي تمخضت عنه النبوة،فاختيار بطون قريش قبلي من جميع الوجوه،و غايته بدائية و محدودة من جميع الوجوه،بينما جاء اختيار المهدي إلهيا و لغايات و مقاصد إلهية مختلفة تماما عن غايات و مقاصد بطون قريش.إنكم تصرون علي إدخال الكبير بالصغير،و إيلاج الجمل في سم الخياط،و هذا محال عقلا!!

ه-ثم إن كل واحد من الخلفاء الثلاثة قد آلت إليه الخلافة بطريقة تختلف تماما عن طريقة سلفه،فالأول فلتة،و الثاني بعهد من الأول،و الثالث واحد من ستة اختارهم الثاني،ثم ما هو وجه المقارنة بين المهدي و بين الثلاثة،و أين هي وحدة العلة حتي تتحقق شروط قياسكم!!

و-أما قولكم بأن الاختيار قد تم تحت أسماع الصحابة و أبصارهم فأعظم الصحابة علي الإطلاق آل محمد الذين تذكرونهم في صلواتكم و أهل بيته الذين شهد اللّه تعالي بطهرهم،فهل تدلوني مشكورين علي خليفة واحد من الخلفاء التاريخيين قد تولي الخلافة برضاهم و موافقتهم!!

فإن لم تفعلوا و لن تفعلوا إلا مكابرة مردودة فقد آن الآوان لتتقوا اللّه في تمحكاتكم،و اختلافاتكم،و لترك التقليد الأعمي،و للتبرع بتمثيل دور حراس الشرعية التاريخية و لفك أغلالكم عن عقول المسلمين،و لو سمع الخلفاء الثلاثة اختلافاتكم التي لا علم لهم بها لقرفوا منكم و لشعروا بالخجل لأنكم من شيعتهم.

لهذه الأسباب المعلنة التي سقناها مجتمعة و منفردة يتشكك المتشككون بصواب فكرة الاعتقاد بالمهدي المنتظر و يشكون بصحة الأحاديث الواردة فيه علي الرغم من إجماع أهل بيت النبوة علي صحة الاعتقاد،و علي الرغم من شهادة خمسين صحابيا،و من إخراج علماء الأمة الأعلام لهذه الأحاديث و إجماعهم علي صواب الاعتقاد بالمهدي المنتظر،و علي الرغم من إجماع الأمة الإسلامية علي

ص: 130

اختلاف مذاهبها بصواب الاعتقاد بالمهدي،و اعتقادها الفعلي فيه.

السبب الحقيقي الذي يدفع المتشككين للتشكيك بالمهدي المنتظر و بالأحاديث الواردة فيه

الأسباب التي يوردها المتشككون للشك بالمهدي المنتظر و بالأحاديث الواردة فيه و التي سقناها وردينا عليها في البحث السابق هي أسباب ظاهرية يلج من خلالها المتشككون إلي دائرة الحوار طمعا بهز اعتقاد الأمة،و تشكيكها بالواضحات المسلّمات.

أما السبب الحقيقي الذي يدفع المتشككين للتشكيك فهو كراهيتهم المطلقة لولاية آل محمد،و لقيادة أهل بيت النبوة!!و ولاؤهم المطلق للواقع التاريخي و الخلافة التاريخية.لأن المتشككين قد أشربوا في قلوبهم الثقافة التاريخية التي فرضت أصلا بسطوة الدولة التاريخية و نفوذها و أحوالها،ثم تحولت إلي برامج تربوية و تعليمية ثابتة يتناقلها المسلمون جيلا بعد جيل،فاستقرت بحكم العادة و التكرار،و صار الناس يعتقدون بصوابها،ثم تمادي هذا الاعتقاد،فألقي بروعهم أنها جزء لا يتجزأ من الدين،بل هي الجانب السياسي من الدين فتصبروا بها و حرصوا عليها حرصهم علي الإسلام الذي اختلط عمليا هذا الاعتقاد فيه.

هذه الثقافة التاريخية التي تحولت إلي قناعة دينية،قائمة أصلا و أولا و آخرا علي استبعاد أهل بيت النبوة استبعادا كاملا عن مركز قيادة الأمة،و تسليم هذه القيادة للبطل الغالب الذي يجبر الأمة علي الاستسلام له،و الانقياد لطاعته،و هذه الثقافة أيضا قائمة علي التقليل من أهمية أهل بيت النبوة،و اعتبارهم في أحسن الظروف مجرد أفراد من مجتمع أكثر أفراده صحابة،و إن وجدت أهمية لأهل البيت فهي مقصورة علي المباركة و علي شهادة الخليفة الغالب،و من قبيل الدعاية له.فمثلا عندما يبدأ الخليفة الثاني بآل محمد بالعطاء،فهذا لا يعني أن آل محمد خير منه حتي يقدمهم عليه بالعطاء،و لو أنه عني ذلك لقدمهم عليه بالخلافة، و لكن تقديمه لهم عليه بالعطاء،يرمز لعدله،و عظمته و ليس لمكانة آل محمد، فالرجل من العدل بحيث أنه يقدم آل محمد عليه مع أنه الخليفة و أمير المؤمنين،

ص: 131

و علي هذا قس كل مظاهر تقديم آل محمد.

ثم إن الأمة قد أجمعت طوال تاريخها الطويل علي استبعاد أهل بيت النبوة عن القيادة،فعندما يأتي المهدي و هو ابن محمد و عميد أهل بيت النبوة،و تنقاد له الأمة و ينقاد له العالم كله،فإن في ذلك نقض لإجماع الأكثرية الساحقة رغبة أو رهبة علي استبعاد آل محمد عن قيادة الأمة!!ثم إن في ذلك تعييب علي الصحابة الكرام و خاصة الخلفاء الثلاثة الأول لأنه وفق هذه الثقافة صارت لهم مكانة عملية في قلوب العامة أعظم من مكانة النبيين!!فمن الجائز أن يخطيء الرسول«حاشاه» حسب مقاييس العامة لأنه بشر،و لكن من غير المعقول أن يخطيء الخليفة الأول أو الثاني لأنهما خليفتا رسول رب العالمين!!!و كثيرا ما روي البخاري و مسلم أحاديث تعطي لعمر دور البطولة حتي علي رسول اللّه نفسه!!فتراه يأمر النبي، و ينهاه،أو يعتبر ما رضي به النبي«دنيّة»في الدين كما حدث بصلح الحديبية!! و تحولت كل هذه الأمور و أمثالها مع الأيام إلي دين حقيقي يقرأ مع الدين الإسلامي.

فإذا جاء المهدي-حسب اعتقاد المتشككين،فإنه سينشر قضية أهل بيت النبوة علي مستوي العالم كله،و يفضح فصول الظلم التي لحقت بهم،و من خلال عدله سيطلع العالم علي منهاج أهل بيت النبوة بالحكم،و سيبهر العالم،بما يفعله و يقوله،و في ذلك إدانة للخلافة التاريخية و الثقافة التاريخية،و تطال الأدانة المتشككين أنفسهم.

و من جهة أخري فإن المتشككين و الأكثرية الساحقة من العامة مسكونة نفسيا بالرعب،و بالخوف من قطع العطاء فهي تتصور أن السيف الأموي ما زال مصلتا فوق الأعناق،و أن الرعب الأموي ما زال ماثلا،هذه هي حالة اللاشعور التي يحيونها في الحقيقة و الواقع،و يتصرفون علي هداها،و تنعكس علي كافة أقوالهم و أفعالهم.هذه هي الدوافع و الأسباب الحقيقية الكامنة وراء تشكيك المتشككين بالاعتقاد بالمهدي المنتظر و بالأحاديث النبوية الواردة فيه،و ما الأسباب الظاهرة التي أعلنوها إلا غطاء مكشوفا للدوافع و الأسباب الحقيقية التي و ضحناها.

ص: 132

الباب الثالث: البني الشرعية الأساسية لنظرية المهدي المنتظر في الإسلام

اشارة

ص: 133

ص: 134

الفصل الأول: حتمية ظهور المهدي المنتظر

عند أهل بيت النبوة و أوليائهم«الشيعة»

أجمع أهل بيت النبوة و آل محمد و هم المصدر الموثوق لعلمي النبوة و الكتاب علي أنهم قد سمعوا و وعوا رسول اللّه و هو يتحدث و يؤكد و بكل وسائل التأكيد،و يبين و بكل طرق البيان حتمية ظهور الإمام المهدي المنتظر،و أنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قد ركز علي هذه الحتمية تركيزا خاصا،و أعطاها عناية خاصة،و أجمعوا أيضا علي صحة و تواتر هذه الأحاديث عندهم،و أنها قد آلت إليهم من النبي كابرا عن كابر، و تناقلتها أجيالهم المباركة جيلا بعد جيل.و أهل بيت النبوة يعتبرون الإمام المهدي العظيم،أو الإمام أو العميد الثاني عشر من عمدائهم،أو عظمائهم أو أئمتهم،و أن ظهوره ترتيب و قدر إلهي محتوم و لا مفر من حدوثه.

و تبعا لإجماع أهل بيت النبوة و آل محمد أجمع موالوهم الذين يعتقدون بحقهم برئاسة الأمة«شيعتهم»علي صحة و تواتر الأحاديث و الروايات التي تتحدث عن حتمية ظهور الإمام المهدي المنتظر و التي رويت لهم عن طريق أئمة أهل بيت النبوة و تناقلوها جيلا عن جيل كما هي،و اعتبروها من الكنوز و النفائس النادرة، التي تسموا بطبيعتها عن التعديل و التبديل و التحريف،فأورثها السلف للخلف كما أخذها،و أبعد من ذلك فإن شيعة أهل بيت النبوة،الذين تخرجوا من مدرسة الأئمة الأطهار و نهلوا منهم العلوم و المعارف الإسلامية اعتبروا الإمام المهدي ثاني عشر الأئمة الذين أهلهم اللّه و أعدّهم لقيادة الأمة،و أمر رسوله بأن يعلن أسماءهم

ص: 135

مع الأمر الإلهي بتأميرهم و إمامتهم،و أن رسول اللّه قد بلغ ما أوحي إليه من ربه، فأعلن الأمر الإلهي بإمارتهم،و سماهم بأسمائهم،و تسعة منهم يومذاك لم يولدوا بعد،و حدد زمن إمامة كل واحد منهم،و أمر المسلمين أن يسمعوا لهم و يطيعوا و اعتبر القرآن هو الثقل الأكبر،و أئمة أهل بيت النبوة هم الثقل الأصغر،فإن لم يكن الأئمة الأعلام من أهل بيت النبوة هم الثقل الأصغر الذي عناه رسول اللّه، فمن عساه أن يكون!!و لكن المسلمين لم يسمعوا و لم يطيعوا،لأنهم غلبوا علي أمرهم،فعرفوا الحق بقلوبهم،و لم تقو ألسنتهم و أيديهم علي تغيير النقيض المفروض بالقوة و التغلب.

و ما يعنينا أن شيعة أهل بيت النبوة المخلصين الذين تتلمذوا علي يد الأئمة الأعلام و قالوا برئاستهم،يعتبرون الإمام المهدي المنتظر هو الإمام الثاني عشر من الأئمة الذين أختارهم اللّه،و سماهم الرسول بأسمائهم و حدد زمن إمامة كل واحد منهم،و هم موقنون أن الإمام المهدي موجود الآن بالفعل و سيظهر حتما باللحظة التي أمره بها اللّه،و وقت ظهوره كالساعة علمه عند اللّه وحده،و هم يعتبرون هذا الاعتقاد جزءا لا يتجزأ من عقيدتهم الدينية الإسلامية،و السمة البارزة المميزة لمذهبهم من دون المذاهب،فمن لا يعتقد بذلك فليس منهم.

ب-عند الخلفاء التاريخيين و أوليائهم«أهل السنة»

روي العلماء الأعلام من أولياء الخلافة التاريخية أحاديث الرسول التي تتحدث عن حتمية ظهور الإمام المهدي بنفس المنهاج و الطريقة التي رووا فيها أحكام الإسلام التي بين أيديهم من صلاة و صيام و حج و زكاة و غيرها من الأمور الدينية،و قد وزنوا تلك الأحاديث بنفس الموازين التي وزنوا بها الأحاديث النبوية المروية عن رسول اللّه و التي تتعلق بأصول الدين و أحكامه الأساسية،و أكدوا صحة و تواتر الأحاديث المتعلقة بحتمية ظهور المهدي المنتظر عندهم،و قد وثقنا ذلك في الباب السابق،ثم جزموا بأن هذه الأحاديث قد صدرت عن رسول اللّه بالفعل، و أنها جزء لا يتجزء من الهدي النبوي و البيان النبوي،و من المحال عقلا أن يتحدث الرسول عن أمور غيبية،و حوادث لم تقع بعلمه أو اجتهاده الشخصي «محمد البشر»و لا بد أن تكون هذه الأحاديث من الوحي الإلهي و قد كرر اللّه تعالي

ص: 136

بلسان النبي القول: إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحي إِلَيَّ، و طالما أنها وحي فهي جزء لا يتجزأ من دين الإسلام و مضامينه و مفاهيمه و معارفه،شأنها شأن غيرها من الأمور الدينية من صلاة و صوم و زكاة...هذه هي النتيجة التي توصلت إليها الأكثرية الساحقة من أهل السنّة،فهم موقنون بحتمية ظهور المهدي المنتظر،و هم لا يرون ما يوجب الشك بحتمية هذا الظهور لأن هذه المعلومة وصلتهم بنفس الدقة و المعايير و الموازين التي وصلت فيها أحكام الدين.

إجماع الأمة الإسلامية علي حتمية ظهور المهدي

الأمة الإسلامية بعد وفاة النبي تكونت عمليا من فرقتين:أولهما أهل بيت النبوة و القلة المؤمنة التي والتهم قناعة و تعبدا و هم«الشيعة»الحقيقية،و الفرقة الآخرة تتكون من الخلفاء و من الأكثرية الساحقة التي و التهم طمعا بما في أيديهم، أو خوفا من بطشهم أو رغبة أو رهبة و يعرفون«بأهل السنة»هذه هي الأمة مجتمعة و قد لا حظت من السياق السابق بأن أهل بيت النبوة و من والاهم و هم الفرقة الأولي موقنون بحتمية ظهور الإمام المهدي المنتظر و يعدون هذا اليقين جزءا من الدين.

أما الفرقة الثانية و هم أهل السنّة فقد توصلوا لذات النتيجة،و تيقنوا دينيا من حتمية ظهور المهدي المنتظر.

و هكذا نكون أمام إجماع شامل للأمة بمختلف توجهاتها علي حتمية ظهور الإمام المهدي المنتظر.و حتي الذين لم يرق لهم بأن يكون المهدي من أهل بيت النبوة،قالوا بحتمية ظهور المهدي،و اعتبروا عيسي ابن مريم هو المهدي المنتظر،مستندين علي خبر ورد من مجهول يمني لم ير رسول اللّه و لم ير أصحابه.و هذا يعني أن الاعتقاد عند المسلمين بحتمية ظهور المهدي عقيدة دينية، و قناعة عامة و راسخة في القلوب.

نماذج من الأحاديث النبوية التي رواها علماء أهل السنة و التي تؤكد حتمية ظهور المهدي

1-قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«لا تنقضي الأيام و لا يذهب الدهر حتي يملك العرب رجل من أهل بيتي»...[راجع مسند أحمد ج 1 ص 376-377 و 430

ص: 137

و 448،و سنن أبي داود ج 4 ص 107 ح 4282،و البزار ج 1 ص 281 علي ما في هامش الطبراني و صحيح الترمذي ج 4 ص 505 ح 2230،و الطبراني الكبير ج 20 ص 164-165،و حلية الأولياء،و كنز العمال ج 14 ص 263،و معجم الإمام المهدي ج 1 ص 116 و تجد فيه هذه المراجع و العشرات من مراجع هذا الحديث أيضا].

2-قال رسول اللّه:«لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث اللّه رجلا من أهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جورا».[راجع ابن أبي شيبة ج 15 ص 198 ح 19494،و أبو داود ج 4 ص 107 ح 4283،و البزار ج 1 ص 104،و تذكرة الخواص ص 364،و عقد الدرر ص 18،و بيان الشافعي ص 482،و مقدمة ابن خلدون ص 248،و فتن ابن كثير ج 1 ص 37،و الجامع الصغير ج 2 ص 438،و كنز العمال ج 14 ص 267،و الصواعق المحرقة ص 163،و معجم أحاديث الإمام المهدي حيث تجد هذه المراجع و عشرات المراجع إلي جانبها].

3-قال رسول اللّه:«لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لملك فيها رجل من أهل بيتي...».[راجع ابن حبان ج 7 ص 576 ح 5922،و الطبراني في الكبير ج 10 ص 161 و ص 163 و 164،و الطبراني في الصغير ج 2 ص 148،و حلية الأولياء ج 5 ص 75،و عقد الدرر ص 18،و الحاوي للسيوطي ج 2 ص 59، و الصواعق المحرقة لابن حجر ص 163 نقلا عن أحمد بن حنبل و أبي داود و الترمذي،و راجع معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 123 و ما فوق تجد الكثير من المراجع].

4-قال رسول اللّه:«المهدي حق و هو من ولد فاطمة».[راجع تاريخ البخاري ج 3 ص 46،و صحيح مسلم علي ما في إسعاف الراغبين،و أبو داود ج 4 ص 107 ح 4284،و ابن ماجه ج 2 ص 1368،و النسائي علي ما في إسعاف الراغبين،و جامع الأصول ج 11 ص 49،و عقد الدرر ص 15،و مشكاة المصابيح ج 3 ص 24،و الجامع الصغير ج 2 ص 672 و الدر المنثور ج 6 ص 449،و صواعق ابن حجر ص 163،و قال:و من ذلك ما أخرجه أبو داود، و ابن ماجه،و مسلم،و النسائي،و البيهقي و آخرون،راجع معجم أحاديث الإمام

ص: 138

المهدي ج 1 ص 137-145 تجد أكثر من ستين مرجعا].

5-قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«فلو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتي يأتيهم رجل من أهل بيتي،تكون الملائكة بين يديه،و يظهر الإسلام».[راجع صحيح الترمذي علي ما في تحفة الأشراف،و الديلمي علي ما في كنز العمال، و تذكرة القرطبي ص 700،و تحفة الأشراف ج 9 ص 428،و كنز العمال ج 14 ص 269،و معجم أحاديث الإمام المهدي ص 156-157 ج 1].

6-قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«لا تقوم الساعة حتي يخرج عليهم رجل من أهل بيتي فيضربهم حتي يرجعوا إلي الحق»...[أبو يعلي ج 12 ص 19 ح 6665،مجمع الزوائد ج 7 ص 15،مقدمة ابن خلدون ص 254،و الحاوي للسيوطي ج 2 ص 62-،راجع معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 261].

7-قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«يا علي لو لم يبق من الدينا إلا يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتي يملك رجل من عترتك يقال له المهدي يهدي إلي اللّه عز و جل و يهتدي به العرب».[منتخب الأثر للرازي ص 189،ض 2 ب 5 ج 2،و إثبات الهداة ج 2 ص 574،و دلائل الإمامة ص 250،و معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 165].

8-قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«لا تذهب الدنيا حتي يبعث اللّه رجلا من أهل بيتي...».

[راجع ابن أبي شيبة ج 15 ص 198،و الكني و الأسماء ج 1 ص 107، و الطبراني الكبير ج 10 ص 163،و الدارقطني،و الحاكم ج 4 ص 442، و معجم أحاديث المهدي ج 1 ص 168-169].

تحليل موجز للأحاديث التي رواها علماء أهل السنة الأعلام حول حتمية ظهور المهدي

إن أي إنسان-مهما كانت ثقافته-يقرأ الأحاديث التي رواها علماء أهل السنة الأعلام حول حتمية ظهور المهدي يكتشف و يحس إحساسا عميقا بجزم النبي و تأكيده علي حتمية ظهور المهدي،و يبدو هذا جليا بالنماذج التي سقناها من 1- 8 فالنبي يؤكد بمناسبات متعددة و بصيغ مختلفة:«بأن الأيام لن تنقضي و لن يذهب

ص: 139

الدهر...و أن الساعة لن تقوم،...و أن الدنيا.لن تذهب...حتي يبعث المهدي و هذه الصيغ الثلاث التي تؤكد بعضها،و تفسر بعضها،و تفصح عن أعلي درجات البيان و مراتب التأكيد تصب مجتمعة و منفردة في خانة حتمية الظهور، و زيادة في التأكيد و البيان،و إفاضة للحجة الدامغة،و ترسيخا للمعني في القلوب يؤكد النبي،بأنه:«لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة....أو من الدهر إلا يوم...أو لم يبق من الدنيا إلا يوم....لبعث اللّه المهدي في تلك الليلة!و لملك المهدي تلك الليلة و لطوّل اللّه ذلك اليوم حتي يظهر المهدي و يملك».ارجع للنماذج الثمانية الآنفة و أعد قراءتها...

أهل السنة يعتقدون أن النبي ليس معصوما في كل شيء،و يقولون أنه يتحدث في الغضب و الرضي،فلا ينبغي أن يحمل كل كلامه علي محمل الجد و ينسبون إلي النبي القول:«أنتم أعلم بشؤون دنياكم»،و ينسبون إليه أمورا كثيرة، و قد وثقنا كل ذلك في كتابنا«المواجهة»و السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو:«طالما أن الأمة بشقّيها مجتمعة قد أجمعت و جزمت،بأن الأحاديث النبوية التي تحدثت عن حتمية ظهور الإمام المهدي المنتظر قد صدرت حتما من رسول اللّه،فهل يعقل أن تكون:«اجتهادا منه»أو تحليلا شخصيا منه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،أو أنها وحي إلهي!!!؟ وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَي اللّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ... (سورة طه،آية 62).كان رسول اللّه قبل أن يؤتي شرف النبوة يعرف بين قومه بالصادق، و الصادق هو الذي لا يكذب،أفحين شرّفه اللّه بالنبوة،و أمره أن يتبع ما يوحي إليه «يجتهد»في ما لا علم له به،أو يحلل تحليلات شخصية تحتمل الصدق و الكذب!!!!ثم ما هي حاجته للاجتهادات و التحليلات الشخصية و عنده الوحي!!!ثم كيف يجتهد و يحلل و يضمن الصواب في حوادث تقع بعد عشرات القرون!!!إن رسول اللّه أجل و أرفع و أعظم مما يصفون،و ما ردنا علي تجديفهم الآثم إلا حشرا لهم،و إقامة للحجة العقلية عليهم كأنهم لم يقرأوا كتاب اللّه:

وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ* لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (سورة الحاقة،الآيات:44-45-46)و يبقي المعقول و المنطقي الوحيد المنسجم مع صدق النبي و قربه من اللّه أنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قد تلقي معلومة حتمية ظهور

ص: 140

المهدي المنتظر بالوحي من اللّه تعالي،مع الأمر بالتبشير به و إعلان هذه الحقيقة الغيبية القادمة لا محالة.

ص: 141

الفصل الثاني: : المهدي المنتظر من آل محمد و من عترته أهل بيته و بالتحديد من ولده

اشارة

كون المهدي المنتظر من عترة النبي أهل بيته الطاهرين حقيقة مطلقة من الحقائق الدينية المحدودة جدا التي أجمعت عليها الأمة بشقيها:«أهل بيت النبوة و شيعتهم و الخلفاء التاريخيون و شيعتهم أهل السنة»فالكل متفق علي أن المهدي المنتظر من صلب علي بن أبي طالب،و من أحفاد فاطمة بنت النبي،و أنه من ذرية النبي و حفيده،و قد تواترت صحة الأحاديث النبوية عند الجميع،و التي بينت للمسلمين أن اللّه قد جعل ذرية كل نبي من صلبه خاصة،و جعل ذرية خاتم الأنبياء محمد من صلب علي ابن عمه و نسل ابنته البتول فاطمة،و المسلمون يرسلون هذه المعلومة إرسال المسلمات،فطالما ردد الرسول أمام قدامي المسلمين و الطلقاء معا هذا ابني الحسن،أو هذا ابني الحسين،أو هذان ابناي و لا خلاف بين اثنين من المسلمين،بما فيهم الخلفاء الثلاثة الأول،و معاوية و بنو أمية،و بنو العباس و شيعهم بأن عليا و فاطمة و الحسن و الحسين هم آل محمد،و هم أهل بيته،أو علي الأقل هم من الآل و الأهل!!

1-و أهل بيت النبوة مجمعون علي أن الإمام المهدي المنتظر هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة الذين اختارهم اللّه تعالي لقيادة الأمة طوال

ص: 142

عصر ما بعد النبوة،و لكن ظروفا قاهرة قد حالت بينهم و بين ممارسة حقهم بقيادة الأمة،فكان كل واحد منهم هو الإمام الشرعي للأمة المختار من اللّه سبحانه و تعالي و المعلن عن إمامته من رسول اللّه،و لكن الخليفة المتغلب في زمن كل إمام حال بينه و بين ممارسة حقه الشرعي،بإمامة الأمة و قيادتها و مرجعيتها،و كل إمام من الأئمة الإحدي عشر قد تبعته الفئة القليلة المؤمنة و سلمت بإمامته،و لكنها كانت فئة مستضعفة،و غير قادرة علي مواجهة الأكثرية الساحقة التي وقفت مع الخليفة المتغلب طمعا بما في يده من المال و الجاه و النفوذ و السلطة.

و اقتضت حكمة اللّه تعالي أن يكون للإمام الثاني عشر:«المهدي المنتظر نمط حياة،و منهج مختلف عن نمط و منهج الأئمة الإحدي عشر الذين سبقوه».

فكل واحد من الأئمة الإحدي عشر السابقين كان معروفا،للخاصة و العامة من المسلمين،و كان مشهورا بينهم،تعرفه العرب و يعرفه العجم،و يعرفه المحل و المحرم معا،و لا يخفي واقعه و أمله علي أحد من الخاصة و العامة،فكل واحد من الخلفاء الثلاثة الأول كان يعلم علم اليقين بأن عليا بن أبي طالب أول الأئمة الشرعيين كان:«يطمع بالخلافة»،و يعتقد أنه أولي بها من الخلفاء الثلاثة الأول، و كان يشارك الخلفاء الثلاثة بهذا العلم اليقيني،خاصة القوم و عامتهم،قدامي المسلمين و طلقاؤهم و أحداثهم.و لما مات الإمام علي،و آلت الإمامة إلي الإمام الحسن كان الخليفة المتغلب و كافة أفراد رعيته يعلمون علم اليقين بآمال الحسن و واقعه،و هكذا كانت الأحوال مع الحسين،و علي بن الحسين و محمد الباقر، و جعفر الصادق،و موسي الكاظم،و علي الرضا،و في عهد الإمام علي الرضا قرر الخليفة المتغلب المأمون أن يعترف بالحق الشرعي و أن يتنازل بمحض اختياره للإمام الشرعي المعاصر له و هو الرضا،و تلك حالة فريدة في التاريخ الإسلامي و لم تتكرر،و تعاقب ظهور الأئمة حتي بلغوا إحدي عشر إماما،و كان الناس في زمن كل واحد منهم يعلمون أن هذا الرجل الإمام من أهل بيت النبوة، و أنه من ذرية النبي،و كانوا يعلمون أنه علي الأقل«يدعي»الإمامة،و الخلافة الشرعية عن النبي.

و كان الخليفة المعاصر لأي واحد من الأئمة الإحدي عشر يعلم علم اليقين

ص: 143

بأن هذا الإمام:«أو مدعي الإمامية»طامع بالخلافة،و معتقد أنه أولي بها من الخليفة المتغلب،لذلك كان كل خليفة متغلب يتوجس خيفة من الإمام الشرعي المعاصر له،فيضيق عليه،و يحط من قدره،و يتصنع عدم الاكتراث به،و كثيرا ما كانت تملك الوساوس و المخاوف الخليفة المتغلب،و لا يطيق إمام زمانه،فيتآمر مع حاشيته و يقتلون خفية أو بالسم إمام الزمان.

أما الإمام الثاني عشر و هو الإمام المهدي:«محمد بن الحسن»فقد اختلف أمره و نهجه و أسلوبه و نمط حياته،عن الأئمة الأحد عشر السابقين،فقبل ولادته بفترة انتشرت شائعات علي نطاق واسع مفادها أن ملك بني العباس سيزول علي يد رجل من آل محمد يقال له المهدي،لذلك كانت كلمة المهدي أشد خطرا و ثقلا علي أسماع الدولة العباسية و أركانها من كلمات الكفر،و الإلحاد،و الشيطنة، فجندت الدولة مخابراتها و أجهزتها السرية للتحري و البحث عن هذا المهدي،هذه الحملة اضطرت الإمام الوالد الحسن العسكري أن يخفي نبأ ولادة ابنه،و أن لا يذكر اسم المولود إلا للخلص من أتباعه،حيث أفضي لهم باسم ابنه،و أنه الإمام من بعده الوارث لعلمي النبوة و الكتاب،و انتقل الإمام الحادي عشر إلي جوار ربه و آلت الإمامة إلي الصبي محمد بن الحسن:«المهدي المنتظر»و كان عمره خمس سنين،و عرفت الدولة العباسية و كافة أركانها بأن الإمام الحادي عشر الحسن العسكري قد مات،و أن عمادة أهل بيت النبوة قد آلت إلي ابنه الصبي:«محمد بن الحسن المهدي المنتظر»بدليل أن أركان الدولة العباسية و رجالات بني هاشم قد حضروا الإعداد لجنازة الإمام الحادي عشر،و لم يتقدم أحد منهم لإمامة الناس بصلاة الجنازة إنما تقدم الإمام الصبي،و أمّ الجميع دون اعتراض من أحد وسط دهشة الجميع،و تسليمهم بأن هذا الصبي هو عميد و سيد أهل بيت النبوة،و القائم مقام أبيه السيد الذي انتقل إلي جوار ربه.بعد انتهاء مراسم العزاء اختفي الإمام الصبي عن الأنظار تماما،و لم يعد يراه أحد،و كان يعرف أمور أولياء أهل بيت النبوة،و يتصرف بالأموال التي تجبي إليه بواسطة أربعة سفراء أجمع أهل بيت النبوة و شيعتهم المخلصة علي صحة سفارتهم.

و تسمي هذه الغيبة بالغيبة الصغري،و بعد موت آخر السفراء بدأت الغيبة

ص: 144

الكبري،و جاء في عدة أخبار أنه يحضر المواسم سنويا فيري الناس و يعرفهم، و يرونه و لا يعرفونه،و أنه بوقت يطول أو يقصر سيظهر حتما لإنجاز المهمة التاريخية التي أناط اللّه به إنجازها.

2-أما الخلفاء التاريخيون و شيعتهم أهل السنة فيقرون أن الأئمة الأحد عشر هم الذين تعاقبوا علي عمادة أهل بيت النبوة طوال التاريخ،و كل واحد منهم في زمانه كان عميد أهل البيت،و شيخ آل محمد في زمانه،و أنه لم يجرؤ أحد علي الادعاء بأنه عميد أهل بيت النبوة،أو شيخ آل محمد في زمن أي واحد من الأحد عشر،و هم يقرون أيضا و يجمعون علي أن الرسول قد بيّن بأن الخلفاء أو الأمراء أو النقباء من بعده اثني عشر!!و لكنهم لا يعترفون بأن الرسول قد عني أو قصد بالاثني عشر أئمة أو عمداء أو شيوخ آل محمد بل عني و قصد الخلفاء المتغلبين علي الخلافة،و الذين مارسوا سلطات الخلافة و مهامها ممارسة فعلية،و هم متفقون علي أربعة،و هم الخلفاء الأربعة الأول،أما الثمانية الآخرون فهنالك آراء شخصية و اجتهادات لا حصر لها و لا سند لها لا من عقل و لا من دين و لا من منطق،و من المستبعد جدا علي المدي المنظور علي الأقل أن تقر شيعة الخلفاء بأن الاثني عشر الذين عناهم رسول اللّه و قصدهم هم عمداء أهل بيت النبوة،لأنهم لو فعلوا ذلك لانهار التاريخ السياسي الإسلامي بعد وفاة النبي علي صانعيه، و لسحبوا بساط الشرعية عن التاريخ السياسي لدولة الخلافة و لأدانوا أنفسهم دون حاجة لقضاء يعلن الأدانة،و الإنسان بطبيعته يفر من الأدانة و لا يتقبلها راضيا!!

و لكن شيعة الخلفاء:«أهل السنة»يقرون أن الاثني عشر أولهم علي و آخرهم محمد بن الحسن المهدي،هم عمداء أهل بيت النبوة أو شيوخ أو وجهاء آل محمد كل واحد منهم في زمانه.

و أبعد من ذلك فهم يقرون بولادة الإمام محمد بن الحسن،و بعضهم يصرح بأنه المهدي المنتظر بالفعل.قال ابن الأثير الجرزي في كتابه الكامل في التاريخ ج 7 ص 274 آخر حوادث سنة 260 و فيها:«توفي محمد العلوي العسكري و هو أحد الأئمة الاثني عشر علي مذهب الإمامية،و هو والد محمد الذي يعتقدونه المهدي».

ص: 145

قال ابن خلكان في وفيات الأعيان ج 4 ص 562/176:«أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد المذكور قبله ثاني عشر الأئمة الاثني عشر علي اعتقاد الإمامية المعروف بالحجة،كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس و خمسين و مائتين،ثم نقل عن المؤرخ الرحالة ابن الأزرقي أنه قال في تاريخ ميافارقين أن الحجة المذكور ولد بتاريخ.

قال الذهبي في كتابه العبر و فيها:«أي سنة 256 ولد محمد بن الحسن بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسي الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني الذي تلقبه الرافضة الخلف الحجة،و تلقبه بالمهدي،و المنتظر و تلقبه بصاحب الزمان و هو خاتم الاثني عشر.[راجع العبر في خبر من غبر للذهبي»ج 3 ص 21].

و قال الذهبي في تاريخ دول الإسلام ج 5 حوادث و وفيات 251-260 ص 113-159 عن الإمام الحسن العسكري:«و هو والد منتظر الرافضة،توفي إلي رضوان اللّه في سامراء و دفن إلي جانب والده،و أما ابنه محمد بن الحسن الذي يدعوه الرافضة القائم الخلف الحجة»...

و قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 13 ص 119 الترجمة رقم 60 «المنتظر الشريف محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسي الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين الشهيد بن الإمام علي بن أبي طالب الحسيني خاتمة الاثني عشر سيدا».

قال خير الدين الزركلي في كتابه الأعلام ج 6 ص 80 في ترجمة الإمام المهدي المنتظر:«محمد بن الحسن العسكري الخالص بن علي الهادي أبو القاسم آخر الأئمة الاثني عشر عند الإمامية ولد في....»

و أشار علماء الأنساب من أهل السنة إلي ولادة المهدي منهم أبو نصير البخاري في سر السلسلة العلوية ص 39 و هو من إعلام القرن الرابع الهجري و العري النسابة المشهور و هو من أعلام القرن الخامس:«المجدي في أنساب

ص: 146

الطالبيين ص 130،و الفخر الرازي الشافعي قال في كتابه:«الشجرة المباركة في أنساب الطالبية ص 78-79»،و أما الحسن العسكري فله ابنان و بنتان أما الابنان فأحدهما صاحب الزمان عجل اللّه تعالي فرجه الشريف...و قال ابن عنبة في عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب:«الإمام أبو محمد الحسن العسكري،و كان من الزهد و العلم علي أمر عظيم و هو والد الإمام محمد المهدي صلوات اللّه عليه ثاني عشر الأئمة عند الإمامية،و هو القائم المنتظر عندهم»ص 199 من عمدة الطالب.و قال في الفصول الفخرية ص 134-135 عن الإمام الحسن العسكري و هو الحادي عشر من الأئمة الاثني عشر و هو والد محمد المهدي ثاني عشرهم، و إلي هذا المعني أشار الصنعاني في كتابه:«روضة الألباب لمعرفة الأنساب ص 105،و السويدي في كتابه سبائك الذهب.[راجع المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي إصدار مركز الرسالة ص 119-120].

و الخلاصة أن شيعة الخلفاء التاريخيين«أهل السنة»موقنون بأن المهدي المنتظر من آل محمد و من عترته أهل بيته،و بالتحديد من ذرية النبي و من نسل فاطمة ابنته،و من صلب علي بن أبي طالب،و قد تولد هذا اليقين عندهم لصحة و تواتر الأحاديث النبوية الناطقة به،و قد توصلوا بالمنطق إلي أن الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة هو الإمام المهدي بالضرورة،و صرح بعضهم بذلك، و لولا خشيتهم من انهيار قناعاتهم التاريخية،و من أن يسحب بساط الشرعية من تحت أساسات دولة الخلافة التاريخية،و أعلن بعضهم علنا بأن الإمام المهدي المنتظر هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة و هو محمد بن الحسن، و منهم محي الدين بن العربي المتوفي 638 كما ذكر ذلك في الفتوحات المكية.

[راجع اليواقيت و الجواهر للشعراني ج 2 ص 143،و محمد بن طلحة الشافعي في كتابه مطالب السؤول ج 2 ص 79 باب 12،و ابن الجوزي الحنبلي في تذكرة الخواص ص 363،و الكنجي الشافعي في البيان في أخبار صاحب الزمان ص 521 باب 25،و ابن الصباغ المالكي في كتاب الفصول المهمة ص 287- 300،و الفضل بن روزبهان في كتابه«إبطال الباطل».[راجع دلائل الصدق للمظفر ج 2 ص 574-575،و محمد بن طولون الحنفي مؤرخ دمشق في كتابه

ص: 147

الأئمة الاثني عشر ص 117،و القندوزي الحنفي في ينابيع المودة ج 3 ص 114 آخر الباب 79].

نماذج من الأحاديث النبوية الدالة علي أن المهدي المنتظر من ذرية النبي، و من نسل فاطمة و صلب علي بن أبي طالب

1-قال رسول اللّه بعد أن تحدث عن الفتن من بعده:«...ثم تكون فتنة، كلما قيل انقضت تمادت،حتي لا يبقي بيت إلا دخلته،و لا مسلم إلا حكته حتي يخرج رجل من عترتي».[راجع ابن حماد ص 10،و أحمد بن حنبل ج 2 ص 133،و أبو داود ج 4 ص 94 ح 4242،و معالم السنن ج 4 ص 336-337 عن أبي داود،و حلية الأولياء ج 5 ص 158،و كنز العمال ج 14 ص 269.

و راجع بقية المراجع في معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 81-83].

2-تحدث الرسول عن بلاء يصيب الأمة حتي لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم،فيبعث اللّه رجلا من عترتي من أهل بيتي فيملأ به الأرض قسطا،كما ملئت ظلما و جورا...[راجع عبد الرزاق ج 11 ص 371،و ابن حماد ص 99، و الترمذي علي ما في الدر المنثور،و الطبراني علي في الصواعق المحرقة، و الحاكم ج 4 ص 465،و تذكرة القرطبي ص 700،و تذكرة الحفاظ ج 3 ص 838،و الحاوي للسيوطي ج 2 ص 65،و الدر المنثور ج 6 ص 58،و انظر بقية المراجع في«معجم أحاديث المهدي ج 1 ص 83-86].

3-قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان...[راجع ابن حماد ص 10 ابن أبي شيبة ج 15 ص 196 ح 19485،و أحمد بن حنبل ج 3 ص 80،و البداية و النهاية ج 6 ص 247،و مجمع الزوائد ج 7 ص 314، و الدر المنثور ج 6 ص 58،انظر بقية المراجع في معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 97-98].

4-قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«...ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي»....

[راجع أحمد بن حنبل ج 3 ص 36،و ابن خزيمة،و ابن حبان ج 8 ص 290-

ص: 148

291،و الحاكم ج 4 ص 557،و مقدمة ابن خلدون ص 250 فقرة 53 عن الحاكم،و تجد بقية المراجع في معجم«أحاديث الإمام المهدي»ج 1 ص 104- 105].

5-و مثله قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«لا تقوم الساعة حتي يلي رجل من أهل بيتي»...

[راجع البزار ج 1 ص 281،و ابن حنبل ج 1 ص 376،و الترمذي ج 4 ص 505 حديث 2231،و البدء و التاريخ ج 2 ص 180،و الطبراني في الكبير ج 1 ص 165،راجع بقية المراجع في ج 1 ص 106-108 من معجم «أحاديث الإمام المهدي»].

6-و مثله قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«لا تقوم الساعة حتي يملك رجل من أهل بيتي».

[راجع أبو يعلي ج 2 ص 367،و ابن حبان ج 8 ص 291،و مجمع الزوائد ج 7 ص 314،و الدر المنثور ج 6 ص 57،و كنز العمال ج 14 ص 270 ح 38690،راجع بقية المراجع في معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 108-109].

7-و مثله قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي»...[راجع تذكرة الخواص ص 363،و عقد الدرر ص 32،و منهاج السنة لابن تيمية ج 4 ص 211،بقية المراجع في معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 113- 114].

8-و مثله قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:إن المهدي من عترتي من أهل بيتي..[راجع إثبات الهداة ج 3 ص 502،و البحار ج 51 ص 74،و منتخب الأثر ص 169، و معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 14].

9-و قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«المهدي رجل من ولدي وجهه كالقمر الدري»...[راجع أحمد بن حنبل علي ما في ينابيع المودة،و ابن ماجه علي ما في غاية المرام، و الطبراني علي ما في بيان الشافعي،راجع معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 130-134 تجد عشرات المراجع لهذا الحديث].

10-و مثله قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«المهدي حق و هو من ولد فاطمة».[راجع ابن شيبة

ص: 149

علي ما في سنن ابن ماجه،و تاريخ البخاري ج 3 ص 346،و صحيح مسلم علي ما في إسعاف الراغبين،و أبو داود ج 4 ص 107 ح 4284،و ابن ماجه ج 2 ص 1368 ب 34 ح 4086،و الطبراني في الكبير ج 23 ص 267،و ميزان الاعتدال ج 2 ص 87،و راجع معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 136- 139 تجد أكثر من أربعين مرجعا]!

11-و مثله قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد،لطوّل اللّه ذلك اليوم حتي يبعث فيه رجلا من ولدي اسمه اسمي»فقام سلمان الفارسي فقال:يا رسول اللّه:من أي ولدك؟قال النبي:«من ولدي هذا و ضرب بيده علي الحسين».

[راجع الطبراني في الأوسط،و أربعون أبي نعيم،و عقد الدرر ص 24،و ذخائر العقبي للطبراني ص 136-137،و راجع معجم أحاديث المهدي المنتظر ج 1 ص 142-143].

12-و مثله قوله لفاطمة:«المهدي من ولدك».[راجع مقاتل الطالبيين ج 1 ص 97،و الحاكم،و تهذيب ابن عساكر ج 6 ص 26،و ذخائر العقبي ص 136،و عقد الدرر ص 21،و الحاوي للسيوطي ج 2 ص 66،و كنز العمال ج 12 ص 105،راجع بقية المراجع في المعجم ج 1 ص 143-144].

13-و مثله قوله لفاطمة:«نبينا خير الأنبياء و هو أبوك،و شهيدنا خير الشهداء و هو عم أبيك حمزة...و منّا سبطا هذه الأمة الحسن و الحسين و هما ابناك و منا المهدي...و منا و الذي نفسي بيده مهدي هذه الأمة».[راجع معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 145-147،و علي سبيل المثال مناقب الخوارزمي ص 6،و بيان الشافعي ص 485،و ذخائر العقبي ص 44،عن الطبراني،و مجمع الزوائد ج 9 ص 166].

و هنالك العشرات من الأحاديث النبوية التي تدور حول ذات المضمون، و يمكن لمن أراد الوقوف عليها و علي مراجعها أن يراجع:«معجم أحاديث الإمام المهدي»ج 1 ص 150 و ما بعدها.

ص: 150

الفصل الثالث: الخلط و تمييع النصوص و محاولات صرف هذا الشرف عن أهل البيت

اشارة

عندما خص اللّه نبيه محمدا الهاشمي بالنبوة و الرسالة جنّ جنون بطون قريش،فحسدت الهاشميين شرف النبوة،فوحدت صفوفها تحت راية الشرك و عقدت العزم علي صرف شرف النبوة عن بني هاشم.فتصدت للنبي و قاومته بشراسة طوال مدة ال 15 سنة التي قضاها في مكة قبل الهجرة،و تآمرت علي قتله مرات متعددة،و حاصرته و بني هاشم و قاطعتهم،و بعد الهجرة جيشت الجيوش و استعدت العرب،و شنت حروبها العدوانية علي النبي طوال ثماني سنوات،و لما أحيط بها،و استنفدت سهامها و تكسرت سيوفها و رماحها في حربها للنبي، استسلمت و اضطرت مكرهة لإعلان إسلامها و للاعتراف بالنبوة الهاشمية.

و عندما اختار اللّه تعالي أهل بيت النبوة ثقلا آخر،و قيادة،و مرجعية للأمة من بعد النبي،و صدع النبي بما أوحي إليه،و أعلن الاختيار الإلهي،جن جنون بطون قريش لأنها كرهت أن يجمع الهاشميون الملك و النبوة،علي حد تعبير الخليفة عمر بن الخطاب،فصممت أن تصرف شرف الملك عن الهاشميين فوحدت صفوفها،و لكن تحت خيمة الإسلام هذه المرة و انتظرت موت النبي بفارغ الصبر لتصرف شرف الملك عن آل محمد و لتستولي بالكثرة و القوة و التغلب علي الملك الذي تمخضت عنه النبوة،و عندما قعد النبي علي فراش المرض،أحست البطون بأنه ميت،عندئذ أظهرت نواياها،و شرعت بتنفيذ مخططها الرامي إلي

ص: 151

الاستيلاء علي ملك النبوة بالكثرة و التغلب،و نقض الترتيبات الإلهية و صرف شرف الملك عن أهل البيت،فقالت البطون للنبي مواجهة:أنت تهجر،و لا حاجة لنا بكتابك،و لا بوصيتك لأن القرآن يغنينا عنك!!و قد وثقنا ذلك.و مات النبي و هو كسير الخاطر،و استولت البطون علي الملك.و من ذلك التاريخ و شبح الجريمة يلاحقها،و صار أهل بيت النبوة هاجسا و صارت الخلافة ملكا لمن غلب، و سخر الغالب إمكانيات دولة الخلافة و مواردها و إعلامها لقلب الحقائق،و إثبات أنه صاحب الحق الشرعي بالخلافة و آل محمد و أهل بيته ينازعونه حقه،و يسعون لتفريق الأمة و شق عصا الطاعة بطلبهم ما ليس لهم!!!!!

كان لا بد من استحضار هذه المقدمة لفهم العقلية الحاكمة التي وضعت المناهج التربوية و التعليمية،و التي منعت رواية و كتابة أحاديث الرسول قرابة مائة عام،و بعد المائة عام أذنت برواية و كتابة الأحاديث النبوية،في مناخ الدولة المعادي لأهل بيت النبوة،و تحت إشراف أو مراقبة أركان دولة الخلافة الذين تدخلوا و اشتركوا بهذا العداء.

محاولات صرف شرف المهدية عن أهل البيت

اشارة

لما اكتشف علماء الحديث الأعلام من أهل السنة هذا الكم الهائل من الأحاديث النبوية التي تتحدث عن حتمية ظهور المهدي المنتظر،و أن هذا المهدي من أهل بيت النبوة،و من صلب علي بن أبي طالب،و من ولد فاطمة بنت النبي، فوجئت دولة الخلافة،و فوجيء أركانها تماما،و قدروا أن المهدي المنتظر الذي تتحدث الأحاديث النبوية عن دعم إلهي،مطلق له سيكشف ذات يوم كل شيء، و سيضع النقاط علي الحروف،و سيطلع العالم علي هول الظلم الذي لحق بالإسلام،و أهل بيت النبوة،و سيقلب التاريخ كله رأسا علي عقب.

لذلك و بواسطة أوليائهم وضعوا خطة ذات أربع شعب لمواجهة سيل الأحاديث الصحيحة و المتواترة المتعلقة بالمهدي المنتظر،بعد أن قطعوا و تيقنوا بأنه من أهل بيت النبوة و من أحفاد النبي الذين شردوهم و طاردوهم و قتلوهم تقتيلا،عبر التاريخ و كان قصدهم من هذه الخطة:

ص: 152

1-أن يخلطوا الحق بالباطل و تلك صناعة أتقنوها و مهروا بها.

2-أن يحصنوا الرعية من تأثير هذه الأحاديث أو أن يتحكموا بتأثيرها علي الرعية.

3-محاولة يائسة لصرف هذا الشرف الشامخ عن أهل بيت النبوة.

1-الشعبة الأولي من المخطط الادعاء بأنه لا مهدي إلا عيسي ابن مريم

بنفس الوسائل التي تستخرج فيها الأحاديث استخرجوا حديثا يحصر «المهدي بعيسي ابن مريم»،و قد أخرج هذا الحديث ابن ماجه في سننه ج 2 ص 1340 ح 4039،و ابن ماجه نفسه كان قد أخرج حديث:«المهدي حق و هو من ولد فاطمة»ج 2 ص 1368 ح 4086،و الحديث الأخير صحيح و متواتر.

و حديث لا مهدي إلا عيسي هو الحديث الوحيد الذي ينفي أن يكون المهدي من أهل البيت أو من غيرهم،و يحصره حصرا بعيسي ابن مريم،و قد عالجنا و أثبتنا فساد هذا الحديث و بطلانه في الباب الثاني من هذا الكتاب.

2-الشعبة الثانية من المخطط الادعاء بأن المهدي رجل من الأمة

و قد أخرجوا حديثا جاء فيه:«يخرج رجل من أمتي يعمل بسنتي،ينزل اللّه له البركة من السماء،و تخرج له الأرض بركتها،يملأ الأرض عدلا،كما ملئت جورا»...[راجع معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 134-136،و هذا الحديث أيضا هو الوحيد الذي يجعل المهدي رجلا من الأمة]!!!

3-الشعبة الثالثة من المخطط الادعاء بأن المهدي المنتظر من ولد الإمام الحسن و ليس من ولد الحسين كما يجمع أهل البيت!!

روي أبو داود في سننه ج 4 ص 108 ح 4290 قول علي بن أبي طالب:

«إن ابني هذا سيد كما سماه النبي،و سيخرج من صلبه رجل يسمي باسم نبيكم

ص: 153

يشبهه في الخلق و لا يشبهه في الخلق يملأ الأرض عدلا»...

و المدهش أيضا بأن هذا هو الحديث الوحيد الذي يجعل المهدي من ولد الإمام الحسن!!!و جاء في كتاب:«المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي»إصدار مركز الرسالة ص 62،و ما فوق أن هذا الحديث باطل من سبعة وجوه:

1-اختلاف النقل عن أبي داود فقد نقل الجزري الشافعي في كتابه:أسمي المناقب في تهذيب أسني المطالب ص 165-168 كلمة«الحسين»بدلا من كلمة الحسن.

2-إن سند الحديث منقطع حيث أن السبيعي لم تثبت له رواية واحدة سماعا عن طريق علي،كما صرح بذلك المنذري«مختصر سنن أبي داود للمنذري ج 6 ص 162 ح 4121.

3-إن سنده مجهول:«حيث قال:«حدثت عن هارون بن المغيرة،و لا يعلم من الذي حدثه».

4-أن الحديث المذكور أخرجه أبو صالح السليلي عن الإمام موسي بن جعفر و فيه اسم الحسين بدلا من الحسن.

5-إنه معارض بأحاديث كثيرة من طرق أهل السنة تصرح بأن المهدي من ولد الحسين.

6-احتمال التصحيف في الاسم من الحسين إلي الحسن.

7-يحتمل وضع الحديث لأن بعض أنصار محمد بن عبد اللّه بن الحسن المثني بن الإمام الحسن السبط الذي قتل سنة 145 في زمن المنصور العباسي كانوا يظنون بأنه المهدي.

8-و علي فرض أنه حديث فإنه مجرد خبر لا قيمة له أمام الصحيح و المتواتر.

4-المهدي ليس من أهل بيت النبوة و لا من ذرية النبي إنما هو من ولد العباس!!

بدليل:1-الأحاديث المتعلقة بالرايات السود المقبلة من خراسان،و التي ذكرت بأن فيها خليفة اللّه المهدي.[راجع مسند أحمد ج 5 ص 277،و سنن

ص: 154

ابن ماجه ج 2 ص 1236 ح 4082،و ما رواه الترمذي في ج 4 ص 53 ح 2269،و هي أحاديث مجملة و قد ضعفها ابن القيم في المنار المنيف ص 137-138].

2-وجود أحاديث تخبر بأن المهدي:«من ولد العباس عمي».[أورده السيوطي في الجامع الصغير ج 2 ص 672،و قال حديث ضعيف،و قال المناوي الشافعي في فيض القدير،رواه الدارقطني في الأفراد،و قال ابن الجوزي فيه محمد بن الوليد المقري،قال ابن عدي:يضع الحديث و يصله،و يسرق و يقلب الأسانيد و المتون،و قال ابن أبي معسر هو كذاب،و قال السمهودي،ما بعده و ما قبله أصح منه،و أما هذا ففيه محمد بن الوليد و ضّاع،راجع فيض القدير شرح الجامع الصغير ج 6 ص 278 ح 9242.و ضعفه السيوطي في الحاوي ج 2 ص 85 و ابن حجر في صواعقه ص 166،و الصبان في إسعاف الراغبين ص 151،و أبو الفيض في إبراز الوهم المكنون ص 563].

و مثله حديث ابن عمر الذي رواه ابن الوردي في فريدة العجائب ص 199 و هو مرسل عن ابن عمر و موقوف عليه فلا حجة فيه،فضلا عن أنه لم يصرح باسمه المهدي.

و مثله حديث أم الفضل سنة 135 لك لولدك منهم السفاح و منهم المنصور، و منهم المهدي،و هذا الحديث وارد في تاريخ بغداد ج 1 ص 63،و تاريخ دمشق ج 4 ص 178 لابن عساكر.قال الذهبي في ميزان الاعتدال ج 1 ص 97:أن أحمد بن راشد هو الذي اختلقه بجهل،راجع المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي ص 52-55

و ما يثير الدهشة أن المهدي العباسي المتوفي سنة 169-كانت دولته دولة للنساء.قال الطبري في تاريخه ج 3 ص 466 أن الخيزران زوجة الخليفة المهدي تدخلت في شؤون الدولة في زمنه و أنها استولت علي زمام الأمور في عهد ابنه الهادي.ثم إن المهدي العباسي نفسه لم يدع بأنه المهدي المنتظر الذي عناه الرسول،و لم تتحقق في زمنه أي علامة من العلامات المرادفة لظهور المهدي، و لا ساد العالم و لا انتشر الرخاء في عهده،إنما كانت هنالك طبقة مترفة تشرف

ص: 155

علي الموت من التخمة،و أكثرية ساحقة معدمة تكاد أن تموت من الجوع،و هذا يتعارض بالكامل مع مضامين الأحاديث النبوية التي وصفت المهدي وصفا دقيقا،و تحدثت عن علامات ظهوره،و وصفت عهده الراشد و حال الدين و المسلمين فيه.

ص: 156

الفصل الرابع: الجذور التاريخية لهذا المخطط

«الخلط و التمييع و محاولة صرف هذا الشرف عن أهل بيت النبوة بعد موت النبي مباشرة و عندما اشتد الجدل و الصراع علي الخلافة بين قيادة بطون قريش و من والاها من جهة،و بين علي بن أبي طالب الإمام الشرعي و ابنة النبي الزهراء و سبطي النبي الحسن و الحسين و من والاهم من جهة أخري،عرضت قيادة البطون علي العباس بن عبد المطلب عم النبي أن تجعل له و لعقبه شيئا من هذا الأمر:«أي الخلافة»مقابل أن يتخلي عن دعمه لأهل بيت النبوة و أن يقف مع البطون،و قدرت قيادة البطون أن انحياز العباس لجانبها يشكل ضربة فنية و معنوية قاصمة لأهل بيت النبوة و ادعائهم بالحق بقيادة الأمة!!لأنها تكون بهذه الحالة قد ضربت عم النبي بابن عم النبي الآخر و بابنة النبي و سبطيه فتتصدع وحدة البطن الهاشمي و تتهدم كافة حجج أهل البيت،و يشب الصراع بين آل محمد و آل أبي طالب من جهة،و بين آل العباس من جهة أخري،و تتحول قيادة البطون إلي قاض و خصم معا،و تتفرج علي هذا الصراع،و اكتشف العباس مضامين و أهداف قيادة بطون قريش من هذا العرض،فرفضه رفضا قاطعا و بإباء،ورد عليهم بحزم و رجولة،و قد حاول الخليفة الثاني،و الثالث و معاوية أن يجتذبوا إلي جانبهم عبد اللّه بن العباس خاصة،و العباسيين عامة،لذات الغرض لينافس عبد اللّه الحسن و الحسين بعد أن أخفقوا بأن يجعلوا العباس ينافس الإمام علي،و يبدو أن

ص: 157

تلك المحاولات قد نجحت إلي حد ما.صحيح أن العباسيين لم يقفوا ضد علي و ضد الحسن و الحسين،و لكنهم لم يقفوا معهم أيضا،لقد قرر العباسيون أن يعملوا لصالحهم الخاص،و قدروا أن عملهم لصالحهم الخاص لن يؤتي أكله و لن يثمر،ما دام سبطا النبي الحسن و الحسين أحياء!!لأنه ليس بإمكان أي عباسي أن يدانيهما بالشرف و القربي و المكانة.لقد قرر عبد اللّه بن العباس أن يعتزل و أن يتخلي عن الإمام علي،و الإمام أحوج ما يكون إليه،لقد كانت فعلة عبد اللّه جرحا نازفا في قلب الإمام،تحمل آلامه العميقة في صمت و بلا إعلام.و مع الإمام الحسن قد عهد لعبيد اللّه بن العباس بقيادة أول جيش يشكله و مع أن معاوية هو القاتل عمليا لطفلي عبيد اللّه،إلا أن عبيد اللّه لم يجد حرجا و لا غضاضة عندما استمال ثلثي الجيش الذي سلمه الإمام الحسن قيادته و انضم إلي معاوية عدو آبائه و أجداده و أحد قادة قدامي المحاربين ضد اللّه و رسوله!!فكانت فعلة عبيد اللّه الضربة المعنوية القاتلة التي أصابت من الحسن و معسكره مقتلا يصعب علاجه!! فإذا كان عبيد اللّه ابن عم النبي ينضم لمعسكر معاوية طمعا بما عنده من دنيا،فما الذي يجبر أعرابيا لا دين له علي البقاء في طاعة الإمام الحسن!!إنها من ضربات قيادة البطون و من ثمرة ثقافاتها،لأن قيادة البطون و ثقافتها المعادية لآل محمد تعرف بالتجربة المقاتل تماما!!

إنه ليس من المستبعد أن يتولي أعداء أهل بيت النبوة الذين أشربوا الثقافة المعادية لأهل بيت النبوة وضع عدة أحاديث تبين أن المهدي المنتظر الذي بشر به الرسول من ذرية العباس عم النبي،و ليس من أهل بيت النبوة كما يزعمون!! و القصد نفسه يتمثل باستعداء العباسيين علي أهل البيت و عزل أهل بيت النبوة عن الأمة،و محاولة صرف هذا الشرف عنهم،خاصة و أن كافة الأحاديث النبوية قد رويت و كتبت في عهد بني العباس،و أن رواة هذه الأحاديث الذين جمعوا يخضعون للحكم العباسي،و ما هي مصلحة بني العباس بنفي هذا الشرف عنهم، إن مجرد الزعم بأن المهدي من بني العباس يشكل دعما لنظامهم،و تثبيتا لأركان ملكهم!!ثم ما هو الفرق بينهم و بين آل أبي طالب!!أليس العباس عم النبي كأبي طالب!!!

ص: 158

و ليس من المستبعد أيضا بأن النبي عندما أخبر الأمة بما كان و ما هو كائن، أن يكون قد قال للعباس بأن ذرية العباس ستستولي علي الخلافة بالقوة يوما ما، و أن من جملة ملوكهم أو خلفائهم رجال يلقبون أحدهم بالسفاح و الآخر بالمنصور،و الثالث بالمهدي.و مصطلح المهدي مجرد لقب لقّب به و عرف به، و هذا اللقب لا يجعل منه المهدي الذي بشّر به الرسول،فإذا سميت ابنك أو أحد الملوك بالمهدي فهل يصبح بموجب هذه التسمية المهدي الذي بشّر به رسول اللّه؟؟!

و من المؤكد أن العباسيين كانت لهم دولة،و كانت لهذه الدولة أجهزتها السرية المكلفة بدعم النظام و المحافظة عليه بالأساليب الخفية،كما تفعل الدول اليوم،و من الجائز أن تكون الدولة قد استغلّت إخبار الرسول للعباس،بما هو كائن،فطورت هذا الحديث و اختلقت توابعه!!مع أن كافة الأحاديث المتعلقة بمهدي العباسيين ساقطة بكل الموازين التي أوجدها علماء الحديث،و معارضة لأحاديث المهدي المنتظر الصحيحة و المتواترة عندهم.

و ليس من المستبعد أن تكون أحاديث مهدي العباسيين،و مهدي الأمة المجهول،أو نفي فكرة المهدي عن الجميع و قصرها علي عيسي ابن مريم من اختلاق الأمويين و أوليائهم لنفس الغايات و الأهداف التي أشرنا إليها و تفصيل ذلك:

أن الخلفاء الثلاثة الأول كانوا قد منعوا كتابة و رواية الأحاديث النبوية، و أحرقوا المكتوب منها،و رفعوا شعار«حسبنا كتاب اللّه»،و لم يأذنوا برواية إلا ما يتّفق مع توجهاتهم و سياساتهم.

و عندما آلت الخلافة إلي علي بن أبي طالب بدأ نشر الحديث بأسلوب المناشدة و الاستشهاد بقدامي المحاربين من الصحابة،و أوشكت الأمور أن تتضح،و كاد الحبل أن يفلت من بناة دولة الخلافة و أوليائهم،و لكن في بداية الطريق برز معاوية بن أبي سفيان والي الشام،و أحد مؤسسي نظام الخلافة،و أبرز أركان دولة الخلفاء الثلاثة الأول،و عندما غلب معاوية أمة محمد و استولي بالقوة علي منصب الخلافة،قاد بنفسه حملة كبري لرواية و كتابة أحاديث الرسول

ص: 159

المتعلقة«بالفضائل فقط»فأصدر سلسلة من المراسيم الملكية إلي كافة ولاته و أمرائه و عماله أمرهم فيها:

1-بأن يرووا فضائل الخلفاء الثلاثة الأول و أن يركّزوا تركيزا خاصا علي فضائل الخليفة الثالث،و بعد ذلك يروون فضائل الصحابة.

2-أن لا يتركوا فضيلة لعلي بن أبي طالب أو أحد من أهل البيت إلا و يضعوا فضيلة لأحد من الصحابة تنقضها و تشابهها.[راجع شرح النهج لابن أبي الحديد ج 3 ص 595.و ما فوق نقلا عن المدائني في كتابة الأحداث:

«تحقيق حسن تميم»]و أمر معاوية الولاة و العمال و الأمراء بأن يقربوا الرواة، و يجزلوا لهم العطايا و الإقطاعات.و فجأة انشقت الأرض عن آلاف الرواة الذين رووا عشرات الألوف من أحاديث الفضائل التي لا أصل لها،و التي اختلقت لإرغام أنوف بني هاشم كما يقول ابن نفطويه،و لما تحقق لمعاوية ما أراد،و قدّر أن فضائل أهل بيت النبوة قد ضاعت،أو فقدت قيمتها،و أن مكانتهم الدينية قد تلاشت تماما أمر معاوية بتدريس هذه المرويات في المدارس و الجامعات و المعاهد،و فرض علي العامة و الخاصة تعلمها و حفظها،و دامت الحال حتي أواخر عهد الأمويين و بعد سقوط الدولة الأموية،و رفع الحظر و المنع عن رواية و كتابة أحاديث الرسول في بداية العهد العباسي نقل علماء الحديث كافة الروايات التي تمخضت عنها حملة معاوية،و التي احتضنتها الدولة الأموية و عممتها،و هي روايات متقنة من حيث الشكل لأنها قد وضعت تحت إشراف دولة و من الممكن جدا بل و نكاد أن نقطع،بأن«لا مهدي إلا عيسي،و المهدي من ولد العباس، و المهدي رجل من الأمة»،كانت من هندسة معاوية و ولاته و رواته لأنها تتفق مع المراسيم الملكية التي أصدرها في بداية عهده،و تخدم ذات الغاية:«لا تتركوا فضيلة لأبي تراب أو لأحد من أهل بيته إلا و تأتوني بمناقض لها من الصحابة» و كون المهدي من صلب علي فضيلة بموازين معاوية،و حتي تنقض هذه الفضيلة، لا بد من نفي فكرة المهدي،و إلصاقها بشخص آخر،و ليكن عيسي ابن مريم و لما أدرك رجال معاوية أن النفي غير ممكن جعلوا المهدي نكرة من أفراد الأمة،و لما أدركوا عدم معقولية الفكرة،جعلوا المهدي من ولد العباس.

ص: 160

و جاء علماء الحديث فنقلوا مرويات معاوية و طاقمه،كما هي و دوّنوها في صحاحهم و مسانيدهم و مؤلفاتهم باعتبارها جزءا من وثائق الدولة الإسلامية،و لأن رعايا الدولة كلها قد أطلعوا عليها،و تعلموها.هذه هي الجذور التاريخية لأحاديث«لا مهدي إلا عيسي،و المهدي رجل من الأمة،و المهدي رجل من ولد العباس»،و هي محض اختلاق،و أثر من آثار حملة الرواية التي قادتها دولة معاوية و طواقمها.

و هذه الأحاديث«لا مهدي إلا عيسي و المهدي مجرد رجل من الأمة، و المهدي من ولد العباس»تتعارض مع الأحاديث الصحيحة و المتواترة و مع إجماع الأمة و مع إجماع أهل بيت النبوة و أوليائهم و هي ساقطة بكل موازين علم الحديث.و الأهم أن وقائع التاريخ تناقضها و تكذبها تماما».

ص: 161

الفصل الخامس: المهدي المنتظر يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما

اشارة

من السمات البارزة،و البني الأساسية التي تستند عليها نظرية المهدي المنتظر في الإسلام هي التأكيدات النبوية القاطعة،بأن المهدي الذي بشر النبي بظهوره ذات يوم سوف يملأ الأرض بالقسط و العدل تماما،كما ملئت قبل ظهوره بالجور و الظلم.

فأهل بيت النبوة مجمعون علي أنهم قد سمعوا تلك التأكيدات القاطعة من رسول اللّه،و أنهم قد تناقلوها جيلا بعد جيل،و ورثوها من النبي مع نفائس علمي النبوة و الكتاب،و سماعهم لهذه التأكيدات و استيعابهم لها من الأمور اليقينية التي لا يشكون إطلاقا بصحتها،و هي متواترة عندهم و يرسلها الكبير و الصغير منهم إرسال المسلمات،و تبعا لإجماع أهل بيت النبوة المشهود لهم إلهيا،بالطهر و التميز و الملازمة الدائمة لرسول اللّه أثناء حياته،و بوراثتهم لعلمي النبوة و الكتاب أجمعت شيعتهم علي أن هذه التأكيدات قد صدرت من الرسول بالفعل،فهي مع بقية البني الأساسية من نظرية المهدي المنتظر تشكل جزءا أساسيا من معتقدهم الإسلامي،و سمة مميزة من مذهبهم الديني.

أما الخلفاء التاريخيون و شيعتهم«أهل السنة»فقد توصلوا إلي ذات النتائج المتعلقة بهذه التأكيدات،فصحت عندهم كافة الأحاديث النبوية التي تؤكد بأن

ص: 162

المهدي المنتظر سيملأ الأرض قسطا و عدلا،كما ملئت جورا و ظلما،و تواترت هذه التأكيدات،و أرسلها علماء أهل السنة الأعلام إرسال المسلمات أيضا، و جزموا بأن هذه التأكيدات قد صدرت عن رسول اللّه بالفعل.

مما يعني أن الأمة بشقّيها:«أهل بيت النبوة و من والاهم و الخلفاء التاريخيون و من والاهم»،مجمعون علي أن رسول اللّه قد بيّن للمسلمين و أكد لهم بأن المهدي المنتظر سيملأ الأرض قسطا و عدلا،كما ملئت جورا و ظلما،و هم جميعا قد جزموا بأن هذه الأحاديث قد صدرت من رسول اللّه بالفعل،و هم علي يقين بأن هذه المهمة:«ملء الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما»من المبررات و الأسباب الأساسية،لظهور المهدي المنتظر،و يعتقد الجميع بذلك، و يؤمنون به،و قد شكل هذا الاعتقاد جزءا من عقيدة المسلمين الدينية.

فبعد موت النبي بقليل حلت عري الإسلام كلها،عروة بعد عروة،و رفع الحكم الإلهي من الأرض،و صار الملك الذي تمخضت عنه النبوة.بحوزة من غلب،و حيل بين المرجع الديني المعتمد من اللّه و رسوله،و بين ممارسة مهام مرجعيته،و بموت النبي و انتهاء عهده العظيم،و بتحييد المرجع الديني،فقد العالم النموذج الأمثل،و حلّ الرأي محل النص،و شاع الاجتهاد مع وجود النص،و إن جرت محاولات لتطبيق النصوص الشرعية،فإنها قد فشلت،لأن تطبيق النصوص الشرعية يحتاج إلي أهلية و إعداد خاص لا يتوفر إلا بالنبي،أو الإمام المؤهل إلهيا من بعده،و هذا مبدأ مسلّم به حتي في القوانين الوضعية،فالجهة المؤهلة لإصدار حكم قطعي مبرم حائز علي الحقيقة القانونية هي محكمة التمييز،أو محكمة النقض،و أعضاؤها يشكلون أو من المفترض أن يشكلوا و يكونوا قمة الفهم و الوعي القانوني،بحيث لا يعلو فهمهم فهم،و لا وعيهم وعي،فإذا كانت القوانين التي يضعها البشر قد وصلت إلي هذا المستوي من التقنية القانونية،فلا تتعجب من قولنا بأن النص الشرعي يحتاج تطبيقه إلي نبي،أو إمام مؤهل و معد إلهيا.فضلا عن ذلك فإن الإسلام كشريعة لا يؤتي أكله كاملا إلا إذا طبق كاملا، و بقيت عراة-خاصة نظام الحكم-كلها متماسكة،و لم تحل.

ص: 163

و الخلاصة أنه و بعد موت النبي،و حل عري الإسلام،و الاستيلاء علي منصب الخلافة بالقوة و التغلب،و حلول الآراء محل النصوص و العمل بالاجتهادات،مع وجود النصوص الشرعية،رفع الحكم الإسلامي عمليا من واقع الحياة،و لم يبق من الإسلام إلا الهيكل أو الشكل الخارجي اللازم للمحافظة علي الملك و توسيعه باسم الإسلام.

بمعني أن حكما وضعيا له طبيعة دينية قد دخل الساحة الدولية المكتظة بالأحكام و المنظومات الوضعية،و المستندة إلي الآراء الشخصية القابلة للصواب و الخطأ،و أن الساحة الدولية قد خلت تماما من أي منظومة حقوقية إلهية،و من أي ترشيد إلهي عملي لحركة العالم السياسية،مما يعني أن المناخ الملائم لنشوء الظلم و نموه و ترعرعه قد نشأ،و أخذ ساعد الظلم يشتد بهذا المناخ يوما بعد يوم، حتي ألقي الظلم أجرانه علي الأرض فعلا،فالناس يقدسون اليوم عقيدة وضعية، و تتبناها دوله،و تقدمها علي أساس أنها أكسير الحياة،و بعد تطبيقها و بوقت يطول أو يقصر يكتشف الناس فساد هذه العقيدة،و تعترف الدولة بهذا الفساد و تأتي عقائد أخري،ثم تموت،و لا تثمر إلا الظلم و المعاناة،حتي صار الظلم من أبرز الموجودات علي وجه الأرض.

بعد أن يجرب العالم كل شيء،و يلجأ لكل رأي،و يختبر كل عقيدة وضعية،ثم يكتشف أن ما جرب و ما لجأ إليه،و ما اختبر،لم يثمر إلا الظلم و عندما يحسّ كل واحد من أفراد الجنس البشري بوطأة الظلم و هوله،و عندما تمتليء الكرة الأرضية،و يكتوي الجميع بنار الظلم،هنالك فقط يعرفون قيمة القسط و العدل،عندئذ يظهر الإمام المهدي المنتظر و معه عقيدة الإسلام من أنقي المصادر،فيقوم بتطبيقها،فتثمر الحكم الإلهي و يثمر الحكم الإلهي العدل و القسط،و عندما يذوق أبناء الجنس البشري طعم العدل الحقيقي يعشقونه، و يعشقون الذي جاء به و يكرهون الظلم الذي كوي قلوبهم،و بفترة وجيزة،تقتلع جذور الظلم من الكرة الأرضية،و يحل محلها العدل المطلق،و القسط المطلق الذي يتولي المهدي المنتظر و بالإشراف الإلهي نشرهما،حتي يلقيا أجرانهما في الأرض.و هذا هو الجانب الحقوقي من عصر المهدي المنتظر الذهبي.

ص: 164

نماذج من الأحاديث النبوية التي تؤكد بأن المهدي سيملأ الأرض عدلا و قسطا

1-قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«لا تقوم الساعة حتي تمتليء الأرض ظلما و عدوانا،ثم يخرج رجل من عترتي أو أهل بيتي يملؤها قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و عدوانا».

[راجع معجم أحاديث المهدي ج 1 ص 104،و مسند أحمد ج 3 ص 36، و ابن حبان ج 8 ص 290-291،و الحاكم ج 4 ص 557]....

2-«لا تقوم الساعة حتي يملك رجل من أهل بيتي...يملأ الأرض عدلا كما ملئت قبله ظلما...».[راجع مسند أحمد بن حنبل ج 3 ص 17،و أبو يعلي ج 1 ص 367 ح 1128،و ابن حبان ج 8 ص 291،و مجمع الزوائد ج 7 ص 314،و الحاوي للسيوطي ج 2 ص 63،و معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 108-110].

3-«تملأ الأرض ظلما و جورا،ثم يخرج رجل من عترتي...فيملأ الأرض قسطا و عدلا».[الحاكم ج 4 ص 558،و عقد الدرر ص 16،نقلا عن البيهقي،و مسند أحمد ج 3 ص 28....و معجم أحاديث المهدي»ج 1 ص 110-111].

4-«يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي...يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا».[تذكرة الخوص ص 363،منهاج السنة لابن تيمية ج 4 ص 261].

5-«لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث اللّه رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا».[ابن أبي شيبة ج 15 ص 198،و أبو داود ج 4 ص 107، و البزار ج 1 ص 104...و معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 119- 122].

6-و مثله قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«المهدي مني...يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما».[ابن حماد ص 100،عبد الرزاق ج 11 ص 372،و الترمذي علي ما في مطالب السؤول،و المنار المنيف،و النسائي علي ما في عقد الدرر، و الطبراني علي ما في بيان الشافعي،و الحاكم ج 1 ص 57...و راجع معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 126 128].

ص: 165

الفصل السادس: المهدي المنتظر سيملك العالم كله و يكوّن دولة عالمية

أهل بيت النبوة مجمعون علي أن الإمام المهدي المنتظر سيملك العالم بعد وقت قصير من ظهوره،و ستكون له دولة عالمية،تصبح كل أقاليم الكرة الأرضية ولايات لها،و يتحول كل سكان العالم آنذاك إلي رعايا و مواطنين في تلك الدولة، أما عمالها و أمراؤها و قادتها فهم أهل القوة و الأمانة من رجال العالم و نسائه.

و ستكون المنظومة الحقوقية الإلهية هي القانون النافذ في كل أرجاء العالم، و نقصد بالمنظومة الحقوقية الإلهية:«كتاب اللّه كما أنزل و بيان النبي لهذا الكتاب تماما كما وعاه أهل بيت النبوة،و تتكون موارد هذه الدولة المالية من إنتاج العالم كله،و موارده و إمكاناته الاقتصادية،و من خلال إمامته و قيادته الراشدة،و من خلال تطبيقه للمنظومة الحقوقية الإلهية،و من خلال توزيعه العادل للموارد العالمية ينشر العدل و الرخاء في الكرة الأرضية،و يبدو واضحا من تتبع روايات أهل بيت النبوة و أخبارهم حول هذا الموضوع،بأن المهدي المنتظر سيملك أولا بلاد العرب و بلاد فارس،و من هذه البلاد سينطلق إلي كافة أرجاء المعمورة،حيث ستدخل في طاعته حربا أو سلما.و يرسل موالي أهل بيت النبوة كافة هذه المعلومات إرسال المسلمات.و يعتبرونها جزءا من قناعاتهم الدينية و سماتهم المذهبية.

ص: 166

و من المؤكد أن أولياء الخلفاء التاريخيين«أهل السنة»قد توصلوا بوسائلهم الخاصة بهم إلي ذات المعلومات،و نفس النتائج،و تكونت عندهم نفس القناعات المتعلقة بعالمية دولة المهدي،فقد صحت عندهم و تواترت الأحاديث النبوية التي بينت بأن المهدي المنتظر«سيملك»علي الاطلاق.[راجع علي سبيل المثال الأحاديث النبوية التي رواها أحمد بن حنبل في مسنده ج 3 ص 17،و أبو يعلي ج 2 ص 367،و السيوطي في الحاوي ج 2 ص 63،و مثله قول النبي عن المهدي،بأنه«سيملك العرب»خاصة راجع مسند أحمد ج 1 ص 376، و أبو داود ج 4 ص 107 ح 4282 و البزار ج 1 ص 381،و الترمذي ج 4 ص 505،و الطبراني في الكبير ص 78 و مثله قول النبي:«لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة واحدة«لملك فيها»رجل من أهل بيتي...راجع ابن حبان ج 7 ص 576 ح 5922،و الطبراني في الكبير ج 10 ص 161 و الطبراني في الصغير ج 2 ص 158...راجع معجم أحاديث الإمام المهدي المنتظر الجزء الأول]...

و قد صحت و تواترت عندهم الأحاديث النبوية التي أكدت تأكيدات قاطعة بأن المهدي المنتظر«سيملأ الأرض عدلا و قسطا،كما ملئت جورا و ظلما»حتي أنهم قد اتفقوا علي اللفظ الحرفي للحديث«سيملأ الأرض»و«قسطا و عدلا»، و«ظلما و جورا»،و تلك من الحالات النادرة في علم الحديث،و قد وثقنا ذلك في البحوث السابقة،و مقتضي الحال،يعني أن أهل السنة علي يقين من أن المهدي المنتظر سيملك الأرض كلها،و إلا فكيف ينشر و يملأ بالعدل و القسط أرضا لا يملكها!!!

و صحت و تواترت عندهم الأحاديث النبوية التي ذكرت بأن السماء ستعطي كل خيراتها،قطرها و بركاتها،و أن الأرض كل الأرض ستخرج كل نباتها و كنوزها و نفائسها في زمن المهدي،لقد جاءت هذه الأحاديث و أمثالها بصيغة العموم،و لم يرد ما يخصصها،و كل هذا يعني بأن ملك المهدي المنتظر سيشمل الكرة الأرضية كلها،و موالي الخلفاء،يتفقون مع أهل بيت النبوة و مواليهم بأن المهدي المنتظر سيملك بلاد العرب و بلاد فارس أولا،و يشكل منها قاعدة قوية ثم ينطلق منها إلي كافة البلاد المعمورة التي ستخضع له في النهاية طوعا أو كرها.و يصبح المهدي

ص: 167

المنتظر أول إمام شرعي يمارس السيادة و مهام الحكم علي العالم كله.و يطبق الشرع الإلهي علي كافة سكانه.

و روي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أنه لما عرج به إلي السماء السابعة و منها إلي سدرة المنتهي،و من السدرة إلي حجب النور ناداه جل جلاله....و بك،و به،و بالأئمة من ولده أرحم عبادي و إمائي،و بالقائم منكم«المهدي المنتظر»أعمر أرضي بتسبيحي و تهليلي و تقديسي و تكبيري و تمجيدي،و به أطهّر الأرض من أعدائي و أورثها أوليائي،و به أجعل كلمة الذين كفروا هي السفلي،و كلمتي العليا و به أحيي عبادي و بلادي بعلمي،و به أظهر الكنور و الذخائر بمشيئتي،و إياه أظهر علي الأسرار و الضمائر بإرادتي،و أمده بملائكتي لتؤيده علي إنفاذ أمري،و إعلان ديني،ذلك وليي حقا،و مهدي عبادي صدقا».[راجع منتخب الأثر للرازي ص 167 ف 2 ب 1 ح 77،و أمالي الصدوق ص 504 مجلس 92 ح 4،و البحار ج 18 ص 341 ب 2 ح 49 و ج 23 ص 128 و ج 51 ص 65-66 و معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 214-215].

ص: 168

الفصل السابع: عهد الإمام المهدي المنتظر عهد الكفاية و الرخاء المطلق

أهل بيت النبوة مجمعون علي أنهم قد سمعوا و وعوا تأكيدات الرسول المتكررة،بأن عهد الإمام المهدي سيكون من الناحية الاقتصادية،عهد الكفاية و الرخاء المطلق لكافة سكان الكرة الأرضية في عهده،و أن عهده من هذه الناحية سيكون أزهي عهد عاشته البشرية إطلاقا،حيث ستتحقق الكفاية و الوفرة للجميع و ينعم جميع أبناء الجنس البشري بالرخاء التام في عهده.و لا يختلف في ذلك اثنان من شيعة أهل بيت النبوة.

و يبدو أن شيعة الخلفاء،«أهل السنة»قد توصلوا إلي ذات النتائج، و استقرت في قلوبهم نهائيا ذات القناعات،بعد أن وقفوا علي الأحاديث النبوية التي تواترت عندهم،و التي عالجت هذه الناحية معالجات مقنعة.

و يمكنك القول بأن خاصة المسلمين و عامتهم يرسلون هذه المعلومات إرسال المسلمات،لأنه قد تحقق لهم اليقين بصحتها،و من المستحيل عقلا أن ينطلق و يتكون هذا اليقين العام من فراغ،إنما كان ثمرة طبيعية للتأكيدات النبوية المتلاحقة و التي شقت طريقها بيسر إلي أسماع المسلمين و قلوبهم بعد أن تخطت كل العوائق التي وضعت سابقا للحيلولة دون رواية الحديث النبوي و كتابته.

فالنبي يؤكد بأن السماء في عهد المهدي ستنزل قطرها،و أن الأرض ستخرج له بذرها.[راجع الحديث رقم 66 ج 1 من معجم أحاديث الإمام المهدي].

ص: 169

و في تأكيد آخر يبين الرسول بأن اللّه سينزل البركة للمهدي من السماء، و يخرج له من الأرض بركتها.[راجع الحديث رقم 73 و في الحديث 123].و أكد الرسول بأنه لما عرج به إلي السماء السابعة،ثم إلي سدرة المنتهي و إلي حجب النور كلمه اللّه تعالي عن أمور كثيرة من جملتها المهدي المنتظر،و أن اللّه تعالي قد وعده و أكد له بأنه سيحيي بالمهدي العباد و البلاد،و أنه سيظهر في عهده الكنوز و الذخائر،و يمده بالملائكة لتساعده علي تنفيذ الأوامر الإلهية و إعلان الدين.

و يؤكد الرسول في حديث رابع أن السماء لن تدع من قطرها شيئا إلا صبّته،و أن الأرض لن تدع من نباتها شيئا إلا أخرجته بإذن اللّه.[راجع الحديث رقم 141 ج 1 من معجم أحاديث الإمام المهدي].و في حديث خامس يؤكد الرسول حجم العطاء الإلهي في عهد المهدي قائلا«تقيء الأرض أفلاذ كبدها»أمثال الأسطوان من الذهب و الفضة،و يتابع الرسول تأكيداته موضحا الصورة فيقول:«فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت،و يجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي،و يجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي،ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا».[راجع الحديث رقم 142 ج 1].و في حديث سادس يجزم الرسول قائلا:«تنعم أمتي في زمن المهدي نعمة لم ينعموا مثلها قط،ترسل السماء عليهم مدرارا،و لا تدع الأرض شيئا من النبات إلا أخرجته،و المال كدوس،يقوم الرجل فيقول:«يا مهدي أعطني فيقول خذ»الحديث 139،و يؤكد الرسول بأن المهدي سيعطي المال بغير عد»الحديث 143،و في الحديث 144 يوضح الرسول الصورة فيقول:

«و يكون المال كدوسا،يجيء الرجل إليه فيقول يا مهدي أعطني،فيحثي له المهدي في ثوبه ما استطاع أن يحمل»،و في الحديث 146 يؤكد الرسول بأن المهدي:«يحثي المال حثيا و لا يعده عدا»،و في الحديث 149 يؤكد الرسول أنه في عهد الإمام المهدي«يفيض المال فيضا»،و في الحديث رقم 151 يقول الرسول:«أن المال سيكثر فيفيض حتي يهم رب المال من يقبل الصدقة و متي يعرضه،فيقول الذي يعرضه عليه«لا إرب لي»،و تتكرر الأحاديث النبوية بهذه المضامين،و تتعدد الصيغ،و يبدو أن الرسول الأعظم قياما بواجب البيان،و تأكيدا لما أراد تأكيده،و حرصا منه علي غرس ما يريد في قلوب السامعين،و توصيل ما

ص: 170

أراد لمن بلغ،قد حدث بهذه الأحاديث في أكثر من مكان و في أوقات متعددة.

و تحدّث الإمام زين العابدين عن الكفاية و الرخاء في عهد الإمام المهدي فقال إن القائم:«يعطي الناس عطايا مرتين في السنة،و يرزقهم في الشهر رزقتين و يسوي بين الناس،حتي لا تري محتاجا إلي الزكاة،و يجيء أصحاب الزكاة بزكاتهم إلي المحتاجين من شيعته فلا يقبلونها،فيصرونها و يدورون في دورهم، فيخرجون إليهم فيقولون لا حاجة لنا في دراهمكم»...ثم قال:و يجتمع إليه أموال أهل الدنيا كلها من بطن الأرض و ظهرها فيقال للناس:«تعالوا إلي ما قطعتم فيه الأرحام،و سفكتم فيه الدم الحرام،و ركبتم فيه المحارم،فيعطي عطاء لم يعطه أحد من قبله.[راجع الحديث رقم 867 مجلد 3 من معجم أحاديث الإمام المهدي].

و هذه الصور حقيقية حتي بموازين البحث الاقتصادي،فأقاليم العالم كله خاضعة لدولة واحدة،و هذه الأقاليم متكاملة بالضرورة،و كافة مواردها مستثمرة استثمارا سليما،و هذه الموارد جميعا تجبي إلي بيت المال للإمام المهدي،حيث يتولي توزيعها بعدالة بين الناس،وفقا للتسديد و التأييد الإلهي المطلق،فموارد العالم مجتمعة إذا وزعت بعدالة ستتحقق الكفاية و الوفرة و الرخاء لكل سكان العالم،و لن يبقي في الأرض محتاج واحد،هذا حسب الموازين الاقتصادية، فكيف يكون حجم الكفاية و الرخاء عندما تقذف الأرض بكل نفائسها و كنوزها، و تخرج كل نباتها،و عندما ينزل اللّه من السماء كل قطرها؟عند ذلك سيفوق حجم الكفاية و الرخاء حدي التصوّر و التصديق.

ص: 171

الفصل الثامن: سكان الأرض و السماء يحبون المهدي و يرضون منه عمي القلوب و الخلل المزمن بالذوق البشري العام

اشارة

طوال تاريخ البشرية و هي مصابة بعمي القلوب،و بخلل مذهل بالذوق العام.فقد صفّقت البشرية دائما للجبابرة و الطغاة و الأغبياء،و أعجبت بهم، و التفت حولهم،و وضعت نفسها تحت تصرفهم،و بذلت لهم الغالي و الرخيص، و أعطتهم كل ما طلبوه منها،لقد سعت البشرية بكل طاقاتها لترضي الطغاة و الجبابرة طوال تاريخها رغبة أو رهبة!!

أما الأنبياء،و الرسل،و المصلحون،فقد تجاهلتهم البشرية تماما، و عاملتهم باحتقار،وسعت في مقاومتهم،و تعاونت للصد عما يدعون إليه.

و اتهمتهم ظلما بأشنع التهم،و أقذعها،فنسبتهم إلي الجنون،و السحر و الكهانة، و الشيطنة و السفاهة،و صورتهم بصور بشعة،و تمادت بعض المجتمعات البشرية، فاستعدي بعضها بعضا،و كوّنت الأحلاف و جيّشت الجيوش،و شنّت علي الأنبياء و الرسل حروبا عدوانية لا مبرر لها،فقتلتهم و من والاهم،أو أذاقتهم من أمرهم عسرا!!

كانت المجتمعات البشرية تعتقد أن الأنبياء و الرسل و المصلحين يمثلون

ص: 172

الشر كله،و أن الجبابرة و الطغاة يمثلون الخير كلهم،لأن بأيديهم مفاتيح الأموال و الجاه و السلطة،و كانوا يعتقدون أن دعوات الأنبياء تمثّل خطرا علي مجتمعاتهم و نظمهم و أنماط حياتهم،لذلك اعتقدوا بأنهم ملزمون للتصدي للأنبياء و الرسل و لكل ما جاءوا به،و أنهم ملزمون بموالاة الطغاة و الجبابرة و الوقوف معهم صفا واحدا لمواجهة خطر النبوة و الرسالة و الإصلاح!!إنها ثقافة الطغيان،إنها النتائج اللاشعورية للرعب و الخوف و تقديس الغالب و تكريس ثقافته و مناهجه التربوية.

أحدث الأمثلة و البراهين علي ذلك

و أحدث الأمثلة و البراهين علي صحة ما ذكرناه موقف بطون قريش و العرب عامة من نبوة و رسالة محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فقد وقفت بطون قريش وقفة رجل واحد ضد النبي،و قاومته و دعوته طوال مدة ال 15 سنة التي قضاها في مكة قبل الهجرة، و حاصرته و بني هاشم و دعوته و قاطعتهم،و عذبت المستضعفين من أتباعه، و تآمرت علي قتله،و لما نجح النبي بهجرته استعدت عليه العرب،و جيّشت الجيوش،و شنت عليه حروبها العدوانية،و حاربته حربا لا هوادة فيها،و مكرت به مكرا يزيل الجبال!!كانت بطون قريش و من والاها من العرب يعتقدون أن رسول اللّه هو الشر بعينه،و كانوا يكرهونه إلي درجة العقد،و يكرهون من والاه حقا بنفس الدرجة.و كانوا يعتقدون أن أبا سفيان،و معاوية،و يزيد،و أبا جهل، و عتبة و غيرهم من أئمة الكفر هم رموز الخير،و قادة الفلاح،و رموز الإصلاح، و أن الحياة لا تستقيم بغير قيادتهم الملهمة،لذلك و الوهم و أطاعوهم و وضعوا تحت تصرفهم الغالي و الرخيص ليحاربوا عدوهم محمدا حتي آخر سهم!!! و مضوا بعدواتهم المجنونة للنبي،و بحقدهم عليه،و علي من والاه،و بعد 23 سنة من المقاومة و العداء و الحرب لمحمد كانوا يعتقدون أن الحرب ما زالت في أولها، و أنه لا ينبغي لهم أن يضعوا السلاح حتي يموت محمد و من والاه أو يموتون،بهذا المناخ دخلت جيوش محمد عاصمتهم،عاصمة الشرك،و أحيط بالمجرمين و بقادة جبهة الشرك فاستسلموا عسكريا،و اضطروا مكرهين أن يعلنوا إسلامهم بقيا منهم علي الحياة!!و تبعا لاستسلام قادة الشرك و إعلان إسلامهم،استسلمت جموع المجتمع،و أعلنت إسلامها و ادعي قادة الشرك بأن قلوبهم كانت عمياء،و أن في

ص: 173

ذوقهم العام خلل رهيب،و ادعي أتباعهم مثل ادعائهم،و صرحوا علنا بأن محمدا رسول اللّه هو الجدير بالمحبة،و أنهم كانوا خاطئين بعدائهم له،و هم راضون من قيادته كل الرضا،و من المؤكد أن رسول اللّه كان يعرف حقيقة ادعاءاتهم و لكن الرسول عفا عنهم،و أعطاهم فرصة جديدة،و قبل منهم الظاهر،و لكنه و علي سبيل الاحتياط و التحذير لأوليائه من كيدهم سمّاهم بالطلقاء و سمّاهم بالمؤلفة قلوبهم،و خصص اللّه تعالي لهم جزءا من الصدقات حتي يعرفهم المؤمنون بهذه الصفة أبدا فيحذرونهم و يتّقون شرور مكائدهم،و بنفس الوقت فرصة أمامهم ليصلحوا أنفسهم و يرجعوا عن غيهم،و لكن المؤمنين تناسوا،فبعد وفاة النبي مباشرة صار الطلقاء و المؤلفة قلوبهم هم أركان الدولة الفعليين!!فجنوا ثمرة حربهم للنبي و عدائهم له،و حققوا بالدهاء ما عجزوا عن تحقيقه بالحرب.

و ما يعنينا أنه بعد هزيمة جبهة الشرك صار محمد حبيب الجميع و ادعي الجميع بأنهم راضون منه،و قابلون بحكمه،و سعداء بقيادته!!لست أدري هل فاضت مشاعرهم بالمحبة للنبي لأنه نبي و حامل دعوة الإصلاح الحقيقية،أم لأنه غلبهم،و قهرهم،و كانوا من قبل قد تعودوا علي موالاة من يغلب و يقهر!!؟يقينا أن المؤمنين الصادقين و العقلاء قد أفاضوا تلك المشاعر بحق و صدق،لكن أني للظالمين،و أني للغوغاء أن يقولوا فيصدقوا،أو يوالوا فيخلصوا و هم الذين صنعوا ثقافة الذل و ورثوها جيلا بعد جيل!!

محبة الإمام المهدي موالاته

هذه المعلومة يقينية عند أهل بيت النبوة،و هم يرسلونها إرسال المسلمات، لأنهم سمعوا و وعوا رسول اللّه و هو يؤكد ذلك مرارا و تكرارا،و في أوقات متعددة و أمكنة مختلفة،و تبعا ليقين أهل بيت النبوة و إجماعهم،تيقن أولياؤهم و أجمعوا علي أن الرسول اللّه قد أخبر المسلمين بأن سكان الأرض و السماء سيحبون المهدي و يرضون عنه.

و قد توصلت شيعة الخلفاء التاريخيين«أهل السنّة»بوسائلها الخاصة إلي أن رسول اللّه بالفعل قد أخبر المسلمين بأن أهل الأرض و أهل السماء سيحبون

ص: 174

المهدي المنتظر و يرضون عنه تماما،و أن هذه المعلومة من علم الغيب لا يعلم حقيقتها إلا اللّه تعالي،مما يعني بأن اللّه قد أوحي لرسوله بأن يبين ذلك للمؤمنين و يبشرهم بهذه الحقيقة و بقية الحقائق المتعلقة بالمهدي المنتظر.و قد صحت هذه الأحاديث عندهم،و تواترات بينهم حتي صارت من المسلمات و اعتقد بها العامة و الخاصة منهم.

فيض من تأكيدات الرسول

قال رسول اللّه:«المهدي رجل من ولدي،وجهه كالقمر الدري....يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يرضي بخلافته أهل السماء و أهل الأرض و الطير في الهواء...».[راجع الحديث 72 ج 1 ص 130 من معجم أحاديث الإمام المهدي،تجد أربعين مرجعا لهذا الحديث منهم ابن ماجه،و الطبراني، و السيوطي،و الشافعي،و الذهبي و الطبري].و في حديث آخر يوضح النبي الصورة بقوله عن المهدي:«تأوي إليه أمته كما تأوي النحلة إلي يعسوبها».[ابن حماد ص 99،و الحاوي للسيوطي ج 2 ص 77،و ملاحم بن طاووس ص 70، و منتخب الأثر ص 78،الحديث 130 ج 1 ص 220].

و يؤكد النبي هذا الخبر بصيغة أخري فيقول عن المهدي المنتظر:«يرضي عنه ساكن الأرض و ساكن السماء».[راجع الحديث رقم 141 من المعجم].

حتمية حب العالم للمهدي و قبوله بخلافته و رضوانه عنها

كان المهدي في البداية طريدا شريدا يظهر فجأة وحده،و تبدأ الآيات بالظهور تباعا و يلتف حوله حفنة من المؤمنين،و يتصدي المهدي لطغاة العالم و جبابرته و ظالميه و بمدة لا تتجاوز الثمانية أشهر يحسم المواجهة لصالحه،و ينقاد له العالم طوعا أو كرها و يصبح المهدي هو الزعيم أو الإمام أو الخليفة العالمي الأوحد،و من بيده مفاتيح أموال العالم و خزائنه و نفوذه و جاهه و سلطانه،و فوق هذا و ذاك فهو مزود بقدرات إلهية خارقة،حيث تسير الملائكة بين يديه،و تتجلي كراماته التي أعطاها اللّه تعالي له كرامة بعد كرامة،علنا و علي رؤوس الأشهاد،

ص: 175

و تخرج له الأرض كنوزها و نفائسها و نباتاتها بإذن اللّه،و تجبي إليه موارد العالم كله،ثم يتصرف بهذه الأكداس المكدسة من الأموال علي الوجه الشرعي،و يقسم بين الناس بالسوية،كما كان يفعل النبي و علي،فيغمر سكان الأرض بعطاياه،و لا يبقي في الأرض كلها محتاج واحد،و ينشر القسط،و ينشر العدل،و يعمم المعارف الحقيقية،و يسع عدله البر و الفاجر،و يعمر الأرض،و يدخل البشرية عصرها الذهبي،و يحقق المعجزات خلال فترة حكمه،فما الذي يمنع العالم من أن ينبهر بهذا الإمام و أن يعجب به،و أن يحبه حبا صادقا و أن يرضي عنه،و عن خلافته!!إن هذه المشاعر نتائج حتمية و ثمرات طبيعية لإنجازات و أفعال المهدي الماجدة خاصة و أن البشرية قد جربت كل أنماط الحكم،و اكتوت بنيران الظلم عبر تاريخها الطويل،فيكون المهدي البلسم الشافي فمن لا يحبه و من لا يرضي به في هذه الحالة!!

ص: 176

الفصل التاسع: اللّه تعالي يظهر بالإمام المهدي دين الإسلام علي جميع الأديان

اشارة

الثابت و المجمع عليه عند أهل بيت النبوة و شيعتهم،بأن رسول اللّه قد أكد و بكل وسائل التأكيد،بأن اللّه سبحانه و تعالي سيظهر الإسلام بالمهدي المنتظر علي الدين كله،بحيث تختفي كل الأديان و تتلاشي و لا يبقي منها إلا دين الإسلام.[راجع ينابيع المودة ص 423،و منتخب الأثر للرازي ص 294، و الحديث 712 من أحاديث المعجم ج 3].و هذه المعلومة عند أهل بيت النبوة و أوليائهم من المسلمات التي لا يختلف فيها اثنان،لأن المهدي ستكون له دولة عالمية يشمل حكمها و سلطانها و نظامها كل أقاليم الكرة الأرضية،و ستكون المنظومة الحقوقية الإلهية المتكونة من القرآن الكريم و السنة النبوية هي القانون الأوحد و النافذ في هذه الدولة،و سيكون الدين الإسلامي هو الدين الرسمي و الفعلي لكافة رعايا و مواطني تلك الدولة.حيث ستتزامن عملية بناء الدولة العالمية مع عملية نشر الإسلام،فتسير العمليتان معا،حيث سيدعو المهدي الناس جميعا إلي الإسلام،و يهديهم إلي أمر قد دثر فضلّ عنه الجمهور.[راجع الإرشاد ص 364،و روضة الواعظين ج 2 ص 264،و إعلام الوري ص 431،و كشف الغمة ج 3 ص 254،و إثبات الهداة ص 537 ج 3،و البحار ج 51 ص 30، و الحديث 1122 من المعجم].و إن المهدي سيصنع كما صنع رسول اللّه،حيث سيهدم أمر الجاهلية كله،و يستأنف الإسلام جديدا.[راجع الحديث 1123 من

ص: 177

أحاديث المعجم و راجع المصادر المذكورة فيه و الحديث 1124].

و أكد الرسول هذا المحتوم بقوله:«...أما و اللّه لا تذهب الأيام و الليالي حتي يحيي اللّه الموتي و يميت الأحياء و يرد اللّه الحق إلي أهله،و يقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه و نبيه فابشروا ثم ابشروا...[راجع البحار ج 41 ص 127، و التهذيب ج 4 ص 97،و الكافي ج 3 ص 536،و الحديث رقم 1126 من أحاديث المعجم].و حيثما حل المهدي و حيثما ارتحل يفتح المدارس و المعاهد لتعليم الناس القرآن علي ما أنزل اللّه،فمع المهدي القرآن المكتوب بخط علي، و بإملاء رسول اللّه،و مع هذا القرآن حاشية بخط علي،و إملاء الرسول تتضمن القول الفصل بكل مسألة وردت فيه،فضلا عن ذلك فإن المهدي بوصفه الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة الذين أختارهم اللّه لقيادة العالم قد ورث علمي النبوة و الكتاب،و لا يخفي عليه من أمرهما شيء فيوجه الحركة العلمية،بحيث تأتي منسجمة مع علمي النبوة و الكتاب،و متفقة معهما،و يعدل الوقائع السابقة لعهده لتكون متفقة مع المفهوم الشرعي،فقد يهدم منابر و يدخل التعديلات الجذرية،حتي علي المساجد لتكون كما أرادها اللّه و رسوله بلا زيادة و لا نقصان.

و يبدو واضحا أن شيعة الخلفاء:«أهل السنّة»علي شحّ مواردهم اليقينية من الحديث قد توصلوا إلي ذات النتيجة،فكيف يمكن أن يملأ المهدي الأرض عدلا و قسطا،و يرضي عنه ساكن الأرض و ساكن السماء إن لم يحكم بما أنزل اللّه!!و ما أنزل اللّه و حكم اللّه مختصر بكلمة الإسلام،فعند ما يكون الإسلام هو القانون النافذ في الدولة و هو دينها الرسمي،و يتزامن نشره في العالم مع بسط المهدي لسلطانه في الأرض،فيعني ذلك ضمنا أن المهدي سيظهر الإسلام علي الدين كله،و قد صرح بذلك أعلام المفسرين من أهل السنة كما أسلفنا تحت عنوان:

«المهدي في القرآن و السنة».

حتمية هذه المعلومة و منطقيتها معا

الثابت بأن عيسي ابن مريم سينزل و يظهر في زمن المهدي،و أن المهدي

ص: 178

المنتظر سوف يؤم المسيح ابن مريم في الصلاة،و عندما ينزل المسيح ابن مريم تكون للمهدي دولته المستقرة،و حكومته المشكلة،و جيشه القائم و نفوذه وصيته الواسع،مما يعني أن المهدي هو الإمام الشرعي و الرئيس الفعلي لأمته و رعاياه، و يفهم بوضوح من الأحاديث و الأخبار التي عالجت هذه الناحية،بأن السيد المسيح مكلف بمهام معينة تساعد علي تمكين أمر المهدي،و هزيمة أعدائه،و أن الاثنين سيشكلان فريقا واحدا برئاسة المهدي ينصب هدفه بالدرجة الأولي و الأخيرة علي إنقاذ الجنس البشري و هدايته إلي الصراط المستقيم،و العمل معا لتكون كلمة اللّه هي العليا،و كلمة أعداء اللّه هي السفلي،و توحيد العالم كله لتكون له دولة واحدة،و دين واحد هو دين اللّه،و لتقسيم موارد العالم علي سكانه بالسوية،ليتحقق الوفر و الكفاية للجميع،و لتعيش البشرية أزهي عصورها في ظلال الحكم الإلهي،فيحق اللّه الحق و يبطل دعاوي المبطلين.

فعندما يري أتباع الديانة المسيحية المسيح ابن مريم نفسه منقادا للمهدي و متبعا لدينه،فما هي حججهم،و ما هي مبرراتهم لمخالفة المسيح و عدم اعتناقهم للدين الذي اعتنقه!!ثم ماذا يبقي لهم إن كان المسيح نفسه علي غير دينهم،و هذا يدعوهم و بالضرورة لاعتناق الإسلام دين اللّه و دين المهدي و المسيح،و عندما تدخل هذه الكثرة من أتباع المسيح في الإسلام علي يد المسيح و بمساعدته،فإن دخولها سيخلق حالة من الانبهار العالمي،و الوعي العالمي،و المناخ الملائم لاعتناق العالم لدين الإسلام فتقبل الأكثرية الساحقة علي دين اللّه لتدخله أفواجا أفواجا،و يبدو أن اليهود سيقاومون بكل قواهم،و سيقتل خلق كثير منهم،و لكن من يبقي منهم سيستسلم في النهاية و يعتنق الإسلام.ثم إن اللّه سبحانه و تعالي سيسلح المهدي و المسيح بفيض وافر و دائم من الآيات الربانية و المعجزات المتتابعة التي تخضع لها الأعناق،بحيث يضطر أكثر الخلق عتوا إلي التصديق و التسليم.

و عندما ينجح المهدي بتوحيد العالم،و تكوين دولته العالمية،و نشر القسط و العدل و تحقيق الكفاية و الرخاء المطلق لكل سكان الأرض،فلا يبقي فيها محتاج واحد،عندئذ يبهر العالم بالفعل،و يحب هذا الرجل المعجزة حبا عظيما.

ص: 179

فيتعلق بالمهدي و بدينه تعلقا شديدا،فيكتشف العالم بأنه قد وجد ضالته المنشودة بالإسلام الذي حقق به المهدي عصر البشرية العظيم.

ألم تر كيف دخلت الملايين في الشيوعية و والتها بسبب و عود الكفاية و الرخاء،و كيف أن هذه الملايين قد أعطت كل ما لديها و صبرت صبر أيوب،و لما اكتشفت الملايين أن الشيوعية لا تملك ذلك أنفضت من حولها!!و أكثر العقائد البشرية استقطبت أتباعها بشعارات تهواها النفوس،ثم اكتشفت أنها و عود لا يمكن تحقيقها!!و يمكنك أن تتصور حجم الإقبال علي دين المهدي و شخصه عندما يحوّل الأحلام إلي حقائق،و المني إلي وقائع ملموسة بأيام أو شهور!!يقينا أن العالم الذي عضّه الظلم و أذلته الحاجة،و كفر بالوعود الكاذبة سيحب المهدي و دينه إلي درجة العشق و الدنف،و الهيام.

المهدي المنتظر يظهر في آخر الزمان

كما صحّت و تواترت عند أهل بيت النبوة و شيعتهم و عند الخلفاء و التاريخيين و شيعتهم«أهل السنّة»الأحاديث التي تحدثت عن حتمية ظهور الإمام المهدي المنتظر،صحت و تواترت عندهم الأحاديث النبوية التي تحدثت عن أن المهدي المنتظر سيظهر في آخر الزمان،أي في المرحلة الأخيرة من الحياة الدنيا، و قبيل قيام الساعة و انتهاء دورة الحياة الدنيا و علي هذا أجمعت الأمة،و أرسلت هذه المعلومة الدينية إرسال المسلمات.

نماذج من هذه الأحاديث

1-قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي»...[راجع تذكرة الخواص ص 363،و عقد الدرر ص 32 ب 3،و منهاج السنة لابن تيمية ج 4 ص 211،و قال إن الأحاديث التي يحتج بها علي خروج المهدي أحاديث صحيحة رواها أبو داود و الترمذي و أحمد و غيرهم،منهاج الكرامة ص 28 عن ابن الجوزي ص 115،و إثبات الهداة ج 3 ص 606،و منتخب الأثر ص 182 ف 2 ب 1 ج 1 عن تذكرة الخواص لابن الجوزي الحنبلي،

ص: 180

و معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 113].

2-و مثله قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«يقوم في آخر الزمان رجل من عترتي»....[راجع الداني ص 94،و عقد الدرر ص 39 ب 3،و معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 114].

3-و مثله قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«المهدي يخرج في آخر الزمان»...[غيبة الطوسي ص 111،و إثبات الهداة ج 3 ص 502،و البحار ج 51 ص 73-74، و منتخب الأثر ص 168،و معجم الأحاديث ج 1 ص 114-115].

4-و مثله قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«....يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان»...[راجع الطبراني في الكبير ج 3 ص 52 ح 2675،و في الأوسط علي ما في مجمع الزوائد،و صفة المهدي لأبي نعيم علي ما في عقد الدرر،و ينابيع المودة،و بيان الشافعي ص 478،و دخائر العقبي مختصرا ص 44،و عقد الدرر ص 151،و مجمع الزوائد ج 9 ص 165،و ينابيع المودة ص 223،و الإزاء ص 136،و كفاية الأثر 62،و كشف الغمة ج 3 ص 592].

5-و مثله قوله عن المهدي:«يظهر في آخر الزمان علي رأسه غمامة».[راجع مواليد الأمة و وفياتهم ص 201،و الصراط المستقيم ج 2 ص 260،و إثبات الهداة ج 3 ص 615.و معجم الأحاديث ج 1 ص 211].

6-و مثله قوله عن المهدي:«يخرج في آخر الزمان خليفة يعطي المال بغير عدد».

[ابن حماد ص 98،ابن أبي شيبة ص 196 ح 19486،و أحمد بن حنبل ج 3 ص 5 و 48-49-60 و 98،و صحيح مسلم ج 4 ص 2234 و ص 2235،و أبو يعلي ج 2 ص 421،و ابن حبان ج 8 ص 240، و الحاكم ج 4 ص 454،و الداني ص 98،و الفردوس ج 5 ص 510، و مجمع الزوائد ج 7 ص 316،و مقدمة ابن خلدون ص 250،و راجع معجم أحاديث الإمام المهدي ج 1 ص 231-236 تجد بقية المراجع].

و الأحاديث النبوية التي سقناها كنماذج لحتمية ظهور الإمام المهدي تنم

ص: 181

و توحي بما لا يخفي علي الإنسان العادي،بأن الإمام المهدي سيظهر في المرحلة الأخيرة من الحياة الدنيا،و بعد ظهوره بزمن يطول قليلا أو يقصر ستنتهي دورة الحياة الدنيا،و تقوم الساعة حيث ستبدأ دورة الحياة الأخري.

ص: 182

الباب الرابع: هوية المهدي الذي بشرّ به الرسول و علامات ظهوره

اشارة

ص: 183

ص: 184

الفصل الأول: اسم المهدي المنتظر و اسم أبيه و جده و رهطه و كنيته

عند أهل بيت النبوة و من والاهم

أجمع عمداء أهل بيت النبوة،أو شيوخ آل محمد،أو الأئمة الأعلام الذين ورثوا علمي النبوة و الكتاب،و الذين اختارهم اللّه،و أعدّهم و أهّلهم لقيادة الأمة و مرجعيتها طوال عصر ما بعد النبوة،و الذين سماهم رسول اللّه بأسمائهم قبل أن يولد تسعة منهم،بأن المهدي المنتظر هو العميد أو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة و هو:

الإمام محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حفيد النبي الأعظم،و حفيد بنته البتول الزهراء الهاشمي،و يكني بأبي القاسم،و قد نهي الأئمة الكرام عن ذكر اسمه-ربما خوفا عليه-فعرف بمجموعة من الاصطلاحات منها الصاحب، و القائم،و صاحب الزمان،و صاحب الدار و الحضرة المقدسة،و الرجل، و الغريم.[راجع في رحاب أئمة أهل بيت النبوة مجلد 2-3-5 ص 5 لمحسن الأمين].

و عند ما يجمع الأئمة الأعلام علي أمر من الأمور و يحدثون به فإنهم لا يجمعون و لا يحدثون بناء علي رأي أو اجتهاد منهم،إنما يجمعون و يحدثون بناء

ص: 185

علي حديث رسول اللّه،فقد جزم الأئمة الأعلام بأنهم قد سمعوا و وعوا و تيقنوا يقينا قاطعا بأن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قد أخبرهم بأن المهدي المنتظر هو محمد بن الحسن المكني بأبي القاسم،و هو خاتم الأئمة،و تبعا لإجماع أئمة أهل بيت النبوة الأعلام أجمعت شيعتهم التي والتهم،و تتلمذت علي أيديهم،و نهلت علومهم.و تحقق عند الشيعة اليقين القاطع بأن المهدي المنتظر الذي بشر به رسول اللّه و خاتم النبيين هو محمد بن الحسن الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة و هو ابن النبي و حفيده،و البقية الباقية من عترته أهل بيته الطاهرين و آله الأكرمين،و صار هذا اليقين جزءا أصيلا من العقيدة الدينية الإسلامية عندهم،و سمة من أبرز سمات مذهبهم.و هكذا وصل أئمة أهل بيت النبوة الأعلام،و هم ناصية آل محمد و تاج أهل بيته إلي القول الفصل و اليقين المطلق بهذه الناحية،و أوردوا شيعتهم و مواليهم المخلصين نفس المورد،فتحقق اليقين الكامل عند أهل بيت النبوة و شيعتهم،بأن المهدي المنتظر هو خاتم الأئمة الاثني عشر،و هو محمد بن الحسن....حتي ينتهي برسول اللّه أبا وجدا و بعلي بن أبي طالب أبا وجدا، و بالسيدة البتول الزهراء ابنة النبي أما وجدة.و هكذا حسم أهل بيت النبوة بما ورثوه من علمي النبوة و الكتاب اسم المهدي المنتظر،و اسم أبيه وجده و رهطه و كنيته و نعموا هم و مواليهم بسلام اليقين،و راحته.

اسم المهدي و اسم أبيه و جده و بطنه و كنيته عند شيعة الخلفاء أهل السنّة

1-لكي تقف علي الحقائق المجردة

أسست بطون قريش الخلافة التاريخية علي أساس أن الهاشميين:«علي الأخص عترة النبي و أهل بيته»قد أخذوا النبوة و لا ينبغي لهم،و لا حق لهم بأخذ الملك أيضا.بل يتوجب أن يكون الملك لبطون قريش تتداوله في ما بينها،و لا حرج إن آلت الخلافة لأي مسلم يري رأي هذه البطون،و يخلص لقضيتها و لو كان من الموالي:«لو كان سالم مولي أبي حذيفة حيا لوليته و استخلفته»،ثم إن قيادة بطون قريش لم تكن تري لأهل بيت النبوة و للهاشميين فضلا أو مكانة خاصة أو

ص: 186

تميزا عن غيرهم،و حتي تنجح بطون قريش بدعاويها استولت علي السلطة،أو الخلافة بالقوة و القهر و كثرة الأتباع،و سلمت حكم الولايات و الأعمال و قيادات الجيش و المناصب العليا في الدولة لأبناء البطون،و شانئي أهل بيت النبوة و الكارهين لولايتهم،و حتي لا يحتج أهل بيت النبوة بالأحاديث النبوية التي ذكرت فضائلهم و أكدت علي حقهم الشرعي بقيادة الأمة و مكانتهم التأسيسية المميزة في الأمة،فإن قيادة بطون قريش التي صارت دولة منعت منعا باتا كتابة و رواية أحاديث رسول اللّه،و رفع مؤسسوها و خلفاؤها شعار:«حسبنا كتاب اللّه»،بمعني أن القرآن يغني عن حديث النبي،و علّلت ذلك بقولها:أن أحاديث النبي تسبب الخلاف و الاختلاف بين المسلمين.و بقي منع رواية و كتابة الأحاديث النبوية ساريا قرابة مائة عام».و لما آلت الأمور إلي معاوية جنّد كافة طاقات دولة الخلافة و إمكانياتها و قاد بنفسه حملة كبري يمكن أن نسميها:«حملة الفضائل»كلف أركان دولته بأن يرووا كافة الفضائل التي ذكرها رسول اللّه عن الخلفاء الثلاثة الأول، و خاصة الثالث و كافة الفضائل الواردة بحق أي رجل من الصحابة لم يوال آل بيت النبوة،و لم يفعل معاوية ذلك حبا بالخلفاء،و لا بالصحابة و لكن إرغاما لأنوف آل بيت النبوة،و حتي تضيع فضائل أهل بيت النبوة و يميّع الأحكام الشرعية، و يطمس أي دليل علي أحقية أهل بيت النبوة بقيادة الأمة،بدليل مرسومه الملكي الموجه لعماله و الذي جاء بفقرة منه:فلا تدعو لأبي تراب«يقصد الإمام علي»أو لأحد من أهل بيته«يقصد آل محمد و عترته أهل بيته»فضيلة يرويها أحد من المسلمين إلا و تأتوني بما يناقضها في الصحابة!![راجع شرح النهج ج 3 ص 595 تحقيق حسن تميم نقلا عن المدائني].و لم يكتف معاوية بذلك بل فرض علي كل رعيته أن يسبوا عليا بن أبي طالب بالعشي و الأبكار و أن يلعنوه،و من لا يفعل ذلك فقد حل دمه،و لم يكتف ابن هند بذلك بل اعتبر أن موالاة أهل بيت النبوة و محبتهم من جرائم الخيانة العظمي،و عقوبتها القتل و هدم الدار،و قطع العطاء عن الذرية و التجريد من الحقوق المدنية،فلا تقبل شهادة من يحب عليا، أو أحدا من أهل بيت النبوة،و لما نفذت مراسيم معاوية بحذافيرها،و تمخضت عن مئات الألوف من الفضائل المروية و المختلقة،كما يقول ابن نفطويه،و لما

ص: 187

استقرت سنّة اللعن و الشتم و كراهية أهل بيت النبوة و من والاهم حولت دولة معاوية و الدولة الأموية عامة هذه السنن و تلك المرويات المختلقة إلي مناهج تربوية و تعليمية تدرس في المدارس و المعاهد و الجامعات،و تناقلتها الأجيال كمسلمات،و بقيت هذه المناهج سارية المفعول و سياسة عامة للدولة الأموية طوال ألف شهر،و لما سقطت الدولة الأموية،و أفل النجم الأموي الرهيب،لم تسقط الثقافة الأموية،ثقافة الرعب و الإرهاب و قلب الحقائق،بل أثمرت فقه الهوي الذي صار الأساس الواقعي للفقه الذي عرف بالإسلامي فيما بعد،و بعد قرابة مائة عام اقتنع المسلمون بضرورة كتابة الأحاديث النبوية و روايتها و لمحت الدولة العباسية و أحست بهذا الاقتناع و لم تر بأسا من عدم اعتراضه،و لا حاجة لاستمرارية منع رواية و كتابة أحاديث الرسول،بل رأت فيه الفرصة لدعم الحكم العباسي،فالعباس عم النبي و له فضائل،و العباسيون من بني هاشم،و للهاشميين مواقف مشرفة في التاريخ.فتفتحت أبواب رواية و كتابة الأحاديث النبوية في هذا المناخ السائد و المناخ الوراثي المسيطر.

الآن يمكنك أن تتفهم موقف شيعة الخلفاء من اسم المهدي و اسم أبيه و اسم رهطه

بعد أن توقفنا بالفقرة السابقة و بعمق عند الأساس الذي قامت عليه دولة الخلافة،و علي الطريقة التي تكونت منها الثقافة التاريخية المعادية تماما لأهل بيت النبوة،و المنكرة لأي حق من حقوقهم،و علي المحنة التي تعرض لها الحديث النبوي،و الغاية من منع رواية و كتابة الأحاديث النبوية،يمكنك أن تتفهم و تفهم موقف شيعة الخلفاء من اسم المهدي و اسم أبيه و رهطه.لما رفع الحظر و تفتحت الأبواب و المنافذ علي رواية و كتابة الأحاديث النبوية،و فوجيء علماء أهل السنّة و رعايا دولة الخلافة التاريخية بحجم و نوعية و زخم الأحاديث و الأخبار التي تحدثت عن المهدي المنتظر الذي بشر به النبي،و هي من الكثرة و من الصحة و من التواتر و من الشيوع بحيث لا يمكن تجاهلها،و هي فوق هذا و ذاك مناقضة لواقع و ثقافة دولة الخلافة التاريخية،فاحتارت الدولة العباسية المشرفة بطريقة غير مباشرة علي الرواية و الكتابة و الحاكمة الفعلية للعلماء الذين يروون و يكتبون هذه

ص: 188

الأحاديث و الأخبار فيمكن للدولة العباسية،كما كان ممكنا للدولة الأموية من قبل،و كما كان ممكنا لأي خليفة أن يقتل أي عالم أو أي إنسان لأي سبب يراه دون بيان الأسباب،فحسب الثقافة التاريخية المستقرة بالنفوس ليس أمام المسلم إلا الالتزام بالطاعة،أو مواجهة الموت،و قد فهم علماء دولة الخلافة مضامين هذه الثقافة و قواعد اللعبة،فلم يحرجوا الدولة،و لم يحرجوا أنفسهم فقاموا بعملهم ضمن الإطار العام لهذه اللعبة الرهيبة.

التمييع و محاولة تفريغ النصوص من مضامينها

بحثنا هذه الناحية من قبل،و لا بأس من بحثها بمنتهي الاختصار لغايات الربط المحكم للبحث

1-المهدي رجل مجهول الهوية و الاسم و لا يعرف له نسب في العرب، إنما هو مجرد شخص من الأمة،هذه مضامين حديث من الأحاديث التي تدخلت الدولة العباسية بوضعها،أو أحد الأحاديث التي رواها طاقم معاوية،و وجدها العلماء مكتوبة و جاهزة،و ما يدرينا أن العلماء لم يقووا علي مواجهة العامة بحقيقة؛أن المهدي من ذرية النبي و من آل علي لأن العامة قد أشربت الثقافة التاريخية و فقه الهوي،فكان لا بد من إعداد العامة لتقبل حقيقة المهدي بالتمهيد بهذا العموم العجيب،و قد ورد حديثان بهذا المضمون أشرنا إليهما بالبحوث السابقة.

2-يبدو أن الحديث الأول قد أثار ردة فعل و تساؤلات مثل:لماذا لا يكون المهدي من ذرية الخليفة الأول،أو الثاني أو الثالث،أو من ذرية معاوية أو الحكم بن العاص،أو من ذرية العباسيين علي الأقل،لقد أحدث الحديث الأول بلبلة في عالم الرواية،فتدخلت الدولة و عملاؤها،و أرادوا أن يضعوا حدا لهذه البلبلة فرووا حديثا ينفي أن يكون المهدي من أمة محمد كلها،و يبين بأن المهدي هو المسيح ابن مريم،و هذه أول مرة يذكر فيها اسم المهدي«المسيح ابن مريم» و ما يدرينا أيضا أن هذا الحديث من الأحاديث التي روتها طواقم رواة معاوية بعد أن تيقنوا من أن المهدي من ذرية النبي و آل علي،فأرادوا أن يصرفوا هذا الشرف

ص: 189

و التكليف الإلهي،و أن يطعموه لعيسي ابن مريم كحل وسط،و قد ثبت لعلماء أهل السنة أن هذا الحديث موضوع و مكذوب،بالرغم من جودة صناعته،و أن بعض الرواة لا وجود لهم بالواقع إنما هم من صنع الأوهام.

3-ثم خطر ببال بعض الأذكياء المرتزقة،أو خططت أجهزة الدولة العباسية لتروي بواسطة أجهزتها و عناصرها المتخصصة أحاديث تفيد،بأن المهدي من ذرية العباس بن عبد المطلب عم النبي،و مثل هذه الروايات تجر مغنما للرواة و ترضي الدولة،و توطد حكمها و يستعقلها العامة،فالعباس عم النبي بالفعل،و العباسيون هم الحكام،و من بيدهم العطاء و الجاه و النفوذ،و شاعت هذه الأحاديث و روج لها جهاز الدولة،و ليس من المستبعد أنها قد أدخلت بالمناهج التربوية و التعليمية المعتمدة في دولة بني العباس،و نكاد أن نقطع بأن هذه النماذج الثلاثة من مخلفات روايات طواقم معاوية التي حرصت علي صرف كل خير و شرف عن أهل بيت النبوة و إعطائه لأي كان غيرهم،و لما شرع العلماء برواية و تدوين الأحاديث النبوية و منها أحاديث المهدي و أخباره وجدوا هذه الروايات مكتوبة و جاهزة، و جزءا من المناهج التربوية التي استقرت بنفوس الرعية طويلا،فنقلوها كما هي، و من يقوي علي الجهر بحرمان البيت العباسي الحاكم من هذا الشرف!!بل إن نقلها دليل موضوعية!!و حجة للعالم!!و إثبات وجود!!

ص: 190

الفصل الثاني: علماء أهل السنة يكتشفون أن المهدي المنتظر من أهل البيت و من ذرية النبي و أن اسمه محمد!!!

اشارة

الموضوعية!!

الأئمة الأعلام من أهل بيت النبوة هم ورثة علمي النبوة و الكتاب،و هم المرجعية و القيادة الشرعية للأمة،و قد أهلهم اللّه و رسوله للإجابة علي أي سؤال جوابا يقينيا.

لكن الأكثرية الساحقة جدا من رعايا دولة الخلافة،بما فيهم العلماء كانوا يجهلون ذلك جهلا تاما،و تلك نتيجة طبيعية للثقافة التاريخية التي مكنتها دولة الخلافة في النفوس،و التي أشرنا إليها بعمق و إيجاز قبل قليل،ثم بدأ علماء دولة الخلافة يكتشفون المكانة الشرعية لأهل بيت النبوة و المؤهلات العلمية للأئمة الأعلام،و لكن علماء أهل السنة لم يكونوا علي يقين من ذلك،ثم إن هناك حالة القسر الاجتماعي و الفجوة النفسية التي صنعتها ثقافة التاريخ،و التي تحول دون التيقن من معلومات أهل بيت النبوة!!

لذلك أوجد علماء دولة الخلافة لأنفسهم قواعد و وسائل معينة لرواية أحاديث الرسول،و تمييز صحيحها من باطلها،و قويها من ضعيفها،وجدوا و اجتهدوا بطلب أحاديث الرسول،و ممن رووا؟عن الثقاة،«و مستوري الحال»،

ص: 191

و عن المجاهيل و عن أولياء الجميع،و لكنهم لم يرووا عن أي رجل متهم بموالاة أهل بيت النبوة،أو التشيع لهم،لأنهم رأوا في ذلك إخلال:«بالأمانة و الموضوعية»و وفق قواعد هذه الموضوعية،لا حرج علي العلماء لو رووا أحاديث النبي عن معاوية،أو عن الحكم بن العاص،أو عن أي رجل من شيعتهم و من مواليهم،لكن الحرج كل الحرج و الإخلال«بالموضوعية العلمية»يتأتي من الرواية عن أي شخص من موالي أهل بيت النبوة!!حتي و لو كان نقيا تقيا صادقا قدّيسا،لأن الثقة و الأمانة و التشيع لأهل بيت النبوة عندهم لا يجتمعان!!!لقد قال أحدهم عن الشافعي عندما سئل عنه ليس بثقة،و السبب أن الشافعي كان يجهر بحب أهل بيت النبوة!!و لما قيل لذلك العالم أن زيدا من الناس ثقة و هو شيعي اندهش ذلك العالم و عبر عن حقيقة مشاعره بقوله:«شيعي و ثقة»!!!!!.

هذه هي طبيعة الموضوعية التي التزمتها غالبية العلماء من شيعة دولة الخلافة،و مع هذا فقد توصلت إلي نتائج مذهلة حقا!!!

النتائج المذهلة التي توصل لها علماء شيعة الخلفاء حول اسم المهدي و اسم جده و رهطه

1-لقد تبين لعلماء أهل السنة بعد رواياتهم المكثفة لأحاديث الرسول، و وفق مناهجهم و قواعدهم الموضوعية أن المهدي المنتظر من عترة النبي أهل بيته.[الحديث 44 و 55 و 57 و 59 و 62 و 68 و 69 و 70 و 84 و 88 و 95 و 96 من أحاديث معجم الإمام المهدي ج 1،و راجع عشرات المراجع المبينة إزاء كل منها و قد حكم علماء أهل السنة بصحة هذه الأحاديث و تواترها].

2-و أبعد من ذلك فقد أكّد علماء أهل السنة أن المهدي المنتظر من ولد فاطمة.[راجع الحديث 74 و 81 من أحاديث الإمام المهدي،و راجع المراجع المذكورة تحتها،و الحديث 77 و الحديث 99].و قد حكم علماء أهل السنة بصحة هذه الأحاديث و تواترها أيضا].

3-و أوضح من ذلك فقد توصل علماء أهل السنة علي أن المهدي المنتظر من ولد الحسين بن علي بن أبي طالب.[الحديث 75 و 76 و الحديث رقم 100

ص: 192

ج 1 من معجم الأحاديث].و قد حكم علماء أهل السنة بصحة هذه الأحاديث و تواترها أيضا.

4-و روي علماء أهل السنة أحاديث عن النبي تضمنت بأنه قد قال:

«المهدي من ولدي»أي من أحفاده و ذريته الطاهرة.[راجع الحديث رقم 64 و 72 و 75 و 86 من أحاديث معجم أحاديث الإمام المهدي،و راجع المراجع المدرجة تحت كل واحد منها].و قد صحت هذه الأحاديث عند علماء أهل السنة، و تواترت.

5-و تبين لعلماء أهل السنة أيضا بأن رسول اللّه قد قال:بأن اسم المهدي كاسم الرسول«محمد».[راجع الحديث 60 و 64،«اسمه كاسمي و كنيته ككنيتي» و 75 من أحاديث الإمام المهدي ج 1].ثم ذكروا هذه الأحاديث بصيغة أخري فقالوا أن رسول اللّه قد قال:«بأن اسم المهدي يواطيء اسم النبي.[راجع الحديث 68 و 90 و 97 و 98 و 99،و قدروا أن المواطأة تعني المشابهة أي أن اسم المهدي يشبه اسم النبي]!!

و قد صحت عندهم هذه الأحاديث و تواترت أيضا،و اقتنع بصحتها العامة و الخاصة فيهم.

و معني ذلك فإن شيعة الخلفاء أو أهل السنة قد تيقنوا بأن المهدي المنتظر من عترة النبي أهل بيته،و من صلب علي بن أبي طالب،و بالتحديد من صلب الحسين،و من أحفاد فاطمة بنت النبي،و أن اسمه كاسم الرسول«محمد»و هذا خط الدفاع الثاني و هم لم يتجاوزوه قيد أنملة،فلا يمكنهم الاعتراف بأن المهدي هو محمد بن الحسن ثاني عشر أئمة أهل بيت النبوة و خاتمهم،لأنهم لو فعلوا ذلك لانهار البناء علي ساكنيه،و لسحبوا ضمنا بساط الشرعية و المشروعية من تحت أقدام الخلافة التاريخية كلها،و لكانوا شركاء بالجرم!!و لكن ما توصل إليه علماء أهل السنة الأفذاذ في هذا المجال يعتبر إنجازا علميا بكل الموازيين،و تمردا مذهلا علي ثقافة التاريخ و الحواجز النفسية التي ترسخت في نفوس العامة و الخاصة من شيعة الخلفاء و بعض علماء أهل السنة تجاهلوا تلك الثقافة التاريخية و أثرها و صرحوا علنا بأن المهدي المنتظر هو محمد بن الحسن ثاني عشر أئمة أهل

ص: 193

بيت النبوة،و قد أشرنا إلي مؤلفاتهم في بحوثنا السابقة.

المهدي المنتظر خاتم الخلفاء أو الأئمة الشرعيين

أجمع أئمة أهل بيت النبوة الأعلام علي أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قد سمي الأئمة الشرعيين من بعده،و حصرهم باثني عشر خليفة أو إماما،و أن الرسول الأعظم قد أكد و بكل وسائل التأكيد،بأن عليا بن أبي طالب هو أول الخلفاء أو الأئمة الشرعيين،و أن المهدي المنتظر محمد بن الحسن هو خاتم الخلفاء،أو الأئمة الشرعيين المؤهلين إلهيا للمرجعية و قيادة الأمة.

و تبعا لإجماع أئمة أهل بيت النبوة أجمعت شيعتهم التي تتلمذت علي أيديهم،و نهلت العلوم منهم مباشرة،و صارت هذه المعلومات من الحقائق الدينية التي يرسلون صحتها إرسال المسلمات.

و قد روي أهل السنة أحاديث عن رسول اللّه صحت و تواترت عندهم،مفادها أن المهدي هو آخر الأئمة و خاتمهم مثل قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«بنا يختم الدين كما بنا فتح»...[ابن حماد ص 102،و الطبراني في الأوسط ج 1 ص 136-157، و البيهقي علي ما في عقد الدرر،و عقد الدرر ص 25 ب 1 و ص 142 ب 7، و مجمع الزوائد ج 7 ص 216،و مقدمة ابن خلدون ص 253 ب 53،و الحديث رقم 154 من المعجم].

و مثله قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أيضا:«الأئمة من بعدي اثني عشر،أولهم أنت يا علي و آخرهم القائم الذي يفتح اللّه علي يديه مشارق الأرض و مغاربها».[مناقب ابن شهر آشوب ج 1 ص 298،و غاية المرام ص 710 ب 142 ح 18،و ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 492-493،و منتخب الأثر ص 58،و الحديث رقم 155 من المعجم].

و مثله قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أيضا:«يا علي إني مزوجك فاطمة ابنتي سيدة نساء العالمين و كائن منكما..عدتهم عدة أشهر السنة آخرهم يصلي عيسي ابن مريم خلفه».

[النعماني ص 57 ب 4 ج 1،و منتخب الأثر ص 29،و البحار ج 36 ص 272،

ص: 194

و الحديث رقم 157 من المعجم ج 1].

و مثله قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم«يا علي الأئمة الراشدون....من ولدك اثني عشر،و أنت أولهم و آخرهم اسمه اسمي يخرج فيملأ الأرض عدلا و قسطا».[الحديث رقم 156 ج 1 من المعجم،و النعماني ص 92 ب 4 ح 27،و منتخب الأثر ص 60- 61،و البحار ج 6 ص 259].

إجماع الأمة علي عدد الأئمة أو الخلفاء

1-أهل بيت النبوة و من والاهم و تخرج من مدرستهم يؤكدون بأن الأئمة أو الخلفاء الشرعيين من بعد النبي اثنا عشر،و أن اللّه قد اختارهم و أعدهم و أهلهم للقيادة و المرجعية من بعد النبي،و سماهم لرسوله و تسعة منهم لم يولدوا بعد، و أن دور الرسول كان مقتصرا علي إعلان ما أوحي إليه من ربه.و كان أول أولئك الأئمة علي بن أبي طالب،و آخرهم محمد بن الحسن المهدي المنتظر و أنه قد حيل بينهم و بين الممارسة الفعلية لحقهم الشرعي بخلافة النبي و قيادة الأمة من بعده، لأن الأمة قد اتبعت الغالب و خذلت الأئمة الشرعيين.

2-و الخلفاء التاريخيون و من والاهم و تخرج من مدارسهم يؤكدون جميعا، بأن الرسول بالفعل قد أكد و بيّن،بأن الخلفاء أو الآمراء أو الأئمة أو النقباء من بعده اثني عشر،و قد جزموا بصدور هذا عن رسول اللّه و صحت عندهم هذه الأحاديث و تواترت و أرسلوها إرسال المسلمات.

و لكنهم جميعا لا يعرفون أسماء هؤلاء الاثني عشر،و يدّعون بأن الرسول لم يسمّ أي واحد منهم!!و لا يعرفون أول الاثني عشر و لا خاتمهم.

شيعة الخلفاء أمام مشكلة كبري

إذا صدق الخلفاء و شيعتهم أهل بيت النبوة و ما قالوه عن الاثني عشر إماما، فمعني ذلك أن الخلفاء و شيعتهم قد أدانوا أنفسهم،و أقروا إقرارا شرعيا،بأنهم قد غصبوا الأمر من أهله،و أخرجوه من معدنه.و في ذلك قلب كامل للواقع التاريخي كله و سحب لبساط الشرعية من تحت أقدام كافة الخلفاء التاريخيين،و لا يتصور

ص: 195

عاقل أن يفعل الخلفاء و شيعتهم ذلك!!!و هل يعقل أن يكون الخلفاء التاريخيين الذين ملكوا الجاه و النفوذ و خزائن الأموال و من والاهم علي باطل،و هم الأكثرية الساحقة جدا من الأمة و أن يكون أهل بيت النبوة و آل محمد و القلة المستضعفة التي والتهم علي الحق!!!

محاولة الخروج من المأزق و إيجاد حل للمشكلة

لقد تبين للخلفاء التاريخيين و شيعتهم أن عدد الذين تولوا الخلافة أو الإمارة من بعد النبي بالمئات،فكيف يوفقون بين العدد 12 و بين المئات!!لقد انقسموا إلي طوائف،فكل طائفة وضعت قائمة بأسماء اثني عشر خليفة،و زعمت كل طائفة أن الأسماء الواردة في قائمتها ربما كانت هي التي عناها رسول اللّه!!! و المدهش أن كافة قوائمهم تضمنت اسم معاوية،مع كل تاريخه،و مع كل ما فعله،و تضمنت اسم ابنة يزيد الذي هدم الكعبة،و أباح مدينة رسول اللّه،و هتك أعراضها،و قتل ابن النبي،و أباد ذريته،و تضمنت القائمة اسم مروان بن الحكم الذي لعنه رسول اللّه!!و هم للآن لا يعرفون من هو خاتم الخلفاء الاثني عشر.

هل المهدي في نظر شيعة الخلفاء خليفة؟

أخرج أحاديثه البخاري و مسلم بالوصف و 52 من علماء الحديث عند أهل السنة أخرجوه بالاسم و لكنه عندهم ليس من الاثني عشر الذين عناهم رسول اللّه، فإذا كان المهدي المنتظر الذي يعترفون بأنه سيفتح مشارق الأرض و مغاربها، و يكوّن دولة عالمية،و ينشر الإسلام في الأرض،و يملأ الأرض قسطا و عدلا ليس خليفة من الاثني عشر علي الأقل،فمن هو الخليفة إذا،و من هو خاتم الخلفاء إذا،و هل بعد المهدي خلفاء أو خليفة يختمهم!!إنهم أمام خيارين،فإما أن التضحية بالدين أو بالتاريخ،و قد عزموا علي أن يثبتوا شرعية الخلافة التاريخية و أفعالها و بكل وسائل الإثبات و لو بالقوة!!لأنهم قد أشربوا ثقافتها،و اختلط فقهها مع لحمهم و دمهم،فهي حي بشعورهم و لا شعورهم!!إنها لحالة عجيبة حقا،فهم يتمسكون برواية رجل يقول أنه قد سمي صحابي يقول أنه قد سمع رسول اللّه يقول كذا و كذا.

ص: 196

و يهملون رواية أهل بيت النبوة الذين عاشوا مع الرسول تحت سقف واحد طوال حياته المباركة،و رافقوه في حله و ترحاله،و ورثوا منه علمي النبوة و الكتاب،و أكد الرسول بأنهم و القرآن ثقلان،و أن الهدي لا يدرك إلا بهما،و أن اللّه قد فرض مودتهم علي الجميع،و شهد لهم بالطهارة،و جعل الصلاة عليهم جزءا من الصلاة المفروضة علي العباد!إن هذا لأمر عجاب!!ما سمعنا بهذا؛ و الأنكي أنهم لا يقبلون رواية من يواليهم!!!في نفس الوقت الذي يقبلون فيه رواية أعداء اللّه و رسوله!!

إنها مشكلة كبري لا يحلها إلا المهدي المنتظر خاتم الخلفاء الأئمة الشرعيين.

مكانة المهدي المنتظر و مقامه

للمهدي المنتظر مكانة خاصة،و مقام رفيع عند اللّه سبحانه و تعالي،فهو أحد سادات أهل الجنة.قال رسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة أنا،و حمزة،و علي،و جعفر و الحسن و الحسين و المهدي».[راجع تاريخ البخاري علي ما في فتن ابن كثير،و فتن ابن كثير ج 4 ص 44 عن ابن ماجه،و راجع سنن ابن ماجه ج 2 ص 1368 ب 4 ح 4087،و الطبراني،و الحاكم ج 3 ص 211، و تاريخ بغداد ج 9 ص 434،و راجع الحديث رقم 110 ج 1 من معجم أحاديث الإمام المهدي تجد عشرات المراجع].

و يكفي المهدي شرفا،و مكانته علوا أن عيسي ابن مريم يصلي خلفه، و يرتضي به إماما له،و قد أكد الرسول الأعظم بأن الجنة:«تشتاق إلي أربعة من أهلي قد أحبهم اللّه و أمرني بحبهم:علي بن أبي طالب و الحسن و الحسين و المهدي الذي يصلي خلفه عيسي ابن مريم».[راجع الحديث رقم 113 ج 1 من معجم أحاديث الإمام المهدي].و قد بيّن الرسول بأن«المهدي طاووس أهل الجنة».

[راجع الحديث رقم 114 ج 1 من معجم أحاديث الإمام المهدي،و راجع المراجع المدونة تحته منها عقد الدرر ص 148،و مصابيح السنة للبغوي، و الحاوي للسيوطي ج 2 ص 83،و الفردوس ج 4 ص 222،و ينابيع المودة

ص: 197

ص 181 ب 56].ثم إن المهدي من خيرة اللّه سبحانه و تعالي.قال الرسول مرة:

«إن اللّه أختار من كل شيء شيئا...و أختار من الشهور شهر رمضان،و من الليالي ليلة القدر،و أختار مني و من علي الحسن و الحسين...تاسعهم باطنهم و هو ظاهرهم و هو أفضلهم و هو قائمهم ينفون عنه...»راجع الحديث 122 ج 1 من معجم أحاديث الإمام المهدي و راجع المراجع المذكورة تحته].

و هذا الحديث القدسي يبين مقام المهدي و مكانته عند اللّه و عند رسوله، و جسامة المهام المناطة به.قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«لما عرج بي إلي السماء السابعة و منها إلي سدرة المنتهي،و من السدرة إلي حجب النور،ناداني ربي جل جلاله قائلا:و بك و به و بالأئمة من ولده أرحم عبادي و إمائي،و بالقائم منكم أعمر أرضي بتسبيحي و تهليلي و تقديسي و تكبيري و تمجيدي،و به أطهر الأرض من أعدائي و أورثها أوليائي،و به أجعل كلمة الذين كفروا بي السفلي،و كلمتي العليا،و به أحيي عبادي و بلادي بعلمي،و به أظهر الكنوز و الذخائر بمشيئتي،و إياه أظهر علي الأسرار و الضمائر بإرادتي،و أمده بملائكتي لتؤيده علي إنفاذ أمري،و إعلان ديني،ذلك وليي حقا و مهدي عبادي صدقا».[راجع الحديث رقم 123 ج 1 من المعجم و المراجع المذكورة تحته].

ص: 198

الفصل الثالث: آيات و معجزات خاصة بالمهدي المنتظر الأهداف الكبري و المهام العظمي

اشارة

المهام الكبري،و المهام العظمي المناطة بالإمام المهدي مهمة تنفيذها و تحقيقها تستدعي آيات و معجزات من نوع مكثف و خاص.فالمهدي المنتظر مكلف بأن يقطف ثمرة جهد كافة الأنبياء و الرسل و الأوصياء،و أن يحقق ما تطلعوا إلي تحقيقه،و ذلك بأن يهدي سكان الكرة الأرضية من مختلف الأديان إلي دين اللّه الواحد و هو الإسلام،و مكلف بأن يكوّن دولة عالمية تشمل كافة أقاليم الكرة الأرضية برا و بحرا و جوا،و يحمل جنسيتها كافة أبناء الجنس البشري المتواجدين علي الكرة الأرضية في زمن المهدي،و مكلف أيضا بأن يجعل المنظومة الإلهية قانونا نافذا في كافة أرجاء دولته العالمية،و أن ينشر العدل المطلق،و يحقق الكفاية و الرخاء التام لكافة أبناء الجنس البشري،ليتعرف العالم علي طبيعة الحكم الإلهي،و نتائج هذا إن طبق،و ليحيا أبناء الجنس البشري العصر الذهبي في ظلال هذا الحكم قبل قيام القيامة بقليل.و تلك أهداف و مهام لم يكلف بها نبي و لا رسول و لا وحي قط قبل المهدي المنتظر،كانت مهمة النبي و الرسول و الوحي علي الإطلاق:«أي نبي أو رسول أو وحي»مقتصرة علي بذل العناية،و إقامة الحجة،و لا تنصب بكليتها علي تحقيق غاية،فالنبي أو الرسول أي نبي أو رسول،

ص: 199

مطالب بأن يبلّغ رسالات ربه،و أن يبذل العناية الكافية بهداية قومه،و أن يثبت بأنه حقيقة نبي اللّه و رسوله،فإذا رفضت هذه الأمة أو تلك مضامين الرسالة الإلهية،فإن هذا الرسول أو ذاك غير مخوّل بجر الناس إلي الحق جرا،و إلزامهم بالاعتراف بمضامين الرسالة الإلهية قسرا،لأن الفئة القليلة المؤمنة التي آمنت به و صدقت بمضامين الرسالة الإلهية لا تقوي علي مواجهة الأكثرية الساحقة الكافرة بتلك المضامين،و المواجهة بهذ الحالة لون من ألوان الانتحار،لأن نتائج المواجهة محسومة سلفا وفقا لموضوعية و قواعد عملية«الابتلاء الإلهي»التي يجب أن تجري في مناخ حيادي،حتي يخضع العمل للثواب أو العقاب!!و أمام عدم قدرة الفئة المؤمنة علي المواجهة،و لأنه لا بد من عقاب الذين كذبوا رسولهم،و كفروا بمضامين رسالته،فقد ختمت أكثر الرسالة الإلهية بالعذاب النكر الذي صبّه اللّه تعالي علي الأكثرية الفاسدة التي آمنت بباطل أئمة الضلالة،و كفرت بالحق الذي جاءت به الرسالات الإلهية،فتصبح رسالة كل نبي سطر في تاريخ الهداية الإلهية، و مشعل يتألق نوره وسط عالم ملأه المجرمون بالظلمات.

مهمة الإمام المهدي المنتظر مختلفة اختلافا جوهريا

إذا كان النبي،أي نبي مكلف إلهيا ببذل عناية بقوم و علي رقعة محدودة من الأرض،فإن الإمام المهدي مكلف إلهيا بتحقيق غاية علي مستوي الكرة الأرضية، و علي مستوي العالم كله،و تحقيق غايات الإمام المهدي كاملة،و تنفيذ المهام المنوطة به من المحتومات الإلهية التي لا مفر من تحقيقها،لأن اللّه تعالي قد حتم ذلك،و كلف الإمام المنتظر بتحقيق كافة الغايات الإلهية التي حددها تعالي بنفسه، و أن ينفذ كافة المهام الإلهية التي وضعها اللّه تعالي بنفسه،و وعد الإمام المهدي بالدعم المطلق،و التأييد المطلق اللازمين لتحقيق الغايات الكبري و الأهداف العظمي،فلا بد أن يدخل سكان الكرة الأرضية في زمن المهدي بالإسلام،و لا بد من أن يكوّن المهدي دولته العالمية الشاملة لكل بقاع الأرض،و لا بد أيضا من أن تكون المنظومة الحقوقية الإلهية هي القانون النافذ علي كل سكان الأرض،و لا بد من نشر العدالة المطلقة،و تحقيق الاكتفاء التام و الرخاء المطلق لكل بني البشر،

ص: 200

هذه أوامر اللّه،و تلك مشيئته التي لا راد لها،و هي حتميات لا بد من وقوعها بالكم و الكيف الذي أراده اللّه.

آيات و معجزات كافية لتحقيق الغايات و إنجاز المهمات

الأهداف و المهام الكبري المناطة بالإمام المهدي المنتظر تحقيقها علي مستوي الكرة الأرضية،و علي مستوي بني البشر جميعا تحتاج إلي آيات و معجزات كافية،و ناطقة بالحق،فإذا كان النبي موسي المكلف بإنقاذ بني إسرائيل من قبضة الفرعون،و هداية الإقليم المصري يحتاج إلي تسع آيات بينات،و مع أنه قد أظهر هذه الآيات التسع إلا أن أهل مصر لم يهتدوا،و أثمرت هذه الآيات عن إنقاذ بني إسرائيل فقط و هدايتهم إلي حين،و مع أن الآيات و المعجزات الربانية قد تتابعت و أظهرها موسي جميعا،إلا أن بني إسرائيل قد انحرفوا انحرافا كبيرا،و عبدوا العجل عندما غاب عنهم موسي أياما معدودات،و حال الأنبياء جميعا لم تختلف كثيرا عن حال موسي،و معاناتهم لم تقل عن معاناته،إذا كان هذا الكم و الكيف من المعجزات قد أظهرهما اللّه تعالي و أيد بهما موسي لغايات إنقاذ بني إسرائيل من قبضة فرعون و هدايتهم،و هم مجرد عشيرة،فما هو حجم الآيات و المعجزات التي تلزم لتحقيق المحتومات المكلف الإمام المهدي بتحقيقها و هي علي مستوي الكرة الأرضية و مستوي الجنس البشري!!!!من المؤكد بأن اللّه سبحانه و تعالي سيزود الإمام المهدي بالآيات و المعجزات اللازمة و الكافية لتحقيق الغايات،و إنجاز المهمات التي كلفه اللّه تعالي بتحقيقها و إنجازها.

نماذج من الآيات و المعجزات التي سيظهرها اللّه علي يد المهدي المنتظر

قال الإمام جعفر الصادق:«ما من معجزة من معجزات الأنبياء و الأوصياء إلا و يظهر اللّه تبارك و تعالي مثلها في يد قائمنا،لإتمام الحجة علي الأعداء».[راجع الحديث رقم 931 من معجم أحاديث الإمام المهدي ج 3 ص 380،و إثبات الرجعة للفضل بن شاذان،و إثبات الهداة ج 3 ص 700،و منتخب الأثر ص 312

ص: 201

ح 3].و الإمام جعفر الصادق لا يحدث مثل هذا الحديث برأيه أو تحليله أو استناجاته،إنما يحدثه رواية عن أبيه،و عن جده،عن رسول اللّه،و هذا ثابت عن الأئمة الكرام بأنهم إذا حدثوا فإنما يحدثون عن رسول اللّه،فضلا عن ذلك،فإن هذا الجزم من رجل و إمام معروف بالصادق لا يتسع به الرأي و لا الاجتهاد،و علي أي حال،فإن أهل بيت النبوة مجمعون علي أنهم قد سمعوا و وعوا رسول اللّه و هو يؤكد بأن اللّه سبحانه و تعالي سيزود المهدي بالآيات و المعجزات الكافية لتحقيق الغايات الكبري،و تنفيذ المهام العظمي التي أناط اللّه تعالي بالمهدي تحقيقها و تنفيذها و أن هذه الأحاديث صحيحة و متواترة عندهم،و هم يجزمون بأنها قد صدرت من رسول اللّه بالفعل،و تبعا لإجماع أئمة أهل بيت النبوة،و جزمهم و يقينهم أجمعت شيعتهم التي تتلمذت علي أيديهم،و نهلت العلوم منهم،و مع الإجماع جزمت و تيقنت بأن رسول اللّه قد أكد بالفعل،بأن اللّه سبحانه و تعالي سيظهر علي يد المهدي المنتظر الآيات و المعجزات الكافية،لتحقيق الغايات الكبري التي كلفه اللّه تعالي بتحقيقها.و هذا الإجماع و الجزم و اليقين من المسلمات التي لا يختلف فيها اثنان من شيعة أهل بيت النبوة المخلصين.

1-فمع المهدي راية النبي الغالبة الحديث رقم 771،و معه سلاح النبي الحديث رقم 772،و معه مواريث النبي الحديث رقم 773،و معه عصا موسي و هي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرتها،و أنها لتنطق إذا استنطقت،أعدت للمهدي ليصنع،كما كان موسي يصنع بها،و إنها لتروع و تلقف،و معه حجر موسي لا ينزل المهدي منزلا إلا انبعثت عين منه،فمن كان جائعا شبع و من كان ظمآنا روي.[راجع الحديث 775 و 777].

2-ينادي مناد من السماء ألا إن الحق في آل محمد الحديث 813،و ينادي المنادي:«إن المهدي من آل محمد،فلان بن فلان باسمه و اسم أبيه الحديث 815،و يسمع هذا النداء أهل المشرق و المغرب،حتي تسمعه الفتاة في خدرها الحديث 817.

3-و يخرج المهدي المصحف الذي كتبه علي كما أنزله اللّه بخط يده، و بإملاء رسول للّه،و يخرج الجامعة التي فيها بيان حكم كل شيء حتي أرش

ص: 202

الخدش.[راجع الحديث رقم 1115].

4-و روي أن الملائكة الذين نصروا محمد يوم بدر في الأرض ما صعدوا بعد و لا يصعدوا حتي ينصروا المهدي،الحديث 824.

نماذج من أحاديث رواها شيعة الخلفاء أو أهل السنة عن بعض معجزات الإمام المهدي

1-«يخرج الإمام المهدي علي رأسه غمامة فيها مناد ينادي هذا المهدي خليفة اللّه فاتبعوه».[راجع الحديث رقم 118 ج 1 من المعجم.راجع بيان الشافعي ح 511 ب 15،و الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 298،و قال:

روته الحفاظ كأبي نعيم،و الطبراني،و الحاوي للفتاوي للسيوطي ج 2 ص 61، و تاريخ الخميس ج 2 ص 288 عن أبي نعيم].

2-و مثله قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«يخرج المهدي و علي رأسه ملك ينادي إن هذا هو المهدي فاتبعوه.[رواه الطبراني،و أبو نعيم،و بيان الشافعي ص 512 ب 16، راجع الحديث رقم 119 ج 1].

3-يظهر في آخر الزمان علي رأسه غمامة تظله من الشمس تدور معه حيثما دار ينادي مناد بصوت فصيح هذا هو المهدي،الحديث 120.

4-«مع المهدي راية رسول اللّه المغلبة»...[الحديث رقم 133 ج 1 و ابن حماد ص 98،و ملاحم ابن طاووس ص 68 ب 140،و عرف السيوطي الحاوي ج 2 ص 75].

5-في راية المهدي مكتوب البيعة للّه.[راجع الحديث رقم 134 ج 1].

6-قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«فلو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتي يأتيهم رجل من أهل بيتي تكون الملائكة بين يديه و يظهر الإسلام».[رواه الترمذي علي ما في تحفة الأشراف ج 9 ص 428،و الديلمي علي ما في كنز العمال ج 14 ص 269 ح 38684،و الفردوس ج 3 ص 372،و تذكرة القرطبي ص 700،راجع الحديث رقم 84 ج 1 من أحاديث المهدي].

ص: 203

و قد صحت هذه الأحاديث و أمثالها عند أهل السنة و تواترت،و جزموا بأنها قد صدرت بالفعل من رسول اللّه.

لماذا وصف بالمهدي؟

اللّه سبحانه و تعالي هو الذي وصف الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة بالمهدي،و بناء علي هذا الوصف الإلهي بشر رسول اللّه بهذا الرجل و وصفه بالمهدي أيضا و بناء علي هذين الوصفين اعتقد المسلمون قاطبة بهذا الوصف فأطلقوه علي الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة،أو علي ذلك الخليفة الذي سيملك مشارق الأرض و مغاربها،و يكوّن دولة عالمية،و ينشر العدل و الرخاء و الإسلام في الكرة الأرضية.أما لماذا وصف بالمهدي؟فقد وردت عدة أخبار عن رسول اللّه و أهل بيته تجيب علي هذا السؤال منها:

1-فعن الإمام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أنه قال:

«إنما سمي المهدي مهديا لأنه يهدي لأمر خفي،يهدي ما في صدور الناس، و يخرج التوراة من مغارة في أنطاكية،و يعطي حكم سليمان».[راجع الحديث رقم 748 ج 3 من المعجم].

2-و روي حديث عن رسول اللّه أنه قد قال لعلي:«يا علي لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتي يملك رجل من عترتك يقال له المهدي يهدي إلي اللّه عز و جل و يهتدي به العرب،كما هديت أنت الكفار و المشركين من الضلالة،ثم قال:و مكتوب علي راحته بايعوه فإن البيعة للّه عز و جل.[الحديث رقم 92 ج 1 من المعجم].

و ما يعنينا هنا أن الرسول قد قال:يقال له المهدي،يهدي إلي أمر اللّه و يهتدي به العرب.

3-و روي عن الإمام جعفر الصادق أنه سئل:«المهدي و القائم واحد»؟ فقال نعم.فقال السائل:لأي شيء سمي المهدي؟قال الإمام:لأنه يهدي إلي كل أمر خفي،الحديث رقم:1121.

4-و روي عنه أيضا أنه قد قال:«إذا قام القائم عليه السّلام دعا الناس إلي

ص: 204

الإسلام جديدا،و هداهم إلي أمر قد دثر فضلّ عنه الجمهور،و إنما سمي القائم مهديا،لأنه يهدي إلي أمر مضلول عنه»...[راجع الحديث رقم:1122 و المراجع المذكورة تحته].

و عندما يظهر المهدي سيكون الإسلام أثرا بعد عين،و سيكون العالم كله في ضلالة عمياء،يتخبط و لا يعرف طريق الهدي،إنه فريسة الظن و التخمين حائر بأمره،عندئذ يظهر الإمام المهدي فيهدي العالم إلي الصراط المستقيم و يدله عليها،و يضع تحت تصرف العالم الحوافز التي تحفزه لسلوك هذا الطريق،و مع التأييد الإلهي،و التوفيق ينجح المهدي المنتظر بإنقاذ العالم و هدايته إلي طريق الخير،و ينجح بتوحيد أبناء الجنس البشري و يهتدي إلي الطرق التي تشبع كافة حاجاتهم و تجعلهم يعيشون عيشة كفاية و رخاء.كل هذه الأسباب مجتمعة و منفردة تكمن خلف وصف الإمام الثاني عشر بالمهدي.

ص: 205

الفصل الرابع: غيبة الإمام المهدي المنتظر

اشارة

أجمع شيوخ آل محمد،أو الأئمة الأعلام من أهل بيت النبوة،أو العمداء الذين اعترف العالم كله بعمادتهم لأهل بيت النبوة علي أن المهدي المنتظر الذي بشر به رسول اللّه هو الشيخ أو العميد أو الإمام الثاني عشر من عمداء أهل بيت النبوة،و هو بالتحديد محمد بن الحسن،و قبل أن يولد هذا الإمام انتشرت شائعة في أوساط الدولة العباسية،و بين رعاياها مفادها أن مولودا من ذرية محمد رسول اللّه سيولد،و أنه سيكون المهدي المنتظر،و أنه سيستولي علي كل أقاليم الأرض:«بما فيها إقليم الدولة العباسية»و سيخضع الخاصة و العامة لحكمه بما فيهم ذرية العباس،و خلفاء الدولة العباسية،فأوجست الدولة العباسية في نفسها خيفة،و حملت هذه الإشاعة علي محمل الجد،و كلفت أجهزتها السرية بمراقبة مواليد أهل بيت النبوة،و علي الأخص مواليد عميدهم آنذاك الحسن بن علي الهادي المعروف بالعسكري،كان إمام العصر آنذاك أو العميد الحسن بن علي العسكري علي علم بالشائعة،و كان يعلم علم اليقين أن ابنه محمد بن الحسن الذي سيولد هو بعينه الإمام الثاني عشر،و هو بعينه الإمام المهدي المنتظر،و كان الإمام العسكري يعلم بخيفة الدولة العباسية و بحركة أجهزتها السرية،و قد حمل هذه الخيفة و حركة الأجهزة السرية العباسية علي محمل الجد،فأخفي ولادة ولده إخفاء تاما إلا علي صفوة الصفوة من أوليائه،فلم يكن أحد يعلم أن للإمام الحسن العسكري ولد،و أن هذا الولد هو وارثه و هو العميد من بعده،و يوم وفاة الإمام

ص: 206

الحسن العسكري فوجيء أركان الدولة العباسية الذين حضروا مراسم دفن الإمام بغلام لا يتجاوز عمره الخمس سنوات يقول لعمه الذي تأهب ليصلي بالناس علي الإمام صلاة الجنازة،تأخر يا عم أنا أولي بالصلاة علي أبي!!كان الغلام هو المهدي المنتظر،و هو العميد الثاني عشر،فأخذ العم من هول المفاجأة و تأخر، و تقدم الإمام الغلام ليصلي بالناس علي أبيه صلاة الجنازة و علمت الدولة العباسية أن هذا الغلام هو العميد و الإمام من بعد أبيه،و تساءلت متي ولد!!و قدرت أنه ربما كان المهدي المنتظر فهو من ذرية النبي،و سليل الأئمة العمداء،و بدأت تستفيق من هول الصدمة،و تتعجب كيف أنها لم تعرف بولادته!!و أخذت أجهزتها السرية تخطط لمراقبة الإمام و القضاء عليه،لأنها أيقنت أنه المهدي المنتظر الذي عنته الأحاديث النبوية،و أنه سر الإشاعة التي انتشرت بين الناس!!!بعدما عرف أركان الدولة العباسية و الخاصة و العامة من رعاياها أن للإمام الحسن العسكري ولد،و أن اسمه محمد و أنه الإمام و العميد من بعد أبيه،و أنه قد أمّ الجميع بصلاة الجنازة علي أبيه،و بعد أن ربط الناس إشاعة المهدي الموعود المنتظر بهذا الغلام،و بعد أن صممت أجهزة الدولة العباسية علي وضع الخطط و القضاء علي هذا الإمام الغلام اختفي بالكامل،و عجزت الدولة العباسية بكل قوتها عن تحديد مكان وجوده،أو إثبات وفاته!!كأن الغلام الإمام قد تبخّر من الأرض!!و زاد من حيرة الدولة العباسية و أجهزتها السرية،أنها قد تيقنت بأن الإمام الغلام كان يمارس مهام الإمامة علي أوليائه،فتجبي له الأموال،و يوزعها علي مستحقيها و ينفقها علي مصارفها الشرعية،و أنه كان يصدر الأوامر و التوجيهات لأتباعه بواسطة سفراء،عجزت الدولة العباسية عن معرفتهم أو معرفة أمكنة إقامتهم!!لقد كان الإمام الغلام و سفراؤه شغلها الشاغل،و لكنها لم تصل إلي نتيجة.

فيئست من العثور علي الإمام الغلام،و يئست من العثور علي سفرائه و من معرفة وسائل اتصالهم بالإمام،و انتشرت الشائعات و استقر في أذهان العامة و الخاصة من رعايا الدولة العباسية أن الإمام الغلام هو المهدي المنتظر بالفعل، و قد روا أنه هو وحده الذي سيخلصهم و ينقذهم دون أن يضطروا لتقديم أي تضحية!!بل سيأتيهم الخلاص و الإنقاذ تماما كما تعود المطر أن يأتيهم!!

ص: 207

و من ذلك التاريخ لم تره رعايا دولة الخلافة،و إذا رأته فإنها لا تعرفه،لقد احتارت تلك الرعايا أين ذهب الغلام الإمام،و كيف اختفي،و لم يجزم أحد بموته،بل و لم يدع أحد موته!!و هل يعقل أن يموت شيخ أو عميد أو إمام آل محمد و لا يعرف المسلمون بموته!!!كان كل إمام من أئمة أهل البيت أو شيوخهم أو عمدائهم بمثابة البدر المتألق في السماء يعرفه المسلمون قاطبة علي الرغم من محاولات الخليفة و أركان دولته للتعتيم عليه،و الحط من قدره، و التقليل من مكانته،فكانت رعايا دولة الخلافة تعرف طوال التاريخ،بأن هذا الإمام أو ذاك هو ابن رسول اللّه،و ما من عميد أو شيخ أو إمام من عمداء أو شيوخ أو أئمة أهل بيت النبوة قد مات إلا و عرف كل المسلمين بموته،و بكي عليه الصادقون أو تباكي عليه الخلفاء و أعوانهم!!فهل يعقل أن يموت محمد بن الحسن«المهدي المنتظر»و هو إمام و ابن إمام،و هو شيخ آل محمد و عميدهم و لا يعرف الناس عن موته!!!و حتي دولة الخلافة التي كانت تحصي علي الناس أنفاسهم لا تدعي بأن هذا الإمام قد مات،لأنها لا تملك دليلا و ليس بإمكانها تلفيق دليل من عندها!!

كل هذا يعني بأن الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة و هو محمد بن الحسن«المهدي المنتظر»ما زال حيا يرزق،و لكنه غائب أو مغيب إلهيا عن أعين الناس،و هو يعرفهم،و يراهم،و قد يرونه و يعرفونه،و لكنهم يجهلون أنه الإمام المهدي المنتظر أو أنه محمد بن الحسن الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة.

أحاديث عن رسول اللّه

روي المسلمون أحاديث عن رسول اللّه تبين بأن رسول اللّه قد قال بأن المهدي المنتظر،ستكون له غيبة و حيرة تضل فيها الأنام.[راجع الحديث رقم 159 و الحديث رقم 160،161].و قد بيّن الرسول أن غيبة المهدي ضرورية لأنه يخاف القتل 167،بل و شجع الرسول أولياءه علي موالاة الإمام المهدي و هو

ص: 208

غائب،الحديث 165،و الأهم أن الرسول قد أقسم بربه بأن المهدي سيغيب،لأن هذه الغيبة ضرورية لتمحيص الذين آمنوا و محق الكافرين وفق قواعد العدالة و الابتلاء الإلهي،الحديث 167،و قد صحت هذه الأحاديث عن رواتها، و تواترت،و سدت جوانبا من نظرية المهدي المنتظر التي كشف رسول اللّه عن وجودها في الإسلام.[راجع الأحاديث ذوات الأرقام 159-161 و 164 و 165 و 167 و 168 من المجلد الأول من معجم أحاديث الإمام المهدي،و راجع عشرات المراجع المذكورة تحتها].

إجماع آل محمد و أهل بيت النبوة

لا يوجد عاقل واحد في الدنيا ينكر بأن آل محمد،أو عترته أهل بيته كانت طوال التاريخ فئة من المسلمين متميزة عن غيرها من الفئات،و في كل زمان من الأزمنة التي تلت موت النبي،و انتهت بموت الحسن العسكري الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت كان قد وجد علي رأس هذه الفئة:«أعني آل محمد و أهل بيته» رجل هو بمثابة العميد أو الشيخ لآل محمد،و هو بمثابة الإمام الشرعي المؤهل إلهيا لقيادة الأمة لو سلمت إليه،و كان العالم كله يعرف هذا الإمام،و يعترف به، و يقر أنه بالفعل شيخ آل محمد،و أنه أقرب الأحياء من أبناء عصره للنبي.و كان العالم كله يعرف بأن عمداء آل محمد أو أئمتهم علماء علي الأقل،و أنهم قد ورثوا علوم جدهم رسول اللّه،أو أنهم علي الأقل من علماء المسلمين!!

تلك حقائق لا يماري فيها إلا تافه أو ناصبي لقد أجمع الأئمة أو العمداء الأحد عشر الذين تولوا رئاسة آل محمد بأنهم قد سمعوا رسول اللّه يؤكد بأن المهدي المنتظر ستكون له غيبة،ثم يقبل كالشهاب الثابت علي حد تعبير رسول اللّه،[الحديث رقم 159 من المعجم].و قد جزموا بأن هذه التأكيدات قد صدرت من الرسول بالفعل و هم يشهدون علي ذلك.فقد أكد الإمام علي أنه سمع الرسول،و أكد الإمام الحسن ذلك،و أكده الإمام الحسين،مثلما أكد زين العابدين،و الباقر،و الصادق و الكاظم،و الرضا،و الجواد،و الهادي

ص: 209

و العسكري،و هم مشيخة آل محمد طوال فترة ثلاثة قرون من الزمن!و قد وضّح شيوخ آل محمد الصورة فبينوا أن الإمام المهدي ستكون له غيبتان،الغيبة الأولي يختفي فيها عن أعين السلطة و أوليائها،و عن عامة أوليائه،و يدير أمر أوليائه من خلال سفراء انتقاهم أبوه،و أقر هو هذا الانتقاء،أما الغيبة الثانية فيختفي فيها المهدي تماما و لا يعرف مكان وجوده أحد لا من السلطة،و لا من أوليائه.

نماذج من أحاديث الأئمة

قال الإمام علي:«أما و اللّه لأقتلن أنا و ابناي هذان،و ليبعثن اللّه رجلا من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا به،و ليغيبن عنهم تمييزا لأهل الضلالة، [الحديث رقم 614]،و يقال عنه مات أو هلك،بل في أي واد سلك،[الحديث 615]،و مثله قوله:و التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق،و عندما سئل:

هل هو كائن؟أقسم الإمام علي بأنه سيكون،و أنه ستكون للمهدي غيبة و حيرة لا يثبت فيها علي دينه إلا المخلصون.[و راجع الحديث 618 و 691]،قال الإمام زين العابدين:تخفي ولادته عن الناس،و أن لصاحب هذا الأمر غيبتان،[الحديث 759 و 760]،و قال الإمام الباقر:لقائم أهل محمد غيبتان،إحداهما أطول من الأخري.[راجع الحديث 895 و 904 و 905 و 906 و 907 و 908 و 913 من معجم أحاديث الإمام المهدي ج 3].

الغايات المعلنة من الغيبة

كشفت بعض الأحاديث النبوية و أحاديث الأئمة عن بعض الغايات من الغيبة،مثل الخوف من القتل،و تمحيص المؤمن،و محق الكافر وفقا لقواعد الابتلاء الإلهي،[الحديث 164 و 167].هذا علي صعيد الأحاديث النبوية،أما علي صعيد أحاديث الأئمة فنفهم منها:«ليخرج المهدي و ليس لأحد بعنقه بيعة»، [الحديث 700 و 759]،و مثله قول الإمام جعفر عندما سئل عن الغيبة فقال:

«لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم،و قال لسائله أيضا:وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج اللّه،لأن وجه الحكمة من ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره».

[راجع الأحاديث أرقام 906-913 و المراجع المدونة تحت كل منها].

ص: 210

نص حديث الإمام الباقر و زوال العجب و غيبات سابقة

قال الإمام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حول هذا الموضوع:«يا محمد بن محمد إن في القائم من آل محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم شبها من خمسة من الرسل:«يونس بن متي،و يوسف بن يعقوب،و موسي و عيسي و محمد صلوات اللّه عليهم فأمّا شبهه من يونس بن متي،فرجوعه من غيبته و هو شاب بعد كبر السن».

2-و أما شبهه من يوسف بن يعقوب،فالغيبة عن خاصته و عامته و اختفاؤه من أخوته و إشكال أمره علي أبيه مع قرب المسافة بينه و بين أبيه و أهله و شيعته.

3-و أما شبهه من موسي عليه السّلام فدوام خوفه،و طول غيبته،و خفاء ولادته،و تعب شيعته من بعده،مما لقوا من الأذي و الهوان إلي أن أذن اللّه عز و جل في ظهوره و نصره و أيّده علي عدوه.

4-و أما شبهه من عيسي فاختلاف من اختلف فيه حتي قالت طائفة منهم ما ولد،و قالت طائفة مات،و قالت طائفة قتل و صلب.

5-و أما شبهه من جده المصطفي فخروجه بالسيف و قتله أعداء اللّه و أعداء رسوله الجبارين و الطواغيت،و أنه ينصر بالسيف و الرعب و أنه لا ترد له راية...».[راجع الحديث رقم 770 مجلد 3 من أحاديث الإمام المهدي،راجع المراجع المذكورة تحته].

و المعني أن الإمام المهدي ليس أول من يغيب،و أنه ليس في الغيبة عجب.

أوصاف الإمام المهدي المنتظر

روي الأئمة الأعلام من أهل بيت النبوة،و العلماء الأكابر من شيعتهم أحاديث نبوية تتضمن بعض الصفات الجسدية للإمام المهدي المنتظر.

و جاء في بعضها أن المهدي هو:«الطريد الفريد الوحيد...»،[الحديث رقم 595]و في آخر:«أنه فتي من قريش آدم ضرب من الرجال»...[الحديث

ص: 211

602]،و في ثالث:«إنه رجل أجلي الجبين،أقني الأنف،ضخم البطن،أزيل الفخذين،أبلج الثنايا،بفخذه اليمني شامة»...[الحديث 594]،و في حديث رابع،وصف المهدي:«بأنه رجل أبيض اللون،مشرب بالحمرة،مبدح البطن، عريض الفخذين،عظيم مشاس المنكبين،بظهره شامتان شامة علي لون جلده، و شامة علي شبه شامة النبي،..و أن اللّه قد أعطاه قوة أربعين رجلا..[الحديث رقم 593]،و جاء في[الحديث رقم 592]أن المهدي يشبه رسول اللّه في الخلق و الخلق...و أنه سيظهر شابا دون الأربعين.[راجع الحديث رقم 691،و جاء في الحديث رقم 900]،أن المهدي سيرجع شابا،و وصف المهدي في حديث بأنه:

«الطريد الفريد الوحيد...»[الحديث رقم 595]،و جاء أيضا أن المهدي إذا خرج كان في سن الشيوخ و منظر الشبان،قويا في بدنه،حتي لو مد يده إلي أعظم شجرة في الأرض لقلعها،و لو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها.[راجع الحديث 1211،و جاء في الحديث رقم 1147]...أن القائم من ولدي يعمر عمر الخليل عشرين و مائة سنة،ثم يغيب غيبة في الدهر و يظهر في صورة شاب موفق ابن اثنين و ثلاثين سنة.

كذلك فقد روي العلماء الأعلام من شيعة الخلفاء:«أهل السنة»طائفة من الأحاديث النبوية التي تتحدث عن بعض أوصاف المهدي،و قد صحت هذه الأحاديث عندهم،و تواترت و شاعت بين المسلمين مثل قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«المهدي مني أجلي الجبهة،أقني الأنف»،و قد روي هذا الحديث الترمذي و النسائي و الحاكم و البيهقي و غيرهم من علماء الحديث الأفذاذ».[راجع الحديث رقم 71 ج 1 من المعجم و راجع عشرات المراجع المذكورة تحته].

و مثل قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«المهدي من ولدي،وجهه كالقمر الدري،اللون لون عربي،و الجسم جسم إسرائيلي..[راجع الحديث رقم 72 و عشرات المراجع المذكورة تحته].و روي علماء أهل السنة قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«المهدي منا أهل البيت، أشم الأنف أقني،أجلي»...[راجع الحديث رقم 88،و المراجع المذكورة تحته]:و رووا قوله أيضا:«يخرج المهدي و هو ابن أربعين سنة كأنه رجل من بني إسرائيل».[راجع الحديث رقم 91 ج 1 و المراجع المذكورة تحته].و قوله:

ص: 212

«المهدي رجل أزج أبلج أعين...يستوي علي منبر دمشق و هو ابن ثماني عشر سنة».[راجع الحديث رقم 92].و قوله:«المهدي شاب من أهل البيت»، [الحديث رقم 94]،و قوله:«ليبعثن اللّه تعالي من عترتي رجلا أفرق الثنايا،أجلي الجبهة...»،[الحديث رقم 149].

هذه الأكثرية الساحقة من الأحاديث النبوية التي رواها أهل بيت النبوة و شيعتهم،و صحت عندهم و تواترت،تليها الأحاديث النبوية التي رواها علماء شيعة الخلفاء-أهل السنة-و صحت عندهم و تواترت،و شاعت مضامين هذه الأحاديث بين المسلمين قاطبة،فاعتقدوا بها لأنهم قد جزموا أن هذه الأوصاف قد صدرت بالفعل عن رسول اللّه،إذ لا مجال للاجتهاد بمثل هذه الأمور،و قد غطت هذه الأحاديث الثغرة المتعلقة بالأوصاف الجسدية من نظرية المهدي المنتظر الذي بشر به رسول اللّه.

ص: 213

الفصل الخامس: دولة أهل بيت النبوة و مدة حكم الإمام المهدي المنتظر

اشارة

أئمة أهل بيت النبوة الأعلام علي يقين تام من ربهم و نبيهم،بأن المهدي المنتظر الذي بشر به رسول اللّه هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة الذين اختارهم اللّه و أعلنهم رسوله،و هو خاتم الأئمة الشرعيين فلا إمام من بعده،لأن الأئمة اثني عشر فقط.

و هم علي يقين من ربهم و نبيهم بحتمية ظهور المهدي المنتظر،و حتمية انتصاره،و حتمية نجاحه بتكوين دولة أهل بيت النبوة العالمية التي ستحكم العالم كله،و يتجنس بجنسيتها كافة أبناء الجنس البشري المتواجدين فوق الكرة الأرضية في عصرها الذهبي،و أن هذه الدولة ستكون آخر الدول،حيث سيحكم الإمام المهدي ما شاء اللّه له أن يحكم،ثم يتوفاه اللّه تعالي و تنتقل رئاسة هذه الدولة من بعده إلي أحد عشر مهديا بالتتابع،و كلهم من شيعة أهل البيت المخلصين السائرين علي خط أهل البيت القويم،و هم يدعون الناس خلال فترة حكمهم إلي موالاة أهل بيت النبوة و معرفة حقهم.[راجع الحديث رقم 1149 ج 4 من المعجم و المراجع المدونة تحته].و شيعة أهل بيت النبوة المخلصين صار لهم نفس اليقين التام بكل ما ذكرناه آنفا.

مدة حكم المهدي المنتظر

إذا كان المهدي المنتظر سيكوّن دولة عالمية تحكم العالم كله،فما هي

ص: 214

الفترة الزمنية التي يستمر فيها حكم الإمام المهدي!أو بتعبير آخر كم سنة سيحكم الإمام المهدي المنتظر بعد ظهوره و تكوينه للدولة العالمية،و رئاسته لها؟.

روي عبد اللّه بن الحارث حديثا عن الإمام علي يجيب علي هذا السؤال إذ قال له الإمام علي:«يا ابن الحارث ذلك شيء ذكره موكول إليه،و أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عهد إليّ أن لا أخبر به إلا الحسن و الحسين».[راجع الحديث رقم 673 ج 3].

و روي عن الإمام جعفر الصادق عندما سئل عن ذلك أنه قال:«سبع سنين تطول له الأيام حتي تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم فيكون سنو ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه»...[راجع الحديث رقم 1150 ج 4 من المعجم».

و روي عن الإمام الباقر قوله:يملك القائم ثلاثمائة سنة و يزداد تسعا كما بعث أهل الكهف في كهفهم....[راجع الحديث رقم 859].

و روي أهل السنة عن الإمام علي قوله:«يلي المهدي أمر الناس ثلاثين أو أربعين سنة».[راجع الحديث 674 و راجع المراجع المذكورة تحته].

و روي عن الإمام جعفر أنه قال:«يملك القائم عليه السّلام تسع عشرة سنة و أشهرا».

و روي ابن حماد حديثا لم يسنده إلي النبي جاء فيه:«فيلبث عيسي و المؤمنون سنوات في بيت المقدس»...

أحاديث رواها شيعة أهل بيت النبوة و شيعة الخلفاء معا

و روي العلماء الأعلام من شيعة الخلفاء حديثا عن النبي جاء فيه...فيبعث اللّه رجلا من عترتي من أهل بيتي فيملأ الأرض قسطا...يرضي عنه ساكن السماء و ساكن الأرض...لا تدع السماء من قطرها...و لا تدع الأرض من مائها...

حتي تتمني الأحياء الأموات يعيش في ذلك سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين...و روي هذا الحديث أيضا و أخرجه علماء كبار من شيعة أهل البيت.

[راجع الحديث رقم 44 ج 1 من المعجم و المراجع الكثيرة المدونة تحته].

ص: 215

و روي علماء شيعة الخلفاء حديثا عن الرسول تحدث فيه عن الرخاء و الوفرة في عهد الإمام المهدي و عن كثرة المال،و زهد الناس فيه إلي أن قال:«فيكون كذلك سبع سنين أو ثماني سنين أو تسع سنين،ثم لا خير في العيش بعده»أو قال:«ثم لا خير في الحياة بعده».[راجع الحديث رقم 53 و عشرات المراجع المدونة تحته].

و قد تفرد علماء أهل السنة بهذا الحديث.و روي أكابر علماء شيعة أهل البيت عن رسول اللّه حديثا يتفق معه بالمضمون جاء فيه:«فيمكث سبع أو ثمانية أو تسعا»«أي سنة»و لا خير في العيش بعد هذا أو قال:«لا خير في الحياة بعدهن».[راجع الحديث رقم بلا علي الصفحة 95 من المجلد الأول من المعجم].

تحليل هذه الأحاديث

1-لا ينبغي أن يتبادر إلي الذهن وجود أي تناقض،و لا حدث أي تناقض في أقوال الأئمة،لأنهم قد نهلوا من مشكاة واحدة،و إذا حدثوا فهم لا يقولون برأيهم،و إنما حديثهم حديث رسول اللّه لأنهم ورثة علمي النبوة و الكتاب،و إذا وجد تناقض فهو ناتج من الروايات الخاطئة أو المختلة عنهم،و ليس واردا أيضا بأن الأئمة الكرام لا يعرفون بالضبط و الدقة الفترة الزمنية لحكم الإمام المهدي، فلدي الأئمة القدرة و التأهيل الإلهي للإجابة علي كل سؤال،و من الطبيعي أن مدة حكم الإمام المهدي سؤال،و من الجائز أن يسأله أي واحد من الناس لأي واحد من الأئمة و من المحتوم أن الإمام يعرف الجواب اليقيني..

و قد لا حظت أن الإمام عليّ قد ذكر بأن رسول اللّه قد عهد إليه بأن لا يخبر أحدا عن مقدار هذه المدة إلا الحسن و الحسين،لأنهما إمامان بالتوالي،و قد لاحظنا أن الإمام الباقر قد حدد هذه ب 309 سنوات،و أن الإمام الصادق قد حددها بسبعين سنة«من سنيكم».

و روي عن الإمام جعفر أن المهدي يملك تسع عشرة سنة و أشهرا.

2-تاريخيا كانت دولة الخلافة و أركانها،و حتي الرعايا ينظرون بتوجس

ص: 216

و حذر و ريبة لائمة أهل بيت النبوة،و لمن والاهم و خصهم بالولاء و المحبة، و يلوح لي أن الأجهزة السرية لدولة الخلافة طوال التاريخ كانت تتربص بالأئمة الكرام و تحاول أن تحصي عليهم أنفاسهم،فتعرف ما يقولون و ما يتحدثون به،ثم تستدعيهم رئاسة دولة الخلافة من حين إلي حين لتحاسبهم حسابا عسيرا علي كل ما يصدر عنهم من أحاديث،و كلمة المهدي شبح مرعب للخلفاء،و دولة أهل بيت النبوة هاجس مجرد ذكره يسبب للخلفاء و أركان دولتهم الجنون التام.

ثم إن الكثير من زوار الأئمة كانوا بمثابة الجواسيس أو العيون علي الأئمة ليسألوهم و يحصلوا منهم علي أجوبة ثم يكتبون تقاريرا بذلك إلي أسيادهم و أولياء نعمتهم،و في كثير من الأحيان كانت تلك العيون اللعينة تزور و تحرف و تهول عن عمد ما تسمعه من الإمام.و عندما أذنت دولة الخلافة بكتابة و رواية أحاديث الرسول بعد مائة عام من المنع،كانت مرويات طواقم معاوية قد استقرت تماما، و عرفت من الجميع،و كانت الرعية تتحاشي أهل بيت النبوة لأن الاختلاط بهم يشكل خطرا،فضلا عن ذلك فإن المناهج التربوية و التعليمية المعتمدة في دولة الخلافة التاريخية أظهرت أهل بيت النبوة بمظهر الناس،و لم تعطهم أية مميزة، فعلي بن أبي طالب صحابي،مثله مثل معاوية في أحسن الظروف،و الحسن و الحسين مثلهما مثل يزيد بن معاوية!!!فما هو الداعي للرواية عن الحسن أو الحسين و أبو هريرة موجود!!!بل علي العكس كانت وسائل إعلام دولة الخلافة تظهر أبا هريرة بصورة العالم المرجع،و الصحابي الجليل الموالي لأمير المؤمنين، و تظهر الإمام الحسن أو الحسين بصورة الشاب الذي لا علم له الذي يتربص الدوائر بأمير المؤمنين،و يترقب الفرص للخروج عليه!!!هذا هو المناخ الذي كان سائدا.

و الخلاصة في مدة حكم الإمام المهدي

أن دولة أهل بيت النبوة لن تزول بموت المهدي المنتظر بل ستستمر، و يحكم من بعده أحد عشر مهديا،إنه من الجائز جدا أن مدة ال 309 سنوات

ص: 217

الواردة في الحديث هي المدة التي ستستمر فيها دولة أهل بيت النبوة!!و من المؤكد أن الإمام المهدي سيكافح كفاحا رهيبا حتي يدين العالم كله بالطاعة لدولته،و هنا يبرز تساؤل مهم و هو منذ متي يبدأ حكم المهدي؟لأن المهدي في البداية سيحكم بقعة محدودة من الكرة الأرضية،ثم يتوسع حتي يسيطر علي العالم،فهل نعتبر مدة حكم المهدي مبتدئة من تاريخ حكمه لأول أقليم،أو من التاريخ الذي تتم فيه للمهدي السيطرة علي العالم كله؟هذه بعض الإشكالات التي لا بد من حلها قبل الجزم بمدة حكم الإمام المهدي.

و أكبر الظن أن مدة حكم الإمام المهدي،سبعا أو تسعا أو تسع عشر سنة و أشهرا أو ثلاثين سنة،و لكن من المؤكد إنها ليست أقل من سبع سنين و لا أكثر من 70 سنة.

ص: 218

الفصل السادس: العلامات التي تسبق مباشرة ظهور الإمام المهدي

الداء و الدواء

اشارة

قياما بواجب البيان،و إضفاء لطابع الأهمية علي المهدي المنتظر،و عصره الذهبي،شخّص رسول اللّه حالة الأمة و العالم قبيل ظهور الإمام المهدي،بسلسلة متكاملة من الأحاديث النبوية التي صحت و تواترت عند أئمة أهل بيت النبوة و شيعتهم،و عند الخلفاء و شيعتهم،و التي شاعت بين المسلمين كافة،فاعتقدوا بها لأنهم قد جزموا بأنها قد صدرت من رسول اللّه بالفعل،حيث أنها قد أخرجت بنفس الوسائل و الأساليب التي أخرجت بها أحكام دينهم من صلاة و صوم و زكاة....

و من يمعن النظر بتلك الأحاديث الشريفة،و يتجرد،لا يخالطه أدني شك بأنها قد صدرت بالفعل عمن لا ينطق عن الهوي،ثم يتيقن بأن الرسول الأعظم قد نجح نجاحا منقطع النطير بتشخيص حالة الأمة،و حالة العالم قبل ظهور الإمام المهدي!فكأن العالم بماضيه و حاضره و مستقبله رجل مريض ممدد علي فراش المرض،و قد وضعت تحت تصرف الرسل أحدث المعدات التي توصل إليها العقل البشري في كل مجال،و الرسول متخصص في كل ناحية،بعد ذلك شخص حالة العالم الممدد أمامه تشخيصا علميا دقيقا،فوصف الداء وصفا تاما،

ص: 219

و أكد بأن العالم كله مشرف علي الهلاك و التلاشي من الحياة،و أن الدواء الوحيد الذي يشفي العالم و ينقذه هو الإمام المهدي المنتظر الذي سيضع حجر الأساس و يبني دولة آل محمد،فالمهدي المنتظر هو الدواء الفرد و الوحيد،فليس علي وجه الأرض إنسان واحد له القدرة علي إنقاذ العالم،مما يعانيه آنذاك إلا المهدي المنتظر.و المدهش حقا أن هذه الصورة العلمية المتكاملة الدقيقة قد رسمها رسول اللّه بالكلمة،و بالكلمة الطيبة وحدها،و أن هذه الصورة قد شقت طريقها إلينا و ثبتت بوجه الأعاصير،و حافظت علي نقائها و أصالتها علي الرغم من أن دولة الخلافة قد منعت رواية و كتابة الأحاديث النبوية طوال فترة المائة عام التي تلت انتقال النبي إلي جوار ربه!!لكنها العناية الإلية،و التوفيق الإلهي،و الإصرار الإلهي علي إقامة الحجة،و ترشيد حركة الكون وفق نواميس الابتلاء الإلهي.

فتبارك اللّه رب العالمين حقا و صدقا.

1-انكساف الشمس و القمر قبل خروج المهدي

1-أكد الرسول الأعظم أن الشمس ستنكسف في شهر رمضان مرتين قبل خروج المهدي.[راجع الحديث رقم 174 ابن حماد ص 61،و ملاحم ابن طاووس ص 46 ب 72،و عقد الدرر ص 111 ب 4 ف 3،و الحاوي للسيوطي ج 2 ص 82].

2-و بيّن بأن المهدي لا يخرج حتي تطلع مع الشمس آية.[الحديث رقم 173،و عبد الرزاق ج 7 ص 373 ح 20775،و ابن حماد ص 91،و البيهقي كما في عقد الدرر ص 106 ب 4 ف 3،و الحاوي للسيوطي ج 2 ص 75]....

3-و بين الرسول أنه بين يدي المهدي انكساف لخمس تبقي من رمضان و الشمس لخمس عشرة منه.[راجع الحديث رقم 780 و المراجع المدونة تحته].

4-و روي عن رسول اللّه قوله:آيتان قبل قيام القائم عليه السّلام لم تكونا منذ هبط آدم إلي الأرض،تنكسف الشمس في النصف من شهر رمضان و القمر في آخره!![راجع الحديث رقم 71 برواية الإمام محمد الباقر].

5-و روي الإمام الباقر أيضا فقال:«إن لمهدينا آيتين لم تكونا منذ خلق

ص: 220

السموات و الأرض ينكسف القمر لأول ليلة من رمضان،و تنكسف الشمس في النصف منه»...[الحديث رقم 782،و راجع الحديث رقم 1020 و 1021 ج 4 من المعجم و 172 ج 1].فإذا ظهرت هذه الآيات التي لا يمكن لأي إنسان أن ينكرها فإن المهدي المنتظر سيظهر حتما في أثرها.

2-مناد من السماء ينادي

روي أئمة أهل بيت الأعلام عن رسول اللّه«أحاديث المنادي من السماء»، و جزموا بأن هذه الأحاديث قد صدرت عن رسول اللّه بالفعل،و تناقلوها عنه كابرا عن كابر،حتي صارت من المسلمات و أجمعوا علي صحتها و تواترت بينهم،و تبعا لروايات أهل بيت النبوة و إجماعهم أجمعت شيعتهم.و سلّمت بما سلموا به.

كذلك فقد روي:«أحاديث المنادي من السماء»العلماء الأعلام من شيعة الخلفاء،و توصلوا إلي ذات النتيجة التي توصل لها أئمة أهل بيت النبوة،فجزموا و تيقنوا أن أحاديث النداء قد صدرت بالفعل عن رسول اللّه،لأن هذه الأحاديث صحت عندهم و تواترت.

و أجمعت الأمة بشقيها:«أئمة أهل بيت النبوة و شيعتهم،و الخلفاء التاريخيون و شيعتهم أيضا«أهل السنة»علي أنه عند ظهور المهدي المنتظر سينادي مناد من السماء...و تحول هذا الإجماع إلي قناعة و معتقد،اعتقد به كافة المسلمين.

أحاديث النداء

1-روي أكابر علماء شيعة أهل البيت،و العلماء الأعلام من شيعة الخلفاء «أهل السنة»علي أن رسول اللّه قد قال:«يخرج المهدي علي رأسه غمامة فيها مناد ينادي:هذا المهدي خليفة اللّه فاتبعوه».[راجع الحديث رقم 112 ج 1 من المعجم رواه الطبراني علي ما في الفصول المهمة ص 298 ف 12،و الحاوي للسيوطي ج 2 ص 61 علي ما في بيان الشافعي ص 511 ب 15،و تاريخ الخميس ج 2 ص 288،و فرائض السمطيين ج 2 ص 316 ب 61 ح 566- 569].

ص: 221

2-و رووا أيضا أن الرسول قد قال:«يخرج المهدي و علي رأسه ملك ينادي أن هذا المهدي فاتبعوه».[راجع الحديث رقم 119 و 23 مرجعا مدونة تحته].

3-و رووا أيضا قول النبي:«يظهر في آخر الزمان...ينادي مناد بصوت فصيح هذا المهدي».[راجع الحديث رقم 120 ج 1 و المراجع المدونة تحته].

4-و روي عن الإمام الباقر:«ينادي مناد من السماء ألا إن الحق في آل محمد»...[راجع الحديث رقم 812 ج 1 من المعجم].و روي أيضا قوله:

«يا سيف بن عمرة لا بد من مناد ينادي باسم رجل من ولد أبي طالب»،[الحديث 813]،و روي أيضا:«أن المنادي ينادي أن المهدي من آل محمد فلان بن فلان باسمه و اسم أبيه»...[راجع الحديث رقم 815]،و روي أيضا:«توقعوا الصوت يأتيكم من قبل دمشق»...

5-و روي أيضا:«إنه لا يكون حتي ينادي مناد من السماء يسمع أهل المشرق و المغرب،حتي تسمعه الفتاة في خدرها».[راجع الحديث رقم 817].

فالنداء من السماء علامة بارزة من علامات ظهور المهدي المنتظر و هي تكسف كانكساف الشمس و القمر آيات و علامات و معجزات بارزة علي مستوي البشر كله، و من غير الممكن أن يقوي عاقل يحترم نفسه علي إنكارها أو تجاهلها أو المجادلة فيها.و هي فيض من مظاهر الدعم الإلهي المطلق للمهدي المنتظر حتي يتمكن من تحقيق الغايات الكبري التي كلفه اللّه تعالي بتحقيقها و هذه الآيات توطد له في الأرض،و تحفر اسمه في الذاكرة البشرية بحيث يرتبط المهدي مع مفهوم الإنقاذ و مفهوم التحرر من الظلم،و مع مفاهيم الرخاء و الكفاية و العدل.

البلاء الشامل و امتلاء الأرض بالظلم و الجور

بين الرسول الأعظم بأن المهدي المنتظر سيظهر حتما مقضيا عندما يعم البلاء الشامل الأمة و العالم معها،و عندما تمتليء الأرض بالظلم و الجور و العدوان،عندئذ يبعث اللّه الإمام المهدي لرفع هذا البلاء الشامل،و ليملأ الأرض عدلا و قسطا،كما ملئت جورا و ظلما،فعموم البلاء و امتلاء الأرض بالظلم مقدمة

ص: 222

و سبب و علامة،و ظهور المهدي بوجه من وجوهه نتيجة لهذه المقدمة،و أثر لهذا السبب،و علامة من علامات الظهور.

من مظاهر البلاء و الظلم

1-الفتن:بيّن الرسول الأعظم بأن موجات متلاحقة من الفتن ستعصف بهذه الأمة من بعده،حيث ستجتاح الأمة فتنة،ثم تليها فتنة أخري أضعاف الفتنة الأولي،ثم تليها فتنة ثالثة لا يبقي معها للّه محرّم إلا استحل...[راجع الحديث رقم 45 ج 1].و أشار مرة ثانية إلي هذه الفتن الثلاثة بحديث آخر هو[الحديث رقم 47 ج 1].

و وضح رسول اللّه الصورة فقسم الفتن إلي أربعة،ففي الأولي يصيبهم البلاء حتي يقول المؤمن هذه مهلكتي،ثم تنكشف،و تنكشف الثانية و تطول الثالثة، فكلما قيل بأنها قد انقضت تتمادي،و تتسع،أما الفتنة الرابعة فيصير المسلمون فيها عمليا إلي الكفر...[راجع الحديث رقم 46 ج 1].و بسّط الرسول الصورة للمسلمين و وضحها قائلا:بالفتنة الأولي يستحل الدم،و الثانية يستحل فيها الدم و المال،و الثالثة يستحل فيها الدم و المال و الفرج،أما الرابعة فيقودها الدجال.

[راجع الحديث رقم 48 ج 1].

و ركز الإمام محمد الباقر علي فتنة بالشام يطلب الناس المخرج منها فلا يجدونه.[راجع الحديث رقم 732 ج 3].

و ذكر الباقر أيضا بأنه سيكون هنالك قتل ظاهر بين الكوفة و الحيرة[الحديث رقم 732 ج 3].

و يصور الرسول إحساس الناس آنذاك بقوله:«حتي لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم».[الحديث رقم 44].و في حديث آخر تراه يقول:«ثم تكون فتنة كلما قيل انقطعت تمادت حتي لا يبقي بيت إلا دخلته و لا مسلم إلا حكته».

[الحديث رقم 43].و في حديث ثالث يصف رسول اللّه الحالة...فيقول....

و حتي يأتي الرجل القبر فيقول يا ليتني كنت مكانك.[الحديث رقم 50 ج 1].

و وصف الإمام علي تلك الحالة بقوله:«تمتليء الأرض ظلما و جورا حتي يدخل

ص: 223

كل بيت خوف و حرب....».[الحديث رقم 565 ج 3].

المهدي هو الحل،و هو الدواء و بعد أن شخّص رسول اللّه،جانب الفتن أكد أن المهدي هو الوحيد الذي سيقضي علي هذه الفتن و يعيد الأمور إلي نصابها، ففي كل حديث من الأحاديث التي ذكرناها فتحه رسول اللّه بالقول:«حتي لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم فيبعث اللّه رجلا من عترتي...».[الحديث رقم 44 ج 1].و في[الحديث رقم 45]قال:«....ثم تكون فتنة فلا يبقي للّه محرم إلا استحل،ثم يجتمع الناس علي خيرهم رجلا«يعني المهدي»....[الحديث رقم 45 ج 1].

و في الحديث رقم 50 ج 1،قال الرسول«...لا يستقيم أمرهم حتي ينادي مناد من السماء عليكم بفلان«يعني المهدي».و مثله قول الرسول أيضا...«ثم تكون أمور كريهة شديدة عظيمة،ثم يخرج المهدي من ولدي...».[الحديث رقم 52 ج 1]،و إلي هذه المعاني أشار الإمام الباقر بقوله:«يا جابر لا يظهر القائم حتي يشمل الناس بالشام فتنة يطلبون المخرج منها فلا يجدونه»...[راجع الحديث رقم 732 ج 3].

و الخلاصة أنه عندما تتمادي الفتن و تتسع لتشمل الناس،يصبح المهدي هو المخرج الوحيد من سلسلة الفتن التي لا تنقطع و أن تمادي الفتن علامة بارزة من علامات ظهور المهدي المنتظر.

2-امتلاء الأرض بالظلم و الجور و العدوان:الظلم و الجور و العدوان و الفتن المتلاحقة،و الشرور التي تعصف ببني البشر كلها،ثمرات مرة و طبيعية لحكم الظالمين،و لفقههم فقه الهوي الفاسد.

فكل ظالم علي الإطلاق يستولي علي السلطة بالقوة و التغلب و كثرة الأتباع الراكضين خلفه طمعا برغيف العيش،فإذا قبض الظالم علي السلطة،يخترع و زمرته فقه هوي خاصا به،ليسوس و فقه المجتمع العاثر الحظ الذي سقط بين مخالب الظالم و أعوانه،فيفسدون بفقههم هذا كل شيء في المجتمع،و يتبخر القسط و العدل و الرحمة،و تصبح أسماء لا مضامين لها،و تمتليء أرض الأقليم الذي يحكمه الظالم بالظلم و الجور و العدوان،و يغلب الناس علي أمرهم فيسكتون

ص: 224

رغبة،أو رهبة،و قد يتمادي الظالم فيسمي ظلمه عدلا،و قسوته رحمة،و يقلب كل الحقائق رأسا علي عقب،أو يحرفها فيمسخها،حتي إذا ما دنت منية الظالم عهد بحكمه و بخلافته لابنه أو أخيه أو قريبه،أو صديقه،و تستمر دورة التغلب و العهد حتي يظهر من عالم الغيب متغلب جديد،فتبدأ عهود ظلم جديدة،و دورة جديدة من دورات العهد و التعاقب علي الحكم.هذه هي الطريقة الوحيدة التي يتولي فيها الظالمون الحكم ضاربين عرض الحائط بالشرعية الإلهية.

و يبدو أن هذه الطريقة ستنتشر علي مستوي الكرة الأرضية لها،بحيث يستولي الظالمون في كل إقليم من أقاليم الأرض،و في كل مجتمع من المجتمعات البشرية علي السلطة بالقوة و التغلب و كثرة الأتباع،و يفرضون علي مجتمعاتهم فقه هواهم،حيث سيصبح العالم كله تحت حكم الظالمين،و بحيث يسوس فقههم الفاسد كافة المجتمعات البشرية.و نتيجة لحكم الظالمين و لسيادة فقههم تمتليء الأرض بالظلم و الجور و العدوان،و تكتوي البشرية بهذا الجحيم الشامل؛هنا فقط يظهر الإمام المهدي المنتظر،ليملأ الأرض قسطا و عدلا بالحكم الإلهي،بعد أن ملأها الظالمون بالظلم و الجور الناتج عن حكمهم و فقههم،فامتلاء الأرض بالظلم و الجور و العدوان،و شمول حكم الظالمين للعالم كله،و سيادة فقههم علامة بارزة من علامات ظهور المهدي المنتظر،لأنه المؤهل الوحيد لقطع دابر الفتن،و قصم ظهور الظالمين،و رفع فقههم من الأرض،و هو المؤهل الوحيد ليملأ الأرض قسطا و عدلا بعد أن ملئت ظلما و جورا.و هذا ما عناه الرسول بسيل الأحاديث التي عالجت هذه الناحية.و هذا أيضا ما عناه الإمام الباقر بقوله:«لا يخرج المهدي حتي ترقي الظلمة».[راجع الحديث رقم 801 ج 3 من المعجم،و راجع الأحاديث النبوية أرقام 51 و 62 و 63 و 565 من أحاديث المعجم].

3-الحرب و الطاعون:لا يكتفي الظالم بإذلال رعيته،و إرغامها علي أن تفض مشكلاتها وفق قواعد فقه الهوي الذي اخترعه،و لا يكتفي بأن يملأ الأقليم الذي يحكمه بالظلم و الجور و العدوان،بل يطمع بأن يوسع رقعة ملكه علي حساب ممالك الظالمين المحيطة به،و تعميم فقهه؛هذه طبيعة ثابتة بظلمة الأرض؛ و نتيجة لهذه المطامع تنشأ و تنشب الحروب بين الظالمين و كلها حروب عدوانية لا

ص: 225

ناقة للشعوب بها و لا جمل و غايتها توسيع رقعة الملك،و تعميم الفقه الفاسد،أو درء خطر يتهدد ملك ظالم،و قد يكون الخطر و هميا،لا وجود له إلا في ذهنية الظالم المريض.و بمناخ الحروب و الدمار تنتشر الأمراض بين الناس و علي الأخص مرض الطاعون.

و هذا ما عناه رسول اللّه بسيل الأحاديث التي تحدثت عن الفتن و التي أشرنا إليها قبل قليل.و هذا ما وضحه الإمام الباقر بقوله:«قدام القائم موتان موت أحمر و موت أبيض حيث يذهب من كل سبعة خمسة،الموت الأحمر السيف،و الموت الأبيض الطاعون».[الحديث رقم 994 ج 1].و مثله قوله:«لا يكون هذا الأمر أي لا يظهر المهدي»حتي يذهب ثلث الناس،فقيل له:إذا ذهب ثلث الناس فما يبقي فقال عليه السّلام:«أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي»[الحديث رقم 995 ج 3 من المعجم]،و تلك علامة بارزة من علامات ظهور المهدي المنتظر.

علامات أخري لظهور المهدي المنتظر

و ذكر أئمة أهل بيت النبوة علامات أخري لظهور الإمام المهدي منها:

1-روي عن الإمام الباقر قوله:«إذا رأيتم نارا من قبل المشرق شبه الهردي العظيم تطلع ثلاثة أيام أو سبعة فتوقعوا فرج آل محمد»...[الحديث رقم 783].

2-و روي عن الإمام السجاد قوله:«يكون قبل خروجه«أي المهدي»خروج رجل يقال له عون السلمي بأرض الجزيرة و يكون مأواه بكريت،و قتله بمسجد دمشق،ثم يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند،ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس و هو من ولد عنبسة ابن أبي سفيان.[راجع الحديث رقم 720 ج 3].

3-و روي عن الإمام الصادق قوله:«يزجر الناس قبل قيام القائم عن معاصيهم بنار تظهر في السماء،و حمرة تجلل السماء،و خسف ببغداد،و خسف ببلدة البصرة و دماء تسفك بها،و خراب دورها،و فناء يقع في أهلها،و شمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار».[الحديث رقم 1047 ج 4].

4-و روي عن الإمام علي قوله:«إذا اختلف الرمحان بالشام لم تنجل إلا

ص: 226

عن آية من آيات اللّه،قيل و ما هي يا أمير المؤمنين»؟قال:رجفة تكون بالشام يهلك فيها أكثر من مائة ألف،يجعلها اللّه رحمة للمؤمنين و عذابا علي الكافرين فإذا كان ذلك،فانظروا إلي أصحاب البراذين الشهب المحذوفة،و الرايات الصفر تقبل من المغرب حتي تحل بالشام،و ذلك عند الجزع الأكبر و الموت الأحمر، فإذا كان ذلك فانظروا خسف قرية من دمشق يقال لها حرستا،فإذا كان ذلك خرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس،حتي يستولي علي منبر دمشق،فإذا كان ذلك فانظروا خروج المهدي».[راجع الحديث رقم 631 ج 3 من المعجم و المراجع المدونة تحته].

5-و روي عن الإمام قوله:«سنة الفتح ينبثق الفرات حتي يدخل في أزقة الكوفة».[راجع الحديث 1056].و قبل ظهور الإمام المهدي بسنة يفسد الثمار و التمر في النخل».[الحديث رقم 1055]،و روي عنه أيضا:أن المهدي لا يخرج إلا في وتر من السنين سنة إحدي،أو ثلاثة،أو خمسة،أو سبع أو تسع، [الحديث رقم 1053]،و روي عن الإمام جعفر قوله:«العام الذي فيه الصيحة قبله الآية في رجب،قلت و ما هي؟قال وجه يطلع في القمر و يد بارزة».[الحديث رقم 1058]،و أن المهدي سيظهر يوم السبت الموافق العاشر من محرم يوم عاشوراء، حيث سيكون بين الركن و المقام.[الحديث 1060].قال ابن حماد في ص 92:

«ينحسر الفرات عن جبل من ذهب و فضة،فيقتل عليه من كل تسعة سبعة،...

[راجع عصر الظهور للشيخ علي الكوراني ص 118،و راجع الأحاديث النبوية المتعلقة بالكنز و هي تحمل الأرقام 294-296 ج 1].

6-جاء في صحيح مسلم ج 8 ص 180 لا تقوم الساعة حتي تخرج نار بالحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصري،أي يصل نورها إلي مدينة بصري بسوريا، [راجع عصر الظهور ص 265].

7-«تتفق الأحاديث في مصادر الشيعة و السنة علي أن مقدمة ظهور المهدي في الحجاز حدوث فراغ سياسي فيه و صراع علي السلطة بين قبائله».راجع عصر الظهور ص 261،بدايته قتل ملك بسبب قضية أخلاقية،ثم تهتز مؤسسة الحكم في الحجاز فكلما نصبوا ملكا لا يبقي لأكثر من سنة،و ينتهي الأمر إلي ظهور

ص: 227

المهدي.[راجع عصر الظهور ص 262].

8-و يفهم من بعض الأحاديث النبوية بأن أرض العرب قبل ظهور المهدي بقليل أو بعد ظهوره،ستعود مروجا و أنهارا،و أكبر الظن بأن هذه التغييرات الجيولوجية الجذرية في أرض العرب ستحدث بعد ظهور المهدي،و بعد أن تنزل السماء كل قطرها،و تخرج الأرض كل مائها و نبتها كما بين الرسول،علي ضوء هذا الفيض من العطاء تحدث تلك الانقلابات الجيولوجية.

9-و بيّن رسول اللّه بأن اللّه يبعث المهدي بعد يأس و حتي يقول الناس لا مهدي...[راجع الحديث رقم 312 ج 1 من المعجم].

10-و بيّن رسول اللّه بأن المهدي لا يخرج حتي تقتل النفس الزكية،فإذا قتلت غضب عليهم من في السماء و من في الأرض،فأتي الناس المهدي فزفوه كما تزف العروس إلي زوجها ليلة عرسها...[الحديث رقم 319،و جاء في الحديث رقم 320«تستباح المدينة و تقتل النفس الزكية»].

11-و تتكون قناعة خاطئة و عامة عند الناس مفادها أنه ليس للمسلمين حاجة بآل محمد فهم كغيرهم من الناس.[راجع الحديث رقم 614 من المعجم].

ص: 228

الفصل السابع: علامات تتزامن مع ظهور المهدي المنتظر

اشارة

ظهور العلامات البارزة السابقة التي أشرنا إليها قبل قليل،يفيد قطعا بأن المهدي المنتظر قد تلقي الأمر الإلهي بالظهور،و أنه يتأهب للظهور بالفعل، و بالتالي يتوجب علي أوليائه أن يتوقعوا ظهوره بالعشي و الإبكار،لأن تلك العلامات بوجه من وجوهها بشائر بظهور المهدي،و بشائر بالإنقاذ و الهدي.

و هنالك نمط آخر من العلامات،حيث يتزامن ظهور تلك العلامات تماما مع الوقت الذي يبدأ فيه المهدي المنتظر بالظهور،و أبرز تلك العلامات ظهور شخصية أموية،حاقدة علي آل محمد،تحاول و بكل ما تيسير لها من قوة أن تحول بين المهدي و بين سعيه لإقامة دولة آل محمد،و قد أطلقت الأحاديث علي هذه الشخصية لقب«السفياني».

السفياني،و ابن آكلة الأكباد

السفياني هذا من ولد أبي سفيان،و هو حفيد هند أم معاوية المعروفة بآكلة الأكباد،لأنها حاولت أن تأكل كبد حمزة سيد الشهداء،و أبوه عنبسة.[راجع الحديث رقم 632 ج 3 من المعجم].و يبدو أن هذا الرجل مقيم في الوادي اليابس أو أن قاعدة انطلاقه بهذا الوادي.[راجع الحديث رقم 631 ج 3].

و تصف بعض الأحاديث السفياني بالقول:«بأنه أحمر أشقر أزرق لم يعبد اللّه قط،

ص: 229

و لم ير مكة و لا المدينة».[الحديث رقم 804]،و قد أكدت الأحاديث بأن خروج السفياني من المحتوم الذي لا مفر منه..[راجع الحديث رقم 811]،الذي رواه الإمام جعفر الصادق و نقل الشيخ علي الكوراني و هو من المتبحرين في«نظرية المهدي»بأن حركة السفياني ستستمر 15 شهرا.[راجع عصر الظهور،للشيخ علي الكوراني]يقضي من هذه المدة تسعة شهور في العراق.[راجع الحديث رقم 805 ج 3].

و يبدو واضحا بأن السفياني قد وعي تاريخ أجداده الأمويين و صراعهم الحافل مع النبي و آله،و ورث حقدهم الدفين علي آل محمد خاصة،و الهاشميين عامة،و أنه قد استوعب تجربة جده معاوية و أدرك،بل و تيقن من إمكانية تركيع الأمة بالقوة و حكمها بالتغلب و القهر،و يبدو أيضا بأن السفياني رجل ذكي و خبيث،تيقن من حتمية ظهور المهدي،و أن هذا المهدي هاشمي و من ذرية محمد و أنه سيكوّن دولة لآل محمد تحكم العالم كله،فأخذ الحقد يغلي في قلبه كالمرجل،و صمم أن يحاول و بكل قواه صرف شرف المهدية عن المهدي الهاشمي،تماما،كما حاول أجداده أن يصرفوا شرف النبوة عن محمد الهاشمي، و صمم السفياني علي بناء ملك خاص بالأمويين تماما،كما فعل جده معاوية، و يلوح لي بأن المهدي سيجمع حوله كل الكارهين لآل محمد و الحاقدين عليهم، و آل الدنيا و سفلة المغامرين و المرتزقة؛و يبدو أن الرجل سينجح و سيجتاج حوران و درعا،و سيصل إلي دمشق،و يعلو منبرها.[راجع الحديث 631]،و يبدو أنه سيحتل الأردن،و سيغزو العراق،و يبلغ السفياني أن المهدي المنتظر قد ظهر في مكة،فيجهز السفياني جيشا كبيرا لغزو المدينة و القضاء علي حركة المهدي و هي في مهدها،و يسمع المسلمون بهذا الجيش الزاحف خاصة أهل الحجاز،و يسير جيش السفياني بالفعل،و خلال هذه المدة يكتب السفياني للقادة الإيرانيين ليدخلوا في طاعته،و تصل رسل السفياني إلي إيران بالفعل.

و يبدو أن السفياني قد كتب لأمراء العالم الإسلامي،ليدخلوا في طاعته و ليس من المستبعد أنه قد يرفع شعارات الوحدة الإسلامية،و مصلحة المسلمين، كما فعل جده معاوية،و في يوم من الأيام يفاجأ السفياني بأن الجيش الذي قد

ص: 230

أرسل للقضاء علي حركة المهدي المنتظر قد خسفت به الأرض،و لم ينج منه غير اثنين،أحدهما بشّر أهل الحجاز بالخسف،و الآخر أحاط السفياني علما بنبإ هلاك الجيش كله،و يدرك المسلمون ساعتها،و بعد انتشار خبر هلاك جيش السفياني، أن المهدي قد ظهر بالفعل.[راجع الحديث رقم 810 ج 3 و 809 و 997 و 803 و 658،راجع الأحاديث النبوية ذوات الأرقام 324 و 325 و 326-329].

و قد أجمعت الأمة علي صحة الأحاديث و تواترها و علي حتمية حدوث الخسف.و الخلاصة أن السفياني يتلازم وجوده مع ظهور المهدي حتي قيل أنه لا مهدي بدون سفياني،فظهور السفياني أمر محتوم.راجع[الحديث رقم 712].

و تتحدث الأحاديث النبوية عن ثلاثة سفيانيين،و ما يعنينا هو السفياني الذي يرسل جيشا إلي الحجاز للقضاء علي حركة المهدي،فيخسف بذلك الجيش و لا ينجو منه إلا اثنان فقط،و يبدو أن«الثلاثة»علي خط واحد،و لهم هدف واحد، و بعضهم يخلف بعضا

حملة الرايات السود

و من العلامات البارزة المتزامنة مع ظهور الإمام المهدي،الرايات السود، أو أصحاب الرايات السود،و قد روي الأحاديث المتعلقة بالرايات السود الأئمة من أهل بيت النبوة،ثم رواها أكابر علماء شيعتهم،مثلما رواها العلماء الأعلام من شيعة الخلفاء«أهل السنة»،و قد صحت هذه الأحاديث عند الطرفين،و تواترت عندهم و شاعت بين المسلمين،حتي تحولت إلي قناعة عامة تقرأ بالضرورة مع نظرية المهدي المنتظر المستقرة أركانها و بناها في النفس الإسلامية.

و يبدو أن أصحاب الرايات السود من إيران،و أن السبب المباشر لخروج أصحاب الرايات السود يكمن بخروج السفياني،فأهل إيران من موالي أهل بيت النبوة المخلصين و شيعتهم الصادقين،و الأكثرية الساحقة جدا من الإيرانيين يؤمنون بحتمية ظهور الإمام المهدي،و أنه الإمام محمد بن الحسن العسكري ثاني عشر أئمة أهل بيت النبوة،و من مدة طويلة،و هم يتوقعون ظهور هذا الإمام، فعندما يخرج السفياني الأموي،و يحاول أن يبني ملكا أمويا جديدا علي غرار ملك

ص: 231

معاوية و ذرية الحكم بن العاص هذا الملك الذي مس أهل بيت النبوة و من والاهم بنصب و عذاب،فإن الإيرانيين الذين وعوا التاريخ السياسي للخلافة التاريخية لن يقبلوا بتكرار مأساة الحكم الأموي،بل سيقاتلون حتي آخر رجل منهم للحيلولة دون ذلك،ثم إنه حسب رصد الخاصة من الإيرانيين،فإن آوان ظهور المهدي قد حان،و العلامات كلها قد ظهرت،و لا بد أن يكون ذلك الأموي الطامع ببناء ملك لبني أمية،و توحيد المسلمين تحت الراية الأموية،لا بد أن يكون هو السفياني اللعين الذي أشارت إليه الأحاديث النبوية،و الذي يتزامن ظهوره مع ظهور الإمام المهدي،و تلك هي الفرصة الذهبية التي ترقبها الإيرانيون ليقفوا إلي جانب المهدي المنتظر المنقذ الذي طال انتظاره،و ينالوا شرف موالاته و نصرته،أضف إلي ذلك فإن شيعة أهل بيت النبوة المخلصين قد تعلموا من وقائع التاريخ،و آلوا علي أنفسهم بأن لا تتكرر مأساة خذلان الإمام الحسين،فإذا كان المسلمون قد تركوا الإمام الحسين وحيدا في كربلاء،و لم ينصروه،فإن الشيعة الصادقة لن تترك الإمام المهدي وحيدا بل ستقف معه،وقفة رجل واحد،و ستقاتل دونه حتي الموت.

هذه الأسباب مجتمعة و منفردة هي التي ستقف وراء خروج أصحاب الرايات السود للتصدي لذلك المغامر الأموي،و من والاه،و لنصرة الإمام المهدي المنتظر و المساهمة بإقامة دولة آل محمد،دولة العدل الإلهي التي طال انتظارها.

قال الإمام علي:«إذا خرجت الرايات السود...التي فيها شعيب بن صالح،تمني الناس المهدي فيطلبونه..فيخرج المهدي من مكة و معه راية رسول اللّه...».[الحديث 620].

و جاء في حديث آخر:«إذا خرجت خيل السفياني إلي الكوفة،بعث في طلب أهل خراسان و يخرج أهل خراسان في طلب المهدي»...و يلتقي الجيش الإيراني مع جيش السفياني في منطقة«اصطخر»و تكون بين الجيشين ملحمة عظيمة،تظهر فيها الرايات السود.[راجع الحديث رقم 621].و قد شجعت الأحاديث المسلمين علي الالتحاق و الانضمام لحملة الرايات السود القادمين من إيران مثل قول الإمام علي لأحد محدثيه«يا عامر إذا سمعت الرايات السود مقبلة،

ص: 232

فاكسر ذلك القفل و ذلك الصندوق حتي تقتل تحتها،فإن لم تستطع،فتدحرج حتي تقتل تحتها».[راجع الحديث رقم 624].و مثل قوله:«إذا رأيت أهل خراسان أصبتم أنتم إثمها،و أصبنا نحن برها».و يبدو أن الإمام بهذا الحديث يخاطب أحدا أو جماعة من أعداء أهل النبوة.[راجع الحديث 625].و يبين الإمام بأن القائم العام لحملة الرايات السود رجل من بني هاشم و علي مقدمة جيشه رجل من بني تميم يدعي شعيب بن صالح.[راجع الحديث رقم 623]،و يقسم الإمام بأن الليل و النهار لا يذهبان حتي تجيء الرايات السود من قبل خراسان،و يربطوا خيولهم بنخلات بيسان و الفرات،[الحديث رقم 626،و راجع الحديث رقم 797].و يبين الإمام جعفر الصادق،بأن الرايات السود تخرج من خراسان و عند ظهور المهدي يبعثون له بالبيعة من العراق.[راجع الحديث رقم 797].

و الأحاديث النبوية تتفق تماما مع الأحاديث التي رواها علماء أهل السنة عن النبي و من ذلك قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إنا أهل بيت اختار اللّه لنا الآخرة علي الدنيا،و إن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء و تطريدا و تشريدا حتي يأتي قوم من نحو المشرق أصحاب رايات سود،يسألون الحق فلا يعطونه،فيقاتلون فينصرون،فيعطون ما سألوا فلا يقبلوها حتي يدفعوها إلي رجل من أهل بيتي،فيملأها عدلا كما ملأوها ظلما فمن أدرك ذلك منكم،فليأتهم و لو حبوا علي الثلج فإنه المهدي.[راجع الحديث رقم 245،و راجع المصادر المدونة تحته،منها ابن حماد ص 84،و ابن أبي شيبة ج 15 ص 235 ح 1973،و ابن ماجه ج 2 ص 366 ح 4082،و أبو داود، و الحاكم و قرابة أربعين مرجعا من المراجع المعتمدة عند أهل السنة].و تحدث الرسول عن بلاء يلقاه أهل بيته من بعده،حتي تأتي رايات من المشرق سوداء من نصرها نصره اللّه،و من خذلها خذله اللّه...[راجع الحديث رقم 246].و مثله قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي».[الحديث رقم 249]، و وصف رسول اللّه حملة الرايات السود بقوله:«تجيء الرايات السود من قبل المشرق،كأن قلوبهم زبر الحديد،فمن سمع بهم فليأتهم و لو حبوا علي الثلج».

[الحديث رقم 250،و الحديث رقم 251 و 253].و بيّن الرسول مثلما بيّن أئمة أهل بيت النبوة أن حملة الرايات السود الذين يخرجون لنصرة المهدي هم غير

ص: 233

الذين يحملون رايات بني العباس و علي سبيل المثال قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«تخرج من المشرق رايات سود لبني العباس،ثم يمكثون ما شاء اللّه،ثم تخرج رايات سود صغار تقاتل رجلا من ولد أبي سفيان و أصحابه من قبل المشرق،يؤدون الطاعة للمهدي».[الحديث رقم 255].و مثل قوله:«تخرج راية سوداء لبني العباس،ثم تخرج من خراسان أخري سوداء قلانسهم سود و ثيابهم بيض علي مقدمتهم رجل يقال لهم شعيب بن صالح...توطيء للمهدي».[راجع الحديث رقم 256].

و يتحدث الرسول عن قتال ضار يشتعل بين السفياني و رجاله و بين حملة الرايات السود و الخلاصة أن خروج حملة الرايات السود يتزامن مع خروج الإمام المهدي، و أنهم قد جاءوا لنصرته و محاربة أعدائه،و التوطيد له.[راجع الحديث 250 و ما فوق ج 1].

أحداث الحجاز و ظهور الإمام المهدي

بينت الأحاديث النبوية التي رواها أئمة أهل بيت النبوة،و العلماء الأعلام من شيعة الخلفاء«أهل السنة»أنه بالوقت الذي يتأهب فيه المهدي المنتظر للظهور ستحدث أزمة حكم في دولة الحجاز و ما حوله،بعد أن يقتل ملك تلك الدولة، و خمس عشرة شخصية من شخصيات تلك الدولة.[راجع الحديث رقم 303 ج 1 و المراجع المدونة تحته].و علي أثر هذه الحوادث يدب الخلاف و الاختلاف بين القبائل التي تدعم ذلك النظام،و تنقسم إلي شيع و أحزاب،و يختل حبل الأمن،حيث ينهب الحجاج،و تكون ملحمة بمني،يكثر فيها القتلي،و تسفك الدماء،حتي تسيل الدماء علي عقبة الجمرة.[راجع الحديث رقم 304 ج 1 و المراجع المدونة تحته].

و الخلاصة أنه لن يبقي لنظام الحجاز من الملك إلا الاسم فقط و بعض خلفاء الملك المقتول لن يبقي في الحكم إلا أشهرا و بعضهم أسابيع،و آخر أياما.[راجع أحاديث الإمام الصادق في البحار ج 52 ص 210 و 240،و حديث الإمام الباقر في كمال الدين للصدوق ص 655،و حديث الإمام الرضا في البحار ج 52

ص: 234

ص 210].و يبدو أن الإمام المهدي و بتوجيه من اللّه تعالي سيغتنم فرصة ضعف النظام و انهياره،فيظهر،و يبدو أيضا أن علية القوم أيضا سيبايعون المهدي دون أن يطلب منهم ذلك،و أن البيعة ستكون في مكة بين الركن و المقام.[راجع الأحاديث النبوية 303 و 304 و 305 و 306 و 307 ج 1 من المعجم،و راجع المراجع المدونة تحت كل منها].

و ما يعنينا هو التأكيد علي أن ظهور الإمام المهدي المنتظر سيتزامن مع أحداث نظام حكم الحجاز و مع الفتنة التي تقع بالحجاز،فيظهر المهدي المنتظر و ذلك النظام قائم من الناحية الشكلية،و يبايع في مكة التي تخضع اسميا لسلطة ذلك النظام،الذي سيقف عاجزا أمام انفلات الأمور من يده و مبايعة جزء من رعيته للمهدي،و أمام الخطر الناجم عن أنباء زحف جيوش السفياني إلي الحجاز و احتلالها للمدينة المنورة.

ص: 235

ص: 236

الباب الخامس: أنصار المهدي و أعوانه و نمط حكومته

اشارة

ص: 237

ص: 238

الفصل الأول: أنصار المهدي و أعوانه مؤمنون من نوع خاص

اشارة

نظرا لعظمة و ضخامة الغايات التي بعث اللّه الإمام المهدي لتحقيقها و لجسامة المهمات التي أناط به أمر تنفيذها،فقد هيأ اللّه تعالي له فئة مؤمنة صادقة من نوع خاص،لتحمّل معه أعباء مرحلة تأسيس و بناء دولة الحق-دولة آل محمد-.و أفراد تلك الفئة التي هيأها تعالي لنصرة المهدي هم خلاصة شيعة رسول اللّه،و أهل بيته المؤمنة التي عزلت و صمدت و تمسكت بدينها عبر التاريخ، و حملت لواء الحق و الإسلام الحقيقي وسط كثرة أدارت ظهرها للحق و للإسلام و ساهمت مساهمة فعالة مع أئمة الضلالة لحل عري الإسلام كلها عروة بعد عروة و تغريبه غربة كاملة عن الحياة،و عزل و تغريب المتمسكين به.إنها رمز الفئة الطاهرة المؤمنة الظاهرة الصابرة حتي ينزل عيسي ابن مريم.[الحديث رقم 29 ج 1 و مصادره المدونة تحته]،الفئة التي تمسكت بالحق،و لم تعبأ بمن ناوأها.

[الحديث:30 ج 1].إنها عصابة الحق التي لم تبال بمن خالفها،[الحديث:

31 ج 1]،و مصادره،إنها الفئة التي أعاضت العدو علي كثرته و قهرته،[الحديث 32]،و لم تكترث بخذلان الغوغاء لها[الحديث 33 ج 1]،إنها الفئة المسلمة التي حفظت جوهر الدين،و جسدت وجوده مع قلتها[حديث رقم 37]،إنها الفئة التي تفقهت في دينها،و قامت علي أمر اللّه،و رفضت فقه الهوي بكل أشكاله

ص: 239

و ألوانه،و صمدت أمام مكر تزول منه الجبال،[الحديث رقم 38 ج 1،و مصادره المدونة تحته]إنهم الناجمون بالابتلاء الإلهي،الذين محصوا و غربلوا كغربلة الزوان من القمح.[الحديث رقم 731 ج 3].إنهم أولياء حقا،الذين تمسكوا بالثقلين كتاب اللّه و بيان النبي لهذا الكتاب و بعترة النبي أهل بيته،لذلك استحقوا شرف الولاية،و حتي تتحقق هذه السمة المميزة لهم ينادي مناد بعد الخسف مباشرة:«بأن أولياء اللّه هم أصحاب المهدي».[راجع الحديث رقم 648 ج 3].

لكل هذه الأسباب أجزل اللّه ثوابهم،و أعطي الواحد منهم أجر خمسين شهيدا من شهداء الصحابة.[راجع الحديث رقم 25 و 26 ج 1].و لما سئل الرسول عن سر هذه المكافأة و الجزالة الإلهية بالعطاء،قال:إنكم لم تحملوا ما حملوا و لم تصبروا صبرهم.[راجع الحديث رقم 26 ج 1].

نوعيات و نماذج من أعوان المهدي و أنصاره

يمد اللّه تعالي عبده و وليه الإمام المهدي بنوعيات و نماذج من الأنصار و الأعوان تتناسب مع نبل الغايات و جسامة المهمات و خطورتها،و هي نماذج و نوعيات بشرية نادرة و مميزة من جميع الوجوه،و مؤهلة للمساهمة بثورة عالمية نوعية تطبع العالم سريعا بطابعها،و تصنع للبشرية عصرا ذهبيا،ما فرحت بمثله قط و لن تفرح،لأنه سيكون الثمرة الفعلية لكفاح الأنبياء و الرسل و الأوصياء و عباد اللّه الصالحين الذين واجهوا أئمة الضلالة و أعوانهم عبر التاريخ البشري.

و من هذه النوعيات و النماذج.

1-315 رجلا من أهل الشام-أهل الشام الذين حكمهم معاوية،و ثقفهم بثقافة التاريخ المعادية لعترة النبي أهل بيته،من الشام التي انطلقت منها موجات العداء لأهل بيت النبوة،و الحقد الأسود عليهم،فبعد أن يقول الناس لا مهدي، و بعد إياس تسير هذه الفئة المؤمنة من الشام إلي مكة،و تستخرج المهدي من بطن مكة من دار عند الصفا،ثم تبايعه،و يصلي بهم المهدي ركعتين صلاة المسافر، عند مقام إبراهيم،و بعدها يصعد المنبر ليعلن ظهوره و بداية عهده الذهبي.[راجع

ص: 240

الحديث رقم 312 ج 1 و المراجع المدونة تحته و الحديث 316،و الحديث رقم 641 و 648،و الحديث 659 و الحديث رقم 928 و الحديث رقم 1091،و قد بيّن الإمام جعفر الصادق أسماء ال 315 أو 312 و إلي أي بلد ينتمي كل واحد منهم راجع الحديث رقم 1099 و 1100].

2-و جاء في الحديث رقم 316..أنه إذا انقطعت التجارات و الطرق و كثرت الفتن خرج سبعة رجال علماء من أفق شتي علي غير ميعاد يبايع لكل رجل منهم ثلاثمائة و بضعة عشر رجلا حتي يجتمعوا بمكة فيقول بعضهم لبعض ما جاء بكم؟فيقولون جئنا في طلب هذا الرجل«يعني المهدي،و يبحثون عن المهدي ثم يعثرون عليه في النهاية و يبايعونه و يضعون أنفسهم تحت تصرفه».

3-الخضر و إلياس من أصحاب المهدي أيضا،الخضر في البحر و إلياس في البر يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس و بين ياجوج و ماجوح و يحجان كل سنة و يشربان من ماء زمزم،[راجع الحديث رقم 315 ج 1].و من المؤكد أنهما سيشهدان بيعة الإمام المهدي بين الركن و المقام و سيبايعانه،فمن غير الممكن عقلا أن تتم البيعة دون علمهما،أو يشهدا البيعة فلا يبايعان،لأن المهدي المنتظر ولي اللّه مثلهما،و هو حبيبهما و صديقهما.

4-و أخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن النبي أنه قال:«أصحاب الكهف أعوان المهدي».[راجع الحديث رقم 313،و المراجع المدونة تحته].

5-و روي الإمام علي:«...فيجمع اللّه تعالي له قوما قزع كقزع السحاب، يؤلف اللّه بين قلوبهم،لا يستوحشون إلي أحد،و لا يفرحون بأحد يدخل فيهم علي عدة أصحاب بدر،لم يسبقهم الأولون و لا يدركهم الآخرون،و علي عدد أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر».[راجع الحديث رقم 641،و المراجع المدونة تحته؛منها المستدرك للحاكم ج 4 ص 554،و مقدمة ابن خلدون ص 252- 253 ف 43...].

و مثله قوله أيضا:«...و بقي المؤمنون،و قليل ما يكونون،تجاهد معه عصبان جاهدت مع رسول اللّه يوم بدر لم تقتل و لم تمت».[راجع الحديث رقم 646].

ص: 241

و مثله قوله:«...يجمع اللّه له«للمهدي»عسكره في ليلة واحدة و هم ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض.ثم ذكر تفصيلهم و أماكنهم و بلادهم...و يتقدم المهدي...و يسيرون جميعا إلي أن يأتوا بيت المقدس...

[الحديث رقم 659].

6-و روي عن الإمام جعفر الصادق قوله:«الأبدال من أهل الشام و النجباء من أهل الكوفة يجمعهم اللّه لشر يوم لعدونا»...[راجع الحديث 1092 ج 4].

و روي الإمام علي:«إذا قام قائم أهل محمد جمع اللّه له أهل المشرق و أهل المغرب فيجتمعون كما يجتمع قزع الخريف،فأما الرفقاء فمن أهل الكوفة،و أما الأبدال فمن أهل الشام».[الحديث رقم 642 ج 3].و مثله قوله:«الأبدال بالشام،و النجباء بمصر و العصائب بالعراق»[الحديث 645].و مثله قول الإمام الباقر...إذا سمع العائذ بمكة«المهدي»بالخسف خرج مع اثني عشر ألفا فيهم الأبدال...[راجع الحديث 851].

7-و روي عن الإمام الباقر قوله:«إذا ظهر القائم و دخل الكوفة بعث اللّه تعالي من ظهر الكوفة سبعين ألف صديق في أصحابه و أنصاره»....[الحديث رقم 867].

8-أهل قم من أنصار الإمام المهدي و أعوانه:قال الإمام جعفر الصادق:

أتدري لم سمّي قم؟قلت:اللّه و رسوله و أنت أعلم،قال إنما سمي قم لأن أهله يجتمعون مع قائم آل محمد،و يقومون معه و يستقيمون عليه و ينصرونه».[راجع الحديث رقم 1038].و مثله قول الإمام الصادق:«تربة قم مقدسة،و أهلها منا و نحن منهم لا يريدهم جبار بسوء إلا عجلت عقوبته ما لم يخونوا إخوانهم،فإذا فعلوا ذلك سلط اللّه عليهم جبابرة سوء أما إنهم أنصار قائمنا و دعاة حقنا،ثم رفع رأسه إلي السماء و قال:«اللّهم اعصمهم من كل فتنة و نجّهم من كل هلكة».

[راجع الحديث 1040 ج 4]،و مثله قول الباقر أيضا:«إن اللّه احتج بالكوفة علي سائر البلاد و بالمؤمنين من أهلها علي غيرهم من أهل البلاد،و احتج ببلدة قم علي سائر البلاد و بأهلها علي جميع أهل المشرق و المغرب من الجن و الإنس،و لم يدع اللّه في قم و أهلها مستضعفا،بل وفقهم و أيدهم...[الحديث رقم 1041 ج 1].

ص: 242

9-و قد رأيت في المباحث السابقة أن حملة الرايات السود هم من أنصار المهدي و أعوانه و هم كأهل قم من إيران المسلمة.

10-أنصار و أعوان مدخرون:قال الإمام جعفر الصادق:«اركض برجلك فإذا بحر تلك الأرض علي حافتيها فرسان قد وضعوا رقابهم علي قرابيس سروجهم»...فقال أبو عبد اللّه:«هؤلاء أصحاب القائم عليه السّلام.[راجع الحديث رقم 1101 ج 4].

من صفات أصحاب المهدي و أنصاره

تحت عنوان:«مؤمنون من نوع خاص»عالجنا بالفقرة السابقة الخط العام لأصحاب المهدي و أنصاره،و أبرزنا الصفات الإيمانية الأصيلة التي اتصفوا بها و أهلتهم لينالوا شرف محبة الإمام المهدي و نصرته و شرف المساهمة بتحقيق الغايات الكبري التي بعث اللّه الإمام المهدي لتحقيقها و في هذه العجالة سنذكر نماذج من الصفات الخاصة التي خلعها اللّه و رسوله علي أصحاب المهدي و أنصاره:

1-من ذلك قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«...و هم أسد بالنهار رهبان بالليل».[الحديث 316 ج 1].

2-و ما رواه الإمام علي بقوله:«...لم يسبقهم الأولون و لا يدركهم الآخرون...».[الحديث رقم 641 ج 3].

3-و مثله قوله:«...فبأبي و أمي من عدة قليلة أسماؤهم في الأرض مجهولة،قد دان حينئذ ظهورهم»...[الحديث رقم 643].

4-إن أصحاب القائم شباب لا كهول فيهم إلا كالكحل في العين أو كالملح في الزاد،و أقل الزاد الملح».[الحديث رقم 644].

5-«...و بقي المؤمنون،و قليل ما يكونون،ثلاثمائة أو يزيدون...».

[الحديث رقم 646 ج 3].

ص: 243

6-...و مثله قوله:«...ينادي مناد بأن أولياء اللّه هم أصحاب المهدي».[الحديث رقم 648].

7-و مثله«طوبي لمن شهد...مع قائم أهل بيتي أولئك خير الأمة مع أبرار العزة».[الحديث رقم 651].

8-«..قوم شديد كلبهم،قليل سلبهم،يجاهدون في سبيل اللّه،قوم أذلة عند المستكبرين،في الأرض مجهولون،و في السماء معروفون..».[الحديث رقم 672 ج 3].

9-و مثله قوله:«...يؤيده اللّه بملائكته و يعصم أنصاره...».[الحديث رقم 692].

10-و مثله:«...كأني بأصحاب القائم و قد أحاطوا بما بين الخافقين فليس من شيء إلا و هو مطيع لهم،حتي سباع الأرض،و سباع الطير يطلب رضاهم في كل شيء،حتي تفخر الأرض علي الأرض و تقول مر بي اليوم رجل من أصحاب القائم...».[الحديث رقم 818].

11-«...إن اللّه تعالي يلقي في قلوب شيعتنا الرعب،فإذا قام قائمنا و ظهر مهدينا،كان الرجل أجرأ من ليث و أمضي من سنان».[الحديث رقم 821].

12-«...إنكم مؤمنون و لكن لا تكملون إيمانكم حتي يخرج قائمنا فعندها يجمع اللّه أحلامكم فتكونوا مؤمنين كاملين...».[الحديث رقم 1093].

13-«ثلاثمائة و ثلاثة عشر و كل واحد منهم يري نفسه في ثلاثمائة».

[الحديث رقم 1091].

14-«...يعطي المؤمن قوة أربعين رجلا...».[الحديث 1099].

جموع المؤيّدين للإمام المهدي

بعد أن يظهر الإمام المهدي نفسه و يبايع في مكة،و يدخل أهلها في طاعته، و بعد أن ينتشر نبأ واقعة الخسف بجيش السفياني،و بعد أن يسمع الناس النداء السماوي،و تتوالي أنباء الآيات و المعجزات التي زود اللّه بها الإمام المهدي،يتردد

ص: 244

اسم المهدي علي كل لسان،و يتيقن الخاصة و العامة بأن نجم المهدي قد تألق بالفعل،و أن خطه هو الطريق إلي المستقبل،عندئذ يبدأ الناس بالتعرف عليه، و التعاطف معه،و التفكير بطرق التخلص من أئمة الضلالة،و لكن علي استحياء، لأن لا شعورهم مسكون بالرعب و الخوف من الظالمين،و بالتالي لن تكون لهم القدرة علي المواجهة،لأنهم مهزومون من داخل نفوسهم،و لكنهم يقولون بأنفسهم لو جاءهم المهدي لما قاتلوه،أما المجتمعات التي تخلصت من حكم الظالمين فإن أبناءها سيؤيدون المهدي رغبة بما فيه يديه أو رهبة،أو قناعة بسيطة به.فبعد مبايعته في مكة و بسط سلطانه عليها يخرج معه عشرة آلاف مقاتل فيسير بهم و هو يحمل راية رسول اللّه:«السحّابة»و درع رسول اللّه«السابغة»و يتقلد سيف رسول اللّه ذي الفقار...[راجع الحديث رقم 831]،و في المدينة يتبعه أناس منها بعد أن يبسط سلطانه عليها،ثم يؤيده حملة الرايات السود دون أن يروه،و يؤيده أناس من مصر و من الشام،و من العراق،و من اليمن،و من غيرها فيأتون إليه و ينضمون لمعسكره أو ينتظرون قدومه،أو يبعثون له بالبيعة.و تصف الأحاديث أنماط هذا التأييد و إليك نماذجا منها.

1-قال الإمام«الباقر»:«إن اللّه يلقي في قلوب شيعتنا الرعب،فإذا قام قائمنا و ظهر مهدينا،كان الرجل أجرأ من ليث و أمضي من سنان».[الحديث رقم 821 ج 3].

2-و مثله قول الإمام الصادق:«بينما شباب الشيعة علي ظهور سطوحهم ينامون،إذ توافوا إلي صاحبهم في ليلة واحدة علي غير ميعاد،فيصبحون بمكة».

[الحديث رقم 1080].

3-و قول الصادق أيضا:يكون مع القائم ثلاث عشرة امرأة،و عندما سئل و ما يصنع بهن؟قال:يداوين الجرحي،و يقمن علي المرضي...[الحديث 1094].

4-قال الإمام علي:إذا قام قائم آل محمد جمع اللّه له أهل المشرق و أهل المغرب،فيجتمعون كما يجتمع قزع الخريف...[الحديث رقم 642].

ص: 245

الفصل الثاني: الملائكة من أعوان المهدي و أنصاره أيضا

اشارة

1-لما عرج برسول اللّه إلي السماء السابعة،و منها إلي سدرة المنتهي، و منها إلي حجب النور ناداه الحق جل جلاله قائلا يا محمد....و بالقائم منكم أعمر أرضي...و به أطهر الأرض من أعدائي و أورثها أوليائي....و أمده بملائكتي لتؤيده علي إنفاذ أمري،و إعلان ديني،ذلك وليي حقا،و مهدي عبادي صدقا».[راجع الحديث رقم 123 ج 1].فإمداد اللّه تعالي للمهدي بالملائكة، قرار قد أتخذ من الأزل و وعد إلهي قد صدر،إن اللّه لا يخلف الميعاد.

2-و قد أكد الرسول الكريم هذه الحقيقة بقوله:«...لطول اللّه ذلك اليوم حتي يأتيهم رجل من أهل بيتي تكون الملائكة بين يديه و يظهر الإسلام».[راجع الحديث رقم 84 و راجع مراجع أهل السنة المدونة تحته].

3-و روي عن الإمام الحسن قوله:«يؤيده اللّه بملائكته»...[راجع الحديث رقم 692].

4-و روي عن الإمام الباقر قوله:«...إن الملائكة الذين نصروا محمدا في بدر لم يصعدوا لينصروا صاحب الأمر»...[الحديث رقم 824].

5-و روي عن الباقر أيضا:«كأني بالقائم علي نجف الكوفة قد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة جبريل عن يمينه و ميكائيل عن شماله و المؤمنون بين يديه و هو يفرق الجنود في البلاد».[راجع الديث 836 ج 3].

ص: 246

6-و عندما يقف الإمام المهدي بين الركن و المقام ليستعد للبيعة،يكون أول من يضرب علي يديه جبرئيل و ميكائيل و يبايعانه،و عندما يخرج من مكة و معه أصحابه 313 و عشرة آلاف من الذين اتبعوه في مكة يكون جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن شماله...[الحديث رقم 831 ج 3].

7-و روي عن الإمام جعفر الصادق...«و ينشر المهدي راية رسول اللّه، عمودها من عمود العرش،و سائرها من نصر اللّه،لا يهوي بها إلي شيء أبدا إلا هتكه اللّه...فينحط عليه ثلاثة عشر ألف ملك و ثلاثمائة و ثلاثة عشر ملكا..قال الراوي قلت:كل هذه الملائكة؟قال الإمام الصادق:نعم،الذين كانوا مع نوح في السفينة،و الذين كانوا مع إبراهيم حين ألقي في النار،و الذين كانوا مع موسي حين فلق البحر لبني إسرائيل،و الذين كانوا مع عيسي حين رفعه اللّه و أربعة آلاف ملك مسومين،و ألف مردفين و ثلاثمائة و ثلاثة عشر ملكا بدريين،و أربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين،فلم يؤذن لهم في القتال،فهم شعث غبر يبكونه عند قبره،و رئيسهم ملك يقال له المنصور...[راجع الحديث رقم 1096 ج 4].

8-و روي عن الإمام الصادق قوله:«إذا خرج القائم نزلت الملائكة بدر و هم خمسة آلاف ثلث علي خيول شهب،و ثلث علي خيول بلق و ثلث علي خيول حو،قال الراوي:قلت و ما الحو؟قال هي الحمر».[راجع الحديث رقم 1097].

9-و روي أيضا...«بعد أن يخرج جيش السفياني من الكوفة،و يتواجه مع جيش المهدي يقتل رجل...قال الإمام الصادق:«فعند ذلك ينشر المهدي راية رسول اللّه،فإذا نشرها انحطت عليه ملائكة بدر»...[راجع الحديث رقم 1114].

10-و روي عن الإمام الرضا قوله:«و لقد نزل إلي الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصرة الحسين فلم يؤذن لهم فهم عند قبره...إلي أن يقوم القائم فيكونون من أنصاره و شعارهم«يا لثارات الحسين»[الحديث 1230].

11-و روي عن الإمام الرضا أيضا قوله:«إذا قام القائم يأمر اللّه الملائكة

ص: 247

بالسلام علي المؤمنين و الجلوس معهم في مجالسهم،فإذا أراد من واحد حاجة أرسل القائم من بعض الملائكة أن يحمله،فيحمله الملك حتي يأتي القائم، فيقضي حاجته ثم يرده..و من المؤمنين من يسير في السحاب،و منهم من يطير مع الملائكة،و منهم من يمشي مع الملائكة مشيا،و منهم من يسبق الملائكة و منهم من يتحاكم الملائكة إليه،و المؤمن أكرم علي اللّه من الملائكة،و منهم من يصيره القائم قاضيا بين مائة ألف من الملائكة».[راجع الحديث رقم 1231].

إنها طبيعة أعوان المهدي و أنصاره!!!

رسل و أنبياء و أولياء و وثائق أعوان للمهدي و أنصار له

لقد خص اللّه عبده الإمام المهدي بكرامات خاصة،ما خص بها أحدا من عباده،و أيده تأييدا لم يؤيد به أحدا من قبل،و أعطاه من المعجزات ما يفوق حدي التصوّر و التصديق،و تكمن علة ذلك كله في أن اللّه تعالي لم يكلف رسولا و لا نبيا قط بما كلف به الإمام المهدي،فقد اقتصرت مهمة كل رسول عمليا علي هداية قومه،و كلف كل رسول ببذل عناية،و لم يكلف بتحقيق غاية،فإذا بذل الرسول أي رسول عنايته و جهده بهداية قومه،و لم يستجيبوا له،ففي هذه الحالة لا يقوي ذلك الرسول و القلة القليلة التي اتبعته علي المواجهة مع الأكثرية الساحقة التي تتبع إمام الكفر،لأن المواجهة بهذه الحالة انتحار حقيقي،عندئذ يتولي اللّه مواجهة إمام الكفر و أتباعه،فيسلط عليهم بعض جنده و يأخذهم أخذ عزيز مقتدر، فيحسم الصراع في هذه المنطقة أو تلك،و يتحول إلي واقعة في تاريخ البشر.

أما الإمام المهدي فهو مكلف إلهيا بتحقيق غاية لا بد من تحقيقها و لا يكفي منه بذل الجهد و العناية،فيجب وجوبا القضاء علي أئمة الضلالة في الأرض كلها و رفع حكمهم الجائر و إلغائه من الأرض،و يجب وجوبا إقامة دولة العدل الإلهي- دولة آل محمد-التي يشمل سلطانها كافة بقاع الكرة الأرضية،و يجب وجوبا تطبيق المنظومة الحقوقية الإلهية علي سكان الكرة الأرضية جميعا،و يجب وجوبا و كثمرة لكل ذلك أن تمتليء الأرض بالعدل و القسط،و أن تتحقق الكفاية،

ص: 248

و يحصل الرخاء التام لكل أبناء الحسن البشري،و لا يقبل من الإمام المهدي أي عذر،فهذه أمور حتمية يتوجب تحقيقها جميعا،و لكن بالمقابل فإن اللّه تعالي قد وضع تحت تصرف المهدي الدعم و التأييد الكاملين اللازمين لتحقيق هذه الغايات الكبري،فما من معجزة خص اللّه بها نبيا أو رسولا إلا و بإمكان المهدي أن يستعملها و قد وثقنا ذلك،و الأهم أن الأرض ملزمة بإخراج كنوزها و مائها و نباتها، و أن السماء ملزمة إلهيا بأن تنزل قطرها،و أن فرقا كاملة من الملائكة مجندة و تحت تصرف الإمام المهدي.هذه الإمكانيات الهائلة مسخرة إلهيا لخدمة الغايات الكبري التي كلف المهدي إلهيا بتحقيقها.

الواقع السائد في العالم عند ظهور الإمام المهدي

1-القسم الأعظم من سكان الكرة الأرضية يدين بالديانة المسيحية التي جاء بها السيد المسيح،عليه السّلام.

2-و قسم كبير من سكان الكرة الأرضية يدين بالديانة الإسلامية التي جاء بها خاتم النبيين رسول اللّه محمد عليه السّلام.

3-و يعتنق الديانة اليهودية التي جاء بها كليم اللّه موسي قسم ضئيل من سكان الكرة الأرضية لكن هذا القسم له نفوذ و فاعلية كبري،لأنه منغلق،و منظم، و مسيطر علي رأس المال و له نفوذ كاسح،و قد اكتسب خبرة هائلة.

4-و قسم كبير من سكان الكرة الأرضية يدينون بأديان غير سماوية.

5-أئمة الضلالة«الحكام الظالمون»قد أحكموا سيطرتهم علي العالم و هم يتدينون شكليا بإحدي هذه الشرائع الأربع،و عمليا لا يقيمون للدين أي وزن إلا بالقدر الذي يساهم بإحكام سيطرتهم،و توسيع نفوذهم،و الدين بالنسبة لهم ليس أكثر من برقع أو روج أو مسحوق يضعونه صباحا و يغسلونه مساء،أو يرفعونه، و دينهم الحقيقي هو شهوة الحكم،و حب التسلط،و توسيع النفوذ.بمعني أن علاقة الظالمين بالأديان علاقة مصلحية،تهدف إلي تسخير الدين لخدمة مطامعهم و أهدافهم السياسية،و بمعني آخر فإن الظالمين لا دين لهم في الحق و الحقيقة،بل

ص: 249

هم عناصر مريضة و منحرقة و مجرمة أدمنت علي حب التسلط،و شهوة الحكم و منافعه و لكنها ترفع شعار الدين بالضرورة،و تتظاهر بالتدين و تدعي الحرص علي الدين الذي تدين به الجموع الخاضعة لحكمها.

ص: 250

الفصل الثالث: الإمام المهدي يفكك الواقع العالمي و يثبت فساده بنفس الأدوات التي تؤمن بها المجتمعات

1-السيد المسيح عيسي بن مريم مؤسس و صاحب الديانة المسيحية يهبط بأمر من ربه،و يعلن و بكل وسائل الإعلان المسموعة و المنظورة بأن اللّه تعالي قد أهبطه إلي الأرض ليكون عونا و نصيرا و وزيرا للإمام المهدي،و أن الإمام المهدي علي الحق،و أنه مأمور بأن يكون وزيرا للإمام المهدي،و أن الإمام المهدي هو إمام المسيح،و إمام الناس جميعا و الدليل علي ذلك أن المسيح نفسه يصلي خلف الإمام المهدي.و بهذه الأثناء يتقدم الإمام المهدي و يعلن و بكل وسائل الإعلان المسموعة و المرئية،بأن الإنجيل الذي أنزله اللّه تعالي علي عيسي،و النسخة الأصلية منه موجودة في حوزته،و ها هي،ثم يرفعها بين يديه و يشاهدها العالم معه،فلا حجة مع أتباع المسيح.فعندما يعلن المسيح ذلك و يعلن الإمام المهدي عن الإنجيل و هو وثيقة مادية،فيعني ذلك أن المهدي و المسيح قد سحبا عمليا البساط من تحت أقدام كل أتباع المسيحية في العالم،فليس أمامهم إلا أن يتبعوا المسيح نفسه مؤسس الديانة نفسه،فيبايعوا المهدي كما بايعه المسيح و يعترفوا بإمامته للكرة الأرضية و ما عليها أو يعلنوا ارتدادهم عن الديانة المسيحية.[راجع الحديث النبوي المتعلق بالإنجيل و هو الحديث رقم 225].و هكذا حسمت المواجهة مع واقع المسيحية بنفس الأدوات و الشعارات التي يرفعها المسيحيون و النصاري في العالم و تحت إشراف المسيح نفسه!.

2-مواجهة الواقع المتعلق بالمسلمين:و النبي علي فراش الموت بدأت

ص: 251

عري الإسلام بالحل،و بعد وفاته حلت عروة الحكم،و خلال مدة لم تتجاوز العشرة سنين لم يبق من الإسلام عروة دون حل بعد أن صار المؤمنون الحقيقيون يصلون سرا و هم بحالة خوف كما وثقنا و قد رفع الدين عمليا من واقع الحياة، و حل محله فقه الهوي المتستر بثوب الدين لغايات المحافظة علي الملك أو توسيع رقعته،ثم صار الإسلام غريبا تماما و لم يبق منه إلا الاسم أو الشكل الخارجي، و صارت الفئة المؤمنة غريبة أيضا و معزولة تماما،و نكل الخلفاء بآل محمد فقتلوهم و طردوهم و شردوهم تماما كما أخبر النبي،و بعد ذلك فرض الخلفاء فقه الهوي،و ألزموا الرعية المسلمة باستيعابه لأنهم جعلوه منهجا تربويا و تعليميا، و مع الأيام استقر فقه الهوي في النفوس و أشربته الرعية و صارت تعتقد أنه الإسلام نفسه،و قد وثقنا كل ذلك في الباب الأول،و بعد أن رفع الخلفاء و أولياؤهم المنع عن رواية و كتابة الأحاديث النبوية،اكتشفت الأجيال نظرية المهدي المنتظر في الإسلام و وقفت علي كلياتها من الأحاديث النبوية،و اعتقدت بها،لكن فقه الهوي المتمكن من النفوس،كان أقوي من اعتقادها بالمهدي،و من اعتقادها بحديث الثقلين،و بمكانة أهل البيت،فاستقرت هذه الاعتقادات في النفوس كحقائق لا يمكن أنكارها،و لكنها غير قابلة للتنفيذ،أو أن المسلمين ليسوا مستعدين لتنفيذها و العمل بها لأنها تنقض الواقع التاريخي،و تتناقض معه،ذلك الواقع الذي تحول إلي دين حقيقي و لكن ليس لدي المسلمين مانع لقد نفذت تلك الاعتقادات من تلقاء نفسها أو بقدرة اللّه خاصة و أن المهدي خير و ليس شرا،فإذا ظهر المهدي سيحدث صراع بين فقه الهوي التاريخي و بين الاعتقاد بالمهدي،و حديث الثقلين و مكانة أهل البيت،و أكبر الظن بأن العامة لن يقفوا وقفة عقائدية بوجه الإمام المهدي بل سيسلموا له كما سلموا لغيره،و سيبايعونه كما بايعوا غيره و الخلاصة و مع اعتناق المسيحيين للإسلام ستتأكد العامة ساعتها أن هذا الرجل هو بالفعل خاتم أئمة أهل بيت النبوة و أنه المهدي المنتظر الذي بشر به رسول اللّه،عندئذ ستلتف حوله و ستدعه يوجهها و يقودها،و هكذا ينقاد أتباع الديانة الإسلامية للمهدي المنتظر.

3-بالنسبة لليهود،عصا موسي يعرفها الخاصة و العامة من أتباع الديانة

ص: 252

اليهودية و يعرفون قدرتها،و هذه العصا موجودة مع الإمام المهدي،و هو علي استعداد لإظهارها و الإعلان عن وجودها بكل وسائل الإعلان.كذلك فإن تابوت السكينة معروف عند اليهود،و الألواح التي نزلت علي موسي يعرفها خاصة اليهود و عامتهم و هي موجودة بحوزة الإمام المهدي و هو مستعد لإطلاع وفود اليهود أو كل اليهود عليها.[راجع الحديث رقم 225 ج 1 و 226]هذه أدلة مادية قطعية لا يستطيع أتباع الديانة اليهودية أن ينكروها،أو يتنكروا لها،و في النهاية لا بد من أن يؤمن اليهود بأن المهدي علي الحق و أنه قد حسم الصراع بنفس الأدوات و الوسائل التي قامت عليها الديانة اليهودية،فيضطرون في النهاية للدخول في الإسلام و الاعتراف بإمامة المهدي و قيادته،أو مواجهة الموت.

4-بالنسبة للذين لا يعتنقون دينا سماويا عندما يرون إقبال المسيحيين و المسلمين،و اليهود علي المهدي و اعترافهم بإمامته و قيادته و دخولهم في دينه، و عندما يرون المعجزات،و أبواب الرخاء و الكفاية قد تفتحت،فإنهم سيدخلون حتما في دين اللّه،و سيعترفون بإمامة المهدي و قيادته.

5-في ما يتعلق بأئمة الضلالة«الحكام الظالمين»فإنهم لا إيمان لهم،و لا يعرفون و لا يفهمون إلا لغة القوة و التغلب و القهر و إن تظاهروا بغير ذلك فهم كاذبون،و بهذه الحالة يتوجب علي الإمام المهدي أن يحسم الصراع معهم بنفس الأدوات و الوسائل التي أسست حكمهم الظالم و هي القوة،سيقمعهم الإمام المهدي و بغير رحمة،و سيطهر الأرض من رجسهم،و سيسقطهم صنما بعد صنم، و سيردد كما ردد أبوه رسول اللّه من قبل: وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً.

ص: 253

الفصل الرابع: العقيدة القتالية للمهدي المنتظر و أنصاره لكي نفهم هذه العقيدة

اشارة

مشكلة الإمام المهدي مع معتنقي الديانات السماوية الثلاث سيحلها الإمام المهدي بالأدوات و الوسائل التي يحتج بها أتباع كل ديانة من هذه الديانات الثلاث السابقة كما بيّنا قبل قليل،فعند ما يعلن المسيح نفسه أنه وزير للإمام المهدي، و أنه علي دينه،و أن المهدي إمامه و أميره،و عندما يصلي المسيح نفسه خلف الإمام المهدي،و عندما يقدم الإمام المهدي النسخة الأصلية و الوحيدة من الإنجيل الذي أنزله اللّه علي عيسي،و عندما يري المسيحيون الآيات و المعجزات التي تخضع لها الأعناق فعلي الأقل فإن الأكثرية الساحقة منهم ستعتنق الإسلام لأنه دين المهدي و المسيح معا.

و عندما يري أتباع الديانة اليهودية عصا موسي تتحرك بيد المهدي علي الوجه الذي يريد و بنفس القدرة و الكفاءة التي كانت تتحرك فيها مع موسي،و عندما يظهر الإمام المهدي النسخة الأصلية و الوحيدة للألواح التي أنزلها اللّه علي موسي، و عندما يأتيهم التابوت،فإنهم سيكابرون في البداية،و لكن الأكثرية الساحقة في النهاية و أمام البراهين المادية و الأدلة القاطعة و المعجزات التي تخضع لها الأعناق سيعتنقون الإسلام دين المهدي و دين موسي و هارون.

و عندما يزول الوهم و يتحرر لا شعور المسلمين من عقدة الرعب و الخوف من

ص: 254

قطع العطاء،و الرهبة من سطوة الخلفاء،و يكتشفون فساد فقه الهوي و ثقافة التاريخ سيسيرون خلف الإمام المهدي ليعلمهم دينهم من جديد.

أما الذين لا يعتنقون دينا سماويا فسيبهرهم التحول الديني علي مستوي العالم و ستدهشهم الآيات و المعجزات التي تظهر علي يد المهدي،و المنجزات التي يحققها،عندئذ سيقبلون علي دين اللّه و سيدخلون فيه أفواجا.فلا مشكلة للمهدي معهم جميعا إنما مشكلته مع أئمة الضلالة الذين ملأوا الأرض ظلما و جورا و عدوانا.

الإمام المهدي وجها لوجه مع أئمة الضلالة أو الحكام الظالمين

رأينا أن مشكلة الإمام المهدي ستحل مع أتباع الديانات السماوية الثلاثة و أن الأكثرية الساحقة منهم ستعتنق الإسلام،و أن المسلمين سيفهمون أحكام دينهم الحقيقية،و سيكتشفون زيف فقه الهوي،و ثقافة التاريخ،و سيعرفون بالفعل قيمة أهل بيت النبوة و مكانتهم عند اللّه،و ربما ندموا علي ما فرطوا في جنب اللّه و كافة المشاكل التي ستعترض الإمام المهدي سيتولي حلها بالتسديد و التوفيق الإلهيين.

المشكلة العظمي تتمثل بأئمة الضلالة أو الحكام الظالمين

بيّنا في الفصول السابقة أن الإمام المهدي لن يظهر قبل أن يرقي الظّلمة،أو بمعني آخر قبل أن يحكم الظالمون العالم كله،و يعمموا فقه الهوي بين الناس، فكل ظالم يجمع الظلمة و المنتفعين من ظلمه و ينقض علي الأقليم الذي يقيمون فيه،ثم يستولون علي السلطة بالقوة و التغلب و القهر،و يحكمون سيطرتهم،ثم تبدأ بعد ذلك عملية التنافس بين أئمة الضلالة لتوسيع رقعة ممالكهم،أو نفوذهم فيشعلون حروبا لا ناقة للشعوب فيها و لا جمل،و نتيجة لحكم الظالمين و لتعميم فقه الهوي،و للتنافس المقيت علي توسيع رقعة الملك أو مدي النفوذ تمتليء الأرض كلها بالظلم و الجور و العدوان و هي ثمرات طبيعية لوجود أئمة الضلالة، و لسيادة فقههم الفاسد و أثناء إحكام الظالمين لسيطرتهم و لقبضتهم الحديدية علي

ص: 255

الشعوب يزرعون في قلوب أبناء الشعوب الأرض و قبائله الرعب و الهلع و الخوف، فمصير الذي لا يسير بركابهم الموت الزؤام،أو قطع رزقه و حرمانه من حقوقه، و تجويعه حتي الموت البطيء،تلك الأساليب الإجرامية التي عممها الظالمون في الأرض طبعت أبناء الجنس البشري بطابع الذل،و وسمتهم بسمة العبودية، و أبطلت في نفوسهم عناصر المقاومة،و جعلت الرعب و الخوف مقيما دائما بلا شعور كل واحد من ضحايا الظلم و الظالمين.و تحول كل واحد من رعاياهم إلي آلة بأيديهم أو مطية من مطاياهم أو عبد من عبيدهم.

اللغة التي يفهمها أئمة الضلالة

أئمة الضلالة يتقنون لغة واحدة و هي لغة القوة،و الغلبة،و البطش و القهر، و الإذلال،و القتل،و الرعب،و الخوف،هذه هي مقومات وجودهم،و أساس ملكهم،و ضمانة استمراره،و هم لا يعرفون الدين إلا بالقدر الذي يروي شهوة الحكم عندهم،و يخدم هذه الشهوة و هم لا يعرفون الرحمة إلا كأداة من أدوات ضحكهم علي عباد اللّه.إن أئمة الضلالة و أعوانهم لا دين لهم و لا أخلاق،و لا مباديء،و لا يقرون بوجود أية حواجز تقف بوجه ظلمهم،أو ما يريدون،لقد حولوا الكرة الأرضية إلي غابة يحكم القوي فيها الضعيف،و يفترس ذو الأنياب من لا ناب له،حولوها إلي مسرح لا شرعية عملية فيه إلا الظلم و فقه الهوي.فالقوة أولا،و القوة هي عصب الحياة و ناموسها.

جوهر مشكلة الإمام المهدي مع أئمة الضلالة في الأرض

أئمة الضلالة الذين يحكمون العالم عند ظهور الإمام المهدي لن يتركوا الحكم بالرضا،لأنهم لا يفهمون الرضا،و لا وجود لهذه الكلمة في قواميسهم و من جهة أخري،فإن أئمة الضلالة قد أدمنوا شهوة الحكم،و باعتقادهم أن حياتهم ستنتهي إن هم تخلوا عنه،و يخيل إليهم أن الكرة الأرضية ستخرب إن لم يحكموها،و من جهة ثالثة،فإن القوة و القوة وحدها هي الحكم الفصل بين أئمة الظلم و من ينازعهم الحكم.و الأخطر من ذلك كله أن أئمة الضلالة قد حولوا

ص: 256

الشعوب إلي عبيد أو رقيق و سلبوا منهم روح المقاومة،و أسكنوا بلا شعورهم الرعب و الخوف و القلق،فصار الأفراد أدوات،مجرد أدوات بيد الأنظمة الظالمة، يتبنون تماما ما يتبناه المجرمون الظالمون،يحاربون إذا حارب الظالمون، و يسالمون إذا سالم الظالمون،يتكلمون إذا أمروا بالكلام و يصمتون إن أمروا بالصمت!!

مواجهة المهدي لأئمة الضلالة قدر محتوم لا مفر منه

رأينا أن الإمام المهدي مكلف إلهيا بتحقيق غايات كبري لا بد من تحقيقها و من هذه الغايات تطهير الأرض من أعداء اللّه،و الظالمون هم أشرس و أقذر أعداء اللّه،و من مهام المهدي أن يملأ الأرض بالعدل و القسط كما ملأها الظالمون المجرمون بالظلم و العدوان و الجور،و تلك غايات لا يمكن تحقيقها دون القضاء التام علي الظالمين،و قصمهم و بمنتهي العنف و القسوة،أئمة الضلالة يرفضون التخلي عن الحكم طوعا،و يرفضون رفع فقههم الفاسد من واقع الحياة، و يرفضون أن يعطوا الحرية للشعوب لتختار ما تريد،و هم يلوحون بالقوة و القهر باعتبارهما أساس حكمهم و عماد وجودهم،و هم يقبلون بالقوة كحكم فصل بينهم و بين الإمام المهدي،الذي لا يخفي أهدافه،المتمثلة بالقضاء علي حكم الظالمين و تأديبهم،و محاكمتهم علي جرائمهم،و تحرير البشرية من سطوتهم.و المهدي لن يتراجع عن تحقيق أهدافه،لأنه ملزم إلهيا بتحقيقها.و أئمة الضلالة لن يتراجعوا عن مواقفهم المتزمتة،فمعني ذلك كله حدوث و وقوع المواجهة،و نشوب حرب ضروس تطعن فيها الكلي،و تقطع فيها الرقاب.حرب حقيقية بين المهدي و جند اللّه من جهة،و بين أئمة الضلالة في العالم و من والاهم رغبة أو رهبة من جهة أخري.

طبيعة و مصادر العقيدة القتالية للمهدي و أعوانه

الإمام المهدي يمثل قمة الوعي البشري،فهو إمام زمانه المؤهل و المعد إعدادا إلهيا لسيّادة العالم كله،و هو مرجع بذاته،فما من سؤال علي مستوي العالم

ص: 257

إلا و يعرف جوابه،و ما من مشكلة إلا و يعرف الحل الأنسب لها.هذا من جهة و من جهة أخري فإن المهدي كإمام و كوارث لعلمي النبوة و الكتاب علي علم يقيني بتاريخ الظلم و الظالمين الأسود في العالم،و مواقف الظالمين المخزية من الرسل و الأنبياء و الأولياء و عباد اللّه الصالحين،و من جهة ثالثة فإن الإمام المهدي بوصفه خاتم أئمة أهل بيت النبوة علي علم يقيني بحجم الظلم و التشريد و القتل و التطريد الذي اقترفه الظالمون بحق آبائه و أجداده الأكرمين و بحق مواليهم الصادقين،ثم إن الإمام المهدي نفسه أحد ضحايا الظلم و التطريد و التشريد،ثم إن أي محاكمة عادلة و منصفة ستدين الظالمين،و ستحملهم مسؤولية إجهاض الدعوة الإسلامية و صرفها عن مسيرتها،تلك المسيرة التي لو بقيت في مسارها الصحيح لتغير مجري التاريخ،و لكان العالم بغني عن قرون من الهول و الاضطهاد و الظلم،ثم إن الظالمين هم الذين أذلوا الجنس البشري،و ألبسوه أزياء الذل و الهوان و العبودية، و صادروا منه كافة الحقوق التي و هبها اللّه تعالي له،كل هذه الأسباب جعلت من الظالمين العدو الأول للّه و لرسوله،و لأهل بيته و لمن والاهم،و قد عهد اللّه لرسله و لأوليائه بأن لا يركنوا إلي الظالمين،ثم إن الظالمين رجس،و قد أمر المهدي بأن يطهر الأرض من أعداء اللّه و من رجسهم،و أن يفرغها تماما من ظلمهم،و أن يملأها بالعدل كما ملأها الظالمون بالجور و الظلم و العدوان.هذه طبيعة و مستندات و مصادر العقيدة القتالية للإمام المهدي و أعوانه،و هي طبيعة خاصة تفرض علي الإمام المهدي و أعوانه،أن يضربوا الظالمين و أعوانهم بكل قسوة و بدون رحمة،لأن قسوة مع الظالمين مهما اشتدت لن تبلغ معشار الجرائم القذرة التي ارتكبوها بحق اللّه و رسوله و المؤمنين و الجنس البشري عامة،فالظالمون مجرمون عتاة،لا يمكن إصلاحهم أو استصلاحهم،لقد مردوا علي الظلم، و كفروا باللّه و رسوله،و عبدوا مصالحهم و شهواتهم من دون اللّه،و سخروا كل ما طالته أيديهم لإشباع تلك المصالح و الشهوات،إنهم أساتذة بالكفر و الفسوق و النفاق فما طالت أيديهم النجسة شيئا إلا لوثته و أفسدته،فالحل الجذري يكمن بالقضاء عليهم و تهديم أركانهم،و تقليع أظافرهم بشكل لا تنمو بعده أبدا.

ص: 258

نماذج من أساليب الإمام المهدي و أصحابه في تعاملهم مع الظالمين

1-قال الإمام علي:«بأبي ابن خيرة الإماء«يعني المهدي»يسومهم خسفا،و يسقيهم بكاس مصبرّة،و لا يعطيهم إلا السيف،فعند ذلك تتمني فجرة قريش لو أن لها مفاداة من الدنيا و ما فيها ليغفر لها،لا يكف عنهم حتي يرضي اللّه».[راجع الحديث رقم 656،و راجع المصادر المدونة تحته].

2-و مثل قول الإمام علي...«أما و اللّه لو قام قائمنا لأخرج من هذا الموضع اثني عشر ألف درع،و اثني عشر ألف بيضة لها و جهان،ثم ألبسها اثني عشر ألف رجلا من ولد العجم،ثم ليتأمر بهم،ليقتلن كل من كان علي خلاف ما هم عليه،إني لأعلم ذلك و أراه كما أعلم هذا اليوم»،[الحديث رقم 657 ج 3].

3-و مثله حديث الإمام علي:«و يبقي المنتظر المهدي من آل محمد فيسير في الدنيا و سيفه علي عاتقه»...[الحديث رقم 659 ج 3].

4-و مثله حديث الإمام الحسين:«...يظهر اللّه قائمنا فينتقم من الظالمين....».[الحديث رقم 704].

5-و قول الإمام الحسين لابنه علي:«....يا ولدي يا علي و اللّه لا يسكن دمي حتي يبعث اللّه المهدي فيقتل علي دمي من المنافقين الكفرة الفسقة سبعين ألفا».[الحديث رقم 705].

6-قال الإمام الحسين لمحدثه:«يا بشر ما بقاء قريش إذا قدم القائم المهدي منهم خمسمائة رجل فضرب أعناقهم صبرا،ثم قدم خمسمائة فضرب أعناقهم صبرا،ثم خمسمائة فضرب أعناقهم صبرا،قال بشر:فقلت له:أصلحك اللّه،أيبلغون ذلك؟فقال الحسين:إن موالي القوم منهم...».[الحديث رقم 706].

7-و مثله حديث الإمام الحسين:«أما و اللّه لا تذهب الدنيا حتي يبعث اللّه مني رجلا يقتل منكم ألفا و مع الألف ألفا قال الراوي فقلت:

جعلت فداك إن هؤلاء أولاد كذا و كذا لا يبلغون هذا،فقال:ويحك في ذلك

ص: 259

الزمان يكون الرجل من صلبه كذا و كذا رجلا و إن مولي القوم من أنفسهم»..

[الحديث رقم 707].

و لكن لماذا قريش بالذات؟

بطون قريش ال 23 هي التي وقفت وقفة رجل واحد ضد النبي،و ضد بني هاشم و ضد من والاهم طوال فترة ال 13 سنة التي سبقت الهجرة و هي التي تآمرت علي قتل النبي مرات متعددة،و حصرته و بني هاشم و قاطعتهم ثلاث سنين في شعب أبي طالب،و هي التي استعدت عليه العرب و جيّشت الجيوش و حاربته بعد الهجرة بكل سهم،و بكل وسائل الحرب،و لم تتوقف بطون قريش عن القتال إلا بعد أن أحاط بها النبي،و دخل عاصمة الشرك،فاستسلمت و اضطرت مكرهة لإعلان إسلامها،فسمي رسول اللّه أبناءها بالطلقاء،و عفي عنهم،و بعد العفو اختلط المهاجر من بطون قريش بالطليق،و رتبوا أمر الانقلاب علي الشرعية الإلهية،و رفعوا شعار أن الهاشميين قد أخذوا النبوة و لا ينبغي لهم أن يأخذوا الملك أيضا،و بموجب هذا الشعار أخذت بطون قريش الأئمة الذين أختارهم اللّه لحكم الأمة،و وضعت بدلا منهم خلفاء موالين للبطون و من أبنائها،فكانت بطون قريش هي التي وضعت اللبنة الأولي للنظام الوضعي،و هي أول من رفع الحكم الإلهي من الأرض،و هي التي حلت عري الإسلام بدءا من الحكم و انتهاء بالصلاة و الطلقاء منهم هم أول من اخترع فقه الهوي،فهم معدن الظلم و منبته الأول، و منهم انطلق كل شيء،و بطون قريش هي التي شرعت قوانين التطريد و التشريد و التقتيل لآل محمد،و هي التي نفذت بأيديها كل تلك الجرائم،فأحرقت، و قتلت،و شردت و هددت،و أذلت آل محمد،و جرأت الناس عليهم،و أخرتهم و هم المتقدمون،و قدمت عليهم كل متأخر،فتخرجت علي يد أبنائها كوادر الظالمين،و عتاة الطغاة،فهل تعجب بربك إن قتل الإمام المهدي منهم ألفا و خمسمائة أو ثلاثة آلاف!!من ذريتهم السالكين درب آبائهم و أجدادهم!!إن أبادة تلك النوعية هي الجزاء المناسب لجرائمها![راجع كتابنا المواجهة تجد التوثيق و التفصيل].

ص: 260

8-قال الإمام الباقر:«حديثنا صعب مستصعب،لا يحتمله إلا ملك مقرب،أو نبي مرسل،أو مؤمن ممتحن،أو مدينة محصنة،فإذا وقع أمرنا،و جاء مهدينا،كان الرجل من شيعتنا أجرأ من ليث،و أمضي من سنان،يطأ عدونا برجليه،و يضربه بكفيه،و ذلك عند نزول رحمة اللّه و فرجه علي العباد».[راجع الحديث رقم 822 ج 3].

9-و روي الإمام الباقر:«اسمه اسمي»،قال الراوي:أيسير بسيرة محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟فقال الباقر:«هيهات هيهات يا زرارة ما يسير بسيرته،قلت:جعلت فداك لم؟قال:إن رسول اللّه سار في أمته بالمن،كان يتألف الناس،و القائم يسير بالقتل،بذلك أمر في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل و لا يستتيب أحدا،ويل لمن ناوأه».[الحديث رقم 840 ج 3].

10-و روي الإمام الباقر أيضا:«لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم أن لا يروه مما يقتل من الناس،أما إنه لا يبدأ إلا من قريش،فلا يأخذ منها إلا السيف،و لا يعطيها إلا السيف،حتي يقول كثير من الناس،ليس هذا من آل محمد،و لو كان من آل محمد لرحم».[الحديث رقم 841 ج 3].

11-روي الإمام الباقر أيضا:«...لما قتل الحسين ضجت عليه الملائكة إلي اللّه تعالي بالبكاء و النحيب و قالوا:إلهنا و سيدنا،أتغفل عمن قتل صفوتك و ابن صفوتك،و خيرتك من خلقك»،فأوحي اللّه عز و جل إليهم:«قروا ملائكتي فوعزتي و جلالي لأنتقمن منهم و لو بعد حين،ثم كشف اللّه عن الأئمة من ولد الحسين للملائكة،فسرت الملائكة بذلك،فإذا أحدهم قائم يصلي،فقال عز و جل:بذلك القائم أنتقم منهم».[الحديث رقم 849]فالإمام المهدي إحدي مهماته هي ثأر الحسين.

12-و روي الإمام الصادق....«و يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما،و يقتل حتي يقول الجاهل لو كان هذا من ذرية محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لرحم».

[الحديث رقم 1108].

13-و روي الإمام الصادق أيضا:«...إذا خرج القائم لم يكن بينه و بين

ص: 261

العرب و قريش إلا السيف ما يأخذ منها إلا بالسيف،و ما يستعجلون بخروج القائم،و اللّه ما لباسه إلا الغليظ،و ما طعامه إلا الشعير الجشب،و ما هو إلا السيف و الموت تحت ظل السيف».[الحديث رقم 1106 ج 4].

تعامل الإمام المهدي مع الظالمين بعهد من رسول اللّه

روي الإمام الصادق:«يقتل القائم حتي يبلغ السوق،فيقول له رجل من ولد أبيه،إنك لتجفل الناس إجفال النعم،فبعهد من رسول اللّه أو بماذا؟قال:و ليس في الناس رجل أشد منه بأسا،فيقوم إليه رجل من الموالي فيقول له:لتسكنن أو لأضربن عنقك،فعند ذلك يخرج القائم عهدا من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم».[راجع الحديث رقم 1109 ج 4].

ص: 262

الفصل الخامس: معارك الإمام المهدي و حروبه

اشارة

ليس لدينا تاريخا مدونا،و منهجا يحتوي علي المعارك الحربية و الحروب التي سيخوضها الإمام المهدي،و لا نعرف علي وجه اليقين التسلل الزمني لتلك المعارك و الحروب،و يكمن السبب في أن التاريخ يتناول حوادث وقعت،و يخرج عن دائرة اختصاصه الحوادث التي لم تقع،ثم إن المعلومات التي وردتنا عن معارك المهدي و حروبه،معلومات غيبية لا يعلمها إلا اللّه و رسوله،و لا مجال للاجتهاد أو التخمين بها،فهي جميعها تسند للرسول أو لأولئك الذين سمعوه و هو يتحدث بها،و قد تبيّن أن الحديث النبوي قد تعرض لمحنة هائلة،حيث منعت سلطات دولة الخلافة التاريخية رواية و كتابة الأحاديث النبوية من اليوم الثالث لوفاة الرسول و استمر هذا المنع قرابة مائة عام و بعد المائة عام اقتنع المسلمون بخطأ و فساد قرار دولة الخلافة القاضي بمنع رواية و كتابة الأحاديث النبوية،فأقبل علماء دولة الخلافة علي كتابة و رواية أحاديث الرسول بعد قرابة مائة عام من صدورها عنه،و لم تر دولة الخلافة آنذاك ضررا من رواية و كتابة أحاديث النبي، لأن ثقافة التاريخ قد استقرت نهائيا،و لأن فقه دولة الخلافة التاريخية قد ألقي أجرانه في الأرض و في النفوس رغبة أو رهبة،و اكتشف علماء دولة الخلافة من الأحاديث النبوية التفاصيل الكلية«لنظرية المهدي المنتظر»فرووا و أخرجوا كل ما سمعوه حول هذا الموضوع بما لا يتعارض مع الثقافة التاريخية،و السنن التي اخترعها الخلفاء بعد وفاة النبي،و مع الخط العام التي سارت عليه دولة الخلافة

ص: 263

التاريخية،و الذي يقوم علي تأخير أهل بيت النبوة،و الحط من شأنهم،و عدم الاعتراف بمكانتهم المميزة في الأمة،و عدم تصديق ادعائهم بأنهم ورثة النبي، و أصحاب الحق الشرعي بقيادة الأمة و إظهارهم و إظهار من والاهم بصورة من ينازع الأمر أهله،و بصورة الطامعين بالسلطة،المتربصين بشق عصا الطاعة، و تفريق الأمة و الجماعة،و لا نبالغ إذا ما قلنا بأن ثقافة تاريخ دولة الخلافة مكرسة لإثبات تلك المزاعم و لإثبات شرعية حكم أولئك التي استولوا علي منصب الخلافة بالقوة و التغلب و كثرة الأتباع!!

هذا المناخ القائم علي تحريف الحقائق أدي إلي عزل أهل بيت النبوة، و عزل أوليائهم،و حرمان الأمة و العالم من الاستفادة من أئمة أهل بيت النبوة الذين ورثوا علمي النبوة و الكتاب،و علي سبيل المثال فإن أئمة أهل بيت النبوة كانوا يعرفون معرفة يقينية التفاصيل الكلية و الجزئية لنظرية المهدي المنتظر قبل أن يكتشفها علماء شيعة الخلفاء بمائة عام و نيف،و لكن الأئمة كانوا محاصرين من دولة الخلافة،و مراقبين هم و أولياؤهم مراقبة دقيقة من قبل عيون تلك الدولة و جواسيسها الذين كانوا يترصدون كل ما يصدر منه ليجدوا لأنفسهم السبيل لإيذائهم أو قتلهم أو تشريدهم أو تطريدهم!!و لما فتحت أبواب رواية الحديث و كتابته بعد مائة عام من المنع،ألقت الدولة و كل أعوانها بثقلهم كله للتشكيك بكل ما يصدر عن أئمة أهل بيت النبوة،و عن أوليائهم و في أحسن الأحوال صار حديث أمام أهل بيت النبوة كحديث بعض الرواة!!!

ثم إن الأحاديث التي روتها طواقم معاوية و عماله،و الهادفة إلي محق مكانة أهل بيت النبوة،و القضاء علي فضائلهم،و إظهارهم بصورة أفراد عاديين من الصحابة.هذه الأحاديث ألقت بظلها القاتم علي كل شيء،لأن معاوية لما تم له ما أراد من جمع عشرات الألوف من الأحاديث التي اخترعها رواته و عماله،عمم هذه الأحاديث علي الناس،و فرض علي الخاصة و العامة تعلمها،ثم تناقلتها الأجيال معتقدة بصحتها و هي باطلة من أساسها،و لما انقضت مدة الألف شهر السوداء،و استولي العباسيون علي منصب الخلافة بالقهر و التغلب كما فعل الأمويون من قبلهم،وجد الناس مناهج تربوية و تعليمية جاهزة،و أحاديث موثقة

ص: 264

من الناحية الشكلية فنقلوها كما هي دون تعديل و لا تبديل،و إذا وجدوا حديثا يتعارض معها،كان القول الفصل للأحاديث التي روتها طواقم معاوية!!

و بعد مرور مدة طويلة علي فتح أبواب رواية الحديث و كتابته،تجمعت ملايين المرويات،و اختلط الحابل بالنابل و لم تعد تدري أيا من أي و هذا ما يجعل مهمة الباحث المنصف الطالب للحقائق الشرعية المجردة مهمة شاقة،أصعب من قطع الحجارة.

الطريقة المثلي للوقوف علي معارك الإمام المهدي و حروبه

و أفضل الطرق المؤدية للوقوف علي معارك الإمام المهدي و حروبه تكمن بسرد الروايات التي تعالج هذه الناحية،و التركيز بشكل خاص علي روايات أئمة أهل بيت النبوة الأعلام،لأنهم ورثة علمي النبوة و الكتاب،و لأن اللّه قد شهد بطهارتهم،و لأنهم آل محمد،و لأنهم الثقل الأصغر،و تزداد روايتهم أهمية إذا رواها معهم أو عنهم بعض علماء شيعة الخلفاء،لأن مثل هذه الروايات ستكون حجة علي الخصم،و شهادة منه بصحتها،و إدانة منه لنفسه،و قد قصرنا اهتمامنا ما وسعنا الجهد للتركيز و الاهتمام الخاص بهذه الروايات.

الرسول الأعظم يلخص معارك الإمام المهدي و حروبه

لخص رسول اللّه معارك الإمام المهدي بسلسلة من الأحاديث التي عالجت هذه الناحية نوجزها فيما يلي:

1-قال رسول اللّه أن المهدي المنتظر«...لا يبدأ إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف و لا يعطيها إلا السيف،حتي يقول كثير من الناس،ليس هذا من آل محمد،و لو كان من آل محمد رحم».[راجع الحديث رقم 841 ج 3].

و تكمن علة هذه البداية بأن بطون قريش هي صاحبة نظريات تأخير آل محمد،و تجاهل مكانتهم،و عدم الاعتراف بها،و هي صاحبة النظرية الشهيرة

ص: 265

«النبوة لبني هاشم و الملك لبطون قريش»و قريش هي التي اخترعت فقه الهوي، و أوجدت ثقافة التاريخ،و حولت الفقه و الثقافة إلي مناهج تربوية و تعليمية فرضتها بالقوة علي الناس و بطون قريش هي الأكثر كراهية في العالم لرئاسة آل محمد، فمن الطبيعي أن يرتب المهدي أموره مع هذه البطون،و أن يحاسبها حسابا عسيرا علي ما فرطت في جنب اللّه،و ما تسببت به من هدم الشرعية الإلهية و حرمان البشرية من حكومة آل محمد،و من عدلهم،و من علمهم.

و لأن قريش لها تأثير علي العرب،فبعض الروايات بينت بأنه لن يخرج مع المهدي في البداية من العرب أحد،لأن العرب هم أكثر الناس تأثرا بثقافة التاريخ و فقه الهوي و كراهية لرئاسة آل محمد،و هنا يكمن السبب في أن المهدي سيبدأ بقريش،و سيصب نقمته عليها،و قد توسعنا في هذه الناحية عندما بحثنا العقيدة القتالية للإمام المهدي و أصحابه.و بعد أن يصفي الإمام المهدي حساباته مع قريش و مع العرب ينطلق.

2-إن الإمام المهدي سيفتح كافة حصون الضلالة في العالم فعند ظهور الإمام المهدي سيكون أئمة الضلالة قد أحكموا سيطرتهم علي العالم،فيدخل الإمام المهدي بمواجهة معهم و يفتح حصونهم جميعا.و قد صرح رسول اللّه بهذه الحقيقة إلي ابنته الزهراء فاطمة قائلا:«...يا فاطمة و الذي بعثني بالحق،و إن منهما«أي الحسن و الحسين»مهدي هذه الأمة إذا صارت الدنيا هرجا و مرجا، و تظاهرت الفتن،و تقطعت السبل،و أغار بعضهم علي بعض...فيبعث اللّه عز و جل عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة و قلوبا غلفا،يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به أول الزمان»...[الحديث رقم 79 ج 1].

3-ثم إن الرسول الأعظم قد أكد بشكل قاطع بأن الإمام المهدي سيظهر حتما علي الجبابرة في الأرض حيث قال...«فيجتمع إليه«أي للمهدي»ثلاثمائة و أربعة عشر رجلا فيهم نسوة،فيظهر علي كل جبار و ابن جبار...»[الحديث رقم 34 ج 1].

4-و بيّن الرسول الكريم أن هذه الحتمية وعد إلهي،و قرار محتوم حيث أخبره اللّه تعالي به عندما أسري به إلي السماء السابعة،و منها إلي سدرة المنتهي،

ص: 266

و منها إلي حجب النور حيث كلمه اللّه تعالي قائلا:«و بالقائم منكم أعمر أرضي، و به أطهر الأرض من أعدائي،و أورثها أوليائي...»[الحديث رقم 123 ج 1].

5-و أكد الرسول الأعظم أن الإمام المهدي في معاركه و حروبه ملتزم بالشرعية،و منفذ لغاياتها و عبر عن هذه الحقيقة بقوله:«و هو رجل من عترتي يقاتل علي سنتي،كما قاتلت علي الوحي».[راجع الحديث رقم 136 ج 1 و راجع مراجع أهل السنة المدونة تحته].و بيّن الرسول الأعظم حقيقة هذا الالتزام بقوله:«يقفوا أثري لا يخطيء».[راجع الحديث رقم 137].

6-و تقريبا للصورة،أجري رسول اللّه مقارنة بين فتوحات ذي القرنين، و بين فتوحات المهدي فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«...حتي لا يبقي منهلا و لا موضعا من سهل و لا جبل وطئه ذو القرنين إلا وطئه،يظهر اللّه عز و جل له كنوز الأرض و معادنها و ينصره بالرعب»..[الحديث رقم 158 ج 1].

7-أكد الرسول الأعظم بأن الإمام المهدي سيفتح بإذن اللّه شرق الأرض و غربها،بقوله:«...يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا،فيفتح اللّه له شرق الأرض و غربها،و يقتل الناس حتي لا يبقي إلا دين محمد،و يسير بسيرة سليمان بن داود،و يدعو الشمس و القمر،فيجيبانه،و تطوي له الأرض، و يوحي إليه فيعمل بالوحي بأمر اللّه».[راجع الحديث رقم 859 ج 4].

8-و بيّن الرسول أيضا:«بأنه إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كل أقليم رجلا يقول له:«عهدك في كفك،فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه و لا تعرف القضاء فيه،فانظر في كفك و اعمل بما فيها.[الحديث رقم 858 ج 4].

الترتيب الزمني و تسلسل أحداث معارك الإمام المهدي و حروبه

وقفنا قبل قليل علي التقاطيع الأساسية للصورة العامة و المجملة التي رسمها رسول اللّه لمعارك الإمام المهدي و حروبه،و استوعبنا تأكيداته القاطعة بأن الإمام المهدي سيفتح كافة حصون الضلالة في العالم،و سيقضي علي كل جبار و ابن جبار فيه،و سيتولي نتيجة لهذه المعارك و الحروب و ثمرة للآيات و المعجزات

ص: 267

و الدعم علي كافة أقاليم الكرة الأرضية،و أنه سيولي علي كل إقليم من أقاليم الأرض أحد رجاله.أما تاريخ كل معركة من معارك الإمام المهدي،و متي تقع، و كيف تتسلسل الأحداث بالدقة التامة،فهذه أمور لا نعرفها علي وجه الدقة و اليقين،و لا أحد في العالم كله يعرفها إلا رسول اللّه،و أئمة أهل بيت النبوة الذين ورثوا علمي النبوة و الكتاب،لأن معارك الإمام المهدي و حروبه لم تقع للآن و لم تحدث و لم تتحول إلي تاريخ،بل ما زالت في رحم الغيب،ثم إن كافة الأمور المتعلقة بنظرية الإمام المهدي قضايا غيبية إيمانية مستقبلية أوحاها اللّه لرسوله، و بيّنها الرسول للمسلمين بحدود قدرة الكلام علي البيان،فهي كقضايا الجنة و النار و الصراط و الحساب أمور ستحدث حتما،و لكن متي و كيف؟فإن الإجابة بحدود المعلومات اليقينة التي وصلتنا من رسول اللّه،و لا نملك أن نزيد في هذه المعلومات أو أن ننقص منها لأنه لا مجال للاجتهاد في هذه الأمور الغيبية.

و الخلاصة أن الترتيب الزمني لمعارك الإمام المهدي و حروبه لا يمكن تحصيله إطلاقا،و لا يمكن الوقوف عليه،لأن تلك المعارك و الحروب لم تقع بعد،صحيح أن الرسول قد بين كل شيء،و أنه قد أورث علمي النبوة و الكتاب لأئمة أهل بيت النبوة،و هم مؤهلون و قادرون علي الإجابة علي كل سؤال،و قد بينا أن دولة الخلافة قد منعت رواية و كتابة الأحاديث النبوية من اليوم الثالث لوفاة الرسول،و حتي طوال مائة عام،و بيّنا الظروف التي عاشها أئمة أهل بيت النبوة و المعاناة التي تعرضوا لها،و العزلة التي فرضت عليهم و كل هذا قد أدي إلي حرمان المسلمين من الوقوف علي حقيقة كل ما قاله رسوله،لأن أحاديثه قد رويت بعد مائة سنة من صدورها عنه،و حرمان الناس من الانتفاع الكلي من علمي النبوة و الكتاب الذين ورثهما أئمة أهل بيت النبوة،و بالتالي تمخض هذا عن وجود أسئلة بدون أجوبة،و أمور مفتوحة بدون تغطية،خاصة و أنه لا يوجد الآن إمام لأهل بيت النبوة،فخاتم الأئمة هو المهدي المنتظر و هو غير ظاهر،بمعني أن الوقوف علي الترتيب الزمني لمعارك المهدي و حروبه ضرب من المستحيلات في أيامنا هذه.

و لا يبقي أمامنا إلا محاولة ترتيب حوادث و معارك و حروب الإمام المهدي حسب الرقم المتسلسل لوقوعها،بمعني أن تقع حادثة،فنعرف الحادثة التي تليها

ص: 268

بالضبط،ثم نعرف الثالثة و الرابعة..إلخ.و توضيحا للصورة نسأل ما هو أول إقليم من أقاليم الأرض قد أخضعه الإمام المهدي لسلطانه؟و ما هو الأقليم الثاني و الثالث و الرابع فلا نقوي علي ربط الأحداث بتسلسل وقوعها،و لا معرفة أقاليم الأرض بتسلسل فتح الإمام المهدي لها،لكن معرفة تسلسل وقوع الحوادث أهون علي الباحث من معرفة التسلسل الزمني لوقوعها،فمعرفة التسلسل الزمني لوقوع معارك المهدي و حروبه مستحيل استحالة مطلقة،أما ترتيب الأحداث و المعارك و الحرب بتسلسل وقوعها فممكن إن تعاون علي تحقيقه عصبة من العلماء الأفذاذ، و بالرغم من كثرة بحوثي في هذا المجال،و محاولاتي التي لم تتوقف للإطلاع علي ما كتب فيه،فإني لم أجد أفضل و لا أشمل و لا أعمق و لا أقرب لروح العصر من كتاب سماحة العلامة الشيخ علي الكوراني الموسوم«بعصر الظهور»لقد كان الجهد الذي بذل فيه كبيرا،فجاء الكتاب كثمرة طيبة لذلك الجهد،إن ترتيب الشيخ الكوراني لتسلسل الأحداث و ربطها أمر يثير الإعجاب و الاحترام،و لا عجب فالشيخ الكوراني هو الذي أشرف علي جمع و تبويب موسوعة أحاديث الإمام المهدي،مما أهله و أعدّه لينجز كتابه الرائع«عصر الظهور»،و مما مكنه من أن يكون بحق أعظم المراجع بالأمور المتعلقة بنظرية الإمام المهدي المنتظر.

و الخلاصة أنه من غير المعقول و لا المنطقي أن ننقل كل ما ورد في كتاب عصر الظهور لنقف علي تسلسل معارك و حروب الإمام المهدي،إنما اكتفينا بالإشارة إليه،و أري أن الأنسب لي أن أضع«سيناريو»لتسلسل الأحداث و المعارك و الحروب التي خاضها الإمام المهدي و أصحابه بالحجم و بالمدي التي أشارت إليه الأحاديث النبوية،و الأحاديث التي رواها الأئمة الأعلام من أهل بيت النبوة، و أري أنني غير ملزم بسد الثغرات،لأن هذه الأمور لا مجال للافتراض و لا للاجتهاد بها،و تركها أولي من محاولات سدها.

ص: 269

الفصل السادس: تسلسل أحداث ظهور الإمام المهدي

اشارة

و معاركه و حروبه«السيناريو» ظهور نظرية الإمام المهدي المنتظر و تغيبها كفكرة

ظهرت نظرية الإمام المهدي المنتظر علي يد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقد بيّن للمسلمين ما أوحي إليه ربه حول الإمام المهدي المنتظر،و أطلعهم علي كليات و تفاصيل هذه النظرية تماما،كما أوحيت إليه،و فهم المسلمون الذين استمعوا إليه،و فهموا منه بأن الإمام المهدي المنتظر هو خاتم أئمة أهل بيت النبوة الذين اختارهم اللّه تعالي لقيادة الأمة من بعده،و أن ظهور الإمام المهدي من الحتميات الإلهية التي لا بد من وقوعها،ذات يوم،و أكد الرسول هذه الحقيقة بكل وسائل التأكيد،و بيّنها بكل طرق البيان إلي درجة أن الرسول قد قال:«لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد،لطول اللّه ذات اليوم حتي يبعث اللّه الإمام المهدي فيملأ الأرض عدلا»،و قد فصلنا ذلك و وثقناه توثيقا كافيا في الأبواب السابقة و أجمعت الأمة علي حتمية صدور هذه الأحاديث عن رسول اللّه.كان المسلمون علي عهد رسول اللّه يرسلون هذه الحقائق التي سمعوها من رسول اللّه إرسال المسلمات، و يعتبرونها جزءا من علوم الغيب التي خص اللّه بها نبيّه،و يؤمنون بها كما يؤمنون ببقية الأمور الغيبية من جنة و نار و عذاب و ثواب،مع الاختلاف بعمق هذا الإيمان من فرد إلي فرد.

ص: 270

تغييب نظرية الإمام المهدي و إخفائها

بعد فتح مكة،و بعد أن بردت جراحات المواجهة بين الرسول و بين بطون قريش و بعد أن استسلمت بطون قريش،و اضطرت لإعلان إسلامها،حدث تقارب بين المهاجرين و الطلقاء من أبنائها،و استذكر الطرفان قتلي البطون و تفاصيل المواجهة بين تلك البطون و بين رسول اللّه و آله،و فهموا حقيقة؛أن الرسول قد رتب الأمور من بعده ليكون أول خلفائه علي بن أبي طالب،و يتعاقب علي الحكم من بعده أحد عشر إماما أو خليفة و كلهم من ذرية النبي و من بني هاشم و أن الرسول قد أعلن كل ذلك علي المسلمين،بسلسلة مترابطة من الأحاديث النبوية، و أخبرهم بأن ترتيب الأمور من بعده عمل رباني و لا علاقة له به و ما هو إلا عبد مأمور يعلن ما يأمره اللّه بإعلانه،هذه الترتيبات لم ترق لبطون قريش و لا لأبنائها المهاجرين منهم و الطلقاء،و استبعد أبناء البطون أن يكون اللّه تعالي قد رتب مثل هذه الأمور،فهل يعقل برأي البطون أن يكون النبي من بني هاشم،و أن يكون الخلفاء هاشميون!!!إن هذا أمر لا يمكن تصديقه!!فكيف يصرف اللّه تعالي الشرف كله عن بطون قريش ال 23 و يحصر شرفي النبوة و الخلافة ببني هاشم!! و قدّر قادة البطون بأن محمدا كبشر هو الذي وضع هذا الترتيب و لا علاقة للّه به!! ثم توصلوا إلي نتيجة مفادها بأن حصر النبوة و الخلافة ببني هاشم إجحاف علي حد تعبير عمر بن الخطاب!!و أن الأفضل و الأوفق و الأصوب أن يختص الهاشميون بالنبوة لا يشاركهم فيها أحد من البطون،و أن تختص بطون قريش بالخلافة لا يشاركهم فيها أي هاشمي قط،و بناء علي هذا أجمعت قريش إلا من هدي اللّه، و صممت أن تستولي علي منصب الخلافة بالقوة و التغلب و كثرة الأتباع و أخذت تعد العدة و تتربص،و تنتظر بفارغ الصبر موت النبي لتنفذ ما اتفقت عليه،و لما قعد النبي علي فراش المرض،و أيقنت البطون بحتمية موته،شرعت بالفعل بتنفيذ مخططها الرامي إلي الاستيلاء علي منصب الخلافة بالقوة و التغلب،و كثرة الأتباع، و تجاهل كافة الترتيبات التي أعدها النبي لعصر ما بعد النبوة،و أعلن أنها ترتيبات إلهية!!إلي درجة أن زعامة بطون قريش قد واجهت النبي شخصيا و هو مريض

ص: 271

و قالت له:«أنت تهجر،و لا حاجة لنا بوصاياك،لأن القرآن عندنا و هو يكفينا!!!» و قد أكد أئمة أهل بيت النبوة و من والاهم أن هذه التصريحات الخطيرة قد صدرت بالفعل من زعامة بطون قريش،و أكد العلماء الأعلام من شيعة الخلفاء«أهل السنة» بأن هذه التصريحات قد صدرت بالفعل من زعامة بطون قريش للنبي و هو علي فراش المرض،فقد رواها البخاري في صحيحه و مسلم في صحيحه...إلخ، و قد وثقنا كل ذلك في كتابينا«نظرية عدالة الصحابة»و«المواجهة»و في الباب الأول من هذا الكتاب.

و ما يعنينا إبرازه في هذا المجال هو أن حزب بطون قريش استطاع أن يستولي علي منصب الخلافة خلال يومين فقط،و واجه المسلمين بأمر واقع فإما أن يقبلوه،و إما أن يواجه وجاهة الأكثرية«زعامة بطون قريش»تلك الزعامة التي حاربت النبي و قاومته 23 سنة،و من يقوي علي مواجهة بطون قريش بعد النبي!! و لنفترض أن عليا بن أبي طالب و الهاشميين قد قرروا آنذاك مواجهة البطون،فإن تلك المواجهة ستكون انتحارا،و ستؤدي إلي فتنة قد تقتلع دين الإسلام من جذوره،و ترد الناس إلي الشرك فلا يبقي من الإسلام لا اسمه و لا رسمه و لا مضمونه،بل ستقتلع تلك الفتنة لو حدثت كل ما بناه الرسول من جذوره،لذلك فضل أهل بيت النبوة الاحتجاج بشكل لا يشق جماعة المسلمين،و لو تيسرت لأهل بيت النبوة أسباب القوة لتمكنوا من هزيمة الانقلابيين بأقل الخسائر،و لكن سريعا قبض الانقلابيون علي منصب الخلافة و النفوذ و المال و فتحوا أبواب مواجهة بين المسلمين و بين الدولتين الأعظم.

كيف غيبّت دولة الخلافة نظرية الإمام المهدي المنتظر و أخفتها؟

لما قبضت بطون قريش علي منصب الخلافة بالقوة و التغلب و القهر و كثرة الأتباع،عزلت أهل بيت النبوة و أولياءهم عزلا تاما،و حرمت عليهم تولي الوظائف العامة و بنفس الوقت قربت أعداء أهل بيت النبوة،و من لا يرون لأهل البيت أي فضل،و سلمتهم الإمارات و قيادات الجيوش و الأعمال،و حتي لا تحرج

ص: 272

دولة الخلافة نفسها،و حتي لا يحتج أهل بيت النبوة و أولياؤهم بالنصوص الشرعية و الأحاديث النبوية،أصدرت دولة الخلافة قرارا أو مرسوما يمنع منعا باتا كتابة و رواية الأحاديث النبوية بأي أمر من الأمور،و كان هذا أول مرسوم أعلنه الخليفة الأول بعد استلامه للسلطة،و الأعظم أن دولة الخلافة قامت بحرق المكتوب من أحاديث الرسول،و بررت دولة الخلافة مرسومها هذا بالقول:«بأن كتاب اللّه يكفي و لا حاجة لحديث رسول اللّه،لأنه يورث الخلاف و الاختلاف علي حد تعبير الخليفة الأول فقد خاطب المسلمين قائلا:«فمن سألكم عن شيء فقولوا بيننا و بينكم كتاب اللّه.و بقيت قرارات مؤسسي دولة الخلافة سارية المفعول طوال مائة عام،لأنه لم يجرؤ أحد أن يعيب أو ينقض سنة الخلفاء الثلاثة الأول المؤسسين للخلافة التاريخية لأن تلك الخلافة راشدة،و بالتالي لم يتمكن أحد من رواية و كتابة الأحاديث النبوية التي اشتملت عليها نظرية المهدي المنتظر،لأن هذا المهدي من أهل بيت النبوة،و لأن النبي قد أكد بأنه خاتم أئمة أهل البيت،فإذا انتشرت الأحاديث النبوية التي تصدع بإمامته فيقول المسلمون ما بال الذين سبقوه من أئمة أهل البيت لم يتولوا الخلافة!!و في ذلك إحراج للخلفاء،و نسف لثقافتهم،لذلك غيبت كافة الأحاديث النبوية التي تحدثت عن المهدي المنتظر طوال المائة عام التي منعت فيها دولة الخلافة كتابة و رواية الأحاديث النبوية،و لم يكن بوسع أحد من المسلمين أن يتحدث خلال تلك المدة عن المهدي المنتظر أو عن أهل بيت النبوة،أو يروي عنهم أي حديث نبوي إلا سرا،خوفا من بطش دولة الخلافة،و تجنبا لإسخاط الخلفاء،و حرصا علي العطاء،أو الحصول علي حصة مناسبة من النفوذ بتلك الدولة.أما أئمة أهل بيت النبوة،ورثة علمي النبوة و الكتاب،فقد كانوا يحدثون بالسر للصفوة القليلة من أوليائهم حتي لا يجعلوا لدولة الخلافة عليهم سبيلا لأن هدف دولة الخلافة آنذاك كان منصبا علي إيجاد السبل للقضاء التام علي أهل بيت النبوة حتي لا يكشفوا حقيقة ما جري فيما بعد، و حتي لا يكتشف الناس طبيعة دولة الخلافة.و الأسس التي قامت عليها،و هكذا نجح الخلفاء بتغييب و إخفاء المعالم الأساسية لنظرية المهدي المنتظر طوال مائة عام.و يمكنك أن تقف علي محنة الحديث النبوي و أساليب زعامة بطون قريش

ص: 273

للتشكيك به و تفريغه من مضامينه و محتواه في كتابنا«المواجهة».

نظرية الإمام المهدي تعود للظهور في عهد معاوية!!

لقد كان معاوية أوضح من الذين سبقوه بمنع رواية و كتابة الأحاديث النبوية فقد قهر المسلمين،و لم يعد هناك ما يخشاه،لقد قدّر معاوية أن الغاية من منع رواية و كتابة الأحاديث النبوية تكمن في رغبة بطون قريش بإخفاء المكانة، و الفضائل التي خص بها اللّه و رسوله آل محمد،و إذا كان قرار منع رواية و كتابة الحديث النبوي قد ظل ساريا طوال هذه المدة،فما الذي يضمن لمعاوية سريانه طول الزمان!!فبوقت يطول أو يقصر سيضطر المسلمون لرواية الأحاديث النبوية و كتابتها،و حينها سيكتشفون مكانة أهل بيت النبوة و فضائلهم التي لا تعد و لا تحصي و سجلهم التاريخي الحافل بالفخر و الأمجاد،و سيكتشفون أيضا أن لمعاوية و أخوته و أبيه و أجداده سجل تاريخي أسود حافل بالعداء للّه و لرسوله و للإسلام و هو مختلف بالكامل عن سجلهم الرسمي الذي كتبوه بالرعب و الإرهاب و القوة و أجبروا الرعية علي التسليم بصحة ما جاء فيه!!

و فكر معاوية طويلا،فرأي أن الرأي كل الرأي بإبقاء قرار منع رواية و كتابة الأحاديث النبوية ساريا كما أراد الخلفاء المؤسسون،و لمواجهة المستقبل و احتمالية رواية و كتابة الحديث فيما بعد،رأي معاوية أن يقود بنفسه حملة لرواية فضائل الخلفاء الثلاثة الأول و خاصة الثالث الأموي لا حبا بهم-مع أنهم هم الذين مكنوا له و أوصلوه للخلافة عمليا-و لكن كراهية بآل محمد و أهل بيته و للبطن الهاشمي عامة،و تتفرع من حملة فضائل الخلفاء الثلاثة حملة أخري تتحدث عن فضائل الصحابة كل الصحابة،معتبرا نفسه و أباه و أخوته و أبناء عمومته من أجلاء الصحابة لأنهم شاهدوا رسول اللّه و جالسوه و سمعوا منه،لا حبا بالصحابة الكرام السابقين إلي الإيمان و لكنه نكاية بآل محمد و أهل بيته،و إرغاما لأنوفهم، و محاولة لتجريدهم من كل مميزة أو فضيلة تميزهم عليه و علي غيره،و سخر معاوية كافة طاقات الدولة و إمكانياتها،و جند كل عمالها لإنجاح هذه الحملة و كان

ص: 274

معاوية صريحا في مراسيمه حيث قال:«فلا تدعو خبرا يرويه أحد من الناس بأبي تراب أو بأهل بيته،إلا و تأتوني بمناقض له في الصحابة».[راجع شرح النهج لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد ج 3 ص 595 تحقيق حسن تميم]،و هذا يعني أن معاوية و عماله و أركان دولته قد قادوا عملية الوضع علي رسول اللّه،و أغرق معاوية و عماله الرواة بالعطايا و الصلات،و انشقت الأرض عن الألوف من الرواة فجأة فرووا عشرات الألوف من أحاديث الفضائل التي لم يقلها الرسول و لم ينزل بها اللّه سلطانا إنما هي محض اختلاق لإرغام أنوف بني هاشم كما يقول ابن نفطويه.

[راجع المرجع السابق،و كتاب الأحاديث للمدائني]،و بعد أن تجمعت له تلك السيول الجارفة من الروايات أمر معاوية بكتابتها و إشاعتها،و روايتها بين الناس، و فرض علي العامة و الخاصة حفظها،و العمل بها،و لاح لمعاوية و لأركان دولته بأنهم قد احتاطوا للمستقبل،و هدموا مجد آل محمد و أهل بيته،و جردوهم من مكانتهم و كافة فضائلهم،أو علي الأقل ضيعوا فضائل آل محمد و أهل بيته،وسط هذا المحيط المترامي الأطراف من الفضائل.و من غرائب هذه الحملة أن الرواة قد اكتشفوا بأن فضيلة الطهارة خاصة بأهل بيت النبوة و لا يمكن انتزاعها منهم لأنها مثبتة بالقرآن الكريم،فتفتقت عبقريات الرواة عن حديث يخص أعداء اللّه «بالطهارة و الزكاة»!!!و تفصيل ذلك أن رسول اللّه لعن نفرا معينا من المسلمين كالحكم بن العاص،و معاوية نفسه،و أباه و غيرهم و شاع أمر لعن الرسول لهذه النفر بشكل لا يمكن إنكاره أو التنكر له،و عالجت طواقم رواة معاوية هذا الأمر علي الصيغة التالية:«بأن الرسول بشر يتكلم في الغضب و الرضي و أثناء غضبه كان قد لعن بعض الصحابة«الحكم بن العاص»عدو اللّه و رسوله،و لما سكن عنه الغضب سأل اللّه أن يجعل هذا اللعن زكاة و طهورا لمن بدرت منه بحقهم!! و استجاب اللّه،فصار عدو اللّه الحكم بن العاص زاكيا و مطهرا و أولي بالخلافة من الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة،و ابنا النبي لماذا لأنهما مطهرين فقط، أما الحكم بن العاص فهو«زاكي و مطهر»و أما ولي اللّه بالنص،و إمام المتقين بالنص،و فارس الإسلام،و أعلم الناس بأحكامه فهو«ملعون»حاشاه حسب قوانين معاوية،لذلك من واجب الرعية كلها أن تلعنه علي المنابر،و فعلا لعنه

ص: 275

معاوية،و لعنته رعية معاوية و من المدهش بالفعل أن البخاري و مسلم قد رويا حديث«تحويل أعداء اللّه إلي زكاة و مطهرين،و قد وثقنا ذلك في كتابينا«الخطط السياسية»و«المواجهة».

معاوية يظهر نظرية المهدي المنتظر بعد إخفائها

بمناسبة الحديث عن الفضائل التي قاد معاوية و أركان دولته حملتها اكتشفوا بأن الإمام المهدي المنتظر من أهل بيت النبوة،و أن عليا بن أبي طالب و أهل بيت النبوة يعتبرونه من مفاخرهم و فضائلهم التي لا تداني،و لا ترقي لها فضيلة من فضائل القوم،فطالما ردد الإمام علي بفخر ظاهر«بنا فتح و بنا يختم»فلا معاوية و لا أركان دولته لهم القدرة علي أن يمحوا من الذاكرة ما قاله الرسول عن الإمام المهدي المنتظر،لقد كانت أحاديث الرسول المتعلقة بالمهدي المنتظر من القوة و الشيوع بحيث لا يمكن إنكارها أو التنكر لها،حتي من رجل مثل معاوية و طواقم مثل طواقمه،فكانت حملة الفضائل مناسبة لإظهار نظرية الإمام المهدي بعد إخفائها،و لتأكيد وجود هذه النظرية وقوتها و تأصلها في نفوس المسلمين، و اكتشفت طواقم معاوية أن إنكار النظرية مستحيل،و أن تجاهلها أكثر استحالة، و أوامر معاوية واضحة«لا تدعو فضيلة يرويها أحد من المسلمين بأبي تراب أو بأهل بيته إلا و تأتوني بمناقض لها في الصحابة»و لكن كيف يأتوه بمناقض لفضيلة المهدي بالصحابة؟هل يقولون بأن المهدي من ذرية أبي بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو أو زيد من الصحابة؟و لكن لماذا من ذريتهم و ليس من ذرية الرسول؟و كيف يمكن اقتلاع قناعة المسلمين و قتذاك بأنهم قد سمعوا الرسول يؤكد بأن المهدي من عترته أهل بيته،لذلك رأت طواقم معاوية بأن البديل الوحيد و الممكن هو رواية أحاديث تفيد بأن المهدي من أمة محمد!!!و هذه الأحاديث في ما بعد ستشكك بكون المهدي من آل محمد،و ستؤدي بعض المهام التي يرمي لها معاوية.

و الخلاصة أن معاوية و بدون قصد منه،و عند ما قاد حملة الفضائل و سخر لها

ص: 276

موارد دولة الخلافة ساهم مساهمة فعالة بإظهار نظرية الإمام المهدي بعد خفائها، و بالتأكيد علي وجودها وقوتها،و استقرارها في نفوس المسلمين و أن محاولات رواته لتنحية هذا الشرف عن أهل بيت النبوة،و إلحاقه بغيرهم باءت بالفشل الذريع،لأن آل محمد هم من أمته بل هم سنامها و تاج فخارها.

الظهور العام و الشامل لنظرية الإمام المهدي المنتظر

بعد أن اقتنع رعايا دولة الخلافة التاريخية بعدم صواب،و عدم منطقية استمرار منع رواية و كتابة أحاديث الرسول،و بعد انتقال منصب الخلافة من الأسرة الأموية إلي الأسرة العباسية،و بعد أن استقرت الثقافة التاريخية في النفوس، و ألقي فقهها أجرانه في الأرض لم تر دولة الخلافة أي ضرر من كتابة و رواية الأحاديث النبوية،خاصة مع تكون رأي عام ينادي بكتابة و رواية الأحاديث النبوية،و كيف يمكن الاستمرار بمنع رواية و كتابة الأحاديث النبوية،بالوقت الذي تشجع فيه الدولة،و تقبل فيه الرعية علي ترجمة كتب الأمم السابقة و فلسفاتها و علومها و أساطيرها!!ثم إنه لا محذور من أن يتقول علي دولة الخلافة،متقول و يتهمها بأنها قد خرجت علي سنة مؤكدة من سنن الخلفاء الثلاثة الأول،فالرعية كلها مقتنعة بضرورة كتابة و رواية الأحاديث النبوية بشكل لا يتعارض مع نظام دولة الخلافة،أو ثقافتها،أو فقهها النافذ،و هكذا أرخت الدولة الحبل لرعاياها و علمائها،و تفتحت أبواب و منافذ رواية الحديث النبوي و كتابته بعد حظر دام أكثر من مائة عام.

علماء دولة الخلافة يعثرون علي نظرية الإمام المهدي

بوقت قصير جدا عثر علماء دولة الخلافة علي نظرية الإمام المهدي المنتظر،و اكتشفوا أنها نظرية إسلامية من جميع الوجوه،و أن الأحاديث المتعلقة بها قد صدرت بالفعل عن رسول اللّه،و أن هذه النظرية جزء لا يتجزء من النظام السياسي الإسلامي و أن الرسول قد بشر بالفعل بالمهدي المنتظر،و أكد و بكل

ص: 277

وسائل التأكيد علي حتمية ظهوره،و أن هذا المهدي من عترة النبي أهل بيته،و أنه خاتم أئمة أهل بيت النبوة،و أنه سيبايع حتما بين الركن و المقام،أو بين زمزم و المقام،و أنه سيؤسس دولة آل محمد،و سيفتح أقاليم الأرض كلها،و ينتقم من الظالمين،و يسقط كافة حصونهم،و يكوّن دولة عالمية،و أنه سيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما،و أن سكان العالم في زمانه سيعتنقون جميعهم دين الإسلام،و أن عيسي ابن مريم سينزل من السماء في زمانه،فيكون وزيرا له، و يصلي خلفه،و توصلوا إلي اسمه و اسم أبيه و كنيته،و إلي علامات ظهوره،و كل هذه المعلومات قد استقوها من أحاديث نبوية صحت عندهم،و تواترت بينهم، و رووها عن النبي بنفس الطرق و الوسائل التي رووا فيها أحكام الدين الأساسية من صلاة و صوم و زكاة و حج...إلخ،و بعد أن رووا هذه الأحاديث أخرجوها في صحاحهم و مسانيدهم و لشد ما عجبوا عندما اكتشفوا أن أهل بيت النبوة كانوا يعرفون هذه الأحاديث قبلهم بمائة سنة،و أن مضامين هذه الأحاديث صحيحة عند أهل بيت النبوة،و متواترة بينهم.

و هكذا أجمعت الأمة أئمة أهل بيت النبوة و شيعتهم،و الخلفاء و شيعتهم علي صحة نظرية الإمام المهدي المنتظر،و جزمت الأمة بأسرها علي أن الأحاديث النبوية التي تحدثت عن المقاطع الأساسية لنظرية الإمام المهدي المنتظر قد صدرت بالفعل عن رسول اللّه،و أنها جزء من أنباء الغيب التي أوحاها اللّه لرسوله، لأن الرسول لا يعلم من الغيب إلا ما علمه اللّه إياها،و بالتالي صار الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر جزء من عقيدة المسلم الدينية،و ظهرت نظرية الإمام المهدي ظهورا عاما و شاملا و نهائيا،فليس بإمكان قوة في الأرض أن تمحو هذا الاعتقاد من نفوس المسلمين،و قد فشلت كافة محاولات التشكيك بهذا الاعتقاد،و بقيت نظرية الإمام المهدي صامدة،و شامخة،و قد تعرضنا لمحاولات التشكيك و أثبتنا فسادها و فشلها.

ص: 278

الفصل السابع: ترتيب أحداث و وقائع ظهور الإمام المهدي المنتظر

اشارة

صحيح أن الإمام المهدي المنتظر سيظهر فجأة كالساعة،و لكن و بالضرورة تسبق ظهوره سلسلة من الوقائع و الأحداث التي تفضي حتما إلي هذا الظهور، و تؤدي إليه مباشرة،فيكون الظهور التام للإمام المهدي هو قمة حركة الوقائع و الأحداث المبرمجة إلهيا،و المسيّرة تماما وفق مخطط إلهي،بحيث يترجم هذا المخطط ترجمة تصب في خانة نواميس نظرية الابتلاء الإلهي،فتستوعب البشرية المكلفة ما يحدث،و تفهمه،و تتفاعل معه سلبا أو إيجابا ليكون هذا التفاعل موضعا للثواب أو العقاب.

و باستقراء الأحاديث النبوية التي غطت أنباء نظرية المهدي المنتظر يتبين لنا، بأن حركة الظهور ستمر عبر سلسلة من المراحل،تتمخض عن ولادة عصر الإمام المهدي بكل ما فيه من كفاية و رخاء و عدل و انسجام مطلق.

المرحلة الأولي

انتشار الاعتقاد بالإمام المهدي

و إيمان المسلمين بهذا الاعتقاد

و قد تولي الرسول الأعظم بنفسه،نشر هذا الاعتقاد،فهو الذي بشر بالإمام المهدي المنتظر،و أكد و بكل وسائل التأكيد علي حتمية ظهوره،و أنه سيملأ

ص: 279

الأرض قسطا و عدلا،كما ملئت جورا و ظلما،و أن عيسي ابن مريم سيصلي خلفه،و يكون أحد أعوانه و أنصاره،و الرسول نفسه هو الذي تولي بيان كافة الأمور الكلية و التفصيلية المتعلقة بالإمام المهدي،مؤكدا بأنها من أنباء الغيب التي خص اللّه بها نبيّه،و بالرغم من المحنة التي تعرض لها الحديث النبوي إلا أن هذه الأنباء قد شاعت و انتشرت بين المسلمين و اعتقدوا بها،و آمنوا بأنها من أنباء الغيب المحتومة الوقوع.

و الفئة المتنورة من المسلمين أخذت ترصد حركة الأحداث و تتمني أن تتاح لها الفرصة لتكون من أنصار الإمام المهدي و أعوانه،و أن تساهم بصنع و إخراج عهده الذهبي،بمعني أنها لا تكتفي بأن تشهد عصر المهدي،بل تريد أن توطّد له، و أن تنال شرف المشاركة طمعا بما عند اللّه،و هروبا من مخاطر السلبية،و استفادة من تجارب التاريخ حيث أنه لا ينبغي علي المؤمن أن يقف من الأحداث موقف المتفرج،بل يتوجب عليه أن يؤثر بها سلبا أو إيجابا،ثم إن المهدي المنتظر إمام شرعي اختاره اللّه،و من واجب المؤمنين أن يضعوا أنفسهم تحت تصرفه،و أن يسلموا له قيادتهم،و أن يكونوا حيثما يتوقع منهم الإمام أن يكونوا.

المرحلة الثانية

إفلاس كافة العقائد الوضعية و أنماط حكمها

و اعتراف البشرية بعجز تلك العقائد و عدم أهليتها

قبل أن يظهر الإمام المهدي،تتاح الفرصة للبشرية لتجرب كافة العقائد الوضعية،و أنماط الحكم المنبثقة عنها،و أن تخضع لسيطرة حكام من مختلف النوعيات،ثم تكتشف البشرية بالتصوير الفني البطيء فشل و إفلاس و عجز كافة العقائد الوضعية،و كافة أنماط الحكم المنبثقة عنها،و تقر و تعترف و لو في قرارة النفوس،و بعد التجربة و المعاناة،بعدم أهلية العقائد الوضعية،و أنماط الحكم المنبثقة عنها لتحقيق العدل و الكفاية و الرخاء لبني البشر،و لتتساءل:أليس للّه عقيدة؟أليس لعقيدته نمط حكم!!أليس للّه أولياء يمكنهم أن يحكموا البشرية!! و تقيّم البشرية الموقف،و تري أن الأرض قد فاضت بالظلم و الجور،و أن كافة

ص: 280

الوسائل البشرية للإنقاذ قد استنفدت و فشلت فشلا ذريعا،و أن الحياة لا تطاق، و لا شيء ينقذ العالم إلا المهدي؛عندئذ يتهيأ المناخ النفسي،و الجو العام الملائم لظهور الإمام المهدي.و تقديره حق قدره،و إبرازه بصورة المنقذ الفعلي الوحيد في العالم.و التطلع إليه علي هذا الأساس.

المرحلة الثالثة

بروز علامات الظهور و تواليها

لم يترك رسول اللّه المسلمين في حالة غموض،إنما بيّن لهم بيانا كافيا كافة الأمور المتعلقة بالإمام المهدي،و وصفها وصفا دقيقا،فأكد علي وجود علامات تسبق ظهور الإمام المهدي و تتزامن مع هذا الظهور،و أن هذه العلامات ستبرز تباعا و يتوالي ظهورها،حتي إذا اكتمل ظهورها،طلع الإمام المهدي و ظهر للعالم كالنجم الثاقب المتألق.و قد وصف رسول اللّه هذه العلامات وصفا علميا دقيقا، تفهمه العامة و الخاصة،و هي من الوضوح بحيث أنها لا تخفي علي أحد إن بدأت بالظهور،و قد أفردنا في البحوث السابقة فصلا خاصا عن علامات الظهور.

و لا تبدأ العلامات إلا بعد أن يتيقن العالم و يقر إقرارا صريحا أو ضمنيا، بإفلاس كافة العقائد الوضعية،و أنماط الحكم المنبثقة عنها و عدم أهليتها لسياسة و إدارة الجنس البشري،و أن تلك العقائد و الأنماط هي التي ملأت الأرض بالظلم و الجور،و أن مشاكل العالم عصيّة و مستعصية علي الحل،و أن المهدي المنتظر هو المؤهل الوحيد و القادر علي أن يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما، و أن العدل الإلهي و الحكم الإلهي و قيادة أولياء اللّه هي المخرج الوحيد للعالم عندئذ تبدأ علامات الظهور بالبروز واحدة تلو الأخري،و بالصورة التي بسطناها في موضعها و حتي تكتمل.

المرحلة الرابعة

اشارة

وجود فئة مميزة تؤمن بالإمام المهدي

و تضع نفسها تحت تصرفه

عندما تبدأ علامات الظهور بالبروز واحدة بعد الأخري،و عندما تعصف

ص: 281

المحن بأبناء الجنس البشري،و يشتد البلاء و عندما يكتشف الناس أن الحل الوحيد و المصلح الوحيد للعالم هو المهدي يخرج من بين المسلمين أفراد هم أكثر الناس إحساسا بالبلاء،و رغبة بالخلاص،و إيمانا بالإمام المهدي المنتظر وثقة بقدرته الهائلة علي التغيير،و فوق هذا و ذلك هم في قمة الوعي و الإخلاص للّه،فيطلبون الإمام المهدي،و يبحثون عنه و كل واحد منهم لا يعرف الآخر،و في ساعة مباركة تلتقي هذه الفئة التي تجمعت من بلاد شتي علي غير موعد بالمهدي المنتظر،في مكان ما حول الكعبة المشرفة،بين الركن و المقام أو بين زمزم و المقام،فيتعارفون و يتعرفون علي الإمام المهدي،و يتعلقون به،و يضعون أنفسهم تحت تصرفه و الأحاديث النبوية المتواترة تؤكد بأن عدد أفراد هذه الفئة لا يتجاوز ثلاثمائة و بضعة عشر رجلا و هو عدد يطابق لعدد الذين خاضوا مع الرسول غمار معركة بدر،و في معرض حديثنا عن أصحاب المهدي و أنصاره تعرضنا إلي مواطن أفراد هذه الفئة،و عددهم،و صفاتهم و وثقنا كل ذلك فارجع إليه إن شئت.

و هنالك فئة من المؤمنين رصدت الأحداث و راقبت علامات الظهور، و أيقنت أن الإمام المهدي،يتأهب للظهور و أنه بحاجة إلي الأعوان و الأنصار، فأعدت للأمر عدته،و استعدت للخروج و البحث عن الإمام المهدي المنتظر، لتعثر عليه و تضع نفسها تحت تصرفه و تنال شرف صحبته و مشاركته في عملية التغيير الكبري،و أبرز مثال علي هذه الفئات حملة الرايات السود القادمون من إيران أو المشرق.

الفئة المؤمنة المؤسسة تضع نفسها تحت تصرف

الإمام المهدي الذي يتأهب للظهور

بعد جهد مضن،و عناء كبير،وجدت الفئة المؤمنة الإمام المهدي و تعرفت عليه،و تعرف عليها،و وضعت نفسها تحت تصرفه،و أقسم أفرادها بأنهم لن يفارقوه حتي الموت،و اطمأن المهدي بهم،و أطمأنوا به،و أيقن الإمام المهدي، بأنه قد آن أوان ظهوره،و بدأ بانتظار الأمر الإلهي بالظهور.

ص: 282

المرحلة الخامسة

ظهور السفياني و مسابقته للزمن

أكد الرسول الأعظم،و أئمة أهل بيت النبوة الأطهار بأن ظهور السفياني من الأمور المحتومة حتي قيل:لا مهدي بدون سفياني،و لا سفياني بدون مهدي، فظهور السفياني من أبرز و أشهر العلامات الدالة علي ظهور الإمام المهدي،بل إن ظهور الإمام المهدي سيتزامن مع عصر السفياني،و قد فصّلنا ذلك و بينّاه في الفصول السابقة.و السفياني كما بينّا سابقا رجل من ذرية أبي سفيان حاقد علي آل محمد،كاره لدولتهم،و هو خبيث و ذكي،فقد رصد الأحداث رصدا دقيقا، و قدّر بأن الإمام الهاشمي المهدي سيظهر،و سيحاول أن يبني دولة لآل محمد، فأراد السفياني أن يسبق المهدي،و يبني ملكا أمويا،ليصرف شرف المهدي عن آل محمد،كما حاول أجداده أن يصرفوا شرف النبوة و الخلافة عن بني هاشم فيجمع حوله الناصبة و شانئي أهل البيت،و طلاب الدنيا و المغامرين و يؤسس لنفسه قاعدة بالوادي اليابس،ثم ينطلق منه إلي درعا و حوران و دمشق و العراق و الحجاز،و يرفع شعارات براقة كوحدة العرب،و وحدة المسلمين،و يصمم علي تكوين إمبراطورية أموية فقط لغايات التصدي لآل محمد،و بناء الملك الأموي الذي سيحول بين آل محمد و بين ما يريدون.يسابق الزمن،و يحاول أن يستبق الأحداث ليواجه الإمام المهدي بملك قائم و مستقر،و بأمر واقع فيجهض حركة المهدي عند ظهورها.و يئدها و هي في مهدها.

المرحلة السادسة

اشارة

مبايعة الإمام المهدي و ظهوره

بينما تكون جيوش السفياني مشتبكة بحروب و معارك متعددة لبسط نفوذ السفياني علي العالمين العربي و الإسلامي،و بالوقت الذي تكون فيه منطقة الحجاز في حالة ضعف و تفكك و استرخاء بسبب أزمة حكم تعصف بالنظام السائد فيه.

و في ليلة مباركة،و بين الركن و المقام،أو بين زمزم و المقام يبايع الإمام المهدي ال 313 رجلا،و يتلقي الإمام المهدي أمرا إلهيا بالظهور،فيظهر بالفعل،

ص: 283

و تبدأ الآيات و المعجزات و العلامات المتزامنة مع ظهوره بالظهور.

و بمدة محدودة يبسط الإمام المهدي سلطانه علي منطقة مكة و يبايعه أهلها، و ينضم إلي جيشه عشرة آلاف مقاتل منهم،ثم يولي علي مكة أحد أصحابه، و يتوجه إلي المدينة،قال الإمام الباقر:«يبايع القائم بمكة علي كتاب اللّه و سنة رسوله،و يستعمل علي مكة،ثم يسير نحو المدينة فيبلغه أن عامله علي مكة قد قتل،فيرجع إليهم،فيقتل المقاتلة و لا يزيد علي ذلك».

ثم ينطلق فيدعو الناس بين المسجدين إلي كتاب اللّه و سنة رسوله و الولاية لعلي بن أبي طالب و البراءة من عدوه..[راجع الحديث رقم 834]،و يبسط الإمام المهدي سلطانه علي المدينة المنورة،و يبايعه أهلها فيقيم فيها ما يشاء،ثم يخرج متوجها إلي العراق،و عندما يسير المهدي باتجاه العراق يكتب السفياني لأهل المدينة«إن لم تقتلوه»أي والي الإمام المهدي لأقتلن مقاتلكم،و لأسبينّ ذراريكم»،فيقتلونه فيأتي الخبر المهدي،فيرجع إليهم،و يقتل قريش،حتي لا يبقي منهم إلا أكلة كبش..».[الحديث رقم 835]،و يرتب الإمام المهدي أمور المدينة،و يتابع استعداداته للذهاب إلي الكوفة.

آية الخسف أوضح علامات ظهور

الإمام المهدي و أدلها عليه

يسمع المسلمون كلهم بظهور الإمام المهدي،و بمبايعته بين الركن و المقام و بإخضاعه مكة لسلطانه،و مبايعة أهلها له،و أنه قد كوّن جيشا من أصحابه و ممن اتبعه من أهل مكة قوامه عشرة آلاف مقاتل و أن جيش المهدي ينوي دعوة الناس بين المسجدين،ثم الاتجاه إلي المدينة المنوّرة لإخضاعها لسلطانه أيضا.

و يسمع السفياني ما سمعه الناس،فيجن جنونه،و يجهز جيشا عظيما من خيرة رجاله،و يولي قيادة هذا الجيش لأحد أقربائه«سفياني آخر»و يأمره بأن يتوجه إلي مكة و أن يقضي بكل العنف و القسوة و الشدة علي الإمام المهدي و حركته، و يتوجه جيش السفياني إلي الحجاز بالفعل،و يسمع المسلمون كلهم بهذا الجيش، يصل جيش السفياني إلي الحجاز،و يعتقد أنه لم يبق بينه و بين القضاء علي الإمام

ص: 284

المهدي،يخسف اللّه الأرض بذلك الجيش فلا ينجو منه إلا اثنان أحدهما يبشر بالخسف،و الآخر يخبر السفياني بما حدث،هناك يتيقن المسلمون أن الإمام المهدي قد ظهر بالفعل،و أن السفياني هو عدو اللّه الذي حذر منه رسول اللّه، فتفيض عواطفهم الدينية نحو الإمام المهدي فالخسف آية ظهور يعلمها الخاصة و العامة،و السفياني آية ظهور أخري،و نتيجة للخسف بجيش السفياني يتلقي ضربة معنوية قاتلة،و يبدأ نجمه بالأفول السريع،و ترتفع الروح المعنوية لأنصار الإمام المهدي،و يوقنون بأن اللّه معه،و أن كل ما أخبرهم به رسول اللّه من أنباء الغيب حق لا ريب فيه.

المرحلة السابعة

اشارة

الذهاب إلي العراق،و إنشاء

قاعدة للعمليات،و اتخاذ الكوفة عاصمة له

بعد أن يخضع للإمام المهدي مكة و المدينة و ما بينهما لسلطانه،يتجه إلي العراق و إلي الكوفة بالذات،و قد روي الإمام الباقر:«أن الإمام المهدي يدخل الكوفة،و فيها رايات ثلاث قد اضطربت،فتصفو له،و يدخل حتي يأتي المنبر فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء»...[الحديث رقم 838].

و روي الإمام الباقر أيضا:«كأني بالقائم علي نجف الكوفة قد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة جبرئيل عن يمينه،و ميكائيل عن شماله و المؤمنون بين يديه و هو يفرق الجنود في البلاد.[الحديث رقم 836].و روي الإمام الباقر أيضا«بأن الكوفة ستكون عاصمته...و منها يظهر عدل اللّه،و فيها يكون قائمة،و القوم من بعده،و هي منازل الأنبياء و الأوصياء و الصالحين»...

[الحديث رقم 939].

لماذا اختار الإمام المهدي

العراق قاعدة للعمليات و الكوفة عاصمة له؟

لأن العراق نقطة تجمع كبري لشيعة أهل بيت النبوة،ففيه أعوانه و أنصاره و لأن العراق مجاور لبلاد الشرق/فارس و ما حولها،تلك البلاد التي تضم نخبة

ص: 285

شيعة أهل بيت النبوة،و لأن في إيران آنذاك حكم موالي لأهل بيت النبوة و جند مجندة للمهدي و هم حملة الرايات السود،و لأن الكوفة عاصمة أبيه التي شهدت انتصار الحق و هزائمه،و يريدها الإمام المهدي أن تشهد انتصار الحق الأعظم، و هزيمة الباطل الساحقة،ثم إن الإمام المهدي يتصرف بتوجيه رباني،و بعهد من رسول اللّه.

المرحلة الثامنة

اشارة

قاعدة الإمام المهدي و قيادة عملياته العسكرية

يفهم من الأحاديث النبوية،و من أحاديث أئمة أهل بيت النبوة،بأن الإمام المهدي سيجعل من مدينة الكوفة قاعدة له،و منطلقا لأعماله الحربية،و مقرا لقيادة عملياته العسكرية،فمنها يسيّر الجيوش،و منها يصدر أوامره إلي أنصاره في مختلف البلاد.

القضاء علي السفياني و حركته

يبدو من الأحاديث بأن السفياني سيخطط للاستيلاء علي كافة البلاد العربية و الإسلامية و تكوين أمبراطورية أموية تسخر كافة طاقاتها و مواردها لإجهاض حركة الإمام المهدي و القضاء عليه،و تنفيذا لهذا المخطط يسيّر السفياني سراياه و جيوشه إلي فلسطين و الأردن و سوريا و العراق و الجزيرة،و يشتبك عسكريا مع الأتراك و يكتب إلي الإيرانيين للدخول في طاعته و إلا غزاهم!

و عندما يعلم السفياني بظهور الإمام المهدي و مبايعة أهل مكة و بعزم المهدي علي المسير إلي المدينة،و منها إلي العراق،عندها يجن جنون السفياني و يجهز جيشا كبيرا من خيرة قواته،و يأمره بالزحف علي الحجاز و القضاء علي المهدي و حركته،و لكن اللّه تعالي يخسف الأرض بذلك الجيش و لا ينجو منه غير اثنين، و يتلقي السفياني بهذا الخسف ضربة معنوية ساحقة تقصم ظهره عمليا،و تنهي أمره،و تبدأ جيوشه الأخري بالتراجع،و يفقد بعضها الاتصال بقيادته،و تتفكك قواته،و تنهار روحها المعنوية تماما،بالوقت الذي تكون فيه قوات الإمام المهدي و أنصاره يطاردون بقايا جيوش السفياني،و يبدو أن السفياني قد يسلم قيادة أكثر من

ص: 286

جيش من جيوشه إلي أمويين«سفيانيين»،و أن الناس سيطلقون مصطلح السفياني علي كل قائد من قادة تلك الجيوش،لكن القادة الأمويين يخضعون في النهاية لقيادة كبيرهم و عميد البيت الأموي و وارث أحفاده و هو المعروف بالسفياني و هو المقصود بالأحاديث النبوية،و تشير الأحاديث النبوية،و أحاديث أئمة أهل بيت النبوة،بأن الإمام المهدي و أنصاره سيقضون علي حركة السفياني،و علي أنصاره، و أن السفياني نفسه سيبايع الإمام المهدي،ثم ينقض البيعة،و أن الإمام المهدي سيقتله.[راجع الأحاديث رقم 346 و 348 و 349 و 350 و 353 و الحديث رقم 658].

فتح كافة حصون الضلالة

و القضاء علي الجبارين و أبنائهم

و تطهير الشرق من الظلمة و أعداء اللّه

و تبين الأحاديث النبوية،و أحاديث أئمة أهل بيت النبوة بأن الإمام المهدي بعد قضائه علي السفياني و حركته و أثناء ذلك سيتابع عملياته الحربية و يفتح كافة حصون الضلالة في الشرق خاصة العالم الإسلامي،و سيطهر العالم الإسلامي من أعداء اللّه و من أئمة الضلالة،[راجع الأحاديث أرقام 79 و 340 و 23 و 479 ج 1 و 238].و ستكون أول ألويته موجهة إلي الترك.و يبدو واضحا بأن الإمام المهدي سينجح بتوحيد العالم الإسلامي،كله،و إخضاعه لسلطانه،و خلال سعي الإمام المهدي لتوحيد العالم الإسلامي يعقد هدنة مع الروم تدوم سنين أو المدة التي يستغرقها الإمام المهدي لتوحيد العالم الإسلامي و إخضاعه لسلطانه.[راجع الحديث رقم 223 و 223 ج 1].و يبذل المهدي جهده لاستمرار هذه الهدنة، و يتغاضي في البداية عن نقض الروم لتلك الهدنة،لأن غاية المهدي كما يبدو ستكون منصبة علي توحيد العالم الإسلامي من خلفه قبل الدخول بحرب شاملة مع الروم،و يفهم من الأحاديث و الروايات المتعددة بأن الإمام المهدي سينجح بتوحيد الأمة الإسلامية قبل أن يصطدم علي نطاق واسع مع الروم،و تظهر تلك الروايات الإمام المهدي بصورة القوة الوحيدة في العالم الإسلامي،فله وجود في العراق و الجزيرة،و الشام و فلسطين و الأردن و إيران،و اليمن،و يتصرف في هذه

ص: 287

المناطق تصرف السلطان الأوحد.راجع عصر الظهور ص 207 و ما فوق،و أن التواجد الملحوظ للروم في ما بعد ناتج عن غزو شامل يقوم به الروم للعالم الإسلامي بعد أن تفهموا حجم المخاطر التي ستشكلها دولة الإمام المهدي علي أنظمة الحكم السائدة في بلاد الغرب.

سعي الإمام المهدي

لتجنب المواجهة مع الغرب

بعد أن يوحد الإمام المهدي العالم الإسلامي،و يقضي علي جبابرته،و يفتح كافة حصون الظلام فيه يبدأ الإمام المهدي بالاستعداد لمواجهة الغرب لفتح حصون الضلالة فيه،و القضاء علي جباريه و علي حكم الظلمة فيه،و نشر الإسلام في بلاد الغرب.

و يبدو أن خطة الإمام المهدي ستتركز علي عزل ظالمي الغرب عن شعوبهم، و إقناع شعوب الغرب بأنه لا مصلحة لها بالدخول في حرب مع الإمام المهدي،لأن الإمام المهدي مهمته أن ينقذ العالم من قبضة الظالمين الجبابرة،و أن يطهر الأرض من وجودهم،و أن اللّه و المهدي و الشعوب المظلومة يقفون في معسكر واحد ضد الظلمة.

و علي هذا و خدمة لهذا التوجه و بتوجيه إلهي يقوم الإمام المهدي باستخراج تابوت السكينة من بحيرة طبرية،و يستخرج النسخة الأصلية من الإنجيل و النسخة الأصلية من التوراة،و يعلن الإمام المهدي و بكل وسائل الإعلان عن حيازته لهذه الأدلة المادية القاطعة،و البراهين الساطعة،و يلوح بعصا موسي و بحيازته لها، و بكافة الآيات و المعجزات التي خصه اللّه تعالي بها،و يفاخر بأن عيسي ابن مريم وزيره و تابعه و من يصلي خلفه،و سيحاول الإمام المهدي أن يفتح أبواب الحوار بينه و بين العالم الغربي،و أن يتجنب الحرب معه ما وسعه الجهد طمعا بتجنيب شعوب العالم الغربي ويلات حرب لا ناقة لهم فيها و لا جمل.[راجع أحاديث استخراج التابوت،و التوراة و الإنجيل ذوات الأرقام 203 و 226 و 225 و 227].

و خدمة لهذا التوجه يعقد الإمام المهدي معهم هدنا متعددة،و يغض الطرف عن نقضهم لتلك الهدنة،و تجري مبادلات تجارية بين دولة المهدي و العالم

ص: 288

الغربي حيث يختلف التجار المسلمون إلي بلادهم،و تجار الغرب إلي العالم الإسلامي،و يحاول الإمام المهدي أن يفتح أبواب الحوار بين الشرق و الغرب و أن يوظف حالة الهدنة لصالح السلام الهادف.[راجع الحديث رقم 224 ج 1].

المواجهة المسلحة مع الغرب

يعقد الإمام المهدي مع الغرب هدنة،[الحديث رقم 221]،فينقضوها،ثم يعقد معهم أربع هدن فينقضونها أيضا،[الحديث رقم 222]،و يعبر الإمام المهدي عشر سنين،[الحديث رقم 223 و 224]،و يفسر قادة الغرب رغبة الإمام المهدي بتجنب المواجهة العسكرية تفسيرا خاطئا،أو يكتشفون ما يرمي إليه الإمام المهدي،و يدركون خطورة الرجل،و قدرته علي التأثير علي شعوبهم،و قوة حجته و نجاعة الأدلة المادية التي يحوزها من تابوت و توراة و إنجيل و عصا موسي، و التأثير الساحق لوجود المسيح ابن مريم معه،لذلك يتناسي أئمة الضلالة في الغرب كافة خلافاتهم،و يوحدون جيوشهم،و يسلمون قيادتهم لأحد ملوكهم ثم يتفقون علي شن حرب شاملة علي دولة الإمام المهدي،و يستغلون هدنهم مع المهدي لإتمام استعداداتهم العسكرية،و يبدو أن أئمة الضلالة في الغرب يجهزون جيشا قوامه 960 ألف مقاتل،و ثمانمائة سفينة.[راجع الحديث رقم 223 و الحديث رقم 232].و يبدو أيضا بأن الطرفين سيتواجهان في أرض أفريقيا، [الحديث رقم 232]،و أن الكفة سترجح لصالح المهدي و جنده،و أن قادة الغرب سينسحبون لإعادة تنظيم قواتهم،ثم يقبلون حيث سترسوا سفن الروم الغازية من صور إلي عكا عندئذ تبدأ الملاحم.[راجع الحديث رقم 224]،و يبدو أن نصاري المنطقة سيكتشفون خطورة الإمام المهدي،و ستجري بين قياداتهم و قيادة جيوش الغرب اتصالات،و أن النصاري سيقدمون مساعدة للجيوش الغربية الغازية، [الحديث رقم 235].

الملحمة العظمي بين الإمام المهدي و جنده

و بين الروم و الترك و اليهود

يبدو من الأحاديث النبوية أن قادة الغرب سيتحالفون مع الترك و مع اليهود

ص: 289

ضد الإمام المهدي،[راجع الحديث رقم 215 و 216 و 217].و أن القوات المتحالفة ستحصل علي موضع قدم لها في أكثر من موقع،و تشتبك مع المسلمين في أكثر من جهة،ربما طمعا بإجبار الجيش الإسلامي علي تشتيت قواه،و يبدو أيضا بأن القوات المتحالفة قد جندت جيشا عظيما لم ير الشرق في تاريخه له مثيلا فقد روي عن النبي قوله...ثم يأتيكم في ثمانين غاية تحت كل غاية اثني عشر ألفا.[الحديث رقم 223 و الحديث رقم 226]،و يبدو أن قوات التحالف ستكون مصممة علي هزيمة الإمام المهدي و جنوده،لأن الأوامر المعطاة لقيادة تلك القوات بالقيام بحرق المراكب و السفن بعد رسوها في ساحل الشام ليشعر الجيش المتحالف أنه يقاتل دفاعا عن نفسه و يضطر إلي الثبات و الاستبسال في القتال.

[راجع الحديث رقم 236]،و ينجح الغزاة و يستولون بالفعل علي أكثر بلاد الشام برها و بحرها،و يخربون بيت المقدس و لا يبقي من بلاد الشام بأيدي المسلمين إلا دمشق و المقسق و هو جبل بأرض الشام،و يبدو أن الإمام المهدي يطلب من عماله علي بقية الولايات الإسلامية إمداده،و أن هذه الإمدادات ستبدأ بالوصول،فيصل من اليمن 70 ألف مقاتل،و يحاول الإمام المهدي أن يجمع الجزء الأكبر من قواته بالشام بعد أن تيقن من أن القوة الضاربة لقوات التحالف في الشام،و يبدو أن المهدي ستكون قيادته الميدانية في أنطاكية،و هنالك ستنشب معركة كبري بين الطرفين يستشهد فيها ثلاثون ألف مسلم منهم سبعون أميرا من أولياء اللّه،و يتدفق الدم بغزارة من الطرفين حتي تخوض الخيل بالدم.[راجع الحديث رقم 235]، و يصب اللّه غضبه علي الروم فيهزمون هزيمة ساحقة،و يبدو أن هذه المعركة و ذيولها ستقصم ظهر الروم و حلفائهم لأنهم عندما قرروا غزو البلاد الإسلامية جندوا كافة طاقاتهم،و رجالهم القادرين علي حمل السلاح،و تركوا بلادهم مفتوحة.

و قد خسر الروم بهذه الملاحم قرابة ستمائة ألف مقاتل عدا الجرحي و المفقودين،و يبدو أن الإمام المهدي سيعرف حقيقة الوضع العسكري في بلاد الغرب بدليل أنه و بعيد هذه الملاحم بقليل،يجهز ألف و خمسمائة مركب،لتحمل جيشه المؤلف من أربعة أجناد و هم جند المشرق،و جند المغرب،و جند الشام،

ص: 290

و جند الحجاز لغايات غزو بلاد الغرب المفتوحة أمامه.و يبدو بأن المحن،و اليقين سيصقلا جيش الإمام المهدي حيث تصف الأحاديث ذلك الجيش بأنه متماسك، و مؤمن،و متعاضد،و كأن أفراده أولاد رجل واحد،و أن اللّه سيذهب عنهم الشحناء و التباغض من قلوبهم،فيسيرون من عكاء إلي رومية،و يسخر اللّه لهم الريح كما سخرها لسليمان.

و تؤكد الأحاديث النبوية بأن هذا الجيش سيفتح بلاد الغرب حتي يأتون مدينة يقال لها قاطع علي البحر الأخضر المحدق بالدنيا ليس خلفه إلا أمر اللّه.[راجع الحديث رقم 128]،و تركز الأحاديث علي فتح القسطنطينية خاصة،[راجع الحديث رقم 414 و 408]،و يفتح الصين أيضا و جبال الديلم[الحديث رقم 663]،و لا يمر بحصن إلا فتحه.[الحديث 661 رقم].

و لا تتوقف معارك الإمام المهدي

حتي يملك مشارق الأرض و مغاربها

و تؤكد الأحاديث النبوية أن الإمام المهدي سيحمل سيفه،و لن يرميه حتي يملك العرب،[الحديث رقم 68]،و يملك مشارق الأرض و مغاربها:«يفتح له ما بين المشرق و المغرب»[الحديث رقم 127]،«يفتح اللّه علي يديه مشارق الأرض و مغاربها»،[الحديث رقم 155]و يبلغ المغرب و المشرق،[الحديث رقم 158]، و لا يبقي علي وجه الأرض إلا من يقول لا إله إلا اللّه،[الحديث رقم 309]، و يحكم بين أهل المشرق و المغرب،[الحديث رقم 361]،و يشمل ملك المهدي العالم كله،[الحديث رقم 858]،و يفتح اللّه له شرق الأرض و غربها،[الحديث رقم 959].

نزول المسيح إلي الأرض

لا خلاف بين اثنين من المسلمين علي حتمية نزول السيد المسيح،و حتمية صلاته خلف الإمام المهدي،و حتمية تأمر الإمام المهدي عليه،و علي كونه أحد و أبرز وزراء الإمام المهدي،لكننا لا نعرف علي وجه الجزم و اليقين بأي مرحلة من المراحل سينزل السيد المسيح،و يصلي خلف الإمام المهدي،و يباشر مهام

ص: 291

وزارته في حكومة الإمام المهدي،و إن كنا نرجح أن يكون نزول المسيح،بعد دحر جيوش غزاة الغرب،و خلال فترة استعدادات الإمام لفتح حصون الضلالة في العالم الغربي،لأن عقلية الغرب آنذاك ستكون أكثر استعدادا و قابلية لسماع ما يقوله الإمام المهدي،بعد أن تحطمت القوة العسكرية الضاربة في الغرب،و بعد فشل تحالف أئمة الضلالة فيه.

ص: 292

الفصل الثامن: دولة الإمام المهدي هي دولة آل محمد،و ستكون آخر الدول

اشارة

نشوء دول التاريخ السياسي الإسلامي و حرمان آل محمد من تكوين دولة خاصة بهم

لو استعرضنا تاريخ دولة الخلافة التاريخية،و الدول التي تعاقبت علي حكم الأمة الإسلامية لتبين لنا بوضوح تام أن كافة الجماعات و الأفراد الذين عرفوا رسول اللّه،أو آمنوا به،أو تظاهروا بهذا الإيمان قد استفادوا من الملك العريض الذي بناه رسول اللّه،فنالوا نصيبا من الجاه،و نصيبا من النفوذ و بعض الأفراد و الجماعات،استولوا علي ملك النبوة،و كونوا في هذا الملك دولا خاصة بهم، تحمل أسماءهم،أو أسماء عائلاتهم،و عللوا ذلك بمبررات مختلفة و غير مقنعة، و لكن تلك المبررات جميعا تستند عمليا علي القوة و القهر و كثرة الأتباع و تسخير موارد دولة الخلافة لتثبيت دعائم تلك الدول بعد إخراج تلك الموارد عن مصارفها الشرعية.

و الفئة الوحيدة التي لم تستفد من ملك النبوة،و لم تنل نصيبا من جاه و لا نفوذ هذا الملك،و لم تتمكن من تكوين دولة خاصة بها هم عترة النبي أهل بيته أو آل محمد،مع أنهم الأقرب للنبي و الأولي به!!!و أعظم من ذلك أن الذين استولوا علي هذا الملك النبوي حوّلوه إلي سوط من عذاب جلدوا به عترة النبي أهل بيته

ص: 293

و ساموهم فيه سوء العذاب!!!

الإمام الحسن العسكري يعلل ذلك

علل الإمام الحسن العسكري أسباب نقمة مؤسسي و قادة دولة الخلافة التاريخية علي آل محمد،و حرمانهم من تكوين دولة خاصة بهم،و يسوق الإمام العسكري الأمويين و العباسيين كمثال متاح علي ذلك فيقول و بالحرف:«قد وضع بنو أمية و بنو العباس سيوفهم علينا لعلتين:1-أحدهما أنهم كانوا يعلمون أنه ليس لهم في الخلافة حق،فيخافون من ادعائنا إياها و تستقر في مركزها،2- و ثانيهما أنهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة علي أن زوال ملك الجبابرة و الظلمة علي يد القائم منا،و كانوا لا يشكون أنهم من الجبابرة و الظلمة،فسعوا في قتل أهل بيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،طمعا منهم في الوصول إلي منع توّلد القائم أو قتله، فأبي اللّه أن يكشف أمره لواحد منهم إلا أن يتم نوره و لو كره الكافرون».[راجع الحديث رقم 1262 ج 4 و المراجع المدونة تحته].و تحليل و تعليل الإمام العسكري من القوة و الوضوح و الإقناع بحيث أنه لا يحتاج إلي بيان.

مبررات تقدم الجميع علي آل محمد

و قيام دول الجميع إلا دولة آل محمد!!

1-ورث الخليفة الأول ملك النبوة،و كوّن دولة فعلية لنفسه و لرهطه بني تيم بحجة أنه صاحب النبي،و والد زوجته،و أنه من قريش عشيرة النبي و لما قال له الإمام علي،بأنه و أهل البيت أولي برسول اللّه حيا و ميتا،و الرسول مثل شجرة، عترته أهل بيته فروعها و أغصانها،و قريش ظلالها،و أشار الإمام إلي الأحاديث النبوية التي صدعت بخلافته للنبي،و بالترتيب الإلهي لعصر ما بعد النبوة.قال الخليفة الأول بأن الخلافة شأن خاص بالمسلمين و أن المسلمين قد اختاروه بالشوري،و أجمعوا عليه،و ما ذكره الرسول في غدير خم و مناسبات متعددة حول ولاية الإمام علي من بعده و مكانة أهل بيت النبوة،و آل محمد،ليست ملزمة، لأنها صادرة من الرسول كبشر و ليست وحيا إلهيا!!و أن الخلافة مرهونة بشوري المسلمين و موافقتهم.

ص: 294

فأجابهم الإمام بأن الرسول لا ينطق عن الهوي،و هو يتبع ما يوحي إليه،و لا يمكنه أن يتقول علي اللّه،أو يعلن أمرا بهذه الخطورة دون الموافقة الإلهية،ثم لنفترض أن الأمر شوري بين المسلمين فآل محمد و عترته أهل بيته من المسلمين، بل هم الناصية،و عنوان الفخار،فكيف تكون الخلافة دون استشارتهم،لقد كانوا غيبا عن هذه الشوري؟!

فقالت بطون قريش التي كانت تقف خلف الخليفة بكل كثرتها و خيلائها و فخرها و نفوذها:يا علي قد جادلتنا فأكثرت جدالنا،فإما أن تبايع أنت و عترة النبي أهل بيته و إما أن تقتلون!!فالتفت الإمام و لم يجد له معينا إلا أهل بيته، فضن بهم عن الموت،فسلم لدولة بني تيم و بعد ستة شهور بايع و بايع معه أهل البيت.

2-و نظرا للجهود المضنية التي بذلها عمر بن الخطاب بتوحيد بطون قريش و حلفائها،و بإقامة دولة البطون الأولي عهد الخليفة الأول له بالخلافة فكانت مبررات استخلاف الثاني هي نفس مبررات استخلاف الأول و زادت عنها بعهد الأول و هكذا نشأت دولة فعلية لبني عدي و تقدم آل تيم و آل عدي علي آل محمد.

3-و الخليفة الثاني علي فراش الموت عهد بالخلافة عمليا لعثمان بن عفان و هو حليف الأول و الثاني و وزيرهما،و صاحب الجهد الأعظم بإقامة دولتهما و هو عميد البيت الأموي و كان مبررات توليته هي نفس مبررات الخليفتين الأول و الثاني،و الفارق أن الخليفة الثالث هو زوج ابنة النبي التي ماتت و لم تعقب و ليس والد زوجة النبي و أن الثاني قد عهد إليه،و هكذا قامت عمليا دولة بني أمية و لكن دون إعلان في البداية،و في مرحلة من مراحل الخليفة الثالث خاطب وزيره مروان بن الحكم المسلمين بقوله:«شاهت وجوهكم تريدون أن تسلبونا ملكنا»!!

4-لما آلت الخلافة إلي الإمام علي بن أبي طالب بنفس الوسائل و الطرق التي أوجدتها بطون قريش،و نفس المبررات التي تولي فيها الخلفاء الثلاثة الحكم وقفت بطون قريش وقفة رجل واحد،و رفضت خلافة الإمام علي ثم قتلته،ثم رفضت خلافة ابنه و لم تقبل إلا بعد هزيمة آل محمد و عودة منصب الخلافة للبطون.لأنها لا تقبل بحكم آل محمد و ترفض رفضا قاطعا أن تكون لهم دولة!!

ص: 295

و لا مانع لدي بطون قريش من أن تتكون دولة للموالي،و للأنصار،و لأي مسلم لكنها لا تقبل بدولة آل محمد،قال الخليفة الثاني و هو علي فراش الموت:«لو كان سالم مولي أبي حذيفة حيا لوليته و استخلفته»و سالم هذا من الموالي و لا يعرف له نسب في العرب،فالخليفة الثاني يتمني حياة الموالي الأموات ليوليهم الخلافة،و يتجاهل وجود آل محمد تجاهلا تاما من الناحية العملية،و لا يري أن فيهم من هو أهل لتولي الخلافة»!!!

5-و مع أن معاوية بن أبي سفيان و أبوه و أخوته هم الذين قادوا جبهة الشرك و قاوموا رسول اللّه و حاربوه طوال مدة 21 عاما،و لم يسلموا إلا بعد أن أحيط بهم فاضطروا مكرهين للتلفظ بالشهادتين إلا أنه و بعد أن وطد له الخلفاء الثلاثة استولي علي منصب الخلافة بالقوة و القهر و أسس دولة خاصة بآل أبي سفيان و هم أعداء اللّه و رسوله الألداء و حجة معاوية و مبررات خلافته أنه القوي الغالب،و أنه صحابي و أنه مسلم،و أنه من عشيرة النبي،و أن أخته هي إحدي زوجات النبي!!

6-بعد أن سقطت دولة آل أبي سفيان آلت الخلافة إلي ذرية عدو اللّه و عدو رسوله الحكم بن العاص،الذي لعنه رسول اللّه و نفاه و حرم عليه أن يسكن معه في المدينة،و حذر المسلمين من شروره و مع هذا كون دولة خاصة بآل الحكم بن العاص بحجة أنه أموي،و أنه أولي بمعاوية و أنه من قريش عشيرة النبي!!و صار المسلمون رعايا لهذه الدولة كما كانوا رعايا للدولة التي سبقتها،و بايعوا خلفاءهم تماما كما بايعوا الذين قبلهم.

7-و جمع العباسيون القوة،و أعدوا وسائل الغلبة،و رفعوا شعارات آل محمد،فاستولوا علي منصب الخلافة بالقوة و القهر و كونوا دولة خاصة بآل العباس بحجة و بمبررات مفادها أنهم أحفاد العباس عم النبي،و لما قال لهم أهل بيت النبوة،بأننا أحفاد النبي نفسه و أحفاد عم النبي الشقيق،و أنتم رفعتم شعاراتنا،و تعرفون حقنا،و أننا الأولي منكم،و كنتم تتفرجون علينا و نحن نقتل و نسام سوء العذاب!!فيغضب العباسيون و يصبون علي آل محمد فيضا جارفا من النقم و القتل و العذاب،و كأنه ليس بين العباسيين و بين عترة النبي أية قرابة!!

8-و تتفكك الدولة العباسية،و يغلب كل وال علي ولايته،و يؤسس له

ص: 296

و لأسرته دولة خاصة به،بحجة أنه مسلم،و أن الخليفة غير قادر علي إدارة شؤون الخلافة،و ليس في تلك الولاية من هو أصلح و لا أنسب منه لقيادة الرعية.

9-ثم تطلع عائلة تركية،و تجمع حولها أسباب القوة و تستولي بالغلبة علي كافة أقاليم العالم الإسلامي،و تخضع جميع المسلمين لسلطانها و يعلن كبير العائلة التركية«العثمانية»بأنه خليفة رسول رب العالمين لأنه لا يوجد خليفة،و لا يوجد من هو أنسب للخلافة منه!!

و لأنه لا بد للمسلمين من خليفة!!و لأنه لا فرق بين عربي و عجمي!!و أن الأتقي هو الأكرم عند اللّه!!بمعني أن كبير الأسرة العثمانية هو الأكرم عند اللّه!! و الخلاصة أن العثمانيين قد تجاهلوا وجود أهل بيت النبوة كتجاهل الذين من قبلهم،و تقدموا علي أهل البيت كما تقدم الذين من قبلهم،و قبل المسلمون بذلك أو تظاهروا بالقبول كما فعل آباؤهم من قبل.و بعد قرون تسقط دولة آل عثمان، و بسقوطها يسقط نظام الخلافة التاريخية،و لكن ثقافة تلك الخلافة و مناهجها التربوية و التعليمية قد استقرت نهائيا في النفوس،فالملك لمن غلب،و التبريرات الشكلية ما هي إلا ديكور.فرفعت الشرعية الإلهية من واقع الحياة،و حل محلها التغلب و القوة،و تفسحت أشداق المطامع،و أبواب و منافذ التنافس،و صار كل قوي يعتقد بأنه الأحق بالقيادة،فتولي الأمر غير أهله،و أهله ينظرون،و قيل لكل إمام من أئمة بيت النبوة،خاصة و لآل محمد عامة،إما أن تقبلوا ما يرتبه الظلمة الجبارون أو تموتوا!!فآثر أهل بيت النبوة الحياة لا حبا فيها لأن الجبابرة قد أفسدوها بالفعل،و لكن لينقلوا ما جري للأجيال اللاحقة،و ليكشفوا التزييف و التضليل،لعلّ جيل من الأجيال ينصفهم،و يفهم عدالة قضيتهم،و يفهم حجم الجريمة التي ارتكبها المجرمون بحق اللّه و رسوله و أهل بيته.و خلال قرون العذاب و الألم كان أهل بيت النبوة يشكون بثهم و حزنهم إلي اللّه.

العلم الإلهي المسبق لحركة الأحداث

و الوعد الإلهي القاطع بإقامة دولة آل محمد

اللّه سبحانه و تعالي يعلم بحركة الأحداث قبل وقوعها بداية و تفاصيل و نهاية

ص: 297

فما من أمة من الأمم إلا و يعلم اللّه تفاصيل و كليات الحركة المستقبلية لأفرادها فردا فردا،و لجماعتها جماعة جماعة،و يعلم الخط العام الذي ستسير عليه الأمة كلها من البداية و حتي النهاية،و لأن اللّه رحيم بعباده،فإنه يتولي بتوجيهاته الإلهية ترشيد الحركتين الخاصة بكل فرد و جماعة،و العامة التي تخص الأمة كلها،لكنه تعالي لا يجبر الفرد،و لا يجبر الجماعة،و لا يجبر الأمة علي فعل شيء،لأنه لو وقع الإجبار لما كان للثواب أو العقاب معني،و لاختلت قواعد الابتلاء الإلهي و نواميسه،و اللّه سبحانه و تعالي يريد لهذه القواعد و النوامس أن تشق طريقها بموضوعية بدون تأثيرات،ليكون الثواب عادلا و العقاب عادلا و لتتكون المقومات الموضوعية للحكم الإلهي العادل.

لقد أكمل اللّه دينه،و أتم نعمته،و رضي اللّه بالإسلام دينا للعرب و لكل خلق اللّه،و نجح الرسول بتحويل العرب من دين الشرك إلي دين الإسلام،و بإقامة دولة إيمانية و حدتهم و لأول مرة في التاريخ بكلفة بشرية لا تكاد أن تذكر،و بلغهم الرسول كتاب اللّه كما أوحي إليه،و بينه لهم كما أمره،و لم يترك الرسول أمرا من أمور الدنيا و الآخرة فيه خير إلا و رغبهم فيه،و لا أمرا فيه شر إلا و حذرهم منه، و اتسعت رحمة الرسول و رأفته بالجميع،و لأن الرسول بشر فسيموت حتما،و حتي لا تفسد الأمور بعد موته،و حتي لا ينهار ما بناه،وضع اللّه سبحانه و تعالي ترتيبات إلهية لعصر ما بعد النبوة،فاختار اللّه اثني عشر إماما ليحكموا الأمة من بعد النبي و حتي قيام الساعة،فأهلهم و أعدهم إعدادا إلهيا للقيادة و المرجعية بحيث يكون كل واحد منهم هو الوارث الوحيد لعلمي النبوة و الكتاب في زمانه،و هو المرجع الأوحد ليقول الناس في زمانه بحق،أنه الأعلم و الأفضل و الأنقي و الأقرب للّه و لرسوله،و أمر اللّه رسوله أن يعلن للأمة أسماء القادة أو الأئمة أو الخلفاء أو النقباء و الأمراء الذين اختارهم اللّه،و لأن الرسول مأمور،و يتبع ما يوحي إليه،فقد سمي للأمة قادتها من بعد وفاته،و تسعة منهم لم يولدوا بعد،و أمر اللّه رسوله بأن يعلن للناس بأن طاعة كل واحد من الاثني عشر هي طاعة للّه،و لرسوله، و موالاتهم هي موالاة للّه و لرسوله،و معاداتهم هي معاداة للّه و لرسوله،و الخروج علي أي واحد منهم هو خروج علي اللّه و رسوله،و أكد الرسول كل ذلك و بكل

ص: 298

وسائل الإعلان و البيان و ليحكم اللّه أمره و يقيم حجته أمر اللّه رسوله بأن ينصب أول أولئك الأئمة وليا للمؤمنين و الرسول حيا،و أن يأخذ له البيعة من المسلمين، كافة،و في غدير خم أعلن الرسول أن حجته تلك ستكون حجة الوداع،و أنه سيموت بعد عودته إلي المدينة بقليل حيث سيمرض،و يموت في مرضه،و أنه لن يلقي المجتمعين بعد عامهم ذلك،و سألهم من وليكم،و من مولاكم،و هل حقيقة أني وليكم و مولاكم؟فتعجب المسلمون و أجابوه بصوت واحد أنه الولي،و أنه المولي،فقال الرسول:من كنت وليه فهذا علي بن أبي طالب وليه،و من كنت مولاه فهذا علي مولاه،و لخص الرسول للمسلمين الموقف بقوله:«تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي»حديث الثقلين بصيغة المتعددة،ثم عمم عليا بن أبي طالب بعمامة،و أجلسه،و طلب من الجميع أن يبايعوه،و بايعه الجميع و علي رأسهم الخلفاء الثلاثة الأول و عرف المسلمون أن الخليفة الأول هو علي بن أبي طالب و أن الأحد عشر الأخرين من صلب علي و من ذرية النبي،و أن آخرهم و خاتمهم محمد بن الحسن المهدي المنتظر،و تفرق المسلمون و عادوا إلي منازلهم علي هذا الأساس.

الإنقلاب و الردة علي الأعقاب

و تكوين حزب العدالة!!

ذهلت بطون قريش من هول ما سمعت،فآل محمد و أهل بيته هم الذين قتلوا أبناء بطون قريش أثناء حربها للنبي،و هم من بني هاشم،ثم إن محمدا من بني هاشم،فأي عدل هذا الذي يخص الهاشميين بالنبوة و بالخلافة إلي قيام الساعة،و يحرم بقية البطون من الشرفين معا!!إنه لمن المستحيل أن يأمر اللّه بذلك!!أو يرتب ذلك!!إنها مجرد أقوال لمحمد!!و محمد بشر يتكلم في الغضب و الرضي،و لا ينبغي أن تحمل كل أقواله علي محمل الجد!!و حمل أقوال النبي المتعلقة بالخلافة من بعده علي محمل الجد سيلحق ضررا فاحشا ببطون قريش،و يجحف بحق المسلمين!!!و الأصوب و الأنسب و الأوفق أن تكون النبوة لبني هاشم لا يشاركهم فيها أحد،و الدولة و الخلافة لبطون قريش لا يشاركهم فيها هاشمي قط،و وقف المنافقون وقفة رجل واحد مع بطون قريش لأن المنافقين

ص: 299

يكرهون الظلم،و يحبون العدالة!!!و وقفت المرتزقة من الأعراب مع بطون قريش أيضا،و وقفت كل العناصر التي حاربت النبي حتي أحيط بها فاضطرت مكرهة لإعلان إسلامها مع بطون قريش،و وقف طلاب الدنيا مع بطون قريش،و تكون من الناحية العملية حزب كبير يضم الأكثرية الساحقة من المسلمين،للدفاع عن حقوق البطون،و في الجانب الآخر يقف النبي و أهل بيته و فئة مؤمنة قليلة العدد لا قدرة لهم علي مواجهة هذا التيار الجارف الذي أوجدته عدالة البطون!!!

اللّه يطلع رسوله علي كل ما يجري

و الرسول يعلن ذلك و يكشف أهل الفتن

حركة بطون قريس صارت علنية،و غير خافية علي أحد،و نوايا البطون مكشوفة للجميع،فالأكثرية الساحقة تعارض بشدة دولة آل محمد بتحريض من بطون قريش و لا بد للإسلام أن يقول رأيه بحركة البطون و أشياعهم،فأوحي اللّه إلي نبيه بكل ما يجري،و ينطلق النبي من دائرة اليقين و الوحي ليكشف ما تبيته البطون و ليعلن أنها فتنة،و أنها إن نجحت ستحل عري الإسلام كلها،و يسمي الرسول للمسلمين قادة الفتن كل باسمه،و يبكي الرسول أمام المسلمين مخبرا إياهم بما أوحي اللّه إليه به،من أنهم سينكلون بأهل بيته من بعده،فيطردونهم و يشردونهم و يقتلونهم تقتيلا،و أنه سيسمون الحسن سبطه و سيقتلون الحسين و أهل بيته في كربلاء شر قتلة،و سيلاحقون أهل بيته و يطاردونه طوال التاريخ، و يتساءل النبي بحزن يدمي قلبه الشريف لم تفعلون ذلك،و هل أستحق هذا منكم؟ و هل هذا هو الأجر الذي تقدمونه لي لقاء هدايتي لكم،و إنقاذكم!!

أهل بيت النبوة و الفئة المؤمنة القليلة كانوا موقنين بأن النبي يقول الحق، و ينشر ما أوحي إليه من ربه.و أن ما أخبر به النبي واقع لا محالة.

و بطون قريش و قادتها،و حلفاؤها أيقنوا أيضا بأن محمدا قد كشفهم و أنه قد عرف حقيقة نواياهم،و موقفهم الصارم من عترة النبي أهل بيته و المفاجآت التي يعدونها لهم،و معارضتهم و رفضهم القاطع لدولة آل محمد و كانوا يتوقعون من النبي لأن هذا رأي الأكثرية أن يقوم بإجراء تعديلات جوهرية علي ترتيباته السابقة،

ص: 300

و أن ينصف!!!بطون قريش فيعلن حقها بالملك من بعده و يعترف بهذا الحق،كما اعترفت له بطون قريش بالنبوة!!!و لكن النبي لم يجر أية تعديلات علي ترتيباته السابقة!!إذا لم يبق أمام زعامة بطون قريش و حلفائها إلا أن تفرض رأي الأكثرية بالقوة،و أن تحول بين دولة آل محمد و بين الظهور،و تقيم بدلا منها دولا لبطون قريش متتابعة لأن أكثرية الناس بعد الإسلام يتبعون قريشا،تماما كما اتبعوها أثناء مقاومتها للنبي و حربها له.و الفرق أنهم الآن يتبعونها تحت خيمة الإسلام و كانوا سابقا يتبعونها تحت خيمة الشرك!!و يكفي محمدا و الهاشميين أن بطون قريش جميعا و مواليها و من تعاطف معها من العرب،و المنافقين،و المرتزقة من الأعراب يعترفون بنبوته،و يتلفظون بالشهادتين و هم من حيث المبدأ علي دينه،فماذا يريد غير ذلك!!!أما أن يتأمر أحفاده علي بطون قريش و من والاها،و أن يكونوا قادة لها إلي يوم الدين،فالموت أهون علي البطون منه و هي لن تقبله حتي و لو اضطرت إلي ترك الدين نفسه!!!و تحددت الخيارات بخيار واحد إما دولة آل محمد وردة البطون و من والاها عن الإسلام،و أما دولة البطون و بقاء البطون و من والاها علي دين اللّه بالقدر الذي تراه مناسبا!!!و لقد فهم الرسول في آخر أيامه هذه الحقيقة، و فهمها الإمام علي و أعلنها بأكثر من مناسبة في ما بعد.

و صممت زعامة بطون قريش و قادة النفاق علي ذلك،و ركبوا رؤوسهم، و أخذوا يتربصون،و ينتظرون بفارغ الصبر موت النبي،ليستولوا بالقوة و التغلب و كثرة الأتباع علي الملك الذي تمخضت عنه النبوة!!!و ليلغوا نهائيا كافة الترتيبات الإلهية المتعلقة بقيادة الأمة طوال عصر ما بعد النبوة،و التي أعلنها النبي،لأن هذه الترتيبات مجحفة علي حدّ تعبير زعامة البطون،و من المحال أن يأمر بها اللّه!!إنما هي صادرة عن محمد و محمد بشر يتكلم في الغضب و الرضي!! و بالتالي فإنها غير ملزمة!!لأن المسلمين أعرف بشؤون دنياهم!!و فضلا عن ذلك فإن القرآن وحده يكفي و القرآن لم يعلن صراحة عما أعلنه النبي!!

كشف حقيقة ما يجري

اللّه جلت قدرته علي علم تام بما تدبره زعامة البطون،و حلفائها،و علي علم

ص: 301

بتحركاتها،و بحجم التغير و الضرر الذي ألحقته تلك الحركات.بحالة الانسجام العام الذي كان سائدا قبلها.كانت تحركات البطون علنية،و غير خافية علي أحد لأنها كانت مستندة إلي دعم الأكثرية التي حاربت رسول اللّه قبل الإسلام ثم أسلمت،و كانت زعامة البطون تهدف إلي إلزام الرسول بإحداث تغييرات جذرية علي الترتيبات التي أعلنها لقيادة الأمة طوال عصر ما بعد النبوة!!و لكن هذا الوضوح و المعلومات التي عرفها الجميع عن تحركات زعامة البطون كانت تستند إلي الملاحظة و السمع و المشاهدة،و تحركات الرسول و توجيهاته لا تستند إلي مثل هذه الأمور،و لا تصدر بناء عليها وحدها،لقد كان يعرف عن هذه التحركات كما كان يعرف غيره و أكثر،و لكنه كان ينتظر القول الفصل و اليقيني من الوحي الإلهي، و ينتظر التوجيهات الإلهية لمواجهة مكر البطون و ما تدبره و ترمي إليه!!و لم يطل انتظار النبي،فقد جاءه الوحي،و أحاطه علما بكليات و تفاصيل ما تدبره زعامة بطون قريش،ثم أمر نبيه بأن يكشف للجميع،ما يجري الإعداد له في الخفاء، و أن يبين للجميع بأن نتائجه ستكون مدمرة،حيث سيدفع الجميع الثمن غاليا لهذا المكر،لأنه الأسباب لفتنة إذا وقعت لن تنتهي،بل ستتمادي كلما قيل أنها انتهت.و إن هذا المكر لن يلحق ضررا باللّه و برسوله،لأن اللّه غني عن العالمين، بل سيلحق أشد الأضرار بالماكرين أنفسهم و بذرياتهم و بالناس أجمعين،لأن النتيجة المؤكدة لهذا المكر هي حل عري الإسلام كلها،لأن الإسلام يتوقف علي عروة الحكم،فإذا حلت عروة الحكم يرفع الإسلام عمليا من الحياة،و ستحل بالضرورة كافة عري الإسلام تبعا لعروة الحكم،و ينحرف الجميع تماما عن صراط اللّه المستقيم و يدخلون في ليل من التيه لا آخر له.و حذر رسول اللّه المسلمين عامة،و بطون قريش و من لف لفها،و أقام الحجة علي الجميع ليهلك من هلك عن بينة،و لتتضاعف عقوبة المجرمين إذا اقترفوا جرائمهم،لأنهم يقترفونها بالرغم من التحذير و مع سبق الأصرار و الترصد و الأعظم من ذلك و كما بيّنا في الباب الأول أن الرسول قد سمي قادة الفتن بأسمائهم،و حذر منهم،و بين لأصحاب الخطر تفاصيل ما سيفعلونه مستقبلا،و حذرهم من فعله،لقد استبق رسول اللّه الأحداث قبل وقوعها،و وصف أفعال المسلمين قبل أن تقع تلك الأفعال،لأن اللّه قد زوده

ص: 302

بصورة دقيقة لوقائع المستقبل قبل أن تقع فكان الرسول يصف و يحذر بناء علي مخطط و خارطة إلهية موضوعة أمامه،لقد حذر رسول اللّه المسلمين مجتمعين من أن يأتوا تلك الأفعال أو أن يسمحوا بحدوثها،ثم حذر كل واحد منهم علي انفراد،و كانت تحذيرات الرسول شاملة للجميع،و خاصة بأصحاب الخطر.

أمثلة و نماذج من تحذيرات الرسول

1-بين الرسول للمسلمين بأن أهل بيته سيلقون بعده القتل و التشريد و التطريد،و طلب من المسلمين أن لا يفعلوا بأهل بيته ذلك،و إذا قتلهم أو شردهم أو طردهم أحد فعلي المسلمين أن يقفوا مع أهل بيته.

2-و بيّن النبي للمسلمين أن ابنه الحسين سيكون وحيدا ذات يوم و سيحيط به و بمن معه أعداء اللّه من كل جهة يريدون قتلهم،فلا تتركوا ابني الحسين وحيدا، بل انصروه و احموه،و لا تمكنوا أحدا من قتله.

3-أشار الرسول ذات يوم إلي بيت زوجته عائشة كما يروي البخاري و قال للمسلمين:«من ها هنا يطلع قرن الشيطان»...و قال لزوجته عائشة ذات يوم أن كلاب الحوأب ستنبحها،و حذرها من أن تفعل ذلك.

4-و سأل الرسول الزبير في جلسة ضمته و عليا أتحب عليا فقال الزبير:

نعم،فقال الرسول:ستقاتله يوما و أنت ظالم له!!

و الخلاصة أن الرسول لم يترك فعلا،و لا واقعة ستقع إلا و حذر المسلمين منها،وحثهم علي أن لا يفعلوها!!و لم يترك أمرا فيه خير إلا وحثهم علي فعله.

القلة المؤمنة هي التي صدقته و حملت كل أقواله علي محمل الجد،أما الأكثرية الساحقة التي اتبعت بطون قريش فاستبعدت أن تكون كافة هذه المعلومات المشيرة من اللّه،و قدرت أنها ربما كانت من التحليلات الشخصية لمحمد،و التي لا ينبغي أن تحمل محمل الجد.

لقد اختصروا الدين و الدنيا بكلمة واحدة و هي الخلافة،فيجب أن لا يتولاها رجل من آل محمد،و يجب أن تكون لهم و في سبيل ذلك كانوا علي استعداد للتضحية بالدين،و بالنبي نفسه.بدليل أنهم قد أقدموا مع سبق الإصرار و الترصد

ص: 303

في ما بعد علي حل عري الإسلام كلها و علي اقتراف كل ما حذرهم الرسول من اقترافه،و علي رفع الإسلام عمليا من واقع الحياة،و لم يبقوا منه غير القشور و الشكليات اللازمة لبقاء،و توسيع رقعة مملكة الخليفة!!

الجهد النبوي المكثف

باختصار شديد لقد أعلن الرسول ما أوحي إليه،و بلغ كافة التحذيرات الإلهية بكل وسائل الإعلان و طرق التبليغ و البيان،فرسم صورة كلية و تفصيلية لوقائع المستقبل،و عمل الأمة و قيادتها و أفرادها فيه و بين لكل واحد من أصحاب التأثير و الخطر دوره و أفعاله و طلب منه أن يحذر و أن لا يفعل ما ينوي فعله،ثم بين للجماعات ما تنوي فعله مستقبلا و حذرها من فعله،ثم بين للمسلمين جميعا بأن هذه الأفعال ستقع ذات يوم،و من واجبهم أن يستعدوا لها،و أن يحولوا و بكل الوسائل دون وقوعها فلا ينبغي أن يخرج الحق من أهله،و لا ينبغي أن يقتل أعداء اللّه أهل بيت النبوة،و لا ينبغي أن يشردوا أو يطردوا،و إنه من العار أن يقتل ابن النبي بين المسلمين و لا ينصره أحد،و يبكي النبي بكاء ترق له الحجارة الصلداء و يحاول و بكل الوسائل أن يضفي علي تحذيراته طابع الجدية،و أن يقنع الناس بأن ما أخبرهم به من أنباء الغيب قد أوحيت إليه من ربه لأنه لا يعلم الغيب،و ليس له و لغيره أن يتقول علي اللّه ما لم يوحي به إليه،و بين لهم الرسول بأنهم إن لم يسمعوا منه،فإن عري الإسلام ستحل كلها،و ستعود الجاهلية،و لكن بثوب الإسلام،و لن يبقي من الإسلام إلا اسمه و رسمه و الأنكي بأن مقاليد الأمور ستؤول إلي أعداء اللّه الذين حاربوا اللّه و رسوله بالأمس بكل وسائل الحرب،و هم جبابرة ظلمة لا يرعون في مؤمن إلاّ و لا ذمة،فإذا آلت مقاليد الأمور إليهم،فإنهم سيفعلون فعل فرعون،فيقتلون أبناء الذين آمنوا،و يستحيون نساءهم،و يأخذون أموالهم،و يسومونهم سوء العذاب....

إن الجهد المكثف الذي بذله الرسول ليجنب الأمة مخاطر الوقوع بين مخالب أئمة الضلالة،و مخاطر الخروج من دائرة الشرعية الإلهية لم يبذله نبي أو رسول قط.لقد خاض في هذه الناحية معركة حقيقية و بذل فيها من الجهد و العناء،ما

ص: 304

لم يبذله في أي معركة من المعارك الحربية التي خاض غمارها.

نتائج الجهد النبوي

1-لقد أقيمت الحجة الكاملة علي بطون قريش و زعامتها و من والاها، و هذا يعني بأنهم إن اقترفوا ما حذر منه الرسول سيقترفونه مع العلم و سبق الإصرار،و بدون شبهة،و أن حجة اللّه عليهم ستكون كاملة.

2-إن الحقائق و مقومات الحكم علي تلك الفترة قد توفرت بالكامل فيمكن لمن يقف عليها كلها أن يعرف بوضوح و بقناعة تامة من هم الذين يتحملون مسؤولية حل عري الإسلام كلها،و من هم الذين وطدوا لأئمة الضلالة.

3-هذا الجهد العظيم المكثف الذي بذله النبي لم يؤثر إطلاقا علي زعامة بطون قريش،الموتورة،فلو جاءها اللّه و الملائكة قبيلا ما سمحت لأولي الأمر من أهل بيت النبوة أن يتولوا الخلافة من بعد النبي،لأن هذا يعني تكوين دول لآل محمد،و يعني أن يجمع الهاشميون النبوة و الملك معا،و الموت نفسه أخف علي زعامة بطون قريش و أبنائها و علي المنافقين من ذلك!!و بطون قريش لن تسمح علي الإطلاق لأي رجل هاشمي أو من ذرية محمد خاصة بأن يتولي الخلافة من بعد النبي مهما كلف الأمر.ثم إن زعامة البطون لن تتراجع بأنها الأولي بالخلافة،لأن الهاشميين أخذوا النبوة،و لأن النبي من قريش.

و بهذه الحالة فإن الجهد المكثف الذي بذله الرسول لم يثمر بتغيير تفكير زعامة بطون قريش،أو زحزحتها عن مواقفها،و كانت الزعامة القرشية تتوقع من النبي أن يعدل الترتيبات التي أعلنها،معتقدة أنها ترتيبات خاصة من الرسول كبشر،و ليست ترتيبات إلهية،لأن اللّه أعظم و أعدل من أن يخص الهاشميين بالنبوة و الخلافة معا و يحرم بطون قريش من الشرفين معا!!!!

4-إن زعامة بطون قريش و من لف لفها ماضون بتنفيذ نواياهم و مصرّون علي اقتراف أفعالهم التي حذرهم الرسول منها لأنها ضرورية لتحقيق كامل أهدافهم،«و المسلمون أعلم بشؤون دنياهم»من الرسول نفسه!!!!

5-إن بطون قريش ستمد يدها لكل من يتبني أهدافها،و يري حقها بالخلافة

ص: 305

و يعارض حق آل محمد بقيادة الأمة،و قريش لا تسأل عن تاريخ حلفائها،و لا عن إيمانهم،و لا عن مؤهلاتهم،و تكتفي ممن يحالفها بأن يتلفظ بالشهادتين فقط، و لا عبرة لكونه منافقا أو فاجرا فهي تستعين بقوة المنافق،و بقوة الفاجر،و إثمهما علي نفسيهما علي حد تعبير عمر بن الخطاب كما وثقنا في الباب الأول،و المهم في نظر زعامة البطون هو العدل-و لا غير العدل-و وفق قواعد هذا العدل فإن الخلافة لبطون قريش،و ليست لأئمة أهل بيت النبوة كما أعلن محمد بصفته الشخصية!!!!و قد وثقنا كل ذلك في كتابنا:«المواجهة مع رسول اللّه و آله».

الوعد الإلهي بدولة آل محمد

لما تبين للرسول الأعظم بأن القوم ماضون في برنامجهم،و أنهم سيحولون بالفعل بين أئمة أهل بيت النبوة و بين الخلافة،و فوق ذلك سيصبون نقمتهم علي آل محمد و يشردونهم،و يطردونهم،و يقتلونهم تقتيلا و أن أعداء اللّه الذين حاربوه بالأمس حتي أحيط بهم،فاضطروا لإعلان إسلامهم هم الذين سيتولون خلافته، و سيحكمون أمته!!و أن كافة عري الإسلام ستحل،و أنه لن يبقي من الإسلام إلا اسمه و رسمه،و يذوب قلبه حزنا و أسفا و لا يري بعدها ضاحكا أبدا،و علم اللّه بحجم الهم و الحزن الذي أناخ بكلاله الثقال علي قلب النبي الشريف،فيعده بدولة آل محمد،و أنها ستكون آخر الدول،و هي دولة من نوع خاص،حيث ستحكم العالم كله،و يخضع لسلطانها كل سكان الكرة الأرضية،و أن مؤسس تلك الدولة هو حفيد النبي،محمد بن الحسن،و هو المهدي المنتظر،و أوحي اللّه إلي نبيه بكافة المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع،فسر النبي سرورا بالغا و بدأ جهدا مكثفا جديدا لإطلاع المسلمين علي ما أوحي إليه،و اطلعهم بالفعل علي كل ما أوحي إليه بهذا المجال من أنباء الغيب،فدولة آل محمد ستملأ الأرض كلها عدلا و قسطا،كما ملئت جورا و ظلما،و دولة آل محمد ستنتقم من الظالمين،و تفتح كافة حصون الضلالة،و دولة آل محمد ستحقق الكفاية و الرخاء للجميع، و سيرضي عنها الجميع،إنها طراز خاص من الدول بعض وزرائها من الرسل و الأنبياء و بعضهم من الصديقين و الأولياء،عدلها يتسع للبرّ و الفاجر،إنها دولة كل الجنس البشري،لقد فرح النبي و أهل بيته بهذا الوعد الإلهي،و أيقنوا أنه

ص: 306

واقع لا محالة لأن اللّه لا يخلف وعده.أما أعداء اللّه و بطون قريش فقد صدموا من حجم التعويض الإلهي لأهل بيت النبوة،و حزنوا لأن اللّه خص أهل بيت النبوة بالمهدي،و حرم بطون قريش من هذا الشرف،فازدادوا حسدا فوق الحسد، و حقدا مع أحقادهم،فأخذوا يخفون هذه المعلومات،و يشككون بما شاع منها و انتشر.

المعالم الأساسية لدولة آل محمد

1-مقومات الدولة

الأقليم:-من المؤكد استنادا للأحاديث النبوية و لأحاديث أئمة أهل بيت النبوة الذين ورثوا علمي النبوة و الكتاب بأن الإمام المهدي مؤسس دولة آل محمد سيفتح مشارق الأرض و مغاربها و يملك المشارق و المغارب،و هذا يعني أن الكرة الأرضية كلها ستكون إقليما لدولة آل محمد و يدل علي هذا قول النبي:«لا تقوم الساعة حتي يملك رجل من أهل بيتي...يملك الأرض عدلا كما ملئت ظلما» [الحديث رقم 61 من المعجم راجع المراجع المدونة تحته]،فكيف يملأ الإمام المهدي الأرض عدلا إن لم يكن مالكها و صاحب السلطان عليها!!و يدل علي ذلك قول النبي أيضا:«...و يفتح له ما بين المشرق و المغرب»...[راجع الحديث رقم 127 من معجم أحاديث الإمام المهدي]و يوضح الرسول الصورة فيقول:«الأئمة بعدي اثنا عشر أولهم أنت يا علي،و آخرهم القائم الذي يفتح اللّه عز و جل علي يديه مشارق الأرض و مغاربها».[راجع الحديث رقم 155 من المعجم]،و ليسوق الأرض مثلا معروفا للجميع و هو المعروف«بذي القرنين» فيقول الرسول عنه أنه:«و بلغ المغرب و المشرق،و أن اللّه تبارك و تعالي سيجري سنته في القائم من ولدي،فيبلغه شرق الأرض و غربها حتي لا يبقي منهلا و لا موضعا من سهل و لا جبل وطئه ذو القرنين إلا وطئه...[الحديث رقم 158 من المعجم].و كم كرر الرسول و أكد بأن الإمام المهدي سيملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا،لقد استعمل الرسول مصطلح الأرض علي الإطلاق...

و في حديث آخر يقول النبي:«....و يفتح له فتوح فلا يبقي علي وجه الأرض

ص: 307

الأرضية كلها من المشرق إلي المغرب و من الشمال إلي الجنوب.

2-شعب دولة آل محمد

:إذا كانت الكرة الأرضية هي إقليم دولة آل محمد فإن كافة الأحياء من أبناء الجنس البشري في زمن الإمام المهدي يشكلون شعب دولة آل محمد،و مواطني و رعايا تلك الدولة،فكيف تملك الدولة الأرض كلها، و لا سلطان لها علي ساكنيها،فالأرض كلها إقليم للدولة و من علي وجه الأرض من بني البشر هم شعبها،فالأحاديث النبوية تؤكد بأن الإمام المهدي سيطهر الأرض من أعدائه و من كل ظلم و جور[الحديث 123 و 479]،و أنه سيفتح حصون الضلالة،و قلوبا غلفا[الحديث رقم 79]و أنه سيظهر علي كل جبار [الحديث رقم 30]،فكيف يعرف القلوب الغلف و يفتحها،و كيف يعرف أعداء اللّه من أوليائه،و يطهر الأرض من أعداء اللّه إن لم تكن له سلطة فعلية علي كل مكان في الأرض و لهم به رابطة قانونية أو شرعية،و هذه هي مقومات مصطلح الشعب بالفقه الدستوري.

3-السلطة

:الإمام المهدي هو المؤسس و المعلن عن وجود دولة لآل محمد،و هو إمامها أو رئيسها،أو أميرها أو الخليفة الشرعي الثاني عشر من خلفاء الرسول،و هو صاحب الكلمة العليا و المقام الأول في دولة آل محمد،و هو المرجع الشرعي أو القانوني لكافة سكان الكرة الأرضية لأنه إمام و وارث لعلمي النبوة و الكتاب،و لا يخفي عليه شيء من أمر الدنيا و الآخرة،لأن كل ما يحتاجه البشر يعرفه الأئمة الشرعيون،و الإمام الشرعي مؤهل إلهيا و معد لقيادة العالم كله.

و الإمام المهدي هو القائد العام لجيش الدولة،و هو القاضي الأعلي،و هو المسؤول عن وزرائها.و يساعد الإمام المهدي مجلس وزراء من نوعية خاصة، و يكفيك أن تعرف بأن المسيح عليه السّلام أحد وزرائه،و الخضر الشهير و إلياس من وزرائه أيضا كما وثقنا و هم من صفوة أولياء اللّه.و يساعد المهدي أيضا ولاة أقاليم الكرة الأرضية حيث سيولي الإمام المهدي علي كل إقليم من أقاليم الكرة الأرضية أحد الموثقين من أصحابه ليدبر أمور الإقليم و يسوسه تحت إشراف الإمام المهدي.قال الإمام جعفر الصادق:و يكون من شيعتنا في دولة القائم سنام الأرض و حكامها،يعطي كل رجل منهم قوة أربعين رجلا».[الحديث رقم 1081

ص: 308

من المعجم]و روي عن الإمام الباقر قوله:«إذا قام القائم بعث في كل إقليم من أقاليم الأرض رجلا فيقول له عهدك في كفك،فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه،و لا تعرف القضاء فيه،فانظر في كفك و اعمل بما فيها...».[راجع الحديث رقم 858]بمعني أن ولاة الإمام المهدي و عماله علي الأقاليم من أولياء اللّه الصادقين الذين وعوا تاريخ أئمة الضلالة،و أشربوا كراهية الظلم و أهله.و الخلاصة أن حكومة الإمام المهدي و سلطته تقوم بكافة الوظائف التي تقوم بها الدول في عصرنا هذا و تزيد علي ذلك بأنها ملتزمة بتحقيق الكفاية للجميع وفورا،و الرخاء للجميع وفورا أي بدون وعود،و أنه لا ظلم فيها و لا عوز،علي الإطلاق،و أن الجميع بما فيهم الإمام المهدي عبيد للّه لا عبيد للدولة و يخضعون لشرع اللّه لا لشرعها.و أن الجميع منسجمون و سعداء،تماما.

القانون النافذ في دولة آل محمد:المنظومة الحقوقية الإلهية المكونة من كتاب اللّه و بيان النبي لهذا الكتاب هي القانون النافذ في دولة الإمام المهدي أو دولة آل محمد،فالإمام المهدي إمام شرعي و هو خاتم الأئمة الشرعيين و هو الوارث لعلمي النبوة و الكتاب،و بالتالي فإنه يعرف الحكم الشرعي لكل قضية، و التكييف الشرعي لكل واقعة،و فوق هذا و ذاك فإن معه المصحف الذي كتبه الإمام علي بخطه،و أملي تفسيره رسول اللّه بنفسه،و عنده أيضا الجامعة التي تحوي حكم كل شيء بما فيه إرش الخدش.[راجع الحديث رقم 1115]، و بالتالي فإن الإمام المهدي سيطبق القرآن[الحديث رقم 865]و يبين الحلال و الحرام و يقيم الحدود.[راجع الحديث رقم 1139 و 1140 من أحاديث المعجم]،و بالتالي فلا مجال للاجتهاد،لأن الاجتهاد يحصل في حالة عدم وجود النص،أو عدم الاهتداء إليه،و هذه أمور لا يمكن أن تقع في عهد الإمام المهدي لأنه إمام شرعي اختاره اللّه و ليس خليفة قد فرض نفسه علي الناس بالقوة و القهر، و الخلاصة أن الإمام المهدي سيحكم بكتاب اللّه الذي لم يعمل به قط بعد وفاة أمير المؤمنين علي.[راجع الحديث رقم 1126].

4-الدين الرسمي لدولة الإمام المهدي أو دولة آل محمد

:في دولة الإمام المهدي يصبح الإسلام هو الدين الرسمي و الفعلي الوحيد في كافة أرجاء الكرة

ص: 309

الأرضية التي ستخضع لسلطان دولة آل محمد،لأن الإمام المهدي سيدعو إلي الإسلام جديدا،و يهدي الناس إلي أمر قد دبر فضل عنه الجمهور كما حدث الإمام جعفر الصادق.[راجع الحديث رقم 1122]و قال الصادق يوما لجليسه:«يا أبا محمد إذا قام القائم استأنف دعاء جديدا كما دعا رسول اللّه»...[الحديث 612]،و قال الإمام الصادق أيضا....أما و اللّه لا تذهب الأيام و الليالي...

حتي...و يرد الحق إلي أهله و يقيم الدين الذي ارتضاه لنفسه فأبشروا ثم أبشروا...[الحديث 1126].و قد أكد الرسول الكريم هذه الحقيقة بقوله:

«...يبايع له الناس بين الركن و المقام،يرد به الدين،و يفتح له فتوح،فلا يبقي علي وجه الأرض إلا من يقول:لا إله إلا اللّه[الحديث رقم 309 من أحاديث معجم الإمام المهدي ج 1].و قال الإمام الحسين:«إن الإسلام قد يظهره العالم علي جميع الأديان عند قيام القائم عليه السّلام»فليس عجيبا بعد هذا كله بأن يكون الإسلام هو الدين الرسمي و الفعلي الوحيد لدولة آل محمد.

5-طبيعة دولة الإمام المهدي أو دولة آل محمد

دولة دينية و لكن

طبيعة دولة المهدي أو دولة آل محمد مختلفة بالكامل عن طبيعة الدول التي عرفتها البشرية طوال تاريخها،فلا نعرف دولة علي الإطلاق قد حظيت بالدعم الإلهي الدائم و المطلق كما تحظي به دولة الإمام المهدي فالملائكة الكرام فرقة دائمة من فرق جيشها كما أسلفنا،و كافة الآيات و المعجزات التي خص اللّه بها أنبياءه و رسله تحت تصرف الإمام المهدي كما وثقنا،و رسل و أنبياء و أولياء صالحون يعملون مع المهدي و يأتمرون بأمره كما أثبتنا،و يفهم من حديث الباقر بأن القوي الطبيعية ستكون مسخرات للإمام المهدي الحديث رقم 870 ج 3،ثم إن الإمام المهدي ليس نبيا و ليس رسولا إنما هو إمام شرعي،اختاره اللّه سبحانه تعالي و سبقه أحد عشر إماما،و مع هذا تكلف دولته بتحقيق غايات و إنجاز مهمات لم يكلف نبي و لا رسول و لا إمام من قبل بتحقيقها و إنجازها!!إنها دولة دينية لأن الدين محور اهتمامها،و مبرر وجودها،و قانونها النافذ،و إمكانيات الدولة مسخرة

ص: 310

لتحقيق الغايات و الأهداف الدينية،لكنها ليست علي شاكلة الدول التاريخية التي ادعت بأنها دول دينية،و لا علي شاكلة دول الأنبياء و الرسل التي عرفنا نماذجها، إنها دولة دينية من نوع خاص!!و هي نسيج وحدها تماما،من حيث مداها و شمول ملكها،فدولة الإمام المهدي كما أسلفنا تشمل العالم كله.[راجع الحديث رقم 858]،و يشمل ملك الإمام المهدي العالم أيضا[الحديث رقم 959]،و هذه حالة فريدة لم يتحقق مثلها في دول الملوك الذين ادعو بأن دولهم دينية،و لا في الدول التي أسسها الأنبياء و الرسل!!ثم إن هناك ظاهرة عجيبة و فريدة من نوعها في دولة الإمام المهدي تتمثل بتسخير كامل لمخزونات الأرض و السماء لتحقيق الأهداف التي وعدت دولة الإمام المهدي بتحقيقها،فكم أكد الرسول الأعظم و الأئمة الكرام بأن الأرض في عهد الإمام المهدي ستخرج كل كنوزها و نفائسها و نباتها، و أن السماء ستنزل كل قطرها و مائها و بركاتها و قد وثقنا ذلك و تلك حالة فريدة من نوعها،إنها عرض كامل لبركات الحكم الإلهي الأمثل!!!و تصحيح عملي لمفاهيم البشرية الخاطئة عن الحكم الديني الإلهي الحقيقي.

6-الإصرار علي تحقيق غاية

دولة آل محمد

و تتجلي طبيعة دولة آل محمد بإصرارها العجيب علي تحقيق غاياتها و مبررات وجود دولة الإمام المهدي،و هو إصرار لا يعرف الحلول الوسط،و لا يعرف المستحيل فلا بد من القضاء التام علي كل الظالمين و الجبابرة،و لا بد من محاكمتهم و الانتقام منهم و تطهير الأرض من وجودهم لأنه رجس و قذارة و قرف، و لا بد من فتح كافة حصونهم،حصون الضلالة،و هذا أمر لا يحتمل التأخير أو التأجيل و لا بد من رفع ظلمهم من الأرض،و لا بد من ملء الأرض بالعدل كما ملأها المجرمون بالظلم و لا بد من هدم ما خلفه المجرمون،من مظاهر ظلمهم و انحرافهم،[الحديث رقم 861 و 1123]،و هدم أمر الجاهلية كله و إبطاله [الحديث رقم 862]ليكون تطهير الأرض كاملا من الظالمين و آثارهم،و كل ما يدل عليهم،و رفع فقههم الفاسد و إبطال كافة مفاعيله.و هذه هي المهمة العاجلة، و المبرر الأول لوجود دولة المهدي أو دولة آل محمد،لأن ظلم الجبابرة قد مس

ص: 311

الأرض و ما عليها مسا أليما موجعا و لم ينج من هذا الظلم أحد،و خص هذا الظلم آل محمد و أولياءهم خاصة بألوان معينة من المعاناة و الألم،و طريقة تعامل دولة المهدي مع الظالمين،لها طابع خاص مختمر من التجربة التاريخية علي اعتبار أن الظالم لا دين له و لا أخلاق،و لا يعرف الإحسان أو المعروف،فقد قال النبي لأعدائه الذين ظهر عليهم يوم فتح مكة:«اذهبوا فأنتم الطلقاء»و بدلا من أن يذخروا إحسان النبي و معروفه بالعفو الشامل عن جرائمهم تنكروا له و تآمروا عليه، و بعد موته قتلوا أبناءه و ذريته،المهدي استفاد من عبرة التاريخ فعندما يخرج الإمام المهدي لن يخرج معه من العرب أحد[الحديث 1119]،و مع هذا فهو لا يجبرهم علي الخروج،و لم يؤيده من قريش أحد،و مع هذا هو لا يتعرض إليهم و لا يجبرهم علي تأييده،بل و لا يسألهم أن يخرجوا معه أو يؤيدوه،و لكن عند ما يعلم بأن قريش قتلت واليه و عامله يقتل منهم 1500 أو ثلاثة آلاف رجل صبرا دون أن يرمش له جفن،و لا يترك من قريش إلا أكلة كبش!!قد يبدو أن هذه العقوبة قاسية،لكنها عادلة إذا ما عرفت حجم جرائم بطون قريش،فقد قاومت النبي و حاربته طوال مدة 21 عاما،و لما أحيط بها اضطرت مكرهة لإعلان إسلامها، فعفي الرسول عنها و قبل موت الرسول و بعد موته مباشرة استولت بالقوة علي ملك الرسول و قادت المسلمين إلي الانحراف،و حلت عري الإسلام و مهدت للظلمة و الجبابرة و خرجتهم من مدرستها،و جعلت من عباد اللّه عبيدا للظالمين بنفس الوقت الذي كانت تلبس فيه الجبة الإسلامية،إنهم مجرموا حرب لم يعرف التاريخ البشري جرائما بحجم و بشاعة جرائمهم فعقوبة الإمام المهدي مع قسوتها عادلة.

و الخلاصة،إن إصرار الإمام المهدي علي التخلص من الظلمة و الجبابرة و أعوانهم يعكس طبيعة دولة آل محمد الملتزمة التزاما مطلقا بتحقيق أهدافها و غاياتها و التي لا تحيد عن تحقيق هذه الأهداف،لأنها دولة هدف و غاية،و لا يكفي منها أن تبذل الجهد و العناية،إنما يتوجب عليها وجوبا لا عذر معه تحقيق هذه الغايات.لأن اللّه تعالي وعد الإمام المهدي بالدعم الكامل و المطلق لتحقيق الغايات و إنجاز المهمات التي كلفه اللّه بتحقيقها و إنجازها،و إذا أراد اللّه أمرا فلا

ص: 312

راد لإرادته،و قد أراد اللّه تحقيق كافة الغايات التي كلف عبده الإمام المهدي بتحقيقها،فدولة الإمام المهدي أو دولة آل محمد مكلفة باقتلاع جذور الظلم و الظالمين و تطهير الأرض من وجودهم و من فقههم،لذلك فإنها لن تقبل بأن يبقي علي وجه الأرض خلال عهدها الراشد ظالم أو جبار واحد،أو حصن واحد من حصون الضلالة فهي ملتزمة أمام اللّه تعالي بالقضاء التام و المبرم علي الظلمة و الظالمين و تطهير الأرض من ظلمهم و من آثارهم.

و تجد هذا الإصرار العجيب عند كل غاية و هدف من الغايات و الأهداف التي كلف الإمام بتحقيقها فعلي المستوي الاقتصادي فإن الإمام المهدي و دولة آل محمد مكلفون بتحقيق الكفاية التامة و الرخاء المطلق للجميع،بحيث يكون كل واحد علي وجه الأرض من أبناء الجنس البشري في حالة كفاية تامة و رخاء مطلق، بحيث يتجول المكلفون بدفع الزكاة في الأرض شرقا و غربا و شمالا و جنوبا فلا يجدوا محتاجا واحدا يقبل الزكاة لأن الجميع في حالة كفاية و الجميع في حالة رخاء،و لا يوجد في الأرض كلها محتاج واحد،فالنقود و الذهب و الفضة لا تعد عدا إنما تهال هيلا!!و قد تواترت الأحاديث النبوية التي أكدت هذه الناحية،و قد وثقناها في الفصول السابقة،حتي أن الدرهم و الدينار يصبح من سقط التاريخ و لا قيمة له.[راجع الحديث 1133].

و هذه طبيعة ما عرفتها و لا سمحت بها أية دولة من الدول التي ظهرت أو ستظهر علي وجه الأرض قبل نشوء دولة آل محمد و ظهور الإمام المهدي المنتظر، فالدول عادة تغرق الشعوب بالوعود البراقة خاصة في العصر الحديث،و تدغدغ مشاعر المستضعفين،ثم تسقط الحكومات و تزول الدول نفسها دون تحقيق معشار معشار ما وعدت بتحقيقه،حتي أن الناس قد ملت وعود الدول،و صارت وعودها أحد الرموز و الاصطلاحات الدالة علي معني الكذب!!

7-حالة الانسجام العام في دولة الإمام

المهدي أو دولة آل محمد

و من أبرز مظاهر طبيعة دولة الإمام المهدي أو دولة آل محمد،و من مميزاتها

ص: 313

الخاصة وجود حالة الانسجام العام و المطلق،و اختفاء مظاهر الصراع بكل أشكاله و علي الأخص الصراع الطبقي،فالكرة الأرضية كلها إقليم لدولة آل محمد،و أبناء الجنس البشري مواطنون في تلك الدولة،يعتنقون دينا واحدا و هو دين الإسلام، فلا نجد علي وجه الأرض إلا من يقول لا إله إلا اللّه.فأبناء الجنس البشري علي مختلف منابتهم و أصولهم و أعراقهم و ألوانهم يعتنقون نفس الدين،و يخضعون لذات النظام،و يشعرون بأنهم أخوة لا فرق بين لون و لون و عرق و عرق،فهم أسرة كبيرة أبوهم آدم و أمهم حواء،تكاثروا كما تتكاثر الأسرة الواحدة،ثم نزغ الشيطان بين الأخوة فاختلفوا،فأرسل اللّه الإمام المهدي و أقام دولة آل محمد لغايات إصلاح ذات البين،و إعادة المياه لمجاريها،و ساعد الإمام المهدي علي تحقيق هذا الإنجاز قضاؤه علي أسباب الخلاف و الاختلاف فالإمام المهدي إمام شرعي اختاره اللّه و أعدّه و أهّله للقيادة و المرجعية،فليس في العالم كله من هو أعلم و لا أفضل و لا أتقي،و لا أقرب لرسول اللّه من الإمام المهدي.هذا كله يخلق و يرسخ ثقة أبناء الجنس البشري في إمامهم و قائدهم الإمام المهدي،و يقطع دابر التنافس علي القيادة،و يخلق حالة من الاستقرار و يؤدي للقضاء علي مبررات النزاع السياسي،خاصة و أن أعضاء حكومة الإمام المهدي فرادي و مجتمعين يجمعون مميزات خاصة بهم لا تتوفر لدي أي طامع بمنصب الوزارة أو الولاية.

كذلك فإن دولة آل محمد تقضي أيضا علي أسباب النزاع الاقتصادية و تغلق أبواب التنافس المرير علي المال،فعندما تحقق دولة آل محمد الكفاية المطلقة لكل واحد من أبناء الجنس البشري،و الرخاء المطلق للجميع فلا يبقي علي وجه الأرض محتاج واحد،أو معوز واحد،و لا يجد أصحاب الأموال رجلا واحدا يقبل زكاة أموالهم،و عندما يجد الناس الذهب و الفضة مكومة كالجبال،و كرمال الصحاري،فما هو الداعي لأسباب التنازع الاقتصادي!!و هكذا في كل الأمور حيث تتولي دولة آل محمد القضاء علي أسباب الشر و اجتثاثها من الأرض لتضمن حالة الانسجام المطلق بين أبناء الجنس البشري،و عدم وجود ما يكدر صفوهم، أو ينغص عيشهم،ثم إن الإمام المهدي و طاقم حكومته،لن يوقظوا نائما و لن يهرقوا دما[الحديث رقم 130 ج 1]و سيرحمون مساكين العالم فيشعرون كأن

ص: 314

الدولة تلعقهم الزبدة[الحديث رقم 131]و في الحقيقة فإن كافة سكان العالم مساكين و مستضعفين لأنهم خرجوا علي الفور و تحرروا من ظلم الظالمين،و من محاكم تفتيشهم و من معسكرات اعتقالهم فعهد دولة آل محمد هو فترة نقاهة لمستضعفي العالم،و هو فترة أمن و رخاء في عالم قسي الظالمون علي أهله و سلبوهم الأمن و الرخاء.

و ما يساعد علي تحقيق الانسجام العام الجو النفسي الخاص الذي تخلقه الكفاية،و يحققه الرخاء حيث تتفتح مدارك العقل البشري و مواهبه التي أغلقها الجبابرة و الظالمون،و يصل الإنسان إلي قمة الوعي البشرية و يكتمل إيمانهم.

[راجع الحديث رقم 1093]،و تطهر نواياها بعد القضاء التام علي أسباب الخلاف و التنازع بين بني البشر و تطهير الأرض من الظلم و الظالمين و انتشار المعرفة، فتكتمل العقول و الأحلام[الحديث رقم 866]و تؤكد أحاديث الأئمة الكرام بأن العالم قبل ظهور المهدي سيعرف 27/2 جزءا من المعارف و العلوم فإذا ظهر الإمام المهدي و قامت دولة آل محمد ينشر اللّه العلم كله بين الناس.[راجع الحديث رقم 1127]،قال الإمام الصادق:«إذا قام قائمنا،وضع اللّه يده علي رؤوس العباد،فجمع بها عقولهم و كملت به أحلامهم».[الحديث رقم 869]، و قال الإمام الصادق أيضا عن الإمام المهدي:»...فيعطيكم في السنة عطاءين، و يرزقكم في الشهر رزقين،و تؤتون الحكمة في زمانه،حتي أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب اللّه و سنة رسوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم».[الحديث رقم 868 ج 4 من معجم أحاديث الإمام المهدي].

و ستتأثر كافة المخلوقات بحالة الانسجام التام السائد في بني البشر فالأحاديث النبوية تتحدث عن سماء تعطي كل قطرها و مائها،و عن أرض تخرج كل كنوزها و نفائسها و نباتها،و عن ملائكة تضع نفسها تحت تصرف دولة آل محمد كما وثقنا ذلك،قال الإمام الرضا،إذا قام قائمنا يأمر اللّه الملائكة بالسلام علي المؤمنين،و الجلوس معهم في مجالسهم،فإذا أراد واحد حاجة أرسل القائم بعض الملائكة أن يحمله،فيحمله الملك حتي يأتي القائم فيقضي حاجته،ثم يرده،و من المؤمنين من يسير في السحاب،و منهم من يسير مع

ص: 315

الملائكة مشيا و منهم من يسبق الملائكة،و منهم من يتحاكم الملائكة إليه، و المؤمن أكرم علي اللّه من الملائكة،و منهم من يصيّره القائم قاضيا بين مائة ألف من الملائكة.[راجع الحديث رقم 1231]،قال الإمام جعفر الصادق:«إن المؤمن في زمن الإمام المهدي و هو في المشرق ليري أخاه الذي في المغرب، و كذا الذي في المغرب يري أخاه الذي في المشرق».[الحديث رقم 1130]، و قال أيضا:«إن اللّه يمد بالأسماع و الأبصار حتي لا يكون بين الإمام المهدي و بين شيعته بريد».[الحديث رقم 1131]،و روي أيضا بأنه إذا قام القائم،استنزل المؤمن الطير من الهواء فيذبحه و يشويه،و يأكل لحمه،و لا يكسر عظمه،ثم يقول له احي بإذن اللّه فيحيي،و يطير،و كذا الظباء من الصحاري،و يكون ضوء البلاد و نورها و لا يحتاجون إلي شمس و لا قمر،و لا يكون علي وجه الأرض مؤذ،و لا شر و لا سم،و لا فساد،لأن الدعوة سماوية ليست أرضية،و لا يكون للشيطان فيها وسوسة،و لا شيء من الفساد.

قال الإمام الحسن عن الإمام المهدي:...يدين له عرض البلاد و طولها، و لا يبقي كافر إلا آمن به،و لا طالح إلا صلح،و تصطلح في ملكه السباع...

[الحديث رقم 692]و روي أيضا بأن الذئب سيرعي مع الغنم و كأنه كلبها..إنها حالة من الانسجام المطلق بين بني البشر،و بين الكائنات المسخرة لهم!!!

موت الإمام المهدي و غياب القمر المنير

بعد أن تحقق دولة الإمام المهدي-دولة آل محمد-كافة الغايات و الأهداف التي كلف اللّه عبده الإمام المهدي بتحقيقها،و بعد أن ينجز كل المهام المأمور إلهيا بإنجازها و بالأجل المحدد يتوفي اللّه تعالي الإمام المهدي و ينتقل إلي جوار ربه،و يغيب القمر الثاني عشر الذي ملأ الأسماع و الأبصار،و رضي منه ساكن الأرض و ساكن السماء و بوفاة الإمام المهدي ينتهي الحكم الإلهي تماما،و تغلق الدائرة،لأن الإمام المهدي هو خاتم الأئمة الاثني عشر الذين أهلهم اللّه و أعدهم لقيادة الأمة الإسلامية من بعد وفاة النبي و حتي قيام الساعة،فلا إمام بعدهم و لا إمام قبلهم،ذلك تقدير العزيز العليم،و بموت الإمام المهدي تنتهي عمليا دولة

ص: 316

آل محمد،و لن يبقي بيننا و بين القيامة أو الساعة إلا قاب قوسين أو أدني.لأن دولة محمد هي آخر الدول[الحديث رقم 984 و 983 ج 4]و بموت مؤسسها تنتهي و تزول عمليا و لا يبقي إلا آثارها و تاريخها.

من الذي يرث هذا الملك

العريض الذي بناه الإمام المهدي؟

بعد أن يغيب القمر الثاني عشر و الأخير من أقمار أهل بيت النبوة غيبة لا رجعة بعدها إلي الدنيا،تزول دولة آل محمد عمليا،و ينتهي دورهم لأن الحياة الدنيا ستنتهي دورتها،و ستبدأ دورة الحياة العليا،و لأنه لا بد للناس من حاكم يدبر أمورهم خلال الفترة الواقعة بين موت الإمام المهدي و بين ساعة قيام القيامة، فإن الملك العريض الذي يبنيه الإمام المهدي و كافة شؤون دولة آل محمد ستؤول لشيعة-آل محمد،و يبدو أنه بالتسديد الإلهي و بترتيب خاص من الإمام المهدي لعصر ما بعد المهدي سيتعاقب علي حكم العالم من بعده أحد عشر مهديا و ليس إماما لأنه لا إمام شرعي بعد المهدي و هؤلاء المهديون سيقتدون بالإمام المهدي، و يسيرون علي خطه،و يدعون الناس إلي موالاة أهل بيت النبوة و معرفة حقهم».

[الحديث رقم 1149 ج 4]مستفيدين من العصر الذهبي الذي عاشته البشرية في زمن الإمام المهدي و في أحياء و بركات دولة آل محمد،و يبدو أنه و بعد موت الحادي عشر منهم ستفسد الحياة،و تفلس،و تنتهي دورتها لتبدأ دورة الحياة الأخري الخالدة.

«و آخر دعواهم أن الحمد للّه رب العالمين»

ص: 317

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.