الجمان الحسان في أحكام القرآن

اشارة

سرشناسه:موسوي دهسرخي اصفهاني، محمود، 1305-

عنوان و نام پديدآور:الجمان الحسان في احكام القرآن/محمود الموسوي الدهسرخي.

مشخصات نشر:تهران: لاهوت، 1426ق.= 1383.

مشخصات ظاهري:[439]ص.:نمونه.

شابك:964-7762-87-

يادداشت:عربي.

موضوع:قرآن-- احكام و قوانين.

رده بندي كنگره:BP99/6/م8ج8 1383

رده بندي ديويي:297/174

شماره كتابشناسي ملي:1049788

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 3

الجمان الحسان في الأحكام القرآن

آية الله السيد محمود الموسوي الدهسرخي

الناشر: لاهوت

المطبعة: أمير

الطبعة: الأولي

سنة النشر: 1429 ه-

عدد المطبوع: 1000 نسخة

طهران، تلفون 2-77524540-021

قم، تلفون 7747493 - 0251

شابك -87 - 7762-964

ص: 4

المقدمه

قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم : «لا يعذب الله قلباً وَعَي القرآن ».

اهدت سليمان يوم العرض نملتة * رجل الجراد التي قد كان في فيها

ترنمت بفصيح القول واعتذرت * أن الهدايا علي مقدار مهديها

الحمد لله ربّ العالمين والصلوة علي خير خلقه محمد و آله صلوات الله عليهم أجمعين و لعنة الله علي أعدائهم إلي يوم الدين .

أما بعد ؛ فيقول العبد الجاني محمود بن السيد مهدي الموسوي الده سرخي الاصفهاني أصلا والنجفي مسكنا و مدفنا إن شاء الله :

إن أفضل الأعمال هو تحصيل الكمال بالعلم والعمل وأفضل العلوم هو العلم بالأحكام الشرعية وهو يحتاج إلي مقدمات عمدتها حفظ الآيات المتعلقة بها والبحث عنها ولهذا أفردها العلماء رضوان الله عليهم بالبحث وخصّوها بالتصنيف إلا أن استفادة المبتدئين من هذه التصانيف لامتزاج الشرح والمتن متعسرة وحفظ آياتها لتشتتها متعذرة فاحببت ان أجمع الآيات في كتاب مستقل بعنوان المتن حتي يكون حفظها ميسورا لهم وبالأخص للولد الأعز السيد محمد علي جعله الله من العلماء العاملين وجعلت في حواشيه بعض الشروح المقتبسة من كتاب ( قلائد الدرر

ص: 5

في بيان آيات الأحكام بالأثر) لشيخ الفقهاء المتبحرين رئيس المجتهدين وتاج المحققين العلامة الشيخ أحمد بن اسماعيل الجزائري قدس سره و من كتب سائر العلماء قدس الله أسرارهم وسميته ب- « الجمان الحسان في أحكام القرآن ».

وهو باعتبار العنوان مشتمل علي ثلثمائة وثمانية وأربعين (348) آيةً وباعتبار المعنون علي أربعمائة وسبعة وستين آيةً (467)(1) ونبدأ بكتاب الطهارةونختم بالقضاء والشهادة .

ص: 6


1- (1) مثلا قلنا كتاب الطهارة وفيها آية فهو بحسب العنوان ولكن يذكر فيها 8 آية وهكذا سائر العناوين.

كتاب الطهارة

ص: 7

ص: 8

وفيها 12 آية :

الأولي: في سورة الفرقان الآية 48 - 49، قوله تعالي :

(وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا )(1).

ص: 9


1- (1) قوله تعالي : (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) . انتهي . في الصحاح الطهور ما يتطهر به كالسحور. ونقل جماعة كثيرة من المفسرين وغيرهم أن طهورا يستعمل في لغة العرب علي وجهين : أحدهما صفة وثانيهما اسم. فالصفة ماء طهور كقولك ماء طاهر ، والاسم كقولك لما يتطهر به طهور كالوقود والفطور والسحور. ونقل عن سيبويه انه يستعمل مصدرا أيضاً مثل قولهم تطهرت طهورا حسنا. ومنه قوله صلي الله عليه وآله: «لا صلوة إلا بطهور» أي بطهارة . وفي القاموس : الطهور المصدر واسم ما يتطهر به أو الطاهر المطهر . انتهي . وقد استدل بهذه الآية أكثر علمائنا وغيرهم علي طهارة مطلق الماء ومطهريته، واعترض علي هذا الاستدلال بوجهين : الأول: ان الطهور من أسماء المبالغة في الطاهر ولا يدل علي كونه مطهرا بوجه ، وذلك لأن فعولا انما يفيد المبالغة في فائدة فاعل ولا يفيد شيئا مغاير له، فلو كان الطهور بمعني المطهر لافاد غير ما افاد طاهر وذلك خلاف القانون، ولأنه يستعمل فيما لا يفيد ذلك كقوله تعالي : ( شَرَاباً طَهُورًا) ، وكقوله (شعراً): عذب الثنايا ريقهن طهور الوجه الثاني: انه ليس في الكلام ما يدل علي العموم وإنما تدل علي ان ماء من السماء مطهر . والجواب عن الأول بوجوه : الأول: منع الحصر فيما ذكر . الثاني: أنه يكون من قبيل اثبات اللغة بالترجيح وهو باطل . الثالث: أنه يلزم علي ما ذكرتم أن يكون مطردا فيه، مع انه ليس كذلك اذ لا يقال ثوب طهور. الرابع: انه قد ذكر كثير من أهل اللغة أن الطهور هو الطاهر بنفسه والمطهر لغيره ونسبه الشيخ في التهذيب إلي لغة العرب ونحو ذلك قال الأزهري حيث قال : الطهور في اللغة الطاهر المطهر . الخامس: ما ذكره الشيخ في التهذيب انه لا خلاف بين أهل النحو في ان اسم فعول موضوع للمبالغة وتكرر الصفة ألا تري انهم يقولون فلان ضارب ثم يقولون ضروب اذا تكرر ذلك منه وكثر واذا كان كون الماء طاهرا ليس مما يتكرر ويتزايد فينبغي ان يعتبر في اطلاق الطهور عليه غير ذلك وليس بعد ذلك الاكونه مطهرا . : السادس: ان هذه الآية ذكرت في معرض الامتنان فالمناسب أن يراد الطهورية، الخ. قال الأردبيلي قدس سره : قوله : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) . انتهي. فيها دلالة علي كون الماء طاهرا ومطهرا ويتطهر به ويرفع حدث الجنابة وان الاحتلام من الشيطان.

ص: 10

الثانية: في سورة الأنفال الآية 11 قوله تعالي: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ (1) وَلِيَرْبِطَ عَلَي

ص: 11


1- (1) قوله تعالي : (رِجْزَ الشَّيْطَانِ ) . انتهي . قال في القاموس : الرجز بالكسر والضم القذر وعبادة الأوثان والعذاب والشرك. وفي الصحاح : الرجز القذر مثل الرجس۔ وفي المهذب : الرجز والرجس العذاب . وهذه الآية علي ما نقل نزلت في وقعة بدر وذلك لأن الكفار سبقوا المسلمين إلي الماء فاضطر المسلمون ونزلوا علي تل من رمل سيال لا تثبت به الاقدام وأكثرهم خائفون لقلتهم وكثرة الكفار لأن أصحاب النبي صلي الله عليه و آله و سلم كانوا ثلثمأة وثلثة عشر رجلا ومعهم سبعون جملا يتعاقبون عليها وفرسان احديهما للزبير بن العوام والاخري للمقداد بن الأسود وكان المشركون ألفا ومعهم أربعمأة فرس، وقيل : مائتان ، فبات أصحاب النبي صلي الله عليه و آله و سلم تلك الليلة علي غير ماء فاحتلم أكثرهم فتمثل لهم ابليس وقال تزعمون انكم علي الحق وأنتم تصلون بالجنابة وعلي غير وضوء وقد اشتد عطشكم ولو كنتم علي الحق ما سبقوكم إلي الماء وإذا أضعفكم العطش قتلوكم كيف شاوا فأنزل الله تعالي عليهم المطر وزالت تلك العلل. والمراد بتطهير الله اياهم بالماء توفيقهم للطهارة بأن يزيلوا النجاسة الحكمية عنهم كالحدث الأكبر والأصغر بالغسل والوضوء ويزيلوا النجاسة العينية كالمني وغيره . والمراد بالرجز إما الوسوسة التي حصلت لهم من تلك المقالة، أو مطلق الوسوسة التي وسوسها إليهم في هذه الغزوة أو المني أو العذاب والمراد بربط القلوب اشتدادها وتشجيعها وزيادة قوتها ووثوقها بما وعد الله نبيه صلي الله عليه و آله و سلم. وقيل : وهذا هو المراد بتثبيت الأقدام، وقيل : هو تثبيت الرمل. وبالجملة الآية الكريمة تدل علي طهارة الماء مطلقا ومطهريته لكل شيء من النجاسات الحكمية والعينية .

قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ).

الثالثة: في سورة البقرة الآية 222 قوله تعالي: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (1)

وفي سورة التوبة الآية 109 قوله تعالي : (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ) (2)

الرابعة : في سورة المائدة الآية 6 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا

ص: 12


1- (1) قوله تعالي : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) في تفسير العياشي عن جميل قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : كان الناس يستنجون بالحجار والكرسف ثم أحدث الوضوء وهو خلق حسن فأمر به رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم وأنزله الله في كتابه : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) وهذه الرواية نقلها في الكافي بسند صحيح أو حسن، الخ.
2- (2) قال الأردبيلي قدس سره: فيه رجال أي في مسجد قبا وفي سبب النزول دلالة علي استحباب الجمع بين الأحجار والماء في الاستنجاء والمبالغة في الاجتناب عن النجاسات.

قُمْتُمْ (1)إِلَي الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَي الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا

ص: 13


1- (1) قوله تعالي : ( إِذَا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا ) . انتهي. اشتملت الآية الشريفة علي مسائل : الأولي: أن تخصيص الخطاب بالمؤمنين يقتضي بمفهوم التوصيف انهم هم المكلفون بهذه الأحكام الفروعية دون الكفار كما قاله كثير من العامة. والجواب : ان ذلك باطل بالاجماع. المسئلة الثانية: قوله تعالي : (إِذَا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلَاةِ ) المراد به ارادته والتوجه اليه اطلاقا للملزوم علي لازمه أو المسبب علي سبيه اذ فعل المختار تلزمه الارادة ويتسبب عنها كقوله تعالي (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ) . وقيل : المراد بالقيام إليها قصدها . والعلاقة هي اللزوم أو السببية لأن القيام إلي الشيء والتوجه إليه يستلزم القصد إليه ويتسبب عنه. وقيل : المراد القيام المنتهي إلي الصلوة. هذا ويجوز أن يكون المراد القيام من النوم كما سيجيء إن شاء الله . المسئلة الثالثة: هذه الآية تقتضي بظاهرها تعميم هذا الحكم لسائر المكلفين المحدثين وغيرهم بأن يجب عليهم ذلك كلما قاموا إليها لكن خص ذلك بالمحدثين بالأخبار الواردة عن أهل البيت عليهم السلام وباجماع الفرقة المحقة. المسئلة الرابعة: في الآية اشعار بأن الوضوء واجب للصلوة لا لنفسه وذلك لأنه من قبيل أذا أردت لقاء الأمير فالبس ثيابك ، ويشهد لذلك كثير من الأخبار وهذا هو المشهور بين أصحابنا. المسئلة الخامسة: انها تضمنت وجوب غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين إلا أن في هذه الأمور نوع اجمال كما لا يخفي . وقد حصل البيان بفعله صلي الله عليه و آله و سلم وبما نقل عن أهل البيت عليهم السلام . قال الفاضل المقداد قدس سره : قيام الصلوة قسمان : قيام للدخول فيها وقيام للتهيء لها . والمراد هنا الثاني وإلا لزم تأخر الوضوء عن الصلوة وهو باطل اجماعا.

بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَي الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا (1)، وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَي (2) أَوْ عَلَي سَفَرٍ (3) أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ (4) أَوْ لَامَسْتُمُ

ص: 14


1- (1) قوله تعالي : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) الجنب يقع علي الواحد والجمع والمذكر والمؤنث ، وأصل الجنابة البعد ، والمراد شرعا البعد عن أحكام الطاهرين بالجماع والمني ، والمراد بالطهارة هنا الغسل لأن المتبادر منها في لسان الشرع الوضوء والغسل والتيمم ، والأخبار خصها هنا بالغسل مع التصريح في الآية الشريفة بذلك ، وهذه الجملة يجوز أن تكون معطوفة علي جملة الشرط السابقة وهي قوله تعالي : (إِذَا قُمْتُمْ إِلَي الصَّلَاةِ ) . انتهي . فلا تكون حينئذ مندرجة تحت القيام إلي الصلوة بل هي مستقلة برأسها.
2- (2) قوله تعالي : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَي) لما ذكر سبحانه حكم الواجدين للماء اتبعه بذكر أصحاب الأعذار، والمراد بالمرض هنا ما يشمل المرض الذي يضر معه استعمال الماء والذي يكون سببا للعجز عن تحصيله بحيث يوجب العلم أو الظن بالبصيرة أو التجربة بشدة المرض أو زيادته أو بطؤ البرء منه.
3- (3) قوله تعالي : (أَوْ عَلَي سَفَرٍ) أي حال سفر لا يحصل لكم فيه الماء كما يرشد إليه تنكير سفر وهذا من الجري علي الغالب من أن فقد الماء يكون في السفر في البراري والصحاري.
4- (4) قوله تعالي : (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ) هو كناية عن مطلق الحدث الأصغر من باب تسمية الحال باسم المحل أو البول والغائط خاصة أو ما يخرج من السبيلين منهما ومن الريح أو العذرة خاصة و( أو ) هنا بمعني الواو كما ذكره الأكثر فيكون هذا قيدا للسفر والمرض المذكورين.

النِّسَاءَ (1) فَلَمْ تَجِدُوا (2) مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا (3) فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ (4) مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ (5) وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ (6) لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )

الخامسة: في سورة النساء الآية 43 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

ص: 15


1- (1) قوله تعالي : (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ) قيل هو كناية عن مطلق الموجب للغسل وفيه تأمل والأوضح انه كناية عن الجماع الموجب للغسل.
2- (2) قوله تعالي : (فَلَمْ تَجِدُوا) يحتمله انه معطوف علي كنتم ويكون المراد بعدم الوجود العجز وعدم التمكن ( عقلا أو شرعا).
3- (3) قوله تعالي : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) أي اقصدوا صعيدا يقال يممته اذا قصدته هذا في اللغة، وأما في الشرع هو المسح علي كيفية منقولة عن صاحب الشريعة و المراد من الصعيد إما تراب أو تراب خالص أو مطلق وجه الأرض كما يدل عليه قوله تعالي : (فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا) أي أرضا ملسا ، الخ.
4- (4) وقوله تعالي : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) أي من ذلك الصعيد الطيب فمن هنا ابتدائية.
5- (5) قوله تعالي : (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) ان الحرج المنفي هو الضيق بايجاب مسح الوجه واليدين كله بالتراب المضروب عليه بأن يرتفع منه في اليد شيء يصل إلي جميع البشرة الوجه واليدين والبدن ليكون علي نحو الطهارة المائية (كما توهمه الزرارة ورد عليه الامام عليه السلام ).
6- (6) قوله تعالي : (وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) أي ليتم بشرعه ما هو مطهر لابدانكم و مكفر لذنوبكم في الدين ، الخ .

لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَي (1) حَتَّي تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا

ص: 16


1- (1) قوله تعالي (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَي) انتهي. جملة وأنتم سكاري حالية من فاعل تقربوا ولذا عطف جنبا بالنصب عليه وحتي في قوله حتي تعلموا يحتمل أن تكون من قبيل لا تشرك حتي تدخل النار. ويحتمل أن تكون من قبيل سر حتي تغيب الشمس. والسكر مأخوذ من سكرت النهر اسكره سكرا إذا سددته. ولما كان السكران لا يصح توجيه الخطاب إليه لزوال عقله. قيل : المراد هنا الناعس ، فانه يعلم ما يقول في الجملة. وقيل : المراد النهي عن السكر نفسه أي لا تسكروا وأنتم مخاطبون بالصلوة . وقال : الأكثر المراد به سكر الخمر أو غيره والمخاطب حينئذ بذلك الثمل (ثَمِلَ ثَملًا : أخذ فيه الشراب). والحاصل أنهم نهوا أن يكون في وقت الاشتغال بالصلوة سكاري أي بأن لا تشربوا في وقت يؤدي إلي تلبسهم بالصلوة حال سكرهم فليس الخطاب متوجها إليهم حال سكرهم. واختلفوا في المعني المراد من الصلوة في هذه الآية الشريفة علي ثلاثة أقوال : أحدها: أن المراد من الصلوة المنهي عنها هو مواضعها التي يغلب ايقاعها فيها أعني المساجد من قبيل تسمية المحل باسم الحال. ثانيها: أن المراد نفس الصلوة، وربما أسنده بعض إلي أمير المؤمنين عليه السلام قال بعض أصحابنا ولم يثبت ذلك. وحاصل المعني انهم نهوا عن الصلوة في هذين الحالين، واستثني من حال الجنب عابري سبيل أي مسافرين غير واجدين للماء كما هو الغالب من حال المسافرين فيجوز لكم حينئذ الصلوة بالتيمم . وثالثها: ما ذكره الصفي الحلي في كتاب الصناعات البديعية وهو أن يكون المراد بالصلوة في قوله تعالي : (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ) معناها الحقيقي ويراد بها عند قوله : (وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ ) مواضعها الغالبة أعني المساجد وهذا نوع ثالث للاستخدام قال بعض الفضلاء وعدم شهرة هذا النوع بين المتأخرين من أهل المعاني والبيان غير ضار . فان صاحب هذا الكلام من أعلام علماء المعاني ولا مشاحة في الاصطلاح.

عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّي تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَي أَوْ عَلَي سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا(1) غَفُورًا) .

ص: 17


1- (1) قوله تعالي : (عَفُوًّا) أي كثير الصفح والتجاوز (غَفُوراً) أي كثير الستر علي ذنوب العباد. ويحتمل أن المعني انه تعالي لم يؤاخذكم بجناياتكم فيشدد عليكم التكاليف كما شدد علي اليهود بل رخصها لكم ويرها عليكم، الخ. قال الفاضل المقداد قدس سره : وفي الآية أحكام كثيرة : 1- تحريم السكر لكونه منافيا للواجب. 2 - نقضه الوضوء. 3 - ابطاله الصلوة . 4- وجوب قضاء صلوة وقعت حالة السكر. 5- كون عدم التعقل مبطلا للطهارة .6 كون ذلك مبطلا للصلوة .7- كون الجنابة ناقضة للوضوء. 8- كونها مبطلة للصلوة . 9- كونها موجبة للغسل. 10- كون التيمم لا يرفع حدث الجنابة. 11 - احترام المساجد. 12 - منع السكران وشبهه من دخولها. 13 - منع الجنب من الاستقرار فيها. 14 - تسويغ الجواز فيها. 15 - كون الغسل رافعة لحكم الجنابة . 16 - عدم افتقار الغسل إلي الوضوء. 17 - تسويغ التيمم. 18 - كونه بحيث يقع بدلا من كل واحد من الوضوء والغسل. 19- اباحته حال المرض المتضرر باستعمال الماء 20 - كونه مباحا اما للعجز عن الماء بالضرر من استعماله أو لعدمه . 21 - كون وجود الماء ناقضا للتيمم. 22 - كون الغائط ناقضا للوضوء. 23 - كون الجنابة تقع بمجرد الوطي من غير انزال . 26 - وجوب كون التيمم بالتراب. 20 - جوازه بالحجر الصلب لصدق اسم الصعيد عليه . 29 - وجوب كون الصعيد طاهرا. 27 - وجوب كونه مباحا. 28 - وجوب مسح الوجه واليدين. 29 - كون الوجه يراد به بعضه لمكان الباء عند القائل بذلك وكذا اليد لعطفها علي الوجه. 30- وجوب الابتداء بمسح الوجه لفاء التعقيب . 31 - الموالاة إن قلنا الأمر للفور.

السادسة: في سورة البقرة الآية 222 قوله تعالي : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ (1) .................

ص: 18


1- (1) قوله تعالي : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ) . انتهي. المحيض يجيء مصدرا ، كالمجيء والمبيت . تقول: حاضت المرأة محيض واسم زمان أي مدة المحيض واسم مكان أي محل المحيض. والمحيض الأول مصدر لا غير لعود الضمير إليه أي يسألونك عن الحيض وأحواله والسائل أبو الدحداح كما قيل. والأذي هو المكروه المستقذر الذي ينفر الطبع منه. والاعتزال التنحي عن الشيء. وأما المحيض الثاني فيحتمل المعاني الثلاثة لكن يحتاج في الأول منها إلي تقدير مضاف والمعني يسئلونك عن زمان المحيض ، الخ.

قُلْ هُوَ أَذًي فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ(1) وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ (2) حَتَّي يَطْهُرْنَ (3) فَإِذَا تَطَهَّرْنَ (4)فَأْتُوهُنَّ (5)مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ (6) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).

السابعة: في سورة التوبة الآية 28 قوله تعالي : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ

ص: 19


1- (1) وفي المجمع قوله تعالي : (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) أي اجتنبوا مجامعتهن في الفرج عن ابن عباس وعايشة والحسن والقتادة والمجاهد وهو قول محمد بن الحسن ويوافق مذهبنا انه لا يحرم منها غير موضع الدم فقط ، الخ.
2- (2) (وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ) بالجماع أو ما دون الازار علي الخلاف فيه.
3- (3) (حَتَّي يَطْهُرْنَ) بالتخفيف معناه حتي ينقطع الدم عنهن، وبالتشديد معناه يغتسلن ،الخ.
4- (4) (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) أي اغتسلن ، وقيل : توضأن ، وقيل : غسلن فرجهن .
5- (5) (فَأْتُوهُنَّ) فجامعوهن وهو اباحة وإن كان في صورة الأمر.
6- (6) (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) معناه من حيث أمركم الله بتجنبه في حال الحيض وهو الفرج، الخ. قال الفاضل قدس سره : ففي الآية أحكام: 1- ان الحيض نجس لقوله أذي. 2- ان نجاسته مغلظة لقوله هو اذي مبالغة فيه بالقذارة بالاتيان باسم الظاهر أولا ثم بالضمير الذي كني به عنه ثم بستنكيرخبره ووصفه بالأذي وكل ذلك امارة غلظة نجاسته فيجب ازالته قليلة وكثيرة عندنا. 3- ان دم الحيض من الأحداث الموجبة للغسل، الخ. 4 - وجوب اعتزال النساء في مكان الحيض وهو القبل، الخ. 5 - اختلف في مدة زمان الاعتزال إلي أن قال وأما أصحابنا فجمعوا بينهما بأنه قبل الغسل جايز علي كراهية وبعده لا علي كراهية ، الخ.

نَجَسٌ (1)فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ (2)الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا).

الثامنة: في سورة المائدة الآية 90 قوله تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

ص: 20


1- (1) قوله تعالي : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) . انتهي. المتبادر من المشرك هنا انه الذي أثبت له تعالي شريكا أي اعتقد إلها غير الله تعالي فالمشرك هو غير الموحد فلا يدخل الكتابي الموحد. ويرشد إليه قوله تعالي : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ) وقوله تعالي : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ) حيث عطف المشركين بالواو المقتضي للمغايرة.
2- (2) قوله تعالي : (فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ) المراد به تمام الحرم من تسمية الشيء باشرف اجزائه . ويمكن أن يراد نفس المسجد والنهي عن القرب للمبالغة كقوله تعالي : (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ) ، (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا) وأمر للمؤمنين بأن لا يمكنوهم في ذلك كما يدل عليه صدر الآية وهو قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) . إذا عرفت ذلك فقد استفيد من الآية الكريمة أحكام : أحدها: نجاسة المشرك فيتفرع عليه نجاسة ما باشره برطوبة . وثانيها: كون نجاستهم من جهة الشرك فلا يحصل لهم الطهارة ما دام هذا الوصف، ولو غسلوا ابدانهم بالماء فلا تطهر إلا بالاسلام. وثالثها: عدم جواز دخولهم المسجد الحرام بل مطلق المساجد كما يفهم من تعليق الحكم علي كونهم نجسا بل يفهم أيضا عدم جواز ادخال مطلق النجاسة إلي المسجد وان لم تكن متعدية. ورابعها: عدم جواز التمكن من ادخالها إليها . وقد يفهم وجوب اخراجها وازالتها عن المساجد .

إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ (1) وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ (2)

ص: 21


1- (1) قوله تعالي : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) . انتهي. قال في القاموس : الخمر ما أسكر من عصير العنب أو عام كالخمرة وقد يذكر والعموم أصح لأنها حرمت وما بالمدينة خمر عنب وما كان شرابهم إلا البسر والتمر سميت به لأنها تخمر العقل وتستره أو لأنها تركت حتي أدركت واختمرت أو لأنها تخامر العقل أي تخالطه. والميسر القمار كله (بل كلما يقمر به حتي الكعاب والجوز كما عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم ). والأزلام: القداح وهي سهام كانوا يجيلونها للقمار. والرجس : هو النجس بلا خلاف فيه كما عن الشيخ، الخ.
2- (2) قوله تعالي : (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) . انتهي. في المجمع : لابد من أن يكون في الكلام حذف، والمعني شرب الخمر وتناوله والتصرف فيه وعبادة الأنصاب والاستقسام بالازلام رجس أي خبيث من عمل الشيطان . وإنما نسبها إلي الشيطان وهي أجسام من فعل الله تعالي لما يأمر به الشيطان فيها من الفساد فيأمر بشرب المسكر ليزيل العقل ويأمر بالقمار ليستعمل فيه الأخلاق الدنية ويأمر بعبادة الأصنام لما فيها من الشرك بالله ويأمر بالازلام لما فيها من ضعف الرأي والاتكال علي الاتفاق. وقال الباقر عليه السلام : « يدخل في الميسر اللعب بالشطرنج والنرد وغير ذلك من أنواع القمار حتي ان لعب الصبيان بالجوز من القمار». (فَاجْتَنِبُوهُ) أي كونوا علي جانب منه أي في ناحية . (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) معناه لكي تفوزوا بالثواب. وفي هذه الآية دلالة علي تحريم الخمر وهذه الأشياء من أربعة أوجه: أحدها: أنه وصفها بالرجس وهو النجس والنجس محرم بلا خلاف . والثاني: انه نسبها إلي عمل الشيطان وذلك يوجب تحريمها. والثالث: أنه أمر باجتنابها والأمر يقتضي الايجاب . والرابع: انه جعل الفوز والفلاح في اجتنابها . انتهي . قال الفاضل قدس سره في كنز العرفان : استدل أصحابنا القائلون لنجاسة الخمر بهذه الاية ووجه الاستدلال بها من وجهين: الأول: أنه وصفه بالرجس وهو وصف النجاسة لترادفهما ولذلك يؤكد الرجس بالنجس فيقال : رجس نجس. الثاني: أنه أمر باجتنابه وهو موجب للتباعد المستلزم للمنع من الاقتراب بساير أنواعه لأن معني الاجتناب كون كل منهما في جانب وهو مستلزم للهجران. قال الموسوي: وفي كلا الوجهين نظر اما الرجس فانه جاء بمعني القبيح أيضا وأما الأمر بالاجتناب فانه لازم أعم للنجاسة.

فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ).

التاسعة: في سورة المدثر الآية 3- 5: (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (1)* وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ).

ص: 22


1- (1) قوله تعالي : (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) قدم المفعول وهو ربك لشدة الاهتمام. وعن الصادق عليه السلام في قول الله تعالي : (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قال : « فشمر». (والرجز) قدم المفعول هنا أيضا للاهتمام وهو بالضم والكسر الاصنام والأوثان. قال الأردبيلي قدس سره (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) دلت علي وجوب طهارة الثياب وكونها بالماء المعروف لا غير، وأن صدقه يكفي من غير عصر ولا ورود ولا عدد إلا ما أخرجه الدليل من اجماع أو خبر ، الخ.

العاشرة: في سورة الواقعة الآية 77 - 79: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (1)* فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ).

الحادية عشرة: في سورة البينة الآية 5 قوله تعالي: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ(2).............

ص: 23


1- (1) قوله تعالي : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) الضمير المنصوب ب«انّ» يرجع إلي الذي تلوناه عليك أو المنزل. والقرآن هو جملة الكتاب وهو المقروّ علي الألسن والمكتوب يسمي مصحفا . ووصفه بالكريم لأنه جاء بالسماحة ونفي الحرج أو لأنه عام النفع كثير الخير يحصل بتلاوته الأجر العظيم. و(كِتَابٍ) صفة بعد صفة أو خبر لإن المراد به اللوح المحفوظ الذي أثبت الله فيه القرآن. والمكنون هو المستور عن الخلق. (لَا يَمَسُّهُ) صفة لقرآن أو كتاب أو خبر آخر لأنّ. (الْمُطَهَّرُونَ) هم الطاهرون من النجاسات العينية والحكمية أو الملائكة المطهرون من الكدورات الجسمانية أو أدناس المعاصي .
2- (2) قوله تعالي : (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ) . انتهي . الأمر للوجوب، والعبادة هي امتثال الأوامر والنواهي والطاعة ، والاخلاص علي ما ذكره الأصحاب هو أن يجرد قصد التقرب بالفعل إلي الله تعالي عن جميع الشوائب. وقد ذكر للدين في اللغة معان والمناسب أن يكون المراد هنا الاسلام أو العبادة أو الطاعة أو جميع ما يتعبد الله تعالي به . واحتمل بعضهم أن يكون المراد به الجزاء علي أن المعني أمروا بأن يعبدوا الله مخلصين له ما يوجب الجزاء والأجر وهي العبادة ولا يعبدوا غيره ولا يشركوا في عبادة الله ، الخ.

لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ (1)وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ).

الثانية عشرة: في سورة البقرة الآية 124 قوله تعالي: (وَإِذِ ابْتَلَي إِبْرَاهِيمَ(2) رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ).

ص: 24


1- (1) قوله تعالي : (حُنَفَاءَ). الحنيف : المايل عن الطريق الباطل إلي الحق ولا يخفي ما فيها من التأكيدات وقد استدلوا بهذه الآية علي وجوب النية في كل عبادة حتي الطهارات مائية وترابية ، بل وعلي اشتراط القرية. ووجه ذلك انه تعالي أمر بالعبادة علي وجه الاخلاص وهو لا يمكن إلا مع النية والقربة. وفي المجمع : قوله تعالي : (وَذَلِكَ) يعني الدين الذي قدم ذكره . (دِينُ الْقَيِّمَةِ) أي دين الكتب القيمة التي ذكرها. وقيل : دين الملة القيمة والشريعة القيمة... إلي أن قال : واستدل بهذه الآية أيضا علي وجوب النية في الطهارة إذ أمر سبحانه بالعبادة علي وجه الاخلاص ولا يمكن الاخلاص إلا بالنية والقربة والطهارة عبادة فلا يجزي بغير نية .
2- (2) قوله تعالي : (وَإِذِ ابْتَلَي إِبْرَاهِيمَ) . الابتلاء : هو الاختبار والامتحان أي اختبره بأوامر ونواهي واختبار الله تعالي عبده مجاز عن تمكينه من اختيار الأمرين أعني ما يريد الله تعالي وما يشتهيه العيد كانه يمتحنه ليعلم ما يكون منه حتي يجازيه بما يفعله . والقرائة المشهورة نصب ابراهيم ورفع ربه . ونسب إلي ابن عباس أنه قرأ بالعكس. والمعني حينئذ انه دعاه بكلمات والكلمات قيل : هي ما ذكره الله تعالي من الإمامة وتطهير البيت ورفع قواعده . وقيل : هي الكواكب والقمر والشمس والختان وذبح ابنه والنار والهجرة . وقيل : هي السنن أعني السنن الحنفية علي ما ذكره ابن بابويه في الفقيه وهي خمس في الرأس وخمس في الجسد. وأما التي في الرأس : فالمضمضة والاستنشاق والسواك وقص الشارب والفرق لمن طول شعر رأسه. وأما التي في الجسد : فالاستنجاء والختان وحلق العانة وقص الأظفار ونتف الأبطين. وكون شريعة نبينا صلي الله عليه و آله و سلم ناسخة لشريعة من قبله من الأنبياء عليهم السلام لا ينافي في اثبات بعض الأحكام لأن النسخ إنما تعلق بالمجموع من حيث المجموع. ومعني اتمامهن هنا هو فعل تلك التكاليف تاما علي الوجه المأمور به وحيث كان سبب ذكر هذه الآية في هذا الاملاء هو تفسيرها بالسنن المذكورة فلنذكر أحكامها : فالأول والثاني: المضمضة والاستنشاق. الثالث: السواك واستحبابه مذهب علماء الأمة، روي الخاصة والعامة عنه صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال : « لو لا اشق علي أمتي لأمرتهم بالسواك عند وضوء كل صلوة» . ويتحقق السواك بالاصابع ويقضبان الشجر أفضل وأفضله شجر الأراك . الرابع والخامس: الأخذ من الشارب وقص الأظافر. السادس: الفرق . قال في القاموس : هو الطريق في شعر الرأس. السابع: الختان، وهو حال الصغر مستحب للذكر أن يختنه الولي . وقيل : يجب علي الولي ذلك . وأما بعد البلوغ فيجب عليه ، لو تركه الولي . ويستحب خفض الجو وي مطلقا . الثامن: الاستنجاء ، وهو واجب فمن البول بالماء ومن الغائط بالماء والاحجار ونحوه. التاسع: ازالة شعر العانة وهو مستحب مؤكد للرجل والمرأة ويجوز حلقا ونتفا. العاشر: ازالة شعر الابطين وهو مستحب مؤكد . قال الصادق عليه السلام : « نتف الإبط ينفي الرائحة المكروهة ، وهو طهور وسنة مما أمر به الطيب عليه السلام .

ص: 25

ص: 26

كتاب الصلوة

اشارة

ص: 27

ص: 28

والبحث في ذلك علي أنواع:

النوع الأول : فيما يدل علي وجوب الصلوة والحث عليها والخشوع فيها .

وفيه أربع آيات:

الأولي: في سورة النساء الآية 103 قوله تعالي : (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ (1)كِتَابًا مَوْقُوتًا) .

ص: 29


1- (1) قوله تعالي : (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ) . انتهي . تخصيص المؤمنين بذلك لانهم المنتفعون بذلك والقائمون بالأوامر والنواهي . والكتاب هنا مصدر كتب من قبيل : (إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا) . والموقوت المفروض أي كتبها في اللوح بعنوان الفرض . أو أن الكتاب بمعني المفروض، والموقوت أيضاً بمعني المفروض فهو من قبيل التأكيد. لما روي عن الصادق عليه السلام في تفسيرها انه قال : «كتاباً موقوتاً» أي مفروضا. وحاصل المعني ان الصلوة من المفروضات التي لا تسقط في حال، لا في سفر ولا في حضر ولا نسيان ولا في صحة ولا في مرض حتي الغريق والمطارد فلا يتركها بل يأتي بها كيف ما يتيسر كما هو معلوم من أخبار أهل البيت عليهم السلام . وقد يستفاد منها وجوب الصلوة علي فاقد الطهارة ولو قضاء عند التمكن منها. وبالجملة الآية دالة علي ان وجوبها عليهم مطلق غير مشروط إلا ما خرج بالدليل. قال الفاضل المقداد قدس سره في قوله (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ) . انتهي. في الآية أحكام : الأول: أنها واجبة وفرض علي كل مؤمن. الثاني: انها تدل بظاهرها علي ان الوجوب يختص بمن له صفة تعقل إذ الايمان التصديق فالمؤمنون هم المصدقون والتصديق لا يصدر إلا عن تصور وجزم واذعان وذلك غير متصور إلا فيمن له تعقل فلا تجب علي الصبي ولا علي المجنون ولا علي مغمي عليه. الثالث: أن الصلوة ليست من العبادات المطلقة غير المحدودة بحد ووقت بل هي محدودة بحدود وشرائط وأوقات، الخ.

الثانية: في سورة البقرة الآية 238 - 239 قوله تعالي : (حَافِظُوا عَلَي الصَّلَوَاتِ (1) ............

ص: 30


1- (1) قوله تعالي : (حَافِظُوا عَلَي الصَّلَوَاتِ) . انتهي . المراد بالمحافظة عليها شدة الاعتناء بها بأن يداوم عليها . والوسطي بمعني التوسط بين الصلوات أو الوسطي في الفضيلة أي كثير الفضل والأظهر انها صلوة الظهر ، وقيل : العشاء ، وقيل : المغرب ، وقيل : الصبح ، وقيل : هي مخفية غير معروفة . والظاهر انه لم يقل بما عدا الأولين من هذه الأقوال أحد من أصحابنا. هذا وروي العياشي في تفسيره عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « الصلوات رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم وأميرالمؤمنين والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام ، والوسطي أميرالمؤمنين عليه السلام ».

وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَي وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (1)* فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا (2) فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) .

ص: 31


1- (1) قوله تعالي : (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) طائعين للأئمة عليهم السلام. والقنوت يطلق في اللغة علي معان خمسة : الدعاء والطاعة والسكوت والقيام في الصلوة والامساك عن الكلام نص علي ذلك في القاموس. واختلفوا في المعني المراد في الآية الشريفة فقيل : معناه قوموا الله في الصلوة ذاكرين الله في قيامكم والقنوت أن يذكر الله قائما. وقيل : كانوا يتكلمون في الصلوة فنهوا. وقيل : هو الركود وكف الأيدي والبصر . وقال في المجمع عن ابن عباس معناه : داعين . والقنوت : هو الدعاء في الصلوة حال القيام، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهماالسلام. وقيل : طائعين ، وقيل خاشعين ، وقيل ساكتين .
2- (2) قوله تعالي : (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا) . هو جمع راجل وراكب. وحاصل المعني انه سبحانه لما أمر بالمحافظة علي الاتيان بها علي الوجه السابق أعقبه بما يدل علي أن ذلك مخصوص بغير حال الضرورة ، وأما في حال الضرورة فيجوز الاتيان بها بأي كيفية أمكنت، الخ.

الثالثة : في سورة طه الآية 132 قوله تعالي: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ (1) وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَي).

الرابعة : في سورة المؤمنون الآية 1 - 2 قوله تعالي: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (2) * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) .

ص: 32


1- (1) قوله تعالي : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ) . انتهي . ظاهر الاية وجوب أمر أهله خاصة بالصلوة ولا يبعد أن يفهم وجوبها علي الآمر فيها أيضا ولكن ترك التصريح بذلك اعتمادا علي ظهور كونه مأمورا بها وبالاصطبار عليها أي أقبل أنت وأهلك علي الصلوة وعبادة الله واستعينوا بها علي قضاء حوائجكم كما قال : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) ولا تهتم بالرزق والمعيشة فانه ياتيك من عندنا ونحن نسوقه إليك ففرغ بالك لأمر الآخرة. وفي المجمع قوله تعالي (وَأْمُرْ) . انتهي. معناه وامر يا محمد أهل بيتك وأهل دينك بالصلوة واصطبر عليها أي واصبر علي فعلها وعلي أمرهم بها لا نسئلك رزقا لخلقنا ولا لنفسك بل كلفناك العبادة واداء الرسالة وضمنا رزق الجميع. (نَحْنُ نَرْزُقُكَ) و الخطاب للنبي صلي الله عليه و آله و سلم ، والمراد به جميع الخلق ، أي نرزق جميعهم ، لانسترزقهم وننفعهم ولا ننتفع بهم فيكون أبلغ في الامتنان عليهم ).
2- (2) قوله تعالي : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) . انتهي. الفلاح : هو الفوز بالأماني والظفر بالمطلوب وهو هنا الخلاص من العذاب المقيم والخلود في النعيم الدائم. ودخول قد علي الماضي أفاد القطع بذلك وهذه من البشارات المؤكدة . وفيها حثهم وترغيبهم علي الاتصاف بتلك الصفات لينالوا تلك السعادة . والخشوع خشية القلب. وقد ينسب إلي الجوارح بأن يلزم كل جارحة بما أمر به في الصلوة من النظر ووضع اليدين والرجلين . قال الفاضل المقداد قدس سره : (قَدْ أَفْلَحَ) . انتهي. في الآية دلالة علي وجوب الصلوة وبشري فاعلها بالفلاح الذي هو الفوز بامانيهم.

النوع الثاني : في دلائل الصلوات الخمس وأوقاتها

وفيه خمس آيات:

الأولي: في سورة بني اسرائيل الآية 78 - 79 قوله تعالي : (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ (1)الشَّمْسِ إِلَي غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ

ص: 33


1- (1) قوله تعالي : (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ). انتهي . اقامة الصلوة عبارة عن الإتيان بها. وقيل : هو تعديل أركانها وحفظها من الزيغ ، من أقام العود اذا قومه. وقيل : هو المواظبة عليها من قولهم قامت السوق اذا هفّت. وقيل : هو الجد في أدائها من غير فتور ولا توان . والأول أظهر. واللام في لدلوك بمعني عند أو بمعني بعد كما في قولهم : لثلاث خلون من شهر كذا. ويحتمل أن تكون بمعني من الابتدائية كما يشعر به المقابلة ب«إلي» ويحتمل أن تكون تعليلية أي لأجل دخول هذا الوقت الشريف الذي تفتح فيه أبواب السماء وتسبح فيه الملائكة . وفي الصحاح : دلكت الشمس : زالت. وقيل : دلوكها غروبها ، ونحوه في الكشاف. وفي القاموس دلكت الشمس غربت أو اصفرت ومالت أو زالت عن كبد السماء واشتقاقه من الدلك لأن الانسان يدلك عينيه عند النظر إليها في ذلك الوقت. وفي الصحاح : الغاسق الليل إذا غاب الشفق. وفي القاموس : الغسق محركة ظلمة أول الليل. وقيل : غسق الليل شدة ظلمته وهو يكون عند انتصافه . وهو المروي عن ائمتنا عليهم السلام . (وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ) به عطف علي الصلوة. والقرآن في اللغة معناه القرائة وهو مصدر كغفران والأصل فيه الجمع وقد صار اسما لكتاب الله خاصة وسمي بذلك لجمعه لمعارف الربوبية والمواعظ والوعد والوعيد والأحكام والترغيب والترهيب واسرار الحكمة والبلاغة والفصاحة ونحو ذلك وهو أعم من الفرقان . والمراد هنا صلوة الصبح من قبيل تسمية الشيء باسم جزئه.

مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ (1) بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَي (2)أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا).

الثانية: في سورة هود الآية 114 قوله تعالي : (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ

ص: 34


1- (1) قوله تعالي : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ) . في القاموس : تهجد استيقظ. والنافلة من النفل وهو الزيادة ومنها الأنفال ، والضمير المجرور بالباء راجع إلي القرآن ، ونافلة منصوب علي الحال والمعني : فصل بالقرآن زيادة علي الفرائض الخمسة المذكورة.
2- (2) قوله تعالي : (عَسَي) . انتهي . معني عسي المنسوبة إليه سبحانه الوجوب والمقام بمعني المبعث فهو مصدر من غير الجنس والمعني يبعثك بعثا أنت محمود فيه.

النَّهَارِ(1) وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ (2)إِنَّ الْحَسَنَاتِ (3)يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَي

ص: 35


1- (1) قوله تعالي : (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ) . في تفسير الدلوك عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام : وقال تعالي في ذلك : أقم الصلوة طرفي النهار وطرفاه المغرب والغداة . قال الفاضل المقداد قدس سره : واعلم ان دلالة الآية علي اتساع الوقت ظاهر.
2- (2) قوله تعالي : (وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ). هو صلوة العشاء الآخرة وما تضمنته من كون الطرفين المغرب والغداة . والزلف صلوة العشاء هو قول الأكثر، فالاية حينئذ دالة علي بعض الصلوات الخمس وعلي سعة وقتها في الجملة. وقيل : المراد بالطرفين الغداة أي صلوة الصبح والعشية أي صلوة الظهر والعصر . والزلف العشائين وهو علي القولين عطف علي طرفي النهار، والمراد اقامة الصلوة في هذه الأوقات. والزلفي بمعني الزلفة من ازلفه اذا قربه ، فكان المعني ساعات متقاربة من الليل أي ساعات القريبة من آخر النهار . وقيل : زلفا بمعني قربا من الليل فيكون عطفا علي الصلوة أي أقم الصلوة وأقم زلفا من الليل علي معني وأقم صلوات تتقرب بها إلي الله سبحانه في بعض الليل. فعلي هذا يمكن أن يكون المراد صلوة الليل. وربما احتمل بعضهم أن المراد بالطرفين نصفا النهار فصلوة الصبح في النصف الأول وبقية الصلوات الخمس في النصف الآخر.
3- (3) قوله تعالي : ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ) . انتهي. والمراد بها هذه الصلوات وهي مكقرة لما بينها من الذنوب .

لِلذَّاكِرِينَ (1)) .

الثالثة : في سورة الروم الآية 17 - 18 قوله تعالي : (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ (2)تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا (3) وَحِينَ تُظْهِرُونَ) .

الرابعة : في سورة طه الآية 130 قوله تعالي: (فَاصْبِرْ (4) عَلَي مَا

ص: 36


1- (1) قوله تعالي : (ذَلِكَ ذِكْرَي لِلذَّاكِرِينَ) . الاشارة إلي اقامة الصلوة في تلك الأوقات وأنها من ذكر الله المأمور به علي الاطلاق لمن أراد أن يكون من الذاكرين .
2- (2) قوله تعالي : (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ) . انتهي. في القاموس : الصباح الفجر أو أول النهار والمساء ضده ، ونحوه في الصحاح. وسبحان مصدر فهو خبر بمعني الأمر بالتنزيه والثناء عليه تعالي في هذه الأوقات. ووجه التخصيص بها حصول التغير فيها والتقلب من حال إلي حال. ونص جماعة علي ان المراد من الاية هنا الصلوات الخمس. نقل انه سئل ابن عباس هل تجد الصلوات الخمس في القرآن ؟ قال : نعم، وقرأ هذه الآية : تمسون صلوة المغرب والعشاء وتصبحون صلوة الفجر وعشيا صلوة العصر وتظهرون صلوة الظهر .
3- (3) وقوله تعالي : (وَعَشِيًّا). يجوز أن يكون عطفا علي معني في السموات لقربه ويجوز عطفه علي حين تمسون فيكون جملة (وَلَهُ الْحَمْدُ) اعتراضا بين المعطوف والمعطوف عليه.
4- (4) قوله تعالي : (فَاصْبِرْ) . انتهي. أي اصبر علي ما يقولون فيك من الكذب والبهت من كونك ساحرا أو شاعرا أو مجنونا ونحو ذلك فانه لا يضرك ونزه الله تعالي عما لا يليق به في هذه الأوقات واذكره فيها بحمده والثناء عليه علي هدايته والطافه وانعامه الجاري عليك. وذكر جمع من المفسرين أن المراد من الآية اقامة الصلوات الخمس فأشار بقوله : (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) إلي صلوة الفجر (وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) إلي الظهرين لكونهما في النصف الأخير من النهار .

يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ (1)فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ(2) لَعَلَّكَ تَرْضَي (3)).

الخامسة: في سورة ق الآية 39 - 40 قوله تعالي:( فَاصْبِرْ (4) عَلَي مَا

ص: 37


1- (1) قوله تعالي : (وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ)، أي إلي العشائين . وآناء الليل ساعاته ، جمع إني بالكسر والقصر فتدل علي سعة الوقت وعدم الاختصاص بأول الوقت أو آخره.
2- (2) قوله تعالي : ( وَأَطْرَافَ النَّهَارِ) . قيل : المراد صلوة الفجر والمغرب علي تكرار في الفجر لشدة الاهتمام فيها .
3- (3) قوله تعالي : (لَعَلَّكَ تَرْضَي) معناه سبح في هذه الأوقات يعطيك ربك ماترضي به نفسك. قال الفاضل المقداد قدس سره في الآية الرابعة (فَاصْبِرْ ) . انتهي . نصا صريحا لسعة الوقت للصبح والظهرين لأنه ذكر اواخر أوقاتها إذ ليس مرادنا بالتوسعة إلا أن الصبع يمتد إلي طلوع الشمس وان الظهرين يمتد وقتهما إلي غروبها ، وأما العشاء فإن جعل الليل طرفا لهما صريح باتساع وقتهما.
4- (4) قوله تعالي :(فَاصْبِرْ ). انتهي . قال في مجمع البيان في جملة تفسير الآية : روي عن أبي عبدالله عليه السلام أنه سئل عن قوله تعالي : (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب) ، فقال : تقول حين تصبح وحين تمسي عشر مرات : «لا اله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو علي كل شيء قدير». وقيل : المراد صل في هذه الأوقات علي نحو ما مر من كون المراد الصلوات الخمس.

يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ (1) وَأَدْبَارَ السُّجُودِ(2)) .

النوع الثالث: في القبلة

وفيه ثمان آيات:

الأولي: في سورة البقرة 144 قوله تعالي: (قَدْ نَرَي (3) تَقَلُّبَ وَجْهِكَ

ص: 38


1- (1) قوله تعالي : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ) يعني صلوة الليل.
2- (2) قوله تعالي : (وَأَدْبَارَ السُّجُودِ) قرأ أهل الحجاز وحمزة وخلف «وإدبار» بكسر الهمزة ، وقرأ الباقون بالفتح. روي عن أبي عبدالله عليه السلام انه الوتر آخر الليل. وقيل : المراد الركعتان قبل الفجر.
3- (3) قوله تعالي : ( قد نري ). «قد» معناها هنا التحقيق، ويحتمل أن تكون هنا لتقليل علي أصل افادتها في دخوله علي المضارع ويكون تقليل الرؤية لقلة المرئي فان الفعل كما يقال في نفسه كذلك يقل باعتبار قلة متعلقه . والرؤية هنا بمعني العلم والتقلب هو التحرك في الجهات . ويقال : وليت وجهك القبلة أي صيرتك مستقبلها بوجهك . والقبلة مثل الجلسة للحال التي يقابل الشيء غيره عليها كما أن الجلسة للحال التي يجلس عليها ثم صار علما للجهة التي يستقبلها المصلي والذابح ونحوهما. والرضا المحبة. والشطر الجانب والنحو.

فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ (1) شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (2) وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا

ص: 39


1- (1) (فَوَلِّ وَجْهَكَ) أي اصرف وجهك نحو المسجد وجانبه وسمته أي اجعل قبلتك تلك الجهة.
2- (2) قوله تعالي : (الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) أي المحرم كما ان الكتاب بمعني المكتوب وحاصل المعني أن الله تعالي يقول لنبيه صلي الله عليه و آله و سلم قد نعلم تردد وجهك في جهة السماء أي توجهك نحوها انتظارا لتحويل القبلة فلنحولك إلي قبلة تحبها و تتشوق إليها لاغراضك الصحيحة الموافقة للحكمة الالهية وهي قبلة أبيك ابراهيم عليه السلام . وفي المجمع: (وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) أي أينما كنتم من الأرض في بر أو بحر سهل او جبل فحولوا وجوهكم نحوه خطاب لجميع أهل الافاق (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) أراد به علماء اليهود ، وقيل : علماء اليهود والنصاري (لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) أي يعلمون تحويل القبلة إلي الكعبة حق مأمور به من ربهم وإنما علموا ذلك لأنه كان في بشارة الأنبياء لهم أن يكون نبي من صفاته كذا وكذا وكان في صفاته أنه يصلي إلي القبلتين . وروي انهم قالوا عند التحول ما أمرت بهذا يا محمد وإنما هو شيء تبتدعه من تلقاء نفسك مرة إلي هنا ومرة إلي هنا فأنزل الله تعالي هذه الآية وبين انهم يعلمون خلاف ما يقولون . (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) أي ليس الله بغافل عما يعمل هؤلاء من كتمان صفة محمد صلي الله عليه و آله و سلم انتهي ملخصا.

الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ).

الثانية: في سورة البقرة الآية 142 قوله تعالي : (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ (1) مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ (2)يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ (3) إِلَي صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).

ص: 40


1- (1) وفي المجمع أيضا قوله : (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ) ، أي سوف يقول الجهال وهم الكفار الذين هم بعض الناس (مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا) أي أي شيءحولهم وصرفهم يعني المسلمين عن بيت المقدس الذي كانوا يتوجهون إليها في صلوتهم واختلف في الذين قالوا ذلك. فقال ابن عباس وغيره : هم اليهود ، وقال الحسن : هم مشركوا العرب وان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لما حول إلي الكعبة من بيت المقدس قالوا يا محمد رغبت عن قبلة آبائك ثم رجعت إليها فلترجعن إلي دينهم. وقال السدي : هم المنافقون قالوا ذلك استهزاء بالاسلام، الخ.
2- (2) قوله تعالي : (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) هو أمر من الله تعالي لنبيه أن يقول لهؤلاء الذين عابوا انتقالهم من بيت المقدس إلي الكعبة المشرق والمغرب ملك لله يتصرف فيهما كما شاء علي ما يقتضيه حكمته ، الخ.
3- (3) قوله تعالي : (يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) أي يفيض عليه الطافه وتوفيقاته ويرشده بذلك بحيث يختار الدين الذي يوصل إلي الجنة . وحاصل المعني : ان هذه الأمكنة كلها لله سبحانه وتعالي يشرف منها ما شاء متي شاء وإلي أي وقت شاء، الخ.

الثالثة : في سورة البقرة الآية 143 قوله تعالي :(وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا(1) إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ (2)مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَي عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَي الَّذِينَ هَدَي اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ(3) إِنَّ

ص: 41


1- (1) قوله تعالي : (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا) . انتهي. هي بيت المقدس أي ما صرفناك عن القبلة التي كنت عليها . أو أن المعني ما جعلنا القبلة التي كنت عليها فصرفناك عنها وحذف دلالة الكلام عليه وهذا القول هو الظاهر من الآية وهو الذي دلت عليه الاخبار .
2- (2) قوله تعالي : (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) معناه هو حصول المعلوم موجودا. وقيل : المعني ليعلم حزينا من النبي والمؤمنين بهذا كما يقول الملك فتحنا بلد كذا أي فتح أوليائه. وقيل : لنعاملكم معاملة الممتحن المختبر الذي كانه لا يعلم . وقال المرتضي قوله لنعلم يقتضي حقيقته أن يعلم هو وغيره ولا يحصل علمه مع علم غيره إلا بعد حصول الاتباع فأما قبل حصوله فيكون القديم سبحانه هو المتفرد بالعلم به.
3- (3) قوله تعالي : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) معناه : صلوتكم. وقيل : المراد التنبيه علي ما اعد لهم سبحانه من المثوبة علي الصبر علي المشقة الحاصلة لهم من تحويل القبلة. وقيل : انه لما ذكر انعامه عليهم بالتولية إلي الكعبة ذكر السبب الذي استحقوا به ذلك الانعام وهو ايمانهم بما حملوه اولا.

اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ).

الرابعة : في سورة البقرة الآية 115 قوله تعالي: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ (1) فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ (2) إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) .

الخامسة: سورة البقرة الآية 149 قوله تعالي : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ (3)

ص: 42


1- (1) قوله تعالي : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ) هو كناية عن كونه رب جميع البلاد والعباد ومالكهما فلا يفوت شيء علمه وقدرته أو أن المعني ان البلاد والأرض المنقسمة إلي المشرق أي النصف الذي فيه محل طلوعها والمغرب أي النصف الذي فيه محل غروبها كلها ملك لله تعالي ففي أي مكان فعلتم التولية بمعني توليت وجوهكم شطر المسجد الحرام بدليل قوله تعالي (فَوَلِّ وَجْهَكَ) الآية.
2- (2) قوله تعالي : (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) أي تذهبوا أو المعني تولوا وجوهكم فحذف المفعول للعلم به (فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) أي جهته التي جعلها قبلة لكم وأمركم بها أو المعني فهناك ذاته أي انه عالم وقادر أو فهناك رضوان الله أي الوجه الذي يؤدي إلي رضوانه ، أنه واسع المقدور عليهم بوجوه الحكم أو المعني انه واسع الرحمة عليهم بموضعها. قيل : هذه الآية نزلت ردا علي اليهود. روي الفاضل المقداد قدس سره عن الباقر والصادق عليهماالسلام ان هذه الآية في النافلة سفرا حيث توجهت الراحلة. قال الأردبيلي قدس سره : ليست هذه بمنسوخة ولا مخصوصة بحال الضرورة ولا بالنوافل مطلقا أو حال السفر كما يفهم من سائر التفاسير .
3- (3) قوله تعالي : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) أي من أي مكان ومن أي بلاد وأردت الصلوة فول وجهك شطر المسجد الحرام واستقبل جهته . والضمير يرجع إلي التولية أي إلي الكعبة المأمور به من ربك. واحتمل بعضهم أن يراد بالحق ، الثابت الذي لا يزول بنسخ.

فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (1)) .

السادسة : في سورة البقرة الآية 150 قوله تعالي : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ(2) فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا

ص: 43


1- (1) وقوله تعالي : (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) هو تهديد لهم كما في قوله تعالي : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) . قال الشيخ أبو علي : أي علي طريق العباد فلا يفوته شيء من أعمالهم، الخ . (مجمع ).
2- (2) قوله تعالي : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) الخ. وقد مضي معني صدر الآية، والكلام في وجه تكرارها ثلاثا: قيل : فيه وجوه: الأول: انه لما كان فرضا ناسخا لحكم كان قبله كان من مواضع التأكيد والتبيين للمكلفين الذين قد كانوا طبعوا علي استقبال بيت المقدس فكرر ليكون أثبت في القلوب. الثاني: أنه أعيد ليتعلق به ما بعده ويتصل به فاشبه الاسم الذي تكرر ليخبر عنه باخبار كثيرة كقولك زيد فاضل زيد كريم زيد عاقل . فالأولي ذكرت لبيان الحكم وليتعلق به ما بعده من كون أهل الكتاب عالمين و بذلك ، وقس عليه الثانية والثالثة، وفيه ان المتصل بالثانية مثل الأولي الثالث: أن يقال ان المعني متفاوت. فالأولي لبيان أصل الحكم الذي كان يقلب وجهه انتظارا له ثم أثبته لأصحابه الذين كانوا في المدينة. والثانية لبيان اثبات الحكم للمسافرين من المدينة ، إذ المعني من حيث خرجت منصرفا عن التوجه إلي بيت المقدس فول وجهك شطر المسجد الحرام. والثالثة : لبيان حاله في أي مكان من البلاد فيتوجه نحوه من كل جهات الكعبة وسائر الأقطار . الرابع: انه كرر لتعدد علله فانه ذكر للتحويل ثلاث علل تعظيم الرسول بابتغاء مرضاته. وجري العادة الالهية أنه يولي كل صاحب دعوة وأهل كل ملة جهة يستقبلها ويتميز بها عن غيره ودفع حجة المخالفين علي نبيه وقرن بكل علة معلولها كما يقرن المدلول بكل واحد من دلائله.

وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ (1) عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا (2)

ص: 44


1- (1) قوله تعالي : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ) . معناه لئلا يكون لأهل الكتاب عليكم حجة إذا لم تصلوا نحو المسجد الحرام بأن يقولوا ليس هذا هو النبي المبشر به إذ ذاك نبي يصلي إلي القبلتين. أو أن معناه لا تعدلوا عما أمركم الله به من التوجه إلي الكعبة فيكون لهم عليكم حجة بأن يقولوا : لو كنتم تعلمون انه من عند الله لما عدلتم عنه.
2- (2) قوله تعالي : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) . انتهي. فيه وجوه: الأول: انه استثناء منقطع كما يقال ماله علي إلا التعدي والظلم أي لكن التعدي والظلم كقوله تعالي : (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ) فكان المعني في الآية ان كان علي المؤمنين حجة فللظالم في احتجاجه وليس له حجة فاذا ليس عليهم حجة. الثاني: أن تكون الحجة بمعني المحاجة فكأنه قال : لئلا يكون للناس عليكم حجاج الا الذين ظلموا فانهم يحاجونكم بالباطل فعلي هذا يكون الاستثناء متصلا. الثالث: أن يكون الا بمعني الواو أي ولا الذين ظلموا قاله أبو عبيدة وبعض النحويين وأنكره الفراء والمبرد . الرابع: انه علي اضمار «علي» فكأنه قيل لئلا يكون عليكم حجة إلا علي الذين ظلموا فانه يكون الحجة عليهم .

مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ (1) وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي (2) عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ).

السابعة: في سورة البقرة الآية 148 قوله تعالي : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا (3)) .

ص: 45


1- (1) قوله تعالي : (فَلَا تَخْشَوْهُمْ). هذه تسلية وتطييب لأنفس المؤمنين واخبار بأن الظالمين ليس لهم ظفر بالمؤمنين ولا يد فيجب علي المؤمنين الخشية من الله.
2- (2) (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي) عطف علي قوله لئلا أي اتم نعمتي عليكم بهدايتي اياكم إلي قبلة ابراهيم عليه السلام .
3- (3) قوله تعالي : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا) اسم فاعل وقرء مولاها اسم مفعول وقد و تنسب هذه القرائة إلي محمد بن علي الباقر عليه السلام وإلي ابن عباس . والضمير المنفصل علي القرائة الأولي راجع إلي الله والمفعول الثاني محذوف أي موليها اياه ويحتمل ارجاعه الي «كُلٍ» . والمفعول الثاني أيضأ محذوف أي موليها وجهه وعلي القرائة الاخري فالضمير عايد إلي كل وجهة والوجهة والجهة بمعني وهو مصدر جاء علي غير القياس. وحاصل المعني لكل أهل ملة من اليهود والنصاري قبلة أو لكل نبي وصاحب ملة طريقة وهي الاسلام وان اختلف الأحكام.

الثامنة: في سورة الأعراف الآية 29 قوله تعالي : (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ (1) عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ).

النوع الرابع : في مقدمات آخر للصلوة

وفيه ثمان آيات:

الأولي: في سورة الأعراف الآية 26 قوله تعالي : (يَا بَنِي آدَمَ (2)قَدْ

ص: 46


1- (1) قوله تعالي : (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ) . انتهي. روي في تفسير العياشي عن الحسين بن مروان ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله تعالي : (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) يعني الأئمة عليهم السلام. وقيل : المعني إذا أدركتم الصلوة في مسجد فصلوا ولا تقولوا حتي ارجع إلي مسجدي. أو المعني اقصد وا المسجد في وقت كل صلوة .
2- (2) قوله تعالي : ( يا بني آدم) . انتهي . روي عن الباقر والصادق عليهماالسلام في قوله تعالي : (يَا بَنِي آدَمَ) قالا هما عامة . ومعني أنزلنا : قيل : أنزل ذلك مع آدم وحوا حين هبطا . قال في المجمع وهو الظاهر . وقيل : النازل السبب كالمطر. وقيل : المعني خلقنا لكم بالتدبيرات السماوية والأسباب النازلة منه ، كما في قوله تعالي : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ)، (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) . ويحتمل أن المعني أعطيناكم ووهبنا لكم وما أعطاه الله لعبده فقد أنزله عليه وليس أن هناك علوا وسفلا، لكن المراد العلو الرتبي والتعظيم. واللباس كل ما يصلح للبس من ثوب وغيره من نحو الدرع ، والسوئة العورة . والريش الأثاث من متاع البيت من فرشه ودثاره ونحوه مما يحتاجون إليه . وقيل : الريش المال أو ما به الجمال أي لباس يتجملون به ويتزينون . وقرء في الشواذ ورياشا وهو بمعني الريش أو جمع ريش . قال الفاضل المقداد قدس سره في قوله تعالي : ( يَا بَنِي آدَمَ قد أَنْزَلْنَا ) . انتهي . أنه تعالي ذكر الحكمة انزال اللباس ثلثة أغراض : أحدها : ستر العورة. ثانيها : التجمل به بين الناس. وثالثها: كونه للتقوي. قال الفاضل المقداد قدس سره : إنما قال : (أَنْزَلْنَا) لأن التأثير بسبب العلويات أو عند مقابلاتها وملاقاتها علي اختلاف الرأيين والتأثر للسفليات ويجوز عليكم بالتأثير واليكم باعتبار التأثر .

أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَي ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ(1)) .

ص: 47


1- (1) قوله تعالي : (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ). أي يجب عليهم تذكر هذه النعمة أو هذه الدلالة أو الأعم من ذلك وألا يطيعوا أمر الشيطان ولا يفتنوا بتمويهاته وخدايعه فان ذلك موجب للحرمان كما فعل بآدم عليه السلام كما أشار إليه بعد بقوله : (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) ، الآية.

الثانية: في سورة الأعراف الآية 31 قوله تعالي : (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ (1) عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا(2) وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ

ص: 48


1- (1) قوله تعالي : (خُذُوا زِينَتَكُمْ) . انتهي. في تفسير علي بن ابراهيم في تفسير الآية قال : في العيدين والجمعة يغتسل ويلبس ثيابا بيضاء ، وروي أيضا المشط عند كل صلوة . وفي الكافي في الصحيح عن عبدالله بن سنان في قوله : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) قال في العيدين والجمعة. وروي الشيخ عن العلاء بن سيابة عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله تعالي : ( خذوا زينتكم عند كل مسجد) قال الغسل عند لقاء كل امام.
2- (2) قوله تعالي : ( كُلُوا وَاشْرَبُوا ) . انتهي. هو في صورة الأمر والمراد الاباحة. قيل : كان بنو عامر في أيام حجهم لا يأكلون الطعام إلا قوتا ولا يأكلون دسما يعظمون بذلك حجهم فقال المسلمون نحن أحق بذلك فنزلت الآية . وقيل : ان المعني لا تتجاوزوا من الحلال إلي الحرام. وقيل : معناه لا تخرجون عن حد الاستواء في زيادة المقدار. وقد حكي أن الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق فقال ذات يوم لعلي بن الحسين بن واقد ليس في كتابكم من علم الطب شيء والعلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان. فقال له علي قد جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابه وهو قوله تعالي : ( كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا) وجمع نبينا صلي الله عليه و آله و سلم في قوله : « المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء وأعط كل بدن ما عودته». فقال الطبيب ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبا. أقول : وفي المنجد الحمية : المريض ما يضره وعما يضره منعه اياه. وبالجملة هذه الآية ونحوها تدل دلالة واضحة علي أن الاشياء خلقت علي الاباحة إلا ما خرج لدليل كالدم ونحوه.

الْمُسْرِفِينَ ) .

الثالثة: في سورة المائدة الآية 3 قوله تعالي : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ (1) وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ).

الرابعة: في سورة النحل الآية 5 و 80 قوله تعالي: (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ (2) فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ).

ص: 49


1- (1) قوله تعالي : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) . انتهي. المراد بالميتة الحيوان ذو الروح، وفارقته الروح من غير تذكية شرعية ويحتمل أن يكون المراد كل حيوان مأكول اللحم حين حياته وفارقته الروح من غير تذكية شرعية فيكون التحريم من جهة الموت الخاصة. فعلي هذا يمكن أن يكون في الاية اشعار بأن ما لا تحله الحياة كالشعر والصوف لا يكون لبسه حراما كما ذكره الأصحاب ودلت عليه الروايات.
2- (2) قوله تعالي : دو والأنعام خلقها لكم . انتهي. عدد هنا جملة من نعمه الواسعة : منها : ان خلق الانعام لنفعكم. قال في القاموس : النعم وقد تسكن عينه الابل والشاة أو خاصة بالابل؛ الجمع انعام . انتهي ولا يبعد ان المراد هنا ما يتناول البقر والخيل والبغال والحمير ونحوها من الوحشي والأهلي ، بل يتناول كثيرا من المحرمات كالسمور والفنك ( والفنك حيوان معروف يصنع من جلده الفرو) ونحوهما مما يصدق عليه الانعام ويحصل به الامتنان في الجملة ، ثم ذكر المنافع الحاصلة: منها : الدف، وهو بالكسر ويحرك نقيض حدة البرد ، مصدر من دفئ كفرح وكرم . وفي القاموس بالكسر نتايج الابل وأوبارها والانتفاع بها وما أدفأ من الأصواف والأوبار. قوله : ( ومنافع) مثل اللبن والركوب وحمل الاثقال إلي بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس والحرث. وابهم المنافع لكثرتها وصرح ببعضها كالأكل منها لشدة الاهتمام. ثم أشار إلي نوع آخر من النعم بقوله : (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا) أي صير لكم من البيوت التي تصنعونها من الأحجار وغيرها من الالات التي خلقها ويسرها لكم وأقدركم عليها ما تسكن إليه أنفسكم وتطمئن به قلوبكم ثم وسع عليكم ويسر حيث جعل لكم من جلود الانعام يعني الادم ( والوبر والصوف والشعر) بيوتا قبابا أو خياما و هو من المنافع المصرح بها ...

(وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا (1)يَوْمَ ظَعْنِكُمْ ).

ص: 50


1- (1) قوله تعالي : (تَسْتَخِفُّونَهَا). انتهي. أي في الحضر والسفر أو في الارتحال والاقامة .

الخامسة: في سورة النحل الآية 81 قوله تعالي : (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ (1) ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا (2) وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ (3).................

ص: 51


1- (1) قوله تعالي : (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ) . انتهي. من الأشجار ونحوها من النباتات أو منه ومما يتخذ من جلود الانعام ومما نبت عليها من الصوف ونحوه ظلا تستظلون به من حر الشمس.
2- (2) قوله تعالي : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا) . انتهي. جمع كنّ وهو ما يحفظهم من البرد والحر والمطر ونحو ذلك كالبيوت التي تتخذونها منها ولو بالبناء من صخرها وكالكهف و نحوه مما يحفظهم من ذلك.
3- (3) قوله تعالي : ( وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) . انتهي. جمع سربال ، قال الزجاج وهو كل ما يلبس ، وفي القاموس هو بالكسر القميص أو الدرع وكل ما لبس وعلي كل حال يشمل المتخذ من القطن والكتان والصوف ونحو ذلك . وعدم ذكر البرد لأن الخطاب قد توجه لأهل البلاد الحارة فكان ذلك لديهم أهم أو اكتفاء بذكر أحد المتقابلين عن ذكر الاخر لاشتراكهما في العلة . وأما السرابيل التي تقي البأس فهي الدرع ونحوها مما يلبسونها عند المحاربة ويحتفظون به عن طعن الرماح ونحوها. اذا عرفت ذلك فلا يبعد أن يكون المراد من الآية الأولي ما عدا اللباس من الاثاث والامتعة. ومن هذه الآية اللباس ، رعاية للتاسيس الراجح علي التأكيد . وبالجملة هي دالة علي جواز اتخاذ هذه الاشياء واباحتها. ويلزم من ذلك عرفا جواز الصلوة فيها إلا ما أخرجه الدليل كالحرير للرجال ؛ ومن ثم ذكرت في هذا المقام. قال الأردبيلي قدس سره : ترك البرد لأن ما يقيه واختاره علي البرد لأن المخاطبين أهل الحر وليس عندهم البرد إلا قليلا فالحفظ عنه أهم عندهم . وقال الفاضل المقداد قدس سره وفيها دلالة علي أمور: الأول: جواز اتخاذ الثياب من القطن والكتان وغيرهما لأنه ذكر أولا جواز اتخاذ اللباس من جلود الانعام وأصوافها واشعارها ثم عقب ذلك بذكر سراويل إلي آخره ، فدل ذلك علي ان المذكور ثانية غير المذكور أولا والا لزم التكرار وهو مستهجن أو التأكيد والتأسيس خير منه لاشتماله علي الفائدة الا ما أخرجه الدليل من الحرير والذهب للرجال .

كَذَلِكَ يُتِمُّ (1)نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ).

السادسة: في سورة البقرة الآية 114 قوله تعالي: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ (2) مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَي فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ

ص: 52


1- (1) قوله تعالي : (كَذَلِكَ يُتِمُّ) . انتهي . أي يسير لكم تلك النعم المذكورة واسبغها لديكم وأتمها عليكم لعلكم تتنبهون لذلك وتنقادون إلي الاسلام.
2- (2) قوله تعالي : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ) . انتهي. الظلم هو التعدي والخروج عن طاعة الله وخلاف العدل. والمنع هو الصد والحيلولة. ومن للاستفهام الإنكاري مبتدأ واظلم خبره . ومساجد مفعول أول لمنع ، وان يذكر مفعوله الثاني علي معني مترددي المساجد أو قاصديها . ويجوز أن يكون علي حذف الجار أو حذف المضاف علي أن يكون مفعولا له أي من أن يذكر أو كراهة أن يذكر . وأما السعي في خرابها فهو بالظلم والجور فالوعيد علي ذلك. والسعي في خرابها هو صدهم أهل الإيمان عنها أو اخراجهم منها أو هما معا.

لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ (1)).

السابعة: في سورة التوبة الآية 18 قوله تعالي : (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ (2) مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَي الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ

ص: 53


1- (1) قوله تعالي : (أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ) . انتهي. من المؤمنين أن يبطشوا بهم فيكون اخبار منه تعالي بنصر المؤمنين . قال الأردبيلي قدس سره : دلالتها علي تحريم دخول المساجد علي الكفار كما قيل ليس بظاهر .
2- (2) قوله تعالي : (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ). الآية. قبل هذه الآية هو قوله تعالي : ( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَي أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ). قد عرفت معاني التعمير ، فيمكن أن يكون المراد بيان الواقع وهو ان الذين يعمرون المساجد ويرغبون في ذلك هم المتصفون بهذه الصفات لا أهل الشرك . ولعل الغرض من الاقتصار علي الايمان بالله، والصلوة والزكوة التمثيل بافعال القلب والبدن والمال أو بالأهم والأفضل من الأصول والفروع ويكون ذكر الزكوة حينئذ تبعا لأن قبول الصلوة موقوف علي اخراجها. أقول: وفي الصافي (وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ) يعني في أبواب الدين بأن لا يختار علي رضا الله رضاء غيره فان الخشية من المحاذير جبلية لا يكاد العاقل يتمالك عنها. قال الفاضل المقداد قدس سره : (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ) الخ. دلت هذه الآية علي غاية عناية الله بالمساجد وان الذين يسعون في عمارتها عنده في أعظم المنازل ولذلك وصفهم بالصفات الكمالية وهي الايمان به، الخ. قال الأردبيلي قدس سره : فيها حث عظيم وترغيب جزيل علي تعمير المساجد وان لها (له) شأنا كبيرا عند الله حتي انه لابد من اتصاف فاعله بهذه الأوصاف الجميلة والا نفعله كعدمه .

إِلَّا اللَّهَ فَعَسَي أُولَئِكَ (1) أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ).

الثامنة: في سورة المائدة الآية 58 قوله تعالي : (وَإِذَا نَادَيْتُمْ (2) إِلَي

ص: 54


1- (1) قوله تعالي : (فَعَسَي أُولَئِكَ) . انتهي ذكره بصيغة التوقع قطعا لاطماع المشركين في الاهتداء والانتفاع بأعمالهم .
2- (2) قوله تعالي : (وَإِذَا نَادَيْتُمْ) . انتهي. النداء هو الدعاء الذي يمد الصوت به ، والهزو السخرية. قال المفسرون المراد هنا الأذان والمعني اذا اذنتم للصلوة اتخذوا الصلوة هزوا ولعبا أي انهم اذا سمعوا ذلك تضاحكوا فيما بينهم وتغامزوا علي طريق السخف والمجون ( أي قليل الحياء ) تجهيلا لأهلها وتنفيرا للناس. منها وعن الداعي إليها. وقيل : كانوا يرون الداعي إليها بمنزلة اللاعب والهازي بفعلها جهلا منهم بمنزلتها وذلك بسبب فقدهم العقل الحاجز (أي المانع ) لهم عن القبيح أو بسبب عدم تعقلهم ما للممتثل بذلك من الثواب وما علي الهازي من العقاب. وبالجملة الآية تدل علي مشروعية الأذان وهو من المتفق عليه بين الامة بل هو من السنن الاكيدة وثوابه عظيم . روي الشيخ في الصحيح عن معوية بن وهب عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من أذن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجب له الجنة. قال الأردبيلي قدس سره : قيل فيه دليل علي ثبوت الاذان بنص الكتاب لا بالمنام وحده وفيه تأمل . أقول : قال الفاضل المقداد قدس سره : اختلف في نزول الاذان ، فعند العامة ان ابا محذورة رأي في المنام أن شخصا علي حائط المسجد يورد هذه الألفاظ المشهورة فانتبه فقص الرؤيا علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ، فقال له : انه وحي انده ( أي ارفع ) علي بلال كأنه اندي منك صوتا. وأنكر ائمتنا ذلك وقالوا انه وحي من الله تعالي علي لسان جبرئيل . انتهي.

الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ)

النوع الخامس : في مقارنات اللوة

وفيه تسع آيات:

الأولي: في سورة البقرة الآية 238 قوله تعالي: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ(1)) .

ص: 55


1- (1) قوله تعالي : (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) . انتهي. تقدمت وقد استدل بقوله تعالي : (قُومُوا) علي وجوب القيام في الصلوة ، وبقوله: (للّهِ) علي وجوب النية، وبقوله : (قَانِتِينَ) علي ثبوت القنوت . وقد مر الكلام في الأخيرتين ( أي النية والقنوت). وأما الأول فلعل وجهه ان سياق الآية يشعر بأن المراد القيام في الصلوة وان ظاهر الأمر الوجوب . قال الفاضل المقداد قدس سره استدل الفقهاء بهذه الصيغة علي وجوب القيام في الصلوة. ويرد عليهم سؤال وهو ان قوله تعالي : (وَ قُومُوا) ليس اشعار فيه بكونه في الصلوة. أجيب بأن القيام في غير الصلوة ليس بواجب ولفظ الآية يدل علي وجوبه فيصدق دليل هكذا شيء من القيام واجب ولا شيء منه في غير الصلوة بواجب فيكون وجوبه في الصلوة وهو المطلوب. وقال الأردبيلي : قد استدل علي وجوب القيام والنية والقنوت بقوله تعالي : (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) وفي افادته لها تأمل لا يخفي.

الثانية: في سورة بني اسرائيل الآية 111 قوله تعالي :(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ (1)

ص: 56


1- (1) قوله تعالي : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ) . انتهي. في دعاء الحسين عليه السلام يوم عرفة : « الحَمدُ للّهِ الَّذِي لَم يَتَّخِذ وَلَداً فَيَكُونُ مَورُوثاً وَلَم يَكُن لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلكِ فَيُضادَّهُ فِيمَا ابتَدَعَ،وَلَا وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ فَيُرفِدَهُ فِيمَا صَنَعَ». وفي كتاب التوحيد في خطبة لأميرالمؤمنين عليه السلام : « الحمد لله الذي لم يولد فيكون في العز مشاركا ولم يلد فيكون موروثاً هالكاً». وفي تفسير العياشي عن أبي عبدالله عليه السلام : « الحمد لله الذي لم يلد فيورث ولم يولد فيشارك » الخ. وحاصل المعني ان المستحق للحمد والثناء هو الله المتصف بهذه الصفات الثلاث: الأولي: لم يتخذ ولدا أي لم يلد فيطره عليه الهلاك فيكون موروثا. الثانية: أنه لم يكن له شريك في الملك أي لم يولد فيشاركه الوالد في العز والكبرياء، أو لم يكن له شريك في الملك مساويا له بالقدرة فيقع بينهما التدافع والتضاد فيكون الفساد . الثالثة: انه ليس بعاجز فيحتاج إلي ولي يعينه علي ايجاد الأشياء .

الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا(1)).

الثالثة : في سورة المدثر الآية 3 قوله تعالي : (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ(2)) .

الرابعة : في سورة المزمل الآية 20 قوله تعالي : (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ (3)

ص: 57


1- (1) قوله تعالي : (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) . انتهي. روي عن الخصال عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم حاكيا عنه تعالي : « وأعطيت لك ولامتك التكبيرة ». قد استدل بعضهم بهذه الآية علي وجوب التكبيرة في الصلوة ووجهه أن يقال : انها دلت علي وجوب شيء من التكبير ولا خلاف في عدم الوجوب في غير الصلوة فينحصر الوجوب فيها وهو المطلوب ولا يخفي ما فيه.
2- (2) قوله تعالي : (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) . انتهي. والمراد عظمه و نزهه عما لا يليق به. وقد استدل بها أيضا علي وجوب التكبيرة في الصلوة وقد عرفت ما فيه .
3- (3) قوله تعالي: (فاقرءوا ما تيسر) . انتهي. لما تضمن صدر الآية وهي قوله تعالي : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَي مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا) ، الخ. قيام الشطر المذكور من الليل ومقتضي ذلك أن يطيلوا قرائة القرآن في الركعات ليستقرقوا ذلك الشطر بعينه ولا ينقصوه، ولما كان ذلك مشقة خقف ذلك عنهم بقرائة (مَا تَيَسَّرَ) المستلزم للاكتفاء بالبعض من الليل . روي علي بن ابراهيم في تفسيره عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالي : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ) الآية، عقل النبي صلي الله عليه و آله و سلم ذلك وبشر الناس به فاشتدت ذلك عليهم وعلم أن لن تحصوه وكان الرجل يقوم ولا يدري متي ينتصف الليل ومتي يكون الثلثان وكان الرجل يقوم حتي يصبح مخافة أن لا يحفظه ، فأنزل الله (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ) إلي قوله : (لَنْ تُحْصُوهُ) يقول : متي يكون النصف والثلث. نسخت هذه الآية (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ) من القرآن واعلموا انه لم يأت نبيّ قط إلا بصلوة الليل ولا جاء نبي قط بصلوة الليل في أول الليل . فعلي هذا يكون المراد صلوا ما تيسر من الصلوة من باب اطلاق الجزء وارادة الكل. ويكون المراد صلوة الليل ويكون الأمر للاستحباب أو علي الوجوب لكنه نسخ بالصلوات الخمس كما قيل وسيجيء الكلام فيه إن شاء الله .

مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَي وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ).

الخامسة: في سورة الحج الآية 77 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا (1) ..................

ص: 58


1- (1) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا) . انتهي. الركوع لغة الخفض وضد الرفع أعني الانحناء وشرعا هو انحناء المصلي حتي تصل كفاه ركبتيه. والسجود لغة الخضوع وشرعا وضع الجبهة علي ما يصح السجود عليه ووضع بقية الأعضاء السبعة علي الأرض أو غيرها. إذا عرفت ذلك فالمراد هنا الركوع في الصلوة والسجود فيها وخصصهما من بين بقية افعالها لأنهما أعظم الأفعال.

وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ (1)وَافْعَلُوا الْخَيْرَ (2) لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ).

السادسة: في سورة الجن الآية 18 قوله تعالي: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ (3)

ص: 59


1- (1) قوله تعالي : (وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) ، بفعل ما تعبدكم من العبادات من الصوم والزكوة والحج ونحوها.
2- (2) قوله تعالي ( وَافْعَلُوا الْخَيْرَ). أي لا تقتصروا علي فعل الصلوة والواجبات من العبادات بل افعلوا غيرها من انواع البر كصلة الرحم ومكارم الأخلاق ونحو ذلك من أنواع القرب. وقد استدل الشافعي بهذه الآية علي استحباب سجود التلاوة عندها محتجا بما رواه عقبة بن عامر قال : قلت يا رسول الله في سورة الحج سجدتان ؟ قال : «نعم إن لم تسجدهما فلا تقرأهما». والحق أن ما ذكر الشافعي محتمل ولا بعد في حمل الآية علي المعاني المتعددة وارادتها منها كما هو في كثير من الآيات لأن القرآن ذو وجوه .
3- (3) قوله تعالي : (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ) . انتهي. في الفقيه عن أميرالمؤمنين عليه السلام في وصية لابنه محمد قال : قد فرض الله علي جوارحك فرائض يحتج بها عليك إلي قوله : وقال تعالي :( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) يعني بالمساجد الوجه واليدين والركبتين وابهامي الرجلين . فحاصل المعني ان هذه الأعضاء خلقت لأن يعبد الله بها فلا تشركوا معه غيره في سجودكم عليها .

فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) .

السابعة: في سورة الواقعة الآية 74 وفي سورة الأعلي الآية 1 قوله تعالي : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ(1)) ، (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَي).

الثامنة: في سورة بني اسرائيل الآية 110 قوله تعالي: (وَلَا تَجْهَرْ

ص: 60


1- (1) قوله تعالي : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) . انتهي. العظيم يجوز أن يكون صفة للاسم ويجوز أن يكون صفة للرب، وكذا الأعلي أي عظم الله تعالي ونزهه بالأسماء العظام الدالة علي وحدته وقدمه وأنه لا إله إلا هو وان ليس كمثله شيء ويحسن الثناء عليه. وروي عن الشيخ المفيد في روضة الواعظين عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام انه قال : « إن لله ملكا يقال له حرقائيل له ثمانية عشر ألف جناح مابين الجناح إلي الجناح خمس مأة عام ثم أوحي الله إليه ايها الملك طر فطار مقدار عشرين ألف عام ولم ينل رأس قائمة من قوائم العرش ثم ضاعف الله له في الجناح والقوة وأمره أن يطير فطار مقدار ثلاثين ألف عام لم ينل أيضا، فأوحي الله إليه أيها الملك لو طرت إلي نفخ الصور مع أجنحتك وقوتك لم تبلغ إلي ساق عرشي فقال الملك سبحان ربي الأعلي فأنزل الله عزوجل : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَي) فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم : اجعلوها في سجودكم»، الحديث . وروي الشيخ عن هشام بن سالم قال : سئلت أبا عبدالله عليه السلام عن التسبيح في الركوع والسجود فقال : تقول في الركوع سبحان ربي العظيم وفي السجود سبحان ربي الأعلي ، الفريضة من ذلك تسبيحة والسنة ثلاث والفضل في سبع .

بِصَلَاتِكَ (1) وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا) .

التاسعة: في سورة الأحزاب الآية 56 قوله تعالي : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ (2) يُصَلُّونَ عَلَي النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(3)) .

ص: 61


1- (1) قوله تعالي : (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ ) . انتهي. روي في الكافي عن سماعة قال : سألته عن قول الله عز وجل : (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ) الآية ، قال : المخافتة ما دون سمعك وأن ترفع صوتك شديدا. وبهذا المعني روايات اخري وحاصل المعني علي ما يقتضيه هذه الروايات هو النهي عن الجهر الشديد في الصلوة والاخفات الخفي بحيث يلحق بحديث النفس ويخرجه عن كونه قاريا عرفا فلا يجوز الافراط ولا التفريط بل يجب الحد الوسط .
2- (2) قوله تعالي : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ ) . انتهي قرأ برفع الملائكة وهو عند الكوفيين عطف علي محل ان واسمها وعند البصريين مرفوع بالابتداء وخبر ان محذوف أي يصلي والكلام في هذه الاية ينتظم في أمور: الأول: في بيان معني الصلوة عليه صلي الله عليه وآله وسلم وكيفيتها ومعني السلام. قال في الصحاح : الصلوة الدعاء والصلوة من الله الرحمة. وروي في معاني الأخبار بسنده عن ابن أبي حمزة ، عن ابيه وفيه قال : فقلت : وكيف نصلي علي محمد وآله ؟ قال : «يقولون صلوات الله وصلوات ملائكته وأنبيائه ورسله وجميع خلقه علي محمد وآل محمد وعليه وعليهم ورحمة الله وبركاته ، الحديث.
3- (3) قوله تعالي : (وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) . انتهي. يعني التسليم فيما ورد عنه . الثاني: من الأمور في مواضع وجوب الصلوة عليه واستحبابها فتجب في الصلوة ، ويدل عليه ما رواه في الكافي عن محمد بن هارون عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إذا صلي أحدكم ولم يذكر النبي صلي الله عليه و آله و سلم في صلوته يسلك بصلوته غير سبيل الجنة. والظاهر أن المراد وجوبها في تشهد الصلوة لأنه قد ذكر فيه و تجب الصلوة عندذكره ، الخ.

النوع السادس: في المندوبات

وفيه خمس آيات:

الأولي: في سورة البقرة الآية 239 قوله تعالي: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (1)) .

ص: 62


1- (1) قوله تعالي : (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) . انتهي. استدل بها علي وجوب القنوت ، وبعضهم علي استحبابه. وقد تقدم الكلام فيها وان الأظهر الاستحباب. قال المقداد قدس سره : قال المعاصر، وهو الشيخ ناصر البحراني بن احمد بن عبدالله بن متوج صاحب الذهن الوقاد فاضل محقق فقيه حافظ نقل انه ما نظر شيئا ونسيه . ذكره بعض علمائنا في اجازة له ، الخ . ( أمل الآمل) ما هذا لفظه : يمكن الاستدلال بهذه الآية علي ندبية القنوت في الصلوة إذ لا قائل بوجوبه ؛ والأصل برائة الذمة ولأن صيغة الأمر استعملت في الندب مثل قوله تعالي : (وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ). أقول: في هذا الكلام غلط من وجوه : الأول: أن قوله لا قائل بوجوب القنوت يدل علي عدم الاطلاع علي النقل فان ابن بابويه وابن عقيل قائلان بالوجوب وهما في الفقه بمكان عال . قال الموسوي : كلام ابن بابويه غير ظاهر في الوجوب. قال في الفقيه « والفتوت سنة واجبة من تركها في كل صلوة فلا صلوة له قال الله تعالي : (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) ووجه عدم الظهور قوله سنة واجبة أي سنة ثابتة. الثاني: ان اصالة البرائة إنما يكون حجة مع عدم الدليل لا مطلقا. الثالث: أن قوله صيغة الأمر استعملت في الندب ان معني بصيغة الأمر هنا لفظة قوموا فتلك للوجوب كما استدل هو وغيره بها علي وجوب القيام في الصلوة وإذا كانت للوجوب لا تدل علي الندب إذ لا يجوز استعمال المشترك في كلام معنييه كما تقرر في الأصول وان عني لفظ قانتين فليس بأمر وهو ظاهر . الرابع: أن تمثيله للندب بقوله واشهدوا سهو فان الأمر فيها للارشاد إلي مصلحة دنيوية لا اخروية بخلاف الندب فانه اشارة إلي مصلحة راجحة اخروية هي نيل الثواب.

الثانية: في سورة الكوثر الآية 1 و 2 قوله تعالي : (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ(1)) .

ص: 63


1- (1) قوله تعالي : ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) . انتهي. قال العلامة في المنتهي : ذهب المفسرون إلي أن المراد صلوة العيدين . ونسبه في الذكري إلي بعض المفسرين، ونسبه في الكنز إلي أكثر المفسرين ، ونسبه جماعة إلي القيل. وعلي هذا يكون دليلا علي وجوبها ويكون الشرائط مستفادة من السنة كما في غيرها من الصلوات. والمراد من قوله : (وَانْحَرْ) نحر الابل أو ذبح الأضحية ويكون المراد الهدي الواجب ، أو يكون المراد الأضحية الواجبة ويكون وجوبها عليه خاصة للاجماع علي عدم وجوبها علي غيره والاخبار المتكثرة. ولم أر في الاثار المروية عن أهل البيت عليهم السلام ما يدل علي التفسير الذي ذكروه. والذي رأيته هو رفع اليدين بالتكبيرة إلي النحر كما في المجمع عن أميرالمؤمنين عليه السلام قال : لما نزلت هذه السورة قال النبي لجبرئيل عليهماالسلام ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي قال : ليست بنحيرة ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلوة أن ترفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع وإذا سجدت فانه صلوتنا وصلوة الملائكة في السموات السبع فان لكل شيء زينة وان زينة الصلوة رفع الأيدي عند كل تكبيرة. قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم : رفع الأيدي من الاستكانة . قلت : وما الاستكانة ؟ قال : الا تقرء هذه الآية : (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) .

الثالثة: في سورة المؤمنون الآية 1 و 2 قوله تعالي : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ(1) * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) .

الرابعة : في سورة النحل الآية 98 قوله تعالي : (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ(2)

ص: 64


1- (1) قوله تعالي : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) . انتهي. والكلام فيها قد مضي مفضلا وإنما ذكرت هنا للتنبيه علي ما تضمنه من الخشوع وانه من المستحبات المؤكدة .
2- (2) قوله تعالي : (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) . انتهي. لما كان الشيطان للانسان عدوا مبينا فهو مترصد له دائما وقد ذكر الله تعالي قبل هذه الاية العمل الصالح للذكر والانثي ومنه قرائة القرآن أرشده إلي ما يوهن كيده وهو الاستعانة به سبحانه وهي طلب العياذ وهو الملجأ والمعني اذا أردت القرائة . فعبر عنها بالقرائة من قبيل اطلاق الملزوم علي لازمه لأن الأفعال الاختيارية يلزمها الارادة . والشيطان علي ما في الصحاح والقاموس معروف وكل عات متمرد من الجن والانس والدواب ، وهو من شطن بمعني بعد أي عن الطاعة. والرجيم من الرجم وهو الرمي بمعني المرجوم باللعن. وروي في معاني الاخبار بسنده إلي عبد العظيم بن عبدالله الحسني قال : «سمعت أبا الحسن علي بن محمد العسكري عليهماالسلام يقول : معني الرجم انه مرجوم باللعن مطرود من الخير لا يذكره مؤمن إلا لعنه وان في العلم السابق إذا خرج القائم عليه السلام لا يبقي مؤمن في زمانه إلا رجمه بالحجارة كما كان قبل ذلك مرجوم باللعن .

فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).

الخامسة وفيها ثلاث آيات:

الأولي في سورة المزمل الآية 1 الي 8 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ(1)

ص: 65


1- (1) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) . انتهي. المزمل من تزمل في ثيابه أي تلفف فالتاء مدغمة في الزاء لقرب المخرج. وأما الاعراب ففيه وجوه: الأول: أن يكون المراد من الليل الجنس فيكون القليل مستثني منه ويكون النصف بدلا من الليل والضمير المجرور بمن وعلي راجعا إلي النصف. والمعني قم إلي صلوتك في كل ليل إلا ليلا تكون فيه مريضا أو لاهيا أو نحو ذلك من الأسباب والأعذار . ثم بين إن ما يقوم للصلوة فيه هو نصف الليل أو انقص من النصف أو أزيد من النصف إما تخييرا وإما بحيث ما يراه ويتمكن منه باعتبار الأحوال ويدل علي هذا المعني ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبا جعفر عليه السلام قال : سئلته عن قوله تعالي : (قم الليل إلا قليلا) قال : أمره الله أن يصلي كل ليلة إلا أن تأتي ليلة لا يصلي فيها شيئا. والترتيل هو حفظ الوقوف وبيان الحروف. وروي في الكافي بسنده إلي عبدالله بن سليمان قال : سئلت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزوجل : (و رتل القرآن ترتيلا) قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام بينه بيانا ولا تهذه هذا الشعر ولا تنشره نشرا الرمل ولكن اقرعوا قلوبكم القاسية ولا يكون هم أحدكم آخر السورة. قال الموسوي: وفي مقدمة الصافي الهذ السرعة في القراءة أي لا تسرع فيه كما تسرع في قرائة الشعر ولا تفرق كلماته بحيث لا تكاد تجتمع. وقال الأردبيلي قدس سره اقرأ متفكرا علي هنيئتك وفي زبدة البيان اقرع به قلوبكم وكذا في مجمع البيان وفي البرهان افزع قلوبكم ( وفي نسخة افزعوا) وفي مقدمة الصافي فزعوا وفي الصافي اقرعوا وفي الوسائل كتاب الصلوة اقرعوا به قلوبكم وهو الصحيح .

* قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (1)* إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ

ص: 66


1- (1) قوله تعالي: (قَوْلًا ثَقِيلًا) . القول الثقيل هو آيات القرآن فانه صلي الله عليه واله كان يتغير حاله عند نزوله ويغرق واذا كان راكبا يترك دابته ولا يستطيع المشي علي ما رواه العياشي عن أميرالمؤمنين عليه السلام. وأما ناشئة الليل ، فقيل : هي قيام الليل وهو المذكور في تفسير علي بن ابراهيم . وقيل : ناشئة الليل هي النفس الناهضة من مضجعها إلي العبادة.

وَطْئًا (1) وَأَقْوَمُ قِيلًا (2)* إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا

ص: 67


1- (1) قوله تعالي :(وَطْئًا). قرء أبو عمرو بن عامر بكسر الواو والمد أي مواطاة وموافقة أي موافقة القلب اللسان أو العلانية للسر بالخشوع والخضوع والاخلاص، وقرء الباقون بفتح الواو وسكون الطاء مقصورا أي اشق لأن الليل للسكون والسبات.
2- (2) قوله تعالي : (وَأَقْوَمُ قِيلًا). في الصافي و اسد مقالا واثبت قرائة لحضور القلب وهدوؤا الأصوات . وروي عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالي : (إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا) يقول : فراغا طويلا لنومك و حاجتك . وفي قوله تعالي : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا) بقوله اخلص النية ، وروي هو رفع اليدين و تحريك السبابتين . إذا عرفت ذلك فيستفاد من الآية أحكام: الأول: ظاهر صيغة الأمر في قوله : (قُمِ اللَّيْلَ) الدلالة علي لزوم صلاة الليل ووجوبها لأن المراد القيام إلي الصلوة باجماع المفسرين إلا من شذ. الثاني: يستفاد من قوله (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) أي علي النصف علي بعض الوجوه المذكورة ان ابتداء وقت صلوة الليل قبل الانتصاف وهو خلاف الفتوي. قال المحقق في المعتبر وقت صلوة الليل بعد انتصافه، الخ. الثالث: ترتيل القرآن في الصلوة وغيرها وهو من السنن الاكيدة . الرابع: يستفاد منها الحث علي صلوة الليل وانها أفضل من بقية النوافل الرواتب. الخامس: قوله تعالي : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) استدل به علي وجوب البسملة في أول الحمد والسورة ، وقيل : المراد بها الدعاء بذكر أسمائه الحسني وصفاته العليا .

وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا).

الثانية : في سورة المزمل أيضا الآية 20 قد تقدم بيانها في الآية الرابعة من النوع الخامس فراجع.

الثالثة: في سورة الذاريات الآية 17 و 18 قوله تعالي: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ (1) مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ).

ص: 68


1- (1) قوله تعالي : (كانوا قليلا من الليل) . انتهي. الهجوع النوم وما زائدة أو مصدرية أو موصولة. قيل : المراد الاستغفار في الوتر وربما يشعر به قوله عليه السلام : «القنوت في الوتر الاستغفار». وقيل : المراد صلوة الليل. ويدل عليه ما رواه في الكافي في الصحيح والشيخ بالسند المعتبر عن محمد بن مسلم قال سئلت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزوجل : (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال كانوا أقل الليالي تفوتهم لا يقومون فيها. ولا يبعد أن يقال المراد صلوة الليل والاستغفار في الوتر معا. وربما يشعر به الخبر المذكور بل نقل ذلك في مجمع البيان صريحا عن أبي عبدالله عليه السلام أن المراد صلوة الليل وانهم يستغفرون في الوتر سبعين مرة في السحر. ويمكن أن يكون المراد مطلق ذكر الله تعالي. ويدل عليه ما روي في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالي: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) قال كان القوم ينامون ولكن كلما انقلب أحدهم قال الحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر. تتمة : قد استفيد مما تقدم في ضمن الآيات المذكورة استحباب النوافل الراتبة . وقد تضمن ذلك ما رواه في الحسن عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له اناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قال : « يعني صلوة الليل». قال : قلت له : واطراف النهار لعلك ترضي. قال : « يعني التطوع بالنهار». قال : قلت له : وادبار النجوم قال : « ركعتان قبل الصبح». قلت : وادبار السجود قال : « ركعتان بعد المغرب ». والغرض التنبيه علي أن النوافل اليومية مستفادة من القرآن والا فتفصيل ذلك مستفادة من الكتب الفقهية.

النوع السابع : في احكام متعددة تتعلق بالصلوة

وفيه سبع آيات.

الأولي: في سورة النساء الآية 86 قوله تعالي: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ (1)

ص: 69


1- (1) قوله تعالي : (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ) . انتهي. قال في المدارك التحية لغة السلام علي ما نص عليه أهل اللغة ودل عليه العرف. وقال في القاموس : التحية هو السلام ونحوه. قال في لغة مجمع البيان وقال في كنز العرفان لم يرد بحييتم سلام عليكم بل كل تحية وبر واحسان. واستند في ذلك إلي ما روي علي بن ابراهيم في تفسيره عن الصادق عليه السلام انه قال التحية السلام وغيره من البر والاحسان. وفي المجمع (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا) أمر الله المسلمين برد السلام علي المسلم بأحسن مما سلم إن كان مؤمنا وإلا فليقل وعليكم لا يزيد علي ذلك فقوله بأحسن منها للمسلمين خاصة. وقوله : (أَوْ رُدُّوهَا) لأهل الكتاب عن ابن عباس ، فاذا قال المسلم السلام عليكم فقلت وعليكم السلام ورحمة الله وإذا قال السلام عليكم ورحمة الله فقلت وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته فقد حييت بأحسن منها وهذا منتهي السلام. ان الله كان حسيباً أي حفيظا عن مجاهد . وقيل كافيا وقيل مجازيا عن ابن عباس . وفي هذه الآية دلالة علي وجوب رد السلام لان ظاهر الأمر يقتضي الوجوب . انتهي ملخصة.

فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا).

الثانية: في سورة الأنعام الآية 162 و 163 قوله تعالي: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي (1).....................................................

ص: 70


1- (1) قوله تعالي : (إِنَّ صَلَاتِي) . انتهي. المراد بالصلوة الدعاء أو العبادة المعروفة. والنسك هو سائر العبادات أو أفعال الحج خاصة . والمحيا والممات العبادات التي تقع حال الحياة والتي تقع بعد الموت بالوصية . ويحتمل أن يكون المراد نفس الحياة والموت أي بيده الموت والحيوة. ويحتمل أن يكون جميع أموري وأحوالي من الخير ودفع السوء في حال حياتي وبعد مماتي.

وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ (1) رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ (2) وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ (3)وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).

الثالثة: في سورة المائدة الآية 55 قوله تعالي: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ (4)

ص: 71


1- (1) قوله تعالي : (لِلَّهِ) . أي لله مخلصة. والوصف بالتربية للتنبيه علي انه المستحق للعبادات من هذه الجهة كما انه مستحق لذاته.
2- (2) وقوله تعالي: (لَا شَرِيكَ لَهُ) قيد للتربية أو لله أو لكليهما.
3- (3) قوله تعالي : (وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ) أي بتلك الأمور وأنا أول من أجاب وأطاع من أهل ذلك الزمان. فيستفاد من الآية لزوم النية والاخلاص وقد مر الكلام في ذلك . قيل : ويستفاد منها ان صحة الصلوة بل وصحة سائر العبادات متوقفة علي معرفة الله والاقرار بوحدانيته وكونه رباً للعالمين أي مربيا ومنشأ لهم. فيستلزم ذلك العلم بكونه قادرا عالما حكيما إذ الاخلاص يستلزم ذلك فلا تصع عبادة الكافر الجاحد لشيء من هذه الأصول وأما من كان مقرا بهذه الأصول لكن لم يكن ذلك عن دليل فهو في الظاهر مسلم وعبادته غير صحيحة. وقد قال بعضهم بالصحة بل ربما نقل عليه الاجماع وربما يظهر ذلك من بعض الأخبار، الخ.
4- (4) قوله تعالي : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ) . انتهي. الولي قد جاء بمعني الناصر والمعين والمحب. وقد جاء بمعني المتولي للأمر الذي يلي تدبيره والأولي به كما يقال ولي الدم وولي المرأة إذا كان بيده نكاحها، والسلطان ولي الرعية ونحو ذلك . قال المبرد أصل الولي الذي هو أولي أي أحق ومثله المولي. وبالجملة : المراد هنا الثاني أي الأولي بهم من أنفسهم ومن بيده أمورهم لأنه الأصل في معني الولي والأنسب في هذا المقام فيتعين الحمل عليه. وحاصل المعني انه سبحانه وتعالي بين من له الولاية علي الخلق والقيام بأمورهم وتجب طاعته عليهم فقال (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ) أي الذي يتولي مصالحكم و تدبيركم هو الله ورسوله والذين آمنوا الموصوفون بهذه الصفات. وقد جائت الأخبار من الخاصة والعامة وأجمع المفسرون بانها نزلت في علي عليه السلام فهي من أوضح الدلائل علي امامته بعد النبي صلي الله عليه و آله و سلم بلا فصل بدلالة لفظة إنما علي الحصر والتخصيص ونفي الحكم عمن عداه لغة وعرفأ كما هو بين والحمد لله. وروي في الكافي بسنده عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام في قوله تعالي : (إِنَّمَا وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) . انتهي . قال : إنما يعني أولي بكم أي أحق بكم وبأموركم من أنفسكم وأموالكم ( اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) يعني عليا وأولاده الأئمة عليهم السلام إلي يوم القيامة . ثم وصفهم الله عزوجل فقال : (الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) وكان أميرالمؤمنين عليه السلام في صلوة الظهر وقد صلي ركعتين وهو راكع وعليه حلة قيمتها ألف دينار وكان النبي صلي الله عليه و آله و سلم، أعطاه اياها وكان النجاشي أهدي له فجاء سائل فقال السلام عليك يا ولي الله وأولي بالمؤمنين من أنفسهم تصدق علي مسكين فطرح الحلة وأومئ بيده أن احملها فأنزل الله فيه هذه الآية وصير نعمة الله بنعمته وكل من بلغ من أولاده مبلغ الامامة يكون بهذه النعمة مثله فيتصدقون وهم راكعون والسائل الذي سأل أميرالمؤمنين عليه السلام من الملائكة والذين يسئلون الأئمة من أولاده يكونون من الملائكة. قال الفاضل المقداد قدس سره ان الفعل القليل لا يبطل الصلوة لقوله تعالي : (وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) ، وان النية فعل قلبي لا لساني. قال الأردبيلي قدس سره حصر ولاية الخلق في الله و رسوله الذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة ويتصدقون حال صلوتهم راكعين الظاهر من الولي هو المتولي للأمر كله والأولي بهم من أنفسهم ومن بيده أمورهم مثل الله ورسوله والأمام إذ لا معني للحصر في المذكورين بغير هذا المعني مثل الولي والناصر والمحب وكون الولي بهذا المعني في الآية السابقة ( الآية 51) مع ما بعدها (الآية 56 و 57) علي تقدير تسليمه لا يدل علي كونه ههنا أيضا كذلك وكذا في الآية المتأخرة . وقال القوشجي في شرحه للتجريد اتفق المفسرون علي أنها نزلت في علي بن أبي طالب عليه الصلوة والسلام حين تصدق بخاتمه في الصلوة راكعا.

ص: 72

وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ).

الرابعة : في سورة طه الآية 14 و 15 قوله تعالي: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا (1) ....................

ص: 73


1- (1) قوله تعالي : (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا) . انتهي. بدء بكلمة التوحيد ثم رتب علي ذلك العبادة للاشارة إلي أنها لا تصح إلا بعد الاقرار بالوحدانية وفيها : دلالة علي لزوم الاخلاص بالعبادة له سبحانه .

فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي(1)* إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ (2) أَكَادُ أُخْفِيهَا (3) لِتُجْزَي كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَي).

الخامسة : في سورة الفرقان الآية 62 قوله تعالي: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ (4) وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) .

ص: 74


1- (1) قوله تعالي : (لِذِكْرِي) . أي عند ذكر الصلوة إذا كنت قد نسيتها فأراد ذكر الصلوة أي أقضها في أي وقت ذكرتها من ليل أو نهار و إنما قال : (لِذِكْرِي) ولم يقل لذكرها اما لأنه إذا ذكر الصلوة ذكر الله تعالي ، أو لحذف المضاف أي ذكر صلاتي ، أو لأن خلق الذكر والنسيان منه تعالي ، ولهذا قال أكثر المفسرين . وقيل : المعني أقم الصلوة لأجل ذكري لأنها مشتملة علي التحميد والتسبيح والتعظيم. وقيل : لأن اذكرك بالمدح والثناء عليك. وقيل : المعني صل لي ولا تصل لغيري . وقيل : لتكون ذاكرا لي غير ناس. وقيل : لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلوة .
2- (2) قوله تعالي : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ) : أي القيامة مقطوع بمجيئها لا شك فيه .
3- (3) قوله تعالي : (أَكَادُ أُخْفِيهَا) . أي أريد أن أخفيها عن عبادي لئلا تأتيهم إلا بغتة فالفائدة عظم التهويل ، ليكون أحرص علي شدة الحذر . قال الأردبيلي قدس سره : (أَكَادُ أُخْفِيهَا) أي أظهرها فالهمزة للازالة .
4- (4) قوله تعالي :(جَعَلَ اللَّيْلَ) . انتهي. روي ابن بابويه عن الصادق عليه السلام انه قال : «كل ما فاتك بالليل فاقضه بالنهار . قال الله تعالي : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ) ، الخ. يعني أن يقضي الرجل مافاته بالليل بالنهار ومافاته بالنهار بالليل». وفي تفسير الصافي : (خِلْفَةً) يخلف كل منهما الآخر بأن يقوم مقامه فيما ينبغي أن يفعل فيه .

السادسة: في سورة التوبة الآية 5 قوله تعالي : (فَإِذَا انْسَلَخَ (1)الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ).

ص: 75


1- (1) قوله تعالي : ( فَإِذَا انْسَلَخَ) . انتهي . استدلوا بها علي أن تارك الصلوة مستحلا مرتد يجب قتله لأنه تعالي علق المنع من قتلهم علي الأمور المذكورة ولا شك أن تركهم الصلوة كان علي وجه الاستحلال لعدم تحقق اعتقاد وجوبها من المشرك والحكم المعلق علي مجموع لا يتحقق الامع تحقق المجموع فيكفي في حصول نقيضه فوات واحد من المجموع. وفي الدلالات علي ذلك نظر لأنها إنما تضمنت حكم المشركين والكفار والذين لم يدخلوا في الاسلام. وأما من دخل في الاسلام ثم ارتد فلا تدل علي ان هذا حكمه لكن النصوص من طريق أهل البيت عليهم السلام الدالة علي كفر تارك الصلوة ولزوم قتله كثيرة كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : «ان تارك الفريضة كافر». وصحيحة بريد عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم : « ما بين المسلم وبين أن يكفر الا أن يترك الصلوة الفريضة متعمدا أو متهاونا فلا يصليها». ( أقول في دلالة هذين الروايتين ونظائرهما علي الكفر الاصطلاحي نظر ).

السابعة: في سورة البقرة الآية 21 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ(1) اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) .

النوع الثامن: فيما عدا اليومية من الصلوة وأحكام تلحق اليومية أيضا.

وفيه ثلاث عشرة آية.

الأولي: في سورة الجمعة الآية 9 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ (2) لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَي ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ

ص: 76


1- (1) قوله تعالي :(يَا أَيُّهَا النَّاسُ). الخ. الناس عام لسائر المكلفين من الكفار وغيرهم فالاية دالة بعمومها علي كون الكفار مكلفين بالفروع الاسلامية كما انهم مكلفون بالأصول. ويدل عليه أيضا قوله تعالي (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) ، وقوله : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ ) وبذلك قال الامامية والشافعي. ويدل عليه أيضا كثير من الأخبار و خالف في ذلك أبو حنيفة فذهب إلي كونهم غيرمكلفين بالفروع لعدم صحتها منهم حال الكفر . وعدم وجوب القضاء بعد الاسلام فلا فائدة للتكليف حينئذ. والجواب ان شرط صحة الاتيان بها وهو الايمان مقدور لهم فرصة التكليف بها والفائدة حينئذ العقاب علي الترك.
2- (2) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ) . انتهي . خص الخطاب بالمؤمنين لما مر في آية الطهارة من أن تخصيص المؤمنين بالخطاب يقتضي بمفهوم التوصيف انهم هم المكلفون بهذه الأحكام الفروعية دون الكفار كما قاله كثير من العامة. والجواب أن ذلك باطل باجماع الفرقة المحقة. والمراد بالنداء هنا الاذان و « من» هنا للبيان علي حذف مضاف أي من صلوة يوم الجمعة ، ويحتمل أن تكنون بمعني في. (أقول : وفيه نظر ولذا لم نقل بوجوب الجمعة الا في زمان حضور الامام عليه السلام لأنها منصب لهم عليهم صلوات الله ولا يجوز لغيرهم التصدي للجمعة بل مختص بأهلها كما قال امامنا الرابع في القرآن الثالث أعني الصحيفة : « اللهم ان هذا المقام لخلفائك وأصفيائك وموضع أمنائك في الدرجة الرفيعة التي أختصصتهم بها قد ابتزوها ). وسميت الجمعة لأنه جمع فيها الخلائق لأنه خلقها في ستة أيام وكان الابتداء في الخلق يوم الأحد. والمراد بذكر الله هنا الصلوة علي ذكره الأكمل . فوائد : الأولي: المراد بالسعي المضي والذهاب كما قاله الأكثر . الثانية: دلت الآية علي وجوب صلوة الجمعة لأن الأمر للوجوب وهو هنا للتكرار باتفاق من العلماء كافة وفي تعقيب الأمر بقوله (وَ ذَرُوا) وبالاشارة وتوقيت الانتشار ونحو ذلك ضروب من التأكيد والحث. ويدل علي ذلك الاخبار المستفيضة جدا بل يكاد تواترها ( وجوبها في زمن الأئمة عليهم السلام بلا ريب وإنما الكلام في وجوبها في زماننا هذا). قال بعض بوجوبها عينا وبعض بحرمتها وبعض بوجوبها التخييري مع الفقيه الجامع لشرائط الافتاء وبعض بوجوبها التخييري لكن لا يشترطون في امامها الا شروط امام الجماعة. الثالثة: من الفوائد دل قوله تعالي :(وَذَرُوا الْبَيْعَ) بصريحه علي تحريم البيع بعد النداء كما دل عليه الأمر بالسعي بالالتزام. قال في التذكرة وعليه اجماع العلماء كافة. وقال ابن بابويه في كتابه كان بالمدينة أذا أذن المؤذن يوم الجمعة نادي مناد حرم البيع لقوله تعالي : (إِذَا نُودِيَ) . انتهي .

ص: 77

خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) .

الثانية: في سورة الجمعة أيضأ الآية 10 قوله تعالي: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ (1) فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا (2) لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .

ص: 78


1- (1) قوله تعالي : (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ) . انتهي . المراد بقضائها هنا فعلها. وفيها دلالة علي كون المراد بالذكر في قوله : (إِلَي ذِكْرِ اللَّهِ) هو الصلوة كما مر . والانتشار التفرق . والابتغاء من فضل الله هو طلب رزقه علي وجه مباح. وفيه اشارة إلي ان الأرزاق كلها منه تعالي كما دلت عليه آيات أخري. وفي تفسير علي بن ابراهيم يعني إذا فرغ من الصلوة فانتشروا في الأرض قال يوم السبت.
2- (2) قوله تعالي : (اذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا) . أي علي احسانه إليكم بالتوفيق والالطاف. المعني اذكروه في تجارتكم وأسواقكم أو اذكروا أوامره ونواهيه عند طلب الرزق فلا تأخذوا إلا ما أحل، أو الذكر حال العقد . فقد روي استحباب الدعاء اذا دخل السوق واذا اشتري شيئا من متاع أو غيره . والظاهر أن المراد ادمان الذكر علي جميع الأحوال ليخرجوا بذلك عن الغافلين ويكونوا من الفائزين بالفلاح والثواب والنعيم.

الثالثة: في سورة الجمعة أيضاً الآية 11 قوله تعالي : (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً (1) أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ

ص: 79


1- (1) قوله تعالي : (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً) . انتهي. في عيون الأخبار في وصف عبادة الرضا عليه السلام أنه كان يقرء في سورة الجمعة : «قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة للذين اتقوا والله خير الرازقين» . وفي غوالي اللئالي روي مقاتل بن سليمان ومقاتل بن قبا قالا بينا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يخطب يوم الجمعة إذ قدم دحية الكلبي من الشام بتجارة وكان إذا قدم لم يبق في المدينة عاتق الا أتته وكان يقدم إذا قدم بكل ما يحتاج إليه الناس من دقيق وبزّ ( البزّ الثياب من الكتان أو القز) وغيره ثم يضرب الطبل ليؤذن الناس بقدومه فيخرج الناس فيبتاعوا منه فقدم ذات جمعة كان قبل أن يسلم ورسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يخطب علي المنبر فخرج الناس فلم يبق في المسجد إلا اثنا عشر رجلا، فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لو لا هؤلاء لسومت لهم الجحارة من السماء. (دحية الكلبي بكسر الدال ويروي الفتح أيضا وهو دحية بن خليفة الكلبي رضيع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كان جبرئيل عليه السلام يأتي النبي صلي الله عليه و آله و سلم في صورته وكان من أجمل الناس ). واللهو كل ما الهي عن ذكر الله تعالي والمراد هنا الطبل. والمراد بالتجاة المال المنتقل بعقد المعارضة مع قصد الاكتساب . والرؤية هنا يحتمل أن تكون بصرية ويحتمل أن تكون قلبية أي رأوا تجارة قادمة . والضمير في (إِلَيْهَا) يرجع إلي التجارة لأنها المقصود بالذات من الخروج لما نقل انه قد أصابهم جوع وغلا سعر فبادروا بالخروج خشية أن يسبقوا.

وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) .

الرابعة : في سورة الأعلي الآية 14 و 15 قوله تعالي : (قَدْ أَفْلَحَ (1) مَنْ تَزَكَّي * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّي) .

الخامسة: في سورة التوبة الآية 85 قوله تعالي : (وَلَا تُصَلِّ عَلَي أَحَدٍ (2) مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَي قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ).

ص: 80


1- (1) قوله تعالي : (قَدْ أَفْلَحَ) . انتهي . في من لا يحضره الفقيه : وسئل الصادق عليه السلام عن قول الله عزوجل : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّي) قال : « من أخرج الفطرة». قيل له : (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّي) قال : «خرج إلي الجبانة (أي الصحراء ) فصلي». والمراد هنا صلوة العيد كما هو واضح.
2- (2) قوله تعالي : (وَلَا تُصَلِّ عَلَي أَحَدٍ) . انتهي. المراد هنا صلوة الأموات . والمراد بالقيام علي القبر قيام بالدعاء له . فتدل علي عدم جواز الصلوة في وقت من الأوقات علي أحد من الكفار والمنافقين الذين ماتوا علي كفرهم ونفاقهم. قال الأردبيلي قدس سره : ظاهرها تدل علي عدم جواز الصلوة في وقت من الأوقات علي أحد من الكفار الذين ماتوا علي كفرهم وكذا الوقوف علي قبورهم للدعاء وان علة ذلك هو الكفر وفيها اشارة بجواز ذلك للمسلمين مطلقا، فتأمل.

السادسة: في سورة النساء الآية 101 قوله تعالي: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ (1) فِي

ص: 81


1- (1) قوله تعالي : (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ) . انتهي. الضرب في الأرض هنا هو السير ، والجناح الاثم. وقد يستعمل بما يشمل المكروه فيندرج في رفع الجناح الواجب والمندوب والمباح. وقصر الصلوة نقصها كما أو الأعم منه ومن الكيف . والفتنة القتل أو ما يشمل التعرض المكروه. فاذا عرفت ذلك فهنا فوائد: الأولي: دلت الآية الكريمة علي ثبوت القصر (اما القصر ماذا فيظهر بدليل آخر). الثانية: دلت أيضا علي كون القصر مشروطا في السفر. الثالثة: دلت الآية الشريفة علي كون القصر في السفر مشروطا بالخوف فلا قصر مع الأمن إلا ان هذه الدلالة بالمفهوم الشرطي وهو وان كان حجة علي الأصح إلا انه مشروط بعدم ظهور فائدة للتقييد سوي المفهوم. ولا يبعد أن يكون فائدة التقييد هنا حصول الخوف وقت النزول علي انه إنما يكون حجة إذا لم يعارضه دلالة المنطوق التي هي أقوي، وهنا معارض بالاجماع والنصوص المستفيضة. الرابعة: ظاهر قوله : (ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) أن يكون ذلك بالقصد والعزم إلي المسافة المفهوم تحديدها من البيان الوارد عن صاحب الشرع. الخامسة: ظاهر اطلاقها يدل علي حصول الرخصة عند حصول الضرب في الأرض والسير . السادسة: حيث ثبت أن المراد بنفي الجناح الوجوب فمن أتم الصلوة في السفر لا يكون ممتثلا فتجب عليه الاعادة لكن خرج الجاهل بالحكم بالنص . السابعة: ظاهر اطلاقها يقتضي انه يعتبر في قصر الصلوة واتمامها حال الأداء لا الوجوب. الثامنة: حكي في المعتبر عن بعض الأصحاب قولا بأن صلاة الخوف إنما يقصر في السفر خاصة ولعل مستنده ظاهر اطلاق الآية ولا يخفي ما فيه. التاسعة: اعلم انه قصر صلوة الخوف كقصر صلوة السفر في تعلقه بالكمية بحذف ست ركعات وهذا في غير شدة الخوف والا فمتعلقه الكيف والكم معا.

الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا).

السابعة: في سورة النساء أيضا الآبة 102 قوله تعالي : (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ (1) فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ

ص: 82


1- (1) قوله تعالي : (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ) . انتهي. الطائفة أقلها واحد كما سنذكره ان شاء الله . والسلاح اسم لما يدفع الانسان به عن نفسه من حديد وغيره . واقامة الصلوة لهم أي لأن يأتموا بك في صلوة الجماعة. ويحتمل أن يكون المراد اقامتها تامة الحدود والشرائط والاتيان بها علي وجه الكمال . والمأمور بأخذ السلاح هو الطائفة المصلية مع الامام وهو الظاهر . وقوله : ( فَإِذَا سَجَدُوا) يعني الطائفة المصلية ، أي اتموا صلوتهم فليكونوا من ورائكم يعني فليصيروا بعد فراغهم من الصلوة مصافين للعدو ولتأت الطائفة الأخري فليدخلوا في صلوتك. قال الأردبيلي قدس سره : الآية اشارة إلي صلوة الخوف جماعة وفيها كمال الاهتمام بها حيث لا يترك في مثل هذه الحال مع ارتكاب بعض الأمور في الصلوة للتحفظ عليها.

فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَي لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ ).

الثامنة: في سورة النساء أيضا الآية 103 قوله تعالي : (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ (1) فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَي جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ

ص: 83


1- (1) قوله تعالي : (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ). انتهي. هو علي الاضمار، والمعني إذا أردتم فعل الصلوة، ففي تفسير علي بن ابراهيم قال : «الصحيح يصلي قائما والعليل يصلي قاعدا». وروي في الفقيه عن الصادق عليه السلام : «ان المريض يصلي قائما فان لم يقدر علي ذلك صلي جالسا فان لم يقدر صلي مستلقيا (أي صلي علي قفاه. مجمع ) يكبر ثم يقرء فاذا أراد الركوع غمض عينيه ثم سبح فاذا سبح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع فاذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثم سبح فاذا سبح فتح عينيه فيكون ذلك رفع رأسه من السجود ثم يتشهد وينصرف». وقال أكثر المفسرين ان المراد بقضاء الصلوة هنا أدائها كما في قوله تعالي : (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ). والمعني إذا فرغتم منها فاذكر الله تعالي في هذه الأحوال وادعوه بالظفر بالعدو والنصر عليه ، الخ. قال الأردبيلي قدس سره : وفي مجمع البيان عن ابن مسعود وروي عن ابن عباس أنه قال الأردبيلي قدس سره : وفي مجمع البيان عن ابن مسعود وروي عن ابن عباس انه قال : « عقيب تفسير الآية لم يعذر الله أحدأ في ترك ذكره إلا المغلوب علي عقله» . وقد روي في أخبارنا أيضا هذا المعني الآية. ويفهم الترتيب بين القيام والقعود والجنوب في الصلوة ولم يعلم الترتيب بين الجنبين والاستلقاء . ويحتمل ارادة الكل من الجنوب من غير ترتيب أو مع الترتيب ولعل في الرواية اشارة إليه كما صرح به بعض الأصحاب ولا شك أنه أحوط.

فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) .

التاسعة: في سورة البقرة الآية 239 قوله تعالي : (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا (1)فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ (2) كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) .

العاشرة: في سورة الانشراح الآية 7 و 8 قوله تعالي : (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ(3) * وَإِلَي رَبِّكَ فَارْغَبْ).

ص: 84


1- (1) قوله تعالي : (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا) ، الخ. هذه الآية تقدمت عقب قوله : (حَافِظُوا عَلَي الصَّلَوَاتِ) . انتهي روي في التهذيب والكافي في الموثق عن عبد الرحمن عن أبي عبدالله عليه السلام قال سئلت أبا عبدالله عليه السلامعن قول الله عز وجل : (فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا) كيف يصلي وما يقول إذا خاف من سبع أو لض كيف يصلي؟ قال : يكبر ويومي ايماء برأسه.
2- (2) قوله تعالي : (فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ ) . أي صلوا صلوة الأمن مثل ما علمكم من الكيفية فما موصولة. وقيل : المراد بالذكر الثناء عليه سبحانه والشكر له لأجل التعليم .
3- (3) قوله تعالي : (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) . انتهي . المروي في أحاديث أهل البيت عليهم السلام إذا فرغت من حجة الوداع ومن اتمام النبوة فانصب أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام خليفة. وقال في مجمع البيان : معناه أذا فرغت من الصلوة المكتوبة فانصب إلي ربك في الدعاء وارغب النية في المسئلة يعطك. وقال : وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهماالسلام . وقال الصادق عليه السلام : «هو الدعاء في دبر الصلوة وأنت جالس». قال الأردبيلي قدس سره الظاهر انه يفهم من الآية استحباب الطاعة بعد الصلوة سيما الدعاء. قال الموسوي: « وفي الصافي قال الزمخشري في كشافه ومن البدع ما روي عن بعض الرافضة انه قرء فانصب بكسر الصاد أي فانصب عليا عليه السلام للامامة . قال ولو صع هذا للرافضي لصع للناصبي أن يقرأ هكذا ويجعله أمرا بالنصب الذي هو بغض علي عليه السلام وعداوته. أقول : نصب الامام والخليفة بعد تبليغ الرسالة أو الفراغ من العبادة أمر معقول بل واجب لئلا يكون الناس بعده في حيرة وضلال فيصح أن يترتب عليه. وأما بغض علي عليه السلام وعداوته فما وجه ترتبه علي تبليغ الرسالة أو العبادة وما وجه معقوليته علي أن كتب العامة مشحونة بذكر محبة النبي صلي الله عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام واظهاره فضله للناس مدة حيوية وان حبه ايمان وبغضه كفر . أنظروا إلي هذا الملقب بجار الله العلامة كيف أعمي الله بصيرته بغشاوة حمية التعصب في مثل هذا المقام حتي أتي بمثل هذا المنكر والزور، بل انها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور». انتهي.

الحادية عشر: في سورة البقرة الآية 43 قوله تعالي : (وَأَقِيمُوا

ص: 85

الصَّلَاةَ (1) وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ).

الثانية عشر: في سورة الأعراف الآية 204 و 205 قوله تعالي: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ (2) وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ (3) تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (4)).

ص: 86


1- (1) قوله تعالي : (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) . انتهي. الركوع هو الخشوع والمعني امتثلوا ما أمرتكم به وأطيعوا مع من أطاع، أو يكون ذلك اشارة إلي الترغيب في الخضوع والخشوع في حال الاتيان بهما كما مرت الإشارة إليه.
2- (2) قوله تعالي : (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ) . انتهي. الاستماع هو القاء السمع إلي ادراك كلام الغير. والانصات هو السكرت مع الاستماع، فذكره بعد الاستماع للتأكيد والاشارة إلي الاهتمام وشدة التحريص علي الإستماع.
3- (3) قوله تعالي : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) . انتهي. يعني مستكينا (وَ خِيفَةً) يعني خوفا من عذابه (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ ) يعني دون الجهر من القرائة بالغدو والعشي. كذا في تفسير العياشي عن علي بن ابراهيم بن عبدالحميد مرفوعا إلي النبي صلي الله عليه و آله و سلم .
4- (4) قوله تعالي : (وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) روي في الكافي في الحسن عن الحسين بن المختار عن الصادق عليه السلام : «الذاكر الله عز وجل في الغافلين كالمقاتل في الهاربين » وفي بعض النسخ في المحاربين . وفي خبر آخر عن أبي جعفر عليه السلام أيما مؤمن حافظ علي الصلوات المفروضة فصلاها لوقتها فليس هذا من الغافلين» . وروي أن من كان معه كفنه في بيته لم يكتب من الغافلين وكان مأجورا كلما نظر إليه. وروي في الخصال عن الصادق عليه السلام : «قال لقمان لابنه : يا بني لكل شيء علامة إلي أن قال وللغافل ثلاث علامات : اللهو والسهو والنسيان».

الثالثة عشر: في سورة السجدة الآية 15 قوله تعالي : (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا (1) الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) .

ص: 87


1- (1) قوله تعالي : (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ) . انتهي. هذه احدي العزائم الأربع التي يجب فيها السجود علي القارئ والمستمع المنصت اجماعة، وأما السامع غير المنصت. فقيل : يجب عليه السجود أيضا بل ادعي ابن ادريس علي ذلك الإجماع. ويدل عليه اطلاق صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : سئلته عن الرجل يعلم السورة من العزائم فتعاد عليه مرارا في المقعد الواحد (أي في المجلس الواحد ) قال : « عليه أن يسجد كلما سمعها وعلي الذي يعلمه أن يسجد أيضاً».

ص: 88

كتاب الزكوة

اشارة

كتاب الزكوة(1)

ص: 89


1- (1) الزكوة تطلق علي القدر المخرج بأمر الشارع من المال الذي بين تعلقها فيه . وقد تطلق علي ما يشمل الصدقة المندوبة كما مر في (وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) واعارة الحلي ونحو ذلك.

ص: 90

وفي هذا الكتاب أبحاث ثلاثة :

البحث الأول : في وجوب الزكوة ومحلها

وفيه ست آيات:

الأولي: في سورة البقرة الآية 177 قوله تعالي: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا (1)

ص: 91


1- (1) قوله تعالي: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا)انتهي. قرء حمزة وحفص عن عاصم : (لَيْسَ الْبِرَّ) بالنصب علي انه خبر ليس مقدما. وقرء الباقون بالرفع علي الأصل . وقرء نافع لكن البر بالتخفيف والرفع بجعلها عاطفة ، والباقون بالتشديد والنصب بجعلها من اخوات ان. (وَ مَنْ آمَنَ) خبر اما لكونه بمعني البار أو علي معني ذي البر أو البر بر من آمن . والبر هو الإحسان والعطف . ورفع الموفون إما علي المدح أي وهم الموفون أو علي انه عطف علي من آمن ونصب الصابرين علي المدح. والمعني ليس البر منحصراً في التوجه إلي القبلة أي في الصلوة إليها . وقيل : الخطاب لأهل الكتاب أي ليس البر ما عليه النصاري من التوجه إلي المشرق وما عليه اليهود من التوجه إلي المغرب. ويحتمل أن يكون ذلك اشارة إلي أنه لا فائدة في هذه الأشياء بدون سبقالايمان والتصديق بالله . والمعني ليس البر هو التوجه المذكور بدون ايمان بل البر ما كان من هذه الأفعال مع الايمان .

وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَي الْمَالَ (1) عَلَي حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَي (2) وَالْيَتَامَي وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ (3) .............

ص: 92


1- (1) قوله تعالي : (وَآتَي الْمَالَ) . أي اعطاه عطف علي أمن واللام فيه للجنس فيشمل الحقوق الواجبة والمستحبة. والضمير في (حُبِّهِ) يرجع إلي الله أو الي المال أو من آمن أو إلي الاتيان ، ولكل وجه.
2- (2) قوله تعالي : (ذَوِي الْقُرْبَي) . أي قرابة المعطي أو قرابة النبي صلي الله عليه و آله و سلم . قال في مجمع البيان وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبدالله عليه السلام . والظاهر انه لا يشترط فيهم الفقر والاحتياج بالنسبة إلي الأعطاء من المندوبة . وقوله (الْيَتَامَي) هو عطف علي ذوي القربي ويحتمل عطفه علي القربي أي يعطي المتكفل بهم .
3- (3) قوله تعالي : (وَأَقَامَ الصَّلَاةَ) هو عبارة عن الإتيان بها تامة الأفعال والشروط .

وَآتَي الزَّكَاةَ (1) وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ (2) إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ (3) وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ (4) أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا (5) وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُون) .

ص: 93


1- (1) قوله تعالي : (وَآتَي الزَّكَاةَ) الظاهر ان المراد بها المفروضة المعروفة. بل نقل عليه الاتفاق من الكل لأنه المتبادر ويشعر بذلك أيضا اقترانها بالصلوة فيكون ذكرها بعد اتيان المال من قبيل ذكر الخاص بعد العام لشدة الاهتمام والربط بالصلوة ، كما رواه الكافي عن معروف بن خربوذ عن أبي جعفر عليه السلام قال: «ان الله عزوجل قرن الزكوة بالصلوة فقال أقيموا الصلوة واتوا الزكوة فمن أقام الصلوة ولم يؤت الزكوة فلم يقم الصلوة».
2- (2) قوله تعالي : (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ) . أي ما عاهدوا الله عليه من الأفعال الغير القبيحة والمكروهة .
3- (3) وقوله تعالي : (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ) . أي البؤس والفقر (وَالضَّرَّاءِ) ، أي الوجع والعلة.
4- (4) قوله تعالي :(وَحِينَ الْبَأْسِ). أي وقت لقاء العدو وعند الشدائد . والمراد انهم لا يعصون الله في جميع هذه الاحوال.
5- (5) قوله تعالي : (أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا) . أي في دعوي الايمان وفي موافقة علانيتهم لباطنهم وأولئك هم الجامعون لوظائف التقوي المجتنبون لما يسخطه. قال تعالي : (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) . وقد تضمنت الآية الشريفة الاشارة إلي جملة الأصول والفروع وإلي أن الايمان ليس بمركب.

الثانية: في سورة حم سجده (فصلت) الآية 6- 7 قوله تعالي : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ(1) * الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون ).

الثالثة: في سورة آل عمران الآية 180 قوله تعالي: (سَيُطَوَّقُونَ (2) ما

ص: 94


1- (1) قوله تعالي : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ). هذه الآية صريحة الدلالة علي وجوب الزكوة علي الكافرين للوعيد والذم علي عدم اتيانها، ولا معني للوجوب الا هذا. ويلزم منه تكليفه بسائر الفروع لعدم القول بالفصل والنص والاجماع دالان علي عدم الصحة منهم في حال الكفر لعدم الاخلاص والقرية. (قال الموسوي: عدم الصحة مطلقاً محل تأمل ). ولا يجب عليهم قضائها اذا آمنوا بدلالة النص والإجماع علي ذلك. فان قلت : يمكن أن يكون الوعيد باعتبار الوصف بالشرك أو به وبالقيد الاخير وهو الكفر بالآخرة وانكار يوم القيامة والبعث والثواب والعقاب فلا يكون فيها دلالة علي وجوب الزكوة. قلت : الحكم مرتب علي الأوصاف الثلاثة وتوسط منع الزكوة بينهما صريح في مدخلية في الوعيد.
2- (2) قوله تعالي : (سَيُطَوَّقُونَ). روي في الكافي في الحسن عن محمد بن مسلم قال : سئلت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عز وجل : (سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) الآية ، فقال : « يا محمد ما من أحد منع من زكوة ماله شيئا إلا جعل الله عزوجل ذلك يوم القيمة ثعبانا من نار مطوقا في عنقه ينهش من لحمه حتي يفرغ من الحساب ثم قال هو قول الله عز وجل : . (سَيُطَوَّقُونَ) انتهي. يعني ما بخلوا به من الزكوة ، ودلالتها علي وجوب الزكوة واضحة.

بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

الرابعة: في سورة الآية 34 - 35قوله تعالي: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ (1)الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا (2)فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ (3) بِعَذَابٍ أَلِيمٍ *

ص: 95


1- (1) قوله تعالي : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ) . انتهي. الكنز المال المدفون كما قال في القاموس، والظاهر أن المراد هنا المال المحفوظ وان كان فوق الأرض ولما كان حفظه قد يكون حرصا بحيث لا يخرج الحقوق الواجبة فضلا عن المندوبة. وقد يكون قصدا إلي تحصيل أمور اخروية قيده بقوله : (لَا يُنْفِقُونَهَا) الخ. اشارة إلي أن المذموم هو هذا النوع. روي في الكافي عن هشام عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « رأس كل خطيئة حب الدنيا».
2- (2) قوله تعالي : (يُنْفِقُونَهَا). الضمير يرجع إلي الكنوز أو الأموال أو الي الفضة وحذف من الأول لدلالة الثاني.
3- (3) قوله : (فَبَشِّرْهُمْ) هو حال ، وخص هذه الأعضاء بالذكر أنه يجوز أن يكون الوجه كناية عن المقاديم المواجه بها . والجنوب والظهور كناية عن بقية البدن كله أو لأن كي الجبهة يحصل به التشوية وبكي الجنوب والظهور يحصل ايصال الحرارة إلي الجوف أو لأن بهذه الأعضاء يحصل الانحراف عن الفقير إذا سئلهم كتعبيس الوجه والاعراض عنه بجعله خلفه أو يمينا أو شمالا. قال الأردبيلي قدس سره:(هَذَا مَا كَنَزْتُمْ) بتقدير يقول لهم خزنة جهنم هذا ما كنزتم والاية ظاهرة في تحريم الكنز وعدم الانفاق .

يَوْمَ يُحْمَي عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَي بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) .

الخامسة : في سورة البينة الآية 5 قوله تعالي: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا (1) اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) .

السادسة: في سورة المعارج 24 - 25 قوله تعالي : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ(2)* ...............

ص: 96


1- (1) قوله تعالي : (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا) . وقد مر الكلام في صدرها وهي صريحة الدلالة علي وجوب الزكوة كما في قوله : (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) ونحوها من الآيات المتضمنة لوجوب الزكوة وهي كثيرة الا انها من المجملات المبينة بالسنة النبوية صلي الله عليه و آله و سلم. فروي في الكافي في الحسن عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وبريد والفضيل بن يسار عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام قالا: «فرض الله الزكوة في الأموال وسنها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في تسعة أشياء وعفا عما سواهن، في الذهب والفضة والابل والبقر والغنم والحنطة والشعير والتمر والزبيب وعفا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عما سوي ذلك .
2- (2) قوله تعالي : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ). روي في الكافي عن سماعة بن مهران عن أبي عبدالله عليه السلام قال : «ان الله عزوجل فرض في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون إلا بأدائها وهي الزكوة بها حقنوا دمائهم وبها سموا مسلمين ولكن الله عزوجل فرض في أموال الاغنياء حقوقا غير الزكوة فقال عز وجل : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) فالحق المعلوم غير الزكوة وهي شيء يفرضه الرجل علي نفسه في ماله يجب عليه أن يفرضه علي حسب طاقته وسعة ماله فيؤدي الذي فرض علي نفسه ان شاء في كل يوم وان شاء في كل جمعة وان شاء في كل شهر. وقد قال الله تعالي : (وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ) وهذا غير الزكوة. وقد قال الله تعالي أيضا: (وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً) الخبر .

لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ(1)) .

البحث الثاني : في قبض الزكوة واعطائها المستحق

وفيه خمس آيات:

الأولي: في سورة البراءة الآية 103 - 104 قوله تعالي: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً (2) تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ

ص: 97


1- (1) قوله تعالي : (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) . فالسائل الذي هو يسئل وأما المحروم فقد روي الكافي في الموثق عن أبي عبدالله عليه السلام انه قال : « المحروم هو المحارف الذي حرم كد يده في الشراء والبيع».
2- (2) قوله تعالي : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً) . انتهي . في صحيحة عبد الله بن سنان قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : «لما نزلت آية الزكوة (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ) بها وأنزلت في شهر رمضان فأمر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مناديه فنادي في الناس أن الله عزوجل فرض عليكم الزكوة كما فرض عليكم الصلوة ففرض عليهم من الذهب والفضة وفرض الصدقة من الإبل والبقر والغنم ومن الحنطة والشعير والتمر و الزبيب ونادي بهم بذلك في شهر رمضان وعفا عما سوي ذلك قال : ثم لم يعرض لشيء من أموالهم حتي حال عليهم الحول من قابل فصاموا وأفطروا فأمر مناديه فنادي في المسلمين زكوا أموالكم تقبل صلوتكم قال : ثم وجه عمال الصدقة والطسوق». فاذا عرفت ذلك فالآية تضمنت أحكاما: الأول: لزوم أخذها المشعر بلزوم دفعها إليه صلي الله عليه و آله. الثاني: ظاهرها تعلق الصدقة بجميع الأموال. الثالث: في اضافة الأموال إلي ضمير العقلاء وفي وصف الصدقة بالتطهير اشعار بخروج مال غير المكلف. الرابع: يستفاد من الاضافة اللامية انه يشترط في وجوب الزكوة الملك. الخامس: في قوله من أموالهم اشعار بكون الزكوة تتعلق بالعين لا في الذمة . السادس: كون الصدقة مطهرة لفاعلها أي مزيلة للذنوب والرذائل والتزكية مبالغة في التطهير. السابع: قوله : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) أي ادع لهم. والسكن ما يسكن إليه المرء وتطمئن به نفسه. الثامن: وقوله : (خُذْ) ولم يقل مرهم دلالة علي ان له صلي الله عليه و آله و سلم الأخذ علي جهة القهر واشعار بأن من أخذت منه قهر تكون مجزية بل مثاب علي رغم أنفه. التاسع: فيها دلالة علي جواز الصلوة علي غير النبي صلي الله عليه و آله و سلم . العاشر: دلالتها علي قبول التوبة وإن كانت عن الذنوب العظام. الحادي عشر: فيها دلالة واضحة علي أفضلية الصدقة. الثاني عشر: في تعقيب التواب بالرحيم دلالة علي ان التوبة منه سبحانه علي جهة التفضل وفي التعبير بصيغة المبالغة دلالة علي الحث عليها . قال الأردبيلي قدس سره : قوله تعالي (و صل عليهم) . يدل علي جواز الصلوة علي غير النبي صلي الله عليه و آله و سلم منفردا وعلي قبول التوبة وقبول الزكوة علي الله بل لساير العبادات بل وجوب العلم بذلك.

ص: 98

لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) .

الثانية: في سورة البقرة الآية 267 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ (1) وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا

ص: 99


1- (1) قوله تعالي : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ) . انتهي. روي في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ) الآية . قال : «كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم إذا أمر بالنخل ان يزكي يجي قوم بألوان من التمر وهو من أردئ التمر يؤدونه من زكوتهم تمرا يقال له الجعرور والمحافارة قليلة اللحم عظيمة النوي وكان بعضهم يجيء بها من التمر الجيد فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لا تخرصوا ( خرص النمل اذا قدر ما عليها ) هاتين التمر تين وان تجيبوا منها بشيء وفي ذلك نزل : (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ) و الأغماض أن يأخذ هاتين التمرتين. إذا عرفت ذلك فالمراد بالانفاق هو التصدق في سبيل الخير ووجوه البر من الصدقة وغيرها. والمراد بالطيب الحلال. وقيل : الجيد والأولي أن يراد الأعم منهما. وفيها دلالة علي أن الصدقة من الحلال المكتسب أعظم أجرا وذلك لأنه أشق علي المنفق. ويدخل في (مَا كَسَبْتُمْ) زكوة الذهب والفضة بل والانعام الثلاثة. وفي قوله : (وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ) أي من طيبات ما أخرجنا لكم من الأرض الغلات الأربع. فقوله : (وَلَا تَيَمَّمُوا)معناه لا تقصدوا. و(الْخَبِيثَ) يشمل الردي والحرام أي لا تتصدقوا بما لا تأخذونه من غرمائكم إلا بالمسامحة والمساهلة ؛ أو المعني إلا أن تحطوا من الثمن فيه وتنقصوه. ففي الآية دلالة علي أنه لا يجوز اخراج المغشوش من النقدين عن الجياد ولا المريضة ولا الهرمة ولا ذات العوار ونحوها عن الصحاح من الانعام. قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ ) عن صدقاتكم وهو بما خولكم ( خوله الله المال أعطاه اياه متفضلا) وأرشدكم (حَمِيدٌ) لأنه إنما يريد لكم الخير .

الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ).

الثالثة: في سورة الروم الآية 39 قوله تعالي: (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا (1)

ص: 100


1- (1) قوله تعالي : (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا) . انتهي. الربا الزيادة ، المراد هنا الربا الحلال. روي الشيخ في الصحيح عن ابراهيم بن عمر عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله تعالي : (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا) الآية. قال : « هو هديتك إلي الرجل تطلب الثواب أفضل منها فذاك ربا يؤكل». فقوله : (فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ) يحتمل أن يكون المراد ان هذا النوع من الربا ليس هو الذي قال الله : (وَحَرَّمَ الرِّبَا) .

لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ (1) تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) .

الرابعة : في سورة التوبة الآية 60 قوله تعالي : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ (2) ..............

ص: 101


1- (1) قوله تعالي : ( وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ). يحتمل أن يكون المراد ما يشمل الواجب والمندوب من وجوه البر ففي تفسير علي بن ابراهيم : « أي ما بررتم به اخوانكم واقرضتموهم لا طمعا في زيادة». فالمراد بالمضعفون ذووا الإضعاف من الأجر والثواب . وفي قوله : (لَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ) و (تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ) دلالة علي توقف الإضعاف علي الاخلاص بالنية وابتغاء ما عنده سبحانه وان لم يقصد به وجه الله تعالي فليس له ثواب. وقيل : ( والقائل هو الفاضل المقداد في كنز العرفان ) وفي الآية دلالة علي وجوب النية في الزكوة ولا يخفي ما فيه . قال الأردبيلي قدس سره فيه دلالة علي اشتراط الإخلاص في الانفاق فكأنه النية فافهم.
2- (2) قوله تعالي : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ) . انتهي. اختلف الأصحاب في انه هل اللفظان مترادفان أو متغايران ؟ فذهب جماعة منهم المحقق الي الأول وعدوا الاصناف سبعة وذهب الأكثر إلي الثاني ، ثم اختلف هؤلاء فيما به يتحقق التغاير . ومنشأ اختلافهم اختلاف أهل اللغة في ذلك ، بل والأخبار . والأظهر أن الفقير هو المتعقف الذي لا يسئل والمسكين هو الذي يسأل ، لما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام انه سئله عن الفقير والمسكين فقال : « الفقير الذي لا يسئل والمسكين الذي هو أجهد منه الذي يسئل » والمراد بالعاملين عليها عمال الصدقات الساعون في تحصيلها بأخذ وكتابة وحساب وحفظ وقسمة ونحو ذلك. وقال المقداد قدس سره : والتحقيق انهما يشتركان في معني عدمي وهو عدم ملك مؤنة السنة له ولعياله الواجبي النفقة لو كان غنيا.

وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ(1)وَفِي الرِّقَابِ (2) وَالْغَارِمِينَ وَفِي

ص: 102


1- (1) قوله تعالي : (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ). قال في المبسوط : المؤلفة عندنا هم الكفار الذين يستمالون بشيء من مال الصدقات إلي الاسلام ويتألفون ليستعان بهم علي قتال أهل الشرك ولا يعرف أصحابنا مؤلفة من أهل الإسلام. وفي تفسير علي بن ابراهيم عن العالم عليه السلام : « المؤلفة قلوبهم قوم وحدوا الله ولم يدخل المعرفة قلوبهم ان محمدا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم وكان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يتألفهم ويصلهم كيما يعرفوا فجعل الله لهم نصيبا في الصدقات لكي يعرفوا ويرضوا».
2- (2) قوله تعالي : (وَفِي الرِّقَابِ) . العدول من اللام إلي في يمكن أن يكون لقصد التفنن أو للايذان بأنهم ارسخ وأثبت في الاستحقاق حيث جعلوا وعاء وموضعا لها لأجل فك الرقاب وتخليص الغارمين والصرف في السبيل وانقاذ ابن السبيل من الاضطرار او الحاجة أو التنبيه علي ان الأربعة الأول ( العاملين والفقراء والمساكين والمؤلفة ) يقبضونها لأنفسهم ويتصرفون فيها كيف شاؤوا بخلاف الأربعة الأخيرة فانها تصرف في الجهات المعينة. والرقاب الذين يعطون هذا السهم أصناف: الأول : المكاتبون ( المكاتبة هو ان يكاتب الرجل عبده علي مال يؤديه منجما عليه فاذا اداه فهو حر. مجمع ) ، الثاني : العبيد الذين تحت الشدة ، الثالث : شراء العبد عند فقد المستحق، الرابع : الاعتاق من الزكوة وشراء الأمهات ، الخامس : ما ذكره علي بن ابراهيم في تفسيره عن العالم عليه السلام قال : (وَفِي الرِّقَابِ) قوم لزمتهم كفارات في قتل الخطأ وفي الظهار وفي الايمان وفي قتل الصيد في الحرم وليس عندهم ما يكفرون وهم مؤمنون فجعل الله لهم سهما في الصدقات ليكفر عنهم، السادس : الغارمون ( الغارم هو المديون أو الخاسر)، السابع : في سبيل الله ، الثامن : ابن السبيل. تتمة في أوصاف المستحقين : الأول : الايمان ، الثاني : العدالة، الثالث : أن لا يكون ممن تجب نفقته اجماعا، الرابع : أن لا يكون هاشميا. قال الأردبيلي قدس سره : فيها دلالة ما علي وجوب الزكوة وحصر من يزكي عليه واللام للاختصاص في الجملة بمعني الربط المطلق والتعلق لا الملكية .

سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) .

الخامسة: في سورة البقرة الآية 271 قوله تعالي : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ (1) فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ

ص: 103


1- (1) قوله تعالي : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ) . انتهي. أي فنعم شيئا أبدائها فما في (فَنِعِمَّا) نكرة منصوبة علي التمييز للفاعل المضمر قبل الذكر والابداء هو المخصوص بالمدح فحذف واقيم المضاف اليه وهو ضمير الصدقات مقامه لدلالة المقام والفعل علي مصدره وارشاد السياق. وحاصل المعني ان في اظهارها فضلا واسرارها أفضل. وظاهر الآية أن ذلك في الصدقات الواجبة والمندوبة وإليه ذهب بعض العلماء، ولكن روي في الكافي في الحسن عن أبي المعرا عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قلت له : قول الله تعالي : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ) الخ ، قال : «ليس من الزكوة». وفي الموثق عن ابن بكير عن رجل عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالي : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ) قال : « يعني الزكوة المفروضة »، قال : قلت : ( وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ) و قال : « يعني النافلة انهم كانوا يستحبون اظهار الفرائض وكتمان النوافل » وقد تضمنت الآية فوائد : الاول: اشعارها بجواز تولي المالك لاخراج الزكوة. الثانية: في قوله : (يُكَفِّرُ) قرء برفعه وجزمه ، فالرفع علي معني ونحن نكفر أو تكون الجملة مستأنفة عطفا علي الجملة المتقدمة. وأما الجزم فعلي موضع الجزاء ، ومن هنا زائدة كما قيل والأظهر انها للتبعيض . فقيل : هي الذنوب الصغار، والظاهر التعميم. وفيها : دلالة علي ثبوت التكفير والاحباط كما قاله جماعة من المعتزلة وهو مخالف لما صرح به أكثر الأصحاب من بطلان القول بذلك. وأجابوا بأن التكفير هنا منه سبحانه وتعالي عبارة من التفضل ومجرد الاحسان .

وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(1) ).

ص: 104


1- (1) الثالثة: في قوله تعالي : (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) . أي بما أعلنتم وأخفيتم فلا يفوت شيئا علمه ففيه زيادة تحريص علي الاخفاء ويمكن أن يكون فيه اشارة إلي لزوم النية وقصد وجهه تعالي بتلك الأعمال لأن ما لا يقصد فيه القربة لا يستحق صاحبه الثناء منه تعالي ولا فيه خير فيكون المعني انه خبير بما قصدتموه وأضمرتموه فيما أعلنتموه وأخفيتموه.

البحث الثالث: في أمور تتبع الاخراج

وفيه سبع آيات:

الأولي: في سورة البقرة الآية 272 قوله تعالي: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ (1) فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ (2) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ (3) وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ).

ص: 105


1- (1) قوله تعالي : (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) . انتهي. الظاهر ان المراد بالخير هنا المال كما في قوله تعالي : ( وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) فالانفاق حينئذ في وجوه البر وحذف لدلالة المقام علي أن المراد التحريص علي الانفاق كما وكيف حيث يعلم عود النفع إليه.
2- (2) قوله تعالي : (وَمَا تُنْفِقُونَ) ، الخ. هي مبني علي النهي وفيه دلالة علي النية والاخلاص بذلك و (ابْتِغَاءَ) مفعول لأجله أو حال ، والوجه هنا كناية عن الرضا.
3- (3) قوله تعالي : (يُوَفَّ إِلَيْكُمْ). توفية الشيء اكماله وعداه ب«إلي» لتضمنه معني الايصال أو التأدية ، والمعني توفون جزائه بلا نقصان ولا ظلم وفيها دلالة علي نفي الإحباط واطلاق الآية يدل علي حصول الجزاء باعطاء غير العارف. قال الأردبيلي قدس سره فيها تحريص علي الاتفاق للخير كانه المال بأن ذلك أنفع للمنفق لا المنفق عليه وبأنه موجب لتوفية الأجر واشتراط القرية والاخلاص لأن الظاهر أن المراد بالنفي في قوله : (وَمَا تُنْفِقُوا) النهي فيفهم النية ، فافهم.

الثانية: في سورة البقرة الآية 273 - 276 قوله تعالي : (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ (1) أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا (2) ............................

ص: 106


1- (1) قوله تعالي : (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ) . انتهي. كأن ذلك من قبيل الاستيناف البياني الواقع جوابا لسؤال مقدر لأنه لما حرص علي الانفاق فيما سبق وبين ما ينبغي أن يكون عليه المنفق من الصفة اشعر ذلك بالسؤال عن بيان حال المنفق عليه. فاللام متعلقة بنحو اجعلوا مقدرا أي انهم أولي بها لا انها مختصة بهم. ويحتمل أن يكون قوله : (لَا يَسْأَلُونَ) بيانا للسيما أي سيماهم الدالة علي تعففهم هو انهم لا يلحقون بالسؤال. والمراد به الالحاح أي انهم مع اضطرارهم وشدة حاجتهم لا يسئلون وان سئلوا مع تلك الضرورة لا يلحون. وفي الاية دلالة علي ذم السؤال وكراهته حيث جعل عدمه مدحا.
2- (2) قوله تعالي : (وَمَا تُنْفِقُوا) ، الخ. فيه تحريص علي الانفاق حيث أنه لا يضيع ولا يغفل عنه سواء وقع سرا أو جهرا ليلا أو نهارا.

مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ (1) أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) .

الثالثة : في سورة البقرة الآية 215 قوله تعالي : (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا

ص: 107


1- (1) قوله تعالي : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) ، الخ. مبتدأ وجملة (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) خبره ودخلت الفاء للدلالة علي ترتب عدم الخوف علي دوام الانفاق في هذه الأوقات والأحوال ولعل الغرض ايقاع التصدق ليلا سرا وعلانية ونهاراً لذلك. ويمكن أن يكون الغرض ايجادهما مطلقا. والمعروف عند الخاصة وأكثر العامة انها نزلت في علي عليه السلام. روي العياشي في تفسيره عن أبي اسحق ( قال المجلسي رحمه الله أبو اسحاق يطلق غالبا علي ابراهيم بن هاشم وقال النجاشي ابراهيم بن هاشم أبو اسحاق القمي أصله كوفي انتقل إلي قم إلي أن قال : وأصحابنا يقولون : أول من نشر حديث الكوفيون بقم هو ) قال : كان لعلي بن أبي طالب عليه السلام أربعة دراهم لم يملك غيرها فتصدق بدرهم نهارا وبدرهم ليلا وبدرهم سرا وبدرهم علانية ، فبلغ ذلك النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال : «يا علي ما حملك علي ما صنعت»، قال : « انجاز موعد الله »، فأنزل الله (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) ، الخ. وظاهر اطلاق الآية استحباب انفاق جميع المال كما يرشد إليه سبب النزول. (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) . انتهي . قال الأردبيلي قدس سره عذاب هذا اليوم ( يعني يوم القيامة ) وشدته معلوم من الدين ضرورة بحيث لا يتحاج إلي الاشارة ومع ذلك المنفق المذكور أو من ذلك كله بالانفاق المذكور فكان الانفاق أمرا عظيما عند الله وأن لله اهتماما بحال الفقراء .

يُنْفِقُونَ (1) قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَي وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا (2) مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ).

الرابعة : في سورة البقرة الآية 219 قوله تعالي : (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ (3))(4).

ص: 108


1- (1) قوله تعالي : (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ) . انتهي . قيل : انها نزلت في عمرو بن الجموع وكان شيخا كبيرا ذا مال كثير، فقال يا رسول الله بماذا أتصدق وعلي من أتصدق فنزلت . فعلي هذا يكون الجواب عن بعض السؤال وإن لم يكن مذكورا في الآية اكتفاءا بقرينة الحال كما اكتفي عن الجواب عن البعض الآخر بالايماء إليه بقوله (مِنْ خَيْرٍ) أي من مال للتنبيه علي أن كل ما يصدق عليه ذلك فهو صالح للانفاق. والمراد بالوالدين الأبوان. ويحتمل الاباء وان علوا. والأقربون من سواهم من الأولاد وغيرهم. ولا يبعد أن يكون المراد الصدقة المندوبة بل هو الظاهر ، فتدل علي رجحان الصدقة علي المذكورين ويشعر ترتيبهم في الذكر بترتب الفضل.
2- (2) قوله تعالي : (وَمَا تَفْعَلُوا) . انتهي. فيه تحريص علي الانفاق علي نحو ما مر ولا يبعد أن يراد بالخير هنا ما يشمل الأعمال البدنية .
3- (3) قوله تعالي : (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ). قيل : السائل أيضا هو عمرو بن الجموع سئل أولا عن المنقق والمصرف ثم سئل عن كيفية الانفاق.
4- (4) قوله تعالي : (قُلِ الْعَفْوَ) . قرء بالرفع علي الخبرية لمبتدأ محذوف أي هو وقرء بالنصب مفعول لمحذوف أي انفقوا العفو أي ما تيسر لكم بذله من غير أن يبلغ الجهد. وروي في الكافي في الحسن عن ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبدالله عليه السلام : « انه الوسط » . وفي تفسير علي بن ابراهيم قال : « لا اقتار ولا اسراف ». وفي مجمع البيان عن الباقر عليه السلام : «انه ما فضل عن قوت السنة». ونسخ ذلك باية الزكوة أي انهم كانوا مأمورين بأن يأخذوا من مكاسبهم ما يكفيهم لعامهم وينفقوا ما فضل ثم نسخ ذلك بآية الزكوة وهو منقول عن السدي. وفيه انه مخالف لظاهر الخبر الأول ونحوه وخلاف الأصل مع انه ليس بمخالف لاية الزكوة ولا يحكم بالنسخ.

الخامسة: في سورة البقرة الآية 261 قوله تعالي : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ (1) فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ (2)وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) .

ص: 109


1- (1) قوله تعالي : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ) . انتهي. سبيل الله الجهاد أو هو والحج والظاهر أن المراد جميع القرب، قال في المجمع وهو المروي عن أبي عبدالله عليه السلام. والظاهر أن المقصود تشبيه حال المنفقين بحال زارع الحبة بكثرة الفوائد.
2- (2) قوله تعالي (يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ) . انتهي . أي ان هذه الأضعاف لمن أراد وأحب من المنفقين . ويدل عليه ما رواه في كتاب ثواب الأعمال عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « إذا أحسن العبد المؤمن ضاعف الله له عمله بكل حسنة سبعمأة ضعف وذلك قول الله عز وجل : (وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ) . وفي الآية دلالة وافية علي كمال التحريص علي الانفاق الشامل للواجب والمندوب.

السادسة: في سورة البقرة الآية 262 - 264 قوله تعالي : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ (1) مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًي لَهُمْ

ص: 110


1- (1) قوله تعالي (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ). لما ذكر سبحانه الانفاق واحواله والتحريص عليه، أعقبه بذكر النهي عن اتباعه بما يبطله. روي في الخصال عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام قال : « قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم : إن الله كره لكم ايتها الأمة أربعة وعشرين خصلة ونهاكم عنها إلي قوله : وكره الم في الصدقة » ولنذكر جملة ما تضمنته الآيات في فوائد: الأولي: المنّ ذكر ما ينقص المعروف كقوله أحسنت إلي فلان . الثانية: تشعر الآية وظاهر الروايات المن والأذي المبطل لذلك هو ما كان من جهة الاتفاق. الثالثة: قوله تعالي : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ) كان يقول وسع الله عليك ونحوه. الرابعة: تبطلوا أي تحبطوا أجر صدقاتكم بالمن والأذي أي بكل واحد منها وقوله : (كَالَّذِي) صفة لمحذوف أي ابطالا مثل الذي ينفق ماله ولا يقصد به رضا الله ولا ثواب الآخرة. الخامسة: فيها دلالة علي أن المن والأذي ولو كان مستقبل الأوقات مبطل أجر الانفاق ويحبطه. السادسة: الظاهر أن قوله : (وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) جملة حالية عن ضمير ينفق ، واتصاف المرائي حينئذ بعدم الايمان والتصديق بالله واليوم الآخر يمكن أن يكون من قبيل اطلاق نفي الملزوم وارادة اللازم كنفي العلم عمن لم يعمل به وذلك لأن من عرف الله تعالي وعلم انه هو الذي خوله النعمة ( خوله النعمة : أعطاه ) وأمره بالانفاق وعرفه انه لا يضيع لديه، يلزمه أن يقصد بانفاقه مرضاته سبحانه ويطلب ما عنده من الجزاء فحيث لم يقصد ذلك فكأنه لم يؤمن . وعن سلام بن منذر (مجهول كما يستفاد من المجلسي رحمه الله ) عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : (لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَي) و لمحمد وآل محمد عليه السلام، هذا تأويل قال نزلت في عثمان».

أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًي وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَي كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَي شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ(1) ).

ص: 111


1- (1) قوله تعالي (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) . أي ان هذه المواعظ الحسان اما تنفع المؤمنين دون الكافرين . وقيل : المعني انه لا يعطيهم ما يعطي المؤمنين عن زيادة الألطاف والتوفيق . وقيل : لا يهديهم إلي الجنة بأعمالهم كما يهدي المؤمنين . وقيل : غير ذلك ، الخ. (فَمَثَلُهُ ) يعني في انفاقه كمثل صفوان حجر أملس عليه تراب فأصابه وابل أي مطر عظيم القطر فتركه صلدا أي املس نقياً من التراب . صافي. قال في مجمع البيان ثم أكد تعالي ما قدمه بما ضرب من المثال فقال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي صدقوا الله ورسوله (لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ) أي بالمنة علي السائل. وقيل : بالمنة علي الله . والأذي بمعني أذي صاحبها. ثم ضرب تعالي مثلا لعمل المنان وعمل المنافق جميعا فانهما إذا فعلا الفعل علي غير الوجه المأمور به فانهما لا يستحقان عليه ثوابا وهذا هو معني الابطال وهو ايقاع العمل علي غير الوجه الذي يستحق عليه الثواب ، فقال : (كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ) هذا يدخل فيه المؤمن والكافر اذا أخرجا المال للرياء . (وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) هذا للكافر خاصة أي لا يصدق بوحدانية الله ولا بالبعث والجزاء. وقيل : انه صفة للمنافق لأن الكافر معلن غير مراء وكل مراء كافر أو منافق (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ) أي حجر أملس . (عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ) أي مطر عظيم القطر شديد الوقع. (فَتَرَكَهُ صَلْدًا) حجر صلبا املسا شبه سبحانه تعالي فعل المنافق والمنان بالصفا الذي أزال المطر ما عليه من التراب فانه لا يقدر أحد علي رد ذلك التراب عليه كذلك إذا دفع المنان صدقة وقرن بها المن فقد أوقعها علي وجه لا طريق له إلي استدراكه وتلافيه لوقوعها علي الوجه الذي لا يستحق عليه الثواب فان وجوه الافعال تابعة لحدوث الافعال فاذا فاتت فلا طريق إلي تلافيها . وليس في الآية ما يدل علي ان الثواب الثابت المستقر تبطل ويزول بالمنّ فيما بعد ولا بالرياء الذي يحصل في ما يستقبل من الأوقات علي ما قاله أهل الوعيد. (لَا يَقْدِرُونَ عَلَي شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) أي لا يقدر هؤلاء علي نفقتهم ولا علي ثوابها ولا يعلمون أين النفقة وأين ثوابها ولا يحصلون منها علي شيء كما لا يحصل أحد علي التراب اذهبه المطر عن الحجر. فقد تضمنت الآية والاي التي قبلها الحث علي الصدقة وانفاق المال في سبيل الخير وأبواب البر ابتغاء مرضات الله إلي أن قال : (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) أي لا يثيب الكافرين علي أعمالهم إذا كان الكفر محيطا لها ومانعا من استحقاق الثواب عليها وإنما يثيب المؤمنين الذي يوقعون أعمالهم علي الوجوه التي يستحق بها الثواب . انتهي.

ص: 112

السابعة : في سورة الأعلي الآية 14 - 15 قوله تعالي : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّي (1)* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّي) .

ص: 113


1- (1) قوله تعالي (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّي) . انتهي. ذكر جمع من المفسرين أن المراد زكوة الفطرة وصلوة العيد . ورواه ابن بابويه في الصحيح عن أبي بصير وزرارة قالا: قال أبو عبدالله عليه السلام : «ان من اتمام الصوم اعطاء الزكوة يعني الفطرة كما أن الصلوة علي النبي صلي الله عليه وآله من اتمام الصلوة لأنه من صام ولم يؤد الزكوة فلا صوم له إذا تركها متعمدا، ولا صلوة له إذا ترك الصلوة علي النبي صلي الله عليه ان الله عزوجل بدأ بها قبل الصلوة فقال : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّي وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّي) .

ص: 114

كتاب الخمس

ص: 115

ص: 116

وفيه خمس آيات:

الأولي: في سورة الأنفال الآية 41 قوله تعالي : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ(1) خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَي وَالْيَتَامَي وَالْمَسَاكِينِ

ص: 117


1- (1) قوله تعالي (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ) . انتهي . قرء (فَأَنَّ لِلَّهِ) ، بالفتح أي علي ان ، فحذف الجار. قيل : العطف علي ان الأولي وحذف خبرها لدلالة الكلام الثاني عليه . والكلام في الآية في مقامات: الأول: في المعني المراد بالغنيمة . فقيل : هي ما أخذ من دار الحرب بقتال ويرشد إليه السياق وبذلك يفرق بينها وبين الأنفال وهو قول كثير من المفسرين. وبه قال كثير من الأصحاب وجعلوا ثبوت الخمس فيما عدا ذلك من الأنواع السبعة بدليل خارج. وروي ثقة الاسلام والشيخ عن حكيم مؤذن ابن عيسي عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قلت له : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) الآية ، قال : « هي والله الافادة يوما بيوم الا أن أبي جعل شيعته في حل ليزكوا. الثاني: في بيان المستحق . والأظهر انهم أولاد عبدالمطلب خاصة ذكورا واناثا. ويدل عليه رواية حماد بن عيسي عن بعض أصحابه عن أبي الحسن عليه السلام انه قال : « وهؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبي صل الله عليه و آله و سلم وهم بنوا عبدالمطلب أنفسهم للذكر والانثي ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ولا من العرب أحد». الثالث: في بيان كيفية القسمة. وقد اختلفوا فيه علمائنا وغيرهم والاشهر انه يقسم ستة أقسام ثلاثة للامام وهي سهم الله وسهم الرسول وسهم ذي القربي وثلثة للباقين كما تضمنته الآية. الرابع: في بيان كيفية القسمة، والمشهور بين الأصحاب ان للامام النصف سهم الله وسهم رسوله وسهم ذي القربي بالأصالة والثلثة الباقية لمن سمي الله عزوجل (من اليتامي والمساكين وابن السبيل).

وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ (1) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَي عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ

ص: 118


1- (1) قوله تعالي (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ) . متعلق بمحذوف يعني ان كنتم آمنتم بالله فاعلموا ان الخمس من الغنيمة يجب التقرب به فاقطعوا عنه اطماعكم وأقتنعوا بالأخماس . (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَي عَبْدِنَا) من الآيات والملائكة والنصر (يَوْمَ الْتَقَي الْجَمْعَانِ) يعني المسلمون والكفار . صافي. قال الأردبيلي قدس سره في مجمع البيان اللغة : الغنيمة ما أخذ من أموال أهل الحرب من الكفار. وقال القاضي أي الذي أخذتموه من الكفار قهرا، وفيهما قصور والمقصود أن المراد بها غنايم دار الحرب التي هي أحد الأمور السبعة التي يجب فيها الخمس عند أكثر أصحابنا وهي (أي الأشياء السبعة) غنيمة دار الحرب وأرباح التجارات والزراعات والصناعات بعد مؤنة السنة لأهله علي الوجه المتعارف اللائق من غير اسراف وتقتير ، والمعادن والكنوز وما يخرج بالغوص والحلال المختلط بالحرام مع جهل القدر والمالك وأرض الذمي إذا اشتراها من مسلم، وضم الحلبي إليها الميراث والهبة والهدية والصدقة وأضاف الشيخ العسل الجبلي والمنّ، وأضاف الفاضلان (العلامة والمحقق صاحب الشرايع ) الصمغ وشبهه .

الْتَقَي الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

الثانية: في سورة البقرة الآية 267 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا(1) مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ).

الثالثة: في سورة بني اسرائيل الآية 26 قوله تعالي: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَي(2) حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا) .

وفي سورة النحل الآية 90 قوله تعالي : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَي) .

ص: 119


1- (1) قوله تعالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا)، الخ. قد مر الكلام فيها في أحوال الزكوة وفي دلالتها علي الخمس.
2- (2) قوله تعالي (وَآتِ ذَا الْقُرْبَي) . انتهي. في تفسير العياشي عن عبدالرحمن عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما أنزل الله (وَآتِ ذَا الْقُرْبَي حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ) قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم : « يا جبرئيل قد عرفت المسكين فمن ذوي القربي ؟ » قال : أقاربك فدعا حسنا وحسينا وفاطمة عليهم السلام فقال : « ان ربي أمرني أن أعطيكم مما أفاء الله علي أعطيكم فدك». فالمراد بذي القربي هم الأئمة عليهم السلام كما دلت عليه الأخبار وذكره أيضا كثير من العامة ويدخل في الحق الخمس كما ذكره بعض المفسرين .

الرابعة : في سورة الأنفال الآية 1 قوله تعالي : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ (1)

ص: 120


1- (1) قوله تعالي (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ). قرء ابن مسعود وسعد بن أبي وقاص « يسئلونك الأنفال » بدون كلمة عن وهذه القراءة منسوبة إلي علي بن الحسين والباقر والصادق عليهم السلام . قال ابن جني القراءة بالنصب مؤدية عن السبب للقراءة الأخري وذلك لأنهم لما سألوه عنها تعرضا لطلبها واستعلاما لحالها هل يسوغ لهم طلبها. فالقراءة بالنصب تصريح بالتماس الأنفال وبيان عن الغرض في السئوال عنها حتي ذكر بعضهم انّ عن زائدة في الكلام. ويرشد إليه ما رواه الشيخ في التهذيب مرفوعا (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ ) ان تعطيهم منه ، (قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِه) وليس يسئلونك عن الأنفال أي عن حقيقتها وماهيتها. وقيل : النصب بنزع الخافض أي عن الأنفال كقوله أمرتك الخير فافعل ما أمرت به. والأنفال جمع نفل بالتحريك ، قيل وبالاسكان وهو لغة الغنيمة والهبة، قاله في القاموس. وفي الصحاح النافلة عطية التطوع من حيث لا يحتسب ومنه نافلة الصلوة والنفل بالتحريك الغنيمة والجمع الانفال. وقال الأزهري النفل ما كان زيادة عن الأصل ، سميت الغنائم بذلك لأن المسلمين فضلوا بها علي سائر الأمم الذين لم تحل لهم الغنائم. والمراد هنا ما يستحقه الامام علي جهة الخصوص كما كان للنبي صلي الله عليه و آله و سلم . قال الفاضل المقداد : قال جماعة من المفسرين الآية منسوخة بآية (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) انتهي . وقال الطبرسي وأصحابنا : ليست بمنسوخة وهو الحق لعدم المنافاة بينها وبين الخمس.

قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) .

الخامسة : في سورة الحشر الآية 6 - 7 قوله تعالي: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ (1) عَلَي رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَي رَسُولِهِ

ص: 121


1- (1) قوله تعالي (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ ). الخ. الفيء بمعني الرجوع، والايجاف الازعاج للسير أو سرعته . والفاء فيه جواب الشرط أي ما أفاء الله علي رسوله صلي الله عليه و آله و سلم من أموال بني النظير فلم تسيروا إليها بالخيل والركاب بل إنما مشيتم إليها علي أرجلكم لأنها كانت علي ميلين من المدينة ولم يجر هناك قتال وحرب ولكن الله سلط رسوله عليهم بالقاء الرعب في قلوبهم. وفي الكافي : « إن الله تعالي جعل الدنيا بأسرها لخليفته حيث يقول لملائكته (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) فكانت الدنيا بأسرها لآدم عليه السلام وصارت بعده لأرباب ولده وخلفائه فما غلب عليه أعدائهم بحرب أو غلبة سمي فيئ وهو أنيفيء إليهم بغلبة وحرب وكان حكمه فيه ما قال الله : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ)الآية ، فهذا هو الفيء الراجع وإنما يكون الراجع ما كان في يد غيرهم فأخذ منهم بالسيف. وأما ما رجع إليهم من غير أن يوجف (أي يسير ) عليه بخيل ولا ركاب فهو الانفال لله وللرسول خاصة وليس لأحد فيه شركة وإنما جعل الشركة في شيء قوتل عليه ». الخبر .

مِنْ أَهْلِ الْقُرَي فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَي وَالْيَتَامَي وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ (1) دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ (2) الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (3)) .

ص: 122


1- (1) قوله تعالي (كَيْ لَا يَكُونَ). انتهي . هو علة لانقسام الفيء الخاص إلي الأقسام المذكورة ، أي من حق الفيء أن يعطي الفقراء ليكون لهم بلغة (بلغة : ما يكفي في العيش ولا يفضل) يعيشون بها لا دولة ( دولة: ما يتداول فيكون مرة لهذا ومرة لذاك ) بين الأغنياء يتداولونه ويدور بينهم كما كان في الجاهلية.
2- (2) قوله تعالي (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ) أي من أمر الفيء والغنيمة ، (فَخُذُوهُ) أي تمسكوا به لأنه واجب الطاعة أو حلال لكم وما نهيكم عن اتيانه من ذلك فاجتنبوه .
3- (3) قوله تعالي (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) و لا يخفي ما فيه من المبالغة في النهي عن المخالفة لأمره صلي الله عليه و آله و سلم.

كتاب الصوم

ص: 123

ص: 124

وفيه خمس آيات:

الأول: في سورة البقرة الآية 183 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ (1) كَمَا كُتِبَ (2) عَلَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ

ص: 125


1- (1) قوله تعالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) . انتهي. قد مر تخصيص المؤمنين بالخطاب. والصيام والصوم مصدران لصام وهو لغة الإمساك وشرعا هو العبادة المعروفة أي الامساك عن أشياء مخصوصة علي وجه مخصوص ممن هو علي صفات مخصوصة ( من البلوغ والعقل والايمان والصحة وغيرها).
2- (2) قوله تعالي (كَمَا كُتِبَ) ، الخ. يجوز أن يكون التشبيه في أصل الصوم أي فرض عليكم الصوم كفرضه علي من قبلكم من الأمم فان الصوم من العبادات القديمة . ويجوز أن يكون التشبيه فيه من حيث العدد والوقت المبين بقوله : ( أَيَّاماً) وبقوله : (شَهْرُ رَمَضَانَ) أي فرض عليكم صيام شهر رمضان كما فرض علي الذين من قبلكم. ويكون المراد بمن قبلنا الأنبياء والأصياء ويدل علي ما رواه في الفقيه عن سليمان بن داود المنقري ( سليمان بن داود المنقري ضعيف ) عن حفص بن غياث (حفص بن غياث ضعيف) قال سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول: «ان شهر رمضان لم يفرض الله صيامه علي أحد من الأمم قبلنا». فقلت له : فقول الله عز وجل : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) فقال : « إنما فرض الله صيام شهر رمضان علي الأنبياء دون الأمم ففضل الله به هذه الأمة وجعل صيامه فرضا علي رسوله وعلي امته ».

تَتَّقُونَ(1)) .

الثانية: في سورة البقرة الآية 184 قوله تعالي : (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ (2)

ص: 126


1- (1) قوله تعالي (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أي المعاصي فان الصوم يكسر الشهوة التي هي منشأ معاصي وهنا فوائد : الأولي: في قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا) تنبيه علي تعلق هذا الحكم بالمكلف. الثانية: في قوله : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) اشارة إلي ان التكاليف السمعية الطاف مقربة إلي الطاعات واجتناب كثير من المعاصي. الثالثة: في قوله : (كَمَا كُتِبَ) اشارة إلي الترغيب إلي الفعل والتسلية لهم فيفيد التأكيد في الحكم لما يحصل من الانبعاث للنفس والتحريص لها علي الفعل. قال الفاضل المقداد قدس سره : فيها تنبيه علي عدم وجوبه علي الصبي والمجنون والمغمي عليه. والايمان هو التصديق والاذعان بعد تصور الاطراف وذلك لا يحصل إلا من العاقل.
2- (2) قوله تعالي (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ) . انتهي. انتصاب (أَيَّامًا) علي الظرفية والعامل فيه الصيام وعمل المصدر المعرف جائز وارد في القرآن ولا يضر الفصل بالاجنبي لأن المعمول ظرف يكفيه رائحة الفعل. ويجوز أن يكون العامل (كُتِبَ ) أو مقدر أي تصوموا. ومعني (مَعْدُودَاتٍ) موقتات بعدد معلوم ويمكن أن يكون المراد قلائل جريا علي المتعارف من التعبير بمثل ذلك عن القليل. واختلف المفسرون في المراد بالايام المعدودات والأظهر أنها شهر رمضان علي طريق الاجمال والتفصيل لانه تعالي أوجب أولا الصوم ثم كونها اياما معدودات ثم كونه شهر رمضان وبهذا قال الأكثر. قوله : ( مَرِيضاً) باطلاقه يشمل كل مرض ولكن الأصحاب خصوه بما يضره الصوم.

فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَي سَفَرٍ (1) فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ (2)وَعَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ (3) ...................

ص: 127


1- (1) قوله تعالي (أَوْ عَلَي سَفَرٍ). أي علي حال يصدق عليكم فيها كونكم مسافرين .
2- (2) قوله تعالي (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ). الموصوف هنا مذكر فقياس الصفة أواخر ولكن الموصوف لما كان مذكرا لم يعقل. جاز في صفته أن تجري مجري صفة جمع المؤنث . وقرء بالرفع أي فعليه عدة أو فالواجب أو فرضه عدة ، وبالنصب أي فليضم؛ ومقتضي ذلك انهما لا يترخصان في الصوم في تلك الحال وان الافطار عزيمة.
3- (3) قوله تعالي (وَعَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ). يمكن أن يكون الضمير راجعا إلي الصوم أو إلي الطعام بمعونة المقام واشعار بعض الأخبار بذلك. روي الكافي في الموثق عن ابن بكير عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عزوجل: (وَعَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) فقال : « الذين كانوا يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك فعليهم لكل يوم مدّ».

فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا (1) فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ (2)إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) .

الثالثة: في سورة البقرة الآية 185 قوله تعالي : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ (3) هُدًي لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ (4) مِنَ الْهُدَي وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ (5) فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ

ص: 128


1- (1) قوله تعالي (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا) بأن أطعم أكثر من مسكين واحد أو أطعم المسكين الواحد أكثر من قدر الكفاية أو بزيادة الادام فهو أي التطوع بذلك خير له وأحسن.
2- (2) قوله تعالي (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) أي صيامكم خير لكم لما فيه من المصالح الكثيرة ، (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ما فيه من المصلحة أو الفضيلة.
3- (3) قوله تعالي (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ). انتهي. ذكر سبحانه هذه الآية عقيب مامر تأكيدا لوجوب الصوم في هذا الشهر وتحريصا عليه حيث بين شرافته بنزول القرآن فيه وبيّن انه يسره عليكم وان في ذلك تكبير الله تعالي وتعظيمه وشكر نعمه الوافرة ولهذا كثرت فيه مواهب الله وعتقاؤه من النار كما دلت عليه الأخبار.
4- (4) قوله تعالي (هُدًي لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ) جمعه باعتبار الآيات أي آيات واضحات مما يهدي إلي الحق وإلي الطريق المستقيم وهما (أي هديً وبينات ) منصوبان علي التعليل أو حالان من القرآن.
5- (5) قوله تعالي (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ) . انتهي. الظاهر أن شهد بمعني حضر فيه كلا أو بعضا كما يرشد إليه المقابلة بقوله: (وَمَنْ كَانَ) ، الخ. فنصب الشهر حينئذ علي أنه مفعول فيه وكذا ضمير يصمه أي يصم فيه فحذف الجار ووصل بالفعل. ويحتمل انه مفعول به أي ليصم ما حضر فيه. وقيل : نصب الشهر علي أنه مفعول به ويكون ذكر المريض والمسافر من قبيل المستثني من عدم من شهد. ولعل في ذلك دلالة علي اعتبار قيد الصحة في وجوبه علي من شهد . وقد مربيان دلالة الآية علي عدم جوازه من المريض والمسافر. قال الأردبيلي قدس سره قوله : ( أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) بمعني ابتداء النزول وقع فيه أو انزاله إلي السماء الدنيا كله فيه ثم ينزل بالتدريج علي مقدار المصلحة أو انه نزل في شأنه بعض القرآن أي وصفه وبيان رتبته فان فيه ليلة هي خير من ألف شهر .

يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ (1) وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَي مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

ص: 129


1- (1) قوله تعالي (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) . انتهي. يجوز عطفه علي اليسر أي يريد بكم اليسر في اسقاطه عنكم في تلك الحال ويريد اكمال عدة ما أفطرتموه في حال المقدرة . ويجوز أن يكون العطف علي علة مقدرة مثل يسهل عليكم أو لتعلموا ما تعملون، أو المعني شرع لكم ما ذكره بين فتكملوا العدة وتعظموا الله في امتثال ما أمركم ولعلكم تدخلون بذلك في جملة الشاكرين ولتكبروا الله في هذا الشهر بالثناء عليه والحمد له علي هدايته لكم وارشاده إلي ما يوصلكم إلي شكره والقيام بواجب نعمه عليكم.

الرابعة : في سورة البقرة الآية 186 قوله تعالي : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي (1) فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) .

الخامسة: في سورة البقرة الآية 187 قوله تعالي : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ (2) إِلَي نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ

ص: 130


1- (1) قوله تعالي (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي). انتهي. ذكرت هذه الآية في هذا المقام تبعا للقرآن ولتضمنها الدعاء واجابته . وقد ورد في الخبر أن الدعاء من الصائم لا يحجب فكأن الدعاء صار من الأمور اللازمة للصائم ومن وظائفه سيما شهر رمضان الذي تفتح فيه أبواب الجنان وتصفد (أي تقيّد ) فيه الشياطين وقيل وجه ذكرها هنا انه لما أمرهم بصوم الشهر ومراعاة العدة وحثهم علي القيام بوظائف التكبير والشكر عقبه بهذه الآية فقال : (فَإِنِّي قَرِيبٌ) أي بالعلم والقدرة وايصال المطالب وقضاء المآرب (أي الحوائج) لمن يقصدني بذلك. (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) هو تقرير للقرب وعد بالاجابة. (وَلْيُؤْمِنُوا بِي) حث علي التصديق بذلك ليحصل لهم الرشاد إلي الحق واشارة إلي أنه لا يجوز أن يأمنوا مكر الله بسبب الاهمال ولا يقنطوا من رحمة الله بسبب التأخير فالعالم المصدق بالله يعرف أنه لا خلف في وعده تعالي وانما يقع التأخير وعدم المسارعة إلي الانجاز لاسباب ومصالح للعبد .
2- (2) قوله تعالي (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ) ، الخ. القرائة المشهورة الصحيحة (أُحِلَّ) بالبناء للمجهول ورفع الرفث المراد هنا به و الجماع. والجملة مستانقة لبيان سبب الاباحة ، وذلك لأن الصبر عنها صعب شاق حيث كن بمنزلة اللباس الذي يصون صاحبه ولا يستغني عنه. وأما سبب النزول : فقد روي في تهذيب والكافي في الصحيح عن أبي بصير عن أحدهما عليهماالسلام في قول الله عز وجل : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ) الآية . فقال : « نزلت في خوات بن جبير الانصاري وكان مع النبي صلي الله عليه و آله و سلم في الخندق وهو صائم فامسي علي تلك الحال وكانوا قبل تنزل هذه الآية إذا نام أحدهم حرم عليه الطعام والشراب ، فجاء خوات إلي أهله حين أمسي فقال لهم هل عندكم طعام فقالوا لاتنم حتي نصلح لك طعاما فاتكي فنام، فقالوا له قد فعلت قال نعم فبات علي تلك الحال فاصبح ثم غدا الي الخندق فجعل يغشي عليه فمر به رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فلما رأي الذي به أخبره كيف كان أمره فأنزل الله فيه الآية».

أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ (1) فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ

ص: 131


1- (1) قوله تعالي (تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ) أي تظلمونها وتعرضونها للعقاب وتنقصونها حظها من الثواب بسبب كثرة الميل والشهوة وحيث كان ذلك من الأمور الشاقة عليكم وفي علمه تعالي صدور المخالفة فيه والعصيان غالبا فبلطفه ورحمته تاب عليكم ولم يؤاخذكم بذلك وخفف عنكم هذا التكليف ورفعه عنكم، (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ) بالجماع واطلبوا ماكتب لكم واباحه من الأزواج والأرزاق ونحو ذلك مما لم ينهكم عنه. وهنا فوائد : الأولي: الآية دلت علي قبول التوبة سمعا وعلي جواز نسخ السنة بالكتاب . الثانية: قد ذكر الأصحاب استحباب الجماع في أول ليلة من شهر رمضان لتكسر شهوة الجماع نهارا. الثالثة: المراد بليلة الصيام كل ليلة يصبح فيها صائما. الرابعة: قوله : ( الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ) و هو الفجر الثاني المعترض في الأفق كالخيط الممدود و (الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) هو ما يمتد معه من ظلمة آخر الليل. الخامسة: قد يستدل بهذه الآية علي جواز ايقاع نية الصوم نهارا. بيانه أنه تعالي اباح الأكل إلي الفجر فيكون ابتداء الصوم بعده وليس هو مجرد الامساك بل هو مع مصاحبة النية فيكون محلها بعده أيضا. السادسة: قوله تعالي : (أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَي اللَّيْلِ ) هو بيان لتحديد آخر وقته. السابعة: قوله : (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ) الخ. دلت علي مشروعية الاعتكاف. الثامنة: قوله تعالي (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) الخ. هو اشارة إلي جميع ما ذكر من الأحكام وهو من قبيل التأكيد والتعبير بالقرب مبالغة في ذلك كما يظهر من قوله عليه السلام : « من حام حول الحمي أو شك أن يقع فيه». قال في مجمع البيان : (فَتَابَ عَلَيْكُمْ) أي قبل توبتكم . وقيل : معناه فرخص لكم وأزال التشديد عنكم. (وَعَفَا عَنْكُمْ ) فيه وجهان : أحدهما غفر ذنوبكم، والآخر ازال تحريم ذلك عنكم وذلك عفو عن تحريمه عليهم .

وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَي اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) .

ص: 132

كتاب الحج

اشارة

ص: 133

ص: 134

والبحث فيه يقع علي أنواع ثلاثة :

النوع الأول : فيما يدل علي وجوبه

وفيه آيتان:

الأولي: في سورة آل عمران آيات 96 – 97 قوله تعالي: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ (1)لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا (2) وَهُدًي لِلْعَالَمِينَ(3) * فِيهِ آيَاتٌ

ص: 135


1- (1) قوله تعالي (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) . انتهي . يحتمل معان: الأول: أن المراد اول بيت أوجد الله مكانه وعينه وميزه وشخصه قبل اتخاذ الأرض. الثاني: كون المعني أول موجود من الأرض. الثالث: كونه أول بيت بني علي الأرض.
2- (2) قوله تعالي (لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا) . روي في الخصال عن أبي عبدالله عليه السلام : ان أسماء مكة خمسه : « أم القري ومكة وبكة والبساسة (إذا ظلموا بها بستهم أي أخرجتهم وأهلكتهم ) وأم رحم ( إذا لزموها رحموا ) ».
3- (3) قوله تعالي (مُبَارَكًا وَهُدًي لِلْعَالَمِينَ) . حالان من المترادفة من ضمير المستكن في الظرف أو من ضمير (وضع) (أي وضع مباركا وهدي للعالمين). البركة : كثرة المنافع للدنيوية والأخروية. وجملة (و فيه آيات بينات ) مفسرة لكونه هدي أي دلالة.

بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا (1) وَلِلَّهِ عَلَي النَّاسِ (2) حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ(3)) .

ص: 136


1- (1) قوله تعالي (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) جملة ابتدائية أو شرطية معطوفة من حيث المعني علي مقام لأنه في معني أمن من دخله أي ومنها أمن من دخله فعلي هذا تكون هذه آية ثانية والآيتان جمع. كما قيل فيصح كون ذلك بيان لقوله : ( آيات ).
2- (2) قوله تعالي (وَلِلَّهِ عَلَي النَّاسِ) . الخ. روي في الكافي في الحسن عن عمر بن اذينة قال : كتبت إلي أبي عبدالله عليه السلام بمسائل بعضها مع ابن بكير وبعضها مع أبي العباس فجاء الجواب باملائه سألت عن قول الله عز وجل : (وَلِلَّهِ عَلَي النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) يعني به الحج والعمرة جميعا لأتهما مفروضان. الحديث .
3- (3) قوله تعالي ( وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) . انتهي. أي فعل فعل الكفرة . ويجوز أن يكون المراد بالكفر هنا الترك لأنه أحد معانيه . ويدل عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قول الله عزّوجل: (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) يعني من ترك ، ويمكن أن يكون المعني من كفر بسبب انكار الحج لأن وجوبه صار من ضروريات الدين والمنكر للضروري كافر ويمكن أن يكون المعني كفر بترك الحج. قال الفاضل المقداد قدس سره : قال الله تعالي :(عَنِ الْعَالَمِينَ) ولم يقل عنه لما فيه من الدلالة علي الاستغناء عنه ببرهان لأنه إذا استغني عن العالمين فقد استغني عنه لا محالة ولأنه يدل علي الاستغناء الكامل فكان أدل علي السخط.

الثانية: في سورة الحج آيات 26 - 29 قوله تعالي: (وَإِذْ بَوَّأْنَا (1) لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي (2) شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ (3) بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا

ص: 137


1- (1) قوله تعالي ( وَإِذْ بَوَّأْنَا) . انتهي. أي واذكر إذ جعلنا مكان البيت مباءة أي موطنا ومسكنا، أو مرجعا يرجع إليه ابراهيم عليه السلام لحجه وزيارته وعبادته.
2- (2) قوله تعالي (أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي) . «أن» مفسرة بفعل دل عليه بوأنا لأن التبوء من أجل العبادة فكأنه قيل وأمرناه أو تعبدناه وقلنا له لا تشرك بي شيئا في العبادة وطهر بيتي من الشرك وعبادة الأوثان . وأراد بالقائمين والركع السجود المصلين . قيل وفيه دلالة علي جواز الصلوة في جوف الكعبة.
3- (3) قوله تعالي (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ). أي مرهم بالحج. (رِجَالًا) جمع راجل مثل طوار جمع طير وعراق جمع عرق . (ضَامِرٍ) من الابل المهزول من السير . (عَمِيقٍ) البعيد. قال الفاضل المقداد قدس سره قيل : الخطاب الابراهيم عليه السلام وقيل : لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أمر أن يفعل ذلك في حجة الوداع . قال الأردبيلي قدس سره يعني أعلمهم بوجوب الحج فحينئذ دلالتها علي الاحكام واضحة وعلي الأول لابد من انضمام امر انه ليس منسوخا وانه من اجتماع الشريعتين مع انه صلي الله عليه و آله و سلم علي ملة أبيه ابراهيم عليه السلام.

وَعَلَي كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ (1) وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ(2) عَلَي مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (3) فَكُلُوا مِنْهَا(4). ...........................

ص: 138


1- (1) قوله تعالي (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ). هي منافع الدنيا والاخرة كما يرشد إليه ما ورد في الأخبار من أن الحج يكثر المال ويحط الذنوب.
2- (2) قوله تعالي (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) . وهو التكبير عقيب خمسة عشر صلوة أولها ظهر العيد كما عن الصادق عليه السلام . وقيل الذكر هو الذكر المطلق أو الذكر حال الذبح أو أيام العشر كما عن علي وعن الصادق عليهماالسلام : «ان الأيام المعلومات هي أيام التشريق» .
3- (3) قوله تعالي :(عَلَي مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) . انتهي. هو من اضافة الصفة، والبهيم هو الذي لا يفصح. والمراد هنا الابل والبقرة والغنم.
4- (4) قوله تعالي : (فَكُلُوا مِنْهَا) . أي من لحومها. وروي في الكافي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل : (وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ) قال : « هو الزمن الذي لا يستطيع أن يخرج لزمانته. والفقير هو الذي لا يسأل الناس والمسكين أجهد منه والبائس أجهدهم». كما في رواية أبي بصير المتقدم ، فالبائس هو الفقير الشديد الحاجة . ولعل التعبير به للاهتمام بشأنه وأنه الأولي في اطعامهم والأفضل .

وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ (1) وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ (2) وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ(3)) .

ص: 139


1- (1) قوله تعالي : (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ). روي في الفقيه في الصحيح عن النضر بن سويد عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام : «ان التفث هو الحلق وما في جلد الإنسان». وروي في الفقيه عن ربعي عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام والبزنطي عن الرضا عليه السلام في تفسير التفث : «انه قص الشارب والأظفار وطرح الوسخ وطرح الاحرام عنه».
2- (2) قوله تعالي : (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) . أي المناسك كما في رواية ذريح. ويحتمل انه ما نذروه في حجهم من أنواع البر وما نذروا من نحر الابل .
3- (3) قوله تعالي : (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) . الظاهر ان المراد طواف الحج الذي هو ركن فيه بلا خلاف وهو المعبر عنه في أكثر الأخبار بطواف الزيارة . ويمكن أن يراد ما يشمل طواف النساء لأنه واجب به يحصل تحليل النساء كما يرشد به الصيغة المبالغة. ووجه تسمية العتيق بالعتيق من وجوه : الأول: انه لا يملكه أحد من الناس . الثاني: انه أعتق من الغرق . الثالث: لأنه أول بيت وضع للناس. الرابع: انه سمي بذلك لأنه كريم بناه كريم . الخامس: انه عتق من الجبابرة وحفظه منهم كأبرهة وغيره . قال الفاضل المقداد قدس سره بقوله تعالي : (وَلْيَطَّوَّفُوا) صريح في الأمر بالطواف بالبيت الدال علي الوجوب اتفاقا. (قال الموسوي كون الأمر دالا علي الوجوب ليس اتفاقيا بل مشترك معنوي بينه والندب ). انتهي. لكنه مجمل علم بيانه من الرسول صلي الله عليه و آله و سلم لقوله صلي الله عليه و آله و سلم خذوا عني مناسككم فسيكون شاملا لطواف الزيارة والنساء وغيرهما من طواف العمرة فلا وجه حينئذ لحمله علي طواف الزيارة لا غير أو النساء لا غير.

النوع الثاني : في أفعاله وأنواعه وشيء من أحكامه

وفيه عشرة آيات:

الأولي: في سورة البقرة الآية 196 قوله تعالي: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ(1)

ص: 140


1- (1) قوله تعالي : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ) . انتهي. الحج لغة القصد وذكر له في القاموس معاني : منها : انه قصد مكة للنسك . وقال الخليل الحج كثرة القصد إلي من تعظمه وسمي الحج حجا لأن الحاج يأتي قبل الوقوف بعرفة إلي البيت ثم يعود إليه لطواف الزيارة ثم ينصرف إلي مني ثم يعود إليه لطواف الوداع . وهو عند أهل الشرع اسم لمجموع المناسك المؤادة في المشاعر المخصوصة في أوقات مخصوصة، وهي : أي المناسك الاحرام والوقوف بعرفة وبالمشعر ونزول مني والرمي والذبح والحلق بها أو التقصير والطواف وركعتاه والسعي وطواف النساء وركعتاه. وهو ينقسم إلي ثلاثة أقسام: تمتع وقران و افراد . وأما العمرة فهي لغة الزيارة أخذا من العمارة لأن الزائر يعمر المحل بزيارته . وشرعا اسم لمجموع المناسك المخصوصة الواقعة في الميقات ومكة. وهي تنقسم إلي مفردة ومتمتع بها إلي الحج. وأفعال العمرة الاحرام والطواف وركعتاه والسعي والحلق أو التقصير وطواف النساء وركعتاه والمتمتع بها كذلك إلا طواف النساء، كما هو مفصل في الكتب الفقهية. والاية الشريفة تدل علي وجوب الحج وعلي وجوب العمرة. والمراد بالاتمام الاتيان بهما مع مراعاة الوجه والشرط والأفعال المعلومة من بيان صاحب الشريعة عليه السلام.

وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ (1) فَمَا اسْتَيْسَرَ (2) مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا (3)

ص: 141


1- (1) قوله تعالي : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) . انتهي. يجوز أن يكون موضع «ما» الرفع أي فعليكم أو النصب أي فاهدوا أو ابعثوا والاحصار المنع فالحصر المنع عن اتمام افعال الحج بالمرض والصد بالعدو.
2- (2) قوله تعالي : (فَمَا اسْتَيْسَرَ) أي ابعثوا ما امكنكم من ابل أو بقر أو غنم وهو بمعني يسر وتيسر، والهدي جمع هدية أو مفرد مؤنثه هدية وجمعه هدي بالتشديد إما من الهدية أو من هداه إذا ساقه إلي الرشاد لأنه يساق إلي الحرم .
3- (3) قوله تعالي : (وَلَا تَحْلِقُوا) يمكن أن يكون النهي عن الاخلال ويكون التعبير بالحلق من قبيل التعبير بالجزء عن الكل. ويحتمل أن يكون النهي عن الحلق نفسه ويكون النهي عن بقية محرمات الاحرام معلوما من الفحوي أو من دليل آخر.

رُءُوسَكُمْ حَتَّي يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا (1) أَوْ بِهِ أَذًي مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ (2) فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ (3)، فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ

ص: 142


1- (1) قوله تعالي : ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا) أي مرضا يحتاج فيه إلي الحلق أو به أذي من رأسه الهوام، (فَفِدْيَةٌ) أي فالواجب أو فعليكم فدية اذا حلقتم. قال الفاضل المقداد قدس سره الفدية إما صيام ثلاثة أيام أو اطعام ستة مساكين لكل مسكين مدان أو عشرة لكل مسكين مد أو شاة يذبحها ويعطيها الفقراء.
2- (2) قوله تعالي :(فَإِذَا أَمِنْتُمْ) أي إذا كنتم في حال أمن وسعة وقادرين علي الحج غير محصورين بالمرض ولا مصدودين بالعدو ونحوه.
3- (3) قوله تعالي : (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَي الْحَجِّ) أي انتفع بالتقرب بها إلي الله تعالي فالباء للآلة أو للسببية . وهنا ابحاث: الأول: تضمنت الآية ثبوت حج التمتع بل وجوبه . الثاني: تضمنت وجوب الهدي وهو مجمع عليه . الثالث: قوله (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) أي لم يجد الهدي ولا ثمنه من المتمتعين ، وقوله : (وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) أي إلي أهلكم كما هو المتبادر من الرجوع ويستفاد منه أن من لم يرجع صام السبعة في مكة أيضا. قوله : (تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) فائدة ذلك الحساب هي عدم توهم كون الواو بمعني أو وقوله : (كَامِلَةٌ) صفة للعشرة مبالغة في محافظة العدد أو مبنية كمال العشرة . الرابع: قوله : (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) الاشارة بذلك إلي التمتع وأحكامه لموضع اللام الموضوعة للاشارة إلي البعيد ( وأما بالنسبة إلي القريب إلي المسجد الحرام فالواجب عليهم من حج الاسلام القران والافراد).

أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ (1) ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) .

الثانية: في سورة البقرة الآية 197 قوله تعالي : (الْحَجُّ (2) أَشْهُرٌ

ص: 143


1- (1) قال الأردبيلي قدس سره : قيل معني كمالها أن الصوم تام في البدلية بحيث لا ينقص ثوابه من ثواب مبدله وهو الهدي وهو مروي عن أبي جعفر عليه السلام في التهذيب ، وقيل ذكر العشرة للتأكيد كما يحفظ الحساب وقيل لدفع توهم كون الواو بمعني أو في قوله (وَسَبْعَةٍ) كما جاء في غير هذا المحل . وقيل : ليحصل علمان اجمالي وتفصيلي .
2- (2) قوله تعالي : (الْحَجُّ) مبتدأ وهو علي حذف المضاف أي أشهر الحج أو زمانه . وأشهر خبره ليصع الحمل كقولهم البرد شهران . ويجوز أن يكون التقدير الحج في أشهر واضافة علي الاتساع، بل يجوز الحمل من غير ارتكاب الحذف علي ضرب من التجوز والاتساع. والمراد ان زمان الحج لا يتغير في الشرع وهو رد علي الجاهلية في قولهم بالنسيء. روي في الكافي وتهذيب عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : «الحج أشهر معلومات شوال وذو القعدة وذو الحجة».

مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ (1) فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ (2) وَمَا تَفْعَلُوا (3) مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَي وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).

الثالثة: في سورة البقرة الآية 198 قوله تعالي: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ (4)

ص: 144


1- (1) قوله تعالي : (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) أي أوجب علي نفسه ذلك بالاحرام له ( أي للحج ) أو للعمرة. ويتحقق الدخول في الاحرام بالنية والتلبية في جميع أنواع الحج باجماع علمائنا والاخبار به مستفيضة.
2- (2) قوله تعالي : (فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) . قال في مجمع البيان : الرفث أصله في اللغة الافحاش في النطق ، وقيل الرفث بالفرج الجماع وباللسان المواعدة للجماع وبالعين الغمز للجماع والفسوق الخروج عن الطاعة، والجدال في اللغة المجادلة والمنازعة والمشاجرة والمخاصمة. وفي الصحيح عن علي بن جعفر قال سألت أخي موسي عليه السلام عن الرفث والفسوق والجدال ما هو وما علي من فعله فقال : « الرفث جماع النساء والفسوق الكذب والمفاخرة والجدال قول الرجل لا والله ، وبلي والله ».
3- (3) قوله تعالي : (وَمَا تَفْعَلُوا). انتهي. حث علي فعل الخير في ضمن أفعال الحج الواقع في هذه الأشهر، أو حث علي الحج فيها فانه من أعظم أفعال الخير ، أو ان اجتناب ما نهي الله عنه بعد فرض الحج من أعظم القربات وهو الباقيات الصالحات .
4- (4) قوله تعالي : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ) . انتهي. «ان» متأولة بمصدر مجرور بمقدر أي لا جناح ولا اثم في أبتغائكم وطلبكم الفضل والرزق بالتجارة ونحوها من المكاسب . قيل : يتأثمون بالتجارة في الحج فرفعه الله سبحانه عنهم.

أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ (1) فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ (2) ...........................

ص: 145


1- (1) قوله تعالي :(فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ) . أي رفعتم وانصرفتم عنها بعد الاجتماع فيها من أفاض الماء إذا صبه بكثرة وأصله إذا أفضتم أنفسكم فحذف المفعول لمعلوميته . قال الفاضل المقداد قدس سره : وسميت عرفات لأن ابراهيم عليه السلام عرفها بعد وصفها له وقيل لأن آدم عليه السلام وحواء اجتمعا فيه فتعارفا. وقيل : إن جبرئيل عليه السلام كان يري ابراهيم عليه السلام المناسك فيقول عرفت عرفت . وقيل : ان ابراهيم عليه السلام رأي ذبح ولده ليلة الثامن فأصبح يروي يومه أجمع أي يفكر أهو من الله أم لا، فسمي يوم التروية ثم رأي الليلة التاسعة ذلك فلما أصبح عرف انه من الله. وقيل : آدم عليه السلام اعترف بذنبه بها. وقيل : سميت بذلك لعلوها وارتفاعها ومنه عرف الديك لارتفاعه . قال الأردبيلي قدس سره : عرفات جمع عرفة وسمي بها الأرض المخصوصة كمفردها وإنما نون مع منعها الصرف للعلمية والتأنيث لأن تنوينها تنوين المقابلة والعوض عن نون الجمع في مسلمون أي بازائه ، فكما لا يحذف ذلك لا يحذف هذا التنوين وهذا التنوين غير ممنوع من غير المنصرف بل الممنوع عنه هو تنوين التمكن .
2- (2) قوله تعالي :(فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) . قال الجوهري المشاعر موضع المناسك والمشعر الحرام أحد المشاعر وكسر الميم (أي مشعر الحرام ) لغة. وفي القاموس المشعر الحرام وتكسر ميمه المزدلفة وعليه بناء اليوم ووهم من ظنه جبلا بقرب ذلك البناء. وقال أيضا المزدلفة موضع بين عرفات ومني لأن به يتقرب إلي الله تعالي أو لازدلاف الناس إلي مني بعد الاقامة أو لمجئ الناس إليها في زلف. (الازدلاف التقرب والزلف طائفة من الليل)

وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ (1) وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ).

الرابعة : في سورة البقرة الآية 199 قوله تعالي : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ (2) ....................

ص: 146


1- (1) قوله تعالي : (وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ) . انتهي. كرره مبالغة في المحافظة والايماء إلي انه ينبغي أن يكون رعاية لحق الهداية إلي ما يوصلكم إلي رضاه واداء لشكر هذه النعمة . أو أن المراد اذكروه ذكرا علي الطريقة المتلقاة منه سبحانه بأن يكون بالأوصاف التي وصف بها نفسه وان كنتم من قبل ارشاده لمن الضالين الجاهلين بذلك.
2- (2) قوله تعالي : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) . انتهي . المراد بالناس آدم و ابراهيم و اسماعيل وغيرهم من الأنبياء السابقة والأمم السالفة. ويؤيده قراءة من قرء الناس بالكسر يعني آدم عليه السلام من قوله : (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) ( فيكون الناس اسم فاعل نسي ينسي ) واختلف في هذه الآية علي قولين : أحدهما: ان للافاضة من المزدلفة إلي مني بعد الافاضة عن عرفات ، والخطاب عام معطوف علي مقدر أي أفيضوا من عرفات . والثاني: أن الأفاضة من عرفات وعليه أكثر المفسرين وهو الصحيح وعليه دلت الأخبار.

وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ (1) إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .

الخامسة: في سورة البقرة آيات 200 - 202 قوله تعالي : (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ (2) ،(3) كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا (4)................

ص: 147


1- (1) قوله تعالي :(وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ) أي اطلبوا منه المغفرة في هذا الوقت الشريف والمحل المنيف حيث كنتم وافدين إليه واضيافه انه كثير المغفرة واسع الرحمة.
2- (2) قوله تعالي :(فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ) . انتهي. قضاء المناسك أدائها أو الفراغ منها وهي جمع منسك إما اسم مكان. والمراد الافعال الواقعة هناك من قبيل تسمية الحال باسم المحل ، أو علي حذف المضاف أي عبادات مناسككم. واما مصدر بمعناه المصدري أو بمعني المفعول. وإنما جمع لأنه يشتمل علي أفعال مختلفة كالأصوات جمع الصوت .
3- (3) قوله تعالي : (فَاذْكُرُوا اللَّهَ). اختلف في هذا الذكر علي قولين: أحدهما: أن المراد التكبير المختص بأيام مني لأنه الذكر المرغب فيه ويدل عليه صحيحة منصور بن حازم البجلي (كوفي ثقة عين صدوق من جملة أصحابنا وفقهائهم روي عن أبي عبدالله وأبي الحسن موسي عليهماالسلام . نجاشي). وثانيهما: أن المراد بالذكر هو مطلق الدعاء والثناء علي الله سبحانه فانه مرغوب إليه في تلك الأماكن .
4- (4) قوله تعالي : (كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) فذكرا منصوب علي التمييز وأشد غير منصوب لوزن الفعل والصفة (فانّهما من اسباب منع الصرف ). فيجوز أن يكون منصوبا صفة لمصدر محذوف، والعامل اذكروه أي اذكروا الله مثل ذكركم ابائكم واذكروه ذكرا أشد من ذكرهم. ويجوز أن يكون مجرورا عطفا علي مجرور الكاف . وحاصل المعني انه لما تعارف عندهم في تلك المواضع ذكر مفاخر الاباء وتعداد نعمهم وذكر اياديهم أمرهم الله بذكره سبحانه لأنه المنعم عليهم وعلي آبائهم بل ينبغي أن يكون ذكره ذكرا يزيد علي ذكرهم لآبائهم لأن نعمه وأياديه أكثر وأعظم.

فَمِنَ النَّاسِ(1)مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ (2) لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ

ص: 148


1- (1) قوله تعالي : (فَمِنَ النَّاسِ) . انتهي. يعني الطالبين في تلك الأماكن أو مطلقاً منقسم إلي قسمين فمنهم من يطلب نعيم الدنيا ولا يطلب نعيم الآخرة. اما لعدم ايمانه بالنشور أو لأنهماكه في طلب الدنيا، ومنهم من يطلب الدنيا والاخرة .
2- (2) قوله تعالي : (أُولَئِكَ) أي الفريق الثاني كما دلت عليه الأخبار. وقيل : هو اشارة إلي الفريقين معا فعلي هذا يكون قوله : (لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا) أي من جنسه أو من أجله ان خيرا فخير وان شرا فشر ولا يخفي ما فيه (من بعد ارجاء الضمير إلي فريق الأول أيضاً). والمراد بالكسب العمل الذي ترتب عليه الفائدة والربح كالدعاء والذكر ونحوهما من الأعمال .

الْحِسَابِ (1)) .

السادسة: في سورة البقرة الآية 125 قوله تعالي: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ(2)

مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ (3) مُصَلًّي وَعَهِدْنَا إِلَي

ص: 149


1- (1) قوله تعالي : (وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) . يمكن أن يكون كناية عن قرب القيامة ويمكن أن يكون المراد انه سبحانه سريع المجازاة علي أعمال العباد ويمكن أن يكون المراد انه يحاسب العباد علي كثرتهم وكثرة أعمالهم في مقدار لمحة أو أقل .
2- (2) قوله تعالي : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ) . انتهي. المراد بالبيت الكعبة غلب عليها كما غلب النجم في الثريا . والمثابة المرجع لأن الناس يثوبون أي يرجعون إليه كل عام فالمعني علي الأمر والالزام أي ثوبوا.
3- (3) قوله تعالي : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ) . انتهي . قرء ابن عامر ونافع بكسر الخاء علي صيغة الأمر عطفا علي جملة (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ) من حيث المعني، ويجوز أن يكون عطفا علي اذكروا في قوله : (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا). وقرء الباقون بالفتح عطفا علي جعلنا علي ارادة القول أي وقلنا اتخذوا . وهنا فوائد: الأولي: قد يستفاد من كونه مثابة استحباب تكرار الحج بل استحبابه لفاقد شرائط الاستطاعة. الثانية: قوله : (أَمْنًا) أي موضع أمن لا يؤذي من دخله. الثالثة: قوله : (مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ) يمكن أن يكون المراد بالمقام مكة أو الحرم . فالمراد بالصلوة ما يشمل اليومية وبالمصلي المسجد الحرام. أو المراد بها صلوة الطواف وبالمصلي المسجد أو خلف مقام ابراهيم وجانباه فتكون من هنا للتبعيض . والذي يستفاد من الروايات أن المراد من المقام هو الصخرة . الرابعة: قوله : (أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ ) . انتهي. أي أمرناهما بأن يفعلا الطهارة ويأمرا الناس بها.

إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) .

السابعة: في سورة البقرة الآية 158 قوله تعالي : (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ(1) مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ (2) فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ

ص: 150


1- (1) قوله تعالي : (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ) . انتهي . الصفا والمروة علمان للجبلين المعروفين بمكة وهما الان دكتان هناك سميا بذلك لأن المصطفي آدم عليه السلام هبط علي ذلك الجبل فقطع له اسم من اسم آدم عليه السلام لقوله تعالي : (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَي آدَمَ وَنُوحًا) وهبطت حوا علي المروة فسميت بذلك لأن المراة نزلت عليه فقطع للجبل اسم المرأة . كذا رواه ابن بابويه وغيره.
2- (2) قوله تعالي : (شَعَائِرِ اللَّهِ) جمع شعرة وهي العلامة أي اعلام مناسكه ومتعبداته التي تعبد بها خلقه. وقال الجوهري هي أعمال الحج وكلما كان علما لطاعة الله . والجناح الاثم وأصله من الجنوح وهي الميل عن القصد. ويطوف يتطوف فادغمت التاء في الطاء. وقرء يطوف من طاف . والتطوع التبرع من طاع يطوع.

يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ(1) ) .

الثامنة: في سورة الحج آيات 36- 37 قوله تعالي: (وَالْبُدْنَ (2) جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ(3) لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ (4) فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا

ص: 151


1- (1) قوله تعالي : (فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) . أي مجاز علي فعل الطاعة بالأضعاف الكثيرة . (عَلِيمٌ) بما يعملون سرا وجهرا لا يضيع لديه منه شيء.
2- (2) قوله تعالي : (وَالْبُدْنَ) . انتهي. قال في مجمع البيان البدن جمع بدنة وهي الابل المبدنة بالسمن. وقال الزجاج تقول بدنت الابل أي سمنتها. وقال في الصحاح والبدنة ناقة أو بقرة تنحر بمكة ، سميت بذلك لأنهم كانوا يسمونها والجمع بدن بالضم.
3- (3) قوله تعالي : (شَعَائِرِ اللَّهِ) . انتهي . وقد مر معني الشعائر ومن هنا للتبعيض. يجوز أن تتعلق بالفعل المذكور أي جعلناها من أعلام دينه ويجوز تعليقها بمقدر من جنس المذكور أي جعلناها من علامات مناسك الحج وعباداته من سوقها إلي البيت واشعارها وتقليدها ونحرها والاطعام منها .
4- (4) قوله تعالي : (لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ) كثير ومنافع شتي دنيوية واخروية في ظهورها ويطونها ولحومها فاذا كانت هديا وأردتم نحرها. قوله تعالي: (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا) حال كونها. (صَوَافَّ) أي مصفوفة. وفي تفسير علي بن ابراهيم قوله : (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ) قال : « تنحر قائمة». وفي مجمع البيان تنحر وهي صافة أي قائمة .

وَجَبَتْ جُنُوبُهَا (1) فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا (2) وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَي مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَي مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) .

التاسعة: في سورة الفتح الآية 27 قوله تعالي: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ

ص: 152


1- (1) قوله تعالي : (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا) . أي سقطت، يدل علي ذلك. ماروي في الكافي في الموثق عن عبدالرحمن بن أبي عبدالله عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله تعالي : (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا) قال : « إذا وقعت علي الأرض فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر. قال : « القانع الذي يقنع بما أعطيته ولا يسخط ولا يكلم ولا يلوي شدقه غضبا. والمعتر المار بك لتطعم».
2- (2) قوله تعالي : (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا) . انتهي. أي لم ينتفع بذلك تعبدا ولينتفع الناس بالصدقة عليهم بذلك. أو المعني انه لن ينال رضا الله لحوم هذه البدن واراقة دمائها لينتفع بها الفقراء فقط بل ينال رضاه التقوي منكم بامتثال أوامره ونواهيه واخراج تلك البدن مال طيب عن سخاء النفس وقصد التقرب بها إليه سبحانه . وفي تفسير علي بن ابراهيم قوله عز وجل : (لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَي مَا هَدَاكُمْ) قال : «التكبير ايام التشريق عقيب خمس عشرة صلوة ، وفي الأمصار عقيب عشر صلوات ».

الرُّؤْيَا (1) بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ (2) مِنْ دُونِ ذَلِكَ

ص: 153


1- (1) قوله تعالي : (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا) . انتهي. يجوز أن يكون نصب الرؤيا علي البدلية من الرسول، أو منصوبا بفعل مقدر أي فأوقع مقتضي الرؤيا، أو بتضمين صدق ما يتعدي الي مفعولين، أو النصب بنزع الخافض أي في الرؤيا. وأما قوله : ( بِالْحَقِّ ) فيجوز أن يكون في موضع الحال من الرؤيا. أو صفة لمصدر مقدر أي صدقا بالحق. والباء للملابسة. ويراد بالحق الثابت في الوقت المقدر له أو الحكمة المقتضية للتميز بين الثابت علي الايمان وبين المتزلزل. وقيل يجوز أن يكون الباء للقسم. والحق هو الله تعالي أو نقيض الباطل ، فاللام في (لَتَدْخُلُنَّ) علي هذا جواب القسم وعلي الأولين جواب قسم محذوف والتعليق بالمشية ( بقوله : (إِنْ شَاءَ اللَّهُ) يجوز أن يكون تعليما للعباد أو هو قيد للدخول ، فان منهم من مات قبل الدخول في المسجد أو مرض أو غاب ، ويحتمل أن يكون ذلك حكاية لما قاله رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لأصحابه وقصه عليهم من امر الرؤيا أي لتدخلن كلكم ان شاء الله أو هو قيد لآمنين.
2- (2) قوله تعالي : (فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا) . فالمراد فتح خيبر لأنه صلي الله عليه و آله و سلم لما رجع من الحديبية غزا خيبر كذا نقله علي بن ابراهيم في تفسيره . وقيل المراد صلح حديبية. ثم اعلم ان مقتضي الاية كون الحلق والتقصير من مناسك الحج والعمرة ويعلم كونه واجبا من البيان الوارد من معدن الوحي الإلهي وهو المعروف من مذهب الأصحاب، ووقته يوم النحر بعد ذبح الهدي أو حصوله في رحله كما يدل عليه بعض الاخبار . ولا يجب الجمع بين الحلق والتقصير ولا يستحب، فتعين أن يكون الواو في قوله ومقصرين بمعني أو والمعني بعضكم محلقين وبعضكم مقصرين فيعلم ذلك من النص والإجماع.

فَتْحًا قَرِيبًا ).

العاشرة: في سورة البقرة الآية 203 قوله تعالي: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ (1)فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَي (2) وَاتَّقُوا اللَّهَ (3) وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) .

ص: 154


1- (1) قوله تعالي : (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) المعدودات هي أيام التشريق ، والذكر هو التكبير فيها. (فَمَنْ تَعَجَّلَ) أي من تعجل في سفره وارتحاله بعد اقامته بها يومين وهذا يدل علي انه يجب المبيت ليلتين بمني وهما ليلة الحادي عشر والثاني عشر وهو مذهب الأصحاب. وفي مجمع البيان معناه من مات في هذين اليومين فلا إثم عليه ومن انسي اجله فلا اثم عليه. ( أقول : وفي الصافي قيل معني نفي الاثم بالتعجيل والتأخير التخيير بينهما والرد علي الجاهلية فان منهم من اثم المتعجل ومنهم من اثم المتأخر). وفي الفقيه : سئل الصادق عليه السلام عن هذه الآية فقال : « ليس هو علي أن ذلك واسع ان شاء صنع ذا وان شاء صنع ذا لكنه يرجع مغفورا له لا اثم عليه ولا ذنب له».
2- (2) قوله تعالي : (لِمَنِ اتَّقَي) في الفقيه عن الباقر عليه السلام : «لمن اتقي الله ».
3- (3) قوله تعالي : (وَاتَّقُوا اللَّهَ) . الخ. تحريصا و وعدا للتمثل لأوامره ونواهيه ووعيدا لمخالف لذلك .

النوع الثالث : في أمور من أحكام الحج وتوابعه

وفيه تسع آيات:

الأولي: في سورة المائدة الآية 94 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ(1)...............

ص: 155


1- (1) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ). انتهي . خص المؤمنين بالخطاب لما مر . واللام لتوطية القسم أو للابتداء والتأكيد . والابتلاء الاختبار بالتكاليف كما هو جاري مقتضي حكمته كابتلاء قوم طالوت بالنهر وبني اسرائيل بالسبت وبقرض لحومهم من نجاسة البول ونحو ذلك مما جري في الأمم السالفة، فجري في هذه الأمة سنة من قبلهم كما قال صلي الله عليه و آله و سلم : « يكون في هذه الأمة جميع ما كان في الأمم السابقة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة .» وفعل ذلك ليظهر المعلوم ويجازي علي الطاعة والمعصية. والتنكير في (بِشَيْءٍ) يحتمل أن يكون للتكثير . ومن لبيان الجنس. ويدل عليه ما رواه في الكافي في الحسن عن الحلبي قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله سبحانه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ) ، الخ ، قال : «حشر عليهم الصيد في كل مكان حتي دني منهم ليبلوهم الله به ». ويحتمل أن يكون للتنويع . وظهر من الأخبار أن تناول الأيدي والرماح كناية عن كثرة الصيد وحصوله في كل مكان بحيث صار يمكن تناوله باليد وغيرها من الآلات فالصيد بمعني المصيد .

اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ (1) مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَي بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) .

الثانية: في سورة المائدة الآية 95 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ (2) وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ(3)...................

ص: 156


1- (1) قوله تعالي : (لِيَعْلَمَ اللَّهُ) علة للابتلاء وهو سبحانه عالم بجميع الأشياء كلياتها وجزئياتها ازلا وأبدا ولا يفوت شيء علمه وهو بكل شيء عليم وخبير. فالمعني أنه تعالي عاملهم معاملة من يطلب العلم ليظهر ما كان معلوما بعلمه الأزلي ويتميز المطيع من العاصي ويترتب عليه الجزاء لمقتضي حكمة العدل فلا يكون للناس علي الله حجة . والغيب هو ما غاب من أحوال القيامة وأهوالها. وقيل : حال الخلوة والتفرد، أو المراد كف النفس والافعال القلبية فهو منصوب المحل علي الحال أي يخافه غايبا. فمن تجاوز حد الله وحكم وفعل ما نهاه عنه ، (فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أي مولم.
2- (2) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ) . الخ. الصيد اسم للمصيد هنا، والحرم جمع حرام ورجل حرام ومحرم بمعني كحلال ومحل. والجملة في موضع النصب علي الحال فيشتمل احرام الحج واحرام العمرة .
3- (3) قوله تعالي : (مِنَ النَّعَمِ) صفة الجزاء وبيان فيكون صفة للمثل وجملة (يَحْكُمُ) صفة أخري له أو حال من المستكن (أي الضمير المستكن) في الجار والمجرور العائد إلي الجزاء. وقرأ محمد بن علي وجعفر بن محمد عليهماالسلام ذو عدل . وهديا منصوب علي المصدرية أو حال من المجرور بالباء.

يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ(1) الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا (2) لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ(3) .................

ص: 157


1- (1) قوله تعالي : (بَالِغَ). صفة لأن اضافته في تقدير الانفصال فلا تفيد تعريفا. والعدل بالكسر وبالفتح بمعني المثل، سواء كان من الجنس أو من غيره . وقرء أهل المدينة وابن عامر كفارة بغير تنوين وجر طعام بالاضافة البيانية ، والباقون بالتنوين ورفع طعام علي البدل من كفارة أو عطف البيان .
2- (2) قوله تعالي : (صِيَامًا) . نصب علي التميز لعدل.
3- (3) قوله تعالي : (فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ) جواب للشرط علي اضمار مقدر أي فهو ينتقم الله منه. ويمكن أن يقال إن هذه الجملة دليل الجزاء المقدر أي فليس عليه من الكفارة المذكورة شيء وإنما ينتقم الله منه في الآخرة. إذا عرفت ذلك فهنا أحكام: الأول: التعبير بالقتل دون الذبح والذكورة للاشارة إلي تعميم الحكم فيشمل جميع أنواع القتل بأي وجه كان ولو بالاشارة والدلالة والمشاركة وما جنته الدابة المسوقة والمركوبة وغلق الباب عليه ونحو ذلك. الثاني: يظهر من اطلاق الصيد في الآية الشريفة تعلق التحريم بجميع الحيوانات الطير وغيره المأكول وغيره. الثالث: أن هذا النهي هل يلغي حكم الذبح فيلحق مذبوح المحرم بالميتة ومذبوح الوثني في النجاسة وعدم الانتفاع بشيء منه أولا، فيكون لاحقا بمحرم التصرف كالشاة المغصوبة إذا ذبحت بغير اذن المالك ، ويتفرع علي ذلك جواز أكله اختيار للمحل. الرابع: قوله : (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا) لما دل النهي علي الاثم بارتكاب المنهي عنه اردفه بما يدل علي ان الاثم والجزاء اما هما علي المتعمد لذلك لا الناسي والمخطي . وليس ذكر العمد لتقييد وجوب الجزاء به خاصة فانه واجب علي كل حال وعليه علمائنا اجمع. الخامس: في قوله : (مِثْلُ مَا قَتَلَ) اختلف في هذه المماثلة هي باعتبار الخلقة والصورة أم باعتبار القيمة . قال أبو حنيفة بالثاني وإلي الأول ذهب معظم أهل العلم وهو مذهب الأصحاب وهو المتبادر من المثلية ومن قوله : (مِنَ النَّعَمِ) وكذا من قوله : (هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ) ، وعليه الأخبار الصحيحة تدل. السادس: لما عرفت في قوله : (فجزاء مثل ما قتل من النعم) من الدلالة علي ان الجزاء قد يكون المثل وقد يكون غيره افتقر ذلك إلي من يحكم بالمثلية وبالقيمة (أي يحتاج إلي أهل الخبرة ) لأن الأنواع قد تشتبه وتتشابه كثيرا ويماثل بعضها بعضا وتختلف قيمتها. وحيث كان الغالب في البينات لاثبات الأحكام. شهادة عدلين احتاج هنا إلي تمييز ذلك بأن يحكم بذلك رجلان صالحان من المسلمين العارفين بذلك. السابع: قوله : (بَالِغَ الْكَعْبَةِ) المراد بلوغ العرفي وهو يتحقق بدخول الحرم والمتبادر ان المراد ذبحه هناك لا مجرد وصوله . الثامن: ما تضمنه من الاطعام والصيام . قيل انه يقوم الصيد المقتول حيا ثم يجعل طعاما وقيل يقوم المماثل من النعم ثم يجعل قيمته طعام . التاسع: ان هذه الابدال هل هي علي الترتيب أو التخيير ، ذهب أكثر الأصحاب إلي الأول . العاشر: قوله تعالي : (لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ) علة للجزاء بأنواعه الثلاثة أي ليذوق سوء عاقبة هتكه لحرمة الاحرام. والوبال المكروه والضر في العاقبة. قوله تعالي : (عَفَي اللّهُ عَمَّا سَلَفَ) أي من الصيد لكم في الجاهلية أو قبل نزول التحريم والبيان ، أو عما سلف منكم في هذه المرة التي وقعت منكم ومن عاد إلي مثل ذلك مرة أخري متعمدا لذلك فلا جزاء عليه غير الانتقام.

ص: 158

وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ(1)) .

الثالثة : في سورة المائدة الآية 96 قوله تعالي : (أُحِلَّ لَكُمْ (2) صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ (3) .......................

ص: 159


1- (1) قوله تعالي :(وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) فيه مبالغة في التحذير عن مخالفة أمر من لا يغالب وهو ذو انتقام ممن يعصيه ويتعدي حدوده.
2- (2) قوله تعالي : ( أُحِلَّ لَكُمْ) ظاهر السياق يقتضي أن الخطاب للمحرمين فستكون لبيان ما يحل لهم من الصيد والاصطياد بعد أن اطلق النهي عن الاصطياد في الآية السابقة والمراد بالبحر هنا مطلق الماء، وبصيده ما لا يعيش إلا فيه كالحيتان والضفادع والسلاحف ونحوها من الحيوانات الطيور وغيرها مما يبيض ويفرخ في الماء.
3- (3) قوله تعالي : (َحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ) يمكن أن يكون المراد ما صيد فيه فتدل علي تحريم جميع الانتفاعات به أكلا وبيعا وشراء ونحو ذلك وان صاده المحل . ويمكن أن يراد المعني المصدري أي الاصطياد . فتدل علي تحريم الاشارة والدلالة والاغراء ولا يبعد حملها علي ما يشمل هذين المعنيين لأن الكل محرم علي المحرم باجماع الأصحاب والروايات فيه مستفيضة .

صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا (1) وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(2)).

الرابعة : في سورة المائدة الآية 2 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ (3) وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ

ص: 160


1- (1) قوله تعالي : (مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) أي متصفين بوصف الاحرام فتدل علي انه لا يحل له الصيد إلا إذا طاف طواف النساء التي هي من محرمات الإحرام إلا به ، كما دلت عليه النصوص وبقاء شيء من المحرمات الإحرامية تقتضي بقاء الاحرام .
2- (2) قوله تعالي : (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ). فيه تحذير علي المخالفة ووعيد علي المبارزة بأنه إليه يرجعون فيقاصهم بما عملوا ويجازيهم بما فعلوا.
3- (3) قوله تعالي : ( يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ). الخ. الشعائر جمع شعيرة أو شعارة . والمراد مناسك دينه واعلامه ومتعبداته التي تعبد بها خلقه كما تقدم. والمراد باحلالها هتك حرمتها وعدم تعظيمها والقيام بما فرض إليه فيها علي خلقه. ويمكن أن يكون المعني لا تحلوا حرمات الله ولا تتعدوا حدوده أي معالم حدود الله وأمره ونهيه وفرائضه وأحكامه. ويمكن أن المراد بها الصفا والمروة والهدي من البدن وغيرها. والمراد باحلال الهدي والقلائد - وهو ما قلد من الهدي بنعل ونحوه - تركها وعدم الاتيان بها أو عدم صفها في جهاتها أو منع أهلها من ذلك بالصيد أو الغصب أو السرقة. وعطف القلائد من عطف الخاص لبيان كونه أشرف أنواعه.

الْبَيْتَ الْحَرَامَ (1) يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا (2) وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ (3) أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا ).

الخامسة: في سورة الحج آيات 30 و 32 قوله تعالي: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ (4) فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَي

ص: 161


1- (1) قوله تعالي : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ) أي قاصدين حجه وزيارته (يَبْتَغُونَ) بذلك (فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا) أي يثيبهم ويرضي عنهم. فالجملة في موضع الحال من ضمير آمين. وقيل : صفة لآمين فيكون المراد المسلمين لأنهم هم الذين يطلبون ذلك فتكون الآية محكمة غير منسوخة.
2- (2) قوله تعالي : (وَإِذَا حَلَلْتُمْ ( من الاحرام ) فَاصْطَادُوا) لما كان من جملة الشعائر الاحرام ومحرماته التي منها الصيد بين منتهي وقته وخصه بالذكر من جهة حرصهم عليه وشدة ما ابتلاهم الله به من جهته والأمر هنا للباحة اجماعة.
3- (3) قوله تعالي : ( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ) أي لا يحملنكم شنئان قوم ونقضهم وعداوتهم لأجل انهم صدوكم عن المسجد الحرام إلي عام الحديبية علي الاعتداء عليهم والانتقام منهم وارتكاب ما نهاكم الله عنه .
4- (4) قوله تعالي : (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ) . انتهي . قيل : المراد بالحرمات هنا البيت الحرام والمسجد الحرام والبلد الحرام والشهر الحرام والحرم والشعائر مناسك الحج كلها. ويمكن أن يكون المراد بها ما أوجبه الله ورسوله أو ندب إليه وما حرمه أو كرهه . والشعائر اعلام الدين ، وتعظيمها الاعتناء بشأنها وشدة المحافظة عليها والاتيان بالاحوط والمبالغة في مجانبة المخالفة بارتكاب ما ربما يفضي إلي الانهتاك فيجعلها كالمرعي المحمي عنه كما قال علي صلوات الله وسلامه عليه : « حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك ما اشتبه عليه الاثم فهو لما استبان له اترك والمعاصي حمي الله عزوجل فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها ». إذا عرفت ذلك فقد يستدل بهذه الآية علي عدم جواز أن يرفع أحد بناء فوق الكعبة لأن ذلك من الحرمات والشعائر المأمور بتعظيمها، وبذلك قال الشيخ وجماعة. وقال الأكثر بالكراهة للأصل ولظهور ارادة الكراهة من الخير والتعظيم في الآية كما يتناول ترك المحرمات كذلك يتناول المكروهات.

عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ )، (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَي الْقُلُوبِ).

السادسة: في سورة الحج الآية 25 قوله تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ(1) عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً

ص: 162


1- (1) قوله تعالي : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ) عطف المضارع وهو يصدون علي الماضي وهو كفروا لأن المراد به الماضي، نظير قوله تعالي : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ) كما يدل قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) . ولعل النكتة هنا الإشارة إلي استمرار الصد منهم والمنع في جميع الأوقات عن طاعة الله . والمراد المسجد نفسه أو مكة أو الحرم كله كما سيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالي. العاكف المقيم، والباد غيره.

الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ (1) فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) .

السابعة: في سورة البقرة الآية 126 قوله تعالي: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ

ص: 163


1- (1) قوله تعالي : (وَمَنْ يُرِدْ) مفعول يرد محذوف لقصد التعميم أي أمرا. الالحاد الميل عن الطاعة والعدول عن القصد والباء فيهما للملابسة يتعلق بأستقر حالا مترادفة من ضمير يرد أو متداخلة أو صفة لمحذوف اقيمت مقامه. ويجوز أن تكون الباء الاولي زايدة والثانية للتعدية . إذا عرفت ذلك فهنا مسائل : الأولي: قد يستدل بهذه الآية علي عدم جواز منع أحد من سكني دور مكة وبيعها لحكمه سبحانه بالمساواة. الثانية: قيل الالحاد هو الميل عن قانون الأدب كالبزاق وعمل الصنايع وغيرها، والظلم ما يتجاوز فيه قانون الشرع فيفهم من ذلك النهي عن فعل المكروهات والمحرمات . وقيل هو قول لا والله ويلي والله . وقيل : هو الاحتكار وهو بناء علي أن المسجد الحرام هو الحرم. وقيل : هو دخولها بغير احرام، والحق أن المراد بالالحاد هو مطلق الظلم الحاصل بفعل المنهي عنه وترك المأمور به. ويدل عليه اخبار كثيرة من طريق أهل البيت عليهم السلام . الثالثة: في قوله : (نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) دلالة علي أن كل ذنب يذنبه المكلف هناك يكون من الكبائر من حيث الوعيد عليه بالنار .

اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا(1) وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ(2) مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ (3)فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَي عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) .

ص: 164


1- (1) قوله تعالي : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا) . انتهي . أراد بالبلد مكة. والمعني آمنا أهله أو ذا امن. فيمكن أن يكون المراد الأمن في الاخرة من عذاب الله . أو من أهوال الدنيا وما يجري علي أهلها من قبل الجبارين ومن قبل الله القحط والجدب والخسف ونحو ذلك مما جري علي غيرها من البلدان ، كما قال تعالي : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ).
2- (2) قوله تعالي : (مَنْ آمَنَ) هو بدل البعض من أهله وخصهم بالذكر استعطافا ولأنه تعالي لما أخبر بأن بعض ذريته من هو ظالم بقوله : (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) تأدب بآداب الله فخص المؤمنين بطلب الرزق لهم.
3- (3) قوله تعالي : (قَالَ وَمَنْ كَفَرَ) فاعل قال هو الله ومن إما اسم موصول مبتدأ وجملة آيه خبره أو اسم شرط والجملة المقرونة بالفاء جزاء الشرط والمعني من آمن منهم أرزقه ومن كفر فامتعه . ويجوز أن يكون اسم موصول عطفا علي (مَنْ آمَنَ) من عطف التلقين ، للواو إحدي وعشرين حكما منها عطف التلقين فراجع مظانها وهي التصريح كعطف (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) علي الكاف في (جَاعِلُكَ) بتقدير وارزق من كفر علي معني الاخبار لا الأمر أي أنه تعالي أخبر بأن رزقه في الحيوة الدنيا شامل للكافرين مبسوط لمن عصاه. فايدة : قد يستفاد من هذه الآية أفضلية مكة وأفضلية المجاورة بها حيث وصفها بالأمن والدعاء لأهلها بكثرة الرزق

الثامنة: في سورة البقرة الآية 127 قوله تعالي : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ(1) الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ (2) مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

ص: 165


1- (1) قوله تعالي : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ) . انتهي . عبر بالمضارع لأن القصد حكاية الحال . وقيل هو خبر بمعني الأمر. والقواعد جمع قاعدة من القعود وهو الثبوت والاستقرار، والمراد هنا الأصل والأساس الذي يبني عليه، وعبر بصيغة الجمع لأن البيت مربع ذا أربعة أركان فكل ركن قاعدة ورفعها يكون بالبناء عليها فهو لازم للبناء فيكون من اطلاق اللازم وارادة الملزوم. وذكر أكثر المفسرين ان ابراهيم و اسماعيل عليهماالسلام معا رفعا القواعد فعليه اسماعيل عطف علي ابراهيم ولعل النكتة في الفصل بينهما بيان كونه المقدم في ذلك المأمور ابتداء ونحو ذلك. وعن ابن عباس كان ابراهيم يبني واسماعيل يناوله الحجارة ولما كان له دخل في البناء عطف عليه وعلي هذا يجوز أن يكون اسماعيل مبتداء وخبره محذوف أي يناوله. والجملة حال وفي أخبارنا دلالة علي القول الأول .
2- (2) قوله تعالي : (رَبَّنَا تَقَبَّلْ) . انتهي. هو بتقدير قائلين ذلك. وفيه دلالة علي أن امتثال الأوامر الربانية عبادة يطلب قبولها أو يقال : إن الذي يبني للعبادة يكون عبادة. وفيه دلالة علي أن الدعاء عقيب الفراغ من العبادة وفي اثنائها مندوب إليه كما فعلاه عليهماالسلام . وقد يستدل بها علي أن الفعل المقرون بالاخلاص لا يجب ترتب الثواب والجزاء عليه والا لم يكن في طلبه فايدة . وذلك أن القبول عبارة عن الرضا الذي هو عبارة عن اعطاء الثواب والجزاء عليه. ويمكن الجواب بان القول له مراتب فيمكن توجه الطلب هنا إلي اعلاها . الخ.

التاسعة: في سورةالبقرة الآية 128 قوله تعالي: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ(1) لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً (2) .....................

ص: 166


1- (1) قوله تعالي : (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ) قال في مجمع البيان الاسلام هو الانقياد لأمر الله تعالي بالخضوع والاقرار بجميع ما أوجب الله وهو الايمان واحد عندنا وعند المعتزلة . الخ. وظاهره انهما واحد عند جميع الامامية وفيه نظرا لأن المشهور بين أصحابنا هو ان الاسلام أعم مطلق من الايمان وعليه دلت الاخبار . وفي قوله تعالي : (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) دلالة واضحة علي ذلك حيث قال عليه السلام من زعم انهم امنوا فقد كذب وزعم انهم لم يسلموا فقد كذب.
2- (2) قوله تعالي : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً ) . انتهي. أي اجعل بعض ذريتنا أو من أفراد جنس الذرية أي أولادنا، وانما لم يدعوا لجميع الذرية لأنه سبحانه أعلم ابراهيم بأن بعض ذريته ظالم لا ينال العهد. وفي مجمع البيان روي عن الصادق عليه السلام : «ان المراد بالامة بنوهاشم خاصة .» ولا يبعد أن يكون المراد محمد واله صلوات الله عليهم خاصة لأنهم هم المصداق لتلك الدعوة المستجابة.

مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا(1) وَتُبْ عَلَيْنَا (2) إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ(3) الرَّحِيمُ(4)).

ص: 167


1- (1) قوله تعالي : (وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا) أي عرفنا مواضع النسك والعبادة وكيفية العمل بها لنأتي بها علي الوجه الذي ترضاه .
2- (2) قوله تعالي : (وَتُبْ عَلَيْنَا) قالا ذلك إما علي جهة التسبيح والتعبد والانقطاع إليه سبحانه ليقتدي بهما وإما لأنهما كانا يعدان أنفسهما من المقصرين فيما يليق بجنابه تعالي من العبادة وان لم يكونا كذلك في الواقع واما لترك الأولي كما روي : «ان حسنات الأبرار سيئات المقربين ». وليس فيها دلالة علي جواز الصغيرة من الأنبياء أو ارتكاب القبيح منهم لوجود الدلائل العقلية والنقلية علي ثبوت العصمة لهم كما حقق في محله .
3- (3) قوله تعالي : (إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ) أي القابل للتوبة من عظائم الذنوب وكثير القبول لها.
4- (4) قوله تعالي : (الرَّحِيمُ) بالعباد ، العطوف عليهم بالعفو والتوفيق. وفيها دلالة علي استحباب طلب التوبة وان لم يعلم من نفسه صدور المعصية .

ص: 168

كتاب الجهاد

اشارة

ص: 169

ص: 170

وله شرائط واحكام مفصلة في الكتب الفقهيه والمقصود هنا ذكر الآيات المتعلقة به وهي اربعة أنواع:

النوع الأول : فيما يدل منها علي وجوبه

وفيه ثمان آيات:

الأولي: في سورة البقرة الآية 216 قوله تعالي : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ (1)

ص: 171


1- (1) قوله تعالي : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ) أي فرض عليكم الجهاد في سبيل الله . والكره بالفتح المشقة التي تحمل علي النفس وبالضم المشقة حملت عليها أو لم تحمل. فحاصل المعني انه كتب عليكم والحال هو شاق عليكم لما فيه من حمل النفس علي المهالك وقتل القريب والحميم والصديق فلذا كان كرها لكم الا انها كراهة طباع لا سخط لأن كل ما كان علي خلاف الطبع فهو مكروه علي النفس لأنها جبلت علي محبة الحياة وارتكاب الأمور السهلة والمستلذة. قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم : « حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ». وقيل : انه كره لكم قبل الأمر والتكليف لأن المؤمن لا يكره ما فرضه الله عليه المنافاته للاسلام. فالمعني انه كتب عليكم القتال في حال كنتم تكرهونه . ثم أعقبه ببيان ا فرضه عليكم مصلحة لكم ومنفعة دنيوية واخروية وتركه شر وضرر فيهما أي في الدنيا والآخرة . وهو صريحة الدلالة علي وجوب الجهاد وظاهر اطلاقها انه عيني إلا ان المستفاد من الأخبار وانعقاد الاجماع أوجب الحمل علي الوجوب الكفائي. وفي قوله : (عَلَيْكُمُ) دلالة علي خروج النساء عن هذا التكليف وكذا غير المكلفين . الخ. قال الفاضل المقداد قدس سره قوله تعالي : (كُرْهٌ) بضم الكاف وفتحها مصدر بمعني المكروه كالفظ بمعني الملفوظ لا انه كالخبز بمعني المخبوز لأن الخبز بضم الخاء اسم مصدر لا مصدر وإنما المصدر بفتح الخاء. وإنما كان القتال مكروها لأنه علي خلاف الطبع وكلما كان علي خلاف الطبع فهو مكروه ولهذا استحق عليه الثواب .

وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَي أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَي أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) .

الثانية: في سورة الحج الآية 78 قوله تعالي: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ (1) حَقَّ

ص: 172


1- (1) قوله تعالي : (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ) . الخ. قيل في هذه الآية دلالة علي وجوب الجهاد بالمعني المذكور. فالمعني جاهدوا في نصرة الله واحياء دينه واعلاء كلمته. وهو الظاهر من قوله عليه السلام في الزيارة «أشهد أنك جاهدت في الله حق جهاده » . قال الفاضل المقداد قدس سره : هذه الآية أيضاً دالة علي وجوب الجهاد لصيغة الأمر الدال علي الوجوب. ثم اعلم ان الجهاد هنا يحتمل ثلاثة معان: الأولي: الجهاد مع الكفار في نصرة الاسلام واعلاء كلمة الله. الثانية: الجهاد مع النفس الأمارة واللوامة في نصرة النفس العاقلة المطمئنة وهو الجهاد الأكبر ولذلك ورد عنه صلي الله عليه و آله و سلم انه رجع عن بعض غزواته ( تبوك ) فقال رجعنا من الجهاد الأصغر إلي جهاد الأكبر». الثالثة: بمعني ان تعبد ربك كانك تراه. قال الموسوي الاقوي من هذه المعاني بقرينة سبب النزول هو المعني الأول .

جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).

الثالثة : في سورة البقرة الآية 190 قوله تعالي : (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ (1) الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا (2) إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).

ص: 173


1- (1) قوله تعالي : (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) . الخ. أي جاهدوا وليكن ذلك صادرا منكم في سبيل الله وقصد اعزاز دينه واعلاء كلمته لا لمطالب دنيوية وضغائن واحقاد . والمراد بالذين يقاتلوكم الكفار مطلقا إلا من أخرجه الدليل ، وذلك لأنهم بصدد قتال المسلمين ومن المترصدين لذلك فهم في قصدهم ذلك واستحلالهم له في حكم المقاتلين . وقيل المراد أهل مكة الذين حاربوا المسلمين. وقيل : معناه قاتلوا الذين يتوقع منهم القتال دون غيرهم من المشايخ والصبيان والنساء ونحوهم . أو المراد قاتلوا المبادرين في القتال دون الكافين عنه كما قيل ، وعلي هذا تكون منسوخة بقوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ).
2- (2) قوله تعالي : (وَلَا تَعْتَدُوا) أي لا يكون قتالكم في غير السبيل بأن تفعلوا ذلك لضغاين واحقاد . ويحتمل أن المعني لا تفاجوءهم بالقتال قبل عرض الاسلام عليهم . أو لا تفعلوا في قتالهم واهلاكهم ما لا يجوز كالاحراق بالنار والقاء السم بالماء كما هو مذكور في اداب القتال، وعلي الوجوه الباقية يكون النهي عن قتال من لم يؤمروا بقتاله أو مجاوزة من ساغ قتاله إلي غيره كالنساء والصبيان. قال الفاضل المقداد قدس سره : هذه الآية أيضاً صريحة في الأمر بالقتال . قيل : هي أول آية نزلت في القتال ولذلك قال : (الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ) ليخرج الكافون عن القتال فان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كان بعد الهجرة يكف عن الكافين عنه وعلي هذا القول هي منسوخة بقوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)» . وقيل اراد بالذين يقاتلون الذين هم من أهل القتال ليخرج الشيوخ والصبيان والنساء وهو أولي لأن النسخ علي خلاف الأصل.

الرابعة : في سورة البقرة الآية 191 قوله تعالي: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ (1) وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ (2)............

ص: 174


1- (1) قوله تعالي : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ). أي حيث وجدتموهم في حل أو حرم وسواء قاتلوا أو لم يقاتلوا وفيه دلالة علي رجحان المعني الأولي في الآية السابقة.
2- (2) قوله تعالي : (وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ). أي من مكة أخرجوهم منها كما أخرجوكم وقد فعل صلي الله عليه و آله و سلم يوم الفتح فأخرج من لم يسلم من المشركين. وبها استدل الفقهاء علي عدم جواز استيطان المشركين مكة وأرض الحجاز كالمدينة والطائف وما والاهما. بل قيل لا يجوز استيطانهم جزيرة العرب كلها لشرفها بكونها منزلا للعرب الذين منهم النبي صلي الله عليه و آله و سلم.

وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ (1)) .

الخامسة: في سورة النساء الآية 71 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ

ص: 175


1- (1) قوله تعالي : (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ). أي الفتنة التي افتتنوا بها في دينهم حتي اشركوا بالله وصاروا يتربصون بكم الدوائر ونصبو لكم العداوات أشد وأعظم من قتلكم اياهم. أو المعني المحنة والبلاء الذي ينزل بهم الناشي من إخراجهم من اوطانهم أشد من القتل لأن الإنسان قد يتمني الموت عند نزول مثل ذلك. وقيل : المعني شركهم في الحرم وصدهم اياكم عنه أشد من قتلكم اياهم فانهم كانوا يستعظمون القتل في الحرم ويعيبون به غيرهم . ثم قيد اطلاق الآية بقوله : (وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّي يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ) أي لا تبادروهم وتفاجؤوهم بذلك وتهتكوا حرمة المسجد ثم صرح بما دل عليه الكلام بالمفهوم بقوله فان قاتلوكم وابتدؤوكم بذلك فاقتلوهم وذلك لأنهم لم يروا للحرم حرمة. قال الأردبيلي قدس سره : قيل نزلت في رجل من الصحابة قتل رجلا من الكفار في الشهر الحرام فعيروا المؤمنين بذلك فبين سبحانه أن الفتنة وهو الشرك أشد وأعظم من قتل المشركين في الشهر الحرام وإن كان غير جايز ، ثم أمر الله وأوجب قتال الكقار حيث وجدوا وأدركوا في الحل والحرم والشهر الحرام وغيره . وقال المقداد قدس سره وهذه الآية ناسخة لكل آية فيها أمر بالموادعة أو الكف عن القتال .

آمَنُوا (1) خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا) .

السادسة: في سورة النساء الآية 75 قوله تعالي : (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ (2) فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ

ص: 176


1- (1) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) . هذه الآية صريحة الدلالة علي وجوب الجهاد والتأهب (أي الاستعداد ) لقتال الكفار أي ألزموا طريق الاستعداد والاحتياط بأخذ السلاح وغيره وجانبوا (أي باعدوا ) الغفلة لئلا يميلوا عليكم فيظفروا بكم. أو المعني خذوا آلات حذركم وهو السلاح فهو علي حذف المضاف . قال في المجمع وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام . ونقل أيضا أن المروي عن أبي جعفر عليه السلام أن المراد بالثبات السرايا وبالجميع العسكر .
2- (2) قوله تعالي : (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ) . انتهي. «ما» علي الاستفهام التوبيخي متضمنة للحث وهي مبتدأ والجار والمجرور في موضع الخبر وجملة (لَا تُقَاتِلُونَ) في موضع النصب علي الحال. والمعني أي شيء ثبت لكم حال كونكم تاركين القتال . والمستضعفين عطف علي لفظ الجلالة أو علي السبيل علي حذف المضاف أي نصرة المستضعفين واعزازهم . نقل ان قوما من المسلمين تخلفوا بمكة عجزاً من الهجرة فاجتمع الكفار علي افتتانهم عن الاسلام وتوعدوهم بالمكروه استضعافا فدعوا ربهم فنزلت الآية في الحث علي استنقاذهم ودفع الأذي عنهم فكان فتح مكة علي يد رسوله الأمين صلوات الله عليه و آله فكان لهم وليا ونصيرا، واستعمل علي مكة عتاب بن اسيد وجعله الله له نصيرا ففي الآية دلالة علي وجوب الهجرة عن بلا الشرك إلي أرض الله الواسعة وعذر العاجز عن ذلك ووجوب السعي لاستنقاذهم والمدافعة عنهم. وفي تفسير العياشي عن أبي جعفر عليه السلام قال : «نحن اولئك» ونحوه عن أبي عبدالله عليه السلام .

الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) .

السابعة : في سورة النساء الآية 74 قوله تعالي : (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (1) الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) .

الثامنة: في سورة النساء الآية 84 قوله تعالي: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (2)

ص: 177


1- (1) قوله تعالي : (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) . انتهي. لما أمر المسلمين كافة بالجهاد في سبيل الله وقصد احياء دينه واعلاء كلمته . وبين بقوله: «ان منكم لمن ليبطئن». الخ أعقبه بتخصيص الأمر بالقتال بالمؤمنين الذين هذه صفتهم تنبيها علي انهم هم القائمون بذلك المنتفعون به وانهم هم الفائزون بالثواب والأجر المرتب علي هذه العمل. والشراء يستعمل بمعني البيع وبمعني الاشتراء. والمراد هنا الأول. ثم في الآية دلالة واضحة علي وجوب الجهاد الحث عليه والترغيب فيه حيث بين انه يفوز باحدي الحسنيين أو كليهما. إما الاخروي أو الدنيوي بالغنايم والعين والثناء . والأول لازم علي كل حال
2- (2) قوله تعالي : (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) . انتهي. الفاء إنا للتفريع علي قوله : (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ) الخ. وإما جواب لقوله : (وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ )وحده . روي في الكافي في حديث طويل عن أبي عبدالله عليه السلام : «ان الله أعطي محمدا صلي الله عليه و آله و سلم » ثم عدد أشياء كثيرة إلي أن قال : «ثم كلف ما لم يكلف أحد من الأنبياء ، أنزل عليه سيف من السماء في غير غمد وقيل له : قاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك ». . وفي حديث آخر عنه عليه السلام : « ان الله كلف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ما لم يكلف أحدا من خلقه . كلفه أن يخرج علي الناس كلهم وحده بنفسه لأن لم يجد من يقاتل معه ولم يكلف هذا أحد من خلقه قبله ولا بعده ثم تلا هذه الآية : (فَقَاتِلْ) الخ. وعن عيص عنه عليه السلام : « فعلم من ذلك أن هذا من خواصه صلي الله عليه و آله و سلم كما اختص بأشياء دون غيره من الأئمة وغيرهم من امته».

لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ (1) وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَي اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ (2)بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا) .

ص: 178


1- (1) قوله تعالي : (لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ). أي إلا فعل نفسك لأنه ضرر عليك في فعل غيرك فلا تهتم بتخلف المنافقين عن الجهاد معك فان ضرر ذلك عليهم ، وعليك أن تحرض المؤمنين علي ذلك وتحتهم عليه.
2- (2) قوله تعالي : (عَسَي اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ) بأس الكفار ويكفيك مؤونتهم و يكسر شدة شوكتهم فانه أشد نكاية ومنعة. وذكر جماعة من المفسرين وغيرهم أن معني عسي من الله تعالي الوجوب فهذا وعدا منه سبحانه بالظفر وكفاية مهم المشركين .

النوع الثاني: فيما يدل علي فضيلة الجهاد

ويدل عليه الآية السابعة ونذكر آيتين:

الأولي: في سورة النساء الآية 95 و 96 قوله تعالي : (لَا يَسْتَوِي (1) الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ (2) وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَي

ص: 179


1- (1) قال في مجمع البيان : نزلت في كعب بن مالك من بني سلمة ومرارة بن ربيع من بني عمرو بن عوف وهلال بن امية من بني واقف تخلفوا عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يوم تبوك وعذر الله أولي الضرر وهو عبدالله بن ام مكتوم. رواه أبو حمزة الثمالي في تفسيره . الخ.
2- (2) قوله تعالي : (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ). قرء غير بالرفع والنصب . فالرفع علي انه صفة القاعدين أو بدل ، والنصب علي الاستثناء منهم أو حال عنهم أي لا يستوون في حال خلوهم من الضرر ويجوز الجر علي انه صفة للمؤمنين أو بدل عنهم. و (دَرَجَةً) يجوز نصبه بنزع الخافض أي بدرجة أو علي انه صفة لمصدر محذوف أي تفضيلا بدرجة أو علي التمييز ، قيل : وجوز علي الحال معني ذا درجة . ونحوه نصب أجر ، ودرجات بدل . وقوله : (كُلًّا) نصب بوعد قدم عليه (أي كلا علي الوعد) للاهتمام. والآية صريحة الدلالة علي أفضلية الجهاد وفيها دلالة علي سقوط الجهاد عن أولي الضرر وعلي أنه واجب كفائي وإلا لما كان القاعد لا لضرورة معذورا ولما استحق الوعد بالحسني.

الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَي وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَي الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) .

الثانية: في سورة البرائة الآية 120 و 121 قوله تعالي: (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ (1)وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا

ص: 180


1- (1) قوله تعالي : (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ) . الخ. المراد من أهل المدينة من سكنها من الأنصار والمهاجرين والعرب - بالضم وبالتحريك ، خلاف العجم وهم سكان الأمصار، والاعراب منهم سكان البادية خاصة وليس جمعا لعرب بل ولا واحد لها. قال جماعة منهم صاحب الصحاح والقاموس. والظمأ : شدة العطش، والنصب : التعب، والمخمصة: الجوع، والموطئ : إما بالمعني المصدري أو مكان الوطي. والمراد وطيا بالقدم أو بالحافر . والنيل : مصدر ومعناه هنا ما يصل إليهم مما يسؤهم ويضرهم من مقاساة الأعداء من قول أو فعل. والنفقة الصغيرة والكبيرة بمعني القليلة والكثيرة. والوادي في الأصل كل منفرج بين الجبال والآكام يكون مجمعا للسيل وهو اسم فاعل من ودي إذا سال فهو صفة للماء ، ثم سمي به المحل ولعل المراد هنا مطلق المكان من قبيل اطلاق المقيد وارادة المطلق. وحاصل المعني انه ليس لهم في شرع الله ودينه التخلف عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في الجهاد معه بأن يرغبوا في حفظ أنفسهم واعزازها عن نفس رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الذي جعله الله تعالي أولي بهم مع حصول هذه الفايدة العظيمة لهم في خروجهم معه فان من تأمل ذلك يوجب أن يفديه بنفسه ويقطع بقبح التخلف عنه صلي الله عليه و آله و سلم . وفيها دلالة علي أن التخلف لا لقصد الرغبة عن الخروج معه جايز كالمعذور من ذويالضرر ومن اذن له في ذلك. ودلالتها علي فضيلة الجهاد واضحة. وقد يستدل بها علي ان الجهاد واجب علي الاعيان ، وفيه نظر . وفيها أيضا دلالة علي حصول الأجر بالظمأ وغيره لكل من خرج في أي سبيل وطريق من سبيل الله كزيارة المعصومين عليهم السلام والمهاجرة في تحصيل العلم ونحو ذلك وأنه يحصل له ذلك وان تعذر حصول الغاية .

يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) .

النوع الثالث : في شرائط الوجوب وكيفية القتال ووقته وشيء من أحكامه

وفيه احدي عشرة آية:

ص: 181

الأولي: في سورة التوبة الآية 91 قوله تعالي : (لَيْسَ عَلَي الضُّعَفَاءِ (1) وَلَا عَلَي الْمَرْضَي وَلَا عَلَي الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَي الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

الثانية: في سورة في سورة البقرة الآية 217 قوله تعالي: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ (2) فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ

ص: 182


1- (1) قوله تعالي : (لَيْسَ عَلَي الضُّعَفَاءِ) . الخ . إنما يجب الجهاد علي كل مكلف ذكر غير هم ولا أعمي ومقعد ولا مريض يعجز عن الركوب والعدو ولا فقير يعجز عن نفقة عياله وطريقه وثمن سلاح. وأما عدم الوجوب علي غير المكلف من الصبي والمجنون. فقد علم مما سبق كما أشرنا إليه وكذا النساء وهن المراد بالخوالف في قوله : (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ). وأما البقية فتدل عليه هذه الاية لدخول الهم والأعمي والمقعد تحت الضعفاء لحصول الضعف الظاهر فيهم غالباً عن القدرة علي الجهاد . ولا يجب علي المقعد وان وجد مطية ولا علي الأعمي وان وجد قائدا. ويدخل في حكمه الأرمل. وأما الفقير فيختلف باختلاف الأشخاص، حتي ورد في تفسير قوله : (وَلَا عَلَي الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ) انهم سئلوه نعلا يلبسونها. ويدخل في ذلك المملوك لأنه لا يملك فلا يكون واجدا .
2- (2) قوله تعالي : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ) . الخ. قتال بدل اشتمال من الشهر فهو المقصود بالحكم. والسائل هم المشركون ، يدل عليه ما ذكر في سبب النزول. وقيل : هم المسلمون ليعلموا الحكم فيه. (وَ قِتَالٍ ) مبتدأ و (كَبِيرٌ) خبره أي كبير اثم عند الله تعالي. (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) مبتدأ أي منع عن طاعة الله ، (وَكُفْرٌ بِهِ) : أي بالله عطف عليه ، (وَالْمَسْجِدِ) عطف علي السبيل. ولا يقدح هنا الفصل بالأجنبي بين المصدر ومعموله لقوته في العمل ولأن الكفر بالله وقع هنا كالبيان والتفسير للصد عن سبيل الله ، فهما كالشيء الواحد. (وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ) أي من المسجد الحرام عطف علي الصد. والمراد النبي صلي الله عليه و آله و سلم والمؤمنون وكونهم أهل باعتبار كونهم القائمين بحقوقه . (أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ) : خبر عن الجميع وصح ذلك لأن اسم التفضيل يستوي فيه الواحد والمثني والجمع أي هذه الأمور التي فعلتها المشركون أكبر عند الله من القتال في الشهر الحرام فالسؤال عنها واجتنابها أولي. والمراد من الشهر الحرام هنا رجب كما يعلم مما نقل في سبب النزول. (وَالْفِتْنَةُ) : التي يفتنون بها الناس عن الاسلام ويصدونهم عن الدخول فيه كما فعلوا في المستضعفين أكبر اثما عند الله من القتل أي القتال في الشهر الحرام أو القتل مطلقا كما أخبر سبحانه عنهم أنهم لا يزالون بهذه الصفة يقاتلونكم حتي يردوكم عن دينكم ان استطاعوا إلي ذلك وأعانهم الشيطان علي الافتتان عن الدين والاخراج منه وذلك بالنسبة إلي من لم يستوثق الإيمان في قلبه . ثم ذكر سبحانه حال المرتد عن الدين بأن يرتد عن دين الاسلام ولم يتب بل يمت ويوافي ربه وهو علي الكفر (فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ) أي بطلت وصارت كأن لم تكن ولم يترتب عليها الأحكام في الدنيا كالطهارة والسلامة من القتل والغسل والكفن والدفن في مقابر المسلمين ونحو ذلك مما يثبت للمسلمين ولم يحصل لهم الجزاء والثواب عليها أيضا في الآخرة لأن شرط استحقاق الثواب يوم القيامة الموافاة (أي الملاقات) علي الايمان كما هو صريح هذه الآية وجملة من الأخبار.

ص: 183

بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ (1) أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ) .

الثالثة : في سورة البقرة 191 الآية قوله تعالي : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ(2) ) .

الرابعة : في سورة التوبة الآية 123 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

ص: 184


1- (1) قال علي بن ابراهيم رضوان الله عليه قوله : (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) قال : « القتل في الشهر الحرام عظيم ولكن الذي فعلت قريش بك يا محمد صلي الله عليه و آله و سلم من الصد عن المسجد الحرام والكفر بالله واخراجك منها هو أكبر عند الله والفتنة يعني الكفر أكبر من القتل ثم انزلت الشهر الحرام». الخ.
2- (2) قوله تعالي : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) . هذه الآية دالة علي وجوب قتالهم مطلقا إلا في الحرم إذا لم يبتدوا به وقد مرت مع بيانها فهي ناسخة لكل آية تضمنت الكف عن قتالهم وفي معناها قوله تعالي : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) . وفيها زيادة تحريص علي القتال المشار إليه بقوله : (وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ) .

قَاتِلُوا الَّذِينَ (1) يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ(2)) .

الخامسة: في سورة الأنفال آيات 15 - 16 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ(3) الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ

ص: 185


1- (1) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ) . انتهي . أي يقربون إليكم فالأقرب لما في ذلك من المصلحة ودفع الضرر لئلا ينتهز العدو الاقرب الفرصة عند مقاتلة الأبعد . كما يدل عليه فعله صلي الله عليه و آله و سلم انه فتح تلك الفتوحات ولم يجارب فارسا وماضاهاها في البعد. ففي تفسير علي بن ابراهيم في قوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) الآية ، قال : « يجب علي كل قوم أن يقاتلوا من يليهم ممن يقرب من بلادهم ولا يجوز ذلك الموضع، والغلظة هي أن تغلظوا لهم القول والقتل».
2- (2) قوله تعالي : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ). في المجمع : عن الشرك أي معينهم وناصرهم ومن كان الله ناصره لم يغلبه أحد .الخ. ففي هذه الآية دلالة علي ترتيب القتال وهي كالمقيدة للاية المتضمنة لقتال المشركين كافة لا منسوخة بها كما قيل.
3- (3) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ) . انتهي. اللقاء : الاجتماع علي وجه المقاربة. والزحف : الدنو قليلا قليلا، وهو مصدر منصوب علي الحال من المفعول أي لقيتموهم حال كونهم متدانين لقتالكم . أو حال عن الفاعل والمفعول معا أي اجتمعتم وتقاربتم للقتال متزاحفين ومتداينين ، والتولية جعل الشيء يلي غيره ، يقال : ولاه دبره إذا جعله يليه. والمعني لا تجعلوا ظهوركم مما يليهم أي لا تنهزموا في وقت القتال ليلا كان أو نهارا أو لا يعرضن أحدكم عمن قابله منهم إلا متحرفا لقتال أي تأركا موقفا ومائلا عنه لا بقصد الهزيمة بل طلباً للأصلح في القتال كأن يقصد الفر ثم الكر أو اصلاح لامة حربه أو عن مقابلة الريح أو الشمس أو عن هابط إلي علو أو طلب مشروب أو مأكول اضطر إليه أو نحو ذلك مما فيه الصلاح للقتال. (أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَي فِئَةٍ) أي إلي جماعة أخري من المسلمين يستنجد ( أي يستعين ) بها للقتال قليلة كانت أو كثيرة بشرط صلاحيتها للاستنجاد سواء كانت قريبة أو بعيدة.

يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَي فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ (1) وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) .

السادسة: في سورة الأنفال آيات 65 - 66 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ (2) .........

ص: 186


1- (1) قوله تعالي :(فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ)أي حمل غضبه واستحقه أو رجع به ومأواه جهنم وبئس المصير .
2- (2) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) الخ. التحريض والتحضيض والتحريص بمعني وهو الترغيب والحث علي الشيء. والمراد حث المؤمنين علي الجهاد بيان فوائده الدنيوية والأخروية .

عَلَي الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ (1) عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ * الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ (2) عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ

ص: 187


1- (1) قوله تعالي : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ) . انتهي. هو شرط في صورة الخبر إلا انه بمعني الأمر متضمنا للوعد للصابرين للقتال بالنصر من الله تعالي علي العدو وهو سبحانه لا يخلف الميعاد. ففيه تقوية لقلوبهم ونشاط وحث علي الاقدام والصبر عليه وبيان انه يحصل الوهن والفشل في الكفار عند اللقاء بسبب انهم لا يفقهون بما أخبره الله وأمر ولا يصدقون به كما فقه المؤمنون بما أعد الله لهم من الفوائد المترتبة علي ذلك الحاصلة لهم علي كل حال ان غلبوا وان غلبوا وان قتلوا وان قتلوا بسبب ذلك لا يبالون بالحياة ويخوضون الغمرات ( أي المكاره ). فأما الكفار فلا يحصل لهم النشاط الداعي إلي الثبات كما حصل للمؤمنين .
2- (2) قوله تعالي : (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ) ناسخة لما قبلها أعني كون العشرون بمأتين والمأة بألف فهي وإن كانت مقرونة مع الأولي في المصحف ومتصلة بها في الكتابة فيه إلا ان زمان نزولهما مختلف. ويدل عليه ما رواه في الكافي عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبدالله عليه السلام . وجه نسخ ذلك انه لما علم الله أن ذلك يشق علي المسلمين وتغيرت المصلحة فعل ذلك أو لأنه لما كان في المسلمين قلة كلفهم بالحكم الأول ولما كثروا نسخه عنهم إلي الحكم الثاني. والمراد بالضعف هنا الضعف البدني ، وقيل : الضعف البصري وذلك لأن المسلمين في ابتداء الأمر لم يكونوا كلهم أقوياء البدن بل كان فيهم القوي والضعيف ولكن كانوا أقوياء البصيرة واليقين ، ولما كثروا واختلف من كان أضعف بصيرة ويقينا نزل التخفيف ، والأول أظهر . ومقتضي الآية وجوب ثبوت الجمع لمثليه كالمأة للمأتين ونحوها فلو زاد الكفار عن الضعف لم يجب الثبات وهل يلزم من ذلك وجوب ثبوت الواحد الاثنين . قيل : نعم ، وبه قال جماعة من الأصحاب وهو الأظهر . الخ .

يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ).

السابعة : في سورة التوبة الآية 73 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ(1) وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) .

ص: 188


1- (1) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ) . انتهي . قد تضمنت هذه الآية وما قبلها جهاد الكفار الشامل للأنواع الثلاثة كما أشرنا إليه ودلت عليه الروايات . فروي الشيخ عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سأل رجل أبي عن حروب أميرالمؤمنين عليه السلام وكان السائل من محبينا. قال له أبو جعفر عليه السلام : « بعث الله محمدا صلي الله عليه و آله و سلم بخمسة أسياف ثلاثة منها شاهرة لاتغمد حتي تضع الحرب أوزارها ولن تضع الحرب أوزارها حتي تطلع الشمس من مغربها فاذا طلعت الشمس من مغربها أمن الناس كلهم في ذلك اليوم (لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ). وسيف منها مكفوف، وسيف منها مغمود سله إلي غيرنا وحكمه إلينا. فأما السيوف الثلاثة الشاهرة فسيف علي مشركي العرب. قال الله تعالي : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) فهؤلاء لا يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الاسلام. والسيف الثاني علي أهل الذمة (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) الآية. فهؤلاء لا يقبل منهم إلا الجزية أو القتل . والسيف الثالث علي مشركي العجم يعني الترك والخزر والديلم. قال الله تعالي : (فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّي إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ) الآية. فهؤلاء لا يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الاسلام ولا يحل لنا نكاحهم ماداموا في الحرب. وأما السيف المكفوف علي أهل البغي قال الله تعالي : (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا إلي قوله : حَتَّي تَفِيءَ إِلَي أَمْرِ اللَّهِ) فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم : «ان منكم من يقاتل بعدي علي التأويل كما قاتلت علي التنزيل .» فسئل النبي صلي الله عليه و آله و سلم من هو فقال هو خاصف النعل يعني أميرالمؤمنين عليه السلام ، إلي أن قال : وأما السيف المغمود فالسيف الذي يقام به القصاص ، قال الله تعالي : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ). انتهي . فسله إلي أولياء المقتول وحكمه إلينا فهذه السيوف التي بعث نبيه صلي الله عليه و آله و سلم بها فمن جحدها أو جحد واحدا منها أو شيئا من سيرها وأحكامها فقد كفر بما أنزل الله علي محمد صلي الله عليه و آله و سلم». فدل هذا الخبر علي أصناف من يجب جهاده ولما كان الصنف الثالث المذكور في هذه الرواية موافقة للأول في الحكم صارت أصناف من يجب جهاده ثلاثة كما ذكره الأصحاب. وبقي الكلام في جهاد المنافقين الذين تضمنتهم هذه الآية . والمنافق من أظهر الاسلام وكتم الكفر فيمكن أن يكون المراد بهم الصنف الثالث أعني أهل البغي والأمر بالغلظة يكون بالقول والفعل .

الثامنة: في سورة التوبة الآية 29 قوله تعالي : (قَاتِلُوا الَّذِينَ

ص: 189

لَا يُؤْمِنُونَ (1) بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ (2) حَتَّي يُعْطُوا الْجِزْيَةَ (3) عَنْ يَدٍ(4).......................

ص: 190


1- (1) قوله تعالي : (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) الخ. هذه الآية دالة علي وجوب القتال أهل الكتاب كما تضمنه الحديث المذكور. وقد وصفهم الله بصفات أربع كل واحدة منها موجبة لقتالهم : الأولي: كونهم لا يؤمنون بالله في نفس الأمر. الثانية: كونهم لا يؤمنون باليوم الآخر أي بالبعث والنشور كما في قولهم : (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً) الثالثة: كونهم لا يحرمون ما حرم الله كنكاح المحرمات وأكل لحم الخنزير و نحود ذلك ، والمراد بالرسول نبينا صلي الله عليه و آله و سلم . الرابعة: كونهم لا يدينون دين الحق أي الاسلام الذي هو الحق الثابت الناسخ للأديان أي لا يتقدون صحة ذلك.
2- (2) قوله تعالي : (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ). يشمل المجوس كما قاله الأصحاب ودلت عليه الأخبار .
3- (3) قوله تعالي : (يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ). هي غاية لقتالهم فتدل علي أن الحكم فيهم القتل أو الجزية.
4- (4) قوله تعالي : (عَنْ يَدٍ) . اختلف في معناه : فقيل : المراد نقدا لا نسيئة من قوله بعته يدا بيد . وقيل : انهم يعطونها ويسلمونها بأيديهم لا علي يد نائب ووكيل لأنه أنسب بالصغار والذلة . وقيل : عن قهر وقدرة لكم عليهم. وقيل : اليد هنا بمعني النعمة فيعطونها علي وجه يرون أن لكم عليهم النعمة باقرارهم علي دينهم وقبولكم منهم الجزية .

وَهُمْ صَاغِرُونَ(1)) .

التاسعة: في سورة الحجرات الآية 9 قوله تعالي : (وَإِنْ طَائِفَتَانِ(2) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا (3) فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَي الْأُخْرَي فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّي تَفِيءَ إِلَي أَمْرِ اللَّهِ (4) ) .

ص: 191


1- (1) قوله تعالي : (وَهُمْ صَاغِرُونَ) . جملة حالية من ضمير يعطوا.
2- (2) قوله تعالي : (وَإِنْ طَائِفَتَانِ) . انتهي . هذه الآية دالة علي وجوب قتال البغاة .
3- (3) قوله تعالي : (اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) . يدل علي وجوب الابتداء بالاصلاح واظهار النصح والسئوال عن سبب خروجهم وايضاح الجواب عما عرض لهم من الشبهة ودعائهم الي الالتيام ومتابعة شريعة النبي صلي الله عليه و آله و سلم فان لم ينجع (أي لم يؤثر) ذلك فيهم وبغت احداهما يجب قتالهم. ويدل عليه فعل أميرالمؤمنين عليه السلام حيث كان يدعوهم أمام القتال . الخ.
4- (4) قوله تعالي : (حَتَّي تَفِيءَ إِلَي أَمْرِ اللَّهِ) . غاية لقتالهم وهو الرجوع إلي طاعة الامام فالحكم فيهم القتال أو الرجوع إلي الطاعة ولا يقبل منهم غير ذلك وانهم إذا رجعوا حرم قتالهم وهو مذهب الأصحاب. قوله : (فَإِنْ فَاءَتْ) أي رجعت إلي الحق بعد أن قوتلت فيجب الاصلاح بالعدل والقسط وترك الجور والظلم.

العاشرة : في سورة المائدة الآية 54 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ(1) مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ

ص: 192


1- (1) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ) . انتهي. أقول : قد ذكر سبحانه في كتابه : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم ). الخ. والمراد ارتدادهم عن الدين كما تضمنته الخبر المشهور: «انه ارتد الناس بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الا ثلاثة (أو أربعة ).» فتكون الآية المذكورة اخبارا لمن كان في حياة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بما يقع بعد وفاته. فلهذا ذكر المفسرون أن الارتداد المذكور فيها من الكاينات التي أخبر الله تعالي عنها قبل وقوعها. واختلفوا فيمن وصف بهذه الصفات من هم ، ففي تفسير علي بن ابراهيم قوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلي قوله : (أَعِزَّةٍ عَلَي الْكَافِرِينَ) قال : « هو مخاطبة لأصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الذين غصبوا حق آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين وارتدوا عن دين الله (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ) الآية . نزل في القائم وأصحابه » وفي تفسير العياشي عن ابن سنان عن سليمان (سلمان) بن هارون قال : قال صلي الله عليه و آله و سلم: « لو أن أهل السماء والأرض اجتمعوا علي أن يحولوا هذا الأمر من موضعه الذي وضعه الله فيه ما استطاعوا ولو ان الناس كفروا جميعا حتي لا يبقي أحد لجاء الله لهذا الأمر بأهل يكونون هم أهله ثم قال أما تسع الله يقول : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ) الآية ».

عَلَي الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَي الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) .

الحادية عشرة: في سورة محمد صلي الله عليه و آله و سلم الآيات 4- 6 قوله تعالي : (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا (1) فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّي إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّي تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا(2) ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ

ص: 193


1- (1) قوله تعالي : (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) . الخ . الخطاب للجماعة. والمعني للرسول والامام من بعده عليهم السلام . والمراد باللقاء هنا اللقاء في الحرب والمقابلة و نصب (فَضَرْبَ الرِّقَابِ) و علي معني فليكن همكم وعملكم ضرب الرقاب أو فاضربوا الرقاب ضربا فحذف الفعل وقدم المصدر وأضيف إلي المفعول قصدا للتاكيد والاختصار وهو كناية عن القتل علي أي وجه كان كما هو جاري العادة في القتال بالرمح والنبل وغيرهما. والاثخان يتحقق بكثرة الجراح بحيث يصيرون بذلك عاجزين عن المقاتلة وبكثرة القتل فيهم المضعفة لهم الكاسرة لشوكتهم . والوثاق بالكسر والفتح ما يوثق به كناية عن الأسر. ومنا وفداء تفصيل لغاية الأسر علي معني إما تمنون عليهم منا وعفوا. وإما تفادونهم بما ترون من مال أو غيره .
2- (2) قوله تعالي : (حَتَّي تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) . أي آلاتها اللازمة لها من سلاح وجنة ونحو ذلك . والاسناد مجازي أي أهل الحرب. والمراد انقضاء الحرب وانفصالها فتكون حتي غاية للمن والفداء . وقيل : المراد بالاوزار الآثام أي يضع الحرب شركهم وكفرهم بأن يسلموا ويدخلوا في الدين . فعلي هذا تكون حتي غاية لمجموع الأحكام المذكورة يعني أنها تجري فيهم إلي زوال دين الشرك بالكلية. ويدل علي الأول خبر طلحة الذي سنذكر إن شاء الله . وعلي الثاني قوله عليه السلام في رواية حفص المذكورة : «ثلاثة أسياف شاهرة لا تغمد حتي تضع الحرب أوزارها ولن تضع الحرب أوزارها حتي تطلع الشمس من مغربها.» فان ذلك اشارة إلي ظهور المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف وعند ذلك يزول دين الشرك. إذا عرفت ذلك فهنا فوائد : الأولي: مقتضي قوله : (لَقِيتُمُ) و(فَضَرْبَ الرِّقَابِ) وجوب قتل من أخذ من الكفار حال المحاربة والمقاتلة وقيل الاثخان. الثانية: مفاد التقييد بالغاية أن من أخذهم منهم بعد الاستيلاء عليهم والظفر بهم لا يجوز قتله في تلك الحال بل يتعين أسرهم ويكون الامام مخيرا بين المن والفداء . الثالثة: مقتضي اطلاق التخيير بين الأمور الثلاثة ثبوت ذلك وان أسلموا . الرابعة: ظاهر قوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا) شمول الكفار بأسرهم. الخامسة: التعبير باللقاء الظاهر في ارادة كونه في الحرب والقتال والاتيان بصيغة الذين ، يشعر بكون هذا الحكم مختصا بذوي القتال من الذكور البالغين دون النساء والصبيان. السادسة: أخبر سبحانه انه لم يأمركم بالقتال من عجزه عن الكفار فانه قادر علي استيصالهم بالهلاك من دون توسط فعلكم ولكن جرت عادته سبحانه بالتكاليف وابتلاء الخلق بها فابتلي المؤمنين بجهاد الكافرين ليظهر المكنون في الغيب ويجزي الصابرين علي ذلك بالجزاء الأوفر.

ص: 194

لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ).

النوع الرابع : في ذكر أحكام متعلقة بالجهاد

وفيه ثمان آيات:

الأولي: في سورة الممتحنة الآيتين 10-11 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ(1) الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ

ص: 195


1- (1) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ) . الخ . في تفسير علي بن ابراهيم قال : إذا لحقت أمرأة من المشركين بالمسلمين تمتحن بأن تحلف بالله انه لم يحملها علي اللحوق بالمسلمين بغض لزوجها الكافر ولا حب لأحد من المسلمين وإنما حملها علي ذلك الاسلام فاذا حلفت علي ذلك قبل اسلامها. وقد تضمنت أحكاما: الأول: لم ترد النساء لأن عقد الصلح انما تضمن رد الرجال أو لأن المرأة إذا أسلمت فقد بانت من زوجها الكافر ولم تحل له وحصلت الفرقة بينهما فلا ترد عليه لما في ذلك من المفسدة . الثاني: الامتحان بالنحو المذكور. والمراد بالعلم بايمانهن هنا ما يشمل الظن . ولهذا فصل بقوله : (اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ) . الثالث: مقتضي الآية الرد علي الأزواج ما أنفقوه عليه من المهر وغيره الا أن الأصحاب خصوه بالمهر خاصة نظرا إلي انه عوض البضع فقد منع منه فيرد عليه . الرابع: تضمنت جواز نكاح المسلمين المؤمنات المهاجرات لا نفساخ نكاحهن إلا أنها إن كانت غير مدخول بها جاز ذلك في الحال والا توقف جواز نكاحها علي انقضاء العدة. الخامس: قوله : (لَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) أي بنكاح الكافرات. والعصمة مايتمسك به من عقد أو ملك في النكاح سمي النكاح عصمة لأنه لغة المنع. السادس: قوله : (وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ) أي مهور نسائكم اللواتي صرن إلي دار الشرك والتحقن بالكفار مرتدات عن دين الاسلام والأمر للاباحة. كما في قوله : (وَلْيَسْأَلُوا) أي الكفار ما أنفقوا علي نسائهم المهاجرات والمراد بالكفار من كان له عهد وعقد.

فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَي الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ (1) يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ(2) وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ *

ص: 196


1- (1) قوله تعالي : (ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ). الإشارة إلي جميع ما ذكر من الأحكام .
2- (2) قوله تعالي : (يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ). جملة مستأنفة أو حال.

وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ(1) إِلَي الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) .

الثانية: في سورة الممتحنة الآية 12 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا

ص: 197


1- (1) قوله تعالي : (وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ) . انتهي. وحاصل المعني انه إذا أنقلت شيء من أزواجكم إلي الكفار الذين بينكم وبينهم عهد فاطلبوا منهم الصداق فان امتنعوا من ذلك فغزوتم الكفار عقب ذلك وأصبتم منهم غنيمة فاعطوا الذين ذهب أزواجهم الصداق من الغنيمة. وروي في العلل بسند معتبر عن يونس عن بعض أصحابه عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهماالسلام قال : قلت رجل لحقت امرأته بالكفار وقد قال الله عز وجل في كتابه : (وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَي الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا) ما معني العقوبة هيهنا قال : ان الذي ذهبت امرأته فعاقب علي امرأة أخري غيرها يعني تزوجها فاذا هو تزوج امرأة أخري غيرها فعلي الأمام أن يعطيه مهر امرأته الذاهبة .» فسألته كيف صار المؤمنون يردون علي زوجها المهر بغير فعل منهم في ذهابها وعلي المؤمنين أن يردوا علي زوجها ما أنفق عليها مما يصيب المؤمنين قال : «يردّ الامام عليه أصابوا من الكفار أو لم يصيبوا لأن علي الامام أن يجبر حاجة من تحت يده وان حضرت القسمة فله أن يسد كل نائبة تنوبه قبل القسمة فان بقي بعد ذلك شيء قسمة بينهم وان لم يبق لهم شيء فلا شيء لهم». فدل هذا الخبر علي ان المراد بالمعاقبة هي معاقبة زوجة أخري.

جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ (1) يُبَايِعْنَكَ عَلَي أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

الثالثة : في سورة النساء الآية 94 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَي إِلَيْكُمُ السَّلَامَ(2) لَسْتَ

ص: 198


1- (1) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ) الخ. روي في الكافي في الموثق عن أبان عن أبي عبدالله عليه السلام قال : «لما فتح رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مكة بايع الرجال ثم جاءه النساء يبايعنه ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية . قالت هند اما الولد فقد ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا. وقالت أم حكيم بنت الحارث بن هشام وكانت عند عكرمة بن أبي جهل يا رسول الله ما ذلك المعروف الذي أمرنا الله أن لا نعصينك فيه قال : لا تلطمن خدّا ولا تخمشن وجها ولا تنتفن شعراً ولا تشققن جيباً ولا تسودن ثوبا ولا تدعين بويل فبايعهن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي هذا فقالت : يا رسول الله كيف نبايعك. فقال : إنني لا أصافي (أصافح ) النساء فدعا بقدح من ماء فأدخل يده ثم أخرجها فقال : ادخلن أيديكن في هذا الماء فهي البيعة».
2- (2) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) الي قوله : (لِمَنْ أَلْقَي إِلَيْكُمُ السَّلَامَ) . انتهي. قرء حمزة وابن عامر السلم بغير الف والباقون السلام ومعناهما واحد. و( لَسْتَ مُؤْمِنًا) أي مصدقا بالاسلام عن قصد واذعان وإنما قلتها خونا. والعرض المال. و(كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ) أي كنتم كفارا فلما أظهرتم الاسلام قبل منكم، أو المعني كنتم مستخفين بالاسلام خوفا علي أنفسكم. (فَتَبَيَّنُوا) أي توقفوا واطلبوا البيان من صاحب الشرع واعادها للتأكيد. وفي تفسير علي بن ابراهيم في قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) الخ : « فانها نزلت لما رجع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من غزوة خيبر وبعث اسامة بن زيد في خيل إلي بعض اليهود في ناحية فدك ليدعوهم إلي الاسلام وكان رجل من اليهود يقال له مرداس بن نهيك الفدكي في بعض القري فلما أحس بخيل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم جمع أهله وماله وصار في ناحية الجبل فأقبل يقول أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فمر به اسامة بن زيد فطعنه فقتله فلما رجع إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أخبره بذلك فقال له رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قتلت رجلا شهد أن لا إله إلا الله وانّي رسول الله فقال : يا رسول الله انما قالها تعوذا من القتل ، فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم : أفلا شققت الغطاء من وجهه عن قلبه لا ما قال بلسانه قبلت ( وفي البرهان فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فلا كشفت غطاء عن قلبه ولا ما قال بلسانه قبلت الخ) ولا ما كان في نفسه علمت ، فحلف اسامة بعد ذلك أن لا يقاتل أحدا شهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله فتخلف عن أميرالمؤمنين عن حروبه وأنزل الله في ذلك : (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَي إِلَيْكُمُ السَّلَامَ) الخ. وفي الآية دلالة علي أن الشهادتين إذا قالهما الكافر يحقن بها الدم والمال . ويدل علي ذلك أخبار كثيرة أيضا. والآية تدل علي ذم اسامة بن زيد حيث قصد بذلك مال الدنيا ولم يكن فعله لله وعذره في التخلف عن حرب علي عليه السلام غير مقبول لأنه قام الدليل علي وجوب الجهاد معه كما يجب مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم . وفيها دلالة علي رجحان التثبت في الأمور وعدم العجلة فيها وطلب البيان حذرا من الخطاء والوقوع في المحرمات.

مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ

ص: 199

قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) .

الرابعة : في سورة الأنفال الآية 61 قوله تعالي : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا(1) وَتَوَكَّلْ عَلَي اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

الخامسة: في سورة الحديد الآية 19 قوله تعالي : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ (2) وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ).

ص: 200


1- (1) قوله تعالي : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا) . أي مالوا إلي السلم أيالصلح وترك الحرب . (فَاجْنَحْ لَهَا) أي مل إليها. وأنت الضمير لأن السلم بمعني المسالمة والمصالحة ، قرء أبوبكر بكسر السين والباقون بفتحها. روي في الكافي عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا) قلت ما السلم قال : « الدخول في أمرنا». وقيل : هي منسوخة بقوله : (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَي السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ). وقيل : بقوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) . وقيل : بقوله : (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) . وقيل : ليست منسوخة.
2- (2) قوله تعالي : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ) . انتهي . روي الشيخ عن أبي حصين عمن سمع علي بن الحسين عليهماالسلام يقول وذكر الشهداء قال : « فقال بعضنا في المبطون ، وقال بعضنا الذي يأكله السبع ، وقال بعضنا في غير ذلك مما يذكر فيه الشهادة فقال انسان ما كنت أري أن الشهيد الا من قتل في سبيل الله فقال علي بن الحسين عليهماالسلام : ان الشهداء إذا لقليل ثم قرأ هذه الآية قال : هذه لنا ولشيعتنا».

السادسة: في سورة الأنفال الآية 60 قوله تعالي : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ(1) مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ (2) وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ).

السابعة : في سورة النساء آيات 97 - 99 قوله تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ

ص: 201


1- (1) قوله تعالي : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ) . انتهي . الاعداد والاستعداد بمعني واحد.
2- (2) قوله تعالي : (مِنْ قُوَّةٍ) . المراد ما يكون سببا للانتصار علي الأعداء من آلات الحرب. وجملة (تُرْهِبُونَ) حال من ضمير أعدوا أو من قوة ورباط الخيل أو صفة لهما . وافراد الضمير لأن المراد بهما سبب الانتصار. ويجوز أن تكون الجملة في محل نصب علي التعليل. وقد استدلوا بهذه الآية علي استحباب المرابطة في الثغور حذرا من هجوم العدو علي بيضة الاسلام. ولعل في قوله : (وَمَا تُنْفِقُوا) . الخ. اشارة إلي ذلك . ويدل علي ذلك صريحا ما رواه الشيخ في الحسن عن محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهماالسلام قال : «الرباط ثلاثة أيام وأكثره أربعون يوما فاذا جاوز ذلك فهو جهاد » .

تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ (1) ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ (2) قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ

ص: 202


1- (1) قوله تعالي : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ) . الخ. نسبة التوفي إلي الملائكة لأنهم أعوان ملك الموت الذي هو عزرائيل عليه السلام وهو يقبضها ثم يسلمها إليه تعالي فمن ثم ينسب اليه تعالي وإلي الملك ، كما رواه ابن بابويه في كتابه.
2- (2) قوله تعالي: (ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ). حال عن المفعول أي انهم ظلموا أنفسهم حيث تركوا العمل والطاعة وعذرهم بعدم التمكن غير مقبول لتمكنهم من الهجرة . فدلت الآية علي وجوب الهجرة . ويدل علي ذلك أيضا قوله تعالي : ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) » أي لا عذر لكم في ترك الطاعة لتمكنكم من الهجرة إلي أرض يمكنكم فيها اظهار الايمان والاخلاص في العبادة . وقال الصادق عليه السلام : « معناه إذا عصي الله في أرض أنت فيها فاخرج منها إلي غيرها». وهنا فوائد : الأولي: (الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ) ، الخ. قيل انهم قيس بن الفاكه بن المغيرة والحرث بن زمعة وقيس بن الوليد وأبو العاص بن منية وعلي بن أمية. وفي تفسير علي بن ابراهيم قال : « انها نزلت فيمن اعتزل أمير المؤمنين عليه السلام ولم يقاتل معه فقالت لهم الملائكة عند الموت فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض أي لم نعلم مع من الحق فقال الله ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها أي دين الله وكتابه واسعة فتنظروا فيه فاولئك مأويهم جهنم وساءت مصيرا ». الثانية: قد استدل بعض الأصحاب بهذه الآية ونحوها علي وجوب المهاجرة عن بلاد لا يتمكن فيها من اقامة شعائر الايمان وهو مراد الشهيد بقوله تجب المهاجرة عن بلاد التقية. الثالثة: أهل الثنوي المذكورون (أي المستثنيات في الآية ) لا تجب عليهم الهجرة لوجود العذر بالمرض والفقر ونحو ذلك من الأسباب. والذي دلت علي النصوص ان المراد ضعفاء العقول الذين ليس لهم قوة معرفة وفطانة يعرفون بها الايمان والكفر كالصبيان ومن كان عقله مثلهم من الرجال والنساء. الرابعة: من خرج مهاجرا إلي الله ورسوله صلي الله عليه و آله و سلم يشمل من خرج لمعرفة امام الحق وطلب الدين والتفقه فيه والحج والزيارات ونحوها.

فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَي اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) .

الثامنة: في سورة النحل الآية 106 قوله تعالي : (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ(1) مِنْ بَعْدِ

ص: 203


1- (1) قوله تعالي : (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ) الخ. ( مَنْ كَفَرَ) مبتدأ (وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ) كالبيان له وجملة (فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ) في محل الرفع وصح دخول الفاء لتضمن المبتدأ معني الشرط و (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) مستثني من ذلك . وحاصل المعني أن الكفر والايمان ليسا من أفعال اللسان بل هما من أفعال القلب . وفي مجمع البيان قيل نزل قوله : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) في جماعة أكرهوا وهو عمار وياسر أبوه وامه سمية وصهيب وبلال وحباب عذبوا وقتل أبو عمار وأمه وأعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا منه ، ثم أخبر سبحانه بذلك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال قوم كفر عمار فقال كلا إن عمال املي ايمانا من قرنه إلي قدمه واختلط الايمان بلحمه ودمه وجاء عمار إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم وهو يبكي فقال صلي الله عليه و آله و سلم ما وراك ؟ فقال : شر يا رسول الله ما تركت حتي قلت منك وذكرت آلهتهم بخير فجعل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يمسح عينيه ويقول ان عادوا لك فعد لهم بما قلت ، فنزلت الآية عن أبن عباس وقتادة الخ. فالآية دالة علي جواز ذلك ونحوه في هذا الحال بل ارجحيته عند خوف القتل .

إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).

ص: 204

كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ص: 205

ص: 206

ويدل عليه ثلاث آيات :

الأولي: في سورة آل عمران الآية 104 قوله تعالي : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ (1) يَدْعُونَ إِلَي الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ

ص: 207


1- (1) قوله تعالي : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ). انتهي. الامة اشتقاقها من الأم وهو القصد. وفي اللغة تستعمل في معان : منها الجماعة وهو المراد هنا ويحتمل التبعيض والتبيين . وبالأول قال أكثر المفسرين . والمعروف قيل هو ما أمر الله ورسوله به . والأظهر انه ما كان فعله راجحا شرعا. فيشمل الواجب والندب . وهو الذي يستفاد من الأخبار . والمنكر ما كان فعله قبيحا شرعا. ووجوب الأمر بالمعروف الواجب والنهي عن المنكر معلوم من دين الاسلام . ويدل عليه هذه الآية وغيرها من الآيات والروايات. روي الشيخ عن محمد بن عرفة قال سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: «لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليستعملن عليكم شراركم فيدعون خياركم فلا يستجاب لهم ». وعن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : « يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤن ينفرون وينسكون حدثاء سفهاء لا يوجبون أمرا بمعروف ولا نهيا عن منكر إلا إذا امنوا الضرر ويطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير يتبعون زلات العلماء وفساد علمهم يقبلون علي الصلوة والصيام وما لا يكلمهم في نفس ولا مال ولو أضرت الصلوة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبنائهم لرفضوها كما رفضوا أتم الفرائض وأشرفها . ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض هنا لك يتم غضب الله عليهم فيعمهم بعقابه فيهلك الأبرار في دار الفجار والصغار في دار الكبار. إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الانبياء ومنهاج الصالحين فريضة عليهم بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وترد المظالم وتعمر الأرض وينتصف من الاعداء ويستقيم الأمر، فانكروا بقلوبكم والفظوا بالسنتكم وصكوا بها جباههم ولا تخافوا في الله لومة لائم. فان اتعظوا وإلي الحق رجعوا فلاسبيل عليهم (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَي الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) هنالك فجاهدوهم بابدانكم وابغضوهم بقلوبكم غير طالبين سلطانا ولا باغين مالا ولا مريدين بالظلم ظفرا حتي يفيؤوا إلي أمر الله ويمضوا علي طاعته.

وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

الثانية: في سورة آل عمران الآية 110 قوله تعالي: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ (1))

ص: 208


1- (1) قوله تعالي : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) الخ. قد تستعمل كان فيما يقصد فيه الاستمرار بدون انقطاع . وهو المراد هنا كقوله تعالي : (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا). ويجوز في مثلها أن تكون تامة أي وجدتم. وخير امة منصوب علي الحال المقيدة بمابعدها أي ظهرت لنفع الناس أي نفع بعضهم بعضا.

أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ (1) بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ

ص: 209


1- (1) قوله تعالي : (تَأْمُرُونَ ) الخ. من قبيل البيان للخيرية. وقيل : المعني كنتم في علم الله أو في اللوح أو فيما بين الأمم المتقدمة أو بمعني صار واقتصر علي الايمان بالله لأنه يستلزم الايمان بسائر الرسل والانبياء. فان قيل : يظهر من الآية ان خيرية هذه الأمة من جهة الاتصاف بالصفات الثلاث مع انها حاصلة لسائر الأمم السابقة فما وجه التفضيل . قلت : الظاهر ان المراد بالامة هنا النبي صلي الله عليه و آله و سلم وعلي واولاده الحجة علي الخلق صلوات الله عليهم أجمعين ولا ريب أنهم الأفضل والأشرف. ففي كتاب المناقب لابن شهر آشوب قرأ الباقر عليه السلام (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) إلي آخر الآية نزل بها جبرئيل عليه السلام وما عني بها إلا محمدا وعليا والأوصياء من ولده عليهم السلام . وقد استدل بها بعض الأصحاب علي وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وهي مبني علي ان المراد بالأمة أمة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم ووجه الدلالة ان وجه الخيرية إذا كان من حيث الاتصاف بتلك الصفات كان ما نافاه منافيا للخيرية فيكون حراما . أو يقال : ان جملة تأمرون وتنهون مستأنفة بمعني الأمر. ولعل القرينة عطف (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) الذي يراد به الوجوب قطعا . ولا يخفي ما فيهما ولو تمت الدلالة علي ذلك لكان الوجوب علي الاعيان . قال الفاضل المقداد قدس سره «كنتم » انتهي . كان تامة بمعني وجدتم و (خَيْرَ أُمَّةٍ) منصوب علي الحال المقيدة (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) حال ايضا لا من كنتم بل من خير امة فيكون وجودهم مقيدا بالخيرية والخيرية مقيدة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والمراد من ذلك أن من شأنهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس المراد حصول الصفة لهم بالفعل وإلا لزم أنهم حال النوم والسكوت عن الأمر بالمعروف والنهي لا يكونون خير امة.

بِاللَّهِ).

الثالثة : في سورة لقمان الآية 17 قوله تعالي : ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ).

وسورة التحريم الآية 6 قوله تعالي: (قُوا أَنْفُسَكُمْ(1) وَأَهْلِيكُمْ نَارًا).

ص: 210


1- (1) قوله تعالي : (قُوا أَنْفُسَكُمْ) الخ. روي الكليني عن أبي بصير في قوله تعالي : (قُوا أَنْفُسَكُمْ) الآية ، قلت : كيف أقيهم ؟ قال : « تأمرهم بأمر الله وتنهاهم عما نهي الله فان أطاعوك كنت وقيتهم وان عصوك كنت قد قضيت ما عليك ( من الوظيفة )». وفيها دلالة علي انه ينبغي أن يكون ذلك للأقرب فالأقرب. ولذا ابتدء بالنفس ، ونحو ذلك قوله تعالي : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) .

كتاب المكاسب

ص: 211

ص: 212

لما خلق الله الحكيم سبحانه وتعالي الانسان خلقه يفتقر فيها في بقاء شخصه إلي أمور. أبرز تلك الأمور إلي عالم الوجود مشتملة علي جميع ما يحتاج إليه وأقدره علي تحصيلها واذن له في ذلك الا انه منع من تحصيلها وايجادها ببعض الطرق. فالبحث هنا علي قسمين:

الأولي: فيما يدل علي ابراز الأمور المحتاج إليها والأذن في تحصيلها وفيه خمس آيات:

الأولي: في سورة الحجر آيات 19 - 21 قوله تعالي: (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا (1) وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ *

ص: 213


1- (1) قوله تعالي : ( وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا) . انتهي. نصب الأرض بعامل مضمر علي شريطة التفسير . وقوله : (مَدَدْنَاهَا) مد الأرض دحوها وبسطها وكرويتها غير معلومة بل في كثير من الأخبار ما ينافي ذلك ظاهرا. والرواسي الجبال الثابتة التي تسكنها لئلا تميد بأهلها وتتحرك بهم . وقد يعبر عنها بالأوتاد. (وَأَنْبَتْنَا فِيهَا) و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام : «إن الله تبارك وتعالي أنبت في الجبال الذهب والفضة والجوهر والصفر والنحاس والحديد والرصاص والكحل والزرنيخ وأشباه هذا مما لا يباع إلا وزنا» . والضمير حينئذ راجع إلي الجبال. والموزون عبارة عما يوزن بالميزان عادة . والمعايش جمع معيشة. والمراد ما يتعيشون به من أنواع المكاسب والمطاعم والمشارب وسائر الأسباب وارجاع الضمير هنا إلي الأرض أظهر. ويمكن ارجاعه إلي الرواسي ويكون المعايش حينئذ فيما استخرج منها مما أنبت الله تعالي فيها.

وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ (1) لَهُ بِرَازِقِينَ * وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ (2) وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ).

ص: 214


1- (1) قوله تعالي : (وَمَنْ لَسْتُمْ) ، الخ. في محل الجر عطف علي الضمير المجرور باللام علي القول بجوازه بدون اعادة الخافض ويجوز أن يكون في محل النصب علي المعيشة أو علي محل الجار والمجرور أو بالعطف علي معايش. وفي تفسير علي بن ابراهيم : قوله : (وَالْأَرْضِ) إلي قوله :(بِرَازِقِينَ) قال : « لكل ضرب من الحيوان قدرنا شيئا مقدرا.» وهذا ظاهر فيما عدا الوجه الأخير وفي ان المراد بهم الحيوانات التي ليس الانسان سببا لرزقها كالوحوش والطيور وسائر حيوانات البر والبحر.
2- (2) قوله تعالي : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ). أي ما من شيء من الممكنات وما ينتفع به العباد إلا نحن قادرون علي ايجاده وتكوينه أضعاف ما وجد منه فالكلام علي التجوز إما علي تشبيه اقتداره علي كل شيء وايجاده بالخزائن المودع فيها الأشياء. وإما علي تشبيه مقدوراته بالأشياء المخزونة التي لا تحوج إلي كلفة واجتهاد. وينزله بقدر معلوم علي حسب المصلحة المقتضية كما وكيفا. فظهر من الآية الكريمة كون الأرض محل المعاش والارتزاق وانه يباح فيها الانتفاع والتصرف الا ما دل الدليل علي منعه .

الثانية: في سورة الأعراف الآية 10 قوله تعالي : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ (1) فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ).

الثالثة: في سورةالبقرة الآية 168 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا (2)

ص: 215


1- (1) قوله تعالي : ( وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ) . انتهي. وتمكينهم هو اقدارهم علي التصرف بأنواع التصرفات وهي دالة علي نحو دلالة الاولي.
2- (2) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا). انتهي. يمكن أن يراد الأكل بخصوصه وان يراد جميع التصرفات والأول أظهر . وقوله : (حَلَالًا) صفة لمصدر محذوف تقديره أكلا حلالا وعلي هذا مفعول كلوا محذوف اي (كُلُوا) شيئا او رزقا حلالا و (طَيِّبَاً) مؤكد له. ويجوز أن يكون حالا من المجرور أو علي انه مفعول (كُلُوا) ويكون المراد بالطيب (مَا) طاب بالنسبة إلي الطبع أي لا يكون من الخبائث أو يراد الطاهر . وقد روي في الصحيح عن البزنطي قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : جعلت فداك ادعو الله أن يرزقني الحلال ، قال : « أتدري ما الحلال ؟ » فقلت : جعلت فداك اما الذي عندنا فالكسب الطيب فقال: «كان علي بن الحسين عليه السلام يقول الحلال قوت المصطفين ولكن قل أسئلك من رزقك الواسع». وفي صحيحة اخري عن أبي جعفر عليه السلام : «ان الحلال قوت النبيين ولكن قل اللهم إني أسئلك رزقا واسعا طيبا». فظهر من ذلك ان الحلال حقيقة في الخالي من الشك والشبهة والكراهة وان اطلاقه علي ما يقابل الحرام مجاز. وان المراد بالطيب ما قابل الحرام. ففي الآية دلالة علي الاباحة العامة الشاملة لما عدا الحرام .

مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ).

الرابعة : في سورة طه الآية 81 قوله تعالي : (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ(1) وَلَا تَطْغَوْا (2) فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَي) .

الخامسة: في سورة الملك الآية 15 قوله تعالي : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا (3) ...............

ص: 216


1- (1) قوله تعالي : ( كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) . انتهي. أراد بالطيبات المستلذات أو المحللات .
2- (2) قوله تعالي : (وَلَا تَطْغَوْا) في التكسب وتجاوزوا الحدود الشرعية أو تمنعوا : الحقوق اللازمة.
3- (3) قوله تعالي : ( ذَلُولًا ) . الذلول كناية عن سهولة السكون فيها وعدم الصعوبة .

فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا (1) وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) .

الثاني: الأشياء التي ورد النهي عن التكسب بها وعدم جواز أكلها، وفيه ست آيات:

الأولي: في سورة يوسف الآية 55 قوله تعالي : (اجْعَلْنِي عَلَي خَزَائِنِ الْأَرْضِ(2)إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ).

ص: 217


1- (1) قوله تعالي : (فِي مَنَاكِبِهَا) أي طرقها وفجاجها وجبالها من ذلل البعير أي رفع عنه الصعوبة في ركوبه وتحميله، وفي الآية دلالة علي الأذن في الاكتساب والتماس الرزق بل رجحانه. فالأخبار الواردة بذلك من طريق أهل البيت عليهم السلام كثيرة. فروي الشيخ عن أبي خالد الكوفي رفعه عن أبي جعفر عليه السلام قال : «قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم : العبادة سعبون جزءاً أفضلها طلب الحلال». قال الفاضل المقداد قدس سره : وفي الآية دلالة علي جواز طلب الرزق خلافا للصوفية حيث منعوا من ذلك لاشتماله علي مساعدة الظلمة باعطاء الطمعة والباج وهو جهل منهم فان ذلك الاعطاء غير مقصود بالذات بل لو أمكن المنع لما أعطوا شيئا.
2- (2) قوله تعالي : (اجْعَلْنِي عَلَي خَزَائِنِ الْأَرْضِ) . انتهي. وذلك انه لما قال له الملك : (قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ) وعلم يوسف عليه السلام بصدقه في هذه المقالة طلب منه الولاية فدلت علي جواز الولاية من قبل الظالم كذا قال جماعة استدلالا بهذه الآية، والظاهر أنه عليه السلام لم يفعل ذلك اختيارا بل إنما كان ذلك منه عند الضرورة والحاجة مع علمه بأنه يتمكن من ايصال الحق أهله. قال الفاضل قدس سره : استدل الفقهاء بهذه الآية علي جواز الولاية من قبل الظالم اذا عرف المتولي من حال نفسه وحال المنوب عنه انه يتمكن من العدل لا يخالفه المنوب عنه كحال يوسف عليه السلام مع ملك مصر . والذي يظهر لي أن نبي الله أجل قدرا من أن ينسب إليه طلب الولاية من الظالم وإنما قصد ايصال الحق إلي مستحقه لأنه وظيفته .

الثانية: في سورة المائدة الآية 42 قوله تعالي: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ (1)أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) .

الثالثة : في سورة النور الآية 33 قوله تعالي: (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَي الْبِغَاءِ(2) إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ

ص: 218


1- (1) قوله تعالي : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ). انتهي. المراد بالأكل هنا التصرف بأي وجه كان. وأما السحت فقال في القاموس : هو بالضم وبضمتين الحرام وما خبث من المكاسب واسحت الرجل في تجارته إذا اكتسب السحت، ونحوه في الصحاح . واشتقاقه من السحت وهو الاستيصال يقال : سحته وأسحته أي استأصله، ويسمي الحرام به لأنه يعقب عذاب الاستيصال أو لأنه لا بركة فيه أو لأنه يسحت مروة الانسان. تضمنت الاية تحريم أكل السحت ويظهر انه الحرام مطلقا ومن الأخبار أنه الأنواع المذكورة .
2- (2) قوله تعالي : (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَي الْبِغَاءِ) . انتهي. . قيل نزلت في عبدالله بن أبي وكان له ست جوار يكرههن علي الكسب بالزنا فلما نزل تحريم الزنا أتين رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فشكون إليه فنزلت هذه الآية . وقيل : الشاكي ثنتان منهن. وفي تفسير علي بن ابراهيم قال : «كانت العرب وقريش يشترون الاماء ويصنعون عليهن الضريبة الثقيلة ويقولون اذهبن وازنين واكتسبن فنهاهم الله عزوجل عن ذلك فقال : (وَلَا تُكْرِهُوا ) إلي قوله : (غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي لا يؤاخذهن الله بذلك إذا أكرهن عليه ». وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال : هذه الآية منسوخة نسختها : (فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَي الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) . وهنا فوائد: الأولي: دلت الآية علي تحريم اكراههن علي الزنا. الثانية: التقييد بارادة التحصين لا يفيد بمفهومه الاباحة علي تقدير العدم. الثالثة: قوله : (وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ) الجواب محذوف أي فالوزر عليه. الرابعة: ما تضمنته رواية أبي الجارود من كونها منسوخة وهي ضعيفة السند ومنافية لما دل علي رفع الحد عن المكرهة علي الزنا. قال الموسوي : نقل عن غرائب القرآن أن للاية مفهوما آخر وهو ان للسادة اكراههن علي النكاح وليس لها أن تمنع السيد إذا زوجها.

فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

الرابعة : في سورة لقمان الآية 6 قوله تعالي: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ (1) لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ

ص: 219


1- (1) قوله تعالي : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) . انتهي . قال في المجمع أكثر المفسرين علي ان المراد بلهو الحديث الغناء وهو قول ابن عباس وابن مسود وغيرهما وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبدالله عليه السلام انتهي . فالآية دالة علي تحريم الغناء ويلزمه تحريم الاكتساب به والكسب بل وتحريم شراء المغنية وبيعها لذلك.

عَذَابٌ مُهِينٌ).

الخامسة: في سورة المائدة الآية 90 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ(1) وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ

ص: 220


1- (1) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ) . انتهي. روي الشيخ عن جابر عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما نزل الله علي رسوله صلي الله عليه و آله و سلم : (إِنَّمَا الْخَمْرُ) الآية ، قيل : يا رسول الله ما الميسر ؟ قال : «كلما يقمر به حتي الكعاب والجوز». فقيل : ما الانصاب ؟ قال : «ما ذبحوا لآلهتهم » قيل فما الازلام قال : « قداحهم التي كانوا يستقسمون بها». والآية دالة علي تحريم جميع الانتفاعات والاكتساب بهذه الأشياء المذكورة . قال الفاضل المقداد قدس سره : وهي آخر آية نزلت في شأن الخمر وقد أكد التحريم في الآية بتسعة أمور: . الأول:تصديرها بأنما المؤكدة . الثاني: ضم الخمر إلي الاصنام في وجوب اجتنابها . الثالث: تسميتها رجسا. الرابع: جعلها من عمل الشيطان والشيطان لا يأتي منه إلا الشر . الخامس: إنه أمر باجتنابها الشامل لجميع أوصافها. السادس: إنه جعل الاجتناب موجبا للفلاح واذا كان الاجتناب فلاحأ كان الركون اليه خيبة. السابع: إنه ذكر ما ينتج منهما والعداوة والبغضاء. الثامن: إنها تصد عن ذكر الله والصلوة. التاسع: ان فيه وعيدا بقوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) وهو مبالغة في الوعيد والتهديد وهو أبلغ من انتهو عرفا. قال الموسوي: نقل عن البيضاوي في قوله : (الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) انما خصهما باعادة الذكر وشرح ما فيهما من الوبال تنبيها علي أنهما المقصود بالبيان وذكر الأنصاب والأزلام للدلالة علي أنهما مثلهما في الحرمة والشرارة لقوله عليه السلام : « شارب الخمر كعابد الوثن ». وخص الصلوة من الذكر بالافراط للتعظيم والاشعار بأن الصاد عنها كالصاد عن الإيمان من حيث إنها عماده والفارق بينه وبين الكفر.

فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .

السادسة: في سورة النساء الآية 33 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ)(1).

ص: 221


1- (1) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ). أي بالوجه الذي لم يبحه الشارع ولم يأمر به كالغصب والربا والمقبوض بالعقود الفاسدة والغش بما يخفي والاحتكار ونحو ذلك . ومنه الاستدانه اختياراً إذا لم يكن له جهة وفاء . والمراد النهي عن التصرف في مثل ذلك . وذكر الأكل لأنه أعظم المنافع أو لأن الأكل قد يطلق علي وجوه التصرفات كما يقال أكل ماله وإن أنفقه في غير الأكل. ويدل علي ذلك أيضا قوله عليه السلام : « المسلم علي المسلم حرام ماله ودمه وعرضه ». وقد يستثني من ذلك أمور: الأول: ما ذكره سبحانه في سورة النور (لَيْسَ عَلَي الْأَعْمَي حَرَجٌ وَلَا عَلَي الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَي الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَي أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا) الخ. الثاني: الأكل مما يمر به الانسان من ثمرة النخل أو غيره من الأشجار والمباطخ والزرع. الثالث: مال الناصب. روي الشيخ عن حفص بن البختري عن أبي عبدالله عليه السلام قال : «خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس » .

ص: 222

كتاب التجارة

ص: 223

ص: 224

وفيها ثمان آيات :

الأولي: في سورة النساء الآية 29 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا (1)

ص: 225


1- (1) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا). انتهي . الخطاب عام لسائر المكلفين . والمراد لا تأكلوا أموال بعضكم فحذف المضاف للعلم به. ويجوز أن يكون الاضافة هنا لمطلق الاختصاص. والمراد الأموال التي خلقها الله لنفعكم. والآية تضمنت ثلاثة أحكام: الأول: منها قد مر بيانه. الثاني: اباحة ما كان بسبب التجارة ، قرء بالرفع فكان حينئذ تامة . والمعني الا أن تقع تجارة. وقرء بالنصب والمعني الا أن تكون التجارة تجارة عن تراض أو الا أن تكون أموالكم تجارة فحذف المضاف. والاستثناء علي جميع التقادير منقطع. والتجارة تستعمل مصدرا واسما للاعيان المملوكة بعقد المعارضة مع قصد الاكتساب وخصها بالذكر. إما لأنها أغلب طرق التكسب وإما لأنها كثيرة الخير كما قال عليه السلام : « تسعة أعشار الرزق في التجارة ». ويجوز أن يكون المراد بها هنا جميع الطرق التي يكتسب بها من باب اطلاق المقيد وارادة المطلق بمعونة المقام ولعله الأنسب هنا ثم وصف التجارة بقوله : (عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) أي يرضي كل واحد منكما بذلك وظاهر الآية يقتضي أن كونه عن تراض كاف في حصول الملك من غير توقف علي أمر آخر ولا ينافي ذلك كون اللزوم يتوقف علي تفرق المجلس كما هو مذهب الأصحاب . ويدل عليه قوله عليه السلام : «البيعان بالخيار ما لم يفترقا». الثالث: ما أشار إليه بقوله : (لَا تَقْتُلُوا) . انتهي . يمكن أن يراد القتل حقيقة أي بشيء من الأسلحة وشرب السم ونحو ذلك . أو ما يشمل الأسباب المؤدية إلي القتل كقتل غيره فانه يصير قتلا لنفسه قصاصا.

لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا).

الثانية: في سورة البقرة الآيتان 276 - 275 قوله تعالي : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا (1) لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ

ص: 226


1- (1) قوله تعالي : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا) الخ. كتب الربوا بالواو كالصلوة والزكوة للتفخيم علي لغة وزيدت الألف بعدها تشبيها بواو الجمع. واطلاق الأكل وارادة الأخذ والتصرف مجاز شايع في كلام العرب وفي القرآن كثير . والتخبط الضرب علي غير استواء. والمس الجنون والصرع. وظاهر الآية أن نسبة الصرع إلي الشيطان علي جهة الحقيقة. ويشهد له كثير من الأخبار. ولا بعد في ان يسلط الله الشيطان علي بعض الناس فيصرعه عقوبة لذنب الم به أو امتحانا كما يتسلط بعض الناس علي بعض فيسلبهم ما لهم. وقيل : الشيطان لا يصرع الانسان حقيقة لكن ربما غلبت عليه المرة (أي الصفراء ) أو السوداء فيخيل إليه الشيطان أمورا هايلة ويوسوس إليه فيقع الصرع عند ذلك من فعل الله تعالي ونسبته إلي الشيطان باعتبار الوسوسة مجازا. أو علي القولين يبتني تشبيه حال أكل الربوا فيمكن أن يكون ذلك يعتريه في الدنيا كما يرشد إليه ما رواه العياشي في تفسيره عن شهاب بن عبد ربه قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : « آكل الربوا لا يخرج من الدنيا حتي يتخبطه الشيطان». ويمكن أن يكون في الاخرة . الخ. وهنا فوائد: الأولي: تضمنت الآية تحريم الربا . الثانية: المناسب أن يقولوا إنما الربا مثل البيع في كونه مشتملا علي الزيادة وإنما عكسوا ذلك و (قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا) لاهتمامهم باستحضار صورة المشبه به وموضع الوفاق ليقيسوا عليه ولقصد المبالغة في جعله أصلا والبيع فرعا. وفي قوله : (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ) دلالة علي جواز أنواع البيع الا ما خرج بدليل . الثالثة: قوله : (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ) انكار للتسوية التي زعموها وهدم لقياسهم من حيث ان الحل والتحريم أحكام الله وليس التماثل كافيا في الحكم. ففيها دلالة علي أن القياس باطل . الرابعة: المراد بالموعظة الانزجار عن فعله خوفا من الله تعالي والتوبة اليه عن المعاودة إليه. الخامسة: تضمنت خلود العائد (أي في النار) إلي الربا بعد البيان ومعرفته بذلك ( أي بحرمة الربا وكونه من الكبائر ). السادسة: أكد سبحانه تحريم الربوا بقوله : (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا) الآية . والمحق نقصان الشيء حالا بعد حال إلي أن يتلف . وقوله : (لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ) أي مصر علي استحلال المحرمات أو المستخف بها وهو مبالغة في كافر. و (الْأَثِيمِ ) المنهمك في ارتكاب المحرمات المتمادي بها. ففيها دلالة علي تشديد تحريم الريا و ان فيه خسارة الدين والدنيا.

ص: 227

بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَي فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَي اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) .

الثالثة : في سورة البقرة الآيات 178 - 179 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا (1) بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا

ص: 228


1- (1) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلي قوله : (فَأْذَنُوا). الخ. قرء عاصم وحمزة اذنوا بمد الألف وكسر الذال بمعني اعلموا غيركم . وقر الباقون بالقصر بمعني اعلموا واعرفوا. روي علي بن ابراهيم في سبب النزول انه لما نزل قوله تعالي : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا) الآية ، قام خالد بن وليد إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال يا رسول الله ربا أبي في ثقيف فأوصاني عند موته بأخذه فأنزل الله هذه . وحاصل المعني يا أيها الذين صدقوا بألسنتهم اتركوا ما بقي عند الذين تعاملتم معهم من الربا والزيادة ان كنتم صدقتم بقلوبكم وان تبتم وعملتم بمقتضي ايمانكم فلكم رؤوس أموالكم واتركوا الزيادة لا تظلمون المديونين بأخذ الزيادة التي بقيت عندهم ولا تظلمون بأن ينقصوكم من رؤوس أموالكم شيئا فتكون كالتأكيد والبيان القوله اتقوا وذروا. والمعني بعد ان فعلتم ذلك بعد البيان والعلم بالتحريم فلكم رؤوس أموالكم وارجعوا لهم ما أخذتم زايدا علي ذلك.

تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ) .

الرابعة: في سورة آل عمران الآيتان 130 - 131 قوله تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا (1) أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) .

ص: 229


1- (1) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا) الخ. الآية صريحة في النهي عن الربا وكأنها وردت جريا علي ما كان متعارفا من رباء النسيئة. وهو انه كان الرجل إذا حل له الدين زاد فيه وأخره إلي أجل آخر ثم إذا حل زاد فيه أيضا وأخره وهكذا فكان يستغرق بالشيء القليل مال المديون فنهاهم عن ذلك. وقوله : (اتَّقُوا اللَّهَ) يعني في ترك الربا ونحوه من المحرمات لتفوزوا بالفلاح وقرنه بقوله : (وَاتَّقُوا النَّارَ) ايذانا ( أي اعلانا) بأن فعله يستلزم دخول النار المعدة للكفار.

الخامسة: في سورة المطففين آيات 1 - 3 قوله تعالي: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ(1) * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَي النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ

ص: 230


1- (1) قوله تعالي : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) . انتهي . التطفيف البخس بالكيل أو الوزن علي وجه الخيانة. (وَعَلَي النَّاسِ) يمكن أن يكون صفة لمحذوف أي اكتالوا حقا علي الناس، (وَإِذَا كَالُوهُمْ) معناه كالو لهم ووزنوا لهم ، ( يُخْسِرُونَ) أي ينقصون فيهما. فالكلام من باب الحذف والايصال ويمكن أنه علي حذف مضاف واقامة المضاف إليه مقامه أي وكالوا مكيلهم وموزونهم . واحتمل بعضهم أن يكون هذه الضمير راجعا إلي المطففين بأن يكون تأكيدا للفاعل وردّ هذا بأنه يجب حينئذ كتابة ألف بعد واو الجمع. وبأن المقصود بيان حالهم في الأخذ من الناس والدفع إليهم وليس المقصود مجرد مباشرة الكيل والوزن فلو حمل عليه فاتت المقابلة بين القسمين وخرج الكلام عن النظم الصحيح . ويمكن أن يجاب عن الأول بأن رسم القرآن لا يقاس عليه . وعن الثاني فانه يفيد ضربا من التوبيخ وهو الاشارة إلي انهم لو تعرضوا بأنفسهم لذلك ينقصون ولم يبالوا فكيف إذا تعرضه غيرهم لأجلهم. قال الفاضل : دلت الآية علي وجوب ايقاع الكيل والوزن وتحريم النقص منهما لأن ويل يستعمل للذم. وقال الفاضل في قوله تعالي : (عَلَي النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) : علي هنا إما بمعني من أي اكتالوا من الناس أو متعلق ب-« يستوفون» قدم للاختصاص أي يستوفون علي الناس خاصة وأما انفسهم فيستوفون بها أو يكون التقدير إكتالوا ما علي الناس ؛ كل ذلك محتمل.

وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) .

السادسة: في سورة البقرة الآية 267 قوله تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا (1) مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ).

السابعة: في سورة الأعراف الآية 199 قوله تعالي : (خُذِ الْعَفْوَ(2) وَأْمُرْ

ص: 231


1- (1) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا) الخ . واستدل بها بعض الأصحاب علي لزوم التفقه قبل الاتجار ليعلم الحلال من الحرام وفيه نظر. وفي مجمع البيان التيمم التعمد، والخبيث الردي من كل شيء. وروي عن أبي عبدالله عليه السلام : «انها نزلت في أقوام لهم أموال من ربا الجاهلية وكانوا يتصدقون منها فنهاهم الله تعالي عن ذلك وأمر بالصدقة من الطيب الحلال».
2- (2) قوله تعالي : (خُذِ الْعَفْوَ) . انتهي. في تفسير العياشي عن علي بن النعمان عمن سمع أبا عبد الله عليه السلام وهو يقول : : «ان الله أدب رسوله فقال : يا محمد (خُذِ الْعَفْوَ) ، الآية». قال خذ منهم ما ظهر وما تيسر ، والعفو الوسط. وقد استدل بها بعض الأصحاب علي استحباب الاقالة وكراهة الربح علي المؤمن الا مع الضرورة وكراهة الربح علي الموعود بالاحسان وكراهة معاملة الأدنين والسفلة الذين لا يبالون بما قيل لهم وما قيل فيهم الذين هم الجاهلون في الحقيقة لأن معني الأعراض عنهم كونهم في جانب عنه وذلك يستلزم ترك معاملتهم والاستدلال بها علي ذلك بعيد الا انه محتمل والدالة علي ذلك النصوص الواردة عن أهل البيت عليهم السلام .

بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ).

الثامنة: في سورة النساء الآية 141 قوله تعالي: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ (1) عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) .

ص: 232


1- (1) قوله تعالي : ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ) . انتهي . في عيون الأخبار عن أبي الصلت الهروي قال : قلت للرضا عليه السلام : يابن رسول الله ان في سواد الكوفة قوما يزعمون أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم لم يقع عليه السهو في صلاته ، فقال : «كذبوا لعنهم الله ان الذي لا يسهو هو الله الذي لا إله إلا هو » . قال : وقلت : يابن رسول الله وفيهم قوم يزعمون أن الحسين عليه السلام لم يقتل وأنه القي شبهه علي حنظلة بن أسعد الشامي وأنه رفع إلي السماء كما رفع عيسي بن مريم عليهماالسلام ويحتجون بهذه الآية ، فقال : «كذبوا عليهم غضب الله ولعنته وكفروا بتكذيبهم النبي صلي الله عليه و آله و سلم في اخباره بأن الحسين عليه السلام سيقتل والله لقد قتل الحسين عليه السلام وقتل من كان خيرا من الحسين أمير المؤمنين والحسن بن علي عليهماالسلام وما منا إلا مقتول واني والله لمقتول بالسم باغتيال من يغتالني أعرف ذلك بعهد معهود إلي من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أخبره به جبرئيل عن رب العالمين . فأما قوله عز وجل : ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ) الآية ، فانه يقول : لن يجعل الله لكافر علي مؤمن حجة ولقد أخبر الله تعالي عن كقار قتلوا النبيين بغير الحق ومع قتلهم اياهم لن يجعل الله لهم علي أنبيائه عليهم السلام سبيلا من طريق الحجة». وهذا الحديث صريح الدلالة علي ثبوت السهو عليه صلي الله عليه و آله و سلم في الصلاة. ويدل علي ذلك أيضا أخبار كثيرة : و به صرح ابن بابويه في كتابه وجعله اسهاء من الله لحكمة وانكره أكثر الأصحاب وأجابوا عن هذه الأخبار بوجوه. منها : الحمل علي التقية . ويدل أيضا علي أفضلية أميرالمؤمنين علي الحسين عليهماالسلام بل أفضلية الحسن عليه السلام . الخ. وقد استدل بها كثير من الأصحاب وغيرهم علي عدم جواز تسلط الكافر علي المسلم بوجه من الوجوه لأن السبيل نكرة في سياق النفي فتفيد العموم فيدخل في ذلك أن العبد إذا أسلم ومولاه كافر فانّه يقهر علي بيعه من مسلم وأنه لا يجوز بيع العبد المسلم من كافر ولا إجارته منه ولا رهنه عنده ولو وضع علي يد مسلم ولاكونه وكيلا علي مسلم وإن كان موكله مسلما ولا كونه وصيا علي أولاد المسلم ولاحوالته عليه ونحو ذلك من الأحكام المذكورة في كتب الفقه .

ص: 233

ص: 234

كتاب الدين وتوابعه

اشارة

ص: 235

ص: 236

أما أحكام الدين(1) ففيه ثلاث آيات:

الأولي: في سورة البقرة 282 الآية قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ (2) بِدَيْنٍ إِلَي أَجَلٍ مُسَمًّي فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ

ص: 237


1- (1) قيل الدين هو المال الكلي الثابت في ذمة شخص لآخر بسبب من الأسباب .
2- (2) قوله تعالي : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ) . انتهي. في الصحاح : تداينوا تبايعوا بالدين ، واستدانوا استقرضوا. وقال في مجمع البيان : تداينتم أي تعاملتم وداين بعضكم بعضا. والآية دالة علي أحكام متعددة : الأول: اباحة الادانة والاستدانة وقد ثبت ان النبي والحسن والحسين عليهم السلام ماتوا وعليهم دين وبالجملة ثبوته من طريق أهل بيت عليهم السلام ضروري والأول : وهو الادانة لا خلاف في رجحانه مع دلالة الأدلة عليه واما الثاني : وهو الاستدانة فلا خلاف في رجحانه أيضا مع الحاجة بل قد يجب مع الضرورة . ويدل علي ذلك ما رواه الشيخ عن موسي بن بكر قال : قال أبو الحسن عليه السلام : « من طلب هذا الرزق من حله ليعود به علي عياله أو نفسه كان كالمجاهد في سبيل الله عزوجل فان غلب عليه ذلك فليستدن علي الله عز وجل وعلي رسوله صلي الله عليه و آله و سلم ما يقوت به عياله». الحديث. الثاني: قد افهم قوله : (بِدَيْنٍ إِلَي أَجَلٍ) اباحة المعاملة بالدين مؤجلا نسيئة و سلما لأن الدين حق يثبت في الذمة فهو أعم من المؤجل وغيره. الثالث: افهم تقييده بالمسمي انه لابد من كون الأجل مصوناً عن الزيادة والنقصان. والتعبير بالمسمي يدل علي أنه لابد من كون الدال علي ذلك لفظا ولو بالقرينة فلا يكفي القصد. الرابع: الأمر بكتابة الدين لئلا يذهب المال بطول المدة وعند عروض النسيان أو الموت ويكون قاطعا لسبيل النزاع في الزيادة والنقصان فالأمر حينئذ يكون للارشاد. الخامس: أمر الكاتب أن يكتب الدين علي وفق ما تراضيا عليه بلا حيف ولا زيادة ولا نقصان. فيدل علي أنه ينبغي أن يكون الكاتب عدلا مأمونا بل ممن له معرفة بأساليب الكلام ومعرفة الأحكام الا إذا كانا عارفين بذلك فكتب بمحضر منهما ومشهد. السادس: قوله تعالي : (وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ) ، أي لا يمنع كاتب أن يكتب الصك علي الوجه الذي تراضيا عليه اداء لشكر ما أنعم الله عليه بمعرفة الكتابة وفضله فلا يبخل علي غيره بذلك. ويحتمل أن المعني أن يكتب علي الوجه الذي علمه الله من الكتابة بالعدل والإنصاف. وحاصل المعني أنهم إذ دعوه للكتابة علي الوجوه السائغة (أي الجائزة ) شرعا فلا يمتنع من ذلك بل يكتب والا فلا. السابع: الاملال والاملاء بمعني واحد وخصه بالذي عليه الحق لأنه الغارم ولانه المشهود عليه. ثم بين أنه يجب عليه تقوي الله في املائه بأن لا ينقص من قدره شيئا ولا من صفته ولا يذكر في إملائه من الأسباب الخفية والظاهرة والعلل ما يكون مبطلا للحق وإنما أمره بذلك لجواز غفلة صاحب الحق أو عدم معرفته بأساليب الكلام وفقه المسائل. ثم بين سبحانه حال من لا يصح منه الأملال (أي الإملاء ) بأن كان سفيها وهو الذي ينفق أمواله في غير الأغراض الصحيحة. أو الذي ينخدع أو كان ضعيفا وهو ناقص العقل إما لكبر أو لصغر أو نحو ذلك .

ص: 238

بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ (1)

ص: 239


1- (1) قوله تعالي : (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ). انتهي. أي ولي هؤلاء. وقيل الضمير يرجع إلي صاحب الحق لأنه أعلم بدينه وهو ضعيف كما لا يخفي . والمراد من ولي من إليه النظر في ماله كالأب والجد للأب والوصي وحاكم الشرع. وقد تضمنت الاية أحكاما وهي شرعية الولاية علي هؤلاء. وصحة المعاملة بنيابتهم عنهم، وصحة الاستدانة لمصالحهم . وعدم صحة مباشرتهم لعقود المعاملة وصلاحية تعلق الدين في ذمتهم مع مباشر الولي لذلك. وأنه يجب علي الولي مراعاة المصلحة للمولي عليه وعدم بخسه . وذلك لقوله تعالي : (بِالْعَدْلِ) به أي في الإملاء ففي المعاملة بطريق أولي. وجواز الترجمة علي العاجز من الكلام ولزوم كون المترجم عدلا ( بل يكفي الوثوق بكلامه ). الثامن: الاشهاد وذلك لأنه لما كان مجرد وجود الصك غير كاف لاثبات الحق لأن من شاء كتب كتابا ارشدهم إلي ما يكون سببا لتوثيق المال وحفظه وهو الأشهاد .

وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ (1) فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ

ص: 240


1- (1) قوله تعالي : (مِنْ رِجَالِكُمْ). يدل علي اشتراط الاسلام في الشاهد فلا تقبل شهادة الكافر وان كان ذميا أو كان المشهود عليه كافرا. التاسع: من الأحكام ما أشار إليه بقوله : (فَإِنْ لَمْ يَكُونَا) أي فان لم يكون الشهيدان رجلين فرجل وامرأتان أي فليكن رجلين وامرأتان وهي دالة علي قبول شهادة النساء منضمات إلي الرجال في الدين وهو موضع وفاق. العاشر من الأحكام ما أشار إليه بقوله : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) فانه يدل علي اشتراط العدالة صريحا بعد التنبيه عليه بقوله : (مِنْكُمْ) ، وذكر هذا بعد النساء للتنبيه علي أنه شرط فيهن أيضا. الحادي عشر: من الأحكام قوله تعالي : (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ) قرأ الحمزة بكسر الهمزة فهي شرطية وجزاء الشرط فتذكر وقرء الباقون بفتحها. وتذكر هو من الذكر الذي هو ضد النسيان والمفعول الثاني محذوف أي الشهادة . وقرأ ابن كثير وأبو عمر وقتيبة فتذكر بالتخفيف والنصب من الأذكار فهو بهذا المعني أيضاً وهو بيان لعلة عدم الاعتماد علي الواحدة . الثاني عشر: ما أشار إليه (وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا) إلي اقامة الشهادة . الثالث عشر: ما أشار إليه بقوله : (وَلَا تَسْأَمُوا) من التحريص إلي الكتابة وبيان أنه ينبغي أن لا تملوا من كتابة الدين إلي أجله وإن كثرت مدايناتكم وحقوقكم سواء كان ذلك الدين قليلا أو كثيرا. وبيان الفائدة في ذلك بأنه أي كتابة الكتاب أو كتابة الشهادة في الصك أو ما يشملها أعدل عند الله لأنه امر به واتباع أمره أعدل وأقوم أي أعون علي اقامتها علي وجهها وأثبت . الرابع عشر: قوله : (وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ) انتهي . يمكن أن يكون المراد المبايعة في التجارة الحاضرة وان ذلك مغن عن الكتابة . الخامس عشر: من الأحكام ، قوله : (وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ) انتهي . يجوز أن يكون المعني يضار بالكسر مبنيا للفاعل فيكون النهي للكاتب أن يكتب ما لم يملله عليه وللشاهد أن يشهد بما لم يستشهد فيه . ثم أكد هذا الحكم بقوله : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) أي تلك المضارة (فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) أي خروج عن امتثال أوامر الله ونواهيه ثم أكده أيضا بالأمر بالتقوي والتحذير عن مخالفة أوامره سبحانه ونواهيه. ثم اردفه بأنه سبحانه يعلمكم الأحكام التي تحتاجون إليها في أمر دينكم لأنه العالم بجميع الأشياء تحريصا لهم علي الأخذ بها لأن فيه صلاح النشأتين ، ففيها دلالة علي أن أحكام الشرع توقيفية وأنه لا يجوز العمل بالقياس .

وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَي وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَي أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَي أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) .

ص: 241

الثانية: في سورة البقرة الآية 280 قوله تعالي : (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ (1)فَنَظِرَةٌ إِلَي مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) .

الثالثة : في سورة البقرة الآية 245 قوله تعالي: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ

ص: 242


1- (1) قوله تعالي : (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ) . انتهي . كان تامة. وقيل : يجوز أن يكون ناقصة محذوفة الخبر أي كان ذو عسرة غريما لكم . وقرء ذا عسرة . والمعني حينئذ وان كان المديون ذا عسرة . والنظرة مرفوع علي أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ محذوف الخبر أي فالحكم نظرة أو فعليكم نظرة من الأنظار وهو التأخير، والمعسر من يعجز عن أداء ما عليه من الدين . فالجملة الخبرية هنا بمعني الأمر دالة علي وجوب الانظار وعدم جواز مطالبته في تلك الحال ولا يحسب عليه قوت يومه وما عليه من ثياب بدنه وفرس ركوبه وخادمه ودار سكناه المعتاد لمثله فان ذلك لا يجب صرفه في الدين . وهنا فوائد: الأولي: ظاهر الآية أنه لابد من ثبوت العسرة حتي يخلي سبيله ، وطريق ثبوت ذلك ، الخ. الثانية: ظاهرها بعد ثبوت الاعسار يخلي وليس للديان جبره علي التكب. الثالثة: ظاهرها أنه يمتد وقت الانتظار إلي أن يحصل اليسار. الرابعة: مقتضي اطلاق الاية شمول الانظار للمعسر في كل دين . قال في مجمع البيان وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام .

اللَّهَ (1) قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) .

وأما توابع الدين فأنواع:

النوع الأول : في الرهن

النوع الأول : في الرهن(2)

وفيه آية واحدة:

وهي في سورة البقرة الآية 283 قوله تعالي : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَي سَفَرٍ وَلَمْ

ص: 243


1- (1) قوله تعالي : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ) انتهي. من للاستفهام ومحلها الرفع بالابتداء ، وذا خبره . والذي صفته أو بدل منه ، فيضاعفه وفيه أربع قراءات : أحدها: بالألف والرفع، الثانية : بالتشديد والرفع عطفا علي يقرض فيضاعفه مستأنفة، والثالثة والرابعة بالألف وعدمه مع النصب فيهما باضمار أن عطفا علي يقرض من حيث المعني أي أن يقرض فيضاعفه ، واقراض الله مثل لتقديم العمل الذي يطلب ثوابه . فالمراد الأمر، وليس بقرض حاجة علي ما ظنه اليهود كما حكي عنهم بقوله: (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ) بل سمي الانفاق قرضا تلطفا للدعاء إلي فعله وتنبيها علي أنه يرجع إليهم ولا يفوتهم. والقرض الحسن هو المقرون بالاخلاص الذي لا يبتغي به سوي الله . فتدل علي مشروعية القرض ورجحانه. وقوله : (يَقْبِضُ) القبض المنع والبسط التوسيع علي ما رواه في التوحيد .
2- (2) وهو دفع العين للاستيثاق علي الدين ويقال لدافعها الراهن وللآخذها المرتهن وللعين الرهن أو المرهون كذا قيل في تعريفه .

تَجِدُوا (1) كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي

ص: 244


1- (1) قوله تعالي : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَي سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا) انتهي . قرء ابن كثير وأبو عمرو فرهن علي وزن فعل كرسل وكتب والباقون رهان، وهو خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ محذوف الخبر أي فالوثيقة أو فعليكم. والخطاب للمتعاملين بالدين المؤجل كما يشعر به قوله : (وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا) من حيث أنه المأمور بكتباته ويشعر به أيضا السياق، فدلت الآية علي مشروعية الرهن في السفر. وقد تضمنت الآية فوائد: الأولي: وصف الرهان بالمقبوضة يدل علي اشتراط القبض وإلي هذا ذهب أكثر الأصحاب. الثانية: علي القول بكون القبض شرطا فهل هو شرط لصحة كونه رهنا بمعني أنه لو لم يقع لكان الرهن باطلا. أو هو شرط اللزوم بمعني انه لو لم يقع لكان صحيحا الا انه ليس بلازم يجوز له الرجوع فيه. الثالثة: حيث قلنا أنه لا يشترط الدوام في القبض يكفي حصوله مسماه ولو بعد مضي زمان من العقد لصدق حصول القبض في الجملة ؛ فافهم. الرابعة: بدل الارشاد إلي الاستيثاق لحفظ المال بالرهن انه لا يصغ رهن ما لا يمكن استيفاء الحق منه كالاعيان التي لا يصح تملكها كالحر والاعيان التي لا يصح بيعها كالاعيان النجسة وآلات القمار ونحو ذلك. الخامسة: قوله تعالي : (فَإِنْ أَمِنَ) الخ، أي وثق واعتمد بعض الديانين من بعض المديونين ولم يخش جحودا ولا ضياعا فلم يكتب ولم يأخذ رهنا. فليؤد: أي يقضي الذي ائتمن أي استدان امانته أي دينه . وقوله : (وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ) أي ولا يجحده ولا ينقصه من حقه شيئا حيث اعتمد بذلك علي الله ولم يستوثق من حقه. السادسة: النهي عن كتمان الشهادة عند الاحتياج إليها لاثبات الحق لما مر. واضافة الاثم إلي القلب لأنه محل الكتمان ولأنه أمير الجوارح الذي به يعقل ويفهم وتصدر عن أمره ورأيه .

اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ).

النوع الثاني : في الضمان

وفيه آيتان:

الأولي: في سورة يوسف 72 الآية قوله تعالي: (قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (1).

ص: 245


1- (1) قوله تعالي : (قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) . الزعيم والضمين والكفيل بمعني واحد. وهنا فوائد : الأولي: دلت الآية علي مشروعية الجعالة والضمان. الثانية: إذا حصل الضمان انتقل المال إلي ذمة الضامن وليس للمضمون له المطالبة بالحق من المضمون. الثالثة: يظهر منها جواز تعلق الضمان بالمال سواء كان لازما كالدين الثابت في الذمة والاجارة أو متزلزلا لكن يؤل إلي اللزوم كالثمن في مدة الخيار وهو المسمي بضمان العهد وضمان الدرك وكذا مال الجعالة قيل فعل ما شرطه ؛ الخ. الرابعة: قد استدل بها علي انه لا يشترط العلم بكمية المال المضمون لاختلاف الحمل بالزيادة والنقصان. الخامسة: حيث عرفت أن الضمان موجب لانتقال الحق إلي ذمة الضامن فيشترط في الضامن أن يكون مكلفا جايز التصرف فلا يصح ضمان الصبي ولا المجنون ولا المملوك إلا باذن مولاه. السادسة: بناء علي ما عرفت أيضا يشترط رضا الضامن لأنه غارم فلا يجبر عليه ولا يعتبر رضي المضمون عنه كاداء الدين وهما موضع وفاق. وأما المضمون له فالمشهور اشتراط رضاه في صحة الضمان لما عرفت من انتقال الحق إلي ذمة الضامن والناس يختلفون في سهولة الأداء فالرغبة مختلفة في مثله فلابد من رضاه دفع للضرر.

الثانية: في سورة ن الآية 40 قوله تعالي : (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ(1)) .

النوع الثالث : الصلح

النوع الثالث : الصلح(2)

ص: 246


1- (1) قال الأردبيلي قدس سره : وأنت تعلم عدم دلالتهما (أي الآية الأولي والثانية ) علي الضمان المشروع عند الفقهاء سيما الأخيرة فدليلهم الاجماع والاخبار. نعم في الأولي اشارة إلي مشروعية الجعل وضمانه قبل الشروع في العمل في شرع من قبلنا.
2- (2) قال العلامة قدس سره في التذكرة : الصلح عقد شرع لقطع التنازع المتخاصمين وهو عقد بين سائغ بالنص والإجماع. الخ.

وفيه ست آيات:

الأولي: في سورة النساء 114 الآية قوله تعالي: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ (1) إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا).

ص: 247


1- (1) قوله تعالي : (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ) انتهي . النجوي السر بين اثنين . يقال : نجوته نجوا أي ساررته وكذلك ناجيته وانتجي القوم وتناجوا أي تساروا، والنجوي قد يكون اسماً وقد يكون مصدرا كذا في الصحاح وإلا هنا بمعني لكن ويجوز أن يكون للاستثناء علي حذف المضاف أي الا نجوي . الخ. ويكون المراد نفي الخير عن جميع نجواهم الا ما استنثي. أو يكون التقييد بالكثير لاستجلاب القلوب ولكونه أدخل في الاعتراف والاذعان وليخرج عند الخطاء والنسيان وما استكرهوا عليه. والمراد بالمعروف أبواب البر والاصلاح بين الناس يراد به اصلاح ذات البين . وبذلك استدل علي مشروعية الصلح بالمعني المتعارف من حيث إنه قاطع للتنازع ورافعا للمباينة بين المتخاصمين سواء كان علي دين أو عين أو منفعة ونحو ذلك. وقد يراد بالاصلاح ما يشمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والارشاد إلي ما يوجب رضاء الرحمن والفوز بالجنان ونحو ذلك من مكارم الاخلاق .

الثانية: في سورة النساء الآية 128 قوله تعالي: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا (1) نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا (2)أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا (3) صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) .

الثالثة: في سورة النساء الآية 35 قوله تعالي: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ

ص: 248


1- (1) قوله تعالي : ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا) لما ظهر من المخائل والامارات ، (نُشُوزًا) تجافيا عنها وترفعا عن صحبتها كراهة لها أو اعراضا بتقليل المحادثة والرغبة عن الجامعة ونحو ذلك من الامارات.
2- (2) قوله تعالي : (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا)، أي لا حرج علي كل واحد من الزوجين.
3- (3) قوله تعالي : (أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا) قرء غير أهل الكوفة يصالحا بتشديد الصاد وفتح اللام والياء. وقرء أهل الكوفة يصلحا بضم الياء وكسر اللام وسكون الصاد فيكون بمعني تصالحا وب- أن تهب بعض الحقوق اللازمة لها عليه كالقسم والنفقة أو بعض المال تفعل ذلك لتسميله إلي صحبتها وعدم مفارقتها ويكون ذلك صلحا لشأنها معه ووسيلة إلي استقامتها ولا اثم عليه في قبول ذلك منها كما لا اثم عليها في بذله له بل الصلح في مثل ذلك خير من تركه لما فيه من المنافع الدنيوية والاخروية. وفيها دلالة علي مشروعية الصلح بل رجحانه و تدل علي جواز جعل عوض الصلح بعض المنافع واسقاط بعض الحقوق كما تدل عليه الأخبار. وفي تفسير العياشي عن أحمد بن محمد في قوله تعالي : (وَإِنِ امْرَأَةٌ) الخ. قال : نشوز الرجل أن يهم (أي يقصد ) بطلاق امرأته فتقول له ادع ما علي ظهرك وأعطيك كذا وكذا واحللك من يومي وليلتي علي ما اصطلحا عليه فهو جايز .

بَيْنِهِمَا (1) فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا(2) إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا).

الرابعة : في سورة الأنفال الآية 1 قوله تعالي: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ(3)).

الخامسة: في سورة الحجرات الآية 10 قوله تعالي : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ

ص: 249


1- (1) قوله تعالي : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا) انتهي . أي خلافا ونزاعا يورث الفرقة بينهما، (فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا) ، الأمر للارشاد والخطاب للحكام الذين يرجع الناس إليهم في أحكامهم. ويمكن أن يكون الخطاب لاقارب الزوجين وقيد الحكم بكونهما من أهله وأهلها لكونهما أرفق بهما وأعرف بأحوالهما وادفع للتهمة.
2- (2) (إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا). الضمير الأول يرجع إلي الحكمين والثاني للزوجين . ويمكن أن يرجع كلاهما إلي الحكمين أو الزوجين . والأول هو الظاهر ، وفيه دلالة علي مشروعية الصلح بالمعني المعروف .
3- (3) قوله تعالي :(فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ). أي الذي وقعت بينهم مباينة ومنازعة أي مروهم بالصلح وقطع المنازعة . ويمكن حمل الاصلاح علي ما يشمل المساعدة بالمال والجاه ورفع الخصومات ونحو ذلك. ويرشد إليه ما روي انه عليه السلام قد جعل عند بعض أصحابه مالا ليدفع حينئذ الخصومات بين شيعته.

إِخْوَةٌ (1) فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) .

السادسة: في سورة الحجرات الآية 9 قوله تعالي: (فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا (2) بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) .

ص: 250


1- (1) قوله تعالي : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) في الايمان والدين (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) والنكتة في وضع الظاهر موضع المضمر لشدة الاهتمام، ففيها دلالة علي الصلح بالمعني المشهور.
2- (2) قوله تعالي : (فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا) . انتهي . وفيها دلالة علي الترغيب بالصلح والاصلاح وقد مر الكلام فيها . وهنا فوائد: الأولي: ظهر من الآيات أن الصلح لقطع المنازعة. الثانية: مقتضي الآيات أن مشروعيته لدفع ارتكاب مخالفة الله ورسوله الحاصلة من المنازعة. فاللازم لذلك انه لا يجوز علي ما فيه مخالفة الله كان يصالح علي استرقاق حر، أو شرب خمر أو لا يطأ حليلته ، أو لا ينتفع بماله، أو نحو ذلك من الأمور غير السائغة شرعا. الثالثة: يظهر من اطلاق الآيات أن الصلح عقد برأسه وليس فرعا علي غيره . الرابعة: يظهر أيضا من الاطلاق انه لا يجوز مع الانكار والاقرار ومع جهلهما بالحق المتنازع فيه وعلمهما به. الخامسة: يظهر منها رجحان الصلح وعظم منفعته.

النوع الرابع : الوكالة

النوع الرابع : الوكالة(1)

وقد استدل علي استفادتها من القرآن بثلاث(2) آيات:

الأولي: في سورة البقرة الآية 237 قوله تعالي: (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ(3)أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ).

الثانية: في سورة الكهف الآية 19 قوله تعالي :(فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ (4)

ص: 251


1- (1) الوكالة وهي تولية الانسان غيره في امضاء امر أو استتابته في التصرف فيما كان له ، كذا قيل.
2- (2) قال الفاضل قدس سره: وعندي في الاستدلال بهذه الآيات نظر : أما الأولي : فلأن المراد بالذي بيده عقدة النكاح الولي الاجباري أو الزوج، الخ. وأما الثانية : فانها حكاية حال غير مشروع ولا معصوم، فلا يكون حجة. وأما الثالثة : فلأن المراد بالفتي العبد والخادم ولذلك قال صلي الله عليه و آله و سلم ليقل أحدكم فتاي وفتاتي ولا يقل عبدي وأمتي، وبالجملة ليس في الآيات المذكورة نصوصية علي مشروعية الوكالة في هذه الشريعة فلا يكون حجة. وقال الأردبيلي قدس سره : ظاهر الثانية لا يخلو عن دلالة ما وفي الأولي والأخيرة لا دلالة علي ما نفهم، فافهم.
3- (3) قوله تعالي : ( إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) انتهي. ووجه الدلالة أن من بيده عقدة النكاح يشمل الوكيل ولا يخفي ما فيه . وفي الصافي قوله تعالي : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) يعني المطلقات أي يتركن ما يجب لهن من نصف المهر فلا يطلبن الأزواج بذلك .
4- (4) قوله تعالي : (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ) . انتهي . وحاصل المعني أعطوه دراهمكم وأقيموه مقام أنفسكم في الابتياع لكم وهذا معني الوكيل. وفيه أن المبعوث أحدهم ومن الجايز أن يكون هو صاحب الورق ويكون اضافتها إليهم مجازا علي أنها حكاية عن فعل من ليس فعله حجة. وفي الصافي : الورق : الفضة، وليتلطف أي ليتكلف اللطف في التخفي والتنكر حتي لا يعرف. وفي المجمع والورق الدراهم وكان معهم دراهم عليها صورة الملك الذي كان في زمانهم ، عن ابن عباس . (إِلَي الْمَدِينَةِ) يعني خرجوا منها.

بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَي الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَي طَعَامًا (1)فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا) .

ص: 252


1- (1) قوله تعالي : (أَيُّهَا أَزْكَي طَعَامًا) . أي أطهر وأحل ذبحه ، عن ابن عباس قال : لأن عامتهم كانت مجوساً وفيهم قوم مؤمنون يخفون ايمانهم . وقيل : أطيب طعاما عن الكليني. وقيل : أكثر طعاما من قولهم أزكي المال اذا زاد عن عكرمة. وذلك لأن خير الطعام إنما يوجد عند من كثر طعامه . وقيل : كان من طعام أهل المدينة ما لا يستحله أصحاب الكهف. (وَلْيَتَلَطَّفْ ) أي وليدقق النظر ويتحيل حتي لا يطلع عليه . وقيل : (وَلْيَتَلَطَّفْ) في الشراء فلا يماكس البايع ولا ينازعه. (وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا) أي يخبرن بكم ولا بمكانكم أحدا من أهل المدينة .

لِفَتَاهُ (1) آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا) .

ص: 253


1- (1) قوله تعالي : (فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ) . الخ. وجه الدلالة أن العرب تسمي الوكيل والخادم فتي. والمراد به هنا يوشع بن نون عليه السلام كما رواه العياشي في تفسيره عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام ، ونحوه روي علي بن ابراهيم في تفسيره . ورواه في كتاب اكمال الدين باسناده إلي الحكم بن مسكين عن صالح عن جعفر بن محمد عليهماالسلام .وليس خادما. فتعين أن يكون وكيلا. وفي الدلالة نظر لأن يوشع كان وصيا لموسي عليه السلام لا وكيلا. علي انا سلمنا اطلاق الفتي علي الوكيل فلا نسلم انحصاره فيما ذكر فلا يتم دلالة الآيات علي مشروعية الوكالة. وقيل : في بعث الحكمين اشارة إلي مشروعيتها لأن البعث توكيل والقصد اثبات المشروعية من القرآن وعدم وضوح دلالته علي ذلك لا ينافي ثبوته من السنة و الاجماع.

ص: 254

كتاب فيه جملة من العقود

اشارة

ص: 255

وفيه مقدمة وأبحاث: أما المقدمة ففيها آية واحدة مشتملة علي أحكام كلية :

في سورة المائدة الآية 1 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) .

ص: 256


1- (1) قوله تعالي : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) . الخ. وفي بعهده وأوفي بمعني واحد. والمراد ما يعقده الناس علي أنفسهم أو في معاملاتهم فيدخل فيه العقود والايقاعات . وقيل : المراد العهود التي عقدها الله تعالي علي عباده وألزمهم بها من التكاليف . وفي تفسير علي بن ابراهيم عن أبي عبدالله عليه السلام : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) قال : « بالعهود». وروي أيضا عن أبي جعفر الثاني عليه السلام : «ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عقد عليهم لعلي صلوات الله عليه بالخلافة في عشرة مواطن ، ثم أنزل الله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) التي عقدت عليكم لأمير المؤمنين عليه السلام.» والحمل علي الجميع أولي لعموم اللفظ وعدم ثبوت المخصص. قال الفاضل قدس سره : قيل كل آية صدرت ب-(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فهي مدنية وب-(يَا أَيُّهَا النَّاسُ) هي مكية والأصح أن هذا علي الأغلب. وقال الأردبيلي قدس سره الوفاء والايفاء القيام بمقتضي العقد والعهد. والعقد : العهد الموثق المشدد بين اثنين فكل عقد عهد دون العكس لعدم لزوم الشدة والاثنينية.

البحث الأول: في الاجارة

وفيها(1) آيتان:

الأولي: في سورة القصص الآية 26 قوله تعالي : (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا

ص: 257


1- (1) قال الفاضل قدس سره : دلتا علي مشروعية الإجارة وإن كانت في شرع غيرنا لاصالة عدم النسخ مع اشتمال عقدها علي كونه من متممات نظام النوع لأنه مما يضطر إليه لما تقرر في العلوم الحقيقية ان الانسان لا يمكن أن يعيش ( مثل سائر الحيوانات) وحده فيفتقر إلي التعاضد وذلك غير واجب علي الغير القيام به فيجوز أخذ العوض عليه فتشرع المعاوضة علي المنفعة وذلك هو المطلوب. وفي الآية الثانية اشارة إلي وجوب ضبط العمل بالمدة إن قدر بها والا فبغيرها من الضوابط . وقال الأردبيلي قدس سره : فيهما دلالة علي مشروعية الاجارة في الجملة في شرع من قبلنا وحجيتهما عندنا موقوفة علي كونه حجة عندنا وليس بثابت وتحقيقه في الأصول ولا يكفي اصل عدم النسخ في دلالتهما عليها عندنا وكون ذلك العقد مما يتوقف عليه حفظ النوع أن تم فليس بدليل علي دلالتهما (أي الآيتين ) عليها (أي الاجارة ).

أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ (1) إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) .

الثانية : في سورة القصص الآية 27 قوله تعالي: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَي ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَي أَنْ تَأْجُرَنِي(2) ثَمَانِيَ حِجَجٍ) .

ص: 258


1- (1) قوله تعالي : ( يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) . الخ. دالة علي مشروعية الاجارة في زمن شعيب عليه السلام. وقد مر أن ما حكاه الله تعالي عن من كان قبلنا من الأنبياء يكون ثابتا وحجة في شرعنا. قال الموسوي وفي الصافي في قوله تعالي : (الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) القمي في حديثه فقال لها شعيب : أما قوته فقد عرفته بأنه يستقي الدلو وحده فبم عرفتي امانته ؟ فقالت : أنه لما قال لي تأخري عتي ودلني إلي الطريق فانا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء ، عرفت انه ليس من الذين ينظرون اعجاز النساء فهذه امانته.
2- (2) قوله تعالي : (أَنْ تَأْجُرَنِي) . الخ. دالة علي مشروعية الاجارة أيضا. روي في الكافي عن ابن سنان عن أبي الحسن عليه السلام قال : سئلته عن الاجارة فقال : «صالح لا بأس به إذا نصح قدر طاقته قد آجر موسي نفسه واشترط فقال إن شئت ثماني حجج وان شئت عشرا فأنزل الله فيه : (أَنْ تَأْجُرَنِي) ، الآية». وأراد بالحجج جمع حجة وهي حج البيت الحرام ويكون اطلاقه هنا علي السنين من قبيل تسمية الشيء بما يقع فيه كما يقال : مكثت ثمان رمضانات. وفي الآية اشارة إلي أنه يجب ضبط مدة الإجارة .

البحث الثاني: في الشركة

البحث الثاني: في الشركة(1)

وفيه ثلاث آيات (2):

الأولي: في سورة الأنفال الآية 69 قوله تعالي : ( فَكُلُوا مِمَّا(3) غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

الثانية: في سورة النساء الآية 12 قوله تعالي: ( فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ(4) ).

الثالثة : في سورة التوبة الآية 60 قوله تعالي : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ(5)

ص: 259


1- (1) قيل الشركة تطلق علي معنيين احدهما : اجتماع حق مالكين أو أكثر في الشيء الواحد علي سبيل الشياع. الثاني : عقد واقع بين أثنين أو أكثر علي المعاملة بمال مشترك بينهم وتسمي الشركة العقدية والاكتسابية.
2- (2) قال الأردبيلي قدس سره: وفي دلالة الأولي مناقشة والأخيرة لا دلالة لها بل لا قائل بها في الزكوة عندنا لانتفاء لوازم الشركة مثل اختيار المالك في تعيين المخرج وجواز تصرفه بغير اذن الفقراء. الي قوله : نعم الثانية ظاهرة في ذلك ولا يحتاج حصولها إلي الدليل بلأحكامها؛ فتامل.
3- (3) قوله تعالي : (فَكُلُوا مِمَّا) الخ. دلت علي اشتراك الغانمين في الغنيمة لجمعهم في الخطاب.
4- (4) قوله تعالي : (فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ) . انتهي. دلت علي الاشتراك.
5- (5) قوله تعالي : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ) . انتهي. لدلالتها علي الاشتراك في ذلك أيضا. وفي دلالة الآيات تأمل. أما الأولي: فلجواز كون المراد اباحة الأكل منها لا الشركة بالمعني المصطلح. وأما الثانية : فلدلالتها علي الاشتراك في الميراث كما يقال الناس في الكلأ والماء والنار شركاء . وليس المراد بالمعني المصطلح أعني اجتماع حقوق الملاك في الشيء الواحد علي سبيل الشياع. وأما الثالثة : فلأنه إنما يثبت ذلك علي القول بوجوب البسط. وقد عرفت أن اللام لبيان المصرف علي أن لوازم الشركة منتفية فيه اذ للمالك أن يخص بها صنفا واحدا بل واحدا من صنف وله الاخراج من غير ذلك المال وله النما ونحو ذلك مما ينافي الشركة بالمعني المصطلح كذا قيل. والحق أن دلالة الثانية علي ذلك واضحة لأنه لا معني لاشتراكهم في الثلث الا اجتماع حقوقهم فيه علي سبيل الشياع. وكذا الكلام في الآية الأولي كما دلت عليه الاخبار الواردة في تفسيرها. نعم الاية الثالثة غير واضحة الدلالة .

وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

ص: 260

البحث الثالث: في المضاربة

البحث الثالث: في المضاربة(1)

واستدلوا علي مشروعيتها بثلاث(2) آيات(3):

الأولي: في سورة الجمعة الآية 10 قوله تعالي : (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ

ص: 261


1- (1) المضاربة وهي مفاعلة من الضرب في الأرض لأن العامل يضرب فيها للسعي في التجارة وابتغاء الربح بطلب صاحب المال فكان الضرب مسببا عنهما أو أن اطلاق المفاعلة عليهما لأن كلا منهما يضرب في الربح بسهم. واعلم أن من دفع إلي غيره مالا ليتجر به فلا يخلوا إما أن يشترطا كون الربح بينهما أو لأحدهما، أو لا يشترطا. فالأول هو المضاربة وأهل الحجاز يسمونه قراضا وإن شرطاه للعامل فهو قرض وان شرطاه للمالك فهو بضاعة وكذا إذا لم يشترطا شيئا الا ان للعامل أجرة مثله حينئذ. وعقد المضاربة مركب من عقود كثيرة لأنه مع صحة العقد وعدم ظهور ربح ودعي امين ومع ظهور شريك ومع التعدي غاصب ومع تصرفه وكيل ومع فساد العقد أجير.
2- (2) قال الفاضل : قال المعاصر يمكن أن يستدل بها علي جواز المضاربة لأنها دلت علي رجحان التكسب ولم يفرق ( يعني المعاصر) بين كونه بمال المكتسب أو بمال غيره وعندي في الاستدلال بها نظر. الخ.
3- (3) وقال الأردبيلي قدس سره الآيات لا دلالة فيها الا بعموم بعيد وآية البيع والتجارة أقرب منها. والمضاربة في اصطلاحهم دفع أحد النقدين إلي شخص ليعمل به ويكون له حصة من الربح.

فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ (1) وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

الثانية: في سورة النساء الآية 101 قوله تعالي: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي

ص: 262


1- (1) قوله تعالي : (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) ، وقوله تعالي : (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ) . دلت علي مشروعية المضاربة. وجه الدلالة انها دلت علي مشروعية التكسب أعم من أن يكون بمال نفسه أو مال غيره علي الوجه المذكور في معني المضاربة فالدلالة عليها من حيث العموم وفي الدلالة تأمل. قال الموسوي وفي المجمع قوله تعالي : (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) . انتهي . يعني إذا صليتم الجمعة وفرغتم منها فتفرقوا في الأرض (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) أي واطلبوا الرزق في الشراء والبيع وهذا اباحة وليس بأمر و ايجاب. وروي عن أنس عن النبي عليه السلام قال في قوله : (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا) الآية : ليس بطلب دنيا ولكن عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله . وقيل : المراد بقوله : (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) طلب العلم ؛ عن الحسن وسعيد بن جبير ومكحول. وروي عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال : الصلوة يوم الجمعة والانتشار يوم السبت . الخ. وفي المجمع أيضا قوله تعالي : (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ) أي يسافرون للتجارة وطلب الأرباح. وفي الصافي : وفي تحصيل العلم.

الْأَرْضِ) .

الثالثة : في سورة المزمل الآية 20 قوله تعالي: (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) .

البحث الرابع : في الأبضاع

البحث الرابع : في الأبضاع(1)

وفيه ثلاث آيات(2) كلها في سورة يوسف:

الأولي: الآية 62 قوله تعالي: (وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ(3) ).

ص: 263


1- (1) وهو أن يدفع الإنسان إلي غيره ماليبتاع به متاعا ولا حصة له في ربحه ، بخلاف المضاربة . ( مجمع).
2- (2) قال الأردبيلي قدس سره : وعدم دلالتها علي المطلوب واضح فانه دفع مال إلي أحد ليتجر له مجانا ومعلوم أن المراد في الآيات مال اخوة يوسف عليه السلام الذي اشتروا به طعاما وأن هذا لا يحتاج إلي الآيات وأظن ان آيات التجارة والوكالة أدل.
3- (3) قوله تعالي : ( وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ)، وقوله تعالي : (وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ) ، وقوله تعالي : (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ). البضاعة في هذه الآيات هي ثمن طعام اشتروه من يوسف عليه السلام . وفي تفسير العياشي عن أحمد بن محمد عن الرضا عليه السلام قال : «كانت بضاعتهم المقل وكانت بلادهم بلاد المقل». (قال الموسوي : وفي المجمع : وقيل : بضاعتهم التعال والادم). فان قيل المراد بها في الآيات مال أخوة يوسف عليه السلام الذي اشتروه به طعاما لأنفسهم كما تدل عليه الاخبار مع أنه شرع من قبلنا ولا حجة فيه . قلت : روي العياشي في تفسيره عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام: «انه لما اشتد حزن يعقوب حتي تقوس ظهره وادبر الدنيا عنه وعن ولده حتي احتاجوا حاجة شديدة وفنيت ميرتهم فعند ذلك قال يعقوب عليه السلام لولده: (اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا) الآية فخرج منهم نفر وبعث معهم بضاعة يسيرة » . الحديث . وهذا يدل علي أن المال كال ليعقوب والاضافة تكفي فيها أدني ملابسة (كما نقول بلدنا وسيارتنا). وما حكاه تعالي من شرع من كان قبلنا حجة علينا كما مر.

الثانية: الآية 88 قوله تعالي: (وجئنا ببضاعة مزجية) .

الثالثة: الآية 65 قوله تعالي: (ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم) .

البحث الخامس : في الايداع

البحث الخامس : في الايداع(1)

والآيات الدالة علي مشروعيته ثلاث وهي دالة علي المعني العام غير انا

ص: 264


1- (1) الايداع هو استنابة في الحفظ أو العقد المفيد لذلك. والأمانة أعم من ذلك لتحققها في ضمن الرهن والعارية والاجارة والبضاعة ونحوذلك كما وردت به الأخبار. ففي حسنة الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان». ونحو ذلك من الأخبار الدالة علي اتصاف المستعير والمرتهن ونحوهما بكونه أمينا . الخ.

جعلنا العنوان الوديعة تبعا لهم :

الأولي: في سورة النساء الآية 58 قوله تعالي : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ(1) أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَي أَهْلِهَا).

الثانية: في سورة البقرة الآية 283 قوله تعالي: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ(2)

بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ).

الثالثة : في سورة آل عمران الآية 75 قوله تعالي: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ (3)

ص: 265


1- (1) قوله تعالي : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ) . انتهي. ودلالتها علي وجوب رد الأمانات الشاملة للوديعة وغيرها ومشروعيتها واضحة. قال الأردبيلي قدس سره مضمون قوله : (أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَي أَهْلِهَا) ، (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) مما يدل عليه العقل أيضا فان وجوب اداء الأمانات كلها إلي أهلها ضروري، والظاهر أنه فوري مع الطلب بغير خلاف ويمكن تعميمه لاداء جميع الواجبات كما نقل في مجمع البيان.
2- (2) قوله تعالي : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ) .انتهي وهذه ظاهرة الدلالة علي ارادة أداء الدين . وقد مر بيان وجه تسميته بالأمانة وأنه يجوز حملها علي ارادة الوديعة. ويمكن حمل الاسم الموصول علي الجنس فتحمل علي ارادة المعني العام الشامل للوديعة.
3- (3) قوله تعالي : (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ) . انتهي. هذه ظاهر الدلالة علي ارادة مطلق الأمانة وان كان ارادة الوديعة أوضح. والممدوح فيها النصاري لأنهم لا يستحلون أموال من يخالفهم في الاعتقاد ، والمذموم اليهود فانهم يستحلونها كما حكي عنهم تعالي بقوله: «ليس علينا في الاميين سبيل » والامي عندهم من ليس علي دينهم. فبالغ في ذمهم وكذبهم بقوله : (وَيَقُولُونَ عَلَي اللَّهِ الْكَذِبَ) . وقال في مجمع البيان : روي عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم انه لما قرء هذه الاية قال : «كذب أعداء الله ما من شيء كان في الجاهلية الا وهو تحت قدمي إلا الأمانة فائها مؤداة إلي البر والفاجر » . وهنا فوائد: الأولي: الأمانة اسم من أمنته علي كذا وائتمنته . وأصلها من الأمن الحاصل من حسن الظن بالمستأمن فيحرم علي الأمين الخيانة والتعدي والتفريط ويجب عليه حفظها بما جرت العادة فيه بالحفظ ومقتضي ذلك أن الأمين لا يضمن إذا لم يخالف في مقتضي الأمانة. الثانية: مقتضي رد الامانة إلي أهلها انه لو لم يكن من أهلها بأن كان غاصبا لها فلا يجب ردها إليه بل لا يجوز له ذلك. الثالثة: مقتضي عموم الآيات أنه يجب رد الأمانة وأنه لا يجوز المقاصة منها . الرابعة: مقتضي العموم أيضا أنه يجب ردها علي صاحبها ولو كان كافرا. الخ. الخامسة: ذكر بعض الأصحاب أن الأمانة تنقسم إلي أنها قد تكون من المالك كالوديعة والعارية والراهن والاجارة ونحو ذلك مما سلطه المالك عليه وقد تكون من الشرع وهي المسماة الأمانة الشرعية كاللقطة وما دخل إلي منزلك من مال الغير .

مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا) .

ص: 266

البحث السادس : في العارية

وهي اذن في الانتفاع بالعين تبرعا وموضوعها كل عين ينتفع بها مع بقائها واشتقاقها إما من العاري أو من العري أي عن العوض أو من عار إذا ذهب ورجع .

واستدل علي مشروعيتها بآيتين:

الأولي: في سورة المائدة الآية 2 قوله تعالي: (وَتَعَاوَنُوا عَلَي الْبِرِّ وَالتَّقْوَي(1)) .

الثانية: في سورة الماعون الآية 7 قوله تعالي : (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ(2)) .

ص: 267


1- (1) قوله تعالي : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَي الْبِرِّ وَالتَّقْوَي). تدل علي العارية بالعموم حيث أن المعني فليعاون بعضكم بعضا علي الاحسان و صنايع المعروف واجتناب المعاصي وامتثال الأوامر فيدخل فيه العارية.
2- (2) قوله تعالي : (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ). روي في الكافي عن سماعة بن مهران عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « والماعون أيضا هو القرض يقرضه والمتاع يعيره والمعروف يصنعه .» وفي الحسن عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله تعالي : (فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) وقوله عز وجل : (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) قال : « هو القرض يقرضه والمعروف يصنعه ومتاع البيت يعيره.» فقلت له إن لنا جيرانا إذا أعرناهم متاعا كسروه وأفسدوه فعلينا جناح أن نمنعهم ؟ فقال : «لا ليس عليكم جناح أن تمنعوهم إذا كانوا كذلك». الخ.

البحث السابع : في السبق والرماية

وقد استدل علي مشروعيته من القرآن بثلاث آيات:

الأولي: في سورة الأنفال الآية 60 قوله تعالي : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ (1) مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) .

الثانية: في سورة يوسف الآية 17 قوله تعالي : (إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ (2)) .

ص: 268


1- (1) قوله تعالي : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ) . انتهي. يستدل بها علي مشروعية السبق والرماية. وجه الاستدلال أنه تعالي أمر المؤمنين بأن يستعدوا لمحاربة المخالفين للاسلام بما دخل في وسعهم واستطاعتهم ومن ذلك الرياضة في تحصيل أسباب الغلبة التي أعظمها ممارسة الآلات الحربية وتحصيل الحذق فيها (أي المهارة ). وقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم : « القوة الرمي .» قالها ثلاثا.
2- (2) قوله تعالي : (إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ) . انتهي. أي نتسابق ، والشايع المتبادر أن ذلك يكون في الأمور المذكورة. ولو قيل : إنه عام شامل للعدو علي الأقدام وهو غير سائغ في شرعنا. لقلنا: تخصيصه لدليل لا ينافي المشروعية وبعث يعقوب عليه السلام يوسف معهم وتقريرهم علي ذلك يدل علي أنه كان مشروعا عندهم وقد حكاه تعالي في كتابه ولم يثبت نسخه فيكون ذلك حجة كما مر مرارا.

الثالثة: في سورة الحشر الآية 6 قوله تعالي : (فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ (1)) .

البحث الثامن : في الشفعة

البحث الثامن : في الشفعة(2)

وهي مأخوذة من قولك شفعت كذا بكذا إذا جعلته شفعا به كأن الشفيع جعل

ص: 269


1- (1) قوله تعالي : (فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ) . وقد مر الكلام فيها. ووجه الدلالة هنا أنه تعالي لم يجعل لهم نصيبا في ذلك من حيث إنهم لم يحصل منهم المسارعة لا فرسانا ولا ركبانا علي أخذه بالغلبة وهذا يقتضي صحة المسابقة عليها وفيه تأمل .
2- (2) قال الفاضل قدس سره: وموضوعها عندنا كل عقار مشترك بين اثنين فيبيع أحدهما حصته فللآخر الانتزاع من المشتري مع بذل الثمن له. ولها شروط تذكر منها كلياتها وهي ثمانية : الأول: كون الشركة في عقار ثابت لا ما ينتقل من المبيعات . الثاني: انتقال الحصة بالبيع لا بغيره من العقود . الثالث: عدم زيادة الشركاء علي اثنين . الرابع: بقاء الشركة بالجزء المشاع. الخ. الخامس: قدرة الشفيع علي الثمن. السادس: أن لا يكون كافرا والمشتري مسلما. السابع: كون العقار قابلا للقسمة . الثامن: المطالبة علي الفور. الخ.

نصيبه شفعا بنصيب صاحبه.

وهو في الشرع أن يبيع أحد الشريكين في العقار حصته لآخر فللثاني أخذها من هذا الآخر بمثل الثمن الذي اشتري به إن كان مثليا وإلا قيمته.

وليس في الكتاب العزيز ما يدل علي خصوص شرعيتها صريحا، بل لما كان مشروعيتها لإزالة الضرر الحاصل من مزاحمة الشراكة.

لما روي عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « قضي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بالشفعة بين الشركاء

في الأرضين والمساكن وقال لا ضرر ولا ضرار».

أمكن أن يستدل عليها:

الأولي: في سورة الحج الآية 78 قوله تعالي : (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).

الثانية: في سورة البقرة الآية 185 قوله تعالي : (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).

الثالثة: في سورة البقرة الآية 220 قوله تعالي: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ) .

فان هذه الآيات بعمومها تتناولها.

ص: 270

البحث التاسع: في اللقطة

البحث التاسع: في اللقطة(1)

ص: 271


1- (1) وهي إما انسان أو حيوان أو مال ولم يرد في القرآن ما يدل علي مشروعيتها بخصوصها. واستدل بعضهم علي ذلك بعموم قوله تعالي : (تَعَاوَنُوا عَلَي الْبِرِّ وَالتَّقْوَي) وقوله تعالي : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) والاستدلال بهذا العموم علي مشروعيتها مطلقا غير تام لأنه يفيد الرجحان. وقد وردت الأخبار بالنهي عن أخذها. كما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن أبي العلاقال : ذكرنا لأبي عبدالله عليه السلام اللقطة فقال : «لا تعرض لها فان الناس لو تركوها لجاء صاحبها حتي يأخذها». وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام قال : سألته عن اللقطة ، قال : «لا ترفعها فان ابتليت بها فعرفها سنة .» الحديث . وفي الصحيح عن الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال : «كان علي بن الحسين عليهماالسلام يقول لأهله : لا تمسوها.» فهذه الأخبار ومافي معناها دالة علي مرجوحية أخذها فكيف يتناولها العموم المذكور. نعم قد يكون بعض الأفراد راجحا كاللقط في المهلكة وكالمال إذا عرف أو ظن انه لواحد من المؤمنين وكان في موضع تلف في تلك الحال لا يبعد دخوله تحت العموم ولأنه من الاحسان المأمور به. ومن ثم صرح كثير من الأصحاب بأن أخذ اللقيط في تلك الحال واجب لكن علي الكفاية. وأما ما حكاه تعالي من قوله : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) وقوله : (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) فلا يدل علي المطلوب، والأخبار الدالة علي مشروعية أخذها أي جوازها كثيرة فلهذا حملت الاخبار السابقة علي الكراهة جمعا بينها. وأما موثقة زرارة قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن اللقطة فأراني خاتما في يده من فضة قال : «ان هذا مما جاء به السيل وأنا أريد أن أتصدق به.» فليس فيها دلالة علي الرجحان لجواز كونه مما ابتلي به حيث أدخله السيل في بيته أو لبيان الجواز ونحو ذلك وللقطة أحكام مفضلة في الكتب الفقهية .

البحث العاشر: في الغصب

وهو في اللغة أخذ الشيء ظلماً، وشرعاً هو الاستيلاء علي مال الغير عدوان ؛ ويدل علي تحريمه خمس آيات:

الأولي: في سورة النساء الآية 29 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ(1)) .

الثانية: في سورة التوبة الآية 34 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ(2)لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ) .

الثالثة : في سورة البقرة الآية 194 قوله تعالي : (فَمَنِ اعْتَدَي (3) عَلَيْكُمْ

ص: 272


1- (1) قوله تعالي : (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) . أي لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل.
2- (2) قوله تعالي : (إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ) . انتهي . قد تقدتم الكلام فيه وأنها متناولة للغصب بعمومها.
3- (3) قوله تعالي : و(فَمَنِ اعْتَدَي) . انتهي . (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ) . انتهي . (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ) . انتهي. يدل بعمومها علي ذم الغصب وتحريمه حيث سماه معتديا وظالما ومسيئا. وذلك متناول المال وغيره. وكل ذلك مما نهي الله تعالي عنه فانه لا يحب المعتدي ولا الظالم ( ولاالمسيء). وقد يستدل بالآيات الثلاث الأخيرة علي جواز المقاصة. كما دلت عليه الأخبار المروية عن أهل البيت عليهم السلام وقد مر الكلام فيه. وهنا فوائد: الأولي: يستفاد من الآيات أن الشيء المغصوب لا يدخل في ملك الغاصب لأنه تناوله بالباطل فيبقي علي ملك مالكه وكذا فوائده فيجب رده مع فوائده إن كان المغصوب عينا موجودة والا فمثله إن كان مثليا وقيمته الأعلي إلي حين التلف أو يوم التلف أو يوم الغصب إن كان قيميا. الثانية: مع وجود العين المغصوبة يجوز للمالك إنتزاعها سواء كانت عند الغاصب أو عند غيره لأنها لم تخرج بذلك عن ملك مالكها فيجوز له أخذها حيث كانت وإن لم يأذن له من هي في يده في ذلك. وإن تلف فمع بذل العوض فليس للمالك أخذه (أي العوض) الا باذنه لأن للغاصب الخيار في جهات القضاء من أي أمواله شاء ، فان امتنع من بذل العوض فللمالك أخذه قصاصا من أي أموال الغاصب شاه. ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن سليمان قال كتب إليه رجل غصب رجلا مالا أو جارية ثم وقع عنده مال بسبب وديعة أو قرض مثل ما خانه أو غصبه ، أيحل حبسه عليه أم لا؟ فكتب عليه السلام : «نعم يحل له ذلك إن كان بقدر حقه وإن كان أكثر فيأخذ منه ما كان عليه ويسلم الباقي إليه ان شاء ». الثالثة: تسمية ما أخذه جزاء ومقاصة عدوي وسيئة مجاز . والمراد بالمثل المقدار أي إنه يقاصه ويأخذ منه علي قدر حقه لا يزيد علي ذلك . الرابعة: اطلاق العدوي عليك والسيئة اليك يشمل الشتم ونحوه من الاهانات مع أنه لا يجوز المقاصة في مثله. الخامسة: قد يستفاد من اطلاق الآيات إذا تعاقبت الأيدي علي العين المغصوبة اختيارا مع العلم بالغصب أنه يسمي كل واحد منهم آكلا بالباطل ومعتديا ومسيئا. السادسة: قد عرفت أن العين المغصوبة لا تخرج عن ملك مالكها فيجب ردها وإن تغيرت صفتها كالحنطة طحينا أو خبزا أو تعسر ردها كاللوح في السفينة والخشبة في البناء. وان طرء فيه بسب ذلك نقص يأخذ معه الارش وتفاصيل الغصب وأحكامه في محله إن شاء الله تعالي.

ص: 273

فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَي عَلَيْكُمْ).

الرابعة : في سورة حمعسق الآية 40 قوله تعالي : (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) .

الخامسة: في سورة الشوري الآية 41 قوله تعالي: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ(1) فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ).

ص: 274


1- (1) قوله تعالي : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ) . قال الموسوي وفي المجمع معناه من انتصر لنفسه وانتصف من ظالمه بعد ظلمه أضاف الظلم إلي المظلوم أي بعد أن ظلم وتعدي عليه فأخذ لنفسه بحقه فالمنتصرون ما عليهم من اثم وعقوبة وذم. وفي الصافي قوله تعالي : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) بالمعاتبة والمعاقبة. وفي الخصال عن السجاد عليه السلام حق من أساك أن تعفو عنه وإن علمت أن العفو يضر انتصرت قال الله تعالي : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) . وعن الصادق عليه السلام عن آبائه قال : «قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم : ثلاثة ان لم تظلمهم ظلموك: السفلة والزوجة والمملوك» انتهي.

البحث الحادي عشر: في الاقرار

وقد استدل علي ذلك بخمس آيات:

الأولي : في سورة الملك الآية 11 قوله تعالي : (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ(1)

و

ص: 275


1- (1) قوله تعالي : (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ). يدل علي الاقرار حيث رتب الذم والدعاء عليهم بالبعد عن رحمة الله علي اعترافهم واقرارهم علي أنفسهم . فيعلم من ذلك إن اقرار الانسان علي نفسه جائز شرعا وحجة علي اللزوم. قال الموسوي : وفي الصافي فاسحقهم الله سحقا أي أبعدهم بعداً من رحمته وقرء فسحقا بضمتين . والقمي قال : قد سمعوا وعقلوا ولكنهم لم يطيعوا ولم يقبلوا كما يدل عليه اعترافهم بذنبهم. وفي الاحتجاج في خطبة الغدير النبوية : «ان هذه الآيات في اعداء علي عليه السلام وأولاده والتي بعدها في أوليائهم ». انتهي. قال الفاضل قدس سره : فيها اشارة إلي كون المقر ذا معرفة بما أقر به فيدخل في ذلك اشتراط بلوغه وعقله ورشده.

فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ) .

الثانية: في سورة النساء الآية 135 قوله تعالي : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ(1) شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَي أَنْفُسِكُمْ ).

الثالثة: في سورة آل عمران الآية 82 قوله تعالي : (قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَي ذَلِكُمْ إِصْرِي(2) قَالُوا أَقْرَرْنَا ).

ص: 276


1- (1) قوله تعالي : (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) . انتهي. دلالتها علي المدعي واضحة لأن شهادة المرء علي نفسه عين اقراره بما يلزمه من الحقوق. قال الفاضل قدس سره : وفيها اشارة الي وجوب الإقرار بالحق اللازم للمقر لقوله تعالي : (كونوا قوامين بالقسط) ، أي بالعدل والأمر للوجوب.
2- (2) قوله تعالي : (قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَي ذَلِكُمْ إِصْرِي) . انتهي . تدل علي لزوم الحكم للمقر. قال الموسوي: وفي الصافي القمي عن الصادق عليه السلام قال: «لهم في الذر ( أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَي ذَلِكُمْ إِصْرِي) أي عهدي ( قَالُوا أَقْرَرْنَا ) قال الله للملائكة فاشهدوا. وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : « أقررتم وأخذتم العهد بذلك علي أممكم قالوا أي قال الأنبياء وأممهم أقررنا بما أمرتنا بالاقرار به قال الله فاشهدوا بذلك علي أممكم وان أممكم من الشاهدين عليكم وعلي أممكم». انتهي. ثم الاقرار لغة الاثبات من قولك قد الشيء يقر واقره بقره . وفي الاصطلاح الشرع هو الاخبار عن حق واجب كقولك لك علي أو عندي أو في ذمتي وما أشبه ذلك والحق قد يكون مالا وقد يكون عقوية وقد يكون نسبة . والمال قد يكون معينة مفضلا وقد يكون مبهما فيلزم تفسيره. الخ. قال الفاضل قدس سره : فيها اشارة إلي وجوب الحكم علي المقر بما أقر به مطلقا .

الرابعة : في سورة الملك الآيات 8-9 قوله تعالي: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَي قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ) .

الخامسة: في سورة الأعراف الآية 172 قوله تعالي: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَي) (1) ).

البحث الثاني عشر: في الوصية

اشارة

البحث الثاني عشر: في الوصية(2)

ويدل عليها أربع آيات :

ص: 277


1- (1) قوله تعالي : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَي) وقوله تعالي : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَي) . يدل علي شرعية الاقرار حيث رتب استيجاب العقوبة علي اعترافهم واقرارهم.
2- (2) قال الفاضل قدس سره : الوصية وهي لغة مشتقة من وصي يصي أي يصل ، يقال أوصي يوصي ايصاءاً ووصي يوصي توصية والاسم الوصية والوصاة. وشرعا هو تمليك عين أو منفعة بعد الوفاة وسمي ذلك وصية لأن الموصي يصل تصرفه بعد الموت بما قبله.

الأولي: في سورة مريم الآية 87 قوله تعالي : (لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ(1) إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا).

الثانية: في سورة البقرة الآيات 180 - 182 قوله تعالي : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ

ص: 278


1- (1) قوله تعالي : (لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ) . انتهي. روي ابن بابويه والشيخ عن سليمان بن جعفر عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصا في مروته وعقله . قيل يا رسول الله وكيف يوصي الميت قال : إذا حضرته الوفاة واجتمع الناس إليه قال : اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم اللهم اني عهدت اليك في دار الدنيا أني أشهد أن لا اله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك وأن الجنة حق والنار حق والبعث حق والحساب حق والقبر والميزان حق وأن القرآن كما أنزلت وأنك أنت الله الحق المبين جزي الله محمداً خير الجزاء وحيي الله محمدا و آل محمد بالسلام . اللهم يا عدتي عند كربتي ويا صاحبي عند شدتي ويا ولي عند نعمتي . الهي واله آبائي لا تكلني إلي نفسي طرفة عيني فانك إن تكلني إلي نفسي كنت أقرب من الشر وأبعد من الخير وآنس في القبر وحشتي واجعل لي عهداً يوم ألقاك منشورا. ثم يوصي بحاجته وتصديق هذه الوصية في القرآن في السورة التي يذكر فيها مريم في قوله عز وجل (لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا) فهذا عهد الميت، والوصية حق علي كل مسلم أن يحفظ هذه الوصية ويعلمها وقال أميرالمؤمنين عليه السلام علمنيها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم وقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علمنيها جبرئيل عليه السلام (كما في الكافي ج 7 ص 2).

إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ (1)إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ

ص: 279


1- (1) قوله تعالي : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) . ولنذكر ما تضمنته الآية في جملة فوائد : الأولي: الخطاب للمؤمنين أو كل من يصلح له الخطاب وإن كان غير مكلف، فيدخل فيه من بلغ عشرا من الصبيان وكان مميزا وكانت وصيته بالمعروف بحضور الموت حضور أسبابه وأمارته لكن يقيد بمن كان عنده رشده وعقله وإن اعتقل لسانه فيجوز بالاشارة والكتب في هذه الحال. والمراد بالخير المال كما في قوله : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) . ويدخل فيه الدية فتنفذ منها الوصايا وتقضي الديون. والوصية مرفوعة به (كُتِبَ) وتذكير الفعل لأن المعني أن يوصي أو الايصاء. ومن ثم ذكر الضمير الراجع إليها في قوله : (بَدَّلَهُ) . وقيل : يجوز أن يكون رفعها بالابتداء و (لِلْوَالِدَيْنِ) الخبر. والجملة جزاء الشرط بتقدير الفاء الرابطة علي حد من يفعل الحسنات الله يشكرها . الثانية: (كُتِبَ ) بمعني فرض. والمراد هنا الندب وزيادة الحث. الخ. الثالثة: المراد بالأقربين المعروفون بنسبه عرفا وعادة سواء كانوا ورثة أم لا ذكورا أو إناثا. وذلك لأنه لم يرد من الشارع تنصيص وتعيين للاقربين فيحال معرفتهم إلي العرف لأنه المحكم في مثل ذلك. الرابعة: يستدل باطلاقها علي جواز الوصية للذمي من الأقارب بل للحربي . ويشهد الأول أيضا عموم قوله تعالي : (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ). والوصية بر. الخ. الخامسة: اطلاق الوصية للأقربين يقتضي التسوية بينهم من غير تفضيل . الخ. السادسة: قوله تعالي : (بِالْمَعْرُوفِ) الظرف متعلق بالوصية أو بمقدر حال عنها. وقوله : ( حَقّاً) مصدر مؤكد للمضمون المذكور وخصهم بالذكر بعد دلالة أول الكلام علي التعميم تشريفا لهم ولأنهم المراعون لامتثال الأوامر . والمراد بالمعروف هنا ما كان علي النهج الشرعي والطريق العدل . السابعة: ظاهر الآية يدل باطلاقه علي جواز الوصية بأي قدر شاء من المال . ولكن خرج ما زاد علي الثلث الاخبار والاجماع. الثامنة: ما تضمنته من عدم جواز تغير الوصية بالمعروف وصرفها علي الوجه الذي أمر به لا يجوز ذلك للوصي ولا لغيره. والمراد بسماعه وصول العلم إليه بذلك وتحققه عنده . التاسعة: قوله : (فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا) . انتهي . قره أهل الكوفة غير حفص ويعقوب موض بالتشديد والباقون بالتخفيف . فالأول من وصي ، والثاني من أوصي. والجنف حرمان بعض الورثة. والاثم الوصية لبيوت النيران ( أي تأمر بعمارة بيوت النيران واتخاذ المسكر فيحل للوصي أن لا يعمل بشيء من ذلك كما في الصافي). وضمير (بَيْنَهُمْ) يرجع إلي الورثة وأموالهم. والاصلاح ردها إلي المعروف .

ص: 280

بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَي الْمُتَّقِينَ فَمَنْ(1) بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَي الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ).

الثالثة : في سورة النساء الآية 11 قوله تعالي : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ(2)) .

ص: 281


1- (1) قال في مجمع البيان في قوله تعالي : (فَمَنْ بَدَّلَهُ) . انتهي . في هذه الآية دلالة علي أن الوصي أو الوارث اذا فرط في الوصية أو غيرها لا يأثم الموصي بذلك ولم ينقص من أجره شيء فانه لا يجازي أحد علي عمل غيره. وفيها أيضا دلالة علي بطلان قول من يقول إن الوارث اذا لم يقض دين الميت فانه يؤخذ به في قبره أو في الآخرة لما قلناه من أنه يدل علي أن العبد لايؤخذ بجرم غيره اذ لا إثم عليه بتبديل غيره. وكذلك لو قضي عنه الوارث إذا لم يوص به لم يزل ذلك عقابه إلي أن يتفضل الله باسقاط عقابه ؛ قال الموسوي : في الأخير تأمل.
2- (2) قوله تعالي : ( من بعد وصية يوصي بها أو دين) . ذكر سبحانه هذا اللفظ ثلاث مرات في ثلاث آيات . وقيده في واحدة منها - وهي الآية 15 - بقوله: (غَيْرَ مُضَارٍّ) وهو حال منضمير يوصي والظرف متعلق بما تقدمه من قسمة الميراث أي انه يقسم ذلك بعد انفاذ الوصية. والدين في حال كونه غير مضار في وصية بأن لا يوصي أزيد من الثلث أو لا يقر بدين ليس عليه يقصد حرمان الورثة. الخ قال الفاضل قدس سره : هنا سؤال تقريره لم قدم الوصية علي الدين مع أن الفقهاء مجمعون علي تقديم مؤونة التجهيز من أصل التركة ، ثم الدين من الأصل أيضا، ثم الوصية من الثلث وأيضا الدين يجب أداؤه سواء أوصي به الميت أو لم يوص والوصية لا يجب إلا إذا أوصي بها. والجواب أن «أو» هنا بمعني « إلّا» أو تقديره من بعد وصية الا أن يكون هناك دين. فان قلت : إن «أو» لا يكون بمعني «الّا» أو «الي» الا إذا دخلت علي فعل مضارع وهنا ليس كذلك . قلنا : الفعل هنا مقدر وهو يحصل أو يكون أو يوجد واما قدرنا ذلك لئلا يلزم حمل القرآن علي الركاكة. فان قلت : اذا كانت بهذا المعني يجب أن يكون جوابا بأحد الأمور الثمانية وليس هيهنا شيء منها. قلت : هي هنا جواب الأمر إذ تقدير يوصيكم الله أعطوا أولادكم.

الرابعة : في سورة المائدة الآيات 106 - 108 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ(1) أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ

ص: 282


1- (1) قوله تعالي : (شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ) . انتهي. ( شَهَادَةُ ) مبتدأ محذوف الخبر أي عليكم شهادة بينمكم. و(اثْنَانِ) فاعل لفعل محذوف أي يشهد علي حد لبيك يزيد ضارع لخصومة. ويجوز أن يكون اثنان فاعلا سادا مسد الخبر أو يكون هو الخبر علي حذف مضاف أي الاشهاد الذي أمرتم به وتقام به الحقوق فيما بينكم عند الحكام شهادة اثنين فالاضافة إلي الظرف علي الاتساع وذلك عند حضور أمارات الموت والأمراض هي مظنة لذلك أي ينبغي لكم أن تفعلوا ذلك فهو ظرف للاشهاد و (حِينَ الْوَصِيَّةِ) بدل منه. وفيه اشارة إلي أنه إنما يفتقر إلي ذلك حين ارادة الايصاء بالأمور ليكون ذلك دافعا للمنازعة ومثبتا للحقوق التي يريدها. الخ.

ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا (1) مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ (2) بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ (3) ..................

ص: 283


1- (1) قوله تعالي : (تَحْبِسُونَهُمَا) . الخ. صفة (آخَرَانِ) به وجملة الشرط مع جوابه المحذوف المدلول عليه بقوله : (آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ). اعتراض وفائدته الدلالة علي أنه ينبغي أن يشهد منكم اثنان فان تعذر فمن غيركم. ويجوز أن يكون الجملة مستأنفة كانه قيل كيف العمل بشهادة غير المسلمين مع حصول الارتياب بشهادتهما. فقال : (تَحْبِسُونَهُمَا ) أي تمنعونهما وتقفونهما لاداء ذلك من بعد صلوة العصر كما سيجيء إن شاء الله . الخ.
2- (2) قوله تعالي : (فَيُقْسِمَانِ) . عطف علي تحبسونهما.
3- (3) قوله تعالي : (إِنِ ارْتَبْتُمْ) . المراد ارتياب الوارث أو من يقوم مقامه من الأولياء . ويحتمل الأعم منه ومن الحكام للشرع. وفائدة اعتراض الشرط التنبيه علي اختصاص القسم بحال الريبة . وقوله : (لَا نَشْتَرِي بِهِ) هو مقسم عليه . والمعني لا نستبدل بالله أو التي بالقسم بالله كذبا لأجل نفع وغرض من الدنيا ولو كان المقسم له المشهود له حينئذ ذا قربي . وجوابه محذوف مدلول عليه بسابقه أي لا نشتري ولا نكتم شهادة الله التي أمرنا باقامتها مع علمنا بأنا إذا كنتمناها من الآثمين. (فَإِنْ عُثِرَ) أي اطلع. (عَلَي أَنَّهُمَا) فعلا ما يوجب اثما فشاهدان آخران يكونان من الورثة أو ممن يلي أمرهم. (الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ) أي أثبت الوصية عليهم وأخذ منهم متعلقها بسبب شهادة الشاهدين الذين بان كذبهما. (الْأَوْلَيَانِ) أي الأحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما بأحوال صاحبهما وهو بدل من ضمير يقومان أو خبر مبتدأ محذوف أي هما أو خبر آخران أو بدل منهما. وقرء حمزة ويعقوب وابوبكر عن عاصم (الْأَوَّلِينَ) علي انه صفة الذين . أو بدل منه أي من الأولين الذين استحق عليهم. وقرء الأولين علي التثنية وانتصابه بفعل محذوف أي أعني أو علي المدح وقرء الأولان واعرابه اعراب الأوليان. (فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا) أي يمينا أصدق وأول من يمينهما لخيانتهما وكذبهما فاطلاق الشهادة علي اليمين مجاز لوقوعها موقعها كما في اللعان . الخ. وما اعتدينا وتجاوزنا الحق انا اذا اعتدينا لنعلم أن نكون من الظالمين . ذلك أي الحكم الذي تقدم أو تحليف الشاهد . أدني أي أقرب إلي أن يأتوا بالشهادة علي وجهها علي نحو حملوها من غير تحريف وخيانة فيها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد ايمانهم أي ترد اليمين علي المدعين بعد ايمانهم فيحصل لهم الفضيحة بظهور الخيانة واليمين الكاذبة وانما جمع الضمير لأنه حكم يعم الشهود كلهم. قال في مجمع البيان انها نزلت في تميم بن اويس الداري وأخيه عدي وهما نصرانيان وابن أبي مارية مولي عمرو بن العاص السهمي وكان مسلما حتي اذا كان ببعض الطريق مرض ابن أبي مارية فكتب وصية بيده ودسها في متاعه وأوصي إليهما ودفع المال إليهما وقال أبلغاه أهلي فلما مات فتحا المتاع وأخذا ما أعجبهما منه ثم رجعا المال إلي الورثة فلما فتش القوم المتاع فقدوا بعضه ونظروا إلي الوصية فوجدوا المال فيها تامة. الخ. فقد استفيد من الآية أحكام: الأول: رجحان الوصية والاشهاد عليها وكون أقل الشهود اثنين عدلين. الثاني: ظاهرها التخيير في الاشهاد علي الوصية بين المسلمين والكفار مطلقا . الثالث: قد يستفاد من العطف اعتبار عدالة أهل الذمة في مذهبهم في قبول شهادتهم في ذلك. الرابع: قد يظهر منها اشتراط السفر في قبول شهادة الذمي في الوصية . الخامس: قد يظهر منها ومن الأخبار تقديم المخالف العدل في دينه علي الذمي لدخوله تحت الاسلام بالمعني العام . السادس: يظهر منها ومن الأخبار أن الشاهد الذي يحلف مع حصول الريبة في التهمة لا بدون ذلك وأنه اذا حصلت امارة أوجبت الظن بخيانهما يحلف الوارث أو من يقوم مقامه من الأولياء المطلعين علي ذلك علي بطلان دعواهما أو نفي العلم بذلك فينقض شهادتهما ويأخذ منهما المال. السابع: قد عرفت فيما سبق أنه يشترط في الشاهد الايمان والعدالة وجازت شهادة الذمي في الوصية خاصة بالنص والنص تضمن المال. فلا تسمع شهادتهما في غيره كالولاية.

ص: 284

ص: 285

لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَي وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ * فَإِنْ عُثِرَ عَلَي أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ أَدْنَي أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَي وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ).

في بعض أحكام الحجر

ويدل عليه خمس آيات:

الأولي: في سورة النساء الآية 2 كقوله تعالي : (وَآتُوا الْيَتَامَي(1)

ص: 286


1- (1) قوله تعالي : (وآتوا اليتامي) . انتهي . في القاموس اليتم بالضم الانفراد أو فقدان الاب ويحرك ، وفي البهايم فقدان الأم. واليتيم الفرد وكل شيء يعز نظيره وقد يتم كعلم وضرب يتما ويفتح وهو يتيم ويتمان ما لم يبلغ الحلم، الجمع ايتام ويتامي ونحوه في الصحاح. فعلم من اللغة أن اليتيم إنما يطلق علي ما دون البلوغ كما هو في العرف وفي الشرع أيضا لقوله صلي الله عليه و آله و سلم : «لا يتم بعد الحلم .» فالخطاب لمن بيده ما لهم من ولي ووصي ونحوهم أن يدفع إليهم ما لهم بعد البلوغ والرشد. الخ. واطلاق اليتيم عليهم لقرب العهد بالصور من قبيل تسمية الشيء بما كان عليه . الخ.

أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ(1) وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَي أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا) .

الثانية: في سورة النساء الآية 6 قوله تعالي :(وَابْتَلُوا الْيَتَامَي (2) حَتَّي

ص: 287


1- (1) قوله تعالي : (وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) . فالمراد لا تستبدلوا الحرام من أموالهم بالحلال من أموالكم فان الحرام خبيث أي ردي في الاخرة . الخ. وبالجملة المراد النهي عن أكل أموالهم ظلما الذي هو من الكبائر . الخ.
2- (2) قوله تعالي : (وَابْتَلُوا الْيَتَامَي حَتَّي ) . انتهي. هذه الآية مقيدة لاطلاق الآية السابقة حيث تضمنت أنه انما يدفع أموالهم إليهم بعد حصول البلوغ والرشد. ولنذكر شرحها في ضمن فوائد : الأولي: الخطاب للأولياء الذين بيدهم أموالهم أو لمن كان بيده لهم مال وان لم يكن ولي ولا وصيا. والابتلاء : الاختبار وهو يختلف باختلاف أهل المكان الذي نشأوا فيه وأحوالهم. الخ . الثانية: المراد ببلوغ النكاح بلوغ الحد الذي يقدرون معه علي المواقعة والانزال . الخ. الثالثة: دلت الآية علي اعتبار الرشد ومعني الرشد أن يكون له عقل يصلح به أمواله ولا يخدع غالبا في المعاملات والتصرفات اللائقة. الرابعة: قد يفهم من الآية تقديم الاختبار علي البلوغ ولعل ذلك لأن مناط الرشد هو عقل المعاش ووجوده لا يتوقف علي البلوغ ولأنه يحتاج إلي فسحة من الزمان لتحصيل الوثوق بكثرة المعاشرة والامتحانات. ويترتب علي ذلك المسارعة إلي أهله كما يقتضيه الأمر به في قوله تعالي : (فَادْفَعُوا) . الخامسة: قد استدل بعضهم بالاية علي صحة تصرفات الصبي المميز الواقعة باذن الولي لأن الابتلاء المأمور به قبل البلوغ. وهو إنما يحصل اذا أذن له الولي في البيع والشراء ونحوهما. ليحصل الغرض المقصود من الاختبار وفيه تأمل. السادسة: ظاهر اطلاق الآية يقتضي جواز دفع المال إليهم بل وجوبه علي الفور كما يقتضيه التعقيب بالفاء. وذلك لأنه علق الأمر بالدفع علي استيناس الرشد فلو توقف معه علي أمر آخر لم يكن الشرط صحيحا. السابعة: مقتضي مفهوم الشرط عدم جواز الدفع إليهم عند عدم الرشد ولو طعن في السن كما يدل عليه قوله تعالي :(وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) علي ما هو في رواية الثمالي وصحيحة هشام ونحوهما . الثامنة: تضمنت النهي عن أكل مال اليتيم وقد وقع النهي عنه مكررا مشددا فيه. والمراد به مطلق التصرف. والاسراف والبدار منصوبان علي التعليل. والأول : ايماء الي العقوبة الأخروية. فالمراد به الاسراف علي النفس الموجب دخول النار. والثاني إلي العقوبة الدنيوية. الخ.

ص: 288

إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَي بِاللَّهِ حَسِيبًا ).

الثالثة : في سورة النساء الآيات 9- 10 قوله تعالي: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ(1)

ص: 289


1- (1) قوله تعالي : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ) . انتهي. جملة الشرط والجزاء صلة الموصول و(ظُلْمًا) حال لمحذوف أي أكلا ظلما وهو خلاف المعروف ففيه دلالة علي جواز الأكل بالمعروف. ففي عيون الاخبار فيما كتب الرضا عليه السلام إلي محمد بن سنان : « وحرم أكل مال اليتيم ظلما لعلل كثيرة من وجوه الفساد . اول ذلك أنه إذا أكل مال اليتيم ظلما فقد أعان علي قتله اذ اليتيم غير مستغن ولا محتمل لنفسه ولا عليم بشأنه ولا له من يقوم عليه ويكفيه كقيام والديه فاذا أكل ماله فكأنه قد قتله وصيره إلي الفقر والفاقة مع خوف الله وجعل له من العقوبة في قوله: (وَلْيَخْشَ)». الخبر . وقوله : (يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا) المراد سببها أي إنها سبب لدخول النار بطونهم كما يكون سببا لدخولها وهو المشار إليه بقوله : (سَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) كما دلت عليه الأخبار. وظهر من الأخبار أن الخطاب والتحذير في الايتين للأوصياء والقائمين باصلاح أموال اليتامي. وقيل : إن الخطاب في الآية الأولي للذين يجلسون عند المريض ويقولون إن أولادك لا يغنون عنك من الله شيئا فقدم مالك في سبيل الله فيفعل المريض بقولهم فيبقي أولاده ضائعين ، كلا علي الناس فأمرهم أن يخافوا الله في هذه المقالة ويقدرون ان أولادهم هم المخلفون ويفعلون بهم ما هم أشاروا به ويؤيد هذا القول قوله : (وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا).

لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَي ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا).

الرابعة : في سورة النساء الآية 5 قوله تعالي : (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ(1)

ص: 290


1- (1) قوله تعالي : (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ) . انتهي. قرء نافع وابن عامر قيما بغير ألف والباقون قياما بالألف. ونقل أن فيه ثلاث لغات قياما وقيم وقوام. والمراد ما به قوام معاشكم ومعادكم. والسفه خلاف الرشد وقد مر أنه قد يكون متعلقه أمر المعاش وقد يكون أمر المعاد. واختلف في معني الآية علي أقوال : أحدها: أن الخطاب فيها للأولياء أمروا أن يمسكوا أموال اليتامي ويجروا عليهم النفقة وما يحتاجون إليه وأن يرفقوا بهم بالقول وحسن المعاشرة والملايمة إلي البلوغ والرشد. والسفاهة هنا هم اليتامي. الثاني: أن الخطاب أيضا للأولياء وذلك أنه تعالي لما تضمن كلامه السابق علي هذه الاية الأمر بدفع مال الايتام إليهم عقبه بذكر من لا يجوز دفع المال إليه منهم وهو من بلغ سفيها. فالمراد بالسفيه علي هذين القولين من كان ناقص العقل وغير مصلح لأمواله والنهي للتحريم. الثالث: أن الخطاب لساير المكلفين من المؤمنين أن لا يضعوا أموالهم إلي من لا يوثق به في الديانة أو حفظ الأموال وارجاعها إليهم أو انفادها إلي ما يريدون أو علي ما يريدون. فيكون المراد بالسفيه من اتصف بأحد المعنيين المذكورين الفسق وافساد المال . وقيل في قوله : (وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا) دون أن يقول منها دلالة علي جواز التكسب لهم فيها بل علي وجوبه لئلا يفنيها الانفاق. وفيه نظر لجواز كون المعني أنه تعالي جعل الرزق لهم فيها مع أن التكسب فيها موجب للضمان لها . الخ.

أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا).

الخامسة: في سورة النحل الآية 75 قوله تعالي : (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا

ص: 291

مَمْلُوكًا(1) لَا يَقْدِرُ عَلَي شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ ).

البحث الثالث عشر: في العطايا المنجزة

كالوقف والسكني والصدقة والهبة وغير ذلك وليس في الكتاب آيات تدل علي ذلك بخصوصه بل تدل بعمومها وظواهرها علي فعل الخيرات ؛ فتناول ما ذكرناه:

الأولي: في سورة آل عمران الآية 92 قوله تعالي: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّي

ص: 292


1- (1) قوله تعالي : (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا). انتهي . فقوله : (مَمْلُوكًا) يخرج الحرّ فان جميع الناس عبيد الله . وقوله : (لَا يَقْدِرُ عَلَي شَيْءٍ) أي من التصرفات . فالجملة صفة أخري للعبد يخرج بها المأذون له والمكاتب. وقوله : ( مِنَّا رِزْقًا ) موصولة كناية عن الحر الذي ملكه الله مالا وأفاض عليه نعمه وأقدره علي التصرف في ذلك. وهل للانكار ويراد بالعبد الجنس. فلهذا عبر بصيغة الجمع في قوله : (يَسْتَوُونَ) . وهو مثل ضربه سبحانه لما يشرك به من الأصنام. فمثل الصنم بالعبد ونفسه تعالي بالحر . الخ. وبالجملة الآية دالة علي أن العبد ممنوع من التصرفات .

تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ(1) وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ).

الثانية: في سورة آل عمران الآية 104 قوله تعالي : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ(2) أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَي الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(3)).

ص: 293


1- (1) قوله تعالي : (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّي تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ). قال الموسوي وفي البرهان عن الصادق عليه السلام : (حَتَّي تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) هكذا فاقرءها. وفي ذيل رواية المفضل قال عليه السلام : (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّي تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) : «فنحن البر والتقوي وسبيل الهدي وباب التقوي.» الخبر .
2- (2) قوله تعالي : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ) . انتهي . في البرهان عن أبي جعفر عليه السلام : « فهذه الآية لمحمد صلي الله عليه و آله و سلم ومن تابعهم يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر». والعياشي عن أبي عمر والزبيري عن أبي عبدالله عليه السلام قال في قوله تعالي : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ ) . الخ «في هذه الاية تكفير أهل القبلة بالمعاصي لأنه من لم يكن يدعو الخيرات ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر من المسلمين فليس من الأمة التي وصفها لأنكم تزعمون أن جميع المسلمين من أمة محمد صلي الله عليه و آله و سلم قد بدت هذه الآية وقد وصفت أمة محمد صلي الله عليه و آله و سلم بالدعاء إلي الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن لم يوجد فيه الصفة التي وصفت فكيف يكون من الأمة وهو علي خلاف ما شرطه الله علي الأمة ووصفها ». انتهي.
3- (3) قوله تعالي : ( وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). قال الموسوي وفي الصافي أي المخصوصون بكمال الفلاح الأحقاء به. في الكافي عن الصادق عليه السلام: «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلقان من خلق الله تعالي ، فمن نصرهما أعزه الله ومن خذلهما خذله الله ». وفي التهذيب عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم إنه قال : « لا يزال الناس بخير ما امروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا علي البر فاذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات وسلط بعضهم علي بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء ». وفيهما عن الباقر عليه السلام قال : « يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤن يتقرؤن ويتنكسون حدثا سفها لا يوجبون امرا بمعروف ولا نهيا عن منكر الا اذا امنوا الضرر يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير يتبعون زلات العلماء وفساد علمهم يقبلون علي الصلوة والصيام وما لا يكلمهم في نفس ولا مال ولو أضرت الصلوة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا اسمي الفرائض وأشرفها إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض هنا لك يتم غضب الله عليهم فيعمهم بعقابه فيهلك الأبرار في دار الفجار والصغار في دار الكبار . إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصالحين فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وترد المظالم وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر فانكروا بقلوبكم والفظوا بألسنتكم وصوا بها جباههم ولا تخافوا في الله لومة لائم، فان اتعظوا وإلي الحق رجعوا فلا سبيل عليهم إنما السبيل علي الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق اولئك الهم عذاب أليم، هنالك فجاهد وهم بأبدانكم وأبغضوهم بقلوبكم غير طالبين سلطانا ولا باغين مالاً ولا مريدين بالظم ظفرا حتي يفيؤا إلي أمر الله ويمضوا علي طاعته». قال أبو جعفر : و أوحي الله تعالي إلي شعيب النبي صلي الله عليه و آله و سلم إني معذب من قومك مأة ألف أربعين ألفا من شرارهم وستين ألفا من خيارهم فقال : يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخبار فأوحي الله عزوجل إنهم داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي» . انتهي.

ص: 294

الثالثة : في سورة آل عمران الآية 114 قوله تعالي : (وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) .

الرابعة : في سورة آل عمران الآية 115 قوله تعالي : (وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) . هذه الآية تدل علي عدم جواز الاحباط ولقوله تعالي في سورة المزمل الآية 20: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ).

ونحو ذلك من الآيات التي تدل بعمومها علي فعل الخيرات .

البحث الرابع عشر: في النذر والعهد واليمين

أما النذر ففيه آيتان :

الأولي: في سورة البقرة الآية 270 قوله تعالي : (وَمَا أَنْفَقْتُمْ(1) مِنْ نَفَقَةٍ

ص: 295


1- (1) قوله تعالي : (وَمَا أَنْفَقْتُمْ) . انتهي. ما اسم موصول متضمن معني الشرط مبتدأ وجملة ( فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ) الخبر أي إنه عالم بما تفعلونه وبما قصدتموه في فعلكم من خير وشر لا يفوته شيء من ذلك . ففيها حث علي الفعل وايقاعه علي الوجه الذي ينال به السعادة وتحذير عن الاتيان به علي خلافه. ثم صرح بالوعيد بقوله : (وَمَا لِلظَّالِمِينَ) أي المانعين الصدقات الواجبة أو الصارفين لها في غير الوجه الذي أمروا به والذين لا يوفون بالنذر أو المراد الأعم من ذلك. فوائد: الأولي: في عطف النذر علي النفقة ارشاد إلي مشروعية النذر. ويدل عليه مع ذلك اجماع الأمة والاخبار المستفيضة . الثانية: تعقيبه بالوعيد يدل علي وجوب الوفاء به. ويدل عليه الاجماع والاخبار . الثالثة: تعقيبه بالوعيد أيضا يدل علي أنه إنما يلزم وينعقد من البالغ العاقل المختار القاصد دون الصبي والمجنون والمكره و فاقد القصد بسكر أو اغماء أو عدم النية ونحو ذلك. ويدل عليه الأخبار وهو المفتي به بين الأصحاب. الرابعة: النذر عبادة متلقاة من الشارع. الخامسة: المتبادر من اطلاق النذر في الآية أنه يشترط في الصيغة مع النية والقصد النطق باللسان. السادسة: حيث عرفت إنه عبادة متلقاة من الشارع فلابد من نية القرية . السابعة: اطلاقها تدل علي لزوم النذر المتبرع به أي الذي لم يعلق علي شرط . الثامنة: اطلاق لزوم الوفاء بالنذر يقتضي التعميم في كل مورد . والبيان من الشرع خضه بما كان راجحة في الدين والدنيا. التاسعة: في الوعيد علي المخالفة إشعار بكونه إنما يلزم النذر إذا كان مقدور للنادر. العاشرة: اطلاقها يقتضي عموم التكليف بالوفاء . والمشهور بين الأصحاب أنه لا ينعقد نذر المملوك ولا الزوجة إلا باذن المالك في الأول والزوج في الثاني.

ص: 296

أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ).

الثانية: في سورة الانسان الآية قوله تعالي: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا(1)) .

وأما العهد ففيه أربع آيات :

ص: 297


1- (1) قوله تعالي : (كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) . أي عظيما مذهبا للعقول. لما مرض الحسن والحسين عليهماالسلام نذر علي وفاطمة والحسنان صلوات الله عليهم صيام ثلاثة أيام. والقصة ونزول السورة فيهم مشهور، والآية دالة علي وجوب الوفاء بالنذر من حيث عطف الخوف المترتب علي ترك الوفاء. انتهي . قال الفاضل قدس سره : والاستدلال بها من وجهين : الأول : أنها خرجت مخرج المدح لهم صلوات الله عليهم وذلك دليل رجحان الوفاء بالنذر. الثاني : ارداف الوفاء بخوف شر يوم القيامة وفيه دلالة علي وجوب الوفاء اذ المندوب لا يخاف من تركه العقاب.

الأولي: في سورة بني اسرائيل الآية 34 قوله تعالي : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ(1) إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) .

الثانية: في سورة الأنعام الآية 152 قوله تعالي : (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا(2) ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) .

ص: 298


1- (1) قوله تعالي : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ) . انتهي. أي مسؤولا عنه الناكث له أو مطلوبا من المعاهد أن يفي به ولا يضيعه . أو المعني أن صاحب العهد مسئول عنه . الخ. قال الفاضل قدس سره قوله: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ) دلت علي وجوب الوفاء بالعهد من وجهين الأول : صيغة الأمر في قوله : (أَوْفُوا) والأمر للوجوب. (قال الموسوي وفيه تأمل بل منع ). الثاني : كون العهد مسئولا ولا يسئل عن غير الواجب فيكون الوفاء به واجبا.
2- (2) قوله تعالي : (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا) . في الآية الثانية روي ابن بابويه في الخصال وغيره عن عنبسة بن مصعب قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : «ثلاثة لم يجعل الله تعالي لأحد من الناس فيه رخصة منها الوفاء بالعهد للبر والفاجر». الخبر . فالآية تدل علي وجوب الوفاء. قال الأردبيلي قدس سره : ففيها دلالة علي وجوب الإيفاء بالشروط والعهود والنذر والعقود والاتيان بجميع ما أمر به من العمل بالعدالة في القول والفعل وايفاء الكيل والوزن وغير ذلك . وقال الفاضل قدس سره وهذه أيضا فيها أمر صريح بالوفاء فيكون واجبا أكد ذلك الوجوب بأنه وصاهم به وفيه حض عظيم علي الوفاء علله بقوله : (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) .

الثالثة : في سورة النحل الآية 91 قوله تعالي: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ(1) إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ).

الرابعة : في سورة المؤمنون الآية 8 قوله تعالي : (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ

ص: 299


1- (1) عهد الله هنا أعم من النذر واليمين والعهد المصطلح كما يرشد إليه قوله : (وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ) بل يندرج في ذلك جميع ما عهد الله تعالي إلي خلقه من التكاليف. كما يدل عليه ما ورد في عدة أخبار كثيرة أنه لما أمر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الناس بالسلام علي أمير المؤمنين عليه السلام بامرة المؤمنين فقال له الأول حين أمره صلي الله عليه و آله و سلم بذلك من الله أو من رسوله فقال له النبي صلي الله عليه و آله و سلم نعم من الله ومن رسوله وكذا الثاني فقاما وسلما فخرجا وهما يقولان لا والله لانستم له أبدا، فأنزلت هذه الآية. ولا يخفي ما في الآية من المبالغة. قال الفاضل قدس سره : وفي الآية حكمان : أحدهما: وجوب الوفاء بالعهد، ثانيهما وجوب الوفاء بمقتضي اليمين وأكد بعدة تواكيد: منها: (جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا) أي رقيبا. الخ. ومنها : ( إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) من الوفاء وعدمه وفيه تهديد عظيم علي النكث وحض علي الوفاء. ومنها: شبههم في نقضهم وعدم وفائهم بحال التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا جمع نكث بكسر الفاء في خرقها وقلة عقلها وهي امرأة يقال لها ريطة بنت سعد بن تيم ( تميم ) وكانت خرقاء اتخذت مغزلا قدر زراع وصنارة (أي رأس المغزل) مثل اصبع وفلكة عظيمة علي قدرها وكانت تغزل هي وجواريها من الغداة إلي الظهر ثم تأمره فينقضن ما غزلن .

وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ(1) ).

وأما اليمين ففيه ثلاث آيات:

الأولي: في سورة البقرة الآية 224 قوله تعالي: ( وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ(2) أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ).

ص: 300


1- (1) قوله تعالي : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ) . وقد ثبت في ما مر أن رعاية الأمانة وحفظها وأدائها إلي أهلها واجب فالعهد المعطوف كذلك. وبالجملة لا ريب في دلالة الآيات والروايات علي ذلك. واليه ذهب علماء الاسلام لكن قيدها البيان من معادن الوحي الإلهي بما لم يكن ما عاهد عليه مرجوحا كالواجب والمندوب واجتناب المحرم والمكروه ودفع بلية ونحو ذلك فلو كان مرجوحا لم ينعقد. يدل علي ذلك ما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أحدهما عليهماالسلام قال : « من جعل عليه عهد لله وميثاقه في أمر الله طاعة فحنث فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا.
2- (2) قوله تعالي : ( وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ) . انتهي . قد تطلق العرضة والمراد بها ما يعرض من دون الشيء فيحجز عنه . وقد تطلق ويراد بها المعرض للأمر والمبذول له. والمعني علي الأول لا تجعلوا القسم بالله حاجزا لما حلفتم عليه من أنواع الخير فيكون قد اطلق الإيمان واراد المحلوف عليه لعلاقة الملابسة ويكون قوله : ( أَنْ تَبَرُّوا) إلي آخره من قبيل عطف البيان علي الايمان . واللام يتعلق بالفعل أي لا تجعلوا لما حلفتم عليه من فعل البر والتقوي والاصلاح بين الناس القسم بالله حاجزا ومانعا. ويجوز ان يتعلق بعرضة وعلي هذا ونحو ذلك هو ( أي اللام) للتقوية أن يكون للتعليل ويكون في (أَنْ تَبَرُّوا) الخ متعلقا بالفعل أو بعرضة أي لا تجعلوا الله لأن تبروا لأجل ايمانكم. وعن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهماالسلام في قوله تعالي : ( وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ) قال : « يعني الرجل يحلف أن لا يكلم أخاه وما أشبه ذلك.» ونحو ذلك من الأخبار الدالة علي كون المراد بالعرضة الحاجز والمانع عن ارتكاب فعل الخير بسبب القسم بالله فان يمينه هذه لغو. الخ.

الثانية: في سورة البقرة الآية 225 قوله تعالي : (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ(1) وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ).

ص: 301


1- (1) قوله تعالي : (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ). قال في الصحاح : لغا يلغوا لغواً أي قال باطلا يقال لغوت باليمين . ثم قال : واللغو في الأيمان ما لا يعقد عليه القلب كقول الرجل في كلامه بلي والله ولا والله . وفي القاموس هو السقط وما لا يعتد به من كلام وغيره . لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ) أي بالاثم في الحلف اذا كفرتم . وفي لغة مجمع البيان أصل اللغو الكلام الذي لا فائدة فيه ثم قال في بيان المعني اختفلوا في اليمين اللغو فقيل هو ما يجري علي عادة اللسان من قول لا والله بلي والله من غير عقد يمين يقطع بها مال ولا يظلم بها أحد عن ابن عباس وعايشة والشعبي وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهماالسلام وهو قول الشافعي. وقيل هو ان يحلف وهو يري أنه صادق ثم تبين أنه كاذب فلا إثم عليه ولا كفارة ، عن جماعة وهو قول أبي حنيفة وأصحابه . وقيل هو يمين الغضبان ، وقيل كل يمين ليس له الوفاء بها فهو لغو. انتهي . والجار صلة للفعل أو للمعني ويجوز أن يكون حالا عن اللغو والعامل الفعل. وروي في الفقيه عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عز وجل : (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) قال : « هو لا والله ويلي والله . وفي الكافي والتهذيب عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبدالله عليه السلام : « لا والله ويلي والله ولا يعقد علي شيء» . فظهرت من ذلك أن المراد باليمين اللغو هو ما جري علي عادة اللسان من غير قصد وان المراد عدم المؤاخذة في الدنيا بالكفارة والتعزير وفي الآخرة بعدم العقاب كما يقتضيه عموم النفي. وان المراد (بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) ما قصدته وعزمت عليه أي ما وافق اللسان القلب فيه فدلت علي انه يشترط في انعقاد اليمين النية . الخ.

الثالثة: في سورة المائدة الآية 89 قوله تعالي : (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ(1) فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ

ص: 302


1- (1) قوله تعالي : (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ) . انتهي. قرء ابن عامر عاقدتم وأهل الكوفة غير حفص عقدتم بالتخفيف والباقون بالتشديد ومعني الكل واحد لأن عاقد بمعني عقد ومعني التعقيد موافقة اللسان والقلب كما مر في كسب قلوبكم. أو أن عقد بالتشديد هنا بمعني عقد بالتخفيف. وبالجملة ليس المراد التكثير لأن المؤاخذة باليمين قد تحصل بالواحدة اجماعا. روي علي بن ابراهيم في تفسيره عن أبيه عن ابن أبي عمير عن بعض رجاله عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله : (لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُم) قال : نزلت هذه الآية في أميرالمؤمنين عليه السلام وبلال وعثمان بن مظعون . فأما أميرالمؤمنين عليه السلام فحلف أن لا ينام بالليل أبدا. وأما بلال فحلف أن لا يفطر بالنهار. وأما عثمان فانه حلف أن لا ينكح ابدا. فدخلت امرأة علي عائشة وكانت امرأة جميلة فقالت عائشة مالي أراك معطله فقالت ولمن أتزين فوالله ما قربني زوجي منذ كذا وكذا فانه قد ترهب ولبس المسوح وتزهد في الدنيا فلما دخل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أخبرته عايشة بذلك فخرج فنادي الصلوة جامعة فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله وأثني عليه ثم قال : ما بال أقوام يحرمون علي أنفسهم الطيبات ألا اني أنام الليل وأنكح وأفطر بالنهار فمن رغب عن ستتي فليس مني فقام هؤلاء فقالوا يا رسول الله قد حلفنا علي ذلك فأنزل الله (لَا يُؤَاخِذُكُمُ ) الآية. فيظهر من هذا أن مثل هذا اليمين داخل في اللغو الذي لا يؤاخذ بمخالفته . ويظهر منه أن كل من حلف علي شيء وكان خلافه خير منه فيمينه داخل في اللغو وأنه لا كفارة فيه حتي لو طرأت الأولوية والخيرية بعد اليمين انحل اليمين أيضا وبذلك افتي الأصحاب. قوله تعالي : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ) المراد لم يجد الأشياء المذكورة ولا اثمانها . قوله : (كَذَلِكَ) أي مثل ذلك البيان (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ) أي أحكامه واعلام شرايعه (لَعَلَّكُمْ) اذا علمتم بها كما بين لكم (تَشْكُرُونَ) أي تعدون من الشاكرين أو تشكرون نعمة البيان المسهل لكم المخرج والخلاص مما ألزمتم به أنفسكم .

عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ).

ص: 303

البحث الخامس عشر: في العتق وتوابعه

وفيه آيتان:

الأولي: في سورة الأحزاب الآية 37 قوله تعالي : ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ(1) وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ).

الثانية: في سورة النور الآية 33 قوله تعالي: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ(2) مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ

ص: 304


1- (1) قوله تعالي : (أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ) بالاسلام و (وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) بالعتق والخلاص من قيد الرق والمشار إليه بذلك زيد بن حارثة وذلك انه تقل أن زيدا أسر في بعض الغزوات في جملة أساري وكان قد وقع بسهم النبي صلي الله عليه و آله و سلم فجاء حارثة يريد افتكاكه من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال له رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم : اذهب إليه فان أرادك فهو لك بغير شيء فلما أتاه أبي متابعته وكره مفارقة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فتبرء منه أبوه فخبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بذلك فأعتقه وجعله ولدا فكان يدعي زيد بن محمد صلي الله عليه و آله و سلم والغرض منها بيان مشروعية العتق.
2- (2) قوله تعالي : (يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ ) . انتهي. الكتاب والمكاتبة مصدران من المزيد فيه من الكتب وأصله الضم والجمع. سمي هذا النوع بذلك لانضمام النجوم فيها أو لأنها توثق بالكتابة من حيث كونها تقع منجمة مؤجلة بأوقات. وقوله : (مِمَّا مَلَكَتْ) الخ. بيان لما تقدمه والكناية ب«ما» عمن يعقل جايزة وكانه للاشارة إلي حط رتبتهم عن الأحرار. (وَالَّذِينَ) مبتدأ (فَكَاتِبُوهُمْ) الخبر وصخ دخول الفاء لتضمنه معني الشرط. وان شرط وجزائه محذوف لدلالة الأول عليه . و (الَّذِي آتَاكُمْ ) صفة للمضاف إليه أي الذي خولكم النعم . وهنا أحكام: الأول: دلت الآية علي مشروعية الكتابة في الجملة . الثاني: ظاهر اطلاقها يدل علي الاستحباب سواء طلبها بالقيمة أو بأزيد أو بأنقص . الثالث: دل الآية علي تقييد ذلك بحصول العلم بالخير وقد فسر الخير بالدين والدنيا. الرابع: في تعليق الأمر بالكتابة علي الابتغاء اشعار باشتراط كون المملوك مكلفا. الخامس: تضمنت الآية الكتابة وقد ورد البيان عنهم عليه السلام أنها تكون منجمة بوقت أو أكثر وأنها علي نوعين مطلقة ومشروطة وهي أن يشترط عليه ان عجز فهو رد في الرق والأظهر ان حد العجز تأخير النجم عن محله ، والمطلقة يتحرر منه بقدر ما أدي والمشروطة لا يتحرر منه شيء حتي يؤدي الجميع والأقوي أنها من العقود اللازمة مطلقا لعموم ما دل علي لزوم الوفاء وظاهر الروايات . نعم لو اتفقا علي التقايل صح. السادس: في بيان قوله : (وَآتُوهُمْ) الخ. فروي في الكافي عن الفضيل عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله : (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) قال : « تضع عنه من نجومه التي لم تكن تريد أن تنقصه ولا تريد فوق ما في نفسك » . فقلت فكم فقال : « وضع أبو جعفر عن مملوك ألف من ستة آلاف».

مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ).

ص: 305

ص: 306

كتاب النكاح

اشارة

ص: 307

ص: 308

وله أنواع:

النوع الأول : فيما يدل علي شرعيته وأقسامه

وفيه ست آيات

الأولي: في سورة النور الآية 32 قوله تعالي : ( وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَي(1)

ص: 309


1- (1) قوله تعالي (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَي). الخ. الايامي مثل اليتامي في كونها من المقلوب جمعي ليم ويتيم وأصلها ايايم ويتايم فجعلت الياء موضع الميم وبالعكس. وهو في الرجل من لا امرأة له. وفي المرأة من لا زوج لها بكراً كانت أو ثيبا. والخطاب للأولياء والموالي. وقوله : (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ) قيل : معناه لا تمتنعوا من نكاح المرأة والرجل اذا كانا صالحين لأجل فقرهما فانهم وان كانوا كذلك فان الله يغنيهم من فضله فانه واسع المقدرة كثير الفضل عليهم عليم بأحوالهم وبما يصلحهم فهو يعطيهم علي قدر ذلك . كذا قاله الشيخ في التبيان. ثم قال : وقال قوم معناه ان يكونوا فقراء الي النكاح يغنهم الله بذلك عن الحرام والظاهر أن هذا وعد منه سبحانه واخبار بأن النكاح يكون سببا لغناهم كما يدل عليه الأخبار. وهنا فوائد: الأولي: كما دل القرآن علي ان النكاح سببا للغناء كذا دل علي كون الطلاق كذلك لقوله تعالي : ( وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ) والجمع بينهما ممكن. الثانية: تضمنت الاية الأمر بالنكاح كما دلت علي الأمر بالانكاح بناء علي ان الأمر بالأمر بالشيء أمر بذلك الشي. الثالثة: في توجه الخطاب إلي الأولياء والموالي بالانكاح دلالة علي أن العبد والامة لا يستبدان بالنكاح من دون اذن المولي ولا المرأة بدون اذن وليها الا ما خرج بالدليل كالثيب. الرابعة: في اطلاق الاية دلالة علي عدم اعتبار اليسار أي التمكن من النفقة بالقوة أو الفعل . الخامسة: قد يستدل باضافة الغنا إليهم أن العبد يملك وأجيب ان المراد اغناهم بالعتق وهو بعيد ..

مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)»

الثانية: في سورة النور الآية 33 قوله تعالي: (وَلْيَسْتَعْفِفِ(1) الَّذِينَ لَا

ص: 310


1- (1) قوله تعالي : ( وَلْيَسْتَعْفِفِ ) . انتهي. الاستعفاف هنا بمعني العفة. ويجوز أن يكون بمعني طلبها علي ما هو حقيقة الاستفعال أي يطلب من نفسه ذلك بزجرها عن ارتكاب المعاصي أو يطلب الأسباب التي تقمع الشهوة وتحول بينه وبين ارتكاب الفاحشة كالصوم ونحوه. والمراد بالنكاح أسبابه المهر ويجوز أن يكون المراد المنكوحة الحرة الموافقة و له والمناسبة لحاله أو الأعم. وحاصل المعني انه تعالي أمر الذين لم يتيسر لهم النكاح بأن يجهدوا أنفسهم علي الصبر علي مقاساة العزرية وعدم ارتكاب الزنا إلي أن ييسر الله لهم ويمكنهم من التزويج بالحرائر المؤمنات ولا ينكح الاماء. كما يدل ما يأتي في الآية السادسة من قوله : ( وَ أَن تَصبِرُوا خَيرٌ لَكُم) .

يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّي يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ).

الثالثة : في سورة النساء الآيتان 3 - 4 قوله تعالي: («وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا(1) فِي الْيَتَامَي فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَي وَثُلَاثَ

ص: 311


1- (1) قوله تعالي : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا) . انتهي. معناه لا تعدلوا من أقسط بمعني صار ذا قسط أي عدل . ويجوز أن يكون فيه الهمزة للازالة أي لازالة القسط وهو الجور علي نحو اشكيته أي ازلت شكايته ، وقرء بفتح السين وعليها تكون لا زائدة و «ما» يجوز أن تكون موصولة بمعني من لأنه قد ثبت في كلامه اجراؤها علي ما يعقل. ولعل النكتة في العدول إلي «ما» الإشارة إلي نقص عقول النساء كما ورد في بعض الأخبار. وهنا مسائل : الأولي: في ربط هذا الجواب بالشرط فان جهة المناسبة بينهما غير واضحة. وفي تفسير علي بن ابراهيم أن قوله : ( وَإِنْ خِفْتُمْ) إلي قوله : (وَرُبَاعَ) نزلت مع قوله : ( وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَي عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَي النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ ) ، (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم) الآية. فنصف الآية في أول السورة ونصفها علي رأس المائة وعشرين آية وذلك أنهم كانوا لا يستحلون أن يتزوجوا بيتيمة قد ربوها فسألوا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن ذلك فأنزل الله : ( يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ) إلي قوله : ( ثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ). الثانية: الاقتصار علي الأربع يدل علي عدم جواز ما زاد علي ذلك والأخبار الواردة بذلك من طرق العامة والخاصة كثيرة. الثالثة: ظاهر هذا الأذن والاباحة إنما هو للأحرار لأنهم الذين لهم الاقتدار علي الاختيار في الاعداد المذكورة دون المملوك. الرابعة: قوله : « واحدة » قرء بالنصب أي انكحوا واحدة وبالرفع أي فحسبكم واحدة. (أَوْ مَا مَلَكَتْ) عطف علي واحدة . والعدل يكون بالنفقة والقسمة بينهن. وقوله : (أَدْنَي أَلَّا تَعُولُوا) أي أقرب أن لا تميلوا وتجوروا من قولهم عال الحاكم في حكمه اذا جار وعال الميزان اذا مال. الخامسة: يستفاد من عموم الآية جواز نكاح هذا العدد من النساء مطلقا الا ما خرج بدليل. السادسة: اطلاقها يدل علي أنه لا حصر لملك اليمين وانه يجوز له نكاح ما شاء منهن منفردات أو مع الحرائر. السابعة: قد استدل بظاهر الأمر علي وجوب التزوج. ومقتضي تقييد الأمر بمثني وثلاث ورباع پرده . الثامنة: الصدقة بضم الدال وفتحها والصداق بفتح الصاد وكسره المهر في لغة أهل الحجاز. والنحلة العطية علي غير جهة المثامنة سمي به المهر لاشتراك الزوج والزوجة في اللذة وسائر فوائد النكاح فكان دفع المهر إليها من قبيل العطية. التاسعة: في هذا الاطلاق دلالة علي أن المهر ما تراضيا عليه قليلا كان أو كثيرا عينا أو منفعة. العاشرة: في اطلاق النساء من غير تقييد بالمدخول بها دلالة علي انها تملك المهر بمجرد العقد كما هو أحد القولين في المسئلة. الخ .

ص: 312

وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَي أَلَّا تَعُولُوا * وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ).

الرابعة : في سورة المؤمنين الآيات 5 - 7 قوله تعالي: «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(1) * «إِلَّا عَلَي أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ

ص: 313


1- (1) قوله تعالي : ( لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) . الجار متعلق بحافظون وقدم للاهتمام والمبالغة في صونها وعدم كشفها للزنا أو ما يشمل النظر إليها. وروي في الكافي عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله : (وَ قُل لِلمُؤمِنِينَ يَغُضُّوا مِن أَبصَارِهِم) إلي قوله : ( وَيَحفَظُوا فُرُوجَهُم) قال: «كل شيء في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا إلا هذه الآية فائها من النظر. والمراد هنا بما ملكت ايمانهم الاماء وعبر ب-« ما» لأنها قد تستعمل بمعني من أو للاشارة إلي اجرائهن مجري من لا يعقل لنقصان عقولهن كما مر. (فَمَنِ ابْتَغَي ) وطلب نكاح ما وراء ذلك الذي أباحه الله تعالي من الصنفين (فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) الكاملون في العدوان المتناهون فيه كما يعطيه ضمير الفعل وتعريف الخبر .

غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَي وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ).

الخامسة: في سورة النساء الآية 24 قوله تعالي: ( وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ(1) ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ

ص: 314


1- (1) قوله تعالي : (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ) . انتهي. لما ذكر سبحانه المحرمات أعقبه بذكر المحللات بقوله : ( وَأُحِلَّ)و (أَنْ تَبْتَغُوا) يجوز كونه بدلا من وراء ذلك وكونه مفعولا له بتقدير مضاف علي معني يبين لكم ما حزم وما حلل ارادة ابتغاءكم النساء بأموالكم الذي تبذلونها له حال كونكم محصنين غير مسافحين. والاحصان هنا العفة عن الزنا . ولهذا سمي من له فرج يغدو عليه ويروح محصنا لأنه يحصن نفسه بالحلال عن السفاح الذي هو الزنا من السفح وهو صب المني لأن الزاني لا يحصل له سوي ذلك فيكون ذكره بعد الاحصان تأكيدا وفي اضافة الأموال إليهم دلالة علي اشتراط كون المهر من الحلال لا من الحرام . و«ما» في قوله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ) موصولة بمعني من وتذكير الضمير المجرور بالباء بالنظر إلي لفظها. و (مِنْهُنَّ) بيان لما والاستمتاع هنا بمعني المتعة بمعني التمتع. قاله الجوهري . (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) أي مهورهن و فريضة صفة لمصدر محذوف أي ايتاء مفروضاً . والظاهر أن المراد نكاح المتعة وهو العقد عليها بمهر معين إلي أجل معين لأن الاستمتاع جاء بمعني المتعة لغة كما عرفت ولكثرة استعماله في الشرع في هذا المعني حتي صار هو المتبادر منه. ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا ) بمصالح عباده وما يصونهم عن ارتكاب المحرمات بتحليل المتعة ( حَكِيمًا ) حيث يحفظ بذلك الأنساب والأموال.

بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ).

السادسة: في سورة النساء الآيات 25 قوله تعالي :(وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ(1) مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ(2) بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ

ص: 315


1- (1) قوله تعالي : ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) . انتهي. (مَنْ) شرطية و (يَسْتَطِعْ) جزم لفظا ب- لم لقربها ومحلا بمن. و (مَنْ) في (مِنْكُمْ) للتبعيض أو للبيان و طولاً منصوب بنزع الخافض أي بقدر علي طول او بيستطع علي معني لم يجد طولا وهو الغناء الذي يمكن جعله مهرا ونفقة بالفعل أو القوة. و (أَنْ يَنْكِحَ) مجرور بمحذوف أي من لم يجد مالا لأجل أن ينكح به المحصنات . والمراد بالمحصنات الحرائر العفيفات من الزنا وبالمؤمنات المسلمات . وقوله : (مَا مَلَكَتْ ) جواب الشرط أي يتزوج من جنس المملوكات المؤمنات . والفتاة الأمة وإن كانت عجوزا لأنها كالصغيرة في أنها لا توقر توقير الحرة .
2- (2) قوله تعالي : (اللَّهُ أَعْلَمُ) . الخ. وسط هاتين الجملتين ترغيباً لهم بنكاح الاماء ودفعا للاستنكاف من ذلك . و (مُحْصَنَاتٍ) قره بفتح الصاد وكسرها حال من مفعول انكحوهن. والمراد العفائف و (غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ) حال مؤكدة . والأخدان الاخلاء في السر للزنا بها سرا. والمراد انكحوا من لم تزن جهرا وسرا.

بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ(1) فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَي

ص: 316


1- (1) قوله تعالي :(فَإِذَا أُحْصِنَّ). قرء أيضا بفتح الهمزة والصاد أي إذا أحصن أنفسهن بأخذ الأزواج . وقرء بضم الهمزة وكسر الصاد أي احصنهن الأزواج. والعنت قال في القاموس هو الفساد والاثم والهلاك ودخول المشقة علي الانسان والزني. والمراد هنا الفجور والزنا أي خشي آن تحمله شدة الشبق ( أي الشهوة ) علي ذلك. إذا عرفت ذلك فاعلم أنه يستنبط من الآية أحكام: الأول: ظاهر الآية يدل علي انه لابد للنكاح من المهر وإن لم يكن ذكره في العقد لازما. الثاني: تشعر برجحان النكاح مع التمكن من المهر. الثالث: دلت الآية بصريحها علي جواز نكاح الأمة بالعقد للحر لمن فقد الطول وخشي العنت. الرابع: في تقييد الفتيات بالمؤمنات دلالة علي عدم جواز نكاح الكافرات مطلقا دائما ومنقطعا. الخامس: تقييد اباحة النكاح بالاذن يدل بمفهومه علي عدم الجواز بدونه . السادس: في قوله : (آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) والمراد المهر سمي بذلك لأنه عوض البضع واضافته إليهن مع كونهن مملوكات اما بناء علي انها قد تملك اذا ملكها المولي أو لأن الاضافة إليهن اضافة إلي المولي لأن العبد وما يملك لمولاه ، أو لأن العادة قد جرت بتقديم المهر فحيث حصل لها الاذن بالزواج يكون ذلك أذنا لها بقبض المهر . الخ. السابع: في قوله : ( فَإِذَا أُحْصِنَّ) . الخ. المراد العقد مع الدخول بهن. والفاحشة هي الزنا والعذاب الحد والمحصنات هنا الحرائر. الثامن: في قوله : ( وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) أي الصبر مع حصول الشرطين عن نكاح الاماء بالعقد عليه خير من نكاحهن فتدل علي استحباب تركه في هذه الحال . (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)لذنوب عباده الذين أنابوا. (رَحِيمٌ) بهم حيث لم يكلفهم الا بما أطاقوه وكان داخلا في وسعهم.

الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ).

النوع الثاني : في المحرمات

ونذكر فيه خمس آيات:

الأولي: في سورة النساء الآية 22 قوله تعالي: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ(1)

ص: 317


1- (1) قوله تعالي : (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ). انتهي. روي علي بن ابراهيم في تفسيره عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله :(لَا يَحِلُّ لَكُم أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرهاً) كان في الجاهلية في أول ما أسلموا في قبائل اذا مات حميم الرجل وله امرأة ألقي الرجل ثوبه عليها وورث نكاحها بصداق حميمه الذي كان أصدقها يرث نكاحها كما يرث المال فلما مات أبو قيس بن الأسلت ألقي محصن بن أبي قيس ثوبه علي امرأة أبيه فورث نكاحها ثم تركها لا يدخل بها ولا ينفق عليها فأتت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم وقصت عليه القصة فقال : ارجعي إلي بيتك فان يحدث الله في شأنك شيئا أعلمتك به فنزلت: (وَلَا تَنْكِحُوا ) الآية. (فَاحِشَةً ) أي زنا (وَمَقْتًا) أي يبغض الله صاحبه (وَسَاءَ سَبِيلًا) أي بئس الطريق ذلك النكاح.

آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا ).

الثانية: في سورة النساء الآية 23 قوله تعالي : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ(1) وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ

ص: 318


1- (1) قوله تعالي : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ). الخ. التحريم لا يتعلق بالاعيان لأنها ليست مقدورة للمكلفين وإنما يتعلق بالأفعال كالخدمة والملامسة والاهانة والبيع والشراء والأكل ونحو ذلك من الأفعال ولابد من ارتكاب مجاز الحذف وقرينة المقام والتبادر من السياق عينت ارادة النكاح كما تعين ارادة الأكل في قوله تعالي : («حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ) فليست الآية من المجمل كما قيل. وقد ذكر سبحانه في الآية محرمات نسبية ومحرمات رضاعية ومحرمات بالمصاهرة. فالأول: النسبية. وهي سبع : الأولي : الأم، الثانية : البنت ، الثالثة : الأخت ، الرابعة : العمة، الخامسة : الخالة ، السادسة والسابعة : بنات الأخ وبنات الأخت . الثاني المحرمات: الرضاعية. واعلم ان ظاهر اطلاق الآية دال علي ترتب الحكم علي مسماه كيف اتفق وعلي أي حال وبه أخذ بعض العامة ولكن النص الوارد عن معادن الوحي والتنزيل صلوات الله عليهم قيده بشرائط : الأول : كونه من امرأة لا من رجل ولا من خنثي مشكل وكونه عن نكاح أي وطي محلل. الشرط الثاني : تقديره بواحد من أمور ثلاث : الأول : انبات اللحم وشد العظم، الثاني : العدد الثالث : التقدير بالزمان. الشرط الثالث : أن يقع قبل استكمال الحولين . الشرط الرابع : أن يكون اللبن الفحل واحد . الثالث المحرمات: بالمصاهرة. وهي قسمان: الأول : ما يقتضي التحريم عينا وهو أربع مسائل : الأولي : ام الزوجة، والثانية : بنتها مع الدخول بالأم، والثالثة : حليلة الابن، والرابعة : منكوحة الأب. والقسم الثاني ما يقتضي التحريم جمعا وهو ثلاث مسائل : أحدها الجمع بين الأربع وما زاد ، والثانية الجمع بين الاختين ، الثالثة : الجمع بين الام والبنت مع عدم الدخول بالأم. (إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا) لذنوب من فعل منكم ذلك ثم رجع إلي ما أمر الله تعالي به ( رَحِيمًا) بكم حيث لم يؤاخذكم علي ذلك .

الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ

ص: 319

فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا).

الثالثة: في سورة النساء الآية 24 قوله تعالي: «وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ(1) إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ).

الرابعة : في سورة البقرة الآية 221 قوله تعالي : (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّي يُؤْمِنَّ(2) وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ(3) خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ

ص: 320


1- (1) قوله تعالي :(وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ) . انتهي . قره بفتح الصاد وكسرها وهو بالرفع عطف علي الأمهات. والمراد ذوات الأزواج من الحرائر والاماء، يدل علي ذلك. ما رواه في من لا يحضره الفقيه أنه سئل الصادق عليه السلام عن قوله تعالي : (وَالْمُحْصَنَاتُ) قال : « هن ذوات الأزواج ».
2- (2) قوله تعالي : ( وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّي يُؤْمِنَّ ) . انتهي. أصناف الكفار ثلاثة : أحدها من ليس له كتاب، والثاني من له كتاب كاليهود والنصاري، والثالث من له شبهة كتاب كالمجوس.
3- (3) قوله تعالي : (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ). أي مسلمة حرة كانت أو مملوكة وكذا قوله : (عَبْدٌ) أي مسلم ، والأظهر أن يكون المراد المملوكة والمملوك لأن المبالغة فيه أتم في التحريص وأوضح في الحث والتنبيه علي مزية اختيار ذوي الإيمان الموصل إلي النعيم الدائم والفوز بالجنان علي ذوي الشرك بايثار المال والجمال الزائل الداعي إلي النار وما فيها من العقاب المشار إليه بقوله : (أُولَئِكَ) الآية، الذي هو من قبيل التعليل والبيان لوجه الرجحان. وفي التعليل اشارة إلي رجحان اختيار ذوي الصلاح والتقوي في الزوج والزوجة . ثم اعلم أن الإيمان في الآية مرادف للاسلام وهو الاقرار بالله وبرسوله صلي الله عليه و آله و سلم لأنه الشايع في عصر النبي صلي الله عليه و آله و سلم كما قيل فعلي هذا تكون الآية دليلا علي جواز الاكتفاء بالاسلام من دون اشتراط الايمان بالمعني الأخص أعني الاسلام مع الإقرار بالأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم أجمعين.

وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّي يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ(1) أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَي ).

الخامسة: في سورة النور الآية 3 قوله تعالي : ( الزَّانِي لَا يَنْكِحُ(2) إِلَّا

ص: 321


1- (1) قوله تعالي : (وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ). في الصافي : المشركة بجمالها أو مالها وتحبونها.
2- (2) قوله تعالي : (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ). انتهي . وهذه الآية ظاهرة الدلالة علي المنع ويدل عليه أيضا أخبار كثيرة والأكثر من الأصحاب حملوها علي الكراهة جمعا بينها وبين ما دل علي الجواز. في الصافي قوله : « الزاني لا ينكح » . انتهي. . القمي هو رد علي من يستحل التمتع بالزواني والتزويج بهن وهن المشهورات المعروفات في الدنيا لا يقدر الرجل علي تحصينهن قال : ونزلت هذه الآية في نساء مكة كن مستعلنات بالزنا سارة وخيثمة والرباب كن يغنين بهجاء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فحرم الله نكاحهن وجرت بعدهن من أمثالهن. وعن الباقر عليه السلام في حديث : « انها نزلت بالمدينة » قال : فلم يسم الله الزاني مؤمنا ولا الزانية مؤمنة قال : قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن فانه إذا فعل ذلك خلع عنه الايمان كخلع القميص.

زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ ).

النوع الثالث: في لوازم النكاح من المهر والنفقه ونحو ذلك

وقد سبق بعض الآيات الدالة عليه ولنذكر هنا ثمان آيات:

الأولي: في سورة النساء الآيات 20 - 21 قوله تعالي : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ(1) وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا

ص: 322


1- (1) قوله تعالي : ( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ ) . الخ. الاستبدال هنا العقد علي زوجة بعد مفارقة الأخري بالطلاق. والقنطار المال العظيم من قولهم قنطر الشيء إذا رفعته ومنه القنطرة . والمراد انه لا يجوز له أن يأخذ مما أعطاها شيئا وان قل اذا أراد طلاقها . والاستفهام في (أَتَأْخُذُونَهُ) للانكار والتوبيخ. والبهتان الكذب المختلق علي من هو بريء منه . والميثاق هو الكلمة التي عقد بها النكاح ووصفه بالغليظ باعتبار ما يترتب علي هذه الكلمة من اباحة الجماع وايصال مائه إلي رحم المرأة . وهنا فوائد : الأولي: في ذكر الارادة والأخذ المقيد بالبهتان اشعار بأن المنهي عنه هو الأخذ بعنوان الاكراه والالجاء لها علي ذلك. الثانية: في الآية دلالة علي جواز اكثار المهر إلي أي قدر شاء . الثالثة: أن الظاهر من الافضاء هو الجماع فحينئذ يكون في تعليل النهي والانكار بالافضاء ودلالة علي أن المهر إنما يستقر به دون الخلوة.

أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَي بَعْضُكُمْ إِلَي بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا).

الثانية: في سورة البقرة الآية 236 قوله تعالي : (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ(1) إِنْ

ص: 323


1- (1) قوله تعالي : (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ) . الخ . ولنذكر مضمونها في فوائد : الأولي: قرء حمزة والكسائي تماسوهن بضم التاء والألف والباقون تمسوهن . وفاعل هنا بمعني فعل فمعناهما واحد. و(قَدَرُهُ) قرء بفتح الدال واسكانها وهما لغتان. و«ما» موصول في بتقدير مضاف محذوف. والعامل طلق أي مدة ترك المس والمس هو الجماع لأنه المتبادر والشايع في عرف الشرع وفي الكتاب العزيز كقوله : ( لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) أو (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ) ونحو ذلك، ويدل عليه أخبار كثيرة. الثانية: الفرض التسمية فالفريضة المهر المقدر. ففعيل هنا بمعني مفعول والتاء للنقل إلي الاسمية فتكون مفعولا به. وأو بمعني الواو وجزاء الشرط (لَا جُنَاحَ) المقدم أو محذوف لدلالته عليه أي لا اثم عليكم في الطلاق قبل المسيس والفرض ، كما لا اثم فيه بعده. الثالثة: المتعة والامتاع بمعني النفع والجملة معطوفة علي الجزاء أي أن طلقتموهن في هذه الحال فأعطوهن من مالكم ما يتمتعن به جبرا لايحاش الطلاق والانكسار الحاصل لهن منه والموسع الغني والمقتر الفقير القليل المال . الرابعة: الآية دالة علي أن المعتبر في المتعة حال الزوج. الخامسة: الظاهر منها انقسام حاله أمرين اليسار والاعسار. والأصحاب قسموها إلي ثلاثة نظرا إلي الواقع عرفا وعينوا لكل مرتبة أشياء فالغني بالدابة والعبد والامة والثوب المرتفع والدار ونحو ذلك والوسط بالثوب الوسط والفقير بالخاتم والدينار والحنطة والزبيب والخمار وما شاكل ذلك . السادسة: ظاهر الأمر في المتعة الوجوب ويرشد إليه قوله : (حَقّاً) . السابعة: مقتضي الاطلاق والأصل اختصاص الحكم بالمطلقة قبل المسيس والفرض فلو حصلت البينونة بينهما بفسخ أو موت أو لعان أو غير ذلك من قبله أو قبلها أو قبلهما فلا مهر ولا متعة وإليه ذهب أكثر الأصحاب. الثامنة: قوله : (مَتَاعَاً بِالمَعرُوفِ) هو اسم مصدر كالوضوء من توضأ فهو منصوب علي المصدرية والمعروف متعلق به. والمراد به ما يليق بحال الزوج. وقوله : (حَقّاً) صفة متاعا وقيده بالمحسنين تشريفا لهم ولأنهم هم المنتفعون الذين يحبون جلب النفع لأنفسهم بالمسارعة إلي فعل الطاعات واجتناب المعاصي.

طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَي الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَي الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَي الْمُحْسِنِينَ ).

الثالثة : في سورة البقرة الآية 237 قوله تعالي: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ

ص: 324

قَبْلِ(1) أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ(2) لِلتَّقْوَي وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ(3) بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ).

ص: 325


1- (1) قوله تعالي : ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ). انتهي . الفرض تقدير المهر تفصيلا أو اجمالا فيدخل فيه من تزوجها علي كتاب الله وسنة نبيه صلي الله عليه و آله و سلم اذ هو مقدر بخمسمائة درهم فينتصف بالطلاق قبل الدخول ويدخل فيه أيضا مفوضة المهر وهي أن يقع العقد بحكم أحد الزوجين فلو طلقها قبل الدخول ألزم من اليه الحكم بالحكم ويكون لها نصف ذلك عملا بالآية.
2- (2) قوله تعالي : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ) . الخ. الظاهر ان الخطاب للأزواج لأنه بعد أن دل علي تشطير ( أي التنصيف ) المهر بالطلاق بين ان للزوجة النصف الا أن تعفو هي أو يعفو وليها وحيث كان ذلك بمنزلة قوله والنصف الآخر لكم قال : (وَأَنْ تَعْفُوا) أيها الأزواج (أَقْرَبُ لِلتَّقْوَي) وإنما كان أقرب لأن فيه جبر الانكسار الحاصل لها بعده ولأن فيه ترك المعاصي اللازمة غالبا الاستقصاء الحق. وقيل هو خطاب للزوج والمرأة الا انه غلب الذكور.
3- (3) قوله تعالي : (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ). في نهج البلاغة: «يأتي علي الناس زمان عضوض يعض الموسر فيه علي ما في يديه ولم يؤمر بذلك قال الله تعالي : (وَلَا تَنْسَوُا) الآية». ولعل في هذه اشارة إلي استحباب العفو عمن كان محتاجا من الزوجين فان كان لم يقبضها المهر يستحب لها العفو اذا كان هو عاجزا وان كان قد قبضها المهر كله وكانت عاجزة يستحب له العفو عما يستحقه منها .

الرابعة : في سورة النساء الآية 34 قوله تعالي : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاءِ(1) بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَي بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ

ص: 326


1- (1) قوله تعالي : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَي النِّسَاءِ) . الخ. تضمنت الآية أمورة ثلاثة : الأول: كون الرجال قوامين علي النساء بالتدبير والسياسة والتسلط كما يتسلط الولاة علي الرعية وعلله بأمرين : أحدهما موهبي وهو المشار إليه بقوله : « بما فضل الله ». والثاني : كسبي وهو المشار إليه بقوله : « وبما أنفقوا» فالباء للسببية فيهما. الثاني: لما ذكر ان للرجال تسلط ودل بطريق الالتزام علي انه يجب عليهن الاطاعة علي وفق الدستور المنقول عن صاحب الشرع. أشار إلي أن ذوات الصلاح منهن هن القانتات أي المطيعات للأزواج فيما فرض الله عليهن، (حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ) 4 أي يحفظن ما يجب حفظه عند غيبة الأزواج من النفس والمال والفرج والاسرار التي بينها وبين الزوج. الثالث: بيان حال غير المطيعات من الزوجات وهي التي أشار إليها بقوله (تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ). الظاهر أن المراد بخوف النشوز الظن الحاصل عند ظهور أسبابه واماراته . وقيل : المعني تعلمون نشوزهن. والحمل علي ما يشمل العلم والظن أظهر وأما النشوز فاصله الارتفاع. واستعمل لغة وشرعا في ترفع الزوجة علي الزوج والخروج عن طاعته وعصيانها له. والمراد بالوعظ ان يذكرها الاخبار المروية عن أهل البيت عليهم السلام المتضمنة لحقوق الزوج والثواب والعقاب المترتب علي الطاعة والمعصية. والمراد بالهجر في المضجع أن يحول إليها ظهره في الفراش . وأما الضرب فهو ضرب تأديب. وظاهر الاطلاق انه يجوز كونه بخشب أو غيره .

فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا).

الخامسة: في سورة النساء الآية 35 قوله تعالي: (وَإِنْ خِفْتُمْ(1) شِقَاقَ بَيْنِهِمَا ).

السادسة : في سورة النساء الآية 128 قوله تعالي : ( وَإِنِ امْرَأَةٌ(2) خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ(3) وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ

ص: 327


1- (1) قوله تعالي : ( وَإِنْ خِفْتُمْ) . انتهي. تقدمت هذه الآية في باب الصلح.
2- (2) قوله تعالي : (وَإِنِ امْرَأَةٌ) . الخ. هذه الآية تضمنت بيان نشوز الزوج وقد تقدم شرح ذلك في باب الصلح أيضا.
3- (3) قوله تعالي : (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ) بالحركات الثلاث للشين والقرائة بالضم لا غير افراط في الحرص علي الشيء، ونصبه علي انه مفعول ثانٍ والأول الأنفس والمعني ان النفوس جبلت علي الشح فهي حاضرته لا تفارقه أبدا. ووجه ذكر ذلك هنا هو انه تعالي لما مدح الصلح ورغب فيه وهو انما يكون غالبا بالعفو عن بعض الحقوق والاغماض عنها وكان الشح مانعا من ذلك وهو من الصفات المذمومة كما قال : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ) الآية ذكره تعالي هنا من قبيل الناهي عنه تأكيدا للحث علي الصلح وزجرا عن متابعة هوي النفس . ثم أشار سبحانه وتعالي إلي رجحان الإحسان إليهن بقوله : ( وَإِنْ تُحْسِنُوا) الآية ، أي أن أقمتم علي أزواجكم وأجريتم النفقة عليهن وصبرتم علي مقاومة هوي النفس وميلها إلي غيرهن فان الله كان بما تعملون من الاحسان خبيرا عليما فيجازيكم بكامل جزائه ووافر عطائه.

كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ).

السابعة: في سورة النساء الآية 129 قوله تعالي: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا(1) أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ

ص: 328


1- (1) قوله تعالي : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا) . انتهي . بين سبحانه وتعالي أن من تجاوز الواحدة منهن فمراعاة تحصيل العدل بينهن والتساوي بالمحبة والمودة والميل القلبي والنظر ونحو ذلك من الامور اللازمة الأيجاد العدل الحقيقي من قبيل الممتنع غالباً ولو بذل في تحصيله الجهد لأن مقتضي الطبيعة وذاتيها وما جبلت عليه لا يتغير فلا يكلف الله تعالي به العباد لعدم كونه في وسع المكلف. نعم ما كان منه مقدورا تجب مراعاته إذ لا يسقط الميسور بالمعسور. كما أشار إليه بقوله : (فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) . ومن ثم كان النبي صلي الله عليه و آله و سلم يقسم بين أزواجه ويقول اللهم هذه قسمتي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك.

وَإِنْ تُصْلِحُوا(1) وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا).

الثامنة: في سورة الطلاق الآية 6 - 7 قوله تعالي: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ(2) مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ(3) لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ

ص: 329


1- (1) قوله تعالي : (وَإِنْ تُصْلِحُوا) . أي في القسمة بين الأزواج. (وَتَتَّقُوا) في المستقبل عن المعاودة إلي الميل الذي نهيتم عنه . (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا) لما سلف من الذنوب الحاصلة بسبب التقصير في حقوقهن . (رَحِيمًا) بكم حيث جعل لكم طريق استحطاط المعاصي بالتوبة والتفضل عليكم. ففي الآية دلالة علي تحريم الميل الكلي وايجاب التسوية في الأمور الواجبة.
2- (2) قوله تعالي :(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) انتهي. وجد المال يجده وجدا مثلثة الواو وجدة استغني كذا في الصحاح والقاموس. والقرائة بالضم والمعني أسكنوهن مكانا من سكناكم من مدر أو شعر أو نحو ذلك. (مِنْ وُجْدِكُمْ) أي وسعكم وما كان في مقدرتكم فهو عطف بيان لقوله : (مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ). (وَلَا تُضَارُّوهُنَّ) في السكني بأن تسكنوهن في غير البيوت المناسبة لحالهن أو تقصروا في نفقتهن . (لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ) فيلتجئين إلي الخروج. فالاية دالة علي وجوب السكني لها والنفقة. وهنا فوائد: الأولي: مرجع الضمير في قوله أسكنوهن وفي قوله لا تخرجوهن النساء المطلقات في قوله : (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ). والمراد المطلقة رجعيا اما تجوزا في اطلاق الطلاق وارادة الرجعي منه بمعني اذا طلقتموهن طلاقا رجعيا. وأما في الضمير علي قانون الاستخدام بأن يراد باللفظ معناه الحقيقي أي جميع المطلقات وبضميره البعض أي الرجعيات. وأما الباين فلا نفقة لها ولا سكني وذلك لأن الأولي إنما استحقت ذلك لأنه يملك رجعتها فهي بحكم الزوجة وكذلك الباين . والقرينة في الآية علي ارادة الرجعيات. قوله : (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ). الثانية: اسلوب الآية يقتضي أن يكون المراد بقوله : (كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ) المطلقات بالطلاق الرجعي أي يجب استمرار الانفاق عليهن والسكني إلي وضع الحمل وذلك لتخصيص لزوم الأنفاق بأوقات العدة لا غير ووضع الحمل منتهاها . الثالثة: يظهر منها أيضا أن النفقة للحامل لا للحمل . وذلك لأن ضمير (عَلَيْهِنَّ) يرجع إلي المطلقات الحوامل واطلاق الأمر بوجوب الانفاق عليها يقتضي أن يكون النفقة لها وان كان للحمل دخل في الجملة. الرابعة: اطلاق الآية يقتضي انه لا فرق في الزوجة بين كونها مسلمة أو ذمية أو حرة أو أمة .
3- (3) الخامسة: قوله تعالي : (وَلَا تُضَارُّوهُنَّ). الاضرار بها هو ان يفعل معها خلاف ما يناسب حالها في المسكن والمأكل والمشرب والملبس ونحو ذلك مما تحتاج إليه .

ص: 330

حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّي يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ(1) لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَي * لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ(2) مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ).

النوع الرابع : في أشياء من توابع النكاح

وفيه ثمان آيات:

الأولي : في سورة النور الآية 30 قوله تعالي : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ(3) يَغُضُّوا

ص: 331


1- (1) السادسة: قوله تعالي : (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ) . الخ. يدل علي عدم لزوم الرضاع عليها بل إنما هو علي الزوج.
2- (2) السابعة: قوله تعالي : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ) . ظاهره ان المراد الاشارة بذلك إلي بيان كيفية الانفاق علي الزوجة مطلقة كانت او لا. وحاصل المعني أنه يجب أن ينفق نفقة مناسبة لحال الزوجة هذا إذا كان ذا سعة والا فليقتصر علي الممكن وان تعذر عليه بالكلية سقطت عنه .
3- (3) قوله تعالي : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ ) . انتهي. تخصيص المؤمنين بالخطاب قد علم مما سبق ، وأصل الغض النقص . والمراد هنا أن ينقصوا من نظرهم والجزم بلام الأمر المقدرة أي ليغضوا . ومن يمكن أن تكون زائدة كما هو مذهب الأخفش . ويجوز كونها للتبعيض أي ترك النظر إلي بعض المبصرات. وحفظ الفرج من الزنا أو من أن ينظر إليه من يحرم عليه ذلك. قوله : ( أَزْكَي) أي الغض والحفظ أطهر من النجاسات النفسانية المتعقبة . وقوله : ( يَصْنَعُونَ) فيه تهديد علي المخالفة.

مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَي لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ).

الثانية: في سورة النور الآية 31 قوله تعالي: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ(1) يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا(2) وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَي جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ

ص: 332


1- (1) قوله تعالي : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ). الخ. قرء غير بالنصب علي الحالية وبالجر علي الوصفية وعدم ذكر المنظور إليه يدل علي تحريم نظره إلي الرجال مطلقا. والاقتصار علي حفظ فروجهن يقتضي تحريم نظرهن إلي فرج المرأة خاصة .
2- (2) قوله تعالي : (إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا). في الكافي عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله : (إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) قال : « الزينة الظاهرة الكحل والخاتم ». ثم إنه تعالي أكد الحكم بتحريم ابداء الزينة بايجاب ضرب الخمار وهو المقنعة علي الجيب ردا علي ما كان متعارفا عند الجاهلية من جعل الخمار إلي خلف وسعة الجيب فيبدوا العنق والصدر . ثم انه تعالي استثني فأباح ابداء الزينة الباطنية للمذكورين أما للزوج فظاهر . وأما المحارم فللحاجة إلي المخالطة غالبا. وأما النساء والمراد مطلق النساء . فلما عرفت من أن المحرم هو رؤية العورة لا غير . والمراد ب-(مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ) هنا الاماء والعبيد خصيا كان أو فحلا، حملا للفظ علي ظاهره. والمراد بالتابعين من يتبعك لأجل طعامك وشرابك . وبغير أولي الاربة من لم يكن له حاجة إلي النساء كالشيخ الفاني والأحمق الابله الذي ليس له عقل يصف النساء ويدخل فيه العنين . والمراد بالطفل الجنس الشامل للواحد والجمع فلهذا وصفه بالجمع بقوله : (الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَي عَوْرَاتِ النِّسَاءِ) أي لم يطلعوا علي ذلك ولم يعرفوا ما العورة ولا يميزون بينها وبين غيرها.

أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَي عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ(1) لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ

ص: 333


1- (1) قوله تعالي : ( وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ). المراد ما يشمل ضربها في الأرض وضرب احدي رجليها في الأخري الموجب لزيادة تقعقع خلخالها حتي يسمع ذلك الأجانب فائه يورث تحريك الشهوة واثارة الفتنة كالنظر إلي الزينة الباطنة. ومن هذه الآية يستنبط أن كل ما يجر إلي الفتنة ينبغي اجتنابه كالطيب والصوت ونحو ذلك.

وَتُوبُوا إِلَي اللَّهِ(1) جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

الثالثة: في سورة النور الآية 58 قوله تعالي : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ(2) مِنْكُمْ ثَلَاثَ

ص: 334


1- (1) قوله تعالي : (وَتُوبُوا إِلَي اللَّهِ) . الخ. لما كان النظر من المحرمات وهو عام البلوي كاد أن لا يسلم منه أحد فتح الله للمؤمنين تفضلا منه باب التوبة وجعلها مفتاحا للفلاح والفوز بالجنة .
2- (2)قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلي قوله : (لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ) . انتهي. المراد بمن لم يبلغ الحلم غير البالغ ، ويغير البالغ المميز لأن غير المميز لا حكم له كما سبق. و(ثَلَاثَ) نصب علي الظرفية لأن المعني في ثلاث أوقات بينها بقوله :(مِنْ قَبْلِ) وقوله : (ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ) أي مخصوصة لكم للخلوة فيها. وعبر عن هذه الأوقات بالعورة لأن العورة هي الخلل ومنها الأعور فسميت بذلك لأنهم يضعون ثيابهم فيها وتبدوا عوراتهم ويحصل كشفها وربما يواقعون النساء فيها فهو من قبيل العلة للحكم المذكور. وقُرِءَ بالنصب علي أنه بدل من ( ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ). وجملة ليس عليكم. الخ. جواب سئوال مقدر كانه قيل ما حالهم بعدها فقال : (لَيْسَ) . الخ. وجملة (لَيْسَ عَلَيْكُمْ) إلي قوله : (بَعْدَهُنَّ) صفة . وقوله : (طَوَّافُونَ) خبر لمحذوف أي أنتم طوافون. و (بَعْضُكُمْ) بدل من الضمير . ويجوز كونه مبتدأ خبره طوافون. وعلي كل حال ، هذه الجملة من قبيل الاستنياف والعلة في ترك الاستيذان وذلك لاحتياج كل منهم إلي المخالطة للآخر. اذا عرفت ذلك فهنا فوائد: الأولي: انه تعالي خاطب المؤمنين بأن يأمروهم بذلك وظاهر الأمر الوجوب وهو بالنسبة إلي البالغ لا اشكال فيه. الثانية: الاستيذان طلب الاذن بأي شيء كان ولو بضرب الحائط أو احدي اليدين علي الأخري. فما ورد من الأخبار من كونه بالسلام فهو من باب التمثيل بالأفضل. الثالثة: ظاهر (مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) شامل للصغير والكبير والذكر والانثي . وقوله : (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ) أي هذا البيان يبين لكم الآيات والدلائل علي الأحكام . (وَاللَّهُ عَلِيمٌ) بعواقب الأمور. (حَكِيمٌ) في وضعها مواضعها فيما شرح لكم من الأحكام.

مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَي بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ).

الرابعة : في سورة النور 59 الآية قوله تعالي : ( وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ(1) الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ

ص: 335


1- (1) قوله تعالي : (مِنْكُمُ) . في موضع نصب علي الحال أي كائنين منكم أيها الأحرار دون المماليك لأن حكمهم علم من الآية المتقدمة حيث أطلق في المماليك وقد غيرهم بمن لم يبلغ الحلم فعلم ان من بلغ الحلم فليس هذا حكمه والمراد بالحكم حد البلوغ وحاصل المعني أن الأطفال ماداموا اطفالاً مأذون لهم في الدخول بغير اذن الا في الأوقات الثلاثة فاذا بلغوا فلا يجوز لهم الدخول في الأوقات الثلاثة وغيرها إلا بالاذن .

لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(1)).

الخامسة: في سورة النور الآية 60 قوله تعالي : (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ(2) اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا(3) فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ(4) بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ

ص: 336


1- (1) قوله تعالي :(عَلِيمٌ حَكِيمٌ). كرّره تأكيدا للحكم بالاستيذان .
2- (2) قوله تعالي : (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ) . انتهي . القواعد جمع قاعد أي ذات قعود . المراد العجوز التي قعدت من الحيض .
3- (3) قوله تعالي :(لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا). أي لا يطمعن فيه ولا يرغبن لكبرهن .
4- (4) قوله تعالي : (غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ) . هو منصوب علي الحالية من فاعل (يَضَعْنَ) . والتبرج بالزينة تكلف اظهارها وهو من الأفعال اللازمة ، والباء للملابسة أي يباح طرح الثياب عند الأجانب في حال لا يكن قاصدات بذلك اظهار الزينة التي أمر الله باخفائها في قوله : (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) بل مجرد التخفيف وطلب الراحة فانه مرخص لهن في ذلك ومقتضي ذلك انهن لو قصدن بذلك اظهارها حرم، (وَاللَّهُ سَمِيعٌ) لاقوالكم (عَلِيمٌ) بقصدكم ونياتكم.

عَلِيمٌ).

السادسة: في سورة البقرة الآية 223 قوله تعالي: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ(1) فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّي شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ(2) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).

ص: 337


1- (1) قوله تعالي : (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) . انتهي. في الصحاح الحرث كسب المال وجمعه . وفي القاموس الكسب وجمع المال والزرع. و (أَنَّي) تستعمل بمعني أين ومتي وكيف . والكلام في الآية علي التشبيه بموضع الحرث فحذفت اداة التشبيه ووجهه مبالغة كما في زيد اسد. والمشهور عند العامة أنها نزلت ردا علي اليهود حيث قالوا إن من جامع امرأته في دبرها من خلف خرج الولد أحول فذكر ذلك لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فنزلت الآية وهو أيضا مروي من طريق الأصحاب عن أهل البيت عليهم السلام.
2- (2) قوله تعالي :(وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ). من أفعال الطاعات والقربات (وَاتَّقُوا اللَّهَ) في ترك المعاصي والمحرمات ومواضع الشبهة. وقيل التسمية عند الجماع أو الدعاء عنده أو طلب الولد، ثم أردفه بقوله: (اعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ) . الخ. وعد ووعيد .

السابعة: في سورة البقرة 233 الآية قوله تعالي : (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ(1) أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَي

ص: 338


1- (1) قوله تعالي : (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ). انتهي. اللام الجارة في (لِمَنْ) تتعلق بقوله : (يُرْضِعْنَ). والرضاعة بكسر الراء وفتحها قرء بهما. روي في الكافي في الموثق عن داود بن الحصين عن أبي عبدالله عليه السلام :(وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ ) قال الامام : «الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسوية فاذا فطم فالأب أحق به من الأم فاذا مات الأب فالأم أحق به من العصبة فان وجد الأب من يرضعه بأربعة دراهم وقالت الأم لا أرضعه إلا بخمسة دراهم فان له أن ينزعه منها إلا أن ذلك خير له وأرفق به يترك مع امه . وهنا أحكام : الأول: إن جملة (يُرْضِعْنَ) لفظها خبر لكن معناها الأمر أي ليرضعن كقوله :(يَتَرَبَّصن) . الثاني: التقيد بالحولين يدل علي أنها مدة الرضاع. الثالث: قوله :(عَلَي الْمَوْلُودِ لَهُ) وهو الأب لأنه الذي ينسب إليه الولد حقيقة وأما الأم فهي وعاء. ولفظ علي يقتضي الوجوب عليه. والرزق هو ما يحتاج إليه من المأكول. وفي اضافة الرزق والكسوة اليهن اشارة إلي أن المعتبر فيهما حالها. قوله : (بِالْمَعْرُوفِ) هو قيد للرزق والكسوة أي ان قدر الواجب من ذلك أن لا يتجاوز المعروف عند أهل العرف. ففيه دلالة علي أن ذلك من قبيل أجرة المثل . وقوله : (لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا) اشارة إلي أنه لا يجوز أن تنقص هي عما يناسب حال مثلها من الأجرة وأنه لا يجب علي الزوج الا ما دخل في وسعه وكان مقدرته والا سقطت عنه النفقة . ويفهم من ذلك أيضا أنه لا تجب نفقة الرضاع علي الأب إذا كان فقيرا وانّها تجب علي الأم. وهذا كله مع اعسار الطفل والا فلا نفقة عليها بل إنما هي في ماله .

الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ(1) بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَي الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ(2) فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا(3) عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ

ص: 339


1- (1) قوله تعالي : (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ) . الخ. في رواية الحلبي قال : «كان المرأة منا ترتفع يدها إلي زوجها أذا أراد مجامعتها فتقول لا أدعك اني أخاف أن أحمل علي ولدي ويقول الرجل لا اجامعك اني أخاف أن تعلقي فاقتل ولدي فنهي الله عز وجل أن تضار المرأة الرجل والرجل المرأة » . الخبر .
2- (2) الرابع: قوله تعالي : (وَعَلَي الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ) . ظاهره أنه عطف علي قوله : ( وَ عَلَي الْمَوْلُودِ لَهُ ) الخ والمعني أن وارث المولود له عند موته يقوم مقامه في لزوم رزق المرضعة وكسوتها ويكون ذلك بالمعروف وتجنب المضارة علي نحو ما مر.
3- (3) الخامس: قوله تعالي : (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا). الخ. الذي هو من قبيل التفريع علي قوله : (كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ). دلالة علي أن ارضاع الحولين الكاملين ليس من الأمور الواجبة بل يجوز الفصال والفطام قبل اتمامهما.

أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا(1) أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ(2) مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

الثامنة : في سورة البقرة 235 الآية قوله تعالي:(وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ(3) بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ

ص: 340


1- (1) السادس: قوله تعالي : (أَنْ تَسْتَرْضِعُوا) . أي تسترضعوا المراضع أولادكم أي تطلبوا لهم مرضعة غير الأم فحذف أحد المفعولين اكتفاء بما دل عليه من القرائن . والخطاب للأزواج بالرخصة لهم بذلك.
2- (2) قوله تعالي :(إِذَا سَلَّمْتُمْ) . الخ. أي سلمتم المراضع ما تراضيتم عليه بالمعروف من الاجرة . (وَاتَّقُوا اللَّهَ) عن مخالفة ما أمركم به. (اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ) من الأعمال الموافقة لارادته الموجبة للسعادة عنده والمخالفة لارادته المردية في عذابه (بَصِيرٌ) بذلك لا يخفي عليه شيء.
3- (3) قوله تعالي : (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ) . انتهي. التعريض بالخطبة ضد التصريح بها وهو ان يأتي بلفظ يحتمل الرغبة في النكاح وغيرها كأن يقول إنك لصالحة أو يسعد من تكونين عنده ونحو ذلك. والحاصل أن التعريض هو الاتيان بالكلام المحتمل للدلالة علي الرغبة فيها احتمالا راجحا كما يقول الفقير المحتاج إذا جاء نحو الغني المفضال جئتك لاسلم عليك. ويسمي أيضا التلويح . قوله : (أَوْ أَكْنَنْتُمْ) أي أضمرتم. (فِي أَنْفُسِكُمْ) من نكاحهن بعد مضي العدة ولم تذكروه بألسنتكم. (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ ) لا محالة ولا تصبرون علي الكتمان والسكوت عن النطق باظهار الرغبة فيه لأن شهوة النفس في باب النكاح كالمحبة إلي ذلك فهو كالعلة لرفع الجناح عن التعريض بالخطبة. قوله : (وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا) استدراك عن محذوف دل عليه (سَتَذْكُرُونَهُنَّ) أي فاذكروهن ولكن لا تواعدوهن سراً وهو كناية عن الموعدة بالجماع والقول المعروف هو التعريض لها بالخطبة. وقوله : (لَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ) المراد لا تعقدوا عليها مادامت في العدة والتعبير بالعزم مبالغة في النهي .

سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّي يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ(1) وَاعْلَمُوا(2) أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ).

ص: 341


1- (1) قوله تعالي : ( حَتَّي يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) . انتهي . يمكن أن يكون المراد القرآن أي حتي يحصل ما أجل لها القرآن من العدة للمطلقة والمتوفي عنها زوجها. هذه الآية تدل علي تحريم العقد عليها في هذه الحال.
2- (2) قوله تعالي : (وَاعْلَمُوا) . الخ. أي ما أضمرتموه فيها وقصدتموه. وإنما ذكر سبحانه هذه الجملة لأنه ذكر قبل رفع الجناح عما اكنّوا فذكره للاشارة إلي أنه عالم بذلك ولأن فيه زجراً وتحذيراً لمن خالف الله فيما أمره به أو نهاه عنه اذا كان الخلاف صادرة عن قصد وارادة .

النوع الخامس: في أشياء تتعلق بنكاح النبي صلي الله عليه و آله و سلم

وفيه ست ايات: :

الأولي: في سورة الأحزاب الآيات 28 - 29 قوله تعالي : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا(1) فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ(2) تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ

ص: 342


1- (1) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا). أي السعة والتنعم فيها. (فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ) أي أعطيكن متعة الطلاق. (وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) أي فراق بلا مشاجرة .
2- (2) قوله تعالي : (إِنْ كُنْتُنَّ) . انتهي . وهنا فوائد : الأولي: دلت الآية علي جواز تفويض أمر الطلاق إلي المرأة وتخيرها في نفسها مع قصده الطلاق بذلك وأنها اذا قالت اخترت نفسي كان ذلك طلاقا. وهل هذا الحكم خاض بالنبي صلي الله عليه و آله و سلم أو جار في غيره من الأمة ، أكثر الأصحاب علي الأول. الثانية: تضمنت الآية المتعة . الثالثة: ظاهر الأمر أن التخيير واجب عليه. الرابعة: عدد نسائه صلي الله عليه و آله و سلم خمس عشرة . يدل علي ذلك ما رواه في الكافي عن أبي بصير وغيره في تسمية نساء النبي صلي الله عليه و آله و سلم ونسبهن وصفتهن: عايشة وحفصة وأم حبيب بنت أبي سفيان بن حرب وزينب بنت جحش وسؤدة بنت زمعة وميمونة بنت الحرث وصفية بنت حي بن أخطب وأم سلمة بنت أبي أمية وجويرية بنت الحرث. وكانت عايشة من تيم وحفصة من عدي وأم سلمة من بني مخزوم وسؤدة من بني أسد وعدادها من بني امية وميمونة بنت الحرث من بني هلال وصفية بنت حي بن أخطب من بني اسرائيل ومات صلي الله عليه و آله وسلم عن تسع وكان له سواهن التي وهبت نفسها للنبي صلي الله عليه و آله وسلم وخديجة بنت خويلد وزينب بنت أبي الجون التي خدعت والكندية ». ونقل الشهيد الثاني في المسالك انه تزوج خمس عشرة ودخل في ثلاث عشرة وجمع بين احدي عشرة ومات عن تسع.

الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا).

الثانية: في سورة الأحزاب الآية 53 قوله تعالي: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ(1) وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا(2) أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ

ص: 343


1- (1) قوله تعالي : (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ). أي في علي عليه السلام أو الأعم من ذلك.
2- (2) قوله تعالي : (وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا) . انتهي . تحريمهن من خواصه صلي الله عليه و آله وسلم لا لكونهن امهات حقيقة لأنهن لم يلدنهم والا لحرم بناتهن. بل المراد انه مثل الامهات في التحريم. ويدل عليه ما رواه في الكافي عن زرارة في حديث عن أبي جعفر عليه السلام : «ان ازواج النبي صلي الله عليه و آله وسلم مثل امهاتهم. وسبب النزول انه تعالي لما أنزل قوله : ( النَّبِيُّ أَوْلَي بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) علم منها تحريم نسائه صلي الله عليه و آله وسلم غضب طلحة وقال يحرم محمد علينا نسائه ويتزوج هو نسائنا لئن مات لنركضن بين خلاخيل نسائه كما ركض بين خلاخيل نساء نا، فنزلت الآية.

عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا).

الثالثة : في سورة الأحزاب الآية 50 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ(1) أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ(2) نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ

ص: 344


1- (1) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ) . انتهي. أي أحللنا لك أزواجك اللاتي عندك بالفعل أي عند نزول الآية . أو المعني ماتزوجت من أزواج وما شئت أن تتزوج من النساء. كما يدل عليه ما رواه في الكافي في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سألته عن قول الله عز وجل : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ) قلت كم أحل له من النساء ؟ قال : «ما شاء». والأجور هي المهور لأن المهر أجر البضع. وايتائه يجوز أن يراد به ما يشمل الأداء عاجلا وما التزم به اجلا. (وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) أي ملكت يمينك حال كونه مما أفاء الله من شيء أو الذي أرجعه الله عليك من الغنائم والأنفال ومن مال تشتري به جارية .
2- (2) قوله تعالي : ( إِنْ وَهَبَتْ) . شرط جزاءه محذوف أي أحللناها . و(خَالِصَةً) نصب علي الحال. والهاء للمبالغة أو صفة لمصدر محذوف أي هبة خالصة لا يشاركك فيها أحد. فالاية دالة علي أن الهبة من خواصه. والمراد بالهبة انه يستحل البضع والوطي بدون استحقاق المهر أي أنها لا يجب لها مهر بعد الدخول كما لم يذكر في العقد.

النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ).

الرابعة: في سورة الأحزاب 52 الآية قوله تعالي : (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ(1) مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا ).

الخامسة: في سورة الأحزاب الآية 51 قوله تعالي :(تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ(2) مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ(3)...............

ص: 345


1- (1) قوله تعالي : (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ) . انتهي. المراد بالنساء النساء اللاتي ذكره تعالي في قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ) الآية. وقوله : (مِنْ بَعْدُ) أي من بعد أن بين ذلك لك وشرحه. وقوله : (وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ) أي حسن ما حرمه عليك في الآية المذكورة .
2- (2) قوله تعالي : (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ) . الخ. الأرجاء بالهمزة وعدمه وقرء بهما بمعني التأخير . والمراد هنا المفارقة اما بالطلاق أو بأي لفظ يدل علي ذلك ويكون من خواصه صلي الله عليه و آله و سلم.
3- (3) قوله تعالي : (وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ) . الايواء ضمها اليه وابقاء نكاحها.

وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ(1) فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَي(2) أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ(3) وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا(4) حَلِيمًا )

السادسة: في سورة الأحزاب الآية 37 قوله تعالي: (وَإِذْ تَقُولُ(5) لِلَّذِي

ص: 346


1- (1) قوله تعالي : (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ) . من اسم شرط وممن بيان لها. وجملة (فَلَا جُنَاحَ) جوابه. وحاصل المعني انه لا جناح عليك في ايواء المعزولة المسرحة من نسائك بل لك ارجاعها وضمها إليك أي وقت شئت ولا يتعين عليك ارجاءها.
2- (2) قوله تعالي : (ذَلِكَ أَدْنَي). الخ. الإشارة إلي أن التخيير بين الأمرين أقرب إلي أن قرت أعينهن ورضاهن وعدم حزنهن لأنه حكم يتساوين كلهن فيه فان ساويت بينهن عرفن ان ذلك تفضل منك ومجرد احسان وان ارجيت بعضهن علمن انه بحكم الله فلا يحزن.
3- (3) قوله تعالي : (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ) من الرضا والسخط والميل إلي بعض النساء دون بعض.
4- (4) قوله تعالي : (وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا) بمصالح عباده . (حَلِيمًا) في ترك معاجلتهم بالعقوبة.
5- (5) قوله تعالي : (وَإِذْ تَقُولُ) . الخ. جملة أمسك وجملة واتق مقول القول وجملة تخفي وجملة تخشي وجملة والله منصوبة علي الحالية من فاعل تقول في الجملتين الأولين والثالثة من ضمير تخفي وانما جاء الرابط فيهما بالواو مع انهما مضارع مثبت لأنهما بتقدير الاسمية أي وأنت تخفي. الخ.

أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَي النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَي زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا(1) زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ).

النوع السادس : في دوافع النكاح

اشارة

وهو خمسة أقسام:

القسم الأول : الطلاق

وفيه عشرة آيات:

الأولي: في سورة الطلاق الآية 1 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ(2) فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا

ص: 347


1- (1) قوله تعالي : (وَطَرًا) . الوطر الحاجة وقضاء الشهوة والآية نزلت في زيد بن حارثة الكلبي وما جري له مع زوجته زينب بنت جحش الأسدية وكانت بنت أميمة بنت عبدالمطلب عمة النبي صلي الله عليه و آله و سلم (القصة).
2- (2) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ) . انتهي . الخطاب صلي الله عليه و آله و سلم ولامته ولكن خصه بالذكر أنه الرئيس المقدم جري سبحانه في ذلك علي المتعارف في توجه الخطاب إلي أشرف القوم فيما يراد منهم . والمعني اذا أردتم فهو من المجاز المشهور . والمراد بقوله : (أَحْصُوا الْعِدَّةَ) ضبطها بالاقراء أمر سبحانه بذلك لأنه أمر يترتب عليه أحكام كثيرة كالمنع من النكاح والتوارث والنفقة والكسوة والمراجعة ونحو ذلك. وفي تعقيب ذلك بالأمر بالتقوي حث علي المحافظة في هذا الحكم لأنه مما يترتب علي المخالفة فيه مفاسد كثيرة كاختلاط النسل والفجور والاضرار بها أو به .

تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ(1) وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ(2) وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ(3) وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ

ص: 348


1- (1) قوله تعالي : (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ) . انتهي . تضمنت النهي عن اخراج المطلقة من الموضع اللائق بحالها مادامت في العدة وعن خروجها هي منه وهذا الحكم بالنسبة إلي ذات العدة الرجعية كما يدل عليه قوله : ( لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) كما سيجيء إن شاء الله .
2- (2) قوله تعالي : (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) قرء بكسر الباء أي ظاهرة وبفتحها أي أظهرتها. فالظاهر أن الاستثناء من الاخراج . ويدل علي ذلك ما رواه الشيخ عن محمد بن علي بن جعفر عن الرضا عليه السلام في تفسير الآية قال : « يعني بالفاحشة المبينة أن تؤذي أهل زوجها فاذا فعلت ذلك فان شاء أن يخرجها من قبل أن تنقضي عدتها فعل». وحاصل المعني انه لا يطلق له الخروج الا الخروج الذي هو فاحشة .
3- (3) قوله تعالي : (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ). الاشارة بذلك إلي جميع الأحكام المذكورة الشاملة لخروجها واخراجها تأكيدا للحكم وتحذيرا عن المخالفة المسببة عن سخط الله وعقابه.

يُحْدِثُ(1) بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا).

الثانية: في سورة الطلاق الآية 2 قوله تعالي: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ(2) فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا(3) ذَوَيْ عَدْلٍ

ص: 349


1- (1) قوله تعالي : ( لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ). انتهي. في رواية زرارة عن أبي عبدالله عليه السلام قال : المطلقة تكتحل وتختضب وتتطيب وتلبس ماشاءت من الثياب لأن الله يقول : ( لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) لعلها أن تقع في نفسه فيراجعها. وفي هذه الآية دلالة صريحة علي عدم لزوم الحداد ( وهو كما عن الشهيدين ترك الزينة من الثياب والادهان والطيب والكحل الاسود والحناء وخضب الحاجبين بالسواد واستعمال الأسفيداج في الوجه وغير ذلك مما يعد زينة عرفا) بل علي استحباب تركه كماهو المعمول به عند الأصحاب .
2- (2) قوله تعالي :(فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ). المراد بالأجل هنا العدة التي أمر الله بها . والمراد ببلوغه المشارفة علي اخره علي الاتساع في ذلك. واطلاقه علي مثله شايع في كلام الفصحاء. وانما حمل علي ذلك ليترتب عليه قوله فأمسكوهن لأنه قد ثبت انها بعد الفراغ من العدة تبين منه ولا يملك رجعتها ويكون خاطبا من الخطاب والامساك بالمعروف حسن العشرة معها واجراء النفقة عليها وان يراجعها بقصد ذلك للاضرار بها.
3- (3) قوله تعالي : وأشهدوا . الخ. راجع إلي أصل الطلاق لأن الكلام فيه وهو المقصود الأصلي من سوقه والبواقي من توابعه فتوسطها غير قادح. والأمر حقيقة في الوجوب. فتدل علي وجوب الاشهاد وعلي كونه شرطا في صحته .

مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ(1) يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).

الثالثة: في سورة البقرة الآية 231 قوله تعالي : (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ(2) فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ(3) أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ(4) وَلَا

ص: 350


1- (1) قوله تعالي : (ذَلِكُمْ) . انتهي. الاشارة به إلي الشهادة واقامتها أو جميع الأحكام. وفيه مبالغة علي التحريص في ذلك بأن من لم يفعل ذلك فليس من المؤمنين .
2- (2) قوله تعالي : (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ). قال الموسوي وفي مجمع البيان في تفسير قوله تعالي : (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ) وهذا خطاب للأزواج (فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) البلوغ ههنا بلوغ مقاربة أي قاربن انقضاء العدة لأن بعد انقضاء العدة ليس للزوج الامساك . الخ.
3- (3) قوله تعالي :(فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ). أي راجعوهن قبل انقضاء العدة بما يتعارفه الناس بينهم مما يقبله النفوس ولا ينكره العقول. والمراد بالمعروف ههنا أن يمسكها علي الوجه الذي أباحه الله من القيام بما يجب لها من النفقة وحسن العشرة.
4- (4) قوله تعالي :(أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ). أي اتركوهن حتي تنقضي عدتهن فيكن املك بأنفسهن .

تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا(1) لِتَعْتَدُوا(2) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ(3) فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ(4)).

الرابعة : في سورة البقرة الآية 232 قوله تعالي : (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ(5) أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ

ص: 351


1- (1) قوله تعالي : (وَ لَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا) . أي لا تراجعوهن لا لرغبة فيهن بل لطلب الاضرار بهن اما بتطويل العدة أو بتضييق النفقة في العدة.
2- (2) قوله تعالي : (لِتَعْتَدُوا). أي لتظلموهنّ.
3- (3) قوله تعالي : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ). أي الامساك للمضارة.
4- (4) قوله تعالي :(فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ). فقد أضر بنفسه وعرضها لعذاب الله . انتهي. أقول: حكي عن من لا يحضره الفقيه عن الحلبي قال : سألته عن قول الله عزوجل (وَ لَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا) قال : الرجل يطلق حتي اذا كادت أن يخلو أجلها راجعها ثم طلقها يفعل ذلك ثلاث مرات فنهي الله عزوجل عن ذلك .
5- (5) قوله تعالي : (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ) . قيل الخطاب للمطلقين ، وبلوغ الأجل عبارة عن المشارفة علي الفراغ من العدة ، والعضل عبارة عن المراجعة لهن بقصد الاضرار لا الرغبة فيهن. وحاصل المعني لا تراجعوهن عند قرب انقضاء العدة لا لقصد الرغبة بل منعا من نكاح الأزواج وقت التراضي بينهم اضرارا . وهذا المعني قاله الراوندي . ذلك المذكور (يُوعَظُ بِهِ) المؤمن المصدق بالله وبوعده و وعيده في اليوم الاخر فيرجو ثوابه ويحذر عقابه وخص المؤمن لأنه المنتفع بذلك. وفيه دلالة علي أن من لم يتعظ بذلك ولم يأخذ بما أمر به ولم يترك ما نهي عنه فهو ليس من المؤمنين. (وَاللَّهُ يَعْلَمُ) ما يصلحكم هو (وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) .

بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَي لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ).

الخامسة: في سورة البقرة الآية 228 قوله تعالي : (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ(1) بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي

ص: 352


1- (1) قوله تعالي : (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ) . انتهي . جملة خبرية في معني الأمر. والتربص الانتظار أي لا يتزوجن في هذه المدة . وهنا فوائد : الأولي: ظاهر المطلقات الشمول لكل مطلقة لأنه جمع محلي باللام لكن يخرج من هذا العموم غير المدخول بها لقوله تعالي : (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ ). الثانية: القروء جمع القرء بالفتح والضم وهو يطلق في اللغة علي الحيض والطهر. الثالثة: قوله : (لا يحل لهن أن يكتمن) الخ. الظاهر ان المراد بما في الأرحام الحمل وحرمه تعالي لأنه تضييع نسل . قوله : ( إِنْ كُنَّ ) . الخ. زجر ووعيد وتأكيد لتحريم الكتمان بان ذلك مما يخرج عن الايمان. الرابعة: قوله تعالي : (وَبُعُولَتُهُنَّ) الخ . ان كان المراد بما خلق الله في الأرحام الحمل فالمعني أن له عليها الرجعة مادامت حاملا لأنها إنما تبين منه بالوضع. وان كان المراد الأعم فالمعني أن له عليها الرجعة مادامت في العدة وعلي التقديرين المراد ذات العدة الرجعية. الخامسة: لما ذكر سبحانه أن الزوج أحق بها في مدة التربص وان له عليها حقا أردفه بما يدل علي أن لها أيضاً مثل الذي عليها والتشبيه في أصل الوجوب وحق الزوج أعظم. السادسة: ظاهر الاطلاق يتناول كل مطلقة المسلمة والكافرة الحرة والامة والمطلق المسلم والكافر والحر والعبد لكن خرجت الأمة بدليل أنها علي النصف من الحرة وان كان زوجها حرا وأما الكافرة فهي كالحرة علي المشهور.

أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ).

السادسة: في سورة الطلاق الآية 4 قوله تعالي: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ(1) مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ

ص: 353


1- (1) قوله تعالي : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ). انتهي. لما ذكر سبحانه حال المطلقات من ذوات الاقراء المستقيمات الحيض ذكر حال من لا يكون كذلك. روي انه لما نزلت الآية السابقة في عدة ذوات الأقراء قيل فما عدة اللائي لم يحضن فنزلت هذه الآية : ( وَاللَّائِي يَئِسْنَ ) مبتدأ (فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) الخبر وصح دخول الفاء لتضمنه معني الشرط وقوله : ( وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) مبتدأ وخبره محذوف لدلالة الأول عليه أي فعدته ثلاثة أشهر.

يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ).

السابعة: في سورة الأحزاب الآية 49 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ(1) الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا).

الثامنة: في سورة البقرة الآية 234 قوله تعالي : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ(2) وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا

ص: 354


1- (1) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ). انتهي النكاح هنا عبارة عن العقد والمس الجماع قبلا أو دبراً. (تَعْتَدُّونَهَا) أي تعتدونها وتستوفون عددها من عددت لهم الدراهم فاعتدوها . والسراح هنااخراجها من المنزل. والجميل صنيع المعروف معها وما تضمنته من انتفاء العدة في هذه الحال ولزوم المتعة فقد تقدم الكلام فيه.
2- (2) قوله تعالي : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ) . انتهي. الذين مبتدأ ويتربصن الخبر علي حذف العائد أي يتربصن بعدهم أو من وفاتهم من قبيل السمن منوان بدرهم (أي منه). وتأنيث العشر لتغليب الليالي وهو شايع في التواريخ كقوله صمت عشرا، وقوله تعالي :(إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا ).

بَلَغْنَ(1) أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).

التاسعة: في سورة البقرة الآية 229 قوله تعالي: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ(2) فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ).

العاشرة: في سورة البقرة الآية 230 قوله تعالي : (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ

ص: 355


1- (1) قوله تعالي : ( فَإِذَا بَلَغْنَ) . الخ. أي انقضت العدة فلا جناح عليكم أيها الأولياء أو الحكام أو المسلمون فيما فعلن في أنفسهن من الزينة والتزويج ونحو ذلك مما كان محرما عليها في حال العدة . ثم أردفه بقوله : ( وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) وعيدا وتهديدا وتحذيرا لمن خالف ووعدا لمن امتثل.
2- (2) قوله تعالي : ( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ) . الخ. في الصافي أي التطليق الرجعي اثنتان فان الثالثة باين . وفي المجمع عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم انه سئل أين الثالثة فقال أو تسريح باحسان . (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ) أي بالمراجعة وحسن المعاشرة . (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) بأن يطلقها التطليقة الثالثة بعد الرجعة كما في الخبر النبوي المذكور أو بأن لا يراجعها حتي تبين منه وتخرج من العدة فالامساك هو الأخذ والتسريح الاطلاق .

لَهُ(1) مِنْ بَعْدُ حَتَّي تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ(2) عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا(3) أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ(4) وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ(5) يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ

ص: 356


1- (1) قوله تعالي : (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ) . انتهي . هذا بيان التطليقة الثالثةأي فان طلقها الزوج الذي طلقها مرتين التطليقة الثالثة فلا تحل له من بعد الطلاق الثالث حتي تنكح زوجا غيره .
2- (2) قوله تعالي : ( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ ) . انتهي. فالمراد به الزوج الثاني أي انه ان طلقها الثاني أيضا فلا جناح عليه في الرجوع إليها لأنه لم يطلقها ثلاثاً حتي تحرم عليه الا بالمحلل وإنما أضاف المراجعة إليهما لأنه قد يكون الطلاق مما لا يملك فيه الرجعة كان يكون بائناًة أو كان ذلك بعد انقضاء العدة . ويحتمل أن يكون الضمير عايدا إلي الزوجة والزوج الأول بعد التحليل ولما كان الرجوع لا يكون الا بعقد ومهر في هذه الحال وهو موقوف علي رضاهما نسبه تعالي إليهما.
3- (3) قوله تعالي : (إِنْ ظَنَّا) . أي رجح عندهما بقرائن الأحوال .
4- (4) قوله تعالي : (أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ) . التي حدها للزوجية وهذا الشرط ليس لصحة العقد لأنه يصح وان ظنا خلافه لأنه أمر خارج عن الأمور المعتبرة في صحته غايته انه يترتب الاثم علي ذلك اذا حصل موجبه.
5- (5) قوله تعالي : (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) . الإشارة إلي جميع الأحكام المذكورة نبينها ونوضحها علي لسان القيم للكتاب .

يَعْلَمُونَ(1)).

القسم الثاني : في الخلع والمبارات

وفيه اية واحدة في سورة البقرة الآية 229 قوله تعالي : (وَ لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا(2) مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ).

ص: 357


1- (1) قوله تعالي : (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ). بأن لهم ربا آمرا وناهيا يؤاخذهم علي ترك حدوده ويحصل لهم الجزاء والثواب بامتثال أوامره ونواهيه فيحثّهم ذلك علي العمل فلذا خصهم بالذكر لأنهم المنتفعون .
2- (2) قوله تعالي : (وَ لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا) . الخ. قرء أبو جعفر وحمزة يخافا بالضم والباقون بفتحها والضمير علي القرائة الثانية فاعل وان في موضع جر بالجار المقدر أو نصب. والخطاب للأزواج بتحريم أخذ شيء مما اتوا نسائهم من مهر وغيره . ثم استثني الله تعالي من ذلك حلية الأخذ منه في حالة وهي ما اذا عرضت بعض الأسباب عدم المحبة والبغض فحصل الظن بعدم اقامة حدود الله المقررة في أمر الزوجية فعند ذلك يحل لها أن تفدي نفسها وتخلصها من حكمه ويحل له أخذ الفدية (والذي يستفاد من كلماتهم هو أن الخلع قسم من الطلاق يعتبر فيه جميع شروط الطلاق ويزيد عليه أن تكون الزوجة كارهة لزوجها وتفدي نفسها منه بفدية فاذا كانت الكراهية من الزوج والزوجة فهو المباراة ).

القسم الثالث : في الظهار

القسم الثالث : في الظهار(1)

وفيه خمس آيات كلها في سورة المجادلة :

الأولي : الآية 1 قوله تعالي : ( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا(2) وَتَشْتَكِي إِلَي اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ).

ص: 358


1- (1) الظهار هو قول الرجل لامرأته أنت علي كظهر امي. كما في القاموس وهو موافق لتعريفه شرعا أو قريب منه لأن الذي يظهر من الروايات انه تشبيه منكوحه مطلقا دائما أو منقطعا وبملك يمين وان كانت في العدة الرجعية بظهر انه أو بظهر رحم نسبا أو رضاعا. الخ.
2- (2) قوله تعالي : (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) . الخ. في تفسير علي بن ابراهيم قال سبب نزول هذه السورة انه أول من ظاهر في الإسلام أويس بن الصامت وكان شيخا كبيرا فغضب علي أهله يوما فقال لها أنت علي كظهر أمي ثم ندم علي ذلك قال : وكان الرجل في الجاهلية اذا قال لامرأته انت علي كظهر أمي حرمت عليه إلي آخر الأبد وقال أويس لأهله يا خولة أنا كنا نحرم هذا في الجاهلية وقد أتانا الله بالاسلام فاذهبي إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فاسئلي عن ذلك فأتت خولة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقالت بأبي وأمي يا رسول الله ان اويس بن الصامت هو زوجي وأبو ولدي وابن عمي فقال لي أنت علي كظهر أمي وكنا نحرم ذلك في الجاهلية وقد أتانا الله بالاسلام بك. (وفي البرهان عن أبي جعفر عليه السلام قال : ان اميرالمؤمنين قال ان امرأة من المسلمين أتت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقالت له : يا رسول الله ان فلانا زوجني وقد نشرت له بطني وأعنته علي دنياه وآخرته فلم ير مني مكروها وأنا أشكوه إلي الله عزوجل وإليك قال : مما تشتكينه ؟ قالت له : انه قال لي اليوم أنت علي كظهر أمي وقد أخرجني من منزلي فانظر في أمري فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ما أنزل الله علي كتابا أقضي به بينك وبين زوجك وأنا أكره أن أكون من المتكلفين فجعلت تبكي وتشتكي ما بها إلي الله ورسوله وانصرفت فسمع الله محاورتها لرسوله في زوجها وما شكت إليه فأنزل الله قرآنا: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَي اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا) يعني محاورتها لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في زوجها «ان الله سميع بصير ، الذين يظاهرون منكم» إلي آخر الآية ، فبعث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم إلي المرأة فأتته فقال لها : ايتيني بزوجك فأتته به فقال له : أقلت لامرأتك هذه أنت حرام علي كظهر أمي ؟ قال : قد قلت لها ذلك ، فقال له رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم : قد أنزل الله فيك وفي امرأتك قرانا فقرء عليه ما أنزل الله من قوله : (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ) إلي قوله : (ِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) فضم امرأتك إليك فانك قد قلت منكرا من القول وزورا قد عفا الله عنك وغفر لك فلا تعد وانصرف الرجل وهو نادم علي ما قال لامرأته وكره الله ذلك للمؤمنين بعد فأنزل الله : الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا) يعني قول الرجل لامرأته انت علي حرام كظهر امي. قال : فمن قالها بعد ما عفي الله وغفر للرجل الأول فان عليه (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) يعني مجامعتها.

الثانية : الآية 2 قوله تعالي : ( الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا

الثالثة : الآية كقوله تعالي : ( وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) .

ص: 359

الرابعة : الآية 3 قوله تعالي : (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ(1) تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ).

الخامسة: الآية 4 قوله تعالي : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

القسم الرابع : في الايلاء

القسم الرابع : في الايلاء(2)

وفيه آيتان:

الأولي: في سورة البقرة الآية 226 قوله تعالي: ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ(3) تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ).

ص: 360


1- (1) قوله تعالي : (ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا). فجعل الله عقوبة من ظاهر بعد النهي عن هذا وقال : (ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) فجعل الله هذا حد الظهار الحديث.
2- (2) الايلاء هو لغة مطلق الحلف وشرعا الحلف علي ترك وطي الزوجة الدائم المدخول بها أزيد من أربعة أشهر للاضرار بها. قيل : كان طلاقا في الجاهلية فنسخ ذلك الحكم وأثبت له حكم آخر .
3- (3) قوله تعالي : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ) . انتهي. الموصول المجرور مرفوع المحل خبر مقدم لقوله : (تَرَبُّصُ) ومن نسائهم متعلق بيؤلون ومن شأنه أن يتعدي بعلي لكنه لتضمنه معني البعد عدي بمن أي يبعدون من نسائهم مولين والتربص التوقف والانتظار والاضافة ظرفية أو علي جهة الاتساع أي ان هذه المدة حق ثابت لهم لا يطالبون فيها بالطلاق أو الفئة. وهنا أحكام : الأول: ان الايلاء ضرب من اليمين فلا ينعقد إلا باسم الله سبحانه . الثاني: لا ينعقد الايلاء إلا مع قصد الاضرار بها فلو حلف لاصلاح لم ينعقد . الثالث: لا ينعقد حتي يكون مطلقة أو أزيد من أربعة أشهر. الرابع: اذا وقع الايلاء فان صبرت المرأة فلا بحث وان رفعت أمرها إلي الحاكم فأجله ( يعني الحاكم الرجل ) أربعة أشهر في أمره فاذا انقضت المدة خيره بين الفئة والطلاق فان طلق وقع رجعيا ان لم يوجد بعض أسباب البائن وان فاء بأن جامع أو عزم عليه اذا كان هناك مانع من الوطي كالحيض لزمته الكفارة فان امتنع منهما حبسه وضيق عليه في المأكل والمشرب حتي يختار أحدهما. الخامس: اذا وطي المؤلي في مدة التربص وفي الأربعة أشهر فقد حنث في يمينه ووجبت عليه الكفارة اجماعا. وكذا ان وطي بعدها علي المشهور. السادس: يظهر من الآية انه لو وطي في أثناء المدة فقد انحل اليمين ولم تتكرر الكفارة بتكرر الوطي وذلك لأنه تعالي وعد بالغفران والرحمة لمن أفاء مطلقا ومقتضاه عدم لزوم شيء سوي كفارة واحدة من حيث الدليل. السابع: استفيد منها انه لابد من كون المؤلي بالغا عاقلا مختارا قاصدا. ويستفاد أيضا من اعتبار التربص والطلاق انه لابد من كون المؤلي منها زوجة لامملوكة ونكاحها دائما لا منقطعا.

ص: 361

الثانية : في سورة البقرة الآية 227 قوله تعالي : (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ).

القسم الخامس: في اللعان

القسم الخامس: في اللعان(1)

وفيه أربع آيات كلها في سورة النور:

الأولي : الآية 6 قوله تعالي: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ(2) وَلَمْ يَكُنْ

ص: 362


1- (1) هو لغة الطرد والابعاد وشرعاً مباهلة خاصة بين الزوجين لنفي حير أو ولير.
2- (2) قوله تعالي : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) . انتهي . تضمنت الآية وجوب النطق بالشهادة وأن يبدأ الرجل بالتلفظ علي الترتيب المذكور وأن يعينها بالذكر أو الاشارة وان ينطق باللفظ العربي مع القدرة وقد دل علي ذلك روايات : . منها: ما روي في الكافي في الحسن عن عبدالرحمن بن الحجاج قال : ان عباد البصري سأل أبا عبدالله عليه السلام وأنا حاضرٌ كيف يلاعن الرجل المرأة فقال أبو عبدالله عليه السلام . ان رجلا من المسلمين أتي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال : يا رسول الله أرأيت لو ان رجلا دخل منزله فوجد مع أمرأته رجلا يجامعها ما كان يصنع؟ قال : فأعرض عنه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم وانصرف ذلك الرجل وكان ذلك الرجل هو الذي ابتلي بذلك من امرأته. قال : فنزل الوحي من عند الله عزوجل بالحكم فيهما فأرسل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم إلي ذلك الرجل فدعاه فقال : أنت الذي رأيت مع امرأتك رجلا ؟ فقال : نعم، فقال له : انطلق فأتني بامرأتك فان الله قد أنزل الحكم فيك وفيها قال : فاحضرها زوجها فأوقفهما رسول الله صلي الله عليه و آله سلم. ثم قال للزوج اشهد أربع شهادات بالله انك من الصادقين فيما رميتها به قال : فشهد قال : ثم قال له : اتق الله فان لعنة الله شديدة. ثم قال : اشهد الخامسة ان لعنة الله عليك ان كنت من الكاذبين قال فشهد ثم أمر به فنحي ثم قال للمرأة اشهدي أربع شهادات بالله انه لمن الكاذبين فيما رمال به قال : فشهدت ثم قال لها : أمسكي فوعظها وقال : لها اتقي الله ان غضب الله شديد ثم قال لها اشهدي الخامسة ان غضب الله عليك ان كان زوجك من الصادقين فيما رماك به قال فشهدت قال : ففرق بينهما وقال لهما لا تجتمعا بنكاح أبدأ بعد ما تلاعنتما. فدلت علي أن المراد بهذه الشهادة أن تكون بمعني القسم وان المراد بالأربع تكرارها.

لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ).

الثانية : الآية 7 قوله تعالي : ( وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ).

الثالثة : الآية 8 قوله تعالي : (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ).

الرابعة: الآية 1 قوله تعالي : (وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ).

ص: 363

ص: 364

كتاب المطاعم والمشارب

اشارة

ص: 365

ص: 366

والآيات هنا علي أقسام:

القسم الأول

ما يدل علي اصالة اباحة كل ما ينتفع به خاليا عن مفسدة .

وهو ست آيات :

الأولي : في سورة البقرة الآية 29 قوله تعالي : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ(1) مَا

ص: 367


1- (1) قوله تعالي :(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ). الخ . وقوله تعالي : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) الخ. وقوله تعالي : (وَ لَقَد مَكَنَّاكُم) . الخ. وقوله تعالي :(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم). الخ. وقوله تعالي : (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ). الخ . وقوله تعالي : ( وَالأَرضُ مَدَدنَاهَا) . الخ. كل هذه الآيات ونحوها دالة علي اصالة الاباحة . وقد مر الكلام في كثير منها في كتاب المكاسب . ويدل علي أصالة الاباحة أيضا الأخبار المتكثرة كقول الصادق عليه السلام : «كل شي مطلق حتي يرد فيه نهي». وقوله الآخر: «كل شيء هو لك حلال حتي تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ». الخبر. وقوله الآخر: «كل شيء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلالا أبدا حتي تعرف الحرام بعينه فتدعه » .

فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا).

الثانية: في سورة البقرة 168 الآية قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ).

الثالثة: في سورة الأعرف الآية 10 قوله تعالي : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ).

الرابعة : في سورة الملك الآية 15 قوله تعالي: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ).

الخامسة: في سورة طه 81 الآية قوله تعالي : (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ).

السادسة: في سورة الحجر الآيات 19 - 20 قوله تعالي : (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ * «وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ).

ص: 368

القسم الثاني

في ما فيه اشارة إلي تحريم أشياء علي التعيين .

وفيه ثلاث آيات:

الأولي: في سورة المائدة الآية 3 قوله تعالي :(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ(1)

ص: 369


1- (1) قوله تعالي : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) . الخ. وقد مر الكلام في صدر الاية في كتاب الصلوة . ولنذكر بيانها هنا لاقتضاء المقام. اعلم : أن جميع المحرمات التي حرمها الله تعالي عقب مفاسد ولهذا حرمها الله . روي ابن بابويه في الصحيح عن محمد بن عذافر عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت لم حرم الله الخمر والميتة ولحم الخنزير والدم، فقال: «ان الله تعالي لم يحرم ذلك علي عباده وأحل لهم ما وراء ذلك من رغبة فيما أحل لهم ولا زهد فيما حرمه عليهم ولكنه عزوجل خلق الخلق فعلم ما يقوم به أبدانهم وما يصلحهم فأحله لهم وأباحه لهم. وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه ثم احله للمضطر في الوقت الذي لا يقوم بدنه الا به فأمره أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك ». ثم قال : « وأما الميتة فانه لم ينل أحد منها الا ضعف بدنه ووهنت قوته وانقطع نسله ولا يموت آكل الميتة إلا فجاة . وأما الدم فانه يورث أكله الماء الأصفر ويورث الكلب وقساوة القلب وقلة الرأفة والرحمة حتي لا يؤمن علي حميمه ولا يؤمن علي من صحبه . وأما الخمر فانه حرمها لفعلها وفسادها »* . ثم قال : « إن مدمن الخمر كعابد وثن ويورثه الارتعاش ويهدم مروته ويحمله علي أن يجسر علي المحارم من سفك الدماء وركوب الزنا حتي لا يؤمن إذا سكر أن يثب علي حرمه وهو لا يعقل ذلك والخمر لا تزيد شاربها الا كل شر». وروي عن عبد العظيم عن الجواد عليه السلام انه قال : المنخنقة التي انخنقت بأخناقها حتي تموت، والموقوذة التي مرضت حتي وقذها ( أي صرعها ) المرض حتي لم يكن بها حركة، والمتردية التي تتردي من مكان مرتفع إلي أسفل أو تتردي من جبل أو في بئر فتموت، والنطيحة التي نطحتها بهيمة اخري فتموت، وما أكل السبع منه فمات وما ذبح علي النصب علي حجر أو صنم الا ما أدركت ذكاته فذكي » . الخبر .

وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَي النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ(1) ذَلِكُمْ فِسْقٌ ).

ص: 370


1- (1) قوله تعالي : (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ). انتهي. قد تقدم في كتاب الطهارة كيفية القسمة بالازلام، وهو علي في ما رواية أبي جعفر عليه السلام قال : «كانوا يعمدون إلي جزور فيجزون عشرة أجزاء ( قال في الصافي معني تجزيته عشرة أجزاء اشترائه فيما بين عشرة انفس كما ذكر في حديث الجواد لا تجزئة لحمه )، ثم يجتمعون عليه فيخرجون السهام فيدفعون إلي رجل والسهام عشرة وهي سبعة لها أنصباء (أي لانصيب له) وثلاثة لا انصباء لها فالتي لها انصباء الفذّ والتوأم والمسبل والنافس والحلس والرقيب والمعلي ، فالفذ له سهم والتوام له سهمان والمسبل له ثلاثة أسهم والنافس له أربعة أسهم والحلس له خمسة أسهم والرقيب له ستة أسهم والمعلي له سبعة أسهم والتي لا انصباء لها السفيح والمنيح والوغد وثمن الجزور علي من لم يخرج له من الانصباء شيء وهو القمار فحرمه الله .

الثانية: في سورة الأنعام الآية 145 قوله تعالي: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ (1)مُحَرَّمًا عَلَي(2) طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ(3) فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

ص: 371


1- (1) قوله تعالي : (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ ) . انتهي. حاصل المعني أنه سبحانه لما قدم ذكر ما حرمه المشركون عقبه ببيان المحرمات فقال : قل يا محمد لهؤلاء الكفار لا أجد فيما أوحاه الله في القرآن الذي فيه تبيان كل شيء أو فيما أوحاه الله مطلقا سواء كان قرانا أو غيره . وفيه دلالة علي أن الأحكام إنما يعلمها صلي الله عليه و آله و سلم بوحي الله تعالي إليه لأنه لا ينطق عن الهوي شيئا.
2- (2) قوله تعالي : (مُحَرَّمًا عَلَي) . الخ. والمراد بالميتة كلما فارقته الحياة بغير ذكاة شرعية . وأراد بالمسفوح غير المتخلف منه في اللحم والعروق ومما يشق تخليصه. والرجس المستقذر المنفور عنه ، فالضمير راجع إلي جميع ما تقدم.
3- (3) قوله تعالي : (فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) عطف علي ميتة والمراد ما ذبح علي النصب وما ذبحوه لآلهتهم. وفي رواية عبدالعظيم عن الجواد عليه السلام قلت له : يابن رسول الله فما معني قوله عز وجل : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ) قال : « العادي السارق والباغي الذي يبغي الصيد بطرا ولهوا لا ليعود به علي عياله ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا هي حرام عليهما في حال الاضطرار، كما هي حرام في حال الاختيار». الحديث . فدلت الآية والرواية علي الرخصة في ذلك للمضطر الا ما استثني .

الثالثة : في سورة البقرة الآية 219 قوله تعالي: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ(1) وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا).

القسم الثالث

في أشياء في المباحات.

وفيه خمس آيات:

الأولي : في سورة المائدة الآية 4 قوله تعالي : (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ(2) قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ

ص: 372


1- (1) قوله تعالي : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ) . انتهي . قد تقدم في كتاب الطهارة وفي المكاسب بيان ذلك وتحريم الخمر من ضروريات الدين حتي ورد أنه أكبر الكبائر وأنه لو صب في أصل شجرة ما أكل من ثمرها ولو وقع في بئر قد بنيت عليه منارة ما أن عليها إلي غير ذلك من الأخبار.
2- (2) قوله تعالي : ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ). انتهي . قد مر تفسير الطيب والمراد هنا ما قابل الخبيث فتدل بالمفهوم علي تحريمه وبالمنطوق علي اباحة كل ما لم تنفر عنه الطباع المستقيمة . (وَمَا عَلَّمْتُمْ) موصولة عطف علي الطيبات بتقدير مضاف أي وصيد ما علمتم أو شرطية وجوابها فكلوا. و (الْجَوَارِحِ) جمع جارحة وهو الكواسب من الطير والبهايم سميت بذلك لأن اربابها يكسبون الطعام بصيدها. والقرائة المشهورة مكلبين بالتشديد أي أصحاب صيد بالكلاب وأصحاب التعليم للكلاب فهو نصب علي الحال من فاعل (مَا عَلَّمْتُمْ). وقوله : (تُعَلِّمُونَهُنَّ) إلي آخره جملة منصوبة علي الحال أيضا اما متداخلة أو مترادفة علي الكيفية التي علمكم الله علي لسان نبيه صلي الله عليه و آله و سلم. وهنا أحكام: الأول: اطلاق (مَا عَلَّمْتُمْ) ثم تقيده بقوله :(تُعَلِّمُونَهُنَّ) . الخ. يقتضي أن التعليم له كيفية خاصة. الثاني: اطلاق الجوارح وإن كان عام الا ان التقيد بالمكلبين يخصه بالكلاب لأنه المتبادر . الثالث: قد يستفاد من كون الخطاب للمسلمين أنه لا يجوز الاصطياد بالكلب الذي علمه الكافر. الرابع: قد يعلم من قوله : (مُكَلِّبِينَ) وقوله : (تُعَلِّمُونَهُنَّ) و (أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) انه يشترط أن يكون ارساله للصيد . الخامس: استفيد منها اعتبار التسمية من المريسل . السادس: قد يستفاد من قوله : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ) انه يشترط في الاباحة أن يجده قد مات. السابع: قيل ظاهر اطلاق الآية يدل علي طهارة موضع العضة .

مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ).

الثانية: في سورة المائدة الآية 5 قوله تعالي : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ(1)

ص: 373


1- (1) قوله تعالي : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ) . انتهي. هذه الاية مذكورة بعد الاولي بلا فصل فالغرض من التكرار التأكيد وعطف باقي المحللات عليه. والمراد باليوم الزمان الحاضر وما بعده. والمراد بطعام أهل الكتاب الحبوب ونحوها من الجامدات لأنه المتبادر من لفظ الطعام ولأنه قد ثبت نجاستهم علي الأقوي المشهور كما مر في كتب الطهارة فتنصرف إلي ما عدا المايعات.

الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ(1)).

الثالثة : في سورة الأنعام الآية 118 - 121 قوله تعالي : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ(2) عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ(3)* وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا(4) مِمَّا ذُكِرَ

ص: 374


1- (1) قوله تعالي :(وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ). أي يجوز لكم أن تبذلوهم بالبيع ونحوه من المعاملات وغيرها .
2- (2) قوله تعالي : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ) . انتهي . والمراد الاسم المختص به سبحانه . والتفصيل هو قوله تعالي : (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ ) الآية. وفي الصافي قوله : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ) مسبب عن انكار اتباع المضلين الذين يحترمون الحلال ويحلون الحرام وذلك أنهم قالوا للمسلمين أتأكلون مما قتلتم أنتم ولا تأكلون مما قتل ربكم فقيل كلوا مما ذكر اسم الله علي ذبحه خاصة دون ما ذكر عليه اسم غيره أو مات حتف أنفه.
3- (3) قوله تعالي : (إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ) . فان الايمان بها يقتضي استباحة ما أحله الله واجتناب ما حرمه .
4- (4) قوله تعالي : (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا) . انتهي. وأي غرض لكم بأن تتحرجوا عن أكله وما يمنعكم منه .

اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ(1) مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا(2) لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ(3) * وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ(4) وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ * وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ).

الرابعة : في سورة النحل الآية 14 قوله تعالي: (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ(5) لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا(6) ).

ص: 375


1- (1) قوله تعالي : (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ) . انتهي . مما لم يحرم بقوله :(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) الخ. (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) مما يحرم عليكم فانه أيضا حلال حال الضرورة .
2- (2) قوله تعالي : (وَإِنَّ كَثِيرًا) . انتهي . بتحليل الحرام وتحريم الحلال.
3- (3) قوله تعالي : (هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) . المتجاوزين الحق إلي الباطل والحلال إلي الحرام.
4- (4) قوله تعالي : (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ) . انتهي. القمي قال : الظاهر من الآثم المعاصي والباطن الشرك والشك في القلب. الخ.
5- (5) قوله تعالي : (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ) . انتهي . وفي الصافي : ذلله بحيث تتمكنون من الانتفاع به بالركوب والاصطياد والغوص.
6- (6) قوله تعالي : (لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا) هو السمك ، فهذه الآية دالة علي اباحة حيوان البحر.

وفي سورة فاطر الآية 12 قوله تعالي :(وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ(1) هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا).

الخامسة: في سورة النحل الآيتان 68 - 69 قوله تعالي : (وَأَوْحَي رَبُّكَ إِلَي النَّحْلِ(2) أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ *

ص: 376


1- (1) قوله تعالي : (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ) . وفي مجمع البيان : يعني العذب والمالح ثم ذكرهما فقال : (هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ) أي طيب بارد (سَائِغٌ شَرَابُهُ) أي جايز في الحلق هنيء (وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ) شديد الملوحة. عن ابن عباس وهذه الآية أيضاً دالة علي اباحة حيوان البحر .
2- (2) قوله تعالي : (وَأَوْحَي رَبُّكَ إِلَي النَّحْلِ). انتهي . روي في الخصال عن محمد بن يوسف عن أبيه قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل : (وَأَوْحَي رَبُّكَ إِلَي النَّحْلِ) قال : « الهام». وهنا فوائد : الأولي: قد استعمل الوحي في معان ، والمراد هنا الالهام. والعرش سقف البيت أي اتخذي من هذه المواضع بيوتا واسكني فيها، ومن هنا للتبعيض . وقوله :(كُلِي) هو عطف علي اتخذي أي الهمها أن تأكل من جميع أنواع الثمرات وما تشتهيه من سائر الأشجار وما تبتغيه من ثمر وورق وزهر والهمها سلوك الطرق التي يحصل لها من سلوكها ماتأكله والرجوع إلي بيوتها . و (ذُلُلَاً) حال من السبل أي ذللها الله تعالي ووطأها ، (شَرَابٌ) أي عسل مختلف اللون. وظاهر الآية أن تلك الأزهار والأوراق التي تأكلها تستحيل في باطنها عسل ثم تقيه. الثانية: في الآية دلالة علي اباحة العسل واباحة التداوي به اما بنفسه يذيب البلغم وأما مع التركيب مع غيره فانه مع الحموضات شفاء من الصفراء ومع الادهان شفاء من السوداء .

ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ).

ص: 377

ص: 378

كتاب الميراث

ص: 379

ص: 380

وفيه تسع آيات:

الأولي: في سورة النساء الآية 33 قوله تعالي: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ (1)مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ(2)

ص: 381


1- (1) قوله تعالي :(وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ ) . انتهي. أصل المولي من ولي الشيء يليه ولاية : اتصال الشيء بالشيء من غير فاصل وقد استعمل في معان متعددة. والمراد هنا الاولي بالشيء أو الوارث. ويدل علي ذلك ما رواه في أصول الكافي في الموثق عن زرارة قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : « ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون قال : إنما عني أولي الأرحام في المواريث ولم يعني أولياء النعمة فأولاهم بالميت أقربهم إليه من الرحم التي تجره إليها». والتنوين في لكل عوض عن مضاف إليه أي لكل تركة مما ترك الوالدان والأقربون جعلنا موالي يرثونها. واختلف في المراد بالذين عقدت ايمانكم، فقيل المراد الحلفاء وذلك انهم كانوا في الجاهلية يعاقد بعضهم بعضاً فيقول دمي دمك وحربي حربك وسلمي سلمك وترثني وأرثك وتعقل عنّي وأعقل عنك فيكون للحليف السدس من ميراث الحليف .
2- (2) قوله تعالي : (فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ). أي فاعطوهم حظهم من الميراث أعني السدس ثم نسخ ذلك بقوله : (وَأُولُو الْأَرْحَامِ) الآية. وهذا هو الذي ذكره علي بن ابراهيم في تفسيره .

إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا).

الثانية: في سورة الأحزاب الآية 6 قوله تعالي: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَي بِبَعْضٍ(1) فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَي أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا).

الثالثة : في سورة النساء الآية 7 قوله تعالي : (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ(2) مِمَّا

ص: 382


1- (1) قوله تعالي : (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَي بِبَعْضٍ). في الصحاح الرحم القرابة وفي القاموس بالكسر وككتف بيت الولد ووعائه والقرابة وأصلها وأسبابها . وهذه الآية ناسخة لما كان في صدر الاسلام من التوارث بالهجرة والموالاة في الدين لا بالقرابة تألفا لقلوبهم كما تألف الاعراب باعطائهم سهم من الصدقات . روي أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم آخي بين المهاجرين والأنصار لما قدم المدينة وكان يرث المهاجريّ من الانصاري وبالعكس ولا يرثه وارثه الذي بمكة وإن كان مسلما لقوله تعالي : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّي يُهَاجِرُوا ) ثم نسخت هذه الآية بالآية المذكورة . وهو المراد بقوله : (فِي كِتَابِ اللّهِ) . قوله تعالي : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي الأنصار والمهاجرين .
2- (2) قوله تعالي : (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ) . انتهي . نصب النصب علي المصدرية تأكيدا لمضمون الجملة أو علي أنه حال أو علي الاختصاص. وحاصل المعني أنه تعالي جعل لكل واحد من الرجال والنساء حصة من الميراث علي الاجمال ثم بين نصيب كل واحد. قيل إن الآية نزلت لابطال ما كان متعارفا عند الجاهلية من عدم توريث النساء والأطفال، وفيها دلالة واضحة علي بطلان التعصيب. ووجه ذلك أنه تعالي فرض للنساء كما فرض للرجال في التركة فشرك بينهما وذكر الوالدين والأقربين يدل علي أنه ليس المراد مطلق الرجال ومطلق النساء بل المراد المتساوون في الدرجة، وفي قوله : (مفروضا) دلالة علي أن هذا النصيب يدخل في ملك الوارث بغير الاختيار .

تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا).

الرابعة : في سورة النساء الآية 11 قوله تعالي : (يُوصِيكُمُ اللَّهُ(1) فِي

ص: 383


1- (1) قوله تعالي : (يُوصِيكُمُ اللَّهُ) . انتهي. نذكر جملة ما تضمنته الآية في مسائل : الأولي: وصية الله عبارة عن أمره وفرضه كما في قوله : (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ ) أي يأمركم ويعهد إليكم في أولادكم أي في توريثهم بعد الموت والخطاب للأحياء. والمراد بالأولاد هنا مايلدونه حيا ذكرا كان أو أنثي ثم بين سبحانه ما أوصاهم به انه اذا اجتمع منهم في مرتبة ذكر وانثي أو ذكور واناث فللذكر منهم من التركة مثل حظّ الانثيين. فهو مبتدأ أو خبر مقدم بحذف العائد لدلالة السياق عليه. الثانية: أشار سبحانه إلي حكم النساء المتفردات عن الأولاد الذكور بقوله : (فَإِنْ كَانَ) أي الأولاد (نِسَاءِ) فالتأنيث باعتبار الخبر كقولهم من كانت امك (فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) أي ثلثا فصاعدا (فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) الميت يشتركن فيه وان كن مائة (وَإِنْ كَانَتْ) المولودة (وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ). الثالثة: أشار سبحانه إلي حكم الأبوين بقوله : (وَلِأَبَوَيْهِ) أي أبوي الميت الدلالة السياق (لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ) هذا (إِنْ كَانَ) للميت (وَلَدٌ) أراد به هنا الجنس الشامل للذكر والانثي (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) للميت (وَلَدٌ) مطلقا (وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ) معاً لا أحدهما لأنه لو كان الوارث واحدا منهما فان كان الأب فالمال كله له وان كان الأم كان لها الثلث تسمية والباقي ردا فالغرض هنا بيان صورة اجتماع الأبوين (فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) أي مما ترك وحذفه للعلم به ولم يذكر حصة الأب هنا لأنه ليس بصاحب فرض في هذه الصورة بل له جميع الباقي وهذا اذا لم يكن للميت اخوة (فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) خاصة فانهم يمنعونها عما زاد عنه. الرابعة: اطلاق الآية مقيد بأمور وهي أن لا يكون الوارث رقا ولا كافرا ولا قاتلا ونحو ذلك من موانع الإرث وهي كثيرة أنهاها في الدروس إلي عشرين . الخامسة: ما ذكر في الآية الشريفة هو حكم الأولاد الذكور والاناث المقطوع بذكوريتهم وأنوثيتهم. السادسة: اطلاق الأولاد يشمل في هذا المقام أولاد الأولاد .

أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ

ص: 384

كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ(1) يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا(2) فَرِيضَةً(3) مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا).

الخامسة: في سورة النساء الآية 12 قوله تعالي: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ(4) أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا

ص: 385


1- (1) قوله تعالي : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ) . الخ. متعلق بجميع ما تقدم من قسمة المواريث.
2- (2) قوله تعالي : (لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا) . لعله من قبيل العلة في توريث الفروع والأصول ومشاركته في الميراث . قيل : ان المراد النفع الاخروي وقيل النفع الدنيوي وقيل المراد وجوب النفقة من الطرفين اذا كان أحدهما محتاجا دون الآخر وقيل لا تدرون ايكم يموت قبل صاحبه فينتفع الاخر بماله.
3- (3) قوله تعالي : (فَرِيضَةً) منصوب علي المصدرية لتأكيد الجملة الأولي أي فرض الله ذلك فرضا ( إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمَا) بمصالح العباد (حَكِيماً) فيما فعل.
4- (4) قوله تعالي : (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ) . انتهي. نصت الآية الكريمة علي أنه لا يحجب الزوج عن الربع والزوجة عن الثمن أحد وانه لا يحجبهما عن النصيب الاعلي الا الولد بشرط أن يكون وارثاً. وهنا فوائد: الأولي: ظاهر لفظ الأزواج يتناول الأحرار والعبيد والمسلمين والكفار والنكاح الدائم والمنقطع لكن خرج غير الأحرار والمسلمين بالنص والإجماع علي كون الكفر والرق مانعا من الميراث. وأما نكاح المنقطع فاختلف فيه الأصحاب. الثانية: اطلاق الزوج والزوجة يتناول المعقود عليها وان لم يحصل الدخول بها فترثه ويرثها ويتناول المطلقة الرجعية لأنها في حكم الزوجة فترث وتورث مادامت في العدة . الثالثة: ظاهر الآية أن الزوجة ترث من جميع التركة (لكن الأخبار قيدت ببعض الأشياء ودلت علي حرمانها عن بعض ). الرابعة: يظهر منها انه لا يزيد الرجل علي النصف ولا المرأة علي الربع في حال من الأحوال. الخامسة: في قوله : (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ) دلالة علي اشتراكه فيه اذا تعددن.

تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ).

السادسة: في سورة النساء الآية 12 قوله تعالي : (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً(1) ..............

ص: 386


1- (1) قوله تعالي : (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً) . انتهي. قال الفرا: الكلالة ما خلا الوالد والولد سموا كلالة لاستدارتهم بنسب الميت الأقرب فالأقرب من تكلله الشيء اذا استدار فكل وارث ليس بوالد للميت ولا ولد له فهو كلالة مورثة وهي مصدر يتناول الذكر والأنثي وانتصابه علي انه خبر لكان ورجل اسمها ويورث صفة للرجل (أَوِ امْرَأَةٌ) عطف علي رجل والمعني وان كان المورث كلالة.

أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ(1) أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَي بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ).

السابعة : في سورة النساء الآية 176 قوله تعالي: (يَسْتَفْتُونَكَ(2) قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ(3) إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا

ص: 387


1- (1) قوله تعالي : (وَلَهُ) أي للرجل واكتفي بحكمه لاقتضاء العطف اشتراكهمافيه ويجوز أن يكون راجعة إلي الكلالة باعتبار موصوفها وهو الميت أو الموروث فدلت الآية علي انه ان كان واحدا ذكرا كان أو أنثي فله السدس وان كان من انتسب من الأخوة أكثر من الأخ أو الأخت أي اخوين فصاعدا أو اختين فصاعدا أو هما معا فلهم الثلث فريضة يشتركون فيه ويقسمونه علي السوية ودلت أيضا علي ان الاخوة لا يرثون مع الوالدين والأولاد ولا مع واحد منهم . قال في اعراب القرآن : ان قيل قد تقدم ذكر الرجل والمرأة فلم أفرد الضمير وذكره. قيل : اما افراده فلان أو لاحد الشيئين وقد قال أو امرأة فافراد الضمير لذلك واما تذكيره ففيه ثلاثة أوجه أحدها يرجع إلي الرجل لأنه مذكر مبدوّ به الثاني : انه يرجع إلي أحدهما ولفظ أحد مذكر والثالث : انه راجع الي الميت أو الموروث لتقدم ما يدل عليه . انتهي .
2- (2) قوله تعالي :(يَسْتَفْتُونَكَ) . انتهي. أي في أمورهم وأحكامهم.
3- (3) قوله تعالي : (قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ) التي هي من أهم الأمور ويمكن ان المعني يستفتونك أي في الكلالة فحذف لدلالة الجواب عليه وان شرط مختص بالفعل. ف-(امْرُؤٌ) فاعل الفعل محذوف يفسره هلك . وجملة (لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ) حال من المستكن في هلك . وفي قوله : (وَهُوَ يَرِثُهَا) أي مالها كله دلالة علي أن الأخ من ذوي الفروض. (وفي الصافي وهو يرثها أي المرء يرث اخته جميع مالها ان كانت الاخت هي الميتة ان لم يكن لها ولد ولا والد لأن الكلام في ميراث الكلالة ولأن السنة دلت علي أن الأخوة لا يرثون مع الأب كما تواتر عن أهل البيت عليهم السلام . (فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ) الضمير لمن يرث بالاخوة (فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ) الخ. القمي عن الباقر عليه السلام : إذا مات الرجل وله أخت تأخذ نصف الميراث بالاية كما تأخذ البنت لو كانت والنصف الباقي يرد عليها بالرحم إذا لم يكن للميت وارث أقرب منها فان كان موضع الاخت أخ أخذ الميراث كله بالاية لقول الله تعالي : وهو يرثها ان لم يكن للميت ولد فان كانتا اختين أخذتنا الثلثين بالاية والثلث الباقي بالرحم (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وذلك كله اذا لم يكن للميت ولد وأبوان أو زوجة الخ).

تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ(1) أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ).

ص: 388


1- (1) قوله تعالي :(يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ). في المجمع : أمور مواريثكم (أَنْ تَضِلُّوا) معناه كراهة . (أَنْ تَضِلُّوا) أو لئلا تضلوا أي لئلا تخطؤوا في الحكم فيها وقيل معناه يبين الله لكم جميع الأحكام لتهتدوا في دينكم عن أبي مسلم. (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فائدته هنا بيان كونه سبحانه عالما بجميع ما يحتاج إليه عباده من أمر معاشهم ومعادهم علي ما توجبه الحكمة. وقد تضمنت الآية التي أنزلها الله في أول هذه السورة بيان ميراث الولد والوالد. والآية التي بعدها بيان ميراث الأزواج والزوجات والاخوة والأخوات من قبل الأم. وتضمنت هذه الآية التي ختم بها السورة بيان ميراث الاخوة والاخوات من الأب والأم والأخوة والأخوات من قبل الأب عند عدم الأخوة والأخوات من الأب والأم . انتهي.

الثامنة : في سورة مريم الأيات 5- 6 قوله تعالي : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي(1) وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي

ص: 389


1- (1) قوله تعالي : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي) . انتهي. وفي مجمع البيان الموالي قيل هم العمومة وبنوا العم وهنا فوائد : الأولي: في هذه الآية دلالة علي بطلان ما رواه ابوبكر من أن الأنبياء لا تورث وذلك لأن زكريا عليه السلام طلب الوارث ومن الواضح أن المراد من يرث المال أو الأعم منه ومن العلم والنبوة. والحمل علي انه أراد من يرث العلم والنبوة خاصة خلاف المتبادر فلا يصار اليه الامع الموجب القوي والضرورة الداعية إلي ذلك وهي مفقودة فكيف مع ان الخبر انفرد به واحد ومخالفته للآيات ولاجماع أهل البيت الذين هم معدن الوحي صلوات الله عليهم أجمعين. الثانية: قد استدل بها العامة علي التعصيب لأنه طلب وليا ولو لا التعصيب لم يختص الطلب به بل قال وليا أو ولية فلما خصصه به دل علي ان بني عمه يرثونه مع الولية فلذلك لم يطلبها والجواب أولا بالمنع من تخصيص الولي هنا بالذكر بل المراد ما يشمل الذكر والانثي. الخ. وثاني : فلامكان انه عليه السلام طلب من يرث المال ويقوم باعباء النبوة معا ومثله لايصلح له النساء وثالثا فلان . الخ. الثالثة: المتبادر من الوارث أن يكون بعد الموت وسياق الآية تقتضي أنه تعالي استجاب دعاء زكرياو وهب له يحيي وانه ورثه كما يصرح به قوله : ( يَا يَحيَي خُذِ الكِتَابَ) . الخ. الرابعة: قوله تعالي : « يرثتي» ان قرء بالجزم فهو جواب الدعاء وان قرءبالرفع فهو صفة.

وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ).

التاسعة: في سورة النساء الآية 8 قوله تعالي : ( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ(1) أُولُو الْقُرْبَي وَالْيَتَامَي وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا).

ص: 390


1- (1) قوله تعالي : (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ). انتهي. المراد انهم شهدوا قسمة التركة وأولوا القربي هم قرابة الميت ممن لا يرث ويحتمل الأعم منه ومن قرابة الوارث. وقيدهم في مجمع البيان بالفقراء وهو خلاف الظاهر واليتامي والمساكين قيدهم أيضا بالأقارب الراجين للنيل وهو خلاف ما يقتضيه ظاهر العطف (فَارْزُقُوهُمْ ) أي اعطوهم من أصل التركة قبل القسمة أو مما صار اليكم بعد القسمة (وَقُولُوا لَهُمْ) وقت الاعطاء (قَوْلًا) حسنا باعثا لاعزازهم ولا تخشوا عليهم بالكلام الباعث لاذلالهم واهانتهم فالمخاطب بذلك هم الورثة .

كتاب الحدود

اشارة

ص: 391

ص: 392

وهي أقسام:

القسم الأول : حد الزنا

وفيه ثمان آيات:

الأولي: في سورة النساء الآية 15 قوله تعالي: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ(1) مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا

ص: 393


1- (1) قوله تعالي : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ) . انتهي . في مجمع البيان : وحكم هذه الآية منسوخ عند جمهور المفسرين وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهماالسلام وهنا فوائد تتضمن احكاما: الأولي: المراد بالفاحشة هنا الزنا كما دلت عليه الأخبار وبه قال الأكثر. الثانية: قوله : (يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ) أي يفعلنها وفي نسبته اليهن دلالة علي أن المكرهة علي الفعل لا يكون عليها هذا الحكم. الثالثة: قوله : (نِسَائِكُمْ) يمكن أن يكون المراد المؤمنات ويمكن أن يراد الزوجات والأول أظهر لأن الحكم عام كما تقتضيه الروايات . وفي مجمع البيان يعني الحرائر. (أقول: ظاهر الاطلاق يأبن كل هذه الوجوه). الرابعة: قوله : (فَاسْتَشْهِدُوا) الخطاب لحكام الشرع أي اطلبوا اقامة شهود اربعة وهي صريحة الدلالة علي أن شهود الزنا ينبغي أن تكون أربعة وفي قوله: (مِنْكُمْ) دلالة علي أنه يشترط فيهم الاسلام والذكورة . (أقول : في الاخيرة تأمل ). وبقية الشروط المعتبرة فيهم تعلم من دليل آخر. الخامسة: مقتضي الآية أن الامساك في البيوت كذلك (أي علي الكيفية المذكورة في الآية ) عقوبة وحد لهن. السادسة: في قوله : (أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ) دلالة علي أن هذا الحكم من قبيل المغيّي بغاية فليس من النسخ المصطلح المشروط فيه التأبيد . ويمكن الجواب بأن الشرط هو أن لا يقيد بغاية معلومة كاتموا الصيام إلي الليل اما المغيّي بالغاية المجهولة كقوله أديموا الفعل حتي انسخه فليس بشرط للنسخ وهذا منه.

فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّي يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ).

الثانية: في سورة النساء الآية 16 قوله تعالي :(وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا(1) مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا).

ص: 394


1- (1) قوله تعالي : (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا ) . انتهي. في آخر رواية العياشي عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قوله : (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ) قال : « يعني البكر اذا أتت الفاحشة التي أتتها هذه الثيب فاذوهما » . قال : « تحبسان فان تابا وأصلحا فان الله كان توابا رحيما».

الثالثة: في سورة النور الآية 2 قوله تعالي : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي(1) فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ).

ص: 395


1- (1) قوله تعالي : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) . انتهي. قدم الزانية للاهتمام بشأنها لأن الزنا فيهن أشنع والشهرة أكثر من حيث الحبل أو لأن الغالب أنها تعرض بنفسها وتدعوا الرجال إليها. وقد تضمنت الأية مسائل : الأولي: الموجب للحد في الزنا هو ايلاج الانسان المكلف المختار ذكره في فرج امرأة محرمة تحريما أصليا من غير عقد ولا ملك ولا شبهة ، ويتحقق ذلك بغيبوبة الحشفة أو قدرها من مقطوعها. الثانية: دلت بصريحها علي جلد المأة خاصة. الثالثة: (رَأْفَةٌ) الرحمة ، (فِي دِينِ اللَّهِ) أي في طاعة الله وإقامة حدوده وحفظ دينه . وحاصل المعني أنه لا يجوز لكم ترك اقامة الحد للرأفة والرحمة. ففيها دلالة علي عدم جواز الشفاعة في حدود الله كما دل عليه الاخبار . الرابعة: في قوله : (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي يحضر اقامة الحد . واعتبر حضور طائفة لأجل الشهرة وشيوع الأمر ليكون ذلك أشهر وأردع عن مخالفة حدود الله. الخامسة: الخطاب بذلك لأئمة الشرع، ادعي بعضهم علي ذلك اجماع الأمة .

الرابعة : في سورة المائدة الآية 41 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ(1) لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ).

الخامسة: في سورة المؤمن الآيتان 84 - 85 قوله تعالي: (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا(2) قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ

ص: 396


1- (1) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ) . انتهي . وهذه الآية باعتبار سبب نزولها دالة علي ثبوت الرجم ، فانه روي عن الباقر عليه السلام:« أن امرأة من خيبر ذات شرف زنت مع رجل من اشرافهم وهما محصنان فكرهوا رجمهما . فأرسلوا إلي يهود المدينة وكتبوا إليهم أن يسئلوا النبي صلي الله عليه و آله و سلم عن ذلك طمعا في أن يأتي لهم برخصة فانطلق جماعة منهم اليه صلي الله عليه و آله و سلم وسألوه عن ذلك ، فقال صلي الله عليه و آله و سلم : هل ترضون بقضائي في ذلك فقالوا: نعم، فنزل جبرئيل عليه السلام بالرجم فأخبرهم بذلك فأبوا أن يأخذوا به ». الحديث. وفيه دلالة علي أن الحكم بالرجم كان ثابتا في ملة موسي عليه السلام وأنه كان في التوراة .
2- (2) قوله تعالي : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا) . انتهي . روي عن جعفر بن رزق الله قال : « قدم إلي المتوكل رجل نصراني فجر بأمرأة مسلمة وأراد أن يقيم عليه الحد فأسلم فقال يحيي بن أكثم هدم ايمانه شركه وفعله وقال بعضهم يضرب ثلاثة حدود وقال بعضهم يفعل به كذا فأمر المتوكل بالكتاب إلي أبي الحسن الثالث عليه السلام وسأله عن ذلك فلما قدم الكتاب كتب عليه السلام : « يضرب حتي يموت فأنكر يحيي بن أكثم وأنكر فقهاء العسكر ذلك وقالوا يا اميرالمؤمنين ! سل عن هذا فانه شيء لم ينطق به الكتاب ولم يجيء به سنة فكتب إليه ان فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا وقالوا لم يجيء به سنة ولم ينطق به كتاب ، فبين لنا بما أوجب عليه الضرب حتي يموت، فكتب عليه السلام الآية فأمر به المتوكل فضرب حتي مات ». فهذا الخبر دل باطلاقه علي أن الكافر اذا زني بمسلمة يقتل محصنا كان أم لا. وتدل الآية علي ان التوبة بعد الثبوت عند الإمام لا تسقط الحد وهو المشهور بين الأصحاب.

إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ).

السادسة: في سورة ق الآية 12 قوله تعالي : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ(1) قَوْمُ نُوحٍ

ص: 397


1- (1) قوله تعالي : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) . انتهي . روي الشيخ في الحسن عن محمد بن أبي حمزة وهشام وحفص عن أبي عبدالله عليه السلام انه دخل عليه نسوة فسألته امرأة منهن عن السحق فقال : «حدها حد الزاني » فقالت المرأة ما ذكر الله ذلك في القرآن فقال : «بلي » قال : « هن أصحاب الرس». فهذا الخبر يدل علي ان الرّسّ هو السحق .

وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ ).

وفي سورة الفرقان الآية 40 قوله تعالي : (وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ)

السابعة : في سورة البقرة الآية 173 قوله تعالي: ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ(1) وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ).

الثامنة : في سورة ص الآية 44 قوله تعالي :(وَخُذْ بِيَدِك(2) ضِغْثًا

ص: 398


1- (1) قوله تعالي : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ). انتهي. روي عن محمد بن عمرو بن سعيد عن بعض أصحابنا قال : « أتت امرأة إلي عمر فقالت يا أمير المؤمنين ! اني فجرت فأقم في حد الله فأمر برجمها وكان علي عليه السلام حاضرا فقال له : سلها كيف فجرت ؟ قالت : كنت في فلاة من الأرض فأصابني عطش شديد ، فرفعت لي خيمة فأتيتها فأصبت فيها رجلا اعرابيا فسألته الماء فأبي علي أن يسقيني إلا أمكنه من نفسي، فوليت منه هاربةً فاشتد بي العطش حتي غارت عيناي وذهب لساني فلما بلغ مني اتيته فسقاني ووقع علي . فقال له علي عليه السلام : هذه التي قال الله عز وجل : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ) هذه غير باغية ولا عادية فخلي سبيلها فقال عمر: لولا علي لهلك عمر». فهذا الخبر يدل علي ان المضطر إلي الزنا علي النحو المذكور ليس عليه حد ومثله المكره .
2- (2) قوله تعالي : (وَخُذْ بِيَدِك) . انتهي . لا يبعد أن يكون هو مأخذ حد المريض من القرآن . ويدل عليه ما رواه الشيخ عن عباد المكي قال : « قال لي سفيان الثوري : أري لك من أبي عبدالله عليه السلام منزلة فسله عن رجل زني وهو مريض فان أقيم الحد خافوا أن يموت ما يقول فيه . قال : فسألته ، فقال لي : هذه المسئلة من تلقاء نفسك أو أمرك انسان أن تسأل عنها . قال : قلت : أن سفيان الثوري أمرني أن أسئلك عنها، قال : فقال : أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أتي برجل كبير قد استسقي بطنه وبدت عروق فخذيه وقد زني بامرأة مريضة ، فأمر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فأتي بعرجون فيه مأة شمراخ فضربه ضربة واحدة وضربها به ضربة واحدة وخلي سبيلهما وذلك قوله تعالي : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ) ».

فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا).

القسم الثاني : حد القذف

وفيه آيتان:

الأولي: في سورة النور الآيتان 4 - 5 قوله تعالي :(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ(1) ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا

ص: 399


1- (1) قوله تعالي : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) . انتهي. روي الشيخ في الحسن عن عبد الله بن سنان قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : «قضي أمير المؤمنين عليه السلام أن الفرية ثلاث وجوه : إذا رمي الرجل بالزنا، وإذا قال إن امه زانية ، وإذا دعاه لغير أبيه فذلك فيه حد ثمانون». وهنا فوائد: الأول: لفظ الذين عام للمسلم والكافر والحر والمملوك والصغير والكبير والعاقل وغيره وشيوع التغليب سيما في أحكام القرآن يدخل النساء في هذا الحكم . الثانية: المراد بالرمي هو القذف بالزنا. الثالثة: المراد بالمحصنات هنا العفائف من النساء وفي حكمهن الرجال . فدلت الآية علي أنه يشترط في المقذوف الذي يجب بقذفه الحسد المذكور الاحصان. والمراد به هنا الجمع الأمور أربعة : التكليف والحرية والاسلام والعفة من الزنا أي عدم التجاهر بذلك.

تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ).

الثانية: في سورة النور الآية 23 قوله تعالي : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ(1) الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).

القسم الثالث : حد السرقة

وفيه آيتان:

ص: 400


1- (1) قوله تعالي : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) . انتهي . المراد بالمحصنات العفائف كما مر. والغافلات السليمات القلوب من الخبائث النفسانية وفيها تشديد عظيم لوزر القذف.

الأولي: في سورة المائدة الآية 38 قوله تعالي : (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ(1) فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ).

الثانية: في سورة المائدة الآية 39 قوله تعالي : (فَمَنْ تَابَ(2) مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

ص: 401


1- (1) قوله تعالي : (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ). قدم السارق لأنه الغالب في حصول السرقة منه . واطلاق السرقة أو عمومها يتناول الصغير والكبير والحر والمملوك والمسلم والكافر وبأي وجه تحققت السرقة. والقطع ظاهر في الابانة وان كان قد يستعمل في غير الابانة. وظاهر الأيدي شمول اليسار وأنها من المنكب وإن كانت قد تطلق علي غيره ولكن ظاهر الاية غير مراد قطعا.
2- (2) قوله تعالي: (فَمَنْ تَابَ) . انتهي. أي تاب بعد ظلمه لنفسه ولغيره بالسرقة وغيرها. (وَأَصْلَحَ) أي استمر علي توبته وأظهر الندم علي ما فعل أو أتي بالأعمال الصالحة الدالة علي انابته . (فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ) ووعده لا خلف فيه ، ففيها ترغيب تام علي التوبة والاقلاع عن المعاصي . وفي قوله : (غَفُورٌ رَحِيمٌ) دلالة علي أن التوبة وسقوط العقاب بها من باب التفضل المترتب علي رحمته. وفيها دلالة علي سقوط الحد عن التائب إلا أن الأخبار خصّت ذلك بما إذا كانت قبل الثبوت عند الحاكم.

القسم الرابع : حد المحاربة

وفيه آيتان :

الأولي: في سورة المائدة الآية 33 قوله تعالي: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ(1) وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).

ص: 402


1- (1) قوله تعالي : (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ) . انتهي . محاربة الله ورسوله عبارة عن محاربة المسلمين بالقتل أو أخذ الأموال قهرا بغير حق أو أخافتهم بشهر السلاح عليهم ، واضافها سبحانه إليه وإلي رسوله تعظيما لشأن المسلمين. وفي تفسير البرهان عن أبي الصلاح عن الصادق عليه السلام قال : « قدم علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قوم من بني ضبة مرضي ، فقال لهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم : أقيموا عندي فاذا برأتم بعثتكم في سرية ، فقالوا: أخرجنا من المدينة فبعث بهم إلي ابل الصدقة يشربون من أبوالها ويأكلون من البانها فلما برؤوا واشتدوا قتلوا ثلاثة ممن كان في الابل ، فبلغ رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فبعث إليهم عليّاً عليه السلام واذا هم في واد قد تحيروا ليس يقدرون أن يخرجوا منه قريبا من أرض اليمن فأسرهم وجاء بهم إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فنزلت هذه الآية : (إِنَّمَا جَزَاءُ) الآية. وعن جميل بن دراج قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله تعالي : (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ) انتهي . فقلت : أي شيء عليهم من هذه الحدود التي سمي الله عزوجل قال : « ذلك إلي الأمام ان شاء قطع وان شاء نقي وان شاء صلب وان شاء قتل».الخبر .

الثانية: في سورة المائدة الآية 34 قوله تعالي : (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا(1) مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ).

ص: 403


1- (1) قوله تعالي : (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا) . انتهي. الاستثناء راجع إلي ما سبق في الآية الأولي من حقوق الله تعالي . وفيه دلالة علي قبول توبة المرتد وان كان عن فطرة. وأما حقوق الآدمي من القتل والجرح والمال فلا يسقط منها شيء ولا تأثير للتوبة فيها وإنما يسقط باسقاط المستحق لها وعفوه وعليه دلت الأخبار وهذا مذهب الأصحاب.

ص: 404

كتاب الجنايات

ص: 405

ص: 406

وفيه عشر آيات:

الأولي: في سورة المائدة الآية 32 قوله تعالي: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ(1) كَتَبْنَا عَلَي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا).

الثانية: في سورة النساء الآية 93 قوله تعالي: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا

ص: 407


1- (1) قوله تعالي : (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ) . انتهي. من للابتداء متعلقة بكتبنا، وأجل بمعني العلة والسبب ، والاشارة إلي ما حكاه الله تعالي من قصة قتل قابيل لهابيل وما تعقب قابيل من الندامة والعذاب في الدنيا والآخرة. (وفي الصافي : القمي لفظ الآية خاص في بني اسرائيل ومعناها جار في الناس كلهم. (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ) بغير قتل نفس يوجب الاقتصاص . (أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ) أو بغير فساد فيها كالشرك وقطع الطريق . (فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) لهتكه حرمة الدماء وتسبيبه سنة القتل وتجرءته الناس عليه). وفي الآية دلالة علي تعظيم الدماء وأنّها من أعظم الحرمات وأشدّ الكبائر .

مُتَعَمِّدًا(1) فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).

الثالثة : في سورة البقرة الآية 179 قوله تعالي : (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ

انتهي.

ص: 408


1- (1) قوله تعالي : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا) . انتهي. هذه الآية دالة علي تعظيم شأن قتل المؤمن والمبالغة فيه حيث توعد عليه بخمس توعّدات ، فمنها ثلاث مسائل: الأولي: ينقسم القتل إلي عمد وخطاء محض وشبيه بالعمد ولا خلاف في تحقق العمد بقصد القتل بما يقتل غالباً ولا خلاف في أن الخطأ المحض هو ما لم يقصد الفعل ولا القتل كان يقصد ضرب شيء فيقع الضرب علي انسان فيقتله . وأما الخطاء الشبيه بالعمد فهو أن يقصد الفعل دون القتل . الثانية: ظاهر اطلاق هذه الآية والتي قبلها أن القصاص لا يسقط العذاب الأخروي. الثالثة: ظاهرها يدل علي أن فاعل هذه الكبيرة محبط لعمله ومخلد في النار وهو مخالف لقوله تعالي : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ). والظاهر كثير من الأخبار الدالة علي أن عصاة المؤمنين عذابهم غير دائم،ويمكن الجواب بوجوه : الأول : أن يراد بالخلود المكث الطويل لا الدائم السرمدي جمعا بين الأدلة . الثاني : أن من قتل المؤمن لدينه وايمانه . الثالث : أن يكون من استحل قتله لأن تحريم الدماء مما علم من ضرورة الدين . ( فصار بذلك مرتدا) .

حَيَاةٌ(1) يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

الرابعة : في سورة الاسري الآية 33 قوله تعالي: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ(2) إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا

ص: 409


1- (1) قوله تعالي : (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) . انتهي. القصاص من قص أثره تبعه. والمراد اتباع الجاني بجنايته وأن يفعل به مثل فعله ، أن نفسا فنفسا وان طرفا فطرفا وان جرحا فجرحا. فهو سبحانه تعالي جعل لحفظ الدماء وحقنها زواجر أخروية وهي ما ذكر من الوعيد بالنار وزواجر دنيوية وهي القصاص ، فأشار إليه بهذه الآية و غيرها أي لكم في شرع القصاص واباحته حياة.
2- (2) قوله تعالي :(وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ). انتهي . النفس المحرم قتلها هي نفس الإنسان وحيث كان متعلق النهي الجنس صح الاستثناء، والمراد بمن يجوز قتله بالحق من أباح الشارع دمه مثل المحارب والمرتد عن فطرة والزاني والزانية المحصنين ومن زني بالمحارم واللائط ومن سب واحدا من المعصومين عليهم السلام ونحو ذلك. ومنه المقتول ظلما وعدوانا فان لوليه وهو الوارث ما عدا الزوجين والامام عند عدمه سلطانا علي الجاني بأن يقتله قصاصا وان شاء أخذ الدية ان رضي الجاني فان اختار القصاص فلا يسرف في ذلك بان يمثل فيه أو يقتل غير القاتل أو يقتل الرجل بالمرأة من غير ردّ نصف الدية أو يقتل الجماعة بالواحد من غير ردّ الزائد عن حقه. روي في الكافي عن اسحق بن عمار قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : ان الله عزوجل يقول في كتابه : ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا) الآية، ما هذا الاسراف الذي نهي الله عنه قال : «نهي أن يقتل غير قاتله أو يمثل بالقاتل » . قلت فما معني انه كان منصورا قال : « وأيّ نصرة أعظم من أن يدفع القاتل إلي ولي المقتول فيقتله ولا تبعة تلزمه من قتله في دين ولا دنيا». فظهر من ذلك أن الضمير في يسرف وفي أنه راجع إلي الولي.

يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا).

الخامسة: في سورة البقرة الآية 178 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ(1) الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَي الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَي بِالْأُنْثَي فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ(2) أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ

ص: 410


1- (1) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ) . انتهي . أي فرض عليكم القصاص في القتلي الذين تقتلونهم عمدا. ويدل علي هذا القيد الآية الآتية والأخبار والاجماع. (أقول : بعد دلالة الآية والأخبار لا نحتاج إلي الاجماع). وفرض القصاص علي الجاني يدل علي أنه الواجب بالاصالة فلا يجبر ولي أندم علي أخذ الدية ولا الجاني علي اعطائها. والآية الشريفة دلت بمنطوقها علي قتل الثلاثة بالثلاثة إلا أن المراد الانثي الحرة بالحرة والأمة بالأمة لأنه المفهوم من دلالة السياق.
2- (2) قوله تعالي :(فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ). انتهي. روي الشيخ في الموثق عن سماعة عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله :(فَمَنْ عُفِيَ ) الآية، ما ذلك الشيء ؟ قال : « هو الرجل يقبل الدية فأمر الرجل الذي له الحق أن يتبعه بمعروف ولا يعسره وأمر الذي عليه الحق أن يؤدي إليه باحسان إذا أيسر». قلت : أرأيت قوله : (فَمَنِ اعْتَدَي بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) قال : « هو الرجل يقبل الدية أو يصالح ثم يجيء بعد فيمثل أو يقتل فوعده الله عذابا أليما». وقال في مجمع البيان إن قوله : (شَيْءٌ) به دليل علي أن بعض الأولياء اذا عفاسقط القود لأن شيئا من الدم قد بطل بالعفو والله تعالي قال : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ@@ أَخِيهِ شَيْءٌ) الآية. والضمير في له وأخيه يرجعان إلي من وهو القاتل أي من ترك له القتل ويوصي عنه بالدية ، ثم قال : وهذا قول أكثر المفسرين. فائدة : في التعبير بالاخوة دلالة علي عدم كفر القاتل بالقتل .

بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَي بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ).

السادسة: في سورة النساء 92 الآية قوله تعالي : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً(1) وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ

ص: 411


1- (1) قوله تعالي : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً) . انتهي . قرء خطاء بالمدّ وخطا بوزن عمي بتخفيف الهمزة. والأظهر الاستنثاء منقطع أي ماجاز له أن يقصد قتل المؤمن ولا يقع منه علي جهة من الجهات لكن قد يقع منه خطاء كأن يقصد بفعله مثلا قتل طير فيقع علي مؤمن فيقتله أو يقصد الفعل دون القتل بما لم يقتل غالبا ، فيندرج فيه قسما الخطا. قوله :(فَتَحْرِيرُ) مبتدأ خبره محذوف أي فعليه أو خبر لمحذوف أي فالواجب، وهنا أحكام : الأول: لزوم الكفارة والدية في قتل المؤمن خطاو اما الكفارة هنا فهي مرتبة لدلالة آخر الآية عليه وهي صريحة الدلالة علي اعتبار الايمان في الرقبة. الثاني: قوله :(فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ) أي ان كان المؤمن المقتول من جملة قوم هم عدو لكم أي كفار مشركون يناصبون لكم الحرب أو في عداد قوم مشركين . وظاهر سياق الآية يقتضي أنه لا دية هنا. الثالث: إذا كان المقتول من جملة أو في عداد أهل الذمة أو المعاهدين المصالحين علي ترك الحرب، وظاهر الآية أن ضمير كان راجع إلي المؤمن قال في الكنز وهو المروي في أخبارنا. فالحاصل المعني أن المؤمن إذا كان في عداد أهل الذمة أو المعاهدين فقتل خطأ وجب علي قاتله الدية والكفارة كما لو قتل في دار الاسلام. وإليه ذهب أصحابنا وجماعة من العامة فتكون ديته لورثته المسلمين خاصة إن وجدوا والا فهي للامام وبه قال أصحابنا. الرابع: قوله :(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) أي الرقبة المؤمنة أو الثمن أو هما معا. الشهر أعم من الهلالي والعددي، والتتابع هو اتصال أحدهما بالآخر وهو يحصل بصيام الأولومن الثاني ولو بيوم.

مُسَلَّمَةٌ إِلَي أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَي أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ(1) وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا).

السابعة : في سورة المائدة الآية 45 قوله تعالي : (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا

ص: 412


1- (1) قوله تعالي :(تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ) . يمكن أن يكون نصبه علي أنه خبر لكان أي يكون ذلك توبة لقرينة المقام.

أَنَّ(1) النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ(2) فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ).

الثامنة: في سورة الشوري الآية 40 قوله تعالي: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ(3) سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَي اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).

التاسعة: في سورة الشوري الآية 41 قوله تعالي: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ(4) بَعْدَ

ص: 413


1- (1) قوله تعالي : (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ) . انتهي . أي فرضنا وأوحينا علي بني اسرائيل في التوراة ، والباء للبدل أي النفس الانسانية بدل النفس وكذا البواقي . وهذا الحكم ثابت في هذه الشريعة بالنص والاجماع.
2- (2) قوله تعالي : (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ) . أي بالقصاص فهو أي التصدق كفّارة له أي لذنبه والضمير للمتصدق لأنه المالك للقصاص .
3- (3) قوله تعالي : (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ) . انتهي. هذه الآية تدل علي نحو ما دلت عليه الآية المتقدمة من جواز المقاصة بالمثل وسمي الجزاء سيئة مع كونه حسنا علي ضرب من المجاز من تسمية الشيء بالمقابل أو لأنه يسوء من يوقع فيه ومن رجحان العفو والحث عليه ، وفي قوله : (إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) دلالة علي أن الزيادة علي استيفاء المثل ظلم لا يجوز ارتكابه.
4- (4) قوله تعالي : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ) . انتهي . ظلم مصدر مضاف إلي المفعول وهي تفيد العموم ومن زائدة . وحاصل المعني أنه من أوقع عليه ظلم في نفس أو طرف أو شجاج أو مال بعد ظلمه علي ظالمه وأمكنه استيفاء حقه منه فليس عليه حرج في ذلك بل له المقاصة. وفيها دلالة علي جواز الاقتصاص من دون اذن الحاكم.

ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ).

العاشرة: في سورة المؤمنون الآيات 12 - 14 قوله تعالي : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ(1) مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).

ص: 414


1- (1) قوله تعالي : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ) . انتهي . الخلق هنا بمعني الايجاد ، والسلالة لغة ما أنسل من الشيء . فالمراد بها هنا صفوة الطعام والشراب فان ذلك يصير نطفة والطعام أصله من الطين. وقوله : (جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً) أي صيرناه . والضمير راجع إلي الانسان بالنظر إلي بعض افراده وغالبها وهو أولاد آدم عليه السلام . (قَرَارٍ مَكِينٍ) يمكن أن يكون أرحام الامهات ويمكن أن يكون المراد أصلاب الآباء وأرحام الأمهات.

كتاب القضاء والشهادات

ص: 415

ص: 416

وفيه ثلاث عشرة آية:

الأولي: في سورة ص 26 الآية قوله تعالي : (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ(1)

ص: 417


1- (1) قوله تعالي : (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ). أي جعلناك خلفة عمن كان قبلك من الأنبياء والرسل الذين أمنهم الله تعالي علي وحيه وأودعهم أحكامه وحلاله وحرامه وأمر الناس بالرجوع إليهم. وفيها دلالة علي مشروعية القضاء والحكم بين الناس وأنه لا يحكم بذلك الامن نصبه الله تعالي لذلك وفي حكمه من نصبه الامام عليه السلام خصوصا أو عموما. وعلي وجوب الحكم بالحق وهو ما أمر الله تعالي به وأنزله علي رسله وأنبيائه وعلي أنه لا يجوز متابعة هوي النفس ومخالفة الحق. وفي معني هذه الاية قوله تعالي : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ). انتهي. روي الشيخ في الحسن عن الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان في بني اسرائيل قاض يقضي بالحق فيهم فلما حضره الموت قال لامرأته : اذا أنا مت فاغسليني وكفّنيني وضعيني علي سريري وغطّي وجهي فانّك لاترين سوء. فلما مات فعلت ذلك ثم مكثت بذلك حينا ثم انها كشفت عن وجهه لتنظر إليه فاذا هي بدودة تعرض ، ففزعت من ذلك فلما كان الليل أتاها في منامها فقال لها : أفزعك ما رأيت . قالت : أجل لقد فزعت فقال لها : أما ان قد كنت فزعت ما كان الذي رأيت إلا لهوي في أخيك فلان، أتاني ومعه خصم له فلما جلسا إلي قلت : اللهم اجعل الحق له ووجّه القضاء علي صاحبه فلما اختصما إلي كان الحق له ورأيت ذلك بينّا في القضاء فوجهت القضاء له علي صاحبه فأصابني لموضع هواي كان مع موافقة الحق». وظاهر هذه الرواية أن الميل القلبي إلي أحد الخصمين وإن كان مع الحكم بالحق حرام يترتب عليه العقاب.

خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَي ).

وفي سورة المائدة الآية 49 قوله تعالي (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ).

الثانية: في سورة المائدة الآيات 44 و 45 و 47 قوله تعالي: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ(1) فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )

(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)

الثالثة : في سورة النساء الآية 58 قوله تعالي : (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ

ص: 418


1- (1) قوله تعالي : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) . انتهي. المراد ما أنزل الله في كتابه من الأحكام وفضله نبيه صلي الله عليه و آله و سلم وسته وأوضحته حججه صلوات الله عليهم فان عندهم علم الكتاب الذي فيه تبيان كل شيء. وأما الثلاث المذكورة ( يعني الكافرين والظالمين والفاسقين ) فيمكن أن يكون الكافر هو من حكم بغير حكم الله مع علمه بذلك وهو مستحل. ويكون المراد بالثاني والثالث غير المستحل وعن أبي عبدالله عليه السلام : « الحكم حكمان : حكم الله عزوجل وحكم الجاهلية فمن أخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهلية ».

النَّاسِ(1) أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ).

الرابعة : في سورة النساء الآية 105 قوله تعالي : (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ(2) الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا).

ص: 419


1- (1) قوله تعالي :(وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ) . انتهي . الخطاب للولاة والحكام والكلام معطوف علي ما قبله أي يأمركم حال الحكم بين الناس أن تحكموا بالعدل والإنصاف والتسوية بين المتحاكمين من غير ميل إلي أحدهما ولا اكرام لأحدهما دون الآخر بالمجلس والكلام بل سووا بينهما بالسلام عليهما ورده وفي اجلالهما والقيام لهما والنظر في طلاقة الوجه وسائرأنواع الاكرام لئلا ينكسر قلب أحدهما ويتداخله ما يمنع اقامة حجته . قال أمير المؤمنين عليه السلام : « من ابتلي بالقضاء فليواس بينهم في الاشارة وفي النظر وفي المجلس » .
2- (2) قوله تعالي : (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ) . انتهي . الباء للملابسة. وقيل : يجوز أن تكون سببية ، وقد يستدل بها علي أمرين:. أحدهما : انه تعالي خاطب نبيه صلي الله عليه وآله وسلم أن يحكم بما أراه أي أعلمه في كتابه وأوحي إليه وذلك يستلزم أنه لا يجوز لغيره الحكم إلا بدليل. والثاني : نهاه سبحانه أن يخاصم البرئ لأجل الخائن بأن يذب عنه ويدفع من طالبه من ذوي الحقوق. وذلك يدل علي أنه لا يجوز للحاكم المدافعة علي أحد الخصمين ولا تلقينه وتفهيمه طريق الحجاج.

الخامسة: في سورة النساء الآية 65 قوله تعالي: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ(1) حَتَّي يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

السادسة: في سورة البقرة الآية 188 قوله تعالي : (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ(2) بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَي الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ

ص: 420


1- (1) قوله تعالي : (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ) . انتهي. دلت الآيات السابقة علي أنه يجب علي الحاكم أن يحكم بالعدل . وهذه الآية تدل علي أنه يجب علي الناس قبول حكم الحاكم. وفي الآية مبالغة في الدلالة علي ذلك حيث نفي الايمان عمن لم يذعن ويسلّم لذلك بقلبه. وروي الطبرسي في كتاب الاحتجاج بسنده عن صاحب الزمان عليه السلام أنه قال : « وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلي رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم».
2- (2) قوله تعالي :(وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ) . انتهي . وقوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ يَزْعُمُونَ ). انتهي . دلت الآيتان علي أنه لا يجوز الرجوع في شيء من الأحكام إلي غير القضاة السالكين مسلك أهل البيت عليهم السلام بل في الآية الأخيرة دلالة علي أن المتحاكم إلي غيرهم ليس من أهل الإيمان . ففي موثقة الحسن بن علي بن فضال قال : قرأت في كتاب أبي الأسد إلي أبي الحسن عليه السلام وقرأته بخطه سأله ما تفسير قوله : ( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ) الآية ، قال : فكتب بخطه : « الحكام القضاة » . قال : «ثم كتب تحته هو أن يعلم الرجل أنه ظالم فيحكم له القاضي فهو غير معذور في أخذ ذلك الذي حكم له إذا كان قد علم أنه ظالم».

أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

السابعة : في سورة النساء الآية 10 قوله تعالي : (أَلَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَي الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا).

الثامنة: في سورة المائدة الآية 42 قوله تعالي : (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ(1) بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ).

التاسعة: في سورة البقرة الآية 41 قوله تعالي: (وَلَا تَشْتَرُوا(2) بِآيَاتِي

ص: 421


1- (1) قوله تعالي : (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ). انتهي. دلت علي التخيير بين الحكم بينهم علي طريقة شريعة الاسلام وبين تركهم والاعراض عنهم . وهي وإن كانت ظاهرة في كون التخيير بذلك للنبي صلي الله عليه و آله و سلم الا أن عموم (مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) فخذوه وعموم التأسي به صلي الله عليه و آله و سلم يقتضي أن من قام مقامه من الأئمة والفقهاء الذين يعلمون بسنته كذلك.
2- (2) قوله تعالي : (وَلَا تَشْتَرُوا). انتهي أي لا تستبدلوا بالعمل بأحكام الله التي يترتب عليها النعيم الدائم الاطماع الدنيوية الفانية. ففيها دلالة علي تحريم الرشوة علي الفتوي والشهادة ونحو ذلك مما أوجبه الله تعالي أو حرمه.

ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ).

العاشرة: في سورة النساء الآية 59 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا(1) اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَي اللَّهِ وَالرَّسُولِ(2) إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ).

الحادية عشرة: في سورة الأنبياء الآيتان 78 - 79 قوله تعالي : (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ(3) إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا

ص: 422


1- (1) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا) . انتهي. أي أطيعوهم في الأوامر والنواهي وجميع الأحكام . والمراد بأولي الأمر الأئمة عليهم السلام .
2- (2) قوله تعالي :(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَي اللَّهِ وَالرَّسُولِ). المخاطب في هذا هو المخاطب بالاطاعة أعني الرعية كما يقتضيه نظم الكلام. ولعل عدم ذكر أولي الأمر هنا نظرا إلي أن الرد إليهم في الحقيقة هو الرد إلي الله والرسول لأنهم قوام الدين وحفظة الشرع المبين . ثم إنه تعالي أكد ذلك بقوله : (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) لدلالته علي أن عدم الرد إليهم يخرج عن الايمان. (ذَلِكَ) الأمر المذكور من الاطاعة (خَيْرٌ لَكُمْ ) في الدنيا والآخرة (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) أي عاقبة ومرجعا.
3- (3) قوله تعالي : (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ). انتهي. روي في الفقيه في الصحيح عن جميل بن دراج عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل : (وَدَاوُودَ) الآية ، قال : «لم يحكما إنهما كانا يتناظران ففهمها سليمان». وروي في أصول الكافي عن معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام في حديث يذكر فيه أن الأمانة عهد من الله إلي وانه تعالي أوحي إلي داود أن يتخذ وصيا من أهله وكان له عدة أولاد وكان له زوجة يحبها ولها غلام وكان يريد أن يجعله وصيا إلي أن قال : « فأوحي الله إلي داود عليه السلام أن لا تعجل دون أن يأتيك أمري فلم يلبث داود أن ورد عليه رجلان يختصمان في الغنم والكرم، فأوحي الله تعالي إلي داود أن اجمع ولدك فمن قضي بهذه القضية فأصاب فهو وصيك من بعدك فجمع داود عليه السلام ولده فلما قص الخصمان قال سليمان عليه السلام : يا صاحب الكرم متي دخلت غنم هذا الرجل كرمك قال : دخلته ليلا قال : قضيت عليك يا صاحب الغنم باولاد غنمك وأصوافها في عامك هذا، ثم قال له داود عليه السلام : فكيف لم تقض برقاب الغنم وقد قوم ذلك علماء بني اسرائيل فكان ثمن الكرم قيمة الغنم، فقال سليمان ان الكرم لم يجتث من أصله وإنما أكل حمله وهوعائد في قابل، فأوحي الله عز وجل أن القضاء في هذه القضية ما قضي سليمان به ». الحديث.

لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا).

الثانية عشرة: في سورة الحجرات الآية 6 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ(1) بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا

ص: 423


1- (1) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ) . انتهي. الفسوق لغة الخروج عن الشيء وفي الاصطلاح هو الخروج عن طاعة الله . والظاهر أن المراد هنا ما يخرج صاحبه عن العدالة. والنبأ الخبر وتنكيرهما (أي الفاسق والنبأ) يشعر بأن المراد العموم في كلا الموضعين . والمعني اذا جائكم أي فاسق كان بأي خبر كان فتبينوا أي تعرفوا و تفحصوا بيان الأمر وانكشاف الحق ولا تعتمدوا علي مجرد قول الفاسق و خبره. وقد استدل الأصحاب وغيرهم بهذه الآية علي اشتراط العدالة في الزاوي وفي الشاهد وعلي جواز العمل بخبر الواحد . وأما دلالتها علي الأخير فلانّه تعالي علق التثبت علي مجيء الفاسق فينتفي عند انتفائه عملا بمفهوم الشرط.

عَلَي مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).

الثالثة عشرة: في سورة النساء الآية 135 قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا@ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَي أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ

(1) قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا). انتهي .

مناداة المؤمنين باعتبار كونهم المنتفعين فأمرهم بالكون والدوام علي القيام بالعدل والمحافظة عليه في الأقوال والأفعال وأن يأتوا بالشهادة علي الوجه الذي أمر الله أو طلب ثوابه غير ناظرين أحدا سواه.

وهو خبر ثان أو حال من اسم كان ولو كانت الشهادة علي أنفسكم بأن تقروا عليها ، وذلك لأن الشهادة هي الأخبار عن الحق علي غيره أو علي نفسه أو الوالدين أو الأقربين ولا تكتموها طلبا للرأفة بهم فانه إن يكن المشهود عليه غنيا أو فقيرا فالله أولي وأرأف بهما فلا تمتنعوا من اقامتها طلبا لمرضاة الغني وللترحم علي الفقير فانّه انظر في أمورهما اذ لو لم تكن الشهادة صلاحا لهما لما شرعها.

وضمير التثنية راجع إلي جنس الفقير والغني وأفرده في يكن نظرا إلي أن المشهود عليه واحد من هذين الجنسين ثم أكد سبحانه ذلك بقوله :(فَلَا تَتَّبِعُوا

ص: 424

وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَي بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَي أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا).

الْهَوَي) أي هوي أنفسكم في اقامة الشهادة وتلاحظوا مصالحكم الدنيوية في الأمر المذكور وغيرہ كراهة أن تعدلوا عن الحق أو لأن تعدلوا عنه.

(وَإِنْ تَلْوُوا) أنفسكم أو ألسنتكم عن شهادة الحق وتبدلوها أو تعرضوا عن أدائها وتكتموها.

وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام فان الله كان بما تعملون خبيرا فيجازيكم علي ما صدر منكم من المخالفة وفيها مبالغة في التهديد.

اذا عرفت ذلك فقد يستفاد من اطلاق الآية أمور:

الأول: وجوب اقامة العدل في الحكومات مطلقا علي نفسه وعلي غيره .

الثاني: وجوب اقرار الانسان علي نفسه بالحقوق التي في ذمته .

الثالث: لزوم تصحيح الشهادة علي النحو الذي يحصل به اداء الحق.

الرابع: عدم جواز اقامتها علي من علم اعساره لأنه تعالي أمر بالنظرة فلا يجوز مطالبة في تلك الحال.

الخامس: لزوم اقامتها علي الوالدين وسائر الأقارب .

السادس: حيث قلنا ان مقتضي لزوم اقامة الشهادة الله القبول يلزم جوازها اللولد والوالدين والأقربين والزوجة.

السابع: يدخل في عمومها شهادة المملوك ولو لسيده أو عليه.

والحمد لله رب العالمين والصلوة والسلام علي خير خلقه محمد واله صلوات الله عليهم أجمعين .

وقع الفراغ يوم الغدير من سنة 1378 ه- علي يد مؤلفه الجاني محمود الموسوي الأصفهاني .

ص: 425

وقد وقع الفراغ من تسويد هذه الأوراق علي يد مؤلفه الجاني

محمود بن السيد مهدي الموسوي الأصفهاني 12 من شهر

الصيام من سنة 1378 هجرية علي مهاجرها آلاف السلام

والتحية والحمد لله وحده وصلي الله علي محمد صلي الله عليه و آله و سلم نبي

الرحمة وعلي آله الطاهرين المعصومين واللعن علي

أعدائهم إلي يوم الدين آمين رب العالمين .

ص: 426

الصورة

ص: 427

الصورة

ص: 428

الصورة

ص: 429

الصورة

ص: 430

الصورة

ص: 431

الآثار المطبوعة من المؤلف

(1) سراج المبتدئين طبع ثلاثة مرات.

(2) هداية الطالبين ترجمة آداب المتعلمين خواجه طوسي طبع ثلاث مرات.

(3) مفاتيح الصحة طبع (12) مرة.

(4) رمز الصحة طبع في ايران والعراق ولبنان مرات عديدة .

(5) الجمان الحسان في أحكام القرآن طبع مرتين.

(6) ثواب اعمال الحج طبع مرتين.

(7) منتخب المناسك مطابق فتواي ثمانية شخص طبع مرتين .

(8) جزء اول ايضاح الطريقة إلي تصانيف اهل السنة والشيعة في تلخيص كشف الظنون وذيله والذريعه.

(9)جزء ثاني ايضاح الطريقة.

(10) جزء (1) مفتاح الكتب الأربعة من آب الي الأحياء .

(11) جزء (2) من الأخ إلي الأشياء

(12) جزء (3) من الاصابع إلي ايوب بن يقطين .

ص: 432

(13) جزء (4) من البائت إلي التروية .

(14) جزء (5) من التزاور إلي التيه.

(15) جزء (6) من الثائر إلي الجمعة .

(16) جزء (7) من الجميل إلي حجة الوداع.

(17) جزء (8) من الحجة إلي حجة بن الحسن عليه السلام

(18) جزء (9) من الحد إلي الحفيف .

(19) جزء (10) من الحق إلي الحيّة .

(20) جزء (11) من الخائف إلي الخيول.

(21) جزء (12) من الداء إلي الدنية.

(22) جزء (13) من الدواء إلي الذكية .

(23) جزء (14) من الذل إلي الرفيق .

(24) جزء (15) من الرق إلي الزميل .

(25) جزء (16) من الزنا إلي السرف.

(26) جزء (17) من السرقة إلي السنّة .

(27) جزء (18) من السواء إلي الشهادة .

(28) جزء (19) من الشهباء إلي الصلاة.

(29) جزء (20) من بقية الصلاة إلي الصيود .

(30) جزء (21) من الضائن إلي الطينة.

(31) جزء (22) من الظاعن إلي العديلة.

ص: 433

(32) جزء (23) من العذاب إلي علي بن محمد النوفلي .

(33) جزء (24) من علي بن محمد الهادي إلي الغسيل.

(34) جزء (25) من الغش إلي الفيل.

(35) جزء (26) من القائد إلي القصيل.

(36) جزء (27) من القضاء إلي الكزبرة .

(37) جزء (28) من الكساء إلي اللين.

(38) جزء (29) من الماء إلي المحاضير .

(39) جزء (30) من المحافظة إلي المدينة .

(40) جزء (31) من المذاء إلي المشيع .

(41) جزء (32) من المص إلي المكث.

(42) جزء (33) من المكحلة إلي الموم.

(43) جزء (34) من مه إلي النسك.

(44) جزء (35) من النسل إلي النية .

(45) جزء (36) من الواثق إلي الوقاية.

(46) جزء (37) من الوقت إلي اليهودية.

(47) جزء (38) مستدركات مفتاح الكتب الأربعة .

(48) فهرست بحارالانوار للقديم والجديد.

(49) يأتي علي الناس زمان في احوالات آخر الزمان في جزئين طبع مرتين.

(50) جزء اول رمز المصيبة في مقتل من قال انا قتيل العبرة .

ص: 434

(51) جزء ثاني رمز المصيبة .

(52) جزء ثالث رمز المصيبة .

(53) رمز الجلي في طب الوصي اميرالمؤمنين علي عليه السلام.

(54) النساء في اخبار الفريقين .

(55) معجم الملاحم والفتن ج 1.

(51) معجم الملاحم والفتن ج 2.

(57)معجم الملاحم والفتن ج 3.

(58) معجم الملاحم والفتن ج 4.

(59) النساء في الإسلام.

ص: 435

الصوره

ص: 436

الصوره

ص: 437

الصوره

ص: 438

الصوره

ص: 439

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.