دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي علي مذهب أهل البيت عليهم السلام المجلد 2

اشارة

سرشناسه:ايرواني، باقر، 1328 -

عنوان و نام پديدآور:دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي علي مذهب أهل البيت عليهم السلام/ باقر الايرواني.

وضعيت ويراست:[ويراست ؟].

مشخصات نشر:قم : مركزالمصطفي(ص) العالمي للترجمه والنشر، 1434 ق.= 1392.

مشخصات ظاهري:3 ج.

فروست:مركزالمصطفي صلي الله عليه و آله العالمي للدراسات والتحقيق؛ 16.

شابك:دوره 978-964-195-706-5 : ؛ 100000 ريال: ج.1 978-964-195-707-2 : ؛ ج.2 978-964-195-708-9 : ؛ 55000 ريال (ج. 2، چاپ هشتم) ؛ ج.3 978-964-195-709-6 : ؛ 700000 ريال (ج. 3، چاپ هشتم) ؛ ج.4 978-964-195-710-2 : ؛ 85000 ريال (ج. 4، چاپ هشتم)

وضعيت فهرست نويسي:فاپا

يادداشت:عربي.

يادداشت:كتابنامه.

موضوع:فقه جعفري -- قرن 14

رده بندي كنگره:BP183/5/الف86د4 1392

رده بندي ديويي:297/342

شماره كتابشناسي ملي:3202203

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

الجزء الثاني

مقدمة المؤلف

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام علي أشرف الخلق و أكرمهم محمّد و علي أهل بيته الطيّبين الطاهرين.

و بعد هذا هو الجزء الثاني من كتابنا دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي علي المذهب الجعفري، أسأله تعالي ان ينفع به اخواننا الاعزاء طلاب الحوزات العلمية و ان يجعله بذرة لبرمجة كتبنا الدراسية تنضح بجهود بقية اخواني الافاضل الاعزاء.

فشكرا لك اللهم علي نعمك و آلائك و حمدا لك علي توفيقك و عنايتك فكم يا ربّ من صعب ذل بلطفك، و كم من عسير تيسر بجودك، انك جواد كريم رءوف رحيم، و ما توفيقي الا بك عليك توكلت و إليك انيب.

باقر الايرواني

18 /ربيع الاول/ 1419 ه

قم المشرّفة

ص: 7

ص: 8

العقود

اشارة

1 - البيع

2 - الاجارة

3 - المزارعة

4 - المساقاة

5 - الشركة

6 - الضمان

7 - الحوالة و الكفالة

8 - الصلح

9 - الوكالة

10 - المضاربة

11 - القرض

12 - الرهن

13 - الهبة

14 - الوديعة

15 - العارية

16 - السبق و الرماية

17 - النكاح

ص: 9

ص: 10

كتاب البيع

اشارة

1 - شروط عقد البيع

2 - شروط المتعاقدين

3 - شروط العوضين

4 - الخيارات

5 - الربا

6 - بيع الصرف

7 - بيع السلف

8 - محرمات في الشريعة

ص: 11

ص: 12

1 - شروط عقد البيع

اشارة

يعتبر في البيع الإيجاب و القبول بكلّ ما يدلّ عليهما و لو لم يكن صريحا أو كان ملحونا أو ليس بعربي و لا بماض.

و يعتبر التطابق بين الايجاب و القبول دون الموالاة بينهما أو تأخّر القبول.

و ذهب المشهور إلي اعتبار التنجيز.

و لا يعتبر اللفظ في تحقّق البيع و تكفي المعاطاة. و الملك الحاصل بها لازم.

و يعتبر فيها ما يعتبر في العقد اللفظي من شروط العقد و العوضين و المتعاقدين.

و تثبت فيها الخيارات كما تثبت فيه.

و هي تجري في جميع المعاملات إلاّ ما خرج بالدليل كالنكاح و الطلاق و النذر و اليمين.

و المستند في ذلك:

1 - امّا البيع

ففي تحديد حقيقته خلاف بالرغم من بداهتها إجمالا

ص: 13

و عدم ثبوت حقيقة شرعية أو متشرعية له.

و قد نقل الشيخ الأعظم عدّة آراء في ذلك لعلّ أجودها ما اختاره هو قدّس سرّه من انّه تمليك عين بعوض(1).

و الإشكال عليه بشموله للشراء و الاستيجار - حيث ان المشتري بقبوله يملّك ماله بعوض و مستأجر العين يملّك الاجرة بعوض - مدفوع بما ذكره الشيخ نفسه من ان ذلك مدلول تضمني و إلاّ فالشراء و الاستيجار يدلان مباشرة علي التملّك بعوض.

و بعد هذا التحديد لا تبقي حاجة لما ذكره غير واحد من المتأخّرين من ان البيع «نقل المال بعوض بما ان العوض مال لا لخصوصية فيه، و الاشتراء هو إعطاء الثمن بإزاء ما للمشتري غرض فيه بخصوصه في شخص المعاملة»(2).

ان إضافة التقييد المذكور وجيهة لو لم نتمكّن من دفع الإشكال السابق بما تقدّم و إلاّ فلا حاجة إليها.

علي ان ذكر المال يستلزم اعتبار مالية المبيع في صدق البيع لغة و هو بلا ملزم. إضافة إلي شمول التعريف للإجارة و عدم اختصاصه بالبيع.

2 - و اما اعتبار الايجاب و القبول في البيع

فلأنّه عقد و ليس إيقاعا، و هو متقوّم بهما.

3 - و امّا الاكتفاء بكل ما يدلّ عليهما و لو لم يكن صريحا

فلأنّه بعد ظهور اللفظ في البيع و صدق عنوانه - و لو كان الاستعمال بنحو

ص: 14


1- كتاب المكاسب 239:1، انتشارات اسماعيليان.
2- منهاج الصالحين للسيّد الخوئي 13:2 الطبعة 28 و تعليقة الشهيد الصدر علي منهاج الصالحين 20:2.

المجاز أو الكناية - يشمله إطلاق أدلّة الامضاء كقوله تعالي: أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (1).

و مع الأصل اللفظي المذكور لا تصل النوبة إلي الأصل العملي المقتضي للاقتصار علي القدر المتيقّن لاستصحاب عدم ترتّب الأثر عند الانشاء بغيره.

لا يقال: ان الأصل العملي يقتضي - كالأصل اللفظي - نفي شرطية ما يشك في شرطيّته، فإنّ حديث البراءة يعمّ الأحكام الوضعية أيضا حيث طبّقه الامام عليه السّلام لنفي الصحّة عن الحلف المكره عليه، كما في صحيحة صفوان و البزنطي جميعا عن أبي الحسن عليه السّلام(2). و بارتفاع الشرطية المشكوكة بالبراءة لا يبقي مجال للتمسّك بأصالة عدم ترتّب الأثر لأنّ الشك فيه مسبب عن الشك في الشرطية.

فإنّه يقال: إنّ الشك في الشرطية يرجع في روحه إلي الشكّ في ترتّب الأثر علي الفاقد للقيد المحتمل اعتباره، و الأصل في مثله لا يقتضي البراءة بل عدم ترتّب الأثر.

و بكلمة اخري: ان مرجع الشك في الشرطية إلي علم و شك، أي إلي علم بأن الواجد للقيد يترتّب عليه الأثر جزما، و شك في ترتّبه علي الفاقد، و عند الشك في ترتّب الأثر لا معني للبراءة.

و بهذا يتّضح الفارق بين المقام و مسألة الشك بين الأقل و الأكثر الارتباطيين حيث يتمسّك فيها بالبراءة.

و الفارق: انّه في تلك المسألة يرجع الشك إلي العلم بتعلّق التكليف2.

ص: 15


1- البقرة: 275.
2- وسائل الشيعة 164:16 الباب 12 من كتاب الإيمان الحديث 12.

بتسعة أجزاء مثلا و الشك في تعلّقه بما زاد، و البراءة تقتضي نفي ذلك لأنّ لازمه ثبوت الكلفة الزائدة، و حيث إنّها مشكوكة فيمكن نفيها بالبراءة. و هذا بخلافه في المقام فإنّ مرجع الشك إلي العلم بترتّب الأثر و الامضاء علي الواجد للقيد و الشك في ترتّب ذلك علي الفاقد، و الأصل عدمه.

4 - و امّا الجواز بالملحون و غير الماضي أو العربي

فلإطلاق أدلّة الامضاء المتقدّمة.

و دعوي اعتبار العربية من باب وجوب التأسي بالنبيّ صلّي اللّه عليه و آله حيث كان يعقد بها، مدفوعة بأنّ التأسي يراد به الإتيان بالفعل علي النحو الذي كان يأتي به صلّي اللّه عليه و آله، و حيث نحتمل ان اجراءه صلّي اللّه عليه و آله العقد بالعربية كان من باب اجراء العقد بأحد أساليبه و طرقه فلا يمكن إثبات اللزوم من خلال ذلك و يبقي إطلاق أدلّة الامضاء بلا مقيّد.

و دعوي اعتبار الماضوية من جهة صراحة الماضي في الانشاء بخلاف المضارع و الأمر فانّهما أشبه بالوعد و الاستدعاء مدفوعة بأنّ الدلالة العرفية علي البيع إذا كانت متحقّقة فلا محذور في التمسّك بإطلاق أدلّة الامضاء.

5 - و اما اعتبار المطابقة

فلتوقّف صدق عنوان العقد و البيع و التجارة عن تراض علي ذلك.

6 - و امّا الموالاة

فقد قال جماعة - منهم الشهيد الأوّل في قواعده(1) - باعتبارها.

ص: 16


1- القواعد و الفوائد 234:1.

و وجّه الشيخ الأعظم ذلك بأن الايجاب و القبول بمنزلة كلام واحد مرتبط بعضه ببعض، و مع الفاصل الطويل لا يصدق عنوان العقد(1).

و استدلّ الشيخ النائيني بأنّ حقيقة العقد خلع و لبس، فالموجب يخلع ثوب سلطانه علي المال و يلبسه القابل، و مع تحقّق الفصل يتحقّق الخلع بلا لبس، و من ثمّ لا يتحقّق العقد لأنّه عبارة عن مجموع الخلع و اللبس دون الخلع وحده(2).

و كلا الوجهين كما تري.

امّا الأوّل فلصدق عنوان المعاقدة ما دام الموجب لم يعرض عن إيجابه حتّي مع تخلّل الفصل الطويل.

و امّا الثاني فلأنّ اللبس إذا تحقّق و لو بعد فاصل طويل يصدق آنذاك تحقّق اللبس و الخلع و من ثمّ يصدق في ذلك الوقت تحقّق العقد.

علي ان اللبس و الخلع في اعتبار الموجب متحقّقان بمجرّد قوله بعت و لو لم ينضم القبول، و في اعتبار الشرع و العقلاء لم يتحقّق خلع قبل القبول بل يتحقّق هو و اللبس بعد القبول، فالانفكاك غير متصوّر في كلا الاعتبارين.

و عليه فالمناسب صحّة القبول حتّي مع الفصل الطويل ما دام الموجب لم يتراجع عن إيجابه.

7 - و امّا جواز تأخّر الايجاب

فلأنّ عنوان البيع و العقد صادقان مع التأخّر أيضا، و معه يتمسّك بإطلاق دليل إمضائهما.

هذا و لكن الشيخ الأعظم فصّل بين ما إذا كان القبول المتقدّم بمثل

ص: 17


1- كتاب المكاسب 292:1، انتشارات إسماعيليان.
2- منية الطالب 111:1.

لفظ قبلت فلا يجوز و بين ما إذا كان بمثل لفظ اشتريت فيجوز بتقريب انّه يعتبر في القبول دلالته علي أمرين: الرضا بالايجاب و إنشاء القابل نقل ماله في الحال إلي الموجب علي وجه العوضية، و مع تقدّم لفظ قبلت لا تكون الدلالة علي الأمر الثاني ثابتة، و هذا بخلاف ما إذا كان القبول المتقدّم بمثل لفظ اشتريت فإنّ دلالته علي كلا الأمرين ثابتة بالرغم من تقدّمه(1).

و فيه: ان المهم صدق عنوان العقد و البيع، و هو متحقّق حالة تقدّم القبول مطلقا، و مع تحقّقه يتمسّك بإطلاق دليل الامضاء.

8 - و امّا اعتبار التنجيز و عدم صحّة العقد مع التعليق
اشارة

فهو المشهور بل ادعي عليه الاجماع، و استدلّ عليه بعدّة وجوه ضعيفة نذكر منها:

أ - ما افيد في الجواهر

من ان ظاهر دليل وجوب الوفاء بالعقد هو ترتّب وجوب الوفاء من حين تحقّقه، فإذا لم يشمله من حين تحقّقه و لم يجب الوفاء به من حين حدوثه - لفرض التعليق - فلا دليل علي ترتّب الأثر و وجوب الوفاء بعد ذلك(2).

و فيه: انّنا نلتزم بترتّب وجوب الوفاء من حين تحقّق العقد، بيد ان وجوب الوفاء يعني الالتزام بمدلول العقد، و مدلوله قد يكون هو النقل من حين تحقّق العقد فيلزم الحكم بتحقّق النقل من ذلك الحين، و قد يكون هو النقل بعد حصول المعلّق عليه فيلزم الحكم بتحقّق النقل عند تحقّق المعلّق عليه.

ص: 18


1- كتاب المكاسب 286:1، انتشارات إسماعيليان.
2- جواهر الكلام 198:23.
ب - ما أشار إليه السيّد العاملي

من ان الأسباب الشرعية لمّا كانت توقيفية فيلزم الاقتصار فيها علي القدر المتيقّن و هو العقد العاري من التعليق(1).

و فيه: ان العمل بإطلاق أدلّة الامضاء كاف في تحقّق التوقيف.

ج - ما أفاده الشيخ النائيني

من ان العقود المتعارفة هي المنجزة، و المعلّقة ليست متداولة إلاّ لدي الملوك و الدول أحيانا، و أدلّة الامضاء منصرفة إلي العقود المتعارفة(2).

و فيه: ان صغري الدعوي المذكورة لم تثبت تماميتها.

د - التمسّك بالإجماع المدّعي في المسألة.

و فيه: ان الاتفاق لو تمّ واقعا فهو ليس حجّة لعدم كاشفيته عن رأي المعصوم عليه السّلام بعد كونه محتمل الاستناد إلي المدارك السابقة.

و عليه فالحكم باعتبار التنجيز غير ممكن إلاّ علي سبيل الاحتياط تحفّظا من مخالفة المشهور و الإجماع المدعي.

9 - و امّا المعاطاة فقد وقعت موردا للاختلاف.
اشارة

و قد نقل الشيخ الأعظم قدّس سرّه ستّة أقوال فيها، أهمّها: إفادتها الملك اللاّزم، و إفادتها الملك الجائز، و إفادتها لإباحة التصرّف لا غير(3).

و المختار لدي المتأخّرين إفادتها الملك كالعقد اللفظي لوجوه:
أ - التمسّك بإطلاق قوله تعالي: أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ

(4) بتقريب ان

ص: 19


1- مفتاح الكرامة 166:4.
2- منية الطالب 113:1.
3- كتاب المكاسب 247:1، انتشارات إسماعيليان.
4- البقرة: 275.

المراد من حليّة البيع امّا الحليّة الوضعيّة - كما تقتضيها نسبة الحل إلي الأمر الاعتباري دون الفعل الخارجي - و بذلك يثبت المطلوب، لأنّها عبارة عن النفوذ و الامضاء، أو الحلية التكليفية - التي تقتضيها وحدة السياق حيث يراد من تحريم الربا تحريمه تكليفا بل و يقتضيها ظهور الحلّ نفسه في ذلك - و بذلك يثبت المطلوب أيضا، لأنّ الحل التكليفي ليس منسوبا إلي البيع نفسه لعدم احتمال حرمته تكليفا ليدفع بإثبات جوازه بل هو منسوب إلي التصرّفات المترتّبة عليه، و لازم إباحة جميع التصرّفات المترتّبة عليه صحّته و إفادته للملك.

و قد اختار الشيخ الأعظم قدّس سرّه الثاني - إرادة الحل التكليفي - و قرّب الدلالة بما ذكرناه(1).

ب - التمسّك بإطلاق المستثني في قوله تعالي: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ

(2) بتقريب ان الأكل كناية عن التملّك و الاستيلاء، فكل تملّك بالأسباب الباطلة منهيّ عنه إلاّ ان تكون تجارة عن تراض، و حيث ان المعاطاة مصداق للتجارة عن تراض فتثبت صحّتها بالبيانين السابقين.

ج - التمسّك بإطلاق قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ

(3) ، فإنّ المعاطاة عقد، غايته عقد فعلي لا قولي، و الوفاء بالعقد عبارة اخري عن إتمامه و عدم نقضه فيثبت وجوب الوفاء بالمعاطاة و عدم جواز نقضها و من ثمّ تثبت إفادة المعاطاة للملك بل اللزوم بخلاف الآيتين السابقتين

ص: 20


1- كتاب المكاسب 248:1، انتشارات إسماعيليان.
2- النساء: 29.
3- المائدة: 1.

فإنّه قد يشكك في دلالتهما علي اللزوم.

د - التمسّك بسيرة العقلاء علي ترتيب آثار الملك اللازم علي

المعاطاة

، فإنّ سيرة المتشرّعة و ان أمكن التشكيك في اتصالها بزمن المعصوم عليه السّلام باعتبار ان الفقهاء قبل زمن المحقّق الثاني كانوا يفتون بعدم إفادتها الملك، و معه لا يمكن الجزم بانعقادها بوصف انّهم متشرّعة علي إفادتها الملك إلاّ ان سيرة العقلاء لا مجال للتشكيك في انعقادها، و بعدم ثبوت الردع عنها يثبت الامضاء.

لا يقال: الردع ثابت برواية خالد بن الحجاج: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

رجل يجيء فيقول: اشتر هذا الثوب و اربحك كذا و كذا، قال: أ ليس ان شاء ترك و ان شاء أخذ؟ قلت: بلي، قال: لا بأس، انّما يحلّ الكلام و يحرم الكلام»(1) ، فإنّ لازم حصر المحلّل بالكلام عدم انعقاد البيع بالمعاطاة.

فإنّه يقال: هذا مبنيّ علي ان المراد: لا يكون الشيء حلالا أو حراما بمجرّد القصد أو الفعل، و هذا باطل جزما، فإنّ إباحة التصرّف في المعاطاة ثابتة جزما و لا تحتمل حرمة التصرّف عند افتراض رضا المالك بالتصرّف.

اضافة الي ان هذا المعني لا يتناسب و مورد الرواية.

و المناسب تفسيرها بأن من طلب من غيره اشتراء شيء له من غيره فمتي ما كان الكلام الدائر بينهما علي مستوي المقاولة و المواعدة فهو كلام محلّل، و متي ما كان علي مستوي إيجاب البيع و إيقاعه قبل الشراء من الغير فهو كلام محرّم. و بناء عليه تكون الرواية أجنبية عن

ص: 21


1- وسائل الشيعة 376:12 الباب 8 من أبواب أحكام العقود الحديث 4.

المقام و مرتبطة بمسألة من باع ثم ملك.

علي ان مثل السيرة المذكورة لاستحكامها القوي لا تكفي في تحقّق الردع عنها رواية واحدة ذات لسان غير صريح.

هكذا ينبغي الجواب.

و لا يمكن ان يضاف إلي ذلك ضعف سند الرواية بخالد بن الحجاج حيث لم تثبت وثاقته.

و الوجه في ذلك: ان ضعف سند الرواية لا ينفي احتمال صدورها و من ثمّ احتمال الردع بها عن السيرة المسقط لها عن الاعتبار.

10 - و امّا ان الملك الحاصل بها لازم فللسيرة

- اذ كما هي منعقدة علي حصول الملك بها كذلك هي منعقدة علي كونه لازما - و آية الأمر بالوفاء بالعقود بالبيان المتقدّم.

و مع التنزّل و فرض الشك في كون الملك الحاصل بها لازما أو جائزا فلا بدّ من الحكم باللزوم لأصالة اللزوم التي يمكن الاستدلال لها بعدّة وجوه منها:

أ - التمسّك باستصحاب بقاء الملك و عدم زواله بفسخ أحد الطرفين بدون رضا صاحبه.

لا يقال: لا يجري الاستصحاب لأنّ الملك الجائز يجزم بعدم بقائه، و اللاّزم يشك في أصل حدوثه.

فإنّه يقال: نحن نستصحب بقاء ذلك الملك الواحد الذي حدث بالمعاطاة حيث نشك في ارتفاعه و بقائه و يكون من قبيل استصحاب الكلي من القسم الثاني.

و الإشكال المذكور سيّال في جميع موارد الاستصحاب المذكور،

ص: 22

و جوابه ما ذكرناه.

أجل جريان الاستصحاب المذكور مبني علي جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية و عدم معارضة اصالة بقاء المجعول بأصالة عدم الجعل الزائد.

ب - التمسك بعموم الحديث النبوي: «الناس مسلطون علي أموالهم»(1) بتقريب ان مقتضي السلطنة عدم زوال الملكية عن المالك بغير اختياره، و من المعلوم ان جواز الفسخ و التملّك بدون رضا المالك مناف لسلطنته فلا يكون جائزا.

و الوجه المذكور وجيه بناء علي تمامية سند الحديث و لكنّه ضعيف لأنّه لم يرو إلاّ في عوالي اللآلي بشكل مرسل.

ج - التمسّك بحديث النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: «لا يحل دم امرئ مسلم و لا ماله إلاّ بطيبة نفسه»(2) ، فانّ الفسخ و أخذ المال من مالكه السابق بدون رضاه ليس بحلال بمقتضي الحديث.

د - التمسّك بقوله تعالي: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ (3) ، فإنّ الفسخ و أخذ المال من مالكه السابق بدون رضاه ليس تجارة عن تراض فيدخل تحت أكل المال بالباطل المنهي عنه.

ه - التمسّك بعموم قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (4) بالبيان1.

ص: 23


1- عوالي اللآلي 222:1، 457، و 138:2، و 208:3.
2- وسائل الشيعة 3:19 الباب 1 من أبواب القصاص في النفس الحديث 3.
3- النساء: 29.
4- المائدة: 1.

المتقدّم.

11 - و امّا انّه يعتبر في المعاطاة كلّ ما يعتبر في العقد اللفظي من

شروط

فلأنّه بعد ما كانت مصداقا عرفا للعقد و البيع فيثبت لها كلّ ما يثبت لهما تمسّكا بالإطلاق.

و منه يتّضح الوجه في ثبوت الخيارات فيها.

12 - و امّا جريانها في جميع المعاملات

فلأنّه بعد ما كانت مصداقا حقيقيّا لكلّ فرد من أفراد المعاملات فيشملها إطلاق دليل إمضاء تلك المعاملة و أحكامها.

13 - و امّا وجه استثناء ما ذكر

فللدليل الخاصّ الدال علي اعتبار اللفظ في كل واحد منها حسبما يأتي في محلّه ان شاء اللّه تعالي.

2 - شروط المتعاقدين

اشارة

يلزم في المتعاقدين: البلوغ إذا لم يكن دورهما دور الآلة، و القصد، و العقل و الاختيار، و مالكية التصرّف - بأن يكون العاقد مالكا أو وكيلا عنه أو وليّا عليه و ليس بممنوع التصرّف لسفه أو فلس - و إلاّ كان العقد فضوليّا تتوقّف صحّته علي الاجازة.

و القول ببطلانه ضعيف حتي مع فرض منع المالك مسبقا أو فرض بيع الفضولي لنفسه.

و في كون الاجازة كاشفة أو ناقلة خلاف.

و تظهر الثمرة في موارد.

و المستند في ذلك:

ص: 24

1 - امّا اعتبار البلوغ
اشارة

فهو المشهور بل ادعي عليه الاجماع، و قد يستدلّ له بما يلي:

أ - التمسّك بقوله تعالي: وَ ابْتَلُوا الْيَتامي حَتّي إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ

(1) ، فإنّ ظاهره إناطة جواز تصرّف الصبي ببلوغ النكاح الذي هو كناية عن تجاوز فترة الصبا.

و هو و ان كان خاصّا باليتيم و بالتصرّف في أموال نفسه دون التصرّف في أموال غيره إلاّ أنّه يمكن التعميم بضم عدم القول بالفصل بل و الأولويّة بلحاظ التصرّف في أموال الغير.

و فيه: ان الآية الكريمة ناظرة إلي دفع الأموال إلي الصبي و انّه لا يجوز قبل البلوغ و لا تدلّ علي بطلان معاملاته فيما إذا كان الدافع بعد تمامية المعاملة هو الولي.

ب - التمسّك برواية حمران

عن أبي جعفر عليه السّلام: «... ان الجارية إذا تزوّجت و دخل بها و لها تسع سنين... جاز أمرها في الشراء و البيع...

و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع و لا يخرج من اليتم حتّي يبلغ خمس عشرة سنة...»(2).

و فيه: ان دلالتها و ان كانت واضحة إلاّ انّها ضعيفة السند علي ما تقدّم في البحث عن شرائط التكليف.

ج - التمسّك بحديث رفع القلم

الذي رواه ابن ظبيان: «... أما علمت ان القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبي حتّي يحتلم، و عن المجنون حتّي

ص: 25


1- النساء: 6.
2- وسائل الشيعة 30:1 الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات الحديث 2.

يفيق، و عن النائم حتّي يستيقظ »(1) بدعوي ان المرفوع ليس خصوص المؤاخذة بل مطلق القلم بما في ذلك قلم الاحكام الوضعية.

و فيه: انّه ضعيف سندا - لاشتماله علي عدّة مجاهيل - و دلالة باعتبار ان وروده مورد الامتنان قرينة علي اختصاصه بما يكون في رفعه منة و لا يشمل مثل المقام الذي لا يكون في الرفع منة.

د - التمسّك بصحيحة محمّد بن مسلم

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «عمد الصبي و خطؤه واحد»(2) ، فإنّ مقتضاه عدم ترتّب الأثر علي العقد الصادر من الصبي لأنّه كالصادر منه خطأ.

و فيه: ان الحديث ناظر إلي خصوص باب الجناية و لا يمكن تعميمه لغيره لأنّه لمّا نزّل العمد منزلة الخطأ يلزم ان نفترض وجود أثرين: أثر موضوعه العمد و أثر موضوعه الخطأ كي يكون مقتضي التنزيل ترتيب أثر الخطأ حالة العمد، و من المعلوم ان وجود أثرين من هذا القبيل يختص بباب الجناية، فالجناية العمدية لها أثر خاص و الجناية الخطئية لها أثر خاص، و لا يتصوّر ذلك في غير باب الجناية، فمثلا لو أكل الصبي متعمّدا في صومه فلا يمكن تنزيل ذلك منه منزلة الأكل خطأ فإن الأكل خطأ ليس له أثر خاص إذ الكفّارة و ان كانت منتفية في الأكل الخطئي و لكن ليس ذلك لكون الخطأ بعنوانه موضوعا لذلك بل لأنّ موضوع وجوب الكفارة هو العمد فعند انتفائه تنتفي الكفارة لانتفاء موضوعها.

أجل لو كان الحديث يقول: عمد الصبي كعدمه أمكن تعميمه لغير

ص: 26


1- وسائل الشيعة 32:1 الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات الحديث 10.
2- وسائل الشيعة 307:19 الباب 11 من أبواب العاقلة الحديث 2.

باب الجناية و لكن المفروض تنزيله العمد منزلة الخطأ.

ه - التمسّك بالإجماع المدعي في المسألة

. قال الشيخ الأعظم:

«... فالعمدة في سلب عبارة الصبي هو الاجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظيمة و إلاّ فالمسألة محل إشكال»(1).

و فيه: ان الاتفاق لو تمّ يحتمل استناده إلي المدارك السابقة فلا يجزم بكاشفيته عن رأي المعصوم عليه السّلام.

و - و أحسن ما يمكن التمسّك به صحيحة أبي الحسين الخادم

بيّاع اللؤلؤ

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سأله أبي - و أنا حاضر - عن اليتيم متي يجوز أمره ؟... قال: إذا بلغ و كتب عليه الشيء جاز أمره إلاّ ان يكون سفيها أو ضعيفا»(2).

و السند صحيح فإنّ أبا الحسين الخادم هو آدم بن المتوكّل الذي وثّقه النجاشي(3).

2 - و امّا استثناء حالة الآلية

فلأنّ البالغين إذا تمّ الاتفاق بينهما و كان الصبي مجرّد وكيل في اجراء العقد لم يصدق ان الأمر أمره ليحكم عليه بعدم النفوذ بل أمر البالغين، و لا أقل هو منصرف عن ذلك.

و معه يبقي إطلاق أدلّة الامضاء بلا مانع من شموله.

3 - و امّا اعتبار القصد

فلتقوّم عنوان العقد و البيع و التجارة عن تراض بذلك.

4 - و امّا اعتبار العقل

فواضح إذا فرض فقدان القصد، و امّا علي

ص: 27


1- كتاب المكاسب 338:1، انتشارات إسماعيليان.
2- وسائل الشيعة 143:13 الباب 2 من كتاب الحجر الحديث 5.
3- رجال النجاشي: 76، منشورات مكتبة الداوري.

تقدير وجوده فالحكم ببطلان عقده مشكل.

و دعوي صاحب الجواهر: «عدم اعتبار قصده و كون لفظه كلفظ النائم بل أصوات البهائم»(1) مدفوعة بأن القياس علي النائم و البهائم في غير محلّه بعد فقدان القصد فيهما.

و التمسّك بحديث رفع القلم قد تقدّم ما فيه.

و لا يبقي إلاّ الاجماع، و هو لاحتمال مدركيته لا يصلح مستندا إلاّ للحكم علي مستوي الاحتياط .

5 - و امّا اعتبار الاختيار و عدم صحّة بيع المكره فلوجوه:
أ - ان المكره فاقد لطيب النفس

، و قد قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله في صحيحة زيد الشحّام: «... لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلاّ بطيبة نفسه»(2).

ب - ان التجارة مع فقدان الاختيار ليست عن تراض

، و لا يجوز الأكل إلاّ مع التجارة عن تراض كما قال تعالي: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ (3).

ج - التمسّك بحديث رفع التسعة

الذي رواه حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال النبي صلّي اللّه عليه و آله: وضع عن أمّتي تسعة أشياء: السهو و النسيان و ما اكرهوا عليه...»(4) ، فإنّ مقتضي اطلاق الحديث الشمول لمثل المقام و عدم اختصاصه برفع المؤاخذة أو الاحكام التكليفية.

و يكفي لإثبات التعميم استشهاد الإمام عليه السّلام به لرفع الحكم

ص: 28


1- جواهر الكلام 265:22.
2- وسائل الشيعة 3:19 الباب 1 من أبواب القصاص في النفس الحديث 3.
3- النساء: 29.
4- وسائل الشيعة 345:5 الباب 30 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 2.

الوضعي، كما في صحيحة صفوان و البزنطي جميعا عن أبي الحسن عليه السّلام(1).

6 - و امّا عقد الفضولي

فالمشهور صحّته بالاجازة، و ذهب جمع منهم صاحب الحدائق إلي بطلانه مع الاجازة أيضا(2).

و استدل المشهور بعدّة وجوه نذكر منها:

أ - ان الصحّة يمكن تخريجها علي طبق القاعدة بلا حاجة إلي دليل خاص، فان العقد بعد اجازته ينتسب إلي المالك و يصدق انّه عقده فيشمله آنذاك اطلاق خطاب أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (3) و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (4) و تِجارَةً عَنْ تَراضٍ (5) بعد فرض عدم تقيده بما إذا كان الاستناد إلي المالك ثابتا حدوثا و بعد وضوح قابلية الأمر الاعتباري - كالعقد - علي خلاف الأمر التكويني للاستناد إلي غير موجده بالاذن أو بالاجازة.

و هذا الوجه هو ما أشار إليه الشيخ الأعظم بقوله: «لعموم أدلّة البيع و العقود»(6).

ب - التمسّك برواية عروة البارقي قال: «قدم جلب فأعطاني النبي صلّي اللّه عليه و آله دينارا فقال: اشتر بها شاة، فاشتريت شاتين بدينار، فلحقني رجل فبعت احداهما منه بدينار، ثم أتيت النبي صلّي اللّه عليه و آله بشاة و دينار فردّه عليّ ، و قال: بارك اللّه لك في صفقة يمينك. و لقد كنت أقوم بالكناسة أو

ص: 29


1- وسائل الشيعة 164:16 الباب 12 من كتاب الايمان الحديث 12.
2- الحدائق الناضرة 378:18.
3- البقرة: 275.
4- المائدة: 1.
5- النساء: 29.
6- كتاب المكاسب 367:1، انتشارات إسماعيليان.

قال بالكوفة فأربح في اليوم أربعين ألفا»(1) ، بتقريب ان شراءه الشاتين بدينار و إن أمكن توجيهه بما يخرج به عن الفضولية إلاّ ان بيعه لإحدي الشاتين فضولي جزما، و النبي صلّي اللّه عليه و آله قد أمضي بيعه المذكور بقوله:

«بارك...».

و السند و ان كان ضعيفا، إلاّ انّه قد يقال - كما في الجواهر -:

«أغنت شهرته عند الفريقين عن النظر في سنده»(2).

و ناقش الشيخ الأعظم الدلالة باحتمال ان بيع عروة و قبضه و اقباضه كان مقرونا بعلمه برضا النبي صلّي اللّه عليه و آله بذلك، و المعاملة تخرج عن الفضولية باقترانها بذلك و ان كان ظاهر المشهور يدل علي العدم و اعتبار الاذن أو الاجازة في تحقّق الانتساب و انتفاء الفضولية(3).

ج - التمسّك بصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام: «قضي أمير المؤمنين عليه السّلام في وليدة باعها ابن سيّدها و أبوه غائب فاشتراها رجل فولدت منه غلاما، ثم قدم سيّدها الأوّل فخاصم سيّدها الأخير فقال: هذه وليدتي باعها ابني بغير اذني، فقال: خذ وليدتك و ابنها، فناشده المشتري، فقال: خذ ابنه - يعني الذي باعه الوليدة - حتي ينفذ لك ما باعك فلما أخذ البيّع(4) الابن قال أبوه: ارسل ابني، فقال:

لا أرسل ابنك حتي ترسل ابني، فلمّا رأي ذلك سيّد الوليدة الأوّل أجازي.

ص: 30


1- مستدرك الوسائل 245:13، و مسند أحمد بن حنبل 376:4.
2- جواهر الكلام 277:22.
3- كتاب المكاسب 366:1-368، انتشارات إسماعيليان.
4- اي المشتري، فان لفظ البيّع يطلق علي البائع و المشتري.

بيع ابنه»(1).

و نوقشت دلالتها بعدم عمل الأصحاب بها في موردها - و هو الاجازة بعد الردّ التي هي غير مجدية اجماعا - فكيف يمكن العمل بها في غيره.

و الوجه في تحقّق الردّ قبل الاجازة امور ثلاثة: أخذ الوليدة و ابنها، و رفع الخصومة إلي الإمام عليه السّلام الذي لا معني له لو لا الرد، و مناشدة المشتري الامام عليه السّلام علاج المشكلة، و لو لا الردّ لما كان لها وجه.

د - التمسّك بصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن مملوك تزوّج بغير اذن سيّده، فقال: ذاك إلي سيّده، ان شاء أجازه و ان شاء فرّق بينهما، قلت: أصلحك اللّه، ان الحكم بن عتيبة و ابراهيم النخعي و أصحابهما يقولون: ان أصل النكاح فاسد، و لا تحلّ اجازة السيّد له، فقال أبو جعفر عليه السّلام: انّه لم يعص اللّه و انّما عصي سيّده، فإذا أجازه فهو له جائز»(2) ، بتقريب ان التعليل يدلّ علي ان اجازة من بيده الأمر كافية في تصحيح عقد الفضولي.

و الاشكال علي ذلك واضح، إذ المفروض في مورد الرواية صدور العقد ممّن ينبغي صدوره منه - و هو العبد الزوج - غايته هو فاقد لرضا من يعتبر رضاه - و هو المولي - فإذا رضي ينبغي وقوع العقد صحيحا، و هذا بخلافه في سائر الموارد فإنّ العقد لا يفرض فيها صدوره ممّن ينبغي صدوره منه.1.

ص: 31


1- وسائل الشيعة 591:14 الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 523:14 الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

و هناك روايات اخري استدلّ بها علي المطلوب، إلاّ ان الكلّ أو الأغلب قابل للمناقشة، و يكفينا اقتضاء القاعدة لإثبات المطلوب.

7 - و امّا القول بالبطلان

فاستدلّ له بعدّة وجوه، نذكر منها:

أ - التمسّك بقوله تعالي: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ (1) ، فإنّه يدلّ بمقتضي مفهوم الحصر أو مفهوم الوصف علي ان غير التجارة عن تراض أو التجارة لا عن تراض ليس بسبب مبيح لأكل مال الغير، و معلوم ان التجارة في الفضولي ليست تجارة عن تراض.

و فيه: ان التجارة انّما تنتسب إلي المالك متي ما أجاز، و آنذاك يصدق انها تجارة عن تراض.

ب - التمسّك بما ورد في صحيحة سليمان بن صالح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام من ان النبي صلّي اللّه عليه و آله: «... نهي عن بيع ما ليس عندك»(2).

و نظيره ما ورد في روايات العامّة من نهيه صلّي اللّه عليه و آله حكيم بن حزام عن بيع ما ليس عنده(3) ، فإنّ المقصود من ذلك الكناية و انه لا تبع ما لا تملكه أو لا تبع ما لا تقدر علي تسليمه لعدم كونك مالكا له، و حيث ان النهي في أمثال المقام ظاهر في الارشاد فيكون دالاّ علي فساد بيع الفضولي.

و فيه: ان البيع انّما ينتسب إلي المالك حينما يجيزه، و آنذاك يصدق ان بيعه بيع لما عنده و ليس لما ليس عنده.

ص: 32


1- النساء: 29.
2- وسائل الشيعة 374:12 الباب 7 من أبواب أحكام العقود الحديث 2.
3- سنن الترمذي 534:3.
8 - و اما تعميم الحكم بالصحة لحالة منع المالك مسبقا

فلأنّ ما يتصوّر كونه مانعا هو ان العقد إذا وقع منهيّا عنه فذلك النهي حيث انه مستمر إلي ما بعد العقد آنا ما فيلزم علي تقدير اجازة المالك سبقها بالرد، و الاجازة المسبوقة بالرد لا تنفع في تصحيح العقد علي ما هو المعروف بين الأصحاب.

و فيه: ان كبري عدم اجداء الاجازة المسبوقة بالردّ لو كانت مسلّمة و تمّ الاجماع المدعي عليها فصغراها غير محقّقة في المقام لأن الثابت بعد العقد مع النهي المسبق هو الكراهة الباطنية من قبل المالك، و المانع من اجداء الاجازة هو إنشاء الرد قبلا دون مجرّد الكراهة الباطنية.

9 - و اما التعميم لحالة بيع الفضولي لنفسه

- كما هو الحال في الغاصب عادة - فلاقتضاء القاعدة لذلك بالبيان المتقدّم، و القصد المذكور لا يصلح مانعا إلاّ علي بيانات ضعيفة نذكر منها:

أ - عدم تحقّق قصد البيع و المعاوضة الحقيقية، فانه ليس منها - المعاوضة الحقيقية - قصد دخول الثمن في كيس من لم يخرج منه المثمن، كما هو الحال في الفضولي الذي يقصد البيع لنفسه، و معه فلا تنفع الاجازة.

و اجيب بانّ الفضولي يقصد ادخال الثمن في كيس مالك المثمن، غايته يعتبر نفسه هو الملك للمثمن و ينزّل نفسه منزلته، و معه فقصد المعاوضة الحقيقية متحقّق بعد تنزيل الفضولي نفسه منزلة المالك و قصده ادخال الثمن في كيس مالك المثمن بعد التنزيل المذكور.

ب - ان الفضولي إذا قصد البيع لنفسه فالاجازة ان تعلّقت بذلك

ص: 33

فيلزم وقوع المعاملة للفضولي و دخول الثمن في ملكه، و ان تعلّقت بالبيع للمالك فهو لم ينشأ.

و ان شئت قلت: يلزم ان ما انشأ لم يجز، و ما اجيز لم ينشأ.

و اجيب بانّ جملة «بعت» الصادرة من الفضولي تدلّ علي تمليك المبيع للمشتري بازاء الثمن، و امّا ان الثمن يدخل في كيس من فهو مسكوت عنه، غايته مقتضي المعاوضة الحقيقية دخوله في كيس مالك المثمن، و حيث ان الفضولي ينزّل نفسه منزلة المالك للمثمن فيكون قاصدا ادخال الثمن في ملكه بعد التنزيل المذكور.

و باتضاح هذا يقال: ان الاجازة الصادرة من المالك تتعلّق بما تدلّ عليه كلمة «بعت» و ما تقتضيه المعاوضة الحقيقية و لا تتعلّق بما قصده الفضولي بعد تنزيل نفسه منزلة المالك للمثمن.

10 - و امّا ان الاجازة كاشفة أو ناقلة

فمحل خلاف.

و وجه النقل واضح، فانّ السبب الناقل ليس مجرّد العقد بل العقد عن رضا، و حيث ان الرضا يتحقّق بالاجازة فيلزم تحقّق النقل عند تحقّقها.

و وجه الكشف امور متعدّدة، نذكر منها:

أ - ما ذكره الشهيد و المحقّق الثانيان: «من ان العقد سبب تام في حصول الملك لعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، و تمامه في الفضولي انّما يعلم بالاجازة، فإذا أجاز تبيّن كونه تامّا فوجب ترتّب الملك عليه و إلاّ لزم ان لا يكون الوفاء بالعقد خاصة بل به مع شيء آخر، و لا دليل

ص: 34

يدل عليه»(1).

و فيه: كيف يكون العقد تمام السبب ؟! و علي تقديره لا تبقي حاجة إلي الاجازة.

اللهم إلاّ ان يكون المقصود ان السبب هو العقد المتعقّب بالاجازة، فمع حصولها يعلم بتحقّق العقد المتعقّب من حين صدوره.

و هو جيّد ثبوتا إلاّ انّه لا دليل اثباتا علي مدخلية وصف التعقّب، بل ظاهر قوله تعالي: إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ مدخلية وصف التراضي نفسه لا التعقّب به.

ب - ما جاء عن فخر الدين من انها «لو لم تكن كاشفة لزم تأثير المعدوم في الموجود لأن العقد حالها عدم»(2).

و فيه: ان قياس الامور الاعتبارية علي الامور التكوينية قياس مع الفارق، فمن الوجيه اعتبار العقد مؤثّرا من حين تحقّق الاجازة و ان كان معدوما آنذاك.

و المناسب ان يقال: ان المالك حيث يجيز العقد من حين صدوره و ليس من حين الاجازة فيلزم ان تثبت الملكية بعد الاجازة من حين العقد، فاعتبارها من حين الاجازة إلاّ ان المعتبر - الملكية - سابق و من حين العقد.

و هذا نحو من الكشف قد يصطلح عليه بالكشف الانقلابي، بمعني انه قبل الاجازة لا ملكية من حين صدور العقد غير انه بالاجازة ينقلب الواقع إلي حدوث الملكية من حين صدور العقد.ن.

ص: 35


1- جامع المقاصد 74:4، و قريب من ذلك عبارة الروضة البهية 314:1.
2- كتاب المكاسب 388:1، انتشارات إسماعيليان.

و لا يصل الامر بعد امكان الكشف بالنحو المذكور إلي ما تبناه الشيخ الأعظم من الكشف الحكمي، و هو انه بالاجازة لا تحدث الملكية من حين العقد بل تترتب جميع أحكامها من حين العقد(1).

ان ما ذكره لا وجه له بعد ان كان المجيز يجيز العقد من حين صدوره، إذ لازم الاجازة بالشكل المذكور تحقّق الملكية بعد الاجازة من حين صدور العقد.

علي ان اعتبار ترتّب جميع آثار الملكية من حين العقد دون الملكية نفسها لعلّه لا يخلو من تهافت.

و بهذا يتّضح ان المحتملات في الكشف ثلاثة: الكشف الحقيقي، و الكشف الانقلابي، و الكشف الحكمي.

و المقصود من الأوّل: ان اعتبار الملكية من حين العقد ثابت قبل تحقّق الاجازة ما دامت الاجازة تحصل بعد ذلك في علم اللّه سبحانه.

و المقصود من الثاني: ان اعتبار الملكية من حين العقد يثبت بعد تحقّق الاجازة لا قبلها.

و المقصود من الثالث: انه بالاجازة تترتّب آثار الملكية من حين العقد دون نفسها.

و بضم هذه المحتملات إلي النقل يصير المجموع أربعة(2). -

ص: 36


1- كتاب المكاسب 391:1، انتشارات إسماعيليان.
2- و لربما يصطلح علي الكشف الانقلابي بالمعني الذي ذكرناه بالكشف الحكمي، و يفسّر الكشف الانقلابي بكاشفية الاجازة عن تحقّق الملكية من حين العقد بعد ما لم تكن، فهي لم تكن قبل الاجازة و يتبدّل الواقع إلي الملكية بسبب الاجازة في مقابل: أ - الكشف الحقيقي الذي تفرض فيه كاشفية الاجازة عن تحقّق الملكية من حين العقد من دون افتراض انها لم تكن قبل الاجازة. ب - و في مقابل الكشف الحكمي الذي يفترض فيه اعتبار المالك من حين الاجازة الملكية من حين العقد بعد ما لم تكن من دون فرض كاشفية الاجازة.
11 - و اما الثمرة

فتظهر في موارد متعدّدة.

و علي سبيل المثال تظهر الثمرة بين الكشف و النقل في النماء المتخلّل بين العقد و الاجازة، فنماء المبيع للبائع و نماء الثمن للمشتري علي النقل، في حين ان الأمر بالعكس علي الكشف.

و تظهر بين أفراد الكشف في من اشتري جارية بالفضولية و أولدها و أجاز المالك بعد ذلك، فانّه علي الكشف الحقيقي يكون الوط ء حلالا و تصير بذلك أم ولد، بينما علي الكشف الانقلابي و الحكمي يكون الوط ء زنا و لا تصير أم ولد، لأنّ الوط ء ليس وطأ في الملك حدوثا بل هو كذلك - علي الكشف الانقلابي - بقاء، فإذا استظهر من أدلّة أمّ الولد اعتبار كون الوط ء في الملك حدوثا لم تصر بذلك أم ولد.

و تظهر الثمرة بين الكشف الانقلابي و الحكمي فيما إذا بنينا في المثال السابق علي كفاية تحقّق الوط ء في الملك بقاء، فانّه علي الكشف الانقلابي تصير الأمة أم ولد بخلافه علي الكشف الحكمي، فانّ الوط ء في الملك غير متحقّق حتي بقاء.

3 - شرائط العوضين

اشارة

يلزم في العوضين ملكيتهما، و القدرة علي تسليمهما إلاّ مع الضم لما يمكن تسليمه، و ضبطهما بالكيل أو الوزن أو العدّ أو المساحة - و تكفي

ص: 37

المشاهدة فيما ينضبط بها -، و معرفة جنسهما و صفاتهما التي تختلف باختلافها القيمة.

و يلزم في المبيع ان يكون عينا.

و قيل باشتراط مالية العوضين.

و مع تخلّف الشروط المذكورة يقع البيع باطلا، بيد انه لا يحرم التصرّف مع رضا الطرفين به حتي علي تقدير البطلان، كما هو المتداول بين عوام الناس.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار الملكية و عدم جواز بيع مثل السمك و الطير قبل

أخذهما من الماء و الهواء

فقد استدل له ببعض الروايات من قبيل ما كتبه الامام العسكري عليه السّلام إلي الصفار: «لا يجوز بيع ما ليس يملك و قد وجب الشراء من البائع علي ما يملك»(1).

و المناسب ان يستدل علي ذلك بانّ البيع تمليك بعوض فإذا لم يكن الشخص مالكا فكيف يملّك غيره. و هذا من دون فرق بين البائع و المشتري.

و امّا الرواية المذكورة و ما شاكلها فهي ضعيفة الدلالة لأنّها ناظرة في جملة «لا يجوز بيع ما ليس يملك» إلي ان من باع ما هو مملوك لغيره فلا يمضي بيعه، و هذا من الواضح أجنبي عن المطلوب اثباته، و قد تقدم الحديث عنه في شرائط المتعاقدين.

2 - و اما القدرة علي التسليم

فلم يعرف خلاف في اعتبارها.

ص: 38


1- وسائل الشيعة 252:12 الباب 2 من أبواب عقد البيع الحديث 1.

و استدلّ علي ذلك بعدّة وجوه نذكر منها:

أ - التمسّك بالنبوي المعروف: «نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله عن بيع الغرر»(1) بعد تفسير الغرر بالمخاطرة المتحقّقة بشراء ما لا يقدر علي تسليمه.

و فيه: انّه ضعيف سندا - للإرسال - و دلالة لإمكان اندفاع الغرر باشتراط الخيار علي تقدير عدم تحقّق التسليم خلال مدّة مضبوطة.

و أيضا يمكن تصوّر اندفاع الغرر فيما إذا أمكنت الاستفادة من المبيع بالرغم من عدم القدرة علي تسلمه، كما في العبد الآبق حيث يمكن عتقه في كفارة و الدار المغصوبة حيث يمكن وقفها علي من هي بيدهم و ذريتهم ما تناسلوا.

ب - ما تمسّك به الشيخ النائيني من زوال المالية عمّا لا يقدر علي تسليمه(2).

و فيه: انه لو سلم باعتبار شرطية المالية في العوضين - و سيأتي التأمّل في ذلك - لا نسلم بزوال المالية بعدم القدرة فانّه مخالف للوجدان.

ج - ان الاقدام علي المعاملة التي لا قدرة فيها علي التسليم سفهي.

و فيه: ان السفاهة منتفية في حالة امكان الانتفاع كما في المثالين السابقين.

و مع غضّ النظر عن ذلك يمكن أن يقال: لا دليل علي بطلان المعاملة السفهية بل مقتضي اطلاق مثل «أحل اللّه البيع» امضاؤها و عدم اشتراط ان لا تكون كذلك. أجل تصرّف السفيه في أمواله باطل لا1.

ص: 39


1- وسائل الشيعة 330:12 الباب 40 من أبواب آداب التجارة الحديث 3.
2- منية الطالب 378:1.

ان المعاملة السفهية باطلة.

د - ان أكل المال بازاء ما لا يقدر علي تسليمه أكل له بالباطل، و هو منهي عنه بمقتضي قوله تعالي: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ (1).

و فيه: ان من المحتمل أن يكون المقصود: لا تأكلوا أموالكم بالأسباب الباطلة و ليس لا تأكلوها بلا مقابل. و يكفي الاحتمال في المقام حيث تعود المطلقات بلا مانع يمنع من التمسّك باطلاقها.

ه - التمسّك بالنبوي المتقدّم في الفضولي: «لا تبع ما ليس عندك».

و فيه: انه لو تمّ سنده فمن المحتمل ان يكون المقصود الكناية عن عدم الملكية و ليس عن عدم القدرة علي التسليم، و يكفي الاحتمال لما تقدّم.

و - و أحسن ما يمكن التمسّك به الروايات الناهية عن بيع الآبق بلا ضميمة، كما في موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يشتري العبد و هو آبق عن أهله، قال: لا يصلح إلاّ ان يشتري معه شيئا آخر و يقول: اشتري منك هذا الشيء و عبدك بكذا و كذا، فان لم يقدر علي العبد كان الذي نقّده فيما اشتري منه»(2).

و إذا لم يحتمل اختصاص مثل الرواية المذكورة بموردها أمكنت الفتوي باعتبار الشرط المذكور و إلاّ فلا بدّ من التنزل إلي الاحتياط تحفّظا من مخالفة المشهور و الاجماع المدعي علي الشرطية.

3 - و اما وجه الاستثناء

فواضح من خلال الموثقة المتقدّمة بعد فهم العرف عدم الخصوصية لموردها.

ص: 40


1- النساء: 29.
2- وسائل الشيعة 263:12 الباب 11 من أبواب عقد البيع و شروط الحديث 2.
4 - و اما اعتبار ضبط العوضين

فلا خلاف فيه بين الأصحاب، و تدلّ عليه روايات كثيرة من قبيل:

أ - صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن الجوز لا نستطيع ان نعدّه فيكال بمكيال ثمّ يعدّ ما فيه ثم يكال ما بقي علي حساب ذلك العدد، قال: لا بأس به»(1) ، فانّها تدلّ علي ارتكاز عدم جواز بيع المعدود بلا عدّ، و الامام عليه السّلام قد أمضي الارتكاز المذكور. و موردها و ان كان هو المعدود إلاّ ان الخصوصية له غير محتملة فيتعدّي إلي غيره.

ب - صحيحة محمد بن حمران: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اشترينا طعاما فزعم صاحبه انّه كاله فصدّقناه و أخذناه بكيله، فقال: لا بأس، فقلت: أ يجوز ان أبيعه كما اشتريته بغير كيل ؟ قال: لا، اما انت فلا تبعه حتي تكيله»(2).

و اما حديث نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله عن بيع الغرر(3) فهو ضعيف سندا - للإرسال - و دلالة باعتبار ان الجهل بالمقدار لا يلازم الغرر بمعني الخطر، فمن باع شيئا مردّدا بين كونه مثقال ذهب أو نصف مثقال بدرهم صدق عليه الجهل بمقدار المبيع من دون صدق الغرر بمعني المخاطرة.

هذا كلّه بالنسبة إلي المبيع.

و اما اعتبار ضبط الثمن فيمكن ان يستفاد من الروايات السابقة

ص: 41


1- وسائل الشيعة 259:12 الباب 7 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 256:12 الباب 5 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 4.
3- وسائل الشيعة 330:12 الباب 40 من أبواب آداب التجارة، الحديث 2.

بعد تنقيح المناط و الغاء العرف خصوصية المورد حيث يفهم ان المعلومية معتبرة في العوضين بلا خصوصية للمبيع.

5 - و اما كفاية المشاهدة فيما ينضبط بها

فلأنّ المستفاد من النصوص السابقة اعتبار معلومية العوضين فإذا تحقّقت بالمشاهدة كفت، و لا دليل علي اعتبار ما هو أكثر منها.

6 - و اما اعتبار ضبط الجنس و الصفات

فلأنّ مورد النصوص السابقة و ان كان هو المقدار إلاّ ان المفهوم منها اعتبار المعلومية الرافعة للجهالة، و ذلك لا يتحقّق بضبط المقدار دون الجنس و الصفات.

7 - و اما اعتبار ان يكون المبيع عينا و عدم صحّة كونه منفعة أو

عملا

فلأنّ ذلك ان لم يكن هو المتبادر من لفظ البيع علي خلاف الاجارة - التي يتبادر منها التعلّق بالمنفعة أو العمل - فلا أقلّ من الشك في اعتبار ذلك، و معه لا يصحّ التمسّك بالعمومات لأنّه تمسّك بالعام في الشبهة المصداقية، و هو لا يجوز لأنّ الحكم لا يتكفّل باثبات موضوعه.

أجل يصح أن لا يكون الثمن عينا لعدم احتمال اعتبار ذلك في المفهوم العرفي للبيع.

8 - و اما القول باشتراط المالية

فقد يستدلّ له بما في المصباح من كون البيع مبادلة مال بمال(1).

و فيه: ان الاطلاقات العرفية أعم من ذلك، فالورقة الصغيرة ليست مالا و لكن باعتبار اشتمالها علي دعاء خاص لي كامل الاعتقاد به أقدم علي شرائها و يصدق البيع و الشراء علي ذلك من دون تشكيك.

ص: 42


1- المصباح المنير 77:1.

و مع تحقّق الصدق في زماننا فباستصحاب القهقري - أو اصالة عدم النقل - يثبت الوضع للمعني الوسيع عصر صدور النصوص.

و إذا قيل: مع عدم المالية تقع المعاملة باطلة لكونها سفهية.

قلنا: سفهية المعاملة أوّل الكلام لفرض وجود غرض عقلائي خاص بالمشتري.

و لو تنزّلنا فبالامكان أن نقول: لم يقم دليل علي اشتراط صحّة المعاملة بعدم كونها سفهية بالبيان المتقدّم.

و من خلال هذا يتّضح امكان تصحيح بيع الدم و العذرة و الحشرات و ما شاكل ذلك علي تقدير التسليم بعدم ماليّتها.

9 - و اما وجه ما ذكر أخيرا

فباعتبار ان جواز التصرّف منوط بالرضا و طيب النفس كما دلّ عليه حديث النبي صلّي اللّه عليه و آله: «لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلاّ بطيبة نفسه»(1).

4 - الخيارات

اشارة

الخيار الثابت في المعاملات علي أقسام:

1 - خيار المجلس
اشارة

1 - و هو ثابت لخصوص المتبايعين في مجلس البيع و يستمر ما دام لم يتم التفرّق بينهما.

ص: 43


1- وسائل الشيعة 3:19 الباب 1 من أبواب القصاص في النفس الحديث 3.

و لا يثبت للوكيل في مجرّد اجراء الصيغة.

و المستند في ذلك:

1 - اما اصل ثبوت خيار المجلس في الجملة

فممّا لا إشكال فيه، و قد دلّت عليه الروايات المستفيضة، من قبيل صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: البيّعان بالخيار حتي يفترقا، و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام»(1).

و في مقابل ذلك موثق غياث بن ابراهيم: «قال علي عليه السّلام: إذا صفق الرجل علي البيع فقد وجب و ان لم يفترقا»(2).

و هو ان أمكن توجيهه بحمل التصفيق المذكور فيه علي ما قصد به اسقاط الخيار فلا اشكال و إلاّ يلزم طرحه لمخالفته لإجماع الأصحاب و الضرورة الثابتة بينهم، بل ان كثرة الروايات الدالة علي ثبوته يمكن ان تشكّل عنوان السنّة القطعية، و المخالف لها يلزم طرحه، لأن المخالف للكتاب انّما لزم طرحه لا لمخالفة الكتاب بعنوانها بل لأن الكتاب الكريم يمثّل دليلا قطعيّا فيلزم طرح كل ما يخالف الدليل القطعي.

2 - و اما اختصاصه بالمتبايعين و عدم شموله لمطلق المتعاقدين

فللقصور في المقتضي.

3 - و اما التعبير ب «مجلس البيع»

فهو من باب ذكر الفرد الغالب و إلاّ فلو جري العقد حالة المشي ثبت الخيار أيضا لعدم تعبير النص بالمجلس.

ص: 44


1- وسائل الشيعة 345:12 الباب 1 من أبواب الخيار الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 347:12 الباب 1 من أبواب الخيار الحديث 7.
4 - و اما ان الغاية افتراقهما دون الافتراق عن المجلس

فلتعبير الصحيحة ب «حتي يفترقا» الظاهر في الافتراق بينهما دون افتراقهما عن المجلس.

5 - و اما عدم ثبوته للوكيل في اجراء الصيغة فقط

فلانصراف عنوان «البيّع» عنه، بل لا يحتمل ثبوته له بعد ما كان الغرض من الخيار هو التروي و الارفاق اللذين لا معني لهما في حقّه.

و قد يضاف إلي ذلك: ان الوكيل المذكور وكيل في اجراء الصيغة فقط و ليس في الفسخ عن المالك، لكنّه قابل للتأمّل، فان عدم ثبوت حق الفسخ له من المالك لا ينافي ثبوته له بما هو عاقد من قبل الشرع تعبّدا.

و من خلال ما ذكرناه يتّضح الحال في الوكيل في تمام شئون المعاملة و ان المناسب ثبوت الخيار له لعدم انصراف عنوان «البيّع» عنه.

2 - خيار الحيوان
اشارة

2 - و هو ثابت لمشتري الحيوان ثلاثة أيّام، و قيل: بثبوته لبايعه أيضا.

و إذا كان الثمن حيوانا ثبت لبايعه أيضا.

و مبدأ الثلاثة من حين العقد دون التفرّق.

و يكفي التلفيق لو كان العقد أثناء النهار.

و تدخل الليلتان المتوسّطتان في مدّة الخيار، و هكذا الليلة الثالثة عند التلفيق.

و المستند في ذلك:

1 - امّا ان خيار الحيوان ثلاثة أيّام

فلا خلاف فيه في الجملة،

ص: 45

و الروايات به مستفيضة، ففي صحيحة ابن مسلم المتقدّمة: «و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام».

2 - و اما ان الخيار للمشتري بالرغم من عدم دلالة الصحيحة

السابقة عليه

فللتصريح بذلك في جملة من الروايات الاخري، كصحيحة علي بن رئاب: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشتري جارية لمن الخيار، للمشتري أو للبائع أو لهما كلاهما(1) ؟ فقال: الخيار لمن اشتري ثلاثة أيّام نظرة»(2).

و في موثقة ابن فضال: «سمعت أبا الحسن علي بن موسي الرضا عليه السّلام يقول: صاحب الحيوان المشتري بالخيار بثلاثة أيّام»(3).

3 - و اما القول بثبوته للبائع أيضا

فيمكن الاستدلال له بصحيحة اخري لمحمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان، و فيما سوي ذلك من بيع حتي يفترقا»(4).

و فيه: ان بالإمكان الجمع بحمل الصحيحة المذكورة علي حالة كون كلا العوضين حيوانا لصراحة صحيحة ابن رئاب في اختصاص الخيار بالمشتري.

و مع التنزّل يستقرّ التعارض بين الصحيحتين و يتعيّن الحكم بالاختصاص بالمشتري أيضا، امّا لترجيح صحيحة ابن رئاب باعتبار موافقتها للكتاب الكريم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الدال علي لزوم كل عقد من

ص: 46


1- المناسب: كليهما.
2- وسائل الشيعة 350:12 الباب 3 من أبواب الخيار الحديث 9.
3- وسائل الشيعة 349:12 الباب 3 من أبواب الخيار الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 349:12 الباب 3 من أبواب الخيار الحديث 3.

طرف البائع ما عدا فترة خيار المجلس الخارجة بالتخصيص، أو لأنه بعد استقرار التعارض يتساقطان و يلزم الرجوع للقاعدة، و هي تقتضي اللزوم من طرف البائع، فإن قوله عليه السّلام في روايات خيار المجلس:

«البيّعان بالخيار حتي يفترقا»(1) يدل بإطلاقه علي اللزوم بعد الافتراق في الحيوان و غيره و من طرف البائع و المشتري، و يقتصر في الخروج عنه علي القدر المتيقّن، و هو ثبوت خيار الحيوان لمشتري الحيوان.

4 - و امّا ثبوته للبائع إذا كان الثمن حيوانا

فللتمسّك بإطلاق عنوان «صاحب الحيوان» الوارد في صحيحة ابن مسلم المتقدّمة، فإنه كما يشمل المشتري حالة كون المثمن حيوانا كذلك يشمل البائع حالة كون الثمن حيوانا.

و لا موجب لرفع اليد عن الاطلاق المذكور سوي أحد امور ثلاثة:

اما انصراف عنوان «صاحب الحيوان» لخصوص المشتري لكون ذلك الحالة الغالبة، أو التصريح في صحيحة ابن رئاب بثبوت الخيار للمشتري فقط ، أو تقييد صاحب الحيوان في موثقة ابن فضال بالمشتري.

و الكل كما تري.

اما الأوّل فلعدم كون الغلبة الوجودية موجبة لتقييد اطلاق المطلق.

و اما الثاني فلأنّ الصحيحة صرّحت بثبوته للمشتري فقط من جهة فرض كون المبيع حيوانا فقط .

ص: 47


1- وسائل الشيعة 345:12 الباب 1 من أبواب الخيار الحديث 1.

و اما الثالث فلأنّ تقييد صاحب الحيوان بالمشتري يمكن أن يكون:

اما لدفع احتمال كون المقصود منه الصاحب الأوّل للحيوان، و هو البائع.

أو لوروده مورد الغالب من كون صاحب الحيوان مشتريا، فان الغلبة قد يصحّ تنزيل التقييد عليها دون اطلاق المطلق.

أو لوصف الحيوان - دون صاحبه - بانه مشتري، بان تكون كلمة «المشتري» بصيغة المبني للمفعول دون الفاعل.

5 - و اما ان مبدأ الثلاثة هو العقد دون التفرّق - خلافا لجماعة -

فلظاهر صحيحة ابن مسلم المتقدّمة، فإنها دالّة علي ان الخيار الذي ينتهي بالتفرّق يستمر في الحيوان إلي ثلاثة أيّام، و من الواضح ان خيار المجلس الذي ينتهي بالتفرّق يبتدئ من حين العقد فيلزم أن يكون الأمر كذلك في خيار الحيوان.

و بهذا يتّضح التأمّل فيما استدل به علي كون البداية هي التفرّق من استصحاب عدم حدوث الخيار قبل انقضاء المجلس، أو استصحاب عدم ارتفاعه بانقضاء ثلاثة من حين العقد، أو بانّه يلزم اجتماع سببين علي مسبب واحد.

و وجه التأمّل:

اما بالنسبة إلي الاستصحابين فلأن النوبة لا تصل إلي الدليل الفقاهتي مع وجود الدليل الاجتهادي.

علي ان الاستصحاب الأوّل مثبت لأنّ المطلوب اثبات عدم ارتفاعه بانقضاء ثلاثة من حين العقد، و هو لازم غير شرعي لعدم حدوثه قبل

ص: 48

انقضاء المجلس.

و اما بالنسبة إلي الأخير فلأن قياس الامور الاعتبارية علي الامور التكوينية قياس مع الفارق.

6 - و اما دخول الليلتين

فلأن اليوم و ان كان ظاهرا في خصوص بياض النهار إلاّ ان المستفاد من الروايات استمرار الخيار الواحد، و لازمه دخول الليلتين.

7 - و اما كفاية التلفيق

فلأن ذلك هو المفهوم عرفا من التحديد بثلاثة أيّام و نحوه، فهو يفهم ان العقد لو وقع بداية بياض النهار استمر ثلاثة من دون تكسير، و لو وقع أثناء بياض النهار استمر إلي أثناء بياض اليوم الرابع.

و هذا البيان نفسه يأتي في عشرة الاقامة و ثلاثة الحيض و عشرته.

8 - و اما دخول الليلة الثالثة حالة التلفيق

فلما تقدّم في دخول الليلتين.

3 - خيار الشرط
اشارة

3 - و هو الثابت بسبب اشتراطه في العقد للمتعاقدين أو لأحدهما أو لأجنبي.

و يلزم لدي المشهور ضبط المدّة المجعول فيها الخيار و عدم تردّدها بين الزيادة و النقصان.

و من أفراد الخيار المذكور بيع العين علي أن يكون للبائع الخيار في استرجاعها عند ردّ الثمن نفسه - علي تقدير وجوده - أو مثله - علي تقدير

ص: 49

عدمه - خلال فترة معيّنة. و يصطلح عليه ببيع الخيار.

كما يجوز للمشتري أيضا اشتراط الخيار عند ردّ العين خلال فترة معينة.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الخيار يثبت باشتراطه

فلعدّة وجوه نذكر منها:

أ - التمسّك بقاعدة «المسلمون عند شروطهم» المستفادة من صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم الا كل شرط خالف كتاب اللّه عزّ و جلّ فلا يجوز»(1).

و نوقش ذلك بأن شرط الخيار مخالف للكتاب الكريم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الدال علي لزوم كل عقد، و للسنّة الشريفة - فإذا افترقا فلا خيار - الدالّة علي لزوم البيع بعد الافتراق.

و يمكن الجواب بانّ اللزوم و وجوب الوفاء ليسا بمعني وجوب ابقاء العقد بعد الافتراق تعبّدا بل هما بمعني حرمة التخلّف عمّا تمّت عليه المعاقدة، و هو لا يتنافي مع اشتراط الخيار في بداية المعاقدة.

ب - التمسّك بإطلاق قوله تعالي: أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (2) الشامل للبيع المشتمل علي الخيار.

ج - التمسّك بصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الحيوان كله شرط ثلاثة أيّام للمشتري. و هو بالخيار فيها ان شرط أو لم يشترط »(3) ، فانّها تدلّ علي ان ثبوت الخيار في غير الحيوان يمكن أن يتمّ من خلال الشرط .

ص: 50


1- وسائل الشيعة 353:12 الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 2.
2- البقرة: 275.
3- وسائل الشيعة 349:12 الباب 3 من أبواب الخيار الحديث 1.
2 - و اما جواز اشتراطه للأجنبي

فلإطلاق الوجوه المتقدّمة كلا أو جلا.

3 - و اما اعتبار ضبط المدّة

فلا وجه له سوي صيرورة البيع نفسه غرريا لدي جهالة الشرط ، و قد نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله عن بيع الغرر(1).

بيد انه قد تقدّم ضعف سند الحديث، و يبقي الحكم مبنيا علي الاحتياط تحفّظا من مخالفة الاجماع المدعي في المسألة.

4 - و اما بيع الخيار فالوجه في صحّته:

أ - التمسّك بالبيان المتقدّم في خيار الشرط حيث انه من مصاديقه.

ب - التمسّك بالروايات الخاصّة من قبيل موثقة إسحاق بن عمّار:

«حدّثني من سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام و سأله رجل و أنا عنده فقال: رجل مسلم احتاج إلي بيع داره فجاء إلي أخيه فقال: ابيعك داري هذه و تكون لك أحبّ إليّ من ان تكون لغيرك علي ان تشترط لي ان انا جئتك بثمنها إلي سنة ان تردّ عليّ ، فقال: لا بأس بهذا...»(2).

و دلالة الموثقة و ان كانت واضحة إلاّ ان سندها قابل للتأمّل، فإن الشيخ الطوسي نقلها كما ذكر(3) ، في حين ان الشيخ الصدوق نقلها عن إسحاق هكذا: «سأله رجل و أنا عنده فقال:...»(4) ، و الشيخ الكليني نقلها عن إسحاق هكذا: «أخبرني من سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام قال: سأله رجل و أنا

ص: 51


1- وسائل الشيعة 330:12 الباب 40 من أبواب آداب التجارة الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 355:12 الباب 8 من أبواب الخيار الحديث 1.
3- التهذيب 23:7.
4- الفقيه 128:3.

عنده فقال له...»(1).

و هي بالنقلين الأوّلين لا إشكال فيها إلاّ انها بالنقل الثالث محل اشكال لأن السامع من الامام عليه السّلام الذي ينقل إسحاق الرواية عنه مجهول، و لعلّه غير ثقة، و معه يحصل التعارض في النقل، إذ من البعيد تعدّد النقل الحاصل من إسحاق بل هو اما قال: سمعت ممّن سمع الامام عليه السّلام أو قال: سمعت الامام عليه السّلام و قد سأله رجل و أنا عنده، و حيث لا مرجّح للثاني فتسقط الرواية عن الاعتبار.

و لكن لئن لم يمكنّا تصحيح سند الموثقة المذكورة فبالامكان التعويض عنها بروايات اخري، كموثقة معاوية بن ميسرة(2).

5 - و اما انه يلزم ردّ الثمن نفسه علي تقدير وجوده و بدله علي

تقدير عدمه

فلأن ذلك من لوازم الفسخ المقتضي لرجوع كل واحد من العوضين إلي صاحبه عند وجوده و بدله علي تقدير عدمه.

6 - و اما جواز اشتراط الخيار المذكور للمشتري أيضا

فلأن الروايات الخاصّة و ان لم تشمل ذلك الا انه يكفي اقتضاء القاعدة بالبيان المتقدّم.

4 - خيار تخلّف الشرط
اشارة

4 - كل من اشترط شرطا في العقد صريحا أو ضمنا و كان غير مخالف للشرع و لا لمقتضي العقد يلزم الوفاء به. و عند تخلّف المشروط عليه عن القيام به يثبت للشارط الخيار.

ص: 52


1- الكافي 171:5.
2- وسائل الشيعة 355:12 الباب 8 من أبواب الخيار الحديث 3.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الشرط الذي يجب الوفاء به هو ما كان مذكورا في

العقد بأحد النحوين

فباعتبار انه عبارة عن الالتزام ضمن الالتزام، فإذا لم يكن ضمن العقد يكون التزاما ابتدائيّا و ليس شرطا ليشمله عموم «المسلمون عند شروطهم».

2 - و اما اعتبار ان لا يكون مخالفا للشرع فلوجهين:

أ - عدم احتمال الزام الشارع بالوفاء لما كان مخالفا له.

ب - تقييد وجوب الوفاء في صحيحة ابن سنان السابقة بذلك.

3 - و اما اعتبار ان لا يكون مخالفا

لمقتضي العقد - كالبيع بلا ثمن - فلوجهين:

أ - ان الوفاء بالعقد حيث يتنافي مع مضمون الشرط فيلزم أحد أمرين: اما عدم وجوب الوفاء بالعقد و من ثمّ بطلانه، أو عدم وجوب الوفاء بالشرط و من ثمّ بطلانه، و علي كلا التقديرين يلزم بطلان الشرط و عدم وجوب الوفاء به.

ب - ان الشرط إذا كان مخالفا لمقتضي العقد فهو مخالف للكتاب الكريم الدال علي ترتّب مقتضي العقد عليه.

4 - و اما وجوب الوفاء بالشرط تكليفا فلوجوه:

أ - التمسّك بقوله عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم»(1) ، فانه يدل علي ان الوفاء بالشرط لا ينفك عن الإسلام، و عدمه لا ينفك عن عدمه، و لازم ذلك وجوب الوفاء بالشرط .

ص: 53


1- وسائل الشيعة 353:12 الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 2.

ب - التمسّك بقوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) ، اما بتقريب ان المقصود من العقود هو العهود - كما روي ذلك عبد اللّه بن سنان عن الامام الصادق عليه السّلام(2) ، و العهد صادق علي الشرط - أو بتقريب ان العقد إذا وجب الوفاء به فيلزم الوفاء بالشرط أيضا لأنه جزء ممّا تمّ التعاقد عليه.

ج - التمسّك بالروايات الخاصّة، من قبيل موثقة إسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيه عليه السّلام ان علي بن أبي طالب عليه السّلام كان يقول: «من شرط لامرأته شرطا فليف لها به، فان المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرّم حلالا أو أحل حراما»(3) ، فانها واضحة في وجوب الوفاء.

و موردها و ان كان عقد النكاح الا انه يتعدّي إلي غيره اما لعدم القول بالفصل أو لأن التعليل ينفي احتمال الخصوصية.

و بهذا يتّضح ان ما أفاده الشهيد في اللمعة - من عدم وجوب الوفاء بالشرط و ان فائدته تنحصر في جواز الفسخ عند تخلّفه(4) - قابل للتأمّل.

5 - و اما ثبوت الخيار عند تخلّف الشرط

فلأن مرجع الاشتراط عرفا إلي تعليق الالتزام بالعقد علي تحقّق الشرط خارجا، فعند عدم تحقّقه لا التزام بالعقد الذي هو عبارة اخري عن جعل الشارط الخيار لنفسه عند تخلّف الشرط .

ص: 54


1- المائدة: 1.
2- وسائل الشيعة 248:16 الباب 25 من كتاب النذر و العهد الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 354:12 الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 5.
4- اللمعة الدمشقية كتاب التجارة الفصل 9 الخيار 10.

و وجّه الشيخ الأعظم ثبوت الخيار بقوله: «إذا امتنع المشروط عليه عنه فقد نقض العقد فيجوز للمشروط له أيضا نقضه»(1).

5 - خيار الغبن
اشارة

5 - و هو ثابت من حين العقد للمغبون - بايعا كان أو مشتريا - مع جهله بالحال لا علي الفورية بل يجوز التأخير لغرض عقلائي.

و المستند في ذلك:

1 - اما ثبوت الخيار عند الغبن

فلا إشكال فيه و انما الاشكال في تخريجه الفني.

و قد ذكرت عدّة تقريبات، أوجهها التمسّك بفكرة الشرط الضمني بتقريب ان كل عاقد عاقل يشترط ضمن العقد لنفسه الخيار - اشتراطا ضمنيّا - علي تقدير كونه مغبونا و كون التفاوت فاحشا.

2 - و اما انه من حين العقد

- خلافا للقول بكونه عند ظهور الغبن - فلأن المشترط ضمنا ثبوت الخيار عند ثبوت الغبن واقعا و ان لم يظهر، و عليه إذا فسخ المغبون قبل ظهور غبنه وقع صحيحا.

3 - و اما التعميم للبائع و المشتري

فلاشتراك النكتة.

4 - و اما اعتبار الجهل

فلاختصاص نكتة الخيار المتقدّمة بحالة الجهل.

5 - و اما فورية خيار الغبن

فمحل خلاف.

و استدل لها بان الخيار علي خلاف الأصل فيقتصر فيه علي

ص: 55


1- كتاب المكاسب 33:3، انتشارات إسماعيليان.

المتيقن. و أوضح المحقّق الثاني الأصل بان «العموم في أفراد العقود يستتبع عموم الأزمنة و الا لم ينتفع به»(1).

و استدل للتراخي بالاستصحاب، و هو يتم بناء علي تمامية أمرين:

أ - جريان الاستصحاب في موارد الشك في المقتضي و عدم اختصاصه بموارد الشك في الرافع خلافا للشيخ الأعظم و النائيني.

ب - جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية و عدم معارضة أصالة بقاء المجعول بأصالة عدم الجعل الزائد.

و المناسب ان يقال: ان التأخير إذا كان لغرض عقلائي - كانتظار حضور الغابن - فلا يسقط به الخيار و انما يسقط إذا كان في التأخير دلالة علي الاغماض عن الخيار، فان النكتة المتقدّمة لثبوت الخيار تقتضي ما ذكرناه.

6 - خيار العيب
اشارة

6 - كل من انتقل إليه بالبيع أو الشراء ما فيه عيب كان له ردّه. و المشهور جواز المطالبة بالارش أيضا الا مع احداث حدث فيه فيتعيّن الارش.

و يسقطان مع العلم بالعيب او البراءة من العيوب.

و لا فورية في اعمال الخيار المذكور.

و الخيار في الردّ يعمّ جميع المعاملات و ان كان الارش خاصا بالبيع.

و المستند في ذلك:

ص: 56


1- كتاب المكاسب 292:2، انتشارات إسماعيليان.
1 - اما جواز ردّ المعيب

فقد دلّت عليه عدّة روايات، و لكنّها خاصّة بموردها من قبيل صحيحة ميسر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل اشتري زق زيت فوجد فيه درديا(1) قال: فقال: ان كان يعلم ان ذلك يكون في الزيت لم يردّه، و ان لم يكن يعلم ان ذلك يكون في الزيت ردّه علي صاحبه»(2).

الا ان الحكم يمكن اثباته علي طبق القاعدة بلا حاجة إلي رواية، و ذلك بالتمسّك بفكرة الشرط الضمني، فان كل من يقدم علي معاملة يشترط ضمنا السلامة و الخيار لنفسه علي تقدير عدمها.

2 - و اما التعميم للبائع و المشتري

فلعدم اختصاص فكرة الشرط الضمني بالمشتري.

3 - و اما التخيير بين الردّ و الارش الذي صار له المشهور

فلا رواية تدلّ عليه و انما الوارد ثبوت الارش عند حصول بعض التصرّفات المانعة من الرد. و يجوز ان يكون ذلك من باب تعيّن الرد حالة عدم التصرف، و الارش حالة التصرّف و ليس من باب تعين أحد طرفي التخيير بتعذّر الآخر.

أجل ورد في الفقه الرضوي: «فان خرج في السلعة عيب و علم المشتري فالخيار إليه ان شاء ردّه و ان شاء أخذه أو ردّ عليه بالقيمة ارش العيب»(3).

ص: 57


1- الدردي في الزيت و نحوه: ما يبقي في اسفله.
2- وسائل الشيعة 419:12 الباب 7 من أبواب أحكام العيوب الحديث 1.
3- مستدرك الوسائل الباب 12 من أبواب الخيار الحديث 3. و الظاهر زيادة الالف في (أو).

بيد ان الكتاب المذكور ساقط عن الاعتبار لعدم ثبوت نسبته إلي الامام الرضا عليه السّلام و ان أصرّ علي ذلك بعض الأصحاب كصاحب الحدائق(1).

نعم من يري حجية الشهرة الفتوائية و الاجماعات المنقولة فبامكانه الاستناد إليها، و الا فالمناسب اختصاص الارش بحالة عدم امكان الردّ بسبب التصرّف لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «أيما رجل اشتري شيئا و به عيب و عوار لم يتبرأ إليه و لم يبيّن له فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار و بذلك الداء انه يمضي عليه البيع و يرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به»(2).

و السند يشتمل علي موسي بن بكر الواسطي، و هو لم يوثق في كتب الرجال الابناء علي كبري وثاقة كل من ورد في أسانيد تفسير القمي.

أجل ورد في الحديث ان أبا الحسن عليه السّلام أرسل خلفه و قال له:

«مالي أراك مصفرّا أ لم آمرك بأكل اللحم ؟ فأجاب ما أكلت غيره منذ أمرتني، فقال عليه السّلام: كيف تأكله ؟ فقال: طبيخا، قال: كله كبابا. و بعد جمعة أرسل خلفه الامام عليه السّلام فإذا الدم قد عاد في وجهه و أرسله إلي الشام في بعض حوائجه»(3).6.

ص: 58


1- الحدائق الناضرة 25:1. و للشيخ النوري في مستدركه 230:19-322 بحث مفصّل عن الكتاب المذكور.
2- وسائل الشيعة 362:12 الباب 16 من أبواب الخيار الحديث 2.
3- الكافي 319:6.

و لكن الحديث ضعيف سندا لان الراوي له الواسطي نفسه، و دلالة لان اعتناء الامام عليه السّلام بصحّته و ارساله في بعض حوائجه لا يلازم الوثاقة.

و الاولي الاستدلال علي قبول رواياته بما رواه الشيخ الكليني بطريق معتبر عن الحسن بن محمد بن سماعة: «دفع إليّ صفوان كتابا لموسي بن بكر فقال لي: هذا سماعي من موسي بن بكر و قرأته عليه فإذا فيه: موسي بن بكر عن علي بن سعيد عن زرارة. قال صفوان: هذا ممّا ليس فيه اختلاف عند أصحابنا»(1).

4 - و اما سقوط الرد و الارش حالة العلم أو البراءة

فلقصور فكرة الشرط الضمني و النصوص المتقدّمة عن الشمول لمثل ذلك.

5 - و اما انه لا فورية في الخيار المذكور

فذلك واضح بالنسبة إلي الرد لان الاشتراط الضمني لم تؤخذ فيه الفورية في اعمال الخيار.

و اما بالنسبة الي الارش فعدم فوريته مقتضي اطلاق صحيحة زرارة، و مع التنزّل و التسليم بدعوي انها في مقام بيان أصل الخيار دون خصوصياته فلا أقلّ من اطلاقها المقامي.

6 - و اما ان الرد بالعيب يعمّ جميع المعاملات

فلعدم اختصاص فكرة الشرط الضمني بالبيع بل تعم غيره.

اجل يختص الارش بالبيع لاختصاص صحيحة زرارة - التي هي مدركه - به.

ص: 59


1- الكافي 97:7.
7 - خيار التأخير
اشارة

7 - من باع من دون قبض العوضين و لا أحدهما فالبيع عليه لازم ثلاثة ايام و له الفسخ بعدها ما دام لم يشترط تأخير قبضهما أو أحدهما. و يصطلح عليه بخيار التأخير.

و متي ما تمّت المعاملة يلزم تسليم العوضين بعدها فاذا امتنع احدهما كان للآخر الفسخ، و لا يختص هذا بالبيع بخلاف ما سبق.

و من باع ما يسرع إليه الفساد - كبعض الفواكه - فالامهال ليس إلي ثلاثة، بل الي ما قبل طروه.

و المستند في ذلك:

1 - اما ثبوت الخيار بالتأخير

فلا إشكال فيه في الجملة. و تدلّ عليه عدّة روايات، كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه عنده فيقول حتي آتيك بثمنه. قال: ان جاء فيما بينه و بين ثلاثة أيّام و الا فلا بيع له»(1).

و لا يضر ضعفها بعلي بن حديد في أحد طريقي الكليني بعد سلامة بقيّة طرقها من ذلك.

و قد يستفاد من نفي الإمام عليه السّلام البيع بقوله: «و الا فلا بيع له» بطلان البيع اما من الأساس أو بعد الثلاثة دون ثبوت الخيار للبائع، و بذلك لا تكون دالّة علي ما ذهب إليه المشهور.

الا ان ذلك ضعيف باعتبار ان المقصود تسهيل الأمر علي البائع

ص: 60


1- وسائل الشيعة 356:12 الباب 9 من أبواب الخيار الحديث 1.

و هو يتحقّق بنفي اللزوم من ناحيته، كيف و هل يحتمل ان البائع لا يحق له الانتظار أكثر من ثلاثة متبرّعا.

و بعد هذا لا تبقي حاجة إلي ما أفاده الشيخ الأعظم بقوله: «و كيف كان فلا أقل من الشك فيرجع إلي استصحاب الآثار المترتبة علي البيع.

و توهم كون الصحّة سابقا في ضمن اللزوم فترتفع بارتفاعه، مندفع بان اللزوم ليس من قبيل الفصل للصحّة و انما هو حكم مقارن له في خصوص البيع الخالي من الخيار»(1).

2 - و اما اشتراط عدم قبض العوضين و لا أحدهما

فللتصريح بذلك في الصحيحة المتقدّمة.

و اما اعتبار عدم اشتراط التأخير فلأن ذلك هو المنصرف من الصحيحة.

3 - و اما انه يلزم تسليم العوضين بعد تمامية المعاملة

فلأن كل طرف يملك بالمعاملة ما انتقل إليه فالتأخير من دون رضاه غير جائز الا مع الانصراف اليه، و هو غير ثابت بل الثابت عكسه.

4 - و اما انه يحق للآخر الفسخ علي تقدير امتناع أحدهما

فذلك للاشتراط الضمني علي احتفاظ كل منهما بالخيار لنفسه علي تقدير امتناع الآخر من التسليم.

5 - و اما اختصاص خيار التأخير بالبيع

فلاختصاص صحيحة زرارة السابقة و غيرها به، و هذا بخلاف جواز الفسخ علي تقدير امتناع أحدهما من التسليم فان نكتته عامة لغير البيع أيضا.

ص: 61


1- كتاب المكاسب 299:2، انتشارات إسماعيليان.
6 - و اما بيع ما يسرع إليه الفساد

فقد دلّت بعض الروايات علي ثبوت الخيار فيه بعد دخول الليل إذا كان يفسده المبيت كما في رواية محمد بن أبي حمزة أو غيره عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يشتري الشيء الذي يفسد من يومه و يتركه حتي يأتيه بالثمن، قال: ان جاء فيما بينه و بين الليل بالثمن و الا فلا بيع له»(1).

و لكنها ضعيفة السند بالارسال. و لا بدّ من حملها علي حالة تحقّق الفساد بالمبيت، اما إذا كان يتحقّق في وسط النهار مثلا فالخيار لا بدّ و ان يكون ثابتا قبيل ذلك بنحو يمكن بيعه لو فسخ.

و الوجه في ذلك هو الاشتراط الضمني الارتكازي إذ العاقل لا يقدم علي اتلاف ماله بلا مقابل.

8 - خيار الرؤية
اشارة

8 - من اشتري اعتمادا علي رؤية سابقة أو علي وصف بدون رؤية ثم وجده علي خلاف ذلك كان بالخيار بين الردّ و الامساك.

و لا يحق له المطالبة بالارش كما لا يسقط خياره ببذل البائع الارش أو ابدال العين باخري.

و الخيار يثبت للبائع أيضا إذا كان قد رأي المبيع أو اعتمد علي وصف ثم انكشف الخلاف.

بل يثبت الخيار للبائع أو المشتري إذا اتّضح الخلاف في الثمن.

و ليس الخيار المذكور ثابتا بنحو الفورية.

ص: 62


1- وسائل الشيعة 359:12 الباب 11 من أبواب الخيار الحديث 1.

و المستند في ذلك:

1 - اما ثبوت الخيار عند تخلّف الرؤية أو الوصف

فهو المعروف بين الأصحاب، و استدل له بصحيح جميل بن دراج: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشتري ضيعة و قد كان يدخلها و يخرج منها، فلما ان نقذ المال صار الي الضيعة فقلبها ثم رجع فاستقال صاحبه فلم يقله، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: انه لو قلب منها و نظر إلي تسعة و تسعين قطعة ثم بقي منها قطعة و لم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية»(1).

و هو ان تمت دلالته علي المطلوب فلا إشكال و الا أمكن التمسّك بفكرة الاشتراط الضمني، فان من يشتري اعتمادا علي الرؤية أو الوصف يشترط لنفسه الخيار ضمنا و ارتكازا علي تقدير التخلّف.

و السيرة العقلائية المنعقدة علي استحقاق المشتري للفسخ عند التخلّف واضحة في ذلك.

2 - و اما انه لا تجوز المطالبة بالارش و لا يسقط الخيار ببذله و لا

بالابدال بعين اخري

فلأن ثبوت الارش يحتاج إلي دليل، و هو خاص بالعيب، و مقتضي الاشتراط الضمني ثبوت الحق في الفسخ دون الارش أو الابدال.

3 - و اما التعميم للبائع و لانكشاف الخلاف في الثمن

فلعموم نكتة الاشتراط الضمني.

4 - و اما عدم اعتبار الفورية في اعمال الخيار

فلعدم اقتضاء فكرة الاشتراط الضمني لذلك.

ص: 63


1- وسائل الشيعة 361:12 الباب 15 من أبواب الخيار الحديث 1.

5 - الربا

في حرمة الربا و موارد تحققه و شروطه
اشارة

الربا حرام بالضرورة، و يتحقّق في موردين:

أ - القرض. و يأتي البحث عنه في كتاب القرض إن شاء اللّه تعالي.

ب - و البيع. و ذلك فيما إذا بيع أحد المتّحدين جنسا بالآخر مع زيادة أحدهما زيادة عينية أو حكمية و افتراض كونهما من المكيل أو الموزون، فشروط تحقّقه في البيع - علي هذا - ثلاثة.

و في عموم التحريم لغير البيع - كالصلح - خلاف.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة الربا

فهي من الضروريات. و قد دلّ عليها الكتاب الكريم في أكثر من موضع، كقوله تعالي: اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ... وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا (1) ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ (2).

و ما ورد في السنّة الشريفة كثير، ففي موثق عبد اللّه بن بكير: «بلغ أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل انه كان يأكل الربا و يسمّيه اللبأ(3) ، فقال: لئن

ص: 64


1- البقرة: 275.
2- البقرة: 278-279.
3- اللبأ بكسر اللام و فتح الباء و الهمزة بعدها: أوّل لبن الام. و المقصود المبالغة في حليّته بالتشبيه بأوّل لبن الام.

أمكنني اللّه منه لأضربن عنقه»(1).

و في صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «درهم ربا أشدّ من سبعين زنية كلّها بذات محرم»(2).

2 - و اما شموله لكلا الموردين المذكورين دون احدهما و دون ما

زاد عليهما

فلدلالة الدليل علي ثبوته فيهما دون ما زاد فتجري البراءة عنه.

3 - و اما اعتبار الشروط الثلاثة في تحقّق الربا في البيع

فذلك واضح بالنسبة إلي اشتراط الزيادة في أحد الطرفين لتقوّم مفهوم الربا بذلك لغة إذ هو عبارة عن الزيادة.

و اما الشرطان الآخران فقد دلّت عليهما روايات كثيرة. و قد جمعت الشروط الثلاثة موثقة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن البيضة بالبيضتين، قال: لا بأس به، و الثوب بالثوبين، قال: لا بأس به، و الفرس بالفرسين، فقال: لا بأس به. ثم قال: كل شيء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد، فإذا كان لا يكال و لا يوزن فلا بأس به اثنين بواحد»(3).

4 - و اما ان الزيادة تعمّ الحكمية
اشارة

- كبيع أحد المتماثلين مع اشتراط كنس المسجد أو اداء صلاة الليل مثلا في جانب احدهما، أو كون احدهما نقدا و الآخر نسيئة - و لا تختص بالعينية فلا وضوح للروايات فيه.

ص: 65


1- وسائل الشيعة 429:12 الباب 2 من أبواب الربا الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 423:12 الباب 1 من أبواب الربا الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 448:12 الباب 16 من أبواب الربا الحديث 3.
و قد يستدل علي ذلك بالوجوه التالية:

أ - التمسك بما دلّ علي اعتبار المماثلة و عدم الزيادة، كصحيحة محمد بن مسلم و زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «الحنطة بالدقيق مثلا بمثل، و السويق بالسويق مثلا بمثل، و الشعير بالحنطة مثلا بمثل لا بأس به»(1).

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الفضة بالفضة مثلا بمثل، و الذهب بالذهب مثلا بمثل ليس فيه زيادة و لا نقصان الزائد و المستزيد في النار»(2).

و صحيحة الوليد بن صبيح: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام: الذهب بالذهب، و الفضة بالفضة الفضل بينهما هو الربا المنكر هو الربا المنكر»(3).

و تقريب الدلالة: انه مع الزيادة و لو حكمية يصدق الفضل بينهما و لا يصدق البيع مثلا بمثل.

ب - التمسك برواية خالد بن الحجاج: «سألته عن الرجل كان لي عليه مائة درهم عددا قضانيها مائة وزنا، قال: لا بأس ما لم تشترط ، قال: و قال: جاء الربا من قبل الشروط انما يفسده الشروط »(4) ، فانها تدل بالاطلاق علي ان الشرط و لو كان بنحو الزيادة الحكمية موجب لها.

ج - التمسك بالإجماع المدعي في المسألة.

ص: 66


1- وسائل الشيعة 440:12 الباب 9 من أبواب الربا الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 456:12 الباب 1 من أبواب الصرف الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 457:12 الباب 1 من أبواب الصرف الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 476:12 الباب 12 من أبواب الصرف الحديث 1.

و الكل كما تري.

اما الاول فلان ظاهر المثلية هو المماثلة في القدر لا من جميع الجهات. و هكذا ظاهر الفضل هو الفضل من حيث القدر.

و اما الثاني فلان رواية خالد ضعيفة سندا به - لعدم توثيقه و ان كان اخوه يحيي الراوي عنه قد وثّقه النجاشي - و دلالة لاختصاص موردها بالقرض.

هذا كله مضافا إلي كون الرواية مضمرة، و علي المسلك القائل بعدم حجية المضمرات الا إذا كان المضمر من اجلاء الاصحاب الذين لا تليق بهم الرواية عن غير المعصوم عليه السّلام يشكل العمل بها لان خالدا ليس كذلك.

و اما الثالث فلان الاجماع لو ثبت و غض النظر عن نسبة الخلاف إلي الأردبيلي و ابن ادريس فهو محتمل المدرك، و معه لا يمكن الجزم بكاشفيته عن رأي الامام عليه السّلام يدا بيد. و من هنا رفض بعض كالسيد اليزدي التعميم(1) ، و لكن الحكم بذلك بنحو الاحتياط امر لازم لا ينبغي الحياد عنه.

5 - و اما الخلاف في التعميم لغير البيع بالرغم من اطلاق الاخبار

المتقدمة الدالة علي اعتبار المماثلة

فلاحتمال انصرافها إلي خصوص البيع، و معه يتمسك بالبراءة عن التحريم في غير البيع.

و المناسب التعميم لوهن دعوي الانصراف.

اجل لا يبعد التخصيص بما إذا كان الصلح بين العينين - كما لو

ص: 67


1- ملحقات العروة الوثقي 5:2.

قيل: صالحتك علي هذا المثقال من الذهب بهذين المثقالين - دون ما إذا كان بين غيرهما - كما لو قيل: صالحتك علي ان اهب لك هذا المثقال من الذهب مقابل ان تهب لي مثقالين من الذهب - لصدق عنوان الفضة بالفضة مثلا في الاول دونه في الثاني.

احكام خاصة بالربا
اشارة

يتخلص من الربا - لدي المشهور - بضم غير الجنس إلي الطرف الناقص - كبيع كيلوين من الارز بكيلو من الارز و كيلو من العدس - او بضم غير الجنس إلي كل من الطرفين و لو مع التفاضل فيهما، كبيع كيلوين من الارز مع كيلوين من العدس بكيلو من الارز و كيلو من العدس، لوقوع الزيادة مقابل الضميمة في الصورة الاولي، و وقوع كل جنس في مقابل مخالفه تعبدا و ان لم يقصد المتعاقدان ذلك في الصورة الثانية.

كل ذلك مع افتراض العوضين حالّين.

و يلزم عند بيع الذهب المصوغ بغيره و الفضة المصوغة بغيرها تساويهما، و معه لا يجوز بيع مثقال من الذهب المصوغ بمثقال من الذهب غير المصوغ منضما إلي اجرة الصياغة.

و لا يجوز ان يقول شخص لآخر: ابيعك هذا المثقال من الفضة الجيدة بمثقال من الفضة الرديئة بشرط ان تخيط لي ثوبا مثلا، و يجوز العكس بان يقول: خط لي ثوبا علي ان ابيعك المثقال الجيد بالمثقال الرديء.

و المشهور عدم تحقق الربا بين الوالد و ولده و المولي و مملوكه و الزوج و زوجته و المسلم و الحربي اذا اخذ المسلم الفضل.

و يجوز بيع الاوراق النقدية بعضها بالآخر مع اختلاف العملة - نقدا

ص: 68

و نسيئة - حتي مع فرض التفاضل في المالية، بل يجوز مع اتحادها أيضا إذا افترض كون العوضين شخصيين.

كما يجوز أيضا بيع الصكوك علي ثالث بأقل إذا كانت تعبر واقعا عن دين.

و العملة النقدية إذا كانت مصنوعة من الفضة و نحوها من المعادن الموزونة لا يجوز تبديلها إلي ابعاضها مع فرض التفاضل بين الاصل و الابعاض و فرض كونها خالصة.

و الربا كما يحرم اخذه يحرم دفعه و كتابته و الشهادة عليه.

و الحنطة و الشعير في باب الربا جنس واحد و ان كانا في غيره جنسين.

و من تعامل بالربا و هو جاهل بالحكم أو بالموضوع ثم التفت و تاب فلا يلزمه ارجاعه.

و من ورث مالا فيه اموال ربوية فمع عدم تميزها فلا شيء عليه و الا لزم ردها علي مالكها مع معرفته، و مع عدمها يتعامل معها معاملة مجهول المالك.

و المستند في ذلك:

1 - اما التخلص من الربا بما ذكر

فهو علي طبق القاعدة لو كان ايقاع كل جنس مقابل ما يخالفه مقصودا للمتعاقدين كما هو واضح.

و اما إذا لم يكن مقصودا فالانصراف إلي المخالف يحتاج إلي دليل. و قد دلّت عدّة روايات علي ذلك لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج:

«... اشتري الف درهم و دينارا بالفي درهم، فقال: لا بأس بذلك ان ابي كان اجرأ علي أهل المدينة مني فكان يقول هذا، فيقولون: انما هذا الفرار، لو جاء رجل بدينار لم يعط الف درهم و لو جاء بألف درهم لم يعط ألف دينار، و كان يقول لهم: نعم الشيء الفرار من الحرام

ص: 69

إلي الحلال»(1).

و اضمارها لا يضر بعد كون ابن الحجاج من اجلاء الاصحاب الذين لا تليق بهم الرواية عن غير الامام عليه السّلام أو للبيان العام المتقدم أكثر من مرة.

و صحيحته الاخري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «كان محمد بن المكندر يقول لأبي عليه السّلام: يا ابا جعفر رحمك اللّه و اللّه انا لنعلم انك لو اخذت دينارا و الصرف بثمانية عشر فدرت المدينة علي ان تجد من يعطيك عشرين ما وجدته، و ما هذا الا فرار، فكان ابي يقول: صدقت و اللّه و لكنه فرار من باطل إلي حق»(2).

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس بألف درهم و درهم بألف درهم و دينارين إذا دخل فيها ديناران أو أقل أو أكثر فلا بأس به»(3).

و هناك رأي لبعض المتأخرين يخصّص جواز التخلص بالضميمة بما إذا كان الارز الزائد مثلا في هذا الجانب مع الارز الناقص في الجانب الآخر متساويين من حيث المالية تقريبا و اريد بالضميمة التخلص من محذور تفاوت المقدار اللازم منه الربا.

و هو غير بعيد لقرب انصراف نصوص الضميمة إلي خصوص الحالة المذكورة.

2 - و اما اعتبار كون العوضين حالين

فلاختصاص مورد

ص: 70


1- وسائل الشيعة 466:12 الباب 6 من أبواب الصرف الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 467:12 الباب 6 من أبواب الصرف الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 468:12 الباب 6 من أبواب الصرف الحديث 4.

النصوص المجوّزة بذلك.

3 - و اما لزوم التساوي بين المصوغ و غيره

، و من ثمّ عدم جواز اشتراط اجرة الصياغة فلان المصوغ و غيره جنس واحد و يشملهما النص المتقدم: «الذهب بالذهب، و الفضة بالفضة، الفضل بينهما هو الربا المنكر»، و معه يكون اشتراط الاجرة فضلا موجبا للربا.

و بكلمة اخري: المصوغ و غيره هما كالجيد و الرديء و الوسخ و النظيف، و المكسور و غيره، فكما ان كل واحد من هذه يعد مع مقابله واحدا و يلزم تساويهما فكذلك في المصوغ و غيره.

و قد ادعي صاحب الجواهر عدم الخلاف و الاشكال في المسألة(1).

4 - و اما عدم جواز بيع احد المثقالين بالآخر بشرط خياطة ثوب

مثلا

فواضح للزوم محذور الربا - بناء علي تعميم الزيادة اللازم منها الربا للزيادة الحكمية - فان الجيد و الرديء جنس واحد لا يجوز التفاضل فيه.

و اما جواز العكس - الذي هو من الوسائل التي يتخلص بها من الربا - فلصحيح ابي الصباح الكناني: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقول للصائغ: صغ لي هذا الخاتم و ابدل لك درهما طازجا بدرهم غلة(2) ، قال: لا بأس»(3).

بل قد يقال باقتضاء القاعدة لذلك لان ابدال الجيد بالرديء وقع

ص: 71


1- جواهر الكلام 13:24.
2- الطازج هو الخالص. و الغلة - بكسر الغين - المغشوش.
3- وسائل الشيعة 480:12 الباب 13 من أبواب الصرف الحديث 1.

اجرا للخياطة من دون وقوع الخياطة شرطا في البيع لتلزم الزيادة فيه.

5 - و اما عدم تحقق الربا بين من ذكر

فقد دلت عليه بعض الروايات الضعيفة، كرواية زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «ليس بين الرجل و ولده و بينه و بين عبده و لا بين أهله ربا...»(1) ، و هي ضعيفة بياسين الضرير. و رواية عمر بن جميع عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «ليس بيننا و بين اهل حربنا ربا نأخذ منهم ألف ألف درهم بدرهم و نأخذ منهم و لا نعطيهم»(2) ، و هي ضعيفة بمعاذ بن ثابت و غيره.

و لا يمكن الركون إلي الروايتين المذكورتين بعد ضعفهما السندي الا بناء علي كبري الانجبار بعمل المشهور و الا فالاحتياط يبقي أمرا مناسبا.

6 - و اما جواز بيع العملة مع اختلافها

فلعدم تحقق محذور الربا بعد اختلاف جنس العوضين و عدم كونهما من المكيل و الموزون.

و إذا قلت: ان الرصيد الذي تعبر عنه الأوراق النقدية قد يكون واحدا كالذهب الذي هو من الموزون.

قلنا: ان المعاوضة لم تجر علي الرصيد بل علي الاوراق ذات الاعتبار بسبب الرصيد.

7 - و اما انه مع اتحاد العملة تجوز المعاملة حتي مع التفاضل في

فرض كون العوضين شخصيين

فلما تقدم من ان الاوراق النقدية ليست من قبيل المكيل و الموزون.

و اما عدم جوازها مع التفاضل في فرض كون العوض نسيئة في

ص: 72


1- وسائل الشيعة 436:12 الباب 7 من أبواب الربا الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 436:12 الباب 7 من أبواب الربا الحديث 2.

الذمة فلان المعاملة ترجع في روحها إلي القرض و ان ابرزت مبرز البيع لان شرط البيع تحقق المغايرة بين الثمن و المثمن، و في المورد لا مغايرة، فان الثمن ينطبق علي المثمن مع زيادة.

و إذا نوقش ما ذكر بان المغايرة المعتبرة في البيع يكفي في تحققها كون المثمن عينا خارجية و الثمن أمرا كليا في الذمة أمكن ذكر تقريب آخر، و هو ان المعاملة المذكورة بحسب الارتكاز العرفي قرض لأنه عبارة عن تبديل المال المثلي الخارجي بمثله في الذمة، و هو صادق في المقام.

8 - و اما جواز بيع الصك بالاقل إذا كان يعبّر عن دين واقعا

فلانه بيع حقيقة في غير المكيل و الموزون.

و اما عدم جوازه مع عدم وجود دين واقعا فلان شرط صدق البيع وجود عوضين، و هو مفقود في الفرض إذ لا يوجد حق في الذمة ليقع عوضا، فالمعاملة المذكورة في حقيقتها اقراض بفائدة يبرز مبرز البيع.

9 - و اما عدم جواز تبديل العملة المعدنية مع التفاضل

فلأنها من الموزونات فيلزم مع التفاضل محذور الربا.

اجل مع خروجها عن كونها من الموزونات و صيرورتها من المعدودات - كما في المصنوعة من النحاس عادة - يزول المانع من التفاضل.

و اما الجواز مع فرض كونها مخلوطة بمعدن آخر - كما هو الغالب - فلحصول الضميمة المانعة من تحقق محذور الربا حسبما تقدم. بيد انه يلزم في الضميمة ان لا تكون مستهلكة و فاقدة للمالية.

10 - و اما تعميم حرمة الربا للدفع و الشهادة عليه و كتابته

ص: 73

فلصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

آكل الربا و موكله و كاتبه و شاهداه فيه سواء»(1) و غيرها.

11 - و اما ان الحنطة و الشعير في باب الربا واحد

فلصحيح الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا يصلح الشعير بالحنطة الا واحد بواحد»(2) و غيره.

و اما قصر الحكم بالوحدة علي باب الربا فلانه مخالف للقاعدة المقتضية لدوران الاحكام مدار الاسماء فيقتصر في المخالفة علي مورد النص.

12 - و اما عدم لزوم ردّ الربا علي الآخذ مع الجهل و التوبة بعد

الالتفات

فهو ما عليه جماعة من الفقهاء. و يدل عليه قوله تعالي: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهي فَلَهُ ما سَلَفَ (3) ، فان تخصيصه بنفي العقوبة أو بما وقع من ربا زمن الجاهلية لا وجه له.

و مع التنزل تكفينا الروايات الكثيرة، كصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الرجل يأكل الربا و هو يري انه له حلال، قال: لا يضره حتي يصيبه متعمدا، فاذا اصابه فهو بالمنزل الذي قال اللّه عز و جل»(4).

و صحيحة ابي المعزا: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: كلّ ربا اكله الناس

ص: 74


1- وسائل الشيعة 430:12 الباب 4 من أبواب الربا الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 439:12 الباب 8 من أبواب الربا الحديث 5.
3- البقرة: 275.
4- وسائل الشيعة 430:12 الباب 5 من أبواب الربا الحديث 1.

بجهالة ثم تابوا فانه يقبل منهم اذا عرف منهم التوبة...»(1) و غيرهما.

و اذا قيل: ان قوله تعالي: وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ (2) يدل علي لزوم ردّ الزيادة، و بذلك يعارض ما تقدم.

قلنا: ما سبق ناظر إلي حالة الجهل و الالتفات و التوبة بعد ذلك في حين ان هذه ظاهرة في حالة التعمد، و لا أقل من امكان حملها علي ذلك.

13 - و اما التعميم للجاهل بالحكم و الموضوع

فلإطلاق ما تقدم.

14 - و اما ارث ما فيه الربا

فيدل علي حكمه صحيحة ابي المعزا المتقدمة حيث ورد فيها: «... لو ان رجلا ورث من أبيه مالا و قد عرف ان في ذلك المال ربا و لكن قد اختلط في التجارة بغير حلال كان حلالا طيبا فليأكله. و ان عرف منه شيئا انه ربا فليأخذ رأس ماله و ليرد الربا...»(3) و غيرها.

و ابو المعزا هو حميد بن المثني الكوفي الصيرفي ثقة ثقة علي ما ذكر النجاشي(4).

ص: 75


1- وسائل الشيعة 431:12 الباب 5 من أبواب الربا الحديث 2.
2- البقرة: 279.
3- وسائل الشيعة 431:12 الباب 5 من أبواب الربا الحديث 2.
4- رجال النجاشي 96 منشورات مكتبة الداوري. و توجد نسخة ثانية في ابي المعزا و هي: ابو المغراء.

6 - بيع الصرف

اشارة

و هو بيع الذهب أو الفضة باحدهما مسكوكين كانا أو لا.

و يشترط - لدي المشهور - في صحة البيع المذكور التقابض قبل تحقق الافتراق بينهما حتي مع وحدة الجنس.

و إذا كان العوضان متحدي الجنس يلزم تساويهما أيضا، بخلاف ما إذا كانا مختلفي الجنس فانه لا يلزم تساويهما و ان لزم التقابض.

و يختص لزوم التقابض بالبيع دون الصلح.

و لا يجري حكم الصرف علي الأوراق النقدية لو بيع بعضها ببعض.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان بيع الصرف ما ذكر

فهو من واضحات الفقه و لم ينقل فيه خلاف. بيد ان تحديد المقصود منه غير مهم لعدم ترتب حكم علي العنوان المذكور شرعا، و انما المهم ملاحظة حكم بيع الصرف، و هو لزوم التقابض قبل الافتراق، و انه لأي بيع ثبت.

و الحكم المذكور لم يثبت في الروايات الا لبيع الذهب بالفضة أو بالعكس و لم يثبت لبيع الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة فلاحظ صحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

لا يبتاع رجل فضة بذهب الا يدا بيد، و لا يبتاع ذهبا بفضة الا يدا بيد»(1) ، و صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا اشتريت ذهبا

ص: 76


1- وسائل الشيعة 458:12 الباب 2 من أبواب الصرف الحديث 3.

بفضة أو فضة بذهب فلا تفارقه حتي تأخذ منه و ان نزا حائطا فانز معه»(1) و غيرهما تجد ذلك واضحا فيها.

و عليه لا بدّ في تعميم الحكم بلزوم التقابض في حالة وحدة الجنس من التمسك بالتسالم و عدم القول بالفصل. فان تمّ ذلك و الا فالمناسب عدم لزوم ذلك فيها.

اجل يلزم عدم كون احدهما مؤجلا و الا لزمت الزيادة الحكمية - التي تقدم في البحث عن الربا - منع المشهور من جوازها.

2 - و اما التعميم لغير المسكوك

فلإطلاق النصوص.

3 - و اما ان التقابض شرط في الصحة

فلما تقدم من النصوص، فان الامر في باب المعاملات ظاهر في الارشاد الي الشرطية دون الحكم التكليفي.

و عليه فاحتمال وجوب التقابض في باب الصرف وجوبا تكليفيا بحيث يؤثم علي عدمه ضعيف.

ثم ان المنسوب للمحقق الأردبيلي عدم لزوم التقابض وضعا، بدعوي عدم صراحة الاخبار في ذلك، فان تعبير «يدا بيد» كناية عن كون العوضين نقدا لا مؤجلين و ليس كناية عن التقابض(2).

و فيه: ان التعبير المذكور ان لم يكن ظاهرا في اعتبار التقابض فلا أقل من اجماله، و يكفينا آنذاك دليلا علي لزوم التقابض صحيحة منصور لصراحتها في ذلك.

اجل يمكن ان يناقش بان الروايات السابقة و ان كانت دالة علي

ص: 77


1- وسائل الشيعة 459:12 الباب 2 من أبواب الصرف الحديث 8.
2- الحدائق الناضرة 279:19.

شرطية التقابض الا انه ورد في روايات ثلاث ما ظاهره عدم اعتبار التقابض. ففي موثقة عمار الساباطي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يبيع الدراهم بالدنانير نسيئة، قال: لا بأس»(1).

و هي ان ثبت هجران الاصحاب لمضمونها - و غض النظر عن نسبة الخلاف إلي الشيخ الصدوق في عدم اعتبار التقابض - سقطت عن الحجية و الا فالمناسب الجمع بحمل الاولي علي رجحان التقابض دون لزومه، بناء علي قبول الاوامر الارشادية للحمل علي مثل ذلك و عدم اختصاصه بالاوامر التكليفية، و الا فالمناسب تحقق التعارض و التساقط و الرجوع إلي دليل اطلاق حلية البيع و التجارة عن تراض القاضي بعدم اعتبار الشرطية، و معه تكون النتيجة متحدة مع ما سبق تقريبا.

و بالجملة فكرة الهجران ان تمت صغري و كبري حكم بالاشتراط و الا فالمناسب عدم الاشتراط أو التنزل إلي الاحتياط تحفظا من مخالفة المشهور.

4 - و اما ان المدار ليس علي الافتراق عن المجلس بل علي

افتراقهما

فذلك واضح من خلال صحيحة منصور المتقدمة.

5 - و اما انه مع الاتحاد يلزم التساوي في الكم

فللتحفظ من محذور الربا.

6 - و اما اختصاص اعتبار التقابض بالبيع

فلاختصاص الروايات بذلك.

ص: 78


1- وسائل الشيعة 460:12 الباب 2 من أبواب الصرف الحديث 11.

هذا و بالامكان ان يقال بالتعميم للصلح بناء علي انه ليس معاملة مستقلة في مورد افادته فائدة البيع بل هو هو مع اختلاف الالفاظ .

7 - و اما عدم جريان حكم الصرف علي الاوراق النقدية

فلأنها ليست ذهبا أو فضة، و التعامل ليس عليهما بل عليها و انما هما سبب لاعتبارها.

7 - بيع السلف

اشارة

لا يجوز السلف أو السلم - و هو شراء كلي إلي أجل بثمن حال عكس النسيئة - إذا كان كلا العوضين من الذهب أو الفضة سواء اختلفا في الجنس أم اتحدا، و يجوز في غير ذلك - بشرط عدم اتحاد جنسهما فيما إذا كانا من المكيل أو الموزون - سواء كانا معا من العروض أم كان أحدهما من ذلك و الآخر ذهبا أو فضة.

و يلزم فيه - مضافا إلي الشرط المتقدم - ما يلي:

أ - ذكر الاوصاف الرافعة للجهالة، فما لا يمكن ضبطه بها لا يصح السلف فيه.

ب - قبض الثمن قبل التفرق علي المشهور.

ج - تقدير المبيع بالكيل أو الوزن أو العدد إذا كان المبيع من المكيل و نحوه.

د - ضبط أجل المبيع.

ه - تمكن البائع من دفع المبيع في الوقت الذي تعهد بالدفع فيه أو في المكان الخاص لو شرط .

ص: 79

و لو طرأ العجز بعد ذلك أو اتضح تخير المشتري بين الصبر و اخذ الثمن بلا زيادة أو الاتفاق علي دفع شيء آخر بدله.

و لا يلزم تعيين مكان التسليم.

و من اشتري شيئا سلفا يجوز له بيعه علي بائعه بشرط عدم زيادة الثمن علي الثمن السابق لو كان من جنسه.

و اما بيعه علي غير بائعه فالمشهور عدم جوازه قبل حلول الاجل.

هذا في غير المكيل و الموزون.

و اما فيهما فلا يجوز البيع قبل القبض مرابحة حتي بعد حلول الاجل علي المشهور.

و كما ينعقد بيع السلف بالايجاب من البائع بلفظ بعت و نحوه و القبول من المشتري بلفظ قبلت و نحوه ينعقد أيضا بالايجاب من المشتري بلفظ اسلفتك أو اسلمتك الثمن في المبيع الموصوف بكذا إلي اجل كذا و قبول البائع بلفظ قبلت و نحوه.

و المستند في ذلك:

1 - اما صحة بيع السلم في الجملة

فمما لا خلاف فيها. و تدل علي ذلك الروايات الخاصة الدالة علي شرطية بعض الشروط فيه، كصحيحة زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس بالسلم في الحيوان و المتاع إذا وصفت الطول و العرض. و في الحيوان إذا وصفت اسنانها»(1) ، و موثقة غياث بن ابراهيم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال امير المؤمنين عليه السّلام: لا بأس بالسلم كيلا معلوما إلي أجل معلوم و لا تسلمه إلي

ص: 80


1- وسائل الشيعة 56:13 الباب 1 من أبواب السلف الحديث 10.

دياس و لا إلي حصاد»(1) و غيرهما.

بل يمكن اثبات ذلك بالادلة العامة من قبيل قوله تعالي: أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (2) و نحوه.

2 - و اما عدم الصحة إذا كان العوضان من الذهب و الفضة مع

اتحاد الجنس

فلمحذور الربا اللازم حتي مع التساوي في المقدار بناء علي تعميم المنع للزيادة الحكمية أيضا، مضافا إلي كون ذلك من الصرف - لدي المشهور - الذي يلزم فيه التقابض.

و اما عدم الصحة إذا كانا من الذهب و الفضة مع اختلاف الجنس فلكون ذلك من الصرف المعتبر فيه التقابض.

و اما اعتبار ان لا يكونا من المكيل أو الموزون عند اتحاد الجنس فلكي لا يلزم محذور الربا.

و اما الصحة سواء كانا معا من العروض أم كان احدهما كذلك فللمطلقات الخاصة و العامة المتقدمة.

و بذلك يتضح التأمل فيما ينسب إلي ابن الجنيد من «منع اسلاف عرض في عرض إذا كانا مكيلين أو موزونين أو معدودين كالسمن و الزيت»(3).

3 - و اما اعتبار ضبط الاوصاف الرافعة للجهالة

فلصحيحة زرارة السابقة و غيرها، فان اعتبار ذكر الطول و العرض و الاسنان يدل عرفا علي ذلك و الا فلا خصوصية للأوصاف المذكورة.

ص: 81


1- وسائل الشيعة 58:13 الباب 3 من أبواب السلف الحديث 5.
2- البقرة: 275.
3- الحدائق الناضرة 10:20.

هذا مضافا إلي اعتبار معلومية العوضين في مطلق البيع كما تقدم.

4 - و اما اعتبار قبض الثمن قبل التفرق

فهو مشهور بين الاصحاب بل ادعي عليه الاجماع.

و قد اعترف في الجواهر و الحدائق بعدم وجود مستند لذلك سوي الاجماع المدعي(1).

فان تمّ الاجماع و ثبتت كاشفيته عن رأي المعصوم عليه السّلام بنحو الجزم كان هو الحجة و الا فالمناسب التنزل عن الفتوي إلي الاحتياط تحفظا من مخالفة المشهور.

5 - و اما اعتبار الضبط بالكيل و نحوه

فلاعتبار ذلك في مطلق البيع لدي الاصحاب.

6 - و اما اعتبار ضبط الاجل

فلموثقة غياث السابقة و غيرها.

مضافا إلي انه لو لا ذلك يلزم الغرر المنهي عنه في مطلق البيع لدي المشهور.

7 - و اما اعتبار امكان الدفع في الوقت أو المكان المقررين

فلانه بدون ذلك لا يتحقق القصد إلي العقد.

و مع التنزل تكفينا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يجيئني يطلب المتاع فاقاوله علي الربح ثم اشتريه فابيعه منه، فقال: أ ليس ان شاء أخذ و ان شاء ترك ؟ قلت: بلي، قال:

فلا بأس به. قلت: فان من عندنا يفسده، قال: و لم ؟ قلت: قد باع ما ليس

ص: 82


1- جواهر الكلام 289:24، و الحدائق الناضرة 15:20.

عنده ؟ قال: فما يقول في السلم قد باع صاحبه ما ليس عنده، قلت: بلي، قال: فانما صلح من اجل انهم يسمونه سلما، ان ابي كان يقول: لا بأس ببيع كل متاع كنت تجده في الوقت الذي بعته فيه»(1).

8 - و اما تخير المشتري بين الصبر و اخذ رأس ماله لو تعذر

تسليم المبيع

فيمكن اثباته من خلال الاشتراط الضمني، فان للمتعاقدين في باب السلم اشتراطا ضمنيا عادة علي ثبوت حق الفسخ للمشتري ان تعذر علي البائع تسليم المبيع.

و مع التنزل تكفينا موثقة عبد اللّه بن بكير: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أسلف في شيء يسلف الناس فيه من الثمار فذهب زمانها و لم يستوف سلفه، قال: فليأخذ رأس ماله أو لينظره»(2) و غيرها.

9 - و اما عدم جواز الفسخ بزيادة علي الثمن أو نقصان

فلان ذلك مقتضي الفسخ الموجب لرجوع العوضين إلي حالتهما الاولي.

علي ان موثقة ابن بكير السابقة دالة علي ذلك أيضا.

و مع التنزل و التسليم بعدم ظهورها في ذلك يمكن التمسك بصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل أعطي رجلا ورقا في وصيف إلي أجل مسمّي فقال له صاحبه:

لا نجد لك وصيفا، خذ مني قيمة وصيفك اليوم ورقا، قال: فقال: لا يأخذ الا وصيفه أو ورقه الذي أعطاه اول مرة لا يزداد عليه شيئا»(3).

10 - و اما جواز التراضي علي شيء آخر

فهو مقتضي القاعدة

ص: 83


1- وسائل الشيعة 374:12 الباب 7 من أبواب احكام العقود الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 72:13 الباب 11 من أبواب السلف الحديث 14.
3- وسائل الشيعة 70:13 الباب 11 من أبواب السلف الحديث 9.

لرجوع ذلك إلي معاملة جديدة اتفقا عليها.

علي ان موثقة يعقوب بن شعيب: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل باع طعاما بدراهم فلما بلغ ذلك الاجل تقاضاه فقال: ليس عندي دراهم خذ مني طعاما، قال: لا بأس انما له دراهمه يأخذ بها ما شاء»(1) و غيرها قد دلت علي ذلك أيضا.

11 - و اما انه لا يلزم تعيين مكان الدفع

فلاقتضاء الاطلاق الانصراف إلي البلد الذي تمّ العقد فيه.

12 - و اما جواز بيع المبيع علي بايعه بالشرطين

فلانه مقتضي التمسك بالمطلقات العامة من قبيل أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (2) و نحوه.

و هذا من دون فرق بين كون البيع بعد حلول الاجل أو قبله، و بغير جنس الثمن أو به إذا لم تكن زيادة.

و اما عدم جوازه إذا كان بجنس الثمن مع الزيادة فلصحيحة محمد بن قيس المتقدمة و غيرها.

و هي لا تختص بصورة حلول الاجل بل مطلقة من الناحية المذكورة. و علي تقدير نظرها إلي خصوص ذلك فيمكن الحكم بالتعميم من باب عدم احتمال الخصوصية.

13 - و اما عدم جواز بيعه علي غير بائعه قبل حلول الاجل

فهو مشهور بدون ان يدل عليه نص خاص. و مقتضي القاعدة جوازه.

و قد صرح في الجواهر و الحدائق(3) بانحصار المستند في

ص: 84


1- وسائل الشيعة 71:13 الباب 11 من أبواب السلف الحديث 10.
2- البقرة: 275.
3- جواهر الكلام 320:24، و الحدائق الناضرة 46:20.

الاجماع المدعي.

و قد يقال: ان عدم جواز البيع قبل حلول الاجل هو علي مقتضي القاعدة لعدم استحقاق المشتري المبيع آنذاك ليمكنه بيعه.

و الجواب: ان اشتغال ذمة البائع للمشتري يحصل بتمامية العقد و لو لم يحل الاجل و انما الاجل شرط في استحقاق المطالبة بالفعل.

اجل لربما يحكم بعدم الجواز لو فرض كون الثمن مؤجلا لصدق عنوان بيع الدين بالدين، و قد روي طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لا يباع الدين بالدين»(1).

و طلحة و ان لم يوثق الا ان تعبير الشيخ عن كتابه بانه معتمد(2) يكفي في قبول رواياته.

الا انه تمكن المناقشة أيضا بان ظاهر النهي عن بيع الدين بالدين بيع ما كان دينا قبل العقد بما كان دينا قبله أيضا و لا يشمل بيع ما كان دينا قبله بما صار دينا بسببه، كما هو المفروض في المقام.

و الملخص: ان جواز البيع هو مقتضي القاعدة ما دام قد فرض ارادة البيع بأجل أيضا يزيد علي السابق أو يساويه.

و عليه فالفتوي بعدم الجواز في الفرض المذكور يبتني علي حصول الاطمئنان للفقيه بمثل الاجماعات المذكورة و الا فالمناسب التنزل إلي الاحتياط تحفظا من مخالفة شبهة الاجماع.

14 - و اما عدم جواز بيع المكيل و الموزون قبل قبضه مرابحة

فهو علي خلاف القاعدة و من صغريات مسألة بيع المبيع قبل قبضه.

ص: 85


1- وسائل الشيعة 64:13 الباب 8 من أبواب السلف الحديث 2.
2- الفهرست للشيخ الطوسي: 86 الرقم 362.

و المنسوب إلي الشيخ المفيد الكراهة في خصوص المكيل و الموزون، و إلي الشيخ عدم الجواز في خصوص الطعام(1) ، و الي الأردبيلي الجواز مطلقا(2).

و المشهور عدم الجواز في خصوص المكيل و الموزون لصحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتي تقبضه الا ان توليه فإذا لم يكن فيه كيل و لا وزن فبعه»(3) و غيرها.

هذا و لكن ورد في صحيحة جميل بن دراج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«الرجل يشتري الطعام ثم يبيعه قبل ان يقبضه، قال: لا بأس. و يوكل الرجل المشتري منه بقبضه وكيله ؟ قال: لا بأس»(4).

و مقتضي الجمع حمل الروايات الاولي علي الكراهة إذا لم يحتمل للطعام خصوصية و الا يكون المناسب التفصيل بين الطعام فيجوز بيعه قبل قبضه و بين غيره من المكيل و الموزون فلا يجوز.

لا يقال: ان صحيحة ابن دراج لا يمكن الاخذ بها لكونها معارضة بصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يبتاع الطعام ثم يبيعه قبل ان يكال، قال: لا يصلح له ذلك»(5).

فانه يقال: ان جملة «لا يصلح» قابلة للحمل علي الكراهة فلا5.

ص: 86


1- الحدائق الناضرة 168:19.
2- الحدائق الناضرة 172:19.
3- وسائل الشيعة 390:12 الباب 16 من أبواب احكام العقود الحديث 12.
4- وسائل الشيعة 388:12 الباب 16 من أبواب احكام العقود الحديث 6.
5- وسائل الشيعة 388:12 الباب 16 من أبواب احكام العقود الحديث 5.

تتحقق المعارضة.

15 - و اما انعقاد بيع السلف بما تقدم من الصيغ

فللمطلقات العامة من قبيل قوله تعالي: أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ (1) و نحوه.

8 - محرّمات في الشريعة

اشارة

في الشريعة الاسلامية محرّمات كثيرة يحرم التكسب بها - ان كانت قابلة لذلك - لحرمتها في نفسها، نذكر من بينها:

الغناء
اشارة

يحرم الغناء و لو في الرثاء و الدعاء و قراءة القرآن و نحو ذلك و حتي من دون انضمام محرم آخر إليه. و كذا يحرم استماعه.

و يستثني منه الحداء و ما كان في الاعراس للنساء إذا لم يقترن به محرم.

و الميزان في صدقه كون الكيفية مناسبة لمجالس اللهو و أهل الفسوق.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة الغناء في الجملة

فمتفق عليها من غير الكاشاني و السبزواري. و يدل عليها الكتاب الكريم: وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (2) ، وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ (3) لتفسير الزور بالغناء في صحيحة زيد الشحام: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن قوله

ص: 87


1- البقرة: 275.
2- الحج: 30.
3- لقمان: 6.

تعالي: و اجتنبوا قول الزور، قال: قول الزور الغناء»(1) و تفسير لهو الحديث بذلك أيضا في عدة روايات(2).

و إذا اشكل بان ما يراد اثبات تحريمه هو الغناء بمعني الكيفية اللهوية الخاصة القائمة بالكلام الباطل أو الاعم دون الكلام نفسه، و ما ذكر لا يدل علي تحريم الكيفية بل علي تحريم الكلام الباطل، أمكن التمسك بالروايات:

كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «الغناء مما وعد اللّه عليه النار، و تلا هذه الآية: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي... (3).

و صحيحة الريان بن الصلت: «سألت الرضا عليه السّلام يوما بخراسان عن الغناء و قلت: ان العباس ذكر عنك انك ترخص في الغناء، فقال: كذب الزنديق ما هكذا قلت له، سألني عن الغناء فقلت: ان رجلا اتي ابا جعفر عليه السّلام فسأله عن الغناء فقال: يا فلان إذا ميّز اللّه بين الحق و الباطل فأين يكون الغناء؟ قال: مع الباطل، فقال: قد حكمت»(4) ، فان انكاره عليه السّلام للترخيص يدل علي المطلوب.

و صحيحة مسعدة بن زياد: «كنت عند ابي عبد اللّه عليه السّلام فقال له رجل: بأبي انت و أمي اني ادخل كنيفا ولي جيران و عندهم جوار يتغنين و يضربن بالعود فربما اطلت الجلوس استماعا مني لهنّ ، فقال عليه السّلام:

لا تفعل. فقال الرجل: و اللّه ما اتيتهن انما هو سماع اسمعه باذاني3.

ص: 88


1- وسائل الشيعة 225:12 الباب 99 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 226:12 الباب 99 من أبواب ما يكتسب به الحديث 7، 11.
3- وسائل الشيعة 226:12 الباب 99 من أبواب ما يكتسب به الحديث 6.
4- وسائل الشيعة 227:12 الباب 99 من أبواب ما يكتسب به الحديث 13.

فقال عليه السّلام: باللّه انت، اما سمعت اللّه يقول: إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً... (1).

و صحيحة عبد الاعلي: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الغناء فقلت: انهم يزعمون ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله رخّص في ان يقال: جئناكم جئناكم حيّونا حيّونا نحيكم فقال: كذبوا ان اللّه عز و جل يقول: وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ... (2).

و صحيحة ابراهيم بن ابي البلاد: «قلت لأبي الحسن الاول عليه السّلام:

جعلت فداك ان رجلا من مواليك عنده جوار مغنيات قيمتهن اربعة عشر الف دينار و قد جعل لك ثلثها، فقال: لا حاجة لي فيها، ان ثمن الكلب و المغنية سحت»(3) ، فان سحتية الثمن تدل علي حرمة الغناء و الا فلا وجه لكونه سحتا.

2 - و اما تعميمه لغير الكلام الباطل كالدعاء و نحوه

فلان المفهوم عرفا من الغناء الكيفية الخاصة بقطع النظر عن المادة، و لذا من سمع من بعيد صوتا بالكيفية الخاصة المناسبة لمجالس اهل الفسوق حكم بكونه غناء و لو لم يميز مادته.

و يؤكد ما ذكرناه صحيحة عبد الاعلي المتقدمة فان الجمل المذكورة فيها ليست باطلة المضمون و مع ذلك كذّب عليه السّلام ترخيصها.

و قد يقال باختصاص التحريم بما إذا كانت المادة باطلة، اما لأخذ ذلك في مفهوم الغناء، كما يستفاد من صحيحة زيد الشحام

ص: 89


1- وسائل الشيعة 957:2 الباب 18 من أبواب الاغسال المسنونة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 228:12 الباب 99 من أبواب ما يكتسب به الحديث 15.
3- وسائل الشيعة 87:12 الباب 16 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4.

المتقدمة(1) ، او لما ذكره المحقق الأردبيلي من انعقاد سيرة المتشرعة علي حضور مآتم أهل البيت عليهم السّلام و استماعهم إلي ألحان قراءة الخطيب بدون انكار منهم(2) ، او لما ذكره المحقق النراقي من التمسك باطلاق أدلة قراءة القرآن الكريم و الدعاء و الرثاء(3).

و الكل كما تري.

اما الاول فلان صحيحة الشحام لم تحكم بان الكلام الباطل هو الغناء لينحصر الغناء بالكلام الباطل و انما حكمت بان الغناء هو فرد من الكلام الباطل، و واضح ان الغناء لو تحقق بقراءة الدعاء امكن ان يصدق عليه عنوان الكلام الباطل و لو باعتبار كيفيته.

و اما الثاني فلعدم احراز اتصال السيرة بزمن المعصوم عليه السّلام ليثبت تلقيها منه لو لم يحرز عدم ذلك.

و اما الثالث فلان ادلة الحث علي قراءة القرآن مثلا ناظرة إلي قراءة القرآن بما هي و بقطع النظر عما يصاحبها و الا فهل يحتمل كونها حاثّة عليها حتي لو استلزمت ايذاء نائم مثلا؟

و مما يؤكد عدم مدخلية المادة - مضافا إلي ما تقدم - ان لازم مدخليتها ندرة تحقق الغناء المحرّم لعدم كون المادة في الغالب كذبا و باطلا بل و يلزم عدم حرمة عنوان الغناء و الغاء خصوصيته كما هو واضح.

3 - و اما تعميم التحريم لحالة عدم انضمام محرّم إليه

- من

ص: 90


1- محاضرات في الفقه الجعفري 352:1.
2- مجمع الفائدة و البرهان 61:8.
3- مستند الشيعة 644:2.

دخول الرجال علي النساء و استعمال الآلات الموسيقية و التكلم بالباطل - فلان ظاهر مثل قوله عليه السّلام في صحيحة ابن مسلم المتقدمة:

«الغناء مما وعد اللّه عليه النار» حرمة الغناء نفسه لا انه مباح و الحرمة ثابتة لما يقارنه.

هذا و لكن المختار لدي المحققين الكاشاني و السبزواري عدم حرمة الغناء في نفسه بل هي ثابتة لما يقارنه(1).

و قد يستدل لذلك ببعض الروايات، من قبيل:

صحيحة ابي بصير: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: اجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس، و ليست بالتي يدخل عليها الرجال»(2).

و صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر و الاضحي و الفرح ؟ قال: لا بأس به ما لم يعص به»(3).

بيد ان بالامكان مناقشتهما.

اما الاولي فلأنها ناظرة إلي الغناء في الاعراس و انه جائز فيما إذا لم يدخل الرجال، و الالتزام باستثنائه ممكن كما سيأتي و لا تدل علي نفي البأس عن اجر مطلق المغنية.

و اما الثانية فلا اشكال في سندها لأنها بطريق قرب الاسناد و ان كانت ضعيفة بعبد اللّه بن الحسن لكونه مجهول الحال الا ان الحر رواها من كتاب علي بن جعفر، و طريقه إليه صحيح - حيث ان له طرقا5.

ص: 91


1- الوافي 218:17 و كفاية الاحكام: 86.
2- وسائل الشيعة 85:12 الباب 15 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 85:12 الباب 15 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5.

صحيحة إلي جميع الكتب التي روي عنها الشيخ الطوسي(1) و التي منها كتاب علي بن جعفر(2) ، و طريق الشيخ بدوره إلي الكتاب المذكور صحيح في الفهرست(3) - غير انها لا تفي بتمام مطلوب الكاشاني لأنها تدل علي جواز الغناء في نفسه في الموارد الثلاثة المذكورة فيها لا أكثر، و بذلك تكون مخصصة لما سبق.

و مع التنزل تتحقق المعارضة بين هذه و ما دلّ علي حرمة الغناء نفسه، و الترجيح لما دلّ علي حرمة الغناء في نفسه لمخالفته للعامة.

4 - و اما ان الاستماع حرام

فلصحيحة مسعدة المتقدمة. مضافا إلي امكان استفادة ذلك من الحكم بكون ثمن المغنية سحتا، إذ لا وجه لذلك ما دامت المنفعة محللة.

و يؤيد ذلك ما ورد من ان الاستماع إلي المغنيات نفاق(4).

5 - و اما الحداء فالمشهور استثناؤه.

و الوارد من غير طرقنا ان النبي صلّي اللّه عليه و آله قال لعبد اللّه بن رواحة: «حرّك بالنوق فاندفع يرتجز و كان عبد اللّه جيد الحداء، و كان مع الرجال، و كان انجشة مع النساء فلما سمعه تبعه فقال صلّي اللّه عليه و آله لا نجشة: رويدك، رفقا بالقوارير»(5) و استفيد من ذلك التقرير، و لكنها غير تامة سندا، كما هو واضح، و لا دلالة، حيث لم يأمر صلّي اللّه عليه و آله ابن رواحة بالحداء و لم تتضح كيفية ارتجازه ليثبت التقرير.

ص: 92


1- راجع الفائدة الخامسة من الفوائد المذكورة في وسائل الشيعة 50:20.
2- راجع الفائدة الرابعة من الفوائد المذكورة في وسائل الشيعة 39:20.
3- فهرست الشيخ الطوسي: 87 الرقم 367.
4- وسائل الشيعة 88:12 الباب 16 من أبواب ما يكتسب به الحديث 7.
5- سنن البيهقي 227:10.

و اما من طرقنا فالوارد عن السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: زاد المسافر الحداء و الشعر ما كان منه ليس فيه خنا(1)»(2).

و هو جيد لو تمّ سندا و لم يناقش من ناحية النوفلي.

الا ان بالامكان ان يقال بخروج الحداء عن الغناء تخصصا لا تخصيصا، كما احتمل ذلك في الجواهر(3) ، و معه لا حاجة إلي البحث عن دليل الاستثناء.

6 - و اما استثناء الاعراس

فلصحيحة ابي بصير المتقدمة و غيرها.

و اما اعتبار عدم انضمام المحرّم فلان المستثني عنوان الغناء دون ما زاد. مضافا إلي امكان فهم ذلك من صحيحة ابي بصير، بل يفهم منها أيضا تخصيص الجواز بالنساء.

7 - و اما ان الميزان في صدق الغناء مناسبة الكيفية لمجالس أهل

الفسوق

فلم يذكر في كلمات المشهور بل المذكور فيها ان الغناء هو الصوت المشتمل علي الترجيع او المشتمل علي الترجيع مع الطرب، و ما شاكل ذلك.

و المناسب الرجوع إلي العرف - لأنه المرجع في تحديد مفاهيم الالفاظ - و هو يحدده بما ذكرناه. و عادة يتحقق ذلك فيما إذا كان الصوت من شأنه الاطراب.

ص: 93


1- الخنا: الفحش في الكلام.
2- وسائل الشيعة 306:8 الباب 37 من أبواب آداب السفر الحديث 1.
3- جواهر الكلام 51:22.

و عند الشك بنحو الشبهة الموضوعية يكون المرجع هو البراءة كما هو واضح.

ثم ان المفهوم من الغناء عرفا ما ذكرناه، و لكن لو فرض الشك فيه بنحو الشبهة المفهومية و تردده بين السعة و الضيق فالمناسب الاقتصار علي القدر المتيقن و اجراء البراءة عن حرمة الزائد.

الغيبة
اشارة

تحرم الغيبة، و هي «أن تقول في أخيك ما ستره اللّه عليه». و لا تتحقق الا بذكر المؤمن في غيبته بعيبه المستور امام سامع و لو من دون كراهته و لا قصد الانتقاص.

و تستثني من حرمة الغيبة موارد منها: المتجاهر بالفسق، و الاحتياط يقتضي الاقتصار علي ذكره بما تجاهر به، و الظالم فانه تجوز للمظلوم غيبته، و الاحتياط يقتضي أيضا الاقتصار علي بيان ما تحقق به الظلم و عند من يتوقع منه ازالته.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة الغيبة في الجملة

فمن ضروريات الدين. و يدل عليها الكتاب الكريم: وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ (1) ، و الاخبار المتواترة، كموثقة ابي بصير عن ابي جعفر عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: سباب المؤمن فسوق و قتاله كفر و أكل لحمه معصية للّه و حرمة ماله كحرمة دمه»(2) و غيرها.

ص: 94


1- الحجرات: 12.
2- وسائل الشيعة 599:12 الباب 152 من أبواب أحكام العشرة الحديث 12.

و التدقيق في سندها غير مهم بعد تواترها.

و اما الاجماع فلا يمكن التمسك به بعد كونه مدركيا.

2 - و اما تحديد الغيبة

فلا يمكن الاعتماد فيه علي كلمات اللغويين لاختلافها و عدم دقتها في ذكر القيود، بل لا مجال للرجوع إليها بعد تحديد الروايات لها، ففي صحيحة عبد الرحمن بن سيابة: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: الغيبة ان تقول في أخيك ما ستره اللّه عليه. و اما الامر الظاهر مثل الحدة و العجلة فلا»(1). و قريب من ذلك صحيحة داود بن سرحان(2).

و ابن سيابة و ان لم يوثق بالخصوص الا انه قد يتساهل من ناحيته، اما لوروده في كامل الزيارات، أو لرواية ابن ابي عمير عنه، او لاشتمال السند علي يونس الذي هو من اصحاب الاجماع، او لكونه وكيل الامام الصادق عليه السّلام في تقسيم الاموال علي عوائل من قتل مع عمه زيد.

و مع التنزل تكفينا صحيحة ابن سرحان حيث لا مشكلة في سندها الا من ناحية المعلي بن محمد، فانه و ان لم يوثق بل قيل في حقه:

انه مضطرب الحديث و المذهب(1)، الا انه يمكن التساهل من ناحيته بعد اكثار الحسين بن محمد الاشعري شيخ الشيخ الكليني الرواية عنه.

3 - و اما اعتبار ان يكون ذكره بالعيب في غيبته

فلتقوم مفهوم الغيبة به. و لربما تلمح الآية الكريمة إلي اعتباره حيث وصفت الاخ بكونه ميتا، و ما ذاك الا لتشبيه غيابه المعتبر في الغيبة بموته.

ص: 95


1- رجال النجاشي: 296 منشورات مكتبة الداوري.

و ينبغي ان يكون واضحا ان نفي صدق عنوان الغيبة عند افتراض الحضور لا يعني نفي الحرمة بل قد تكون ثابتة بشكل اقوي لثبوت ملاك تحريم الغيبة و زيادة.

4 - و اما اعتبار ان يكون المذكور عيبا

فيمكن استفادته من التعبير ب «تقول فيه»، «ستره اللّه عليه»، بل و من الآية الكريمة أيضا، فان أكل لحم الاخ ميتا لا يتحقق الا بذكر عيوبه.

و بهذا يتضح ان الذكر بما ليس عيبا فضلا بما هو كمال ليس من الغيبة في شيء و ان كان صاحبه كارها لذلك.

و اما ما ورد في وصية النبي صلّي اللّه عليه و آله لأبي ذر: «... قلت يا رسول اللّه:

و ما الغيبة ؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره»(1) فهو علي تقدير صحة سنده منصرف إلي ما يكره ذكره من العيوب فلاحظ ذيل الحديث: «اعلم انك إذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته، و إذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته»(2).

اجل قد يحرم ذلك من جهة عنوان آخر غير الغيبة كإيذاء المؤمن مثلا بناء علي حرمته بعرضه العريض الشامل لمثل المقام.

5 - و اما اعتبار كون العيب مستورا

فهو صريح الروايتين السابقتين.

و اما اعتبار وجود السامع فلأن كشف العيب المستور لا يتحقق الا بذلك.

و صحيحة ابن سيابة و ان لم تذكر لفظ الكشف الا ان ارادته واضحة و الا فلا معني لأخذ قيد الستر.

ص: 96


1- وسائل الشيعة 598:12 الباب 152 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9.
2- المصدر نفسه.
6 - و اما عدم اعتبار الكراهة

فلإطلاق الصحيحتين السابقتين.

و لا يمكن تقييد الاطلاق المذكور بالنبوي المتقدم بعد ضعف سنده و احتمال ان تكون كلمة «يكره» مبنية للمجهول.

و احتمال ان حرمة الغيبة هي من باب ان من حق المؤمن ان لا يذكر بعيوبه فإذا اسقط الحق المذكور - فيما إذا فرض رضاه بذكر عيوبه - فلا موجب لبقاء الحرمة ضعيف لعدم الدليل علي كون حرمة الغيبة هو من باب الحق بل بالامكان دعوي كونها من باب الحكم الشرعي بقرينة اطلاق الصحيحتين.

7 - و اما عدم اعتبار قصد الانتقاص

فلإطلاق الصحيحتين، بل مع فرض قصد الانتقاص تثبت الحرمة حتي في بيان العيب الظاهر، و الحال ان ظاهر صحيحة ابن سيابة نفي الحرمة عن بيان العيوب الظاهرة لا نفي موضوع الغيبة فقط .

8 - و اما استثناء المتجاهر بالفسق

فلرواية هارون بن الجهم عن الصادق عليه السّلام: «إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة» الا انها ضعيفة بأحمد بن هارون شيخ الشيخ الصدوق - و مجرّد ترضيه عنه(1) لا يدل علي توثيقه له - بل تمكن الخدشة السندية في باقي روايات الاستثناء المذكور.

الا انه يمكن ان يقال ان تعددها و مفروغية الحكم لدي الاصحاب يصحح للفقيه التساهل من الناحية المذكورة.

هذا كله إذا لم يخصص الحكم بالجواز بخصوص ما تحقق

ص: 97


1- كما في الخصال: 33 باب الاثنين الحديث 1.

التجاهر به و الا فلا يحتاج الاستثناء إلي دليل لعدم صدق عنوان الغيبة بلحاظه.

9 - و اما ان الحكم بالجواز يختص بالفسق المتجاهر به او الاعم

فمحل خلاف، فقد استظهر صاحب الحدائق عدم الاختصاص(1).

و اختار الشهيد الثاني الاختصاص(2).

و فصّل الشيخ الأعظم بين ما كان دون المتجاهر به في القبح فيلحق بالمتجاهر به في جواز الغيبة به و بين غيره فلا يلحق به. قال قدّس سرّه:

«و ينبغي الحاق ما يتستر به بما يتجاهر فيه إذا كان دونه في القبح، فمن تجاهر باللواط - العياذ باللّه - جاز اغتيابه بالتعرض للنساء الاجنبيات...»(3).

و المناسب التعميم تمسكا باطلاق الروايات خصوصا ان ظاهرها كون الحكم من باب التخصيص دون التخصص.

و اما ما ذكره الشيخ الاعظم فقابل للتأمل، فان الدليل القائل مثلا:

من تجاهر بالزنا جازت غيبته بذلك يدل بالملازمة علي ان من تجاهر بالنظر الي الاجنبية جازت غيبته بذلك أيضا، و لا يدل بالملازمة علي ان النظر الي الاجنبية لو لم يكن متجاهرا به تجوز غيبته به أيضا.

هذا كله بمقتضي الصناعة العلمية. و لكن يبقي الاحتياط بالاقتصار علي غيبته في خصوص ما تجاهر به امرا لا ينبغي الحياد عنه.

ص: 98


1- الحدائق الناضرة 166:18.
2- كشف الريبة: 80.
3- كتاب المكاسب 298:1، منشورات دار الحكمة.
10 - و اما استثناء الظالم

فمتفق عليه لقوله تعالي: لا يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاّ مَنْ ظُلِمَ (1).

و مقتضي اطلاقه جواز الجهر بالسوء حتي في غير ما تحقق الظلم به و عند من لا يتوقع منه ازالة الظلم خصوصا لو لوحظ التعبير ب «الجهر» الظاهر في الاشاعة و عدم الاقتصار في البيان عند شخص دون آخر.

و يبقي الاحتياط بالاقتصار علي القدر المتيقن امرا لا ينبغي الحياد عنه بل قد يشكّك في انعقاد الاطلاق من الناحية الاولي.

القمار
اشارة

القمار حرام إذا كان مع الرهن و بآلاته الخاصة بل يكفي توفر احدهما في ثبوت التحريم لدي المشهور.

و اما إذا فرض فقدان كلا الامرين - كالمصارعة و المسابقة بأشكالها المختلفة إذا لم تكن مع الرهن - فالمناسب الحكم بالجواز.

و المراد من آلات القمار ما تداول التقامر بها و لو في عصرنا المتأخّر.

و المستند في ذلك:

1 - اما بالنسبة إلي معني القمار

فقد اختلف اللغويون بل الفقهاء أيضا في تحديده من حيث اخذ العوض و كون اللعب بخصوص آلاته الخاصة في مفهومه(2).

ص: 99


1- النساء: 148.
2- ففي الصحاح، مادة «قمر»: قمرت الرجل إذا لا عبته فيه فغلبته. -

قال الشيخ الأعظم: «القمار... و هو - بكسر القاف - كما عن بعض اهل اللغة: الرهن علي اللعب بشيء من الآلات المعروفة، و حكي عن جماعة انه قد يطلق علي اللعب بهذه الاشياء مطلقا و لو من دون رهن.

و به صرح في جامع المقاصد(1). و عن بعض ان اصل المقامرة المغالبة»(2).

و عليه فالشبهة بلحاظ مفهوم القمار مفهومية لتردده بين السعة و الضيق. و حكمها - كما هو واضح - الاقتصار في الحكم بالتحريم مثلا علي القدر المتيقن، و هو المفهوم الضيق و اجراء البراءة بلحاظ ما زاد.

2 - و اما حرمته

فلا اشكال فيها، و هي مورد اتفاق المسلمين.

و يدل عليها من الكتاب الكريم قوله تعالي: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ (3) ، فان الميسر

ص: 100


1- و نص عبارة المحقق الكركي: «و اصل القمار: الرهن علي اللعب بشيء من هذه الأشياء. و ربما أطلق علي اللعب بها مطلقا. و لا ريب في تحريم اللعب بذلك و ان لم يكن رهن». جامع المقاصد 24:4.
2- - و في اساس البلاغة: القمار خداع. و قامرته: غلبته. و في لسان العرب: قامر الرجل مقامرة و قمارا: راهنه، و هو التقامر. و في المصباح المنير: قامرته عليه: غلبته في القمار. و في القاموس: قامره مقامرة... راهنه فغلبه. و في مجمع البحرين: تقامروا: لعبوا بالقمار و اللعب بالآلات المعدة له علي اختلاف انواعها نحو الشطرنج و النرد و غير ذلك. و أصل القمار: الرهن علي اللعب بالشيء من هذه الأشياء. و في اساس البلاغة: القمار خداع. و قامرته: غلبته. و في لسان العرب: قامر الرجل مقامرة و قمارا: راهنه، و هو التقامر. و في المصباح المنير: قامرته عليه: غلبته في القمار. و في القاموس: قامره مقامرة... راهنه فغلبه. و في مجمع البحرين: تقامروا: لعبوا بالقمار و اللعب بالآلات المعدة له علي اختلاف انواعها نحو الشطرنج و النرد و غير ذلك. و أصل القمار: الرهن علي اللعب بالشيء من هذه الأشياء.
3- المائدة: 90.

هو القمار كما دلت عليه الروايات(1) و كلمات اهل اللغة(2).

و من السنة الشريفة روايات كثيرة كادت تبلغ حدّ التواتر، كصحيحة زيد الشحام: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل:

فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (3) قال: الرجس من الاوثان: الشطرنج، و قول الزور: الغناء»(4).

و موثقة السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن اللعب بالشطرنج و النرد»(5).

و صحيحة معمر بن خلاد عن ابي الحسن عليه السّلام: «النرد و الشطرنج و الأربعة عشر بمنزلة واحدة، و كل ما قومر عليه فهو ميسر»(6).

3 - و اما تحريم ما كان اللعب فيه مع الرهن و بالآلات الخاصة

فلانه القدر المتيقن من ادلة التحريم السابقة.

4 - و اما ما كان بآلات القمار المتداولة بدون رهن

فقد يستدل علي حرمته بوجوه نذكر منها:

أ - التمسك باطلاق الآية الكريمة حيث لم يؤخذ في وجوب

ص: 101


1- روي الوشاء عن ابي الحسن عليه السّلام: «الميسر هو القمار» وسائل الشيعة 119:12 الباب 35 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.
2- ففي لسان العرب، مادة «يسر»: الياسر من الميسر و هو القمار. و في مجمع البحرين: الميسر: القمار... و يقال سمّي ميسرا لتيسر اخذ مال الغير فيه من غير تعب و مشقة.
3- الحج: 30.
4- وسائل الشيعة 237:12 الباب 102 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
5- وسائل الشيعة 238:12 الباب 102 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9.
6- وسائل الشيعة 242:12 الباب 104 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.

الاجتناب عن الميسر فيها وجود الرهن.

و فيه: ان المفروض الشك في صدق عنوان «القمار» بدون الرهن، و التمسك بالاطلاق فرع احراز صدق عنوان المطلق علي المشكوك.

ب - التمسك بما دلّ علي ان المؤمن مشغول عن اللعب، كما في رواية عبد الواحد بن المختار: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام... عن اللعب بالشطرنج فقال: ان المؤمن لمشغول عن اللعب»(1).

و قد تمسك الشيخ الأعظم بهذا الوجه في جملة ما تمسك به لإثبات التحريم في محل الكلام(2).

و فيه: ان ما ذكر لو تمّ سندا لا دلالة له علي التحريم كما هو واضح.

ج - التمسك بما دلّ علي حرمة اللعب بالنرد و الشطرنج - كموثقة السكوني المتقدمة - بتقريب ان اللعب بما ذكر يصدق و لو بلا مراهنة.

و فرق بين ذلك و بين القمار، فان صدق الثاني و ان كان من المحتمل توقفه علي المراهنة الا ان الاول لا يتوقف علي ذلك جزما.

و دعوي الشيخ الاعظم: انصراف اطلاق النهي عن اللعب بما ذكر إلي الحالة المتعارفة و هي حالة ثبوت الرهن(3) ، قابلة للتأمل، فان غلبة الوجود لا توجب الانصراف، و علي تقدير التنزل يمكن التأمل في دعوي الغلبة المذكورة.

و المناسب في مناقشة الوجه المذكور ان يقال: ان النهي المذكور1.

ص: 102


1- وسائل الشيعة 239:12 الباب 102 من أبواب ما يكتسب به الحديث 11.
2- كتاب المكاسب 322:1، منشورات دار الحكمة.
3- كتاب المكاسب 320:1.

خاص بالنرد و الشطرنج و لا يعم اللعب بغيرهما من آلات القمار.

و دعوي عدم الفصل او الحمل علي المثالية غير واضحة.

د - التمسك بصحيحة معمر بن خلاد المتقدمة حيث ورد فيها:

«و كل ما قومر عليه فهو ميسر».

و فيه: ما تقدم من الشك في صدق عنوان «ما قومر عليه» عند عدم وجود الرهن.

و عليه فالمناسب في هذه الصورة الحكم بالتحريم إذا كان اللعب بآلات النرد و الشطرنج و يكون الحكم بالحرمة في غير ذلك مبنيا علي الاحتياط .

5 - و اما إذا كان اللعب بغير آلات القمار مع افتراض وجود الرهن

- كالمراهنة في باب المصارعة او حمل الاثقال او سائر المسابقات - فقد استدل علي تحريمه بعدة وجوه نذكر منها:

أ - التمسك برواية العلاء بن سيابة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان الملائكة تحضر الرهان في الخف و الحافر و الريش. و ما سوي ذلك فهو قمار حرام»(1).

و فيه: ان السند ضعيف بالعلاء نفسه حيث لم يوثق الا بناء علي كفاية رواية ابن ابي عمير - الذي هو احد الثلاثة - عنه.

ب - التمسك بمرسلة الصدوق: «قال الصادق عليه السّلام: ان الملائكة لتنفر عند الرهان و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الخف و الريش و النصل. و قد سابق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله اسامة بن زيد و اجري الخيل»(2).

ص: 103


1- وسائل الشيعة 349:13 الباب 3 من السبق و الرماية الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 347:13 الباب 1 من السبق و الرماية الحديث 6.

و الجواب عنها واضح لضعف سندها بالارسال.

الا انه قد يحكم بحجية مراسيل الشيخ الصدوق لأحد البيانات الثلاثة التالية:

الاول: انه قدّس سرّه ذكر في مقدمة كتابه: «و لم اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل قصدت إلي ايراد ما افتي به و احكم بصحته و اعتقد فيه انه حجة فيما بيني و بين ربي تقدّس ذكره»(1) ، و ذلك يدل علي انه لا يذكر في كتابه الا الاخبار الصحيحة.

و فيه: ان الصحيح في مصطلح المتقدمين عبارة عن كل خبر يجب العمل به و لو لاحتفافه ببعض القرائن الموجبة للاطمئنان بصدوره - دون ما كان رواته عدولا امامية، فانه مصطلح متأخر - و لعل بعض تلك القرائن لو اطلعنا عليها لم توجب لنا الاطمئنان.

الثاني: انه ذكر في مقدمة كتابه أيضا ان «جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة، عليها المعول و اليها المرجع، مثل كتاب حريز بن عبد اللّه السجستاني و كتاب عبيد اللّه بن علي الحلبي و كتب علي بن مهزيار الاهوازي...»(2) ، و مع استخراج الأحاديث من كتب مشهورة عليها اعتماد الاصحاب لا تبقي حاجة إلي وجود طريق صحيح.

و فيه: ان شهرة الكتاب و التعويل عليه لا يعني صحة جميع احاديثه و انما يعني ان التعويل عليه هو طابعه العام، فكتاب الكافي مثلا يصدق عليه انه كتاب مشهور و عليه معول الشيعة مع عدم الحكم بصحة جميع احاديثه.ه.

ص: 104


1- الفقيه 3:1.
2- المصدر نفسه.

الثالث: التمسك بالرأي المفصّل في مراسيل الصدوق بين ما إذا عبّر ب «روي عن الصادق عليه السّلام» فلا تكون حجة، و بين ما إذا عبّر ب «قال الصادق عليه السّلام» فتكون حجة لان ذلك يدل علي جزمه بصدور الحديث و الا لما جازت له النسبة بنحو الجزم، و كيف ينسب الامامي إلي امامه قولا لا يجزم بصدوره عنه.

و فيه: ان تعبيره ب «قال» و ان دلّ علي جزمه بصدور الرواية الا ان ذلك لا يعني شهادته بوثاقة جميع رجال سندها، بل قد يكون ذلك لاحتفافها بنظره بقرائن أوجبت اطمئنانه بصدورها، و لعل تلك القرائن لو اطلعنا عليها لم توجب لنا الاطمئنان.

ج - التمسك برواية العياشي في تفسيره عن ياسر الخادم عن الرضا عليه السّلام: «سألته عن الميسر، قال: الثقل من كل شيء. قال: و الثقل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم»(1).

و فيه: ان علي تقدير تمامية سندها - و عدم المناقشة من ناحية ياسر الخادم لجهالته بل و جهالة طريق العياشي إليه - قد تناقش دلالتها بان مفادها حرمة العوض لا حرمة اللعب نفسه.

د - التمسك بصحيحة معمر بن خلاد المتقدمة، حيث ورد فيها:

«و كل ما تقومر عليه فهو ميسر».

و فيه: ان المفروض الشك في صدق عنوان «تقومر عليه» علي اللعب بغير الآلات المتداولة. مضافا إلي انها ناظرة إلي تحريم العوض دون اللعب نفسه.

ه - دعوي الجزم بعدم مدخلية اللعب بالآلات المتداولة في صدق9.

ص: 105


1- وسائل الشيعة 243:12 الباب 104 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9.

عنوان القمار - و لذا لو فرض انعدام الآلات القديمة و تبدلها إلي آلات جديدة فهل يحتمل انتفاء الحرمة ؟! - بل المناط صدق اللعب مع الرهان و لو لم يكن اللعب بالآلات المتعارفة.

و لا يشكل علي ذلك بلزوم صدق القمار إذا فرض التسابق مع الرهان في حفظ سورة او بناء عمارة او كتابة كتاب و ما شاكل ذلك، و الحال ان الالتزام بذلك بعيد جدا.

إذ يجاب بان عنوان اللعب في مثل ذلك غير صادق.

6 - و اما عدم التحريم في الصورة الاخيرة

فلأصل البراءة بعد عدم الدليل علي التحريم، إذ الموجب له اما التمسك بما دلّ علي حرمة القمار، أو التمسك بما تقدم من «ان المؤمن لمشغول عن اللعب»، أو التمسك بمثل صحيحة حفص عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا سبق الا في خف أو حافر أو نصل»(1).

و الكل كما تري.

اما الاول فللشك في صدق القمار.

و اما الثاني فلانه لا يدل علي الحرمة، بل لا يمكن الالتزام بها، كيف و هل يحتمل ان اللهو و اللعب باللحية أو بالمشي في الازقة و الاسواق عبثا أو بنقض الغزل من بعد قوة انكاثا و ما شاكل ذلك محرم ؟

و اما الثالث فلاحتمال كون السبق بفتح السين و الباء معا - بمعني المال المجعول رهنا - و ليس بفتح السين و سكون الباء.

7 - و اما تعميم آلات القمار

لما تداول في عصرنا الحاضر فلعدم احتمال الخصوصية لتلك.

ص: 106


1- وسائل الشيعة 348:13 الباب 3 من السبق و الرماية الحديث 1.

كتاب الاجارة

اشارة

1 - حقيقة الاجارة

2 - من خصوصيات عقد الاجارة

3 - شرائط العوضين

4 - الضمان في باب الاجارة

5 - احكام عامة للإجارة

ص: 107

ص: 108

1 - حقيقة الاجارة

اشارة

الاجارة عقد يتضمن تمليك المنفعة - التي هي عمل أو غيره - بعوض.

و هي مشروعة بالضرورة.

و لها شرائط يرتبط بعضها بالمتعاقدين - هي شرائط المتعاقدين نفسها في باب البيع - و بعضها بالعوضين.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان حقيقة الاجارة ما ذكر

فهو ما جاء في كلمات غير واحد من الأصحاب. و هو مبني علي كون الاجارة فعل المؤجر، كتعريف البيع بانه تمليك عين بعوض. و اما بناء علي كونها فعل الطرفين - كما في النكاح - فالمناسب تعريفها بانها عقد يتضمن المعاوضة علي المنفعة.

2 - و اما ان المنفعة قد تكون عملا او غيره

فواضح. و قد تكون الاجارة علي العمل - كإيجار الشخص للبناء او الخياطة و نحوهما - و قد تكون للعين، كإيجار الدار للسكن.

و يطلق علي مستحق المنفعة بالاجارة عنوان المستأجر، و علي

ص: 109

مستحق الاجرة في اجارة الاعيان عنوان المؤجر و في الاجارة علي العمل عنوان الاجير.

3 - و اما شرعية الاجارة

فثابتة بقوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) ، إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ (2) ، و بالروايات الواردة لبيان احكامها التي تأتي الاشارة إلي بعضها، بل بالضرورة التي لا يحتاج معها إلي دليل.

4 - و اما شرائط المتعاقدين فبما انها لا تختلف عن شرائط

المتعاقدين في باب البيع عددا و مدركا

فلا حاجة إلي التكرار.

2 - من خصوصيات عقد الاجارة

اشارة

يعتبر في الاجارة الايجاب و القبول، ففي اجارة الدار مثلا يصح الايجاب من صاحب الدار بلفظ آجرتك الدار و القبول من الآخر بلفظ قبلت و نحوه، كما يصح العكس فيقول الآخر: استأجرت دارك و يقول صاحب الدار:

قبلت.

و تتحقق الاجارة بالمعاطاة.

و هي من العقود اللازمة التي لا تنفسخ الا بالتقايل أو بالفسخ عند اشتراط الخيار أو تخلف الشرط .

و المشهور جواز الاجارة المعاطاتية الا اذا تصرف احدهما فيما انتقل إليه.

و المستند في ذلك:

ص: 110


1- المائدة: 1.
2- النساء: 29.
1 - اما اعتبار الايجاب و القبول في الاجارة

فلأنها من العقود.

و اما صحة الايجاب و القبول بكلا الشكلين فلإطلاق الامر بالوفاء بالعقد الصادق فيهما.

2 - و اما صحة الاجارة بالمعاطاة

فلان ذلك هو مقتضي القاعدة، فانه بعد صدق العقد بالمعاطاة و عدم انحصار تحققه باللفظ يشمله اطلاق قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) و يكون الخروج عن ذلك و الحكم باعتبار اللفظ فقط هو المحتاج إلي الدليل. و قد قام الدليل في بعض الموارد - كالنكاح و الطلاق و النذر و اليمين - و يبقي غيرها مشمولا لمقتضي القاعدة.

هذا و قد فصّل الشيخ النائيني بين الاجارة في الاعيان فتصح فيها المعاطاة و الاجارة في الاعمال فلا تصح فيها، بتقريب ان التعاطي يمكن تحققه خارجا في اجارة الاعيان و لا يمكن تحققه في اجارة الاعمال، فان أحد الطرفين إذا دفع اجرة الخياطة فلا يتحقق من الآخر تسليم العمل حين دفع الاجرة بل يتحقق بعد ذلك من باب كونه وفاء بالعقد و ليس من باب كونه محققا و إنشاء له(2).

و فيه: انه بدفع الاجرة يمكن تحقق الايجاب و القبول الفعليين، فبالدفع من احد الطرفين يتحقق الايجاب و بأخذ الطرف الثاني يتحقق القبول و لا يتوقف تحقق العقد الفعلي علي صدور دفع من الثاني عند دفع الاول.

بل يمكن تحقق العقد الفعلي بلا دفع الاجرة أيضا، كما إذا دفع

ص: 111


1- المائدة: 1.
2- التعليقة الشريفة للشيخ النائيني علي العروة الوثقي، الفصل 1 من كتاب الاجارة.

المستأجر قطعة القماش إلي الخياط و تسلمها الخياط منه بقصد تحقق العقد بذلك.

3 - و اما ان الاجارة من العقود اللازمة

فلان ذلك مقتضي الاصل في كل عقد علي ما هو المستفاد من قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) - فان مقتضي وجوب الوفاء بالعقد عدم جواز نقضه من دون رضا الطرف الآخر - و من استصحاب بقاء الملك الثابت قبل فسخ احدهما، و من الوجوه الاخري لإثبات اللزوم التي تقدمت الاشارة إليها في كتاب البيع.

و يمكن ان تضاف هنا الروايات الواردة في خصوص المقام، كصحيحة علي بن يقطين: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن الرجل يتكاري من الرجل البيت او السفينة سنة او اكثر من ذلك او أقلّ ، قال: الكراء لازم له إلي الوقت الذي تكاري إليه. و الخيار في أخذ الكراء إلي ربها ان شاء أخذ و ان شاء ترك»(2) و غيرها.

4 - و اما تحقق الانفساخ بالتقايل

فلان الحق لا يعدو المتعاقدين بعد وضوح ان اللزوم حقي لا حكمي.

و اما جواز الفسخ بالخيار الثابت لأحدهما او كليهما فواضح لأنه مقتضي اشتراط الخيار النافذ بقوله عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم»(3).

و اما جوازه عند تخلف الشرط فلان مرجع الاشتراط عرفا الي تعليق الالتزام بالعقد علي تحقق الشرط خارجا، فعند عدم تحققه لا

ص: 112


1- المائدة: 1.
2- وسائل الشيعة 249:13 الباب 7 من احكام الاجارة الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 353:12 الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 2.

التزام بالعقد الذي هو عبارة اخري عن جعل الشارط لنفسه الخيار عند تخلف الشرط .

5 - و اما ان الاجارة المعاطاتية جائزة لدي المشهور الا عند

التصرف

فذلك للإجماع المدعي علي عدم لزوم المعاطاة بشكل عام الا عند التصرف.

و المناسب هو الحكم باللزوم تمسكا باطلاق قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) و غيره من الوجوه المذكورة لإثبات لزوم المعاطاة في باب البيع فراجع.

و اما الاجماع المدعي فغير ثابت خصوصا مع مدركيته المحتملة.

3 - شرائط العوضين

اشارة

يلزم في العوضين: المعلومية، و القدرة علي التسليم، و الملكية، و امكان الانتفاع بالعين مع بقائها فلا تصح اجارة الخبز للأكل مثلا، و ان تكون المنفعة مباحة فلا تصح الاجارة لفعل المحرم، و ان تكون العين صالحة لاستيفاء المنفعة منها فلا تصح اجارة الارض للزراعة إذا لم تمكن زراعتها، و تمكّن المستأجر من الانتفاع بالعين المستأجرة فلا تصح اجارة الحائض لكنس المسجد.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار معلومية العوضين

فقد يستدل له:

ص: 113


1- المائدة: 1.

تارة بلزوم الغرر علي تقدير عدم المعلومية، و قد نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله عن الغرر(1).

و اخري بالنبوي: «من استأجر أجيرا فليعلمه اجره»(2).

و ثالثة بما دل علي لزوم اعتبار ضبط الكيل و الوزن و العدد في باب البيع(3) ، بعد وضوح عدم الخصوصية له.

و رابعة بما أفاده بعض الاعلام من ان المعاملات لدي العقلاء مبنية علي حفظ التساوي في مقدار مالية العوضين. و لعلهم يستغنون عن التصريح بذلك لوضوحه. و من هنا يثبت الخيار عندهم في حالات الغبن. و عليه فالمعاملة علي المجهول المتضمنة للغرر خارجة عن المعاملات العقلائية و ينصرف عنها دليل الامضاء لاختصاص نظره بالمعاملات العقلائية(4).

و خامسة بتسالم الاصحاب علي ذلك.

و الكل كما تري.

اما الاول فلان الثابت في كتب الحديث: «نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله عن بيع الغرر»(5) ، و ليس: نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله عن الغرر.

هذا بقطع النظر عن السند و الا فالاشكال أوضح.

و إذا قيل: ان ذلك يستفاد من رواية الشيخ الصدوق في معاني3.

ص: 114


1- تذكرة الفقهاء، كتاب الاجارة، المسألة 2 من الركن 3 في الفصل 2.
2- مستدرك الوسائل الباب 3 من أبواب الاجارة الحديث 1.
3- راجع الرقم 4 من بحث شرائط العوضين في كتاب البيع.
4- مستند العروة الوثقي، كتاب الاجارة: 33.
5- وسائل الشيعة 330:12 الباب 40 من أبواب آداب التجارة الحديث 3.

الاخبار، حيث ورد فيها: انه صلّي اللّه عليه و آله: «نهي عن المنابذة و الملامسة و بيع الحصاة... و هذه بيوع كان اهل الجاهلية يتبايعونها فنهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عنها لأنها غرر كلها»(1) ، فان التعليل يدل علي المنع من الغرر بدون اختصاص بالبيع.

قلنا: ان التعليل المذكور هو من الشيخ الصدوق قدّس سرّه دون النبي صلّي اللّه عليه و آله فراجع. علي ان السند ضعيف بعدة مجاهيل.

و اما الثاني فلضعف الحديث سندا. و مع التنزل يمكن فرض العلم بالمشاهدة فيما إذا كانت الاجرة من المكيل او الموزون.

و اما الثالث فباعتبار ان الغاء الخصوصية للبيع لا يمكن الجزم به، و لذا يقال في ردّ الاستدلال بحديث النهي عن الغرر: ان الثابت هو النهي عن بيع الغرر، فلو فرض عدم الخصوصية للبيع كفي ورود النهي عن بيع الغرر.

و اما الرابع فباعتبار ان التساوي في المالية و ان كان معتبرا لدي العقلاء الا ان الطريق إليه لا ينحصر لديهم بالكيل و الوزن و العد بل يكتفون بالتخمين الحاصل من المشاهدة أيضا.

و اما الخامس فالتسالم مع احتمال المدرك لا حجية له كما هو واضح.

و عليه فالحكم باعتبار معلومية العوضين ينبغي ابتناؤه علي الاحتياط .

2 - و اما اعتبار القدرة علي التسليم

فقد تقدمت الاشارة في باب

ص: 115


1- وسائل الشيعة 266:12 الباب 12 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 13.

البيع إلي مستندات ذلك و كانت كلها ضعيفة ما عدا الاخير، و هو روايات جواز بيع العبد الآبق مع الضميمة، و التعدي منه إلي الاجارة مبني علي الغاء خصوصية البيع.

و يمكن الاستدلال في خصوص الاجارة بان مثل منفعة الدار مع عدم القدرة علي التسليم تتصرم شيئا فشيئا، و من ثمّ لا تكون مملوكة في اعتبار العقلاء لصاحب الدار ليمكنه نقلها.

و هذا الوجه - كما نري - يختص بحالة تعذر التسليم واقعا، اما مع الشك و فرض عدم التعذر واقعا فلا مانع من الحكم بالصحة.

3 - و اما اعتبار الملكية

فواضح، إذ غير المالك لا يمكنه تمليك الغير، فان فاقد الشيء لا يعطيه. بل تحقق النقل من دون رضا المالك خلاف قاعدة السلطنة الثابتة له و قاعدة لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيبة نفس منه.

هذا كله مضافا إلي ان الخطاب بالوفاء بالعقود منصرف الي الملاّك الذين هم أصحاب العقد حقيقة دون غيرهم.

اجل لا يقع النقل من غير المالك باطلا رأسا بل موقوفا علي الاجازة، كما هو شأن كل عقد فضولي.

4 - و اما اعتبار امكان الانتفاع بالعين مع بقائها

فلتقوّم حقيقة الاجارة بذلك، فان تمليك منفعة العين دونها يستبطن ذلك.

5 - و اما اعتبار اباحة المنفعة

فاستدل له بما يلي:

أ - ما أفاده الشيخ النائيني من ان المنفعة المحرمة ليست مملوكة ليمكن تمليكها. قال قدّس سرّه: «ان اشتراط مملوكية المنفعة يغني عن هذا

ص: 116

الشرط ، فان المنفعة المحرمة غير مملوكة»(1).

ب - ان المنفعة إذا كانت محرمة فلا يمكن تسليمها شرعا، و الممتنع شرعا كالممتنع عقلا، و قد تقدم ان القدرة علي التسليم شرط في صحة الاجارة.

ج - التمسك برواية جابر أو صابر: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر، قال: حرام اجره»(2) ، بتقريب ان حرمة الاجر يكشف عن بطلان المعاملة.

الا ان الرواية المذكورة لو تمت سندا و لم تحتمل لموردها - و هو الخمر - خصوصية معارضة بصحيحة عمر بن اذينة: «كتبت إلي ابي عبد اللّه عليه السّلام اسأله عن الرجل يؤاجر سفينته و دابته ممن يحمل فيها او عليها الخمر و الخنازير، قال: لا بأس»(3).

د - ان المنفعة ما دامت محرمة فتسليمها و الوفاء بالعقد يكون محرما، و إذا لم يجب الوفاء بالعقد لم يمكن اثبات صحته، فان صحة العقد تستكشف من وجوب الوفاء، فاذا فرض عدمه فلا يمكن استكشافها.

6 - و اما اعتبار قابلية العين لاستيفاء المنفعة منها

فباعتبار ان المنفعة إذا لم تكن قابلة للاستيفاء فهي ليست ملكا لصاحب العين ليمكنه تمليكها.

ص: 117


1- راجع التعليقة الشريفة للشيخ النائيني علي العروة الوثقي، كتاب الاجارة، الشرط 5 من شرائط العوضين.
2- وسائل الشيعة 125:12 الباب 39 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 126:12 الباب 39 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
7 - و اما اعتبار تمكن المستأجر من الانتفاع بالعين

فقد يوجّه بما ذكره الشيخ النائيني من «ان هذا المثال(1) قد خرج باشتراط مملوكية المنفعة و اباحتها»(2).

و فيه: ان المنفعة - كنس المسجد - مباحة لعدم حرمة كنس الحائض للمسجد بما هو كنس للمسجد، و انما المحرم هو مكث الحائض في المسجد الموقوف عليه الكنس، و حرمة هذا لا تستلزم حرمة مقارناته و الا فهل يحتمل استلزام حرمة المكث لحرمة تحريك اليد؟

و الانسب ان يعلل اعتبار الشرط المذكور بان استيفاء المنفعة ما دام مستلزما لارتكاب محرم شرعي فلا يجب الوفاء بالاجارة، و من ثمّ لا يمكن استكشاف الصحة لأنها لازم لوجوب الوفاء فاذا لم يثبت لم يمكن استكشاف لازمه.

4 - الضمان في باب الاجارة

اشارة

مستأجر العين امين عليها لا يضمن تلفها او تعيبها الا إذا تعدّي أو فرّط .

و هكذا الحال في الاجير إذا دفع له المستأجر العين ليعمل فيها.

و اذا باشر الطبيب من خلال عملية جراحية علاج المريض و تضرر بذلك كان ضامنا الا اذا اخذ البراءة مسبقا و لم يكن مقصرا في اعمال اجتهاده.

ص: 118


1- أي مثال اجارة الحائض لكنس المسجد الذي ذكره السيد الطباطبائي.
2- راجع التعليقة الشريفة للشيخ النائيني علي العروة الوثقي، كتاب الاجارة، الشرط 7 من شرائط العوضين.

و إذا وصف الدواء من دون ان يباشر العلاج و تضرر المريض بذلك فقد قيل: بعدم الضمان أيضا.

و إذا أفسد الخيّاط أو البنّاء أو النّجار أو الختّان أو أي عامل آخر كان ضامنا كالطبيب المباشر ما دام قد تجاوز الحدّ المأذون فيه.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم ضمان المستأجر للعين

فللقصور في المقتضي، فان الضمان لو كان ثابتا فليس له مدرك سوي قاعدة علي اليد، و هي لا تشمل مثل يد المستأجر، لان مستند القاعدة المذكورة ليس الا السيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع، و هي لا تشمل مثل يد المستأجر، و لا أقلّ من الشك فيقتصر علي القدر المتيقن.

و مع التنزل و فرض تمامية المقتضي يكفينا للحكم بعدم الضمان وجود المانع، و هو الروايات الواردة في عدم ضمان الامين، كصحيحة مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمد عن ابيه عليهما السّلام: «ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: ليس لك ان تتهم من قد ائتمنته و لا تأتمن الخائن و قد جرّبته»(1).

بل و الروايات الواردة في خصوص باب الاجارة، كصحيحة الحلبي: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تكاري دابة إلي مكان معلوم فنفقت الدابة، فقال: ان كان جاز الشرط فهو ضامن. و ان كان دخل واديا لم يوثقها فهو ضامن. و ان وقعت في بئر فهو ضامن لأنه لم يستوثق منها»(2).

2 - و اما الضمان مع التعدي أو التفريط

فلقاعدة علي اليد

ص: 119


1- وسائل الشيعة 229:13 الباب 4 من أحكام الوديعة الحديث 10.
2- وسائل الشيعة 281:13 الباب 32 من الاجارة الحديث 2.

و الصحيحتين المتقدمتين.

3 - و اما عدم ضمان الاجير للعين التي يعمل فيها

فلما تقدم نفسه في عدم ضمان المستأجر.

4 - و اما ضمان الطبيب عند مباشرته للعلاج و تضرر المريض

فلقاعدة من اتلف، و موثقة السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال امير المؤمنين عليه السّلام: من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه و الا فهو له ضامن»(1).

بل يمكن التمسك أيضا بصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«الرجل يعطي الثوب ليصبغه فيفسده، فقال: كل عامل أعطيته أجرا علي ان يصلح فأفسد فهو ضامن»(2).

و إذا قيل: مع اذن المريض للطبيب في مباشرة علاجه لا يبقي موجب للضمان.

قلنا: ان الاذن كان في العلاج دون الافساد.

5 - و اما استثناء حالة أخذ البراءة

فلموثقة السكوني المتقدمة.

و إذا قيل: لا تصح البراءة لأنها من قبيل اسقاط ما لم يجب.

قلنا: هذا يتم لو اريد تخريج الحكم علي طبق القاعدة، اما بعد وجود النص فلا مجال لمثل الاشكال المذكور.

6 - و اما القول بعدم الضمان عند وصف الدواء من دون مباشرة

العلاج

فلان المستند للضمان اما موثقة السكوني المتقدمة أو قاعدة الاتلاف أو قاعدة الغرور.

ص: 120


1- وسائل الشيعة 195:19 الباب 24 من أبواب موجبات الضمان الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 275:13 الباب 29 من أحكام الاجارة الحديث 19.

و الكل لا يمكن التمسك به.

اما الاول فلان ظاهر كلمة «تطبب» مباشرة الطبابة و العلاج خارجا.

و اما الثاني فلان الاتلاف لا ينتسب إلي شخص الا اذا كان مباشرا له او كان سببا أقوي من المباشر بحيث يسند الفعل إليه عرفا، كما لو كان المريض فاقدا للإرادة لصغر و نحوه، اما مع فرض الاختيار التام للمريض فلا ينسب الاتلاف الي الطبيب.

و اما الثالث فلعدم صدق الغرور مع جهل الغار، و لا أقلّ من الشك.

7 - و اما ضمان الخيّاط و غيره لما يفسده

فلقاعدة من اتلف و صحيحة الحلبي المتقدمة.

هذا إذا تجاوز الحدّ المأذون فيه.

و اما مع عدم تجاوزه - كما لو قال صاحب القماش للخياط : فصّله بهذا الشكل فامتثل ثم اتضح الخلل و سقوط القماش بذلك عن صلاحية الانتفاع أو فرض أمر الختّان بالختن ثم اتضح ان اصل الختان مضر و مات المختون بذلك - فينبغي التفصيل بين ما شاكل مثال القماش فلا ضمان - للإذن الرافعة للضمان، و الاتلاف ان صدق فهو ما دام باذن المالك فلا يوجب الضمان - و بين مثال الختن فيحكم بثبوت الضمان لان الختّان بالتالي هو القاتل، غايته هو معذور في ذلك، و حيث ان دم المسلم لا يبطل(1) فيلزم الحكم بضمان الدية لأنه من قبيل القتل الخطئي.

ص: 121


1- لصحيحة عبد اللّه بن سنان و عبد اللّه بن بكير جميعا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قضي أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل وجد مقتولا لا يدري من قتله، قال: ان كان عرف له اولياء يطلبون ديته اعطوا ديته من بيت مال المسلمين و لا يبطل دم امرئ مسلم...». وسائل الشيعة 109:19 الباب 6 من أبواب دعوي القتل الحديث 1.

اجل مع اخذ الختّان البراءة مسبقا فلا يبعد عدم الضمان لموثقة السكوني المتقدمة بناء علي عدم فهم الخصوصية للتطبّب.

5 - أحكام عامة في باب الاجارة

اشارة

لا يثبت في الاجارة خيار المجلس و لا خيار الحيوان و لا خيار التأخير ثلاثة أيام و تجري فيها بقية الخيارات، كخيار العيب و الغبن و تخلف الشرط و نحوها.

و اذا تحقق عقد الاجارة ملك كل طرف بالعقد نفسه ما استحقه علي الآخر، فالاجير يملك الاجرة و لو لم يقم بالعمل و المستأجر يملك العمل و لو لم يدفع الاجرة. و يجب علي كل واحد منهما تسليم ما عليه الا اذا كان الآخر ممتنعا.

و يحق لمستأجر العين ايجارها علي آخر ما دام لم يشترط عليه - و لو ضمنا - استيفاءه المنفعة مباشرة. و استشكل بعض في تسليم العين إلي المستأجر الثاني بدون اذن المؤجر.

و لا يجوز لمستأجر الدار ايجارها علي آخر بأكثر من الاجرة السابقة الا ان يحدث فيها حدثا او تكون الاجرة الثانية مغايرة للأولي جنسا.

و من استؤجر لأداء عمل بدون اشتراط المباشرة عليه و لو ضمنا يجوز له استيجار غيره للقيام بذلك العمل فيما إذا كانت الاجرة مساوية أو أكثر، اما إذا كانت أقل فلا الا إذا أتي ببعض العمل.

ص: 122

و في جواز الاجارة علي اداء الواجبات خلاف مشهور.

و من استأجر محلاّ تجاريا أو غيره إلي فترة محددة فعليه بعد انتهائها تخليته إذا طالب بذلك المالك و لا يحق له ايجاره علي شخص آخر من دون اذن الا إذا تمّ الاتفاق - لبناء عرفي خاص أو عام - علي ذلك مسبقا و لو مقابل مبلغ معين قد يعبر عنه في بعض الاعراف بحق السرقفلية، فيجوز آنذاك للمستأجر عدم التخلية و تجديد عقد الايجار بل يجوز له أيضا رفع اليد عن حقه في البقاء و التنازل بالمحل لثالث ازاء مبلغ معين من النقود قد يعبّر عنه بحق السرقفلية أيضا.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم ثبوت الخيارات الثلاثة في الاجارة

فلاختصاص مدرك ثبوتها بالبيع، كصحيحة محمد بن مسلم: «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان، و فيما سوي ذلك من بيع حتي يفترقا»(1) ، و صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه عنده فيقول حتي آتيك بثمنه، قال: ان جاء فيما بينه و بين ثلاثة أيام و الا فلا بيع له»(2).

2 - و اما ثبوت بقية الخيارات

فلان مدرك ثبوتها يعم غير البيع أيضا، فخيار العيب و الغبن ثابتان من خلال فكرة الاشتراط الضمني، و هي لا تختص بالبيع. و هكذا الخيار الثابت باشتراطه أو بتخلف الشرط ، فانه لا يختص بالبيع.

و بالجملة: مدرك الخيارات الثلاثة السابقة حيث انه التعبد

ص: 123


1- وسائل الشيعة 349:12 الباب 3 من أبواب الخيار الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 356:12 الباب 9 من أبواب الخيار الحديث 1.

فيقتصر علي مورده، بخلاف بقية الخيارات فان مدركها ليس هو التعبد بل مقتضي القاعدة الذي لا اختصاص له بالبيع.

3 - و اما ان كان واحد مالك ما له علي الآخر بمجرد العقد

فباعتبار كونه سببا تاما للملكية بمقتضي قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1).

4 - و اما وجوب التسليم علي كل واحد منهما

فلان ذلك لازم ملكية الآخر لما في يده.

و اما عدم لزوم التسليم عند امتناع الآخر فلان ذلك مقتضي الشرط الضمني الارتكازي علي ثبوت الحق لكل منهما في الامتناع عند امتناع الآخر.

5 - و اما جواز ايجار العين من قبل المستأجر الاول

فلانه مالك للمنفعة و ليس من شروط صحة الاجارة ملكية العين.

اجل مع اشتراط استيفائه المنفعة مباشرة فلا يجوز له ذلك لقاعدة المسلمون عند شروطهم التي دلت عليها صحيحة عبد اللّه بن سنان(2).

6 - و اما الاشكال في جواز تسليم العين

فقد صار إليه جمع من الاعلام(3) باعتبار ان العين ملك لصاحبها، و التصرف فيها بالتسليم إلي ثالث تصرف في ملك الغير من دون اذنه فلا يجوز.

و فيه: ان الاذن ثابتة لان اذن المالك للمستأجر الاول في الاستيلاء علي العين كانت باعتبار انه مالك للمنفعة و ليس بما هو فلان، و حيث ان

ص: 124


1- المائدة: 1.
2- وسائل الشيعة 353:12 الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 2.
3- و ممن استشكل السيد الطباطبائي في العروة الوثقي، كتاب الاجارة، الفصل 5.

الوصف العنواني المذكور منطبق علي المستأجر الثاني فيجوز تسليمه اليها و استيلاؤه عليها.

اجل لا يجوز تعريض العين للخطر بايجارها من شخص لا يتحفظ عليها بشكل كامل.

و مما يؤكد ذلك ان المستأجر الاول يجوز له استضافة بعض الضيوف لأيام من دون حاجة الي استئذان المالك، فإذا جاز ذلك جاز ايجار العين للضيف و تصرفه فيها بلا حاجة إلي استئذان.

هذا كله بقطع النظر عن الروايات و الا فالأمر أوضح. و قد روي علي بن جعفر - بطريق صحيح - عن أخيه ابي الحسن عليه السّلام: «سألته عن رجل استأجر دابة فأعطاها غيره فنفقت ما عليه ؟ قال: ان كان شرط ان لا يركبها غيره فهو ضامن لها و ان لم يسم فليس عليه شيء»(1) ، فانها تدل علي جواز اركاب الغير، و مقتضي اطلاقها عدم الفرق بين كون ذلك باجرة أو بدونها.

و في صحيحة ابي المعزا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يؤاجر الارض ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها، قال: لا بأس...»(2).

7 - و اما عدم جواز ايجار الدار من قبل المستأجر الاول بأكثر من

الاجرة الاولي الا مع احداث حدث

فلصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«الرجل يستأجر الدار ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها به، قال:

لا يصلح ذلك الا ان يحدث فيها شيئا»(3) و غيرها.

ص: 125


1- وسائل الشيعة 255:13 الباب 16 من أحكام الاجارة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 260:13 الباب 20 من أحكام الاجارة الحديث 4.
3- وسائل الشيعة 263:13 الباب 22 من الاجارة الحديث 4.
8 - و اما اعتبار اتحاد جنس الاجرة في عدم جواز الزيادة

فلان عنوان «الاكثر» لا يصدق الا مع اتحاد جنس الاجرتين، فاذا كانت احداهما دينارا و الاخري كتابا فلا يصدق ان هذا أكثر من ذاك إذا تفاوتا في القيمة الا مع العناية.

اجل إذا كانت كلتا الاجرتين من النقود و اختلفتا في نوعية النقد فلا يبعد صدق عنوان الاكثر عرفا إذا تفاوتا في المالية.

9 - و اما ان المستأجر لعمل يجوز له استيجار غيره إذا كانت

الاجرة مساوية أو أكثر

فلكونه مقتضي القاعدة ما دام لم تشترط عليه المباشرة.

و اما عدم جواز ذلك إذا كانت أقل الا مع اداء بعض العمل فلصحيحة محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام: «سئل عن الرجل يتقبل بالعمل فلا يعمل فيه و يدفعه إلي آخر فيربح فيه، قال: لا، الا ان يكون قد عمل فيه شيئا»(1) و غيرها.

10 - و اما الخلاف في جواز الاجارة علي الواجبات

فينبغي ان تستثني منه الحالات التالية:

أ - ما إذا لم تعد للباذل فائدة من وراء الاجارة، كالاستيجار لأداء الصلاة الواجبة اليومية عن العامل نفسه. و لا اشكال في بطلان الاجارة في مثل ذلك.

و تتصور الفائدة فيما إذا كان الواجب كفائيا و أراد الباذل اسقاطه عن نفسه فاستأجر غيره.

ص: 126


1- وسائل الشيعة 265:13 الباب 23 من الاجارة الحديث 1.

ب - ما إذا فهم من الادلة مطلوبية تحقيق الفعل مجانا، كما في تعليم الاحكام و الافتاء و تجهيز الميت و الاذان و نحو ذلك. و في مثله لا اشكال في بطلان الاجارة كما هو واضح.

ج - ما إذا علم بمطلوبية ايقاع الفعل في الخارج و لو مع الاجرة، كما هو الحال في المهن التي يتوقف عليها النظام كالطبابة و الخبازة و البقالة و ما شاكل ذلك. و في مثله لا اشكال في جواز الاجارة كما هو واضح.

و بعد هذا يقع الكلام تارة في البحث عن مانعية حيثية الوجوب من جواز الاجارة و اخري عن مانعية حيثية قصد التقرب المعتبر في العبادات من صحة الاجارة.

اما المانعية من الحيثية الاولي فذكر لها عدة تقريبات نشير من بينها إلي:

الاول: ما نقله الشيخ الأعظم من ان الشيء إذا كان واجبا فهو مملوك للّه سبحانه، و مع كون الشيء مملوكا للغير فلا يمكن تمليكه لان الشخص إذا لم يملك فعله فكيف يملّكه لغيره(1).

و فيه: ان وجوب الفعل يستدعي الزام ايجاده دون الملكية اعتبارا ليلزم ما ذكر.

الثاني: ما أفاده الشيخ النائيني من ان شرط صحة الاجارة بل كل معاملة كون الفعل و الترك معا تحت سلطان الاجير، و مع فرض ايجاب الفعل لا يكون الترك تحت سلطانه بل يكون ممتنعا عليه شرعا،ة.

ص: 127


1- كتاب المكاسب 432:1، منشورات دار الحكمة.

و الممتنع شرعا كالممتنع عقلا(1).

و فيه: ان القدرة بمعني تساوي الطرفين لا دليل علي اعتبارها و انما الثابت اعتباره هو القدرة علي تسليم متعلق الاجارة بمعني الامكان التكويني، و هو متحقق في محل الكلام.

الثالث: ما استند إليه الشيخ الأعظم، و هو ان العمل إذا كان واجبا علي الاجير بقطع النظر عن الاجارة فيجوز اجباره علي ايقاعه و لو لم يستأجر عليه، و معه فلا تعود فائدة من وراء الاجارة.

قال قدّس سرّه: «... لان أخذ الاجرة عليه مع كونه واجبا مقهورا من قبل الشارع علي فعله اكل للمال بالباطل لان عمله هذا لا يكون محترما لان استيفاءه منه لا يتوقف علي طيب نفسه لأنه يقهر عليها مع عدم طيب النفس و الامتناع»(2).

و فيه: ان الثابت قبل الاجارة حق عام لجميع المكلفين في المطالبة بايقاع الفعل من باب الامر بالمعروف، و هذا بخلافه بعد الاجارة، فانه يثبت حق شخصي خاص لخصوص المستأجر في المطالبة بالفعل من باب المطالبة بملكه.

و عليه فلا منع من حيثية الوجوب.

و اما المانعية من الحيثية الثانية فتقريبها ان الباعث علي الاتيان بالعمل إذا كان هو استحقاق الاجرة فكيف يتأتي قصد القربة من الاجير؟!

و فيه: ان الاجرة لم تجعل علي ذات الفعل بل علي الفعل بقصدة.

ص: 128


1- منية الطالب للخوانساري 15:1.
2- كتاب المكاسب 437:1، منشورات دار الحكمة.

العبادية و التقرب، فما لم يؤت به كذلك لا يكون الاجير مستحقا لها، و هذا معناه ان الاجارة تكون مؤكدة لطلب قصد التقرب و ليست منافية له، إذ ما لم يقصد الاجير التقرب لا يكون مستحقا للأجرة.

و هذا ما أطلق عليه الآخوند الخراساني بفكرة الداعي إلي الداعي(1) ، فان ذات الفعل يؤتي بها بقصد القربة، و الداعي لقصد القربة هو تحصيل الاجرة.

و إذا قلت: كيف نتصور قصد التقرب لأجل تحصيل الاجرة ؟! ما هذا الا مجرد ألفاظ .

قلنا: لا يلزم في الداعي لقصد القربة ان يكون هو اللّه سبحانه بشكل محض، ان هذا لا يتصور الا من امير المؤمنين عليه السّلام و بقية المعصومين صلوات اللّه عليهم بل اللازم صدور قصد التقرب و لو لدواع اخري، كالإتيان بصلاة الرزق أو نزول المطر بقصد التقرب طلبا للرزق أو نزول المطر، و كالإتيان بالصلاة بقصد التقرب طلبا للتخلص من النار أو حبّا لدخول الجنّة.

و ما دام هذا ممكنا فبالامكان في مقامنا أيضا اتيان الاجير بالصلاة بقصد التقرب طلبا لتحصيل الاجرة.

و في الحقيقة يمكن ان نفهم من خلال هذا ان المطلوب في باب العبادات هو قصد القربة علي هذا المستوي و بالمقدار المذكور.

و عليه فلا مانع من الاجارة علي الواجبات لا من حيثية الوجوب و لا من حيثية العبادية.م.

ص: 129


1- كفاية الاصول 124:1، طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.
11 - و اما وجوب التخلية بعد انتهاء عقد الاجارة

فلانه هو المسوغ للتصرف فاذا انتهي يعود المالك مسلطا علي ملكه و لا يجوز التصرف فيه من دون طيب نفسه.

12 - و اما انه يجوز للمالك اخذ السرقفلية

فلان لكل ذي حق التنازل عن حقه مقابل ما يشاء.

و اما ان للمستأجر ذلك أيضا فلانه مقابل تنازله عن حقه في البقاء و عدم التخلية المتولد له بسبب الاتفاق مع المالك.

13 - و اما كفاية التباني العام

فلانه محقق للاشتراط الضمني.

ص: 130

كتاب المزارعة

اشارة

1 - حقيقة المزارعة

2 - شرائط المزارعة

3 - أحكام عامة في باب المزارعة

ص: 131

ص: 132

1 - حقيقة المزارعة

اشارة

المزارعة عقد يتضمن الاتفاق علي زرع شخص أرض غيره بحصة من حاصلها. و هي مشروعة بلا كلام.

و المستند في ذلك:

1 - اما تحديد المزارعة

بما ذكر فمضافا إلي كونه من واضحات الفقه يمكن استفادته من روايات باب المزارعة، كصحيحة عبد اللّه بن سنان: «الرجل يزارع فيزرع أرض غيره فيقول: ثلث للبقر و ثلث للبذر و ثلث للأرض، قال: لا يسمي شيئا من الحب و البقر و لكن يقول: ازرع فيها كذا و كذا ان شئت نصفا و ان شئت ثلثا»(1) و غيرها.

و عدم اسناد الحديث الي الامام عليه السّلام غير مهم بعد كون الناقل عنه ابن سنان الذي لا تحتمل في حقه الرواية عن غيره عليه السّلام.

علي ان عدم اسنادها كذلك انما هو في رواية الكليني و الا ففي

ص: 133


1- وسائل الشيعة 200:13 الباب 8 من أحكام المزارعة و المساقاة الحديث 5.

رواية الشيخ اسندت إلي ابي عبد اللّه عليه السّلام(1).

2 - و اما شرعيتها

فليست محلا للخلاف عندنا بل عند أكثر علماء الإسلام علي ما في الجواهر(2).

و تدل عليها الضرورة الفقهية و الروايات الخاصة كالصحيحة المتقدمة و غيرها.

و هناك بحث عن امكان اثبات شرعيتها بمقتضي القاعدة و قطع النظر عن الروايات الخاصة و عدمه.

فقيل بعدم الامكان، بتقريب ان المزارعة تتضمن تمليك العامل حصته من الناتج، و حيث انه لا وجود لها حين العقد فلا يمكن تمليكها عقلائيا لان غير الموجود ليس بمملوك كي يقبل التمليك. و هل تري امكان ان يبيع الشخص السمكة التي سيصطادها بعد ساعة أو يهب الشيء الذي يشتريه بعد ذلك ؟ كلا، انه ليس عقلائيا، و عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (3) و نحوه منصرف عنه.

و عليه فيحتاج اثبات الصحة إلي دليل خاص غير مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .

و هذا الكلام لا يختص بالمزارعة بل يعم ما كان علي شاكلتها، كالمضاربة و المساقاة.

و لربما يشير الي اختيار هذا الاحتمال صاحب الجواهر قدّس سرّه حيث تمسك - في تعليل عدم جواز اجارة الارض للزراعة بما يخرج منها -

ص: 134


1- حسب بعض نسخ التهذيب علي ما اشير اليه في هامش الطبعة القديمة من وسائل الشيعة.
2- جواهر الكلام 2:27.
3- المائدة: 1.

ب «ضرورة اعتبار ملكية الاجرة التي هي عوض المنفعة المملوكة خارجا أو ذمة، و لا شيء منهما في الفرض»(1). و صرّح باختياره و الدفاع عنه بعض الاعلام من المتأخرين(2).

و في مقابل هذا ما بني عليه المشهور من امكان التمسك بمثل عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (3).

و علّل ذلك السيد الطباطبائي بان ما يحصل في المستقبل هو في نظر العرف بمنزلة الموجود كمنافع العين(4).

و تترتب علي هذا الخلاف آثار متعددة، فلو شك في جواز تقدم القبول في المزارعة او انعقادها بغير العربية و ما شاكل ذلك صح التمسك بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لإثبات الجواز علي الاحتمال الثاني، في حين لا يصح ذلك علي الاحتمال الاول، و يتعين عليه التمسك باطلاق دليل صحة المزارعة ان كان ثابتا و الا لم يمكن الحكم بالجواز.

2 - شرائط المزارعة

اشارة

يلزم في المزارعة:

1 - الايجاب و القبول. و يكفي فيهما كل لفظ دال عليهما - مثل زارعتك أو سلّمت إليك الارض لتزرعها علي كذا - و لو بغير العربية و الماضوية.

ص: 135


1- جواهر الكلام 11:27.
2- مستند العروة الوثقي، كتاب الاجارة: 335.
3- المائدة: 1.
4- العروة الوثقي، كتاب الاجارة، الفصل 6.

و لا يلزم ان يكون الايجاب من المالك و لا تقدمه و لا كونه لفظا بل يجوز ان يكون الايجاب باللفظ و القبول بالفعل او يكونا معا بالفعل.

2 - ان يكون كل من المالك و الزارع بالغا عاقلا مختارا و ليس بمحجور عليه لسفه أو فلس.

اجل إذا لم يشارك الزارع بمال فلا يلزم اشتراط عدم المحجورية في حقه.

3 - ان يكون الناتج مشتركا بين المالك و الزارع و ليس خاصا بأحدهما و الا لم تصح المعاملة مزارعة.

4 - ان يكون الاشتراك في جميع الناتج بنحو الاشاعة، فلو شرط لأحدهما الاختصاص بما يحصل اولا أو من هذه القطعة من الارض و للآخر ما يحصل ثانيا أو من تلك القطعة لم تصح.

5 - تعيين الحصة بالكسر المشاع، فلو قال: ازرع و اعطني مقدارا ما مشاعا لم تصح.

6 - تعيين المدة بداية و نهاية إذا لم يكن هناك انصراف يقتضي التعيين.

7 - ان تكون المدة بمقدار صالح لإدراك الناتج فيها.

8 - قابلية الارض للزراعة و لو بالعلاج، فلو كانت سبخة أو لا يمكن وصول الماء إليها أو ما شاكل ذلك فلا تصح.

9 - تعيين نوع المزروع إذا لم يقصدا التعميم لأي نوع كان و لم يكن هناك انصراف إلي نوع معين.

10 - تعيين الارض مع ترددها بين قطعتين أو أكثر إذا لم يكن هناك انصراف و لم يقصد التعميم لأي أرض وقع الاختيار عليها.

11 - تعيين المصارف من البذر و نحوه و كونها علي أي واحد منهما إذا لم يكن هناك انصراف.

ص: 136

12 - ان تكون الارض و نحوها مملوكة و لو منفعة او يكون التصرف فيها نافذا بوكالة او ولاية.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار الايجاب و القبول في المزارعة

فلأنها عقد لا ايقاع كما هو واضح.

و اما التعميم من الجهات الاخري فلصدق العقد في جميعها، و مقتضي اطلاق أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) ثبوت الصحة و اللزوم في جميعها.

هذا بناء علي رأي المشهور.

و اما بناء علي الرأي الآخر فالأمر مشكل لعدم وجود اطلاق في ادلة مشروعية المزارعة يدل علي امضائها في جميع الحالات المتقدمة، فلاحظ صحيحة ابن سنان المتقدمة. و علي منوالها غيرها.

و دعوي وجود مثل هذا الاطلاق في ادلة مشروعية المزارعة عهدتها علي مدعيها.

2 - و اما اعتبار البلوغ و ما تلاه

فقد تقدم وجهه في مبحث شروط المتعاقدين من كتاب البيع، فان ما ذكر هناك عام لمطلق العقود فلاحظ .

3 - و اما ان الزارع لا يشترط فيه عدم المحجورية إذا لم يشارك

بمال

فلان السفيه و المفلس ممنوعان من التصرف المالي فاذا فرض عدم المشاركة بمال فلا يعود وجه للاشتراط المذكور.

هذا بناء علي الرأي المشهور من عدم منع السفيه من التصرفات

ص: 137


1- المائدة: 1.

غير المالية(1).

و اما بناء علي منعه حتي من مثل جعل نفسه عاملا في المزارعة و المساقاة و نحوهما فيلزم في الزارع عدم السفه حتي اذا لم يشارك بمال.

4 - و اما اعتبار الاشتراك في الناتج

فلاعتباره في المزارعة حسبما يفهم من بعض النصوص، فقد ورد في صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تقبل الارض بحنطة مسماة(2) و لكن بالنصف و الثلث و الربع و الخمس لا بأس به»(3). و الحكم متسالم عليه.

هذا بناء علي الرأي المشهور الذي يري امكان التمسك بالعمومات.

و اما بناء علي الرأي الآخر فيكفي لاعتبار الشرط المذكور عدم الدليل علي صحة المزارعة في عدم حالة عدم الاشتراك في النماء.

5 - و اما اعتبار الاشتراك في جميع الناتج بنحو الاشاعة و تعيين

الحصة بالكسر المشاع

فلما سبق في اعتبار اصل الاشتراك.

6 - و اما اعتبار تعيين البداية و النهاية للمدة

فقد يستدل له بحديث نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله عن الغرر(4) او بالإجماع.

ص: 138


1- قال صاحب الجواهر في جواهره 58:26 «لان السفه لم يسلبه... اهلية مطلق التصرف بل في ماله خاصه... كما هو واضح خلافا لبعض العامة».
2- اي بحنطة مقدّرة بغير الكسر المشاع، بان يقول مثلا: بعشرين كيلوغراما. و قيّد الشيخ في الاستبصار 128:3 النهي في الرواية بما اذا كانت الحنطة المسماة من نفس حاصل الارض، اما اذا كانت من حاصل موجود بالفعل من غيرها فلا بأس بذلك.
3- وسائل الشيعة 199:13 الباب 8 من أحكام المزارعة و المساقاة الحديث 3.
4- تذكرة الفقهاء، كتاب الاجارة، المسألة 2 من الركن 3 في الفصل 2.

و كلاهما كما تري.

اما الاول فلما تقدم في مبحث الاجارة عند البحث عن شرائط العوضين.

و اما الثاني فلاحتمال مدركيته.

و الاولي الاستدلال لذلك بان المدة إذا لم تكن متعينة بداية و نهاية فلا يمكن تعلق الامر بوجوب الوفاء بالعقد لان ما لا تعين له حتي في علم اللّه سبحانه كيف يتعلق به وجوب الوفاء؟

اجل إذا حددت البداية و جعلت النهاية أدراك الحاصل كفي ذلك لأنه نحو من التعيين.

7 - و اما اعتبار ان تكون المدة بمقدار يمكن ادراك الناتج فيها

فلانه بدون ذلك لا يمكن تحقق المقصود من المزارعة و يكون الاقدام عليها لغوا و لا يشملها دليل الامضاء.

8 - و اما اعتبار القابلية للزراعة

فلانه بدون ذلك لا يمكن تحقق المزارعة، و من ثمّ لا يمكن ان يشملها دليل الامضاء.

9 - و اما اعتبار تعيين نوع المزروع فيما إذا لم يقصد التعميم

و لم يفرض الانصراف

فقد جاءت الإشارة إليه في كلمات غير واحد من الفقهاء.

و هو وجيه مع اختلاف نوع الزرع المقصود لكل واحد منهما، لان وجوب الوفاء بالعقد علي طبق مقصود احدهما بلا مرجح، و علي طبق مقصودهما معا غير ممكن لفرض التنافي. و اما مع عدم الاختلاف في المقصود واقعا فلا مستند للبطلان سوي التمسك بحديث: نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله عن الغرر، و قد تقدم في مبحث الاجارة عدم

ص: 139

ثبوت كونه رواية.

10 - و اما اعتبار تعيين الارض

فلما تقدم نفسه في اعتبار تعيين نوع المزروع.

11 - و اما لزوم تعيين من عليه المصارف إذا لم يكن هناك

انصراف

فلان العقد بدون ذلك لا يمكن تعلق وجوب الوفاء به، إذ وجوب الوفاء ببذل المصارف من خصوص احدهما بلا مرجح، و وجوبه بالبذل من كليهما امر علي خلاف مقصودهما.

12 - و اما اعتبار ملكية الارض و نحوها او نفوذ التصرف فيها

فلأنه لو لا ذلك يكون العقد فضوليا.

3 - أحكام عامة في باب المزارعة

اشارة

المزارعة عقد لازم لا تنفسخ الا بالتقايل أو الفسخ عند اشتراط الخيار أو تخلف الشرط .

و لا يلزم في البذر ان يكون من العامل بل يجوز ان يكون من المزارع أيضا أو منهما.

كما لا يلزم في الارض ان تكون من المزارع و يجوز كونها من العامل.

بل قد يقال: ان المزارعة تحتاج إلي امور أربعة: الارض و البذر و العمل و العوامل.

و يصح ان يكون من احدهما احد هذه و من الآخر البقية، او من كل منهما اثنان منها، او من احدهما بعض احدها و من الآخر البقية، او الاشتراك في الكل.

و يجوز لكل من المالك و العامل بعد ظهور الناتج تقبل حصة الآخر بمقدار

ص: 140

معين من الناتج نفسه بعد التخمين، و لا يضر لو اتضحت بعد ذلك الزيادة أو النقيصة.

و يجوز للعامل ما دام لم تشترط عليه مباشرة الزرع بنفسه ان يؤجر الغير او يزارعه.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان المزارعة عقد لازم لا ينفسخ الا بما ذكر

فلما تقدم في مبحث الاجارة تحت عنوان «من أحكام عقد الاجارة».

2 - و اما البذر

فقد يقال بلزوم كونه علي العامل تمسكا بصحيحة يعقوب بن شعيب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «... و سألته عن المزارعة فقال:

النفقة منك و الارض لصاحبها، فما اخرج اللّه من شيء قسّم علي الشطر و كذلك اعطي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله خيبر حين أتوه فأعطاهم إيّاها علي ان يعمروها و لهم النصف مما اخرجت»(1).

الا انه يلزم حملها علي المتعارف في تلك الفترة - خصوصا بعد ملاحظة الاستشهاد بسيرة النبي صلّي اللّه عليه و آله - لصراحة بقية الروايات في جواز عدم كونه علي العامل، كما في موثقة سماعة: «سألته عن مزارعة المسلم المشرك فيكون من عند المسلم البذر و البقر و تكون الارض و الماء و الخراج و العمل علي العلج، قال: لا بأس به»(2) و غيرها.

علي ان الحكم متسالم عليه بين الاصحاب. بل قد يدعي ان سيرة المزارعين المتصلة بزمن المعصوم عليه السّلام هي علي ذلك.

ص: 141


1- وسائل الشيعة 203:13 الباب 10 من أحكام المزارعة و المساقاة الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 204:13 الباب 12 من أبواب أحكام المزارعة و المساقاة الحديث 1. و العلج هو الرجل الضخم من الكفار او مطلق الكافر.
3 - و اما جواز كون الارض من العامل

فلموثقة سماعة المتقدمة.

4 - و اما وجه القول بجواز الاشتراك في الامور الاربعة بأي شكل

فقد علّله الشيخ البحراني بقوله: «لإطلاق الاذن في المزارعة من غير تقييد بكون بعض بخصوصه من احدهما»(1).

و هذا الاطلاق ان كان ثابتا فيه و الا فبالامكان التعويض عنه بمثل عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2) بناء علي رأي المشهور.

5 - و اما جواز تقبل حصة الآخر بمقدار من الناتج نفسه بعد التخمين

فوجهه:

أ - التمسك بمقتضي القاعدة، فان الناتج بعد اشتراكه بين الطرفين فمن حقهما تقسيمه بالشكل الذي يتفقان عليه، فان الحق لا يعدوهما. و هو واضح. و يأتي إن شاء اللّه تعالي توضيح أكثر للوجه في مشروعية القسمة في مبحث القسمة من كتاب القضاء.

ب - ما أفاده السيد الطباطبائي من امكان ارجاع ذلك إلي الصلح غير المعاوض، فكأنهما يتسالمان علي ان تكون حصة احدهما من المال المشترك كذا مقدار و البقية للآخر. و علي ذلك يصح ايقاع عملية التقبيل هذه بلفظ الصلح(3).

ج - التمسك بالروايات الخاصة، كصحيحة يعقوب بن شعيب:

«سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول احدهما لصاحبه: اختر اما ان تأخذ هذا النخل بكذا و كذا كيلا مسمي و تعطيني

ص: 142


1- الحدائق الناضرة 323:21.
2- المائدة: 1.
3- العروة الوثقي، كتاب المزارعة، المسألة 20.

نصف هذا الكيل اما زاد أو نقص، و اما ان آخذه انا بذلك، قال: نعم لا بأس به»(1) و غيرها.

6 - و اما تقييد ذلك بما بعد ظهور الناتج

فلانه قبل ذلك لا حنطة و شعير مثلا ليمكن تقسيمه، و هل يمكن تقسيم المعدوم.

7 - و اما انه لا يضر اتضاح الزيادة او النقيصة بعد ذلك

فلإقدام كل منهما علي اجراء عقد القسمة او الصلح بالشكل المذكور فيلزم بمقتضي لزوم كل عقد.

هذا بناء علي كون المدرك الوجهين الاولين.

و اما بناء علي الوجه الثالث فلظهور الصحيحة في ذلك.

8 - و اما جواز ايجار العامل شخصا لمباشرة الزرع

فواضح بعد عدم اشتراط المباشرة بنفسه و اشتغال ذمته بذلك.

و اما جواز مزارعته للغير فلعدم اشتراط صحة المزارعة بملك المزارع للأرض بل يكفي كونه مالكا للتصرف فيها فتشمله ادلة صحة المزارعة بل مثل عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2) أيضا، بناء علي رأي المشهور.

ص: 143


1- وسائل الشيعة 18:13 الباب 10 من أبواب بيع الثمار الحديث 1.
2- المائدة: 1.

ص: 144

كتاب المساقاة

اشارة

1 - حقيقة المساقاة

2 - شرائط المساقاة

3 - أحكام عامة في باب المساقاة

ص: 145

ص: 146

1 - حقيقة المساقاة

اشارة

المساقاة عقد يتضمن الاتفاق علي سقي شخص اشجار شخص ثان أو غيرها و اصلاح شئونها إلي مدة معينة بحصة من حاصلها. و هي مشروعة جزما.

و المستند في ذلك:

1 - اما تحديد المساقاة بما ذكر

فهو من واضحات الفقه. و يمكن استفادته من صحيحة يعقوب الآتية.

و فرقها عن المزارعة ان العامل في الثانية يقوم بزرع الارض بحصة من الناتج بعد فرض انها غير مزروعة، بخلافه في المساقاة، فان المفروض ثبوت الاشجار و غرسها في الارض قبل العقد، و دور العامل السقي و اصلاح شئون ما هو مغروس بحصة من الناتج.

2 - و اما شرعيتها

فقد قال في الجواهر: «هي جائزة بالإجماع من علمائنا و أكثر العامة خلافا لأبي حنيفة و زفر فانكراها

ص: 147

للجهالة و الغرر»(1).

و تدل علي ذلك صحيحة يعقوب بن شعيب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«... سألته عن رجل يعطي الرجل ارضه و فيها ماء او نخل او فاكهة و يقول: اسق هذا من الماء و اعمره و لك نصف ما اخرج اللّه عز و جل منه، قال: لا بأس»(2) و غيرها.

و الخلاف السابق بين المشهور و غيره في امكان تصحيح المزارعة علي طبق القاعدة و بقطع النظر عن الروايات الخاصة و عدمه آت هنا أيضا لوحدة النكتة.

2 - شرائط المساقاة

اشارة

يلزم في المساقاة توفر:

1 - الايجاب و القبول بالشكل المتقدم في المزارعة.

2 - البلوغ و العقل في المالك و العامل و عدم الحجر بالنحو المتقدّم في المزارعة.

3 - ان يكون المغروس مملوكا و لو منفعة فقط أو يكون التصرف فيه نافذا بوكالة أو ولاية.

4 - معلومية الاشجار في مقابل التردّد.

5 - ان تكون الاصول ذات جذور ثابتة في الارض، كما في النخل و أشجار الفواكه، فلا تصح علي ما لا ثبوت لعروقه في الارض، كالبطّيخ و الباذنجان

ص: 148


1- جواهر الكلام 50:27.
2- وسائل الشيعة 202:13 الباب 9 من أحكام المزارعة و المساقاة الحديث 2.

و غيرهما من الخضر.

6 - تحديد المدة بداية و نهاية، و ان تكون بمقدار تصلح لبلوغ الثمرة.

و يكفي بلوغ الثمرة تحديدا للنهاية.

7 - ان يكون العقد قبل بلوغ الثمرة أو بعدها مع افتراض الحاجة إلي السقي أو غيره. اما مع فرض الحاجة إلي مجرد الحفظ و القطف فالصحة محل خلاف.

8 - تعيين حصة كل من المالك و العامل بنحو الكسر المشاع.

9 - تعيين ما علي كل واحد منهما من اعمال إذا لم يكن هناك انصراف.

و المستند في ذلك:

1 - اما بالنسبة إلي الشرطين الاولين

فلما تقدم في المزارعة.

2 - و اما اعتبار ملك المنفعة او التصرف

فلانه لو لا ذلك يكون العقد فضوليا.

3 - و اما اعتبار معلومية الاشجار - بمعني عدم ترددها -

فلان تعلق وجوب الوفاء بهذا المعين او بذاك المعين ترجيح بلا مرجح، و تعلقه بكليهما امر علي خلاف مقصودهما. و المردد لا تحقق له ليمكن تعلق ذلك به.

و اما المعلومية في مقابل الجهل فقد يقال باعتبارها لا لحديث نفي الغرر - لعدم ثبوت كونه رواية علي ما تقدم في مبحث الاجارة. اضافة إلي امكان القول بان مثل المساقاة مبنية علي الغرر و الجهل من الاساس فلا معني للتمسك بلحاظها بالحديث المذكور - و لا للإجماع لاحتمال مدركيته بل لان مورد صحيحة يعقوب بن شعيب المتقدمة قد فرضت فيه المعلومية لدي الطرفين فلا يبقي ما يدل علي صحتها مع

ص: 149

عدم المعلومية بناء علي عدم امكان تصحيح المساقاة بمثل عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1). و اما بناء علي امكان ذلك - كما عليه المشهور - فاعتبار ذلك قابل للتأمل، و لا بدّ من التنزل الي الاحتياط في الفتوي تحفظا من مخالفة المشهور.

4 - و اما اعتبار كون الاصول ثابتة

فلا يتم الا بناء علي عدم امكان تصحيح مثل المساقاة بمثل عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ - حيث يقال: ان مورد صحيحة يعقوب خاص بما كان له اصل ثابت، و تصحيح المساقاة في غير ذلك لا دليل عليه - و اما بناء علي الرأي الآخر فلا وجه للاشتراط المذكور.

بل قد يقال: لا وجه له حتي علي الرأي الاول، لان مورد الصحيحة و ان كان مختصا بما له اصل ثابت الا ان تخصيص ذلك بالذكر لم يجئ في كلام الامام عليه السّلام بل في كلام السائل، و حيث لا يحتمل ثبوت خصوصية لذلك عرفا فيمكن تعميم الحكم إلي غيره.

5 - و اما اعتبار تحديد المدة

فلانه بدون ذلك لا تعيّن للعقد في الواقع ليمكن تعلق وجوب الوفاء به.

و اما اعتبار ان تكون المدة بمقدار تبلغ فيه الثمرة فلانه بدون ذلك لا يمكن ثبوت حصة العامل، و من ثمّ يكون العقد لغوا و لا معني لتعلق وجوب الوفاء به.

و اما كفاية بلوغ الثمرة حدا للنهاية فلأن ذلك نحو من التحديد.

و لعله هو المتعارف الذي يبعد عدم شمول دليل الامضاء له.

ص: 150


1- المائدة: 1.
6 - و اما عدم تقييد صحة المساقاة بما قبل بلوغ الثمرة

فلإطلاق صحيحة يعقوب المتقدمة.

و اما عدم اعتبار الحاجة إلي خصوص السقي فلان عطف الاعمار علي السقي في الصحيحة: «اسق هذا من الماء و اعمره» هو من عطف العام علي الخاص، و هو يدل علي كفاية الاعمار بأي شكل كان و لو لم يكن بالسقي. و التعبير بالمساقاة تعبير فقهي لوحظ فيه أهم افراد الاعمار و هو السقي و الا فالرواية لم تعبّر بذلك لتفهم الخصوصية للسقي.

و لو قيل باعتبار الخصوصية للسقي باعتبار انه منصوص عليه في الصحيحة يلزم ان يقال باعتبار الخصوصية أيضا للأعمار غير السقي لأنه مذكور في الصحيحة أيضا، و هو غير محتمل.

و اما الخلاف في الاكتفاء بالحاجة إلي الحفظ و القطف فلأنهما ليسا نحوا من الاعمار ليكونا مشمولين للصحيحة.

اجل بناء علي صحة التمسك بالعمومات يتوجه الحكم بالصحة و لو لم يكن ذلك بعنوان المساقاة.

7 - و اما اعتبار تعيين الحصة و كون ذلك بالكسر المشاع

فواضح بناء علي عدم جواز التمسك بالعمومات و الا فالتعيين يكون معتبرا دون كونه بالكسر المشاع، إذ مع تردد الحصة لا يمكن ثبوت وجوب الوفاء لان تعلقه بلحاظ أحد الاحتمالين دون الآخر بلا مرجح، و المردد بما هو مردد لا وجود له ليمكن تعلق وجوب الوفاء به.

ثم انه بناء علي جواز التمسك بالعمومات لا يعتبر تعيين الحصة بالكسر المشاع في باب المساقاة و لكن يلزم ذلك في باب المزارعة.

ص: 151

و وجه الفرق: انه في المزارعة فهم من مثل صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تقبل الارض بحنطة مسماة و لكن بالنصف و الثلث و الربع و الخمس لا بأس به»(1) اعتبار تعيين الحصة بالكسر المشاع و يكون ذلك بمنزلة المقيّد للعمومات، و هذا بخلافه في المساقاة، فان صحيحة يعقوب لا يفهم منها عدم الصحة عند عدم تعيين الحصة بنحو الكسر المشاع و انما ذلك موردها لا أكثر.

8 - و اما اعتبار تعيين الاعمال

فلما تقدم في المزارعة.

3 - احكام عامة في باب المساقاة

اشارة

المساقاة عقد لازم لا ينفسخ الا بالتقايل أو بالفسخ بالخيار إذا فرض اشتراطه او تخلف بعض الشروط .

و في جواز المساقاة علي الاشجار التي لا ثمر لها و انما ينتفع بورقها - كالحناء - خلاف.

و يجوز اجراء عقد المساقاة علي الاشجار التي لا تحتاج إلي السقي لاستغنائها بماء المطر و نحو ذلك ما دامت بحاجة إلي الاعمار من جهات اخري.

و لا يلزم علي العامل مباشرة العمل بنفسه بل يجوز له استيجار غيره لذلك ما دام لم تشترط عليه المباشرة.

و إذا كان البستان يشتمل علي أنواع مختلفة من الاشجار فتجوز المساقاة

ص: 152


1- وسائل الشيعة 199:13 الباب 8 من أحكام المزارعة و المساقاة الحديث 3.

علي النصف مثلا في النخيل و الربع في شجر التفاح، و هكذا.

و يجوز ان يشترط احدهما علي الآخر مضافا إلي حصته شيئا آخر، كبناء بيت له أو دفع مبلغ من النقود و ما شاكل ذلك.

و لو قال المالك للعامل: ساقيتك بالنصف ان سقي بالناضح و بالثلث ان سقي بالسيح لم تقع المساقاة صحيحة.

و المغارسة - و هي ان يدفع شخص أرضه لغيره للغرس فيها مع الاشتراك في المغروس - باطلة علي المشهور. اجل مع فرض الاشتراك في الشجر من حين العقد و قبل الغرس صحيحة.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان المساقاة لازمة لا تنفسخ الا بما ذكر

فقد تقدم ذلك في مبحث الاجارة فلاحظ .

2 - و اما الخلاف في جواز المساقاة علي الاشجار التي لا ثمر لها

فباعتبار ان مورد صحيحة يعقوب هو الشجر المثمر.

الا ان المناسب هو الحكم بالتعميم لان مورد الصحيحة و ان كان ما ذكر لكنه قد وقع في سؤال السائل و لا يفهم العرف له خصوصية فبتنقيح المناط ينبغي التعدي.

هذا لو لم نقل بجواز التمسك بالعمومات و الا فالأمر أوضح.

3 - و اما عدم توقف صحة عقد المساقاة علي الحاجة إلي السقي

فلما تقدم من ان عطف الاعمار علي السقي في صحيحة يعقوب هو من عطف العام علي الخاص، و ذلك يدل علي ان المدار في صحة المساقاة علي الحاجة إلي الاعمار بأي شكل كان من دون خصوصية للسقي.

هذا بناء علي عدم امكان التمسك بالعمومات و الا فالحكم

ص: 153

بالصحة أوضح.

4 - و اما ان العامل يجوز له استيجار غيره إذا لم تشترط عليه

المباشرة بنفسه

فواضح لان الذمة تكون مشغولة بالاعمار الكلي، و هو مما يمكن تحققه باستيجار الغير له.

5 - و اما جواز المساقاة بحصص مختلفة باختلاف الاشجار

فلانحلال العقد إلي عقود متعددة بعدد أنواع الاشجار.

6 - و اما جواز اشتراط شيء آخر اضافة إلي الحصة

فلانه بعد عدم مخالفته لمقتضي العقد و لا للكتاب و السنة الشريفين يكون اشتراطه صحيحا و واجب الوفاء بمقتضي قوله عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم»(1).

7 - و اما عدم وقوع المساقاة صحيحة في فرض كون الحصة هي

النصف ان سقي بالناضح و الثلث ان سقي سيحا

فلما تقدم من ان التردد مانع من الصحة، إذ تعلق وجوب الوفاء بأحدهما بخصوصه ترجيح بلا مرجح، و تعلقه بكليهما أمر علي خلاف مقصودهما، و المردد بما هو مردد لا وجود له ليمكن تعلق وجوب الوفاء به.

8 - و اما بطلان المغارسة

فقد علل:

تارة باقتضاء الاصل لذلك بعد عدم الدليل علي صحتها، فان عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2) ناظر إلي اثبات اللزوم للعقد الصحيح و ليس لإثبات صحة مشكوك الصحة كما هو رأي صاحب الجواهر(3).

ص: 154


1- وسائل الشيعة 353:12 الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 2.
2- المائدة: 1.
3- جواهر الكلام 59:27.

و اخري بان الاثر للإنشاء لا بدّ و ان يكون مقارنا له - كما هو المستفاد من قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ حيث يجب الوفاء بالعقد بمجرّد تحققه - و لذا لا يمكن الانشاء من الآن للبيع او الطلاق بعد يوم.

و حيث انه في باب المغارسة يصير صاحب الارض مالكا للأشجار بعد الغرس لا من حين العقد فيلزم ما ذكر من الانفكاك الذي لا دليل علي صحة العقد معه.

ص: 155

ص: 156

كتاب الشّركة

اشارة

1 - حقيقة الشركة

2 - من أحكام الشركة بالمعني الأوّل

3 - من أحكام الشركة بالمعني الثاني

ص: 157

ص: 158

1 - حقيقة الشركة

اشارة

تطلق الشركة علي معنيين:

أ - كون شيء واحد لاثنين أو أزيد بنحو الاشاعة.

ب - الاتفاق بين طرفين أو أزيد علي الاتجار بمالهم مع الاشتراك في الربح و الخسارة.

و هي بالمعني الثاني عقد، و لأجله صحّ ادراجها في العقود بخلافه بالمعني الاول فانها ليست عقدا.

و المستند في ذلك:

1 - اما تحقق الشركة بالمعني الاول

فهو من الامور الواضحة.

فالاخوة مثلا إذا ورثوا مالا او حقا كانت الشركة فيه فيما بينهم بالمعني المذكور.

و هكذا تتحقق بالمعني المذكور إذا افترض اشتراك شخصين في حيازة المباحات، كاصطياد مجموعة من الاسماك بواسطة شبكة.

او افترض امتزاج مالين لشخصين باختيار او بغيره من دون

ص: 159

تميز لأحدهما من الآخر بنحو عدّا عرفا موجودا واحدا، كامتزاج حنطة بحنطة او دقيق حنطة بدقيق حنطة او شعير. و اما إذا كان المزج بنحو لا يعدّان موجودا واحدا فلا تتحقق الشركة و ان لم يمكن التمييز، كما إذا اختلطت دنانير شخص بدنانير غيره، أو عباءة شخص بعباءة غيره، أو حنطة شخص بشعير غيره، فانه حيث لا يعدّ الخليط موجودا واحدا فلا تتحقق الشركة بل يلزم الفرز ان امكن، و ان لم يمكن الا بكلفة بالغة فمع اتفاقهما علي الصلح فلا مشكلة و الا اجبرهما الحاكم عليه.

و قيل بالمصير إلي القرعة مع عدم اتفاقهما علي الصلح. و هو جيد في مثال العباءة و الدنانير حيث لا يعرف المالك فيشخص بالقرعة لان «كل مجهول ففيه القرعة»(1) ، بخلافه في مثال اختلاط الحنطة بالشعير، فانه لا معني للمصير إلي القرعة بعد تشخص مالك الحنطة عن مالك الشعير بل يتعيّن المصير إلي الصلح ان اتفقا عليه و الا اجبرهما الحاكم عليه.

و قد يفترض تحقق الشركة بالمعني الاول أيضا فيما إذا امتلك شخصان أو أزيد شيئا واحدا بشراء أو صلح أو هبة و نحوها.

كما تتحقق أيضا بعملية التشريك المنصوص عليها في الاخبار، كمن كان عنده شيء و طلب منه غيره تشريكه فيه، بان قال له: شرّكني في نصفه بكذا مقدار، فانه إذا قبل تحققت فيه الشركة بالمعني المذكور، فاذا حصل ربح أو نقصان اشتركا في ذلك.

و الوجه فيه - مضافا إلي امكان دعوي انعقاد السيرة العقلائية1.

ص: 160


1- وسائل الشيعة 189:18 الباب 13 من أبواب كيفية الحكم الحديث 11.

عليه الممضاة بعدم ردع الشارع عنها - التمسك بصحيحة هشام بن سالم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الرجل يشارك في السلعة، قال: ان ربح فله و ان وضع فعليه»(1) و غيرها.

و الشركة في كل الأمثلة التي أشرنا إليها تتحقق بنحو الاشاعة.

و قيل بامكان تحققها أيضا في موارد اخري بنحو الكلي في المعين أو بنحو استقلال الشركاء في التصرف، كما في شركة الفقراء في الزكاة، و بني هاشم في الخمس، و الموقوف عليهم في الاوقاف العامة.

2 - و اما الشركة بالمعني الثاني

فهي مما انعقدت عليها السيرة العقلائية المتصلة بزمن المعصوم عليه السّلام الممضاة بعدم الردع عنها، و مشمولة للعمومات، كقوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2).

بل يمكن التمسك لإثبات صحتها بموثقة النوفلي عن السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان أمير المؤمنين عليه السّلام كره مشاركة اليهودي و النصراني و المجوسي الا ان تكون تجارة حاضرة لا يغيب عنها المسلم»(3) و غيرها.

و قد تقدم ان السكوني و ان لم يرد في حقه توثيق خاص الا ان دعوي الشيخ في عدته عمل الطائفة برواياته(4) كاف في التساهل من ناحيته.

و اما النوفلي فيمكن اثبات وثاقته اما من خلال و روده في اسناد

ص: 161


1- وسائل الشيعة 174:13 الباب 1 من أبواب أحكام الشركة الحديث 1.
2- المائدة: 1.
3- وسائل الشيعة 176:13 الباب 2 من أحكام الشركة الحديث 2.
4- العدة في الاصول 149:1.

تفسير القمي أو كامل الزيارات - بناء علي تمامية كبري وثاقة كل من ورد في أحد الكتابين المذكورين - أو من خلال عمل الطائفة بروايات السكوني، فانه يدل بالالتزام علي عملهم بروايات النوفلي بعد ان كان اكثر روايات السكوني واصلا بطريق النوفلي.

2 - من أحكام الشركة بالمعني الاول

اشارة

لا يجوز لبعض الشركاء التصرف في العين المشتركة بالمعني الاول الا باذن البقية.

و إذا طالب بعض الشركاء بالقسمة لزمت اجابته ان لم يلزم منها تضرر البعض أو الكل. و في حالة عدم لزومه تلزم الاجابة سواء كانت قسمة افراز - بمعني عدم احتياج المال المشترك في تقسيمه إلي تعديل سهامه لتساوي أجزائه في القيمة - أم قسمة تعديل.

و القسمة عقد لازم لا يجوز فسخها من دون تراض. و لو ادعي وقوع الغلط فيها لم يقبل ذلك الا بالبينة.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم جواز التصرف في العين المشتركة الا بموافقة بقية

الشركاء

فلعدم جواز التصرف في مال الغير الا بطيب نفسه.

2 - و اما لزوم الاجابة إلي القسمة مع عدم التضرر

فللسيرة العقلائية المنعقدة علي ان لكل مالك الحق في المطالبة بفرز ماله عن مال شريكه، و حيث لا يحتمل حدوث السيرة المذكورة في الازمنة المتأخرة بل يجزم باتصالها بزمن المعصوم عليه السّلام فتكون كاشفة عن

ص: 162

رضاه عليه السّلام بمضمونها بعد عدم ردعه عنها.

و اما استثناء حالة لزوم الضرر فلقاعدة نفي الضرر بناء علي كون المراد منها نفي الحكم الذي ينشأ منه الضرر.

3 - و اما ان لزوم الاجابة إلي القسمة لا يفرّق فيه بين شكلي

القسمة

فلعموم السيرة المتقدمة.

4 - و اما ان القسمة عقد لازم لا يجوز فسخه بدون تراض من

الاطراف

فلأصالة اللزوم في كل عقد - و قد تقدمت الاشارة إلي مستندها في باب البيع - التي يلزم التمسك بها ما دام لم يثبت بالدليل الجواز.

5 - و اما عدم قبول دعوي الغلط فيها

فلأصالة الصحة - في كل عقد لم يثبت فساده - الثابتة بالسيرة العقلائية غير المردوع عنها.

6 - و اما استثناء حالة اقامة البينة

فلان كل من ادعي شيئا علي خلاف الاصل فيمكنه اثبات دعواه باقامة البينة عليها لقوله صلّي اللّه عليه و آله: «البينة علي من ادعي و اليمين علي من ادعي عليه»(1).

و يأتي التعرض من جديد إن شاء اللّه تعالي في كتاب القضاء الي مبحث القسمة تحت عنوان «قسمة المال المشترك».

3 - من أحكام الشركة بالمعني الثاني

اشارة

لا تصح الشركة العقدية لدي المشهور الا بمزج مالي الشريكين اما قبل

ص: 163


1- وسائل الشيعة 170:18 الباب 2 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.

العقد أو بعده بنحو لا يتميزان.

و هي ذات اشكال متعددة لا تصح الا في واحد منها، و هو ما تقدم من التعاقد علي الاشتراك في ربح و خسارة المالين بعد الاتجار بهما.

و يصطلح عليها بشركة العنان.

و اما بقية أشكالها فباطلة(1) ، و هي:

أ - شركة الابدان. و هي التعاقد علي عمل كل واحد من الطرفين بصورة مستقلة و في مجاله الخاص مع اقتسام الربح الحاصل لكل واحد، كما لو قرّر حلاّقان اقتسام اجرة الحلاقة التي يحصلان عليها في كل يوم.

ب - شركة الوجوه. و هي التعاقد بين شخصين لا يملكان مالا بل وجاهة بين الناس فقط علي شراء كل واحد منهما بثمن ثابت في ذمته فقط شيئا لكلا الطرفين ثم بيعه بعد ذلك و اداء الثمن بعده و اقتسام الربح الحاصل.

ج - شركة المفاوضة. و هي التعاقد علي اقتسام كل ما يستفيده أحد الطرفين من ارث أو وصية أو ربح تجارة و نحو ذلك، و هكذا تحمل الطرفين كل ما يرد علي احدهما من خسارة.

و يلزم في الشركة العقدية الصحيحة الايجاب و القبول و البلوغ و العقل و الاختيار و عدم الحجر لسفه أو فلس.

و يتساوي الشريكان في الربح و الخسارة مع تساوي المالين، و مع الزيادة5.

ص: 164


1- و قد اتفقت كلمة اصحابنا علي ذلك علي ما في جامع المقاصد 13:8 و لم ينسب الخلاف الا الي الاسكافي فان العلامة في المختلف: 479 قد نقل عنه جواز شركة الوجوه و الاعمال. هذا ما عليه اصحابنا. و اما العامة فقد ذهب بعضهم الي جواز بعض الاشكال المذكورة فلاحظ المغني لابن قدامي 111:5.

فبالنسبة ربحا و خسارة. و لو شرطت زيادة لأحدهما فمع كونها في مقابل العمل أو زيادته فلا اشكال و الا لم يجز ذلك علي قول.

و التصدي للعمل في عقد الشركة يتبع ما تمّ الاتفاق عليه بين الطرفين، فاذا اتفقا علي تصدي احدهما فقط أو كليهما بنحو الاستقلال أو الانضمام كان السير علي طبق ذلك لازما.

و هكذا الحال بالنسبة إلي تعيين الكيفية الخاصة للعمل فانها تتبع ما تمّ الاتفاق عليه.

و عقد الشركة جائز، بمعني ثبوت الحق لكل من الشريكين في التراجع عن اذنه في التصرف.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار المزج لدي المشهور

فلا مستند له سوي الاجماع المدعي في المسألة، فان تمّ كان هو المدرك و الا فمقتضي العمومات - كقوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) - عدم الاعتبار، كما أكد ذلك السيّد اليزدي في العروة الوثقي(2).

و إذا قلت: مع افتراض تحقق المزج تكون الشركة متحققة به فما الفائدة بعد ذلك من اجراء عقد و أي شيء يترتب عليه ؟

قلت: مع افتراض تحقق المزج الموجب للإشاعة تنحصر فائدة العقد في الاذن في التصرف في المال المشترك و يكون في روحه راجعا إلي الاذن في التصرف و توكيل احدهما الآخر فيه.

و اما مع عدم تحقق المزج أو افتراض تحققه بنحو غير موجب

ص: 165


1- المائدة: 1.
2- العروة الوثقي، كتاب الشركة، المسألة 4.

للإشاعة - بناء علي انكار الاجماع رأسا أو دعوي قيامه علي اعتبار اصل المزج و لو لم يوجب الاشاعة - فمرجع العقد إلي تمليك كل واحد من الطرفين حصة من ماله للآخر.

و عليه تكون حقيقة عقد الشركة راجعة اما إلي الاذن في التصرف أو الي تمليك حصة من المال للآخر.

و علي الاول يكون معني اشتركنا: اشتركنا في الاذن في التصرف.

و علي الثاني يكون المعني: اشتركنا في الملك.

2 - و اما الوجه في صحة شركة العنان

فقد تقدم عند البحث عن حقيقة الشركة.

و اما الوجه في عدم صحة شركة الابدان فواضح علي رأي المشهور المعتبر للامتزاج الذي هو مفقود فيها. و اما بناء علي عدم اعتباره فقد قيل في وجه عدم الصحة: ان ربح العمل المستقبلي معدوم حين العقد، و تمليك المعدوم أمر غير عقلائي و تحتاج صحته إلي قيام دليل خاص عليه، و هو مفقود.

و بهذا نفسه يمكن توجيه بطلان شركة الوجوه و المفاوضة، فان المزج - بناء علي اعتباره - مفقود، و بناء علي عدمه يكون المورد من موارد تمليك المعدوم، فان ربح ما يشتري في الذمة أو الفوائد المستقبلية التي تحصل من خلال الارث أو الوصية و نحوهما مفقود حين اجراء عقد الشركة، و تمليك ذلك تمليك للمعدوم.

3 - و اما اعتبار الايجاب و القبول في الشركة العقدية الصحيحة

فلان ذلك لازم افتراض كونها عقدا.

ص: 166

و يكفي كل ما يدل عليهما، كقول احدهما: تشاركنا مع قبول الآخر، بل لا يبعد الاكتفاء بالمعاطاة، كما لو مزج المالان بقصد الاشتراك في التجارة و ما يترتب عليها من ربح أو خسارة، فانه بعد صدق العقد بذلك يشمله عموم قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1).

و اما اعتبار البلوغ و بقية الشروط فلان ذلك من الشرائط العامة في كل عقد.

4 - و اما التساوي في الربح و الخسارة مع تساوي المالين و الا

فبالنسبة

فذلك لقاعدة تبعية الربح و النماء للمال.

5 - و اما جواز اشتراط الزيادة في مقابل العمل أو زيادته

فلانه شرط سائغ و مشمول لعموم قوله عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم»(2).

6 - و اما القول بعدم جواز اشتراط الزيادة مع تساوي المالين

و العمل

فقد علل بكونه اكلا للمال بالباطل، و قد نهي عنه في قوله تعالي:

لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ (3) .

و اما وجه القول بجواز ذلك فهو التمسك بعموم «المسلمون عند شروطهم».

و دعوي انه مخالف لمقتضي العقد مدفوعة بانه مخالف لمقتضي اطلاقه لا لأصله.

7 - و اما تبعية التصدي للعمل و كيفيته لما تمّ الاتفاق عليه

فلأن عقد الشركة علي ما تقدم يرجع اما إلي الاذن في التصرف أو إلي تمليك

ص: 167


1- المائدة: 1.
2- وسائل الشيعة 353:12 الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 2.
3- النساء: 29.

الحصة، و علي كلا التقديرين يكون تحديد الاذن و التمليك أمرا راجعا إلي الآذن و المملك.

8 - و اما ان عقد الشركة جائز

فلان مرجعه - كما قلنا - اما الي الاذن في التصرف او التمليك.

اما علي التقدير الاول فالامر واضح لان من حق كل آذن التراجع عن اذنه.

و اما علي التقدير الثاني فلان كل واحد من الطرفين و ان ملك حصة من مال الآخر بسبب العقد الا ان من حقه عدم الاذن في التصرف فيها و التراجع عنها.

ص: 168

كتاب الضمان

اشارة

1 - حقيقة الضمان

2 - شرائط الضمان

3 - من أحكام الضمان

ص: 169

ص: 170

1 - حقيقة الضمان

اشارة

الضمان - بمعناه المصطلح عليه لدي فقهائنا - هو التعهد بالدين للغير بنحو ينتقل من ذمة المضمون عنه إلي ذمة الضامن.

و اما عند غيرنا فهو ضم ذمة إلي ذمة بحيث تعود ذمة الضامن و المضمون عنه مشغولتين للمضمون له و يحق له الرجوع علي ايهما شاء.

و له اطلاق بمعني ثان، و هو التعهد بالمال للغير و تحمل مسئوليته من دون اشتغال ذمة الضامن بالفعل و براءة ذمة المضمون عنه، كما هو علي المعني الاصطلاحي.

و هو مشروع بكلا معنييه.

و المستند في ذلك:

1 - اما الضمان بالمعني الاصطلاحي الذي تترتب عليه براءة ذمة

المضمون عنه بمجرد الضمان و اشتغال ذمة الضامن

فمشروعيته من بديهيات الفقه.

و يمكن التمسك لذلك بصحيحة عبد اللّه بن سنان - التي رواها

ص: 171

المشايخ الثلاثة بطرقهم الصحيحة - عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل يموت و عليه دين فيضمنه ضامن للغرماء، فقال: إذا رضي به الغرماء فقد برئت ذمة الميت»(1).

هذا في الضمان بمعناه المصطلح عندنا.

و اما بمعناه المصطلح عليه عند غيرنا فالمعروف بين الاصحاب عدم صحته حتي مع التصريح بارادته الا انه ذكر البعض امكان تصحيحه من خلال التمسك بالعمومات(2).

2 - و اما الضمان بمعناه الثاني

فهو متداول لدي العقلاء، كضمان شخص الدين للدائن ان لم يؤده المديون أو ضمان الدار لمشتريها إذا ظهرت مستحقة للغير أو ضمان الثمن للبائع ان ظهر كذلك.

3 - و اما شرعية الضمان بمعناه الاصطلاحي

فقد اتضح وجهها.

و اما شرعيته بالمعني الثاني فللسيرة العقلائية المنعقدة عليه المتصلة بزمن المعصوم عليه السّلام و الممضاة بعدم الردع. مضافا إلي امكان التمسك بعموم قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (3) بناء علي افادته اللزوم و الصحة لا خصوص اللزوم.

ص: 172


1- وسائل الشيعة 150:13 الباب 2 من أبواب أحكام الضمان الحديث 1.
2- العروة الوثقي، كتاب الضمان، المسألة 2.
3- المائدة: 1.

2 - شرائط الضمان

اشارة

يلزم لتحقق الضمان توفر:

1 - الايجاب من الضامن و القبول من المضمون له بكل ما يدل عليهما.

و لا يلزم رضا المضمون عنه.

2 - كون الضامن و المضمون له بالغين عاقلين مختارين و ليسا محجرا عليهما لسفه، بخلاف المضمون عنه، فانه لا يلزم فيه ذلك.

و يلزم أيضا عدم فلس المضمون له دون الضامن.

3 - التنجيز علي المشهور، فلا يصح لو قال انا ضامن ان اذن لي فلان أو ان لم يف المديون دينه. اجل لا يعتبر ذلك في الضمان بالمعني الثاني.

4 - ثبوت الدين في ذمة المضمون عنه فلا يصح اقرض فلانا و انا ضامن.

نعم يصح ذلك في الضمان بمعناه الثاني.

5 - تعيّن الدين و المضمون له و المضمون عنه، بمعني عدم تردده، فلا يصح ضمان أحد الدينين و لو لشخص معين علي شخص معين، و لا ضمان دين أحد الشخصين و لو لواحد معين، و لا ضمان دين أحد الشخصين و لو علي واحد معين.

و اما ما نسب إلي بعض من لزوم العلم بالمضمون عنه و المضمون له بالوصف و النسب فغريب.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار الايجاب و القبول في تحقق الضمان

فلانه نحو من المعاقدة التي لا تتم الا بذلك.

ص: 173

و اما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما فلانه بذلك يتحقق العقد فيشمله عموم قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) ، كما يتحقق بذلك عنوان الضمان فتشمله صحيحة ابن سنان المتقدمة.

2 - و اما عدم اعتبار رضا المضمون عنه

فلصحة الضمان التبرعي، الذي هو بمنزلة وفاء دين الغير تبرعا بدون ضمان حيث لا يعتبر فيه رضاه.

اجل إذا استلزم الضمان التبرعي اهانة المضمون عنه - كتبرع وضيع بضمان دين انسان شريف - حرم تكليفا و لكنه لا يلزم عدم الصحة وضعا.

3 - و اما اعتبار البلوغ و ما بعده في الضامن و المضمون له

فلأنهما طرفا العقد، و ذلك معتبر في مطلق طرفي العقد.

و اما عدم اعتبار ما ذكر في المضمون عنه فلانه اجنبي عن العقد.

علي انه إذا جاز كونه ميتا - كما هو مورد صحيحة ابن سنان المتقدمة - جاز كونه صبيا أو مجنونا أو مكرها أو سفيها لعدم الفرق، بل لعل ذلك أولي.

و اما اشتراط عدم فلس المضمون له فلان المفلس ممنوع من التصرف في أمواله و لو بنقلها، و واضح ان لازم قبوله الضمان نقل دينه من ذمة إلي ذمة.

و اما عدم اشتراط فلس الضامن فلان المفلّس ممنوع من التصرف في أعيان أمواله دون ذمته. و هل يحتمل عدم جواز اقتراضه ؟

ص: 174


1- المائدة: 1.
4 - و اما اعتبار التنجيز في نظر المشهور

فقد علّله السيد اليزدي بقوله: «لا دليل عليه بعد صدق الضمان و شمول العمومات العامة الا دعوي الاجماع في كل العقود»(1).

و اما عدم اعتباره في الضمان بالمعني الثاني فلكون القدر المتيقن من معقد الاجماع هو الضمان بالمعني الاول، و معه لا يعود مانع من التمسك بالسيرة العقلائية و العموم.

5 - و اما اعتبار ثبوت الدين في ذمة المضمون عنه

فلانه بدونه لا يمكن نقل ما في ذمته إلي ذمة اخري.

و اما عدم اشتراطه في الضمان بالمعني الثاني فلانه تعهد و تحمل للمسئولية من دون اشتماله علي نقل ما في ذمة إلي ذمة اخري ليعتبر فيه ذلك.

6 - و اما اعتبار التعيّن و عدم التردد في الدين و المضمون له

و المضمون عنه

فلانه بدونه لا يمكن تحقق القصد إلي الضمان، فان تحقق الضمان بلحاظ هذا الدين دون ذاك بلا مرجح، و بلحاظهما خلاف المقصود، و المردد بما هو مردد لا خارجية له ليمكن تحقق الضمان بلحاظه.

و هذا نفسه يجري في فرض تردد المضمون له أو المضمون عنه.

7 - و اما غرابة اعتبار العلم بوصف و نسب المضمون عنه

و المضمون له

فلان ذلك لا دليل عليه، كيف و هو غير معتبر في البيع الذي هو اكثر قيودا من سائر العقود.

ص: 175


1- العروة الوثقي، كتاب الضمان، الشرط 7 من شروط الضمان.

3 - من أحكام الضمان

اشارة

إذا ضمن الضامن باذن المضمون عنه و تحقق الاداء منه جاز له الرجوع عليه.

و إذا لم يكن باذنه أو لم يؤد لإبراء لم يجز له الرجوع عليه. بل لو تمّ التصالح علي نصف المبلغ مثلا و الابراء عن الباقي لم يجز الرجوع بالجميع بل بما أدّي.

و إذا ابرأ المضمون له ذمة الضامن برئت ذمة المضمون عنه أيضا.

و إذا ابرأ ذمة المضمون عنه كان ذلك لغوا.

و الضمان لازم من طرف الضامن و المضمون له.

و إذا أدي الضامن الدين من غير جنسه لم يجز له اجبار المضمون عنه بالدفع من خصوص جنس ما أدي.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم جواز رجوع الضامن علي المضمون عنه مع عدم

تحقق الاداء

فمما لا اشكال فيه. و يمكن استفادته من موثق عمر بن يزيد: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ضمن عن رجل ضمانا ثم صالح عليه، قال: ليس له الا الذي صالح عليه»(1) ، فانه يدل علي ان السبب في اشتغال ذمة المضمون عنه هو الاداء و قبله لا اشتغال.

هذا و قد قيل ان الحكم المذكور هو علي خلاف القاعدة فانها

ص: 176


1- وسائل الشيعة 153:13 الباب 6 من أحكام الضمان الحديث 1.

تقتضي جواز الرجوع بمجرد تحقق الضمان، إذ كما اشتغلت ذمة الضامن بمجرد الضمان كذلك يلزم بالمقابل اشتغال ذمة المضمون عنه للضامن بمجرد الضمان ادّي الضامن أو لم يؤد(1).

2 - و اما عدم جواز الرجوع مع عدم الاذن في الضمان

فلانه تبرع من الضامن لا يسوّغ رجوعه، و هو اشبه باداء دين الغير تبرعا و من دون ضمان.

3 - و اما انه لا يرجع مع الابراء أو يرجع بما ادّي في فرض الابراء من

الباقي

فلاستفادة ذلك من الموثق المتقدم.

4 - و اما براءة ذمة المضمون عنه لو ابرأ المضمون له الضامن

فواضحة، إذ البراءة للمضمون له قد تحققت بمجرد الضمان، و اما البراءة للضامن فلما تقدم من تفرع جواز الرجوع علي المضمون عنه علي الاداء.

5 - و اما ان ابراء المضمون عنه لغو فلان ذمته برئت بمجرد

الضمان

فلا معني لإبرائها.

اجل إذا فهم ان المقصود اسقاط الدين رأسا برئت بذلك ذمة الضامن.

6 - و اما ان عقد الضمان لازم

فلان رجوع الدين إلي ذمة المضمون عنه و اشتغالها به ثانيا بعد براءتها منه و انتقاله إلي ذمة الضامن يحتاج إلي دليل، و هو مفقود، و الاصل في كل عقد هو اللزوم كما تقدم في مبحث البيع.

ص: 177


1- العروة الوثقي، كتاب الضمان، المسألة 13.
7 - و اما ان الضامن لو ادّي الدين من غير جنسه فلا يجوز له

اجبار المضمون عنه بالدفع من جنس ما ادّاه

فباعتبار عدم امر المضمون عنه الضامن بذلك و انما هو تصرف تبرعي منه.

نعم مع امر المضمون عنه بذلك فللضامن الحق في ذلك لاقتضاء الامر نفسه لذلك بالسيرة العقلائية.

ص: 178

كتاب الحوالة و الكفالة

اشارة

1 - حقيقة الحوالة

2 - شرائط الحوالة

3 - من أحكام الحوالة

4 - الكفالة و بعض أحكامها

ص: 179

ص: 180

1 - حقيقة الحوالة

اشارة

الحوالة معاملة تتضمن نقل المدين ما في ذمته من دين إلي ذمة غيره باحالة الدائن عليه.

و هي مشروعة جزما.

و المعروف كونها عقدا خلافا لبعض المتأخرين حيث اختار كونها ايقاعا.

و هي متقومة بطرفين: المحيل و المحال دون المحال عليه.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان معني الحوالة ما ذكر

فهو من بديهيات الفقه.

و الفرق بينها و بين الضمان - المتضمن أيضا لنقل ما في ذمة إلي ذمة اخري - ان الحوالة معاملة بين المدين و الدائن، حيث ينقل الاول ما في ذمته إلي ذمة غيره بخلاف الضمان، فانه معاملة بين الدائن و الاجنبي، حيث ينقل الثاني ما في ذمة المدين إلي ذمته.

2 - و اما انها مشروعة

فأمر متسالم عليه.

و يمكن الاستدلال لذلك بالسيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع،

ص: 181

و بعموم قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) ، و بالروايات الخاصة، كصحيحة ابي أيوب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يحيل الرجل بالمال أ يرجع عليه ؟ قال: لا يرجع عليه أبدا الا ان يكون قد أفلس قبل ذلك»(2) و غيرها.

3 - و اما انها عقد

فلتضمنها تصرفا في مال المحتال الذي هو تحت سلطانه و في ذمة المحال عليه التي هي تحت سلطانه فيلزم قبولهما، و لا يكفي إنشاء المحيل فقط لتكون ايقاعا.

و اما كونها ايقاعا فقد اختاره السيد اليزدي قدّس سرّه، حيث قال: «الذي يقوي عندي كونها من الايقاع غاية الامر اعتبار الرضا من المحتال أو منه و من المحال عليه، و مجرد هذا لا يصيّره عقدا، و ذلك لأنها نوع من وفاء الدين و ان كانت توجب انتقال الدين من ذمته إلي ذمة المحال عليه، فهذا النقل و الانتقال نوع من الوفاء و هو لا يكون عقدا و ان احتاج إلي الرضا من الآخر، كما في الوفاء بغير الجنس، فانه يعتبر فيه رضا الدائن و مع ذلك ايقاع»(3).

و ما أفاده يمكن التأمل فيه باعتبار ان الحوالة تتضمن نقلا للدين من ذمة إلي اخري فكيف تكون وفاء.

ص: 182


1- المائدة: 1.
2- وسائل الشيعة 158:13 الباب 11 من أبواب أحكام الضمان الحديث 1. و المراد: أ يرجع المحال علي المحيل ؟ قال: لا، الا اذا اتضح ان المحال عليه كان قد حصل له الفلس قبل الحوالة. هذا هو المقصود و ان كان تعبير الصحيحة قد يوهم كون المقصود: الا ان يكون المحيل قد افلس قبل ذلك، و لكنه غير مقصود جزما لعدم مدخلية افلاس المحيل في جواز الرجوع عليه. هذا مضافا الي ان الاصحاب لم يفهموا الا ما اشرنا اليه.
3- العروة الوثقي، كتاب الحوالة، الشرط 1 من شروط الحوالة.

و مع التنزل و التسليم بكونها كالوفاء بغير الجنس فذلك لا يوجب كونها ايقاعا لان كون المقيس عليه من قبيل الايقاع اول الكلام بل هو عقد لكونه معاوضة بين الدين و الجنس الآخر.

4 - و اما تقوّمها بالمحيل و المحتال فقط

فلان المحال عليه و ان اعتبر رضاه اما مطلقا أو فيما إذا كان بريئا أو كانت الحوالة بغير الجنس الا ان ذلك لا يصيّره من أركان العقد، فان مجرد اشتراط رضاه لا يدل علي كونه طرفا و ركنا، كما هو الحال في رضا المالك في عقد الفضولي.

و قيل باحتمال اعتبار قبوله علي حدّ اعتبار قبول المحال فيكون العقد مركبا من ايجاب و قبولين. و لكنه بعيد.

و الثمرة بين اعتبار قبوله بنحو الركنية و بين اعتباره لا بنحوها انه علي الاول يعتبر في قبوله ما يعتبر في الايجاب و القبول من الموالاة و نحوها بخلافه علي الثاني.

2 - شرائط الحوالة

اشارة

يلزم في صحة الحوالة توفر:

1 - الايجاب من المحيل و القبول من المحتال بكل ما يدل عليهما.

2 - البلوغ و العقل و الاختيار و عدم الحجر لفلس أو سفه في المحيل و المحتال الا في الحوالة علي البريء فلا يعتبر عدم الحجر في المحيل.

و اما المحال عليه فلا يعتبر فيه شيء من ذلك الا إذا كانت الحوالة علي البريء أو بغير الجنس.

ص: 183

3 - التنجيز علي المشهور.

4 - ثبوت الدين في ذمة المحيل فلا يصح في غير الثابت و لو مع تحقق سببه، كمال الجعالة قبل العمل فضلا عما إذا لم يتحقق سببه، كالحوالة بما سيقترضه.

5 - عدم تردد المال المحال فلا تصح الحوالة بأحد الدينين من دون تعيين.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار الايجاب و القبول في الحوالة

فلأنها عقد. و احتمال كونها ايقاعا ضعيف علي ما تقدم.

كما تقدم ان رضا المحال عليه لو اعتبرناه فهو ليس علي حدّ القبول الركني بل علي حدّ رضا المالك في عقد الفضولي.

و اما الاكتفاء بكل ما يدل علي الايجاب و القبول فقد تقدم وجهه عند البحث عن الضمان و غيره.

2 - و اما اعتبار البلوغ و ما بعده في المحيل و المحال

فلان نقل الدين و التصرف فيه قائم بهما فيلزم فيهما ما ذكر.

3 - و اما انه في الحوالة علي البريء لا يلزم عدم الحجر في المحيل

فلانه لا يملك شيئا في ذمة المحال عليه ليمنع من التصرف فيه بل ما يصدر منه هو اشغال لذمة الغير بما ثبت في ذمته هو.

اجل يعتبر فيه البلوغ و العقل و الاختيار لعدم الاثر لعقد الصغير و المجنون و المكره.

4 - و اما ان المحال عليه لا يعتبر فيه شيء من ذلك

فلوضوح ان لمن يملك المال في ذمة الصغير و المجنون و من لم يرض بالحوالة، الحقّ في تمليكه لغيره و نقله إليه. بالرغم من فرض الصغر و الجنون

ص: 184

و عدم الرضا. و سيأتي - ان شاء اللّه تعالي - توضيح ذلك ثانية تحت عنوان «من احكام الحوالة».

و اما اعتبار ذلك فيه إذا كان بريء الذمة أو كانت الحوالة بغير الجنس فلانه بالحوالة يحصل تصرف في ذمته فلا بدّ من بلوغه و عقله و اختياره و عدم سفهه.

اجل لا يعتبر عدم فلسه إذا كان بريء الذمة لجواز اشغال المفلس ذمته بخلاف السفيه فانه ليس له اشغال ذمته بدون اذن وليه.

5 - و أما التنجيز

فلا مستند لاعتباره سوي الاجماع فان تمّ و كان كاشفا عن رأي المعصوم عليه السّلام أخذنا به و الا فلا وجه لاعتباره الا علي مستوي الاحتياط .

6 - و اما اعتبار ثبوت الدين في ذمة المحيل

فلان الحوالة نقل من المحيل الدين الثابت في ذمته الي ذمة اخري، و المعدوم لا يقبل النقل.

7 - و اما اعتبار تعيّن المحال

فلان المردد لا تحقق له ليمكن نقله من ذمة الي اخري.

3 - من أحكام الحوالة

اشارة

يعتبر في صحة الحوالة موافقة المحيل و المحال دون المحال عليه الا إذا كانت علي البريء أو بغير الجنس. و قيل باعتبار رضاه مطلقا.

و هي لازمة لا يجوز فسخها بدون التراضي الا إذا اتضح كونها علي مفلس.

و يجوز اشتراط الفسخ لكل واحد من الثلاثة.

و بتحققها تبرأ ذمة المحيل و ان لم يبرئه المحال و تشتغل ذمة المحال عليه

ص: 185

للمحال و تبرأ من اشتغالها للمحيل ان كانت الحوالة من الجنس نفسه و بمقدار مساو.

و إذا قضي المحيل الدين بعد تمامية الحوالة تبرأ بذلك ذمة المحال عليه و جاز للمحيل الرجوع عليه ان كان ذلك بطلب منه.

و يجوز الترامي في الحوالة بل و الدور فيها.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار موافقة المحيل و المحال في صحة الحوالة

فلأنها تتضمن نقل المحيل الدين الثابت في ذمته للمحال فيتوقف علي رضاهما.

و اما عدم اعتبار رضا المحال عليه فلان المال ملك للمحيل فله نقله إلي أي ذمة شاء.

و دعوي اعتبار رضاه لاختلاف الناس في كيفية الاقتضاء سهولة و صعوبة مدفوعة بعدم الدليل علي اعتبار تساوي الطرفين في كيفية الاقتضاء في صحة النقل، و لذا يصح بيع الدين و ان لم يرض المدين بالرغم من اختلاف المشتري في الاقتضاء سهولة و صعوبة.

2 - و اما استثناء حالة الحوالة علي البريء أو بغير الجنس

فلعدم ثبوت السلطنة للمحيل علي اشغال الذمة البريئة رأسا أو من الجنس الخاص.

3 - و اما وجه القول باعتبار رضا المحال عليه مطلقا

فقد اتضح مع جوابه.

4 - و اما ان الحوالة لازمة

فلأصالة اللزوم في كل عقد. مضافا إلي دلالة صحيحة ابي ايوب المتقدمة عليه فراجع.

ص: 186

و اما استثناء الحوالة علي المفلس فللصحيحة نفسها.

5 - و اما جواز اشتراط خيار الفسخ للثلاثة

فلان الحوالة و ان كانت لازمة الا ان لزومها ليس حكميا بل حقي، و معه فيمكن التمسك بعموم قوله عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم»(1).

6 - و اما براءة ذمة المحيل بمجرد تحقق الحوالة و لو مع عدم

ابراء المحال

فللصحيحة المتقدمة.

و قد يقال بالتوقف علي ابراء المحال لصحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام: «الرجل يحيل الرجل بمال كان له علي رجل آخر فيقول له الذي احتال: برئت مما لي عليك، فقال: إذا ابرأه فليس له ان يرجع عليه، و ان لم يبرئه فله ان يرجع علي الذي احاله»(2).

و الجواب: ان الصحيحة المذكورة معارضة بالصحيحة السابقة الدالة علي تحقق البراءة بالحوالة الا مع اتضاح كونها حوالة علي مفلس، و لصراحة الثانية فيما تدل عليه يلزم حمل الاولي علي بعض المحامل - تطبيقا لقاعدة متي ما اجتمع النص و الظاهر تصرف في الثاني بقرينة الاول - من قبيل ان يقال: ان المقصود من الابراء هو قبول الحوالة دون الابراء نفسه، فيراد بقوله عليه السّلام: «إذا ابرأه فليس...»: إذا قبل المحال الحوالة فليس له الرجوع علي المحيل.

7 - و اما انه بعد تحقق الحوالة تشتغل ذمة المحال عليه للمحال

و تبرأ من اشتغالها للمحيل

فلانه بعد اشتغالها للمحال - الذي هو لازم براءة ذمة المحيل من دين المحال - يلزم براءتها من الاشتغال للمحيل

ص: 187


1- وسائل الشيعة 353:12 الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 158:13 الباب 11 من أحكام الضمان الحديث 2.

لعدم احتمال اشتغالها لاثنين.

8 - و اما براءة ذمة المحال عليه بقضاء المحيل للدين مع جواز

رجوعه إليه ان لم يكن تبرعا

فلانه كقضاء شخص اجنبي آخر الدين الذي حكمه براءة ذمة المدين و جواز رجوع الاجنبي عليه ان لم يكن ذلك تبرعا، و واضح ان المحيل بعد تحقق الحوالة يصبح أجنبيا لبراءة ذمته.

9 - و اما جواز الترامي و الدور في الحوالة

فلإطلاق أدلة مشروعيتها.

4 - الكفالة و بعض أحكامها

اشارة

الكفالة - و هي التعهد باحضار المدين و تسليمه إلي الدائن عند طلبه ذلك - مشروعة، و لكنها مكروهة.

و يعتبر فيها الايجاب من الكفيل بكل ما يدل علي تعهده و التزامه و القبول من المكفول له بكل ما يدل عليه. و في اعتبار رضا المكفول خلاف.

و متي لم يحضر الكفيل المكفول في الموعد المقرر حبس حتي يحضره أو يؤدي ما عليه.

و من حق الكفيل - إذا ادي ما علي المكفول - الرجوع عليه ان كان الاداء بطلب منه.

و يلزم الكفيل التشبث بكل وسيلة مشروعة لإحضار المكفول.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان معني الكفالة ما ذكر

فمن الواضحات، فاذا اراد شخص الاقتراض فمن حق المقرض طلب الكفيل من المقترض ليقوم باحضاره

ص: 188

في الموعد المقرر. و هكذا من باع شيئا و خاف من المشتري عدم احضاره الثمن فان من حقه طلب الكفيل منه. و غير ذلك من الأمثلة.

و تفترق الكفالة عن الحوالة و الضمان في ان الاولي تعهد بالنفس بخلاف الاخيرتين فانهما تعهد بالمال.

2 - و اما انها مشروعة

فمن بديهيات الفقه.

و يمكن التمسك لإثبات ذلك بالسيرة العقلائية المنعقدة علي ذلك و الممضاة بعدم الردع، و بعموم قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، و بالروايات الخاصة، كصحيحة داود بن سرحان حيث: «سأل ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الكفيل و الرهن في بيع النسيئة، قال: لا بأس»(1).

3 - و اما كراهتها

فلحديث الامام الصادق عليه السّلام: «الكفالة خسارة غرامة ندامة»(2) و غيرها.

4 - و اما اعتبار الايجاب من الكفيل و القبول من المكفول له

فلأن ذلك مقتضي كون الكفالة عقدا قائما بالكفيل و المكفول له.

و اما رضا المكفول له فقيل بعدم اعتباره تمسكا بعموم قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (3) لصدق عقد الكفالة باتفاق الكفيل و المكفول له و لو بدون رضا المكفول.

و قيل باعتباره للشك في صدقه بدون ذلك فيلزم الرجوع إلي استصحاب عدم ترتب الاثر دون عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لكون المورد من الشبهة المصداقية.

ص: 189


1- وسائل الشيعة 155:13 الباب 8 من أحكام الضمان الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 154:13 الباب 7 من أحكام الضمان 2.
3- المائدة: 1.

فالخلاف علي هذا ينشأ من كون رضا المكفول علي تقدير اعتباره هل هو شرط في الصحة لينفي بالاطلاق مع الشك في اعتباره أو ركن لكي لا تتحقق الكفالة بدونه.

و مال صاحب الجواهر قدّس سرّه إلي اعتبار رضا المكفول باعتبار ان الركنية محتملة، و ذلك يكفي لعدم صحة التمسك بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1).

5 - و اما جواز حبس الكفيل مع عدم احضاره المكفول في الموعد

المقرر

فلموثقة عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «أتي أمير المؤمنين برجل قد تكفّل بنفس رجل فحبسه و قال: اطلب صاحبك»(2) و غيرها.

و اما الاكتفاء باداء الكفيل الدين في تخلية سبيله فلانه معه تفرغ ذمة المدين و لا يعود موجب لبقاء الكفالة.

6 - و اما جواز رجوع الكفيل علي المكفول لو كان اداؤه الدين

بطلب منه

فلدلالة الطلب نفسه علي ذلك بالسيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع.

و اما عدم جواز الرجوع مع عدم الطلب فلعدم الموجب.

7 - و اما لزوم التشبث بكل وسيلة مشروعة لإحضار المكفول

فلانه مقتضي وجوب مقدمة الواجب و لو عقلا.

ص: 190


1- جواهر الكلام 188:26.
2- وسائل الشيعة 156:13 الباب 9 من أحكام الضمان الحديث 1.

كتاب الصّلح

اشارة

1 - حقيقة الصلح

2 - شرائط الصلح

3 - من أحكام الصلح

ص: 191

ص: 192

1 - حقيقة الصلح

اشارة

الصلح معاملة مضمونها التسالم بين شخصين علي تمليك مال أو اسقاط دين أو حق بعوض أو مجانا.

و لا اشكال في مشروعيته.

و هو عقد مستقل بنفسه و لا يرجع إلي سائر العقود و ان افاد فائدتها.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان حقيقة الصلح

هي التسالم المذكور فلفهم ذلك منه عرفا.

2 - و اما انه عقد مشروع

فهو من بديهيات الفقه.

و قد يستفاد ذلك من قوله تعالي: وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ (1) ، و عموم قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2).

و يدل علي ذلك بوضوح قول الامام الصادق عليه السّلام في صحيح

ص: 193


1- النساء: 128.
2- المائدة: 1.

حفص بن البختري: «الصلح جائز بين الناس»(1) ، و صحيح الحلبي:

«الرجل يكون عليه الشيء فيصالح فقال: إذا كان بطيب نفس من صاحبه فلا بأس»(2) و غيرهما.

هذا كله مضافا إلي انعقاد السيرة العقلائية الممضاة عليه.

3 - و اما انه عقد مستقل و لا يرجع إلي غيره و ان افاد فائدته

فلأن ما يفهم من عنوانه عرفا شيء مغاير للمفهوم من سائر المعاملات.

بل ان نفس اثبات احكام خاصة لعنوانه الخاص في النصوص يدل علي كونه شيئا مغايرا لغيره.

و في تسالم الاصحاب علي عدم اشتراط معلومية المصالح عليه و اشتراطهم لها في عوضي البيع دلالة واضحة علي ارتكاز المغايرة عندهم.

و عليه فهو و ان افاد فائدة البيع إذا كان علي عين بعوض و فائدة الهبة إذا كان علي عين بلا عوض و فائدة الاجارة إذا كان علي منفعة بعوض و فائدة الابراء إذا كان علي اسقاط حق أو دين الا ان ذلك لا يستلزم كونه نفسها، فان الاشتراك في النتيجة بين شيئين لا يدل علي كونهما واحدا.

و عليه فاحكام بقية العقود و شرائطها لا يمكن تسريتها إليه، فما أفاد فائدة البيع لا تلحقه أحكامه من الخيارات الخاصة و اعتبار قبض العوضين في المجلس إذا تعلق بمعاوضة النقدين، و ما افاد فائدة الهبة لا يعتبر فيه قبض العين كما هو معتبر فيها.

ص: 194


1- وسائل الشيعة 164:13 الباب 3 من أحكام الصلح الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 166:13 الباب 5 من أحكام الصلح الحديث 3.

و منه يتضح ان ما هو المنسوب إلي شيخ الطائفة من كون الصلح بيعا تارة و هبة اخري و...(1) قابل للتأمل.

2 - شرائط الصلح

اشارة

يلزم في تحقق الصلح توفر:

1 - الايجاب و القبول مطلقا حتي إذا كان مفيدا للإبراء. و يكفي فيهما كل ما يدل عليهما.

2 - ان لا يكون مستلزما لتحليل محرم أو بالعكس.

3 - البلوغ و العقل و القصد و الاختيار في المتصالحين. و هكذا عدم الحجر لفلس أو سفه في من تقتضي المصالحة التصرف في ماله.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار الايجاب و القبول في الصلح

فلكونه عقدا.

و اما ان ذلك معتبر فيه حتي إذا أفاد فائدة الابراء فلان ذلك مقتضي كونه عقدا مستقلا.

و اما انه يكفي كل ما يدل علي الايجاب و القبول فلأنه بذلك يصدق عنوان الصلح فتشمله الاطلاقات العامة و الخاصة.

2 - و اما اعتبار عدم استلزامه لتحليل الحرام و بالعكس

فلعدم احتمال امضاء الشارع للمعاملة المتضمنة لذلك.

و في موثقة اسحاق بن عمار عن الامام الصادق عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام

ص: 195


1- المبسوط 288:2.

ان علي بن ابي طالب عليه السّلام كان يقول: «من شرط لامرأته شرطا فليف لها به، فان المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما»(1) ، فانه ان لم يفهم من الشرط ما يشمل مطلق المعاملة فبالامكان التعدي من باب تنقيح المناط و الغاء الخصوصية.

و في مرسلة الشيخ الصدوق قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «البينة علي المدعي و اليمين علي المدعي عليه. و الصلح جائز بين المسلمين الا صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا»(2).

و هي حجة بناء علي تمامية التفصيل في مراسيل الصدوق بين ما إذا كانت بلسان روي فلا تكون حجة و بين ما إذا كانت بلسان قال فتكون حجة، فانه بناء علي هذا تكون حجة - لأنها بلسان قال - فضلا عمّا إذا بني علي الكبري القائلة بحجية جميع روايات الشيخ الصدوق في كتابه كتاب من لا يحضره الفقيه لوجوه تقدمت في كتاب البيع عند البحث عن حرمة القمار.

3 - و اما اعتبار البلوغ و ما بعده

فلكون ذلك من الشرائط العامة.

3 - من أحكام الصلح

اشارة

لا يلزم في جواز الصلح وجود نزاع مسبق.

و تجوز الاستعانة به في كل مورد الا إذا استلزم تحريم الحلال أو بالعكس.

ص: 196


1- وسائل الشيعة 354:12 الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 5.
2- وسائل الشيعة 164:13 الباب 3 من أحكام الصلح الحديث 2.

و هو عقد لازم لا ينفسخ الا بالاقالة أو بفسخ من جعل له حق الفسخ منهما اثناءه.

و تغتفر الجهالة في الصلح حتي مع امكان معرفة المصالح عليه بشكل تام و من دون مشقة.

و في جواز التصالح علي الجنس الربوي بمماثله مع التفاضل خلاف.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم اعتبار النزاع المسبق في صحة الصلح

فلان ذلك من قبيل حكمة التشريع التي لا تمنع من التمسك باطلاق الدليل. و لفظ الصلح و ان كان مشعرا باعتبار سبق ذلك الا انه ليس بشكل يمنع من التمسك بالاطلاق.

2 - و اما جواز الاستعانة بالصلح في كل مورد

فلإطلاق دليل مشروعيته.

و اما اعتبار ان لا يكون مستلزما لتحريم حلال و بالعكس فلما تقدم.

3 - و اما انه عقد لازم

فلأصالة اللزوم في كل عقد التي تقدم مدركها في مبحث البيع.

و اما جواز الفسخ بالاقالة و الخيار فلان لزوم الصلح حقي لا حكمي.

4 - و اما اغتفار الجهالة - خلافا للمنسوب إلي الشافعي من اعتبار

العلم في المصالح عليه و المصالح به

(1) - فلإطلاق صحيح حفص

ص: 197


1- جواهر الكلام 218:26.

و صحيح الحلبي السابقين.

و مع التنزل و افتراض نظرهما إلي أصل التشريع دون الخصوصيات يمكن التمسك بصحيح محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «في رجلين كان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه و لا يدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه فقال كل واحد منهما لصاحبه: لك ما عندك ولي ما عندي فقال: لا بأس بذلك إذا تراضيا و طابت أنفسهما»(1).

و احتمال ان المنظور للحديث الابراء دون الصلح مدفوع بان ظاهره المعاوضة التي لا مجال لها الا في الصلح.

5 - و اما ان الجهالة مغتفرة حتي مع امكان تحصيل العلم

فللإطلاق أيضا.

6 - و اما الخلاف في جواز التصالح علي الجنس الربوي بمماثله

مع التفاضل

فيستند إلي الاخبار الدالة علي اعتبار المماثلة، فانه قد يدعي انصرافها إلي خصوص البيع فيلزم اختصاص التحريم به و قد ينكر ذلك و يتمسك باطلاقها فيلزم تعميم التحريم للصلح أيضا.

و من تلك الاخبار صحيحة محمد بن مسلم و زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «الحنطة بالدقيق مثلا بمثل، و السويق بالسويق مثلا بمثل، و الشعير بالحنطة مثلا بمثل لا بأس به»(2).

و صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الفضة بالفضة مثلا بمثل،

ص: 198


1- وسائل الشيعة 166:13 الباب 5 من أحكام الصلح الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 440:12 الباب 9 من أبواب الربا الحديث 2.

و الذهب بالذهب مثلا بمثل ليس فيه زيادة و لا نقصان»(1).

و صحيحة الوليد بن صبيح: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام: الذهب بالذهب، و الفضة بالفضة الفضل بينهما هو الربا المنكر هو الربا المنكر»(2).2.

ص: 199


1- وسائل الشيعة 456:12 الباب 1 من أبواب الصرف الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 457:12 الباب 1 من أبواب الصرف الحديث 2.

ص: 200

كتاب الوكالة

اشارة

1 - حقيقة الوكالة

2 - من أحكام الوكالة

ص: 201

ص: 202

1 - حقيقة الوكالة

اشارة

الوكالة عقد يتضمن تسليط الغير علي معاملة أو ما هو من شئونها كالقبض و الاقباض.

و هي أمر يغاير الاذن و النيابة.

و لا شك في مشروعيتها.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الوكالة عقد

فهو المشهور. و خالف في ذلك السيد اليزدي فاختار عدم توقف تحققها علي القبول، بدليل انه لو قال الموكل للوكيل: وكلتك في بيع داري فباعها صحّ البيع حتي مع الغفلة عن قصد النيابة و إنشاء القبول بالبيع. و أيضا لو كانت عقدا لزم مقارنة القبول لإيجابها، و الحال ان من الجائز توكيل الغائب الذي يصله خبر الوكالة بعد فترة.

ثم ذكر قدّس سرّه: ان هذا لا يعني ان القبول لو تحقق بعد الايجاب فلا تكون عقدا، بل المقصود ان بالامكان وقوعها بنحو الايقاع تارة

ص: 203

و بنحو العقد اخري(1).

هذا و المناسب كونها عقدا لقضاء الارتكاز العقلائي بتوقف تحققها علي القبول، و الذي لا يحتاج إلي ذلك هو الاذن، و هما شيئان متغايران و ليسا شيئا واحدا.

و صحة البيع التي أشار إليها في القرينة الاولي تحتمل ان تكون من جهة الاذن دون الوكالة.

و الموالاة بين الايجاب و القبول التي اشار إليها في القرينة الثانية لم يثبت اعتبارها في العقد بشكل مطلق لو سلم بثبوت اعتبارها في الجملة.

و ما ذكره من تحققها احيانا بالايجاب و القبول معا غير واضح، إذ لو كان الايجاب كافيا في تحققها فلا دور لضم القبول، و من ثمّ يلزم ان تكون ايقاعا دائما.

2 - و اما انها تسليط يتضمن ما ذكر

فلان ذلك هو المفهوم منها عرفا.

و اما تخصيصها بالتسليط علي المعاملة و ما هو من شئونها دون جميع الاشياء فلما يأتي من اختصاص الوكالة بالاشياء التي لم يعتبر الشارع فيها الصدور بالمباشرة، و ليست تلك الا المعاملة و القبض و الاقباض.

3 - و اما ان الوكالة امر يغاير الاذن

فواضح، فان الاذن لا يتوقف تحققه علي القبول بخلاف الوكالة.

ص: 204


1- ملحقات العروة الوثقي 119:2.

و الوكالة تنفسخ بفسخ الوكيل، بخلاف الاذن، فانه لا يرتفع برفض الماذون.

و تصرف الوكيل يقع صحيحا و ان عزله الموكل ما دام لم يبلغه خبر العزل، بخلافه في الاذن، فان التصرف يقع باطلا مع التراجع و ان لم يبلغ الماذون ذلك.

4 - و اما مغايرة الوكالة للنيابة

فواضحة أيضا، إذ في الوكالة ينتسب الفعل الي الموكل، بخلافه في النيابة، فالحج الآتي به النائب لا ينتسب إلي المنوب عنه، بخلافه في مثل البيع الذي يأتي به الوكيل، فانه ينتسب إلي الموكل.

و النيابة قد تقع تبرعية، بخلاف الوكالة، فانه لا يتصور فيها ذلك.

5 - و اما مشروعية الوكالة

فهي من البديهيات لاستقرار سيرة العقلاء و نظامهم عليها.

و في صحيح معاوية بن وهب و جابر بن يزيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«من وكّل رجلا علي امضاء امر من الامور فالوكالة ثابتة ابدا حتي يعلمه بالخروج منها كما اعلمه بالدخول فيها»(1).

و قد يستدل علي ذلك بقوله تعالي: فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ (2) ، اِذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا (3). و لكنه كما تري.

و اما عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (4) فلا يمكن التمسك به في المقام

ص: 205


1- وسائل الشيعة 285:13 الباب 1 من أحكام الوكالة الحديث 1.
2- الكهف: 19.
3- يوسف: 93.
4- المائدة: 1.

للتسالم علي جواز الوكالة و عدم لزومها.

2 - من أحكام الوكالة

اشارة

يعتبر في الوكالة الايجاب و القبول بكل ما يدل عليهما.

و تتحقق بكتابة الموكل إلي الوكيل - و لو كان في بلد آخر - متي ما قبل و لو بعد فترة.

و المشهور عدم جواز التعليق فيها و ان جاز في متعلقها.

و هي من العقود الجائزة و لكن الوكيل لو تصرف قبل بلوغه عزل الموكل وقع تصرفه صحيحا.

و تلزم متي ما تحقق اشتراطها ضمن عقد لازم بنحو شرط النتيجة.

و إذا اشترط عدم العزل ضمن عقد الوكالة فقد قيل بلزومها أيضا.

و تبطل بموت الموكل و جنونه و اغمائه.

و تصح في كل ما لا يتعلق غرض الشارع بايقاعه مباشرة. و يعرف ذلك من بناء العرف و ارتكاز المتشرعة.

و لا يحق للوكيل التعدي عما حدّد له الا إذا كان المفهوم عرفا ان المذكور هو من باب احد الافراد و ليس من باب التحديد.

و لا يضمن الوكيل ما يتلف الا إذا تعدّي أو فرّط . و لا تبطل بذلك وكالته.

و عند الاختلاف في تحقق التعدي و التفريط يؤخذ بقول الوكيل مع يمينه و عدم البينة للموكل.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار الايجاب و القبول في تحقق الوكالة

فلأنها عقد.

ص: 206

2 - و اما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما

فلإطلاق دليل شرعيتها بعد فرض تحققها.

و منه يتضح الوجه في تحققها بالكتابة.

و التسالم علي اعتبار الموالاة في العقود ان فرض تحققه فلا يجزم بشموله للوكالة ان لم يدع الجزم بعدم شموله لها.

3 - و اما عدم جواز التعليق في الوكالة نفسها

فقد علّله صاحب الجواهر بالإجماع القائم بكلا قسميه علي عدم جواز التعليق في مطلق العقود(1).

و يمكن ان يقال: انه لا يمكن الجزم بشمول الاجماع المذكور لمثل الوكالة، و القدر المتيقن منه هو البيع و الاجارة و ما شاكلهما من المعاوضات، كما نبه عليه السيد اليزدي(2) ، و معه يعود اطلاق دليل شرعية الوكالة بلا مانع يمنع من التمسك به.

4 - و اما جواز التعليق في متعلق الوكالة دونها

- كما إذا قال الموكّل: انت وكيلي من الآن في بيع داري متي ما ارتفع سعرها - فواضح لان الاجماع علي عدم جواز التعليق في الوكالة ان ثبت فهو ناظر الي تعليق الوكالة نفسها دون حالة التعليق في متعلقها مع فرض اطلاقها، و لا أقلّ من كون ذلك هو القدر المتيقن منه فيعود دليل شرعية الوكالة بلا مانع يمنع من التمسك باطلاقه.

5 - و اما ان الوكالة من العقود الجائزة

فقد ادعي عدم الخلاف فيه.

و صحيح معاوية و جابر المتقدم واضح الدلالة علي ذلك، الا انه خاص

ص: 207


1- جواهر الكلام 352:27.
2- ملحقات العروة الوثقي 121:2.

بتراجع الموكل فلا بدّ من ضم عدم القول بالفصل أو دعوي تنقيح المناط و الغاء الخصوصية.

6 - و اما صحة تصرف الوكيل مع عزل الموكل له ما دام لم يبلغه

خبر العزل

فقد دل عليه الصحيح المتقدم و غيره.

و يظهر من خلال بعض النصوص ان المسألة كانت محل خلاف بيننا و بين غيرنا، فغيرنا كان يفصّل بين النكاح فيبطل بالعزل و لو لم يصل خبره إلي الوكيل و بين غيره فلا يبطل، ففي الحديث ان العلاء بن سيابة سأل الامام الصادق عليه السّلام عن حكم المسألة فأجابه بصحة فعل الوكيل ما دام لم يصله خبر العزل. ثم سأل الامام عليه السّلام العلاء قائلا: «ما يقول من قبلكم في ذلك ؟... قلت: نعم يزعمون انها لو وكّلت رجلا و اشهدت في الملأ و قالت في الخلاء(1): اشهدوا اني قد عزلته أبطلت(2) وكالته بلا ان تعلم في العزل، و ينقضون جميع ما فعل الوكيل في النكاح خاصة، و في غيره لا يبطلون الوكالة الا ان يعلم الوكيل بالعزل، و يقولون: المال منه عوض لصاحبه و الفرج ليس منه عوض إذا وقع منه ولد فقال عليه السّلام: سبحان اللّه ما أجور هذا الحكم و أفسده، ان النكاح احري و احري ان يحتاط فيه و هو فرج و منه يكون الولد...»(3).

7 - و اما لزوم الوكالة متي ما تحقق اشتراطها ضمن عقد لازم

بنحو شرط النتيجة

- كما لو اشترطت الزوجة في عقد نكاحها ان تكون وكيلة عن زوجها في طلاق نفسها متي ما سجن أو ساء خلقه أو غير

ص: 208


1- في تهذيب الاحكام 215:6 و الفقيه 48:3: و قالت في الملأ.
2- في تهذيب الاحكام 215:6: بطلت وكالته و ان لم يعلم العزل.
3- وسائل الشيعة 286:13 الباب 2 من أحكام الوكالة الحديث 2.

ذلك - فهو المشهور لأنها و ان كانت جائزة في حدّ نفسها الا ان ذلك لا ينافي لزومها بسبب الاشتراط .

اجل تردد المحقق في كتاب الرهن من شرائعه فيما لو اشترطت في عقد الرهن وكالة المرتهن في بيع العين المرهونة متي لم يتم تسديد القرض في الموعد المقرر(1) ، الا انه كما تري.

هذا و قد زاد بعض الاعلام قائلا: لو اشترطت الوكالة ضمن العقد الجائز لزم العمل بالشرط ما دام العقد باقيا و ان جاز فسخ العقد فيزول لزوم الشرط بالتبع(2).

ثم انه إذا افترض اشتراط الوكالة ضمن عقد لازم بنحو شرط الفعل كان العمل بالشرط واجبا تكليفا الا انه لو عصي المشترط عليه فلا يلزم سوي الاثم و لا تتحقق الوكالة.

8 - و اما القول بلزومها لو اشترط عدم العزل ضمن عقد الوكالة

فهو من جهة لزوم العمل بالشرط

بمقتضي قوله عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم»(3).

و توهم لزوم الدور مندفع بان لزوم الشرط ليس موقوفا علي بقاء الوكالة بل علي ايقاع عقدها و قد حصل.

9 - و اما انها تبطل بموت الموكل و جنونه و اغمائه

فقد قيل: انه لا مستند له سوي الاجماع(4).

الا انه يمكن ان يقال: ان الوكالة هي في روحها اذن خاص تترتب

ص: 209


1- شرائع الإسلام 334:2 انتشارات استقلال.
2- ملحقات العروة الوثقي 122:2.
3- وسائل الشيعة 353:12 الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 2.
4- جواهر الكلام 362:27.

عليه بعض الخصوصيات، و معه فمن المناسب بطلانها بما ذكر لزوال الاذن بذلك.

لا يقال: علي هذا يلزم الحكم ببطلان الوكالة في حالة نوم الموكل.

فانه يقال: الوجدان قاض بالفرق، و لذا لو كان الاذن لا بنحو الوكالة يحكم بزوالها و عدم جواز التصرف بالموت و نحوه دون طرو النوم.

10 - و اما صحة الوكالة في خصوص ما لا يتعلق غرض الشارع

بايقاعه بالمباشرة - كالوضوء و الغسل مثلا

- فواضح و الا يلزم خلف الفرض.

و اما وجه الاستناد إلي ارتكاز المتشرعة في تحديد مطلوبية المباشرة فلان الارتكاز المذكور يكشف عن وصول مضمونه يدا بيد من الامام عليه السّلام بعد افتراض عدم احتمال وجود منشأ آخر له غير ذلك.

و اما الاستناد الي العرف في ذلك أيضا فلحجية ما يفهمه من النص من خلال تحكيم مناسبات الحكم و الموضوع و غيرها من القرائن.

11 - و اما انه لا يحق للوكيل التعدي عما حدد له

فلان الوكالة ترجع في روحها إلي الاذن فلا بد من الاقتصار علي حدودها.

12 - و اما عدم ضمان الوكيل إذا لم يتعد و لم يفرّط

فلانه امين، و هو لا يضمن الا بذلك.

و اما انه لا تبطل الوكالة بالتعدي و التفريط فلان جعلها من الموكل لم يكن محدّدا بما إذا لم يحصل ذلك.

13 - و اما تقديم قول الوكيل عند الاختلاف في تحقق التعدي أو

التفريط

فلموافقة قوله الاصل فيحتاج المدعي لخلاف ذلك في اثبات دعواه إلي البينة فإذا لم تكن قدّم قول من وافق قوله الاصل مع اليمين.

ص: 210

كتاب المضاربة

اشارة

1 - حقيقة المضاربة

2 - شرائط المضاربة

3 - من أحكام المضاربة

ص: 211

ص: 212

1 - حقيقة المضاربة

اشارة

المضاربة معاملة بين طرفين تتضمن دفع المال من أحدهما و العمل من الآخر مع اقتسام الربح.

و هي مشروعة جزما.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان معني المضاربة ما ذكر

فهو من المسلمات التي لا خلاف فيها.

اجل عرّفها جمع - كصاحب الجواهر و العروة الوثقي - بدفع الانسان مالا إلي غيره ليتجر به علي ان يكون الربح بينهما(1).

و الاولي ما ذكرناه لأنها معاملة و تعاقد بين طرفين يتضمن دفع المال من احدهما و ليست دفع المال نفسه الذي هو فعل خارجي.

و فرقها عن القرض ان المال علي فرض القرض ينتقل جميعه

ص: 213


1- جواهر الكلام 338:26، و العروة الوثقي: بداية كتاب المضاربة.

إلي الطرف الثاني مقابل ضمانه لما يساويه، بخلافه علي فرض المضاربة، فان المال يبقي علي ملك مالكه و يعمل العامل فيه مقابل قسم من الربح.

و فرقها عن الاجارة ان الارباح علي فرض الاجارة تكون بأجمعها للمالك، و للعامل الاجرة، بخلافه في المضاربة، فان الارباح من البداية تكون بين الطرفين حسب الاتفاق.

2 - و اما مشروعيتها فمما لا كلام فيها.

و تدل علي ذلك نصوص كثيرة، كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «سألته عن الرجل يعطي المال مضاربة و ينهي ان يخرج به فخرج، قال: يضمن المال، و الربح بينهما»(1) و غيرها.

و هي صحيحة بكلا طريقيها فراجع.

و يظهر منها ان صحة المضاربة في الجملة امر مفروغ منه و ان السؤال وقع عن بعض خصوصياتها.

و هل يمكن التمسك لإثبات صحتها بالعمومات من قبيل قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2) و نحوه ؟

ان هذا سؤال تقدم الجواب عنه في مبحث المزارعة و ذكرنا ان المشهور قال بجواز ذلك خلافا لبعض حيث اختار عدم جواز ذلك.

و قد تقدم ان النزاع المذكور تترتب عليه جملة من الثمرات.

ص: 214


1- وسائل الشيعة 281:13 الباب 1 من أبواب أحكام المضاربة الحديث 1.
2- المائدة: 1.

2 - شرائط المضاربة

اشارة

يلزم في تحقق المضاربة توفر:

1 - الايجاب من المالك و القبول من العامل بكل ما يدل عليهما و لو بالمعاطاة.

2 - البلوغ و العقل و الاختيار في المالك و العامل. و يلزم في المالك أن لا يكون محجورا عليه لسفه أو فلس.

3 - تعيين الحصة و عدم ترددها، و ان يكون تعيينها بنحو الكسر المشاع الا اذا افترض وجود تعارف خارجي يوجب انصراف الاطلاق إليه.

4 - كون الربح بينهما، فلا يصح جعل مقدار منه لأجنبي الا مع افتراض قيامه بعمل.

5 - ان يكون الاسترباح بالتجارة، فلو دفع إلي شخص مال ليشتري به سيارة لحمل المسافرين مع اقتسام الاجرة او دفع إلي خباز أو بقال و نحوهما مال ليصرف في حرفتهم مع اقتسام الارباح لم يكن ذلك مضاربة.

6 - قدرة العامل علي مباشرة التجارة بنفسه إذا اشترط عليه ذلك.

7 - ان يكون رأس المال عينا و ليس دينا، فلو كان لشخص علي آخر دين لم يجز جعله مضاربة الا بعد قبضه.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار الايجاب و القبول في المضاربة

فواضح بعد كونها عقدا.

ص: 215

و اما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما فللتمسك باطلاق ادلة مشروعيتها بعد فرض تحقق الدلالة عليها.

و من ذلك يتضح الوجه في تحققها بالمعاطاة.

2 - و اما اعتبار البلوغ و العقل و الاختيار في المالك و العامل

فلأنها من الشرائط العامة المعتبرة في كل عقد.

و اما اعتبار عدم الحجر علي المالك فلانه من خلال المضاربة يتحقق منه التصرف في أمواله، و شرط جواز ذلك عدم الحجر.

و اما عدم اعتبار ذلك في العامل فباعتبار انه لا يتحقق منه تصرف في ماله و انما يحاول تحصيل مال و ذلك ليس ممنوعا منه.

هذا و قد تقدم في كتاب المزارعة وجود رأي يعتبر ذلك في العامل أيضا.

3 - و اما اعتبار تعيين الحصة و عدم ترددها

فلان الحصة المرددة لا وجود لها ليمكن تمليكها للعامل.

و هل يلزم تعيين الحصة بمعني معلوميتها و عدم كونها مجهولة، كما لو قال المالك: ضاربتك بحصة تساوي الحصة المجعولة في مضاربة فلان مع افتراض انهما يجهلان ذلك ؟

المشهور ذلك لحديث: نهي النبي صلّي اللّه عليه و آله عن الغرر(1).

و المناسب عدم اعتبار ذلك لما تقدم في مبحث الاجارة من ضعف الحديث سندا بل لم يثبت كونه رواية.

4 - و اما اعتبار كون تعيين الحصة بالكسر المشاع

فلان ذلك

ص: 216


1- تذكرة الفقهاء، كتاب الاجارة، المسألة 2 من الركن 3 في الفصل 2.

مقوّم لمفهوم المضاربة، إذ لو عينت لا بذلك - كما لو قال المالك:

ضاربتك علي ان يكون لك مائة دينار - كان المورد مصداقا للإجارة أو الجعالة.

و اما كفاية الانصراف فلأن به يتحقق التعيين.

5 - و اما اعتبار كون الربح بينهما و عدم صحة جعل قسم منه

لأجنبي

فلأن ظاهر روايات المضاربة كون الربح بينهما لا غير.

علي انه يكفي الشك في جواز الجعل للأجنبي في الحكم بعدم الجواز بناء علي رأي المشهور القائل بعدم امكان التمسك بالعمومات لإثبات صحة المضاربة.

و اما استثناء حالة قيام الاجنبي بعمل فلأنه بفرض قيامه بعمل يكون عاملا آخر في المضاربة، و من ثمّ سوف تكون المضاربة بين المالك و عاملين، و ذلك مما لا محذور فيه كما سيأتي إن شاء اللّه تعالي.

6 - و اما اعتبار كون الاسترباح بالتجارة

فلان ذلك دخيل في مفهوم المضاربة.

و لا أقل من احتمال ذلك، و يكفي ذلك، حيث يلزم الرجوع إلي اصالة عدم ترتب الاثر.

و هل يمكن تصحيح المعاملة - التي لا يكون الاسترباح فيها بالتجارة - بواسطة العمومات ؟

نعم يمكن ذلك بناء علي رأي المشهور القائل بامكان تصحيح المضاربة و ما شاكلها من خلال العمومات.

7 - و اما اعتبار قدرة العامل علي المباشرة إذا كانت مقصودة

فلأنه بدون ذلك لا يمكن تحقق القصد إلي المعاملة و لا يمكن تعلق

ص: 217

وجوب الوفاء بها.

و هذا مطلب سار في كل معاملة و لا يختص بالمضاربة.

8 - و اما اعتبار كون رأس المال عينا و ليس بدين

فللقصور في المقتضي و وجود المانع.

اما القصور في المقتضي فلان عنوان اعطاء المال المذكور في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة و غيرها ظاهر في دفع العين و لا يشمل الدين. و لا أقلّ من الشك فلا يمكن التمسك بها لإثبات مشروعيتها.

و اما المانع فهو موثقة السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل له علي رجل مال فيتقاضاه و لا يكون عنده فيقول: هو عندك مضاربة، قال: لا يصلح حتي تقبضه منه»(1).

و هي معتبرة السند بطرقها الاربع فراجع.

و السكوني و النوفلي و ان لم يوثقا بشكل خاص الا ان بالامكان التساهل في امرهما لبيان مرّ في بعض الأبحاث.

هذا و قد نسب إلي المشهور اعتبار ان يكون رأس المال من الذهب و الفضة المسكوكين و ادعي الاجماع علي ذلك.

الا ان المناسب التعميم للأوراق النقدية لصدق عنوان المال - المذكور في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة و غيرها - عليها.

و الاجماع المدعي - بمعني الاتفاق الكاشف عن رأي المعصوم عليه السّلام - لم يثبت تحققه.

ص: 218


1- وسائل الشيعة 187:13 الباب 5 من أبواب أحكام المضاربة الحديث 1.

3 - من أحكام المضاربة

اشارة

عقد المضاربة جائز و يحق للطرفين التراجع عنه متي شاءا الا إذا اشترط عدم الفسخ الي فترة محددة.

و مع تحقق الخسارة في التجارة لا يضمن العامل منها شيئا الا إذا تجاوز الحدّ المقرر له.

و إذا اشترط المالك تقسيم الخسارة كان الشرط صحيحا علي قول.

و لا يحق للعامل خلط رأس المال بمال آخر لنفسه أو غيره الا مع كسب الاذن من المالك.

و إذا حدّد المالك كيفية التصرف بالمال لزم السير علي طبقها و الا لزم السير علي طبق ما هو المتعارف.

و يجوز تعدد العامل في باب المضاربة مع اتحاد المالك سواء اتحد المال أم تميز.

و تبطل المضاربة بموت كل من العامل أو المالك.

و الربح وقاية لرأس المال، فلو ربح العامل في تجارة و خسر في اخري بعدها او حصل تلف جبر ذلك بالربح.

و العامل يملك حصته من الربح بمجرد ظهوره من غير توقف علي الانضاض - بمعني تحويل الاجناس إلي نقود - أو القسمة.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان عقد المضاربة جائز بالرغم من ان المناسب

لأصالة اللزوم في مطلق العقود لزومه فعلل تارة بالإجماع و انه الحجة في

ص: 219

الخروج عن قاعدة اللزوم، و اخري بان عقد المضاربة يرجع في روحه إلي الاذن في التصرف من احدهما و القبول من الآخر كالعارية، و للآذن التراجع عن اذنه متي شاء.

2 - و اما ان المضاربة تلزم باشتراط عدم الفسخ

فلوجوب الوفاء بالشرط المستفاد من قوله عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم»(1).

و دعوي ان الشرط باطل لمنافاته لمقتضي العقد مدفوعة بانه مناف لإطلاقه لا لأصله.

و دعوي ان الشرط في العقود الجائزة لا يلزم الوفاء به مدفوعة بان عموم قوله عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم» يعم كل شرط بما في ذلك الواقع ضمن العقد الجائز.

اجل إذا كان مفاد الشرط شيئا آخر غير عدم الفسخ فيجوز فسخ العقد فيسقط الشرط و الا فما دام العقد باقيا فالوفاء بالشرط واجب.

و اما إذا كان مفاد الشرط عدم الفسخ كما في المقام فيترتب عليه عدم جواز الفسخ. و لكن لو فرض ان المشروط عليه خالف و فسخ فهل يقع الفسخ أو لا؟

قيل: لا. و اختاره السيد اليزدي(2).

و المناسب وقوعه لان مفاد قوله عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم» الوجوب التكليفي من دون ترتب اثر وضعي عليه. اجل يكون الفاسخ آثما و عاصيا.

3 - و اما عدم تحمل العامل للخسارة الا مع التجاوز عن الحد المقرر له

ص: 220


1- وسائل الشيعة 353:12 باب 6 من أبواب الخيار الحديث 2.
2- العروة الوثقي، كتاب المضاربة، المسألة 2 من فصل شرائط عقد المضاربة.

فلصحيحة ابي الصباح الكناني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يعمل بالمال مضاربة، قال: له الربح و ليس عليه من الوضيعة شيء الا ان يخالف عن شيء مما امر صاحب المال»(1) و غيره.

4 - و اما القول بصحة اشتراط تحمل الطرفين للخسارة

فوجهه ان ذلك ليس شرطا مخالفا لمقتضي العقد بل لإطلاقه.

و المناسب التفصيل بين اشتراط تحمل الطرفين للخسارة فيبطل و بين افتراض كون الخسارة علي المالك فقط الا ان العامل يلزمه تقديم مال و لو بعنوان الهدية إلي المالك يعادل مقدار الخسارة فيصح.

اما البطلان في الاول فلان ظاهر صحيحة الكناني المتقدمة و غيرها كون الخسارة علي المالك لا غير، و مقتضي اطلاقها كونها عليه حتي مع اشتراط تقسيطها.

و اما الصحة في الثاني فلان مفاد الشرط ليس تحمل العامل شيئا من الخسارة بل هو اشتراط لأمر آخر غير الخسارة، فكما انه يصح اشتراط المالك علي العامل خياطة ثوب له كذلك يصح اشتراط اهداء مال له بمقدار نصف الخسارة علي فرض تحققها.

5 - و اما عدم جواز خلط رأس المال بغيره

فلان ظاهر كلام المالك التجارة برأس المال بشخصه من دون خلط بغيره، و لا يجوز التصرف في مال الغير الا بالنحو الماذون من قبله.

6 - و اما انه مع تحديد المالك لكيفية التصرف يلزم السير علي

طبقها

فلعدم جواز التصرف في ملك الغير الا باذنه.

ص: 221


1- وسائل الشيعة 181:13 الباب 1 من أبواب أحكام المضاربة الحديث 3.

و اما انه مع عدم التحديد الخاص يلزم السير علي طبق المتعارف فباعتبار ان الاطلاق ينصرف الي ما هو المتعارف.

7 - و اما جواز تعدد عامل المضاربة

فلكونها في الواقع منحلة الي مضاربتين و بمنزلة مضاربة المالك من البداية كل واحد منهما علي نصف المال. و الاتحاد في مقام الانشاء لا ينافي التعدد في مقام الواقع.

هذا مع اتحاد المال. و اما مع تميّزه فالامر أوضح.

8 - و اما بطلان المضاربة بموت العامل

فلاختصاص الاذن به.

و اما بطلانها بموت المالك فلانتقال المال بموته إلي وارثه، و ابقاؤها يحتاج إلي عقد جديد.

9 - و اما ان الربح وقاية لرأس المال و يجبر التلف و الخسارة به

فلاقتضاء عقد المضاربة نفسه لذلك، فان المجعول للعامل ليس هو الحصة من الربح في كل معاملة بعينها بل في مجموع المعاملات بما هو مجموع، و مع افتراض الربح في تجارة سابقة و الخسارة في تجارة لاحقة لا يصدق تحقق الربح بلحاظ مجموع المعاملات.

10 - و اما ان العامل يملك حصته من الربح بمجرد ظهوره

فلوجهين:

أ - ان ذلك مقتضي اشتراط كون الربح بينهما.

و دعوي ان الربح لا يصدق تحققه قبل الانضاض مدفوعة بان ذلك مخالف للوجدان، فان العقلاء يرون تحقق الربح بمجرد ارتفاع القيمة السوقية للشيء و لو قبل تحويله إلي نقد. كيف و لو كان الربح غير صادق فيلزم عدم استحقاق العامل لشيء لو فسخ المالك قبل الانضاض.

ص: 222

ب - التمسك بصحيح محمد بن ميسر: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

رجل دفع إلي رجل الف درهم مضاربة فاشتري اباه و هو لا يعلم، فقال:

يقوّم فإذا زاد درهما واحدا اعتق و استسعي في مال الرجل»(1) ، بتقريب ان العامل لو لم يملك حصته بمجرد ظهور الربح لما انعتق ابوه عليه.1.

ص: 223


1- وسائل الشيعة 188:13 الباب 8 من أبواب أحكام المضاربة الحديث 1.

ص: 224

كتاب القرض

اشارة

1 - حقيقة القرض

2 - شرائط القرض

3 - ربا القرض

4 - من أحكام القرض

ص: 225

ص: 226

1 - حقيقة القرض

اشارة

القرض عقد يتضمن تمليك شخص ماله لآخر مع ضمانة في ذمته بمثله ان كان مثليا و بقيمته ان كان قيميا.

و هو أخصّ من الدين.

و الاقراض مشروع بنحو السنة المؤكدة.

و المستند في ذلك:

1 - اما انه عقد

فقد ادّعي عليه في الجواهر عدم وجدان الخلاف فيه(1).

و اما انه يتضمن التمليك مع الضمان فلا خلاف فيه أيضا.

و يؤكده فهم العرف منه ذلك.

ان قلت: ان كلاّ من البيع و القرض يشتمل علي التمليك بعوض فما الفارق بينهما؟

ص: 227


1- جواهر الكلام 1:25.

قلت: أجاب الشيخ الاعظم عن ذلك بان البيع يشتمل علي معاوضة، فالبائع يملّك المبيع بعوض بخلاف القرض فانه لا يشتمل علي المعاوضة بل هو تمليك للعين مع ضمانها، و لذا يصح للبائع عرفا ان يقول: انشأت معاوضة علي مالي بخلافه في القرض(1).

2 - و اما انه اخص من الدين

فلان الدين كل مال كلي ثابت في ذمّة شخص لآخر بسبب من الاسباب، كالضمان و بيع السلم و النسيئة و الاجارة مع كون الاجر كليا في الذمة و النكاح مع كون المهر كليا و الجناية بالنسبة إلي ارشها و الزوجية بالنسبة إلي النفقة، إلي غير ذلك من الأسباب التي احدها القرض.

و علي هذا الأساس فكل قرض دين بخلاف العكس.

و يطلق علي من اشتغلت ذمته بالمدين أو المديون، و علي الآخر بالدائن، و عليهما بالغريم.

و بهذا يتضح ان المقصود من كلمة «الدين» في قول الفقهاء:

«لا يجوز بيع الدين بالدين» هذا المعني دون خصوص القرض.

3 - و اما ان الاقراض مسنون بنحو السنّة المؤكدة

فللأحاديث الكثيرة، كقوله صلّي اللّه عليه و آله: «من اقرض أخاه المسلم كان له بكل درهم أقرضه وزن جبل أحد من جبال رضوي و طور سيناء حسنات، و ان رفق به في طلبه جاز به علي الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير حساب و لا عذاب. و من شكا إليه اخوه المسلم فلم يقرضه حرّم اللّه عز و جل عليه الجنة يوم يجزي المحسنين»(2).

ص: 228


1- كتاب المكاسب 17:2، منشورات دار الحكمة.
2- وسائل الشيعة 88:13 الباب 6 من أبواب الدين الحديث 5.

و المسنون بنحو مؤكد - كما هو واضح - الاقراض الذي هو فعل المقرض دون الاقتراض الذي هو فعل المقترض فانه ليس بمستحب بل قد تستفاد مبغوضيته من النصوص، ففي الحديث: «إيّاكم و الدين فانه شين الدين»(1) ، و عنه صلّي اللّه عليه و آله: «من اراد البقاء و لا بقاء فليباكر الغداء، و ليجوّد الحذاء، و ليخفف الرداء، و ليقل مجامعة النساء. قيل: و ما خفّة الرداء؟ قال: قلّة الدين»(2).

2 - شرائط صحة القرض

اشارة

يلزم لصحة القرض توفر:

1 - قبض المقترض المال المقترض و الا فلا يملكه.

2 - البلوغ و العقل و القصد و الاختيار و عدم السفه في المتعاقدين، و عدم الفلس في خصوص المقرض.

3 - كون المال عينا فلا يصح لو كان دينا أو منفعة. و كذا لا يصح لو كان مرددا بين فردين من العين.

4 - كون المال مما يصح تملكه شرعا فلا يصح اقراض مثل الخمر و الخنزير.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان القبض شرط في صحة القرض

بحيث لا يحصل الملك قبله فلا وجه له سوي الاجماع و الا فالقاعدة تقتضي تحقق الملك بمجرد

ص: 229


1- وسائل الشيعة 77:13 الباب 1 من أبواب الدين الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 77:13 الباب 1 من أبواب الدين الحديث 5.

تمام العقد و ان لم يتحقق القبض.

قال في الجواهر: «لو لا الاجماع لاتجه القول بحصوله بتمامه من دون قبض علي حسب غيره من العقود التي لا ريب في ظهور الادلة في اقتضائها التمليك ضرورة صدق مسماها بها»(1).

و دعوي ان اسم القرض لا يصدق الا بالقبض لا نعرف لها وجها.

ثم ان هناك قولا باشتراط التصرف أيضا بعد القبض في تحقق الملك. و لكنه كما تري، اذ اطلاق الأدلة ينفيه و ان كان مقتضي استصحاب عدم ترتب الاثر - لو لا ذلك - اعتباره لو فرض الشك في ذلك.

2 - و اما اعتبار البلوغ و العقل و القصد و الاختيار في المقرض

و المقترض

فلأنها من الشرائط العامة في كل عقد.

و اما اعتبار عدم السفه فلان السفيه ممنوع من كل تصرف مالي.

و اما اعتبار عدم الفلس في المقرض فلان المفلس ممنوع من التصرف في أمواله.

و اما عدم اعتبار ذلك في المقترض فلان السفيه ممنوع من التصرف في امواله دون التصرف في ذمته باشغالها.

3 - و اما اعتبار كون المال المقترض عينا و عدم صحة القرض لو

كان دينا أو منفعة

فلما تقدم من اشتراط القبض في صحة القرض، و امكان ذلك مختص بالاعيان.

و اما عدم صحة القرض مع تردد المال بين فردين فلان تحقق

ص: 230


1- جواهر الكلام 23:25.

التمليك بلحاظ هذا الفرد دون ذاك بلا مرجح، و المردد لا تحقق له.

4 - و اما اعتبار كون المال مما يصح تملكه

فواضح لان القرض تمليك للمال فلا بدّ من كون متعلقه قابلا لذلك.

3 - ربا القرض

اشارة

يحرم الربا في القرض، و ذلك باشتراط المقرض دفع زيادة في القدر أو الصفة علي المقدار المقترض.

و يجوز للمقترض اشتراط التسديد بالاقل.

و لا فرق في حرمة اشتراط الزيادة بين كونها راجعة إلي المقرض أو غيره.

و إذا تبرع المقترض بدفع الزيادة بدون اشتراط جاز قبولها، بل ذلك مستحب.

و لا يجوز - علي قول - اقراض مقدار من المال مع اشتراط ايجاد دار مثلا أو بيعها بأقل من اجرة او ثمن المثل، و يجوز العكس.

و يصح بيع الدين بمال موجود و ان كان أقل منه ما لم يستلزم الربا و لا يصح بيعه بدين مثله، كما اذا كان شخص يستحق علي ثان مائة كيلو من الحنطة و للثاني علي الاول مائة كيلو من الشعير و اريد بيع احدهما بالآخر.

و لا يجوز تأجيل الدين عند حلوله بزيادة. أجل يجوز تعجيل المؤجل و لو باسقاط بعضه.

و الربا كما يحرم اخذه يحرم دفعه و كتابته و الشهادة عليه.

و من تعامل بالربا و هو جاهل بالحكم أو بالموضوع ثم التفت و تاب فلا يلزمه ارجاعه.

ص: 231

و من ورث مالا فيه اموال ربوية فمع عدم تمييزها فلا شيء عليه و الا لزمه ردّها علي مالكها مع معرفته، و مع عدمها يتعامل معها معاملة مجهول المالك.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة الربا في الجملة فهي من ضروريات الإسلام

لدلالة صريح الكتاب العزيز عليها كما تقدمت الاشارة إلي ذلك في البيع عند البحث عن ربا المعاوضة.

و اما تحقق الربا المحرم في القرض و عدم اختصاصه بالمعاوضة فهو من المسلّمات التي لم يقع فيها شك.

و قد دلت علي ذلك صحيحة يعقوب بن شعيب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«سألته عن الرجل يسلم في بيع أو تمر عشرين دينارا و يقرض صاحب السلم عشرة دنانير أو عشرين دينارا، قال: لا يصلح إذا كان قرضا يجرّ شيئا فلا يصلح...»(1).

و صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليهما السّلام:

«و سألته عن رجل أعطي رجلا مائة درهم علي أن يعطيه خمسة دراهم أو أقل أو أكثر، قال: هذا الربا المحض»(2) و غيرهما.

و الصحيحة الثانية و ان كانت ضعيفة السند بطريق قرب الاسناد بعبد اللّه بن الحسن الا انها صحيحة في طريقها الثاني لوجودها في كتاب علي بن جعفر الذي يرويه صاحب الوسائل عن الشيخ، و هو عن علي بن جعفر بطريق صحيح. و قد تقدم توضيح ذلك اكثر

ص: 232


1- وسائل الشيعة 105:13 الباب 19 من أبواب الدين الحديث 9.
2- وسائل الشيعة 108:13 الباب 19 من أبواب الدين الحديث 18.

من مرة في ابحاث سابقة(1).

ثم انه توجد بعض الروايات التي قد يستشف منها جواز الربا في القرض، ففي أكثر من رواية ورد: «خير القرض ما جرّ منفعة»(2).

الا انه لا بدّ من حملها علي صورة عدم الاشتراط لما دلّ علي التفصيل بين ما إذا كان جرّ المنفعة في القرض بسبب الاشتراط فلا يجوز و بين ما إذا لم يكن بسببه فيجوز، كما في موثقة إسحاق بن عمار عن ابي الحسن عليه السّلام: «سألته عن الرجل يكون له مع رجل مال قرضا فيعطيه الشيء من ربحه مخافة ان يقطع ذلك عنه فيأخذ ماله من غير ان يكون شرط عليه، قال: لا بأس بذلك ما لم يكن شرطا»(3).

و يظهر من خلال بعض النصوص ان تلك الروايات جاءت ردّا علي غيرنا القائل بعدم جواز جرّ القرض للمنفعة و لو بدون اشتراط ، ففي صحيحة محمد بن مسلم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يستقرض من الرجل قرضا و يعطيه الرهن إما خادما و إما آنية و إما ثيابا فيحتاج إلي شيء من منفعته فيستأذن فيه فيأذن له قال: إذا طابت نفسه فلا بأس. قلت: ان من عندنا يروون ان كل قرض يجر منفعة فهو فاسد، فقال: أو ليس خير القرض ما جرّ منفعة»(4).

2 - و اما عدم الفرق بين كون الزيادة في الصفة أو القدر

فلإطلاق قوله عليه السّلام في صحيحة يعقوب بن شعيب المتقدمة: «لا يصلح إذا كان

ص: 233


1- راجع كتاب البيع تحت عنوان «محرمات في الشريعة».
2- وسائل الشيعة 104:13 الباب 19 من أبواب الدين الحديث 5، 6، 8، 16.
3- وسائل الشيعة 103:13 الباب 19 من أبواب الدين الحديث 3.
4- وسائل الشيعة 104:13 الباب 19 من أبواب الدين الحديث 4.

قرضا يجر شيئا فلا يصلح».

3 - و اما جواز اشتراط المقترض دفع الاقل

فلعدم ما يدل علي المنع من ذلك فيتمسك بأصل البراءة.

4 - و اما عدم الفرق بين رجوع الزيادة إلي المقرض أو غيره

فلإطلاق صحيحة يعقوب المتقدمة.

5 - و اما جواز قبول الزيادة من دون اشتراط

فلموثقة اسحاق بن عمار المتقدمة و غيرها.

6 - و اما استحباب دفع الزيادة إذا لم يكن مع الاشتراط

فلأنها نوع من مقابلة الاحسان بالاحسان، بل ذلك هو الفضل المندوب إليه، ففي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... ان أبي عليه السّلام كان يستقرض الدراهم الفسولة فيدخل عليها الدراهم الجياد الجلال فيقول: يا بني ردها علي الذي استقرضتها منه فأقول: يا أبه ان دراهمه كانت فسولة و هذه أجود منها فيقول: يا بني ان هذا هو الفضل فاعطه إيّاها»(1).

7 - و اما القول بعدم جواز الاقراض بشرط ايجار الدار أو بيعها

بالأقل

فلانه مصداق لقوله عليه السّلام في صحيحة يعقوب المتقدّمة: «لا يصلح إذا كان قرضا يجر شيئا فلا يصلح».

و اما جواز الايجار أو البيع بالأقل بشرط القرض فلانه ليس

ص: 234


1- وسائل الشيعة 478:12 الباب 12 من أبواب الصرف الحديث 7. و الفسولة من الفسل و هو الرديء من كل شيء. و قوله عليه السّلام: «ان هذا هو الفضل» يحتمل كونه اشارة الي قوله تعالي: وَ لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ البقرة 237.

مصداقا للقرض الذي جرّ شيئا و انما هما مصداق للبيع أو الاجارة التي جرت نفعا، و ذلك لم يرد النهي عنه، بل هما قد شرّعا لذلك. هكذا يمكن توجيه القول المذكور، الا انه قد يقال في المقابل: ان المستفاد من صحيحة يعقوب بن شعيب المتقدمة عدم الجواز في كلتا الحالتين فراجع.

8 - و اما ان الدين يجوز بيعه بمال موجود و ان كان أقل منه

ما دام لا يلزم منه الربا

فلإطلاق ادلة صحة البيع و مشروعيته.

و اما عدم صحة بيعه بدين مثله حتي مع التساوي فلموثقة طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لا يباع الدين بالدين»(1).

و لا مشكلة في سندها الا من جهة طلحة حيث لم يوثق في كتب الرجال، الا ان الامر فيه سهل بعد قول الشيخ في الفهرست: «طلحة بن زيد له كتاب و هو عامي المذهب الا ان كتابه معتمد»(2).

ثم انه ورد النهي عن بيع الدين بالدين بلسان آخر، ففي دعائم الإسلام عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «انه نهي عن الكالئ بالكالئ(3)»(4).

9 - و اما عدم جواز تأجيل الدين الحال بزيادة

فمما لا خلاف فيه لكونه ربا و جعل زيادة عن المقدار المستحق لأجل الاجل.

و اما جواز تعجيل المؤجل باسقاط بعض الدين فلانه ليس فيه جعل للزيادة ليلزم محذور الربا.

ص: 235


1- وسائل الشيعة 99:13 الباب 15 من أبواب الدين الحديث 15.
2- الفهرست: 86.
3- الكالئ بالكالئ: بيع الدين بالدين، كما في لسان العرب 147:1.
4- مستدرك الوسائل 405:13.

علي ان كلا الحكمين يمكن استفادته من صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «الرجل يكون عليه دين إلي أجل مسمّي فيأتيه غريمه فيقول: انقدني من الذي لي كذا و كذا واضع لك بقيته، أو يقول:

انقدني بعضا و امدّ لك في الاجل فيما بقي فقال: لا أري به بأسا ما لم يزد علي رأس ماله شيئا يقول اللّه عز و جل: فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ (1).

10 - و اما حرمة دفع الربا أيضا و كتابته و الشهادة عليه و ما تلا

ذلك من الحكمين

فقد تقدم وجهه في ربا المعاوضة من البيع.

4 - من أحكام القرض

اشارة

يعتبر في القرض الايجاب و القبول بكل ما يدل عليهما و لو بالمعاطاة.

و لا يلزم في المال المقترض أن يكون من النقود، كما لا يعتبر تعيين مقداره و اوصافه. نعم علي المقترض تحصيل العلم بذلك مقدمة لأدائه.

و هو عقد لازم، بمعني عدم جواز فسخه لإرجاع العين لو كانت موجودة.

نعم مع فرض عدم تحديده بأجل تجوز المطالبة بالوفاء بدفع المثل إذا كان مثليا و القيمة إذا كان قيميا في أي وقت.

و مع عدم تحديد القرض بأجل فليس للدائن الامتناع عن قبض الدين إذا دفعه المدين، و هكذا إذا كان مؤجلا و فرض حلول الاجل. و اما قبل حلوله فيمكن الحكم بجواز ذلك إذا كان التأجيل حقا له.

ص: 236


1- وسائل الشيعة 120:13 الباب 32 من ابواب الدين الحديث 1، و الباب 7 من أبواب الصلح الحديث 1، و الآية 279 من سورة البقرة.

و لا يلزم تحديد القرض بأجل معيّن بل لو حدّد بأجل فالمشهور عدم لزومه الا إذا اشترط ضمن عقد لازم غير القرض.

و المال المقترض إذا كان مثليا يثبت في ذمّة المقترض مثله، و إذا كان قيميا تثبت قيمته.

و إذا كان مثليا فلا محذور في دفع القيمة مع التراضي.

و لا يلزم مع وجود العين المقترضة تسديد القرض بها و ان جاز ذلك مع موافقة الطرفين.

و يجب علي المدين عند مطالبة الدائن الاداء فورا ان قدر علي ذلك و لو ببيع بعض أملاكه الا الاملاك التي هو بحاجة ماسة إليها بحسب حاله و شرفه و يقع في ضيق شديد لو بيعت و قضي منها الدين، كدار سكناه و ما شاكلها، و يعبر عنها بالمستثنيات في قضاء الدين.

و إذا لم يكن لدي المدين شيء يقضي به دينه غير المستثنيات حرمت مطالبته و يلزم انظاره إلي ميسرة.

و إذا كان الدين مؤجلا و مات المدين حلّ الاجل. و إذا مات الدائن بقي الاجل علي حاله و ليس لورثته المطالبة به قبل حلوله.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار الايجاب و القبول في تحقّق القرض

فلأن ذلك مقتضي افتراض كونه عقدا.

و اما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما فلإطلاق دليل مشروعية القرض بعد افتراض صدقه.

و من ذلك يتّضح وجه الاكتفاء بالمعاطاة.

2 - و اما انه لا يلزم في المال المقترض كونه من النقود

فمتسالم

ص: 237

عليه. و يقتضيه اطلاق أدلة مشروعيته.

و تؤيد ذلك رواية الصباح بن سيابة: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ان عبد اللّه بن أبي يعفور أمرني أن أسألك قال: انا نستقرض الخبز من الجيران فنرد أصغر منه أو أكبر، فقال عليه السّلام: نحن نستقرض الجوز الستين و السبعين عددا فتكون فيه الكبيرة و الصغيرة فلا بأس»(1) و غيرها.

3 - و اما عدم اعتبار تعيين مقدار المال المقترض و أوصافه

فلإطلاق دليل شرعيته.

و اما لزوم تحصيل العلم بمقداره من باب المقدمة للأداء فلوجوب مقدمة الواجب.

4 - و اما ان عقد القرض لازم، بمعني عدم جواز الفسخ و الالزام

بارجاع العين المقترضة

فمحل خلاف. و المنسوب إلي شيخ الطائفة عدم اللزوم.

و المناسب هو اللزوم تمسكا باصالة اللزوم في كل عقد.

نعم إذا فرض عدم تحديد الوفاء بأجل معيّن فتجوز للمقترض المطالبة ببدل العين، لان مقتضي عقد القرض ضمان المقترض للبدل دون العين نفسها، و حيث فرض عدم التحديد بأجل فيلزم جواز المطالبة به في أي وقت.

5 - و اما عدم جواز امتناع الدائن من قبض الدين مع عدم التأجيل

أو فرض حلول الأجل

فلان من حق كل شخص مشغول الذمة تفريغ

ص: 238


1- وسائل الشيعة 109:13 الباب 21 من أبواب الدين الحديث 1.

ذمته من الاشتغال ما دام لم يجعل حق الامتناع للطرف الاخر ضمن العقد.

و اما جواز امتناع الدائن من قبض الدين قبل حلول الاجل فقد وقع محلا للخلاف.

و المناسب التفصيل بين ما إذا كان اشتراط الاجل حقا للمدين فقط و ما إذا كان حقا للدائن فقط .

فعلي الاول لا يحق له الامتناع لأنه لا يصدق الاشتراط من ناحيته ليشمله عموم قوله عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم»(1).

و علي الثاني يحق له ذلك حيث يصدق في حقه ذلك فيشمله العموم.

6 - و اما عدم لزوم تحديد القرض بأجل معين

فلإطلاق دليل شرعيته.

و اما عدم لزوم الاجل المذكور في عقد القرض فباعتبار ان الشرط يتبع في لزومه و جوازه لزوم العقد و جوازه، و حيث ان المشهور يري القرض من العقود الجائزة فيلزم كون الشرط المذكور فيه جائزا أيضا.

هذا و المناسب الحكم بلزوم الاجل لأنه لو سلّم بجواز عقد القرض فذلك لا يمنع من لزوم الشرط المذكور فيه بعد ما كان مقتضي اطلاق قوله عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم» شاملا للشرط المذكور ضمن العقد الجائز أيضا.

ص: 239


1- وسائل الشيعة 353:12 الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 2.

هذا مضافا إلي إمكان استفادة لزوم الاجل من قوله تعالي:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلي أَجَلٍ مُسَمًّي فَاكْتُبُوهُ وَ لْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ (1) .

بل يمكن استفادته من الروايات الآتية الدالة علي حلول أجل الدين بموت المدين، فانها تدل علي لزوم الاجل بدون فرض الموت.

7 - و اما ان المال المقترض يثبت مثله في ذمة المقترض إذا كان

مثليا و قيمته إذا كان قيميا

فلان المقرض بعد جعله المقترض ضامنا لا للعين نفسها بل لبدلها يلزم ما ذكر إذ البدل الأقرب مع فرض كون الشيء مثليا هو المثل و مع كونه قيميا هو القيمة و يلزم من ثمّ ان يكون ذلك هو الملحوظ للمقرض عند تضمينه للمقترض بالبدل.

8 - و اما جواز دفع القيمة عن المثلي في فرض تراضي الطرفين

فلان الحق لا يعدوهما فيجوز لهما الاتفاق كيفما أحبا.

9 - و اما عدم لزوم التسديد بالعين المقترضة نفسها لو كانت

موجودة

فلان المفروض صيرورتها ملكا للمقترض بالقرض، و الضمان تعلّق ببدلها.

و اما جواز ذلك مع توافق الطرفين فلان الحق لا يعدوهما.

و اما انه مع عدم موافقة المقرض بقبول العين فلا يجوز اجباره علي ذلك فمن جهة انه اشترط الضمان بالبدل و اشتغال الذمة به.

10 - و اما لزوم تسديد الدين فورا مع المطالبة عند فرض كونه

حالا أو قد حلّ أجله

فلعدم جواز الامتناع أو التواني عن اداء

ص: 240


1- البقرة: 282.

الحقوق لأصحابها.

و اما استثناء دار السكن و نحوها فلصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تباع الدار و لا الجارية في الدين، ذلك انه لا بدّ للرجل من ظل يسكنه و خادم يخدمه»(1) و غيرها، فان موردها و ان كان خاصا بالدار و الجارية الا ان مقتضي التعليل التعدي إلي غيرهما من الاشياء التي لا بدّ منها في حياة الإنسان.

11 - و اما عدم جواز المطالبة مع الاعسار

فلقوله تعالي: وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلي مَيْسَرَةٍ (2).

12 - و اما حلول الاجل بموت المدين

فلموثقة السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام: «إذا كان علي الرجل دين إلي أجل و مات الرجل حلّ الدين»(3) و غيرها.

و اما عدم حلولها بموت الدائن فلان الحلول بالموت حكم علي خلاف القاعدة فيقتصر فيه علي مورد النص.

هذا مضافا إلي انه قد يفهم ذلك من الموثقة، باعتبار تخصيصها حلول الاجل بموت المدين.

ص: 241


1- وسائل الشيعة 95:13 الباب 11 من أبواب الدين الحديث 1.
2- البقرة: 280.
3- وسائل الشيعة 97:13 الباب 12 من أبواب الدين الحديث 3.

ص: 242

كتاب الرّهن

اشارة

1 - حقيقة الرهن

2 - شرائط صحة الرهن

3 - من أحكام الرهن

ص: 243

ص: 244

1 - حقيقة الرهن

اشارة

الرهن عقد يتضمن جعل مال وثيقة للتأمين علي دين أو عين مضمونة.

و هو مشروع بلا اشكال.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الرهن عقد و يتضمن ما ذكر

فهو من الواضحات.

و الفهم العرفي خير شاهد عليه.

2 - و اما صحة جعل الرهن وثيقة علي العين المضمونة أيضا -

كالعين المغصوبة إذا طالب صاحبها الغاصب أو غيره ضمن عقد لازم

بالرهن عليها

- فلإطلاق ما يأتي من دليل مشروعية الرهن.

3 - و اما ان الرهن مشروع

فهو من ضروريات الإسلام. و يدل علي ذلك الكتاب الكريم: وَ إِنْ كُنْتُمْ عَلي سَفَرٍ وَ لَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ (1) ، و الروايات الكثيرة، كصحيحة محمد بن مسلم عن

ص: 245


1- البقرة: 283.

احدهما عليهما السّلام: «سألته عن السلم في الحيوان و في الطعام و يؤخذ الرهن، فقال: نعم استوثق من مالك ما استطعت. قال: و سألته عن الرهن و الكفيل في بيع النسية، فقال: لا بأس»(1) و غيرها.

و القول باختصاص مشروعية الرهن بحالة السفر تمسكا بالآية الكريمة ضعيف، فان ذكر السفر مبني علي الغالب من عدم تواجد الكاتب فيه، و هو كذكره في قوله تعالي: وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضي أَوْ عَلي سَفَرٍ ... فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا (2). علي انه يكفينا اطلاق السنة الشريفة.

و عليه فما ينسب إلي بعض العامة من عدم جواز الارتهان في الحضر(3) لا وجه له خصوصا و ان لازم التمسك بالآية الكريمة لاعتبار السفر اشتراط فقدان الكاتب للدين في مشروعية الرهن عليه، و هو غير محتمل و لم يقل به القائل المذكور.

2 - شرائط صحّة الرهن

اشارة

يشترط لصحّة الرهن توفر:

1 - الايجاب من الراهن و القبول من المرتهن بكل ما يدل عليهما و لو بالمعاطاة.

2 - البلوغ و العقل و القصد و الاختيار في الراهن و المرتهن. و عدم الحجر

ص: 246


1- وسائل الشيعة 121:13 الباب 1 من أبواب أحكام الرهن الحديث 5.
2- النساء: 43.
3- جواهر الكلام 98:25.

علي الراهن لسفه أو فلس.

3 - كون المرهون عينا مملوكة يجوز بيعها و شراؤها، فلا يصح رهن الدين و لا المنفعة و لا مثل الخمر و لا مثل الطير في الهواء و الوقف و لو كان خاصا.

4 - كون ما يرهن عليه دينا ثابتا في الذمة لفعلية سببه من اقتراض أو اسلاف مال أو شراء نسية فلا يصح الرهن علي ما سيقترض أو علي ثمن ما سيشتري و نحو ذلك.

5 - قبض المرتهن للعين المرهونة حدوثا و لا تلزم استدامة ذلك.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار الايجاب و القبول في تحقّق الرهن

فهو مقتضي كونه عقدا.

و اما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما و لو بالمعاطاة فلانه بعد صدق عنوان الرهن يصح التمسك باطلاق دليل مشروعيته.

2 - و اما اعتبار البلوغ و ما بعده

فلان ذلك من الشرائط العامة في كل عقد.

و اما اعتبار عدم الحجر علي الراهن فلان السفيه و المفلس لا يصح منهما التصرّف في أموالهما.

و اما عدم اعتبار ذلك في المرتهن فلانه بالرهن لا يتصرف في ماله.

3 - و اما اعتبار كون المرهون عينا

فلان الدين لا يمكن تحقق القبض فيه، و هو شرط في صحة الرهن كما سيأتي.

بل لا يصح تعلق الرهن بالدين حتي بناء علي انكار شرطية القبض باعتبار ان الغرض من الرهن - و هو الاستيثاق -

ص: 247

لا يتحقق بالدين.

و اما عدم صحة تعلقه بالمنفعة فلانه لو تصورنا فيها تحقق القبض فيمكن ان يقال: هي من الموجودات المتصرمة تدريجا و ليست موجودا قارّا ليمكن ان تكون وثيقة علي الدين.

و اما اعتبار كون المرهون أمرا مملوكا فلان غير القابل للملك في نفسه - كالخمر - أو غير المتصف به بالفعل لا يحصل به الاستيثاق.

و منه يتضح الوجه في اعتبار كون العين المرهونة أمرا صالحا للبيع و الشراء و لا يكفي أن تكون مثل الطير في الهواء أو الوقف.

4 - و اما اعتبار ثبوت الدين في الذمة حالة العقد

فلان الرهن وثيقة علي مال المرتهن الذي هو ثابت في ذمة الغير، فقبل ثبوت الدين في الذمة لا يصدق الرهن و الاستيثاق. و لا أقلّ من الشك في اعتبار ذلك، و هو كاف لجريان استصحاب عدم ترتب الاثر بعد عدم جواز التمسك باطلاق دليل المشروعية لكون المورد شبهة مصداقية.

5 - و اما اعتبار القبض في صحة الرهن

فمحل خلاف. و مقتضي القاعدة عدم اعتباره تمسكا باطلاق دليل شرعيته.

و دعوي ان عنوانه لا يصدق الا بالقبض غير مقبولة.

و المناسب اعتباره لا لأجل التقييد به في الآية الكريمة - فان ذكره فيها هو من جهة انها بصدد بيان طريقة للاستيثاق علي الدين، و ذلك لا يتحقق بمجرد الارتهان من دون قبض و ليست بصدد بيان شرطية ذلك لتحقّق الارتهان شرعا، علي ان السياق يلوح عليه بوضوح كونه في صدد الارشاد إلي جملة من الآداب و السنن - بل لقوله عليه السّلام في

ص: 248

صحيحة محمد بن قيس: «لا رهن الا مقبوضا»(1).

و ما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه من احتمال ان يكون ذكر القبض لا من باب الشرطية بل لأنه بدونه لا يحصل الاطمئنان و الاستيثاق خصوصا و ان المنفي هو العين المرهونة لا العقد الذي هو القابل للاتصاف بالصحة و الفساد(2) كما تري.

6 - و اما عدم لزوم استدامة القبض

فلانه لا يظهر من صحيحة محمد بن قيس اعتبار ذلك، و هي مجملة من الجهة المذكورة فيرجع لنفي احتمال اعتبار الاستدامة إلي اطلاق ادلة شرعية الرهن لقاعدة ان العام إذا خصص بمجمل مفهوما فيقتصر في تخصيصه علي القدر المتيقن لبقاء الظهور في العموم علي الحجية فيما زاد عليه بلا معارض.

3 - من احكام الرهن

اشارة

لا يلزم في العين المرهونة أن تكون ملكا لمن عليه الدين بل يصح رهن ملك الغير إذا استعير لذلك.

و الرهن لازم من جهة الراهن فلا يصح له التراجع عنه الا برضا المرتهن أو ايفائه الدين.

و يجوز لمالك العين المرهونة التصرّف فيها بما لا يتنافي و الاستيثاق - كركوب الحيوان إذا كان رهنا - و اما ما يتنافي - مثل بيع الحيوان أو ذبحه - فلا يجوز الا اذا اذن المرتهن به. و اما المرتهن فلا يجوز له التصرف

ص: 249


1- وسائل الشيعة 123:13 الباب 3 من أحكام الرهن الحديث 1.
2- جواهر الكلام 104:25.

مطلقا الا باذن المالك.

و إذا حلّ موعد الدين و طالب به المرتهن و لم يؤد فلا يجوز له بيع العين المرهونة و استيفاء دينه منها الا إذا كان وكيلا في ذلك من البداية أو اذن له مالكها فيما بعد. و اذا لم يكن وكيلا عنه و لم يأذن له في ذلك بعد طلبه منه جاز له البيع. و يبقي الفاضل علي مقدار الدين - ان كان - أمانة بيده.

و لا يضمن المرتهن العين المرهونة إذا تلفت أو تعيبت ما دام لم يتحقق منه التعدي او التفريط ، و من ثمّ يرجع بتمام ماله الذي يستحقه علي الراهن و لا ينقص منه شيء.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم لزوم كون العين المرهونة ملكا للراهن و كفاية اذن

مالكها في رهنها

فلإطلاق دليل شرعية الرهن.

2 - و اما لزوم الرهن من طرف الراهن

فلأصالة اللزوم في مطلق العقود التي تقدم مستندها في مبحث البيع.

علي ان الغرض من الرهن و هو الاستيثاق لا يتأتي مع الجواز من طرف الراهن.

3 - و اما جواز تصرف مالك العين المرهونة فيها بما لا يتنافي

و الاستيثاق

فلانه مالك، و لا موجب لمنعه بعد عدم كون تصرفه منافيا للاستيثاق.

و يؤكد ذلك صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام:

«رجل رهن جاريته قوما أ يحل له أن يطأها؟ فقال: ان الذين ارتهنوها يحولون بينه و بينها، قلت: أ رأيت ان قدر عليها خاليا؟ قال:

ص: 250

نعم لا أري به بأسا»(1).

و اما ما يروي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله من ان «الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن»(2) فضعيف السند، فان ابن أبي جمهور قد رواه في درر اللآلي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله مرسلا.

و بهذا يتضح ان تأكيد صاحب الجواهر علي عدم جواز تصرّف الراهن بشتي أشكاله استنادا إلي الحديث المتقدم و الي التنافي بين الاستيثاق المأخوذ في مفهوم الرهن و بين جواز التصرّف(3) قابل للتأمّل.

4 - و اما عدم جواز تصرف المرتهن في العين المرهونة بشكل

مطلق

فلان ذلك مقتضي عدم جواز التصرف في مال الغير بدون اذنه.

5 - و اما عدم جواز بيع المرتهن العين المرهونة إذا حلّ وقت

المطالبة و لم يسدد الدين

فلأنها ملك للغير، و لا يجوز التصرف فيه من دون اذنه.

و جعلها وثيقة علي الدين لا يلازم تجويز بيعها لاستيفاء الدين لعدم انحصار الاستيفاء بذلك بل يمكن ذلك بتصدي الراهن نفسه للبيع.

نعم مع افتراض كسب الوكالة في البيع مسبقا لا يعود اشكال في البيع و لو من دون استئذان.

6 - و اما انه يجوز للمرتهن البيع عند افتراض عدم الوكالة و الاذن

فمن جهة ان التعاقد علي الرهن يستبطن التعاقد علي ان يكون للمرتهن

ص: 251


1- وسائل الشيعة 133:13 الباب 11 من أحكام الرهن الحديث 1.
2- مستدرك الوسائل 426:13.
3- جواهر الكلام 195:25.

الحق في البيع لاستيفاء حقه مع عدم تصدي الراهن نفسه للبيع و لا اذنه فيه.

و قيل بان النوبة لا تصل الي المرتهن ما دام يمكن للحاكم الشرعي التصدي لذلك فانه صاحب الولاية علي الممتنع، و اذا لم يمكن للحاكم التصدي لسبب و آخر فآنذاك تصل النوبة إلي المرتهن.

و هو جيد ان لم نفترض تمامية ما أشرنا إليه من التعاقد المستبطن.

7 - و اما عدم ضمان المرتهن تلف العين المرهونة و تعيبها من

دون تعدّ و تفريط

فلان ذلك مقتضي كون يده يد امانة.

و تؤكد ذلك الروايات الكثيرة، كصحيحة جميل بن دراج: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في رجل رهن عند رجل رهنا فضاع الرهن: هو من مال الراهن و يرجع المرتهن عليه بماله»(1) و غيرها.

هذا و يوجد في مقابل الروايات المذكورة روايات اخري تدل علي ضمان المرتهن و انه ينقص مما له علي الراهن بمقداره، كموثقة ابن بكير: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام في الرهن فقال: ان كان أكثر من مال المرتهن فهلك ان يؤدي الفضل إلي صاحب الرهن، و ان كان أقل من ماله فهلك الرهن أدّي إليه صاحبه فضل ماله، و ان كان الرهن سواء فليس عليه شيء»(2) و غيرها.

و يمكن الجمع بحمل الأولي علي صورة عدم التفريط و الثانية علي صورة التفريط .

ص: 252


1- وسائل الشيعة 125:13 الباب 5 من أبواب أحكام الرهن الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 129:13 الباب 7 من أبواب أحكام الرهن الحديث 3.

و مما يؤيّد ذلك موثقة إسحاق بن عمار: «سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الرجل يرهن الرهن بمائة درهم و هو يساوي ثلاثمائة درهم فيهلك، أعلي الرجل ان يرد علي صاحبه مائتي درهم ؟ قال: نعم لأنه اخذ رهنا فيه فضل و ضيّعه. قلت: فهلك نصف الرهن قال: علي حساب ذلك. قلت:

فيترادّان الفضل ؟ قال: نعم»(1).2.

ص: 253


1- وسائل الشيعة 129:13 الباب 7 من أبواب أحكام الرهن الحديث 2.

ص: 254

كتاب الهبة

اشارة

1 - حقيقة الهبة

2 - من أحكام الهبة

ص: 255

ص: 256

1 - حقيقة الهبة

اشارة

الهبة عقد يتضمّن تمليك عين بلا عوض.

و شرعيتها واضحة.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الهبة عقد

فأمر متسالم عليه. و تدل عليه قاعدة سلطنة الانسان علي نفسه و أمواله، فان خروج المال من الواهب بدون رضاه أمر علي خلاف سلطنته علي أمواله، و دخوله في ملك الموهوب له بدون موافقته أمر علي خلاف سلطنته علي نفسه.

و أيضا انعقاد سيرة العقلاء علي احتياجها إلي الايجاب و القبول شاهد يصلح التمسك به في المقام بعد فرض امضائها المستكشف بسبب عدم الردع.

2 - و اما تضمن عقدها التمليك بلا عوض

فهو من الواضحات.

و فهم العرف خير دليل عليه.

و لا يشكل عليه بخروج الهبة المعوضة بالرغم من كونها أحد

ص: 257

فردي الهبة، فان العوض فيها ليس في مقابل العين الموهوبة و عوضا عنها بل التمليك فيها مجاني لكنه مشروط بتمليك مجاني آخر.

و الفرق بينها و بين الهدية و الصدقة مع ان الاخيرتين هما تمليك مجاني أيضا هو ان الهدية تمليك مجاني بقصد التكريم و التعظيم، و الصدقة تمليك مجاني بقصد القربة، بخلاف الهبة فانها تمليك مجاني ملحوظ لا بشرط من ناحية القصدين المذكورين فتكون أعمّ منهما أو بشرط لا فتكون مباينة لهما.

3 - و اما شرعيتها

فأمر بديهي، كيف و قد جرت عليها سيرة العقلاء الممضاة بعدم الردع، و سيرة المتشرّعة، بل و سيرة أهل بيت العصمة بما في ذلك جدّهم صلوات اللّه عليهم أجمعين.

و ما انحال الرسول الاعظم صلّي اللّه عليه و آله فدكا لبضعته الطاهرة عليها السّلام الا عبارة اخري عن الهبة، فانهما واحد، غايته لوحظ في الإنحال تعلقه بالارحام.

و الروايات الدالة علي شرعيتها كثيرة. و سيأتي بعضها فيما بعد إن شاء اللّه تعالي.

بل قد يستفاد ذلك من قوله تعالي: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (1) ، و قوله: وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً (2) بعد عدم اختصاص الايتاء بالمهر.

ص: 258


1- النساء: 4.
2- البقرة: 229.

2 - من أحكام الهبة

اشارة

لا تتحقّق الهبة الا بايجاب من الواهب و قبول من الموهوب له بكل ما يدل عليهما و لو بالمعاطاة.

و يلزم ان يتوفر في الواهب البلوغ و العقل و القصد و الاختيار و عدم الحجر لسفه أو فلس.

و يعتبر القبض في صحّة الهبة و ان يكون عن اذن الواهب الا في هبة ما في يد الغير له.

و لا تلزم فيه الفورية و لا كونه في مجلس العقد.

و يلزم في الموهوب ان يكون عينا فلا تصح هبة المنافع. و اما الدين فتصح هبته علي غير من هو عليه دون من هو عليه.

و الهبة عقد جائز يصح فيها الرجوع الا إذا كانت معوضة، أو لذي رحم، أو قصد بها القربة، أو فرض تحقق التلف أو التصرف الذي لا يصدق معه قيام العين بعينها.

و لا يلزم في صحّة الرجوع عن الهبة ان يكون امام الموهوب له.

و المستند في ذلك:

1 - اما توقف تحقق الهبة علي الايجاب و القبول

فلأن ذلك مقتضي كونها عقدا.

و اما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما و لو بالمعاطاة فلإطلاق أدلة مشروعيتها.

2 - و اما انه يعتبر في الواهب البلوغ و ما بعده

فلان الهبة عقد

ص: 259

و تصرف في المال، و كلاهما مشروط بما ذكر.

و اما انه لا يعتبر ذلك في الموهوب له فلصحة الهبة إلي الصبي و المجنون و المحجور عليه بالضرورة، غايته يلزم في الاولين نيابة الولي عنهما في القبول.

3 - و اما توقف صحة الهبة علي القبض

فهو المشهور. و تدل عليه صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الهبة لا تكون أبدا هبة حتي يقبضها»(1) و غيرها.

و قد يقال: توجد في المقابل صحيحة أبي المعزا أو أبي بصير:

«قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: الهبة جائزة قبضت أو لم تقبض قسّمت أو لم تقسّم. و النحل لا تجوز حتي تقبض»(2) ، فانها تدل علي صحة الهبة قبل تحقق القبض سواء فسر الجواز باللزوم - كما هو الظاهر - أم بالصحة.

و الجواب: ان النتيجة لا تتغيّر، فان الطائفتين حيث يتعذر الجمع العرفي بينهما تتساقطان و يلزم الرجوع إلي الاصل، و هو يقتضي عدم ترتب الأثر قبل القبض.

و إذا قيل: لا تصل النوبة إلي الأصل لوجود المرجح للطائفة الثانية، و هو موافقتها للكتاب العزيز أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (3) الدال علي ترتب الأثر بمجرّد العقد.

قلنا: ان الكتاب العزيز يدل علي لزوم الهبة قبل القبض و هو مخالف لكلتا الطائفتين، و معه كيف يمكن الترجيح به، فان ما هو مفاده

ص: 260


1- وسائل الشيعة 336:13 الباب 4 من أحكام الهبات الحديث 7.
2- وسائل الشيعة 335:13 الباب 4 من أحكام الهبات الحديث 4.
3- المائدة: 1.

لا يمكن الترجيح به و ما يمكن الترجيح به ليس مفادا له.

4 - و اما اعتبار كون القبض باذن الواهب

فهو المشهور. و هو جيد لانصراف ما دل علي اعتبار القبض في صحة الهبة إلي ذلك. بل ان من المحتمل ان تكون كلمة «يقبضها» من باب الافعال.

و منه يتضح النظر فيما اختاره السيّد اليزدي قدّس سرّه من عدم اعتبار الاذن تمسكا بالاطلاق و ان الأصل عدم شرطية ذلك و ان القدر المتيقن اعتبار وصول المال إلي يد المتهب، و لذا لو كان بيده كفي(1).

5 - و اما عدم اعتبار القبض في هبة ما في يد الغير

فلتحققه من دون حاجة إلي تجديده.

6 - و اما عدم لزوم الفورية في القبض و لا كونه في مجلس العقد

فلإطلاق الصحيحة الدالة علي اعتبار القبض.

7 - و اما عدم صحة هبة المنافع

فلأنها موجود تدريجي متصرم لا يمكن تحقق القبض فيه.

و اما صحة هبة الدين علي غير من هو عليه فلانه بعد امكان قبضه بقبض فرد منه لا يعود مانع من التمسك باطلاق دليل شرعيتها.

و دعوي ان ما في الذمة - الذي تعلقت به الهبة - لا يمكن قبضه، و ما يمكن قبضه و هو الفرد الخارجي ليس الكلي نفسه، مدفوعة بان الكلي الطبيعي موجود بوجود افراده في نظر العرف أيضا و يمكن قبضه و اقباضه من خلال الفرد.

و اما عدم صحة هبة الدين علي من هو عليه فلان ذلك ابراء لا هبة

ص: 261


1- ملحقات العروة الوثقي 165:2.

و يترتب عليه احكامه دون احكامها فلا يجوز الرجوع في الموهوب، كما دلت عليه صحيحة معاوية بن عمار: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون له علي الرجل الدراهم فيهبها له، أله ان يرجع فيها؟ قال: لا»(1).

8 - و اما جواز الرجوع في الهبة و كونها عقدا جائزا بالرغم من

اقتضاء اصالة اللزوم لعكس ذلك

فلصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«اذا كانت الهبة قائمة بعينها فله ان يرجع و إلاّ فليس له»(2) و غيرها.

9 - و اما استثناء الهبة المعوضة

فلصحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا عوّض صاحب الهبة فليس له ان يرجع»(3) و غيرها.

و اما استثناء الهبة لذي الرحم فلصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «الهبة و النحلة يرجع فيها صاحبها ان شاء، حيزت أو لم تحز الا لذي رحم فانه لا يرجع فيها»(4) و غيرها.

و اما استثناء الهبة التي قصد بها القربة فلصحيحة محمد بن مسلم الاخري عن ابي جعفر عليه السّلام: «لا يرجع في الصدقة اذا أبتغي وجه اللّه»(5) و غيرها.

و اما استثناء حالة التلف أو التصرف الذي لا يصدق معه قيام العين فلصحيحة الحلبي المتقدمة.

ص: 262


1- وسائل الشيعة 332:13 الباب 1 من أحكام الهبات الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 341:13 الباب 8 من أحكام الهبات الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 341:13 الباب 9 من أحكام الهبات الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 338:13 الباب 6 من أحكام الهبات الحديث 2.
5- وسائل الشيعة 334:13 الباب 3 من أحكام الهبات الحديث 2.

ثم انه يوجد في المقابل روايات اخري معارضة، كموثقة داود بن الحصين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... و اما الهبة و النحلة فانه يرجع فيها حازها او لم يحزها و ان كانت لذي قرابة»(1) و غيرها.

و يمكن ان يقال: ما دام لا يمكن الجمع فتتحقق المعارضة و يلزم ترجيح الطائفة الاولي لموافقتها لإطلاق الكتاب الدال علي وجوب الوفاء بالعقود أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2).

10 - و اما عدم لزوم ان يكون الرجوع امام الموهوب له

فلإطلاق ما دلّ علي جواز الرجوع و عدم تقييده بما إذا كان امامه.

ص: 263


1- وسائل الشيعة 339:13 الباب 6 من أحكام الهبة الحديث 3.
2- المائدة: 1.

ص: 264

كتاب الوديعة

اشارة

1 - حقيقة الوديعة

2 - من أحكام الوديعة

ص: 265

ص: 266

1 - حقيقة الوديعة

اشارة

الوديعة عقد يتضمن استئمان الغير في حفظ المال. و يصطلح علي الغير بالودعي و المستودع، و علي الآخر بالمودع.

و هي مشروعة بلا اشكال.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الوديعة عقد

فواضح، إذ لا يكفي مجرد إيجاب المودع في تحققها بل لا بدّ من قبول الودعي و الا لم يكن له السلطنة علي نفسه، و هو خلف قانون السلطنة.

2 - و اما انها عقد يتضمن ما ذكر

فهو من واضحات الفقه، و يقتضيه الفهم العرفي.

3 - و اما مشروعية عقد الوديعة

فمن البديهيات لانعقاد سيرة العقلاء و المتشرعة عليه، و للكتاب العزيز الصريح في ذلك في موارد

ص: 267

متعددة، كقوله تعالي: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلي أَهْلِها (1) ، فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ (2).

و الروايات في ذلك كثيرة، كرواية أبي كهمس: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: عبد اللّه بن أبي يعفور يقرئك السلام قال: و عليك و عليه السلام، إذا أتيت عبد اللّه فاقرئه السلام و قل له: ان جعفر بن محمد يقول لك: انظر ما بلغ به علي عند رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فالزمه، فان عليّا عليه السّلام انما بلغ ما بلغ به عند رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بصدق الحديث و اداء الأمانة»(3) و غيره.

2 - من أحكام الوديعة

اشارة

يعتبر في تحقق الوديعة الايجاب من المودع و القبول من الودعي بكل ما يدل عليهما و لو بالمعاطاة.

و يجب ردّ الوديعة إلي صاحبها عند المطالبة بها و لو لم يكن مؤمنا ما دام ليس غاصبا.

و من طلب من الغير ان يكون ماله وديعة لديه و لم يقبل الغير ذلك و لم يتسلمه و مع ذلك تركه المالك عنده فلا يضمنه لو تلف أو تعيّب.

و عقد الوديعة جائز من الطرفين و ان كان مؤجلا بأجل محدّد الا مع اشتراط عدم فسخه إلي ذلك الأجل و لو ضمن عقد الوديعة نفسه، فانه يلزم الوفاء آنذاك، و لكن مع الفسخ ينفسخ و يكون الفاسخ بذلك آثما.

ص: 268


1- النساء: 58.
2- البقرة: 283.
3- وسائل الشيعة 218:13 الباب 1 من أحكام الوديعة الحديث 1.

و لو فسخ الودعي لزمه ايصال المال إلي صاحبه فورا، و إذا لم يفعل ذلك من دون عذر شرعي و تلف يكون ضامنا.

و يجب علي الودعي الحفاظ علي الوديعة بما هو المتعارف في الحفظ لأمثالها، و إذا لم يفعل ذلك يكون مفرّطا.

و الودعي لا يضمن تلف الوديعة و تعيّبها الا مع التعدي أو التفريط .

و لا يحق للودعي التصرف في الوديعة.

و من أحسّ بامارات الموت يلزمه ايصال الوديعة إلي صاحبها أو وكيله، و إذا لم يمكنه ذلك يلزمه الايصاء بها و العمل بما يضمن به وصولها إلي صاحبها بعده.

و الامانة علي قسمين: مالكية و شرعية، و الحكم في كليهما واحد.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الوديعة لا تتحقق الا بالايجاب و القبول

فهو مقتضي كونها عقدا.

و اما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما و لو بالمعاطاة فلإطلاق دليل شرعيتها بعد صدق عنوانها.

2 - و اما وجوب ردّ الوديعة الي صاحبها عند مطالبته بها و لو لم

يكن مؤمنا

فلإطلاق قوله تعالي: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلي أَهْلِها (1).

و في الحديث عن الامام الصادق عليه السّلام: «ادّوا الامانة و لو إلي قاتل الحسين بن علي عليهما السّلام»(2).

ص: 269


1- النساء: 58.
2- وسائل الشيعة 224:13 الباب 2 من أحكام الوديعة الحديث 12.
3 - و اما التقييد بعدم كون صاحب الوديعة غاصبا

فلان الواجب هو ردّ الامانة إلي أهلها، و ذلك لا يتحقق بالدفع إلي الغاصب بل فعل ذلك موجب للضمان لأنه تعدّ علي الامانة.

و اما عدم ضمان من ترك عنده شيء و قد تلف أو تعيب من دون قبوله لذلك و لا تسلمه إيّاه فلعدم صدق عنوان الوديعة - الموقوف علي تحقق القبول - كي يجب التحفّظ عليه بعد وضوح ان أموال الغير لا يجب التحفظ عليها ابتداء.

4 - و اما ان عقد الوديعة جائز

فذلك واضح بلحاظ المودع لأنه من ناحيته لا يعدو الاذن في حفظ ماله، و للآذن حق التراجع عن اذنه متي شاء.

و اما بلحاظ الودعي فلا وجه لجواز تراجعه قبل انتهاء الاجل - ما دام العقد قد حدّد به - سوي التسالم علي ذلك.

قال صاحب الجواهر: «و هو - التسالم - الحجّة في تخصيص الآية و غيرها من أدلّة اللزوم»(1).

5 - و اما عدم جواز الفسخ ما دام قد اشترط عدم الفسخ

فلعموم قوله عليه السّلام: «المسلمون عند شروطهم»(2).

و دعوي ان الوديعة عقد جائز فيكون الشرط المذكور فيها جائزا أيضا مدفوعة بان عموم وجوب الوفاء بالشروط لا يختص بالشرط المذكور في العقد اللازم.

و اما تحقق الفسخ مع مخالفة الشرط فلان العموم السابق ليس

ص: 270


1- جواهر الكلام 106:27.
2- وسائل الشيعة 353:12 الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 2.

بناظر الي الأثر الوضعي بل التكليفي فقط .

6 - و اما ان الودعي يلزمه ايصال الوديعة إلي صاحبها لو فسخ

فلوجوب ردّ الامانات إلي أهلها كما دلّ عليه قوله تعالي: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلي أَهْلِها (1).

و اما الضمان لو فسخ الودعي و لم يوصل الوديعة إلي صاحبها و تلفت أو تعيبت فلان ذلك من التفريط في أمر الوديعة.

7 - و اما وجوب التحفظ علي الوديعة بما هو المتعارف في أمثالها

فلاستبطان قبول الودعي الوديعة تعهّده بذلك.

علي ان ردّ الامانة إلي أهلها واجب، و التحفظ المذكور مقدّمة له فيكون واجبا.

8 - و اما عدم ضمان الودعي التلف و التعيب لو حصل من دون

تعدّ أو تفريط

فللحديث الصحيح عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «ليس لك ان تتهم من قد ائتمنته و لا تأتمن الخائن و قد جربته»(2).

علي ان بالامكان ان يقال: ان التعاقد علي الاستيداع يستبطن عرفا التعاقد علي ذلك أيضا.

9 - و اما عدم جواز التصرف في الوديعة

فلان ذلك مقتضي عدم جواز التصرف في مال الغير بدون إذنه، بل لا معني للأذن في التصرّف و الا كان المورد عارية لا وديعة.

10 - و اما ان من أحسّ بامارات الموت يلزمه ما ذكر

فلان ذلك مقتضي التحفظ الواجب في أمر الامانة، و من دونه يصدق التفريط .

ص: 271


1- النساء: 58.
2- وسائل الشيعة 229:13 الباب 4 من أحكام الوديعة الحديث 10.
11 - و اما انقسام الامانة إلي مالكية و شرعية

فواضح إذ المودع تارة هو المالك فتكون الامانة مالكية، و اخري هو الشارع فتكون شرعية، كما في باب اللقطة، حيث اذن الشارع بالالتقاط و التحفظ علي المال كأمانة.

و اما وحدة حكم القسمين فلانه بعد صدق عنوان الامانة في كليهما ينبغي تطبيق جميع أحكامه عليهما.

ص: 272

كتاب العارية

اشارة

1 - حقيقة العارية

2 - من أحكام العارية

ص: 273

ص: 274

1 - حقيقة العارية

اشارة

العارية عقد يتضمن تسليط شخص غيره علي عين للانتفاع بها مجانا.

و هي مشروعة بلا اشكال.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان العارية عقد

فينبغي عدّه من الواضحات، فان جواز الانتفاع بملك الغير يتحقق تارة من خلال اذن الشخص بالتصرف في ملكه، و هو بهذا اللحاظ ايقاع لا يتوقف علي قبول الطرف الثاني، و اخري من خلال العارية، و هو بهذا اللحاظ عقد يتوقف علي القبول.

2 - و اما ان عقد العارية يتضمن التسليط المجاني علي الانتفاع

فمما لا كلام فيه. و يقتضيه فهم العرف منها ذلك.

و فرق العارية عن الاجارة ان الثانية تمليك للمنفعة بعوض و الاولي تمليك للانتفاع مجانا.

3 - و اما شرعية العارية

فمن واضحات الفقه، و تدل علي ذلك سيرة العقلاء و المتشرعة و الروايات الكثيرة، كصحيح أبي بصير عن

ص: 275

أبي عبد اللّه عليه السّلام: «بعث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله إلي صفوان بن امية فاستعار منه سبعين درعا باطراقها (باطرافها) فقال: أ غصبا يا محمّد؟ فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله: بل عارية مضمونة»(1) و غيره.

2 - من أحكام العارية

اشارة

لا تتحقق الاعارة الا بايجاب من المعير و قبول من المستعير بكل ما يدل عليهما و لو بالمعاطاة.

و لا يلزم في المعير ان يكون مالكا للعين بل تكفي ملكيته للمنفعة باجارة و نحوها فيما إذا لم يشترط عليه استيفاء المنفعة بنفسه.

و يعتبر في العين المعارة امكان الانتفاع بها مع بقاء عينها، اما إذا لم يمكن ذلك فلا تصح الاعارة، كما هو الحال في مثل الخبز و الدهن.

و يلزم المستعير ان لا يستفيد من العين المعارة الا في حدود ما جرت عليه العادة، فان تجاوز ضمن. و إذا نقصت بسبب الاستعمال المأذون فيه فلا ضمان.

و العين المعارة لا يضمنها المستعير ما دام لم يتحقق منه التعدي أو التفريط الا اذا اشترط عليه الضمان أو فرضت العين من الذهب أو الفضة.

و العارية جائزة من الطرفين و ان كانت مؤجلة الا مع اشتراط عدم فسخها إلي أجل معين فيجب الوفاء الا انه لو خولف الشرط تحقق الفسخ و ان كان الفاسخ آثما بذلك.

ص: 276


1- وسائل الشيعة 236:13 الباب 1 من أحكام العارية الحديث 1.

و المستند في ذلك:

1 - اما توقف تحقق العارية علي الايجاب و القبول

فهو مقتضي كونها عقدا.

و اما انها تتحقق بكل ما يدل عليهما و لو بالمعاطاة فللتمسك باطلاق دليل شرعيتها بعد فرض صدق عنوانها.

2 - و اما انه لا يلزم في المعير ان يكون مالكا للعين بل يكفي كونه

مالكا للمنفعة

فباعتبار ان التسليط علي الانتفاع لا يتوقف علي ملكية العين بل تكفي فيه ملكية المنفعة ما دام لم يشترط استيفاؤها بالمباشرة.

3 - و اما اعتبار بقاء العين المعارة عند الانتفاع بها

فلانه بدون ذلك لا يمكن تمليك الانتفاع.

4 - و اما عدم جواز الاستفادة من العين المعارة الا في حدود ما

جرت عليه العادة

فلانصراف الاذن في الانتفاع بالعين - الذي تتضمنه الاعارة - إلي الانتفاعات المتعارفة فيها.

5 - و اما عدم ضمان النقصان الطارئ علي العين بسبب

استعمالها

فلان ذلك من لوازم الاذن في الانتفاع بها مجانا.

6 - و اما عدم ضمان المستعير للعين المعارة ما دام لم يحصل

منه تعدّ أو تفريط الا مع اشتراط الضمان

فهو مقتضي قاعدة عدم ضمان الامين. مضافا إلي الروايات الخاصة، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «... إذا هلكت العارية عند المستعير لم يضمنه الا ان يكون

ص: 277

اشترط عليه»(1).

7 - و اما ضمان عارية الذهب و الفضة

فلموثقة اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه أو أبي إبراهيم عليهما السّلام: «العارية ليس علي مستعيرها ضمان الا ما كان من ذهب أو فضة فانهما مضمونان اشترطا أو لم يشترطا»(2).

ان قلت: لا بدّ من تقييد الذهب و الفضة بخصوص الدنانير و الدراهم لصحيحة عبد اللّه بن سنان: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا تضمن العارية الا ان يكون قد اشترط فيها ضمان الا الدنانير فانها مضمونة و ان لم يشترط فيها ضمانا(3)»(4) ، و صحيحة عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«ليس علي صاحب العارية ضمان الا ان يشترط صاحبها الا الدراهم فانها مضمونة اشترط صاحبها أو لم يشترط »(5).

قلت: ان التقييد المذكور ليس عرفيا لان لازمه الحمل علي الفرد النادر، إذ شرط صحة العارية علي ما تقدم امكان الانتفاع بالعين مع بقائها، و هذا لا يتحقق عادة في الدنانير و الدراهم و ان كان يتحقق نادرا كما في اعارتها للتزيّن بها او لرهنها كما ذكر صاحب الجواهر.

و عليه فتكون النتيجة ان العارية ليس فيها ضمان الا مع الاشتراط أو كونها من قبيل الذهب و الفضة.

ص: 278


1- وسائل الشيعة 236:13 الباب 1 من أحكام العارية الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 240:13 الباب 3 من أحكام العارية الحديث 4.
3- المناسب: ضمان بالرفع كما في تهذيب الاحكام 183:7 و الاستبصار 126:3.
4- وسائل الشيعة 239:13 الباب 3 من أحكام العارية الحديث 1.
5- وسائل الشيعة 240:13 الباب 3 من أحكام العارية الحديث 3.
8 - و اما ان العارية جائزة من الطرفين بالرغم من كون المناسب

لزومها - طبقا لأصالة اللزوم

- فللتسالم علي ذلك. و هو جيد، فان العارية في روحها ترجع إلي الاذن في التصرف، و للآذن التراجع عن اذنه متي أحب.

و اما انه مع اشتراط عدم الفسخ لا يجوز فسخها تكليفا و ان ترتّب الاثر وضعا فلما تقدم عند البحث عن الوديعة.

ص: 279

ص: 280

كتاب السّبق و الرّماية

اشارة

1 - حقيقة السبق و الرماية

2 - من أحكام السبق و الرماية.

ص: 281

ص: 282

1 - حقيقة السبق و الرماية

اشارة

السبق - بسكون الباء - معاملة تتضمن اجراء الخيل و ما شابهها في حلبة السباق لمعرفة الاجود منها.

و الرماية معاملة تتضمن رمي السهام نحو الهدف للتعرف علي الحاذق من المترامين.

و هما مشروعان دون خلاف.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان السبق و الرماية عقدان

فباعتبار انهما لا يتحققان إلاّ بعد اتفاق شخصين أو أكثر عليهما، و لا يكفي الايجاب من طرف واحد لتحققهما.

أجل بناء علي كونهما جعالة - كما هو المنسوب للشيخ و العلاّمة(1) - فهما ايقاع و لا حاجة في تحققهما إلي القبول بل يكفي

ص: 283


1- جواهر الكلام 223:28.

البذل، كما يكفي في مثل: من ردّ عليّ سيارتي المسروقة فله كذا.

الا ان ذلك جيد لو كان البذل من شخص ثالث أجنبي، و اما إذا كان منهما باتفاق بينهما فكونهما جعالة بعيد.

2 - و اما ان العقدين المذكورين يتضمنان ما ذكر

فأمر متسالم عليه.

3 - و اما شرعية المعاملتين المذكورتين

فيمكن استفادتها من عموم قوله تعالي: وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ (1) ، فان الغرض من السبق و الرماية تدريب المسلمين علي الفنون العسكرية و تهيئتهم لمواجهة الكفار في ساحة القتال، و ذلك مصداق واضح لإعداد القوة المأمور بها في الآية الكريمة.

و قد يقال بامكان استفادة ذلك من قوله تعالي: إِنّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَ تَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا (2) و لكنّه قابل للتأمّل كما هو واضح.

و اما الروايات في هذا المجال فكثيرة، كموثقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عن أبيه عن علي بن الحسين عليهم السّلام: «ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أجري الخيل و جعل سبقها(3) أواقي من فضة»(4) ، و صحيحة حفص بن البحتري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه كان يحضر الرمي و الرهان(5).

ص: 284


1- الأنفال: 60.
2- يوسف: 17.
3- السبق بفتح السين و الباء: العوض المجعول للسابق. و يقال له: الخطر - بفتح الحاء و الطاء - أيضا. و السبق بفتح السين و سكون الباء: مصدر بمعني المعاملة المتقدمة. و الأواقي: جمع أوقية.
4- وسائل الشيعة 345:13 الباب 1 من أحكام السبق و الرماية الحديث 10.
5- وسائل الشيعة 348:13 الباب 2 من أحكام السبق و الرماية الحديث 4.

2 - من أحكام السبق و الرماية

اشارة

يعتبر في تحقق السبق و الرماية الايجاب و القبول بكل ما يدل عليهما.

و يصح اجراء هاتين المعاملتين علي وسائل القتال الحديثة و لا يختص بما إذا كان علي السيف و السهام و الخيل و الابل و ما شاكل ذلك.

و لا يلزم في صحة المسابقة وجود المحلّل، و هو شخص يدخل في المسابقة من دون ان يبذل عوضا و انما يجري فرسه مع المتراهنين علي انه ان سبق كان له العوض و ان لم يسبق لم يخسر شيئا(1).

و يجوز في العوض المقرر للسابق - السبق - ان يكون من أحد الطرفين أو من شخص ثالث أجنبي أو من بيت المال.

و العبرة في تحقق السبق علي الصدق العرفي الا اذا تمّ الاتفاق علي غيره.

و العقد في السبق و الرماية لازم لا يجوز فسخه الا مع اشتراط الخيار.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار الايجاب و القبول في تحقق السبق و الرماية

فلان ذلك مقتضي كونهما عقدا.

و اما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما فلإطلاق دليل المشروعية.

2 - و اما ان صحة هاتين المعاملتين لا تنحصر بالوسائل القديمة

فباعتبار ان النصوص و ان اقتصرت عليها، كما في صحيحة حفص عن

ص: 285


1- و انما سمي بالمحلل لان القائل باشتراط وجوده في صحة المسابقة يري ان وجوده محلل لها و عدمه محرّم لها.

أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا سبق الا في خف أو حافر أو نصل»(1) الا ان تخصيصها بالذكر هو من جهة كونها الوسائل الحربية المتداولة تلك الفترة و لا ينبغي فهم الخصوصية لها. كيف و هل يحتمل انتهاء فترة تشريع المسابقة و الرماية و عدم امتداده لمثل زماننا أو هل يحتمل ان التشريع ممتدّ مع لزوم الاقتصار علي الوسائل القديمة ؟! كلا، لا يحتمل هذا و لا ذاك. و بطلان الاحتمالين يساوق الحكم بعموم النتيجة(2).

3 - و اما المحلّل فقد قيل باشتراط وجوده في حلية العقد.

و نسب ذلك إلي ابن الجنيد استنادا منه الي خبر لا يوجد في كتبنا(3).

و المناسب عدم اعتبار وجوده في صحّة العقد تمسّكا باطلاق دليل المشروعية.

4 - و اما جواز ان يكون السبق من أجنبي أو بيت المال أو

المتراهنين

فلإطلاق دليل المشروعية.

5 - و اما ان العبرة في تحقق السبق علي الصدق العرفي

فلكونه

ص: 286


1- وسائل الشيعة 348:13 الباب 3 من أحكام السبق و الرماية الحديث 1. قيل: بان الخف إشارة إلي الابل و الفيلة، و النصل إشارة إلي السهم و السيف و الحربة، و الحافر إشارة إلي الفرس و البغل و الحمار.
2- و لعل المورد المذكور يمكن عدّه مصداقا من مصاديق تأثير عنصر الزمان في عملية الاجتهاد الذي قد يفهم من بعض كلمات المحقق الأردبيلي في مبحث الصلاة من كتابه مجمع الفائدة و البرهان 436:3 - حيث قال: «و لا يمكن القول بكلية شيء بل تختلف الاحكام باعتبار الخصوصيات و الاحوال و الازمان و الامكنة و الاشخاص، و هو ظاهر. و باستخراج هذه الاختلافات و الانطباق علي الجزئيات المأخوذة من الشرع الشريف امتياز اهل العلم و الفقهاء شكر اللّه سعيهم و رفع درجاتهم» - و اكّده بعض الاعلام من المتأخرين في صحيفة النور 98:21.
3- جواهر الكلام 226:28.

المقصود للمتعاقدين حينما تعاقدا علي ثبوت العوض للسابق.

6 - و اما ان السبق و الرماية عقدان لازمان

فلكون ذلك مقتضي اصالة اللزوم في مطلق العقود.

أجل بناء علي كونهما من مصاديق الجعالة دون العقد ينبغي الحكم بجوازهما لكون الجعالة من المعاملات الجائزة كما يأتي إن شاء اللّه تعالي.

ص: 287

ص: 288

كتاب النّكاح

اشارة

1 - النكاح و بعض أحكامه

2 - ولاية الأبوين

3 - أحكام النظر

4 - من يحرم العقد عليها

5 - الزواج المؤقت

6 - أحكام النفقة

7 - أحكام القسمة

ص: 289

ص: 290

1 - النكاح و بعض أحكامه

اشارة

النكاح عقد يتضمن إنشاء علقة الزوجية الخاصة. و هو دائم و منقطع و ملك يمين.

و يتحقق الدائم بقول الزوجة للزوج: زوجتك نفسي علي كذا و قول الزوج بعد ذلك: قبلت الزواج علي كذا.

و المنقطع بقولها: متعتك نفسي علي كذا و لمدة كذا و قول الزوج بعد ذلك:

قبلت التمتع علي كذا و لمدّة كذا.

و يلزم في الايجاب و القبول ان يكونا لفظيين.

كما يلزم في الايجاب ان يكون بلفظ الزواج أو النكاح.

و في تحقق الزواج الدائم بلفظ التمتع اشكال.

و المشهور اعتبار العربية و الماضوية في اجراء العقد.

و لا يلزم في الايجاب تقدمه علي القبول بل يجوز ان يكون الايجاب من الزوج و القبول من الزوجة و ان كان الاحتياط أمرا لا ينبغي الحياد عنه.

و ليس من اللازم علي الزوجين مباشرة العقد بأنفسهما بل يجوز لهما

ص: 291

التوكيل في ذلك.

و لا مانع من كون الوكيل واحدا عن الطرفين، بل يجوز ان يكون الزوج وكيلا عن الزوجة فيجري الايجاب بالوكالة و القبول بالاصالة، كما يجوز ان تكون هي وكيلة عنه فتوجب بالاصالة و تقبل بالوكالة.

و إذا لم يباشر الزوجان العقد و أوكلاه إلي الغير فلا يجوز لهما الاستمتاع الجنسي بما في ذلك النظر الا بعد الاطمئنان باجراء الوكيل للعقد.

و لا يعتبر في صحة النكاح عندنا الاشهاد.

و يلزم في صحة نكاح البكر مضافا إلي موافقتها موافقة وليها، و هو أبوها أو جدها لأبيها. و اما الثيب فتكفي موافقتها.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان النكاح هو العقد المذكور و ليس الوط ء

فهو المشهور.

و يشهد له الكتاب العزيز، فانه لم يعهد فيه استعمال لفظ النكاح في الوط ء.

و اما انقسامه الي الاقسام الثلاثة فهو من ضروريات المذهب بل الدين. و يأتي بيان الدليل علي شرعية النكاح المنقطع فيما بعد إن شاء اللّه تعالي.

2 - و اما تحقق العقد الدائم و المنقطع بالصيغة المتقدمة

فهو محل وفاق بل هو القدر المتيقن من الصيغة الصحيحة التي يقع بها العقد.

3 - و اما اعتبار الايجاب و القبول اللفظيين و عدم الاكتفاء

بالتراضي

فقد ادعي في الحدائق اجماع العامة و الخاصة عليه(1).

ص: 292


1- الحدائق الناضرة 18:23.

و قد يستدل علي ذلك بانه:

أ - لو لا ذلك لم يبق فارق بين النكاح و السفاح.

و التأمل فيه واضح، فان الفارق ثابت بقطع النظر عن ذلك، و هو انه في النكاح يوجد اعتبار للزوجية بخلافه في السفاح.

ب - و بما ورد في تعليم صيغة النكاح المنقطع، فقد روي ابان بن تغلب: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال: تقول:

أتزوجك متعة علي كتاب اللّه و سنة نبيه لا وارثة و لا موروثة كذا و كذا يوما و ان شئت كذا و كذا سنة بكذا و كذا درهما، و تسمي من الاجر ما تراضيتما عليه قليلا كان أو كثيرا، فاذا قالت: نعم فقد رضيت و هي امرأتك و أنت أولي الناس بها»(1) و غيرها.

و هي و ان كانت واردة في النكاح المنقطع الا انه لا يحتمل ثبوت الخصوصية له.

و دلالتها واضحة، فانها ظاهرة في ارتكاز المفروغية من اعتبار الصيغة في ذهن ابان و السؤال وقع بلحاظ بعض الخصوصيات.

علي ان قوله عليه السّلام في الذيل: «فاذا قالت: نعم فقد رضيت و هي امرأتك» يدل بالمفهوم علي عدم تحقق الزوجية من دون قول الزوجة نعم بعد قول الزوج لها أتزوجك متعة...

هذان وجهان لاعتبار الصيغة.

و لعل الأجدر الاستدلال علي ذلك بارتكاز اعتبار الصيغة في تحقق النكاح في اذهان جميع المتشرعة الصغير منهم و الكبير و الرجل1.

ص: 293


1- وسائل الشيعة 466:18 الباب 14 من أبواب المتعة الحديث 1.

و المرأة و العالم و الجاهل، و لا منشأ لذلك سوي الوصول من المعصوم عليه السّلام يدا بيد.

4 - و اما تحقق عقد النكاح بلفظ الزواج و النكاح

فمما لا إشكال فيه.

و يدل علي انعقاده بلفظ الزواج قوله تعالي: فَلَمّا قَضي زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها (1) و حديث ابان المتقدم و غيره.

و علي انعقاده بلفظ النكاح قوله تعالي: وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ (2) و غيره من الاستعمالات القرآنية المعبرة بلفظ النكاح.

5 - و اما الاشكال في تحقق الزواج الدائم بلفظ التمتع

فباعتبار انه لم يرد في شيء من النصوص الشرعية التعبير عن الدائم بلفظ التمتع ليحكم بصحة الانشاء به، و من الواضح انه لا تصح الاستعانة بكل لفظ بل لا بدّ من الاقتصار علي ما تداول التعبير به شرعا أو عرفا.

و اذا قيل: يمكن التمسك بالنصوص الدالة علي انقلاب العقد المنقطع دائما اذا لم يذكر الاجل نسيانا.

قلنا: لو كان لدينا نص بالمضمون المذكور بحيث يكون ناظرا إلي حالة النسيان لأمكن التمسك به و يثبت المطلوب و لكن ليس لدينا نص كذلك بل الوارد في مثل موثقة عبد اللّه بن بكير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان سمي الاجل فهو متعة و ان لم يسم الاجل فهو نكاح بات»(3) ، و القدر المتيقن من ذلك هو ان الصيغة اذا كان يمكن ان يقع بها العقد دائما

ص: 294


1- الاحزاب: 37.
2- النساء: 22.
3- وسائل الشيعة 469:14 الباب 20 من ابواب المتعة الحديث 1.

و منقطعا - كصيغة زوجت و انكحت - فبذكر الاجل يقع العقد مؤقتا و بعدمه يقع دائما و لا يمكن ان يستفاد منه ان العقد ينقلب دائما مهما كانت الصيغة و لو مثل متعت، فانه ليس في مقام البيان من هذه الناحية و الا يلزم صحة التمسك به لإثبات تحقق عقد النكاح بأي صيغة كانت حتي مثل صيغة اتخذتك بعلا او فراشا او لباسا.

6 - و اما اعتبار العربية في صيغة العقد

فقد يستدل له:

تارة بعدم صدق العقد إذا لم يكن بالعربية.

و اخري بان القدر المتيقن من العقد الصحيح هو العقد بالعربية، و تحققه بغيرها يحتاج إلي دليل، و هو مفقود، و الاصل يقتضي عدم ترتب الأثر.

و كلاهما كما تري.

اما الاول فواضح.

و اما الثاني فلعدم احتمال منع الشارع من الزواج إذا لم يتمكن الزوجان من النطق بالعربية.

هذا مضافا إلي ان المستفاد من قوله تعالي: وَ أَنْكِحُوا الْأَيامي مِنْكُمْ ... (1) مطلوبية عنوان النكاح من دون قيد زائد، و حيث ان العقد بغير العربية يصدق عليه عنوان النكاح فيكون مشروعا و ممضيا.

ثم ان التفصيل بين امكان توكيلهما شخصا يعقد بالعربية فلا يجوز لهما العقد بغير العربية و بين عدم الامكان فيجوز لهما ذلك، بعيد لعدم امكان تتميمه بالدليل.

ص: 295


1- النور: 32.

أجل الاحتياط بالاقتصار علي حالة عدم امكان التوكيل أمر مناسب بل لازم.

7 - و اما اعتبار الماضوية

فقد يستدل له:

تارة بكون العقد بالماضي هو القدر المتيقن من العقد الصحيح، و غيره مشكوك فتجري بلحاظه اصالة عدم ترتب الاثر.

و اخري بأن الماضي صريح في الانشاء بخلاف غيره.

و ثالثة بان تجويز غير الماضي يؤدي إلي انتشار الصيغة و عدم وقوفها عند حدّ معين.

و الجواب:

امّا عن الاخير فبان انتشار الصيغة و عدم وقوفها عند حدّ لا يشكّل محذورا.

و اما عن الاولين فبما تقدم من ان المستفاد من الكتاب العزيز مطلوبية كل ما يصدق عليه عنوان النكاح من دون قيد زائد، و حيث ان الانشاء بغير الماضي يصدق عليه عنوان النكاح فيكون مشروعا.

هذا مضافا إلي ما تقدم في روايات النكاح المنقطع من انه يقول:

أتزوجك...

8 - و اما عدم اعتبار تقدم الايجاب

فلصدق عنوان النكاح بدون ذلك، و المستفاد من الكتاب العزيز مطلوبية عنوان النكاح لا أكثر.

بل جواز ذلك يستفاد بوضوح من روايات المتعة التي تقدمت الاشارة إلي بعضها.

و من خلال هذا يتضح الوجه في جواز كون الايجاب من الزوج و القبول من الزوجة.

ص: 296

9 - و اما الاكتفاء بالتوكيل

فلإطلاق دليل مشروعية الوكالة - الذي تقدمت الاشارة إليه عند البحث عن الوكالة - و الروايات الخاصة، كصحيحة داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«رجل يريد ان يزوّج اخته... فان قالت: زوّجني فلانا زوّجها ممن ترضي»(1) و غيرها.

و علي هذا يكفي ان يقول وكيل الزوجة لوكيل الزوج: زوجت موكلتي فلانة موكلك فلانا علي مهر كذا، ثم يقول وكيل الزوج: قبلت الزواج عن موكلي علي المهر المذكور.

و إذا كانت الزوجة قد وكلت فقط كفي ان يقول وكيلها للزوج:

زوجتك موكلتي علي مهر كذا ثم يقول الزوج: قبلت الزواج علي المهر المذكور.

و إذا كان الزوج قد وكّل فقط كفي ان تقول الزوجة لوكيل الزوج:

زوجت نفسي موكلك علي مهر كذا، ثم يقول وكيل الزوج: قبلت الزواج عن موكلي علي المهر المذكور.

10 - و اما جواز تولي شخص واحد طرفي العقد

فلعدم المانع منه بعد شمول اطلاق ادلة مشروعية الوكالة له.

و اتحاد الموجب و القابل لا محذور فيه بعد كفاية المغايرة الاعتبارية.

و منه يتضح الوجه في جواز تولي الزوج أو الزوجة كلا طرفي العقد.

ص: 297


1- وسائل الشيعة 211:14 الباب 7 من أبواب عقد النكاح الحديث 1.

ان قلت: ان موثقة عمار الساباطي عن أبي الحسن عليه السّلام: «امرأة تكون في أهل بيت فتكره ان يعلم بها اهل بيتها أ يحل لها ان توكّل رجلا يريد ان يتزوجها تقول له: قد وكلتك فاشهد علي تزويجي ؟ قال: لا. قلت له: جعلت فداك و ان كانت ايّما قال: و ان كانت ايّما. قلت: فان وكّلت غيره بتزويجها منه، قال: نعم»(1) تدل علي عدم جواز تولي الزوج كلا طرفي العقد.

قلت: هي أجنبية عن ذلك، فانها ناظرة إلي ان الزوج إذا كان وكيلا فلا يصلح ان يكون شاهدا بل الشاهد لا بدّ من كونه مغايرا للوكيل في التزويج.

11 - و اما عدم جواز الاستمتاع للزوجين إلاّ بعد التأكّد من اجراء

الوكيل للعقد

فلاستصحاب عدم تحققه.

12 - و اما عدم اعتبار الاشهاد في النكاح

فيكفي لإثباته عدم الدليل علي اعتباره فيتمسك آنذاك باطلاق ادلة صحة النكاح. علي انه قد قام الدليل علي عدم اعتبار ذلك حتي اصبح ذلك من معالم مذهبنا.

و في الحديث ان الامام الكاظم عليه السّلام قال لأبي يوسف القاضي: «ان اللّه امر في كتابه بالطلاق و أكّد فيه بشاهدين و لم يرض بهما الا عدلين و أمر في كتابه بالتزويج فاهمله بلا شهود فاثبتم شاهدين فيما اهمل و أبطلتم الشاهدين فيما اكّد»(2).

13 - و اما توقف صحة نكاح البكر علي موافقتها و موافقة وليّها

بخلاف الثيب

فيأتي بيان الوجه فيه إن شاء اللّه تعالي في البحث التالي.

ص: 298


1- وسائل الشيعة 217:14 الباب 10 من أبواب عقد النكاح الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 68:14 الباب 43 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5.

2 - ولاية الابوين

اشارة

للأب و الجد للأب الولاية علي الصغيرين في تزويجهما، و علي المجنون البالغ المتصل جنونه ببلوغه. بل قيل بثبوتها عليه في حالة الانفصال أيضا.

و في ثبوت الولاية لهما علي البكر البالغة خلاف، بخلاف الثيب فانه لا خلاف في استقلالها في أمرها.

و المستند في ذلك:

1 - اما ثبوت الولاية للأب و الجد

فلم ينسب فيه خلاف لأحد - سوي ابن أبي عقيل حيث نسب له انكار الولاية للجد(1) - للروايات الكثيرة، كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «الصبي يتزوج الصبية يتوارثان ؟ فقال: إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم. قلت:

فهل يجوز طلاق الاب ؟ قال: لا»(2) و غيرها.

و لعل انكار ابن ابي عقيل ولاية الجد ناشئ من اقتصار الرواية المذكورة و غيرها علي خصوص الاب.

و لكنه يندفع بكون الجد مصداقا للأب، و بالروايات الاخري الدالة علي ان الجد و الاب لو تزاحما في اعمال الولاية قدّم الجد، كصحيحة محمد بن مسلم الاخري عن أحدهما عليهما السّلام: «اذا زوّج الرجل ابنة ابنه فهو جائز علي ابنه، و لابنه أيضا ان يزوجها. فقلت: فان هوي ابوها رجلا

ص: 299


1- جواهر الكلام 171:29.
2- وسائل الشيعة 220:14 الباب 12 من أبواب عقد النكاح الحديث 1.

وجدها رجلا فقال: الجد أولي بنكاحها»(1) و غيرها.

2 - و اما اختصاص الولاية بالجد للأب دون ما لو كان للأمّ

فتدل عليه - مضافا إلي كفاية القصور في المقتضي - صحيحة ابن مسلم المتقدمة، فانها ظاهرة في اختصاص الولاية بالجد للأب.

3 - و اما ولاية الاب و الجد علي المجنون

فلصحيحة أبي خالد القماط : «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل الاحمق الذاهب العقل يجوز طلاق وليّه عليه ؟ قال: و لم لا يطلق هو؟ قلت: لا يؤمن إن طلّق هو ان يقول غدا:

لم أطلق أو لا يحسن ان يطلّق قال: ما أري وليّه الا بمنزلة السلطان»(2) و غيرها، فان القدر المتيقن في المراد من الولي هو الاب و الجد. و إذا ثبت كونه بمنزلة السلطان في الطلاق ثبت كونه كذلك في النكاح بالاولوية.

و بقطع النظر عن الصحيحة المذكورة يمكن التمسك باستصحاب الولاية الثابتة قبل البلوغ بناء علي جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية و عدم معارضة استصحاب بقاء المجعول باستصحاب عدم الجعل الزائد.

4 - و اما القول بعموم الولاية لحالة الجنون الطارئ بعد البلوغ

الذي ذهب إليه بعض الفقهاء

فيمكن الاستدلال له باطلاق الصحيحة السابقة و ما هو بمضمونها.

5 - و اما ولاية الابوين في زواج البكر
اشارة

فقد وقعت محلا للاختلاف، فقيل باستقلالهما في ذلك، و قيل باستقلالها، و قيل بالتشريك.

و منشأ ذلك اختلاف الروايات، فانها علي طوائف نذكر من بينها:
اشارة

ص: 300


1- وسائل الشيعة 217:14 الباب 11 من أبواب عقد النكاح الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 329:15 الباب 35 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
1 - ما دلّ علي استقلال الاب.

و هو روايات متعددة تبلغ ستا أو اكثر و فيها الصحاح، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء أ لها مع أبيها أمر؟ فقال: ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيّب»(1) و غيرها.

2 - ما دلّ علي اعتبار اذن الاب من دون دلالة علي الاستقلالية،

و هو روايات متعددة تبلغ ستا أو أكثر و فيها الصحاح أيضا، كصحيحة ابن ابي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تنكح ذوات الآباء من الابكار الا باذن آبائهن»(2) و غيرها.

3 - ما دلّ علي اعتبار اذن البكر و عدم استقلال الاب

، و هو روايتان:

احداهما: صحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «تستأمر البكر و غيرها و لا تنكح الا بامرها»(3).

ثانيتهما: صحيحة صفوان: «استشار عبد الرحمن موسي بن جعفر عليه السّلام في تزويج ابنته لابن أخيه فقال: افعل و يكون ذلك برضاها، فان لها في نفسها نصيبا. قال: و استشار خالد بن داود موسي بن جعفر عليه السّلام في تزويج ابنته علي بن جعفر فقال: افعل و يكون ذلك برضاها فان لها في نفسها حظّا»(4).

4 - ما دلّ علي استقلال البكر في امرها.

و لا توجد رواية صريحة

ص: 301


1- وسائل الشيعة 203:14 الباب 3 من أبواب عقد النكاح الحديث 11.
2- وسائل الشيعة 208:14 الباب 6 من أبواب عقد النكاح الحديث 5.
3- وسائل الشيعة 214:14 الباب 9 من أبواب عقد النكاح الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 214:14 الباب 9 من أبواب عقد النكاح الحديث 2.

تدل علي ذلك سوي رواية سعدان بن مسلم: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت بغير اذن أبيها»(1).

و لا بدّ من اسقاط هذه الرواية من الحساب لان الروايات الدالة علي اعتبار اذن الاب استقلالا أو في الجملة هي الجملة هي اثنتا عشرة رواية بل أكثر، و لكثرتها تشكّل عنوان السنة القطعية، و يلزم طرح المخالف للسنة القطعية لان المخالف للكتاب العزيز انما وجب طرحه من جهة انه - الكتاب العزيز - يمثّل حكما قطعيا و ليس لخصوصية فيه، و المخالف للسنة القطعية حيث انه مخالف للحكم القطعي فيلزم طرحه أيضا.

هذا مضافا إلي ان الرواية ضعيفة السند في نفسها لا فقط لان سعدان لم تثبت وثاقته الا بناء علي تمامية كبري وثاقة كل من ورد في كامل الزيارات أو تفسير القمي بل اضافة إلي ذلك هي مبتلاة بالاشكال من ناحية اخري، فان الشيخ رواها مرّة بسنده إلي محمد بن علي بن محبوب عن العباس عن سعدان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام... و اخري رواها عن محمد بن أحمد بن يحيي عن العباس عن سعدان عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام...(2) ، و بما ان من البعيد سماع سعدان الرواية من الامام عليه السّلام مرتين فلا يمكن الجزم بعدم وجود واسطة مجهولة بين سعدان و الامام عليه السّلام فتسقط من الاعتبار.

و عليه فالأمر يبقي دائرا بين الطوائف الثلاث الأول.

و الجميع يشترك في الدلالة علي اعتبار اذن الاب في الجملة، و لا معارضة فيما بينها من هذه الناحية، و انما المعارضة بلحاظ الزائد،8.

ص: 302


1- وسائل الشيعة 214:14 الباب 9 من أبواب عقد النكاح الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 459:14 الباب 11 من أبواب المتعة الحديث 8.

و هو اعتبار موافقتها أيضا، و تتساقط بلحاظ هذا الزائد و يلزم الرجوع إلي الأصل. و النتيجة علي ذلك اعتبار موافقة الطرفين: الأب، و البنت.

اما الأب فلفرض دلالة الروايات علي اعتبار اذنه بلا معارضة.

و اما البنت فباعتبار اننا نشك في ترتب الاثر علي العقد من دون موافقتها، و الاصل يقتضي عدم ترتبه.

5 - و اما ان المعتبر اذن ابيها أو جدّها

فباعتبار ان الجد للأب أب حقيقة فيشمله ما دلّ علي اعتبار اذن الأب.

6 - و اما ان الثيب تستقل في امرها

فالنصوص و الفتاوي متفقة عليه. و قد تقدمت الاشارة إلي بعض تلك النصوص ضمن الحديث عن البكر.

3 - أحكام النظر

اشارة

لا يجوز للرجل النظر إلي بدن الاجنبية و لو من دون تلذذ. و استثني جمع من الفقهاء من ذلك الوجه و الكفين.

و في جواز نظر المرأة إلي الرجل خلاف.

و يجوز لكل من الرجل و المرأة النظر إلي بدن مماثله ما عدا العورة.

و يستثني من حرمة النظر إلي الاجنبية مقام المعالجة و حالة الضرورة كالإنقاذ من الغرق أو الحرق و نحوهما فانه يجوز النظر بل اللمس أيضا.

كما يستثني النظر إلي القواعد من النساء و الصبية غير البالغة.

و لا يلزم المرأة التحجب من الصبي غير البالغ و ان كان ذلك أفضل.

و يجوز لمن أراد التزوّج بامرأة النظر إلي وجهها و كفيها و شعرها

ص: 303

و محاسنها.

و في نظر المرأة إلي من تريد الزواج به قول بالجواز.

و يجوز النظر إلي غير المسلمة و كل امرأة لا تنتهي إذا نهيت بشرط عدم التلذذ.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة النظر إلي بدن الاجنبية في الجملة و لو لم يكن بتلذذ

فهو من واضحات الفقه. و يمكن استفادته من قوله تعالي: وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلي جُيُوبِهِنَّ (1) ، و الروايات الآتية التي تستثني الوجه و الكفين من حرمة الابداء، و غير ذلك من الروايات الواردة في الموارد المتفرقة.

بل قد يستفاد ذلك من قوله تعالي: وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ... (2)، فان حرمة الابداء امام الغير تستلزم حرمة نظره عرفا. و المراد بالزينة ان كان مواضعها فالأمر واضح، و ان كان نفسها فحرمة ابدائها تستلزم حرمة ابداء موضعها بالاولوية العرفية.

و اما الاستدلال بقوله تعالي: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ ... (1) فقابل للتأمّل لان غض البصر ليس بمعني تركه رأسا بل بمعني عدم الطمع في الشيء و جعله مغفولا عنه.

علي انه قد يقال: بان المراد غضّ البصر عن خصوص الفروج بقرينة السياق.

2 - و اما استثناء الوجه و الكفين لدي جمع من الفقهاء

فلعدّة وجوه

ص: 304


1- النور: 30.

نذكر منها:

أ - التمسك بصحيحة الفضيل: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الذراعين من المرأة هما من الزينة التي قال اللّه: وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ ؟ قال: نعم، و ما دون الخمار من الزينة و ما دون السوارين»(1) ، فان الوجه لا يستره الخمار، و الكف فوق السوار لا دونه فتكون الصحيحة دالة علي جواز ابدائهما.

الا ان الاستدلال بها يحتاج إلي ضم مقدمة اخري، و هي ان جواز الابداء يستلزم جواز نظر الغير، و قد ترفض الملازمة المذكورة، و لذا يجوز للرجل عدم ستر بدنه من دون استلزام ذلك لجواز نظر المرأة اليه.

ب - التمسك برواية زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عز و جل: إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: الزينة الظاهرة: الكحل و الخاتم(2).

و دلالتها علي جواز ابداء الوجه و الكفين في الجملة واضحة.

الا انه يرد عليها ما يرد علي الصحيحة السابقة. مضافا الي اشتمال سندها علي القاسم بن عروة الذي لم تثبت وثاقته.

ج - التمسك بقوله تعالي: وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلي جُيُوبِهِنَّ ، فان تخصيص الجيوب بوجوب الستر يدل علي عدم وجوب ستر الوجه و الا كان اولي بالذكر من الجيب لان الخمار لا يستر الوجه عادة بل الجيب.

و دلالتها لا تتم الا بضم الملازمة السابقة.3.

ص: 305


1- وسائل الشيعة 145:14 الباب 109 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 146:14 الباب 109 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.

د - التمسك بصحيحة ابي حمزة الثمالي عن ابي جعفر عليه السّلام:

«سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها اما كسر و اما جرح في مكان لا يصلح النظر إليه يكون الرجل ارفق بعلاجه من النساء أ يصلح له النظر إليها؟ قال: إذا اضطرت إليه فليعالجها ان شاءت»(1) ، فانها تدل بوضوح علي ان بعض جسد المرأة يصلح النظر إليه، و حيث لا يحتمل انحصاره بغير الوجه و الكفين فيكونان القدر المتيقن للموضع الذي يجوز النظر إليه.

هذه وجوه أربعة لاستثناء الوجه و الكفين من حرمة النظر.

و قد اتضح ان الملازمة المتقدمة ان لم تتم فلا بدّ من التفصيل بين الابداء من قبل المرأة فيجوز و بين نظر الأجنبي فلا يجوز. أجل إذا تمت دلالة صحيحة الثمالي فيمكن ان يستفاد منها جواز النظر أيضا.

هذا و يمكن ان يقال: ان غاية ما يقتضيه انكار الملازمة فقدان الدليل علي جواز نظر الرجل الا ان هذا وحده لا يكفي للحكم بحرمته إذا لم يكن لدليل حرمة النظر إلي بدن الاجنبية اطلاق يشمل الوجه و الكفين لإمكان التمسك آنذاك بأصل البراءة.

و قد يتمسك لإثبات حرمة النظر بما يأتي من الروايات الدالة علي جواز النظر لمريد التزوج إلي وجه و كفي المرأة، فانه يدل علي عدم جواز النظر في غير حالة ارادة التزوج.

أو بصحيحة محمد بن الحسن الصفار: «كتبت إلي الفقيه عليه السّلام في1.

ص: 306


1- وسائل الشيعة 172:14 الباب 130 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.

رجل أراد ان يشهد علي امرأة ليس لها بمحرم هل يجوز له ان يشهد عليها و هي من وراء الستر و يسمع كلامها إذا شهد رجلان عدلان انها فلانة بنت فلان التي تشهدك و هذا كلامها أو لا يجوز له الشهادة عليها حتي تبرز و يثبتها بعينها؟ فوقع عليه السّلام: تتنقب و تظهر للشهود ان شاء اللّه»(1) ، فانها تدل علي عدم جواز النظر إلي وجه المرأة لو لا الحاجة إلي ذلك للشهادة و الا لم يكن حاجة للأمر بالتنقب.

و اما ما دل علي ان النظر سهم من سهام ابليس و انه زنا العين(2) فلا دلالة له علي التحريم كما هو واضح.

و من خلال هذا يتضح ان القائل بجواز النظر لا بدّ له اما من دعوي القصور في المقتضي لحرمة النظر أو دعوي الملازمة العرفية بين جواز الابداء و جواز النظر.

3 - و اما نظر المرأة إلي الرجل

فقد ادعي الاجماع علي مساواته لنظر الرجل في محل المنع و الجواز.

و فيه: ان الاجماع الكاشف عن رأي المعصوم عليه السّلام لم يتضح ثبوته، بل السيرة القطعية للمتشرعة المتصلة بزمن المعصوم عليه السّلام علي خلاف ذلك، فالرجال يخرجون و رءوسهم و أعناقهم مكشوفة، و النساء يختلطن معهم في الازقة و الأسواق فلو كان نظر المرأة إلي ما تعارف للرجل كشفه حين خروجه من بيته محرّما لزم القول اما بوجوب تستر الرجال أو عدم جواز الاختلاط أو جواز الاختلاط و التحدث مع حرمة النظر. و الكل غير محتمل.

ص: 307


1- تهذيب الاحكام 255:6.
2- وسائل الشيعة 138:14 الباب 104 من أبواب مقدمات النكاح.

و بهذا يثبت جواز نظر النساء إلي ما تعارف للرجال ابرازه.

و قد يستدل علي الجواز - مضافا إلي ما تقدم - بعدم وجود روايات يسأل فيها الاصحاب عن حكم نظر النساء إلي الرجال.

و السبب في ذلك يعود اما إلي وضوح الحرمة لديهم أو الشك في ذلك أو وضوح الجواز. و المتعين هو الاخير، لبطلان الاول لعدم احتمال أوضحية حرمة نظر النساء إلي الرجال من حرمة نظر الرجال إلي النساء، و الثاني لان المناسب له صدور السؤال من الأصحاب.

و في مقابل هذا قد يستدل علي الحرمة:

اما بقوله تعالي: وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ ... (1).

أو بما رواه أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي: «استأذن ابن أم مكتوم علي النبي صلّي اللّه عليه و آله و عنده عائشة و حفصة فقال لهما: قوما فادخلا البيت فقالتا: انه أعمي فقال: ان لم يركما فانكما تريانه»(2).

أو بما رواه الطبرسي في مكارم الأخلاق عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «ان فاطمة قالت له في حديث: خير للنساء ان لا يرين الرجال و لا يراهن الرجال فقال صلّي اللّه عليه و آله: فاطمة مني»(3).

أو بما رواه الطبرسي أيضا عن أم سلمة قالت: «كنت عند رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و عنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم و ذلك بعد ان أمر بالحجاب فقال: احتجبا فقلنا يا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أ ليس أعمي لا يبصرنا؟ فقال:3.

ص: 308


1- النور: 31.
2- وسائل الشيعة 171:14 الباب 129 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 172:14 الباب 129 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.

أ فعمياوان انتما أ لستما تبصرانه»(1).

و الكل كما تري.

اما الاول فلما تقدم من عدم مساوقة غضّ البصر لترك النظر رأسا.

و اما الثاني فلأنه علي تقدير تمامية دلالته علي التحريم هو ضعيف السند بالارسال لبعد عصر البرقي عن عصر النبي صلّي اللّه عليه و آله.

و اما الاخيران فلضعفهما بالارسال علي تقدير تمامية دلالتهما.

4 - و اما جواز النظر إلي بدن المماثل ما عدا العورة

فهو من الضروريات، و تقتضيه سيرة المسلمين، و روايات باب الحمام الناهية عن دخول الحمام الا بمئزر(2).

بل لا حاجة إلي دليل علي الجواز بعد كونه مقتضي الاصل الذي خرج منه خصوص النظر الي العورة بالدليل الشرعي، كصحيحة حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا ينظر الرجل إلي عورة أخيه»(3) و غيرها.

5 - و اما استثناء مقام المعالجة

فلصحيحة الثمالي المتقدمة.

و اما قاعدة نفي الضرر و قوله عليه السّلام: «و ليس شيء مما حرّم اللّه الا و قد أحلّه لمن اضطر إليه»(4) فيدلان علي جواز تكشف المرأة لدي الاجنبي و لا يدلان علي جواز نظر الطبيب، فانه ليس مضطرا و لا متضررا.

ص: 309


1- وسائل الشيعة 172:14 الباب 129 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 367:1 الباب 9 من أبواب آداب الحمام.
3- وسائل الشيعة 363:1 الباب 3 من أبواب آداب الحمام الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 690:4 الباب 1 من أبواب القيام الحديث 7.

ان قلت: ان اثبات الجواز في حق المرأة دون الطبيب المعالج تلزم منه اللغوية.

قلت: انها تلزم لو كان الدليل علي جواز تكشف المرأة دليلا خاصا دون ما لو كان اطلاقا، كما هو المفروض في المقام، إذ لا يلزم الغاء الدليل رأسا بل الغاء اطلاقه، و هو لا محذور فيه.

6 - و اما استثناء حالة الضرورة

فلدخول المورد تحت باب التزاحم المقتضي لتقديم الأهم.

و منه يتضح ان الحكم بالجواز يعمّ كل حالة مزاحمة تكون مراعاتها أهم في نظر الشارع من مراعاة حرمة النظر أو اللمس.

7 - و اما استثناء النظر إلي القواعد من النساء

فلقوله تعالي:

وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَ أَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ (1) .

8 - و اما جواز النظر إلي الصبية غير البالغة

فللقصور في المقتضي، فان حرمة النظر ان كانت مستفادة من الضرورة الفقهية فالقدر المتيقن منها النظر إلي البالغة. و ان كانت مستفادة من آية حرمة ابداء الزينة فهي خاصة بالبالغة أيضا. و ان كانت مستفادة مما دلّ علي استثناء الوجه و الكفين من حرمة الابداء فهو خاص بالبالغة أيضا.

و اما ما دلّ علي ان النظر سهم من سهام ابليس فقد تقدم قصور دلالته عن افادة حرمة النظر.

9 - و اما تكشف المرأة لدي غير البالغ

فمقتضي المفهوم في قوله

ص: 310


1- النور: 60.

تعالي: وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ ... أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلي عَوْراتِ النِّساءِ (1) عدم جوازه الا ان مقتضي صحيحة البزنطي عن الرضا عليه السّلام: «يؤخذ الغلام بالصلاة و هو ابن سبع سنين. و لا تغطّي المرأة شعرها منه حتي يحتلم(2) الجواز. و لا بدّ من تقييد اطلاق مفهوم الآية الكريمة بها.

10 - و اما جواز النظر إلي المرأة التي يراد التزوج بها

فهو محل وفاق في الجملة لجملة من النصوص، كصحيح هشام بن سالم و حماد بن عثمان و حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس بان ينظر الي وجهها و معاصمها إذا أراد ان يتزوجها»(3) ، و موثقة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السّلام: «رجل ينظر إلي محاسن امرأة يريد ان يتزوجها قال: لا بأس انما هو مستام فان يقض أمر يكون»(4).

و ذهب بعض الفقهاء إلي جواز النظر إلي جميع بدنها ما عدا العورة تمسكا باطلاق بعض الروايات، كصحيحة محمد بن مسلم:

«سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يريد ان يتزوج المرأة أ ينظر إليها؟ قال:

نعم، انما يشتريها بأغلي الثمن»(5).

و انما استثنيت العورة للتسالم علي عدم جواز النظر إليها.

و دعوي الشيخ الاعظم ان تخصيص جواز النظر في صحيحة

ص: 311


1- النور: 31.
2- وسائل الشيعة 169:14 الباب 126 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 59:14 الباب 36 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2. و المعاصم: جمع معصم، و هو موضع السوار من الساعد.
4- وسائل الشيعة 60:14 الباب 36 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 8.
5- وسائل الشيعة 59:14 الباب 36 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.

الفضلاء بالوجه و المعاصم لا يظهر له وجه الا اختصاصهما بجواز النظر فيكون ذلك مقيدا لإطلاق صحيحة ابن مسلم(1) ، مدفوعة بان تخصيص ذلك بالذكر لا يوجب صلاحيته لتقييد غيره الا بناء علي ثبوت المفهوم للقلب، و هو محل رفض.

11 - و اما نظر المرأة إلي من تريد الزواج به

فقد اختار الشيخ الأعظم جوازه لأنه إذا جاز نظر الرجل إلي من يريد الزواج بها لأنه يبذل أغلي الثمن فيجوز نظر المرأة إليه بالاولي لأنها تبذل أغلي المثمن خصوصا و ان بامكان الرجل التخلص بالطلاق بخلاف المرأة فانها لا تتمكن من ذلك(2).

و فيه: ان بذلها لأغلي المثمن يقتضي جواز معرفتها بالثمن، و هو المهر لا بالزوج، فانه ليس هو الثمن للبضع المبذول.

12 - و اما جواز النظر إلي غير المسلمة

فلموثقة السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لا حرمة لنساء أهل الذمة ان ينظر إلي شعورهن و أيديهن»(3).

و التقييد بنساء أهل الذمة لا خصوصية له بل يجوز النظر إلي مطلق غير المسلمة، فان تخصيص نساء أهل الذمة بالذكر هو من باب دفع توهم ان عقد الذمام يمنحهن نحوا من الاحترام.

علي انه بقطع النظر عن ذلك يمكن التمسك باطلاق صحيحة عباد بن صهيب: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا بأس بالنظر إلي رءوس أهل

ص: 312


1- كتاب النكاح للشيخ الأعظم: 39.
2- كتاب النكاح: 43.
3- وسائل الشيعة 149:14 الباب 112 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.

تهامة و الاعراب و أهل السواد و العلوج لأنهم إذا نهوا لا ينتهون»(1).

و منه يتضح جواز النظر إلي كل من لا تنتهي إذا نهيت.

و اما اعتبار عدم التلذذ بالنظر فللتسالم الفقهي عليه، و لولاه كان مقتضي الاطلاق الجواز مطلقا.

4 - من يحرم العقد عليها

اشارة

يحرم علي الرجل العقد علي مجموعة من النساء.

و منشأ التحريم اما النسب أو السبب.
اشارة

و الحرمة الثابتة بسبب ما ذكر علي نحوين: دائمة و مؤقتة.

و المستند في ذلك:

1 - اما النسب

فانه تحرم به سبعة أصناف: الام و ان علت، و البنت و ان سفلت، و الاخت لأب أو لأم أو لهما، و العمة و ان علت، و الخالة و ان علت، و بنت الاخ و ان نزلت، و بنت الاخت و ان نزلت.

قال تعالي: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ وَ عَمّاتُكُمْ وَ خالاتُكُمْ وَ بَناتُ الْأَخِ وَ بَناتُ الْأُخْتِ (2).

و تعميم التحريم للبنت النازلة ليس الا لصدق عنوان البنت عليها فيشملها اطلاق الآية الكريمة، و هكذا الحال بالنسبة إلي بقية التعميمات المذكورة في بقية الاصناف فانها ليست الا لأجل التمسك بالاطلاق.

ص: 313


1- وسائل الشيعة 149:14 الباب 113 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1. و المراد من العلوج: الكفار.
2- النساء: 23.

و الحرمة كما لا يخفي ثابتة من الطرفين، فمثل الاصناف السبعة من الرجال يحرم علي النساء أيضا، فيحرم الاب و ان علا علي البنت، و الولد و ان سفل علي الام، و هكذا.

و حرمة الاصناف السبعة بالنسب لا تختص بالنسب الشرعي بل تعم ما يحصل بالزنا أيضا، فيحرم الولد من الزنا علي الزانية و امها و اختها و علي أم الزاني و اخته و هكذا، فان المراد من الاصناف السبعة المشار إليها في الآية الكريمة هو عناوينها اللغوية و الا فالشريعة لم تأت بمصطلح جديد في هذا المجال، فبنت الرجل مثلا هي من تولدت من مائه سواء كان ذلك بنكاح شرعي أم لا، و أم الابن هي من ولدته سواء كان ذلك بنكاح شرعي أم لا. و الشريعة لا تدخّل لها في هذا المجال سوي انها نفت التوارث في فرض الزنا و الا فبقية الاحكام تترتب تمسكا بالاطلاق بعد عدم تقييد الاصناف السبعة بما إذا كان صدقها من طريق النكاح الشرعي.

و أيضا لا فرق في النسب المتولد من النكاح الشرعي بين ان يكون بسبب العقد أو وط ء الشبهة، تمسكا بالاطلاق.

2 - و اما السبب

فالمراد به غير النسب من مناشئ التحريم، و هي:

المصاهرة و ما يلحق بها من الرضاع، و الاعتداد، و استيفاء العدد، و الكفر، و الاحرام، و اللعان.

و يأتي الحديث عن المناشئ المذكورة إن شاء اللّه تعالي.

3 - و اما انقسام الحرمة إلي دائمة و مؤقتة

فواضح، فالدائمة كحرمة الاصناف السبعة النسبية مثلا، و المؤقتة كحرمة اخت الزوجة، و بنت الزوجة غير المدخول بها، و المطلقة ثلاثا، و بنت اخ او اخت

ص: 314

الزوجة و غير ذلك.

مناشئ التحريم بالسبب
أ - المصاهرة و ما يلحق بها
اشارة

للمصاهرة و ما بحكمها عدة احكام:

1 - تحرم زوجة كل من الاب و ان علا و الابن و ان نزل علي الاخر بمجرد العقد و لو منقطعا، و من دون فرق بين كون الابوة و البنوة بالنسب أو بالرضاع.

2 - تحرم علي الزوج أم زوجته و ان علت بمجرد العقد و ابنتها و ان نزلت بشرط الدخول بالام سواء كانت في حجره أم لا. اما مع عدم الدخول فتحرم ما دامت الام في عقده.

3 - تحرم علي الزوج اخت زوجته جمعا لا عينا.

4 - يحرم علي الزوج العقد علي بنت اخ او اخت زوجته الا باذنها. و اما العكس فجائز بلا حاجة إلي اذن.

5 - من زني بخالته حرم عليه العقد علي بنتها. و قيل بالحاق العمة بذلك، بل قيل بتعميم الحكم لمطلق المزني بها.

6 - إذا لاط البالغ بغلام و تحقق منه الدخول حرمت عليه مؤبدا بنت الملوط به و اخته و امه فيما إذا كان اللواط سابقا علي العقد دون ما لو كان لاحقا.

7 - من تزوّج بذات البعل عالما بذلك حرمت عليه مؤبدا، و مع الجهل تحرم مؤبدا أيضا بشرط الدخول بها.

8 - من زني بذات البعل حرمت عليه مؤبدا لدي المشهور.

ص: 315

9 - إذا زنت المرأة ففي جواز الزواج بها قبل توبتها خلاف.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة زوجة كل من الابن و الاب علي الآخر

فمما لا خلاف فيها، و هي من ضروريات الفقه بل الدين. و قد دلّ عليها قوله تعالي:

وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ (1) ، وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ (2).

و قد ورد في صحيح محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام: «لو لم تحرم علي الناس أزواج النبي صلّي اللّه عليه و آله لقول اللّه عز و جل: وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً... حرمن علي الحسن و الحسين بقول اللّه عز و جل: وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ... و لا يصلح للرجل أن ينكح امرأة جده»(3).

و اما كفاية مجرد العقد و لو من دون دخول أو مع افتراض كونه منقطعا فلإطلاق ما تقدم.

و اما تعميم الحكم للأب و ان علا و الابن و ان نزل فللإطلاق المتقدم، مضافا إلي خصوص صحيحة ابن مسلم المتقدمة الواردة في الجد.

و اما التعميم للرضاع فلقول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(4).

ص: 316


1- النساء: 22.
2- النساء: 22.
3- وسائل الشيعة 313:14 الباب 2 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 280:14 الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
2 - و اما حرمة أمّ الزوجة مطلقا و بنتها بشرط الدخول

فمما لا اشكال فيه لقوله تعالي: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ ... وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ (1).

و مقتضي اطلاق فقرة «و امهات نسائكم» ثبوت حرمة أمّ الزوجة و لو من دون دخول بها بخلاف الربيبة حيث قيدت حرمتها بالدخول بامها.

و احتمال رجوع قيد مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي... إلي قوله: وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ أيضا بعيد جدا لطول الفصل، و لزوم التكرار في كلمة النساء، و لزوم استعمال كلمة «من» في معنيين - إذ علي تقدير تعلقها بالربائب تكون نشوية و علي تقدير تعلقها بالنساء تكون بيانية - و هو مخالف للظاهر حتي علي تقدير فرض امكانه.

3 - و اما التعميم لام الزوجة و ان علت

فللتمسك بالاطلاق.

و اما التعميم لبنت الزوجة و ان نزلت فقد يستشكل استفادته من الآية الكريمة الا ان في اطلاق الروايات كفاية حيث استعانت بكلمة «البنت» مطلقة، كما في موثقة غياث بن ابراهيم عن جعفر عن أبيه ان عليا عليه السّلام قال: «إذا تزوج الرجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالام فإذا لم يدخل بالام فلا بأس ان يتزوج بالابنة. و إذا تزوج بالابنة فدخل بها أو لم يدخل فقد حرمت عليه الام. و قال: الربائب عليكم حرام كنّ في الحجر أو لم يكنّ »(2) و غيرها.

ص: 317


1- النساء: 23.
2- وسائل الشيعة 352:14 الباب 18 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.

علي ان المسألة متسالم عليها.

و اما التعميم لكون الربيبة في الحجر و عدمه فلان التقييد به في الآية الكريمة لا موضوعية له بل اشارة إلي الحالة الغالبة تنبيها علي انها كبنت الزوج حيث تربت في حجره فكيف يتزوج بها.

علي ان الموثقة المتقدمة و غيرها قد صرحت بالتعميم، و المسألة متسالم عليها.

4 - و اما عدم جواز العقد علي بنت الزوجة ما دام قد فرض العقد

علي امها مسبقا و لو من دون دخول بها

فلانه مع العقد عليها - البنت - يصدق علي الام عنوان «امهات نسائكم»، و هو يوجب التحريم متي ما صدق بمقتضي اطلاق الآية الكريمة، فالجمع بينهما بنحو يكون عقدهما صحيحا معا غير ممكن فيتعين بطلان احدهما، و حيث ان العقد علي الام قد فرض وقوعه صحيحا و انقلابه الي البطلان يحتاج إلي دليل فيتعين بطلان العقد علي البنت.

هذا ما تقتضيه القاعدة و ان كان الاحتياط يقتضي الحكم ببطلان كلا العقدين و تجديد العقد علي الام من جديد. و لو أراد العقد علي البنت فعليه بطلاق الام اولا ثم العقد عليها بعد ذلك.

5 - و اما حرمة اخت الزوجة جمعا لا عينا

فلا خلاف فيه بين المسلمين لدلالة صريح الكتاب العزيز: وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ (1) علي ذلك. و الروايات في المسألة كثيرة(2).

ص: 318


1- النساء: 23.
2- وسائل الشيعة الباب 24 و ما بعده من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
6 - و اما حرمة العقد علي بنت اخ او اخت الزوجة الا باذنها و جواز

العكس مطلقا

فلموثقة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «لا تزوّج ابنة الاخ و لا ابنة الاخت علي العمة و لا علي الخالة الا باذنهما، و تزوّج العمة و الخالة علي ابنة الاخ و ابنة الاخت بغير اذنهما»(1) و غيرها.

و إذا قيل: قد روي علي بن جعفر في كتابه عن اخيه موسي بن جعفر عليهما السّلام: «سألته عن امرأة تزوج علي عمتها و خالتها قال: لا بأس»(2) ، و هي باطلاقها تدل علي الجواز بلا حاجة إلي اذن.

و في مقابلها صحيحة ابي عبيدة: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

لا تنكح المرأة علي عمتها و لا علي خالتها و لا علي اختها من الرضاعة»(3) ، و هي تدل علي عدم الجواز مطلقا فكيف التوفيق بينهما؟

قلنا: انه بقرينة موثقة محمد بن مسلم المتقدمة يمكن الجمع العرفي بحمل الاولي علي فرض الاذن و الثانية علي فرض عدمه و ينحل بذلك التعارض.

7 - و اما ان الزنا بالخالة يوجب تحريم بنتها

فهو المشهور لصحيحة محمد بن مسلم: «سأل رجل ابا عبد اللّه عليه السّلام و انا جالس عن رجل نال من خالته في شبابه ثم ارتدع يتزوج ابنتها؟ قال: لا. قلت:

انه لم يكن افضي إليها انما كان شيء دون شيء فقال: لا يصدق

ص: 319


1- وسائل الشيعة 375:14 الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 375:14 الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3. و في تهذيب الاحكام 333:7: تزوجت علي....
3- وسائل الشيعة 376:14 الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 8.

و لا كرامة»(1).

و قد يتوقف في الحكم تارة من جهة متن الرواية و اخري من جهة سندها.

اما من جهة المتن فلان تكذيب الامام عليه السّلام الفاعل في اخباره مناقشة صغروية لا تتناسب و مقام الامامة و غير لائق به.

و اما من جهة السند فباعتبار ان الشيخ الكليني روي بسنده إلي ابي ايوب عن محمد بن مسلم انه: «سأل رجل ابا عبد اللّه عليه السّلام و انا جالس عن رجل...(2) في حين ان الشيخ الطوسي روي الرواية نفسها بسنده إلي ابي ايوب ان محمد بن مسلم هو الذي سأل الامام عليه السّلام عن رجل نال...(3).

و كلتا المناقشتين لا وجه لها.

اما الاولي فلاحتمال وجود مصلحة في المناقشة الصغروية قد اطلع عليها الامام عليه السّلام.

و اما الثانية فلان مثل الاختلاف المذكور لا يضر بصحة الرواية.

8 - و اما العمة

فلا نص يدل علي الحاقها بالخالة، و الحاقها مبني علي عدم القول بالفصل أو الاولوية القطعية. و كلاهما محل تأمّل.

و علي هذا فلا تمكن الفتوي بالالحاق و لا بدّ من التنزل الي الاحتياط لاحتمال عدم الفصل.

9 - و اما تعميم الحكم بحرمة الزواج ببنت مطلق المزني بها

فتدل

ص: 320


1- وسائل الشيعة 329:14 الباب 10 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
2- المصدر نفسه.
3- وسائل الشيعة 329:14 الباب 10 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.

عليه مجموعة من الروايات، كصحيحة محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام:

«سئل عن الرجل يفجر بالمرأة أ يتزوج بابنتها؟ قال: لا»(1) و غيرها.

و في مقابل ذلك مجموعة اخري تدل علي العكس، كصحيحة سعيد بن يسار: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل فجر بامرأة يتزوج ابنتها؟ قال: نعم يا سعيد، ان الحرام لا يفسد الحلال»(2) و غيرها.

و قد يجمع بينهما بحمل الاولي علي الكراهة لصراحة الثانية في الجواز.

و هو جيد بناء علي قبول الاحكام الوضعية للحمل علي الكراهة.

و اما إذا بني علي عدم قبولها لذلك تتحقق المعارضة المستقرة و يلزم ترجيح الطائفة المجوّزة لموافقتها لإطلاق الكتاب الكريم وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ (3).

و مع التنزل يتساقطان و يتمسك بالاطلاق المذكور كمرجع لا كمرجح. و النتيجة واحدة علي جميع التقادير.

10 - و اما ان اللواط يوجب تحريم زواج اللائط باخت و بنت و ام

الملوط به

فلم ينقل في ذلك خلاف بين الاصحاب. و قد دلت علي ذلك مرسلة ابن ابي عمير عن بعض اصحابنا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل يعبث بالغلام قال: إذا أوقب حرمت عليه ابنته و اخته»(4).

ص: 321


1- وسائل الشيعة 322:14 الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 324:14 الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.
3- النساء: 24.
4- وسائل الشيعة 339:14 الباب 15 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1. ثم ان ضمير الغائب يرجع الي الغلام دون الرجل و لو بقرينة عدم حكم الاصحاب بحرمة شيء علي المفعول. نعم نقل في الجواهر 448:29 ان الشيخ حكي عن بعض الاصحاب التحريم عليه أيضا، ثم قال: و لعله لاحتمال عود الضمير في الاخبار الي كل من الفاعل و المفعول، و لكنه استبعد ذلك باعتبار ان المحدث عنه هو الرجل.

و قد يحاول التغلب علي مشكلة ارسالها من خلال الاستعانة بكبري وثاقة كل من يروي عنه أحد الثلاثة بناء علي تماميتها.

الا انه يمكن ان يقال في المقابل بان الكبري المذكورة علي تقدير تماميتها لا تنفع في المقام لان خمسة من مشايخ ابن أبي عمير تقريبا قد ثبت ضعفهم، و من المحتمل كون المرسل عنه في الرواية المذكورة هو من أحد الخمسة المذكورة، و معه يكون التمسك بالكبري المذكورة تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية، و ينحصر مورد التمسك بها بما إذا صرح باسم المروي عنه حتي ينتفي معه احتمال كونه من أحد الخمسة.

و عليه فمشكلة الارسال باقية علي حالها الا انه يمكن التعويض بموثقة ابراهيم بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل لعب بغلام هل تحل له امه ؟ قال: ان كان ثقب فلا»(1) و غيرها.

و هي و ان كانت خاصة بالام الا انه لعدم التفصيل بينها و بين الاخت و البنت يمكن التعدي إليهما.

و تؤيد ذلك الروايات الاخري المشتمل بعضها علي ذكر الاخت و بعضها الآخر علي البنت(2) ، فان ضعف اسنادها لا يمنع من التمسك بها علي مستوي التأييد.

11 - و اما التقييد بما إذا كان الفاعل بالغا و المفعول به صبيا

فلان

ص: 322


1- وسائل الشيعة 341:14 الباب 15 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7.
2- راجع وسائل الشيعة 339:14 الباب 15 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

ذلك هو المستفاد من الموثقة لتقييدها الفاعل بالرجل و المفعول به بالغلام.

و دعوي صدق عنوان الرجل علي الفاعل و لو بعد بلوغه فيقال انه «رجل لعب و ثقب» و ان كان ذلك قد تحقق منه مسبقا، و أيضا التحريم خارج مخرج الغالب، مدفوعة بان الاول مخالف للظاهر، فان ظاهر قول القائل «رجل ثقب» كونه فعل ذلك حال كونه رجلا، كقولنا: «مسافر صلّي قصرا» و الثاني مجرد احتمال لا يمنع من الرجوع إلي البراءة في غير مورد النص.

12 - و اما التقييد بما إذا كان اللواط سابقا علي العقد

فلان الموثقة و ان كانت مطلقة من هذه الناحية الا انه يستفاد من جملة النصوص الاخري ان ما يطرأ بعد العقد لا يرتفع به الحل الثابت سابقا، كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «سئل عن الرجل يفجر بامرأة أ يتزوج ابنتها؟ قال: لا، و لكن ان كانت عنده امرأة ثم فجر بامها أو اختها لم تحرم عليه امرأته، ان الحرام لا يفسد الحلال»(1) و غيرها.

و موردها و ان كان هو الزنا الا انه بعموم التعليل يمكن تسرية الحكم الي اللواط أيضا.

13 - و اما ان من تزوج بذات البعل تحرم عليه مؤبدا

فلعدة روايات كموثقة اديم بن الحر: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «التي تتزوج و لها زوج يفرّق بينهما ثم لا يتعاودان ابدا»(2) و غيرها.

و مقتضي اطلاقها ثبوت الحرمة المؤبدة حتي مع الجهل و عدم الدخول.

ص: 323


1- وسائل الشيعة 326:14 الباب 8 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 341:14 الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.

الا ان في مقابلها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تزوج امرأة و لها زوج و هو لا يعلم فطلقها الاول أو مات عنها ثم علم الاخير أ يراجعها؟ قال: لا حتي تنقضي عدتها»(1).

و هي واردة في صورة الجهل، و مقتضاها عدم تحقق الحرمة المؤبدة مع فرض الجهل سواء تحقق الدخول أم لا.

و اللازم علي هذا تخصيص الاولي بالثانية و تكون النتيجة هي تحقق الحرمة المؤبدة في صورة العلم و عدمها في صورة الجهل من دون فرق في كلتا الحالتين بين فرض تحقق الدخول و عدمه.

هذا و يوجد في مقابل الصحيحة الثانية صحيحة ثالثة رواها زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «إذا نعي الرجل إلي أهله أو أخبروها انه قد طلقها فاعتدت ثم تزوجت فجاء زوجها الاول فان الاول احق بها من هذا الاخير دخل بها الاول أو لم يدخل بها و ليس للاخر ان يتزوجها ابدا و لها المهر بما استحلّ من فرجها»(2) ، و هي تدل علي تحقق الحرمة المؤبدة مع فرض الدخول.

و هذه ان كانت ناظرة إلي خصوص حالة الجهل كالصحيحة الثانية كانت - الثالثة - أخص مطلقا منها - الثانية - فتخصصها بفرض عدم الدخول، و تكون النتيجة انتفاء الحرمة المؤبدة مع الجهل و عدم الدخول و ثبوتها مع فرض الجهل و الدخول، و اما حالة العلم فالحرمة المؤبدة ثابتة فيها للموثقة. و بذلك نصل إلي النتيجة التي أشرنا إليها في المتن.6.

ص: 324


1- وسائل الشيعة 341:14 الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 342:14 الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.

هذا لو فرض ان الصحيحة الثالثة ناظرة إلي خصوص حالة الجهل.

و اما إذا كانت مطلقة من هذه الناحية فتكون النسبة بينهما - الثانية و الثالثة - هي العموم من وجه. و يتعارضان في فرض الجهل و الدخول و يتساقطان فيه و يلزم الرجوع بعد التساقط إلي اطلاق موثقة اديم لان المقيد له - و هو الصحيحة الثانية - مبتلي بالمعارض. و بذلك نصل إلي النتيجة نفسها أيضا.

14 - و اما ان من زني بذات البعل حرمت عليه مؤبدا

فهو المشهور بل ادعي عليه الاجماع.

و استند في ذلك إلي:

أ - التمسك بدعوي الاولوية القطعية و ان الزواج بذات البعل إذا أوجب الحرمة الابدية فالزنا بها اولي بايجابه لذلك.

و فيه: ان الاولوية ممنوعة، فان الاحكام الشرعية تعبدية و لا طريق لنا إلي معرفة ملاكاتها.

ب - التمسك بما في الفقه الرضوي: «و من زني بذات بعل محصنا كان أو غير محصن ثم طلقها زوجها أو مات عنها و أراد الذي زني بها أن يتزوج بها لم تحل له أبدا»(1).

و فيه: ان الكتاب المذكور لم تثبت نسبته إلي إمامنا الرضا عليه السّلام ليمكن الاعتماد عليه.

ج - التمسك بدعوي الاجماع التي نقلها بعض الفقهاء.

و فيه: ان تحقق الاجماع غير ثابت. و علي تقدير ثبوته لا يمكن

ص: 325


1- مستدرك الوسائل 387:14 الرقم 17048.

الحكم بحجيته لكونه محتمل المدرك.

و مع عدم ثبوت الدليل علي الحرمة المؤبدة يمكن التمسك لإثبات الحلية و ترتب الاثر بعموم قوله تعالي: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ (1).

هذا كله في الزواج أو الزنا بذات البعل. و اما الزواج و الزنا بالمعتدة فيأتي حكمه إن شاء اللّه تعالي عند البحث عن الاعتداد.

15 - و اما الزواج بالزانية

فلا اشكال في جوازه علي فرض توبتها حتي علي تقدير كونها مشهورة بالزنا لأنها مع التوبة تعود كغيرها لقوله تعالي: إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ (2) ، و انما الاشكال في فرض عدم التوبة.

و قد يقال بعدم الجواز لقوله تعالي: اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ (3).

و لكنه ضعيف، فان من المحتمل كون الآية الكريمة بصدد الاخبار عن الواقع الخارجي - و ان الزاني لا يتحقق منه الوط ء و الزنا الا بزانية أو مشركة و الزانية لا يزني بها الا زان أو مشرك - دون إنشاء التحريم و التحليل و الا يلزم الحكم بجواز نكاح المسلم الزاني المشركة و جواز نكاح المشرك الزانية المسلمة، و لم يقل به أحد.

و عليه لا بدّ من ملاحظة الروايات. و هي علي طائفتين:

أ - فبعضها دلّ علي عدم جواز الزواج بالزانية الا علي فرض توبتها، كصحيحة أبي بصير: «سألته عن رجل فجر بامرأة ثم أراد بعد

ص: 326


1- النساء: 24.
2- الفرقان: 70.
3- النور: 3.

ان يتزوجها فقال: إذا تابت حلّ له نكاحها...»(1) و غيرها.

ب - و بعضها دلّ علي الجواز مطلقا، كصحيحة علي بن رئاب:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة الفاجرة يتزوجها الرجل المسلم قال:

نعم و ما يمنعه و لكن إذا فعل فليحصّن بابه مخافة الولد»(2) و غيرها.

و حيث ان حمل الثانية علي فرض التوبة بعيد يتحقق التعارض بين الطائفتين. و إذا لم ترجّح الثانية لموافقتها لإطلاق قوله تعالي:

وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ (3) فلا أقلّ من التساقط و الحكم بالجواز للإطلاق المتقدم.

هذا لو خلينا نحن و الطائفتين المذكورتين.

الا انه قد يقال بوجود طائفة ثالثة تدل علي التفصيل بين المعلنة بالزنا فلا يجوز نكاحها و بين غيرها فيجوز، كما ورد ذلك في صحيحة الحلبي: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا تتزوج المرأة المعلنة بالزنا و لا يتزوج الرجل المعلن بالزنا الا بعد أن تعرف منهما التوبة»(4).

و المناسب تقييد الطائفة الثانية الدالة علي الجواز مطلقا بهذه و تكون النتيجة هي الجواز في غير المعلنة. و بعد هذا التقييد تصبح الطائفة الثانية أخص مطلقا من الطائفة الاولي فتخصصها و تصبح النتيجة هي اختصاص الحرمة بالمعلنة و الجواز في التائبة و غير المعلنة.1.

ص: 327


1- وسائل الشيعة 332:14 الباب 11 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7.
2- وسائل الشيعة 334:14 الباب 12 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.
3- النساء: 24.
4- وسائل الشيعة 335:14 الباب 13 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.

هكذا قد يقال.

الا ان بالامكان مناقشته باعتبار ان صحيحة الحلبي يلزم حملها علي التنزيه دون التحريم بقرينة السياق لأنه ورد في فقرتها الثانية «و لا يتزوج الرجل...»، و مضمون الفقرة المذكورة لا يمكن الالتزام به للجزم بعدم الحرمة في جانب الرجل.

و اذا أراد الزاني التزوج بمن زني بها فهل يلزمه استبراؤها؟ قد يقال: نعم لموثقة اسحاق بن حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: الرجل يفجر بالمرأة ثم يبدو له في تزويجها هل يحل له ذلك ؟ قال: نعم إذا هو اجتنبها حتي تنقضي عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور فله ان يتزوجها...»(1).

و هي و ان كانت ضعيفة بطريق الكليني بالارسال الا انها صحيحة بطريق الشيخ.

و من هنا يكون العمل بها وجيها الا انه لاعراض المشهور عن العمل بمضمونها يكون المناسب هو التنزل إلي الاحتياط دون الفتوي.

ب - الرضاع
إذا ارضعت امرأة ولد غيرها - ضمن الشروط الآتية - ترتبت علي ذلك
اشارة

حرمة النكاح في الجملة و بالشكل التالي:

1 - صيرورة المرضعة اما للرضيع، و صاحب اللبن ابا له، و اخوتهما اخوالا و اعماما له، و اخواتهما عمات و خالات له، و اولادهما اخوة له. و هكذا تصير المرضعة جدة لأبناء الرضيع و صاحب اللبن جدا لأبناء الرضيع.

ص: 328


1- وسائل الشيعة 331:14 الباب 11 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.

و الضابط الكلي: ان كل عنوان نسبي من العناوين السبعة المتقدمة إذا حصل مثله في الرضاع يكون موجبا للتحريم كالحاصل بالولادة، و اما إذا لم يحصل بسببه أحد تلك العناوين فلا يكون موجبا لانتشار التحريم - الا في الاستثناء الآتي - و ان حصل بسببه عنوان خاص لو كان حاصلا بالولادة لكان ملازما مع أحد تلك العناوين، كما لو ارضعت امرأة أحد اخوين فانها تحرم عليه لصيرورتها اما له و لا تحرم علي الاخ الآخر لأنها تصير بالرضاع أم اخيه، و هي ليست من المحرمات بعنوانها في باب النسب و انما تحرم فيه لكونها إما امّا نسبية أو زوجة الأب.

2 - تحرم علي ابي الرضيع بنات المرضعة النسبيات دون الرضاعيات.

و تحرم أيضا بنات صاحب اللبن النسبيات و الرضاعيات. و هذان هما الاستثناءان من الضابط الكلي المتقدم.

3 - يحرم الرضيع علي أولاد صاحب اللبن ولادة و رضاعا و علي أولاد المرضعة ولادة لا رضاعا.

4 - في جواز زواج اولاد ابي المرتضع الذين لم يرتضعوا من اللبن بأولاد المرضعة نسبا و اولاد الفحل مطلقا خلاف.

5 - لا فرق في انتشار الحرمة بالرضاع بين كونه سابقا علي العقد أو لاحقا له، فمن كانت له زوجة صغيرة و أرضعتها زوجته الكبيرة او بنته حرمت عليه لصيرورتها بنتا له، و هكذا في بقية الأمثلة.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الرضاع سبب لتحقق حرمة النكاح في الجملة

فهو من ضروريات الدين. و يدل عليه قوله تعالي: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ ... أُمَّهاتُكُمْ

ص: 329

اَللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ (1) ، و قول الرسول الأكرم صلّي اللّه عليه و آله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(2) ، و قول صادق أهل البيت عليهم السّلام: «يحرم من الرضاع ما يحرم من القرابة»(3).

هذا ما ورد بنحو الضابط الكلي و الا فالوارد في الموارد المتفرقة فوق حدّ الاحصاء.

2 - و اما صيرورة المرضعة امّا للرضيع و صاحب اللبن ابا له

و...

فباعتبار ان الآية الكريمة و ان كانت خاصة بالامهات و الاخوات الا ان ذلك لا يقتضي قصر الحرمة عليهما - و ان نسب اختيار ذلك إلي بعض العامة(4) - بعد استفادة عموم التنزيل من الروايات.

3 - و اما قصر الحرمة علي ما إذا حصل بالرضاع احد العناوين

السبعة دون ما يلازمها

فلأن ذلك هو المستفاد من قوله صلّي اللّه عليه و آله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»، فان ظاهره النظر إلي العناوين الثابت تحريمها في الشريعة، و ليست هي الا السبعة دون ما يلازمها.

ثم انه مع التنزل و فرض اجمال دليل التنزيل من هذه الناحية و احتمال ارادة عموم المنزلة منه يلزم الرجوع إلي الأصل المستفاد من قوله تعالي: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ (5) ، كما تقتضيه القاعدة في مورد تردد المخصص المنفصل بين الاقل و الاكثر، و النتيجة واحدة

ص: 330


1- النساء: 23.
2- وسائل الشيعة 280:14 الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1، 3، 4.
3- وسائل الشيعة 281:14 الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2.
4- جواهر الكلام 309:29.
5- النساء: 24.

علي كلا التقديرين.

و بهذا يتضح النظر فيما صار إليه المحقق المير محمد باقر الداماد من استفادة عموم المنزلة من دليل التنزيل و الّف رسالة في ذلك و نسب ما صار إليه إلي المشهور مستندا في ذلك تارة إلي ظهور الأحاديث في افادة عموم المنزلة، و اخري إلي ان حرمة زواج ابي المرتضع بأولاد المرضعة بنكتة «ان ولدها صارت بمنزلة ولدك»، كما دلت عليه صحيحة أيوب بن نوح الآتية لا تتم الا بناء علي عموم المنزلة(1).

و كلا الوجهين المذكورين قابلان للتأمل.

اما الاول فلما تقدم.

و اما الثاني فلان ثبوت حرمة الزواج في المورد المذكور و تنزيل اولاد المرضعة منزلة اولاد ابي المرتضع لا يدل علي ارادة عموم المنزلة من مثل قوله صلّي اللّه عليه و آله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»، بل لعله الحاق حكمي - لا اكثر - دلّ الدليل الخاص عليه.

ثم ان الثمرة في هذا الخلاف كبيرة، فعلي رأي المشهور تنحصر دائرة انتشار الحرمة بالمرتضع و فروعه من جهة و المرضعة و صاحب اللبن و اصولهما و فروعهما و من كان في طبقتهما من جهة اخري، و لا يتعدي ما سوي ذلك لان العناوين السبعة لا تتحقق الا فيما ذكر، بخلافه بناء علي عموم المنزلة، فان الحرمة تتعدي إلي اصول المرتضع و من كان في طبقته من جهة و المرضعة و صاحب اللبن7.

ص: 331


1- الحدائق الناضرة 386:23-387.

و اصولهما و فروعهما و من كان في طبقتهما من جهة اخري.

اجل هناك استثناء - علي رأي المشهور - تأتي الاشارة إليه إن شاء اللّه تعالي في الرقم 4، 5.

4 - و اما انه تحرم علي ابي المرتضع بنات المرضعة

بالرغم من عدم اقتضاء القاعدة لذلك - حيث لا يصرن بالاضافة إليه الا اخوات لولده، و اخت الولد ليست من المحرمات بعنوانها في باب النسب و انما تحرم اما لكونها بنتا أو ربيبة - فلصحيحة ايوب بن نوح: «كتب علي بن شعيب إلي ابي الحسن عليه السّلام: امرأة ارضعت بعض ولدي هل يجوز لي ان اتزوج بعض ولدها؟ فكتب عليه السّلام: لا يجوز ذلك لك لان ولدها صارت بمنزلة ولدك»(1) و غيرها.

و اما قصر الحكم علي بنات المرضعة من النسب دون الرضاع فلظهور كلمة «الولد» في الصحيحة في ذلك، و في غيره يتمسك باصالة الحل المستفادة من قوله تعالي: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ (2).

ان قلت: لم لا نتمسك باطلاق دليل تنزيل الرضاع منزلة النسب لإثبات تنزيل بنات المرضعة رضاعا منزلة بناتها نسبا فيحرم الجميع علي ابي المرتضع.

قلت: المفروض في المقام كون بنات المرضعة بنات رضاعية لها من لبن فحل آخر غير الذي ارتضع الرضيع من لبنه - و إلاّ حرمن أيضا كما تأتي الاشارة إليه في الرقم 5 - و شرط التنزيل و تحقق الاخوة الرضاعية بين المرتضعين و من ثمّ الحرمة وحدة الفحل كما يأتي إن

ص: 332


1- وسائل الشيعة 306:14 الباب 16 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
2- النساء: 24.

شاء اللّه تعالي. و اذا لم تكن حرمة بينهما فلا تسري الحرمة الي ابي المرتضع، فان الرواية سؤالا و جوابا ناظرة الي اولاد المرضعة الذين يحرمون علي المرتضع و ان مثل هؤلاء الاولاد هل يحرمون علي ابي المرتضع بعد ما حرموا علي ابنه ؟ و اما اولادها الذين لا يحرمون علي المرتضع فعدم حرمتهم علي ابي المرتضع مما لا تأمل فيه و لا يخطر ببال السائل السؤال عن حكمهم بالاضافة اليه و هم خارجون عن مفروض الرواية و داخلون في عمومات الحل.

5 - و اما انه يحرم علي ابي المرتضع بنات صاحب اللبن

- و هو ما يعبر عنه في لسان الفقهاء بجملة: لا ينكح ابو المرتضع في أولاد صاحب اللبن نسبا و رضاعا - بالرغم من عدم اقتضاء القاعدة لذلك - بالبيان المتقدم - فلصحيحة علي بن مهزيار: «سأل عيسي بن جعفر بن عيسي أبا جعفر الثاني عليه السّلام: ان امرأة ارضعت لي صبيا فهل يحل لي ان اتزوج ابنة زوجها؟ فقال لي: ما اجود ما سألت، من هاهنا يؤتي ان يقول الناس: حرمت عليه امرأته، من قبل لبن الفحل، هذا هو لبن الفحل لا غيره»(1) فقلت له: الجارية ليست ابنة المرأة التي ارضعت لي هي ابنة غيرها فقال: «لو كنّ عشرا متفرقات ما حلّ لك شيء منهن و كنّ في

ص: 333


1- اي من هاهنا يأتي الجهل علي الناس حيث يقولون: ان لبن الفحل يحرّم زوجة الفحل عليه، و لكنه اشتباه، فان لبن الفحل لا يوجب ذلك بل يوجب ما ذكرت و هو حرمة بنت صاحب اللبن علي ابي المرتضع. هكذا فسّر في الوافي 247:21 العبارة المذكورة. و فسّرها الحرّ في هامش وسائله بشكل آخر فراجع. و الأمر سهل بعد عدم توقف الاستدلال بالصحيحة علي فهم المراد من الجملة المذكورة.

موضع بناتك»(1).

و اما التعميم لبنات صاحب اللبن من الرضاع أيضا فلفرض وحدة الفحل هنا فيقوم الرضاع مقام النسب.

6 - و اما حرمة الرضيع علي بنات صاحب اللبن ولادة أو رضاعا

فلأنهن اخوات من الاب و الام او من الاب فقط ، و الاخوات هن من العناوين المحرّمة بالنسب فتحرم في الرضاع أيضا.

و اما حرمة من ينتسب إلي المرضعة بالبنوة ولادة فلكونهم اخوة من الام فيحرمون.

و اما عدم حرمة من ينتسب إلي المرضعة بالبنوة رضاعا فلعدم اتحاد الفحل الذي هو شرط في انتشار الحرمة.

7 - و اما زواج اولاد ابي المرتضع ببنات المرضعة ولادة و بنات

صاحب اللبن ولادة أو رضاعا

فقد اختار الشيخ في الخلاف و النهاية عدم جوازه، بتقريب ان التعليل في صحيحة ابن مهزيار المتقدمة يدل علي تنزيل بنات صاحب اللبن منزلة بنات ابي المرتضع، و هكذا التعليل في صحيحة ايوب بن نوح يدل علي تنزيل بنات المرضعة منزلة بنات ابي المرتضع، و لازم ذلك صيرورة اولاد ابي المرتضع اخوة لبنات صاحب اللبن و لبنات المرضعة، و معه لا يجوز لهم الزواج بهنّ (2).

و فيه: ان التنزيل في الصحيحتين قد ثبت بلحاظ ابي المرتضع فقط ، و ذلك لا يستلزم اخوة بنات صاحب اللبن و بنات المرضعة لأولاد ابي المرتضع، إذ التعبد يتحدّد بدائرته و لا يسري إلي غيرها بعد ما لم

ص: 334


1- وسائل الشيعة 296:14 الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 10.
2- الحدائق الناضرة 399:23.

تكن الملازمة شرعية، و من هنا قيل بعدم حجية الاصل المثبت.

و عليه فالمناسب هو الحكم بالجواز تمسكا بعموم قوله تعالي:

وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ (1) .

8 - و اما عدم الفرق في انتشار الحرمة بالرضاع بين كونه سابقا

علي العقد أو لاحقا

فلصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «لو ان رجلا تزوج جارية رضيعة فارضعتها امرأته فسد النكاح»(2) و غيرها.

بل يكفينا اطلاق ما دلّ علي تنزيل الرضاع منزلة النسب بلا حاجة إلي خاص.

شروط الرضاع المحرم
اشارة

لا يوجب الرضاع انتشار الحرمة الا إذا تحققت الشروط التالية:

1 - حصول اللبن من ولادة شرعية.

2 - الارتضاع من الثدي فلا يكفي غيره، كشرب اللبن المحلوب.

3 - عدم تجاوز الرضيع للحولين.

4 - خلوص اللبن فلا يكفي إذا كان ممزوجا بغيره مما يسلبه اسم اللبن.

5 - كون اللبن بتمامه من رجل واحد، فلو ولدت المرأة من زوجها الاول و تزوجت بآخر و حملت منه و قبل ان تلد ارضعت بلبن ولادتها الاولي صبيا عشر رضعات ثم بعد ولادتها الثانية اكملتها بخمس - اما من دون تخلل المأكول و المشروب أو مع فرض تخللهما بناء علي عدم اخلال فصلهما في نشر الحرمة كما سيأتي إن شاء اللّه تعالي - لم يكف ذلك

ص: 335


1- النساء: 24.
2- وسائل الشيعة 302:14 الباب 10 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.

لانتشار الحرمة.

6 - وحدة المرضعة، فلو كانت لرجل واحد زوجتان اشتركتا في ارضاع طفل واحد خمس عشرة رضعة لم يكف ذلك.

7 - ان يكون الارتضاع موجبا لإنبات اللحم و شد العظم. و الطريق الشرعي لإحراز ذلك ارتضاع يوم و ليلة أو تحقق عشر رضعات متوالية. و قيل خمس عشرة رضعة.

8 - عدم الفصل برضاع آخر في التحديد الكمي و الزماني بخلافه في التحديد الكيفي فانه لا يعتبر فيه ذلك.

و اما الفصل بالاكل و الشرب فلا يعتبر عدمه في التحديد الكيفي و في الخمس عشرة رضعة بخلافه في التحديد الزماني فانه يعتبر فيه عدمه.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار كون اللبن من ولادة شرعية

فلا خلاف فيه. و يمكن استفادته من صحيحة عبد اللّه بن سنان: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن لبن الفحل قال: هو ما ارضعت امرأتك من لبنك و لبن ولدك ولد امرأة اخري فهو حرام»(1) ، بتقريب ان اسناد اللبن إلي الفحل و الولد يدل علي اعتبار الوط ء و الحمل و الولادة. و التعبير ب «امرأتك» يدل علي اعتبار العقد الشرعي و عدم كفاية الولادة عن زنا.

و يدل عليه أيضا في الجملة صحيح يونس بن يعقوب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن امرأة درّ لبنها من غير ولادة فأرضعت جارية و غلاما من ذلك اللبن هل يحرم بذلك اللبن ما يحرم من الرضاع ؟

ص: 336


1- وسائل الشيعة 294:14 الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 4.

قال: لا»(1).

2 - و اما اعتبار صدق عنوان الارتضاع من الثدي

فلأن الحكم في الادلة انيط بعنوان الارضاع و الرضاعة و نحو ذلك، و هو لا يصدق عرفا من دون الامتصاص من الثدي، و لذا لا يقال لمن شرب الحليب المحلوب من البقرة انه ارتضع منها بخلاف ما لو امتصه من ثديها.

و مع التنزل و التسليم بصدقه بدون ذلك فيمكن ان يقال بانصرافه إلي النحو المتعارف منه، و فيما عداه يرجع إلي عموم قوله تعالي:

وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ (2) .

3 - و اما اعتبار ان يكون الرضاع في الحولين للمرتضع

فهو المعروف بين الاصحاب لصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«لا رضاع بعد فطام»(3). و ظاهرها و ان كان يدل علي كون المدار علي الفطام الفعلي دون الوصول إلي سن الفطام، و هو الحولان الا انه لا بدّ من رفع اليد عن ذلك لرواية حماد بن عثمان: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا رضاع بعد فطام، قلت: و ما الفطام ؟ قال: الحولين الذي قال اللّه عز و جل»(4) ، حيث فسرت الفطام بالحولين دون الفطام الفعلي. و سندها و ان اشتمل علي سهل الا ان الامر فيه سهل ان شاء اللّه تعالي.

ثم انه لو رفضنا الرواية المذكورة يلزم جعل المدار علي الفطام الفعلي سواء كان بعد الحولين أم قبلهما.

ص: 337


1- وسائل الشيعة 302:14 الباب 9 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
2- النساء: 24.
3- وسائل الشيعة 291:14 الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 291:14 الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 5.

و إذا قيل: ان صحيحة داود بن الحصين عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«الرضاع بعد الحولين قبل ان يفطم محرّم»(1) تدل علي ان الرضاع بعد الحولين موجب لنشر الحرمة أيضا.

قلنا: انه يلزم ترجيح رواية حماد - بناء علي تمامية سندها و عدم امكان الجمع بينها و بين صحيحة داود - اما لموافقتها لإطلاق الكتاب الكريم وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أو لمخالفتها للتقية علي ما قيل(2).

و مع التنزل و فرض عدم المرجح لا بدّ من التساقط في مادة المعارضة و الرجوع إلي الاطلاق المتقدم كمرجع لا كمرجح.

هذا كله في المرتضع.

و اما ولد المرضعة فهل يشترط كونه في الحولين ؟ ذكر في جامع المقاصد ان في المسألة قولين:

أ - الاشتراط لقوله عليه السّلام: «لا رضاع بعد فطام»، فانه يتناول ولد المرضعة.

ب - عدم الاشتراط لان المتبادر من الحديث المتقدم المرتضع دون ولد المرضعة.

و اختار هو قدّس سرّه القول المذكور تمسكا بأصالة عدم الاشتراط (3).

و كان من المناسب ان يتمسك لإثباته باطلاق مثل صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدمة في الرقم 1، فان الخارج منه هو المرتضع،2.

ص: 338


1- وسائل الشيعة 292:14 الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 7.
2- القائل بذلك هو الشيخ الطوسي حيث ذكر في كتابه تهذيب الاحكام 318:7 معلقا علي صحيحة داود ما نصه: «و يجوز ان يكون خرج مخرج التقية لأنه مذهب لبعض العامة».
3- جامع المقاصد 221:12.

حيث دلّ الدليل الخاص علي اعتبار كونه في الحولين، و اما ولد المرضعة فلم يدل دليل علي خروجه منه - لانصراف الحديث المتقدم الي المرتضع - فيبقي مشمولا له.

4 - و اما اعتبار الخلوص

فلان نشر الحرمة يتوقف علي صدق عنوان ارتضاع اللبن، و مع المزج الموجب لسلب الاسم لا يصدق ذلك.

5 - و اما اعتبار كون اللبن لفحل واحد

فهو المشهور. و يمكن استفادته من صحيحة ابن سنان المتقدمة حيث ورد فيها: «هو ما ارضعت امرأتك من لبنك»، فان عنوان لبنك لا يصدق مع تعدد الفحل.

و منه يتضح الوجه في اعتبار وحدة المرضعة، فان ظاهر كلمة «امرأتك» هو شخص امرأتك دون جنسها.

هذا مضافا إلي تصريح موثقة زياد بن سوقة الآتية باعتبار كلا الامرين.

ثم ان وحدة الفحل كما هي معتبرة لنشر الحرمة بين المرتضع و المرضعة و الفحل و... كذلك هي معتبرة لنشر الحرمة بين المرتضعين، فلو ارتضع اثنان من مرضعة واحدة بلبن فحلين لم تنتشر الحرمة بينهما و ان انتشرت بين كل واحد منهما مع المرضعة و الفحل و...

و تدل علي ذلك صحيحة الحلبي: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يرضع من امرأة و هو غلام أ يحل له ان يتزوج اختها لأمها من الرضاعة ؟ فقال: ان كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد فلا يحل، فان كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن

ص: 339

فحلين فلا بأس بذلك»(1) و غيرها.

و خالف ذلك الشيخ الطبرسي و الفيض الكاشاني و اختارا انتشار الحرمة بين المرتضعين حتي مع عدم وحدة الفحل(2).

6 - و اما تحديد مقدار الرضاع الناشر للحرمة

فقد وقع محلا للخلاف. و منشؤه اختلاف الروايات.

و هي مع اختلافها اتفقت علي التحديد الكيفي و ان الارضاع متي ما اوجب نبات اللحم و شد العظم تحقق به نشر الحرمة.

بل يظهر منها ان المدار في نشر الحرمة هو التحديد الكيفي، و جاء التحديد الزماني و الكمي كطريق لا حراز ذلك ما نجد ذلك واضحا في صحيحة علي بن رئاب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت: ما يحرم من الرضاع ؟ قال: ما انبت اللحم و شدّ العظم. قلت: فتحرّم عشر رضعات ؟ قال: لا، لأنه لا تنبت اللحم و لا تشد العظم عشر رضعات»(3) و غيرها.

و الاختلاف في الروايات ينحصر في ضبط التحديد الكمي، ففي بعضها اكتفي بعشر رضعات متوالية، و في بعضها الآخر اعتبر خمس عشرة رضعة.

مثال الاول: صحيحة عمر بن يزيد: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن الغلام يرضع الرضعة و الثنتين فقال: لا يحرّم، فعددت عليه حتي أكملت عشر رضعات فقال: إذا كانت متفرقة فلا»(4).

ص: 340


1- وسائل الشيعة 294:14 الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 3.
2- مجمع البيان 28:2، و الوافي 248:21.
3- وسائل الشيعة 283:14 الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 283:14 الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 5.

و مثال الثاني: موثقة زياد بن سوقة: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: هل للرضاع حدّ يؤخذ به ؟ فقال: لا يحرّم الرضاع أقلّ من يوم و ليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها، فلو ان امرأة أرضعت غلاما أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد و ارضعتها امرأة اخري من فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما»(1).

و لو كنّا نحن و صحيحة ابن رئاب مع صحيحة عمر بن يزيد لكنّا نجمع بينهما بتقييد صحيحة ابن رئاب الدالة علي عدم الاكتفاء بعشر رضعات بحالة عدم التوالي بقرينة صحيحة عمر بن يزيد الا انه بعد ادخال موثقة زياد في الحساب يتحول التعارض الي التعارض المستقر، حيث تدل موثقة زياد علي عدم الاكتفاء بعشر رضعات حتي مع التوالي بخلاف صحيحة عمر بن يزيد حيث تدل علي الاكتفاء بها مع التوالي.

و لا يمكن الترجيح من خلال الموافقة و المخالفة للتقية لان الجمهور يكتفي اما بمسمي الرضاع أو الرضعة الواحدة أو سبع أو خمس رضعات و ليس القول بالعشر - فضلا عن الخمس عشرة رضعة - معروفا بينهم(2).».

ص: 341


1- وسائل الشيعة 283:14 الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
2- قال الجزيري في كتابه الفقه علي المذاهب الاربعة 228:4: «ان الشافعية و الحنابلة يقولون: ان الرضاع لا يحرّم الا اذا كان خمس مرات، و المالكية و الحنفية يقولون: ان الرضاع يحرّم مطلقا قليلا كان او كثيرا و لو قطرة. و قد استدل الشافعية و الحنابلة بما رواه مسلم عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: كان فيما انزل اللّه في القرآن ان عشر رضعات معلومات يحرّمن فنسخن بخمس معلومات فتوفي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و هنّ فيما يقرأ من القرآن».

كما لا يمكن الترجيح من خلال موافقة الكتاب العزيز لان قوله تعالي: وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ (1) لا نظر له إلي تحديد المدة.

و هكذا قوله تعالي: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ (2) يثبت الحل لما عدا الامهات و الاخوات من الرضاعة من دون دلالة علي ما يتحقق به ذلك.

و مع استقرار التعارض و عدم المرجح يتساقطان و يلزم الرجوع الي الاصل بلحاظ كل اثر بخصوصه، فبالنسبة إلي صحة العقد علي من رضعت عشرا يستصحب عدم ترتب الاثر، و بالنسبة إلي جواز النظر تجري البراءة علي فرض عدم وجود عموم يصلح التمسك به.

و مراعاة الاحتياط للفقيه و العامي قضية لا ينبغي الحياد عنها.

7 - و اما اعتبار عدم الفصل برضاع آخر في التحديد الكمي

فلدلالة موثقة زياد و صحيحة عمر بن يزيد علي ذلك بوضوح.

و اما اعتبار ذلك في التحديد الزماني فلانصراف عنوان اليوم و الليلة إلي ذلك.

و اما عدم اعتبار ذلك في التحديد الكيفي فلان اللازم بناء عليه نبات اللحم و اشتداد العظم، و لا يهم بعد تحققه ثبوت الفصل بأي شيء كان لإطلاق النصوص من هذه الناحية.

8 - و اما ان الفصل بالاكل و الشرب لا يعتبر عدمه في التحديد

بخمس عشرة رضعة

فلان موثقة زياد قد قيدت الفاصل الذي يعتبر

ص: 342


1- النساء: 23.
2- النساء: 24.

عدمه بالرضاع من امرأة اخري، و هذا بخلافه لو اخذنا برواية العشر فإنه يعتبر عدم الفصل بذلك لاعتبار التوالي فيها الذي لا يصدق مع الفصل بالاكل و الشرب.

و اما انه لا يعتبر عدم الفصل بذلك في التحديد الكيفي فلان المعتبر فيه اشتداد العظم و نبات اللحم كيفما اتفق لفرض اطلاق الروايات من هذه الناحية.

و اما انه يعتبر عدم الفصل بذلك في التقدير الزماني فلعدم صدق عنوان اليوم و الليلة مع الفصل المذكور.

اجل لا يضر مثل شرب الماء و الدواء بمقدار قليل لأنه امر متعارف في اليوم و الليلة و لا يضر بالصدق عرفا.

ج - الاعتداد
اشارة

لا يجوز الزواج بالمرأة في عدتها من الغير.

و تحرم مؤبدا مع علمهما أو علم احدهما بالصغري و الكبري و لو مع عدم الدخول. و مع الدخول تحرم كذلك و لو مع جهلهما بذلك.

و لا فرق في الدخول بين كونه في القبل أو الدبر.

و من زني بامرأة في عدتها الرجعية حرمت عليه مؤبدا لدي المشهور.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة الزواج بالمعتدة من الغير

فهو من ضروريات الدين.

و قد دلّ علي ذلك الكتاب الكريم في الجملة. قال تعالي: وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا

ص: 343

بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ (1) ، فانها بالمفهوم تدل علي المطلوب.

و قال: وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (2) ، فان المقصود من وجوب التربص - و لا أقلّ بقرينة الآية الاولي - هو الامتناع عن الزواج.

و قال تعالي: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ (3) ، فانه لا معني لإحصاء العدة الا اذا فرض حرمة الزواج فيها.

و قال: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (4) ، فانه لا معني لوجوب التربص - و لو بقرينة ذيلها - الا حرمة زواجها بالغير.

هذا من حيث الكتاب الكريم.

و اما الروايات فيمكن استفادة ذلك من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الآتية و غيرها.

2 - و اما التقييد بما إذا كانت العدة من الغير

فباعتبار ان المفهوم من نصوص تشريع العدة كون المنع من الزواج هو لاحترام ذي العدة.

و اذا شكك في ذلك امكن التمسك بنصوص الزواج المؤقت الدالة علي جواز تجديد الزوج العقد في العدة - بعد ضم عدم القول بالفصل -

ص: 344


1- البقرة: 232.
2- البقرة: 228.
3- الطلاق: 1.
4- البقرة: 234.

كما في صحيح محمد بن مسلم حيث سأل ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المتعة فقال: «ان اراد ان يستقبل امرا جديدا فعل، و ليس عليها العدة منه، و عليها من غيره خمسة و اربعون ليلة»(1) و غيره.

3 - و اما الحرمة المؤبدة

فلا بدّ لإثباتها من الاستعانة بالروايات.

و هي علي طوائف أربع:

الاولي - ما دلّ علي الحرمة المؤبدة مطلقا.

الثانية - ما دلّ علي نفيها مطلقا.

الثالثة - ما دلّ علي التفصيل بين حالة العلم فتحرم مؤبدا و حالة الجهل فلا تحرم.

الرابعة - ما دلّ علي التفصيل بين فرض الدخول فتحرم مؤبدا و بين عدمه فلا تحرم.

مثال الاولي: رواية محمد بن مسلم: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها قال: يفرّق بينهما و لا تحل له ابدا»(2).

و سندها لا يخلو من اشكال لاشتماله علي عبد اللّه بن بحر الذي لم تثبت وثاقته الابناء علي تمامية كبري وثاقة جميع رجال تفسير القمي.

و مثال الثانية: صحيحة علي بن جعفر عن اخيه عليه السّلام: «سألته عن امرأة تزوجت قبل ان تنقضي عدتها قال: يفرّق بينها و بينه و يكون خاطبا من الخطاب»(3).

و سندها في رواية قرب الاسناد و ان اشتمل علي عبد اللّه بن

ص: 345


1- وسائل الشيعة 475:14 الباب 23 من أبواب المتعة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 350:14 الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 22.
3- وسائل الشيعة 349:14 الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 19.

الحسن الذي هو مجهول الحال الا ان صاحب الوسائل قد رواها من كتاب علي بن جعفر نفسه، و طريقه إليه صحيح كما تقدم أكثر من مرّة(1).

و مثال الثالثة: موثقة إسحاق بن عمار: «قلت لأبي ابراهيم عليه السّلام:

بلغنا عن ابيك ان الرجل إذا تزوج المرأة في عدتها لم تحل له أبدا فقال:

هذا إذا كان عالما فإذا كان جاهلا فارقها و تعتد ثم يتزوجها نكاحا جديدا»(2).

و مثال الرابعة: صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن المرأة الحبلي يموت زوجها فتضع و تزوج قبل ان تمضي لها اربعة اشهر و عشرا فقال: ان كان دخل بها فرّق بينهما و لم تحل له ابدا و اعتدت ما بقي عليها من الاول و استقبلت عدة اخري من الآخر ثلاثة قروء و ان لم يكن دخل بها فرّق بينهما و اعتدت بما بقي عليها من الاول و هو خاطب من الخطاب»(3).

و الطائفتان الاخيرتان متعارضتان بالعموم من وجه لدلالة احداهما علي الحرمة المؤبدة مع العلم سواء تحقق الدخول أم لا، و ثانيتهما علي الحرمة المؤبدة مع الدخول سواء فرض الجهل أم لا، و الجمع بينهما كما يمكن بتقييد منطوق كل واحدة بمنطوق الاخري الذي لازمه تحقق الحرمة المؤبدة عند تحقق العلم و الدخول كذلك يمكن بتقييد مفهوم كل واحدة بمنطوق الاخري، و لازمه كفاية العلم او6.

ص: 346


1- راجع كتاب البيع تحت عنوان «محرمات في الشريعة».
2- وسائل الشيعة 347:14 الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 10.
3- وسائل الشيعة 346:14 الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.

الدخول في تحقق الحرمة المؤبدة.

و الارجح هو الجمع بالشكل الثاني لعدم المعارضة بين المنطوقين ليعمل التقييد فيهما و انما هي بين اطلاق المفهومين، و معه يكون المناسب تقييد اطلاق المفهوم في كل واحدة بمنطوق الاخري و تكون النتيجة تحقق الحرمة المؤبدة عند افتراض احد الامرين: العلم أو الدخول.

و بعد هذا يمكن رفع التعارض بلحاظ الطائفة الاولي و الثانية أيضا، و ذلك بحمل الاولي علي فرض الدخول أو العلم و الثانية علي فرض عدمهما، فان العرف يجمع بين الطائفتين المطلقتين بالشكل المذكور بقرينة الطائفة المفصلة.

ثم ان الطائفة الاولي و ان كانت ضعيفة السند بناء علي انكار الكبري المتقدمة الا ان حذفها لا يؤثر علي النتيجة التي تمّ التوصل إليها كما هو واضح.

هذا كله فيما تقتضيه قواعد الجمع العرفي.

و قد دلت صريحا علي النتيجة المذكورة صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا تزوج الرجل المرأة في عدتها و دخل بها لم تحل له ابدا عالما كان أو جاهلا، و ان لم يدخل حلت للجاهل و لم تحل للآخر»(1).

4 - و اما ان علم احدهما يكفي في تحقق الحرمة المؤبدة

فهو واضح لو كان العالم هو الزوج لكون ذلك مورد موثقة اسحاق المتقدمة.

و اما لو كان العالم هو الزوجة فيمكن التمسك بذيل صحيحة

ص: 347


1- وسائل الشيعة 345:14 الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.

الحلبي المتقدمة، فانه باطلاقه يشمل الزوجة، و عدم ثبوت الحلية لها بالرجوع كاف في اثبات المطلوب.

5 - و اما ان المقصود من العلم الموجب للحرمة المؤبدة هو العلم

بالصغري و الكبري

فباعتبار ان ظاهر الروايات المتقدمة و ان كان هو ارادة العلم بالعدة الا ان العلم بها لما كان يلازم العلم بالحرمة عادة فيثبت ان المراد من العلم - الذي هو سبب للحرمة المؤبدة - هو العلم بالموضوع و الحكم معا و لا يكفي العلم باحدهما في تحقق الحرمة المؤبدة.

و لو قطعنا النظر عن هذا فيمكن استفادة ذلك بوضوح من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي ابراهيم عليه السّلام: «سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة أ هي ممن لا تحل له أبدا؟ فقال: لا، اما إذا كان بجهالة فليزوجها بعد ما تنقضي عدتها و قد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك فقلت: بأي الجهالتين يعذر بجهالته ان ذلك محرم عليه أم بجهالته انها في عدة ؟ فقال: احدي الجهالتين اهون من الاخري، الجهالة بان اللّه حرّم ذلك عليه، و ذلك بانه لا يقدر علي الاحتياط معها فقلت: و هو في الاخري معذور؟ قال: نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في ان يتزوجها...»(1).

6 - و اما كفاية الدخول في الدبر في تحقق الحرمة المؤبدة

فلإطلاق ما تقدم.

7 - و اما ان من زني بالمرأة في عدتها الرجعية تحرم عليه مؤبدا

ص: 348


1- وسائل الشيعة 345:14 الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.

فيمكن اثباته من خلال مقدمتين:

أ - ان المعتدة الرجعية زوجة حقيقة خلافا للمشهور القائل بترتب احكام الزوجة عليها من دون ان تكون زوجة حقيقة.

ب - ان الزنا بذات البعل موجب للحرمة المؤبدة.

اما المقدمة الاولي فيمكن استفادتها من صحيحة سعد بن ابي خلف: «سألت ابا الحسن موسي عليه السّلام عن شيء من الطلاق فقال: «إذا طلّق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه»(1) و غيرها مما اشتمل علي التعبير بكلمة «بانت»، فانها ظاهرة في بينونة الزوجية نفسها - لا بينونة احكامها - في الطلاق البائن، و بقاء الزوجية و عدم بينونتها في الطلاق الرجعي الا بانقضاء العدة.

و اما المقدمة الثانية فقد تقدم(2) تبني المشهور لها لوجوه ثلاثة.

و بهذا اتضح ان تخريج الحرمة المؤبدة في حق الزاني بالمعتدة الرجعية لا يتم الا علي رأي المشهور القائل بتمامية المقدمة الثانية.

كما انه لا مجال للمشهور المنكر للمقدمة الاولي تخريج الحرمة المؤبدة الا بالتشبث بالإجماع المدعي في المسألة.

8 - و اما قصر الحكم علي المعتدة الرجعية دون البائنة او المعتدة

بعدة الوفاة

فللتمسك بالاصل المستفاد من قوله تعالي: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ (3) بعد قصور المانع عن الشمول لغير المعتدة الرجعية.

ص: 349


1- وسائل الشيعة 436:15 الباب 20 من أبواب العدد الحديث 1.
2- في الرقم 14 تحت عنوان «المصاهرة».
3- النساء: 24.
د - استيفاء العدد
اشارة

لا تجوز الزيادة في العقد الدائم علي اربع زوجات.

و من كانت عنده اربع و طلّق واحدة رجعيا فلا يجوز له الزواج بالخامسة الا بعد انتهاء العدة.

و من طلّق زوجته ثلاثا و قد تخللت بينها رجعتان او ما بحكمهما و لم يتخلل بينها نكاح رجل آخر حرمت عليه حتي تنكح زوجا غيره. و اذا تكرر الطلاق بعد ذلك حرمت في السادس كما سبق و في التاسع مؤبدا علي بيان يأتي في باب الطلاق إن شاء اللّه تعالي.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم جواز الزيادة علي اربع

فمما لا خلاف فيه بين المسلمين. و يمكن استفادته من قوله تعالي: وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامي فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْني وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً (1) ، فان العدد و ان لم يكن له مفهوم الا ان ذلك فيما إذا لم يسق في مقام التحديد و الا ثبت له، و ظاهر الآية الكريمة سوقها لذلك.

و الروايات الدالة علي ذلك كثيرة، كصحيح زرارة و محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا جمع الرجل اربعا و طلّق احداهن فلا يتزوج الخامسة حتي تنقضي عدة المرأة التي طلّق. و قال: لا يجمع ماءه في خمس»(2) و غيره.

و احتمال كون المقصود تحريم وط ء الخامسة دون اصل الزواج

ص: 350


1- النساء: 3.
2- وسائل الشيعة 399:14 الباب 2 من ابواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 1.

لقوله عليه السّلام: «لا يجمع ماءه في خمس» ضعيف، لان ظاهره الكناية عن الزواج، و مع التنزل تكفينا الروايات الاخري.

2 - و اما التخصيص بالعقد الدائم

فلا خلاف فيه. و تدل عليه الروايات الكثيرة، كصحيحة زرارة: «قلت: ما يحل من المتعة ؟ قال: كم شئت»(1) و غيرها.

و لا يضرها الاضمار بعد ما كان المضمر مثل زرارة الذي لا تليق به الرواية عن غير الامام عليه السّلام. علي ان بالامكان التعويض عنها بالروايات الاخري.

و إذا قيل: ان موثقة عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قالت عن المتعة: «هي احد الاربعة»(2) ، و هذا يدل علي الخلاف.

قلنا: لا بدّ من توجيهها بشكل و آخر لعدم التزام احد بمضمونها.

و يمكن حملها علي ارادة الاحتياط تحفظا من انكار المخالفين، كما دلت عليه بوضوح صحيحة البزنطي عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام: «قال ابو جعفر عليه السّلام: اجعلوهن من الاربع فقال له صفوان بن يحيي: علي الاحتياط؟ قال: نعم»(3).

3 - و اما عدم جواز الزواج بالخامسة لمن طلّق واحدة رجعيا

فلا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة زرارة و محمد بن مسلم المتقدمة و غيرها.

و اما تقييد الطلاق بما إذا كان رجعيا فهو المشهور باعتبار

ص: 351


1- وسائل الشيعة 446:14 الباب 4 من أبواب المتعة الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 448:14 الباب 4 من أبواب المتعة الحديث 10.
3- وسائل الشيعة 448:14 الباب 4 من أبواب المتعة الحديث ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.

انقطاع العصمة في البائن.

و المناسب التعميم لإطلاق الصحيحة المتقدمة و غيرها الا ان يثبت اجماع تعبدي علي خلافه فيكون مقيدا.

ه - الكفر
اشارة

لا يجوز للمسلم الزواج بالكافرة غير الكتابية. و في جوازه بالكتابية خلاف.

و اما المسلمة فلا يجوز لها الزواج بغير المسلم مطلقا.

و لا يجوز للمسلم الزواج بالكتابية علي زوجته المسلمة بدون اذنها حتي بناء علي جواز زواج المسلم بالكتابية.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم جواز زواج المسلم بالكافرة غير الكتابية

فقد ادعي عليه الاجماع، و قد يستدل له بقوله تعالي: وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّي يُؤْمِنَّ وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَ لَوْ أَعْجَبَتْكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَي النّارِ (1).

و لكنه - كما تري - خاص بالمشركة و لا يعمّ مطلق الكافرة الا ان يتمسك باحد البيانين التاليين:

أ - ان ذيل الآية الكريمة: أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَي النّارِ ينفي الخصوصية للمشركة.

ب - التمسك بالغاية - حتي يؤمنّ - حيث تدل علي ان المسلم

ص: 352


1- البقرة: 221.

لا يجوز له الزواج بغير المؤمنة.

و كلاهما كما تري.

اما الاول فلان ذيل الآية الكريمة وارد مورد الحكمة فلا يمكن التمسك به لإثبات التعميم، بل لا ينفع التمسك به حتي علي تقدير وروده مورد العلة لأنه يدل آنذاك علي عدم ثبوت النهي إذا لم تتحقق الدعوة بالفعل الي النار، كما إذا كان بين الزوجين نفرة لا يمكن تحقق الدعوة إلي النار معها.

و اما الثاني فلاحتمال ان لا يكون المقصود من الايمان في الغاية الإسلام بل الايمان باللّه سبحانه بنحو التوحيد و من دون شرك.

و الاولي الاستدلال بقوله تعالي: وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ (1) ، فان العصم جمع عصمة، و هي ما يعتصم به كالعقد. و الكوافر جمع كافرة. و المراد نهي المؤمنين عن الاستمرار في نكاح الكوافر لانقطاع العصمة بالاسلام. و إذا ثبت هذا بقاء ثبت ابتداء بالاولوية.

و علي هذا يتمسك باطلاق الآية الكريمة الا ان يقوم دليل علي الخلاف في مورد فيقيد به في ذلك المورد.

2 - و اما الكتابية

فيمكن القول بجواز زواج المسلم بها انقطاعا بل دواما أيضا - خلافا لما قيل من عدم الجواز مطلقا أو في خصوص الدائم - لصحيحة معاوية بن وهب و غيره عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل المؤمن يتزوّج اليهودية و النصرانية فقال: إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية و النصرانية ؟ فقلت له: يكون له فيها الهوي، قال: ان فعل

ص: 353


1- الممتحنة: 10.

فليمنعها من شرب الخمر و أكل لحم الخنزير...»(1) و غيرها.

هذا و قد يستدل علي عدم الجواز بما يلي:

أ - التمسك بالآية المتقدمة وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّي يُؤْمِنَّ بعد تفسير المشرك بما يعمّ الكتابي لقوله تعالي: وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَ قالَتِ النَّصاري الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ... اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ (2).

و فيه: ان كلمة «المشرك» منصرفة عن الكتابي. و التعبير في قوله تعالي: سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ لا يتنافي مع دعوي الانصراف المذكورة، و لذا نلاحظ عطف الكتابي علي المشرك في جملة من الآيات، كقوله تعالي: ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ لاَ الْمُشْرِكِينَ ... (3)

و غيره.

ب - التمسك بقوله تعالي: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ... (4) ، بتقريب ان الزواج بالكتابية لما كان موجبا لموادتها المنهي عنها فيلزم ان يكون محرما.

و فيه: انه لا تلازم بين الزواج و المودة. و مع التنزل يمكن القول بان المنهي عنه هو موادة من حادّ اللّه و رسوله من حيث الوصف المذكور لا2.

ص: 354


1- وسائل الشيعة 412:14 الباب 2 من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1.
2- التوبة: 30-31.
3- البقرة: 105.
4- المجادلة: 22.

مطلقا بل يمكن القول بعدم دلالتها علي التحريم رأسا.

ج - التمسك بموثقة زرارة: «سألت ابا جعفر عليه السّلام عن نكاح اليهودية و النصرانية فقال: لا يصلح للمسلم ان ينكح يهودية و لا نصرانية انما يحل منهنّ نكاح البله»(1).

و فيه: ان التعبير بجملة «لا يصلح» لا يدل علي التحريم بل هو أعم منه.

3 - و اما عدم جواز زواج المسلمة بالكافر

فلا خلاف فيه، و يمكن استفادته من قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَي الْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ (2) ، فان النهي في مرحلة البقاء يلازم النهي في مرحلة الحدوث ان لم يكن ذلك اولي.

و يمكن استفادة ذلك أيضا من روايات متعددة، كصحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا أسلمت امرأة و زوجها علي غير الإسلام فرّق بينهما»(3) و غيرها.

4 - و اما عدم جواز الزواج بالكتابية علي المسلمة

فلعدة روايات، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «لا تتزوج اليهودية و النصرانية علي المسلمة»(4) و غيرها.

بل في بعضها يضرب الزوج ثمن حدّ الزاني، كما في صحيح

ص: 355


1- وسائل الشيعة 414:14 الباب 3 من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1.
2- الممتحنة: 10.
3- وسائل الشيعة 421:14 الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4.
4- وسائل الشيعة 418:14 الباب 7 من أبواب ما يحرم بالكفر المتعة الحديث 1.

هشام بن سالم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل تزوج ذمية علي مسلمة، قال:

يفرّق بينهما و يضرب ثمن حدّ الزاني اثنا عشر سوطا و نصفا فان رضيت المسلمة ضرب ثمن الحدّ و لم يفرّق بينهما...»(1).

و دلالتها واضحة في ان عدم الجواز حق للمسلمة و ليس حكما شرعيا ليمتنع ارتفاعه باذنها أو رضاها المتاخر.

و، ز - الاحرام و اللعان
اشارة

لا يجوز للمحرم الزواج حالة احرامه سواء كانت المرأة محرمة أيضا أم لا.

و لو فعل ذلك مع علمه بالحرمة حرمت عليه مؤبدا سواء دخل بها أم لا.

و من قذف زوجته بالزنا حدّ حدّ القذف الا اذا لا عنها فانه يدرأ بذلك الحدّ عن نفسه و لكنه يحرم عليها مؤبدا.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم جواز زواج المحرم حالة احرامه

فلا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة يونس بن يعقوب: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يتزوج ؟ قال: لا، و لا يزوّج المحرم المحل»(2) و غيرها.

2 - و اما الحرمة المؤبدة

فالروايات فيها علي ثلاث طوائف:

الاولي - ما دلّ علي الحرمة المؤبدة مطلقا.

الثانية - و ما دلّ علي عدمها مطلقا.

الثالثة - و ما دلّ علي التفصيل بين فرض العلم بالحرمة فتثبت الحرمة مؤبدا و بين عدمه فلا تثبت.

مثال الاولي: موثقة اديم بن الحر عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان المحرم

ص: 356


1- وسائل الشيعة 419:14 الباب 7 من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 378:14 الباب 31 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.

إذا تزوج و هو محرم فرّق بينهما و لا يتعاودان أبدا، و الذي يتزوج المرأة و لها زوج يفرّق بينهما، و لا يتعاودان ابدا»(1).

و مثال الثانية: صحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام: «قضي امير المؤمنين عليه السّلام في رجل ملك بضع امرأة و هو محرم قبل ان يحل فقضي ان يخلي سبيلها و لم يجعل نكاحه شيئا حتي يحل، فاذا احلّ خطبها ان شاء و ان شاء اهلها زوجوه، و ان شاءوا لم يزوجوه»(2).

و مثال الثالثة: صحيحة زرارة و داود بن سرحان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «... و المحرم إذا تزوج و هو يعلم انه حرام عليه لم تحل له أبدا»(3).

و التعارض بين الاولي و الثانية - بقطع النظر عن الثالثة - و ان كان مستقرا الا انه بعد ملاحظة الثالثة يمكن الجمع عرفا بحمل الاولي علي فرض العلم بالحرمة و الثانية علي فرض الجهل. و بذلك نصل إلي النتيجة المذكورة في المتن.

و اما التعميم لفرض الدخول و عدمه فلإطلاق النصوص من هذه الناحية.

3 - و اما ان من قذف زوجته بالزنا حدّ حدّ القذف الا إذا لاعنها

فيأتي وجهه في باب الحدود ان شاء اللّه تعالي.

و اما ثبوت الحرمة المؤبدة باللعان فتدل عليه صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن الرجل يقذف امرأته قال: يلاعنها ثم يفرّق

ص: 357


1- وسائل الشيعة 91:9 الباب 15 من أبواب تروك الاحرام الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 92:9 الباب 15 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 378:14 الباب 31 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.

بينهما فلا تحل له أبدا»(1) و غيرها.

5 - الزواج المؤقت

اشارة

الزواج المؤقت - و هو ما يصطلح عليه بعقد التمتع - مشروع بلا اشكال.

و يعتبر فيه الايجاب و القبول اللفظيان، و تعيين المهر و الاجل، و بدون ذلك يبطل.

كما يعتبر فيه الاعتداد بعد انتهاء الاجل او الابراء من باقيه بحيضتين كاملتين تلحظان بعد ذلك. و إذا فرض انها لا تحيض و هي في سن من تحيض لزمها الاعتداد بخمسة و اربعين يوما. هذا في غير الصغيرة و اليائس و التي لم يدخل بها، و اما هنّ فلا عدة عليهنّ .

هذا في غير موت الزوج أثناء الاجل و الا لزمها الاعتداد بأربعة أشهر و عشرة أيام.

و الولد المتحقق به ملحق بالزوج و له جميع حقوق الولد الثابتة في العقد الدائم.

و لا تستحق الزوجة فيه النفقة و لا توارث بينها و بين الزوج لو تحقق موت احدهما في الاجل الا مع الاشتراط .

كما انه لا طلاق فيه بل تحصل البينونة بانتهاء المدة أو هبة ما تبقي منها.

و لا يجوز للمسلم التمتع بالكافرة غير الكتابية.

و لا يصح - عند المشهور - تجديد العقد دائما أو منقطعا قبل انتهاء الاجل.

ص: 358


1- وسائل الشيعة 379:14 الباب 32 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.

و يجوز للمتمتع بها اشتراط عدم الدخول بها و لكنها لو أذنت بعد ذلك جاز.

و المستند في ذلك:

1 - اما شرعية الزواج المؤقت

فهي من شعار الامامية و ضرورات مذهبهم، بل ذلك مورد اتفاق جميع المسلمين و ان اختلفوا في نسخه بعد ذلك.

و يدل علي ذلك قوله تعالي: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً (1).

و أحاديثنا في ذلك متواترة بل و أحاديث غيرنا كذلك.

فمن أحاديثنا صحيح زرارة: «جاء عبد اللّه بن عمير الليثي إلي ابي جعفر عليه السّلام فقال: ما تقول في متعة النساء؟ فقال: احلّها اللّه في كتابه و علي سنّة نبيه، فهي حلال إلي يوم القيامة فقال: يا أبا جعفر مثلك يقول هذا و قد حرّمها عمر و نهي عنها؟ فقال: و ان كان فعل، فقال: فاني اعيذك باللّه من ذلك ان تحل شيئا حرّمه عمر فقال له: فانت علي قول صاحبك و انا علي قول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فهلمّ ألاعنك ان الحق ما قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و ان الباطل ما قال صاحبك...»(2) و غيره.

و من احاديث غيرنا ما رواه البخاري و مسلم عن جابر بن عبد اللّه و سلمة بن الاكوع قالا: «خرج علينا منادي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فقال: ان

ص: 359


1- النساء: 24.
2- وسائل الشيعة 437:14 الباب 1 من أبواب المتعة الحديث 4.

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قد اذن لكم ان تستمتعوا، يعني متعة النساء»(1).

و بعد اتفاق السنّة الشريفة من كلا الطرفين علي ذلك لا معني للإشكال في دلالة الآية الكريمة بدعوي ان الاستمتاع ليس بمعني عقد التمتع بل بمعني الدخول المتحقق في العقد الدائم و ان الآية بصدد بيان ان الدخول موجب لاستحقاق المهر كاملا(2) ، ان هذا لا يجدي بعد دلالة السنّة الشريفة و اتفاق المسلمين علي ذلك(3).

اجل قد تنفع في المقام دعوي نسخ المشروعية، الا ان صدور ذلك من النبي صلّي اللّه عليه و آله ان لم يكن مقطوع العدم فهو مشكوك فيه، و معه يجري استصحاب عدم النسخ الذي هو حجة لدي الجميع بما في ذلك المنكر لحجية الاستصحاب في باب الاحكام الكلية.

و صدور النهي من بعد زمان النبي صلّي اللّه عليه و آله و ان كان مسلما(4) الا انهه:

ص: 360


1- صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب نكاح المتعة الرقم 1405، صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن نكاح المتعة آخرا الرقم 5117.
2- احكام القرآن لأبي بكر الجصاص 184:2 و تفسير القرطبي 129:5 و تفسير الرازي 10: 51.
3- من جملة من نقل الاتفاق علي اباحة المتعة في صدر الإسلام الفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب 51:10.
4- روي مسلم في باب نكاح المتعة في صحيحة الرقم 1409 عن ابي نضرة قال: «كنت عند جابر بن عبد اللّه فأتاه آت فقال: ابن عباس و ابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر: فعلناهما مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما». و روي الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب 52:10 عن عمران بن الحصين: «نزلت آية المتعة في كتاب اللّه تعالي و لم تنزل بعدها آية تنسخها و امرنا بها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و تمتعنا بها و مات و لم ينهنا عنه، ثم قال رجل برأيه ما شاء». و نقل في الصفحة نفسها من تفسيره عن الطبري في تفسيره عن علي بن ابي طالب رضي اللّه عنه: «لو لا ان عمر نهي الناس عن المتعة ما زني الا شقي». و نقل في الصفحة نفسها أيضا ان الخليفة الثاني قال في خطبته: «متعتان كانتا علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم انا انهي عنهما و اعاقب عليهما». و قد روي المضمون المذكور البيهقي في سننه 206:7. و روي أحمد في مسنده 325:3: «تمتعنا متعتين علي عهد رسول اللّه: الحج و النساء فنهانا عنهما عمر فانتهينا». و روي احمد في مسنده أيضا 95:2 عن عبد اللّه بن عمر الذي كان يفتي بجواز التمتع: «كيف تخالف أباك و قد نهي عن ذلك ؟ فقال لهم: ويلكم ألا تتقون... أ فرسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أحق أن تتبعوا سنّته أم سنّة عمر».

لا ينفع بعد ما كان نسخ الاحكام حقا خاصا بالنبي صلّي اللّه عليه و آله و في عصره لوضوح ان حلاله حلال إلي يوم القيامة و حرامه حرام إلي يوم القيامة(1).

و من الجرأة علي اللّه سبحانه مقالة من اجاب: «ان مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع»(2) ، ان اللّه سبحانه يقول عن نبيّه: وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوي * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحي (3) ، قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحي إِلَيَّ (4) و في مقابله يقال: ان النبي مجتهد كبقية أفراد البشر دون أي فرق، كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاّ كَذِباً (5).5.

ص: 361


1- ورد المضمون المذكور في صحيحة زرارة التي رواها الشيخ الكليني في الكافي 58:1.
2- الجواب المذكور نقله القوشجي في شرحه علي تجريد الاعتقاد: 374 في مقام الدفاع عن الخليفة الثاني - الذي صعد المنبر و قال: ايها الناس ثلاث كنّ علي عهد رسول اللّه انا انهي عنهن و احرّمهن و اعاقب عليهن و هي متعة النساء و متعة الحج و حيّ علي خير العمل - من دون تعليق عليه.
3- النجم: 3-4.
4- «لو لا ان عمر نهي الناس عن المتعة ما زني الا شقي». و نقل في الصفحة نفسها أيضا ان الخليفة الثاني قال في خطبته: «متعتان كانتا علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم انا انهي عنهما و اعاقب عليهما». و قد روي المضمون المذكور البيهقي في سننه 206:7. و روي أحمد في مسنده 325:3: «تمتعنا متعتين علي عهد رسول اللّه: الحج و النساء فنهانا عنهما عمر فانتهينا». و روي احمد في مسنده أيضا 95:2 عن عبد اللّه بن عمر الذي كان يفتي بجواز التمتع: «كيف تخالف أباك و قد نهي عن ذلك ؟ فقال لهم: ويلكم ألا تتقون... أ فرسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم أحق أن تتبعوا سنّته أم سنّة عمر».
5- الكهف: 5.

و إذا قيل في الرد علي مشروعية المتعة: «سمي الزنا سفاحا لانتفاء احكام النكاح عنه من ثبوت النسب و وجوب العدة و بقاء الفراش، و لما كانت هذه المعاني موجودة في المتعة كانت في معني الزنا»(1).

قلنا: هذه مناقشة للّه سبحانه و لرسوله الاكرم صلّي اللّه عليه و آله حيث ثبتت المشروعية عنهما في بداية الشريعة بالاتفاق. علي انه سيأتي اعتبار الامور الثلاثة المذكورة في الزواج المؤقت كالدائم.

و إذا قيل: ان ايجار المرأة نفسها كل فترة من الزمن لرجل يتنافي و الاحصان المؤكد عليه في الشريعة و يتلاءم مع السفاح.

بل جواز المتعة يتنافي مع قوله تعالي: وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إِلاّ عَلي أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (2) ، فان المتمتع بها ليست زوجة و لا ملك يمين فيكون الزواج بها من العدوان المحرم.

علي ان التحريم الصادر من الخليفة الثاني لم يكن من قبل نفسه بل هو مبيّن و منفّذ له، و إذا كان النهي قد نسبه إلي نفسه فهو بهذا المعني(3).

قلنا: لا تنافي بين الزواج المؤقت و الاحصان إذا ما فهمنا شروطه كما ينبغي. كيف و لو كان يلزم منه ذلك عاد الاشكال الي تشريعه الثابت في عهد الرسول صلّي اللّه عليه و آله جزما؟!

و المنافاة مع الآية الكريمة لا نعرف لها وجها بعد ما كانت المتعة5.

ص: 362


1- القول المذكور هو للجصاص في احكام القرآن 186:2.
2- المعارج: 29-30.
3- القول المذكور هو لمحمد رشيد رضا في تفسير المنار 13:5.

فردا حقيقيا للزواج، غايته هي زواج مؤقت له تمام خصوصيات الزواج الدائم الا من بعض الجهات.

و الدفاع المذكور أخيرا دفاع بما لا يرضي به صاحبه و هو أوهن من بيت العنكبوت.

2 - و اما ان الزواج المؤقت لا يتحقق الا بايجاب و قبول لفظيين

فباعتبار انه فرد من الزواج فيشمله ما تقدم اعتباره في الزواج الدائم.

بل ان الزواج المؤقت اختص بروايات دلت علي اعتبار ذلك فيه، و قد تقدمت الاشارة إلي بعضها سابقا.

ثم ان الصيغة التي يقع بها الزواج المذكور ان تقول المرأة: متعتك أو أنكحتك أو زوجتك نفسي بمهر كذا إلي أجل كذا ثم يقول الرجل:

قبلت.

و كل ما تقدم من ابحاث في الزواج الدائم - كاعتبار العربية أو تقدّم الايجاب أو كونه من المرأة أو... آت هنا لكونه فردا حقيقيا للزواج كالدائم.

3 - و اما اعتبار تعيين المهر و الاجل في الزواج المؤقت و بطلانه

عند عدم ذلك

فلصحيحة زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تكون متعة الا بأمرين: أجل مسمي و اجر مسمي»(1) و غيرها.

4 - و اما وجوب الاعتداد بعد انتهاء الاجل او الابراء من باقيه

فلا اشكال فيه في الجملة، و انما الاشكال في مقدار العدة، حيث دلت بعض الروايات علي انه حيضتان في من تحيض و خمسة و أربعون يوما في

ص: 363


1- وسائل الشيعة 465:14 الباب 17 من أبواب المتعة الحديث 1.

من لا تحيض و هي في سن من تحيض، في حين دلّ بعضها الآخر علي كونه حيضة واحدة في من تحيض و خمسة و اربعين يوما في من لا تحيض.

مثال الاول: صحيحة اسماعيل بن الفضل الهاشمي: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المتعة فقال: الق عبد الملك ابن جريح فسله عنها فان عنده منها علما، فلقيته فأملي عليّ شيئا كثيرا في استحلالها و كان فيما روي لي فيها... فاذا انقضي الاجل بانت منه بغير طلاق... و عدتها حيضتان و ان كانت لا تحيض فخمسة و أربعون يوما قال: فأتيت بالكتاب ابا عبد اللّه عليه السّلام فقال: صدق و اقرّ به...»(1).

و مثال الثاني: صحيحة زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «عدة المتعة ان كانت تحيض فحيضة، و ان كانت لا تحيض فشهر و نصف»(2).

و الجمع العرفي بينهما بحمل الاولي علي الاستحباب متعذر اما لان الاوامر الارشادية لا تقبل ذلك مطلقا او لأنها و ان قبلت ذلك و لكن بشرط ان يكون لسانها لسان الامر دون لسان الاخبار كما هو المفروض في المقام.

و مع تعذر الجمع العرفي يكون التعارض مستقرا فيلزم الرجوع إلي المرجحات - موافقة الكتاب الكريم و مخالفة التقية - و حيث انها غير متوفرة في المقام يتعين التساقط و الرجوع إلي الاصل، و هو يقتضي اعتبار الحيضتين للشك في ترتب الاثر علي العقد الثاني قبل مضي ذلك فيستصحب عدمه. و لا مجال للرجوع إلي قوله تعالي: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما1.

ص: 364


1- وسائل الشيعة 447:14 الباب 4 من أبواب المتعة الحديث 8.
2- وسائل الشيعة 473:14 الباب 22 من أبواب المتعة الحديث 1.

وَراءَ ذلِكُمْ (1) لكونه ناظرا الي العموم الافرادي دون الاحوالي.

5 - و اما اعتبار كمال الحيضتين بعد انتهاء الاجل او الابراء و عدم

كفاية الحيضة التي يقع انتهاء الاجل او الابراء في اثنائها

فهو واضح بناء علي ترجيح صحيحة الهاشمي لان ظاهر التعبير «و عدتها حيضتان» هو ما ذكر، و اما بناء علي التساقط و الرجوع إلي الاصل فالامر كذلك أيضا كما هو واضح.

6 - و اما عدم لزوم الاعتداد علي الصغيرة و اليائس و التي لم

يدخل بها

فتدل عليه رواية عبد الرحمن بن الحجاج: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام:

ثلاث يتزوجن علي كل حال: التي لم تحض و مثلها لا تحيض قال: قلت:

و ما حدّها؟ قال: إذا اتي لها أقلّ من تسع سنين، و التي لم يدخل بها و التي قد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض...»(2) و غيرها.

و سندها و ان اشتمل علي سهل بن زياد الا ان الامر فيه سهل إن شاء اللّه تعالي.

7 - و اما ان عدتها من الوفاة اربعة أشهر و عشرة ايام

فهو المشهور. و تدل عليه صحيحة زرارة: «سألت ابا جعفر عليه السّلام ما عدة المتعة إذا مات عنها الذي تمتع بها؟ قال: اربعة اشهر و عشرا، ثم قال:

يا زرارة كل النكاح إذا مات الزوج فعلي المرأة حرة كانت أو أمة و علي أي وجه كان النكاح منه متعة أو تزويجا أو ملك يمين فالعدة أربعة أشهر و عشرا...»(3) و غيرها.

ص: 365


1- النساء: 24.
2- وسائل الشيعة 406:15 الباب 2 من أبواب العدد الحديث 4.
3- وسائل الشيعة 484:15 الباب 52 من أبواب العدد الحديث 2.

بل يمكن التمسك بعموم قوله تعالي: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً... (1).

و إذا قيل: انه ورد في رواية علي بن يقطين عن ابي الحسن عليه السّلام:

«عدة المرأة إذا تمتع بها فمات عنها خمسة و اربعون يوما»(2) ، و في رواية الحلبي عن ابيه عن رجل عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن رجل تزوج امرأة متعة ثم مات عنها ما عدتها؟ قال: خمسة و ستون يوما»(3) و هذا يتنافي مع ما تقدم.

قلنا: لو تمّ سند الروايتين و لم يناقش في الاولي من ناحية احمد بن هلال و في الثانية من ناحية الارسال تحقق التعارض بينهما من جهة و بين صحيحة زرارة من جهة اخري و ينبغي ترجيح الثانية لموافقتها للكتاب الكريم.

8 - و اما ان الولد ملحق بالزوج فهو من واضحات الفقه.

و تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث عن المتعة قلت: «أ رأيت إن حبلت فقال: هو ولده»(4) و غيرها.

بل لا نحتاج إلي رواية خاصة بعد قول النبي صلّي اللّه عليه و آله: «الولد للفراش و للعاهر الحجر»(5).

و اما ترتب جميع حقوق الولد - الثابتة في العقد الدائم - عليه

ص: 366


1- البقرة: 234.
2- وسائل الشيعة 485:15 الباب 52 من أبواب العدد الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 485:10 الباب 52 من أبواب العدد الحديث 4.
4- وسائل الشيعة 488:14 الباب 33 من أبواب المتعة الحديث 1.
5- وسائل الشيعة 568:14 الباب 58 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 4.

فباعتبار ان ذلك لازم كونه ولده، إذ يشمله آنذاك اطلاق أدلة احكام الولد الثابتة لعنوانه.

9 - و اما عدم استحقاق المتمتع بها للنفقة

فقد ادعي صاحب الجواهر الاجماع علي ذلك(1). و استدل له الشيخ البحراني بما دلّ علي انها لا تطلّق و لا تورث و انما هي مستأجرة، قال قدّس سرّه: «و من المعلوم ان الاجير لا نفقة له»(2).

و كان من المناسب له الاستدلال لذلك أيضا برواية هشام بن سالم: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اتزوج المرأة متعة مرة مبهمة فقال: ذلك اشد عليك ترثها و ترثك و لا يجوز لك ان تطلقها الا علي طهر و شاهدين قلت: اصلحك اللّه فكيف أ تزوجها قال: اياما معدودة بشيء مسمّي مقدار ما تراضيتم به فاذا مضت ايامها كان طلاقها في شرطها و لا نفقة و لا عدة لها عليك»(3).

و لعل دلالتها واضحة الا ان سندها يشتمل علي موسي بن سعدان و عبد اللّه بن القاسم اللذين لم تثبت وثاقتهما، و لكن ذلك غير مهم علي مباني الشيخ البحراني قدّس سرّه.

هذان وجهان لإثبات عدم وجوب الانفاق علي المتمتع بها.

و كلاهما كما تري.

و الأنسب ان يستدل علي ذلك بان المسألة عامة البلوي، و حكمها

ص: 367


1- جواهر الكلام 303:31.
2- الحدائق الناضرة 98:25.
3- تهذيب الاحكام 267:7، و وسائل الشيعة 470:14 الباب 20 من ابواب المتعة الحديث 3.

لا بدّ ان يكون واضحا بين الاصحاب، و حيث لا يحتمل ان يكون هو وجوب الانفاق - و الا لانعكس ذلك علي الروايات و كلمات الاصحاب، و الحال ان الامر بالعكس تماما - فيتعين ان يكون هو عدم الوجوب، و هو المطلوب.

10 - و اما انه لا توارث في الزواج المؤقت الا مع الاشتراط

فهو المشهور. و الروايات في هذا المجال علي ثلاث طوائف:

الاولي - ما دلّ علي عدم الارث من دون تفصيل.

الثانية - ما دلّ علي الارث مع الشرط .

الثالثة - ما دلّ علي الارث الا مع اشتراط العدم.

مثال الاولي: صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «... و لا ميراث بينهما في المتعة إذا مات واحد منهما في ذلك الاجل»(1).

و السند يشتمل علي موسي بن بكر، و هو لم يوثق في كتب الرجال الا انه تقدم في ابحاث سابقة توجيه وثاقته.

و مثال الثانية: صحيحة البزنطي عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام:

«تزويج المتعة نكاح بميراث و نكاح بغير ميراث، ان اشترطت كان و ان لم تشترط لم يكن»(2).

و مثال الثالثة: موثقة محمد بن مسلم: «سمعت ابا جعفر عليه السّلام يقول في الرجل يتزوج المرأة متعة انهما يتوارثان إذا لم يشترطا، و انما الشرط بعد النكاح(3)»(4) ، بناء علي ان المقصود: اذا لم يشترطا عدم

ص: 368


1- وسائل الشيعة 2487:14 الباب 32 من أبواب المتعة الحديث 10.
2- وسائل الشيعة 485:14 الباب 32 من أبواب المتعة الحديث 1.
3- لعل المقصود ان الشروط يلزم ان تذكر ضمن عقد النكاح و بعد كلمة «أنكحت».
4- وسائل الشيعة 486:14 الباب 32 من أبواب المتعة الحديث 2.

الارث، و اما اذا كان المقصود: إذا لم يشترطا الاجل فهي أجنبية عن المقام و لا بدّ من حذف الطائفة الثالثة من الحساب.

ثم ان المعارضة تنحصر بين الطائفة الثالثة و الثانية و الا فالاولي ليست طرفا للمعارضة بعد كونها بمنزلة المطلق القابل للتقييد بأي واحدة من الطائفتين الاخيرتين.

و كلتا الطائفتين متفقتان علي ثبوت الارث مع الاشتراط و انما التعارض عند فرض عدم الاشتراط ، فالثانية تدل علي عدم الارث و الثالثة تدل علي ثبوته.

و بعد التعارض في هذا المقدار يتساقطان و يلزم الرجوع إلي الطائفة الاولي لأنها بمنزلة العام الفوقاني، و من ثمّ تكون النتيجة ثبوت الارث عند اشتراطه لكونه مورد اتفاق الطائفتين الاخيرتين و عدم ثبوته عند عدم اشتراطه تمسكا باطلاق الطائفة الاولي.

و بذلك نصل إلي النتيجة التي صار اليها المشهور.

و من هذا يتضح التأمل فيما اختاره صاحب الجواهر من الحكم بعدم الارث حتي مع اشتراطه بدعوي ان مقتضي عقد التمتع عدم الارث، فاشتراطه مخالف لمقتضي العقد بل هو علي حد اشتراط ارث غير الوارث المعلوم بطلانه بسبب مخالفته للكتاب و السنة(1).

و وجه التأمل: انه اتضح من خلال ما ذكرناه ان عقد التمتع لا يقتضي الارث في حالة عدم الاشتراط و الا فيقتضيه لاتفاق الطائفتين الاخيرتين علي ذلك.0.

ص: 369


1- جواهر الكلام 195:30.
11 - و اما انه لا طلاق في عقد التمتع بل تحصل البينونة بانتهاء

الاجل

فهو مما لا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة الهاشمي المتقدمة و غيرها.

و اما انه يصح للزوج هبة ما يبقي من الاجل و تبين بذلك فهو مما لا خلاف فيه أيضا. و تدل عليه صحيحة علي بن رئاب: «كتبت إليه أسأله عن رجل تمتع بامرأة ثم وهب لها ايامها قبل ان يفضي اليها او وهب لها ايامها بعد ما افضي اليها هل له ان يرجع فيما وهب لها من ذلك ؟ فوقع عليه السّلام: لا يرجع»(1) و غيرها.

و هي تدل علي المفروغية من جواز الابراء و انما السؤال عن جواز التراجع عنه.

و اضمارها لا يضر بحجيتها للبيان المتقدم في ابحاث سابقة لإثبات حجية المضمرات بشكل عام.

12 - و اما عدم جواز الزواج المؤقت بالكافرة غير الكتابية

فلما تقدم نفسه من الوجه في العقد الدائم.

13 - و اما انه لا يصح تجديد العقد عليها قبل انتهاء الاجل

فهو المشهور. و استدل لذلك صاحب الجواهر بوجوه ثلاثة:

أ - ان العقد إذا كان يؤثر من حينه يلزم محذور تحصيل الحاصل، و ان كان يؤثر بعد انتهاء الاجل يلزم تأخر الاثر عن المؤثر، و هو مستحيل.

ب - التمسك بمفهوم صحيحة ابي بصير: «لا بأس ان تزيدك

ص: 370


1- وسائل الشيعة 483:14 الباب 29 من أبواب المتعة الحديث 1.

و تزيدها إذا انقطع الاجل فيما بينكما تقول لها استحللتك بأجل آخر برضا منها و لا يحلّ ذلك لغيرك حتي تنقضي عدتها»(1).

ج - التمسك برواية ابان بن تغلب: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك الرجل يتزوج المرأة متعة فيتزوجها علي شهر ثم انها تقع في قلبه فيحب أن يكون شرطه أكثر من شهر فهل يجوز ان يزيدها في اجرها و يزداد في الايام قبل ان تنقضي ايامه التي شرط عليها فقال: لا، لا يجوز شرطان في شرط . قلت: فكيف يصنع ؟ قال: يتصدق عليها بما بقي من الايام ثم يستأنف شرطا جديدا»(2). هذا ما افيد في الجواهر(3).

و الكل كما تري.

اما الاول فلان محذور تحصيل الحاصل يختص بالامور التكوينية دون الامور الاعتبارية، و ما المانع من تأثير العقد تأكيد الحاصل بلحاظ الفترة الباقية و التأسيس بلحاظ ما بعد انتهاء الاجل.

و اما الثاني فباعتبار انه لا يبعد نظر صحيحة ابي بصير في مفهومها الي انه يجوز بعد انتهاء الاجل تجديد العقد من دون توقف علي انتهاء العدة و ليست ناظرة إلي ما هو المقصود في محل الكلام.

و اما الثالث فباعتبار ان رواية ابان و ان كانت تامة الدلالة الا ان الشيخ الكليني قد رواها بطرق ثلاث تشترك جميعا في ابراهيم بن الفضل الهاشمي الذي لم تثبت وثاقته.

و عليه فالحكم بعدم الجواز لا بدّ من ابتنائه علي الاحتياط - تحفظا0.

ص: 371


1- وسائل الشيعة 475:14 الباب 23 من أبواب المتعة الحديث 2.
2- الكافي 458:5.
3- جواهر الكلام 202:30.

من مخالفة المشهور - دون الفتوي.

14 - و اما جواز اشتراط عدم الوط ء

فالظاهر انه لا خلاف فيه.

و تدل عليه صحيحة عمار بن مروان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت: رجل جاء إلي امرأة فسألها ان تزوجه نفسها فقالت: ازوجك نفسي علي ان تلتمس مني ما شئت من نظر و التماس و تنال مني ما ينال الرجل من اهله الا ان لا تدخل فرجك في فرجي و تتلذذ بما شئت فاني اخاف الفضيحة، قال: ليس له الا ما اشترط »(1).

بل بالامكان التمسك باطلاق موثقة اسحاق بن عمار عن جعفر عن ابيه عليهما السّلام ان علي بن ابي طالب عليه السّلام كان يقول: «من شرط لامرأته شرطا فليف لها به فان المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما»(2).

و اما انه يجوز الوط ء لو تنازلت عن شرطها فباعتبار ان ما اشترطته كان حقا لها لا عليها، و من حق كل صاحب حق التنازل عن حقه.

و من هذا يتضح التأمل فيما نسب إلي العلامة من عدم جواز الوط ء حتي مع التنازل بتقريب ان العقد لم يتشخص الا بذلك الشرط ، و خلافه ليس مندرجا في العقد(3).

علي ان المسألة تشتمل علي نص خاص، و هو ما رواه اسحاق بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل تزوج بجارية عاتق علي ان لا يفتضها

ص: 372


1- وسائل الشيعة 491:14 الباب 36 من أبواب المتعة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 487:14 الباب 32 من أبواب المتعة الحديث 9.
3- الحدائق الناضرة 198:24.

ثم اذنت له بعد ذلك قال: إذا اذنت له فلا بأس»(1).

6 - أحكام النفقة

اشارة

يجب علي الزوج الانفاق علي زوجته الدائمة بما هو المتعارف من حيث الطعام و السكن و الملابس و ما شاكل ذلك بشرط ان لا تكون متمردة علي القيام بحقوقه الزوجية.

و إذا خرجت من بيت زوجها معلنة للتمرد فلا نفقة لها. و اما إذا لم يكن عن تمرد فلا تستحق النفقة الا بعد عودها.

و إذا لم يقم الزوج بالنفقة الواجبة اشتغلت ذمته بها.

و المستند في ذلك:

1 - اما وجوب الانفاق علي الزوجة

فهو في الجملة من ضروريات الفقه. و يدل عليه قوله تعالي: وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَ عَلَي الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (2) ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ...

وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (3) ، فان مقتضي المعاشرة بالمعروف هو الانفاق بالشكل المتعارف من حيث المسكن و الطعام و ما شاكل ذلك.

و اختصاص الآية الاولي بالزوجة المولود لها ليس مضرا بعد

ص: 373


1- وسائل الشيعة 45:15 الباب 36 من أبواب المهور الحديث 2. و العاتق: الجارية اول ما تدرك او الجارية التي لم تتزوج.
2- البقرة: 233.
3- النساء: 19.

عدم احتمال اختصاص الحكم بها.

هذا من حيث الكتاب الكريم.

و اما الروايات فهي كثيرة، كصحيحة ابي بصير: «سمعت ابا جعفر عليه السّلام يقول: من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها و يطعمها ما يقيم صلبها كان حقا علي الامام ان يفرّق بينهما»(1) و غيرها.

2 - و اما التقييد بالزوجة الدائمة

- بالرغم من شمول اطلاق ما تقدم للمنقطعة - فقد تقدم وجهه عند البحث عن الزواج المؤقت.

3 - و اما ان المدار علي المتعارف

فيمكن ان يقرب ببيانين:

أ - التمسك بفكرة الاطلاق المقامي، بان يقال: ان اثبات وجوب الانفاق من دون تحديده كما و كيفا يدل علي احالة الامر في المسألة الي العرف و ما هو المتعارف عنده.

ب - ان التقييد بكلمة «بالمعروف» في الآيتين الكريمتين يدل بوضوح علي المطلوب.

4 - و اما تعميم الانفاق الواجب لغير الطعام و الملابس

فللتمسك باطلاق الامر بالمعاشرة بالمعروف.

و لا يمكن تقييده بمدلول الآية الكريمة الاولي أو بالصحيحة لعدم ثبوت المفهوم لهما، بل الرزق في الآية يحتمل ان يراد به العموم دون خصوص الرزق للطعام، و الا فالسكن ليس مذكورا فيهما، و هل يحتمل عدم وجوب النفقة من ناحيته ؟

ص: 374


1- وسائل الشيعة 223:15 الباب 1 من أبواب النفقات الحديث 2.

و هل المدار في النفقة الواجبة علي ملاحظة شأن الزوجة أو شأن الزوج أو شأن كليهما؟ لا يبعد أرجحية الأخير، فان المعاشرة بالمعروف تصدق مع ملاحظة شأن الاثنين دون احدهما.

5 - و اما اعتبار ان لا تكون الزوجة متمردة علي القيام بالحقوق

الزوجية

فباعتبار ان المعاشرة بالمعروف المأمور بها في الآية الكريمة لا تقتضي الا لزوم انفاق الزوج علي زوجته في حالة قيامها بحقوقه و الا فتركه للإنفاق لا يعدّ امرا مخالفا للمعاشرة بالمعروف.

و إذا قيل: ان الآية الكريمة المذكورة و ان كانت ضيقة المدلول الا ان هذا لا ينافي التمسك باطلاق الآية الاخري و الصحيحة المقتضي لوجوب الانفاق حتي مع النشوز.

قلنا: بما ان الآية الكريمة واردة مورد التحديد فتدل علي المفهوم الصالح لتقييد الاطلاق في غيرها.

6 - و اما عدم استحقاق النفقة مع الخروج عن تمرد

فلما تقدم من اشتراط وجوب النفقة بعدم التمرد علي الحقوق الزوجية.

و اما عدم استحقاقها مع الخروج بلا تمرد الا بعد العود فلموثقة السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: ايّما امرأة خرجت من بيتها بغير اذن زوجها فلا نفقة لها حتي ترجع»(1).

و السكوني و النوفلي و ان لم يوثقا بشكل خاص الا انه تقدم في ابحاث سابقة امكان توجيه حجية رواياتهما.

7 - و اما انشغال ذمة الزوج بالنفقة اذا لم يؤدها

فيمكن استفادته

ص: 375


1- وسائل الشيعة 230:15 الباب 6 من أبواب النفقات الحديث 1.

من قوله تعالي: وَ عَلَي الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ (1) ، فان التعبير بكلمة «علي» ظاهر في إرادة الحكم الوضعي دون مجرّد الحكم التكليفي.

7 - احكام القسمة

اشارة

في وجوب القسمة بين الزوجات في مبيت الليالي ابتداء أو بعد الشروع خلاف، فقيل بعدم الوجوب الا بالشروع، و قيل بالوجوب ابتداء.

و في وجوب البقاء صبيحة ليلة المبيت وجه.

و الواجب في المبيت هو المضاجعة دون المواقعة.

و المستند في ذلك:

1 - اما وجوب القسمة في مبيت الليالي

فلا اشكال فيه في الجملة، فان لكل انسان الحق في الزواج بأربع نساء بالعقد الدائم، و إذا بات عند واحدة ليلة لزمه المبيت عند كل واحدة من البقية ليلة الا إذا تنازلت واحدة عن حقها فله ان يضع ليلتها حيث شاء.

و إذا كانت عنده ثلاث زوجات و بات عند واحدة ليلة لزمه المبيت عند كل واحدة من الأخيرتين بالمثل - الا مع التنازل فكما تقدم - و تبقي له ليلة يضعها حيث شاء.

و إذا كانت عنده زوجتان و بات عند واحدة ليلة لزمه المبيت عند الاخري ليلة - الا مع التنازل - و كانت له ليلتان يضعهما حيث شاء.

ص: 376


1- البقرة: 233.

و هذا المقدار لم يقع محلا للخلاف بين الفقهاء و انما الخلاف في لزوم الشروع و عدمه في التقسيم ابتداء، فهل يلزم من كانت عنده زوجتان مثلا الشروع في المبيت، بان يبات عند هذه ليلة ثم عند الاخري ليلة و يضع الليلتين الاخيرتين من الاربع حيث شاء أو لا يلزمه ذلك بل له الحق في ان لا يبات عندهما رأسا؟

قيل بلزوم الشروع في التقسيم ابتداء. و قيل لا يلزم ذلك و لكنه لو شرع بالمبيت عند واحدة لزمه المبيت عند الاخري أيضا و يعود حرا في الليلتين الاخيرتين، و إذا تمت الليالي الاربع فلا يلزمه الشروع في المبيت من جديد و لكنه لو شرع لزمه المبيت عند الاخري بالمثل، و هكذا.

و الخلاف نفسه يسري إلي من كانت عنده زوجة واحدة، فانه علي القول الاول يلزمه المبيت عندها ليلة من كل اربع ليال، بخلافه علي القول الثاني فانه لا يلزمه ذلك.

و ليس المنشأ لهذا الاختلاف اختلاف الروايات بل هو القصور في مدلولها عن افادة تعيين احد الاحتمالين بخصوصه، كما نلاحظ ذلك في صحيحة محمد بن مسلم: «سألته عن الرجل تكون عنده امرأتان و احداهما أحبّ إليه من الاخري، قال: له أن يأتيها ثلاث ليال و الاخري ليلة، فان شاء أن يتزوج اربع نسوة كان لكل امرأة ليلة فلذلك كان له ان يفضّل بعضهن علي بعض ما لم يكنّ أربعا»(1) و غيرها.

و لا يضر اضمارها بعد ما كان المضمر مثل محمد بن مسلم الذي لا تليق به الرواية عن غير الامام عليه السّلام.3.

ص: 377


1- وسائل الشيعة 81:15 الباب 1 من أبواب القسم و النشوز الحديث 3.
2 - اما القول بعدم وجوب القسمة الا بالشروع

فيمكن الاستدلال له بالبيانين التاليين:

أ - التمسك باصالة البراءة عن وجوب التقسيم ابتداء بعد قصور الصحيحة المتقدمة و ما هو بمضمونها عن افادته.

ب - التمسك بموثقة اسحاق بن عمار حيث: «سأل ابا عبد اللّه عليه السّلام عن حق المرأة علي زوجها قال: يشبع بطنها و يكسو جثتها و ان جهلت غفر لها»(1) و ما هو بمضمونها، بتقريب انها بصدد بيان حق الزوجة علي زوجها و لم يذكر منه المبيت عندها فيدل ذلك علي عدم وجوبه ابتداء.

و كلا الوجهين تامان لو فرض عدم تمامية ما يستدل به علي الوجوب ابتداء و الا فلا معني للتمسك بأصل البراءة و يلزم تقييد الموثقة، فان دلالتها علي نفي الوجوب ابتداء بالاطلاق فيقيد.

3 - و اما القول بوجوب القسمة ابتداء

فقد يستدل له بما يلي:

أ - التمسك بموثقة عبد الرحمن بن ابي عبد اللّه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الرجل يتزوج الامة علي الحرة قال: لا يتزوج الامة علي الحرة و يتزوج الحرة علي الامة. و للحرة ليلتان و للأمة ليلة»(2) و ما هو بمضمونها.

و فيه: ان من المحتمل ان يكون المقصود من ذلك انه لو أراد المبيت فيلزمه تخصيص الحرة بليلتين و الأمة بليلة واحدة لا ان ذلك واجب عليه ابتداء.

ص: 378


1- وسائل الشيعة 223:15 الباب 1 من أبواب النفقات الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 88:15 الباب 8 من أبواب القسم و النشوز الحديث 3.

ب - التمسك بصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة في الرقم 1، حيث ورد فيها «فان شاء ان يتزوج اربعة نسوة كان لكل امرأة ليلة»، فان مقتضي اطلاقها ان لكل امرأة من الاربع ليلة سواء شرع في القسمة أم لا.

و فيه: ان المقصود من جملة «كان لكل امرأة ليلة» عدم جواز تفضيل بعضهن علي بعض لا استحقاق كل واحدة ليلة، و لا أقل من احتمال ذلك، و معه لا يصح التمسك بالاطلاق.

ج - التمسك باطلاق قوله تعالي: وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (1) ، بتقريب انه يدل علي وجوب فعل كل ما هو مصداق للمعاشرة بالمعروف، و من جملته المبيت عند الزوجة. و الاطلاق المذكور حجة ما لم يدل دليل علي تقييده، و حيث لم يدل دليل علي نفي وجوب المبيت ابتداء فيكون الاطلاق محكّما.

و الظاهر ان الوجه المذكور متين، و في ضوئه يمكن الحكم بوجوب القسمة ابتداء.

4 - و اما الوجه في وجوب البقاء صبيحة ليلة المبيت

فمستنده رواية ابراهيم الكرخي: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل له اربع نسوة فهو يبيت عند ثلاث منهن في لياليهن فيمسهن، فاذا بات عند الرابعة في ليلتها لم يمسها فهل عليه في هذا اثم ؟ قال: انما عليه ان يبيت عندها في ليلتها و يظل عندها في صبيحتها و ليس عليه ان يجامعها إذا لم يرد ذلك»(2).

ص: 379


1- النساء: 19.
2- وسائل الشيعة 84:15 الباب 5 من أبواب القسم و النشوز الحديث 1.

و ابراهيم و ان لم يوثق بالخصوص الا انه تكفي رواية ابن ابي عمير عنه(1) بناء علي تمامية كبري وثاقة كل من روي عنه أحد الثلاثة.

5 - و اما عدم وجوب المواقعة

فلأصل البراءة بعد عدم الدليل علي وجوبها.

هذا لو قطعنا النظر عن رواية الكرخي المتقدمة و الا كانت هي الدليل.

ثم انه قد يشكك في وجوب المضاجعة - و هي النوم مع الزوجة في فراش واحد قريبا منها بحيث لا يعدّ هاجرا لها - أيضا باعتبار ان الروايات دلت علي وجوب المبيت دون المضاجعة عنده، و معه يتمسك لنفي وجوبها بأصل البراءة.

ص: 380


1- كما ورد في الكافي 292:2 الحديث 11.

الإيقاعات

اشارة

1 - الطلاق

2 - الظهار

3 - الايلاء

4 - اللعان

5 - اليمين و النذر و العهد

6 - الوصية

7 - الوقف

8 - الجعالة

9 - الشفعة

ص: 381

ص: 382

كتاب الطّلاق

اشارة

1 - حقيقة الطلاق

2 - شرائط صحة الطلاق

3 - أقسام الطلاق

4 - أحكام العدّة

5 - من أحكام الخلع و المباراة

6 - من أحكام الطلاق

ص: 383

ص: 384

1 - حقيقة الطلاق

اشارة

الطلاق ايقاع يتضمّن إنشاء الزوج للفرقة بعد تحقّق الزوجية الدائمة.

و هو مشروع بضرورة الدين من الزوج فقط إلاّ في موارد خاصّة.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الطلاق ايقاع متقوّم بالايجاب بلا مدخلية للقبول في

تحققه

فهو من بديهيات الفقه. و يمكن استفادته من النصوص المذكورة في ثنايا الابحاث الآتية.

و اما ان حقيقته ما ذكر فهو من بديهيات اللغة و الشرع.

و اما اختصاص مورده بفرض الزواج الدائم فلما يأتي ان شاء اللّه تعالي.

2 - و اما انه مشروع

فهو من ضروريات دين الإسلام. و يدل علي ذلك أيضا ترتيب الاحكام الخاصة عليه في الكتاب الكريم. قال تعالي:

ص: 385

وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ... (1) ، اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ ... (2) ، وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ... (3) ، إلي غير ذلك من الآيات الكريمة.

و اذا كان الزواج أحبّ شيء إلي اللّه سبحانه فالطلاق أبغض شيء اليه. و قد ورد في الحديث الشريف عنه صلّي اللّه عليه و آله: «ما من شيء أحب إلي اللّه عز و جل من بيت يعمر بالنكاح. و ما من شيء أبغض إلي اللّه عز و جل من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة، يعني الطلاق»(4).

و في حديث آخر: «تزوجوا و لا تطلقوا، فان الطلاق يهتز منه العرش»(5).

أجل هذا يختص بحالة الوئام بين الزوجين أو وجود مشاكل لا ينحصر علاجها بالطلاق و الا لم يكن مبغوضا لعدم احتمال المبغوضية شرعا في مثل ذلك. مضافا الي دلالة جملة من الروايات علي ذلك. و قد ورد في الحديث ان أبا جعفر عليه السّلام «كانت عنده امرأة تعجبه و كان لها محبا فأصبح يوما و قد طلّقها و اغتم لذلك فقال له بعض مواليه: لم طلقتها؟ فقال: اني ذكرت عليا عليه السّلام فتنقصته فكرهت ان الصق جمرة من جهنم بجلدي»(6). بل روي عن الرسول الأعظم صلّي اللّه عليه و آله: «خمسة لا يستجاب لهم: رجل جعل اللّه بيده طلاق امرأته فهي تؤذيه و عنده ما1.

ص: 386


1- البقرة: 228.
2- البقرة: 229.
3- البقرة: 231.
4- وسائل الشيعة 266:15 الباب 1 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
5- وسائل الشيعة 268:15 الباب 1 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7.
6- وسائل الشيعة 269:15 الباب 3 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.

يعطيها و لم يخلّ سبيلها...»(1).

يبقي كيف نثبت مشروعية الطلاق في حالة الوئام و عدم وجود الضرورة ؟

و الجواب: انه بعد ضرورة ذلك بين جميع المسلمين لا نبقي بحاجة إلي دليل بل الضرورة نفسها دليل علي ذلك.

هذا مضافا الي انه لو لم يجز عند عدم الضرورة لانعكس ذلك علي الروايات لكون المسألة عامة البلوي.

بل يمكن التمسك باطلاق بعض النصوص، كصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «... فاذا اراد الرجل منكم ان يطلق امرأته طلاق العدة فلينتظر بها حتي تحيض و تخرج من حيضها ثم يطلقها تطليقة من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين...»(2) و غيرها.

3 - و اما اختصاص مشروعية الطلاق بالزوج

فهو من الضروريات التي لا تحتاج الي دليل.

بل ان القصور في مقتضي التعميم كاف وحده لإثبات الاختصاص.

و تؤيد الاختصاص مرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «امرأة نكحها رجل فأصدقته المرأة و شرطت عليه ان بيدها الجماع و الطلاق فقال: خالف السنة و ولي الحق من ليس اهله، و قضي ان علي الرجل الصداق و ان بيده الجماع و الطلاق و تلك السنة»(3) ،

ص: 387


1- وسائل الشيعة 271:15 الباب 5 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 348:15 الباب 2 من أبواب اقسام الطلاق الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 340:15 الباب 42 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.

و الحديث النبوي: «الطلاق بيد من أخذ بالساق»(1).

4 - و اما موارد الاستثناء التي يصح فيها الطلاق من غير الزوج

فيأتي التحدث عنها فيما بعد ان شاء اللّه تعالي.

2 - شرائط صحة الطلاق

اشارة

يلزم لوقوع الطلاق صحيحا توفر:

1 - البلوغ فلا يصح طلاق الصبي و ان بلغ عشرا بل و لا طلاق وليه عنه.

2 - العقل فلا يصح طلاق المجنون الا اذا كان بالغا فانه يجوز لوليه الطلاق مع اقتضاء المصلحة لذلك.

3 - الاختيار فلا يصح طلاق المكره.

4 - القصد فلا يصح طلاق السكران و الهازل و غيرهما ممن لا قصد له.

5 - التنجيز فلا يقع الطلاق لو قال الزوج لزوجته: انت طالق ان فعلت كذا.

6 - تعيين المطلقة فلا يصح لو قال الزوج: احدي زوجاتي طالق.

7 - ان تكون الزوجة في حالة طهر - من الحيض و النفاس - لم يواقعها فيه.

و يستثني من ذلك:

أ - ما اذا كان المطلّق غائبا، فان الطلاق يقع صحيحا منه حتي مع اتضاح عدم طهرها حالته بشرطين: عدم امكان معرفته لحالها، و مضي فترة يعلم بحسب عادتها انتقالها من طهر الي آخر. و الاحتياط يقتضي ان تكون شهرا و أحوط من ذلك أن تكون ثلاثة اشهر.

ص: 388


1- كنز العمال 155:5 الرقم 3151.

و في حكم الغائب الحاضر الذي لا يمكنه معرفة حال زوجته كالمسجون.

ب - ما اذا كانت حاملا و قد استبان حملها فانه يصح طلاقها و ان لم تكن علي طهر او كانت في طهر المواقعة.

ج - ما اذا لم تكن مدخولا بها.

د - ما اذا كانت صغيرة لم تبلغ سنّ التكليف و قد دخل بها الزوج و ان كان ذلك محرما.

ه - ما اذا كانت قد بلغت سنّ اليأس.

و - المسترابة - و هي من كانت في سن من تحيض و لا تحيض لخلقة او لعارض اتفاقي من رضاع أو مرض طارئ و ما شاكل ذلك - فانه يجوز طلاقها و ان كان ذلك في طهر المجامعة بشرط مضي ثلاثة اشهر علي المواقعة الاخيرة.

8 - ان يكون الزواج دائما فلا يقع بالمتمتع بها بل تتحقق الفرقة بانتهاء المدة او هبة المقدار المتبقّي منها.

9 - اشهاد رجلين عادلين. و لا يلزم ان يعرفا المطلقة بنحو يصح منهما الشهادة عليها.

10 - الصيغة الخاصة، و هي: «انت طالق» أو «زوجتي طالق» أو «فلانة طالق» و ما أشبه ذلك من الصيغ المشتملة علي كلمة «طالق». و لا يصح بصيغة «فلانة مطلقة» أو «طلقت فلانة».

و تجزئ الترجمة عند تعذر النطق بالعربية.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار البلوغ في المطلّق

فهو المشهور بين المتأخرين -

ص: 389

خلافا للشيخين و جماعة من القدماء(1) - لعدة امور:

أ - التمسك بحديث رفع القلم عن الصبي حتي يحتلم(2) ، فان مقتضي اطلاقه الشمول لقلم الوضع أيضا.

و ضعف سنده منجبر بعمل الاصحاب - كما تقدم غير مرة - بناء علي تمامية كبري الانجبار.

ب - اتفاق الاصحاب علي اعتبار البلوغ في باب البيع و سائر المعاملات المالية. و الطلاق ان لم يكن اولي باعتبار ذلك فيه فلا أقلّ من عدم الفرق بينهما.

ج - الروايات الخاصة، من قبيل موثقة الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن ابيه عن علي عليهم السّلام: «لا يجوز طلاق الغلام حتي يحتلم»(3) و غيرها.

و الحسين ثقة لان ظاهر كلام النجاشي: «الحسين بن علوان الكلبي مولاهم كوفي عامي. و اخوه الحسن يكني ابا محمد ثقة. رويا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام...»(4) رجوع التوثيق الي الحسين دون الحسن.

الا ان في مقابل ذلك عدة روايات تدل علي العكس، من قبيل ما رواه الشيخ في تهذيبه عن الكليني بسنده الموثق عن ابن بكير عن ابيي.

ص: 390


1- جواهر الكلام 5:32. و في تهذيب الاحكام لشيخ الطائفة 75:8 ما نصه: «طلاق الصبي جائز اذا عقل الطلاق. و حدّ ذلك عشر سنين. يدل علي ذلك ما رواه...».
2- وسائل الشيعة 30:1 الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات.
3- وسائل الشيعة 325:15 باب 32 من ابواب مقدمات الطلاق حديث 8.
4- رجال النجاشي: 38 منشورات مكتبة الداوري.

عبد اللّه عليه السّلام: «يجوز طلاق الصبي اذا بلغ عشر سنين»(1) ، و رواية ابن ابي عمير عن بعض رجاله عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «يجوز طلاق الصبي اذا بلغ عشر سنين»(2).

و لا يضر الارسال في السند بعد كون المرسل ابن ابي عمير بناء علي رأي المشهور من حجية مراسيله من دون تفصيل. و المناسب - بناء علي تمامية سند هذه الطائفة - الجمع بينها و بين الاولي بالتقييد فتحمل الاولي علي من كان عمره أقلّ من عشر.

و لا يقف امام ذلك حديث رفع القلم لإمكان تخصيصه.

هذا و لكن الاحتياط باعتبار البلوغ امر لازم تحفظا من مخالفة المشهور و لإمكان التشكيك في سند روايات الطائفة الثانية، فان الرواية الاولي و ان كانت معتبرة السند حسب نقل التهذيب الا انها في الكافي لم تذكر بالسند المذكور بل بسند آخر فراجع(3).

و صحة الرواية الثانية تبتني علي مسلك المشهور في مراسيل ابن ابي عمير، بل ان النسخ قد اختلفت في كيفية نقل متن الرواية، ففي بعضها: «لا يجوز طلاق الصبي اذا بلغ عشر سنين» و في بعضها الآخر:

«يجوز» بدون كلمة النفي.

2 - و اما عدم ثبوت الولاية لولي الصبي في الطلاق

فأمر لا خلاف فيه. و يكفي لإثباته القصور في المقتضي. و مع التنزل يمكن التمسك بالروايات الخاصة كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام:

ص: 391


1- تهذيب الاحكام 77:8 الرقم 173.
2- وسائل الشيعة 324:15 الباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2.
3- الكافي 124:6.

«الصبي يتزوج الصبية يتوارثان ؟ فقال: اذا كان ابواهما اللذان(1) زوجاهما فنعم. فقلت: فهل يجوز طلاق الاب ؟ قال: لا»(2) و غيرها.

3 - و اما عدم صحة الطلاق من المجنون

فلعدم تحقق القصد منه و للروايات الخاصة، كصحيحة الحلبي: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن طلاق السكران و عتقه فقال: لا يجوز. قال: و سألته عن طلاق المعتوه قال: و ما هو؟ قال: قلت: الاحمق الذاهب العقل قال: لا يجوز»(3) و غيرها.

4 - و اما انه يجوز الطلاق لولي المجنون

فهو المشهور لصحيحة أبي خالد القماط : «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل الاحمق الذاهب العقل يجوز طلاق وليه عليه ؟ قال: و لم لا يطلق هو؟ قلت: لا يؤمن ان طلق هو ان يقول غدا: لم أطلق او لا يحسن ان يطلق، قال: ما اري وليه الا بمنزلة السلطان»(4) و غيرها.

هذا و قد نسب الخلاف في المسألة إلي ابن ادريس تمسكا بان الاصل بقاء العقد و بالنبوي: «الطلاق بيد من اخذ بالساق»(5).

و فيه: ان الاصل لا مجال له مع الدليل الاجتهادي. و النبوي علي تقدير تماميته سندا قابل للتقييد بصحيحة القماط و غيرها.

ثم انه لا يبعد ان يكون قوله عليه السّلام: «و لم لا يطلق هو» ناظرا الي فرضية عدم زوال العقل بشكل كامل او الي حالة الجنون الادواري مع

ص: 392


1- الظاهر ان الصواب: اللذين.
2- وسائل الشيعة 220:14 الباب 12 من أبواب عقد النكاح الحديث 1، و 326:15 الباب 33 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث.
3- وسائل الشيعة 328:15 الباب 34 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5.
4- وسائل الشيعة 329:15 باب 35 من ابواب مقدمات الطلاق حديث 1.
5- الحدائق الناضرة 155:25.

فرض الافاقة، كما نبّه عليه في الحدائق(1).

5 - و اما تقييد جواز طلاق ولي المجنون بما اذا كان - المجنون -

بالغا

فلانه بدون فرض ذلك يكون مشمولا لإطلاق صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة الدالة علي ان الاب لا يجوز له الطلاق بالولاية.

و اذا قيل: كما ان لصحيحة ابن مسلم اطلاقا كذلك لصحيحة القماط اطلاق فلما ذا تقديم الاطلاق الاول ؟

قلنا: انه يمكن التشكيك في ثبوت الاطلاق لصحيحة القماط لأنها تدل علي ثبوت السلطنة للولي في المورد الذي يكون للمجنون الحق في الطلاق لو لا جنونه، و ذلك لا يتم الا اذا كان المجنون بالغا بناء علي عدم ثبوت الحق لغير البالغ في الطلاق.

ثم انه مع التنزل و فرض تعارض الاطلاقين و تساقطهما يلزم الرجوع إلي الاصل و هو يقتضي عدم ترتب الاثر علي طلاق الولي.

و بذلك تكون النتيجة واحدة علي كلا التقديرين.

6 - و اما تقييد جواز طلاق ولي المجنون بالمصلحة

بالرغم من اطلاق الروايات من هذه الناحية فباعتبار الجزم بان الولاية المجعولة للولي ليست تكريما له بل لحاجة المولي عليه الي من يتصرف عنه تحقيقا لمصالحه.

7 - و اما عدم صحة طلاق المكره

فأمر لا خلاف فيه، و يدل عليه حديث الرفع(2) و الروايات الخاصة، كصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام:

«سألته عن طلاق المكره و عتقه فقال: ليس طلاقه بطلاق و لا عتقه

ص: 393


1- الحدائق الناضرة 154:25.
2- وسائل الشيعة 295:11 الباب 56 من أبواب جهاد النفس الحديث 1.

بعتق...»(1) و غيرها.

8 - و اما اعتبار القصد

فللتسالم علي تبعية العقود و الايقاعات للقصد. هذا مضافا الي الروايات الخاصة الواردة بلسان: «لا طلاق الا لمن اراد الطلاق»(2).

9 - و اما التنجيز

فمدركه منحصر بالإجماع المدعي علي اعتباره و الا فغير قابل للتأمل من قبيل:

أ - منافاة التعليق لقاعدة عدم تأخر المعلول عن علته.

ب - ان ظاهر الروايات فعلية الطلاق بمجرد تحقق الصيغة، و اشتراط تأخره الي حصول المعلق عليه شرع جديد.

و قد تمسك بهذين الوجهين صاحب الجواهر(3).

و وجه التأمل:

اما في الاول فلان العلة ليست هي الصيغة بمجردها بل مع الشرط فلا تأخر.

و اما في الثاني فلانه لا توجد رواية تدل بوضوح علي ذلك. و مع التنزل يمكن دعوي نظرها إلي الحالة الغالبة، و هي التنجيز.

هذا و يظهر الخلاف في المسألة من الشهيد الثاني في المسالك حيث رجح جواز التعليق لعدة وجوه نذكر منها:

أ - القياس علي الظهار، حيث دلت النصوص علي جواز التعليق فيه.

ص: 394


1- وسائل الشيعة 331:15 الباب 37 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 285:15 الباب 11 من أبواب مقدمات الطلاق.
3- جواهر الكلام 78:32.

ب - ان في التعليق حكمة لا تحصل في العقد المنجز، فان الزوجة قد تخالف زوجها في بعض مقاصده فتفعل ما يكرهه، و الزوج يكره طلاقها من حيث انه ابغض الحلال فيحتاج الي التعليق علي فعل ما يكرهه كي اذا امتنعت يحصل غرضه او خالفت تكون هي المختارة لطلاقها(1).

و كلاهما كما تري.

و المناسب اعتبار التنجيز و لو علي مستوي الاحتياط تحفظا من مخالفة الاجماع المدعي.

هذا اذا فرض وجود مطلقات تدل علي مشروعية الطلاق المعلق و الا كفي القصور في المقتضي حيث يجري آنذاك استصحاب بقاء النكاح بناء علي جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية و عدم معارضة استصحاب بقاء المجعول بأصالة عدم الجعل الزائد.

بل يمكن تقريب جريان الاستصحاب حتي بناء علي الرأي المذكور، بان يستصحب بقاء اباحة الاستمتاعات، فان القائل بالمنع من جريان الاستصحاب في الاحكام يخصّص ذلك بالاحكام الالزامية دون الترخيصية، اذ لا جعل فيها ليعارض استصحاب بقائها باستصحاب عدم الجعل الزائد.

10 - و اما اعتبار تعيين المطلقة

فهو المشهور. و يمكن الاستدلال له بانه مع عدم التعيين اما ان يقع الطلاق بالواحدة المرددة من الزوجات او بالواحدة بنحو الكلي في المعين.

ص: 395


1- مسالك الافهام 15:2.

و كلاهما لا يمكن المصير اليه.

اما الاول فلعدم معقولية الفرد المردد.

و اما الثاني فلان ثبوت الطلاق للواحدة الكلية و ان كان امرا ممكنا - كتعلق البيع بكيلو كلي من صبرة معينة - غايته تعيّن تلك الواحدة الكلية بواسطة القرعة الا ان ذلك يحتاج الي دليل يدل عليه، و لا دليل يدل علي صحة طلاق الواحدة الكلية مع تعيينها بالقرعة.

و تؤيد اعتبار التعيين رواية محمد بن احمد بن مطهر: «كتبت إلي ابي الحسن صاحب العسكر عليه السّلام اني تزوجت اربع نسوة و لم اسأل عن اسمائهن ثم اني اردت طلاق احداهن و تزويج امرأة اخري فكتب عليه السّلام انظر الي علامة ان كانت بواحدة منهن فتقول: اشهدوا ان فلانة التي بها علامة كذا و كذا هي طالق ثم تزوّج الاخري اذا انقضت العدّة»(1).

و من ذلك يتضح النظر فيما نسب الي جماعة كالشيخ و ابن البراج و المحقق و العلامة و الشهيد من وقوع الطلاق صحيحا مع عدم التعيين لوجهين: اصالة عدم الاشتراط ، و عموم مشروعية الطلاق(2).

و وجه النظر:

اما بالنسبة الي الاصل المذكور فلانه لا اساس له ان لم يرجع الي التمسك بالعموم الذي هو الوجه الثاني.

و اما العموم فهو غير مستفاد من النصوص.

11 - و اما اعتبار ان تكون الزوجة طاهرة بطهر لم يواقعها فيه

زوجها

فأمر متسالم عليه. و تدل عليه النصوص المستفيضة، كصيحة

ص: 396


1- وسائل الشيعة 400:14 الباب 3 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 3.
2- الحدائق الناضرة 181:25.

زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام في حديث قال: «اما طلاق السنة فاذا اراد الرجل ان يطلق امرأته فلينتظر بها حتي تطمث و تطهر فاذا خرجت من طمثها طلّقها تطليقة من غير جماع و يشهد شاهدين...»(1).

و صحيحة الفضلاء عن ابي جعفر و ابي عبد اللّه عليهما السّلام: «اذا طلّق الرجل في دم النفاس او طلّقها بعد ما يمسها فليس طلاقه اياها بطلاق»(2) و غيرهما.

بل قد يستفاد ذلك من قوله تعالي: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ (3) ، فان المقصود اذا أردتم طلاق النساء فطلقوهنّ لزمان عدتهن بحيث يأخذ زمان العدة بالشروع من حين تحقق الطلاق، و ليس ذلك الا بان يقع الطلاق في طهر لا مواقعة فيه فان العدة كما يأتي - ان شاء اللّه تعالي - هي ثلاثة قروء بمعني ثلاثة اطهار، فلو وقع الطلاق في الحيض لم يمكن شروع العدة - بالمعني المذكور - من حين الطلاق كما هو واضح، و لو وقع في طهر المواقعة لم يمكن ذلك أيضا لان المقصود من الاطهار الثلاثة هي الاطهار الخالية من المواقعة، و معه فيحتاج إلي مرور ثلاثة اطهار جديدة منفصلة عن الطلاق.

12 - و اما استثناء حالة غيبة المطلّق

فأمر متسالم عليه للروايات المتعددة الواردة بلسان: «خمس يطلقهن أزواجهن متي شاءوا: الحامل المستبين حملها، و الجارية التي لم تحض، و المرأة التي قعدت من

ص: 397


1- وسائل الشيعة 280:15 الباب 9 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 279:15 الباب 9 من ابواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
3- الطلاق: 1.

المحيض، و الغائب عنها زوجها، و التي لم يدخل بها»(1).

و سند الروايات المذكورة جلا أو كلا صحيح فراجع.

13 - و اما تعميم الحكم بالصحة لما اذا اتضح عدم الطهر واقعا

حالة الطلاق

فللتمسك باطلاق الروايات المذكورة بل و للتصريح بالتعميم فيها بلفظ «متي شاءوا»، علي انه قد يقال بان الطهر واقعا لو كان معتبرا يلزم عدم ثبوت الخصوصية لعنوان غيبة المطلّق.

14 - و اما اعتبار عدم امكان معرفة حالها و مضي فترة يعلم فيها

بالانتقال

فلانه لا يحتمل اعتبار عنوان الغيبة بنحو الموضوعية و لا يحتمل ان مجرد غيبة الزوج في الساعات الاولي كاف لجواز الطلاق حتي مع امكان تحصيل العلم بسهولة او فرض العلم ببقاء طهر المواقعة او كونها في حالة حيض او نفاس.

15 - و اما الاحتياط باعتبار مضي شهر

فلموثق ابن سماعة:

«سألت محمد بن ابي حمزة متي يطلق الغائب ؟ فقال: حدثني اسحاق بن عمار او روي اسحاق بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام او ابي الحسن عليه السّلام قال: اذا مضي له شهر»(2).

و انما كان الحكم بنحو الاحتياط دون الفتوي باعتبار ان لسان الروايات السابقة: «خمس يطلقهن ازواجهن متي شاءوا...» يأبي التقييد، فانه لو كان مضي الشهر معتبرا لم يكن للغائب الطلاق متي شاء.

و من القريب جدا ان يكون اعتبار مضي الشهر من باب انه الفترة التي يحرز فيها عادة بالانتقال من طهر إلي آخر. و يترتب علي ذلك انه

ص: 398


1- وسائل الشيعة 306:15 الباب 25 من أبواب مقدمات الطلاق.
2- وسائل الشيعة 308:15 الباب 26 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5.

لو تمّ الاحراز قبل مضي الفترة المذكورة كان ذلك كافيا للحكم بصحة الطلاق.

و لكن مع ذلك كله يبقي الاحتياط باعتبار مضي الشهر حتي مع تحقق الاحراز قبله امرا وجيها.

16 - و اما احوطية اعتبار مضي ثلاثة أشهر

فلموثقة اسحاق بن عمار الاخري: «قلت لأبي ابراهيم عليه السّلام: الغائب الذي يطلّق اهله كم غيبته ؟ قال: خمسة أشهر، ستة أشهر. قال: حدّ دون ذا قال: ثلاثة أشهر»(1) ، فان ظاهرها و ان كان يقتضي الالزام بمضي ثلاثة أشهر الا انه لا بدّ من رفع اليد عن ذلك لعدم احتمال ان مضي المدة المذكورة معتبر حتي مع الجزم بالانتقال من طهر الي آخر، فان حال الغائب ليست أسوأ من حال الحاضر.

و عليه فمع الجزم بالانتقال لا يعتبر مضي ثلاثة أشهر و ان كان ذلك أحوط حفاظا علي العمل بظاهر الموثقة.

17 - و اما ان الحاضر بحكم الغائب اذا لم يمكنه معرفة حال

زوجته

فلما تقدم من عدم احتمال ان تكون لغيبة المطلّق موضوعية بل الخصوصية لعدم امكان معرفة حال الزوجة الملازم عادة للغيبة.

و عليه فيسري حكم الغيبة إلي الحضور الذي هو بمنزلتها.

و مما يدل علي ذلك أيضا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج:

«سألت ابا الحسن عليه السّلام عن رجل تزوج امرأة سرا من اهلها و هي في منزل اهله و قد اراد ان يطلقها و ليس يصل اليها فيعلم طمثها اذا طمثت

ص: 399


1- وسائل الشيعة 308:15 الباب 26 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 8.

و لا يعلم بطهرها اذا طهرت فقال: هذا مثل الغائب عن اهله يطلّق بالاهلة و الشهور...»(1).

18 - و اما استثناء الحامل المستبين حملها

فهو لما تقدم من الروايات الواردة بلسان: «خمس يطلقهن ازواجهن متي شاءوا: الحامل المستبين حملها...».

و اما انه يصح طلاقها حتي اذا لم تكن علي طهر أو كانت في طهر المواقعة فللتقريبات الثلاثة المتقدمة في الرقم 13.

19 - و اما استثناء غير المدخول بها و الصغيرة و اليائس

فللروايات المتقدمة نفسها.

و اذا قيل: لم نحمل فقرة «و الجارية التي لم تحض» علي خصوص الصغيرة و لا نحملها علي مطلق الجارية التي لا تحيض و لو كانت في سن من تحيض، كما هو المنسوب إلي شرح النافع(2) ؟

قلنا: ان الوارد في الفقرة المتقدمة: «و الجارية التي لم تحض» لا «و الجارية التي لا تحيض»، و التعبير المذكور ظاهر في الجارية التي لم يحن وقت حيضها.

هذا مضافا الي ان الوارد في بعض روايات المسألة: «و التي لم تبلغ المحيض»(3) ، و هو صريح في المدعي.

20 - و اما ان المسترابة يجوز طلاقها بعد مضي ثلاثة أشهر من

المواقعة الاخيرة

فلم ينسب فيه الخلاف لأحد. و يدل عليه صحيح

ص: 400


1- وسائل الشيعة 310:15 الباب 28 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
2- الحدائق الناضرة 179:25.
3- وسائل الشيعة 306:15 الباب 25 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5.

اسماعيل بن سعد الاشعري: «سألت الرضا عليه السّلام عن المسترابة من المحيض كيف تطلّق ؟ قال: تطلق بالشهور»(1).

و اذا كان في المراد من كلمة «الشهور» اجمال لعدم تشخص عدد الاشهر فيمكن من خلال مراجعة روايات عدة المرأة المسترابة(2) تحصيل الاطمئان بارادة ثلاثة أشهر.

علي انه ورد في مرسلة داود بن ابي يزيد العطار عن بعض أصحابنا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن المرأة يستراب بها و مثلها تحمل و مثلها لا تحمل و لا تحيض و قد واقعها زوجها كيف يطلقها اذا اراد طلاقها؟ قال: ليمسك عنها ثلاثة أشهر ثم يطلقها»(3) التصريح بذلك. و هي و ان كانت مرسلة الا ان ضمها الي تلك يوجب الاطمئنان بارادة ذلك.

هذا و يمكن ان يقال: ان كلمة «الشهور» جمع يصدق علي الثلاثة، و ارادة الاقل غير محتملة، و ارادة ما زاد تحتاج الي دليل، و مقتضي الاطلاق الاكتفاء بالثلاثة.

21 - و اما انه لا طلاق في عقد التمتع

فامر متسالم عليه. و استدل له في الحدائق بما دلّ علي حصول الفرقة بانتهاء المدة بلا حاجة إلي طلاق، كصحيح محمد بن اسماعيل عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام: «قلت له الرجل يتزوج المرأة متعة سنة أو أقل أو أكثر، قال: اذا كان شيئا

ص: 401


1- وسائل الشيعة 414:15 الباب 4 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 17.
2- وسائل الشيعة 410:15 الباب 4 من أبواب العدد.
3- وسائل الشيعة 335:15 الباب 40 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.

معلوما الي أجل معلوم قال: قلت: و تبين بغير طلاق ؟ قال: نعم»(1).

و فيه: ان هذا المضمون تكرر في الروايات الا انه لا ينفي امكان وجود سبب ثان لتحقق الفرقة - أثناء المدة - و هو الطلاق.

و من هنا قال في الجواهر: «لم يحضرني من النصوص ما يدل علي عدم وقوع الطلاق بالمتمتع بها. نعم فيها ما يدل علي حصوله بانقضاء المدة و بهبتها و لكن ذلك لا يقتضي عدم صحته عليها لا مكان تعدد الاسباب»(2).

هذا و بالامكان تحصيل بعض الروايات علي ذلك من قبيل رواية محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «المتعة ليست من الاربع لأنها لا تطلق و لا ترث و انما هي مستأجرة»(3) ، و رواية الحسن الصيقل عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت: رجل طلّق امرأته طلاقا لا تحل له حتي تنكح زوجا غيره فتزوجها رجل متعة أ تحل للأول ؟ قال: لا، لان اللّه يقول: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّي تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها (4) و المتعة ليس فيها طلاق»(5).

و هاتان الروايتان ان تمّ سندهما - و لم يناقش في الاولي بالقاسم بن عروة و في الثانية بالصيقل - كانتا هما المستند و الا انحصر المدرك بالتسالم.4.

ص: 402


1- وسائل الشيعة 478:14 الباب 25 من أبواب المتعة الحديث 1.
2- جواهر الكلام 28:32.
3- وسائل الشيعة 495:14 الباب 43 من أبواب المتعة الحديث 1.
4- البقرة: 230.
5- وسائل الشيعة 369:15 الباب 9 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4.
22 - و اما تحقق الفرقة بهبة ما تبقي من المدة

فأمر متسالم عليه.

و تدل عليه صحيحة علي بن رئاب: «كتبت اليه أسأله عن رجل تمتع بامرأة ثم وهب لها ايامها قبل ان يفضي اليها او وهب لها ايامها بعد ما افضي اليها هل له ان يرجع فيما وهب لها من ذلك ؟ فوقع عليه السّلام: لا يرجع»(1) و غيرها.

23 - و اما اعتبار الاشهاد في الطلاق

فهو من شعار الامامية. و قد تقدم في بداية البحث عن النكاح حوار الامام الكاظم عليه السّلام مع ابي يوسف القاضي فراجع.

و يدل علي ذلك قوله تعالي: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ ... * فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ (2).

و احتمال رجوع الامر بالاشهاد الي الامساك و الرجعة بعيد لتخلل الفاصل المانع من ذلك.

و الروايات في المسألة كثيرة كادت تبلغ حدّ التواتر، كصحيحة الفضلاء عن ابي جعفر و ابي عبد اللّه عليهما السّلام: «... و ان طلقها في استقبال عدتها طاهرا من غير جماع و لم يشهد علي ذلك رجلين عدلين فليس طلاقه اياها بطلاق»(3) و غيرها.

ثم انه ورد في بعض الروايات ما يوهم بعدم اعتبار العدالة في الشاهدين، كما في صحيحة عبد اللّه بن المغيرة: «قلت لأبي الحسن

ص: 403


1- وسائل الشيعة 483:14 الباب 29 من أبواب المتعة الحديث 1.
2- الطلاق: 1-2.
3- وسائل الشيعة 282:15 الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3.

الرضا عليه السّلام: رجل طلّق امرأته و اشهد شاهدين ناصبيين، قال: كل من ولد علي الفطرة و عرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته»(1) و علي منوالها صحيحة البزنطي(2).

و هما ان أمكن توجيههما - بدلالتهما علي سعة معني العدالة لما يشمل حسن الظاهر و المعروفية بالصلاح - و الا يلزم طرحهما لمخالفتهما لصريح القرآن الكريم.

24 - و اما عدم اعتبار تشخيص المطلقة بنحو تصح الشهادة

عليها

فهو المشهور. و خالف في ذلك صاحب المدارك قائلا: «... فما اشتهر بين أهل زماننا من الاكتفاء بمجرد سماع العدلين صيغة الطلاق و ان لم يعلما المطلق و المطلقة بوجه بعيد جدا بل الظاهر انه لا أصل له في المذهب، فان النص و الفتوي متطابقان علي اعتبار الاشهاد. و مجرد سماع صيغة لا يعرف قائلها لا يسمي اشهادا قطعا»(3).

و ما أفاده قابل للتأمل، فان اعتبار المعرفة التفصيلية لا دليل عليه بل الدليل علي عدمه، و هو اطلاق أدلة اعتبار الشهادة.

و دعوي عدم صدق الاشهاد بدون المعرفة التفصيلية مدفوعة بان الاشهاد بمرتبته العالية و ان لم يكن صادقا و لكنه بمرتبة ما صادق، و هو كاف، لعدم الدليل علي اعتبار الاكثر.

و يظهر من صاحب الجواهر عدم اعتبار المعرفة الاجمالية أيضا،

ص: 404


1- وسائل الشيعة 290:18 الباب 41 من أبواب الشهادات الحديث 5.
2- وسائل الشيعة 282:15 الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3.
3- الحدائق الناضرة 247:25. و لصاحب المدارك شرح علي المختصر النافع من كتاب النكاح إلي آخر النذر باسم نهاية المرام في شرح مختصر شرايع الإسلام. و هو لم يطبع بعد.

فلو كان لشخص عدة زوجات و قال: زوجتي طالق قاصدا لمعينة لا يعرفها الشاهدان كفي ذلك تمسكا باطلاق الادلة(1).

هذا و يمكن أن يضاف الي التمسك بالاطلاق النصوص الخاصة، كصحيحة صفوان عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام: «سئل عن رجل طهرت امرأته من حيضها فقال: فلانة طالق و قوم يسمعون كلامه و لم يقل لهم اشهدوا أيقع الطلاق عليها؟ قال: نعم هذه شهادة»(2) ، و صحيحة ابي بصير: «سألت ابا جعفر عليه السّلام عن رجل تزوج أربع نسوة في عقدة واحدة أو قال في مجلس واحد و مهورهن مختلفة قال: جائز له و لهن. قلت:

أ رأيت ان هو خرج الي بعض البلدان فطلّق واحدة من الأربع و اشهد علي طلاقها قوما من أهل تلك البلاد و هم لا يعرفون المرأة ثم تزوج امرأة من أهل تلك البلاد بعد انقضاء عدة المطلقة ثم مات بعد ما دخل بها كيف يقسّم ميراثه ؟ قال: ان كان له ولد...»(3) و غيرهما.

و مما يؤكد عدم اعتبار المعرفة التفصيلية سيرة المتشرعة. قال صاحب الحدائق معلقا علي مختار صاحب المدارك: «ما ذكرنا من الاكتفاء بالمعرفة الاجمالية هو الذي جري عليه مشايخنا الذين عاصرناهم و حضرنا مجالس طلاقهم كما حكاه هو أيضا عما اشتهر في زمانه. و اما ما ادّعاه رحمه اللّه فلم أقف له علي موافق»(4).

25 - و اما ان صيغة الطلاق ما تقدم

فلصحيحة محمد بن مسلم

ص: 405


1- جواهر الكلام 106:32.
2- وسائل الشيعة 302:15 الباب 21 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 303:15 الباب 23 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
4- الحدائق الناضرة 251:25.

حيث «سأل أبا جعفر عليه السّلام عن رجل قال لامرأته: انت عليّ حرام أو بائنة أو بتة أو برية أو خلية قال: هذا كله ليس بشيء انما الطلاق ان يقول لها في قبل العدة بعد ما تطهر من حيضها قبل ان يجامعها: أنت طالق أو اعتدي يريد بذلك الطلاق و يشهد علي ذلك رجلين عدلين»(1) و غيرها.

و المذكور فيها جملة: «انت طالق» و لكنه يتعدّي إلي غيرها مما اشتمل علي كلمة «طالق» من جهة انه في الطلاق لا يلزم ان يواجه الزوج به زوجته و يخاطبها به بل يجوز ايقاعه عند غيبتها التي لا يتأتي معها الخطاب بضمير «أنت».

و هل يتحقق الطلاق بجملة «اعتدي»؟ المناسب ذلك - لو لم يثبت تسالم علي الخلاف - تمسكا بالصحيحة المذكورة و غيرها. و نسب القول بذلك إلي ابن الجنيد(2).

الا انه اذا ثبت تسالم الاصحاب علي عدم القول بذلك فالمتعين الاقتصار علي الصيغة المتقدمة و لا أقل من كون ذلك هو مقتضي الاحتياط اللازم.

26 - و اما إجزاء الترجمة عند تعذر النطق بالعربية

فلان الطلاق لم يشرّع لخصوص العرب.

و هل يلزم توكيل العربي ان أمكن ؟ المناسب هو العدم لعدم الدليل علي ذلك. أجل الاحتياط بالتوكيل أمر لا ينبغي تركه.

ص: 406


1- وسائل الشيعة 295:15 الباب 16 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3.
2- الحدائق الناضرة 199:25.

3 - أقسام الطلاق

اشارة

ينقسم الطلاق إلي القسمين التاليين:

الأول: بدعي. و هو ما كان فاقدا للشرائط المتقدمة. و حكمه البطلان.

و يلحق بالقسم المذكور الطلاق ثلاثا من دون تخلل رجعة في البين - بان يقول المطلق: انت طالق ثلاثا أو يقول: انت طالق انت طالق انت طالق قاصدا بذلك تعدد الطلاق - الا انه لا يبطل رأسا بل تقع لدي المشهور طلقة واحدة دون ما زاد.

الثاني: سني. و هو الطلاق الجامع للشرائط المتقدمة، و هو علي نحوين:

1 - بائن. و هو ما لا يحق للزوج الرجوع فيه الي المطلقة سواء كان لها عدة أم لا، و مصاديقه ستة:

أ - طلاق الصغيرة التي لم تبلغ سن المحيض حتي مع فرض الدخول بها عمدا أو اشتباها.

ب - طلاق اليائس.

ج - الطلاق قبل الدخول.

و المرأة في هذه الانحاء الثلاثة للطلاق ليست لها عدة.

د - المطلقة بالطلاق الثالث المسبوق بطلاقين قد تعقبتهما عودة برجوع أو عقد جديد فانها تحرم علي زوجها حتي ينكحها رجل آخر و يفارقها بموت أو طلاق. فيجوز آنذاك للأول العقد عليها بعد انتهاء العدة.

ه - طلاق الخلع و المباراة مع عدم رجوع الزوجة فيما بذلت.

و - طلاق الحاكم الشرعي لزوجة الممتنع من الانفاق و الطلاق.

ص: 407

2 - رجعي. و هو ما يحق للزوج الرجوع فيه في العدة سواء رجع بالفعل أم لا، و مصداقه كل ما عدا الأفراد الستة المتقدمة.

ثم ان الرجعي ينقسم بدوره إلي عدي و غيره.

و يراد من العدي ان يطلّق الزوج زوجته علي الشرائط ثم يراجع قبل الخروج من العدة و يواقع ثم يطلقها في غير طهر المواقعة ثم يراجعها و يواقعها ثم يطلقها في طهر آخر. و بذلك تحرم عليه حتي تنكح زوجا غيره، فاذا طلقها او مات جاز للأول الزواج بها بعد انتهاء العدة.

هذا هو الطلاق العدي. و اذا تكرر حرمت في السادس أيضا حتي تنكح آخر بالشكل المتقدم، و في التاسع تحرم مؤبدا.

و الطلاق العدي بالمعني المذكور متقوم بأمرين:

أولهما: تخلل رجعتين. و لا يكفي وقوع عقدين جديدين أو عقد و رجعة.

ثانيهما: تحقق المواقعة بعد كل رجعة.

فطلاق العدة علي هذا مركب من ثلاث طلقات: ثنتان منها رجعية و واحدة - و هي الثالثة - بائنة.

و لا خلاف في تحقق الحرمة المؤبدة بالطلاق التاسع في الطلاق العدي بالتفسير المذكور. كما لا خلاف - من غير ابن بكير - في تحقق الحرمة في كل طلاق ثالث بأي شكل اتفق. و انما الخلاف في تحقق الحرمة المؤبدة في الطلاق التاسع فيما اذا لم يكن عديا بالمعني المتقدم و المشهور صار الي العدم.

ثم ان الطلاق السني له ثلاثة اطلاقات:

أ - سني بالمعني الأعم. و هو كل طلاق جامع للشرائط مقابل الطلاق البدعي الفاقد لبعضها. و هذا الاطلاق هو ما تقدمت الاشارة إليه.

ص: 408

ب - سني مقابل العدي. و هو ما تتحقق به الرجعة في العدة من دون مواقعة.

ج - سني بالمعني الأخص. و هو ما لا تتحقق فيه الرجعة في العدة بل تنقضي ثم يتزوجها الزوج بعقد جديد.

و المستند في ذلك:

1 - اما التقسيم الي البدعي و السني

فهو - كما تقدم - باعتبار الواجدية للشرائط المتقدمة و عدمها، فما كان فاقدا لها هو بدعي نسبة إلي البدعة بمعني المحرم، أي غير المشروع، و ما كان واجدا لها هو سني نسبة الي السنة بمعني المشروع.

و المعروف في كلمات بعض الاصحاب - كالمحقق و غيره - اصطلاح البدعي علي أقسام ثلاثة من الطلاق غير المشروع - و ليس علي جميع مصاديقه و ان كانت كلها باطلة - هي: طلاق الحائض و النفساء في غير موارد الاستثناء، و الطلاق في طهر المقاربة، و طلاق الثلاث من غير تخلل رجعة(1).

و الأمر سهل بعد عدم المشاحة في الاصطلاح.

2 - و اما ان البدعي باطل

فلان المشروط عدم عند عدم شرطه.

هذا في مذهبنا. و اما الجمهور فقد اتفقت كلمتهم علي الصحة مع الاثم(2).

ص: 409


1- شرايع الإسلام 558:3 انتشارات استقلال.
2- قال الجزيري: «اذا طلّق الزوج امرأته طلاقا بدعيا فانه تسن له رجعتها... و يحسب عليه الطلاق البدعي سواء كان واحدا أو أكثر باتفاق الائمة الاربعة. و خالفهم بعض الشواذ الذين لا يعوّل علي آرائهم. راجع الفقه علي المذاهب الأربعة 274:4 مبحث ما يترتب علي الطلاق البدعي من الاحكام.

هذا كله في غير الطلاق ثلاثا بلا تخلل رجعة، و اما هو فيقع واحدا عندنا كما سيتضح وجهه.

3 - و اما الطلاق ثلاثا بدون تخلل رجعة

فقد اتفقت كلمة أصحابنا علي بطلانه، بمعني عدم وقوعه ثلاثا خلافا للجمهور(1). و اتفقت أيضا علي وقوعه واحدا في حالة الولاء، أي تكرار جملة «انت طالق» ثلاث مرات، و اختلفت في حالة الارسال و عدم التكرار، بان قيل: «انت طالق ثلاثا».

و لو لا حظنا مقتضي القاعدة فالمناسب هو التفصيل، ففي حالة الولاء يقع واحدا لان جملة «انت طالق» الاولي تقتضي تحقق الطلاق

ص: 410


1- قال الجزيري: «يملك الرجل الحرّ ثلاث طلقات و لو كان زوجا لأمة و يملك العبد طلقتين و لو كان زوجا لحرة، فاذا طلّق الرجل زوجته ثلاثا دفعة واحدة، بان قال لها: انت طالق ثلاثا لزمه ما نطق به من العدد في المذاهب الاربعة. و هو رأي الجمهور. و خالفهم في ذلك بعض المجتهدين، كطاوس و عكرمة و ابن اسحاق، و علي رأسهم ابن عباس رضي اللّه عنهم، فقالوا: انه يقع به واحدة لا ثلاث، و دليل ذلك ما رواه مسلم عن ابن عباس قال: كان الطلاق علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و ابي بكر و سنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر: الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه اناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم» الفقه علي المذاهب الأربعة 303:4 مبحث تعدد الطلاق. هذا و قد جاءت روايات أهل البيت عليهم السّلام ترد بشدة علي الطلاق ثلاثا و انه لا يقع الا واحدة أو ليس بشيء و انه مخالف لكتاب اللّه عزّ و جلّ . نعم هو مخالف لكتاب اللّه الناطق بان اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ البقرة: 229. ان تعريف الطلاق بالألف و اللام يدل علي ان الطلاق المشروع هو المرتان لا غير، و واضح ان عنوان المرتين لا يصدق الا مع التفرقة بين الطلاقين.

و تشملها العمومات الدالة علي تحقق الطلاق بصيغة «انت طالق»(1).

و مجرد تكرارها ثانية و ثالثة لا يمنع من صحتها و وقوع الطلاق الواحد.

و اما في حالة الارسال فمع قصد ايقاع الطلاق بجملة «انت طالق» ثم اعتبار كونه ثلاثا عند التلفظ بلفظ «ثلاثا» فالمناسب وقوع واحد لما تقدم، و مع قصد ايقاع الثلاث بمجموع الجملة لا بخصوص قيد «ثلاثا» فالمناسب البطلان رأسا لان ما قصد لا يمكن ان يقع و ما يمكن ان يقع لم يقصد.

هذا بمقتضي القاعدة.

و لو رجعنا الي الروايات وجدناها علي طائفتين:

الاولي: ما دلت علي وقوع طلاق واحد من دون تفصيل بين حالة الولاء و حالة الارسال. و هي متعددة، كصحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام:

«سألته عن رجل طلّق امرأته ثلاثا في مجلس واحد و هي طاهر قال: هي واحدة»(2) ، و صحيحة الاسدي و الحلبي و ابن حنظلة جميعا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الطلاق ثلاثا في غير عدة(3) ان كانت علي طهر فواحدة و ان لم تكن علي طهر فليس بشيء»(4).

الثانية: ما دلت علي البطلان رأسا، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «من طلّق ثلاثا في مجلس فليس بشيء. من خالف كتاب اللّه1.

ص: 411


1- كصحيحة محمد بن مسلم المشار اليها في الرقم 25 من مبحث شرائط صحة الطلاق.
2- وسائل الشيعة 311:15 الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2.
3- يراد من الطلاق في غير عدة الطلاق الذي لا يتعقبه رجوع في العدة.
4- وسائل الشيعة 311:15 الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.

عز و جل ردّ الي كتاب اللّه عز و جل و ذكر طلاق ابن عمر»(1) و غيرها.

و قد جمع في الحدائق بحمل الاولي علي حالة الولاء و الثانية علي حالة الارسال مستندا في ذلك الي ان روايات الطائفة الاولي قد اشتملت علي تعبير «الطلاق ثلاثا»، و هو لا يصدق الا مع تكرار جملة «انت طالق» ثلاثا نظير ما لو قيل: سبّح اللّه عشرا فانه لا يصدق علي قول: «سبحان اللّه عشرا»(2).

و فيه: ان التعبير ب «طلّق ثلاثا في مجلس واحد» وارد في كلتا الطائفتين لا في خصوص الاولي.

و لعل الانسب حمل الطائفة الثانية علي نفي وقوعه ثلاثا لان النفي في جملة «فليس بشيء» مطلق فيقيد بالثلاث بقرينة الطائفة الاولي.

هكذا يقال أو يقال بحمل الطائفة الثانية علي من طلّق ثلاثا في حالة عدم الطهر بقرينة صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «من طلّق امرأته ثلاثا في مجلس و هي حائض فليس بشيء. و قد ردّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله طلاق ابن عمر اذ طلق امرأته ثلاثا و هي حائض فأبطل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ذلك الطلاق و قال: كل شيء خالف كتاب اللّه و السنة ردّ الي كتاب اللّه»(3) ، فان صحيحة ابي بصير بقرينة استشهادها بطلاق ابن عمر واضحة في النظر الي حالة الطلاق بدون طهر.

و علي كلا التوجيهين تبقي الطائفة الاولي بلا معارض فيتمسك باطلاقها لإثبات تحقق طلقة واحدة عند الطلاق ثلاثا سواء كان بنحو9.

ص: 412


1- وسائل الشيعة 313:15 الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 8.
2- الحدائق الناضرة 239:25.
3- وسائل الشيعة 313:15 الباب 29 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 9.

الولاء أم بنحو الارسال.

اللهمّ الا ان يقال بعدم صدق عنوان الطلاق ثلاثا في حالة الارسال - كما هو ليس ببعيد - فينحصر نظر الطائفة الاولي بحالة الولاء و يلزمنا في حالة الارسال الرجوع الي مقتضي القاعدة بالبيان المتقدم.

4 - و اما ان طلاق الصغيرة و اليائس و غير المدخول بها بائن

فباعتبار انه لا عدة لها، و معه فلا يتمكن المطلّق من الرجوع اليها. و يأتي ان شاء اللّه تعالي في مبحث أحكام العدة الوجه في عدم وجوب العدة علي الثلاث المذكورة.

5 - و اما ان المطلقة بالطلاق الثالث تحرم علي زوجها حتي

ينكحها آخر

فهو من ضرورات الفقه بل الدين. و يدل عليه قوله تعالي:

اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ... * فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّي تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ (1). و هي باطلاقها تشمل حالة العودة بعد كل طلقة بالرجوع أو بعقد جديد.

و الروايات في المسألة كثيرة، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «المطلقة التطليقة الثالثة لا تحل له حتي تنكح زوجا غيره و يذوق عسيلتها»(2) و غيرها. و هي مطلقة كالآية الكريمة.

6 - و اما تعميم مفارقة المحلل لما اذا كانت بالموت

- بالرغم من

ص: 413


1- البقرة: 229-230.
2- وسائل الشيعة 353:15 الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 10. و العسيلة: الجماع أو اللذة، فان العرب تسمي كل شيء تستلذه عسلا.

التقييد في الآية الكريمة بالطلاق - باعتبار ان المفهوم من الروايات ان المهم في حصول التحليل ذوق المحلل لعسيلة المطلقة دون تطليقه لها بعنوانه. هذا مضافا الي التصريح بالتعميم في موثقة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «... فاذا طلقها ثلاثا لم تحل له حتي تنكح زوجا غيره فاذا تزوجها غيره و لم يدخل بها و طلقها او مات عنها لم تحل لزوجها الاول حتي يذوق الآخر عسيلتها»(1) و غيرها.

7 - و اما ان الطلاق في الخلع و المباراة بائن ما دام لم ترجع

الزوجة في البذل

فمما لا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الخلع و المباراة تطليقة بائن و هو خاطب من الخطاب»(2).

و اما التقييد بعدم رجوع الزوجة في البذل فلانه مع رجوعها يحق للزوج الرجوع أيضا، و هو مما لا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة البقباق عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «المختلعة ان رجعت في شيء من الصلح يقول لا رجعن في بضعك»(3).

8 - و اما ان طلاق الممتنع من الانفاق و الطلاق بائن

فلان النصوص و ان لم تدل علي ذلك بل دلت علي ثبوت الولاية في الطلاق، كما في صحيحة ابي بصير: «سمعت ابا جعفر عليه السّلام يقول: من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها و يطعم ما يقيم صلبها كان

ص: 414


1- وسائل الشيعة 366:15 الباب 7 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 417:15 الباب 8 من أبواب العدد الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 499:15 الباب 7 من أبواب الخلع و المباراة الحديث 3.

حقا علي الامام ان يفرّق بينهما»(1) و غيرها، الا انه لا بدّ من كونه بائنا و الا يلزم نقض الغرض و عدم الفائدة في طلاق الحاكم.

9 - و اما ان الطلاق الرجعي هو ما جاز للزوج الرجوع فيه سواء

رجع بالفعل أم لا

فهو من واضحات الفقه، و يدل عليه قوله تعالي:

وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ (2) .

10 - و اما تفسير الطلاق العدي بما ذكر

فهو متسالم عليه. و تدل عليه صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «... و اما طلاق العدة الذي قال اللّه عز و جل: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ (3) فاذا اراد الرجل منكم ان يطلق امرأته طلاق العدة فلينتظر بها حتي تحيض و تخرج من حيضها ثم يطلقها تطليقة من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين و يراجعها من يومه ذلك ان احبّ او بعد ذلك بأيام قبل ان تحيض و يشهد علي رجعتها و يواقعها حتي تحيض، فاذا حاضت و خرجت من حيضها طلّقها تطليقة اخري من غير جماع يشهد علي ذلك ثم يراجعها أيضا متي شاء قبل ان تحيض و يشهد علي رجعتها و يواقعها و تكون معه الي ان تحيض الحيضة الثالثة فاذا خرجت من حيضتها الثالثة طلقها التطليقة الثالثة بغير جماع و يشهد علي ذلك فاذا فعل ذلك فقد

ص: 415


1- وسائل الشيعة 223:15 الباب 1 من أبواب النفقات الحديث 2.
2- البقرة: 228.
3- الطلاق: 1.

بانت منه و لا تحل له حتي تنكح زوجا غيره»(1) و غيرها.

و يستفاد من الصحيحة اضافة بعض القيود الاخري للطلاق العدي أكثر مما نقلناه في تفسير الفقهاء، من قبيل ان يكون الرجوع قبل ان تحيض الحيض الاول و لا يكفي الرجوع اثناء العدة متي ما تحقق.

ثم انه ذكر الشهيد الثاني في الروضة ان اطلاق الطلاق العدي علي مجموع الطلقات الثلاث المتقدمة يشتمل علي المسامحة، فان الطلاق العدي هو الاول و الثاني دون الثالث، فانه ليس عديّا حيث لا يمكن الرجوع فيه(2).

و الامر سهل بعد عدم المشاحة في الاصطلاح فيمكن افتراض وضع مصطلح الطلاق العدي للطلقات الثلاث بالشكل المتقدم.

11 - و اما الحرمة المؤبدة بالطلاق التاسع العدي

فمتسالم عليها.

و تدل علي ذلك رواية زرارة و داود بن سرحان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«... و الذي يطلق الطلاق الذي لا تحل له حتي تنكح زوجا غيره ثلاث مرات و تزوج ثلاث مرات لا تحل له ابدا»(3) و غيرها.

و ليس في السند من يتأمل فيه سوي المثني - فانه مشترك بين جماعة لم تثبت وثاقة بعضهم - و الامر فيه سهل بعد رواية البزنطي عنه بناء علي تمامية كبري وثاقة كل من روي عنه أحد الثلاثة.

هذا من حيث السند.

و اما الدلالة فالقدر المتيقن منها هو الطلاق العدي.

ص: 416


1- وسائل الشيعة 348:15 الباب 2 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
2- الروضة البهية 131:2.
3- وسائل الشيعة 358:15 الباب 4 من أقسام الطلاق الحديث 4.
12 - و اما الحرمة في كل طلاق ثالث - بأي شكل اتفق - حتي تنكح

زوجا آخر

فلم ينسب الخلاف فيها الا الي عبد اللّه بن بكير الذي هو من الفطحية. و يدل علي ذلك الكتاب الكريم و الروايات المتقدمة في الرقم 5.

و المنسوب الي ابن بكير(1) ان المطلقة بالطلاق الثالث لا تحرم علي زوجها بل اذا انتهت عدة الطلاق الثالث جاز لزوجها العقد عليها بلا توقف علي نكاح شخص آخر فيما اذا لم يكن الطلاق عديا، و اما العدي فلا خلاف فيه حتي منه.

و مستنده في ذلك غير واضح فتارة يستند الي رواية رفاعة و اخري الي ان ذلك امر رزقه اللّه اياه.

روي الشيخ الكليني عن حميد بن زياد عن ابن سماعة عن محمد بن زياد و صفوان عن رفاعة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن رجل طلّق امرأته حتي بانت منه و انقضت عدتها ثم تزوجت زوجا آخر فطلقها أيضا ثم تزوجت زوجها الاول أ يهدم ذلك الطلاق الاول ؟ قال: نعم. قال ابن سماعة: و كان ابن بكير يقول: المطلقة اذا طلقها زوجها ثم تركها حتي تبين ثم تزوجها فانما هي علي طلاق مستأنف. قال: و ذكر الحسين بن هاشم انه سأل ابن بكير عنها فأجابه بهذا الجواب فقال:

سمعت في هذا شيئا؟ قال: رواية رفاعة. قال: ان رفاعة روي اذا دخل بينهما زوج فقال: زوج و غير زوج عندي سواء. فقلت: سمعت في هذا شيئا؟ قال: لا، هذا مما رزق اللّه من الرأي. قال ابن سماعة: و ليس نأخذ

ص: 417


1- و لربما يظهر ذلك من الشيخ الصدوق أيضا في كتاب من لا يحضره الفقيه 320:3. و الرأي المذكور لابن بكير قد أشارت اليه الرواية الآتية و نقل في جواهر الكلام 129:32 و الروضة البهية 131:2 و غيرهما.

بقول ابن بكير، فان الرواية اذا كان بينهما زوج»(1).

و مناقشة رأي ابن بكير واضحة، فان مقتضي اطلاق الآية الكريمة و الرواية المتقدمتين في الرقم 5 عدم الفرق بين الطلاق العدي و غيره في تحقق الحرمة بالطلاق الثالث حتي تنكح زوجا غيره. و لا مقيد للإطلاق المذكور سوي صحيحة رفاعة، و لكنها خاصة بما اذا تزوج رجل آخر بالمطلقة بعد الطلاق، و محل الكلام فيما اذا لم يتخلل الزواج بآخر بين الطلقات.

13 - و اما الحرمة المؤبدة في الطلاق التاسع اذا لم يكن عديّا

فالمشهور عدمها.

و المناسب عدم الفرق بين العدي و غيره، ففي كليهما تثبت الحرمة المؤبدة في الطلاق التاسع لإطلاق رواية زرارة و داود بن سرحان المتقدمة في الرقم 11. و لا وجه لتخصيصها بالطلاق العدي الا اذا تمّ اجماع تعبدي علي ذلك.

قال في الجواهر - بعد ذكر رواية زرارة و داود و غيرها من الروايات الاخري - ما نصه: «الا ان الجميع كما تري لا صراحة فيه في اشتراط التحريم بالتسع في الطلاق العدي علي الوجه المزبور بل ظاهره الاطلاق. فالعمدة حينئذ الاجماع»(2).

و المناسب تحفظا من مخالفة المشهور و الاجماع المدعي التنزل من الفتوي بالتعميم الي الاحتياط .

14 - و اما الاطلاقات الثلاثة للطلاق السني

فالوجه فيها:

ص: 418


1- وسائل الشيعة 353:15 الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 11.
2- جواهر الكلام 122:32.

اما بالنسبة الي الاطلاق الاول فواضح لان كل طلاق جمع الشرائط فهو سني، بمعني انه مشروع.

و اما بالنسبة الي الاطلاق الثاني فلان ظاهر صحيحة زرارة المتقدمة في الرقم 10 اختصاص الطلاق العدي بما تحقق فيه الرجوع بعد الطلاق و المواقعة، و معه فالطلاق الذي يتحقق الرجوع بعده بلا مواقعة هو سني بالمعني المقابل للعدي.

و اما بالنسبة الي الاطلاق الثالث فلصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «طلاق السنة يطلقها تطليقة يعني علي طهر من غير جماع بشهادة شاهدين ثم يدعها حتي تمضي اقراؤها فاذا مضت اقراؤها فقد بانت منه و هو خاطب من الخطّاب ان شاءت نكحته و ان شاءت فلا...»(1).

4 - أحكام العدة

اشارة

تجب العدة - بمعني وجوب التربص علي المرأة فترة معينة بترك الزواج فيها اما مع ثبوت الحق لزوجها في الرجوع اليها أو بدونه - علي:

1 - المطلقة فيما اذا كانت مدخولا بها و لم تكن صغيرة و لا يائسا و الا فلا عدة عليها. و مقدارها ثلاثة قروء، أي ثلاثة اطهار.

و يكفي في الطهر الاول مسماه فاذا طلقت و قد بقيت من طهرها فترة قليلة ثم مرّ بها طهران تامان آخران فبمجرد رؤية دم الحيضة الثالثة

ص: 419


1- وسائل الشيعة 344:15 الباب 1 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.

تخرج من العدة.

هذا في غير المسترابة. و اما هي - بان كانت لا تحيض و هي في سن من تحيض - فعدتها ثلاثة أشهر.

كما ان هذا كله في غير الحامل. و اما الحامل فتنتهي عدتها بوضع الحمل.

2 - المتوفي عنها زوجها. و مقدارها أربعة أشهر و عشرة أيام. من دون فرق بين حالات الزوج من كونه كبيرا أو صغيرا. و من دون فرق بين حالات الزوجة من كونها صغيرة أو كبيرة، يائسا او لا، مدخولا بها او لا، دائمة أو متمتعا بها.

هذا في غير الحامل.

و اما الحامل فعدتها أبعد الأجلين من المدة المذكورة و وضع الحمل.

و يلزم علي الزوجة اذا كانت كبيرة عاقلة الحداد خلال عدة الوفاة، و ذلك بترك كل ما يعدّ زينة بحسب العرف الاجتماعي الذي تعيشه، فيلزم ترك التزين بالكحل و الطيب و الخضاب و الحمرة و الملابس التي تعدّ زينة عرفا و ما شاكل ذلك.

و يجوز مثل تنظيف البدن و تمشيط الشعر و ما شاكل ذلك مما لا يعدّ زينة.

3 - الموطوءة شبهة. و عدتها عدة المطلقة.

4 - المفسوخ عقدها بعد الدخول بفسخ لعيب و نحوه او بانفساخ لارتداد أو رضاع و نحوهما. و عدتها كعدة المطلقة.

أجل اذا ارتدّ الزوج عن فطرة فالعدة عدة الوفاة.

5 - المتمتع بها. و عدتها حيضتان كاملتان بعد انتهاء الأجل أو هبة المقدار المتبقي.

ص: 420

هذا اذا لم تكن حاملا.

و اما الحامل فعدتها ان لم تكن من الوفاة تنتهي بوضع الحمل، و ان كانت منها فأبعد الاجلين من ذلك و من اربعة اشهر و عشرة ايام.

و المستند في ذلك:

1 - اما وجوب العدة في الجملة

فهو من واضحات الفقه بل من ضروريات الدين. و يدل عليه الكتاب الكريم في جملة من المواضع، كقوله تعالي: وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ (1) ، وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (2) ، وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً (3) ،... ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها (4).

و اما الروايات فهي فوق حدّ الاحصاء. و سيوافيك بعضها فيما يلي من أبحاث إن شاء اللّه تعالي.

2 - و اما تفسير العدة بما تقدم

فهو من واضحات الفقه. و تدل عليه الآيات الكريمة السابقة.

3 - و اما وجوب العدة علي المطلقة

فقد اتضح مما سبق. و اما عدم

ص: 421


1- البقرة: 228.
2- الطلاق: 4.
3- البقرة: 234.
4- الأحزاب: 49.

وجوب العدة علي غير المدخول بها فهو مما لا كلام فيه. و يدل عليه قوله تعالي:... ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها ، و الروايات الشريفة، كصحيحة أبي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها تطليقة واحدة فقد بانت منه و تزوج من ساعتها ان شاءت»(1) و غيرها.

4 - و اما الصغيرة و اليائس

فالمشهور بين الاصحاب عدم ثبوت العدة عليهما. و خالف في ذلك السيد المرتضي فأثبتها عليهما(2).

و منشأ الخلاف في ذلك أمران: الآية الكريمة و الروايات.

اما الآية الكريمة: وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ ... (3) فقد استدل بها السيد المرتضي علي مدعاه بتقريب انها تدل بوضوح علي ثبوت العدة ثلاثة أشهر للآيسات و اللائي لم يحضن. و لا يوجد ما يحول دون الاخذ بذلك سوي الشرط - إِنِ ارْتَبْتُمْ - فانه لا يتلاءم مع افتراض عدم بلوغ سن الحيض او تجاوزه و لكنه يمكن تفسيره بالجهل، اي ان عدتهن ثلاثة أشهر ان كنتم جاهلين و غير عالمين بمقدارها.

و يؤيده ما ورد في شأن النزول من ان البعض سأل النبي صلّي اللّه عليه و آله عن السبب في عدم ذكر عدد بعض النساء - كالكبار و الصغار و اولات الاحمال - في القرآن الكريم فنزلت الآية الكريمة.

هذا هو المقصود من الارتياب. و ليس المقصود الارتياب في انها

ص: 422


1- وسائل الشيعة 404:15 الباب 1 من أبواب العدد الحديث 3.
2- الحدائق الناضرة 431:25.
3- الطلاق: 4.

يائس أو لا، اذ فرض في الآية الكريمة اليأس من الحيض، و مع الارتياب بالمعني المذكور لا يأس.

هذا توضيح ما أفاده قدّس سرّه(1).

و اما الروايات فهي علي طائفتين، فهناك مجموعة تبلغ أربعا أو أكثر دلت علي عدم ثبوت العدة لليائس و الصغيرة، كصحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن التي قد يئست من المحيض و التي لا يحيض مثلها، قال: ليس عليها عدة»(2) و غيرها.

و هناك مجموعة تقرب من مقدار الطائفة الاولي دلت علي ثبوت العدة عليهما و انها ثلاثة اشهر، كصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«عدة المرأة التي لا تحيض و المستحاضة التي لا تطهر و الجارية التي قد يئست و لم تدرك الحيض ثلاثة أشهر...»(3).

و هذا الاختلاف بين الروايات هو سبب آخر لعدم وضوح حكم المسألة.

و السيد المرتضي لم يعر أهمية للأخبار المذكورة. و لعل ذلك نشأ من مبناه في مسألة حجية الخبر.

و اما رأي المشهور ففي مقام الدفاع عنه يمكن أن يقال:

اما بالنسبة إلي الآية الكريمة فالمناسب لو كان المقصود ما ذكره السيد المرتضي في تفسير معني الارتياب التعبير بالجهل دون الارتياب. علي ان جميع الاحكام واردة في حالة الجهل بها فلا وجه8.

ص: 423


1- الحدائق الناضرة 433:25.
2- وسائل الشيعة 404:15 الباب 1 من أبواب العدد الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 408:15 الباب 2 من أبواب العدد الحديث 8.

لتقييد خصوص الحكم المذكور بذلك.

و عليه يتعين ان يكون المقصود: ان ارتبتم في تحقق اليأس لهن واقعا و عدمه فعدتهن... و لازم ذلك انه مع عدم الارتياب - بان كان يجزم باليأس - فلا عدة عليهن لا بالاقراء و لا بالاشهر اذ لا يحتمل ثبوت العدة عليهن بشكل آخر.

و التعبير عنهن ب اَللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ وجيه بعد افتراض انهن اشرفن علي سن اليأس و احتمل ذلك في حقهن.

و اما قوله: وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ فليس من البعيد أن يكون المراد منه: و اللائي لم يحضن ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة اشهر. و الارتياب لا يتصور في حق التي لم تحض الا اذا فرض انها في سن من تحيض و لم تحض.

و عليه فالآية الكريمة أجنبية عن الصغيرة التي هي ليست في سن من تحيض.

يبقي انه لو كان المقصود من الارتياب هذا المعني فالمناسب ان يعبر: ان ارتبن لا إِنِ ارْتَبْتُمْ .

و الجواب: ان التعبير المذكور وجيه بعد ان كان ارتياب الرجال يؤثر علي موقفهم، حيث لا يجوز لهم آنذاك الزواج بهن اثناء الاشهر الثلاثة و يجوز لأزواجهن الرجوع إليهن.

و اما بالنسبة الي الروايات فاذا أمكن الجمع بحمل الثانية علي الاستحباب بقرينة الاولي فلا اشكال.

و اذا لم يمكن ذلك لعدم عرفية الجمع المذكور يلزم ترجيح الاولي

ص: 424

لموافقة الثانية للتقية(1).

و مع التنزل يلزم التعارض و التساقط . و من ثمّ لا يبقي دليل علي لزوم العدة علي اليائس و الصغيرة و يكون المرجع هو اطلاقات جواز النكاح. و علي جميع التقادير الثلاثة تعود النتيجة واحدة.

5 - و اما ان العدة ثلاثة قروء

فلصريح الآية الكريمة: وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ... (2).

و اما ان القرء هو بمعني الطهر دون الحيض فالروايات فيه متعارضة، فهناك مجموعة دلت علي انه بمعني الطهر و مجموعة اخري علي انه بمعني الحيض.

مثال الاولي: صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «الاقراء هي الاطهار»(3). و في صحيحته الاخري: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: سمعت ربيعة الرأي يقول: من رأيي ان الاقراء التي سمي اللّه عز و جل في القرآن انما هو الطهر فيما بين الحيضتين فقال: كذب، لم يقل برأيه و لكنه انما بلغه عن علي عليه السّلام. فقلت: كان علي عليه السّلام يقول ذلك ؟ فقال: نعم، انما القرء الطهر الذي يقرؤ فيه الدم فيجمعه فاذا جاء المحيض دفعه»(4) و غيرهما.

و مثال الثانية: صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «عدة التي

ص: 425


1- نقل الجزيري في كتاب الفقه علي المذاهب الأربعة 482:4 ان الحنفية قالوا بثبوت العدة علي الصغيرة. و هكذا المالكية و الشافعية قالت بثبوت العدة عليها لو كانت تطيق الوط ء.
2- البقرة: 228.
3- وسائل الشيعة 424:15 الباب 4 من أبواب العدد الحديث 3.
4- وسائل الشيعة 224:15 الباب 14 من أبواب العدد الحديث 4.

تحيض و يستقيم حيضها ثلاثة قروء، و هي ثلاث حيض»(1).

و التعارض بين الطائفتين مستقر.

و يمكن ترجيح الاولي اما لأنها مخالفة للتقية - حسب دعوي الشيخ الطوسي(2) او لموافقتها للكتاب الكريم اما ببيان ان القرء عبارة عن الجمع، و جمع الدم و حبسه يتحقق في حالة الطهر - كما تشير إلي ذلك صحيحة زرارة المتقدمة - فيكون القرء متحققا حالة الطهر أو ببيان ان ظاهر الآية الكريمة ان مدة التربص التي هي ثلاثة قروء تبتدئ من حين الطلاق، و ذلك لا يتم الا بتفسير القرء بالطهر.

6 - و اما انه يكفي في الطهر الاول مسماه

، و من ثمّ يكفي في انتهاء العدة مجرد رؤية دم الحيضة الثالثة فتدل عليه الروايات الكثيرة، كصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «قلت له: اصلحك اللّه رجل طلق امرأته علي طهر من غير جماع بشهادة عدلين فقال: اذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها و حلت للأزواج. قلت له: اصلحك اللّه ان اهل العراق يروون عن علي عليه السّلام انه قال: هو احق برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة فقال: فقد كذبوا»(3) و غيرها، فان مقتضي اطلاق قوله عليه السّلام: «اذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها» انه برؤية الدم الثالث تنتهي العدة سواء كان الطلاق قد وقع في بداية الطهر الاول أو قبيل نهايته بلحظة.

و بناء علي هذا فأقل زمان يمكن تحقق العدة فيه ستة و عشرون

ص: 426


1- وسائل الشيعة 425:15 الباب 14 من أبواب العدد الحديث 7.
2- نقل ذلك الحر العاملي في وسائله 225:15 من أبواب العدد الباب 14 في ذيل الحديث 7.
3- وسائل الشيعة 426:15 الباب 15 من أبواب العدد الحديث 1.

يوما و لحظتان، بان يفترض ان طهرها الاول لحظة ثم تحيض ثلاثة ايام ثم تري أقلّ الطهر عشرة ايام ثم تحيض ثلاثة ايام ثم تري أقلّ الطهر عشرة ايام ثم تحيض. و بمجرد رؤية هذا الدم الاخير لحظة من اوله تنقضي العدة. و طبيعي ان هذه اللحظة الاخيرة خارجة عن العدة و دورها دور الكاشف عن تمامية الطهر الثالث.

7 - و اما ان عدة المسترابة ثلاثة اشهر

فيدل عليه قوله تعالي:

وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ ... (1) ، فان فقرة وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ تدل علي المطلوب، أي و اللائي لم يحضن ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة اشهر.

و الارتياب في التي لا تحيض لا يتصور الا في المسترابة كما تقدم في الرقم 4.

و الاخبار في المسألة كثيرة، كصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «عدة المرأة التي لا تحيض و المستحاضة التي لا تطهر ثلاثة اشهر...»(2) و غيرها.

8 - و اما ان عدة الحامل تنتهي بوضع الحمل

فهو المشهور. و يدل عليه قوله تعالي: وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (3) ، و الروايات الشريفة، كصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «طلاق الحامل واحدة فاذا وضعت ما في بطنها فقد بانت منه»(4) و غيرها.

ص: 427


1- الطلاق: 4.
2- وسائل الشيعة 412:15 الباب 4 من أبواب العدد الحديث 7.
3- الطلاق: 4.
4- وسائل الشيعة 418:15 الباب 9 من أبواب العدد الحديث 3.

و في مقابل ذلك قول الشيخ الصدوق و آخرين بان عدتها اقرب الاجلين من الوضع و الاقراء او ثلاثة اشهر تمسكا بصحيحة ابي الصباح عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «طلاق الحامل واحدة و عدتها اقرب الاجلين»(1) ، و صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «طلاق الحبلي واحدة و أجلها ان تضع حملها و هو أقرب الاجلين»(2) و غيرهما(3).

و لا يخفي ان الواو في فقرة: «و هو أقرب الاجلين» حالية لا استئنافية، اذ قد يكون الوضع أقرب الاجلين و قد لا يكون.

هذا قول الشيخ الصدوق.

و لا تبعد وجاهته لان الآية الكريمة و الطائفة الاولي من الروايات مطلقة من حيث كون الوضع أقرب الاجلين أو لا فتقيد بالطائفة الثانية الدالة علي ان الوضع تنتهي به العدة فيما اذا كان أقرب الاجلين.

و لأجل هذا مال صاحب الجواهر الي القول المذكور(4).

9 - و اما ان عدة المتوفي زوجها اربعة اشهر و عشرة ايام

فهو من ضروريات الفقه بل الدين. و يدل علي ذلك قوله تعالي: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً (5).

و اما ما تضمنه قوله تعالي: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَي الْحَوْلِ (6) فهو تشريع قبل نزول

ص: 428


1- وسائل الشيعة 418:15 الباب 9 من ابواب العدد الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 419:15 الباب 9 من ابواب العدد الحديث 6.
3- جواهر الكلام 252:32.
4- جواهر الكلام 253:32.
5- البقرة: 234.
6- البقرة: 240.

آية العدة و منسوخ بها.

و الروايات في المسألة كثيرة، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال للنساء: اف لكن قد كنتنّ قبل ان ابعث فيكن و ان المرأة منكن اذا توفي عنها زوجها اخذت بعرة فرمت بها خلف ظهرها ثم قالت: لا امتشط و لا اكتحل و لا اختضب حولا كاملا و انما امرتكن بأربعة أشهر و عشرا ثم لا تصبرن»(1) و غيرها.

10 - و اما التعميم بلحاظ جميع الحالات المتقدمة

فلإطلاق ما تقدم من الآية الكريمة و الروايات الشريفة.

اجل دلت رواية محمد بن عمر الساباطي: «سألت الرضا عليه السّلام عن رجل تزوج امرأة فطلقها قبل ان يدخل بها قال: لا عدة عليها. و سألته عن المتوفي عنها زوجها من قبل ان يدخل بها قال: لا عدة عليها، هما سواء»(2) علي اشتراط الدخول في ثبوت عدة الوفاة، لكنها مضافا الي ضعف سندهما بالساباطي نفسه ساقطة عن الحجية لهجران الاصحاب لمضمونها.

11 - و اما ان عدة الحامل المتوفي عنها زوجها أبعد الاجلين

فهو مما لا خلاف فيه. و قد يستدل له بانه مقتضي الجمع بين قوله تعالي:

وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً (3) ، و قوله تعالي: وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ

ص: 429


1- وسائل الشيعة 451:15 الباب 30 من أبواب العدد الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 462:15 الباب 35 من أبواب العدد الحديث 4.
3- البقرة: 234.

حَمْلَهُنَّ (1) بتقريب ان الحامل مشمولة لكلتا الآيتين الكريمتين، و امتثال الامر فيهما لا يحصل الا بالاعتداد بأبعد الاجلين.

و فيه: ان آية الاحمال ناظرة إلي خصوص المطلقة فلاحظ .

و الانسب الاستدلال لذلك بالروايات الخاصة، كصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الحامل المتوفي عنها زوجها تنقضي عدتها آخر الاجلين»(2) و غيرها.

12 - و اما الحداد

(3) فلا خلاف بين المسلمين في وجوبه. و قد دلت عليه صحيحة ابن ابي يعفور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن المتوفي عنها زوجها قال: لا تكتحل للزينة و لا تطيب و لا تلبس ثوبا مصبوغا...»(4) و غيرها.

و قد فهم منها الاصحاب حرمة كل ما يعدّ زينة. قال في الحدائق:

«و المفهوم من هذه الاخبار ان الحداد هو ترك كل ما يعدّ زينة في البدن أو اللباس و ان اختلف ذلك باختلاف العادات في البلدان فيحكم علي كل بلد بما هو المعتاد فيها»(5).

اجل قيّد بعض الاصحاب - و منهم السيد اليزدي - التزين المنهي عنه بما يعدّ زينة للزوج(6).

و لعله استند في ذلك الي موثقة عمار الساباطي عن ابي

ص: 430


1- الطلاق: 4.
2- وسائل الشيعة 455:15 الباب 31 من أبواب العدد الحديث 1.
3- الحداد من الحدّ بمعني المنع، فان الزوجة حيث تمنع نفسها من التزين فهي حادة.
4- وسائل الشيعة 450:15 الباب 29 من أبواب العدد الحديث 2.
5- الحدائق الناضرة 470:25.
6- ملحقات العروة الوثقي 63:2.

عبد اللّه عليه السّلام: «سأله عن المرأة يموت عنها زوجها هل يحل لها ان تخرج من منزلها في عدتها؟ قال: نعم و تختضب و تكتحل و تمتشط و تصبغ و تلبس المصبغ و تصنع ما شاءت بغير زينة لزوج»(1).

الا ان الموثقة قد ترمي بهجران الاصحاب لها لاشتمالها علي جواز صنع ما شاءت بشرط ان لا يكون معدودا من مصاديق الزينة للزوج، و هو مما لا يقول به الاصحاب.

13 - و اما جواز ما لا يعدّ زينة

فلأصل البراءة بعد قصور المقتضي للتحريم. هذا لو لم يستفد من اخبار الحداد نفسها جواز ذلك و الا كانت هي الدليل، لعدم وصول النوبة الي الاصل العملي بعد فرض وجود الدليل الاجتهادي.

14 - و اما تقييد وجوب الحداد بما اذا كانت الزوجة كبيرة عاقلة

فلأن غيرها لا تكليف عليها، و وجوب الحداد تكليفي.

15 - و اما ثبوت العدة في وط ء الشبهة

فقد نفي السيد اليزدي الاشكال و الخلاف في ذلك(2). و تدل عليه صحيحة حفص بن البختري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا التقي الختانان وجب المهر و العدة و الغسل»(3) و غيرها، فانها باطلاقها تشمل وط ء الشبهة. و الزنا خرج بالمخصص.

و لكن كيف نثبت ان العدة هي بمقدار عدة المطلقة ؟ ذلك بالبيانات التالية:

أ - ان السكوت عن مقدار العدة مع كونه عليه السّلام في مقام البيان يدل

ص: 431


1- وسائل الشيعة 451:15 الباب 29 من أبواب العدد الحديث 7.
2- ملحقات العروة الوثقي 58:2.
3- وسائل الشيعة 65:15 الباب 54 من أبواب المهور الحديث 4.

علي ان عدتها كعدة المطلقة - و هي العدة المعروفة للمرأة التي لم يمت زوجها - و لو كانت غيرها لبيّن عليه السّلام ذلك.

ب - التمسك بصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «عدة المرأة التي لا تحيض و المستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر. و عدة التي تحيض و يستقيم حيضها ثلاثة قروء...»(1) ، فانها تدل علي ان عدة المرأة بشكل عام فيما اذا كانت مستقيمة الحيض هي ثلاثة قروء فتشمل محل كلامنا، و الخروج عن ذلك هو الذي يحتاج الي دليل.

ج - التمسك بصحيحة الحلبي الاخري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن المرأة الحبلي يموت زوجها فتضع و تزوج قبل ان تمضي لها اربعة اشهر و عشرا فقال: ان كان دخل بها فرّق بينهما و لم تحل له ابدا و اعتدت ما بقي عليها من الاول و استقبلت عدة اخري من الآخر ثلاثة قروء...»(2) ، فان وط ء الشبهة هو القدر المتيقن منها و قد دلت علي ان العدة له ثلاثة قروء.

16 - و اما وجوب العدة علي المفسوخ عقدها بعد الدخول بفسخ او

انفساخ

فلا اشكال فيه. و تدل عليه صحيحة ابن البختري المتقدمة.

و اما ان مقدارها كعدة المطلقة فللصحيحة الاولي المتقدمة للحلبي و غيرها.

و اما ان عدة المرتد زوجها عن فطرة هي عدة الوفاة فلموثقة الساباطي: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: كل مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام و جحد محمدا صلّي اللّه عليه و آله نبوته و كذّبه، فان دمه مباح لمن سمع

ص: 432


1- وسائل الشيعة 412:15 الباب 4 من أبواب العدد الحديث 7.
2- وسائل الشيعة 346:14 الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.

ذلك منه، و امرأته بائنة منه يوم ارتد، و يقسّم ماله علي ورثته، و تعتد امرأته عدة المتوفي عنها زوجها، و علي الامام ان يقتله و لا يستتيبه»(1).

17 - و اما ان عدة المتمتع بها حيضتان كاملتان بعد انتهاء الاجل

أو هبة المقدار المتبقي من الاجل

فقد تقدم بيانه في مبحث النكاح المؤقت من كتاب النكاح.

18 - و اما ان عدتها من الوفاة اذا كانت حاملا ابعد الاجلين

فهو مما لا خلاف فيه علي ما في الجواهر(2). و تدل علي ذلك الروايات الخاصة التي تقدّمت الاشارة إليها في الرقم 11، فانها باطلاقها تشمل المتمتع بها.

و اما ان عدتها في غير الوفاة اذا كانت حاملا وضع الحمل فلقوله تعالي: وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (3) ، فانه و ان كان ناظرا الي المطلقات دون المتمتع بها التي ليس لها طلاق، الا انه حيث لا يحتمل ان يكون حال المتمتع بها اشد من حال المطلقة في العقد الدائم فيعمها ذلك.

5 - من أحكام الخلع و المباراة

اشارة

الخلع - بضم الخاء - هو طلاق بفدية من الزوجة الكارهة لزوجها. و هو مشروع جزما.

ص: 433


1- وسائل الشيعة 545:18 الباب 1 من أبواب حد المرتد الحديث 3.
2- جواهر الكلام 200:30.
3- الطلاق: 4.

و تشترط فيه - مضافا الي الشروط المتقدمة في الطلاق - كراهة الزوجة لزوجها، و عدم كراهة الزوج لزوجته، و بذل الزوجة للفدية عن طيب نفس.

و الصيغة الخاصة للخلع: «خلعتك علي كذا»، او «انت او هي مختلعة علي كذا»، او «انت او هي او فلانة طالق علي كذا».

و الجمع باتباع الخلع بالطلاق - بأن يقول الزوج او وكيله: «خلعتك علي كذا فانت طالق» - اولي.

و يعتبر - لدي المشهور - عدم الفصل بين إنشاء البذل و الطلاق بما يخل بالموالاة العرفية.

و يجوز في الفدية ان تكون بمقدار المهر او أقلّ او اكثر.

و الطلاق في الخلع بائن ما دام لم ترجع الزوجة عن البذل في العدة.

و المباراة(1) تساوي الخلع في الاحكام المتقدمة و تفارقه في:

أ - اعتبار الكراهة من كلا الطرفين فيها بخلافه في الخلع فان الكراهة معتبرة من الزوجة فقط .

ب - ان لا يكون الفداء اكثر من مقدار المهر فيها.

ج - انها تقع بلفظ الطلاق - بان يقول الزوج: انت طالق علي كذا، أو يقول:

بارأتك علي كذا فانت طالق - و لا يكفي الانشاء بلفظ المباراة وحده.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الخلع يتميز عن الطلاق بأمرين - الفدية من الزوجة

و كراهتها

- فهو من واضحات الفقه. و تدل عليه مضافا الي ذلك نصوص المشروعية التالية.

ص: 434


1- المبارأة - بالهمز و قد تخفف الفا - هي المصالحة. يقال: بارأه بمعني صالحه. و المرأة بارأها بمعني صالحها علي الفراق. القاموس المحيط 8:1.
2 - و اما انه مشروع

فهو مما لا اشكال فيه. و يدل عليه قوله تعالي: وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ (1) ، و صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا يحل خلعها حتي تقول لزوجها: و اللّه لا ابرّ لك قسما و لا اطيع لك امرا و لا اغتسل لك من جنابة و لأوطئن فراشك و لآذنن عليك بغير اذنك و قد كان الناس يرخصون فيما دون هذا فاذا قالت المرأة ذلك لزوجها حلّ له ما اخذ منها فكانت عنده علي تطليقتين باقيتين و كان الخلع تطليقة...»(2) و غيرها.

و عليه فالمشروعية لا تأمل فيها بل عن جماعة منهم شيخ الطائفة اختيار وجوبه عند تمرد الزوجة علي القيام بحقوق الزوجية بحجة ان النهي عن المنكر واجب و هو لا يتم الا بالخلع(3).

و التأمل في ذلك واضح باعتبار عدم تمامية المقدمة الثانية. و من هنا حمل في الحدائق الوجوب في كلام الشيخ علي الثبوت(4).

3 - و اما ان الخلع طلاق و ليس فسخا

فهو المشهور خلافا لشيخ الطائفة حيث اختار كونه فسخا لأنه لا ينشأ بلفظ الطلاق بل و لا ينوي به ذلك.

و الثمرة تظهر في عدّه من جملة الطلقات الثلاث و عدمه.

ص: 435


1- البقرة: 229.
2- الكافي 139:6 الباب الخلع الحديث 1.
3- جواهر الكلام 3:33.
4- الحدائق الناضرة 555:25.

و المناسب كونه طلاقا لتصريح الروايات بذلك، كصحيحة الحلبي السابقة و غيرها.

و زاد في الجواهر ما نصه: «بل لو قلنا انه فسخ امكن دعوي اجراء حكم الطلاق عليه للنصوص المزبورة»(1).

4 - و اما اعتبار اجتماع شرائط صحة الطلاق في الخلع - من

حضور شاهدين و كون الزوجة طاهرة بطهر لم تواقع فيه و... -

فباعتبار انه لما كان فردا من الطلاق فتثبت له أحكامه.

هذا مضافا الي ان بعض الشرائط الخاصة للطلاق قد دلت الروايات الخاصة علي ثبوتها للخلع، كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام هل يكون خلع او مباراة الا بطهر؟ فقال:

لا يكون الا بطهر»(2) و غيرها.

5 - و اما اعتبار كراهة الزوجة لزوجها في تحقق الخلع

فهو من المسلمات، بل يمكن اعتبار كون الكراهة قد وصلت حدا يؤدي الي ترك الحقوق الثابتة للزوج علي زوجته لقوله تعالي: إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ ... (3) و صحيحة الحلبي السابقة و غيرها.

هذا و قد وقع الكلام بين الاعلام في ان التلفظ بالكلمات المذكورة في صحيحة الحلبي هل هو شرط في صحة الخلع او يكفي تحقق الكراهة إلي المستوي المذكور و لو من دون تلفظ بذلك ؟

ص: 436


1- جواهر الكلام 10:33.
2- وسائل الشيعة 496:15 الباب 6 من كتاب الخلع و المباراة الحديث 1.
3- البقرة: 229.

المناسب لو خلينا و ظاهر الصحيحة المتقدمة و ما شاكلها اعتبار التلفظ بالكلمات السابقة الا ان قوله تعالي: إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ يدل علي ان المدار علي وصول الكراهة الي حدّ يخاف من ترك الحدود الالهية من دون مدخلية للتلفظ بما ذكر.

و تؤكد ما ذكرناه السيرة الجارية علي اجراء الخلع بدون فحص عن صدور الكلمات المذكورة.

و هل يلزم في الكراهة ان تكون ذاتية - بمعني نشوئها عن مناشئ غير طارئة بعد الزواج كقبح منظر الزوج و فقره و سوء خلقه - أو يكفي كونها عارضة و ناشئة من اسباب طارئة بعد ذلك كالتزوج باخري ؟

أجاب صاحب الحدائق بما نصه: «المستفاد من كلام من عاصرناه من مشايخنا في بلاد البحرين هو الاول. و قد حضرناه في غير موضع و قد كانوا لا يوقعون الخلع الا بعد تحقيق الحال و مزيد الفحص و السؤال في ثبوت الكراهة الذاتية و عدم الكراهة العارضية...»(1).

و يرده: ان الآية الكريمة و صحيحة الحلبي مطلقتان من الناحية المذكورة. و لعله لذلك قال صاحب الجواهر: «و هو من الغرائب التي لا يساعد عليها كتاب و لا سنة»(2).

6 - و اما اعتبار عدم كراهة الزوج لزوجته

فلانه مع كراهته أيضا يكون المورد من مصاديق المباراة دون الخلع.

7 - و اما اعتبار بذل الزوجة للفداء

فلتقوم حقيقة الخلع بذلك و من

ص: 437


1- الحدائق الناضرة 576:25.
2- جواهر الكلام 44:33.

دونه لا يكون خلعا بل طلاقا بشكله المتعارف.

8 - و اما اعتبار ان يكون بذل الفداء عن طيب نفس الزوجة

فلقوله تعالي: وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ (1). بل بقطع النظر عن ذلك لا مسوغ لإكراهها علي بذل ذلك فانه مصداق للظلم المحرم. اضافة الي دلالة حديث: «رفع عن امتي ما استكرهوا عليه»(2) علي عدم ترتب الاثر علي ذلك.

9 - و اما ان الصيغة الخاصة «خلعتك او انت او هي مختلعة علي

كذا»

فلانه بعد ما لم ترد صيغة خاصة في النصوص لانشاء الخلع فيلزم الحكم بالاكتفاء بكل صيغة دالة علي إنشاء الخلع - و من ذلك ما تقدم - تمسكا بالاطلاق اللفظي ان امكن تحصيله و الا فبالاطلاق المقامي.

10 - و اما الاكتفاء بصيغة «هي او انت او فلانة طالق علي عوض

كذا»

فباعتبار ان الخلع لما كان مصداقا من مصاديق الطلاق فيلزم الاكتفاء فيه بصيغة الطلاق، غايته يلزم اضافة العوض لان ذلك هو المائز بين الخلع و الطلاق المتعارف.

11 - و اما الجمع باتباع الخلع بالطلاق

فقد اختار اعتباره الشيخ قدّس سرّه و جماعة(3). و قد يستدل له برواية موسي بن بكر عن العبد الصالح: «قال علي عليه السّلام: المختلعة يتبعها الطلاق ما دامت في العدة»(4).

ص: 438


1- النساء: 19.
2- وسائل الشيعة 295:11 الباب 56 من أبواب جهاد النفس الحديث 1.
3- جواهر الكلام 6:33.
4- وسائل الشيعة 490:15 الباب 3 من كتاب الخلع و المباراة الحديث 1.

و فيه: انها لو تمت سندا و لم يناقش من ناحية موسي بن بكر هي ضعيفة دلالة لإجمال المقصود منها.

و ما ذكره الشيخ قدّس سرّه لو استفيد منها يلزم الحكم بجواز تأخير الطلاق عن الخلع حتي بفترة طويلة ما دامت العدة باقية. و هذا بعيد و ان استظهر في الحدائق من بعض كلمات القائلين بالقول المذكور الالتزام بذلك(1) ، و لكنه غريب.

هذا و يظهر من بعض الروايات ان الخلاف في اعتبار تعقيب الخلع بالطلاق كان ثابتا في عصر الأئمة عليهم السّلام، و لذلك تكرر السؤال عن ذلك فلاحظ صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع: «سألت ابا الحسن الرضا عليه السّلام عن المرأة تباري زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين علي طهر من غير جماع هل تبين منه بذلك أو تكون امرأته ما لم يتبعها بطلاق ؟ فقال: تبين منه و ان شاءت ان يرد اليها ما أخذ منها و تكون امرأته فعلت. فقلت: فانه روي لنا انه لا تبين منه حتي يتبعها بطلاق قال: ليس ذلك اذا خلع. فقلت: تبين منه ؟ قال: نعم»(2) و غيرها.

و بالجملة: لا دليل علي اعتبار تعقيب الخلع بالطلاق لعدم الدليل - فيتمسك بالاطلاق اللفظي ان كان و الا فبالاطلاق المقامي - بل و للدليل علي العدم، كصحيحة ابن بزيع و غيرها.

نعم لا اشكال في ان الاتباع اولي خروجا من خلاف الشيخ و غيره و امتثالا للمضمون المحتمل لرواية موسي بن بكر.

12 - و اما اعتبار عدم الفصل بين إنشاء الفدية و الطلاق

فهو

ص: 439


1- الحدائق الناضرة 564:25-565.
2- وسائل الشيعة 492:15 الباب 3 من كتاب الخلع و المباراة الحديث 9.

المشهور. و استدل له في الجواهر:

تارة بان الخلع معاوضة بين بذل الفداء و إنشاء الطلاق فهو علي هذا كسائر المعاوضات لقول امير المؤمنين عليه السّلام: «لكل مطلقة متعة الا المختلعة فانها اشترت نفسها»(1) ، و موثقة البقباق عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«المختلعة ان رجعت في شيء من الصلح يقول لأرجعن في بضعك»(2).

و اخري بان القدر المتيقن من نصوص الباب حالة التحفظ علي الموالاة، و الاصل عدم الصحة فيما سوي ذلك(3).

و يرده:

اما بالنسبة الي الاول فلان الحديثين ليسا واضحين في المعاوضة. و كيف يمكن الالتزام بذلك و الحال ان رجوع الزوجة عن البذل لا يستوجب بطلان الطلاق بل صيرورته رجعيا؟ هذا مضافا الي ان اعتبار الموالاة في باب المعاوضة اول الكلام.

و اما بالنسبة الي الثاني فباعتبار انه لا مجال للأصل بعد وجود الاطلاق و لو المقامي.

و عليه فالمناسب عدم اعتبار الموالاة و يكفي استمرار عزمها علي البذل. و لكن الاحتياط تحفظا من مخالفة المشهور امر لازم.

13 - و اما انه يجوز في الفدية ان تكون بقدر المهر او اكثر او أقلّ

فلعدم الدليل علي اشتراط حدّ معين بل و للدليل علي العدم، كصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «المباراة يؤخذ منها دون الصداق، و المختلعة

ص: 440


1- وسائل الشيعة 503:15 الباب 11 من كتاب الخلع و المباراة الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 499:15 الباب 7 من كتاب الخلع و المباراة الحديث 3.
3- جواهر الكلام 14:33.

يؤخذ منها ما شاء او ما تراضيا عليه من صداق او اكثر...»(1) و غيرها.

14 - و اما ان الخلع طلاق بائن

فمما لا خلاف فيه لصحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الخلع و المباراة تطليقة بائن و هو خاطب من الخطاب»(2).

و اما انه يجوز للزوج الرجوع عند رجوعها عن البذل فلصحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «و لا رجعة للزوج علي المختلعة و لا علي المباراة الا ان يبدو للمرأة فيرد عليها ما أخذ منها»(3). و موثقة البقباق المتقدمة في الرقم 12.

15 - و اما ان المباراة كالخلع في جميع الاحكام الا في الاحكام

الثلاثة

فهو المعروف بين الاصحاب. و قد يستفاد من رواية زرارة:

«سألت ابا جعفر عليه السّلام عن عدة المختلعة كم هي ؟ قال: عدة المطلقة.

و لتعتد في بيتها. و المبارئة بمنزلة المختلعة»(4).

فان تمت الدلالة علي العموم و لم يناقش في السند من ناحية المعلي بن محمد فلا مشكلة و الا فيمكن تصيد ذلك من مجموع النصوص، كصحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام: «لا مباراة الا علي طهر من غير جماع بشهود»(5) و صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدمة في الرقم 14 و غيرهما، فانه بضم النصوص المذكورة

ص: 441


1- وسائل الشيعة 493:15 الباب 4 من كتاب الخلع و المباراة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 495:15 الباب 5 من كتاب الخلع و المباراة الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 499:15 الباب 7 من كتاب الخلع و المباراة الحديث 4.
4- وسائل الشيعة 503:15 الباب 10 من كتاب الخلع و المباراة الحديث 4.
5- وسائل الشيعة 498:15 الباب 6 من كتاب الخلع و المباراة الحديث 7.

بعضها الي بعض قد يستفاد الحكم المذكور.

16 - و اما انه يعتبر في المباراة الكراهة من كلا الطرفين

فهو علي ما في الحدائق امر مقطوع به في كلام الاصحاب(1). و يمكن استفادته من موثقة سماعة: «سألته عن المباراة كيف هي ؟ فقال: يكون للمرأة شيء علي زوجها من مهر أو من غيره و يكون قد اعطاها بعضه فيكره كل واحد منهما صاحبه فتقول المرأة لزوجها: ما اخذت منك فهو لي، و ما بقي عليك فهو لك و ابارئك فيقول الرجل لها: فان انت رجعت في شيء مما تركت فانا أحق ببضعك»(2).

و لا يضر اضمارها بطريق الكليني بعد ما كانت مسندة في طريق الشيخ.

اجل ان الشيخ رواها بسنده عن علي بن الحسن، اي ابن فضال، و طريقه اليه يشتمل علي علي بن محمد بن الزبير الذي لم يذكر في حقه توثيق خاص. الا ان الامر من ناحيته سهل بناء علي كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة.

17 - و اما انه يعتبر في المباراة ان لا تكون الفدية اكثر من المهر

فهو مما لا خلاف فيه، و انما الخلاف في اعتبار ان لا تكون مساوية له أيضا بل أقلّ .

و ظاهر صحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «المباراة تقول المرأة لزوجها: لك ما عليك و اتركني او تجعل لها من قبلها شيئا فيتركها الا انه يقول: فان ارتجعت في شيء فانا املك ببضعك.

ص: 442


1- الحدائق الناضرة 623:25.
2- وسائل الشيعة 500:15 الباب 8 من كتاب الخلع و المباراة الحديث 3.

و لا يحل لزوجها ان يأخذ منها الا المهر فما دونه»(1) بل صريحها جواز كونها مساوية.

الا انه قد يقال بكونها معارضة بصحيحة زرارة المتقدمة في الرقم 13 الدالة علي اعتبار كونها أقلّ من مقدار المهر.

و يمكن الجمع بينهما بحمل الوارد في صحيحة زرارة «دون الصداق» علي اعتبار ان لا تكون ازيد من مقدار المهر، فان صحيحة ابي بصير صريحة في جواز كونها بمقداره بينما صحيحة زرارة ظاهرة في اعتبار كونها أقلّ منه فيؤول الظاهر بقرينة الصريح طبقا للقاعدة العرفية: كلما اجتمع دليلان متنافيان احدهما صريح و الآخر ظاهر أوّل الظاهر بقرينة الصريح.

و اذا تمّ هذا فلا مشكلة و الا كان التعارض مستقرا و يلزم ترجيح صحيحة ابي بصير لموافقة مضمونها لقوله تعالي: فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ (2).

و عليه فالنتيجة واحدة علي كلا التقديرين.

18 - و اما انه لا تصح المباراة بلفظ «بارأتك علي كذا» من دون

اتباع بالطلاق

فقد ادعي المحقق اتفاق الاصحاب عليه»(3). و لو لا ذلك كان من الوجيه الحكم بعدم الحاجة الي الاتباع بذلك لصحيحة حمران:

«سمعت ابا جعفر عليه السّلام يتحدث قال: المباراة(4) تبين من ساعتها من غير

ص: 443


1- وسائل الشيعة 500:15 الباب 8 من كتاب الخلع و المباراة الحديث 4.
2- البقرة: 229.
3- شرايع الإسلام 623:3 انتشارات استقلال.
4- في تهذيب الاحكام 102:8: المبارئة....

طلاق و لا ميراث بينهما...»(1) و غيرها.

و المناسب تحفظا من مخالفة الاتفاق المحتمل التنزل عن الفتوي بعدم اعتبار الاتباع بالطلاق الي الاحتياط باعتباره.

6 - من أحكام الطلاق

اشارة

اذا طلّق غير الامامي زوجته بطلاق صحيح علي مذهبه فاسد علي مذهبنا جاز للإمامي الزواج بها بعد انقضاء عدتها. هذا اذا كانت الزوجة غير امامية أيضا. و اذا كانت امامية جاز لها التزوج بالغير أيضا.

و يجوز للزوج في الطلاق الرجعي الرجوع علي زوجته ما دامت العدة لم تنته. و يتحقق الرجوع باللفظ ، كقول رجعتك و لو بغير العربية، و بالفعل كالتقبيل بشهوة و نحوه مع قصد الرجوع به. اجل خصوص الوط ء يتحقق به الرجوع و لو من دون قصده. و اما لو قبّل أو لا مس بشهوة من دون قصد الرجوع بذلك فالمشهور تحقق الرجعة به.

و المطلقة الرجعية زوجة حقيقة أو حكما ما دامت في العدة فيجب الانفاق عليها، و لا يجوز لها الخروج بغير اذنه، و يجوز الدخول عليها بغير اذن.

و هذا بخلاف المطلقة بائنا فانها بمنزلة الاجنبية و لا تترتب عليها الاحكام المذكورة.

و لا يجوز اخراج المطلقة من دار سكناها عند الطلاق الا ان تأتي بفاحشة مبينة.

ص: 444


1- وسائل الشيعة 501:15 الباب 9 من كتاب الخلع و المباراة الحديث 3.

و كل زوجة تستحق علي زوجها النفقة اذا لم تنشز بالخروج من بيته بغير اذنه. و اذا امتنع من الانفاق عليها جاز لها رفع امرها الي الحاكم الشرعي ليلزمه بأحد امرين عليه: اما الانفاق او الطلاق. فان امتنع من كليهما جاز للحاكم ان يطلقها اذا طلبت ذلك و يقع الطلاق بائنا.

و اذا فقد الزوج و انقطع خبره عن زوجته، فان كانت تعلم ببقائه علي قيد الحياة فعليها بالصبر الي ان يرجع و ليس لها المطالبة بالطلاق الا اذا ثبت للحاكم الشرعي هجرانه لها و تعمّد اخفاء موضعه لكي لا يلزمه بالطلاق او الانفاق فيجوز له في مثل ذلك الطلاق اذا طلبته.

هذا اذا كانت الزوجة تعلم بحياته.

و اما اذا لم تعلم بذلك و كان يحتمل موته فتارة يفرض وجود مال للزوج يتم من خلاله تأمين نفقة الزوجة او يفرض ان وليه يقوم بالانفاق عليها فليس لها المطالبة بالطلاق، و اخري يفرض عدم ذلك فيجوز لها رفع امرها الي الحاكم الشرعي فيؤجلها اربع سنين و يأمر بالفحص عنه خلال المدة المذكورة فاذا انقضت و لم تتبين حاله امر الحاكم وليه بطلاقها و اجبره علي ذلك، فان لم يكن له ولي او لم يمكن اجباره طلقها الحاكم بنفسه و اعتدت بمقدار عدة الوفاة، و جاز لها التزوج بعد انتهائها. و اذا عاد الزوج بعد ذلك لم يكن له حق عليها و كانت اجنبية عنه.

و اذا حصل لزوجة الغائب من خلال تراكم القرائن علم بموت زوجها جاز لها الزواج بعد العدة من دون حاجة الي مراجعة الحاكم الشرعي. نعم لا يجوز لمن يريد الزواج بها الاعتماد علي علمها.

و الطلاق و ان كان بيد الزوج الا انه يجوز للزوجة ان تشترط علي زوجها اثناء عقد النكاح ان تكون وكيلة عنه في طلاق نفسها متي ما سجن لفترة

ص: 445

سنة مثلا أو أدمن المواد المخدرة او سافر و انقطعت اخباره لفترة محددة و ما شاكل ذلك.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان غير الامامي اذا طلّق زوجته بطلاق صحيح في مذهبه

فاسد في مذهبنا فيجوز للإمامي الزواج بها بعد انتهاء عدتها

فلقاعدة الالزام المستفادة من جملة من النصوص من قبيل:

أ - ما رواه الشيخ بسنده الي الحسن بن محمد بن سماعة عن عبد اللّه بن جبلة عن غير واحد عن علي بن ابي حمزة حيث سأل ابا الحسن عليه السّلام: «المطلقة علي غير السنة أ يتزوجها الرجل ؟ فقال: الزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم و تزوجوهن فلا بأس بذلك»(1).

و طريق الشيخ الي الحسن معتبر علي ما في المشيخة(2).

و الارسال عن «غير واحد» لا مشكلة من ناحيته لان مصداق التعبير المذكور عرفا ثلاثة فما زاد، و اجتماع العدد المذكور علي الكذب بعيد جدا و يحصل الاطمئنان بعدمه. و لئن كانت هناك مشكلة فهي من ناحية البطائني الذي فيه كلام طويل، و قد ورد عن الامام الرضا عليه السّلام: «انه أقعد في قبره فسئل عن الائمة عليهم السّلام فأخبر بأسمائهم حتي انتهي إليّ فسئل فوقف فضرب علي رأسه ضربة امتلأ قبره نارا»(3).

هذا و لكن استناد الاصحاب الي الرواية و تعبيرهم بمضمونها يجبر ضعفها بناء علي ما هو المشهور من تمامية كبري جابرية ضعف

ص: 446


1- وسائل الشيعة 321:15 الباب 3 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5.
2- لاحظ المشيخة المذكورة في نهاية تهذيب الاحكام 75:10.
3- اختيار معرفة الرجال 705:2 الرقم 755 طبع مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

السند بشهرة العمل.

ب - ما رواه الكليني بسنده الي عمر بن اذينة عن عبد اللّه بن محرز: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل ترك ابنته و اخته لأبيه و امه فقال:

المال كله لابنته و ليس للأخت من الاب و الام شيء. فقلت: فانا قد احتجنا الي هذا و الميت رجل من هؤلاء الناس و اخته مؤمنة عارفة قال: فخذلها النصف، خذوا منهم كما يأخذون منكم في سنتهم و قضاياهم. قال ابن اذينة: فذكرت ذلك لزرارة فقال: ان علي ما جاء به ابن محرز لنورا»(1).

و هي تدل علي ثبوت حق المقاصة النوعية و انه ما داموا يأخذون منكم فانتم خذوا منهم بالمقابل أيضا.

و تبقي المشكلة من ناحية ابن محرز فانه لم يوثق الا ان تعبير زرارة بان علي روايته نورا قد يسهّل الامر من هذه الناحية.

ج - صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «سألته عن الاحكام قال: تجوز علي اهل كل ذوي دين ما يستحلون»(2).

ثم ان المسألة بقطع النظر عن قاعدة الالزام تشتمل علي روايات خاصة بها من قبيل موثقة عبد الرحمن البصري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«قلت له امرأة طلقت علي غير السنة فقال: تتزوج هذه المرأة لا تترك بغير زوج»(3) و غيرها.

2 - و اما ان الزوجة الامامية يجوز لها التزوج بالغير اذا طلقها

زوجها غير الامامي بطلاق صحيح في مذهبه فاسد في مذهبنا

فلقاعدة

ص: 447


1- وسائل الشيعة 484:17 الباب 4 من أبواب ميراث الاخوة و الاجداد الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 484:17 الباب 4 من أبواب ميراث الاخوة الحديث 4.
3- وسائل الشيعة 320:15 الباب 30 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4.

الالزام المتقدمة.

3 - و اما انه يجوز للزوج الرجوع علي زوجته في العدة الرجعية

فهو من المسلمات بل من ضروريات الدين. و يدل علي ذلك قوله تعالي:

وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ... وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ ... اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ (1) ، وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ (2). و الروايات في ذلك كثيرة. و قد تقدمت الاشارة اليها خلال الابحاث السابقة.

4 - و اما ان الرجوع يتحقق بالفعل أيضا و لا ينحصر بالقول

فلانه بعد تحقق إنشاء الرجوع عرفا بالفعل فلا وجه لعدم الاكتفاء به بعد وجود المطلقات.

5 - و اما تحقق الرجوع بالوط ء و ان لم يقصد به الرجوع

فلرواية محمد بن القاسم: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من غشي امرأته بعد انقضاء العدة جلد الحدّ، و ان غشيها قبل انقضاء العدة كان غشيانه اياها رجعة لها»(3).

الا انه قد يشكل في سندها من ناحية محمد بن القاسم، فان الثابت وثاقته هو محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار النهدي لقول النجاشي: «ثقة هو و ابوه و عمه العلاء و جده الفضيل»(4) ، الا انه يروي

ص: 448


1- البقرة: 228-229.
2- البقرة: 231.
3- وسائل الشيعة 400:18 الباب 29 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.
4- رجال النجاشي: 256 منشورات مكتبة الداوري.

عن الامامين الكاظم و الرضا عليهما السّلام و لم تذكر روايته عن الامام الصادق عليه السّلام، و من هنا يتولد احتمال انه شخص آخر، خصوصا و ان الشيخ ذكر في رجاله اسم محمد بن القاسم البصري و قال من دون توثيق: «هو من أصحاب الصادق عليه السّلام»(1).

نعم بناء علي تمامية كبري الجابرية لا مشكلة، بل ادعي في الجواهر عدم الخلاف بيننا و انعقاد الاجماع بقسميه علي ذلك(2).

6 - و اما التقبيل و اللمس بشهوة من دون قصد الرجوع بذلك

فقد ادعي في الجواهر عدم الخلاف في تحقق الرجوع به أيضا(3).

هذا و لكن لا يوجد نص يدل علي ذلك، فان تمّ الاجماع الكاشف فبها و الا فالأمر مشكل و ينبغي العمل علي طبق الاحتياط تحفظا من مخالفة المشهور.

7 - و اما ان المطلقة الرجعية زوجة حقيقة أو حكما

فهو من المسلمات للنصوص الدالة علي وجوب الانفاق عليها و ثبوت التوارث بينهما و الحث علي تزيينها لزوجها و جواز دخول زوجها عليها بلا اذن، كقوله تعالي: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ... (4) ، يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ وَ اتَّقُوا اللّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ... (5) ، و صحيحة ابي بصير عن ابي

ص: 449


1- رجال الشيخ: 300.
2- جواهر الكلام 180:32.
3- المصدر نفسه.
4- الطلاق: 6.
5- الطلاق: 1.

عبد اللّه عليه السّلام: «المطلقة تعتد في بيتها و تظهر له زينتها لعل اللّه يحدث بعد ذلك امرا»(1) ، و رواية محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام: «المطلقة تسوق(2) لزوجها ما كان له عليها رجعة و لا يستأذن عليها»(3) ، و صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «... حتي تطمث طمثتين فتنقضي عدتها بثلاث حيض و قد بانت منه... و عليه نفقتها و السكني ما دامت في عدتها، و هما يتوارثان حتي تنقضي عدتها»(4) و غيرها.

و الروايات المذكورة كما تري تتلاءم مع بقاء الزوجية حقيقة أو حكما. أجل الحديث الاخير بقرينة التعبير ب «بانت منه» ظاهر في بقائها حقيقة.

8 - و اما ان المطلقة بائنا ليست زوجة و لا تترتب عليها احكامها

فهو من المسلمات أيضا. و يمكن استفادته من النصوص السابقة و غيرها. بل لا حاجة الي البحث عن نص و يكفي القصور في المقتضي بعد فرض زوال عنوان الزوجية بالطلاق البائن.

9 - و اما انه لا يجوز اخراجها من دار سكناها عند الطلاق

فهو مما لا خلاف فيه. و يدل عليه قوله تعالي: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ... لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ

ص: 450


1- وسائل الشيعة 437:15 الباب 21 من أبواب العدد الحديث 1.
2- هكذا في الطبعة القديمة للوسائل. و في الكافي 91:6 تشوفت. و الظاهر ان الصواب: تشوف، كما هو المنقول عن بعض نسخ الكافي. يقال: تشوفت المرأة: تزينت و أظهرت زينتها كما عن لسان العرب 185:9.
3- وسائل الشيعة 437:15 الباب 21 من أبواب العدد الحديث 4.
4- وسائل الشيعة 344:15 الباب 1 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.

بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ... (1) . و الروايات في ذلك كثيرة(2).

10 - و اما وجوب الانفاق علي الزوجة

فهو من المسلمات. و يدل عليه قوله تعالي: وَ عَلَي الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (3) ، أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ... * لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللّهُ (4).

و هذه الآية الاخيرة و ان كانت واردة في المطلقة الا انه يفهم منها ثبوت ذلك لغيرها بالاولوية.

و قد يستفاد ذلك من قوله تعالي: اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَي النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلي بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ (5).

و الروايات في ذلك فوق حدّ الاحصاء و سنشير الي بعضها فيما يأتي ان شاء اللّه تعالي.

و اما التقييد بعدم نشوزها بالخروج من البيت بغير اذنه فلموثقة السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: ايما امرأة خرجت من بيتها بغير اذن زوجها فلا نفقة لها حتي ترجع»(6) و غيرها.

هذا اذا كان نشوزها بخروجها من البيت بغير اذن.

و اما اذا كان بغير ذلك فالمشهور سقوط النفقة أيضا. و لكن لا دليل علي ذلك بعد اطلاق ما تقدم. و الاحتياط لا ينبغي تركه.

ص: 451


1- الطلاق: 1.
2- راجع وسائل الشيعة 434:15 الباب 18 من أبواب العدد.
3- البقرة: 233.
4- الطلاق: 6-7.
5- النساء: 34.
6- وسائل الشيعة 229:15 الباب 6 من أبواب النفقات الحديث 1.
11 - و اما انه مع امتناع الزوج من الانفاق يحق للزوجة ان ترفع

امرها الي الحاكم الشرعي ليلزمه باحد الامرين

فتدل عليه صحيحة ابي بصير: «سمعت ابا جعفر عليه السّلام يقول: من كان عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها و يطعمها ما يقيم صلبها كان حقا علي الامام ان يفرّق بينهما»(1) ، و صحيحة ربعي بن عبد اللّه و الفضيل بن يسار جميعا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قوله تعالي: وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللّهُ (2) قال: ان انفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة و الا فرّق بينهما»(3) و غيرهما.

و التقييد بثبوت الولاية لخصوص الحاكم باعتبار ان الصحيحة الاولي دلت علي ثبوت الولاية لمنصب الامامة، و القدر المتيقن في المنتقل اليه المنصب المذكور هو الحاكم الشرعي. و الصحيحة الثانية لا اطلاق لها، اذ هي ليست في صدد بيان من يقوم بالتفريق فينبغي الاقتصار علي القدر المتيقن و هو الامام عليه السّلام او الحاكم الشرعي.

و التقييد بامتناعه من الانفاق باعتبار انه مع انصياعه للإنفاق يصدق عليه آنذاك عنوان «انفق عليها» الوارد في الصحيحة الثانية.

و التقييد بامتناع الزوج من الطلاق باعتبار انه مع استعداده للتصدي للطلاق بنفسه لا يحتمل وصول النوبة الي الحاكم الشرعي.

هذا و قد يقيد ثبوت الولاية علي الطلاق للحاكم الشرعي بما اذا لم يمكن الانفاق من مال الزوج و لو ببيع بعض أمواله و لم يمكن أيضا

ص: 452


1- وسائل الشيعة 223:15 الباب 1 من أبواب النفقات الحديث 2.
2- الطلاق: 7.
3- وسائل الشيعة 223:15 الباب 1 من أبواب النفقات الحديث 1.

اجباره علي الطلاق.

و فيه: ان اطلاق الحديثين السابقين ينفي ما ذكر الا ان يستفاد ذلك من الروايات الآتية في المفقود خبره. فان تمّ ذلك و الا يبقي التقييد المذكور مبنيا علي الاحتياط .

12 - و اما ان طلاق الحاكم يقع بائنا في حالة امتناع الزوج من

الانفاق و الطلاق

فقد تقدم وجهه عند البحث عن اقسام الطلاق.

13 - و اما ان زوجة المفقود خبره يلزمها الصبر و ليس لها

المطالبة بالطلاق اذا علم ببقائه حيا

فيكفي لإثباته القصور في مقتضي ثبوت الولاية للحاكم. و مع التنزل فالمانع ثابت و هو صحيحة بريد بن معاوية الآتية.

14 - و اما انه يجوز للحاكم الطلاق اذا ثبت له هجران الزوج

و تعمده لإخفاء موضعه

فذلك لما تقدم في الرقم 11 من ثبوت الولاية للحاكم الشرعي عند الامتناع من الطلاق و الانفاق.

15 - و اما انه اذا لم يعلم بحياة الزوج فيجوز للحاكم اجراء الطلاق

علي ضوء البيان المتقدم

فذلك لعدة روايات، كصحيحة بريد بن معاوية: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المفقود كيف تصنع امرأته ؟ فقال: ما سكنت عنه و صبرت فخلّ عنها. و ان هي رفعت أمرها الي الوالي اجّلها اربع سنين ثم يكتب الي الصقع الذي فقد فيه فليسأل عنه فان خبّر عنه بحياة صبرت و ان لم يخبر عنه بحياة حتي تمضي الاربع سنين دعا ولي الزوج المفقود فقيل له: هل للمفقود مال ؟ فان كان للمفقود مال انفق عليها حتي تعلم حياته من موته. و ان لم يكن له مال قيل للولي: انفق عليها فان فعل فلا سبيل لها الي ان تتزوج ما انفق عليها. و ان ابي ان

ص: 453

ينفق عليها اجبره الوالي علي ان يطلق تطليقة في استقبال العدة و هي طاهر فيصير طلاق الولي طلاق الزوج، فان جاء زوجها قبل ان تمضي عدتها من يوم طلقها الولي فبدا له ان يراجعها فهي امرأته و هي عنده علي تطليقتين. و ان انقضت العدة قبل ان يجيء و يراجع فقد حلت للأزواج و لا سبيل للأول عليها»(1) ، و صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «المفقود اذا مضي له اربع سنين بعث الوالي او يكتب الي الناحية التي هو غائب فيها... قلت: فانها تقول: فاني اريد ما تريد النساء قال: ليس ذاك لها و لا كرامة فان لم ينفق عليها وليه او وكيله امره ان يطلقها»(2).

16 - و اما ان عدتها هي بمقدار عدة الوفاة و ان لم تكن هي عدة

الوفاة

فلموثقة سماعة: «... فان لم يوجد له خبر حتي تمضي الاربع سنين امرها ان تعتد اربعة أشهر و عشرا ثم تحل للأزواج فان قدم زوجها بعد ما تنقضي عدتها فليس له عليها رجعة و ان قدم و هي في عدتها اربعة أشهر و عشرا فهو أملك برجعتها»(3).

17 - و اما انه يجوز لزوجة الغائب اذا حصل لها العلم بموت

زوجها الزواج بعد العدة من دون حاجة الي مراجعة الحاكم

فذلك لحجية العلم و شمول أدلة جواز تزوج المتوفي زوجها بعد العدة لها.

و اما انه لا يجوز لمن يريد الزواج بها الاعتماد علي علمها فلان علم كل شخص حجة في حق نفسه خاصة، و استصحاب بقاء الزوج

ص: 454


1- وسائل الشيعة 389:15 الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 390:15 الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4.
3- وسائل الشيعة 390:14 الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.

علي قيد الحياة جار في حقه.

18 - و اما جواز اشتراط الزوجة ضمن عقد النكاح الوكالة عن

الزوج في طلاق نفسها متي ما سجن او...

فلانه شرط مشروع فيكون صحيحا و واجب الوفاء كسائر الشروط . و انما الذي لا يجوز لها اشتراطه هو كون امر الطلاق بيدها متي ما سجن او... انه لا يجوز باعتبار ان امر الطلاق بيد الزوج لا غير كما تقدم.

ص: 455

ص: 456

كتاب الظّهار

اشارة

1 - الظهار و حكمه

2 - شرائط الظهار

ص: 457

ص: 458

1 - الظهار و حكمه

اشارة

الظهار - و هو تنزيل الزوج زوجته بمنزلة أمّه او غيرها من محارمه في حرمة نكاحها بمثل صيغة: انت عليّ كظهر أمي - حرام.

و به تحرم علي الزوج زوجته حتي يكفّر.

و لا يجب التكفير بمجرد التلفّظ من دون ارادة العود.

و اذا كفّر لإرادة العود قبل الوط ء فلا تجب عليه اخري بعده، بخلاف ما لو وطئها بدون تكفير فانه تلزمه كفارتان احداهما للوط ء و الاخري لإرادة العود.

و اذا صبرت الزوجة بعد الظهار فلا اعتراض و الا رفعت امرها الي الحاكم الشرعي و خيّر الزوج بين التكفير و الرجوع و بين الطلاق فان لم يختر احدهما انظره ثلاثة اشهر من حين المرافعة فان انقضت و لم يختر احد الامرين حبسه و ضيّق عليه في المطعم و المشرب حتي يختار احدهما.

و الكفارة هي عتق رقبة، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فان

ص: 459

لم يستطع فاطعام ستين مسكينا. و ان عجز عن الجميع صام ثمانية عشر يوما.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الظهار ما ذكر فهو من واضحات الفقه و اللغة.

و تدل عليه الروايات الآتية ان شاء اللّه تعالي.

2 - و اما انه يقع بصيغة «انت عليّ كظهر أمي»

فامر لا خلاف فيه، و هو القدر المتيقن من الصيغة التي يقع بها الظهار. و يستفاد ذلك من صحيحة حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الظهار ظهاران فاحدهما ان يقول:

انت عليّ كظهر أمي ثم يسكت فذلك الذي يكفّر فاذا قال: انت عليّ كظهر أمي ان فعلت كذا و كذا ففعل و حنث فعليه الكفارة حين يحنث»(1) و غيرها.

هذا و قد وقع الخلاف في انعقاده فيما لو قال: انت عليّ كظهر عمتي و خالتي او غيرهما من المحارم او قال: انت عليّ كشعر او بطن او صدر أمي. و التعرض لذلك ليس بمهم.

3 - و اما انه حرام فهو من المسلمات

، و يدل عليه قوله تعالي:

اَلَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاّئِي وَلَدْنَهُمْ وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَ زُوراً وَ إِنَّ اللّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) ، و صحيح حمران عن ابي جعفر عليه السّلام: «ان امير المؤمنين عليه السّلام قال: ان امرأة من المسلمين اتت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فقالت: يا رسول اللّه ان فلانا

ص: 460


1- وسائل الشيعة 530:15 الباب 16 من كتاب الظهار الحديث 7.
2- المجادلة: 2.

زوجي قد نثرت له بطني(1) و اعنته علي دنياه و آخرته فلم ير مني مكروها و انا اشكوه الي اللّه و إليك قال: فما تشكينه ؟ قالت: انه قال لي اليوم: انت عليّ حرام كظهر أمي و قد اخرجني من منزلي فانظر في امري فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: ما انزل اللّه عليّ كتابا اقضي به بينك و بين زوجك و انا اكره ان اكون من المتكلفين فجعلت تبكي و تشتكي ما بها الي اللّه و الي رسوله و انصرفت فسمع اللّه محاورتها لرسوله و ما شكت اليه فانزل اللّه عز و جل بذلك قرآنا: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها... فبعث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله الي المرأة فاتته فقال لها: جئني(2) بزوجك فاتته به فقال: أقلت لامرأتك هذه انت عليّ حرام كظهر أمي ؟ فقال: قد قلت ذلك فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: قد انزل اللّه فيك قرآنا فقرأ عليه ما انزل اللّه... فضم امرأتك إليك فانك قد قلت منكرا من القول و زورا قد عفا اللّه عنك و غفر لك فلا تعد...»(3) و غيره.

و بالجملة لا اشكال في حرمة الظهار لوصفه بالمنكر و الزور في الآية الكريمة و للنهي عن العود اليه في الرواية الشريفة.

هذا و قد نسب الي قائل غير معروف بانه محرم لا عقاب عليه لتعقيبه بالعفو في الآية السابقة(4).

و فيه: ان العفو ثابت للفاعل الاول باعتبار جهله بالتحريم و ليس لكل فاعل حتي مع علمه بذلك.3.

ص: 461


1- اي اكثرت له الولد من بطني.
2- و في المصدر اي الكافي 152:6 جيئيني.
3- وسائل الشيعة 506:15 الباب 1 من كتاب الظهار الحديث 2.
4- جواهر الكلام 129:33.
4 - و اما انه يحرم بالظهار وط ء الزوجة قبل التكفير

فيدل عليه صريح الآية الكريمة: وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا... (1) و صحيح الحلبي: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يظاهر من امرأته ثم يريد ان يتم علي طلاقها قال: ليس عليه كفارة. قلت: ان اراد ان يمسها؟ قال:

لا يمسها حتي يكفّر. قلت: فان فعل فعليه شيء؟ قال: اي و اللّه انه لآثم ظالم. قلت: عليه كفارة غير الاولي ؟ قال: نعم يعتق أيضا رقبة»(2) و غيره.

5 - و اما انه لا يجب التكفير بمجرد التلفظ بالظهار من دون ارادة

العود

فيدل عليه ظاهر الآية الكريمة و صحيح الحلبي السابق و غيره. بل يكفي لنفي ذلك القصور في المقتضي بلا حاجة الي دليل يدل علي النفي.

6 - و اما تعدد الكفارة بالوط ء قبل التكفير و عدم تعددها عند

التكفير قبل الوط ء

فيستفاد من صحيح الحلبي السابق و غيره.

7 - و اما ان الزوجة اذا صبرت فلا اعتراض

فباعتبار انها صاحبة الحق فمع تنازلها فلا موجب للاعتراض.

و اما انها اذا رفعت امرها الي الحاكم خيّره علي البيان المتقدم فقد يستدل له بموثق ابي بصير: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ظاهر من امرأته قال: ان اتاها فعليه عتق رقبة او صيام شهرين متتابعين او اطعام ستين مسكينا و الا ترك ثلاثة اشهر، فان فاء و الا اوقف حتي

ص: 462


1- المجادلة: 3.
2- وسائل الشيعة 527:15 الباب 15 من كتاب الظهار الحديث 4.

يسأل: لك حاجة في امرأتك او تطلقها؟ فان فاء فليس عليه شيء و هي امرأته، و ان طلق واحدة فهو املك برجعتها»(1).

و لكنه - كما تري - لا يدل علي التضييق في المأكل و المشرب فلا بدّ من اتمام ذلك بالتسالم و عدم الخلاف أو ان يبني علي التعدي من روايات باب الايلاء الدالة علي التضييق(2) الي باب الظهار بناء علي عدم فهم الخصوصية.

هذا و قد ورد في بعض الكلمات انه اذا لم يجده كل ذلك طلقها الحاكم. و لكنه قابل للتأمل، اذ لا نص يدل علي ذلك و ليس موردا للاتفاق فلاحظ .

8 - و اما ان الكفارة ما تقدم

فتدل عليه الآية الكريمة: وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً (3) و موثق ابي بصير المتقدم و نحوه.

و اما انه اذا عجز عن الجميع صام ثمانية عشر يوما فيدل عليه موثق ابي بصير الآخر: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ظاهر من امرأته فلم يجد ما يعتق و لا ما يتصدق و لا يقوي علي الصيام قال: يصوم ثمانية عشر يوما لكل عشرة مساكين ثلاثة ايام»(4).

ص: 463


1- وسائل الشيعة 533:15 الباب 18 من كتاب الظهار الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 545:15 الباب 11 من أبواب الايلاء.
3- المجادلة: 3-4.
4- وسائل الشيعة 558:15 الباب 8 من أبواب الكفارات الحديث 1.

2 - شرائط الظهار

اشارة

يلزم لتحقق الظهار حضور شاهدين عادلين يسمعان قول المظاهر. كما يلزم بلوغه و عقله و اختياره و قصده و عدم غضبه.

و يلزم في الزوجة المظاهرة الدخول بها و كونها علي طهر لم تواقع فيه.

و لا يقع الظهار اذا قصد به الاضرار بالزوجة. و هكذا لا يقع اذا قصد به الزجر، كما لو قال الزوج: فلانة كظهر أمي عليّ ان تركت الصلاة.

و المستند في ذلك:

1 - اما انه يلزم في تحقق الظهار حضور شاهدين عادلين

فقد ادعي في الجواهر عدم وجدانه الخلاف في ذلك(1). و يدل عليه صحيح حمران: «قال ابو جعفر عليه السّلام: لا يكون ظهار في يمين و لا في اضرار و لا في غضب، و لا يكون ظهار الا في طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين»(2).

اجل يظهر الخلاف من الشهيد الثاني حيث ذكر ان النص عبّر بلزوم كونهما مسلمين لا اكثر(3).

و فيه: ان الإسلام وحده لا تحتمل كفايته اذ شهادة الفاسق الذي لا رادع له عن الكذب كيف تحتمل كفايتها و ما هي فائدتها؟! فالرواية علي هذا اطلقت اعتمادا علي وضوح الامر. و قد ورد في صحيحة بن ابي

ص: 464


1- جواهر الكلام 105:33.
2- وسائل الشيعة 509:15 الباب 2 من كتاب الظهار الحديث 1.
3- مسالك الافهام 76:2.

يعفور: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتي تقبل شهادته لهم و عليهم...»(1).

2 - و اما اعتبار بلوغ الزوج المظاهر و عقله

فلعدة امور:

أ - التمسك بحديث رفع القلم(2) المتقدم في ابحاث سابقة، بناء علي شمول اطلاقه لقلم الوضع أيضا. و ضعف سنده منجبر بعمل المشهور بناء علي تمامية كبري الجابرية.

ب - اتفاق الاصحاب علي اعتبار البلوغ و العقل في البيع و سائر التصرفات، و الظهار ان لم يكن اولي بذلك فلا أقلّ من عدم الفرق بينهما.

ج - ان الادلة الدالة علي حصول التحريم بالظهار ناظرة الي خصوص البالغ العاقل بقرينة اثباتها لعنوان الزور و المنكر و لوجوب الكفارة علي ارادة العود، و يبقي غيره بلا دليل يدل علي حصول التحريم به فيتمسك بالاستصحاب.

هذا كله لو فرض تحقق القصد الي الظهار - كما في العاقل - و الا فالامر اوضح.

3 - و اما اعتبار الاختيار

فلحديث نفي الاكراه(3).

و اما اعتبار القصد فلانه بدونه لا يصدق عنوان الظهار. علي ان بعض الروايات قد دلت علي ذلك، كموثقة عبيد بن زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا طلاق الا ما اريد به الطلاق و لا ظهار الا ما اريد به

ص: 465


1- وسائل الشيعة 288:18 الباب 41 من أبواب الشهادات الحديث 1.
2- وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات.
3- وسائل الشيعة 295:11 الباب 56 من أبواب جهاد النفس الحديث 1.

الظهار»(1) و غيرها.

و اما اعتبار عدم الغضب فلصحيح حمران المتقدم. و مقتضي اطلاقه الشمول لحالة ثبوت القصد أيضا.

4 - و اما اعتبار الدخول بالزوجة في تحقق الظهار بها

فقد وقع محلا للخلاف. و المناسب اعتباره لصحيح محمد بن مسلم عن ابي جعفر و ابي عبد اللّه عليهما السّلام: «المرأة التي لم يدخل بها زوجها، قال: لا يقع عليها ايلاء و لا ظهار»(2) و غيره.

هذا و لكن نسب الي الشيخ المفيد و السيد المرتضي عدم الاعتبار(3). و قد يستدل له اما باطلاق الآية الكريمة او بما رواه الشيخ الكليني بسنده الي ابن فضال عمن اخبره عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا يكون الظهار الا علي مثل موضع الطلاق»(4) بتقريب ان صحة الطلاق ليست مشروطة بالدخول فيلزم ان يكون الامر في الظهار كذلك.

و فيه:

اما بالنسبة الي اطلاق الآية الكريمة فهو قابل للتقييد بصحيح محمد بن مسلم المتقدم.

و اما بالنسبة الي رواية ابن فضال فهي تدل علي ان الظهار لا يصح في المورد الذي لا يصح فيه الطلاق و لا تدل علي انه كلما صح الطلاق صح الظهار.

ص: 466


1- وسائل الشيعة 510:15 الباب 3 من كتاب الظهار الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 516:15 الباب 8 من كتاب الظهار الحديث 2.
3- جواهر الكلام 124:33.
4- وسائل الشيعة 509:15 الباب 2 من كتاب الظهار الحديث 3.

هذا مضافا الي ضعف سندها بالارسال الا بناء علي المسلك القائل بحجية كل رواية ورد في سندها احد بني فضال استنادا الي ما رواه الشيخ الطوسي عن عبد اللّه الكوفي خادم الشيخ الحسين بن روح رضي اللّه عنه قال: «سئل الشيخ - يعني ابا القاسم - رضي اللّه عنه عن كتب ابن ابي العزاقر بعد ما ذم و خرجت فيه اللعنة فقيل له: فكيف نعمل بكتبه و بيوتنا منه ملاء؟ فقال: اقول فيها ما قاله ابو محمد الحسن بن علي صلوات اللّه عليهما و قد سئل عن كتب بني فضال فقالوا: كيف نعمل بكتبهم و بيوتنا منها ملاء؟ فقال صلوات اللّه عليه: خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا»(1).

و المسلك المذكور قابل للتأمل لضعف الرواية المذكورة سندا بعبد اللّه الكوفي، فانه مجهول الحال، و دلالة حيث تدل علي انه لا موجب للتوقف من ناحية بني فضال اذا وردوا في سند رواية لا ان الرواية تكون حجة حتي مع ضعفها من جهات اخري.

5 - و اما اعتبار وقوعه في طهر لم يواقع فيه

فلصحيح حمران المتقدم.

و هل شرطية الطهر تختص بما اذا كان الزوج حاضرا كما هو الحال في الطلاق ؟ مقتضي اطلاق الصحيح المتقدم نفي الاختصاص المذكور الا ان المشهور - بل في الجواهر نفي الخلاف في ذلك(2) - علي الاختصاص. و معه يكون المناسب العمل علي وفق ما يقتضيه الاحتياط .

ص: 467


1- الغيبة للشيخ الطوسي: 239.
2- جواهر الكلام 123:33.
6 - و اما انه لا يصح الظهار اذا قصد به الاضرار او الزجر

فلصحيح حمران المتقدم و صحيح صفوان عن ابي الحسن عليه السّلام: «سألته عن الرجل يصلي الصلوات او يتوضأ فيشك فيها بعد ذلك فيقول: ان اعدت الصلاة أو اعدت الوضوء فامرأته عليه كظهر امه و يحلف علي ذلك بالطلاق فقال: هذا من خطوات الشيطان ليس عليه شيء»(1) و غيرهما.

هذا مضافا إلي ما يأتي في مبحث اليمين من عدم صحته الا باللّه سبحانه.

ص: 468


1- وسائل الشيعة 513:15 الباب 6 من كتاب الظهار الحديث 4.

كتاب الإيلاء

اشارة

1 - ما هو الايلاء

2 - من أحكام الايلاء

ص: 469

ص: 470

1 - ما هو الايلاء؟

اشارة

الايلاء هو الحلف علي ترك مواقعة الزوجة - الدائمة المدخول بها - ابدا او مدة تزيد علي أربعة أشهر بقصد ايذائها و الاضرار بها دون ما اذا لم يكن كذلك، كما اذا حلف علي ذلك حفاظا علي صحته أو صحتها.

و مع فقدان بعض القيود المذكورة لا ينعقد الحلف ايلاء و ان انعقد يمينا و ترتبت عليه آثاره اذا اجتمعت شروطه.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الايلاء ما ذكر

فهو معناه شرعا و الا فهو لغة بمعني مطلق الحلف. و الفعل آلي يؤلي.

و قد كان الايلاء في الجاهلية نحوا من الطلاق كالظهار، فاذا غضب الزوج علي زوجته حلف علي عدم مواقعتها قاصدا بذلك تضييق الخناق عليها فلا يطلق سراحها - كما في الطلاق - لتتزوج من غيره و لا يعود اليها ليعيش معها.

و قد جاء قوله تعالي: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ

ص: 471

أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَ إِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) متعرضا الي حكم الايلاء و محددا للفترة التي يتمكن الزوج فيها من اتخاذ القرار النهائي، و هي اربعة أشهر فاما ان يعود و يعيش معها او يخلي سبيلها بالطلاق. و من الطبيعي ان يشجّع الكتاب الكريم علي الاول، و لذا قال: فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .

2 - و اما اعتبار دوام العقد

فهو المشهور. و يدل عليه:

أ - قوله تعالي: وَ إِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ ... فانه ظاهر في اعتبار قبول الزوجة المؤلّي منها للطلاق و هو لا يتم الا في الدائمة.

ب - ان من لوازم صحة الايلاء جواز مطالبة الزوجة بالوط ء، و هو لا يتم الا في الدائمة.

ج - التمسك بصحيحة عبد اللّه بن ابي يعفور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«لا ايلاء علي الرجل من المرأة التي يتمتع بها»(2).

د - اذا شك في ترتب الاثر بايلاء المتمتع بها يستصحب عدم ترتب الاثر لو فرض القصور في المقتضي.

و من ذلك يتضح التأمل فيما هو المنسوب الي السيد المرتضي من وقوعه بالمتمتع بها تمسكا بعموم الآية الكريمة الذي لا يخصصه عود الضمير الي البعض. و جواز المطالبة بالوط ء لم يثبت كونه من لوازم مطلق الايلاء بل خصوص الايلاء المتعلق بالزوجة الدائمة(3).

و وجه التأمل: ان عود الضمير الي البعض اذا لم يستلزم

ص: 472


1- البقرة: 226-227.
2- تهذيب الاحكام 8:8 الرقم 22.
3- جواهر الكلام 308:33.

التخصيص فلا أقلّ من استلزامه الاجمال و عدم انعقاد العموم، و معه يرجع الي الاستصحاب بلا مانع. علي انه بناء علي المبني المعروف من حجية الخبر يكفينا التمسك بالصحيحة.

3 - و اما اشتراط الدخول

فلم يعرف فيه خلاف للروايات الخاصة، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر و ابي عبد اللّه عليهما السّلام: «في المرأة التي لم يدخل بها زوجها قال: لا يقع عليها ايلاء و لا ظهار»(1) و غيرها(2).

4 - و اما اعتبار ان تكون الفترة المحلوف علي ترك الوط ء فيها

تزيد علي اربعه اشهر

فتدل عليه رواية زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «قلت له: رجل آلي ان لا يقرب امرأته ثلاثة أشهر فقال: لا يكون ايلاء حتي يحلف علي اكثر من اربعة اشهر»(3).

لكنها قابلة للتأمل سندا من ناحية القاسم بن عروة فانه لم تثبت وثاقته.

و قد يعوض عنها بصحيحة حفص بن البختري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا غاضب الرجل امرأته فلم يقربها من غير يمين اربعة أشهر استعدت عليه فاما ان يفيء و اما ان يطلق فان تركها من غير مغاضبة او يمين فليس بمؤل»(4) ، فانه يستفاد منها انه يكون مؤليا لو ترك وطأها اربعة اشهر عن يمين.

و علي اي حال لم يعرف خلاف في الحكم المذكور.

ص: 473


1- وسائل الشيعة 516:15 الباب 8 من كتاب الظهار الحديث 2.
2- يمكن مراجعة بقية الروايات في وسائل الشيعة 538:15 الباب 6 من أبواب الايلاء.
3- وسائل الشيعة 538:15 الباب 6 من أبواب الايلاء الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 535:15 الباب 1 من أبواب الايلاء الحديث 2.
5 - و اما اعتبار ان يكون الحلف علي ترك الوط ء بقصد الاضرار

فلا خلاف فيه. و تدل عليه موثقة السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اتي رجل امير المؤمنين فقال: يا امير المؤمنين ان امرأتي ارضعت غلاما و اني قلت: و اللّه لا اقربك حتي تفطميه فقال: ليس في الاصلاح ايلاء»(1).

و اذا شكك في السند من ناحية النوفلي الراوي عن السكوني فبالامكان التعويض بصحيحة حفص بن البختري المتقدمة، فانه بالامكان استفادة ذلك منها فلاحظ .

6 - و اما انه عند فقدان بعض الشرائط المتقدمة لا ينعقد ايلاء

فواضح

، فان ذلك مقتضي الشرطية و من لوازمها.

و اما انه ينعقد يمينا فلان الايلاء يمين و لا وجه للتوقف في انعقاده يمينا بعد فرض توفر شرائط ذلك.

2 - من احكام الايلاء

اشارة

لا ينعقد الايلاء - كمطلق اليمين - الا باسمه تعالي.

و اذا تمّ بشرائطه فمع صبر الزوجة فلا اعتراض و الا رافعته الي الحاكم الشرعي فان تراجع خلال اربعة اشهر و واقعها خلال ذلك فهو و الا الزمه بأحد امرين: الرجوع او الطلاق. و اذا لم يستجب سجنه و ضيّق عليه في المأكل و المشرب حتي يختار احدهما.

و في بداية الاشهر الاربعة و انها من حين المرافعة او من حين

ص: 474


1- وسائل الشيعة 537:15 الباب 4 من أبواب الايلاء الحديث 1.

الايلاء خلاف.

و علي الزوج اذا واقع زوجته - خلال الفترة المذكورة او قبلها او بعدها - التكفير الا اذا فرض التحديد بفترة معينة و تحققت المواقعة بعد انتهائها.

و كفارة الايلاء ككفارة حنث اليمين التي يأتي بيانها في المحل المناسب ان شاء اللّه تعالي.

و المستند في ذلك:

1 - اما انه لا ينعقد الايلاء الا اذا كان الحلف باللّه سبحانه

فلانه فرد من اليمين فيعتبر فيه ما يعتبر فيه. علي انه يمكن استفادة ذلك من الروايات الخاصة، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الايلاء ما هو؟ فقال: هو ان يقول الرجل لامرأته: و اللّه لا اجامعك كذا و كذا...»(1).

2 - و اما انه اذا تمّ الايلاء و صبرت الزوجة فلا اعتراض

فواضح باعتبار انها صاحبة الحق و لصاحب الحق التنازل عن حقه.

و اما انها اذا لم تصبر فلها الحق في رفع امرها الي الحاكم الشرعي فلدلالة الروايات المتعددة عليه. و قد سبق بعضها و يأتي بعضها الآخر.

و اما ان للحاكم الحق في الالزام بأحد الامرين عند انتهاء المدة فذلك لازم جواز رفع القضية الي الحاكم و الا كان رفعها اليه لغوا. علي ان ذلك يستفاد من بعض الروايات الآتية.

3 - و اما ان الحاكم يضيّق عليه في المأكل و المشرب اذا امتنع من الامرين في نهاية المدة

ص: 475


1- وسائل الشيعة 541:15 الباب 9 من أبواب الايلاء الحديث 1.

فقد دلت عليه رواية حماد بن عثمان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «المؤلي اذا أبي ان يطلق قال: كان امير المؤمنين عليه السّلام يجعل له حظيرة من قصب و يجعله فيها و يمنعه من الطعام و الشراب حتي يطلق»(1) و غيرها.

و لكن الجميع ضعيف السند فلاحظ . و لا بدّ من اتمام المطلب بالتسالم ان تمّ .

ثم انه اذا امتنع المؤلي من اختيار احد الامرين اما مع التضييق عليه في المأكل و المشرب او بدونه فهل للحاكم التصدي للطلاق ؟ نعم له ذلك لموثق سماعة: «... و ان لم يف بعد اربعة اشهر حتي يصالح اهله او يطلّق جبر علي ذلك و لا يقع طلاق فيما بينهما حتي يوقف و ان كان بعد الاربعة اشهر فان أبي فرّق بينهما الامام»(2).

4 - و اما بداية المدة

فالمشهور انها من حين المرافعة. و الروايات مختلفة:

أ - فمنها ما دلّ علي ان البداية هي المرافعة، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الايلاء هو ان يحلف الرجل علي امرأته ان لا يجامعها فان صبرت عليه فلها ان تصبر و ان رفعته الي الامام انظره اربعة اشهر...»(3) و غيرها.

ب - و منها ما دلّ علي انها تحقق الايلاء، كصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ايما رجل آلي من امرأته... فانه يتربص به اربعة

ص: 476


1- وسائل الشيعة 545:15 الباب 11 من ابواب الايلاء الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 542:15 الباب 9 من أبواب الايلاء الحديث 4.
3- وسائل الشيعة 541:15 الباب 8 من أبواب الايلاء الحديث 6.

اشهر ثم يؤخذ بعد الاربعة اشهر فيوقف فاذا فاء...»(1).

و المناسب علي تقدير استقرار التعارض ترجيح الثانية لموافقتها لظاهر الكتاب الكريم الدال علي اتحاد وقت الايلاء و التربص.

هذا و لكن الشهرة حيث انها علي وفق مضمون الاولي فينبغي العمل علي وفق الاحتياط .

5 - و اما لزوم الكفارة

فهو مما لا اشكال فيه من جهة تحقق حنث اليمين.

و منه يتضح الوجه في كونها ككفارة حنث اليمين.

و هل يلزم دفعها بعد الوط ء او قبله ؟ قد يقال بلزوم كونها قبله تمسكا بظاهر رواية منصور: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل آلي من امرأته فمرت اربعة اشهر قال: يوقف فان عزم الطلاق بانت منه و عليها عدة المطلقة و الا كفر عن يمينه و امسكها»(2).

الا ان سندها قابل للتأمل، فان الشيخ الصدوق رواها بسنده عن ابان بن عثمان عن منصور. و طريقه الي ابان صحيح في المشيخة(3).

و ابان نفسه ثقة لكونه من اصحاب الاجماع الا ان المشكلة هي من ناحية منصور، فان ابان بن عثمان يروي عن منصور بن حازم الذي هو ثقة و عن منصور الصيقل الذي لم تثبت وثاقته، فالمشكلة هي من حيث منصور لتردده بين الثقة و غيره.

و عليه فالمناسب ان تكون الكفارة بعد الوط ء لأنه آنذاك يتحقق

ص: 477


1- وسائل الشيعة 539:15 الباب 8 من أبواب الايلاء الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 547:15 الباب 12 من أبواب الايلاء الحديث 3.
3- مشيخة كتاب من لا يحضره الفقيه 83:4.

حنث اليمين فيلزم التكفير لأجله.

6 - و اما عدم ثبوت الكفارة اذا كانت اليمين محدّدة بفترة و تحققت

المواقعة بعد انتهائها

فالامر فيه واضح لعدم تحقق الحنث آنذاك.

و ينبغي الالتفات الي ان الحنث هنا يختلف عنه في سائر الموارد فهو جائز بل واجب بعد انقضاء المدة و مطالبتها و امر الحاكم.

و يختلف الايلاء أيضا عن سائر موارد اليمين بانعقاده بالرغم من كون مخالفته راجحة علي خلاف سائر الموارد فانها لا تنعقد في مثل ذلك.

ص: 478

كتاب اللّعان

اشارة

1 - ما هو اللعان

2 - صيغة اللعان

3 - من أحكام اللعان

ص: 479

ص: 480

1 - ما هو اللعان ؟

اشارة

اللعان مباهلة بين الزوجين علي وجه خاص يترتب عليها دفع حدّ أو نفي ولد. و يثبت في موردين:

1 - القذف بالزنا، فانه لا يجوز قذف المسلم بالزنا حتي مع تراكم القرائن علي صحة النسبة الا مع الاطلاع علي ذلك بنحو اليقين. و يلزم حدّ القاذف حدّ القذف حتي مع يقينه بصحة النسبة. و لكن بامكانه دفع الحدّ عن نفسه إذا فرض أحد أمرين:

أ - اقامة شهود أربعة يشهدون بذلك.

ب - ان يكون القاذف هو الزوج و المقذوف هو الزوجة، فان بامكان الزوج دفع الحد عن نفسه من خلال اللعان بالكيفية الآتية فيما اذا لم تكن له بينة.

2 - نفي الولد، فانه لا يجوز للشخص اذا ولدت زوجته طفلا نفيه عنه حتي اذا فجرت و ظن بعدم كونه منه لتراكم بعض القرائن ما دام يمكن تولده منه. اجل مع القطع بعدم كونه منه - كما اذا ولدت لأقل من ستة أشهر من

ص: 481

حين الزواج - يجوز له نفيه عنه بل قد يقال بوجوبه و لكن لا ينتفي شرعا في مرحلة الظاهر الا اذا لاعن او قامت البينة علي عدم امكان تولده منه.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان اللعان ما ذكر

فهو من واضحات الفقه. و يستفاد ذلك من قوله تعالي: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ * وَ الْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ * وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ * وَ الْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصّادِقِينَ (1).

و قد ورد في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج: «ان عباد البصري سأل ابا عبد اللّه عليه السّلام و أنا عنده حاضر كيف يلاعن الرجل المرأة ؟ فقال:

ان رجلا من المسلمين أتي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه أ رأيت لو ان رجلا دخل منزله فرأي مع امرأته رجلا يجامعها ما كان يصنع ؟ فأعرض عنه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فانصرف الرجل و كان ذلك الرجل هو الذي ابتلي بذلك من امرأته قال: فنزل الوحي من عند اللّه عز و جل بالحكم فيها قال: فأرسل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله الي ذلك الرجل فدعاه فقال:

أنت الذي رأيت مع امرأتك رجلا؟ فقال: نعم فقال له: انطلق فايتني بامرأتك فان اللّه عز و جل قد انزل الحكم فيك و فيها قال: فاحضرها زوجها فوقفها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و قال للزوج: اشهد اربع شهادات باللّه انك لمن الصادقين فيما رميتها به قال: فشهد قال: ثم قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله:

ص: 482


1- النور: 6-9.

امسك و وعظه. ثم قال: اتق اللّه فان لعنة اللّه شديدة ثم قال: اشهد الخامسة ان لعنة اللّه عليك ان كنت من الكاذبين قال: فشهد فأمر به فنحي. ثم قال عليه السّلام للمرأة: اشهدي اربع شهادات باللّه ان زوجك لمن الكاذبين فيما رماك به قال: فشهدت ثم قال لها: امسكي فوعظها ثم قال لها: اتقي اللّه فان غضب اللّه شديد، ثم قال لها: اشهدي الخامسة ان غضب اللّه عليك ان كان زوجك من الصادقين فيما رماك به قال:

فشهدت قال: ففرّق بينهما و قال لهما: لا تجتمعا بنكاح أبدا بعد ما تلاعنتما»(1).

2 - و اما ثبوت اللعان في مورد القذف

فهو المشهور. و تدل عليه الآية الكريمة و صحيحة ابن الحجاج المتقدمة و غيرها.

هذا و نسب الي الشيخ الصدوق عدم ثبوت اللعان في مورد القذف و انحصاره بنفي الولد و انه في القذف يتعين الجلد ثمانين مستندا في ذلك الي صحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا يقع اللعان حتي يدخل الرجل بامرأته و لا يكون اللعان الا بنفي الولد»(2).

و التأمل في ذلك واضح، فان الحديث المذكور مضافا الي معارضته بخبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «لا يكون اللعان الا بنفي الولد. و قال: اذا قذف الرجل امرأته لا عنها»(3) هو مخالف بنحو صريح للآية الكريمة المتقدمة فيلزم طرحه أو تأويله بما ذكره الشيخ

ص: 483


1- وسائل الشيعة 586:15 الباب 1 من أبواب اللعان الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 604:15 الباب 9 من أبواب اللعان الحديث 2. و قد نقل رأي الشيخ الصدوق هذا في الجواهر 5:34.
3- وسائل الشيعة 604:15 الباب 9 من أبواب اللعان الحديث 1.

الطوسي و نحوه(1).

و اذا كان الشيخ الصدوق قد حصر سبب اللعان بنفي الولد فعلي العكس تماما ما ذهب إليه بعض الاعلام من الاشكال في ثبوت اللعان في مورد نفي الولد اذا لم يكن موجبا للقذف و ينحصر الامر لإثبات انتفاء الولد في مثل ذلك بالبينة.

و لعل منشأ الاشكال ان صحيحة ابي بصير المتقدمة الدالة علي ثبوت اللعان في مورد نفي الولد تدل علي حصر اللعان بالمورد المذكور و حيث ان المضمون المذكور مخالف لصريح الكتاب الكريم الدال علي ثبوت اللعان في مورد القذف فيلزم طرح الصحيحة لأجل ما ذكر، و من ثمّ نعود في مورد نفي الولد اذا لم يكن موجبا للقذف فاقدين للدليل علي ثبوت اللعان.

الا ان هذا البيان - كما تري - وجيه لو فرض انحصار مدرك اللعان في مورد نفي الولد بالصحيحة المتقدمة، و لكن سيأتي وجود غيرها.

3 - و اما انه لا يجوز القذف من دون يقين

فهو مما لا تأمّل فيه فانه من الرمي الموجب للّعنة في الدنيا و الآخرة، و هو من الافك الذي نهي عنه المؤمنون. قال تعالي: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (2). و قال تعالي في قصة الافك: لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً

ص: 484


1- راجع ما نقله الحر في ذيل الحديث لمعرفة تأويل الشيخ الطوسي.
2- النور: 23-24.

وَ قالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ * وَ لَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَ تَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَ تَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَ هُوَ عِنْدَ اللّهِ عَظِيمٌ * وَ لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (1) .

و في الحديث: «جاءت امرأة الي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فقالت: يا رسول اللّه اني قلت لأمتي: يا زانية فقال: هل رأيت عليها زنا فقالت: لا فقال: اما انها ستقاد منك(2) يوم القيامة فرجعت الي أمتها فأعطتها سوطا ثم قالت: اجلديني فأبت الأمة فأعتقتها ثم أتت الي النبي صلّي اللّه عليه و آله فأخبرته فقال: عسي أن يكون به»(3).

4 - و اما ان القاذف يحدّ حدّ القذف - ثمانين جلدة

- فلقوله تعالي:

وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) .

و اما ان القاذف يحدّ حتي مع يقينه بصحة النسبة فلإطلاق الآية الكريمة.

5 - و اما اندفاع الحدّ عن القاذف بلعانه

فللآية الكريمة المتقدمة في الرقم 1.

ص: 485


1- النور: 12-16.
2- في التهذيب 80:10: سيقاد لها منك.
3- وسائل الشيعة 431:18 الباب 1 من أبواب حد القذف الحديث 4.
4- النور: 4.

و اما تقييد اللعان بعدم وجود البينة فللتقييد بذلك في الآية الكريمة نفسها.

6 - و اما ثبوت اللعان في مورد نفي الولد

فيستفاد من صحيحة الكناني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن رجل لاعن امرأته و انتفي من ولدها ثم اكذب نفسه بعد الملاعنة و زعم ان الولد ولده هل يرد عليه ولده ؟ قال: لا و لا كرامة لا يرد عليه و لا تحل له الي يوم القيامة»(1) و غيرها.

7 - و اما عدم جواز نفي الولد في حالة امكان الانتساب

فلقاعدة الفراش المستندة الي قوله صلّي اللّه عليه و آله: «الولد للفراش و للعاهر الحجر» الذي رواه الفريقان.

فمن طرقنا روي سعيد الاعرج في صحيحة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«سألته عن رجلين وقعا علي جارية في طهر واحد لمن يكون الولد؟ قال: للذي عنده لقول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: الولد للفراش و للعاهر الحجر»(2).

و المقصود من قوله عليه السّلام: «للذي عنده» المولي المالك للجارية كما نبّه عليه الكاشاني(3).

و من طرق غيرنا ما رواه مسلم بسنده الي عائشة: «اختصم سعد بن ابي وقاص و عبد بن زمعة في غلام فقال سعد: هذا يا رسول اللّه ابن أخي عتبة بن ابي وقاص عهد إليّ انه ابنه، انظر الي شبهه. و قال عبد بن زمعة: هذا اخي يا رسول اللّه ولد علي فراش ابي من وليدته فنظر رسول

ص: 486


1- وسائل الشيعة 601:15 الباب 6 من أبواب اللعان الحديث 5.
2- وسائل الشيعة 568:14 الباب 58 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 4.
3- الوافي 1407:23.

اللّه صلّي اللّه عليه و آله الي شبهه فرأي شبها بيّنا بعتبة فقال: هو لك يا عبد، الولد للفراش و للعاهر الحجر...»(1).

8 - و اما جواز نفيه عند عدم امكان الانتساب

فلان الفراش لا يتحقق بمجرد العقد خلافا لأبي حنيفة حيث نسب اليه تحققه بذلك فقد نقل العيني: «شذّ ابو حنيفة فيما اذا عقد شخص علي امرأة و طلقها عقيب النكاح من غير امكان الوط ء فأتت بولد لستة أشهر من وقت العقد حيث ألحقه بالزوج. و هذا خلاف ما جرت به عادة اللّه من ان الولد انما يكون من ماء الرجل و المرأة»(2) بل يتحقق بالعقد مع امكان الالتحاق بالزوج، فان القاعدة شرعت في حالات الشك في الانتساب اذ مع الجزم بالانتساب الي الزوج فلا معني لان يعبدنا الشارع بالالحاق به لأنه تعبد بما هو معلوم بالوجدان، كما لا معني للتعبد مع الجزم بعدم امكان الالتحاق اذ لا يمكن التعبد بما يجزم بعدمه.

9 - و اما وجوب نفيه في حالة الجزم بعدم الانتساب

فلأجل ان لا ترتب عليه أحكام الولد من الميراث و النكاح و النظر الي المحارم و غير ذلك مما يعلم بمبغوضية الشارع لترتيبه.

10 - و اما انه لا ينتفي الولد شرعا في مرحلة الظاهر من دون

لعان أو بينة

فلقاعدة الفراش الحاكمة بالالتحاق ظاهرا بصاحب الفراش.

ص: 487


1- صحيح مسلم كتاب الرضاع الباب 10 الولد للفراش و توقي الشبهات الحديث 1457.
2- عمدة القاري 110:11 و هو شرح العيني لصحيح البخاري.

2 - كيفية اللعان

اشارة

و كيفية اللعان أن يبدأ الرجل و يقول أربع مرّات - بعد قذفها أو نفي الولد -:

«اشهد باللّه اني لمن الصادقين فيما قلت من قذفها او نفي ولدها»، ثم يقول مرة واحدة: «لعنة اللّه عليّ ان كنت من الكاذبين».

و اذا تمّ اللعان بالنحو المذكور من الرجل حدّت المرأة حدّ الزنا ان كان قد قذفها بالزنا أو نفي ولدها بنحو يوجب قذفها بالزنا. و بامكانها بدورها ان تدفع الحد عن نفسها بلعانها هي بأن تقول اربع مرات: «اشهد باللّه انه لمن الكاذبين في مقالته»، ثم تقول مرة واحدة: «ان غضب اللّه عليّ ان كان من الصادقين».

و المستند في ذلك:

1 - اما كيفية اللعان بالشكل المتقدم

فتستفاد من الآية الكريمة و صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمتين سابقا في الرقم 1.

2 - و اما انه بلعان الزوج يثبت الحد علي الزوجة و بامكانها دفعه

عنها بلعانها

فتمكن استفادته من الآية الكريمة نفسها حيث قالت:

وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ ... (1) كما هو واضح.

3 - و اما تقييد نفي الولد بما اذا استلزم القذف

فلانه بدون ذلك لا يثبت في حق المرأة ما يستوجب اقامة الحدّ عليها.

ص: 488


1- النور: 7.

3 - من أحكام اللعان

اشارة

اذا تمّ اللعان من الزوج أو الزوجة ترتبت الاحكام التالية:

1 - انفساخ عقد النكاح.

2 - الحرمة المؤبدة، فلا تحل للزوج حتي بعقد جديد.

و هذان الحكمان ثابتان في مطلق اللعان من دون فرق بين كونه للقذف أو لنفي الولد.

3 - سقوط الحدّ عن الزوج - اذا تحقق منه القذف بالزنا او نفي الولد بنحو موجب للقذف - بلعانه و يسقط عنها بلعانها. اما اذا لاعن هو و نكلت هي حدت هي دونه. و اذا لم يلاعن هو أيضا حدّ هو دونها.

4 - اذا كان التلاعن لنفي الولد ترتب عليه انتفاء الولد عن الرجل و بقي ملتحقا بالمرأة فقط و من ثمّ ينتفي التوارث بينهما بل بينه و بين كل من ينتسب بواسطته كالجد و الجدة و الاخ و الاخت للأب و العم و العمة، و يبقي منحصرا بينه و بين امه و من ينتسب بواسطتها.

و اذا لاعن هو دونها انتفي عن الرجل فقط أيضا و لا يثبت في حق المرأة شيء الا اذا كان نفي الولد بنحو موجب للقذف فيثبت عليها الحد الا ان تلاعن.

و من الاحكام ان انتفاء الولد عن الزوج لا يلازم كونه ولد زنا لاحتمال كونه من وط ء شبهة. و عليه فلا يجوز له رميها بالزنا الا مع اليقين.

و لا يتمكن الزوج من لعان زوجته اذا قذفها بالزنا الا اذا ادعي المشاهدة و لم تكن له بينة و الا تعين عليه اقامتها لنفي الحدّ و لا تصل النوبة

ص: 489

الي اللعان.

و لا يثبت اللعان عند قذف الزوجة اذا كانت خرساء او صماء بل تحرم بمجرد القذف من دون توقف علي لعان.

و لا يثبت اللعان لنفي الولد مع كون الزوجة متمتعا بها او غير مدخول بها.

و لا يقع اللعان الا عند الحاكم الشرعي و بطلب منه فلو بادرا اليه قبل طلبه لم يصح.

و يلزم ان يكونا قائمين عند التلفظ بصيغة اللعان.

و المستند في ذلك:

1 - اما ترتب انفساخ العقد و الحرمة المؤبدة علي مطلق اللعان

فهو مما لا اشكال فيه. و يستفاد ذلك في لعان القذف من صحيحة عبد الرحمن المتقدمة و غيرها، و في لعان نفي الولد من صحيحة الكناني المتقدمة و غيرها.

بل يمكن ان يقال: ان المستفاد من صحيحة عبد الرحمن ان الحرمة المؤبدة هي من شئون اللعان بلا خصوصية لكونه لأجل القذف.

2 - و اما سقوط الحدّ عن الرجل و المرأة بلعانهما

فيستفاد من قوله تعالي: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ ... (1) و من صحيحة ابن الحجاج المتقدمة فلاحظ .

و اما انه اذا لاعن هو دونها حدّت دونه فيستفاد من الآية الكريمة

ص: 490


1- النور: 6-9.

لأنها ظاهرة في ان لعان كل واحد من الزوجين موجب لدرء الحدّ عن نفسه، بل قد يستفاد من صحيحة ابن الحجاج أيضا.

و اما انه اذا لم يلاعن الرجل أيضا حدّ دونها فباعتبار تحقق القذف منه فيحد، و اما هي فحيث لم يثبت في حقها المقذوف به فلا موجب لحدها.

3 - و اما انه اذا تلاعنا لنفي الولد ترتب عليه انتفاؤه عنه دونها

فواضح.

اما عدم انتفائه عنها فلعدم الموجب اذ هي لم تنفه عنها.

و اما انتفاؤه عنه فلانه لو لا ذلك لم تكن للعانة فائدة.

و تدل علي كلا الحكمين صحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«المرأة يلاعنها زوجها و يفرّق بينهما الي من ينسب ولدها؟ قال: الي امه»(1).

4 - و اما عدم التوارث بين الولد و الرجل و من ينتسب بواسطته

فلان ذلك لازم انتفائه عنه باللعان.

5 - و اما انه اذا لاعن الرجل فقط انتفي الولد عنه أيضا

فلانه لازم اللعان و فائدته.

و اما عدم ثبوت الحدّ علي المرأة فلعدم الموجب لذلك بعد عدم قذفها بالزنا.

و اما انها تحدّ لو لم تلاعن فيما اذا كان نفي الولد بنحو موجب لقذفها بالزنا فباعتبار دخول المورد آنذاك تحت عنوان القذف بالزنا.

ص: 491


1- وسائل الشيعة 608:15 الباب 14 من أبواب اللعان الحديث 2.
6 - و اما ان نفي الولد لا يلازم كونه ابن زنا و من ثمّ لا يجوز رمي

المرأة بالزنا الا مع اليقين

فواضح.

7 - و اما ان الزوج لا يتمكن من اللعان عند القذف الا اذا ادعي

المشاهدة

فهو مما لا اشكال فيه لصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«اذا قذف الرجل امرأته فانه لا يلاعنها حتي يقول: رأيت بين رجليها رجلا يزني بها»(1) و غيرها.

و اما اختصاص اللعان بحالة فقدان البينة فقد تقدم انه يستفاد من الآية الكريمة.

8 - و اما عدم ثبوت اللعان في مورد قذف الزوجة الخرساء أو

الصماء

فلم يظهر فيه خلاف بين الاصحاب. و يدل عليه صحيح الحلبي و محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل قذف امرأته و هي خرساء، قال: يفرّق بينهما»(2) و غيرها، فان مقتضي اطلاقها ثبوت التحريم من دون لعان.

و في موثقة اسماعيل بن ابي زياد(3) عن جعفر عن ابيه ان عليا قال: «ليس بين خمس من النساء و أزواجهن ملاعنة... و الخرساء ليس بينها و بين زوجها لعان انما اللعان باللسان»(4).

و الحديثان - كما تري - ناظران الي الخرساء فالتعميم الي الصماء يحتاج الي التمسك بتسالم الاصحاب ان تمّ .

ص: 492


1- وسائل الشيعة 594:15 الباب 4 من أبواب اللعان الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 602:15 الباب 8 من أبواب اللعان الحديث 1.
3- و هو السكوني.
4- وسائل الشيعة 598:15 الباب 5 من أبواب اللعان الحديث 12.
9 - و اما عدم ثبوت اللعان لنفي الولد مع فرض التمتع بالزوجة أو

عدم الدخول

فلصحيحة ابن ابي يعفور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا يلاعن الرجل المرأة التي يتمتع منها»(1) و صحيحة ابي بصير المتقدمة: «لا يقع اللعان حتي يدخل الرجل بامرأته...»(2).

10 - و اما اعتبار ان يكون اللعان عند الحاكم

فقد ذكر في الجواهر: ان ذلك قد صرّح به جماعة من الاصحاب(3).

و لا يظهر بوضوح من الروايات اعتبار ما ذكر. اجل ورد في صحيحة احمد بن محمد بن ابي نصر: «سألت ابا الحسن الرضا عليه السّلام كيف الملاعنة ؟ فقال: يقعد الامام و يجعل ظهره الي القبلة و يجعل الرجل عن يمينه و المرأة عن يساره»(4) و غيرها ما يدل علي قعود الامام حالة الملاعنة الا ان ذلك لا يدل علي شرطية الكون حالة الملاعنة عند الامام.

و لكن مع ذلك يمكن الاستدلال بما يلي:

أ - ان اللعان نحو من الشهادة او الحلف، و هما من وظائف الحاكم و لا يصحّان الا لديه.

ب - ان الدليل علي شرطية اداء اللعان عند الحاكم و ان لم يكن ثابتا الا انه في نفس الوقت لا دليل علي صحته و ترتب الاثر عليه لدي غير الحاكم فان النصوص لا اطلاق فيها من هذه الناحية. و معه ينبغي الاقتصار علي القدر المتيقن و هو ما اذا كان الاداء لدي الحاكم اذ في

ص: 493


1- وسائل الشيعة 605:15 الباب 10 من أبواب اللعان الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 604:15 الباب 9 من أبواب اللعان الحديث 2.
3- جواهر الكلام 53:34.
4- وسائل الشيعة 588:15 الباب 1 من أبواب اللعان الحديث 5.

غير ذلك يشك في ترتب الاثر فيستصحب عدمه.

و بالوجهين المذكورين يمكن التمسك أيضا لإثبات اعتبار طلب الحاكم لأداء اللعان في صحته.

11 - و اما انه يعتبر قيام المتلاعنين حالة ادائهما اللعان

فهو منقول عن جملة من الاصحاب. و يمكن استفادته من صحيح علي بن جعفر عن اخيه ابي الحسن عليه السّلام: «سألته عن الملاعنة قائما يلاعن أم قاعدا قال: الملاعنة و ما أشبهها من قيام»(1).

ص: 494


1- وسائل الشيعة 588:15 الباب 1 من أبواب اللعان الحديث 6.

كتاب اليمين و النّذر و العهد

اشارة

1 - اليمين المبحوث عنها

2 - من أحكام اليمين

3 - من أحكام النذر

4 - من أحكام العهد

ص: 495

ص: 496

1 - اليمين المبحوث عنها

اشارة

اليمين التي يجب الوفاء بها و تترتب علي مخالفتها الكفارة هي المأتي بها لتأكيد ما التزمه المكلف علي نفسه.

و اما اذا كانت لتأكيد الاخبار فهي محرمة اذا كانت علي خلاف الواقع و يكون الحالف مأثوما - الا اذا كانت لدفع ظلم عن الحالف نفسه او سائر المؤمنين - و لكن لا كفارة فيها.

و اذا كانت للمناشدة فلا كفارة فيها و لا اثم في المخالفة.

و المستند في ذلك:

1 - اليمين لها أقسام ثلاثة:

أ - اليمين التي يقصد بها تأكيد الاخبار عن الماضي او المستقبل، كقول القائل: و اللّه اني جئت امس او اجيء غدا، او و اللّه اني لم اتلف ملك فلان او و اللّه سأتلفه، و ما شاكل ذلك.

و اليمين المتداولة من المدعي عليه - او المدعي احيانا - في باب الدعوي هي من هذا القبيل.

ص: 497

ب - اليمين التي يستعان بها في مقام الطلب و المناشدة، كقول القائل: اقسم عليك باللّه ان تفعل كذا.

ج - اليمين التي يقصد بها تأكيد ما التزمه الشخص علي نفسه، كما اذا التزم بترك التدخين و اكّده بقوله: «و اللّه لا أدخّن»، فانه لا يقصد بذلك الاخبار عن عدم تدخينه في المستقبل و تأكيده من خلال القسم، كما هو الحال في القسم الاول بل هناك التزام بترك ذلك و تأكيد ذلك الالتزام بواسطة اليمين.

و اليمين التي هي محل البحث و يقال انه يجب الوفاء بها و يوجب حنثها الكفارة هي ما كان من قبيل القسم الاخير، و اما غيرها فلا يجب الوفاء به بل لا معني لذلك لعدم وجود التزام ليجب الوفاء به او لتحرم مخالفته فالمخالفة غير متصورة ليتحقق الحنث و تجب الكفارة. اجل مخالفة اليمين للواقع المخبر عنه متصورة و لكنها شيء آخر غير مخالفة الحالف نفسه لليمين.

2 - و اما انه يجب الوفاء باليمين التي يقصد بها تأكيد ما التزمه

المكلف علي نفسه

فهو من واضحات الفقه. قال تعالي: وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها (1) ، لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ (2) ، لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ ... وَ احْفَظُوا أَيْمانَكُمْ (3).

3 - و اما وجوب الكفارة في مخالفة اليمين من القسم الاول

فهو

ص: 498


1- النحل: 91.
2- البقرة: 225.
3- المائدة: 89.

من المسلمات. و يدل عليه قوله تعالي: لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ (1) ، اي اذا حلفتم و نكثتم كما هو واضح.

4 - و اما ان اليمين لتأكيد الاخبار لا كفارة فيها

فهو متسالم عليه و لم ينسب الخلاف في ذلك الا الي الشافعي(2). و قد تقدم الوجه في ذلك.

و اما انها تحرم اذا كانت كاذبة فهو باعتبار حرمة الكذب بل تتضاعف الحرمة لانطباق عنوان آخر و هو الحلف باللّه كاذبا. و اذا كان ذلك في باب الدعوي و فصل الخصومة تضاعف الاثم و الحرمة اكثر.

و قد يعبر عنها باليمين الغموس لأنها تغمس صاحبها في الاثم.

و في الحديث عن ابي جعفر عليه السّلام: «ان في كتاب علي عليه السّلام ان اليمين الكاذبة و قطيعة الرحم تذران الديار بلاقع من اهلها(3) و تثقل الرحم(4) ، يعني انقطاع النسل»(5).

و في حديث آخر: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: من حلف علي يمين و هو يعلم انه كاذب فقد بارز اللّه»(6).

ص: 499


1- المائدة: 89.
2- جواهر الكلام 265:35.
3- أي: خالية من أهلها.
4- و في بعض النسخ: تنغل. يقال نغل الجرح، أي فسد. و المراد في الحديث: تفسد الرحم بالعقم.
5- وسائل الشيعة 144:16 الباب 4 من أبواب الايمان الحديث 1.
6- وسائل الشيعة 144:16 الباب 4 من أبواب الايمان الحديث 4.
5 - و اما استثناء حالة دفع الظلم

فلعدة روايات كصحيحة اسماعيل بن سعد الاشعري عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام: «سألته... عن رجل يخاف علي ماله من السلطان فيحلف لينجو به منه قال: لا جناح عليه. و سألته هل يحلف الرجل علي مال اخيه كما يحلف علي ماله ؟ قال: نعم»(1) و غيرها.

هذا اذا لم يصل الامر الي درجة الاضطرار او الاكراه و الا فالامر اوضح لحديث: «رفع عن امتي ما اضطروا اليه و ما استكرهوا عليه»(2).

و هل يلزم لجواز الحلف كذبا عدم امكان التخلص بالتورية ؟ مقتضي اطلاق الصحيحة السابقة عدم اعتبار ذلك.

6 - و اما عدم ترتب اثر - من الكفارة و الاثم - علي يمين المناشدة

فلقوله تعالي: لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ (3) و لموثق حفص و غير واحد من اصحابنا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن الرجل يقسم علي اخيه قال: ليس عليه شيء انما اراد اكرامه»(4) و غيره.

و في صحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قول اللّه عز و جل:

لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ قال: هو لا و اللّه و بلي و اللّه»(5).

بل لا نحتاج الي نص خاص و يكفينا مقتضي القاعدة اذ المحلوف عليه لم يحلف ليلزم به و الحالف نفسه لم يتحقق منه التزام بفعله

ص: 500


1- وسائل الشيعة 162:16 الباب 12 من أبواب الايمان الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 295:11 الباب 56 من أبواب جهاد النفس الحديث 1.
3- البقرة: 225.
4- وسائل الشيعة 209:16 الباب 42 من ابواب الايمان الحديث 1.
5- وسائل الشيعة 174:16 الباب 17 من ابواب الايمان الحديث 3.

لتحرم عليه مخالفته.

اجل يكره هذا النحو من اليمين بل تكره اليمين الصادقة الاخبارية أيضا لقوله تعالي: وَ لا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ (1). و لو بقينا نحن و النهي المذكور فالمناسب هو الحرمة الا ان قوله تعالي بعد ذلك: لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ (2) يدل علي ان اليمين التي يجب الالتزام بها و يحرم حنثها هي اليمين التي معها قصد و التزام قلبيان.

و في حديث الامام الصادق عليه السّلام: «اجتمع الحواريون الي عيسي عليه السّلام فقالوا: يا معلم الخير ارشدنا فقال: ان موسي نبي اللّه أمركم أن لا تحلفوا باللّه كاذبين و انا آمركم ان لا تحلفوا باللّه كاذبين و لا صادقين»(3). و في حديث الرسول صلّي اللّه عليه و آله: «من اجلّ اللّه ان يحلف به اعطاه اللّه خيرا مما ذهب منه»(4).

2 - من أحكام اليمين

اشارة

لا تنعقد اليمين الا اذا كانت باللّه سبحانه من دون فرق بين ان يكون بلفظ الجلالة أو بسائر اسمائه بل و بترجمة ذلك أيضا.

و لا تحرم اذا كانت بغيره سبحانه و لكنها لا تنعقد.

ص: 501


1- البقرة: 224.
2- البقرة: 225.
3- وسائل الشيعة 140:16 الباب 1 من ابواب الايمان الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 140:16 الباب 1 من ابواب الايمان الحديث 3.

و صيغتها: و اللّه او باللّه او تاللّه ان افعل كذا اما مع التعليق علي حصول شيء او بدونه. و مع التعليق لا يجب الوفاء بها الا مع حصول المعلق عليه.

و لا تنعقد بالنية من دون تلفظ بذلك.

و يلزم في متعلق اليمين ان يكون راجحا و لو بحسب المصلحة الشخصية للحالف، فلو كان مرجوحا من البداية لم تنعقد، و لو صار كذلك بعد ذلك انحلت.

و لا تنعقد يمين الولد مع نهي والده و تنحل مع نهيه عنها بعد ذلك. و هكذا الحال بالنسبة الي يمين الزوجة مع نهي الزوج.

و اذا حلف المكلف علي صوم شهر ففي جواز الفصل و لزوم الوصل يتبع قصده.

و الحنث الموجب للكفارة هو ما صدر عن عمد دون ما لو صدر عن نسيان او اكراه او اضطرار او جهل.

و من خالف عمدا يحنث و تجب عليه الكفارة و لا يلزمه الوفاء بعد ذلك.

و كفارة حنث اليمين: عتق رقبة او اطعام عشرة مساكين او كسوتهم فان عجز صام ثلاثة ايام متوالية.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان اليمين لا تنعقد اذا كانت متعلقة بغير اللّه سبحانه

فقد يستدل له بصحيحة محمد بن مسلم: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: قول اللّه عز و جل: وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشي (1)وَ النَّجْمِ إِذا هَوي (2) و ما اشبه ذلك فقال: ان للّه عز و جل ان يقسم من خلقه بما شاء و ليس لخلقه ان يقسموا

ص: 502


1- الليل: 1.
2- النجم: 1.

الا به»(1) و ما كان بمضمونها حيث تدل علي حرمة القسم بغير اللّه سبحانه و من ثمّ علي عدم صحته.

الا ان الاستدلال المذكور تام لو لم يكن هناك معارض يدل علي جواز الحلف بغيره سبحانه من قبيل صحيحة علي بن مهزيار: «قرأت في كتاب لأبي جعفر عليه السّلام الي داود بن القاسم: اني قد جئت و حياتك»(2) ، فانه عليه السّلام حلف بحياة داود انه قد جاء فيلزم حمل الاولي علي الكراهة.

و الانسب الاستدلال علي ذلك بالوجهين التاليين:

أ - التمسك بصحيحة سليمان بن خالد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في كتاب علي عليه السّلام ان نبيا من الانبياء شكا الي ربه فقال: يا رب كيف اقضي فيما لم أر و لم اشهد؟ قال: فأوحي اللّه اليه احكم بينهم بكتابي و اضفهم الي اسمي فحلفهم به. و قال: هذا لمن لم تقم له بينة»(3) ، فانه بقرينة ورودها في مقام البيان يمكن ان يستفاد منها اختصاص الحلف الذي يترتب عليه اثر بما اذا كان به سبحانه دون ما اذا كان بغيره. و مورده و ان كان باب القضاء الا انه لا يحتمل ثبوت الخصوصية له.

ب - التمسك بالاصل، فانه اذا شككنا في ترتب الاثر علي اليمين المتعلقة بغير اللّه سبحانه نستصحب عدم وجوب الوفاء و الكفارة.

2 - و اما انه لا فرق في الحلف باللّه سبحانه بين لفظ الجلالة

و سائر اسمائه

فلإطلاق لفظ «اسمه» في صحيحة سليمان «و اضفهم الي اسمي». بل يمكن التمسك باطلاق قوله عليه السّلام في صحيحة محمد بن

ص: 503


1- وسائل الشيعة 191:16 الباب 30 من ابواب الايمان الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 195:16 الباب 30 من ابواب الايمان الحديث 14.
3- وسائل الشيعة 167:18 الباب 1 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.

مسلم: «و ليس لخلقه ان يقسموا الا به».

لا يقال: ان موثقة السكوني عن جعفر عن ابيه عن علي عليهم السّلام: «اذا قال الرجل: اقسمت او حلفت فليس بشيء حتي يقول: اقسمت باللّه او حلفت باللّه»(1) دلت علي عدم انعقاد اليمين الا اذا كانت متعلقة بلفظ الجلالة.

فانه يقال: ان الموثقة في صدد بيان ان كلمة «اقسمت» او «حلفت» لا تجدي وحدها ما لم تنضم اليها ضميمة، اما ان تلك الضميمة هل هي خصوص لفظ الجلالة او الاعم فليست في مقام البيان من ناحيته.

3 - و اما اجزاء الترجمة

فوجهه واضح و هو التمسك بالاطلاق أيضا.

4 - و اما انه لا تحرم اليمين المتعلقة بغيره سبحانه - كالأنبياء

و الاولياء و غير ذلك

- فلصحيحة ابن مهزيار المتقدمة. و بقطع النظر عن ذلك تكفينا البراءة بعد قصور مقتضي التحريم.

و اما انها لا تنعقد فللأصل بعد القصور في المقتضي.

5 - و اما ان صيغة اليمين ما تقدم

فلان الحلف باللّه سبحانه صادق في كل ذلك.

و اما صحتها مع التعليق و بدونه فلإطلاق ادلة وجوب الوفاء باليمين لكلتا الحالتين.

و اما ان اليمين المعلقة لا يجب الوفاء بها قبل حصول المعلق عليه فباعتبار ان الالتزام من الحالف يختص بذلك، و لا التزام قبل حصول

ص: 504


1- وسائل الشيعة 171:16 الباب 15 من ابواب الايمان الحديث 3.

المعلق عليه ليجب الوفاء به.

6 - و اما عدم انعقاد اليمين بمجرد النية من دون تلفظ بالصيغة

فلانه بدون ذلك لا يصدق عنوان اليمين ليجب الوفاء بها.

7 - و اما انه يعتبر الرجحان في متعلق اليمين و لو بلحاظ

المصلحة الشخصية

فلصحيحة سعيد الاعرج: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يحلف علي اليمين فيري ان تركها افضل و ان لم يتركها خشي ان يأثم أ يتركها؟ قال: اما سمعت قول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: اذا رأيت خيرا من يمينك فدعها»(1) ، فانها تدل علي اعتبار ملاحظة الخير في المتعلق. و مقتضي اطلاقه كفاية كون المتعلق خيرا و لو بلحاظ المصالح الشخصية.

و اذا فرض التساوي من جميع الجهات فهل يجب العمل بمقتضي اليمين ؟ نعم لان الصحيحة قالت: «اذا رأيت خيرا من يمينك فدعها»، و مفهوم ذلك انه اذا لم تر خيرا من يمينك - و ذلك صادق عند التساوي - فلا تدعها.

هذا و لكن رواية حمران: «قلت لأبي جعفر و ابي عبد اللّه عليهما السّلام:

اليمين التي تلزمني فيها الكفارة ؟ فقالا: ما حلفت عليه مما للّه فيه طاعة ان تفعله فلم تفعله فعليه الكفارة، و ما حلفت عليه مما للّه فيه المعصية فكفارته تركه، و ما لم يكن فيه طاعة و لا معصية فليس هو بشيء»(2) دلت علي انه عند التساوي لا تلزم مراعاة اليمين، بل و دلت علي ان المدار هو علي ملاحظة المرجحات الدينية دون الدنيوية الا انه مما

ص: 505


1- وسائل الشيعة 175:16 الباب 18 من ابواب الايمان الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 183:16 الباب 24 من ابواب الايمان الحديث 2.

يهوّن الخطب ضعف سندها بحمزة بن حمران فلاحظ .

8 - و اما انه اذا صار متعلق اليمين مرجوحا بعد اليمين انحلت

فلأن ذلك مورد صحيحة الاعرج و قد دلت علي الانحلال.

9 - و اما عدم انعقاد يمين الولد و الزوجة مع نهي الوالد او الزوج

فلصحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله:

لا يمين للولد مع والده، و لا للمملوك مع مولاه، و لا للمرأة مع زوجها...»(1) و غيرها.

و هل تنعقد اليمين مع عدم صدور الاذن من الوالد أو الزوج لأجل عدم اطلاعه علي اليمين ؟ لا يبعد الانعقاد لان التعبير المذكور في الصحيحة مجمل فيحتمل ان يكون المقصود منه: لا يمين مع الردع و يحتمل أن يكون: لا يمين مع عدم الاذن و لو من دون ردع، و مع اجمال المخصص ينبغي الاقتصار علي القدر المتيقن و فيما زاد يرجع إلي عمومات وجوب الوفاء باليمين.

10 - و اما التعميم لحالة الردع في مرحلة البقاء

فلإطلاق الصحيحة المتقدمة.

11 - و اما ان من حلف علي صوم شهر يتبع في لزوم الوصل

و جواز الفصل قصده

فباعتبار ان الحنث يتحقق بمخالفة الالتزام التابع لكيفية القصد.

و قد يستفاد ذلك أيضا من صحيحة سعد بن اسماعيل الاشعري عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام: «سألته عن رجل حلف و ضميره علي غير

ص: 506


1- وسائل الشيعة 155:16 الباب 10 من ابواب الايمان الحديث 2.

ما حلف، قال: اليمين علي الضمير»(1) و غيرها.

12 - و اما ان الحنث الموجب للكفارة هو المخالفة عن عمد

فباعتبار ان متعلق اليمين للحالف عادة هو التزام الفعل و عدم المخالفة عن عمد و اختيار فاذا تحققت المخالفة لا عن عمد فلا يتحقق الحنث لتجب الكفارة.

علي ان بالامكان التمسك بحديث رفع النسيان و الاكراه و الاضطرار(2) و بصحيحة عبد الصمد بن بشير الواردة في الجاهل:

«أي رجل ركب امرا بجهالة فلا شيء عليه»(3).

هذا و المنسوب الي جماعة من العامة تحقق الحنث و ثبوت الكفارة في الجميع(4) و لكنه مردود بما سبق.

13 - و اما ان من خالف عن عمد لا يجب عليه الوفاء بعد ذلك

فلأن متعلق اليمين التزام واحد بترك جميع الحصص فاذا تحققت المخالفة مرة انخرم ذلك الالتزام الواحد و لا يمكن الوفاء بعد ذلك ليجب. اجل اذا كان الالتزام متعددا - كمن حلف علي ترك التدخين فترة شهر بنحو كان يقصد تعدد الالتزام بالترك بعدد الايام - تعدد الوفاء و الحنث أيضا.

14 - و اما ان كفارة حنث اليمين ما تقدم

فلقوله تعالي: لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ

ص: 507


1- وسائل الشيعة 179:16 الباب 21 من ابواب الايمان الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 295:11 الباب 56 من ابواب جهاد النفس الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 125:9 الباب 45 من أبواب تروك الاحرام الحديث 3.
4- جواهر الكلام 339:35.

كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ (1) .

و اما اعتبار التوالي في الايام الثلاثة بالرغم من اقتضاء الاطلاق جواز التفريق فلصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «صيام ثلاثة ايام في كفارة اليمين متتابعات»(2) و غيرها.

3 - من أحكام النذر

اشارة

النذر هو التزام الشخص في ذمته بفعل شيء او تركه للّه سبحانه. و الوفاء به واجب، و تترتب علي مخالفته الكفارة.

و صيغته: للّه عليّ كذا ان حصل كذا.

و لا ينعقد بمجرد النية من دون تلفظ بذلك.

و في انعقاده من دون تعليقه علي شرط كلام.

و في إجزاء الترجمة خلاف.

و يشترط في انعقاده رجحان متعلقه بنحو يعدّ طاعة للّه سبحانه فلا ينعقد لو تعلق بالمباح الذي لا يعدّ فعله طاعة له سبحانه. و إذا زال الرجحان بعد الانعقاد انحل.

و لا يشترط في صحة نذر الولد اذن الوالد مسبقا. اجل مع نهيه المسبق لا ينعقد. و اذا نهي عنه بعد ذلك انحل.

و يشترط في صحة نذر الزوجة اذن الزوج اذا كان متعلقه منافيا لحقه في

ص: 508


1- المائدة: 89.
2- وسائل الشيعة 280:7 الباب 10 من ابواب بقية الصوم الواجب الحديث 4.

الاستمتاع، بل ذهب المشهور الي اعتبار اذن الزوج حتي اذا لم يكن منافيا لحقه ما دام يستلزم التصرف في مالها.

و اذا نذر المكلف صوم يوم معين و اراد السفر جاز له ذلك و لو من دون ضرورة و يفطر ثم يقضيه بدون كفارة. و هكذا لو طرأ مرض او غيره من الموانع.

و من نذر صوم شهر ففي جواز الفصل او لزوم الوصل يتبع قصده. و مع الشك في كيفية قصده يلزم اتباع ظاهر اللفظ .

و من نذر مالا للنبي صلّي اللّه عليه و آله او أحد الائمة عليهم السّلام او الاولياء ففي كيفية صرفه يتبع قصده. و مع الشك في كيفية القصد يلاحظ ظاهر لفظ الناذر و هو يقتضي الصرف فيما يرجع الي شئون المنذور له.

و في تحديد كفارة حنث النذر خلاف.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان النذر هو الالتزام المتقدم

فهو من واضحات الفقه التي يعرفها كل متشرع.

و اما ان الوفاء به واجب فهو من واضحات الفقه أيضا. و يدل عليه قوله تعالي: وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ (1) ، وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ وَ ما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (2) ، يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (3).

و يستفاد ذلك أيضا من روايات ثبوت الكفارة بالحنث و غيرها.

ص: 509


1- الحج: 29.
2- البقرة: 270.
3- الإنسان: 7.

و اما انه تترتب علي مخالفته الكفارة فهو مما لا اشكال فيه. و يدل عليه صحيح الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الرجل يجعل عليه نذرا و لا يسميه قال: ان سميته فهو ما سميت، و ان لم تسم شيئا فليس بشيء. فان قلت: للّه عليّ فكفارة يمين»(1) و غيره.

2 - و اما ان صيغته ما تقدم

فهو مما لا اشكال فيه. و يدل عليه صحيح منصور بن حازم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا قال الرجل: عليّ المشي الي بيت اللّه و هو محرم بحجة او عليّ هدي كذا و كذا فليس بشيء حتي يقول: للّه عليّ المشي الي بيته او يقول: للّه عليّ ان احرم بحجة او يقول: للّه عليّ هدي كذا و كذا ان لم افعل كذا و كذا»(2) و غيره.

3 - و اما عدم انعقاده بمجرد النية

فلانه بدون التلفظ بالصيغة لا يصدق عنوان النذر. و مع التنزل و فرض الشك في صدق عنوان النذر يكفينا استصحاب عدم ترتب الاثر. مضافا الي امكان استفادة اعتبار التلفظ من صحيح منصور المتقدم فلاحظ .

4 - و اما انعقاد النذر اذا لم يكن معلقا علي شرط - المعبر عنه

بنذر التبرع

- فهو بالمشهور. و قيل بعدم ذلك.

و المنشأ المهم للخلاف دعوي عدم صدق عنوان النذر مع التبرع و انه لغة الوعد بشرط ، و الاصل عدم النقل، و معه فلا يمكن التمسك بعمومات وجوب الوفاء بالنذر. بل ان لم يجزم بالدعوي المذكورة فلا أقلّ من احتمالها، و معه لا يمكن التمسك بالعمومات أيضا لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

ص: 510


1- وسائل الشيعة 222:16 الباب 2 من أبواب النذر و العهد الحديث 5.
2- وسائل الشيعة 219:16 الباب 1 من أبواب النذر و العهد الحديث 1.

و قد يؤيد اعتبار التعليق علي الشرط - كما صنع في الجواهر(1) - بصحيح منصور بن حازم المتقدم فانه ورد في ذيله: «... او يقول: للّه عليّ هدي كذا و كذا ان لم افعل كذا و كذا»، و هو بالمفهوم يدل علي انه اذا لم تذكر الصيغة مع التعليق فلا ينعقد النذر.

5 - و اما الخلاف في اجزاء الترجمة

فوجهه ان مقتضي صحيح منصور اعتبار التلفظ بالشكل المذكور فيه، و لازمه عدم اجزاء غير العربية. و لا أقلّ من الشك في اعتبار ذلك و هو كاف لجريان استصحاب عدم ترتب الاثر.

و في المقابل يمكن ان يقال: ان تشريع النذر كسائر التشريعات الاسلامية لم يرد خاصا بالعرب، و هل يحتمل ان غير العربي ليس من حقه النذر؟!

6 - و اما اعتبار رجحان متعلق النذر بنحو يعدّ فعله طاعة للّه

سبحانه

فباعتبار ان المكلف من خلال النذر يجعل الفعل للّه سبحانه و يقول للّه عليّ كذا، و لا معني لأن يلتزم بفعل للّه سبحانه الا اذا كان مطلوبا و طاعة له، و حيث ان المباح المتساوي طرفاه ليس مطلوبا و طاعة له سبحانه فلا معني لجعله للّه بمثل صيغة: للّه عليّ حتي اذا فرض وجود رجحان دنيوي فيه من بعض الجهات.

7 - و اما انه ينحل اذا زال الرجحان

فباعتبار انه معه لا يصدق بقاء كون الفعل للّه سبحانه فيزول عنوان النذر بقاء و ينحل بهذا المعني.

8 - و اما عدم اعتبار اذن الوالد مسبقا في صحة نذر الولد

فلعدم

ص: 511


1- جواهر الكلام 368:35.

وجود نص يدل علي اعتبار ذلك فيتمسك بعمومات النذر لنفي ذلك. اجل مع النهي يزول الرجحان فلا ينعقد حدوثا و ينحل بقاء.

9 - و اما عدم انعقاد نذر الزوجة اذا كان منافيا لحق الزوج في

الاستمتاع

فواضح لكون المتعلق مرجوحا آنذاك.

و اما اذا لم يكن منافيا لحقه فالمشهور اختار عدم انعقاده أيضا لصحيح عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ليس للمرأة مع زوجها امر في عتق و لا صدقة و لا تدبير و لا هبة و لا نذر في مالها الا باذن زوجها الا في حج او زكاة او بر والديها او صلة رحمها»(1). نعم مع عدم كون نذرها مستلزما للتصرف في مالها و لا منافيا لحقه ينعقد و يجب الوفاء به تمسكا بالعمومات.

هذا و يمكن ان يقال: ان صحيح ابن سنان ناظر الي بيان حكم اخلاقي بقرينة اشتماله علي ما لا يمكن الالتزام به، كعدم جواز صدقة الزوجة و هبتها لشيء من مالها من دون اذن الزوج، و عليه فالمناسب العمل علي وفق الاحتياط .

10 - و اما ان من نذر صوم يوم معين و اراد السفر جاز له ذلك

و لو من دون ضرورة

و يقضي يوما بدله فهو حكم مخالف للقاعدة، فان المناسب عدم جواز السفر مقدمة لامتثال النذر الذي هو واجب الا ان صحيحة علي بن مهزيار: «كتبت اليه - يعني الي ابي الحسن عليه السّلام - يا سيدي رجل نذر ان يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر او اضحي او ايام التشريق او سفر او مرض هل

ص: 512


1- وسائل الشيعة 237:16 الباب 15 من أبواب النذر و العهد الحديث 1.

عليه صوم ذلك اليوم او قضاؤه و كيف يصنع يا سيدي ؟ فكتب اليه: قد وضع اللّه عنه الصيام في هذه الايام كلها و يصوم يوما بدل يوم ان شاء اللّه...»(1) دلت علي جواز السفر مع القضاء. كما دلت علي عموم الحكم لسائر الاعذار غير السفر.

11 - و اما ان من نذر صوم شهر فجواز الفصل او لزوم الوصل

يتبع قصده

فقد تقدم وجهه في اليمين فلاحظ .

و اما انه مع الشك في القصد يلزم متابعة ظاهر اللفظ فباعتبار ان الناذر التزم بما يدل عليه ظاهر اللفظ .

12 - و اما ان من نذر مالا للنبي صلّي اللّه عليه و آله او غيره يتبع في كيفية

صرفه قصده

فقد اتضح وجهه مما تقدم.

13 - و اما كفارة حنث النذر فقيل: انها ككفارة مخالفة اليمين.

و قيل ككفارة من افطر يوما من شهر رمضان.

و منشأ الخلاف اختلاف الروايات، فبعضها دلّ علي الاول، كما في صحيح الحلبي المتقدم في الرقم 1، و بعضها دلّ علي الثاني، كما في رواية عبد الملك بن عمرو عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عمن جعل للّه عليه ان لا يركب محرما سمّاه فركبه، قال: لا. و لا اعلمه الا قال: فليعتق رقبة او ليصم شهرين متتابعين او ليطعم ستين مسكينا»(2).

و التعارض بينهما مستقر. و قد ترجح الثانية لموافقة الاولي لروايات العامة الدالة علي ان كفارة حنث النذر كفارة يمين(3). الا ان

ص: 513


1- وسائل الشيعة 233:16 الباب 10 من أبواب النذر و العهد الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 575:15 الباب 23 من ابواب الكفارات الحديث 7.
3- الفقه علي المذاهب الأربعة 129:2، و سنن البيهقي 69:10-72.

المناسب ترجيح الاولي لضعف سند الثانية بعبد الملك اذ لم يرد في حقه توثيق سوي ان الكشي نقل رواية ينتهي سندها الي عبد الملك نفسه و ان الامام الصادق عليه السّلام قال له: «اني لأدعو اللّه لك حتي اسمي دابتك او قال: ادعو لدابتك»(1) ، و هي لو تمت دلالة علي التوثيق فليست تامة سندا من جهة ان الراوي عبد الملك نفسه.

4 - من أحكام العهد

اشارة

العهد التزام مع اللّه سبحانه بفعل شيء او تركه بصيغة عاهدت اللّه او عليّ عهد اللّه ان افعل كذا، مع التعليق علي شرط او بدونه. و الوفاء به واجب.

و تترتب علي مخالفته الكفارة.

و المشهور عدم انعقاده بمجرد النية و القصد القلبي من دون تلفظ بالصيغة.

و لا يعتبر في متعلقه الرجحان الشرعي بنحو يعدّ طاعة له سبحانه.

و كفارة مخالفة العهد: عتق رقبة او صيام شهرين متتابعين او اطعام ستين مسكينا.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان العهد ما ذكر

فينبغي ان يكون من واضحات الفقه.

و اما ان صيغته «عاهدت اللّه او عليّ عهد اللّه ان افعل كذا» فلتحقق العهد بذلك عرفا فتشمله عمومات وجوب الوفاء بالعهد.

ص: 514


1- رجال الكشي الرقم 246.

و اما صحته مع التعليق علي شرط و بدونه فلإطلاق الادلة الآتية الدالة علي مشروعية العهد و وجوب الوفاء به.

و اما ان الوفاء به واجب فمما لا اشكال فيه لقوله تعالي: وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (1) ، وَ بِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (2) ، وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللّهِ إِذا عاهَدْتُمْ (3) ، فان المراد بالعهد في الآيات الكريمة المذكورة اما خصوص العهد الاصطلاحي او ما يعمّ النذر و اليمين، و علي التقديرين يثبت المطلوب.

و في حديث عبد اللّه بن سنان: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (4) قال: العهود»(5).

2 - و اما ترتب الكفارة علي مخالفة العهد

فهو من الامور المسلمة بين الاصحاب و تأتي دلالة بعض الروايات عليه.

3 - و اما عدم انعقاده بمجرد القصد القلبي

فهو المعروف بين الاصحاب. الا انه قد يقال بعدم تقوّم عنوان العهد عرفا بالابراز بالصيغة اللفظية فبقصد العهد قلبا يتحقق و تشمله عمومات وجوب الوفاء بالعهد. و هذا بخلاف النذر فان عنوانه لا يصدق عرفا من دون ابراز لفظي له. مضافا الي دلالة بعض الروايات علي اعتبار الابراز اللفظي فيه فراجع.

ص: 515


1- الاسراء: 34.
2- الانعام: 152.
3- النحل: 91.
4- المائدة: 1.
5- وسائل الشيعة 25:16 الباب 25 من أبواب النذر و العهد الحديث 3.

و بالجملة: مع الجزم بصدق عنوان العهد علي مجرد القصد القلبي فيلزم وجوب الوفاء به تمسكا بالعمومات. و اما اذا لم يجزم بذلك فلا يمكن التمسك بها - لعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية - و يتعين الرجوع الي الاصل لنفي ترتب الاثر.

4 - و اما عدم اعتبار كون متعلق العهد طاعة كما هو معتبر في

النذر

فلعدم جريان التقريب السابق هناك فيه. و مقتضي اطلاق دليل وجوب الوفاء به الشمول لما يكون متساوي الطرفين شرعا.

5 - و اما ان كفارة مخالفة العهد ما تقدم

فهو المشهور بين الاصحاب. و يدل عليه ما رواه احمد بن محمد بن عيسي في نوادره عن ابي جعفر الثاني عليه السّلام: «رجل عاهد اللّه عند الحجر ان لا يقرب محرما ابدا فلما رجع عاد الي المحرم فقال ابو جعفر عليه السّلام: يعتق او يصوم او يتصدق علي ستين مسكينا. و ما ترك من الامر اعظم و يستغفر اللّه و يتوب اليه»(1) و غيره.

ص: 516


1- وسائل الشيعة 248:16 الباب 25 من أبواب النذر و العهد الحديث 4.

كتاب الوصيّة

اشارة

1 - الوصية بقسميها

2 - الوصية ايقاع

3 - من أحكام الوصي

4 - من أحكام الوصية

ص: 517

ص: 518

1 - الوصية بقسميها

اشارة

الوصية إنشاء يتضمن تمليكا او عهدا بتصرف معين بعد الوفاة.

و هي علي قسمين: تمليكية و عهدية.

و الاولي هي ما تضمنت إنشاء ملكية عين او اختصاص حق بعد الوفاة - كالوصية بكون قسم من المال لشخص معين او لجهة معينة كالفقراء - و اركانها ثلاثة: الموصي، و الموصي به، و الموصي له.

و الثانية هي ما تضمنت العهد بتولي تصرف معين بعد الوفاة، كالوصية بتمليك شخص او جهة مقدارا من المال او الوصية بالدفن في مكان معين او بولاية شخص علي الاطفال القاصرين او بالتصرف في المال ببناء مسجد به او حسينية و ما شاكل ذلك. و اركانها ثلاثة أيضا: الموصي، و الوصي، و الموصي به. و مع تعلق الموصي به بالغير - كالوصية بتمليك الوصي مقدارا من المال لشخص - تكون اطرافها اربعة باضافة الموصي له.

و هي مشروعة بنحو الاستحباب بل بنحو الوجوب احيانا.

ص: 519

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الوصية ما تقدم

فهو من واضحات الفقه.

و اما انقسامها الي ما ذكر فكذلك حيث ان متعلق الوصية تارة يكون هو الملكية او الاختصاص بنحو شرط النتيجة، و اخري هو التمليك او الاختصاص بنحو شرط الفعل او تصرفا آخر غير التمليك.

و الوصية في الاول تمليكية و في الثاني عهدية.

2 - و اما انها مشروعة

فهو من ضروريات الدين. و يدل علي ذلك قوله تعالي: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَي الْمُتَّقِينَ * فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَي الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1).

و موردها و ان كان خاصا بالوصية للوالدين و الاقربين الا ان فقرة:

فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ تدل علي امضاء مطلق الوصية للاستشهاد بها في بعض الروايات علي نفوذ مطلق الوصية، ففي صحيحة محمد بن مسلم: «سألت ابا جعفر عليه السّلام عن الرجل اوصي بماله في سبيل اللّه قال: اعطه لمن اوصي له به و ان كان يهوديا او نصرانيا ان اللّه عز و جل يقول: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَي الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ »(2).

و قال تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ... (3) ، مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ

ص: 520


1- البقرة: 180-181.
2- وسائل الشيعة 411:13 الباب 32 من أبواب أحكام الوصايا الحديث 1.
3- المائدة: 106.

يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ... مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ ... مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ ... مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ (1).

و تدل علي المشروعية أيضا السيرة القطعية بين المتشرعة المتصلة بزمن المعصوم عليه السّلام.

3 - و اما انها مشروعة بكلا قسميها

فامر متسالم عليه و يقتضيه اطلاق الآية الكريمة الاولي و السيرة القطعية.

4 - و اما انها مشروعة بنحو الاستحباب

فهو من واضحات الفقه.

و يدل علي ذلك قوله عليه السّلام: «ما ينبغي لامرئ مسلم ان يبيت ليلة الا و وصيته تحت رأسه»(2) ، «من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية»(3).

و في وصية النبي صلّي اللّه عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السّلام: «يا علي أوصيك بوصية فاحفظها فلا تزال بخير ما حفظت وصيتي... يا علي من لم يحسن وصيته عند موته كان نقصا في مروته و لم يملك الشفاعة»(4).

5 - و اما انها قد تجب

فيأتي بيانه عند التعرض لأحكام الوصية ان شاء اللّه تعالي.

2 - الوصية ايقاع

اشارة

صحة الوصية العهدية لا تتوقف علي القبول. نعم للوصي الرد - و لكن لا

ص: 521


1- النساء: 11-12.
2- وسائل الشيعة 352:13 الباب 1 من أبواب أحكام الوصايا الحديث 7.
3- وسائل الشيعة 352:13 الباب 1 من أبواب أحكام الوصايا الحديث 8.
4- وسائل الشيعة 357:13 الباب 6 من أبواب أحكام الوصايا الحديث 2.

يلزم من ذلك بطلان الوصية رأسا بل بطلان وصياته - بشرطين: كون ذلك في حياة الموصي، و بلوغه الرد. بل قد يضاف الي ذلك امكان الايصاء الي شخص آخر. هذا اذا لم يكن العمل بها حرجيا و الا جاز ردها حتي مع اختلال ما تقدم.

اجل في خصوص الولد قد يقال بوجوب قبوله الوصية اذا دعاه والده الي ذلك.

و اما الوصية التمليكية فالمشهور ذهب الي اعتبار قبول الموصي له في صحتها فتكون علي رأيهم عقدا.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان صحة الوصية العهدية لا تتوقف علي القبول

فهو رأي غير واحد من الفقهاء. و تدل عليها الروايات الدالة علي وجوب العمل بالوصية علي الوصي اذا لم يرد او ردّ و لم يبلغ الموصي ذلك، كصحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا اوصي الرجل الي اخيه و هو غائب فليس له ان يرد عليه وصيته لأنه لو كان شاهدا فأبي ان يقبلها طلب غيره»(1) و غيرها، فان القبول لو كان معتبرا جاز الرد مطلقا بل لم يتوقف بطلانها علي الرد و يكفي عدم القبول.

هذا و يمكن التمسك أيضا باطلاق قوله تعالي: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَي الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ (2) بعد تفسيره بمطلق الايصاء علي ما تقدم.

2 - و اما جواز الرد بالشروط الثلاثة المتقدمة

فيمكن استفادته من

ص: 522


1- وسائل الشيعة 398:13 الباب 23 من أحكام الوصايا الحديث 3.
2- البقرة: 181.

صحيح منصور المتقدم و غيره.

و اما جواز الرد مع الحرج فلقاعدة نفي الحرج المستفادة من قوله تعالي: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (1).

3 - و اما انه مع ردّ الوصي في مورد جوازه لا يلزم بطلان الوصية

رأسا

فلان اقصي ما يستلزمه الرد خلو الوصية من الوصي و هو لا يقتضي بطلانها.

4 - و اما وجوب قبول الولد للوصية اذا دعاه والده الي ذلك

فلرواية علي بن الريان: «كتبت الي ابي الحسن عليه السّلام: رجل دعاه والده الي قبول وصيته هل له ان يمتنع من قبول وصيته ؟ فوقع عليه السّلام: ليس له ان يمتنع»(2) بناء علي التسامح في امر سهل الوارد في سندها.

5 - و اما اعتبار المشهور للقبول في الوصية التمليكية

فقد يستدل له بالوجهين التاليين:

أ - ان تحقق الملك بدون قبول الموصي له مخالف لقاعدة سلطنة الانسان علي نفسه الثابتة بالسيرة العقلائية، فان دخول شيء في ملك الغير قهرا مناف لذلك. و ثبوت مثله في الارث هو لدليل خاص فلا مجال معه للتعدي عنه.

ب - التمسك باستصحاب عدم الانتقال الي الموصي له بدون قبوله.

و كلا الوجهين قابلان للتأمل بعد اطلاق الآية الكريمة فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَي الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ (3).

ص: 523


1- الحج: 78.
2- وسائل الشيعة 400:13 الباب 24 من أبواب أحكام الوصايا الحديث 1.
3- البقرة: 181.

اجل ادعي الاجماع في المسألة علي اعتبار القبول. و هو ان تمّ كان هو المدرك الا انه غير تام لكونه محتمل المدرك.

و مما يدعم عدم اعتبار القبول صحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام: «قضي امير المؤمنين عليه السّلام في رجل اوصي لآخر و الموصي له غائب فتوفي الموصي له الذي اوصي له قبل الموصي قال: الوصية لوارث الذي اوصي له. قال: و من اوصي لأحد شاهدا كان او غائبا فتوفي الموصي له قبل الموصي فالوصية لوارث الذي اوصي له الا ان يرجع في وصيته قبل موته»(1) و ما كان بمضمونها، فان مقتضي اطلاقها لزوم الدفع الي الوارث حتي مع عدم قبول الموصي له و لا وجه للدفع اليه الا تحقق ملك مورثه و الانتقال منه اليه.

نعم قد يلتزم بمانعية الرد عن تحقق الملك بالرغم من اقتضاء اطلاق الآية الكريمة نفيه أيضا و لا وجه له سوي الاجماع المدعي في المسألة.

قال السيد اليزدي: «و يحتمل قويا عدم اعتبار القبول فيها بل يكون الرد مانعا.

و دعوي انه يستلزم الملك القهري و هو باطل في غير مثل الارث مدفوعة بانه لا مانع منه عقلا. و مقتضي عمومات الوصية ذلك. مع ان الملك القهري موجود في مثل الوقف»(2).1.

ص: 524


1- وسائل الشيعة 409:13 الباب 30 من أحكام الوصايا الحديث 1.
2- العروة الوثقي كتاب الوصية مسألة 1 من مسائل الفصل 1.

3 - من احكام الوصي

اشارة

اذا عيّن الموصي شخصا للقيام بتنفيذ وصيته تعيّن و الا فالنوبة تصل الي الحاكم الشرعي فيتولي تنفيذ الوصية بنفسه او يعيّن شخصا لذلك.

و دور الوصي في الوصية التمليكية بذل المال للموصي له لا اكثر بخلافه في الوصية العهدية فانه يتولي التصرف الموصي به.

و اذا ظهرت من الوصي خيانة ضم الحاكم الشرعي اليه من يمنعه منها، فان لم يمكن عزله و نصب غيره.

و اذا مات الوصي قبل تنفيذ الوصية كلا او بعضا نصب الحاكم الشرعي وصيا لتنفيذها.

و يجوز لكل من الاب و الجد للأب الوصية بالولاية - القيمومة - علي الطفل بعد موته مع فقد الآخر. و لا تصح من غيرهما و لا مع وجود الآخر.

و وظيفة القيّم مع عدم تحديد جهة معينة له التصدي للشئون المرتبطة بالطفل من تربيته و حفظ امواله و الانفاق عليه و استيفاء دينه و وفاء ما عليه من دين و ما شاكل ذلك.

و يجوز للموصي نصب ناظر علي الوصي وظيفته: اما ابداء النظر بنحو لا يكون تصرف الوصي نافذا الا اذا وافق نظره، او الاشراف علي عمل الوصي بحيث يكون تحت نظره ليعترض عليه و يردعه اذا رأي منه مخالفة لمقررات الوصية من دون ان يلزم الوصي بمتابعة رأيه بل يكفي اطلاعه علي عمله الموافق بنظره - الوصي - لمقررات الوصية. و لعل الغالب تداوله في جعل الناظر هو هذا المعني.

ص: 525

و اذا حدّد الموصي ولاية الوصي بجهة معينة لزم الاقتصار علي محل الاذن و كان المرجع بلحاظ الجهات الاخري هو الحاكم الشرعي.

و يجوز للقيّم علي اليتيم اخذ اجرة مثل عمله. و الاحتياط يقتضي الاقتصار علي ما اذا كان فقيرا و لم يكن مال اليتيم قليلا.

و يجوز ذلك للوصي أيضا - غير القيّم علي اليتيم - فيما اذا كان لعمله اجرة و لم تقم القرينة علي ارادة المجانبة.

و المستند في ذلك:

1 - اما تعيّن من عيّنه الموصي لتنفيذ الوصية

فهو مما لا اشكال فيه. و تقتضيه الادلة الدالة علي امضاء الوصية من الآيات الكريمة و غيرها. بل صحيح منصور المتقدم صريح في ذلك.

2 - و اما ان النوبة تصل الي الحاكم الشرعي مع عدم تعيين احد

لذلك

فلأنه بعد الحكم شرعا بصحة الوصية - تمسكا باطلاقات صحة الوصية - يلزم تصدي بعض لتنفيذها، و اذا دار امر ذلك البعض بين كونه مطلق عدول المؤمنين او خصوص الحاكم الشرعي فينبغي الاقتصار علي من يتيقن باذن الشارع له في التصدي و هو الحاكم الشرعي و يكون تصدي غيره موردا لاستصحاب عدم ترتب الاثر.

بل قد يتمسك لذلك أيضا بمكاتبة اسحاق بن يعقوب: «سألت محمد بن عثمان العمري ان يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل اشكلت عليّ فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السّلام: اما ما سألت عنه ارشدك اللّه و ثبتك... و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة

ص: 526

حديثنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة اللّه...»(1).

3 - و اما ان الحاكم الشرعي بالخيار بين تصديه بنفسه او تعيين

شخص آخر

فلعدم اقتضاء ما تقدم للزوم تصدي الحاكم بنفسه بل هو اعم من ذلك.

4 - و اما ان دور الوصي في الوصية العهدية هو البذل لا اكثر

فباعتبار ان تملك الموصي له او اختصاصه بالحق يتحقق بمجرد موت الموصي بلا حاجة الي تمليك من الوصي فدوره لا يعدو بذل ما تحقق ملكه او اختصاصه بمجرد الموت، و هذا بخلافه في الوصية العهدية فان التمليك او التصرف الآخر لا بدّ من قيام الوصي به لان الوصية تعلقت به بنحو شرط الفعل.

5 - و اما ان الوصي اذا ظهرت منه خيانة ضم الحاكم اليه من يمنعه

منها

فهو مقتضي وجوب تنفيذ الوصية بعد الالتفات الي عدم لياقة الخائن لذلك.

هذا اذا لم يستظهر من الوصية كون الايصاء مقيدا بعدم الخيانة و الا يخرج عن كونه وصيا بمجرد الخيانة.

و من هذا يتضح الوجه في ثبوت الحق للحاكم في عزل الخائن و نصب غيره اذا لم يمكن منعه من الخيانة المجددة بضم آخر اليه.

6 - و اما انه اذا مات الوصي قبل تنفيذ الوصية نصب الحاكم غيره

فقد اتضح وجهه من خلال ما اشير اليه في الرقم 2.

7 - و اما انه يجوز لكل من الاب و الجد نصب القيم علي اطفالهما بعد الوفاة

ص: 527


1- وسائل الشيعة 101:18 الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 9.

فهو مما لا خلاف فيه. و يمكن استفادة ذلك من موثقة محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن رجل أوصي إلي رجل بولده و بمال لهم و اذن له عند الوصية ان يعمل بالمال و ان يكون الربح بينه و بينهم فقال: لا بأس به من أجل ان أباه(1) قد اذن له في ذلك و هو حي»(2).

و هي تشمل الجد أيضا لكونه أبا.

و موردها و ان كان خاصا بالمضاربة الا انه يمكن التعدي الي غيره اما تمسكا بعموم التعليل الوارد في ذيلها او بعدم القول بالفصل.

و يمكن التمسك أيضا بالروايات الدالة علي جواز جعل قيم علي الاطفال في الجملة، فانها و ان لم تحدد من له حق الجعل الا ان القدر المتيقن من ذلك هو الاب و الجد خصوصا اذا لا حظنا الروايات الدالة علي ان الاب و الجد لهما الولاية علي تزويج الصغيرين(3) فانها اذا لم تدل باستقلالها علي جواز جعل القيم عليهما من باب الاولوية فلا أقلّ هي تدل علي المطلوب بعد ضمّها الي الروايات المتقدمة.

8 - و اما ان ولايتهما تختص بحالة فقد الآخر

فللأصل بعد عدم الاطلاق في دليل ولاية كل منهما.

و اما عدم ثبوت الولاية لغيرهما فللأصل بعد عدم الدليل خلافا لابن

ص: 528


1- المناسب: اباهم، كما في طبعة مؤسسة آل البيت عليه السّلام لوسائل الشيعة.
2- وسائل الشيعة 478:13 الباب 92 من أبواب أحكام الوصايا الحديث 1. و قد اشتمل سندها علي الحسن بن علي بن يوسف - و هو ابن البقاح الراوي لكتاب المثني بن الوليد علي ما ذكر النجاشي في ترجمة المثني - الذي وثّقه النجاشي في رجاله: 29 منشورات مكتبة الداوري.
3- وسائل الشيعة 207:14 الباب 6 من ابواب عقد النكاح و اولياء العقد.

الجنيد حيث جعل للأم الولاية بعد الاب اذا كانت رشيدة(1). و لم يتضح مستنده في ذلك.

9 - و اما ان وظيفة القيم ما تقدم

فلانصراف جعل الولاية له الي جعلها بلحاظ ذلك.

10 - و اما نصب الناظر بأحد المعنيين المتقدمين

فلا اشارة اليه في الروايات بل و لا في كلمات المتقدمين من فقهائنا الا انه مع ذلك يمكن تصحيحه من خلال اطلاقات صحة الوصية و امضائها علي ما هي عليه كقوله تعالي: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَي الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ (2).

11 - و اما لزوم الاقتصار علي محل الاذن مع تحديد الولاية بجهة

معينة

فلأن ذلك مقتضي وجوب العمل بالوصية و عدم تجاوزها.

و اما ان المرجع في الجهات الاخري هو الحاكم الشرعي فلانه بلحاظ تلك تعود الوصية بلا نصب وصي، و قد تقدم ان المرجع في مثل ذلك هو الحاكم الشرعي.

12 - و اما انه يجوز للقيم علي اليتيم اخذ اجرة مثل عمله ان كانت له

اجرة

فلقوله تعالي: وَ ابْتَلُوا الْيَتامي حَتّي إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَ لا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَ بِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ (3).

و قد تسالم الاصحاب علي جواز اخذ الاجرة في الجملة و اختلفوا في

ص: 529


1- جواهر الكلام 277:28.
2- البقرة: 181.
3- النساء: 6.

مقدارها و انه اجرة المثل او مقدار الكفاية او أقلّ الامرين. و المستفاد من الآية الكريمة استحقاق اجرة المثل فانها المصداق لعنوان المعروف.

و تؤكد ذلك صحيحة هشام بن الحكم: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عمن تولي مال اليتيم ما له ان يأكل ؟ فقال: ينظر الي ما كان غيره يقوم به من الاجر لهم فليأكل بقدر ذلك»(1) و غيرها.

و اما الفقر فيمكن رفع اليد عن اعتباره لان الآية و ان اشتملت علي الامر الظاهر في الوجوب الا ان المادة تتناسب مع الندب. و يبقي الاحتياط باعتبار ذلك امرا في محله.

13 - و اما الاحتياط باعتبار ان لا يكون مال اليتيم قليلا

فلرواية ابي الصباح الكناني: «عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عز و جل: وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فقال: ذلك رجل يحبس نفسه عن المعيشة فلا بأس ان يأكل بالمعروف اذا كان يصلح لهم اموالهم، فان كان المال قليلا فلا يأكل منه شيئا»(2) ، فان ضعف سندها بمحمد بن الفضيل - حيث لم يحرز كونه النهدي الثقة - و اعراض المشهور عن الفتوي بمضمونها يقتضيان التنزل عن الفتوي باعتبار ذلك الي الاحتياط .

14 - و اما انه يجوز للوصي غير القيم علي اليتيم اخذ اجرة المثل

فلان ذلك مقتضي الامر بالعمل لا علي نحو المجانية المقتضي لضمان اجرة المثل للسيرة العقلائية.

ص: 530


1- وسائل الشيعة 186:12 الباب 72 من ابواب ما يكتسب به الحديث 5.
2- وسائل الشيعة 185:12 الباب 72 من ابواب ما يكتسب به الحديث 3.

4 - من أحكام الوصية

اشارة

ينعقد الايجاب في الوصية بكل ما يدل عليه و لو كتابة.

و الواجبات الموسعة - كقضاء الصلاة و الصوم و اداء الكفارات و النذور و... - تتضيق لدي المشهور و تجب المبادرة الي ادائها مع الامكان عند ظهور امارات الموت. و اذا لم يمكن اداؤها يجب الايصاء بها الا مع العلم بقيام الوارث او غيره بها.

و هكذا اموال الناس - من الوديعة و نحوها - اذا كانت عند شخص فانه يجب عليه ردها مع الامكان عند ظهور امارات الموت، و مع عدم الامكان يجب الايصاء بها.

هذا في غير الديون. و اما هي فيجب اداؤها أيضا عند ظهور امارات الموت، و مع عدم الامكان او كونها مؤجلة يجب الايصاء بها اذا خيف ضياعها بدون ذلك.

و لا تصح الوصية الا بمقدار الثلث دون ما زاد عليه الا باجازة الورثة بعد الوفاة.

و في الاجتزاء بها حال الحياة خلاف. و الاجازة لازمة لا يمكن التراجع بعدها. و اذا اجاز بعض الورثة دون بعض نفذت الوصية في حصة المجيز دون غيره.

و الميزان في تحديد مقدار الثلث ملاحظة حال الموت دون الوصية، فلو اوصي شخص بعين و كانت بمقدار نصف امواله حين الوصية و صارت بمقدار الثلث حين الموت صحت الوصية في تمامها. و اذا انعكس الامر

ص: 531

فكانت بمقدار الثلث حين الوصية و ازيد منه حين الوفاة نفذت بمقدار الثلث و توقفت فيما زاد علي اجازة الورثة.

و الواجبات المالية - و هي الاموال المشتغلة بها الذمة، كالمال المقترض و ثمن المبيع و الخمس و الزكاة و... - تخرج من الاصل و ان لم يوص بها بلا خلاف.

و اما الواجبات غير المالية فقد وقعت محلاّ للخلاف.

و اذا تعددت الوصايا و كان بعضها يخرج من الاصل - كالزكاة - و بعضها لا يخرج منه - كالصلاة - يبدأ باخراج الاول من الاصل، و مع بقاء شيء منه يصرف ثلثه في الثاني و يتمم من الباقي ان لم يف مع فرض اجازة الورثة.

هذا اذا لم يعيّن الموصي اخراج الوصايا من الثلث و الا اخرج الجميع من الثلث ان وسعها و يتمم من الباقي ان لم يسع مع فرض اجازة الورثة.

و اذا فرض عدم الامرين بدأ بما يخرج من الاصل فيخرج من الثلث اولا، فان بقي منه شيء صرف فيما لا يخرج من الاصل، و ان لم يبق منه شيء بطلت الوصية بلحاظه.

و المستند في ذلك:

1 - اما انعقاد ايجاب الوصية بكل ما يدل عليه

فلإطلاق الآية الكريمة: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ ... فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَي الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ (1) الدال علي امضاء عنوان الوصية متي ما صدق.

2 - و اما تضيق الواجبات الموسعة عند ظهور امارات الموت

ص: 532


1- البقرة: 180-181.

فباعتبار ان جواز تأخير الامتثال منوط بسعة الوقت، اما مع الظن بعدمها - بسبب ظهور امارات الموت - فلا معني له.

هذا ما عليه المشهور. و هو وجيه مع فرض قيام اجماع قولي او عملي علي اناطة جواز التأخير بعدم ظن الضيق كما ادعاه بعض الاعلام(1) و الا فالمناسب جعل المدار في التضيق و عدمه علي العلم او الاطمئنان بالتمكن من الامتثال و عدمه - و ليس علي الظن بالتمكن و عدمه - فمن لم يطمئن بتمكنه من الامتثال لو اخّر تلزمه المبادرة اليه و لو لم تظهر امارات الموت عليه.

و الوجه في ذلك: ان كل تكليف لا بدّ عقلا من المبادرة الي امتثاله الا مع العلم او الاطمئنان بالتمكن لو لم يبادر. و جعل المدار علي ظهور امارات الموت و عدمه بلا وجه.

3 - و اما وجوب الايصاء بها عند عدم التمكن من مباشرة الامتثال

فواضح بعد عدم سقوطها عن الذمة بالموت. و لا محذور في اعتبار اشتغال الذمة بشيء بعد الموت. و ثمرته لزوم تفريغها تسبيبا قبل الموت من خلال الوصية بها.

4 - و اما وجوب ردّ أموال الناس من الوديعة و غيرها عند ظهور

امارات الموت

فباعتبار ان ردّ الامانة الي اهلها واجب. هذا ما عليه المشهور.

و المناسب ان يقال: ان ردّها واجب اذا لم يطمئن باداء الوارث لها و الا فلا موجب لذلك، فان اللازم في باب الامانة حفظها، و هو متحقق مع

ص: 533


1- مستمسك العروة الوثقي 541:14.

الاطمئنان باداء الوارث لها، اما ردّها مع فرض عدم مطالبة صاحبها بها فليس واجبا.

و ينبغي الالتفات الي ان اداء الوارث لها اذا كان موقوفا علي الايصاء بها و الاشهاد عليها وجب ذلك من باب وجوب مقدمة الواجب و لو عقلا.

5 - و اما ان الديون يجب اداؤها عند ظهور امارات الموت اذا كانت

حالّة

فهو مذكور في كلمات غير واحد من الاعلام.

و المناسب ان يقال: انه مع مطالبة المالك بها يجب اداؤها اذا كانت حالة سواء ظهرت امارات الموت أم لا، و مع عدم مطالبته بها فلا موجب للإلزام بادائها، فجعل الامر دائرا مدار ظهور امارات الموت و عدمه بلا وجه.

6 - و اما انه لا تصح الوصية الا بمقدار الثلث

فهو المعروف بين الاصحاب. و قد دلت عليه روايات متعددة، كموثقة عمار الساباطي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الميت احق بماله ما دام فيه الروح يبين فيه(1) فان قال:

بعدي فليس له الا الثلث»(2) و غيرها.

و نسب الخلاف في ذلك الي الشيخ علي بن بابويه و انه اجازها في جميع التركة(3).

و قد يستدل له بثلاث روايات:

ص: 534


1- قال في الوافي 67:24 «ابان فيه: اي عزله عن ماله و سلّمه الي المعطي له في مرضه و لم يعلّق اعطاءه علي الموت».
2- وسائل الشيعة 367:13 الباب 11 من أحكام الوصايا الحديث 12.
3- جواهر الكلام 281:28.

أ - رواية محمد بن عبدوس: «اوصي رجل بتركته متاع و غير ذلك لأبي عبد اللّه عليه السّلام فكتب اليه: رجل اوصي إليّ بجميع ما خلّف لك و خلّف ابنتي اخت له فرأيك في ذلك فكتب إليّ : بع ما خلّف و ابعث به إليّ فبعت و بعثت به اليه فكتب إليّ : قد وصل»(1).

ب - رواية عمار بن موسي الساباطي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح اذا اوصي به كله فهو جائز»(2).

ج - موثقة علي بن الحسن بن فضال: «مات محمد بن عبد اللّه بن زرارة و أوصي الي اخي احمد بن الحسن و خلّف دارا و كان اوصي في جميع تركته ان تباع و يحمل ثمنها الي ابي الحسن عليه السّلام فباعها فاعترض فيها ابن اخت له و ابن عم له فاصلحنا امره(3) بثلاثة دنانير. و كتب اليه احمد بن الحسن و دفع الشيء بحضرتي الي ايوب بن نوح فاخبره انه جميع ما خلف و ابن عم له و ابن اخته عرض و اصلحنا امره بثلاثة دنانير فكتب: قد وصل ذلك و ترحّم علي الميت و قرأت الجواب»(4).

و يمكن التأمل في ذلك:

اما الاوليتان فهما ضعيفتا السند - الاولي بمحمد بن عبدوس فانه مجهول و الثانية بعمر بن شداد و السري فانهما مجهولان أيضا - و قد تحملان علي صورة اجازة الورثة.

و اما الاخيرة فلا يبعد نظرها الي صورة اجازة الورثة و جلب7.

ص: 535


1- وسائل الشيعة 369:13 الباب 11 من أحكام الوصايا الحديث 16.
2- وسائل الشيعة 370:13 الباب 11 من أحكام الوصايا الحديث 19.
3- المناسب هنا و فيما يأتي: أمرهما.
4- وسائل الشيعة 369:13 الباب 11 من أحكام الوصايا الحديث 17.

رضاهم بثلاثة دنانير.

7 - و اما نفوذها مع اجازة الورثة بعد الوفاة

فباعتبار ان الحق لا يعدوهم.

8 - و اما الاجتزاء باجازة الورثة حال حياة مورثهم

فالقاعدة و ان اقتضت عدمه لكونهم آنذاك ليسوا اصحاب حق ليتمكنوا من اسقاطه الا ان الروايات قد دلت علي النفوذ، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل أوصي بوصية و ورثته شهود فأجازوا ذلك فلما مات الرجل نقضوا الوصية هل لهم ان يردّوا ما اقروا به ؟ فقال: ليس لهم ذلك، و الوصية جائزة عليهم اذا اقرّوا بها في حياته»(1) و غيرها.

و بعد الروايات لا يبقي مجال للقول بعدم النفوذ كما هو المنسوب الي الشيخ المفيد و غيره(2).

9 - و اما عدم امكان التراجع عن الاجازة

فواضح اذا كانت الاجازة بعد الوفاة لأنها انعقدت صحيحة و انتقل المال الي الموصي له، و انقلابها الي البطلان بالتراجع يحتاج الي دليل.

10 - و اما انه اذا اجاز بعض الورثة دون بعض نفذت في حق

المجيز فقط

فامر واضح بعد انحلال الحق و بعد كونه واحدا ارتباطيا.

11 - و اما ان المدار في الثلث علي ملاحظته حين الوفاة

فلأنه المنصرف عرفا من فقرة: «فان قال بعدي فليس له الا الثلث» الواردة في موثقة الساباطي المتقدمة، اي فليس له الا الثلث بعد وفاته.

هذا مضافا الي امكان استفادة ذلك من صحيحة محمد بن قيس:

ص: 536


1- وسائل الشيعة 371:13 الباب 13 من أحكام الوصايا الحديث 1.
2- جواهر الكلام 286:28.

«قلت له: رجل أوصي لرجل بوصية من ماله ثلث أو ربع فيقتل الرجل خطأ يعني الموصي فقال: يجاز لهذا الوصية من ماله و من ديته»(1) و غيرها.

الا ان هذا كله لو لم يتضح من خلال القرائن ارادة ما هو ثلث حين الوصية كما هو واضح.

12 - و اما ان الواجبات المالية تخرج من الاصل و ان لم يوص بها

فلا خلاف فيه، و يدل عليه قوله تعالي: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ (2) ، فان عطف الدين علي الوصية يدل علي لزوم اخراجه من التركة و ان لم يوص به.

هذا مضافا الي دلالة الروايات الكثيرة، كصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام: «قال امير المؤمنين عليه السّلام: ان الدين قبل الوصية ثم الوصية علي اثر الدين ثم الميراث بعد الوصية فان اول القضاء كتاب اللّه»(3) و غيرها.

13 - و اما الواجبات غير المالية - كالصلاة و غيرها

- فقد وقعت محلا للخلاف فقيل بلزوم اخراجها من الاصل قبل الارث أيضا كالديون المالية. و قيل باخراجها من الثلث.

و استدل علي الاول بانها دين، و كل دين لا بدّ من اخراجه من الاصل.

اما الصغري فلما رواه الشيخ الصدوق باسناده عن سليمان بن

ص: 537


1- وسائل الشيعة 372:13 الباب 14 من أحكام الوصايا الحديث 1.
2- النساء: 11.
3- وسائل الشيعة 406:13 الباب 28 من أحكام الوصايا الحديث 2.

داود المنقري عن حماد بن عيسي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال لقمان لابنه:

... يا بني اذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشيء صلها و استرح منها فانها دين...»(1).

و اما الكبري فللآية الكريمة المتقدمة الدالة علي لزوم اخراج الدين من التركة قبل الارث و لقصة الخثعمية التي: «أتت الي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فقالت: يا رسول اللّه ان فرض الحج قد ادرك ابي و هو شيخ لا يقدر علي ركوب الراحلة أ يجوز ان احج عنه ؟ قال صلّي اللّه عليه و آله: يجوز. قالت: يا رسول اللّه ينفعه ذلك ؟ قال صلّي اللّه عليه و آله: أ رأيت لو كان علي ابيك دين فقضيته أما كان يجزئ ؟ قالت: نعم. قال: فدين اللّه أحق»(2).

هكذا استدل جماعة منهم السيد اليزدي قدّس سرّه(3).

و يمكن التأمل في كلتا المقدمتين.

اما الصغري فلان استعمال لفظ «الدين» في وصية لقمان في الصلاة مسامحي اريد به بيان اهمية الصلاة و انها كالدين في لزوم المبادرة الي تفريغ الذمة منه. علي انه لو تم فهو خاص بالصلاة و لا يعم مطلق الواجبات.

هذا بقطع النظر عن سند الشيخ الصدوق الي المنقري - الذي ورد فيه القاسم بن محمد الاصفهاني الذي لم يوثق - و الا فالامر اوضح.

و اما الكبري فباعتبار ان لفظ «الدين» في الآية الكريمة منصرفر.

ص: 538


1- وسائل الشيعة 323:8 الباب 52 من أبواب آداب السفر الي الحج الحديث 1.
2- مستدرك الوسائل 26:8 الباب 18 من ابواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 3.
3- العروة الوثقي المسألة 3 من فصل صلاة الاستيجار.

الاخراج من الاصل(1).

و النتيجة ان الواجبات المالية تخرج من الاصل اوصي بها او لا، و غير المالية لا تخرج من الاصل اوصي بها او لا.

14 - و اما انه اذا تعددت الوصايا و يبدأ باخراج ما يخرج من الاصل

منه

فواضح، اذ الواجبات المالية تخرج من الاصل اوصي بها او لا.

15 - و اما انه يخرج الجميع من الثلث مع طلبه لذلك

فواضح أيضا لأنه مقتضي وجوب العمل بالوصية فيخرج الجميع منه اذا وسع ذلك.

و اما انه اذا لم يسع ذلك فيبدأ باخراج ما يخرج من الاصل فباعتبار ان اخراجه من التركة لازم، و حيث لم يرد اخراجه من الاصل فيخرج من الثلث.

و اما انه اذا لم يبق شيء من الثلث - بعد اخراج ما يخرج من الاصل - تبطل الوصية بلحاظ ما لا يخرج من الاصل فباعتبار ان ذلك لازم تعين الاخراج من الثلث و فرض تقديم الاول.

ص: 539


1- علي ان القصة المذكورة وردت في صحيحي البخاري و مسلم من دون فقرة الاستشهاد، فقد روي مسلم في صحيحه الباب 71 باب الحج عن العاجز لزمانة و هرم و نحوهما او للموت من كتاب الحج 973:2 عن عبد اللّه بن عباس: «كان الفضل بن عباس رديف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه فجعل الفضل ينظر اليها و تنظر اليه فجعل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يصرف وجه الفضل الي الشق الآخر، قالت: يا رسول اللّه ان فريضة اللّه علي عباده في الحج ادركت ابي شيخا كبيرا لا يستطيع ان يثبت علي الراحلة أ فأحج عنه ؟ قال: نعم، و ذلك في حجة الوداع». و راجع صحيح البخاري 572:2 الباب 24 حج المرأة عن الرجل من كتاب جزاء الصيد.

ص: 540

كتاب الوقف

اشارة

1 - حقيقة الوقف

2 - من شرائط الوقف

3 - من أحكام الوقف

4 - من أحكام الحبس

5 - من أحكام الصدقة بالمعني الأخص

ص: 541

ص: 542

1 - حقيقة الوقف

اشارة

الوقف إنشاء يتضمن تحبيس العين و تسبيل الثمرة. و قد يعبر عنه بالصدقة.

و هو مشروع بلا اشكال.

و في كونه عقدا يعتبر فيه القبول خلاف.

و هو يشتمل تارة علي موقوف عليه فيكون متقوما بثلاثة اطراف: الواقف و العين الموقوفة و الموقوف عليه و اخري لا يشتمل علي ذلك فيكون متقوما بطرفين.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الوقف ما تقدم

فهو من واضحات الفقه. و يقتضيه ارتكاز المتشرعة الذي لا تأمل فيه. و في الحديث عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «حبّس الاصل و سبّل الثمرة»(1).

ص: 543


1- مستدرك الوسائل 47:14.
2 - و اما انه قد يعبر عنه بالصدقة

فهو واضح لمن راجع النصوص، فلاحظ صحيحة ربعي بن عبد اللّه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «تصدّق امير المؤمنين عليه السّلام بدار له في المدينة في بني زريق فكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما تصدّق به علي بن ابي طالب و هو حي سوي تصدّق بداره التي في بني زريق صدقة لا تباع و لا توهب حتي يرثها اللّه الذي يرث السماوات و الارض و اسكن هذه الصدقة خالاته ما عشن و عاش عقبهن، فاذا انقرضوا فهي لذي الحاجة من المسلمين»(1) و غيرها.

قال في الحدائق: «لا يخفي علي من له انس بالاخبار و من جاس خلال تلك الديار ان الوقف في الصدر الاول اعني زمن النبي صلّي اللّه عليه و آله و زمن الأئمة عليهم السّلام انما يعبر عنه بالصدقة»(2).

و يمكن ان يقال: ان لفظ الصدقة مصطلح مشترك بين الوقف و الحبس و الصدقة بمعناها الاخص، الا ان الاول تخرج فيه العين عن ملك الواقف مع حبسها عن التصرف فيها بالنقل بالبيع و نحوه، و الثاني تبقي فيه العين علي ملك الحابس و يكون التمليك للمنفعة، و في الثالث تنتقل العين الي المتصدق عليه مع جواز تصرفه فيها بأي نحو أحب.

هذه ثلاثة معاني للصدقة. و تطلق علي معني رابع، و هو فريضة الزكاة، كما قال تعالي: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها... (3).

3 - و اما ان الوقف مشروع

فهو من المسلّمات بين جميع المسلمين

ص: 544


1- وسائل الشيعة 304:13 الباب 6 من أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 4.
2- الحدائق الناضرة 128:22.
3- التوبة: 60.

بل يستفاد من النصوص رجحانه فلاحظ صحيحة هشام بن سالم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال:

صدقة اجراها في حياته فهي تجري بعد موته، و سنة هدي سنّها فهي يعمل بها بعد موته، او ولد صالح يدعو له»(1) و غيرها.

4 - و اما ان الوقف يعتبر فيه القبول

فهو ظاهر كل من عبّر عنه بالعقد كالمحقق الحلي، حيث قال: «الوقف عقد ثمرته تحبيس الاصل و اطلاق المنفعة»(2).

و قد يستدل علي ذلك:

تارة باستصحاب عدم ترتب الاثر بدونه.

و اخري بان ادخال الشيء في ملك الغير بدون رضاه خلاف قاعدة سلطنة الانسان علي نفسه.

و المناسب عدم الاعتبار لوجوه:

أ - التمسك باطلاق قوله عليه السّلام في صحيحة محمد بن الحسن الصفار:

«الوقوف تكون علي حسب ما يوقفها اهلها ان شاء اللّه»(3) ، حيث يدل علي ان الوقف كلما صدق كان ممضي بالكيفية المرسومة فيه، و واضح ان صدق عنوان الوقف عرفا لا يتوقف علي القبول بل يتحقق بمجرد الايجاب فيلزم كونه ممضيا حتي مع عدم القبول.

ب - التمسك بصحيحة ربعي السابقة الحاكية لوقف امير المؤمنين عليه السّلام حيث لم يشر فيها الي القبول.

ص: 545


1- وسائل الشيعة 292:13 الباب 1 من أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 1.
2- شرائع الإسلام 442:2 انتشارات استقلال.
3- وسائل الشيعة 295:13 الباب 2 من أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 1.

ج - التمسك بسيرة المتشرعة الجارية علي عدم مراعاة القبول حين الوقف. و لو كان ذلك معتبرا لانعكس علي النصوص و السيرة بعد شدة الابتلاء بالوقف.

و بهذا يتضح بطلان الوجهين السابقين لإثبات الاعتبار.

و وجه ذلك: ان النوبة تصل اليهما اذا لم يفترض وجود ما يمكن التمسك به لإثبات عدم الاعتبار، و قد تقدم وجوده.

كما اتضح من خلال هذا ضعف التفصيل باعتبار القبول اذا كان الوقف علي جماعة معينين و عدم اعتباره اذا كان علي جهة عامة كالفقراء.

و وجه الضعف: ان مقتضي ما تقدم عدم اعتبار القبول في الوقف بشكل مطلق كلما صدق عنوانه.

5 - و اما ان الوقف يشتمل تارة علي موقوف عليه و اخري لا يشتمل

عليه

فذلك باعتبار ان الواقف تارة يخرج العين الموقوفة من ملكه من دون ادخالها في ملك الغير، كما في وقف المساجد، فان مرجعه الي اخراج المسجد من الملك و تحريره و فكه من دون ادخاله في ملك احد، و في مثله لا موقوف عليه، و اخري يدخلها في ملك الغير، كما في الوقف علي الاولاد او الفقراء او العلماء، و في مثله يكون الموقوف عليه ثابتا، و هو الاولاد و نحوهم.

ثم ان في خروج العين الموقوفة بالوقف من ملك الواقف خلافا بين الاصحاب. و المشهور خروجها. و المنسوب الي ابي الصلاح بقاؤها علي

ص: 546

ملك الواقف(1). هذا في غير المساجد، و اما هي فلا اشكال في خروجها بالوقف من ملك الواقف لان مرجعه الي التحرير و فك الملك كما تقدم.

2 - من شرائط الوقف

اشارة

يعتبر في تحقق الوقف ابرازه بكل ما يدل عليه - و لا تكفي النية - مثل وقفت و نحوه بما في ذلك المعاطاة، كما لو سلّم الواقف الفرش الي متولي شئون المشاهد المشرفة بقصد الوقف. بل ربما يتحقق بغير ذلك أيضا، كما لو بني شخص حسينية بقصد كونها وقفا.

و في اعتبار قصد القربة فيه خلاف.

و يعتبر في لزومه اذا كان خاصا قبض الموقوف عليه بل قيل باعتباره في صحته أيضا. اجل لا يلزم ان يكون ذلك بنحو الفورية. و يكفي في الوقف الذري قبض الطبقة الاولي.

و يعتبر في الوقف أيضا التأبيد، فلو انشأ الوقف لفترة عشرين سنة مثلا لم يقع وقفا. و في وقوعه حبسا خلاف. و في صحة الوقف علي من ينقرض عادة - كالوقف علي ثلاثة بطون من الاولاد - خلاف أيضا.

و يعتبر في العين الموقوفة ان تكون قابلة للانتفاع بها مع بقاء عينها فلا يصح وقف الأطعمة و الفاكهة و ما شاكلها.

و يعتبر في الموقوف عليه وجوده فلا يصح الوقف علي المعدوم، كالوقف علي من يوجد بعد ذلك.

ص: 547


1- الحدائق الناضرة 223:22.

و المستند في ذلك:

1 - اما انه يعتبر في صحة الوقف ابرازه بما يدل عليه و لا تكفي

النية وحدها

فباعتبار عدم صدق عنوانه بدون ذلك.

و اما الاكتفاء بكل ما يدل عليه فهو مقتضي اطلاق دليل الامضاء، كقوله عليه السّلام في صحيحة الصفار السابقة: «الوقوف تكون علي حسب ما يوقفها اهلها» الدال علي امضاء الوقف كلما صدق و بكيفيته الخاصة، فاذا انشأ شخص الوقف بالفارسية او بالجملة الاسمية و صدق انه وقف علي هذه الكيفية شمله قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون...» و ثبت امضاء اصل الوقف و كيفيته الخاصة.

و منه يتضح النظر فيما يظهر من صاحب الحدائق من الميل الي لزوم الاقتصار علي لفظ «وقفت، و تصدقت» باعتبار ورودهما في الاخبار حيث قال قدّس سرّه: «لا يبعد الانحصار في هذين اللفظين وقوفا علي ما خالف الاصل علي مورد النص، بمعني ان الاصل بقاء الملك لمالكه، و الذي ورد من الصيغة المخرجة منحصر في هذين اللفظين»(1).

2 - و اما تحقق الوقف بالمعاطاة و غيرها

فلانه بعد صدق عنوان الوقف عرفا يكون مشمولا لإطلاق دليل الامضاء، كقوله عليه السّلام: «الوقوف تكون...».

و تؤكد ذلك سيرة المتشرعة الجارية علي عدم التقيد بالصيغة.

3 - و اما اعتبار قصد القربة في صحة الوقف

فهو ظاهر كلام بعض الاصحاب. و قد يستدل علي ذلك بمقدمتين:

ص: 548


1- الحدائق الناضرة 129:22.

أ - ان الوقف صدقة، كما يستفاد ذلك من صحيحة ربعي المتقدمة و غيرها.

ب - ان كل صدقة يشترط فيها قصد القربة، كما دلت عليه صحيحة حماد بن عثمان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا صدقة و لا عتق الا ما اريد به وجه اللّه عز و جل»(1) و غيرها.

و فيه: ان المقدمة الاولي لا تدل علي ان كل وقف صدقة و يحتمل ان الصدقة حصة خاصة منه و هو ما قصد به التقرب.

و المناسب عدم اعتبار ذلك لإطلاق قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون...» الدال علي امضاء كل ما يصدق عليه مفهوم الوقف عرفا، و من الواضح ان مفهوم الوقف لا يستبطن عرفا قصد التقرب.

و من هذا يتضح بطلان التمسك باستصحاب عدم ترتب الاثر من دون قصد التقرب.

و وجه البطلان: ان الاصل لا تصل النوبة اليه مع وجود الدليل الاجتهادي.

و مما يؤكد عدم اعتبار قصد التقرب انعقاد سيرة المتشرعة علي الوقف من دون خطور ذلك في اذهانهم بل يوقفون لنفع اولادهم لا غير و لا يحتمل ان مثل الوقوف المذكورة باطلة.

4 - و اما القبض

فلا اشكال في اعتباره في الجملة - و ان كانت القاعدة تقتضي عدم ذلك - فلو تحقق الوقف من دون قبض جاز للواقف التراجع و لو مات رجع ميراثا، ان هذا المقدار لا اشكال فيه و انما

ص: 549


1- وسائل الشيعة 319:13 الباب 13 من أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 2.

الاشكال في ان ذلك شرط للصحة و الانتقال او شرط للّزوم.

و الثمرة تظهر في النماء في الفترة المتخللة بين الوقف و القبض.

و المشهور كونه شرطا للصحة بينما الروايات لا يظهر منها اكثر من كونه شرطا في اللزوم فلاحظ صحيحة صفوان بن يحيي عن ابي الحسن عليه السّلام: «سألته عن الرجل يقف الضيعة ثم يبدو له ان يحدث في ذلك شيئا فقال: ان كان وقفها لولده و لغيرهم ثم جعل لها قيّما لم يكن له ان يرجع فيها. و ان كانوا صغارا و قد شرط ولايتها لهم حتي بلغوا فيحوزها لهم لم يكن له ان يرجع فيها. و ان كانوا كبارا و لم يسلّمها اليهم و لم يخاصموا(1) حتي يحوزوها عنه(2) فله ان يرجع فيها لأنهم لا يحوزونها(3) عنه و قد بلغوا»(4) ، فانها دلت علي جواز الرجوع قبل التسليم، و ذلك لا يقتضي اكثر من عدم اللزوم.

و ورد في مكاتبة محمد بن جعفر الاسدي لمولانا الحجة ارواحنا له الفداء: «و اما ما سألت عنه من الوقف علي ناحيتنا و ما يجعل لنا ثم يحتاج اليه صاحبه فكل ما لم يسلّم فصاحبه فيه بالخيار، و كل ما سلم فلا خيار فيه لصاحبه احتاج او لم يحتج...»(5). و هي صريحة في نفي اللزوم فقط .

و نقل محمد بن مسلم في صحيحه عن ابي جعفر عليه السّلام انه قال في8.

ص: 550


1- قيل بان المقصود لم تقع خصومة بينه و بينهم ليجبروه من خلالها علي القبض و التسليم.
2- المناسب: منه. و هكذا في كلمة «عنه» الثانية.
3- و في الوافي 550:10 نقل عن نسخة: «لم يحوزوها».
4- وسائل الشيعة 298:13 الباب 4 من أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 4.
5- وسائل الشيعة 300:13 الباب 4 من أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 8.

الرجل يتصدق علي ولده و قد ادركوا: «اذا لم يقبضوا حتي يموت فهو ميراث فان تصدّق علي من لم يدرك من ولده فهو جائز لان والده هو الذي يلي امره»(1). و هي لو كانت ناظرة الي الوقف دون الصدقة بمعناها الخاص لا تدل علي كون القبض شرطا للصحة، اذ لعل الوقف يقع صحيحا بنحو الجواز و ينفسخ بالموت.

و بالجملة مقتضي اطلاق قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون علي...» صحة الوقف و لزومه بدون اشتراط القبض. و النصوص المذكورة لا تدل علي اكثر من كونه شرطا في اللزوم فيلزم الحكم بالصحة من دون لزوم جمعا بين الاطلاق المتقدم و النصوص المذكورة.

5 - و اما تقييد اعتبار القبض بما اذا كان الوقف خاصا

فلأن النصوص المتقدمة لا يظهر منها اكثر من ذلك و تبقي الاوقاف العامة مشمولة لمقتضي القاعدة بلا حاجة الي قبض الحاكم الشرعي نيابة عن الجهة العامة.

6 - و اما انه لا تلزم الفورية في القبض

فهو لإطلاق النصوص المتقدمة. بل حتي لو فرض انها مجملة و لم يكن لها اطلاق كفي اطلاق قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون...».

7 - و اما كفاية قبض الطبقة الاولي في الوقف الذري

فلان قبض جميع الطبقات امر غير ممكن ليحتمل اعتباره. علي انه مع فرض عدم الدليل علي اعتبار قبض جميع الطبقات فبالامكان نفي احتمال ذلك باطلاق قوله عليه السّلام: «الوقوف...».

ص: 551


1- وسائل الشيعة 297:13 الباب 4 من أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 1.
8 - و اما اعتبار التأبيد في تحقق الوقف

فقد يستدل عليه:

تارة بتقوّم مفهومه بذلك.

و اخري بان وقوف الائمة عليهم السّلام التي حكتها الروايات - كصحيحة ربعي المتقدمة في بداية الحديث عن الوقف - كانت مؤيدة.

و ثالثة بالتمسك باستصحاب عدم ترتب الاثر بعد كون القدر المتيقنة صحته هو المؤبد.

و الجميع كما تري.

اذ الاول غير ثابت.

و الثاني لا دلالة له علي الانحصار.

و الثالث لا مجال له بعد اطلاق قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون..».

و من هنا قال السيد اليزدي: «فالعمدة: الاجماع ان تمّ »(1).

9 - و اما وجه القول ببطلان الوقف المقيد بمدة و عدم وقوعه حبسا

فواضح، فان الحبس لم يقصد فكيف يقع ؟

و اما وجه وقوعه حبسا فباعتبار ان قصد الوقف المؤقت قصد لحقيقة الحبس. و لا يضر اعتقاد كونه وقفا بعد إنشاء ما هو حبس حقيقة.

و اذا قيل: ان الوقف و الحبس متباينان لاقتضاء الاول خروج العين الموقوفة عن ملك الواقف و دخولها في ملك الموقوف عليه بخلافه في الحبس فان العين باقية علي ملك المحبّس.

قلنا: ان خروج العين عن ملك الواقف ليس هو مقتضي الوقف بما

ص: 552


1- ملحقات العروة الوثقي 192:2.

هو وقف بل هو ناشئ من التأبيد، و المفروض عدم قصده.

10 - و اما الوقف علي من ينقرض فقيل بصحته وقفا. و قيل بصحته

حبسا. و قيل ببطلانه.

و لعل الاوجه هو الاول، اذ الاجماع و ان انعقد علي اعتبار التأبيد و لكنه في مقابل التوقيت بمدة و لا يعلم بشموله لمثل المقام فيقتصر علي القدر المتيقن بعد كون الدليل لبيا لا اطلاق فيه، و يعود التمسك باطلاق قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون...» بلا مانع.

11 - و اما اعتبار ان تكون العين الموقوفة قابلة للانتفاع بها مع

بقائها

فباعتبار تقوّم الوقف عرفا بحبس العين فاذا لم يمكن حبسها عند الانتفاع بها فلا يمكن تحققه.

12 - و اما اعتبار وجود الموقوف عليه

فقد يستدل له:

أ - تارة بان الوقف تمليك و لا يعقل تمليك المعدوم لان الملكية صفة وجودية تستدعي محلا موجودا.

ب - و اخري بان القبض شرط في صحة الوقف، و هو متعذر مع انعدام الموقوف عليه.

و كلاهما كما تري.

اما الاول فلان الملكية وصف اعتباري، و الاعتبار سهل المؤونة فيمكن اعتبار المعدوم مالكا.

و اما الثاني فلان الفورية في القبض ليست لازمة. و علي فرض التسليم بها يكفي قبض المتولي او الحاكم الشرعي.

و لضعف المستندين المذكورين قال السيد اليزدي: «الانصاف انه ان تمّ الاجماع علي عدم صحة الوقف علي المعدوم الذي سيوجد و الا

ص: 553

فالاقوي صحته. و تحقق الاجماع الكاشف عن رأي المعصوم عليه السّلام دونه خرط القتاد»(1).

3 - من احكام الوقف

اشارة

اذا تمّ الوقف فلا يجوز للواقف تغيير كيفيته التي انشأ عليها و يكون اجنبيا عنه كسائر الافراد. اجل يجوز له حين إنشائه جعل التولية لنفسه او لغيره او لهما. بل يجوز جعلها بنحو يحق للمتولي تفويض الامر بنصب متول آخر في حياته او بعدها حسب نظره. و مع عدم جعلها لأحد تنتهي النوبة الي الحاكم الشرعي فيما اذا لم يكن الوقف بنحو التمليك.

و المتولي المنصوب يستحق اجرة مثل عمله ان لم تجعل له بنحو المجانية.

و الموقوف علي مشهد من المشاهد المقدسة يصرف في مصالحه.

و الموقوف علي المعصومين عليهم السّلام يصرف في كل ما يوجب احياء ذكرهم.

و اذا وقف شيء علي مسجد مثلا فخرب او لم يحتج الي الصرف فيه لانقطاع المارة عنه او لغير ذلك يصرف في مسجد آخر ان امكن و الا ففي وجوه البر الاقرب فالاقرب.

و لا يجوز بيع العين الموقوفة الا في موارد:

الاول - اذا طرأ الخراب عليها بنحو يحذر من عدم امكان الانتفاع بها رأسا او الا بنحو يسير يكاد يلحق بالعدم.

الثاني - اذا اشترط الواقف بيعها عند كون البيع اعود او الاحتياج الي ثمنها

ص: 554


1- ملحقات العروة الوثقي 110:2.

او ما شاكل ذلك.

الثالث - اذا وقع الاختلاف الشديد بين الموقوف عليهم الي حدّ لا يؤمن التلف علي النفوس و الاموال.

الرابع - اذا احرز ان الواقف لاحظ حين الوقف عنوانا خاصا في العين، كعنوان المدرسة او البستان مثلا و فرض زوال ذلك العنوان.

الخامس - اذا طرأت علي العين طوارئ كان بقاؤها مؤديا الي خرابها المسقط لها عن الانتفاع المعتد به و امكان البيع بعد ذلك.

هذا كله في غير المساجد. و اما هي فلا يجوز بيعها مطلقا.

و المتصدي للبيع هو المتولي المنصوب من قبل الواقف لإدارة شئون الوقف ان فرض انه قد نصب شخصا لذلك و الا فالحاكم الشرعي.

و اذا جاز بيع العين الموقوفة و بيعت بالفعل صرف الثمن في شراء عين اخري اقرب الي الأولي و توقف علي نهج وقف الأولي.

و المستند في ذلك:

1 - اما انه لا يجوز للواقف تغيير كيفية الوقف بعد تماميته

فباعتبار خروج العين عن ملكه فكيف يريد التصرف ؟

هذا مضافا الي امكان استفادة ذلك من قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون..» حيث يدل علي ان الوقف بعد تماميته يبقي علي ما هو عليه من دون امكان التصرف فيه.

و اما جواز جعل الواقف التولية حين إنشاء الوقف باحد الاشكال المتقدمة فلدلالة قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون...» علي ذلك.

2 - و اما ثبوت التولية للحاكم الشرعي اذا لم تجعل لغيره

فباعتبار ان تولي شخص خاص لإدارة شئون الوقف قضية ضرورية، و اذا دار

ص: 555

الامر بين كون ذلك الشخص هو خصوص الحاكم الشرعي او مطلق عدول المؤمنين تعيّن كونه الحاكم الشرعي لكونه القدر المتيقن.

و اما استثناء حالة الوقف بنحو التمليك - كالوقف علي الاولاد - فباعتبار ان الوقف اذا كان له مالك تعيّن تصديه لأنه الاولي بادارة شئون ملكه و لا معني لتصدي الغير له.

3 - و اما استحقاق المتولي للأجرة

فلانعقاد سيرة العقلاء علي كون طلب العمل سببا من اسباب الضمان.

و اما التقييد بحالة عدم جعلها بنحو المجانية فلاختصاص السيرة بذلك.

4 - و اما ان الموقوف علي المشهد او احد المعصومين عليهم السّلام يصرف

فيما ذكر

فباعتبار ان الوقف علي شيء ينصرف عرفا الي الصرف في مصالحه و شئونه.

5 - و اما ان الموقوف علي المسجد يصرف في مسجد آخر ان امكن

و الا ففي وجوه البر متي ما خرب او لم يحتج الي الصرف فلأن ذلك هو المقصود للواقف عند إنشاء الوقف.

6 - و اما عدم جواز بيع العين الموقوفة في غير موارد الاستثناء

فهو مما لا خلاف فيه. و يمكن استفادته من عدة روايات كصحيحة ابي علي بن راشد: «سألت ابا الحسن عليه السّلام قلت: جعلت فداك اشتريت ارضا الي جنب ضيعتي بألفي درهم فلما وفرت المال خبّرت ان الارض وقف فقال: لا يجوز شراء الوقوف...»(1) و غيرها.

ص: 556


1- وسائل الشيعة 303:13 الباب 6 من أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 1.

بل قد يقال: ان عدم البيع مستبطن في مفهوم الوقف، و لا حاجة معه الي دليل خاص، حيث تكون ادلة امضاء الوقف دالة بالتضمن علي عدم جواز البيع.

7 - و اما جواز بيع العين الموقوفة في المورد الاول

فقد علّله الشيخ الاعظم قدّس سرّه بالقصور في المقتضي لان الدليل علي عدم جواز البيع اما الاجماع او صحيحة ابي علي المتقدمة او قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون...».

و الكل كما تري.

اما الاول فلان القدر المتيقن منه غير المقام.

و اما الثاني فلانصرافه عن مثل الفرض.

و اما الثالث فلانه ناظر الي امضاء الكيفية المرسومة في الوقف لا اكثر(1).

و مع قصور مقتضي المنع لا يعود مانع يمنع من التمسك باطلاق ادلة مشروعية البيع.

هذا و يمكن ان يقال: ان الواقف قد اراد البيع في مثل هذه الحالة، و ذلك نافذ منه لإطلاق قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون...».

8 - و اما جواز البيع في المورد الثاني

فلإطلاق قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون...» بل تمسك الشيخ الاعظم(2) لذلك أيضا باطلاق قوله عليه السّلام:

«المسلمون عند شروطهم»(3).

9 - و اما الجواز في المورد الثالث

فلصحيحة علي بن مهزيار:

ص: 557


1- المكاسب للشيخ الاعظم 76:2 انتشارات اسماعيليان.
2- المكاسب 87:2.
3- وسائل الشيعة 353:12 الباب 6 من ابواب الخيار الحديث 2.

«و كتبت اليه: ان الرجل ذكر ان بين من وقف عليهم هذه الضيعة اختلافا شديدا و انه ليس يأمن ان يتفاقم ذلك بينهم بعده(1)... فكتب اليه بخطه و اعلمه ان رأيي له ان كان قد علم الاختلاف ما بين اصحاب الوقف ان يبيع الوقف امثل(2) فانه ربما جاء في الاختلاف تلف الاموال و النفوس»(3). بل بقطع النظر عن ذلك يمكن ان يقال: ان الواقف يجوّز البيع في مثل هذه الحالة و يريده فيشمله اطلاق قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون...».

10 - و اما الجواز في المورد الرابع

فباعتبار ضيق الجعل من البداية، فانه قد جعل الوقف ابتداء مقيدا بالعنوان الخاص فاذا فرض ارتفاعه يلزم ارتفاعه أيضا.

11 - و اما الجواز في المورد الخامس

فلترخيص الواقف ارتكازا في البيع في مثل ذلك فيشمله اطلاق قوله عليه السّلام: «الوقوف تكون...».

12 - و اما ان المساجد لا يجوز بيعها مطلقا

فباعتبار انها ليست ملكا ليمكن بيعها بل الوقف فيها بنحو فك الملك و تحريره كما تقدم.

13 - و اما لزوم كون المتصدي للبيع في الموارد المتقدمة

هو المتولي المنصوب ان كان و الا فالحاكم الشرعي فباعتبار ان البيع لا يصح الا من المالك او ممن له الولاية و الا كان فضوليا.

14 - و اما لزوم صرف الثمن عند بيع العين في شراء عين اخري بالنحو المتقدم

ص: 558


1- كلمة «بعده» لا توجد في الفقيه 178:4.
2- في الفقيه 179:4 «ان كان قد علم اختلاف ما بين أصحاب الوقف و ان بيع الوقف أمثل فليبع فانه ربما...».
3- وسائل الشيعة 305:13 الباب 6 من أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 6.

فلانه هو المطلوب للواقف ارتكازا فتلزم مراعاته لقوله عليه السّلام: «الوقوف تكون...».

4 - من أحكام الحبس

اشارة

الحبس إنشاء يتضمن تسليط الغير علي شيء لاستيفاء منفعته - اما مع الاطلاق او خلال فترة محدودة - مع بقائه علي ملك مالكه من دون ان يحقّ للمحبّس عليه التصرف فيه بالنقل بالبيع و نحوه.

و هو مشروع بلا اشكال.

و يتحقق بلفظ التحبيس، كقول الحابس: حبّست - لفترة سنة مثلا او مع اطلاق المدة - مكتبتي علي اهل العلم او سيارتي علي المحتاج اليها.

و اذا كانت العين المحبّسة ارضا قابلة للسكن اصطلح علي الحبس بالسكني، فالسكني - التي هي مصداق للحبس - إنشاء يتضمن جعل حق السكن للغير مع بقاء العين علي ملك مالكها.

و الحبس - سواء كان في العين القابلة للسكن أم لا - متي ما قيّد بفترة محددة كسنة مثلا اصطلح عليه بالرقبي. و متي ما قيّد بعمر الحابس او المحبّس عليه اصطلح عليه بالعمري.

و السكني و العمري و الرقبي هي من العقود التي تحتاج الي القبول بل الحبس كذلك اذا كان علي الشخص دون الجهة.

و يشترط في تحقق اللزوم القبض، و من دونه يجوز التراجع.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الحبس ما ذكر

فهو من واضحات الفقه. و فرقه عن الوقف

ص: 559

ان العين في الوقف تخرج عن ملك مالكها - مع دخولها في ملك الموقوف عليه او بدونه - بخلافه في الحبس فانها باقية علي ملك مالكها و ترجع بعد موته الي ورثته. و في الوقف يعتبر التأبيد بخلافه في الحبس فانه لا يلزم فيه ذلك.

2 - و اما انه مشروع

فمن المسلمات. و قد دلت عليه روايات كثيرة الا انه لم يرد فيها لفظ الحبس بل لفظ الصدقة الا في الرواية الحاكية لقصة ابن ابي ليلي التي رواها المحمدون الثلاثة بسند صحيح عن عمر بن اذينة: «كنت شاهدا عند ابن ابي ليلي و قضي في رجل جعل لبعض قرابته غلّة داره و لم يوقّت وقتا فمات الرجل فحضر ورثته ابن ابي ليلي و حضر قرابته الذي جعل له غلّة الدار فقال ابن ابي ليلي: اري ان ادعها علي ما تركها صاحبها فقال محمد بن مسلم الثقفي: اما ان علي بن ابي طالب عليه السّلام قد قضي في هذا المسجد بخلاف ما قضيت فقال: و ما علمك ؟ قال: سمعت ابا جعفر محمد بن علي عليه السّلام يقول: قضي علي عليه السّلام بردّ الحبيس و انفاذ المواريث فقال له ابن ابي ليلي: هذا عندك في كتابك ؟ فقال: نعم قال: فارسل و ائتني به فقال له محمد بن مسلم: علي ان لا تنظر من الكتاب الا في ذلك الحديث قال: لك ذلك قال: فأحضر الكتاب واراه الحديث عن ابي جعفر عليه السّلام في الكتاب فردّ قضيته»(1). فانها دلت علي ان من حبس شيئا من دون تحديد المدة فبموته يرجع الي ورثته و يردّ الحبس، و هذا يكشف عن صحة الحبس في الجملة.

3 - و اما تحقق الحبس بلفظ حبست

فمما لا خلاف فيه. و هو القدر

ص: 560


1- وسائل الشيعة 328:13 الباب 5 من أحكام السكني و الحبس الحديث 1.

المتيقن من الانشاء الذي يتحقق به. بل حكم الاصحاب بتحققه بكل ما يدل عليه و لو فعلا.

4 - و اما التفرقة بين الحبس و اخواته بما تقدم

فهو مورد تسالم الفقهاء. و قد دلت علي مشروعية تلك روايات متعددة، كصحيحة حمران: «سألته عن السكني و العمري فقال: الناس فيه عند شروطهم ان كان قد شرط حياته فهي حياته و ان كان لعقبه فهو لعقبه كما شرط حتي يفنوا ثم يردّ الي صاحب الدار»(1) ، و صحيحة الحسين بن نعيم عن ابي الحسن عليه السّلام: «سألته عن رجل جعل سكني داره لرجل ايام حياته او له و لعقبه من بعده قال: هي له و لعقبه كما شرط »(2).

5 - و اما ان السكني و اخواتها عقود تحتاج الي قبول

فقد ادعي عليه الاجماع. و لولاه امكن التمسك باطلاق مثل الصحيحتين المتقدمتين لنفي اعتبار ذلك.

و اما التفرقة في الحبس بين كونه علي الشخص فيعتبر فيه القبول و بين كونه علي غيره فلا يعتبر فيه ذلك فلا مدرك له سوي الاجماع أيضا.

6 - و اما اشتراط القبض في تحقق اللزوم

فلا وجه له سوي الاجماع المدعي و الا فمقتضي اطلاق الروايات نفي اعتبار ذلك. اجل مع عدم تعيين وقت في السكني فيجوز التراجع حتي مع تحقق القبض للروايات الخاصة، كموثقة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «و سألته عن الرجل يسكن

ص: 561


1- وسائل الشيعة 325:13 الباب 2 من أحكام السكني و الحبس الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 325:13 الباب 2 من أحكام السكني و الحبس الحديث 2.

رجلا و لم يوقّت شيئا قال: يخرجه صاحب الدار اذا شاء»(1).

و هكذا الحال في الحبس غير المؤقت اذا مات الحابس فان العين ترجع الي ورثته لصحيح ابن اذينة المتقدم.

5 - من احكام الصدقة بالمعني الاخص

اشارة

تستحب الصدقة بمعناها الاخص، و هي الاحسان للغير بقصد القربة.

و المعروف انها عقد تحتاج الي ايجاب و قبول. و يعتبر فيها قصد القربة.

و تجوز من غير الهاشمي علي الهاشمي. و تجوز علي الغني أيضا.

و المستند في ذلك:

1 - اما استحباب الصدقة بمعناها الاخص

فهو من المسلمات. و قد ورد الحث عليها في روايات كثيرة، من قبيل: «ان الصدقة تقضي الدين و تخلف بالبركة»(2) ، «الصدقة تدفع ميتة السوء»(3) ، «تصدقوا فان الصدقة تزيد في المال كثرة فتصدقوا رحمكم اللّه»(4) ، «داووا مرضاكم بالصدقة»(5) ، «يستحب للمريض ان يعطي السائل بيده و يأمر السائل ان يدعو له»(6) ، «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: الايدي ثلاثة فيد اللّه العليا، و يد المعطي التي تليها، و يد السائل السفلي فاعط الفضل و لا تعجز

ص: 562


1- وسائل الشيعة 327:13 الباب 4 من أحكام السكني و الحبس الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 255:6 الباب 1 من أبواب الصدقة الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 225:6 الباب 1 من أبواب الصدقة الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 257:6 الباب 1 من أبواب الصدقة الحديث 8.
5- وسائل الشيعة 258:6 الباب 1 من أبواب الصدقة الحديث 18.
6- وسائل الشيعة 262:6 الباب 5 من أبواب الصدقة الحديث 2.

نفسك»(1) ، و من الالفاظ الموجزة للرسول صلّي اللّه عليه و آله التي لم يسبق اليها: «اليد العليا خير من اليد السفلي»(2) ، «بكّروا بالصدقة فان البلاء لا يتخطاها»(3) ، «من تصدق بصدقة حين يصبح اذهب اللّه عنه نحس ذلك اليوم»(4).

بل قد يستدل علي ذلك بقوله تعالي: أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ (5).

و يلحق بالصدقة كل احسان و ان لم يكن بالمال ففي الحديث الصحيح: «كل معروف صدقة»(6).

2 - و اما ان الصدقة عقد تحتاج الي ايجاب و قبول

فهو المشهور، و لا دليل عليه سوي الشهرة و الاجماع المدعي. و من هنا قال السيد اليزدي:

«لا اشارة في شيء من الاخبار علي اعتبار اللفظ فيها علي كثرتها فما ادري من اين اشترطوا فيها الايجاب و القبول و جعلوها من العقود؟»(7).

و المناسب التفصيل بين مواردها فان كانت بنحو التمليك احتاجت الي ايجاب و قبول و ان كانت بنحو البذل و الاحسان المجردين كفي الاذن في الصرف.

و يمكن ان نعدّ من جملة مصاديق الصدقة التبرع بمقدار من المال

ص: 563


1- وسائل الشيعة 263:6 الباب 5 من أبواب الصدقة الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 263:6 الباب 5 من أبواب الصدقة الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 266:6 الباب 8 من أبواب الصدقة الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 266:6 الباب 8 من أبواب الصدقة الحديث 2.
5- التوبة: 104.
6- وسائل الشيعة 321:6 الباب 41 من أبواب الصدقة الحديث 2.
7- ملحقات العروة الوثقي 274:2.

للمناسبات الحسينية و نحوها من المناسبات الدينية او جمع مقدار من المال لبناء حسينية او تزويج مؤمن او علاج مريض و ما شاكل ذلك فان الكل يشترك في كونه احسانا بالمال بقصد القربة.

بل قد يعدّ من الصدقة التبرع للصناديق الخيرية المتعارف احداثها في زماننا و التي يقطع فيها المتبرع علاقته بالمال الذي يتبرع به، اما اذا بذل المال للصندوق لغرض الاقراض به من دون قطع العلاقة به فلا يبعد كون مرجعه الي التوكيل في التصرف دون الصدقة لأنه يعتبر فيها قطع العلاقة بالمتبرع به.

3 - و اما اعتبار قصد القربة فيها

فهو مما لا خلاف فيه. و يدل عليه صحيح حماد بن عثمان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا صدقة و لا عتق الا ما اريد به وجه اللّه عز و جل»(1) و غيره.

4 - و اما جواز صدقة غير الهاشمي للهاشمي

فلإطلاق نصوص الصدقة بعد اختصاص دليل المنع بالصدقة الواجبة التي هي زكاة المال و زكاة الفطرة. و مع التنزل عن ذلك يكفينا الاصل.

5 - و اما جواز الصدقة علي الغني

فهو مقتضي اطلاق اخبار الصدقة، بل في الحديث عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «كل معروف صدقة الي غني او فقير فتصدقوا و لو بشقّ التمرة...»(2). و بقطع النظر عن ذلك يكفينا الاصل.

ص: 564


1- وسائل الشيعة 320:13 الباب 13 من أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 265:6 الباب 7 من أبواب الصدقة الحديث 5.

كتاب الجعالة

اشارة

1 - حقيقة الجعالة

2 - من أحكام الجعالة

ص: 565

ص: 566

1 - حقيقة الجعالة

اشارة

الجعالة - بكسر الجيم و قد تضم - إنشاء يتضمن الالتزام بعوض علي عمل.

و ترجع في حقيقتها الي كونها ايقاعا عاما يتحقق بمجرد الايجاب، كقول من يريد بيع داره: من باع داري فله كذا، او خاصا كقول الشخص السابق موجها الخطاب لشخص آخر معين: ان بعت داري فلك كذا.

و هي مشروعة.

و تفترق عن الاجارة بعدّة فوارق.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الجعالة ما تقدم

فهو من واضحات الفقه.

و اما انها ايقاع لا تحتاج الي قبول فهو المعروف. و يدل عليه:

أ - ان الجاعل بايجابه للجعالة لا يتصرف في سلطان الغير ليحتاج الي قبوله.

ب - السيرة العقلائية التي يأتي التمسك بها، فانها قاضية بعدم الحاجة الي القبول.

ص: 567

و قد يقال بالحاجة الي القبول و لكن يكفي في تحققه شروع العامل في العمل، فان سيرة العقلاء لا تأبي الحاجة الي القبول بالمقدار المذكور.

2 - و اما شرعية الجعالة

فأمر متسالم عليه في الجملة. و يدل علي ذلك:

أ - قوله تعالي: وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ (1) ، بعد ضم استصحاب حكم الشريعة السابقة عند الشك في نسخه.

ب - الروايات الخاصة، كصحيحة عبد اللّه بن سنان: «سمعت ابي يسأل ابا عبد اللّه عليه السّلام و أنا اسمع فقال: ربما امرنا الرجل فيشتري لنا الارض و الدار و الغلام و الجارية و نجعل له جعلا، قال: لا بأس»(2) ، فانه ليس المقصود ندفع له بعد ذلك لا بعنوان الجعالة و الا لقيل: نعطيه، بل المقصود نقرر له ذلك من البداية بعنوان الجعالة.

و كصحيحة علي بن جعفر عن اخيه ابي الحسن عليه السّلام: «سألته عن جعل الآبق و الضالة، قال: لا بأس به»(3) ، فان المقصود السؤال عن الجعالة علي ردّ الآبق و الضالة.

ج - السيرة العقلائية، فانها انعقدت علي كون طلب العمل سببا من اسباب الضمان، فمن طلب من غيره تعمير داره او حمل متاعه في سيارته كان ذلك سببا للضمان اما باجرة المثل ان لم تقرر اجرة معينة او بما قرر ان فرض ذلك، و حيث ان السيرة المذكورة لا يحتمل حدوثها

ص: 568


1- يوسف: 72.
2- وسائل الشيعة 138:16 الباب 4 من أبواب الجعالة الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 136:16 الباب 1 من أبواب الجعالة الحديث 1.

بعد عصر المعصومين عليهم السّلام و لم يصدر ردع عنها فيستكشف امضاؤها.

3 - و اما ان الايجاب يجوز ان يكون عاما تارة و خاصا اخري

فيدل عليه اطلاق صحيحة علي بن جعفر المتقدمة و السيرة العقلائية.

4 - و اما الفوارق بين الاجارة و الجعالة

فهي متعددة من قبيل:

أ - ان الاجارة عقد تتوقف علي الايجاب و القبول في حين ان الجعالة ايقاع يكفي في تحققها الايجاب.

ب - في الاجارة يستحق الاجير الاجرة بمجرد العقد و تنشغل ذمته بالعمل للمستأجر بمجرد ذلك أيضا بخلافه في الجعالة فانه لا تنشغل ذمة الجاعل بالجعل بمجرد الايجاب بل بعد العمل، كما لا تنشغل ذمة العامل بالعمل للجاعل بمجرد ذلك.

ج - لا بدّ من تعيين العوضين في الاجارة بخلافه في الجعالة.

2 - من أحكام الجعالة

اشارة

يجوز الجهل بعوضي الجعالة، كأن يقول شخص: من اصلح سيارتي فله كذا مقدار مع فرض عدم العلم بما يتطلبه الاصلاح من عمل و اجهزة، او يقول: من باع داري بكذا فله الزائد. اجل يلزم ان لا يكون مجهولا بشكل كامل، كما لو قال: من باع داري بكذا فله شيء و الا بطلت الجعالة و استحق العامل اجرة المثل.

و يجوز للجاعل التراجع عن الجعالة قبل شروع العامل و لا يجوز ذلك بعد الشروع الا مع التوافق مع العامل.

ص: 569

و اذا شرع العامل في العمل فلا يجب عليه اتمامه الا اذا فرض طرو عنوان ثانوي، كما لو قال الجاعل للطبيب: ان اجريت عملية لعيني فلك كذا فانه لا يحق له التوقف عن اتمام العملية بعد الشروع فيها فيما اذا كان ذلك موجبا للضرر.

و لا يستحق العامل للجعل الا باتمامه للعمل. و اذا اتي ببعضه و اراد التوقف فلا يستحق بالنسبة الا اذا كان طلب العمل لم يلحظ بنحو الترابط . و قد يكون من هذا القبيل طلب بعض الوزارات في الدولة تعبيد عدّة شوارع او بناء عدّة عمارات و ما شاكل ذلك و اراد العامل التوقف عن تعبيد او بناء بعضها.

و لا يستحق العامل الجعل الا اذا قصد اداء العمل بقصد تحصيل الجعل، اما اذا قام به متبرعا او كان جاهلا بالجعالة او غافلا عنها فلا يستحق شيئا.

و المستند في ذلك:

1 - اما جواز الجهل بعوضي الجعالة

فهو رأي لبعض الاصحاب.

و يدل عليه عموم السيرة المتقدمة و اطلاق صحيحة علي بن جعفر المتقدمة، فان ما يتطلبه ردّ الآبق و الضالة غير محدد، و مقدار الجعل لم تفترض معلوميته و مع ذلك نفي عليه السّلام البأس من دون تفصيل.

و اما حديث نفي الغرر فهو علي تقدير تمامية سنده خاص بالبيع، كما تقدمت الاشارة اليه عند البحث عن الاجارة.

2 - و اما اعتبار ان لا يكون الجهل بالعوضين بشكل كامل

فيمكن توجيهه بان التعامل مع الجهل بالعوض بشكل كامل ليس عقلائيا، و ادلة امضاء المعاملات منصرفة عن التعامل غير العقلائي.

و مع التنزل يمكن ان نقول: ان مدرك مشروعية الجعالة منحصر

ص: 570

بالوجوه الثلاثة المتقدمة و هي لم يحرز شمولها لحالة الجهل الكامل، و معه يلزم التمسك باستصحاب عدم ترتب الاثر عند الشك في ثبوت الامضاء.

3 - و اما انه مع بطلان الجعالة يستحق العامل اجرة المثل

فباعتبار ان استحقاقه للأجرة المسماة لمّا لم يثبت لفرض بطلان الجعالة فلا بدّ من ضمان اجرة المثل لان الجاعل قد طلب العمل، و هو سبب للضمان.

4 - و اما جواز التراجع عن الجعالة قبل شروع العامل

فلم يعرف فيه خلاف بين الاصحاب. و يكفي لإثباته عدم الدليل علي اللزوم.

و اما عدم جوازه بعد شروع العامل فتقتضيه السيرة العقلائية المتقدمة.

5 - و اما عدم لزوم اتمام العامل للعمل بعد شروعه فيه

فلعدم الدليل علي ذلك.

و اما لزوم الاستمرار مع العنوان الثانوي فتقتضيه السيرة المتقدمة.

6 - و اما عدم استحقاق العامل للجعل الا بعد اتمام العمل

فيكفي لإثباته عدم الدليل علي الاستحقاق قبل ذلك.

و اما انه اذا اتي ببعضه و اراد التوقف فلا يستحق شيئا فلان الجعل قد جعل علي اتمام العمل حسب الفرض.

و اما ثبوت الاستحقاق بالنسبة اذا فرض عدم ملاحظة الترابط فلأن ذلك يعني انحلال الجعالة الي جعالات متعددة بعدد الابعاض المتصورة.

ص: 571

7 - و اما عدم استحقاق العامل للجعل اذا اتي بالعمل متبرعا او

غافلا او جاهلا

فيكفي لإثباته عدم الدليل علي الاستحقاق، فان السيرة دليل لبي يلزم الاقتصار فيه علي القدر المتيقن، و النصوص منصرفة عن مثل ذلك.

ص: 572

كتاب الشّفعة

اشارة

1 - حقيقة الشفعة

2 - من أحكام الشفعة

ص: 573

ص: 574

1 - حقيقة الشفعة

اشارة

الشفعة حق ثابت للشريك في اخذ حصة شريكه - اذا باعها لثالث - بالثمن المقرر في البيع. و يصطلح علي صاحب الحق المذكور بالشفيع.

و هي ايقاع يتوقف تحققه علي إنشاء الشريك له بلا حاجة الي القبول.

و شرعيتها امر مسلّم به.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الشفعة هي ما تقدم

فمما لا كلام فيه.

و اما انها ايقاع يتوقف علي إنشاء الايجاب من دون حاجة الي القبول فامر واضح لأنها شرّعت لأخذ الحصة من المشتري حفظا لأولوية الشفيع فلا يحتمل اعتبار قبوله.

2 - و اما انها مشروعة

فقد دلت عليه جملة من الروايات، كصحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تكون الشفعة الا لشريكين ما لم يقاسما، فاذا صاروا ثلاثة فليس لواحد منهم شفعة»(1) ، و موثقة ابي

ص: 575


1- وسائل الشيعة 320:17 الباب 7 من أبواب الشفعة الحديث 1.

العباس البقباق: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: الشفعة لا تكون الا لشريك»(1) ، و رواية عقبة بن خالد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قضي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بالشفعة بين الشركاء في الارضين و المساكن و قال: لا ضرر و لا ضرار. و قال: اذا ارّفت الأرف(2) و حدّت الحدود فلا شفعة»(3) الي غير ذلك من الروايات.

و ينبغي الالتفات الي ان ثبوت حق الشفعة جاء تخصيصا لقاعدة عدم حلية التصرف في مال الغير من دون طيب نفسه كما هو واضح، و لا محذور في ذلك، فان القاعدة المذكورة ليست حكما عقليا كي لا تقبل التخصيص.

2 - من أحكام الشفعة

اشارة

يتحقق اعمال حق الشفعة بكل ما يدل علي ذلك من قول - كقول الشفيع اخذت الحصة المبيعة بثمنها - او فعل، كما اذا دفع الشفيع الثمن و اخذ الحصة.

و يشترط في ثبوتها:

أ - عدم تقسيم العين المشتركة بفرز الحصص.

ب - ان تكون العين مشتركة بين اثنين لا اكثر.

ص: 576


1- وسائل الشيعة 315:17 الباب 1 من أبواب الشفعة الحديث 1.
2- اي اذا رسمت الحدود. و العطف تفسيري. و المقصود الردّ علي من يقول بأن الشفعة ثابتة بعد تقسيم الارض و تعيين حصة كل شريك.
3- وسائل الشيعة 319:17 الباب 5 من أبواب الشفعة الحديث 1.

ج - تسديد الثمن و لا يكفي اعمال حق الشفعة من دون ذلك.

د - ان يكون المدفوع بمقدار الثمن بدون زيادة او نقيصة سواء كان مساويا للقيمة السوقية أم لا.

ه - ان تكون العين المشتركة من الاشياء غير المنقولة و قابلة للقسمة كالدور و البساتين و الاراضي. و في ثبوتها في غير القابل للقسمة و في المنقول خلاف.

و في اعتبار الفورية في اعمال حق الشفعة خلاف.

و لا تثبت الشفعة بالجوار، فلو اراد شخص بيع داره فلا تحق لجاره المطالبة بها بالشفعة.

و حق الشفعة قابل للإسقاط بدون عوض او معه، و لكنه لا يقبل الانتقال الي الغير بالنقل اليه.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان اعمال حق الشفعة يتحقق بكل ما يدل علي ذلك من قول

او فعل

فيمكن استفادته من الروايات السابقة، فانها اذا كانت مشتملة علي اطلاق لفظي فهو المطلوب و الا امكن التمسك بالاطلاق المقامي، بتقريب ان اثبات حق الشفعة للشريك من دون بيان ما به يتحقق اعماله يدل علي ايكال الامر الي العرف و ان الشارع ليس له تحديد خاص في هذا المجال بل كل ما يدل علي اعمال الحق المذكور في نظر العرف فهو كاف.

2 - و اما انه يشترط في ثبوت حق الشفعة عدم فرز الحصص

فهو من المسلمات عندنا. و قد دلت عليه روايات كثيرة كصحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدمة و غيرها.

ص: 577

و يظهر من رواية عقبة بن خالد المتقدمة وجود رأي مقابل لمدرسة اهل البيت عليهم السّلام يري ثبوت حق الشفعة حتي مع فرز الحصص فلاحظ .

3 - و اما اعتبار ان تكون العين مشتركة بين اثنين لا اكثر

فهو المشهور. و قد دلت عليه عدة روايات كصحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدمة و غيرها.

الا ان في مقابل ذلك روايتين احداهما للسكوني و الاخري لطلحة بن زيد عن الامام الصادق عليه السّلام و كلتاهما بلسان: «الشفعة علي عدد الرجال»(1).

و قد حملها الشيخ علي التقية(2) ، فان تمّ ذلك و الا تساقط المتعارضان و لزم الرجوع الي الاصل المقتضي لعدم حلّ التصرف من دون طيب نفس المالك فان القدر المتيقن في الخارج عن الاصل المذكور ما اذا كانت الشركة بين اثنين، و اما اذا كانت بين اكثر فيشك في الخروج عن الاصل فيتمسك به ان فرض عدم وجود اطلاق في الروايات يدل علي ثبوت حق الشفعة في حالة اشتراك العين بين اكثر من اثنين.

هذا كله اذا لم نناقش في سند الاولي بالنوفلي الراوي عن السكوني و في الثانية بطلحة بن زيد و الا فلا مشكلة من الاساس.

4 - و اما اعتبار تسديد مقدار الثمن عقيب اعمال الحق

فينبغي ان يكون من الواضحات، اذ لا يحتمل ثبوت حق الشفعة و انتقال العين الي الشفيع باعماله الشفعة مع عدم ادائه الثمن، و هل ذلك الا الضرر المنفي بقاعدة لا ضرر؟

ص: 578


1- وسائل الشيعة 322:17 الباب 7 من أبواب الشفعة الحديث 5.
2- تهذيب الاحكام 166:7.

هذا مضافا الي ان روايات الشفعة لا اطلاق لها من هذه الناحية فينبغي الاقتصار علي مورد اليقين، و هو ما اذا تمّ اداء الثمن.

اجل قد يقال: انه مع طلب الشفيع انظاره لتهيئة الثمن فلا بد من امهاله ثلاثة ايام علي ما دلت عليه رواية علي بن مهزيار: «سألت ابا جعفر الثاني عليه السّلام عن رجل طلب شفعة ارض فذهب علي ان يحضر المال فلم ينض(1) فكيف يصنع صاحب الارض ان اراد بيعها أ يبيعها او ينتظر مجيء شريكه صاحب الشفعة ؟ قال: ان كان معه بالمصر فلينتظر به ثلاثة ايام فان اتاه بالمال و الا فليبع و بطلت شفعته في الارض. و ان طلب الاجل الي ان يحمل المال من بلد الي آخر فلينتظر به مقدار ما يسافر الي تلك البلدة و ينصرف و زيادة ثلاثة ايام اذا قدم، فان وافاه و الا فلا شفعة له»(2). و لكنها ضعيفة بالهيثم بن ابي مسروق النهدي فانه لم يوثق، و لا يمكن العمل بها الا بناء علي كبري الجابرية بعمل المشهور.

5 - و اما ان الشفيع لا يمكنه تملك الحصة الا بدفع مقدار الثمن

بدون زيادة و لا نقيصة

فتدل عليه رواية هارون بن حمزة الغنوي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الشفعة في الدور أ شيء واجب للشريك ؟ و يعرض علي الجار فهو احق بها من غيره ؟(3) فقال: الشفعة في البيوع

ص: 579


1- نض المال ينض اذا تحول الي نقد بعد ان كان متاعا.
2- وسائل الشيعة 324:17 الباب 10 من أبواب الشفعة الحديث 1.
3- لعل المقصود: هل يلزم عرض الدور - التي يراد بيعها - علي الجار و يكون أحق بها من غيره ؟ و أجاب عليه السّلام عن هذه الفقرة من السؤال بالنفي و ان الشفعة تختص بالشركاء.

اذا كان شريكا فهو احق بها بالثمن»(1) ، الا ان سندها يشتمل علي يزيد بن اسحاق شعر، و هو لم يوثق. اجل بناء علي تمامية كبري الجابرية بموافقة فتوي المشهور لا اشكال خصوصا اذا لاحظنا كلام صاحب الجواهر الذي يقول فيه: «لا خلاف بين الخاصة و العامة نصا و فتوي في ان الشفيع يأخذ بمثل الثمن الذي وقع عليه العقد»(2).

ثم انه يمكن ان نسلك طريقا آخر لإثبات فتوي المشهور بان يقال:

ان الروايات حيث لا اطلاق فيها من هذه الناحية فينبغي الاقتصار علي القدر المتيقن، و هو ما اذا كان البذل لما يساوي مقدار الثمن.

6 - و اما انه لا يفرّق بين ان يكون مقدار الثمن مساويا للقيمة

السوقية او لا

فلإطلاق البيانين المتقدمين من هذه الناحية.

7 - و اما ثبوت الشفعة في الاعيان غير المنقولة القابلة للقسمة

فهو مما لا خلاف فيه بين الاصحاب و هو القدر المتيقن من مورد حق الشفعة.

و اذا رجعنا الي الروايات وجدنا ان بعضها يدل علي ثبوت حق الشفعة في جميع الاشياء كصحيحة يونس عن بعض رجاله عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الشفعة جائزة في كل شيء من حيوان او ارض او متاع»(3) لكنها ضعيفة بالارسال.

و اذا لاحظنا رواية عقبة بن خالد المتقدمة وجدناها تدل علي ثبوت الشفعة في الدور و الاراضي. و هي ضعيفة السند بعقبة نفسه

ص: 580


1- وسائل الشيعة 316:17 الباب 2 من أبواب الشفعة الحديث 1.
2- جواهر الكلام 326:37.
3- وسائل الشيعة 319:17 الباب 5 من أبواب الشفعة الحديث 1.

و بمحمد بن عبد اللّه بن هلال الراوي عنه حيث لم يوثقا.

و اما بقية الروايات فهي لا اطلاق فيها من هذه الناحية، كصحيحة عبد اللّه بن سنان و موثقة البقباق المتقدمتين.

و المناسب بعد هذا ان يقال: ان الروايات المتقدمة و غيرها يستفاد منها ثبوت حق الشفعة في الجملة، و يدور الامر في مورده بين كونه جميع الاشياء او خصوص بعضها فيلزم الاقتصار علي القدر المتيقن، و هو الامور غير المنقولة من دون تفصيل بينها لعدم احتمال ذلك.

اجل قد يقال باعتبار كونها قابلة للقسمة - فلا تثبت في مثل الآبار - لان التعبير في صحيحة عبد اللّه بن سنان: «ما لم يقاسما» قد يفهم منه اعتبار قابلية الشيء للقسمة.

و اما الاشياء المنقولة فقد دلت صحيحة عبد اللّه بن سنان: «مملوك بين شركاء اراد احدهم بيع نصيبه قال: يبيعه. قلت: فانهما كانا اثنين فاراد احدهما بيع نصيبه فلما اقدم علي البيع قال له شريكه: اعطني قال: هو احق به ثم قال عليه السّلام: لا شفعة في الحيوان الا ان يكون الشريك فيه واحدا»(1) علي ثبوته في الحيوان. و التعدي منه الي مطلق الاشياء غير المنقولة يتوقف علي فهم عدم الخصوصية للحيوان.

ان قلت: ان صحيحة سليمان بن خالد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ليس في الحيوان شفعة»(2) دلت علي عدم ثبوت الشفعة في الحيوان فتعارض صحيحة ابن سنان.

قلت: يمكن تقييد نفي الشفعة فيها بما اذا كان الشركاء اكثر6.

ص: 581


1- وسائل الشيعة 322:17 الباب 7 من أبواب الشفعة الحديث 7.
2- وسائل الشيعة 322:17 الباب 7 من أبواب الشفعة الحديث 6.

من اثنين.

8 - و اما اعتبار الفورية في اعمال حق الشفعة

فيمكن ان يوجّه بان ثبوت الحق المذكور حكم علي خلاف الاصل فيلزم الاقتصار علي القدر المتيقن، و هو ثبوته في اول زمان امكان اعماله.

و تؤيد ذلك رواية السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام التي ورد فيها:

«للغائب شفعة»(1) ، فان الحق اذا كان متراخيا فلا وجه لتخصيص الغائب بالذكر و ان له شفعة.

و اما ما ورد من ان «الشفعة لمن واثبها»(2) ، «و الشفعة كحلّ العقال»(3) فلم يرد من طرقنا.

و قد يقال بكونه متراخيا الي الحد الذي يلزم فيه الضرر تمسكا بالاستصحاب، فانه جار الا بناء علي المبني القائل بعدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية او في موارد الشك في المقتضي.

الا ان المناسب ان يقال باعتبار الفورية العرفية لان ثبوتها بمقدار ازيد من ذلك امر غير محتمل لاستلزامه ايقاع المشتري في الضرر، و حق الشفعة شرّع لدفع الضرر و لا يحتمل تشريعه بنحو يستوجب توجيه الضرر علي الغير. و بعد هذا لا يبقي مجال لاحتمال جريان الاستصحاب.

9 - و اما عدم ثبوت الشفعة بالجوار

فيكفي لإثباته القصور في المقتضي. و تؤيد ذلك رواية الغنوي المتقدمة.

ص: 582


1- وسائل الشيعة 320:17 الباب 6 من أبواب الشفعة الحديث 2.
2- نيل الاوطار للشوكاني 87:6.
3- سنن البيهقي 108:6.
10 - و اما قبول حق الشفعة للإسقاط بدون عوض او معه

فلانه حق و لا يحتمل كونه حكما شرعيا لكي لا يقبل الاسقاط .

و اما عدم قابليته للنقل فيكفي لإثباته عدم الدليل علي قبوله لذلك.

ص: 583

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.