الشائعات المشهورة ضدَّ الإمام الحسن علیه السلام
العلامة المحقق الدكتور نجاح الطائي
الطبعة الاولى : 1431 ه- ، ق، 1389،ه-، ش - 2011 م
المطبوع: 1500 نسخة
دار الهدى لإحياء التراث - بيروت
حقوق الطبع محفوظة للدار
WWW.AL-TAEI.COM
Info@al-taei.com
najahtaee@yahoo.com
Isbn 978- 964- 2717- 49- 1
ص: 1
الشائعات ضد الإمام الحسن (عليه السلام)
المفسر المحقق آية الله
نجاح الطائي
دار الهدى لاحياء التراث
ص: 2
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أشكر جميع أهل البيت ع على مواقفهم الاسلامية الحضارية في خدمة الاسلام والمسلمين .
واشكرهم على التراث الاديني الرائع الذي تركوه للانسانية في شتى صنوف العلم والمعرفة .
وارجو من الله تعالى قبول هذا الكتاب ليكون جوهرة من جواهر أهل البيت الذين انتجبهم .
الدكتور نجاح الطائي
ص: 3
ص: 4
أقدم بحثي هذا الى سيد شباب أهل الجنة الامام الحسن بن علي (عليه السلام)المظلوم راجياً من الله تعالى القبول انه نعم المولى ونعم النصير .
الدكتور نجاح الطائي
ص: 5
ص: 6
الكتاب يتناول الشائعات المطروحة من قبل الامويين والعباسيين للنيل من الامام الحسن (عليه السلام).
المسألة الاصلية سيرة الامام الحسن (عليه السلام)ومنهجه منذ صغره والوقوف امام كل من تجاوز على الخلافة وانتزعها من اصلها .وقد قال الامام الحسن(عليه السلام) لابى بكر :إن هذا منبر أبى لا منبر أبيك .
واستمر الامام الحسن علیه السلام فى نظريته فى عدم التنازل عن الخلافة .
لكن الشبهات وضعت للخدش فى أهلية الامام الحسن للخلافة واثبات أهلية معاوية وهو مشروع جاهلى لتحريف مسرة الامام ،وهو جزء من المشروع الالحادى المعارض للنبى وآل بيته الكران .
وقد حاول الطغاة سلب الالقاب الصالحة من المعصومين والصالحين وصفاتهم العلمية والاخلاقية المنصوصة فى القرآن الكريم والحديث الشريف .
وقد قال النبى ص فى حادثة الغدير فى أهل البيت :انى تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتى أهل بيتى فلا تعلموهم فهم أعلم منكم .
بينما نجد الكثير من أذناب الامويين والعباسيين يضعون الاحاديث الكاذبة فى حق أوصياء رسول الله للنيل منه ومن منهجه الشريف .
ص: 7
وقد بيَّنا فى هذا البحث دور معاوية وأزلامه فى تغيير الحقائق وتشويه سمعة الأئمة وهذا بارز فى مراسيم معاوية الاربعة الداعية لايجاد فضائل لمنافسى الأئمة المعصومين وطمس مناقب أهل البيت .ومما جاء فى هذه المراسم :لعن الامام علي ع على منابر المسلمين وقطع المرتبات المالية عن الشيعة ،وابعاد الشيعة عن مسرح الاحداث ،وعن مناصب الدولة كافة .
وهذه المشاريع الشيطانية السياسية هى التى سهلت ظهور المؤامرات والشبهات بأن الامام الحسن مطلاق ومحب للدنيا ،ومتقاعس عن الجهاد ومذل للمؤمنين وغير ذلك من أكاذيب .
ان اصرار النواصب على الكذب على أهل البيت اصبح مكشوفاً للعيان فوقف ضده الكثير من الشرفاء معارضين لهذه الافتراءات والاكاذيب القبيحة .
وقد كان الامام الحسن نموذجاً رائعاً من نماذج أهل البيت فى هذه الدنيا فهو ابن رسول الله وابن أمير المؤمنين الذى قام الاسلام بسيفه .
وهو ابن فاطمة سيدة نساء العالمين والصدِّيقة الكبرى وهو شقيق الامام الحسين سيد الشهداء .
لقد كان الامام الحسن علیه السلام قدوة للبشرية فى حلمه وأخلاقه وعفته وزهده وشجاعته وعلمه وادارته ونسبه الطاهر .
بينما كان معاوية على نقيض هذه الصفات الراقية الفذَّة اذ كان جاهلياً قاتلا للنفس البريئة محباً للمؤامرات محارباً للدين ،مترفاً فى الحياة ،جباناً فاسقاً .
ص: 8
ونال معاوية من الامام الحسن عليه السلام إلى قوله : ألا وإن كل شئ ( عهد ) أعطيته الحسن تحت قدمي هاتين لا أفي به ) _ تاريخ ابن كثير ج 8 ص 131 ، مقاتل الطالبيين للأصفهاني ص 70 .وقد قال النبى الاكرم أحاديث كثيرة فى فضل الامام الحسن علیه السلام ذكرناها فى هذا الكتاب مع مصادرها كى يتعرف الناس على ذلك .
ويعتبر هذا البحث جديداً وبالادلة العلمية فى كشف زيف الشائعات المذاعة ضدَّ الامام الحسن (عليه السلام) . والسلام عليكم .
آية الله الدكتور نجاح الطائي
ص: 9
1 -الطلاق
2 - الشبهة
تعريف الطلاق لغة واصطلاحاً
قال ابن منظور:« طلق الرجل امرأته وطلقت هي، بالفتح، تطلق طلاقا وطلقت، والضم أكثر، عن ثعلب طلاقا وأطلقها بعلها وطلقها».
قال الأخفش: «لا يقال طلقت، بالضم. ورجل مطلاق ومطليق وطليق وطلقة، على مثال همزة: كثير التطليق للنساء.
وطلق البلاد: تركها، عن ابن الأعرابي »((1)).
وقال الزبيدي:
«أطلقها بعلها وطلقها إطلاقا وتطليقا فهو مطلاق ومطلقك محراب ومسكين.
ورجل طلقة وطليق كهمزة وسكيت: كثير التطليق للنساء، وقد روي في حديث الحسن(عليه السلام): "إنك رجل طليق". والطالقة من الإبل: ناقة ترسل في المرعى، قاله ابن الأعرابي. وقال الليث: ترسل في الحي ترعى من جنابهم حيث شاءت لا تعقل إذا راحت، ولا تنحى في المسرح»((2)).
ص: 10
وفي الحديث ( كل شئ لك مطلق حتى يرد فيه نهي).قال الصدوق: «ومقتضاه إباحة كل شئ ما لم يبلغ فيه نهي».
وطلق الرجل امرأته تطليقا، فإن كثر تطليقه للنساء قيل مطليق ومطلاق.
والاسم من طلق: الطلاق، وهو إزالة قيد النكاح بغير عوض بصيغة ( طالق ). وطلاق المرأة يكون لمعنيين أحدهما حل عقدة النكاح. والآخر بمعنى الترك والارسال. من قولهم طلقت القوم: إذا تركتهم. وطلقت المرأة بالفتح تطلق من باب قتل - وفي لغة من باب قرب - فهي طالق بغير هاء. فإن جاؤوا بالهاء فعلى سبيل التأويل. قال ابن الأنباري - نقلا عنه -: إذا كان النعت منفردا به الأنثى دون الذكر لم تدخله الهاء نحو ( طالق ) ((1)) و ( طامث ) و ( حائض ) لأنه لا يحتاج إلى فارق لاختصاص الأنثى به»((2)).
الشبهة :
تعريفها لغة واصطلاحاً :
جاء عن الشبهة «شبهة فلان أي اختلط الامر عليه وشبهة فلان عليَّ اذا خلط واشتبه الامر أي اختلط»((3)).
«وعن معنى شبهة يقال تعامس على فلان أي تعامى فتركنى فى شبهة من أمره والامر العماس :الامر المظلم الذى لا يعرف كيف يؤتى له »((4)) .
ص: 11
اذن الشبهة هى الأمر المشكل الذى يحتاج الى حل بأدلة علمية وافية .
قال الامام علي (عليه السلام):«لا ورع كالوقوف عند الشبهة »((1)).
وقال الباقر (عليه السلام):«الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى الهلكة »((2)).
وقال الصادق (عليه السلام):«ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم ولا إمام هدى لا ينجو منها الا من دعا بدعاء الغريق»((3)).
ومن عرضت عليه شبهة يجب عليه ازالتها:
(فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).
وقال تعالى:(آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات)((4)).
وان قلت شبهة من فلان وهو شبهه وشبهه أي شبيهه وتقول شبهت هذا بهذا واشبه فلان فلانا ((5)).
السيرة :
السيرة هى ما سار عليه الشخص من نهج قال الجوهرى فى الصحاح :
ص: 12
السنة هى السيرة قال الهذلى ((1)):
فلا تجزعن من سنة أنت سرتها - فاول راض سنة من يسيرها ((2))
وقال احمد بن فارس زكريا :والسنة هى السيرة وسنة رسول الله سيرته ((3)).
وقال ابن منظور فى لسان العرب :
الطريقة :السيرة وطريقة الرجل :مذهبه .يقال ما زال فلان على طريقة واحدة أي على حال واحدة وفلان حسن الطريقة ((4)).
الشائعة :
الشائعة أمر يحتمل الكذب والصحة وهو ما أشيع بين الناس وأصبح مشهوراً لا يمكن السيطرة عليه .
وفي العرف الرائج بين الناس اليوم تسمى الاخبار الكاذبة شائعات ،وتسمى المعلومات الصحيحة :الأخبار .
وكثيراً ما تصبح الشائعات الكاذبة حقائق لا يشوبها الشك عند البعض مثل حضور أبى بكر فى الغار مع النبي وطلاق الامام الحسن الكثير .
ص: 13
ص: 14
الشائعات المخالفة للاسلام
الشائعات المذاعة من قبل النواصب للنيل من الامام الحسن (عليه السلام) ،وهي شبهات أريد منها النيل من شخصية الحسن (عليه السلام)كإمام معصوم وسيد شباب أهل الجنة وفرد من الخلفاء الاثنا عشر .
وهى ادعاءات مخالفة للقرآن الكريم ،وكل ما خالف القرآن فهو باطل .
وهم يعلمون أنَّ تثبيت التهم الكاذبة على الامام الحسن (عليه السلام)يعني النيل من باقي خلفاء أهل البيت ،والخدش فى عصمتهم .
لكن الله تعالى ثبَّت عصمتهم وطهارتهم فى كتابه الشريف .
والشبهات الرئيسية التى ذكرناها هنا ثمانية وقد أعدها أعداء الامام الحسن (عليه السلام)فى محاولة لتحطيم الإمامة ،اذ كان الامويون يسعون للقضاء على منزلة أهل البيت الدينية لتهيئة الارضية لحكمهم ودون منازع ،عليه فقد أصدر معاوية أوامره فى تغيير الحديث والوقائع ،وتلك المراسيم تبين تعرض العالم الاسلامى لهزة كبيرة فى التحريف. ومن هذا العمل الشيطانى ما تعرَّض له الامام الحسن (عليه السلام)فى هذا المجال فى زمن الامويين والعباسيين .
1 - هل سمَّى المسلمون الامام الحسن (عليه السلام) بالمطلاق ؟
2 - هل وجد الامام الحسن (عليه السلام)معاوية للخلافة أهلا ؟
3 - هل كان الامام الحسن (عليه السلام)يكره الحرب والجهاد ؟
4 - هل أذل الامام الحسن (عليه السلام)المؤمنين ؟
ص: 15
5 - لماذا لم ينقض الحسن(عليه السلام) المعاهدة بعد نقض معاوية لها ؟6 - لماذا توجه الامام الحسن (عليه السلام) للصلح وهو يملك جيشاً قوياً ؟
7 - هل خالف الامام الحسن (عليه السلام) أباه ؟
8 - هل اهتم الامام الحسن (عليه السلام) بالدنيا والمال ؟
ولقد تحدثنا عن المسألة الفرعية فى تحريف بنى أمية للحديث الشريف ووضعهم الحديث الكاذب ،وتشجيعهم الافتراءات على أعدائهم وبالخصوص أهل بيت النبوة ،وتكذيب القرآن الكريم لبنى أمية .
وتحدثنا عن المسائل المتعلقة بالموضوع مثل عدد نساء الحسن المعروفات وعدد أولاده المعروفين .
وعن فرضيات التحقيق الاصلية :عصمة الامام تمنع عن كل نقص وعيب ولم يسمِّ المسلمون الامام الحسن (عليه السلام)بالمطلاق ولم يجد الامام الحسن (عليه السلام)معاوية للخلافة أهلا ولم يكن الامام الحسن (عليه السلام)يكره الحرب والجهاد ولم يذل الامام الحسن (عليه السلام) المؤمنين ولا فائدة من نقض الامام الحسن (عليه السلام)المعاهدة بعد نقض معاوية لها
2 - لم يملك الامام الحسن (عليه السلام)جيشاً قوياً وللصلح فائدة للمؤمنين ولم يخالف الامام الحسن (عليه السلام) أباه ولم يكن الامام الحسن (عليه السلام)مولعاً بحب الدنيا والمال على حساب الاخرة ولم يكن الامام الحسن (عليه السلام)ضعيفاً ادارياً
ص: 16
والهدف من البحث العلمي هذا هو اثبات الحقائق المسلمة التالية :1 - كان الامام الحسن (عليه السلام)معصوماً فى سيرته ولم يطلق النساء عبثاً
2 - كان الامام الحسن (عليه السلام)معتقداً بأنَّ معاوية لا يصلح للخلافة
3 - شارك الامام الحسن (عليه السلام)فى حروب الجمل وصفين والنهروان ولم يكره الحرب والجهاد
4 - كان الامام الحسن (عليه السلام) معتقداً بمسؤوليته عن رفعة شأن المؤمنين
5 - أوضاع الناس فى الكوفة وباقى المدن لم تتبدل فلا فائدة من نقض الامام الحسن للمعاهدة
6 - جيش الامام الحسن (عليه السلام)كان ضعيفاً ومفككاً
7 - اثبات فائدة الصلح للمؤمنين
8 - كان الامام الحسن (عليه السلام)معروفاً بطاعته لأبيه
9 - كان الامام الحسن (عليه السلام)معروفاً بالزهد والاهتمام بالاخرة تاركاً للمال والدنيا .
10- كان الامام الحسن(عليه السلام) مديراً مدبراً
وعن سوابق التحقيق وحداثة الموضوع :لقد دوَّن المؤرخون فى موضوع الشبهات المنسوبة للامام الحسن (عليه السلام)لكن تلك الابحاث يؤخذ عليها أنها ناقصة فى مجملها ولم تعط القضية حقها العلمى .
ص: 17
معظم تلك الابحاث لم تتناول الروايات من كافة جوانبها كى تكون ابحاثاً علمية ودقيقة وشفافة .ولم تربط تلك الابحاث بين تلك الشبهات المجتمعةبعضها البعض اولا، وبين تلك الشبهات والشبهات الاخرى الموضوعة ضدَّ الشيعة .ولم تربط تلك الكتب بينها وبين الشبهات السابقة الموضوعة ضد النبى الاكرم واهل بيته الكرام .حداثة الموضوع متمثل فى تثبيت الشبهات الكبرى بعناوينها والاجوبة العلمية لها المناقشة للموضوع من كافة جوانبه .ومن تلك الكتب :
الامام الحسن المجتبى (عليه السلام)، المجمع العالمى 1425ه- ق .
الحسن بن علي ،كامل سليمان ،دار الكتاب اللبنانى ،بيروت .
الحسن والحسين فى الاحاديث المشتركة بين السنة والشيعة ،مصطفى الحسينى الرودبارى .
الامام الحسن بن علي (عليه السلام)، الدكتور محمد بيومى مهران ،جامعة الاسكندرية ،المطبعة :السفير، اصفهان .
ترجمة الامام الحسن (عليه السلام) لابن سعد ،طبع مؤسسة أهل البيت .
الامام الحسن بن علي (عليه السلام)،علي محمد علي دخيل ،دار التراث الاسلامى ،بيروت .
حياة الامام الحسن ،القرشى ،دار الكتب العلمية ،قم .
صلح الحسن ،راضى آل ياسين ،مؤسسة النعمان ،بيروت .
تاريخ دمشق ،ترجمة الامام الحسن ،تحقيق المحمودى ،طبع مؤسسة المحمودى ،بيروت ،طبعة اولى 1341 .
ص: 18
موسوعة كلمات الامام الحسن ،الشريفى طبعة 1415 ه- مؤسسة الهادى ،قم .أنساب الاشراف ،ترجمة الامام الحسن ،تحقيق المحمودى ،بيروت .
المجتبى ،ملتقى القطيف الثقافي ،المكتبة الادبية المختصة .
وحاولنا الحصول على المعلومات الكافية لبحثنا من الكتب الاسلامية الجيدة القديمة والجديدة والتى اجهد مؤلفوها في جمعها وتدوينها في كتب التاريخ والسيرة والتفسير والحديث وتراجم الرجال واللغة والفقه والنسب .فطرقنا أبواب المكتبات العامة والخاصة بحثاً عن الكتب المطلوبة واحتاج هذا العمل الى جهود متعبة وعمل دؤوب مستمر فحصلنا على معلومات قيمة وكثيرة في هذا الموضوع فكانت المادة الاساسية لرسالتنا الموجودة بين أيديكم.
طريقة التحقيق :اعتمدت طريقة التحقيق فى هذا البحث على الطريقة الوصفية التحليلية فى مطالعة الموضوع فى الكتب الخاصة بالتاريخ والسيرة والحديث ،ومطالعة الموضوع فى الكتب الاخرى المشيرة اليه فى مؤلفات التفسير والتاريخ والحديث والعقائد والتراجم والفقه واللغة.ثم جمعنا النصوص في هذه الرسالة العلمية فى فصولها المختلفة جمعا علمياً منسجماً .
لقد بحثنا فى الاحاديث الحاضرة الموافقة للقرآن الكريم والحديث الصحيح فوصلنا الى النتائج المدونة فى هذا البحث .
ص: 19
مشكلات التحقيق :تعرضت النصوص الدينية والتاريخية الى تلف كبير فى العصور الماضية بهدف القضاء على التراث الاسلامي على مدى عصور كثيرة .وهذا التلف اثر على الكتب التفسيرية والحديثية والفقهية والعقائدية والتاريخية وخاصة كتب المخلصين من العلماء الذين لا يخافون الحكومات الماضية .
وتعرضت هذه المراجع الى تلف سهوي فى العصور الماضية أيضاً ; اذ دمرت الازمنة الطويلة السالفة هذه المخطوطات غير المحفوظة وجعلتها فى سجل المفقودات بواسطة قوى وعوامل متنوعة خارجية وداخلية.
ثم قامت بتحريف بعض الكتب بالخصوص فى علوم التاريخ والسيرة والحديث والتفسير والعقائد والتراجم ;فحذفت وأضافت وغيَّرت فيها طبقاً لميولها السياسية والدينية .
وهذه المصاعب الجمة تتطلب من الباحث الكثير من الجهود المضنية للوصول الى النصوص الصحيحة والمراجع النادرة والمخطوطات المحفوظة فى المكتبات الكبيرة والشهيرة .
وحدود البحث المكانية والزمانية :حدود البحث المكانية فى العراق حيث أقام الامام الحسن .
واهتم هذا البحث بمراعاة الناحيتين المكانية والزمانية فترجم الاماكن الموجودة فى هذه الرسالة العلمية مثل الكوفة والمدائن والنواحى الصغيرة الاخرى .
ص: 20
وحدود البحث الزمانية تمتد من عام 40 هجرية سنة شهادة الامام علي وبيعة الناس للامام الحسن والى عام 49 ه- زمن شهادة الامام الحسن (عليه السلام).تنظيم البحث فى أبواب وفصول قمنا بترتيب هذه الرسالة العلمية بالطريقة الاكاديمية في تنظيم المواضيع :
فرتب البحث فى أحد عشر فصل .
وهذا التقسيم يسهل على القارىء الوصول الى المطالب العلمية بسهولة .
والمواضيع مرتبة حسب الفصول العشرة .
ص: 21
الطلاق عند اليهود :
الطلاق عند المسيحيين :
الطلاق في الجاهلية قبل الاسلام :
الطلاق في الاسلام :
طلاق النبي محمد (صلى الله عليه وآله)لنسائه :
ص: 22
الطلاق حالة لابد منها فى بعض الظروف العصيبة التى تمر بالانسان ،فهى متنفس يتنفس منه الزوج أو الزوجة ،لذا وافقت عليه الاديان السماوية وحرمه رجال الدين لاحقاً فى بعض الاديان وحلله آخرون .
أحل الله تعالى الطلاق لليهود في توراته بضوابط محددة ومعروفة لحفظ النسل البشرى ومنع الهرج والمرج في القضايا العائلية والاجتماعية.
وكانت القضية محصورة في الخيانات الزوجية والأمور المستعصية الا أنَّ الاحبار خولوا أنفسهم وأتباعهم في اجراء الطلاق لمن يريدون ((1)).
سار النبي عيسى (عليه السلام) على شريعة موسى (عليه السلام) في تحليل الطلاق الا أنَّ أتباعه القساوسة حرَّفوا الدين ومنعو الطلاق لأمور خاصة بهم لا صلة لها بالدين. وبدأوا بكتابة الانجيل وفق أهوائهم ومزاجهم
ص: 23
فاعتبر لوقافي انجيله المطلِّق بمثابة الزاني قائلا:« كل من يطلق زوجته ويتزوج بأخرى فهو بمثابة الزاني»((1)).
ثم سعى بعض الملوك والاصلاحيين الى افساح المجال في الطلاق وحق تقرير المصير فتغيرت الصورة لاحقاً في دول اوربا وقد بدات في بريطانيا والمانيا.بينما اعترض النصارى على الطلاق الموجود عند المسلمين ((2)).
ص: 24
كانت عرب الجاهلية لا تحترم المرأة ولا تعيرها أهمية بالغة لذا كانوا يدفنون البنات خوف العار والفضيحة بسبب الغزو الحال بقبائلهم دائماً، وبسبب الفقر المخيم على الارجاء المختلفة.
وكان فقدان الامن وفقدان الدين العاملان المهمان في فقر الناس ومرضهم ومشاكلهم.
اذ أضعف الغزو المستمر الزراعة والتجارة و أفسد الاعمال وأوجد البطالة والبؤس. وعن الطلاق كان الزوج يطلق لأي سبب ولا يعر الزوج زوجته اهتماماً.ولا حد لعدد الطلاق فى الجاهلية .وكان هاضماً لحقوقها وسالباً كرامتها ولا فرق عنده يطلق مرة أو اثنتين أو ثلاثة اذ لا قوانين حاكمة للعلاقات الأسرية ((1)).
شجَّع الاسلام الزواج وبغَّض الطلاق لذا قال الله تعالى
ص: 25
(وَأنكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإمَائِكُمْ إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)((1)).فالاية دعوة للزواج.
ودعا الله تعالى الى الصلح بدل الطلاق:
(وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من اهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما)((2)).
وقال الله تعالى عن الطلاق :يَا أيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَ-لَّ-قْ-تُمْ النِّسَاءَ فَطَ-لِّ-قُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأحْصُوا العِدَّةَ وَاتَّقُوا اللّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُ-يُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إلا أنْ يَأتِينَ بِفَاحِشَة مُبَ-يِّ-نَة وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَنْ يَ-تَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَ-قَدْ ظَ-لَمَ نَ-فْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْراً((3)).
وقال تعالى :وَإذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوف أوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوف وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الكِتَابِ وَالحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللّهَ وَاعْلَمُوا أنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيمٌ((4)).
أما الطلاق فقد جاء في الحديث فقد قال النبي: «تزوجوا ولا تطلقوا فانَّ الطلاق يهتز منه العرش»((5)). وقال الامام الصادق: «إنَّ الله سبحانه يحب البيت الذى فيه العرس ويبغض البيت الذى فيه الطلاق وما من شيء أبغض
ص: 26
الى الله سبحانه من الطلاق»((1)). اذن الزواج مستحب فى الاسلام والطلاق مكروه .
المطلقات بمؤامرة :
وممن طلقت من نساء النبي بخديعة:
1 - غزيّة بنت دودان بن عوف بن جابر بن ضباب من بني عامر بن لؤي، وهي اُمّ شريك التي وهبت
نفسها للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاستعاذت من النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بنصيحة عائشة وحفصة فطلّقها(صلى الله عليه وآله وسلم)((2)).
2 - أسماء بنت النعمان الكندي، من بني آكل المُرار، كانت من أجمل نسائه وأتمهنّ فقالت لها عائشة : إن أردت أن تحظي عنده فتعوّذي بالله منه إذا دخلت عليه.
فلمّا دخل وأرخى الستر، قالت: أعوذ بالله منك! فصرف وجهه عنها.
ثمّ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): أمنى عائذة بالله! إلحقي بأهلك فخرج النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والغضب يُعرف في وجهه((3)).
ص: 27
أقول: المطلقات من رسول الله بمكيدة عائشة وحفصة أكثر من واحدة ،اعتقد هناك تصحيف في أسماء المطلقات من النبي .
ص: 28
روايات فى الطلاق
جواب الروايات
لو كان الحسن (عليه السلام) مطلاقاً لطلَّق جعدة الغليظة
عدم معرفة المتآمرين بأسماء من طلقهن الحسن (عليه السلام) دليل كذبهم
أولاد الحسن (عليه السلام):
الهادي هو المعصوم :
تحريف كتب الحديث تسبَّبت في هذه الأكاذيب :
ص: 29
اتَّهم النواصب الامام الحسن (عليه السلام)أنه مطلاق يطلِّق النساء دون سبب وجيه ولا علَّة موجبة للفراق .جاء ذلك فى روايات عدَّة :
الروايات الموضوعة: لا تزوجوه فهو مطلاق :
جاء فى بعض الروايات :
1 - رواية محمد بن يعقوب الاولى :
وعن محمد بن يعقوب عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن محمد بن زياد بن عيسى، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن عليا قال وهو على المنبر: «لا تزوجوا الحسن (عليه السلام) فإنه رجل مطلاق ، فقام رجل من همدان فقال: بلى والله لنزوجنه وهو ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وابن أمير المؤمنين (عليه السلام)فإن شاء أمسك وإن شاء طلق»((1)).
الجواب :
ص: 30
لقد بيَّنا بأدلة قاطعة ونصوص علمية كذب الروايات الموضوعة للنيل من الامام الحسن (عليه السلام)وأنَّ أهدافها سياسية ودينية :
1 - رد رواية محمد بن يعقوب الاولى :
السند فيه حميد بن زياد .
قال فيه النجاشى:« من الواقفة الذين وقفوا عند الامام موسى الكاظم (عليه السلام)وقالوا:إنه (الكاظم) لم يمت وهو القائم ،ومات حميد سنة عشر وثلاثمائة »((1))،وسبب وقوفهم عند الكاظم (عليه السلام)المال الكثير الذى كان عندهم كوكلاء بعد سجن هارون الرشيد للامام (عليه السلام)وقتله ((2)).
وقد قال الامام على الرضا(عليه السلام):«إنَّ الزيدية والواقفة والنصاب بمنزلة واحدة »((3)).فالواقفة كذابون كذَّبوا وفاة الامام موسى الكاظم .
الحسن بن محمد بن سماعة ابن محمد الكندى الصيرفى من شيوخ الواقفة كثير الحديث فقيه ثقة وكان يعاند فى الوقف ويتعصب ((4)):
ص: 31
متن الرواية: رجل من همدان انه مجهول الهوية لذا لا يعتد بالرواية.والحسن بن محمد من الواقفة. اذن الرواية لا يستند عليها.
والرواية هذه مخالفة للقرآن الكريم فى آيات عديدة منها آية التطهير بقوله تعالى :
(انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً).
فهم لا يرتكبون الذنوب الصغيرة والكبيرة كما قال الفخر الرازي ((1)).
في سورة الطلاق قوله تعالى:
(يَا أيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأحْصُوا العِدَّةَ وَاتَّقُوا اللّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إلا أنْ يَأتِينَ بِفَاحِشَة مُبَّنَة وَتِلْكَ حُدُودُ
ص: 32
اللّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْراً)((1)).
وذلك يقتضى إباحة الايقاع .اذن الطلاق القليل المستند الى الدين والعقل والمعتمد على أسس مقبولة غير مرفوض .وطلق عمر أم عاصم، وعبد الرحمن بن عوف طلق تماضر ،والمغيرة بن شعبة كان له أربع نسوة فأقامهن بين يديه صفا وقال:
أنتن حسان الأخلاق ناعمات الارداف طويلات الأعناق اذهبن فأنتن طلاق ((2)).
2 - رواية محمد بن يعقوب الثانية :
عن محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد عن محمد بن اسماعيل بن بزيع، عن جعفر بن بشير، عن يحيى بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال: إن الحسن بن علي (عليه السلام) طلق خمسين امرأة. فقام علي (عليه السلام) بالكوفة فقال:« يا معاشر أهل الكوفة لا تنكحوا الحسن (عليه السلام)فإنه رجل مطلاق. فقام إليه رجل فقال: بلى
ص: 33
والله لننكحنه فإنه ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وابن فاطمة (عليها السلام) فإن أعجبته أمسك وإن كره طلق»((1)).2 - رد رواية محمد بن يعقوب الثانية :
السند: فيه يحيى بن أبي العلاء الرازى وهو غير موثق عند جماعة ((2)).
لا ينسجم محتوى الرواية مع أقوال القرآن والحديث وأقوال الامام علي(عليه السلام)في أهل البيت فهم مطهرون من الذنوب الصغيرة والكبيرة في آية التطهير كما قال الفخر الرازى في تفسيره((3)).
فكيف ينسجم هذا مع ذاك.
وكل ما يخالف القرآن يُضرب به عرض الحائط اذ قال النبي محمد (صلى الله عليه وآله):
ص: 34
«ما خالف كتاب الله يضرب به عرض الحائط وانه زخرف »((1)) .
وقال النبي محمد (صلى الله عليه وآله) أيضاً :«تكثر لكم الاحاديث من بعدى فاذا روي لكم حديث فأعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافق كتاب الله فاقبلوه وما خالفه فردوه »((2)).
ومعارضة الامام علي فيها مؤامرة أموية ضدَّ العصمة الالهية الثابتة فى آية التطهير .
لكن الأمويين ولغرض افساد عقائد الناس الصحيحة في عصمة أهل البيت وضعوا روايات في مخالفة الحسن (عليه السلام)لأبيه.
وكان الناس أوفي للامام علي منهم للحسن مما اضطر الحسن(عليه السلام)للصلح مع معاوية.
وكيف يخالف الامام الحسن (عليه السلام) الشريعة وهو المدافع عنها والنموذج الالهي للمسلمين.
3 - روايتا محمد بن عمر الواقدي :
قال: أخبرنا محمد بن عمرالواقدي ، قال: حدثني حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن
ص: 35
أبيه، قال: قال علي:« يا أهل الكوفة، لا تزوجوا الحسن بن علي فإنه رجل مطلاق فقال رجل من همدان: والله لنزوجنه، فما رضي أمسك وما كره طلق»((1)).
وقال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني علي بن عمر، عن أبيه، عن علي ابن الحسين، قال: كان الحسن بن علي مطلاقاً للنساء، وكان لا يفارق امرأة إلا وهي تحبه((2)).
3 - رد روايتي الواقدي :
كان محمد بن عمر الواقدي قاضياً لابى جعفر المنصور على الجانب الشرقى من الرصافة ((3))، وهو الذى وضع روايات للنيل من الامام الحسن فتكون رواياته ساقطة عن الاعتبار لانه وضعها لاجل السياسة .ومحمد بن سعد صاحب الطبقات الكبرى كاتب الواقدى أخذ عنه أكاذيبه ضدَّ الامام الحسن .
ص: 36
وجاء فى تضعيف الواقدى :قال معاوية بن صالح :ابو عبد الله الواقدى ضعيف ((1)).
وعن الشافعى أنه قال :كتب الواقدى كذب .وعن بندار بن بشار :ما رأيت أكذب شفتين من الواقدي((2)).
وعن محمد بن اسماعيل البخارى :الواقدى متروك الحديث ((3)).
وقال النسائى :الواقدى متروك الحديث وقال محمد بن راهويه :كان عندي ممن يصنع ((4)).
وابن كثير ضعَّف الواقدى ((5)).
والهيثمى ضعَّف الواقدى ((6)).
وقال ابن عدى :أحاديثه غير محفوظة والبلاء منه وقال ابو غالى ابن بنت معاوية بن عمرو يقول :الواقدى يضع الحديث ((7)).
ص: 37
قال العلامة الامينى :محمد بن عمر الواقدى روى 000/30 مما لا أصل له ((1)).
اذن كيف يجوز الاخذ عن الواقدى رواياته حول طلاق الامام الحسن ؟وقد مات وهو قاض للمامون ((2)).
4 - رواية أبى عبد الله الحافظ :
قال البيهقى: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه، حدثنا محمد بن إسحاق هو ابن خزيمة حدثنا محمد بن كيسان، عن مهران بن أبي عمر، عن سفيان، عن عبد الرحمن بن عبد الله، عن الحسن بن سعد، عن أبيه: أن الحسن بن علي متع امرأة عشرين ألفا وزقين من عسل فقالت المرأة: متاع قليل من حبيب مفارق.
والحديث رواه في ترجمة الإمام الحسن (عليه السلام) من المعجم الكبير: ج 3((3)) .
4 - رد رواية ابى عبد الله الحافظ :
ص: 38
الزوجة المطلقة غير معروفة الاسم والأب والعشيرة لانَّ الرواية مختَلَقة لا اصل لها، ولا يمكن الاعتماد على رواية طلاق لا نعرف اسم المطلقة فيها هل كانت من الانس أم من الجن، وهل هي عربية ام أعجمية وهل كانت ثيباً أم بكراًوهل كانت الرواية مكررة عن رواية أخرى أم لا.
هذه الأسئلة لم تجب عنها الرواية.اذن الرواية باطلة لا يؤخذ بها.
5 - رواية ابي الحسن البيهقى :
عن القاسم بن محمد ومجاهد والشعبى اخبرنا على بن الحسين بن على البيهقى صاحب المدرسة بنيشابور أنبأ ابو حفص عمر بن احمد بن محمد القرميسيى بها حدثنا ابو عبد الله محمد بن ابراهيم بن زياد الطيالسى حدثنا محمد بن حميد الرازى حدثنا سلمة بن الفضل حدثنا عمرو بن ابى قيس عن ابراهيم بن عبد الاعلى عن سويد بن غفلة قال: «كانت الخثعمية عند الحسن بن علي فلما أن قتل علي وبويع الحسن بن علي دخل عليها الحسن بن علي فقالت له: ليهنئك الخلافة (متشمتة بقتل الامام علي(عليه السلام)).فقال الحسن (عليه السلام):أظهرت الشماتة بقتل علي (عليه السلام)أنت طالق ثلاثا فتلففت في ثوبها وقالت والله ما أردت هذا فمكثت حتى انقضت عدتها وتحولت فبعث إليها الحسن بن علي ببقية من صداقها وبمتعة عشرين ألف درهم فلما جاءها الرسول ورأت المال قالت متاع قليل من حبيب مفارق. فلما بلغه قولها بكى ثم قال: لولا: أني سمعت جدي يقول
ص: 39
" أيما رجل طلق امرأتهثلاثا عند الأقراء أو ثلاثا مبهمة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره " لراجعتها »((1)).
5 - رد رواية ابي الحسن البيهقى :
طلاق الثلاثة فى مدرسة أهل البيت يساوي طلاقاً واحداً ،ولم يكن هذا الطلاق معروفاً فى زمن النبى وابى بكر ونصف حكم عمر .ثم استحدثه عمر فهو بدعة من بدعه الكثيرة كما جاء فى الرواية الصحيحة عن مسلم:«كان الطلاق على عهد رسول الله وابى بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر بن الخطاب :إنَّ الناس قد استعجلوا فى أمر قد كان لهم فيه أناة ،فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم »((2)) .
وقال ابن عباس طلق ركانة بن عبد يزيد اخو بنى مطلب امرأته ثلاثاً فى مجلس واحد ؟قال نعم .قال :فانما تلك واحدة فأرجعها إن شئت .قال : فأرجعها ((3)).
ص: 40
وفى رواية عن شخص قالوا للنبى :طلق ثلاث تطليقات جميعاً فقام (صلى الله عليه وآله)غضبان ثم قال :أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ،حتى قام رجل وقال :يا رسول الله ألا أقتله ((1)).
اذن الامام الحسن (عليه السلام) لا يقول بطلاق الثلاثة فى مجلس واحد لانه مخالف للشرع ولا يجوز لاي شخص تنزيله منزلة الثلاثة .بينما بقى طلاق الثلاث فى مدرسة العامة يساوى ثلاث .والظاهر أن واضع الحديث أراد الدفاع عن عمر المخالف للقرآن والحديث باظهار أنَّ الامام الحسن خالف أيضاً القرآن والحديث!!! وهو منهج يراد منه تشجيع الناس على مخالفة الشرع الاسلامى والاستهانة به .
وفى دلالة الحديث على المقصود لم يفصح عن اسم المرأة فان كانت عائشة الخثعمية فالامام لم يتزوجها.
السند الضعيف :
وسند رواية زواج الامام (عليه السلام)منها ضعيف فيه :
ابو القاسم الشحامى ضعفه الذهبى اذ قال عنه :زاهر بن طاهر ابو القاسم الشحامى مسند بنيشابور صحيح السماع لكنه يخل بالصلاة فترك الرواية عنه غير واحد من الحفاظ تورعاً ((2)).
محمد بن ابراهيم بن زياد الطيالسى ابو عبد الله
ص: 41
ضعيف قال عنه البخارى محمد بن حميد ابو عبد الله الرازى سمع يعقوب القمى وجريراً فيه نظر مات سنة ثمان واربعين ومائتين ((1)) .
وجاء :فيه محمد بن حميد الرازى شيخ الترمذى وهو ضعيف ((2)).
وضعفه احمد والنسائى والجوزجانى وقال ابن حبان :يروى عن الثقات المقلوبات وقال ابن واره :كذاب ((3)).
وقال الذهبى :ضعفه ابو احمد الحاكم وقال الدارقطنى :متروك ((4)).
سلمة بن الفضل
قال البخارى عنه :سلمة بن الفضل بن الابرش قاضى الرى سمع محمد بن اسحاق روى عنه عبد الله بن عمر بن أبان ومحمد بن حميد ولكن عنده مناكير وفيه نظر ((5)).
وقال فيه ابن حبان :قال ابن عدى :ضعفه ابن راهويه وقال :فى حديثه بعض المناكير ((6)).
ص: 42
وقال ابو حاتم :لا يحتج به وقال ابو زرعة :كان اهل الرى لا يرغبون فيه لسوء رأيه وظلم فيه ((1)).
اذن هذه الرواية ضعيفة لا يحتج بها لضعف رواتها .
6 - رواية أبي طالب المكي الاولى :
أبو طالب المكي في قوت القلوب: «إنه (عليه السلام) تزوج مائتين وخمسين امرأة وقد قيل ثلاثمائة. وكان علي(عليه السلام)يضجر من ذلك فكان يقول في خطبته: إن الحسن (عليه السلام)مطلاق فلا تنكحوه. ابو عبد الله المحدث فى رامش أقزارى :انَّ هذه النساء كلهن خرجن خلف جنازته حافيات »((2)).
6 - رد رواية أبي طالب المكي (قوت القلوب) الاولى : جاء :ذكر الرواية صاحب قوت القلوب لأبي طالب المكي وهو لا يعول على مؤلفه وعلى كل حال فالرقم القياسي لكثرة أزواج أمير المؤمنين الحسن(عليه السلام)مستندة اليه ومأخوذة عنه وقد اشتهر ابو طالب المكي بالزهد والوعظ .
من ناحية السند :
ص: 43
جاء فى لسان الميزان :ذكر في القوت (قوت القلوب )أشياءاً منكرة((1)).
وجاء أيضاً :هذا الأثر مرسل ضعيف ((2)).
وقالوا فيه :كان أبو طالب المكي محمد بن علي بن عطية العجمي ثم المكي الواعظ صاحب قوت القلوب في معاملة المحبوب من الصوفية ومن قوله: ليس على المخلوقين أضرَّ من الخالق. وقد ذكر في كتابه أحاديث لا أصل لها((3)).
وهذا دليل واضح على كفر ابى طالب المكي .
وقد ذكر أحاديثه بلا سند ولا رواية.
وفى وفيات الاعيان لابن خلكان:«لما دخل بغداد واجتمع الناس عليه فى مجلس الوعظ خلط فى كلامه »((4)).
وذكر ابن الاثير خلطه ثم قال:«وصنف كتاباً سماه قوت القلوب وذكر فيه أحاديث لا أصل لها..وكان ابو طالب يبيح سماع (الغناء)»((5)).
ص: 44
ومن عادة النساء المطلقات التزوج بشخص آخر بعد الطلاق اولا ثم الحقد على زوجها المطلِق لها ثانياً .اذن كيف خرجت نساء الحسن المطلقات حافيات فى مراسم شهادة الحسن أمام أزواجهن ؟
وادعت الروايات الكاذبة طلاق الحسن لبعض هذه النساء فى العراق فكيف جئن الى المدينة بهذه السرعة الخارقة لحضور مراسم الدفن ؟
وقد انفرد ابو طالب المكي بهذه الرواية الكاذبة .
ومعظم هذه النساء تزوجن من رجال آخرين ولا علاقة لهن مع الحسن فكيف يخرجن فى مراسم جنازته ؟والكثير من هذه النساء كن فى الكوفة فكيف جئن الى المدينة فى يوم واحد لحضور مراسم التشييع؟
الرد السني للرواية:
قال الدكتور الصلابى: إنَّ افتعال ذلك صريح واضح..فما الموجب لهذا التعريف والسير في الموكب المزدحم بالرجال مع أنهن قد أمرن بالتستر وعدم الخروج من بيوتهن ((1)) ؟
7 - رواية أبي طالب المكي الثانية :
الرواية الثانية لقوت القلوب :جاء في كتابه قوت القلوب:((2)).
حدثنا حاتم بن اسماعيل عن جعفر بن محمد عن ابيه قال: قال علي:
ص: 45
«ما زال الحسن (عليه السلام)يتزوج ويطلق حتى خشيت ان يورثنا عداوة القبائل»((1)).
7 - رد رواية أبي طالب المكي الثانية :
وكيف يكون هذا والنبى قال للحسن أشبهت خَلقِي وخُلقِي ((2)) وقال:
«حسن مني وحسين من علي»((3)).
ورواية ابى طالب المكى لا سند لها فهى مجهولة الراوى .
وقد كان النبى يتزوج لكسب القبائل الى جانبه والحسن عاش فى حضنه فكيف يتزوج الحسن ويطلق لايجاد العداوات لنفسه واهله .وكيف يفعل المعصوم فى القرآن هذه الافعال الجاهلية؟ اذن هذه الرواية مخالفة للقرآن والمخالف للقرآن يضرب به عرض الحائط كما قال النبى الاكرم ((4)).
وقال ابو طالب المكي:«كان الحسن (عليه السلام) ربما عقد له على أربعة وربما طلق أربع»((5)).
ص: 46
هذه الرواية أيضاً دون سند ذكرها المكي وفق منهجه فى الكذب والافتراء على أهل بيت محمد لارضاء الحكومات عنه .وهى مخالفة للقرآن الكريم الذى نصَّ على عصمة أهل البيت .وتوفي المكي في بغداد سنة 383 ه-.
8 - رواية ابن سيرين
حدثنا الحسين بن اسحاق حدثنا عثمان بن ابى شيبة حدثنا عبد الاعلى عن هشام بن حسان عن ابن سيرين:«تزوج الحسن (عليه السلام) امرأة، فأرسل إليها بمئة جارية، مع كل جارية ألف درهم»((1)) .
8 - رد رواية ابن سيرين :
كان الامام علي ينظر الى الامام الحسن (عليه السلام)كأحد أفراد أهل البيت لا يرتكب الذنوب الصغيرة والكبيرة، والطلاق بالشكل الذي طرحه الامويون أمر حرام لا يرتكبه المؤمنون فكيف يرتكبه الأوصياء ؟
:الرواية الأموية تريد بيان أمر كاذب يتمثل في وجود خلاف كبير بين أمير المؤمنين علي(عليه السلام)وابنه الحسن (عليه السلام).لكن العلماء يعرفون انه من اختلاق النواصب . وتريد الرواية بيان خلاف بين الامام علي (عليه السلام)وبين رعيته في نظرتهم لافراد أهل البيت. وهو أمر خلاف الشرع والعقل ويفضح واضع الرواية.
ص: 47
وفى رواية ابن سيرين : قاس ابن سيرين بين الامام الحسن (عليه السلام)وبين معاوية في عدد الجواري اذ لم يملك مئة جارية الا الملوك، ولا يوجد دليل صحيح بذلك، ولم يقل أحد من الاعداء أنَّ الامام الحسن (عليه السلام)كان يملك مئة جارية كي يهديها الى مطلقة من مطلقاته .
وقال الدكتور الصلابى:« هذه من الأخبار الموضوعة اذ يستبعد أن يعطي الحسن بن علي هذه الأموال الضخمة لاحدى زوجاته فان ذلك لون من الوان الأسراف والتبذير وهو منهي عنه في الاسلام فقد أمر بالاقتصار على مهر السنة »((1)).
الخيال الناصبي في زيجات الحسن (عليه السلام):
قال ابن سيرين: «تزوج الحسن (عليه السلام)امرأة، فأرسل إليها بمئة جارية، مع كل جارية ألف درهم»((2)).
هذا الخيال الحديثي فى ضرب أئمة البشرية وراءه حكومات فاسدة اذ لم يعمل هذه الاعمال ملوك الارض المالكين لثروته واللاعبين بمقدراتها واللاهثين خلف الشهرة والترف فكيف يفعله الامام الحسن سيد شباب أهل الجنة المدعي لخدمة الفقراء والساعي لسد رمق المساكين ،والمعارض لاسراف الطواغيت .هذا المنهج لا يقبله عاقل ولا يستسيغه عالم .
ص: 48
9 - رواية علي بن محمدعن علي بن محمد عن عبد الله بن عبد الرحمن عن عبد الله بن ابى بكر بن محمد بن عمرو بن حزام قال:«خطب الحسن بن علي امرأة من بنى همام بن شيبان فقيل له :إنها ترى رأي الخوارج فقال :إني أكره أن أضم الى صدرى جمرة من جهنم ((1))».
9 - رد رواية علي بن محمد
المعنى الواضح فى الرواية أن الامام الحسن لم يتزوج الخارجية بل تركها بمجرد معرفته أنها خارجية ،ويستفاد من ذلك ضرورة الابتعاد عن زواج الخارجيات .وهنا حكمة فى هذه القضية إن صحت الرواية .
وإن لم تصح الرواية فهى من الروايات الكثيرة الموضوعة لضرب الامام الحسن سياسياً ودينياً .
عليه لا تقدح الرواية فى شخصية الامام الحسن (عليه السلام) المعصوم عن الزلل .
10 - رواية على بن محمد المدائني :
:أنبأنا علي بن محمد يعني المدائني عن أبي جعدبة عن ابن أبي مليكة قال:
ص: 49
«تزوج الحسن بن علي خولة ابنة منظور الفزارية فبات ليلة على سطح أجم ((1))
فشدت خمارها برجله والطرف الآخر بخلخالها، فقام من الليل فقال: ماهذا؟ قالت: خفت أن تقوم من الليل بوسنك ((2)) فتسقط فأكون أشأم سخلة على العرب ،فأقام عندها سبعة أيام، فقال ابن عمر: لم نر أبا محمد منذ أيام فانطلقوا بنا إليه، فأتوه فقالت له خولة: احتبسهم حتى نهيئ لهم غداءا. قال : نعم، قال: ابن عمر فابتدأ الحسن (عليه السلام)حديثا ألهانا بالاستماع إعجابا به حتى جاءنا الطعام»((3)).
10 - رد رواية المدائني :
رد الرواية :قال المفيد : الحسن المثنى من زوجته خولة الفزارية .وولادتها للحسن المثنى يبعد قضية طلاقها من الامام الحسن (عليه السلام).
وقال الدكتور علي محمد الصلابي: أما ما رواه رواة الأثر في كونه تزوج سبعين وفي بعض الروايات تسعين ((4))والبعض الآخر مائتين وخمسين
ص: 50
والبعض الآخر ثلاثمائة وروي غير هذا الا أنه من الشذوذ بمكان وهذه الكثرة المزعومة موضوعة((1)).لقد ذكر المؤرخون زوجاته (عليه السلام) بشكل غير دقيق لا يستند الى نصوص صحيحة متأثرين بالافتراءات العباسية عليه .
ضعف السند :
الرواية ذكرها ابن أبي الحديد وقد اخذوها عن علي بن عبد الله البصري الشهير بالمدائني المتوفى سنة 225 ه- وهو من الضعفاء الذين لا يعول على أحاديثهم فقد امتنع مسلم من الرواية عنه في صحيحه((2)).
قال البخارى :يزيد بن عياض بن يزيد بن جعدبة الليثى حجازى هو أخو أنس بن عياض منكر الحديث ((3)).
وقال البخارى فى كتابه الضعفاء الصغير :يزيد بن عياض بن جعدبة الليثى المدنى منكر الحديث حجازى((4)).
وضعفه ابن عدي في الكامل فقال فيه: ليس بالقوي الحديث وهو صاحب الأخبار قل ما له من الروايات المسندة ((5)).
ص: 51
ويزيد بن عياض ابن جعدبة رجل كذاب ضعيف قال فيه ابن حزم :مذكور بالكذب ووضع الاحاديث ((1)).وجاء فى كتاب الرازى فى الجرح والتعديل :عن عبد الرحمن بن القاسم قال :سالت مالكا عن ابن سمعان فقال :كذاب ،قلت :يزيد بن عياض؟ قال :أكذب وأكذب .وسئل أبو زرعة عن يزيد بن عياض فقال :ضعيف الحديث ((2)).
وقال الذهبى فيه :يزيد بن عياض بن يزيد بن جعدبة الليثى قال البخارى فيه :منكر الحديث وقال يحيى :ليس بثقة وقال علي :ضعيف ،ورماه مالك بالكذب وقال النسائى وغيره :متروك .وقال الدارقطنى وغيره :ضعيف .وروى عباس عن يحيى :ليس بشىء ،ضعيف .وروى يزيد بن الهيثم عن ابن معين :كان يكذب ،وروى احمد بن ابى مريم عن ابن معين :ليس بشىء لا يكتب حديثه ((3)).
ص: 52
ومختلق الرواية يتصور العلاقة جيدة بين الامام الحسن وعبد الله بن عمر كما جاء فى الرواية بينما كانت العلاقة غير جيدة ولم يبايع ابن عمر الامام عليا ((1))وبايع معاوية ويزيد ((2)).
وعن نوم الامام فى سطح لا سياج له أجم ((3)) ينظره الناس ،ويمكن وقوعه منه أمر لا يقبله العقل ،وهو أمر لا يفعله بسطاء الناس فكيف بالامام الحسن سيد شباب أهل الجنة ؟
وكان من عادة الناس النوم مع زوجاتهم فى سطح مستور بجدار يحفظه من السقوط ومن الرؤية .
اذن الرواية موضوعة يراد بها النيل من إمام المسلمين .
ويراد بها اظهار مخالفة الامام الحسن للنبى الداعى للنوم فى سطح محفوظ :من بات فوق إجار أو فوق بيت ليس حوله شىء يرد رجله فقد برئت منه الذمة ومن ركب البحر بعدما يرتج فقد برئت منه الذمة((4)).
ص: 53
وعن خولة بنت منظور الفزارية:جاء: فأقام عندها سبعة أيام، وهى أم الحسن بن الحسن المثنى((1)).قال المفيد :أولاد الحسن بن علي خمسة عشر ولداً ذكراً وأنثى..والحسن بن الحسن أمه خولة بنت منظور الفزارية ((2)).فخولة الفزارية زوجة الامام الحسن لكن الرواية المذكورة وضعت كذباً عليهما للنيل منهما .
11 - رواية على بن محمد المدائنى الثانية :
قال على بن محمد المدائنى :كان الحسن أحصن تسعين امرأة ، والرواية كالآتى :
قال علي بن محمد وقال قوم :وكان الحسن أحصن تسعين امرأة ((3)).
11 - رد رواية على بن محمد المدائنى :
الاشكال الاول على المدائنى انه ذكر رقما للنساء لم يعرف أسماءهم ،اذ جاء :
ص: 54
المدائني لم يعد للحسن (عليه السلام) أكثر من عشر نساء كما جاء في شرح النهج ((1)).
سند الرواية :
ورواية المدائنى عن طريق ابن ابى مليكة الذى مات سنة سبع عشرة ومائة ((2)).وكان قاضياً على عهد ابن الزبير ((3)).
الرواية ليس فيها سند أي رويت عن مجهول ،والمجهول عند العلماء لا يؤخذ به ولا يقبل عاقل الرواية عن مجهول .
قال العلامة الحلي «لا تقبل رواية المجهول حاله »((4)).
وقال الذهبى :المحدث اذا نظر فى سند حديث ووجد فيه رجلا مجهولا حكم بظعفه لاحتمال ضعف ذلك المجهول وربما حكم بوضعه لغلبة الظن عنده بأنَّ ذلك المجهول كذاب ((5)).
وقال الرازى :اجماع الصحابة على رد رواية المجهول ((6)) .
والمدائنى كذاب اذ جاء :
ص: 55
عن ابى قلابة قال «حدثت ابا عاصم النبيل بحديث فقال عمن هذا فانه حسن ؟قلت ليس له اسناد ولكن حدثنيه ابو الحسن المدائنى .فقال لى :سبحان الله ابو الحسن إسناد ؟ ((1))
النتيجة :جاءوا برواية مجهول عن المدائنى :أحصن تسعين ((2)).
وقال المدائنى فى ذكر اسماء نساء الحسن عن ابن ابى الحديد المعتزلى :قال ابو الحسن المدائنى :وكان الحسن كثير التزوج تزوج خولة بنت منظور بن زبان الفزارية فولدت له الحسن بن الحسن ،وتزوج ام اسحاق بنت طلحة بن عبيد الله فولدت له ابناً اسمه طلحة ،وتزوج ام بشر بنت ابى مسعود الانصارى فولدت له زيد بن الحسن ،وتزوج جعدة بنت الاشعث بن قيس وهى التى سقته السم ،وتزوج هند ابنة سهيل بن عمرو وحفصة ابنة عبد الرحمن بن ابى بكر ،وتزوج امرأة من كلب ،وتزوج امرأة من بنات عمرو بن اهتم المنقرى وامرأة من ثقيف ،فولدت له عمراً ،وتزوج امرأة من بنات علقمة بن زرارة ،وامرأة من بنى شيبان من آل همام بن مرة فقيل له :إنها ترى رأى الخوارج فطلقها ،وقال انى اكره أن أضم الى نحرى جمرة من جمر جهنم .وقال المدائنى :وخطب الى رجل فزوجه ((3)).
المحصلة :الرواية الاولى كاذبة ومنسوبة الى المدائنى .
ص: 56
الرواية الثانية لم يذكر فيها المدائنى أسماء بعض زوجات الحسن فتسقط حجته فى الاستدلال بهن ،لانها قائمة على الخيال .وقد ذكر المدائنى أسماء ست نساء للحسن فقط .
اذن يعتقد ابو الحسن المدائنى بزواج الحسن من ست نساء قطعاً بذكره أسماءهن .
ونحن لا نؤيد زواج الامام الحسن من بعض هذه النساء اذ لم نحصل على الروايات الصحيحة فى هذا المجال .
12 - رواية ابى الحسن الغزالى :
فى كتابه احياء علوم الدين:«دخل الحسن ذات يوم على عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ولم يكن له بالمدينة نظير .وبه ضربت المثل عائشة حيث قالت :لو لم اسر مسيرى ذلك لكان أحب اليَّ من أن يكون لي ستة عشراً ذكراً من رسول الله مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام .فدخل عليه الحسن فى بيته فعظمه عبد الرحمن وأجلسه فى مجلسه وقال :ألا أرسلت الي فكنت أجيئك ؟فقال :الحاجة لنا .قال :وما هى؟ قال :جئتك خاطباً ابنتك .فأطرق عبد الرحمن ثم رفع رأسه وقال :والله ما على وجه الارض أحد يمشى عليها أعز علي منك ولكنك تعلم أن ابنتى بضعة منى يسوءنى ما ساءها ويسرنى ما سرها ،وأنت مطلاق فأخاف أن تطلقها وإن فعلت خشيت أن يتغير قلبى فى محبتك ،وأكره أن يتغير قلبى عليك فانت بضعة من رسول الله فإن شرطت أن لا تطلقها زوجتك .فسكت الحسن وخرج .وقال بعض
ص: 57
أهل بيته:سمعته وهو يمشى ويقول :ما أراد عبد الرحمن الا أن يجعل ابنته طوقاً فى عنقي »((1)) .
12 - رد رواية ابى الحسن الغزالى
الرواية لا سند لها فهى مرفوضة .
قال محمد بن الوليد فى ابى حامد الغزالى:«فلما عمل الاحياء عمد يتكلم فى علوم الاحوال ،ومرامز الصوفية ،وكان غير أنيس بها ،فسقط على أم رأسه وشحن كتابه بالموضوعات ((2)).
وقال ابو بكر الطرطوشى :شحن ابو حامد الحياء بالكذب على رسول الله فلا أعلم كتاباً على بسيط الارض أكثركذباً منه ((3)).
وقال الذهبى أيضاً :جمع السبكى فى طبقاته الاحاديث الواقعة فى كتاب الاحياء التى لم يجد لها اسناداً وعدتها تسعمائة وثلاثة واربعون حديثاً تقريباً ((4)).
رأي أبى الفرج بن الجوزى :
«صنَّف ابو حامد الاحياء وملأه بالأحاديث الباطلة ،ولم يعلم بطلانها ،وتكلم على الكشف ،وخرج عن قانون الفقه» ((5)).
ص: 58
وكان الغزالى قد افتى بعدم جواز لعن يزيد وجوَّز لعن الروافض ((1)) قائلا:«ففى لعن الاشخاص خطر فليجتنب ولا خطر فى السكوت عن لعن ابليس مثلا عن غيره فإن قيل :هل يجوز لعن يزيد لانه قاتل الحسين أو أمره به؟ قلنا :هذا لم يثبت أصلا فلا يجوز أن يقال ،إنه قتله أو أمر به مالم يثبت فضلا عن اللعنة ،لانه لا تجوز نسبة مسلم الى كبيرة من غير تحقيق...فإن قيل :فهل يجوز أن يقال :قاتل الحسين لعنه الله أو ألآمر بقتله لعنه الله؟ قلنا :الصواب أن يقال :قاتل الحسين إن مات قبل التوبة لعنه الله لانه يحتمل أن يموت بعد التوبة ،فإن وحشياً قاتل حمزة عم رسول الله قتله وهو كافر ،ثم تاب عن الكفر والقتل جميعاً ،ولا يجوز أن يلعن والقتل كبيرة ،ولا تنتهى الى رتبة الكفر ،فاذا لم يقيد بالتوبة وأطلق كان فيه خطر ،وليس فى السكوت خطر فهو أولى »((2)).
وحبَّب الغزالى لعن ابى حنيفة قائلا: «إنَّ أئمة السلف والخلف يلعنون أبا حنيفة ((3)).
ص: 59
بينما أفتى الغزالى بفسق اللاعن ليزيد فقال :إنَّ من لعنه يكون فاسقاً عاصياً لانه لا يجوز لعن المسلم ولا يجوز لعن البهائم فقد ورد النهى عن ذلك وحرمة المسلم أعظم من حرمة الكعبة بنص النبى ((1)).
فيكون الغزالى قد اساء للامام الحسن× وجوَّز لعن أبى حنيفة والروافض ومنع لعن ابليس ويزيد والبهائم .ولأجل أكاذيبه فى الحديث فقد ضعَّفه العلماء .وقد مدحوا عبد الرحمن لانه أموى وحارب الامام علياً فى معركة الجمل اذ قال عبد الرحمن بن الحارث بن هشام لمعاوية فى قتله حجر بن عدي وأصحابه :أين عزب عنك حلم أبى سفيان ألا حبستهم فى السجون وعرَّضتهم للطاعون ((2)).
13 - رواية ابى الفتح ابراهيم :
عن ابن عساكر فى تاريخ دمشق :قال :أنبأنا ابو القاسم علي بن ابراهيم وأبو الوحش سبيع بن المسلم وغيرهما عن ابى الحسن بن نظيف المقرىء حدثنا ابو الفتح بن ابراهيم بن علي بن ابراهيم بن سيبخت البغدادى حدثنا ابو بكر محمد بن يحيى بن العباس الصولى حدثنى عون بن أبيه عن الهيثم حدثنا ابن عياش عن ابيه قال: خطب الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر الى المسيب بن نجبة ابنته الحسان فقال لهم :إن لى فيها أميراً لم أعدو أمره فأتى علي بن ابى طالب فأخبره خبرهم واستشاره فقال له علي :أما الحسن
ص: 60
فانه رجل مطلاقوليس تحظين عنده وأما الحسين فانما هى حاجة الرجل الى أهله وأما عبد الله بن جعفر فقد رضيته لكِ فزوجه المسيب ابنته ((1)).
13 - رد رواية ابى الفتح ابراهيم :
من ناحية السند: قال الخطيب البغدادى فى الراوى ابى الفتح ابراهيم بن على بن ابراهيم بن سيبخت البغدادى:«سكن مصر وحدَّث بها عن ابى القاسم البغوى..وكان ضعيفاً سىء الحال فى الرواية» ((2)).أما الذهبى فقال عنه:«كان سىء الحال فى الرواية .وقال مرة :ساقط الرواية ((3))».
وفى الرواية ابو القاسم علي بن ابراهيم المنتسب للامام الصادق والمنحرف عن أهل البيت ((4)).
وفى الرواية ابو بكر بن يحيى بن العباس الصولى الذى كان يكذب على شيخه الغلابى قال ابن حجر:«ذكر ابن السمعانى فى ترجمة يحيى بن عبد الوهاب بن مندة نزيل بغداد :سمعت عمى ابا القاسم يقول سمعت ابا الحسين ابن فارس يقول سمعت ابا احمد بن ابى العشار يقول :ابو احمد
ص: 61
العسكرىكذب على الصولى مثل ما كان الصولى يكذب على الغلابى مثل ما كان الغلابى يكذب على سائر الناس» ((1)).
وكان الصولي موظفاً عن ملوك بنى العباس .قال خير الدين الزركلى:«نادم ثلاثة من خلفاء بنى العباس هم الراضى والمكتفى والمقتدر وله تصانيف» ((2)).وفى ترجمة جعفر بن ابى طالب انه تزوج جمانة بنت المسيب بن نجبة أم عون بن جعفر ((3))،وليس الحسان مما يبين كذب الراوى .
ولا توجد قضية خطبة امرأة تنافس عليها الحسن (عليه السلام) والحسين وعبد الله بن جعفر بل هذا من فعل الساسة الأمويين. اذ كانت أخلاقهم أرفع من التناحر والتنافس على امرأة .
ولأن هدف الرواية النيل من الامام الحسن (عليه السلام) المنافس لمعاوية فقد هاجمته الرواية وأساءت أيضاً الى الحسين وعبد الله بن جعفر بتصويرهم يتنافسون على امرأة .
العدد غير محدد ولا معين .قال الصلابي: هذه روايات لا تصح ولا تثبت وبالتالي لا يعول عليها.
العدد غير المحدد وغير المعين لزوجاته أحد الامور الدالة على كذب الأمويين في مؤامرتهم.
ص: 62
الفرق الكبير بين الأعداد أمر آخر يدل على كذب الأمويين في رواياتهم المشينة ،فقد قالوا في عدد أزواجه: 6، 10، 64، 70، 250، 300.فالفرق بين العدد الأول والآخر يبلغ 294.
واذا أخذنا العدد الصحيح لزوجاته الذى قال به ابن سعد صاحب الطبقات يكون الأمويون قد ضاعفوا العدد 50 مرة، وهو فضيحة كبيرة للنواصب من الأمويين والعباسيين الفاقدين للاصالة والاخلاق.
لقد حاول الامويون الكذب على الحسن (عليه السلام)سيد شباب أهل الجنة، والستر على يزيد الفجور والعهر والزنا فقد جاءت النصوص السنية والشيعية بارتكابه المحارم وشربه الخمر واعلانه الكفر صراحة بقوله: لعبت هاشم بالملك فلا - خبر جاء ولا وحي نزل ((1)).
لكنهم تركوه وأخفوا عيوبه التى لا تعد ولا تحصى .وروى بعض الكذابين المحسوبين على الشيعة هذه الروايات فى كتب الشيعة منهم من الواقفة وغيرهم من الفاسقين الذين يخالفون آية التطهير والآيات الاخرى النازلة فى أهل البيت .
وخالفوا سيرة الأئمة .وخالفوا قواعد الحديث بعدم ذكر اسانيده .أو ذكروا أرقاماً فى نساء الحسن مأخوذة من الامويين والعباسيين ولا يعلمون أسماءهن سيراً منهم على المنهج الناصبي .
ص: 63
رواية الاستشارة من الامام علي %%
عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي في ( المحاسن ) عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتى رجل أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له: جئتك مستشيرا إن الحسن (عليه السلام) والحسين وعبد الله بن جعفر خطبوا إلي، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام):
المستشار مؤتمن، أما الحسن (عليه السلام)، فإنه مطلاق للنساء، ولكن زوجها الحسين فإنه خير لابنتك ((1)).
رد الرواية
من ناحية السند: كان البرقى يأخذ عن الضعفاء، لذا طعن في رواياته.
وقالوا نقص وزيد في كتابه.
متن الرواية: واضح الكذب في الرواية لان عبد الله بن جعفر زوج زينب الكبرى (أم كلثوم )بنت علي (عليه السلام) لم يتزوج عليها في حياة أبيها.
ولا توجد قضية خطبة امرأة تنافس عليها الحسن (عليه السلام) والحسين وعبد الله بن جعفر بل هذا من فعل الساسة الأمويين.
اذ كانت أخلاقهم أرفع من التناحر والتنافس على امرأة .
ولأن هدف الرواية النيل من الامام الحسن (عليه السلام) المنافس لمعاوية فقد هاجمته الرواية وتركت الحسين وعبد الله بن جعفر.
ولم تذكر راى الامام علي في ابن جعفر ؟
ص: 64
وقال الرواية: أتى رجل ولم تذكر اسمه ،لماذا ؟
لان الرواية كاذبة لم يسع الراوى ذكر اسمه فيظهر الوضع للناس عن هوية الرجل وهوية ابنته وهل عنده ابنة أم لا ؟
وهل هو ثقة أم لا ؟
اذن الرواية موضوعة لا قيمة لها .
لم يطلق الامام الحسن (عليه السلام) جعدة بنت الاشعث رغم ما عُرف عنها من أخلاق فظَّة غليظة فكيف يُطلق الحسن (عليه السلام) الفاضلات العاقلات من نسائه ويُبقي جعدة الخشنة الحمقاء ؟
اذن لم يكن الحسن (عليه السلام)معروفاً بالطلاق انما هى مؤامرة الامويين والعباسيين ضدَّ أهل البيت .
لقد تزوج بعض العوام من الصحابة نساءاً ثم طلقوهن فذكرت الكتب أسماءهن بالدقة لكن فى قضية الامام الحسن لم تذكر الكتب أسماءهن ،واكتفت بذكر أرقام كبيرة لا يقبلها العقل البشرى ،ولم يقدم على ذلك الطلاق آلاف الملوك الفسقة المستولين على كنوز المال .
ص: 65
جاء عن مارية بنت الجعيد بن صبرة بن الديل بن شن بن أفصى بن عبد القيس تزوجت عشرة من الرجال هم كل من قيس بن ثعلبة بن عكابة ،ثم حنيفة بن الجيم بن عامر بن حنيفة ،ثم سعد بن عجل بن لجيم بن ثعلبة ،ثم ثعلبة بن غنم بن حبيب بن كعب بن يشكر بن بكر ،ثم مليك بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ،ثم تزوجت امرأ القيس بن بهثة بن سليم ،ثم ثعلبة بن مالك بن مرنوس بن طريف بن النمر بن يقدم بن عنزة ،ثم غالب بن عدي بن شميس بن طرود بن قدامة بن جرم ،ثم امرأ القيس بن زيد مناة بن تميم ،ثم عذرة بن سعد هذيم ((1)).
فكيف حفظ التاريخ لنا أسماء أزواج هذه المرأة العادية ولم يحفظ لنا أسماء زوجات الحسن ؟
هذا الدليل يبين كذب الادعاء الناصبى ضدَّ الامام الحسن الذى يعتمد على قوائم وهمية .
قالت الروايات الموضوعة سياسياً عن عدد أزواجه:10 -50 -64 -70 - 90 -250 - 300 .
وابو الحسن المدائني لم يعد للحسن - عليه السلام - أكثر من عشر نساء كما جاء في شرح النهج((2)).
: خمسون امرأة وأكثر :طلق خمسين امرأة ((3)).
ص: 66
:قال الكفعمي : كان أزواجه (الحسن) أربعة وستين عدا الجواري ((1)).
:وقالوا :تزوج نحوا من سبعين امرأة((2)) .
:وكان الحسن أحصن تسعين امرأة - ((3)) .
:تزوج مائتين وخمسين امرأة وقد قيل ثلاثمائة ((4)) .
اعتقد بأنَّ عدد زوجات الامام الحسن كان خمسة فقط استناداً لنصوص صحيحة جاءت فى كتب التراث الاسلامى ،وباقى الروايات كاذبة كما يثبت الكتاب هذا بالادلة العلمية ،واليك أسماء النساء الخمسة :
1 - أم بشير بنت أبي مسعود الأنصاري وهي أم زيد بن الامام الحسن (عليه السلام)((5)).
2 - جعدة بنت الأشعث ((6)).
ص: 67
3- أم اسحاق بنت طلحة بن عبيد الله، وهي أم طلحة والحسين الأثرم((1)).
4 - وامرأة من بنى ثقيف وهي أم عمرو بن الامام الحسن (عليه السلام) ((2)).
وقريب من ذلك ما قاله ابن سعد فى طبقاته ((3)) .وابن سعد كاتب الواقدى وقد جاء ببعض روايات الواقدى الضعيف الذى ضعفه العلماء ((4)).
5 - خولة بنت منظور الفزارية الحسن بن الحسن المثنى أمه خولة بنت منظور الفزارية ((5)).
و فى كتاب الطبقات لابن سعد لا تجده سمى للحسن (عليه السلام) أكثر من ست نساء وأربع أمهات
ص: 68
أولاد ((1)).
ولم يأت ذكر لاسماء أمهات أولاده الاربعة كى يتسنى لنا التأكد منهن ومن أولادهن فيصبح ذلك فى حكم الامرالضعيف الذى لا يعوَّل عليه .والمدائني أيضاً لم يعد للحسن (عليه السلام) أكثر من عشر نساء كما جاء في شرح النهج ((2)).
وابن شهر آشوب حدَّد نساء الحسن بين ثمانية وعشرة ((3)) .
والمشهورات من نساء الحسن هن جعدة بن الاشعث ((4)) التى قتلته بالسم ،ورملة أم القاسم شهيد كربلاء .
وفى روايات ضعيفة قالوا بزواج الحسن (عليه السلام)من نساء أخر هن :عائشة الخثعمية و هند بنت عبد الرحمن بن ابى بكر و هند بنت سهيل بن عمرو ،وهى التى طلقها عبد الله بن عامر بن كريز وارسل معاوية ابا هريرة ليخطبها فقال الامام الحسن (عليه السلام)اذكرنى عندها فاختارت الحسن (عليه السلام)على يزيد ((1)) .وهى التى قالوا عنها : امرأة من بنى عمرو .
اذن أولاده بين ثلاثة عشر وستة عشر .
«وهم :1 - الحسن بن الحسن المثنى أمه خولة بنت منظور الفزارية ((2)).
2 - 4 - عمرو بن الحسن والقاسم بن الحسن شهيد كربلاء ((3)) ،وعبد الله بن الحسن شهيد كربلاء أمهم رملة .
5 - 7 - وزيد بن الحسن وأم الحسن بنت الحسن وأم الحسين بنت الحسن أمهم أم بشير بنت أبى مسعود .
8 - 10 - الحسن بن الحسن الأثرم وطلحة بن الحسن وفاطمة بنت الحسن وعبد الله بن الحسن أمهم أم اسحاق بنت طلحة .
11 - 14 - أم عبد الله بنت الحسن ،وفاطمة بنت الحسن وأم سلمة بنت الحسن ورقية بنت الحسن من أمهات أولاد شتى .
ص: 70
15 - عبد الرحمن بن الحسن من أم ولد» ((1)).
العدد القليل لاولاد الامام الحسن يبين قلة زوجاته وهو امر معروف خصوصاً فى ذلك الزمان .
الهادي في القرآن هم أهل بيت المصطفى: قال الله تعالى: (إنَّمَا أنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْم هَاد)((2)).المنذر: رسول الله ، والهادي: علي وليُّ الله (والأئمة من بعده) روى هذا الحديث وأشباهه بطرق وأسانيد كثيرة ومعتبرة، تنتهي إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وجماعة من الصحابة منهم: ابن عبّاس، أبو هريرة، أبو برزة الأسلمي، جابر بن عبدالله الأنصاري، أبو فروة السلمي، يعلي بن مرّة، عبدالله بن مسعود،
سعد بن معاذ ((3)) »: وقال الامام علي في خطبته :«أنا الهادي، وأنا المهتدي»((4)).ووظيفة الامام الهداية الى بناء المجتمع بالزواج وليس بالطلاق .اذن الطلاق الكثير مخالف للآية القرآنية .
ص: 71
ص: 72
(يَا أيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَ-لَّ-قْ-تُمْ النِّسَاءَ فَطَ-لِّ-قُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأحْصُوا العِدَّةَ وَاتَّقُوا اللّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُ-يُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إلا أنْ يَأتِينَ بِفَاحِشَة مُبَ-يِّ-نَة وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَنْ يَ-تَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَ-قَدْ ظَ-لَمَ نَ-فْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْراً) ((1)) .
الواضح من آية الطلاق فيها حدود تمنع كثرة الطلاق وتشجع على اعادة الامور الى مجاريها للابقاء على الزواج .
كان الامام الحسن على رأس أعداء معاوية والامويين لذا سعى الامويون للقضاء على الحسن (عليه السلام)بكل الصور المستطاعة بعيداً عن الدين والاخلاق .وكان معاوية يفحص ويحقق في عثرات أعدائه ليحطمهم به ولما كان الحسن مطهراً ليس عنده مثالب فقد سعى الامويون لاختلاق مثالب له .
ثم طوَّر باقى الامويين هذه الاكاذيب ،وجددها العباسيون ووسعوها .ووفق هذا الرأي تنفتح آفاق جديدة عن كذب العباسيين الى جانب كذب الامويين في عالم الحديث، وهو دور لم تلق الأضواء عليه بشكل جيد ويحتاج الى بحوث أكاديمية في هذا المجال .
ص: 73
بينما جاء في كتاب الطبقات لابن سعد لا تجده سمى للحسن (عليه السلام) أكثر من ست نساء وأربع أمهات أولاد. والمدائني أيضاً لم يعد للحسن (عليه السلام) أكثر من عشر نساء ((1)) .
وعن كتب الحديث الموافقة لبنى أمية وأعوانهم والمخالفة لأهل البيت وأنصارهم نقول: لقد لعبت الحكومات الظالمة بالروايات في سبيل غاياتها الفاسدة فتعرضت الروايات الى تحريف كبير مرة بتسهيل الوضع في الحديث واختلاق القصص الموافقة للمنهج الأموى ومرة بتحريف كتب الحديث والسيرة والتفسير.
فقد حذفوا الكثير من الروايات المخالفة لهم من كتب المسلمين:
عدد أحاديث صحيح البخارى مختلف فيها بسبب قيام البعض بالاضافة والنقصان منها:
قال ابن حجر عددها: 9082 حديثاً.
وقالوا : 2761 حديثاً.
وقالوا : 2602 حديثاً.
وقالوا : 2513 حديثاً((2)).
واختلفوا في عدد أحاديث مسلم:
ص: 74
محمد فؤاد عبد الباقى :3033 حديثاً.
ابن الصلاح والنووى : 4000 حديثاً.
أحمد محمد شاكر : 7580 حديثاً((1)).
اذن الفرق كبير وبيِّن جداً بينَ هذه الروايات .
وعن الخطيب عن أبي عبد الله بن الاحزم الحافظ: انه سئل:
لم ترك البخارى الرواية عن الصحابى أبي الطفيل؟
قال لانه كان متشيعاً لعلي بن ابى طالب((2)).وقد كذب النواصب رجالا لانهم شيعة للامام علي .
بينما الادلة على استقامة الامام علي وشيعته كثيرة منها :قال تعالى :(صِرَاطَ الَّذِينَ أنْعَمْتَ عليهم).
وقال النبي عن الفائزين يوم القيامة :علي بن أبي طالب وشيعته((3)).
وقال سيد الرسل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): تنقسم أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلهم في جهنم إلاّ علي (عليه السلام)وشيعته((4)).
ص: 75
وقال سيد الرسل :يا علي أنت وشيعتك الفائزون يوم القيامة ((1)).
وقال النبى حديث الثقلين وهو متواتر وصحيح كما قال مسلم والترمذي وصححه الألبانى ((2)) .
ص: 76
و أما حديث كتاب الله وسنتى فضعيف وكاذب. قال مالك بن أنس: مرسل ((1))، ومورد الاتفاق والاجماع عند العلماء على عدم قبول المرسل. لذا الصحاح الستة لم تنقله.
ص: 77
رد شبهة طلاقه الكثير للنساء:
لو كان الحسن (عليه السلام)مطلاقاً لطلق زوجته جعدة بنت الاشعث، التي عانا من أخلاقها الفظة ثم قتلته لاحقاً.
ولو كان مطلاقاً لطلق زوجاته المتفق على زواجهن منه والمعروفات بالاسم الشخصى والعائلى والقبلي كما ذكرت كتب السير أسمائهن.
لكن الأمويين ذكروا أعداد مطلقات لا تعرف أسماؤهن ولا أسماء آباؤهن مما يبين كذبهم الخطير.
بغضهم لأهل البيت ولَّد الروايات الأموية والصليبية الخيالية:
قال ابن سيرين: تزوج الحسن (عليه السلام)امرأة، فأرسل إليها بمئة جارية، مع كل جارية ألف درهم((1)).
وفرح المستشرق الانجليزى بهذه الرواية الناصبية الكاذبة فدونها واضاف اليها قائلا:
وذكر أنَّ أمير المؤمنين الحسن بن علي خصص لكل من زوجاته مسكناً ذا خدم وحشم.
بينما لم تذكر كتب المؤرخين هذه الاضافة ((2)).
ص: 78
الخيال الناصبي في زيجات الحسن (عليه السلام)
جاء فى الروايات الكاذبة :
الرواية الأولى :عن جعفر الصادق، أن عليا قال: يا أهل الكوفة ! لا تزوجوا الحسن(عليه السلام)، فإنه مطلاق ، فقال رجل: والله لنزوجنه، فما رضي أمسك، وما كره طلق ((1)) .
الثانية :قال ابن سيرين: تزوج الحسن (عليه السلام)امرأة، فأرسل إليها بمئة جارية، مع كل جارية ألف درهم((2)).
رد الرواية:
الاولى :الرواية ضعيفة السند برواة المشروع الأموي.كان الامام علي ينظر الى الامام الحسن (عليه السلام)كأحد أفراد أهل البيت لا يرتكب الذنوب الصغيرة والكبيرة، والطلاق بالشكل الذي طرحه الامويون أمر حرام لا يرتكبه المؤمنون فكيف يرتكبه الأوصياء ؟
الثانية :والرواية الأموية تريد بيان أمر كاذب يتمثل في وجود خلاف كبير بين أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وابنه الحسن (عليه السلام).
لكن العلماء يعرفون انه من اختلاق النواصب .
وتريد الرواية بيان خلاف بين الامام علي (عليه السلام) وبين رعيته في نظرتهم لافراد أهل البيت.
ص: 79
وهو أمر خلاف الشرع والعقل ويفضح واضع الرواية.
وفى الرواية الثانية المختلقة من قبل ابن سيرين : قاس بين ابن سيرين بين الامام الحسن (عليه السلام)وبين معاوية في عدد الجواري اذ لم يملك مئة جارية الا الملوك، ولا يوجد دليل صحيح بذلك، ولم يقل أحد من الاعداء أنَّ الحسن (عليه السلام)كان يملك مئة جارية كي يهديها الى مطلقة من مطلقاته .
هذه النصوص لا تسمح للامام أن يكون مطلاقاً :قال النبي: تزوجوا ولا تطلقوا فانَّ الطلاق يهتز منه العرش ((1)).
وقال الصادق: إنَّ الله تعالى يبغض كل مطلاق وذواق ((2))
وقال الصادق: إنَّ الله سبحانه يحب البيت الذى فيه العرس ويبغض البيت الذى فيه الطلاق وما من شيء أبغض الى الله سبحانه من الطلاق ((3)).
وتزوجوا ولا تطلقوا فان الله لا يحب الذواقين والذواقات ((4)).
ص: 80
منبع الفتنة فى كثرة زوجات الحسن (عليه السلام)
جاءت أقوال فى هذه القضية منها :
قال هاشم معروف الحسنى فى رد الروايات الموضوعة للنيل من الحسن فى كتابة سيرة الائمة الاثنى عشر :أما رواية السبعين والتسعين وغيرها من الروايات التى تصفه بأنه مطلاق فلا مصدر لها الا المدائنى وأمثاله من الكذبة كما يبدو من أسانيدها ((1)).وقال فى موضع آخر (وعلى ما يبدو انَّ الذين ألصقوا بالحسن كثرة الزواج والطلاق هؤلاء الثلاثة المدائنى 225 ه- والشبلنجى 567 ه- ((2)) وابو طالب المكى 383 ه- فى قوت القلوب وعنهم أخذ المؤرخون والكتاب من السنة والشيعة والمستشرقين أما علي بن عبد الله البصرى المعروف بالمدائنى والمعاصر للعباسيين فهو من المتهمين بالكذب فى الحديث وجاء فى ميزان الاعتدال للذهبى :أنَّ مسلماً فى صحيحه قد امتنع عن الرواية عنه وأنَّ ابن عدى قد ضعَّفه وقال له الاصمعى :والله لتتركن الاسلام وراء ظهرك وقد تبعه لثرائه ،ويروى عن عوانة بن الحكم المتوفَّى سنة 158 ه- والمعروف بولائه لعثمان والامويين.هذا بالاضافة الى أن أكثر رواياته من نوع المراسيل )((3)).
ص: 81
لكن الصحيح فى القضية ما ذكرناه من وضع الامويين لقضية الامام الحسن المطلاق ،ثم وسَّعها المنصور الدوانيقي أيام حكمه .
أهل البيت باب مدينة علم رسول الله، وهم خير البرية وهم حبل الله، بل هو من شيم الناس البعيدين عن العلم والاخلاق.وثانياً: كيف يطلق الامام الحسن (عليه السلام)ثلاثاً في مجلس واحد وهو مخالف للخلق الاسلامى الامامي، وهو من خلق الامويين المخالفين للامام.
والحديث مخالف للآيات القرآنية في وصفها للمنزلة العالية والراقية للحسن كفرد من أفراد البيت المحمدي بقوله تعالى:
(انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)
فهم لا يرتكبون الذنوب الصغيرة والكبيرة كما قال الفخر الرازي ((1)).
ص: 82
فالحسن (عليه السلام)أخلاقه عاليه بالنص القرآني وعلمه عال وسلوكه فاضل باعتراف القرآن والمسلمين اذ يقول المسلمون صباحاً ومساءاً :
(اهدنا الصراط المستقيم).
صراط محمد وعلي وفاطمة والحسن (عليه السلام)والحسين وأولادهم المعصومين.والحسن (عليه السلام)يعرف أنَّ الطلاق الثلاث كالواحد كما اتفق عليه أئمة أهل البيت وعلماؤهم فكيف يرتب أثاراً عليه، بحيث لا يمكنه الرجوع الى زوجته بعد طلاقها منه !!!
أما مخالفة الحديث للقرآن فلقوله تعالى في الآية: من سورة البقرة:
(الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان).
ان قول القائل: " زوجتي طالق مرتين أو ثلاثا ". ليس من الطلاق الثلاث بشئ ما لم يتخلل بين الطلاق الأول والثاني أو ما بعده رجوع بحيث يصدق الطلاق، وبدون تخلل الرجوع لا يصدق أنه طلقها مرتين أو ثلاثا .اذن الامر الاول والثانى من شيم الامويين وأتباعهم واضعي الرواية المذكورة وبعيد عن صفات الامام الحسن (عليه السلام).
ص: 83
قال النبى: إنما بعثت لاتمم مكارم الأخلاق ((1)).
ومن نواميس أخلاقه الرائعة:
مرَّ على فقراء يأكلون كسيرات خبز في الارض فدعوه ليأكل معهم فنزل الحسن (عليه السلام)واكل معهم وقال:
(إنَّ الله لا يحب المستكبرين).
وبقي زادهم على حاله ببركته (عليه السلام) ثم دعاهم الى ضيافته واطعمهم وكساهم واغدق عليهم من نعمه واحسانه ((2)).
كان الحسن (عليه السلام)يسير على قوله تعالى(وَلا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلا السَّيِّ-ئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ فَإذَا الَّذِي بَ-يْنَكَ وَبَ-يْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)((3)).
فكان الحسن (عليه السلام)حسن الخلق مع أعدائه النواصب الحاقدين من أمثال مروان بن الحكم، ولما حمل مروان نعش الحسن (عليه السلام)وكان قبل ذلك يؤذى الحسن (عليه السلام)كثيراً سألوه عن السبب فقال مروان: إني كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال ((4)).
ص: 84
كان الامام الحسن (عليه السلام)مثل جده رسول الله في علمه وحلمه وتقواه وأخلاقه وسيرته قريباً من الله تعالى بعيداً عن الشهوات، قريباً من العبادات بعيداً عن الأهواء، قريباً من الدين بعيداً عن الدنيا.
ومن كانت شمائله هذه فهو بعيد عن الزوجات الكثيرة والطلاق الكثير .
قام الحسنيون بثورات كثيرة في زمن المنصور العباسي 136 - 157 ه- دفعته للافتراء على الامام الحسن (عليه السلام)كما افترى عليه معاوية .ومن الثورات ثورة محمد النفس الزكية ((1)).وقد ظهر هذا في خطاب المنصور فيالخراسانيين معلناً السب والشتم لامير المؤمنين فقد قال في خطابه: «إنَّ ولد آل ابى طالب تركناهم والذى لا اله الا هو والخلافة...ثم قام من بعده الحسن بن علي فوالله ما كان برجل عرضت عليه الأموال فقبلها ودس اليه معاوية أني أجعلك ولي عهدي فخلعه واسلخ له مما كان فيه وسلمه اليه
ص: 85
واقبل على النساء يتزوج اليوم ويطلق غداً أخرى فلم يزل كذلك حتى مات على فراشه»((1)).
ومن الروايات رواية محمد بن عمر قال حدثنا عبد الرحمن بن أبى الموالى قال :سمعت عبد الله بن حسن يقول:«كان حسن بن علي قلما تفارقه أربع حرائر فكان صاحب ضرائر» ((2)).
الرواية عن طريق محمد بن عمر الكذاب الذى ضعفه العلماء .وجاء فى تضعيف الواقدى :قال معاوية بن صالح :ابو عبد الله الواقدى ضعيف ((3)).وعن الشافعى أنه قال :كتب الواقدى كذب .وعن بندار بن بشار:«ما رأيت أكذب شفتين من الواقدي»((4)).وعن محمد بن اسماعيل البخارى :الواقدى متروكالحديث ((5)).وقال النسائى:«الواقدى متروك الحديث».وقال محمد بن راهويه:«كان عندي ممن يصنع»((6)).
ص: 86
وابن كثير ضعَّف الواقدى ((1)).والهيثمى ضعَّف الواقدى ((2)).
والزواج بأربعة فى الرواية ليس فيه ضرر فمعظم الناس سابقاً كان متزوجاً من أربعة .
لكن المطلب المهم هو بروز هذه الرواية فى زمن الواقدى كاتب المنصور وقاضيه على شرق بغداد .ومات ابن سيرين سنة 110 هجرية ((3)) ،وكان أموى الهوى والعقيدة ومقرباً من الحجاج ومؤدباً لاولاده((4))،ولا يلعن الحجاج ((5)).
عثمان بن ابى صفوان الثقفى حدثنا قريش بن انس عن ابن عون عن ابن سيرين الاموى هو الذى افترى رواية:«خطب الحسن بن علي الى منظور بنريان ابنته خولة فقال :والله إنى لأنكحك وإنى لأعلم أنك غلق طلق ملق غير أنك أكرم العرب بيتاً وأكرمهم نفساً فولد منها الحسن بن الحسن »((6)).
ص: 87
وقد ذكرنا فى الروايات المنتهية الى ابن سيرين قد رويت عن طريق أشخاص كذابين يعيشون فى العصر العباسى .وابن سيرين كان عاملا عند الحجاج يساعده فى برامجه المعروفة فى قتل المؤمنين وتحريف الشريعة .
وأول من افترى على الامام الحسن (عليه السلام)بتهمة المطلاق كان فى الزمن الاموى كما هو واضح فى الروايات التى ذكرناها والراجعة الى العصر الاموي ثم كثرت الروايات فى العصر العباسي بواسطة المنصور الدوانيقي .
وكان افتراء المنصور على الحسن قد جاء رسمياً عبر لسانه!!!وكان عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبى طالب ذا منزلة من عمر بن عبد العزيز فى خلافته ثم أكرمه ابو العباس ووهب له ألف ألف درهم ((1)).
ثم توفي فى حبس أبى جعفر المنصور وهو ابن خمس وسبعين سنة ((2)).
ص: 88
عن عبد الله بن عباس :بعد ولادة علي بن عبدالله بن عبّاس أخذه الإمام علي فحنّكه ودعا له، ثمّ ردّه إليه ، وقال: «خذه إليك أبا الأملاك، قد سمّيته عليّاً، وكنّيته أبا الحسن (عليه السلام)»((1)).يابن عبّاس، إنّ ملك بني أُميّة إذا زال فأوّل ما يملك من بني هاشم ولدك، فيفعلون الأفاعيل»((2)).
قلت لعلي بن أبي طالب (عليه السلام): «متى دولتنا يا أبا حسن؟ قال: إذا رأيت فتيان أهل خراسان أصبتم أنتم إثمها، وأصبنا نحن بِرّها»((3)).
وقال الإمام علي (عليه السلام) - في خطبته -:« ويل هذه الأُمّة من رجالهم الشجرة الملعونة ، التي ذكرها ربّكم تعالى ! أوّلهم خضراء، وآخرهم هزماء، ثمّ يلي بعدهم أمر أُمّة محمّد رجال، أوّلهم أرأفهم، وثانيهم (المنصور) أفتكهم، وخامسهم كبشهم، وسابعهم أعلمهم، وعاشرهم أكفرهم، يقتله أخصّهم به، وخامس عشرهم كثير العناء قليل الغناء، سادس عشرهم أقضاهم للذمم وأوصلهم للرحم، كأنّي أرى ثامن عشرهم تفحص رجلاه في دمه بعد أن يأخذ جنده بكظمه، من ولده ثلاثة رجال سيرتهم سيرة الضلال، والثاني والعشرون منهم الشيخ الهرم، تطول أعوامه، وتوافق
ص: 89
الرعيّة أيّامه، والسادسوالعشرون((1))
منهم يشرد الملك منه شرود المنفتق، ويعضده الهزرة((2)) المتفيهق((3))، لكأنّي أراه على جسر الزوراء قتيلا.(ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّم لِلْعَبِيدِ)((4)).
ص: 90
وقال (عليه السلام): إنّ ملك ولد بني العبّاس من خراسان يقبل، ومن خراسان يذهب »((1)).
لقد بيَّن الامام علي قضية المنصور أنه سيكون فاتكاً قاتلا للنفس المحترمة .
(مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْس أوْ فَسَاد فِي الأرْضِ فَكَأنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أحْيَاهَا فَكَأنَّمَا أحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)((2)).
فلا يقبل قوله بناءاً على مجازره الدموية بارتكابه الكبائر .ويستحق العقاب الالهى بقول النبي :اشتد غضب الله على من آذاني فى عترتي من بعدى ((3)).
هناك دوافع كثير لافتراءات معاوية ضدَّ الحسن منها :
ص: 91
لم يكن من حق معاوية تعيين ولي للعهد لحكمه بل الأمر للامام الحسن (عليه السلام)من بعده:
قال ابن حجر:
هذا ما صالح عليه الحسن (عليه السلام) معاوية.. وليس لمعاوية أن يعهد الى أحد من بعده عهداً بل يكون الأمر بعده شورى بين المسلمين ((1)).
لكن معاوية لم يلتزم بمعاهدة الصلح. وكان المسلمون ينظرون اليه نظرة رجل كافر .
تزوج أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد وفاة فاطمة الزهراء بتسع ليال وتوفي عن أربعة:
امامة وأمها زينب، وأسماء، وليلى التميمية، وأم البنين. وخطب المغيرة بن نوفل امامة ثم أبو الهياج. فروت عن علي(عليه السلام): أنه لا يجوز لأزواج النبي والوصي أن يتزوجن بغيره بعده((2)).
ص: 92
فلم تتزوج امرأة ولا أم ولد بهذه الرواية، وتوفي صلوات الله وسلامه عليه عن ثماني عشرة أم ولد.
فكيف يطلق الامام الحسن (عليه السلام) العشرات والمئات من النساء مع وجود هذه المشكلة الكبيرة لهن والمتمثلة في عدم زواجهن من بعده.
فهل يقدم الامام الحسن (عليه السلام) المعصوم وسبط النبي على القاء البلاء في بيوت نسائه المؤمنات وتركهن دون معيل ولا حام ولا هاد.
بينما الهادي في القرآن هم أهل بيت المصطفى: قال الله تعالى:
(إنَّمَا أنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْم هَاد) ((1)).
المنذر: رسول الله ، والهادي: علي وليُّ الله (والأئمة من بعده) روى هذا الحديث وأشباهه بطرق وأسانيد كثيرة ومعتبرة، تنتهي إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وجماعة من الصحابة منهم: ابن عبّاس، أبو هريرة، أبو برزة الأسلمي، جابر بن عبدالله الأنصاري، أبو فروة السلمي، يعلي بن مرّة، عبدالله بن مسعود، سعد بن معاذ ((2)) »:
ص: 93
وقال الامام علي سلام الله عليه في خطبته:
«أنا الهادي، وأنا المهتدي»((1)).
لو ترك النبي أو الوصي المعصومان الكثير من المطلقات اللاتي لا يحق لهن الزواج من بعدهما لأوجدا مشكلة اجتماعية .
بينما جاء المعصوم لهداية المجتمع وهدايته الى الأفضل .
ص: 94
الأرملة فى اللغة هي التي مات عنها زوجها وتركها دون معيل يعيلها ودون والي يتولى أمرها فتكون مثل اليتيم ،لذا تقتل الحكومات الطاغية المعارضين لها من الرجال فتتسبب فى كثرة الأيتام والأرامل فى المجتمع .
وهؤلاء إن لم تتكفل بهم الدولة يسيبون فى البلاد ويكونون عرضة لكل المؤامرات المعادية للاسلام .
والمرأة التى بقيت فى عصمة النبي الأكرم بعد وفاته تسمَّى أماً للمؤمنين ولا يحق لها الزواج من بعد موته .
والتي تريد الطلاق والفراق من النبي أو الوصي يحق لها الزواج من بعده لانها خرجت من عهدته وقيده كما قال الله سبحانه وتعالى :
يَا أيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لاِزْوَاجِكَ إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ اُمَتِّعْكُنَّ وَاُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلا، وَإنْ كُ-نْتُنَّ تُرِدْنَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإنَّ اللّهَ أعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أجْراً عَظِيماً ((1)).
اذن أرملة النبي والوصي لا يحق لها أن تتزوج من بعده ،والمطلقة منه لها الحق فى الزواج من بعده .
ص: 95
كان معاوية يفحص ويحقق في عثرات أعدائه ليحطمهم به وعلى رأسهم الامام الحسن (عليه السلام)المنافس له في حكمه والمتفضل عليه في صفاته الأخلاقية وأعماله ونسبه وعلمه.
لكننا لم نعثر على نص يتَّهم معاوية الامام الحسن في زمن حياته بالمطلاق وكثرة النساء والاسراف في مهورهن.
والظاهر أنه اتهمه بالمطلاق لكن لم تصل الينا الروايات بذلك .
ولم تذكر كتب الرجال والانساب ذلك فهو عندهم مثل بقية الناس في تعداد النساء .وكتب التاريخ لم تذكر أولاده بتعداد أكثر من أولاد أبيه ولا نساءه اكثر من نساء أبيه.
وأعداء الامام الحسن (عليه السلام)مثل المغيرة وابن العاص لم يتَّهموا الامام الحسن(عليه السلام)بكثرة الزيجات وانا اعتقد ان معاوية هو البادىء بها ثم وسعها النواصب فى عهد الامويين والعباسيين .
ووفق هذا الرأي تنفتح آفاق جديدة عن كذب العباسيين في عالم الحديث، وهو دور لم تلق الأضواء عليه بشكل جيد ويحتاج الى بحوث أكاديمية في هذا المجال بينما جاء في كتاب الطبقات لابن سعد لا تجده سمى للحسن (عليه السلام) أكثر من ست نساء وأربع أمهات أولاد.
والمدائني أيضاً لم يعد للحسن (عليه السلام) أكثر من عشر نساء ((1)) .
ص: 96
جاء في الروايات تزوج 80، 300، 1000 امرأة.
قال مالك بن أنس عن المغيرة: كان نكاحاً للنساء وكان يقول صاحب الواحدة إن حاضت حاض معها وان مرضت مرض معها وصاحب الثنتين بين نارين يشتعلان فكان ينكح أربعاً ويطلقهن جميعاً.
وقال غيره: تزوج ثمانين امرأة وقيل ثلاث مائة امرأة، وقيل أحصن بألف امرأة((1)).
قال المغيرة بن شعبة عن امرأة : فنظرت اليها ثم تزوجتها فما وقعت عندي إمرأة بمنزلتها ولقد تزوجت بسبعين امرأة((2)).
وسمَّاه أبو الفرج الاصفهانى الزاني((3)).
وقال المدائني: كان المغيرة أزنى الناس في الجاهلية((4)).
وكتب أبو نصر القشيري أبو بكر البيهقي حدثنا أبو عبد الله الحافظ حدثني علي ابن حمشاذ العدل نا إسماعيل بن قتيبة حدثنا علي بن قدامة قال سمعت أبا إسحاق الطالقاني يقول: سمعت ابن المبارك يقول كان تحت
ص: 97
المغيرة بنشعبة أربع نسوة قال فصففن بين يديه فقال إنكن حسنات الأخلاق طوالات الأعناق ولكني رجل مطلاق أنتن طلاق((1)).
وأخبرنا أبو نصر غالب بن أحمد بن المسلم أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن زهير المالكي أنا أبو الحسن علي بن محمد بن شجاع الربعي أنا محمد بن علي أبو بكر الغازي أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني أحمد بن سهل الفقيه نا إبراهيم بن معقل نا حرملة بن يحيى نا ابن وهب قال سمعت مالكا يقول:
كان المغيرة بن شعبة نكاحا للنساء ويقول صاحب المرأة الواحدة إن مرضت مرض معها وإن حاضت حاض معها وصاحب المرأتين بين نارين يشتعلان قال وكان ينكح أربعا جميعا ويطلقهن جميعا أخبرنا أبو سهل محمد بن إبراهيم أنا أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد أنا جعفر بن عبد الله أنا محمد بن هارون نا عباس بن محمد الدوري نا الفيض بن الفضل البجلي نا منصور بن أبي الأسود عن ليث بن أبي الأسود عن ليث بن أبي سليم قال قال المغيرة بن شعبة أحصنت ثمانين امرأة فأنا أعلمكم بالنساء كنت أحبس المرأة لجمالها وأحبس المرأة لولدها وأحبس المرأة لقومها وأحبس المرأة لمالها فوجدت صاحب الواحدة إن زارت زار وإن حاضت حاض وإن نفست نفس وإن اعتلت اعتل معها بانتظاره لها ووجدت صاحب الثنتين في حرب هما نار ان يشتعلان ووجدت صاحب الثلاث في نعيم وإذا كن أربعا كان في نعيم لا يعدله شئ ولا يقتصرن أحدكم على الواحدة فيكون مثله
ص: 98
مثل أبي جفنةوامرأته أم عقار أنه قال لها إذا كنت خاطبا فإياك وكل مجفرة((1)) مبخرة منتفخة الوريد كلامها وعيد وبصرها حديد سفعاء ((2)).
فوهاء ((3)).
قليلة الإرغاء دائمة الدعاء سلفع لا تروى ولا تشبع دائمة القطوب عارية الظنبوب((4)) حديدة الركبة سريعة الوثبة شرها يفيض وخيرها يغيض لا ذات رحم قريبة ولا غريبة نجيبة إمساكها مصيبة((5)).
أبو عبد الله المحدث رامش أفزاي: إن هذه النساء كلهن خرجن خلف جنازته (الحسن) حافيات((6)).
في رواية: خرجن حافيات حاسرات خلف جنازته.
الرد السني للرواية:
ص: 99
قال الدكتور الصلابى: إنَّ افتعال ذلك صريح واضح..فما الموجب لهذا التعريف والسير في الموكب المزدحم بالرجال مع أنهن قد أمرن بالتستر وعدم الخروج من بيوتهن ((1)) ؟
ص: 100
جرائم معاوية تبطل ادعاءه:
القرآن يكذب معاوية :
تكفير الوصي لمعاوية :
الحسن (عليه السلام)يكذِّب إدعاء معاوية:
جواب الامام الحسن (عليه السلام)لمعاوية: الخلافة لي ولأهل بيتي نصاً :
الحسن (عليه السلام)يتَّهم معاوية بالاحتيال والاغتيال:
اعتراف معاوية بباطله :
ص: 101
الادعاء يتمثل فى دعوى معاوية أهليته للخلافة بتأييد الامام الحسن (عليه السلام)ذلك وهى دعوى كاذبة على لسان الحسن (عليه السلام)أُريد بها تصحيح حكم معاوية وكسب التأييد الشعبى له .لذا قال الحسن (عليه السلام):
أيها الناس إن معاوية زعم أنى رأيته للخلافة أهلا((1)).
قال الامام الحسن (عليه السلام): إن معاوية زعم أنى رأيته للخلافة أهلا ولم أر نفسى لها أهلا.
فكذب معاوية نحن أولى الناس بالناس في كتاب الله عز وجل وعلى لسان نبيه.. . كما جاء في كتاب حياة الحيوان للدميري((2)).
وهذا تصريح خطير بأن الولاية له من الله على الناس وهي قائمة لا تزول بذهاب الملك واستلام الطغاة لمقاليد الأمور.
ص: 102
اذن رد الامام الحسن (عليه السلام)عن تلك الشبهة الأموية مبطلا إياها مكذباً لها. وقد كذبها الحسن(عليه السلام)بالقرآن والسنة النبوية:(إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)((1)).
لقد راق لمعاوية السفاح المتهتك أن يصف نفسه بالحلم والقادر والمدير رغم سجل حياته المليء بالأعمال المخزية والموبقات المخجلة، والمواضيع القادمة تبين حقيقة معاوية:
بنو أمية الشجرة الملعونة في القرآن وعلى لسان النبي (صلى الله عليه وآله):
قال الفخر الرازي في تفسيره الكبير في ذيل تفسير الآية:
(وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ)((2)) .
والآية تقصد بني أُميّة وفيهم معاوية بن أبي سفيان والحكم بن أبي العاص ومروان وأولاده، وفعلا كانت أفعالهم سيّئة طبقاً للآية القرآنية.
ص: 103
وكان الحكم يتجسس على النبي فنفاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، إلى أن قال: ومما يؤكد هذا التأويل قول عائشة لمروان : لعن الله أباك وأنت في صلبه فأنت بعض من لعنه الله ((1)) .
واذا كان معاوية من الشجرة الملعونة فكيف يصف نفسه بالحلم وأفضليته على الحسن!!!
وأخرج ابن مردويه عن الحسين بن علي: «إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أصبح وهو مهموم فقيل: مالَك يا رسول الله؟
قال(صلى الله عليه وآله وسلم): إني أُريت في المنام كأنّ بني أُميّة يحوّرون منبري هذا، فقيل: يا رسول الله لا تهتم فإنّها دنيا تنالهم، فأنزل الله :
(الآية )((2)) .
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي((3)) وابن عساكر((4))، عن سعيد ابن المسيّب قال: رأى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بني أُميّة على المنابر فساءه ذلك، فأوحى الله تعالى إليه: إنّما هي دنيا أُعطوها. فقرّت عينه وذلك قوله تعالى:
ص: 104
(الآية )((1)).
النبي محمد: وفي لفظ: إنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) رأى في المنام أنّ ولد الحكم بن أُميّة يتداولون منبره كما يتداول الصبيان الكرة فساءه ذلك ((2)).
وفي لفظ للحاكم والبيهقي في الدلائل ((3)) وابن عساكر ((4)) وأبي يعلي من طريق أبي هريرة: «إنّي أريت في منامي كأنّ بني الحكم بن العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة» فما روى النبيّ مستجمعاً ضاحكاً حتى توفّي((5)).
قال النبي (صلى الله عليه وآله): إذا رأيتم معاوية على منبري هذا فاقتلوه((6)).
ص: 105
وفي معركة تبوك شاهد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) معاوية وعمرو بن العاص يسيران ويتحدثان فقال: إذا رأيتموهما اجتمعا ففرّقوا بينهما، فإنّهما لا يجتمعان على خير أبداً((1)).
وروى ابن مسعود قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ لكل دين آفة، وآفة هذا الدين بنو أميّة((2)).
وقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): يموت معاوية على غير الإسلام((3)).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): معاوية في تابوت من نار في أسفل درك منها((4)).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): يطلع من هذا الفجّ رجل من أُمّتي يُحشر على غير ملّتي فطلع معاوية ((5)).
ومن قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت وهو على غير سنتى فطلع معاوية((6)).وعندما قاد أباه أبا سفيان
ص: 106
لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): القائد والمقود وقال: ويل لأُمّتي من معاوية ذي الأستاه((1)).
ولعن النبي (صلى الله عليه وآله) معاوية وعتبة وأبا سفيان((2)) ولعن النبي (صلى الله عليه وآله) بني أميَّة((3)) ،
و فضح منهجيّة آل أبي العاص ،واعترف يزيد بكفره قائلا :
لعبت هاشم بالملك فلا - خبر جاء ولا وحي نزل((4)).
وأخرج ابن أبي حاتم عن يعلي بن مُرّة: قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «رأيت بني أُميّة على منابر الأرض وسيملكونكم فتجدونهم أرباب سوء»، واهتمّ رسول الله لذلك، فأنزل الله:
(وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِى أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِى الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا)((5)).
ص: 107
وأول ملوك بني أمية عثمان بن عفان ثم معاوية ثم يزيد ومروان و...
وهكذا كانت سيرة بني أمية سيرة سيئة فى الاسلام والمسلمين وما زال المسلمون يأنون من مؤامراتهم الدنيئة المخزية .
وقد قال علي (عليه السلام) لكل أُمّة آفة، وآفة هذه الاُمّة بنو أُميّة((1)).
وقال الإمام علي (عليه السلام)- في خطبته -: ويل هذه الأُمّة من رجالهم الشجرة الملعونة ، التي ذكرها ربّكم تعالى ! أوّلهم خضراء، وآخرهم هزماء ((2)).
ومن قول أمير المؤمنين لمعاوية: طالما دعوت أنت وأولياءك أولياء الشيطان الرجيم الحق أساطير
الاولين ونبذتموه وراء ظهوركم. وحاولتم إطفاء نور الله بأيديكم و أفواهكم والله متم نوره ولو كره الكافرون. ومن قوله (عليه السلام): إنك دعوتنى إلى حكم القرآن، ولقد علمت أنك لست من أهل القرآن، ولا حكمه تريد ((3))
ص: 108
ومن قوله (عليه السلام) في معاوية: إنه الجلف المنافق، الاغلف القلب، المقارب العقل ((1)) ومن قوله (عليه السلام) في معاوية: إنه فاسق مهتوك ستره ((2)).
ومن قوله (عليه السلام) في معاوية: إنه الكذاب إمام الردى، وعدو النبى، وإنه الفاجر ابن الفاجر، وإنه منافق ابن منافق يدعو الناس إلى النار ((3)).
هذه الروايات تبين كذب معاوية وانه لا يمكن الاستناد على أقواله ولو أضفناها الى ما قاله النبى الاكرم فيه يثبت لنا كفره وكذبه .
الاحتجاج: عن سليم بن قيس قال: قام الحسن بن على بن أبي طالب (عليه السلام)على المنبر حين اجتمع مع معاوية، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إن معاوية زعم أنى رأيته للخلافة أهلا، ولم أر نفسى لها أهلا، وكذب معاوية أنا أولى الناس بالناس، في كتاب الله، وعلى لسان نبى الله، فاقسم بالله لو أن الناس بايعونى وأطاعونى ونصرونى لاعطتهم السماء قطرها، والارض بركتها، ولما طمعت فيها يا معاوية، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما ولت أمة أمرها رجلا قط وفيهم من هو أعلم
ص: 109
منه إلا لم يزل أمرهميذهب سفالا، حتى يرجعوا إلى ملة عبدة العجل. وقد ترك بنو إسرائيل هارون، واعتكفوا على العجل، وهم يعلمون أن هارون خليفة موسى، وقد تركت الامة عليا (عليه السلام) وقد سمعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)يقول لعلي (عليه السلام): " أنت منى بمنزلة هارون من موسى غير النبوة فلا نبى بعدي " وقد هرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)من قومه، وهو يدعوهم إلى الله، حتى فر إلى الغار، ولو وجد عليهم أعوانا ما هرب منهم، ولو وجدت أعوانا ما بايعتك يا معاوية. وقد جعل الله هارون في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه، ولم يجد عليهم أعوانا، وقد جعل الله النبى (صلى الله عليه وآله وسلم)في سعة حين فر من قومه، لما لم يجد أعوانا عليهم، وكذلك أنا وأبي في سعة من الله، حين تركتنا الامة وبايعت غيرنا ولم نجد أعوانا. وإنما هي السنن والامثال يتبع بعضها بعضا.
أيها الناس إنكم لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب لم تجدوا رجلا من ولد نبى غيري وغير أخى((1)).
الامام الحسن (عليه السلام) هنا بين الاسباب التى دعته الى صلح معاوية مشبِّها إياهم باليهود الذين عبدوا العجل وهم يعلمون أن هارون (عليه السلام) خليفة موسى (عليه السلام).
ص: 110
جواب الامام الحسن (عليه السلام)لمعاوية: الخلافة لي ولأهل بيتي نصاً:ثم كتب جوابا لمعاوية: إنما هذا الامر لى والخلافة لى ولاهل بيتى، وإنها لمحرمة عليك وعلى أهل بيتك، سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لو وجدت صابرين عارفين بحقى غير منكرين، ما سلمت لك ولا أعطيتك ما تريد". وانصرف إلى الكوفة((1)).
وقال الحسن بن علي(عليه السلام)لمعاوية: أنت ببيعة الرضوان كافر، وببيعة الفتح ناكث، وانك يا معاوية وأباك من المؤلفة قلوبهم، تسرُّون الكفر وتظهرون الإسلام وتستمالون بالأموال ((2)).
هذه النصوص تبين عدم أهلية معاوية للخلافة الاسلامية .
وتبين اعتقاد الامام الحسن بعدم صلاحيته لادارة أي أمر من أمور المسلمين .
ص: 111
وكتب الحسن (عليه السلام)الى معاوية: أما بعد فانك دسست الرجال للاحتيال والاغتيال وأرصدت العيون كانك تحب اللقاء وما أوشك ذلك فتوقعه إن شاء الله تعالى.
وبلغنى أنك شمتَّ بمقتل علي (عليه السلام)بما لم يشمت به ذو حجى.
واجتمعت العساكر الى معاوية وسار قاصداً العراق وقد عبأ هؤلاء استعداداً لمحاربة الامام الحسن(عليه السلام)((1)).
وفضح الامام الحسن (عليه السلام) معاوية قائلاً:
دع البغي واحقن دماء المسلمين فوالله مالك خير في أن تلقى الله من دمائهم بأكثر مما أنت لاقيه به((2)).
وقال (عليه السلام) (وكان معاوية حاضرا):
ليس الخليفة من دان بالجور، وعطل السنن واتخذ الدنيا أبا وأما، ولكن ذلك ملك أصاب ملكا تمتع به، وكأن قد انقطع عنه واستعجل لذته، وبقيت عليه تبعته، فكان كما قال الله عزوجل: وإن أدرى لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين((3)).
ص: 112
وهذا تعريض بمعاوية وأنه ليس أهلا للخلافة وانما هو ملك يطلب الدنيا((1)).
أبو ذر: قال أبو ذر لعثمان: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : إذا بلغت بنو أمية أربعين اتّخذوا عباد الله خولاً ، ومال الله نحلاً ، وكتاب الله دغلاً((2)) .
وعن أبي برزة الأسلمي ، قال : كان أبغض الأحياء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بنو أمية وبنو حنيفة وثقيف ، قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين . وذكره الهيثمي في مجمعه قال : رواه أبو يعلى((3)) .
عمر بن الخطاب: وعن عمر بن الخطاب ، في قوله تعالى :
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً)((4)).
ص: 113
قال : هما الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو أمية ، قال : أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه ((1)) .
أبو أيوب الانصاري: ومن قول أبي أيوب الانصاري في معاوية: إن معاوية كهف المنافقين ((2)).
قيس بن سعد الانصاري: ومن قول قيس بن سعد الانصاري في معاوية: إنه وثن ابن وثن، دخل في الاسلام كرها وخرج منه طوعا، لم يقدم إيمانه، ولم يحدث نفاقه ((3)).
ومن قول معن السلمى الصحابى البدري في معاوية: ما ولدت قرشية من قرشى شرا منك ((4)).
ومن أقوال الامام الحسن (عليه السلام)السبط وأخيه الحسين صلوات الله عليهما، وعمار بن ياسر، وعبد الله بن بديل، وسعيد بن قيس، وعبد الله بن العباس، وهاشم بن عتبة المرقال، وجارية بن قدامة، ومحمد بن أبي بكر، ومالك بن الحارث الاشتر في معاوية:
ص: 114
هذا مجتهدنا الطليق عند أولئك الاطايب، وعند الوجوه والاعيان من الصحابة الاولين العارفين به على سره وعلانيته، المطلعين على أدوار حياته طفلا ويافعا وكهلا وهما، وأنت بالخيار في الاخذ بأي من النظريتين: ما سبق لله ولرسوله وخلفائه و أصحابه المجتهدين العدول، أو ما يقول هؤلاء الابناء ومن شاكلهم من المتعسفين الناحتين للرجل أعذارا هي أفظع من جرائمه((1)).
قال معاوية في خطبته: أما بعد ذلك فانه لم تختلف أمة بعد نبيها الا غلب باطلها حقها.
لقد حاول معاوية رد القرآن الكريم الذى وصف الامويين بالشجرة الملعونة فى القرآن الكريم .
وانتبه معاوية لما وقع فيه فقال: الا ما كان من هذه الأمة فإن حقها غلب باطلها((2)).
ص: 115
لما استتمت الهدنة على ذلك، سار معاوية حتى نزل بالنخيلة((1))، وكان ذلك يوم جمعة فصلى بالناس ضحى النهار، فخطبهم وقال في خطبته:
إنى والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا، إنكم لتفعلون ذلك، ولكنى قاتلتكم لاتأمر عليكم، وقد أعطانى الله ذلك وأنتم له كارهون. ألا وإنى كنت منيت الحسن (عليه السلام)وأعطيته أشياءا، وجميعها تحت قدمى لا أفي بشئ منها له - وجاء: ثم سار حتى دخل الكوفة فأقام بها أياما، فلما استتمت البيعة له من أهلها، صعد المنبر فخطب الناس، وذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) فنال منه ونال من الحسن (عليه السلام)، وكان الحسن (عليه السلام)والحسين صلوات الله عليهما حاضرين، فقام الحسين ليرد عليه فأخذ بيده الحسن (عليه السلام)فأجلسه ثم قام فقال: " أيها الذاكر عليا، أنا الحسن وأبي على (عليه السلام)، وأنت معاوية وأبوك صخر، وأمى فاطمة وأمك هند، وجدي رسول الله وجدك حرب، وجدتى خديجة وجدتك قتيلة، فلعن الله أخملنا ذكرا، وألأمنا حسبا، وشرنا قدما، وأقدمنا كفرا ونفاقا " فقال طوائف من أهل المسجد: آمين آمين((2)).
ص: 116
أراد معاوية البيعة لابنه يزيد، فلم يكن شىء أثقل عليه من أمر الحسن بن على وسعد بن أبي وقاص، فدس إليهما سما فماتا منه.
وسبب ثقل أمر الحسن (عليه السلام) وسعد عليه هو: أن سعدا كان الباقى من الستة أهل الشورى الذين رشحهم عمر للخلافة من بعده. فسعد بن أبي وقّاص : اغتاله معاوية بالسم للقضاء على جميع الرموز المعروفين في العالم الإسلامي وتسهيل وصول الحكم إلى ابنه يزيد الخليع((1)).
وأما الحسن (عليه السلام)فلما جاء في معاهدة الصلح بينهما: أن يكون الامر للحسن من بعده، وليس لمعاوية أن يعهد به إلى أحد ((2)) .
ولم يكن معاوية خائفاً من آخرة ولا من شرع سماوي ولا من أهل بيت النبوة ولا من صحابة النبي(صلى الله عليه وآله)يفعل ما يشاء .فكان يقتل كل من يقف فى طريق أهدافه من أهل البيت كان أو من الصحابة فقد قتل الامام الحسن بالسم ((3)).
ص: 117
وقال ابن كثير: «لمّا طالبوا عبدالرحمن بن أبي بكر ببيعة يزيد بن معاوية قال عبدالرحمن: جعلتموها هرقلية وكسروية.فقال له مروان: اسكت فإنّك أنت الذي أنزل الله فيك: والذي قال لوالديه أُف لكما أتعدانني أن أُخرج »((1)).
فمات عبدالرحمن فجأة قبل وصوله مكّة وقبل بيعته يزيدا ((2)).
وجاء دفن معاوية عبد الرحمن بن أبى بكر حياً فى طريق مكة ((3)).
فقالت عائشة: «ما أنزل الله فينا شيئاً من القرآن، ثمّ بعثت إلى مروان تعاتبه وتؤنّبه وتخبره بخبر فيه ذمّ له ولأبيه»((4)).
قال مخلد شعيرى كنت في مجلس عبد الرزاق فذكر رجل معاوية، فقال: لا تقِّذر مجلسنا بذكر ولد أبي سفيان ((5)).
ص: 118
وقال يحيى بن عبد الحميد الحماني: كان معاوية على غير ملة الاسلام((1)).
وهو رأى الحاكم لذا كان الحاكم النيشابورى مستعداً للسجن من قبل الحكومة في بيته على أن يخرج الى الحرية مقابل حديث كاذب في صالح معاوية وقد نال الذهبى الناصبي منه لأجل موقفه ذاك:
قال ابن طاهر: كان (الحاكم) منحرفاً غالياً عن معاوية ((2)) يتظاهر بذلك ولا يعتذر منه. فسمعت أبا الفتح سمكويه بهراة سمعت عبد الواحد المليحى سمعت أبا عبد الرحمن السلمى يقول: دخلت على الحاكم (النيشابورى )وهو في داره لا يمكنه الخروج (كان سجين داره من قبل الحكومة)،فقلت له: لو خرجت وأمليت في فضائل هذا الرجل حديثاً لاسترحت من المحنة.
فقال: لا يجيء من قلبي لا يجيء من قلبي((3)).
الواضح من الرواية انَّ الحكومة الاموية كانت تجبر الرواة والعلماء على رواية فضائل للبعض والا فالسجن والعقوبات في انتظارهم ،فياترى كم دونوا لنا من فضائل مزيفة في حق أعداء أهل البيت.
قال العينى: فان قلت قد ورد في فضيلته (معاوية) أحاديث كثيرة.
ص: 119
فقلت: نعم ولكن ليس فيها حديث يصح من طريق السناد. نصَّ عليه ابن راهويه والنسائى وغيرهما، فلذلك قال البخارى: باب ذكر معاوية ولم يقل: فضله ولا منقبته((1)).
وقال الشوكانى: إتفق الحفاظ على أنه لم يصح في فضل معاوية حديث((2)).
قيل للمامون: لو امرت بلعن معاوية؟ فقال: معاوية لا يليق أن يذكر في المنابر لكن أفتح أفواه أجلاف العرب ليلعنوه في السوق والمحلة والسكة وطرقهم((3)).
وكان الظالمون يسجنون كل من لم يضع لهم الفضائل مثلما فعلوا مع الحاكم .
اذن كان معاوية فى نظر العلماء طاغية كافر بعيد عن الدين مخالف للشريعة .
لذا كذَّب العلماء فضائل معاوية،ومن هؤلاء ابن تيمية الناصبى :
قال ابن تيمية: طائفة وضعوا لمعاوية فضائل ورووا الحديث عن النبى في ذلك كلها كذب ((4)).
ص: 120
لقد ادرك الكثيرون كذب معاوية فى الحديث وخاصة فى ايجاد فضائل للصحابة وايجاد مطاعن لاهل بيت النبوة .
أوجد الامويون الكثير من الاكاذيب فى التراث الاسلامي ومنها رواية أصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم .
وهو مشروع خطير لجعل عصمة لكل الصحابة بما فيهم الكذابين والمنافقين المعروفين مثل ابن أبي .
هؤلاء الامويون ارادوا محو عصمة أهل البيت واختراع عصمة للصحابة الصالحين والفاسقين .
وقصة محمود أبو رية مع الناصبى محب الدين الخطيب معروفة :حيث قال له الخطيب :كيف تكذِّب الصحابة والرسول قال: اصحابى كالنجوم ؟
فقال محمود أبو رية: أنت أوردت الحديث على أنه صحيح وقد كذبه الكثير ومن كبار الطاعنين ابن تيمية.
فقال الناصبى: أين فقال أبو رية في نفس تعليقاتك على كتاب المنتقى. فقال الخطيب: في أي صفحة ؟
فقال محمود أبو رية في صفحة 551 حيث يقول ابن تيمية: وحديث أصحابى كالنجوم ضعفه أئمة الحديث فلا حجة فيه.
ص: 121
فبهت الخطيب واصفر لونه.
فقال أبو رية: إنَّ كتاب المنتقى هذا سيسجل عليك هذا الجهل وهذه الوصمة الى يوم القيامة.
وقد كذَّب الحديث ابن حزم قائلا: مكذوب موضوع باطل.
وقال البيهقى: متنه مشهور واسانيده ضعيفة.
وما ذنب حجر وأصحابه الصلحاء ومن شاكلهم من أهل الصلاح وحملة الاسلام الصحيح إذ عبسوا على إمارة السفهاء ؟ إمارة الوزع ابن الوزغ، إلى أزنى ثقيف مغيرة، إلى طليق استه بسر بن أرطاة، إلى ابن أبيه زياد، إلى خليفتهم الغاشم ابن هند. و حجر وأصحابه هم الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وأخبتوا إلى ما جاء به نبى الاسلام، وقد صح عنه (صلى الله عليه وآله وسلم)أنه قال لجابر بن عبد الله: أعاذك الله من إمارة السفهاء. قال: وما إمارة السفهاء ؟ قال: أمراء يكونون بعدي لا يقتدون بهديى، ولا يستنون بسنتى،فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا منى ولست منهم((1)).
ص: 122
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إن هلاك أمتى أو فسادا أمتى رؤس أمراء أغيلمة سفهاء من قريش وعن كعب بن عجرة مرفوعا: سيكون أمراء يكذبون ويظلمون، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فليس منى ولا أنا منه، ولا يرد على الحوض يوم القيامة، ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم فهو منى وأنا منه، ولا يرد على الحوض يوم القيامة. وقال لهم حجر: دعونى أصلى ركعتين، فأيمن الله ما توضأت قط إلا صليت ركعتين((1)) .
حجر بن عدي وشريك بن شداد الحضرمى وصيفى بن فسيل((2)) الشيبانى وقبيصة بن ضبيعة العبسى ومحرز بن شهاب السعدي ثم المنقري وكدام بن حيان العنزي وعبد الرحمن بن حسان العنزي بعث به إلى زياد فدفن حيا بقسالناطف فهم سبعة قتلوا ودفنوا وصلى عليهم قال وزعموا أن الحسن (عليه السلام)لما بلغه قتل حجر وأصحابه قال صلوا عليهم وكفنوهم واستقبلوا بهم القبلة قالوا نعم قال حجوهم ورب الكعبة تسمية من نجا منهم كريم بن عفيف الخثعمى وعبد الله بن حوية التميمى وعاصم بن عوف
ص: 123
البجلى وورقاء بن سمى البجلى والارقم بن عبد الله الكندي وعتبة بن الاخنس من بنى سعد بن بكر وسعيد بن نمران الهمدانى فهم سبعة قال الطبري ومقتل حجر بن عدي وأصحابه في سنة إحدى وخمسين((1)).
سمل معاوية عيون الشيعة وصلبهم على جذوع النخل وشرَّدهم وطاردهم ونفاهم من ارضهم وديارهم.
ودفن آخرين أحياءاً ومن هؤلاء عبد الرحمن بن حسان العنزي((2))
وطافوا برؤوس الشيعة وأول رأس طافوا به هو رأس عمرو بن الحمق الخزاعي((3)) وعندما قتل معاوية عمرو بن الحمق الخزاعى وأرسل رأسه الى زوجته أقدمت هذه على إرجاعه اليه قائلة أهلا وسهلا بمن كنت له غير قالية وأنا له اليوم غير ناسية.
وقالت للحرس: ارجع به أيها الرسول الى معاوية فقل له: ولا تطوه دونه: ايتم الله ولدك وأوحش منك أهلك ولا غفر الله لك ذنبك.
ص: 124
فدعاها معاوية وفي حضوره قالت: لقد اجتهد في الدعاء وأنَّ الحق من وراء العباد وما بلغت شيئاً من جزائك وأنَّ الله بالنقمة من ورائك، فأمر معاوية بنفيها من الشام((1)) وقالوا قتلها.
وأمر معاوية زياد بن أبيه : أن اقتل كل من كان على دين علي ((2)).
وجاء فى الرواية :لقد كان معاوية في زمان خلافته يقتل شيعة علي (عليه السلام)ويستأصل شأفتهم((3)).
وأجهر اللعين معاوية بسب على والحسن (عليه السلام)والحسين (عليه السلام)على المنابر.. .
ولما استقر الامر لمعاوية دخل عليه سعد بن أبي وقاص فقال السلام عليك أيها الملك فضحك معاوية وقال :ما كان عليك يا أبا إسحاق لو قلت يا أميرالمؤمنين فقال :أتقولها جذلان ضاحكا والله ما أحب أنى وليتها بما وليتها به((4))!!!.
ص: 125
وقال أبو نعيم، باسناده، عن معاوية، أنه قال: أنا أول الملوك((1)).
وأخرج البيهقى في المدخل عن سفينة : أن أول الملوك معاوية ((2)).
روى المسعودي بإسناده قال: " حبس معاوية صعصعة بن صوحان العبدي وعبد الله ابن الكواء اليشكري ورجالا من أصحاب علي (عليه السلام) مع رجال من قريش فدخل عليهم معاوية يوما فقال: نشدتكم بالله إلا ما قلتم حقا وصدقا، أي الخلفاء رأيتمونى ؟
فقال ابن الكواء: لولا أنك عزمت علينا ما قلنا، لا نك جبار عنيد، لا تراقب الله في قتل الاخيار، ولكنا نقول: إنك ما علمنا واسع الدنيا، ضيق الاخرة قريب الثرى، بعيد المرعى، تجعل الظلمات نورا والنور ظلمات.
فقال معاوية :إن الله أكرم هذا الامر بأهل الشام الذابين عن بيضته التاركين لمحارمه، ولم يكونوا كأمثال أهل العراق المنتهكين لمحارم الله والمحلين ما حرم الله والمحرمين ما أحل الله، فقال عبد الله بن الكواء: يا ابن أبي سفيان،إن لكل كلام جوابا، ونحن نخاف جبروتك، فإن كنت تطلق ألسنتنا ذببنا عن أهل العراق بألسنة حداد لا يأخذها في الله لومة لائم، وإلا
ص: 126
فإنا صابرون حتى يحكم الله ويضعنا على فرجه، قال: والله لا يطلق لك لسان.
ثم تكلم صعصعة فقال: تكلمت يا ابن أبي سفيان فأبلغت، ولم تقصر عما أردت، وليس الامر على ما ذكرت، أنى يكون الخليفة من ملك الناس قهرا ودانهم كبرا واستولى بأسلوب الباطل كذبا ومكرا، أما والله مالك في يوم بدر مضرب ولا مرمى، وما كنت فيه إلا كما قال القائل: " لا حلى ولا سيرى " ولقد كنت أنت وأبوك في العير والنفير ممن أجلب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وإنما أنت طليق ابن طليق، أطلقكما رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فأنى تصلح الخلافة لطليق ؟
فقال معاوية: لولا أنى أرجع إلى قول أبي طالب حيث يقول:
قابلت جهلهم حلما ومغفرة × والعفو عن قدرة ضرب من الكرم
ولقد وصف سيدنا أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو الصديق الاكبر معاوية بالكذاب " بصراحة، فقد جاء فى ينابيع المودة ما نصه: وفي المناقب عن الحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن بن على بن أبي طالب عن آبائه أن أمير المؤمنين(عليه السلام)كتب إلى أهل مصر لما بعثمحمد بن أبي بكر إليهم كتابا فقال فيه: " إياكم ودعوة ابن هند
ص: 127
الكذاب، واعلموا أنه لا سواء إمام الهدى وإمام الهوى ووصي النبي وعدو النبي " ((1)).
الدلائل والعبر :
لقد أسقط الشيعة الرابضون فى حكم معاوية جبروته وعنجهيته فجعلوها تراباً ،اذ فضحوه أمام حاشيته وأنصاره وأعداءه وذلك هو النصر المبين للمؤمنين .
حدثنا العباس بن حبيب النهروانى بالنهروان سنة خمس وثمانين ومائتين حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن معاوية بن صالح عن يوسف ابن سيف عن الحارث بن زياد قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لمعاوية:
اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب((2)).
الحديث مخالف للقرآن بقوله تعالى في معاوية ويزيد وابى سفيان والمروانيين الشجرة الملعونة.
ص: 128
وكل حديث مخالف للقرآن فهو لا شيء .وأقر معاوية بكفره.
وقال النبى والأوصياء والصحابة بكفره.
و كذَّب العلماء فضائل معاوية: قال ابن تيمية: طائفة وضعوا لمعاوية فضائل ورووا الحديث عن النبى في ذلك كلها كذب((1)).
وعن قتل الامام الحسن (عليه السلام) من قبل معاوية قال ابن خلدون :
وما ينقل من أن معاوية دس إليه السم مع زوجته جعده فهو من أحاديث الشيعة، وحاشا لمعاوية من ذلك ((2)).
فعل معاوية كل الافعال المنحطة من قتل وسلب ومحاربة الخليفة الحق والعصيان بالشام وحارب الحسن (عليه السلام) بينما قال النبي عنه:
ريحانتي .
واستخلف يزيد ابنه وهو شارب الخمر المتهتك الفاسق وقتل حجرا وأصحاب حجر فكيف لا يدس السم للامام الحسن ؟
ص: 129
وقد سار على نهج ابن خلدون الدكتور فيليب متى في كتابه العرب ((1)). واستند عبد المنعم في كتابه التاريخ السياسى ((2))إلى قول ابن خلدون أيضا حيث قال:. . . ولكنا نستبعد قيام معاوية بذلك.
أما الدكتور حسن إبراهيم حسن فقد ذهب في كتابه تاريخ الاسلام السياسى إلى أن الامام مات حتف أنفه ((3)).
وهنالك أقوال غريبة في هذا الصدد: قال المستشرق روايت م. رونلدس في كتابه عقيدة الشيعة: 90 والمستشرق لامنس في دائرة المعارف الاسلامية: 400ج (عليه السلام) وقد ذهبا إلى أن الامام الحسن (عليه السلام) مات بالسل ((4)).
وقال حسين واعظ في روضة الشهداء: ص 107 : مات بسبب عصا مسمومة ضغطها على رجله.
وفي البدء والتاريخ: أنه مات بطعنة شخص بظهر قدمه بزج مسموم وهو يطوف في بيت الله الحرام فتوفي على أثر ذلك.. . .((5)).
وجاء فى الرواية الصحيحة : خرج الحسن (عليه السلام) إلى المدينة وأقام بها عشر سنين سقته زوجته جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي
ص: 130
السم، وذلك بعد أن بذل لها معاوية على سمة مائة ألف درهم، فبقى مريضا أربعين يوما((1))
التنوخى واحد من اللذين يعرفون أنَّ الحق مع الحسن (عليه السلام)والباطل مع معاوية مصرحاً به علناً لكنه رفض الآخرة وتملق لمعاوية طلباً لتين الغوطة وأهواء الدنيا.
مثله في ذلك مثل عمرو بن العاص والمغيرة وغيرهما.
قال التنوخى لمعاوية في صفين:
والله لقد نصحتك على نفسى وآثرت ملكك على دينى وتركت لهواك الرشد وأنا أعرفه وحدت عن الحق وأنا أبصره وما افقت الرشد وانا اقاتل عنملك ابن عم رسول الله وأول مؤمن به ومهاجر معه، ولو أعطيناه ما
ص: 131
أعطيناك لكان أرأف بالرعية واجزل في العطية ولكن قد بذلنا لك الأمر ولا بد من اتمتمه كان غياً أو رشداً وحاشا ان يكون رشداً. وسنقاتل عن تين الغوطة وزيتونها اذ حرمنا أثمار الجنة وانهارها((1)).
روى أبو الحسن المدائنى، قال: اجتمع عبد الله بن عباس وبسر بن أرطاة يوما عند معاوية - بعد صلح الحسن (عليه السلام) - فقال له ابن عباس: أنت أمرت اللعين السئ القدم أن يقتل ابنى ؟
فقال: ما أمرته بذلك ولوددت أنه لم يكن قتلهما. فغضب بسر ونزع سيفه فألقاه، وقال لمعاوية:
اقبض سيفك، قلدتنيه وأمرتنى أن أخبط به الناس ففعلت، حتى إذا بلغت ما أردت قلت: لم أنه ولم أمر ! فقال: خذ سيفك إليك، فلعمري إنك ضعيف مائق حين تلقي السيف بين يدي رجل من بنى عبد مناف قد قتلت أمس ابنيه. فقال له عبيد الله: أتحسبنى يا معاوية قاتلا بسرا بأحد ابنى ؟ هو أحقر وألام من ذلك! ولكنى والله لا أرى لى مقنعا ولا أدرك ثارا إلا أن أصيب بهما يزيدوعبد الله ! فتبسم معاوية وقال: وما ذنب معاوية وابنى معاوية ؟
ص: 132
والله ما علمت ولا أمرت ولا رضيت ولا هويت ! واحتملها منه لشرفه وسؤدده((1)).
ولما تم الصلح صعد معاوية المنبر وقال في خطبته: إنى والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا، ولا لتحجوا ولا لتزكوا، إنكم لتفعلون ذلك، ولكنى قاتلتكم لاتأمر عليكم، وقد أعطانى الله ذلك وأنتم كارهون. ألا وإنى كنت منيت الحسن(عليه السلام)وأعطيته أشياءاً وجميعها تحت قدمى هاتين لا أفي بشئ منها له((2)).
لما وصل كتاب معاوية إلى الحسين بن على، كتب إليه رسالة مفصلة ذكر فيها جرائمه ونقضه ميثاقه وعهده، نقتبس منها ما يلى:
ألست قاتل حجر بن عدي أخا كندة وأصحابه المصلين العابدين، الذين ينكرون الظلم، ويستفظعون البدع، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ولا يخافون في الله لومة لائم، ثم قتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما أعطيتهم الايمان المغلظة والمواثيق المؤكدة، ولا تأخذهم بحدث كان
ص: 133
بينك وبينهم،جرأة على الله واستخفافا بعهده. أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله، العبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحل جسمه واصفر لونه، فقتلته بعد ما أمنته وأعطيته العهود ما لو فهمته العصم لنزلت من شعف الجبال. أولست المدعى زياد بن سمية المولود على فراش عبيد بن ثقيف فزعمت أنه ابن أبيك، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)الولد للفراش وللعاهر الحجر، فتركت سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) تعمدا وتبعت هواك بغير هدى من الله، ثم سلطته على أهل الاسلام يقتلهم، ويقطع أيديهم وأرجلهم، ويسمل أعينهم، ويصلبهم على جذوع النخل، كأنك لست من هذه الامة وليسوا منك. أولست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية أنهم على دين علي - صلوات الله عليه - فكتبت إليه: أن اقتل كل من كان على دين علي، فقتلهم ومثَّل بهم بأمرك، ودين علي هو دين ابن عمه (صلى الله عليه وآله) الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك، وبه جلست مجلسك الذي أنت فيه، ولولا ذلك لكان شرفك وشرف آبائك تجشم الرحلتين رحلة الشتاء والصيف((1)).
مقتل الحسن مادياً بعدما حاولوا قتله معنوياً
ص: 134
وقد اغتال معاوية الحسن بن علي (عليهما السلام) سنة 49 هجرية للقضاء على الاتّفاق الموقّع بينهما والمتعهّد فيه معاوية على اعطاء الحكم من بعده إلى الإمام الحسن(عليه السلام)((1)).
ولمّا قتل معاوية الإمام الحسن (عليه السلام) مسموماً مظلوماً وجي به ليدفن مع جدّه محمّد(صلى الله عليه وآله) في غرفة أُمّه فاطمة (عليها السلام) ركبت عائشة بغلة وقادت جموع بني أُميّة في حرب جديدة تمنع فيها هذا الدفن المشروع.
فأشبعوا جثمان الإمام الحسن (عليه السلام) ضرباً بالسهام حتّى أصبح كالقنذ ((2)).
وهي قالت سابقاً قال النبي (صلى الله عليه وآله): الحسن (عليه السلام)والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة !((3)).
وقد ذكر العلماء قول النبي فيه: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ((4))
ص: 135
ص: 136
والسؤال: هو كيف دفنت عائشة أباها وعمر في غرفة فاطمة دون رضاها، ومنعت الحسن (عليه السلام)من الدفن فيه بلا سلطة لها عليها ؟
واذا حوَّلت الدولة بلا اذن شرعي غرفة فاطمة الى الحق العام بأمر غصبي فكيف يدفن أبو بكر وعمر فيها ويمنع الحسن (عليه السلام)سبط الرسول وابن فاطمة من الدفن فيها .
وعلى كلا الوجهين لا يمكن لأحد منع الحسين من دفن أخيه في غرفة فاطمة .والأمر الآخر لا يمكن لأحد ضرب جثمان الحسن (عليه السلام)بالنبل في عملية بربرية في مدينة النبي وقرب المسجد النبوي!!!
قالوا: إن جعدة بنت الاشعث بن القيس الكندي سقته السم ; وقد كان معاوية دس إليها: أنك إن احتلت في قتل الحسن (عليه السلام)وجهت إليك بمائة ألف درهم، وزوجتك يزيد، فكان ذلك الذي بعثها على سمه. فلما مات وفي لها معاوية بالمال، وأرسل إليها: إنا نحب حياة يزيد، ولولا ذلك لوفينا لك بتزويجه((1)).
وحرى بهذه الاثيمة أن تجيب نداء ابن هند فهى من أسرة انتهازية لها تاريخها الاسود، فقد جبلت على الطمع وعلى الاستجابة لجميع الدوافع المادية، وقد قال الامام الصادق (عليه السلام) فيها((2)) إن الاشعث شرك فيدم أمير المؤمنين، وابنته جعدة سمت الحسن (عليه السلام)، وابنه شرك في دم الحسين((3)).
ص: 138
قال ابن الاثير: ((1)) :
وكان ابتداء بيعة يزيد وأوله من المغيرة بن شعبة، فإن معاوية أراد أن يعزله عن الكوفة، ويستعمل عوضه سعيد بن العاص، فبلغه ذلك، فسار إلى معاوية، وقال لاصحابه: إن لم أكسبكم ولاية وإمارة لا أفعل ذلك أبدا، ومضى حتى دخل على يزيد وقال له: قد ذهب أعيان أصحاب النبى (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكبراء قريش، وذوو أسنانهم ، وإنما بقى أبناؤهم، وأنت من أفضلهم، وأحسنهم رأيا، وأعلمهم بالسنة والسياسة ، ولا أدري ما يمنع أمير المؤمنين أن يعقد لك البيعة.
قال: أو ترى ذلك يتم ؟
قال: نعم. فأخبر يزيد أباه، فأحضر المغيرة، واستخبره، فقال المغيرة: قد رأيت ما كان من سفك الدماء والاختلاف بعد عثمان، وفي يزيد منك خلففاعقد له، فإن حدث بك حادث كان كهفا للناس، وخلفا منك، ولا تسفك دماء، ولا تكون فتنة.
قال: ومن لى بهذا ؟ قال: أكفيك أهل الكوفة، ويكفيك زياد أهل البصرة، وليس بعد هذين المصرين أحد يخالفك. قال: فارجع إلى عملك وتحدث مع من تثق إليه في ذلك، وترى ونرى، فرجع إلى أصحابه، وقال: لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية على أمة محمد، وفتقت عليهم
ص: 139
فتقا لا يرتق أبدا، ثم رجع المغيرة إلى الكوفة، وأوفد مع ابنه موسى عشرة ممن يثق بهم من شيعة بنى أمية، وأعطاهم ثلاثين ألف درهم، فقدموا عليه، وزينوا له بيعة يزيد، فقال معاوية: لا تعجلوا بذا، وكونوا على رأيكم، ثم قال لموسى سرا: بكم اشترى أبوك من هؤلاء دينهم ؟
قال : بثلاثين ألفا، قال: لقد هان عليهم دينهم!!!((1)).
أقول: هذا اعتراف كامل من معاوية بكفره في بيعته ليزيد الفسق والفجور واعتماده على رجال فاسقين من أمثال المغيرة بن شعبة.
والقاء تبعة الأمور على المغيرة لا حقيقة له لأن معاوية يريد البيعة ليزيد انما كان اختلافهما في الزمن الجيد لطرح هذه القضية على الناس.
وكانت اطروحة المغيرة تتمثل في الاستعجال في هذا الأمر ليبقى في منصبه والياً على الكوفة ويسوِّد وجهه أكثر في الأعمال الباطلة والظالمة.وقبل طرح معاوية لرغبته في طرد المغيرة من منصبه كان الإثنان متفقان على تأخير قضية بيعة معاوية ليزيد((2))
وكان الحصين بن المنذر الرقاشى يقول: والله ما وفي معاوية للحسن بشئ مما أعطاه، قتل حجرا وأصحاب حجر، وبايع لابنه يزيد، وسم الحسن (عليه السلام)((3)).
ص: 140
لما نقض معاوية عهده مع الامام الحسن (عليه السلام) - وما كان ذلك بغريب على رجل أبوه أبو سفيان وأمه هند، وهو طليق ابن طلقاء - عمد إلى اخذ البيعة ليزيد ولده - المشهور بمجونه وتهتكه وزندقته - وما كان شئ أثقل عليه من امر الحسن بن على (عليهما السلام) فدس إليه السم، فمات بسببه.
روي: أن معاوية أرسل إلى ابنة الاشعث وكانت تحت الحسن (عليه السلام) إنى مزوجك بيزيد ابنى على أن تسمى الحسن بن على. وبعث إليها بمائة ألف درهم، فقبلت وسمت الحسن (عليه السلام)، فسوغها المال ولم يزوجها منه((1)).
ص: 141
ص: 142
ص: 143
ادعاء النواصب فى كره الحسن للحرب بصورة عامة دون فرق بين حرب حق وحرب باطل :
رواية ابن عساكر:
«أنبأنا عبد الله بن بكر بن حبيب السهمى، أنبأنا حاتم بن أبي صغيرة، عن عمرو بن دينار: أن معاوية كان يعلم أن الحسن(عليه السلام) كان أكره الناس للحرب ، فلما توفي علي (عليه السلام)بعث إلى الحسن(عليه السلام)فأصلح الذي بينهِ وبينَه سراً، وأعطاه معاوية عهدا إن حدث به حدث والحسن (عليه السلام) حي ليسمينه للخلافة وليجعلن هذا الامر إليه. فلما توثق منه الحسن (عليه السلام) قال ابن جعفر: والله ! إنى لجالس عند الحسن (عليه السلام)إذ أخذت لاقوم فجذب ثوبى، وقال: يا هناه ! إجلس، فجلست فقال: إنى رأيت رأيا وإنى أحب أن تتابعنى عليه.
قال: قلت: وما هو ؟ قال: قد رأيت أن أعمد إلى المدينة فأنزلها وأخلى بين معاوية وبين هذا الحديث، فقد طالت الفتنة، وسفكت فيها الدماء، وقطعت فيها الارحام، وقطعت السبل، وعطلت الفروج يعنى الثغور. فقال ابن جعفر: جزاك الله عن أمة محمد (صلى الله عليه وآله) خيراً، فأنا معك على هذا الحديث.
ص: 144
فقال الامام الحسن (عليه السلام): ادع لي الحسين. فبعث إلى حسين(عليه السلام) فأتاه، فقال: أي أخى ! إنى قد رأيت رأيا وإنى أحب أن تتابعنى عليه. قال: ما هو ؟ قال: فقص عليه الذي قال لابن جعفر.
قال الحسين(عليه السلام): أعيذك بالله أن تكذِّب علياً (عليه السلام) في قبره، وتصدق معاوية. فقال الامام الحسن (عليه السلام): والله ! ما أردت أمرا قط إلا خالفتنى إلى غيره، والله ! لقد هممت أن أقذفك في بيت فأطينه عليك حتى أقضى أمري. قال: فلما رأى الحسين (عليه السلام)غضبه قال: أنت أكبر ولد علي (عليه السلام)، وأنت خليفته، وأمرنا لامرك تبع فافعل ما بدا لك. فقام الامام الحسن (عليه السلام) فقال: يا أيها الناس ! إنى كنت أكره الناس لاول هذا الحديث، وأنا أصلحت آخره لذي حق أديت إليه حقه أحق به منى، أو حق جدت به لصلاح أمة محمد (صلى الله عليه وآله) وإن الله قد ولاك يا معاوية ! هذا الحديث لخير يعلمه عندك، أو لشر يعلمه فيك وإن أدرى لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين »((1)).
الجواب:
وهو إدعاء أموي ظالم لا أساس له أولا ومخالف لمشاركته فى الحروب السابقة ثانياً .اذ جاء فى الرواية مخالفتها للقرآن الكريم :
ص: 145
نصَّ القرآن الكريم على عصمة أهل البيت عن الذنوب الصغيرة والكبيرة كما جاء فى آية :
(انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)((1)).
فهم لا يرتكبون الذنوب الصغيرة والكبيرة كما قال الفخر الرازي ((2)).
وكل ما يخالف القرآن يُضرب به عرض الحائط اذ قال النبي محمد (صلى الله عليه وآله):
«ما خالف كتاب الله يضرب به عرض الحائط وانه زخرف »((3)) .
ص: 146
كان الإمام الحسن (عليه السلام) لا يتجاوز عمره سبع سنين حينما ولّي أبوبكر ، وانطلق إلى مسجد جدّه فرأى أبابكر على المنبر ، فوجّه إليه لاذع القول قائلاً :
«انزِل عَن مِنبَرِ أبي وَاذهَب إلى مِنبَرِ أبِيك ...» .
فبهت أبوبكر وأخذته الحيرة والدهشة ، واستردّ خاطره فقال له بناعم القول : صدقت ، واللهِ ! إنّه لمنبر أبيك لا منبر أبي((1)) .
وهو كلام سليم وصحيح في رفض قضية السقيفة المعارضة لبيعة الغدير النبوية نطق بها الامام الحسن (عليه السلام)وهو سيد شباب أهل الجنة ((2))..
وأجاب أبوبكر الحسن جواباً ناعماً معترفاً انه منبر أبيه النبى .
قال سلمان الفارسي لأبي بكر : يا أبابكر ، إلى من تسند أمرك إذا نزل بك ما لا تعرفه ، وإلى من تفزع إذا سئلت عمّا لا تعلمه ، وما عذرك
ص: 147
في تقدّمك على من هو أعلم منك ، وأقرب إلى رسول الله ، وأعلم بتأويل كتاب الله عزّوجلّ وسنّة نبيّه ، ومن قدّمه النبيّ في حياته وأوصاكم به عند وفاته ، فنبذتم قوله ، وتناسيتم وصيّته ، وأخلفتم الوعد ، ونقضتم العهد ، وحللتم العقد الذي كان عقده عليكم من النفوذ تحت راية اُسامة((1)) .
ولم يستطع أبوبكر الإجابة على هذا السؤال الواضح .
كان منهج النبي محمد والامام علي والحسن والحسين يتمثل فى المشاركة فى الحروب الى جانب المسلمين فعرف ذلك بالمنهج النبوي والعلوي ،وكان منهج رجال السقيفة الفرار من الحروب .
ففي معركة الجمل كان الحسن مشاركاً فى الحرب :
القائد: الإمام علي (عليه السلام).
على الخيّالة: عمّار بن ياسر((2)).
على الرجّالة: شريح بن هاني((3)).
ص: 148
على الساقة: هند المرادي((1)).
على المقدّمة: عبدالله بن عبّاس((2)).
على الميمنة: الإمام الحسن (عليه السلام)((3)).
على الميسرة: الإمام الحسين (عليه السلام)((4)).
صاحب الراية: محمّد ابن الحنفيّة((5)).
على خيل القلب: محمد بن أبي بكر((6)).
ص: 149
هؤلاء وقفوا أمام عمار بن ياسر الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله):
« الحقّ مع عمّار »، و « تقتلك الفئة الباغية »((1)).
وقالت أُمّ سلمة: ياأمير المؤمنين لولا أن أعصي الله عزّوجلّ وأنّك لا تقبله منّي لخرجت معك، وهذا ابني عمر والله لهو أعزّ عليَّ من نفسي يخرج معك فيشهد مشاهدك. فخرج فلم يزل معه ((2)).
وقُتل في معركة الجمل من جيش الإمام علي (عليه السلام) خمسة آلاف((3)).
وقُتل من أصحاب الجمل عشرون ألفاً((4)).
ص: 151
وكيف يوصف بالجبن من قاد جيش الميمنة فى حرب الجمل وصارع عشرات الآلاف المحاربين له من المنافقين والأعراب الأشداء .ثم تحرك الحسن لمحاربة معاوية الا أنَّ الاخير توسل بالدسائس على الحروب.
قال الامام الحسن (عليه السلام):لأحد اصحابه العاتبين عليه: والله لو وجدت أنصاراً لقاتلت معاوية ليلي ونهاري((1)).وقال في خطابه في المدائن: انا والله ما يثنينا عن أهل الشام شك ولا ندم ((2)).
وهذا دليل على شجاعته وقدرته وانه رجل حرب لا رجل ذلة .
استخلاف ابن نوفل على الكوفة والذهاب للحرب ينفي الشبهة
وخرج الامام الحسن (عليه السلام)إلى معسكره واستخلف على الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وأمره باستحثاث الناس وإشخاصهم إليه فجعل يستحثهم ويخرجهم حتى التأم العسكر. ثم إن الحسن بن على سار في عسكر عظيم وعدة حسنة حتى أتى دير عبد
ص: 152
الرحمن فأقام به ثلاثا حتى اجتمع الناس ثم دعا عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب فقال له: يا بن عم إنى باعث معك اثنا عشر ألفا من فرسان العرب وقراء المصر،الرجل منهم يزن الكتيبة فسر بهم وألن لهم جانبك وابسط وجهك وافرش لهم جناحك وأدنهم من مجلسك فأنهم بقية ثقة أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسر بهم على شط الفرات حتى تقطع بهم الفرات ثم تصير إلى مسكن ثم امض حتى تستقبل معاوية فان أنت لقيته فاحبسه حتى آتيك فانى في اثرك وشيكا وليكن خبرك عندي كل يوم وشاور هذين، يعنى قيس بن سعد وسعيد بن قيس فإذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يقاتلك فان فعل فقاتل فان أصبت فقيس بن سعد على الناس وإن أصيب قيس فسعيد بن قيس على الناس ثم امره بما أراد. وسار عبيد الله حتى انتهى إلى شينور حتى خرج إلى شاهي ثم لزم الفرات والفالوجة حتى اتى مسكن. واخذ الحسن على حمام عمر حتى اتى دير كعب ثم بكر فنزل ساباط دون القنطرة.
لما أصبح أراد (عليه السلام) أن يمتحن أصحابه ويستبرئ أحوالهم في الطاعة له، ليتميز بذلك أولياؤه من أعدائه، ويكون على بصيرة في لقاء معاوية وأهل الشام، فأمر أن ينادي في الناس بالصلاة جامعة، فاجتمعوا فصعد المنبر فخطبهم فقال: " الحمد لله بكل ما حمده حامد، وأشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق وائتمنه على الوحى (صلى الله عليه وآله وسلم). أما بعد: فوالله إنى لارجو أن أكون قد أصبحت - بحمد الله عنه - وأنا أنصح خلق الله لخلقه،
ص: 153
وما أصبحت محتملا على مسلم ضغينة ولا مريدا له بسوء ولا غائلة، ألا وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة، ألا وإنى ناظر لكم خيرا من نظركملانفسكم فلا تخالفوا أمري، ولا تردوا عليَّ رأيي ، غفر الله لي ولكم وأرشدني وإياكم لما فيه المحبة والرضا "((1)).
استخلاف الامام الحسن للمغيرة بن نوفل على الكوفة وارساله لعبيد الله بن عباس الى شاطىء الفرات ورغبته فى الالتحاق بجيشه أعظم دليل على رغبته فى الحرب وآنهاالسبيل الافضل للقضاء على معاوية .
لكن جيشه وقادة جيشه لم يكونوا مهيئين للحرب وبعضهم كان مهيئاً للانضواء تحت راية معاوية مثل عبيد الله بن عباس قائد جيش الامام!!!
عن هبيرة بن مريم كانت شهادة الامام علي في يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة. وقيل: الاحد ليلة الثالث والعشرين منه على ما جاء في اختلاف الروايات المتقدمة في مقتل
ص: 154
علي(عليه السلام)، فرتب الامام الحسن (عليه السلام)العمال، وأمَّر الامراء، وجنَّد الجنود، وفرَّق العطيات((1)).وهذا دليل على أنَّ الحسن رجل شجاع وقائد حرب لا يحب التكاسل والخلود الى الراحة .
لما وصل كتاب الامام الحسن (عليه السلام) إلى معاوية قرأه ثم كتب إلى عماله على النواحى نسخة واحدة: «بسم الله الرحمن الرحيم من معاوية أمير المؤمنين إلى فلان بن فلان ومن قبله من المسلمين، سلام عليكم فانى احمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فالحمد لله الذي كفاكم مؤنة عدوكم وقتلة خليفتكم إن الله بلطفه وحسن صنعه أتاح لعلى بن أبي طالب رجلا من عباده فاغتاله فقتله فترك أصحابه متفرقين مختلفين وقد جاءتنا كتب أشرافهم وقادتهم يلتمسون الامان لانفسهم وعشائرهم فاقبلوا إلى حين يأتيكم كتابى هذا بجندكم وجهدكم وحسن عدتكم فقد أصبتم بحمد الله الثأر وبلغتم الامل وأهلك الله أهل البغى والعدوان، والسلام عليكم
ص: 155
ورحمة الله وبركاته. قال: فاجتمعت العساكر إلى معاوية بن أبي سفيان وسار قاصدا إلى العراق »((1)).لقد ارسل معاوية عبد الرحمن بن ملجم لقتل الامام علي مثلما كان ابو سفيان قد أرسل شخصا لقتل النبي فلم يفلح ((2)).وكان ابن ملجم قد وضعه عمرو بن العاص فى الفسطاط ليوم يستفيد منه فى الفتك بأحد العظماء من المسلمين فأسكن ابن العاص عبد الرحمن بن ملجم فى جواره ((3)).ثم أرسله الى الكوفة لقتل الامام علي (عليه السلام)واعطاه مائة ألف درهم ،فأعطى ابن ملجم هذا المبلغ الى قطام الخارجية مهراً لها((4)).ثم لم يعترف معاوية بأمره فى الاغتيال بل اتهم به آخرين ،للفرار من التهمة ،وهذا منهج قريش الجاهلية.
ص: 156
تحرك معاوية الى العراق وتحرك الحسن (عليه السلام) الى النخيلة :
كان بين الامام الحسن (عليه السلام) وبين معاوية مكاتبات ومراسلات واحتجاجات للحسن في استحقاقه الامر، وتوثب من تقدم على أبيه (عليه السلام) وابتزازه سلطان ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وتحققهم به دونه، وأشياء يطول ذكرها. وسار معاوية نحو العراق ليغلب عليه، فلما بلغ جسر منبج تحرك الامام الحسن (عليه السلام)وبعث حجر بن عدي فأمر العمال بالمسير، واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه، ثم خف معه أخلاط من الناس بعضهم شيعة له ولابيه (عليه السلام)، وبعضهم محكمة يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة، وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم، وبعضهم شكاك، وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين»((1)).
انَّ تحرك الامام الحسن (عليه السلام)نحو النخيلة يبين سعي الامام للحرب مع معاوية والانتصار عليه واحقاق الحق الذى يصبو اليه .
ص: 157
وهو يبين اعتماد الامام الحسن (عليه السلام)على الحرب أولا لكن جيشه لم يكن مهيئاً للحرب والجهاد ويسعى للفتنة والترف والراحة ولا يتحرك الا بالقوة والقهر وهو غير منهج الحسن (عليه السلام).
رجال الكشى: روي عن على بن الحسن الطويل، عن على بن النعمان، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: جاء رجل من أصحاب الحسن (عليه السلام) يقال له: سفيان بن ليلى وهو على راحلة له، فدخل على الحسن (عليه السلام)وهو محتب((1)).
في فناء داره فقال له: السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال له الحسن (عليه السلام): انزل ولا تعجل، فنزل فعقل راحلته في الدار، وأقبل يمشى حتى انتهى إليه قال فقال له الحسن (عليه السلام): ما قلت ؟ قال: قلت: السلام عليك يا مذل المؤمنين، قال وما علمك بذلك ؟ قال: عمدت إلى أمر الامة، فخلعته من عنقك، وقلدته هذا الطاغية، يحكم بغير ما أنزل الله ((2)).
ص: 158
هذه الثقافة تبين أنَّ الكثير من جيش الامام لا يعرفون منزلته الالهية ومكانته كفرد من أفراد اهل البيت المعصومين .
وفي رواية عن الامام الحسن قوله :إنما هادنت حقنا للدماء وصيانتها، وإشفاقا على نفسى وأهلى والمخلصين من أصحابى وروي أنه (عليه السلام) قال: يا أهل العراق إنما يستحي بنفسى عليكم ثلاث: قتلكم أبي، وطعنكم إياي، وانتهابكم متاعى((1)). ودخل الحسين (عليه السلام)على أخيه باكيا ثم خرج ضاحكا فقال له مواليه: ما هذا ؟ قال: العجب من دخولى على إمام أريد أن اعلمه، فقلت: ماذا دعاك إلى تسليم الخلافة ؟ فقال: الذي دعا أباك فيما تقدم، قال: فطلب معاوية البيعة من الحسين (عليه السلام)فقال الحسن (عليه السلام): يا معاوية لا تكرهه فإنه لا يبايع أبدا أو يقتل ولن يقتل حتى يقتل أهل بيته، ولن يقتل أهل بيته حتى يقتل أهل الشام ((2)).
ص: 159
لقد استمر معظم أهل الكوفة فى منهجهم القديم فى عدم الطاعة للامام علي وتعودهم على الانخراط فى الجيش تحت قهر السيف لا رغبة فى الجهاد مثلما يريد الامامان علي والحسن .ثم شاركوا فى قتل الامام بواسطة الاشعث بن قيس وقطام ووردان ،وطعنوا الامام الحسن ونهبوا متاعه كل هذا تسبب فى عدم ثقة الحسن بجيشه وتوجهه للصلح .
ثم إن الامام الحسن (عليه السلام) أخذ طريق النخيلة، فعسكر عشرة أيام، فلم يحضره إلا أربعة آلاف،
فانصرف إلى الكوفة فصعد المنبر وقال:
يا عجبا من قوم لا حياء لهم ولا دين مرة بعد مرة، ولو سلمت إلى معاوية الامر فأيم الله لا ترون فرجا أبدا مع بنى أمية، والله ليسومنكم سوء العذاب، حتى تتمنون أن يلى عليكم حبشيا ولو وجدت أعوانا ما سلمت له الامر، لانه محرم على بنى أمية، فاف لكم وترحا يا عبيد الدنيا. وكتب أكثر أهل الكوفة إلى معاوية بأنا معك، وإن شئت أخذنا الحسن وبعثناه إليك. ثم أغاروا على فسطاطه، وضربوه بحربة، فاخذ مجروحا. ثم كتب جوابا لمعاوية: " إن هذا الامر لى والخلافة لى ولاهل بيتى، وإنها لمحرمة عليك
ص: 160
وعلى أهل بيتك، سمعته من رسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، لو وجدت صابرين عارفينبحقى غير منكرين، ما سلمت لك ولا أعطيتك ما تريد". وانصرف إلى الكوفة((1)).
ان انصراف الامامين الحسن والحسين عن الكوفة دلالة على عدم أهلية أهلها للمواجهة فى حينها .
ص: 161
ص: 162
الحسن (عليه السلام)ينصح أصحابه بالصلح خوفاً عليهم :
تحذير الحسن (عليه السلام)للخونة ينفي هذه الشبهة :
معاوية يصف جيش الامام علي(عليه السلام) بالوحدة :
الحسن (عليه السلام)العالم للغيب: معاوية ملك لا محالة:
مؤامرة معاوية لقتل الحسن (عليه السلام)واذلال العراقيين :
معاوية فى نظر العلماء
موقف الخوارج والمخالفين لأهل البيت :
المجتمع العراقى زمن الامام علي والحسن (عليه السلام):
محاولة قتل الامام الحسن (عليه السلام) :
صلح الحديبية للنبي والتحكيم لعلي والصلح الحسن (عليه السلام):
فائدة الصلح من فم الحسن (عليه السلام):
ص: 163
ص: 164
هناك دعوى من الخوارج :فى إذلال الامام الحسن (عليه السلام) للمؤمنين عبر صلحه مع معاوية أي كان عليه أن لا يصالح معاوية .
رواية الخارجى ابى عامر :قال الخارجى أبوعامر سفيان بن أبي ليلى للامام الحسن (عليه السلام):
«السلام عليك يا مذل المؤمنين.قال الحسن :وما علمك بذلك ؟
قال: عمدت إلى أمر الامة، فخلعته من عنقك، وقلدته هذا الطاغية، يحكم بغير ما أنزل الله((1)).
و جاء في تذكرة الخواص: وفي رواية ابن عبد البر المالكى في كتاب الاستيعاب ان سفيان بن ياليل وقيل ابن ليلى وكنيته أبو عامر، ناداه يا مذل المؤمنين، وفي رواية هشام، ومسود وجوه المؤمنين.
رواية ابن أبي شيبة:
حدثنا أبو الغريف قال: «كنا مقدمة الحسن بن على اثنى عشر ألفا بمسكن مستميتين تقطر سيوفنا من الجد على قتال أهل الشام وعلينا أبو العمرو، قال: فلما أتانا صلح الحسن بن على ومعاوية كأنما كسرت ظهورنا من الحزن والغيظ، قال: فلما قدم الحسن بن على الكوفة قام إليه رجل منا
ص: 165
يكنى أبا عامرفقال: السلام عليك يا مذل المؤمنين، فقال: لا تقل ذاك يا أبا عامر، ولكنى كرهت أن أقتلهم طلب الملك - أو على الملك» ((1)).
لقد حاول البعض نسب القول الى حجر بن عدى ، كذباً على الرجل ، وحاول بعضهم نسب القول الى سليمان بن صرد((2))، في محاولة للنيل منهما ومن الحسن (عليه السلام)لكن سيرة حياتهما ترفض هذه الاكاذيب.فقال له الحسن (عليه السلام):
ويحك أيها الخارجى لا تعنفنى، فان الذي أحوجنى إلى ما فعلت: قتلكم أبي، وطعنكم إياي، وانتهابكم متاعى((3)).
وانكم لما سرتم إلى صفين كان دينكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم.
ص: 166
ويحك أيها الخارجى ! انى رأيت أهل الكوفة قوما لا يوثق بهم، وما اغتر بهم الا من ذل، ليس رأى أحد منهم يوافق رأى الاخر، ولقد لقى أبي منهم أمورا صعبة وشدائد مرة، وهي أسرع البلاد خرابا((1))، وأهلها هم الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا. وفي رواية: ان الخارجى لما قال له:
يا مذل المؤمنين!! قال: ما أذللتهم، ولكن كرهت أن أفنيهم واستأصل شأفتهم لاجل الدنيا. والواقع أن الرجل كان على رأى الخوارج ، ولذلك عنفه وعابه بمصالحته مع معاوية.
وقال الحسن (عليه السلام):انما فعلت ما فعلت ابقاءاً عليكم((2)).
وقال الامام الحسن (عليه السلام) في جوابه لبعضهم:. . . لا تقل ذلك يا أبا عامر، لم أذل المؤمنين، ولكن كرهت أن أقتلهم على الملك ((3)) .وقال الحسن (عليه السلام): يا أبا سعيد علة مصالحتى معاوية علة مصالحة رسول الله لبنى ضمرة وبني اشجع ولاهل مكة حين انصرف من الحديبية((4)).
وقال الحسن (عليه السلام): ألا ترى الخضر لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى (عليه السلام)فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي((5)).
ص: 167
وقال الحسن (عليه السلام):لقد جعل الله تعالى هارون (عليه السلام)في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه ((1)).
وقال الامام الحسن (عليه السلام): لو وجدت أعوانا ما سلمت له الامر((2)).. .
النص السابق فيه أمور خطيرة منها: أعظم دليل على رغبة الامام الحسن (عليه السلام)في محاربة معاوية.
الامام الحسن (عليه السلام)يحذِّر أتباعه من الركون الى الذل. الامام الحسن (عليه السلام)يبين عدم امتلاكه أعواناً، ولو وجدهم ما سلَّم الأمر الى معاوية. فالناس أذلوا أنفسهم بأنفسهم بقعودهم عن الجهاد، وتحرك البعض الى القتال لا ينفع شيئاً. جواب الامام يبين كونه رجل حرب وعقيدة .
وقال الحسن:«أرى والله أنَّ معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي والله لان آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي وأؤمن به فى أهلى خير من أن يقتلونى فتضيع أهل بيتى وأهلي» ((3)).
ص: 168
كان الامام الحسن (عليه السلام) يعرف معاوية جيداً لذا خاطب أتباعه المترددين في محاربته بقوله: ويلكم، والله إن معاوية لا يفى لاحد منكم بما ضمنه في قتلى، وإنى أظن أنى إن وضعت يدي في يده فأسالمه لم يتركنى أدين لدين جدي (صلى الله عليه وآله وسلم)وإنى أقدر أن أعبد الله عز وجل وحدي، و كأنى أنظر إلى أبنائكم واقفين على أبواب أبنائهم يستسقونهم ويستطمعونهم بما جعل الله لهم فلا يسقون ولا يطعمون، فبعدا وسحقا لما كسبته أيديهم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون((1)).
لكن اهل الكوفة لم يأخذوا بنصائح الامام الحسن فقتلهم معاوية واذلهم ذلا لا يوصف!!!
معاوية وصف العراقيين بالوحدة والقوة في صفين زمن الامام علي قبل ان يتراجعوا الى الوراء ويفضلون العافية والرخاء على الشدة والجهاد.
ص: 169
وقال معاوية: ما لهم أغضبهم الله بشر ما قلوبهم الا كقلب رجل واحد((1)).لكن هذا الجيش تغير تدريجياً فى زمن الامام علي وظهر التغير عليه فى زمن الامام الحسن .
فأصبح جيشاً مرتزقاً يميل للشهوات ويركن للراحة والذلة ،ويفضل الدنيا على الاخرة .
قال الامام الحسن (عليه السلام) لرجل سأله عن سبب صلحه مع معاوية : سأخبرك لم فعلت ذلك:
سمعت أبي (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لن تذهب الايام والليالى حتى يلى أمر هذه الامة رجل واسع البلعوم، رحب الصدر ، يأكل ولا يشبع وهو معاوية، فلذلك فعلت»((2)).
ص: 170
قال الامام الحسن (عليه السلام)لرجل : «ما جاء بك ؟ قال: حبك، قال: الله ؟ قال: الله، فقال الامام الحسن (عليه السلام): والله لا يحبنا عبد أبدا ولو كانأسيرا في الديلم إلا نفعه حبنا، وإن حبنا ليساقط الذنوب من بنى آدم كما يساقط الريح الورق من الشجر»((1)).
وفعلا حافظ الامام الحسن على الشيعة فى العراق من قتل معاوية لهم وتدميرهم وهو لا يتردد فى القتل والافناء .
وقال سمرة بن جندب عامله على البصرة:لعن الله معاوية والله لو أطعت الله كما أطعته لما عذبني ابداً((1)).
وقال عمر للمغيرة : أما والله ليعورن بنو أميَّة الإسلام ، كما أعورت عينك هذه ، ثمّ ليعمينه ، حتى لا يدري أين يذهب ولا أين يجي((2)) .
المذاهب الأربعة: مثال السلطان الجائر معاوية((3)).
أبو حنيفة النعمان: أتدرون لم يبغضنا أهل الشام ؟
قالوا: لا.
قال لانا نعتقد أن لو حضرنا عسكر علي بن ابى طالب كرم الله وجهه لكنا نعين علياً على معاوية ونقاتل معاوية لأجل علي فلذلك لا يحبوننا((4)).
وقال ابن النقيب في معاوية: وما معاوية الا كالدرهم الزائف((5)).
وقال الدميرى عن حكم معاوية: وكانت ملكاً عضوضاً ثم تكون جبروتاً وفساداً في الارض كما قال رسول الله((6)).
ص: 172
وقال الغزالى: وافضت الخلافة الى قوم تولوها بغير استحقاق((1)).
وقد عيَّن عمر معاوية والياً على الشام وقال عنه: معاوية كسرى العرب ((2)).
أخبرنا أبو منصور بن زريق حدثنا أبو بكر الخطيب حدثنا إبراهيم بن مخلد بن جعفر حدثنا يعقوب بن سفيان حدثنا محمد بن احمد بن إبراهيم الحكيمى حدثنا عباس بن محمد حدثنا اسود بن عامر حدثنا زهير بن معاوية حدثنا أبو روق الهمدانى حدثنا أبو الغريف قال:
« كنا مقدمة الامام الحسن بن على (عليه السلام)اثنا عشر آلفا بمسكن مستميتين تقطر أسيافنا من الجد على قتال أهل الشام وعلينا أبو العمرطة فلما جاء صلح الامام الحسن بن على (عليه السلام)كأنما كسرت ظهورنا من الغيظ فلما قدم الامام الحسن بن علي (عليه السلام)الكوفة قال له رجل منا يقال له أبو عامر سفيان بن ليلى وقال ابن الفضل سفيان بن الليل: السلام عليك يا مذل المؤمنين.
ص: 173
قال فقال الامام الحسن (عليه السلام):لا تقل ذاك يا أبا عامر لست بمذل المؤمنين ولكنى كرهت أن أقتلكم على الملك» واللفظ لحديث الحكيمى ((1)).
عاش الخوارج حياة ملؤها العصيان لله تعالى ورسوله وأهل بيته الكرام يقتلون المسلمين ويحرفون الدين الحكيم فكانوا مصداقاً لحديث النبى فيهم كجماعة خارجة من الدين .
(قُلْ لا يَسْتَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللّهَ يَا اُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)((2)).
كانت الرشوة كثيرة في أيام الولاة الأوائل سعد بن أبي وقاص والمغيرة الذي سمَّاه عمر بالفاجر وابقاه في منصبه والوليد بن عقبة الذى سمَّاه القرأن بالفاسق، وجلده الامام علي لشربه الخمر في زمن عمر، فهؤلاء الولاة الذين حكموا الكوفة بعد الفتح أعاثوا في الأرض الفساد ونشروا الفسق والفجور وتعرَّضوا الى اللوم من قبل الحكومة والى الإهانة من قبل اهالي الكوفة.
ص: 174
وقد جاء: الناس على دين ملوكهم.
فهؤلاء الولاة نشروا الاسراف والترف في صفوف المسلمين.
وقاموا بتوزيع الثروة في المجتمع بشكل سيء فبينما نقل سعد بن أبي وقاص أبواب ملك الفرس كسرى الى قصره في الكوفة كان الناس يعيشون حياة صعبة .
وكان المغيرة معروفاً بالزنا وشرب الخمر في البصرة والكوفة مما اضطر عمر الى محاكمته باسم الزنا لكنه تواطأ مع الشاهد الاخير (زياد بن ابيه الذي شهد سابقاً بزنا المغيرة فى البصرة) فتردد في الشهادة فى المدينة متسبباً في براءة المغيرة!!!
وصلَّى الوليد بن عقبة بأهالى الكوفة سكراناً صلاة الصبح أربع ركع ونشر السحر والشعوذة بيد يهودي داخل مسجد الكوفة متسبباً في ضجَّة كبيرة!!!
قال عمر بن شبَّة : صلَّى الوليد بن عقبة بأهل الكوفة صلاة الصبح أربع ركعات ، ثم التفت إليهم
فقال : أزيدكم ؟ فقال عبد الله بن مسعود : ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم((1)) .
ص: 175
وكان قد نزل في الوليد آية : ( أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون) ((1)) . قال يعني بالمؤمن علياً وبالفاسق الوليد بن عقبة((2)) .
وقال الحسن بن علي (عليه السلام) للمغيرة : إنَّ حدَّ الله في الزنا ثابت عليك ، ولقد درأ عمر عنك حقَّاً اللهُ سائله عنه ، ولقد سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) هل ينظر الرجل الى المرأة يريد أن يتزوجها ، فقال : لا بأس بذلك يا مغيرة ما لم ينو الزنا . لعلمه بأنَّك زان((3)) .
وفي البصرة أعاث المغيرة بأهلها الفساد فثار أهل البصرة طاردين المغيرة ومضطرين عمر الى نقله الى الكوفة. فقال عمر فى وصف المغيرة بالفاجر((4)) .
ولما حكمهم الامام علي (عليه السلام) خمس سنوات لم يستقيموا على الصراط المستقيم ولم يهتدوا الى العروة الوثقى وفيهم:
كانت الخوارج الحمقى تنخر صفوفهم باسم الدين.
الفسقة: طائفة أهل الدنيا التي تربَّت في احضان المغيرة والوليد بن عقبة بقيت طابوراً خامساً تلهث خلف الأهواء الدنيوية وتنسجم مشاربها مع مشارب الأمويين.
لقد ضعفت الطاعة عندها للنبي والأئمة الاثني عشر.
ص: 176
وفقد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وتعوّد أهل الكوفة على القوة والبطش في سوقهم الى الحروب، وميلهم الى الراحة والترف بسبب أموال الفتوحات، وتجاربهم في نيل الأموال دون مشقة وعبر الدسائس والمؤامرات.
تلك الثقافات مجتمعة بطشت بأهالي العراق وقطعت أوصالهم وجعلتهم شراذم لا تجتمع على
الحق ولا ترتوي من الدنيا.
وهذه الثقافة ساءت أكثر بعد حكم معاوية ويزيد فأصبح أهل الكوفة من ناس محايدين الى ناس محاربين للامام الحسين (عليه السلام) متسببين في قتله كما جاء في القول:
اذا كان رب الدار في البيت ناقراً - فشيمة أهل الدار كلهم الرقص ((1))
بعد الاغراءات الأموية لزعماء جيش الامام الحسن (عليه السلام)أرسل بعضهم أجوبة موافقة لمعاوية معلنين إستعدادهم لامور منها:
تسليم الامام الحسن (عليه السلام)حياً الى معاوية.
ص: 177
اغتيال الامام الحسن (عليه السلام)في أول فرصة ((1))، وفعلا قتل الاشعث بن قيس الامام الحسن (عليه السلام) عبر ابنته جعدة التى سقت الحسن سمَّاً ،حينما طلب منه معاوية ذلك.
وقال اليعقوبي: «أرسل معاوية الى عبيد الله بن عباس وجعل له ألف ألف درهم فصار اليه في ثمانية آلاف من أصحابه واقام قيس بن سعد على محاربته. لقد فرَّ عبيد الله بن العباس بثمانية آلاف جندى ما يعادل ثلثا جيش الامام الحسن (عليه السلام)» ((2)) !!!
ولو كان جيش الامام الحسن متحداً وفانياً نفسه للاخرة لا يستطيع معاوية اجراء مؤامراته على الارض .
الطوسى: عن جبرئيل بن أحمد وأبي إسحاق حمدويه وإبراهيم ابنا نصير، قالوا: حدثنا محمد بن عبد الحميد العطار الكوفى، عن يونس بن يعقوب، عن فضيل غلام محمد بن راشد، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن معاوية كتب إلى الحسن بن علي صلوات الله عليهما: أن أقدم أنت والحسين وأصحاب علي ، فخرج معهم قيس بن سعد بن عبادة الانصاري، وقدموا الشام، فأذن لهم معاوية، وأعد لهم الخطباء. فقال: يا
ص: 178
حسن قم فبايع،فقام وبايع، ثم قال للحسين (عليه السلام): قم فبايع، فقام فبايع، ثم قال: يا قيس ! قم فبايع، فالتفت إلى الحسين(عليه السلام) ينظر ما يأمره، فقال: يا قيس إنه إمامى، يعنى الحسن(عليه السلام) ((1)).
الجواب:
أقول :لم يسافر الامامان الحسن والحسين الى الشام في زمن معاوية.
ولم يبايع الامام الحسين معاوية أبداً اذ جاء :
«فطلب معاوية البيعة من الحسين (عليه السلام)فقال الحسن (عليه السلام): يا معاوية لا تكرهه فإنه لا يبايع أبدا أو يقتل ولن يقتل حتى يقتل أهل بيته، ولن يقتل أهل بيته حتى يقتل أهل الشام »((2)).
الذى حدث هو تصحيف للقاء معاوية مع الحسنين في الكوفة وفيها لم يبايع الحسين معاوية كما جاء في النصوص الموثقة.
السيد محسن الامين: عن المدائنى: أن الحسن(عليه السلام) لما صالح معاوية، قال أخوه الحسين(عليه السلام): لقد كنت كارها لما كان، طيب النفس على سبيل أبي، حتى عزم عليَّ أخى فأطعته وكأنما يجذ أنفى بالمواسى((3)).
ص: 179
البلاذري: وفي رواية أخرى: لما وقع ذلك الصلح دخل جندب بن عبد الله الازدي، والمسيب بن نجبة الفزاري، وسليمان بن صرد الخزاعى، وسعيد بن عبد الله الحنفى على الحسين(عليه السلام) وهو قائم في قصر الكوفة يأمر غلمته بحمل المتاع ويستحثهم، فسلموا عليه، فلما رأى ما بهم من الكآبة وسوء الهيئة،
تكلم فقال: إن أمر الله كان قدرا مقدورا، إن أمر الله كان مفعولا. وذكر كراهيته لذلك الصلح، وقال: كنت طيب النفس بالموت دونه ! ولكن أخى عزم عليَّ وناشدنى فأطعته، وكأنما يحز أنفى بالمواسي ويشرح قلبى بالمدي!!! وقد قال الله عز وجل: فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا.
وقال: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
فقال له جندب: والله ! ما بنا إلا أن تضاموا وتنتقصوا، فأما نحن فإنا نعلم أن القوم سيطلبون مودتنا بكل ما قدروا عليه، ولكن حاش لله أن نؤازر الظالمين، ونظاهر المجرمين ونحن لكم شيعة ولهم عدو ! ! !
وقال سليمان بن صرد الخزاعى: إن هذا الكلام الذي كلمك به جندب هو الذي أردنا أن نكلمك به كلنا. فقال: رحمكم الله ! صدقتم وبررتم. وعرض له سليمان بن صرد، وسعيد بن عبد الله الحنفى بالرجوع عن الصلح ! ! فقال: هذا ما لا يكون ولا يصلح ((1)).
ص: 180
لقد حاول الامويون والعباسيون بعد الصلح اثارة خلاف مختَلَق بين الحسن والحسين في قضية الصلح لا أساس لها وشمَّروا عن سواعدهم للنيل من الامامين بشتى السبل الممكنة ،لتشويه التراث الاسلامي ،والتشكيك فى عصمتهما .لكن منهج قريش قائم على الكذب والافتراء لا على الصدق والحقيقة .
في الخصائص للنسائى عن ابن عباس في حديث طويل : نشهد أن نبى الله يوم الحديبية صالح المشركين فقال لعلى: أكتب يا علي :
هذا ما صالح عليه محمد رسول الله، فلما كتب قالوا: لو نعلم أنك رسول الله لاطعناك، فاكتب محمد بن عبد الله، فقال رسول الله: أمح يا علي رسول الله، "الله إنك تعلم أنى رسولك"، يا علي واكتب: " هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله ". والله، لرسول الله خير من علي وقد محا نفسه ولم يكن محوه ذلك محوا من النبوة((1)).
ص: 181
وبالاسناد عن علقمة قال: قلت لعلي (عليه السلام) : أتجعل بينك وبين ابن آكلة الاكباد حكما ؟ ! قال: إنى كنت كاتب رسول الله يوم الحديبية فكتبت: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله فقالوا: لو نعلم أنه رسول الله ما قاتلناه، امحها فقلت: هو والله رسول الله وإن رغم أنفك، لا والله لا أمحوها فقال لى رسول الله: أرنى مكانها فأريته فمحاها، وقال: أما لك مثلها ستأتيها مضطهدا مضطرا((1)).
قال الحافظ في الفتح، وفي حديث علي (عليه السلام) عند النسائى: أما أن لك مثلها، وستأتيها وأنت مضطر. يشير النبي (صلى الله عليه وآله) إلى ما وقع لعلى يوم الحكمين فكان كذلك((2)).
وفي البخاري وشرحه للحافظ عن حبيب بن ثابت قصة دعوة عمرو بن العاص ومعاوية لعلى أن يعمل بالقرآن وجواب على " أنا على الحق وغلط ما فهمتم " واعتراض الاصحاب كما اعترض عمر في الحديبية ومصلحة الصلح كما رأى النبى مصلحة. ورواه أحمد، والعدنى، وأبو يعلى، وابن عساكر، والضياء((3)).
وفي نهج البلاغة: ومن خطبة له (عليه السلام) في ذم أصحابه: أحمد الله على ما قضى، وما قدر وفعل، وعلى ابتلائى بكم أيتها الفرقة التي إذا أمرت لم تطع، وإذا دعوت لم تجب إلى أن قال أوليس عجبا أن معاوية يدعو
ص: 182
الجفاةالطغام فيتبعونه على غير معونته ولا عطاء، وأنا أدعوكم وأنتم تريكة الاسلام فتفرقون عنى وتختلفون عليَّ((1)).
وفيه عن علي(عليه السلام): فخشيت إن لم أنصر الاسلام، وأهله أن أرى فيه ثلما أو هدما تكون المصيبة به عليَّ أعظم((2)).
ولا يخفى أنه قد ظهرت غاية المصالحة بين أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، وبين ملك الشام كما كانت بين النبى (صلى الله عليه وآله) وبين الكفار يوم الحديبية، وإن اعترض بعض الناس على النبى ووصيه أيضا. وفي مصالحة مصالح خفية لا يعقلها إلا العالمون، كما في قصة موسى (عليه السلام)والخضر (عليه السلام)من خرق السفينة، وقتل الغلام. فكما لا يقدح الصلح ثمة في نبوته فالنبى نبى، والكفار كفار، فهكذا لا يقدح في إمامته، فالامام إمام، والملك ملك متمكن على بغاوته. والمراد من الامر في قوله تعالى
(فقاتلوا التي تبغى حتى تفيئ إلى أمر الله).
أما رجوع إلى الحق، وأما قتل، وأما صلح والصلح خير، ولا يغرنك تفسير قوله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) الآية أنه دال على إيمان معاوية لانها نزلت في طائفة من أصحاب أبي بن كعب رئيس المنافقين، وطائفة من أصحاب سيدنا محمد كما روى البخاري عن أنس، وغيره، فظهر من هذا إطلاق المؤمنين على المسلمين ولو كان بعضهم من
ص: 183
المنافقين، أو من بابالتغليب لعظمة شأن المؤمنين كما في الابوين، والقمرين، والعمرين، والظهرين مع أن قصة على ومعاوية وقعت بعد نزول الآيةولم تنزل فيهما خاصة والاندراج لقاعدة التنزيل - أي مورد الآية- كان خاصا، والحكم بها عاما.
في التاريخ الكامل: كتب الحسن (عليه السلام)إلى معاوية: لو آثرت أن أقاتل أحدا من أهل القبلة لبدأت بقتالك فإنى تركتك لاصلاح الامة، وحقن دمائها((1)).
قال الحسن (عليه السلام):ما تدرون ما عملت والله للذي عملت خير لشيعتى مما طلعت عليه الشمس.
الاحتجاج: عن حنان بن سدير، عن أبيه سدير بن حكيم، عن أبيه، عن أبي سعيد عقيصا قال: لما صالح الحسن بن على بن أبي طالب (عليه السلام) معاوية بن أبي سفيان دخل عليه الناس فلامه بعضهم على بيعته فقال الحسن(عليه السلام): ويحكم ما تدرون ما عملت، والله الذي عملت خير لشيعتى مما طلعت عليه الشمس أو غربت، ألا تعلمون أنى إمامكم
ص: 184
ومفترضالطاعة عليكم، وأحد سيدي شباب أهل الجنة، بنص من رسول الله(صلى الله عليه وآله) عليَّ ؟((1)).
قالوا: بلى.
وفعلا برزت فائدة الصلح فى حفظ الشيعة فى البلاد وازدياد عددهم وحفظ مدنهم ،وولادة أجيال مؤمنة منهم يؤمنون بالجهاد والحرب للوصول الى اهدافهم وغاياتهم .
قال الباقر: إنَّه الحسن (عليه السلام)أعلم بما صنع ولولا ما صنع لكان أمراً عظيماً.
الدلائل والعبر :
قال النبي :إنَّ الله تعالى يصلح بالحسن بين فئتين عظيمتين من المسلمين ((2)).
وأخبر الله تعالى بحكم معاوية للبلاد ومن بعده بني أمية جاء ذلك فى القرآن الكريم .
ص: 185
فوجد الحسن ضرورة المصالحة مع معاوية وعدم اقحام الشيعة فى حرب خاسرة لا يربحون فيها ابداً .
فاستفاد الحسن من علوم الغيب للقرآن الكريم والحديث النبوي فى حفظ الشيعة وتطبيق ما قاله النبي الاكرم فكان الصلح بين الجانبين .
الكافى: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن أبي الصباح ابن عبد الحميد، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
«والله الذي صنعه الحسن بن على (عليه السلام) كان خيرا لهذه الامة مما طلعت عليه الشمس، ووالله لقد نزلت هذه الاية:
(ألَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أيْدِيَكُمْ وَأقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتَالُ إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أوْ أشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّ-نَا لِمَ كَ-تَبْتَ عَلَيْنَا القِتَالَ لَوْلا أخَّرْتَنَا إلَى أجَل قَرِيب قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلا ((1))).
إنما هي طاعة الامام، و لكنهم طلبوا القتال " فلما كتب عليهم القتال " مع الحسين(عليه السلام) " قالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب " " نجب دعوتك، ونتبع الرسل " أرادوا تأخير ذلك إلى القائم(عليه
ص: 186
السلام)» ((1)). توضيح: قوله (عليه السلام): " إنما هي طاعة الامام " أي المقصود في الآية طاعة الامام الذي ينهى عن القتال، لعدم كونه مأمورا به، ويأمر بالصلاة والزكاة، وسائر أبواب البر، والحاصل أن أصحاب الحسن (عليه السلام)كانوا بهذه الآية مأمورين بطاعة إمامهم في ترك القتال، فلم يرضوا به، وطلبوا القتال، فلما كتب عليهم القتال مع الحسين (عليه السلام) قالوا: ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب أي قيام القائم (عليه السلام).
وهذه الآية وردت في الخبر في سورة النساء آية 77 .
وفي سورة إبراهيم:
(وَأنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأتِيهِمُ العَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّ-نَا أخِّرْنَا إلَى أجَل قَرِيب نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أوَ لَمْ تَكُونُوا أقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَال)((2)). .
قال البعض: فلعله (عليه السلام) وصل آخر الآية بالاية السابقة لكونهما لبيان حال هذه الطائفة، أو أضاف قوله " نجب دعوتك " بتلك الآية على وجه التفسير والبيان، أي كان غرضهم أنه إن أخرتنا إلى ذلك نجب دعوتك ونتبع.
ص: 187
يجب طاعة الله سبحانه وتعالى فاذا فرض الحرب على الامام كما فرضها على النبي وعلي والحسين يجب طاعته واذا فرض السلم كما فرضها على الامام الحسن (عليه السلام) يجب طاعته .
لكن الخوارج وباقي النواصب يخالفون أراء النبي والامام فى السلم والحرب فقد خالفوا طلب الحسن للسلم وخالفوا طلب الحسين للحرب!!!
وفى طاعة الامام تظهر حقيقة المنزلة الشخصية للمسلمين .
فالخارجى أبو عامر سفيان بن أبي ليلى خالف الامام الحسن فى صلحه قائلا له :يا مذل المؤمنين .
والخارجي شبث بن ربعي خالف الحسين فى حربه ليزيد وأقدم على المشاركة فى قتل الحسين!!!
ص: 188
إخبار الإمام (عليه السلام) عن ملك معاوية:
سم معاوية للحسن :
ثقافة المجتمع الكوفي :
أهل الكوفة زمن الأئمة علي والحسن والحسين(عليهم السلام) :
أهل الكوفة زمن الأئمة علي والحسن والحسين(عليهم السلام) :
أثر المال الحرام في خراب المجتمع الاسلامي:
مؤامرات معاوية لكسب الخونة :
ص: 189
الادعاء:
رغب بعض أصحاب الامام الحسن (عليه السلام)بنقض معاهدة الصلح لنقض معاوية لها وابتعاده عنها فأوجدوا شبهة تتمثل في سبب امتناع الامام الحسن (عليه السلام)عن نقض معاهدته فى الصلح مع معاوية واستمراره بمتابعتها ؟ والدليل على ذلك الرواية التالية :
روى البلاذري: كان حجر بن عدي أول من يذم الحسن(عليه السلام) على الصلح، وقال له قبل خروجه من الكوفة: «خرجنا من العدل ودخلنا في الجور، وتركنا الحق الذي كنا عليه ودخلنا في الباطل الذي كنا نذمه، وأعطينا الدنية ورضينا بالخسيسة، وطلب القوم أمرا وطلبنا أمرا فرجعوا بما أحبوا مسرورين، ورجعنا بما كرهنا راغمين؟! فقال الامام الحسن (عليه السلام) له: يا حجر ! ليس كل الناس يحب ما أحببت، إنى قد بلوت الناس، فلو كانوا مثلك في نيتك وبصيرتك لاقدمت.
وأتى حجر الحسين (عليه السلام)فقال له: يا أبا عبد الله ! شريتم العز بالذل ؟ وقبلتم القليل بترك الكثير ؟
أطعنى اليوم وأعصنى سائر الدهر ! ! ! دع رأي الامام الحسن (عليه السلام)واجمع شيعتك ثم ادع قيس بن سعد بن عبادة وابعثه في الرجال ;
ص: 190
وأخرج أنا في الخيل، فلا يشعر ابن هند إلا ونحن معه في عسكره، فنضاربه حتى يحكم الله بيننا وبينه، وهو خير الحاكمين ; فإنهم الان غارون.
فقال له الامام الحسن (عليه السلام): إنا قد بايعنا وليس إلى ما ذكرت سبيل» ((1)).
رواية ابن أعثم: وفي رواية: فالتفت الحسين(عليه السلام) إلى أخيه الحسن (عليه السلام) فقال: والله ! لو اجتمع الخلق
طرا على أن لا يكون الذي كان إذا ما استطاعوا، ولقد كنت كارها لهذا الامر ولكنى لم أحب أن أغضبك، إذ كنت أخى وشقيقى ((2)).
وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال :
حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا هارون بن معروف حدثنا ضمره عن ابن شوذب قال لما قتل علي(عليه السلام) سار الامام الحسن (عليه السلام) فيمن معه من أهل الحجاز والعراق وسار معاوية في أهل الشام فالتقوا فكره الحسن(عليه السلام) القتال وبايع معاوية على أن يجعل العهد للحسن من بعده قال فكان أصحاب الحسن(عليه السلام)يقولون له: يا عار المؤمنين فيقول العار خير من النار ((3)).
ص: 191
الجواب:
عن الادعاء قال المدائنى: خطب معاوية اهل الكوفة بعدما صالح الحسن (عليه السلام)فقال أترانى قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج وقد علمت انكم تفعلون ذلك ولكنى قاتلتكم لاتأمر عليكم وألى رقابكم وقد آتانى الله ذلك وانتم كارهون الا ان كل مال او دم اصيب في الفتنة فمطلول وكل شرط شرطته فتحت قدمى هاتين.
وجواب هذا: الظروف لم تتبدل بعد الصلح ،وأصبح جيش العراق اضعف ،ونسيج أهل الكوفة أكثر
فرقة ،هذا من جانب ،ومن جانب آخر من طبيعة الحسن (عليه السلام) عدم نقضه للعهود.
وقال الامام الحسن (عليه السلام): يا مسيب انى لو اردت بما فعلت الدنيا لم يكن معاوية باصبر عند اللقاء
ص: 192
ولا اثبت عند الحرب منى ولكنى اردت صلاحكم وكف بعضكم عن بعض فارضوا بقدر الله وقضائه حتى يستريح بى ويستراح من فاجر.
وهذه صورة الكتاب - كتاب الصلح - الذي استقر بينهم وهو:
«بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما صالح عليه الحسن بن على بن أبي طالب، معاوية بن أبي سفيان، صالحه على أن يسلم إليه أمر المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسول الله 6 وسيرة الخلفاء الصالحين الراشدين المهديين . وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا، بل يكون الامر من بعده شورى بين المسلمين. وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله تعالى في شامهم، ويمنهم، وعراقهم، وحجازهم. وعلى أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا. وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه وما أخذ الله على أحد من خلقه بالوفاء وبما أعطى الله من نفسه. وعلى أن لا يبغى للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين غائلة ولا لاحد من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)غائلة سوء سرا أو جهرا، ولا يخيف أحدا منهم في أفق من الافاق. شهد عليه بذلك فلان وفلان وكفى بالله شهيدا» ((1)).
ص: 193
كتاب الصلح فرض على معاوية العمل وفق القرآن وسنة النبي ،ولو عمل معاوية بهما لما أقدم على قتل الامام الحسن ورموز الشيعة من أمثال حجر بن عدي وصحبه المنتجبين .
ولما حرَّف الحديث النبوى وحارب أهل بيت النبوة ولما سبَّ الامام علياً على المنابر .
أقول : لقد علم الحسن (عليه السلام)بنقض معاوية للمعاهدة مسبقاً بعلومه للغيب وبما عرفه من معاوية من نقضه للعهود، لكنه أراد انقاذ الشيعة من مذابح معاوية قدر الامكان.
وقد سمع الامام الحسن من أبيه وصول معاوية الى السلطة ،فلا فائدة من أمر اقتضته الحكمة الالهية .وفعلا انحسرت المذابح في قيادات الشيعة المعلنة لمعارضتها للأمويين مثل حجر بن عدي وعمرو بن الحمق ،وسلم معظمهم من القتل .
علم الامام الحسن (عليه السلام)للغيب من دواعي قبوله بالصلح، فهو علم انتصار معاوية في الصراع بينهما اخذه من النبي الاعظم وتربعه على مملكة المسلمين عشرين عاماً:
ص: 194
فساء ذلك النبي، فأوحى الله تعالى إليه: إنّما هي دنيا أُعطوها. فقرّت عينه ((1)).
ونزلت الاية :
(وَمَا جَعَلنَا الرُؤيَا الّتِي أرَيْنَاك إلاّ فِتنَةٌ لِلنّاسِ وَالشَّجَرَةَ الملْعُونَةَ) يعني بنى أمية شاهدهم النبى
وهذا من علوم الغيب التي ذكرها القرآن الكريم واخذها الامام الحسن من رسول الله .:
يلعبون على منبره .
عن داود الرقي عن ابى عبد الله عن آبائه قال:
إنَّ الحسن بن علي قال لولده عبد الله: يا بني اذا كان في عامنا هذا يدفع اليَّ الطاغي جارية تسمى أنيس فتسمني بسم قد جعله الطاغي تحت فصِّ خاتمها.
قال له عبد الله: فلم لا تقتلها قبل ذلك ؟
قال: يا بني جفَّ القلم وابرم الأمر فانعقد ولا حلَّ لعقد الله المبرم. فلما كان في العام القادم أهدى اليه جارية اسمها أنيس فلما دخلت عليه ضرب بيده على منكبها ثم قال:
يا أنيس دخلتِ النار بما تحت فص خاتمكِ((2)) .
ص: 195
وقال الامام الحسن (عليه السلام) لأتباعه : والله لا تفون لى بعهدي، ولتنقضن الميثاق بينى وبينكم((1)).
وقال المسعودي: وجدت في كتاب الاخبار لابي الحسن علي بن محمد بن سليمان النفلى عن العباس بن عبد المطلب قال:
كنت عند رسول الله اذ اقبل علي بن ابى طالب، فلما رآه أسفر في وجهه فقلت: يارسول الله إنك لتسفر في وجه هذا الغلام .
فقال: يا عم رسول الله، والله لله اشد حباً له مني، وانه لم يكن نبي الا وذريته الباقية بعده من صلبه، وإنَّ ذريتى بعدى من صلب هذا، إنَّه اذا كان يوم القيامة دعي الناس باسمائهم وأسماء أمهاتهم ستراً من الله عليهم إلا هذا وشيعته فإنهم يُدعون باسمائهم واسماء آبائهم لصحة ولادتهم((2)).
علم الغيب يعطيه الله تعالى الى خاصَّة أوليائه الانبياء والأوصياء ولا يعني هذا التسبب فى تقاعسهم وتكاسلهم وعدم جهادهم لمعركة يعرفون خسارتهم فيها .
ص: 196
مثلا النبي أخبر الحسين بمقتله فى كربلاء وتقاعس الناس عنه واجتماع الاعداء عليه وأسر نسائه وأطفاله واخذهم الى الشام .
ورغن ذلك ذهب الحسين الى كربلاء وجاهد وقاتل وتحمل العطش والجوع والأذى والجرح ومشاهدة مصرع أولاده وأرحامه وأنصاره .
قال الإمام الحسن (عليه السلام): إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لي ذات يوم وقد رآني فرحاً: «ياحسن أتفرح ؟! كيف بك إذا رأيت أباك قتيلا ؟! أم كيف بك إذا ولي هذا الأمر بنو أُميّة، وأميرها الرحب البلعوم، الواسع الأعفاج((1))، يأكل ولا يشبع، يموت وليس له في السماء ناصر ولا في الأرض عاذر، ثمّ يستولي على غربها وشرقها ، يدين له العباد ويطول ملكه، يستنّ بسنن البدع والضلال، ويميت الحقّ وسُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، يقسّم المال في أهل ولايته، ويمنعه من هو أحقّ به، ويُذلّ في ملكه المؤمن، ويقوى في سلطانه الفاسق، ويجعل المال بين أنصاره دولا، ويتّخذ عباد الله خولا، يدرس في سلطانه الحقّ، ويظهر الباطل، ويُلعن الصالحون ، ويقتل من ناواه على الحقّ، ويدين من والاه على الباطل»((2)).
ص: 197
وقال الإمام علي (عليه السلام): «أما إنّه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البُلعوم، مُندحق البطن((1))، يأكل ما يجد، ويطلب ما لا يجد، فاقتلوه، ولن تقتلوه ! ألا وإنّه سيأمركم بسبّي والبراءة منّي، فأمّا السبّ فسبّوني، فإنّه لي زكاة، ولكم نجاة، وأمّا البراءة فلا تتبرّأوا منّي ; فإنّي ولدت على الفطرة، وسبقت إلى الإيمان
والهجرة»((2)).
وسمع علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ضوضاءً في عسكره، فقال: «ما هذا ؟
فقيل: قُتل معاوية.
فقال: كلاّ وربّ الكعبة، لا يقتل حتّى تجتمع الأُمّة عليه.
فقيل له: ياأمير المؤمنين فبم تقاتله ؟
قال: ألتمس العذر فيما بيني وبين الله »((3)).
الامام علي (عليه السلام) قام بواجبه الشرعى سواء علم بمقتله ام لم يعلم ،وهو منهج يظهر لنا وجوب محاربة الظلم ومقارعة الباطل .
ص: 198
وفي مرّة أُخرى قدم ركب من الشام، فأفشى في الكوفة أنّ معاوية مات، فجيء بالرجل إلى علي(عليه السلام)فقال: أنت شهدت موت معاوية ؟
قال: نعم، كنت فيمن دفنه.
فقال له علي(عليه السلام): إنّك كاذب.
فقال القوم: أهو يكذب ؟
قال(عليه السلام): نعم ; لأنّ معاوية لا يموت حتّى يملك هذه الأُمّة، ويفعل كذا، ويفعل كذا بعدما ملك.
فقال القوم: فَلِمَ تقاتله وأنت تعلم أنّه سيبلغ هذا ؟
قال: للحجّة ((1)).
يريد الامام أن يقول :الواجب علينا طاعة الله تعالى فى اوامره المفروضة فى دحض الباطل واتباع القرآن الكريم .
وذكر الامام (عليه السلام) أيّام معاوية ومن تلاه من يزيد ومروان وبنيه، وذكر الحجّاج وما يسومهم من العذاب، فارتفع الضجيج، وكثر البكاء والشهيق، فقام قائم من الناس فقال: ياأمير المؤمنين لقد وصفت أُموراً عظيمة، آلله إن كان ذلك كائن ؟
قال علي (عليه السلام): والله إنّ ذلك لكائن، ما كَذِبت ولا كُذِبت.
فقال آخرون: متى يكون ذلك يا أمير المؤمنين ؟
ص: 199
قال: إذا خُضبت هذه من هذه، ووضع إحدى يديه على لحيته والأُخرى على رأسه، فأكثر الناس من البكاء.
فقال: لا تبكوا في وقتكم هذا فستبكون بعدي طويلا.
فكاتب أكثر أهل الكوفة معاوية سرّاً في أُمورهم، واتّخذوا عنده الأيادي، فوالله ما مضت إلاّ أيّام قلائل حتّى كان ذلك ((1)).
قال أبو عمر في الاستيعاب : قال قتادة وأبو بكر بن حفص: سم الحسن بن على، سمته امرأته بنت الاشعث بن قيس الكندي. وقالت طائفة: كان ذلك منها بتدسيس معاوية إليها وما بذل لها في ذلك وكان لها ضرائر فالله أعلم. ثم ذكر صدر ما رواه المسعودي. وقال سبط ابن الجوزي في التذكرة قال علماء السير منهم: ابن عبد البر سمته زوجته جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي.
وقال السدي: دس إليها يزيد بن معاوية أن سمى الحسن وأتزوجك. فسمته فلما مات أرسلت إلى يزيد تسئله الوفاء بالوعد فقال: أنا والله ما أرضاك للحسن، أفنرضاك لانفسنا ؟
وقال الشعبى: إنما دس إليها معاوية فقال: سمى الحسن (عليه السلام)وأزوجك يزيد وأعطيك مائة ألف درهم، فلما مات الحسن (عليه
ص: 200
السلام)بعثت إلى معاوية تطلب إنجاز الوعد، فبعث إليها بالمال وقال: إنى أحب يزيد، وأرجو حياته، ولولا ذلك لزوجتك إياه.
وقال الشعبى: ومصداق هذا القول: إن الحسن (عليه السلام)كان يقول عند موته وقد بلغه ما صنع معاوية: لقد عملت شربته وبلغت أمنيته، والله لا يفى بما وعد، ولا يصدق فيما يقول.
ثم حكى عن طبقات ابن سعد: إن معاوية سمه مرارا كما مر.
وقال ابن عساكر في تاريخه يقال :
إنه سقى السم مرارا كثيرا ففلت منه ثم سقى المرة الاخيرة فلم يفلت منها((1)).
ويقال: إن معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سما فسقاه فأثر فيه حتى كان يوضع تحته طست ويرفع نحوا من أربعين مرة.
ص: 201
وروى محمد بن المرزبان: إن جعدة بنت الاشعث بن القيس كانت متزوجة بالحسن (عليه السلام)فدس إليها يزيد أن سمى الحسن (عليه السلام)وأنا أتزوجك ففعلت، فلما مات الحسن (عليه السلام)بعثت إلى يزيد تسأله الوفاء بالوعد فقال لها: إنا والله لم نرضك للحسن فكيف نرضاك لانفسنا ؟ فقال كثير، ويروى إنه للنجاشى:
يا جعدة ! أبكى ولا تسأمى - بكاء حق ليس بالباطل
لن تستري البيت على مثله - في الناس من حاف ولا ناعل
أعنى الذي أسلمه أهله - للزمن المستخرج الماحل
كان إذا شبت له ناره - يرفعها بالنسب الماثل
كيما يراها بائس مرمل - أو وفد قوم ليس بالاهل
يغلى بنئ اللحم حتى إذا - أنضج لم يغل على آكل ((1)).
وروى المزي في تهذيب الكمال في أسماء الرجال عن أم بكر بنت المسور قالت: سقى الحسن(عليه السلام)مرارا وفي الاخرة مات فإنه كان يختلف كبده، فلما مات أقام نساء بنى هاشم عليه النوح شهرا.
وقال أبو عوانة عن مغيرة عن أم موسى: إن جعدة بنت الاشعث سقت الحسن(عليه السلام)السم فاشتكى منه أربعين يوما. وفي مرآة العجائب وأحاسن الاخبار الغرائب قيل: كان سبب موت الحسن بن علي (عليه
ص: 202
السلام)من سم به يقال: إن زوجته جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي سقته إياه، ويذكر والله أعلم بحقيقة أمورهم: أنَّ معاوية دس إليها بذلك على أن يوجه لها مائة ألف درهم ويزوجها من ابنه يزيد، فلما مات الحسن (عليه السلام)وفى لها معاوية بالمال وقال: إنى أحب حياة يزيد. وذكروا: إن الحسن (عليه السلام)قال عند موته: لقد حاقت شربته والله لا وفاء لها بما وعد ولا صدق فيما قال ((1)).
وقال الزمخشري في ربيع الابرار في الباب الحادي والثمانين: جعل معاوية لجعدة بنت الاشعث امرأة الحسن (عليه السلام)مائة ألف درهم حتى سمته، ومكث شهرين وإنه يرفع من تحته طستا من دم وكان يقول: سقيت السم مرارا ما أصابنى فيها ما أصابنى في هذه المرة، لقد لفظت كبدي ((2)).
وفي حسن السريرة لما كان سنة سبع وأربعين من الهجرة دس معاوية إلى جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي زوجة الحسن بن على أن تسقى الحسن (عليه السلام)السم ويوجه لها مائة ألف ويزوجها من ابنه يزيد، ففعلت ذلك.
كان معاوية يرى أمر الامام السبط(عليه السلام) حجر عثرة في سبيل أمنيته الخبيثة بيعة يزيد، ويجد نفسه في خطر من ناحيتين: عهده إليه(عليه السلام) في الصلح معه بأن لا يعهد إلى أحد من جانب، وجدارة أبي محمد الزكی
ص: 203
ونداء الناس به من ناحية أخرى، فنجى نفسه عن هذه الورطة بسم الامام(عليه السلام)، ولما بلغه نعيه غدا مستبشرا، وأظهر الفرح والسرور وسجد وسجد من كان معه ((1)).
قال ابن قتيبة: لما مرض الحسن بن على (عليه السلام)مرضه الذي مات فيه، كتب عامل المدينة إلى معاوية يخبره بشكاية الحسن (عليه السلام)، فكتب إليه معاوية: إن استطعت أن لا يمضى يوم بى يمر إلا يأتينى فيه خبره فأفعل. فلم يزل يكتب إليه بحاله حتى توفي فكتب إليه بذلك، فلما أتاه الخبر أظهر فرحا وسرورا حتى سجد وسجد من كان معه، فبلغ ذلك عبد الله ابن عباس وكان بالشام يومئذ فدخل على معاوية فلما جلس قال معاوية: يا ابن عباس هلك الحسن بن على ؟
فقال ابن عباس: نعم هلك، إنا لله وإنا إليه راجعون. ترجيعا مكررا، وقد بلغنى الذي أظهرت من الفرح والسرور لوفاته، أما والله ما سد جسده حفرتك، ولا زاد نقصان أجله في عمرك، ولقد مات وهو خير منك، ولئن أصبنا به لقد أصبنا بمن كان خيرا منه جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فجبر الله مصيبته، وخلف علينا من بعده أحسن الخلافة. ثم شهق ابن عباس وبكى((2)).
ص: 204
هذا دليل على أنَّ الصلح مع معاوية لم يكن تنازل بل هو عهود للالتزام بها مقابل التنازل عن السلطة .
لقد أبعد معاوية خمسين ألف من شيعة الكوفة الى خراسان ((1)).
وقد تأسست الكوفة سنة 17 ه-.
وقبائل الكوفة الاصلية تتمثل في :
قضاعة وغسان وبجيلة وخثعم وكندة وحضرموت والازد.
قبيلة طي اليمانية.
تميم والرباب.
أسد، غطفان ضبيعة، تغلب، النمر ومجارب.
مذحج وحمير وهمدان وحلفتؤهم.
اياد، عبد شمس وعك، أهل هجر والحمراء.
كان بعض يطلبون من الامامين علي والحسن (عليه السلام) اعطاء الأموال لزعماء القبائل وغيرهم لشرائهم فلم يقبلا وقال الامام علي(عليه السلام):
أتريدون أن أطلب النصر بالجور فوالله ما كان ذلك ابداً.
ص: 205
قال الامام الحسن (عليه السلام): عرفت أهل الكوفة وتلونهم ولا يصلح لي منهم ما كان فاسداً انهم لا وفاء لهم ولا ذمة ولا قول ولا فعل إنهم لمختلفون ويقولون إنَّ قلوبهم معنا وأنَّ سيوفهم لمشهورة علينا.
غررتموني كما غررتم من كان قبلي مع اي امام تقاتلون بعدي ؟ مع الكافر الظالم الذي لا يؤمن بالله ورسوله قط ((1)).
أما والله ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلة ولا قلة ولكن نقاتلهم بالسلامة والصبر ،نشيب السلامة بالعداوة والصبر والجزع وكنتم تتوجهون معنا ودينكم أمام دنياكم ،وقد أصبحتم الان ودنياكم أمام دينكم وكنتم لنا وقد صرتم علينا.
مؤامرات معاوية: بعد مقتل علي (عليه السلام)أرسل معاوية رجالا الى العراق لبث الاشاعات والتجسس منهم رجل من حمير ورجل من بنى القين فقتل أنصار الامام الحسن(عليه السلام) الحميرى في الكوفة والقينى في البصرة((2)).وهذا يبين تخصص معاوية فى المكر والحيلة .
ص: 206
3 - أهل الكوفة زمن الأئمة علي والحسن والحسين(عليهم السلام) :كان قيس بن سعد من المؤمنين القلة المطيعين لامامهم في الحرب والسلم بينما كانت الغالبية في جيش الامام الحسن (عليه السلام)تخالف الامام في قراراته في السلم والحرب.
إن أراد الحرب أرادوا السلم وإن أراد السلم اراد بعضهم الحرب كالخوارج !!!
فان دعاهم الامام (عليه السلام)الى الحرب عصوه وخذلوه وتركوه في معسكره وحيداً، وإن دعاهم الى السلم والصلح قال بعضهم: يا مذل المؤمنين!!!
لقد عملوا ذلك مع الامام علي (عليه السلام)ومع الامام الحسن (عليه السلام).
وفعلوا نفس العمل مع الحسين (عليه السلام)بل حاربوه بأنفسهم نيابة عن الأمويين وقتلوه.
هذه صفات أهل الكوفة في زمن الأئمة علي والحسن والحسين(عليهم السلام).
وقد أصبح أهل الكوفة هكذا بفعل الأوامر الشديدة الصادرة لهم من الحكومات ،فأضحوا أناساً يتحركون بالأوامر ويرغبون في الغنائم ويقدمون دنياهم أمام دينهم.
فامتلكت الدنيا إرادتهم، وغلبت الأهواءُ تقواهم.
ص: 207
لقد أصبح الكثير منهم ذئاباً كاسرة لا طاعة لها لله تعالى ورسوله والاوصياء وعلى رأس هؤلاء عبيد الله بن العباس (ابن عم الامام علي(عليه السلام)).
فقد انحدر هذا الرجل الى معاوية طلباً لرشوته غير مستحي من شريعة وغير خجل من ربِّ العالمين.
لقد سأل شخص علياً(عليه السلام): لماذا هدأت الاوضاع في زمن النبي وابى بكر واضطربت في زمنك ؟
قال الامام: لانَّ ابا بكر كان يحكم رجالا مثلي وأنا أحكم رجالا مثلك.
فقد ساءت تربية الناس بعد رسول الله تدريجياً متسببة في الانفجار في زمن عثمان مؤدية الى قتله.
واستمر هذا الانحراف عن الحق عقوداً كثيرة فلم يندموا على أفعالهم بعد ترك الحسن (عليه السلام)للكوفة
وبعد شهادته بيد معاوية.
وبعد تولي يزيد الحكم تحركت ضمائرهم قليلا دون الحد الدافع إياهم الى الثورة الاسلامية الشاملة.
وفي ثورة كربلاء هز الحسين (عليه السلام)تلك الأفئدة الغافلة وتلك الضمائر الخاوية فكانت ثورة التوابين، وثورة المختار ،وثورة المدينة المنورة سنة 62 ه-.
فحكم الطغاة المروانيين العالم الاسلامى كما قال النبي: كيفما تكونوا يول عليكم.
ص: 208
كان المسلمون يومذاك يعرفون الاسلام ويحرفونه طلباً للدنيا الزائلة فسلبهم الله تعالى حكومة العدل الالهي المتمثلة بعلي والحسن (عليه السلام).
وبعد عشرين عاماً جاءهم الحسين (عليه السلام)ليثير هممهم لكن دون فائدة تذكر، بل زاد طغيان بعضهم مثل شبث بن ربعي وشمر بن ذي الجوشن العاصين لعلي والحسن (عليه السلام).
لقد دعا شبث بن ربعي الى قتل الحسين (عليه السلام)وفعلا حزَّ شمر رأس الحسين بن فاطمة.
الفرق بين زمن النبي وزمن الأئمة
الناس في زمن النبي ينقسمون الى قسمين:
الاول: مسلمون.
والثاني: كفار
وكان يسهل على الامام علي قتل الكفار في ساحات المعارك فيفتت شملهم ويفرق جمعهم ويضطرهم الى الطاعة والوحدة.
والناس بين أمرين الكفر والاسلام.
أما في زمن علي والحسن (عليه السلام) فالكل مسلمون ولكن ينقسمون الى قسمين:
الاول: مؤمنون.
الثاني: منافقون.
ولا يمكن للامام علي قتل المنافقين
ص: 209
وكان الهدف في زمن النبي أعلى يتمثل في محاربة الكفار ودعوتهم الى الاسلام.
بينما في زمن الامام أصبح الأمر في اعتقاد المسلمين أضعف يتمثل في محاربة الناكثين والقاسطين والمارقين ((1)) .
بالرغم من دعوة النبي لمحاربتهم قائلا:
ستقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، وفعلاً قاتل علي (عليه السلام)في معارك الجمل وصفين والنهروان((2)).
وقال الرسول (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) : « اي اخي فاخر العرب فأنت اكرمهم ابن عم ، واكرمهم اباً ، واكرمهم أخاً ، واكرمهم نفساً ، واكرمهم نسباً ، واكرمهم زوجة ، واكرمهم ولداً، واكرمهم عمّاً، واعظمهم عناءً بنفسك ومالك، واتمهم حلماً، واكثرهم علماً ، وانت اقرأهم
ص: 210
لكتاب الله ،واعلمهم بسنن الله ، واشجعهم قلباً ، واجودهم كفاً ، وازهدهم في الدنيا ، واشدهم اجتهاداً ، واحسنهم خلقاً ، واصدقهم لساناً ، واحبهم الى الله واليّ ، وستبقى بعدي ثلاثين سنة تعبد الله ، وتصبر على ظلم قريش ، ثم تجاهد في سبيل الله اذا وجدت اعوانا تقاتل على تأويل القرآن ( كما قاتلت على تنزيله ) الناكثين والقاسطين والمارقين من هذه الامة ((1))، تقتل شهيداً وتخضب لحيتك من دم رأسك قاتلك يعدل عاقر الناقة في البغض الى الله »((2)).
وكان توزيع الأموال بلا عدل وانتشار الرشوة أضعف دين الناس وألهمهم الفسق والفجور والطغيان.
ص: 211
سعى النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) والحسن (عليه السلام)لصيانة المجتمع الاسلامى من المال الحرام لان ابتعادهم المذكور أساس العدل والدين .
ففى العصر الاموى ظهر رجال غاصبون للخلافة نشروا الرشوة فى المجتمع لكل من يؤيدهم فى السلطة .ولم يساوون فى الحقوق المالية فظهرت الطبقات فى المجتمع الاسلامى .فللمال الحرام أثر كبير في خراب المجتمع الاسلامي .
لذا يسعى الظالمون لتخريب نفوس الناس بالاموال الحرام .
دس معاوية إلى عمرو بن حريث والاشعث بن قيس وحجار بن أبجر وشبث بن ربعى دسيسا أفرد كل واحد منهم بعين من عيونه: أنك إن قتلت الحسن بن علي(عليه السلام)فلك مائتا ألف درهم وجند من أجناد الشام، وبنت من بناتى، فبلغ الحسن (عليه السلام)ذلك فاستلام ولبس درعا وكفرها وكان يحترز ولا يتقدم للصلاة بهم إلا كذلك، فرماه أحدهم في الصلاة بسهم فلم يثبت فيه لما عليه من اللامة.. ((1)).
ص: 212
نقول: استجابت النفوس المريضة لهذه الرشوة بنطاقها الواسع ،لانه عرف الاشخاص الذين تشترى ضمائرهم بالمادة فبذلها لهم بسخاء، وكذلك عرف الاشخاص الذين تشترى ضمائرهم بالمنصب وكذلك عرف الاشخاص الذين تشترى ضمائرهم بالمصاهرة والزواج من بناته. وهذا مما يدل على الخسة والانحطاط في عالم الرذائل والموبقات .
وهؤلاء من أمثال عمرو بن حريث بن عثمان القرشى المخزومى الكوفي فقد كان سنه يوم شهادة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) اثنى عشر سنة، وكان من الطلقاء الصغار ولى الكوفة عن زياد وابنه عبيد الله وتوفي سنة 75ه- ((1)) .
أما حجار بن أبجر العجلى فقد كان أبوه نصرانيا فقال له: يا أبت أرى قوما قد دخلوا في هذا الدين فشرفوا وقد أردت الدخول فيه، فقال له أبوه: يا بنى اصبر حتى أقدم معك على عمر ليشرفك، وإياك أن تكون لك همة دون الغاية القصوى، ووفد على عمر فقال أبجر لعمر: أشهد ان لا إله إلا الله وأن حجارا يشهد أن محمدا رسول الله، فقال عمر: وما يمنعك أن تقولها أنت ؟
فقال أبجر: إنما أنا هامة اليوم أو غد ((2)).
ص: 213
وذكر المرزبانى في معجم الشعراء أن أبجر مات على نصرانيته في زمن أمير المؤمنين على (عليه السلام)قبل قتله بيسير، ولما مات شيعته النصارى، وكان حجار يمش في جانب مع أناس من المسلمين((1))..
وجاء في بعض المصادر التاريخية: أن حجارا
كان من الاشخاص الذين راسلوا سيد الشهداء الحسين (عليه السلام) بالقدوم إلى العراق ولما قدم(عليه السلام) العراق كان هذا الاثيم في طليعة الواثبين عليه ((2)).
ووجه معاوية الاموال الى أفراد جيش الامام لخداعهم:
أرسل الى قيس بن سعد بن عبادة بألف ألف درهم على أن يصير معه أو ينصرف عنه. فارجع اليه المال وقال: تخدعنى عن ديني((3)).
وارسل معاوية الجواسيس لبث الاشاعات في صفوف جيش الامام الحسن(عليه السلام)بصلح قيس بن سعد مع معاوية، وبث جواسيسه في صفوف جيش قيس بن سعد صلح الامام الحسن (عليه السلام)مع معاوية في محاولة لتفكيك جيش الامام وحث الناس على الخيانة والدنيا((4)).
ص: 214
قال اليعقوبى: وبث معاوية بانَّ قيس بن سعد وهو قائد مسكن بعد فرار ابن عباس قد صالح معاوية وصار معه((1)).
أما الدميري في حياة الحيوان: فقد ذكر أن معاوية أذاع أن قيس بن سعد قد قتل فانفروا((2)).
ومزقت هذه الدعايات الكاذبة أوصال الجيش، وأماتت نشاطه العسكري.
الوفد الشامي: كان هذا الوفد مهما في نظر معاوية لبث الاشاعات وتفريق عسكر الحسن (عليه السلام): اذ جاء المغيرة بن شعبة وعبد الله بن كريز وعبد الرحمن بن الحكم الى الامام الحسن (عليه السلام) عارضاً عليه كتب أصحابه الخائنين المتفقين مع معاوية سراً.
وبعدما خرج الوفد الأموى دون نتيجة أرادوا بث الشائعات باتمامهم الصلح مع الحسن (عليه السلام) اذ قال أحدهم لجيش الحسن (عليه السلام):
إنَّ الله قد حقن بابن رسول الله الدماء وسكن الفتنة وأجاب الصلح((3))متسببين في عصيان أصحاب الفكر الخارجى في صفوف الامام الحسن (عليه السلام).
ص: 215
ص: 216
1 - خيانة جيش الامام الحسن (عليه السلام):
عدى بن حاتم يبين حال أهل العراق فى الخيانة :
عبيد الله بن العباس القائد الخائن :
خطبة قيس: يصف خيانة عبيد الله بن عباس :
خيانة بعض آخر :
2 - الجيش الكثير المفكك يكون قليلا :
3 - خيانة الخوارج فى داخل جيش الحسن (عليه السلام):
4 - تأثر جيش الامام بفعل جواسيس معاوية :
5 - خيانة بعض رؤساء القبائل :
خيانة عمر بن سعد وقيس بن الاشعث وعمرو بن حريث وحجار بن أبجر: وعمرو بن الحجاج:
خيانة خالد بن معمر أحد زعماء ربيعة:
خيانة عثمان بن شرحبيل زعيم بنى تميم:
ص: 217
شبهة توجه الحسن (عليه السلام)للصلح مع امتلاكه جيشاً كبيراً وأنصاراً كثيرين .وهى شبهة خطيرة لغير العارف بحال جيش الامام الحسن (عليه السلام) المفكك والمتخاذل .
قال المسيب بن نجبة الفزاري وسليمان بن صرد الخزاعى للحسن بن علي(عليه السلام):
«ما ينقضى تعجبنا منك، بايعت معاوية ومعك أربعون ألف مقاتل من الكوفة سوى أهل البصرة والحجاز» ((1)).
1 - خيانة جيش الامام الحسن (عليه السلام):
لقد بيَّنت الاحداث بعد انهزام عبيد الله بن العباس الى معسكر معاوية وتردد الجيش فى الالتحاق بمعسكر الامام الحسن فى النخيلة أنه لم يملك الامام أربعين ألف مقاتل مثلما قالوا ،اذ جاء :
وعسكر الحسن في النخيلة عشرة أيام فلم يحضره الا أربعة آلاف فرجع الى الكوفة ليستنفر الناس((2)).
ص: 218
روي عن الحارث الهمدانى قوله : لما مات على(عليه السلام)، جاء الناس إلى الحسن بن علي (عليه السلام) فقالوا له: أنت خليفة أبيك، ووصيه، ونحن السامعون المطيعون لك، فأمرنا بأمرك.
قال(عليه السلام): كذبتم، والله ما وفيتم لمن كان خيرا منى فكيف تفون لى ؟ ! أو كيف أطمئن إليكم ولا أثق بكم ؟ إن كنتم صادقين ؟ فموعد ما بينى وبينكم معسكر المدائن، فوافونى هناك. فركب، وركب معه من
أراد الخروج، وتخلف عنه خلق كثير لم يفوا بما قالوه، وبما وعدوه، وغروه كما غروا أمير المؤمنين (عليه السلام) من قبله. فقام خطيبا وقال: قد غررتمونى كما غررتم من كان قبلى، مع أي إمام تقاتلون بعدي ؟ ! مع الكافر الظالم، الذي لم يؤمن بالله، ولا برسوله قط، ولا أظهر الاسلام هو ولا بنو أميةإلا فرقا((1)) من السيف ؟ ! ولو لم يبق لبنى أمية إلا عجوز درداء((2))
ص: 219
لبغت دين الله عوجا، وهكذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). ثم وجه إليه قائدا في أربعة آلاف، وكان من كندة، وأمره أن يعسكر بالانبار((1)).
ولا يحدث شيئا حتى يأتيه أمره. فلما توجه إلى الانبار، ونزل بها، وعلم معاوية بذلك بعث إليه رسلا، وكتب إليه معهم((2)).
وأهم دليل على خيانة جيش العراق ما فعله ذلك الجيش مع الامام الحسين الذي دعوه الى العراق بمئات الرسائل ثم غدروا به وقتلوه .
لما رأى عدي بن حاتم نداءات الامام الحسن علیه السلام وتقاعس أهل العراق قال:
«انا ابن حاتم ، سبحان الله، ما أقبح هذا المقام ؟ الا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيكم أين خطباء مضر؟ أين المسلمون ؟ أين الخواضون من أهل
ص: 220
المصرالذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة فإذا جد الجد فمراوغون كالثعالب اما تخافون مقت الله ولا عيبها وعارها»((1)).
ثم استقبل الامام الحسن (عليه السلام)بوجهه فقال: أصاب الله بذلك المراشد، وجنب لك المكاره ووفقك لما يحمد ورده وصدره فقد سمعنا مقالتك وانتهينا إلى امرك وسمعنا منك وأطعناك فيما قلت وما رأيت وهذا وجهى إلى معسكري فمن أحب ان يوافينى فليوافى.
هذا الكلام فيه حث على الجهاد لكن لم يستجيبوا له مثلما لم يستجيبوا لخطابات سيد شباب اهل الجنة الامام الحسن (عليه السلام).
ثم دعا الامام الحسن (عليه السلام)عبيد الله بن العباس فقال له: يا ابن عم إنى باعث معك اثنى عشر ألفا من فرسان العرب، وقراء المصر، الرجل منهم يزيد الكتيبة، فسر بهم، وألن لهم جانبك، وابسط لهم وجهك، وافرش لهم جناحك، وأدنهم من مجلسك، فإنهم بقية ثقات أمير المؤمنين (عليه السلام) وسر بهم على شط الفرات حتى تقطع بهم الفرات حتى تسير بمسكن، ثم امض حتى تستقبل بهم معاوية، فان أنت لقيته فاحتبسه حتى آتيك فانى على أثرك وشيكا، وليكن خبرك عندي كل يوم وشاور هذين
ص: 221
يعنى قيس بن سعد،وسعيد بن قيس، وإذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يقاتلك فان فعل فقاتله، فان أصبت فقيس بن سعد على الناس فان أصيب فسعيد بن قيس على الناس.
فسار عبيد الله حتى انتهى إلى شينور، وخرج إلى شاهى، ثم لزم الفرات والفلوجة حتى أتى مسكن، وأخذ الامام الحسن (عليه السلام)على حمام عمر، حتى أتى دير كعب ثم بكر فنزل ساباط دون القنطرة. أقول: ثم ذكر ما جرى عليه صلوات الله عليه هناك، وقد مر ذكره ثم قال: فأما معاوية فإنه وافى حتى نزل في قرية يقال له الحبونية (الحبانية) وأقبل عبيد الله بن العباس حتى نزل بإزائه فلما كان من غد وجه معاوية إلى عبيد الله أن الامام الحسن (عليه السلام)قد راسلنى في الصلح، وهو مسلم الامر إليَّ فان دخلت في طاعتى الان كنت متبوعا وإلا دخلت وأنت تابع، ولك إن جئتنى الان أن أعطيك ألف ألف درهم، أعجل لك في هذا الوقت نصفها وإذا دخلت الكوفة النصف الاخر .
فانسل عبيد الله ليلا فدخل عسكر معاوية، فوفى له بما وعده، وأصبح الناس ينتظرونه أن يخرج فيصلى بهم فلم يخرج حتى أصبحوا فطلبوه فلم يجدوه، فصلى بهم قيس بن سعد بن عبادة، ثم خطبهم فثبتهم، وذكر عبيد الله فنال منه ثم أمرهم بالصبر والنهوض إلى العدو، فأجابوه بالطاعة، وقالوا له: انهض بنا إلى عدونا على اسم الله، فنهض بهم((1)).
ص: 222
وخرج إليهم بسر بن أرطاة فصاحوا إلى أهل العراق: ويحكم هذا أميركم عندنا قد بايع، وإمامكم الحسن(عليه السلام) قد صالح، فعلام تقتلون أنفسكم ؟
فقال لهم قيس ابن سعد: اختاروا إحدى اثنين إما القتال مع غير إمام، وإما أن تبايعوا بيعة ضلال، قالوا: بل نقاتل بلا إمام، فخرجوا فضربوا أهل الشام حتى ردوهم إلى مصافهم.
جاء في مقاتل الطالبيين، وبعض هذه الخطبة قد أوردها أحمد بن حنبل في مسنده: " أيها الناس، لا يهولنكم ولا يعظمن عليكم ما صنع هذا الرجل الوله الورع " أي الجبان ". إن هذا وأباه وأخاه لم يأتوا بيوم خيراً قط، إن أباه عم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)خرج يقاتل ببدر، فأسره أبو الميسر كعب بن عمرو الانصاري، فأتى به رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فأخذ فداءه فقسمه بين المسلمين، وإن أخاه ولاه علي أمير المؤمنين على البصرة، فسرق مال الله ومال المسلمين، فاشترى به الجواري، وزعم أن ذلك له حلال، وأن هذا ولاه على اليمن. فهرب من بسر ابن أرطاة، وترك ولده
ص: 223
حتى قتلوا، وصنع الان هذا الذي صنع. قال: فتنادى الناس: الحمد لله الذي أخرجه من بيننا، فانهض بنا إلى عدونا، فنهض بهم "((1)).
والعجيب من قائد الجيش عبيد الله بن العباس أنه لجأ الى قتلة ولديه الأمويين لاجئاً ،ولم يستح من الله تعالى ،ولا من إمامه الحسن (عليه السلام) ،ولا من ولديه القتيلين .
وهذا يبين دين بعض الناس يومذاك، الذين لا يؤمنون بالثأر ولا يهتمون بالكرامة يخونون الاسلام في وضح النهار.
بينما بقي قيس بن سعد على الصراط المستقيم لا تغريه الأموال ولا تجذبه السلطة مثله مثل ابيه الشهيد في الشام سعد بن عبادة الذي مات مدافعاً عن ولاية أمير المؤمنين.
وكان الامام علي قد بيَّن فى مسجد الكوفة خيانة جيشه من بعده :
ص: 224
قال أبو الفرج: ودخل معاوية الكوفة بعد فراغه من خطبته بالنخيلة، بين يديه خالد بن عرفطة، ومعه حبيب بن حمار، يحمل رايته، فلما صار بالكوفة دخل المسجد من باب الفيل، واجتمع الناس إليه.
قال أبو الفرج: فحدثنى أبو عبد الله الصيرفى، وأحمد بن عبيدالله بن عمار عن محمد بن على بن خلف، عن محمد بن عمرو الرازي، عن مالك بن سعيد((1)).
عن محمد بن عبد الله الليثى، عن عطاء بن السائب، عن أبيه قال: بينما علي بن أبي طالب (عليه السلام)على منبر الكوفة إذ دخل رجل فقال: يا أمير المؤمنين مات خالد بن عرفطة .
فقال علي : لا والله ما مات ولا يموت حتى يدخل من باب المسجد وأشار إلى باب الفيل - ومعه راية ضلالة يحملها حبيب بن حمار، قال: فوثب إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين أنا حبيب بن حمار، وأنا لك شيعة((2)).
فقال الامام: فإنه كما أقول قال: فوالله لقد قدم خالد بن عرفطة على مقدمة معاوية يحمل رايته حبيب بن حمار.
ص: 225
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقى حدثنا أبو محمد الجوهري حدثنا محمد بن العباس حدثنا أحمد بن معروف حدثنا محمد بن سعد حدثنا هشام أبو الوليد حدثنا أبو عوانة عن حصين عن أبي جميلة ميسرة بن يعقوب أن الحسن بن على(عليه السلام)لما استخلف حين قتل علي وبينما هو يصلى إذ وثب عليه رجل فطعنه بخنجر وزعم حصين انه بلغه أن الذي طعنه رجل من بنى أسد والحسن (عليه السلام)ساجد قال حصين وعمى أدرك ذاك قال فيزعمون أن الطعنة وقعت في وركه فمرض منها أشهرا ثم برأ فقعد على المنبر فقال:يا أهل العراق اتقوا الله فينا فأنا أمراؤكم وضيفانكم الذين قال الله عز وجل " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا "((1)).
ص: 226
وقال الامام الحسن (عليه السلام):
ثم كتب جوابا لمعاوية: إنما هذا الامر لى والخلافة لى ولاهل بيتى، وإنها لمحرمة عليك وعلى أهل بيتك، سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لو وجدت صابرين عارفين بحقى غير منكرين، ما سلمت لك ولا أعطيتك ما تريد". وانصرف إلى الكوفة((1)).
وقال الامام الحسن بن علي(عليه السلام) لمعاوية: أنت ببيعة الرضوان كافر، وببيعة الفتح ناكث، وانك يا معاوية وأباك من المؤلفة قلوبهم، تسرُّون الكفر وتظهرون الإسلام وتستمالون بالأموال ((2)).
ص: 227
بعد خطبة الحسن (عليه السلام)الداعية للصلح نظر الناس (الخوارج )بعضهم إلى بعض وقالوا: ما ترونه يريد أن يصنع ؟قالوا: نظنه يريد أن يصالح معاوية ويسلم الامر إليه، فقالوا: كفر والله الرجل فشدوا على فسطاطه فانتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته. ورداءه من عاتقه ثم شد عليه عبد الرحمن بن عبد الله بن جعال الازدي، فنزع مطرفه من عاتقه، فبقى جالسا متقلدا السيف بغير رداء.
فرجع وركب فرسه وتقلد بسيفه وأحدق به طوائف من خاصته وشيعته ومنعوا منه من أراده فقال: ادعوا لى ربيعة وهمدان. فدعوا له وطافوا به ربيعة وهمدان وجماعة من غيرهم وساروا معه((1)).
فبادر إليه رجل من بنى أسد يقال له الجراح بن سنان ((2)) .
فأخذ بلجام بغلته وفي يده معول((3)).
ص: 228
وقال: الله أكبر شركت يا حسن كما أشرك أبوك من قبل فطعنه به في فخذه فشقه حتى بلغ العظم فاعتنقه الحسن (عليه السلام)وخرا جميعا إلى الارض فأكب عليه شخص من شيعة الحسن (عليه السلام) فقتله((1)).
وقتلوا آخر كان معه، وحمل الحسن(عليه السلام) على سرير من تلك الضربة إلى المدائن((2)).
فنزل بها على سعد بن مسعود الثقفى((3)).
ص: 229
وكان عاملا عليها من جهة أبيه على بن أبي طالب (عليه السلام) فأقره الحسن(عليه السلام)على ذلك واشتغل الحسن(عليه السلام) بمعالجة جرحه.
تحرك الحسن (عليه السلام) وبعث حجر بن عدي يأمر العمال بالمسير، واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه، ثم خفوا و معه أخلاط من الناس بعضهم شيعة له ولابيه، وبعضهم محكمة((1))
يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة، وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم وبعضهم شكاك، وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين. فسار حتى أتى حمام عمر، ثم أخذ على دير كعب، فنزل ساباط دون القنطرة وبات هناك. فلما أصبح أراد (عليه السلام) أن يمتحن أصحابه، ويستبرئ أحوالهم له في الطاعة ليتميز بذلك أولياؤه من أعدائه، ويكون على بصيرة من لقاء معاوية وأهل الشام.
الارشاد: لما بلغ معاوية بن أبي سفيان وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام) وبيعة الناس ابنه الحسن (عليه السلام) دس رجلا من حمير إلى الكوفة ((2))،
ص: 230
ورجلا من بنى القين ((1))إلى البصرة ليكتبا إليه بالاخبار، ويفسدا على الحسن(عليه السلام)الامور، فعرف ذلك الحسن (عليه السلام) فأمر باستخراج الحميري من عند لحام بالكوفة، فاخرج وأمر بضرب عنقه، وكتب إلى البصرة باستخراج القينى من بنى سليم فاخرج وضربت عنقه.
وكتب إلى معاوية: أما بعد، فإنك دسست الرجال للاحتيال والاغتيال وأرصدت العيون كأنك تحب اللقاء، ولو ترى العافية وما أوشك في ذلك فتوقعه إن شاء الله تعالى ((2)).
وكتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة سرا واستحثوه على سرعة السير نحوهم وضمنوا له تسليم الحسن (عليه السلام) عند دنوهم من عسكره والفتك به((3)).
ص: 231
وبلغ الحسن (عليه السلام) ذلك وتحقق فساد نيات أكثر أصحابه وخذلانهم له، ولم يبق معه ممن يأمن غائلته إلا خاصة شيعته وشيعة أبيه، وهم جماعة لا يقومون بحرب أهل الشام، فكتب إلى معاوية في الهدنة والصلح فأجابه إلى ذلك وأنفذ إليه كتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك فيه وتسليمه إليه.
وبعد إجابة معاوية لصلح الحسن (عليه السلام)اشترط عليه الحسن (عليه السلام) شروطا كثيرة كان في الوفاء بها مصالح شاملة منها:
أن لا يتعرض عماله إلى سب أمير المؤمنين على المنابر، ولا ذكره بسوء، ولا القنوت عليه في الصلوات وأن يؤمن شيعته ولا يتعرض لاحد منهم بسوء ويوصل كل ذي حق حقه.
فأجابه معاوية إلى ذلك كله وكتب بينه وبينه بذلك كتابا ((1)).
هناك عوامل كثيرة أدت إلى وثيقة الصلح من تضارب الحزبية في الجيش كالحزب الاموي وأبناء الاسر البارزة الذين لا يهمهم غير الزعامة
ص: 232
الدنيوية والظفر بالمال والسلطان كعمر بن سعد وقيس بن الاشعث وعمرو بن حريث وحجار بن أبجر وعمرو بن الحجاج الذين كاتبوا معاوية سرا ووعدوه باغتيال الامام أو تسليمه له أسيرا.
وهناك الخوارج الذين استولوا على عقول البسطاء من الجيش.
وخيانة القادة أمثال عبيد الله بن العباس.
وخيانة ربيعة بقيادة خالد بن معمر الزعيم اللامع في ربيعة حيث اقبل إلى معاوية فقال له: أبايعك عن ربيعة كلها وبايعه على ذلك وفيه يقول الشاعر مخاطبا معاوية:
معاوي أكرم خالد بن معمر - فإنك لولا خالد لم تؤمر ولذا خاطب الامام الحسن (عليه السلام) أهل العراق عندما سمع بذلك بقوله:يا أهل العراق أنتم الذين أكرهتم أبي على القتال والحكومة، ثم اختلفتم عليه، وقد أتانى أنَّ أهل الشرف منكم قد أتوا معاوية فبايعوه، فحسبى منكم لا تغرونى في دينى ونفسى.. ((1)).
ص: 233
خيانة عثمان بن شرحبيل زعيم بنى تميم:
وكذلك بايع معاوية سرا عثمان بن شرحبيل زعيم بنى تميم، كما ذكر ذلك صاحب أنساب الاشراف ((1)).
وهذا من جملة الادلة على تفكك جيش الامام الحسن وانحدار أخلاقهم وقيمهم .
ثم وجه إليه قائدا في أربعة آلاف، وكان من كندة وأمره أن يعسكر بالانبار ولا يحدث شيئا حتى يأتيه أمره، فلما توجه إلى الانبار ونزل بها، وعلم معاوية بذلك ، بعث إليه رسلا وكتب إليه معهم أنك إن أقبلت إلى أولك بعض كور الشام والجزيرة، غير منفس عليك، وأرسل إليه بخمسمائة ألفدرهم: فقبض الكندي عدو الله المال، وانقلب على الحسن (عليه السلام)، وصار إلى معاوية في مائتى رجل من خاصته وأهل بيته((2)).
ص: 234
فبلغ ذلك الحسن (عليه السلام) فقام خطيبا وقال: هذا الكندي توجه إلى معاوية وغدر بى وبكم، وقد أخبرتكم مرة بعد مرة أنه لا وفاء لكم، أنتم عبيد الدنيا((1)).
جملة هذه الامور دفعت الامام الحسن (عليه السلام)للصلح لحفظ أنصاره ومحبيه من الموت والفناء انتظاراً لمرحلة قادمة تكون فيها معنوياتهم عالية فضل ووحدتهم أحسن وطاعتهم أفضل .
ومن الامثلة الاخرى على خيانة أفراد جيش الامام الحسن (عليه السلام)وتفضيلهم الدنيا على الآخرة خيانة المرادى التى تبرر للامام اقدامه على الصلح :قال الحسن (عليه السلام) :«أنا موجه رجلا آخر مكانه، وأنا أعلم أنه سيفعل بى وبكم ما فعل صاحبه، لا يراقب الله في ولا فيكم. فبعث إليه رجلا من مراد في أربعة آلاف، وتقدم إليه بمشهد من الناس، وتوكد عليه،
وأخبره أنه سيغدر كما غدر الكندي، فحلف له بالايمان التي لا تقوم لها الجبال أنه لا يفعل.
ص: 235
فقال الحسن (عليه السلام): إنه سيغدر. فلما توجه إلى الانبار، أرسل معاوية إليك رسلا، وكتب إليه بمثل ما كتب إلى صاحبه وبعث إليه بخمسمائة ألف درهم، ومناه أي ولاية أحب من كور الشام، أو الجزيرة، فانقلب على الحسن (عليه السلام)، وأخذ طريقة إلى معاوية، ولم يحفظ ما أخذ عليه من العهود، و بلغ الحسن (عليه السلام)ما فعل المرادي. فقام خطيبا وقال:
قد أخبرتكم مرة بعد مرة أنكم لا تفون لله بعهود، وهذا صاحبكم المرادي غدر بى وبكم، وصار إلى معاوية. ثم كتب معاوية إلى الحسن (عليه السلام): يا ابن عم، لا تقطع الرحم الذي بينى وبينك، فان الناس قد غدروا بك وبأبيك من قبلك. فقالوا: إن خانك الرجلان وغدرا، فانا مناصحون لك. فقال لهم الحسن (عليه السلام): لاعودن هذه المرة فيما بينى وبينكم، وإنى لاعلم أنكم غادرون، والموعد ما بينى وبينكم، إن معسكري بالنخيلة، فوافونى هناك، والله لا تفون لى بعهد، ولتنقضن الميثاق بينى وبينكم»((1)).
ص: 236
الحسن (عليه السلام): لو وجدت أعواناً ما سلَّمت الأمر للأمويين
قال الحسن (عليه السلام): لو سلمت الامر لمعاوية فأيم الله ما ترون فرحا أبدا مع بنى أمية. .. ولو وجدت أعوانا ما سلمت له الامر.. .
فاف وترحا يا عبيد الدنيا. وكتب أكثر أهل الكوفة إلى معاوية بأنا معك، وإن شئت أخذنا الحسن وبعثناه إليك. ثم أغاروا على فسطاطه، وضربوه بحربة، فاخذ مجروحا. ثم كتب جوابا لمعاوية: " إن هذا الامر لى والخلافة لى ولاهل بيتى، وإنها لمحرمة عليك وعلى أهل بيتك، سمعته من رسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، لو وجدت صابرين عارفين بحقى غير منكرين، ما سلمت لك ولا أعطيتك ما تريد ". وانصرف إلى الكوفة((1)).
ولما صالح الحسن (عليه السلام)معاوية أخذ أهل الكوفة يكلمونه بما لا يتحمله فمنهم من يسبه وقاموا بأجمعهم وشدوا على فسطاطه وانتهبوا ما فيهوأخذوا مصلاه.. . وأخذ الجراح بن سنان بلجام بغلة الحسن (عليه السلام)وبيده الخنجر.. . ثم طعنه في فخذه((2)).
لم يهجموا جميعاً اذ بقيت همدان وربيعة وغيرها مدافعة عن الامام (عليه السلام) .
ص: 237
ص: 238
إخبار الإمام (عليه السلام) عن ملك معاوية:
سم معاوية للحسن :
ثقافة المجتمع الكوفي :
أهل الكوفة زمن الأئمة علي والحسن والحسين(عليهم السلام) :
أهل الكوفة زمن الأئمة علي والحسن والحسين(عليهم السلام) :
أثر المال الحرام في خراب المجتمع الاسلامي:
مؤامرات معاوية لكسب الخونة :
ص: 239
رغب بعض أصحاب الامام الحسن (عليه السلام)بنقض معاهدة الصلح لنقض معاوية لها وابتعاده عنها فأوجدوا شبهة تتمثل في سبب امتناع الامام الحسن (عليه السلام)عن نقض معاهدته فى الصلح مع معاوية واستمراره بمتابعتها ؟ والدليل على ذلك الرواية التالية :
روى البلاذري: كان حجر بن عدي أول من يذم الحسن(عليه السلام) على الصلح، وقال له قبل خروجه من الكوفة: «خرجنا من العدل ودخلنا في الجور، وتركنا الحق الذي كنا عليه ودخلنا في الباطل الذي كنا نذمه، وأعطينا الدنية ورضينا بالخسيسة، وطلب القوم أمرا وطلبنا أمرا فرجعوا بما أحبوا مسرورين، ورجعنا بما كرهنا راغمين؟! فقال الامام الحسن (عليه السلام) له: يا حجر ! ليس كل الناس يحب ما أحببت، إنى قد بلوت الناس، فلو كانوا مثلك في نيتك وبصيرتك لاقدمت.
وأتى حجر الحسين (عليه السلام)فقال له: يا أبا عبد الله ! شريتم العز بالذل ؟ وقبلتم القليل بترك الكثير ؟
أطعنى اليوم وأعصنى سائر الدهر ! ! ! دع رأي الامام الحسن (عليه السلام)واجمع شيعتك ثم ادع قيس بن سعد بن عبادة وابعثه في الرجال ;
ص: 240
وأخرج أنا في الخيل، فلا يشعر ابن هند إلا ونحن معه في عسكره، فنضاربه حتى يحكم الله بيننا وبينه، وهو خير الحاكمين ; فإنهم الان غارون.فقال له الامام الحسن (عليه السلام): إنا قد بايعنا وليس إلى ما ذكرت سبيل» ((1)).
رواية ابن أعثم: وفي رواية: فالتفت الحسين(عليه السلام) إلى أخيه الحسن (عليه السلام) فقال: والله ! لو اجتمع الخلق
طرا على أن لا يكون الذي كان إذا ما استطاعوا، ولقد كنت كارها لهذا الامر ولكنى لم أحب أن أغضبك، إذ كنت أخى وشقيقى ((2)).
وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال :
حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا هارون بن معروف حدثنا ضمره عن ابن شوذب قال لما قتل علي(عليه السلام) سار الامام الحسن (عليه السلام) فيمن معه من أهل الحجاز والعراق وسار معاوية في أهل الشام فالتقوا فكره الحسن(عليه السلام) القتال وبايع معاوية على أن يجعل العهد للحسن من بعده قال فكان أصحاب الحسن(عليه السلام)يقولون له: يا عار المؤمنين فيقول العار خير من النار ((3)).
ص: 241
الجواب:
عن الادعاء قال المدائنى: خطب معاوية اهل الكوفة بعدما صالح الحسن (عليه السلام)فقال أترانى قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج وقد علمت انكم تفعلون ذلك ولكنى قاتلتكم لاتأمر عليكم وألى رقابكم وقد آتانى الله ذلك وانتم كارهون الا ان كل مال او دم اصيب في الفتنة فمطلول وكل شرط شرطته فتحت قدمى هاتين.
وجواب هذا: الظروف لم تتبدل بعد الصلح ،وأصبح جيش العراق اضعف ،ونسيج أهل الكوفة أكثر
فرقة ،هذا من جانب ،ومن جانب آخر من طبيعة الحسن (عليه السلام) عدم نقضه للعهود.
وقال الامام الحسن (عليه السلام): يا مسيب انى لو اردت بما فعلت الدنيا لم يكن معاوية باصبر عند اللقاء
ص: 242
ولا اثبت عند الحرب منى ولكنى اردت صلاحكم وكف بعضكم عن بعض فارضوا بقدر الله وقضائه حتى يستريح بى ويستراح من فاجر.
وهذه صورة الكتاب - كتاب الصلح - الذي استقر بينهم وهو:
«بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما صالح عليه الحسن بن على بن أبي طالب، معاوية بن أبي سفيان، صالحه على أن يسلم إليه أمر المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسول الله 6 وسيرة الخلفاء الصالحين الراشدين المهديين . وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا، بل يكون الامر من بعده شورى بين المسلمين. وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله تعالى في شامهم، ويمنهم، وعراقهم، وحجازهم. وعلى أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا. وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه وما أخذ الله على أحد من خلقه بالوفاء وبما أعطى الله من نفسه. وعلى أن لا يبغى للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين غائلة ولا لاحد من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)غائلة سوء سرا أو جهرا، ولا يخيف أحدا منهم في أفق من الافاق. شهد عليه بذلك فلان وفلان وكفى بالله شهيدا» ((1)).
ص: 243
كتاب الصلح فرض على معاوية العمل وفق القرآن وسنة النبي ،ولو عمل معاوية بهما لما أقدم على قتل الامام الحسن ورموز الشيعة من أمثال حجر بن عدي وصحبه المنتجبين .
ولما حرَّف الحديث النبوى وحارب أهل بيت النبوة ولما سبَّ الامام علياً على المنابر .
أقول : لقد علم الحسن (عليه السلام)بنقض معاوية للمعاهدة مسبقاً بعلومه للغيب وبما عرفه من معاوية من نقضه للعهود، لكنه أراد انقاذ الشيعة من مذابح معاوية قدر الامكان.
وقد سمع الامام الحسن من أبيه وصول معاوية الى السلطة ،فلا فائدة من أمر اقتضته الحكمة الالهية .وفعلا انحسرت المذابح في قيادات الشيعة المعلنة لمعارضتها للأمويين مثل حجر بن عدي وعمرو بن الحمق ،وسلم معظمهم من القتل .
علم الامام الحسن (عليه السلام)للغيب من دواعي قبوله بالصلح، فهو علم انتصار معاوية في الصراع بينهما اخذه من النبي الاعظم وتربعه على مملكة المسلمين عشرين عاماً:
ص: 244
فساء ذلك النبي، فأوحى الله تعالى إليه: إنّما هي دنيا أُعطوها. فقرّت عينه ((1)).
ونزلت الاية :
(وَمَا جَعَلنَا الرُؤيَا الّتِي أرَيْنَاك إلاّ فِتنَةٌ لِلنّاسِ وَالشَّجَرَةَ الملْعُونَةَ) يعني بنى أمية شاهدهم النبى
وهذا من علوم الغيب التي ذكرها القرآن الكريم واخذها الامام الحسن من رسول الله .:
يلعبون على منبره .
عن داود الرقي عن ابى عبد الله عن آبائه قال:
إنَّ الحسن بن علي قال لولده عبد الله: يا بني اذا كان في عامنا هذا يدفع اليَّ الطاغي جارية تسمى أنيس فتسمني بسم قد جعله الطاغي تحت فصِّ خاتمها.
قال له عبد الله: فلم لا تقتلها قبل ذلك ؟
قال: يا بني جفَّ القلم وابرم الأمر فانعقد ولا حلَّ لعقد الله المبرم. فلما كان في العام القادم أهدى اليه جارية اسمها أنيس فلما دخلت عليه ضرب بيده على منكبها ثم قال:
يا أنيس دخلتِ النار بما تحت فص خاتمكِ((2)).
ص: 245
وقال الامام الحسن (عليه السلام) لأتباعه : والله لا تفون لى بعهدي، ولتنقضن الميثاق بينى وبينكم((1)).
وقال المسعودي: وجدت في كتاب الاخبار لابي الحسن علي بن محمد بن سليمان النفلى عن العباس بن عبد المطلب قال:
كنت عند رسول الله اذ اقبل علي بن ابى طالب، فلما رآه أسفر في وجهه فقلت: يارسول الله إنك لتسفر في وجه هذا الغلام .
فقال: يا عم رسول الله، والله لله اشد حباً له مني، وانه لم يكن نبي الا وذريته الباقية بعده من صلبه، وإنَّ ذريتى بعدى من صلب هذا، إنَّه اذا كان يوم القيامة دعي الناس باسمائهم وأسماء أمهاتهم ستراً من الله عليهم إلا هذا وشيعته فإنهم يُدعون باسمائهم واسماء آبائهم لصحة ولادتهم((2)).
علم الغيب يعطيه الله تعالى الى خاصَّة أوليائه الانبياء والأوصياء ولا يعني هذا التسبب فى تقاعسهم وتكاسلهم وعدم جهادهم لمعركة يعرفون خسارتهم فيها.
ص: 246
مثلا النبي أخبر الحسين بمقتله فى كربلاء وتقاعس الناس عنه واجتماع الاعداء عليه وأسر نسائه وأطفاله واخذهم الى الشام .
ورغن ذلك ذهب الحسين الى كربلاء وجاهد وقاتل وتحمل العطش والجوع والأذى والجرح ومشاهدة مصرع أولاده وأرحامه وأنصاره .
قال الإمام الحسن (عليه السلام): إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لي ذات يوم وقد رآني فرحاً: «ياحسن أتفرح ؟! كيف بك إذا رأيت أباك قتيلا ؟! أم كيف بك إذا ولي هذا الأمر بنو أُميّة، وأميرها الرحب البلعوم، الواسع الأعفاج((1))، يأكل ولا يشبع، يموت وليس له في السماء ناصر ولا في الأرض عاذر، ثمّ يستولي على غربها وشرقها ، يدين له العباد ويطول ملكه، يستنّ بسنن البدع والضلال، ويميت الحقّ وسُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، يقسّم المال في أهل ولايته، ويمنعه من هو أحقّ به، ويُذلّ في ملكه المؤمن، ويقوى في سلطانه الفاسق، ويجعل المال بين أنصاره دولا، ويتّخذ عباد الله خولا، يدرس في سلطانه الحقّ، ويظهر الباطل، ويُلعن الصالحون ، ويقتل من ناواه على الحقّ، ويدين من والاه على الباطل»((2)).
ص: 247
وقال الإمام علي (عليه السلام): «أما إنّه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البُلعوم، مُندحق البطن((1))، يأكل ما يجد، ويطلب ما لا يجد، فاقتلوه، ولن تقتلوه ! ألا وإنّه سيأمركم بسبّي والبراءة منّي، فأمّا السبّ فسبّوني، فإنّه لي زكاة، ولكم نجاة، وأمّا البراءة فلا تتبرّأوا منّي ; فإنّي ولدت على الفطرة، وسبقت إلى الإيمان
والهجرة»((2)).
وسمع علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ضوضاءً في عسكره، فقال: «ما هذا ؟
فقيل: قُتل معاوية.
فقال: كلاّ وربّ الكعبة، لا يقتل حتّى تجتمع الأُمّة عليه.
فقيل له: ياأمير المؤمنين فبم تقاتله ؟
قال: ألتمس العذر فيما بيني وبين الله »((3)).
الامام علي (عليه السلام) قام بواجبه الشرعى سواء علم بمقتله ام لم يعلم ،وهو منهج يظهر لنا وجوب محاربة الظلم ومقارعة الباط.
ص: 248
وفي مرّة أُخرى قدم ركب من الشام، فأفشى في الكوفة أنّ معاوية مات، فجيء بالرجل إلى علي(عليه السلام)فقال: أنت شهدت موت معاوية ؟
قال: نعم، كنت فيمن دفنه.
فقال له علي(عليه السلام): إنّك كاذب.
فقال القوم: أهو يكذب ؟
قال(عليه السلام): نعم ; لأنّ معاوية لا يموت حتّى يملك هذه الأُمّة، ويفعل كذا، ويفعل كذا بعدما ملك.
فقال القوم: فَلِمَ تقاتله وأنت تعلم أنّه سيبلغ هذا ؟
قال: للحجّة ((1)).
يريد الامام أن يقول :الواجب علينا طاعة الله تعالى فى اوامره المفروضة فى دحض الباطل واتباع القرآن الكريم .
وذكر الامام (عليه السلام) أيّام معاوية ومن تلاه من يزيد ومروان وبنيه، وذكر الحجّاج وما يسومهم من العذاب، فارتفع الضجيج، وكثر البكاء والشهيق، فقام قائم من الناس فقال: ياأمير المؤمنين لقد وصفت أُموراً عظيمة، آلله إن كان ذلك كائن ؟
قال علي (عليه السلام): والله إنّ ذلك لكائن، ما كَذِبت ولا كُذِبت.
فقال آخرون: متى يكون ذلك يا أمير المؤمنين؟
ص: 249
قال: إذا خُضبت هذه من هذه، ووضع إحدى يديه على لحيته والأُخرى على رأسه، فأكثر الناس من البكاء.
فقال: لا تبكوا في وقتكم هذا فستبكون بعدي طويلا.
فكاتب أكثر أهل الكوفة معاوية سرّاً في أُمورهم، واتّخذوا عنده الأيادي، فوالله ما مضت إلاّ أيّام قلائل حتّى كان ذلك ((1)).
قال أبو عمر في الاستيعاب : قال قتادة وأبو بكر بن حفص: سم الحسن بن على، سمته امرأته بنت الاشعث بن قيس الكندي. وقالت طائفة: كان ذلك منها بتدسيس معاوية إليها وما بذل لها في ذلك وكان لها ضرائر فالله أعلم. ثم ذكر صدر ما رواه المسعودي. وقال سبط ابن الجوزي في التذكرة قال علماء السير منهم: ابن عبد البر سمته زوجته جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي.
وقال السدي: دس إليها يزيد بن معاوية أن سمى الحسن وأتزوجك. فسمته فلما مات أرسلت إلى يزيد تسئله الوفاء بالوعد فقال: أنا والله ما أرضاك للحسن، أفنرضاك لانفسنا ؟
وقال الشعبى: إنما دس إليها معاوية فقال: سمى الحسن (عليه السلام)وأزوجك يزيد وأعطيك مائة ألف درهم، فلما مات الحسن (عليه
ص: 250
السلام)بعثت إلى معاوية تطلب إنجاز الوعد، فبعث إليها بالمال وقال: إنى أحب يزيد، وأرجو حياته، ولولا ذلك لزوجتك إياه.
وقال الشعبى: ومصداق هذا القول: إن الحسن (عليه السلام)كان يقول عند موته وقد بلغه ما صنع معاوية: لقد عملت شربته وبلغت أمنيته، والله لا يفى بما وعد، ولا يصدق فيما يقول.
ثم حكى عن طبقات ابن سعد: إن معاوية سمه مرارا كما مر.
وقال ابن عساكر في تاريخه يقال :
إنه سقى السم مرارا كثيرا ففلت منه ثم سقى المرة الاخيرة فلم يفلت منها((1)).
ويقال: إن معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سما فسقاه فأثر فيه حتى كان يوضع تحته طست ويرفع نحوا من أربعين مرة.
ص: 251
وروى محمد بن المرزبان: إن جعدة بنت الاشعث بن القيس كانت متزوجة بالحسن (عليه السلام)فدس إليها يزيد أن سمى الحسن (عليه السلام)وأنا أتزوجك ففعلت، فلما مات الحسن (عليه السلام)بعثت إلى يزيد تسأله الوفاء بالوعد فقال لها: إنا والله لم نرضك للحسن فكيف نرضاك لانفسنا ؟ فقال كثير، ويروى إنه للنجاشى:
يا جعدة ! أبكى ولا تسأمى - بكاء حق ليس بالباطل
لن تستري البيت على مثله - في الناس من حاف ولا ناعل
أعنى الذي أسلمه أهله - للزمن المستخرج الماحل
كان إذا شبت له ناره - يرفعها بالنسب الماثل
كيما يراها بائس مرمل - أو وفد قوم ليس بالاهل
يغلى بنئ اللحم حتى إذا - أنضج لم يغل على آكل ((1)).
وروى المزي في تهذيب الكمال في أسماء الرجال عن أم بكر بنت المسور قالت: سقى الحسن(عليه السلام)مرارا وفي الاخرة مات فإنه كان يختلف كبده، فلما مات أقام نساء بنى هاشم عليه النوح شهرا.
وقال أبو عوانة عن مغيرة عن أم موسى: إن جعدة بنت الاشعث سقت الحسن(عليه السلام)السم فاشتكى منه أربعين يوما. وفي مرآة العجائب وأحاسن الاخبار الغرائب قيل: كان سبب موت الحسن بن علي (عليه
ص: 252
السلام)من سم به يقال: إن زوجته جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي سقته إياه، ويذكر والله أعلم بحقيقة أمورهم: أنَّ معاوية دس إليها بذلك على أن يوجه لها مائة ألف درهم ويزوجها من ابنه يزيد، فلما مات الحسن (عليه السلام)وفى لها معاوية بالمال وقال: إنى أحب حياة يزيد. وذكروا: إن الحسن (عليه السلام)قال عند موته: لقد حاقت شربته والله لا وفاء لها بما وعد ولا صدق فيما قال ((1)).
وقال الزمخشري في ربيع الابرار في الباب الحادي والثمانين: جعل معاوية لجعدة بنت الاشعث امرأة الحسن (عليه السلام)مائة ألف درهم حتى سمته، ومكث شهرين وإنه يرفع من تحته طستا من دم وكان يقول: سقيت السم مرارا ما أصابنى فيها ما أصابنى في هذه المرة، لقد لفظت كبدي ((2)).
وفي حسن السريرة لما كان سنة سبع وأربعين من الهجرة دس معاوية إلى جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي زوجة الحسن بن على أن تسقى الحسن (عليه السلام)السم ويوجه لها مائة ألف ويزوجها من ابنه يزيد، ففعلت ذلك.
كان معاوية يرى أمر الامام السبط(عليه السلام) حجر عثرة في سبيل أمنيته الخبيثة بيعة يزيد، ويجد نفسه في خطر من ناحيتين: عهده إليه(عليه السلام) في الصلح معه بأن لا يعهد إلى أحد من جانب، وجدارة أبي محمد الزكی
ص: 253
ونداء الناس به من ناحية أخرى، فنجى نفسه عن هذه الورطة بسم الامام(عليه السلام)، ولما بلغه نعيه غدا مستبشرا، وأظهر الفرح والسرور وسجد وسجد من كان معه ((1)).
قال ابن قتيبة: لما مرض الحسن بن على (عليه السلام)مرضه الذي مات فيه، كتب عامل المدينة إلى معاوية يخبره بشكاية الحسن (عليه السلام)، فكتب إليه معاوية: إن استطعت أن لا يمضى يوم بى يمر إلا يأتينى فيه خبره فأفعل. فلم يزل يكتب إليه بحاله حتى توفي فكتب إليه بذلك، فلما أتاه الخبر أظهر فرحا وسرورا حتى سجد وسجد من كان معه، فبلغ ذلك عبد الله ابن عباس وكان بالشام يومئذ فدخل على معاوية فلما جلس قال معاوية: يا ابن عباس هلك الحسن بن على ؟
فقال ابن عباس: نعم هلك، إنا لله وإنا إليه راجعون. ترجيعا مكررا، وقد بلغنى الذي أظهرت من الفرح والسرور لوفاته، أما والله ما سد جسده حفرتك، ولا زاد نقصان أجله في عمرك، ولقد مات وهو خير منك، ولئن أصبنا به لقد أصبنا بمن كان خيرا منه جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فجبر الله مصيبته، وخلف علينا من بعده أحسن الخلافة. ثم شهق ابن عباس وبكى((2)).
ص: 254
هذا دليل على أنَّ الصلح مع معاوية لم يكن تنازل بل هو عهود للالتزام بها مقابل التنازل عن السلطة .
لقد أبعد معاوية خمسين ألف من شيعة الكوفة الى خراسان ((1)).
وقد تأسست الكوفة سنة 17 ه.
وقبائل الكوفة الاصلية تتمثل في :
قضاعة وغسان وبجيلة وخثعم وكندة وحضرموت والازد.
قبيلة طي اليمانية.
تميم والرباب.
أسد، غطفان ضبيعة، تغلب، النمر ومجارب.
مذحج وحمير وهمدان وحلفتؤهم.
اياد، عبد شمس وعك، أهل هجر والحمراء.
كان بعض يطلبون من الامامين علي والحسن (عليه السلام) اعطاء الأموال لزعماء القبائل وغيرهم لشرائهم فلم يقبلا وقال الامام علي(عليه السلام):
أتريدون أن أطلب النصر بالجور فوالله ما كان ذلك ابداً.
ص: 255
قال الامام الحسن (عليه السلام): عرفت أهل الكوفة وتلونهم ولا يصلح لي منهم ما كان فاسداً انهم لا وفاء لهم ولا ذمة ولا قول ولا فعل إنهم لمختلفون ويقولون إنَّ قلوبهم معنا وأنَّ سيوفهم لمشهورة علينا.
غررتموني كما غررتم من كان قبلي مع اي امام تقاتلون بعدي ؟ مع الكافر الظالم الذي لا يؤمن بالله ورسوله قط ((1)).
أما والله ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلة ولا قلة ولكن نقاتلهم بالسلامة والصبر ،نشيب السلامة بالعداوة والصبر والجزع وكنتم تتوجهون معنا ودينكم أمام دنياكم ،وقد أصبحتم الان ودنياكم أمام دينكم وكنتم لنا وقد صرتم علينا.
مؤامرات معاوية: بعد مقتل علي (عليه السلام)أرسل معاوية رجالا الى العراق لبث الاشاعات والتجسس منهم رجل من حمير ورجل من بنى القين فقتل أنصار الامام الحسن(عليه السلام) الحميرى في الكوفة والقينى في البصرة((2)).
وهذا يبين تخصص معاوية فى المكر والحيلة .
ص: 256
3 - أهل الكوفة زمن الأئمة علي والحسن والحسين(عليهم السلام) :كان قيس بن سعد من المؤمنين القلة المطيعين لامامهم في الحرب والسلم بينما كانت الغالبية في جيش الامام الحسن (عليه السلام)تخالف الامام في قراراته في السلم والحرب.
إن أراد الحرب أرادوا السلم وإن أراد السلم اراد بعضهم الحرب كالخوارج !!!
فان دعاهم الامام (عليه السلام)الى الحرب عصوه وخذلوه وتركوه في معسكره وحيداً، وإن دعاهم الى السلم والصلح قال بعضهم: يا مذل المؤمنين!!!
لقد عملوا ذلك مع الامام علي (عليه السلام)ومع الامام الحسن (عليه السلام).
وفعلوا نفس العمل مع الحسين (عليه السلام)بل حاربوه بأنفسهم نيابة عن الأمويين وقتلوه.
هذه صفات أهل الكوفة في زمن الأئمة علي والحسن والحسين(عليهم السلام).
وقد أصبح أهل الكوفة هكذا بفعل الأوامر الشديدة الصادرة لهم من الحكومات ،فأضحوا أناساً يتحركون بالأوامر ويرغبون في الغنائم ويقدمون دنياهم أمام دينهم.
فامتلكت الدنيا إرادتهم، وغلبت الأهواءُ تقواهم.
ص: 257
لقد أصبح الكثير منهم ذئاباً كاسرة لا طاعة لها لله تعالى ورسوله والاوصياء وعلى رأس هؤلاء عبيد الله بن العباس (ابن عم الامام علي(عليه السلام)).
فقد انحدر هذا الرجل الى معاوية طلباً لرشوته غير مستحي من شريعة وغير خجل من ربِّ العالمين.
لقد سأل شخص علياً(عليه السلام): لماذا هدأت الاوضاع في زمن النبي وابى بكر واضطربت في زمنك ؟
قال الامام: لانَّ ابا بكر كان يحكم رجالا مثلي وأنا أحكم رجالا مثلك.
فقد ساءت تربية الناس بعد رسول الله تدريجياً متسببة في الانفجار في زمن عثمان مؤدية الى قتله.
واستمر هذا الانحراف عن الحق عقوداً كثيرة فلم يندموا على أفعالهم بعد ترك الحسن (عليه السلام)للكوفة
وبعد شهادته بيد معاوية.
وبعد تولي يزيد الحكم تحركت ضمائرهم قليلا دون الحد الدافع إياهم الى الثورة الاسلامية الشاملة.
وفي ثورة كربلاء هز الحسين (عليه السلام)تلك الأفئدة الغافلة وتلك الضمائر الخاوية فكانت ثورة التوابين، وثورة المختار ،وثورة المدينة المنورة سنة 62 ه-.
فحكم الطغاة المروانيين العالم الاسلامى كما قال النبي: كيفما تكونوا يول عليكم.
ص: 258
كان المسلمون يومذاك يعرفون الاسلام ويحرفونه طلباً للدنيا الزائلة فسلبهم الله تعالى حكومة العدل الالهي المتمثلة بعلي والحسن (عليه السلام).
وبعد عشرين عاماً جاءهم الحسين (عليه السلام)ليثير هممهم لكن دون فائدة تذكر، بل زاد طغيان بعضهم مثل شبث بن ربعي وشمر بن ذي الجوشن العاصين لعلي والحسن (عليه السلام).
لقد دعا شبث بن ربعي الى قتل الحسين (عليه السلام)وفعلا حزَّ شمر رأس الحسين بن فاطمة.
الفرق بين زمن النبي وزمن الأئمة
الناس في زمن النبي ينقسمون الى قسمين:
الاول: مسلمون.
والثاني: كفار
وكان يسهل على الامام علي قتل الكفار في ساحات المعارك فيفتت شملهم ويفرق جمعهم ويضطرهم الى الطاعة والوحدة.
والناس بين أمرين الكفر والاسلام.
أما في زمن علي والحسن (عليه السلام) فالكل مسلمون ولكن ينقسمون الى قسمين:
الاول: مؤمنون.
الثاني: منافقون.
ولا يمكن للامام علي قتل المنافقين
ص: 259
وكان الهدف في زمن النبي أعلى يتمثل في محاربة الكفار ودعوتهم الى الاسلام.
بينما في زمن الامام أصبح الأمر في اعتقاد المسلمين أضعف يتمثل في محاربة الناكثين والقاسطين والمارقين ((1)) .
بالرغم من دعوة النبي لمحاربتهم قائلا:
ستقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، وفعلاً قاتل علي (عليه السلام)في معارك الجمل وصفين والنهروان((2)).
وقال الرسول (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) : « اي اخي فاخر العرب فأنت اكرمهم ابن عم ، واكرمهم اباً ، واكرمهم أخاً ، واكرمهم نفساً ، واكرمهم نسباً ، واكرمهم زوجة ، واكرمهم ولداً، واكرمهم عمّاً، واعظمهم عناءً بنفسك ومالك، واتمهم حلماً، واكثرهم علماً ، وانت اقرأهم
ص: 260
لكتاب الله ،واعلمهم بسنن الله ، واشجعهم قلباً ، واجودهم كفاً ، وازهدهم في الدنيا ، واشدهم اجتهاداً ، واحسنهم خلقاً ، واصدقهم لساناً ، واحبهم الى الله واليّ ، وستبقى بعدي ثلاثين سنة تعبد الله ، وتصبر على ظلم قريش ، ثم تجاهد في سبيل الله اذا وجدت اعوانا تقاتل على تأويل القرآن ( كما قاتلت على تنزيله ) الناكثين والقاسطين والمارقين من هذه الامة ((1))، تقتل شهيداً وتخضب لحيتك من دم رأسك قاتلك يعدل عاقر الناقة في البغض الى الله »((2)).
وكان توزيع الأموال بلا عدل وانتشار الرشوة أضعف دين الناس وألهمهم الفسق والفجور والطغيان.
ص: 261
سعى النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) والحسن (عليه السلام)لصيانة المجتمع الاسلامى من المال الحرام لان ابتعادهم المذكور أساس العدل والدين .
ففى العصر الاموى ظهر رجال غاصبون للخلافة نشروا الرشوة فى المجتمع لكل من يؤيدهم فى السلطة .ولم يساوون فى الحقوق المالية فظهرت الطبقات فى المجتمع الاسلامى .فللمال الحرام أثر كبير في خراب المجتمع الاسلامي .
لذا يسعى الظالمون لتخريب نفوس الناس بالاموال الحرام .
دس معاوية إلى عمرو بن حريث والاشعث بن قيس وحجار بن أبجر وشبث بن ربعى دسيسا أفرد كل واحد منهم بعين من عيونه: أنك إن قتلت الحسن بن علي(عليه السلام)فلك مائتا ألف درهم وجند من أجناد الشام، وبنت من بناتى، فبلغ الحسن (عليه السلام)ذلك فاستلام ولبس درعا وكفرها وكان يحترز ولا يتقدم للصلاة بهم إلا كذلك، فرماه أحدهم في الصلاة بسهم فلم يثبت فيه لما عليه من اللامة.. ((1)).
ص: 262
نقول: استجابت النفوس المريضة لهذه الرشوة بنطاقها الواسع ،لانه عرف الاشخاص الذين تشترى ضمائرهم بالمادة فبذلها لهم بسخاء، وكذلك عرف الاشخاص الذين تشترى ضمائرهم بالمنصب وكذلك عرف الاشخاص الذين تشترى ضمائرهم بالمصاهرة والزواج من بناته. وهذا مما يدل على الخسة والانحطاط في عالم الرذائل والموبقات .
وهؤلاء من أمثال عمرو بن حريث بن عثمان القرشى المخزومى الكوفي فقد كان سنه يوم شهادة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) اثنى عشر سنة، وكان من الطلقاء الصغار ولى الكوفة عن زياد وابنه عبيد الله وتوفي سنة 75ه- ((1)) .
أما حجار بن أبجر العجلى فقد كان أبوه نصرانيا فقال له: يا أبت أرى قوما قد دخلوا في هذا الدين فشرفوا وقد أردت الدخول فيه، فقال له أبوه: يا بنى اصبر حتى أقدم معك على عمر ليشرفك، وإياك أن تكون لك همة دون الغاية القصوى، ووفد على عمر فقال أبجر لعمر: أشهد ان لا إله إلا الله وأن حجارا يشهد أن محمدا رسول الله، فقال عمر: وما يمنعك أن تقولها أنت ؟
فقال أبجر: إنما أنا هامة اليوم أو غد ((2)).
ص: 263
وذكر المرزبانى في معجم الشعراء أن أبجر مات على نصرانيته في زمن أمير المؤمنين على (عليه السلام)قبل قتله بيسير، ولما مات شيعته النصارى، وكان حجار يمش في جانب مع أناس من المسلمين((1))..
وجاء في بعض المصادر التاريخية: أن حجارا
كان من الاشخاص الذين راسلوا سيد الشهداء الحسين (عليه السلام) بالقدوم إلى العراق ولما قدم(عليه السلام) العراق كان هذا الاثيم في طليعة الواثبين عليه ((2)).
ووجه معاوية الاموال الى أفراد جيش الامام لخداعهم:
أرسل الى قيس بن سعد بن عبادة بألف ألف درهم على أن يصير معه أو ينصرف عنه. فارجع اليه المال وقال: تخدعنى عن ديني((3)).
وارسل معاوية الجواسيس لبث الاشاعات في صفوف جيش الامام الحسن(عليه السلام)بصلح قيس بن سعد مع معاوية، وبث جواسيسه في صفوف جيش قيس بن سعد صلح الامام الحسن (عليه السلام)مع معاوية في محاولة لتفكيك جيش الامام وحث الناس على الخيانة والدنيا((4)).
ص: 264
قال اليعقوبى: وبث معاوية بانَّ قيس بن سعد وهو قائد مسكن بعد فرار ابن عباس قد صالح معاوية وصار معه((1)).
أما الدميري في حياة الحيوان: فقد ذكر أن معاوية أذاع أن قيس بن سعد قد قتل فانفروا((2)).
ومزقت هذه الدعايات الكاذبة أوصال الجيش، وأماتت نشاطه العسكري.
الوفد الشامي: كان هذا الوفد مهما في نظر معاوية لبث الاشاعات وتفريق عسكر الحسن (عليه السلام): اذ جاء المغيرة بن شعبة وعبد الله بن كريز وعبد الرحمن بن الحكم الى الامام الحسن (عليه السلام) عارضاً عليه كتب أصحابه الخائنين المتفقين مع معاوية سراً.
وبعدما خرج الوفد الأموى دون نتيجة أرادوا بث الشائعات باتمامهم الصلح مع الحسن (عليه السلام) اذ قال أحدهم لجيش الحسن (عليه السلام):
إنَّ الله قد حقن بابن رسول الله الدماء وسكن الفتنة وأجاب الصلح((3))متسببين في عصيان أصحاب الفكر الخارجى في صفوف الامام الحسن (عليه السلام).
ص: 265
ص: 266
1 - خطبة الحسن بن علي (عليه السلام) فى وصف الامام علي (عليه السلام):
2 - بيعة الناس للحسن (عليه السلام)بالخلافة:
3 - الامام الحسن (عليه السلام) يحث على الجهاد طبقاً لمنهج أبيه :
4 - منهج واحد: الامامان علي والحسن (عليهما السلام) يرفضان شراء الرجال بالمال :
5 - خطبة الامام الحسن (عليه السلام)في المدائن :
6 - حركة الخوارج وجرح الحسن (عليه السلام):
وصية الإمام علي (عليه السلام) للإمام الحسن (عليه السلام):
وصيّة اُخرى لولده الإمام الحسن (عليه السلام):
ص: 267
ادعا النواصب مخالفة الامام الحسن (عليه السلام)لأبيه فى مواطن عديدة وعصيانه له فى محاولة منهم للخدش فى عصمتهما وإمامتهما الالهية ،وقد جاء فى الرواية التى إدَّعوها فى هذا المجال :
«قال الحسن (عليه السلام)لعلي (عليه السلام):ما كان أغناك عن هذا ((1)) ؟
فقال علي (عليه السلام)مالي ولك يا حسن .وقد كان قد قال له قبل ذلك :يا حسن ودَّ أبوك أنه قد كان مات قبل هذا اليوم (حرب الجمل) بعشرين سنة »((2)).
الجواب :
الرواية مخالفة لسيرة الامام الحسن (عليه السلام)المعصوم فى متن القرآن الكريم، والذى نزلت فيه وفي جده المصطفى وأبيه علي وأخيه الحسين آية التطهير.
وكل رواية مخالفة للقرآن فهى باطلة باتفاق المسلمين.
وكان الامام الحسن (عليه السلام)بعيداً عن العنف والشدة في معاملاته مع أعدائه فكيف بأخيه الحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة ((3))..
ص: 268
خطب الحسن بن علي بعد شهادة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فقال « لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الاولون بعمل، ولا يدركه الاخرون بعمل، ولقد كان يجاهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فيقيه بنفسه، ولقد كان يوجهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره، فلا يرجع حتى يفتح الله عليه، ولقد توفي في هذه الليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم (عليه السلام)ولقد توفي فيها يوشع بن نون (عليه السلام)وصى موسى، وما خلف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم بقيت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لاهله ثم خنقته العبرة فبكى وبكى الناس معه.
ثم قال: أيها الناس، من عرفنى فقد عرفنى، ومن لم يعرفنى فأنا الحسن بن محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، أنا ابن البشير، أنا ابن النذير ، أنا ابن الداعى إلى الله عز وجل بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، والذين افترض الله مودتهم في كتابه إذ يقول: ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا. .
ص: 269
فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت »((1)) .وصف الامام الحسن (عليه السلام) علياً امير المؤمنين (عليه السلام) وصفاً عظيماً لا يغفل عنه الا المنحرفون ثم ذكر الاوصاف القرآنية للنبي(صلى الله عليه وآله) :البشير ،النذير ،السراج المنير .
ثم ذكر افراد أهل البيت المطهرين وأنَّ مودتهم واجبة فى القرآن .فكيف غفل عن ذلك أهل الكوفة ،وطلبوا الراحة والترف على الجهاد والحرب .
عندما قُتل الامام علي (عليه السلام) قام عبد الله بن عباس بين يديه فقال:
«معاشر الناس هذا الامام الحسن (عليه السلام)ابن نبيكم ووصي إمامكم فبايعوه. فاستجاب له الناس وقالوا: ما أحبه الينا وأوجب حقاً علينا وبادروا الى البيعة له بالخلافة »((2)).
ص: 270
فهو الخليفة الثانى للمسلمين من خلفاء أهل البيت الذين عيَّنهم الله تعالى بعد الخليفة علي (عليه السلام)،ولا مفر من بيعته فهو الامام المنصوص عليه من الله تعالى .وبعدما بايعه المسلمون أصبحت بيعته واجبة فى عنقهم لا يمكنهم الفرار منها والانحراف عنها .
وبدأ الامام الحسن (عليه السلام)يستنهض أهل الكوفة للجهاد وأمر حجر بن عدي الكندى أن يهيء القادة لمواجهة معاوية بعد ان أبلغه توجه معاوية بجيشه الى العراق.
أخذ المنادى ينادى في أزقة الكوفة يهتف الصلاة جامعة فاندفع الناس الى المسجد ثم ارتقى الامام الحسن (عليه السلام) منبر رسول الله ((1))فحمد الله وأثنى عليه وأخبرهم بخروج معاوية الى العراق وطلب منهم الخروج الى النخيلة لمحاربته قائلا:
«هذا وجهي الى معسكرنا فمن أحبَّ أن يوافي فليواف ».
ص: 271
قال المفيد: واستنصر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ثم خفوا وخف معه أخلاط من الناس بعضهم شيعة له ولأبيه وبعضهم محكمة يؤثرون قتال معاوية بكلحيلة ووسيلة وبعضهم أصحاب عصبية اتَّبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون الى دين((1)) .
وكان الشيعة المخلصون أقل عدداً من المنافقين والخوارج وأصحاب الأهواء لذا نجح هؤلاء في اجبار الامام علي (عليه السلام) على التحكيم في صفين .
استخلف الامام الحسن (عليه السلام) ابن عمه المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وأمره بتجهيز الناس للالتحاق به.
وعسكر في النخيلة عشرة أيام فلم يحضره الا أربعة آلاف فرجع الى الكوفة ليستنفر الناس وخطب خطبتها التي يقول فيها:
«غررتمونى كما غررتم من كان قبلي مع أي امام تقاتلون بعدي ؟مع الكافر الظالم الذي لا يؤمن بالله
ولابرسوله قط. أما والله ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلة ولا قلة ولكن نقاتلهم بالسلامة والصبر...
ص: 272
وغادر النخيلة وبلغ دير عبد الرحمن فاقام ثلاثاً ولم يلتحق به معظم الناس. ودير عبد الرحمن مفرق الطريق بين معسكري الامام في المدائن ومسكن» ((1)).لقد أصبح الناس فى الكوفة مثل العبيد يساقون الى الحرب بالقوة والقهر ولا يساقون اليها بالخطب والمواعظ .فلو قتل الامام الحسن بعض العاصين منهم لتحركوا الى معسكر النخيلة بعشرات الالاف .
لكن الامام الحسن لا يتوسل بالقوة فى استنهاض المسلمين الى الجهاد لانهم سيكونون كالدمى الخاوية لا فائدة منها .
والامام يريد جنوداً مصممين على الموت والجهاد ،مشتاقين لساحات الحرب ،طالبين للثواب والأجر تاركين للحياة طالبين للجنان الخالدة ،
ص: 273
الشيخ المفيد في أماليه: عن أبي الحسن علي بن بلال المهلبى، عن علي بن عبد الله بن أسد الاصفهانى، عن إبراهيم بن محمد الثقفى، عن محمد بنعبد الله بن عثمان، عن علي بن أبي السيف، عن أبي حباب، عن ربيعة وعمارة وغيرهما: أن طائفة من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، مشوا إليه عند تفرق الناس عنه، وفرار كثير منهم إلى معاوية، طلبا لما في يديه من الدنيا، فقالوا له: يا أمير المؤمنين اعط هذه الاموال، وفضل هؤلاء الاشراف من العرب وقريش على الموالى والعجم، ومن يخاف خلافه عليك من الناس وفراره إلى معاوية، فقال لهم أمير المؤمنين (عليه السلام):
«أتأمرونى أن أطلب النصر بالجور ؟ لا والله لا أفعل »((1)).
نهج البلاغة: ومن كلام للامام علي (عليه السلام) لما عوتب على التسوية في العطاء: «أتأمرونى أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه والله لا أطور به ما سمر سمير وما أم نجم في السماء نجما لو كان المال لى لسويت بينهم فكيف والمال مال الله».
ص: 274
ثم قال (عليه السلام): «ألا وإن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف وهو يرفع صاحبه في الدنيا ويضعه في الاخرة ويكرمه في الناس ويهينه عند الله »((1)).
بيَّن الامام علي هنا حرمة اغراء الناس بالاموال عبر تقسيمها تقسيماً غير عادل كما فعل معاوية .ووجوب هداية الناس الى الاسلام عبر بيان العقائد الحقة والافكار النيرة والمشاريع الخيرة .فالدين لا يشترى ويباع انما ينشر ويطاع .
لما أصبح الامام الحسن فى المدائن نادى في الناس: الصلاة جامعة فاجتمعوا وصعد المنبر فخطب هم فحمد الله فقال (عليه السلام):
«الحمد لله كلما حمده حامد، وأشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد، وأشهد أن محمدا رسول الله أرسله بالحق وائتمنه على الوحى، (صلى الله عليه وآله وسلم). أما بعد، فوالله إنى لارجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنه وأنا انصح خلق الله لخلقه، وما أصبحت محتملا على مسلم ضغينة ولا مريدا له سوءا ولا غائلة، ألا وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة، الا وانى ناظر لكم خيرا من نظركم لانفسكم،
ص: 275
فلا تخالفوا أمري ولا تردوا عليَّ رأيى غفر الله لى ولكم وأرشدنى وإياكم لما فيه المحبة والرضا»((1)).بيَّن الامام الحسن فائدة الوحدة والجماعة فى الوصول الى الاهداف الصحيحة المطلوبة وعقم التفرقة والتشرذم .وانه لا نصر مع الفرقة والتباغض مبيناً ضرورة الوحدة والجماعة لان الوحدة عنصر من عناصر النصر والفلاح ،والفرقة عنصر من عناصر الهزيمة والفشل .
لكن أغلب أهالى الكوفة ركبوا رؤوسهم وصمّوا آذانهم لا يسمعون الحق أبداً .
ص: 276
بعد كلام الامام الحسن (عليه السلام) قال: «فنظر الناس بعضهم إلى بعض، وقالوا: ما ترونه، يريد بما قال ؟
قالوا: نظنه والله يريد ان يصالح معاوية ويسلم الامر إليه فقالوا(الخوارج ): كفر والله الرجل ثم شدوا على فسطاطه فانتهبوه حتى اخذوا مصلاه من تحته، ثم شد عليه عبد الرحمان بن عبد الله بن جعال الازدي فنزع مطرفه عن عاتقه، فبقى جالسا متقلدا السيف بغير رداء، ثم دعا بفرسه فركبه، وأحدق به طوائف من خاصته وشيعته، ومنعوا منه من اراده ولاموه وضعفوه لما تكلم به فقال:ادعوا لى ربيعة وهمدان فدعوا له فأطافوا به، ودفعوا الناس عنه ومعهم شوب من غيرهم((1))، فقام إليه رجل (خارجي)من بنى أسد من بنى نصر بن قعين يقال له الجراح بن سنان فلما مر في مظلم ساباط قام إليه فأخذ بلجام بغلته وبيده معول فقال: الله أكبر يا حسن أشركت كما أشرك أبوك من قبل ثم طعنه فوقعت الطعنة في فخذه فشقته حتى بلغت اربيته فسقط الحسن (عليه السلام) إلى الارض بعد ان ضرب الذي طعنه بسيف كان بيده واعتنقه وخرا جميعا إلى الارض فوثب عبد الله بن الخطل فنزع
ص: 277
المعول ((1)) من يد الجراح بن سنان فخضخضه به واكب ظبيان ابن عمارة عليه فقطع انفه ثم اخذوا الآجر فشدخوا وجهه ورأسه حتى قتلوه.
وحمل الحسن(عليه السلام) على سرير إلى المدائن وبها سعد بن مسعود الثقفى واليا عليها من قبله، وكان علي ولاه فأقره الحسن بن علي، فأقام عنده يعالج نفسه .
وورد عليه كتاب قيس بن سعد رضى الله عنه وكان قد أنفذه مع عبيد الله بن العباس عند مسيره من الكوفة، ليلقى معاوية فيرده عن العراق، وجعله أميرا على الجماعة وقال: " إن أصبت فالامير قيس بن سعد فوصل كتاب ابن سعد يخبره أنهم نازلوا معاوية بقرية يقال لها الحبونية بإزاء مسكن((2)).خطبة الامام الحسن تبين أنه مثل ابيه أمير المؤمنين رجل حرب وقتال وادارة ودولة وهداية للمؤمنين .
والواجب على الناس طاعة الامام الحسن سيد شباب أهل الجنة فى الحرب والسلم طاعة كاملة لا نقص فيها ،مثلما كانت تفعل قبيلة همدان .
فأغلب رجال هذه القبيلة كانت تناصر علياً والحسن فى الشدَّة والرخاء وكان الاخرون لا يناصرون الامام فى الشدة والرخاء .
وكل قائد فى الدنيا لا ينتصر الا بالطاعة الكاملة من أفراد جنده .وكل قائد يتوفق بالطاعة الكاملة من أفراد جيشه .
ص: 278
وصية الإمام علي (عليه السلام) للإمام الحسن (عليه السلام):
قال الامام علي (عليه السلام) لولده الامام الحسن (عليه السلام) :«يا بنيّ ! اُوصيك بتقوى الله في الغنى والفقر ، وكلمة الحقّ في الرّضى والغضب ،والقصد في الغنى والفقر ، وبالعدل على الصّديق والعدوّ ، وبالعمل في النّشاط والكسل ، والرّضى من الله في الشّدّة والرّخاء .
واعلم أي بنيّ إنّه من أبصر عيب نفسه شغل عن عيب غيره ، ومن رضي بقسم الله لم يحزن على ما فاته .
ومن سلّ سيف البغي قُتل به . ومن حفر بئراً لأخيه وقع فيها .
ومن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته .
ومن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره . ومن كابد الامور عطب . ومن اقتحم الغمرات غرق .ومن اُعجب برأيه ضلّ . ومن استغنى بعقله زلّ .
ومن تكبّر على النّاس ذلّ . ومن سفه عليهم شُتم .
ومن دخل مداخل السّوء اتّهم .
ومن خالط الأنذال حقِّر .
ومن جالس العلماء وقِّر .
ومن مزح استخفّ به . ومن اعتزل سلم .
ومن ترك الشّهوات كان حرّاً .
ومن ترك الحسد كانت له المحبّة عند النّاس .
ص: 279
يا بنيّ عزّ المؤمن غناه عن النّاس .
والقناعة مال لا ينفد .
ومن أكثر ذكر الموت رضي من الدّنيا باليسير . ومن علم أنّ كلامه من عمله قلّ كلامه إلاّ فيما ينفعه .العجب ممّن خاف العقاب ورجا الثّواب فلم يعمل . الذّكر نور . والغفلة ظلمة . والجهالة ضلالةٌ .
والسّعيد من وعظ بغيره . والأدب خير ميراث . وحسن الخلق خير قرين .
يا بنيّ رأس العلم الرّفق ، وآفته الخرق .
ومن كنوز الإيمان الصّبر على المصائب.
والعفاف زينة الفقر ، والشّكر زينةُ الغنى .
ومن أكثر من شيء عرف به .
ومن كثر كلامه كثر خطأه ، ومن كثر خطأه قل حياؤه ، ومن قل حياؤه قل ورعه ، ومن قلّ ورعه مات قلبه ، ومن مات قلبه دخل النّار .يا بنيّ ! لاتؤيس مذنباً ، فكم من عاكف على ذنبه ختم له بخير ، وكم من مقبل على عمله مفسد له في آخر عمره صائر إلى النّار . من تحرّى الصّدق خفّت عليه الامور .
يا بنيّ ! كثرة الزّيارة تورث الملالة .
يا بنيّ ! الطّمأنينة قبل الخبرة ضد الحزم . وإعجاب المرء بنفسه يدلّ على ضعف عقله .
يا بنيّ ! كم من نظرة جلبت حسرةً !
ص: 280
وكم من كلمة جلبت نعمةً . لا شرف أعلى من الإسلام ، ولا كرم أعلى من التّقوى .
ولا معقل أحرز من الورع . ولا شفيع أنجح من التّوبة .
ولا لباس أجمل من العافية . ولا مال أذهب للفاقة من الرّضى بالقوت .
ومن اقتصر على بلغة الكفاف تعجّل الرّاحة وتبوّأ خفض الدّعة . الحرص مفتاح التّعب ومطيّة النّصب وداع إلى التّقحّم في الذّنوب والشّرّ جامعٌ لمساوئ العيوب وكفاك أدباً لنفسك ما كرهته من غيرك . تمنى لأخيك مثل الّذي عليك .
ومن تورّط في الامور من غير نظر في الصّواب فقد تعرّض لمفاجئة النّوائب . التدبير قبل العمل يؤمنك النّدم .
من استقبل وجوه العمل والآراء عرف مواقع الخطأ . الصّبر جنّة من الفاقة . في خلاف النّفس رشدها .
السّاعات تنقص الأعمار .ويل للباغين من أحكم الحاكمين وعالم بضمير المضمرين . بئس الزاد للمعاد العدوان على العباد . في كلّ جرعة شرقٌ ، وفي كلّ اُكلة غصصٌ .
لا تنال نعمةٌ إلاّ بفراق اُخرى .
ما أقرب الرّاحة من التّعب ! والبُؤس من النّعيم ! والموت من الحياة ! فطوبى لمن أخلص لله عمله وعلمه وحبّه وبغضه وأخذه وتركه وكلامه وصمته وبخٍّ بخٍّ لعالم علم فكفّ ، وعمل فجدّ ، وخاف التباب((1)) فأعدّ
ص: 281
واستعدّ ، إنّ سئل أفصح ، وإن ترك سكت ، كلامه صوابٌ وصمته من غير عيٍّ جوابٌ . والويل كلّ الويل لمن بلي بحرمان وخذلان وعصيان واستحسن لنفسه ما يكره لغيره ، من لانت كلمته وجبت محبّته » ((1)).
وصية الإمام علي (عليه السلام) لابنه الحسن (عليه السلام) برنامج حياتي كامل لمن يريد الآخرة ويرغب في مرضاة الله تعالى فيها الزهد في الدنيا وتقوى الباري عزّوجلّ والتمسك بالآخرة، وفيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كي يكون من أهله .
وفيها دعوة لخوض معارك الحق حيث كانت مع تفقه في الدين ثم بدأ في تعليم ولده الحسن (عليه السلام)التوحيد والمعرفة الالهية وهي معارف للبشرية جمعاء يصان بها الدين والمجتمع ، ثم انتقل إلى الآخرة فنبهه إليها وعرَّفها عليها وحذره منها فهي دستور إلهي نبوي علوي في هداية الناس إلى الصراط المستقيم والأخذ بيدهم إلى شاطئ الأمان .وكان الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) من الأئمة الميامين المتربين بتربية سيد المرسلين محمّد (صلى الله عليه وآله)وابنته فاطمة سيدة نساء العالمين وزوجها علي (عليه السلام) سيد الأوصياء والمتّقين .
لكن الأمويين ملأوا الدنيا بالأكاذيب والافتراءات على الإمام الحسن (عليه السلام)لافساح المجال أمام حكومة معاوية ويزيد . فأعمال المغيرة بن شعبة في كثرة الزوجات وكثرة الطلاق افتروها على الإمام الحسن(عليه السلام).
ص: 282
ونعتوا الإمام الحسن (عليه السلام) بمخالفته لأبيه دائماً وليس لهذا من صحة .
في حين لم يصفوا يزيد بن معاوية الفاسق الفاجر بهذه الأفعال !
وهذه المنهجية الأموية أخذوها من اليهود المادحين لاحبارهم المجرمين والمهاجمين لأنبيائهم المرسلين !
وأوصى الإمام علي (عليه السلام) ولده الزكي الإمام الحسن (عليه السلام) بهذه الوصية :
«اُوصيك أي بنيّ ! بتقوى الله ، وإقام الصّلاة لوقتها ، وإيتاء الزّكاة عند محلّها ، وحسن الوضوء ; فإنّه لا صلاة إلاّ بطهور . ولا تقبل صلاة من مانع زكاة ، واُوصيك بغفر الذّنب ، وكظم الغيظ ، وصلة الرّحم ، والحلم عند الجهل ، والتّفقّه في الدّين ، والتّثبّت في الأمر ، والتّعاهد للقرآن ، وحسنالجوار ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، واجتناب الفواحش كلّها في كلّ ما عصي الله فيه»((1)) .
خطبة الامام الحسن تبين حثه على التقوى والصلاة والزكاة ومشكلة الناس تتمثل فى تركهم الزكاة ،ومعها لا تُقبل الصلاة .
ص: 283
وأوصاه أن يغفر ذنوب الناس ليفتح صفحة جديدة معهم ،ويصل الرحم ليرحمه الله تعالى ويطيل فى عمره ويشدَّ ازره .
وطلب منه التفقه فى الدين ليصل الى مرضاة الله تعالى ويطبق الشرع الاسلامى .وطلب منه التعاهد للقرآن لانه الثقل الثانى بعد ثقل أهل البيت كما قال النبى :« إني تارك فيكم الثقلين خليفتين ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ، واحدهما أكبر من الآخر ، وانهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض يوم القيامة ، فلا تتقدموهم فتهلكوا ، وإنَّ اللطيف الخبير انبأني انهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فلا تتقدموهما فتهلكوا، ولا تعلِّموهم فإنهم أعلم منكم »((1)) .
ص: 284
وأوصاه بالامر بالمعروف والنهى عن المنكر وترك الفواحش وفى ذلك مرضاة الله تعالى .فكانت هذه الخطبة وأمثالها من تراث الامام الحسن الموروث من أبيه ولم يرث معاوية من أبيه الا ثقافة القتل والختل والكفر والفساد فى الارض لذا رفس ابو سفيان قبر حمزة قائلا له :«إنّ الأمر الذي كنت تقاتلنا عليه بالأمس قد ملكناه! وكنّا أحق به من تيم وعدي((1))، فكفر صراحة قبل موته ((2)).وقد قال: «تلقّفوها تلقف الكرة فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من جنة ولا نار»((3)).
ص: 285
فكان الصراع بين الجانبين صراع حق مع باطل وصراع دين مع كفر .
أرسل معاوية إلى عبيد الله بن العباس يرغبه في المصير إليه، وضمن له ألف ألف درهم، يعجل له منها النصف، ويعطيه النصف الاخر عند دخوله الكوفة، فانسل عبيد الله بن العباس في الليل إلى معسكر معاوية في خاصته، وأصبح الناس قد فقدوا أميرهم، فصلى بهم قيس رضى الله عنه ونظر في أمورهم((1)).
وبعد هروب عبيد الله بن عباس ازدادت بصيرة الامام الحسن (عليه السلام) بخذلان القوم له، وفساد نيات المحكمة فيه بما أظهروه له من السب والتكفير واستحلال دمه ونهب أمواله، ولم يبق معه من يأمن غوائله إلا خاصة من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهم جماعة لا تقوم لاجنادالشام. فكتب إليه معاوية في الهدنة والصلح، وأنفذ إليه بكتب أصحابه التي ضمنوا له فيها الفتك به وتسليمه إليه، واشترط له على نفسه في إجابته إلى صلحه شروطا كثيرة وعقد له عقودا كان في الوفاء بها مصالح شاملة، فلم يثق به الامام الحسن (عليه السلام) وعلم احتياله بذلك واغتياله، غير أنه لم يجد بدا من إجابته إلى ما التمس من ترك الحرب وإنفاذ الهدنة،
ص: 286
لما كان عليه أصحابه مما وصفناه من ضعف البصائر في حقه والفساد عليه والخلف منهم له، وما انطوى كثير منهم عليه في استحلال دمه وتسليمه إلى خصمه، وما كان في خذلان ابن عمه له ومصيره إلى عدوه، وميل الجمهور منهم إلى العاجلة وزهدهم في الاجلة. فتوثق (عليه السلام)لنفسه من معاوية لتأكيد الحجة عليه، والاعذار فيما بينه وبينه عند الله عز وجل وعند كافة المسلمين، واشترط عليه ترك سب أمير المؤمنين (عليه السلام)والعدول عن القنوت عليه في الصلوات، وأن يؤمن شيعته رضى الله عنهم ولا يتعرض لاحد منهم بسوء، ويوصل إلى كل ذي حق منهم حقه. فأجابه معاوية إلى ذلك كله ، وعاهده عليه وحلف له بالوفاء به ((1)).
وكان الامام الحسن مخيَّراً بين أمرين :
الأمر الاول :استمرار الحرب بجيش منهك لا معنوية لدية ولا رغبة لديه فى الجهاد والقتال مما يعني الفشل والهزيمة ،وفناء معظم رجال الشيعة .الأمر الثانى :الصلح مع معاوية لحفظ أرواح جيشه انتظاراً لجولة قادمة ينتصر فيها انصاره انما الدنيا جولات لا جولة واحدة ،ريثما يأتي شعب يؤمن بوجوب القتال للوصول الى الأهداف .
وهذا المنهج الحسني يعني أنَّ الحرب ليست هى المفتاح الوحيد للنصر دائماً فكم من قائد قاد أمته المتعَبة المنهَكة الى الهزيمة والفناء ،واضطر شعبه الى تغيير عقيدته ودينه .
ص: 287
وعلى القائد أن يتحمل صيحات المعارضة من بعض أفراد شعبة ويصبر على ظلمهم له .وفعلا فعل الحسن ذلك متحملا الاهانات والصيحات المعارضة وطعنه بخنجر فى المدائن ،المهم قاد شعبه نحو النجاح الاستراتيجى والبقاء الدائم فى الارض الى ظهور منقذ البشرية المهدى من آل محمد (عليه السلام).
ص: 288
شبهة فيليب متى النصراني :
رد الشبهة :
جواب شبهة الصفدي ومتي النصراني:
خزينة الامام الحسن (عليه السلام)كافية لتسديد أي دين فى رقبته
تقسيم الحسن (عليه السلام)أمواله بين المؤمنين :
مدح الله تعالى له في القرآن ينفي الشبهة :
زهد الحسن (عليه السلام)مخالف لافتراء حبه للدنيا:
كرم الامام الحسن (عليه السلام) مخالف حبه للدنيا:
ص: 289
الادعاء ناصبي يتمثل في رغبة الامام الحسن فى الدنيا واهتمامه الأكيد فى المال أي يريدون القول اهتمام الحسن بالدنيا وتركه الاخرة فكيف تنتخبونه إماماً لكم ؟
لذا تحوم حول صلح الامام الحسن (عليه السلام) شبهات كثيرة أثارها أصحاب الظنون وعلى رأس الأقوال إهتمامه بالدنيا:
شبهة الصفدي:
قال الصفدي (تلميذ ابن تيمية )في شرح لامية العجم .
هذا الحسن بن علي قال لمعاوية: إن عليَّ دينا فأوفوه عني وأنتم في حل من الخلافة، فأوفوا دينه وترك لهم الخلافة.. ((1)).
شبهة فيليب متى النصراني :
وقد حذا فيليب متى حذو الصفدي في كتابه العرب . حيث قال فانزوى - يعنى الامام الحسن (عليه السلام)- عن الخلافة مكتفيا بهبة سنوية منحه إياها - يعنى معاوية - ((2)).
ص: 290
رد الشبهة :جواب شبهة الصفدي ومتي النصراني:
لقد أفصح العلماء عن آرائهم مكذبين الصفدي :
قال القاضي النعماني :نعوذ بالله من هذا الافتراء الكاذب على سيد شباب أهل الجنة ((1)) .
ولقد كذَّب البخاري افتراءات تلميذ ابن تيمية ((2)):
بإسناده عن الحسن (عليه السلام)قال: استقبل والله الحسن بن علي (عليه السلام) معاوية بكتائب أمثال الجبال.. . ((3)).
وفي إرشاد الساري((4)): قال الكرمانى: وقد كان يومئذ الحسن(عليه السلام) أحق الناس بهذا الامر، فدعاه ورعه إلى ترك الملك رغبة فيما عند الله، ولم يكن ذلك لعلة ولا لذلة ولا لقلة.. .
ونقول لهم أنَّ المهتم بالدنيا لا يترك الحكومة أبدا بل يحارب من أجلها لان السلطة فيها المال والنساء والشهرة وكل ملذات الدنيا فكيف يبيعها بمال محدود وقليل ؟
خزينة الامام الحسن (عليه السلام)كافية لتسديد أي دين فى رقبته
ص: 291
كانت خزينة الدولة فى زمن الامام الحسن جيدة وهى كافية لتسديد ديون جيشه وعماله فى حينها اذ لم تكن الخزينة خالية وفق كل الروايات فى هذا المجال .
وعن مصاريف الحسن الخاصَّة فلم تكن كثير الى حد تغرقه فى عالم الدين مثلما صوَّر ذلك النواصب من أمثال الصفدي ومعلمه المنبوذ ابن تيمية .ولا يوجد دليل صحيح على وجود دين كبير فى رقبة الحسن دفعه الى الصلح وانما ذلك من افتراءات الصفدي الناصبي .
ومنهج ابن تيمية وتلاميذه يستند على الكذب والافتراء على أهل البيت والمسلمين .
واذا ذكر القبر بكى واذا ذكر القيامة والعرض على الله يشهق شهقة يغشى عليه منها ((1)).
وهذا ينفى حرصه على الدنيا وأموالهاويكذب الارهاصات الناصبية التى ما زالت تحيك المؤامرات ضدَّ أهل بيت النبوة وتدافع عن اليهود وأنصارهم .
بعدما مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) نادى الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): « من كان له عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)عدّة أو دَين فليأتني ».
واستمرّ الإمام (عليه السلام) في ندائه المذكور كلّ عام عند العقبة يوم النحر وتولّى ذلك بعده الإمام الحسن(عليه السلام) ثمّ الإمام الحسين (عليه السلام). فلا يأتي أحد من خلق الله تعالى إلى الإمام علي (عليه السلام) بحقّ أو باطل إلاّ أعطاه((2)).
ورغم المخاطر الجمَّة الحافّة برسول الله في رحلته للمدينة والصعوبات المحيطة بعلي بن أبي طالب(عليه السلام) في مكّة أوكل النبي (صلى الله
ص: 293
عليه وآله) إلى الإمام علي (عليه السلام) مهمّة إرجاع الأمانات إلى أصحابها.
ممّا يبيّن مجيئه (صلى الله عليه وآله) لتأسيس حضارة قائمة على الأخلاق أهدافها واضحة وسيرتها بيِّنة.
فكان النبي وأهل بيته نماذج للعدالة والعفة والجهاد والزهد ومحبة المسلمين بينما كان المغتصبون للخلافة مثالا للنهب والحزبية والقبلية والدكتاتورية وكره الناس .
قال الخوارزمي الحنفي :قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): « ياعلي أُوتيت ثلاثاً لم يؤتهن أحد ولا أنا، أُوتيت صهراً مثلي ولم أُوت أنا مثلي.
وأُوتيت صدِّيقة مثل ابنتي، ولم أُوت مثلها (زوجة).
وأُوتيت الحسن (عليه السلام)والحسين من صلبك ولم أُوت من صلبي مثلهما ولكنّكم منّي، وأنا منكم »((1)).آية التطهير: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)بإجماع المسلمين((2)).
ص: 294
وآية المباهلة: (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)((1)).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله) في الامام الحسن (عليه السلام): « من آذى هذا فقد آذاني »((2)).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): « الحسن منّي والحسين من علي»((3)).
ص: 295
وقد عرف الامام الحسن (عليه السلام) بالسخاء والعلم والحلم والشجاعة وحبّ العبيد والفقراء((1)).
ولمّا فشلت أعمالهم تلك توسّل معاوية بالإغتيال، فوعدوا زوجته جعدة بنت الأشعث بالمال الكثير وزواجها من يزيد بن معاوية فقتلته بالسمّ (2)
والحسن (عليه السلام)والحسين (عليه السلام) من ذريّة النبي (صلى الله عليه وآله) بمصداق من كتاب الله: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيَْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى.. . وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ)((3)) فعيسى من ذرّية إبراهيم بأُمّه
ص: 296
والحسن(عليه السلام)والحسين (عليه السلام) من ذرّية محمّد(صلى الله عليه وآله) بأُمهما.
ومنع طلحة بن عبدالله الماء عن عثمان بن عفّان وصحبه وأهله أثناء الثورة عليه ، وردّ شفاعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في إعطائهم الماء((1)) ، فسقاه وأهله الإمام (عليه السلام) الماء بواسطة ابنه الحسن (عليه السلام).
كان الامام الحسن معروفاً بالزهد وهذا ما يخالف التوجهات الدنيوية اذ أكل في رحلة خبزاً وملحاً ثم جاء بالطعام للغلمان رافضاً الاكل منه قائلا:إنَّ ذاك الطعام أحب اليَّ لانه طعام الفقراء والمساكين ((2)).
وقد ألف محمد بن بابويه القمى كتاباً أسماه زهد الحسن (عليه السلام)
وقد شدّد معاوية الهجمة على الحسن (عليه السلام) لمنافسته إيّاه في السلطة إذ كان معاوية عاهد الامام الحسن (عليه السلام)على إرجاع الحكم إليه بعد وفاته، وهذا النص حرّك معاوية لتجنيد كلّ قواه للحطّ من منزلة الحسن (عليه السلام)في أنظار الناس فظهر زيف كثير في هذا المجال،
ص: 297
فكانت الهجمة الحكومية على الإمام الحسن (عليه السلام)اجتماعية وسياسية بينما كانت الهجمة على الإمام الحسين (عليه السلام) عسكرية.
وحاول الأمويون بشتّى الوسائل الجاهليّة من الكذب والإفتراء الحطّ من منزلته في قلوب الناس مثلما فعلوا بجدّه من قبل. فوصموه بالجبن ومخالفته لأبيه (عليه السلام)وكثرة زيجاته وأنّه رجل مطلاق وغير ذلك. وانتشر هذا الزيف في كتب المخالفين لأهل البيت (عليه السلام)((1)).
وقال الرسول (صلى الله عليه وآله) في الحسنين (عليه السلام): « الحسنان سبطا هذه الأُمّة »((2)).
وقال الرسول (صلى الله عليه وآله) في الحسنين (عليه السلام): الحسنان صفوة الله ((3))، والحسنان خير الناس جدّاً وجدّةً وأباً وأُمّاً((4)).
وقال رسول الله في أهل البيت: « أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق »((5)).
ص: 298
عن زيد بن أرقم و أبي هريرة: وقف النبي على بيت فيه علي وفاطمة والحسن(عليه السلام)والحسين فقال:
أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم((1)).
وقال النبي عن الحسنين: من أحبني وهذين وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة ((2)).
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، أنبأنا الحسن بن علي، أنبأنا محمد ابن العباس، أنبأنا أحمد بن معروف، أنبأنا الحسين بن محمد بن الفهم، أنبأنا محمد بن سعد. أنبأنا مسلم بن إبراهيم، عن القاسم بن الفضل، أنبأنا أبو هارون، قال: انطلقنا حجاجا فدخلنا المدينة فقلنا: لو دخلنا على ابن رسول الله الحسن(عليه السلام)فسلمنا عليه، فدخلنا عليه فحدثناه بمسيرنا وحالنا، فلما خرجنا من عنده بعث إلى كل رجل منا بأربعمأة أربعمأة، فقلنا للرسول:
ص: 299
إنا أغنياء وليس بنا حاجة، فقال: لا تردوا عليه معروفه. فرجعنا إليه فأخبرناه بيسارنا وحالنا.
فقال(عليه السلام): لا تردوا علي معروفي فلو كنت على غير هذه الحال كان هذا لكم يسير((1)).
أما إني مزودكم: إن الله تبارك وتعالى يباهي ملائكته بعباده يوم عرفة فيقول: " عبادي جاؤني شعثا تتعرضون لرحمتي فأشهدكم أني قد غفرت لمحسنهم وشفعت محسنهم في مسيئهم " ((2)).
وفي حديث مكاتبة معاوية إلى مروان عامله على الحجاز يأمره أن يخطب أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر لابنه يزيد فأتى عبد الله بن جعفر فأخبره بذلك فقال عبد الله: إن أمرها ليس إلي إنما هو إلى سيدنا الحسن (عليه السلام) فأخبر الحسين (عليه السلام)فقام إلى أن قال: فاشهدوا جميعا أني قد زوجت أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر على أربعمائة وثمانين درهما وقد نحلتها ضيعتي بالمدينة.
ص: 300
أو قال: أرضي بالعقيق وإن غلتها في السنة ثمانية آلاف دينار ففيها لهما غنى إن شاء الله. قال: فتغير وجه مروان((1)).
هذه الرواية تبين حماية الامام الحسن (عليه السلام)لبني هاشم والمسلمين يعطيهم أملاكه ويبعدهم عن السلطان الجائر ومؤامراته.
والتزام الحسن (عليه السلام)بالمهر القليل البعيد عن الاسراف والطغيان يرد الرواية الاموية الرامية لوصفه بالاسراف.
لقد خرج الامام الحسن (عليه السلام)عن جميع ما يملك مرتين وشاطر الله أمواله ثلاث مرات حتى أعطى نعلا وأمسك اخرى ((2)).وكان اذا ذكر الموت بكى ((3)).
واذا ذكر القبر بكى واذا ذكر القيامة والعرض على الله يشهق شهقة يغشى عليه منها((4)).
ص: 301
روى هذه الخطبة ابن الاثير الجزري من أسد الغابة باسناده إلى أبي بكر بن دريد قال :
قام الحسن (عليه السلام)بعد تفرق جيشه ورغبتهم فى الدنيا فقال بعد حمد الله عز وجل:
انا والله ما ثنانا عن أهل الشام شك ولا ندم، وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر فسلبت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع، وكنتم في منتدبكم إلى صفين: دينكم أمام دنياكم، فأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم، ألا وانا لكم كما كنا، ولستم لنا كما كنتم. ألا وقد أصبحتم بين قتيلين: قتيل بصفين تبكون له، وقتيل بالنهروان تطلبون بثأره فأما الباقى فخاذل، وأما الباكى فثائر، الا وان معاوية دعانا إلى امر ليس فيه عز ولا نصفة فان أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله عز وجل بظبا السيوف، وان أردتم الحياة قبلناه،وأخذنا لكم الرضا، فناداه القوم من كل جانب: البقية ! البقية ! فلما أفردوه أمضى الصلح ((1)).
قال: وفي رواية أنه قال الحسن (عليه السلام): نحن حزب الله المفلحون، وعترة رسوله المطهرون، وأهل بيته الطيبون الطاهرون، و أحد الثقلين اللذين خلفهما رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فيكم ، فطاعتنا مقرونة بطاعة
ص: 302
الله فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول، وان معاوية دعانا.. الحديث((1)).
خطبة الامام الحسن هذه تبين بياناً علمياً الاسباب التى دعته الى الصلح مع معاوية وهى أسباب واضحة فى اظهار تفكك جنده لتقديم دنياهم على دينهم ،ومنهم من خسر قتيل له فى صفين فهو باك عليه ،ومنهم طالب ثأر من الحسن لقتيل خارجى قُتل بسيف الامام علي فى النهروان .والآخرون متخاذلون .
ثم سأل الحسن جيشه إن كانوا يريدون الموت فيرفض صلح معاوية ويأخذهم الى الحرب فاختار معظمهم الصلح .
والرأي فى العادة للاغلبية لا للأقلية فأمضى الامام الحسن الصلح ،وبيَّن بياناً شافياً عزوفه عن الدنيا ،واصراره على الجهاد ،وحفظ الدين وسلامة أنصاره بمناهج علمية دينية عقلية.
ص: 303
عبادة الحسن (عليه السلام)وتصدقه تثبتان توجهه الأخروي:
وكان الحسن (عليه السلام) كثير الاجتهاد في الخير والعبادة والتصدق. قال على بن زيد: حج الحسن (عليه السلام)خمس عشرة مرة على رجليه من المدينة إلى مكة، وأن الجنائب ((1))لتقاد معه.
وقال: إنى لاستحى من الله عز وجل أن ألقاه ولم أمش إلى بيته، فمشى عشرين مرة من المدينة إلى مكة ((2)). هذه العبادة من الامام الحسن فى مشيه الى بيت الله الحرام تبين عدم ركونه الى الترف والراحة والنوم مثلما يوصف المترفون بل قضى عمره فى الجهاد فى معارك الجمل وصفين والنهروان وسيره الى الحج ماشيا عشرين مرة وهو أعظم دليل على سيره على سيرة جده رسول الله .
قال المدائنى لما اراد الحسن (عليه السلام)الشخوص الى المدينة وتجهز لذلك دخل عليه المسيب بن نجبة الفزاري وظبيان بن عمارة التميمى
ص: 304
ليودعاه فقال الحسن(عليه السلام):الحمد لله الغالب على امره لو أجمع الخلق جميعا على ان لا يكون ما هو كائن ما استطاعوا .
فقال اخوه الحسين (عليه السلام)لقد كنت كارها لما كان طيب النفس على سبيل ابى حتى عزم عليَّ اخي فاطعته وكانما يجذ انفى بالمواسى .
فقال المسيب انه والله ما يكبر علينا هذا الامر الا ان تضاموا وتنتقصوا فاما نحن فانهم سيطلبون مودتنا بكل ما قدروا عليه .
فقال الحسين (عليه السلام)يا مسيب نحن نعلم انك تحبنا .
فقال الحسن(عليه السلام)سمعت أبي يقول سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول :من احب قوما كان معهم فعرض له المسيب وظبيان بالرجوع فقال :ليس الى ذلك سبيل((1)).
فلما كان في غد خرج من الكوفة وشيعه الناس بالبكاء ولم يبق فيها بعد الصلح الا أياماً قلائل.
سار الموكب الذى يضم الحسن (عليه السلام)والحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة((2)).وورثة الانبياء ووصيا رسول الله بعد خيانة أغلب الناس لهما واختيارهم الدنيا الزائلة على الآخرة الباقية.
ص: 305
وصبَّ الله تعالى على أهل الكوفة منذ خروجهم العذاب والطاعون الجارف فكان عقوبتها العاجلة على مواقفها من آل الرسول البررة الطاهرين وهرب منها واليها الاموى المغيرة بن شعبة خوف الطاعون ثم عاد اليها فطعن بها فمات((1)).
ثم سار الموكب الفخم الذي كان يقل على رواحله، بقية الله في الارض، وتراث رسول الله (صلى الله عليه وآله)في الاسلام، وقد ضاقت بهم الكوفة أو ضاقوا بها، فيمموا شطر وطنهم الاول، ليمتنعوا هناك بجوار قبر جدهم الاعظم من مكاره الدهر الخوان.
ص: 306
ص: 307
قال الخارجى أبو عامر سفيان بن أبي ليلى للامام الحسن (عليه السلام):السلام عليك يا مذل المؤمنين.
قال الحسن :وما علمك بذلك ؟
قال: عمدت إلى أمر الامة، فخلعته من عنقك، وقلدته هذا الطاغية، يحكم بغير ما أنزل الله((1)).
وقد حاول البعض نسب القول الى حجر بن عدى ، كذباً على الدين، وحاول بعضهم نسب القول الى سليمان بن صرد((2))، في محاولة للنيل منهما ومن الحسن (عليه السلام)لكن سيرة حياتهما ترفض هذه الاكاذيب.
و جاء في تذكرة الخواص: وفي رواية ابن عبد البر المالكى في كتاب الاستيعاب ان سفيان بن ياليل وقيل ابن ليلى وكنيته أبو عامر، ناداه يا مذل المؤمنين، وفي رواية هشام، ومسود وجوه المؤمنين.
فقال له الحسن (عليه السلام): ويحك أيها الخارجى لا تعنفنى، فان الذي أحوجنى إلى ما فعلت: قتلكم أبي، وطعنكم إياي، وانتهابكم متاعى((3)).
ص: 308
وانكم لما سرتم إلى صفين كان دينكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم.
ويحك أيها الخارجى ! انى رأيت أهل الكوفة قوما لا يوثق بهم، وما اغتر بهم الا من ذل، ليس رأى أحد منهم يوافق رأى الاخر، ولقد لقى أبي منهم أمورا صعبة وشدائد مرة، وهي أسرع البلاد خرابا((1))، وأهلها هم الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا. وفي رواية: ان الخارجى لما قال له:
يا مذل المؤمنين !
قال: ما أذللتهم، ولكن كرهت أن أفنيهم واستأصل شأفتهم لاجل الدنيا. والواقع أن الرجل كان على رأى الخوارج ، ولذلك عنفه وعابه بمصالحته مع معاوية.
وقال الحسن (عليه السلام):انما فعلت ما فعلت ابقاء عليكم((2)).
قال الامام الحسن (عليه السلام) في جوابه لبعضهم:. . . لا تقل ذلك يا أبا عامر، لم أذل المؤمنين، ولكن كرهت أن أقتلهم على الملك.. . كما جاء في أعيان الشيعة((3)):
ص: 309
وقال الحسن (عليه السلام): يا أبا سعيد علة مصالحتى معاوية علة مصالحة رسول الله لبنى ضمرة وبني اشجع ولاهل مكة حين انصرف من الحديبية((1)).وقال الحسن (عليه السلام): ألا ترى الخضر لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى (عليه السلام)فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي((2)).
وقال الحسن (عليه السلام):لقد جعل الله تعالى هارون (عليه السلام)في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه ((3)).
الجواب:
قال الحسن (عليه السلام): لو سلمت الامر لمعاوية فأيم الله لا ترون فرحا أبدا مع بنى أمية ... ولو وجدت أعوانا ما سلمت له الامر((4)).. .
النص السابق فيه أمور خطيرة منها:
أعظم دليل على رغبة الحسن (عليه السلام)في محاربة معاوية.
الحسن (عليه السلام)يحذِّر أتباعه من الركون الى الذل.
ص: 310
الحسن (عليه السلام)يبين عدم امتلاكه أعواناً، ولو وجدهم ما سلَّم الأمر الى معاوية.
فالناس أذلوا أنفسهم بأنفسهم بقعودهم عن الجهاد، وتحرك البعض الى القتال لا ينفع شيئاً.
أمر الحسن (عليه السلام) أن ينادي في الناس الصلاة جامعة، فاستجمعوا فصعد المنبر فخطبهم فقال:
الحمد لله كلما حمده حامد وأشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق وائتمنه على الوحى الى الله عليه وآله.
أما بعد، فوالله إنى لارجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنه وأنا أنصح خلق الله تعالى لخلقه، وما أصبحت محتملا على امرئ مسلم ضغينة ولا مريد له بسوء ولا غايلة، وإنما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة ألا وإنى ناظر لكم خيرا من نظركم لانفسكم فلا تخالفوا أمري ولا تردوا عليَّ رأيى وإني غفر الله لى ولكم وأرشدنى وإياكم لما فيه المحبة والرضا ناظرا لما فيه مصالحكم، والسلام((1)).
ص: 311
قال الحسن (عليه السلام) لرجل ساله عن سبب صلحه مع معاوية : سأخبرك لم فعلت ذلك:
سمعت أبي (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لن تذهب الايام والليالى حتى يلى أمر هذه الامة رجل واسع البلعوم، رحب الصدر ، يأكل ولا يشبع وهو معاوية، فلذلك فعلت((1)).
ص: 312
قال: ما جاء بك ؟ قال: حبك، قال: الله ؟ قال: الله، فقال الحسن (عليه السلام): والله لا يحبنا عبد أبدا ولو كان أسيرا في الديلم إلا نفعه حبنا، وإن حبنا ليساقط الذنوب من بنى آدم كما يساقط الريح الورق من الشجر ((1)).
قالت عائشة حديثاً تنكر خلافة معاوية، فقال معاوية: عجباً لعائشة تزعم أني في غير ما أنا أهله وأنَّ الذى أصبحت فيه ليس لي بحق مالها ولهذا يغفر الله لها((2)).قال ابن عباس لابى موسى الأشعرى في كلام طويل: ليس في معاوية خصلة تقربه من الخلافة((3)).
وقال أبو هريرة قال النبي: الخلافة بالمدينة والملك بالشام((4)).
وهو حديث يفند خلافة معاوية والأمويين.
وقال المغيرة بن شعبة لابنه بعد عودته من زيارة معاوية: جئت من أخبث الناس((5)).
وقال سمرة بن جندب عامله على البصرة:
ص: 313
لعن الله معاوية والله لو أطعت الله كما أطعته لما عذبني ابداً((1))
قال عمر للمغيرة : أما والله ليعورن بنو أميَّة الإسلام ، كما أعورت عينك هذه ، ثمّ ليعمينه ، حتى لا يدري أين يذهب ولا أين يجي((2)) .
المذاهب الأربعة: مثال السلطان الجائر معاوية((3)).
أبو حنيفة النعمان: أتدرون لم يبغضنا أهل الشام ؟
قالوا: لا.
قال لانا نعتقد أن لو حضرنا عسكر علي بن ابى طالب كرم الله وجهه لكنا نعين علياً على معاوية ونقاتل معاوية لأجل علي فلذلك لا يحبوننا((4)).
وقال ابن النقيب في معاوية: وما معاوية الا كالدرهم الزائف((5)).
وقال الدميرى عن حكم معاوية: وكانت ملكاً عضوضاً ثم تكون جبروتاً وفساداً في الارض كما قال رسول الله((6)).
وقال الغزالى: وافضت الخلافة الى قوم تولوها بغير استحقاق((7)).
ص: 314
و عمر نفسه وضع الأسس لملك معاوية، بقوله :إنَّه خير الناس ، ووصف أباه رأس الكفر بعد فتح مكّة بأنَّه سيد قريش، ووصف أمَّه آكلة كبد حمزة سيّد الشهداء بأنّها كريمة قريش ((1))!!!
بعدما عيَّن عمر معاوية والياً على الشام أعطاه ما أراد وأطلق يده في الحكم وقال عنه: معاوية كسرى العرب ((2)).وذلك في التفاتة مدهشة منه ومنكرة مع وجود سيّد الأوصياء ومولى الموحدين وسيد المسلمين علي (عليه السلام)، كما قال النبي. ففهم المسلمون رغبة عمر في تعيين معاوية ملكاً على البلاد والعباد.
وبهذا القول الصريح، وتحويل الشام إرثاً للأمويين بعد تعيين معاوية خلفاً لأخيه يزيد بن أبي سفيان وإطلاق يده فيها، وتركيز الجيوش الاسلامية بيد معاوية، ومنع أي رقابة عليه أصبح معاوية ملكاً على الشام.
لقد استغلّ البعض مقتل كسرى الفرس فطرحوا معاوية بديلا عنه رغم سابقته الكافرة وحاضره المرّ.
لقد وضع عمر بن الخطاب الأسس المتينة لدولة معاوية بن أبي سفيان بطرق مختلفة ، يدعمه في ذلك كعب الأحبار وعبد الله بن سلام وطلقاء
ص: 315
مكّة ، وقد وصل معاوية إلى حكم الشام بناءً على الاتفاق الحاصل بين رجال السقيفة مع أبي سفيان بإعطاء الشام طعمة لبني أميّة ((1)).
ولم يهتم الحزب القرشي للاعتراضات الموجَّهة ضدّه جراء توليته معاوية الشام ، وهو ابن 18 عاماً((2)) ، بينما عارض أمر الرسول (صلى الله عليه وآله) بتولية أسامة بن زيد حملة الشام وهو في ذلك العمر ((3)) !!!وعارض الحزب القرشي وصول الإمام علي (عليه السلام)إلى الخلافة وعمره ثلاثون عاماً((4)) .
من علوم غيب أمير المؤمنين(عليه السلام) من رسول الله تغلب معاوية على الخلافة وسيطرته على الكوفة وأنه سيأمر أهل الكوفة من الشيعة بسب الامام والبراءة منه ، فقال (عليه السلام): أما انه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم((5)) ،مندحق البطن يأكل((6)) ، ما يجد ويطلب ما لا يجد،
ص: 316
فاقتلوه ولن تقتلوه. ألا وإنه سيأمركم بسبى والبراءة منى، أما السب فسبونى فإنه لى زكاة ولكم نجاة، وأما البراءة فلا تتبرؤوا منى((1))، فإنى ولدت على الفطرة، وسبقت إلى الايمان والهجرة((2)) .هذا الخبر الغيبي تحقق بتمامه، فقد غلب معاوية بعد صلح الحسن (عليه السلام)وأمر الناس بسب الامام صلوات الله وسلامه عليه، والبراءة منه، وقتل طائفة من عظماء أصحابه (عليه السلام) لانهم ثبتوا على ولائه فلم يتبرؤوا منه، منهم حجر بن عدي الكندي وجماعته.
وقال قوم إن المعنى بهذا الكلام زياد بن أبيه، وقال قوم إنه المغيرة بن شعبة، وكل ولى الكوفة، وأمر بالسب والبراءة((3)).
ص: 317
قال الحافظ أبو نعيم في حليته:
إنه لما اشتد الامر بالحسن (عليه السلام)قال: أخرجوا فرشى إلى صحن الدار لعلى أتفكر في ملكوت السماوات - يعنى الآيات.
وأما جعدة فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها، فكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام عيروهم وقالوا: يا بنى مسمة الازواج((1)).وعن عمرو بن إسحاق قال: دخلت أنا ورجل على الحسن بن علي (عليه السلام)نعوده فقال:
يا فلان سلنى، فقلت: لا والله لا أسألك حتى يعافيك الله ثم أسألك قال: فدخل علينا ثم خرج إلينا فقال: يا فلان سلنى قبل أن لا تسألنى، قال: بل يعافيك الله تعالى ثم أسألك قال: لقد ألقيت طائفة من كبدي.
وإنى سقيت السم مرارا فلم أسقه مثل هذه المرة((2)).
ص: 318
ثم دخلت عليه من الغد وهو يجود بنفسه فوجدت أخاه الحسين (عليه السلام)عند رأسه، فقال له الحسين(عليه السلام): من تتهم يا أخى((1))؟
قال: لم، لتقتله ؟
قال الحسين (عليه السلام): نعم.
قال الحسن (عليه السلام) : إن يكن الذي أظنه فالله أشد بأسا وأشد تنكيلا، وإن لم يكن فما أحب أن يقتل بي بريء.
قال أبو الفرج: لما تم الصلح بين الحسن (عليه السلام)ومعاوية أرسل إلى قيس بن سعد يدعوه إلى البيعة فجاء وكان رجلا طوالا يركب الفرس المشرف، ورجلاه يخطان في الارض وما في وجهه طاقة شعر، وكان يسمى خصى الانصار، فلما أرادوا إدخاله إليه، قال: حلفت أن لا ألقاه إلا وبينى وبينه الرمح أو السيف، فأمر معاوية برمح وبسيف فوضعا بينه وبينه ليبر يمينه.
قال أبو الفرج: وقد روي أن الحسن (عليه السلام)لما صالح معاوية اعتزل قيس بن سعد في أربعة آلاف وأبى أن يبايع، فلما بايع الحسن (عليه
ص: 319
السلام)أدخل قيس ليبايع فأقبل على الحسن (عليه السلام)فقال: أفي حل أنا من بيعتك ؟
قال: نعم، فألقى له كرسى وجلس معاوية على سريره والحسن (عليه السلام)معه، فقال له معاوية: أتبايع يا قيس ؟
قال: نعم، ووضع يده على فخذه ولم يمدها إلى معاوية، فحنى معاوية على سريره((1))
وأكب على قيس حتى مسح يده على يده، وما رفع قيس إليه يده.
ص: 320
ص: 321
روايات ضعيفة في اتهام الحسن بكره الحرب، ومخالفته لأبيه ومحاولته سجن أخيه الحسين، واقتراحه الصلح على معاوية:
البلاذري: حدثنا خلف بن سالم، حدثنا وهب بن جرير، قال: قال أبي - وأحسبه رواه عن الحسن البصري - قال: لما بلغ أهل الكوفة بيعة الحسن (عليه السلام)أطاعوه وأحبوه أشد من حبهم لابيه، واجتمع له خمسون ألفا، فخرج بهم حتى أتى المدائن، وسرح بين يديه قيس بن سعد بن عبادة الانصاري في عشرين ألفا، فنزل بمسكن، وأقبل معاوية من الشام في جيش. ثم إن الحسن(عليه السلام) خلا بأخيه الحسين (عليه السلام) فقال له:
يا هذا إنى نظرت في أمري فوجدتنى لا أصل إلى الامر حتى يقتل من أهل العراق والشام من لا أحب أن أحتمل دمه، وقد رأيت أن أسلم الامر إلى معاوية فأشاركه في إحسانه ويكون عليه إساءته((1)).
فقال الحسين (عليه السلام): أنشدك الله أن تكون أول من عاب أباك وطعن عليه، ورغب عن أمره.
فقال الحسن (عليه السلام): إنى لا أرى ما تقول، ووالله ! لئن لم تتابعنى لاسندتك في الحديد، فلا تزال فيه حتى أفرغ من أمري.
ص: 322
قال الحسين (عليه السلام): فشأنك!!!فقام الحسن (عليه السلام) خطيبا فذكر رأيه في الصلح والسلم لما كره من سفك الدماء، وإقامة الحرب، فوثب عليه أهل الكوفة وانتهبوا ماله، وحرقوا سرادقه، وشتموه وعجزوه، ثم انصرفوا عنه ولحقوا بالكوفة ((1)).
الجواب:
صلح الحسن (عليه السلام)من لسان الرسول
عن صلح الحسن (عليه السلام) مع معاوية قال النبى (صلى الله عليه وآله) يوما في حقه وقد صعد به المنبر: إن ابنى هذا سيد، ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين. فوقع ذلك كما أخبر النبى (صلى الله عليه وآله).
وأصلح الله به بين أهل الشام والعراق، لان الخلافة لما أفضت إليه سار إلى أهل الشام وسار أهل الشام إليه، فلما اجتمعوا بمكان يقال له: مسكن من ناحية الانبار علم الحسن (عليه السلام)أن إحدى الطائفتين لن تغلب حتى يذهب أكثر الاخرى، فتورع عن القتال، وترك الملك والدنيا رغبة فيما عند الله عز وجل وقال: ما أحب أن ألى أمر أمة محمد على أن يراق في ذلك محجمة دم.
فصالح أهل الشام وترك الخلافة لمعاوية على أشياء اشترطها عليه، فقبلها منه وأعطاه إياها، وذلك في جمادي الاولى سنة إحدى وأربعين.
ص: 323
فقال أصحاب الحسن (عليه السلام): يا عار المؤمنين. فقال الحسن (عليه السلام):
العار خير من النار. ولما رجع ودخل الكوفة، جاءه قوم يسلمون عليه فقالوا: السلام عليك يا مذل المؤمنين.
فقال: إنى لم أذل المؤمنين، ولكنى كرهت أن أقتلهم في طلب الملك ((1)) ففى هذا الحديث دليل على أن إحدى الفئتين لم تخرج عن الاسلام بما كان منها في تلك الفتنة من قول أو فعل، لان النبى (صلى الله عليه وآله) جعلهم كلهم مسلمين مع كون إحدى الطائفتين مصيبة والاخرى مخطئة، وهكذا سبيل كل متأول فيما يتعاطاه من رأي ومذهب إذا كان له فيما يتأوله
ص: 324
شبهةوإن كان مخطئا في ذلك. لهذا اتفقوا على قبول شهادة أهل البغى، ونفوذ قضاء قاضيهم.
وفي الحديث أيضا دليل على أنه لو وقف شيئا على أولاده يدخل فيهم ولد الولد، لان النبي (صلى الله عليه وآله) سمى ابن ابنته ابنا.
والسيد، قيل معناه: الذي لا يغلبه غضبه. وقيل: الذي يتفوق قومه في الخير. وقيل السيد: الحليم. وهذه الاوصاف اجتمعت في الحسن (عليه السلام).
عارض جابر الجعفى الحسن (عليه السلام)في صلحه مع معاوية فذكر له الحسن (عليه السلام)حديث النبى (صلى الله عليه وآله): إن ابنى هذا سيد سيصلح الله به الفئتين وكأنه لم يقتنع فتكلم الحسن(عليه السلام)بكلمات فإذا بالرسول (صلى الله عليه وآله) واقفا أمامهما فذكر له الحسن (عليه السلام)ما بينهما فأمر النبى جابرا أن يصدق الامام.
وجاء مع النبى علي وحمزة وجعفر فبهت جابر ثم رآهم يصعدون جميعا إلى السماء((1)).
أقول :
ص: 325
كان جابر الجعفي من المؤمنين الذين يصدقون بقول الامام المعصوم ولا يحتاجون لنزول النبي من السماء كى يخبرهم بالحقيقة .
ولو كانت القضية هكذا لاحتجنا الى نزول النبي فى كل ساعة لتثبيت قول الامام .
الامام علي يذكر وصول معاوية الى السلطة :
ذكر الامام علي وصول معاوية الى السلطة :
قال الامام علي :يابن عبّاس، إنّ ملك بني أُميّة إذا زال فأوّل ما يملك من بني هاشم ولدك، فيفعلون الأفاعيل((1)).
قلت لعلي بن أبي طالب (عليه السلام): متى دولتنا يا أبا حسن ؟
قال: إذا رأيت فتيان أهل خراسان أصبتم أنتم إثمها، وأصبنا نحن بِرّها((2)).
قال الحسن (عليه السلام): أما علمتم أن الخضر لما خرق السفينة وأقام الجدار، وقتل الغلام ، كان ذلك سخطا لموسى بن عمران (عليه السلام) إذ خفى عليه وجه الحكمة في ذلك، وكان ذلك عند الله تعالى ذكره حكمة وصوابا أما علمتم أنه ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا
ص: 326
القائم الذي يصلى خلفه روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام) ؟ فإن الله عز وجليخفى ولادته، ويغيب شخصه لئلا يكون لاحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذاك التاسع من ولد أخى الحسين (عليه السلام)ابن سيدة الاماء يطيل الله عمره في غيبته، ثم يظهره بقدرته في صورة شاب ابن دون الاربعين سنة ذلك ليعلم أن الله على كل شئ قدير ((1)).
رد الرواية :
خيَّر عمر فاطمة سيدة نساء أهل الجنة بين بيعة ابى بكر وبين الموت ،فاختارت فاطمة الموت شهيدة فى سبيل الله .
ولو بايعت لما قتلوها وما أحرقوا باب بيتها ،لكنهم أصروا على مطلبهم وأصرت على واجبها الشرعي .
وأصرَّ الامام علي على رفضه بيعة أبى بكر فقال علماء أهل السنة :امتنع عن البيعة ستة أشهر ثم بايع ((2)).
ص: 327
لكننا نقول : لا يمكن للامام علي بيعة أبى بكر لانه رفض بيعته ستة أشهر بقولكم فكيف يبايع بعد ذلك ؟
لقد أعطى الامام علي فاطمة ضحية لرفضه ورفضها البيعة فكيف يبايع بعد قتلهم لها ؟
اتفقت الروايات على عدم بيعة الامام الحسين لمعاوية مدة ملوكيته البالغة عشرين سنة وهى أطول مدة حكم من أبى بكر وعمر وعثمان الذين حكموا مجتمعين خمساً وعشرين سنة .
فقال الحسن (عليه السلام): يا معاوية لا تكرهه فإنه لا يبايع أبدا أو يقتل ولن يقتل حتى يقتل أهل بيته، ولن يقتل أهل بيته حتى يقتل أهل الشام ((1)).
الواضح من الرواية الصحيحة اصرار الحسين على عدم البيعة لمعاوية وهو ذات الموقف الذي اتخذه الامام علي وفاطمة من البيعة لابى بكر.
ص: 328
وفعلا لم يبايع الحسين لمعاوية ولا الى يزيد وعندما خيَّره يزيد بين البيعة له والموت اختار الموت شهيداً سيراً منه على منهج أمه الصدِّقة فاطمة .
فيكون الحسين وفاطمة قد اتخذا ذات الموقف من الامتناع عن البيعة عندما خيَّرهما السلطان بين البيعة والموت .
وماتا ولم يكن فى عنقيهما بيعة لامام ظالم .وأهل البيت منهجهم واحد ونظريتهم واحدة فى الامتناع عن بيعة الطغاة الغاصبين للخلافة .
والامام الحسن ترك السلطة لمعاوية دون بيعة منه له فوافق معاوية على هذا الطرح .
ولا يوجد لدينا نص صحيح على بيعة الحسن لمعاوية والنصوص تشير الى صلح بين الطرفين بشروط وتنازل عن الحكم له .
كيف تعوَّد الملوك على عدم بيعة الامام لهم ؟
كان من الصعب استمرار الامام علي فى امتناعه عن بيعة أبى بكر وعمر وعثمان وهو أمر عادي فى كل الدول والحكومات .
لكن الامر يتطلب من الامام صبر قوي وتصميم عقائدي للمضي فى الأمر وتحمل الضغوط.
ص: 329
ويحتاج الموضوع الى تحمل التضحيات فى هذا الطريق ولو كانت تضحيات باهظة .
وفعلا أعطى الامام علي تضحية عظيمة متمثلة بفاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة .
اذ اصدر ابو بكر أمراً الى عمر وجنده المؤلف من اربعة آلاف رجل بالهجوم على دار فاطمة بالنار والحطب لاجبارهم على البيعة فامتنعوا فقالوا لعمر :إنَّ فى البيت فاطمة .
قال :وإن ((1)).
فضغط عمر الباب على فاطمة متسبباً فى كسر ضلعها واسقاط جنينها فبقيت مريضة شهراً ونصف ثم ماتت وهي فى الثامنة عشرة من عمرها الشريف .
وأخذت الحكومة علياً مُقاداً بالحبال بواسطة ذلك الجيش الى مقر ابى بكر لاجباره على البيعة فرفض فطلب عمر من أبى بكر قتله لكن ابا بكر رفض ذلك .
ومذ ذلك الرفض والامام علي يصر على رفض أي بيعة لابي بكر وعمر وعثمان .
والامام الحسين كان تحت حكم معاوية عشرين سنة وهو رافض لبيعته ((2))،وواصل ذلك في زمن حكم يزيد حتى انتهى الامر بمقتله في كربلاء سنة 61 هجرية .
ص: 330
وتعود معاوية على الحياة مع الحسين غير المبايع له يكشف تعود معاوية على رؤية علي غير المبايع لابى بكر وعمر ومعاوية .
فقد كان معاوية فى قلب دولة ابى بكر وعمر وعثمان فهو والي الشام فى زمن عمر وهي أهم ولاية فى حينها اذ يربض فيها أكبر جيش اسلامي .
اذن عوَّد الامام علي الحكومة على الحياة معه دون بيعة منه اليهم .
قال ابو بكر لعمر من نرسل الى علي (الممتنع عن البيعة) ؟
قال عمر :نرسل قنفذاً وهو رجل فظ غليظ جاف من الطلقاء أحد بنى عدي بن كعب .
فارسله اليه وأرسل معه أعواناً وانطلق فاستأذن على علي فأبى أن يأذن لهم فرجع أصحاب قنفذ الى أبى بكر وعمر وهما جالسان فى المسجد والناس حولهما ،فقالوا :لم يأذن لنا .فقال عمر :اذهبوا فان لم يأذن لكم والا فادخلوا عليه بغير اذن .فانطلقوا فاستأذنوا ،فقالت فاطمة: أحرج عليكم أن تدخلوا بيتي بغير اذن ،فرجعوا وثبت قنفذ الملعون ،فقالوا :إنَّ فاطمة قالت :كذا وكذا فتحرجنا أن ندخل بيتها بغير اذن
ص: 331
فغضب عمر وقال :ما لنا وللنساء ثم أمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب ،فحملوا الحطب وحمل معهم عمر فجعله حول منزل علي وفاطمة ولبناهما ،ثم نادى عمر :حتى أسمع علياً وفاطمة :
والله لتخرجن يا علي ولتبايعن خليفة رسول الله والا أضرمت عليك بيتك النار .
فقالت فاطمة :يا عمر ما لنا ولك .فقال :افتحى الباب والا أحرقنا عليكم بيتكم فقالت :يا عمر أما تتقي الله تدخل علي َّ بيتى ،فابى أن ينصرف ،ودعا عمر بالنار فاضرمها فى الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة وصاحت :يا أبتاه يا رسول الله فرفع عمر السيف وهو فى غمده فوجأ به جنبها فصرخت :يا ابتاه فرفع السوط فضرب به ذريعها فنادت :يا رسول الله لبئس خلفك أبو بكر وعمر..).
وبعد هذه الضربة مرضت فاطمة وماتت شهيدة مختارة الموت على بيعة أبى بكر .
بنو أمية الشجرة الملعونة في القرآن وعلى لسان النبي (صلى الله عليه وآله):
ص: 332
(وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ)((1)) .
والآية تقصد بني أُميّة وفيهم عثمان بن عفّان ومعاوية بن أبي سفيان والحكم بن أبي العاص ومروان وأولاده، وفعلا كانت أفعالهم سيّئة طبقاً للآية القرآنية.
رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المنام إن ولد مروان يتداولون منبره ، فقصّ رؤياه على أبي بكر وعمر ((2)) .
وأخرج الطبري والقرطبي وغيرهما من طريق سهل بن سعد قال: رأى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بني أُمية ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك، فما استجمع ضاحكاً حتى مات ((3)).
وأول ملوك بني أمية عثمان بن عفان ثم معاوية ثم يزيد ومروان و...
ذكر الامام علي وصول معاوية الى السلطة :
ص: 333
اذ قال :يابن عبّاس، إنّ ملك بني أُميّة إذا زال فأوّل ما يملك من بني هاشم ولدك، فيفعلون الأفاعيل((1)).
قلت لعلي بن أبي طالب (عليه السلام): متى دولتنا يا أبا حسن ؟
قال: إذا رأيت فتيان أهل خراسان أصبتم أنتم إثمها، وأصبنا نحن بِرّها((2)).
وقال الإمام علي (عليه السلام)- في خطبته -: ويل هذه الأُمّة من رجالهم الشجرة الملعونة ، التي ذكرها ربّكم تعالى ! أوّلهم خضراء، وآخرهم هزماء ((3)).
وقالوا للامام علي قُتل معاوية .
قال الامام علي: كلاّ وربّ الكعبة، لا يقتل حتّى تجتمع الأُمّة عليه.
فقيل له: يا أمير المؤمنين فلم تقاتله ؟قال: ألتمس العذر فيما بيني وبين الله((4)).
ص: 334
وفي مرّة أُخرى قدم ركب من الشام، فأفشى في الكوفة أنّ معاوية مات، فجيء بالرجل إلى علي (عليه السلام) فقال: أنت شهدت موت معاوية ؟
قال: نعم، كنت فيمن دفنه.
فقال له علي(عليه السلام): إنّك كاذب.
فقال القوم: أهو يكذب ؟
قال (عليه السلام): نعم ; لأنّ معاوية لا يموت حتّى يملك هذه الأُمّة، ويفعل كذا، ويفعل كذا بعدما ملك.
فقال القوم: فَلِمَ تقاتله وأنت تعلم أنّه سيبلغ هذا ؟
قال: للحجّة ((1)).
وذكر الامام (عليه السلام) أيّام معاوية ومن تلاه من يزيد ومروان وبنيه، وذكر الحجّاج وما يسومهم من العذاب، فارتفع الضجيج، وكثر البكاء والشهيق، فقام قائم من الناس فقال: ياأمير المؤمنين لقد وصفت أُموراً عظيمة، آلله إن كان ذلك كائن ؟
قال علي (عليه السلام): والله إنّ ذلك لكائن، ما كَذِبت ولا كُذِبت.فقال آخرون: متى يكون ذلك يا أمير المؤمنين ؟
قال: إذا خُضبت هذه من هذه، ووضع إحدى يديه على لحيته والأُخرى على رأسه، فأكثر الناس من البكاء.
فقال: لا تبكوا في وقتكم هذا فستبكون بعدي طويلا.
ص: 335
فكاتب أكثر أهل الكوفة معاوية سرّاً في أُمورهم، واتّخذوا عنده الأيادي، فوالله ما مضت إلاّ أيّام قلائل حتّى كان ذلك ((1)).
وقال الإمام علي (عليه السلام) - في خطبته -: ويل هذه الأُمّة من رجالهم الشجرة الملعونة ، التي ذكرها ربّكم تعالى ! أوّلهم خضراء، وآخرهم هزماء، ثمّ يلي بعدهم أمر أُمّة محمّد رجال، أوّلهم أرأفهم، ((2))
وقال الامام علي (عليه السلام): أما انه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم((3))،مندحق البطن يأكل((4)) ، ما يجد ويطلب ما لا يجد، فاقتلوه ولن تقتلوه. ألا وإنه سيأمركم بسبى والبراءة منى، أما السب فسبونى فإنه لى زكاةولكم نجاة، وأما البراءة فلا تتبرؤوا منى((5))، فإنى ولدت على الفطرة، وسبقت إلى الايمان والهجرة((6)).
ص: 336
هذا الخبر الغيبي تحقق بتمامه، فقد غلب معاوية بعد صلح الحسن (عليه السلام)وأمر الناس بسب الامام صلوات الله وسلامه عليه، والبراءة منه، وقتل طائفة من عظماء أصحابه (عليه السلام) لانهم ثبتوا على ولائه فلم يتبرؤوا منه، منهم حجر بن عدي الكندي وجماعته.
لقد عرف الامام الحسن وصول معاوية الى السلطة فى القرآن الكريم وسمع ذلك من فم رسول الله ومن فم أبيه أمير المؤمنين فكان بين أمرين أن يقاتل معاوية وهو يعلم بخسارته المؤكدة ،اذ اقتضت الحكمة الالهية وصول معاوية الى السلطنة .
وثانياً أخبره النبي الأكرم بامكانية صلحه مع معاوية بذكره صلحه بين فئتين مسلمتين ،فلا يكون الحسن آثما فى صلحه المذكور بل مثاباً عليه .
ثالثاً :جيش الامام مفكك وضعيف ومعنوياته متدنية مما يعني عدم قدرته على تحقيق النصر .رابعاً: دخول الحسن فى معركة كهذه لا يعني الا سقوط المزيد من الشيعة قتلى فيها وتكثير عدد الأيتام والثكالى ى فى صفوف أهل العراق .
أما الصلح فيعني الحفاظ على دماء وارواح الشيعة وتثبيت موقعهم القوي في العراق .
ص: 337
ولما اطمأن الامام الحسن الى حساباته الاخروية والدنيوية صمم على الصلح لانه سيكون السبيل الافضل الى البقاء .
وستكون الحرب السبيل الافضل لانتصار الأعداء ومحو الشيعة من العراق .
لقد ادرك الخوارج هذا الحسابات الدقيقة التى سمعوها من الامام علي فحاولوا تهييج مشاعر الحسن لاجباره على الحرب بكلمات شاذة وحادة مثل :
السلام عليك يا مذل المؤمنين .
قال الحسن :وما علمك بذلك ؟قال: عمدت إلى أمر الامة، فخلعته من عنقك، وقلدته هذا الطاغية، يحكم وقال: إنى لم أذل المؤمنين، ولكنى كرهت أن أقتلهم في طلب الملك ((1)) بغير ما أنزل الله((2)).
ص: 338
وقالل الخوارج له : يا عار المؤمنين .فقال لهم : العار خير من النار ((1)).
وقال الحسن : ما أحب أن ألى أمر أمة محمد على أن يراق في ذلك محجمة دم. فصالح أهل الشام وترك الخلافة لمعاوية على أشياء اشترطها
ص: 339
عليه، فقبلها منه وأعطاه إياها، وذلك في جمادي الاولى سنة إحدى وأربعين.
فقال أصحاب الحسن (عليه السلام): يا عار المؤمنين. فقال الحسن (عليه السلام):
العار خير من النار. ولما رجع ودخل الكوفة، جاءه قوم يسلمون عليه اذن استفاد الحسن من علوم الغيب الالهية وحالة جيشه الدنيوية فى سبيل حفظ أتباع أتباعه من الموت والفناء .وسار الحسن فى هذا الطريق رغم الاقوال المعارضة لموقفه من المسلمين ،وبعدما انجلت الغبرة أدرك الناس فوائد صلح الحسن فأمضوه .
لقد اخبر النبي بصلح الحسن لمعاوية .
وأخبر الله تعالى بحكم معاوية للبلاد ومن بعده بني أمية جاء ذلك فى القرآن الكريم .
اختلف المؤرخون اختلافا كثيرا فيمن بدأ طلب الصلح من الآخر:
رأي ابن خلدون.
ص: 340
أن المبادر لذلك هو الامام الحسن (عليه السلام) حين دعا عمرو بن سلمة الارحبى وأرسله إلى معاوية يشترط عليه بعدما آل آمره إلى الانحلال((1)).
نقله الطبري أن معاوية أرسل إلى الحسن (عليه السلام) عند مراودته إياه في الصلح صحيفة بيضاء ختم على أسفلها وكتب إليه أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت فهو لك (ومعنى الختم هنا علامة فيآخر الصحيفة بخطه أو غيره ويحتمل أن يختم به في جسم لين فتنتقش فيه حروفه ويجعل على موضع الحزم من الكتاب إذا حزم)((2))
وجاء مثله في شرح النهج لابن أبي الحديد((3)):
وجاء مثله في فتوح ابن أعثم ((4)):
فقد قال: ثم دعا الحسن بن على بعبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم وهو ابن أخت معاوية فقال له: صر إلى معاوية فقل له عنى: إنك إن أمنت الناس على أنفسهم.. ((5)).
وقريب من هذا في الكتب أدناه((6)):
ص: 341
أما الفريق الاخر فقد قال: إن معاوية هو الذي طلب وبادر إلى الصلح بعدما بعث إليه برسائل أصحابه المتضمنة للغدر والفتك به متى أراد معاوية.
والذين يميلون الى هذا الرأي هم المفيد والاصبهانى وسبط بن الجوزى((1)).قال الطبري: فكاتب معاوية وأرسل إليه بشروط قال إن أعطيتنى هذا فأنا سامع مطيع وعليك أن تفى لى به ووقعت صحيفة الحسن (عليه السلام) في يد معاوية وقد أرسل معاوية قبل هذا إلى الحسن (عليه السلام)بصحيفة بيضاء مختوم على أسفلها وكتب إليه أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت فهو لك فلما أتت الحسن(عليه السلام)اشترط أضعاف الشروط التي سأل معاوية قبل ذلك وأمسكها عنده وأمسك معاوية صحيفة الحسن(عليه السلام) التي كتب إليه يسأله ما فيها فلما التقى معاوية والحسن (عليه السلام) سأله الحسن (عليه السلام) أن يعطيه الشروط التي شرط في السجل الذي ختم معاوية في أسفله فأبى معاوية أن يعطيه ذلك فقال له ما كنت كتبت إلى أولا تسألنى أن أعطيكه فانى قد أعطيتك حين جاءنى كتابك .
ص: 342
قال الحسن (عليه السلام) وأنا قد اشترطت حين جاءنى كتابك وأعطيتنى العهد على الوفاء بما فيه فاختلفا في ذلك فلم ينفذ للحسن (عليه السلام) من الشروط((1)).
هذه الرواية تبين بدء معاوية بارسال كتاب الصلح الى الحسن (عليه السلام)وهي صحيفة بيضاء طلب فيها كتابة ما يريد على أن يوقع معاوية في اسفلها.
ونقض معاوية لبنود المعاهدة دون سبب مقنع يبين رغبته في هذا قبل توقيعه على المعاهدة.وكانت قريش الكافرة واليهود معروفون بنقض المعاهدات فقد نقض زعماء قريش معاهدة الحديبية الأمر الذى تسبب في فتح مكة والقاء القبض على أهل مكة أسرى الا أنَّ النبي محمد أطلق سراحهم.
فلما انتهى كتاب الحسن (عليه السلام)إلى معاوية أمسكه وكان قد أرسل عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس إلى الحسن (عليه السلام) قبل وصول الكتاب ومعهما صحيفة بيضاء مختوم على أسفلها وكتب إليه أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها((2)).
ابن كثير: ولما رأى الحسن بن على تفرق جيشه عليه مقتهم وكتب عند ذلك إلى معاوية بن أبي سفيان - وكان قد ركب في أهل الشام فنزل مسكن
ص: 343
- يراوضه على الصلح بينهما، فبعث إليه معاوية عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة، فقدما عليه الكوفة فبذلا له ما أراد من الاموال ((1)).
وجاء: بعث إليه معاوية عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة، فقدما عليه الكوفة فبذلا له ما أراد من الاموال((2)) فاشترط أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف درهم، وأن يكون خراج دار أبجرد له، وأن لا يسب علي (عليه السلام)وهو يسمع، فإذا فعل ذلك نزل عن الامرة لمعاوية، ويحقن الدماء بين المسلمين.
فاصطلحوا على ذلك واجتمعت الكلمة على معاوية على ما سيأتى بيانه وتفصيله، وقد لام الحسين (عليه السلام)أخاه الحسن (عليه السلام) على هذا الرأي فلم يقبل منه، والصواب مع الحسن(عليه السلام) . وبعث الحسن بن علي (عليه السلام)إلى أمير المقدمة قيس بن سعد أن يسمع ويطيع، فأبى قيس بن سعد من قبول ذلك، وخرج عن طاعتهما جميعا، واعتزل بمن أطاعه ثم راجع الامر فبايع معاوية بعد قريب كما سنذكره. ثم المشهور أن مبايعة الحسن (عليه السلام)لمعاوية كانت في سنة أربعين، ولهذا يقال له
ص: 344
عام الجماعة، لاجتماع الكلمة فيه على معاوية، والمشهور عند ابن جرير وغيره من علماء السير أن ذلك كان في أوائل سنة إحدى وأربعين ((1)).
الدلائل والعبر :
والصحيح أنَّ الامام الحسين وقيس بن سعد لم يعصيا الامام الحسن (عليه السلام)أبداً فهو الامام المعصوم في نظرهما.
وعام الجماعة كان سنة إحدى وأربعين كما ثبت في النصوص الصحيحة((2)).
ثم كتب معاوية إلى الحسن (عليه السلام): يا ابن عم، لا تقطع الرحم الذي بينك وبينى فان الناس قد غدروا بك وبأبيك من قبلك. فقالوا: إن خانك الرجلان وغدروا بك فانا مناصحون لك، فقال لهم الحسن (عليه السلام): لا عودة هذه المرة فيما بينى وبينكم، وإنى لأعلم أنكم غادرون ما بينى وبينكم إن معسكري بالنخيلة فوافونى هناك، والله لا تفون لى بعهدي، ولتنقضن الميثاق بينى وبينكم. ثم إن الحسن (عليه السلام)أخذ طريق
ص: 345
النخيلة، فعسكر عشرة أيام، فلم يحضره إلا أربعة آلاف، فانصرف إلى الكوفة فصعد المنبر وقال: يا عجبا من قوم لا حياء لهم ولا دين، ولو سلمت له الامر فأيم الله لا ترون فرجا أبدا مع بنى أمية، والله ليسومونكم سوء العذاب حتى تتمنوا أن عليكم جيشا ولو وجدت أعوانا ما سلمت له الامر، لانه محرم على بنى أمية فأف وترحا يا عبيد الدنيا. وكتب أكثر أهل الكوفة إلى معاوية: فانا معك، وإن شئت أخذنا الحسن (عليه السلام)وبعثناه إليك، ثم أغاروا على فسطاطه، وضربوه بحربة، واخذ مجروحا((1)).
وروى أنه لما جرى الصلح بين معاوية والحسن (عليه السلام)قال له معاوية قم فاخطب الناس واذكر ما كنت فيه فقام الحسن (عليه السلام)فخطب قائلا :
الحمد لله الذي هدى بنا أولكم وحقن بنا دماءكم ألا إن أكيس الكيس التقى وأعجز العجز الفجور وان هذا الامر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إما أن يكون كان أحق به منى أو يكون حقى وتركته لله ولصلاح أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)وحقن دمائهم قال ثم التفت فقال: وان أدرى لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ثم نزل فقال عمرو بن العاص لمعاوية ما أردت إلا هذا.
ص: 346
وروى أبو سعد أنه قال في خطبته أيها الناس من عرفنى فقد عرفنى ومن لم يعرفنى فأنا الحسن بن على بن أبي طالب أنا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)أنا ابن البشير أنا ابن النذير أنا ابن السراج المنير أنا ابن مزنة السماء أنا ابن من بعث رحمة للعالمين أنا ابن من بعث إلى الجن والانس أنا ابن من قاتلت معه الملائكة أنا ابن من جعلت له الارض مسجدا وطهورا أنا ابن من أذهب اللهم عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا أنا ابن من كان مستجاب الدعوة أنا ابن الشفيع المطاع أنا ابن أول من تنشق عنه الارض ومن يقرع باب الجنة أنا ابن أول من ينفض التراب عن رأسه أنا ابن من رضاه رضا الرحمن وسخطه سخط الرحمن أنا ابن من لا يسامى كرما فقال معاوية :حسبك يا أبا محمد ما أعرفنا بفضل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).فقال :يا معاوية إن الخليفة من سار بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وعمل بطاعته وليس الخليفة من دان بالجور وعطل السنن واتخذ الدنيا أما وأبا((1)).
ص: 347
قال الامام الحسن (عليه السلام) في جوابه لبعضهم:. . . لا تقل ذلك يا أبا عامر، لم أذل المؤمنين، ولكن كرهت أن أقتلهم على الملك.. . كما جاء في أعيان الشيعة((1)).
كشف الغمة: روى الدولابى مرفوعا إلى جبير بن نفير، عن أبيه قال: قدمت المدينة فقال الحسن بن على (عليهما السلام): كانت جماجم العرب بيدي، يسالمون من سالمت، ويحاربون من حاربت، فتركتها ابتغاء وجه الله، وحقن دماء المسلمين.
وروي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)أبصر الحسن بن على (عليهما السلام) مقبلا فقال: اللهم سلمه وسلم منه.وقال الحسن (عليه السلام):إن معاوية نازعنى حقا هو لى فتركته لصلاح الامة، وحقن دمائها، وقد بايعتمونى على أن تسالموا من سالمت، وقد رأيت أن أسالمه((2)).
في إرشاد الساري ، قال الكرمانى: وقد كان يومئذ الحسن(عليه السلام) أحق الناس بهذا الامر، فدعاه ورعه إلى ترك الملك رغبة فيما عند الله، ولم يكن ذلك لعلة ولا لذلة ولا لقلة ((3)).
ص: 348
ومثله في الاستيعاب ، حيث قال: ".. . دعاه ورعه وفضله إلى ان ترك الملك والدنيا رغبة فيما عند الله.. . ((1)).
تقديم أهل الكوفة دنياهم على دينهم
انحراف الخوارج وهم جزء من جيشه.
تخاذل عموم الجيش.استفتاء الحسن (عليه السلام)لأهل الكوفة:
خيَّر الحسن (عليه السلام)جيشه بين الموت والبقاء فاختاروا البقاء((2)).
ص: 349
وقال الحسن (عليه السلام)لابى سعيد: علة مصالحتى لمعاوية علة مصالحة رسول الله لبنى ضمرة وبنى اشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية اولئك كفار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل.
وقال محمد باقر الصدر بأن مرض المجتمع الاسلامى زمن الحسن (عليه السلام)هو الشك في القيادة وقد ظهر اواخر زمن الامام علي (عليه السلام)في المجتمع الكوفى.
لما تهيأت فكرة الصلح قال قيس بن سعد لأصحابه:
أيها الناس اختاروا الدخول في طاعة إمام ضلالة أوالقتال من غير اومام هدى. فقال بعضهم: بل نختار الدخول في طاعة إمام ضلالة فبايعوا معاوية وانصرف قيس فيمن تبعه((1)).
وبعث معاوية عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة إلى الحسن (عليه السلام)للصلح فدعواه إليه وزهداه في الامر، وأعطياه ما شرط له معاوية، وأن لا يتبع أحد بما مضى ولا ينال أحد من شيعة علي(عليه السلام) بمكروه، ولا يذكر علي(عليه السلام)
ص: 350
إلا بخير وأشياء اشترطها الحسن (عليه السلام)، فأجاب إلى ذلك، وانصرف قيس بن سعد فيمن معه إلى الكوفة((1)).
ولما أبرم الصلح بينهما التمس معاوية من الحسن (عليه السلام) أن يتكلم بمجمع من الناس ويعلمهم أنه قد بايع معاوية، فأجابه إلى ذلك، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال:
أيها الناس إن أكيس الكيس التقى، وأحمق الحمق الفجور. والله لو أنكم طلبتم ما بين جابلق وجابلس من جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)ما وجدتموه غيري وغير أخى الحسين، وقد علمتم أن الله تعالى جل ذكره وعز اسمه هداكم بجدي محمد وأنقذكم به من الضلالة، وخلصكم به من الجهالة، وأعزكم به بعد الذلة، وكثركم به بعد القلة، وان معاوية نازعنى حقاهو لى دونه، فتركته لصلاح الامة وقطع الفتنة، وقد كنتم بايعتمونى على أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت، فرأيت أن أسالم لمعاوية وأضع الحرب بينى وبينه، وقد بايعته وقد رأيت أن حقن دماء
ص: 351
المسلمين خير من سفكها((1))، ولم أرد بذلك إلا صلاحكم وبقاءكم وإن أدرى لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين((2)) ،ثم نزل وتوجه بعد ذلك إلى المدينة الشريفة وأقام بها((3)).
وكانت مدة خلافته (عليه السلام) إلى أن صالح معاوية ستة أشهر وثلاثة أيام، وقيل: خمسة أيام((4)).
ص: 352
واختلف المؤرخون اختلافا كبيرا واضطربت كلماتهم في شروط الصلح، فمنهم من قال: إن الامام الحسن (عليه السلام) أرسل سفيرين إلى معاوية هما عمرو بن سلمة الهمدانى، ومحمد بن الاشعث الكندي ليستوثقا من معاوية ويعلما ما عنده، فأعطاه معاوية هذا الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب للحسن بن على من معاوية بن أبي سفيان، إنى صالحتك على ان لك الامر من بعدي، ولك عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسوله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأشد ما أخذه الله على أحد من خلقه من عهد وعقد، لا أبغيك غائلة ولا مكروها، وعلى أن أعطيك في كل سنة ألف ألف درهم من بيت المال، وعلى أن لك خراج بسا ودار أبجرد، تبعث إليهما عمالك، وتصنع بهما ما بدا لك. شهد بها عبد الله بن عامر، وعمرو بن سلمة الكندي، وعبد الرحمن بن سمرة، ومحمد بن الاشعث الكندي، كتب في شهر ربيع الاخر سنة إحدى وأربعين هجرية.
واحتفظ الامام (عليه السلام) برسالة معاوية، وأرسل إليه عبد الله بن الحارث بن نوفل.. . ولما انتهى عبد الله إلى معاوية عرض عليه مهمة الامام (عليه السلام) وهي طلب الامن العام لعموم الناس.. . فاستجاب له وأعطاهطومارا وختم في أسفله وقال له: فليكتب الحسن (عليه السلام)فيه ما شاء.. .
ص: 353
وهذا هو التفويض المطلق للامام فكتب (عليه السلام) ما رامه من الشروط((1))
والخلاصة: أن وثيقة الصلح تضمنت خمس مواد وهى:
تسليم الامر إلى معاوية على أن يعمل بكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)وسيرة الخلفاء الصالحين.
ليس لمعاوية أن يعهد إلى أحد من بعده والامر بعده للحسن، فإن حدث به حدث فلاخيه الحسين.
أن لا يسميه الحسن أمير المؤمنين.
وأن يترك سب أمير المؤمنين والقنوت عليه بالصلاة وأن لا يذكر عليا إلا بخير .
الامن العام لعموم الناس الاسود والاحمر منهم سواء فيه، والامن الخاص لشيعة أمير المؤمنين وعدم التعرض لهم بمكروه.
استثناء ما في بيت مال الكوفة وهو خمسة آلاف ألف، فلا يشمله تسليم الامر، وأن يفضل بنى هاشم في العطاء، وأن يفرق في أولاد من قتل مع أمير المؤمنين يوم الجمل وأولاد من قتل معه بصفين ألف ألف درهم من خراج ابجرد((2))
ص: 354
ولا تقام عند معاوية شهادة((1))
، وأن يوصل إلى كل ذي حق حقه.
وجاء في كتاب " المختصر في أخبار البشر " للعلامة إسماعيل بن على بن محمود : كتب الحسن (عليه السلام)إلى معاوية واشترط عليه شروطا وقال: إن أجبت إليها فأنا سامع مطيع فأجاب معاوية إليها، وكان الذي طلبه الحسن (عليه السلام)أن يعطيه ما في بيت مال الكوفة، وخراج دار ابجرد من فارس، وأن لا يشتم عليا، فلم يجب إلى الكف عن شتم علي، فطلب الحسن (عليه السلام)أن لا يشتم علي وهو يسمع، فأجابه إلى ذلك ثم لم يف به((2)).
قال أنس " يوم كلم الحسن (عليه السلام)" ولم يقل يوم بايع. إذ لم يكن عنده بيعة حقيقية وإنما كانت مهادنة كما يكون بين أولياء الله وأعدائه لا مبايعة بين أوليائه وأوليائه ، فرأى الحسن (عليه السلام) رفع السيف مع العجز بينه وبين معاوية كما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رفع
ص: 355
السيف بينه وبين أبي سفيان وسهل بن عمرو، ولذا قال الامام الحسن (عليه السلام)في جوابه لبعضهم:. . . لا تقل ذلك يا أبا عامر، لم أذل المؤمنين، ولكن كرهت أن أقتلهم على الملك. . . كما جاء في أعيان الشيعة((1)).
حدثنا أبو داود قال حدثنا القاسم بن الفضل قال حدثنا يوسف ابن مازن الراشى قال: بايع الحسن بن علي صلوات الله عليه معاوية على أن لا يسميه أمير المؤمنين ولا يقيم عنده شهادة وعلى ان لا يتعقب على شيعة علي شيئا وعلى ان يفرق في أولاد من قتل مع أبيه يوم الجمل وأولاد من قتل مع أبيه بصفين الف ألف درهم وان يجعل ذلك من خراج دار أبجرد، قال يوسف فسمعت القاسم بن محيمة يقول: ما وفى معاوية للحسن بن علي صلوات الله عليه بشئ عاهده عليه، وانى قرأت كتاب الحسن "(عليه السلام)" إلى معاوية يعد عليه ذنوبه إليه والى شيعة علي " فبدأ بذكر عبد الله بن يحيى الحضرمى ومن قتلهم معه.
فنقول رحمك الله، ان ما قال يوسف بن مازن من أمر الحسن "(عليه السلام)" ومعاوية عند أهل التمييز والتحصيل تسمى المهادنة والمعاهدة ألا ترى كيف يقول ما وفى معاوية للحسن بن على "(عليه السلام)" بشئ عاهده
ص: 356
عليه وهادنه ولم يقل بشئ بايعه عليه والمبايعة على ما يدعيه المدعون علىالشرايط التي ذكرناها ثم لم يف بها لم يلزم الحسن "(عليه السلام)" وأشد ما ها هنا من الحجة على الخصوم معاهدته إياه أن لا يسميه أمير المؤمنين، والحسن "(عليه السلام)" عند نفسه لا محالة مؤمن فعاهده ان لا يكون عليه أميرا إذ الامير هو الذي يأمر فيؤتمر له فحاول الحسن صلوات الله عليه لاسقاط الايتمار لمعاوية إذا أمره أمرا على نفسه، والامير هو الذي أمره مأمور من فوقه فدل على أن عز وجل لم يؤمره عليه ولا رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)امره عليه فقد قال النبى(صلى الله عليه وآله وسلم)لا يلين مفاء على مفيئ، يريدان من حكمه هو حكم هوازن الذين صاروا فيئا للمهاجرين والانصار فهؤلاء طلقاء المهاجرين والانصار بحكم إسعافهم النبى (صلى الله عليه وآله وسلم)فيئهم لموضع رضاعه وحكم قريش وأهل مكة حكم هوازن لمن أمره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)عليهم فهو التأمير من الله جل جلاله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)أو من الناس كما قالوا في غير معاوية ان الامة اجتمعت فأمرت فلانا وفلانا وفلانا على أنفسهم فهو أيضا تأمير غير أنه من بعض الناس لا من الله ولا رسوله وهو إن لم يكن تأميرا من الله ومن رسوله ولا تأميرا من المؤمنين فيكون أميرهم بتأميرهم فهو تأمير منه بنفسه والحسن صلوات الله عليه مؤمن من المؤمنين فلم يؤمر معاوية على نفسه بشرط عليه ان لا يسميه أمير المؤمنين فلم يلزمه ذلك الايتمار له في شئ أمره به وفرغ صلوات الله عليه إذ خلص نفسه من الايجاب عليها الايتمار له عن أن يتخذ على المؤمنين الذين هم على
ص: 357
الحقيقة مؤمنون وهم الذين كتب في قلوبهم الايمان ولان هذه الطبقة لم يعتقدوا إمارته ووجوب طاعته علىأنفسهم ولان الحسن " (عليه السلام)" أمير البررة وقاتل الفجرة كما قال النبى (صلى الله عليه وآله)لعلي"(عليه السلام)" أمير المؤمنين :على أمير البررة وقاتل الفجرة فأوجب (صلى الله عليه وآله وسلم)انه ليس لبر من الابرار ان يتأمر عليه وان التأمير على أمير الابرار ليس ببر.
هكذا يقتضى مراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)ولو لم يشترط الحسن بن علي (عليه السلام) على معاوية هذه الشروط وسماه أمير المؤمنين وقد قال النبى (صلى الله عليه وآله وسلم): قريش أئمة الناس أبرارها لابرارها وفجارها لفجارها وكل من اعتقد من قريش ان معاوية إمامه بحقيقة الامامة من الله عز وجل اعتقد الايتمار له وجوبا عليه فقد اعتقد وجوب اتخاذ مال الله دولا وعباده خولا ودينه دخلا وترك أمر الله إياه إن كان مؤمنا فقد أمر الله عز وجل المؤمنين بالتعاون على البر والتقوى فقال وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان فإن كان اتخاذ مال الله دولا وعباده خولا ودين الله دخلا من البر والتقوى جاز على تأويلك من اتخذه إماما وأمره على نفسه كما ترون التأمير على العباد، ومن إعتقد ان قهر مال الله على ما يقهر عليه وقهر دين الله على ما يسام وأهل دين الله على ما يسامون هو بقهر من اتخذهم خولا، وان لله من قبله مديلا
ص: 358
في تخليص المال من الدول، والدين من الدغل، والعباد من الخول علم وسلم، وامن واتقى((1)).
جاء في بنود الصلح: أن لا يسميه أمير المؤمنين((2)).
لا يقيم عنده شهادة((3)).
لا يتعقب شيعة علي (عليه السلام)((4)).
أن يفرق في أولاد من قتل مع أبيه يوم الجمل وأولاد من قتل مع أبيه بصفين الف الف درهم، وان يجعل ذلك من خراج دار ابجرد((5)).
وأن لا يشتم عليا((6)).
لو تأملنا في هذه البنود لوجدناها بنفسها تنفى الخلافة عن معاوية وهذا من تدبير الامام (عليه السلام)، فمن المسلم به اذا كان معاوية ليس أميرا
ص: 359
للمؤمنين فهو ليس بخليفة معترف به وهذا يعنى أنه ليس أميرا على الحسن (عليه السلام)و سائر المؤمنين.
والبند الثانى فيه حل عن خلافة معاوية: كيف يكون الانسان خليفة ولا تجاز عنده الشهادات.مضافا إلى هذا وذاك ان التاريخ يصرح بإن معاوية لم يف للحسن بن على(عليهما السلام)بشىء عاهده عليه((1)).
وعن جبير بن نفير قال قدمت المدينة فقال الحسن بن علي كانت جماجم العرب بيدي يسالمون من سالمت ويحاربون من حاربت فتركتها ابتغاء لوجه الله تعالى وحقن دماء المسلمين. خرجه الدولابى((2)).
قال أبو عمر وبايع الناس معاوية فاجتمعوا عليه في منتصف جمادى الاولى سنة اثنتين وأربعين قال ومن قال ست وأربعين فقد وهم، وحج المغيرة بالناس سنة أربعين من غير أن يؤمره أحد وكان بالطائف.
وكتب معاوية إلى قيس بن سعد يدعوه ويمنيه، فكتب إليه قيس: لا والله لا تلقانى أبدا إلا بينى وبينك الرمح، فكتب إليه معاوية لما يئس منه: أما بعد فإنك يهودي ابن يهودي تشقى نفسك وتقتلها فيما ليس لك، فان ظهر أحب
ص: 360
الفريقين إليك نبذك وعزلك، وإن ظهر أبغضهما إليك نكل بك وقتلك، وقد كان أبوك أوتر غير قوسه، ورمى غير غرضه، فخذله قومه، وأدركه يومه، فمات بحوران طريدا غريبا والسلام ((1)).
فكتب إليه قيس بن سعد أما بعد فإنما أنت وثن ابن وثن، دخلت في الاسلام كرها، وأقمت فيه فرقا، وخرجت منه طوعا، ولم يجعل الله لك فيه نصيبا، لم يقدم إسلامك، ولم يحدث نفاقك، ولم تزل حربا لله ولرسوله، وحزبا من أحزاب المشركين، وعدوا لله ونبيه، والمؤمنين من عباده، وذكرت أبي فلعمري ما أو تر إلا قوسه، ولا رمى إلا غرضه، فشغب عليه من لا يشق غباره، ولا يبلغ كعبه وزعمت أنى يهودي ابن يهودي، وقد علمت وعلم الناس أنى وأبي أعداء الدين الذي خرجت منه، وأنصار الدين الذي دخلت فيه وصرت إليه، والسلام.
فلما قرأ معاوية كتابه غاظه وأراد إجابته، فقال له عمرو: مهلا فإنك إن كاتبته أجابك بأشد من هذا، وإن تركته دخل فيما دخل فيه الناس، فأمسك عنه.
ص: 361
ومن كلام للامام علي (عليه السلام) وقد سمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم بصفين:إنى أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر((1)). وقلتم مكان سبكم إياهم: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله ويرعوي عن الغى والعدوان من لهج به((2)).
اذ أراد الامام نشر المعرفة بين الناس فى كل شيء ومنها تراجم الناس .
وهذا النمط منهم هو الذي رفض خلافة علي بن أبي طالب بعد عثمان، ثم حاربه بدعوى المطالبة بدم عثمان، ولما استقر الامر لمعاوية سن لعن علي على المنابر ودبر كل صلاة((3)).
ص: 362
حتى قيل بأن مجالس الوعاظ بالشام كانت تختم بشتم علي وإن معاوية ((1))كان قد أمر أعوانه بمحو أسماء شيعة علي من الديوان((2)).وأصدر مراسيم حكومية بأن لا تقبل شهادة لاحد من شيعة علي وأهل بيته. وكان ابن عباس غير مستثنى من هذه القاعدة، حيث أسقط معاوية عطاءه، وكان يلعنه في القنوت بعد علي بن أبي طالب.
وترك أهل الشام لعن الشيطان وقالوا: لعن علي وقاتل عثمان. فاستقر على ذلك جهلة الامة وأتباع أئمة الضلالة والدعاة إلى النار. فحسبنا الله ونعم الوكيل، ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ولكن الله يفعل ما يشاء((3)).
عن مالك بن ضمرة قال علي صلوات الله عليه: ألا إنكم ستعرضون على لعنى فمن لعننى منشرح الصدر فلا حجاب بينه وبين الله ولا حجة له عند محمد ومن لعننى كارها مكرها يعلم الله من قبله ذلك، جئت أنا وهو يوم القيامة كهاتين - وجمع بين السبابة والوسطى ((4)) .
قال ابن سعد: وخرج عطية مع ابن الاشعث على الحجاج، فلما انهزم جيش ابن الاشعث هرب عطية إلى فارس، فكتب الحجاج إلى محمد بن
ص: 363
القاسم: أن أدع عطية فإن لعن علي بن أبي طالب وإلا فاضربه أربع مئة سوط، واحلق رأسه ولحيته، فدعاه فأقرأه كتاب الحجاج، فأبى عطية أن يفعل، فضربه أربع مئة سوط، وحلق رأسه ولحيته((1)).
ص: 364
ص: 365
رواية ابن عساكر: محاولة الحسن (عليه السلام)مخالفة أبيه ومحاولته معاقبة الحسين المخالف للصلح
ابن عساكر: أنبأنا عبد الله بن بكر بن حبيب السهمى، أنبأنا حاتم بن أبي صغيرة، عن عمرو بن دينار: أن معاوية كان يعلم أن الحسن(عليه السلام) كان أكره الناس للفتنة، فلما توفي علي بعث إلى الحسن(عليه السلام) فأصلح الذي بينه وبينه سرا، وأعطاه معاوية عهدا إن حدث به حدث والحسن (عليه السلام) حي ليسمينه وليجعلن هذا الامر إليه.
فلما توثق منه الحسن (عليه السلام) قال ابن جعفر: والله ! إنى لجالس عند الحسن (عليه السلام)إذ أخذت لاقوم فجذب ثوبى، وقال: يا هناه ! إجلس، فجلست فقال: إنى رأيت رأيا وإنى أحب أن تتابعنى عليه.
قال: قلت: وما هو ؟ قال: قد رأيت أن أعمد إلى المدينة فأنزلها وأخلى بين معاوية وبين هذا الحديث، فقد طالت الفتنة، وسفكت فيها الدماء، وقطعت فيها الارحام، وقطعت السبل، وعطلت الفروج يعنى الثغور.
فقال ابن جعفر: جزاك الله عن أمة محمد (صلى الله عليه وآله) خيراً، فأنا معك على هذا الحديث.
فقال الحسن (عليه السلام): ادع لي الحسين. فبعث إلى حسين(عليه السلام) فأتاه، فقال: أي أخى ! إنى قد رأيت رأيا وإنى أحب أن تتابعنى عليه.
ص: 366
قال: ما هو ؟ قال: فقص عليه الذي قال لابن جعفر.قال الحسين(عليه السلام): أعيذك بالله أن تكذِّب علياً (عليه السلام) في قبره، وتصدق معاوية.
فقال الحسن(عليه السلام): والله ! ما أردت أمرا قط إلا خالفتنى إلى غيره، والله ! لقد هممت أن أقذفك في بيت فأطينه عليك حتى أقضى أمري.
قال: فلما رأى الحسين (عليه السلام) غضبه قال: أنت أكبر ولد علي (عليه السلام)، وأنت خليفته، وأمرنا لامرك تبع فافعل ما بدا لك.
فقام الحسن (عليه السلام) فقال: يا أيها الناس ! إنى كنت أكره الناس لاول هذا الحديث، وأنا أصلحت آخره لذي حق أديت إليه حقه أحق به منى، أو حق جدت به لصلاح أمة محمد (صلى الله عليه وآله) وإن الله قد ولاك يا معاوية ! هذا الحديث لخير يعلمه عندك، أو لشر يعلمه فيك وإن أدرى لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ثم نزل((1)).
ودخل الحسين (عليه السلام) على أخيه باكيا ثم خرج ضاحكا، فقال له مواليه: ما هذا ؟ ! قال: أتعجب من دخولى على إمام أريد أن أعلمه، فقلت: ماذا دعاك إلى تسليم الخلافة ؟ فقال: الذي دعا أباك فيما تقدم. قال: فطلب معاوية البيعة من الحسين، فقال الحسن (عليه السلام): يا معاوية ! لا تكرهه فإنه لن يبايع أبدا، أو يقتل، ولن يقتل حتى يقتل أهل بيته، ولن يقتل أهل بيته حتى يقتل أهل الشام.
ص: 367
الجواب:سند هذه الرواية ضعيف فهي غير مسندة.
وهي مخالفة لسيرة الامام الحسن (عليه السلام)المعصومة بالقرآن الكريم، والذى نزلت فيه وفي جده المصطفى وأبيه علي وأخيه الحسين آية التطهير.
وكل آية مخالفة للقرآن فهى باطلة باتفاق المسلمين.
وكان الحسن (عليه السلام)بعيداً عن العنف والشدة في معاملاته مع أعدائه فكيف بأخيه الحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة ((1)).
لقد استفاد الصليبيون من هذه الافتراءات ضد الاسلام فطبَّلوا لشبهة النواصب فقالوا:
: الحسن مبذر للمال ومطلاق ومثير خصومات الناس ضدَّ علي(عليه السلام).
قال لامنس:
لما تجاوز (الحسن) الشباب وقد انفق خير سني شبابه في الزواج والطلاق فأحصي له حوالي المائة زوجة، وألصقت به هذه الأخلاق السائبة لقب المطلاق واوقعت علياً (عليه السلام) في خصومات عنيفة، واثبت
ص: 368
الحسن (عليه السلام)كذلك أنه مبذر كثير السرف ،وقد خصص لكل من زوجاتهمسكناً ذا خدم وحشم، وهكذا نرى كيف يبعثر المال أيام خلافة علي (عليه السلام)التي اشتدَّ عليها الفقر((1)).
الجواب:
نفهم من هذا أنَّ الأكاذيب تطوَّرت على الامام الحسن (عليه السلام)من قبل الجهاز العباسي وعموم الحزب الناصبى والجهاز الصليبي اذ جعل لامنس للحسن (عليه السلام)بيتاً لكل زوجة ولم يقل به أحد بل هو من مفترياته الخاصة.
ومن مفترياته: أوقعت (أعماله) علياً (عليه السلام) في خصومات عنيفة.
ولم يقل بذلك أحد من المؤرخين ولم نرَ رواية صحيحة في وجود عداوة في هذا السبيل.
خطب الحسن بن علي بعد شهادة أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، فقال. لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الاولون بعمل، ولا يدركه الاخرون بعمل، ولقد كان يجاهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فيقيه بنفسه، ولقد كان يوجهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره، فلا يرجع حتى يفتح الله عليه، ولقد توفي في هذه
ص: 369
الليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم (عليه السلام)ولقد توفي فيها يوشع بن نون (عليه السلام)وصى موسى،وما خلف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم بقيت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لاهله ثم خنقته العبرة فبكى وبكى الناس معه. ثم قال: أيها الناس، من عرفنى فقد عرفنى، ومن لم يعرفنى فأنا الحسن بن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنا ابن البشير، أنا ابن النذير ، أنا ابن الداعى إلى الله عز وجل بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، والذين افترض الله مودتهم في كتابه إذ يقول: ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا. فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت. قال أبو مخنف عن رجاله: ثم قام ابن عباس بين يديه، فدعا الناس إلى بيعته فاستجابوا له وقالوا: ما أحبه إلينا وأحقه بالخلافة فبايعوه ثم نزل عن المنبر. قال: ودس معاوية رجلا من بنى حمير إلى الكوفة، ورجلا من بنى القين إلى البصرة يكتبان إليه بالاخبار، فدل على الحميري عند لحام جرير ودل على القينى بالبصرة في بنى سليم فأخذا وقتلا.
فلما أصبح نادى في الناس: الصلاة جامعة فاجتمعوا وصعد المنبر فخطب هم فحمد الله فقال((1)):
ص: 370
الحمد لله كلما حمده حامد، وأشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد، وأشهد أن محمدا رسول الله أرسله بالحق وائتمنه على الوحى، (صلى الله عليهوآله وسلم). أما بعد، فوالله إنى لارجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنه وأنا انصح خلق الله لخلقه، وما أصبحت محتملا على مسلم ضغينة ولا مريدا له سوءا ولا غائلة، ألا وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة، الا وانى ناظر لكم خيرا من نظركم لانفسكم، فلا تخالفوا أمري ولا تردوا عليَّ رأيى غفر الله لى ولكم وأرشدنى وإياكم لما فيه المحبة والرضا((1)).
ص: 371
لقد خرج الامام الحسن (عليه السلام)عن جميع ما يملك مرتين وشاطر الله أمواله ثلاث مرات حتى أعطى نعلا وأمسك اخرى ((1)).
وكان اذا ذكر الموت بكى ((2)).
واذا ذكر القبر بكى واذا ذكر القيامة والعرض على الله يشهق شهقة يغشى عليه منها ((3)).
وهذا ينفى حرصه على الدنيا وأموالهاويكذب الارهاصات الناصبية التى ما زالت تحيك المؤلمرات ضدَّ أهل بيت النبوة وتدافع عن اليهود وأنصارهم .
بعدما مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) نادى الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): « من كان له عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)عدّة أو دَين فليأتني ».
ص: 372
واستمرّ الإمام (عليه السلام) في ندائه المذكور كلّ عام عند العقبة يوم النحر وتولّى ذلك بعده الإمام الحسن (عليه السلام) ثمّ الإمام الحسين (عليه السلام). فلا يأتي أحد من خلق الله تعالى إلى الإمام علي (عليه السلام) بحقّ أو باطل إلاّ أعطاه((1)).
ورغم المخاطر الجمَّة الحافّة برسول الله في رحلته للمدينة والصعوبات المحيطة بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) في مكّة أوكل النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الإمام علي (عليه السلام) مهمّة إرجاع الأمانات إلى أصحابها.
ممّا يبيّن مجيئه (صلى الله عليه وآله) لتأسيس حضارة قائمة على الأخلاق أهدافها واضحة وسيرتها بيِّنة.
فكان النبي وأهل بيته نماذج للعدالة والعفة والجهاد والزهد ومحبة المسلمين بينما كان المغتصبون للخلافة مثالا للنهب والحزبية والقبلية والدكتاتورية وكره الناس .
قال الخوارزمي الحنفي :قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): « ياعلي أُوتيت ثلاثاً لم يؤتهن أحد ولا أنا، أُوتيت صهراً مثلي ولم أُوت أنا مثلي.
وأُوتيت صدِّيقة مثل ابنتي، ولم أُوت مثلها (زوجة).
ص: 373
وأُوتيت الحسن (عليه السلام)والحسين من صلبك ولم أُوت من صلبي مثلهما ولكنّكم منّي، وأنا منكم »((1)).
آية التطهير: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)بإجماع المسلمين((2)).
وآية المباهلة: (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) ((3)).
ص: 374
وقال النبي (صلى الله عليه وآله) في الحسن (عليه السلام): « من آذى هذا فقد آذاني »((1)).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): « الحسن منّي وأنا منه »((2)).
ص: 375
وقد عرف الحسن (عليه السلام) بالسخاء والعلم والحلم والشجاعة وحبّ العبيد والفقراء((1)).
وقد شدّد معاوية الهجمة على الحسن (عليه السلام) لمنافسته إيّاه في السلطة إذ كان معاوية عاهد الحسن (عليه السلام)على إرجاع الحكم إليه بعد وفاته، وهذا النص حرّك معاوية لتجنيد كلّ قواه للحطّ من منزلة الحسن (عليه السلام)في أنظار الناس فظهر زيف كثير في هذا المجال، فكانت الهجمة الحكومية على الإمام الحسن (عليه السلام)اجتماعية وسياسية بينما كانت الهجمة على الإمام الحسين (عليه السلام) عسكرية.
وحاول الأمويون بشتّى الوسائل الجاهليّة من الكذب والإفتراء الحطّ من منزلته في قلوب الناس مثلما فعلوا بجدّه من قبل، فوصموه بالجبن ومخالفته لأبيه (عليه السلام)وكثرة زيجاته وأنّه رجل مطلاق وغير ذلك. وانتشر هذا الزيف في كتب المخالفين لأهل البيت (عليه السلام)((2)).
ولمّا فشلت أعمالهم تلك توسّل معاوية بالإغتيال، فوعدوا زوجته جعدة بنت الأشعث بالمال الكثير وزواجها من يزيد بن معاوية فقتلته بالسمّ((3)).
ص: 376
والحسن (عليه السلام)والحسين (عليهما السلام) من ذريّة النبي (صلى الله عليه وآله) بمصداق من كتاب الله: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيَْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى.. . وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ)((1)) فعيسى من ذرّية إبراهيم بأُمّه والحسن (عليه السلام)والحسين (عليه السلام) من ذرّية محمّد(صلى الله عليه وآله) بأُمهما.
ومنع طلحة بن عبدالله الماء عن عثمان بن عفّان وصحبه وأهله أثناء الثورة عليه ، وردّ شفاعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في إعطائهم الماء((2)) ، فسقاه وأهله الإمام (عليه السلام) الماء بواسطة ابنه الحسن (عليه السلام).
كان الحسن معروفاً بالزهد وهذا ما يخالف التوجهات الدنيوية اذ أكل في رحلة خبزاً وملحاً ثم جاء بالطعام للغلمان رافضاً الاكل منه قائلا:إنَّ ذاك الطعام أحب اليَّ لانه طعام الفقراء والمساكين ((3)).
وقد ألف محمد بن بابويه القمى كتاباً أسماه زهد الحسن (عليه السلام)
ص: 377
وقد شدّد معاوية الهجمة على الحسن (عليه السلام) لمنافسته إيّاه في السلطة إذ كان معاوية عاهد الحسن (عليه السلام)على إرجاع الحكم إليه بعد وفاته، وهذا النص حرّك معاوية لتجنيد كلّ قواه للحطّ من منزلة الحسن (عليه السلام)في أنظار الناس فظهر زيف كثير في هذا المجال، فكانت الهجمة الحكومية على الإمام الحسن (عليه السلام)اجتماعية وسياسية بينما كانت الهجمة على الإمام الحسين (عليه السلام) عسكرية.
وحاول الأمويون بشتّى الوسائل الجاهليّة من الكذب والإفتراء الحطّ من منزلته في قلوب الناس مثلما فعلوا بجدّه من قبل. فوصموه بالجبن ومخالفته لأبيه (عليه السلام)وكثرة زيجاته وأنّه رجل مطلاق وغير ذلك. وانتشر هذا الزيف في كتب المخالفين لأهل البيت (عليه السلام)((1)).
ولمّا فشلت أعمالهم تلك توسّل معاوية بالإغتيال، فوعدوا زوجته جعدة بنت الأشعث بالمال الكثير وزواجها من يزيد بن معاوية فقتلته بالسمّ((2)).
وقال الرسول (صلى الله عليه وآله) في الحسنين (عليهما السلام): « الحسنان سبطا هذه الأُمّة »((3)).وقال الرسول (صلى الله عليه وآله) في الحسنين (عليهما السلام): الحسنان صفوة الله ((4))، والحسنان خير الناس جدّاً وجدّةً وأباً وأُمّاً((5)).
ص: 378
وقال رسول الله في أهل البيت: « أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق »((1)).
عن زيد بن أرقم و أبي هريرة: وقف النبي على بيت فيه علي وفاطمة والحسن(عليه السلام)والحسين فقال: أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم((2)).
وقال النبي عن الحسنين: من أحبني وهذين وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة((3)).
ص: 379
ص: 380
ص: 381
قال المستشرق روايت م. رونلدس تعرض - في كتاب " عقيدة الشيعة " تعريب ع م ص - لصلح الامام الحسن (عليه السلام):
إن الحسن (عليه السلام) كانت تنقصه - والعياذ بالله - القوة المعنوية والقابلية العقلية لقيادة شعبه بنجاح.. .
لامنس الانكليزي:
وكذلك قال لامنس الانكليزي الحاقد على الاسلام قريب من كلام رونلدس وقد شحن دائرة المعارف الاسلامية((1)) بالاكاذيب والبهتان والتهريج على الاسلام وعلى الشيعة بالخصوص.
الجواب:
اعتراف معاوية بمكانة الحسن (عليه السلام)
اعتراف معاوية بمكانة الحسن (عليه السلام) في قوله له: إنك أولى بهذا الأمر وأحق به.
واعترف معاوية للحسن بأنه سيد المسلمين((2)).
وقال معاوية ليزيد: يا بني إنَّ الحق حقهم((3)).
ص: 382
وكتب معاوية لزياد بن ابيه: واما تسلطه عليك بالأمر فحق للحسن أن يتسلط((1)).
وقد استفتى معاوية من الامام الحسن (عليه السلام)كثيراً معترفاً بامامته وفضله وعلمه((2)).
وكان آخر ولاية الحسن (عليه السلام) تمام ثلاثين وثلاثة عشر يوما من أول خلافة أبي بكر. وروى أنه لما تم الصلح لمعاوية واجتمع عليه (معاوية) الناس دخل عليه سعد بن أبي وقاص، وقال: السلام عليك أيها الملك، فتبسم معاوية وقال: ما عليك يا أبا إسحاق لو قلت يا أمير المؤمنين، قال: ما أحب أنى وليتها بما وليتها به.
وروى ذلك صاحب تاريخ البديع((3)).
عن سفينة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الخلافة في أمتى ثلاثون سنة، ثم ملك بعد ذلك، ثم قال لى سفينة: امسك خلافة أبي بكر وخلافة عمر وخلافة عثمان. ثم قال، قال لى: امسك خلافة علي (عليه السلام).
ص: 383
قال: فوجدناها ثلاثين سنة. قال سعيد: فقلت: ان بنى أمية يزعمون أن الخلافة فيهم ! قال: كذبوا (بنو الزرقاء)، بل هم ملوك من شرار الملوك.
وقال أبو بكر بن العربى في شرحه: زاد بعضهم: والحسن (عليه السلام) ستة أشهر((1))
القرطبي والسيوطي وابن حجر :قال الامام موسى الكاظم (عليه السلام) :ولاية علي (عليه السلام)مكتوبة في جميع صحف الأنبياء لن يبعث الله رسولا الا بنبوة محمد ووصيه علي(عليه السلام)((2)).
ص: 384
الخلفاء الاثنى عشر معصومون
أقول: الخلفاء في الحديث النبوي هم :علي والحسن (عليه السلام)والحسين والأئمة المعصومون من ولد الحسين ،فهم الخلفاء الاثنى عشر والأئمة الاثني عشر من قريش من بني هاشم اللذين ذكرهم الرسول الأعظم.
. وروى أبو بشر الدولابى أن معاوية أعطى للحسن بعد أن تم الصلح بينه وبينه خمسة آلاف درهم وقيل: بل أعطاه مائة ألف دينار والله أعلم ((1)).
ص: 385
ابن شاذان:
نقل أبو الحسن (عليه السلام)الفقيه محمد بن علي بن شاذان في المناقب المائة من طريق العامّة بحذف الإسناد، عن ابن عباس، قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله)يقول:
«معاشر الناس اعلموا أنّ لله تعالى باباً من دخله أمن من الناس ومن الفزع الأكبر - إلى أن قال - (صلى الله عليه وآله):
معاشر الناس من سرّه ليقتدي بي فعليه أن يتوالى ولاية علي بن أبي طالب والأئمّة من ذريّتي فإنّهم خزّان علمي».
فقام جابر بن عبدالله الأنصاري، فقال: يا رسول الله ما عدّة الأئمّة؟
قال(صلى الله عليه وآله):
«يا جابر سألتني - رحمك الله - عن الإسلام بأجمعه، عدّتهم عدّة الشهور، وهو عند الله إثنى عشر شهر في كتاب الله، يوم خلق السماوات والأرض... الحديث» ((1)).
قالها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع وفي أماكن أخرى، فهم الأئمة الذين أشار الرسول إليهم وحلَّ الطغاة محلهم فى الخلافة عصياناً لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين .
ص: 386
1- أبو نعيم:
رواية أبي نعيم قال رسول الله(صلى الله عليه وآله):
من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن فليوال علياً(عليه السلام)بعدي ويقتدِي بالأئمة من بعدي فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي ورزقوا فهماً وعلماً وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي((1)).
2 - الحسكاني الكنجي الشافعي: الخلفاء من بني هاشم
قال الحسكاني الكنجي الشافعي:«إنَّ الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده (صلى الله عليه وآله)اثنا عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة:
فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان، علم أنَّ مراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) من حديثه هذا الأئمة الإثنا عشر من أهل بيته وعترته، إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر. ولا يمكن أن نحمله على الملوك الأمويين لزيادتهم على اثني عشر ولظلمهم الفاحش إلاّ عمر بن عبدالعزيز، ولكونهم من غير بني هاشم، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:
كلهم من بني هاشم.
ص: 387
في رواية عبدالملك، عن جابر وحديث الكساء.فلابدّ من أن يحمل هذا الحديث على الأئمة الإثني عشر من أهل بيته وعترته (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنَّهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلهم وأورعهم وأتقاهم وأعلاهم نسباً، وأفضلهم حسباً، وأكرمهم عند الله... ويؤيد هذا المعنى، أي أن مراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الأئمة الإثني عشر من أهل بيته، ويشهد له ويرجحه: حديث الثقلين، والأحاديث المتكررة المذكورة في هذا الكتاب، وغيرها...»((1)).
3 -الحنفي القندوزي:
عن الحنفي القندوزي : عن ابن عباس قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«إنَّ وصيي علي بن أبي طالب(عليه السلام) وبعده سبطاي الحسن(عليه السلام) والحسين تتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين.قال: يا محمد فسمهم لي. قال (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا مضى الحسين فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه الحسن، فإذا مضى الحسن(عليه السلام)فابنه الحجة محمد المهدي فهؤلاء إثنا عشر»((2)).
ص: 388
تحرَّك الحسن (عليه السلام)نحو الجهاد يثبت قدرته الادارية والجهادية:
وبلغ الحسن (عليه السلام)خبر مسير معاوية
وانه بلغ جسر منبج فتحرك لذلك وبعث حجر بن عدي يأمر العمال والناس بالتهيؤ للمسير ونادى المنادي: الصلاة جامعة فأقبل الناس يثوبون ويجتمعون فقال الحسن (عليه السلام): إذا رضيت جماعة الناس فأعلمنى وجاء سعيد بن قيس الهمدانى فقال: اخرج فخرج الحسن (عليه السلام) فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: اما بعد: فان الله كتب الجهاد على خلقه وسماه كرها. ثم قال لاهل الجهاد من المؤمنين واصبروا إن الله مع الصابرين فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون إنه بلغنى ان معاوية بلغه انا كنا أزمعنا على المسير إليه فتحرك لذلك فأخرجوا - رحمكم الله - إلى معسكركم بالنخيلة حتى ننظر وتنظروا ونرى وتروا. قال: وإنه في كلامه ليتخوف خذلان الناس إياه((1))
قال: فسكتوا فما تكلم منهم أحد ولا أجاب بحرف.
مناقب ابن شهرآشوب:
ص: 389
لما مات أمير المؤمنين (عليه السلام) خطب الحسن(عليه السلام)بالكوفة فقال: أيها الناس إن الدنيا دار بلاء وفتنة، وكل ما فيها فإلى زوال واضمحلال، فلما بلغ إلى قوله: وإنى أبايعكم على أن تحاربوا من حاربت، وتسالموا من سالمت، فقال الناس: سمعنا وأطعنا فمرنا بأمرك يا أمير المؤمنين فأقام بها شهرين .
قال أبو مخنف: قال ابن عباس كلاما فيه: فشمر في الحرب، وجاهد عدوك ودار أصحابك، واستتر من الضنين دينه بما لا ينثلم لك دين، وول أهل البيوتات والشرف، والحرب خدعة، وعلمت أن أباك إنما رغب الناس عنه، وصاروا إلى معاوية، لانه آسا بينهم في العطاء.
فرتب (عليه السلام) العمال، وأنفذ عبد الله إلى البصرة، فقصد معاوية نحو العراق فكتب إليه الحسن (عليه السلام):
أما بعد فان الله تعالى بعث محمدا رحمة للعالمين، فأظهر به الحق.
وقمع به الشرك، وأعز به العرب عامة، وشرف به من شاء منها خاصة فقال:
" وإنه لذكر لك ولقومك ". فلما قبضه الله تعالى تنازعت العرب الامر من بعده، فقالت الانصار: منا أمير ومنكم أمير، فقالت قريش: نحن أولياؤه وعشيرته، فلا تنازعونا سلطانه، فعرفت العرب ذلك لقريش، ثم جاحدتنا قريش ما قد عرفته العرب لهم، وهيهات ما أنصفتنا قريش.
جواب معاوية:
ص: 390
فأجابه معاوية على يدي جندب الازدي موصل كتاب الحسن (عليه السلام): فهمت ما ذكرت به محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو أحقالاولين والاخرين بالفضل كله، وذكرت تنازع المسلمين الامر من بعده، فصرحت بنميمة فلان وفلان، وأبي عبيدة وغيرهم، فكرهت ذلك لك، لان الامة قد علمت أن قريشا أحق بها، وقد علمت ما جرى من أمر الحكمين، فكيف تدعونى إلى أمر إنما تطلبه بحق أبيك، وقد خرج أبوك منه. ثم كتب أما بعد فان الله يفعل في عباده ما يشاء، لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب، فاحذر أن تكون منيتك على يدي رعاع الناس وآيس من أن تجد فينا غميزة، وإن أنت أعرضت عما أنت فيه وبايعتنى وفيت لك بما وعدت ، وأجزت لك ما شرطت، وأكون في ذلك كما قال أعشى بنى قيس: وإن أحد أسدى إليك كرامة فأوف بما تدعى إذا مت وافيا فلا تحسد المولى إذا كان ذا غنى ولا تجفه إن كان للمال نائيا ثم الخلافة لك من بعدي، وأنت أولى الناس بها، وفي رواية ولو كنت أعلم أنك أقوى للامر، وأضبط للناس، وأكبت للعدو، وأقوى على جمع الاموال منى لبايعتك لاننى أراك لكل خير أهلا ثم قال: إن أمري وأمرك شبيه بأمر أبي بكر وأبيك بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
جواب الحسن (عليه السلام):
فأجابه الحسن (عليه السلام): أما بعد فقد وصل إليَّ كتابك تذكر فيه ما ذكرت وتركت جوابك خشية البغى، وبالله أعوذ من ذلك فاتبع الحق فإنك تعلم من أهله " وعليَّ إثم أن أقول فأكذب ".
ص: 391
وإن معاوية نازعنى حقا هو لى فتركته لصلاح الامة، وحقن دمائها، وقد بايعتمونى على أن تسالموا من سالمت، وقد رأيت أن أسالمه، وأن يكون ماصنعت حجة على من كان يتمنى هذا الامر، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ((1)).
ثم مضى الحسن (عليه السلام)لوجهه فخرج من المسجد ودابته بالباب فركبها ومضى إلى النخيلة وامر غلامه ان يلحقه بما يصلحه، وكان عدي أول الناس عسكرا. ثم قام قيس بن سعد بن عبادة الانصاري ومعقل بن قيس الرياحى، وزياد بن صعصعة التيمى فأنبوا الناس ولاموهم وحرضوهم وكلموا الحسن (عليه السلام)بمثل كلام عدي بن حاتم في الاجابة والقبول. فقال لهم الحسن (عليه السلام):
ص: 392
صدقتم - رحمكم الله - ما زلت أعرفكم بصدق النية والوفاء بالقول والمودة الصحيحة فجزاكم الله خيرا ثم نزل. وخرج الناس، فعسكروا ونشطوا للخروج ((1)).ما بعد جرح الحسن (عليه السلام)
قال: لما طعن الحسن بن علي (عليهما السلام) بالمدائن أتيته وهو متوجع فقلت: ما ترى يا ابن رسول الله فان الناس متحيرون ؟
فقال: أرى والله معاوية خيرا لى من هؤلاء، يزعمون أنهم لى شيعة ابتغوا قتلى وانتهبوا ثقلى، وأخذوا مالى، والله لان آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمى وآمن به في أهلى خير من أن يقتلونى فتضيع أهل بيتى ، وأهلى، والله لو قاتلت معاوية لاخذوا بعنقى حتى يدفعونى إليه سلما. فوالله لان أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلنى وأنا أسيره أو يمن على فتكون سبة على بنى هاشم إلى آخر الدهر، ومعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحى منا والميت. قال: قلت: تترك يا ابن رسول الله شيعتك كالغنم ليس لهم راع ؟
قال: وما أصنع يا أخا جهينة إنى والله أعلم بأمر قد أدي به إلى عن ثقاته: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لى ذات يوم وقد رآنى فرحا: يا حسن أتفرح ؟ كيف بك إذا رأيت أباك قتيلا ؟ أم كيف بك إذا ولى هذا الامر بنو أمية وأميرها الرحب البلعوم الواسع الاعفاج، يأكل ولا يشبع، يموت وليس له في السماء ناصر، ولا في الارض عاذر، ثم يستولى على غربها وشرقها،
ص: 393
تدين له العباد ويطول ملكه، يستن بسنن البدع والضلال، ويميت الحق وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
يقسم المال في أهل ولايته، ويمنعه من هو أحق به، ويذل في ملكه المؤمن ويقوى في سلطانه الفاسق، ويجعل المال بين أنصاره دولا ويتخذ عباد الله خولا ويدرس في سلطانه الحق، ويظهر الباطل، ويلعن الصالحون، ويقتل منناواه على الحق، ويدين من والاه على الباطل. فكذلك حتى يبعث الله رجلا في آخر الزمان وكلب من الدهر، وجهل من الناس يؤيده الله بملائكته، ويعصم أنصاره، وينصره بآياته، ويظهره على الارض، حتى يدينوا طوعا وكرها: يملا الارض عدلا وقسطا ونورا وبرهانا يدين له عرض البلاد وطولها، حتى لا يبقى كافر إلا آمن، ولا طالح إلا صلح، وتصطلح في ملكه السباع، وتخرج الارض نبتها، وتنزل السماء بركتها، وتظهر له الكنوز يملك ما بين الخافقين أربعين عاما فطوبى لمن أدرك أيامه وسمع كلامه((1)).
ص: 394
أساء البعض للنبى ولم يقل عنه رسول الله: عن الزهرى عن مالك بن أوس: قال عمر للعباس عم النبى: جئت تطلب ميراثك من ابن أخيك وجاء هذا (علي) يطلب ميراث امرأته.قال عبد الرزاق: انظروا الى هذا الأنوك (الأحمق )يقول تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث زوجته من أبيها ولا يقول رسول الله((1)).
والحسن (عليه السلام)ابن فاطمة بنت رسول الله وهو ابن علي المرتضى فكيف يفترون عليه ؟
الركون الى السلاطين :
الذهبى عن الصادق (عليه السلام): قال الذهبى عن الصادق: اذا رأيتم الفقهاء قد ركنوا الى السلاطين فاتهموهم((2)).
وكان الزهرى منحرفاً عن علي((3)).
ص: 395
قال الآلوسى والذهبى عن الزهري: خالط ونادم خلفاء بنى أمية مثل عبد الملك ووليد وسليمان وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن عبد الملك وكان معلماً لاولادهم ومرشداً لهم في الحج((1)).
قال عنه عمرو بن عبيد: منديل الامراء((2)).
وقال مكحول عنه: أفسد نفسه بصحبته الملوك((3)).وقال محمد بن أشكاب واصفاً الزهرى: كان جندياً لبنى أمية((4)).
وقال خارجة بن مصعب واصفاً الزهرى: كان صاحب شرط بنى أمية((5)).
ويذكر البعض عائشة أكثر من فاطمة بل يتناساها لكن المعتزلي قال: كيف تكون عائشة أو غيرها في منزلة فاطمة وقد أجمع المسلمون كلهم من يحبها ومن لا يحبها منهم: أنها سيدة نساء العالمين((6)).
وقال أبو بكر بن داود: لا أفضل ببضعة من رسول الله أحداً((7)).
ص: 396
وركبت بغلة وقادت الأمويين وغيرهم إلى حرب الحسين (عليه السلام) في المدينة المنوّرة ، لمنع دفن الحسن (عليه السلام) مع جدّه (صلى الله عليه وآله) ((1)) .
بينما جاءت بجثمان سعد بن أبي وقاص الى مسجد النبي للصلاة عليه((2))ورغبت في دفنه في غرفة فاطمة فلم تتمكن .وكان أعضاء الحزب القرشي يحبون سعد بن ابى وقاص لابتعاده عن آل البيت منهجياً ،منها: اَّنه من أصحاب عقبة تبوك (راجع كتاب هل اغتيل النبي؟ للمؤلف) الذين حاولوا قتل النبي .
وامتناعه عن بيعة الامام علي (عليه السلام) في خلافته (راجع كتاب سيرة الامام علي جزء 7 ).
لقد وصف معاوية بن يزيد بن معاوية الإمام علياً (عليه السلام) (عند انتخابه خليفة لابيه يزيد) قائلاً:
ص: 397
«إنّ جدّي معاوية قد نازع في هذا الأمر من كان أولى منه ومن غيره لقرابته من رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعظم فضيلته وسابقته، أعظم المهاجرين قدراً وأشجعهم قلباً وأكثرهم علماً، وأولهم إيماناً، وأشرفهم منزلة، وأقدمهم صحبة، ابن عم رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأفضل هذه الأمّة، وصهره، وأخوه، وزوّجه(صلى الله عليه وآله) ابنته فاطمة وجعله لها بعلاً باختياره لها وجعلها له زوجة باختيارها له، أبو سبطيه سيدي شباب أهل الجنّة، وابني فاطمة البتول من الشجرة الطيّبة الطاهرة الزكية. فركب جدّي منه ما تعلمون وركبتم معه ما لا تجهلون حتى انتظمت لجدي الأمور»((1)).فقال بنو أميّة لمعلمه عمر المقصوص أنت علّمته هذا ولقّنته إيّاه وصددته عن الخلافة، وزيّنت له حب الامام علي (عليه السلام) واولاده وحملته على ما وسمنا به من الظلم وحسّنت له البدع حتى نطق بما نطق وقال ما قال.
فقال عمر المقصوص: واللهِ ما فعلته ولكنه مجبول ومطبوع على حب الامام علي (عليه السلام) .
فلم يقبلوا منه ذلك وأخذوه ودفنوه حياً حتى مات ((2)).
ص: 398
ومعاوية الثاني أول سلطان مسلم طالب بإرجاع الخلافة إلى أهل البيت(عليهم السلام)للنص عليهم واستقال من منصبه، ممّا دفع الأمويين إلى قتله بالسم((1)).
أمّا مروان بن الحكم طريد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد قتل طلحة بن عبيدالله في معركة الجمل بدم عثمان وقتل معاوية الثاني والوليد بن عتبة بن أبي سفيان وقبض على الحكم فلم يحكم إلاّ قليلا ((2)).إذ دام حكمه ستّة أشهر فقط وكان الإمام علي (عليه السلام) قد قال عن مروان بعدما حرّره من الأسر: إنّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه((3)).
وأخرج الحاكم من طريق عبدالرحمن بن عوف وصحّحه أنّه قال: كان لا يولد لأحد بالمدينة ولد إلاّ أتى به إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فأُدخل عليه مروان بن الحكم فقال: هو الوزغ بن الوزغ، الملعون بن الملعون ((4)).
ص: 399
وذكر الدميري ((1)) ولعلّ معاوية أشار إليه بقوله لمروان: يابن الوزغ لست هناك. ((2)) وأخرج ابن النجيب من طريق جبير بن مطعم قال: كنّا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)فمرّ الحكم بن أبي العاص فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ويل لأُمّتي ممّا في صلب هذا((3)).
وقال المعتزلي((4)): نظر علي (عليه السلام) يوماً إلى مروان فقال له: ويل لك وويل لأُمّة محمّد منك ومن بيتك إذا شاب صدغاك.
وفي لفظ ابن الأثير: ويلك وويل أُمّة محمّد منك ومن بنيك. قال أمير المؤمنين ((5)): أو لم يبايعني بعد قتل عثمان ؟ لا حاجة لي في بيعته، إنّها كف يهودية لو بايعني بيده لغدر بسبته ((6))، أما إنّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه، وهو أبو الأكبش الأربعة((7)) وستلقى الأُمّة منه ومن ولده يوماً أحمر « نهج البلاغة ».
ص: 400
قال ابن أبي الحديد ((1)): قد روي هذا الخبر من طرق كثيرة ورويت فيه زيادة لم يذكرها صاحب « نهج البلاغة » وهي قوله (عليه السلام) في مروان:
يحمل راية ضلالة بعد ما يشيب صدغاه وإنّ له امرة. الخ ((2)).
قال: قال علي بن أبي طالب يوماً ونظر إليه: ليحملنّ راية ضلالة بعد ما يشيب صدغاه، وله امرة كلحسة الكلب أنفه.
وهذا الحديث كما ترى غير ما في « نهج البلاغة » وليس كما حسبه ابن أبي الحديد زيادة فيه، ولا توجد تلك الزيادة في رواية السبط أيضاً في تذكرته ص45. والله العالم.قال البلاذري ((3)): كان مروان يلقّب خيط باطل لدقّته وطوله شبه الخيط الأبيض الذي يرى في الشمس، فقال الشاعر ويقال: إنّه عبدالرحمن بن الحكم أخوه:
لعمرك ما أدري وإنّي لسائل***حليلة مضروب القفا كيف يصنع((4))
لحى الله قوماً أمروا خيط باطل***على الناس يعطي ما يشاء ويمنع((5))
ص: 401
وذكر البلاذري ((1)) في مقتل عمرو بن سعيد الأشدق الذي قتله عبدالملك بن مروان ليحيى بن سعيد أخي الأشدق قوله:
غدرتم بعمرو يابني خيط باطل***ومثلكم يبني البيوت على الغدر
وذكر ابن أبي الحديد لعبدالرحمن بن الحكم في أخيه قوله:
إذن بيّن الله تعالى حكمته وعلمه للغيب لرسوله (صلى الله عليه وآله)، وأخبر النبي (صلى الله عليه وآله) هذا إلى وصيّه (عليه السلام) ((2)).
عقيل بن أبي طالب: وقال عقيل بن أبي طالب لمعاوية : تركته (علياً (عليه السلام) ) على ما يحبُّ الله ورسوله وألفيتك على ما يكره الله ورسوله((3)).
المغيرة بن شعبة: روى الزبير بن بكار في كتابه الموفقيات عن مطرف بن المغيرة بن شعبة أنّه قال: وفدت مع أبي المغيرة إلى معاوية، فكان أبي يأتيه يتحدّث عنده ثمّ ينصرف إليَّ، فيذكر معاوية، ويذكر عقله، ويعجب ممّا يرى منه، إذ جاء ذات ليلة، فأمسك عن العشاء، فرأيته مغتماً فانتظرته ساعة، وظننت أنّه لشيء حدث فينا، أو في عملنا، فقلت له: مالي أراك مغتماً منذ الليلة؟
قال: يا بُنيّ إنّي جئت من عند أخبث الناس، قلت له: وما ذاك؟
ص: 402
قال: قلت له، وقد خلوت به: إنّك قد بلغت مُناك يا أمير المؤمنين! فلو أظهرت عدلا، وبسطت خيراً، فإنّك قد كبرت ولو نظرت إلى أخوتك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم، فوالله ما عندهم اليوم شي تخافه.
فقال لي: هيهات ! هيهات ! ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فوالله ما غدا أن هلك، فهلك ذكره إلاّ أن يقول قائل: ملك أبو بكر، ثمّ ملك أخو عدي فاجتهد وشمّر عشر سنين، فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره إلاّ أن يقول قائل: عمر، ثمّ ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه فعمل ما عمل، وعمل به، فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره، وذكر ما فعل، وأنّ أخا هاشم يُصرَخ به في كل يوم خمس مرّات: أشهد أنّ محمداً رسول الله، فأيّ عمل يبقى مع هذا لا أُمَّ لك؟ لا والله إلاّ دفناً دفناً((1)).بينما قال النبي(صلى الله عليه وآله) لمعاوية: إن ملكت فاحسن((2)).
قيس بن سعد: وأرسل قيس بن سعد كتاباً إلى معاوية جاء فيه: أمّا بعد فإنّك وثن ابن وثن، دخلت في الإسلام كرهاً، وخرجت منه طوعاً، ولم يقدم إيمانك، ولم يحدث نفاقك((3)).
ص: 403
صعصعة بن صوحان: وقال صعصعة بن صوحان لمعاوية في مجلسه في الشام: علي (عليه السلام)وأصحابه من الأئمة الأبرار، وأنت وأصحابك من أولئك (الفسقة)((1)).
الحسن البصري: وقال الحسن البصري: أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة وهى: أخذه الخلافة بالسيف من غير مشاورة وفي الناس بقايا الصحابة وذوو الفضيلة.
واستخلافه ابنه يزيد وكان سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير. وادعاؤه زيادا وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الولد للفراش وللعاهر الحجر.
وقتله حجر بن عدي وأصحابه، فيا ويلا له من حجر وأصحاب حجر((2)).الجاحظ: وكفّر الجاحظ معاوية ((3)).
اعترافات أبي سفيان: واعترافات أفراد بني اُميّة بالكفر واضحة، إذ دخل أبو سفيان على عثمان بعدما عمي فقال: أها هنا أحد؟
قالوا: لا.
ص: 404
قال: اللهمّ اجعل الأمر أمر عالمية، والملك ملك جاهلية، واجعل أوتاد الأرض بني أميّة((1))، قال: تلقّفوها تلقف الكرة فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من جنة ولا نار((2)).
وقال أبو سفيان عند قبر حمزة: إنّ الأمر الذي كنت تقاتلنا عليه بالأمس قد ملكناه! وكنّا أحق به من تيم وعدي((3))، وكفر صراحة قبل موته ((4)).
وبينما كان بنو اُميّة أبغض الخلق إلى الله تعالى ورسوله(صلى الله عليه وآله) والصحابة، أصبحوا أقرب المقرّبين في زمن أبي بكر وعمر وعثمان! بل وصف عمر معاوية بالمصلح!((5)).
النتيجة:لقد هيأ أبو بكر وعمر الخلافة لبني أمية وأولهم عثمان وثانيهم معاوية ،فكل وزر وظلم لحق بالدين والموحدين يتحمله الاول والثاني
فهما غصبا حق أهل البيت فى الخلافة وسهلا استمرار اغتصاب الخلافة من قبل الأمويين!!!
ص: 405
قال معاوية في خطبته: أما بعد ذلك فانه لم تختلف أمة بعد نبيها الا غلب باطلها حقها.
لقد حاول معاوية رد القرآن الكريم الذى وصف الامويين بالشجرة الملعونة فى القرآن الكريم .
وانتبه معاوية لما وقع فيه فقال: الا ما كان من هذه الأمة فإن حقها غلب باطلها((1)).
لما استتمت الهدنة على ذلك، سار معاوية حتى نزل بالنخيلة((2))، وكان ذلك يوم جمعة فصلى بالناس ضحى النهار، فخطبهم وقال في خطبته:
إنى والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا، إنكم لتفعلون ذلك، ولكنى قاتلتكم لاتأمر عليكم، وقد أعطانى الله ذلك وأنتم له كارهون. ألا وإنى كنت منيت الحسن (عليه السلام)وأعطيته أشياءا، وجميعها تحت قدمى لا أفي بشئ منها له - وجاء: ثم سار حتى دخل الكوفة فأقام بها أياما، فلما استتمت البيعة له من أهلها، صعد المنبر فخطب
ص: 406
الناس، وذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) فنال منه ونال من الحسن (عليه السلام)، وكان الحسن (عليه السلام)والحسين صلوات الله عليهما حاضرين، فقام الحسين ليرد عليه فأخذ بيده الحسن (عليه السلام)فأجلسه ثم قام فقال: " أيها الذاكر عليا، أنا الحسن وأبي على (عليه السلام)، وأنت معاوية وأبوك صخر، وأمى فاطمة وأمك هند، وجدي رسول الله وجدك حرب، وجدتى خديجة وجدتك قتيلة، فلعن الله أخملنا ذكرا، وألأمنا حسبا، وشرنا قدما، وأقدمنا كفرا ونفاقا " فقال طوائف من أهل المسجد: آمين آمين((1)).
وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد، فلم يكن شىء أثقل عليه من أمر الحسن بن على وسعد بن أبي وقاص، فدس إليهما سما فماتا منه.
وسبب ثقل أمر الحسن (عليه السلام) وسعد عليه هو: أن سعدا كان الباقى من الست أهل الشورى الذين رشحهم عمر للخلافة من بعده، وأما الحسن (عليه السلام)فلما جاء في معاهدة الصلح بينهما: أن يكون الامر للحسن من بعده، وليس لمعاوية أن يعهد به إلى أحد((2)) .
ص: 407
لقد أجبر بعض رجال الجاهلية جواريهم على الزنا لنشر الفساد ورفعت رايات الفحش لحمامة جدّة معاوية وأُمّ عمرو بن العاص وأُمّ طلحة بن عبدالله وأُمّ الضحّاك بن قيس .والمغيرة تزوج فريعة وعوَّدها على الخمر والزنا ثم طلقها فتزوجت يوسف بن أبى عقيل الثقفي وبقيت على الخمر والزنا فولدت الحجاج بن يوسف الثقفي ذلك الطاغية السفاح . فأنجبت الحجاج ((1))
وكان ديدن المغيرة الخطير زواجه النساء ثم طلاقه لهن بعد تعويده لهن على الخمر والزنا عداوة منه لعفة الاسلام ومحافظته على الشرف .
وقد طلق المغيرة الفاجر ألف امرأة ((2)) .
فسمي بالمطلاق ،رغبة منه فى نشر الفساد بين المسلمين وتحطيم الاسلام الحنيف .وبقيت فريعة (الفارعة) مصرة على الخمر وملاحقة للشباب فقالت شعراً :
ياليت شعري عن نفسي ازاهقه - منّي ولم أقضي ما فيها من الحاج
ألا سبيل إلى خمر فأشربها - أم سبيل إلى نصر بن حجّاج
ص: 408
إلى فتى ماجد الأخلاق ذي كرم - سهل المحيّا كريم غير فجفاج
وكان نصر بن حجّاج شابّاً جميلاً فضربها عمر بالدّرة ضربات ((1)).
بسبب الضغط الشعبي فى هذا المجال .
لقد طلق المغيرة الفاجر ألف امرأة ((2)) ، فسمي بالمطلاق وهذا يبين تلاعب هذا المنافق بالدين وعدم اكتراثه بالاخلاق والاعراف ،فلم يكن له نظير فى الفسق والفجور .
وساعده على نهجه امتلاكه أموال الدولة يلعب بها كما يشاء أثناء توليه ولايات البحرين والبصرة والكوفة .
والأمر الآخر الذى مكَّنه من لعب هذا الدور هو تساهل عمر وعثمان ومعاوية معه وعدم محاسبته على أعماله المذكورة .
انَّ أموال المغيرة وسلطته ورضا الحكام عنه مكَّنه من نشر الاحاديث الكاذبة والمناهج الجاهلية بين المسلمين .
ثم وضع الامويون صفة المطلاق المعروفة للمغيرة على الامام الحسن (عليه السلام)استمراراً للمنهج اليهودى فى تشويه صورة الأنبياء والأوصياء ورفع منزلة الكفار والمنافقين!!!
ص: 409
ص: 410
ص: 411
سورة الفاتحة 1 / 6-7
(اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم)((1)).
ورد أن الصراط: محمد وأهل بيته، وهم علي وفاطمة والحسن والحسين((2)).
سورة البقرة 2 / 37
قال تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَات فَتَابَ عَلَيْهِ إنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)((3)).
في رواية عن أهل البيت ان الكلمات التي توسل بها هي أسماء أهل البيت:
الروايات الشيعية:
روى العلاّمة البحراني أيضاً عن القاضي أبي عمر وعثمان ابن أحمد ، وهو من أعيان العلماء ، يرفعه إلى ابن عباس عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال:
ص: 412
«لمّا شملت آدم الخطيئة نظر إلى أشباح تضيء حول العرش، فقال: يا ربّ إنّي أرى أشباحاً تشبه خلقي فما هي؟قال تعالى: هذه الأنوار أشباح اثنين من ولدك اسم أحدهما محمد ابدء النبوّة بك، وأختمها به، والآخر أخوه وابن أخي أبيه اسمه علي أؤيّد محمداً به وأنصره على يده، والأنوار التي حولها أنوار ذريّة هذا النبي من أخيه هذا يزوّجه ابنته تكون له زوجة يتّصل بها أوّل الخلق إيماناً به وتصديقاً له أجعلها سيّدة النسوان وأفطمها وذريّتها من النيران تنقطع الأسباب والأنساب يوم القيامة إلاّ سببه ونبسه فسجد آدم شكراً لله أن جعل ذلك في ذريّته، فعوّضه الله عن ذلك السجود أن سجد له ملائكته ((1))
الروايات السنية:
روى الجمهور عن ابن عباس، قال: سئل رسول الله عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه، فتاب عليه، قال: سأله بحق محمد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، : إلا تبت علي، فتاب عليه((2))
قال النبي: انتهت الدعوة إلى، وإلى علي، لم يسجد أحدنا قط لصنم، فاتخذنى نبيا واتخذ علياً وصيا((3))
ص: 413
وأخرج نحواً منه علامة الشوافع السيوطي في تفسيره: أخرج ابن النجار عن ابن عباس قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه.
قال: " سأل بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام إلا تبت علي، فتاب عليه ".
وروى خبرا طويلا أخرجه الديلمى، وفيه أنه قال - يعنى جبرئيل عليه السلام -: فعليك بهؤلاء الكلمات، فإن الله قابل توبتك وغافر ذنبك، قل: اللهم إنى أسألك بحق محمد وآل محمد، سبحانك لا إله إلا أنت، عملت سوء وظلمت نفسى فاغفر لى انك أنت الغفور الرحيم، اللهم إنى أسالك بحق محمد وآل محمد سبحانك لا إله إلا أنت، عملت سوءاً وظلمت نفسى فتب علي إنك أنت التواب الرحيم. فهذه الكلمات التي تلقاها آدم
- وقد روى بعض العلماء حديث توسل آدم مبتورا من آل محمد بأيديهم أو بأيدى النساخ مثلما فعلوا في الصلاة البتراء وغيرها ((1))بمحوهم
ص: 414
أل محمد.بقول آدم لانك لما خلقتنى بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسى فرأيت على قوائم العرش مكتوبا: لا إله الا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك. فقال الله: صدقت يا آدم إنه لاحب الخلق إلى، ادعنى بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك((1)).
بينما جاء في النص: قال ابراهيم: فمن هؤلاء الخمسة الاشباح الذين أراهم في هيئتى وصورتى ؟
قال تعالى: هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائى لولاهم ما خلقت الجنة والنار ولا العرش ولا الكرسى ولا السماء. فأنا المحمود وهذا محمد، وانا العالى وهذا علي، وانا الفاطر آليت بعزتى ان لا يأتينى أحد بمثقال ذرة من خردل من بغض أحدهم الا ادخله ناري ولا أبالى، يا آدم هؤلاء صفوتي. فإذا كان لك
ص: 415
إليَّ حاجة فبهؤلاء توسل، فقال النبي ص: نحن سفينة النجاة من تعلق بها نجا ومن حاد عنها هلك، فمن كان له إلى الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت((1)).
روى العلاّمة الحافظ ابن المغازلي الشافعي في مناقبه، بإسناده المذكور، عن سعيد بن جبير عن عبدالله بن عباس، قال: سُئل النبي(صلى الله عليه وآله) عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه ؟
قال النبي (صلى الله عليه وآله): «سأله بحقّ محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين الاّ ما تُبت علي فتاب عليه»((2)).
ص: 416
سورة آل عمران 3 / 37ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْض» المعصوم ينتهي الى المعصوم «وَاللّهُ سَمِيعٌ عليم 34.
إذْ قَالَتِ امْرَأةُ عِمْرَانَ...35 «بن ماثان جد النبي عيسى (عليه السلام) وبينه وبين عمران أب مريم 1800 سنة.
فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُول حَسَن» قبل النذر والدعاء«وَأنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً »رعاها في التربية «وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا »زوج خالتها«كُلَّمَا دَخَلَ عليها زَكَرِيَّا المِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً »يختلف عن أرزاق الدنيا«قَالَ يَا مَرْيَمُ أنَّى »من أين «لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب-((1)).
الروايات السنية:
روى القاضي البيضاوي الشافعي في تفسيره، عند قوله تعالى:
(إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب) قال:
روى أنّ فاطمة (عليها السلام) أهدت لرسول الله(صلى الله عليه وآله) رغيفين وبضعة لحم، فرجع بها إليها، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): هلمّي يا بُنيّة، فكشفت عن الطبق فإذا هو مملوء خبزاً ولحماً، فقال لها: أنّى لكِ هذا ؟
فقالت (عليها السلام): (هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب)
ص: 417
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): الحمد لله الذي جعلكِ مثل مريم سيّدة نساء بني إسرائيل.ثمّ جمع علياً والحسن والحسين، وجمع أهل بيته عليه حتى شبعوا وبقي الطعام كما هو، فأوسعت على جيرانها((1)).
وأخرج نحواً منه علاّمة الشوافع محبّ الدين الطبري في ذخائره بتفصيل الكثر وفي آخر الحديث أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قال ، لعلي وفاطمة ، : «الحمد لله الذي هو بدأكما، لن يخرجكما من الدنيا حتى يجريك - الخطاب لعلي(عليه السلام) - في المجرى الذي أجرى زكريا، ويجريكِ يا فاطمة في المجرى الذي جرت فيه مريم.
ثمّ تلا(صلى الله عليه وآله) قوله تعالى:
(كُلَّمَا دَخَلَ عليها زَكَرِيَّا المِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً )((2)).
وهكذا أخرجه بتفصيل الكنجي القرشي الشافعي في كفاية الطالب((3)).
سورة آل عمران 3 / 61 - أية المباهلة
«فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ» يا محمد في عيسى «مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ
ص: 418
أبْنَاءَنَا» الحسن والحسين «وَأبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا »فاطمة«وَنِسَاءَكُمْ وَأنْفُسَنَا »علي«وَأنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ على الكَاذِبِينَ61 »في هذه الآية أركان الاولى: دعوة النبي النصارى إلى المباهلة دليل على صدق دينه ورسالته وفرار النصارى عنها اعتراف ببطلان دينهم.
وكلمة أنفسنا دليل قرآني على ولاية وخلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) فمنزلته نفس منزلة النبي.
واتفق العلماء وأئمة التفسير على أن المراد بأبنائنا في الآية الحسن والحسين(عليهما السلام)وهي ذات المنزلة الالهية التي بينها النبي في قوله (صلى الله عليه وآله):
« إني تارك فيكم الثقلين خليفتين ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ، واحدهما أكبر من الآخر ، وانهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض يوم القيامة ، فلا تتقدموهم فتهلكوا ، وإنَّ اللطيف الخبير انبأني انهما لن يفترقا حتى يردا على َّ الحوض، فلا تتقدموهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم »((1)).
ص: 419
الروايات السنية
وروى الجمهور بطرق مستفيضة أنّها نزلت في أهل البيت، وأن (أبنائنا)إشارة إلى الحسن والحسين (عليهما السلام)، (ونساءنا) إشارة إلى فاطمة الزهراء (عليها السلام)، (وأنفسنا)إشارة إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فجعله الله تعالى نفس محمّد(صلى الله عليه وآله)، والمراد المساواة، والمساوي الأكمل إلاّ أنّه ليس بنبي.
و سبب نزول هذه الآية الشريفة بصورة مختصرة من بعض كتب السيرة بالمعنى وليس بالنص:
قد وفد نصارى نجران على النبي (صلى الله عليه وآله) ليحاجّوه في دينه، وكان في مقدّمتهم العاقب والسيّد - وفي بعض الروايات فيهم الطيب وعبد المسيح - مع أصحابهم، ولمّا لم يؤمنوا، نزلت الآية المذكورة فقرأها (صلى الله عليه وآله) عليهم، ودعاهم إلى المباهلة، وهي «الملاعنة»، فقالوا: حتّى
ص: 421
نرجع وننظر في أمرنا، ونأتيك غداً، فخلا بعضهم إلى بعض للتشاور. فقال لهم الأسقف:انظرو إلى محمد في غد، فإنْ غدا بوالده وأهله فاحذروا مباهلته، وإنْ غدا بأصحابه فباهلوه فانّه على غير شيء.
وفي اليوم الثاني عادوا، وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) محتضناً الحسن، وآخذا بيد الحسين، وفاطمة تمشي خلفه، وعلي(عليه السلام) خلفهما، وهو يقول لهم:
«أنا دعوت فأمنوا» وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) «أباهلكم بخير اهل الأرض وأكرمهم عند الله ».
فلمّا نظر أسقف نجران، وهو العاقب، وكان رئيسهم، إلى تلك الوجوه النورانية، وسمع كلام رسول الله التفت إلى أصحابه وقال: يا معشر النصارى، أنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، فإن تبتهلوا لا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.
وما اكتفى بذلك بل دعم قوله بالبرهان واليمين التي تؤيد مقالته فقال: ألاّ تنظرون محمّداً رافعاً يديه ينظر ما تجيبان به، وحق المسيح إذا نطق فوه بكلمة لا نرجع إلى أهل ولا إلى مال.
وجعل يصيح بهم: ألا ترون إلى الشمس قد تغيرّ لونها، والأفق تنجع فيه السحب الداكنة، والريح تهّب هائجة سوداء حمراء، وهذه الجبال يتصاعد منها الدخان، لقد أطلّ عليناالعذاب، انظروا إلى الطير وهي تقيء حواصلها،
ص: 422
وإلى الشجر كيف تتساقط أوراقه، وإلى الأرض كيف ترجف تحت أقدامنا؟ وبلفظ آ خر في تفسير مجمع البيان:جاء النبي (صلى الله عليه وآله) آخذاً بيد علي، والحسن والحسين يمشيان، وفاطمة تمشي خلفة، وخرج ا لنصارى يقدمهم اسقفهم، فلمّا رأى النبي (صلى الله عليه وآله) أقبل بمن معه، سأل عنهم، فقيل له: هؤلاء أعز الناس عليه، وأقربهم إلى قلبه. وتقدّم رسول الله (صلى الله عليه وآله)فجثا على ركبتيه، فقال الأسقف: جثا، والله، كما جثا الأنبياء للمباهلة، فرجع ولم يقم للمباهلة.
فقال الأسقف: يا أبا القاسم، إنّا لا نباهلك ولكن نصالحك.
فصالحهم رسول الله على أموالهم وحلل يؤدونها للدولة الإسلامية.
فلمّا رجع وفد نجران لم يلبث السيّد والعاقب له حلّة وعصا وقدحاً ونعلاً، ثمّ أسلما على يد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وأى فضل يداني فضل آل محمّد (صلى الله عليه وآله) فحسن وحسين أبناء رسول الله بنص القرآن، وفاطمة سيّدة نساء العالمين وعلي نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهذا ممّا يكاد يقوم عليه إجماع المفسّرين أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخروجه للمباهلة لم يكن معه غير أهل بيته، وهم علي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام).
وهذه الآية أدل دليل على علوّ مرتبة مولانا امير المؤمنين(عليه السلام) لأنّه تعالى حكم بالمساواة لنفس الرسول (صلى الله عليه وآله) فهو عين رسول الله الا النبوة.
ص: 423
ووقفوا خاضعين أمام عظمة النبي(صلى الله عليه وآله) ويلبّون طلباته، وقال النبي (صلى الله عليه وآله): «والذي نفسي بيده، إنّ العذاب تولى علىأهل نجران، ولولا عفوه لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على الشجر، وما حال الحول على النصارى كلّهم» ((1)).
وروى نزول هذه الآية في أهل البيت(عليهم السلام)جم غفير من علماء أخواننا أهل السنّة في كتبهم وتفاسيرهم وصحاحهم، منهم أحمد بن حنبل والطبري والزمخشرى ((2)). وقال النبي: لو تباهلوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي ناراً. وقوله تعالى:
ص: 424
(فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساؤكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين).
قال أحمد بن حنبل: أبناءنا هم أهل بيته محمد وعلي وفاطمة وحسن وحسين ((1)). وأخرج الشيخ المفسّر شهاب الدين السيويسي ثمّ الاياتلوغي في تفسيره المخطوط المزجي قال:
ص: 425
(فقل تعالوا) أي: هلّموا (ندع أبناءنا) أي. حسناً وحسيناً (وأبناءكم ونساءنا)أي فاطمة: (ونساءكم وأنفسنا) أي النبي(عليه السلام) وعلياً زوج فاطمة رضى الله عنهما (وأنفسكم) يعني: لنجتمع نحن وأنتم في موضع((1)).
وذكر المفسّر الهندي فيض الله بن المبارك الفيضي المكنّى بأبي الفضل في تفسيره، المخطوط عند تفسر هذه الآية الشريفة تفسيراً مزجياً مهملا بلا نقطة على كلماته.
(ندع أبناءنا) أراد أولاد أسد الله الكرّار (وأبناءكم) أولادكم (ونساءنا)أراد ولده المودود عرس أسد الله وأهله (ونساءكم) أعراسكم (وأنفسنا) أراد ولد عمّه أسد الله.... الخ((2)).
وأخرج الشيخ إسماعيل الحقي في تفسيره المخطوط:
«فأتوا رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقد خرج محتضناً الحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفه(عليه السلام) وهو يقول: إذا أنا دعوت فآمنوا»((3)).
وقال في تفسير الجلالين في تفسير هذه الآية:
«وقد دعا ، يعني: رسول الله(صلى الله عليه وآله) وفد نجران لذلك لما حاجّوه فيه، فقالوا: حتى ننظر في أمرنا ثمّ نأتيك ثمّ قال ذو رأيهم: لقد عرفتم نبوّته، وأنّه ما باهل قوم نبيّاً إلاّ هلكوا، فودَّعوا الرجل وانصرفوا.
ص: 426
فأتوه وقد خرج(صلى الله عليه وآله) ومعه الحسن والحسين وفاطمة وعلي، وقال(عليهما السلام) لهم: إذا دعوتُ فأمّنوا.
فأبوا النصارى أن يلاعنوا، وصالحوه على الجزية((1)).
وروى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، في تفسيره قال: حدّثني محمد بن سنان، بالإسناد المذكور، عن غلباء بن أحمر اليشكري، قال: لما نزلت هذه الآية.
أرسل رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين، ودعا اليهود ليلاعنهم، فقال شابّ من اليهود: ويلكم أليس عهدكم بالأمر اخوانكم الذين مُسخوا قردة وخنازير، لا تلاعنوا فانتهوا((2)).
وروى المفسّر الشافعي نظام الدين الحسن بن محمد بن الحسين النيسابوري في تفسيره، قال: وروى أنّه(صلى الله عليه وآله) لما نزلت هذه الآية خرج وعليه (صلى الله عليه وآله)مرط من شعر أسود، وكان(صلى الله عليه وآله) قد احتضن الحسين، وأخذ بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه(صلى الله عليه وآله)وعلي(عليه السلام) خلفها وهو يقول لهم: إذا دعوت فأمّنوا.
فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى إنّي لأرى وجوهاً لو دعت الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة((3)).
ص: 427
وأخرج النسفي في تفسيره ذلك قال: وقد غدا(صلى الله عليه وآله) محتضناً للحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول:(صلى الله عليه وآله) إذا دعوت فأمّنوا»((1)).
وقد ذكر ذلك معظم المفسّرين.
وروى الجمهور بطرق مستفيضة أنّها نزلت في أهل البيت، وأن (أبنائنا)إشارة إلى الحسن والحسين (عليهما السلام)(ونساءنا) إشارة إلى فاطمة الزهراء (عليها السلام)، (وأنفسنا)إشارة إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فجعله الله تعالى نفس محمّد(صلى الله عليه وآله)، والمراد المساواة، والمساوي الأكمل إلاّ أنّه ليس بنبي.
و سبب نزول هذه الآية الشريفة بصورة مختصرة من بعض كتب السيرة بالمعنى وليس بالنص:
قد وفد نصارى نجران على النبي (صلى الله عليه وآله)ليحاجّوه في دينه، وكان في مقدّمتهم العاقب والسيّد - وفي بعض الروايات فيهم الطيب وعبد المسيح - مع أصحابهم، ولمّا لم يؤمنوا، نزلت الآية المذكورة فقرأها (صلى الله عليه وآله)عليهم، ودعاهم إلى المباهلة، وهي «الملاعنة»، فقالوا: حتّى نرجع وننظر في أمرنا، ونأتيك غداً، فخلا بعضهم إلى بعض للتشاور. فقال لهم الأسقف:
ص: 428
انظرو إلى محمد في غد، فإنْ غدا بوالده وأهله فاحذروا مباهلته، وإنْ غدا بأصحابه فباهلوه فانّه على غير شيء.وفي اليوم الثاني عادوا، وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) محتضناً الحسن، وآخذا بيد الحسين، وفاطمة تمشي خلفه، وعلي(عليه السلام)خلفهما، وهو يقول لهم:
«أنا دعوت فأمنوا» وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) «أباهلكم بخير اهل الأرض وأكرمهم عند الله ».
فلمّا نظر أسقف نجران، وهو العاقب، وكان رئيسهم، إلى تلك الوجوه النورانية، وسمع كلام رسول الله التفت إلى أصحابه وقال: يا معشر النصارى، أنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، فإن تبتهلوا لا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.
وما اكتفى بذلك بل دعم قوله بالبرهان واليمين التي تؤيد مقالته فقال: ألاّ تنظرون محمّداً رافعاً يديه ينظر ما تجيبان به، وحق المسيح إذا نطق فوه بكلمة لا نرجع إلى أهل ولا إلى مال.
وجعل يصيح بهم: ألا ترون إلى الشمس قد تغيرّ لونها، والأفق تنجع فيه السحب الداكنة، والريح تهّب هائجة سوداء حمراء، وهذه الجبال يتصاعد منها الدخان، لقد أطلّ عليناالعذاب، انظروا إلى الطير وهي تقيء حواصلها، وإلى الشجر كيف تتساقط أوراقه، وإلى الأرض كيف ترجف تحت أقدامنا؟ وبلفظ آ خر في تفسير مجمع البيان:
ص: 429
جاء النبي (صلى الله عليه وآله) آخذاً بيد علي، والحسن والحسين يمشيان، وفاطمة تمشي خلفة، وخرج ا لنصارى يقدمهم اسقفهم، فلمّا رأى النبي (صلى الله عليه وآله) أقبل بمن معه، سأل عنهم، فقيل له: هؤلاء أعز الناسعليه، وأقربهم إلى قلبه. وتقدّم رسول الله (صلى الله عليه وآله)فجثا على ركبتيه، فقال الأسقف: جثا، والله، كما جثا الأنبياء للمباهلة، فرجع ولم يقم للمباهلة.
فقال الأسقف: يا أبا القاسم، إنّا لا نباهلك ولكن نصالحك.
فصالحهم رسول الله على أموالهم وحلل يؤدونها للدولة الإسلامية.
فلمّا رجع وفد نجران لم يلبث السيّد والعاقب له حلّة وعصا وقدحاً ونعلاً، ثمّ أسلما على يد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وأى فضل يداني فضل آل محمّد (صلى الله عليه وآله) فحسن وحسين أبناء رسول الله بنص القرآن، وفاطمة سيّدة نساء العالمين وعلي نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهذا ممّا يكاد يقوم عليه إجماع المفسّرين أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخروجه للمباهلة لم يكن معه غير أهل بيته، وهم علي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام).
وهذه الآية أدل دليل على علوّ مرتبة مولانا امير المؤمنين(عليه السلام) لأنّه تعالى حكم بالمساواة لنفس الرسول (صلى الله عليه وآله) فهو عين رسول الله الا النبوة.
ووقفوا خاضعين أمام عظمة النبي(صلى الله عليه وآله) ويلبّون طلباته، وقال النبي (صلى الله عليه وآله): «والذي نفسي بيده، إنّ العذاب تولى على
ص: 430
أهل نجران، ولولا عفوه لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً،ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على الشجر، وما حال الحول على النصارى كلّهم» ((1)).
وروى نزول هذه الآية في أهل البيت(عليهم السلام)جم غفير من علماء أخواننا أهل السنّة في كتبهم وتفاسيرهم وصحاحهم، منهم أحمد بن حنبل والطبري والزمخشرى ((2)) . وقال النبي: لو تباهلوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي ناراً. وقوله تعالى:
ص: 431
(فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساؤكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين).
قال أحمد بن حنبل: أبناءنا هم أهل بيته محمد وعلي وفاطمة وحسن وحسين((1)). وأخرج الشيخ المفسّر شهاب الدين السيويسي ثمّ الاياتلوغي في تفسيره المخطوط المزجي قال:
ص: 432
(فقل تعالوا) أي: هلّموا (ندع أبناءنا) أي. حسناً وحسيناً (وأبناءكم ونساءنا)أي فاطمة: (ونساءكم وأنفسنا) أي النبي(عليه السلام) وعلياً زوج فاطمة رضى الله عنهما (وأنفسكم) يعني: لنجتمع نحن وأنتم في موضع((1)).
وذكر المفسّر الهندي فيض الله بن المبارك الفيضي المكنّى بأبي الفضل في تفسيره، المخطوط عند تفسر هذه الآية الشريفة تفسيراً مزجياً مهملا بلا نقطة على كلماته.
(ندع أبناءنا) أراد أولاد أسد الله الكرّار (وأبناءكم) أولادكم (ونساءنا)أراد ولده المودود عرس أسد الله وأهله (ونساءكم) أعراسكم (وأنفسنا) أراد ولد عمّه أسد الله.... الخ((2)).
وأخرج الشيخ إسماعيل الحقي في تفسيره المخطوط:
«فأتوا رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقد خرج محتضناً الحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفه(عليه السلام) وهو يقول: إذا أنا دعوت فآمنوا»((3)).
وقال في تفسير الجلالين في تفسير هذه الآية:
«وقد دعا ، يعني: رسول الله(صلى الله عليه وآله) وفد نجران لذلك لما حاجّوه فيه، فقالوا: حتى ننظر في أمرنا ثمّ نأتيك ثمّ قال ذو رأيهم: لقد عرفتم نبوّته، وأنّه ما باهل قوم نبيّاً إلاّ هلكوا، فودَّعوا الرجل وانصرفوا.فأتوه وقد خرج(صلى الله عليه وآله) ومعه الحسن والحسين وفاطمة وعلي، وقال(عليهما السلام) لهم: إذا دعوتُ فأمّنوا.
ص: 433
فأبوا النصارى أن يلاعنوا، وصالحوه على الجزية((1)).
وروى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، في تفسيره قال: حدّثني محمد بن سنان، بالإسناد المذكور، عن غلباء بن أحمر اليشكري، قال: لما نزلت هذه الآية.
أرسل رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين، ودعا اليهود ليلاعنهم، فقال شابّ من اليهود: ويلكم أليس عهدكم بالأمر اخوانكم الذين مُسخوا قردة وخنازير، لا تلاعنوا فانتهوا((2)).
وروى المفسّر الشافعي نظام الدين الحسن بن محمد بن الحسين النيسابوري في تفسيره، قال: وروى أنّه(صلى الله عليه وآله) لما نزلت هذه الآية خرج وعليه (صلى الله عليه وآله)مرط من شعر أسود، وكان(صلى الله عليه وآله) قد احتضن الحسين، وأخذ بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه(صلى الله عليه وآله)وعلي(عليه السلام) خلفها وهو يقول لهم: إذا دعوت فأمّنوا.
فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى إنّي لأرى وجوهاً لو دعت الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة((3)).
ص: 434
وأخرج النسفي في تفسيره ذلك قال: وقد غدا(صلى الله عليه وآله) محتضناً للحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول:(صلى الله عليه وآله) إذا دعوت فأمّنوا»((1)).
وقد ذكر ذلك معظم المفسّرين.
منهم: الشيخ أحمد مصطفى المراغي في تفسيره الكبير، قال:
«وروى أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) اختار للمباهلة علياً وفاطمة وولديهما عليهم الرضوان وخرج بهم، وقال(صلى الله عليه وآله) إن أنا دعوت فأمّنوا أنتم»((2)).
ومنهم: محمد محمود حجازي من علماء الأزهر في تفسيره الكبير المسمّى ب- (التفسير الواضح قال:
وروى: أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) لمّا حاجّوه بعد هذا طلب منهم المباهلة وخرج هو، والحسن والحسين وفاطمة وعلي، فلمّا طلب منهم المباهلة قالوا: أنظرنا...».
ثمّ قال: «إنّ الكلّ قد أجمع على أنّهم طولبوا بالمباهلة فأبوا، وقد خرج محمد(صلى الله عليه وآله)وآل بتيه الكرام لمباهلتهم»((3)).
ص: 435
ومنهم: الشيخ سليمان العجيلي الشافعي في تفسيره المتكفّل لبيان الدقائق الخفية في تفسير الجلالين، قال - بعد ذكر الواقعة - :وقال(صلى الله عليه وآله): والذي نفسي بيده أنّ الهلاك قد تدلّى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل الله نجران وأهله...»((1)).
ومنهم: ابن الجوزي جمال الدين بن علي بن محمد البغدادي في تفسيره قال في تفسير سورة آل عمران:
«لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله(صلى الله عليه وآله) علياً، وفاطمة، وحسناً وحسيناً فقال، اللهمّ هؤلاء أهلي...»((2)).
ومنهم: العلاّمة الحنفي الشيخ علي المهايمي في تفسيره قال: «فأتوا رسول الله(صلى الله عليه وآله)وقد غدا محتضناً الحسين، آخذاً بين الحسن، وفاطمة خلفه، وعلي خلفها، وهو(صلى الله عليه وآله) يقول: إذا أنا دعوت فأمّنوا...»((3)).
ومنهم: صاحب تاج التفاسير، قال في تفسير سورة آل عمران عند آية المباهلة:
ص: 436
«فخرج النبي(صلى الله عليه وآله) ومعه الحسن والحسين وفاطمة وعلي وهو يقول: إذا دعوت فأمّنوا»((1)).ومنهم: الحافظ الشوكاني محمد بن علي بن محمد اليماني الصنعائي صاحب (نيل الأوطار) في تفسير المسمى ب- (فتح القدير الجاع بين فنّي الواية والدراية من علم التفسير، قال عند آية المباهلة:
«قال جابر: (أنفسنا وأنفسكم) رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعلي، وأبناءنا الحسن والحسين، ونساءنا فاطمة».
ثمّ قال: وأخرج مسلم والترمذى وابن المنذر والحاكم والبيهقي، عن سعد بن أبي وقّاص، قال: لمّا نزلت هذه الآية (قل تعالوا) دعا رسول الله(صلى الله عليه وآله) علياً، وفاطمه، وحسناً وحسيناً فقال، اللهمّ هؤلاء أهلي»((2)).
ومنهم: الحافظ الكلبي، محمد بن أحمد بن جزي في تفسيره المسمى ب- (التسهيل لعلوم التنزيل) في تفسير آية المباهلة قال:
«ولمّا نزلت الآية أرسل رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى علي وفاطمة والحسن والحسين، ودعا نصارى نجران إلى الملاعنة أن يهلكهم الله، أو يمسخهم الله قردة وخنازير، فأبوا من الملاعنة وأعطوا الجزية»((3)).
ص: 437
ومنهم: قاضي القضاة، أبو السعود، محمد بن محمد العمادي، في تفسيره الموسوم ب- (إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم) عند تفسير آية المباهلة من سورة آل عمران، قال:«فأتوا رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقد غدا محتضناً الحسين، آخذاً بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها رضي الله عنهم أجمعين، وهو(صلى الله عليه وآله) يقول: إذا أنا دعوت فأمّنوا...»((1)).
ومنهم: الشيخ النووي الجاوي، الملقّب بسيد علماء الحجاز، في تفسيره الموسوم ب- (مراح لبيد) قال في تفسير آية المباهلة:
«فأتوا رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقد خرج من بيته إلى المسجد، وعليه مرط من شعر أسود، محتضناً الحسين، آخذاً بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه، وعلي خلفها رضي الله عنهم أجمعين وهو يقول لهؤلاء الأربعة: إذا دعوت فأمّنوا...»((2)).
وقد ذكر نحو هذا الحديث بنفس التعبيرات والألفاظ كلّ من:
أبي الحسن الواحدي في تفسيره المسمى ب- (تفسير القرآن العزيز) المطبوع بهامش تفسير النووي المسى ب- (مراح لبيد) الآنف ذكره((3)).
وجلال الدين السيوطي، في كتاب (معترك الأقران في إعجاز القرآن)((4)).
ص: 438
والحافظ البغوي ابن محمد الحسين القراء في تفسيره (معالم التنزيل)((1)).والشيخ نعمة الله الحنفي النخجواني في تفسيره، فإنّه قال بعد نقل قصّة المباهلة: «وهذه الرواية كالمتّفق على صحّتها بين أهل التفسير والحديث((2)).
وكذا الشيخ محمد عبده المصري، في تفسيره قال:
«والروايات متّفقة على أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) اختار للمباهلة علياً وفاطمة وولديهما»((3)).
وذكر المناشدة التي تحتوي على ذلك أيضاً المحدّث الشهير في تاريخه الكبير (تاريخ دمشق) قسم ترجمة أمير المؤمنين(عليه السلام)((4)).
وأورد أحاديث اختصاص المباهلة بالخمسة أصحاب الكساء علامة الشوافع عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي في تفسيره((5)) ولبابه((6)).
وفي الباب حديث سعد بن أبي وقّاص في ذلك أخرجه مسلم في صحيحه((7)).
ص: 439
والترمذي في الجامع الصحيح له((1)). وأحمد بن حنبل - إمام الحنابلة - في مسنده((2)). والبيهقي في سننه((3)). والحاكم في مستدركه وصحيحه((4)). وقال أبو البقاء الرازي في تفسيره التبيان في إعراب القرآن:
«... فأتوه(صلى الله عليه وآله) وقد خرج ومعه الحسن والحسين وفاطمة وعلي وقال(صلى الله عليه وآله)لهم: إذا دعوت فأمّنوا، فأبوا أن يلاعنوا وصالحوه على الجزية...»((5)).
وفي كتاب الأربعين المنتقى من مناقب المرتضى، لأبي الخير أحمد بن إسماعيل بن يوسف الطالقاني القزويني بسنده المذكور، عن سعد بن أبي وقّاص - في حديث قال - :«... ولمّا نزلت هذه الآية - ندع أبنانا وأبناءكم - دعا رسول الله(صلى الله عليه وآله)علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، وقال: اللهم هؤلاء أهلي...»((6)). -
وأخرجه أيضاً مع تفاوت في بعض الجمل واتّفاق في أصل المعنى كلّ منه:
ص: 440
علاّمة الشوافع ابن حجر العسقلاني في الإصابة((1)).
والحافظ أبو نعيم الاصبهاني في دلائل النبوة، ذكر ذلك من حديث ابن عباس((2)).
والحاكم النيسابوري في كتابه معرفة علوم الحديث((3)).
وممّن نقل ذلك أيضاً أبو حيّان الأندلسي في تفسيره الكبير قال:
«وفسّر على هذا الوجه الأبناء بالحسن والحسين، وبنسائه فاطمة، والأنفس بعلي... لمّا نزلت هذه الآية دعا رسول الله(صلى الله عليه وآله) علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، وقال: اللهمّ هؤلاء أهلي...»((4)).
ونقله بنصّه في تفسيره المختصر (النهر المادّ من البحر)((5)).
ولعلّك لا تجد تفسيراً للقرآن الحكيم، أو كتاباً في الحديث النبوي، أو تاريخاً - إلاّ النادر النادر - لا يحتوي على ذكر هذه القصّة واختصاصها بالنبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليه وعليهم الصلاة والسلام ((6)).
ص: 441
ص: 442
لقد اتفق علماء السنة على نزولها فى أهل البيت :((1)).
ص: 443
لقد اتفق علماء السنة على نزولها فى أهل البيت :((1)).
ص: 444
النتيجة:
مولانا أمير المؤمنين منزلته في القرآن نفس منزلة رسول الله بقوله تعالى: أنفسنا وأنفسكم ومن كانت منزلته في القرآن هذه فهو مولى المسلمين، وولايته هي ذات الولاية التي أعطاها لسيد الأنبياء محمد كما قال النبي في حديث الغدير:
« من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، وأحبّ من أحبّه وأبغض من أبغضه »((1)).
وقد قال النبي محمد: إنَّ الله جعل ذريتي في صلب علي((2))
ص: 445
لكن طاعة بعض الصحابة كانت كالاتي: امتنع سعد بن أبي وقاص من بيعة الامام علي وكان قد بايعه في الغدير. وقال العجلي عن عمر بن سعد: (هو تابعي ثقة وهو الذي قتل الحسين)((1))
سورة آل عمران 3 / 68
(إنَّ أوْلَى النَّاسِ بِإبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللّهُ وَلِيُّ المُؤْمِنِينَ)((2)) قال الامام علي: نحن مرّة أولى بالقرابة وتارة أولى بالطاعة»((3)).
وهذه هي الولاية الكبرى للخلفاء الاثني عشر أولهم علي وآخرهم المهدي، حيث ذكر الله تعالى والنبي الخلفاء:
قال تعالى: (وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَى عَشَرَ نَقِيباً).
وقال النبي: الخلفاء بعدي اثنا عشر كعدد نقباء بني إسرائيل((4)).
وقال الحنفي السني: عن ابن عباس قال رسول الله :
ص: 446
«إنَّ وصيي علي بن أبي طالب وبعده سبطاي الحسن والحسين تتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين.قال: يا محمد فسمهم لي.قال : إذا مضى الحسين فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمد،فإذا مضى محمد فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه الحسن، فإذا مضى الحسن فابنه الحجة محمد المهدي فهؤلاء إثنا عشر»((1)).
إذن حديث الأئمة الاثني عشر بأسمائهم قد ورد من طرق السنة والشيعة((2)).
وقال النبي: إنَّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين الى قوله: يرزق من يشاء بغير حساب. قال ابن عباس: وآل عمران المؤمنون من آل ابراهيم، وآل عمران وآل ياسين وآل محمد»((3)).
وقال مسلم مؤيداً حديث الامام علي:
قال النبي: إنَّ الله تعالى اصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم((4)).
ص: 447
وقال النبي إنَّ الله خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم وخير الفريقين، ثم خيرَّ القبائل فجعلني من خير قبيلة، ثم خيَّر البيوت فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفساً وخيرهم بيتاً((1))سورة آل عمران 3 / 103
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنْتُمْ أعْدَاءً فَألَّفَ بَ-يْنَ قُلُوبِكُمْ فَأصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنَ النَّارِ فَأنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ.
وروى العلاّمة البحراني، عن صاحب كتاب (المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة) أبي عبدالرحمان عبدالله بن أحمد بن حنبل إمام الحنابلة، عن ابن المبارك، بن مسرور بإسناده المذكور، عن سعيد بن جبير، عن عبدالله بن عباس، قال: كنّا عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذ جاء أعرابي فقال: يا رسول الله سمعتك تقول:
اعتصموا بحبل الله
فما حبل الله الذي نعتصم به؟
فضرب النبي(صلى الله عليه وآله) يده في يد علي وقال:
«تمسّكوا بهذا فهذا هو الحبل المتين»((2)).
ص: 448
لقد أخرج كلّ واحد من عالم الأحناف الحافظ القندوزي وعالم الحنفية محمد الصبان المصري وعالم الشافعية الشبلنجي، وعالم الشافعية ابن حجرالهيثمي هذا المعنى في أحاديث مختلفة فراجع: ينابيع المودّة، والصواعق((1))، وإسعاف الراغبين، ونور الأبصار((2)) -
سورة النساء 4 / 33:
«وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أيْمَانُكُمْ»((3)).
ص: 449
«قال الامام أبو الحسن الرضا: انما عنى الله تعالى بذلك الأئمة بهم عقد الله أيمانكم ((1)).
«وَإذاً لاَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أجْراً عَظِيماً67 في الآخرة «وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً68»((2)).
صراط محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين فهم الصراط المستقيم.
الحمويني الحنفي: روى العلاّمة البحراني(قدس سره)، عن الحمويني الحنفي، بإسناده المتّصل المذكور، إلى خيثمة الجعفي عن أبي جعفر الباقر أنه قال:
«نحن العلم المرفوع للخلق، من تمسَّك بنا لحق، ومن تأخّر عنّا غرق ونحن قادة الغُرّ المحجّلين، ونحن خيرة الله، ونحن الطريق الواضح والصراط المستقيم ((3)).
سورة الأنعام 6/90
«قُلْ لا أسْألُكُمْ عليه أجْراً إنْ هُوَ إلا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ
ص: 450
إنّ ذا القربى علي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)((1)).
الحاكم في المستدرك : روى الحاكم في المستدرك في شرح الآية قول علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام): « أنا من أهل البيت الذين افترض الله تعالى مودّتهم على كل مسلم » فقال الآية:
اولئك الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ
الزمخشري :وقال الزمخشري في تفسير الكشاف: والقربى مصدر كالزلفى والبشرى بمعنى القرابة، والمراد: في أهل القربى. وروي انها لما نزلت قيل: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين أوجبت علينامودتهم ؟
قال (صلى الله عليه وآله) : " على وفاطمة وابناهما((2)).
سورة الأنعام 6 / 160
مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثَالِهَا».
ص: 451
قال الامام الصادق : الحسنة: الولاية، فمن عمل من حسنة كتبت له عشر، فإن لم يكن ولاية دفع عنه بما عمل من حسنة في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ((1)).
الترمذي الحنفي :أخرج العلاّمة الكشفي المير محمد صالح الترمذي الحنفي قال: عن علي كرّم الله وجهه:
«الحسنة حبّنا»((2)).
«وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إلا مِثْلَهَا» لا يضاعفها تعالى رحمة منه بالعباد « وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ(160)».
سورة الأعراف 7 / 46
«وَعلى الأعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ» .
هم النبي محمد وأهل بيته الطاهرين، وعلى رأسهم الامام علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر الامام الصادق وموسى الكاظم وعلي الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري والامام المهدي «يَعْرِفُونَ كُلا» من أهل الجنة والنار «بِسِيمَاهُمْ» حيث وضع الله تعالى علامات فارقة تميزهم عن بعضهم البعض.
ص: 452
الثعلبي وابن الجوزى والعسقلانى: قال الثعلبي وابن الجوزى والعسقلانى: أهل البيت يعرفون محبّيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسواد الوجوه ((1)).
قال الإمام علي(عليه السلام)قال: نحن أصحاب الأعراف من عرفناه بسيماه أدخلناه الجنة ((2)).
وقال علي(عليه السلام): نحن أصحاب الأعراف يعرفون محبّيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسواد الوجوه((3)).
ص: 453
أقول: آل محمد هنا من التفسير أو التأويل عن كلمة (أماناتكم) كما جاء في حديث الكساء: سورة الأحزاب آية 33، حيث قال النبي(صلى الله عليهوآله) وقد أدخل علياً وفاطمة والحسن والحسين اللهم إنّ هؤلاء آل محمد الخ» ((1)).
وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في نهج البلاغة من خطبته: أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذباً وبغياً علينا، أن رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم.. بنا يستعطى الهدى وبنا يستجلى العمى.
وإنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شيء أخفى من الحق، ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)، وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته، ولا أنفق منه إذا حرف عن مواضعه، ولا في البلاد شيء أنكر من المعروف، ولا أعرف من المنكر.
وقال الرسول (صلى الله عليه وآله) عن الامام علي (عليه السلام): «إنَّه أبو سبطيَّ، والأئمة من صلبه، يخرج الله تعالى الأئمة الراشدين منه، ومنهم مهدي هذه الأمة» ((2)).
ص: 454
وعن ابن عباس قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنَّ وصيي علي بن أبي طالب (عليه السلام)وبعده سبطاي الحسن والحسين تتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين.
قال: يا محمد فسمهم لي.الحنفي القندوزي :قال النبي (صلى الله عليه وآله): إذا مضى الحسين فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه الحسن، فإذا مضى الحسن فابنه الحجة محمد المهدي فهؤلاء إثنا عشر»((1)).
ونقل أبو الحسن الفقيه محمد بن علي بن شاذان في المناقب المائة من طريق العامّة بحذف الإسناد، عن ابن عباس، قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول:
«معاشر الناس اعلموا أنّ لله تعالى باباً من دخله آمن من الناس ومن الفزع الأكبر - إلى أن قال - (صلى الله عليه وآله):
معاشر الناس من سرّه ليقتدي بي فعليه أن يتولى ولاية علي بن أبي طالب والأئمّة من ذريّتي فإنّهم خزّان علمي».
فقام جابر بن عبدالله الأنصاري.
فقال: يا رسول الله ما عدّة الأئمّة؟
ص: 455
قال(صلى الله عليه وآله):«يا جابر سألتني - رحمك الله - عن الإسلام بأجمعه، عدّتهم عدّة الشهور، وهو عند الله إثنى عشر شهر في كتاب الله، يوم خلق السماوات والأرض... الحديث»((1)).سورة الكهف 18 / 88
وَأمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاءً الحُسْنَى
قال النبي: الحسنى: ولاية أهل البيت ((2))
الحسكاني الحنفي:روى الحافظ الحسكاني الحنفي قال: حدثني أبو الحسن الفارسي باسناده عن علي بن أبي طالب قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
يا علي فيكم نزلت هذه الآية:
(إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون)((3)).
سورة الأنبياء 21
لا يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ المَلائِكَةُ هَذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ- 103.
ص: 456
روى أبو الحسن الفقيه ابن شاذان - من طريق العامة بحذفه الاسناد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:
حدثني جرئيل عن رب العزة جل جلاله انه قال:
من علم أن لا إله إلا أنا وحدي وأن محمداً عبدي ورسولي، وأن على ابن أبي طالب خليفتي والأئمة من ولده حججي أدخلته الجنة برحمتي، ونجيته من النار بعفوي، وأبحت له جواري، وأوجبت له كرامتي، وأتممت عليهنعمتي، وجعلته من خاصتي وخالصتي، إن ناداني لبيته، وإن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وإن سكت ابتدأته، وإن أساء رحمته، وإن فرَّ منّي دعوته، وإن رجع إليَّ قبلته، وإن قرع بابي فتحته.
ومن لم يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي، أو شهد بذلك ولم يشهد بأن محمداً عبدي ورسولي، أو شهد بذلك ولم يشهد بأن علي بن أبي طالب خليفتي، أو شهد بذلك ولم يشهد أن الأئمة من ولده حججي، فقد جحد نعمتي، وصغر عظمتي، وكفر بآياتي، وكتبي، ورسلي، إن قصدني حجبته، وإن سألني حرمته، وإن ناداني لم أسمع ندائه، وإن دعاني لم أستجب دعائه، وإن رجاني خيبت رجائه مني، وما أنا بظلاّم للعبيد.
فقام جابر بن عبد الله الأنصاري، فقال: يارسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الأئمة من ولد علي بن أبي طالب؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ((1)). ثم سيد العابدين في زمانه علي بن الحسين، ثم الباقر محمد بن علي -
ص: 457
وستدركه ياجابر، فاذا أدركته فأقرأه مني السلام - ثم الامام الصادق جعفر بن محمد، ثم الكاظم موسى ابن جعفر، ثم الرضا علي بن موسى، ثم التقي محمد بن علي، ثم النقي علي بن محمد، ثم الزكي الحسن بن علي، ثم ابنه القائم بالحق مهدي أمتي، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، هؤلاء ياجابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي من أطاعهم فقد أطاعني، ومن عصاهم فقد عصاني، ومن أنكرهم أو أنكر واحداً منهم فقد أنكرني،وبهم يمسك الله السماء أن تقع على الأرض، وبهم يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها((1)).
الحسكاني الحنفي:روى الحافظ الحسكاني الحنفي قال: حدثني أبو الحسن الفارسي باسناده عن علي بن أبي طالب قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
يا علي فيكم نزلت هذه الآية:
(إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون)((2)).
روى هو أيضاً قال: حدثونا عن أبي بكر السبيعي باسناده عن أبي عمر النعمان بن بشير - وكان من سمار علي.
(أن علياً قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي فيكم نزلت)((3)):
ص: 458
(لا يسمعون حسيسها)((1)).
وروى هو أيضاً عن أبي الحسن الفارسي، باسناده المذكور عن على انه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):«يا علي فيكم نزلت:
(لا يحزنهم الفزع الأكبر).
الناس يطلبون في الموقف، وأنتم في الجنان تتنعمون((2)).
سورة الفرقان 25 / 20
قال الامام موسى الكاظم: جمع رسول الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين وأغلق عليهم الباب وقال: يا اهلي وأهل الله إنَّ الله عز وجل يقرأ عليكم السلام وهذا جبرائيل معكم في البيت يقول:
إنَّ الله عز وجل يقول: إنِّي قد جعلت عدوكم لكم فتنة فما تقولون ؟
قالة ا: نصبر يا رسول الله لأمر الله وما نزل من قضائه حتى نقدم على الله عز وجل ونستكمل جزيل ثوابه، وقد سمعناه يعد الصابرين الخير كله، فبكى رسول الله حتى سمع نحيبه من خارج البيت فنزلت هذه الآية:
(وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْض فِتْنَةً أتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً).
ص: 459
أنهم سيصبرون أي سيصبرون كما قال صلوات الله عليهم أجمعين ((1)).
سورة الفرقان 25/ 74
قد يسمى الانسان بهذا الاسم كقوله (اذكرني عند ربك )((2)).وكل مالك لشيء يسمى ربه فقوله:(وَكَانَ الكَافِرُ على رَبِّهِ ظَهِيراً)((3)).
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّ-نَا هَبْ لَ-نَا مِنْ أزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أعْيُن وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إمَاماً74
قال الامام الصادق : هم نحن أهل البيت ((4)).
قال السدي عن ابن عباس نزلت في علي بن ابى طالب ((5)):
الحسكاني الحنفي:روى الحاكم الحافظ الحسكاني الحنفي عن فرات الكوفي في تفسيره باسناده عن أبي سعيد في قوله تعالى:
(هب لنا) الآية.
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قلت: ياجبرئيل من أزواجنا ؟
قال: خديجة.
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): ومن ذرياتنا؟
ص: 460
قال: فاطمة.
و قرة أعين ؟
قال الحسن والحسين.
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): واجعلنا للمتقين إماماً؟
قال جبرئيل: علي((1)).القندوزي الحنفي :
اُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً75
عن ابن مسعود وأم سلمة: أهل الغرف العلياً علي بن أبي طالب وشيعته المتولون له المتبرءون من أعدائه ((2)).
لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ ألا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ 3 ((3)).
قال الامام الصادق : قال النبي: يا علي إني سألت الله أن يوالي بينى وبينك ففعل، وسالت ربى أن يؤاخى بينى وبينك ففعل، وسألت ربي أن يجعلك وصيي ففعل.
فقال رجلان من قريش :والله لصاع من تمر في شن بال خير مما سأل محمد ربه، هلا سأل ملكاً يعضده على عدوه، أو كنزاً يستغنى به فاقته ؟ واللهما دعاه الى باطل الا أجابه له فأنزل الله:
(لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ ألا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) ((4)).
ص: 461
سورة القصص 28 / 5
(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ على الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الاَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ)((1)).قال الامام علي (عليه السلام) - في خطبة له ذكر فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) - : وخلّف فينا راية الحقّ، مَن تقدّمها مَرَق، ومَن تخلّف عنها زَهَق، ومن لَزِمها لَحِق، دليلها مَكِيث((2))الكلام ، بطيء القيام، سريع إذا قام. فإذا أنتم ألنتم له رقابكم، وأشرتم إليه بأصابعكم، جاءه الموت فذهب به، فلَبِثتم بعده ما شاء الله، حتّى يُطلِع الله لكم من يجمعكم ويَضُمّ نشْرَكم. فلا تطمعوا في غير مُقبِل، ولا تيأسوا من مُدبِر. فإنّ المُدبِر عسى أن تزلّ إحدى قائمتيه، وتثبت الأُخرى، فترجعا حتّى تثبتا جميعاً.
ألا إنّ مَثَلَ آل محمّد (صلى الله عليه وآله) كمثل نجوم السماء ; إذا خوى نجم طلع نجم، فكأنّكم قد تكاملت من الله فيكم الصنائع، وأراكم ما كنتم تأملون((3)).
ص: 462
ركب أمير المؤمنين (عليه السلام) وابناه الحسن والحسين (عليهم السلام)فمرّ بثقيف، فقالوا: قد جاء علي يردّ الماء.
فقال علي (عليه السلام): أما والله لأُقتلنّ أنا وابناي هذان، وليبعثنّ الله رجلا من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا، وليغيبنّ عنهم، تمييزاً لأهل الضلالة، حتّى يقول الجاهل: ما لله في آل محمّد من حاجة((1)).وعن المهدي (عليه السلام) أيضاً: نظر أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إلى الحسين (عليه السلام) فقال: إنّ ابني هذا سيّد كما سمّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيّداً، وسيُخرج الله من صلبه رجلا باسم نبيّكم، يشبهه في الخَلق والخُلق، يخرج على حين غفلة من الناس، وإماتة للحقّ وإظهار للجور، والله لو لم يخرج لضربت عنقه، يفرح بخروجه أهل السماوات وسكّانها، وهو رجل أجلى الجَبين((2))، أقنى الأنف((3))، ضَخْ البطن، أزْيَل الفخذين((4))، بفخذه اليمنى شامة، أفلج((5)) الثنايا، ويملأ الأرض عدلا كما مُلئت ظلماً وجوراً((6)).
ص: 463
قال الإمام علي (عليه السلام) - للحسين (عليه السلام) -: التاسع من ولدك ياحسين هو القائم بالحقّ ، المُظهر للدين، والباسط للعدل.
قال الحسين (عليه السلام): فقلت له: ياأمير المؤمنين، وإنّ ذلك لكائن ؟
فقال (عليه السلام): إي والذي بعث محمّداً (صلى الله عليه وآله) بالنبوّة، واصطفاه على جميع البريّة، ولكن بعد غيبة وحيرة، فلا يثبت فيها على دينهإلاّ المخلصون المباشرون لروح اليقين، الذين أخذ الله عزّوجلّ ميثاقهم بولايتنا، وكتب في قلوبهم الإيمان، وأيّدهم بروح منه((1)).
ومنها: حتّى تقوم الحرب بكم على ساق بادياً نواجذها، مملوءةً أخلافها، حُلواً رضاعها، علقماً عاقبتها. ألا وفي غد - وسيأتي غدٌ بما لا تعرفون - يأخذ الوالي من غيرها عُمّالها على مساوئ أعمالها، وتُخرج له الأرض أفاليذ كبدها، وتُلقي إليه سِلماً مقاليدها. فيُريكم كيف عدل السيرة، ويُحيي ميّت الكتاب والسنّة((2)).
قال محمد بن إسحاق في المغازي قال الزهري: إنّما قال جبرئيل إنّ هذه لهي المواساة لأنّ الناس فرّوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم أُحد حتّى عثمان بن عفّان فإنّه أوّل من فرّ ودخل المدينة وفيه نزل: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا)((3)).
ص: 464
سورة الأحزاب 33 / 33 وحديث الكساء:
الولاية لأهل البيت يثبتها القرآن الكريم والحديث الشريف:قالت أم المؤمنين أم سلمة : جلل النبي(صلى الله عليه وآله) الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساءً ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
فقالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله ؟ قال النبي (صلى الله عليه وآله): إنكِ على خير ((1)).
فالآية في حق أهل البيت محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، نزلت في بيت أمِّ سلمة، عندما كان هؤلاء الخمسة تحت الكساء، وسمِّيت الآية بآية التطهير:
ص: 465
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)- الآية((1))).وعندما دخل علي تحت الكساء قال له النبي: وعليك السلام يا أخي ويا وصيي وخليفتي وصاحب لوائي ((2)).
الروايات السنية:
وذكرت كتب السنة قوله (صلى الله عليه وآله): أنت حامل لوائى في الدنيا والاخرة ((3)).
البخاري ومسلم والنسائي والحاكم :
مصادر السنَّة التي سلّمت وأيَّدت نزولها في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام) منهم :البخاري ومسلم والنسائي والحاكم وهي كثيرة ((4)):
ص: 466
وهناك تواتر بين المفسرين والحفَّاظ والمؤرخين والعلماء من أهل السنَّة حول نزول هذه الآية في أهل البيت خاصة، اذ ذكروا نزول الآية في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين خاصَّة ((1)).
رأي أم سلمة وعائشة وحفصة:
ولم تدَّعِ أم سلمة عائشة و حفصة بأنهما من أهل البيت:، بل على العكس من ذلك ذكرت عائشة وأم سلمة بأنّ الآية نزلت في حق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين. ثمّ جاء بعض الرواة والحفظة فالصقوا نساءَ النبي (صلى الله عليه وآله)بأهل بيته: حقداً عليهم وحسداً لهم!!!
وسد الله تعالى أبواب المسجد إلاّ باب محمّد (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) لطهارتهما واختلافهما عن بقية الناس. ونزول آية التطهير فيهما وفي أهل البيت يثبت تفضيلهم على أفراد الأمة أجمع.
ص: 467
عن عبد الله بن الحسن، عن أبيه، عن جدِّه، قال أبو الحمراء، خادم النّبيِّ (صلى الله عليه وآله): «لمّا نزلت هذه الآية: (وأمر أهلك بالصّلاة واصطبر عليها)((1)).كان النّبي (صلى الله عليه وآله)يأتي باب علي وفاطمة عند كلِّ صلاة فيقول: الصّلاة - رحمكم الله - (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)- الآية((2))).
أخرج ابن مردويه، وابن عساكر، وابن النجّار
عن أبي سعيد الخدري، قال: «لمّا نزلت: (وأمر أهلك بالصّلاة).
كان النّبيّ (صلى الله عليه وآله)يجيء إلى باب علي صلاة الغداة ثمانية أشهر يقول: الصّلاة - رحمكم الله -
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).
عن الحسن بن علي (عليه السلام) في خطبة طويلة: «ولمّا نزلت: (وأمر أهلك بالصّلاة واصطبر عليها).
يأتينا جدِّي (صلى الله عليه وآله) كلَّ يوم عند طلوع الفجر يقول: الصَّلاة يا أهل البيت - يرحمكم الله -
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)((3))» .
ص: 468
عن أنس بن مالك، وعن زيد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جدِّه - رضي الله عنهم - قال: «كان النَّبيُّ (صلى الله عليه وآله) يأتي كلَّ يوم باب فاطمة عند صلاة الفجر فيقول: «الصّلاة يا أهل بيت النبوَّة،
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).تسعة أشهر بعدما نزلت وأمر أهلك بالصّلاة واصطبر عليها. وروى هذا الخبر عن ثلاثمائة من الصّحابة ((1))).
الآلوسي:قال شهاب الدِّين الآلوسي: « وأستظهر أنَّ المراد أهل بيته (صلى الله عليه وآله)وايِّد بما أخرجه ابن مردويه وابن عساكر وابن النّجّار عن أبي سعيد الخدريِّ قال: لمّا نزلت :
وأمر أهلك بالصّلاة واصطبر عليه.
كان عليه الصّلاة والسّلام - يجيء إلى باب علي - كرَّم الله تعالى وجهه - صلاة الغداة ثمانية أشهر يقول: «الصّلاة - رحمكم الله -:
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).
وروى نحو ذلك الامامية بطرق كثيرة((2)).
القرطبي:قال القرطبي: «وكان (عليه السلام) بعد نزول هذه الآية وأمر أهلك بالصّلاة يذهب كلَّ صباح إلى بيت فاطمة وعلي - رضوان الله عليهم فيقول: الصّلاة((3))».
ص: 469
فخر الدِّين الرّازي:وقد قال الفخر الرازي: إنَّ الآية تدلُّ علي أنَّ هؤلاء الخمسة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين مطهَّرون من الذنوب الصغيرة والكبيرة.((1))قال فخر الدِّين الرّازي: «وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد نزول هذه الآية يذهب إلى فاطمة وعلي (عليه السلام) كلَّ صباح ويقول الصّلاة، وكان يفعل ذلك أشهراً((2))».
وهناك الكثير من المفسرين والحفَّاظ والعلماء من أهل السنَّة، ممَّن لم نذكرهم هنا قد ذكروا نزول الآية في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين خاصَّة((3)).
الروايات الشيعية:
قال علي بن إبراهيم القمِّيُّ(رحمه الله) في تفسيره: «إنَّ الله أمره أن يخصَّ أهله دون النّاس ليعلم النّاس أنَّ لأهل محمّد (صلى الله عليه وآله)عند الله منزلة خاصَّة ليست للنّاس، إذ أمرهم مع النّاس عامّة، ثمَّ أمرهم خاصَّة، فلمّا أنزل الله هذه الآية كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يجيء كلَّ يوم عند صلاة الفجر حتّى يأتي باب علي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)فيقول: السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فيقول علي وفاطمة
ص: 470
والحسن والحسين: وعليك السَّلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ; ثمَّ يأخذ بعضادتي الباب ويقول: الصَّلاة، الصّلاة - يرحمكم الله -
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) .وعن أبي مسعود الأنصاري أنَّه قال: أتانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونحن في مجلس سعد بن عُبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله عز وجل أن نصلِّي عليك، فكيف نصلِّي عليك ؟
فسكت رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) حتَّى تمنَّينا أنّه لم يسأله. فقال قولوا :
اللهمّ صلِّ على محمد وآل محمد، كما صلَّيت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم في العالمين إنَّك حميد مجيد.
ولمَّا كان يوم أحد شُجَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وجهه، وكسرت رباعيته، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله)يومئذ رافعاً يديه يقول:
إنَّ الله تعالى اشتدَّ غضبه على اليهود أن قالوا: عزير ابن الله، واشتدَّ غضبه على النصارى أن قالوا: المسيح ابن الله، وإن الله اشتدَّ غضبه على من أراق دمي، وآذاني في عترتي((1)).
وقد ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) أحاديثاً في فضل أهل البيت: منها قوله (صلى الله عليه وآله):
ص: 471
أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلَّف عنها غرق ((1)).
وقال الرسول (صلى الله عليه وآله): نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد ((2)).سورة الشورى 42 / 23
(قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى).
قال الباقر: هم الأئمة ((3)).
الروايات السنية :
قال الامام الباقر نزلت في حق أهل البيت (عليهم السلام)، وأيد العلماء نزولها في حقهم ((4)).
ص: 472
الرازى والعسقلانى والواحدى:علماء السنة الرازى والعسقلانى والواحدى: قال الرازى والعسقلانى والواحدى :قالوا يا رسول الله: أي قرابتك الذي افترض الله تعالى علينا مودتهم ؟قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): علي وفاطمة وولدهم يقولها ثلاث مرّات ((1)).
وجاء: أن الانصار اجتمعوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالوا: يا رسول الله إنك قد جئتنا بخير الدنيا والآخرة وهذه أموالنا خذها إليك جزاءاً لما جئتنا به، فأنزل الله عزوجل:
(قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَ-قْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إنَّ اللّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ) - 23.
يعني على ما جئتكم به إلاّ المودة في القربى.
ص: 473
قال عبد الله بن عباس: فلما نزل ذلك اجتمع الناس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالوا:
يا رسول الله من قرابتك الذين فرض الله عز وجل علينا مودتهم ؟فقال: علي وفاطمة وولدهما. فنص النبي (صلى الله عليه وآله) على بيان ذلك من قرابته المذكورة مودتهم والمأثور بها.
أبو البحتري: عن أبي البحتري قال: لما أن جاء عائشة قتل علي (عليه السلام)سجدت شكراً لله.
لذا أشار رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى بيت عائشة عند أدائه صلاة الجمعة فى المسجد النبوى أمام جموع الصحابة قائلا: « هاهنا الفتنة هاهنا الفتنة من حيث يخرج قرن الشيطان »((1)).
وقال الواقدي: إن عماراً استأذن على عائشة بالبصرة بعد الفتح، فأذنت له، فدخل . فقال: ياأمة كيف رأيت صنع الله حين جمع بين الحق والباطل، ألم يظهر الحق على الباطل وزهق الباطل ؟
فقالت: إن الحروب دول وسجال، وقد اديل على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولكن انظر يا عمار كيف تكون في عاقبة أمرك.
ص: 474
وروى مسروق، أنه قال: دخلت على عائشة، فجلست احدثها، واستدعت غلاماً لها أسود، يقال له: عبد الرحمن، فجاء حتى وقف. فقالت: يا مسروق أتدري لم سميته عبد الرحمن ؟فقلت: لا.
فقالت حباً مني لعبد الرحمن بن ملجم ((1)).
(وَمَنْ يَ-قْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً )
قال النبي (صلى الله عليه وآله): اقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت.
و قال النبي (صلى الله عليه وآله): « احفظوني في قرابتي »((2)).
ص: 475
وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب :إنه لما حدَّث نصر بأنَّ رسول الله قال: من أحبنى وأحب هذين (الحسن والحسين )وأباهما وأمهما كان في درجتى يوم القيامة أمر المتوكل بضربه ألف سوط فقالوا له :
إنه من اهل السنة فلم يزل به حتى تركه.
وقال الشافعى فى فضل علي (عليه السلام):لو أنَّ المرتضى أبدى محلَّه - لصار الخلق طراً سجداً له
كفى في فضل مولانا علي - وقوع الشك فيه أنه الله.
وقال البيضاوي: روى أنها لما نزلت الآية قيل: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء ؟
قال: " على وفاطمة وابناهما "
قال ابن حجر: أخرج أحمد، والطبرانى، وابن أبي حاتم، والحاكم عن ابن عباس : ان هذه الآية لما نزلت قالوا:
يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين أوجبت علينا مودتهم ؟
قال (صلى الله عليه وآله) : " على وفاطمة وابناهما " .
الثعلبى :وروى الثعلبى عن ابن عباس مثله((1)).
سورة الذاريات 51 / 17 - 18
(كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)((2)).
ص: 476
لما أسري برسول الله الى السماء شاهد اسماء الأئمة مكتوبة على ساق العرش بالنور اثني عشر اسماً: علي وسبطاه الحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن والحجة القائم المهدي ((1)).(في عقبه) تبين ولادة كل امام من ظهر أبيه لا من ظهر عمه، ولا تتكرر الامامة في أخوين في ذرية الحسين كما حدث للحسن والحسين.
الروايات السنية :
الحسكاني الحنفي :روى الحافظ الحاكم الحسكاني الحنفي قال: أبو بكر بن مؤمن باسناده عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس، في قوله تعالى:
(كانوا قليلاً من اللّيل ما يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون).
قال:نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين وفاطمة، وكان علي يصلي ثلثي الليل الأخير، وينام الثلث الأول، فاذا كان السحر جلس في الاستغفار والدعاء، وكان ورده في كل ليلة سبعين ركعة ختم فيها القرآن((2)).
سورة الطور 52 / 21
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّ-بَعَتْهُمْ ذُرِّيَّ-تُهُمْ بِإيمَان ألْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّ-تَهُمْ وَمَا ألَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْء كُلُّ امْرِئ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) - 21.
الروايات السنية :
ص: 477
الحسكاني الحنفي :الآية: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم) الآية.
قال: نزلت في النبي، وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)((1)).الحسكاني الحنفي :وروى هو أيضاً عن أبي النصر محمد بن مسعود بن محمد العياشي باسناده عن ابن عمر انه قال: إنا إذا عددنا قلنا أبو بكر، وعمر، وعثمان.
فقال له رجل: ياأبا عبد الرحمن فعلي؟
قال ابن عمر: ويحك علي من أهل البيت لا يقاس بهم، علي مع رسول الله في درجته، إن الله يقول:
(والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم).
ففاطمة مع رسول الله في درجته، وعلي معهما ((2)) (والحسن والحسين والتسعة المعصومين من ولد الحسين.
سورة الرحمن 55 / 19.
(مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ)((3))
الروايات السنية :
ص: 478
الشبلنجي الشافعي: روى المحدث الشافعي الشبلنجي في نور الأبصار، عن أنس بن مالك في قوله تعالى: (مرج البحرين يلتقيان)قال: علي وفاطمة.
(يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان).
قال: الحسن والحسين((1)).وأخرج هذا المعنى كثيرون من أعلام المذاهب الأربعة وغيرهم:
السيوطي: أخرجه فقيه الشافعية جلال الدين بن أبي بكر السيوطي في تفسيره((2)).
سبط ابن الجوزي: وأخرجه سبط ابن الجوزي في تذكرته((3)).
ابن الصباغ المالكي: وأخرجه عالم المالكية نور الدين علي بن محمد بن الصباغ المكي في فصوله المهمة((4)).
الحافظ القندوزي الحنفي:وأخرجه فقيه الحنفية الحافظ القندوزي في ينابيعه((5)).
الترمذي الحنفي: وأخرجه علامة الحنفية محمد صالح الترمذي في مناقبه((6)).
ص: 479
البلخي الشافعي:ومنهم الحافظ محمد بن يوسف البلخي الشافعي في مناقبه((1)).ابن المغازلي الشافعي: وأخرجه علامة الشافعية الحافظ أبو الحسن بن المغازلي في مناقبه((2)).
الخوارزمي الحنفي: وأخرجه الفقيه الحنفي الموفق بن أحمد الخوارزمي في مقتل الحسين (عليه السلام)((3)).
سورة الرحمن 55/31
(سَنَفْرُغُ لَكُمْ أيُّهَا الثَّ-قَلانِ) - 31.
الروايات السنية:
قال النبي محمد (صلى الله عليه وآله)في خطبة الغدير :
« إني تارك فيكم الثقلين خليفتين ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ، واحدهما أكبر من الآخر ، وانهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض يوم القيامة ، فلا تتقدموهم فتهلكوا ، وإنَّ اللطيف
ص: 480
الخبير انبأني انهما لن يفترقا حتى يردا على َّ الحوض، فلا تتقدموهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم »((1)).
ص: 481
مسجدي حرام على كلِّ حائض من النِّساء، وكلِّ جنب من الرِّجال إلاّ على محمّد وأهل بيته: عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين - صلوات الله عليهم أجمعين - ويعضد هذه الأخبار ويفيد مفادها أخبار عديدة - ثمَّ قال - فظهر حليّة المسجد لعليٍّ (عليه السلام)جنابة ونوماً، وليس هو إلاّ لطهارة نفسهالقدسيَّة طهارة لا يدنِّسها ما يدنِّس غيره - إلى أن قال: - وبالجملة لا وجه لاستثناء باب أبي بكر وهو ليس ممّن طهّرهم الله من الرِّجس حتّى يحسن دخوله المسجد جنباً»((1)).
الروايات الشيعية :
قال الصادق: الثقلان نحن والقرآن ((2)).
سورة الحديد 57 / 28
(يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَ-تِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)((3)) .
الحسكاني الحنفي: روى الحافظ الحاكم الحسكاني الحنفي عن فرات بن إبراهيم الكوفي باسناده عن ابن عباس - في قول الله تعالى - :
ص: 482
(يؤتكم كفلين من رحمته).
قال: الحسن والحسين.
(ويجعل لكم نوراً تمشون به).
قال: علي بن أبي طالب((1)).
سورة الدهر 76 / 8وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَ-تِيماً وَأسِيراً- 8
الروايات السنية :
مرض الحسن والحسين فعادهما رسول الله في ناس معه، فقالوا: يا أباالحسن لو نذرت على ولدك، فنذر علي وفاطمة وفضة - جارية لهما - إن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام، فشفيا، وما معهم شئ، فاستقرض علي من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعا واختبزت خمسة أقراص على عددهم، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعمونى أطعمكم الله من موائد الجنة، فأثروه وباتوا لم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صياما. فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم، وقف عليهم يتيم، فأثروه. ووقف عليهم في الثالثة أسير، ففعلوا مثل ذلك. فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، قال:
ص: 483
" ما أشد ما يسوؤنى ما أرى بكم "، وقام فانطلق معهم، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها، فساءه ذلك، فنزل جبرئيل (عليه السلام)قال: خذها يا محمد، هناك الله في أهل بيتك، فأقرأه السورة((1)).البغوي :قال البغوي في تفسيره: وروي عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس: انها نزلت في علي بن ابي طالب، ثم قال بعد ذكر القصة: وهذا قول الحسن وقتادة((2)).
البيضاوي :وروى نزولها فيهم صلوات الله عليهم البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل((3)).
سورة المطفّفين 83 / 26
خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَ-لْيَ-تَ-نَافَسِ المُ-تَ-نَافِسُونَ26 وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيم27)
أشرف شراب في الجنة يشربه محمد وآل محمد وهم المقربون السابقون ((4))(عَ-يْناً يَشْرَبُ بِهَا المُقَرَّبُونَ28
وهم رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة.
ص: 484
سورة الفجر 89 / 1 - 8
وَالْفَجْرِ وَلَيَال عَشْر - 1 - 8.
الروايات الشيعية :وَالْفَجْرِ 1) الفجر هو القائم (وَلَيَال عَشْر 2) الأئمة من الحسن الى الحسن (وَالشَّفْعِ) أمير المؤمنين وفاطمة (وَالْوَتْرِ 3) الله سبحانه وتعالى (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ 4) هي دولة حبتر فهي تسري الى دولة القائم ((1)) وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ 1) الحسن والحسين (وَطُورِ سِينِينَ 2) ((2)) علي بن ابى طالب (وَهَذَا الْبَلَدِ الاَْمِينِ 3) رسول الله (لَقَدْ خَلَقْنَا الاِْنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم4 ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ5 إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) أمير المؤمنين وشيعته (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُون6 فَمَا يُكَذِّبُكَ ((3))بَعْدُ بِالدِّينِ7) ولاية علي (أَلَيْسَ اللّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ 8) يحكم الله تعالى في معاوية وابن العاص وباقي المغتصبين خلافة أمير المؤمنين الى جهنم ويشفع علي في أصحابه وأهل بيته وشيعته ((4)).
سورة البينة 98 / 7
ص: 485
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ)- 7.
لقد قال الله تعالى في محكم كتابه الشريف عن أهل البيت : خير البرية:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ((1)).الروايات الشيعية: هم أهل بيت النبوة، جاء ذلك في كتب كثيرة :((2)).
الروايات السنية
الخوارزمي الحنفي :كان أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) إذا أقبل علي (عليه السلام) قالوا:
قد جاء خير البرية((3)).
وقال ابن عباس: لمّا نزلت هذه الآية، قال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام):
أنت وشيعتك ، تأتي يوم القيامة أنت وهم راضين مرضيّين، ويأتي أعداؤك غضاباً مقمحين((4)).
ص: 486
وأخرج ابن مردويه عن علي (عليه السلام)، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ألم تسمع قول الله:
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ).
أنت وشيعتك((1)).الطَّبري :وقال العلاّمة، ابوجعفر، محمّد بن جرير الطَّبري في تفسيره: «وقوله إنَّ الّذين آمنوا.. . يقول الله - تعالى ذكره -:
إنَّ الّذين آمنوا بالله ورسوله محمّد، وعبدو الله مخلصين له الدِّين حنفاء، وأقاموا الصَّلاة وآتوا الزَّكاة، وأطاعوا الله فيما أمر ونهى، اولئك هم خير البريَّة.
يقول: من فعل ذلك من النّاس فهم خير البريَّة.
وقد حدَّثنا ابن حميد قال: حدَّثنا عيسى بن فرقد، عن أبي الجارود، عن محمّد بن علي «اولئك هم خير البريَّة» فقال النَّبيّ (صلى الله عليه وآله): أنت يا علي وشيعتك ((2))».
الكنجي الشَّافعي:وقال العلاّمة الحافظ، الكنجي الشَّافعي: «عن جابر بن عبد الله، كنّا عند النّبيِّ (صلى الله عليه وآله) فأقبل علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال النّبيّ (صلى الله عليه وآله): قد أتاكم أخي، ثمَّ التفت إلى الكعبة فضربها بيده، ثمَّ قال: والّذي نفسي بيده، إنَّ هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة، ثمَّ إنَّه اوَّلكم إيماناً، وأوفاكم بعهد الله،
ص: 487
وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرَّعيَّة، وأقسمكم بالسَّويَّة، وأعظمكم عند الله مزيَّة. قال: ونزلت:
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) قال: «وكان أصحاب النَّبيِّ محمّد (صلى الله عليه وآله) إذا أقبل علي (عليه السلام) قالوا: جاء خير البريَّة».قلت: هكذا رواه محدِّث الشّام في كتابه بطرق شتّى، وذكرها محدِّث العراق ومورّخها عن زرٍّ، عن عبد الله، عن علي، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «من لم يقل علي خير النّاس فقد كفر».
وفي رواية عن حذيفة قال: سمعت النّبيَّ (صلى الله عليه وآله) يقول: «علي خير البشر، من أبى فقد كفر».. .
كفاية الطالب، الكنجي: وفي رواية لعائشة، عن عطاء، قال: سألت عائشة عن علي، فقالت: ذاك خير البشر، لا يشك فيه إلاّ كافر. قلت: هكذا ذكره الحافظ في ترجمة علي (عليه السلام) في تاريخه في المجلّد الخمسين وكتابه يبلغ مائتا مجلّد((1))».
ابن مردويه: وأخرج ابن مردويه أيضاً، عن ابن عبّاس، قال: لمّا نزلت هذه الآية إنَّ الَّذينَ آمنوا - الآية قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي - (عليه السلام) -: هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيِّين».
وأخرج ابن مردويه، عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله ! من أكرم الخلق على الله تعالى ؟
ص: 488
قال: يا عائشة ! أما تقرئين:
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ)
روح المعاني، الألوسي:وقال العلاّمة، الآلوسي البغداديُّ في تفسيره: «أخرج ابن مردويه، عن علي - كرم الله تعالى وجهه - : قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألم تسمع قول الله تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) ؟
هم أنت وشيعتك ، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جائت الامم للحساب يدعون غرّاً محجّلين».
(قال الآلوسي:) وأنت تعلم أنَّ هذا ظاهر في أنَّ المراد بالبريَّة الخليقة مطلقاً.. . والإماميَّة وإن قالوا: إنَّه علي (عليه السلام) خير من الأنبياء وحتّى اولي العزممن الأنبياء (عليهم السلام)ومن الملائكة المقرَّبين(عليهم السلام) لا يقولون بخيريَّته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنّ قالوا: بأنَّ البريَّة علي ذلك مخصوصة بمن عداه - عليه الصّلاة والسَّلام - للدَّليل الدّالِّ على أنَّه (صلى الله عليه وآله) خير منه - كرَّم الله تعالى وجه - قيل: إنَّها مخصوصة - أيضاً - بمن عدا الأنبياء والملائكة ((1))».
وهكذا أثبت المفسرون نزول الآية المباركة في الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)وأهل بيته الكرام وانهم أفضل الناس أجمعين، وهو دليل ولايتهم.
ص: 489
الطبري والسيوطي والآلوسي:وقال الطبري والسيوطي والآلوسي: قال النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) عن آية:
(اولئك هم خير البريَّة) أنت يا علي وشيعتك ((1)).
زيني دحلان:وقال أحمد زيني دحلان: تفترق هذه الامة علي ثلاث وسبعين فرقة شرها من ينتحل حبنا ويفارق أمرنا ((2)).
وقال سيد الرسل : يا علي أنت وشيعتك الفائزون يوم القيامة ((3)).
ابن الجوزي: في صفحة 10 من تذكرة الخواص: قال ابن عباس: هذا الودّ جعله الله لعلي (عليه السلام)في قلوب المؤمنين.
الثعلبي: وقد روى أبو إسحاق الثعلبي: هذا المعنى مسنداً في تفسيره إلى البراء بن عازب قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي: « قل اللهمّ
ص: 490
اجعل لي عندك عهداً واجعل لي في صدور المؤمنين مودّة فأنزل الله: هذه الآية ».قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّ-لِحَ-تِ أوْلَ-ئِكَ هُمْ خَيْرُ ا لْبَرِيَّةِ)((1)).
ابن حجر: ذكر ابن حجر في الصواعق: عن ابن عباس: إنّ هذه الآية لمّا نزلت قال النبي (صلى الله عليه وآله)لعلي: « هو أنت وشيعتك تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة، راضين مرضيين ، ويأتي عدوّك غضاباً مقمحين.
قال: ومَن عدوّي ؟
قال: من تبرّأ منك ولعنك »((2)).
وهذا معنى قوله تعالى: والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون
فالامام علي (عليه السلام) هو المؤمن والايمان والدين والاسلام والسنة والسلام وخير البرية في القرآن، وأعداؤه الكفر والفسوق والعصيان:
وَكَرَّهَ إلَيْكُمُ الكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيَانَ ((3)) :
الاول والثاني والثالث ((4)).
ص: 491
راجع :تفسير الحبري 328 ح 71، تفسير القرطبى ج 15 ص 256، تفسير البرهان 5 / 723، 724، تفسير جامع البيان، الطبري ج29 / ذيل الآية.
والجامع لأحكام القرآن ج 13 ص 60،ونور الأبصار ،الشبلنجي الشافعي ص102 .تفسير الآلوسي: 207/30،تفسير الدر المنثور، السيوطى، دار الفكر، بيروت، ت 1414 ه-، ج 8ص: 589،شواهد التنزيل، الحاكم الحسكانى،مؤسسة الطبع والنشر، طهران، ت 1411 ه-، ج 2 ص : 466-459،ينابيع المودة، القندوزي، دار الاسوة، قم، ت 1416 ه-، ج 2 ص: 357و ص: 452و ج 1 ص 197،الصواعق المحرقة، ابن حجر، مكتبة القاهرة، مصر، ص: 161الآية الحادية عشر، جواهر العقدين، السمهودي، مطبعة العاني، بغداد، ت 1407 ه-، الجزء الاول، القسم الثانى، ص: 178،فرائد السمطين، الجوينى، مؤسسة المحمودي، بيروت، ت 1398 ه-، ج 1 ص : 155ح. 118،كفاية الطالب، الكنجي الشافعي، دار إحياء تراث أهل البيت، طهران، ت 1404 ه-، ص: 246،فضائل الخمسة، الفيروز آبادي، مؤسسة الاعلمى، بيروت، ت 1402 ه-، ج 1 ص : 324،
تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي، مؤسسة أهل البيت، بيروت، ت 1401 ه-، ص: 27، المحاسن 171 ح 140. مناقب على لابن المغازلى الشافعى ص 369ح 317،وراجع ترجمة علي بن ابي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 ص 418،والشوكاني في فتح القدير ج 5 ص 464 ،والشبلنجي في نور الأبصار ص 105 وعن السدي، النور المشتعل: 273من كتاب ما نزل من القرآن في علي (عليه السلام))، تاريخ ابن عساكر:
ص: 492
344/2و 442 المناقب، الخوارزمى، مؤسسة النشر الاسلامى، قم، ص: 266-265ح. 247،المعجم الكبير للطبراني: 319/1وجاء بألفاظ مقاربة في فردوس الأخبار، شيرويه الديلمي(المحدث السني )3 / 88، حديث 3991عن عدة مصادر.
فقد دلت هذه الآية على أن علياً (عليه السلام) وشيعته هم الفرقة الناجية، وأن خصماءهم هم الفرقة الهالكة.
ص: 493
ص: 494
في منتصف شهر رمضان من السنة الثالثة للهجرة ولد الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فأخذه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأدخل لسانه في فيه، يُمصّه إيّاه، وأذّن في اُذنه اليمنى وأقام في اُذنه اليسرى، وحلق رأسه وتصدّق بوزن شعره فضّة، وطلى رأسه بالخَلوق((1)).
وعقّ الرسولُ (صلى الله عليه وآله وسلم) عنه بكبشين، وهو أوّل ولد لعلي وفاطمة (عليهما السلام).
وتربّى الحسن (عليه السلام) تربية إسلامية رائدة في حضن جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحضن أبيه أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وحضن سيّدة نساء العالمين فاطمة (عليها السلام). فكان مثالا للمسلم المخلص في تقواه وسلوكه وعمله.
وقد نزلت في أهل بيت محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين(عليه السلام) آية التطهير (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) باجماع المسلمين((2)).
وآية المباهلة: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساؤكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين) ((3)).
ص: 495
ص: 496
وقال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فيه: «من آذى هذا فقد آذاني»((1)).
وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الحسن منّي وأنا منه((2)).
وقد عرف الحسن(عليه السلام) بالسخاء والعلم والحلم والشجاعة وحب العبيد والفقراء((3)).
وقد شدّد معاوية الهجمة على الحسن لمنافسته إياه في السلطة إذ كان معاوية عاهد الحسن(عليه السلام)على إرجاع الحكم إليه بعد وفاته، وهذا النص الذي حرّك معاوية لتجنيد كل قواه للحط من منزلة الحسن(عليه السلام) في أنظار الناس فظهر زيف كثير في هذا المجال، فكانت الهجمة الحكومية على الإمام الحسن(عليه السلام) اجتماعية وسياسية بينما كانت الهجمة على الإمام الحسين(عليه السلام)عسكرية.
وحاول الاُمويون بشتّى الوسائل الجاهلية من الكذب والإفتراء الحطّ من منزلته في قلوب الناس مثلما فعلوا بجدّه من قبل. فوصموه بالجبن ومخالفته
ص: 497
لأبيه (عليه السلام)وكثرة زيجاته وأنّه رجل مطلاق وغير ذلك. وانتشر هذا الزيف في كتب المخالفين لأهل البيت(عليه السلام)((1)).
ولمّا فشلت أعمالهم تلك توسّلوا بالإغتيال، فوعدوا زوجته جعدة بنت الأشعث بالمال الكثير وزواجها من يزيد بن معاوية إن قتلت الحسن فقتلته بالسمّ((2)).
فكان الحسن وباقي أفراد أهل بيت النبوة يختلفون عن الناس فهم الثقل الثانى بعد القرآن ،ولهم الولاية العظمى .
حديث الثقلين: روى أحمد بن حنبل في مسنده: أن النبى أخذ بيد الحسن والحسين، وقال: من أحبنى، وأحب هذين، وأباهما، وأمهما، كان معى في درجتى يوم القيامة((3)).
وفيه عن جابر، قال: قال رسول الله ذات يوم بعرفات، وعلى تجاهه: ادن منى يا علي، خلقت أنا وأنت من شجرة، فأنا أصلها، وأنت فرعها، والحسن والحسين أغصانها، فمن تعلق بغصن منها أدخله الله الجنة ((4)).
«إن رسول الله نظر إلى علي والحسن والحسين فبكى وقال:
أنتم المستضعفون بعدي».
قال المفضل: فقلت: له ما معنى ذلك ياابن رسول الله» ؟
قال: معناه انكم الأئمة بعدي أن الله تعالى يقول:
(ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين).
فهذه الآية فينا جارية إلى يوم القيامة ((5)).
ص: 498
والحديث بين اعتداء رجال الحزب القرشي على أهل البيت بعد شهادة النبي واغتصابهم الخلافة وقتلهم لفاطمة الزهراء وعلي والحسن والحسين وبقية الأئمة الخلفاء من آل بيت النبي.
وقال ابن عباس : دخل الامام علي (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليه وآله) وعنده عائشة فجلس بين النبي (صلى الله عليه وآله)وعائشة . فقالت : ما كان لك مجلس غير فخذي ؟
فضرب النبي (صلى الله عليه وآله)على ظهرها وقال : مه لا تؤذيني في أخي ، فانه امير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين يوم القيامة ، يقعد على الصراط المستقيم فيدخل أولياءَه الجنة ويدخل اعداءه النار((1)).
لكنها أخطأت في محاربة الامام علي في معركة الجمل فقُتل ثلاثون ألف مسلم ثم بكت على خروجها وندمت.
وركبت بغلة وقادت الأمويين وغيرهم إلى حرب الحسين (عليه السلام)في المدينة المنوّرة، لمنع دفن الحسن (عليه السلام)مع جدّه (صلى الله عليه وآله) ((2)).
ص: 499
ذكر مسلم في كتابه: قالت عائشة أدخل النبي (صلى الله عليه وآله) علياً وفاطمة والحسن والحسين تحت الكساء في بيتي وقال:
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)((1)).
وقالت عائشة قال النبي (صلى الله عليه وآله): « علي إمام المتّقين وقائد الغرّ المحجّلين يوم القيامة يقعده الله تعالى على الصراط فيدخل أولياءه الجنّة وأعداءه النار» ((2)).
قد يتصور المبطلون كون نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أهل بيته، ولكن خابوا إذ ردَّهم مسلم في كتابه .
جاء فى الرواية الصحيحة التى ذكرها مسلم قائلاً:
ص: 500
فقلنا من أهل بيته، نساؤه؟
قال: لا وأيم الله تعالى، إنَّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته، الذين حرموا الصدقة بعده((1)).
وجاء في الكتب المراد بأهل البيت محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ((2)).
وفيها اجماع المسلمين قال العلماء: انها تدل على طهارة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وباقي الائمة الاثني عشر من الذنوب الصغيرة والكبيرة ((3)).
ابن تيمية: ومن الذين ايدوا نزول آية التطهير فى أهل البيت خاصة دون نسائه الناصبي تقي الدين ابن تيمية المتوفَّى سنة 728 هجرية ،وذلك في كتابه علم الحديث عن الآية القرآنية:
ص: 501
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)، قال: وأدار كساءه على علي وفاطمة وحسن وحسين فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ((1)).
الآية في حق أهل البيت محمد والامام علي وفاطمة والحسن والحسين، نزلت في بيت أمِّ سلمة، عندما كان هؤلاء الخمسة تحت الكساء، وسمِّيت الآية بآية التطهير.
ومصادر السنَّة التي سلّمت وأيَّدت نزولها في محمد والامام علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام)هي((2)).
رأي عائشة وأم سلمة: ولم تدَّعِ عائشة ولا حفصة ولا أم سلمة بأنها من أهل البيت (عليهم السلام)، بل على العكس من ذلك ذكرت عائشة وأم
ص: 502
سلمةبأنّ الآية نزلت في حق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين. ثمّ جاء بعض الرواة والحفظة فالصقوا نساءَ النبي (صلى الله عليه وآله)بأهل بيته: حقداً عليهم وحسداً لهم!
قالت أم المؤمنين أم سلمة : جلل النبي(صلى الله عليه وآله)الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساءً ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
فقالت أم سلمة: وأنا معهم رسول الله ؟ قال النبي(صلى الله عليه وآله): انك على خير((1)).
ص: 503
الخوارزمي: وأخرج الفقيه الحنفي موفق بن أحمد المكي الخوارزمي في مقتله((1))باسناده عن سعد بن بشير عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«أنا واردكم على الحوض، وأنت ياعلي الساقي، والحسن الذائد، والحسين الآمر، وعلي بن الحسين الفارط، ومحمد بن علي الناشر، وجعفر بن محمد السابق، وموسى بن جعفر محصي المحبين والمبغضين وقامع المنافقين، وعلي بن موسى زين المؤمنين، ومحمد بن علي منزل أهل الجنة في درجاتهم، وعلي بن محمد خطيب شيعته ومزوجهم الحور العين، والحسن بن علي سراج أهل الجنة يستضيئون به، والمهدي شفيعهم يوم القيامة حيث لا يؤذن إلا لمن يشاء ويرضى.
وأخرج الخوارزمي هذا نفسه في مقتله أيضاً((2))
باسناده عن سلمان الفارسي قال: دخلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإذا الحسين على فخذه وهو يقبل عينيه ويلثم فاه، وهو يقول (صلى الله عليه وآله وسلم):
أنت سيد ابن سيد أخو سيد، أبو سادة، أنت إمام ابن إمام أخو إمام أبو الأئمة، أنت حجة ابن حجة، أخو حجة، أبو حجج تسعة من صلبك، تاسعهم قائمهم.
ص: 504
المفسر محمد عزة دروزة:وأخرج المفسر محمد عزة دروزة في تفسيره الذي أسماه (التفسير الحديث) ورتب سوره على ترتيب نزولها لا على الترتيب المعروف قال: منها حديث رواه مسلم والترمذي عن أم المؤمنين أم سلمة جاء فيه: «نزلت الآية (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)في بيتي، فدعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فجعلهم بكساء وعلي خلف ظهره، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً فقلت وأنا معهم يارسول الله؟ قال النبى (صلى الله عليه وآله وسلم): أنت على مكانك وأنت إلى خير»((1)).
الصبان الحنفي:وأخرج العلامة محمد الصبان الحنفي في إسعافه، عند ذكر هذه الآية (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) قال: ابن حنبل والطبراني:وأخرج أحمد ابن حنبل والطبراني عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
أنزلت هذه الآية في خمسة في، وفي علي، وحسن، وحسين، وفاطمة((2)).
وأخرج ابن الأثير في كامله خطبة للحسن بن علي في أيام خلافته بعد مقتل أبيه أمير المؤمنين (عليهما السلام)وفيها:
«أيها الناس إنما نحن أمرائكم وحنيفانكم ونحن أهل بيت نبيكم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً»((3)).
ص: 505
الشربيني الشافعي:وأخرج الشيخ الإمام الخطيب الشربيني الشافعي في تفسيره (السراج المنير) قال:
وعن أم سلمة (رضي الله عنها) قالت: في بيتي: أنزل: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) قالت: فارسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): هؤلاء أهل بيتي((1)).
وأخرج الشيخ الشيخ محمد بن محمد الحسني في تفسيره المخطوط عند ذكر آية التطهير ما يلي:
«عائشة قالت: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجلس فأتت فاطمة فأدخلها فيه ثم جاء علي فأدخله فيه ثم جاء حسن فأدخله فيه، ثم جاء حسين فأدخله فيه ثم قال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)((2)).
المفسر النيشابوري الواحدي :وأخرج المفسر النيشابوري الشيخ أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي في تفسيره (المخطوط) بسنده
ص: 506
عن أبي سعيد الخدري قال: «نزلت في خمسة: في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين»((1)).
وأخرج نحوه النسائي أحمد بن شعيب بن سنان في خصائصه قال: نزلت في خمسة: في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين ((2)).
وذكر النيشابوري الحسن بن محمد بن الحسين في قصة المباهلة: روى عن عائشة انه (صلى الله عليه وآله وسلم) لما خرج من المرط الأسود جاء الحسن فادخله، ثم جاء الحسين فادخله ثم فاطمة ثم علي ثم قال:
(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)((3)).
وهؤلاء وأنصارهم هم الفرقة الناجية :
قال سيد الرسل : تنقسم أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلهم في جهنم إلاّ على(عليه السلام)وشيعته((4)).
وقال سيد الرسل :يا علي أنت وشيعتك الفائزون يوم القيامة ((5)).
ص: 507
ولم يسمّ الناس في الجاهلية أولادهم بالحسن والحسين (عليهما السلام) فاسماهما من أسماء الجنّة((1)) .
ولم يسمّه علي (عليه السلام) قائلا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما كنت لأسبقك باسمه.
فسمّاه رسول الله :الحسن ((2)).
أسماء أهل البيت تختلف عن أسماء البشرية وهي من أسماء أهل الجنة ،فهم خير البرية لا يتقدمهم أحد فى سلطة وعلم وشرف ومنزلة .
لكن رجال الحزب القرشي تقدموهم واغتصبوا خلافتهم!!!ولم يولد مولود لستّة أشهر عاش غير عيسى والحسين (عليهما السلام)((3)).
ص: 508
وسُئل الحسن بن علي(عليه السلام) عن الناس؟
فقال(عليه السلام): نحن الناس وأشياعنا أشباه الناس وأعداؤنا النسناس، فقبله علي(عليه السلام)بين عينيه وقال: الله أعلم حيث يجعل رسالته((1)).
وقال الحسن بن علي (عليه السلام): « يوم أوقفوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في العقبة ليستنفروا ناقته كانوا اثني عشر رجلا منهم أبو سفيان »((2)).
وذكر ابن عبد البر الأندلسي في كتابه الإستيعاب: كان أبو سفيان كهفاً للمنافقين منذ أسلم ((3)).
اجتمعوا العلماء أن النبي قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة((4)).
ص: 509
وروت عائشة حديث: « الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة »((1)).
وقال النبي(صلى الله عليه وآله) :
«يا معاشر المسلمين ألا أدلّكم على خير الناس جدّاً وجدّة»؟
قالوا: بلى يا رسول الله، قال(صلى الله عليه وآله): هذان الحسن والحسين جدّهما رسول الله وجدّتهما خديجة، ثمّ قال(صلى الله عليه وآله): ألا أدلّكم على خير الناس أباً وأمّاً؟
قالوا: بلى يا رسول الله.
قال(صلى الله عليه وآله): هذان الحسن والحسين، أبوهما علي بن أبي طالب، وأمّهما فاطمة ابنة محمد، سيّدة نساء العالمين ((2)).
واجتمعوا أهل القبلة على أن النبى قال الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا.واجتمعوا أيضا أنه قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ((3)).حدثنى بذلك ابن كادش العكبري، عن أبي طالب الحربى العشاري،
ص: 510
عن ابن شاهين المروزي فيما قرب سنده قال: حدثنا محمد بن الحسين بن حميد قال: حدثنا إبراهيم بن العامري قال: حدثنا نعيم بن سالم بن قنبر قال: سمعت أنس بن مالك»
يقول: سمعت رسول الله يقول الخبر.
الروايات السنية
ورواه أحمد بن حنبل في الفضائل والمسند، والترمذي في الجامع، وابن ماجة في السنن، وابن بطة في الابانة والخطيب في التاريخ والموصلى في المسند، والواعظ في شرف المصطفى، والسمعانى في الفضائل، وأبو نعيم في الحلية، من ثلاثة طرق، وابن حشيش التميمى عن الاعمش((1)).
ما ورد في حق سبطى رسول الله، قوله (صلى الله عليه وآله) :الحسن والحسين من رسول الله وسبطاه.
ص: 511
وفي مسند أحمد عن المقدام بن معدي كرب: ان رسول الله وضع الحسن في حجره وقال: " هذا منى، وعن البراء بن عازب قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله) للحسن أو الحسين " هذا مني "((1))
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " حسين منى وأنا منه أحب الله من أحبه، الحسن والحسين سبطان من لاسباط "((2))
ان قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " منى " في هذه الروايات بحق الحسنين نظير قوله بحق أبيهما الامام علي، أراد في جميعها، انهم منه في مقام الولاية الدينية وتبليغ احكام الاسلام. وكذلك نرى ان قوله في حقهما انهما سبطان من الاسباط، لا يعنى أنهما حفيدان كما أن جميع البشر ما عداهما حفدة، أراد ان الالف واللام في الاسباط للعهد الذهنى من القرآن الكريم، أي انهما من الاسباط المذكورين في كتاب الله في قوله تعالى:
(قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما انزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والاسباط وما أوتى موسى وعيسى وما أوتى النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون).((3))
القندوزي الحنفي :قال: يا محمد إنّي اطّلعت على الأرض إطّلاعة فاخترتك منها، فشققت لك إسماً من أسمائي، فلا أذكر في موضع إلاّ
ص: 512
ذُكرت معي فأناالمحمود وأنت محمد، ثمّ اطّلعت ثانية فاخترت علياً وشققت له اسماً من أسمائي فأنا الأعلى وهو علي.
يا محمد: إنّي خلقتك وخلقت علياً والحسن والحسين والأئمّة من ولده من نوري وعرضت ولايتكم على أهل السماوات والأرض فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الكافرين.
يا محمد: لو أنّ عبداً من عبادي عبدني حتى ينقطع، أو يصير كالشنّ البالي ثمّ أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتى يقرّ بولايتكم.
يا محمد: أتحبّ أن تراهم ؟
قلت: نعم يا ربّ.
فقال: إلتفت عن يمين العرض فالتفتت، فإذا بعلي، وفاطمة، والحسن والحسين، وعلي بن الحسين ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى ابن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والمهدي في ضحضاح من نور قياماً يصلّون فهو في وسطهم يعني المهدي، كأنّه كوكب درّي.
وقال: يا محمد هؤلاء الحجج وهذا الثائر من عترتك وعزّتي وجلالي إنّه الحجّة الواجبة لأوليائي والمنتقم من أعدائي.
وأخرجه عنهما الحافظ القندوزي الحنفي أيضاً((1)).
كما أخرجه ابن شاذان في المناقب المائة من طرق العامّة بسنده عن أبي سلمان راعي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ((2)).
ص: 513
الخلاصة
طهارة أهل البيت من الذنوب الكبيرة والصغيرة من أصول ولايتهم وأسسها، فمن شروط الولاية الطهارة من الذنوب.
وقد اتفقت السنة والشيعة على طهارة أهل البيت وامتناعهم بالعصمة الالهية عن الذنوب الدنيوية، وامتناعهم عن الذنوب وعصمتهم دليل على ولايتهم.
فكيف يبرأ المسلم يوم القيامة من عصيانه لولاية علي (عليه السلام) مع كل هذه الأدلة النقلية السنية والشيعية ؟
روى العلاّمة البحراني، عن صاحب المناقب الناضرة في العترة الطاهرة، بإسناده المذكور، عن محمد المسكوي، عن سليمان الأعمش، قال:
بعث إليَّ المنصور في جوف الليل فجزعت وقلت في نفسي ما بعث إليَّ في هذه الساعة إلاّ لخبر، ولا شكّ أنّه يسألني، عن فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فإن أخبرته يقتلني، فنهضت وتطهّرت ولبست ثياباً نظيفة جعلتها أكفاني، وتحنّطت وكتبت وصيّتي، وسرت إليه، فوجدت عنده عمروبن عبيد، فحمد الله وقلت وجدت رجلا عون صدق، فلمّا صرت بين يديه قال لي: أدن منّي يا سليمان، فدنوت منه، فلمّا قربت منه
ص: 514
أقبلت إلى عمرو بن عبيد أسأله ففاح له منّي ريح الحنوط فقال لي المنصور: يا سليمان ما هذه الرائحة والله لئن لم تصدّقني لأقتلنّك.
فقلت: يا أمير المؤمنين لمّا أتاني رسولك في جوف الليل قلت ما بعث إليَّ في هذا الوقت إلاّ ليسألني عن فضائل أهل البيت فإن أخبرته قتلني، فكتبت وصيّتي، ولبست ثياباً جعلتها أكفاني، وتحنّطت، وكان المنصور متّكئاً فاستوى جالساً، وقال: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.
ثمّ قال: يا سليمان ما اسمي؟
قلت: أمير المؤمنين عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس.
قال: صدقت.
قال: فأخبرني كم حديثاً تروى عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، في فضائل أهل البيت؟
فقلت: يسيراً.
قال: كم ذلك ؟
قلت: عشرة آلاف حديث، وما زاد.
قال: يا سليمان، لأحدّثك في فضائلهم حديثين يأكلان الأحاديث إن حلفت أن لا ترويهما لأحد من الشيعة.
فقلت: والله لا أخبر بهما أحداً، وحلفت له بنعمته.فقال: إسمع يا سليمان، كنت هارباً من مروان، أدور في البلاد، وأتقرّب إلى الناس بفضائل علي بن أبي طالب، وكانوا يأتونني ويزورونني ويطعمونني حتى وردت بلاد الشام وأنا في خلق كساء ما عليَّ غيره،
ص: 515
فسمعت الأذان في مسجد فدخلت لأصلي وفي نفسي أن أكلّم الناس في عشاء أتعشى به، فصلّيت وراء الإمام، فلمّا سلَّم إتّكأ على الحائط وأهل المسجد حضور ما رأيت أحداً يتكلّم توقيراً لإمامهم، وأنا جالس، فإذا صبيان قد دخلا المسجد، فلمّا نظر إليهما الإمام، قال: مرحباً بكما ومرحباً بمن سمّيتما باسمهما.
فقلت في نفسي قد أصبت حاجتي، وكان إلى جنبي شاب فقلت له: من يكون ذان الصبيان، ومن الشيخ ؟
فقال: هو جدّهما وليس في هذه المدينة من يحبّ علياً سواه، فلذلك قد سمّاهما حسناً وحسيناً، فملت بوجهي إلى الشيخ وقلت له: هل لك في حديث أقرُّ به عينيك؟
فقال: ما أحوجني إلى ذلك، فإن أقررت عيني أقررتُ عينك.
فقلت: حدّثني جدّي، عن أبيه، قال: كنّا ذات يوم عند رسول الله، إذ أقبلت فاطمة وهي تبكي، فقال لها النبي(صلى الله عليه وآله): ما يبكيك يا قرّة عيني؟
قالت: يا أباه الحسن والحسين خرجا البارحة ولم أعلم أين باتا، وإنّ علياً يمسي على الدالية يسقي البستان منذ خمسة أيّام.
فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): لا تبكي يا فاطمة فإنّ الذي خلقهما ألطف منّي ومنك بهما، ورفع يده إلى السماء وقال(صلى الله عليه وآله):
«اللهمّ إن كانا أخذا براً وبحراً فاحفظهما وسلّمهما».
ص: 516
فهبط جبرائيل وقال: يا محمد لا تهتمّ ولا تحزن هما فاضلان في الدنيا والآخرة، وإنّهما في حديقة بني النجار باتا، وقد وكلّ الله بهما ملكاً يحفظهما.
فقام رسول الله، وجبرائيل عن يمينه، ومعه جماعة من أصحابه حتى أتوا إلى الحديقة وإذا الحسن معانق للحسين، والملك الموكّل بهما إحدى جناحيه تحتهما، والأخرى فوقهما، فانكبّ الرسول(صلى الله عليه وآله) يقبّلهما، فانتبها من نومهما، فحمل النبي(صلى الله عليه وآله)الحسن، وحمل جبرائيل الحسين، حتى خرجا من الحديقة والنبي(صلى الله عليه وآله)يقول: لأشرفهما اليوم كما أكرمهما الله تعالى.
فاستقبله أبو بكر، وقال: يا رسول الله ناولني أحدهما لأحمله عنك.
فقال النبي(صلى الله عليه وآله): نِعْمَ الحمولة ونعم المطية وأبوهما خير منهما، حتى أتى المسجد فقال لبلال: هلمّ إلى الناس، فاجتمعوا، فقام النبي(صلى الله عليه وآله) وقال:
«يا معاشر المسلمين ألا أدلّكم على خير الناس جدّاً وجدّة»؟
قالوا: بلى يا رسول الله، قال(صلى الله عليه وآله): هذان الحسن والحسين جدّهما رسول الله وجدّتهما خديجة، ثمّ قال(صلى الله عليه وآله): ألا أدلّكم على خير الناس أباً وأمّاً؟
قالوا: بلى يا رسول الله.
قال(صلى الله عليه وآله): هذان الحسن والحسين، أبوهما علي بن أبي طالب، وأمّهما فاطمة ابنة محمد، سيّدة نساء العالمين.
ص: 517
ثمّ قال(صلى الله عليه وآله): ألا أدلّكم على خير الناس خالا وخالة ؟قالوا: بلى يا رسول الله.
فقال (صلى الله عليه وآله): هذا الحسن والحسين خالهما القاسم ابن رسول الله، وخالتهما زينب بنت رسول ألله.
ثمّ قال (صلى الله عليه وآله): ألا أدلّكم على خير الناس عمّاً وعمّة؟
قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: هذا الحسن والحسين عمّهما جعفر الطيّار، وعمّتهما أمّ هانئ بنت أبي طالب.
ثمّ قال (صلى الله عليه وآله): اللهمّ إنّك تعلم أنّ الحسن والحسين في الجنّة وجدّهما وجدّتهما في الجنّة، وأباهما وأمّهما في الجنّة، وخالهما وخالتهما في الجنّة، وعمّهما وعمّتهما في الجنّة، اللهمّ وأنت تعلم أنّ من يحبّهما في الجنّة، ومن يبغضهما في النار.
قال المنصور: فلمّا جئت الشيخ بهذا الحديث، قال: من أين أنت ؟
فقلت: من الكوفة.
قال: عربي أو موالي؟
فقلت: عربي.
قال: وأنت تحدّث بمثل هذا الحديث وأنت على مثل هذه الحالة ؟ - ورأى كسائي خلقاً - فخلع علي، وحملني على بغلته، وقال: قد أقررت عيني لأرشدنّك إلى فتى تقرّ به عينك.
ص: 518
ثمّ أرشدني إلى باب دار بقربه، فأتيتُ الدار التي وصفها لي، فإذا بشاب صبيح الوجه. فلمّا نظر إليَّ قال: والله إنّي لأعرف الكسوة والبلغة، أما كساكأبو فلان خلعته، وحملك على بغلته إلاّ وأنت تحبّ الله ورسوله، فأنزلني وحدّثته في فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وقلت له: أخبرني والدي عن جدّي، عن أبيه، قال: كنّا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) ذات يوم، إذ أقبلت فاطمة والحسن والحسين على كتفيها وهي تبكي، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): ما يبكيك يا فاطمة ؟
قالت: يا رسول الله نساء قريش عيّرتني فقلن لي إنّ أباك زوّجك برجل معدم لا مال له ولا نعم، فقال لها رسول الله(صلى الله عليه وآله): ما أنا بالذي زوّجتك، بل الله عزّ وجل زوّجك من فوق سماواته وأشهد جبرائيل وميكائيل واسرافيل، فأوحى الله إليَّ أن أزوّجك في أرضه بعلي وأنّ الله اطّلع على الأرض اطّلاعة فاختار فيها علياً بعلا فزوّجك إيّاه، فعلي أشجع الناس قلباً، وأعظم الناس حلماً، وأعلم الناس علماً، وأقدم الناس إيماناً، وأمنح الناس كفّاً. يا فاطمة إنّي لآخذ مفاتيح الجنّة بيدي ولواء الحمد أيضاً، فأرفعهما إلى علي، فيكون آدم ومن ولده تحت لوائه يا فاطمة إنّي غداً أقيم على حوضي علياً يسقي من عرف من أمّتي يا فاطمة يكسى أبوك حليتين من حلل الجنّة، ويكسى علي حليتين من حلل الجنّة، ولواء الحمد في يدي، وأمّتي لمحت لوائي فأناوله لعلي إكراماً له من الله عزّ وجل، وينادي مناد: يا محمد نعم الجدّ جدّك إبراهيم، ونعم الأخ أخوك علي، وإذا دعاني ربّ العالمين دعا علياً معي، وإذا جيء بي جيء به معي، وإذا شُفِّعت شُفِّع معي
ص: 519
وإذا أجبت أجاب معي وإنّه يوم القيامة عوني على مفاتيح الجنّة، قومي يا فاطمة فإنّ علياً وشيعته الفائزون غداً في الجنّة.قال المنصور: فلمّا حدّثت الشاب هذا الحديث قال لي: ومن أين أنت؟ قلت: من الكوفة.
قال: عربي أو موالي؟
قلت: عربي.
وكساني عشرين ثوباً، وأعطاني عشرين ألف درهم، وقال: قد أقررت عيني بهذا الحديث، ولي إليك حاجة.
فقلت مقضية إن شاء الله تعالى.
قال: إذا كان غداً فآت مسجد بني فلان كيما ترى أخي الشقي، ثمّ فارقته، وطالت علي ليلتي، فلمّا أصبحت أتيت المسجد الذي وصفه لي، وقمت أصلي معه في الصفّ الأوّل وإذا أنا برجل شاب، وهو معتم على رأسه ووجهه، فلمّا ذهب كي يركع سقطت العمامة عن رأسه، فرأيت رأسه رأس خنزير، ووجهه وجه خنزير، فما عقلت ما أقول في صلاتي حتى سلّم الإمام، فالتفتُّ إليه، وقلت له: ما هذا الذي أدّى بك؟
فقال لي: لعلّك صاحب أخي بالأمس.
قلت: نعم.
فأخذ بيدي، وأقامني وهو يبكي، حتى أتينا إلى المنزل فقال: ادخل، فدخلت.
ص: 520
فقال لي: أنظر إلى هذا الدكّان، فنظرت إلى دكّة فقال: كنت مؤدّباً أؤَدِّب الصبيان على هذه الدكّة، وكنت ألعن علياً بين كلّ أذان وإقامة ألف مرّة، فخرجت يوماً من المسجد وأتيت الدار فانطرحت على هذه الدكّة نائماً،فرأيت في منامي كأنّني في الجنّة متّكئاً على هذا الدكّان، وجماعة جلوس يحدّثونني فرحين مسرورين بعضهم ببعض، وكان النبي(صلى الله عليه وآله) قد أقبل ومعه علي بن أبي طالب، وعن يمينه الحسن، ومعه إبريق، وعن يساره الحسين ومعه كأس، فقال للحسين: إسق أباك علياً، فسقاه فشرب، ثمّ قال(صلى الله عليه وآله): اسق الجماعة فسقاهم، ثمّ قال(صلى الله عليه وآله) اسق هذا النائم المتكّىء على الدكان، فقال: يا جدّاه أتأمرني أن أسقيه وهو يلعن أبي في كلّ وقت أذان ألف مرّة، وفي يومنا هذا قد لعنه أربعة آلاف مرّة، فرأيت النبي(صلى الله عليه وآله)قد أقبل إليَّ، وقال لي: ما بالك تلعن أباه، وهو منّي وأنا منه، فعليك غضب الله، ثمّ ضربني برجله، وقال: غيَّر الله ما بك من نعمة، فانتبهت ورأسي رأس خنزير،ووجهي وجه خنزير.
ثمّ قال المنصور: يا سليمان بالله هذان الحديثان عندك؟
فقلت: لا.
فقال: يا سليمان حبّ علي إيمان، وبغضه نفاق.
فقال الأعمش: فقلت: يا أمير المؤمنين ما تقول في قاتل الحسين؟
قال: في النار، وكذلك من قتل ولده.
ص: 521
فأطرق المنصور ثمّ رفع رأسه، وقال: يا سليمان الملك عقيم، حدث في فضائل علي ما شئت ((1)).وقال ابن حجر في الصواعق عن ابن عباس قال النبي لعلي: تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة، راضين مرضيين ، ويأتي عدوّك غضاباً مقمحين ((2)).
قال النبي: من أحب أن يتمسك بدينى ويركب سفينة النجاة بعدي فليقتد بعلي بن ابى طالب وليعاد عدوه وليوال وليه فانه وصيي وخليفتى على أمتي في حياتى وبعد وفاتي وهو إمام كل مسلم وأمير كل مؤمن بعدي...
والحسن والحسين إماما أمتي بعد أبيهما وسيدا شباب أهل الجنة وأمهما سيدة نساء أهل الجنة، وأبوهما سيد الوصيين ومن ولد الحسين تسعة أئمة تاسعهم قائمهم..((3)).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " حسين منى وأنا منه أحب الله من أحبه، الحسن والحسين سبطان من لاسباط "((4))
ص: 522
عن أبي ذر الغفاري قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ الله تعالى اطلع إلى الأرض اطلاعة من عرشه - بلا كيف ولا زوال - فاختارني نبياً، واختار علياً صهراًوأعطى له فاطمة العذراء البتول، ولم يعطِ ذلك أحداً من النبيين. وأُعطي الحسن والحسين ولم يعطِ أحداً مثلهما، وأعطي صهراًمثلي وأعطي الحوض، وجعل إليه قسمة الجنة والنار، ولم يعطِ ذلك الملائكة((1)).
كنز العمّال : قال الرسول (صلى الله عليه وآله) في الحسنين (عليهما السلام): « الحسنان سبطا هذه الأُمّة »((2)).
وقال النبي عن الحسنين: من أحبني وهذين وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة((1)).
وفُرِضت الصلاة عشراً ركعتين ركعتين.
ولما ولد الحسن والحسين (عليهم السلام) زاد رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سبع ركعات شكراً لله تعالى فأجاب الله له ذلك((2)). والصلاة عمود الدين. واول ما يسأل الله تعالى عنها يوم القيامة.
والصلاة فريضة إلهية إن قبلت قُبِل ما سواها وفرع من فروع الدين.
قال علي بن إبراهيم القمِّيُّ(رحمه الله) في تفسيره: «فإنَّ الله أمره أن يخصَّ أهله دون النّاس ليعلم النّاس أنَّ لأهل محمّد (صلى الله عليه وآله) عند الله منزلة خاصَّة ليست للنّاس، إذ أمرهم مع النّاس عامّة، ثمَّ أمرهم خاصَّة، فلمّا أنزل الله هذه الآية كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يجيء كلَّ يوم عند صلاة الفجر حتّى يأتي باب علي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)فيقول: السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فيقول
ص: 524
علي وفاطمة والحسن والحسين: وعليك السَّلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ; ثمَّ يأخذ بعضادتي الباب ويقول: الصَّلاة، الصّلاة - يرحمكم الله -
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) .وعن أبي مسعود الأنصاري أنَّه قال: أتانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونحن في مجلس سعد بن عُبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله عز وجل أن نصلِّي عليك، فكيف نصلِّي عليك؟
فسكت رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) حتَّى تمنَّينا أنّه لم يسأله. فقال قولوا اللهمّ صلِّ على محمد وآل محمد، كما صلَّيت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم في العالمين إنَّك حميد مجيد.
ولمَّا كان يوم أحد شُجَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وجهه، وكسرت رباعيته، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله)يومئذ رافعاً يديه يقول:
إنَّ الله تعالى اشتدَّ غضبه على اليهود أن قالوا: عزير ابن الله، واشتدَّ غضبه على النصارى أن قالوا: المسيح ابن الله، وإن الله اشتدَّ غضبه على من أراق دمي، وآذاني في عترتي((1))..
ص: 525
كان اقتران علي (عليه السلام) بفاطمة يمثّل زواجاً لإمام المتّقين ((1)) بسيّدة نساء العالمين وقد سمَّاها النبي سيدة نساء العالمين((2)) .
وهو أوّل زواج في الدنيا بهذه الصورة العظيمة يمثّل زواج الكفؤ من الكفؤ.
بينما لم يتزوّج سيّد الأنبياء محمّد (صلى الله عليه وآله) من كفؤ له إذ قال سيّد الأنبياء (صلى الله عليه وآله)لعلي:
لك زوجة كفاطمة وليس لي زوجة مثلها، ولك صهر كمحمّد وليس لي صهر مثله.
لقد أراد الله تعالى نموذجاً إلهياً في الزواج فجعله في علي وفاطمة وذرّيتهما.
فلم يتزوّج الأنبياء والأوصياء من كفؤ لهم كفاطمة (عليها السلام)، فالاثنان معصومان عن الأخطاء الكبيرة والصغيرة، إذ قال الباري عزّوجلّ:
ص: 526
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)((1)).
وليكتمل هذا النموذج السماوي فقد جعل الله تعالى العصمة في أولادهم الأحد عشر.
وختم الدنيا بآخرهم المهدي (عليه السلام) ليملأ الدنيا به قسطاً وعدلا بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
فكانت هذه العائلة مثالا للزهد والعلم والعبادة والعمل والإخلاص والتقوى.
فانبهر المسلمون بأخلاقهم الرائعة وسيرتهم الممدوحة وتفانيهم في الله تعالى وطاعتهم له ونكرانهم لذاتهم وذوبانهم في الدين.
قال الطبراني عن ابن مسعود ; إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: « إنّ الله أمرني أن أُزوّج فاطمة من علي »((2)).فهو كفؤها الكريم.
وكان علي بن أبي طالب (عليه السلام) كفؤ فاطمة (عليها السلام) إذ قال النبي الأكرم:
لو لم يُخلق علي ما كان لفاطمة كفؤ ((3)) .
ص: 527
قال النبي عن علي: سيد المسلمين، وقال عن فاطمة: سيدة نساء العالمين، فكان زواجهما زواج الكفؤ من الكفؤ كما قال النبي الأكرم.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): « سلِّموا على علي بإمرة المؤمنين»((1)).
وذكر الرسول لعائشة: « أَنّ علياً أمير المؤمنين وسيّد المسلمين »((2)).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): « لو يعلم الناس متى سمّي الإمام علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله سمّي بذلك وآدم بين الروح والجسد قال الله تعالى: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى)فقال تعالى: أنا ربّكم ومحمّد نبيّكم وعلي أميركم ».
وذكر الحارث بن الخزرج صاحب راية الأنصار أَنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال لعلي: « لا يتقدّمك إلاّ كافر وإنّ أهل السماوات يسمّونك أمير المؤمنين ».
ص: 528
ولمّا قال الإمام علي (عليه السلام) مرَّة للرسول (صلى الله عليه وآله): « السلام عليك يارسول الله فقال (صلى الله عليه وآله) : وعليك السلام ياأمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
فقال (عليه السلام): أنت حي وتسمّيني أمير المؤمنين ؟
قال: نعم. إنّما سمّاك جبريل عند الله »((1)).
بينما أساء البعض للنبى ولم يقل عنه رسول الله: عن الزهرى عن مالك بن أوس :قال عمر للعباس عم النبى: جئت تطلب ميراثك من ابن أخيك وجاء هذا (علي) يطلب ميراث امرأته.
قال عبد الرزاق: انظروا الى هذا الأنوك (الأحمق )يقول تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث زوجته من أبيها ولا يقول رسول الله((2)) .
ورغم هذا يذكر البعض عائشة أكثر من فاطمة بل يتناساها لكن المعتزلي قال: كيف تكون عائشة أو غيرها في منزلة فاطمة وقد أجمع المسلمون كلهم من يحبها ومن لا يحبها منهم: أنها سيدة نساء العالمين((3)).
وقال أبو بكر بن داود: لا أفضل ببضعة من رسول الله أحداً((4)).
ص: 529
وروى الحاكم الحسكاني والقندوزي بإسناده عن الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا، عن آبائه، عن علي(عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أحب ان يركب سفينة النجاة، ويستمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل الله المتين فليوال علياً، وليأتم بالهداة من ولده((1)).
وروى الحافظ الحاكم الحسكاني الحنفي، قال: أخبرونا، عن القاضي أبي الحسن محمد بن عثمان النصيبي، بإسناده المذكور، عن كامل، عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أنفُسَكُمْ )، قال:
لا تقتلوا أهل نبيّكم، إنّ الله يقول: (تَعَالَوْا نَدْعُ أبْنَاءَنَا وَأبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأنْفُسَنَا وَأنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ على الكَاذِبِينَ61 »).
وكان أبناءنا الحسن والحسين.
وكان نساءنا فاطمة.
وأنفسنا النبي وعلي(عليهما السلام)((2)).
وأخرج نحواً منه بسند آخر ينتهي أيضاً إلى ابن عباس، الحافظ أبو الحسن بن المغازلي في مناقبه((3)).
ص: 530
رواية الامام علي: الأئمة من قريش، غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم ((1)).
وكذلك أرسل الله تعالى اثني عشر خليفة للمسلمين اولهم علي بن أبي طالب(عليه السلام)ثم الحسن والحسين(عليه السلام)..الى المهدي(عج)((2)).
رواية العامة:
قال النبي: الأئمة من بعدي إثنا عشر كلهم قريش ((3)).
البخاري:«قال النبي: إنَّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين الى قوله: يرزق من يشاء بغير حساب. قال ابن عباس: وآل عمران المؤمنون من آل ابراهيم، وآل عمران وآل ياسين وآل محمد »((4)).مسلم: وقال مسلم مؤيداً حديث الامام علي:
قال النبي: إنَّ الله تعالى اصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ((5)).
ص: 531
الترمذي: وقال النبي إنَّ الله خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم وخير الفريقين ،ثم خيرَّ القبائل فجعلني من خير قبيلة، ثم خيَّر البيوت فجعلني من خير بيوتهم ،فأنا خيرهم نفساً وخيرهم بيتاً ((1)).
مرتبة المهدي في الأئمة الخلفاء:
المهدي هو الامام الثاني عشر للمسلمين طبقاً للحديث النبوي الشريف:
الخلفاء أثنى عشر من قريش من بني هاشم.
الأئمة الاثني عشر عند اليهود:
قال ابن كثير في النهاية:
في التوراة التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه: إنَّ الله تعالى بشَّر ابراهيم باسماعيل وانه ينميه ويكثره ويجعل من ذريته اثني عشر عظيماً ((2)).فالأئمة يا جابر إثنا عشر إماماً، أوّلهم علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم»((3)).
ابن عساكر: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) برواية انس بن مالك: عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب (عليه السلام) ((4)).
ص: 532
وأخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخلافة اثني عشر خليفة له قائلاً: «يكون بعدي اثنا عشر خليفة».
وقرأ آية: (إنَّ عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً)((1)).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الأئمة من بعدي اثنا عشر تسعة من صلب الحسين والتاسع مهديهم» ((2)).
وجاء عن جابر بن سمرة أنّه لم يسمع ما قاله الرسول (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك فسأل أباه، فقال: إنَّه يقول: كلهم من قريش ((3)).
لقد كثر الصخب من طلقاء قريش والمنافقين في منى((4)).والحقيقة أنّ الصخب قد حدث لقوله (صلى الله عليه وآله): كلهم من قريش من بني هاشم.
كما قال جابر بن سمرة ((5)) .
ص: 533
فذكروا قوله (صلى الله عليه وآله) محرفاً :كلهم من قريش فقط،والحزب القرشي متخصص فى التحريف .
وقد عمل الحزب الأموي نفس الأمر في قضية الوصية في يوم الخميس إذ جاء: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)«اوصيكم بثلاث: اخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم وسكت عن الثالثة أو قالها فنسيتها»((1)).
فعندما يصل الأمر إلى الوصية لعلي (عليه السلام) أو الخلافة للأئمة الاثني عشر من أهل البيت: ينسى الراوي!!! ويحرف الناسخ أو الناشر أو أنّه لم يسمع الكلمة جيداً وغير ذلك!!
وهذا يعود إلى النظرية التي قالها الحزب القرشي في يوم الخميس بواسطة عمر وبحضور الرسول (صلى الله عليه وآله): حسبنا كتاب الله ((2))، والقانون الذي سنَّه أبو بكر وعمر وعثمان وكتبه معاوية لاحقاً في المنع من ذكرالحديث وتدوينه والامتناع عن ذكر فضائل الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام)وأهل بيته ((3)).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): «إنِّي وإثني عشر من ولدي وأنت يا علي زرُّ الأرض، يعني أوتادها وجبالها، بنا أوتد الله
ص: 534
الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الإثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا»((1)).
وقال جعفر الامام الصادق (عليه السلام): «لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت» ((2)).
: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أئتوني باللوح والدواة أو الكتف أكتب لكم كتاباً ، لا تضلُّون بعده أبداً فقالوا : رسول الله يهجر((3)).
بينما قال اللهُ تعالى : (وَأطِيعُوا اللهَ والرّسُولَ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ)((4)) و(مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقد أَطَاعَ اللهَ . .)((5)).
ص: 535
وذكر سبط بن الجوزي : ولمَّا مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال قبل وفاته بيسير : إئتوني بدواة وبياض ، لأكتب لكم كتاباً ، لا تختلفون فيه بعدي ، فقال عمر : دعوا الرجل فإنَّه ليهجر((1)).
واعترف عمر بمعارضته للرسول في يوم الخميس ، قائلا : إنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)أراد أن يذكره للأمر في مرضه ، فصددته عنه الخ((2)) .أي أراد الرسول (صلى الله عليه وآله) أن يذكر الإمام علياً (عليه السلام) للأمر .
ص: 536
وكان اعتراف عمر واضحاً في أيام خلافته بأنَّ النبيَّ أراد ان يصرِّح بإسمه ( علي (عليه السلام) ) فمنعته ؟ ! إذ سألوا عمر : ماذا أراد أن يكتب (صلى الله عليه وآله) في يوم الخميس ؟ قال عمر : تعيين الخليفة علي((1)) .
فعمر فهم هدف النبيّ (صلى الله عليه وآله) بطلبه دواة وصحيفة ، أنّه يريد كتابة الوصيَّة ، وفهم من قوله : لأكتب كتاباً لن تضلُّوا بعده أبداً ، ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
لأنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) في غدير خم وعندما بايع علياً (عليه السلام) ذكر ذلك النص : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم والي من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، إن تمسَّكتم به لن تضلُّوا بعده أبداً ، وقال (صلى الله عليه وآله) أيضاً : « وإنِّي تارك فيكم الثقلين ، كتاب الله وعترتي اهل بيتي ، ما إن تمسَّكتم بهما ، لن تضلُّوا أبداً »((2)) . فأصبح معروفاً تلازم أهل البيت (عليهم السلام) مع عدم الضلال ، وتلازم علي (عليه السلام)مع عدم الضلال .لذلك اعترف الخليفة عمر لابن عباس لاحقاً قائلا : أراد الرسول (صلى الله عليه وآله)أن يصرِّح باسمه في يوم الخميس ، فمنعته((3)).
ص: 537
أبو نعيم: وجاء في رواية أبي نعيم قول رسول الله(صلى الله عليه وآله): من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن فليوال علياً(عليه السلام) بعدي ويقتدِ بالأئمة من بعدي فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي ورزقوا فهماً وعلماً وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي ((1)).
وعن عبدالله بن مسعود قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الخلفاء بعدي اثنا عشر كعدد نقباء بني إسرائيل ((2)).
وهذا الحديث يفصح عن أنّ خلافة النبي (صلى الله عليه وآله) دينية وسياسية وليست سياسية فقط مثلما يدعي البعض، فيضعون ضمن الخلفاء كل من جاءت به السياسة ومنهم معاوية ويزيد بن معاوية ومروان!((3)).
ولقد كان أوّل الخلفاء علي بن أبي طالب (عليه السلام). الذي قال فيه الرسول (صلى الله عليه وآله): من كنت مولاه فهذا علي مولاه ((4)).
وبالإتفاق لم يكن أبو بكر وعمر وغيرهم خلفاء دينيين بل سياسيين وقد قال عمر عن بيعة أبي بكر: كانت فلتة ومن عاد إليها فاقتلوه((5)).
ص: 538
وندم أبو بكر في أواخر عمره (بعدما سُمَّ من قبل عمر وعثمان ) على استلامه السلطة، قائلاً:
وددت أني يوم سقيفة بني ساعدة قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين عمر أو أبي عبيدة ((1)).
ولو كانت خلافته دينية لما ندم على ذلك ولما قال: ياليتني كنت بعراً ولم أكُ بشراً((2)).
الكنجي الشافعي:وقال الكنجي الشافعي:
«إنَّ الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده (صلى الله عليه وآله) اثنا عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة... فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان، علم أنَّ مراد رسول الله (صلى الله عليه وآله)من حديثه هذا الأئمة الإثنا عشر من أهل بيته وعترته، إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر.
ولا يمكن أن نحمله على الملوك الأمويين لزيادتهم على اثني عشرولظلمهم الفاحش إلاّ عمر بن عبدالعزيز، ولكونهم من غير بني هاشم، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: كلهم من بني هاشم في رواية عبدالملك،عن جابر وإخفاء صوته (صلى الله عليه وآله) في هذا القول يرجح هذه الرواية، لأ نَّهم لا يحبون خلافة بني هاشم.
ص: 539
ولا يمكن أن نحمله على الملوك العباسيين، لزيادتهم على العدد المذكور، ولقلة رعايتهم الآية: قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى .
حديث الكساء.
لابدّ من أن يحمل هذا الحديث على الأئمة الإثني عشر من أهل بيته وعترته (صلى الله عليه وآله)، لأنَّهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلهم وأورعهم وأتقاهم وأعلاهم نسباً، وأفضلهم حسباً، وأكرمهم عند الله...
ويؤيد هذا المعنى، أي أن مراد النبي (صلى الله عليه وآله) الأئمة الإثني عشر من أهل بيته، ويشهد له ويرجحه: حديث الثقلين، والأحاديث المتكررة المذكورة في هذا الكتاب، وغيرها...»((1)).
وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في نهج البلاغة من خطبته: أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذباً وبغياً علينا، أن رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم.. بنا يستعطى الهدى وبنا يستجلى العمى.
وإنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شيء أخفى من الحق، ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)، وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته، ولاأنفق منه إذا حرف عن مواضعه، ولا في البلاد شيء أنكر من المعروف، ولا أعرف من المنكر.
ص: 540
وقال الرسول (صلى الله عليه وآله) عن الامام علي (عليه السلام): «إنَّه أبو سبطيَّ، والأئمة من صلبه، يخرج الله تعالى الأئمة الراشدين منه، ومنهم مهدي هذه الأمة» ((1)).
وعن ابن عباس قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنَّ وصيي علي بن أبي طالب (عليه السلام)وبعده سبطاي الحسن والحسين تتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين.
قال: يا محمد فسمهم لي.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): إذا مضى الحسين فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه علي ، فإذا مضى علي فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه الحسن، فإذا مضى الحسن فابنه الحجة محمد المهدي فهؤلاء إثنا عشر»((2)).
نقل أبو الحسن الفقيه محمد بن علي بن شاذان في المناقب المائة من طريق العامّة بحذف الإسناد، عن ابن عباس، قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول:«معاشر الناس اعلموا أنّ لله تعالى باباً من دخله أمن من الناس ومن الفزع الأكبر - إلى أن قال - (صلى الله عليه وآله):
ص: 541
معاشر الناس من سرّه ليقتدي بي فعليه أن يتولى ولاية علي بن أبي طالب والأئمّة من ذريّتي فإنّهم خزّان علمي».
فقام جابر بن عبدالله الأنصاري، فقال: يا رسول الله ما عدّة الأئمّة؟
قال(صلى الله عليه وآله):
«يا جابر سألتني - رحمك الله - عن الإسلام بأجمعه، عدّتهم عدّة الشهور، وهو عند الله إثنى عشر شهر في كتاب الله، يوم خلق السماوات والأرض... الحديث»((1)).
أقول: الذي يظهر من ظاهر هذه الرواية، وصريح رواياتنا أنّ هذه الآية الكريمة تأويلها في الأئمّة الإثنى عشر علي وأولاده الأحد عشر(عليهم السلام).
إذن حديث الأئمة الاثني عشر بأسمائهم قد ورد من طرق السنة والشيعة ((2)) ،قالها رسول الله (صلى الله عليه وآله)في حجة الوداع وفي أماكن أخرى، فهم الأئمة الذين أشار الرسول إليهم وحاول الطغاة الحلول محلهم.
وقال جابر الجعفي: سألت الامام الباقر عن الآية فقال:
يا جابر أما السنة فهي جدي رسول الله، وشهورها اثنا عشر، فهو أمير المؤمنين ،واليَّ والى ابني جعفر وابنه موسى، وابنه علي وابنه محمد وابنه
ص: 542
علي والى ابنه الحسن الى ابنه محمد المهدي، اثنا عشر اماماً حجج الله على خلقه وامناؤه على وحيه وعلمه.
والاربعة الحرم هم الدين القيم أربعة، منهم يخرجون باسم واحد:
علي أمير المؤمنين وأبي علي بن الحسين، وعلي بن موسى، وعلي بم محمد ،فالاقرار بهؤلاء هو الدين القيم (فلا تظلموا فيهن أنفسكم )أي قولوا بهم جميعاً تهتدوا )((1)).
قال (صلى الله عليه وآله): « إنّ حبّ علي قُذف في قلوب المؤمنين ; فلا يحبّه إلاّ مؤمن، ولا يبغضه إلاّ منافق »((2)) .
ص: 543
« وإنّ حبّ الحسن والحسين قُذف في قلوب المؤمنين والمنافقين والكافرين ; فلا ترى لهم ذامّاً »((1)).
ولمّا جاءوا بجثمان الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) ليدفن مع جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله)في غرفة أُمّه فاطمة (عليها السلام) ركبت عائشة على بغل وقادت الغوغاء لمنع هذا الدفن فأحدثت فتنة كبيرة في المدينة سنة 48 هجرية، و حالت دون هذا الدفن((2)). بينما قالت عائشة: قال النبي (صلى الله عليه وآله): الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ((3)).
ص: 544
أخبرنا محمد بن عمر حدثني بن أبي سبرة عن عبد المجيد بن سهيل عن عكرمة قال: كانت عائشة تحتجب من حسن وحسين.
فقال ابن عباس: إن دخلوهما عليها لحل ((1)).
ولا يُعقل عدم معرفة عائشة بما قاله ابن عباس من حكم شرعي لكنها لم تحب الحسن والحسين في طفولتهما وحاربتهما لتقتلهما في حرب الجمل، لانهما ولدا فاطمة بنت ضرتها خديجة.
رغم أن عائشة قالت قال النبي (صلى الله عليه وآله):
لم يكن قطّ في الدنيا أحبّ إلى الله منه (الامام علي) وأحبّ إليّ منه ومن زوجته فاطمة ابنتي ومن ولديه الحسن والحسين (عليهما السلام)وإنّ ابنتي سيّدة شباب أهل الجنّة وإنّ بعلها لا يقاس به أحد من الناس وإنّ ولديه الحسن والحسين ريحانتاي في الدنيا والآخرة((2)).
عن عائشة: قال النبي (صلى الله عليه وآله): « أنا سيّد الأوّلين والآخرين وعلي بن أبي طالب سيّد الوصيين وهو أخي ووارثي وخليفتي على أُمّتي وهو إمام المسلمين ومولى المؤمنين وأميرهم بعدي »((3)).
ورغم هذا حاربته عائشة ودعت الناس الى قتله في حرب الجمل!!!
ص: 545
لذا أشار رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى بيت عائشة عند أدائه صلاة الجمعة فى المسجد النبوى أمام جموع الصحابة قائلا: « هاهنا الفتنة هاهنا الفتنة من حيث يخرج قرن الشيطان »((1)).
منعت عائشة من دفن الإمام الحسن (عليه السلام) في غرفة أُمّه فاطمة بنت محمّد (صلى الله عليه وآله)مع جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ((2)) ولا يتمكّن أحد من منع دفن سيّد شباب أهل الجنّة في غرفة أُمّه المملوكة لها.
ص: 546
ولأجل ذلك ركبت عائشة بغلا وقادت بني أُميّة واعداء أهل البيت فصنعت فتنة كفيلة بمنع هذا الدفن المشروع ((1))، وعمرها يومذاك (55) سنة.فشرعت حرب البغل بين الجانبين و عملت عائشة ما فعلته في حرب الجمل من إثارة أعوانها بصوتها الجهوري وحركات يديها، ودوران بغلها وعويلها في وسط الميدان، وكانت فنّانة في تحريك أنصارها وشدّهم على الخصوم، فأصبح نعش الإمام الحسن (عليه السلام) كالقنفذ من سهام أتباع عائشة وجُرِح المشيّعون وقُتِل آخرون.
روت عائشة حديث: « الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة »((2)).
لكنّها حاربتهما في معركتي الجمل والبغل، فعائشة حاربت الحسين (عليه السلام) في البصرة وأرادت قتله اذ جاءت بالأعراب لهذا الغرض لكنّها لم تفلح رغم الأحاديث النبوية في فضله((3)).
وفي معركة البغل أعادت عائشة الكرّة ثانية لقتل الحسين (عليه السلام) حينما وجدت الفرصة أفضل من السابق فالحسين (عليه السلام)وحده لا
ص: 547
مناصر له بعد مقتل النبي (صلى الله عليه وآله)وعلي (عليه السلام)وفاطمة والحسن (عليهما السلام).فلمّا منع مروان وعائشة من دفن الحسن (عليه السلام) إلى جنب جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله)قالت: هذا الأمر لا يكون أبداً، يدفن ببقيع الغرقد ولا يكون لهم رابعاً((1)).
بينما تواترت النصوص على أنّه سيّد شباب أهل الجنّة وأحد أفراد أهل البيت الذين طهّرهم الله تعالى تطهيراً، وإنّه ريحانة النبي (صلى الله عليه وآله) وشبيهه وأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)سمّاه بالحسن (عليه السلام)((2))، وقد روت عائشة حديث تسمية النبي (صلى الله عليه وآله) له بالحسن((3)).
وقال اليعقوبي: إنّ عائشة ركبت بغلة شهباء، وقالت: بيتي لا آذن فيه لأحد ،فأتاها القاسم بن محمد بن أبي بكر فقال لها: ياعمّة ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر، أتريدين أن يقال يوم البغلة الشهباء((4)) ؟
فقال عبدالله بن عبّاس مخاطباً عائشة:
تجمّلت تبغّلت***ولو عشت تفيّلت
لك التسع من الثمن***وبالكلّ تفيّئت((5))
ص: 548
وكرّر المشيّعون صوت ابن عبّاس فارتجّت أركان المدينة.لقد أمر الله تعالى فى كتابه نساء النبي بالاقرار فى بيوتهن :
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الاُولَى ((1)).
لكن عائشة خرجت من بيتها لحرب خليفة المسلمين على جمل ،وخرجت ثانية لمحاربة سيدا شباب اهل الجنة على بغل!!!
وقال البخاري والذهبي وآخرون: انقسمت نساء النبي الى قسمين حزب برآسة عائشة وحفصة، وحزب آخر برآسة أم سلمة وسائر نساء النبي((2)) .
وقال ابن عباس : دخل الامام علي (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليه وآله) وعنده عائشة فجلس بين النبي (صلى الله عليه وآله)وعائشة . فقالت : ما كان لك مجلس غير فخذي ؟
فضرب النبي (صلى الله عليه وآله)على ظهرها وقال : مه لا تؤذيني في أخي ، فانه امير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين يوم القيامة ، يقعد على الصراط المستقيم فيدخل أولياءَه الجنة ويدخل اعداءه النار((3)).
ص: 549
لكنها أخطأت في محاربة الامام علي في معركة الجمل وفي جيشه الحسن والحسين فقُتل ثلاثون ألف مسلم ثم بكت على خروجها وندمت.
قالت عائشة: وددت أني إذا مت كنت نسيا منسيا ((1)).
وقالت عائشة: حين حضرتها الوفاة يا ليتني لم أخلق يا ليتني كنت شجرة أسبِّح وأقضي ما علي ((2)).
وقالت عائشة: والله لوددت أني كنت شجرة والله لوددت أني كنت مدرة والله لوددت أن الله لم يكن خلقني شيئا قط ((3)).
وقالت عائشة: يا ليتني كنت شجرة يا ليتني كنت حجرا يا ليتني كنت مدرة((4)).
وقالت عائشة عند وفاتها: ياليتني كنت نباتا من نبات الارض ولم أكن شيئا مذكورا ((5)).
وكانت عائشة إذا قرأت هذه الآية وقرن في بيوتكن .
ص: 550
بكت حتى تبل خمارها ((1))، نادمة على أفعالها في خروجها الى الحرب مخالفة للقرآن والنبي.وقالت عائشة عند وفاتها: إني قد أحدثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فادفنوني مع أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) ((2)).
قالت هذا بعد معرفة المسلمين بأفعالها المخالفة للشريعة وأكاذيبها الكبيرة على النبي والمسلمين، ومشاركتها في قتل رسول الله.
ثم منعت عائشة من دفن الحسن سيد شباب أهل الجنة مع جده رسول الله
وكان لعائشة مصحف يسمى مصحف عائشة ((3)) .
بينما تُشكل السلفية على مصحف فاطمة وهو مجموعة من الأحاديث عما يحدث في المستقبل من وقائع كان يذكرها أحد الملائكة لفاطمة بعد شهادة أبيها ويكتب ذلك الامام علي ((4)) .
ص: 551
ص: 552
ص: 553
بعد شهادة النبى محمد حصل العلم الغيبى الذى ذكره الله تعالى فى كتابه الشريف بانقلاب الصحابة على الدين وجريهم خلف الدنيا كما جاء فى القرآن الكريم :
وَمَا مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أفَإنْ مَاتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ((1)).
وفعلا قُتل النبي محمد بيد بعض الصحابة فى اليوم السابق لشهادته الكريمة عندما أعطوه سماً قاتلا باسم الدواء أثناء نومه في غرفة عائشة .
وكان فى الغرفة ابو بكر وعمر وعائشة وحفصة فقط وبعدما أعطوه الدواء تنكروا لعملهم المذكور واتَّهموا العباس عمَّ النبى الذي لم يكن حاضراً معهم .
عصى بعض الصحابة النبي فى اوامره المختلفة فى السلم والحرب :
ص: 554
بعد عودة الرسول(صلى الله عليه وآله) من حجة الوداع وصل الى غدير خم وهناك اوصى لعلي بن أبي طالب(عليه السلام) بالخلافة، وعيَّنه اماماً للأمةفبايعوه وفي المدينة دعا الناس للتوجه لحرب الروم، وفي ذلك الجيش معظم الصحابة.
وذكرت امهات الكتب الحديثية والتاريخية وجود أبي بكر وعمر وعثمان وابن الجراح فيمن انتدب الى حملة الشام، فقد ذكر ابن سعد:
«فلما اصبح يوم الخميس عقد لاسامة لواءاً بيده ثم قال: اُغزُ بسم الله وفي سبيل الله، فقاتل من كفر بالله، فخرج وعسكر بالجرف، فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والانصار إلاّ انتدب في تلك الغزوة، فيهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وغيره((1)).
ص: 555
ثم جاء أمر أبى بكر فهجم عمر مع جيش قوامه أربعة آلاف رجل فى اليوم الثانى على دار فاطمة الزهراء متسبباً فى قتلها وقتل ابنها الذى كانت حاملا به متسبباً في موتها((1)).ثم قتل ابو بكر وعمر سعد بن عبادة المعارض لبيعة ابى بكر فى الشام ((2)).
.وتسببت الحكومة فى مقتل الكثير من الصحابة المعارضين لها فى زمن ابى بكر وعمر وعثمان .
وظهرت الطبقية فى المجتمع الاسلامى وأبعدوا رجال بدر واحد وعيَّنوا الطلقاء والاعراب مكانهم .
وخالفت الدولة الشريعة الاسلامية فى متعة الحج ومتعة الزواج وقول حي على خير العمل فى الأذان وأوجدوا بدعة :الصلاة خير من النوم وبدعة التراويح ((3)).
ص: 556
وخالفت الحكومة الشريعة الاسلامية فى أبواب وفصول كثيرة حتى وصل المجتمع الاسلامى الى الهاوية فى زمن عثمان بن عفان .
وتسببت تلك الامور فى مقتل عثمان قتلة مروعة ووضعه على الزبالة مع خدمه ثلاثة أيام كما قال ابن أعثم ثم دفنوه فى مقبرة اليهود راجع كتابى حول عثمان فى السيرة النبوية ج 7 - 8 ((1)) .وكان عمر قد عيَّن معاوية على الشام وأعطاه جيوش المسلمين وأموالهم ولم يحاسبه أبداً ،مطلقاً يديه فى هذا البلد ،وسماه كسرى العرب مهيئاً اياه للملوكية .
ثم قادت عائشة جيشاً كبيراً الى البصرة عاصية خليفة زمانها ومؤججة المسلمين علية فحدثت فتنة كبية هى التى ذكرها النبى فى صلاته للجمعة فى المسجد النبوى حينما أشار الى بيت عاشة قائلا :
من هنا تنبع الفتنة من هنا يخرج قرن الشيطان
فتسبب ذلك فى محاربة معاوية للامام علي ومؤامرته المعروفة مع الخوارج فى مقتل الامام علي .وبعدها استمر المشروع الاموي فى عصيان الخلافة الاسلامية
ص: 557
لقد ارتدَّ أكثر الصحابة بعد رسول الله وأصبحوا قتلة ومغتصبي للخلافة قال سلطان الأنبياء محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) قبل شهادته : «أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم»((1)).
البخاري ومسلم :
وأخرج البخاري ومسلم أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «يرد عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي - أو قال من أمتي - فيحلؤون عن الحوضفأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنه لا علم لك بما أحدثوا بعدك انهم ارتدَّوا على أدبارهم القهقرى »((2)) .
البخاري:
ثم قال البخاري: إن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «بينما أنا قائم على الحوض إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم . فقلت: أين؟
فقال: إلى النار والله، فقلت: ما شأنهم ؟
قال: إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى، ثم إذا زمرة أخرى، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال لهم: هلم . فقلت إلى أين؟
قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟
ص: 558
قال: إنهم ارتدوا على أدبارهم فلا أراه يخلص منهم إلا همل النعم»((1)) .وظاهر الحديث بقرينة (حتى إذا عرفتهم)، وقوله: (ارتدٌّوا على أدبارهم القهقرى) ،فأقول سحقاً سحقاً((2)).
أن الذين أدركوا عصره وكانوا معه هم الذين يرتدٌّون بعده .ولا ينجو من هؤلاء الصحابة إلاّ القليل، إذ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «فلم يفلت منهم إلاّ كمثل همل النعم».قال الجوهري: والهمل، الإبل التي
ص: 559
ترعى بلا راع مثل النفش إلاّ أنّ النفش لا يكون إلاّ ليلاً والهمل يكون ليلاً ونهاراً((1)).
اذن مصير مؤذي النبي محمد (صلى الله عليه وآله)وفاطمة ومغتصبي الخلافة ومحرفي السنن الالهية النار كما قال البخاري .
وأعطى عثمان سعيد بن العاص مائة ألف درهم((2))، وأعطى عثمان مائة ألف درهم للأشعث بن قيس الكندي.
وأعطى عثمان لصهره مروان بن الحكم أيضاً000/500 ألف دينار ذهب و000/100 درهم فضّة، وأعطى لعبدالله بن أبي سرح أيضاً 000/100 دينار، وأعطى لطلحة بن عبدالله 000/200 مع ثلاثين مليون درهم مرّة ومليونين ومئتين ألف درهم فضّة، وأعطى لعبدالرحمن بن عوف 000/560/2 دينار، وأعطى عثمان ليعلي بن أمية نصف مليون دينار وأعطى زيد بن ثابت (اليهودي السابق) مائة ألف دينار ((3)).
ص: 560
ووهب عثمان بن عفان إلى أبي سفيان مائتي ألف من بيت المال((1)).
وأعطى صهره الحارث بن الحكم (المتزوّج من ابنته عائشة بنت عثمان) ثلاثمائة ألف درهم((2)).ووردت إبل الصدقة فوهبها له((3))، وأقطعه سوقاً في يثرب يعرف بتهروز بعد أن تصدّق به رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)على جميع المسلمين((4)).
وأعطى عبدالله بن أبي سرح (أخاه من الرضاعة) جميع ما أفاء الله به من فتح أفريقية بالمغرب((5)).
وأعطى أبا سفيان مائتي ألف من بيت المال في اليوم الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت المال بعد أن زوّجه ابنته أمّ أبان وأعطى مروان خُمس الغنيمة.
وأتاه أبو موسى الأشعري بأموال جليلة من العراق فقسّمها في بني أميّة، وأنكح الحرث بن الحكم ابنته عائشة فأعطاه مائة ألف من بيت المال((6)).
ص: 561
وردّ الحكم بن أبي العاص وابنه مروان وأعطاه مائة ألف بعد أن نفاه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عن المدينة، وافتتحت أرمينية في زمنه فأخذ خمسها كلّه ووهبه لصهره مروان((1)).ودفع عثمان إلى أزواج بناته الأربعة أربعمائة ألف دينار((2)).
وسيطر المسلمون على جواهر كسرى في زمن عمر فبقي في بيت المال ولمّا جاء عثمان حَلَّى به بناته((3))، ولمّا مات عثمان خلّف ثلاث زوجات فأصاب كلّ واحدة منهنّ ثلاثة وثمانون ألف دينار فجملة المتروك أضعافها((4)).
بعد أوامر عثمان الكثيرة باعطاء أموال بيت المال فى الكوفة التى يديرها عثمان قال ابن الأرقم لعثمان : كنت أرى أنّي خازن للمسلمين فاستقال من وظيفته.
فأرسل عثمان زيد بن ثابت برشوة إلى عبدالله بن الأرقم بثلاثمائة ألف درهم قائلا له: إنّا شغلناك عن التجارة ولك ذو رحم أهل حاجة ففرّق هذا المال فيهم واستعن به على عيالك.
ص: 562
فقال عبدالله بن الأرقم: ما لي إليه حاجة((1)).
وجاءفى رواية :عزل زيد بن الأرقم عن أمانة بيت المال لإنكاره على عثمان إعطائه الأموال لبني أمية دون حق((2)).والظاهر أنه استقال من وظيفته احتجاجاً على سرقة عثمان لبيت المال ،واسمه عبد الله بن أرقم !!!
لمّا ولي الإمام علي(عليه السلام)الحكم أمر الأشعث بن قيس بإحظار أمواله فامتنع قائلا: لم أصبها في عملك، فقال الإمام(عليه السلام)(عليهم السلام)والله لئن أنت لم تحضرها بيت مال المسلمين لأضربنّك بسيفي هذا أصاب منك ما أصاب. فأحضرها وأخذها منه وصيّرها في بيت مال المسلمين وتتبّع عمّال عثمان فأخذ منهم كلّ ما أصابه قائماً في أيديهم وضمَّنهم ما أتلفوا، وقال علي(عليه السلام)في خطبته: ألا وكلّ قطعة أقطعها عثمان أو مال أعطاه من مال الله فهو ردّ على المسلمين في بيت مالهم فإنّ الحقّ لا يذهبه الباطل والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لو وجدته قد تزوّج به
ص: 563
النساء وتفرّق في البلدان لرددته على أهله، فإنّ في الحقّ والعدل لكم سعة ومن ضاق به العدل فالجور به أضيق((1)).
وقال الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)في عثمان:قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثليه ومعتلفه وقام معه بنو أبيه (أمية) يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع إلى أن انتكث فتله وأجهز عليه عمله وكبت به بطنته((2)).
وقال هلال بن سالم الجحدري سمعت جدّي عن جدّه قال: شهدت علي بن أبي طالب(عليه السلام)وقد أتي بمال عند المساء فقالوا: قد أمسينا فأخّره إلى غد، فقال (عليه السلام)وما ذاك بأيدينا قال(عليه السلام)فلا تؤخّروه حتى تقتسموه((3)).
قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ رجالا يخوضون في مال الله بغير حقّ فلهم النار يوم القيامة((4)).
ص: 564
ولمّا أمر عثمان بنفي أبي ذر إلى الربذة دخل أبو ذر عليه يوماً عليلا متوكّئاً على عصاه وبين يدي عثمان مائة ألف درهم قد حملت إليه من بعض النواحي وأصحابه حوله ينظرون إليه ويطمعون أن يقسّمها فيهم.
فقال أبو ذر لعثمان ما هذا المال ؟
فقال عثمان مائة ألف درهم حملت إليّ من بعض النواحي أريد أن أضمّ إليها مثلها ثمّ أرى فيها رأيي.فقال أبو ذر: يا عثمان أيّما أكثر مائة ألف درهم أو أربعة دنانير؟ فقال: بل مائة ألف درهم. فقال أبو ذر: أما تذكر إنّي أنا وأنت دخلنا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)عشاءاً فرأيناه كئيباً حزيناً فسلّمنا عليه فلم يردّ علينا السلام ((1))، فلمّا أصبحنا أتيناه فرأيناه ضاحكاً مستبشراً فقلنا له بآبائنا وأمّهاتنا دخلنا عليك البارحة فرأيناك كئيباً حزيناً وعدنا إليك اليوم فرأيناك ضاحكاً مستبشراً فقال النبي (صلى الله عليه وآله): نعم كان قد بقي عندي من فيء المسلمين أربعة دنانير وقد قسّمتها اليوم فاسترحت((2)).
لكن عثمان لم يأخذ بنصيحة ابى ذر بل اشتد غضبه عليه وارسله الى صحراء الربذة ليموت فى الصحراء وحيداً غريباً .
ص: 565
كان معاوية يقسم الأموال كيفما يحب لا يحده في ذلك حد ولا يردعه رادع.
واهتم اهتماماً واسعاً في نشر الرشوة لشراء ضمائر الناس وجذب المعادين والمؤيدين.
وعُرف في العالم الاسلامي بيده المبسوطة في إعطاء الرشوة وتحريم المال على أعدائه ومخالفيه.
وثقافة الرشوة أثرت تأثيراً سلبياً على العالم الاسلامى يومذاك.
ص: 566
البحث الاكاديمي الذي بين أيديكم يبين الشبهات المطروحة للنيل من الامام الحسن (عليه السلام)،التي وضعها النواصب المخالفون له بشتى مشاربهم الدينية والسياسية والمذهبية، والاسباب التي دعتهم لوضع هذه الشبهات الشيطانية.
ويتناول البحث أهداف المخالفين للامام في طروحاتهم ومؤامراتهم ومشاريعهم القصيرة والبعيدة المدى وهي برمتها تهدف للقضاء على الدين الالهى ونقض الشرع السماوي.
والرسالة العلمية هذه عبارة عن مجموعة شبهات أثارها الطغاة العتاة للنيل من الامام الحسن(عليه السلام)، طرحناها وفق مصادرها.
وفي كل فصل أدرجنا جواب تلك الشبهة بالأدلة العلمية القرآنية والحديثية وغيرها.
اذ يحاول الكتاب تثبيت الحقائق ومحو الأكاذيب من سيرة الامام الحسن (عليه السلام)وابرازه كفرد معصوم من افراد أهل البيت.
الموضوع عن منزلة الامام الحسن (عليه السلام) في القرآن والسنة والاشكالات المطروحة ضده، وهو ينقسم الى أحد عشر فصلا .
هدف الموضوع: رفع تلك الاشكالات باجوبة علمية شافية وكافية.
ص: 567
ص: 568
بيَّن البحث العلمي هذا أكاذيب النواصب والصليبيين ضد الامام الحسن (عليه السلام)المتمثلة في شبهاتهم المزيفة التي لا أصل لها.
فذكر الكتاب تلك الشبهات من مصادرها ثم بيَّن أسانيدها الكاذبة وأهدافها الجاهلية وأغراضها السياسية ومخالفتها للقرآن الكريم.
ثم ذكر الكتاب النصوص الصحيحة في سيرة الامام الحسن (عليه السلام) كما جاءت في القرآن الكريم والحديث الشريف لتنير الدرب أمام القارىء الكريم وتبين مسيرة سيد شباب اهل الجنة كما هي في حقيقتها((1)).
وذكرنا ذلك من كتب السنة والشيعة ليتبين الحق أمام المسلمين .
وكتبنا الشبهات في مجملها مع الأجوبة عليها بشكل سلس وعلمى أكاديمى كي نصل الى الاجوبة الصحيحة للشبهات ونفضح المتآمرين المفترين ،كي يستفيد منها طلاب العلم فى كل مكان وكي لا يصدق الناس الافتراءات المطروحة على المخلصين .
ص: 569
الامام الحسن بن علي (عليه السلام)، الدكتور محمد بيومى مهران ،جامعة الاسكندرية ،المطبعة :السفير، اصفهان .
سيرة أمير المؤمنين خامس الخلفاء الراشدين الحسن بن علي ،الدكتور علي محمد الصلابى ،دار المعرفة ،بيروت ،1425 ه- ق .
الامام الحسن المجتبى (عليه السلام)، المجمع العالمى 1425ه- ق .
الحسن بن علي ،كامل سليمان ،دار الكتاب اللبنانى ،بيروت .
الحسن والحسين فى الاحاديث المشتركة بين السنة والشيعة ،مصطفى الحسينى الرودبارى .
ترجمة الامام الحسن (عليه السلام) لابن سعد ،طبع مؤسسة أهل البيت .
الامام الحسن بن علي (عليه السلام)،علي محمد علي دخيل ،دار التراث الاسلامى ،بيروت .
حياة الامام الحسن ،القرشى ،دار الكتب العلمية ،قم .
صلح الحسن ،راضى آل ياسين ،مؤسسة النعمان ،بيروت .
تاريخ دمشق ،ترجمة الامام الحسن ،تحقيق المحمودى ،طبع مؤسسة المحمودى ،بيروت ،طبعة اولى 1341 .
موسوعة كلمات الامام الحسن ،الشريفى طبعة 1415 ه- مؤسسة الهادى ،قم .
ص: 570
أنساب الاشراف ،ترجمة الامام الحسن ،تحقيق المحمودى ،بيروت .المجتبى ،ملتقى القطيف الثقافي ،المكتبة الادبية المختصة .
حتى كانت بينهم المراماة بالنبل _سيرة اعلام النبلاء –الذهبي ج 3 / 276 وتاريخ دمشق 13 / 291 .
قال ابن شهر أشوب :ورموا بالنبال جنازته حتى سُلَّ منها سبعون نبلا – المناقب –ابن شهر ىشوب 3 / 204 .
وقال التستري : وىل الامر الى أن رموا جنازة الحسن بالسهام ووصل النصال الى بدنه الشريف –الصوارم المهرقة 161 .
وقال فتح الدين الحنفي : جنازة الحسن رميت بالحجارة وغيرها ومنع من الدفن –فلك النجاة –فتح الدين الحنفي ص55 .
عائشة اول من رمت :
جاء (استدعت من مروان قوسا وسهما ورمت بالنشاب الى جنازته ثم رشق عسكر الشام بمتابعتهم –اسرار الامامة –عماد الدين الحسن الطبرسي مخطوط .
كذب ابي هريرة :
ص: 571
قال ابو هريرة لعائشة : اني غيرت سبعمئة حديث من أحاديث رسول الله قالها في علي الى ابيك وصاحبه تمشية لامرهما _اسرار الامامة –عماد الدين الطبرسي مخطوط
لقد أخزى معاوية التاريخ بكذبه ودجله وافترائه وعندما يقرأ المسلم أوامر معاوية بتحريف الحديث النبوي يزداد حقداً على النواصب المدعين للاسلام كذباً، ويصمم على ترك مذهب النواصب وحزبهم ومشروعهم الجاهلي .
لذا ترى خروج الملايين من هذا المشروع العنكبوتى على مر التاريخ وكتابتهم فضائل أهل البيت ومثالب أعدائهم بأناملهم .
ومن هؤلاء النسائي الذي دوَّن كتاب خصائص فضائل أمير المؤمنين فقتله النواصب فى المسجد الاموي فى دمشق .
قال المدائني : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام المجاعة : ان برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب (يعني الإمام علياً(عليه السلام)واهل البيت). فقام الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون علياً ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي اهل بيته.
ص: 572
وكان أشد الناس بلاءاً حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي(عليه السلام)فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف (لانه كان منهم ايام علي(عليه السلام)) فقتلهم تحت كل حجر ومدر،واخافهم، وقطع الايدى والارجل وسمل العيون، وصلبهم الى جذوع النخل، وطردهم وشردهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم((1)) .
ويضيف المدائني : وكتب معاوية إلى عماله في جميع الافاق : أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة، وأن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته والذين يروون فضله ومناقبه فادنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم، واكتبوا لي بما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته . ففعلوا ذلك حتى أكثروا من فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كل مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجئ أحد من الناس عاملا من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه وشفعه، فلبثوا بذلك حينا ((2)) .
ص: 573
أضاف المدائني : كتب معاوية إلى عماله أن الحديث في عثمان قد كثر، وفشا في كل مصر، وفي كل وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة، والخلفاء الأولين (أبي بكر وعمر)، ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا أحب إلي وأقر لعيني وأدحض لحجة أبي تراب(الإمام علي(عليه السلام)) وشيعته، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضائله . فقرئت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة ولا حقيقة لها، وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشاروا بذكر ذلك على المنابر، وألقى إلى معلمي الكتاتيب، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن وحتى علموا بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء الله((1)).
بينما كان عثمان قد قُتل بثورة شعبية شارك فيها أهالي مصر والعراق والحجاز فدفنوه فى مقبرة اليهود فى حش كوكب المجاورة لمقبرة المسلمين فى البقيع لكن معاوية هدم الحائط الموجود بين المقبرتين وجعلها كلها مقبرة للمسلمين((2)) .
ص: 574
كي يضيع عمل الثوار!!!
لذا ترى قبر عثمان فى نهاية مقبرة البقيع بعيداً عن قبور الصحابة فيها .
ثم كتب معاوية نسخة واحدة إلى جميع البلدان : أنظروا من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه.
وشفع ذلك بنسخة اخرى : من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم نكلوا به واهدموا داره.
فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق، ولا سيما الكوفة، حتى أن الرجل من شيعة علي(عليه السلام) ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سره، ويخاف من خادمه ومملوكه، ولا يحدثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمن عليه، فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراؤون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا مجالسهم، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون
ص: 575
الكذب والبهتان فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها ((1)).
وعن تحريف الحديث في عهد خلفاء بني امية ((2)) .بعد أن نقل أبو الحسن المدائني مصير الحديث في عهد معاوية تطرق إلى ما آل إليه الأمر عندما ولى عبد الملك بن مروان الخلافة لمدة إحدى وعشرين سنة فاشتد البلاء والتنكيل بالشيعة على نحو لم يكن له شبيه في عهد معاوية .
ثم ذكر المدائني نموذجا من جرائم والي الخليفة الأموي في الكوفة الحجاج بن يوسف الثقفي بحق الشيعة وقال :
إن إنسانا وقف للحجاج فصاح به :
أيها الأمير، إن أهلي عقوني فسموني عليا، واني فقير بائس، وأنا إلى صلة الأمير محتاج . فتضاحك له الحجاج وقال : للطف ما توسلت به فقد وليتك كذا((3)).
وبعد قراءة هذه المشاريع يفهم المسلم لماذا وكيف ابدل معاوية عبارة معاوية البطين الى عبارة علي الانزع البطين !!!
20 - قال أبو جعفر : حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد البلوي ، قال : قال عمارة بن زيد المدني ، حدثني إبراهيم بن سعد ومحمد بن مسعر ، كلاهما
ص: 576
عن محمد بن إسحاق صاحب المغازي ، عن عطاء بن يسار ، عن عبد الله بن عباس ، قال : مرت بالحسن بن علي ( عليهما السلام ) بقرة ، فقال : هذه حبلى بعجلة أنثى ، لها غرة في جبهتها ، ورأس ذنبها أبيض . فانطلقنا مع القصاب حتى ذبحها فوجدنا العجلة كما وصف على صورتها ، فقلنا له : أوليس الله (عز وجل ) يقول : * ( ويعلم ما في الأرحام ) فكيف علمت هذا ؟ فقال ( عليه السلام ) : إنا نعلم المكنون المخزون المكتوم ، الذي لم يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل غير محمد ( صلى الله عليه وآله ) وذريته ( عليهم السلام ) ( 4 ) . 90 / 21 - قال أبو جعفر : حدثنا سليمان بن إبراهيم النصيبيني ، قال : حدثنا زر بن كامل ، عن أبي نوفل محمد بن نوفل العبدي ، قال : شهدت الحسن بن علي ( عليهما السلام ) وقد أوتي بظبية ، فقال : هي حبلى بخشفين إناث ، إحداهما في عينها عيب ( 5 ) ، فذبحها فوجدناهما كذلك .
ابن رافع ، عن أبي الأحوص مولى أم سلمة ، قال إني مع الحسن ( عليه السلام ) بعرفات ، ومعه قضيب وهناك إجراء يحرثون ، فكلما هموا بالماء أجبل (1) عليهم ، فضرب بقضيبه إلى الصخرة ، فنبع لهم منها ماء ، واستخرج لهم طعاما (2) .
92 / 23 - وروى حميد بن المثنى ، عن عيينة بن مصعب ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال الحسن لأخيه الحسين ذات يوم ، وبحضرتهما عبد
ص: 577
الله بن جعفر : إن هذا الطاغية - يعني معاوية - باعث إليكم بجوائزكم في رأس الهلال . فما أنتم صانعون ؟
قال الحسين : إن عليَّ دينا ، وأنا به مغموم ، فإن أتاني الله به قضيت ديني .فلما كان رأس الهلال وافاهم المال ، فبعث إلى الحسن بألف ألف درهم ، وبعث إلى الحسين بتسعمائة ألف درهم ، وبعث إلى عبد الله بن جعفر بخمسمائة ألف درهم ، فقال عبد الله بن جعفر : ما تقع هذه من ديني ؟ وما فيها قضاء ديني ولا ما أريد .
وقال اللَّه تعالى « إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى » ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله وسلّم بقربهما منه الأذى وما رعيا من حقه ما أمرهما اللَّه به على لسان رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله وسلّم إن اللَّه حرم من المؤمنين أمواتا ما حرم منهم أحياء وتالله يا عائشة لو كان هذا الذي كرهته من دفن الحسن عند أبيه عليه السّلام جائزا فيما بيننا وبين اللَّه لعلمت أنه سيدفن وإن رغم معطسك قال ثم تكلم محمد بن الحنفية وقال يا عائشة يوما على بغل ويوما على جمل فما تملكين نفسك ولا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم قال فأقبلت عليه فقالت يا بن الحنفية هؤلاء الفواطم يتكلمون فما كلامك .
فقال لها الحسين عليه السّلام وأنى تبعدين محمدا من الفواطم .
ص: 578
فو الله لقد ولدته ثلاث فواطم فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم وفاطمة بنت أسد بن هاشم وفاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة بن حجر بن عبد معيص بن عامر قال فقالت عائشة للحسين ع :
نحوا ابنكم واذهبوا به فإنكم قوم خصمون .قال فمضى الحسين عليه السّلام إلى قبر أمه ثم أخرجه فدفنه بالبقيع (1).
وقال نفطويه :
فضائل الصحابة صنعها الامويون .
العبد الفقير الى رحمة الله تعالى
نجاح عطا الطائي
ص: 579
ص: 580
الشائعات ضد الإمام الحسن (عليه السلام) 1
المفسر المحقق آية الله. 1
نجاح الطائي.. 1
شكر وتقدير. 3
الإهداء 5
المقدمة. 7
المفاهيم فى هذا الكتاب : 10
الفصل الأوّل: 14
المشروع الأموي العباسي للنيل. 14
من الامام الحسن(عليه السلام) 14
الفصل الثاني.. 22
الطلاق في الأديان المختلفة. 22
الطلاق. 23
الطلاق عند اليهود : 23
الطلاق عند المسيحيين : 23
الطلاق في الجاهلية قبل الاسلام : 25
الطلاق في الاسلام : 25
طلاق النبي محمد ص لنسائه : 27
الفصل الثالث : 29
ص: 581
اتِّهام الامام الحسن (عليه السلام)بالمطلاق. 29
شبهة الادعاء: 30
ضعف السند بكذب الرواة 31
نوم الحسن علیه السلام وزوجته على سطح لا سياج له لا تفعله العقلاء . 53
لو عُرف الحسن علیه السلام بالمطلاق لطلَّق جعدة الغليظة. 65
- عدم معرفة أسماء من طلقهن الامام الحسن ع. 65
أولاد الحسن ع. 69
الهادي هو المعصوم : 71
اتهام الامويين للحسن ع بالمطلاق يبين كذب الشبهة : 73
تحريف كتب الحديث تسبَّبت في هذه الأكاذيب.. 74
عدم معرفة أسماء المطلقات من نسائه يبين كذب الشبهة : 78
الطلاق المكروه شرعاً لا يسمح للامام بكثرته. 80
منزلة أهل البيت العالية تمنع من الطلاق الكثير : 82
ثورات الحسنيين دفعت المنصور للافتراء على الحسن ع: 85
الامام علي ع يذكر الطاغية المنصور : 89
الدافع السياسي للشبهات ضدَّ الامام الحسن علیه السلام : 91
حرمة الزواج من أرملة المعصوم يصعِّب طلاقها 92
الفرق بين أرملة ومطلقة المعصوم ؟. 94
اتهام الحسن بالمطلاق كيف بدأ 96
صفة المغيرة المطلاق وضعوها على الحسن. 97
رواية التشييع الكاذب.. 99
ص: 582
الفصل الرابع. 101
شبهة أهلية معاوية عند. 101
الحسن ع. 101
الادعاء: 102
رد الشبهة : 102
جرائم معاوية تبطل ادعاءه: 103
القرآن يكذب معاوية : 103
تكفير الوصي لمعاوية : 108
الحسن علیه السلام يكذِّب إدعاء معاوية: 109
الحسن علیه السلام يتَّهم معاوية بالاحتيال والاغتيال: 112
اعتراف معاوية بباطله : 115
خطبة معاوية في الكوفة: اعلان للكفر والغدر. 116
بيعة معاوية ليزيد دليل على كفره : 117
منزلة معاوية فى نظر العلماء 118
ابن تيمية يكذِّب فضائل معاوية. 120
ابن تيمية :حديث أصحابي كالنجوم كاذب : 121
قتل معاوية لحجر. 122
من قتل من أصحاب حجر ؟. 123
قتل معاوية للشيعة يبين إجرامه. 124
ابن أبي وقاص: معاوية ملك.. 125
نظرة المؤمنين الى معاوية. 126
فضائل كاذبة في حق معاوية. 128
ص: 583
دفاع وعاظ السلاطين عن معاوية رغم كفره 129
وعاظ السلاطين: التنوخى يعرف الحق ويطلب الدنيا 131
جرائم معاوية. 132
خيانة معاوية للمواثيق. 133
الحسين ع يكشف موبقات معاوية. 133
اغتيال معاوية للحسن ع وسعد بن أبى وقاص : 137
سبب شهادة الحسن ع. 141
الفصل الخامس : 143
شبهة كره الحسن علیه السلام للحرب.. 143
والجهاد. 143
الادعاء : 144
شجاعة الإمام الحسن ع. 147
مشاركة الحسن علیه السلام في حروب الجمل وصفين والنهروان ينفي الشبهة. 148
قادة جند الجمل. 150
جهاد الحسن (عليه السلام)المعروف ينفي الشبهة: 152
تهيئة الامام الحسن (عليه السلام)نفسه للحرب : 154
تهيئة معاوية عسكره للحرب : 155
نماذج من عصيان جنود الامام الحسن (عليه السلام): 158
عتب الحسن (عليه السلام) على أهل العراق وعدم بيعة الحسين لمعاوية : 159
عدم التحاق الناس بجيش الحسن (عليه السلام): 160
ص: 584
الفصل السادس : 163
شبهة إذلاله للمؤمنين. 163
الادعاء: 165
الجواب: 166
تحذير الحسن (عليه السلام)للخونة ينفي هذه الشبهة : 169
معاوية يصف جيش الامام علي(عليه السلام) بالوحدة : 169
الحسن (عليه السلام)العالم للغيب: معاوية ملك لا محالة: 170
معاوية فى نظر العلماء 171
موقف الخوارج والمخالفين لأهل البيت : 173
المجتمع العراقى زمن الامام علي والحسن (عليه السلام): 174
محاولة قتل الامام الحسن (عليه السلام) : 177
هل بايع الحسين معاوية. 178
صلح الحديبية للنبي والتحكيم لعلي والصلح الحسن (عليه السلام): 181
فائدة الصلح من فم الحسن (عليه السلام): 184
فائدة الصلح من فم الباقر ع. 185
آية قرآنية في صلح الحسن (عليه السلام): 186
الدلائل والعبر : 188
الفصل السابع : 189
شبهة لماذا لم ينقض الحسن ع. 189
المعاهدة بعد نقض معاوية لها؟. 189
ص: 585
رواية البلاذرى في طلب نقض الصلح : 190
كتاب الصلح : 193
1 - علمه للغيب: 194
إخبار الإمام (عليه السلام) عن ملك معاوية: 196
سم معاوية للحسن : 200
2 - ثقافة المجتمع الكوفي : 205
4 - أثر المال الحرام في خراب المجتمع الاسلامي: 212
5 - مؤامرات معاوية لكسب الخونة : 212
مؤامرة معاوية لقتل الحسن واذلال العراقيين. 214
الفصل الثامن : 217
شبهة توجه الحسن علیه السلام للصلح.. 217
رغم امتلاكه جيشاً قوياً 217
الادعاء: 218
رد الشبهة : 218
عدى بن حاتم يبين حال بعض جيش الحسن علیه السلام فى الخيانة : 220
عبيد الله بن العباس القائد الخائن : 221
خطبة قيس: يصف خيانة عبيد الله بن عباس : 223
خيانة بعض آخر : 224
2 - الجيش الكثير المفكك يكون قليلا : 226
3 - خيانة الخوارج فى داخل جيش الحسن (عليه السلام): 228
ص: 586
الخوارج والمخالفون في جيش الحسن : 230
4 - تأثر جيش الامام بفعل جواسيس معاوية. 230
5 - خيانة بعض رؤساء القبائل : 231
خيانة عمر بن سعد وقيس بن الاشعث وعمرو بن حريث وحجار بن أبجر، وعمرو بن الحجاج : 232
خيانة خالد بن معمر أحد زعماء ربيعة: 233
خيانة الكندي : 234
خيانة المرادي : 235
الفصل السابع : 239
شبهة لماذا لم ينقض الحسن ع. 239
المعاهدة بعد نقض معاوية لها؟. 239
الادعاء: 240
رواية البلاذرى في طلب نقض الصلح : 240
كتاب الصلح : 243
1 - علمه للغيب: 244
إخبار الإمام (عليه السلام) عن ملك معاوية: 246
سم معاوية للحسن : 250
2 - ثقافة المجتمع الكوفي : 255
4 - أثر المال الحرام في خراب المجتمع الاسلامي: 262
5 - مؤامرات معاوية لكسب الخونة : 262
مؤامرة معاوية لقتل الحسن واذلال العراقيين. 264
الفصل التاسع : 267
ص: 587
شبهة مخالفة الامام الحسن ع. 267
لأبيه. 267
الادعاء: 268
1 - خطبة الحسن بن علي (عليه السلام) فى وصف الامام علي (عليه السلام): 269
2 - بيعة الناس للحسن (عليه السلام)بالخلافة: 270
3 - الامام الحسن
(عليه السلام) يحث على الجهاد طبقاً لمنهج أبيه : 271
4 - منهج واحد: الامامان علي والحسن (عليهما السلام) يرفضان شراء الرجال بالمال : 274
5 - خطبة الامام الحسن (عليه السلام)في المدائن : 275
6 - حركة الخوارج وجرح الحسن (عليه السلام): 277
وصيّة اُخرى لولده الإمام الحسن (عليه السلام): 283
شراء معاوية لعبيد الله بن العباس : 286
الفصل العاشر : 289
شبهة حبّه (عليه السلام) للدنيا ورغبته في المال. 289
الادعاء: فى الكتب السنية : 290
تقسيم الحسن (عليه السلام)أمواله بين المؤمنين : 292
مدح الله تعالى له في القرآن ينفي الشبهة : 293
زهد الحسن (عليه السلام)مخالف لافتراء حبه للدنيا: 297
كرم الامام الحسن
(عليه السلام) مخالف حبه للدنيا: 299
خطبة الحسن (عليه السلام) بعد موت أبيه : 302
ص: 588
عودة موكب الحسنين (عليه السلام) الى المدينة بيَّن حرصهما على حفظ الأمة لا السلطة : 304
الفصل الحادي عشر : 307
شبهة كره الحسن (عليه السلام) للحرب والجهاد. 307
الادعاء: 308
الحسن ينصح أصحابه بالصلح خوفاً عليهم. 311
الحسن العالم للغيب: معاوية ملك لا محالة: 312
من عيَّن معاوية المنافق ملكاً ؟. 313
من علوم غيب الامام: رآسة معاوية. 316
الامام الحسن (عليه السلام) يجود بنفسه قرباناً للمبادىء 318
قلة الرجال المطيعين للحسن ع. 319
الفصل الثاني عشر : 321
شبهة عدم فائدة الصلح.. 321
للمؤمنين. 321
الادعاء: 322
النبي يؤيد صلح الحسن (عليه السلام) 325
رواية بيعة الخلفاء للطغاة 326
طلب معاوية البيعة من الحسين (عليه السلام) فلم يبايعه. 328
الامام الحسن لم يبايع معاوية بل ترك السلطة له. 329
خيَّروا فاطمة بين الموت والبيعة لابى بكر فاختارت الشهادة 331
القرآن والنبي يبيِّنان تسلٌّط الأمويين فى الدنيا 332
ص: 589
الامام علي يبين وصول معاوية والأمويين للسلطة. 333
حكمة الحسن فى الصلح.. 337
الدلائل والعبر : 340
من طلب الصلح الحسن أم معاوية ؟. 340
رسالة معاوية للحسن (عليه السلام) 345
خطبة الحسن (عليه السلام) بعد الصلح: 346
كره الحسن (عليه السلام) لمقتل المؤمنين. 348
أسباب الصلح.. 348
أسباب الصلح من فم الحسن (عليه السلام) 349
الصلح مفروض... 350
ارسال معاوية لوفد الصلح.. 350
خطبة الحسن (عليه السلام)بحضور معاوية. 351
شروط الصلح: 353
مهادنة الحسن (عليه السلام)لمعاوية. 355
مهادنة بشرط ارجاع الخلافة الى الحسن (عليه السلام) 356
بنود الصلح لا تعترف بمعاوية خليفة : 359
رسالة معاوية الى قيس بن سعد. 360
رسالة قيس الى معاوية. 361
الامام علي (عليه السلام)طلب ترك سب أهل الشام. 362
سب علي (عليه السلام) عند الأمويين. 362
الفصل الثالث عشر : 365
شبهة: عدم طاعة الحسن لأبيه. 365
ص: 590
الادعاء: 366
دور الصليبيين في الافتراء على الحسن ع. 368
خطبة الحسن بن على ع. 369
خطبة الحسن (عليه السلام)في المدائن. 370
تقسيم الحسن (عليه السلام)أمواله بين المؤمنين. 372
مدح الله تعالى له في القرآن ينفى الشبهة. 372
زهد الحسن علیه السلام مخالف لافتراء حبه للدنيا: 377
الفصل الرابع عشر : 381
شبهة ضعفه الاداري.. 381
الادعاء: 382
من هم الخلفاء ؟. 383
الأئمة الاثني عشر من طرق الشيعة. 386
الأئمة الاثني عشر من طرق السنة: 387
خطبة الحسن علیه السلام في الحث على الحرب.. 389
تحرك الحسن (عليه السلام)نحو النخيلة. 392
محاولة النواصب النيل من منزلة آل البيت.. 395
معاوية بين تربيتين: مروان ومعاوية الثاني.. 397
اعتراف معاوية بباطله. 406
خطبة معاوية في الكوفة: اعلان للكفر والغدر. 406
بيعة معاوية ليزيد دليل على كفره 407
عوَّد المغيرة نساءه على الزنا وطلقهن لنشر الفاحشة. 408
طلاق المغيرة لالف امرأة 409
ص: 591
الفصل الخامس عشر : 411
فضل أهل البيت في القرآن. 411
الفصل السادس عشر : 493
مكانة الحسن في الحديث.. 493
ولادة
الحسن (عليه السلام) 493
من أحب أهل البيت نال الجنة. 497
أهل البيت شجرة النبوة 498
حديث النبي في أهل البيت.. 498
حديث الكساء من لسان عائشة. 500
هل نساء النبي من أهل البيت ؟. 500
مسلم في صحيحه :نساء النبي ليس من أهل البيت.. 500
ابن تيمية يؤيد عصمة أهل البيت القرآنية. 501
الحسن والحسين من أسماء أهل الجنة. 508
الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. 509
الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا 510
سبطا النبي ص... 511
منزلة الحسنين. 514
الحسن والحسين سبطان. 522
الحسنان صفوة الله. 523
الحسن والحسين والصلاة 524
الصلاة على النبي وآله. 524
آل البيت المنتجبون من الله تعالى.. 526
ص: 592
آل البيت سفينة النجاة 530
الأئمة الخلفاء الاثني عشر: 531
كتابة النبي محمد الوصية لعلي والأئمة: 535
حب الحسن والحسين. 543
عائشة وأهل البيت.. 545
معركة البغل. 546
نساء النبي حزبان. 549
الفصل السابع عشر : 553
خراب المجتمع الاسلامي بعد شهادة النبي مهَّد لتنازل الحسن. 553
عصيان ومحاربة بعض الصحابة للنبي وأهل بيته الكرام. 554
عصيان الصحابة الامر النبوى فى حملة أسامة : 554
ردة معظم الصحابة عن الاسلام. 558
خراب المجتمع الاسلامي بأعمال عثمان الأموي.. 560
الامام علي (عليه السلام)يعيد أموال الرشوة الى بيت المال. 563
رأي النبي في تقسيم الأموال. 564
رأي معاوية في تقسيم الأموال. 566
خلاصة البحث.. 567
نتيجة البحث.. 569
بعض الكتب المؤلفة عن الامام الحسن(عليه السلام): 570
دفن الحسن ع. 571
ص: 593
مشاريع معاوية في الكذب والتحريف... 572
المشروع الأول: 572
المشروع الثاني : 574
المشروع الثالث والرابع : 575
محتويات كتاب الشائعات ضد الحسن ع. 581ن
ص: 594