الرد القاصم لدعوة المفتري على الإمام القائم
تأليف: الشيخ علي آل محسن
تقدیم: مرکز الدراسات التخصصیه فی الامام المهدی علیه السلام - نجف الاشرف- 1434 ه
ص: 1
مركز الدراسات التخصصية
في الإمام المهدي علیه السلام
النجف الأشرف _ شارع السور _ قرب جبل الحويش
هاتف: 0781977229 و07812161111
www.m-mahdi.com
info@m-mahdi.com
الرد القاصم لدعوة المفتري على الإمام القائم
تأليف : الشيخ علي آل محسن
تقديم : مركز الدراسات التخصصية
في الإمام المهدي عليه السلام
الطبعة الأولى: 1434ه-
رقم الإصدار: 148
عدد النسخ: 3000
النجف الأشرف
جميع الحقوق محفوظة للمركز
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
تصدى العلماء ورجال الفكر والأدب للدفاع عن العقائد الحقة في كل زمان واجهوا فيه أدعياء الانحراف والضلال وبمختلف الوسائل الفكرية والعلمية والأدبية كل حسب سعته وتخصصه.
واليوم وفي زمان كثر فيه أدعياء الضلال والانحراف وصارت دعاوى التقمص للشخصيات المقدسة بضاعة رائجة حتى أحصي أن من ادعوا الألوهية والنبوة والعيسوية والإمامة فضلا عن النيابة بالمئات بل الآلاف.
وصار التصدي لهؤلاء على كثرتهم يستنفذ الوقت والجهد إلا أنه ومع ذلك لا يترك واجب التصدي والحفاظ على حياض العقيدة والدين بانتشار هذه الظاهرة واستفحالها في أغلب المذاهب والأديان، ومن هنا أخذ مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي علیه السلام على عاتقه متابعة ما يكتبه العلماء في هذا الجانب ونشره لتعم الفائدة منه، ومن ذوي أهل الأقلام البارعة والبيان الجذاب الساحر سماحة الشيخ علي آل محسن الذي تصدى في كتابه هذا لدعاوى الضلال والانحراف التي ادعاها أحمد إسماعيل كاطع والتي فاقت الخمسين دعوى حسب
ص: 3
احصاءات هذا الكتاب الذي نقدمه للقارئ الكريم، والذي يحمل بين جنبيه مناقشات علمية متينةومتابعات دقيقة واحصاءات كل دعاوی هذا الدجال، حيث يجد القارئ الكريم فيه المنهج المتبع والذي قسم إلى أقسام ثلاثة، ثم ملاحقة الدعاوى الرئيسية وعدم إغفال الدعاوى الأخرى وإن كانت ثانوية، فضلا عن ملاحقة وبيان بطلان الأجوبة التي صدرت من أحمد إسماعيل كاطع أو أتباعه على المقالات والكتابات التي سبقت هذا الكتاب، وقد امتاز هذا الكتاب بأنه سلط الضوء بشكل يلفت النظر على الأخطاء والأغلاط التي وقع فيها ابن كاطع وأتباعه، وقد أبدع الشيخ المؤلف في إيجاد الشبه بين دعوى أحمد البصري وأحمد القادياني واضحة الفساد في كثير من مفاصل الدعوى کالاستدلال على الدعوى بالأحلام وتكاثر الدعاوى وعظمها من ادعاء النبوة والمهدوية والعيسوية وغيرها.
هذا ولم يغفل الشيخ المؤلف في بداية بعض المطالب أن يشير إلى القواعد والأصول التي ينبغي مراعاتها، والتي لا بدّ من الالتزام بها وأنها توجب الاستقامة والأمان من الزلل.
فهذا الكتاب يتمتع بالاستقصاء الشمولي والمتابعات الدقيقة والالتفاتات اللطيفة ومعالجة الردود التي صدرت ويحتمل أن تصدر دفاعا عن وجهة نظر الأدعياء، ثم استخلص من ذلك كله ومن هذا الجهد الكبير المتراكم أن هذه الدعوى دعوى باطلة لا يمكن الإيمان بها أو اتباعها لأنها تحمل في طياتها الكثير من المتناقضات في أصل الادعاء أو في ما يترتب عليه، فضلا عن أن الكثير من الدعاوى هي مستحيلة بالنسبة لأي شخص يدعيها، فكون أحمد معصوما وأنه في رتبة الأئمة
ص: 4
وأنه يتمتع بمميزات وخصائص لا يتمتع بها إلا الأنبياء والأوصياء، هذه دعاوى قد أوصد عليها الباب ولا يمكن تصديقها بأي حال من الأحوال نظير دعاوى النبوة بعد ختمها، إلا أنه وحيث ادعى كثير من الأشخاص أهم أنبياء مع كونها مختومة بالنبي محمد صلی الله علیه و آله و سلم استدعى ذلك الرد عليها وبيان أوجه المغالطة والتشويش من قبل أدعيائها، فكذلك هو الحال هنا، فرغم كون الكثير من ادعاءات أحمد البصري هي واضحة البطلان، إلا أن المؤلف لم يغفل تسليط الضوء عليها وبيان أوجه بطلانها.
فيجد القارئ وهو يجول ببصره وفكره في هذا الكتاب ما يحصنه من هذه الدعوى ومن أشباهها، ويؤهله علميا لأن يناظر أتباع هذه الدعوة الباطلة ويبين عقم ما يستدلون به.
ونحن إذ نقدم هذا الكتاب لقرائنا الكرام نأمل من الله سبحانه وتعالى وبشفاعة ولیه الأعظم الإمام الغائب المظلوم علیه السلام أن يجزي صاحب الكتاب عن جهده، وأن يجعله في عين الرعاية والقبول، وأن يجد القارئ في هذا الكتاب ما ألمحنا إليه، وأن يكون خير بضاعة وزاد لرد شبهات من يريد استغفال أبناء هذه الطائفة المباركة.
مدير المركز
السيد محمد القبانچي
ص: 5
ص: 6
إلى سيدي ومولاي..
الإمام المهدي المنتظر علیه السلام ..
أقدم إليكم هذا الكتاب المتواضع في الدفاع عنكم، وكشف كذب من افترى عليكم، وادعى الانتساب إليكم، والسفارة والوصاية لكم..
أتمنى أن تشرفني بقبوله بأحسن القبول.
***
ص: 7
ص: 8
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين.
وبعد..
فقد ظهر في العراق رجل من أهل البصرة، اسمه أحمد إسماعيل البصري، ادعى أنه سفير الإمام المهدي المنتظر علیه السلام ، وسمى نفسه بالإمام أحمد الحسن، وبعد أن وجد له أتباعا وأنصارا كثرت ادعاءاته، فادعى أنه ينتسب إلى الإمام المهدي المنتظر علیه السلام، وأن الإمام علیه السلام جده الرابع، ثم ادعى أنه وصية والإمام من بعده(1).
وقد أحصيت دعاوى هذا الرجل على عجالة فجمعت منها أكثر من خمسين ادعاء، منها دعاوى غريبة لا يصدقها عاقل، مثل: أنه هو الذي فدى عيسى بن مريم عليه السلام ، و صلب دونه، وأنه كان حجرا في يد علي بن أبي طالب أنقذ به سفينة نوح علیه السلام (2)، وأنجى به إبراهيم عليه السلام من نار نمرود(3)، وخلص به نبيه يونس عليه السلام من بطن الحوت(4)، وكلم
ص: 9
به موسی بن عمران علیه السلام على الطور(1)، وأن الله تعالى جعله عصا يفلق بها موسى علیه السلام البحار(2)، وجعله درعا لداود علیه السلام(3)، وأنه كان درعا عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام تدرع به يوم أحد، وطواه بيمينه في صفين(4)، وغير ذلك من العجائب والغرائب.
ناهيك عن ادعاءاته العظيمة التي منها: أنه هو الذي سيملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا، وأنه مؤيد بجبرئيل، ومسدد بمیکائیل، ومنصور بعزرائيل، وأنه مذكور في القرآن والتوراة والإنجيل، وأنه رسول السيد المسيح علیه السلام (5)، وأنه مخلص اليهود والنصارى، وأنه دابة الأرض التي تكلم الناس في آخر الزمان(6)، وأن بظهره خاتم النبوة(7)، وغير ذلك مما قام الدليل على بطلانه، مما تشيب له الولدان، ولا يقبله أي عاقل، وسنذكر ما وقفنا عليه من ادعاءاته في مطاوي هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
وفي موقع أنصاره كتب كثيرة منسوبة إليه، مملوءة بالجهل والخرافات والتناقضات، وتفسير أحلام يضحك الثكلى، وغير ذلك.
ثم إنه لم يكتف بكل هذه الدعاوى وغيرها، بل صار يتحدى مراجع التقليد، ويدعوهم للمناظرة؛ ليثبت للناس أنه أعلم منهم، وأنه هو الإمام المفروض الطاعة في هذا العصر.
ص: 10
وهذا الرجل لا يظهر للناس، ولا يعلم في هذا الوقت أنه حي أم میت، وليس هناك أي وسيلة للتواصل معه، إلا موقعا في الانترنت لأنصاره الذين يزعمون أنه يمكن التواصل معه من خلال موقعهم، وعبر صفحة منسوبة إليه على الفيسبوك يقول أنصاره: إنه هو الذي يكتب فيها بنفسه.
ولكن كل هذه الأمور غير معلومة، وليس هناك طريقة للتأكد من صحة كلامهم، فلعل الرجل لم يدع كل هذه الدعاوى، ولعله قد مات منذ سنين، وأنصاره يتاجرون باسمه، والله العالم.
وقبل حوالي شهر صدر کتیب نسب إليه، اسمه: (الوصية المقدسة: الكتاب العاصم من الضلال)، جمعه وعلق عليه واحد من أنصاره اسمه: (علاء السالم)، وهذا الكتيب مشتمل على جوابين عن سؤالين موجهين لأحمد البصري هذا، فأجاب عليها بجوابين فيها بعض التفصيل، وفي هذين الجوابین کا یزعم (علاء السالم) حق واضح صریح، ليس بوسع مؤمن التنكر له إلا بالخروج من ربقة المؤمنين (1).
ولوثوق أنصار أحمد إسماعيل البصري بها في هذا الكتيب زعموا أن إمامهم يتحدى جميع مراجع النجف الأشرف في أن يردوا على ما ورد في هذا الكتيب، ولهم أن يستعينوا بمراجع قم المقدسة أيضا.
وسيلاحظ القارئ العزيز أنه كتيب لا يستحق من مرجع أن يصرف شيئا من وقته في الرد عليه، أو يبذل فيه شيئا من جهده، ولأجل هذا رأيت أن أرد على هذه الدعوة من خلال ردي على ما جاء في هذا الكتيب؛ ليتبين للناس أن هذه الدعوة باطلة من أساسها، وأنها لا تختلف
ص: 11
عن غيرها من الدعوات الباطلة التي سبقتها، سواء كانت في زمان الأئمة الأطهار علیهم السلام ، أم في الأزمنة اللاحقة بعد ذلك، وأن هذه الدعوة حالها حال البابية(1)، والبهائية(2)، والقاديانية(3)، وغيرها من دعاوی المهدوية أو السفارة التي سبقتها، وسيتضح إن شاء الله من خلال هذا الكتاب أن تحديات هؤلاء القوم كلها فارغة جوفاء، يريدون بها خداع البسطاء والمغفلين لا أكثر.
ويحتوي الكتاب على مقدمة وفصلين، بينا في الفصل الأول الرد على جواب السؤال الأول للمدعي أحمد البصري في الكتاب الموسوم
ص: 12
(الوصية المقدسة: الكتاب العاصم من الضلال)، وفي الفصل الثاني أيضا أوضحنا الرد على جوابه للسؤال الثاني في نفس الكتاب.
أسأل الله تعالى أن يجعل هذا الكتاب خالصا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرا لي يوم فقري وفاقتي، ومرضيا ومقبولا عند إمام العصر علیه السلام، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
في (13/ ربيع الأول/ 1434ه)
علي آل محسن
ص: 13
ص: 14
المنهج الذي سأتبعه في هذا الكتاب في الرد على أحمد إسماعيل البصري وأنصاره يتلخص في أمور:
من يقرأ كتب أحمد إسماعيل وأنصاره يجد أنهم يطعنون في علم الرجال بشدة، ويعيبون من يضعف أي رواية وردت في أي كتاب من كتب الشيعة، ويتهمونه بأنه يرد كلام آل محمد عليهم السلام .
قال ناظم العقيلي وهو من أشد المروجين لأحمد إسماعيل البصري:
(والعجيب أنهم يقبلون أقوال علماء الرجال من دون أن يعلموا سندها أصلا، ويرجحونها أحيانا على المسند الصحيح من روایات المعصومين عليهم السلام في مدح أو ذم الرجال! فالتوثيقات والتضعيفات الرجالية لا تخلو إما أن تكون عن رأي واجتهاد وحدس علماء الرجال، وإما أن تكون منقولة لهم، والرأي والاجتهاد لا خلاف في عدم الاعتماد عليه، وخصوصا بعد الاطلاع على خطأهم الكثير في ذلك. وأما المنقول لهم فهو لا يخلو إما أن يكون منقولا عن أهل البيت عليهم السلام ، أو عمّن يحسب عليهم عليهم السلام، وإما أن يكون منقولا عن غير أهل البيت عليهم السلام ، والمنقول عن غير أهل البيت علیهم السلام ليس حجة علينا وخصوصا إذاجهلنا
ص: 15
سلسلة الرواة لهذه الأقوال ومنهجهم في الجرح والتعدیل، فلا بد أن نعرف مثلا الذي ينقل عنه النجاشي أو الطوسي، ولا بد أن نعرف الناقل لهما عن أي شخص نقل هذا الكلام، وهكذا حتى نصل إلى المعاشر لأصحاب الأئمة أو رواة الحديث، ثم نرى كيف أنه وثقهم أو ضعفهم، وما هو منهجه في ذلك، هل هو الظن والاجتهاد والحدس أم ماذا؟ وأما المنقول لعلماء الرجال عن أهل البيت علیهم السلام فأيضا لا بد أن نعرف سلسلة السند کاملة، وأن لا تحتوي على إرسال ولا على مجهول ولا على مضعف، وهذا من باب الإلزام، وإلا فلماذا التدقيق في أسانيد الروايات، وترك التدقيق في حال التوثيقات والتضعيفات المنقولة؟! والحال أن كتب الرجال وخصوصا كتاب النجاشي والطوسي وابن الغضائري لا سند لها ولا طريق الاماندر، وكلها أقوال لا تصمد أمام النقد العلمي أبدا، اللهم إلا ما اشتهر من الرجال بالوثاقة أو الضعف، وهؤلاء لا اختصاص لكتب الرجال في بيان حالهم، بل هم معروفون [كذا] الحال من خلال الروايات وما اشتهر من السيرة والتاريخ)((1).
ونتيجة كل هذا الكلام أنه لا يقبل أي توثيق ولا أي تضعيف من أي أحد كائنا من كان، رجاليا كان أم غيره، وهذا كله يسقط علم الرجال من أساسه.
ثم إن كلامه قد اشتمل على كثير من الخبط والخلط والجهل.
من ذلك زعمه أن العلماء يقبلون أقوال علماء الرجال من دون أن يعلموا سندها أصلا، ويرجحونها أحيانا على المسند الصحيح من روايات المعصومين عليهم السلام في مدح أو ذم الرجال.
ص: 16
وهذا كذب فاضح، فإن الرجاليين حكموا على الرواة طبقا للروايات المادحة أو الذامة لهم، واعتمادا على أقوال المعاصرين لأولئك الرواة التي وصلت إليهم إما مشافهة، أو بالشهرة، أو بالتلقي عن مشايخهم الثقات ولم تصل إلينا، فإن الرجاليين الذين تلقى عنهم الشيعة التوثيق والتضعيف كانوا على معرفة تامة بالرجال وبدرجة من الجلالة والورع تمنعهم عن مدح راو أو قدحه بدون حجة صحيحة، وهذا كافي في اعتبار توثيقاتهم وتضعيفاتهم.
ومتى ما جاءت الرواية صحيحة عن إمام معصوم في مدح راو أو ذمه فإنها مقدمة على كل قول، وعلماء الرجال قد استندوا على روايات صادرة عن أئمة الهدى عليهم السلام في أحكامهم على كثير من الرواة.
وأما إشكاله على أقوال علماء الرجال بأنها لا تخلو إما أن تكون عن رأي واجتهاد وحدس من علماء الرجال، وإما أن تكون منقولة لهم، والرأي والاجتهاد لا خلاف في عدم الاعتماد عليه.
فجوابه: أن حجية قول الرجالي إنما هي بسبب كونه من أهل الخبرة الذين يرجع إليهم كما يرجع إلى أهل الخبرة في سائر الفنون، والتوثيقات والتضعيفات الرجالية كلها مبتنية عند العقلاء على الحدس والاجتهاد الناشئين من مناشئ عقلائية معروفة؛ وذلك لأن العدالة والضعف لا يدركان بالحس ، وإنما يدركان بالحدس والاجتهاد.
وقوله: (والمنقول عن غير أهل البيت عليهم السلام ليس حجة علينا، وخصوصا إذا جهلنا سلسلة الرواة هذه الأقوال، ومنهجهم في الجرح والتعديل).
واضح الضعف؛ لأن المنقول في توثيق الرجال وتضعيفهم إنما يكون حجة
ص: 17
إذا كان المنقول عنهم ثقاتا، ولا يلتزم عاقل بألا يقبل توثيقا أو تضعيفا لراو إلا إذا كان صادرا عن أهل البيت علیهم السلام ، مع أنا لا نحتاج لأن نعرف منهج المنقول عنه في الجرح والتعديل
إذا كان يشهد بكذب راو أو بصدقه ووثاقته وعدالته.
وأما قوله: (وأما المنقول لعلماء الرجال عن أهل البيت عليهم السلام فأيضا لا بد أن نعرف سلسلة السند کاملة، وأن لا تحتوي على إرسال ولا على مجهول ولا على مضعف).
فهو واضح الركاكة؛ لأنا كيف نعرف حال سلسلة السند من حيث الوثاقة والضعف إذا لم نرجع إلى أقوال الرجاليين المعروفين الذين لهم خبرة بالرجال ومعرفة تامة بأحوال الرواة؟!
مع أنه يلزم مما قاله ناظم العقيلي ألا نقبل توثيقا ولا تضعيفا لراو قط، سواء صدر ذلك عن الرجاليين المعروفين، أم عن المعاصرين للرواة، أم عن أئمة أهل البيت علیهم السلام ، وهذا لا يقوله محصل.
وزعمه أن كتب الرجال وخصوصا كتاب النجاشي والطوسي وابن الغضائري لا سند لها ولا طريق إلا ما ندر.
مجازفة واضحة؛ لأن كتب الرجال المعروفة، وخصوصا كتاب النجاشي قدس سره و كتابي الشيخ الطوسي قدس سره الرجال والفهرست _ منقولة عن مؤلفيها بالتواتر، ولهذا لم يشکك أحد في نسبة هذه الكتب وغيرها لهؤلاء الأعلام، مع أنه لو راجع کتب الرجال لوجد فيها أسانيد هذه الكتب لأصحابها.
ولا يخفى أن أحمد إسماعيل وأنصاره إنما حاولوا إسقاط علم الرجال بكامله ليتسنى لهم التمسك برواية كتاب (الغيبة) التي قامت عليها دعوتهم، وليحتجوا على خصومهم بكل رواية يؤيدون بها باطلهم حتى لو كانت من دون إسناد، أو كان في سندها إرسال أو ضعف.
ص: 18
لكنهم مع ذلك فإنهم يأخذون بأقوال الرجاليين، ويضعفون أسانيد بعض الروايات التي تصطدم مع دعوتهم، مثل تضعيفهم توقيع السفير الرابع الشيخ علي بن محمد السمري رضی الله عنه الذي رواه الشيخ الصدوق قدس سره عن أبي محمد الحسن بن أحمد المكتب، قال:
كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ علي بن محمد السمري قدس الله روحه، فحضرته قبل وفاته بأيام، فأخرج إلى الناس توقيعا نسخته: «بسم الله الرحمن الرحیم، یا علی بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فأجمع أمرك، ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية، فلا ظهور إلا بعد إذن الله عزّوجلّ، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جورا، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر...»(1).
قال أحمد إسماعيل:
(توجد كثير من المناقشات لهذه الرواية، وهي كافية، ولذا فهم تركوها، وأعرضوا عنها منذ زمن بعيد؛ لأنهم يعلمون أن الاحتجاج بها لا قيمة له، فهي مطعون في سندها، وعندهم لو كانت صحيحة السند لا تفيد الاعتقاد دون أن يعضدها ما يوصل إلى اليقين بصدورها(2)".
وبعض أنصار أحمد إسماعيل وهو ضياء الزيدي كتب كتابا أسماه: (قراءة جديدة في رواية السمري)، ضعف فيه هذا التوقيع، وقال:
(إن الرواية على الرغم من ضعف السند الذي مر علينا أولا، هي
ص: 19
خبر واحد، ولا يمكن تحصيل العلم من خبر الواحد الثقة، فضلا عن المرسلة أو المجهولة)(1).
مع أن هذا التوقيع مما أجمع الشيعة على صحته واعتباره في جميع الأعصار، وكان العمل عليه منذ صدوره إلى يومنا هذا، لم يطعن فيه طاعن، ولكن لأنه يتعارض مع دعوتهم بصورة واضحة حاولوا تضعيفه والتشكيك في دلالته على تكذيب كل من يدعي السفارة قبل الصيحة والسفياني.
وهؤلاء وإن زعموا أنهم إنما يضعفون بعض الأحاديث من باب الإلزام لمخالفيهم الذين يعتمدون علم الرجال، إلا أنهم بالنتيجة يطرحون تلك الروايات، ولا يعملون بها مع أنها حجة عليهم وإن كانت ضعيفة عند غيرهم.
وكيف كان، فإني سأحتج عليهم بجميع الروايات المروية في كتب الشيعة الإمامية من دون النظر في أسانيدها، إلزاما لهم بمنهجهم الذي التزموا به والذي يحتجون به على غيرهم، ولن أتكلم في أسانید الروايات في غالب الأحيان إلا إذا اقتضت الحاجة ذلك.
نعم، بما أن الروايات الضعيفة ليست بحجة في العقائد القطعية والأحكام الإلزامية، فإني سأرد کل رواية ضعيفة يحتجون بها على غيرهم عملا بهذا المنهج الصحيح.
ذهب أحمد إسماعيل وأنصاره إلى أن علم أصول الفقه والمنطق والنحو كلها بدعة، لا قيمة لها؛ لأنها كلها لم ترد عن أئمة أهل البيت علیهم السلام ، وإنما وردت عن غيرهم ممن لا يحتج بقوله.
ص: 20
قال أحمد إسماعيل في تقديمه لكتاب (الإفحام لمكب رسول الإمام عليه السلام ):
(قرأت هذا الكتاب، وهو رد موفق للشيخ ناظم العقيلي على جواب السيد محمود الحسني السؤال سأله فيه سائل عن هذه الدعوة الحقة، فكذب السيد محمود الحسني هذه الدعوة في طيات كلامه دونما حجة:( بل کذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله کذلك کذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين) (يونس: 39)، وطلب السيد محمود الحسني في جوابه معجزة _ توهمها هو في أصول الفقه، وكأنه لا يعلم أن أصول الفقه علم ظني ونظریات ظنية مستندة إلى قواعد وضعها كفرة اليونان، وقالوا: إنها بدیهیات منطقية لا خلاف فيها بين العقلاء، وليت شعري لو كان هؤلاء اليونانيين عقلاء لما أعرضوا عن الأنبياء: (لعمرک إنهم لفي سكرتهم يعمهون) (الحجر:72)، ولو كان دين الله يصاب بعقول بني آدم الناقصة لصحّ استدلال کارل مارکس ومن أسس لإنكار وجود الله سبحانه وتعالى ولكانوا معذورین، فقد تبنوا قواعد ادعوا أنها بدیهیات، وأسسوا عليها نظریات، أنكروا بها وجود الله سبحانه وتعالى، وضلوا وأضلوا بها نصف أهل الأرض)(1).
ولا يخفى أن هذا الكلام ناشئ عن جهل أحمد إسماعيل بهذه العلوم، وعدم معرفته بها، ويكفي قوله: (إن أصول الفقه علم ظنّي ونظریات ظنّية مستندة إلى قواعد وضعها كفرة اليونان)، مع أن علماء اليونان لا علاقة لهم بأصول الفقه من قريب ولا بعيد، والعلم الذي
ص: 21
وضعه فلاسفة اليونان هو علم المنطق، ومن الواضح أن أحمد إسماعيل لا يميز بين علم أصول الفقه و علم المنطق، فحكم عليها بحكم واحد.
مع أن قواعد علم المنطق قواعد قطعية لا ظنية؛ لأنه وضع أساسا لصيانة العقل عن الوقوع في الخطأ، وليتوصل في استدلاله وتفكيره إلى نتائج قطعية لا ظنية، وهذا أمر واضح يعرفه كل من درس هذا العلم.
ولا يخفى أن هذه العلوم علوم إنسانية اتفق جميع العقلاء والعلماء قديما وحديثا على أهميتها وكثرة فوائدها، ولذلك اعتنوا بها وبدراستها، وكتبوا الكتب في تدوينها وتنقيحها.
وحال هذه العلوم حال العلوم الأخرى التي توصل إليها الإنسان بتجاربه الكثيرة عبر العصور المتعاقبة، كالطب، والفيزياء والكيمياء، والهندسة التي صرف أحمد إسماعيل في دراستها سنين من عمره، وغيرها من العلوم الإنسانية النافعة، التي لا يقول فيها عاقل: إنها غير مهمة ولا قيمة لها؛ لأنها لم تؤخذ عن أهل البيت عليهم السلام.
لقد كان أئمة أهل البيت علیهم السلام يناظرون الملاحدة والزنادقة وأصحاب الأديان المختلفة، وما كانوا يحتجون عليهم بالكتاب أو السنة، وإنما كانوا يناظرونهم بالعقل، ويستعملون معهم قواعد الاستدلال الصحيح التي تكفل علم المنطق ببيانها.
وقد روى الصفار في (بصائر الدرجات) بسنده عن هشام بن الحكم، قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام بمنی عن خمسمائة حرف من الكلام، فأقبلت أقول: كذا وكذا يقولون. قال: «فيقول لي: قل كذا وكذا». فقلت: جعلت فداك، هذا الحلال والحرام والقرآن أعلم أنك صاحبه، وأعلم الناس به، وهذا هو الكلام؟! فقال لي: «وتشك یا
ص: 22
هشام؟ من شك أن الله يحتج على خلقه بحجة لا يكون عنده كل ما يحتاجون إليه فقد افترى على الله »(1).
وكل من تتبع كلام أحمد إسماعيل وأتباعه يجد أنهم لجهلهم يستخدمون القواعد الأصولية والمنطقية والنحوية في كلامهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون، فإنهم عندما يحتجون بحديث مافإن لازم احتجاجهم به أنهم يقولون: إن أخبار الآحاد حجة، بل خبر غير الثقة حجة، وأن ظاهر الكلام حجة، وأن الأمر ظاهر في الحث والبعث أو في الوجوب، والنهي ظاهر في المنع والزجر أو في الحرمة، وغير ذلك، وهذه كلها قواعد أصولية معروفة.
كما أنهم عندما يكتبون كتبهم فإنهم يرفعون الفاعل، وينصبون المفعول، ويجرون المجرور، وهكذا، وهذه قواعد نحوية معروفة ومضبوطة، يعملون بها شاؤوا أم أبوا.
وكيف كان فإن هؤلاء القوم ليس عندهم قواعد مضبوطة يرجعون إليها في شتى العلوم، و إنما يأخذون من القواعد ما يستفيدون منه بشكل انتقائي، ويردون ما كان حجة عليهم وإن قام الدليل على صحته.
ومن المعلوم أن الداعي لإسقاط كل هذه العلوم هو جهلهم بها من جهة كما قلنا، وكثرة وقوع إمامهم أحمد إسماعيل البصري في أخطاء فاضحة لا يقع فيها صغار طلبة العلم من جهة ثانية، ولذلك برروا أخطاءه الكثيرة بأن علم النحو لم يرد عن أهل البيت عليهم السلام ، فلا يجب الالتزام به، ولا قيمة له عندهم.
ص: 23
ومع أنهم يتبعون هذا المنهج المعوج غير الموافق للقواعد الأصولية أو المنطقية المتسالم عليها، إلا أني لا أحتاج للرد على دليلهم المعوج بدلیل معوج مثله، فإن في الدليل الصحيح والحجة التامة غنى وكفاية لكل طالب حق، وكان غرضي هو بيان طريقتهم في الاستدلال ومنهجهم في الاحتجاج ليكون القارئ العزيز على بينة من أمرهم.
نسب أنصار أحمد إسماعيل إليه مجموعة من الكتب والبيانات، ولم نجد منه ما يدفع ذلك أو يكذبه، وهو في تلك الكتب المنسوبة إليه كثيراً ما يرشد الناس إلى الاستفادة من موقع أنصاره ويدعوهم إلى الاستفادة منه، فإنه قال في جواب سؤال موجه إليه ما نصه:
(وأما سؤالك عن قبلة الصلاة فالقبلة الحقيقية هو حجة الله في كل زمان، واتخاذه قبلة بأن تتبعه وتعمل معه، ويمكنك أن تقرأ الكتب في موقع أنصار الإمام المهدي لتتعرف على العقيدة الحق (كذا)(1).
وقال في جواب سؤال آخر:
(ويمكنك قراءة تفسير هذه الآيات في كتاب تفسير آية من سورة يونس، وهو منشور في موقع أنصار الإمام المهدي؛ لعل الله ينفعك بها)(2).
وقال في جواب سؤال ثالث:
(ويمكنك قراءة كتاب الشرائع، وقد بينت فيه ما هو الواجب على الزوجة تجاه زوجها، وأيضا متى يكون للفتاة الحق في الولاية على نفسها،
ص: 24
والكتاب منشور في موقع أنصار الإمام المهدي عليه السلام ، وإذا لم يتبين لكم شيء بعد القراءة يمكنكم السؤال، وأكون بخدمتكم إن شاء الله)(1).
وفي تفسيره لرؤيا أحد السائلين قال:
(أما الخضار فهو الدين، وأما السطح فهو الارتقاء في ملكوت السماوات والأرضين، وفي هذه الرؤيا وجه بسيط بين يديك، وهو موقع الأنصار على الشبكة، والحديقة الخضراء الواسعة: هي العلم الموجود في الموقع، والسطح: هو الأثير، طريق الاتصال في الشبكة، والنافذة: هي نافذتك على الموقع، والبيت البسيط: هو الموقع نفسه؛ لأنه صغير بحجمه)(2).
ولأجل ذلك فإني سأحتج لإبطال هذه الدعوة بكل ما في تلك الكتب والبيانات المنسوبة إليه، والموجودة في موقع أنصاره، وما هو منسوب إليه في الموقع المذكور وفي كتبهم أنصاره؛ لأنهم إذا لم يفتروا عليه فما في موقعهم وكتبهم حجة عليه، وإن كانوا قد افتروا عليه فإن الواجب عليه أن يبين للناس ذلك، وحيث إنا لا نعلم بحقيقة الحال، وهو لم ينكر شيئا مما نسبوه إليه، فإن سکوته إقرار منه بما في ذلك الموقع، وتسليم بنسبة تلك الكتب إليه إن كان لا يزال على قيد الحياة.
****
ص: 25
ص: 26
الرواية التي أسموها برواية الوصية(1) رواها شيخ الطائفة الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة)، وهذا نصها:
أخبرنا جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد المصري، عن عمه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام ، قال: «قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم _ في الليلة التي كانت فيها وفاته _ لعلي علیه السلام : يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة. فأملا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا علي، إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماما، ومن بعدهم اثنا عشر مهديا، فأنت ياعلي أول الاثني عشر إماما، سماك الله تعالى في سمائه: عليّا المرتضى، وأمير المؤمنين، والصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، والمأمون، والمهدي، فلا تصحّ هذه الأسماء لأحد غيرك، يا علي أنت وصيي على أهل بيتي حيهم ومیتهم، وعلى نسائي، فمن ثبتها لقيتني غدا، ومن طلقتها فأنا بريء منها، لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي، فإذا حضرتك الوفاة فسلمها إلى ابني
ص: 27
الحسن البر الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليستمها إلى ابنه سيد العابدین ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه موسی الكاظم، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الثقة التقي، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد المستحقظ من آل محمد عليهم السلام ، فذلك اثنا عشر إماما، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهديا)، (فإذا حضرته الوفاة) فليسلمها إلى ابنه أول المقربين، له ثلاثة أسامي: اسم کاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين»(1).
هذه الرواية سندها ضعيف، بل مظلم جدا، وأغلب رواتها مجاهيل، لم يرد لهم ذكر في كتب الرجال، لا بمدح ولا بقدح.
وإليك بيان حال بعضهم:
وهذا مهمل في كتب الرجال، لم يرد له فيها ذكر، لا بمدح ولا قدح، فيكون مجهول الحال.
ووصفه بالعدل لا يدل على التوثيق؛ لأنه ربما يكون وصفة لأحد أجداده، فلا يعلم أنه وصف له، ولو سلمنا بأنه وصف له فلعل المراد به شيء آخر غير التوثيق.
ص: 28
قال السيد الخوئي قدس سره به في ترجمة الفقيه الدارمي العدل:
(لا يبعد أن الرجل من العامة، وأن كلمة (العدل) من ألقابه، وهذه كلمة تطلق على الكتاب في القضاء والحكومات، فيقال: كاتب العدل)(1).
والسيد الخوئي قدس سره و رجح من هذا الوصف أنه رجل من العامة، فقال: (إن كلمة (العدل) على ما يظهر من ذكرها في مشايخ الصدوق قدس سره و كان يوصف بها بعض علماء العامة، فلا يبعد أن يكون الرجل من العامة)(2).
ولو سلمنا أن هذا الوصف له وأنه يراد به التوثيق، فلا نعلم من وصفه بهذا الوصف، فلعل الواصف له بذلك لا يعتمد عليه في جرح ولا تعديل.
وهو اسم مشترك، يعرف بالراوي والمروي عنه، ولم يتضح بتتبع الروايات من يروي عن أحمد بن محمد بن الخليل، ويروي عنه علي بن سنان الموصلي العدل، وعليه فهو مجهول الحال، لا يعرف من هو.
ولا يتوهم أنه علي بن الحسين بن بابویه (والد الشيخ الصدوق قدس سره)؛ لأن والد الشيخ الصدوق لا يروي عن أحمد بن محمد بن الخليل، ولا يروي عنه علي بن سنان الموصلي العدل.
مضافا إلى أن الشيخ الطوسي قدس سره يروي عن والد الشيخ الصدوق بواسطتين، هما: الشيخ المفيد، الذي يروي عن الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابویه.
قال الشيخ الطوسي قدس سره :
(علي بن الحسين بن موسی بن بابويه القمي رضی الله عنه، كان فقيها
ص: 29
جليلا ثقة، وله كتب كثيرة..)، إلى أن قال: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته: الشيخ المفيد رحمه الله ، والحسين بن عبيد الله، عن أبي جعفر ابن بابويه [الصدوق ]، عن أبيه)(1).
وأما الوسائط بين الشيخ الطوسي قدس سره وبين علي بن الحسين المذكور في رواية كتاب (الغيبة) فثلاث، هي: (جماعة، عن الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل)، وهذا يدل على اختلاف الطبقة بين علي بن الحسين المذكور في رواية كتاب (الغيبة) ووالد الشيخ الصدوق قدس سره.
مع أن الشيخ الصدوق قدس سره يروي عن علي بن سنان الموصلي بواسطتين كما ورد ذلك في كتاب (كمال الدین وتمام النعمة)، حيث قال:
(حدثنا أبو العباس أحمد بن الحسين بن عبد الله بن محمد بن مهران الآبي العروضي رضی الله عنه بمرو، وقال: حدثنا (أبو) الحسين (بن) زید بن عبد الله البغدادي، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن سنان الموصلي، قال: حدثني أبي، قال: لما قبض سيدنا أبو محمد الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليهما وفد من قم والجبال وفود بالأموال التي كانت تحمل على الرسم والعادة، ولم يكن عندهم خبر وفاة الحسن عليه السلام، فلما أن وصلوا إلى سر من رأى سألوا عن سيدنا الحسن بن علي عليها السلام، فقيل لهم: إنه قد فقد...)(2).
مضافا إلى أن الشيخ الصدوق قدس سره يروي عن والده بالمباشرة لا بالواسطة، وهذا يدل على أن علي بن الحسين الذي يروي عنه علي بن سنان الموصلي شخص آخر.
ص: 30
وهو مهمل في كتب الرجال، لم يذكروه بمدح ولا ذم، فلا يعرف من هو.
وقد اعترف بذلك ناظم العقيلي - وهو من المدافعين بشدة عن أحمد إسماعيل البصري والمروجين له في كتابه (انتصارا للوصية) حيث قال:
(ولم يبق أحد من رواة الوصية لم يعلم تشیعه إلا أحمد بن محمد بن الخليل)(1).
قلت: مضافا إلى أنه لا يعلم تشيعه فإنه لم ينص أحد على وثاقته،
وهذا كاف في إسقاط الرواية من أساسها.
وما زعمه ناظم العقيلي من أنه لا ينبغي الشك في تشيعه؛ لشهادة الشيخ الطوسي کا تقدم، ولاعتماد علي بن الحسين بن بابویه عليه في الرواية، ولما قاله الشيخ علي النمازي عند ترجمته، حيث قال:
(وقع في طريق الشيخ عن علي بن سنان الموصلي، عن علي بن الحسين، عنه...)، إلى قوله : ( وفي هذه الرواية النص على الأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم، وأسمائهم، وفضائلهم، فهي تفيد حسنه وكماله)(2).
مردود بأن الشيخ الطوسي قدس سره و لم يشهد بتشيعه، ولا بتشيع غیره ممن ذكروا في رواية كتاب (الغيبة)، و إنما ذكر هذه الرواية ضمن روایات الخاصة، والمراد بذلك أنها مروية عن الإمام الصادق علیه السلام، حتى لو كان بعض رواتها من العامة، مثل روایات السكوني وحفص بن غیاث، ونوح بن دراج وغيرهم عن أئمتنا عليهم السلام ، فإنها معدودة من روایات الخاصة رغم أن هؤلاء جميعا من العامة.
ص: 31
قال الشيخ الطوسي قدس سره:
(فأما إذا كان الراوي مخالفا في الاعتقاد لأصل المذهب، وروى مع ذلك عن الأئمة علیهم السلام نظر فيما يرويه، فإن كان هناك من طرق الموثوق بهم ما يخالفه وجب إطراح خبره...)، إلى أن قال: (ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غیاث، وغياث بن کلوب، ونوح بن دراج، والسكوني، وغيرهم من العامة عن أئمتنا عليهم السلام فيما لم ينكروه، ولم يكن عندهم خلافه)(1).
وأما ما زعمه ناظم العقيلي من اعتماد علي بن الحسين بن بابویه عليه في الرواية، فهو مردود بما بیناه من أن الراوي عنه ليس علي بن الحسين بن بابویه، وإنما هو رجل مجهول، لا يعرف من هو؛ وذلك لاختلاف الطبقة كما بيناه فيما تقدم.
ولو سلمنا أن الراوي عنه هو ابن بابویه فإن ما قاله العقيلي لا يتم؛ لأنا لم نجد رواية أخرى رواها علي بن الحسين عن أحمد بن محمد بن الخليل إلا هذه الرواية، وهذا لا يحقق اعتماده عليه في الرواية، مع أنا لم نر من صرح بأن علي بن الحسين بن بابویه لا يروي إلا عن ثقة.
وأما ما قاله النمازي فهو رأي ضعيف لا يساعد عليه التحقيق، ولم يدل عليه دلیل صحيح، وهو مخالف لما قاله أكثر علاء الطائفة، فلا ندري لم اعتمده ناظم العقيلي وقلد فيه النمازي؟! مع أنهم يذمون علم الرجال، ولا يعتمدون أقوال الرجاليين، إلا أنهم يعتمدون الأقوال الضعيفة إذا كانت توافقهم، ويردون الأقوال الأخرى إذا كانت تخالفهم.
ص: 32
وهو مهمل في كتب الرجال أيضا، لم نجد له ترجمة، ولم نجد من قال بوثاقته.
نعم قال ابن حجر العسقلاني:
(جعفر بن أحمد بن علي بن بيان بن زید بن سيابة أبو الفضل الغافقي المصري، ويعرف بابن أبي العلاء، قال ابن عدي بعد أن ساق نسبه: كتبت عنه سنة تسع وتسعين، وسنة أربع وثلاثمائة، وأظنه مات فيها، فحدثنا عن أبي صالح وعبد الله بن يوسف الكلاعي، وأبو محمد الدمشقي التنيسي، وسعيد بن عفير، وجماعة بأحاديث موضوعة كنا نتهمه بوضعها، بل نتيقن ذلك، وكان رافضيا)(1).
إلا أن هذا الكلام لا يدل على وثاقته إن لم يدل على ضعفه .
وهو كسابقيه، مهمل في كتب الرجال، لم يذكروه بمدح ولا قدح، فيكون مجهول الحال.
وهو علي بن بيان بن زید بن سيابة المصري، وهو أيضا مجهول الحال، لم يذكره علماء الرجال بمدح ولا قدح.
أن أكثر رواة رواية كتاب (الغيبة) مجاهيل، لا يعرفون من هم، ولم تثبت وثاقتهم، فتكون الرواية ساقطة، لا تصلح للاستدلال بها على
ص: 33
شيء، فضلا عن صلاحيتها للاستدلال على إثبات اثني عشر إماما بعد الإمام المهدي المنتظر علیه السلام.
قال الشيخ المجلسي قدس سره و بعد أن ذكر بعض الأخبار الظاهرة في أن بعد الاثني عشر إماما اثني عشر مهديا:
(هذه الأخبار مخالفة للمشهور، وطريق التأويل أحد وجهين:
الأول: أن يكون المراد بالاثني عشر مهديا: النبي صلی الله علیه و آله و سلم وسائر الأئمة سوى القائم عليه السلام، بأن يكون ملكهم بعد القائم عليه السلام ، وقد سبق أن الحسن بن سليمان أولها بجميع الأئمة، وقال برجعة القائم عليه السلام بعد موته، وبه أيضا يمكن الجمع بين بعض الأخبار المختلفة التي وردت في مدة ملكه علیه السلام.
والثاني: أن یکون هؤلاء المهديون من أوصياء القائم، هادین للخلق في زمن سائر الأئمة الذين رجعوا؛ لئلا يخلو الزمان من حجة، وإن كان أوصياء الأنبياء والأئمة أيضا حججا، والله تعالى يعلم)(1).
وقال الحر العاملي قدس سره في (الفوائد الطوسية):
(فائدة 38: حديث الاثني عشر بعد الاثني عشر عليهم السلام : اعلم أنه قد ورد هذا المضمون في بعض الأخبار، وهو لا يخلو من غرابة وإشكال، ولم يتعرض له أصحابنا إلا النادر منهم على ما يحضرني الآن، ولا يمكن اعتقاده جزما قطعا؛ لأن ما ورد بذلك لم يصل إلى حد اليقين، بل تجويزه احتمالا على وجه الإمكان مشكل؛ لما يأتي إن شاء الله تعالى من
ص: 34
كثرة معارضه. وبالجملة فهو محل التوقف إلى أن يتحقق وتظهر قوته على معارضه، والذي يحضرني الآن من ذلك أنه ورد من طرق:
أحدها: ما رواه الشيخ في كتاب (الغيبة) في جملة الأحاديث التي رواها من طريق المخالفين في النص على الأئمة عليهم السلام ، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد البصري، عن عمه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سید العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي علیه السلام: يا أبا الحسن أحضر دواة وصحيفة. فأملى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وصيته، حتى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا علي، إنه يكون بعدي اثنا عشر إماما، ومن بعدهم اثنا عشر مهديا ... الخ(1).
وقال الشيخ البياضي العاملي قدس سره :
(الرواية بالاثني عشر بعد الاثني عشر شاذة، ومخالفة للروايات الصحيحة المتواترة الشهيرة بأنه ليس بعد القائم دولة، وأنه لم يمض من الدنيا إلا أربعين يوما فيها الهرج، وعلامة خروج الأموات، وقيام الساعة، على أن البعدية في قوله: «من بعدهم» لا تقتضي البعدية الزمانية كما قال تعالى: (فمن يهديه من بعد الله) [الجاثية: 23]، فجاز كونهم في زمان الإمام، وهم نوابه علیه السلام .
إن قلت: قال في الرواية: «فإذا حضرته _ يعني المهدي _الوفاة فليسلمها إلى ابنه» ينفي هذا التأويل.
ص: 35
قلت: لا يدل هذا على البقاء بعده، يجوز أن يكون لوظيفة الوصية؛ لئلا يكون ميتة جاهلية، ويجوز أن يبقى بعده من يدعو إلى إمامته، ولا يضر ذلك في حصر الاثني عشر فيه وفي آبائه.
قال المرتضى: لا يقطع بزوال التكليف عند موته، بل يجوز أن يبقى حصر الاثني عشر فيه، بعد أئمة يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله، ولا يخرجنا هذا القول عن التسمية بالاثني عشرية؛ لأنا کلفنا بأن نعلم إمامتهم، إذ هو موضع الخلاف، وقد بينا ذلك بيانا شافيا فيهم، ولا موافق لنا عليهم، فانفردنا بهذا الاسم عن غيرنا من مخالفيهم.
وأنا أقول: هذه الرواية أحادية، توجب ظنا، ومسألة الإمامة علمية، ولأن النبي صلی الله علیه و آله وسلم إن لم يبين المتأخرين بجميع أسمائهم، ولا كشف عن صفاتهم مع الحاجة إلى معرفتهم، فيلزم تأخير البيان عن الحاجة، وأيضا فهذه الزيادة شاذة لا تعارض الشائعة الذائعة.
إن قلت: لا معارضة بينهما؛ لأن غاية الروايات: «یکون بعدي اثنا عشر خلیفة»، «الأئمة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل» ونحوها.
قلت: لو أمكن ذلك لزم العبث والتعمية في ذكر الاثني عشر، ولأن في أكثر الروايات: «و تسعة من ولد الحسين»، ويجب حصر المبتدأ في الخبر، ولأنهم لم يذکروا في التوراة وأشعار قس وغيرها، ولا أخبر النبي صلی الله علیه و آله و سلم برؤيتهم ليلة إسرائه إلى حضرة ربه، ولما عد الأئمة الاثني عشر، قال للحسن: «لا تخلو الأرض منهم»، ويعني به زمان التكليف، فلو كان بعدهم أئمة لخلت الأرض منهم، ويبعد حمل الخلوعلى أن المقصود به أولادهم؛ لأنه من المجاز،ولا ضرورة تحوج إليه)(1).
ص: 36
إذا عرفت ما قاله علماء الطائفة في هذه الرواية ونحوها نقول:
إن أئمة أهل البيت علیهم السلام أمروا شيعتهم بالأخذ بما يرويه الأعدل والأفقه والأصدق والأورع في الحديث، ويؤخذ بالمشهور عنهم عليهم السلام ، ويترك الشاذّ النادر، فقد ورد في مقبولة عمر بن حنظلة عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال: «الحكم ما حکم به أعدلهما، وأفقههما، وأصدقهما في الحديث، وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر». قال: قلت: فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا، لا يفضل واحد منهما على الآخر. قال: فقال: «ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك، فيؤخذ به من حكمنا، ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإن المجمع عليه لا ريب فيه»(1).
وروى ابن أبي جمهور، عن زرارة بن أعين، قال: سألت الباقر علیه السلام ، فقلت: جعلت فداك، يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأیها آخذ؟ فقال: «يا زرارة، بما اشتهر بين أصحابك، ودع الشاذ النادر». فقلت: يا سيدي إنهما معا مشهوران مرویان مأثوران عنكم. فقال علیه السلام : «خذ بما يقول أعدلهما عندك، وأوثقهما في نفسك» (2).
ولا شك في أن رواية المهديين الاثني عشر من أولاد الإمام المهدي المنتظر علیه السلام رواية شاذة مخالفة لماتواتر عنهم عليهم السلام من أن الأئمة اثنا عشر لا يزيدون ولا ينقصون، مضافا إلى أن هذه الرواية قد رواها المجاهيل الذين لا يعرفون، وأما الروايات الحاصرة للأئمة في اثني عشر فقد رواها الثقات من أصحاب الأئمة خلفا عن سلف من غير
ص: 37
نکیر من أحد، وهذا كله يحتم علينا طرح رواية المهديين الاثني عشر من ولد الإمام القائم علیه السلام.
اشتملت رواية كتاب (الغيبة) على عبارات ينبغي التوقف عندها، والتعليق عليها:
منها: قوله: «يا علي، إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماما» .
وهؤلاء الاثنا عشر إماما دلت عليهم روايات أخر متواترة مروية من طرق الشيعة وأهل السنة.
أما ما روي من طريق الشيعة، فمنه:
1_ما رواه الكليني والصدوق قدس الله أسرارهما بأسانيدهما عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: «نحن اثنا عشر إماما، منهم حسن وحسين، ثم الأئمة من ولد الحسين علیه السلام »(1).
2_ما رواه الكليني والصدوق والنعماني قدس الله أسرارهم بأسانيدهم عن أبي جعفر الثاني علیه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لابن عباس: «إن ليلة القدر في كل سنة، وإنه ينزل في تلك الليلة أمر السنة، ولذلك الأمر ولاة بعد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم »، فقال ابن عباس: من هم؟ قال: «أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدثون»(2).
3_ ما رواه الحر العاملي قدس سره عن كتاب الفضل بن شاذان (إثبات الرجعة) بسند صحيح عن أبي شعبة الحلبي، عن أبي عبد الله علیه السلام، عن
ص: 38
آبائه، عن الإمام الحسن السبط علیه لالسلام، قال: «سألت جدي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عن الأئمة بعده، فقال: الأئمة بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل: اثناعشر، أعطاهم الله علمي و فهمي...»(1).
وستأتي روايات أخرى غيرها قريبا، فانتظرها.
وأما من طريق أهل السنة، فمنه:
1_ ما أخرجه البخاري وغيره عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبي صلی الله علیه و آله و سلم يقول: «یکون اثنا عشر أميرا»، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: «كلهم من قریش»(2).
قال البغوي: (هذا حديث متفق على صحته)(3).
2_ وأخرج مسلم عن جابر بن سمرة، قال: دخلت مع أبي على النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، فسمعته يقول: «إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خلیفة». قال: ثم تكلم بكلام خفي علي. قال: فقلت لأبي: ما قال؟ قال: «كلهم من قریش»(4).
3_ وأخرج مسلم أيضا بسنده عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبي صلی الله علیه و آله و سلم يقول: «لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا»، ثم تكلم النبي صلی الله علیه و آله و سلم بكلمة خفيت علي، فسألت أبي: ماذا قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم؟ فقال: «كلهم من قریش»(5).
4_وأخرج مسلم أيضا عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول
ص: 39
الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول: «لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خلیفة»، ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: «كلهم من قریش»(1).
والتعبير باثني عشر إماما أو خليفة في كل هذه الروايات وغيرها يفيد الحصر؛ لأنه لو كان هناك غيرهم لبين ولو في بعض الروايات، ولما أطبقت جميع الروايات على ذكر هذا العدد المعين، ومع أن الشيعة وأهل السنة اختلفوا في كثير من مسائل الإمامة، وتنازعوا فيها نزاعا شديدا، إلا أنهم أجمعوا على أن عدد الخلفاء اثنا عشر، من غير زيادة ولا نقيصة، واختلافهم إنما هو في انطباق هذه الأحاديث، هل تنطبق على أئمة أهل البيت علیهم السلام كما يقول الشيعة، أو تنطبق على غيرهم كما يقول أهل السنة، ولم يقل أحد من هذه الأمة قبل أحمد إسماعيل البصري: (إن الأئمة أربعة وعشرون)، وكفى هذا دليلا على بطلان زعمهم.
مع أن حصر الأئمة في اثني عشر إماما مع وجود غيرهم بعدهم يستلزم العبث و التعمية كما قال البياضي العاملي رحمه الله ، بل يترتب عليه إيقاع الناس في الضلال بإيهامهم أن الأئمة اثنا عشر بینما هم أكثر من ذلك، وهذا لا يصدر عن المعصوم عليه السلام.
ومن تتبع الروايات يجد أن هناك روايات كثيرة واضحة الدلالة على حصر الخلفاء أو الأئمة في اثني عشر إماما، لا يزيدون ولا ينقصون.
منها: ما رواه الشيخ محمد بن علي بن بابويه المعروف بالصدوق قدس سره به بسند صحيح عن ثابت بن دینار، عن سيد العابدين علي بن الحسين، عن سيد الشهداء الحسين بن علي، عن سيد الأوصياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیهم السلام، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : «الأئمة من بعدي اثنا
ص: 40
عشر، أولهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها»(1).
ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره أيضا بسند صحيح عن إسماعیل بن الفضل الهاشمي، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیهم السلام، قال: «قلت لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : أخبرني بعدد الأئمة بعدك. فقال: يا علي، هم اثنا عشر، أولهم أنت، وآخرهم القائم» (2).
وبسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله علیه السلام ، قال : سمعته يقول: «منا اثنا عشر مهديا، مضي ستة، وبقي ستة، يصنع الله بالسادس ما أحب»(3).
وبسنده عن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب علیهما السلام : «منا اثنا عشر مهديا، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو القائم بالحق، يحيي الله تعالى به الأرض بعد موتها، ويظهر به دین الحق على الدين كله ولو كره المشركون، له غيبة يرتد فيها قوم، ويثبت على الدين فيها آخرون، فيؤذون، فيقال لهم: (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) [يونس: 48]، أما إن الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله
صلی الله علیه و آله و سلم» (4).
وبسنده عن عبد السلام بن صالح الهروي، عن مولانا الإمام علي بن موسی الرضا، عن آبائه علیهم السلام أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال في حديث
ص: 41
طويل: «فنظرت وأنا بينيدي ربي جل جلاله إلى ساق العرش، فرأيت اثني عشر نورا، في كل نور سطر أخضر عليه اسم وصي من أوصيائي، أولهم: علي بن أبي طالب، وآخرهم مهدي أمتي»(1).
وبسنده عن يحيى بن أبي القاسم، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : «الأئمة بعدي اثنا عشر، أولهم علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم، هم خلفائي، وأوصيائي، وأوليائي، وحجج الله على أمتي بعدي، المقر بهم مؤمن، والمنكر لهم كافر»(2).
وبسنده عن عبد الله بن عباس، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عايد : «أنا سيد النبيين، وعلي بن أبي طالب سيد الوصيين، وإن أوصيائي بعدي اثنا عشر، أولهم علي بن أبي طالب عليه السلام ، وآخرهم القائم»(3).
ولعل من أوضح الروايات الدالة على انحصار الأئمة في اثني عشر إماما ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن سليم بن قیس الهلالي في حديث طويل أن أمير المؤمنين علیه السلام، قال: «أيها الناس، أتعلمون أن الله أنزل في كتابه: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) [الأحزاب: 33]، فجمعني وفاطمة وابني حسنا وحسينا، ثم ألقى علينا کساء، وقال: اللهم إن هؤلاء أهل بيتي ولحمتي، يؤلمني مايؤلمهم، ويجرحني ما يجرحهم، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فقالت أم سلمة : وأنایا رسول الله؟ فقال:
ص: 42
أنت على خير، إنما أنزلت في، وفي أخي، وفي ابنتي فاطمة](1)، وفي ابني الحسن والحسين، وفي تسعة من ولد ابني الحسين خاصة، ليس معنا فيها أحد غيرنا؟»، فقالوا كلهم: نشهد أن أم سلمة حدثتنا بذلك، فسألنا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فحدثنا كما حدثتنا به أم سلمة رضی الله عنه...».
إلى أن قال: قال: «أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قام خطيبا، لم يخطب بعد ذلك، فقال: يا أيها الناس، إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فتمسكوا بها لئلا تضلوا، فإن اللطيف الخبير أخبرني وعهد إلى أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.
فقام عمر بن الخطاب وهو شبه المغضب، فقال: يا رسول الله، أكل أهل بيتك؟ قال: لا، ولكن أوصيائي منهم، أولهم أخي، ووزيري، ووارثي، وخليفتي في أمتي، وولي كل مؤمن بعدي، هو أولهم، ثم ابني الحسن، ثم ابني الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين، واحد بعد واحد حتى يردوا علي الحوض، شهداء الله في أرضه، وحججه على خلقه، و خزان علمه، ومعادن حكمته، من أطاعهم أطاع الله، ومن عصاهم عصى الله عزّوجلّ ؟»، فقالوا كلهم: نشهد أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال ذلك (2).
وقوله عليه السلام في الفقرة الأولى: «ليس معنا فيها أحد غيرنا»، وحصر العترة المطهرة من الرجس في اثني عشر فقط في الفقرة الثانية يخرج من عداهم من المهديين الذين يدعيهم أحمد إسماعيل وغيرهم عن أن يكونوا من الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، کما يخرجهم عن أن يكونوا من الثقلين اللذين يجب التمسك بهما.
ص: 43
ومن الروايات الواضحة أيضا في الدلالة على انحصار الأئمة في اثني عشر فقط ما رواه الخزاز القمي بسنده عن جابر بن یزید الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر علیهماالسلام، قال: قلت له: يا ابن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، إن قوما يقولون: إن الله تبارك وتعالى جعل الإمامة في عقب الحسن والحسين! قال: «كذبوا والله، أو لم يسمعوا الله تعالى ذكره يقول: (وجعلها کلمه باقية في عقبه [الزخرف: 28]؟ فهل جعلها إلا في عقب الحسين؟»، ثم قال: «يا جابر، إن الأئمة هم الذين نص رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بالإمامة، وهم الأئمة الذين قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : لما أسري بي إلى السماء وجدت أساميهم مكتوبة على ساق العرش بالنور اثنا عشر اسما، منهم علي، وسبطاه، وعلي، ومحمد، وجعفر، وموسی، وعلي، ومحمد، وعلي، والحسن، والحجة القائم، فهذه الأئمة من أهل بيت الصفوة والطهارة، والله ما يدعيه أحد غيرنا إلا حشره الله تعالى مع إبليس وجنوده» (1).
وقوله علیه السلام : «والله ما يدعيه أحد غيرنا إلا حشره الله تعالى مع إبليس وجنوده» واضح الدلالة على أن الأئمة اثنا عشر، وأن كل من ادعى الإمامة من غير هؤلاء الأئمة فهو دجال، ضال، مضل.
من عبارات رواية كتاب (الغيبة) قوله: «ومن بعدهم اثنا عشر مهديّا».
. وسواء صحت هذه الرواية كما يزعم أحمد إسماعيل وجماعته أم لم تصح كما هو الحق، فإن لفظ (المهديين) قد تكرر كثيرا في الروايات، فمن
ص: 44
هم هؤلاء المهديون؟ هل هم الأئمة الاثنا عشر الذين ورد ذكرهم في الروايات المتواترة، أم أنهم أئمة آخرون مغایرون لهم؟
في هذا المقام نقول: إن الذي يتتبع الروايات يجد أن لفظ (المهديين) استعمل في عدة موارد
1_أنه أطلق على الأئمة الاثني عشر المعصومين عليهم السلام ، وهذا الإطلاق كثير في الروايات، ومنها: الأحاديث التي نقلناها آنفا، التي ورد فيها وصف الأئمة الاثني عشر عليهم السلام بأنهم مهديون.
ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : «ما اثنا عشر مهديا»(1).
ومنها: موثقة أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «نحن اثنا عشر مهديّا»(2).
2_أنه أطلق على اثني عشر رجلا من الشيعة غير الأئمة الاثني
عشر علیهم السلام ، يدعون الناس إلى موالاة أهل البيت عليهم السلام ومعرفة حقهم.
فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن أبي بصير، قال: قلت للصادق جعفر بن محمد علیهماالسلام: يا ابن رسول الله، إني سمعت من أبيك عليه السلام أنه قال: «يكون بعد القائم اثنا عشر مهديا»، فقال: «إنما قال: اثنا عشر مهديا، ولم يقل: اثنا عشر إماما، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا »(3).
ووصف الإمام عليه السلام لهؤلاء المهديين الاثني عشر بأنهم «قوم من
ص: 45
شیعتنا»، دون أن يصفهم بأنهم من أهل بيت النبي صلی الله علیه و آله و سلم، دليل واضح على أنهم لا ينتسبون إلى النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، وأنهم ليسوا بأئمة معصومين، ولذلك أخبر عنهم بأنهم يدعون الناس إلى موالاة أهل البيت عليهم السلام ومعرفة حقهم، ولو كانوا حججا معصومين لدعوا الناس إلى موالاتهم لا إلى موالاة غيرهم.
وزعم بعضهم أن الإمام الصادق علیه السلام إنما أكد على أن أباه الإمام الباقر عليه السلام قال: «اثنا عشر مهديا، ولم يقل: اثنا عشر إماما»، ونفي أن الإمام الباقر عليه السلام قال: «اثنا عشر إماما»، لا يعني نفي الإمامة عن المهديين، وإنما يدل على نفي قول ذلك (1).
وهذا الزعم مردود بأن الإمام الصادق عليه السلام كان في صدد بیان معنى الحديث لأبي بصير، ولم يكن في صدد التعمية والإبهام عليه، مع أنه لو كان هؤلاء المهديون أئمة لما كان هناك أي داع لعدم التأكيد على إمامتهم ووصفهم بأنهم قوم من الشيعة، فإن إمامتهم لا ينبغي أن تكون سرا، خصوصا إذا كان الكلام مع أمثال أبي بصير!
وعلى هذا القول يحمل ما ورد في رواية كتاب (الغيبة) لو سلمنا بصحتها، فيكون المراد بقوله: «بعد القائم» أي بعد ظهوره، لا بعد موته بحيث يتولون الإمامة بعده؛ لأنهم ليسوا بأئمة كان عليه هذا الحديث.
3_ أن هذا الوصف وصف به أحد عشر رجلا من ولد الحسين علیه السلام بعد الإمام المهدي عليه السلام.
فقد روى الشيخ الطوسي قدس سره بسنده عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله
ص: 46
علیه السلام في حديث طويل، قال: «يا أبا حمزة، إن منا بعد القائم أحد عشر مهديّا من ولد الحسين علیه السلام »(1).
وهذه الرواية مع التسليم بصحتها _ محمولة على أن المراد بالمهديين الأحد عشر: الأئمة المعصومون الأحد عشر علیهم السلام أنفسهم الذين تولوا الإمامة قبل القائم عليه السلام ، فإنهم يقومون بالأمر بعد القائم علیه السلام إذا رجعوا إلى الدنيا واحدا بعد واحد، فالأحد عشر بعد الإمام المهدي عليه السلام هم الأحد عشر السابقون له علیه السلام، ووصفهم بأنهم من ولد الإمام الحسين عليه السلام إنما ورد بنحو التغليب، أي إن أغلبهم من ولد الإمام الحسين عليه السلام.
وفي الروايات الأخر ما يشير إلى ذلك، فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن عبد السلام بن صالح الهروي، عن علي بن موسى الرضا قليلا ، عن آبائه علیهم السلام أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال في حديث طويل ذكر فيه بعض ما حدث في عروجه إلى السماء، فقال: «فنوديت: يا محمد أنت عبد، وأنا ربك، فإياي فاعبد، وعلي فتوکّل، فإنك نوري في عبادي، ورسولي إلى خلقي، وحجتي على بريتي، لك ولمن تبعك خلقت جنتي، ولمن خالفك خلقت ناري، ولأوصيائك أوجبت كرامتي، ولشيعتهم أوجبت ثوابي. فقلت: يارب، ومن أوصيائي؟ فنوديت: يا محمد أوصياؤك المکتوبون على ساق عرشي. فنظرت وأنا بين يدي ربي جلّ جلاله إلى ساق العرش، فرأيت اثني عشر نورا، في كل نور سطر أخضر عليه اسم وصي من أوصيائي، أولهم علي بن أبي طالب عليه السلام ، وآخرهم مهدي
ص: 47
أمتي، فقلت: يا رب، هؤلاء أوصيائي بعدي؟ فنوديت: يا محمد، هؤلاء أوصيائي، وأحبائي، وأصفيائي، وحججي بعدك على بريتي، وهم أوصياؤك، وخلفاؤك، وخير خلقي بعدك، وعزتي وجلالي لأظهرنّ بهم ديني، ولأعلينّ بهم كلمتي، ولأطهرنّ الأرض بآخرهم من أعدائي، ولأملکنه مشارق الأرض ومغاربها، ولأسرخنّ له الرياح، ولأذللنّ له السحاب الصعاب، ولأرقينه في الأسباب، ولأنصرنه بجندي، ولأمدنّه بملائكتي، حتى يعلن دعوتي، ويجمع الخلق على توحيدي، ثم لأديمنّ ملکه، ولأداولنّ الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة»(1).
وهذه الرواية واضحة الدلالة كغيرها من الروايات على أن أوصياء رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم اثنا عشر، لا يزيدون ولا ينقصون، أولهم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وآخرهم الإمام المهدي المنتظرعلیه السلام.
وقوله: «ثم لأديمنّ ملكه، ولأداولنّ الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة» دال على دوام ملك الإمام المهدي علیه السلام، وأن أولياء الله _ وهم أوصياء رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الأحد عشر عليهم السلام_سيتداولون الملك بعده.
وإنما تعين هذا الحمل لأن الأحاديث المتواترة دلت على أن الأئمة اثنا عشر فقط بلا زيادة ولا نقيصة، كما دلت أحاديث أخر على رجعة الأئمة المعصومين عليهم السلام بعد الإمام المهدي علیه السلام مباشرة.
ومن هذه الأحاديث ما رواه الحسن بن سليمان في (مختصر البصائر ) بسنده عن جابر بن یزید، عن أبي عبد الله علیه السلام، قال: «إن لعلي علیه السلام في الأرض کرة مع الحسين ابنه صلوات الله عليهما، يقبل برایته
ص: 48
حتى ينتقم له من بني أمية ومعاوية وآل معاوية ومن شهد حربه، ثم يبعث الله إليهم بأنصاره يومئذ من أهل الكوفة ثلاثين ألفا، ومن سائر الناس سبعين ألفا، فيلقاهم بصفين مثل المرة الأولى حتى يقتلهم، فلا يبقي منهم مخبرا، ثم يبعثهم الله عزّوجلّ، فيدخلهم أشد عذابه مع فرعون وآل فرعون، ثم كرة أخرى مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم حتى يكون خليفته في الأرض، ویکون الأئمة عليهم السلام عماله، وحتى يعبد الله علانية، فتكون عبادته علانية في الأرض کما عبد الله سرا في الأرض»(1).
وبسنده عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبيه، قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قول الله عزّو جلّ : (جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا) [المائدة: 20]، فقال: «الأنبياء: رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وإبراهيم، وإسماعيل، وذريته، والملوك: الأئمة علیهم السلام »، قال: فقلت: وأي ملك أعطيتم؟ قال: «ملك الجنة، وملك الكرة»(2).
وفي خبر آخر عن عبد الکریم بن عمرو الخثعمي، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في حديث: «ما من إمام في قرن إلا ويكر معه البر والفاجر في دهره، حتى يديل الله عزّوجلّ من المؤمن من الكافر»(3).
استدل أحمد إسماعيل البصري وأنصاره على أنه هو المهدي الأول بقوله في رواية كتاب (الغيبة): «فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المقربين،له ثلاثة أسامي: اسم کاسمي واسم أبي، وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين».
ص: 49
بتقريب أن المراد ب- (ابنه في الرواية هو أحمد إسماعيل البصري، حيث إن من ضمن أسمائه: أحمد.
وهذا الاستدلال واضح الفساد؛ لأن الضمير في قوله: «له ثلاثة أسامي: اسم کاسمي واسم أبي، وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي»، لا يعود على ابن الإمام المهدي علیه السلام ، وإنما يعود على الإمام المهدي نفسه، بدلیل وجود روايات أخر ورد فيها التصريح بأن الإمام المهدي علیه السلام له هذه الأسماء.
منها: ما رواه الشيخ الطوسي قدس سره بسنده عن حذيفة، قال: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وذكر المهدي فقال: «إنه يباع بين الركن والمقام، اسمه: أحمد، وعبد الله، والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها»(1).
ويظهر من بعض الروايات أن من جملة أسماء الإمام المهدي عليه السلام غير المشهورة: أحمد، فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن أبي جعفر محمدبن علي الباقر، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: قال أمير المؤمنين علیه السلام وهو على المنبر: «يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض اللون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن، عريض الفخذين، عظیم مشاش المنكبين، بظهره شامتان: شامة على لون جلده، وشامة على شبه شامة النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، له اسمان: اسم يخفى واسم يعلن، فأما الذي يخفى فأحمد، وأما الذي يعلن فمحمد، إذا هز رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، ووضع يده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن إلا صار قلبه أشد من زبر الحديد، وأعطاه الله تعالى قوة أربعين رجلا، ولا يبقى ميت إلا دخلت
ص: 50
عليه تلك الفرحة (في قلبه) وهو في قبره، وهم يتزاورون في قبورهم، ويتباشرون بقيام القائم صلوات الله عليه»(1).
والغريب أن أحمد إسماعيل احتج بهذه الرواية في بيان له بعنوان: (السيد أحمد الحسن اليماني الموعود)، وقال:
(وأحمد اسم المهدي الأول، ومحمد اسم الإمام المهدي عليه السلام ).
مع أن الرواية واضحة الدلالة على أنهما اسمان لمسمى واحد، وهو الإمام المهدي عليه السلام ، والضمير في قوله: «له اسمان» لا يعود على رجلين مختلفين كما يزعم أحمد إسماعيل الذي أضحك الناس عليه.
مع أن هذه الرواية لا تشير لا من قريب ولا من بعيد للمهدي الأول؛ وإنما تشير للإمام المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا.
مضافا إلى أن الاسم المعروف لأحمد إسماعيل هو أحمد، ولا يعرف أن من أسمائه: محمدا، بخلاف الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، فإن الحديث ينطبق عليه؛ لأن اسمه المعروف المعلن هو محمد، واسمه الآخر المخفي هو أحمد.
وهذه إحدى الطامّات التي صدرت من أحمد إسماعيل، حيث يحتج بأحاديث لا يفهم معناها، بل هي خلاف ما يدعيه، فما أكثر أخطاءه وغفلاته!
ثم إنالو سلمنا جدلا بأن الضمير في رواية الوصية يعود على (ابنه)، فإن أحمد إسماعيل البصري ليس ابنا مباشرا للإمام المهدي علیه السلام کما يعترف هو، وليس ابنا بالواسطة كما هو الثابت الصحيح؛ لأن أحمد إسماعيل من عشيرة البوسويلم في البصرة، وهؤلاء لا ينتسبون للإمام
ص: 51
أمير المؤمنين عليه السلام، ولا لسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام كما هو المعروف من نسبهم، وهم لا يدعون لأنفسهم أنهم ينتسبون إلى الإمام المهدي عليه السلام ، بل ينكرون ذلك.
ولو سلمنا أن أحمد إسماعيل البصري ابن غير مباشر للإمام المهدي علیه السلام، وأن الإمام المهدي علیه السلام هو الجد الرابع لأحمد إسماعيل کما يزعم هو وأنصاره(1)،فإن ظاهر الرواية الذي يؤیده الإطلاق اللغوي هو أن (الابن) يراد به غالبا الابن المباشر، بقرينة أنها استعملت في الرواية تسع مرات بهذا المعنى دون غيره، ولو أرید بالابن الأبن بواسطة فلا بد من نصب قرينة على ذلك، فكيف يصح أن يراد بالابن بعد الإمام المهدي الابن بوسائط متعددة من دون أي قرينة في البين؟!
وقد احتمل الحر العاملي قدس سره وجود تصحيف في هذه الرواية في قوله: «فليسلمها إلى ابنه أول المقربين»، وأن الصحيح هو: (فليسلمها إلى أبيه أول المقربين)، والمراد بالأب هو الإمام الحسين علیه السلام .
قال قدس سره :
(وما تضمنه الحديث المروي في كتاب (الغيبة) على تقدير تسليمه في خصوص الاثني عشر بعد المهدي علیه السلام لا ينافي هذا الوجه؛ لاحتمال أن يكون لفظ (ابنه) تصحيفا، وأصله (أبيه) بالياء آخر الحروف، ويراد به الحسين علیه السلام؛ لما روي سابقا في أحاديث كثيرة من رجعة الحسين علیه السلام عند وفاة المهدي عليه السلام ليغسله)(2).
ص: 52
ويشير الحر العاملي قدس سره إلى الروايات التي دلت على أن الإمام الحسين علیه السلام يتولى الأمر بعد وفاة الإمام المهدي المنتظر علیه السلام.
فقد روى الحسن بن سليمان الحلي بسنده عن أبي عبد الله علیه السلام أنه سئل عن الرجعة، أحق هي؟ قال: «نعم». فقيل له: من أول من يخرج؟ قال: «الحسين علیه السلام ، يخرج على أثر القائم عليه السلام». قلت: ومعه الناس كلهم؟ قال: «لا، بل کما ذکر الله تعالى في كتابه: (يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا) [النبأ: 18]، قوم بعد قوم»(1).
وعنه علیه السلام، قال: «ويقبل الحسين علیه السلام في أصحابه الذين قتلوا معه، ومعه سبعون نبيا كما بعثوا على موسى بن عمران علیه السلام ، فيدفع إليه القائم الخاتم، فيكون الحسين علیه السلام هو الذي يلي غسله، وكفنه وحنوطه، ويواري به في حفرته» (2).
وعن جابر الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «والله ليملكن ما أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة، ويزداد تسعة» . قلت: متى يكون ذلك؟قال: «بعد القائم عليه السلام». قلت: وكم يقوم القائم في عالمه؟ قال: «تسع عشرة سنة، ثم يخرج المنتصر إلى الدنيا _ وهو الحسين عليه السلام فيطلب بدمه ودم أصحابه، فيقتل ويسبي حتى يخرج السفاح وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام »(3).
ومن أوضح الروايات التي تدل على رجوع الإمام الحسين عليه السلام مع الإمام المهدي عليه السلام رواية ثابت بن دینار عن أبي جعفر علي، قال:
ص: 53
«قال الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام لأصحابه قبل أن يقتل بليلة واحدة: إن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال لي: يا بني إنك ستساق إلى العراق، وتنزل في أرض يقال لها: (عمورا) و (كربلاء)، وإنك تستشهد بها، ويستشهد معك جماعة. وقدقرب ما عهد إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وإني راحل إليه غدا، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف في هذه الليلة، فإني قد أذنت له، وهو مني في حل. وأكد فيما قاله تأكیدا بليغا، وقالوا: والله ما نفارقك أبدا حتى نرد موردك. فلما رأى ذلك، قال: فأبشروا بالجنة، فوالله إنما نمكث ما شاء الله تعالى بعدما يجري علينا، ثم يخرجنا الله وإياكم حين يظهر قائمنا، فينتقم من الظالمين، وإنا وأنتم نشاهدهم في السلاسل والأغلال وأنواع العذاب والنكال. فقيل له: من قائمكم، یا ابن رسول الله؟ قال: السابع من ولد ابني محمد بن علي الباقر، وهو الحجة بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسی بن جعفر بن محمد بن علي ابني، وهو الذي يغيب مدة طويلة، ثم يظهر، ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما)»((1)
والأحاديث في ذلك كثيرة، وهي تدل بوضوح على أن الذي يتولى الأمر بعد الإمام المهدي عليه السلام هو الإمام الحسين عليه السلام ، لا أول المهديين كما يدعي أحمد إسماعيل البصري، فإن ذلك لم تدل عليه رواية واحدة، وإطلاق القائم في الروايات يراد به الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، وصرفه إلى غيره يحتاج إلى دليل، ولا دليل في البين.
***
ص: 54
من الغرائب أن أحمد إسماعيل البصري قد جازف مجازفات عظيمة بادعاء دعاوی كبيرة وكثيرة جدا، قد قام الدليل على كذبه فيها، إلا أن بعضها غريب جدا، وكثير منها يضحك الثكلى.
ومن جملة دعاواه التي جمعتها على عجالة:
1_أنه رسول الإمام المهدي عليه السلام وسفيره.
قال: (أتيتكم باسم الإمام المهدي علیه السلام ، ولم أطلب مشيئتي، بل مشيئة الذي أرسلني، فمن لا يقبلني لا يقبل أبي الذي أرسلني، والحق أن من لا يكرم الابن لا يكرم الأب الذي أرسله)(1).
2_أنه وصي الإمام المهدي علیه السلام والمتولي للأمر من بعده.
وهو يوقع في كل كتبه وبياناته بعد ذكر اسمه المستعار_وهو السيد أحمد الحسن _ بوصي ورسول ويماني الإمام المهدي عليه السلام.
3_ أنه وزير الإمام المهدي علیه السلام بعد ظهوره.
قال: (حيث إن المهدي هو اليماني ووزير الإمام المهدي علیه السلام ، فالإمام المهدي علیه السلام يسمى بالمهدي، وأيضا اليماني يسمى بالمهدي كما في وصية رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم )(2).
ص: 55
4_ أنه من ولد الإمام المهدي عليه السلام ، وأن الإمام جده الرابع، وهذا ذكرناه فيما سبق.
وجاء في جواب موقع من أنصار الإمام المهدي قولهم:
(كما أن الإمام المهدي عليه السلام مرارة يتلفظ بكلمة: (بني) عند حديثه مع السيد أحمد الحسن کما ورد في أحد البيانات، حيث ورد: بني فديتك، عجل)(1).
5_أنه معصوم، لا بمعنى أنه لا يخطئ؛ لأنه قد ثبت أن أخطاءه کثیره، و إنما بمعنی أنه لا یخرج الناس من هدی ، و لا یدخلهم فی ضلاله.
قال ناظم العقيلي في رده على من طعن في عصمة إمامه أحمد إسماعيل بأنه أخطأ أخطاء فاحشة في اللغة العربية:
(وحتى لو تنزلنا جدلا(2) وقلنا بوجود أخطاء فعلا من قبل السيد أحمد الحسن، فهو لم يعلن بأنه معصوم في اللغة العربية، بل قال إنه معصوم من باب أنه لا يدخل الناس في باطل، ولا يخرجهم من حق، وهذا هو الهدف الذي بعث من أجله الأنبياء والمرسلون، والذي يكفل دخول الناس الجنة ورضا الله تعالى)(3).
6_أنه أول المهديين الاثني عشر.
قال: (لا أقول ولم أقل: إني الإمام المهدي علیه السلام ، بل أنا المهدي الأول من ولده عليهم السلام، ورسوله، ووصيه، واليماني)(4).
ص: 56
7_ أنه المذكور في رواية كتاب (الغيبة).
وهذا كثير في كلماته، بل إن دعوته قائمة على هذا الأمر.
8_أنه أول المؤمنين بالإمام المهدي بعد ظهوره.
فقد جاء في جواب موقع من أنصار الإمام المهدي قولهم:
(وهو أول المهديين، وهو أول المؤمنين بدعوة الإمام المهدي عليه السلام )(1) .
9_ أنه الإمام الثالث عشر الذي توهم بعض الروايات الدلالة عليه.
فإن هناك بعض الروايات التي ربما يتوهم منها أنها تدل على أن الأئمة ثلاثة عشر، وأحمد إسماعيل وأنصاره يطبقونها عليه.
قال ناظم العقيلي: (ومن المعلوم أن الحادي عشر من الأئمة من ولد أمير المؤمنين علیه السلام هو الإمام محمد بن الحسن العسكري علیه السلام ، فيكون المولود الذي من ظهره هو المهدي الأول من ذريته عليهم السلام )(2).
10 _ أن له دعوة خاصة، وأن دعوته مشابهة لدعوة نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى عليهم السلام، ومحمد صلی الله علیه و آله و سلم .
قال في جواب سؤال ورد له: (فدعوتي كدعوة نوح عليه السلام ، وكدعوة إبراهيم عليه السلام، وكدعوة موسی علیه السلام، وكدعوة عيسى علیه السلام، وكدعوة محمد صلی الله علیه و آله و سلم )(3).
وكلامه واضح في أن له دعوة جديدة، مغايرة لدعوات الأنبياء السابقين علیهم السلام، إلا أنها مشابهة لها، ولذلك قال: (وكدعوة محمد صلی الله علیه و آله و سلم)، ولم يقل: هي دعوة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم .
ص: 57
11 _ أنه سعد النجوم، ودرع داود، والنجمة السداسية، ونجمة الصبح.
قال: (فجميع هذه الأسماء لي، فأنا سعد النجوم، ونجمة الصبح، ودرع داود، وأنا الطاهر، وأنا وعد الله غير مكذوب)(1).
ويريد بنجمة الصبح نجمة داود السداسية التي هي الآن شعار دولة العدو الصهيوني).
قال في كتابه (بیان السداد):
(سابغات: وهي درع داود، وهي النجمة السداسية، أو نجمة الصبح.
س ا ب غ ا ت
9 1 2 1 1 4 4 = 15(2) .
وهو رقم المهدي الأول بعد أربعة عشر معصوما في الإسلام، هم محمد وعلي وفاطمة والأئمة من ولد علي، وعددهم جميعا (14) معصوما، ثم يأتي المهدي الأول وهو رقم (15).
وهو درع داود، وشعاره درع داود، ودرع داود في القرآن وصفت
ص: 58
بأنها سابغات: «أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير) [سبأ: 11].
من نجمة داود؟ = أحمد الحسن)(1).
12 _أنه كتاب الله، والقرآن الكريم الناطق.
قال: (فتبين لك مما سبق أن أحمد هو رسول المهدي، وكتاب الله، والقرآن الكريم الناطق)(2).
قلت: إذا كان أحمد إسماعيل يزعم أنه إمام معصوم وأنه رسول الإمام المهدي عليه السلام ، فينبغي أن يكون في هذا العصر إماما صامتا، لا ناطقا؛ لأن الروايات دلت على أنه لا يجتمع إمامان في عصر واحد إلا كان أحدهما صامتا.
فقد روى الكليني قدس سره بسند صحيح عن الحسين بن أبي العلاء، قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال: «لا» . قلت: يكون إمامان؟ قال: «لا، إلا وأحدهما صامت»(3).
13 _ أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وصى به، وذكر اسمه ونسبه وصفته.
قال: (لن أشكوكم إلى الله، بل سيشکو کم جدي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ؛ لأنه وى بي، وذكر اسمي، ونسبي، وصفتي)(4).
14 _أن الأئمة عليهم السلام ذكروه باسمه ونسبه وصفته وسكنه.
قال: (وسیشکوکم آبائي الأئمة علیهم السلام ؛ لأنهم ذكروني باسمي، ونسبي، وصفتي، وسكني)(5).
ص: 59
15 _ أن أشعيا وأرميا ودانيال ويوحنا البربري بینوا أمره لأهل الأرض قبل سنين طويلة.
قال: (وسیشکوکم أشعيا وأرميا ودانيال ويوحنا البربري؛ لأنهم بینوا أمري لأهل الأرض قبل سنين طويلة، كل هذا و تخذلونني ؟)(1).
16 _ أن دماء الإمام الحسين عليه السلام سالت في كربلاء لله، ولأجل أبيه علیه السلام ، ولأجل أحمد إسماعيل نفسه.
قال: (وستشکوکم دماء الحسين علیه السلام التي سالت في كربلاء لله،
ولأجل أبي علیه السلام ، ولأجلي)(2).
17 _أنه يشير في بعض كلماته إلى أنه أفضل من الإمام الحسين عليه السلام وإن لم يجرؤ على التصريح بذلك؛ فإنه قال کا مر آنفا: (إن دماء الإمام الحسين علیه السلام سالت لأجله)، ولأنه يدعي أنه تخلص من شرك (الأنا).
قال: (فرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أفضل من علي عليه السلام ، وكذلك الإمام المهدي علیه السلام أفضل من المهدي الأول، وتساويهم من هذه الجهة جهة الرداء، وهو روح القدس الأعظم، الذي تردی به المهدي الأول؛ لأنه يحتاج إلى التسديد، ولم يحصل له الفتح، بينما الإمام المهدي عليه السلام حصل له الفتح، فتسديده من الفتح؛ لأنه في آنات لا يبقى إلا الله الواحد القهار، أما المهدي الأول فلم يحصل له الفتح، لهذا يسدد بروح القدس الأعظم، ويدعى له ب-: (أن يعبدك لا يشرك بك شيئا)، أي حتى الأنا الموجودة بين جنبيه لا يراها، فلا يرى ولا يعرف إلا الله، فالعبادة هي المعرفة)(3) .
ص: 60
وأما الإمام الحسين علیه السلام فليس كذلك، فإنه سئل عن معنى قول الإمام الحسين علیه السلام : «إلهي أخرجني من ذل نفسي، وطهرني من شكي وشركي)، فأجاب بجواب جاء فيه قوله:
(3 _ الشرك النفسي: وهو أخفى أنواع الشرك، وهو (الأنا) التي لا بد للمخلوق منها، وهي تشوبه بالظلمة والعدم التي بدونها لا يبقى إلا الله سبحانه وتعالى، وبالتالي فكل عبد من عباد الله هو مشرك بهذا المعنى، والإمام الحسين عليه السلام أراد هذا المعنى من الشرك وما يصحبه من الشك، وكان الإمام الحسين علیه السلام يطلب الفتح المبين، وإزالة شائبة العدم والظلمة عن صفحة وجوده)(1).
18 _ أنه المشار إليه بالرسول في آيات كثيرة من القرآن، منها: (وما كنّا معذبين حتى نبعث رسولا) (الإسراء: 15)، «أنى لهم الذکری وقد جاءهم رسول مبين) (الدخان:13)، (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم یتلوا عليهم آياته ويزکيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) ( الجمعة:2)،( ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون) (یونس:47)، وغيرها، فإنه ذكر هذه الآيات مستدلا بها على أنه هو المعني بها(2).
وقال في كتابه (بيان الحق والسداد من الأعداد): (فتبين لك أن أحمد الحسن هو الرسول المبين في سورة الدخان، وبالإثبات العلمي الرياضي الذي سميته أنت بسيد الأدلة)(3).
ص: 61
19 _أنه قائم آل محمد المذكور في كثير من الروايات.
فإنه ذكر في كتاب المتشابهات ما روي عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال: «إن منا بعد القائم أحد عشر مهديا من ولد الحسين عليه السلام».
ثم قال: (وفي هذه الرواية: القائم هو المهدي الأول، وليس الإمام المهدي عليه السلام ؛ لأن الإمام علي بعده اثنا عشر مهديا)(1).
20_أنه يملأ الأرض قسطا وعدلا، بعدما ملئت ظلما وجورا.
21_ أنه يمهد للإمام المهدي عليه السلام دولته.
قال أحمد إسماعيل في أحد بياناته: (إن اليماني ممهد في زمن الظهور المقدس، ومن الثلات مائة وثلاث عشر كذا، ويسلم الراية للإمام المهدي)(2).
22_أنه بقية آل محمد.
23 _ أنه الركن الشديد.
24_ أنه مؤيد بجبرائیل.
25_أنه مسدد بمیکائیل.
26 _ أنه منصور بإسرافيل.
وكثير من توقيعاته في أواخر كتبه وبياناته موقعة بهذه الأوصاف الخمسة السابقة، مثل توقيعه في آخر كتابه ( المتشابهات) وغيره، وتوقيعه في بيان أسماه: (لا يماني إلا من كان كیمیني)، وبيان آخر اسمه: (بيان أسرار الإمام المهدي علیه السلام )، وبيان ثالث اسمه: (بیان الفئات وفيه مخاطبة الرموز الدينية كل حسب فئته)، وغيرها.
27 _أنه اليماني المذكور في الروايات.
ص: 62
قال في بيان اسمه: (السيد أحمد الحسن اليماني الموعود): (واليماني يدعو إلى الإمام المهدي عليه السلام ، فلا بد أن يكون اليماني هو أول المهديين؛ لأن الأحد عشر مهديا بعده هم من ولده...).
إلى أن قال: (والمهدي الأول بينت روايات أهل البيت عليه السلام اسمه، وصفاته، ومسكنه بالتفصيل، فاسمه أحمد، وكنيته عبد الله أي إسرائيل).
28_ أن من لم يؤمن به فهو في النار.
قال في بيان البراءة في (13/6/1425 ه-): (لقد قامت عليكم الحجة البالغة التامة من الله سبحانه وتعالى بي، بأني الصراط المستقيم إلى جنات النعيم، فمن سار معي نجا، ومن تخلف عتي هلك وهوى، وهذا هو الإنذار الأخير لكم من الله ومن الإمام المهدي علیه السلام ، وما بعده إلا آية العذاب والخزي في هذه الحياة الدنيا، وفي الآخرة جهنم يصلونها وبئس المهاد لمن لم يلتحق بهذه الدعوة...).
إلى أن قال:
(وأعلن باسم الإمام محمد بن الحسن المهدي عليه السلام أن كل من لم يلتحق بهذه الدعوة، ويعلن البيعة لوصي الإمام المهدي عليه السلام بعد (13/ رجب 1920ه. ق) فهو:
1_خارج من ولاية علي بن أبي طالب علیه السلام، وهو بهذا إلى جهنم وبئس الورد المورود، وكل أعماله العبادية باطلة جملة وتفصيلا، فلاحج ولا صلاة ولا صوم ولا زكاة بلا ولاية.
2_ أن رسول الله محمد بن عبد الله صلی الله علیه و آله و سلم بريء من كل من ينتسب إليه، ولم يدخل في هذه الدعوة، ويعلن البيعة).
29_أنه يجب على الأمة نصرته، وأن من لم ينصره فهو في النار.
ص: 63
قال في بيانه إلى طلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف وقم المقدسة:
(یا من تتخاذلون عن نصرة الإمام المهدي علیه السلام، هل تنتظرون إلا الاصطفاف مع السفياني (لع) وارث یزید بن معاوية (لع)، بعد اصطفافكم مع الدجال الأكبر (أمريكا)، إذن فأبشروا بنار (وقودها الناس و الحجارة أعدت للكافرين)، ماذا ستقولون: بكينا، ولطمنا الصدور على الحسين عليه السلام ؟ سیأتیکم جواب الحسين عليه السلام : (أنتم ممن أشرك في دمي، فقد قاتلتم ولدي المهدي)، ماذا بعد، هل ستقولون: إننا نقف على الحياد؟ إذن جوابكم: لعن الله أمة سمعت بذلك ورضيت به...).
إلى أن قال: (وإذا كان قرار كم هو خذلان الحسين في هذا الزمان، وإذا اخترتم ظلم أنفسكم، فإني أحذرکم وأنذرکم عذاب الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة، ولا عذر لكم ولا عاذر).
30_ أنه مؤید بروح القدس.
قال: (وهكذا الإمام المهدي علیه السلام يستغني في زمن الظهور عن روح القدس الأعظم؛ لأنه فتح له في زمن الغيبة الصغرى، فينتقل روح القدس الأعظم إلى المهدي الأول)(1).
وقال: (وأرواح القدس كثيرة، وليست واحدا، والذي مع عيسى علیه السلام ومع الأنبياء دون الذي مع محمد صلی الله علیه و آله و سلم وعلي علیه السلام وفاطمة عليهاالسلام والأئمة عليهم السلام، وهذا هو الروح القدس الأعظم، لم ينزل إلا مع محمد صلی الله علیه و آله و سلم ، وانتقل بعد وفاته إلى علي علیه السلام، ثم إلى الأئمة علیهم السلام، ثم من بعدهم إلى المهديين الاثني عشر)(2).
ص: 64
31_أنه مذكور في التوراة.
32 _ أنه مذكور في الإنجيل.
فقد ورد إليه سؤال موقع بامرأة مسيحية، نصه: أنتم الشيعة تقولون بأن السفراء أربعة، وانقطعت بعدها السفارة، فكيف تثبت بالدليل النقلي والعقلي من القرآن والتوراة والإنجيل بأنك سفیر رقم (5)؟
فأجاب أحمد إسماعيل بنقل نصوص من التوراة والإنجيل والقرآن يزعم أنها تشير إليه، وتدل عليه، وأنه هو المراد بها، وكلامه طويل ممل لا حاجة لنقله؛ لأنه خال من أي إثبات، فمن أراده فليراجعه(1).
وقد جمع بعض أنصاره مجموعة مسائل هذه المرأة النصرانية في كتاب أسماه: (وصي ورسول الإمام المهدي عليه السلام في التوراة والإنجيل والقرآن)، وهو من ضمن إصدارات أنصار أحمد إسماعيل.
33_أنه المعري المذكور في الإنجيل.
فقد ورد في موقع أنصار أحمد إسماعيل في قسم دعوة المسيحيين تحت عنوان: (السيد أحمد الحسن عليه السلام هو المعزي) ما لفظه:
(ورد التبشير بالإمام المهدي الأول وصي ورسول الإمام المهدي عليه السلام ، ورد في العهد الجديد في مواضع متعددة تبشير عيسى عليه السلام بالمعزي، ففي (يوحنا 26:14 ): وأما المعزي الروح القدس، الذي سيرسله الأب باسمي، فهو يعلمكم كل شيء، ويذکرکم بكل ما قلته لكم).
ومن جملة ما كتبه بعض أنصار أحمد إسماعيل كتاب: (البشارة بالمعزي أحمد ومطارحات في العقيدة المسيحية)، كتبه: عادل السعيدي لإثبات أن المعزي هو أحمد إسماعيل.
ص: 65
ولا يخفى أن هذا مخالف لما ذهب إليه علماء المسلمين من أن المعزي المذكور في الإنجيل والذي بشر به نبي الله عيسى علیه السلام ، وأمر أتباعه بالإيمان به هو رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم .
قال المرجع الديني الكبير الشيخ حسين الوحيد الخراساني (دام ظله):
(لقد بشرت الكتب السماوية والأنبياء السابقون عليهم السلام بنبينا محمد صلی الله علیه و آله و سلم ، ومع أن أتباعهم حرفوا كتبهم لكي لا يبقى أثر لتلك البشارة، لكن المتأمل فيها بقي منها تنكشف له الحقيقة، ونكتفي منها بنموذجين...).
إلى أن قال:
(الثاني: جاء في إنجيل يوحنا الإصحاح الرابع عشر: (15) إن کنتم تحبونني فاحفظوا وصایای. (16) وأنا أطلب من الأب فيعطيكم معزیا آخر لیمکث معكم إلى الأبد. وفي الإصحاح الخامس عشر: (26) ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الأب روح الحق الذي من عند الأب ينبثق، فهو يشهد لي. وقد ورد في النسخة الأصلية اسم النبي الذي وعدهم عيسى بأن ربه سوف يرسله (بارقليطا) أو (بر کلیتوس)، وترجمتها: المحمود والأحمد،ولكن المترجمين غيروها إلى المعزي)(1)!
34_أنه أفضل من نبي الله عیسی بن مریم علیهماالسلام.
فإن أحمد إسماعيل لما ادعى أنه هو المعزي المذكور في الإنجيل، قال:
(ورد في النصوص ما يدل على أفضلية المعزي على عيسى علیه السلام : لكني أقول لكم الحق: إنه خير لكم أن أنطلق؛ لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي، ولكن إن ذهبت أرسله لكم)(2).
ص: 66
35 _ أنه الخروف القائم في رؤيا يوحنا اللاهوتي.
فقد ذكر في موقع أنصار أحمد إسماعيل في الانترنت في قسم دعوة المسيحيين تحت عنوان: (الإمام أحمد الحسن علیه السلام الخروف القائم كأنه مذبوح في رؤيا يوحنا اللاهوتي)، هذيان كثير، منه ما لفظه:
(فمن هو الذي يجمع أنصار أبيه غير أول المؤمنين من ذرية الإمام المهدي علیه السلام؟! ومن هم الشيوخ الأربعة والعشرون غير الأئمة الاثنا [كذا] عشر والمهديين الاثنا [كذا] عشر؟! ومن هو الأسد الذي من سبط يهوذا أصل داود والذي يفتح السفر، ويفك ختومه؟! غير الأسد الذي كر مع علي علیه السلام في خيبر وأحد وحنين وبدر... وهو من سبط يهوذا؛ لأن أمه من بني إسرائيل(نرجس) أم الإمام المهدي علیه السلام . ومن هو الحروف الذي وصف بأنه (خروف قائم كأنه مذبوح) وهو يحمل سبعة قرون وسبعة أعين، هم المعصومون الأربعة عشر: محمد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، والأئمة عليهم السلام ، غير المهدي الأول واليماني رسول الإمام المهدي ورسول عیسی علیه السلام ).
36 _ أنه شبيه عيسى بن مريم عليه السلام الذي فداه بنفسه، فقتل دونه.
فقد ورد التصريح بذلك في موقع أنصار أحمد إسماعيل في قسم المسيحيين، تحت عنوان: (السيد أحمد الحسن عليه السلام الشبيه المصلوب الذي فدى السيد المسيح علیه السلام)، ومما ذکر في ذلك ما نصه:
(وكان بعد منتصف الليل أن نام الحواريون، وبقي عیسی علیه السلام ، فرفعه الله، وأنزل (شبيهه الذي صلب وقيل)، فكان درعا له وفداء، وهذا الشبيه هو من الأوصياء من آل محمد علیهم السلام ، صلب وقتل وتحمل العذاب لأجل قضية الإمام المهدي عليه السلام ).
ص: 67
وفي جواب سؤال موجه لأحمد إسماعيل يبدو أنه من رجل نصراني، نصه:
(فلقد أخبرني زميلي بخبر كان صاعقا بالنسبة لي، مفاده أنكم كنتم الشبيه ليسوع الرب أثناء صلبه، وإن جسمك الشريف يحمل آثار الصلب الذي حدث في الماضي. سؤالي هو: هل ممكن أن ترونا صورا
تبين الآثار الباقية من ذلك الحدث العظيم؟).
قال أحمد إسماعيل:
(أسأل الله لك أن ترى الحق جليا لتنصره، والصور أطلبها من الله سبحانه وتعالى، فهو قادر أن يريك الحقيقة جلية إن طلبتها منه سبحانه بإخلاص)(1).
37 _ أنه أعلم الناس بالتوراة والإنجيل والقرآن.
فقد قال أحمد إسماعيل:
(وبهذا يكون اليماني: اسمه أحمد، ومن البصرة، وفي خده الأيمن أثر، وفي بداية ظهوره یکون شابا، وفي رأسه حزاز، وأعلم الناس بالقرآن وبالتوراة والإنجيل بعد الأئمة)(2).
وفي موقع أنصاره على الانترنت تحت عنوان: (الإمام أحمد الحسن علیه السلام يدعو العلماء إلى المناظرة وأهل كل كتاب بكتابهم)، ما لفظه:
(قال السيد أحمد الحسن علیه السلام : أنا أعلم من أهل التوراة بتوراتهم، وأعلم من أهل الإنجيل بإنجيلهم، وأعلم من أهل القرآن بقر آنهم).
وأنا أتعجب من ادعائه مثل هذا الادعاء مع كثرة أخطائه الفاضحة في قراءة آيات القرآن الكريم كما سيأتي تفصيله، ولكن إذا لم تستح فاصنع ما شئت!
ص: 68
38_أنه النبأ العظيم.
قال: (وفي هذا الزمان فإن وصي الإمام المهدي علیه السلام هو النبأ العظيم)(1).
39 _ أنه حجر في يد علي بن أبي طالب أنقذ به سفينة نوح.
40_أن الله نجى به نبيه إبراهيم عليه السلام من نار نمرود.
41 _ أن الله خلص به نبيه يونس عليه السلام من بطن الحوت.
42 _ أن الله كلم به موسی بن عمران علیه السلام على الطور.
43 _ أن الله تعالى جعله عصا يفلق بها موسى علیه السلام البحار.
44_أن الله تعالى جعله درعا لداود علیه السلام .
45_ أنه كان درعا تدرع به أمير المؤمنين علیه السلام يوم أحد، وطواه بيمينه في صفين.
قال أحمد إسماعيل:
(أمرني أبي وسيدي محمد بن الحسن المهدي عليه السلام أن أقول هذه الكلمات: أنا حجر في يمين علي بن أبي طالب علیه السلام ألقاه في يوم ليهدي به سفينة نوح عليه السلام ، ومرة لينجي إبراهيم عليه السلام من نار نمرود، وتارة ليخلص يونس عليه السلام من بطن الحوت، وكلم به موسى عليه السلام على الطور، وجعله عصا تفلق البحار، ودرعا لداود علیه السلام، وتدرع به في أحد، وطواه بيمينه في صفين)(2).
46 _ أنه رسول السيد المسيح علیه السلام .
47_أه رسول إيليا .
48_أنه رسول الخضر.
ص: 69
قال أحمد إسماعيل:
(والإمام المهدي عليه السلام وعيسى وإيليا والخضر عليهم السلام يأتون في القيامة الصغرى [أي عند قيام دولة الإمام المهدي عليه السلام] ، وهي حساب و عذاب ونقمة على الظالمين، فهل يصح العذاب والنقمة قبل الإنذار ؟ فمن المنذر؟).
وأجاب على تساؤله بقوله:
(لا بد أن يكون هناك رسول منهم علیهم السلام يبشر- وينذر الناس بين أيديهم، أي قبل ظهورهم)(1).
ثم قال:
(لذا فإن الرسول الذي يرسله الإمام المهدي علیه السلام ومن معه، وهم عيسى وإيليا والخضر، وخروجه من العراق...).
إلى أن قال:
(فمن هو هذا العبد الأمين الحکیم؟ إلا أن يكون رسولا من الإمام المهدي، ومن عيسى، وإيليا، والخضر علیهم السلام ).
49 _ أنه دابة الأرض التي تكلم الناس في آخر الزمان (2).
قال في بيانه إلى طلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف وقم المقدسة:
(من له أذنان فليسمع: هذه دابة الأرض التي تكلم الناس، وهذا علي بن أبي طالب علیه السلام المزمع أن يأتي. (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تکلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون )(3) [النمل: 82]).
ص: 70
وهو يشير (بهذه، وهذا) إلى نفسه.
50_أ بظهره خاتم النبوة.
قال أحمد إسماعيل
(بالنسبة لختم النبوة هو في ظهر كل وصي من أوصياء محمد صلی الله علیه و آله و سلم من الأئمة والمهديين علیهم السلام ، وهو ختم رسول الله محمد صلی الله علیه و آله و سلم ، أما هل أنه ظاهر في ظاهر الحلقة فلا، ولكن يمكن أن يظهره الله لمن يشاء، ويجعله ظاهرا ليراه، ويمكن أن يريه الله أيضا لمن يشاء من عباده، سواء بالرؤيا أو الكشف)(1).
51_أنه روضة من رياض الجنة أخبر عنها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.
ذكر ذلك أحمد إسماعيل في كلمة مسجلة له ذكر فيها معجزة معرفته بموضع قبر السيدة فاطمة الزهراء علیهاالسلام، فقال:
(ولهذا أمرني أبي الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السلام أبين [ كذا ] شيء [كذا من موضعي منه علیه السلام ، وهو أني وصيه، وأول من يحكم من ولده، وأني روضة من رياض الجنة أخبر عنها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ).
52_أنه الحجر الأسود.
قال في كتابه الجواب المنير:
(فالحجر الأسود الموضوع في ركن بيت الله والذي هو تجلي [كذا] ورمز للموکل بالعهد والميثاق، هو نفسه حجر الزاوية الذي ذكره داود وعيسى عليهماالسلام، وهو نفسه الحجر الذي يهدم حكومة الطاغوت في سفر دانیال علیه السلام ، وهو نفسه قائم آل محمد أو المهدي الأول الذي يأتي في آخر الزمان کما روي عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وأهل بيته عليهم السلام )(2).
ص: 71
وقال أيضا:
(بقي أثر أمانة كل إنسان مرتبطة بصاحب الأمانة، وهو کما عبر عنه علیه السلام : «بأنه ملك ابتلع كتاب العهد والميثاق»، وهو الحجر الأسود في الركن العراقي في الكعبة، وهو في الحقيقة إنسان، وهو المهدي الأول واليماني،وهو صاحب الأمان، ولذلك فهو الفاتح لدولة العهد الإلهي والممهد الرئيسي لها، والحاكم الأول بعد قائدها الإمام المهدي عليه السلام )(1).
53 _أن أنصاره أول من يدخلون الجنة.
قال في بيان البراءة الصادر في ( 1425/6/13 ه-):
(أنصاري خير أنصار، تفتخر الأرض بسيرهم عليها، وتحقهم الملائكة، وأول فوج يدخل الجنة يوم القيامة).
وهذه الدعاوى يلاحظ عليها عدة ملاحظات:
1_ أن جميع هذه الدعاوی لا دليل عليها، ودليل أحمد إسماعيل وأنصاره عليها هو الادعاء المجرد، ودليل بعض أنصاره هو أن أحمد إسماعيل البصري إمام معصوم صادق، وهو أخبر بأنه متصف بجميع هذه الأمور التي ذكرناها وغيرها، فوجب تصدیقه فيها.
وهذا الكلام مردود بأن أحمد إسماعيل لم ولن تثبت إمامته، بل ثبت أنه غير صالح للإمامة بالقطع واليقين؛ ويكفي في ثبوت كذبه في ادعاء الإمامة أنه لم يستطع أن يثبت إمامته بدليل واحد، ومن أوضح ما يبطل دعواه وقوعه في أخطاء كثيرة لا يقع فيها كثير من صبيان الشيعة، وهي كاشفة عن أنه عامي صرف، وسنذكر جملة وافرة من أخطائه في ردنا على زعمه أنه أعلم الناس بالقرآن والتوراة والإنجيل، الذي جعله من جملة أدلته على صحة إمامته.
ص: 72
مع أن الإمام المعصوم لا يدعي ما هو غير قابل للتصديق، ولا يصف نفسه بما ثبت بطلانه بالأدلة الصحيحة، وكل عاقل إذا سمع هذه الادعاءات يقطع بأنها هي بنفسها دليل على كذب أحمد إسماعيل وافترائه على الله وعلى أهل البيت علیهم السلام .
2_أن جملة وافرة من هذه الدعاوی لا يصدقها حتى المجانين، فإن أحمد إسماعيل يدعي أنه الحجر الأسود، وهذا غير معقول، ولو تنزلنا بأن أحمد إسماعيل والحجر الأسود شيء واحد، فكيف يكون شيء واحد موجودا في مكانين مختلفين في آن واحد وبصورتين مختلفتين، بأن يكون في مكة حجرا أسود، ويكون في البصرة أحمد إسماعيل؟!
ويفهم من ادعاءاته أنه متقلب الحلقة، فإنه يدعي أنه كان حجرا في يمين علي بن أبي طالب علیه السلام ، ثم تحول هذا الحجر إلى عصا كانت عند نبي الله موسى علیه السلام يفلق بها البحار، ثم تحولت العصا إلى درع كان عند داود، وأما الآن فنحن نتساءل عن الكيفية التي استقرت عليها حالته؟ هل هو الآن عصا، أو درع، أو حجر أسود، أو حجر آخر، أو أحمد إسماعيل البصري؟!
3_ أن بعض ادعاءاته هذيان لا معنى له، فإنه ادعى أنه درع داود، والنجمة السداسية، وهذا هذیان واضح، إذ كيف يكون أحمد إسماعيل درع داود والنجمة السداسية التي هي شعار إسرائيل؛ لأن درع داود كانت درعا حقيقية تلبس في الحرب، والنجمة السداسية شيء آخر مختلف و مغاير للدرع، ونحن نفترض في هذه الدعاوى أنه ذكرها بنحو الحقيقة لا بنحو المجاز، وحتى لو فرضنا أنه أراد بها المجاز فإن عليه أن ينصب قرينة على هذا المجاز، وهو لم يفعل، فيكون كلامه خطأ لغويا يضاف إلى أخطائه التي لا تعد.
ص: 73
ومن هذیانه زعمه أنه الذي فدى عيسى بن مريم عليه السلام بنفسه، فقتل دونه، إذ كيف يصلب قبل أكثر من ألفي سنة، ثم يولد من جديد في البصرة، فإن من ولد في الزمان السابق لا يولد من جديد، وإنما يمكن أن يرجع إلى الدنيا على حالته التي مات أو قتل عليها، لا أن يولد ولادة ثانية، ولاسيما أنه يزعم أن آثار الصلب لا تزال موجودة في جسمه کما مر.
4_ أن بعضا آخر من ادعاءاته يكذبها الدليل والبرهان، مثل زعمه أنه أعلم الناس بالتوراة والإنجيل والقرآن، والحال أن نقولاته التي يسميها احتجاجات_ من التوراة والإنجيل إنما هي نقولات من النسخ المحرفة، وإذا كان أعلم الناس بهذين الكتابين فإن عليه أن يبرز النسخ الصحيحة ويخرجها للناس، وأما ما هو عند اليهود والنصارى فلا يصح أن يسمى توراة أو إنجيل.
وأما زعمه أنه أعلم الناس بالقرآن فإن عليه أن يخجل من قول هذا الكلام؛ لأن التسجيلات المنشورة في موقع أنصاره بصوته دلت على أنه لا يحسن أن يقرأ كثيرا من آيات القرآن بصورة صحيحة، وقراءة كثير من صبيان الشيعة أصح من قراءته، فإذا كان لا يحسن قراءة آيات القرآن فكيف يحسن تفسيره وبيان معانيه، وسنبين ذلك فيما سيأتي إن شاء الله تعالى.
5_أن أحمد إسماعيل زعم أنه رسول الإمام المهدي، والسيد المسيح، وإيليا، والخضر عليهم السلام ، ومن الواضح أن الرسول إنما هو نائب عن المرسل، ولا يكون رسولا إلا إذا كان المريسل قد بدأ دعوته، وكانت عنده تعاليم أو أوامر يريد إيصالها إلى الناس، والسيد المسيح علیه السلام لم يظهر بعد حتى يرسل رسولا من قبله، وكذلك إيليا، ثم كيف يرسل السيد المسيح علیه السلام رسولا له في زمان الإمام المهدي عليه السلام ؟ فهل سيقوم السيد المسيح بدعوة مغايرة لدعوة الإمام المهدي علیه السلام حتى يحتاج إلى إرسال رسول خاص به؟ مع أن مهمة الإمام المهدي عليه السلام
ص: 74
عالمية، وأنه سيطهر الأرض من كل ظلم و جور وضلال، فلا تكون أي حاجة لأن يأتي في زمانه من له دعوة مماثلة لدعوته.
أضف إلى ذلك أن الخضر علیه السلام ليس بصاحب دعوة خاصة به، وليست له مهمة في آخر الزمان حتى يرسل للناس رسولا من قبله!
مع أن أحمد إسماعيل لم يبلغ الناس شيئا مهما عن الإمام المهدي أو السيد المسيح علیهماالسلام، وكل ما بذله من جهد إنما هو في دعوة الناس إلى نفسه، حتى الرسالة العملية التي أمر أتباعه بالعمل بها وهي کتاب (شرائع الإسلام) فإنه اقتبسها من كتاب (شرائع الإسلام) المشهور للمحقق الحلي قدس سره، ولحد الآن لم يتم، فإنه مشتمل على أبواب العبادات والنكاح وتوابعه فقط.
والنتيجة أن كل هذه الدعاوى لم يقم عليها دلیل، بل قام الدليل على بطلانها و فسادها، ولم يتمكن أحمد إسماعيل وأتباعه من إثباتها، وهي هراء وهذيان لا يصدران ممن يحترم عقله، ويحترم عقول الناس.
والملاحظ أن كل الدجالين يدعون دعاوى عظيمة تدل على كذبهم، وأنهم يتدرجون في دعاواهم حتى تصل بهم إلى حد لا يصدقه إلا الأغبياء المغفلين، ومن ينظر إلى هذه الدعاوى التي ادعاها أحمد إسماعيل يجزم بكذبه ودجله، فإنه لم يبق له بعدها إلا أن يدعي أنه نبي أو إله، والسبب في حشده كل هذه الدعاوى أنه وجد قوما أغبياء يصدقونه ويقبلون منه كل ما يقوله حتى لو كان غير قابل للتصديق، وحال هؤلاء حال فرعون وقومه الذين قال فيهم سبحانه: (فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين) (الزخرف: 54).
فما أعجب هذه العقول المريضة كيف تصدق أمثال هذه الترهات والأكاذيب المكشوفة من مدع جاهل ومجهول!
***
ص: 75
ص: 76
ص: 77
ص: 78
وجه بعضهم سؤالا لأحمد إسماعيل البصري، نصه: ولو نشاء لجعلنا منکم ملائکة في الأرض يخلفون [الزخرف: 60]، ما معنى هذا [كذا] الآية، وهل لها علاقة بأصحاب المهدي عليه السلام أو المهديين؟
أجاب أحمد إسماعيل على السؤال السابق با نصه:
(بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليما كثيرا(1).
(ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه یصدون (57) وقالوا أآلهتنا خير أم هوما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون (58) إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل(59) ولو نشاء لجعلنا منکم ملائكة في الأرض يخلفون(60) وإنه لعلم للساعة فلا تمترنّ بها واتبعون هذا صراط مستقيم (61) [الزخرف: 07 _ 61].
ص: 79
قریش والعرب كانوا يجادلون بمغالطة يصيغونها على أنها سؤال يطلبون جوابه من محمد صلی الله علیه و آله و سلم ، وسؤالهم يقارن بين ألوهية أصنامهم التي يدعونها، وألوهية عيسى التي يدعيها المسيحيون لعيسى علیه السلام، في حين أن المسؤول صلی الله علیه و آله و سلم الذي ينكر عليهم تأليه الأصنام أيضا لا يقر بألوهية عیسی علیه السلام المطلقة، بل يقول: إن عيسى علیه السلام إنسان، وعبد من عباد الله، وخليفة من خلفاء الله في أرضه، ولهذا وصف الله حالهم بأنهم مجادلون، حيث إن السؤال مبني على فرض غير صحيح، ولا يقره ولا يقول به المسؤول).
والجواب:
أن كلام أحمد إسماعيل أجنبي عن ظاهر الآية المباركة؛ لأن الآية واضحةالدلالة على أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم ضرب مثلا بعيسى بن مريم علیه السلام ، وأما كلام أحمد إسماعيل فإنه ظاهر في أن الكفار قارنوا بين ألوهية الأصنام وألوهية عيسى عليه السلام ، فقالوا: كما أن ألوهية عيسى عليه السلام جائزة فإن ألوهية الأصنام كذلك.
وهذا كلام يخالف ظاهر الآية من وجهين:
1_ أن كلام قریش على ما قاله أحمد إسماعيل ليس فيه ضرب مثل، وإنما هو سؤال للنبي صلی الله علیه و آله و سلم ، أو مقارنة بين عبادة الآلهة وعبادة عيسى عليه السلام ، وبين السؤال أو المقارنة وضرب المثل فرق واضح.
2_ أنه يظهر من الآية أن الذين شرب عيسى علیه السلام مثلا لهم هم قوم النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، وهم الذين صدوا عنه، وأما كلام أحمد إسماعيل فإنه يفيد أن الكفار هم الذين قارنوا بين ألوهية الأصنام وألوهية عيسى علیه السلام ، وهذا لا يقتضي منهم شيئا من الصد!
ص: 80
مضافا إلى ذلك فإن الكليني قدس سره روى في الكافي بسنده عن أبي بصير، قال: بينا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ذات يوم جالسا إذ أقبل أمير المؤمنين علیه السلام ، فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : «إن فيك شبها من عیسی بن مریم، ولولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك قولا لا تمر بملأ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك، يلتمسون بذلك البركة». قال: فغضب الأعرابیان، والمغيرة بن شعبة، وعدة من قريش معهم، فقالوا: ما رضي أن يضرب لابن عمه م إلا عیسی بن مریم؟! فأنزل الله على نبيه صلی الله علیه و آله و سلم فقال: (ولما ضرب ابن مریم مثلا إذا قومك منه يصدون(57) وقالوا أآلهتنا خير أم هوما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قؤم خصمون (58) إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل(59) ولو نشاء لجعلنا منکم) يعني من بني هاشم (ملائكة في الأرض يخلفون(60) ) ...»(1).
وروى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن عامر بن واثلة، قال: كنت في البيت يوم الشورى، فسمعت عليا علیه السلام وهو يقول: «استخلف الناس أبا بكر وأنا والله أحق بالأمر وأولى به منه، واستخلف أبو بكر عمر وأنا والله أحق بالأمر وأولى به منه، إلا أن عمر جعلني مع خمسة نفر أنا سادسهم، لا يعرف لهم علي فضل، ولو أشاء لاحتججت عليهم بما لا يستطيع عربيهم ولا عجميهم المعاهد منهم والمشرك تغيير ذلك»، ثم قال: «نشدتكم بالله أيها النفر هل فيكم أحد وحد الله قبلي ؟»، قالوا: اللهم لا. قال: «نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، غيري؟»، قالوا: اللهم لا...
ص: 81
إلى أن قال: «نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : احفظ الباب فإن زوارا من الملائكة يزوروني، فلا تأذن لأحد منهم . فجاء عمر، فرددته ثلاث مرات، وأخبرته أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم محتجب وعنده زوار من الملائكة، وعدتهم كذا وكذا، ثم أذنت له، فدخل فقال: یا رسول الله إني قد جئتك غير مرة، كل ذلك يردني علي، ويقول: إن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم محتجب وعنده زوار من الملائكة، وعدتهم كذا وكذا، فكيف علم بالعدة؟ أعاینهم؟ فقال له: ياعلي قد صدق، كيف علمت بعدتهم؟ فقلت: اختلفت علي التحيات، وسمعت الأصوات، فأحصيت العدد. قال: صدقت، فإن فيك سنة من أخي عیسی، فخرج عمر وهو يقول: ضربه لابن مریم مثلا ! فأنزل الله عزّوجلّ : (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومک منه يصدون)، قال: يضجون، (وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون(58) إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل(59) ولو نشاء لجعلنا منکم ملائكة في الأرض يخلفون(60) )، غيري؟»، قالوا : اللهم لا(1).
وهذان الحديثان واضحا الدلالة على أن الذي ضرب عیسی علیه السلام مثلا هو النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، وأنه لا يراد بقوله سبحانه: (قومک )، العرب أو كفار قريش، وإنما يراد بهم بعض الصحابة.
قال أحمد إسماعيل:
(وهذا الأسلوب يستخدمه أئمة الكفر دائما عندما يجدون أن أدلة الدعوة الإلهية قد أخذت بأعناقهم، فيصيغون سؤالا مبنيا على مغالطة وفرض غير صحيح، لا يقره ولا يقول به المسؤول، ليشكلون [كذا] على
ص: 82
الدعوة الإلهية، ويطلبون [كذا] جوابا لمغالطتهم وسؤالهم الخاطئ، والمبني على الخطأ، وهؤلاء جوابهم يكون في بيان أن السؤال مبني على فرض خاطئ؛ لیتضح أنهم مجرد مجادلين كما وصفهم القرآن: (ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون)).
والجواب:
أنه قد تبين من ظاهر الآيات السابقة أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم ضرب عیسی علیه السلام مثلا لصحابته، فصدوا عنه، ولم يقبلوه منه، وهذا ما يدل عليه قوله تعالى: (ولما ضرب ابن مریم مثلا إذا قومك منه يصدون)؛ لأنه لا يعقل أن يضرب كفار قریش مثلا بعيسى عليه السلام، ثم يصدوا عن مثلهم الذي ضربوه للنبي صلی الله علیه و آله و سلم.
وأما قوله سبحانه: (وقالوا أآلهتنا خیر أم هوما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون) فهو كلام مستأنف، والآية تشير إلى الكفار أو المنافقين الذين لا يزالون يعتقدون بتعدد الآلهة وإن أظهروا الإسلام؛ لقولهم:(أآلهتنا).
والنبي صلی الله علیه و آله و سلم لا شبه أمير المؤمنين عليه السلام بعيسى شق ذلك على جماعة من أصحابه، ورأوا أن تصديقهم لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في ذلك كانه يستلزم أن يعبدوا عليا علیه السلام إذا تبركوا بتراب أقدامه، وإذا كانوا سيعبدون عليا علیه السلام فإن عبادتهم لآلهتهم أولى وأحق، ولذلك قالوا: (أآلهتنا خیر أم هو) ، والله سبحانه وتعالى أجابهم بقوله:( ماضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون) أي إنهم لم يقولوا: إن عبادة آلهتهم أحق وأولى إلا جدلا بالباطل ومن أجل العناد والخصام، وإلا فإنهم يعلمون أن عبادة آلهتهم لا خير فيها.
ص: 83
وقد روى السيد شرف الدين الأسترابادي عن ابن عباس، أنه قال: بينما النبي صلی الله علیه و آله و سلم في نفر من أصحابه إذ قال: «الآن يدخل عليكم نظير عيسى بن مريم في أمتي»، فدخل أبو بكر، فقالوا: هو هذا؟ فقال: «لا»، فدخل عمر، فقالوا: هو هذا؟ فقال: «لا»، فدخل علي علیه السلام ، فقالوا: هو هذا؟ فقال: «نعم»، فقال قوم: لعبادة اللات والعزى أهون من هذا. فأنزل الله عزّوجلّ : (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه یصدون(57) وقالوا أآلهتنا خير...) الآيات»(1).
قال العلامة السيد الطباطبائي قدس سره : (والرواية غير متعرضة لتوجيه قولهم: «أآلهتنا خیر أم هو»، ولئن كانت القصة سببا للنزول فمعنى الجملة: لئن نتبع آلهتنا ونطيع كبراءنا خير من أن نتولى عليا فيتحكم علينا، أو خير من أن نتبع محمدا فيحكم علينا ابن عمه)(2).
ومما قلناه يتبين عدم فهم أحمد إسماعيل لظاهر آيات القرآن، وجهله بروايات أهل البيت عليهم السلام أو تجاهله لها، وهذا ليس بجديد على هؤلاء القوم الذي عرفوا بانتقائيتهم.
قال أحمد إسماعيل:
(ومن ثم انتقل النص الإلهي إلى القول:( ولو نشاء لجعلنا منکم ملائكة في الأرض يخلفون) أي لو نشاء لجعلنا منكم خلفاء كالملائكة معصومين أنقياء أطهار، يخلفون الله سبحانه وتعالى بعد محمد صلی الله علیه و آله و سلم ، ويخلفون محمدا صلی الله علیه و آله و سلم بعد انتقاله إلى الملأ الأعلى، ويخلف بعضهم بعضا، كما أنه سبحانه
ص: 84
جعل قبل هذا عيسى عليه السلام عبد الله خليفة لله في أرضه، فالله سبحانه وتعالى قال عن عيسى علیه السلام : (وجعلناه) ، ثم قال: (لجعلنا منكم)، والجعل فيها واحد، (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل(59) ولو نشاء لجعلنا منكم ...) أي جعل عيسى علیه السلام مثالا وقدوة وقائدا يقتدي به بنو إسرائيل ويتبعونه، ولو شاء الله لجعل منکم خلفاء في هذه الأمة تقتدون بهم، وتتعلمون منهم، وتتخذونهم مثالا يحتذى به کما جعل الله عیسی علیه السلام مثلا لبني إسرائيل)@.
والجواب:
أن هذا التفسير مردود؛ لأن كلمة (لو) حرف امتناع لامتناع، أي إنها تدل على امتناع شيء لامتناع غيره، فإذا قلنا: (لو جاء زيد لأكرمته) فإن معناه: أنه لم يأت فلم أكرمه، فامتنع إكرام زید لامتناع مجيئه.
وعليه، فلو كان المراد بالآية كما قال أحمد إسماعيل، وهو: (لو شاء الله لجعل منكم خلفاء في هذه الأمة تقتدون بهم، وتتعلمون منهم، وتتخذونهم مثالا يحتذى به كعيسى علیه السلام )، لكانت الآية تدل على أن الله تعالى لم يشأ ذلك، فلم يجعل خلفاء في الأرض يقتدى بهم، ويتعلم منهم الناس، وهذا باطل بالضرورة.
ولهذا فلا مناص من أن نقول: إن المراد هو: لو شاء الله تعالى لجعل بدلا منكم خلفاء في الأرض من الملائكة، ولكن الله تعالى ما اقتضت مشيئته ذلك، فجعل الخلفاء من جنس الإنسان، لا من جنس الملائكة.
وإنما وقع أحمد إسماعيل في هذا الخطأ الشنيع لأنه قليل المعرفة بعلوم اللغة العربية وقواعدها، وإلا فإن ذلك يعرفه صغار طلبة العلم.
ص: 85
قال أحمد إسماعيل:
(وحقيقة أن العجب لا ينقضي ممن يسمون أنفسهم مفسري القرآن، ويقولون: إن المراد هنا هو: (بدلا منكم)، فلو كان يمكن أن تقلب المعاني بهذه الصورة القبيحة بإضافة ألفاظ تغير معنى الكلام تماما بحيث يقلب النفي إيجابا، والإيجاب نفيا، لما بقي للكلام معنى، فكيف لعاقل أن يقول: إن معنى (منكم) بدلا منكم، هذا كمن يقول: إن معنى (نعم) هو (لا)، ومعنى (لا) هو (نعم)؟!).
والجواب:
أن التفسير الذي قاله المفسرون، وهو أن كلمة: (منكم) معناها: (بدلا منكم) ليس تغييرا لمعنى الكلام، وليس فيه إضافة ألفاظ تقلب النفي إلى إيجاب، أو الإيجاب إلى نفي، وإنما هو استعمال لكلمة (من) في أحد معانيها اللغوية، وهذا لا إشكال فيه؛ لأن كلمة (من) تأتي لعدة معان في اللغة، وهذا المعنى أحدها.
بل إن حمل هذه الكلمة على هذا المعنى متعين، وذلك لعدة أمور:
1_أن كلمة (من) تستعمل في اللغة بمعنى البدل، والشواهد القرآنية واللغوية على ذلك كثيرة، منها: قوله تعالى: «أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة» (التوبة: 38)، أي بدلا من الآخرة، وقوله سبحانه: (إن الظن لا يغنی من الحق شيئا) (یونس: 36)، أي لا يغني بدل الحق شيئا.
ومنه قول الشاعر:
أخدوا المخاض من الفيل * ظلما، ويكتب للأمير: أفيلا(1)
والشاعر يصف جباة الزكاة بأنهم ظالمون خائنون؛ لأنهم أخذوا
ص: 86
المخاض وهي الناقة الحامل، بدل الفصيل، وهو ولد الناقة المفصول عن الرضاع، ويكتبون للأمير أنهم أخذوا: أفيلا، وهو ولد الناقة الذي عمره سبعة أشهر.
2_أنا لو قلنا: إن كلمة (من) في قوله: (منکم) تبعيضية، لا بدلية، وأن كلمة (ملائكة) معناها رجال مطهرون يشبهون الملائكة، فإن ذلك يستلزم أن الله تعالى لم يشأ أن يجعل خلفاءه في الأرض رجالا مطهرين يقتدى بهم کالملائكة؛ لما بيناه من أن (لو) تدل على امتناع أمر لامتناع أمر آخر، وهذا معلوم البطلان وواضح الفساد، فإن خلفاء الله تعالى كلهم من الرجال.
مضافا إلى أن هذا القائل يلزمه أن تكون كلمة: (ملائكة) قد استعملت في الآية استعمالا مجازيا، ومعناها: رجال مطهرون يقتدى بهم کالملائكة، وصرف الكلمة عن معناها الحقيقي إلى معنى مجازي يحتاج إلى قرينة، ولا قرينة في الآية تدل على ذلك.
3_ أن تشبيه خلفاء الله تعالى بالملائكة يدل على أنهم دون الملائكة في الطهارة والصلاحية للاقتداء؛ لأن طبيعة التشبيه تقتضي أن يكون وجه الشبه في المشبه به أكثر ظهورا منه في المشبه، فإذا قيل: (زید کالأسد)، فإن وجه الشبه وهو الشجاعة أكثر ظهورا في الأسد منه في زيد.
و بهذا يتضح أنه لا يصح تشبيه أئمة الهدى عليهم السلام بالملائكة؛ لأنهم أعلى رتبة وأقرب إلى الله تعالى من الملائكة.
وما ذكرناه في معنى الآية لا يتنافى مع رواية كتاب الكافي التي نقلناها فيما سبق من قوله: (ولو نشاء لجعلنا منكم) يعني من بني هاشم (ملائكة في الأرض يخلفون) ...(1)؛ لأن المعنى هو: ولو نشاء
ص: 87
لجعلنا بدلا من بني هاشم ملائكة في الأرض، وليس المراد: (ولو نشاء لجعلنا من بني هاشم ملائكة)؛ لما بیناه آنفا من الأسباب.
قال أحمد إسماعيل:
(في حين أن عد فرد من الجن أو الإنس بأنه من الملائكة لسبب، کمشابهتهم في الطاعة، أو نقاء وطهارة باطنه، أو لارتقائه معهم في السماوات، قد ذكر في القرآن، فالله قد عد إبليس من الملائكة؛ لأنه كان قبل أن يعصي، وبحسب ارتقائه في السماوات يحسب من الملائكة: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى) [طه: 116]،(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) [البقرة: 34]).
والجواب:
أنه لا يصح اعتبار فرد من الجن أو الإنس ملکا من الملائكة، وإن كان بين ذلك الفرد وبين الملك مشابهة في أمر ما؛ لأن اعتباره ملکا خلاف الواقع، والملك والجني والإنسي لهم حقائق خارجية متغايرة عن بعضها، فلا يصح اعتبار أي حقيقة منها حقيقة أخرى مغايرة لها.
نعم، لا محذور في تشبيه بعض الجن أو الإنس بالملائكة فيها هو ظاهر من صفات الملائكة، وتشبيه إبليس الذي هو من الجن بالملك لارتقائه مع الملائكة في السماوات غير صحيح؛ لأن هذه الصفة ليست هي الصفة البارزة في الملائكة حتى يصح أن تكون هي وجه الشبه بين الجني والملائكة، وقدقال علماء البلاغة: إنه لا يصح تشبيه رجل بالأسد في بخر فمه؛ لأن هذه الصفة وإن كانت من صفات الأسد إلا أنها ليست هي الصفة البارزة فيه.
ص: 88
وأحمد إسماعيل لما رأى شمول لفظ (الملائكة) لإبليس؛ لكونه مأمورا مع الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام ، توهم أن الله سبحانه عد إبليس من الملائكة، أو شبهه بهم، وهو توهم فاسد کما بیناه آنفا.
والسبب في وقوع أحمد إسماعيل في هذا الخطأ هو أنه لم يدرس علم البلاغة، فلم يلتفت إلى أن الله سبحانه إنما أطلق لفظ (الملائكة) على المجموع الذين فيهم إبليس من باب تغليب الملائكة على غيرهم؛ لأنهم أشرف من إبليس وأكثر عددا.
والاستثناء في قوله سبحانه: (إلا إبليس) استثناء منقطع، وهو الذي لا يكون فيه المستثنى من جنس المستثنى منه، ولكن لأن أحمد إسماعيل لا يعرف هذا الأمر البسيط من علم النحو، فإنه توهم أن الاستثناء متصل كما هو الغالب في الاستثناءات، وهو الذي يكون المستثنى من جنس المستثنى منه، فوقع في هذا الخطأ الواضح، إذ توهم أن الله تعالى عد إبليس من الملائكة.
قال أحمد إسماعيل:
(والجعل في الآيات المتقدمة هو نفسه الجعل الأول لآدم عليه السلام خليفة الله في أرضه، (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك و نقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون) [البقرة: 30]، وهو نفسه جعل الله لداود عليه السلام خليفة في الأرض: (یا داؤد إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحکم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ) [ص: 26).
ص: 89
فلو ربنا الآيات وقرأناها بالتوالي سنجد أن القرآن ينص بوضوح على أن أمر الاستخلاف بدأ بآدم علیه السلام ، وهو مستمر بعد محمد صلی الله علیه و آله و سلم ، (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة..... یا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق... إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل... ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون).
والجواب:
أنا لا نختلف في أن الله سبحانه قد اقتضت حكمته أن يجعل له خلفاء في أرضه، وأن الخليفة الأول في الأرض هو آدم علیه السلام ، ثم توالى خلفاء الله سبحانه وتعالى، فجعل أنبياء وأوصياء، وأن الأرض لا تخلو من خليفة لله تعالى يقوم بأمره.
إلا أن الكلام في هؤلاء الخلفاء من هم؟ وبم تثبت خلافتهم؟
هذا ما نختلف فيه مع أحمد إسماعيل وأنصاره کما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
قال أحمد إسماعيل:
(وقد شاء سبحانه وتعالى، وفعل ما أراد، وجعل ملائكة في الأرض يخلفون بعد محمد صلی الله علیه و آله و سلم ، وهؤلاء هم آل محمد عليه السلام : الأئمة والمهديون).
والجواب:
أنا بينا أن الملائكة في الآية لا يراد بهم الذي يشبهون الملائكة وهم آل النبي صلی الله علیه و آله و سلم کما یزعم أحمد إسماعيل، وإنما يراد بهم الملائكة بالمعنى الحقيقي.
وأما الخلفاء بعد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فهم الأئمة الاثنا عشر علیهم السلام کما دلت على ذلك الأحاديث المتواترة عند الشيعة، وأما المهديون فإن أريد
ص: 90
بهم أئمة وخلفاء آخرون يتولون الإمامة بعد الإمام المهدي المنتظر علیه السلام من ولده كما يزعم أحمد إسماعيل وأنصاره، فهذا لم يثبت بدليل صحيح، بل قامت الأدلة على خلافه کما سيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى.
وإن أريد بالمهديين الأئمة الأحد عشر أنفسهم الذي تولوا الإمامة قبل الإمام المهدي المنتظر علیه السلام، وأنهم يرجعون إلى الدنيا کما دلت عليه الروايات التي سيأتي ذكرها، ويتولون أمر الأمة واحدا بعد واحد، فهذا صحيح، وسنزید هذا الكلام إيضاحا فيما سيأتي إن شاء الله تعالى.
قال أحمد إسماعيل:
(ولهذا أتم سبحانه بقوله: «وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم) أي إن هذا الجعل الإلهي (لجعلنا منكم) _ والذي نقل بنص وصية محمد صلی الله علیه و آله و سلم الوحيدة في ليلة وفاته _ علم يعرف به دين الله الحق إلى يوم القيامة).
والجواب:
ما قاله أحمد إسماعيل لا يدل عليه ظاهر الآية لا من قريب ولا من بعيد، وما هو تحميل للآية ما لا تحتمل، فإنه جعل الضمير في قوله: «وإنه لعلم للساعة» يعود على مصدر متصيد من قوله: (لجعلنا منكم) وهو الجعل، وهذا مضافا إلى أنه لا دليل عليه، فإن معنى الآية حينئذ یکون فاسدا؛ إذ يصبح معنى الآية: إن جعل الأئمة والمهديين علامة على قيام الساعة، وهذا معنى باطل؛ لأن المراد بالعلم: العلامة، والمراد بالساعة هو يوم القيامة، وجعل الأئمة لا يكون علامة من علامات الساعة كما هو واضح.
ص: 91
وقوله: (علم يعرف به دين الله الحق إلى يوم القيامة) لا يدل عليه قوله تعالى: «لعلم للساعة» بأي دلالة، مع ما فيه من جعل اللام في (للساعة) بمعنى (إلى) لانتهاء الغاية، واللام المفردة المفتوحة لا تأتي في اللغة بهذا المعنى، وهي هنا للتوكيد لا غير، كما أنه قدر صفة لكلمة (علم)، وهي: (يعرف به دين الله الحق)، وهذا التقدير لم يدل عليه أي دليل، ولم تقم عليه أي قرينة.
وعليه فلا بد أن يعود الضمير في (وإنه) على شيء من أشراط الساعة وعلاماتها، إما سابق مذكور في الآية وهو عیسی بن مریم علیه السلام كما قال مشهور المفسرين، أو يعود الضمير على شيء آخر يفهم من سياق الآيات المباركة.
قال الشيخ المجلسي قدس سره : (المشهور بين المفسرين أن الضمير راجع إلى عیسی علیه السلام، أي نزول عيسى من أشراط الساعة يعلم به قربها، (فلا تمترن بها ) أي بالساعة، وقيل : الضمير راجع إلى القرآن)(1).
ثم إن لازم ما قاله أحمد إسماعيل من أن جعل الأئمة والمهديين علم يعرف به دين الله الحق إلى يوم القيامة أن كل المسلمين من زمان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إلى زمان أحمد إسماعيل لم يعرفوا دين الله الحق؛ لأنهم لم يصل إليهم هذا الجعل، فلم يؤمنوا بالمهديين، ولم يعرفوا أحمد إسماعيل هذا ولا غيره من المهديين الذين لم يفصح أحمد إسماعيل عن أسمائهم حتى الآن!
مضافا إلى أن القول بأن جعل الأئمة والمهديين علما يعرف به دین الله الحق إلى يوم القيامة يستلزم اتهام أئمة أهل البيت علیهم السلام بالتقصير في
ص: 92
بیان الدين الحق لشيعتهم ومواليهم، حيث أخفوا ذكر المهديين الاثني عشر، ولم يذكروا لهم أساءهم، بل نصوا في روايات كثيرة متواترة أن الأئمة اثنا عشر فقط، أولهم أمير المؤمنين عليه السلام، وآخرهم القائم المنتظر المهدي عليه السلام كما سنذكره قريبا إن شاء الله تعالى.
ما زعمه أحمد إسماعيل من أن الجعل الإلهي للأئمة والمهديين نقل بنص وصية محمد صلی الله علیه و آله و سلم الوحيدة في ليلة وفاته، مردود بأمرين:
1_ أن الجعل الإلهي - وهو النص على الأئمة الاثني عشر بعد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم _ صدر من النبي صلی الله علیه و آله و سلم قبل ليلة وفاته، فإنه صلی الله علیه و آله و سلم ذكر في مشاهد متعددة أن الأئمة اثنا عشر، والروايات التي رواها الشيعة وأهل السنة في ذلك كثيرة ومشهورة.
وأما المهديون الاثنا عشر من أبناء الإمام المهدي المنتظر علیه السلام فلم يرد لهم ذكر في تلك الروايات، ولم يشر إليهم لا من قريب ولا بعيد.
وإذا كان هؤلاء المهديون بهذه الأهمية التي يتشدق بها أحمد إسماعيل وأنصاره، فإن من اللازم بيان أسمائهم کما بینت أسماء الأئمة الاثني عشر السابقين لهم، أو على الأقل ذكرهم في الروايات مقرونين بذكر الأئمة الاثني عشر علیهم السلام ، بحيث يذكرون في الروايات إذا ذكر الأئمة الاثنا عشر عليهم السلام ، كما يصنع أحمد إسماعيل وأنصاره في الصلاة على النبي وآله، حيث يقولون: (اللهم صل على محمد وآله: الأئمة والمهديين).
مع أن ذلك كله لا وجود له في الروايات المروية عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وأهل البيت عليهم السلام، رغم اهتمام أهل البيت عليهم السلام ببيان جميع مسائل
ص: 93
الإمامة الإلهية وتفاصيلها، وكثرة ما صدر عنهم علیهم السلام من الروايات التي ذكرت الأئمة الاثني عشر دون غيرهم.
ولم أجد في كلام أحمد إسماعيل وأنصاره بحسب تتبعي لكلماتهم أنهم ذکروا سببا صحيحا يبرر إغفال النبي صلی الله علیه و آله و سلم وأئمة أهل البيت علیهم السلام لذكر هؤلاء المهديين في أحاديثهم، مع تأكيدهم على ذكر الأئمة الاثني عشر فقط.
كما أني لم أجد في كلامهم سببا صحيحا يبرر عدم ذكر النبي صلی الله علیه و آله و سلم لهؤلاء المهديين الاثني عشر إلى حين وفاته، ليبين عددهم في وصية خاصة لا يعلم بها إلا عدد قليل، مع أن هذه المسألة إذا كانت هذه الأهمية التي يذكرها أحمد إسماعيل فإنه ينبغي التأكيد عليها في المشاهد المتعددة حتى تقوم الحجة على كل أحد.
ومن الروايات التي بين فيها النبي صلی الله علیه و آله و سلم أسماء الأئمة الاثني عشر دون غيرهم، ما رواه الفضل بن شاذان في كتاب (إثبات الرجعة) بسند صحيح عن محمد بن مسلم، قال: قال أبو جعفر علیه السلام : «قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لعلي بن أبي طالب علیه السلام : يا علي، أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم أنت يا علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي، ثم جعفر بن محمد، ثم موسی بن جعفر، ثم علي بن موسى،ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم الحجة بن الحسن، الذي تنتهي إليه الخلافة والوصاية، ويغيب مدة طويلة، ثم يظهر، ويملأ الأرض عدلا وقسطا کما ملئت جورا وظلما »(1).
ومنها: خبر سلیم بن قیس، قال: سمعت عبد الله بن جعفر الطيار يقول: كنا عند معاوية، أنا والحسن والحسين وعبد الله بن عباس وعمر
ص: 94
بن أم سلمة وأسامة بن زيد، فجرى بيني وبين معاوية كلام، فقلت لمعاوية: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول: «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم أخي علي بن أبي طالب أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد علي فالحسن بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم ابني الحسين من بعده أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد فابنه علي بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وستدرکه یاعلي، ثم ابنه محمد بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وستدرکه یا حسين، ثم تكملة اثني عشر إماما، تسعة من ولد الحسين»، قال عبد الله بن جعفر: واستشهدت الحسن والحسين، وعبد الله بن عباس، وعمر بن أم سلمة، وأسامة بن زيد، فشهدوا لي عند معاوية. قال سليم: وقد سمعت ذلك من سلمان، وأبي ذر، والمقداد، وذكروا أنهم سمعوا ذلك من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم (1).
وهاتان الروايتان وغيرهما مما سمع من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من قبل أفراد متعددين، والنبي صلی الله علیه و آله و سلم لم يذكر فيها المهديين الاثني عشر من ولد الإمام المهدي المنتظر علیه السلام ، ولم يشر إليهم أصلا، وإنما حصر الأئمة في اثني عشر فقط، وقوله صلی الله علیه و آله و سلم في الرواية الأولى: «ثم الحجة بن الحسن الذي تنتهي إليه الخلافة والوصاية» واضح الدلالة على أنه لا أوصياء بعد الحجة علیه السلام من أولاده.
وهاتان الروايتان وغيرهما دليل على أن الجعل الإلهي إنما هو في اثني عشر إماما فقط، وأما المهديون فلم يثبت لهم جعل إلهي؛ لعدم وجود روایات متواترة تدل على ذلك.
2_أن رواية الوصية المذكورة في كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي قدس سره لا يثبت بها جعل إلهي؛ لأن الجعل لا بد أن يكون قطعيا، وهذه الرواية ضعيفة
ص: 95
السند کما مر، ومعارضة بالأحاديث المتواترة التي تدل على انحصار الأئمة في اثني عشر إماما فقط، وأن آخرهم هو الإمام المهدي المنتظر علیه السلام.
ولا بأس أن أنقل للقارئ العزيز جملة من الروايات التي تحصر الأئمة في اثني عشر فقط وإن كان بعض منها ذكرناه فيما سبق.
فقد روى الشيخ محمد بن علي بن بابويه المعروف بالصدوق قدس سره بسند صحيح عن ثابت بن دینار، عن سيد العابدين علي بن الحسين، عن سيد الشهداء الحسين بن علي، عن سيد الأوصياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : «الأئمة من بعدي اثنا عشر، أولهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها»(1).
وروى أيضا قدس سره بسند صحيح عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیهم السلام ، قال: «قلت لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : أخبرني بعدد الأئمة بعدك. فقال: يا علي، هم اثنا عشر، أولهم أنت، وآخرهم القائم»(2).
وبسنده عن يحيى بن أبي القاسم، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : «الأئمة بعدي اثنا عشر، أولهم علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم، هم خلفائي، وأوصيائي، وأوليائي، وحجج الله على أمتي بعدي... »(3).
ص: 96
وبسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في حديث ذكر فيه بعض ما جرى في المعراج، فقال: «فنودیت: يا محمد أنت عبدي، وأنا ربك، فإياي فاعبد، وعلي فتوکل، فإنك نوري في عبادي، ورسولي إلى خلقي، وحجتي على بريتي، لك ولمن اتبعك خلقت جنتي، ولمن خالفك خلقت ناري، ولأوصيائك أوجبت کرامتي، ولشيعتهم أوجبت ثوابي، فقلت: يا رب، ومن أوصيائي؟ فنودیت: يا محمد، أوصياؤك المكتوبون على ساق عرشي. فنظرت وأنا بين يدي ربي جلّ جلاله إلى ساق العرش، فرأيت اثني عشر نورا، في كل نور سطر أخضر، عليه اسم وصي من أوصيائي، أولهم: علي بن أبي طالب، وآخرهم مهدي أمتي، فقلت: يا رب هؤلاء أوصيائي من بعدي؟ فنوديت: يا محمد، هؤلاء أوليائي وأوصيائي وحججي بعدك على بريتي، وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك...»(1).
وبسنده عن أمير المؤمنين علیه السلام أيضا، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : الأئمة بعدي اثنا عشر، أولهم علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم، هم خلفائي وأوصيائي وأوليائي وحجج الله على أمتي بعدي، المقر بهم مؤمن، والمنكر لهم كافر»(2) .
وبسنده عن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام، قال: «ما اثنا عشر مهدية، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو القائم بالحق، يحيي الله تعالى به الأرض بعد موتها، ويظهر به دین الحق على
ص: 97
الدين كله ولو كره المشركون، له غيبة يرتد فيها قوم، ويثبت على الدين فيها آخرون، فيؤذون، فيقال لهم: (متى هذا الوعد إن كنتم صادقین [الملك: 20]؟ أما إن الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم »(1).
وبسنده عن عبد الله بن عباس، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : «إن خلفائي وأوصيائي، وحجج الله على الخلق بعدي: اثنا عشر، أولهم أخي، وآخرهم ولدي». قيل: يا رسول الله ومن أخوك ؟ قال: «علي بن أبي طالب»، قيل: فمن ولدك؟ قال: «المهدي الذي يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت جورا و ظلما، والذي بعثني بالحق نبيا لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح الله عیسی بن مریم، فيصلي خلفه، وتشرق الأرض بنوره، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب » (2).
وبسنده عن السيد بن محمد الحميري_ في حديث طويل _يقول فيه: قلت للصادق جعفر بن محمد علیهماالسلام : يا ابن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك علیهم السلام في الغيبة وصحة كونها، فأخبرني بمن تقع؟ فقال علیه السلام : «إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي، وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم بالحق، بقية الله في الأرض، وصاحب الزمان، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما»(3).
ص: 98
والأحاديث في ذلك كثيرة، لا حاجة لاستقصائها، وهي دالة بما لا ريب فيه على أن الأئمة اثنا عشر فقط، لا يزيدون ولا ينقصون، وأه لا أئمة بعدهم من ولد الإمام المهدي المنتظر علیه السلام ؛ لأنه لو كان ثمة أئمة مهديون بهذه الصفة لكان التعبير بأن آخرهم القائم بالحق الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا خطأ فاضحة.
في كلام أحمد إسماعيل الذي نقلناه آنفا إصرار على أن رواية الوصية التي رواها الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة) هي الوصية الوحيدة لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وأنه لا وصية غيرها، وإصراره هذا ربما يكون ناشئا عن كذبه، أو قصوره أو تقصيره في الاطلاع على روایات أهل البيت علیهم السلام ؛ لأنه قد رویت روایات متعددة مشتملة على وصایا أخر لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لم يرد في شيء منها أي ذكر للمهديين الاثني عشر من أولاد المهدي المنتظر علیه السلام.
منها: ما رواه الكليني قدس سره في الكافي بسنده عن عيسى بن المستفاد أبي موسى الضرير، قال: حدثني موسى بن جعفر علیهماالسلام، قال: «قلت لأبي عبد الله : أليس كان أمير المؤمنين عليه السلام كاتب الوصية، ورسول الله صلی الله علیه و آله و سلم المملي عليه،وجبرئيل والملائكة المقربون عليهم السلام شهود؟ قال: فأطرق طويلا، ثم قال: يا أبا الحسن قد كان ما قلت، ولكن حين نزل برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الأمر، نزلت الوصية من عند الله كتابا مسجلا، نزل به جبرئیل مع أمناء الله تبارك وتعالى من الملائكة، فقال جبرئیل: يا محمد، ممز بإخراج من عندك إلا وصيك؛ ليقبضها منا، وتشهدنا بدفعك إياها إليه ضامنا لها _ يعني علي علیه السلام ، فأمر النبي صلی الله علیه و آله و سلم بإخراج من كان في
ص: 99
البيت ما خلا عليا عليه السلام ، وفاطمة فيما بين الستر والباب، فقال جبرئیل: یا محمد ربك يقرئك السلام، ويقول: هذا كتاب ما کنت عهدت إليك، وشرطت عليك، وشهدت به عليك، وأشهدت به عليك ملائکتي، وكفى بي يا محمد شهيدا».
قال: «فارتعدت مفاصل النبي صلی الله علیه و آله و سلم، فقال: يا جبرئیل، ربي هو السلام، ومنه السلام، وإليه يعود السلام، صدق عزّوجلّ وبر، هات الكتاب . فدفعه إليه، وأمره بدفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال له: اقرأه. فقرأه حرفا حرفا، فقال: يا علي! هذا عهد ربي تبارك وتعالى إلي، شرطه علي وأمانته، وقد بلغت ونصحت وأديت. فقال علي علیه السلام : وأنا أشهد لك [بأبي وأمي أنت] بالبلاغ والنصيحة والتصديق على ما قلت، ويشهد لك به سمعي و بصري ولحمي ودمي. فقال جبرئیل علیه السلام : وأنا لكما على ذلك من الشاهدين. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : ياعلي، أخذت وصيتي، وعرفتها، وضمنت لله ولي الوفاء بما فيها. فقال علي علیه السلام : نعم بأبي أنت وأمي، علي ضمانها، وعلى الله عوني وتوفيقي على أدائها. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : ياعلي، إني أريد أن أشهد عليك بموافاتي بها يوم القيامة. فقال علي علیه السلام : نعم، أشهد. فقال النبي صلی الله علیه و آله و سلم: إن جبرئيل وميكائيل فيما بيني وبينك الآن، وهما حاضران، معهما الملائكة المقربون لأشهدهم عليك. فقال: نعم ليشهدوا وأنا_ بأبي أنت وأمي_ أشهدهم. فأشهدهم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وكان فيما اشترط عليه النبي بأمر جبرئیل علیه السلام فيما أمر الله عزّوجلّ أن قال له: يا علي، تفي بما فيها من موالاة من والى الله ورسوله، والبراءة والعداوة لمن عادی الله ورسوله، والبراءة منهم، على الصبر منك، [و]على كظم الغيظ، وعلى ذهاب حقك، وغصب خمسك، وانتهاك
ص: 100
حرمتك؟ فقال: نعم يا رسول الله. فقال أمير المؤمنين عليه السلام : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد سمعت جبرئيل عليه السلام يقول للنبي: يا محمد، عرفه أنه ينتهك الحرمة، وهي حرمة الله وحرمة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وعلى أن تخضب لحيته من رأسه بدم عبيط. قال أمير المؤمنين علیه السلام : فصعقت حين فهمت الكلمة من الأمين جبرئيل، حتى سقطت على وجهي. وقلت: نعم، قبلت ورضيت وإن انتهكت الحرمة، وعطلت السنن، ومزق الكتاب، وهدمت الكعبة، وخضبت لحيتي من رأسي بدم عبيط، صابرا محتسبا أبدا حتى أقدم عليك. ثم دعا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فاطمة والحسن والحسين، وأعلمهم مثل ما أعلم أمير المؤمنين، فقالوا مثل قوله، فختمت الوصية بخواتیم من ذهب لم تمسه النار، ودفعت إلى أمير المؤمنين عليه السلام » ، فقلت لأبي الحسن علیه السلام : بأبي أنت وأمي ألا تذكر ما كان في الوصية؟ فقال: «سنن الله وسنن رسوله». فقلت: أكان في الوصية توثبهم وخلافهم على أمير المؤمنين عليه السلام ؟ فقال: «نعم، والله شيئا شيئا، وحرفا حرفا، أما سمعت قول الله عزّوجلّ :( إنا نحن نحي الموتى ونكتب ماقدموا وآثارهم وكل شيء أحصیناه في إمام مبين) ؟ والله لقد قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لأمير المؤمنين وفاطمة عليهماالسلام : أليس قد فهمتها ما تقدمت به إليكما وقبلتماه؟ فقالا: بلى، وصبرنا على ما ساءنا وغاظنا »(1).
وهذه الرواية تدل على وجود وصيتين: وصية أملاها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم على أمير المؤمنين عليه السلام ، ولعلها كانت قبل ليلة الوفاة، ووصية أخرى نزلت من عند الله كتابا مسجلا لعلها قبيل وفاة النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، وهذا
ص: 101
يبطل ما يدعيه أحمد إسماعيل من أن الوصية التي ذكرها الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة) هي الوصية الوحيدة لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.
وهناك روايات أخر تدل على أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أوصى أمير المؤمنين علیه السلام بوصايا عهدية متعددة بمحضر المهاجرين والأنصار، فقد روى الشيخ الطوسي قدس سره في أماليه بسنده عن أبي الجارود زیاد بن المنذر، عن محمد بن علي، وعن زيد بن علي، كلاهما عن أبيهما علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال: «لما ثقل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في مرضه الذي قبض فيه كان رأسه في حجري، والبيت مملوء من أصحابه من المهاجرين والأنصار، والعباس بين يديه، يذب عنه بطرف ردائه، فجعل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يغمى عليه ساعة ويفيق ساعة، ثم وجد خقة، فأقبل على العباس، فقال: يا عباس، یاعم النبي، اقبل وصيتي في أهلي وفي أزواجي، واقض ديني، وانجز عداتي، وأبرئ ذمتي. فقال العباس: يا نبي الله، أنا شیخ ذو عيال كثير، غير ذي مال ممدود، وأنت أجود من السحاب الهاطل والريح المرسلة، فلو صرفت ذلك عني إلى من هو أطوق له مني. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : أما إني سأعطيها من يأخذها بحقها، ومن لا يقول مثل ما تقول، يا علي هاكها خالصة لا يحاقك فيها أحد، يا علي اقبل وصيتي، وأنجز مواعيدي، وأد ديني، يا علي اخلفني في أهلي، وبلغ عني من بعدي».
. قال علي علیه السلام : «فلما نعى إلى نفسه، رجف فؤادي، وألقي علي لقوله البكاء، فلم أقدر أن أجيبه بشيء ، ثم عاد لقوله، فقال: يا علي، أو تقبل وصيتي ؟ »، قال: «فقلت وقد خنقتني العبرة، ولم أكد أن أبين: نعم يا رسول الله . فقال صلی الله علیه و آله و سلم : يا بلال، ائتني بسوادي، ائتني بذي الفقار،
ص: 102
و درعي ذات الفضول، ائتني بمغفري ذي الجبين، ورایتي العقاب، وائتني بالعنزة والممشوق. فأتی بلال بذلك كله إلا درعه كانت يومئذ مرتهنة، ثم قال: ائتني بالمرتجز والعضباء، ائتني باليعفور والدلدل. فأتى بها، فأوقفها بالباب، ثم قال: ائتني بالأتحمية والسحاب، فأتاه بهما، فلم يزل يدعو بشيء، فافتقد عصابة كان يشد بها بطنه في الحرب، فطلبها فأتي بها، والبيت غاض يومئذ بمن فيه من المهاجرين والأنصار. ثم قال: يا علي، قم فاقبض هذا. و مد إصبعه، وقال: في حياة مني، وشهادة من في البيت؛ لكيلا ينازعك أحد من بعدي. فقمت وما أكاد أمشي على قدم حتى استودعت ذلك جميعا منزلي. فقال: يا علي أجلسني. فأجلسته وأسندته إلى صدري»، قال علي علیه السلام : «فلقد رأيت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وإن رأسه ليثقل ضعفا، وهو يقول يسمع أقصى أهل البيت وأدناهم: إن أخي، ووصيي، ووزيري، وخليفتي في أهلي: علي بن أبي طالب،يقضي ديني، وينجز موعدي، يا بني هاشم، یا بني عبد المطلب، لا تبغضوا عليا، ولا تخالفوا أمره فتضلوا، ولا تحسدوه وترغبوا عنه فتکفروا...»(1).
وهذه الرواية مشتملة أيضا على وصية أخرى لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم به لأنه صلی الله علیه و آله و سلم قال للعباس أولا ثم لأمير المؤمنين علیه السلام ثانيا: «اقبل وصيتي»، وما جاء في هذه الوصية مغاير لما ورد في رواية الوصية التي رواها الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة)، وهذا كاف في الدلالة على بطلان ما زعمه أحمد إسماعيل من أن تلك الوصية هي الوصية الوحيدة الرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم .
ص: 103
قال أحمد إسماعيل:
(أي كما وصفه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بأنه كتاب عاصم من الضلال أبدا، (وإنه العلم للساعة )، والله يقول: هو كذلك، فلا تشكوا بأنه عاصم لكم من الانحراف والضلال عند ساعة القيامة الصغرى وظهور من يحتج بهذا النص).
والجواب:
أن أحمد إسماعيل خلط بين وصية رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وبين الكتاب الذي أراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكتبه لهذه الأمة كيلا تضل من بعده أبدا، فإنه لم يرد في رواية الوصية التي رواها الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة)، أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم وصف هذه الوصية بأنها عاصمة لهذه الأمة من الضلال؛ إذ كيف تكون عاصمة للأمة من الضلال وهي وصية خاصة لم يرد فيها خطاب للأمة، أو تكليف عام للناس، مع كونها مروية بسند ضعيف مظلم، ومشتملة على عبارات غير صحيحة، وعبارات أخر غير واضحة المعنى، وكونها مخالفة للروايات المتواترة التي
حصرت الأئمة في اثني عشر فقط؟
بخلاف الكتاب الآخر الذي أراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكتبه للناس في يوم الخميس، فحال عمر بن الخطاب بينه وبين كتابته، فإن النبي صلی الله علیه و آله و سلم وصفه بأن الأمة بسببه لا تضل بعده أبدا؛ لأنه كتاب موجه إلى عامة المسلمين، وغير مخصوص بأشخاص معينين، والغاية الأساس من كتابته اطلاع عموم المسلمين على ما إن أخذوا به فإنهم لا يضلون أبدا.
قال أحمد إسماعيل:
(فمن يحتج بهذا النص فهو صاحبه، وإلا لما صح أن يوصف النص بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به، فلو لم يكن محفوظا من الله أن
ص: 104
يدعيه الكاذبون المبطلون حتى يدعيه صاحبه، لكان وصفه بأنه عاصم من الضلال كذبا وإغراء للمكلفين باتباع الباطل، وهذا أمر لا يصدر من العالم الصادق القادر الحكيم المطلق سبحانه).
والجواب:
أن أحمد إسماعيل يزعم أنه منصوص عليه في هذه الرواية، وأن الضمير في قوله: «له ثلاثة أسامي: اسم کاسمي واسم أبي، وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين» يعود عليه، وأنه هو ابن الإمام المهدي المنتظر علیه السلام ، وهو أول المهديين الاثني عشر، واستدل على ذلك بأن كل من يدعي أنه منصوص عليه في رواية كتاب الغيبة) فهو صادق في دعواه؛ لأن النص في هذه الرواية لا يدعيه إلا صاحبه، وإلا لوصح أن يدعيه غير صاحبه لكان وصف النبي صلی الله علیه و آله و سلم هذه الوصية بأنها عاصمة من الضلال غير صحيح؛ لأنها حينئذ لن تعصم الناس من الضلال إذا تأتى لكل كذاب أن يدعي أنه منصوص عليه فيها.
وكلامه واضح البطلان، لعدة أمور:
1_ما قلناه فيما سبق من أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم لم يصف هذه الوصية المذكورة في كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي قدس سره بأنها عاصمة من الضلال، وإنما وصف الكتاب الذي أراد أن يكتبه للناس قبيل وفاته بأربعة أيام بأن من أخذ به فإنه لا يضل، كما أنه لم يصف الكتاب الذي أراد أن يكتبه للناس قبيل وفاته بأنه وصية.
2_أنا لا نشك في أن وصية رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم التي هي بحوزة أئمة الهدى علیهم السلام عاصمة للأمة من الضلال، وأما رواية الوصية المروية
ص: 105
في كتاب (الغيبة)، فهي رواية ضعيفة السند قد رواها المجاهيل، مما يجعلنا نحتمل أنها مكذوبة، أو أن يد التحريف قد بدلت بعض ألفاظها، أو زادت فيها أو أنقصت، ولاسيما أن الرواية لم تنقل الوصية بتمامها، ومع كل ذلك فهي معارضة بالروايات المتواترة التي أشرنا إليها، فكيف توصف هذه الرواية بأنها عاصمة للأمة من الضلال، وأن من يدعي أنه منصوص عليه فيها صادق في دعواه؟!
3_ أن أحمد إسماعيل إذا كان منصوصا عليه باسمه كما يزعم في رواية كتاب (الغيبة)، فإن النص وحده كاف في ثبوت الإمامة، ولا يحتاج معه إلى ضم قاعدة تتمم ما في النص من قصور في الدلالة على إثبات إمامته، وهي القاعدة الباطلة التي ابتدعها من عنده، وهي: (إن الوصية لا يدعيها إلا صاحبها).
وبتعبير أوضح أقول:
إن أحمد إسماعيل يعلم أن الاسم الوارد في رواية الوصية وهو: (أحمد)، لا ينصرف إليه بخصوصه، ولا يعينه دون غيره؛ لأنه اسم يشترك فيه معه كثيرون جدا، ولهذا فإن كون اسمه: (أحمد) لا ينفعه في شيء؛ لأنه لا يعد نصا على إمامته.
ولأجل ذلك التجأ أحمد إسماعيل ليتمم ما في النص الذي يزعمه من قصور في الدلالة عليه بخصوصه، بأن ابتدع قاعدة باطلة من عنده، تتمم ما في النص من قصور واضح، وهي قاعدة: (إن الوصية لا يدعيها إلا صاحبها).
إلا أن هذه القاعدة ليست بديهية عند الناس، وهي تحتاج إلى إثبات أنها قاعدة صحيحة، ولاسيما أن كل العقلاء يعلمون أن كل
ص: 106
شيء يمكن أن يدعيه المبطلون الكاذبون، حتى الألوهية التي ادعاها فرعون، والنبوة التي ادعاها مسيلمة الكذاب، والإمامة التي ادعاها كثيرون بالباطل، فكيف صارت الوصية بخصوصها لا يدعيها إلا صاحبها، وأن كل من ادعاها فهو محق غير كاذب؟!
وهنا لم يجد أحمد إسماعيل مناصا من أن يدعي أن هذه الوصية هي نفس الكتاب الذي أراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكتبه في يوم الخميس کي لا تضل الأمة بعده، ليزعم بعد ذلك أن الوصية عاصمة للأمة من الضلال، والأمة بسببها لن تضل أبدا، وإذا كانت كذلك فإن الكاذب لا يمكن أن يدعيها؛ لأن ادعاء الكاذب لها يستلزم بنظره محاذير لا تصح، وسنبين فيما سيأتي فساد هذا الدليل كله.
والذي أريد أن أنبه القارئ العزيز عليه هو أن أحمد إسماعيل وإن زعم أنه منصوص عليه في رواية كتاب (الغيبة) إلا أن لجوءه إلى هذا الاستدلال يدل على أنه يعلم في دخيلة نفسه أن ما زعمه نصا ليس بنص، وأن هذا النص المزعوم يحتاج إلى دعاوى متعددة تعضده؛ لكي تكون دلالة هذا النص عليه تامة، وهذا كاف في إثبات أنه ليس بنص؛ لأن النص مضافا إلى أنه يجب أن يكون قطعيا، لا يحتمل الدلالة على غيره، فإنه لا يحتاج إلى شيء آخر معه، وإلا لما كان نصا.
4_أنا لو سلمنا جدلا بأن رواية كتاب (الغيبة) عاصمة للأمة من الضلال، فإنها إنما تعصم من تمسك بها بعد أن يفهم المراد بها، وأما من خالفها فاعتقد بإمامة من لم تثبت إمامته فإنها لا تعصمه من الضلال، وحينئذ فإنه يجب على كل مكلف أن يتأكد من اتباعه للأئمة الذين وردت أسماؤهم في الوصية، بتعيين الإمام السابق للإمام اللاحق، وتنصيصه عليه بحيث لايلتبس بغيره،
ص: 107
وأما من يتسرع ويقول بإمامة أحمد إسماعيل البصري فإنه لم يعصم من الضلال؛ لأنه اعتقد بإمام غیر منصوص عليه باسمه واسم أبيه في رواية كتاب (الغيبة)، أو لا أقل اعتقد بإمام مشكوك في إمامته؛ لأنه لم يتم التأكد من أن تلك الرواية تشير إليه.
ومن الأوهام التي وقع فيها بعض أتباع أحمد إسماعيل هي اعتقادهم بأنه متى ما ثبتت الوصية فإنه تثبت إمامة أحمد إسماعيل البصري، مع أن رواية الوصية لو ثبتت جدلا فإنها لا تشير إليه لا من قريب ولا بعید کما بینا.
5_أنا لو سلمنا بأن رواية كتاب (الغيبة) عاصمة من الضلال، فإن ادعاء بعضهم كذبا أنه منصوص عليه فيها لا يتنافى مع كونها عاصمة من الضلال؛ لأن كل مدع لهذا الأمر لا تقبل دعواه إلا إذا جاء بدليل صحيح، وإذا لم يكن عنده أي دليل يثبت صحة دعواه فهو كاذب مفتر؛ لأن الإمامة لا تثبت بمجرد الادعاء، خصوصا إذا لم ينص عليه أي واحد من الأئمة السابقين عليهم السلام ، ولم يتصف المدعي بصفات الإمام الحق.
وحال رواية كتاب (الغيبة) حال قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منکم) (النساء: 59)، فإن كثيرا من أئمة الضلال وسلاطين الجور ادعوا أنهم أولو الأمر المأمور بطاعتهم في هذه الآية المباركة، وادعاءاتهم هذه لا تتنافى مع كون هذه الآية عاصمة لمن اتبعها من الضلال، وإنما تتنافى مع كونها عاصمة من الضلال لو كانت الآية تنطبق حقيقة على أئمة الضلال وسلاطين الجور، وأما إذا كانت لا تنطبق عليهم، فإن ادعاءاتهم التي لم تثبت بدلیل صحيح لا قيمة لها.
ص: 108
6_ إن وصف النص بأنه عاصم من الضلال لا كذبا وإغراء للمكلفين باتباع الباطل إلا إذا انطبق على واحد من الدجالين والكذابين الذين يدعون الإمامة بغير حق، وأما إذا لم يكن كذلك فلا يكون وصف النص بذلك كذبا.
ونص الوصية التي نتحدث عنها لا يدل على أحمد إسماعيل بأي دلالة، وادعاؤه أنه هو المعنى في الحديث لا يفيده ما دامت الأدلة كلها تبطل كلامه وتكذبه.
قال أحمد إسماعيل:
(إذن فلا تشكوا أنها ساعة القيامة الصغرى عندما يرفع هذا الكتاب (فلا تمترن بها) ، فمن يرفع هذا الكتاب فهو صاحبه).
والجواب:
مراده بساعة القيامة الصغرى هو زمان دولة الإمام المهدي المنتظر علیه السلام ، وفي ذلك الزمان فإن المؤمنين الأبرار يعملون بتوجيهات الإمام المهدي عليه السلام، ويمتثلون أمره في كل شيء، فمن رفع كتابا في ذلك الوقت وادعى شيئا، فإن المؤمنين ينظرون ما يقول الإمام المهدي عليه السلام في ذلك الكتاب وصاحبه، ويعملون على طبق كلامه عليه السلام ، فلا يحصل لهم أي لبس حينئذ في أي شيء.
وقوله: (فمن يرفع هذا الكتاب فهو صاحبه) إن كان المراد به أن من يرفع الوصية الحقيقية المختومة بختم النبي صلی الله علیه و آله و سلم، ويأتي بها للناس فهو صاحبها فهذا كلام صحيح؛ لأن الأخبار دلت على أن من ضمن علامات الإمام أن يكون عنده عهد من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم .
ص: 109
فقد روى العياشي في تفسيره عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «الزم الأرض، لا تحركن يدك ولا رجلك أبدا حتى ترى علامات أذكرها لك في سنة، وترى مناديا ينادي بدمشق، وخسف بقرية من قراها، ويسقط طائفة من مسجدها، فإذا رأيت الترك جازوها، فأقبلت الترك حتى نزلت الجزيرة، وأقبلت الروم حتى نزلت الرملة، وهي سنة اختلاف في كل أرض من أرض العرب، وإن أهل الشام يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: الأصهب، والأبقع، والسفياني....»
إلى أن قال: «فإن أشكل عليكم هذا فلا يشكل عليكم الصوت من السماء باسمه و أمره، وإياك وشذاذا من آل محمد، فإن لآل محمد وعلي راية، ولغيرهم رایات، فالزم الأرض، ولا تتبع منهم رجلا أبدا حتى ترى رجلا من ولد الحسين، معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه، فإن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين، ثم صار عند محمد بن علي، ويفعل الله ما يشاء، فالزم هؤلاء أبدا، وإياك ومن ذكرت لك، فإذا خرج رجل منهم معه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، ومعه راية رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عامدا إلى المدينة حتى يمر بالبيداء...»(1).
إلا أن هذا لا يفيد أحمد إسماعيل في شيء؛ لأن وصية رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الآن ليست عنده، وإنما هي عند الإمام المنتظر علیه السلام، ولا أظنه يدعي أن الوصية الآن في حوزته، ولو ادعى ذلك فلا بد له من إظهارها للناس، وإثبات أنها عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم المشتمل على النص عليه بالتعيين، و أنی له بذلك!
والمستفاد من هذه الرواية وغيرها أن العهد الذي يحتج به الإمام علیه السلام هو شيء يتوارث ويتناقله الأئمة عليهم السلام ، وليس جزءا من رواية موجودة في كتاب (الغيبة).
ص: 110
وأما إذا كان مراد أحمد إسماعيل أن من يدعي أنه هو المشار إليه في الوصية فهو صادق؛ لأن الوصية لا يدعيها إلا صاحبها، وأحمد إسماعيل قد ادعى الوصية فهو صاحبها، فيجب تصديقه والإيمان به، فهذا كلام مردود من وجوه:
1_أنا لا نعلم بالقطع واليقين أن أحمد إسماعيل ادعى الوصية؛ لأنه لم يظهر للناس ويدعي ذلك علانية، و أنما رأينا ذلك في كتب وتسجيلات منسوبة إليه، ونحن لا نعلم بصحة تلك النسبة، فلعل تلك الكتب منحولة عليه، والتسجيلات مفبركة، وكلام أنصاره لا يثبت به أنه ادعى الوصية فعلا.
2_أنا لو سلمنا أن أحمد إسماعيل ادعى الوصية فعلا، فإن مجرد الادعاء لا يكفي في إثبات صدق دعوى المدعي كما ذكرنا ذلك فيما تقدم، وعلى أحمد إسماعيل أن يقيم الدليل الصحيح على أنه هو المشار إليه في الوصية، وهو لم يأت بأي دليل يدل على صحة دعواه.
3_ أن أحمد إسماعيل في الحقيقة لم يدع الوصية؛ لأن مدعي الوصية هو الذي يأتي بوصية مكتوبة، ويزعم أنها وصية رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، ويدعي أنه منصوص عليه فيها، وأما أحمد إسماعيل فإنه لم يأت بأي وصية، وإنما ادعى أنه مشار إليه في رواية في كتاب (الغيبة)، ومثل هذا الادعاء لا يكون ادعاء للوصية.
وعليه فإن قوله: (إن الوصية لا يدعيها إلا صاحبها) لا ينطبق على أحمد إسماعيل؛ لأنه إنا ادعى الإشارة إليه في رواية في كتاب (الغيبة)، ولم يدع أن عنده وصية من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم تنص عليه.
4_أنه لا استحالة في أن يدعي أي كاذب أن رواية كتاب
ص: 111
(الغيبة) تشير إليه كما صنع أحمد إسماعيل، لأن الكذابين قد ادعوا ماهو أعظم من ذلك، إذ ما من مقام دیني إلا ادعاه کاذب مفتر، فإن فرعون كما قلنا ادعى الألوهية، ومسيلمة الكذاب وسجاح ادعيا النبوة، وأما الإمامة فقد ادعاها كثير من الناس، فكيف لا يدعي كاذب أنه مشار إليه في آية أو رواية، ولاسيما إذا كانت الرواية ضعيفة السند کرواية كتاب (الغيبة)، وكان الادعاء دون الادعاءات التي ذكرناها ؟!
5_أن قوله: (إن الوصية لا يدعيها إلا صاحبها) إن كان مراده بصاحب الوصية هو المنصوص عليه فيها بنحو لا يلتبس بغيره کما هو حال وصية النبي صلی الله علیه و آله و سلم ووصايا الأئمة الأطهار عليهم السلام ، فهذا لا نختلف فيه؛ لأنه من الطبيعي ألا يدعي شخص آخر أنه صاحب الوصية إلا إذا كان مجنونا لا يعتب عليه؛ لأن صاحب الوصية وهو الإمام المعين معروف لا يختلف فيه اثنان، فلا يمكن لعاقل أن يدعي أنه هو المنصوص عليه دونه.
ولهذا لم يحدث التاريخ أن رجلا في زمان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أو في زمان واحد من الأئمة الأطهار عليهم السلام ادعى أنه هو المنصوص عليه دون الإمام المراد بالنص.
وأما إذا كان مراده بقوله: (إن الوصية لا يدعيها إلا صاحبها) أن من ادعى أنه مشار إليه في آية قرآنية أو رواية متواترة أو غير متواترة، فإن ادعاءه دليل على صدقه في دعواه، فهو كلام باطل، لا يقوله من يحترم عقله، مع أن هذا الزعم قد كذبته الحوادث التاريخية الكثيرة التي سنذكر بعضا منها إن شاء الله تعالى.
ص: 112
قال أحمد إسماعيل:
(فإذا كنتم تريدون النجاة من الضلال والانحراف اتبعوا محمدا صلی الله علیه و آله و سلم بقبول وصيته التي أوصاها ليلة وفاته، والتي فيها العلم الذي يكفيكم للنجاة أبدا، وفيها علم الساعة ومعرفة الحق عند القيام، وتشخيص المدعي عندما يرفع هذا الكتاب الموصوف بأنه عاصم من الضلال).
والجواب:
أنه لا خلاف بين المسلمين في أنه يجب اتباع النبي صلی الله علیه و آله و سلم في كل أقواله وأفعاله وتقريراته، وأن من اتبعه فقد نجا من الضلال والانحراف، كما أنه لا نزاع في وجوب قبول وصية رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم التي أوصى بها أمته، وأمرهم بالتمسك بها والعمل بما فيها.
ولكن النزاع في أن رواية الوصية التي ذكرها الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة) بسند مظلم جدا، هل هي وصية رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، أو على الأقل هل هي مبينة لما هو مكتوب في وصيته، أم لا؟
ومن الواضح جدا أن هذه الرواية لضعف سندها، و مخالفتها للروايات المتواترة التي حصرت الأئمة في اثني عشر إماما، ومعارضتها لروايات الوصية الأخرى الخالية من ذكر المهديين الاثني عشر لا يصح العمل بها، ولا الاعتقاد بمضمونها، ولا يجوز نسبتها إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، أو وصفها بأنها كتاب عاصم من الضلال، أو أن فيها من العلم ما يكفي للنجاة ومعرفة الحق عند القيام أو قبله.
والغريب زعم أحمد إسماعيل أن هذه الوصية يمكن بها تشخیص المدعي عندما يرفع هذا الكتاب الموصوف بأنه عاصم من الضلال، مع
ص: 113
أنه لم يأت بوصية، ولم يرفع هذا الكتاب الذي وصفه بأنه عاصم من الضلال، وإنما تمسك برواية ضعيفة زعم أنها تدل عليه وتشير إليه، من دون أن يأتي بدليل واضح أو حجة صحيحة.
قال أحمد إسماعيل:
(واتبعون هذا صراط مستقيم) أي اتبعوا محمدا صلی الله علیه و آله و سلم في نصه من الله على من يخلفونه من بعده).
والجواب:
أن اتباع النبي صلی الله علیه و آله و سلم في نصه على من يخلفونه من أئمة الهدى إنما يتحقق بالأخذ بالروايات المتواترة أو الصحيحة غير المعارضة بما هو أصح منها، وأما الأخذ بالروايات الشاذة مثل الرواية التي أسموها برواية الوصية فهذا ليس اتباعا لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وإنما هو عين المخالفة له.
قال أحمد إسماعيل:
(والوصية كتاب كتبه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في آخر لحظات حياته امتثالا لقوله تعالى:(كتب عليه إذا حضر أحدکم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) [البقرة: 180]، ووصفه بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به أبدا، وأؤكد في آخر لحظات حياته؛ لأنه نبي يوحى له، فما يقوله في آخر لحظات حياته هو خلاصة رسالته، وما يحفظ الدين بعده، فما بالك إذا كان مع شدة مرضه، وأوجاع السم التي كانت تقطع كبده مهتما أشد الاهتمام أن يكتب هذا الكتاب، ويصفه بأنه عاصم من الضلال، فهذا الكتاب من الأهمية بمكان بحيث إن الله سبحانه وتعالى الذي كان يرحم محمدا صلی الله علیه و آله و سلم إلى درجة أنه يشفق عليه من كثرة العبادة التي تتعب بدنه،
ص: 114
فيخاطبه بقوله: «طه (1) ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى (2) نجده سبحانه مع شدة رحمته بمحمد صلی الله علیه و آله و سلم وإشفاقه عليه يكلف محمدا صلی الله علیه و آله و سلم في آخر لحظات حياته أن يملي كتابا، ويصفه بأنه عاصم من الضلال على رؤوس الأشهاد، رغم ما كان يعانيه محمد صلی الله علیه و آله و سلم من آلام السم الذي كان يسري في بدنه ويقطع كبده).
والجواب:
أنا لا نشك في أن ما أراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يبلغه للناس في آخر ساعات حياته له من الأهمية الكبيرة التي ليست لغيره، وأن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أخبر أمير المؤمنين علیه السلام بوصاياه، وأعطاه وصية مكتوبة، ولكن الكلام في أن هذه الرواية التي رواها الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة) والتي أطلق عليها أحمد إسماعيل وأنصاره رواية الوصية هل هي وصية رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أم لا؟ وهل هي کتاب عاصم للأمة من الضلال؟
هذا ما يجب على أحمد إسماعيل إثباته أولا، وهو لم يستطع أن يثبت ذلك، وأنی له بإثبات شيء لم يثبت في نفسه!
وأما الآية التي احتج بها أحمد إسماعيل فهي خارجة عن موضوع البحث؛ لأنها متعلقة بالأموال، كما دلت على ذلك بعض الروايات.
منها: ما رواه الكليني قدس سره بسنده عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: سألته عن الوصية للوارث، فقال: «تجوز». قال: ثم تلا هذه الآية: (إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين) [البقرة: 180](1).
وسيأتي مزید کلام حول هذه الآية الشريفة.
ص: 115
قال أحمد إسماعيل:
(وهذه بعض النصوص التي وصف فيها الرسول محمد صلی الله علیه و آله و سلم کتاب الوصية بأنه عاصم من الضلال وفي آخر لحظات حياته، ففي يوم الخميس أراد کتابته لكل الأمة، وأراد أن يشهد عليه عامة الناس، ولكن منعه جماعة وطعنوا في قواه العقلية، وقالوا: إنه يهجر (أي يهذي ولا يعرف ما يقول)، فطردهم، وبقي رسول الله بعد يوم الخميس إلى يوم وفاته الإثنين، فكتب في الليلة التي كانت فيها وفاته وصيته، وأملاها على علي عليه السلام، وشهدها بعض الصحابة الذين كانوا يؤدون کتابتها يوم الخميس).
والجواب:
أن الكتاب الذي أراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكتبه للناس في يوم الخميس هو الكتاب الذي وصفه بأنه لا يضل الناس بعده أبدا، وأما الوصية التي كتبت في ليلة وفاة النبي صلی الله علیه و آله و سلم فلم توصف بذلك، مع التنزل جدلا والتسليم بوجود وصية كتبت في ليلة وفاة النبي صلی الله علیه و آله و سلم.
وبتعبير أوضح أقول:
ما أراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكتبه يوم الخميس، ويشهد عليه عامة الناس كان كتابا موجها لعامة الناس، ولم یکن وصية خاصة، وقد وصفه النبي صلی الله علیه و آله و سلم في الأحاديث التي ذكرت رزية يوم الخميس بأنه (كتاب)، وبين صلی الله علیه و آله و سلم أن الداعي إلى كتابته هو ألا يضل الناس بعده.
وأما الوصية التي کتبت في ليلة وفاته صلی الله علیه و آله و سلم _ بحسب ما جاء في رواية كتاب (الغيبة) الضعيفة السند والمتن _ فإنها لم تكن العامة الناس، ولا يظهر منها أن الغرض من كتابتها هو منع الناس عن الوقوع في
ص: 116
الضلال من بعده، بل كان غرضه صلی الله علیه و آله و سلم أن يكتب وصية خاصة تكون عند أمير المؤمنين عليه السلام ، يأمره فيها بما يفعله بعد وفاته صلی الله علیه و آله و سلم ، وعند قرب وفاته هو علیه السلام ، وما يصنعه كل إمام من بعده عند قرب وفاته، ولا يوجد في هذه الوصية أي خطاب عام للناس ليفعلوا أمرا معينا، أو يتمسكوا بشيء، فكيف تكون عاصمة للناس من الضلال؟!
ثم إن أحمد إسماعيل سرد بعض الروايات الواردة من طرق أهل السنة والشيعة التي أراد فيها النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكتب للأمة كتابا أو وصية فقال تحت عنوان: (في كتب أهل السنة):
(ابن عباس، قال: يوم الخميس وما يوم الخميس، اشتد برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وجعه، فقال: «ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا»، فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي نزاع، فقالوا: ما شأنه؟ أهجر، استفهموه، فذهبوا يردون عليه، فقال: «دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه»، وأوصاهم بثلاث، قال: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، وسكت عن الثالثة، أو قال فنسيتها». (صحيح البخاري: ج 4 / ص 4168).
عن ابن عباس، قال: يوم الخميس، وما يوم الخميس، ثم جعل تسيل دموعه، حتى رؤيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : «ائتوني بالكتف والدواة _ أو اللوح والدواة _ أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا»، فقالوا: إن رسول الله یهجر. (صحیح مسلم/ کتاب الوصية)).
والجواب:
أن هاتين الروايتين واضحتا الدلالة على أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أراد أن يكتب للأمة كتابا لن يضلوا بعده أبدا في يوم الخميس، أي قبل أربعة
ص: 117
أيام من وفاته، وهذا لا ينسجم مع ما جاء في الحديث الذي أسموه حديث الوصية، فإنه كان وصية خاصة لأمير المؤمنين عليه السلام كتبها صلی الله علیه و آله و سلم في ليلة وفاته، ولم تكن للناس عامة، كما أنها لم تكتب بغرض ألا تضل الأمة بعد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أبدا.
قال أحمد إسماعيل:
(في كتب الشيعة: عن سليم بن قیس الهلالي، قال: سمعت سلمان يقول: سمعت عليا عليه السلام بعد ما قال ذلك الرجل (عمر) ما قال وغضب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ودفع الكتف: «ألا نسأل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عن الذي كان أراد أن يكتبه في الكتف مما لو كتبه لم يضل أحد ولم يختلف اثنان...»(كتاب سليم بن قيس: ص 398).
عن سليم بن قیس، قال الإمام علي عليه السلام لطلحة: «ألست قد شهدت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: إن نبي الله يهجر، فغضب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم...» (کتاب سليم بن قيس: ص 211).
عن سليم بن قيس: إن عليا علیه السلام قال لطلحة في حديث طويل عند ذكر تفاخر المهاجرين والأنصار بمناقبهم وفضائلهم: «يا طلحة، أليس قد شهدت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم حين دعانا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة بعده ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: إن رسول الله يهجر، فغضب رسول الله وتركها؟»، قال: بلى قد شهدته. (الغيبة للنعماني: ص 81)).
والجواب:
أن أحمد إسماعيل لم يكمل هذه الروايات الثلاث، بل بترها بترا
ص: 118
متعمدا؛ لأن هذه الروايات الثلاث ذکر فيها الأئمة الاثنا عشر، ولم تشر من قريب أو بعيد للمهديين الاثني عشر.
أما الرواية الأولى التي رواها سليم بن قيس فهي:
وعن سلیم بن قیس، قال: سمعت سلمان يقول: سمعت عليا علیه السلام بعد ما قال ذلك الرجل ماقال، وغضب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، ودفع الكتف : «ألا نسأل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عن الذي كان أراد أن يكتب في الكتف مما لو كتبه لم يضل أحد ولم يختلف اثنان؟»، فسکت حتى إذا قام من في البيت، وبقي علي، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام ، وذهبنا نقوم أنا وصاحبي أبو ذر والمقداد، قال لنا علي علیه السلام : «اجلسوا». فأراد أن يسأل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ونحن نسمع، فابتدأه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فقال:
«يا أخي، أما سمعت ما قال عدو الله ؟ أتاني جبرئيل قبل، فأخبرني أنه سامري هذه الأمة، وأن صاحبه عجلها، وأن الله قد قضى الفرقة والاختلاف على أمتي من بعدي، فأمرني أن أكتب ذلك الكتاب الذي أردت أن أكتبه في الكتف لك، وأشهد هؤلاء الثلاثة عليه، ادع لي بصحيفة». فأتى بها، فأملى عليه أسماء الأئمة الهداة من بعده رجلا رجلا، وعلي علیه السلام يخطه بيده، وقال صلی الله علیه و آله و سلم : «إني أشهدكم أن أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي علي بن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم من بعدهم تسعة من ولد الحسين». ثم لم أحفظ منهم غير رجلين: علي ومحمد، ثم اشتبه الآخرون من أسماء الأئمة عليه السلام، غير أني سمعت صفة المهدي وعدله وعمله، وأن الله يملأ به الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا. ثم قال النبي صلی الله علیه و آله و سلم : «إني أردت أن أكتب هذا، ثم أخرج به إلى المسجد، ثم أدعو العامة، فأقرأه عليهم، وأشهدهم عليه،
ص: 119
فأبى الله وقضى ما أراد». ثم قال سليم: فلقيت أبا ذر والمقداد في إمارة عثمان فحدثاني، ثم لقيت عليا علیه السلام بالكوفة والحسن والحسين علیهماالسلام، فحدثاني به سرا، ما زادوا ولا نقصوا، كانما ينطقون بلسان واحد(1).
وأما الرواية الثانية التي نقلها أحمد إسماعيل من كتاب سليم بن قيس فهي:
[عن سليم بن قیس، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام :] «یا طلحة، ألست قد شهدت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة ولا تختلف، فقال صاحبك ماقال: إن نبي الله یهجر، فغضب رسول الله عليه ، ثم تركها؟»، قال: بلى، قد شهدت ذاك. قال: «فإنكم لا خرجتم أخبرني بذلك رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وبالذي أراد أن يكتب فيها، وأن يشهد عليها العامة، فأخبره جبرائیل: أن الله عزّوجلّ قد علم من الأمة الاختلاف والفرقة، ثم دعا بصحيفة، فأملى على ما أراد أن يكتب في الكتف، وأشهد على ذلك ثلاثة رهط: سلمان، وأبا ذر، والمقداد، وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة، فسماني أولهم، ثم ابني هذا _ وأدنى بيده إلى الحسن ، ثم الحسين، ثم تسعة من ولد ابني هذا _يعني الحسين_ ، كذلك كان يا أبا ذر وأنت یا مقداد؟»، فقاموا وقالوا: نشهد بذلك على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم . فقال طلحة: والله لقد سمعت من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول لأبي ذر: «ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، ولا أبر عند الله»، وأنا أشهد أنهما لم يشهدا إلا على حق، ولأنت أصدق وآثر عندي منهما. ثم أقبل عليه السلام على طلحة، فقال: «اتق الله يا طلحة، وأنت يا زبير،وأنت يا
ص: 120
سعد، وأنت يا ابن عوف، اتقوا الله، وآثروا رضاه، واختاروا ما عنده، ولا تخافوا في الله لومة لائم»(1).
وأما الرواية الثالثة التي نقلها أحمد إسماعيل عن كتاب (الغيبة) للنعماني، فهي:
عن سليم بن قيس: أن عليا عليه السلام قال لطلحة_ في حديث طويل عند ذكر تفاخر المهاجرين والأنصار بمناقبهم وفضائلهم_ : «یا طلحة، أليس قد شهدت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم حين دعانا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة بعده ولا تختلف، فقال صاحبك ماقال: إن رسول الله یهجر، فغضب رسول الله وتركها؟»، قال: بلى، قد شهدته. قال: «فإنكم لا خرجتم أخبرني رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بالذي أراد أن يكتب فيها ويشهد عليه العامة، وأن جبرئيل أخبره بأن الله تعالى قد علم أن الأمة ستختلف وتفترق، ثم دعا بصحيفة، فأملى علي ما أراد أن يكتب في الكتف، وأشهد على ذلك ثلاثة رهط: سلمان الفارسي، وأبا ذر، والمقداد، وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر المؤمنين بطاعتهم إلى يوم القيامة، فسماني أولهم، ثم ابني هذا حسن، ثم ابني هذا حسين، ثم تسعة من ولد ابني هذا حسين، كذلك يا أبا ذر، وأنت یا مقداد؟»، قالا: نشهد بذلك على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم . فقال طلحة: والله لقد سمعت من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول لأبي ذر: «ما أقلت الغبراء، ولا أظلت الخضراء ذا لهجة أصدق ولا أبر من أبي ذر»، وأنا أشهد أنهما لم يشهدا إلا بالحق، وأنت أصدق وأبر عندي منهما(2).
ص: 121
وهذه الروايات الثلاث وغيرها يلاحظ فيها عدة أمور:
1_ أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم في كل هذه الروايات التي وصف فيها كتابه بأن الأمة لا تضل بعده أبدا لم يذكر إلا اثني عشر إماما من أئمة الهدى علیهم السلام ، ولم يذكر مهديين اثني عشر، ولو كان النبي صلی الله علیه و آله و سلم قد نص على أربعة وعشرين إماما، منهم اثنا عشر مهديا، لبين ذلك أمير المؤمنين علیه السلام ، ولما اقتصر على ذكر اثني عشر إماما فقط، فلما لم يذكر إلا هؤلاء الاثني عشر فقط علمنا أنهم هم الأئمة دون غيرهم، وأنه لا مهديين من أولاد الإمام المهدي المنتظر علیه السلام .
2_أنه لو كان بعد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام اثنا عشر مهديا من ولده لما صح قول أمير المؤمنين علیه السلام : «ثم ابني هذا حسين، ثم تسعة من ولد ابني هذا حسین»؛ لأن باقي الأئمة الذين يتولون الإمامة بعد الإمام الحسين عليه السلام واحد وعشرون إماما: التسعة الباقون والاثنا عشر مهديا.
3_ أن الظاهر من هذه الروايات الثلاث أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أراد بكتابة هذا الكتاب أن يبين للأمة أسماء أئمة الهدى الاثني عشر، وأن يشهد الناس على ذلك،وأما ما أسموه برواية الوصية ففيها ذكر النبي صلی الله علیه و آله و سلم وصاياه، وما يجري على أهل بيته من بعده کما دلت على ذلك بعض الروايات التي ذكرنا بعضها فيما تقدم(1).
4_أن أحمد إسماعيل بتر هذه الروايات بترا متعمدا، واكتفى بذكر ما يخدم هدفه، وهو وصف النبي صلی الله علیه و آله و سلم للكتاب بأن الأمة لا تضل بعده أبدا، ولم يذكر في الروايات الثلاث ما هو حجة عليه، وهو اقتصار النبي صلی الله علیه و آله و سلم فيها على ذكر أسماء الأئمة الاثني عشر عليهم السلام دون غيرهم،
ص: 122
ولو كان أحمد إسماعيل إماما معصوما کما یزعم لأثبت إمامته بأحادیث صحيحة، ولم يحتج للتلبيس على الناس إلى بتر النصوص والروايات.
ومن راجع كتب أحمد إسماعيل وأنصاره يجد أن ديدنهم البتر والتلاعب بالنصوص تبعا لأهوائهم ولإغواء أتباعهم، والعاقل يعلم أنه لو كان عند هؤلاء دليل تام لما احتاجوا إلى هذه الأساليب الملتوية.
5_أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم كتب هذا الكتاب الذي لا تضل الأمة من بعده في يوم الخميس کما هو ظاهر الروايات السابقة، وأما رواية كتاب (الغيبة) فإنها _على فرض صحتها_ کتبت في ليلة الإثنين وهي وفاة النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، وهذا دليل واضح على أن الذي وصفه النبي صلی الله علیه و آله و سلم بأن الأمة لا تضل بعده هو ذلك الكتاب الذي حيل بينه وبين كتابته، لا الوصية التي يراها أحمد إسماعيل أقوى أدلته.
قال أحمد إسماعيل:
(وفي كتاب الغيبة للطوسي نقل النص الوحيد المروي للكتاب العاصم من الضلال الذي أراد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كتابته کما ثبت في أصح كتب السنة البخاري ومسلم، ومن نقل الوصية عن الرسول محمد صلی الله علیه و آله و سلم هم آل محمد علیهم السلام ).
والجواب:
أنا بينا فيها تقدم أن الكتاب الذي لا تضل الأمة بعده مغایر لوصية النبي صلی الله علیه و آله و سلم المشتملة على وصاياه الخاصة، والمبينة للحوادث التي تجري على أهل البيت عليهم السلام من الظلم والجور کما مر في رواية الكافي(1)، ولهذا لم توصف الوصية المنقولة في كتاب (الغيبة) أو (الكافي) أو غيرهما بأن الأمة لا تضل بعدها أبدا، لأن الأمة لم ترها ولم تطلع على ما فيها.
ص: 123
كما أنا أوضحنا أيضا فيما سبق أن رواية الوصية التي رواها الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة) ليست هي النص الوحيد للوصية، فضلا عن أن تكون النص الوحيد للكتاب العاصم من الضلال الذي أراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكتبه للأمة.
والشيخ المجلسي قدس سره في بحار الأنوار في باب: (وصیته صلی الله علیه و آله و سلم عند قرب وفاته، وفيه تجهيز جيش أسامة وبعض النوادر) ذكر ثماني وأربعين رواية في وصايا النبي صلی الله علیه و آله و سلم (1)، وهذا يبطل زعم أحمد إسماعيل أن رواية كتاب (الغيبة) هي النص الوحيد للوصية.
والعجيب أن أحمد إسماعيل وأنصاره دائما ما يعبرون عن هذه الرواية بأنها وصية رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، ويشنعون على من ضعف سند الرواية أو لم يأخذ بها بأنه يرد وصية رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، في حين أن هذا النص لو سلمنا بصحته ما هو إلا رواية تشير إلى جزء من الوصية، وليست هذه الرواية بنفسها وصية رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم کما يقول هذا الرجل وأتباعه.
بعد أن نقل أحمد إسماعيل رواية الوصية التي ذكرها الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة)، قال:
(و وصف الرسول له بأنه عاصم من الضلال أبدا يجعل من المحال أن يدعيه مبطل، ومن يقول: إن ادعاءه من المبطلين ممكن فهو يتهم الله سبحانه بالعجز عن حفظ كتاب وصفه بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به، أو يتهم الله بالكذب؛ لأنه وصف الكتاب بأنه عاصم من
ص: 124
الضلال أبدا، ومن ثم لم يكن كذلك!! أو يتهم الله بالجهل، لأنه وصفه بوصف لا ينطبق عليه جاهلا بحاله، وحاشاه سبحانه من هذه الأوصاف وتعالى الله عما يقول الجاهلون علوا كبيرا).
والجواب:
أنا أوضحنا فيما سبق أن أحمد إسماعيل يعلم أن الاسم الوارد في رواية كتاب (الغيبة) وهو: (أحمد) ليس نصا عليه؛ لأنه اسم يشترك فيه معه كثيرون من الناس، ولهذا التجأ ليتمم ما في هذا (النص) من قصور بأن ابتدع قاعدة باطلة من عنده، وهي قاعدة: (إن الوصية لا يدعيها إلا صاحبها)؛ ليتم استدلاله بهذا الذي سماه نصا، وهو ليس بنص.
لكنه وقع في مأزق كبير، وهو أنه يعلم أن هذه القاعدة غير صحيحة، وهذا يحتم عليه أن يلبس على الناس بدليل يثبتها رغم أنها باطلة، ولاسيما أن الناس يعلمون أن جميع المقامات الدينية قد ادعاها المبطلون الكاذبون، حتى الألوهية، والنبوة، والإمامة، والوصية من ضمنها يمكن أن يدعيها غير صاحبها.
ولذلك التجأ أحمد إسماعيل إلى أن يدعي أن هذه الوصية هي نفس الكتاب الذي أراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكتبه في يوم الخميس كي لا تضل الأمة بعده، ليزعم بعد ذلك أن الوصية عاصمة للأمة من الضلال، وإذا كانت كذلك فإن الكاذب لا يمكن أن يدعيها؛ لأن ادعاء الكاذب لها يستلزم بزعمه محاذير لا تصح، فلا يدعيها إلا صاحبها، وحيث إن أحمد إسماعيل ادعى أنه هو المراد في الوصية، فيكون صادقا في دعواه.
فانظر أيها القارئ العزيز كيف ذهب أحمد إسماعيل بعيدا من أجل إثبات أنه هو المراد في رواية كتاب (الغيبة) رغم أنه يزعم أنه منصوص
ص: 125
عليه فيها باسمه، فكيف صار هذا النص المزعوم محتاجا إلى دعاوی متعددة تعضده؛ لكي يكون تام الدلالة على إمامة أحمد إسماعيل؟!
ونحن لو سلمنا جدلا لأحمد إسماعيل بأن الكتاب الذي لا تضل الأمة بعده هوهذه الوصية التي كتبت في ليلة وفاة النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، وأغمضنا عن ضعف سندها، وعن معارضتها للروايات المتواترة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ، فإن هذا الكلام الذي قاله أحمد إسماعيل مع كل ذلك لا يصح؛ لأن قوله: (ووصف الرسول له) أي للكتاب الذي أراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكتبه للناس (بانه) أي بأن ذلك الكتاب (عاصم من الضلال أبدا) أي يمنع من وصل إليه هذا الكتاب، وتمسك به من أن يقع في الضلال، هذا الوصف لهذا الكتاب (يجعل من المحال أن يدعيه) أي يدعي ذلك الكتاب (مبطل) أي شخص يدعو إلى الباطل.
مردود بأن المبطل لم يدع الكتاب، وإنما ادعى أنه هو المشار إليه في بعض فقرات الكتاب، فإن أحمد إسماعيل لم يدع أن الكتاب الآن عنده، وانما ادعى أنه هو المهدي الأول المذكور في الكتاب، وهذا يكشف عن أن أحمد إسماعيل لم يحسن إرجاع الضمائر کما ينبغي.
ولهذا فنحن سنتجاوز ركاكة التعبير وقصور عبارة أحمد إسماعيل عن بيان مراده، وسنحمل كلامه على أن مراده هو أنه من المحال أن يدعي مبطل أنه قد أشير إليه أو نص عليه في ذلك الكتاب.
والجواب:
أن مثل هذا الادعاء ليس بمحال؛ لأن المبطلين يدعون كل دعوى باطلة، ودعاواهم لا تقف عند حد، فإن فرعون ادعى الألوهية، و مسيلمة وسجاح وغيرهما ادعوا النبوة، والمدعون للإمامة أكثر من أن
ص: 126
يعدوا، وكلهم يدعي أنه من أولي الأمر المأمور بطاعتهم في قوله تعالى : (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول أولي الأمر منکم)(النساء: 29).
و مرزا غلام أحمد القادياني ادعى أنه نبي، وأنه هو المشار إليه في قوله تعالى: (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) (الصف: 6)(1)، کما ادعى أنه هو المهدي المنتظر والمسيح الموعود اللذان ورد ذكرهما في الروايات المتواترة.
وليس هناك دليل أدل على الإمكان من الوقوع، وهذا واضح لا يختلف فيه اثنان.
وأما إن كان مراده أن الكتاب العاصم من الضلال لا يمكن أن يدعي حيازته شخص مبطل، فعلى أحمد إسماعيل قبل كل شيء أن يبرز هذا الكتاب ليثبت أنه في حوزته، وأنى له بذلك!
وكيف كان فإن أحمد إسماعيل وأنصاره يتشدقون بألفاظ لا يفهمونها، إلا أنهم استطاعوا بذلك أن يلبسوا على البسطاء والجهال، وكل من تأمل كلامهم يجد أنهم يستخدمون بعض العبارات التي لا تدل على مرادهم، فإنهم يدعون مثلا أن الوصية لا يدعيها إلا صاحبها، ویریدون بالوصية الإشارة إليه فيها، ومن الواضح أن ادعاء الإشارة إليه في الوصية ليس ادعاء للوصية، وإنما هو ادعاء للنص عليه في الوصية، وادعاء الوصية يعني أن الوصية في حوزته، وأنه قد أوصي إليه فيها، مع أنهم لا يريدون ذلك، وهكذا أكثر كلامهم.
وأما قول أحمد إسماعيل: (ومن يقول: إن ادعاءه من المبطلين ممكن فهو يتهم الله سبحانه بالعجز عن حفظ كتاب وصفه بأنه عاصم من
ص: 127
الضلال لمن تمسك به، أو يتهم الله بالكذب...، أو يتهم الله بالجهل...) إلى آخر كلامه.
فهو مردود بأمرين:
1_ أن الله تعالى لم يتكفل بحفظ الكتاب الذي أراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكتبه للناس کیلا يضلوا بعده، ولم يرد في الأحاديث ما يدل على أن الله تعالى وعد نبيه بحفظ هذا الكتاب إلى قيام الساعة، ولهذا استطاع عمر أن يحول بين النبي صلی الله علیه و آله و سلم وبين كتابته، ولو كتب النبي صلی الله علیه و آله و سلم هذا الكتاب لما كان من الممتنع أن يقوم بعض الخلفاء بعد ذلك بحرق هذ الكتاب أو إتلافه.
2_سلمنا جدلا أن الله تعالى قد وعد نبيه صلی الله علیه و آله و سلم بحفظ هذا الكتاب، إلا أن ادعاء المبطل أنه قد نص عليه في هذا الكتاب لا يتنافى مع حفظ الكتاب وصيانته، ولا يستلزم أي لازم من اللوازم التي ذكرها أحمد إسماعيل؛ لأن الادعاءات التي قام الدليل على بطلانها أو التي لم يدل أي دليل على صحتها لا تتنافى مع حفظ الكتاب المذكور عن التغيير والتبديل والتحريف، وكل ادعاء لم يقم على صحته دليل لا قيمة له.
ومن الواضحات أن الله سبحانه وتعالى قد تكفل بحفظ كتابه العزيز، إلا أن بعض المبطلين كما قلنا ادعوا أن بعض الآيات الشريفة تنطبق عليهم، مثل آية أولي الأمر وآية البشارة برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وغيرهما من الآيات التي ادعى المبطلون أو أتباعهم أنها تشير إليهم أو نازلة فيهم، وهذه الادعاءات كثيرة في تفاسير المخالفين، إلا أنها لا تنافي حفظ الله سبحانه وتعالى لكتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا دليل على أن الله تعالى قد صان كتابه العزيز عن الادعاءات الكاذبة، وقوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )(الحجر:9) يدل
ص: 128
على أن الله تعالى حفظ كتابه العزيز عن التحريف والتبديل والزيادة والنقيصة، وأما الادعاءات الكاذبة فهي ليست بتحريف لألفاظ الكتاب حتى يلزم صيانة القرآن الكريم عنها.
ومما قلناه يتبين فساد قول أحمد إسماعيل: (أو يتهم الله بالكذب؛ لأنه وصف الكتاب بأنه عاصم من الضلال أبدا، ومن ثم لم يكن كذلك!!)؛ لأن ادعاء بعض المبطلين أن الكتاب ينص عليهم كما قلنا
_لا قيمة له، ولا يستلزم مثل هذا الادعاء نسبة الكذب إلى الله تعالى؛ لأن الله تعالى لم يقل: (إن هذا المقام لن يدعيه مبطل کاذب)، حتى يلزم تکذیب الله تعالى عندما يدعي هذا المقام کاذب مبطل.
كما أن ادعاء المبطل بأنه منصوص عليه في هذا الكتاب لا يدل بأي دلالة على أن الكتاب ليس عاصما من الضلال لمن تمسك به؛ فإن الكتاب العاصم من الضلال لا تبطل عاصميته من الضلال بالادعاءات الباطلة، وهذا أمر واضح لا يحتاج إلى مزيد إيضاح.
والله سبحانه تعالى وصف القرآن الكريم بأنه يهدي للتي هي أقوم، وأنه هدى للمتقين، وأنه لا ريب فيه وغير ذلك، والنبي صلی الله علیه و آله و سلم وصفه في حديث الثقلين بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود ادعاءات باطلة في تفسير آياته، خصوصا الآيات المتعلقة بالمناصب الدينية، كآية أولي الأمر وغيرها.
وقول أحمد إسماعيل: (أو يتهم الله بالجهل، لأنه وصفه بوصف لا ينطبق عليه جاهلا بحاله) مردود بأن ادعاء الكاذب المبطل أنه منصوص عليه في هذا الكتاب مضافا إلى أنه لا قيمة له إذا لم يقم على صحته دلیل، فإن هذا الادعاء لا يصير الكتاب غير عاصم من الضلال حتى يستلزم
ص: 129
نسبة الجهل إلى الله؛ لأنه جهل أن هذا الكتاب سیدعیه کاذب وسيصبح غير عاصم من الضلال.
والعجيب أن أحمد إسماعيل في الوقت الذي يدعي فيه أن هذه الرواية الضعيفة قد حفظها الله، وجعلها عاصمة للأمة من الضلال، نجد أنه يؤکد على وقوع التبديل والتغيير في كتاب الله عزّوجلّ ، ويصر على عقيدة التحريف الباطلة فيه.
قال في كتابه (العجل):
(وردت روايات كثيرة عن أهل بيت النبي صلی الله علیه و آله و سلم دالة على التحريف، کما وردت روايات عن صحابة النبي صلی الله علیه و آله و سلم عن طريق السنة في كتبهم دالة على وقوع التحريف، والمقصود بالتحريف: أن القرآن الذي بين أيدينا غير كامل، وأن بعض كلماته تبدلت أو بدلت بقصد).
إلى أن قال:
(والخلاصة: أن القول بالتحريف لا يعدو القول بالنقصان أو بتغيير بعض الكلمات اعتمادا على الروايات التي وردت عن المعصومين عليهم السلام وعن بعض الصحابة، و كلاهما - أي النقصان وتغير بعض الكلمات _ لا يقدح بكون الذي بين أيدينا قرآنا، حيث إن القول بالنقصان يعني أن الذي بين أيدينا بعض القرآن، فلا إشكال في أنه من الله سبحانه)(1).
فهل حفظه الله رواية كتاب (الغيبة)، وعجز عن أن يحفظ كتابه الذي وصفه بأنه (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) (فصلت: 42)، وتعهد بحفظه؟!
ص: 130
وحاصل ما قلناه أمور:
1_ أن الكتاب الذي أراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكتبه کیلا تضل الأمة من بعده مغاير للوصية؛ لأن الكتاب المذكور أراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكتبه لعامة الناس، وأما الوصية فهي مخصوصة بأمير المؤمنين عليه السلام، ولهذا كانت مشتملة على بيان الحوادث التي ستجري على أهل بيت النبي صلی الله علیه و آله و سلم من بعده كغصب الخلافة وغيرها.
2_أن الوصية المذكورة لم توصف في الروايات بأنها عاصمة للأمة من الضلال، وزعم أحمد إسماعيل أنها عاصمة للأمة من الضلال زعم باطل لم يقم عليه أي دليل.
3_ أن الله سبحانه لم يتكفل بحفظ هذا الكتاب الذي أراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكتبه لأمته سواء أكان هو الوصية أم غيرها.
4_أن الادعاءات لا تقف عند حد، ولا استحالة في أن يدعي من شاء ما شاء، سواء كان المدعى ألوهية، أم نبوة، أم إمامة، أم سفارة، أم وصية، أم غير ذلك، وكل هذه الادعاءات يمكن لغير صاحبها أن يدعيها بكل سهولة.
5_ أن ادعاءات المبطلين لا تستلزم أي شيء مما ذكره أحمد إسماعيل، فلا تستلزم نسبة العجز إلى الله، أو الكذب، أو الجهل، كما أوضحناه آنفا.
قال أحمد إسماعيل:
(فلا بد أن يحفظ العالم القادر الصادق الحكيم المطلق سبحانه النص _ الذي وصفه بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به _ من ادعاء المبطلين له حتى يدعيه صاحبه، ويتحقق الغرض منه، وإلا لكان جاهلا ، أو عاجزا، أو كاذبا مخادعا ومغريا للمتمسكين بقوله باتباع الباطل،
ص: 131
ومحال أن يكون الله سبحانه جاهلا أو عاجزا؛ لأنه عالم وقادر مطلق، ويستحيل أن يصدر من الحق سبحانه وتعالى الكذب؛ لأنه صادق وحكيم، ولا يمكن وصفه بالكذب، وإلا لما أمكن الركون إلى قوله في شيء، ولانتقض الدين).
والجواب:
أن هذا تكرار لكلامه السابق، ونحن رددنا عليه بالتفصيل، وبينا ما فيه من خلل، ولكن مع ذلك نعيد بيان ضعف کلامه بعبارة أخرى أكثر وضوحا، فنقول:
1_أن دليل أحمد إسماعيل على صحة دعواه مبني على أمر لم يثبت، بل ثبت بطلانه، وهو أن الله تعالى تكفل بحفظ ما أسماه الكتاب العاصم من الضلال وهو رواية الوصية المروية في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي قدس سره .
وهذا كلام مردود بأمرين:
الأول: أن الله لم يتكفل بحفظ رواية كتاب (الغيبة)، إذ لا دليل على ذلك، وليس كل حدیث مذكور في الكتب قد تكفل الله بحفظه حتى لو كان باطلا، والكتاب الذي أراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكتبه قبيل وفاته کیلا تضل الأمة من بعده،فحيل بينه وبين كتابته، لم يتعهد الله بحفظه إلى قيام الساعة، إذ لم يثبت ذلك أيضا بدلیل صحيح، وعلى أحمد إسماعيل أن يثبت مدعاه أولا قبل أن يرتب عليه تلك اللوازم الفاسدة، لا أن يرسله إرسال المسلات بلا حجة ولا برهان.
والثاني: أن الله تعالى لو تكفل بحفظ رواية كتاب (الغيبة) لقیض لها من يرويها بالأسانيد الصحيحة والطرق الكثيرة التي تقطع حجة كل أحد، ولتواترت روايات أهل البيت عليهم السلام في النص على المهديين الاثني
ص: 132
عشر من أولاد الإمام المهدي المنتظر علیه السلام ، ولما ورد متواترا حصر الأئمة في اثني عشر إماما فقط، ولعلم الشيعة خلفا عن سلف بعدد المهديين الاثني عشر من أولاد الإمام المهدي عليه السلام وأسمائهم کما علموا بأسماء الأئمة السابقين لهم.
فلما لم يحصل كل ذلك علم أن ما قاله أحمد إسماعيل من أن الله تكفل بحفظ رواية كتاب (الغيبة) كلام يخالفه الدليل الصحيح المتواتر، والبرهان القطعي الذي لا يمكن رده أو خدشه.
2_أنه ليس كل نص عاصم من الضلال تكفل الله بحفظه وصيانته إلى قيام الساعة؛ لأنه من المعلوم أن كثيرا من أقوال النبي صلی الله علیه و آله و سلم وأئمة أهل البيت علیهم السلام كانت عاصمة من الضلال، ومع ذلك لم تبق هذه الأقوال إلى يومنا هذا فضلا عن بقائها إلى قيام الساعة.
3_ أن الله تعالى إنما تكفل بحفظ ما تتوقف عليه هداية عامة الناس، وهماأمران: كتاب الله العزيز، والعترة النبوية الطاهرة، وقد علمنا ذلك بقوله تعالى : (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (الحجر: 9)، وتأكيد النبي صلی الله علیه و آله و سلم على ذلك في الحديث المتواتر المعروف بحديث الثقلين، فإنه صلی الله علیه و آله و سلم قال: «إني مخلف فيكم الثقلين : كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(1).
فإن عدم افتراق الكتاب والعترة إلى قيام الساعة دليل على أن الله تعالى قد تكفل بحفظهما ما دامت السماوات والأرض، وكل نص آخر يزعم أحمد إسماعيل أن الله تكفل بحفظه وصيانته سواء أكان رواية کتاب (الغيبة) أم غيرها فعليه أن يقيم الدليل على ذلك.
ص: 133
4_أن الله سبحانه تعهد بحفظ كتابه العزيز من أن يتطرق إليه تغيير في ألفاظه، أو نقص في كلماته، أو زيادة في آياته، أو ما شاكل ذلك؛ لئلا تسقط حجيته، كما قال سبحانه: «وإنه لكتاب عزير(41) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حکیم حمید(42) (فصلت: 41 و 42)، وأما ادعاءات المبطلين فهي خارجة عن نطاق الحفظ المتعهد به، لأن كل ادعاء لم يقم عليه دليل لا قيمة له، وحفظ الكتاب العزيز لا يتوقف على منع المعين من الادعاءات الكاذبة المتعلقة بكتابه العزيز.
ولهذا فإن بعضهم ادعى أن القرآن محرف، ومنهم أحمد إسماعیل کما مر آنفا، وبعضهم حرف معاني آيات من القرآن وصرفها عما يراد بها، وبعضهم ادعى أنه نبي مع أن الله تعالى أخبر في كتابه أنه ختم النبوة بنبينا محمد صلی الله علیه و آله و سلم ، حيث قال: (ما كان محمد أبا أحد من رجالکم ولکن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بل شيء عليما) (الأحزاب: 40)، وغير ذلك مما ذكرناه فيما سبق، وهذا وغيره لا يتنافى مع حفظ الله تعالى لكتابه العزيز وصيانته له.
وكذلك الحال في الوصية المذكورة لو سلمنا جدلا أن الله تكفل بحفظها بعينها، فإن حفظها إنما يتحقق بصيانتها عن التحريف بالزيادة والنقيصة والتبديل في ألفاظها، وأما الادعاءات الكاذبة المتعلقة بها فحالها حال غيرها من الادعاءات التي لم تثبت بدلیل صحيح، فلا قيمة لها.
قال أحمد إسماعيل:
(فلو قال لك إنسان عالم بالغيب ومآل الأمور: إذا كنت تريد شرب الماء فاشرب من هنا، وأنا الضامن أنك لن تسقى السم أبدا من هذا الموضع، ثم إنك سقيت في ذلك الموضع سما، فماذا يكون الضامن؟
ص: 134
هو إما جاهل، وإما کاذب من الأساس، أو عجز عن الضمان، أو أخلف وعده، فهل يمكن أن يقبل من يؤمن بالله أن يصف الله بالجهل أو بالكذب أو العجز أو خلف الوعد؟! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا).
والجواب:
أنا لو سلمنا أن الله تعالى قال: (إن هذا الكتاب عاصم من الضلال)، فهو لم یکذب فيما قال، ولم يعجز عن حفظ كتابه من التحريف، ولذلك بقي هذا الكتاب عاصما من الضلال؛ لأنه سبحانه حال دون تحريفه وتبديله، وبذلك يكون قد وفی بوعده في أن يبقيه عاصما من الضلال إلى قيام الساعة، فلا يكون سبحانه جاهلا قد توهم أنه كتاب عاصم من الضلال، مع أنه لم يكن كذلك.
وأما الادعاءات الكاذبة فهي لا تنافي كون الكتاب عاصما من الضلال؛ لأنها كما قلنا إذا لم تثبت بدليل فلا قيمة لها.
وأما المثال الذي ذكره أحمد إسماعيل فهو بعيد كل البعد عما نحن فيه؛ لأن هذا الرجل ضمن لغيره ألا يسقى سما فسقي، فوقع خلاف ما ضمنه، فيكون إما عاجزا عن أن يمنع السم من أن يصل إلى ذلك الرجل، أو جاهلا بأنه سيدس إليه السم، أو كان يعلم بأنه سيسقى سما، فكذب على ذلك الرجل، وأخبره بخلاف ما يعلم، أو أنه أراد بهذا الإخبار أن يعده بأنه سيحفظه من أن يدس إليه السم، وكان قادرا على ذلك، لكنه لم يف بوعده.
ففي هذا المثال وقع خلاف ما أخبر به ذلك الرجل، وأما ما نحن فيه فليس كذلك، والمثال الصحيح هو أن الرجل المفروض في المثال المذكور لم يدس إليه السم، وإنما جاء إليه کاذب، فأخبره كذبا أنه سقاه
ص: 135
سما، وتأكد هذا الرجل بأن هذا المخبر کان کاذبا، فحينئذ لا يقول عاقل: إن من تعهد إليه بحفظه من أن يسقى سما لم يحفظه من الادعاءات الكاذبة والإخبارات الباطلة، فيكون المتعهد لذلك الرجل إما جاهلا، أو كاذبا، أو عاجزا، أو مخلفا بوعده !!
وهكذا الحال في رواية كتاب (الغيبة) لو سلمنا جدلا بأن الله أخبر بأنها عاصمة من الضلال، فإنها بقيت كذلك، وكل من فهمها، وعرف ما يراد بها، وتمسك بها حقيقة فإنه لن يضل أبدا، وادعاءات المبطلين کادعاءات أحمد إسماعيل كذبا وزورا أنه ممن نصت عليهم الوصية، لا تنافي كون الوصية في نفسها عاصمة من الضلال لمن تمسك بها؛ لأن مثل هذه الادعاءات كلها قد ثبت بطلانها بالدليل التام الصحيح، فالوصية لم تتبدل، ولم تتحول إلى وصية غير عاصمة من الضلال.
قال أحمد إسماعيل:
(وقد تكفل الله في القرآن وفيما روي عنهم عليهم السلام بحفظ النص الإلهي من أن يدعيه أهل الباطل، فأهل الباطل مصروفون عن ادعائه، فالأمر ممتنع كما قال تعالى: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل(44) لأخذنا منه باليمين (45) ثم لقطعنا منه الوتين (46) [الحاقة: 44_46]).
والجواب:
أن كلام أحمد إسماعيل غير دقيق، بل إنه كعادته يقول شيئا ویرید شيئا آخر،فإنه يريد بقوله: (قد تكفل الله ... بحفظ النص الإلهي من أن يدعيه أهل الباطل) أن الله تعالى حفظ النص الإلهي کالوصية مثلا عن أن يدعي أهل الباطل أنه يشير إليهم، كما يزعم أحمد إسماعيل أن الله
ص: 136
حفظ رواية كتاب (الغيبة) التي يسميها مقدسة من أن يدعي أهل الباطل أنها تشير إليهم.
ولكن عبارته لا تدل على ذلك، وإنما تدل على أن الله تكفل بحفظ النص الإلهي عن أن يدعيه أهل الباطل، كأن يدعي هؤلاء المبطلون أنهم جاؤوا بالقرآن من عند الله، وهذا ليس مراده قطعا، فإنه عبر بادعاء الوصية عن ادعاء أن الوصية تشير إليه وتدل عليه، وبين الأمرين فرق واسع وواضح جدا.
ونذكر القارئ الكريم بما قلناه فيما تقدم من أن الله تعالى تكفل بحفظ القرآن من كل زيادة أو نقيصة، ولكنه لم يتكفل بحفظه من الادعاءات الباطلة، فإن هذا لم يدل عليه أي دليل، لا من كتاب الله تعالى، ولا من أحاديث أهل البيت علیهم السلام، وكان اللازم على أحمد إسماعيل ليثبت صحة هذه الدعوى أن يدعم قوله بآية أو رواية تثبت أن الله حفظ كل نص إلهي عن أن يدعي کاذب مبطل أنه يشير إليه أو نازل فيه، أو أن الله تعالى صرف المبطلين عن أن يدعوا أن النص الإلهي يشير إليهم أو ينطبق عليهم.
ولو استطاع أحمد إسماعيل أن يثبت ذلك فإن عليه أن يثبت أن رواية كتاب (الغيبة) نص إلهي تكفل الله تعالى بحفظه إلى قيام الساعة، وهذا كله دون إثباته خرط القتاد.
وأما قوله تعالى: «ولو تقول علينا بعض الأقاويل(44) لأخذنا منه باليمين(45) ثم لقطعنا منه الوتين(46) ) فإن فيه دلالة على أن النبي لم يتقول على الله تعالى بقول، وأنه لو فعل ذلك لأنزل الله تعالى عليه عقوبته، وقد ورد في بعض الروايات أن هذا مرتبط بتنصيب أمير المؤمنين عليه السلام ولیا على الناس، ولا علاقة له بالتقول في أمور الدين الأخرى.
ص: 137
فقد روى الكليني قدس سره في الكافي بسنده عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي علیه السلام ، قال: سألته عن قول الله عزّوجلّ :( يريدون ليطفؤا نورالله بأفواههم، قال: «يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بأفواههم»، قلت:(والله متم نوره) [الصف: 8]، قال: «والله متم الإمامة...».
إلى أن قال: قلت: قوله: (إنه لقول رسول کریم)، قال: «يعني جبرئيل عن الله في ولاية علي علیه السلام »، قال: قلت: (وماهو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون)؟ قال: «قالوا: إن محمدا كذاب على ربه، وما أمره الله بهذا في علي، فأنزل الله بذلك قرآنا، فقال: إن ولاية علي (تنزيل من رب العالمين (43) و لو تقول علينا)محمد (بعض الأقاويل(44) لأخذنا منه باليمين(45) ثم لقطعنا منه الوتين(46)...»(1).
إذن فالعقوبة على التقول على الله تعالى مخصوصة برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، فلا تشمل باقي الناس الذين يتقولون على الله في أمور الدين، كما أن هذه العقوبة إنما تقع في مورد خاص لا تتعداه إلى غيره، وهو التقول الباطل في تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام خليفة للمسلمين بعد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم .
ولعل السبب في معاجلة النبي صلی الله علیه و آله و سلم بالإهلاك لو تقول على الله بشيء هو أن تقوله صلی الله علیه و آله و سلم يفضي إلى تحريف الشريعة؛ لأنه لا يعلم حينئذ أنه ليس من عند الله تعالى، وإنما يظنّ أنه تشریع، بخلاف تقول غيره من الناس، فإنه لا يؤدي إلى تحريف شيء من أحكام الشريعة، وإذا لم يكن مستندا إلى دليل صحيح فإنه لا حجة لأحد في الأخذ به.
قال أحمد إسماعيل:
(ومطلق التقول على الله موجود دائما، ولم يحصل أن منعه الله،
ص: 138
وليس ضروريا أن يهلك الله المتقولين مباشرة، بل أنه [كذا] سبحانه أمهلهم حتى حين، وهذا يعرفه كل من تتبع الدعوات الظاهرة البطلان کدعوة مسيلمة، فأكيد ليس المراد في الآية مطلق التقول على الله، بل المراد التقول على الله بادعاء القول الإلهي الذي تقام به الحجة، عندها يتحتم أن يتدخل الله ليدافع عن القول الإلهي الذي تقام به الحجة، وهو النص الإلهي الذي يوصله خليفة الله لتشخيص من بعده والموصوف بأنه عاصم من الضلال، حيث إن عدم تدخله سبحانه مخالف للحكمة، ومثال هذا القول أو النص: وصية عيسى عليه السلام بالرسول محمد صلی الله علیه و آله و سلم ، ووصية الرسول صلی الله علیه و آله و سلم بالأئمة والمهديين عليهم السلام ).
والجواب:
أن ما قاله أحمد إسماعيل من أن مطلق التقول على الله موجود، وأن الله تعالى لم يمنعه بإهلاك المتقولين المبطلين، بل إنه سبحانه أمهلهم حتى حين، كله صحيح، ومن ضمن من يتقول على الله من يدعي أنه قد أشير إليه في رواية كتاب (الغيبة) أو غيرها، فإن الله لا يعاجله بالعقوبة، حاله حال غيره من أصحاب الدعوات الباطلة كأحمد إسماعيل وغيره من المدعين بالباطل.
وقوله: (بل المراد التقول على الله بادعاء القول الإلهي الذي تقام به الحجة، عندها يتحتم أن يتدخل الله ليدافع عن القول الإلهي الذي تقام به الحجة، وهو النص الإلهي الذي يوصله خليفة الله لتشخيص من بعده والموصوف بأنه عاصم من الضلال).
مردود بأن الآية المباركة دلت بظاهرها _بغض النظر عن دلالة الرواية التي ذكرناها سابقا _ على أن الله سيهلك نبيه صلی الله علیه و آله و سلم إذا تقول على
ص: 139
الله ببعض الأمور التي لم يكن مأمورا بتبليغها، من غير فرق بين أن يتقول بالتنصيص على خليفة من بعده أو غيره؛ والسبب في الإهلاك أنه صلی الله علیه و آله و سلم نبي مرسل من قبل الله، وعليه أن يبلغ عن الله سبحانه ما يأمره الله بتبليغه من دون أن يتجاوزه قيد أنملة؛ لئلا يلتبس حينئذ الحق بالباطل، والصدق بالكذب، فيضل الناس ضلالا بعيدا، وهذا يفوت الغرض من بعثة النبي صلی الله علیه و آله و سلم وهي هداية البشر، والآية لاتدل بأي نحو على أن الإهلاك بسبب التقول شامل لغيره من المتقولين المبطلين.
ولو كان هذا الحكم شاملا لغير النبي صلی الله علیه و آله و سلم من المتقولين على الله تعالى لكان ادعاء أئمة أهل البيت عليهم السلام أنهم أئمة منصوص عليهم من قبل الله سبحانه ورسوله صلی الله علیه و آله و سلم أعظم حجة لهم على غيرهم؛ لأن لهم حينئذ أن يقولوا لخصومهم: (بما أن الله تعالى يهلك كل من تقول عليه، ونحن ندعي أننا أئمة معصومون منصوبون من قبل الله تعالى، ومنصوص علينا من قبل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، فلو كنا كاذبين في دعوانا لنزل علينا العذاب الأليم، وحيث إنه لم ينزل علینا عذاب فإن ذلك دليل صدقنا في دعوانا)، مع أنه لم يرد في شيء من الروايات أنهم علیهم السلام احتجوا على إمامتهم بأن ادعاءهم للنص دليل على صدقهم؛ وهذا دليل واضح على أن مجرد ادعاء النص ليس دليلا على صدق المدعي، وإلا لما غفل عنه أئمة أهل البيت عليهم السلام جميعا.
والعجيب أن القوم لا يقولون باستحالة ادعاء الكاذب للمقامات الدينية كالألوهية والنبوة والإمامة والمهدوية والسفارة، ولكنهم يمنعون ادعاء الكاذب لما أسموه (القول الإلهي الذي تقام به الحجة)، ويقصدون به رواية الوصية الموجودة في كتاب (الغيبة) ونحوها! مع أن أحمد
ص: 140
إسماعيل لم يدع قولا إلهيا، وإنما ادعى الإشارة إليه في رواية كتاب (الغيبة) التي هي ليست قولا إلهية، ولو سلمنا بأنها قول إلهي فإن ادعاء القول الإلهي الذي تقام به الحجة لا يختلف عن ادعاء تلك المقامات الدينية، وكل من ادعى النص على الإمامة فقد ادعى الإمامة نفسها، بل إنه لا يدعي النص إلا لأجل التوصل به إلى ادعاء الإمامة.
وقوله: (حيث إن عدم تدخله سبحانه مخالف للحكمة) مردود بأمور:
1_ أن هذا الكلام يدل بوضوح على أنه يمكن للكاذب أن يدعي أنه منصوص عليه، لكن ما تقتضيه حكمة الله سبحانه وتعالى هو التدخل الإلهي بإهلاك المدعي الكاذب، لا بصرفه عن ادعائه.
وهذا اعتراف من أحمد إسماعيل من حيث لا يشعر بأنه يمكن لأي كاذب أن يدعي ما شاء، إلا أن الله تعالى سیهلکه ولو بعد حين من ادعائه، وفي كلامه هذا اعتراف ضمني بأن مجرد ادعاء النص ليس دليلا على صدق المدعي.
2_قد يقال: إن مقتضى الحكمة الإلهية هي عدم التدخل الإلهي، حيث إن الحكمة قد اقتضت ابتلاء الناس في هذه الدنيا ليتبين المحق من المبطل، والصالح من الطالح، وهذا يقتضي عدم صرف المدعين الكاذبين عن ادعاءاتهم الباطلة، بل مقتضى التكليف هو إمهالهم حتى حين كما قال سبحانه وتعالى: (ولا يحسبن الذين کفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين) (آل عمران: 178).
3_ سلمنا أن الحكمة تقتضي التدخل الإلهي، لكن هذا التدخل غير منحصر في صد المبطل عن الادعاء، إذ ربما تتدخل القدرة الإلهية ببتر
ص: 141
عمر هذا المدعي كما ورد في الحديث الذي رواه الكليني قدس سره بسنده عن الوليد بن صبيح، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: «إن هذا الأمر لا يدعيه غير صاحبه إلا تبر(1) الله عمره»(2).
قال أحمد إسماعيل:
(ومثال هذا القول أو النص: وصية عيسى عليه السلام بالرسول محمد صلی الله علیه و آله و سلم، ووصية الرسول محمد صلی الله علیه و آله و سلم بالأئمة والمهديين علیهم السلام).
والجواب:
أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم لم يوص بمهديين اثني عشر من ولد الإمام المهدي المنتظر علیه السلام ، وإنما نص على أن الأئمة من بعده اثنا عشر إماما من عترته الطاهرة، والأحاديث في ذلك متواترة رواها الشيعة وأهل السنة في كتبهم المشهورة وقد ذكرنا جملة منها فيما سبق، وأما المهديون الاثنا عشر من ولد الإمام المهدي عليه السلام فلم يرد لهم ذكر إلا في رواية واحدة وهي ما أسماها أحمد إسماعيل برواية الوصية، وهي ضعيفة السند جدا كما أوضحنا ذلك فيما تقدم.
وأما ادعاء المبطل أنه منصوص عليه فهو _كما قلنا سابقا _ لا قيمة له، ولم يدل أي دليل على أن الله تعالى يصرف المبطلين عن ادعاءاتهم الكاذبة، وقد دلت صحيحة محمد الحلبي على أن كثيرا من المبطلين ادعوا أنهم منصوص عليهم في نص (عاصم من الضلال)، فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسند صحيح عن محمد الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «إن يوسف بن يعقوب صلوات الله عليهما حين
ص: 142
حضرته الوفاة جمع آل يعقوب وهم ثمانون رجلا، فقال: إن هؤلاء القبط سيظهرون علیکم، ويسومونكم سوء العذاب، وإنما ينجيكم الله من أيديهم برجل من ولد لاوي بن يعقوب، اسمه موسی بن عمران علیه السلام، غلام طوال جعد آدم. فجعل الرجل من بني إسرائيل يسمي ابنه عمران، ويسمي عمران ابنه: موسی». فذكر أبان بن عثمان، عن أبي الحسين، عن أبي بصير، عن أبي جعفر علیه السلام أنه قال: «ما خرج موسى حتى خرج قبله خمسون كذابا من بني إسرائيل، كلهم يدعي أنه موسى بن عمران»(1).
فإن هذه الرواية الصحيحة دلت على أن خمسين كذابا ادعى كل واحد منهم كذبا وزورا أنه هو المنصوص عليه في وصية نبي الله يوسف بن يعقوب علیهماالسلام، وهذه الرواية تبطل ما زعمه أحمد إسماعيل من أن من يدعي أنه منصوص عليه في نص موصوف بأنه عاصم من الضلال فهو صادق.
قال أحمد إسماعيل:
(فالآية في بيان أن هذا التقول ممتنع، وبالتالي فالنص محفوظ لصاحبه، ولا يدعيه غيره).
والجواب:
أنا أوضحنا فيما سبق أن الآية مخصوصة برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وفي مورد خاص كما جاء في الرواية، ولا تشمل كل المتقولين على الله تعالى بالباطل، فالتقول على الله سبحانه غير ممتنع، لا بدلالة هذه الآية ولا بغيرها.
مضافا إلى أن الآية إنما دلت على أن تقول النبي صلی الله علیه و آله و سلم قد امتنع خارجا بدلیل عدم وقوع هلاکه، فإن (لو) حرف امتناع لامتناع، وهي تفيد أن الإهلاك
ص: 143
لم يحصل لعدم حصول التقول، ولا تدل على أن تقول غير النبي صلی الله علیه و آله و سلم ممتنع، أو أن الله تعالى يصرف المبطلين عن التقول عليه بالباطل.
وبتعبير آخر نقول: إن الآية دلت على أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم لم يتقول على الله تعالى في شيء، وأنه بلغ عن الله تعالى كما أمره الله به، وفي هذا دلالة على عصمة النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، وأنه لم يقع منه أي تقول على الله سبحانه.
والآية لاتدل بأي دلالة على أن المبطلين الكاذبين لا يتقولون على الله تعالى أبدا، فما قاله أحمد إسماعيل من أن (النص محفوظ لصاحبه، ولا يدعيه غيره) واضح البطلان؛ لأن الآية المباركة إنها كانت في صدد الحديث عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم بخصوصه، ولم يرد في الآية أي ذكر لقاعدة عامة يمكن تطبيقها على غير النبي صلی الله علیه و آله و سلم .
قال أحمد إسماعيل:
(وتوجد روایات تبين أن الآية في النص الإلهي على خلفاء الله بالخصوص، فهو نص إلهي لا بد أن يحفظه الله حتى يصل إلى صاحبه، فهو نص إلهي محفوظ من أي تدخل يؤثر عليه، سواء كان هذا التدخل في مرحلة نقله إلى الخليفة الذي سيوصله، أم في مرحلة _ أو مراحل - وصوله إلى الخليفة الذي سيدعيه).
والجواب:
أنا ذكرنا فيما سبق أن رواية محمد بن الفضيل دلت على أن بعضهم اتهم النبي صلی الله علیه و آله و سلم بعد أن نصب أمير المؤمنين عليه السلام خليفة على الناس بأنه فعل ذلك من تلقاء نفسه، وأن الله تعالى لم يأمره بذلك، فنزلت بعض الآيات الكريمة التي تبين أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم إنما بلغ عن الله تعالى ما أمره الله
ص: 144
بتبليغه، وأنه لو تقول على الله في أمر الخلافة بما لم يأمره الله به لأهلكه الله من غير إمهال.
وأما قول أحمد إسماعيل: (فهو نص إلهي لا بد أن يحفظه الله حتى يصل إلى صاحبه...) إلى آخر كلامه، فلا معنى له في مورد الآية؛ لأن النبي صلی الله علیه و آله و سلم بلغ الناس ما أراده الله تعالى من نصب أمير المؤمنين علیه السلام خليفة للمسلمين، وهذا هو النص المطلوب إيصاله للناس، وقد أوصله للناس فعلا، فلا معنى لأن يحفظه الله تعالى حتى يصل إلى صاحبه؛ لأنه ليس کتابا، أو رسالة، أو ورقة مكتوبة حتى يتكفل الله بحفظها إلى أن تصل للناس.
كما أنه لا معنى لوجوب حفظ هذا النص من الادعاءات الكاذبة کیلا يدعيه غير صاحبه؛ لأن صاحبه _ وهو أمير المؤمنين عليه السلام _ معروف، لا يمكن أن يلتبس بأي كاذب مبطل يريد استغلال النص ليدعي أنه هو المنصوص عليه فيه دون أمير المؤمنين علیه السلام.
وهكذا الحال في باقي النصوص التي صدرت عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ، فإن كل إمام قد نص على الإمام الذي يتولى الإمامة بعده، وعينه بحيث لا يمكن أن يلتبس بغيره؛ لكونه معروفا و مشهورا في زمانه.
ومما قلنا يتبين أنا لو سلمنا بأنه يجب حفظ نص كل إمام على من يتولى الإمامة بعده، فإن حفظ النص إنما يكون بصيانة النص عن التبديل والتحريف، وإيصاله إلى الناس بأسانيد صحيحة لا يخدش فيها، وجعله واضحا لا لبس فيه، وأما صيانة النص عن أن يدعيه غير صاحبه فلا معنى له كما قلنا؛ لأن صاحبه معروف و مشهور لا يلتبس بغيره.
ص: 145
قال أحمد إسماعيل:
(وهنالك روایات بینت هذه الحقيقة، وهي أن التقول في هذه الآية هو بخصوص النص الإلهي: عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن علیه السلام، قال: سألته عن قول الله عزّوجلّ : (يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم)، قال: «يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بأفواههم» . قلت: (والله متم نوره)، قال: «والله متم الإمامة...».
قلت: قوله: (إنه لقول رسول کریم)، قال: «يعني جبرئيل عن الله في ولاية علي علیه السلام». قال: قلت: (وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون)، قال: «قالوا: إن محمدا كذاب على ربه، وما أمره الله بهذا في علي. فأنزل الله بذلك قرآنا، فقال: إن ولاية علي (تنزيل من رب العالمين(43) ولو تقول علينا بعض الأقاويل(44) لأخذنا منه باليمين(45) ثم لقطعنا منه الوتين 46» [ الكافي: ج 1 ص 434]).
والجواب:
أن هذه الرواية _كما قلنا_ خاصة برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وفي مورد خاص، وهو النص على أمير المؤمنين عليه السلام ، فلا تشمل كل من يدعي على الله دعوى باطلة أو يتقول عليه بشيء، سواء أكانت دعواه تتعلق بنص خاص، أم بمقام دیني كالنبوة والإمامة، أم غير ذلك، ونحن بينا ذلك فيما تقدم، فلا حاجة لإعادته.
قال أحمد إسماعيل:
(كما أن الإمام الصادق علیه السلام يقول: «إن هذا الأمر لا يدعيه غير صاحبه إلا تبر الله عمره» [الكافي للكليني: ج 1/ص 372]).
ص: 146
والجواب:
أن هذه الرواية تدل على عدة أمور:
1_ أن كل من يدعي الإمامة وهو ليس بإمام من الله تعالى فإن الله يبتر عمره لا محالة، وبتر العمر غیر مخصوص بمن يدعي الوصية فقط كما هو واضح من هذا الحديث.
2_أن ادعاء الكاذب المبطل للإمامة أمر ممکن بل واقع، وأن الله لا يحول بين الكاذب وبين ادعائه للإمامة، ولا يصرفه عن هذا الادعاء الكاذب، و إنما يعاقبه ببتر عمره، وهو إنقاصه، لا قطعه بعد ادعاء الإمامة مباشرة، بمعنى أن المبطل الكاذب المدعي للإمامة يمكن أن يعيش بعد ادعاء الإمامة عدة سنين، لكنه لا يعيش عمره الطبيعي الذي قدره الله له والذي كان سيعيشه لولم يدع الإمامة، وسيعترف أحمد إسماعيل بذلك فيما يأتي من كلامه، فانتظر.
ويشير إلى ما قلناه ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن أبي خالد الكابلي، عن الإمام زین العابدین علیه السلام أنه قال في حديث : «والذنوب التي تعجل الفناء: قطيعة الرحم، واليمين الفاجرة، والأقوال الكاذبة، والزنا، وسد طرق المسلمين، وادعاء الإمامة بغير حق»(1).
ولا ريب في أن من قطع رحمه أو كذب أو زنا أو سد طريقا فإن الله لا يعاجله بالهلاك مباشرة بعد صدور الذنب عنه، والحديث يدل على أن هذه الأعمال القبيحة ومن ضمنها ادعاء الإمامة بغير حق من أسباب تعجيل الفناء أي إنقاص العمر وتعجيل الموت.
3_ أن هذه الرواية تبطل ما قاله أحمد إسماعيل من أن الله
ص: 147
يصرف المبطل عن ادعاء النص؛ لأنها دلت على أن مدعي الإمامة يمكن أن يدعي أنه منصوص عليه أو أنه مستخلف من قبل إمام الحق الذي قبله، إلا أن الله تعالى يبتر عمره لو ادعى ذلك، ولو أن الله سبحانه يصرف الكاذبين عن ادعاء الإمامة لما استحقوا بعد ذلك أن يبتر الله أعمارهم.
قال أحمد إسماعيل:
(فالمبطل مصروف عن ادعاء الوصية الإلهية الموصوفة بأنها تعصم من تمسك بها من الضلال، أو أن ادعاءه لها مقرون بهلاکه قبل أن يظهر هذا الادعاء للناس، حيث إن إمهاله مع ادعائه الوصية يترتب عليه إما جهل، وإما عجز، أو كذب من وعد المتمسكين به بعدم الضلال، وهذه أمور محالة بالنسبة للحق المطلق سبحانه، ولهذا قال تعالى: (لأخذنا منه باليمين(45) ثم لقطعنا منه الوتين(46) . وقال الصادق علیه السلام : «تبر الله عمره»).
والجواب:
أن قول أحمد إسماعيل: (إن المبطل مصروف عن ادعاء الوصية الإلهية) صحيح إلى حد ما؛ وذلك لأن الوصية الحقيقية لا بد أن تنص على أئمة معروفين لا يلتبسون بغيرهم، ولا يمكن أن تكون مبهمة تحتمل رجالا كثيرين، ولهذا فإن كل مبطل يصرفه عقله عن أن يدعي أنه هو المنصوص عليه في الوصية، وكل من يدعي أنه منصوص عليه وهو ليس كذلك فإن العقلاء لا يعتبون عليه، ولا يدرجونه في عدادهم؛ لأنه ادعى ما لا يدعیه عاقل، كمن يدعي في زمان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أنه هو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام مع أنه شخص آخر معروف باسمه ونسبه.
ص: 148
ولهذا فإننا لا نجد أحدا من الكذابين المبطلين ادعى أنه موصی إليه أو منصوص عليه في وصية معروفة ثابتة عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، أو عن واحد من أئمة أهل البيت عليهم السلام، وأما ادعاء الكذابين أن بعض النصوص تشير إليهم فهو كثیر کما مر في ادعاء خمسين كذابا، كل واحد منهم يدعي أنه موسی بن عمران، وادعاء القادياني أن آية بشارة عيسى بن مريم عليه السلام برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إنما تعنيه هو دون غيره.
وأما زعم أحمد إسماعيل أن المبطل الكذاب إذا ادعى النص فإن ادعاءه مقرون بهلاكه قبل أن يظهر هذا الادعاء للناس، فهوغير صحيح؛ لأن الله تعالى لا يعاقب قبل الجريمة، والكذاب قبل أن يصل كذبه للناس فهو لم يكذب بعد، فكيف يعاقبه الله تعالى بالإهلاك على نيته السيئة وعزمه الخبيث؟!
وما ذكره أحمد إسماعيل مما زعمه لوازم مترتبة على إمهال الكاذب إلى أن يدعي الوصية، من نسبة الجهل، أو العجز، أو الكذب إلى الله تعالى، فهي غير لازمة، وقد أجبنا عليها فيما سبق مفصلا، فلا حاجة لإعادة الجواب عليها.
قال أحمد إسماعيل:
(وللتوضيح أكثر أقول: إن الآية تطابق الاستدلال العقلي السابق وهو أن الادعاء ممتنع وليس ممكنا، فإن قوله تعالى: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل (44) لأخذنا منه باليمين(45) ثم لقطعنا منه الوتين(46)) ، معناه أن الهلاك ممتنع لامتناع التقول، أي إنه لو كان متقولا لهلك، والآية تتكلم مع من لا يؤمنون بمحمد صلی الله علیه و آله و سلم والقرآن، وبالتالي فالاحتجاج بالكلام في الآية ليس بها كونها كلام
ص: 149
الله؛ لأنهم لا يؤمنون بهذا، بل الاحتجاج هو بمضمون الآية، أي احتجاج بما هو ثابت عندهم عقلا وهو أن النص الإلهي الموصوف بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به لا يمكن أن يدعيه غير صاحبه؛ لأن القول بأنه يمكن أن يدعيه غير صاحبه يلزم منه نسب [كذا ] الجهل أو العجز أو الكذب لله سبحانه وتعالى).
والجواب:
أن أحمد إسماعيل وصف استدلاله بأنه استدلال عقلي، وهو في حقیقته ليس بعقلي، وإنما هو جهل مکشوف، وكان اللازم عليه أن يحتج على دعواه بالكتاب العزيز وأحاديث أهل البيت عليهم السلام ؛ لأنه كثيرا ما يعيب الذين يستعملون عقولهم الناقصة في أصول الفقه والمنطق وغيرهما من العلوم، وهو هنا قد وقع فيما يعيب العلماء به.
ومن باب الإلزام لأحمد إسماعيل نقول: إثر استدلاله هذا لو سلمنا بأننا رأيناه تاما صحيحا بحسب عقولنا الناقصة، فإن ذلك لا يلزم منه أن يكون هذا الاستدلال صحيحا في الواقع؛ لأن عقولنا الناقصة قد لا تدرك الواقع، وقد تصحّح ما ليس بصحيح.
ثم إن طرق الاستدلال العقلي لا بد أن تكون منضبطة بقواعد ذكرها العلماء في كتب المنطق، فإن كان أحمد إسماعيل يرى أن هذه القواعد صحيحة، فقد وقع فيما عابه على العلماء من اعتماد علم المنطق الذي هو علم وثني من علوم اليونان.
وإن كانت لأحمد إسماعيل قواعد أخرى غير ما يقوله العلماء في المنطق من طرق الاستدلال فعليه أن يبينها، لننظر فيها هل هي صحيحة أم لا.
وعليه، فإن هذا الاستدلال (العقلي) الذي ذكره أحمد إسماعيل لا
ص: 150
ينبغي الأخذ به بحسب قواعده التي يدندن بها، بغض النظر عما قاله في استدلاله العقلي هذا هل هو صحيح عندنا أم لا.
وهنا أود الإشارة إلى أني إنما ذكرت ذلك لأبين أن أحمد إسماعيل ليست له قواعد يسير عليها، فما ينكره في مورد يتمسك به في مورد آخر إذا كان يظن أنه يصل به إلى غرضه.
إذا تبين ذلك أقول: إن الآية لا تطابق الاستدلال الذي ذكره أحمد إسماعيل وسماه عقليا من عدة وجوه:
1_أن الآية خاصة بالنبي صلی الله علیه و آله و سلم، ولا دلالة فيها على أن كل من تقول على الله تعالى فإن الله يعاقبه بالإهلاك، وأحمد إسماعيل جعل الآية قاعدة عامة، وزعم أنها تشمل كل من تقول على الله بالباطل، سواء أكان نبيا أم غيره، وهذا غير صحيح کا بیناه فيما سبق.
2_أن الآية المفسرة برواية محمد بن الفضيل التي استدل بها أحمد إسماعيل فيما سبق مخصوصة بالتقول على الله في أمر خلافة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام، وكلام أحمد إسماعيل مخصوص بمن يدعي أنه منصوص عليه في نص عاصم من الضلال، وهناك فرق كبير بين أن يبلغ النبي صلی الله علیه و آله و سلم عن الله ما لم يأمره به، وبين أن يدعي رجل أنه منصوص عليه في نص عاصم من الضلال، فمورد الآية مغاير للمورد الذي استدل عليه أحمد إسماعيل.
3_ أن الآية لا تدل على أن التقول ممتنع على النبي صلی الله علیه و آله و سلم، وعدم وقوعه منه صلی الله علیه و آله و سلم لا يدل على امتناعه، ولو كان ممتنعا لما كان هناك أي فائدة في الإخبار بعقوبة هذا التقول، ولما كان للنبي صلی الله علیه و آله و سلم أي فضل في عدم تقوله على الله سبحانه؛ لأنه ممتنع عليه، وهو غير مختار فيه.
ص: 151
وكذلك الحال في ادعاء المبطل الكاذب أنه منصوص عليه في نص عاصم من الضلال فإنه ممكن أيضا لا استحالة فيه، إلا أن الفرق بين الأمرين هو أن التقول على الله لا يقع من النبي صلی الله علیه و آله و سلم، وإن كان ممكنا عقلا، وأما التقول من المبطل الكاذب فإنه يقع بكثرة.
وأنا أتعجب ممن يدعي الإمامة كيف لا يفهم الفرق بين الممتنع والممكن، ولو كان يريد بالممتنع الممتنع وقوعا لكان عليه أن يقيد الممتنع بذلك، لا أن يطلقه من دون تقييد، فإنه إذا أطلق دل على الممتنع عقلا لا وقوعا.
وأما قول أحمد إسماعيل: (والآية تتكلم مع من لا يؤمنون بمحمد صلی الله علیه و آله و سلم والقرآن، وبالتالي فالاحتجاج بالكلام في الآية ليس بها كونها كلام الله؛ لأنهم لا يؤمنون بهذا) فهو خلاف ما دلت عليه رواية محمد بن الفضيل التي احتج بها أحمد إسماعيل آنفا، فإنها واضحة الدلالة على أنها كانت في صدد الرد على بعض الصحابة الذين كانوا بحسب ظاهر حالهم يؤمنون بالنبي صلی الله علیه و آله و سلم ، ويؤمنون بالقرآن الكريم، إلا أنهم كانوا يظنون أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم نصب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام خليفة من بعده لا بأمر من الله تعالى، وإنما من تلقاء نفسه.
والكلام في هذا المورد مع الذين لا يؤمنون بالنبي صلی الله علیه و آله و سلم ولا يؤمنون بالقرآن عبث محض؛ لأن هؤلاء بما أنهم لا يؤمنون بالقرآن فلن يؤمنوا بهذا الوعيد المذكور في هذه الآية، ولن يصدقوا أن الله سبحانه وتعالى سيهلك نبيه لو تقول عليه بشيء؛ لأنهم يرون أن كل الرسالة كذب وتقول على الله بالباطل.
ولا يخفى أن غرض أحمد إسماعيل من زعمه أن الآية تتكلم مع الذين لا يؤمنون بالنبي صلی الله علیه و آله و سلم هو التأكيد على أن الاستدلال المذكور في الآية عقلي، وبهذا يتطابق مضمون الآية و الاستدلال الذي ذكره وسماه عقليا، مع أنه من الواضح
ص: 152
أن الآية لا تشتمل على أي دليل عقلي، ولا تتحدث عن موضوع عام، وإنما هي في صدد بيان أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم لم يتقول على الله سبحانه وتعالى بشيء، ولو تقول عليه بشيء لعاقبه الله بالإهلاك.
وقول أحمد إسماعيل: (بل الاحتجاج هو بمضمون الآية، أي احتجاج بما هوثابت عندهم عقلا، وهو أن النص الإلهي الموصوف بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به لا يمكن أن يدعيه غير صاحبه)، واضح البطلان؛ لأن العقلاء لا يقولون: (إن النص الإلهي الموصوف بأنه عاصم من الضلال لا يدعيه غير صاحبه)، بمعنى أن غير صاحب النص لا يدعي أن النص يشير إليه وينص عليه، فإننا لم نجد أحدا من العقلاء قبل أحمد إسماعيل قال هذا الكلام، مع أن كفار قريش لو كانوا يعتقدون بأن النص الإلهي لا يدعيه إلا صاحبه، للزمهم أن يعتقدوا بنبوة النبي صلی الله علیه و آله و سلم المنصوص عليه في التوراة والإنجيل.
ولا ينقضي العجب من قول أحمد إسماعيل إنه احتجاج بما هو ثابت عندهم عقلا، مع أنه يعرف أن العرب كانوا أمة أمّيّة، لا يعرفون شيئا من المعارف، فهل يمكن الاحتجاج عليهم بما لا تدركه عقولهم ولا تصل إليه أفهامهم؟
وأما قول أحمد إسماعيل: (لأن القول بأنه يمكن أن يدعيه غير صاحبه يلزم منه نسب الجهل أو العجز أو الكذب لله سبحانه وتعالى) فقد بينا فساده فيما سبق، فلا حاجة لإعادته.
قال أحمد إسماعيل:
(إذن فلا يمكن _ عقلا وقرآنا ورواية _ أن يحصل ادعاء النص الإلهي التشخيصي الموصوف بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به).
ص: 153
والجواب:
أنه قد تبين للقارئ العزيز بطلان ما قاله أحمد إسماعيل، وأنه لم يستطع أن يثبت دعواه لا عقلا، ولا قرآنا، ولا رواية، بل الثابت خلاف كلامه.
أما عقلا فلأن العقل لا يمنع أن يدعي المبطل ماشاء من الدعاوى الباطلة التي لا تقف عند حد، وليس هناك أدل على إمكان ذلك من وقوعه، فإن من البشر من ادعى الألوهية والنبوة والإمامة وغيرها، سواء أكان ادعاؤه متعلقا بنص عاصم من الضلال كالقادياني وغيره أم لم يكن كذلك، وما سماه أحمد إسماعيل دليلا عقليا فهو ليس كذلك، وإنما هو تلفيقات لدعاوى باطلة، رتب عليها أمورا غير لازمة.
وأما الآيات القرآنية التي استدل بها على دعواه، وهي قوله تعالى : (ولو تقول علينا بعض الأقاويل(44) لأخذنا بينه باليمين(45) ثم لقطعنا منه الوتين(46) ، فإنها خاصة برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كما قلنا، وغير شاملة لكل المبطلين الكاذبين المدعين للمقامات الدينية العالية كالنبوة والإمامة وغيرها، سواء أكان ادعاؤهم مرتبطا بنص عاصم من الضلال أم لا.
وأما الروايات فقد نقلنا رواية كتاب (كمال الدین وتمام النعمة) التي أخبر فيها الإمام الرضا عليه السلام بأن خمسين كذابا ادعوا أنهم موسی بن عمران الذي أخبر نبي الله يوسف علیه السلام بأن نجاة بني إسرائيل ستكون على يديه، وهذا ادعاء يتعلق بنص تشخيصي عاصم من الضلال کما هو واضح، ومع ذلك ادعاه كذابون كثيرون.
قال أحمد إسماعيل:
(أي أن النص محفوظ من الادعاء حتى يدعيه صاحبه؛ ليتحقق الغرض من النص، وهو منع الضلال عن المكلف المتمسك به كما وعده الله سبحانه).
ص: 154
والجواب:
أننا ذكرنا فيما سبق أن الله تعالى لم يتكفل بحفظ جميع النصوص الإلهية العاصمة من الضلال، فإن كثيرا من النصوص العاصمة من الضلال الصادرة عن الأنبياء وأئمة الهدى علیهم السلام لم تبق إلى يومنا هذا ولم تصل إلينا، فكيف يمكن ادعاء حفظها؟
والنصوص العاصمة من الضلال التي حفظها الله ووصلت إلينا لم يحفظها الله سبحانه من ادعاءات الكاذبين المبطلين؛ لأن كل ادعاء لم يقم عليه دليل لا قيمة له عند العقلاء، وادعاءات المبطلين لا تقف عند حد، والمدعون للباطل كثيرون، وكلهم مصابون في عقولهم أو في دينهم، والشواهد القرآنية والروائية والتاريخية تؤكد أن الله تعالى لم يصرف هؤلاء المدعين عن ادعاءاتهم الكاذبة، وقد ذكرنا فيما سبق نماذج من هذه الادعاءات التي تتعلق بالنصوص العاصمة من الضلال، فلا حاجة لتكرارها.
وأما الغرض من النص المذكور _وهو المنع من الضلال_ فإنه يتحقق حتى مع ادعاء الكاذبين المبطلين الذين لم يثبتوا ادعاءاتهم بدلیل صحيح؛ لأن النص العاصم من الضلال لا يخرج عن كونه عاصما من الضلال بأمثال هذه الادعاءات الكاذبة المعلوم بطلانها.
قال أحمد إسماعيل:
(وللتوضيح والتفصيل أكثر أقول:
إن مدعي المنصب الإلهي: إما أن يكون مدعيا للنص التشخيصي الموصوف بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به، فهذا المدع [كذا] محق، ولا يمكن أن يكون كاذبا أو مبطلا).
ص: 155
والجواب:
أن مدعي المنصب الإلهي كالنبوة أو الإمامة أو السفارة إذا ادعى النص التشخيصي، أي ادعى أنه منصوص عليه بشخصه في نص صحیح وارد عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أو عن أحد الأئمة المعصومين عليهم السلام ، فلا يخلو الحال من أحد أمرين:
إما أن يكون النص قد عين إماما معروفا تعیینا واضحا جليا بحيث لا يحصل أي لبس في الإمام المنصوص عليه كما هو المعهود في النصوص على الإمامة، كنص النبي صلی الله علیه و آله و سلم على أمير المؤمنين علیه السلام يوم الغدير، ونص كل إمام على الإمام الذي بعده، فلا يمكن حينئذ أن يدعي شخص آخر أنه هو المنصوص عليه دون صاحب النص الحقيقي؛ ومن ادعى ذلك فإنه ينبغي ألا يدرج في عداد العقلاء، فلا يؤاخذ بما يقول، ولا يعتنى بادعائه في هذا الأمر.
وإما أن يكون النص قد ذكر اسما يمكن انطباقه على كثيرين، ولم يعين شخصا معينا لا يلتبس بغيره، مثل قوله تعالى : (و إذ قال عيسى ابن مریم یا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبین) (الصف: 6)، ومثل رواية الوصية في كتاب (الغيبة) التي يحتج بها أحمد إسماعيل، التي ورد فيها قوله: «فذلك اثنا عشر إماما، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهديا، (فإذا حضرته الوفاة) فليسلمها إلى ابنه أول المقربين، له ثلاثة أسامي: اسم کاسمي واسم أبي، وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين»، لو سلمنا جدلا بأن الضمير في كلمة: «له ثلاثة أسامي» يعود على ابن الإمام الثاني عشر علیه السلام ، فيكون أحد أسمائه: أحمد.
ص: 156
فحينئذ لا شك في أن هذا النص لا يكون نصا تشخيصيا، لأنه لا يعين شخصا بعينه ولا يميزه عن غيره، ولهذا قال عيسى عليه السلام فيما حكاه عنه الله سبحانه: (و مبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد)، فهي بشارة ببعثة نبي بهذا الاسم، وهذا ليس نصا تشخيصيا، فيكون خارجا عما نتكلم فيه.
ولهذا لم يكتف النبي صلی الله علیه و آله و سلم بهذه البشارة لإثبات نبوته؛ وإنما جاء بالمعجزات الدالة على صدقه، ولو كانت هذه البشارة نصا تشخیصیا كافيا لإثبات النبوة لصح له أن يكتفي بها من دون حاجة لأن يتكلف عناء الإثبات بالمعجزات أو غيرها، ولو صح الاكتفاء بها كذلك لادعى النبوة في الجاهلية كل من تسمى بمحمد أو أحمد، ويجب على الناس حينئذ الإيمان به بمجرد دعواه؛ لأنه منصوص عليه بهذا النص الذي سماه أحمد إسماعيل نصا تشخيصيا، وزعم أنه لا يدعيه إلا صاحبه، ولا شك أن هذا كلام لا يقوله جاهل فضلا عن عالم فاضل.
ومن باب الإلزام نقول: إن هذا المصطلح وهو (النص التشخيصي) الذي دار كثيرا في كلام أحمد إسماعيل وأنصاره هو مصطلح مستحدث مبتدع لا وجود له في روايات أهل البيت عليهم السلام، ومن قرأ النصوص الشرعية يجد أن الضابط للتمييز بين مدعي الحق ومدعي الباطل هو الوصية الظاهرة، ولا يخفى أن إصرارهم على هذا المصطلح إنما هو من أجل التلبيس على العوام والتلاعب بالألفاظ لا أكثر.
قال أحمد إسماعيل:
(لأن هذا النص لا بد من حفظه من ادعاء الكاذبين والمبطلين، وإلا فسيكون الله قد أمر الناس بالتمسك بما يمكن أن يضلهم، ورغم هذا قال عنه بأنه عاصم من الضلال أبدا، وهذا كذب يستحيل أن يصدر من الله).
ص: 157
والجواب:
أننا بينا فيما سبق أنه لا يجب على الله أن يحفظ النص من الادعاءات الكاذبة، وأن الادعاءات الكاذبة لا تنافي حفظ النص، ولا تخرج النص العاصم من الضلال عن هذه الصفة، وأمر الناس بالتمسك بالنص الصحيح لا يكون أمرا لهم بما يمكن أن يضلهم في حال وجود دعوى باطلة، لأن الفرض أنه نص عاصم من الضلال، فهو سيبقى كذلك وإن كانت هناك ادعاءات باطلة، ووصفه بأنه عاصم من الضلال مع وجود ادعاءات كاذبة لا يستلزم الكذب ؛ لأن الادعاء الكاذب لم يغير صفته السابقة وهي أنه كتاب عاصم من الضلال، فلا يكون وصفه بذلك حينئذ كذبا حتى يستحيل على الله تعالى.
وكما لاحظ القارئ العزيز أن مشكلة أحمد إسماعيل أنه لا يلتفت إلى أن بعض ما يذكره ويظنه لازما ليس بلازم، ولذلك فإنه يرتب أمورا من عنده يظن أنها لوازم، وهي ليست كذلك، فيخرج بنتائج خاطئة، وبعد هذا كله يظن أنه فتح فتحا عظيما بدلیله الذي سماه دلیلا عقليا !
قال أحمد إسماعيل:
(وإما أن يكون مدعيا للمنصب الإلهي، ولكنه غير مدع للنص التشخيصي الموصوف بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به، وهكذا مدعي [كذا]: إما أن يكون ادعاؤه فيه شبهة على بعض المكلفين لجهلهم ببعض الأمور، وهذا ربما يمضي الله به الآية، ويهلکه رحمة بالعباد، وإن كان بعد ادعائه بفترة من الزمن رغم أنه لا حجة ولا عذر لمن يتبعه.
ص: 158
وإما أنه لا يحتمل أن يشتبه به أحد إلا إن كان طالبا للباطل فيتبع شخصا بدون نص تشخيصي کما بينت، ومع هذا تصدر منه سفاهات، ويجعل الله باطله واضحا وبينا للناس، وهذا لا داعي أن تطبق عليه الآية، بل ربما أمهل فترة طويلة من الزمن، فهو يترك لمن يطلبون الباطل بسفاهة).
والجواب:
أنا بينا فيما سبق أن آيات التقول مخصوصة برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، ولا تشمل كل من يتقول على الله سبحانه بشيء، فلا حاجة للإعادة.
وعليه، فإن التفصيل الذي ذكره أحمد إسماعيل المشتمل على التفريق بين المدعي الذي يكون في ادعائه شبهة على بعض المكلفين لجهلهم ببعض الأمور، فتجري فيه الآية، ويهلكه الله رحمة بالعباد ولو بعد حين، وبين من لا يحتمل أن يشتبه به أحد إلا إن كان طالبا للباطل، فلا تجري فيه الآية، ولا ينزل عليه العذاب، وربما أمهل فترة طويلة من الزمن، فهذا كله لا دليل عليه، لا من الكتاب ولا من أحاديث أهل البيت عليهم السلام كما لا يخفى على من تتبع الأحاديث وفهمها.
والوارد في الروايات ما رواه الشيخ الكليني قدس سره في كتاب الكافي بسنده عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال: «إن هذا الأمر لا يدعيه غير صاحبه إلا تبر الله عمره).
وكلام الإمام علي في مدعي الإمامة مطلق شامل لمن يدعي الإمامة، ويكون في ادعائه شبهة على بعض المكلفين لجهلهم ببعض الأمور، ومن لا يحتمل أن يشتبه به أحد إلا إذا كان طالبا للباطل، ولمن كان يدعي أنه منصوص عليه في نص تشخيصي موصوف بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به، فجميع هؤلاء يبتر الله أعمارهم من غير فرق؛ لأن كل واحد منهم بالنتيجة مدع للإمامة بغير حق.
ص: 159
قال أحمد إسماعيل:
(وهذا تقریب ليتوضح الأمر أكثر: نفرض أن هناك ثلاث دوائر؛ بيضاء، ورمادية، وسوداء. فالدائرة البيضاء محمية من أن يدخل لها کاذب، وبالتالي فكل من دخلها فهو مدع صادق، ويجب تصديقه، فالآية: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل(44) لأخذنا منه باليمين(45)ثم لقطعنا منه الوتين(46) » واجبة التطبيق في هذه الدائرة.
والرمادية غير محمية من أن يدخل لها كاذب، فلا يصح الاعتماد على من كان فيها وتصديقه، ورغم هذا فيمكن أن تحمی بعض الأحيان من الكاذب بعد دخوله رحمة بالعباد رغم أنهم لا عذر لهم باتباع من كان في هذه الدائرة، فالآية ممكنة التطبيق على هذه الدائرة وليس [كذا ] واجبة التطبيق.
والثالثة سوداء غير محمية من أن يدخل لها الكاذب، بل هي دائرة الكاذبين وواضحة بأنها دائرة الكاذبين، فلا داعي لحمايتها أصلا من الكاذبين لا قبل دخولهم ولا بعد دخولهم، فالآية ليس موضعها هذه الدائرة).
والجواب:
أن هذا التوضيح لا طائل تحته، وهو تكثير للكلام بلا فائدة، مع أن فيه من الخلل ما هو واضح لكل ذي عينين، وإذا أردنا أن نجاري أحمد إسماعيل في هذه الدوائر نقول: إن الدوائر اثنتان فقط: دائرة بيضاء، ودائرة أخرى سوداء، والدائرة البيضاء لا يدخلها إلا نبي أو إمام منصوص عليه حقيقة، أو سفیر منصوب من قبل الإمام عليه السلام ، وهؤلاء كلهم قد قام الدليل الصحيح القطعي على صدقهم فيما قالوه.
وأما الدائرة السوداء فكل من دخلها فهو كاذب مفتر، سواء ادعى منصبا
ص: 160
إلهيا كالنبوة أو الإمامة، أم ادعى أن وصية المعصوم تشير إليه، أم ادعى غير ذلك من الدعاوى التي لم يستطع أن يثبتها بالدليل الصحيح القطعي.
والسبب في ذلك أن المقامات الإلهية لا يكون في ثبوتها أي لبس أو غموض، فإما أن يستطيع المدعي إثباتها بدليل قطعي، كالمعجزة، أو النص القطعي الذي يدل عليه بما لا لبس فيه، فهذا يكون نبيا أو إماما معصوما على حسب دعواه و دليله الذي دل عليه، وأما إذا لم يكن كذلك فهو كاذب مفتر، ما دام أنه لم يستطع أن يثبت صحة دعواه بدلیل صحیح، سواء ادعى مقاما إلهيا، أم ادعى النص عليه في وصية غير واضحة الدلالة عليه، أم غير ذلك.
وأما الدائرة الرمادية التي ذكرها أحمد إسماعيل فلا حاجة لها؛ لأنها دائرة يمكن أن يدخلها صادق أو كاذب؛ لأن المدعي إن أثبت صحة دعواه فهومحق، ومحله حينئذ الدائرة البيضاء، وإن لم يستطع فمحله الدائرة السوداء، وهي دائرة الكاذبين الذين لا عذر للناس في تصديقهم أو اتباعهم، ولا ثالث في البين.
ولعل هذا المثال الذي جاء به أحمد إسماعيل _ إن كان هو الذي أجاب على هذا السؤال _ يبين لنا أن الرجل لا علاقة له بالعلوم الشرعية، ولذلك لم يستطع أن يضرب مثالا مقربا لما يدعيه إلا بالدوائر والألوان، والظاهر أن هذا مما تعلمه في الجامعة المختلطة التي قضى فيها سنوات من حياته .
قال أحمد إسماعيل:
(فلابد إذن من الانتباه إلى أن كلامنا في منع ادعاء النص التشخيصي الموصوف بأنه عاصم من الضلال، وليس في ادعاء المنصب
ص: 161
الإلهي عموما، فادعاء المنصب الإلهي أو النبوّة أو خلافة الله في أرضه باطلا بسفاهة ودون الاحتجاج بالوصية (النص التشخيصي) حصل كثيرا، وربما بقي حيا من ادعى باطلا فترة من الزمن، ومثال هؤلاء مسيلمة الكاذب ادعى أنه نبي في حياة رسول الله محمد صلی الله علیه و آله وسلم ، وبقي مسيلمة حيا بعد موت رسول الله محمد صلی الله علیه و آله وسلم ، فالادعاء بدون شهادة الله ونص الله وبدون الوصية لا قيمة له، وهو ادعاء سفيه، فمن يصدق هكذا مدع [كذا] مبطل [كذا ] لا عذر له أمام الله).
والجواب:
أنه إذا كان ادعاء المنصب الإلهي أو النبوة أو خلافة الله في أرضه قد حصل كثيراً بسفاهة، وأن من يصدق هكذا مدعيا مبطلا لا عذر له أمام الله تعالى، فكذلك من يصدق من يدعي أنه منصوص عليه في نص خاص وإن كان هذا النص موصوفا بانه عاصم من الضلال، ما دام النص غير واضح في الدلالة عليه، فلم يعينه أو يميزه عن سواه، ولم يقم هذا المدعي على صحة كلامه أي دليل، فإنه لا عذر لمن يصدق هكذا مدعيا أمام الله سبحانه؛ لأن النص التشخيصي لا بد أن يكون معينا للمنصوص عليه، بحيث لا يلتبس بغيره، ومتى ما كان مبهما غير واضح فلا يكون بنفسه نصا لا تشخيصيا ولا غيره، ولا بد لمعرفة المنصوص عليه في هذا النص من بيان المعصوم عليه السلام ، وإذا لم نحصل على أي بيان من المعصوم علیه السلام فإن هذا النص لا يكون تشخیصيا، ولا يصلح لأن نتمسك به في إثبات الإمامة التي يجب أن يكون دليلها قطعيا، ولا يجوز لعاقل أن يصدق من ادعى أنه منصوص عليه في هذا النص إذا لم يقم أي دليل على صحة كلامه، و مجرد ادعاء أنه منصوص عليه في هذا النص
ص: 162
غير كاف في قبول دعواه، ولا يستلزم ادعاء الكاذب أه منصوص عليه أي محذور من المحاذير التي ذكرها أحمد إسماعيل کما بینا ذلك فيما تقدم.
وعليه، فمن يصدق هذا المدعي لا عذر له أمام الله سبحانه؛ لأنه صدق مدعيا عاجزا عن إقامة الدليل الصحيح على صحة دعواه.
قال أحمد إسماعيل:
(إذن، فالمقصود ليس منع أهل الباطل من الادعاء مطلقا، بل منعهم من ادعاء النص التشخيصي الموصوف بأنه عاصم لمن تمسك به من الضلال، وهو وصية خليفة الله للناس).
والجواب:
أنه لا فرق بين ادعاء المنصب الإلهي كالنبوة والإمامة، وادعاء ما أسماه أحمد إسماعيل بالنص التشخيصي؛ لأن ادعاء النص إنما هو لأجل ادعاء النبوة أو ادعاء الإمامة، فهو بالنتيجة ادعاء للمنصب الإلهي، وهذا هو مقصود المدعي، إلا أن المدعي للنص إنما احتال على الناس بادعاء أنه منصوص عليه في نص معین کما مرّ من أن خمسين كذابا كلهم ادعوا أنهم موسی بن عمران المنصوص عليه في وصية نبي الله يوسف علیه السلام ، وغاية كل هؤلاء الخمسين کذابا هي ادعاء المنصب الإلهي، إلا أنهم سلكوا هذا الطريق للتدجيل على الناس.
إذن فمن يدعي أنه منصوص عليه في نص مبهم، ورد بسند ضعيف بل مظلم جدا، وبعض رواته من العامة كما ذكر ذلك الحر العاملي قدس سره، وهو معارض بأحادیث متواترة عن أئمة أهل البيت عليه السلام ، مع أن هذا المدعي لم يقم أي دليل على أنه هو المنصوص عليه في هذا النص، وإنما زعم أن ادعاءه للنص هو دليل صدقه، كيف يمكن لعاقل أن يصدق هذا المدعي العاجز عن إثبات دعاواه بدلیل صحيح ؟!
ص: 163
ومن المعلوم لكل عاقل أن أحمد إسماعيل لما عجز عن إثبات إمامته بمعجزة أو نص صریح، لجأ إلى هذه الحيلة التي لا تنطلي إلا على البسطاء والجهال والمغفلين، وجاء بدعوى غريبة لم يدعها قبله أحد من العالمين، وهي أن النص التشخيصي لا يدعيه إلا صاحبه، وكفى في بطلانها أنها لم ترد في أحاديث أهل البيت علیهم السلام ، ولم يقل بها عاقل فضلا عن عالم فاضل، مع أن الأحاديث المتكفلة ببيان علامات الإمام كثيرة جدا، ولم تبين أن ادعاء النص التشخيصي بالنحو الذي ذكره أحمد إسماعيل دليل على الإمامة، فكيف يمكن تصحيح مثل هذه الإمامة التي يجب أن يكون ثبوتها قطعيا لا لبس فيه ؟!
ولا يخفى أن عبد الله الأفطح وغيره من المدعين إنما يدعون أنهم قد أوصي إليهم بالإمامة، فهم يدعون النص عليهم في نص تشخيصي يزعمون أنه في حوزتهم، والله تعالى لم يصرفهم عن دعواهم، ولم يحل بينهم وبين ما يدعون، ولذلك صار لهم أتباع يعتقدون بإمامتهم، فكيف يكون مجرد الادعاء دليلا على صحة الدعوى؟!
كما أن القادياني قد ادعى أن آية من القرآن تشير إليه، بل تدل على نبوته، وكذلك ادعى أن الأحاديث المتواترة الدالة على ما يحدث في آخر الزمان تشير إليه، وتدل على أنه هو الإمام المهدي والمسيح الموعود، فهو يدعي أن النص التشخيصي القرآني والروائي يشيران إليه، ويدلان عليه، فهل يجب تصديقه في دعاویه بنظر أحمد إسماعيل ؟!
إن دلیل أحمد إسماعيل الباطل يفتح الباب على مصراعيه لقبول ادعاءات الكاذبين المفترین، ويجرئ كل من هب ودب على ادعاء المقامات الدينية العالية، ويترتب على قبول هذا الدليل أنه يجب على
ص: 164
الناس تصدیق کل کاذب مفتر إذا زعم أن بعض الآيات القرآنية أو الأحاديث الصحيحة تشير إليه، وأنه هو المعني بها.
وحينئذ يجب علينا أن تصدق كل من اسمه محمد بن الحسن إذا ادعى أنه هو الإمام المهدي المنصوص عليه في روايات النبي صلی الله علیه و آله و سلم وفي الوصية التي جعلها أحمد إسماعيل أساسا لدعوته؛ لأنه حينئذ يدعي أنه منصوص عليه في نص تشخيصي وصفه النبي صلی الله علیه و آله وسلم بأنه عاصم من الضلال بنظر أحمد إسماعيل، وهذا لا يقبله كل عاقل يحترم عقله، ولاسيما إذا تعدد المدعون وكثروا.
قال أحمد إسماعيل:
(وهذا المنع الذي أثبتناه عقلا، وأكد عليه النص القرآني والروائي يؤکده أيضا الواقع، فمرور مئات السنين على النص دون أن يدعيه أحد كاف لإثبات هذه الحقيقة، فقد مر على وصايا الأنبياء في التوراة ووصية عيسى عليه السلام مئات السنين، ولم يدعها غير محمد صلی الله علیه و آله وسلم وأوصيائه من بعده، كما ولم يدع وصية النبي غير الأئمة علیهم السلام ).
والجواب:
أننا بينا فيما سبق أن الدليل الذي أسماه أحمد إسماعيل عقليا ليس بعقلي وليس بتام، وأن كل ما توهمه أحمد إسماعيل أنه من اللوازم فهو غير لازم، وأما الدليل القرآني فهو مخصوص برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم کما بیناه فيما سبق، والدليل الروائي يدل على خلاف ما زعمه أحمد إسماعيل، فإن خمسين كذابا زعم كل واحد منهم أنه منصوص عليه في نص تشخيصي، وأنه هو موسى بن عمران الذي أخبر به نبي الله يوسف علیه السلام .
ص: 165
وأما الواقع فيثبت أن دعاوى المبطلين لا تنتهي عند حد، ويكفي في النقض على أحمد إسماعيل بادعاء أولئك الخمسين كذابا الذين ادعى كل واحد منهم أنه موسی بن عمران، وادعاء القادياني أنه هو المهدي المنتظر والمسيح الموعود المنصوص عليهما في الروايات الصحيحة المتواترة.
وأما وصايا الأنبياء والأئمة المعصومين عليهم السلام فإنما لم يستطع أن يدعيها غير صاحبها لثلاثة أسباب مهمة:
1_ أن تلك الوصايا كانت معينة للمنصوص عليه، ومميزة له باسمه وشخصه وصفاته بحيث لا يلتبس بغيره، ومن غير المحتمل أن يأتي شخص آخر له نسب معروف عند الناس فيدعي أنه هو ذلك المنصوص عليه الذي له نسب آخر وصفات أخر لا تتوفر في هذا المدعي، كما في نص رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم على أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام ، ونص كل إمام على الإمام الذي بعده، فإنه من غير الممكن أن يدعي شخص آخر أنه هوالمنصوص عليه.
2_ أن كل من يدعي أنه منصوص عليه في نص مبهم، فإن عليه أن يثبت صحة دعواه بدلیل تام صحیح، خصوصا إذا كان النص غير واضح، ولم يصل إلى الناس بسند صحيح، وإنما جاء على شكل رواية في كتاب مثل رواية كتاب (الغيبة) التي يتمسك بها أحمد إسماعيل وأنصاره، والادعاء المجرد عن الإثبات لا ينفع الكاذب المبطل، ولا يخفى أن كل کاذب مبطل لا يستطيع أن يثبت كذبه بدلیل صحيح، ولهذا قال في الكذابين المبطلين من يدعي أنه منصوص عليه، ولا تحصل أمثال هذه الدعاوى الكاذبة إلا إذا كان النص ضعيف السند، وكان مبهما غامضا، بحيث يظن المبطل أنه يستطيع أن يتلاعب بألفاظه، ويصرفه إلى غير ما يراد به كما في رواية كتاب (الغيبة) التي يتعكز عليها أحمد إسماعيل.
ص: 166
3_ أن كل من يدعي أنه منصوص عليه في نص کالوصية مثلا، فإن عليه أن يحضر الوصية الأصلية التي نص عليه فيها، ولا يكفي الإتيان برواية في کتاب، وبما أنه كذاب مفتر فإنه لن يتمكن من الإتيان بها، وهذا الغباء لا يقدم عليه أكثر الدجالين المبطلين؛ لأنهم ليسوا بدرجة من البلاهة بحيث يدعون كذبا مفضوحا مكشوفا لكل ذي عينين.
وأنا أتعجب أشد العجب ممن يدعي الإمامة والسفارة والوصاية وخمسين دعوى أخرى باطلة، ويستدل على النص عليه بالإمامة بورود اسم مفرد في رواية ضعيفة السند يوافق اسمه المفرد کما يوافق أسماء عشرات الألوف الذين تسموا بهذا الاسم، ثم يزعم أن ادعاءه دلیل على صحة دعواه! ويعجز عن إثبات دعواه إلا بالادعاءات الكاذبة فقط، كيف يصدقه الناس ويتعصبون له؟! ولكن صدق مولانا أبو جعفر الباقر عليه السلام حيث قال فيها روي عنه: «وإنه ليس من أحد يدعو إلى أن يخرج الدجال إلا سيجد من يبايعه»(1).
قال أحمد إسماعيل:
(وقد احتج الإمام الرضا عليه السلام بهذا الواقع على الجاثليق، فبعد أن بين النص من الأنبياء السابقين على الرسول محمد صلی الله علیه و آله و سلم من التوراة والإنجيل احتج الجاثليق بأن النصوص يمكن أن تنطبق على أكثر من شخص، فكان احتجاج الإمام الرضا عليه السلام على الجاثليق أنه لم يحصل أن ادعى الوصايا المبطلون، وهذا هو النص موضع الفائدة، قال الجاثليق: ... ولكن لم يتقرر عندنا بالصحة أنه محمد هذا، فأما اسمه محمد فلا يصحّ لنا أن نقر لكم بنبوته، ونحن شاكون أنه محمدکم...، فقال الرضا علیه السلام : «احتجبتم بالشك، فهل بعث الله من قبل أو
ص: 167
من بعد من آدم إلى يومنا هذا نبيا اسمه محمد؟ وتجدونه في شيء من الكتب التي أنزلها على جميع الأنبياء غير محمد؟»، فأحجموا عن جوابه. [إثبات الهداة : ج 1/ ص 194 _ 195]).
والجواب:
أن أحمد إسماعيل زعم أن الإمام الرضا علیه السلام احتج على الجاثلیق بأنه لم يحصل أن ادعى الوصايا المبطلون، مع أن الرواية خالية من ذلك، فلم يرد فيها أي ذكر لأي وصية، وإنما كان الخلاف بين الإمام الرضا علیه السلام والجاثليق في أن محمدا المذكور في الإنجيل هل يراد به نبینا صلی الله علیه و آله و سلم ، أو يراد به شخص آخر؟
ثم إن الإمام الرضا علیه السلام لم يقل: (فهل ادعى أحد أنه نبي، وأنه هو محمد المذكور في التوراة والإنجيل؟) حتى يثبت أنه لا يدعي ذلك إلا صاحبه، وإنما قال: «فهل بعث الله من قبل أو من بعد من
آدم إلى يومنا هذا نبيا اسمه محمد؟».
ولو سلمنا أنه قال ذلك، فإنه علیه السلام لم يصرح بأنه لو ادعى أحد آخر أنه محمد المذكور في التوراة والإنجيل لكان ذلك دليل صدقه في دعواه؛ لأن الكاذب مصروف عن هذا الادعاء.
ثم إن أحمد إسماعيل على عادته في بتر النصوص والروايات أهمل باقي الرواية الذي يدل على خلاف دعواه، وهو قوله: فقال الرضا علیه السلام : «أنت يا جاثلیق آمن في ذمة الله، وذمة رسوله أنه لا ينالك منا شيء تكره مما تخافه وتحذره». قال: فأما إذا آمنتني فإن هذا النبي الذي اسمه محمد، وهذا الوصي الذي اسمه علي، وهذه البنت التي اسمها فاطمة، وهذان السبطان اللذان اسمهما الحسن والحسين في التوراة
ص: 168
والإنجيل والزبور. قال الرضا: «فهذا الذي ذكرته في التوراة والإنجيل والزبور من اسم هذا النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، وهذا الوصی، وهذه البنت، وهذین السبطين، صدق وعدل، أم كذب وزور؟»، قال: صدق وعدل، وما قال الله إلا الحق. فلا أخذ الرضا إقرار الجاثليق بذلك، قال لرأس الجالوت:
«فاسمع الآن يا رأس الجالوت، السفر الأول من زبور داود». قال:هات، بارك الله عليك وعلى من ولدك. فقرأ الرضا عليه السلام السفر الأول من الزبور، حتى انتهى إلى ذكر محمد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام ، فقال: «سألتك يا رأس الجالوت بحق الله، هذا في زبور داود؟ ولك مني الأمان والذمة والعهد ما قد أعطيت الجاثلیق». فقال رأس الجالوت: نعم، هذا بعينه ألفيته في الزبور بأسمائهم. قال الرضا علیه السلام : «فبحق العشر الآيات التي أنزلها الله تعالى على موسى بن عمران في التوراة، هل تجد صفة محمد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، في التوراة منسوبين إلى العدل والفضل؟»، قال: نعم، ومن جحدها كان کافراً بربه وأنبيائه. فقال الرضا علیه السلام : «فخذ الآن علي سفر كذا من التوراة»، فبهت رأس الجالوت متعجبا من تلاوته وبيانه وفصاحة لسانه، حتى إذا بلغ ذکر محمد صلی الله علیه و آله و سلم قال رأس الجالوت: نعم، هذا أحمد، وإيليا، وفطيم، وشبّر، وشبير، وتفسيره بالعربية محمد، و علي، و فاطمة، و الحسن و الحسين عليهم السلام. فتلا الرضا السفر إلى تمامه، فقال رأس الجالوت _ لما فرغ من تلاوته _ : والله يا ابن محمد، لولا الرئاسة التي حصلت لي على جميع اليهود، لآمنت بأحمد، واتبعت أمرك(1).
وهذه الرواية واضحة الدلالة على أن النص على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ،
ص: 169
و علي، و فاطمة، و الحسن، و الحسين، كان واضحا جليا في التوراة والإنجيل والزبور، وأن صفاتهم فيها ظاهرة لدرجة أن من جحدهم فهو كافر بالله تعالى، وقد اعترف الجاثلیق ورأس الجالوت بذلك، وليس هناك نبي عنده صهر اسمه علي، وبنت اسمها فاطمة، وولدان اسمهما الحسن والحسين إلا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وهذا دليل واضح على أنه هو المراد لا غيره.
مع أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم لم يكتف في إثبات نبوته بذكر اسمه المبارك في التوراة والإنجيل والزبور، وإنما جاء بالمعجزات الكثيرة الدالة على أنه نبي لا مدع للنبوة.
وأما أحمد إسماعيل فإنه ادعى أنه المشار إليه في رواية ضعيفة، سندها مظلم، وعباراتها مضطربة، وزعم أن ادعاءه المجرد دليل على أنه صادق في دعواه، ولم يأت بأي دليل يثبت إمامته، فالعجب من بلاهة من يصدقه في هذه الدعوى!
قال أحمد إسماعيل:
(فاحتجاج الأوصياء السابقين بهذا النص حجة على من يؤمن بهم، وقد احتج عيسى ومحمد صلوات الله عليهما به، فعیسی علیه السلام احتج بنص الأنبياء السابقين عليه رغم عدم مباشرتهم له، ومحمد صلی الله علیه و آله و سلم كما في القرآن احتج بنص عیسی علیه السلام ونص الأنبياء قبل عيسى علیه السلام عليه، قال تعالى: (وإذ قال عيسی ابن مريم يا بني إسرائيل إنّى رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين) [الصف: 6]. (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث وضع عنهم إصرهم
ص: 170
والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) [الأعراف: 107]).
والجواب:
أن الله تعالى قال في الآية الأولى: (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبینات قالوا هذا سحر مبین»، أي إن النبي صلی الله علیه و آله و سلم جاء قومه بالبينات والمعجزات والدلائل الواضحات التي تدل على أنه نبي، ولم يقتصر النبي صلی الله علیه و آله و سلم على الاحتجاج بهذا النص كما فعل أحمد إسماعيل.
مع أن الاسم المفرد _وهو أحمد_ ليس نصا؛ لأن النص لابد أن يكون معيناً للمنصوص عليه بحيث لا يلتبس بغيره، وهذا ليس كذلك، ولهذا عبر عنه في الآية المباركة به بشارة لا أكثر.
وقال سبحانه في الآية الثانية: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل) ، وقوله: (يجدونه مكتوبا عندهم) واضح الدلالة على أنهم علموا بالقطع واليقين أن المذكور في التوراة والإنجيل هو نبينا صلی الله علیه و آله و سلم ، لا أنهم لما رأوا الاسم المفرد في التوراة والإنجيل، ورأوا أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم قد ادعى أنه هو المشار إليه في هذين الكتابين بهذا الاسم آمنوا به وصدقوه؛ لأن النص لا يدعيه إلا صاحبه كما يزعم أحمد إسماعيل.
ثم إن النبي صلی الله علیه و آله و سلم لم يحتج على العرب بأنه مذكور في التوراة والإنجيل، لأن العرب كانت أمة أمية، لا تقرأ ولا تكتب، ولا يعلمون بما في التوراة والإنجيل، ولو علموا بما فيهما فإنهم لا يصدقونه؛ لأنهم كانوا وثنين، لا يعتقدون بالتوراة ولا بالإنجيل.
ص: 171
وزغم أحمد إسماعيل أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم احتج على العرب بأنه مذكور في التوراة والإنجيل يحتاج منه إلى إثبات، وهو لم يثبت ذلك بأي دليل، ولكنه كعادته يرسل الكلام إرسال المسلمات من دون دلیل ولا حجة.
وأما أحبار اليهود والنصارى فإنهم كانوا يعلمون أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم هو المشار إليه في كتبهم، ولكنهم كانوا يجحدون ما يعلمون أنه الحق کما مر في مناظرة الإمام الرضا عليه السلام مع الجاثلیق ورأس الجالوت.
ولو احتج النبي صلی الله علیه و آله و سلم على العرب واليهود والنصارى بأنه مذكور في التوراة والإنجيل، وذكر أنه منصوص عليه فيهما فلا محذور في ذلك؛ لأن ذكره صلی الله علیه و آله و سلم في التوراة والإنجيل ليس بالاسم المفرد فقط، وإنما كان مذكورا باسمه وصفاته المعينة له، والتي لا تنصرف إلى غيره کما مر في کلام الإمام الرضا عليه السلام مع الجاثليق، وإقرار الجاثلیق بذلك.
وأما أحمد إسماعيل فإنه يحتج باسم مفرد موافق لاسمه ورد في رواية ضعيفة لا تدل على أحمد إسماعيل بأي دلالة، فأين هذا من ذاك ؟!
قال أحمد إسماعيل:
(والله بين في القرآن أن ادعاء محمد صلی الله علیه و آله و سلم لو كان باطلا _ وحاشاه_ لما تركه يدعيه؛ لأن الله متكفل بحفظ النص وصونه من ادعاء المبطلين، أو يمكن أن نقول: إن الله متكفل بصرفهم عن النص، (فلا أقسم بما تبصرون (38) وما لا تبصرون (39) إنه لقول رسول کریم (40)و ما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون (41) ولا بقول كاهن قليلا ما تذکرون (42) تنزيل من رب العالمين (43) ولو تقول علينا بعض الأقاويل (44) لأخذنا منه باليمين (45) ثم لقطعنا منه الوتين (46) فما منکم من أحد عنه حاجزين (47) وإنه لقدر للمتقين (48) وإنا لنعلم
ص: 172
أن منکم مکذبین (49) وإنه لحسرة على الكافرين (50) وإنه لحق اليقين (51) فسبح باسم ربك العظيم (52))[الحاقة: 38 - 52]).
والجواب:
أن هذه الآيات لا دلالة فيها على أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم لو كان مبطلا لما ترکه الله يتقول عليه بأي قول، وإنما تدل على أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم لو تقول على الله بالباطل لأهلکه الله تعالى، وبين الأمرين فرق واضح.
ونحن بينا فيما سبق أن الآية لا دلالة فيها على أن الله تعالى يهلك المتقولين بالباطل، أو يصرفهم عن أن يتقولوا عليه بقول؛ لأن الكاذبين المبطلين الذين يتقولون على الله كثيرون کما اعترف بذلك أحمد إسماعيل فيما سبق من كلامه.
كما أن الآيات لا تدل على أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم لو كان كاذبا مبطلا لصرفة الله تعالى عن ادعاء أنه منصوص عليه في التوراة والإنجيل أو غيرهما، فإن كل هذا أجنبي عن مفاد الآيات المباركة.
ورواية محمد بن الفضيل التي احتج بها أحمد إسماعيل فيما تقدم دلت على أن المراد بالتقول في الآيات هو التقول في أمر الخلافة، بأن ينصب رجلا خليفة على الناس من تلقاء نفسه، ويدعي أن ذلك بأمر الله تعالى له.
ولو صرفنا النظر عن هذه الرواية فإن ظاهر الآيات عام وشامل للتقول في كل أمور الشريعة، ومنه الزيادة في كتاب الله تعالى من غير وحي من الله تعالى كما ربما يظهر لمن تأمل مساق هذه الآيات الشريفة.
وعليه، فهذه الآيات أجنبية عما قاله أحمد إسماعيل، ولا دلالة فيها على شيء من مزاعمه الباطلة.
ص: 173
ولو سلمنا أنها تدل على أن الله تعالى سیهلك نبيه إذا تقول عليه فزعم كذبا أنه منصوص عليه في التوراة والإنجيل، فإن الآيات لم تعط قاعدة عامة مفادها أن كل من تقول على الله تعالى بادعاء أنه منصوص عليه في نص معين فإن الله سيهلكه لا محالة، وأن الله متكفل بحفظ النصوص العاصمة من الضلال حتى من الادعاءات الكاذبة!
ثم كيف يحتج النبي صلی الله علیه و آله و سلم بآيات التقول على مشركي مكة الذين لا يعتقدون بالقرآن كله، ولا يدركون أن من يدعي نصا تشخيصيا فإن الله تعالى يهلکه ولا يمهله ؟!
قال أحمد إسماعيل:
(وها هو کتاب الوصية الذي كتبه الرسول محمد صلی الله علیه و آله و سلم ليلة وفاته موجود منذ أكثر من ألف عام في الكتب، ويستطيع أي إنسان أن يقرأه ويطلع عليه، ولكن لم يتمكن مبطل من ادعائه مع كثرتهم، فالله صرف عنه كل مدع كاذب، حيث ادعى كثيرون النبوة والإمامة والمهدوية، ولكن أبدا لم يتمكن أحدهم من خرق حجاب الله المضروب على هذا الكتاب فيدعيه).
والجواب:
أن ما سماه أحمد إسماعيل وصية ليس بوصية كما بينا فيما سبق، وإنما هي رواية في كتاب، مذكور فيها بعض الأمور التي ربما يكون النبي صلی الله علیه و آله و سلم قد أوصى بها، ولا يستطيع أحمد إسماعيل أن يزعم أن ما ذكر في هذه الرواية هو وصية كاملة.
مضافا إلى أن زعمه أن هذه الوصية كتبها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لم يثبت بدليل صحيح؛ لأن هذه الرواية_ كما قلنا _مروية بسند ضعيف جدا
ص: 174
وأكثر رواتها مجاهيل، ولعل بعضهم من العامة، وألفاظها مضطربة، وفيها مضامین مخالفة لما هو متواتر عن أهل البيت عليهم السلام ، فكيف يمكن أن يكتبها النبي صلی الله علیه و آله و سلم ؟!
ولو كان ما جاء في هذه الرواية هو وصية رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بالفعل لعني بها أئمة أهل البيت علیهم السلام ، و رويت عنهم بطرق متواترة، وحثوا شيعتهم على الاعتقاد بالمهديين الاثني عشر من أبناء الإمام المهدي المنتظر علیه السلام، وأكدوا على أن أول المهديين اسمه أحمد، وهو حفيد حفيده، لا ابنه المباشر، وأنه ينتمي إلى قبيلة بني سويلم بالبصرة الذين هم معروفون بأنهم لا ينتسبون إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم .
إلا أن كل ذلك لا عين له ولا أثر في الروايات، فضلا عن أن يكون متواترا.
وأما زعم أحمد إسماعيل أن الله تعالى صرف المدعين الكاذبين عن أن يدعوا هذه الوصية، وأنه لم يتمكن أحدهم من خرق حجاب الله المضروب على هذا الكتاب فيدعيه، فهذا مصادرة على المطلوب؛ لأن هذا هو ما نتنازع فيه معه، فإنا نعتقد أن أحمد إسماعيل كاذب قد ادعى أنه مشار إليه في رواية الوصية، وأن الله تعالى لم يصرفه عن ادعائه الكاذب، وأنه سبحانه لم يضرب أي حجاب على هذه الرواية بحيث يمنع المدعين من ادعاءاتهم الكاذبة.
إذا تبين ذلك نقول: إن الأسباب التي لأجلها لم يدع أحد هذه الدعوى قبل أحمد إسماعيل فهي:
ا_أن هذا النص ورد في رواية ضعيفة السند کما قلنا، معارضة بالروايات المتواترة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام الدالة على أن الأئمة اثنا
ص: 175
عشر فقط، وليس كل كاذب مبطل يجازف بادعاء خلاف ما هو متواتر عن أئمة أهل البيت علیهم السلام ؛ لأن المبطل يريد أن يدعي ما يحتمل أن يصدقه بعض الناس فيه، وادعاء خلاف المتواتر المغروس في أذهان الناس لا يصدقه أكثر الناس، بل يردونه وينكرونه.
2_ أن كل مدع لا يستطيع أن يثبت أنه ابن الإمام المهدي المنتظر علیه السلام ، فضلا عن أن يثبت أنه وصيه، والإمام من بعده، وأنه سفيره، وغير ذلك من الادعاءات التي ثبت كذبها، فكيف يدعي المبطل ادعاءات عظيمة وكثيرة لا يمكنه إثباتها؟
3_ أن من يدعي أنه إمام فعليه أن يثبت أنه معصوم من الخطأ والزلل، والكاذب المبطل لا يستطيع أن يثبت ذلك، بل إنه سيثبت خطأه المنافي لعصمته والمبطل لإمامته.
4_ عدم ادعاء المبطلين السابقين بعض ما هو مذكور في الروايات لا يدل على أن المبطل الأخير صادق في دعواه، وأن الله صرف كل مبطل عن أن يدعي هذه الدعوى، ليدعيها صاحبها؛ لأننا إذا أخذنا بهذه القاعدة فإنه يجب علينا تصديق كل من يدعي في عصرنا الحاضر أنه الخراساني، أو شعيب بن صالح، أو النفس الزكية، ودليله هو نفس دليل أحمد إسماعيل، وهو أن الله سبحانه صرف المبطلين السابقين عن أن يدعي واحد منهم أنه أحد هؤلاء الرجال، حتى ادعاها صاحبها.
ولا يخفى أن السبب الحقيقي في عدم ادعاء بعض ما هو مذكور في الروايات هو ما قلناه من أن بعض الادعاءات لا يجازف المبطل بادعائها؛ لعلمه بعدم قدرته على إثباتها للناس وإقناعهم بها.
5_أن المبطل الكاذب لا يريد أن يدعي ما يعلم كل عاقل أنه كذب
ص: 176
مفضوح، فلهذا لم يدع أحد أنه أول المهديين المذكورين في رواية كتاب (الغيبة)، لا لأن الله تعالى ضرب حجابا على هذه الوصية، وصرف المبطلين الكاذبين عن ادعائها! وإنما لأجل أن أمثال هذه الادعاءات لا يمكن للمدعي الكاذب أن يثبتها بدلیل، فلا يجازف بادعائها، ومن يجازف بمثل هذا الادعاء إما أن يكون مصابا في عقله، أو يعتقد أن المصابين في عقولهم الذين سيصدقونه في دعواه كثيرون في الناس.
قال أحمد إسماعيل:
(وهذا الواقع يؤكد ما بينته فيما تقدم من أن وصف هذا الكتاب بأنه عاصم من الضلال بذاته يعني أنه لا يدعيه غير صاحبه الذي ذكره الرسول محمد صلی الله علیه و آله و سلم ، ومن يدعيه فهو صادق، وهو صاحبه.
وهذا كاف كدلیل تام وحجة قائمة على أحقية [كذا] هذه الدعوة، فمن أراد الحق ومعرفة أحقية [كذا] هذه الدعوة تكفيه الوصية وادعائي أني المذكور فيها).
والجواب:
أنا أوضحنا بطلان زعمه أن رواية كتاب (الغيبة) كتاب عاصم من الضلال، وبطلان أن الوصية لا يدعيها إلا صاحبها، وأن من ادعاها فهو صادق، وبهذا تكون كل دعاوى أحمد إسماعيل ساقطة وباطلة.
إن أحمد إسماعيل لما عجز عن أن يثبت أنه سفير للإمام المهدي، ووصي له، وأنه إمام معصوم وغير ذلك من دعاواه، لجأ إلى هذه الحيلة الواهية لكي يخدع العوام الجهال والسذج ، فزعم أن الوصية لا يدعيها إلا صاحبها، وهو في هذا لم يستند إلى أي دليل صحيح، لا من القرآن
ص: 177
ولا من روايات أهل البيت عليهم السلام، وعجزه هذا أوضح دليل على أنه کاذب مبطل.
ونحن بينا فيما سبق أن أحمد إسماعيل إنما لجأ إلى هذه الحيلة لعلمه أن رواية كتاب (الغيبة) لا تدل عليه بأي دلالة، ولهذا تنازل عن دلالة النص، ولجأ إلى أن الوصية لا يدعيها إلا صاحبها.
وكل من نظر بأدنى تأمل إلى أدلة هذه الدعوة الباطلة يجد أنها ليست أدلة، وإنما هي مجرد دعاوى لم يقم على صحتها دلیل، بل قامت الأدلة على بطلانها وفسادها، ولهذا تراهم يلجؤون لإثبات دعوتهم بالأحلام، والاستخارات، وحسبك هذا دليلا على أنهم لا أدلة لهم.
قال أحمد إسماعيل:
(وهناك أدلة كثيرة غيرها، كالعلم بدین الله وبحقائق الخلق، والانفراد براية البيعة لله، وأيضا النص من الله مباشرة بالوحي لعباده بالرؤيا وغيرها من سبل شهادة الله عند خلقه لخلفائه في أرضه، فكما شهد للملائكة بخلافة آدم عليه السلام بالوحي فقد شهد الله عند عدد كبير من الناس المتفرقين بحيث يمتنع تواطؤهم على الكذب بأن أحمد الحسن حق، وخليفة من خلفاء الله في أرضه، وقد قال تعالى:(و أرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا) [النساء : 79]، وقال تعالى: (لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا) [النساء: 169]).
والجواب:
أن أحمد إسماعيل ذكر ثلاثة أدلة أخرى غير الوصية تدل على صحة دعوته، وهي:
1_العلم بدين الله و بحقائق الخلق.
ص: 178
2_الانفراد براية البيعة لله .
3_الرؤى والأحلام.
وهذه الأدلة سنتكلم عنها بشيء من التفصيل، فنقول:
الدليل الأول: العلم بدين الله وبحقائق الخلق:
ادعى أحمد إسماعيل أنه أعلم من عليها، ولهذا فإنه تحدی مراجع النجف وقم ليناظروه.
قال في أحد بياناته:
(أما الآن فإني أكرر الدعوة إلى بعض مراجع التقليد للمناظرة في القرآن الكريم، لإثبات أن ما عندي من علم في القرآن هو من الإمام المهدي علیه السلام ، وأني مرسل من الإمام عليه السلام ، حتى لا تبقى حجة لمحتج ولا عذر لمعتذر، ومن أجل الحرص على هداية هذه الأمة التي ظلمت واستضعفت على مر العصور. أناشد العلماء ورجال الدين والمؤمنين والناس كافة، بأن يساعدوا على الاستجابة لدعوة المناظرة، حتى لا يكون الجميع مشمولين بقوله تعال: «حتى إذا جاؤ قال أکذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أما ذا کنتم تعملون [النمل: 84]. أعاذنا الله وإياكم أن نكون من المكذبين بآيات الله تعالى، ونسأل الله تعالى أن يوفق المؤمنين للتشرف بخدمة الإمام المهدي علیه السلام ، إنه سميع مجيب. وهذه الدعوة موجهة إلى ثلاث فئات من العلماء:
الفئة الأولى: السيد علي السيستاني، أو السيد المرعشي نيابة عن السيد السيستاني بتخويل مختوم، والسيد محمد سعيد الحكيم، والشيخ محمد إسحاق الفياض، وشروط المناظرة مع هؤلاء العلماء الثلاثة أن تكون المناظرة على رؤوس الأشهاد، وللناس كافة، وفي مكان عام، وإذا
ص: 179
انتهت المناظرة مع أحدهم إلى تكذيب رسول الإمام صلی الله علیه و آله و سلم ، فعلى المكذب أن يباهل رسول الإمام في نفس المكان وأمام الناس كافة (ليهلك من هلک عن بينه ويحیي من حي عن بينة و إنّ الله لسميع عليم) [الأنفال: 62]...) إلى آخر كلامه(1).
ولا يخفى أن الدعوة للمناظرة إنما هي للتدجيل على الناس؛ لأن أحمد إسماعيل محتف لا يظهر للناس، ولا يعلم أنه حي أو ميت، فكيف سیناظر مراجع التقليد؟!
وكيف كان فإنا لو نظرنا إلى كتبه المنسوبة إليه وبياناته وتسجيلاته فإننا نجد فيها كثير من الأخطاء الفاضحة التي لا يقع فيها صغار طلبة العلم فضلا عن إمام معصوم، وحيث إن المقام طويل فإني سأقتصر على ذكر بعض الأمثلة، وهي عدة أنواع:
من يستمع إلى التسجيلات الصوتية لأحمد إسماعيل يجد أنه وقع في أخطاء فاضحة في قراءة بعض آیات القرآن الكريم، وهي كثيرة جدا، ومن أهم خطاباته الصوتية المسجلة خطابه إلى طلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف وقم المقدسة، ومن المفترض أن يكون هذا الخطاب متقنا خاليا من الأخطاء؛ لأنه يزعم أنه إمام معصوم لا ينبغي أن يخطئ، ولأنه وجه كلامه لطلبة العلم الذين يتوقع منهم أن يحاسبوه على كل هفوة في كلامه، إلا أن كلامه مملوء بأخطاء كثيرة فاضحة في الآيات وغيرها، مع أنه يظهر منه أنه لم يكن يتكلم ارتجالا، وإنما كان يقرأ في ورقة.
*والمضحك أنه استفتح كلامه بأن أخطأ في قراءة قوله تعالى :
ص: 180
(وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا) (الأعراف: 164)، حيث قرأ لفظ الجلالة مفخمة، ولم يكسر نون تنوین (قوما) ، مع أن الصحيح کسرها وترقيق لفظ الجلالة.
*وقرأ قوله سبحانه: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و إن الله لمع المحسنين) (العنكبوت: 69)، فأخطأ في كلمة: (سبلنا)، فرفعها، فقال: (سبلُنا)، وهذا خطأ فاضح لا يقع فيه صغار طلبة العلم.
*وقرأ كلمة: (ضيزی)من قوله تعالى: (تلك إذا قسمة ضیزی) (النجم: 22) بفتح الضاد، فقال: (ضیزی)، مع أنها مكسورة الضاد.
وزعم بعض أنصار أحمد إسماعيل أنه إنما قرأها بهذا النحو على رواية أهل البيت عليهم السلام ، فإن من ضمن القراءات الواردة في هذه الكلمة أنها تقرأ: (ضیزی)، ولا يخفى أن هذا الكلام تبریر بارد؛ لأنا لم نجد في الروايات ما يدل على أن أهل البيت علیهم السلام كانوا يقرؤونها بهذا اللفظ، مضافا إلى أن أحمد إسماعيل لو كان يحسن قراءة القرآن لأمكن تصديق ذلك، ولكن مع كثرة أخطائه الفاضحة فإن من يصدق بهذا التبرير ساذج مغفل.
* وقرأ قوله تعالى: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء و تعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) (آل عمران: 29)، فأخطأ فيها ثلاثة أخطاء واضحة، فإنه قرأ: (اللهم) بالتفخيم مع أن الصحيح قراءتها مرققة لكسر لام (قل). والخطأ الثاني: أنه جر كلمة (مالك) مع أنها منصوبة، والثالث: أنه قال: (وتنزع) بفتح الزاي، مع أنها مكسورة.
* وقرأ قوله تعالى: (قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم) (الأعراف: 19)، فأخطأ في كلمة: (لأقعدن)، فقال:
ص: 181
(لأقعدن)، بكسر العين مع أنها مضمومة، ثم أراد تصحيحها فأخطأ فيها أيضا، فقال: (لأقعدن) بفتح العين.
* وقرأ قوله تعالى: (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تکلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون) (النمل: 82)، فحذف الواو من كلمة (وإذا) .
*وقرأ قوله تعالى: (وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أوهم قائلون) (الأعراف: 4)، فأخطأ في كلمة: (بياتا)، إذ قرأها: (بیاتا) بكسر الباء مع أنها مفتوحة الباء.
* وقرأ قوله سبحانه: (قال أنظرني إلى يوم يبعثون) (الأعراف: 14)، فأخطأ في كلمة: (أنظرني)، فقرأها : (انظرني) فجعل الهمزة همزة وصل مع أنها همزة قطع.
*وقرأ قوله سبحانه: (ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا یظلمون» (الأعراف: 9)، فقال: (يظلمون) بفتح اللام مع أنه مكسورة.
*وقرأ قوله تعالى: (قال ما منعک ألا تسجد إذ أمرتك) (الأعراف: 12)، بتسكين آخر كلمة (تسجد).
* وقرأ قوله تعالى: (قال اخرج منها مذؤما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منکم أجمعين) (الأعراف: 18)، فقرأ (مذؤما) مذموما، وقرأ: (تبعك) بفتح الباء، فقال : (تبعک)، مع أنها مكسورة.
هذا كله في خطاب واحد، فما بالك بأخطائه في سائر خطاباته!
والمضحك أن من تبجحاته أنه قال في بعض كتبه:
(وبهذا يكون اليماني : اسمه أحمد، ومن البصرة، وفي خده الأيمن
ص: 182
أثر، وفي بداية ظهوره یکون شابا، وفي رأسه حزاز، وأعلم الناس بالقرآن وبالتوراة والإنجيل بعد الأئمة)(1).
وورد في موقع أنصاره في الانترنت تحت عنوان: (الإمام أحمد الحسن عليه السلام يدعو العلماء إلى المناظرة وأهل كل كتاب بكتابهم)، ما يلي:
(قال السيد أحمد الحسن علیه السلام : أنا أعلم من أهل التوراة بتوراتهم، و أعلم من أهل الإنجيل بإنجيلهم، وأعلم من أهل القرآن بقر آنهم).
فإذا كان أحمد إسماعيل لا يحسن قراءة آيات القرآن بصورة صحيحة، لدرجة أنا رأينا أن قراءة كثير من صبيان المسلمين للقرآن أصحّ من قراءته، فكيف يكون أعلم من جميع علماء المسلمين في علوم القرآن وفهم معانيه ؟!
وأما أخطاؤه اللغوية والنحوية فحدث ولا حرج، فلا يكاد يخلو کتاب من كتبه أو بيان من بياناته أو تسجيل من تسجيلاته من أخطاء نحوية كثيرة فاضحة.
وكما قلنا فإن من أهم خطاباته الصوتية المسجلة خطابه إلى طلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف وقم المقدسة، الذي ذكرنا آنفا أخطاءه فيه في قراءة جملة من الآيات القرآنية، وأما أخطاؤه اللغوية والنحوية الفاضحة في هذا الخطاب فلا تكاد تحصر، مع أن أحمد إسماعيل دأب على تسكين أواخر أكثر کلمات خطابه خوفا من الفضيحة.
* ومن أخطائه النحوية قوله: (وأما العترة فقد ذروتم حكمتهم اليمانية، ورواياتهم الربانية ذرو الريح للهشيم).
ص: 183
فنصب کلمة: (رواياتهم) بالفتحة مع أنها تنصب بالكسرة.
*وقال: (تقولون: إن رواياتهم التي وصفوني بها ليست حجة، ووصية رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بالأئمة وبي وبالمهديين ليست حجة، ومعرفة القرآن وطرق السماوات لیست حجة).
فنصب کلمة: (رواياتهم) بالفتحة مع أنها تنصب بالكسرة، وقال: (حجة) بكسر الحاء، وكرر ذلك ثلاث مرات مع أنها مضمومة الحاء، والفرق بين الحجة والحجة، أن الحجة هي ما يستدل به على الخصم، وهو المراد في كلامه، وأما الحجة فهي السنة، كما قال تعالى : (قال إنّي أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) (القصص: 27)، أي ثماني سنوات، فانظر كيف تغير المعنى بالكلية، وأحمد إسماعيل لم يشعر بذلك!
*ومن أخطائه الفاضحة أنه قال: (والحق أقول لكم: إن في التوراة مكتوب: توکل علي بكل قلبك، ولا تعتمد على فهمك).
فرفع كلمة (الحق)، مع أنها منصوبة (بأقول) مقدرة، وسكن باء (مكتوب) من دون أن يبدل تنوين النصب بألف، وسکن لام (کل)، ونصب (قلبك) مع أنها مجرورة بالإضافة، ونصب (فهمك) مع أنها مجرورة ب (على).
* وقال: (من بيده ملكوت السماوات والأرض).
فرفع كلمة (السماوات) مع أنها مجرورة بالإضافة .
* وقال: (وهل كان أحد في زمن الإمام الصادق رأى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، حتى يقول الإمام الصادق علیه السلام : من أراد أن يرى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بالرؤيا فليفعل كذا وكذا).
ص: 184
فإنه ذكر كلمة (رسول) في هذا المقطع مرّتین، رفعها مرة وجرّها مرّة أخرى، وكلاهما خطأ، والصحيح نصبهما بالفتحة؛ لأن كلا منهما مفعول به.
* وقال: (قال الإمام علیه السلام : إن كلامنا في النوم مثل كلامنا في اليقظة).
فنصب كلمة (مثل)، مع أن حقها أن ترفع، لأنها خبر (إن).
* وقال: (ألم يقبل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إيمان خالد بن سعيد الأموي؛ لأنه رأى رؤيا؟ ألم يقبل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إيمان يهودي رأى رؤيا بموسى بن عمران علیه السلام ).
فجر كلمة (رسول) مرتين مع أن حقهما الرفع؛ لأن كلا منهما فاعل مرفوع.
*ومن أخطائه الفاضحة أنه قال: (إنا لله وإنا إليه راجعون، ما أثقل الدنيا في كفة ميزانکم).
فنصب كلمة (كفّة) مع أنها مجرورة ب- (في)، وعلامة جرها الكسرة.
* وقال: (الحسين عليه السلام فداء عرش الله سبحانه وتعالى).
فنصب کلمة (فداء) مع أنها مرفوعة لأنها خبر.
* وقال: (وواجه الحسين عليه السلام العلماء غير العاملين).
فجر كلمة (غير) مع أن حقها النصب؛ لأنها صفة للعلماء التي هي منصوبة.
* وقال: (وواجه الحسين في كربلاء الدنيا وزخرفها).
فجر كلمة (زخرفها) مع أن حقها النصب؛ لأنها معطوفة على منصوب وهو (الدنيا).
*وقال: (وأي خصاصة كانت خصاصۃ العباس عليه السلام، وأي إيثار کان إيثاره؟).
ص: 185
فجر كلمة (خصاصة) وحقها الرفع؛ لأنها اسم (كان)، كما أنه نصب کلمة (إيثاره)، وكان اللازم رفعها؛ لأنها اسم (كان).
*ومن أخطائه الفاضحة أنه قال: (ولقد انتصر الحسين علیه السلام وأصحابه في هذه المواجهة).
فنصب کلمة (أصحابه)، مع أن اللازم رفعها؛ لأنها معطوفة على مرفوع وهو (الحسين).
*ومن أخطائه أيضا أنه قال: (وأما الدنيا وزخرفها فقد طلقها الحسين علیه السلام وأصحابه علیهم السلام و ساروا في ركب الحقيقة).
فإنه جر كلمة (وزخرفها)، مع أنها معطوفة على مرفوع وهو (الدنيا)، ونصب كلمة (أصحابه) مع أن حقها الرفع؛ لأنها معطوفة على مرفوع وهو (الحسين).
*وقال: (میزان الشهادة التي شهدها الحسين عليه السلام وأصحابه علیهم السلام بدمائهم).
فإنه نصب کلمة (أصحابه) مع أن حقها الرفع؛ لأنها معطوفة على مرفوع وهو (الحسين).
* ومن أخطائه الفاضحة أيضا أنه قال: (إن هؤلاء العلماء غير العاملين الذين يؤیدون حرية أمريكا وديموقراطيتها، أحرارا؛ فلو كانوا عبيدا للّه لاستحوا من الله).
فإنه جر كلمة (غير) مع أنها منصوبة بالفتحة؛ لأنها صفة لمنصوب وهو (العلماء)، وجر كلمة (وديموقراطيتها)، مع أن اللازم نصبها بالفتحة؛ لأنها معطوفة على منصوب وهو (حرية)، ونصب کلمة (أحرار) مع أن حقها الرفع؛ لأنها خبر (إن)، وقال: (لاستحوا)، والصحيح: (لاستحیوا).
ص: 186
هذا قليل من أخطائه في خطاب واحد، مع أني تغافلت عما التزم به أحمد إسماعيل من تسکين أواخر أكثر کلیات خطابه، وتركت النظر في باقي خطابه لأني سئمت من عد أخطائه، وخشيت أن يمل القارئ الكريم من ذكر جميع الأخطاء التي وقع فيها في هذا الخطاب.
ولو تتبعنا أخطاءه النحوية في كتبه وباقي خطاباته لطال بنا المقام، فلا تكاد تجد تسجيلا صوتيا له خاليا من أخطاء لغوية ونحوية فاضحة في كل سطر يقرؤه، وكل من يعرف علم النحو ويستمع إلى كلامه يجزم بأنه رجل جاهل بقواعد اللغة العربية، فأي إمام معصوم هذا؟!
ومن العجائب تبرير أحد أنصاره وهو ناظم العقيلي، حيث قال:
(فهل يعقل يا حسن النجفي أن السيد أحمد الحسن لا يميز حروف الجر، هل هي ناصبة للأسماء أم جارة لها؟! فهذا الأمر لا يخفى على أدنى المستويات العلمية. وأحب أن أخبرك بأن السيد أحمد الحسن لا يشق له غبار في علوم اللغة العربية، وهو أعرف بها منك ومن أسيادك، ولكنه لا يبالغ في التركيز على ذلك في كتاباته بقدر ما يرکز على وضوح المعنى وقوة الحجة والبرهان، والأخطاء التي تشدقت بها لا تغير المعنى، وأغلبها من الترف اللغوي الذي يضر أكثر مما ينفع، وهو من الانهماك في اللغة الذي ورد النهي عنه من أهل البيت عليهم السلام كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعال)(1).
ولا يخفى أن هذا تبرير سخيف جدا لا يصدر إلا من معاند مکابر؛ لأنا لاحظنا أن أحمد إسماعيل أخطأ فنصب المجرور ب- (في) و(على)، فقال: (في كفة ميزانكم)، وقال: (ولا تعتمد على فهمك)، وهذا دليل على أنه دون أقل المستويات العلمية.
ص: 187
وقوله: (إنه لا يبالغ في التركيز على ذلك) شهادة من ناظم العقيلي بأن إمامه ضعيف التركيز، ونحن لا نطلب منه المبالغة في التركيز، وإنما نطلب منه أدنى التفات، بحيث يرفع المرفوع، وينصب المنصوب، ويجر المجرور، لا أكثر من ذلك.
وزعمه أن أخطاء أحمد إسماعيل لا تغير المعنى غير صحيح؛ لأن من أخطائه المغيرة للمعنى قوله: (وأما الدنيا وزخرفها فقد طلقها الحسين عليه السلام وأصحابه عليهم السلام ) حيث نصب كلمة (أصحابه) مع أنها مرفوعة؛ لأنها معطوفة على (الحسين)، وما يريد أن يقوله هو: (أن الحسين عليه السلام وأصحابه طلقوا الدنيا)، ولكن لما نصب أحمد إسماعيل كلمة (أصحابه) صار المعنى: (إن الحسين طلق الدنيا وطلق أصحابه)، وهو معنی فاسد وغير مراد.
وزعم العقيلي أن السيد أحمد الحسن لا يشق له غبار في علوم اللغة العربية من المكابرات السمجة التي لا تستحق أن يرد عليها.
* ذكر أحمد إسماعيل في تفسير قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويکون الرسول عليکم شهيداً (البقرة: 143)، أن الأمة الوسط (هم الأمة المحمدية الحقيقية، وهم الثلاث مائة الثلاث [كذا] عشر، والوسط هو الصراط المستقيم، وهو المهدي الأول، لأنه وسط بين الأئمة والمهديين، فالأئمة الوسط هم أتباع المهدي الأول وأنصار الإمام المهدي علیه السلام ، وهم أيضا خير أمة أخرجت للناس، بل وخير أئمة)(1).
فإن كلامه متضارب جدا، لأنه قال: (إن الأمة الوسط هم الثلاثمائة والثلاثة عشر)، ثم عدل عن كون هؤلاء هم الوسط، فقال:
ص: 188
(والوسط هو المهدي الأول)، ومن المعلوم أن الخبر عين المبتدأ، وهنا جعل الأمة هي الثلاثمائة والثلاثة عشر رجلا، وجعل الخبر وهو الوسط: المهدي الأول، فكيف يخبر عن الجمع بمفرد مغایر له؟!
ثم عدل عما قاله قبل سطرين، وقال: (إن الأمة الوسط هم أتباع المهدي الأول وأنصار الإمام المهدي عليه السلام)، ولا يخفى أن الثلاثمائة والثلاثة عشر ليسوا أتباع المهدي الأول وهو أحمد إسماعيل، وإنما هم أنصار الإمام المهدي المنتظر علیه السلام.
ثم وصف أتباع المهدي الأول بأنهم خير أمة وخير أئمة، ومن المعلوم أن أتباع المهدي الأول ليسوا بأئمة، فانظر مقدار التضارب والهذيان في كلام له لا يتجاوز خمسة أسطر!
*وفي تفسير قوله تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا للّه قانتين) (البقرة: 238)، قال:
(والصلاة هي الولاية، أي حافظوا على الولاية، والصلاة الوسطى أي الولاية بين الأئمة والمهديين، أي ولاية المهدي الأول في بداية ظهور الإمام المهدي علیه السلام ؛ لأن المهدي الأول من المهديين، وأيضا يعد من الأئمة كما في الروايات عنهم علیهم السلام التي تعد الأئمة من ولد علي وفاطمة عليهماالسلام اثني عشر)(1).
ولا يخفى أن عطف الصلاة الوسطى على الصلوات _ وهو ما يعبر عنه بذكر الخاص بعد العام_ إنما هو لبيان أهمية الخاص، وولاية المهدي الأول _ وهو أحمد إسماعيل کما یزعم _ ليست أكثر أهمية من ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام ، و ولاية باقي الأئمة المعصومين عليهم السلام لتكون مخصوصة بالذكر دون ولاية باقي الأئمة عليهم السلام !
ص: 189
والمهدي الأول ليست له ولاية خاصة به في بداية ظهور الإمام المهدي عليه السلام؛ لأنه تابع للإمام المهدي عليه السلام ورعية له، فأي ولاية له؟ وإذا كانت له ولاية فإنها ستكون بعد وفاة الإمام المهدي عليه السلام وتولي المهدي الأول مقاليد الإمامة، وولايته حينئذ لا خصوصية لها ليرد التأكيد عليها دون غيرها.
أضف إلى ذلك أن الآية التي بعد هذه الآية، وهي قوله سبحانه: (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون) (البقرة: 239) يدل على أن المراد بالصلوات في الآية السابقة هي الصلوات المعروفة؛ لأن ما يصح أن يؤتى به رجالا أو ركبانا في حال الخوف هو الصلاة لا الولاية كما هو واضح.
هذا مع أن ما قاله أحمد إسماعيل مخالف لما دلت عليه الروايات الصحيحة المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في تفسير هذه الآية.
منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام في حديث قال: «وقال تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى)، وهي صلاة الظهر، وهي أول صلاة صلاها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وهي وسط النهار، ووسط صلاتين بالنهار: صلاة الغداة وصلاة العصر»(1).
ومنها: صحيحة أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: «صلاة الوسطى: صلاة الظهر، وهي أول صلاة أنزل الله على نبيه صلی الله علیه و آله و سلم »(2).
وغيرهما من الروايات الدالة على خلاف ما يقوله أحمد إسماعيل.
* وفي تفسير قوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي
ص: 190
خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها و بثّ منهما رجالا كثيرا ونساء) (النساء: 1)، قال:
(خلق الله سبحانه وتعالى محمد صلی الله علیه و آله و سلم ، ثم خلق منه عليا، وفاطمة،نورا ظاهره علي، وباطنه فاطمة، ثم خلق الخلق منهما)(1).
وهو كلام يخالف ظاهر الآية المباركة؛ فإن ظاهر الآية أن ابتداء الخلق نفس واحدة، ثم خلق منها زوجها، وهو إشارة واضحة لآدم وحواء عليهماالسلام، وهو معنى قوله تعالى: (يا أيتها الناس إنّ خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند اللّه أتقاکم إن الله عليم خبير) (الحجرات: 13).
وليس المراد أن ابتداء الخلق كان من نفس واحدة، وهو نبينا محمد صلی الله علیه و آله و سلم ، الذي خلق منه على وفاطمة عليهماالسلام ؛ لأن الله تعالى قال: (وخلق منها زوجها)، وأمير المؤمنين والسيدة فاطمة علیهماالسلام ليسا زوجا للنفس الأولى!
ويظهر من قوله: (ثم خلق الخلق منهما) أن الضمير فيه يعود على علي وفاطمة عليهماالسلام؛ لأنه لو كان عائدا على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وعلي وفاطمة عليهماالسلام لقال: (ثم خلق الخلق منهم)، مع أن ظاهر قوله تعالى: (و بث منهما رجالا كثيرا ونساء) أن الله تعالى خلق من النفس الأولى وزوجها رجالا كثيرا ونساء.
*وقال أحمد إسماعيل في تفسير قوله تعالى: (یوقد بين شجرة مبارکة زیتونة لا شرقية ولا غربیة يكاد زيتها يضیء ولو لم تمسسه نار) (النور: 35):
ص: 191
(فالزيتون، والشجرة التي تخرج من طور سيناء، والتي تنبت بالدهن، والزيتونة اللاشرقية ولا غربية كلها تشير إلى شخص واحد، هو المهدي الأول في زمن ظهور الإمام المهدي عليه السلام، فهو الزيتون في السورة التي نحن بصددها، وهو الشجرة التي تخرج من طور سيناء (أي النجف) کما روي عن أمير المؤمنين والصادق عليه السلام )(1).
وهذا الكلام فيه عدة مجازفات، فإن قوله تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسکنّاه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون(18) فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لکم فيها فواكه کثیرة و منها تأكلون(19) و شجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للأكلين(20)) (المؤمنون: 18 _ 20)، واضح الدلالة على أن الله تعالى أنزل ماء من السماء، فخلق به جنات فيها ثمار شتى، وكذلك أنشأ به شجرة تخرج من طور سيناء، وهي شجرة حقيقية خلقها الله بماء المطر، يستفاد منها في الأكل، كما أنشأ الله سبحانه جنات من نخيل وأعناب وفواکه کثيرة لهذا الغرض، ولهذا وصف الله تعالى شجرة طور سيناء بأنها تنبت بالدهن وصبغ للاكلين، وهذه الشجرة هي شجرة الزيتون المباركة كما ذكر ذلك المفسرون.
قال الطبرسي قدس سره:
((تنبت بالدهن) أي تنبت ثمرها بالدهن(2)، لأنه يعصر من الزيتون الزيت، (وصبغ للأكلين) والصبغ ما يصطبغ به من الأدم، وذلك أن الخبز يلون بالصبغ إذا غمس فيه، والاصطباغ بالزيت الغمس فيه للائتدام به، والمراد بالصبغ الزيت... عن ابن عباس)(3).
ص: 192
وأما قوله تعالى: (وقد بين شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربیة يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار) فلا يراد به شجرة حقيقية معينة؛ لأن الله سبحانه ضرب هذا مثلا، فقال: (مثل نوره کمشکاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها کوکب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة).
وعليه، فكيف يمكن أن تكون هذه الشجرة التي يستفيد منها الناس في الأكل والزيت هي المهدي الأول؟! وكيف يكون المهدي الأول هو الشجرة التي ذكرها الله سبحانه في المثل الذي ضربه لنوره؟! وما خصوصية المهدي الأول من دون باقي الأئمة الأطهار عليهم السلام لتكون له هذه الخصوصية؟!
هذا مع أن أحمد إسماعيل خالف كلامه الذي قاله هنا في موضع آخر في تفسير هذه الآية، فقال:
( (يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربیّة) شجرة في وسط الجنة هي شجرة علم محمد وآل محمد صلی الله علیه و آله و سلم ، التي نهى الله آدم علیه السلام عن الأكل منها، (يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار) ؛ لأنها كلمات الله سبحانه، وهي القرآن، فهذا الزيت هو المدد الإلهي وهو القرآن)(1).
فأي التفسيرين هو الصحيح يا أولي الألباب؟
*وفي تفسير قوله تعالى: (وناديناه من جانب الطور الأيمن و قربناه نجیّا) (مریم: 52)، وقوله: (فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن ياموسى إنّي أنا الله رب العالمين (القصص: 30)، قال:
ص: 193
(الشجرة هي الشجرة المباركة في القرآن، وهي شجرة آل محمد علیهم السلام ، وفروعها الأئمة والمهديون...، والطور الأيمن، والوادي الأيمن هو اليماني (المهدي الأول من المهديين)، والبقعة المباركة هو [كذا] الحسين عليه السلام ، فالكلام من الطور الوادي الأيمن، أي اليماني (المهدي الأول)، والوادي الأيمن الطور الأيمن من البقعة المباركة أي من الحسين، فالمهدي الأول (اليماني) من ولد الحسين؛ لأنه من ذرية الإمام المهدي علیه السلام ، والبقعة المباركة من الشجرة (أي محمد وعلي علیهماالسلام)، فالحسين من محمد وعلي علیهماالسلام ...).
إلى أن قال:
(فمكلم موسى هو الله، ومکلم موسى هو محمد صلی الله علیه و آله و سلم ، وهو علي علیه السلام ، ومكلم موسى هو المهدي الأول (اليماني))(1).
وهذا الكلام هذیان واضح.
أما قوله: (الشجرة هي شجرة آل محمد عليهم السلام، وفروعها الأئمة والمهديون)، فهو باطل؛ لأن ظاهر الآية المباركة أن الله تعالى نادي نبيه موسى عليه السلام نداء حقيقيا خلقه سبحانه وجعله منبعثا من شجرة حقيقية، فأسمعه موسى علیه السلام ، ولا معنى لمناداة موسى عليه السلام من شجرة آل محمد عليهم السلام.
وقوله: (والطور الأيمن، والوادي الأيمن هو اليماني (المهدي الأول من المهديين))، هذیان واضح؛ لأن معنى الآية على هذا: أن الله تعالى نادي موسى عليه السلام من جانب المهدي الأول، وهذا كلام لا يصدر من عاقل.
ص: 194
مع أن الآية الثانية فيها تصريح بأن النداء كان من شاطئ الوادي الأيمن، فلا ندري ما هو شاطئ أحمد إسماعيل الذي نودي منه موسى عليه السلام؟
وقوله: (والبقعة المباركة هو الحسين عليه السلام ) يضحك الثكلى؛ لأنه على هذا يكون المهدي الأول هو الجانب الأيمن من الإمام الحسين علیه السلام ، ويكون معنى الآية: أن الله تعالى نادى موسى عليه السلام (من الشجرة) أي من شجرة آل محمد علیهم السلام، لكن ليس من جميع الشجرة وانما من الجانب الأيمن من (الطور) وهو المهدي الأول، (في البقعة المباركة) وهي الإمام الحسين عليه السلام، أي إن المهدي الأول موجود في الإمام الحسين عليه السلام.
وهذا كما قلنا هذیان واضح لكل ذي عينين، وليس تفسيرا لآيات الكتاب العزيز.
وقوله: (والوادي الأيمن: الطور الأيمن من البقعة المباركة أي من الحسين، فالمهدي الأول (اليماني) من ولد الحسين)، مخالف لظاهر الآية، فإنه سبحانه قال: (من شاطئ الواد الأیمن في البقعة المباركة)، أي إن الوادي الأيمن موجود في البقعة المباركة، لا من البقعة المباركة، حتى يفسر بأن المهدي الأول من الإمام الحسين عليه السلام.
ثم كيف يكون مكلم موسى هو محمد صلی الله علیه و آله و سلم ، أو علي عليه السلام ، أو المهدي الأول (اليماني)، والله سبحانه وتعالى يقول: (وكلم الله موسی تکلیما) (النساء:164)، مع أن النداء هو: (يا موسى إنّي أنا الله رب العالمين)، فهل يمكن أن ینادى موسى علیه السلام بهذا النداء من قبل غير الله تعالى ؟!
* ومن هذيان أحمد إسماعيل أيضا ما ذكره في تفسير قوله تعالى : (وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيکم أحسن عملا» (هود: 7)، حيث قال:
ص: 195
(العرش هو القرآن، والماء هو محمد صلی الله علیه و آله و سلم ، نور الله سبحانه وتعالى، وهو يجري في السماوات والأرض وفي الخلق كما يجري الماء في الأنهار)(1).
فإن معنى الآية هو أن الله تعالى لما خلق السماوات والأرض في ستة أيام كان القرآن على محمد صلی الله علیه و آله و سلم ، فلا ندري ما فائدة ذلك، وما أهميته؟!
ولو تتبعنا كلماته في تفسير آيات القرآن الكريم لرأينا فيها العجائب والغرائب التي لا يصدق عاقل أنها صادرة من شخص يدعي الإمامة والمهدوية، ولكن فيما ذكرناه كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
لا يخفى أن الفقه يعسر فيه بيان أي خطأ لفقيه أو مدع للفقاهة إلا ببيان دليل المسألة الذي ربما لا يفهمه أكثر الناس، ولو أنك أقمت الدليل على وقوع الخطأ فربما يزعم زاعم أن صاحب الفتوى لم يخطئ فيها؛ لأنه توصل إلى ما لم يتوصل إليه غيره، وكان عنده من الأدلة في هذه المسألة ما لم يكن عند غيره، خصوصا بالنسبة إلى هذا الرجل الذي يدعي أنه يتلقى الأحكام من الإمام المهدي المنتظر علیه السلام مباشرة.
وعليه فمن الصعب جدا إقناع القارئ المحايد فضلا عن الموالي لأحمد إسماعيل البصري بأنه أخطأ في هذه المسألة الفقهية أو تلك.
نعم، يمكن إثبات ذلك ببيان تناقض كلامه في موردين، وهذا كاف في بيان کذب دعواه أنه يتلقى الأحكام الفقهية وغيرها من الإمام المهدي عليه السلام.
ص: 196
فإن أحمد إسماعيل قال في كتاب (شرائع الإسلام):
(وأما ماء البئر فإنه ينجس بالملاقاة إذا كان ما فيه أقل من کر، وماؤه يأتيه بالرشح، أما إذا كان ماؤه يأتيه بالعين المتصلة بمادة الماء الجوفي أو كان ماؤه کرّا فما فوق فلا ينجس إلا بتغير أحد أوصافه: اللون أو الطعم أو الرائحة، وطريقة تطهيره: ينزح منه ماء بحسب ما وقع فيه.
1_ من موت العصفور إلى الدجاجة أو ما في حجمها فيه: بين (10 لتر [كذا]_100 لتر) بحسب حجم الحيوان وحاله، والعقرب والحية والوزغ ينزح لها بين (30 لتر 70 لتر) [ كذا] بحسب حجم الحيوان وحاله)(1).
وكلامه هذا دليل على أنه يرى أن ما مات من العقارب والحيات والوزغ كله نجس، وإذا وقع في البئر تنجس، ولزم تطهيره بنزح بعض الماء منه.
ولكنه قال في تعداد النجاسات:
(السادس والسابع: الكلب والخنزير، وهما نجسان عينا ولعابا، وما عداهما من الحيوان فليس بنجس، والثعلب والأرنب والفأرة والوزغة طاهرة)(2).
وقال أيضا قبل ذلك:
(الرابع: الميتة: ولا ينجس من الميتات إلا ما له نفس سائلة...)(3).
والمراد بما له نفس سائلة: ماله عروق ينبعث منها الدم إذا قطعت كالإنسان والشاة والبعير ونحوها، وهذه ميتتها نجسة، وأما ما ليس له نفس سائلة كالوزغ والذباب والعقرب والحية فليس كذلك، و ربما یرشح منها الدم رشحا كالسمك مثلا، وهذه ميتتها طاهرة.
ص: 197
قال الشيخ الطوسي في الخلاف:
(مسألة 145: ما لا نفس له سائلة، كالذباب، والخنفساء، والزنابير وغير ذلك، لا ينجس بالموت، ولا ينجس الماء، ولا المائع الذي يموت فيه...).
إلى أن قال:
(دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل طهارة الماء، والحكم بنجاسة هذه الأشياء يحتاج إلى دليل. وروى عمار الساباطي، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: سئل عن الخنفساء، والذباب، والجراد، والنملة، وما أشبه ذلك يموت في البئر، والزيت والسمن وشبهه؟ قال: «كل ما ليس له دم فلا بأس به». وروى حفص بن غیاث، عن جعفر بن محمد علیه السلام، قال: «لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة»(1).
فإذا كانت الوزغة طاهرة عند أحمد إسماعيل فلماذا أوجب نزح (30) لتراً لموتها في البئر، مع أنه صرح بأن الغرض من النزح هو التطهير؟!
وما أعده خطأ _وأمثاله كثير_ تحديده لأقل زمان نكاح المتعة بستة أشهر، حيث قال:
(وأما الأجل فهو شرط في عقد الزواج المنقطع، ولو لم يذكره انعقد دائما، وتقدير الأجل إليهما، طال أو قصر، وأقله ستة أشهر )(2).
مع أنه لم يرد في شيء من روايات أهل البيت عليهم السلام تحديد أقل زمان نكاح المتعة بستة أشهر.
قال صاحب الجواهر قدس سره :
((و) كيف كان ف- (تقدير الأجل إليهما، طال أو قصر، کالسنة
ص: 198
والشهر واليوم)؛ لإطلاق الأدلة الخالية عن تحديده قلة وكثرة، بل صریح غير واحد منها التعليق على ما شاءا من الأجل وتراضيا عليه، مؤيدا ذلك بإطلاق الفتاوى على وجه يمكن دعوى الإجماع عليه، وما عن ظاهر الوسيلة من تقدير الأقل بما بین طلوع الشمس والزوال محمول على المثال، وإلا كان محجوجا بها عرفت)(1).
فإن كتب أحمد إسماعيل اشتملت على طعون متعددة في مقامات بعض الأنبياء عليهم السلام.
منها: أنه زعم في كتابه (المتشابهات) أن نبي الله إبراهيم عليه السلام كان يعتقد بأرباب غير الله تعالى، فقال:
(فإبراهيم عليه السلام لما کشف له ملكوت السماوات، ورأى نور القائم عليه السلام قال: «هذا ربي»، فلما رأى نور علي علیه السلام قال: «هذا ربي»، فلما رأی نور محمد صلی الله علیه و آله و سلم قال: «هذا ربي»، ولم يستطع إبراهيم عليه السلام تمييز أنهم عباد إلا بعد أن کشف له عن حقائقهم، وتبين أفولهم وغيبتهم عن الذات الإلهية، وعودتهم إلى الأنا في آنات، وعندها فقط توجه إلى الذي فطر السماوات، وعلم أنهم عليهم السلام (صنائع الله، والخلق بعد صنائع لهم) کما ورد في الحديث عنهم عليهم السلام )(2).
ولا يخفى أن نبي الله إبراهيم عليه السلام أجل وأعرف بالله تعالى من أن يقع في هذه الوقعة العظيمة، فيعتقد أن له أربابا من دون الله تعالى ولو في بعض الآنات؛ إذ كيف يرى نوراً في السماء فيعتقد أنه ربه، ثم يرى نوراً
ص: 199
آخر، فينصرف عن اعتقاده الأول، ويعتقد أن هذا النور الثاني هو ربه، ثم يرى نورا ثالثا، فيعتقد أن هذا النور هو ربه!؟
مع أن كلام أحمد إسماعيل خلاف ظاهر الآيات الشريفة، فإن الله تعالى قال:( فلما جن عليه الليل رأی کوکبا قال هذا ربي) (الأنعام: 76)، (فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي) (الأنعام: 77)، (فلما رأى الشمس بازغة قال هذا تي هذا أكبر) (الأنعام: 78)، فإنه سبحانه وتعالى ذكر أين إبراهيم عليه السلام رأى كوكبا، ثم رأى القمر، ثم رأى الشمس، وأما أحمد إسماعيل فإنه ذكر أنه إنما رأى أنوارا، ولم ير كوكبا أو القمر والشمس.
مع أن إبراهيم عليه السلام لم يخبر بأنه يعتقد أن هذه المخلوقات أربابا له، وإنما قال: هذا ربي ؟ على نحو الإنكار والاستخبار، كأنه قال: أهذا ربي؟ منكراً أن يكون هذا ربه، ومستخبراً)، أي سائلا لمن يسمعه، فكأنه سأله قائلا: هل تقول: إن هذا ربي؟
وقوله تعالى: (و تلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه) (الأنعام: 83) فيه دلالة واضحة على أن ما قاله إبراهيم عليه السلام إنما كان في مقام الاحتجاج على قومه، وأما على تفسير أحمد إسماعيل فالأمر ليس كذلك.
وفي الروايات ما يدل على ما قلناه، فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن علي بن محمد بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليهماالسلام، فقال له المأمون: يا ابن رسول الله، أليس من قولك: الأنبياء معصومون؟ قال: «بلى»...
إلى أن قال: فقال المأمون: أشهد أنك ابن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم حقا، فأخبرني عن قول الله عزّوجلّ في حق إبراهيم عليه السلام : (فلما جنّ علیه الليل رأی کوکبا قال هذا ربی)، فقال الرضا علیه السلام : «إن إبراهيم عليه السلام وقع
ص: 200
إلى ثلاثة أصناف: صنف يعبد الزهرة، وصنف يعبد القمر، وصنف يعبد الشمس، وذلك حين خرج من السّرب(1) الذي أخفي فيه (فلما جن عليه الليل) ، فرأى الزهرة قال: (هذا ربی) على الإنكار والاستخبار، (فلما أفل) الكوكب (قال لا أحب الأفلين) ؛ لأن الأفول من صفات المحدث لا من صفات القدم، (فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي) على الإنكار والاستخبار، (فلما أقل قال لئن لم يهدنی ربي لأکوننّ من القوم الضالين)، يقول: لو لم يهدني ربي لكنت من القوم الضالين، (فلما) أصبح و (رأى الشمس بازغة قال هذا ربی هذا أكبر) من الزهرة والقمر على الإنكار والاستخبار لا على الإخبار والإقرار، (فلما أفلت قال) للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر والشمس: (يا قوم إنّي بريء مما تشرکون (78) إنّي وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين (79) ، وإنما أراد إبراهيم عليه السلام بما قال أن يبين لهم بطلان دينهم، ويثبت عندهم أن العبادة لا تحق لما كان بصفة الزهرة والقمر والشمس، وإنما تحق العبادة لخالقها وخالق السماوات والأرض، وكان ما احتج به على قومه مما ألهمه الله تعالى وآتاه کما قال الله عزّوجلّ : (و تلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه)»، فقال المأمون: لله درك يا ابن رسول الله(2).
كما أن أحمد إسماعيل زعم أن نبي الله يوسف علیه السلام أشرك، فإنه قال :
(وأوحى الله ليوسف: إن هذا السجين سينجو، وسيكون قريبا من الملك (برؤيا السجين)، وأوحى الله ليوسف علیه السلام : إن هذا الملك سيخرجه من
ص: 201
السجن، وإن هذا السجين سيكون سبب خروجه من السجن، ولهذا قال له يوسف علیه السلام : (اذكرني عند ربك)، أراد بهذا أن يبین لهذا السجين علمه بالغيب، عندما سيضطر في المستقبل إلى ذكره عند الملك، كما أراد لفت انتباه السجين إلى حاله، وليذكره في المستقبل عند الملك، إذ رأى الرؤيا التي ستكون سببا في خروج يوسف عليه السلام من السجن. وهنا التفت يوسف عليه السلام إلى الأسباب، ومع أنه لم يغفل عن مسبب الأسباب کما توهم بعضهم أنه طلب معونة السجين والملك، وغفل عن الله سبحانه، ولكن مع هذا فإ يوسف علیه السلام أشرك عندما جعل للأسباب قيمة ووزنا في ميزانه، وهو علیه السلام الذي لمس آيات الله ومعجزاته التي نجا بها فيما مضى من حياته، وهذا الشرك الخفي ذكر في آخر سورة يوسف: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون))(1).
وزعم أحمد إسماعيل كذلك أن موسى كان عنده أيضا شرك الأنا.
قال في كتابه (رحلة موسى إلى مجمع البحرین):
(إذن، جاء موسى عليه السلام للقاء العبد الصالح؛ لأنه ظن أنه قد حارب نفسه، وقتل الأنا في داخله، فكان المطلوب منه أن يصبر ويحارب نفسه وهو يرافق العبد الصالح، ولا يقول للعبد الصالح: (لو فعلت هذا، ولو لم تفعل هذا)، فهو عندما يواجه من هو أعلى منه مقاما بهذه الأقوال يظهر بجلاء ووضوح الأنا التي في داخله مقابل من هو مأمور باتباعه والانصياح لأمره. والحقيقة أن الأمر يعود إلى مواجهة موسى علیه السلام مع الله سبحانه وتعالى، فهو في كل مرة يقول: (أنا) مقابل العبد الصالح يعني أنه قال: (أنا) مقابل الله سبحانه وتعالى، وهذا هو الامتحان بالتوحيد الذي فشل فيه كثير من السائرين إلى الله، أي إنهم
ص: 202
يستهينون ربما بقولهم: (أنا) مقابل خليفة الله أو مقابل أقواله عندما يقترحون بآرائهم مقابل أمر خلفاء الله _ في حين أنها (أنا) مقابل الله سبحانه وتعالى في حقيقتها وواقعها_ وفي حين أنهم جاؤوا للامتحان بهذا، فهم يفشلون ودون حتى أن يلتفتوا إلى فشلهم)(1).
بل إنه نفى العصمة عن موسى علیه السلام في بعض مراتبها، فقال:
(موسى علیه السلام نبي مرسل من الله معصوم منصوص العصمة، ومع هذا يأمره الله سبحانه أن يتبع العبد الصالح ولا يخالفه، وهو نفسه قد تعهد بعدم المخالفة (قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصی لك أمرا) ، ولكنه أخلف وعده، وخالف العبد الصالح، ولو كانت المخالفة واحدة وفي مرة واحدة لهانت، ولكنه خالف في كل الامتحانات والاختبارات، فهي كانت ثلاثة، وخالف في ثلاثتها، يعني موسى علیه السلام هنا قد خالف أمر الله، وإذا لم تشأ قول: (إنه خالف أمرا مباشرا)، فليكن أنه خالف تعهده، وهذا أكيد ينقض العصمة هنا وفي هذا الموقف)(2).
وفي جواب لأحمد إسماعيل يشير إشارة واضحة إلى أنه أفضل من نبي الله موسى من بعض الجهات، فقد ورد له سؤال نصه:
(ما المواصفات التي أهلتك لهذه المهمة، أو لنقل: ماهية المواصفات التي میزتك عن باقي أبناء الشيعة لكي يختارك مهديهم لسفارته؟).
فأجاب أحمد إسماعيل بقوله:
(عندما كلم الله موسى عليه السلام قال له: (إذا جئت للمناجاة فاصحب معك من تكون خيرا منه). فجعل موسی علیه السلام لا يعترض أحدا إلا وهو لا يجترئ أن
ص: 203
يقول: (إني خير منه)، فنزل عن الناس، وشرع في أصناف الحيوانات، حتى مر بكلب أجرب، فقال: أصحب هذا. فجعل في عنقه حبلا، ثم مرّ به، فلما كان في بعض الطريق نظر موسى علیه السلام إلى الكلب، وقال له: لا أعلم بأي لساني تسبح الله، فكيف أكون خيرا منك؟ ثم إن موسی علیه السلام أطلق الكلب، وذهب إلى المناجاة، فقال الرب: يا موسى أين ما أمرتك به؟ فقال موسى علیه السلام : يا رب لم أجده. فقال الرب: یا ابن عمران، لولا أنك أطلقت الكلب لمحوت اسمك من ديوان النبوة).
وعقب أحمد إسماعيل على ذلك بقوله:
(وأنا العبد الحقير لا يخطر في بالي أني خير من کلب أجرب، بل أراني ذنبا عظيما يقف بين يدي رب رؤوف رحيم)(1).
وفي كلامه إشارة واضحة إلى أنه إنما صار مؤهلا للسفارة لأنه خير من موسی بن عمران علیه السلام من جهة إنكاره لذاته.
* فإن أحمد إسماعيل ذكر أن أمير المؤمنين عليه السلام عقله مغلوب من جهة الأنا والظلمة، فقد وجه إليه سؤال نصه: (ما معنى قول أمير المؤمنين علیه السلام في دعاء الصباح: «عقلي مغلوب»؟).
فأجاب بقوله:
(من جهة الأنا والظلمة، فلو لم يكن فيه هذا الحال لكان محمد [كذا ] صلی الله علیه و آله و سلم ، وكان في مرتبة (إنا فتحنا لك فتحا مبينا)، وهي مرتبة محمد صلی الله علیه و آله و سلم (2).
ص: 204
كما أنه ذكر أن (الإنسان) في قوله تعالى: (إن الإنسان لفي خسر) (العصر: 2) هو أمير المؤمنين عليه السلام ، فقد ورد له سؤال نصه: (ما معنى قوله تعالى : (إن الإنسان لفي خسر)؟).
فأجاب بقوله:
(أمير المؤمنين علي علیه السلام ، فهو الإنسان، وهو في خسر نسبة إلى محمد صلی الله علیه و آله و سلم ، فمقام الرسول صلی الله علیه و آله و سلم أعلى وأعظم من مقام الإمام علي علیه السلام ، فالرسول محمد صلی الله علیه و آله و سلم هو مدينة الكمالات الإلهية في الخلق أو مدينة العلم، وعلى علیه السلام هو الباب...)(1).
وهذا كلام باطل جزما؛ لأن الله تعالى يقول: «إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) (العصر: 3)، فاستثنى الذين آمنوا وعملوا الصالحات عن أن يكونوا في خسر، وفي هذا دلالة واضحة على أن المراد بالإنسان هو جنس الإنسان، لا واحد بعينه؛ لأنه لو كان واحدا بعينه كما يقول أحمد إسماعيل لما صح هذا الاستثناء منه.
ثم ما هو السبب الذي جعل أمير المؤمنين عليه السلام بخصوصه في خسر نسبة لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ؟ والحال أنه إذا كان أمير المؤمنين علیه السلام في خسر فإن باقي الناس كذلك من باب أولى.
وكان اللازم على أحمد إسماعيل أن يبين للقراء ماذا خسر أمير المؤمنين علیه السلام ؟ وكل حياته طاعة الله تعالى وجهاد وتضحيات في سبيله، وهو الذي قال عندما ضربه عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله: «فزت ورب الكعبة».
ص: 205
*ومما ذكره أحمد إسماعيل أيضا أن الإمام الحسين علیه السلام فيه شرك نفسي، وهو الأنا، فقد ورد إليه سؤال نصه: (ما معنى قول الحسين عليه السلام في دعاء عرفة: «إلهي أخرجني من ذل نفسي، وطهرني من شکي وشركي»؟).
فأجاب بجواب طويل ذكر فيه أن الشرك ثلاثة أنواع، إلى أن قال:
(3_ الشرك النفسي: وهو أخفى أنواع الشرك، وهو (الأنا) التي لا بد للمخلوق منها، وهي تشوبه بالظلمة والعدم، التي بدونها لا يبقى إلا الله سبحانه وتعالى، وبالتالي فكل عبد من عباد الله هو مشرك بهذا المعنى، والإمام الحسين علیه السلام أراد هذا المعنى من الشرك وما يصحبه من الشك، وكان الإمام الحسين عليه السلام يطلب الفتح المبين، وإزالة شائبة العدم والظلمة عن صفحة وجوده، التي بدونها لا يبقى إلا الله الواحد القهار سبحانه، وبالتالي فإن الحسين عليه السلام كأنه يقول: (إلهي لا أحد يستحق الوجود إلا أنت،ووجودي ذنب عظيم لا سبيل إلى غفرانه إلا بفنائي وببقائك أنت سبحانك). وهذا الشك والشرك بالقوة لا بالفعل، أي إن منشأه موجود، لا أنه موجود بالفعل، أي إن قابلية الفعل موجودة، لكنها غير متحققة بالفعل، أي لا توجد في الخارج...)(1).
والتهافت كثير في هذا الكلام، فإن الشرك والشك إذا كانا غير موجودين بالفعل فلماذا يدعو الإمام الحسين علیه السلام ربه لكي يطهره منها؟ ولم يدعو عليه السلام أن يطهره الله سبحانه من الشك والشرك اللذين بدونهما لا يبقى إلا الله تعالى ؟ وهل يصح أن يكون معنی کلام الإمام الحسين عليه السلام أنه لا أحد يستحق الوجود إلا الله، وأن وجوده
ص: 206
ذنب عظيم لا سبيل إلى غفرانه إلا بفنائه؟! مع أنه علیه السلام لم يتسبب في وجوده، وكان وجوده بفعل الله تعالى، وهو نعمة ورحمة أسبغهما الله سبحانه وتعالى عليه؟
والغريب أن أحمد إسماعيل مع ذلك يزعم أنه تخلص من ظلمة الأنا، حيث قال:
(وهكذا الإمام المهدي عليه السلام يستغني في زمن الظهور عن روح القدس الأعظم؛ لأنه فتح له في زمن الغيبة الصغرى، فينتقل روح القدس الأعظم إلى المهدي الأول، فكما يصدق: (أنفسنا وأنفسكم) على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وعلي علیه السلام، كذلك يصدق هنا على الإمام المهدي علیه السلام والمهدي الأول علیه السلام، من جهة الرداء الذي لبسه رسول الله وأمير المؤمنين، وهو روح القدس الأعظم، وإلا فلا تساوي بينهما إلا من هذه الجهة، فرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أفضل من علي عليه السلام ، وكذلك الإمام المهدي علیه السلام أفضل من المهدي الأول، وتساويهم من هذه الجهة جهة الرداء، وهو روح القدس الأعظم، الذي تردى به المهدي الأول؛ لأنه يحتاج إلى التسديد، ولم يحصل له الفتح ، بينما الإمام المهدي علیه السلام حصل له الفتح، فتسديده من الفتح؛ لأنه في آنات لا يبقى إلا الله الواحد القهار. أما المهدي الأول فلم يحصل له الفتح، لهذا يسدد بروح القدس الأعظم، ويدعى له ب-: (أن يعبدك لا يشرك بك شيئا)، أي حتى الأنا الموجودة بين جنبيه لا يراها، فلا يرى ولا يعرف إلا الله)(1).
وفي هذا الكلام من الهراء ما لا يخفى، فإن الإمام المهدي علیه السلام والمهدي الأول إذا صدق عليهما: (أنفسنا وأنفسكم) کما زعم أحمد
ص: 207
إسماعيل، فإن الإمام المهدي إذا حصل له الفتح فقد حصل الفتح للمهدي الأول أيضا؛ لأنه نفسه ووصيه، والإمام من بعده، ووزيره، والحاكم في دولته بزعم أحمد إسماعيل، ولا حاجة لأن يكون للمهدي الأول فتح خاص به.
ثم إن كل إمام معصوم يحتاج إلى تسديد روح القدس دائما کما دلت عليه الأحاديث، والإمام المهدي عليه السلام كذلك حتى بعد حصول الفتح له في زمن الغيبة، ولا معنى لما زعمه أحمد إسماعيل من أن الإمام المهدي عليه السلام لما حصل له الفتح في غيبته فإن تسديده يكون من الفتح؛ إذ كيف يكون الفتح مسددا للإمام المهدي علیه السلام ؟ وأي فتح هذا الذي حصل للإمام المهدي عليه السلام في زمن غيبته حتى أغناه عن أن يسدده روح القدس؟!
بل إن الإمام المهدي عليه السلام بعد قيام دولته أكثر حاجة لتسديد روح القدس له؛ لكثرة الحوادث والوقائع وشدة الحاجة إلى الحكم فيها بحكم الله وحكم رسوله صلی الله علیه و آله و سلم، وهذا يتطلب التسديد المؤکد کما دلت الروايات على أن الإمام المعصوم يسدده روح القدس إذا أراد أن يحكم بحكم ولم يكن عنده في تلك الواقعة شيء.
فقد روى الشيخ الكليني قدس سره في (الكافي) بسند موثق عن عمار الساباطي، قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : بما تحكمون إذا حكمتم؟ قال: «بحكم الله وحكم داود، فإذا ورد علينا الشيء الذي ليس عندنا، تلقانا به روح القدس»(1).
وروى الصفار في (بصائر الدرجات) بسنده عن علي بن عبد العزيز، عن أبيه، قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : جعلت فداك، إن الناس يزعمون أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وجه عليا علیه السلام إلى اليمن ليقضي بينهم، فقال علي: «فما وردت علي
ص: 208
قضية إلا حكمت فيها بحكم الله وحكم رسوله صلی الله علیه و آله و سلم ». فقال: «صدقوا». قلت: وكيف ذاك ولم يكن أنزل القرآن كله، وقد كان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم غائبا عنه ؟ فقال :
«تتلقاه به روح القدس»(1).
ومن غرائب کلمات أحمد إسماعيل في كتابه: (إضاءات من دعوات المرسلين) أنه قال:
(فأينما تتجهون فإن قبلتكم إلى الله هي وجه الله (ولي الله وحجته على خلقه)؛ لأن روحه لا تقيد بقيد الأجسام، فهي موجودة ومحيطة بكم من کل الجهات، شرقا وغربا شمالا وجنوبا، بل لو تفقهون هذه الكلمات لعرفتم الحقيقة، فال محمد صلی الله علیه و آله و سلم هم الطعام الذي تأكلون، والماء الذي تشربون، والهواء الذي تتنفسون، قال عيسى علیه السلام : (أنا خبز الحياة)، وآل محمد هم موسى وهامان، وهم إبراهيم ونمرود، وهم نار إبراهيم، وهم بردها وسلامها، فقلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن، وآل محمد هم الرحمن في الخلق، وهم صنائع الله والخلق صنائع لهم، وخلقهم الله، ومنهم عليهم السلام خلق الخلق)(2).
وهذا الكلام فيه من الغرائب ما لا يخفى؛ إذ كيف يكون آل محمد عليهم السلام موسى وهامان، وإبراهيم ونمرود، فتكون حقيقتهم علیهم السلام جامعة للمتضادات التي لا تجتمع بحال ؟!
وإذا أمكن أن نؤؤل كلامه بأن آل محمد صلی الله علیه و آله و سلم هم موسى وإبراهيم علیهماالسلام، أي إنهم كموسى وإبراهيم في أنهم حجج الله تعالى الذين تجب طاعتهم، ويجب التمسك بهم، فلا يمكن أن تؤول قوله: (إن آل محمد صلی الله علیه و آله و سلم هم هامان ونمرود»، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ص: 209
كل من يطالع الكتب المنسوبة إلى أحمد إسماعيل يرى أنها اشتملت على كثير من الغرائب والعجائب التي لا يصدقها عاقل، وسأذكر نماذج من غرائبه ليتبين للقارئ العزيز صحة ما قلته فيه، فمن هذه الغرائب:
1) أن الحجر الأسود هو أحمد إسماعيل نفسه:
فإنه قال في كتابه (المتشابهات):
(بقي أن أمانة كل إنسان مرتبطة بصاحب الأمانة، وهو كما عبر عنه علیه السلام : بأنه ملك ابتلع كتاب العهد والميثاق، وهو الحجر الأسود في الركن العراقي في الكعبة، وهو في الحقيقة إنسان، وهو المهدي الأول واليماني، وهو صاحب الأمان، ولذلك فهو الفاتح لدولة العدل الإلهي والممهد الرئيسي لها، والحاكم الأول بعد قائدها الإمام المهدي عليه السلام )(1).
وهذا كلام كسابقه لا معنى له، بل هو كلام متهافت، فتارة يقول: إن الحجر الأسود ملك، وتارة أخرى يقول: (إنه إنسان)!، فكيف يمكن الجمع بين هذين الادعاءين؟!
ثم كيف يكون الحجر الأسود هو اليماني والمهدي الأول، مع أن الحجر الأسود والمهدي الأول شيئان متباينان؟!
ولا ندري بعد هذا ماذا سيحدث إذا قام المهدي الأول الذي هو اليماني بثورته ليمهد للإمام المهدي عليه السلام سلطانه، فهل سيبقى الحجر الأسود في مكانه؟ أم أن الحجر الأسود سيتحول بقدرة قادر إلى ثائر عنيد يحارب أعداء الله، وينتقم منهم؟!
وعلى هذا فإن نقطة انطلاق الحجر الأسود الذي هو المنصور
ص: 210
اليماني من الركن العراقي في الكعبة المشرفة مع أن الروايات دلت على أن اليماني سيخرج من اليمن، ومن صنعاء بالخصوص.
فقد روى الشيخ الصدوق بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر علیه السلام في حديث قال: قلت: يا ابن رسول الله، متى يخرج قائمكم؟ قال: «إذا تشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وركب ذوات الفروج السروج، وقبلت شهادات الزور، وردت شهادات العدول، واستخف الناس بالدماء وارتكاب الزنا وأكل الربا،واتقي الأشرار مخافة ألسنتهم، وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمد صلی الله علیه و آله و سلم بين الركن والمقام، اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية»(1).
وروى النعماني بسنده عن عبيد بن زرارة، قال: ذکر عند أبي عبد الله علیه السلام السفياني، فقال: «أنى يخرج ذلك؟ ولما يخرج کاسر عينيه بصنعاء»(2).
وإذا كان الحجر الأسود هو المنصور اليماني فينبغي لأحمد إسماعيل أن يبين للناس لماذا لا يزال الحجر الأسود في موضعه مع أن اليماني _وهو بزعمهم أحمد إسماعيل - موجود في العراق!
2) أن أحمد إسماعيل كان حجرا في يمين أمير المؤمنين عليه السلام :
قال في كتابه (الجواب المنير عبر الأثير):
(أنا العبد الحقير الخسيس الذليل قليل العمل كثير الزلل، أراني ذنبأ عظيما بين يدي رب رؤوف رحيم، أمرني أبي وسيدي محمد بن الحسن المهدي عليه السلام أن أقول هذه الكلمات: أنا حجر في يمين علي بن أبي
ص: 211
طالب علیه السلام ، ألقاه في يوم ليهدي به سفينة نوح علیه السلام ، ومرة لينجي إبراهيم عليه السلام من نار نمرود، وتارة ليخلص يونس عليه السلام من بطن الحوت، وكلم به موسى عليه السلام على الطور، وجعله عصا تفلق البحار، ودرعا لداود عليه السلام، وتدع به في أحد، وطواه بيمينه في صفين)(1).
أقول:
سبحان الله العظيم، ما أعظم هذا الحجر وأكثر بركته، وغرابة تحوله من شيء غريب إلى شيء آخر أغرب منه، والأغرب من كل ذلك أنه إمام معصوم، وثائر يمهد للإمام المهدي عليه السلام سلطانه، ولا ينقضي العجب منه إذا عرفت أنه حجر قد ولدته امرأة من أهل البصرة، فخرج من بطنها إنسانا لا يعرف نسبه بزعمه إلا بعد أن شارف على الأربعين!
وهذا الذي قاله أحمد إسماعيل ونسبه زورا وبهتانا للإمام المهدي علیه السلام كله هراء وهذیان، مخالف للقرآن الكريم و لأحاديث أهل البيت عليهم السلام ، أما مخالفته للقرآن فإنه دل بوضوح على أن الله تعالى أنجى نبيه إبراهيم عليه السلام بأن جعل النار بردا وسلاما عليه، قال سبحانه: قلنا یا نار کوني بردا وسلاما على إبراهيم» (الأنبياء: 69)، ولم يطفئها سبحانه بحجر ألقاه أمير المؤمنين عليه السلام في تلك النار.
وأما مخالفته لأحاديث أهل البيت عليهم السلام فإنها دلت على أن جبرئیل علیه السلام أعطى إبراهيم عليه السلام ثوبا من الجنة لا يضره معه حر ولا برد، فإن الكليني قدس سره روی بسنده عن مفضل بن عمر، عن أبي عبد الله علیه السلام، قال: سمعته يقول: « أتدري ما كان قميص يوسف علیه السلام؟»، قال: قلت: لا. قال: «إن إبراهيم عليه السلام لما أوقدت له النار أتاه جبرئیل علیه السلام بثوب من ثياب الجنة، فألبسه إياه، فلم
ص: 212
يضره معه حر ولا برد، فلما حضر إبراهيم الموت جعله في تميمة، وعلقه على إسحاق، وعلقه إسحاق على يعقوب، فلما ولد يوسف عليه السلام علقه عليه، فكان في عضده، حتى كان من أمره ما كان، فلما أخرجه يوسف بمصر من التميمة وجد يعقوب ريحه، وهو قوله: (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون) [يوسف: 94]، فهو ذلك القميص الذي أنزله الله من الجنة». قلت: جعلت فداك، فإلى من صار ذلك القميص؟ قال: «إلى أهله». ثم قال: «كل نبي ورث علما أو غيره فقد انتهى إلى آل محمد
صلی الله علیه و آله و سلم »(1).
وإذا كان الله أنجى إبراهيم عليه السلام بجعل النار بردا وسلاما عليه، وبقميص أنزله جبرئیل علیه السلام له من الجنة، فما هو دور هذا الحجر المزعوم المسمى بأحمد إسماعيل في نجاة إبراهيم علیه السلام بعد هذا كله؟
وأما نبي يونس عليه السلام فإن الله تعالى خلصه من بطن الحوت بأن نبذه منه إلى العراء بحكمته سبحانه وإرادته، لا بحجر كان في يمين علي عليه السلام . قال تعالى : و إن يونس لمن المرسلين (139) إذ أبق إلى الفلك المشحون (140) فساهم فكان من المدحضین (141) فالتقمه الحوت و هو مليم (142) فلولا أنه كان من المسبحین (143) للبث في بطنه إلى يوم يبعثون (144) فنبذناه بالعراء وهوسقيم (145) (الصافات: 139 _ 165).
وكذلك الحال في باقي هذیانه، فلا حاجة لبيان بطلانه لوضوحه.
3_ أن أحمد إسماعيل هو شبیه عیسی بن مريم الذي فداه بنفسه:
قال أحمد إسماعيل:
(وكان بعد منتصف الليل أن نام الحواريون، وبقي عيسى علیه السلام ، فرفعه الله، وأنزل (شبيهه الذي صلب وقيل)، فكان درعا له وفداء،
ص: 213
وهذا الشبيه هو من الأوصياء من آل محمد علیهم السلام، صلب، وقتل وتحمل العذاب لأجل قضية الإمام المهدي عليه السلام ).
إلى أن قال:
(وكل الأنبياء والأوصياء المرسلين تكلموا، لم يذهب أحد منهم صامتا إلى الذبح، بل هم أرسلوا ليتكلموا ويبکتوا ويعظوا الناس، وعيسى علیه السلام بالخصوص کم بکت العلماء والناس، وكم وعظهم، فلا يصدق عليه أنه ذهب إلى الذبح صامتا، بل هذا الذي ذهب إلى الذبح صامتا هو الوصي: (شبیه عیسى) الذي صلب وقتل دون أن يتكلم، أو يطلب من الله أن يصرف عنه العذاب والصلب والقتل، ودون أن يتكلم مع الناس)(1).
وهذه المسألة ذكرناها فيما سبق في ادعاءات أحمد إسماعيل، والغريب أنه إذا كانت له تلك المقامات العظيمة التي يدعيها لنفسه، فكيف يكون فداء لعيسى بن مريم عليه السلام، مع أنه يصرح کما مر سابقا في ادعاءاته أنه خير من عیسی علیه السلام ، فكيف يفدي من هو دونه في الفضل ؟! إن هذا لشيء عجيب !!
علما أن الروايات فيها ما يدل على أن الذي فدى نبي الله عيسى عليه السلام هو أحد حواريیة الاثني عشر، فقد روى علي بن إبراهيم في تفسيره بسند صحيح عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: «إن عيسى عليه السلام وعد أصحابه ليلة رفعه الله إليه، فاجتمعوا إليه عند المساء وهم اثنا عشر رجلا، فأدخلهم بيتا ثم خرج عليهم من عين في زاوية البيت وهو ينفض رأسه من الماء، فقال: إن الله أوحي إلى أنه رافعي إليه الساعة، ومطهري من اليهود، فأيكم يلقى عليه شبحي،
ص: 214
فيقتل ويصلب، ويكون معي في درجتي؟ فقال شاب منهم: أنا يا روح الله. قال: فأنت هو ذا»(1).
فهل كان أحمد إسماعيل موجودا في ذلك العصر؟
الذي يظهر من ادعاءاته أنه كان موجودا بجسمه هذا في عصور متعددة، وأنه قام بأدوار عظيمة، ولا أعجب إلا ممن يصدقه في هذه الادعاءات التي دليل كذبها معها!
قال أحمد إسماعيل:
(وأيضا بالنسبة للمسلمين السنة فقد حثهم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم على نصرة المهدي، وأسماه (خليفة الله المهدي) كما في الروايات الصحيحة في كتب السنة، وقد جئتهم واسمي يواطئ اسم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم (أحمد)، واسم أبي يواطئ اسم أب رسول الله (إسماعيل) کما نصت الروايات والرسول صلی الله علیه و آله و سلم قال: (أنا ابن الذبيحين: عبد الله وإسماعيل)).
والجواب:
أين المذكور في روايات أهل السنة هو الإمام المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا، وإنما يعرفه أهل السنة بعد خروجه وقيامه لتطهير الأرض من كل ظلم وجور، وأما الكذابون المدعون للمهدوية _ كأحمد إسماعيل الذي لم يأتي على صحة دعاواه بدلیل واحد صحيح _ فلا قيمة لدعاواهم كلها.
والروايات التي دلت على أن الإمام المهدي علیه السلام يواطئ اسمه
ص: 215
اسم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، واسم أبيه اسم أبيه وردت في حديث من طرق أهل السنة بصيغ مختلفة، وأكثر ما يقال فيه: (إنه حديث حسن عندهم).
مع أن هذا الحديث المتعدد الطرق يرد عليه عدة أمور:
1_ أن هذا الحديث تنتهي طرقه إلى عاصم بن أبي النجود صاحب القراءة المشهورة، وهو معروف عندهم بسوء الحفظ.
قال الذهبي: (ثبت في القراءة، وهو في الحديث دون الثبت، صدوق يهم.
وقال يحيى القطان: ما وجدت رجلا اسمه عاصم إلا وجدته رديء الحفظ.
وقال النسائي: ليس بحافظ.
وقال الدارقطني: في حفظ عاصم شيء.
وقال ابن خراش: في حديثه نكرة.
وقال شعبة: حدثنا عاصم بن أبي النجود وفي النفس ما فيها .
وقال ابن سعد: ثقة إلا أنه كثير الخطأ في حديثه.
وقال أبو حاتم: ليس محله أن يقال: ثقة)(1).
(وقال يعقوب بن سفيان: في حديثه اضطراب، وهو ثقة.
وقد تكلم فيه ابن علية وقال: كان كل من اسمه عاصم سيئ الحفظ.
وقال العقيلي: لم يكن فيه إلا سوء الحفظ)(2).
وحديث: «يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي» رواه عاصم عن زر بن حبيش، وقد أعل بعض علماء أهل السنة خصوص روایات عاصم المروية عن زر بن حبیش کما في هذه الرواية .
ص: 216
قال ابن رجب: (كان حفظه سيئا، وحديثه خاصة عن زر وأبي وائل مضطرب، كان يحدث بالحديث تارة عن زر، وتارة عن أبي وائل)(1).
قلت: إذا كان حال الرجل هكذا فكيف يصح التعويل على روايته في مسألة عقدية مهمة كهذه المسألة؟
2_ أن الرواية عن عاصم قد اختلفت من هذه الناحية، فمنهم من رواها عنه من دون ذكر: «واسم أبيه اسم أبي»، ومنهم من رواها عنه مشتملة على هذه الزيادة.
فقد أخرج الترمذي بسنده عن سفيان بن عيينة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، قال: «يلي رجل من أهل بيتي، یواطئ اسمه اسمي»(2) .
وأخرج أيضا بسنده عن سفيان الثوري، عن عاصم بن بهدلة، عن زر، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي»(3).
والذين رووا هذا الحديث عن عاصم خاليا من قوله: «واسم أبيه اسم أبي» أكثر من (18) رجلا ذكرتهم بالتفصيل في كتابي (من هو خليفة المسلمين في هذا العصر؟)، وبعض الرواة الذين رووا هذا الحديث مشتملا على هذه الزيادة، رووه أيضا عن عاصم خاليا منها، كما أن هذا
ص: 217
الحديث روي بأسانید غير مشتملة على عاصم بن أبي النجود خاليا من قوله: «واسم أبيه اسم أبي»(1).
3_ أنا لو سلمنا أن هذا الحديث صحيح، وأن النبي صلی الله علیه و آله و سلم فعلا قال ذلك، فإنه لا يدل بالجزم واليقين على أن المراد باسم أبيه هو (عبد الله) كما يقول أهل السنة، ولا (إسماعيل) كما يقول أحمد إسماعيل البصري؛ لأنه يمكن حمل هذه الرواية على أن المراد بالاسم فيها هو الكنية، فربما أطلق الاسم وأريد به الكنية.
فقد أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن سهل بن سعد، قال: ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي تراب، وإن كان ليفرح به إذا دعي بها(2).
ومن الواضح أن (أبا تراب) كنية وليست باسم؛ لأن الكنية هي كل ما صدر بأب أو أم، ولهذا قال ابن حجر في فتح الباري: (قوله: (باب القائلة في المسجد) ذكر فيه حديث علي في سبب تكنيته أبا تراب)(3).
وراوي الحديث وهو سهل بن سعد قال عن الكنية: (إنها اسم).
وعليه فيكون المراد بالحديث هو أن كنية والد المهدي ككنية والد النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، فكلاهما أبو محمد.
ومن الواضح أن غرض النبي صلی الله علیه و آله و سلم _ علی فرض صدور الحديث _ هو الإشارة إلى الإمام المهدي عليه السلام بما يحتمل أكثر من معنى؛ لتذهب العقول حيث شاءت؛ ولئلا تتيسر معرفته، فلا يتمكن الطالبون لقتله علیه السلام والساعون للإمساك به من تمييزه، ولهذا قال عبارة طويلة غير
ص: 218
صريحة في بيان الاسم، وهي: «يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي»، وكان من السهل إيجازها بما هو أبلغ منها وأصرح، بذكر اسمه واسم أبيه الصريحين لو كان اسمه محمد بن عبد الله، ولأجل ذلك احتملنا أنه صلی الله علیه و آله و سلم من أجل الإيغال في الإبهام أطلق الاسم وأراد الكنية.
4_ لو سلمنا أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، أراد الاسم، ولم يرد أن يكني عن الإمام المهدي علیه السلام ، فلا دليل عندنا يرجح أن اسمه أحمد بن إسماعيل، بل الراجح على هذا الفرض أن يكون اسمه (محمد بن عبد الله) كما يقول أهل السنة؛ لأنه لا حاجة لانتساب النبي صلی الله علیه و آله و سلم إلى أب بعيد وهو إسماعيل؛ إذ لا خصوصية في المقام لإسماعيل علیه السلام ، وإذا كان لا يريد_ لأي سبب _ أن ينتسب لأبيه القريب وهو عبد الله، فحينئذ تتعين النسبة إلى أشهر آبائه السابقين، وهو إبراهيم الخليل علیه السلام.
والنتيجة أن ما استدل به أحمد إسماعيل البصري لا ينطبق عليه من قريب ولا بعيد، وأن المراد بالمهدي في الحديث هو الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا، وهو الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام .
قال أحمد إسماعيل:
(وقد جئتكم بالنص التشخيصي الموصوف بأنه عاصم من الضلال لمن تمسك به).
والجواب:
أن المراد بالنص التشخيصي هو النص على الإمام بما يعينه ويميزه عن غيره، وأحمد إسماعيل لم يأت بنص تشخيصي على إمامته، والوصية التي يدندن
ص: 219
بها ليست نصا، لا تشخيصيا ولا غيره؛ لأن هذه الوصية ضعيفة السند کما قلنا مكررا، ومع التسليم بصحة سندها فإنا أوضحنا فيما تقدم أنها لا تدل على أحمد إسماعيل البصري، لا من قريب ولا من بعيد.
والضمير في قوله: «له ثلاثة أسامي: اسم کاسمي واسم أبي، وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي»، لا يعود على ابن الإمام المهدي علیه السلام ، وإنما يعود على الإمام المهدي نفسه، بدلیل ورود روايات أخر فيها تصريح بأن الإمام المهدي له هذه الأسماء.
منها: ما رواه الشيخ الطوسي قدس سره بسنده عن حذيفة، قال: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وذكر المهدي فقال: «إنه يبايع بين الركن والمقام، اسمه: أحمد وعبد الله والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها »(1).
ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده عليهم السلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام وهو على المنبر: «يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض اللون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن، عريض الفخذين، عظیم مشاش المنكبين، بظهره شامتان: شامة على لون جلده، وشامة على شبه شامة النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، له اسان: اسم يخفی واسم يعلن، فأما الذي يخفى فأحمد، وأما الذي يعلن فمحمد، إذا هزّ رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، ووضع يده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن إلا صار قلبه أشد من زبر الحديد، وأعطاه الله تعالى قوة أربعين رجلا، ولا يبقى ميت إلا دخلت عليه تلك الفرحة (في قلبه وهو في قبره، وهم يتزاورون في قبورهم، ويتباشرون بقيام القائم صلوات الله عليه» (2) .
ص: 220
ومع التسليم بأن الضمير يعود على (ابنه)، فإن أحمد إسماعيل البصري ليس ابنا مباشرا للإمام المهدي عليه السلام كما يعترف هو، ونحن لا نسم له أنه ابن للإمام المهدي عليه السلام بالواسطة كما يدعي؛ لأن أحمد إسماعيل من عشيرة البوسويلم في البصرة، وهؤلاء لا ينتسبون للإمام أمير المؤمنين عليه السلام، ولا لسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليهاالسلام کما هو معروف عنهم، وهم لا يدعون ذلك لأنفسهم، بل ينكرونه.
ولو سلمنا أن أحمد إسماعيل البصري ابن غير مباشر للإمام المهدي علیه السلام، وأن الإمام المهدي علیه السلام هو الجد الرابع لأحمد إسماعيل، فإن ظاهر الرواية الذي يؤده الإطلاق اللغوي هو أن الابن يراد به غالبا الابن المباشر، بقرينة أن كلمة (الابن) استعملت في الرواية كما قلنا تسع مرات بمعنى الابن المباشر، ولو أريد الابن بواسطة فلا بد من نصب قرينة على ذلك، فكيف يصح أن يراد بالابن بعد الإمام المهدي الابن بوسائط متعددة من دون أي قرينة على ذلك؟!
الدليل الثاني: الدعوة إلى حاكمية الله:
قال أحمد إسماعيل:
(وجئت بالعلم، والانفراد براية البيعة لله).
والجواب:
أما العلم فقد بينا جوانب مختلفة من جهل أحمد إسماعيل البصري وأخطائه الكثيرة، ولو أردنا أن نتبع كتاباته لكتبنا كتبا في عدة مجلدات تبن فضائحه العلمية، ولكن يكفي في الدلالة على عدم إمامته ذکر خطأ واحد له في قراءة القرآن أو في تفسيره، وقد بينا ذلك فيما سبق.
وأما الانفراد براية البيعة لله، وهو ما أسماه في كثير من كلماته بالدعوة إلى
ص: 221
حاكمية الله، فإن مراده بها هو نفس مراد الخوارج الذين قالوا: (لا حكم إلا لله)، أي إن الحكم لله، ولا حق للناس فيه، وأحمد إسماعيل يدعو الناس إلى رفض الانتخابات وعدم المشاركة في ترشيح رئيس أو حاكم.
والسبب في ذلك أن أحمد إسماعيل يرى في نفسه أنه هو الحاكم المطلق في هذا العصر؛ لأنه إمام معصوم مفترض الطاعة، لا يحل لأحد أن يخالفه أو يكذبه.
قال في كتابه (حاكمية الله لا حاكمية الناس):
(جميع الأديان السماوية تقر حاكمية الله سبحانه وتعالى، ولكن الناس عارضوا هذه الحاكمية ولم يقروها في الغالب إلا القليل مثل قوم موسی علیه السلام في عهد طالوت، أو المسلمين في عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، ولكنهم ما أن توفي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم حتى عادوا إلى معارضة حاكمية الله سبحانه، وإقرار حاکمية الناس بالشورى والانتخابات وسقيفة بني ساعدة التي نحت الوصي علي بن أبي طالب علیه السلام ...
ومع أن الجميع اليوم ينادون بحاكمية الناس والانتخابات، سواء منهم العلماء أم عامة الناس، إلا أن الغالبية العظمى منهم يعترفون أن خليفة الله في أرضه هو صاحب الحق، ولكن هذا الاعتراف يبقى كعقيدة ضعيفة مغلوبة على أمرها في صراع نفسي بين الظاهر والباطن، وهكذا يعيش الناس وبالخصوص العلماء غير العاملين حالة نفاق تقلق مضاجعهم، وتجعلهم يترنحون، ويتخبطون العشواء [كذا]، فهم يعلمون أن الله هو الحق، وأن حاكمية الله هي الحق، وأن حاكمية الناس باطل ومعارضة لحاكمية الله في أرضه، ولكنهم لا يقفون مع الحق، ويؤيدون الباطل)(1).
ص: 222
ثم قال:
(والمهم أن على عامة الناس أن يجتنبوا اتباع العلماء غير العاملين؛ لأنهم يقرون حاکمية الناس والانتخابات والديمقراطية التي جاءت بها أمريكا (الدجال الأكبر)، وعلى الناس إقرار حاکمية الله واتباع الإمام المهدي علیه السلام ، وإلا فماذا سيقول الناس لأنبيائهم وأئمتهم؟ وهل يخفى على أحد أن جميع الأديان الإلهية تقر حاكمية الله، وترفض حاکمية الناس، فلا حجة لأحد في اتباع هؤلاء العلماء بعد أن خالفوا القرآن والرسول وأهل البيت، وحرفوا شريعة الله سبحانه وتعالی!)(1).
وهذا الكلام مردود بعدة أمور:
1_ أن الدعوة إلى حاكمية الله ليست دليلا على الإمامة، ولم نجد في كتاب الله العزيز أو في روايات أهل البيت علیهم السلام ما يدل على أن مجرد الدعوة إلى حاكمية الله دليل على الإمامة، وأن كل من دعا إلى ذلك فهو إمام تجب على الناس طاعته.
كما أنا لم نجد في كتاب أحمد إسماعيل (حاكمية الله لا حاكمية الناس) أي دليل على أن الدعوة إلى هذه الحاكمية دليل على الإمامة.
2_ أن كل المسلمين يدعون إلى حاكمية الله تعالى لا حاکمية الناس، عملا بقوله تعالى: ( إن الحكم إلا لله» (الأنعام: 57)، وقوله سبحانه: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن یعص الله و رسوله فقد ضل ضلالا مبينا) (الأحزاب: 36)، والدعوة إلى حاكمية الله ليست مقتصرة على أحمد إسماعيل البصري.
ص: 223
وعليه، فإن دليل الإمامة هذا الذي يتشدق به أحمد إسماعيل يشاركه فيه أكثر المسلمين، فإذا كان هذا دليلا صحيحا على الإمامة فإن أكثر المسلمين أئمة، وهذا لا يقوله أحد.
3_ أنا لاندري أن أحمد إسماعيل يدعو إلى حاكمية الله؛ لأن ما هو موجود في موقع أنصاره لا نعلم بصحة نسبته إليه، فلعله متقول عليه، فكيف يكون مثل ذلك دليلا على إمامته؟!
4 _ سلمنا جدلا أن أحمد إسماعيل يدعو إلى حاكمية الله تعالى، لكن من الواضح أن أحمد إسماعيل إنما يدعو الناس إلى ذلك لأنه يريد أن يسلموه الحكم، باعتباره سفير الإمام المهدي علیه السلام ، مضافا إلى كونه بزعمه إماما معصوما، وهذه ليست دعوة إلى حاكمية الله، وإنما هي دعوة إلى حاكمية أحمد إسماعيل، وبين الأمرين فرق كبير.
5_ سلمنا أن أحمد إسماعيل يدعو إلى حاكمية الله حقيقة، إلا أن هذه الدعوة لا تصلح دليلا على الإمامة كما هو واضح لكل ذي عينين؛ لأن الدعوة لحاكمية الله لو كانت دليلا على الإمامة لنادى بها كل طامع في الإمامة والحكم، ولما استطعنا أن نميز بين المحق والمبطل، وإمام الحق يجب أن تكون فيه علامات لا تتوفر في غيره من أئمة الجور والضلال کما دلت عليه الروايات الصحيحة.
6_ أن المشاركة في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية لا تستلزم القول بحاكمية الناس؛ لأن هؤلاء المشاركين في الانتخابات لا ينتخبون إماما دينيا يجب الإيمان به والاعتقاد بإمامته، وإنما ينتخبون من يعمل على إصلاح شؤونهم المعيشية، ويصلح أوضاعهم الاقتصادية، من دون أن يعتقدوا أن له ولاية دينية عليهم، أو أن انتخابهم له يضفي عليه شرعية دينية، يترتب عليها أنه يجب عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا، وإلا فهم آثمون عاصون!
ص: 224
وحال هؤلاء المشاركين في الانتخابات حال جماعة يعملون في شركة، يقومون بانتخاب رئيس لهم يدير شؤون الشركة، ويعمل ما فيه مصلحتها ومصلحتهم.
وأنا أتعجب من عد أحمد إسماعيل الدعوة إلى حاكمية الله دليلا على إمامته، فإن ذلك _ کما قلنا _ لم يرد في روايات أهل البيت عليهم السلام، بل إن أمير المؤمنين عليه السلام أنكر على الخوارج هذه الدعوة، ورد على قولهم: (لا حكم إلا لله)، بقوله: «کلمة حق يراد بها باطل»(1)، وهكذا الحال مع أحمد إسماعيل، فإنه يدعو لحاكمية الله من أجل الاستيلاء على الحكم لا أكثر.
الدليل الثالث: الرؤى والأحلام:
من أهم أدلة أحمد إسماعيل على صحة دعوته: الرؤى والأحلام.
قال أحمد إسماعيل في بيانه إلى طلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف وقم المقدسة:
(تقولون: (نحن نقبل شهادة العدلين)، فها الله [كذا ]يشهد لي، ومحمد يشهد لي، وعلي يشهد لي، وفاطمة تشهد لي، والحسن يشهد لي، والحسين يشهد لي، وعلي بن الحسين ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن ومحمد يشهدون لي، بمئات الرؤى التي رآها المؤمنون، أفلا تقبلون شهادتهم وقولهم ونصحهم لكم؟ ألم يخبروكم أنهم يجتمعون على صاحب الحق إذا جاء، وقالوا علیهم السلام : «فإذا رأيتمونا قد اجتمعنا على رجل فانهدوا إلينا بالسلاح» [غيبة النعماني: ص 197]).
إلى أن قال:
(تستخقون الناس، وتقولون لهم: وهل رأيتم رسول الله حتى تعرفونه
ص: 225
بالرؤيا؟ سبحان الله، وهل كان أحد في زمن الإمام الصادق رأى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم حتى يقول الإمام الصادق علیه السلام : «من أراد أن يرى رسول الله بالرؤيا فليفعل كذا وكذا»، والروايات كثيرة في هذا المعنى، فراجعوا (دار السلام) وغيره من كتب الحديث. تقولون: (الرؤيا حجة على صاحبها فقط)، فتردون شهادة المؤمن العادل، الذي رأى وسمع في ملكوت السماوات رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وأخبره بالحق؟ فكيف إذن تقبلون شهادته فيما رأى وسمع في هذا العالم الجسماني؟ (تلك إذا قسمة ضيزى)).
وقد كتب أنصار أحمد إسماعيل عدة كتب يؤكدون فيها على أن الأحلام حجة في إثبات الإمامة وغيرها؛ لأنها وحي من الله تعالى.
من ضمن كتبهم: كتاب (الرؤيا في مفهوم أهل البيت) و (حجية الرؤيا)، كلاهما لضياء الزيدي.
وبيان هذه المسألة يقتضي ذكر عدة أمور:
1_ أن الأحلام ربما تكون صادقة وربما تكون كاذبة، وهي ليست كلها على نسق واحد.
وهذا ما يؤيده الواقع، ودلت عليه الروايات.
منها: صحيحة سعد بن أبي خلف، عن أبي عبد الله علیه السلام، قال: «الرؤيا على ثلاثة وجوه: بشارة من الله للمؤمن، وتحذير من الشيطان، وأضغاث أحلام»(1).
وعن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : جعلت فداك، الرؤيا الصادقة والكاذبة مخرجهما من موضع واحد؟ قال: «صدقت، أما الكاذبة مختلفة، فإن الرجل يراها في أول ليلة في سلطان المردة الفسقة، وإنما هي شيء
ص: 226
يخيل إلى الرجل، وهي كاذبة مخالفة، لا خير فيها، وأما الصادقة إذا رآها بعد الثلثين من الليل مع حلول الملائكة، وذلك قبل السحر، فهي صادقة، لا تخلف إن شاء الله، إلا أن يكون جنبا، أو ينام على غير طهور ولم يذكر الله عزّوجلّ حقيقة ذكره، فإنها تختلف، وتبطئ على صاحبها»(1).
وروى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن محمد بن القاسم النوفلي قال: قلت لأبي عبد الله الصادق علیه السلام : المؤمن يرى الرؤيا فتکون کما رآها، وربما رأى الرؤيا فلا تكون شيئا؟ فقال: «إن المؤمن إذا نام خرجت من روحه حركة ممدودة صاعدة إلى السماء، فكل ما رآه روح المؤمن في ملكوت السماء في موضع التقدير والتدبير فهو الحق، وكل ما راه في الأرض فهو أضغاث أحلام...»(2).
وفي توحيد المفضل بن عمر، عن الإمام الصادق علیه السلام، قال: «فکر یا مفضل في الأحلام كيف دبر الأمر فيها، فمزج صادقها بکاذها، فإنها لو كانت كلها تصدق لكان الناس كلهم أنبياء، ولو كانت كلها تكذب لم يكن فيها منفعة، بل كانت فضلا لا معنى له، فصارت تصدق أحيانا، فينتفع بها الناس في مصلحة يهتدی ها، أو مضرة يتحذر منها، وتكذب كثيرا لئلا يعتمد عليها كل الاعتماد» (3).
ومن هذه الروايات وغيرها يتبين أن الرؤى منها ما هو صادق، ومنها ما هو كاذب، فهي ليست على شاكلة واحدة، فلا يصح الاعتماد على كل رؤيا؛ لأنها ربما تكون كاذبة.
ص: 227
2_أن رؤى الأنبياء والأئمة عليهم السلام حق؛ لأن الشيطان لا يتلاعب بهم، ولا سبيل له عليهم، فلا تقاس رؤى الناس برؤى الأنبياء عليهم السلام، وكثيرا ما يلبس أحمد إسماعيل وأنصاره على الناس، فيحتجون عليهم برؤيا إبراهيم عليه السلام حين رأى في المنام أنه يذبح ابنه، ورؤيا يوسف عليه السلام حين رأى الشمس والقمر و أحد عشر كوكبا ساجدين له، ورؤيا النبي صلی الله علیه و آله و سلم التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في قوله: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن) (الإسراء: 60) وغيرها.
ورؤى الناس لا تقاس برؤئ الأنبياء عليهم السلام ، لأن رؤى الأنبياء وحي، وأما رؤى الناس فمنها ما هو صادق، ومنها ما هو أضغاث أحلام.
قال الشيخ المفيد قدس سره :
(والذي نذهب إليه في الرؤيا أنها على أضرب، فضرب منه يبشر الله به عباده ويحذرهم، وضرب تهويل من الشيطان وكذب يخطر ببال النائم، وضرب من غلبة الطباع بعضها على بعض، ولسنا نعتمد على المنامات کما حكاه، لكننا نأنس بما نبشر به، ونتخوف مما نحذر منها، ومن وصل إليه شيء من علمها عن ورثة الأنبياء عليهم السلام ميز بين حق تأويلها وباطله، ومتى لم يصل إليه شيء من ذلك كان على الرجاء والخوف. وهذا يسقط ما لعله سيتعلق به في منامات الأنبياء عليهم السلام من أنها وحي؛ لأن تلك مقطوع بصحتها، وهذه مشكوك فيها، مع أن منها أشياء قد اتفق ذوو العادات على معرفة تأويلها حتى لم يختلفوا فيه، ووجدوه حسن )(1).
3_ أن الرؤى لا تثبت بها الأحكام الشرعية، ولا العقائد الدينية؛ لأن الأحكام والعقائد إنما تؤخذ من الكتاب العزيز، والسنة الصحيحة، والعقل،
ص: 228
وأما الأحلام والرؤى فليست أحد مصادر التشريع حتى لو كانت الرؤيا صادقة.
وعلى هذا أطبق علماء الشيعة الإمامية قديما وحديثا.
قال الشيخ المفيد قدس سره : (ومع ذلك فإنا لسنا نثبت الأحكام الدينية من جهة المنامات)(1).
وقال الشيخ الحر العاملي قدس سره : (وتواترت الروايات بأن بعض الرؤيا صادق، وبعضها كاذب، وتواترت أيضا بوجوب الرجوع في جميع الأحكام الشرعية إلى أهل العصمة علیهماالسلام )(2).
وقال الشيخ المجلسي قدس سره : (بقي الكلام في أنه هل يكون حجة في الأحكام الشرعية؟ فيه إشكال، فإنه قد ورد بأسانيد صحيحة عن الصادق علیه السلام في حديث الأذان: «إن دين الله تبارك وتعالى أعز من أن يرى في النوم»، ويمكن أن يقال: المراد أنه لا يثبت أصل شرعية الأحكام بالنوم، بل إنما هي بالوحي الجلي، ومع ذلك ينبغي أن يخص بنوم غير الأنبياء والأئمة علیهم السلام ؛ لما مر أن نومهم بمنزلة الوحي، لكن هذه الأخبار ليست بصريحة في وجوب العمل به، إذ لعله مع العلم بكونه منهم علیهم السلام لم يجب العمل به، إذ مناط الأحكام الشرعية العلوم الظاهرة)(3).
وعليه، فإن الرؤى والأحلام لا يثبت بها تكليف شرعي، لا وجوب ولا حرمة، ولا غيرهما، والأحكام الشرعية إنما تثبت بالكتاب والسنة دون غيرهما من الأحلام والاستخارات التي ثبت أنها ليست
بحجة في معرفة شيء من الأحكام الشرعية.
ص: 229
وقد سأل السيد مهنا بن سنان العلامة الحلي قدس سره ، فقال:
(مايقول سیدنا في من رأى في منامه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أو بعض الأئمة عليهم السلام وهو يأمره بشيء، أو ينهاه عن شيء، هل يجب عليه امتثال ما أمر به، أو اجتناب ماينهاه عنه، أم لا يجب ذلك مع ما صحّ عن سيدنا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أنه قال: «من رآني في منامه فقد رآني، فإن الشيطان لم يتمثل بي»، وغير ذلك من الأحاديث المروية عنه صلی الله علیه و آله و سلم ؟ وما قولكم لو كان ما أمر به أو نهى عنه على خلاف ما في أيدي الناس من ظاهر الشريعة، هل بين الحالين فرق أم لا؟ أفتنا في ذلك مبينا، جعل الله كل صعب عليك هینا).
فأجاب نور الله ضريحه بقوله:
(ما يخالف الظاهر فلا ينبغي المصير إليه، وأما ما يوافق الظاهر فالأولى المتابعة من غير وجوب، ورؤيته صلی الله علیه و آله و سلم لا يعطي وجوب اتباع المنام)(1).
وقد استحسن المحقق البحراني قدس سره هذا الجواب، وقال معقبا عليه:
(وهو جيد، أما أولا: فلأن الأدلة الدالة على وجوب متابعتهم وأخذ الأحكام عنهم صلوات الله عليهم إنما تحمل على ما هو المعروف المتكرر دائما؛ لما حققناه في غير موضع من زبرنا ومصنفاتنا من أن الأحكام المودعة في الأخبار إنما تحمل على الأفراد المتكررة الكثيرة الدوران، فإنها هي التي ينصرف إليها الإطلاق، دون الفروض النادرة الوقوع، ولا ريب أن الشائع الذائع المتكرر إنما هو أخذ الأحكام منهم حال اليقظة.
وأما ثانيا: فإن الرؤيا وإن كانت صادقة فإنها قد تحتاج إلى تأويل وتعبير، وهو لا يعرفه، فالحكم بوجوب العمل بها والحال كذلك مشكل.
ص: 230
وأما ثالثا: فلأن الأحكام الشرعية إنما بنيت على العلوم الظاهرة، الاعلى العلم بأي وجه اتفق، ألا ترى أنهم عليهم السلام إنما يحكمون في الدعاوى بالبينات والأيمان، وربما عرفوا المحق من المبطل واقعا، و ربما عرفوا كفر المنافقين، وفسق الفاسقين، ونجاسة بعض الأشياء بعلومهم المختصة بهم؟ إلا أن الظاهر أنهم ليسوا مأمورين بالعمل بتلك العلوم في أحكام الشريعة، بل إنما يعملون على ظاهر علوم الشريعة، وقد روي عنه صلی الله علیه و آله و سلم : «إنا نحكم بالظاهر، والله المتولي للسرائر». .
وأما رابعا: فلما ورد بأسانید متعددة عن الصادق عليه السلام في أحاديث الأذان: «إن دين الله تبارك وتعالى أعز من أن يرى في النوم» )(1).
4_ أن دين الله تعالى أعظم عند الله من أن يثبت شيء منه بالرؤيا، سواء أكان في الأحكام الشرعية أم في العقائد المهمة.
وهذا الذي قلناه جاءت به الرواية الصحيحة، فقد روى الكليني قدس سره بسند صحيح عن ابن أذينة، عن أبي عبد الله علیه السلام، قال: «ما تروي هذه الناصبة ؟»، فقلت: جعلت فداك، في ماذا؟ فقال: «في أذانهم وركوعهم وسجودهم». فقلت: إنهم يقولون: إن أبي بن كعب رآه في النوم. فقال: «كذبوا، فإن دين الله عزّوجلّ أعز من أن يرى في النوم»(2).
وفي هذه الرواية دلالة واضحة على أن الله تعالى نزه أحكام دينه وعقائده عن أن يثبت شيء منها برؤيا، والأذان الذي لا يتعدى كونه واحدا من المستحبات أعز عند الله من أن يثبته برؤيا، فما بالك بالأحكام الإلزامية، أو العقائد المهمة كالإمامة ونحوها؟
ص: 231
5_ أن الرؤى تحتاج إلى تأويل وتفسير؛ لأنها في الغالب تكون رمزية غير واضحة، وأكثر الناس لا يعرفون تأويلها، ولعلها تفسر على غير وجهها الصحيح، فكيف يمكن أن يحتج برؤيا رمزية غير واضحة الدلالة، أو تحتمل وجوها متعددة؟
6_ أن ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام عن آبائه علیهم السلام أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال: «من رآني في منامه فقد رآني، لأن الشيطان لا يتمثل في صورتي، ولا في صورة أحد من أوصيائي، ولا في صورة أحد من شيعتهم، وإن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءا من النبوة»(1).
معناه: أن من رأى النبي صلی الله علیه و آله و سلم أو أحد المعصومين عليهم السلام في المنام، وهو يعرف صورهم الحقيقية، ورآهم في المنام على نفس تلك الصور التي يعرفها، فإنه قد رآهم؛ لأن الشيطان لا يتمثل بصورهم.
أما من رأى رجلا في منامه، ووقع في روعه أن هذا الرجل هو رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أو أنه واحد من المعصومين علیهم السلام ، والحال أنه لا يعرف صورة النبي صلی الله علیه و آله و سلم ولا صورة ذلك المعصوم علیه السلام ، فإن من رآه في منامه ربما يكون شخصا آخر غير الذي ألقي في روعه، فإن الشيطان قادر على أن يلقي في روع النائم ما هو خلاف الحقيقة من أمثال هذه الأمور.
قال الشيخ المفيد قدس سره :
(إذا جاز من بشر أن يدعي في اليقظة أنه إله كفر عون ومن جرى مجراه، مع قلة حيلة البشر وزوال اللبس في اليقظة، فما المانع من أن يدعي إبليس عند النائم بوسوسته له أنه نبي، مع تمكن إبليس بما لا يتمكن منه البشر، وكثرة
ص: 232
اللبس المعترض في المنام؟ ومما يوضح لك أن من المنامات التي يتخيل للإنسان أنه قد رأى فيها رسول الله والأئمة صلوات الله عليهم، منها ما هو حق، ومنها ما هو باطل، أنك ترى الشيعي يقول: (رأيت في المنام رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، ومعه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام ، يأمرني بالاقتداء به دون غيره، ويعلمني أنه خليفته من بعده، وأن أبابكر وعمر وعثمان ظالموه وأعداؤه، وينهاني عن موالاتهم، ويأمرني بالبرائة منهم)، ونحو ذلك مما يختص بمذهب الشيعة، ثم ترى الناصبي يقول: (رأيت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في النوم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، وهو يأمرني بمحبتهم، وينهاني عن بغضهم، ويعلمني أنهم أصحابه في الدنيا والآخرة، وأنهم معه في الجنة)، ونحو ذلك مما يختص بمذهب الناصبة، فتعلم لا محالة أن أحد المنامين حق، والآخر باطل، فأولى الأشياء أن يكون الحق منهما ما ثبت بالدليل في اليقظة على صحة ما تضمنه، والباطل ما أوضحت الحجة عن فساده و بطلانه، وليس يمكن للشيعي أن يقول للناصبي: (إنك كذبت في قولك: إنك رأيت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم )؛ لأنه يقدر أن يقول له مثل هذا بعينه، وقد شاهدنا ناصبيا تشيع، وأخبرنا في حال تشیعه بأنه يرى منامات بالضد مما كان يراه في حال نصبه، فبان بذلك أن أحد المنامين باطل، وأنه من نتيجة حديث النفس، أو من وسوسة إبليس ونحو ذلك)(1).
وللشيخ المفيد قدس سره تفصيل حسن في هذا المقام، حيث قال:
(وأما رؤية الإنسان للنبي صلی الله علیه و آله و سلم أو لأحد الأئمة عليهم السلام في المنام فإن ذلك عندي على ثلاثة أقسام: قسم أقطع على صحته، وقسم أقطع على بطلانه، وقسم أجوز فيه الصحة والبطلان، فلا أقطع فيه على حال. فأما الذي أقطع على صحته فهو كل منام رأى فيه النبي صلی الله علیه و آله و سلم أو أحد
ص: 233
الأئمة عليهم السلام وهو فاعل لطاعة، أو آمر بها، و ناه عن معصية، أو مبین لقبحها، وقائل لحق، أو داع إليه، أو زاجر عن باطل، أو ذام لما هو عليه. وأما الذي أقطع على بطلانه فهو كل ما كان على ضدّ ذلك؛ لعلمنا أن النبي والإمام عليهماالسلام صاحبا حق، وصاحب الحق بعيد عن الباطل. وأما الذي أجوز فيه الصحة والبطلان فهو المنام الذي يرى فيه النبي أو الإمام علیهماالسلام وليس هو آمرا، ولا ناهيا، ولا على حال يختص بالديانات، مثل أن يراه راكبا، أو ماشيا، أو جالسا، ونحو ذلك)(1).
وعليه، فليس كل من رأى رجلا ظنه النبي صلی الله علیه و آله و سلم أو أحد المعصومين علیهم السلام تكون رؤياه صادقة، ويرتب عليها الآثار خصوصا إذا كانت مهمة كالإمامة ونحوها.
ومن المعلوم أن كثيرا من المخالفين رأوا في منامهم من ظنوه أنه ربهم، وهذا متواتر عنهم.
قال ابن تيمية:
(وما زال الصالحون وغيرهم يرون ربهم في المنام، ويخاطبهم، وما أظن عاقلا ينكر ذلك، فإن وجود هذا ما لا يمكن دفعه؛ إذ الرؤيا تقع للإنسان بغير اختياره، وهذه مسألة معروفة، وقد ذكرها العلماء من أصحابنا وغيرهم في أصول الدين، وحكوا عن طائفة من المعتزلة وغيرهم إنكار رؤية الله، والنقل بذلك متواتر عمن رأى ربه في المنام، ولكن لعلهم قالوا: (لا يجوز أن يعتقد أنه رأى ربه في المنام)، فيكونون قد جعلوا مثل هذا من أضغاث الأحلام، ويكونون من فرط سلبهم ونفيهم نفوا أن تكون رؤية الله في المنام رؤية صحيحة كسائر ما يرى في
ص: 234
المنام، فهذا مما يقوله المتجهمة، وهو باطل مخالف لما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها، بل ولما اتفق عليه عامة عقلاء بني آدم، وليس في رؤية الله في المنام نقص ولا عيب يتعلق به سبحانه وتعالى، وإنما ذلك بحسب حال الرائي، وصحة إيمانه وفساده، واستقامة حاله وانحرافه)(1).
وهذه الرؤي كلها باطلة، وهي من أضغاث الأحلام وتلاعب الشيطان بهم، وتضليله لهم، وقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن إبراهيم الكرخي، قال: قلت للصادق علیه السلام : إن رجلا رأى ربه عزّوجلّ في منامه، فما يكون ذلك؟ فقال: «ذلك رجل لا دين له، إن الله تبارك وتعالى لا يرى في اليقظة، ولا في المنام، ولا في الدنيا، ولا في الآخرة»(2).
7_ أن الأحلام يمكن اختراقها والتلاعب بها من قبل آخرين، وقد ذکر أنه يمكن ذلك بطريقة الخروج عن الجسد أو ما يسمى بالإسقاط النجمي (Astral Projection)، وهي حالة يكون فيها الجسد فقط نائما، بينما یکون العقل في حالة يقظة تامة.
والذين يمارسون الإسقاط النجمي يمكنهم عندما يخرجون عن أجسادهم أن يذهبوا لأشخاص آخرين في حال نومهم، ويتكلموا معهم بما یریدونه، ويوحوا إليهم بما يشاؤون.
ولهذا يلجأ الدجالون والمشعوذون إلى هذه الطريقة لإيهام ضحاياهم بصحة طريقتهم، فيأتون إليهم في المنامات، ويوحون إليهم بأن هذا الجالس هو رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، ثم يسمعونه يأمرهم باتباع هذا الدجال والتمسك به، فيصدقهم أولئك المستهدفون، ويؤمنون بهم، فيتحوّلون إلى أتباع لهم ومریدین.
ص: 235
هذا أهم ما أردت أن أبينه في دليل الرؤى الذي اعتمد عليه أحمد إسماعيل، بل جعله أهم أدلته، واعتبر هذه الرؤى الكاذبة التي رآها أتباعه شهادة من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وأئمة أهل البيت عليهم السلام على صحة دعوته.
قال أحمد إسماعيل:
(فاتقوا الله يا أمة محمد صلی الله علیه و آله و سلم، وأذعنوا للحق، واتبعوا خليفة الله المهدي الذي دعاكم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لنصرته ولو زحفا على الثلج، وآمنوا بوصية نبيكم الوحيدة لتنجوا في الدنيا والآخرة).
والجواب:
أن الأدلة القطعية دلت على أن أحمد إسماعيل البصري ليس خليفة الله، وليس بالإمام المهدي المنتظر علیه السلام، وإنما هو مدع للإمامة بالباطل، وكل من يؤمن به فقد ضل ضلالا بعيدا، والواجب هو الإيمان بأن إمام العصر هو الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام الذي دلت الأدلة الكثيرة الصحيحة على إمامته، وعلى أنه هو المهدي المنتظر الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا، وأنه هو الذي تجب نصرته ولو زحفا على الثلج، وأما أحمد إسماعيل فهو غير مؤهل للإمامة ولا يصلح لها، وقد أثبتنا فيما سبق أنه مدع كاذب، مضافا إلى أننا الآن لا نعلم بأنه حي يرزق، ولعل الله بتر عمره، إذ لاعين له ولا أثر، وقد حاول أحمد إسماعيل بكل طاقته أن يثبت إمامته، لكنه عجز عن ذلك، وفشل فشلا ذريعا، وكل من لم يستطع إثبات إمامته من مدعي الإمامة فهو من أئمة الضلال الذين يدعون إلى النار.
ص: 236
وعليه، فإن مقتضى التقوى والإذعان للحق هو تكذيب أحمد إسماعيل، والبراءة منه ومن دعوته التي ثبت بطلانها بالقطع واليقين.
ولا يخفى أن كلام أحمد إسماعيل فيه من التدليس القبيح ما لا يخفى، فإن الذي ورد في الروايات الأمر بالالتحاق به ولو حبوا على الثلج هو الإمام المهدي عليه السلام ، أو من يدعو علیه السلام كالرايات السوداء المشرقية، وأما اليماني الذي يزعم أحمد إسماعيل أنه هو ويلبس على الناس بذلك فلم يرد في الروايات الأمر بالسعي إليه ولو حبوا على الثلج.
فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن أبي الجارود، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام ، قال: قال لي: «يا أبا الجارود إذا دارت الفلك، وقال الناس: مات القائم أو هلك، بأي واد سلك؟ وقال الطالب: أنی يكون ذلك وقد بلیت عظامه، فعند ذلك فارجوه، فإذا سمعتم به فأتوه ولو حبوا على الثلج»(1).
وبإسناده، قال: قال النبي صلی الله علیه و آله و سلم : «لا تقوم الساعة حتى يقوم قائم للحق منا، وذلك حين يأذن الله عزّوجلّ له، ومن تبعه نجا، ومن تخلف عنه هلك، الله الله عباد الله فأتوه ولو على الثلج، فإنه خليفة الله عزّوجلّ وخليفتي»(2).
وروى محمد بن جرير الطبري الشيعي بسنده عن عبد الله بن مسعود، أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال: «إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بیتی سيلقون بعدي بلاء وتطريدا وتشريدا، حتى يجيء قوم من هاهنا_وأشار بيده إلى المشرق _ أصحاب رایات سود، يسألون الحق فلايعطونه_ حتی أعادها ثلاث _ فيقاتلون فينصرون، ولا يزالون كذلك حتى يدفعونها إلى رجل
ص: 237
من أهل بيتي، فيملؤها قسطا وعدلا، کما ملئت ظلما وجورا، فمن أدركه منكم فليأته ولو حبوا على الثلج»(1).
إلا أن أحمد إسماعيل وأنصاره دأبوا دائما على إسقاط الروايات المادحة للإمام المهدي عليه السلام عليهم وعلى صاحبهم من دون أن يأتوا على ذلك ببرهان.
وحيث وصلنا إلى هنا فقد انتهى ردنا على جوابه على السؤال الأول، وقد اتضح جليا أن ما قاله في إثبات إمامته باطل جزما، وأنه مملوء بالمغالطات المكشوفة، والأدلة الواهية الضعيفة التي لا تصدر من عالم فاضل، فضلا عن إمام أنعم الله تعالى عليه بالعلم الواقعي والعصمة الكبرى.
***
ص: 238
ص: 239
ص: 240
ورد إلى أحمد إسماعيل سؤال نصه:
(عن ابن مسکان، عن أبي بصير، عن أحدهما علیهماالسلام ، في قوله تعالى: (كتب عليکم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصیة للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين). قال: «هي منسوخة، نسختها آية الفرائض التي هي المواريث: (فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه) يعني بذلك الوصي»(1).
هل الآية منسوخة؟ وما هي الوصية الواجبة على المكلف؟).
فأجاب أحمد إسماعيل بقوله:
(الخير غير محصور بالأموال والممتلكات، فلو كانت الآية منسوخة لما تعدى النسخ حكمها فيما يخص الأموال والأملاك التي هي موضوع القسمة بين الورثة، أي كون الوصية بالأموال والأملاك المادية التي تقسم بين الورثة غير واجبة بعد نزول آیات المواريث، أي غير واجبة بالثلثين، أما حكم الآية فيما عدا هذا فهو سار وجار، ولا يمكن ادعاء أن آيات المواريث ناسخة له).
والجواب:
أن أحمد إسماعيل البصري بما أنه لا يعتمد علم الرجال في
ص: 241
تصحيح الأحاديث، وليس عنده منهج آخر يعتمده، فإنه يلزمه أن يعمل بهذا الحديث الذي رواه العياشي، وأن يسلم بأن هذه الآية منسوخة کما ورد في الحديث، أو يبين السبب الذي جعله يترك العمل بهذا الخبر، أما أن يرده هكذا من دون حجة ولا برهان فهذا مخالف لما يطنطنون به من أن اللازم العمل بكل الأخبار المروية عن أهل البيت عليهم السلام من دون حاجة للنظر في أسانيدها.
وزعم أحمد إسماعيل أن الخير في الآية غير محصور بالأموال والممتلكات، مردود بأن ما قاله خلاف الأحاديث الدالة على أن هذه الآية إنما وردت في الوصية بالأموال، ومن ضمنها الأحاديث التي سيحتج أحمد إسماعيل بها فيما سيأتي، والتي تدل على أن أدنى ما لصاحب هذا الأمر من الميراث هو: ثلث الثلث، أو السدس، أو الثلث، فإنها ظاهرة في أنه لا يراد هذا الثلث أو السدس أو غيرهما شيء آخر غير الأموال والممتلكات.
وكذا الحديث الآخر المروي عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام : أنه حضره رجل مقل، فقال: ألا أوصي يا أمير المؤمنين؟فقال: « أوص بتقوى الله، وأما المال فدعه لورثتك، فإنه طفيف يسير، وإنما قال الله عزّوجلّ : (إن ترك ځيرا)، وأنت لم تترك خيرا توصي فيه»(1).
وهذه الأحاديث وغيرها كلها تدل على أن المراد بالخير في الآية المباركة هو المال والممتلكات.
ثم إن ظاهر الآية يدل على ذلك أيضا؛ لأن الوصية للوالدين والأقربين في قوله سبحانه: (إن ترك ځيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف) معلقة
ص: 242
على ترك الخير، والوصية غير المالية لا تتوقف على ترك الخير، فلو كان المراد بالخير ما هو أعم من المال والممتلكات لكان التقييد حينئذ لا معنى له.
وأما كون هذه الآية منسوخة بآيات المواريث التي حددت لكل وارث نصيبه من الميراث، فهذا فيه كلام طويل ذكره الفقهاء، وهذه المسألة محل خلاف بين الشيعة وغيرهم، والذي ذهب إليه الشيعة بلا خلاف بينهم أنه لا مانع من الوصية للوارث والأجنبي فيما لا يزيد على الثلث، وظاهر الآية يدل على ذلك، فإن الوالدين من ضمن الورثة، والوصية إليهما جائزة، وكذا الأقربون في بعض الأحيان ربما يكونون من الورثة أيضا، ومع ذلك فإن الوصية إليهم مأمور بها في الآية.
وعلى ذلك دلت روایات معتبرة.
منها: صحيحة أبي ولاد الحناط، قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الميت يوصي للوارث بشيء؟ قال: «نعم - أو قال: جائز له_ »(1).
ومنها: صحيحة أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الوصية للوارث، فقال: «تجوز»(2).
ومنها: خبر محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الوصية للوارث، فقال: «تجوز». قال: ثم تلا هذه الآية: ( إن ترك ځيرا الوصيه للوالدين والأقربين )(3).
وعليه، فلعل المراد بكون الآية منسوخة هو أنه قد نسخ منها ما دل على الوجوب، وصارت الوصية للوارث جائزة بعد أن كانت واجبة.
ص: 243
ومما قلناه يتضح فساد قول أحمد إسماعيل: (فلو كانت الآية منسوخة لما تعدى النسخ حكمها فيما يخص الأموال والأملاك التي هي موضوع القسمة بين الورثة)، فإنه يزعم أن قوله تعالى: (خيرا) يشمل الأموال والممتلكات وغيرها، وأن النسخ في الآية _لو سلم به _ فإنه مخصوص بالأموال فقط دون الأمور الأخرى، فإنها لا نسخ فيها.
وهذا كلام ضعيف جدا؛ لأن النسخ إنما هو نسخ وجوب الوصية للوالدين والأقربين فقط، المدلول عليه بقوله سبحانه: (کتب عليکم)، لا أنه نسخ لقوله: (خيرا)، ولو سلمنا له بذلك فإنها لا بد أن تكون ناسخة لمدلول هذه الكلمة في الآية بما لها من العموم الذي يزعمه أحمد إسماعيل، الذي يندرج تحته الأموال والممتلكات وغيرها، وزعمه أن النسخ مخصوص بالأموال والممتلكات لا دليل عليه، لا من ظاهر الآية المباركة، ولا من أحاديث أهل البيت عليهم السلام ! وكان عليه أن يثبت زعمه بدلیل صحيح، لا أن يرسل الكلام إرسالا من غير دليل.
وقوله: (أما حكم الآية فيما عدا هذا فهو سار وجار، ولا يمكن ادعاء أن آیات المواريث ناسخة له) مردود بما بيناه فيما تقدم من أن كلمة: (خيرا) لا عموم فيها لتشمل غير الأموال والممتلكات مما سيذكره قريبا.
قال أحمد إسماعيل:
(عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر علیه السلام، قال: سألته عن الوصية للوارث، فقال: تجوز. قال: ثم تلا هذه الآية: (إن ترك خيرا الوصية للوالدين و الأقربين» [الكافي : ج 7 ص 10]
والآية تبين أيضا للمؤمن حال الثلث الذي يحق له أن يوصي به، وأنه يجب أن يوصي به أو ببعضه لخليفة الله في أرضه في زمانه کما ورد
ص: 244
عنهم عليهم السلام . نعم، يحق لخليفة الله أن يسقط هذا الفرض کما يحق له إسقاط الخمس؛ لأنها أموال تخصه فله إسقاطها متى شاء، فهي أموال يعمل بها الأمة وفقراءها، ويتقوم بها حكم خليفة الله في أرضه).
والجواب:
أن قوله: (والآية تبين أيضا للمؤمن حال الثلث الذي يحق له أن يوصي به، وأنه يجب أن يوصي به أو ببعضه لخليفة الله في أرضه في زمانه کما ورد عنهم علیهم السلام ) مردود بأن الآية المباركة إنما ورد فيها الحث على الوصية للوالدين والأقربين، ولم تبين أنه من الثلث أو من غيره، كما أنها لم تبين مصر-فا آخر غير الوالدين والأقربين، فما زعمه من أن الآية بينت أنه يجب أن يوصي بالثلث أو ببعضه لخليفة الله في أرضه في زمانه، لا تدل عليه الآية بأي دلالة.
وقول الفيض الكاشاني قدس سره :
(لعل معناه أن المراد بالوالدين النبي والوصي کما ورد: «أنا وأنت يا علي أبوا هذه الأمة»، وبالأقربين سائر الأئمة؛ لأنهم ذوو قرباه، وهم أقرب إليه من غيرهم، فيصير معنى الآية: أن على تارك الخير أن يوصي لصاحب زمانه منهم كان من كان)(1).
غير صحيح؛ لأنه وإن صح وصف النبي صلی الله علیه و آله و سلم وأمير المؤمنين علیه السلام بأنها أبوا هذه الأمة، إلا أنه لا يصح وصفهما بوالدي هذه الأمة؛ لأن الأب هو المصلح والمربي.
قال الراغب الأصفهاني:
(الأب: الوالد، ويسمى كل من كان سببا في إيجاد شيء أو صلاحه أو ظهوره أبا، ولذلك يسمى النبي صلی الله علیه و آله و سلم أبا المؤمنين، قال الله
ص: 245
تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) [الأحزاب: 6]، وفي بعض القراءات: «وهو أب لهم». وروي أنه صلی الله علیه و آله و سلم قال لعلي: «أنا وأنت أبوا هذه الأمة»)(1).
وأما الوالد فهو من أولد دون غيره، كما قال سبحانه في حق الأمهات: (إن أمهاتهم إلا اللأئي ولدنهم) (المجادلة: 2).
والأئمة الأطهار علیهم السلام هم قربی النبي صلی الله علیه و آله و سلم لا قربی جميع المسلمين، وظاهر الآية هو حث من قرب موته على الوصية لوالديه وأقربائه، لا إلى غيرهم.
وقوله: (يحق لخليفة الله أن يسقط هذا الفرض کما يحق له إسقاط الخمس؛ لأنها أموال تخصه) يتنافى مع قوله: (فهي أموال... يتقوم بها حكم خليفة الله في أرضه)، ولا شك أن ما يتقوم به حكم خليفة الله يجب على الإمام عليه السلام ألا يهدره أو يفرط فيه، فكيف يجوز له إسقاطه إذا كان الأمر كذلك ؟!
قال أحمد إسماعيل:
(عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله علیه السلام في قول الله عزّوجلّ : (الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين)، قال: هو شيء جعله الله عزّوجلّ لصاحب هذا الأمر. قلت: فهل لذلك حد؟ قال: نعم. قال: قلت: وما هو؟ قال: أدنى ما يكون ثلث الثلث. [من لا يحضره الفقيه: ج 4 /ص 235]).
والجواب:
أن هذه الرواية ضعيفة السند، فإن في سندها محمد بن سنان، و مشهور العلماء ذهب إلى أنه ضعيف.
ص: 246
فقد ذكر المامقاني أنه اختلف فيه على قولين: أحدهما: أنه ضعيف، وهو المشهور بين الفقهاء وعلماء الرجال.
ثم نقل تضعیفه عن الشيخ الطوسي في رجاله وفهرسته، والنجاشي، وابن عقدة أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد، وابن الغضائري، والشيخ المفيد الذي قال فيه: محمد بن سنان وهو مطعون فيه، لا تختلف العصابة في تهمته وضعفه، ومن كان هذا سبيله لا يعتمد عليه في الدين(1).
ثم قال:
(وممن ضعفه المحقق رحمه الله في مواضع من المعتبر، والعلامة في موضع من المختلف، وكاشف الرموز، والشهيد الثاني في باب المهور من المسالك، وصاحب المدارك، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة، وصاحب الذخيرة، وهو المحكي عن المعتصم، والمنتقى، ومشرق الشمسين، والحبل المتين، وحاشية المولى صالح، والتنقيح، والفخري في مرتب مشيخة الصدوق، والذكرى، والروضة، وغيرها)(2).
قال المحقق السيد الخوئي قدس سره : (تضعیف هؤلاء الأعلام يصدنا عن الاعتماد عليه والعمل بروایاته)(3).
ومع الإغماض عن سند الرواية فإنه يمكن حملها على أن المراد بصاحب هذا الأمر هو من ورد الأمر بالوصية إليهم في الآية، وهم الوالدان والأقربون، لا أن المراد به إمام العصر وإن كان هذا الإطلاق ينصرف عادة إلى إمام الزمان؛ وذلك لأن مساق الآية يأبى حملها على هذا المعنى؛ إذ لا يطلق على إمام العصر أنه والدان أو أقربون.
ص: 247
مضافا إلى أنه لم يقل: (صاحب الأمر)، لكي ينصرف إلى الإمام عليه السلام ، و إنما قال: «صاحب هذا الأمر»، فجاء باسم الإشارة، أي صاحب الأمر الذي نحن بصدد الحديث حوله، وهو الميراث.
وذكر في حاشية طبعة (من لا يحضره الفقيه) عن (مراد) قوله: (لعل المراد: (للوالدين والأقربين) إذا كانوا أصحاب هذا الأمر، أي المعرفة)(1).
أي إنه يريد بذلك أن الوصية للوالدين والأقربين إنما يندب إليها إذا كانوا على هذا الأمر، أي كانوا موالين لأهل البيت عليهم السلام ، دون ما إذا كانوا مخالفين لهم.
وإذا كان المراد هو إيجاب الوصية بالثلث أو نحوه لإمام العصر علیه السلام دون باقي أئمة أهل البيت عليهم السلام فإنه لا يصح إطلاق لفظ الجمع عليه، وهم الوالدان والأقربون.
قال أحمد إسماعيل:
(عن عمار بن مروان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن قول الله: (إن ترك خيرا الوصیه)، قال: حق جعله الله في أموال الناس لصاحب هذا الأمر. قال: قلت: لذلك حد محدود؟ قال: نعم. قلت: كم؟ قال: أدناه السدس، وأكثره الثلث. [مستدرك الوسائل: ج 14/ ص 143]).
والجواب:
أن هذه الرواية ضعيفة السند، لأنها شديدة الإرسال، قد سقط منها أسماء خمسة رواة؛ فإن العياشي رحمه الله لا يروي عن الإمام الصادق علیه السلام بواسطة واحدة، وإنما يروي عنه بست وسائط.
ص: 248
فإن العياشي من طبقة الشيخ الكليني قدس سره المتوفی سنة (329ه-)، ولم أجد في كتب الرجال والتراجم من ذکر سنة ولادته أو وفاته، ولعله ولد في حوالي سنة (240ه)، ومن المحتمل قویّا أنه لم يلتق بالإمام العسكري عليه السلام ، فضلا عن الأئمة السابقين له.
من مشايخه: علي بن الحسن بن فضال الكوفي. عده الشيخ الطوسي قدس سره من أصحاب الإمامين الهادي والعسكري علیهماالسلام(1) ، إلا أنه كان فطحيا، مع كونه ثقة كثير العلم واسع الأخبار، فقيها ذا تصانیف (2).
وعليه، فمن كان في هذه الطبقة كيف يمكن أن يروي عن الإمام الصادق عليه السلام بواسطة واحدة.
ومن الأحاديث التي روي فيها العياشي عن الإمام الصادق علىه السلام بست وسائط ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره في علل الشرائع، قال: حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي رضی الله عنه ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه [وهو العياشي]، قال: حدثنا محمد بن أبي نصر، قال: حدثني أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي بصير، قال أبو عبد الله علیه السلام : «التقية دين الله عزّوجلّ». قلت: من دين الله؟ قال: «فقال: إي والله، من دين الله، لقد قال يوسف: (أيتها العير إنكم لسارقون) [يوسف: 70]، والله ما كانوا سرقوا شيئا»(3).
ومع الإغماض عن سند هذه الرواية فإن ما قلناه في الرواية السابقة نقوله في هذه الرواية، من أنه يجوز الوصية للوارث والأقربين إذا
ص: 249
كانوا على هذا الأمر، أي كانوا موالين لأهل البيت علیهم السلام؛ لعدم صحة إطلاق الوالدين والأقربين على النبي صلی الله علیه و آله و سلم وأهل بيته كما أوضحنا ذلك فيما سبق.
ثم إن هذا الحديث يتعارض مع الحديث السابق في تحديد الحد الأدنى للموصى به، فإن الحديث الأول حدده بثلث الثلث، وهو التسع، وأما الثاني فحدده بالسدس.
قال أحمد إسماعيل:
(أحمد بن محمد السياري في كتاب التنزيل والتحريف، في قوله تعالى: (إن ترك خيرا الوصية»، قال: قال الصادق علیه السلام : وهو حق فرضه الله عزّوجلّ لصاحب هذا الأمر من الثلث. قيل له: كم هو؟ قال: أدناه ثلث المال، والباقي فيما أحب الميت. [مستدرك الوسائل: ج 14/ ص 143]).
والجواب:
أن هذا حديث مرسل أيضا، وأحمد بن محمد السياري ضعيف جدا، لا يؤخذ بروايته.
قال عنه النجاشي: (ضعيف الحديث، فاسد المذهب_ذكر ذلك لنا الحسين بن عبيد الله ، مجفو الرواية، كثير المراسيل)(1).
وكتاب التنزيل والتحريف بحسب الظاهر مفقود الآن، ويظهر أن الميرزا النوري الطبرسي قدس سره كانت عنده نسخة منه ينقل منها في بعض كتبه، سماه النجاشي والشيخ في الفهرست بكتاب القراءات(2).
ومع الغض عن سند هذا الحديث فإن ما قلناه في سابقيه نقوله
ص: 250
فيه، مع أنه مخالف لما سبقه في تعيين الحد الأدنى الذي تجب الوصية به بالثلث.
مع أن قوله: «أدناه ثلث المال، والباقي فيما أحب الميت» ظاهر في أنه يجوز للميت أن يوصي بأكثر من الثلث إذا أحب، وهذا مخالف للروايات الصحيحة التي دلت على أن الميت ليس له أن يوصي فيما زاد على الثلث، ولو أوصى بما زاد على الثلث توقف ذلك على رضا الورثة، فإن أجازوا وصيته فيما زاد على الثلث صحت الوصية، وإلا فلا.
ومن تلك الروايات صحيحة شعيب بن يعقوب، قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل يموت، ما له من ماله؟ فقال: «له ثلث ماله، وللمرأة أيضا»(1).
ومنها: صحيحة أحمد بن محمد، قال: كتب أحمد بن إسحاق إلى أبي الحسن علیه السلام : أن درة بنت مقاتل توفيت، وتركت ضيعة أشقاصا في مواضع، وأوصت لسيدنا من أشقاصها بما يبلغ أكثر من الثلث، ونحن أوصياؤها، وأحببنا أن ننهي إلى سيدنا، فإن هو أمر بإمضاء الوصية على وجهها أمضيناها، وإن أمر بغير ذلك انتهينا إلى أمره في جميع ما يأمر به إن شاءالله. قال: فكتب علیه السلام بخطه: «ليس يجب لها من تركتها إلا الثلث، وإن تفضلتم وکنتم الورثة كان جائزا لكم إن شاء الله»(2).
قال أحمد إسماعيل:
(أيضا: الوصية بتقوى الله وحث الناس على نصرة خليفة الله في أرضه، خصوصا لمن يظن أن لكلامه أو وصيته أثرا على بعض من يقرأها
ص: 251
بعد موته في معرفة الحق ونصرة خليفة الله، فأمير المؤمنين عليه السلام لم يأمر شخصا مقلا أن يترك الوصية، بل أمره أن لا يتركها ويوصي بتقوى الله.
عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين علیه السلام : أنه حضر_ه رجل مقل، فقال: ألا أوصي يا أمير المؤمنين؟ فقال: أوص بتقوى الله، وأما المال فدعه لورثتك، فإنه طفيف يسير، وإنما قال الله عزّوجلّ: (إن ترك خيرا) ، وأنت لم تترك خيرا توصي فيه. [مستدرك الوسائل ج 14/ ص 141]).والجواب:
أن احتجاج أحمد إسماعيل بهذا الحديث على وجوب الوصية بنصرة خليفة الله في أرضه، يبطله عدة أمور:
1_ أن هذا حديث مرسل، رواه القاضي أبو حنيفة النعمان المغربي في (دعائم الإسلام)، فلا يصلح للاحتجاج به في الواجبات الشرعية.
2_ أن هذا الحديث يعارض ما زعمه أحمد إسماعيل سابقا من أن الخير يعم المال وغيره، مع أن أمير المؤمنين عليه السلام أوضح لذلك الرجل المقل أنه ترك شيئا طفيفا من المال، والأولى أن يتركه لورثته، وأن يوصيهم بتقوى الله سبحانه بنحو الندب لا بنحو الوجوب.
وكما هو ملاحظ فإن أحمد إسماعيل يحتج بأحاديث لا يفهمها، وهي تدل على خلاف مراده، ويزعم دلالتها على ما لا تدل عليه.
3_ أن الإمام علیه السلام لم يأمر الرجل المقل بأن يوصي أولاده بنصرة خليفة الله في أرضه، وإنما أمره بأن يوصيهم بتقوى الله لما بدا عليه أنه يشعر بالأسى على ترك الوصية، وتقوى الله هي العمل بطاعته سبحانه، وتجنب معاصيه، والإمام عليه السلام لم يخصص شيئا معينا.
4 _ أن القاضي النعمان روى في كتابه (دعائم الإسلام) ماهو
ص: 252
صريح في أن المراد بالخير في الآية هو المال، قال: وعن أبي جعفر وأبي عبد الله علیهماالسلام أنهما قالا: «الخيرهاهنا المال، قال الله عزّوجلّ : (إن ترك ځيرا الوصیة للوالدين والأقربين بالمعروف) ، يعني مالا، فإذا كان ممن يستطيع الكسب والتصرف فهو ممن فيه خير»(1).
قال أحمد إسماعيل:
(أما فيما يخص خليفة الله في أرضه أو رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بالخصوص فواضح أنه يترك خيرا كثيرا، وهو منصب خلافة الله في أرضه بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، وخليفة الله هو طريق إيصال التكليف للناس، فكيف يترك الوصية بمن يخلفه؟!).
والجواب:
أن الخلافة الإلهية وإن كانت هي أكبر الخير، إلا أنّا أوضحنا أن الخير في الآية يراد به المال فقط، كما دلت عليه الأحاديث، ومنها أحاديث احتج بها أحمد إسماعيل.
قال الشيخ الطوسي قدس سره :
(فإن اسم (الخير) يقع على المال، والعمل الصالح، والثواب. أما المال فقوله تعالى: (إن ترك ځيرا الوصية للوالدين) يعني إن ترك مالا، وقال: (وإنه لحب الخير لشديد) يعني المال. وأما الثواب فقوله: (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير) يعني ثوابا . وأما العمل الصالح، فقوله: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) يعني عملا صالحا)(2).
ص: 253
قلت: الدليل الذي احتج به أحمد إسماعيل قد دل بوضوح على أن المراد بالخير في الآية هو المال، فلا أدري لم يصر أحمد إسماعيل على تجاهل دلالة هذه الأحاديث و تحميل الآية معنى من عنده لا تدل عليه، مع أنه لم يأت بأحاديث صحيحة تدعم كلامه؟!
ولا يخفى أن كلا منا إنما هو في دلالة قوله تعالى: (كتب عليکم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين)، وأنها هل تدل على الوصية بغير المال أم لا؟
أما أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أوصى الأمة بنصرة خليفة الله من بعده، والتمسك به، فهذا لا نتنازع فيه؛ لأنه من مسلمات الشيعة الإمامية، والأدلة الدالة على ذلك كثيرة جدا تفوق حد الحصر، أما أن هذه الآية تدل على ذلك فمن الواضح عدم دلالتها على هذا الأمر، إذ كيف يجب على النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يوصي بالخلافة (للوالدين والأقربين)؟
قال أحمد إسماعيل:
(هذا، والآية فيها لفظان واضحان في أن الوصية فرض واجب عند حضور الموت: (كتب) [كذا ] و (حقا على) ، فلا يصح أن يعرض عنها صاحب الشريعة؛ لأن الإعراض عنها أمر قبيح).
والجواب:
أنا نتكلم في جهتين:
الجهة الأولی: أن وجوب الوصية أو استحبابها لمن ترك خيرا هل هو شامل للنبي صلی الله علیه و آله و سلم ، أم أنه تکلیف خاص بغيره، ولا يشمله هو؟
لا شك في أن التكليف في هذه الآية شامل لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ؛ لقاعدة الاشتراك في الأحكام الشرعية إلا ما خرج بالدليل من أنه من خصوصياته صلی الله علیه و آله و سلم ، ولم يدل دليل على أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم مستثنى من هذا الحكم.
ص: 254
الجهة الثانية: أن قوله تعالى: (کتب عليکم إذا حضر أحدکم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) هل يستفاد منه أنه يجب على النبي صلی الله علیه و آله و سلم بمقتضى هذه الآية أن يوصي بالخليفة الذي يقوم بالأمر من بعده؟
لقد أوضحنا فيما تقدم أن الآية لا دلالة فيها على ذلك؛ لأنها ناظرة إلى الوصية بالأموال، وهي المعبر عنها في الآية بالخير، وأن الحث على الوصية في الآية ليس على إطلاقه، وإنما هو مشروط بما إذا ترك الموصي ما يوصي به، وأما إذا لم يترك مالا فإن الوصية لا مورد لها.
مضافا إلى أن الآية صرحت بأن الموصى إليهم هم الوالدان والأقربون، وأن المخاطبين بهذا الأمر هم الذين آمنوا بالنبي صلی الله علیه و آله و سلم .
ومن كل هذه القرائن بضميمة الروايات السابقة نعلم أن المراد بالوصية في الآية هي الوصية بالأموال دون الخلافة وغيرها من المقامات الدينية.
ومن المعلوم أن الوصية تنقسم إلى قسمين:
1- وصية تمليكية: وهي متعلقة بالأموال، والآية ناظرة إلى هذا القسم من الوصايا.
2_ الوصية العهدية: وهي تكاليف يجعلها الموصي في عهدة الموصى إليه، لكي يقوم بتنفيذها بعد موته، وغالبا ما تكون خاصة به، كقضاء ديونه، أو عباداته، أو فعل بعض العبادات المستحبة التي يرغب الموصي في الإتيان بها بعد موته من ماله نيابة عنه.
وهذه الوصايا العهدية غالبا ما تكون خاصة، لا يطلع عليها إلا ورثة المتوفي وأقرباؤه دون غيرهم.
ص: 255
ولا شك في أن الأحاديث الكثيرة قد دلت على أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم جعل أمير المؤمنين عليه السلام وصیا له لتنفيذ وصاياه، وهذا لا يختلف فيه الشيعة وإن أنكره غيرهم.
ومن تلك الروايات ما رواه الشيخ الطوسي قدس سره في أماليه بسنده عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام، قال: «كنت عند رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في مرضه الذي قبض فيه، فكان رأسه في حجري، والعباس يذب عن وجه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، فأغمي عليه إغماءة، ثم فتح عينيه، فقال: يا عباس، یا عم رسول الله، أقبل وصيتي، واضمن ديني وعداتي. فقال: يا رسول الله، أنت أجود من الريح المرسلة، وليس في مالي وفاء لدينك وعداتك. فقال النبي صلی الله علیه و آله و سلم ذلك ثلاثا، يعيده عليه، والعباس في كل ذلك يجيبه بما قال أول مرة.
فقال النبي صلی الله علیه و آله و سلم : لأقولنها لمن يقبلها، ولا يقول ياعباس مثل مقالتك». قال: «فقال: ياعلي، اقبل وصيتي، واضمن ديني وعداتي . قال: فخنقتني العبرة، وارتج جسدي، ونظرت إلى رأس رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يذهب ويجيء في حجري، فقطرت دموعي على وجهه، ولم أقدر أن أجيبه، ثم ثنى، فقال: يا علي، اقبل وصيتي، واضمن ديني وعداتي. قال: قلت: نعم بأبي وأمي. قال: أجلسني. فأجلسته، فكان ظهره في صدري، فقال: يا علي، أنت أخي في الدنيا والآخرة، ووصيي وخليفتي في أهلي. ثم قال: يا بلال، هلم سيفي، ودرعي، وبغلتي، وسرجها، ولجامها، ومنطقتي التي أشدها على درعي. فجاء بلال بهذه الأشياء، فوقف بالبغلة بين يدي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، فقال: قم ياعلي فاقبض». قال: «فقمت وقام العباس فجلس مكاني، فقمت فقبضت ذلك، فقال: انطلق
ص: 256
به إلى منزلك، فانطلقت، ثم جئت فقمت بين يدي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، فنظر إلي ثم عمد إلى خاتمه فنزعه ثم دفعه إلي، فقال: هاك يا علي هذا في الدنيا والآخرة. والبيت غاص من بني هاشم والمسلمين، فقال: يا بني هاشم، یا معشر المسلمين، لا تخالفوا عليا فتضلوا، ولا تحسدوه فتكفروا، ياعباس قم من مكان علي. فقال: تقيم الشيخ، وتجلس الغلام؟! فأعادها عليه ثلاث مرات، فقام العباس فنهض مغضبا، وجلست مکاني، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : یا عباس، یاعم رسول الله، لا أخرج من الدنيا وأنا ساخط عليك، فيدخلك سخطي عليك النار. فرجع فجلس»(1).
ولم يدع أحد من الشيعة أو السنة أو غيرهم أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم عرض على عمه العباس أن يتولى الخلافة من بعده، وإنما عرض عليه أن يقضي دیونه، وينجز عداته.
ولأن هذه الحادثة بكاملها لاترتبط بموضوع الخلافة لم يقع في ذلك المجلس الذي كان مكتظا بالناس أي لغط أو صخب أو اعتراض على هذه الوصية، بخلاف ما حدث في يوم الخميس لما أراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكتب للأمة كتابا لا يضلون بعده، فإنهم أكثروا اللغط والاعتراض؛ لأنهم كانوا يعلمون أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أراد أن يكتب في ذلك الكتاب أسماء الخلفاء الذين يتولون الأمر من بعده.
قال أحمد إسماعيل:
(فكيف يعرض محمد صلی الله علیه و آله و سلم عن الوصية عند الموت مع أنه كان لديه الوقت الكافي لكتابتها حتى بعد أن منع من كتابتها على رؤوس
ص: 257
الأشهاد يوم الخميس، فهل أعدم رسول الله شاهدين عدلين من الأصحاب مع وجود علي عليه السلام وسلمان وأبي ذر والمقداد وعمار وغيرهم ممن كانوا يؤیدون كتابة الكتاب ؟! أم هل أعدم الوقت وكان عنده قرابة ثلاثة أيام بلياليها؟!).
والجواب:
أن أحمد إسماعيل خلط بين الوصية والكتاب الذي لا تضل الأمة بعده، فتوهم أنهما كتاب واحد، والغاية منهما واحدة، مع أنهما كتابان مختلفان، لكل واحد منهما غرض غير مرتبط بالغرض من الآخر، فإن الغرض من كتابة الوصية هو ذكر أمور خاصة يراد من الوصي أن يقوم بتنفيذها، ولا يطلع الناس عليها، وأما الغرض من كتابة الكتاب الذي لا تضل الأمة بعده فهو أن يكتب هذا الكتاب لعامة الناس من أجل هدايتهم، ومنعهم من الوقوع في الضلال.
مع أنا بينا أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم لم يعرض عن الوصية عند الموت کما دلت على ذلك أحاديث كثيرة، ومنها الحديث الذي نقلناه آنفا عن أمالي الشيخ الطوسي قدس سره.
مضافا إلى أنه يظهر من بعض الأخبار أن وصايا المعصومين عليهم السلام نزلت مختومة من السماء، وأنها لم تكتب كغيرها من الوصايا.
فقد روى الشيخ الكليني قدس سره بسنده عن أبي عبد الله علیه السلام، قال: «إن الله عزّوجلّ أنزل على نبيه صلی الله علیه و آله و سلم كتابا قبل وفاته، فقال: يا محمد، هذه وصيتك إلى النجبة من أهلك، قال: وما النجبة يا جبرئيل؟ فقال: علي بن أبي طالب وولده علیهم السلام . وكان على الكتاب خواتیم من ذهب، فدفعه النبي صلی الله علیه و آله و سلم إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وأمره أن يفك خاتما منه ويعمل بما فيه، ففك أمير المؤمنين عليه السلام خاتما، وعمل بما
ص: 258
فيه، ثم دفعه إلى ابنه الحسن عليه السلام ، ففك خاتما، وعمل بما فيه، ثم دفعه إلى الحسين علیهماالسلام(1) ، ففك خاتما، فوجد فيه: أن أخرج بقوم إلى الشهادة، فلا شهادة لهم إلا معك، واشر نفسك لله عزّوجلّ»، ففعل، ثم دفعه إلى علي بن الحسين علیهماالسلام، ففک خاتما، فوجد فيه: أن أطرق، واصمت، والزم منزلك، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين، ففعل، ثم دفعه إلى ابنه محمد بن علي عليهماالسلام، ففك خاتما فوجد فيه: حدث الناس وافتهم، ولا تخافنّ إلا الله عزّوجلّ ، فإنه لا سبيل لأحد عليك، [ففعل]، ثم دفعه إلى ابنه جعفر، ففك خاتما فوجد فيه: حدث الناس، وافتهم، وانشر علوم أهل بيتك، وصدق آبائك الصالحين، ولا تخافن إلا الله عزّوجلّ، وأنت في حرز و أمان، ففعل، ثم دفعه إلى ابنه موسی علیه السلام ، وكذلك يدفعه موسى إلى الذي بعده، ثم كذلك إلى قيام المهدي صلى الله عليه» (2).
وبسنده عن معاذ بن كثير، عن أبي عبد الله علیه السلام، قال: «إن الوصية نزلت من السماء على محمد كتابا، لم ينزل على محمد صلی الله علیه و آله و سلم كتاب مختوم إلا الوصية، فقال جبرئیل علیه السلام : يا محمد، هذه وصيتك في أمتك عند أهل بيتك. فقال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : أي أهل بيتي يا جبرئيل؟ قال: نجیب الله منهم وذريته؛ ليرثك علم النبوة کما ورثه إبراهيم عليه السلام، وميراثه لعلي علیه السلام وذریتك من صلبه»، قال: «وكان عليها خواتيم»، قال: «ففتح علي عليه السلام الخاتم الأول، ومضى لما فيها، ثم فتح الحسن عليه السلام الخاتم الثاني، ومضى لما أمر به فيها، فلا توفي الحسن ومضى فتح الحسين علیه السلام الخاتم الثالث، فوجد فيها : أن قاتل فاقتل وتقتل، واخرج بأقوام للشهادة، لا شهادة لهم إلا معك». قال: «ففعل علیه السلام ، فلما مضى دفعها إلى علي
ص: 259
بن الحسين عليهماالسلام قبل ذلك، ففتح الخاتم الرابع فوجد فيها: أن اصمت وأطرق لما حجب العلم. فلا توفي ومضى دفعها إلى محمد بن علي عليهماالسلام، ففتح الخاتم الخامس فوجد فيها: أن فسر کتاب الله تعالى، وصدق أباك، وورث ابنك، واصطنع الأمة، وقم بحق الله عزّوجلّ، وقل الحق في الخوف والأمن، ولا تخش إلا الله. ففعل، ثم دفعها إلى الذي يليه»، قال: قلت له: جعلت فداك، فأنت هو؟ قال: فقال: «ما بي إلا أن تذهب یا معاذ فتروي عليّ». قال: فقلت: أسأل الله الذي رزقك من آبائك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك مثلها قبل الممات، قال: «قد فعل الله ذلك يا معاذ»، قال: فقلت: فمن هو جعلت فداك؟ قال: «هذا الراقد _وأشار بيده إلى العبد الصالح وهو راقد _»(1).
وقد سبق أن ذكرنا وصية رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم التي رواها الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن عيسى بن المستفاد أبي موسى الضرير، قال: حدثني موسی بن جعفر علیهماالسلام، قال: «قلت لأبي عبد الله : أليس كان أمير المؤمنين علیه السلام كاتب الوصية، ورسول الله صلی الله علیه و آله و سلم المملي عليه، وجبرئيل والملائكة المقربون عليهم السلام شهود؟ قال: فأطرق طويلا، ثم قال: يا أبا الحسن قد كان ما قلت، ولكن حين نزل برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الأمر، نزلت الوصية من عند الله كتابا مسجلا، نزل به جبرئيل مع أمناء الله تبارك وتعالى من الملائكة...»(2) إلى آخر الرواية، فراجعها(3).
والأحاديث في ذلك كثيرة، وهي تدل على أن وصية رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ،
ص: 260
ووصايا الأئمة الأطهار عليهم السلام نزلت من السماء مختومة مسجلة، وأن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أوصى أمير المؤمنين علیه السلام بوصاياه الخاصة والعامة بمرأى ومسمع من المهاجرين والأنصار کما مر.
وأما الكتاب الذي أراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكتبه للأمة، حتى لا تضل بعده أبدا، فحال عمر بن الخطاب بينه وبين كتابة هذا الكتاب، فهو كتاب آخر مغایر للوصية، والفئة التي أراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يستهدفها بهذا الكتاب هي عامة الناس، ولذلك قال: «أكتب لكم»، ولم يقل: «أوصيكم»، كما أنه لم يصف هذا الكتاب في شيء من الروايات بأنه وصية.
ولما حيل بين النبي صلی الله علیه و آله و سلم وبين كتابة هذا الكتاب، هل كتبه بعد ذلك في وجود أفراد قلائل من الصحابة؟ أو أنه أعرض بالكلية عن كتابته؟
المعروف أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أعرض عن كتابة هذا الكتاب، ولم يعاود کتابته بعد ذلك، إلا أن بعض الأخبار تدل على أنه عاود كتابته بعد انصراف الناس، وأشهد عليه نفر قليلا من الصحابة.
ولكن سواء كتب النبي صلی الله علیه و آله و سلم هذا الكتاب بعد ذلك أم أعرض عن كتابته فإن الغاية التي أرادها النبي صلی الله علیه و آله و سلم من كتابة الكتاب _وهي ألا تضل الأمة من بعده _ لم تتحقق، وهذا يرجح ما هو المشهور من أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أعرض عن كتابة الكتاب بعد ذلك.
أضف إلى ذلك أنا لم نجد رواية واحدة احتج فيها أمير المؤمنين على من تولوا الخلافة قبله بهذا الكتاب، ولو كان هذا الكتاب بحوزته وقد شهد عليه سلمان، وعمار، وأبو ذر، والمقداد، لكانت حجته عليهم قائمة.
هذا مع أنا لم نجد في روايات أئمة أهل البيت عليهم السلام ما يدل على أن هذا الكتاب كان بحوزتهم، رغم وجود روایات كثيرة تبين الكتب
ص: 261
والصحف الموجودة عندهم، إلا أنهم لم يذكروا أن هذا الكتاب من ضمن تلك الكتب، ولو كان النبي صلی الله علیه و آله و سلم قد كتبه فعلا لصار بعد ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وتوارثه أئمة أهل البيت عليهم السلام ، وربما أطلعوا بعض شیعتهم عليه، ومن المستبعد جدا أن يتجاهل أهل البيت عليهم السلام مثل هذا الكتاب البالغ الأهمية فلا يذكروه في أحاديثهم.
ومما قلناه يتبين فساد قول أحمد إسماعيل: (فهل أعدم رسول الله شاهدين عدلين من الأصحاب مع وجود علي علیه السلام وسلمان وأبي ذر والمقداد وعمار وغيرهم ممن كانوا يؤیدون كتابة الكتاب ؟! أم هل أعدم الوقت وكان عنده قرابة ثلاثة أيام بلياليها؟!).
والظاهر أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم لم يعاود كتابة هذا الكتاب لأن الغرض من كتابته هو منع الأمة من الوقوع في الضلال والاختلاف بعد وفاته صلی الله علیه و آله و سلم ، وکتاب بهذه القيمة لا بد أن يكتبه النبي صلی الله علیه و آله و سلم على رؤوس الأشهاد؛ لئلا يطعن فيه طاعن، أو يشکك فيه مشکك بعد ذلك، ولو أراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم معاودة كتابة الكتاب بمحضر أمير المؤمنين عليه السلام ، وسلمان، والمقداد، وعمار، وأبي ذر، لكتبه في نفس ذلك المجلس الذي اجتمع فيه رجال كثيرون يؤيدون كتابة هذا الكتاب، ولكن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أعرض عن كتابته لأنه رأى أن الإصرار على كتابته سيفضي إلى التشكيك في نبوته صلی الله علیه و آله و سلم أو الطعن فيها، ولاسيما بعد أن قال قائلهم: (إن النبي ليهجر)!
ثم إن ما قاله أحمد إسماعيل حجة عليه؛ لأنه زعم أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم كتب هذا الكتاب في ليلة وفاته، أي بعد رزية يوم الخميس بأكثر من ثلاثة أيام بلياليها، مع أن أهمية هذا الكتاب تحتم سرعة المبادرة إلى
ص: 262
کتابته، وهذا يؤكد ما قلناه من أن الكتاب الذي أراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكتبه کیلا تضل الأمة من بعده، مغاير للوصية التي كتبها في ليلة وفاته لو سلمنا بأن هناك وصية كتبت في ليلة الوفاة.
قال أحمد إسماعيل:
(لا أعتقد أن شخصا يحترم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم سيقول: إنه ترك كتابة كتاب(الوصية) [الذي] وصفه هو صلی الله علیه و آله و سلم بأنه عاصم للأمة من الضلال إلى يوم القيامة).
والجواب:
أنا بينا فيها تقدم أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم لم يمض بلا وصية، وذكرنا جملة من الروايات الدالة على ذلك.
کما أنّا بينّا أن الكتاب الذي أراد أن يكتبه للأمة كيلا تضل بعده أبدا، فحال عمر بن الخطاب بينه وبين كتابته هو كتاب آخر مغایر للوصية، وهذا الكتاب الآخر أكدت كل القرائن والشواهد التاريخية على أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم لم يعاود كتابته بعد ذلك.
هذا هو مقتضي التحقيق في هذه المسألة، ولا علاقة للمسألة باحترام رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، فإن هذا أمر لا يزايد عليه.
قال أحمد إسماعيل:
(وغير صحیح قول بعض من يدعون العلم من الشيعة)(1): (إن
ص: 263
ترك كتابة الوصية مطلقا راجح؛ لأن من اعترضوا _ أي عمر وجماعته - في رزية الخميس على كتابتها، وقالوا: «يهجر»، أو «غلبه الوجع»، لن يتورعوا بعد وفاة رسول الله عن الطعن بسلامة قواه العقلية عند كتابته للوصية كما فعلوا في رزية الخميس).
وقولهم هذا غير صحيح؛ لأن هذا يمكن أن يحصل فيما لو كتبت الوصية وأبرزت وأظهرت لهؤلاء المعترضين، أما لو كتبت لعلي، وأشهد عليها من قبلها من الأصحاب دون أن تبرز لهؤلاء المعترضين فلن یکون هناك طعن بالرسول صلی الله علیه و آله و سلم ، وفي نفس الوقت يحقق الغرض من كتابة الوصية وهو أن تصل إلى الخلف من هذه الأمة، وتنفي الضلال عن هذه الأمة إلى يوم القيامة).
والجواب:
قال آية الله السيد عبد الحسین شرف الدين الموسوي قدس سره :
(وعندها علم صلی الله علیه و آله و سلم أنه لم يبق _بعد كلمتهم هذه _ أثر لذلك الكتاب إلا الفتنة، فقال لهم: «قومواعني». واكتفى بعهوده اللفظية، ومع ذلك فقد أوصاهم عند موته بوصايا ثلاث: أن يولوا عليهم عليّا، وأن يخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأن يجيزوا الوفد بنحو ما كان يجيزه، لكن السلطة والسياسة يومئذ ما أباحتا للمحدثين أن يحدثوا بوصيته الأولى، فزعموا أنهم نسوها)(1).
قلت: إن القوم يعلمون ماذا كان يريد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكتب في ذلك الكتاب، ولذلك حاولوا بكل قوتهم وشغبهم أن يمنعوه من کتابته، ولو أصر النبي صلی الله علیه و آله و سلم مع ذلك على كتابته فإن عمر بن الخطاب
ص: 264
ومن كان معه سيرفضون العمل بما فيه، متذرعين بأن النبي صلی الله علیه و آله و سلم بحسب زعمهم لم يكن في ذلك الوقت مؤهلا لكتابة كتاب مهم يعصم الأمة من الضلال؛ لأنه لم يكن في كامل قواه العقلية، فلا فائدة في كتابة هذا الكتاب إلا وقوع المسلمين في مزيد من الاختلاف والفتنة التي ستطال قداسة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم حتما.
وإذا كان هؤلاء القوم قد جابهوا النبي صلی الله علیه و آله و سلم بهذه الجرأة الشديدة، وهو حي بين ظهرانيهم، وفي أواخر أيام حياته، ومنعوه من كتابة الكتاب، وشکكوا الناس في سلامة عقله، فهل ترى أنه يصعب عليهم بعد موته صلی الله علیه و آله و سلم أن يطعنوا في هذا الكتاب الذي سيأتي لهم به الإمام أمير المؤمنين علیه السلام ، ويطالبهم بالتنحي عن الخلافة مستندا إلى ما كتبه النبي صلی الله علیه و آله و سلم في هذا الكتاب؟
إنها السياسة التي لم تقم للنبي صلی الله علیه و آله و سلم وزنا، فكيف تقيم وزنا لمن هو دونه في الفضل والمنزلة؟!
وقول أحمد إسماعيل: (أما لو كتبت لعلي، وأشهد عليها من قبلها من الأصحاب دون أن تبرز لهؤلاء المعترضين فلن يكون هناك طعن بالرسول صلی الله علیه و آله و سلم ، وفي نفس الوقت يحقق الغرض من كتابة الوصية، وهو أن تصل إلى الخلف من هذه الأمة، وتنفي الضلال عن هذه الأمة إلى يوم القيامة).
واضح الفساد؛ لأن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أراد أن يكتب كتابا يطلع عليه عامة الناس لكي يتحقق الغرض من كتابته، وهو ألا تضل الأمة من بعده، وأما إذا كتبه بالطريقة التي اقترحها أحمد إسماعيل، وصار في حوزة أمير المؤمنين عليه السلام ، وتكتم عليه بصورة شديدة، بحيث لم يطلعه إلا لخاصة الخاصة، فإن المعترضين وأتباعهم - وهم كثيرون جدا، بل
ص: 265
هم أكثر الصحابة في ذلك الوقت_ لن يستفيدوا من هذا الكتاب أصلا، وسيؤسس أولئك المعترضون أسسا من الضلال يتبعهم فيها غيرهم ممن يسير على منهاجهم، وبهذا فإن الكتاب لو کتب بنحو سري فإنه لن يحقق الغاية التي أرادها النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، وإذا كانت له فائدة فستكون قليلة جدّا ، ولعل مضاره ستكون أكثر من فوائده؛ لأنه ربما يثير خلافا وفتنة لا يعلم مداها إلا الله سبحانه .
قال أحمد إسماعيل:
(نعم، يجوز لمن يدعون الفقه أن يسوقوا الكلام السابق لتعليل عدم إصرار رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم على كتابة الوصية في نفس الموقف، أي في حادثة الخميس لا مطلقا.
وهذا أمر بديهي، فهل من يشق عليه صيام يوم من شهر رمضان يعرض عن صيام هذا اليوم مطلقا، أم يصومه في يوم آخر يمكنه صيامه فيه؟ وهل من لا يتمكن من أداء الصلاة في مكان لوجود النجاسة فيه يمتنع عن الصلاة، أم يصليها في مكان آخر؟).
والجواب:
أن هذا قياس مع الفارق، فإن من لم يتمكن من صيام يوم فأفطر، فإنه يجب عليه قضاؤه، وكذا من لم يتمكن من الصلاة في مكان لنجاسته، فإنه يجب عليه أن يصلي في مكان آخر، وهذه أحكام فقهية معروفة، وأما كتابة الكتاب فإنه تكليف موجه للنبي صلی الله علیه و آله و سلم، ونحن لا نعرف عدم وجوبه عليه بعد لغط القوم واعتراضهم من عدم إصراره على كتابة الكتاب، وهو صلی الله علیه و آله و سلم أعرف بما يجب عليه وما لا يجب.
ص: 266
وليس من حق أي مسلم أن يقول: إن كتابة الكتاب كانت واجبة على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم حتى بعد أن اعترض عليه القوم وقالوا ما قالوا؛ لأنا إنما نعرف الحق من فعل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، واللازم هو أن نبحث في أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم بعد اعتراض القوم عليه هل كتب الكتاب الذي أراد أن يكتبه للناس أم لا؟
وكان على أحمد إسماعيل أن يثبت بالأدلة الصحيحة أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم كتب هذا الكتاب، فإن هذا خير من أن يحاول إثبات حادثة تاريخية بقياسها على مسائل فقهية، فإن هذا لا يصدر عن صغار طلبة العلم، فضلا عن إمام معصوم.
قال أحمد إسماعيل:
(و کتاب رسول الله عند الاحتضار (الوصية) أمر عظيم أعظم من الصوم والصلاة، فرضه الله على الرسول بقوله تعالى: (كتب) و (حقا على)، ووصفه رسول الله بأنه يعصم الأمة من الضلال إلى يوم القيامة، فكيف يترکه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم مطلقا بمجرد أن اعترض عليه جماعة في يوم الخميس؟!).
والجواب:
أنا أوضحنا فيما سبق بما لا يحتاج إلى مزيد بيان أن الوصية في قوله تعالى: (كتب عليکم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصیة للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) إنما هي في
الأموال والممتلكات، وبينا ذلك بإسهاب فلا حاجة لإعادته.
ثم إن النبي صلی الله علیه و آله و سلم لم يصف الكتاب الذي أراد أن يكتبه للأمة بأنه کتاب عاصم للأمة من الضلال کما زعم أحمد إسماعيل، وإنما وصفه النبى صلی الله علیه و آله و سلم بأن الأمة لا تضل به بعده، وبين الوصفين فرق كبير .
ص: 267
وليس معنى وصف الكتاب بهذا الوصف أن نفس وجوده مانع للأمة من الوقوع في الضلال والاختلاف، إذ أنه لو فرض أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم كتبه فإن وجوده لا يمنع من اختلاف الناس وتنازعهم، ولاسيما إذا كان كثير من الناس لا يريدون أن يعملوا بما فيه.
ولا شك في أن القرآن الكريم أعظم شأنا من هذا الكتاب، والله وصفه بأنه يهدي للحق في بعض آیات الكتاب.
منها: قوله تعالى: (إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين) (الإسراء: 9)، وقوله سبحانه: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) (البقرة: 185)، ومع ذلك فلم يرد في شيء من الروايات أن القرآن عاصم للأمة من الضلال، والنبي صلی الله علیه و آله و سلم في حديث الثقلين قال: «إني قد ترکت فیکم أمرين، لن تضلوا بعدي ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فإن اللطيف الخبير قد عهد إلى أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض»(1).
فعلق صلی الله علیه و آله و سلم عدم الوقوع في الضلال على التمسك بهما، ولم يصف الكتاب والعترة بأن نفس وجودهما عاصم للأمة من الوقوع في الضلال، خصوصا مع إعراض الناس عنهما وعدم تمسكهم بهما.
ومما قلناه يتضح أن وصف أحمد إسماعيل هذا الكتاب بأنه عاصم للأمة من الوقوع في الضلال غير صحيح.
وأما قوله: (فكيف يتر که رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم مطلقا بمجرد أن اعترض عليه
جماعة في يوم الخميس؟!).
ص: 268
طعنوا في سلامة عقل النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، وزعموا أنه يهجر، فإن الكتاب لن تكون له كثير فائدة بعد ذلك، ولن يستطيع أهل الحق أن يحتجوا به، ووجود مثل هذا الكتاب ربما يسبب اختلافا وفتنة بين المسلمين لا يعلم مداها إلا الله سبحانه.
ويكفي في الدلالة على إعراض النبي صلی الله علیه و آله و سلم عن كتابة الكتاب أن روايات الشيعة وأهل السنة اتفقت على أنه صلی الله علیه و آله و سلم طرد القوم من مجلسه، وأنه لم يكتب هذا الكتاب في ذلك الوقت.
قال أحمد إسماعيل:
(في الحقيقة أنه [كذا] أمر عظيم وخطير أن يتهم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بترك كتابة الوصية عند الاحتضار، حيث إنه يمثل اتهاما للرسول بأنه ترك ما أمره الله به مع تمكنه من أدائه والقيام به، فالله يوجب كتابة الوصية على سيد وإمام المتقين محمد مرتین بآية واحدة بقوله: (کتب) (حقا على) ، (كتب عليکم إذا حضر أحدکم الموت إن ترك خيرا الوصیة للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) (البقرة: 180)، ويأتي فلان أو فلان اليوم ليقول: إن محمدا ترك الوصية التي تشخص الثقلين!!).
والجواب:
أنه قد اتضح من كلامنا السابق عدة أمور:
1_ أن آية الوصية إنما هي في الأموال والممتلكات، وقد أوضحنا ذلك وأیدناه بدلالة الروايات على ذلك.
2_ أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم لم يهمل الوصية، وإنما أوصى لأمير المؤمنين علیه السلام بوصايا كثيرة كما دلت على ذلك روایات متعددة ذكرنا بعضا منها فيما سبق فراجعها.
ص: 269
3_ أن الكتاب الذي أراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكتبه كي لا تضل الأمة من بعده ليس بوصية، ولهذا فإنه لم يوصف بأنه وصية في شيء من الروايات، وإنما هو بيان للأمة حاول النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكتبه، فحيل بينه وبين كتابته، فلم يعاود كتابته بعد ذلك؛ لما قلناه سابقا من الأدلة.
4_ أن عدم كتابة النبي صلی الله علیه و آله و سلم هذا الكتاب بعد أن حيل بينه وبين کتابته لا يستلزم الطعن في رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بشيء؛ لأنه صلی الله علیه و آله و سلم رأى المصلحة في عدم كتابة مثل هذا الكتاب بعد أن قيل ما قيل، أو جاءه أمر من الله تعالى بترك كتابته بعد رزية يوم الخميس، وهذا لا يقتضي اتهام النبي صلی الله علیه و آله و سلم بأنه ترك ما يجب عليه مع تمكنه منه، وهو كتابة الوصية قبل الاحتضار، لأنا أوضحنا أن هذا الكتاب لم یکن وصية، بل كان مغایرا لها، ولا علاقة له بالوصية.
5_ أن بعض الروايات دلت على أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم کتب ذلك الكتاب الذي حال عمر بينه وبين كتابته، مثل رواية سلیم بن قیس الهلالي، ورواية النعماني في كتاب الغيبة، فإن صحت هذه الرواية فعليها المعول، وإلا فالظاهر أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم انصرف عن كتابة الوصية بعدما حصل من اللغط والاختلاف.
قال أحمد إسماعيل:
(وهكذا بكل بساطة يتهم رسول الله بأنه يعصي الله؛ لأن الوصية الوحيدة المروية لا توافق هواه، ولأن فيها ذكر المهديين واسم أولهم، هكذا فقط لأنها لا تعجبه يقول: (إن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لم يوص)، هل هناك اتباع للهوى أبين من هذا؟!).
ص: 270
والجواب:
أنه لا يوجد شيعي يتهم النبي صلی الله علیه و آله و سلم بأنه عصى الله سبحانه، أو أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم مات ولم يوص، فإن هذه الأمور لا يختلف فيها الشيعة قديما وحديثا، بل إنهم تنازعوا مع مخالفيهم فذهبوا إلى أن الإمام أمير المؤمنين علیه السلام هو وصي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وكيف يمكن أن يكون علیه السلام وصيا له صلی الله علیه و آله و سلم من دون أن تكون عنده وصایا من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يلزمه العمل بها؟!
وأما أن الرواية التي رواها الشيخ الطوسي قدس سره في الغيبة هي الوصية الوحيدة المروية فقد بينا بطلانه فيما سبق.
وفي الحقيقة إن الذي يتهم النبي صلی الله علیه و آله و سلم هو الذي يزعم أن هذه الرواية هي وصية رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، مع أنها مروية بسند مظلم، وفيها ما هو مخالف للمتواتر من أن الأئمة اثنا عشر فقط.
أليس من اتباع الهوى التمسك بهذه الرواية، وطرح كل الروايات الأخرى المتواترة المعارضة لها؟ وهل هناك اتباع للهوى أبين من هذا؟!
قال أحمد إسماعيل:
(والمصيبة أن بعضهم يدعون أنهم يعلمون ما في وصية رسول الله التي لم يكتبها حسب زعمهم، وبأنها مجرد تأكيد لبيعة الغدير ولحديث الثقلين المجمل، ولهذا فهو صلی الله علیه و آله و سلم لم يهتم لكتابتها، ولم يكتبها بعد حادثة الرزية بحسب زعمهم ولو للمساكين الذين يقبلونها كعمار وأبي ذر والمقداد، ولم يكتبها حتى لعلي لتصل لمن يقبلونها بعده؛ لكي لا يضيع ويضل كل من أصلاب الرجال وتعصم الأمة من الضلال).
ص: 271
والجواب:
أن رواية سلیم بن قیس الهلالي التي ذكرناها سابقا وغيرها بينت أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، أراد أن يكتب في ذلك الكتاب أسماء الخلفاء من بعده واحدا بعد واحد، والقوم كانوا يعلمون بما أراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن یکتب، ولولا ذلك لما كثر لغطهم، ولما حالوا بينه وبين كتابة الكتاب، ولاسيما أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم لم يقل كلاما يجعل عمر بن الخطاب ومن كان معه يتوهمون أنه كان يهجر، أو أن الوجع قد غلبه بحيث صار لا يدرك ما يقول!
والفائدة في تدوين أسماء الخلفاء هي بيان أسماء خلفاء الهدى؛ ليكون معلوما عند الناس أن كل من يتولى الأمر من غير هؤلاء الأئمة فهو غاصب للخلافة، متسلق عليها، غير مستحق لها.
ونحن لا نشك في أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم بين لصحابته أسماء الخلفاء إلى قيام الساعة، ونص عليهم واحدا بعد واحد، إلا أن كتابة ذلك وتدوينه على رؤوس الأشهاد يدفع كل تشكيك أو إنکار ممن يطمعون في الخلافة، ويسعون للوصول إليها بغير حق.
ونحن نستبعد أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أراد أن يدون أمورا أخرى مهمة لم يبينها للناس فيما سبق، لأن الله تعالى قد أكمل هذا الدين بعد تنصيب أمير المؤمنين علیه السلام في يوم الغدير، ولم يبق شيء من مهات الشريعة إلا وبينه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قبل ذلك.
وأما طعن أحمد إسماعيل في حديث الثقلين بأنه مجمل فهو ناشئ عن جهله بالكلام العربي، وقلة فهمه للكلام النبوي، ولو لم يكن هذا الحديث واضح الدلالة لطعن فيه أعداء الشيعة الذين رأوا أنه غصة في حلوقهم، وكل من حاول التشكيك فيه إنما شکك فيه من ناحية سنده لا دلالته.
ص: 272
ومع بيان النبي صلی الله علیه و آله و سلم للمراد بعترته وأهل بيته لا يبقى أي مجال للقول بأن الحديث فيه إجمال، فإن النبي صلی الله علیه و آله و سلم بین ذلك في أحاديث كثيرة رواها أهل السنة فضلا عن الشيعة.
منها: ما رواه مسلم عن سعد بن أبي وقاص، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا، فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فلن أسبه؛ لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم...
إلى أن قال: ولا نزلت هذه الآية: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) [آل عمران: 61]، دعا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عليا، وفاطمة، وحسنا، وحسينا، فقال: «اللهم هؤلاء أهلي»(1).
وأخرج الترمذي بسنده عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول: «الصلاة يا أهل البيت، (فإنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا»»(2).
وأخرج الحاكم أيضا عن أم سلمة، قالت: في بيتي نزلت: (إنما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت ویطهرکم تطهيرا) ، قالت: فأرسل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إلی علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، فقال: «هؤلاء أهل بيتي»(3).
ص: 273
وبسنده عن واثلة بن الأسقع، وفيه أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم دعا الحسن والحسين، فأقعد كل واحد منهما على فخذيه، وأدنى فاطمة من حجره وزوجها، ثم لف عليهم ثوبا، وقال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) ، ثم قال: «هؤلاء أهل بيتي، اللهم أهل بيتي أحق»(1).
ومن هذا يتبين أن الصحابة كانوا يعلمون بالمراد بأهل البيت في حديث الثقلين، وأنه لا إجمال فيه ولا غموض.
وأما السبب الذي دعا النبي صلی الله علیه و آله و سلم لعدم كتابة الكتاب لمن يقبلونه کعمار والمقداد وسلمان وأبي ذر، فلأنهم لا يحتاجونه؛ لأنهم كانوا متمسكين بالإمام أمير المؤمنين عليه السلام وبالحسن والحسين عليهماالسلام، ومن عاصر أمير المؤمنين عليه السلام وتمسك به لا يحتاج معه إلى كتاب.
وقال أحمد إسماعيل: (ولم يكتبها حتى لعلي لتصل لمن يقبلونها بعده؛ لكي لا يضيع ويضل كل من أصلاب الرجال وتعصم الأمة من الضلال).
والجواب: أن هذا كلام واضح الضعف والركاكة؛ لأن غرض النبي صلی الله علیه و آله و سلم من كتابة الكتاب هو ألا يضل أكثر الأمة من بعده، فإن أكثر الناس الذي سيتبعون المتسلطين على الخلافة سيقعون في الضلال، ومن المعلوم أن فئات من هذه الأمة ستتمسك بأهل بيت النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، وسيكونون على هدى، وهؤلاء لا يستهدفهم الكتاب الذي نتحدث عنه، وإنما يستهدف الناس الآخرين الذين سينخدعون بخلافة غاصبي الخلافة من حيث لا يشعرون أنهم على ضلال مبين.
ص: 274
وكما لاحظ القارئ العزيز فإنه يظهر من أحمد إسماعيل أنه مصر على أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم كتب الكتاب الذي لا تضل الأمة بعده، ومن الواضح أنه لو كتبه لما ضلت الأمة بعده، فلما رأيناها قد ضلت ولم تتمسك بأهل بیت نبيها صلی الله علیه و آله و سلم علمنا أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم لم يكتب ذلك الكتاب، وهذا واضح لا يحتاج إلى مزيد إيضاح.
قال أحمد إسماعيل:
(ولا أدري من أين علموا أن الوصية مجرد تكرار أو تأكيد لحادثة الغدير أو غيرها من الحوادث والأقوال السابقة لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم تحديث الثقلين المجمل، مع أنه صلی الله علیه و آله و سلم نبي ورسول من الله والوحي مستمر له، ورسالته لهداية الناس مستمرة حتى آخر لحظة من حياته).
والجواب:
أن أحمد إسماعيل حاول هذا الكلام وما بعده أن يشکك في أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أراد أن يكتب في هذا الكتاب ماسبق له أن بينه للناس في يوم الغدير أو غيره؛ وحيث إنه صلی الله علیه و آله و سلم لم يذكر المهديين الاثني عشر في تلك الحوادث المهمة، فإن ذلك يقتضي _ إن كان النبي صلی الله علیه و آله و سلم قد عاود كتابة الكتاب الذي لا تضل الأمة بعده _أنه لم يذكر المهديين الاثني عشر في هذا الكتاب، وهذا ينقض دعوة أحمد إسماعيل من أساسها.
وكل من تأمل الحوادث التي حدثت في ذلك الوقت، واطلع على الروايات التي ذكرت هذه الحوادث يعلم أن ما أراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكتبه في الكتاب الذي لا تضل الأمة من بعده إنما هو أمور سبق أن بينها للناس في حوادث متعددة وأوقات متفاوتة، وكررها وأكد عليها، إلا أنه صلی الله علیه و آله و سلم أراد في آخر أيام حياته المقدسة أن يدون هذه الأمور التي أكد عليها وكررها حتى تكون حجة على الناس إلى يوم القيامة، ولئلا يتأتى إنكارها أو التشكيك فيها.
ص: 275
ومن يقول ذلك إنما يقوله لأن الله تعالى أنزل قوله: ( اليوم أكملت لكم دينکم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (المائدة: 3)، وهذه الآية واضحة الدلالة على أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم كان قد بين كل مهمات الشريعة قبل نزول هذه الآية المباركة، ولا شك في أن ما أراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكتبه قبیل وفاته في ذلك الكتاب كان من مهات الشريعة، وهي كلها مبينة فيما سبق.
وقد روى الشيخ الكليني قدس سره عن عبد العزيز بن مسلم، قال: كنا مع الرضا عليه السلام بمرو، فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأداروا أمر الإمامة، وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيدي علیه السلام ، فأعلمته خوض الناس فيه، فتبسم علیه السلام، ثم قال: «يا عبد العزيز جهل القوم، و خدعوا عن آرائهم، إن الله عزّوجلّ لم يقبض نبيه صلی الله علیه و آله و سلم حتى أكمل له الدين، وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شيء، بين فيه الحلال والحرام، والحدود والأحكام، وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا، فقال عزّوجلّ: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) [الأنعام: 38]، وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره صلی الله علیه و آله و سلم : (اليوم أكملت لکم دینکم و أتممت عليكم نعمتي و رضیت لکم الإسلام دينا)، وأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمض صلی الله علیه و آله و سلم حتى بين لأمته معالم دينهم، وأوضح لهم سبيلهم، وتركهم على قصد سبيل الحق، وأقام لهم عليّا علیه السلام علما وإماما، وما ترك [لهم] شيئا يحتاج إليه الأمة إلا بينه، فمن زعم أن الله عزّوجلّ لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله، ومن رد كتاب الله فهو كافر به»(1).
وفي صحيحة زرارة وغيره، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «أمر الله عزّوجلّ رسوله بولاية علي، وأنزل عليه: (إنما وليکم الله و رسوله والذين آمنوا الذين يقيمون
ص: 276
الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راکعون) [المائدة: 55]، وفرض ولاية أولي الأمر، فلم يدروا ما هي، فأمر الله محمدا صلی الله علیه و آله و سلم بعد أن يفسر_ لهم الولاية، كما فسر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحج، فلما أتاه ذلك من الله ضاق بذلك صدر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وتخوف أن يرتدوا عن دينهم، وأن يكذبوه، فضاق صدره، وراجع ربه عزّوجلّ، فأوحى الله عزّوجلّ إليه: (يا أيتها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) [المائدة: 67]، فصدع بأمر الله تعالى ذكره، فقام بولاية علي علیه السلام يوم غدیر خم، فنادى: الصلاة جامعة، وأمر الناس أن يبلغ الشاهد الغائب».
قال عمر بن أذينة: قالوا جميعا غير أبي الجارود _ وقال أبو جعفر علیه السلام_ : «وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى، وكانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل الله عزّوجلّ : (اليوم أكملت لكم دينکم و أتممت عليكم نعمتي). قال أبو جعفر علیه السلام : «يقول الله عزّوجلّ : لا أنزل علیکم بعد هذه فريضة، قد أكملت لكم الفرائض»(1).
إذا اتضح ذلك يتبين أن استبعادات أحمد إسماعيل أن يكون النبي صلی الله علیه و آله و سلم أراد أن يكتب أمورا سبق أن بينها للناس وأكد عليها، كلها استبعادات مخالفة للقرآن الكريم وللأحاديث المروية عن أهل البيت عليهم السلام.
ونحن في المقابل نعيد عليه السؤال إن كان عنده جواب، فنقول: ماهو دليلك على أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أراد أن يكتب للناس في ذلك الكتاب أمرا جديدا لم يسبق له أن بينه لهم؟
قال أحمد إسماعيل:
(فهل أن الله أخبرهم مثلا أنه لم يوح لمحمد قبل احتضاره بيوم أو بشهر أو
ص: 277
بشهرين شيئا جديدا وتفاصيل جديدة تخص أحد الثقلين وهو [كذا] الأوصياء من بعده وأسماء وصفات بعضهم بما يضمن عدم ضلال الأمة إلى يوم القيامة، مع أن هذا الأمر موافق للحكمة؟! وإذا لم يكن قد أوحى الله لهؤلاء المدعين شيئا، فلماذا الجزم أن الوصية كانت مجرد تکرار لما سبق، ولهذا كان الأفضل ترك كتابتها بعد رزية الخميس بحسب زعمهم؟!).
والجواب:
أنا ذكرنا أن الله تعالى أنزل آية إكمال الدين، وأن الأحاديث دلت على أن الله تعالى لم ينزل بعد ذلك فريضة.
وأما الأوصياء من بعده صلی الله علیه و آله و سلم وأسماؤهم وصفاتهم فهذا أمر قد بينه النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، فيما سبق، ولن ينتظر النبي صلی الله علیه و آله و سلم إلى آخر يوم في حياته ليبين أمرا بالغ الأهمية هذا الأمر، ولاسيما أن آية إكمال الدين تدل بوضوح على أن كل مهمات الشريعة قد بينت، وأسماء الأوصياء من مهات الشريعة التي ينبغي أن تكون مبينة لا أنزلت آية إكمال الدين.
قال أحمد إسماعيل:
(هل هذا يعني أن عمر يقرر لرسول الله أن الأفضل عدم كتابة الوصية في يوم خمیس کما یزعم من اعتبروا أن اعتراض عمر على كتابة الكتاب كان بتوفيق وتسديد، وأنتم تقررون لرسول الله أن الأفضل عدم كتابة الوصية بعد يوم الخميس ولا تعدمون القش لإيقاد ناركم، فمن الرسول بربكم: محمد بن عبد الله صلی الله علیه و آله و سلم، أم عمر وجماعته، أم أنتم يا من تسميتم بالتشيع ؟).
والجواب:
أنا لا نشك في أن كتابة الكتاب كانت فيه مصلحة عظيمة لهذه الأمة، ويكفي أن الأمة لا تضل بعده أبدا، وحسبك بها فائدة.
ص: 278
کما أنا لا نشك أيضا في أن عمر بن الخطاب كان قد أخطأ خطأ ذریعا باعتراضه على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وبحيلولته دون كتابة الكتاب، وأن كل من صوب فعل عمر فهو جاهل أو مكابر متعصب، ولاسيما أن كل ما اعتذر به لعمر لا يصلح أن يكون عذرا لتصحيح هذه الرزية.
وأما بعد اعتراض عمر وقوله مقالته المعروفة، فإن الوارد في الروايات أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أعرض عن كتابة الكتاب لا أقل في ذلك المجلس، وأمر القوم بالخروج، ولم يصر على كتابته فيه، ولا أظن أن أحمد إسماعيل ينكر ذلك، وهذا يدل على أن الكتاب لم تعد له تلك الفائدة المهمة التي تستدعي الإصرار على كتابته، خصوصا بالنسبة إلى هؤلاء المعترضين ومن يرى رأيهم.
أي إننا علمنا بعدم فائدة الكتاب لهؤلاء بعد اعتراض عمر من عدم إصرار النبي صلی الله علیه و آله و سلم على كتابته، ولولا ذلك لكتبه، ولما اعتنى باعتراض عمر وبلغط من كانوا معه.
نعم، ورد في رواية سلیم بن قیس الهلالي أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم كتب هذا الكتاب بعد انصراف القوم، وأشهد عليه بعض خيار الصحابة، وهذا لا ينافي انصراف النبي صلی الله علیه و آله و سلم عن كتابة الكتاب لعموم الأمة؛ لما فيه من المفاسد التي لا يعلم مداها إلا الله سبحانه.
وكان اللازم على أحمد إسماعيل بدلا من كل هذا اللغط والصياح أن يأتي بدلیل واحد صحيح يدل على أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم كتب ذلك الكتاب، فإن هذا خير له من كثرة الكلام الذي لا طائل منه.
والغريب قول أحمد إسماعيل: (أنا أدعو من يقولون هذا القول إلى التوبة والاستغفار إن كانوا يخافون الله).
ص: 279
فإن هذه المسألة مسألة تاريخية، والخطأ فيها_ لو علم جزما _ لا يستوجب التوبة والاستغفار، ولاسيما بالنسبة لمن لم ير دليلا واحدا صحيحا يدل على أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم عاود كتابة الكتاب، ورأى أن كل الروايات قد أكدت على أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم طرد القوم، ولم يكتب الكتاب في ذلك المجلس، مع قرائن أخرى ذكرناها فيما سبق، والروايات الدالة على أنه صلی الله علیه و آله و سلم عاود كتابة الكتاب وأشهد عليه بعض الصحابة لا تنافي أنه لم يكتب هذا الكتاب لعموم الأمة، وإنما كتبه للخاصة فقط، والله أعلم.
قال أحمد إسماعيل:
(فعلة الوصية عند الاحتضار لخليفة الله والحكمة منها لأن الوحي والتبليغ مستمر لخليفة الله في أرضه حتى آخر لحظة من حياته، فوصيته تكون بآخر ما يوحي له فيما يخص أمر خليفة أو خلفاء الله من بعده أو أوصيائه).
والجواب:
أن الله سبحانه وتعالى هو العالم المطلق الذي لا تخفى عليه الأمور، ولا يحتاج للانتظار حتى تتضح له الأمور، فيؤځر وصية نبيه فيما يتعلق بالخلفاء حتى آخر ساعة من حياته، ليفاجئ الناس بخلفاء جدد لم يسبق له أن ذكرهم للناس.
إن أمر الخلفاء محسوم سابقا، والنبي صلی الله علیه و آله و سلم أكد في مناسبات متعددة على أن الخلفاء من بعده اثنا عشر خليفة، لا يزيدون ولا ينقصون.
والتنصيص على خلفاء آخرين غير الاثني عشر يستلزم تکذیب كلامه السابق الذي حصر فيه الخلفاء في اثني عشر فقط.
وكما قلناه فيما سبق إن أحمد إسماعيل أراد بكلامه هذا أن يثبت المهديين الاثني عشر برواية كتاب (الغيبة) التي جاء فيها أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أملاها في ليلة
ص: 280
وفاته، رغم أنها كما قلنا: رویت بسند مظلم جدا، ومضمونها معارض بروایات كثيرة متواترة تحصر الأئمة في اثني عشر فقط.
قال أحمد إسماعيل:
(ولهذا قال الحكيم المطلق سبحانه: (كتب عليکم إذا حضر أحدکم الموت إن ترك خيرا الوصية ...)، ولم يقل: (كتب عليكم الوصية) فحسب).
والجواب:
أنه يريد بذلك أن الله إنما أوجب الوصية عند حضور علامات الموت، ولم يوجبها قبل ذلك؛ لأن كل إنسان إذا رأى علامات قرب موته علم ما له وما عليه من حقوق الله أو للناس.
ولا يخفى أنه ليس المراد بوقت حضور الموت هو ما قبل الموت بليلة كما فهمه أحمد إسماعيل، فإن هذا أمر لا يمكن معرفته.
قال الطبرسي قدس سره : ( إذا حضر أحدکم الموت) أي أسباب الموت من مرض ونحوه من الهرم، ولم يرد إذا عاين البأس وملك الموت؛ لأن تلك الحالة تشغله عن الوصية)(1).
مع أن هذه الآية إنما وردت في الوصية بالأموال کما قلناه مكررا وأنها ليست ناظرة إلى الوصية بغير المال.
قال أحمد إسماعيل:
(ولهذا بين الرسول محمد صلی الله علیه و آله و سلم فيما سمي برزية الخميس بأن وصيته عند الموت هي العاصم من الضلال لا غير؛ لأنها في تشخيص
ص: 281
الثقلين (المخلف العاصم من الضلال) بالاسم والصفة الذي لا يمكن معه أن يحصل الضلال لمن التزم بهذه الوصية إلى يوم القيامة).
والجواب:
أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم لم يبين في يوم الخميس أن وصيته عند الموت هي العاصم من الضلال لا غير، بل إنه صلی الله علیه و آله و سلم لم يتكلم في ذلك اليوم عن وصيته عند الموت، وإنما تكلم عن الكتاب الذي أراد أن يكتبه للناس حتى لا يضلوا بعده.
وأما زعم أحمد إسماعيل أن هذه الوصية تشخص الثقلين بالاسم والصفة بحيث لا يمكن مع هذا التشخيص أن يحصل الضلال لمن التزم بالوصية، فهو خلط بين الكتاب الذي أراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكتبه للناس کیلا يضلوا بعده، وبين الوصية التي أملاها وكتبها أمير المؤمنين عليه السلام.
وأما الوصية التي يدندن بها أحمد إسماعيل فلم يثبت أنها وصية رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ؛ إذ كيف تثبت أنها وصية رسول الله ولم ترو بسند صحيح، والحال أنها لو كانت صحيحة لرويت عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بالتواتر، ورواها الشيعة خلفا عن سلف، وطبقة عن طبقة، وعن إمام بعد إمام، إلا أنها لم ترو إلا في كتاب واحد، وبسند ضعيف بل مظلم کما قلنا، فكيف يصح نسبتها إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ؟!
وأما زعم أحمد إسماعيل أن الوصية تشخص الثقلين فغير صحيح.
أما الثقل الأكبر _وهو القرآن الكريم _ فمضافا إلى أنه لا يحتاج إلى تشخيص فإن الرواية لم تشخصه كما هو واضح لمن قرأها.
وأما الثقل الأصغر فإن أراد بهم أئمة أهل البيت الاثني عشر علیهم السلام فهو صحيح، إلا أن هذا لا ينفع أحمد إسماعيل في شيء؛ لأن
ص: 282
روايات أخر صحيحة بل متواترة شخصت هؤلاء الأئمة الاثني عشر أيضا، وقد ذكرنا طائفة منها فيما سبق.
ومن ضمنها ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسند صحيح عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين عليهم السلام، قال: «سئل أمير المؤمنين علیه السلام عن معنى قول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : إلي مخلف فیکم الثقلين: كتاب الله، وعترتي، من العترة؟ فقال: أنا، والحسن والحسين، والأئمة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم مهديهم وقائمهم، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتى یردوا على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم حوضه» (1).
وهذا الحديث واضح الدلالة على أن العترة النبوية التي يجب التمسك بها هم الأئمة الاثني عشر علیهم السلام فقط دون غيرهم.
وأما إن أراد أحمد إسماعيل أن رواية كتاب (الغيبة) شخصت الأئمة الاثني عشر والمهديين الاثني عشر، وهذا ما يريده بالفعل، فهو غير صحيح؛ لأنها لم تبين من أسماء أولئك المهديين أحدا، فضلا عن أن تبين جميع أسمائهم وكامل صفاتهم.
وأحمد إسماعيل كثيرا ما يدعي أن رواية كتاب (الغيبة) ذکرته باسمه وصفته، إلا أن إثبات ذلك دونه خرط القتاد، فإن تلك الرواية لم تبين لأحمد إسماعيل لا اسما ولا صفة.
ونحن قد بينا فيما سبق أن الإمام المهدي عليه السلام هو الذي له ثلاثة أسامي في قوله في الرواية: «فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول
ص: 283
المقربين، له ثلاثة أسامي: اسم کاسمي واسم أبي، وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين».
ويدل على ذلك وجود روایات أخر ورد فيها التصريح بأن الإمام المهدي علیه السلام له هذه الأسماء الثلاثة كما ذكرنا ذلك فيما سبق.
ولو سلمنا أن الضمير يعود إلى ابنه، وأن ابنه له ثلاثة أسامي: أحمد، وعبد الله، والمهدي، فإنه لا يثبت بذلك أنه أحمد إسماعيل البصري؛ لأنه لم يثبت أنه ابن الإمام المهدي علیه السلام ، بل الثابت أنه ليس ابنا له ولو بالوسائط المتعددة.
ولو سلمنا جدلا أن الإمام المهدي علیه السلام هو الجد الرابع لأحمد إسماعيل البصري كما يدعي زورا وبهتانا، فهذا لا يدل على أنه هو المراد في الرواية لو سلمنا بصحتها، إذ لعل المراد به الابن المباشر للإمام المهدي عليه السلام.
والنتيجة أن رواية كتاب (الغيبة) لم تشخص أي من الثقلين، لا الأكبر ولا بعضا من الأصغر وهم المهديون، وإن زعم أحمد إسماعيل بلا حجة و لا برهان أنها شخصت أول المهديين.
قال أحمد إسماعيل:
(وهنا أعيد للتنبيه ولفت الانتباه أن قول الرسول في يوم الرزية - کما سماه ابن عباس_ : «ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا» معناه: أن ما سبق من التبليغ الذي جاء به الرسول بما فيه القرآن وعلي علیه السلام الذي بلغ بوصايته مرات عديدة بل والحسن والحسين عليهماالسلام اللذان شخصا بحديث الكساء وغيره، لا يعصم الأمة من الضلال إلى يوم القيامة).
ص: 284
والجواب:
أن أحمد إسماعيل في كلامه هذا بكل بساطة وبجرة قلم ألغى كل جهود النبي صلی الله علیه و آله و سلم في تبليغ القرآن وتبليغ الخلافة، وزعم أن كل ذلك لا يعصم الناس من الوقوع في الضلال إلى يوم القيامة.
ولا شك في أن هذا الكلام مجازفة كبيرة وجرأة عظيمة على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ،وتبديد لجهوده المباركة وجهاده العظيم طيلة ثلاث وعشرين سنة هي مدة الدعوة الإسلامية.
ولا يخفى على كل قارئ منصف أن إرادة النبي صلی الله علیه و آله و سلم كتابة كتاب للأمة كيلا تضل بعده أبدا، لا يدل على أن كل ما بلغه قبل ذلك لم يكن کافيا في هداية الناس وفي منعهم من الوقوع في الضلال، ویکفي دلالته على أمير المؤمنين عليه السلام في مواقع كثيرة، وتنصيبه له في يوم غدیر خم، فإن هذا وحده كاف في هداية الناس و منعهم من الوقوع في الضلال.
والأحاديث الدالة على كفاية ذلك كثيرة.
منها: ما رواه الشيخ الطوسي قدس سره في أماليه بسنده عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : «من أحب أن يحيا حياتي، ويموت موتي، ويدخل الجنة التي وعدني ربي، فليتول عليا بعدي، فإنه لن يخرجکم من هدى، ولن يدخلكم في ردی»(1).
وروى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن عبد الله بن عباس رضی الله عنه ، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : «من أحب أن يتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، فليتمسك بولاية أخي ووصيي علي بن أبي طالب، فإنه لا يهلك من أحبه وتولاه، ولا ينجو من أبغضه وعاداه»(2).
ص: 285
وبسنده عن مولانا الإمام علي بن الحسين عليهماالسلام، قال: «سمعت أبي تحدث عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام أنه قال: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول: ياعلي، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إنك لأفضل الخليقة بعدي. یاعلي، أنت وصيي وإمام أمتي، من أطاعك أطاعني، ومن عصاك عصاني»(1).
وبسنده عن مولانا أبي الحسن علي بن موسی الرضا، عن أبيه، عن آبائه علیهم السلام، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : «من أحب أن يركب سفينة النجاة، ويستمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل الله المتين، فليوال عليا بعدي، وليعاد عدوه، وليأتم بالأئمة الهداة من ولده، فإنهم خلفائي، وأوصيائي، وحجج الله على الخلق بعدي، وسادة أمتي، وقادة الأتقياء إلى الجنة، حزبهم حزبي، وحزبي حزب الله، وحزب أعدائهم حزب الشيطان» (2).
وبسنده عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: قلت: يا رسول الله، أرشدني إلى النجاة. فقال: «يا ابن سمرة، إذا اختلفت الأهواء، وتفرقت الآراء، فعليك بعلي بن أبي طالب، فإنه إمام أمتي، وخليفتي عليهم من بعدي، وهو الفاروق الذي يميز بين الحق والباطل، من سأله أجابه، ومن استرشده أرشده، ومن طلب الحق من عنده وجده، ومن التمس الهدى لديه صادفه، ومن لجأ إليه آمنه، ومن استمسك به نجاه، ومن اقتدى به هداه. یا ابن سمرة، سلم من سلم له و والاه، وهلك من رد عليه وعاداه. یا ابن سمرة، إن عليا مني، روحه من روحي، وطينته من
ص: 286
طينتي، وهو أخي وأنا أخوه، وهو زوج ابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، إن منه إمامي أمتي، وسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين، وتسعة من ولد الحسين، تاسعهم قائم أمتي، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما»(1).
والأحاديث في ذلك كثيرة جدا لا حاجة لذكر المزيد منها لكثرتها واشتهارها عند الشيعة.
فهل يرى أحمد إسماعيل أن جميع هذه الأحاديث وغيرها، وكذا المواقف الكثيرة التي بين فيها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من الذي يجب على الناس أن يتمسکوا به من بعده، كلها غير كافية في ألا يضل الناس بعد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وأن ذلك متوقف فقط على كتابة ذلك الكتاب الذي حال عمر بن الخطاب دون كتابته ؟!
جواب هذا السؤال يعرفه كل قارئ منصف!
قال أحمد إسماعيل:
(بل الذي يعصم الأمة من الضلال هو هذا التشخيص الدقيق للثقلين الذي أوحي لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وأمره الله بتبليغه للناس بوصيته المباركة عند الاحتضار، وفي ختام حياته ورسالته المباركة).
والجواب:
أنا أوضحنا فيما سبق أن رواية كتاب (الغيبة) لم تشخص الثقل الأكبر وهو القرآن الكريم، ولم تشخص بعض من يعتبرهم أحمد
ص: 287
إسماعيل من الثقل الأصغر، لأنه يرى أن الثقل الأصغر هم الأئمة الاثنا عشر والمهديون الاثنا عشر، والرواية وإن عددت الأئمة الاثني عشر علیهم السلام، وبينت أسماءهم، إلا أنها لم تذكر اسم واحد من المهديين الاثني عشر، حتى المهدي الأول كما أوضحناه فيما سبق.
ولو تنزلنا وقلنا: إن رواية الوصية بينت اسم المهدي الأول، وأن له ثلاثة أسامي: أحمد، وعبد الله، والمهدي، فإن هذا ليس كافيا في تشخيصه، فلعله الابن المباشر للإمام المهدي، لا كما يزعم أحمد إسماعيل أنه حفيد الحفيد!
مضافا إلى أن الرواية لم تذكر أسماء المهديين الأحد عشر الباقين، فكيف يزعم أحمد إسماعيل أن رواية كتاب (الغيبة) شخصت الثقلين تشخیصا دقیقا؟!
قال أحمد إسماعيل:
(في الختام: لدينا آية توجب كتابة الوصية عند الاحتضار و بكلمتين دالتين على الوجوب: (کتب) و (احقا على) ، قال تعالى: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خیرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) [البقرة:180]، فمن ينكر كتابة الوصية يتهم الرسول بالمعصية).
والجواب:
أن هذا كلام مکرر، وقد أجبنا عليه فيما سبق، وبينا عدة أمور:
1_ أن هذه الآية إنما وردت في الأموال، ونحن لا نتكلم في الوصية بالأموال، إلا أن أحمد إسماعيل خلط كثيرا بين الأمرين، وأصر على هذا الخلط والخبط.
2_ أنا بينا أن الوصية إنما تجب إذا ظهرت أمارات الموت، لا عند
ص: 288
الاحتضار کما يصر عليه أحمد إسماعيل، فإن الرجل عند الاحتضار يكون مشغولا بنفسه، فكيف يتيسر له أن يوصي بوصاياه.
3_ أنا لا نتنازع في أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أوصى بكل وصاياه، فإن الشيعة قد أطبقوا على أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أوصى أمير المؤمنين علیه السلام بجميع وصاياه في الأموال وغيرها. 4_ أن إنكار رواية الوصية التي رواها الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة) لا يستلزم القول بأن النبي صلی الله علیه و آله و سلم مات ولم يوص؛ لأن الروايات الكثيرة التي نقلنا بعضا منها دلت على أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أوصى بكل وصاياه، وأن النبي صلی الله علیه و آله و سلم له وصية أخرى نزلت من السماء كتابا مختوما مسجلا.
5_ أن الكتاب الذي أراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكتبه للأمة كيلا تضل بعده مغایر للوصية، وأن من قال: (إن النبي صلی الله علیه و آله و سلم لم يعاود كتابة هذا الكتاب بعد لغط القوم واعتراضهم عليه)، فإنه لا ينكر أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم قد أوصى بجميع وصاياه.
6_أنا بينا أن ما أراد النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكتبه للناس في الكتاب الذي لا تضل الأمة بعده إنما هي أمور سبق له أن ذكرها لهم، وأكد عليها في مواقف مختلفة وأوقات متعددة، ولكنه أراد أن يكتبها ويشهد الناس عليها حتى لا يشکك فيها مشمك، أو ينكرها منکر.
قال أحمد إسماعيل:
(ولدينا روایات تدل على كتابة الوصية أو هم الرسول بكتابة الوصية عند الاحتضار کرزية الخميس المروية في البخاري، وما رواه سليم بن قيس في كتابه).
ص: 289
والجواب:
أما ما رواه البخاري فهي روايات عديدة:
منها: ما رواه عن ابن عباس رضی الله عنه ، قال: لما حضر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي صلی الله علیه و آله و سلم : «هلمّ أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده». فقال عمر: إن النبي صلی الله علیه و آله و سلم غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا کتاب الله. فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي صلی الله علیه و آله و سلم كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم : «قوموا». قال عبيد الله: وكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بین رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم»(1).
وهذه الرواية واضحة الدلالة على أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم إنما أراد أن يكتب للأمة كتابا لا يضلون بعده، ولم يصفه النبي صلی الله علیه و آله و سلم بأنه وصية، كما أنه لم يعاود کتابته بعد أن اعترض عليه عمر ومن كان معه.
وأما رواية سليم بن قيس فقد جاء فيها أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لطلحة: « یا طلحة، ألست قد شهدت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة ولا تختلف، فقال صاحبك ماقال: إن نبي الله يهجر، فغضب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، ثم تركها؟»، قال: بلى، قد شهدت ذاك. قال: «فإنكم لما خرجتم أخبرني بذلك رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وبالذي أراد أن يكتب فيها، وأن يشهد عليها العامة، فأخبره جبرائیل: أن الله عزّوجلّ قد علم من الأمة الاختلاف والفرقة، ثم دعا بصحيفة، فأملى علي ما أراد
ص: 290
أن يكتب في الكتف، وأشهد على ذلك ثلاثة رهط: سلمان، وأبا ذر، والمقداد، وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة، فسماني أولهم، ثم ابني هذا_وأدنى بيده إلى الحسن_ ، ثم الحسين، ثم تسعة من ولد ابني هذا _يعني الحسين_ ، كذلك كان يا أبا ذر وأنت یا مقداد؟»، فقاموا وقالوا: نشهد بذلك على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم . فقال طلحة: والله لقد سمعت من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول لأبي ذر: «ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، ولا أبر عند الله»، وأنا أشهد أنهما لم يشهدا إلا على حق، ولأنت أصدق وآثر عندي منهما...(1).
وعن سليم بن قيس، قال: سمعت سلمان يقول: سمعت عليا علیه السلام _ بعد ما قال ذلك الرجل ما قال، وغضب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، ودفع الكتف_ : «ألا نسأل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عن الذي كان أراد أن يكتب في الكتف مما لو كتبه لم يضل أحد ولم يختلف اثنان؟»، فسکت حتى إذا قام من في البيت، وبقي علي، وفاطمة، والحسن والحسين علهم السلام ، وذهبنا نقوم أنا وصاحبي أبو ذر والمقداد، قال لنا علي علیه السلام : «اجلسوا». فأراد أن يسأل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ونحن نسمع، فابتدأه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فقال: «يا أخي، أما سمعت ما قال عدو الله؟ أتاني جبرئيل قبل، فأخبرني أنه سامري هذه الأمة، وأن صاحبه عجلها، وأن الله قد قضى الفرقة والاختلاف على أمتي من بعدي، فأمرني أن أكتب ذلك الكتاب الذي أردت أن أكتبه في الكتف لك، وأشهد هؤلاء الثلاثة عليه، ادع لي بصحيفة». فأتي بها، فأملى عليه أسماء الأئمة الهداة من بعده رجلا
ص: 291
رجلا، وعلي علیه السلام يخطه بيده، وقال صلی الله علیه و آله و سلم : «إني أشهدكم أن أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي علي بن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم من بعدهم تسعة من ولد الحسين». ثم لم أحفظ منهم غير رجلين: علي ومحمد، ثم اشتبه الآخرون من أسماء الأئمة عليهم السلام، غير أني سمعت صفة المهدي وعدله وعمله، وأن الله يملأ به الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا. ثم قال النبي صلی الله علیه و آله و سلم : «إني أردت أن أكتب هذا، ثم أخرج به إلى المسجد، ثم أدعو العامة، فأقرأه عليهم، وأشهدهم عليه، فأبى الله وقضى ما أراد». ثم قال سليم: فلقيت أبا ذر والمقداد في إمارة عثمان فحدثاني، ثم لقيت عليا عليه السلام بالكوفة والحسن والحسين علیهماالسلام فحدثاني به سرا، ما زادوا ولا نقصوا، كانما ينطقون بلسان واحد(1).
وهاتان الروايتان واضحتا الدلالة على أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم كتب في ذلك الكتاب أسماء الأئمة إلى يوم القيامة، وبين أنهم اثنا عشر، وهم: على، والحسن والحسين، وتسعة من ولد الحسين عليهم السلام.
فأين هؤلاء المهديون الذين يطنطن بهم أحمد إسماعيل؟
وأحمد إسماعيل أشار إشارة إلى رواية صحيح البخاري ورواية سليم، ولم يذكر هاتين الروايتين بنصهما؛ لأنهما تدلان على أن الأئمة اثنا عشر فقط، وهذا خلاف ما يحاول أحمد إسماعيل إثباته.
والمهديون الاثنا عشر الذين هم من أبناء الإمام المهدي لم يرد لهم ذكر إلا في رواية واحدة سندها مظلم، أكثر رواتها مجاهيل، فكيف يمكن التعويل على هذه الرواية المخالفة للروايات المتواترة في أمر الإمامة التي لا بد أن تثبت بالقطع واليقين؟!
ص: 292
قال أحمد إسماعيل:
(ولدينا روایات موافقة لمحتوى الوصية وهي روايات المهديين الاثني عشر، وهي موجودة في كتب الأنصار، ويمكن الرجوع إلى مصادرها عند الشيعة والسنة، وأيضا ما رواه الطوسي عنهم علیهم السلام في أن اسم المهدي: (أحمد وعبدالله والمهدي)، وما رواه السنة من أن اسم المهدي يواطئ اسم النبي أي أحمد كما ورد في الوصية).
والجواب:
أن روايات المهديين جمعها واحد من أتباع أحمد إسماعيل اسمه ناظم العقيلي، في كتاب أسماه: (الأربعون حديثا في المهديين وذرية القائم علیه السلام ).
ولا يخفى أنه ورد في كثير من الروايات والزيارات والأدعية وصف الأئمة الاثني عشر علیهم السلام بأنهم (مهدیون)؛ لأنهم أئمة يهدون إلى الحق، ولا يكونون كذلك إلا إذا كانوا في أنفسهم مهديين.
ومن تلك الروايات ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله علیه السلام، قال: سمعته يقول: «منا اثنا عشر مهديا، مضى ستة، وبقي ستة، يصنع الله بالسادس ما أحب»(1).
وبسنده عن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب علیهماالسلام، قال: «منا اثنا عشر مهديا، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو القائم بالحق، يحيي الله تعالى به الأرض بعد موتها، ويظهر به دین الحق على الدين كله ولو كره المشركون، له غيبة يرتد فيها قوم، ويثبت على الدين فيها آخرون، فيؤذون، فيقال لهم: (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) [يونس: 48]،
ص: 293
أما إن الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم» (1).
ومن ذلك ما رواه الشيخ الكليني قدس سره في زيارة أئمة البقيع، قال: « إذا أتيت القبر الذي بالبقيع فاجعله بين يديك، ثم تقول: السلام عليکم أئمة الهدى، السلام عليکم أهل التقوى، السلام عليكم الحجة على أهل الدنيا، السلام عليكم القوام في البرية بالقسط، السلام عليكم أهل الصفوة، السلام عليكم أهل النجوى، أشهد أنكم قد بلغتم و نصحتم وصبرتم في ذات الله، و کذبتم وأس-يء إليكم فعفوتم، وأشهد أنکم الأئمة الراشدون المهدیون، وأن طاعتكم مفروضة، وأن قولكم الصدق، وانکم دعوتم فلم تجابوا، وأمرتم فلم تطاعوا، وأنكم دعائم الدين، و أركان الأرض...» إلى آخر الزيارة(2).
ومما جاء في الزيارة الجامعة، قوله علیه السلام : «وأشهد أنكم الأئمة الراشدون، المهديون، المعصومون، المكرمون، المقربون، المتقون، الصادقون، المصطفون، المطيعون لله، القوامون بأمره، العاملون بإرادته، الفائزون بكرامته، اصطفاكم بعلمه، وارتضاكم لغيبه، واختاركم لسره، واجتباكم بقدرته، وأعزکم بهداه، وخصکم ببرهانه، وانتجبكم بنوره، وأيدكم بروحه، ورضيكم خلفاء في أرضه، وحججا على بريته، وأنصارا لدينه...»(3).
ونحن أوضحنا فيما سبق(4) أن روايات المهديين على طوائف، وبينا المراد بكل طائفة، والمهم الذي ينبغي مناقشته هنا هو الروايات التي
ص: 294
تدل على أن المهديين الاثني عشر أئمة معصومون من أبناء الإمام المهدي علیه السلام ، أو أن الإمام المهدي علیه السلام يكون بعده أئمة من ولده وإن لم يبين عددهم، وهي خمس روایات فقط:
الرواية الأولى: هي رواية كتاب (الغيبة) التي أسموها برواية الوصية، وقد ناقشناها فيما سبق سندا ودلالة بما لا مزيد عليه، فلا حاجة لإعادة ذلك.
الرواية الثانية: رواية القاضي النعماني المغربي عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، أنه ذكر المهدي عليه السلام وما يجريه الله عزّوجلّ من الخيرات والفتح على يديه، فقيل له: يا رسول الله، كل هذا يجمعه الله له؟ قال: «نعم، وما لم يكن منه في حياته وأيامه هو كائن في أيام الأئمة من بعده من ذريته»(1).
وروايته الأخرى عن الإمام زین العابدين علي بن الحسين عليهماالسلام ، قال: «يقوم القائم منا _يعني المهدي _ ثم يكون بعده اثنا عشر مهديا _يعني من الأئمة من ذريته_ »(2).
وهاتان الروايتان لا تصلحان دليلا على المهديين الاثني عشر لأمور:
1_ أن هاتين الروايتين رواهما القاضي النعمان الذي كان يكتب ما يمليه عليه حكام الدولة الفاطمية الذين كان يعتقد بإمامتهم وعصمتهم، ويشرح أخبار المعصومين بما يتلاءم مع أهوائهم، فالمهدي المقصود به عنده هو الخليفة الفاطمي، والمهديون هم من يدعون الإمامة من ذريته.
وهذه العقيدة قد أفصح عنها القاضي النعمان في مقدمة كتاب (شرح الأخبار)، وبين منهجه في اعتماد
ص: 295
(آثرت من الأخبار، وجمعت من الآثار في فضل الأئمة الأبرار حسب ما وجدته، وغاية ما أمكنني واستطعته، فصححت من ذلك ما بسطته في كتابي هذا وألفته، بأن عرضته على ولي الأمر وصاحب الزمان والعصر مولاي الإمام المعز لدين الله، أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى سلفه وخلفه، وأثبت منه ما أثبته وصح عنده وعرفه، وآثره من آبائه الطاهرين، وأجاز لي سماعه منه، وبأن أرويه_ لمن يأخذه عني_ عنه صلوات الله عليه، فبسطت في هذا الكتاب ما أثبته وأجازه وعرفه، وأسقطت ما دفعه من ذلك وأنكره مما نسبه إلى أهل الحق المبطلون، وحرفه من قولهم المحرفون الضالون؛ إذ هو صلوات الله عليه والأئمة من آبائه الطاهرين وخلفه الأكرمين الذين عناهم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بقوله:
«يحمل هذا العلم من كل خلف عدول، ينفون عنه تحريف الجاهلين المحرفين، وانتحال المبطلين، وتأويل الغالين». وأمدني صلوات الله عليه مع ذلك من نوره، وأفادني من علمه، من بيان ذلك ما أدخلته في تصانیف ما بسطته في هذا الكتاب، من البيان لما في الأخبار المبسوطة فيه لمن عسى أن يشكل شيء منها، أو يقصر فهمه عنها، وحذفت أسانيدها وتكرار أكثر الروايات فيها واختلاف الحكايات منها، إذ قد أثرتها وصححتها بإسنادها إلى إمام العصر علیه السلام )(1).
وكلماته في بيان عقيدته في كتابه (شرح الأخبار) كثيرة، فإنه بعد أن روى عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم أنه قال: «لا بد من قائم من ولد فاطمة، يقوم من المغرب بين الخمسة إلى السبعة، يكسر شوكة المبتدعين، ويقتل الضالين».
ص: 296
قال في شرحه:
(وكذلك قام المهدي عليه السلام من المغرب، وظهر فيه أمره بعد أن كان مستترا بوصول صاحب دعوته المغرب بجموع عساكر أوليائه المستجيبين لدعوته إليه في سنة ست وتسعين ومائتين، وصار إلى دار مملكته بالمغرب بأفريقية في سنة سبع تسعين تتلوها)(1).
وبعد أن روى عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أنه قال: «يخرج ناس من المشرق، فيعطون المهدي سلطانه يدعونه».
قال القاضي النعمان:
(ودعوة المهدي عليه السلام والأئمة من ولده عليهم السلام قد انتشرت بحمد الله في جميع الأرض، وغرت [؟!] في غير موضع من أقطارها بالمشرق والمغرب، فيوشك أن يكون بعض أوليائهم يقومون من قبل المشرق يدعوهم في تمام أمرهم، فيقومون لولي الزمان هناك سلطانه، والله يقرب ذلك، وينجز وعده لأوليائه بفضله ورحمته لعباده وحوله وقوته)(2).
وعليه، فإذا كانت هاتان الروايتان مأخوذتين من خلفاء الدولة الفاطمية الذين يعتقد القاضي النعمان المغربي بإمامتهم وعصمتهم، فكيف يمكن التعويل عليهما والاحتجاج بهما؟!
وأنا أتعجب ممن يستدل على إمامة اثني عشر مهديا بأمثال هذه الروايات المرسلة التي قد تبين أن مصدرها لا يمكن الأخذ منه ولا التعويل عليه!
2_لو غضضنا الطرف عن حال القاضي النعمان وارتباطه
ص: 297
بحكام الدولة الفاطمية، يبقى إشكال أن رواياته روایات مرسلة، لا سند لها، ولا نعلم من أين أخذها القاضي النعمان، فكيف يعول عليها في إثبات اثني عشر إماما معصوما؟!
3_ أن قوله في الرواية الأولى: «وما لم يكن منه في حياته وأيامه هو كائن في أيام الأئمة من بعده من ذريته» دال على أن أيام الأئمة من ذریته خير من أيامه، وهذا مخالف لما أطبق عليه الشيعة وأهل السنة من أن دولة الإمام المهدي علیه السلام هي خير الدول، وأن أيامه خير أيام ينعمها الناس، وهذا يؤكد أن هذه الروايات موضوعة لتلائم توجهات حكام الدولة الفاطمية.
وقوله في الرواية الثانية: «يعني من الأئمة من ذريته» من كلام القاضي المغربي، وليس من كلام الإمام عليه السلام لو سلمنا بأن هذه الرواية صدرت عن إمام معصوم، وما فهمه القاضي النعماني غير ملزم لغيره، ولاسيما أنه ذكر في مقدمة كتابه في ما نقلناه عنه آنفا أن شرحه لهذه الأخبار على طبق ما ذكره له الخليفة الفاطمي من معناها، فإنه قال: (وأفادني من علمه، من بيان ذلك ما أدخلته في تصانیف ما بسطته في هذا الكتاب، من البيان لما في الأخبار المبسوطة فيه لمن عسى أن يشكل شيء منها، أو يقصر فهمه عنها).
وبعد الغض عن شرح القاضي المغربي فإن معنى الرواية هو: ثم يكون بعد القائم اثنا عشر مهديا، والحديث بهذا المعنى لا دلالة فيه على أن هؤلاء المهديين سيكونون من أبناء الإمام المهدي المنتظر علیهم السلام ؛ إذ يحتمل أن هؤلاء المهديين هم آباؤه الطاهرون الذين يتولون الحكم بعده واحدا بعد واحد، وهم أحد عشر إماما مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وبهذا فإن
ص: 298
الحديث لا يدل على وجود اثني عشر مهديا من أبناء الإمام المهدي علیه السلام يتولون الأمر بعده.
الرواية الثالثة: ما رواه الشيخ الطوسي قدس سره بسنده عن يعقوب بن يوسف الضراب الغساني في قصة طويلة، ذكر فيها أن عجوزا أعطته دفترا من رجل يظن هو أنه الإمام المهدي عليه السلام، وهذا الدفتر مكتوب فيه صلوات على النبي والأئمة المعصومين عليهم السلام ، و مما جاء في هذه الصلوات قوله: «اللهم صل على ولیك المحيي سنتك ، القائم بأمرك، الداعي إليك، الدليل عليك، وحجتك على خلقك، وخليفتك في أرضك، وشاهدك على عبادك. اللهم أعز نصره، ومد في عمره، وزین الأرض بطول بقائه. اللهم اكفه بغي الحاسدين، وأعذه من شر الكائدين، وادحر عنه إرادة الظالمين، وتخلصه من أيدي الجبارين...».
إلى أن قال: «اللهم أذل كل من ناواه، وأهلك كل من عاداه، وامكر بمن کاده، واستأصل من جحد حقه، واستهان بأمره، وسعى في إطفاء نوره، وأراد إخماد ذكره. اللهم صل على محمد المصطفى، وعلي المرتضی، وفاطمة الزهراء، (و) الحسن الرضا، والحسين المصطفى، وجميع الأوصياء، مصابيح الدجى، وأعلام الهدى، ومنار التقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط المستقيم، وصل على وليك و ولاة عهده، والأئمة من ولده، و مد في أعمارهم، وأزد في آجالهم، وبلغهم أقصى آمالهم، دنیا وآخرة، إنك على كل شيء قدير»(1).
وراوي هذه الرواية هو يعقوب بن يوسف الضراب الغساني، وهو مهمل في كتب الرجال، لم يذكر فيها بمدح ولا قدح، فلا يمكن
ص: 299
التعويل على هذه الرواية في إثبات اثني عشر إماما؛ لما قلناه فيما سبق مکررا من أن الإمامة لا تثبت إلا بالقطع واليقين، ولا تثبت بالروايات الضعيفة التي هي في أحسن أحوالها لا تفيد إلا الظن.
مضافا إلى أن راوي الحديث أخذ الدفتر الذي فيه نسخة الصلوات المذكورة عن امرأة عجوز لا تعرف من هي، وهي قد عرفت نفسها بأن الإمام الحسن العسكري عليه السلام أسكنها في هذه الدار، وهي من مواليهم.
وهذه العجوز تزعم أنها أخذت نسخة الصلوات عن رجل يظن يعقوب بن يوسف الضراب أنه صاحب الأمر علیه السلام ، مع أن كل القرائن تدل على أنه ليس كذلك؛ لأنه كان يأتي إلى تلك الدار كل ليلة، ويصعد إلى غرفة كانت تسكن فيها العجوز وابنة لها، وكان يصنع ذلك بمرأى ومسمع من المخالفين الساكنين في تلك الدار، حتى إنهم شكوا فيه أنه إنما يأتي للدار لأنه يتمتع بابنة المرأة العجوز.
أي إن هذه الصلوات أخذها مجهول عن مجهول عن مجهول،
فكيف يمكن الاستدلال بمثل هذه الصلوات في إثبات الإمامة ؟!
وبعد الغض عن كل ذلك فإن ظاهر الرواية أنه دعاء للإمام القائم بالحق في زمانه، وهو غير مختص بالإمام المهدي المنتظر علیه السلام ، وإنما يدعى به لكل إمام من أئمة الهدى علیهم السلام، ولا شك في أن كل إمام کان من ذريته أئمة من ولده.
إذن فالرواية غير صريحة في أن المراد بولي الله الذي له ولاة عهد وأئمة من ذریته هو الإمام المهدي المنتظر علیه السلام ، فلا يمكن أن نرفع اليد عن الروايات الواضحة الصريحة التي تحصر الأئمة في اثني عشر لأجل رواية ضعيفة السند، غير واضحة المعنى من هذه الجهة .
ص: 300
مضافا إلى أن هذه الرواية لم تذكر عدد هؤلاء الأئمة من ولد الإمام عليه السلام ، وهذا لا يصحح الاستدلال بهذه الرواية على أنهم اثنا عشر مهديّا .
الرواية الرابعة: رواية (جمال الأسبوع) عن يونس بن عبد الرحمن: أن مولانا الإمام الرضا علیه السلام كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر علیه السلام بهذا الدعاء: «اللهم ادفع عن وليك وخليفتك، وحجتك على خلقك، ولسانك المعبر عنك بإذنك، الناطق بحكمتك، وعينك الناظرة على بریتك، وشاهدك على خلقك، الجحجاح(1) المجاهد، العائذ بك عندك ...».
إلى أن قال: «اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من ولده، وبلغهم آمالهم، وزد في آجالهم، وأعز نصرهم، وتمم لهم ما أسندت لهم...» (2).
وهذه الرواية لا دليل فيها على أن الإمام المهدي المنتظر علیه السلام له
أولاد أئمة من بعده؛ وذلك لعدة أمور:
1_ أن هذا دعاء لصاحب الأمر علیه السلام، ويراد بصاحب الأمر كل إمام من أئمة الهدى عليهم السلام ، ولا يراد به خصوص الإمام المهدي المنتطر علیه السلام ، وعليه فلا محذور في الدعاء لصاحب الأمر والأئمة من ذريته؛ لأن أكثر أئمة أهل البيت علیهم السلام جاء بعدهم أئمة من أولادهم، وكل ألفاظ الدعاء تنطبق على كل إمام من أئمة الهدى عليهم السلام، وليس في الحديث ما يختص بالإمام المهدي المنتظر علیه السلام دون باقي الأئمة عليهم السلام ، فلا إشكال حينئذ في هذا الدعاء .
ص: 301
قال الشيخ حسن بن سليمان الحلي قدس سره :
(اعلم أن هذا الدعاء يدعى به لكل إمام في زمانه، و مولانا صاحب الأمر ابن الحسن علیه السلام أحدهم، فحينئذ يصدق عليه هذا الدعاء: اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده...) إلى آخره(1).
وقال الحر العاملي قدس سره :
(فلا يبعد أن يكون الرضا علیه السلام أمر بالدعاء لإمام العصر مطلقا وللأئمة من أولاده، وتلك الألقاب والأوصاف لا يمتنع إطلاقها على الرضا عليه السلام وكل واحد من أولاده عليهم السلام وإن كان فيه بعد فإنه لا يصل إلى حد الامتناع، بل هو تأويل صالح للجمع بين الأخبار المختلفة)(2).
2_ أن هذا الدعاء رواه السيد ابن طاووس قدس سره و في نفس الكتاب برواية أخرى ليس فيها قوله: «والأئمة من ولده، أو من بعده»، فإن السيد ابن طاووس قدس سره ذكر تأويلا لقوله في الرواية السابقة: «والأئمة من ولده»، ثم قال:
(ووجدت هذا الدعاء برواية تغني عن هذا التأويل، وأذكرها لأنها أتم في التفصيل، وهي ما حدث به الشريف الجليل أبو الحسين زيد بن جعفر العلوي المحمدي...)، ثم ذكر نفس الرواية، وفيها: «اللهم صل على ولاة عهوده، وبلغهم آمالهم، وزد في آجالهم، وانصرهم، وتمم لهم ما أسندت إليهم أمر دينك، واجعلنا لهم أعوانا، وعلى دينك أنصارا، وصل على آبائه الطاهرين الأئمة الراشدين...» (3) الخ .
ص: 302
3_ أنا لو سلمنا أنه دعاء للإمام المنتظر علیه السلام بخصوصه فإن المذكور في الطبعة الحجرية من كتاب (جمال الأسبوع)، هو قوله: «اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده»، وليس فيها قوله: «والأئمة من ولده»، وما ذكر في الطبعة الحجرية هو الصحيح؛ بدليل قول ابن طاووس بعد هذا الحديث: (قد تضمن هذا الدعاء قوله علیه السلام : «اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده» ...
مضافا إلى أن الشيخ المجلسي قدس سره نقل هذا الدعاء في (بحار الأنوار) عن کتاب (جمال الأسبوع)، وذكر قوله: «اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده»(1).
ورواه بلفظ «والأئمة من بعده» الشيخ الطوسي قدس سره في (مصباح المتهجد)(2)، والكفعمي في كتابيه (المصباح)(3) و(البلد الأمين)(4).
ومما قلناه يتبين أن نسخة (جمال الأسبوع) التي وردت فيها عبارة: «والأئمة من ولده» مغلوطة لا يمكن الاعتماد عليها.
والمراد بالأئمة من بعده ما قلناه سابقا من أنهم هم الأئمة السابقون له علیهم السلام ، يرجعون بعده، ويحكمون الدنيا واحدا بعد واحد.
أو ما احتمله السيد ابن طاووس قدس سره ، حيث قال:
(قد تضمن هذا الدعاء قوله علیه السلام : «اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده»، ولعل المراد بذلك أن الصلاة على الأئمة الذين يرتبهم في أيامه
ص: 303
للصلاة بالعباد في البلاد، والأئمة في الأحكام في تلك الأيام، وأن الصلاة عليهم تكون بعد ذكر الصلاة عليه صلوات الله عليه، بدليل قوله: «ولاة عهده» ؛ لأن ولاة العهود يكونون في الحياة، فكأن المراد: اللهم صل _بعد الصلاة عليه_ على ولاة عهده والأئمة من بعده)(1).
ويمكن أن يكون معنى قوله: «والأئمة من بعده» ما ذكره الحر العاملي قدس سره ، حيث قال:
(البعدية لا يتعين كونها زمانية بل يمكن كونها بمعنى المغايرة بمنزلة البعدية في قوله تعالى: (فمن يهديه من بعد الله) [الجاثية: 23]، وعلى هذا يجوز كونهم في زمانه، ويكونون نوابه عليه السلام، وهذا لا ينافيه سوى قوله في الأول [يعني رواية كتاب (الغيبة) ]: «فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه»، وقد عرفت أنه من طريق العامة، فلا حجة فيه)(2).
والنتيجة أن هذه الرواية لا دلالة فيها على أن الإمام المهدي علیه السلام يكون بعده اثنا عشر إمام مهدي من ولده.
الرواية الخامسة: رواها السيد ابن طاووس في (إقبال الأعمال)، قال:
(وقد اخترنا ما ذكره ابن أبي قرة في كتابه، فقال بإسناده إلى علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن محمد بن عيسى بن عبيد، بإسناده عن الصالحين علیهم السلام قال: «وكرر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان قائما وقاعدا وعلى كل حال، والشهر كله، وكيف أمكنك، ومتى حضرك في دهرك، تقول بعد تمجید الله تعالى والصلاة على النبي وآله علیهم السلام : اللهم كن لوليك، القائم بأمرك، الحجة محمد بن الحسن المهدي، عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام، في هذه الساعة
ص: 304
وفي كل ساعة، وليا وحافظا و قاعدا [كذا]، وناصرا، ودليلا، ومؤيدا، حتى تسكنه أرضك طوعا، وتمتعه فيها طويلا وعرضا، وتجعله وذريته من الأئمة الوارثين»(1).
والجواب:
أن هذا الدعاء لا يصلح أن يحتج به على وجود أئمة معصومين من ذرية الإمام المهدي المنتظر علیه السلام؛ وذلك لأن هذا الحديث فيه إرسال، فإنه لم يذكر له سند تام، فلا يصلح دليلا على مسألة عقدية مهمة، وهي إثبات اثني عشر إماما، وابن أبي قرة لم أجد له توثيقا في كتب الرجال.
مضافا إلى أن هذا الحديث بعينه رواه الشيخ الكليني قدس سره في الكافي خاليا من هذه الزيادة، قال: عن محمد بن عيسى بإسناده عن الصالحين علیهم السلام ، قال: «تكرر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان هذا الدعاء ساجدا، وقائما، وقاعدا، وعلى كل حال، وفي الشهر كله، وكيف أمكنك، ومتى حضرك من دهرك، تقول بعد تحمید الله تبارك وتعالى، والصلاة على النبي صلی الله علیه و آله و سلم : اللهم كن لوليك فلان ابن فلان في هذه الساعة وفي كل ساعة، ولیّا، وحافظا، وناصرا، ودليلا، وقائدا، وعونا (وعينا)، حتى تسكنه أرضك طوعا، وتمتعه فيها طويلا»(2).
وكذلك رواه الشيخ الطوسي قدس سره في تهذيب الأحكام(3)، ومصباح المتهجد(4)، والكفعمي في المصباح(5)، ومحمد بن جعفر المشهدي في كتاب
ص: 305
المزار الكبير(1)، خاليا من هذه الفقرة التي يستدلون بها، وهذا دليل على أن هذه الفقرة ربما زیدت من بعض الرواة أو النساخ.
ولو سلمنا بأنها ليست من زيادات الرواة والنساخ فمن المجازفة ترجيح رواية ابن أبي قرة الذي لا نعرف من هو على رواية هؤلاء الأعاظم قدس الله أسرارهم!
هذه هي أهم الروايات التي يحتجون بها على أن بعد الإمام المهدي المنتظر علیه السلام اثني عشر مهديا من ولده، يتولون الإمامة بعده.
وأما احتجاج أحمد إسماعيل بما رواه الشيخ الطوسي قدس سره من أن اسم المهدي (أحمد وعبد الله والمهدي)، وما رواه أهل السنة من أن اسم المهدي يواطئ اسم النبي وهو أحمد، فهو مردود؛ لأن هذا لا يرتبط بأحمد إسماعيل البصري لا من قريب ولا من بعيد وإن كان اسمه أحمد، فليس كل من اسمه أحمد كان مقصودا بروايات الإمام المهدي عليه السلام ، ومن الواضح أن هذه الروايات إما تتحدث عن الإمام المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا، وهو إمامنا الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام ، ولا تتحدث عن شخص آخر، لا أحمد إسماعيل البصري ولا غيره، فإن لفظ (المهدي) في الروايات ينصرف إلى صاحب العصر والزمان علیه السلام، ولا يمكن أن يراد به أحمد إسماعيل وغيره من أصحاب الادعاءات الكاذبة الذين لا يستطيعون أن يقيموا على صحة ادعاءاتهم دليلا واحدا.
قال أحمد إسماعيل:
(ولدينا نص الوصية المكتوبة عند الاحتضار، وهي مروية في غيبة
ص: 306
الطوسي، ولا يوجد لدينا معارض لنص الوصية، وكل إشكال أتوا به لرد الوصية تم رده وبيان بطلانه).
والجواب:
لقد أوضحنا فيما سبق ما في هذه الرواية من الخلل في السند والمتن، ويكفي في ردها أنها معارضة للأحاديث المتواترة التي تدل على أن الأئمة اثنا عشر فقط، لا يزيدون ولا ينقصون.
وما زعمه أحمد إسماعيل من أنه لا يوجد معارض لنص الوصية فهو كذب فاضح، فإن الروايات المتواترة التي تدل على أن الأئمة اثنا عشر، أولهم الإمام أمير المؤمنين علیه السلام ، وآخرهم الإمام المهدي المنتظر علیه السلام، معارضة لرواية كتاب (الغيبة) التي تثبت أئمة اثني عشر بعد الاثني عشر عليا ، وهو تعارض بین لكل ذي عينين.
وزعمه أن كل إشكال جيء به لرد الوصية تم رده وبيان بطلانه فهو كذب صراح؛ لأن الإشكالات الواردة على هذه الرواية عديدة لا يمكن ردها إلا بتلفيق الأكاذيب والأباطيل لا أكثر.
ومن أهم الإشكالات الواردة على رواية كتاب (الغيبة):
1_ أنها ضعيفة السند، بل سندها مظلم جدا، وهذا لوحده كافي في إسقاطها.
ومحاولات ناظم العقيلي في كتابه: (دفاعا عن الوصية) لإثبات صحة سند الوصية تضحك الثكلى، ولا تمت إلى كلام العلماء بصلة، بل هو تلبيس واضح ومكشوف على الجهال والبسطاء، فإنه ذكر ثماني قرائن تدل على صحة رواية الوصية،
ص: 307
من أقواها وأشرفها الرؤى التي رآها أتباع أحمد إسماعيل التي تدل على صحة رواية الوصية(1).
وكل عاقل منصف يعلم أن العلماء لا يصححون بالأحلام والرؤی روایات المستحبات فضلا عن روايات العقائد والأحكام! ولكن ما عشت أراك الله عجبا.
ومن القرائن التي ذكرها العقيلي قرينته الأولى وهي أن رواية کتاب (الغيبة) موافقة للقرآن الكريم... وشاهد الوصية من القرآن الكريم هو قوله تعالى: (كتب عليکم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين).
وهذه مهزلة مفضوحة؛ لأنه ينبغي له أن يذكر موافقة القرآن للرواية في الدلالة على المهديين الاثني عشر الذي هو محل النزاع، لا على الحث على عموم الوصية، فإن هذا لا نختلف فيه.
مع أنا أوضحنا فيما سبق أن هذه الآية إنما هي في الوصية بالأموال، وأما رواية كتاب (الغيبة) فهي مشتملة على وصايا عهدية، والآية لا تصلح قرينة على صحة أي رواية في الوصية، وإلا فإن ذلك يستلزم القول بصحة كل روايات الوصية الواردة في كتب الشيعة وأهل السنة، وهذا لا يقوله إلا من ابتلي بالغباء والبلادة!
والقرينة الرابعة: هي عدم وجود أي رواية معارضة لنص الوصية، وهذه قرينة قطعية أيضا بغض النظر عن أي شيء آخر(2).
مع أنه من الواضح للعيان أن رواية المهديين الاثني عشر
ص: 308
معارضة بالروايات المتواترة الحاصرة للأئمة في اثني عشر فقط التي ذكرنا بعضها فيما سبق، فأي معارضة أعظم من هذه؟!
وقرينته الخامسة: عدم احتمالها للتقية، فإن الرواية إذا كانت مخالفة الأصل المذهب وموافقة لغيره من المذاهب يحتمل أن الإمام قد قالها تقية من أعدائه(1).
ولا يخفى أنه يكفي في الحكم على رواية بأنها صدرت تقية إذا كانت مخالفة لأصول المذهب، حتى لو لم توافق المذاهب الأخرى، وهذه الرواية كذلك.
مع أن الرواية إنما تحمل على التقية إذا كانت صحيحة السند، وأما إذا كانت ضعيفة السند فضعف سندها کاف في إسقاطها من دون حاجة لحملها على التقية، ورواية كتاب (الغيبة) من هذا القبيل.
مع أن هناك روایات مدسوسة في كتب أصحاب الأئمة عليهم السلام مخالفة لأصول المذهب ومخالفة لمذاهب العامة، فهل نصحح كل تلك الروايات التي حذر أئمة أهل البيت علیهم السلام شيعتهم منها بقاعدة ناظم العقيلي وهي عدم احتمال صدروها عن الأئمة تقية ؟!
وأما القرينة السادسة: فهي مخالفة الوصية لعقائد العامة، وقد أمر الأئمة عليهم السلام شيعتهم بالأخذ بما خالف العامة فإن الرشد في خلافهم(2).
وهذا كلام ساقط؛ لأن مخالفة العامة إنما يكون مرجحا للرواية الصحيحة المعارضة لرواية صحيحة غيرها، وأما إذا كانت الرواية ضعيفة السند، بل مخالفة للمتواتر عند الشيعة، فكيف يعمل بها لمجرد أنها مخالفة للعامة ؟!
ص: 309
2_ ومن الإشكالات المهمة على رواية كتاب (الغيبة) أنها معارضة للأحاديث المتواترة الحاصرة للأئمة في اثني عشر إماما فقط، وقد ذكرنا بعضا من تلك الروايات، فراجعها(1).
ومتى ما كانت الرواية الصحيحة معارضة لروایات متواترة فإنه يجب طرح تلك الرواية الصحيحة، والعمل بالمتواتر؛ لأن المتواتر قطعي، وأما المروي صحيحا فأكثر ما يفيده الظن.
هذا إذا كانت الرواية صحيحة فما بالك إذا كانت ضعيفة السند کرواية كتاب (الغيبة)، فكيف يمكن طرح المتواتر اليقيني، والعمل بالضعيف الذي لا يفيد حتى الظن؟!
ومما ذكرناه من كلام ناظم العقيلي في كتابه (دفاعا عن الوصية)، وكذا كتابه الآخر (انتصارا للوصية) وغيرهما من الكتب الأخرى التي كتبها أنصار أحمد إسماعيل يتبين للقارئ العزيز كيف يتلاعب هؤلاء بالروايات، فيأخذون بما يوافقهم، ويطرحون مايخالفهم، ويؤولون الروايات بتأويلات غريبة بعيدة عما يراد بها.
هذه هي نماذج من ردودهم على الإشكالات الموجهة لرواية كتاب(الغيبة) التي يتعكزون عليها، ويطبقونها على صاحبهم بلا دليل ولا حجة.
قال أحمد إسماعيل:
(فكيف يمكن _ بعد كل هذا _ لعاقل أن يرد الوصية، وكيف لمن يخاف الآخرة أن يرد الوصية، وكيف لمن يتقي الله أن يرد الوصية ؟!).
والجواب:
أنا نقول: كيف يمكن لعاقل أن يأخذ بهذه الرواية، والحال أن
ص: 310
سندها ضعیف مظلم کما قلناه، ورواتها مجاهيل، مع معارضتها للروايات المتواترة التي أشرنا إليها؟!
وكل من يخاف الآخرة لا يجوز له أن يأخذ بهذه الرواية وينسبها لأهل البيت عليهم السلام ، أو ينسبها إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، ويثبت بها اثني عشر إماما بعد الاثني عشر علیهم السلام ، فيخالف بذلك جميع الشيعة منذ زمان أمير المؤمنين عليه السلام إلى يومنا هذا، ويعتقد بخلاف ما أطبقوا عليه!
هل مقتضى تقوى الله عند أحمد إسماعيل الأخذ بالروايات الضعيفة والإعراض عن الروايات المتواترة عن أهل البيت عليهم السلام ؟
ثم إنا لو سلمنا بصحة رواية كتاب (الغيبة) فإنا نلاحظ أمرين:
1_ أن العمل بها سابق لأوانه، فإنه لا يجب علينا الآن أن نعتقد باثني عشر مهديا من ولد الإمام المهدي المنتظر علیه السلام ، وإنما يجب علينا الاعتقاد بإمام العصر عليه السلام دون غيره، وبعد ظهوره فإن الشيعة يسألونه عن هؤلاء المهديين، ويأخذون بما يقول، فلا حاجة تقتضي الآن الاعتقاد بمضمون هذه الرواية.
2_ أننا لو سلمنا جدلا أن هناك اثني عشر مهديا بعد الإمام المهدي المنتظر علیه السلام ، فإنه لم يثبت لدينا أن أحمد إسماعيل البصري أولهم، بل ثبت عندنا بالقطع والجزم واليقين أنه ليس بعالم فضلا عن أن يكون إماما معصوما؛ لما بیناه من كثرة أخطائه التي ذكرنا شيئا يسيرا منها.
***
ص: 311
ص: 312
عندما تتأمل كلمات ومواقف أحمد إسماعيل البصري تجد أنها مشابهة إلى حد كبير لكلمات ومواقف مدعي المهدوية والنبوة الذي سبقه بأكثر من مائة عام، وهو مرزا غلام أحمد القادياني الهندي (1839_ 1908م)، وترى أن الطريقة في دعوة كل منهما لنفسه واحدة، وكأن طريقة عمل أحمد البصري وأسلوب دعوته مقتبسان أو مسروقان من طريقة عمل القادياني وأسلوب دعوته، والفروق الواضحة بينهما هي فروق اقتضاها الاختلاف في المذهب، فإن البصري کان شيعي المذهب، والقادياني كان سنيا، مع اختلافهما في بعض خصوصیات الدعوتين، حيث إن دعوة البصري في العراق ودعوة القادياني في الهند، ولكل من هذين البلدين خصوصياتهما.
ولكي تتضح وجوه التشابه سأذكر للقارئ العزيز بعض الأمثلة:
الملاحظ أن كل واحد من أحمد البصري والقادياني قد بدأ دعوته بالأحلام.
قال أحمد القادياني في كتابه (التبليغ):
(ولما بلغت أشد عمري وبلغت أربعين سنة جاءتني [كذا] نسيم الوحي
ص: 313
بریا عنایات ربي، ليزيد معرفتي ويقيني، ويرتفع حجبي، وأكون من المستيقنين، فأول ما فتح على بابه هو الرؤيا الصالحة، فكنت لا أرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، وإني رأيت في تلك الأيام رؤيا [كذا] صالحة صادقة قريبا من ألفين أو أكثر من ذلك، منها محفوظ في حافظتي وكثير منها نسيتها، ولعل الله يكررها في وقت آخر ونحن من الآملين)(1).
ثم بعد أن زعم أنه رأى في إحدى رؤاه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فسر تلك الرؤيا بقوله:
(فألقى الله في قلبي أن الميت هو الإسلام، وسيحييه الله على يدي بفيوض روحانية من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، وما يدريكم لعل الوقت قریب، فكونوا من المنتظرين، وفي هذه الرؤيا رباني رسول الله بيده و كلامه وأنواره وهدية أثماره، فأنا تلميذه بلا واسطة بيني وبينه، وكذلك شأن المحدثين)(2).
إلى أن قال:
(ثم بعد تلك الأيام، فتحت على أبواب الإلهام، وخاطبني ربي وقال: يا أحمد بارك الله فيك، الرحمن علم القرآن، لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم، ولتستبين سبيل المجرمين، قل: إني أمرت وأنا أول المؤمنين، يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي، ومطهرك من الذين كفروا، وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة، إنك اليوم لدينا مكين أمين، أنت متي بمنزلة توحيدي وتفریدي، فحان أن تعان، وتعرف بين الناس، ويعلمك الله من عنده، تقيم الشريعة وتحي الدين، إنا جعلناك المسيح ابن مریم...، يا أحمدي أنت مرادي ومعي، أنت وجيه في حضرتي...).
ص: 314
وقال أيضا:
(اصطفاني ربي لتجديد دينه، وإظهار عظمة نبيه، ونشر ریا یاسمینه صلی الله علیه و آله و سلم ، وأمرني لدعوة الخلق إلى دين الإسلام، وملة خير الأنام، ورزقني من الإلهامات والمكالمات والمخاطبات والمكاشفات رزقا حسنا، وجعلني من المحدثين)(1).
وذكر في كتابه (التبليغ) كثير من الأحلام التي رآها، وزعم أنها تحققت كفلق الصبح.
وهكذا حال أحمد إسماعيل البصري فإنه ادعى الإلهام عن طريق الأحلام.
قال في بيان لقائه المزعوم بالإمام المهدي علیه السلام :
(وأرى من المهم أن أعرض إلى هذا اللقاء ولو إجمالا وباختصار، باعتباره يمثل انعطافة تاريخية في حياتي؛ لأنها المرة الأولى التي يوجهني فيها الإمام المهدي للعمل وبشكل علني وصدامي في الحوزة العلمية في النجف الأشرف على مشرفه آلاف التحية والسلام. وقصة هذا اللقاء هي أني كنت في ليلة من الليالي نائما، فرأيت رؤيا في المنام، کأن الإمام المهدي واقف بالقرب من ضريح سيد محمد أخو[كذا] الإمام العسكري، وأمرني بالحضور للقائه، وبعد ذلك استيقظت، وكانت الساعة الثانية ليلا، فصليت أربع ركع من صلاة الليل، ثم عدت للنوم، فرأيت رؤيا ثانية قريبة من هذه الرؤيا، وأيضا كان فيها الإمام المهدي يحدد لي لقاء معه...، مرت الأيام والأشهر، وشاء لي الله أن ألتقي الإمام،
ص: 315
وأرسلني هذه المرة إلى الحوزة العلمية في النجف الأشرف؛ لأطرح ما أخبرني به على مجموعة من طلبة الحوزة العلمية...)(1).
وفي موقع أنصاره تحت عنوان: (سيرة الإمام أحمد الحسن علیه السلام وتاریخ دعوته باختصار)، بعد عنوان فرعي هو: (متى بدأت الدعوة وأين؟)، ذکر ما يلي:
(قبل عام 1999 بسنين كان السيد أحمد علیه السلام يلتقي بوالده الإمام المهدي سلام الله عليه في عالم الشهادة [أي الأحلام]، وكان ينهل من علمه ويسير على خطواته، وفي نهاية عام 1999 بدأ وبأمر الإمام المهدي بنقد الباطل في الحوزة بشدة، وطالبهم بالإصلاح العلمي والعملي والمالي، وبعد مسيرة نقد ومطالبة بالإصلاح استمرت حتى عام 2002 أمر الإمام المهدي السيد أحمد الحسن بإبلاغ الناس بأنه رسول من الإمام المهدي، وبدأت دعوة الناس للإيمان بالسيد أحمد الحسن في الشهر السابع عام 2002م والموافق شهر جمادي الأول عام 1423 هجري في النجف الأشرف، حيث أمره والده الإمام المهدي أن يدعو الناس كافة على أنه المذكور في وصية الرسول صلی الله علیه و آله و سلم ليلة وفاته، وبدأ السيد أحمد الحسن يدعو الناس).
السمة الواضحة في ادعاءات أحمد القادياني وأحمد البصري أنهما يدعيان دعاوى عظيمة من دون أن يأتيا على هذه الادعاءات بأي دليل، بل لا يكلفان نفسيهما تجشم عناء ذكر دليل على ذلك، وكأن دليل كل
ص: 316
هذه الدعاوى هو نفس قولها، ولذلك فهما يتوقعان من الناس أن يصدقوهما في كل ما يقولان بلا تردد ولا مناقشة.
وكل دعاوى أحمد إسماعيل التي نقلناها لم يقم عليها أي دليل، وكذلك القادياني کما ستلاحظ في كلماته التي ستنقلها عنه في هذا الفصل، وإذا حاولا أن يقيما دليلا على بعض دعاويهما فتأمل فيه جيدا؛ لترى أن جميع مقدماته أو بعضها هي الأخرى دعاوی لا دليل عليها.
ذكرنا فيما تقدم بعضا من ادعاءات أحمد إسماعيل البصري، وما جمعناه على عجالة من تلك الادعاءات ينيف على خمسين ادعاء، وكذلك الحال في القادياني، فإنه ادعى أنه المهدي المنتظر، وأنه السيد المسيح الموعود في آخر الزمان، وأنه نبي ظلي، وغير ذلك.
ومن ادعاءات أحمد القادياني أنه يصر على أنه أفضل من الإمام الحسين عليه السلام.
قال في كتابه (نزول المسيح):
(إن بعض قليلي الفهم من أهل الشيعة [كذا] الذين اعتبروا عبادة الحسین مغزى الإسلام، قد نفثوا كثيرا بعد قراءتهم كتابنا (دافع البلاء)، واعترضوا بعد كيل الشتائم، وقالوا: كيف يمكن أن يكون هذا الشخص [وهو القادياني ] أفضل من الحسين ؟)(1).
إلى أن قال:
(صحيح تماما أنه[ يعني الإمام الحسين علیه السلام ] كان من عباد الله
ص: 317
الصادقين، ولكن قد خلا في الدنيا الملايين والملايين من الناس من هذا النوع(1)، والله أعلم كم منهم سيأتون في المستقبل أيضا... كذلك فقد سمی الله تعالى ورسوله الأكرم المسيح الموعود(2) أيضا نبیا ورسولا، وقد مدحه أنبياء الله جميعا، وعدوه مظهر صفات جميع الأنبياء الكاملة، فالجدير بالتأمل الآن أين الإمام الحسين منه؟...
أليس صحيحا أن المسيح الموعود أفضل من الحسين بحسب شهادة القرآن والأحاديث وشهادة جميع الأنبياء، بما هو جامع للكلمات المتفرقة، إذا كنت ذلك المسيح الموعود في الحقيقة ففکروا في أنفسكم أية منزلة يجب أن تنزلوني إزاء الحسين، وإن لم أكن كذلك فلماذا أرى الله تعالى مئات الآيات؟ ولماذا يؤيدني في كل حين ؟)(3) .
ادعى القادياني النبوة الظلية أو البروزية صراحة، وصرح بذلك في كثير من كتبه، وقال:
(أنا أحمد الذي أريد من الآية الكريمة: (و مبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) [الصف: 6])(4).
وقال في كتاب (إزالة الخطأ):
(أنظروا الصفحة 498 من (البراهين الأحمدية)؛ ففيه خوطب هذا
ص: 318
العاجز بوضوح ب- (رسول)، ثم بعد ذلك في هذا الكتاب (البراهين) وصفت في وحي الله ب- (جري الله في حلل الأنبياء): أي رسول الله في حلل الأنبياء، أنظروا الصفحة 504 من (البراهين الأحمدية). ثم ورد في هذا الكتاب قرب ذلك الوحي الوحي التالي: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) ؛ ففي هذا الوحي سميت محمدا ورسولا أيضا. ثم في الصفحة 557 من (البراهين) هذا الوحي الإلهي:(جاء نذير في الدنيا)، وقراءته الثانية: (جاء نبي في الدنيا)، كما ذكر هذا العاجز بلفظ رسول في (البراهين الأحمدية) وفي أماكن أخرى عديدة)(1).
وبين أنه يعتقد بأن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم خاتم النبيين، وأنه لا نبي بعده، ثم قال:
(لقد أغلقت أبواب النبوة الكاملة، لكن بابا واحدا مفتوح، وهو باب سيرة الصديقية: أي الفناء في الرسول صلی الله علیه و آله و سلم ؛ لذا لا غيرة على نبوة الشخص الذي يأتي الله عن طريق هذا الباب وهو يلبس رداء النبوة التي هي رداء النبوة المحمدية بالطريق الظلي؛ لأنه لا ينالها بجهوده الذاتية، بل إنه يستقي من نبع نبيه صلی الله علیه و آله و سلم ، وليس هذا له، بل لجلال النبي صلى الله عليه و آله و سلم نفسه؛ لهذا اسمه في السماء محمد وأحمد، وهذا يعني أن نبوة محمد صلی الله علیه و آله و سلم عادت أخيرة إليه صلی الله علیه و آله و سلم لا إلى غيره، وإن كانت بروزية، لذا فإن معنى آية (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) هو: ليس محمد أبا أحد من رجال الدنيا، ولكن هو أب لرجال الآخرة؛ لأنه خاتم النبيين ولا سبيل إلى فيوض الله من غير توسطه. فنبوتي ورسالتي هي بكوني محمدا وأحمد، وليست من نفسي، كما أنني نلت هذا الاسم بفنائي في الرسول صلی الله علیه و آله و سلم ، لهذا فإن مفهوم خاتم النبيين لم يتغير)(2).
ص: 319
إلى أن قال:
(إنما الفرق بينهما أنه لن يكون بعد سیدنا محمد صلی الله علیه و آله و سلم حتى يوم القيامة مثل هذا النبي الذي تنزل عليه شريعة جديدة، أو يعطى لقب النبي دونما وساطة النبي صلی الله علیه و آله و سلم، ومن دون كونه متفانيا في الرسول صلی الله علیه و آله و سلم حتى يعطى في السماء اسم محمد وأحمد. ومن ادعى فقد كفر)(1).
ولا يخفى أن هذا احتيال مکشوف لادعاء النبوة بطريقة هويظن أنها لا تتنافى مع قوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالکم ولكن رسول الله وخاتم النبيين)، ولا تتعارض مع قول النبي صلی الله علیه و آله و سلم : «لا نبي بعدي».
وأما أحمد إسماعيل البصري فإنه يطبق جملة من الآيات التي ورد فيها إرسال رسول على نفسه، منها قوله تعالى: (وما کنا معذبين حتى نبعث رسولا) (الإسراء: 15)، (أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول
مبين) (الدخان:13)، وغيرهما، وقد نقلنا كلامه فيما تقدم.
وكلامه كما لا يخفى فيه تلميح واضح إن لم يكن تصريحا بأنه يدعي أنه رسول مرسل من قبل الله تعالى، إلا أنه لحد الآن لم يجرؤ على التصريح بأنه نبي، مع أن ادعاء الرسالة مستلزم لادعاء النبوة.
كل من أحمد القادياني وأحمد البصري ادعى صراحة أنه الإمام المهدي علیه السلام، إلا أن البصري وإن ادعى أنه المهدي الأول لا المهدي المنتظر، إلا أن كل صفات المهدي المنتظر علیه السلام وأسمائه وألقابه وفضائله
ص: 320
نسبها إلى نفسه، فزعم أنه هو الذي سيملأ الأرض قسطا وعدلا، ولأنه لا يدعي أنه مجرد سفير للإمام عليه السلام ، وإنما يدعي مقام الإمام المهدي علیه السلام ، صار يصدر الكتب والفتاوى والتعليمات باسمه، ويدعو الناس إلى نفسه، ويجمع الأتباع والأنصار حوله، ويأمرهم بتقليده، ونصرته والإيمان به.
والقادياني ادعى أيضا أنه هو الإمام المهدي المنتظر الذي سيقوم بهذا الدور، فلا فرق بين البصري والقادياني من هذه الناحية إلا أن ذاك هندي وهذا بصري؛ ويبقى الهدف الحقيقي لكل منهما هو جمع الأموال والأتباع والأنصار وتولي زعامة المسلمين!
أصر القادياني على أن السيد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام قد توفاه الله تعالى، وأنه لن يرجع إلى الدنيا بعد موته، وأما المسيح الموعود المذكور في الأحاديث، الذي يظهر في آخر الزمان فهو شخص آخر، وهو أحمد القادياني نفسه، وكلماته في كتبه في ادعاء ذلك كثيرة.
قال في كتابه (إعجاز أحمدي):
(فما يدل على بساطتي المتناهية وذهولي البالغ أن الوحي الإلهي كان يعدني مسیح موعودا، ولكنني مع ذلك سجلت في (البراهين الأحمدية) تلك العقيدة التقليدية نفسها. إنني لأستغرب بنفسي كيف كتبت هذه العقيدة التقليدية في (البراهين الأحمدية) مع أن الوحي الإلهي البين المذكور في الكتاب نفسه كان يعتبرني مسیحا موعودا!
ثم ظللت غافلا وذاهلا تماما إلى اثني عشر عاما _وهي مدة طويلة _ عن حقيقة أن الله تعالى كان قد عدني بوضوح تام وفي راحة
ص: 321
متناهية مسیحا موعودا في (البراهين الأحمدية)(1)، وظللت متمسكا بالاعتقاد التقليدي عن المجيء الثاني لعيسى عليه السلام ، وبعد مرور اثني عشر عاما حان الأوان لتكشف الحقيقة علي، فبدأت الإلهامات تنزل علي بالتواتر قائلة بأنك أنت المسيح الموعود، فحين بلغ الوحي الإلهي بهذا الشأن منتهاه، وأمرت: (قاصدغ بما تؤمر)، وأعطيت آيات كثيرة، وألقي في روعي يقين قوي وبوضوح تام كوضح النهار، بلغت هذه الرسالة للناس)(2).
وقال أيضا:
(كذلك قد سمى الله تعالى ورسوله الأكرم صلی الله علیه و آله و سلم المسيح الموعود أيضا نبيا ورسولا، وقد مدحه أنبياء الله جميعا، وعدوه مظهر جميع أنبياء الله الكاملة...، أما إذا كان أهل السنة والشيعة يسبونني أو يسموني كذابا ودجالا فهذا شأنهم، ولكن الذي رزقه الله البصيرة سيعرفني أني أنا المسيح الموعود الذي سماه سید الأنبياء: (نبي الله)، وبلغه سلامه، واعتبره بمنزلة ساعده الثاني، وعده خاتم الخلفاء، وسيفضلني بما فضلني الله والرسول)(3).
وكلماته في ذلك كثيرة مبثوثة في كثير من كتبه.
وأما أحمد إسماعيل البصري فإنه ادعى أنه رسول السيد المسيح إلى النصارى، مع أنه يصح کما نقلنا عنه فيما سبق أنه أفضل من السيد المسيح، فكيف يكون رسولا لمن هو دونه في الفضل؟!
ص: 322
ادعى كل من أحمد القادياني وأحمد البصري أنهما جاءا بالمعجزات، وأخبرا بالغيبيات التي تحققت.
أما القادياني فكلامه في ادعاء المعجزات والأخبار بالمغيبات كثير جدا.
قال في كتابه (إعجاز المسيح) الذي هو تفسير لسورة الفاتحة:
(وانظروا إلى فضل الله ورحمته، فقد اشترط على كلا الفريقين أن يؤلف هذا التفسير في أربعة أجزاء في سبعين يوما، ولكن هؤلاء الألوف لم يستطيعوا تأليف جزء واحد، أما أنا فلم يوفقني الله لتأليف التفسير في أربعة أجزاء فحسب، بل ألفت اثني عشر جزءا منه.
هنا أسأل المشايخ المعارضين: أليست هذه معجزة؟ وما مبرر عدم اعتبارها معجزة؟ لا أحد في الدنيا يرضى بالذلة ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فإذا كانت كتابة التفسير بمقدورهم فلماذا لم يقدروا على ذلك ؟)(1).
ومما ذكره القادياني من آیاته ومعجزاته ما ذكره في كتاب (مواهب الرحمن) حيث قال:
(ومن آياتي التي ظهرت في هذه السنوات هو أني أشعت قبل الوقت أن الطاعون ينتشر في جميع الجهات، ولا يبقى خطة من هذه الخطط المبتلاة بالآفات، إلا ويدخلها كالغضبان، ويعيث فيها کالسرحان، وقلت: قد کشف علی من ربي سر مکنون، وهو أن أرضا من الأرضين لا تخلو من شجرة الطاعون، وثمرة المنون...، فانتشر
ص: 323
الطاعون بعد ذلك في البلاد، وجعل ذوي الأرواح کالجماد...، فإن شئت فاقرأ ما أشعت في جميع هذه البلاد، ثم استحي واتّق الله رب العباد(1).
ومن آياتي التي ظهرت في هذه المدة، موت رجال عادوني وآذوني وعزوني إلى الكفرة، وسبوني على المنابر، وجروني إلى الحكومة، فاعلم أن الله كان خاطبني، وقال: يا أحمدي أنت مرادي ومعي، اخترتك لنفسي، وسرك سري، وأنت معي وأنا معك، وأنت مني بمنزلة لا يعلمها الخلق، إذا غضبت غضبت، وكل ما أحببت أحب، إني مهين من أراد إهانتك، وإني معين من أراد إعانتك، إني أنا الصاعقة تخرج الصدور إلى القبور، إنا تجالدنا فانقطع العدو وأسبابه)(2).
ثم ذكر قصصا عن جماعة عادوه فماتوا بالطاعون أو غيره(3)، ثم ذكر من آیاته شهرة اسمه بالإكرام والتكرمة في هذه السنوات، وقال أيضا:
(ومن آياتي كتب ألفتها في العربية [كذا]، في تلك المدة المشتهرة، وجعلها الله إعجازا لي إتماما للحجة، وأولها: (إعجاز المسيح)، ثم بعد ذلك (الهدى)، ثم (الإعجاز الأحمدي)، وهو معجزة عظمى، وكنت
ص: 324
فرضت للمخالفين صلة عشرة آلاف، إن يأتوا كمثل الإعجاز الأحمدي في عشرين يوما من غير إخلاف، فما بارز أحد للجواب، كأهم بكم أو من الدواب، ومع تلك الصلة لعنت الصامتين الساكتين المتوارين في الحجاب، وأحفظتهم به لكي يتحركوا لجواب الكتاب، فتواروا في حجراتهم، وما نعلم ما صنع الله بقلوبهم، مع إطماع مني وإعناتهم)(1).
قلت: هذه هي عين لغة أحمد إسماعيل البصري الذي ما فتئ يتحدى العلماء بالرد على كتبه الركيكة المملوءة بالجهل والأباطيل الواضحة الفساد، ويعتبر تجاهلهم له هزيمة لهم، ودليلا على عجزهم عن الرد عليه!
وأما أحمد إسماعيل البصري فإنه ادعى أنه جاء بالمعجزات والإخبارات الغيبة حاله حال القادياني.
قال في مقدمته لكتاب (الإفحام لمكذب رسول الإمام) لناظم العقيلي:
(ومصيبتنا عادت اليوم مع من يدعون اتباع أهل البيت عليهم السلام كمصيبتنا بالأمس مع الناس، فالقرآن ومعرفة محكمه و متشابهه وناسخه ومنسوخه ليس حجة عند هؤلاء! ووصية رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ليست حجة! والنصوص الصحيحة عن أهل البيت عليههم السلام ليست حجة! ومئات بل آلاف الرؤيات بالمعصومين عليهم السلام عند أناس متفرقين تنص على أن الحق هاهنا ليست حجة! والكشف والشهود عند أولياء الله ليس حجة! والإخبارات الغيبية ليست حجة! والمعجزة ليست حجة بل سحر! والمباهلة ليست حجة! و... و... جئت بكل ما جاء به الأنبياء والمرسلين [ كذا] عليهم السلام ، ولم يبق إلا العذاب، وللآن يقولون: لم يأت بدلیل ولم يأت بحجة).
ص: 325
فمع هؤلاء لا يبقى إلا العذاب حجة، ولا تبقى إلا نار جهنم التي سيصلونها حجة، وعندها سيخاطبهم سبحانه وتعالی: أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون» [الطور: 10])(1).
ولا شك أن أحمد إسماعيل لم يأت بأي معجزة كما يزعم كذبا وزورا، ولكنه اختلق لنفسه أمورا اعتبرها معجزات، وهي ليست كذلك، ومن مهازل معجزاته ما ذكره في أحد بياناته المسمى بإظهار قبر الزهراء عليهاالسلام ، حيث قال:
(وأول معجزة أظهرها للمسلمين وللناس أجمعين هو أني أعرف موضع قبر فاطمة علیهاالسلام بضعة محمد صلی الله علیه و آله و سلم ، وجميع المسلمين مجمعين على أن قبر فاطمة عليهاالسلام مغيب لا يعلم موضعه إلا الإمام المهدي عليه السلام، وهو أخبرني بموضع قبر أمي فاطمة عليهاالسلام، وموضع قبر فاطمة عليهاالسلام بجانب قبر الإمام الحسن عليه السلام وملاصق له، وكأن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام مدفون في حضن فاطمة عليهاالسلام ، ومستعد أن أقسم على ما أقول، والله على ما أقول شهيد، ورسوله محمد صلی الله علیه و آله و سلم ، وعلي عليه السلام الذي دفن فاطمة عليها السلام ).
ولو صح زعم أحمد إسماعيل بأن السيدة فاطمة عليهاالسلام دفنت في البقيع، فإن ذلك لا يسمى معجزة؛ لأن المعجزة هي الأمر الخارق للعادة، وما قاله ليس كذلك، وما ذكره أحمد إسماعيل هو أحد الأقوال في موضع قبر السيدة فاطمة عليهاالسلام ، وقد سبقه إلى هذا القول أهل السنة وغيرهم، مع أن أحمد إسماعيل لم يأت بما يثبت صحة كلامه إلا أنه قال: إنه مستعد لأن يقسم على ذلك! فأي معجزة هذه التي يريد أن يثبتها بالقسم؟!
ص: 326
ومن معجزاته التي ذكرها في بعض كتبه أن اسمه _ وهو أحمد الحسن _ مكتوب على غلاف كتاب لواحد من أعدائه، وهو السيد محمد علي الحلو بعنوان: (المهدي راية هدى)، وهو يشير إلى ما کتب في جانب ظهر الكتاب المذكور، حيث کتب: (أحمد الحسن)، ويظهر أنه اسم مصمم الغلاف، لكن أحمد إسماعيل وأتباعه عدوا هذا الأمر معجزة من معجزاته، وشر البلية ما يضحك!
قال أحمد إسماعيل:
(وأنا وأعوذ بالله من الأنا أنصح السيد السيستاني وهؤلاء الكتاب أن ينظروا بعين الإنصاف إلى هذه الدعوة اليمانية المباركة، وأن ينصفوا أنفسهم بالبحث عن الحق وأهله، وإلا فليعلم الجميع أن من يقف اليوم بالضد من هذه الحركة اليمانية المباركة سيلعنه التالون کما يلعن اليوم من وقف ضد رسول الله محمد بن عبد الله. وفي نهاية كتب هذا المركز الذي هو برعاية السيد السيستاني، کتب (أحمد الحسن) على الغلاف الخارجي دون التفات منهم لذلك، فليراجعوا ما كتب على غلاف الكتب، وهذه آية أخرى لصاحب الحق ظهرت رغما عنهم، فما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله ومعه وبعده كما قال عليه السلام، والعاقبة للمتقين)(1).
من الطبيعي أن تصطدم كل الدعوات الباطلة بآيات من القرآن الكريم، أو بأحاديث صحيحة أو متواترة، وعندما يحتج العلماء على أصحاب هذه الدعوات بتلك الآيات والأحاديث فإنهم يقومون بلي
ص: 327
عنق تلك الآيات والروايات، ويأتون لها بمعاني بعيدة غير مرادة، تنسجم مع دعواتهم الباطلة.
وحيث إن مرزا غلام أحمد القادياني زعم أنه هو الإمام المهدي المنتظر علیه السلام ، فإن هذا الزعم يتعارض مع الأحاديث المتواترة التي دلت على أن الإمام المهدي من ولد سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء عليهاالسلام، ومن المعلوم أن القادياني رجل هندي لا يمت إلى السيدة فاطمة عليهاالسلام بأي نسب، وهذا كاف في إبطال دعواه ودعوته.
ولكن أنظر إلى جوابه على هذا الأمر المتواتر، فإنه قال:
(إن أصحاب الفكر المادي نسبوا الموعود إلى ذرية الحسن أحيانا، وإلى ذرية الحسين أحيانا، وإلى العباس أحيانا، إنما كان قصد الرسول صلی الله علیه و آله و سلم: أن المبعوث سيكون وارثه مثل أبنائه، يرث اسمه وخلقه وعلمه وروحانيته، ويعكس صورته فيه من كل الجوانب، ولن يكتسب شيئا من نفسه، بل كل ما اكتسبه فهو من النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، وسيعكس وجهه متفانيا فيه)(1).
ولا يخفى أن ما قاله القادياني مع أنه خلاف ظاهر الحديث فإنه لا دليل عليه، ولو أردنا أن نشرح الأحاديث النبوية بهذا النحو لما بقي حديث واحد سالما، ولضاعت أكثر السنة النبوية، مع أن معنى الحديث لو كان كما زعمه القادياني لحق لكل حاقد على الإسلام أن يتهم النبي صلی الله علیه و آله و سلم بأنه عاجز عن بيان مراداته؛ لأ قوله صلی الله علیه و آله و سلم : «إن المهدي من ولد فاطمة عليهاالسلام » فيه ما لا يخفى من القصور في الدلالة على المعنى المراد.
ومن الأحاديث التي اصطدمت بها دعوة أحمد إسماعيل البصري توقيع آخر سفراء الإمام المهدي عليه السلام ، وهو علي بن محمد السمري
ص: 328
رضوان الله عليه، الذي يدل بوضوح على أن كل من ادعى السفارة قبل الصيحة والسفياني فهو كذاب مفتر، ولكن أحمد إسماعيل حاول رد هذه الدلالة الواضحة بأن زعم أن الحديث مطعون في سنده، ولا يفيد الجزم، ومتنه متشابه، والحديث غير مسوّر فلا يفيد الكلية، وإنما يدل على الجزئية، أي إن بعض من يدعي السفارة كاذب(1).
وكل هذه النقوض واضحة البطلان، فإن سنده صحيح، مع أنه لا يحق لأحمد إسماعيل أن يتكلم في أسانيد الروايات، وخصوصا في سند هذا التوقيع الذي اتفق الشيعة على العمل بمضمونه قديما وحديثا، وإذا كان الحديث الذي اتفق عليه الشيعة لا يفيد القطع بالصدور، فما هو هذا الحديث الذي يحق لنا أن نقطع بصدوره أو نجزم بصحته بنظر أحمد إسماعيل؟
وأما متن التوقيع فهو واضح الدلالة على أن كل من يدعي المشاهدة(2) أي السفارة قبل الصيحة والسفياني فهو كاذب مفتر، ولا أظن أحدا من أهل اللسان العربي يشك في أن هذا هو معنى التوقيع، ومن المضحكات زعم أحمد إسماعيل _ الذي لم يدرس علم المنطق _ أن التوقيع لا يدل على الكلية، وأن معناه هو أن بعض من يدعي المشاهدة کاذب وبعضهم صادق، وهذا الكلام لا يقوله إلا جاهل أو مكابر، وكل
ص: 329
من درس مقدمات الحوزة العلمية يعلم أن الجملة الشرطية تدل على تحقق الجواب عند تحقق الشرط، فيتحقق الكذب والافتراء عند تحقق ادعاء المشاهدة، بلا تخلف في ذلك، وإلا لما كانت الجملة شرطية، وهذا واضح جدا، ولاسيما أن الغرض من خروج التوقيع هو بيان انقطاع السفارة والإيذان ببدء فترة الغيبة الكبرى، وهذا يدل على أن كل من يدعي السفارة في فترة انقطاع السفارة فهو كاذب مفتر.
ولو أردنا أن نذكر نماذج أخرى من تأويلات القادياني والبصري لطال في ذلك الكلام، ولكن من هذين الأنموذجين يتبين كيف يؤول القادياني والبصري الأحاديث التي تبطل دعوتهما، والذي يتبع كلماتهما يجد فيها الغرائب والعجائب المدهشة، ونحن ذکرنا نماذج أخرى من کلام أحمد إسماعيل البصري فيما تقدم، فراجعها.
کلمات مرزا غلام أحمد القادياني في الطعن في علماء عصره كثيرة وقبيحة، ومن كلامه فيهم قوله:
(فاعلم أني طالما حضرت مجالس هذه العلماء، وخلوت بهم كالأحباء، وربما جئت بعضهم بزي نکرته کالغرباء أو الجهلاء، وجربتهم عند محبتهم والشحناء، والبؤس والرخاء، وعلمت دخلة أمرهم ومبلغ هممهم وما عندهم من الإتقاء، فظهر لي أن أكثرهم للإسلام كالداء لا كالدواء، وللدين الهجوم المطلم والهوجاء، لا كالسراج المنير والضياء، جمعوا كل عيب في السيرة والمريرة، ولطخوا في أنفسهم بالمعايب الكثيرة، يجلبون أموال الناس إلى أنفسهم من كل مکيدة، بأي طريق اتفق وبأي حيلة، يقولون ولا يفعلون، ويعظون ولا يتعظون، ويتمنون أن يحصدوا ولا يزرعون، قلوبهم قاسية، وألسنتهم مفحشة،
ص: 330
وصدورهم مظلمة، وآراؤهم ضعيفة، وقرائحهم جامدة، وقلوبهم ناقصة، وهممهم سافلة، وأعمالهم فاسدة... يتكبرون بعلم قليل يسير، وليسوا إلا كحمير، يأمرون الناس بترك الدنيا وزخرفها، ثم يطلبونها أزيد من العوام، ويسعون أن يتعاطوها ولو بطريق الحرام...)(1)، إلى آخر كلامه، فإنه ما ترك صفة قبيحة إلا ألصقها بهم، ولا منقصة عظيمة إلا وصفهم بها.
وقال في مورد آخر:
(ولا تنظر إلى وجوه مشايخ الإسلام وكبراء الزمان، فإنهم وجوه خالية من نور الرحمن ومن زي العاشقين)(2).
وشبيه بذلك موقف أحمد إسماعيل البصري من مراجع التقليد وعلماء الشيعة الذين يصفهم في كتبه وكلماته بأنهم علماء آخر الزمان، وكلماته في الطعن فيهم كثيرة.
منها: قوله:
(ولكن هؤلاء الفقهاء الذين خانوا أمانة الأنبياء والأوصياء، وحليت لهم السلطة العريضة والأموال الطائلة التي جمعوها باسم الإمام المهدي علیه السلام، لم يعجبهم أن يقع الاختيار الإلهي على أحد غيرهم، فكان أن وقفوا موقف الرفض والعناد، وصموا آذانهم عن الاستماع لأدلة الإخوة الأنصار، بل وأكثر من ذلك فقد شرعت ماکنتهم الإعلامية وجهاز الوكلاء المنتفعين المرتبط بهم بترويج الأكاذيب والإشاعات المغرضة بقصد صد الناس عن الدعوة المباركة وتشويه أهدافها الإلهية السامية، ولم تقف المعركة مع فقهاء السوء عند هذا الحد، فهؤلاء الذين
ص: 331
يخشون كثيرا على عروشهم المزيفة كانوا لا يستسلمون أبدا للهزائم الفكرية التي ألحقتها بهم الدعوة المباركة)(1).
وقال في جواب سؤال حول تفسير آية قرآنية:
(الذي جادل إبراهيم عليه السلام هو نمرود لعنه الله، والذي بهت هو كل كافر برسالات السماء: نمرود وغير نمرود، كبعض الشيعة أو من يدعون أنهم شيعة ويحاربون وصي الإمام المهدي عليه السلام، ويكفرون برسالات السماء وحجج الأنبياء والأوصياء، وقد وصفهم الباقر علیه السلام بأنهم ثمود، لعنهم الله وأخزاهم، وأسكنهم في قعر الجحيم مع أصحاب السقيفة الأولى؛ لأنهم أصحاب السقيفة الثانية، علماء آخر الزمان غير العاملين الذين خدعوا الناس، وحرفوا الدين الإلهي، وشرعوا وأحلوا وحرموا بأهوائهم)(2).
وهذه المواقف الشديدة من العلماء غير مستغربة من كل صاحب دعوة منحرفة عن خط الإسلام؛ لأن العلماء يقفون في وجه هذه الدعوات الباطلة، ويواجهونها بكل ما أوتوا من جهد وطاقة، ويكشفون زيفها، ويبينون للناس باطلها وانحرافها وضلالها، ومن الطبيعي أن يقابلهم أصحاب تلك الدعوات بمثل هذه المواقف.
أشار القادياني على من يريد أن يعرف أن دعوته حق أن يستخير الله تعالى، أو يدعو الله لكي يلهمه في عالم الأحلام بالإلهامات التي تكشف له أن دعوته حق، فقال:
(إني دعوت قومي ليلا ونهارا، فلم يزدهم دعائي إلا فرارا، ثم إني
ص: 332
دعوتهم جهارا، ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا، فقلت: استغفروا ربكم واستخيروا واستخبروا، وادعوا الله في أمري يمدد کم بإلهامات، ويظهر عليكم أخبارا، فما سمعوا كلمتي، وأعرضوا عتوا واستكبارا، ورضوا بأن يكونوا لإخوانهم مكفرين، وما كان حجتهم إلا أن قالوا: ائتوا بأحاديث شاهدة على ذلك إن كنتم صادقين)(1).
وكذلك الحال في أحمد إسماعيل البصري، فإنه اعتمد في إثبات دعوته على الأحلام والاستخارات، وقد جعل في موقع أنصاره دعاء لمن يريد أن يرى حلما يدل على صدق دعوته، وحكم أحمد إسماعيل على جميع الأحلام التي تؤید دعوته بأنها كلها صادقة، باعتبار أنها من عالم الملكوت.
قال في أحد بياناته:
(لا تركنوا إلى الجهال الذين يسمون أنفسهم علماء، فيملؤوا آذانكم وأعينكم بالطين، ويشدوكم إلى هذا العالم المادي الزائل وما فيه من زخرف. لا تسمعوا كلامهم، فهم لا يرون أيديهم... وهذا العالم الزائل مبلغهم من العلم. لا تركنوا إليهم وهم يكفرون بالرؤيا، وهي الطريق إلى ملكوت السماوات .أنظروا في ملكوت السماوات، واسمعوا من ملكوت السماوات، وآمنوا بملكوت السماوات، فهو الحق الذي آمن به الأنبياء والأوصياء، وكفر به العلماء غير العاملين الذين حاربوا الأنبياء والأوصياء في كل زمان)(2).
كما أنه ذكر أن من رأى أمثال هذه الأحلام فإنه رأى وسمع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم والأئمة الأطهار عليهم السلام، وأن هذه الأحلام كلها شهادات منهم عليهم السلام بصدقه.
ص: 333
قال في أحد بياناته:
(تقولون: نحن نقبل شهادة العدلين. فها الله [كذا ]يشهد لي، ومحمد يشهد لي،وعلي يشهد لي، وفاطمة تشهد لي، والحسن يشهد لي، والحسين يشهد لي، وعلي بن الحسين، ومحمد، وجعفر، وموسى، وعلي، ومحمد، وعلى، والحسن، ومحمد يشهدون لي، بمئات الرؤى التي رآها المؤمنون. أفلا تقبلون شهادتهم وقولهم ونصحهم لكم؟ ...
(قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن کنتم تعلمون) [المؤمنون:88]، من بيده ملكوت السماوات والأرض، ما أنصفتم الله إذ جعلتم الملكوت بيد الشيطان، وانتهكتم حرمة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم...
تقولون: (الرؤيا حجة على صاحبها فقط)، فتردون شهادة المؤمن العادل، الذي رأى وسمع في ملكوت السماوات رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وأخبره بالحق، فكيف إذن تقبلون شهادته فيما رأى وسمع في هذا العالم الجسماني ؟ (تلك إذا قسمة ضيزى) [النجم: 22])(1).
وأما الاستخارات فإن من يتتبع كتب أحمد إسماعيل يجد أن بعض أتباعه ذكروا له في أسألتهم أنهم آمنوا به بسب الاستخارة، ومن ذلك ما ذكره بعضهم في سؤال رقم (325) في كتاب (الجواب المنير) حيث قال: (وبدأت بالاطلاع على بعض كتبكم، وكان أولها الشرائع والمتشابهات، إلا إنني لم أنته بعد من قراءة كل الكتب، وقمت بالاستخارة بالقرآن الكريم وخرجت لي الآية (90) من سورة المؤمنون: (بل أتيناهم بالحق
ص: 334
وإنهم لكاذبون) ، فتوكلت على الله، وآمنت بالدعوة، والحمد لله رب العالمين، وبدأت العمل بكتاب الشرائع، ولكني لم أعرف كيف أبايعك يا سيدي).
فأجابه أحمد إسماعيل بقوله:
(وفقك الله لكل خير، وجنبك كل شر، والإيمان بيعة، فيكفي إيمانك واستعدادك للعمل في سبيل الله وقيامك بالعمل الممكن، حفظك الله وجميع المؤمنين والمؤمنات)(1).
وإذا شئت راجع كتاب (الجواب المنير عبر الأثير)، السؤال رقم (93)، (109)، (223)، (236) س (23)، (613).
وأحمد إسماعيل يلزمك بالعمل بالاستخارة إذا فهم منها الحث على الإيمان به، وأما إذا دلت على تركه وتكذيبه فإنه يشکك في صدقك في استخارتك، ففي سؤال رقم (23) جاء ما يلي: (سيدي، لقد خرجت بعض الاستخارات بآيات تبدو سيئة وحاشاك، فما معناها؟ وهل هناك مانع في كثرة الاستخارة في أمرك، أم لا بأس بذلك؟).
فأجاب أحمد إسماعيل بأنه يشترط في الاستخارة عقد العزم على ثلاثة أمور...، وبعد أن ذكر تلك الأمور الثلاثة قال:
(هذه الأمور الثلاثة كحد أدنى ضرورية لتكون أنت فعلا قد استخرت الله، أما أن يأتي شخص وهو متردد في قبول جواب الله له، ثم يستخير ويعتبر أن ما فعله استخارة، فالحق إن [كذا] مثل هذا الشخص ربما ينعم عليه الله الكريم ويجيبه، ولكن ياله من خزي لهذا وأمثاله وهو لا يرضى أن يستشيره أحد،ثم يذهب لخلاف مشورته، وكأنه استشاره
ص: 335
ليخالف قوله، فكيف يرضى أن يفعل هذا مع الله سبحانه، والله إن هذا لأمر عظيم وتجرأ [كذا] كبير على الله سبحانه وتعالى، ومع هذا الخبث الصادر من الناس فأن [كذا] الله يعاملهم برأفة ورحمة)(1).
وسألته امرأة، فقالت في سؤالها: (ولكن لم حينما أستخيره في جنابكم تطلع مخيرة؟! وسبق واستخرته قديما على السيد الخامنئي فكانت: (فكلي واشربي وقري عينا؟).
فأجاب أحمد إسماعيل بجواب طويل ممل، قال فيه:
(الخراف تعرف راعيها الصالح من صوته، الذين من الله يسمعون صوت الله، ويعرفون صوت الله، و كلمات الله، وحكمة الله، ويميزونها جيدا عن سفه الشيطان...
الذين من الله يسمعون كلمات الله، وشيعة محمد وآل محمد الحقيقيون يعرفون صوت الراعي الصالح جيدا، وهل يضيع الإنسان صوت إمامه؟ أيمكن أن لا يعرف الابن صوت أبيه الذي رباه؛ لأنه سمع في زحام الدنيا أصوات كثيرة، أيمكن هذا؟!)(2).
أي إنه يقول لتلك السائلة: أنت لست من شيعة محمد وآله الحقيقيين، فلهذا لا تميزين بين الإمام الحقيقي وهو أحمد إسماعيل وغيره من المبطلين بنظره، أي إن استخارتها لا قيمة لها، ولا تدل على أنه إمام ضلال!
أنظر قارئي العزيز إلى كلامه، فإن الاستخارة إذا دلت عليه فهي حق عنده، وإلا طعن في صاحب الاستخارة، وحكم على استخارته بأنها باطلة.
ص: 336
ومن الطرائف أن امرأة كتبت إلى أحمد إسماعيل مايلي: (نحن مجموعة من النساء المؤمنات بالسيد أحمد عليه السلام، ولم يؤمن أزواجنا بعد، ويشق علينا الذهاب للتأكد من الذبح، فصرنا نستخير على اللحم والدجاج لأكله، فهل يجوز لنا ذلك؟).
فأجاب أحمد إسماعيل بقوله:
(وفقكم الله، بالنسبة للدجاج لا بد من الاطمئنان إلى أنه ذبح بید المسلم؛ لأنهم أجازوا الذبح بالماكنة، وهو غير شرعي، أما اللحوم الحمراء فيمكن أكل المذبوح في البلاد الإسلامية ولا إشكال فيه)(1).
فهو يجيز الاستخارة على دعوته والإيمان به وبإمامته بالاستخارة، ولا يجيز الاستخارة على أكل قطعة من اللحم، فالعجب ممن يؤمن بهذا الرجل، ويصدق بدعوته!
تحدى القادياني علماء عصره، وتحدياته كثيرة جدا، وكتبه مملوءة بتلك التحديات.
قال أبو الحسن الندوي في كلامه حول كتاب (البراهين الأحمدية):
(ويدهش القارئ ويتخم بالإلهامات والمنامات والخوارق والكشوف والتكليمات الإلهية والنبوءات التي طفحت بها أجزاء هذا الكتاب، والادعاءات والتحديات الطويلة العريضة التي تخرجه من كتب البحث العلمي النزيه، والنقاش الديني الهادئ، إلى كتب التحدي والادعاء السافر التي تطغى عليها الأنانية، وتمنع من الاستفادة منها والإقبال عليها)(2).
ص: 337
وقد ألف القادياني كتابة أسماه: (کرامات الصادقين)، كتب في الصفحة الأولى منه: (هذه رسالة مباركة المسماة كرامات الصادقين، ولمن يأت برسالة مثلها فله إنعام ألف من الورق، غیر مقلد أو كان من
المقلدين).
ومن تحدياته ما ذكره في كتاب (باقة من بستان المهدي) في وريقة بعنوان: (حجة الله)، حيث ممنون تلك الوريقة بقوله: (الإعلان فاسمعوا يا أهل العدوان)، قال فيها:
(أيها الناظرون، اعلموا رحمكم الله ورزقكم رزقا حسنا من التفضلات الجلية والألطاف الخفية، أن هذه رسالتي قد تمت بالعناية الإلهية، محفوفة بالأسرار الأنيقة الربانية، ومشتملة على محاسن الأدب، والملح البيانية، فكأنها حديقة مخضرة، تغرد فيها بلابل على دوحة الصفاء، وتصبي ثمراتها قلوب الأدباء،ومن أمعن فيها بإخلاص النية، وصدق الطوية، فلا شك أنه يقر بفصاحة كلماتها، وبراعة عباراتها، ويقر بأنها أعلى وأملح من التدوينات الرسمية، وعليها طلاوة أكثر من المقالات الإنسانية، وأما الذي جبل على سيرة النقمة والعناد، فيجحد بفضلها [كذا ]، ويترك متعمدا طريق القسط والسداد، ولو كانت نفسه من المستيقنين، فنحن نقبل الآن على زمر تلك [كذا] المنكرين، ولقد وعيت أسماءهم فيما سبق من ذكر المكفرين والمكذبين، فلیناظلوني في هذا ولو متظاهرين بأمثالهم، وليبرهنوا على كمالهم، وإلا كشفت عن سبهم وأخزيتهم في أعين جهالهم، ومن يكتب منهم کتابا كمثل هذه الرسالة، إلى ثلاثة أشهر أو إلى الأربعة، فقد كذبني صدقا وعدلا، وأثبت أني لست من الحضرة الأحدية، فهل في الحي حي يقضي هذه الخطة، وينجي من
ص: 338
التفرقة الأمة، وليستظهر بالأدباء إن كان جاهلا لا يعرف طرق الإنشاء، وليعلم أنه من المغلوبين، وسيذهب الله ببصره ببرق من السماء، فيعشيه کما يعشي الهجير عين الحرباء، ويطفئ وطيس المفترين. أيها المكذبون الكذابون! ما لكم لا تجيئون ولا تناظلون، وتدعون ثم لا تبارزون، ويل لكم ولما تفعلون يا معشر الجاهلين)(1).
وأكثر تحديات أحمد القادياني حول معرفته باللغة العربية وإتقانه لها، والتباهي بأنه يتقنها أكثر من باقي علماء الهند، مع أن كتبه مملوءة بالأخطاء اللغوية والنحوية.
أما أحمد إسماعيل فإنه تحدى مراجع النجف وهو مختف لا يعلم أين هو، والعجب أنه يدعوهم للمناظرة العلنية، وبياناته في الإعلان عن تحديه موجودة في موقع أنصاره في الإنترنت.
قال في بيان مؤرخ في (17) شوال سنة (1424ه-):
(لقد دعوت جمع [كذا] من العلماء في الصحف السابقة الصادرة من أنصار الإمام المهدي عليه السلام للمناظرة في القرآن الكريم، أو سماع ما جئت به من تفسير للقرآن الكريم، حتى يتبينوا هل هو من ممکن التحصيل، أم أنه علم خاص بأهل بيت العصمة أو من اتصل بهم عليهم السلام ، فلم يستجب لتلك الدعوة أحد منهم، بل أصدر بعض العلماء فتوى بتكذيبي من دون أن يسمعوا شيئا مني...).
إلى أن قال:
(أما الآن فإني أكرر الدعوة إلى بعض مراجع التقليد للمناظرة في القرآن الكريم، لإثبات أن ما عندي من علم في القرآن هو من الإمام
ص: 339
المهدي علیه السلام، وأني مرسل من الإمام عليه السلام ، حتى لا تبقى حجة لمحتج ولا عذر لمعتذر، ومن أجل الحرص على هداية هذه الأمة التي ظلمت واستضعفت على مر العصور، أناشد العلماء ورجال الدين والمؤمنين والناس كافة، بأن يساعدوا على الاستجابة لدعوة المناظرة).
بل إنه تحدى جميع علماء المسلمين والنصارى واليهود، ودعاهم للمباهلة في أحد بياناته، فقال:
(وأنا العبد المسكين المستكين بين يدي ربه، أدعو كبار علماء الطوائف والديانات الإلهية الثلاث وفي كل الأرض للمباهلة لمعرفة صاحب الحق، وهي أن نبتهل إلى الله فنجعل لعنة الله على الكاذبين:( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءک من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءکم ونساءنا ونساءکم و أنفسنا وأنفسکم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين) [آل عمران: 61]، فإن لم يستجيبوا لدعوتي فليعلموا أنهم ومن يتبعهم في ضلال مبين، وسیبیدهم الله بالعذاب والمثلات التي بدأ ملائكة الله يصبونها على أهل الأرض، فقد نزل العذاب على مواضع في هذه الأرض، والله لا ينزل العذاب إلا بعد وجود رسالة إلهية على الأرض، (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما یضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما کنا معذبين حتى نبعث رسولا؟ [الإسراء: 15])(1).
ادعى كل من مرزا غلام أحمد القادياني وأحمد إسماعيل البصري أن دعوة كل منهما دعوة حق، وأنها واضحة كوضوح الشمس، وأنه لا عذر لأحد في عدم الإيمان بها.
ص: 340
قال القادياني مؤکدا أن حجته واضحة كالشمس:
(فأيدني ربي بآيات، وأنار أمري ببرکات، وأتم حجتي على الطالبين، ولكنهم ما خلوا سبيلي وما كانوا منتهين، وجحدوا وقد تبين الرشد من الغي وحصحص الحق، فأعجبني(1) [كذا] إنكارهم وقساوة قلوبهم، إنهم رأوا علامات صدقي و آیات قبوليتي، وما رجعوا إلى الحق وما كانوا راجعين.
یا حسرة عليهم! إنهم لا يفهمون حقيقة الواقعات، ولا يقبلون الآيات، بل يحتالون عند رؤيتها، ويتعامون مع وجود الأبصار، ويفترون على أشياء، ويريدون أن يطفئوا نور الإسلام، وصاروا ظهيرا للكافرين، وكان الحق واضحا صريحا مشرقا كالشمس، فطبع الله على قلوبهم، وجعل على أبصارهم غشاوة، فما استطاعوا أن يروا الحقيقة كالمبصرين)(2).
وكذلك الحال مع أحمد إسماعيل البصري، فإنه يؤكد دائما على وضوح حقية دعوته.
قال في أحد بياناته:
(لقد أسفر الصبح لذي عينين، وظهر أمر قائم آل محمد علیهم السلام كالشمس في رائعة النهار، لا لبس فيه لكل طالب حق، وجاء کم یا علماء الشيعة من تعرفونه كما تعرفون أبناءكم، ولا يخفى عليكم أمره، بالروايات الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام ، فهل تنكرون على علماء اليهود والنصارى (لعنهم الله) أنهم لم يتبعوا محمد [كذا] صلی الله علیه و آله و سلم ؛ لأنه في كتبهم باسمه وصفته، وأنه يخرج من فاران، وتحتجون عليهم بذلك، إذن فارجعوا إلى كتبكم وحاسبوا أنفسكم...).
ص: 341
إلى أن قال:
(أخبروكم أهل البيت عليهم السلام باسمي ومسكني وصفتي، فهل خفيت عليكم؟ ولكن (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعمیت علیکم أنلزمکموها وأنتم لها کارهون) [هود: 28]).
ثم قال:
أما بعد فيا شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام بحسب ما تدعون، لقد قامت عليكم الحجة البالغة التامة من الله سبحانه وتعالى بي، وبأني الصراط المستقيم إلى جنات النعيم، فمن سار معي نجا، ومن تخلف عني هلك وهوى، وهذا هو الإنذار الأخير لكم من الله ومن الإمام المهدي عليه السلام ، وما بعده إلا آية العذاب والخزي في هذه الحياة الدنيا، وفي الآخرة جهنم يصلونها وبئس المهاد لمن لم يلتحق بهذه الدعوة)(1).
وقال في بيان آخر:
(والله ما أبقى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم وآبائي الأئمة عليهم السلام شيء [كذا] من أمري إلا بينوه، فوصفوني بدقة، وسموني، وبينوا مسکني، فلم يبقى لبس في أمري ولا شبهة في حالي بعد هذا البيان، وأمري أبين من شمس في رابعة النهار، وأتي أول المهديين واليماني الموعود)(2).
هذه بعض أوجه التشابه بين مرزا غلام أحمد القادياني وأحمد إسماعيل البصري، ولو أردنا أن نتتبع كل وجوه التشابه بينهما لطال بنا المقام؛ لأنها كثيرة، ولكن الذي يثير التساؤل والاستغراب هو أن هذه
ص: 342
التشابهات هل جاءت هكذا بمحض الصدفة؟ أو أن أحمد إسماعيل اقتفى أثر القادياني وسار على طريقته في ادعائه السفارة والمهدوية؛ لأن القادياني قد اكتسب بعض الشهرة حتى ألفت فيه وفي دعوته کتب كثيرة، واستطاع أن يجمع له أموالا طائلة، ويستقطب أتباعا ومریدین في مناطق مختلفة من العالم، ولا شك أن البصري يسعى للحصول على أمثال هذه الأمور التي يتصورها مکاسب.
وربما يكون سبب التشابه أن هذه الدعوات صنيعة جهات عالمية متنقذة، تخطط لأمثال هؤلاء المعين، وتلقنهم ما يقولون، وتهيئ لهم ما يكتبون، وما يدعون، وتطبع الكتب بأسمائهم، وتمدهم بالأموال الطائلة التي تمكنهم من شراء الأنصار والأتباع، وتهيئ لهم وسائل الإعلام التي تمكن دعواتهم من التوسع والانتشار.
***
ص: 343
ص: 344
إلى هنا تم ما أردت كتابته في الرد على دعوة أحمد إسماعيل البصري والرد على كتابه المسمى: (الوصية المقدسة: الكتاب العاصم من الضلال) الذي يزعم أنصاره أنه تحدی به مراجع التقليد في النجف الأشرف وقم المقدسة.
وكما لاحظ القارئ العزيز فإن هذه الدعوة قائمة على دعاوی مجردة وانتقاء لبعض الأحاديث دون بعض، وتفسيرها بغير ما يراد بها، وأن هؤلاء القوم الذين آمنوا بهذه الدعوة ويدعون لها كلهم جهال مغفلون أو كذابون نفعيون مغرضون.
وهذا الكتاب الذي تحدى به أحمد إسماعيل مراجع النجف وقم کتاب ركيك جدا، ينم عن جهل فاضح، وكان عليه أن يخجل من أن ينسب لنفسه مثل هذا الجهل المكشوف، فإنه خير له من أن يتحدى به صغار طلبة العلم، فضلا عن مراجع النجف وقم.
ومن كل ما تقدم يتضح لكل من كان عنده شيء يسير من الثقافة والاطلاع أن هذا الكتاب الركيك لا يحتاج من مرجع تقليد أن يضيع وقته الشريف في الرد على ما فيه من جهل وغباء.
وهنا أود أن أنبه القارئ العزيز إلى أن أحمد إسماعيل البصري عندما يتظاهر بأنه يتحدى مراجع النجف وقم إنما يريد أن يخدع الجهال والمغفلين البسطاء، ويوهمهم بأن إصراره على تحديه لمراجع التقليد وعدم
ص: 345
موافقتهم على مناظرته، مضافا إلى عجزهم عن الرد على كتبه، دلیل واضح بزعمه على أنه أعلم منهم، وأنه بالفعل إمام مرسل من قبل الإمام المهدي المنتظر علیه السلام.
إلا أن هذه حيلة مكشوفة لا تنطلي إلا على البسطاء والمغفلين؛ لأنا لو فرضنا أن أحمد إسماعيل حي لحد الآن وأنه بالفعل قد تحدى مراجع النجف وقم، وإن هذه التحديات الجوفاء غير مكذوبة عليه من قبل بعض أنصاره الذين صاروا الآن يتاجرون باسمه، فإن تجاهل مراجع التقليد لأمثال هذه التحديات وإن فسره هؤلاء الجهال بأنه ضعف من مراجع التقليد وعجز منهم عن الرد، لكنه يبين أن مراجع التقليد لا يعطون أمثال هذه التحديات أكثر من حجمها الحقيقي، ولا يعطون هؤلاء الدجالين أي قيمة؛ لأنهم يعلمون أنهم جهال سفهاء، وقد ورد في الحديث عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال: «من طلب العلم ليباهي به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، فليتبوأ مقعده من النار»(1).
كما أن مرجع التقليد لو رد على هؤلاء فإنهم سيغرون بعض سفهائهم السبابين على ذلك المرجع، وسيحاولون النيل منه والوقيعة فيه بما يمليه عليهم حقدهم عليه.
وكيف كان فإن أحمد إسماعيل قد تحدى مخالفيه، وهذا هو جوابه، ولا يهم إذا الرد لم يكتبه مرجع تقلید ما دام الرد وافيا وكافيا لكل باحث منصف، وآمل من أحمد إسماعيل _ إن كان حيا _أن يدافع عن كتابه الذي تحدى به العلماء، وأن یکتب ردا علميا بعيدا عن لغة الشوارع ما
ص: 346
دام أنه يرى في نفسه أنه أعلم هذه الأمة وأنه إمام معصوم، وسأعذره إذا اعترف بأنه عاجز عن الرد، خصوصا أنه يزعم أنه لا يرى في نفسه أنه خير من کلب أجرب، وهذا يقتضي منه إن كان صادقا في زعمه ألا يستحقر هذا العبد الضعيف، وألا يرى لنفسه مقاما يجعله يستنكف عن مخاطبة شخصا مثلي أو الرد على كتابي، فيغري بعض أنصاره بالرد، مع أني لا أخشى ردودهم؛ لأني رأيت بعض كتبهم في ردهم على من خالفهم، فوجدتها مملوءة بالسباب والتجريح وسوء الأدب وغير ذلك مما لا يصدر عادة إلا عن الضعفاء المبطلين.
ولا يفوتني هنا أن أعتذر للقارئ العزيز عن التكرار الذي اضطرني إليه أحمد إسماعيل في بعض المباحث؛ لأن كلامه فيه تكرار كثير ممل، وطرح للفكرة بصيغ مختلفة، فكان لا بد من تتبع كلماته والرد عليها وإن اضطررت إلى التكرار أيضا حتى لا يزعم زاعم أني لم أرد على بعض کلامه، وليترسخ الرد في ذهن القارئ أكثر.
وأود أن أنبه إخواني الشيعة إلى أن كتب أحمد إسماعيل وأنصاره كلها مملوءة بالأباطيل والمغالطات والأكاذيب، وهي من أوضح مصادیق کتب الضلال التي أفتى فيها مراجع التقليد دام ظلهم الشريف بعدم جواز اقتنائها وشرائها وقراءتها، إلا إذا كان المطلع عليها متمکنا من معرفة ما فيها من كذب وضلال، وكان غرضه الرد عليها فإنه يجوز له ذلك.
كما أشير إلى أني لم أعتن بالجواب على التعليقات التي أدرجها من علق على كتاب أحمد إسماعيل، وهو علاء السالم، ولا بالملاحق التي ألحقها بالكتاب، واقتصرت على رد کلام أحمد إسماعيل نفسه؛ لأنه إنما
ص: 347
تحدى مراجع التقليد بما كتبه هو، لا بمجموع ما كتبه هو وما علقه علاء السالم على كلامه.
وفي الختام أسأل الله أن يتقبل مني هذا القليل، وأن يجعله مرضيا عند إمام العصر علیه السلام، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
***
ص: 348
القرآن الكريم.
إثبات الهداة: الحر العاملي / مؤسسة الأعلمي/ بيروت/ 1425ه-.
أجوبة المسائل المهنائية: العلامة الحلي / مطبعة الخيام / قم المقدسة / 1401ه. الأربعون حديثا في المهديين وذرية القائم: ناظم العقيلي / (من موقع أنصار أحمد إسماعيل البصري في الانترنت).
إزالة خطأ: مرزا غلام أحمد القادياني / ترجمة هاني طاهر / الشركة الإسلامية المحدودة.
إضاءات من دعوات المرسلين: أحمد إسماعيل البصري (من موقع أنصار أحمد إسماعيل البصري). إعجاز أحمدي: مرزا غلام أحمد القادياني / ترجمة عبد المجيد عامر / الشركة الإسلامية المحدودة / المملكة المتحدة/ 1432ه-.
إعجاز المسيح: مرزا غلام أحمد القادياني / الشركة الإسلامية المحدودة/ المملكة المتحدة / 1432 ه-.
الإفحام لمكذب رسول الإمام: ناظم العقيلي / (من موقع أنصار أحمد إسماعيل البصري).
إقبال الأعمال: ابن طاووس / ط 1/ 1414ه-/ مكتب الإعلام الإسلامي.
الأمالي: الشيخ الصدوق / ط 1/1417ه-/ مؤسسة البعثة .
الأمالي: الشيخ الطوسي/ ط 1/ 1414ه-/ دار الثقافة / قم.
ص: 349
انتصارا للوصية : الشيخ ناظم العقيلي / (من موقع أنصار أحمد إسماعيل).
الإيقاظ من الهجعة: الحر العاملي / ط 1/ 1422 ه-/ دلیل ما/ قم.
باقة من بستان العارفين: مرزا غلام أحمد القادياني / الشركة الإسلامية المحدودة/المملكة المتحدة/ 1428ه-.
باقة من بستان المهدي: مرزا غلام أحمد القادياني / الشركة الإسلامية المحدودة/ المملكة المتحدة / 1428 ه-.
بحار الأنوار: العلامة المجلسي / ط 2/ 1403ه/ مؤسسة الوفاء / بيروت.
بصائر الدرجات: محمد بن الحسن الصفار/ت کوجه باغي / 1404ه-/ مط الأحمدي/ منشورات الأعلمي / طهران.
البلد الأمين: الكفعمي / مكتبة الصدوق/ طهران/ 1383 ه-.
بيان الحق والسداد من الأعداد: أحمد إسماعيل البصري/ (عن موقع أنصاره في الانترنت).
بيان تلبيس الجهمية: أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني / تصحیح: محمد بن عبد الرحمن بن قاسم/ دار القاسم/ الرياض/ 1421ه-.
تأويل الآيات: شرف الدين الحسيني / ط 1/ 1407ه/ مط أمير/ مدرسة الإمام المهدي/ قم.
تفسير العياشي: العياشي /ت هاشم الرسولي المحلاتي / المكتبة العلمية الإسلامية / طهران.
تفسير القمي: علي بن إبراهيم القمي/ت طيب الجزائري / ط 3/ 1404ه/ مؤسسة دار الكتاب / قم. تفسير الميزان: الطباطبائي / منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية / قم.
تفسير مجمع البيان: الطبرسي / ط 1/ 1415ه/ مؤسسة الأعلمي / بيروت.
ص: 350
تنقیح المقال: المامقاني / طبعة حجرية/ المطبعة الحيدرية/ النجف الأشرف.
تهذیب الأحکام: الشيخ الطوسي/ت حسن الخرسان/ ط 3/ 1396 ش/ مط خورشید/ دار الكتب الإسلامية / طهران.
تهذيب التهذيب : ابن حجر العسقلاني / دار الفكر / ط 1/ بيروت / 1404 ه-.
توحيد المفضل بن عمر: المفضل بن عمر الجعفي/ ط 2/ مؤسسة الوفاء بيروت / 1404ه.
الثاقب في المناقب: ابن حمزة الطوسي/ ط 2/ 1412 ه-/ مؤسسة أنصاريان / قم.
جمال الأسبوع: ابن طاووس / ط1/ 1371 ش/ مؤسسة الآفاق.
الجواب المنير عبر الأثير: أحمد إسماعيل البصري /(من موقع أنصار البصري).
حاكمية الله لا حاكمية الناس: أحمد إسماعيل البصري / (من موقع أنصاره).
حمامة البشرى إلى أهل مكة وصلحاء أم القرى: مرزا غلام أحمد القادياني/ الشركة الإسلامية المحدودة / المملكة المتحدة/ 1428ه-.
الخصال: الشيخ الصدوق/ 1403ه/ جماعة المدرسين / قم.
الدرر النجفية: الشيخ يوسف البحراني / شركة دار المصطفى لإحياء التراث / بیروت 1423ه-.
دعائم الإسلام: القاضي النعمان المغربي / 1383 ه-/ دار المعارف / القاهرة.
دفاعا عن الوصية : الشيخ ناظم العقيلي / (من موقع أنصار أحمد إسماعيل).
دلائل الإمامة: الطبري (الشيعي)/ ط 1/ 1413ه/ مؤسسة البعثة / قم.
الذريعة إلى تصانيف الشيعة: آقابزرك الطهراني / ط 3/ 1403ه/ دار الأضواء/ بيروت.
رجال الطوسي: الشيخ الطوسي/ ط 1/ 1415ه/ مؤسسة النشر الإسلامي.
رجال النجاشي: النجاشي / ط 5/ 1416ه/ مؤسسة النشر الإسلامي / قم.
ص: 351
رحلة موسى إلى مجمع البحرين: أحمد إسماعيل البصري / (من موقع أنصاره).
الرد الأحسن في الدفاع عن أحمد الحسن: ناظم العقيلي / (من موقع أنصاره).
رسالة الهداية : أحمد إسماعيل البصري /( من موقع أنصاره في الانترنت)/ الطبعة الثانية / 1431 ه-. سنن الترمذي: الترمذي / ط 2/ 1403ه/ دار الفكر / بيروت.
شرائع الإسلام: أحمد إسماعيل البصري / (من موقع أنصار البصري المذكور).
شرح أصول الكافي : المازندراني /ت الشعراني / ط1621/1 ه دار إحياء التراث العربي / بيروت.
شرح الأخبار: القاضي النعمان المغربي/ت محمد الجلالي / ط 2/ 1414ه-/ مؤسسة النشر الإسلامي/ قم.
شرح السنة: الحسين بن مسعود البغوي / تحقيق الشاويش والأرنؤوط/ المكتب الإسلامي/ بيروت / 1403 ه-.
شرح علل الترمذي: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي/ تحقیق: نور الدين عتر / دار الملاح للطباعة والنشر / 1398 ه-.
الصحاح : الجوهري / ط 4/ 1407ه-/ دار العلم للملايين / بيروت.
صحيح البخاري: البخاري / 1401ه-/ دار الفكر / بيروت.
صحیح مسلم: مسلم النيسابوري / دار الفكر / بيروت.
الصراط المستقیم: علي بن يونس العاملي /ت محمد باقر البهبودی/ ط1/ 1386 ه/ مط الحيدري / المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية.
العدة في أصول الفقه: الشيخ الطوسي/ تحقیق: محمد رضا الأنصاري القمي/ قم المقدسة / 1417ع-. علل الشرائع: الشيخ الصدوق /ت محمد صادق بحر العلوم/ 1385 ه- منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها/ النجف الأشرف.
ص: 352
عوالي اللئالي: ابن أبي جمهور الأحسائي /ت مجتبى العراقي / ط1403/1 ه/ مط سيد الشهداء / قم.
العين: الخليل الفراهيدي / ط 2/ 1409 ه/ مؤسسة دار الهجرة.
عيون أخبار الرضا: الشيخ الصدوق/ 1404ه/ مؤسسة الأعلمي/ بيروت.
الغيبة: الشيخ الطوسي/ت عبد الله الطهراني، علي أحمد ناصح / ط1/ 1411 ه/ مط بهمن/ مؤسسة المعارف الإسلامية / قم.
الغيبة: النعماني / ط 1/ 1422 ه/ مط مهر / أنوار الهدى.
فتح الباري: ابن حجر / ط 2/ دار المعرفة/ بيروت.
الفصول المختارة: الشيخ المفيد/ ط 2/ 1414ه/ دار المفيد/ بيروت.
الفصول المهمة في أصول الأئمة: الحر العاملي / تحقیق: محمد بن محمد الحسين القائيني / مؤسسة معارف اسلامي إمام رضا علیه السلام / قم المقدسة / 1418 ه-.
الفهرست: الشيخ الطوسي /ت جواد القيومي / ط 1/ 1417ه/ مؤسسة النشر الإسلامي.
الفوائد الطوسية: الحر العاملي / تحقيق: السيد مهدي اللازوردي والشيخ محمد درودي / المطبعة العلمية / قم المقدسة / 1403ه-.
القادياني والقاديانية دراسة وتحليل: أبو الحسن علي الحسني الندوي / الدار السعودية للنشر / جدة / 1391 ه-.
القاديانية: أحمد رضا خان الحنفي/ تعريب: محمد جلال رضا/ الدار الثقافية للنشر / القاهرة/ 1421ه-.
قراءة جديدة في رواية السمري: ضياء الزيدي / منشورات أنصار الإمام المهدي علیه السلام/ 1426 ه-.
الكافي: الشيخ الكليني/ت علي أكبر الغفاري / ط 5/ 1363 ش/مط حيدري / دار الكتب الإسلامية / طهران.
ص: 353
کتاب الخلاف: الشيخ الطوسي/ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين / قم المقدسة / 1407ه-.
کتاب سلیم بن قیس: سلیم بن قیس الهلالي /ت محمد باقر الأنصاري.
کتاب قانون معرفة الحجة: أبو محمد الأنصاري / (من موقع أنصار أحمد إسماعيل البصري).
كفاية الأثر: الحزاز القمي/ت عبد اللطيف الكوه كمري الخوئي / 1401ه-/ مط الحيام/ انتشارات بیدار.
کمال الدين: الشيخ الصدوق/ ت علي أكبر الغفاري / 1405ه-/ مؤسسة النشر الإسلامي/ قم.
کنز الفوائد: أبو الفتح الكراجكي / ط 2/ 1369 ش/ مط غدیر / مكتبة المصطفوي / قم.
لسان العرب: ابن منظور / 1405ه/ نشر أدب الحوزة/قم.
لسان الميزان: ابن حجر / ط 2/ 1390 ه/ مؤسسة الأعلمي/ بيروت.
المتشابهات: أحمد إسماعيل البصري (من موقع أنصار البصري المذكور).
مختصر بصائر الدرجات: الحسن بن سليمان الحلي / ط1/ 1370 ه/ منشورات المطبعة الحيدرية / النجف الأشرف.
المراجعات: السيد شرف الدينات حسين الراضي/ ط 2/ 1402 ه.
المزار: ابن المشهدي/ ت جواد القيومي / ط 1/ 1419ه/ مط مؤسسة النشر الإسلامي / نشر القيوم / قم.
مستدرك الوسائل: الميرزاالنوري/ ط1 المحققة/ 1408ه/ مؤسسة آل البيت / بيروت.
المستدرك: الحاكم النيسابوري / إشراف يوسف عبد الرحمن المرعشلي.
ص: 354
مصباح المتهجد: الشيخ الطوسي/ ط1411/1 ه/ مؤسسة فقه الشيعة / بيروت.
المصباح: الكفعمي / ط 3/ 1403ه/ مؤسسة الأعلمي/ بيروت.
مع العبد الصالح علیه السلام : إعداد وقلم: أبو حسن/ (من موقع أنصار أحمد إسماعيل البصري). معاني الأخبار: الشيخ الصدوق / ت علي أكبر الغفاري / 1379 ه/ مؤسسة النشر الإسلامي/ قم. معجم رجال الحديث: السيد الخوئي/ طه/ 1413ه-.
مغني اللبيب: ابن هشام الأنصاري/ت محمد محي الدين عبد الحميد 1404ه-.
مفردات ألفاظ القرآن: الراغب الأصفهاني / ط 2/ طليعة النور/ 1427ه.
من لا يحضره الفقيه: الشيخ الصدوق/ ت علي أكبر الغفاري / ط 2/ مؤسسة النشر الإسلامي/ قم. من هو خليفة المسلمين في هذا العصر؟: علي آل محسن / دار الهادي / بيروت 1427 ه-.
منهاج الصالحين: آية الله العظمى الشيخ حسين الوحيد الخراساني / نشر: مدرسة الإمام باقر العلوم علیه السلام / قم المقدسة.
میزان الاعتدال: الذهبي/ت علي محمد البجاوي/ ط 1/ 1382 ه-/ دار المعرفة/ بيروت.
النجم الثاقب: النوري / ط 1/ 1415ه/ أنوار الهدى/ مط مهر/ قم.
نزول المسيح: مرزا غلام أحمد القادياني / ترجمة: عبد المجيد عامر / الشركة الإسلامية المحدودة / المملكة المتحدة / 1432ه.
ص: 355
نصيحة إلى طلبة الحوزة العلمية وإلى كل من يطلب الحق: أحمد إسماعيل البصري / من موقع أنصاره/ الطبعة الثانية / 1431 ه-.
نهج البلاغة: الشريف الرضي/ ط 1/ 1387 ه-/ بيروت.
الهدى والتبصرة لمن يري: مرزا غلام أحمد القادياني / الشركة الإسلامية المحدودة / المملكة المتحدة/1432 ه-.
الوافي : الفيض الكاشاني / ط 1/ مكتبة الإمام أمير المؤمنين / 1406ه-/ أصفهان.
***
ص: 356
الصورة
ص: 357
الصورة
ص: 358
الصورة
ص: 359
الصورة
ص: 360
الصورة
ص: 361