من فيض الغدير
مؤلف: نعمان النصري
1418ه .
الناشر: موسسه في طريق الحق
الخير الرقمي: عزيزي السيد علي البحريني نيابة عن المرحومة سيدة الكسائي - هم پيمانان موعود غدير.
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
كتاب الغدير : 6
مقدمة الإعداد : 7
مفاد حديث الغدير 12
* (مفعل بمعني أفعل)* 30
ومن الفريق الثاني 37
*(كلام الرازي في مفاد الحديث)* 43
الشبهة عند العلماء 50
كلمة أخري للرازيّ 56
جواب الرازي عمّا أثبتناه 63
مفعل بمعني فعيل 67
نظرة في معاني المولي 68
المحب والناصر 75
المعاني التي يمكن إرادتُها من الحديث 78
القرائن المعينة متصلة ومنفصلة 86
الاحاديث المفسِّرة لمعني المولي والولاية 131
كلمات حول مفاد الحديث للأعلام الأئمّة في تآليفهم 141
توضيح للواضح في ظرف مفاد الحديث 158
ص: 5
كتاب يتجدّد أثره ويتعاظم كلّما ازداد به الناس معرفة ، ويمتدّ في الآفاق صيته كلّما غاص الباحثون في أعماقه وجلّوا أسراره وثوّروا كامن كنوزه . . . إنّه العمل الموسوعي الكبير الذي يعدّ بحقّ موسوعة جامعة لجواهر البحوث في شتّي ميادين العلوم : من تفسير ، وحديث ، وتأريخ ، وأدب ، وعقيدة ، وكلام ، وفرق ، ومذاهب . . .
جمع ذلك كلّه بمستوي التخصّص العلمي الرفيع ، وفي صياغة الأديب الذي خاطب جميع القرّاء ، فلم يبخس قارئاً حظّه ولا انحدر بمستوي البحث العلمي عن حقّه .
ونظراً لما انطوت عليه أجزاؤه الأحد عشر من ذخائر هامة ، لا غني لطالب المعرفة عنها ، وتيسيراً لاغتنام فوائدها ، فقد تبنّينا استلال جملة من المباحث الاعتقادية وما لها صلة بردّ الشبهات المثارة ضدّ مذهب أهل البيت عليهم السلام ، لطباعتها ونشرها مستقلّة ، وذلك بعد تحقيقها وتخريج مصادرها وفقاً للمناهج الحديثة في التحقيق .
ص: 6
الحمد للَّه ربّ العالمين وصلّي اللَّه علي محمد وآله الطاهرين
مفاد حديث الغدير وبيان المعني المفهوم منه من المواضيع المهمّة جداً التي طرحها المؤلّف قدس سره في الجزء الأول من كتابه لما لها من الأهمية القصوي من ابتناء المواضيع الآتية عليها ؛ إذ إنّه يجب أن يؤسس أولاً المقصود من قوله صلي الله عليه وآله : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فهل معني المولي هنا هو الربّ أو العم أو المالك أو التابع أو المتصرّف في الأمر أو المتولّي في الأمر أو الأولي بالشي أو غير ذلك من المعاني السبعةِ والعشرين المذكورة في كتب اللغة ؟ وقد أثبت في كتابه هذا أنّ المولي معناه الأولي بالشي ء ، وطفق يدعم رأيه بما أوتي من سعة اطلاع وقوة بيان بما ذكر في كتب التفسير والحديث من أنّ لفظ مولي حينما يطلق يراد به أولي أو هو أحد معانيه مستدلاً
ص: 7
ب «اثنين واربعين» قولاً من أقوال كبار علماء التفسير في تفسير قوله تعالي في سورة الحديد : {مأواكم النار هي مولاكم} فقد حصر سبعة وعشرون منهم التفسير بأن مولاكم تعني أولي بكم ، والباقون جعلوه أحد المعاني في الآية وكلّ من ذكرهم من علماء السنّة ، وهم من أئمة العربية وبواقع اللغة ممّن عرف أنّ هذا المعني وهو الأولي من معاني مولي اللغوية .
وكذلك الحال في تفسير قوله تعالي :{أنت مولانا} و {اللَّه مولاكم} و{هو مولانا} فقد نصّ المفسّرون علي أنّ المقصود من مولي هنا هو الأولي .
ومع هذا كلّه تري بعض ممّن قادته العصبيّة العمياء الي مجانبة الحقّ وتشويه الحقائق والغمض عن الصواب ، يعمد الي الذهاب الي خلاف ما ذهب إليه جمهور اللغويين والمفسّرين من أن المولي بمعني الأولي ، ومنهم الرازي صاحب التفسير الكبير الذائع الصيت عند أهل السنّة فإنّه حاول وبشتي الطرق توجيه ما قاله المفسرون بإنّ قولهم معني لا تفسير ، وقد تصدي له الشيخ الأميني بإثبات ان مولي معناه أولي وردّ أدلّته الواحد تلو الآخر مستنداً علي أهم المصادر اللغوية والنحوية والتفسيرية المعتمدة لدي أهل السنة .
وقد تعرّض في بحثه أيضاً الي صخب وهياج تهجم بها علي العربية - ومن العزيز علي العروبة والعرب ذلك - الشاه وليّ اللَّه صاحب الهندي في تحفته الاثنا عشرية الذي حسب في ردّ دلالة
ص: 8
الحديث أنّها لا تتم لا بمجي ء المولي بمعني الولي وأنّ مفعلاً لم يأتي بمعني فعيل فطفق يرد عليه بما جاء عن أئمة العربية - وهم العرب الاقحاح - من مجي ء المولي بمعني الوليّ .
ومن المسائل المهمة التي تطرق إليها في بحثه هي القرائن المتصلة والمنفصلة المعيّنة لمعني المولي وأنّه بمعني الأولي وقد ذكر عشرين قرينة دالّة علي أن مولي معناه أولي منها مقدمة الحديث وهي قوله صلي الله عليه وآله : ألست أولي بكم من أنفسكم ؟ ثمّ فرّع ذلك علي ذلك قوله : فمن كنت مولاه فعلي مولاه والتي رواها الكثير من حفّاظ أهل السنّة وأئمتهم كأحمد ابن حنبل وابن ماجة والنسائي وغيرهم كثير .
وقد ردّ في مطاوي بحثه ما عزاه ابن الأثير في نهايته والحلبي في سيرته وبعض أخر الي القيل ذاكرين بأنّ السبب في قوله صلي الله عليه وآله : من كنت مولاه فعلي مولاه : أنّ أسامة بن زيد قال لعلي : لست مولاي انّما مولاي رسول اللَّه صلي الله عليه وآله فقال صلي الله عليه وآله : من كنت مولاه فعلي مولاه ، وإنّما ارادوا بذلك حطّاً من عظمة الحديث وتحطيماً لمنعته ، فصوّروه بصورة مصغّرة لا تعدو عن أن تكون قضيّة شخصية .
وذكر الأحاديث المفسرة لمعني المولي والولاية ممّا روي عن النبيّ صلي الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام وختم حديثه بذكر كلمات أعلام وأئمة أهل السنّة حول مفاد الحديث .
فهذه دراسة تحقيقية نقدية وثائقية لمعني المولي كتبها الشيخ
ص: 9
العلّامة الأميني ، وقد أحال في طيّاتها كثيراً علي كتابه الغدير ، فقمت بإلحاق هذه الإحالات بالمتن وجعلها هامشاً له ، وأيضاً تحرّيت في كلّ ذلك الالتزام بنصّ الغدير كما اختطته يد المؤلّف متناً وإحالة ، بالإضافة الي ما أفاده المؤلف قدس سره في الهامش جئت بها بلا تبديل سوي إضافة الاجزاء والصفحات للطبعات الحديثة وجعلتها بين قوسين ، ونظراً الي أنّ بعض ما اعتمده المؤلف من المصادر كان مخطوطاً أو مفقوداً حينه فنقل عنها بالواسطة ، وبعضها مخرّج علي طبعة قديمة غير متداولة قمت بإخراج ذلك كلّه علي الطبعات الحديثة مع ذكر مواصفاتها في فهرست المصادر والمراجع ، فمواصفات الطبع مختصّ بما ذكر في الهامش دون المتن الذي حافظنا علي وجوده كما هو .
وقد أعدت النظر في تقويم نصّ الكتاب من جديد متّبعاً في ذلك الطرق الحديثة في تقويم النصّ وتقطيعه ، وقد قابلت الطبعة المتداولة التي اتخذتها أصلاً وهي طبعة دار الكتاب العربي - بيروت مع طبعة النجف للاستفادة من بعض الفوارق ، واستخرجت الآيات والاحاديث والأقوال من المصادر الحديثة ، وأملي أن ينال هذا الجهد المتواضع رضا اللَّه تعالي وينفع الباحث والقارئ المحترم .
وما توفيقي إلّا باللَّه عليه توكلّت وإليه أنيب .
نعمان النصري
22 - جمادي الاولي 1418ه .
ص: 10
لعلّ الي هنا لم يبق مسلكٌ للشكِّ في صدور الحديث عن المصدر النبويّ المقدّس ، وأمّا دلالته علي إمامة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ؛ فإنّا مهما شككنا في شي ء فلا نشكُّ في أنّ لفظة (المولي) سواءٌ كانت نصّاً في المعني الذي نحاوله بالوضع اللغوي أو مجملة في مفادها لاشتراكها بين معان جمّة ، وسواء كانت عريَّة عن القرائن لاثبات ما ندَّعيه من معني الإمامةِ أو محتفّة بها ، فإنّها في المقام لا تدلّ إلّا علي ذلك ، لِفَهْم من وعاه من الحضور في ذلك المحتشد العظيم ، ومَن بلغه النبأ بعد حين ممّن يُحتج بقوله في اللغة من غير نكير بينهم ، وتتابع هذا الفهم فيمن بعدهم من الشعراء ورجالات الأدب حتّي
ص: 11
عصرنا الحاضر ، وذلك حجّة قاطعةٌ في المعني المراد ، وفي الطليعة من هؤلاء مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ؛ حيث كتب الي معاوية في جواب كتاب له من أبيات ستسمعها ما نصّه :
وأوجب لي ولايته عليكم
رسولُ اللَّه يومَ غدير خمِ
ومنهم : حسّان بن ثابت الحاضر مشهد الغدير وقد استأذن رسول اللَّه صلي الله عليه وآله أن ينظم الحديث في أبيات منها قوله :
فقال له : قم ياعليُّ فإنّني
رضيتك من بعدي إماماً وهادياً
ومن أولئك : الصحابي العظيم قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الذي يقول :
وعليٌّ إمامنا وإمامٌ
لسوانا أتي به التنزيلُ
يوم قال النبيُّ مَن كنت مولا
هُ فهذا مولاه خطبٌ جليلُ
ومن القوم : محمّد بن عبداللَّه الحميري القائل :
تناسوا نصبه في يوم «خمِّ»
من الباري ومن خير الأنامِ
ص: 12
ومنهم : عمرو بن العاصي الصحابيّ القائل :
وكم سمعنا من المصطفي
وصايا مخصّصة في علي
وفي يوم خمٍّ رقي منبراً
وبلّغ والصحب لم ترحلِ
فأمنحه إمرة المؤمنين
من اللَّه مستخلف المنحلِ
وفي كفِّه كفُّه معلناً
ينادي بأمر العزيز العلي
وقال : فمن كنت مولي له
عليٌّ له اليوم نعم الولي
ومن أولئك: كميت بن زيد الأسدي الشهيد 126 حيث يقول :
ويم الدوحِ دوحِ غدير خمّ
أبان له الولاية لو أُطيعا
ولكنّ الرجال تبايعوها
فلم أر مثلها خطراً مبيعا
ومنهم : السيد إسماعيل الحميري المتوفّي 179 في شعره الكثير الآتي ومنه :
لذلك ما اختاره ربّه
لخير الأنام وصيّاً ظهيرا
فقام بخمّ بحيثُ الغديرُ
وحطَّ الرحال وعاف المسيرا
ص: 13
وقُمَّ له الدوحُ ثم ارتقي
علي منبرٍ كان رحْلاً وكورا
ونادي ضحي باجتماع الحجيج
فجاءوا إليه صغيراً كبيرا
فقال وفي كفّه حيدر
يليح إليه مبيناً مشيرا
ألا إنّ من أنا موليً له
فمولاه هذا قضاً لن يجورا
فهل أنا بلغت ؟ قالوا : نعم
فقال : اشهدوا غيَّباً أو حضورا
يبلِّغ حاضرُكم غائباً
وأشهد ربّي السميع البصيرا
فقوموا بأمر مليك السما
يبايعه كلٌّ عليه أميرا
فقاموا لبيعته صافقين
أكفّاً فأوجس منهم نكيرا
فقال : إلهيَ والِ الوليّ
وعادِ العدوَّ له والكفورا
وكن خاذلاً للأُلي يخذلون
وكن للألي ينصرون نصيرا
ص: 14
فكيف تري دعوة المصطفي
مجاباً بها أم هباءً نثيرا ؟
أُحبّك يا ثانيَ المصطفي
ومن أُشهِدَ الناسُ فيه الغديرا (1)
ومنهم : العبدي الكوفي من شعراء القرن الثاني في بائيَّته الكبيرة بقوله :
وكان عنها لهم في خمّ مزدجرٌ
لمّا رقي أحمد الهادي علي قتبِ
وقال والناس من دانٍ إليه ومن
ثاوٍ لديه ومن مصغٍ ومرتقبِ
قم ياعليُّ فإنّي قد أُمرت بأن
أُبلِّغ الناس والتبليغ أجدر بي
إنّي نصبت عليّاً هاديّاً علما
بعدي وإنّ عليّاً خير منتصبِ
فبايعوك وكلٌّ باسطٌ يده
إليك من فوق قلبٍ عنك منقلبِ
ومنهم شيخ العربية والادب أبوتمام المتوفّي 231 في رائيَّته بقوله:
ص: 15
و«يوم الغدير» استوضح الحقّ أهله
بضحياء (1) لا فيها حجاب ولا سترُ
أقام رسول اللَّه يدعوهُم بها
ليقربهم عرفٌ وينآهمُ نُكْرُ
يمدّ بضبعيه ويُعلم (2) : أنّه
وليٌّ ومولاكم فهل لكمُ خبرُ ؟
يروح ويغدو بالبيان لمعشرٍ
يروح بهم غمرٌ ويغدو بهم غمرُ
فكان لهم جهرٌ بإثبات حقِّه
وكان لهم في بزِّهم حقَّه جهرُ (3)
وتبع هؤلاء جماعة من بواقع (4) العلم والعربيّة الذين لا يَعدون مواقع اللغة ، ولا يجهلون وضع الألفاظ ، ولا يتحرّون إلّا الصحة في تراكيبهم وشعرهم ، كدعبل الخزاعي ، والحمّاني الكوفي ، والامير أبي فراس ، وعلم الهدي المرتضي ، والسيد الشريف الرضي ،
ص: 16
والحسين بن الحجّاج ، وابن الرومي ، وكشاجم ، والصنوبري ، والمفجّع ، والصاحب بن عبّاد ، والناشئ الصعير ، والتنوخي ، والزاهي ، وابي العلا السروي ، والجوهري ، وابن علويّة ، وابن حمّاد ، وابن طباطبا ، وأبي الفرج ، ومهيار ، والصوري النيلي ، والفنجكردي . . .الي غيرهم من أساطين الأدب وأعلام اللغة ، ولم يزل أثرهم مقتصّاً في القرون المتتابعة الي يومنا هذا ، وليس في وسع الباحث أن يحكم بخطأ هؤلاء جميعاً وهم مصادره في اللغة ومراجع الأمة في الأدب .
وهنالك زرافات من الناس فهموا من اللفظ هذا المعني وإن لم يعربوا عنه بقريض ، لكنّهم أبوه في صريح كلماتهم ، أو أنّه ظهر من لوائح خطابهم ، ومن أولئك الشيخان وقد أتيا أمير المؤمنين عليه السلام مهنئَين ومبايعَين وهما يقولان : أمسيت ياابن أبي طالب مولي كلِّ مؤمن ومؤمنة (1) فليت شعري أيّ معنيً من معاني (المولي) الممكنة
ص: 17
ص: 18
تطبيقه علي مولانا لم يكن قبل ذلك اليوم حتي تجدّد به ، فأتيا يهنّئانه لأجله ويصارحانه .
بأنّه أصبح متلفعاً به يوم ذاك ؟ أهو معني النصرة أو المحبة اللتين لم يزل أمير المؤمنين عليه السلام متصفاً بهما منذ رضع ثديّ الإيمان مع صنوه المصطفي صلي الله عليه وآله أم غيرهما مما لا يمكن أن يراد في خصوص المقام ؟
ص: 19
لاها اللَّه لا ذلك ولا هذا ، وإنما أرادا معني فهمه كلّ الحضور من أنّه أولي بهما وبالمسلمين أجمع من أنفسهم ، وعلي ذلك بايعاه وهنَّآه .
ومن أولئك : الحارث بن النعمان الفهري أو : جابر المنتقم منه بعاجل العقوبة يوم جاء رسولَ اللَّه صلي الله عليه وآله وهو يقول : يامحمّد أمرتنا بالشهادتين والصلاة والزكاة والحج ، ثمّ لم ترضَ بهذا حتي رفعت بضَبْعَي ابن عمِّك ففضّلته علينا وقلت : مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه . وقد سبق حديثه (ص 239 - 247) (1) .
ص: 20
ص: 21
فهل المعني الملازم للتفضيل الذي استعظمه هذا الكافر الحاسد ، وطفق يشكك أنَّه من اللَّه أم أنّه محاباة من الرسول ، يمكن أن يراد به أحد ذينك المعنيين أو غيرهما ؟ أحسب أنَّ ضميرك الحرّ لا يستبيح لك ذلك ، ويقول لك بكلّ صراحة : إنّه هو تلك الولاية المطلقة التي لم يؤمن بها طواغيت قريش في رسول اللَّه صلي الله عليه وآله إلّا بعد قهر من آيات باهرة ، وبراهين دامغة ، وحروب طاحنة ، حتي جاء نصراللَّه والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين اللَّه أفواجاً ، فكانت هي في أمير المؤمنين أثقل عليهم وأعظم ، وقد جاهر بما أضمره غيره الحارث بن النعمان ، فأخذه اللَّه أخذ عزيز مقتدر .
ص: 22
ومن أولئك : النفرُ الذين وافوا أمير المؤمنين عليه السلام في رحبة الكوفة قائلين : السلام عليك يامولانا ، فاستوضح الإمام عليه السلام الحالة لإيقاف السامعين علي المعني الصحيح وقال : «كيف أكون مولاكم وأنتم رهطٌ من العرب ؟» فاجابوه : إنّا سمعنا رسول اللَّه صلي الله عليه وآله يقول يوم غدير خمّ : «من كنت مولاه فعلي مولاه» (1) .
ص: 23
عرف القارئ الكريم أنّ المولوية المستعظمة عند العرب الذين لم يكونوا يتنازلون بالخضوع لكلِّ أحد ليست هي المحبّة والنصرة ، ولا شي ء من معاني الكلمة ، وإنّما هي الرئاسة الكبري التي كانوا يستصعبون حمل نيرها إلّا بموجب يخضعهم لها ، وهي التي استوضحها أمير المؤمنين عليه السلام للملأ باستفهام ، فكان من جواب القوم : أنّهم فهموها من نصّ رسول اللَّه صلي الله عليه وآله .
وهذا المعني غير خافٍ حتّي علي المخدرّات في الحجال ؛ فقد أسلفنا (ص 208) عن الزمخشري في ربيع الأبرار (1) عن الدارميّة
ص: 24
الحجونيّة التي سألها معاوية عن سبب حبّها لأمير المؤمنين عليه السلام وبغضها له فاحتجّت عليه بأشياء منها :أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه وآله عقد له الولاية بمشهد منه يوم الغدير خمّ ، واسندت بغضها له الي أنّه قاتل مَن هو أولي بالأمر منه وطلب ماليس له . ولم ينُكره عليها معاوية .
وقبل هذه كلها مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام وإحتجاجه به يوم الرحبة ، وقد أوقفناك علي تفصيل أسانيده وطرقه الصحيحة المتواترة (ص 166 - 185) (1) ، وكان ذلك لمّا نوزع في خلافته
ص: 25
ص: 26
ص: 27
وبلغه اتّهام الناس له فيما كان يرويه من تفضيل رسول اللَّه صلي الله عليه وآله له وتقديمه إيّاه علي غيره كما مرّ (ص 183 و300 و301 و304 و 309) وقال برهان الدين الحلبي في سيرته (1) (3 : 303) احتجَّ به بعد أن آلت إليه الخلافة ردّاً علي من نازعه فيها . أفَتري - والحالة هذه - معنيً معقولاً للمولي غير ما نرتئيه وفَهِمه هو عليه السلام ومَن شهد له من الصحابة ومَن كتم الشهادة إخفاءً لفضله حتّي رُمِي بفاضح من البلاء ، ومن نازعه حتّي اُفحم بتلك
ص: 28
الشهادة ؟ وإلّا فأيّ شاهد له في المنازعة بالخلافة في معني الحبّ والنصرة وهما يعمّان سائر المسلمين ؟ إلّا أن يكونا علي الحد الذي سنصفه إن شاء اللَّه وهو معني الاولوية المطلوبة .
والواقف علي موارد الحِجاج بين أفراد الامة وفي مجتمعاتها وفي تضاعيف الكتب منذ ذلك العهد المتقادم الي عصورنا هذه جدُّ عليم بأنّ القوم لم يفهموا من الحديث إلّا المعني الذي يُحتج به للإمامة المطلقة ، وهو الاولوية من كلّ أحد بنفسه وماله في دينه ودنياه ، الثابت ذلك لرسول اللَّه صلي الله عليه وآله وللخلفاء المنصوص عليهم من بعده ، [و] نحيل الوقوف علي ذلك علي حيطة البحث وطول باع المتتّبع فلا نطيل بإحصائها المقامَ .
أمّا أنّ لفظ (مولي) يراد به لغة الأولي ، أو أنّه أحد معانيه ، فناهيك من البرهنة عليه ما تجده في كلمات المفسِّرين والمحدِّثين من تفسير قوله تعالي في سورة الحديد : {فاليومَ لا يؤخذُ منكم فِديةٌ ولا مِن الذين كفروا مأواكم النّارُ هي مولاكم وبئس المصير (1)} فمنهم من حصر التفسير بأنّها أولي بكم ، ومنهم من جعله أحد المعاني في الآية ، فمن الفريق الاوّل :
ص: 29
1 - ابن عباس في تفسيره (1) من تفسير الفيروز آبادي (: 242 ) .
2 - الكلبي (2) حكاه عنه الفخر الرازي في تفسيره (3)(8 : 93) .
3 - الفرّاء يحيي بن زياد الكوفيُّ النحويُّ : (4) المتوفّي (207) .
حكاه عنه الفخر الرازيُّ في تفسيره (8 : 93) .
4 - أبو عبيدة معمّر بن مثني البصري : المتوفّي (210) .
ذكره عنه الرازي في تفسيره(8:93) وذكر استشهاده ببيت لبيد:
فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه
مولي المخافة خلفها وأمامها
وذكره عنه شيخنا المفيد في رسالته في معني المولي (5) ، والشريف المرتضي في الشافي (6) من كتابه غريب القرآن وذكر
ص: 30
استشهاده ببيت لبيد ، واحتجّ الشريف الجرجاني في شرح المواقف (1) (3 : 271) بنقل ذلك عنه ردّاً علي الماتن .
5 - الأخفش الأوسط أبو الحسن سعيد بن مسعدة النحوي : المتوفي (215) .
نقله عنه الفخر الرازي في «نهاية العقول» وذكر استشهاده ببيت لبيد .
6 - أبو زيد سعد بن أوس اللغوي البصري : المتوفي (215) .
حكاه عنه صاحب الجواهر العبقرية (2) .
7 - البخاري أبو عبداللَّه محمد بن إسماعيل : المتوفي (256) .
قاله في صحيحه (3) (7 : 240) .
8 - ابن قتيبة : المتوفّي (276) المترجم (ص 96) (4) .
ص: 31
قاله في القُرطين (2 : 164) واستشهد ببيت لبيد .
9 - أبو العباس ثعلب أحمد بن يحيي النحوي الشيباني : المتوفي (291) .
قال القاضي الزَّوزني حسين بن أحمد المتوفي (486) في شرح السبع المعلقة (1) في بيت لبيد المذكور .
قال ثعلب : إنّ المولي في هذا البيت بمعني الاولي بالشي ء كقوله: {مأواكم النار هي مولاكم} أي : هي أولي بكم .
10 - أبو جعفر الطبري المتوفّي (310) .
ذكره في تفسيره (2) (9 : 117) .
11 - أبوبكر الانباري محمد بن القاسم اللغويّ النحوي المتوفي (328).
قاله في تفسيره - مشكل القرآن (3)- نقله عنه الشريف المرتضي
ص: 32
في «الشافي» (1) وذكر استشاده ببيت لبيد ، وابن بطريق في «العمدة» (2) (:55) .
12 - أبو الحسن الرماني علي بن عيسي المشهور بالورّاق النحوي المتوفي (382 - 384) ذكره عنه الفخر الرازي في «نهاية العقول» .
13 - أبو الحسن الواحدي المتوفي (468) المترجم (ص 111) (3) ففي الوسيط (4) : {مأواكم النار هي مولاكم} هي أولي بكم لما أسلفتم من الذنوب ، والمعني : أنّها هي التي تلي عليكم ؛ لأنها قد ملكت أمركم ؛ فهي أولي بكم من كل شي ء .
14 - أبوالفرج ابن الجوزي المتوفّي (597) المترجم(ص 117) (5) .
ص: 33
نقله في تفسيره زاد المسير (1) عن أبي عبيدة مرتضياً له .
15 - أبو سالم محمد بن طلحة الشافعي المتوفّي (652) .
قاله في مطالب السؤول : 16 .
16 - شمس الدين سبط ابن الجوزي الحنفيّ المتوفي (654) .
قاله في التذكرة (2) : 19 .
17 - محمد بن أبي بكر الرازي ، صاحب مختار الصحاح .
قال في غريب القرآن - فرغ منه (668) - : المولي : الذي هو أولي بالشي ء ومنه قوله{مأواكم النار هي مولاكم} أي أولي بكم ، والمولي في اللغة علي ثمانية أوجه - وعدّ منها - الأولي بالشي ء .
18 - التفتازاني المتوفّي (791) .
ذكره في شرح المقاصد (3) (: 288) نقلاً عن أبي عبيدة .
19 - ابن الصبّاغ المالكي المتوفّي (855) المترجم (131) (4) عدّ
ص: 34
في الفصول المهمة (1)(:28) الأولي بالشي ء من معاني المولي المستعملة في الكتاب العزيز .
20 - جلال الدين محمد بن أحمد المحلّي الشافعي المتوفي (854) .
في تفسير الجلالين (2) .
21 - جلال الدين أحمد الخجندي ، ففي توضيح الدلائل علي ترجيح الفضائل عنه أنّه قال : المولي يطلق علي معان ، ومنها : الأولي في قوله تعالي: {هي مولاكم } أي أولي بكم .
22 - علاء الدين القوشجي المتوفّي (879) .
ذكره في شرح التجريد (3) .
23 - شهاب الدين أحمد بن محمد الخفاجي الحنفيُّ المتوفي (1069) .
ص: 35
قاله في حاشية تفسير البيضاوي مستشهداً ببيت لبيد .
24 - السيِّد الأمير محمد الصنعاني .
قاله في «الروضة الندية» (1) نقلاً عن الفقيه حميد المحلي [في محاسن الازهار] .
25 - السيد عثمان الحنفي المكي المتوفّي (1268) .
قاله في «تاج التفاسير» (2) 2 : 196 .
26 - الشيخ حسن العدوي الحمزاوي المالكي المتوفّي 1303 ، قال في النور الساري هامش صحيح البخاري(7 : 240): {هي مولاكم} أولي بكم من كلّ منزل علي كفركم وارتيابكم .
27 - السيد محمد مؤمن الشلبنجي ، ذكره في نور الأبصار (3) (ص 78) .
28 - أبو إسحاق أحمد الثعلبي المتوفي 427 ، قال في الكشف
ص: 36
والبيان: {مأواكم النار هي مولاكم} أي : صاحبتكم وأولي وأحقّ بأن تكون مسكناً لكم ، ثم استشهد ببيت لبيد المذكور .
29 - أبوالحجاج يوسف بن سليمان الشنتميري المتوفّي (476) .
قاله في تحصيل عين الذهب - تعليق كتاب سيبويه - (1 : 202) في قول لبيد واستشهد بالآية الكريمة .
30 - الفرّاء حسين بن مسعود البغوي المتوفي (510) .
قاله في معالم التنزيل (1) .
31 - الزمخشري المتوفي (538) .
ذكره في الكشاف (2) (2 : 435) ، واستشهد ببيت لبيد ، ثمّ قال : لا يجوز أن يراد هي ناصركم . . .الخ .
32 - أبو البقاء محب الدين العكبري البغدادي المتوفّي(616) . قاله في تفسيره (3) (:135) .
33 - القاضي ناصر الدين البيضاوي المتوفّي (692) .
ذكره في تفسيره (2 : 497) (4) واستشهد ببيت لبيد .
34 - حافظ الدين النسفي المتوفي (701 أو 710) .
ص: 37
ذكره في تفسيره هامش تفسير الخازن (4 : 229) .
35 - علاء الدين علي بن محمد الخازن البغدادي المتوفي (741) .
قاله في تفسيره (1) (4 : 229) .
36 - ابن سمين أحمد بن يوسف الحلبي المتوفي (856) .
قال في تفسيره المصون في عليم الكتاب المكنون : {هي مولاكم} يجوز أن يكون مصدراً أي : ولايتكم أي : ذات ولايتكم ، وأن يكون مكاناً أي : مكان ولايتكم ، وأن يكون [بمعني] أولي بكم كقولك : هو مولاه (2)
37 - نظام الدين النيسابوري ، قاله في تفسيره (3) هامش تفسير الرازي .
38 - الشربيني الشافعي المتوفّي (977) .
قاله في تفسيره (4) (4 : 200) واستشهد ببيت لبيد .
39 - أبو السعود محمد بن محمد الحنفي القسطنطيني المتوفّي (972).
ص: 38
ذكره في تفسيره (1) هامش نفسير الرازي (8 : 72) ثمّ ذكر بقيّة المعاني .
40 - الشيخ سليمان جمل :
ذكر[ه] في تعليقه علي تفسير الجلالين الذي أسماه بالفتوحات الإلهية (2) وفرغ منه سنة (1198) .
41 - المولي جار اللَّه أللَّه آبادي .
قال في حاشية تفسير البيضاوي : المولي مشتقٌ من الاولي بحذف الزائد .
42 - محبّ الدين أفندي ، قاله في شرح بيت لبيد في كتابه تنزيل الآيات علي الشواهد من الأبيات (3) ط سنة (1281) .
ولولا أنّ هؤلاء - وهم أئمة العربيّة وبواقع اللغة - عرفوا أنّ هذا المعني من معاني اللفظ اللغوية لما صح لهم تفسيره ، وأمّا قول البيضاوي (4) - بعد أن ذكر معني الاولي - : وحقيقته محراكم أي مكانكم الذي يقال فيه : هو أولي بكم كقولك : هو مئنة الكرم أي
ص: 39
مكان قول القائل : إنّه الكريم ، أو : مكانكم عمّا قريب ، من الولي وهو القرب ، أو ناصركم علي طريقة قوله : تحيّة بينهم ضربٌ وجيع . أو متولّيكم يتولّاكم كما تولّيتم موجباتها في الدنيا . انتهي .
فإنّه لا يعني به الحقيقة اللغويّة التي نص بها أولاً وإنّما يريد الحاصل من المعني ، ويشعر (1) الي ذلك تقديم قوله : {هي أولي بكم} واستشهاده ببيت لبيد الذي لم يحتمل فيه غير هذا المعني . وقوله أخيراً : مكانكم الذي يقال فيه . . . إلخ . وأنّه أخذ في تقريب بقيّة المعاني بأنحاء من العناية يناسب كلٌ منها واحداً منهنَّ إلاّ معني (الأولي) فإنّه لم يقربه من الوجهة اللغوية ، بل أثبته بتقديمه والاستشهاد بالشعر ، وإنّما طفِق يقرّبه من وجهة القصد والإرادة . ويقرب منه ما في تفسير النسفي (2) .
وقال الخازن (3) {هي مولاكم} أي : وليّكم . وقيل أولي بكم لما أسلفتم من الذنوب . والمعني هي التي تلي عليكم ؛ لأنها ملكت أمركم وأسلمتم إليها ، فهي أولي بكم من كلِّ شي ء ، وقيل : معني الآية : لا مولي لكم ولا ناصر ؛ لأنّ من كانت النار مولاه فلا مولي له . اه انتهي.
ص: 40
أمّا تفسيره بالوليّ فلا منافاة فيه لما ترتئيه؛ لما ثبت من مساوقة (الوليِّ) مع (المولي) في جملة من المعاني ، ومنها : الاولي بالامر ، وسيوافيك إيضاح ذلك إن شاء اللَّه ، فيكون القولان محض تغاير في التعبير لا تبايناً في الحقيقة . وما استرسل بعد ذلك من البيان فهو تقريب لإرادة المعني كما أسلفناه . والقول الثالث هو ذكر لازم المعني سواءٌ كان هو الوليّ أو الاولي ، فلا معاندة بينه وبين ما تقدّمه من تفسير اللفظ . وهناك آيات اُخري استعمل فيها المولي أيضاً بمعني الاولي بالأمر منها :
قوله تعالي في سورة البقرة {أنت مولانا (1)} قال الثعلبي في الكشف والبيان (2) : أي : ناصرنا وحافظنا و أولي بنا .
وقوله تعالي في سورة آل عمران : {بل اللَّه مولاكم} قال أحمد ابن الحسن الزاهد الدرواجكي في تفسيره المشهور بالزاهدي : أي : اللَّه أولي بأن يُطاع .
وقوله تعالي في سورة التوبة: {ما كتب اللَّه لنا هو مولانا وعلي اللَّه فليتوكّل المؤمنون (3)} قال أبو حيان في تفسيره (5 : 52) : قال الكلبي : أي أولي بنا من أنفسنا في الموت
ص: 41
والحياة . وقيل : مالكنا وسيدنا؛ فلهذا يتصرف كيف شاء .
وقال السجستاني العزيزي في «غريب القرآن» (1) : 154 : أي : وليّنا ، والمولي علي ثمانية أوجه : المعتِق - بالكسر - والمعتَق - بالفتح - والوليّ ، والأولي بالشي ء ، وابن العمّ ، والصهر ، والجار ، والحليف .
أقبل الرازي يتعتع ويتلعثم بشُبَه يبتلعها طوراً ، ويجترّها تارةً ، وأخذ يُصعّد ويصوب في الاتيان بالشُبَه بصورةٍ مكبّرة ؛ فقال بعد نقله معني الأولي عن جماعة ما نصّه :
قال تعالي : {مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير} وفي لفظ (المولي) ههنا أقوال : أحدها : قال ابن عباس : مولاكم أي : مصيركم . وتحقيقه أنّ المولي موضع الولي وهو القرب ، فالمعني : أنّ النار هي موضعكم الذي تقربون منه وتصلون إليه .
والثاني : قال الكلبي : يعني أولي بكم ؛ وهو قول الزجّاج والفرَّاء وأبي عبيدة .
وأعلم أنَّ هذا الذي قالوه معنيً وليس بتفسير اللفظ ؛ لأنّه لو
ص: 42
كان (مولي) و (أولي) بمعني واحد في اللغة لصحَّ استعمال كلّ واحد منهما في مكان الآخر فكان يجب أن [يصحّ أن (1)] يقال : هذا مولي من فلان [كما يقال : هذا أولي من فلان : ويصح أن يقال : هذا أولي فلان كما يقال : هذا مولي فلان (2)] . ولمّا بطل ذلك علمنا أنّ الذي قالوه معني وليس بتفسير .
وإنّما نبّهنا علي هذه الدقيقة ؛ لأنّ الشريف المرتضي لمّا تمسّك في إمامة عليّ بقوله عليه السلام : «من كنت مولاه فعلي مولاه» قال : أحد معاني (مولي) أنّه (أولي) ، واحتجّ في ذلك بأقوال أئمة اللغة في تفسير هذه الآية بأنّ (موليً) معناه (أولي) وإذا ثبت أنّ اللفظ محتمل له وجب حمله عليه ؛ لأنّ ما عداه إمّا بَيِّن الثبوت ككونه ابن العم (3) والناصر ، أو بيّن الانتفاء كالمعتِق والمعتَق ، فيكون علي التقدير الأول عبثاً ، وعلي التقدير الثاني كذباً . وأمّا نحن فقد بيّنّا بالدليل أنّ قول هؤلاء في هذا الموضع معني لا تفسير ، وحينئذٍ يسقط الاستدلال به . تفسير الرازي (4) 8 : 93 .
ص: 43
وقال في نهاية العقول : إنّ (المولي) لو كان يجي ء بمعني (الاولي) لصحّ أن يقرن بأحدهما كلُّ ما يصحُّ قرنه بالآخر ، لكنّه ليس كذلك ، فامتنع كون المول بمعني الاولي .
بيان الشرطيّة : أنّ تصرّف الواضع ليس إلّا في وضع الألفاظ المفردة للمعاني المفردة ، فامّا ضمّ بعض تلك الألفاظ الي البعض بعد صيرورة كلِّ واحد منهما موضوعاً لمعناه المفرد فذلك أمرٌ عقليٌّ ، مثلاً إذا قلنا : الإنسان حيوانٌ فإفادة لفظ الإنسان للحقيقة المخصوصة بالوضع ، وإفادة لفظ الحيوان للحقيقة المخصوصة ايضاً بالوضع ، فأما نسبة الحيوان الي الإنسان - بعد المساعدة علي كون كلِّ واحد من هاتين اللفظتين موضوعة للمعني المخصوص - فذلك بالعقل لا بالوضع ، وإذا ثبت ذلك فلفظة (الأولي) إذا كانت موضوعة لمعني ولفظة «مِن» موضوعة معني آخر ؛ فصحّة دخول أحدهما علي الآخر لا يكون بالوضع بل بالعقل .
وإذا ثبت ذلك ؛ فلو كان المفهوم من لفظة (الأولي) بتمامه من غير زيادة ولا نفصان هو المفهوم من لفظة (المولي) ، والعقل حَكَمَ بصحّة اقتران المفهوم من لفظة (مِن) بالمفهوم من لفظة (الاولي) وجب صحّة اقترانه أيضاً بالمفهوم من لفظة (المولي) لأَنّ صحة ذلك الاقتران ليست بين اللفظين بل بين مفهوميهما .
بيان أنّه ليس كلّما يصح دخوله علي أحدهما صحّ دخوله علي
ص: 44
الآخر : أنّه لا يقال : هو مولي مِن فلان ، ويصحّ أن يقال هو مولي وهما موليان ، ولا يصح أن يقال : هو أولي - بدون مِن - وهما أوليان . وتقول : هو مولي الرجل ومولي زيد ، ولا تقول : هو أولي الرجل وأولي زيد . وتقول : هما أولي رجلين وهم أولي رجال ، ولا تقول : هما مولي رجلين ولا هم مولي رجال . ويقال : هو مولاه ومولاك ، ولا يقال : هو أولاه وأولاك . لا يقال :أليس يقال : ما أولاه! لأنّا نقول : ذاك أفعل التعجب ، لا أفعل التفضيل ، علي أنّ ذاك فعلٌ ، وهذا اسمٌ ، والضمير هناك منصوبٌ ، وهنا مجرورٌ ، فثبت أنّه لا يجوز حمل المولي علي الأولي . انتهي .
وإن تعجب فعجبٌ أن يعزب عن الرازي اختلاف الاحوال في المشتقّات لزوماً وتعدية بحسب صيغها المختلفة ، إنّ اتّحاد المعني أو الترادف بين الالفاظ إنّما يقع في جوهريات المعاني لا عوارضها الحادثة من أنحاء التركيب وتصاريف الالفاظ وصيغها ، فالاختلاف الحاصل بين (المولي) و(الأولي) - بلزوم مصاحبة الثاني للباء وتجرُّد الأوّل منه - إنّما حصل من ناحية صيغة أفعل من هذه المادّة كما أنّ مصاحبة (مِن) هي مقتضي تلك الصيغة مطلقاً . إذن فمفاد (فلانٌ أولي بفلان) و(فلانٌ مولي فلان) واحدٌ حيث يراد به الأولي به من غيره . كما أنّ (أفعل) بنفسه يُستعمل مضافاً الي المثني والجمع أو ضميرهما بغير أداة فيقال : زيد أفضل الرجلين أو
ص: 45
أفضلهما ، وأفضل القوم أو أفضلهم ، ولا يُستعمل كذلك إذا كان ما بعده مفرداً فلا يقال : زيد أفضل عمرو ، وإنّما هو أفضل منه ، ولا يرتاب عاقلٌ في اتّحاد المعني في الجميع ، وهكذا الحال في بقيّة أفعل كأعلم وأشجع وأحسن وأسمح وأجمل الي نظائرهما .
قال خالد بن عبداللَّه الأزهري في باب التفضيل من كتابه التصريح : إنّ صحّة وقوع المرادف موقع مرادفه إنّما يكون إذا لم يمنع من ذلك مانعٌ ، وههنا منع مانع وهو الاستعمال ؛ فإنّ اسم التفضيل لا يصاحب من حروف الجرِّ إلّا (مِن) خاصّة ، وقد تُحذف مع مجرورها للعلم بها نحو : {والآخرة خيرٌ وأبقي (1) (2)} .
علي أنّ ما تشبّث به الرازي يطّرد في غير واحد من معاني المولي التي ذكرها هو وغيره ، منها ماأختاره معنيً للحديث وهو (الناصر) ؛ فلم يستعمل هو مولي دين اللَّه مكان ناصره ، ولا قال عيسي علي نبينا وعليه السلام : مَن مواليَّ الي اللَّه مكان قوله : {مَن أنصاري الي اللَّه (3)} ولا قال الحواريون : نحن موالي اللَّه بدل قولهم : {نحن أنصار اللَّه} .
ومنها الوليُّ فيقال للمؤمن : هو وليُّ اللَّه ولم يرد من اللغة مولاه ،
ص: 46
ويقال : اللَّه وليّ المؤمنين ومولاهم ، كما نصَّ به الراغب في مفرداته (1) : 555 .
وهلمَّ معي الي أحد معاني (المولي) المتَّفق علي إثباته ؛ وهو المنعَم عليه ؛ فإنّك تجده مخالفاً لأصله في مصاحبة (علي) فيجب علي الرازي أن يمنعه إلّا أن يقول : إنّ مجموع اللفظ وأداته هو معني المولي ، لكن ينكمش منه في الاولي به لأمر ما دبَّره بِلَيْل .
وهذه الحالة مطّردة في تفسير الالفاظ والمشتقّات وكثيرٍ من المترادفات علي فرض ثبوت الترادف ، فيقال : أجحف به وجحفه ، أكبّ لوجهه وكبّه اللَّه ، أحرس به وحرسه .
زريت عليه زرياً وأزريت به ، نسأ اللَّه في أجله وأنسأ أجله ، رفقت به وأرفقته ، خرجت به وأخرجته ، غفلت عنه وأغفلته ، أبذيت القوم وبذوت عليهم ، أشلتُ الحجر وشلتُ به .
كما يقال : رأمت الناقة ولدها أي : عطفت عليه . اختتأ له أي : خدعه . صلّي عليه أي : دعا له ، خنقته العبرة أي : غصّ بالبكاء ، احتنك الجراد الارض وفي القرآن : {لأحتنكن ذريته (2)} أي : أستولي عليها وأستولينّ عليهم . ويقال : استولي عليه أي : غلبه
ص: 47
وتمكّن منه . وكلّها بمعنيً واحد . ويقال : أجحف فلان بعبده أي : كلّفه ما لا يطاق .
وقال شاه صاحب في الحديث : إنّ (أولي) في قوله صلي الله عليه وآله : «ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم» مشتقٌ من الولاية بمعني الحبّ . فيقال : أولي بالمؤمنين أي : أحبّ إليهم . ويقال بصر به ونظر إليه ورآه وكلّها واحدٌ .
وأنت تجد هذا الاختلاف يطّرد في جُلِّ الالفاظ المترادفة الّتي جمعها الرماني - المتوفي (384) - في تأليف مفرد في (45) صحيفة - ط مصر (1321) - ولم ينكر أحدٌ من اللغويّين شيئاً من ذلك لمحض اختلاف الكيفيّة في أداة الصحبة كما لم ينكروا بسائر الاختلافات الواردة من التركيب فإنّه يقال : عندي درهمٌ غير جيد . ولم يجز : عندي درهمٌ إلّا جيد . ويقال : إنّك عالمٌ . ولايقال : إنّ أنت عالم . ويدخل (الي) الي المضمر دون حتّي مع وحدة المعني ، ولاحظ (أم) و(أو) فإنّهما للترديد ، ويفرقان في التركيب بأربعة أوجه ، وكذلك هل والهمزة ؛ فإنّهما للإستفهام ، ويفرقان بعشرة فوارق ، و(إيّان) و(حتّي) مع اتّحادهما في المعني يفرقان بثلاث ، و(كم) و(كأيِّن) بمعني واحد ويفرقانِ بخمسة ، و(أيّ) و(مَن) يفرقان بستة مع اتّحادهما ، و(عند) و(لَدن) و(لدي) مع وحدة المعني فيها تفرق بستّة أوجه .
ص: 48
ولعلّ إلي هذا التهافت الواضح في كلام الرازي أشار نظام الدين النيسابوري في تفسيره (1) بعد نقل محصّل كلامه الي قوله : وحينئذٍ يسقط الاستدلال به . فقال : قلت : في هذا الاسقاط بحث لا يخفي .
لم تكن هذه الشبهة الرازيّة الداحضة بالّتي تخفي علي العرب والعلماء لكنَّهم عرفوها قبل الرازي وبعده ، وما عرفوها إلّا في مدحرة البطلان ، ولذلك تراها لم تزحزحهم عن القول بمجي ء (المولي) بمعني (الاولي) .
قال التفتازاني في شرح المقاصد (2) (: 289) ، والقوشجي في شرح التجريد (3) ولفظهما واحدٌ : إنّ المولي قد يراد به المعتَق و الحليف والجار وابن العم والناصر والأولي بالتصرّف ، قال اللَّه تعالي : {مأواكم النار هي مولاكم} أي : أولي بكم ذكره أبو عبيدة ، وقال النبيّ صلي الله عليه وآله «إيّما أمرأة نُكِحت بغير إذن مولاها . . .» أي : الأولي بها والمالك لتدبير أمرها ، ومثله في الشعر كثير .
ص: 49
وبالجملة استعمال (المولي) بمعني المتولّي والمالك للأمر والأولي بالتصرّف شائعٌ في كلام العرب منقولٌ عن كثير من أئمة اللغة ، والمراد أنّه اسم لهذا المعني لا أنّه صفة بمنزلة الأولي ، ليُعترض بأنّه ليس من صيغة أفعل التفضيل وأنّه لا يُستعمل استعماله . انتهي .
ذكرا ذلك عند تقريب الاستدلال بالحديث علي الإمامة ، ثمّ طفقا يردانه من شتّي النواحي عدا هذه الناحية ؛ فأبقياها مقبولة عندهما ، كما أن الشريف الجرجاني في شرح المقاصد حذا حذوهما في القبول ، وزاد بأنّه ردّ بذلك مناقشة القاضي عضد بأنّ مفعلاً بمعني أفعل لم يذكره أحدٌ فقال :
أُجيب عنه بأنّ المولي بمعني المتولّي والمالك للأمر والأولي بالتصرف شائعٌ في كلام العرب منقول من أئمة اللغة ، قال أبو عبيدة : هي موليكم أي : أولي بكم ، وقال عليه السلام : «أيّما أمرأة نكحت بغير إذن مولاها...» أي: والاولي يها والمالك لتدبير أمرها (1). انتهي.
وابن حجر في الصواعق (2) (: 24) علي تصلبه في ردّ الاستدلال بالحديث سلّم مجي ء المولي بمعني الاولي بالشي ء ، لكنّه ناقش في متعلّق الاولويّة في أنّه هل هي عامّة الأمور ، أو أنّها الاولوية من بعض النواحي ؟ واختار الأخير ، ونسب فهم هذا
ص: 50
المعني من الحديث الي الشيخين أبي بكر وعمر في قولهما : أمسيت مولي كلِّ مؤمن ومؤمنة . وحكاه عنه الشيخ عبدالحق في لمعاته ، وكذا حذا حذوه الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبدالقادر الشافعي في ذخيرة المآل فقال :
التولّي: الولاية وهو الصديق والناصر، والاولي بالاتّباع والقرب منه كقوله تعالي: {أنّ أولي الناس بإبراهيم للّذين اتّبعوه (1)} وهذا الذي فهمه عمررضي الله عنه من الحديث ؛ فإنّه لمّا سمعه قال : هنيئاً يابن أبي طالب أمسيت وليَّ كلِّ مؤمن ومؤمنة . انتهي .
وسبق عن الأَنباري في مشكل القرآن (2) : أنّ للمولي معان ، أحدها : الأَولي بالشي ء ، وحكاه الرازي عنه وعن أبي عبيدة فقال في نهاية العقول :
لا نسلّم أنّ كلّ من قال : إنّ لفظة (المولي) محتملةٌ للأولي قال بدلالة الحديث علي إمامة عليٍّ رضي اللَّه عنه ، أليس أنّ أبا عبيدة وابن الانباري حكما بأنّ لفظة (المولي) للأولي مع كونهما قائلين (3) بإمامة أبي بكر رضي اللَّه عنه ؟ انتهي . ونقل الشريف المرتضي (4)
ص: 51
عن أبي العباس المبرَّد أنَّ أصل تأويل الوليّ أي : الذي هو أولي وأحق ، ومثله المولي .
وقال أبو نصر الفارابي الجوهري المتوفي (393) في صحاح اللغة (1) (2 : 564) مادّة (ولي) في قول لبيد : إنّه يريد أولي موضع أن يكون فيه الخوف (2) .
وأبوزكريا الخطيب التبريزي في شرح ديوان الحماسة (1 : 22) في قوله جعفر بن علبة الحارثي :
ألهفي بقرِّي سَحْبَلٍ (3) حين أحلبت
علينا الوَلايا والعدوُّ المباسل
عدَّ من وجوه معاني المولي الثمانية (4) الوليّ والأولي بالشي ء ، وعن عمر بن عبدالرحمن الفارسي القزويني في «كشف الكشاف» في بيت لبيد : أن مولي المخافة ، أي : أولي وأحري بأن يكون فيه الخوف ، وعدّ سبط ابن الجوزي في «التذكرة (5)» :19 ذلك من
ص: 52
معاني المولي العشرة المستندة الي علماء العربيّة ، ومثله ابن طلحة الشافعي في «مطالب السؤول» : 16 ، وذكر الأولي في طليعة المعاني الّتي جاء بها الكتاب ، وتبعه الشلبنجي في نور الأبصار (1) : 78 وأسند ذلك الي العلماء ، وقال شارحا المعلّقات السبع - عبدالرحيم بن عبدالكريم (2) ، ورشيد النبيّ - في بيت لبيد : إنّه أراد ب (وليّ المخافة) الأولي بها .
وبذلك كلّه تعرف حال ما أسنده صاحب التحفة الاثنا عشرية (3) في أهل العربيّة قاطبة من إنكار استعمال (المولي) بمعني الأولي بالشي ء . أَوَ يحسب الرجل أنّ من ذكرناهم من أئمة الأدب الفارسي ؟ أو أنّهم لم يقفوا علي موارد لغة العرب كما وقف عليها الشاه صاحب الهندي ؟ وليس الحَكَم في ذلك إلّا ضميرك الحرّ .
مضافاً الي أنّ إنكار الرازي عدم استعمال (أولي) مضافاً ممنوعٌ علي إطلاقه ؛ لما عرفت من إضافته الي المثني والمجموع ، وجاءت في السنة إضافته الي النكرة ؛ ففي صحيح البخاري (4) في الجزء العاشر (ص 7و9و10و13) بأسانيد جمّة قد اتفق فيها اللفظ عن
ص: 53
ابن عبّاس عن رسول اللَّه صلي الله عليه وآله قال : «ألحقوا الفرائض بأهلها ؛ فما تركت الفرائض فلأولي رَجُلٍ ذَكَرٍ» ورواه مسلم في صحيحه (1) (2 : 2) وفيما أخرجه أحمد في المسند (2) (1 : 313): «فلأولي ذكر» ، وفي (ص 335) «فلأولي رجل ذكر» ، وفي نهاية ابن الأثير (3) (2 :49) : الأولي (4) رجل ذكر» .
ويُعرب عمّا ترتئيه في حديث الغدير ما يماثله في سياقه جِدّاً عن رسول اللَّه صلي الله عليه وآله : «ما من مؤمن إلّا أنا أولي الناس به في الدنيا والآخرة إقرأوا إن شئتم : {النبيّ أولي بالمؤمنين من أنفسهم }فأيّما مؤمن ترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا ، فإن ترك دَينااً أو ضياعاً فليأتني وأنا مولاه» أخرجه البخاري في صحيحه (5) (7 : 190) وأخرجه مسلم في صحيحه (6) (2 : 4) بلفظ :«إن علي الأرض من مؤمن إلّا أنا أولي الناس به ، فأيّكم ما ترك دَيناً أو ضياعاً فأنا مولاه» .
ص: 54
وللرازي كلمةٌ أُخري صعّد فيها وصوّب ، فحسب في كتابه «نهاية العقول» أنّ أحداً من أئمة النحو واللغة لم يذكر مجي ء «مفعل» الموضوع للحدثان أو الزمان أو المكان بمعني «أفعل» الموضوع لإفادة التفضيل . وأنت إذا عرفت ما تلوناه لك من النصوص علي مجي ء مولي بمعني الأولي بالشي ء علمت الوهن في إطلاق ما يقوله هو و من تبعه كالقاضي عضدالايجي في المواقف (1) وشاه صاحب الهندي في التحفة الاثنا عشرية (2) والكابلي في الصواقع ، وعبدالحق الدهلوي في لمعاته ، والقاضي سناء اللَّه الپاني پتي في سيفه المسلول ، وفيهم من بالغ في النكير حتّي أسند ذلك الي إنكار أهل العربيّة ، وأنت تعلم أنّ أساس الشبهة من الرازي ولم يسندها إلي غيره ، وقلّده أولئك عمي ، مهما وجدوا طعناً في دلالة الحديث علي ما ترتئيه الإمامية .
أنا لا ألوم القوم علي عدم وقوفهم علي كلمات أهل اللغة واستعمالات العرب لألفاظها ؛ فإنهم بُعَداء عن الفنّ ، بُعَداء عن العربية ، فمن رازيٍّ الي إيجيٍّ ، ومن هنديٍّ الي كابليٍّ ، ومن دهلويٍّ الي پاني پتيٍّ ، وأَين هؤلاءِ من العرب الأقحاح ؟ وأين هم من
ص: 55
العربيّة ؟ نعم حَنّ قِدحٌ ليس منها (1) ، وإذا اختلط الحابل بالنابل طفق يحكّم في لغة العرب من ليس منها في حِلّ ولا مرتَحَل .
إذا ما فُصِّلت عليا قريشٍ
فلا في العِيرِ أنت ولا النفيرِ
أوَ ما كان الذين نصّوا بأنّ لفظ (المولي) قد يأتي بمعني الأولي بالشي ء أعرف بمواقع اللغة من هذا الذي يخبط فيها خبط عشواء ؟ كيف لا ؟ وفيهم مَن هو من مصادر اللغة ، وأئمة الأدب ، وحذّاق العربيّة ، وهم مراجع التفسير ، أوليس في مصارحتهم هذه حجة قاطعة علي أنّ (مفعلاً) يأتي بمعني (أفعل) في الجملة ؟ إذن فما المبِّرر لذلك الإنكار المطلق ؟ لأمر ما جَدَعَ قصيرٌ أنفه!
وحسب الرازي مبتدع هد السفسطة قول أبي الوليد ابن الشحنة الحلبي في روض المناظر (2) في حوادث سنة ستّ وستّمائة من أنّ الرازي كانت له اليد الطولي في العلوم خلا العربيّة ، وقال أبو حيّان في تفسيره (4 : 149) بعد نقل كلام الرازي : إنّ تفسيره خارجٌ عن مناحي كلام العرب ومقاصدها ، وهو في أكثره شبيه بكلام الّذين يسمّون أنفسهم حكماء .
ص: 56
م - وقال الشوكاني في تفسيره (1) (4: 163) في قوله تعالي: {لا تخف نجوت من القوم الظالمين} القصص : 25 وللرازي في هذا الموضع إشكالات باردة جدّاً لا تستحقّ أن تذكر في تفسير كلام اللَّه عزّ وجلّ ، والجواب عليها يظهر للمقصر فضلاً عن الكامل .
ثمّ إنّ الدلالة علي الزمان والمكان في (مفعل) كالدلالة علي التفضيل في (أفعل) وكخاصة كلٍّ من المشتقات من عوارض الهيئات لا من جوهريات الموادّ ، وذلك أمرٌ غالبيّ يسار معه علي القياس ما لم يرد خلافه عن العرب ، وأما عند ذلك فإنّهم المحكّمون في معاني ألفاظهم ، ولو صفا للرازي اختصاص المولي بالحدثان أو الواقع منه في الزمان أو المكان لوجب عليه أن ينكر مجيئه بمعني الفاعل والمفعول وفعيل ، وها هو يصرح بإتيانه بمعني الناصر ، والمعتَق - بالفتح - والحليف . وقد صافقه علي ذلك جميع أهل العربية ، وهتف الكل بمجي ء (المولي) بمعني الوليّ ، وذكر غير واحد من معانيه الشريك ، والقريب ، والمحبّ ، والعتيق ، والعقيد ، والمالك ، والمليك . علي أنّ مَن يذكر الأولي في معاني المولي وهم الجماهير ممن يُحتج بأقوالهم لا يعنون أنه صفةٌ له حتّي يناقش بأن معني التفضيل خارج عن مفاد (المولي) مزيد عليه فلا يتفقان ،
ص: 57
وإنّما يريدون أنّه اسمٌ لذلك المعني ، إذن فلا شي ء يفت في عضدهم .
وهبْ أنّ الرازي ومن لفَّ لفّه لم يقفوا علي نظير هذا الاستعمال في غير المولي فإنّ ذلك لا يوجب إنكاره فيه بعد ما عرفته من النصوص ، فكم في لغة العرب من استعمال مخصوص بمادّة واحدة فمنها : كلمة (عجاف) جمع (أعجف) ، فلم يجمع أفعل علي فِعال إلّا في هذه المادة كما نصّ به الجوهري في الصحاح (1) ، والرازي نفسه في التفسير (2) ، والسيوطي في المزهر (3) (2 : 63) وقد جاء في القرآن الكريم : {وقال الملك إنّي أري سبع بقرات سمان يأكلهنّ سبعٌ عجافٌ} سورة يوسف : 43 ومنه شعر العرب في مدح سيّد مضر هاشم بن عبد مناف :
عمرو العلا هشمَ الثريدَ لقومه
ورجالُ مكّةَ مسنتون عِجافُ
ومنها : أنّ ما كان علي فعَلتُ - مفتوح العين - من ذوات التضعيف متعدياً مثل (رددت وعددت) يكون المضارع منه مضموم العين إلّا ثلاثة أحرف تأتي مضمومة ومكسورة وهي :
ص: 58
شدّ ، ونمّ ، وعلّ ، وزاد بعض : بثَّ (1) . أدب الكاتب (2) (ص 361) .
ومنها : أنّ ضمير المثني والمجموع لا يظهر في شي ء من أسماء الأفعال ك ( صه ومه ) إلّا : (ها) بمعني خذ فيقال : هاؤما ، وهاؤم ، وهاؤن ، وفي الذكر الحكيم قوله سبحانه : {هاؤم اقرأوا كتابيه (3) راجع التذكرة لابن هشام ، والأشباه والنظائر للسيوطي (4) .
ومنها : أنّ القياس المطّرد في مصدر تَفَاعَلَ هو التفاعل بضمِّ العين إلّا في مادة (التفاوت) فذكر الجوهري (5) فيها ضمّ الواو أوّلاً ثمّ نقل عن ابن السكيت عن الكلابييّن فتحه ، وعن العنبري كسره ، وحُكي عن أبي زيد الفتح والكسر كما في أدب الكاتب (6) (: 593) ، و نقل السيوطي في المزهر (7) (2 : 39) الحركات الثلاث .
ومنها : أنّ المطّرد في مضارع (فَعَل) - بفتح العين - الذي مضارعه (يفعل) - بكسره - أنّه لا يستعمل مضموم العين إلّا في
ص: 59
(وجَد) فإنّ العامريّين ضمّوا عينه كما في الصحاح (1) وقال شاعرهم لبيد :
لو شئتِ قد نَقعَ الفؤادُ بشربةٍ
فدع الصواديَ لا يَجدن غليلا
وصرّح به ابن قتيبة في أدب الكاتب (2) (:361) والفيروزآبادي في القاموس (3) (1 : 343) وفي المزهر (4) (2 : 49) عن ابن خالويه في شرح الدريديّة أنه قال : ليس في كلام العرب فَعَل يفعل ممّا فاؤه واو وإلّا حرفٌ واحد : وَجَدَ يَجُدُ .
ومنها : أنّ اسم الفاعل من (أفعل) لم يأت علي فاعل إلّا (أبقل) ، و(أورَس) ، و(أيفعَ) فيقال : (أبقل الموضع فهو باقل) ، و (أورس الشجرة فهو وارس) ، و(أيفع الغلام فهو يافع) كذا في المزهر (5) (2 : 40) ، وفي الصحاح (6) : بلدٌ عاشبٌ ولا يقال في ماضيه إلّا : أعشبت الأرض .
ص: 60
ومنها : أنّ اسم المفعول من (أفعل) لم يأتِ علي فاعل إلّا في حرف واحد ؛ وهو قول العرب : أسأمت الماشية في المرعي فهي سائمة ، ولم يقولوا : مُسامة . قال تعالي : {فيه تسيمون (1)} من أسام يسيم . ذكره السيوطي في المزهر (2) (2 : 47) .
وتجد كثيراً من أمثال هذه النوادر في المخصّص لابن سيدة ، ولسان العرب ، وذكر السيوطي في المزهر (ج 2) منها أربعين صحيفة .
هناك للرازي جوابٌ عن هذه كلّها يكشف عن سوءة نفسه قال في «نهاية العقول» : وأمّا الذي نقلوا عن أئمة اللغة من : أنّ (المولي) بمعني الأولي فلا حجّة لهم ؛ إذ أمثال هذا النقل لا يصلح أن يُحتج به في إثبات اللغة ، فنقول : إنّ أبا عبيدة وإن قال في قوله تعالي : {مأواكم النار هي مولاكم} : معناه هي أولي بكم . وذكر هذا أيضاً الأخفش ، و الزجّاج ، وعليّ بن عيسي ، واستشهدوا ببيت لبيد ، ولكنّ ذلك تساهلٌ من هؤلاء الائمة لاتحقيق ؛ لأنَّ الأكابر من النقلة مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه إلّا في تفسير هذه
ص: 61
الآية أو آية اُخري مرسلاً غير مسند ، ولم يذكروه في الكتب الأصلية من اللغة . انتهي .
ليت شعري من ذا الذي أخبر الرازي : أنّ ذلك تساهلٌ من هؤلاء الأئمة لا تحقيق ؟ وهل يطَّرد عنده قوله في كلِّ ما نقل عنهم من المعاني اللغوية ؟ أو أنّ له مع لفظ (المولي) حساباً آخر ؟ وهل علي اللغوي إذا أثبت معني إلّا الاستشهاد ببيت للعرب أو آية من القرآن الكريم ؟ وقد فعلوه .
وكيف تخذ عدم ذكر الخليل وأضرابه حجّة علي التسامح بعد بيان نقله عن أئمة اللغة ؟ وليس من شرط اللغة أن يكون المعني مذكوراً في جميع الكتب ، وهل الرازي يقتصر فيها علي كتاب العين وأضرابه ؟
ومَن ذا الذي شرط في نقل اللغة عنعنة الإسناد ؟ وهل هو إلّا ركونٌ الي بيت شعر ؟ أو آية كريمة ؟ أو سنّة ثابتة ؟ أو استعمال مسموع ؟ وهل يجد الرازي خيراً من هؤلاء لتلقّي هاتيك كلِّها ؟ وما بالُهُ لا يقول مثل قوله هنا إذا جاءه أحد من القوم بمعني من المعاني العربيّة ؟ أقول : لأنّ له في المقام مرمي لا يعدوه .
وهل يشترط الرجل في ثبوت المعني اللغوي وجوده في المعاجم اللغويّة فحسب ؟ بحيث لا يقيم له وزناً إذا ذُكر في تفسير آية ، أو معني حديث ، أو حلّ بيت من الشِّعر ، ونحن نري العلماء
ص: 62
يعتمدون في اللغة علي قول أيِّ ضليع في العربية حتّي الجارية الأعرابيّة (1) ولا يشترط عند الأكثر بشي ء من الإيمان والعدالة والبلوغ ، فهذا القسطلاني يقول في شرح البخاري (2) (7 : 75) : قول الشافعي نفسه حجّة في اللغة . وقال السيوطي في المزهر (3) ( 1 : 77) حُكم نقلِ واحد من أهل اللغة القبول . وحكي في (: 83) عن الأنباري قبول العدل الواحد ولا يشترط أن يوفقه غيره في النقل (4) . وفي(:87) بقول شيخ عربي يثبت اللغة (5) وحكي في (: 27) عن الخصائص لابن جنّي قوله : من قال : إنّ اللغة لا تُعرف إلّا نقلاً فقد أخطأ فإنّها قد تعلم بالقرائن أيضاً ؛ فإنّ الرجل إذا سمع قول الشاعر :
قومٌ إذا الشرّ أبدي ناجذيه لهم
طاروا إليه زرافات ووحدانا
يعلم أنّ الزرافات بمعني الجماعات (6) . وذكر أيضاً ثبوت اللغة
ص: 63
بالقرينة وبقول شاعر عربيّ (1) فهذه المصادر كلّها موجودةٌ في لفظ المولي غير أنّ الرازي لا يعلم أنّ اللغة بماذا تثبت ، ولذلك تراه يتلجلج ويرعد ويبرق من غير جدوي أو عائدة ، ولا أحسبه يحير جواباً عن واحد من الأسئلة الّتي وجهناها إليه .
وكأنّه في احتجاجه بخلوّ كتاب «العين» عن ذلك نسي أو تناسي ما لهج به في المحصول (2) من إطباق الجمهور من أهل اللغة علي القدح في كتاب «العين» كما نقله عنه السيوطي في المزهر (3) (2 : 47 و 48) .
وأنا لا أدري مالمراد من الكتب الأصليّة من اللغة ؟ ومَن الذي خصّ هذا الاسم بالمعاجم التي يقصد فيها سرد الألفاظ وتطبيقها علي معانيها في مقام الحجِّيَّة ، وأخرج هنها ما اُلّف في غريب القرآن أو الحديث أو الأدب العربيّ ؟ وهل نِيّةُ أرباب المعاجم دخيلة في ححّة الاحتجاج بها ؟ أو أنّ ثقة أرباب الكتب وتضلّعهم في الفنّ وتحرّيهم استعمال العرب هي التي تكسبها الحجّيّة ؟ وهذه كلّها موجودةٌ في كتب الأئمة والأعلام الذين نُقل عنهم مجي ء المولي بمعني الأولي .
ص: 64
هلمّ معي الي صخب وهياج تهجّم بها علي العربية - ومن العزيز علي العروبة والعرب ذلك - الشاه وليّ اللَّه صاحب الهندي في تحفته الإثنا عشرية (1) فحسب في ردّ دلالة الحديث أنّها لا تتم إلّا بمجي ء المولي بمعني الوليّ وأنّ (مفعلاً) لم يأتِ بمعني (فعيل) يريد به دحض ما نصّ به أهل اللغة من مجي المولي بمعني الولي الذي يراد به وليّ الأمر كما وليّ المرأة ، ووليّ اليتيم ، وولي العبد ، وولاية السلطان ، ووليّ العهد لمن يقيّضه الملك عاهل مملكته بعده .
نعم عزب عن الدهلوي قول الفرّاء المتوفّي (207) في معاني القرآن (2) وأبي العباس المبِّرد : بانّ الوليّ والمولي في لغة العرب واحدٌ . وذهل عن إطباق أئمة اللغة علي هذا ، وعدّهم الوليّ من معاني المولي في معاجم اللغة وغيرها كما في مشكل القرآن للأنباري (3) ، والكشف والبيان (4) للثعلبي في قوله تعالي : {أنت مولانا (5)} و الصحاح للجوهري (6) (2 : 564) وغريب القرآن
ص: 65
للسجستاني (1) (: 154) ، وقاموس الفيروز آبادي (2) (4: 401) ، والوسيط (3) للواحدي ، وتفسير القرطبي (4) (3 : 431) ، ونهاية ابن الأثير (5) (4 : 246) وقال : ومنه قول عمر لعليّ : أصبحت مولي كلّ مؤمن . وتاج العروس 10 : 399 واستشهد بقوله تعالي : {بأنّ اللَّه مولي الذين آمنوا وأنّ الكافرين لا مولي لهم (6) وبقوله صلي الله عليه وآله : «أيَّما أمرأة نكحت بغير إذن مولاها . .» وبحديث الغدير «من كنت مولاه فعلي مولاه» (7) .
ذكر علماء اللغة من معاني المولي السيّد غير المالك والمعتق كما ذكروا من معاني الوليّ الامير والسلطان مع إطباقهم علي اتّحاد معني الوليّ والمولي ، وكلُّ من المعنَيينِ لا يُبارح معني الأولويّة بالأمر ، فالأمير أولي من الرعيّة في تخطيط الأنظمة الراجعة إلي
ص: 66
جامعتهم ، وبإجراء الطقوس المتكفّلة لتهذيب أفرادهم ، وكبح عادية كلٍّ منهم عن الآخر ، وكذلك السيّد أولي ممّن يسوده بالتصرف في شؤونهم ، وتختلف دائرة هذين الوصفين سعة وضيقاً باختلاف مقادير الإمارة والسيادة؛ فهي في والي المدينة أوسع منها في رؤساء الدواوين ، وأوسع من ذلك في ولاة الأقطار ، ويفوق الجميع ما في الملوك والسلاطين ، ومنتهي السعة في نبيٍّ مبعوث علي العالم كلّه وخليفة يخلفه علي ماجاء به من نواميس وطقوس .
ونحن إذا غاضينا القوم علي مجي ء (الأولي) بالشي ء من معاني (المولي) فلا نغاضيهم علي مجيئه بهذين المعنيين ، وانه لا ينطبق في الحديث إلّا علي أرقي المعاني ، وأوسع الدوائر ، بعد أن علمنا أنّ شيئاً من معاني (المولي) والمنتهية الي سبعة وعشرين معني لا يمكن إرادته في الحديث إلّا ما يطابقهما من المعاني ، ألا وهي :
1 - الربّ 2 - العمّ 3 - ابن العمّ 4 - الابن 5 - ابن الاُخت 6 - المعتِق 7 - المعتَق 8 - العبد 9 - المالك (1) 10 - التابع
11 - المنعَم عليه 12 - الشريك 13 - الحليف 14 - الصاحب
ص: 67
15 - الجار 16 - النّزيل 17 - الصهر 18 - القريب 19 - المنعِم
20 - العقيد 21 - الوليّ 22 - الأولي بالشي ء 23 - السيّد غير المالك والمعتِق 24 - المحبّ 25 - الناصر 26 - المتصرّف في الأمر 27 - المتولّي في الامر .
فالمعني الأوّل يلزم من إرادته الكفر ؛ إذ لا ربّ للعالمين سوي اللَّه .
وأمّا الثاني والثالث إلي الرابع عشر فيلزم من إرادة شي ء منها في الحديث الكذب ؛ فإنّ النبيّ عمّ أولاد أخيه إن كان له أخ ، وأمير المؤمنين ابن عمّ أبيهم ، وهو صلي الله عليه وآله ابن عبداللَّه ، وأمير المؤمنين ابن أخيه أبي طالب .
ومن الواضح اختلاف أُمّهما في النسب فُخؤولة كلّ منهما غير خُؤولة الآخر ، فليس هو عليه السلام بابن اُخت لمن صلي الله عليه وآله ابن اخته .
وأنت جِدّ عليم بأنّ مَن أعتقه رسول اللَّه لم يعتقه أمير المؤمنين مرّة اخري . أنّ كلّا منهما سيّد الأحرار من الأولين والآخرين ، فلم يكونا معتَقين لأي ابن اُنثي ، واعطف عليه العبد في السخافة والشناعة .
ومن المعلوم أنّ الوصيَّ - صلوات اللَّه عليه - لم يملك مماليك رسول اللَّه صلي الله عليه وآله فلا يمكن إرادة المالك منه .
ولم يكن النبيُّ تابعاً لأيّ أحد غير مُرسِله جلّت عظمته ؛ فلا
ص: 68
معني لهتافه بين الملأ بأنّ من هو تابعه فعليٌّ تابعٌ له .
ولم يكن علي رسول اللَّه لأيّ أحد من نعمة ، بل له المنن والنعم علي الناس أجمعين فلا يستقيم المعني بإرادة المنعَم عليه .
وما كان النبيُّ صلي الله عليه وآله يُشارك أحداً في تجارة أو غيرها حتّي يكون وصيّه مشاركاً له أيضاً ، علي أنّه معدودٌ من التافهات إن تحققت هناك شراكة ، وتجارته لاُمّ المؤمنين خديجة قبل البعثة كانت عملاً لها لا شراكة معها ،ولو سلّمناها فالوصيّ عليه السلام لم يكن معه في سفره ، ولا له دخلٌ في تجارته .
ولم يكن نبيُّ العظمة محالفاً لأحد ليعتزّ به ، وانما العزةُ للَّه ولرسوله وللمؤمنين ، وقد اعتزّ به المسلمون أجمع ، إذن فكيف يمكن قصده في المقام ؟ وعلي فرض ثبوته فلا ملازمة بينهما .
وأمّا الصاحب والجار والنزيل والصهر والقريب سوائٌ اُريد منه قربي الرحم أو قرب المكان فلا يمكن إرادة شي ء من هذه المعاني لسخافتها لا سيما ذلك المحتشد الرهيب ؛ في أثناء المسير ، ورمضاء الهجير ، وقد أمر صلي الله عليه وآله بحبس المقدَّم في السير ، ومنع التالي منه في محلٍّ ليس بمنزل له ، غير أنَّ الوحيَ الإلهي المشفوع بما يشبه التهديد إن لم يبلِّغ - حبَسه هنالك ، فيكون صلي الله عليه وآله قد عقد هذا المحتفَل والناس قد أنهكهم وعثاء السفر ، وحرُّ الهجير ، وحراجة الموقف حتّي إنّ أحدهم ليضع رداءه تحت قدميه ، فيرقي هنالك منبر
ص: 69
الأهداج ،ويُعلمهم عن اللَّه تعالي أنّ نفسه نعيت إليه ، وهو مهتمّ بتبليغ أمر يخاف فوات وقته بانتهاء إيّامه ، وأنّ له الأهمية الكبري في الدين والدنيا ، فيخبرهم عن ربّه بأمور ليس للاشادة بها أي قيمة وهي : أنّ مَن كان هو صلي الله عليه وآله مصطحباً أو جاراً أو مصاهراً له أو نزيلاً عنده أو قريباً منه بأيّ المعنيين فعليٌّ كذلك . لا ها اللَّه لا نحتمل هذا إلّا في أحد من أهل الحلوم الخائرة ، والعقليّات الضعيفة ، فضلاً عن العقل الأول ، والانسان الكامل نبي الحكمة ، وخطيب البلاغة ، فمن الإفك الشائن أن يُعزي الي نبيّ الإسلام إرادة شي ء منها ، وعلي تقدير إرادة شي ء منها فأيّ فضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام حتّي يُبخبخ ويُهنّأ بها ، ويُفضّلها سعد ابن ابي وقاص في حديثه (1) علي حمر النعم لو كانت ، أو تكون أحبّ إليه من الدنيا
ص: 70
وما فيها ، عمّر فيها مثل نوح .
وأمّا المنعِم ؛ فلا ملازمة في أن يكون كلٌّ من أنعم عليه رسول اللَّه صلي الله عليه وآله يكون أمير المؤمنين عليه السلام منعماً عليه أيضاً بل من الضروري خلافه ، إلّا أن يراد أنّ مَن كان النبيُ صلي الله عليه وآله منعِماً عليه بالدين والهدي والتهذيب والإرشاد والعزَّة في الدنيا والنجاة في
ص: 71
الآخرة فعليٌ عليه السلام منعِم عليه بذلك كلِّه ؛ لأنّه القائم مقامه ، والصادع عنه ، وحافظُ شرعه ، ومبلّغ دينه ، ولذلك أكمل اللَّه به الدين ، وأتمّ النعمة بذلك الهتاف المبين ، فهو - حينئذٍ - لا يبارح معني الإمامة الذي نتحرّاه ، ويساوق المعاني التي نحاول إثباتها فحسب .
وأمّا العقيد : فلابدّ أن يراد به المعاقدة والمعاهدة مع بعض القبائل للمهادنة أو النصرة ، فلا معني لكون أمير المؤمنين عليه السلام كذلك إلّا تبعٌ له في كلّ أفعاله وتروكه ، فيساوقه حينئذٍ المسلمون أجمع ، ولا معني لتخصيصه بالذكر مع ذلك الاهتمام الموصوف ، إلّا أن يراد أنّ لعليٍّ عليه السلام دخلاً في تلك المعاهدات التي عقدها رسول اللَّه صلي الله عليه وآله لتنظيم السلطنة الإسلاميّة ، وكلاءة الدولة عن التلاشي بالقلاقل والحرج ، فله التدخّل فيها كنفسه صلي الله عليه وآله ، وإن أمكن إرادة معاقدة الأوصاف والفضائل كما يقال : عقيد الكرم ، وعقيد الفضل ، أي : كريمٌ وفاضلٌ ولو بتمحّل لا يقبله الذوق العربيُّ ، فيقصد أنَّ مَن كنت عقيد الفضائل عنده فلْيَعتقد في عليٍّ مثله ، فهو والحالة هذه مقاربٌ لما نرتئيه من المعني ، وأقرب المعاني أن يراد به العهود التي عاهدها صلي الله عليه وآله مع مَن بايعه من المسلمين علي اعتناق دينه ، والسعي وراء صالحه ، والذبّ عنه ، فلا مانع أن يراد من اللفظ والحالة هذه ؛ إنّه عبارةٌ اُخري لأن يقول : إنّه خليفتي والإمام مِن بعدي .
ص: 72
علي فرض إرادة هذين المعنيين لا يخلو إمّا أن يراد بالكلام حثُّ الناس علي محبَّته ونصرته بما أنه من المؤمنين به والذابّين عنه ، أو أمره عليه السلام بمحبتهم ونصرتهم . وعلي كلٍّ فالجملة إمّا إخبارية أو إنشائية .
فالاحتمال الأوّل هو الإخبار بوجوب حبّه علي المؤمنين فممّا لا طائل تحته ، وليس بأمر مجهول عندهم لم يسبقه التبليغ حتّي يأمر به في تلك الساعة ويناط التواني عنه بعدم تبليغ شي ء من الرسالة كما في نص الذكر الحكيم ،فيحبس له الجماهير ، ويعقد له ذلك المنتدي الرهيب ، في موقف حرج لا قرار به ، ثمّ يكمل به الدين ، وتتمّ به النعمة ، ويرضي الربّ ، كأنَّه قد أتي بشي ء جديد ، وشرَّع ما لم يكن وما لا يعلمه المسلمون ، ثمّ يهنِّأه مَن هنَّأه بأصبحت مولاي ومولي كلّ مؤمن ومؤمنة ، مؤذناً بحدوث أمر عظيم فيه لم يعلمه القائل قبل ذلك الحين ، كيف ؟ وهم يتلون في آناء الليل وأطراف النهار قوله سبحانه : {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض (1)} وقوله تعالي : {إنّما المؤمنون إخوة (2)} مشعراً بلزوم التوادد بينهم كما يكون بين الأخوين ، نُجلّ نبيّنا الأعظم عن
ص: 73
تبليغ تافه مثله ، ونُقدِّس إلهنا الحكيم عن عبثٍ يشبهه .
والثاني : وهو إنشاء وجوب حبِّه ونصرته بقوله ذلك ، وهو لا يقلُّ عن المحتمل الأول في التفاهة ؛ فإنه لم يكن هنالك أمرٌ لم يُنشأ وحُكم لم يُشرع حتّي يحتاج الي بيانه الإنشائي كما عرفت ، علي أنّ حقَّ المقام علي هذين الوجهين أن يقول صلي الله عليه وآله : مَن كان مولاي فهو مولي عليّ أي محبّه وناصره ، فهذان الاحتمالان خارجان عن مفاد اللفظ ، ولعلّ سبط ابن الجوزي نظر الي هذا المعني ، وقال في تذكرته (1) (ص 19) : لم يجز حمل لفظ المولي في هذا الحديث علي الناصر ، وسيأتي لفظه بتمامه (2) . علي أنّ وجوب المحبّة والمناصرة علي هذين الوجهين غير مختصّ بأَمير المؤمنين عليه السلام وإنّما هو شرع سواء بين المسلمين أجمع ، فما وجه تخصيصه به والاهتمام بأمره ؟ وإن اُريد محبّة أو نصرة مخصوصة له تربو عن درجة الرعيّة كوجوب المتابعة ، وامتثال الأوامر ، والتسليم له ، فهو معني الحجّة والإمامة ، لا سيما بعد مقارنتها بماهو مثلها في النبيّ صلي الله عليه وآله بقوله : «مَن كنت مولاه . .» والتفكيك بينهما في سياق واحد إبطال للكلام .
والثالث : وهو إخباره بوجوب حبّهم أَو نصرتهم عليه ، فكان الواجب - عندئذٍ - إخباره صلي الله عليه وآله عليّاً والتأكيد عليه بذلك لا إلقاء
ص: 74
القول به علي السامعين ، وكذلك إنشاء الوجوب عليه وهو المحتمل الرابع ، فكان صلي الله عليه وآله في غنيً عن ذلك الاهتمام وإلقاء الخطبة واستماع الناس والمناشدة في التبليغ ، إلّا أن يُريد جلب عواطف الملأ وتشديد حبّهم له عليه السلام إذا علموا أنّه محبّهم أو ناصرهم ليتبعوه ، ولا يخالفوا له أمراً ، ولا يردّ له قولاً .
وبتصديره صلي الله عليه وآله الكلام بقوله : «مَن كنت مولاه» نعلم أنّه علي هذا التقدير لا يريد من المحبّةِ أو النصرة إلّا ما هو علي الحدِّ الذي فيه صلي الله عليه وآله منهما ؛ فإنّ حبّه لاُمته ليس كمثلهما في أفراد المؤمنين ، وإنما هو صلي الله عليه وآله يحبّ اُمته فينصرهم بما أنّه زعيم دينهم ودنياهم ، ومالك أمرهم وكالي ء حوزتهم ، وحافظ كيانهم ، وأولي بهم من أنفسهم ، فإنه لو لم يفعل بهم ذلك لأجفلتهم الذئاب العادية ، وانتأشَتهم (1) الوحوش الكواسر ، ومدّت إليهم الأيدي من كلّ صوب وحَدَب ، فمن غارات تُشن ، وأموال تُباح ، ونفوس تُزهق ، وحرمات تُهتك ، فينتفض غرض المولي من بثّ الدعوة ، وبسط أديم الدين ، ورفع كلمة اللَّه العليا بتفرّق هاتيك الجامعة ، فمن كان في المحبة والنصرة علي هذا الحدّ فهو خليفة اللَّه في أرضه ،وخليفة رسوله ، والمعني علي هذا الفرض لا يحتمل غير ما قلناه .
ص: 75
لم يبق من المعاني إلّا الوليُ ، والأولي بالشي ء ، والسيد غير قسيميه : المالك والمعتِق ، والمتصرف في الامر ومتولّيه .
أمّا الولي فيجب أن يراد منه خصوص ما يراد في (الأولي) لعدم صحّة بقيّة المعاني كما عرّفناكه ، وأمّا السيِّد (1) بالمعني المذكور فلا يبارح معني الاولي بالشي ء؛ لأنه المتقدم علي غيره لا سيّما في كلمة يصف بها النبيُّ صلي الله عليه وآله نفسه ثمّ ابن عمّه علي حذو ذلك ، فمن المستحيل حمله علي سيادة حصل عليها السائد بالتغلّب والظلم ، وانّما هي سيادةٌ دينيّةٌ عامّة يجب اتّباعها علي المسودين أجمع .
وكذلك المتصرف في الأمر ، ذكره الرازي في تفسيره (2) (6 : 210) عن القفّال عند قوله تعالي : {واعتصموا باللَّه هو مولاكم} الحج : 78 فقال : قال القفال : هو مولاكم : سيّدكم والمتصرف فيكم ، وذكر هما سعيد الچلبي مفتي الروم ، وشهاب الدين أحمد الخفاجي في تعليقهما علي البيضاوي ، وعدّه في الصواعق (3) (ص 25) من معانيه الحقيقية ، وحذا حذوه كمال
ص: 76
الدين الجهرمي في ترجمة الصواعق ، ومحمّد بن عبدالرسول البرزنجي في النواقض (1) ، والشيخ عبدالحقّ في لمعاته ، فلا يمكن في المقام إلّا أن يُراد به المتصرّف الّذي قيّضهُ اللَّه سبحانه لأن يُتبع ، فيحدو البشر إلي سُنن النجاح ، فهو أولي من غير بأنحاء التصرف في الجامعة الإنسانية ، فليس هو إلّا نبيٌّ مبعوث أو إمام مفترض الطاعة منصوص به من قِبله بأمر إلهيٍّ لا يُبارحه في أقواله وأفعاله {وما ينطق عن الهوي * إن هو إلّا وحيٌ يوحي (2)} .
وكذلك متوليّ الأمر الذي عدّه من معاني المولي أبو العباس المبَرِّد ، قال في قوله : {أنّ اللَّه مولي الذين آمنوا (3)} والوليُّ والمولي معناهما سواء ، وهو الحقيق بخلقه المتولّي لأمورهم (4) ، وأبو الحسن الواحدي في تفسيره الوسيط (5) ، والقرطبي في تفسيره (6) (4 : 232) في قوله تعالي في آل عمران [150] {بل اللَّه مولاكم }وابن الأثير في النهاية (7) والزبيدي في تاج العروس (10 : 398) ، وابن
ص: 77
منظور في لسان العرب (1)20 وقالوا : ومنه الحديث :«أيّما أمرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل» وفي رواية : «وليّها» أي متولّي أمرها ، والبيضاوي (2) في تفسير قوله تعالي : {ما كتب لنا هو مولانا} التوبة [51] (1 : 505) وفي قوله تعالي : {واعتصموا باللَّه هو مولاكم} الحج [78] (2 : 114) وفي قوله تعالي : {واللَّه مولاكم} التحريم [2] (2 : 530) ، وأبو السعود العمادي (3) في تفسير قوله تعالي : {واللَّه مولاكم} التحريم هامش تفسير الرازي (8 : 183) ، وفي قوله تعالي : {هي مولاكم} والراغب في المفردات (4) ، وعن أحمد بن الحسن الزاهد الدرواجكي في تفسيره : المولي في اللغة من يتولّي مصالحك فهو مولاك يلي القيام بأمورك وينصرك علي أعدائك ، ولهذا سُمّي ابن العمّ والمعتِق مولي ثمّ صار اسماً لمن لزم الشي ء ، والزمخشري في الكشاف (5) وأبو العبّاس أحمد بن يوسف الشيباني الكواشي المتوفي سنة 680 في تلخيصه ، والنسفي (6) في
ص: 78
تفسير قوله تعالي {أنت مولانا (1)} والنيسابوري في غرائب القرآن (2) في قوله تعالي {أنت مولانا} وقوله تعالي : {فاعلموا أن اللَّه مولاكم (3)} وقوله تعالي : {هي مولاكم } . وقال القسطلاني (4) في حديث مرَّ في (ص 318) عن البخاري ومسلم في قوله صلي الله عليه وآله«أنا مولاه» أي : وليّ الميّت أتولي عنه أموره ، والسيوطي في تفسير الجلالين (5) في قوله تعالي :{أنت مولانا} وقوله : {فاعلموا أنّ اللَّه مولاكم} وقوله :{لن يصيبنا إلّا ما كتب اللَّه لنا هو مولانا} فهذا المعني لا يُبارح أيضاً معني الأولي لا سيما بمعناه الذي يصف صاحب الرسالة صلي الله عليه وآله نفسه علي تقدير إرادته .
علي أنّ الذي نرتئيه في خصوص المقام - بعد الخوض في غِمار اللغة ،ومجاميع الأدب ، وجوامع العربيّة - : أن الحقيقة من معاني المولي ليس إلّا الأولي بالشي ء ، وهو الجامع لهاتيك المعاني جمعاء ؛ ومأخوذ في كلٍّ منها بنوعٍ من العناية ، ولم يطلق لفظ المولي علي شي ء منها إلّا بمناسبة هذا المعني .
1 - فالربّ سبحانه هو أولي بخلقه من أيّ قاهر عليهم ؛ خلق
ص: 79
العالمين كما شاءت حكمته ويتصرَّف بمشيئته .
2 - والعمّ أولي الناس بكلاءة ابن اخيه والحنان عليه ، وهو القائم مقام والده الذي كان أولي به .
3 - وابن العمِّ أولي بالاتحاد والمعاضدة مع ابن عمِّه لأنَّهما غصنا شجرة واحدة .
4 - والابن أولي الناس بالطاعة لأبيه والخضوع له قال اللَّه تعالي : {واخفض لهما جناح الذلِّ من الرَّحمة (1)} .
5 - وابن الاُخت أيضاً أولي الناس بالخضوع لخاله الذي هو شقيق اُمّه .
6 - والمعتِق - بالكسر - أولي علي من أعتقه من غيره .
7 - والمعتَق - بالفتح - أولي بأن يعرف جميل مَن أعتقه عليه ويشكره بالخضوع بالطاعة .
8 - والعبد أيضاً أولي بالانقياد لمولاه من غيره ، وهو واجبه الذي نيطت سعادته به .
9 - والمالك أولي بكلاءة مماليكه وأمرهم والتصرُّف فيهم بما دون حدّ الظلم .
ص: 80
10 - والتابع أولي بمناصرة متبوعه ممّن لا يتبعه .
11 - والمنعَم عليه أولي بشكر منعِمه من غيره .
12 - والشريك أولي برعاية حقوق الشركة وحفظ صاحبه عن الإضرار .
13 - والأمر في الحليف واضح ، فهو أولي بالنهوض بحفظ مَن حالفه ودفع عادية الجور عنه .
14 - وكذلك الصاحب أولي بأن يُؤدي حقوق الصحبة من غيره .
15 - كما أنّ الجار أولي بالقيام بحفظ حقوق الجوار كلّها من البعداء .
16 - ومثلها النزيل فهو أولي بتقدير مَن آوي إليهم ولجأ الي ساحتهم وأمِن في جوارهم .
17 - والصهر أولي بأن يرعي حقوق مَن صاهره فشدّ بهم أزره ، وقوّي أمره ، وفي الحديث : الآباء ثلاثة : أبٌ ولَّدك ، وأبٌ زوّجك ، وأبٌ علّمك» .
18 - واعطف عليها القريب الذي هو أولي بأمر القريبين منه
ص: 81
والدفاع عنهم والسعي وراء صالحهم .
19 - والمنعِم أولي بالفضل علي من أنعم عليه ، وأن يتبع الحسنة بالحسنة .
20 - والعقيد كالحليف في أولوية المناصرة له مع عاقده ، ومثلهما :
21 و22 - المحبّ والناصر ؛ فإن كلاّ منهما أولي بالدفاع عمّن أحبّه أو التزم بنصرته .
23 - وقد عرفت الحال في الوليِّ .
24 - والسيّد .
25 - والمتصرِّف في الأمر .
26 - والمتولّي له .
إذن فليس للمولي إلّا معنيً واحد وهو الأولي بالشي ء وتختلف هذه الأولوية بحسب الاستعمال في كلٍّ من موارده ، فالاشتراك معنويٌّ وهو أولي من الاشتراك اللفظي المستدعي لأوضاع كثيرة غير معلومة بنصٍّ ثابت والمنفية بالأصل المحكم ، وقد سبقنا الي بعض هذه النظرية شمس الدين ابن البطريق في العمدة (1) (:56)
ص: 82
وهو أحد أعلام الطائفة في القرن السادس ، وتطفح بشي ء من ذلك كلمات غير واحد من علماء أهل السنّة (1) حيث ذكروا المناسبات في جملة من معاني المولي تشبه ماذكرنا .
ويكشف عن كون المعني المقصود (الأولي) هو المتبادر من المولي إذا اُطلق كما يأتي بيانه عن بعض في الكلمات حول المفاد ما رواه مسلم بإسناده في صحيحه (2) ( :197) عن رسول اللَّه صلي الله عليه وآله : لا يقل العبد لسيّده مولاي» وزاد في حديث أبي معاوية : «فإنّ مولاكم اللَّه» وأخرجه غير واحدٍ من أئمة الحديث في تآليفهم .
إلي هنا لم يبقَ للباحث ملتحدٌ عن البخوع لمجي ء المولي بمعني الأولي بالشي ء وإن تنازلنا إلي أنه أحد معانيه وأنّه من المشترك اللفظي ؛ فإنّ للحديث قرائن متصلة واُخري منفصلة تنفي إرادة غيره ، فإليك البيان :
القرينة الأولي : مقدمة الحديث ؛ وهي قوله صلي الله عليه وآله : «ألست أولي
ص: 83
بكم من أنفسكم» أو ما يؤدي مؤداه من ألفاظ متقاربة ، ثمّ فرَّع علي ذلك قوله : «فمن كنت مولاه فعلي مولاه» ، وقد رواها الكثيرون من علماء الفريقين ؛ فمن حفّاظ أهل السنّة وأئمتهم :
1 - أحمد بن حنبل 2 - ابن ماجة 3 - النسائي 4 - الشيباني 5 - أبو يعلي 6 - الطبري 7 - الترمذي 8 - الطحاوي 9 - ابن عقدة 10 - العنبري 11 - أبو حاتم 12 - الطبراني 13 - القطيعي 14 - ابن بطّة 15 - الدارقطني 16 - الذهبي 17 - الحاكم 18 - الثعلبي 19 - أبو نعيم 20 - ابن السمّان 21 - البيهقي 22 - الخطيب 23 - السجستاني 24 - ابن المغازلي 25 - الحسكاني 26 - العاصمي 27 - الخلعي 28 - السمعاني 29 - الخوارزمي 30 - البيضاوي 31 - الملّا 32 - ابن عساكر 33 - أبو موسي 34 - أبو الفرج 35 - ابن الأثير 36 - ضياء الدين 37 - قزأوغلي 38 - الكنجي 39 - التفتازاني 40 - محبّ الدين 41 - الوصّابي 42 - الحمويني 43 - الإيجي 44 - ولي الدين 45 - الزّرندي 46 - ابن كثير 47 - الشريف 48 - شهاب الدين 49 - الجزري 50 - المقريزي 51 - ابن الصبّاغ 52 - الهيثمي 53 - الميبدي 54 - ابن حجر 55 - أصيل الدين 56 - السمهودي 57 - كمال الدين 58 - البدخشي 59 - الشيخاني 60 - السيوطي 61 - الحلبي 62 - ابن كثير 63 - السهارنپوري 64 - ابن حجر المكي .
ص: 84
وقد ألمعنا الي موارد ذكر المقدمة بتعيين الجزء والصفحات من كتب هؤلاء الأعلام فيما أسلفناه عند بيان طرق الحديث عن الصحابة والتابعين ، وهناك جمعٌ آخرون من رواتها لا يُستهان بعدّتهم لا نطيل بذكرهم المقال ، أضف الي ذلك من رواها من علماء الشيعة الذين لا يُحصي عددهم .
فهذه المقدمة من الصحيح الثبت الذي لا محيد عن الاعتراف به كما صرّح بذلك غير واحد من الأعلام المذكورين (1) فلو كان صلي الله عليه وآله
ص: 85
يريد في كلامه غير المعني الذي صرّح به في المقدمة لعاد لفظه - ونُجلّه عن كلّ سقطة محلول العُري ، مختزلاً بعضه عن بعض ، وكان في معزل عن البلاغة وهو أفصح البلغاء ، وأبلغ من نطق بالضاد ، فلا مساغ في الإذعان بارتباط أجزاء كلامه ، وهو الحقّ في
ص: 86
كلّ قول يلفظه عن وحي يوحي ، إلّا أن نقول باتّحاد المعني في المقدمة وذيها .
ويزيدك وضوحاً وبياناً ما في التذكرة لسبط ابن الجوزي الحنفي (1) (:20) فانّه بعد عدّ معانٍ عشرة للمولي وجعل عاشرها الأولي قال :
والمراد من الحديث : الطاعة المخصوصة ، فتعيّن الوجه العاشر وهو الأولي ، ومعناه : مَن كنت أولي به من نفسه فعليّ أولي به ، وقد صرّح بهذا المعني الحافظ أبو الفرج يحيي بن سعيد الثقفي الاصبهاني في كتابه المسمّي بمرج البحرين ؛ فإنه روي هذا الحديث بإسناده الي مشايخه وقال فيه : فأخذ رسول اللَّه صلي الله عليه وآله بيد علي فقال : مَن كنت وليّه وأولي به من نفسه فعليّ وليّه» ، فعلم أنّ جميع المعاني راجعةٌ الي الوجه العاشر ، ودلّ عليه أيضاً قوله عليه السلام : «ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم» وهذا نصٌّ صريح في إثبات إمامته وقبول طاعته . انتهي .
ونصّ ابن طلحة الشافعي في «مطالب السؤول» (:16) علي ذهاب طائفة الي حمل اللفظ في الحديث علي الأولي . وسيوافيك نظير هذه الجمل في محلّه إن شاء اللَّه تعالي .
ص: 87
القرينة الثانية : ذيل الحديث ، وهو قوله صلي الله عليه وآله : اللهم والِ مَن والاه ، وعادِ مَن عاداه» في جملة من طرقه بزيادة قوله : «وانصر مَن نصره ، واخذل مَن خذله» أو ما يؤدي مؤداه ، وقد أسلفنا ذكر الجماهير الراوين له (1) فلا موجب الي التطويل بإعادة ذكرهم ، ومرَّ
ص: 88
عليك في ذكر الكلمات المأثورة حول سند الحديث : (294 - 313) (1) بأنّ تصحيح كثير من العلماء له مصبُّه الحديث مع
ص: 89
ص: 90
ص: 91
ص: 92
ص: 93
ذيله ،وفي وسع الباحث أيقرِّب كونه قرينة للمدّعي بوجوه لا تلتئم إلّا مع معني الأولوية الملازمة للإمامة :
«أحدهما» : أنّه صلي الله عليه وآله لمّا صدع بما خوّل اللَّه سبحانه وصيّه من المقام الشامخ بالرئاسة العامة علي الأمة جمعاء ، والإمامة المطلقة من بعده ، كان يعلم بطبع الحال أنّ تمام هذا الأمر بتوفّر الجنود والأعوان وطاعة أصحاب الولايات والعمّال مع علمه بأنّ في الملأ مَن يحسده كما ورد في الكتاب العزيز (1) وفيهم من يحقد عليه ، وفي
ص: 94
زُمر المنافقين من يُضمر له العداء لأوتار جاهلية ، وستكون من بعده هناة تجلبها النهمة والشَرَه من باب المطامع لطلب الولايات والتفضيل في العطاء ،ولا يدع الحقّ عليّاً عليه السلام أن يُسعفهم بمبتغاهم ؛ لعدم الحنكة والجدارة فيهم فيقلّبون عليه ظهر المجنّ ، وقد أخبر صلي الله عليه وآله مجمل الحال بقوله : « أن تُؤمروا عليّاً - ولا أراكم فاعلين - تجدوه هادياً مهديّاً» وفي لفظ «إن تستخلفوا عليّاً - وماأراكم فاعلين - تجدوه هادياً مهديّاً» راجع (:12 ، 13) من هذا الكتاب (1) .
ص: 95
فطفق صلي الله عليه وآله يدعو لمن والاه ونصره ، وعلي مَن عاداه وخذله ؛ لِيتمّ له أمر الخلافة ، ولِيعلم الناس أنّ موالاته مجلبةٌ لموالاة اللَّه سبحانه ، وأنّ عداءه وخذلانه مدعاةٌ لغضب اللَّه وسخطه ، فيزدلف[وا] إلي الحقّ وأهله ، ومثل هذا الدعاء بلفظ العامّ لا يكون إلّا فيمن هذا شأنه ، ولذلك أنّ أفراد المؤمنين الّذين أوجب اللَّه محبة بعضهم لبعض لم يُؤثّر فيهم هذا القول ؛ فإنّ منافرة بعضهم لبعض جزئيات لا تبلغ هذا المبلغ ، وإنّما يحصل مثله فيما اذا كان المدعو له دعامة الدين ، وعلم الاسلام ، وإمام الاُمة ، وبالتثبيط عنه يكون فتٌّ في عضد الحقِّ وانحلال لعُري الإسلام .
ثانيها : أنّ هذا الدعاء - بعمومه الافرادي بالموصول ، والأزماني ، والأحواليّ بحذف المتعلق - يدلّ علي عصمة الإمام عليه السلام لإفادته وجوب موالاته ونصرته والانحياز عن العداء له وخذلانه علي كل أحد في كلّ حين وعلي كلّ حال ، وذلك يوجب أن
ص: 96
يكون عليه السلام في كلّ علي صفة لا تصدر منه معصية ، ولا يقول إلّا الحقّ ، ولا يعمل إلّا به ، ولا يكون إلّا معه ؛ لانه صدر منه شي ء من المعصية لوجب الإنكار عليه ونصب العداء له لعمله المنكر والتخذيل عنه ، فحيث لم يستثنِ صلي الله عليه وآله من لفظه العام شيئاً من أطواره وأزمانه علمنا أنّه لم يكن عليه السلام في كلّ تلك المدد والأطوار إلّا علي الصفة التي ذكرناها ، وصاحب هذه الصفة يجب أن يكون إماماً لقبح أن يؤمّه مَن هو دونه علي ماهو المقرّر في محلِّه ، وإذا كان إماماً فهو أولي الناس منهم بأنفسهم .
ثالثها : أن الأنسب بهذا الدعاء الذي ذيّل صلي الله عليه وآله به كلامه - ولا بدّ أنّه مرتبط بما قبله - أن يكون غرضه صلي الله عليه وآله بيان تكليف علي تكليف علي الحاضرين من فرض الطاعة ووجوب الموالاة ؛ فيكون في الدعاء ترغيب لهم علي الطاعة والخضوع له ، وتحذيرٌ عن التمرُّد والجموح تجاه أمره ، وذلك لا يكون إلّا إذا نزّلنا المولي بمعني الأولي ، بخلاف ما إذا كان المراد به المحبّ أو الناصر ؛ فإنّه - حينئذٍ - لم يعلم إلّا أنّ علياً عليه السلام محبّ رسول اللَّه صلي الله عليه وآله أو ينصر من ينصره ، فيناسب إذن أن يكون الدعاء له إن قام بالمحبة أو النصرة لا للناس عامة إن نهضوا لموالاته ، وعليهم إن تظاهروا بنصب العداء له ، إلّا يكون الغرض بذلك تأكيد الصلاة الودِّيَّة بينه وبين الأمة إذا علموا أنّه يحبّ وينصر كلّ فردٍ منهم في كلّ حال وفي كلّ زمان ، كما أن
ص: 97
النبيّ صلي الله عليه وآله كذلك ، فهو يخلفه عليهما ، وبذلك يكون لهم منجاة من كلّ هلكة ، ومأويً من كلِّ خوف ، وملجأ من كلّ ضعة ، شأن الملوك ورعاياهم ، والأمراء والسُّوقة ، فإنهما في النبيّ صلي الله عليه وآله علي هذه الصفة ، فلابدّ أن يكونا فيمن يحذو حذوه أيضاً كذلك وإلّا لا ختلَّ سياق الكلام ، فالمعني علي ما وصفناه بعد المماشاة مع القوم متّحد مع معني الإمامة ، ومؤدٍّ مفاد الأولي .
وللحديث ألفاظ أثبتهاحفّاظ الحديث متّصلة به في مختلف تخريجاتهم لا تلتئم إلّا مع المعني الذي حاولنا من المولي .
القرينة الثالثة : قوله صلي الله عليه وآله : «ياأيها الناس بمَ تشهدون ؟ قالوا : نشهد أن لا إله اللَّه ، قال : ثمّ مَهْ ؟ قالوا :وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، قال : فمن وليّكم ؟ قالوا : اللَّه ورسوله مولانا . ثمّ ضرب بيده الي عضد عليٍّ فأقامه ، فقال : مَن يكن اللَّه ورسوله مولاه فإنّ هذا مولاه . الحديث» .
هذا لفظ جرير ، وقريبٌ منه لفظ أمير المؤمنين عليه السلام ولفظ زيد ابن أرقم وعامر بن ليلي ، وفي لفظ حذيفة بن أسيد بسند صحيح :
«ألستم تشهدون أن لا إله إلّا اللَّه وأنّ محمّداً عبده ورسوله ؟ . . . - الي أن قال - : بلي نشهد بذلك .
قال : اللهم اشهد ، ثم قال : ياأيها الناس إنّ اللَّه مولاي ، وأنا
ص: 98
مولي المؤمنين ، وأنا أولي بهم من أنفسهم ،فمن كنت مولاه فهذا مولاه» يعني عليّاً (1) فإن وقوع الولاية في سياق الشهادة بالتوحيد والرسالة وسردها عقيب المولويّة المطلقة للَّه سبحانه ولرسوله من بعده لا يمكن إلّا أن يراد بها معني الإمامة الملازمة للأولويّة علي الناس منهم بأنفسهم .
القرينة الرابعة : قوله صلي الله عليه وآله عقيب لفظ الحديث : «اللَّه أكبر علي إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضي الربّ برسالتي ، والولاية لعليّ
ص: 99
بن أبي طالب» (1) ولفظ شيخ الإسلام الحمويني (2) :«اللَّه أكبر تمام نبوتي ، وتمام دين اللَّه بولاية عليّ بعدي» (3) .
ص: 100
فأيّ معنيً تراه يكمل به الدين ، ويُتم النعمة ، ويُرضي الربَّ في عداد الرسالة غير الإمامة التي بها تمام أمرها وكمال نشرها وتوطيد دعائمها ؟ إذن فالناهض بذلك العب ء المقدّس أولي الناس منهم بأنفسهم .
القرينة الخامسة : قوله صلي الله عليه وآله قبل بيان الولاية : «كأنّي دُعيت فأجبت» ، أو : «أنّه يوشِك أن اُدعي فاُجيب» ، أو : «ألا وإنّي أوشِك أن أفارقكم» ، أو : «يوشِك أن يأتي رسول ربّي فاُجيب» ، وقد تكرر ذكره عند حفّاظ الحديث كما مرَّ (1) .
ص: 101
وهو يُعطينا علماً بأنه صلي الله عليه وآله كان قد بقي من تبليغه مهمّة يحاذر أن يدركه الأجل قبل الإشادة بها ، ولولا الهتاف بها بقي ما بلّغه مخدَجاً ، ولم يذكر صلي الله عليه وآله بعد هذا الاهتمام إلّا ولاية أمير المؤمنين وولاية عترته الطاهرة الذين يَقْدِمهم هو صلي الله عليه وآله كما في نقل مسلم (1) ، فهل من الجائز أن تكون تلك المهمة المنطبقة علي هذه الولاية إلّا
ص: 102
معني الإمامة المصرّح بها في غير واحدٍ من الصحاح ؟ وهل صاحبها إلّا أولي الناس بأنفسهم ؟
القرينة السادسة : قوله صلي الله عليه وآله بعد بيان الولاية لعليٍّ عليه السلام : «هنِّئوني هنِّئوني إنّ اللَّه تعالي خصّني بالنبوّة ، وخصَّ أهل بيتي بالإمامة» كما مرَّ (ص 274) (1) فصريح العبارة هو الإمامة المخصوصة بأهل بيته الذين سيِّدهم والمقدّم فيهم هو أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان هو المراد في الوقت الحاضر .
ثمّ نفس التهنئة والبيعة والمصافقة والاحتفال بها واتّصالها ثلاثة أيّام ، كما مرّت هذه كلّها (ص 269 - 283) لا تُلائم غير معني الخلافة والأولوية ، ولذلك تري الشيخين أبي بكر وعمر لقيا أمير المؤمنين فهنّآه بالولاية . وفيها بيان لمعني المولي الذي لهج به صلي الله عليه وآله ، فلا يكون المتجلّي به إلّا أولي الناس منهم بأنفسهم .
القرينة السابعة : قوله صلي الله عليه وآله بعد بيان الولاية : «فليبلغ الشاهد الغائب» كما مرَّ (ص 33 و 160 و198) (2) أوَ تحسب أنّه صلي الله عليه وآله يؤكّد
ص: 103
هذا التأكيد في تبليغ الغائبين أمراً علمه كلُّ فرد منهم بالكتاب والسنَّة من الموالاة والمحبَّة والنصرة بين أفراد المسلمين مشفوعاً بذلك الاهتمام والحرص علي بيانه ؟ لا أحسب أنّ ضُؤولة الرأي يُسفُّ بك الي هذه الخطَّة ، لكنّك ولا شكّ تقول : إنّه صلي الله عليه وآله لم يُرد إلّا مهمّة لم تُتَحِ الفرص لتبليغها ، ولا عرفته (1) الجماهير ممّن لم يشهدوا ذلك المجتمع ، وما هي إلّا مهمّة الإمامة التي بها كمال الدين ، وتمام النعمة ، ورضي الربِّ ، وما فهم الملأ الحضور من لفظه صلي الله عليه وآله إلّا تلك ، ولم يؤثر له صلي الله عليه وآله لفظ آخر في ذلك المشهد يليق أن يكون أمره بالتبليغ له ، وتلك المهمّة لا تساوق إلّا معني الأولي من معاني المولي .
القرينة الثامنة : قوله صلي الله عليه وآله بعد بيان الولاية في لفظ أبي سعيد وجابر المذكور (ص 43 و 232 و 233 و 234 و 237) : «اللَّه أكبر علي إكمال الدين ، وتمام النعمة ، ورضي الربّ رسالتي ، والولاية
ص: 104
لعليّ من بعدي (1)» وفي لفظ وهب المذكور (ص 60) : «إنّه وليّكم بعدي» (2) وفي لفظ عليٍّ الذي أسلفناه (ص 165) : «وليُّ كلِّ مؤمن بعدي» (3) .
وكذلك ما أخرجه الترمذي (4) ، وأحمد ، والحاكم ، والنسائي ، وابن أبي شيبة والطبري ، وكثيرون آخرون من الحفّاظ بطرق صحيحة من قوله صلي الله عليه وآله : «إنّ عليّاً منّي وأنا منه ، وهو وليُّ كلِّ مؤمن بعدي» وفي آخر : «هو وليكم بعدي» .
ص: 105
وما أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1 : 86 وآخرون (1) بإسناد صحيح من قوله صلي الله عليه وآله : «من سرَّه أن يحيي حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي ، فليوال عليّاً من بعدي ، وليقتد بالأئمة من بعدي ؛ فإنهم عترتي خُلقوا من طينتي . الحديث» .
و ماأخرجه أبو نعيم في الحلية 1 : 86 بإسناد صحيح رجاله ثقات عن حذيفة وزيد وابن عباس عنه صلي الله عليه وآله :
«من سرّه أن يحيي حياتي ، ويموت ميتتي ، ويتمسك بالقصبة الياقوتة التي خلقها اللَّه بيده ثمّ قال لها : كوني فكانت ، فليتولَّ عليَّ بن أبي طالب من بعدي» .
فإنَّ هذه التعابير تُعطينا خبُراً بأنَّ الولاية الثابتة لأمير المؤمنين عليه السلام مرتبةٌ تساوق ماثبت لصاحب الرسالة مع حفظ التفاوت بين المرتبتين بالأوّلية والأولويّة سواءٌ اُريد من لفظ (بعدي) البعديّة الزمانيّة أو البعدّية في الرتبة ، فلا يمكن أن يراد إذن من المولي إلّا الأولوية علي الناس في جميع شؤونهم ؛ إذ في إرادة معني النصرة والمحبّة من المولي بهذا القيد ينقلب الحديث ويُعدُّ منقصةً دون مفخرة كما لا يخفي .
ص: 106
القرينة التاسعة : قوله صلي الله عليه وآله بعد إبلاغ الولاية :
«اللهمَّ أنت شهيدٌ عليهم إنّي قد بلّغت ونصحت» .
فالإشهاد علي الأمة بالبلاغ والنصح يستدعي أن يكون ما بلّغه صلي الله عليه وآله ذلك اليوم أمراً جديداً لم يكن قد بلّغه قبلُ . مضافاً الي أنّ بقيّة معاني المولي العامَّة بين أفراد المسلمين من الحبِّ والنصرة لا تُتصوَّر فيها أيُّ حاجة الي الإشهاد علي الأمة في عليٍّ خاصّة ، إلّا أن تكون فيه علي الحدِّ الذي بيَّناه .
القرينة العاشرة : قوله صلي الله عليه وآله قبل بيان الحديث وقد مرَّ (ص 165 - 196) :
«إنّ اللَّه أرسلني برسالة ضاق بها صدري ، وظننت أنَّ الناس مكذِّبيّ ، فأوعدني لاُبلّغها أو لَيعذِّبني (1)» .
ومرَّ في (ص 221) بلفظ : «إنّ اللَّه بعثني برسالة فضقت بها ذرعاً ، وعرفت أنّ الناس مكذِّبي ، فوعدني لاُبلّغنَّ أو لَيعذِّبني (2)» .
و(ص 166) بلفظ : «إني راجعت ربّي خشية طعن أهل النفاق
ص: 107
ومكذِّبيهم ، فأوعدني لأبلّغها أو لَيعذِّبني (1)» .
ومرّ (ص 51) : «لمّا اُمر النبيُّ أن يقوم بعليٌّ بن أبي طالب المقام الذي قام به ، فانطلق النبيُّ صلي الله عليه وآله الي مكة فقال : رأيت الناس حديثي عهد بكفر بجاهلية ، ومتي أفعل هذا به يقولوا : صنع هذا بابن عمّه ثمّ مضي حتّي قضي حجّة الوداع . الحديث (2)».
ومرَّ (ص 219) : إنّ اللَّه أمر محمّداً أن ينصب عليّاً للناس فيخبرهم بولايته فتخوّف النبيّ صلي الله عليه وآله أن يقولوا : حابي ابن عمه ، وأن يطعنوا في ذلك عليه . الحديث (3)» .
ومرَّ (ص 217): لمّا أمر اللَّه رسوله صلي الله عليه وآله أن يقوم بعليّ فيقول له ما قال فقال : ياربّ إنَّ قومي حديث عهد بجاهلية - كذا في النسخ - «ثمَّ مضي بحجِّه فلمّا أقبل راجعاً نزل بغدير خمّ . الحديث (4) .
ص: 108
ومرَّ (ص 217) : لمّا جاء جبريل بأمر الولاية ضاق النبيُّ صلي الله عليه وآله بذلك ذرعاً وقال : قومي حديث عهدٍ بالجاهلية» فنزلت : {ياأيّها الرسول (1)} الآية .
هذه كلّها تنمُّ عن نبأٍ عظيم كان يخشي في بثّه بوادر أهل النفاق وتكذيبهم ، الذي كان يحاذره صلي الله عليه وآله ويتحقق به القول بأنّه حابي ابن عمِّه يستدعي أن يكون أمراً يخصُّ أمير المؤمنين لا شيئاً يشاركه فيه المسلمون أجمع من النصرة والمحبة وما هو إلّا الأولوية بالأمر وما جري مجراها من المعاني .
القرينة الحادية عشرة : جاء في أسانيد متكثرة : التعبير عن موقف يوم الغدير بلفظ النصب فمرَّ (ص 57) عن عمر بن الخطاب : نصب رسول اللَّه عليّاً علماً (2) و(ص 165) عن علي عليه السلام : «أمر اللَّه نبيّه أن ينصبني للناس (3) . . .» وفي قوله الآخر في رواية العاصمي كما تأتي : «نَصَبني علماً» (4)ومرّ (ص 199) عن الإمام الحسن
ص: 109
السبط : «أتعلمون أنّ رسول اللَّه نصبه يوم غدير خمّ (1) و(ص 200) عن عبداللَّه بن جعفر : ونبيّنا قد نصب لاُمته أفضل الناس وأولاهم وخيرهم بغدير خمّ ، (2) و(ص 208) عن قيس بن سعد : نصبه رسول اللَّه بغدير خمّ (3) ، و(ص 219) عن ابن عباس وجابر : أمر اللَّه محمّداً أن ينصب عليّاً يوم غدير خمّ ، فنادي له الولاية (4) .
فإنّ هذا اللفظ يُعطينا خُبراً بإيجاد مرتبة للإمام عليه السلام في ذلك اليوم لم تكن تُعرف له من قبل غير المحبة والنصرة المعلومين لكل أحد والثابتين لأي فرد من أفراد المسلمين ، علي ماثبت من اطِّراد استعماله في جعل الحكومات ،وتقرير الولايات ، فيقال : نصب السلطان زيداً والياً علي القارَّة الفلانيّة ، ولا يقال : نصبه رعيَّة له أو محباً أو ناصراً أو محبوباً أو منصوراً به علي زنة ما يتساوي به أفراد المجتمع الذين هم تحت سيطرة ذلك السلطان .
ص: 110
مضافاً الي مجي ء هذا اللفظ في غير واحد من الطرق مقروناً بلفظ الولاية أو متلوّاً بكونه للناس أو للأمة .
وبذلك كلّه تعرف أنّ المرتبة المثبتة له هي الحاكمية المطلقة علي الأمة جمعاء ، وهي معني الإمامة الملازمة للأولوية المدّعاة في معني المولي ، ويستفاد هذا المعني من لفظ ابن عباس الآخر الذي مرّ (ص 51 و217) : قال : لمّا اُمر النبيُّ صلي الله عليه وآله أن يقوم بعليّ المقام الذي قام به . . . (1)
ويُصرح بالمعني المراد ما مرّ (ص 165) من قوله صلي الله عليه وآله : «إنّ اللَّه أمر أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي وصيّي وخليفتي ، والّذي فرض اللَّه علي المؤمنين في كتابه طاعته فقرّب بطاعته طاعتي وأمركم بولايته (2) .
وقوله المذكور (ص 215) : «فإنّ اللَّه قد نسبه لكم وليّاً وإماماً ،
ص: 111
وفرض طاعته علي كلِّ أحد ، ماضٍ حكمه ، جائزٌ قوله (1)» .
القرينة الثانية عشرة : ما مرَّ (ص 52 و 217) من قول ابن عباس بعد ذكره الحديث : فوجبت واللَّه في رقاب القوم ، في لفظ . وفي أعناق القوم ، في آخر (2) ، فهو يُعطي ثبوت معنيً جديد مستفاد من الحديث غير ما عرفه المسلمون قبل ذلك وثبت لكلّ فرد منهم ، وأكّد ذلك باليمين وهو معني عظيم يلزم الرقاب ، ويأخذ بالأعناق لدة الإقرار بالرسالة لم يُساوِ الامام عليه السلام فيه غيره ، وليس هو إلّا الخلافة التي امتاز بها من بين المجتمع الاسلامي ، ولا يُبارحه معني الأولوية .
القرينة الثالثة عشر : ما أخرجه شيخ الاسلام الحمويني في فرائد السمطين عن أبي هريرة قال :
لمّا رجع رسول اللَّه عن حجّة الوداع نزلت آية : {باأيّها الرسول بلِّغ ما اُنزل إليك} الآية . ولمّا سمع قوله تعالي : {واللَّه يعصمك من الناس} اطمأنّ قلبه - إلي أن قال بعد ذكر الحديث - : وهذه آخر فريضة أوجب اللَّه علي عباده ، فلمّا بلَّغ رسول اللَّه صلي الله عليه وآله
ص: 112
نزلت (1) قوله : {اليوم أكملت لكم دينكم} الآية (2) .
يُعطينا هذا اللفظ خُبراً بأن رسول اللَّه صلي الله عليه وآله صدع في كلمته هذه بفريضة لم يسبقها التبليغ ، ولا يجوز أو يكون ذلك معني المحبّة والنصرة لسبق التعريف بهما منذ دهر كتاباً وسنة ، فلم يبق إلّا أن يكون معني الإمامة الذي أخَّر أمره حتّي تكتسح عنه العراقيل ، وتمرَّن النفوس بالخضوع لكلِّ وحي يوحي ، فلا تتمرّد عن مثلها من عظيمة ت جفل عنها النفوس الجامحة ، وهي الملائمة لمعني الأولي .
القرينة الرابعة عشر : تقدّم (ص 29 و 36) في حديث زيد ابن أرقم بطرقه الكثيرة :
إنَّ خَتناً له سأله عن حديث غدير خمّ فقال له : أنتم أهل العراق فيكم ما فيكم .
فقلت له : ليس عليك منّي بأس .
فقال : نعم : كنّا بالجحفة فخرج رسول اللَّه . الحديث (3) .
ص: 113
ومرّ (ص 24) عن عبداللَّه بن العلاء أنّه قال للزهري لمّا حدّثه بحديث الغدير : لا تُحدث بهذا بالشام (1) . وأسلفناك (ص 273) عن سعيد بن المسيّب أنّه قال : قلت لسعد بن أبي وقّاص : إنّي اُريد أن أسألك عن شي ء وإني أتّقيك . قال : سل عمّا بدا لك فإنّما أنا عمّك . . . (2)
فإنّ الظاهر من هذه كلّها أنّه كان بين الناس للحديث معني لا يأتمن معه راوية من أن يصيبه سوءٌ أولدته العداوة للوصيّ - صلوات اللَّه عليه - في العراق وفي الشام ، و لذلك أنّ زيداً اتّقي خَتَنَهُ العراقيَّ وهو يعلم ما في العراقيين من النفاق والشقاق يوم ذاك ، فلم يُبد بسرِّه حتّي أمن من بوادره فحدَّثه بالحديث ، وليس من الجائز أن يكون المعني - حينئذٍ - هو ذلك المبتذل لكلّ مسلم ،
ص: 114
وإنّما هو معنيً ينوء بعبئِهِ الإمام عليه السلام بمفرده ، فيفضل بذلك علي مَن سواه ، وهو معني الخلافة المتّحدة مع الأولوية المرادة .
القرينة الخامسة عشر : احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام بالحديث يوم الرحبة بعد أن آلت إليه الخلافة ردّاً علي مَن نازعه فيها - كما مرّ (ص 344) (1) - وإفحام القوم به لمّا شهدوا ، فأيّ حجّة له في المنازعة بالخلافة في المعني الذي لا يلازم الأولوية علي الناس من الحبّ والنصرة ؟
القرينة السادسة عشر : مرَّ في حديث الركبان (ص 187 - 191) : أنّ قوماً منهم أبو أيّوب الأنصاري سلّموا علي أمير المؤمنين عليه السلام بقولهم : السلام عليك يا مولانا . فقال عليه السلام : «كيف أكون مولاكم وأنتم رهطٌ من العرب ؟» .
فقالوا : إنّا سمعنا رسول اللَّه صلي الله عليه وآله يقول : من كنت مولاه فعليّ مولاه (2) .
ص: 115
فأنت جِدّ عليم بأنّ أمير المؤمنين لم يتعجّب أو لم يُرد كشف الحقيقة للملأ الحضور لمعني مبذول هو شرعٌ سواء بين أفراد المسلمين - وهو أن يكون معني قولهم : السلام عليك يامحبّنا أو ناصرنا - لا سيّما بعد تعليل ذلك بقوله : «وأنتم رهط من العرب» .
فما كانت النفوس العربيّة تستنكف من معني المحبّة والنصرة بين أفراد جامعتها ، وإنّما كانت تستكبر أن يخصّ واحدٌ منهم بالمولوية عليهم بالمعني الذي نحاوله ، فلا ترضخ له إلّا بقوّةٍ قاهرةٍ عامتهم ، أو نصّ إلهيٍّ يُلزم المسلمين منهم ، وما ذلك إلّا معني الأولي المرادف للإمامة والولاية المطلقة التي استخفي عليه السلام خبرها منهم ، فأجابوه باستنادهم في ذلك الي حديث الغدير .
القرينة السابعة عشر : قد سلفت في (ص 191) إصابة دعوة
ص: 116
مولانا أمير المؤمنين عليه السلام اُناساً كتموا شهادتهم بحديث الغدير في يومي مناشدة الرحبة والركبان ، فأصابهم العمي والبرص ، والتعرّب بعد الهجرة ، أو آفة اُخري ، وكانوا من الملأ الحضور في مشهد يوم الغدير (1) .
فهل يجد الباحث مساغاً لاحتمال وقوع هاتيك النقم علي القوم ، وتشديد الإمام عليه السلام بالدعاء عليهم لمحض كتمانهم معني النصرة والحبِّ العامّين بين أفراد المجتمع الديني ، فكان من الواجب إذن أن تصيب كثيراً من المسلمين الذين تشاحنوا ، وتلاكموا ، وقاتلوا ، فقمّوا جذوم (2) تينك الصفتين ، وقلعوا جذورهما ، فضلاً
ص: 117
عم كتمان ثبوتهما بينهم ، لكنَّ المنقِّب لا يري إلّا أنّهم وُسموا بِشِيَةِ العار ، وأصابتهم الدعوة بكتمانهم نبأً عظيماً يختصّ به هذا المولي العظيم - صلوات اللَّه عليه - وما هو إلّا ما أصفقت عليه النصوص ، وتراكمت القرائن من إمامته وأولويته علي الناس منهم بأنفسهم .
ثمّ إنّ نفس كتمانهم للشهادة لا تكون لأمر عاديّ هو شرعٌ سواء بينه وبين غيره ، وإنّما الواجب أن تكون فيه فضيلة يختصُّ بها ، فكأنّهم لم يَرقْهم أن يتبجَّح الإمام بها ، فكتموها ، لكن الدعوة الصالحة فضحتهم بإظهار الحقّ ، وأبقت عليهم مثلبة لائحة علي جبهاتهم وجنوبهم وعيونهم ما داموا أحياءً ، ثمّ تضمنتها طيّات الكتب فعادت تلوكها الأشداق ، وتتناقلها الألسن حتّي يرث اللَّه الأرض ومَن عليها .
القرينة الثامنة عشر : مرّ بإسناد صحيح (1) (ص 174 و175 ) في حديث مناشدة الرحبة من طريق أحمد والنسائي والهيثمي ومحبّ الدين الطبري :
ص: 118
أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا ناشد القوم بحديث الغدير في الرحبة شهد نفرٌ من أصحاب رسول اللَّه صلي الله عليه وآله بأنّهم سمعوه منه .
قال أبو الطفيل : فخرجت وكأنّ في نفسي شيئاً (1) فلقيت زيد ابن أرقم فقلت له : إنّي سمعت عليّاً رضي اللَّه عنه يقول : كذا وكذا ، قال : فما تنكر ؟ قد سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه وآله يقول له ذلك .
فما الذي تراه يستكبره أو يستنكره أبو الطفيل من ذلك ؟ أهو صدور الحديث ؟ ولا يكون ذلك ؛ لأنَّ الرجل شيعيٌّ متفانٍ في حبّ أمير المؤمنين عليه السلام ومن ثقانه ، فلا يشكُّ في حديث رواه مولاه ، لا ، بل هو معناه الطافح بالعظمة ، فكان عجبه من نكوس القوم عنه وهم عرب أقحاح يعرفون اللفظ وحقيقته ، وهم أتباع الرَّسول صلي الله عليه وآله وأصحابه ، فاحتمل أنّه لم يسمعه جلّهم ، أو حجزت العراقيل بينهم وبين ذلك ، فطمّنه زيد بن أرقم بالسماع ، فعلم أنّ الشهوات حالت بينهم وبين البخوع له ، وما ذلك المعني المستعظم إلّا الخلافة المساوقة للأولوية دون غيرها من الحبّ والنصرة ، وكلٌّ منهما منبسطٌ علي أيِّ فرد من أفراد الجامعة الاسلامية .
القرينة التاسعة عشر : سبق أيضاً (ص 239 - 246) حديث
ص: 119
إنكار الحارث الفهريِّ معني قول النبيِّ صلي الله عليه وآله في حديث الغدير (1)
ص: 120
وشرحنا (ص 343) تأكّد عدم التئامه مع غير الأولي من معاني المولي (1) .
القرينة العشرون : أخرج الحافظ ابن السمّان كما في الرياض النضرة (2) (2 : 170) وذخائر العقبي للمحب الطبري (ص 68) ووسيلة المآل للشيخ أحمد بن باكثير المكّي (3) ، ومناقب الخوارزمي (4)(ص 97) ، والصواعق (5)(ص 107) عن الحافظ
ص: 121
الدارقطني عن عمر وقد جاءه أعرابيان يختصمان فقال لعليّ : اقض بينهما ، فقال أحدهما : هذا يقضي بيننا ؟! فوثب إليه عمر وأحذ بتلبيبه وقال : ويحك ما تدري مَن هذا ؟ هذا مولاي ومولي كلِّ مؤمن ، ومَن لم يكن مولاه فليس بمؤمن .
وعنه وقد نازعه رجلٌ في مسألة فقال : بيني وبينك هذا الجالس ، وأشار إلي عليّ بن أبي طالب فقال الرجل : هذا الأبطن ؟! فنهض عمر عن مجلسه وأخذ بتلبيبه حتّي شاله من الأرض ثمَّ قال : أتدري مَن صغّرت ؟ هذا مولاي ومولي كلِّ مسلم .
وفي الفتوحات الإسلامية (2 : 307) حكم عليٌّ مرّة علي أعرابي بحكم فلم يرض بحكمه فتلبَّبه عمر بن الخطاب وقال له : ويلك إنّه مولاك ومولي كلِّ مؤمن ومؤمنة .
وأخرج الطبراني أنّه قيل لعمر : إنّك تصنع بعليٍّ - أي : من التعظيم - شيئاً لاتصنع مع أحد من أصحاب النبيّ صلي الله عليه وآله فقال : إنّه مولاي . وذكره الزرقاني المالكي في شرح المواهب (7 : 13) عن الدارقطني .
فإنَّ المولويَّة الثابتة لأمير المؤمنين التي اعترف بها عمر علي نفسه وعلي كلِّ مؤمن زِنَة ما أعترف به يوم غدير خمّ، وشفع ذلك
ص: 122
بنفي الإيمان عمَّن لا يكون الوصيُّ مولاه، أي: لم يعترف له بالمولويَّة، أو لم يكن هو مولي له أي: محبّاً أو ناصراً، ولكن علي حدّ ينفي عنه الإيمان إن انتفي عنه ذلك الحبّ والنصرة، لا ترتبط (1) إلّا مع ثبوت الخلافة له؛ ولا يمكن القول بذلك نظراً إلي ما شجر من الخلاف والتباغض بين الصحابة والتابعين حتّي آل في بعض الموارد إلي التشاتم، والتلاكم، وإلي المقاتلة، والمناضلة، وكان بعضها بمشهد من النبيِ صلي الله عليه وآله فلم ينفِ عنهم الإيمان، ولا غمز القائلون بعدالة الصحابة أجمع في أحد منهم بذلك، فلم يبق إلّا أن تكون الولاية الّتي هذه صفتها معناها الإمامة الملازمة للأولوية المقصودة سواء أوعز عمر بكلمته هذه إلي حديث الغدير كما تومئ إليه رواية الحافظ محبّ الدين الطبري (2) لها في ذيل أحاديث الغدير، أو أنّه أرسلها حقيقة راهنة ثابتة عنده من شتّي النواحي.
تذييل:
عزي ابن الأثير في النهاية (3) (4: 246)، والحلبي في السيرة (4)
ص: 123
(3: 304) وبعض آخر إلي القيل، وذكروا أنّ السبب في قوله صلي الله عليه وآله: «مَن كنت مولاه»: أنّ اُسامة بن زيد قال لعليّ: لست مولاي إنّما مولاي رسول اللَّه ، فقال صلي الله عليه وآله: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه».
إنَّ من روي هذه الرواية المجهولة أراد حطّاً من عظمة الحديث، وتحطيماً لمنعته فصوَّره بصورةٍ مصغَّرةٍ لا تعدو عن أن تكون قضيَّة شخصيَّة، وحواراً بين إثنين من أفراد الأمة، أصلحه رسول اللَّه بكلمته هذه، وهو يجهل أو يتجاهل عن أنّه تَخْصمه علي تلك المزعمة الأحاديثُ المتضافرة في سبب الإشادة بذلك الذكر الحكيم من نزول آية التبليغ إلي مقدِّمات ومقارنات اُخري لا يلتئم شي ء منها مع هذه الاُكذوبة، ومثلها الآية الكريمة الناصَّة بكمال الدين، وتمام النعمة، ورضي الربِّ بذلك الهتاف المبين، وليست هذه العظمة من قيمة الإصلاح بين رجلين تلاحيا، لكن ذهب علي الرجل أنّه لم يزد إلّا تأكيداً في المعني وحجَّة علي الخصم علي تقدير الصحَّة.
فهب أنَّ السبب لذلك البيان الواضح هو ما ذكر، لكنّا نقول: إنَّ ما أنكره اُسامة علي أمير المؤمنين عليه السلام من معني المولي، وأثبته لرسول اللَّه خاصّة دون أيِّ أحد لابدّ أن يكون شيئاً فيه تفضيل لا معنيً ينوءُ به كلُّ أحد حتّي اُسامة نفسه، ولا تفاضل بين المسلمين من ناحيته في الجملة، وذلك المعني المستنكر المثبت لا يكون إلّا
ص: 124
الأولويّة أو ما يجري مجراها من معاني المولي.
ونقول: إنَّ النبيَ صلي الله عليه وآله لمّا علم أنّ في اُمّته من لا يلاحي ابن عمِّه ويناوئه بالقول، ويخشي أن يكون له مغبّة وخيمة تؤول إلي مضادَّته، ونصب العراقيل أمام سيره الإصلاحيِّ من بعده؛ عقد ذلك المحتشد العظيم، فنوَّه بموقف وصيّه من الدين، وزلفته منه، ومكانته من الجلالة، وإنّه ليس لأحد من أفراد الاُمّة أن يقابله بشي ء من القول أو العمل وإنّما عليهم الطاعة له، والخضوع لأمره، والرضوخ لمقامه، وأنّه يجري فيهم مجراه من بعده، فاكتسح بذلك المعاثر عن خُطّته، وألحب السَّنَن إلي طاعته، وقطع المعاذير عن محادَّته بخطبته التي ألقاها، ونحن لم نألُ جُهداً في إفاضة القول في مفاده.
ويشبه هذا ما أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده (1) (5: 347) وآخرون عن بريدة قال: غزوت مع عليٍّ اليمن، فرأيت منه جَفوة، فلمّا قدمت علي رسول اللَّه صلي الله عليه وآله ذكرت عليّاً فتنقَّصته، فرأيت وجه رسول اللَّه يتغيَّر فقال: «يا بريدة ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم ؟» قلت: بلي يا رسول اللَّه.
قال: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه».
ص: 125
فكأنَّ راوي هذه القصَّة كراوي سابقتها أراد تصغيراً من صورة الأمر فصبَّها في قالب قضيَّةٍ شخصيَّة، ونحن لا يهمّنا ثبوت ذلك بعدما أثبتنا حديث الغدير بطرقه المُرْبية علي التواتر؛ فإنَّ غاية ما هنالك تكريره صلي الله عليه وآله بصورة نوعيَّة تارة وفي صورة شخصيَّةٍ اُخري، لتفهيم بريدة أنَّ ما حسبه جفوة من أمير المؤمنين لا يسوّغ له الوقيعة فيه علي ما هو شأن الحكّام المفوّض إليهم أمر الرعيَّة، فإذا جاء الحاكم بحكم فيه الصالح العامّ ولم يرُقْ ذلك لفرد من السوقة ليس له أن يتنقَّصه؛ فإنَّ الصالح العامّ لا يدحضه النظر الفرديُّ، ومرتبة الولاية حاكمةٌ علي المبتغيات الشخصيّة، فأرادصلي الله عليه وآله أن يُلزم بريدة حدَّه، فلا يتعدّي طوره بما أثبته لأمير المؤمنين من الولاية العامّة نظير ما ثبت له صلي الله عليه وآله بقوله صلي الله عليه وآله: «ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم ؟».
{هذَا بَيانٌ لِلنّاسِ وَهديً وَمَوْعِظةٌ لِلمُتَّقينَ (1)}.
ص: 126
وقبل هذه القرائن كلّها تفسير رسول اللَّه صلي الله عليه وآله نفسه معني لفظه، وبعده مولانا أمير المؤمنين عليه السلام حذو القذَّة بالقذَّة.
أخرج القرشي عليّ بن حميد في شمس الأخبار (1) (ص 38) نقلاً عن سلوة العارفين - للموفّق باللَّه الحسين بن إسماعيل الجرجاني، والد المرشد باللَّه - بإسناده عن النبيِ صلي الله عليه وآله أنّه لَمّا سُئل عن معني قوله: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه [اللهم وال من والاه وعاد من عاداه]» (2) قال:
«اللَّه مولاي أولي بي من نفسي لا أمرَ لي معه، وأنا مولي
ص: 127
المؤمنين؛ أولي بهم من أنفسهم لا أمرَ لهم معي، ومَن كنت مولاه أولي به من نفسه لا أمَر له فعليٌّ مولاه أولي به من نفسه لا أمرَ له معه».
ومرَّ في صفحة (1) (200) في حديث احتجاج عبداللَّه بن جعفر علي معاوية قوله: يا معاوية إنّي سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه وآله يقول علي المنبر وأنا بين يديه، وعمر بن أبي سلمة، واُسامة بن زيد، وسعد بن أبي وقّاص، وسلمان الفارسي وأبو ذر، والمقداد، والزبير بن العوّام، وهو يقول:
«ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم ؟ فقلنا: بلي يا رسول اللَّه.
قال: «أليس أزواجي أمّهاتكم ؟» قلنا: بلي يا رسول اللَّه.
قال: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه أولي به من نفسه» وضرب بيده علي منكب عليّ فقال: «اللهمّ وال مَن والاه، وعاد مَن عاداه، أيها الناس أنا أولي بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معي أمر، وعليٌّ من بعدي أولي بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر» إلي أن قال عبد اللَّه :
ونبيّناصلي الله عليه وآله قد نصب لاُمّته أفضل الناس وأولاهم وخيرهم بغدير خمّ، وفي غير موطن، واحتجَّ عليهم به، وأمرهم بطاعته،
ص: 128
وأخبرهم أنَّه منه بمنزلة هارون من موسي، وأنَّه وليّ كلِّ مؤمن من بعده، وأنَّه كلُّ من كان هو وليّه فعليٌّ وليّه، ومَن كان أولي به من نفسه فعليٌّ أولي به، وأنَّه خليفته فيهم ووصيّه. الحديث.
ومرَّ (ص 165) فيما أخرجه شيخ الإسلام الحمويني في حديث احتجاج أمير - المؤمنين عليه السلام أيّام عثمان قوله: ثمّ خطب رسول اللَّه صلي الله عليه وآله فقال:
أيّها الناس أتعلمون أنّ اللَّه عزَّوجلّ مولاي وأنا مولي المؤمنين وأنا أولي بهم من أنفسهم ؟ قالوا بلي يا رسول اللَّه.
قال: قم يا عليُّ، فقمت، فقال: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهمّ والِ مَن والاه، وعادِ من عاداه. فقام سلمان قال: يا رسول اللَّه ولاءٌ كَماذا ؟ قال: ولاءٌ كَوِلاي، من كنت أولي به من نفسه فعليٌّ أولي به من نفسه» (1).
وسبق (ص 196) في حديث مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام يوم صفِّين قوله: ثمّ قال رسول اللَّه صلي الله عليه وآله:
«أيّها الناس إنّ اللَّه مولاي وأنا مولي المؤمنين وأولي بهم من أنفسهم، مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهمَّ وال مَن والاه، وعاد مَن
ص: 129
عاداه، وانصر من نصره، وأخذل مَن خذله.
فقام إليه سلمان الفارسي فقال: يا رسول اللَّه ولاءٌ كماذا ؟ قال: ولاءٌ كولاي؛ مَن كنت أولي به من نفسه فعليٌّ أولي به من نفسه» (1).
وروي الحافظ العاصمي في «زين الفتي» قال: سُئل عليُّ بن أبي طالب عن قول النبيِ صلي الله عليه وآله: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه» فقال:
«نصبني عَلماً إذ أنا قمت فمن خالفني فهو ضالٌّ».
يريدعليه السلام بالقيام قيامه في ذلك المشهد يوم الغدير لمّا أمرّه به رسول اللَّه صلي الله عليه وآله ليرفعه فيعرّفه وينصبه عَلَماً للاُمّة، وقد مرَّ ذلك (ص 15 و23 و165 و217) وأشار إليه حسّان في ذلك اليوم بقوله:
فقال له: قم يا عليُّ؛ فإنّني
رضيتك من بعدي إماماً وهادياً
وفي حديث رواه السيِّد الهمداني في مودَّة القربي (2): فقال - رسول اللَّه - :
«معاشر الناس أليس اللَّه أولي بي من نفسي يأمرني وينهاني
ص: 130
مالي علي اللَّه أمر ولا نهي ؟ قالوا: بلي يا رسول اللَّه.
قال: مَن كان اللَّه وأنا مولاه فهذا عليٌّ مولاه يأمركم وينهاكم مالكم عليه من أمر ولا نهي، اللهمَّ وال مَن والاه، وعاد مَن عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، اللهمّ أنت شهيد عليهم إنِّني قد بلّغت ونصحت».
وقال الإمام الحافظ الواحدي بعد ذكر حديث الغدير: هذه الولاية التي أثبتها النبيُ صلي الله عليه وآله لعليٍّ مسؤولٌ عنها يوم القيامة، [و (1) رُوي في قوله تعالي {وقفوهم إنَّهم مسؤولون (2)} أي: عن ولاية عليّ رضي الله عنه والمعني: أنّهم يُسألون هل والوه حقَّ الموالاة كما أوصاهم النبيُ صلي الله عليه وآله أَمْ أضاعوها وأهملوها، فتكون عليهم المطالبة والتبعة.
وذكره وأخرج حديثه شيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين في الباب الرابع عشر (3)، وجمال الدين الزرندي في نظم درر السمطين (4)، وابن حجر في الصواعق (5) (ص 89)، والحضرمي في الرشفة (ص 24).
ص: 131
وأخرج الحمويني (1) من طريق الحاكم أبي عبد اللَّه بن البيع (2) عن محمّد بن المظفَّر قال: ثنا عبد اللَّه بن محمد بن غزوان: ثنا عليّ بن جابر: ثنا محمد بن خالد الحافظ ابن عبداللَّه: ثنا محمَّد بن فضيل: ثنا محمد بن سوقة عن إبراهيم بن الأسود عن عبد اللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه وآله:
أتاني ملك فقال: يا محمَّد سَلْ (3) من أرسلنا قبلك من رسلنا علي ما بُعثوا ؟ [قال: قلت: علي ما بعثوا ؟ قال (4)] علي ولايتك وولاية علي بن أبي طالب.
وقال (5): وروي عن علي عليه السلام أنّه قال: «جُعلت الموالاة أصلاً من أصول الدين». وأخرج (6) من طريق الحاكم ابن البيِّع: ثنا محمّد بن عليّ: ثنا أحمد بن حازم: ثنا عاصم بن يوسف اليربوعي عن سفيان بن إبراهيم الحرنوي (7) عن أبيه عن أبي صادق قال: قال عليّ:
ص: 132
«اُصول الإسلام ثلاثة لا ينفع واحدٌ منها دون صاحبه (1): الصلاة، والزكاة، والموالاة» ومرّ (ص 382) عن عمر بن الخطاب نفي الإيمان عمَّن لا يكون أمير المؤمنين مولاه (2).
وقال الآلوسي في تفسيره (3) (23: 74) في قوله تعالي: {وقفوهم إنّهم مسؤولون} بعد عدّ الأقوال فيها:
وأولي هذه الأقوال أنَّ السؤال عن العقائد والأعمال، ورأس ذلك لا إله إلّا اللَّه، ومن أجلّه ولاية عليٍّ كرّم اللَّه تعالي وجهه.
ومن طريق البيهقي عن الحافظ الحاكم النيسابوري بإسناده عن رسول اللَّه صلي الله عليه وآله إذا جمع اللَّه الأوّلين والآخرين يوم القيامة ونصب الصراط علي جسر جهنَّم لم يجزها أحدٌ إلّا من كانت معه براءة بولاية عليِّ بن أبي طالب . وأخرجه محبّ الدين الطبري في الرياض (4) (2: 172).
ولا يسعنا المجال لذكر ما وقفنا عليه من المصادر الكثيرة المذكور فيها ما ورد في قوله تعالي: {وقفوهم إنّهم مسؤولون }
ص: 133
وقوله: {سَلْ مَن أرسلنا قبلك من رسلنا (1)} وما أخرجه الحفّاظ عن النبيِ صلي الله عليه وآله من حديث البراءة والجواز (2). فلا أحسب أنّ ضميرك الحرَّ يحكم بملائمة هذه كلّها مع معنيً أجنبيٍّ عن الخلافة والأولوية علي الناس من أنفسهم، ويراه مع ذلك أصلاً من اُصول الدين، وينفي الإيمان بانتفائه، ولا يري صحَّة عمل عامل إلّا به.
وهذه الأولوية المعدودة من اُصول الدين والمولويَّة الّتي ينفي الإيمان بنتفائها - كما مرَّ في كلام عمر (ص 382) (3) صرّح بها عمر لابن عباس في كلامه الآخر ذكره الراغب في محاضراته (4) (2: 213) عن ابن عبّاس قال:
كنت أسير مع عمر بن الخطّاب في ليلةٍ وعمر علي بغل وأنا علي فرس ، فقرأ آية فيها ذكر عليّ بن أبي طالب فقال: أما واللَّه يا بني عبد المطّلب لقد كان عليٌّ فيكم أولي بهذا الأمر منّي وأبي بكر. فقلت في نفسي: لا أقالني اللَّه إن أقَلْته، فقلت: أنت تقول ذلك يا أمير المؤمنين ؟ وأنت وصاحبك وثبتما وأفرغتما (5) الأمر منّا
ص: 134
دون الناس.
فقال: إليكم يا بني عبد المطلب أما إنّكم أصحاب عمر بن الخطاب، فتأخَّرتُ وتقدَّم هنيهة، فقال: سِر، لا سرتَ، وقال: أعد عليَّ كلامك.
فقلت: إنّما ذكرتَ شيئاً فرددتُ عليه جوابه ولو سكتَّ سكتنا. فقال:
إنّا واللَّه ما فعلنا الّذي فعلنا عن عداوة، ولكن استصغرناه، وخشينا أن لا يجتمع عليه العرب وقريش لِمَا قد وترها.
قال: فأردتُ أن أقول: كان رسول اللَّه صلي الله عليه وآله يبعثه، فينطح كبشها فلم يستصغره، أفستصغره أنت وصاحبك ؟
فقال: لا جرم، فكيف تري ؟ واللَّه ما نقطع أمراً دونه، ولا نعمل شيئاً حتّي نستأذنه.
وفي شرح نهج البلاغة (1) (2: 20) قال عمر: يا ابن عبّاس أما واللَّه إنَّ صاحبك هذا لأولي الناس بالأمر بعد رسول اللَّه صلي الله عليه وآله إلّا أنّا خفناه علي إثنين - إلي أن قال ابن عبّاس -: فقلت: وما هما يا أمير المؤمنين ؟
قال: خِفناهُ علي حداثة سنِّه، وحبّه بني عبد المطلب، وفي
ص: 135
(2: 115): كرهناه علي حداثة السنِّ وحبِّه بني عبد المطّلب.
والشهادة بولاية أمير المؤمنين بالمعني المقصود هي نورٌ وحكمةٌ مودوعةٌ في قلوب مواليه عليه السلام، ودونها كانت تُشَدُّ الرحال، ولتعيين حامل عبئها كانت تبعث الرسل، كما ورد فيما أخرجه البيهقي في المحاسن والمساوئ (1) (1: 30) في حديث طويل جري بين ابن عبّاس ورجل من أهل الشام من حمص ففيه: قال الشاميُّ: يا بن عبّاس إنّ قومي جمعوا لي نفقة وأنا رسولهم إليك وأمينهم ولا يسعك أن تردَّني بغير حاجتي، فإنَّ القوم هالكون في أمر عليّ، ففرِّج عنهم فرَّج اللَّه عنك. فقال ابن عبّاس: يا أخا أهل الشام إنَّ مثل عليٍّ في هذه الاُمة في فضله وعلمه كمثل العبد الصالح الّذي لقيه موسي عليه السلام - ثمّ ذكر حديث اُمّ سلمة وفيه لعليّ فضائل جمَّة - فقال الشامي: يا بن عبّاس ملأتَ صدري نوراً وحكمة، وفرَّجت عنِّي فرَّج اللَّه عنك، أشهد أنَّ علياًرضي الله عنه مولاي ومولي كلّ مؤمن ومؤمنة.
{هَذا صِرَاطُ رَبِّكَ مُستَقيماً قَد فَصَّلنَا الآيَاتِ لِقَومٍ يَذَّكَّرونَ (2)}
ص: 136
لقد تمخَّضت الحقيقة عن معني المولي، وظهرت بأجلي مظاهرها؛ بحيث لم يبق للخصم مُنْتَدحٌ عن الخضوع لها، إلّا مَن يبغي لِداداً، يرتاد انحرافاً عن الطريقة المثلي، ولقد أوقَفَنا السير علي كلمات دُرِّيَّة لجمع من العلماء حداهم التنقيب إلي صراح الحقِّ، فلهجوا به غير آبهين بما هنالك من جلبة ولغط، فإليك عيون ألفاظهم:
1 - قال ابن زولاق الحسن بن إبراهيم أبو محمَّد المصريُّ المتوفّي (387) في تأريخ مصر:
وفي ثمانية عشر من ذي الحجَّة سنة (362) - وهو يوم الغدير - تجمَّع خلقٌ من أهل مصر والمغاربة ومَن تبعهم للدعاء؛ لأنَّه يوم عيد؛ لأنَّ رسول اللَّه صلي الله عليه وآله عهد إلي أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب
ص: 137
فيه واستخلفه (1).
يُعرب هذا الكلام عن أنَّ ابن زولاق - وهو ذلك العربيُّ المتضلِّع - لم يفهم من الحديث إلّا المعني الذي نرتئيه، ولم ير ذلك اليوم إلّا يوم عهدٍ إلي أمير المؤمنين واستخلاف.
2 - قال الإمام أبو الحسن الواحديُّ المتوفّي (468) بعد ذكر حديث الغدير:
هذه الولاية التي أثبتها للنبي صلي الله عليه وآله هي مسؤولٌ عنها يوم القيامة.
راجع تمام العبارة (ص 387) (2).
3 - قال حجَّة الإسلام أبو حامد الغزالي المتوفّي (505) في كتابه: سرّ العالمين (3) (ص 9) : اختلف العلماء في ترتيب الخلافة وتحصيلها لمن آل أمرها إليه، فمنهم من زعم أنّها بالنصِّ، ودليلهم في المسألة قوله تعالي: {قل للمخلَّفين من الأعراب ستُدعون إلي قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تُطيعوا يؤتكم
ص: 138
اللَّه أجراً حسناً وإن تتولّوا كما تولّيتم من قبلُ يعذِّبكم عذاباً شديداً (1)} وقد دعاهم أبو بكررضي الله عنه عنه بعد رسول اللَّه صلي الله عليه وآله إلي الطاعة فأجابوا (2)، وقال بعض المفسرين في قوله تعالي {وإذ أسرَّ النبيُّ إلي بعض أزواجه حديثاً (3)} قال : في الحديث: أنَّ أباكِ هو الخليفة من بعدي يا حُميراء. وقالت امرأة: إذا فقدناك فإلي مَن نرجع ؟ فأشار إلي أبي بكر. ولأنَّه أمَّ بالمسلمين (4) علي بقاء رسول اللَّه ، والإمامة عماد الدين.
هذا جملةُ ما يتعلّق به القائلون بالنصوص ثمَّ تأوّلوا وقالوا: لو كان عليٌّ أوَّل الخلفاء لانسحب (5) عليهم ذيل الفناء ولم يأتوا بفتوح ولا مناقب، ولا يقدح في كونه رابعاً كما لا يقدح في نبوَّة رسول اللَّه صلي الله عليه وآله إذا كان آخراً، والّذين عدلوا عن هذا الطريق زعموا أنَّ هذا وما يتعلّق به فاسدٌ وتأويلٌ باردٌ جاء علي زعمكم وأهويتكم، وقد وقع الميراث في الخلافة والأحكام مثل داود، وزكريا، وسليمان (6)، ويحيي قالوا: كان لأزواجهُ ثمن الخلافة، فبهذا
ص: 139
تعلّقوا وهذا باطلٌ؛ إذ لو كان ميراثاً لكان العبّاس أولي.
لكن أسفرت الحجَّة وجهها، وأجمع الجماهير علي متن الحديث من خطبته في يوم غدير خم باتِّفاق الجميع وهو يقول: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه». فقال عمر: بخٍ بخٍ [لك] يا أبا الحسن لقد أصبحت مولاي ومولي كلِّ مؤمن ومؤمنة.
فهذا تسليمٌ ورضي وتحكيمٌ، ثمَّ بعد هذا غلب الهوي لحبِّ الرئاسة، وحمل عمود الخلافة، وعقود البنود، وخفقان الهوي في قعقعة الرايات، واشتباك ازدهام (1) الخيول، وفتح الأمصار سقاهم كأس الهوي، فعادوا إلي الخلاف الأوّل فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون (2).
4 - قال شمس الدين سبط ابن الجوزي الحنفيُّ: المتوفّي (654) في تذكرة خواصّ الاُمّة (3) (ص 18): اتّفق علماء السِّيَرِ أنّ قصّة الغدير كانت بعد رجوع النبيِ صلي الله عليه وآله من حجّة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجَّة، جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرين ألفاً وقال: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. الحديث نصَ صلي الله عليه وآله علي ذلك بصريح العبارة دون التلويح والإشارة.
ص: 140
وذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره (1) بإسناده أنَّ النبيّ صلي الله عليه وآله لَمّا قال ذلك طار في الأقطار، وشاع في البلاد والأمصار (ثمَّ ذكر ما مرَّ في آية سأل) (2) فقال:
فأمّا قوله: مَن كنت مولاه. قال علماء العربيَّة: لفظ المولي ترد علي وجوه ثمّ ذكر من معاني المولي تسعة (3) فقال:
والعاشر بمعني الأولي قال اللَّه تعالي: {فاليومَ لا يُؤخذُ مِنكم فِديةٌ ولا مِنَ الّذين كفروا مَأواكم النارُ هِيَ مَولاكم (4)} ثمَّ طفق يبطل إرادة كلٍّ من المعاني المذكورة واحداً واحداً فقال:
والمراد من الحديث الطاعة المحضة المخصوصة، فتعيّن الوجه العاشر؛ وهو: الأولي ومعناه: مَن كنت أولي به من نفسه فعليٌّ أولي به، وقد صرّح بهذا المعني الحافظ أبو الفرج يحيي بن سعيد الثقفي الإصبهاني في كتابه المسمّي ب «مرج البحرين» فإنّه روي هذا الحديث بإسناده إلي مشايخه وقال فيه: فأخذ رسول اللَّه صلي الله عليه وآله بيد عليٍ عليه السلام فقال: «مَن كنت وليَّه وأولي به من نفسه فعليٌّ وليّه» فعلم
ص: 141
أنّ جميع المعاني راجعةٌ إلي الوجه العاشر، ودلَّ عليه أيضاً قوله عليه السلام: ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم، وهذا نصٌّ صريحٌ في إثبات إمامته وقبول طاعته، وكذا قوله صلي الله عليه وآله: «وأدر الحق معه حيثما دار وكيفما دار» انتهي.
5 - قال كمال الدين ابن طلحة الشافعي المتوفّي (654) في مطالب السؤول (ص 16) بعد ذكر حديث الغدير ونزول آية التبليغ فيه:
فقوله صلي الله عليه وآله: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه» قد اشتمل علي لفظة (مَن) وهي موضوعةٌ للعموم، فاقتضي أنَّ كلَّ إنسان كان رسول اللَّه صلي الله عليه وآله مولاه كان عليٌّ مولاه، واشتمل علي لفظة (المولي) وهي لفظةٌ مستعملةٌ بإزاء معان متعدِّدة قد ورد القرآن الكريم بها، فتارةً تكون بمعني (أولي) قال اللَّه تعالي في حقّ المنافقين: {مَأواكم النارٌ هي مولاكم} معناه: أولي بكم.
ثمّ ذكر من معانيها: الناصر والوارث والعصبة والصديق والحميم والمعتق، فقال: وإذا كانت واردةً لهذه المعاني أيِّها حملت ؟ إمّا علي كونه أولي كما ذهب إليه طائفة، أو علي كونه صديقاً حميماً فيكون معني الحديث: مَن كنت أولي به أو ناصره أو وارثه أو عصبته أو حميمه أو صديقه فإنَّ عليّاً منه كذلك. وهذا صريحٌ في تخصيصه لعليٍ عليه السلام بهذه المنقبة العليَّة وجعله لغيره كنفسه بالنسبة
ص: 142
إلي من دخلت عليهم كلمة (مَن) التي هي للعموم بما لا يجعله لغيره.
وليُعلم أنَّ هذا الحديث هو من أسرار قوله تعالي في آية المباهلة {قل تَعالوا نَدْع أبناءنا وأبناءكم ونِساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسَكم (1)} والمراد نفس عليٍّ علي ما تقدَّم؛ فإنّ اللَّه تعالي لَمّا قرن بين نفس رسول اللَّه صلي الله عليه وآله وبين نفس عليٍّ وجمعهما بضمير مضافٍ إلي رسول اللَّه صلي الله عليه وآله أثبت رسول اللَّه لنفس عليٍّ بهذا الحديث ما هو ثابت لنفسه علي المؤمنين عموماً؛ فإنّه صلي الله عليه وآله أولي بالمؤمنين، وناصر المؤمنين، وسيِّد المؤمنين، وكلّ معني أمكن إثباته ممّا دلّ عليه لفظ المولي لرسول اللَّه فقد جعله لعليٍ عليه السلام وهي مرتبةٌ ساميةٌ، ومنزلةٌ سامقةٌ، ودرجةٌ عليَّةٌ، ومكانةٌ رفيعةٌ خصَّصه بها دون غيره، فلهذا صار ذلك اليوم يوم عيد وموسم سرور لأوليائه.
تقرير ذلك وشرحه وبيانه: اعلم أظهرك اللَّه بنوره علي أسرار التنزيل، ومنحك بلطفه تبصرةً تهديك إلي سواء السبيل أنّه لمّا كان من محامل لفظة (المولي) الناصرُ وأنَّ معني الحديث: مَن كنت مولاه فعليٌّ ناصره، فيكون النبيُ صلي الله عليه وآله قد وصف عليّاً بكونه ناصراً لكلّ مَن كان النبيُّ ناصره فإنّه ذكر ذلك بصيغة العموم، وإنّما أثبت النبيُّ هذه الصفة - وهي الناصريَّة - لعليٍّ لَمّا أثبتها اللَّه عزّوجلّ لعليٍّ؛ فإنَّه
ص: 143
نقل الإمام أبو إسحاق الثعلبي يرفعه بسنده في تفسيره (1) إلي أسماء بنت عميس قال: لَمّا نزل قوله تعالي: {وإن تظاهرا عليه فإنَّ اللَّه هُو مَولاه وجبريل وصالحُ المؤمنين (2)} سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه وآله يقول: «صالح المؤمنين عليُّ بن أبي طالب عليه السلام» فلمّا أخبر اللَّه فيما أنزله علي رسوله وأنَّ ناصره هو اللَّه وجبريل وعليٌّ، يثبت الناصريَّة لعليٍّ فأثبتها النبيُّ صلي اللَّه عليه اقتداءً بالقرآن الكريم في إثبات هذه الصفة له.
ثمَّ وصفه صلي الله عليه وآله بما هو من لوازم ذلك بصريح قوله، رواه الحافظ أبو نعيم في حليته (1: 66) بسنده: أنَّ عليّاً دخل عليه فقال: «مرحباً بسيِّد المسلمين، إمام المتَّقين» فسيادة المسلمين وإمامة المتَّقين لمّا كانت من صفات نفسه صلي الله عليه وآله وقد عبَّر اللَّه تعالي عن نفس عليّ بنفسه صلي الله عليه وآله ووصفه بما هو من صفاته، فافهم ذلك.
ثمَّ لم يزل صلي الله عليه وآله يخصِّصه بعد ذلك بخصائص من صفاته نظراً إلي ما ذكرناه، حتّي روي الحافظ أيضاً في حليته (1: 67) بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه لأبي برزة وأنا أسمع: «يا أبا برزة إنَّ اللَّه عهد إليَّ في عليِّ بن أبي طالب: أنَّه راية الهدي، ومنار الإيمان، وإمام أوليائي، ونور جميع من أطاعني، يا أبا برزة عليٌّ إمام المتَّقين،
ص: 144
مَن أحبه أحبَّني، ومَن أبغضه أبغضني، فبشِّره بذلك. فإذا وضح لك هذا المستند ظهرت حكمة تخصيصه صلي الله عليه وآله عليّاً بكثير من الصفات دون غيره {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون (1) (2)}.
6 - قال صدر الحفّاظ فقيه الحرمين أبو عبد اللَّه الكنجيُّ الشافعيُّ: المتوفّي (658) في كفاية الطالب (3) (ص 69) بعد ذكر قول رسول اللَّه صلي الله عليه وآله لعليّ: «لو كنت مستخلفاً أحداً لم يكن أحدٌ أحقَّ منكَ لِقدْمتك في الإسلام، وقرابتك من رسول اللَّه، وصهرك، عندك فاطمة سيدة نساء العالمين».
وهذاالحديث وإن دلَّ علي عدم الاستخلاف لكنّ حديث غدير خمّ دليل علي التولية؛ وهي الاستخلاف، وهذا الحديث - أعني حديث غدير خمّ - ناسخٌ؛ لأنّه كان في آخر عمره صلي الله عليه وآله.
7 - قال سعيد الدين الفرغانيُّ المتوفّي (699) - كما ذكره الذهبيُّ في العِبَر (4) - في شرح تائيَّة ابن الفارض الحموي (5) المتوفّي (576)،
ص: 145
التي أوَّلها:
سقتني حُميّا الحبِّ راحةُ مقتلي
وكأسي مُحيّا مَن عن الحسن جلّتِ
وفي شرح قوله:
وأوضحَ بالتأويلِ ما كان مشكلاً
عليٌّ بعلمٍ نالَهُ بالوصيَّة
وكذا هذا البيت مبتدأ محذوف الخبر تقديره: وبيان عليّ - كرَّم اللَّه وجهه - وإيضاحه بتأويل ما كان مشكلاً من الكتاب والسنَّة بوساطة علم ناله بأن جعله النبيُ صلي الله عليه وآله وصيّه وقائماً مقام نفسه بقوله: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. وذلك كان يوم غدير خمّ علي ما قاله - كرَّم اللَّه وجهه - في جملة أبيات منها قوله:
وأوصاني النبيُّ علي اختياري
لاُمَّته رضيً منه بحكمي
وأوجب لي ولايته عليكم
رسول اللَّه يوم غدير خمِ
ص: 146
وغدير خُم ماءٌ علي منزل من المدينة علي طريق يقال له الآن: طريق المشاة إلي مكّة، كان هذا البيان بالتأويل بالعلم الحاصل بالوصيَّة من جملة الفضائل التي لا تُحصي خصَّه بها رسول اللَّه صلي الله عليه وآله فورثها عليه الصلاة والسلام. وقال:
وأمّا حصَّة عليّ بن أبي طالب - كرم اللَّه وجهه - من العلم والكشف، وكشف معضلات الكلام العظيم، والكتاب الكريم الّذي هو من أخصِّ معجزاته صلي الله عليه وآله فأوضح بيان بما ناله بقوله صلي الله عليه وآله: «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها». وبقوله: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه»، مع فضائل اُخر لا تُعدُّ لا تُحصي.
8 - قال علاء الدين أبو المكارم السمنانيُّ البياضيُّ المكيُّ المتوفّي (736) في العروة الوثقي:
قال لعليّ - عليه السلام وسلام الملائكة الكرام : «أنت منّي بمنزلة هارون من من موسي ولكن لا نبيَّ بعدي»، وقال في غدير خمّ بعد حَجَّة الوداع علي ملأ من المهاجرين والأنصار آخذاً بكتفه: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه»، وهذا حديثٌ متَّفقٌ علي صحَّته، فصار سيِّد الأولياء، وكان قلبه علي قلب محمّد - عليه التحية والسلام - وإلي هذا السرِّ أشار سيِّد الصديقين صاحب غار النبيِ صلي الله عليه وآله أبو بكر حيث بعث أبا عبيدة بن الجراح إلي عليّ لاستحضاره بقوله: يا أبا عبيدة أنت أمين هذه
ص: 147
الاُمّة أبعثك إلي مَن هو في مرتبة مَن فقدناه بالأمس، ينبغي أن تتكلّم عنده بحسن الأدب.
9 - قال الطيبي حسن بن محمَّد المتوفّي (743) في الكاشف في شرح حديث الغدير، قوله: «إنّي أولي بالمؤمنين من أنفسهم» يعني به قوله تعالي: {النبيّ أولي بالمؤمنين من أنفسهم (1)} أطلق فلم يُعرِّف بأيّ شي ء هو أولي بهم من أنفسهم، ثمَّ قيّد بقوله: {وأزواجه اُمَّهاتهم (2)} ليؤذن بأنَّه بمنزلة الأب، ويؤيِّده قراءة ابن مسعودرضي الله عنه: {النبيُّ أولي بالمؤمنين من أنفسهم} وهو أبٌ لهم. وقال مجاهد: كلّ نبيّ فهو أبو اُمّته، ولذلك صار المؤمنون اُخوة، فإذن وقع التشبيه في قوله: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه» في كونه كالأب، فيجب علي الاُمّة احترامه وتوقيره وبرُّه، وعليه رضي الله عنه أن يشفق عليهم ويرأف بهم رأفة الوالد علي الأولاد، ولذا هنَّأ عمر بقوله: يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولي كلِّ مؤمن ومؤمنة.
10 - قال شهاب الدين ابن شمس الدين دولت آبادي المتوفّي (1049) في هداية السعداء:
وفي التشريح قال أبو القاسم رحمه الله: مَن قال: إنَّ علياً أفضل من عثمان فلا شي ء عليه؛ لأنَّه قال أبو حنيفةرضي الله عنه وقال ابن مبارك: مَن
ص: 148
قال: إنَّ عليّاً أفضل العالمين، أو أفضل الناس، وأكبر الكبراء فلا شي ء عليه؛ لأنَّ المراد منه أفضل الناس في عصره وزمان خلافته كقوله صلي الله عليه وآله: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه» أي: في زمان خلافته، ومثل هذا الكلام قد ورد في القرآن والأحاديث وفي أقوال العلماء بقدر لا يُحصي ولا يُعدُّ.
وقال أيضاً في هداية السعداء وفي حاصل التمهيد في خلافة أبي بكر ودُسْتُور الحقائق:
إنّ النبيَ صلي الله عليه وآله لَمّا رجع من مكة نزل في غدير خمّ فأمر أن يُجمَع رحال الإبل فجعلها كالمنبر فصعد عليها فقال: «ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم ؟».
فقالوا: نعم.
فقال النبيُ صلي الله عليه وآله: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهمَّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصر مَن نصره، واخذلْ مَن خذله»، وقال اللَّه عزَّوجلَّ: {إنَّما وليُّكم اللَّه وَرَسوله وَالَّذين آمنوا الّذين يُقيمون الصَّلاة ويُؤتون الزَّكاة وهُم راكعون (1)} قال أهل السنَّة: المراد من الحديث: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه» أي: في وقت خلافته وإمامته.
ص: 149
11 - قال أبو شكور محمَّد بن عبد السعيد بن محمَّد الكشيُّ السالميُّ الحنفيُّ في التمهيد في بيان التوحيد:
قالت الروافض: الإمامة منصوصةٌ لعليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه بدليل أنّ النبيَ صلي الله عليه وآله جعله وصيّاً لنفسه وجعله خليفةً من بعده حيث قال: «أما ترضي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسي إلّا أنَّه لا نبيَّ بعدي»، ثمَّ هارون عليه السلام كان خليفة موسي عليه السلام فكذلك عليٌ رضي الله عنه. والثاني: وهو: أنَّ النبيَ عليه السلام جعله وليّاً للناس لَمّا رجع من مكّة ونزل في غدير خُمّ فأمر النبيُّ أن يجمع رحال الإبل فجعلها كالمنبر وصعد عليها فقال:
«ألست بأولي المؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا: نعم.
فقال عليه السلام: «مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهمَّ وال مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصر مَن نصره، واخذل من خذله»، واللَّه - جلَّ جلاله - يقول: {إنَّما وليكم اللَّهُ وَرَسوله والّذينَ آمَنوا الّذين يُقيمون الصَّلاة ويُؤتون الزَّكاةَ وهُم راكِعونَ} نزلت في شأن علي رضي الله عنه، دلَّ علي أنَّه كان أولي الناس بعد رسول اللَّه صلي الله عليه وآله.
ثمّ قال في الجواب عمّا ذكر:
وأمّا قوله: بأنَّ النبيَ صلي الله عليه وآله جعله وليّاً، قلنا: أراد به في وقته يعني بعد عثمان رضي الله عنه، وفي زمن معاويةرضي الله عنه ونحن كذا نقول. وكذا الجواب عن قوله تعالي: {إنَّما وَليّكم اللَّه وَرَسوله والَّذين آمنوا... }
ص: 150
الآية. فنقول: إنَّ عليّاًرضي الله عنه كان وليّاً وأميراً بهذا الدليل في أيّامه ووقته، وهو بعد عثمان رضي الله عنه وأمّا قبل ذلك فلا (1).
12 - قال ابن باكثير المكّيُّ الشافعيُّ المتوفّي (1047) في وسيلة المآل في عدِّ مناقب الآل (2) - بعد ذكر حديث الغدير بعدَّة طرق - وأخرج الدارقطني في الفضائل عن معقل بن يساررضي الله عنه قال: سمعت أبا بكررضي الله عنه يقول: عليّ بن أبي طالب عترة رسول اللَّه صلي الله عليه وآله أي: الّذين حثَّ النبي صلي الله عليه وآله علي التمسّك بهم، والأخذ بهديهم؛ فإنَّهم نجوم الهدي؛ مَن اقتدي بهم اهتدي، وخصَّة أبو بكر بذلك رضي الله عنه لأنّه الإمام في هذا الشأن، وباب مدينة العلم والعرفان، فهو إمام الأئمّة، وعالم الاُمّة، وكأنّه أخذ ذلك من تخصيصه صلي الله عليه وآله له من بينهم يوم غدير خمّ بما سبق، وهذا حديثٌ صحيحٌ لا مِرْية فيه ولا شكّ ينافيه، ورُوي عن الجمِّ الغفير من الصحابة، وشاع واشتهر، وناهيك بمجمعِ حجّة الوداع.
13 - قال السيِّد الأمير محمّد اليمنيُّ: المتوفّي (1182) في الروضة النديَّة شرح التحفة العلويّة (3) - بعد ذكر حديث الغدير
ص: 151
بعدَّة طرق:
وتكلّم الفقيه حميد علي معانيه وأطال وننقل بعض ذلك - إلي أن قال - : ومنها قوله: أخذ بيده ورفعها وقال: «مَن كنت مولاه فهذا مولاه»، والمولي إذا اُطلق من غير قرينة فُهم منه أنَّه الملك المتصرِّف، وإذا كان في الأصل يُستعمل لمعانٍ عدّة منها: المالك للتصرُّف، ولهذا إذا قيل: هذا مولي القوم سبق إلي الأفهام أنَّه المالك للتصرُّف في اُمورهم - ثمَّ عدَّ منها: الناصر وابن العمّ والمعتق والمعتَق، فقال - : ومنها: بمعني الاَولي قال تعالي {مَأواكم النارُ هي مَولاكم} أي: أولي بكم وبعذابكم.
وبعدُ فلو لم يكن السابق إلي الأفهام من لفظة (مولي) السابق المالك للتصرّف لكانت منسوبة إلي المعاني كلّها علي سواء وحملناها عليها جميعاً إلّا ما يتعذَّر في حقّه عليه السلام من المعتق والمعتَق؛ فيدخل في ذلك المالك للتصرُّف، والأولي المفيد ملك التصرُّف علي الاُمّة، وإذا كان أولي بالمؤمنين من أنفسهم كان إماماً، ومنها قوله صلي الله عليه وآله: «مَن كنت وليَّه فهذا وليّه»، والولي المالك للتصرّف بالسبق إلي الفهم، وإن استعمل في غيره، وعكس هذا قال صلي الله عليه وآله: «والسلطان وليُّ مَن لا وليَّ له» يريد ملك التصرُّف في عقد النكاح، يعني أنَّ الإمام له الولاية فيه حيث لا عصبة بطريق الحقيقة؛ فإنّه يجب حملها عليها أجمع إذا لم يدلّ دليلٌ علي التخصيص.
ص: 152
14 - قال الشيخ أحمد العجيليُّ الشافعيُّ في ذخيرة المآل شرح عقد جواهر اللآل في فضائل الآل - بعد ذكر حديث الغدير وقصَّة الحارث بن نعمان الفهري - : وهو من أقوي الأدلَّة علي أنَّ علياًرضي الله عنه أولي بالإمامة والخلافة والصداقة والنصرة والاتِّباع باعتبار الأحوال والأوقات والخصوص والعموم، وليس في هذا مناقضة لما سبق وما سيأتي - إن شاء اللَّه تعالي - من أنَّ علياًرضي الله عنه تكلّم فيه بعض من كان معه في اليمن، فلمّا قضي حجَّه خطب بهذا تنبيهاً علي قدره، وردّاً علي مَن تكلّم فيه كبُرَيدة؛ فإنّه كان يُبغضه، ولَمّا خرج إلي اليمن رأي جفوة فقصَّه للنبيّ صلي الله عليه وآله فجعل يتغيَّر وجهه ويقول: «يا بريدة ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم ؟ مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه. لا تقع يا بُريدة في عليٍّ؛ فإنَّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدي» (1).
{وَهُدوُا إلَي الطِّيبِ مِنَ القَوْلِ وَهُدُوا إلي صِراطِ الحَميدِ (2)}.
ص: 153
دعانا إليه إغضاء غير واحد (1) ممّن اعترف بالحقِّ في مفاد الحديث؛ حيث وجده كالشمس الضاحية بلجاً ونوراً، أو تسالم عليه (2) عن لازم هذا الحقّ، وهو: أنّه إذا ثبتت لمولانا أمير المؤمنين خلافة الرسول صلي الله عليه وآله فإنّ لازمه الّذي لا ينفكُّ عنه أن تكون الخلافة بلا فصل، كما هو الشأن في قول الملك الّذي نصب أحد مَن يمتُّ به وليَّ عهده من بعده، أو مَن حضره الموت أوصي إلي أحد، وأشهدا علي ذلك، فهل يحتمل الشهداء أو غيرهم أنَّ الملوكيَّة للأوَّل والوصاية للثاني تثبتان بعد ردحٍ من الزمن مضي علي موت الملك
ص: 154
والموصي ؟ أو بعد قيام اُناس آخرين بالأمر بعدهما ممّن لم يكن لهم ذكرٌ عند عقد الولاية، أو بيان الوصيَّة ؟ وهل من المعقول مع هذا النصِّ أن ينتخبوا للملوكيَّة بعد الملك، ولتنفيذ مقاصد الموصي بعده رجالاً ينهضون بذلك، كما هو المطِّرد فيمن لا وصيَّة له ولا عهد إلي أحد ؟ اللهمّ. لا. لا يفعل ذلك إلّا مَن عزب عن الرأي، فصدف عن الحقِّ الصراح.
وهلّا يوجد هناك مَن يُجابه المنتخبين - بالكسر - بأنَّه لو كان للملك نظرٌ إلي غير مَن عهد إليه وللموصي جنوحٌ إلي سوي من أفضي إليه أمره فلماذا لم ينصّا عليه وهما يشهدانه ويعرفانه ؟ فأين أولئك الرجال ليجابهوا مَن مرَّت عليك كلماتهم من أنَّ الولاية الثابتة لمولانا بنصِّ يوم الغدير تثبت له في ظرف خلافته الصوريَّة بعد عثمان.
أَوَ ما كان رسول اللَّه صلي الله عليه وآله يعرف المتقدّمين علي ابن عمِّه، ويشهد موقفهم، ويعلم بمقاديرهم من الحنكة ؟ فلماذا خصَّ النصَّ بعليّ عليه السلام ؟ بعد ما خاف أن يُدعي فيجيب، وأمر الملأ الحضور أن يُبايعوه، ويُبلّغ الشاهد الغائب (1) ؟
ولو كان يري لهم نصيباً من الأمر فلماذا أخّر البيان عن وقت
ص: 155
الحاجة ؟ وهو أهمُّ فرائض الدين، وأصلٌ من اُصوله، بطبع الحال أنَّ الآراء في مثله تتضارب [كما تضاربت] وقد يتحوَّل الجدال جلاداً، والحوار قتالاً، فبأيِّ مبرِّر ترك نبيُّ الرَّحمة اُمَّته سُدي في أعظم معالم الدين.
لم يفعل نبيُّ الرحمة ذلك، ولكن حسن ظنِّ القوم بالسلف الماضين العاملين في أمر الخلافة، المتوثِّبين علي صاحبها لحداثة سنِّه وحبِّه بني عبد المطلب كما مرَّ (ص 389) (1) حداهم إلي أن يُزحزحوا مفاد النصِّ إلي ظرف الخلافة الصوريَّة، ولكن حسن اليقين برسول اللَّه صلي الله عليه وآله يُلزمنا بالقول بأنَّه لم يترك واجبه من البيان الوافي لحاجة الاُمَّة. هدانا اللَّه إلي سواء السبيل.
ص: 156
ص: 157
ص: 158
أ
1 - القرآن الكريم
2 - ارشاد الساري شرح صحيح البخاري للقسطلاني
3 - إرشاد العقل السليم إلي مزايا القرآن الكريم لأبي السعود العمادي ط . دار إحياء التراث العربي - بيروت - ط2 سنة 1411ه .
4 - الاشباه والنظائر للسيوطي تحقيق د. عبد العال سالم ط . مؤسسة الرسالة.
5 - إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن للعكبري. تحقيق عطوه عوض ط 1 مصر 1961م.
ب
6 - البيان في غريب إعراب القرآن للانباري ط . دار الهجرة - قم.
ت
7 - تاج التفاسير للسيد عثمان الحنفي
ص: 159
8 - تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري تحقيق: احمد عبد الغفور عطّار.
9 - تحصيل عين الذهب من معدن جوهر الأدب في علم مجازات العرب المطبوع أسفل كتاب سيبويه ط . مصر - 1316ه .
10 - التحفة الاثنا عشرية للدهلوي ط . حجري - باكستان.
11 - تذكرة خواص الأمّة في خصائص الأئمّة لابن الجوزي ط . مؤسسة أهل البيت - بيروت 1401ه .
12 - التسهيل لعلوم التنزيل للكلبي ط . دار إحياء الكتاب العربي - بيروت ط 4 - 1983م.
13 - تفسيير البيضاوي ط . مؤسسة الأعلمي - ط 1 - 1990م.
14 - تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي وجلال الدين المحلّي ط . دار المعرفة - بيروت.
15 - التفسير الكبير للفخر الرازي ط . دار الفكر - 1995م.
16 - تفسير النّسفيّ ط . دار الفكر.
17 - تفسير الوسيط للواحدي ط . دار الكتب العلمية - بيروت.
ص: 160
18 - تنزيل الآيات علي الشواهد من الأبيات لمحبّ الدين أفندي - ط . مصر.
19 - تنوير المقباس من تفسير ابن عباس ط . مصر.
ج
20 - جامع البيان للطبري ط . دار المعرفة - بيروت.
21 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ط 3 - دار الكتاب العربي - بيروت - 1387ه - 1967م.
خ
22 - خصائص أمير المؤمنين تحقيق أحمد البلوي.
23 - ديوان الحميري تحقيق شاكر هادي شكر ط . بيروت.
ر
24 - الروضة الندية في شرح التحفة العلوية للصنعاني ط . حجري.
ص: 161
25 - الرياض النضرة لابن السمّان ط . دار الكتب العلمية بيروت.
ز
26 - زاد المسير لابن الجوزي تحقيق محمد بن عبد الرحمن عبداللَّه ط . دار الفكر.
س
27 - سرّ العالمين وكشف ما في الدارين ط 4 - مطبعة النعمان - النجف الأشرف - 1385ه - 1965م.
28 - سنن الترمذي ط . دار الكتب العلمية - بيروت.
29 - السنن الكبري للبيهقي ط . دار الكتب العلميّة بيروت 1411ه - 1991م.
30 - السيرة الحلبية في سيرة الأمين والمأمون إنسان العيون للحلبي ط . دار المعرفة بيروت.
ش
31 - الشافي في الإمامة للسيد المرتضي - تحقيق السيد عبد
ص: 162
الزهراء الخطيب ط . مؤسسة الصادق طهران.
32 - شرح التجريد للقوشجي ط . حجري.
33 - شرح التصريح علي التوضيح ط . انتشارات ناصر خسرو - طهران.
34 - شرح ديوان أبي تمام لشاهين عطية ط . دار الكتب العلمية بيروت 1407ه - 1987م.
35 - شرح المعلقات السبع للزوزني تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد - ط . مصر.
36 - شرح المقاصد تحقيق د . عبد الرحمن عميرة ط . قم.
37 - شرح المواقف للجرجاني ط 1 - مطبعة السعادة مصر - 1325ه - 1907م.
38 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ط 2 - دار إحياء التراث العربي.
ص
39 - صحيح البخاري تحقيق د . مصطفي ديب البغا ط 5 - دار ابن كثير - 1993م.
ص: 163
40 - صحيح مسلم ط 1 مؤسّسة عزّ الدين بيروت - 1407ه .
41 - الصواعق المحرقة في الرد علي أهل البدع والزندقة لابن حجر الهيثمي - تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف ط 1 مكتبة القاهرة - 1385ه و1965م.
ع
42 - العِبَر في خبر من غَبَر للذهبي تحقيق محمّد زغلول - ط . دار الكتب العلمية بيروت.
43 - عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار لابن البطريق - ط . مؤسسة النشر الإسلامي قم - 1407ه .
44 - العين للفراهيدي تحقيق د . مهدي المخزومي و د . إبراهيم السامرائي ط 2 - دار الهجرة قم - 1409ه .
غ
45 - غرائب القرآن ورغائب الفرقان لنظام الدين النيسابوري تحقيق إبراهيم عطوة عوض ط 1 - مصر 1389ه - 1969م.
46 - غريب القرآن المسمّي بنزهة القلوب للسجستاني ط . مصر 1382ه - 1963م.
ص: 164
ف
47 - فتح الغدير الجامع بين الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني.
48 - الفتوحات الإلهيّة لسليمان جمل - ط . دار إحياء الكتاب العربي - بيروت.
49 - فرائد السمطين للحمويني ط 1 - مؤسّسة المحمودي بيروت - 1398ه - 1978م.
50 - الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة - مطبعة العدل النجف الأشرف.
ق
51 - القاموس المحيط للفيروزآبادي - ط . دار الجبل بيروت.
52 - القرطين لابن قتيبة - ط . دار المعرفة - بيروت.
ك
53 - الكشّاف عن غوامض التنزيل عيون الأقاويل في وجوه
ص: 165
التأويل للزمخشري ط . دار الكتاب العربي.
ل
54 - لسان العرب لابن منظور ط 2 - دار إحياء التراث العربي بيروت - 1412ه .
م
55 - المحاسن والمساوئ لإبراهيم بن محمد البيهقي ط . صادر بيروت 1390ه - 1970م.
56 - محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني ط . المطبعة الشرقية مصر.
57 - المحصول في علم اُصول الفقه للرازي ط . دار الكتب العلمية بيروت - 1408ه - 1988م.
58 - مجمع الأمثال للميداني تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم - ط . دار الجيل - بيروت 1416ه - 1996م.
59 - المزهر في علوم اللغة وأنواعها للسيوطي - ط . دار إحياء الكتب العربية.
ص: 166
60 - مسند أحمد - ط . دار إحياء التراث العربي - بيروت.
61 - مسند شمس الأخبار المنتقي من كلام النبيّ المختار ط 1 - مؤسسة الأعلمي - 1407ه - 1987م.
62 - معالم التنزيل في التفسير والتأويل ط . دار الفكر بيروت - 1985م.
63 - معاني القرآن للفرّاء تحقيق د . عبد الفتاح إسماعيل شلبي - ط . قم.
64 - معجم البلدان.
65 - معرفة علوم الحديث للحافظ النيسابوري مكتبة المتنبّي - القاهرة.
66 - المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني تحقيق محمد سيّد گيلاني ط . المكتبة الرضوية.
ن
67 - نظم درر السمطين في فضائل المصطفي والمرتضي والبتول والسبطين ط 1 - مطبعة القضاء - النجف الأشرف - 1377ه - 1958م.
ص: 167
68 - النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير - ط . دار الفكر - بيروت.
69 - النواقض للروافض للبرزنجي مخطوط.
70 - نور الأبصار في مناقب آل النبيّ المختار للشبلنجي ط 1 - الدار العالمية - بيروت - 1405ه .
ص: 168