بطاقة تعريف:الموسوي آل طيب، السيد محمدكاظم، 1331-
عنوان العقد:نهج البلاغة. وصف
Nhjol-Balaghah. Commantries
عنوان واسم المؤلف: مصباح السعادة في شرح النهج البلاغة[علي بن أبي طالب (علیه السلام)]/ مولف السيد محمدكاظم الموسوي آل طيب.
تفاصيل المنشور: قم: دارالتفسیر، 1440ق.= 1397.
مواصفات المظهر:8ج
ISBN:ج.6 978-964-535-716-8 :
حالة القائمة: الفيفا
ملاحظة: عربي.
ملاحظة:ج.6 (چاپ اول: 1442 ق = 1399) (فیپا).
عنوان:علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق -- خطب
عنوان:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- *Public speaking
عنوان:علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق. -- کلمات قصار
عنوان:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- Quotations
عنوان:علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل از هجرت - 40ق . نهج البلاغة -- النقد والتعليق
عنوان:Ali ibn Abi-talib, Imam I. Nahjol - Balaghah -- Criticism and interpretation
المعرف المضاف: علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق . نهج البلاغة. وصف
المعرف المضاف:Ali ibn Abi-talib, Imam I Commantries.. Nahjol - Balaghah
ترتيب الكونجرس: BP38/02/م83 1397
تصنيف ديوي: 297/9515
رقم الببليوغرافيا الوطنية:5402095
معلومات التسجيلة الببليوغرافية: FIPA
ص: 1
بسم الله الرحمن الرحيم
ص: 2
مصباح السعادة في شرح نهج البلاغة
الجزء الاول
السيّد محمّد كاظم الموسوي آل طيّب
ص: 3
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للَّه الذي دلّ على ذاته بذاته وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته وجلّ عن ملائمة كيفيّاته وكان قبل القبل بلا قبل وبعد البعد بلا بعد والصلوة والسلام والتحيّة والاكرام على محمّد النبيّ الأمّيّ الذي شرح اللَّه صدره ووضع عنه وزره ورفع له ذكره وأنزل سكينة عليه والنور معه أرسله شاهداً ومبشّراً ونذيراً وسراجاً منيراً وعلى آله الطيّبين الطاهرين الذين هم أمراء الكلام لاسيّما الذي يكون مقتدى لكلّ قائل خطيب والمستعان لكلّ واعظ بليغ لأن كلامه عليه مسحة من العلم الالهي وعبقة من الكلام النبوي ، أبو الأئمّة الهادين المهديّين وصيّ رسول ربّ العالمين ، كان وصيّاً وآدم بين الماء والطين ، امام الموحّدين وأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الذي أذهب اللَّه عنه وعنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً .
أمّا بعد ؛ فيقول العبد المحتاج إلى رحمة ربّة العلّام محمّد كاظم بن عبدالسلام الموسوي الجزائري المدعوّ ب« آل طيّب » عفى عنهما .
إنّ نهج البلاغة فرع القرآن أو هذا هو البذر وهو ثمرته وكثيراً ما يخالج قلبي أن أكتب عليه شرحاً فأوردت الأخبار المناسبة في كلّ باب ، متضمّناً للآيات القرآنيّة التي هي مأخذ المقال ليرجع الكلام إلى المآل ويتّضح به حقيقة الحال وسمّيته ب « مصباح السعادة في شرح نهج البلاغة » والمرجوّ من القاري إذا عثر على الزلّات أن يعفوني ويدعو لي بصالح الدعوات فانّ اللَّه سميع الدعاء ، قريب مجيب.
ص: 5
ص: 6
الاهداء
إلى صاحب اللواء والولاية العظمى أميرالمؤمنين ويعسوب الدين ومولى الموحّدين وإمام المتّقين وباب علم النبيّين وأمير الكلام في العالمين ، سوى أشرف الأنبياء والمرسلين ، علي بن أبي طالب صلوات اللَّه وسلامه عليه إلى يوم الدين
ص: 7
ص: 8
بسم الله الرحمن الرحيم
1 - ومن خطبة له عليه السلام يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم وفيها ذكر الحج وتحتوي على حمد اللَّه وخلق العالم وخلق الملائكة واختيار الأنبياء ومبعث النبي والقرآن والأحكام الشرعية
الْحَمْدُ للَّهِ ِ الَّذِي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقَائِلُونَ وَلا يُحْصِي نَعْمَاءَهُ الْعَادُّونَ وَلا يُؤَدِّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ الَّذِي لا يُدْرِكُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ وَلا يَنَالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ وَلا نَعْتٌ مَوْجُودٌ وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ فَطَرَ الْخَلائِقَ بِقُدْرَتِهِ وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ .
أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الْإِخْلاصُ لَهُ وَكَمَالُ الإِخْلاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّهَا غَيْرُ الْمَوْصُوفِ وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوفٍ أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ فَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ وَمَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ وَمَنْ ثَنَّاهُ فَقَدْ جَزَّأَهُ وَمَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ وَمَنْ جَهِلَهُ فَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ وَمَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ وَمَنْ قَالَ فِيمَ فَقَدْ ضَمَّنَهُ وَمَنْ قَالَ عَلا مَ فَقَدْ أَخْلَى مِنْهُ .
كَائِنٌ لا عَنْ حَدَثٍ مَوْجُودٌ لا عَنْ عَدَمٍ مَعَ كُلِّ شَيْ ءٍ لا بِمُقَارَنَةٍ وَغَيْرُ كُلِّ شَيْ ءٍ لا بِمُزَايَلَةٍ فَاعِلٌ لا بِمَعْنَى الْحَرَكَاتِ وَالْآلَةِ بَصِيرٌ إِذْ لا مَنْظُورَ إِلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ مُتَوَحِّدٌ إِذْ لا سَكَنَ يَسْتَأْنِسُ بِهِ وَلا يَسْتَوْحِشُ لِفَقْدِهِ .
ص: 9
أَنْشَأَ الْخَلْقَ إِنْشَاءً وَابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً بِلا رَوِيَّةٍ أَجَالَهَا وَلا تَجْرِبَةٍ اسْتَفَادَهَا وَلا حَرَكَةٍ أَحْدَثَهَا وَلا هَمَامَةِ نَفْسٍ اضْطَرَبَ فِيهَا أَحَالَ الْأَشْيَاءَ لِأَوْقَاتِهَا وَلائَمَ بَيْنَ مُخْتَلِفَاتِهَا وَغَرَّزَ غَرَائِزَهَا وَأَلْزَمَهَا أَشْبَاحَهَا عَالِماً بِهَا قَبْلَ ابْتِدَائِهَا مُحِيطاً بِحُدُودِهَا وَانْتِهَائِهَا عَارِفاً بِقَرَائِنِهَا وَأَحْنَائِهَا .
ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ فَتْقَ الْأَجْوَاءِ وَشَقَّ الْأَرْجَاءِ وَسَكَائِكَ الْهَوَاءِ فَأَجْرَى فِيهَا مَاءً مُتَلاطِماً تَيَّارُهُ مُتَرَاكِماً زَخَّارُهُ حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ وَالزَّعْزَعِ الْقَاصِفَةِ فَأَمَرَهَا بِرَدِّهِ وَسَلَّطَهَا عَلَى شَدِّهِ وَقَرَنَهَا إِلَى حَدِّهِ الْهَوَاءُ مِنْ تَحْتِهَا فَتِيقٌ وَالْمَاءُ مِنْ فَوْقِهَا دَفِيقٌ ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ رِيحاً اعْتَقَمَ مَهَبَّهَا وَأَدَامَ مُرَبَّهَا وَأَعْصَفَ مَجْرَاهَا وَأَبْعَدَ مَنْشَأَهَا فَأَمَرَهَا بِتَصْفِيقِ الْمَاءِ الزَّخَّارِ وَإِثَارَةِ مَوْجِ الْبِحَارِ فَمَخَضَتْهُ مَخْضَ السِّقَاءِ وَعَصَفَتْ بِهِ عَصْفَهَا بِالْفَضَاءِ تَرُدُّ أَوَّلَهُ إِلَى آخِرِهِ وَسَاجِيَهُ إِلَى مَائِرِهِ حَتَّى عَبَّ عُبَابُهُ وَرَمَى بِالزَّبَدِ رُكَامُهُ فَرَفَعَهُ فِي هَوَاءٍ مُنْفَتِقٍ وَجَوٍّ مُنْفَهِقٍ فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ جَعَلَ سُفْلاهُنَّ مَوْجاً مَكْفُوفاً وَعُلْيَاهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَسَمْكاً مَرْفُوعاً بِغَيْرِ عَمَدٍ يَدْعَمُهَا وَ لا دِسَارٍ يَنْظِمُهَا ثُمَّ زَيَّنَهَا بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ وَضِيَاءِ الثَّوَاقِبِ وَأَجْرَى فِيهَا سِرَاجاً مُسْتَطِيراً وَقَمَراً مُنِيراً فِي فَلَكٍ دَائِرٍ وَسَقْفٍ سَائِرٍ وَرَقِيمٍ مَائِرٍ .
ثُمَّ فَتَقَ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ الْعُلى فَمَلَأَهُنَّ أَطْوَاراً مِنْ مَلائِكَتِهِ مِنْهُمْ سُجُودٌ لا يَرْكَعُونَ وَرُكُوعٌ لا يَنْتَصِبُونَ وَصَافُّونَ لا يَتَزَايَلُونَ وَمُسَبِّحُونَ لا يَسْأَمُونَ لا يَغْشَاهُمْ نَوْمُ الْعُيُونِ وَلا سَهْوُ الْعُقُولِ وَلا فَتْرَةُ الْأَبْدَانِ وَلا غَفْلَةُ النِّسْيَانِ وَمِنْهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى وَحْيِهِ وَأَلْسِنَةٌ إِلَى رُسُلِهِ وَمُخْتَلِفُونَ بِقَضَائِهِ وَأَمْرِهِ وَمِنْهُمُ الْحَفَظَةُ لِعِبَادِهِ وَالسَّدَنَةُ لِأَبْوَابِ جِنَانِهِ وَمِنْهُمُ الثَّابِتَةُ فِي الْأَرَضِينَ السُّفْلَى أَقْدَامُهُمْ وَالْمَارِقَةُ مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا أَعْنَاقُهُمْ وَالْخَارِجَةُ مِنَ الْأَقْطَارِ أَرْكَانُهُمْ وَالْمُنَاسِبَةُ لِقَوَائِمِ الْعَرْشِ أَكْتَافُهُمْ نَاكِسَةٌ دُونَهُ أَبْصَارُهُمْ مُتَلَفِّعُونَ تَحْتَهُ بِأَجْنِحَتِهِمْ مَضْرُوبَةٌ
ص: 10
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ دُونَهُمْ حُجُبُ الْعِزَّةِ وَأَسْتَارُ الْقُدْرَةِ لا يَتَوَهَّمُونَ رَبَّهُمْ بِالتَّصْوِيرِ وَلايُجْرُونَ عَلَيْهِ صِفَاتِ الْمَصْنُوعِينَ وَلا يَحُدُّونَهُ بِالْأَمَاكِنِ وَلا يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالنَّظَائِرِ
ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ مِنْ حَزْنِ الْأَرْضِ وَسَهْلِهَا وَعَذْبِهَا وَسَبَخِهَا تُرْبَةً سَنَّهَا بِالْمَاءِ حَتَّى خَلَصَتْ وَ لاطَهَا بِالْبَلَّةِ حَتَّى لَزَبَتْ فَجَبَلَ مِنْهَا صُورَةً ذَاتَ أَحْنَاءٍ وَوُصُولٍ وَأَعْضَاءٍ وَفُصُولٍ أَجْمَدَهَا حَتَّى اسْتَمْسَكَتْ وَأَصْلَدَهَا حَتَّى صَلْصَلَتْ لِوَقْتٍ مَعْدُودٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ فَمَثّلَتْ ( فَتَمَثّلَتْ ) إِنْسَاناً ذَا أَذْهَانٍ يُجِيلُهَا وَفِكَرٍ يَتَصَرَّفُ بِهَا وَجَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا وَأَدَوَاتٍ يُقَلِّبُهَا وَمَعْرِفَةٍ يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْأَذْوَاقِ وَالْمَشَامِّ وَالْأَلْوَانِ وَالْأَجْنَاسِ مَعْجُوناً بِطِينَةِ الْأَلْوَانِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْأَشْبَاهِ الْمُؤْتَلِفَةِ وَالْأَضْدَادِ الْمُتَعَادِيَةِ وَالْأَخْلاطِ الْمُتَبَايِنَةِ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْبَلَّةِ وَ الْجُمُودِ وَالْمَسائَةَ وَالسُّرُور وَاسْتَأْدَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمَلائِكَةَ وَدِيعَتَهُ لَدَيْهِمْ وَعَهْدَ وَصِيَّتِهِ إِلَيْهِمْ فِي الإِذْعَانِ بِالسُّجُودِ لَهُ وَالْخُنُوعِ ( وَالْخُشُوعِ ) لِتَكْرِمَتِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلّا إِبْلِيسَ وَقَبِيلَهُ اعْتَرَتْهُ الْحَمِيَّةُ وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ الشِّقْوَةُ وَتَعَزَّز بِخِلْقَةِ النَّارِ وَاسْتَوْهَنَ خَلْقَ الصَّلْصَالِ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ النَّظِرَةَ اسْتِحْقَاقاً لِلسُّخْطَةِ وَاسْتِتْمَاماً لِلْبَلِيَّةِ وَإِنْجَازاً لِلْعِدَةِ فَقَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ثُمَّ أَسْكَنَ سُبْحَانَهُ آدَمَ دَاراً أَرْغَدَ فِيهَا عَيْشَهُ وَآمَنَ فِيهَا مَحَلَّتَهُ وَحَذَّرَهُ إِبْلِيسَ وَعَدَاوَتَهُ فَاغْتَرَّهُ عَدُوُّهُ نَفَاسَةً عَلَيْهِ بِدَارِ الْمُقَامِ وَمُرَافَقَةِ الْأَبْرَارِ فَبَاعَ الْيَقِينَ بِشَكِّهِ وَالْعَزِيمَةَ بِوَهْنِهِ وَاسْتَبْدَلَ بِالْجَذَلِ وَجَلاً وَبِالِاغْتِرَارِ نَدَماً ثُمَّ بَسَطَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ فِي تَوْبَتِهِ وَلَقَّاهُ كَلِمَةَ رَحْمَتِهِ وَوَعَدَهُ الْمَرَدَّ إِلَى جَنَّتِهِ وَأَهْبَطَهُ إِلَى دَارِ الْبَلِيَّةِ وَتَنَاسُلِ الذُّرِّيَّةِ
ص: 11
وَاصْطَفَى سُبْحَانَهُ مِنْ وَلَدِهِ أَنْبِيَاءَ أَخَذَ عَلَى الْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ وَعَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ اللَّهِ إِلَيْهِمْ فَجَهِلُوا حَقَّهُ وَاتَّخَذُوا الْأَنْدَادَ مَعَهُ وَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ وَاقْتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ وَيُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفُوعٍ وَمِهَادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوعٍ وَمَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ وَآجَالٍ تُفْنِيهِمْ وَأَوْصَابٍ تُهْرِمُهُمْ وَأَحْدَاثٍ تَتَابَعُ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُخْلِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ أَوْ كِتَابٍ مُنْزَلٍ أَوْ حُجَّةٍ لازِمَةٍ أَوْ مَحَجَّةٍ قَائِمَةٍ رُسُلٌ لا تُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ وَلا كَثْرَةُ الْمُكَذِّبِينَ لَهُمْ مِنْ سَابِقٍ سُمِّيَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُ أَوْ غَابِرٍ عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ عَلَى ذَلِكَ نَسَلَتِ الْقُرُونُ وَمَضَتِ الدُّهُورُ وَسَلَفَتِ الْآبَاءُ وَخَلَفَتِ الْأَبْنَاءُ إِلَى أَنْ بَعَثَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُحَمَّداً رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله لِإِنْجَازِ عِدَتِهِ وَ إِتْمَامِ نُبُوَّتِهِ مَأْخُوذاً عَلَى النَّبِيِّينَ مِيثَاقُهُ مَشْهُورَةً سِمَاتُهُ كَرِيماً مِيلادُهُ وَ أَهْلُ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَةٌ وَ أَهْوَاءٌ مُنْتَشِرَةٌ وَ طَرَائِقُ مُتَشَتِّتَةٌ بَيْنَ مُشَبِّهٍ للَّهِ ِ بِخَلْقِهِ أَوْ مُلْحِدٍ فِي اسْمِهِ أَوْ مُشِيرٍ إِلَى غَيْرِهِ فَهَدَاهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلالَةِ وَ أَنْقَذَهُمْ بِمَكَانِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ ثُمَّ اخْتَارَ سُبْحَانَهُ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله لِقَاءَهُ وَ رَضِيَ لَهُ مَا عِنْدَهُ وَ أَكْرَمَهُ عَنْ دَارِ الدُّنْيَا وَ رَغِبَ بِهِ عَنْ مَقَامِ ( مقارنة ) الْبَلْوَى فَقَبَضَهُ إِلَيْهِ كَرِيماً صلى الله عليه وآله وَ خَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ الْأَنْبِيَاءُ فِي أُمَمِهَا إِذْ لَمْ يَتْرُكُوهُمْ هَمَلاً بِغَيْرِ طَرِيقٍ وَاضِحٍ وَ لا عَلَمٍ قَائِمٍ .
كِتَابَ رَبِّكُمْ فِيكُمْ مُبَيِّناً حَلالَهُ وَ حَرَامَهُ وَ فَرَائِضَهُ وَ فَضَائِلَهُ وَ نَاسِخَهُ وَ مَنْسُوخَهُ وَ رُخَصَهُ وَ عَزَائِمَهُ وَ خَاصَّهُ وَ عَامَّهُ وَ عِبَرَهُ وَ أَمْثَالَهُ وَ مُرْسَلَهُ وَ مَحْدُودَهُ وَ مُحْكَمَهُ وَ مُتَشَابِهَهُ ، مُفَسِّراً مُجْمَلَهُ
ص: 12
وَ مُبَيِّناً غَوَامِضَهُ بَيْنَ مَأْخُوذٍ مِيثَاقُ عِلْمِهِ وَ مُوَسَّعٍ عَلَى الْعِبَادِ فِي جَهْلِهِ وَ بَيْنَ مُثْبَتٍ فِي الْكِتَابِ فَرْضُهُ وَ مَعْلُومٍ فِي السُّنَّةِ نَسْخُهُ وَ وَاجِبٍ فِي السُّنَّةِ أَخْذُهُ وَ مُرَخَّصٍ فِي الْكِتَابِ تَرْكُهُ وَ بَيْنَ وَاجِبٍ بِوَقْتِهِ وَ زَائِلٍ فِي مُسْتَقْبَلِهِ وَ مُبَايَنٌ بَيْنَ مَحَارِمِهِ مِنْ كَبِيرٍ أَوْعَدَ عَلَيْهِ نِيرَانَهُ أَوْ صَغِيرٍ أَرْصَدَ لَهُ غُفْرَانَهُ وَ بَيْنَ مَقْبُولٍ فِي أَدْنَاهُ ( و ) مُوَسَّعٍ فِي أَقْصَاهُ
وَفَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلَهُ قِبْلَةً لِلْأَنَامِ يَرِدُونَهُ وُرُودَ الْأَنْعَامِ وَيَأْلَهُونَ إِلَيْهِ وُلُوهَ الْحَمَامِ وَجَعَلَهُ سُبْحَانَهُ عَلامَةً لِتَوَاضُعِهِمْ لِعَظَمَتِهِ وَإِذْعَانِهِمْ لِعِزَّتِهِ وَاخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ سُمَّاعاً أَجَابُوا إِلَيْهِ دَعْوَتَهُ وَصَدَّقُوا كَلِمَتَهُ وَوَقَفُوا مَوَاقِفَ أَنْبِيَائِهِ وَتَشَبَّهُوا بِمَلائِكَتِهِ الْمُطِيفِينَ بِعَرْشِهِ يُحْرِزُونَ الْأَرْبَاحَ فِي مَتْجَرِ عِبَادَتِهِ وَيَتَبَادَرُونَ عِنْدَهُ مَوْعِدَ مَغْفِرَتِهِ جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْإِسْلامِ عَلَماً وَلِلْعَائِذِينَ حَرَماً ( و ) فَرَضَ حَقَّهُ وَأَوْجَبَ حَجَّهُ وَكَتَبَ عَلَيْكُمْ وِفَادَتَهُ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَللَّهِ ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ .
ص: 13
عن الامام أميرالمؤمنين عليه السلام : « اللَّهُ أَعْظَمُ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّوَجَلَّ وَهُوَ الاسْمُ الَّذِي لا يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى بِهِ غَيْرُ اللَّه »(1) .
وقال الامام أميرالمؤمنين عليه السلام : « اللَّهُ مَعْنَاهُ الْمَعْبُودُ الَّذِي يَأْلَهُ فِيهِ الْخَلْقُ وَيُؤْلَهُ إِلَيْهِ وَاللَّهُ هُوَ الْمَسْتُورُ عَنْ دَرْكِ الْأَبْصَارِ الْمَحْجُوبُ عَنِ الْأَوْهَامِ وَالْخَطَرَاتِ »(2) .
وقال الامام الباقر عليه السلام : « اللَّهُ مَعْنَاهُ الْمَعْبُودُ الَّذِي أَلِهَ الْخَلْقُ عَنْ دَرْكِ مَاهِيَّتِهِ وَالْإِحَاطَةِ بِكَيْفِيَّتِه »(3) .
وقام رجل إلى عليّ بن الحسين عليه السلام فقال : أخبرني عن معنى بسم اللَّه الرحمن الرحيم ، فقال علي بن الحسين عليه السلام : « حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَخِيهِ الْحَسَن عَنْ أَبيه أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَنَّ رَجُلاً قَامَ إِلَيْهِ فَقَالَ يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ أَخْبِرْنِي عَنْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مَا مَعْنَاهُ ؟ فَقَالَ إِنَّ قَوْلَكَ « اللَّهِ » أَعْظَمُ إسْم مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الاسْمُ الَّذِي لا يَنْبَغِي أَنْ يَتَسَمَّى بِهِ غَيْرُ اللَّهِ وَلَمْ يَتَسَمَّ بِهِ مَخْلُوقٌ ، فَقَالَ الرَّجُلُ فَمَا تَفْسِيرُ قَوْلِهِ « اللَّهِ » ؟ قَالَ هُوَ الَّذِي يَتَأَلَّهُ إِلَيْهِ عِنْدَ الْحَوَائِجِ وَالشَّدَائِدِ كُلُّ مَخْلُوقٍ عِنْدَ انْقِطَاعِ الرَّجَاءِ مِنْ جَمِيعِ مَنْ دُونَهُ وَيَقْطَعُ الْأَسْبَابَ مِنْ كُلِّ مَنْ سِوَاه »(4).
ص: 14
وعن الحسن بن راشد عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام قال : سألته عن معنى « اللَّه » قال : « استولى عَلى ما دَقّ وَجَلَّ »(1) .(2)
قال الصادق عليه السلام : « فَقَدَ أَبِي بَغْلَةً لَهُ فَقَالَ : لَئِنْ رَدَّهَا اللَّهُ تَعَالَى لأَحْمَدَنَّهُ بِمَحَامِدَ يَرْضَاهَا ، فَمَا لَبِثَ أَنْ أُتِيَ بِهَا بِسَرْجِهَا وَلِجَامِهَا فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَيْهَا وَضَمَّ إِلَيْهِ ثِيَابَهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ : الْحَمْدُ للَّهِ ِ ، فَلَمْ يَزِدْ ، ثُمَّ قَالَ : مَا تَرَكْتُ وَلا بَقِيْتُ شَيْئاً جَعَلْتُ كُلَّ أَنْوَاعِ الْمَحَامِدِ للَّهِ ِ عَزَّوَجَلَّ فَمَا مِنْ حَمْدٍ إِلّا وَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا قُلْتُ »(3) .
وعن حمّاد بن عثمان قال : خرج أبو عبداللَّه عليه السلام من المسجد وقد ضاعت دابّته فقال : « لَئِنْ رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيَّ لأَشْكُرَنَّ اللَّهَ حَقَّ شُكْرِهِ ، قَالَ : فَمَا لَبِثَ أَنْ أُتِيَ بِهَا ، فَقَالَ : الْحَمْدُ للَّهِ ِ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ : جُعِلْتُ فِدَاكَ أَلَيْسَ قُلْتَ : لأَشْكُرَنَّ اللَّهَ حَقَّ شُكْرِهِ ؟ فَقَالَ : أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَلَمْ تَسْمَعْنِي قُلْتُ الْحَمْدُ للَّهِ ِ »(4) .
وعن صفوان الجمّال عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قال لي : « ما أنعم اللَّه على عبد بنعمة ، صغرت أو كبرت ، فقال : الحمد للَّه ، إلّا أدّى شكرها »(5) .
وعن أبي عبداللَّه عليهما السلام قال : « شُكْرُ النِّعْمَةِ اجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ وَتَمَامُ الشُّكْرِ قَوْلُ
ص: 15
الرَّجُلِ الْحَمْدُ للَّهِ ِ رَبِّ الْعَالَمِينَ »(1) .
وعن الصادق عليه السلام : « شُكْرُ كُلِّ نِعْمَةٍ وَإِنْ عَظُمَتْ أَنْ تَحْمَدَ اللَّهَ عَزَّوَجَلَّ عَلَيْهَا »(2) .
وعن معمر بن خلّاد قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول : « مَنْ حَمِدَ اللَّهَ عَلَى النِّعْمَةِ فَقَدْ شَكَرَهُ وَكَانَ الْحَمْدُ أَفْضَلَ مِنْ تِلْكَ النِّعْمَةِ »(3) .
قال عزّ اسمه : « قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً »(4) .
وقال تعالى : « وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزيزٌ حَكيمٌ »(5) .
قال النبي صلى الله عليه وآله : « ما عَرَفْناكَ حَقَّ مَعْرِفَتِك »(6) .
قال النبي صلى الله عليه وآله : « لا أحصى ثناء عليك ، أنت كما اثنيت على نفسك »(7) .
ص: 16
انّ أُبيّ بن كعب قرء عند النبي صلى الله عليه وآله : « وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً »(1) ، فقال النبي صلى الله عليه وآله لقوم عنده وفيهم أبوبكر وعبيدة وعمر وعثمان وعبدالرحمن : « قولوا الآن ما أوّل نعمة غرسكم اللَّه بها وبلاكم بها فخاضوا من المعاش والرياش والذريّة والأزواج » فلمّا أمسكوا قال : يا أبا الحسن قل ، فقال عليه السلام : « إنّ اللَّه خلقني ولم أكُ شيئاً مذكوراً ، وأن أحسن بي فجعلني حيّاً لا مواتاً ، وأنْ أنشأني فله الحمد في أحسن صورة وأعدل تركيب ، وأنْ جعلني متفكّراً واعياً لا أبله ساهياً ، وأن جعل لي شواعراً أدرك بها ما ابتغيت ، وجعل فيّ سراجاً منيراً ، وأن هداني لدينه ولن يضلّني عن سبيله ، وان جعل لي مردّاً في حياة لا انقطاع لها ، وأن جعلني ملكاً مالكاً لا مملوكاً ، وأن سخّر لي سمائه وأرضه وما فيهما وما بينهما من خلقه ، وأن جعلنا ذكراناً قوّاماً على حلائلنا لا اناثاً » ، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول في كلّ كلمة « صدقت » ثمّ قال : فما بعد هذا ؟ فقال : « وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها »(2) فتبسّم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وقال : « ليهنئك الحكمة ، ليهنئك العلم يا أبا الحسن ، أنت وارث علمي والمبين لأُمّتي ما اختلفت فيه من بعدي » - الخبر -(3) .
وعن أميرالمؤمنين عليه السلام - في وصيّته لكميل - : « يا كميل انّه لا تخلو من نعمة اللَّه عزّوجلّ عندك وعافيته فلا تخل من تحميده وتمجيده وتسبيحه وتقديسه وشكره وذكره على كلّ حالٍ »(4) .
ص: 17
وروي انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال : « يا علي ما أوّل ما أنعم اللَّه به عليك ؟ فقال : أن خلقني حيّاً قادراً مشتهياً ، فقال : وما الثانية ؟ قال : أن عرفني نفسه ومكّنني من طاعته ولطف معي توفيقاً وعصمة فقال النبي صلى الله عليه وآله : وما الثالثة ؟ فقال : يا رسول اللَّه « وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها »(1) فقال : ملئت علماً وحكمة(2) .
عن الزهري قال : دخلت مع علي بن الحسين عليهما الصلاة والسلام على عبدالملك بن مروان ، قال : فاستعظم عبدالملك ما رأى من أثر السجود بين عيني علي بن الحسين عليه السلام فقال : يا أبا محمّد لقد بيّن عليك الاجتهاد ، ولقد سبق لك من اللَّه الحسنى وأنت بضعة من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فأجابه عليه السلام في كلام طويل بأنّه مع ذلك لم يؤدّ حقّه تعالى إلى أن قال عليه السلام له : « واللَّه لو تقطّعت أعضائي وسالت مقلتاي على صدري لن أقوم للَّه عزّوجلّ بشكر عُشر العشير من نعمة واحدة من جميع نعمه التي لا يحصيها العادون ولا يبلغ حدّ نعمة منها عليّ جميع حمد الحامدين »(3) .
وروى انّ موسى عليه السلام قال : « يا ربّ كيف أشكرك وشكري لك نعمة أُخرى توجب عليّ الشكر لك ، فأوحى اللَّه تعالى إليه إذا عرفت انّ النعم منّي رضيت منك بذلك شكراً »(4) .
ص: 18
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « أَوْحَى اللَّهُ تَعَالى إِلَى مُوسَى عليه السلام ، يَا مُوسَى اشْكُرْنِي حَقَّ شُكْرِي ، فَقَالَ : يَا رَبِّ وَكَيْفَ أَشْكُرُكَ حَقَّ شُكْرِكَ وَلَيْسَ مِنْ شُكْرٍ أَشْكُرُكَ بِهِ إِلّا وَأَنْتَ أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيَّ ؟ قَالَ : يَا مُوسَى الآْنَ شَكَرْتَنِي حَقَّ شُكرِي حِينَ عَلِمْتَ أَنَّ ذَلِكَ مِنِّي »(1) .
وقال داود عليه السلام : « يا ربّ كيف أشكرك والشكر نعمة منك ؟ قال : الآن شكرتني حين علمت انّ النعم منّي »(2) .
قال علي بن الحسين عليه السلام اذا قرء هذه الآية : « وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها »(3) يقول : « سُبْحَانَ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ فِي أَحَدٍ مِنْ مَعْرِفَةِ نِعَمِهِ إِلّا الْمَعْرِفَةَ بِالتَّقْصِيرِ عَنْ مَعْرِفَتِهَا كَمَا لَمْ يَجْعَلْ فِي أَحَدٍ مِنْ مَعْرِفَةِ إِدْرَاكِهِ أَكْثَرَ مِنَ الْعِلْمِ أَنَّهُ لا يُدْرِكُهُ فَشَكَرَ جَلَّ وَعَزَّ مَعْرِفَةَ الْعَارِفِينَ بِالتَّقْصِيرِ عَنْ مَعْرِفَةِ شُكْرِهِ فَجَعَلَ مَعْرِفَتَهُمْ بِالتَّقْصِيرِ شُكْراً كَمَا عَلِمَ عِلْمَ الْعَالِمِينَ أَنَّهُمْ لا يُدْرِكُونَهُ فَجَعَلَهُ إِيمَاناً عِلْماً مِنْهُ أَنَّهُ قَدُّ وُسْعِ(4) الْعِبَادِ فَلا يَتَجَاوَزُ ذَلِكَ فَإِنَّ شَيْئاً مِنْ خَلْقِهِ لا يَبْلُغُ مَدَى عِبَادَتِهِ وَكَيْفَ يُبْلَغُ مَدَى عِبَادَتِهِ مَنْ لا مَدَى لَهُ وَلا كَيْفَ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوّاً كَبِيراً »(5) .
عن الامام الرضا عليه السلام : « كنهه تفريق بينه وبين خلقه »(6) .
ص: 19
وعن الامام الرضا عليه السلام - في وصفه اللَّه سبحانه - : « هو أجلّ من أن يدركه بصرٌ أو يحيط به وَهْمٌ أو يضبطه عقل »(1) .
وعن علي بن ابراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه عن هشام بن الحكم قال : الأشياء [ كلّها ] لا تدرك إلّا بأمرين : بالحواس والقلب ، والحواس ادراكها على ثلاثة معان : ادراكاً بالمداخلة وادراكاً بالمماسّة وادراكاً بلا مداخلة ولا مماسّة ، فأمّا الادراك الذي بالمداخلة فالأصوات والمشامّ والطعوم وأمّا الادراك بالمماسّة فمعرفة الاشكال من التربيع والتثليث ومعرفة اللين والخشن والحرّ والبرد ، وأمّا الادراك بلا مماسّة ولا مداخلة فالبصر فانّه يدرك الأشياء بلا مماسّة ولا مداخلة في حيّز غيره ولا في حيّزه ، وادراك البصر له سبيل وسبب ، فسبيله الهواء وسببه الضياء فاذا كان السبيل متّصلاً بينه وبين المرئى والسبب قائم أدرك ما يلاقى من الألوان والأشخاص فاذا حمل البصر على ما لا سبيل له فيه رجع راجعاً فحكى ما وراءه كالناظر في المرآة لا ينفذ بصره في المرآة فاذا لم يكن له سبيل رجع راجعاً يحكى ما وراءه وكذلك الناظر في الماء الصافي يرجع راجعاً فيحكى ما ورائه ، اذ لا سبيل له في انفاذ بصره فأمّا القلب فانّما سلطانه على الهواء فهو يدرك جميع ما في الهواء ويتوهّمه ، فاذا حمل القلب على ما ليس في الهواء موجوداً رجع راجعاً فحكى ما في الهواء ، فلا ينبغي للعاقل أن يحمل قلبه على ما ليس موجوداً في الهواء من أمر التوحيد جلّ اللَّه وعزّ ، فانّه إن فعل ذلك لم يتوهّم إلّا ما في الهواء موجود ، كما قلنا في أمر البصر تعالى اللَّه أن يشبهه خلقه(2) .
ص: 20
وقال الباقر عليه السلام : « كلّما ميّزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه مخلوق مصنوع مثلكم ، مردود إليكم »(1) .
وعن داود بن القاسم أبي هاشم الجعفري قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : « لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ »(2) ؟ فقال : « يا أبا هاشم أوهام القلوب أدقّ من أبصار العيون ، أنت قد تدرك بوهمك السِند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولا تدركها ببصرك وأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون ؟ »(3) .
وأتاه ( الصادق عليه السلام ) أعرابي وقيل بل أتى أباه الباقر عليهما السلام فقال : أرأيت اللَّه حين عبدته ؟ فقال : « ما كنت لأعبد شيئاً لم أره » ، قال : كيف رأيته ؟ قال : « لم تره الأبصار بمشاهدة العيان ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان ، لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس معروف بالآيات منعوت بالعلامات ، هو اللَّه الذي لا إله إلّا هو » فقال الأعرابي : اللَّه أعلم حيث يجعل رسالته(4) .
وبهذا المضمون ورد عن مولانا الصادق عليه السلام في روضة الواعظين(5) وعن مولانا أبي جعفر عليه السلام في الكافي(6) بتفاوت يسير .
عن الكاهلي قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام في دعاء : « الحمد للَّه منتهى علمه »
ص: 21
كتب إليّ : « لا تقولنّ منتهى علمه ، فليس لعلمه منتهى ولكن قل : منتهى رضاه »(1) .
عن أبي حمزة قال : قال لي علي بن الحسين عليه السلام : « يا أبا حمزة إنّ اللَّه لا يوصف بمحدوديّة ، عظم ربّنا عن الصفة ، فكيف يوصف بمحدوديّةٍ مَنْ لا يحدّ »(2) ؟
عن الفضيل بن يسار قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : « إنّ اللَّه لا يوصف ، وكيف يوصف وقد قال في كتابه : « وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ »(3) فلا يوصف بقدر إلّا كان أعظم من ذلك »(4) .
وعن أبي حمزة عن علي بن الحسين عليهما السلام قال : قال : « لو اجتمع أهل السماء والأرض أن يصفوا اللَّه بعظمته لم يقدروا »(5) .
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « جاء حبر من الأحبار إلى أميرالمؤمنين عليه السلام فقال : يا أميرالمؤمنين ، متى كان ربّك ؟ فقال له : ثكلتك أُمّك ومتى لم يكن حتّى يقال : متى كان ؟ كان ربّي قبل القبل بلا قبل وبعد البعد بلا بعد ، ولا غاية ولا منتهى لغايته ، انقطعت الغايات عنده ، فهو منتهى كلّ غاية » فقال : يا أميرالمؤمنين ! أفَنَبيّ أنت ؟ فقال : « ويلك إنّما أنا عبد من عبيد محمّد صلّى اللَّه عليه وآله »(1) .
« الْحَمْدُ للَّهِ ِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ »(2) .
« أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ »(3) .
« قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ »(4) .
« وَهُوَ الَّذي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الَّثمَراتِ »(5).
الرياح جمع الريح وربما يفرق بين الريح والرياح بأن الثانية من أسباب الرحمة وآثارها والأولى ليست كذلك .
ص: 23
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله انّه كان يقول اذا هبت ريح : « اللّهمّ اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً »(1) ويشهد به الاستقراء أيضاً ، قال سبحانه : « أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ »(2) ، « وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ »(3) وقال : « وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِريحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ »(4) ، « ريحٌ فيها عَذابٌ أَليمٌ »(5) ولكن قال تعالى : « وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ »(6) .
وقال عزّ من قائل : « فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْري بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ »(7) .
عن العرزمي قال : كنت مع أبي عبداللَّه عليه السلام جالساً في الحجر تحت الميزاب ورجل يخاصم رجلاً وأحدهما يقول لصاحبه : واللَّه ما ندري من أين تهب الريح ، فلمّا أكثر عليه قال له أبو عبداللَّه عليه السلام : « هل تدري من أين تهب الريح ؟ » فقال : لا ولكنّي اسمع الناس يقولون ، فقلت أنا لأبي عبداللَّه عليه السلام : من أين تهب الريح ؟ فقال : « إنّ الريح مسجونة تحت هذا الركن الشامي فاذا أراد اللَّه تعالى أن يرسل منها شيئاً أخرجه إمّا جنوباً فجنوب ، وإمّا شمالاً فشمال ، وإمّا صباءً فصباء ، وإمّا دبوراً فدبور » ثمّ قال : « وآية ذلك انّك لا تزال ترى هذا الركن متحرّكاً أبداً في الشتاء والصيف والليل والنهار »(8) .
ص: 24
وقال المحدّث العلّامة المجلسي رحمه الله : ولعلّ المراد بحركة الركن حركة الثوب المعلّق عليه(1) .
وعن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرياح الأربع : الشمال والجنوب والصبا والدبور ، وقلت له : انّ الناس يقولون انّ الشمال من الجنّة والجنوب من النار ، فقال : « إنّ للَّه عزّوجلّ جنوداً من الريح يعذّب بها من عصاه ، موكّل بكلّ ريح منهنّ ملك مطاع فاذا أراد اللَّه عزّوجلّ أن يعذّب قوماً بعذاب ، أوحى اللَّه إلى الملك الموكّل بذلك النوع من الريح الذي يريد أن يعذّبهم به ، فيأمر بها الملك فتهيج كما يهيج الأسد المغضب ولكلّ ريح منهنّ اسم ، أما تسمع لقول اللَّه عزّوجلّ : « إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ ريحاً صَرْصَراً في يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ »(2) وقال عزّوجلّ : « الرِّيحَ الْعَقيمَ »(3) وقال تعالى : « فَأَصابَها إِعْصارٌ فيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ »(4) وما ذكر في الكتاب من الرياح التي يعذّب بها من عصاه ، وللَّه عزّوجلّ رياح رحمة لواقح ورياح تهيّج السحاب فتسوق السحاب ورياح تحبس السحاب بين السماء والأرض ورياح تعصره فتمطره باذن اللَّه ورياح تفرّق السحاب ورياح ممّا عدّ اللَّه عزّوجلّ في الكتاب فأمّا الرياح الأربع فانّها أسماء الملائكة الشمال والجنوب والصبا والدبور ، وعلى كلّ ريح منهنّ ملك موكّل بها ، فاذا أراد اللَّه تبارك وتعالى أن يهبّ شمالاً أمر الملك الذي اسمه الشمال فهبط على البيت الحرام فقام على
ص: 25
الركن اليماني(1) فضرب بجناحيه فتفرّقت ريح الشمال حيث يريد اللَّه عزّوجلّ في البرّ والبحر واذا أراد اللَّه تبارك وتعالى أن يبعث الصبا أمر الملك الذي اسمه الصبا فهبط على البيت الحرام فقام على الركن اليماني فضرب بجناحيه فتفرّقت ريح الصبا حيث يريد اللَّه تعالى في البرّ والبحر واذا أراد اللَّه تبارك وتعالى أن يبعث جنوباً أمر الملك الذي اسمه الجنوب فهبط على البيت الحرام فقام على الركن اليماني فضرب بجناحيه فتفرّقت ريح الجنوب حيث يريد اللَّه في البرّ والبحر واذا أراد اللَّه عزّوجلّ أن يبعث دبوراً أمر الملك الذي اسمه الدبور فهبط على البيت الحرام فقام على الركن اليماني فضرب بجناحيه فتفرّقت ريح الدبور حيث يريد اللَّه تعالى في البرّ والبحر »(2) .
ثمّ قال ( أبو جعفر ) عليه السلام : فريح الشمال وريح الصبا وريح الجنوب وريح الدبور أيضاً تضاف إلى الملائكة الموكّلين بها(3) .(4)
« وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَميدَ بِهِمْ »(1) .
« أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً * وَالْجِبالَ أَوْتاداً »(2) .
روى عن ابن عبّاس انّه قال : إنّ الأرض بسطت على الماء ، فكانت تكفأ بأهلها كما تكفأ السفينة ، فأرساها اللَّه تعالى بالجبال(3) .
وعن جعفر بن محمّد ، عن أبيه عليهم السلام : « انّ النبي صلى الله عليه وآله قال : ما خلق اللَّه عزّوجلّ خلقاً إلّا وقد أمّر عليه آخر يغلبه به وذلك انّ اللَّه تبارك وتعالى لمّا خلق البحار فَخَرَتْ وزخرت وقالت : أيّ شي ء يغلبني ؟ فخلق اللَّه عزّوجلّ الفلك ، فأدارها به وذلّلها ثمّ أنّ الأرض فَخَرَت وقالت : أي شي ء يغلبني ؟ فخلق اللَّه الجبال فأثبتها في ظهرها أوتاداً منعها أن تميد بما عليها ، فذلّت الأرض واستقرّت »(4) ، الخبر .
فمن الآيات :
قال تعالى : « وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ »(5) أي ليعرفون .
قال اللَّه تعالى : « الَّذي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الَّثمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا للَّهِ ِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ »(6) .
ص: 27
وقال عزّ من قائل : « وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ »(1) .
وقال عزّوجلّ : « الَّذي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ في ذلِكَ لآَياتٍ لِأُولِي النُّهى * مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفيها نُعيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى »(2) .
وقال تعالى : « أَ وَلَمْ يَرَ الَّذينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ ءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ »(3) .
وقال تعالى : « قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ للَّهِ ِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ »(4) .
وقال عزّ من قائل : « قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ »(5) .
ومن الروايات :
ص: 28
عن الفضل بن شاذان قال الرضا عليه السلام : « ... فان قال قائل : فما أوّل الفرائض ؟ قيل : الاقرار باللَّه وبرسوله وحجته وبما جاء من عند اللَّه فان قال قائل : لِمَ أمرَ الخلق بالاقرار باللَّه وبرسوله وحجّته وبما جاء من عند اللَّه قيل لعلل كثيرة ، منها انّ مَن لم يقرّ باللَّه لم يتجنّب معاصيه ولم ينته عن ارتكاب الكبائر ولم يراقب أحداً فيما يشتهي ويستلذّ من الفساد والظلم وإذا فعل الناس هذه الأشياء وارتكب كلّ انسان ما يشتهي ويهواه من غير مراقبة لأحد كان في ذلك فساد الخلق أجمعين ووثوب بعضهم على بعض فغصبوا الفروج والأموال وأباحوا الدماء والسبي وقتل بعضهم بعضاً من غير حق ولا جُرْم فيكون في ذلك خراب الدنيا وهلاك الخلق وفساد الحرث والنسل »(1) .
وعن معاذ بن جبل قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وآله فقال : « يا معاذ هل تدري ما حقّ اللَّه عزّوجلّ على العباد ؟ » يقولها - ثلاثاً - قال : قلت : اللَّه ورسوله أعلم ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « حقّ اللَّه عزّوجلّ على العباد أن لا يشركوا به شيئاً » ، ثمّ قال صلى الله عليه وآله : « هل تدري ما حقّ العباد على اللَّه عزّوجلّ اذا فعلوا ذلك ؟ » قال : قلت : اللَّه ورسوله أعلم ، قال : « أن لا يعذّبهم » أو قال : « أن لا يدخلهم النار »(2) .
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « جاء حبر إلى أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه فقال : يا أميرالمؤمنين هل رأيت ربّك حين عبدته ؟ قال : فقال : ويلك ، ما كنت أعبد ربّاً
ص: 29
لم أره ، قال : وكيف رأيته ؟ قال : ويلك لا تدركة العيون في مشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان »(1) .
وعن الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن أدنى المعرفة ؟ فقال عليه السلام : « الْإِقْرَارُ بِأَنَّهُ لا إِلَهَ غَيْرُهُ وَلا شِبْهَ لَهُ وَلا نَظِيرَ ، وَأَنَّهُ قَدِيمٌ مُثْبَتٌ مَوْجُودٌ غَيْرُ فَقِيدٍ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ »(2) .
وعن علي بن محمّد ، عن سهل ، عن طاهر بن حاتم في حال استقامته انّه كتب إلى الرجل : ما الذي يجتزء في معرفة الخالق بدونه ؟ فكتب إليه : « لَمْ يَزَلْ عَالِماً وَسَامِعاً وَبَصِيراً ، وَهُوَ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ ، وَسُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام عَنِ الَّذِي لا يُجْتَرِء بِدُونِ ذَلِكَ مِنْ مَعْرِفَةِ الْخَالِقِ ؟ فَقَالَ : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ ، وَلا يُشْبِهُهُ شَيْ ءٌ ، لَمْ يَزَلْ عَالِماً سَمِيعاً بَصِيراً »(3)
قال قدس سره في بيانه : إنّما قال في حالٍ استقامة لأنّه كان مستقيماً ثمّ تغيّر وأظهر القول بالغلوّ ولعلّ المراد بالرجل الرضا عليه السلام(4) .
عن ابن عبّاس قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « والذي بعثني بالحقّ بشيراً لا يعذّب اللَّه بالنار موحّداً أبداً وانّ أهل التوحيد ليشفعون فيشفعون ثمّ قال صلى الله عليه وآله : « انّه اذا كان يوم القيامة أمر اللَّه تبارك وتعالى يقوم سائت أعمالهم في دار الدنيا إلى النار ،
ص: 30
فيقولون : يا ربّنا كيف تدخلنا النار وقد كنّا نوحّدك في دار الدنيا ؟ وكيف تحرق بالنار ألسنتنا وقد نطقت بتوحيدك في دار الدنيا ؟ وكيف تحرق قلوبنا وقد عقدت على أن لا إله إلّا أنت ؟ أم كيف تحرق وجوهنا وقد عفرناها لك في التراب ؟ أم كيف تحرق أيدينا وقد رفعناها بالدعاء إليك ، فيقول اللَّه جلّ جلاله : عبادي سائت أعمالكم في دار الدنيا فجزاؤكم نار جهنّم ، فيقولون : يا ربّنا عفوك أعظم أم خطيئتنا ؟ فيقول عزّوجلّ : بل عفوي ، فيقولون : رحمتك أوسع أم ذنوبنا ؟ فيقول عزّوجلّ : بل رحمتي ، فيقولون : اقرارنا بتوحيدك أعظم أم ذنوبنا ؟ فيقول عزّوجلّ : بل اقراركم بتوحيدي أعظم ، فيقولون : يا ربّنا فليسعنا عفوك ورحمتك التي وسعت كلّ شي ء ، فيقول اللَّه جلّ جلاله : ملائكتي وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقاً أحبّ إليّ من المقرّين لي بتوحيدي وأن لا إله غيري وحقّ عليّ أن لا أصلى بالنار أهل توحيدي ، ادخلوا عبادي الجنّة »(1) .
وروى الصدوق رحمه الله في التوحيد عن أبي ذرّ رحمه الله قال : خرجت ليلة من الليالي فاذا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يمشي وحده وليس معه انسان فظننت انه يكره أن يمشي معه أحد ، قال : فجعلت أمشي في ظلّ المقر ، فالتفت فرآني فقال : « من هذا ؟ » قلت : أبو ذر جعلني اللَّه فداك ، قال : « يا أبا ذر تعال » ، فمشيت معه ساعة ، فقال : « إن المكثرين هم الأقلّون يوم القيامة إلّا من أعطاه اللَّه خيراً فنفخ منه بيمينه وشماله وبين يديه وورائه وعمل فيه خيراً » قال : فمشيت معه ساعة ، فقال : « اجلس هيهنا » - وأجلسني في قاع حوله حجارة - فقال لي : « اجلس حتّى ارجع إليك » ، قال : وانطلق في الحرّة حتّى لم أره وتوارى عنّي فأطال اللبث ثمّ إنّي سمعته صلى الله عليه وآله
ص: 31
وهو مقبل وهو يقول : وإن زنى وإن سرق ، قال : فلمّا جاء لم أصبر حتّى قلت : يا نبيّ اللَّه جعلني اللَّه فداك ، من تكلّمه في جانب الحرّة ؟ فانّي ما سمعت أحداً يردّ عليك من الجواب شيئاً قال : « ذاك جبرئيل ، عرض لي في جانب الحرّة فقال : بشّر أُمّتك انّه من مات لا يشرك باللَّه عزّوجلّ شيئاً دخل الجنّة ، قال : قلت : يا جبرئيل وإن زنى وإن سرق ؟ قال : نعم وإن شرب الخمر » .
قال مصنّف هذا الكتاب : يعني بذلك انّه يوفَّق للتوبة حتّى يدخل الجنّة(1) .
وعن علي بن أبي طالب عليه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ : « هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ »(2) قال : « سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول : : إنّ اللَّه عزّوجلّ قال : ما جَزاءُ مَنْ أَنْعَمْتُ عَلَيْهِ بِالتوحيد إلّا الجنَّة »(3) .
وعن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : « سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول : التوحيد ثمن الجنّة »(4) .
منها : عن هشام بن الحكم قال : دخل ابن أبي العوجاء على الصادق عليه السلام فقال له الصادق عليه السلام : « يَا ابْنَ أَبِي الْعَوْجَاءِ أَمَصْنُوعٌ أَنْتَ أَمْ غَيْرُ مَصْنُوعٍ ؟ قَالَ : لَسْتُ بِمَصْنُوعٍ . فَقَالَ لَهُ الصَّادِقُ عليه السلام فَلَوْ كُنْتَ مَصْنُوعاً كَيْفَ كُنْتَ تَكُونُ ؟ فَلَمْ يُحِرِ ابْنُ أَبِي
ص: 32
الْعَوْجَاءِ جَوَاباً وَقَامَ وَخَرَجَ »(1) .
ومنها : قال : دَخَلَ أَبُو شَاكِرٍ الدَّيَصَانِيُّ وَهُوَ زِنْدِيقٌ عَلَى أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام فَقَالَ لَهُ : يَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ دُلَّنِي عَلَى مَعْبُودِي ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام : « اجْلِسْ ، فَإِذَا غُلامٌ صَغِيرٌ ، فِي كَفِّهِ بَيْضَةٌ ، يَلْعَبُ بِهَا ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام : نَاوِلْنِي يَا غُلامُ الْبَيْضَةَ ، فَنَاوَلَهُ إِيَّاهَا ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام : يَا دَيَصَانِيُّ هَذَا حِصْنٌ مَكْنُونٌ ، لَهُ جِلْدٌ غَلِيظٌ ، وَتَحْتَ الْجِلْدِ الْغَلِيظِ جِلْدٌ رَقِيقٌ ، وَتَحْتَ الْجِلْدِ الرَّقِيقِ ذَهَبَةٌ مَائِعَةٌ وَفِضَّةٌ ذَائِبَةٌ ، فَلا الذَّهَبَةُ الْمَائِعَةُ تَخْتَلِطُ بِالْفِضَّةِ الذَّائِبَةِ وَلا الْفِضَّةُ الذَّائِبَةُ تَخْتَلِطُ بِالذَّهَبَةِ الْمَائِعَةِ ، فَهِيَ عَلَى حَالِهَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا خَارِجٌ مُصْلِحٌ فَيُخْبِرَ عَنْ إِصْلاحِهَا وَلَمْ يَدْخُلْ فِيهَا دَاخِلٌ مُفْسِدٌ فَيُخْبِرَ عَنْ إِفْسَادِهَا ، لا يُدْرَى لِلذَّكَرِ خُلِقَتْ أَمْ للْأُنْثَى تَنْفَلِقُ عَنْ مِثْلِ أَلْوَانِ الطَّوَاوِيسِ أَتَرَى لَهَا مُدَبِّراً ؟ »
قَالَ : فَأَطْرَقَ مَلِيّاً .
ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّكَ إِمَامٌ وَحُجَّةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَأَنَا تَائِبٌ مِمَّا كُنْتُ فِيهِ(2) .
ومنها : أَنَّ عَبْدَاللَّهِ الدَّيَصَانِيَّ أَتَى بَابَ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ ، فَأَذِنَ لَهُ ، فَلَمَّا قَعَدَ قَالَ لَهُ : يَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ دُلَّنِي عَلَى مَعْبُودِي ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام : « مَا اسْمُكَ ؟ » فَخَرَجَ عَنْهُ وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِاسْمِهِ ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ : كَيْفَ لَمْ تُخْبِرْهُ بِاسْمِكَ ، قَالَ : لَوْ كُنْتُ قُلْتُ لَهُ عَبْدُاللَّهِ كَانَ يَقُولُ : مَنْ هَذَا الَّذِي أَنْتَ لَهُ عَبْدٌ ؟ فَقَالُوا لَهُ : عُدْ إِلَيْهِ وَقُلْ لَهُ : يَدُلُّكَ عَلَى مَعْبُودِكَ وَلا يَسْأَلُكَ عَنِ اسْمِكَ ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ : يَا جَعْفَرُ
ص: 33
دُلَّنِي عَلَى مَعْبُودِي وَلا تَسْأَلْنِي عَنِ اسْمِي ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام : « اجْلِسْ » وَإِذَا غُلامٌ صَغِيرٌ إِلَى آخِرِ الْخَبَرِ(1) .
وروى انّ الصادق عليه السلام قال لابن أبي العوجاء : « قَالَ لابْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ : « إِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ وَلَيْسَ كَمَا تَقُولُ نَجَوْنَا وَنَجَوْتَ ، وَإِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَمَا نَقُولُ نَجَوْنَا وَهَلَكْتَ »(2) .
ومنها : عن أبي الحسن علي بن موسير الرضا عليه السلام : أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا الدَّلِيلُ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ ؟ فَقَالَ عليه السلام : « أَنْتَ لَمْ تَكُنْ ثُمَّ كُنْتَ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّكَ لَمْ تُكَوِّنْ نَفْسَكَ وَلا كَوَّنَكَ مَنْ هُوَ مِثْلُكَ »(3) .
ومنها : قال رجل للصادق عليه السلام : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى اللَّهِ مَا هُوَ ؟ فَقَدْ أَكْثَرَ عَلَيَّ الْمُجَادِلُونَ وَحَيَّرُونِي ، فَقَالَ عليه السلام لَهُ : « يَا عَبْدَاللَّهِ هَلْ رَكِبْتَ سَفِينَةً قَطُّ ؟ » قَالَ : نَعَمْ قَالَ : « فَهَلْ كُسِرَ بِكَ حَيْثُ لا سَفِينَةَ تُنْجِيكَ وَلا سِبَاحَةَ تُغْنِيكَ » قَالَ : نَعَمْ قَالَ : « فَهَلْ تَعَلَّقَ قَلْبُكَ هُنَالِكَ أَنَّ شَيْئاً مِنَ الْأَشْيَاءِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُخَلِّصَكَ مِنْ وَرْطَتِكَ ؟ »قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ الصَّادِقُ عليه السلام « فَذَلِكَ الشَّيْ ءُ هُوَ اللَّهُ الْقَادِرُ عَلَى الْإِنْجَاءِ حَيْثُ لا مُنْجِيَ وَعَلَى الْإِغَاثَةِ حَيْثُ لا مُغِيثَ »(4)
ومنها : عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر ، عن أبيه ، عن جدّه عليه السلام انّه قال : « أَنَّ رَجُلاً قَامَ إِلَى أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَقَالَ لَهُ : يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ بِمَا عَرَفْتَ رَبَّكَ ؟ قَالَ : بِفَسْخِ الْعَزْمِ وَنَقْضِ الْهِمَمِ لَمَّا أَنْ هَمَمْتُ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ هَمِّي وَعَزَمْتُ فَخَالَفَ
ص: 34
الْقَضَاءُ عَزْمِي فَعَلِمْتُ أَنَّ الْمُدَبِّرَ غَيْرِي ، قَالَ : فَبِمَا ذَا شَكَرْتَ نَعْمَاءَهُ ؟ قَالَ : نَظَرْتُ إِلَى بَلاءٍ قَدْ صَرَفَهُ عَنِّي ، وَأَبْلَى بِهِ غَيْرِي فَعَلِمْتُ أَنَّهُ قَدْ أَنْعَمَ عَلَيَّ فَشَكَرْتُهُ ، قَالَ : فَبِمَا ذَا أَحْبَبْتَ لِقَاءَهُ ؟ قَالَ : لَمَّا رَأَيْتُهُ قَدِ اخْتَارَ لِي دِينَ مَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ عَلِمْتُ أَنَّ الَّذِي أَكْرَمَنِي بِهَذَا لَيْسَ يَنْسَانِي فَأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ »(1) .
عن محمّد بن عمارة عن أبيه عن الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن علي ، عن آبائه الصادقين عليهم السلام قال : « قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إنّ اللَّه تبارك وتعالى جعل لأخي عليّ بن أبي طالب فضائل لا يحصى عددها غيره ، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرّاً بها غفر اللَّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ولو وافى القيامة بذنوب الثقلين ومن كتب فضيلة من فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقى لتلك الكتابة رسم ، ومن استمع إلى فضيلة من فضائله غفر اللَّه له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع ، ومن نظر إلى كتابة في فضائله غفر اللَّه له الذنوب التي اكتسبها بالنظر » ، ثمّ قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « النظر إلى علي بن أبي طالب عليه السلام عبادة ، وذكره عبادة ، ولا يقبل ايمان عبد إلّا بولايته والبرائة من أعدائه »(2) .
وعن أبي حمزة قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : « إنّما يعبد اللَّه من يعرف اللَّه ، فأمّا من لا يعرف اللَّه فانّما يعبده هكذا ضلالاً » ، قلت : جعلت فداك ، فما معرفة اللَّه ؟ قال : « تصديق اللَّه عزّوجلّ وتصديق رسوله صلى الله عليه وآله وموالاة علي عليه السلام والائتمام
ص: 35
به وبأئمّة الهدى عليهم السلام والبرائة إلى اللَّه عزّوجلّ من عدوّهم ، هكذا يعرف اللَّه عزّوجلّ »(1) .
وروى عن أبي حمزة الثمالي قال : قال لنا علي بن الحسين عليه السلام : « أي البقاع أفضل ؟ » فقلنا : اللَّه ورسوله وابن رسوله أعلم ، فقال : « أمّا أفضل البقاع ما بين الركن والمقام ، ولو أنّ رجلاً عمّر ما عمّر نوح عليه السلام في قومه - ألف سنة إلّا خمسين عاماً - يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك المكان ثمّ لقى اللَّه عزّوجلّ بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئاً »(2) .
وعن المعلّى بن خنيس قال : قال أبو عبداللَّه عليه السلام : « يا معلّى لو أنّ عبداً عبد اللَّه مائة عام بين الركن والمقام يصوم نهاراً ويقوم ليلاً حتّى يسقط حاجباه على عينيه وتلتقى تراقيه هرماً ، جاهلاً بحقّنا لم يكن له ثواب »(3) .
وعن محمّد بن جعفر ، عن أبيه عليهم السلام قال : « نزل جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا محمّد السلام يقرئك السلام ويقول : خلقت السماوات السبع وما فيهنّ والأرضين السبع وما عليهنّ وما خلقت خلقاً أعظم من الركن والمقام ، ولو أنّ عبداً دعاني منذ خلقت السماوات والأرضين ثمّ لقيني جاحداً لولاية عليّ لأكببته في سقر »(4) .
ص: 36
وعن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث ، قال : « ذروة الاسلام وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضى الرحمن : الطاعة للامام بعد معرفته » - إلى أن قال - : « اما لو أنّ رجلاً قام ليله وصام نهاره وتصدّق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية وليّ اللَّه فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ، ما كان له على اللَّه جلّ وعزّ حقّ في ثوابه ولا كان من أهل الايمان »(1) .
فكما ظهر وثبت من هذه الأخبار وغيرها من الأخبار الكثيرة : انّ معرفة الامام والطاعة له شرط في صحّة الفروع والاصول ، كذلك ظهر انّ اللازم أخذ الأحكام الشرعيّة والمسائل الدينيّة عنهم ، لأنّهم الباب الذي أمر اللَّه أن يؤتى منه ، عن أصبغ بن نباتة قال : كنت جالساً عند أميرالمؤمنين عليه السلام فجاء ابن الكوّاء فقال يا أميرالمؤمنين مَنِ البيوت في قول اللَّه عزّوجلّ : « وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها »(2) . قال علي عليه السلام : « نحن البيوت التي أمر اللَّه بها أن يؤتى من أبوابها ، نحن باب اللَّه وبيوته التي يؤتى منه فمن تابعنا وأقرّ بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها ، ومن خالفنا وفضّل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها » فقال : يا أميرالمؤمنين : وعلى الأعراف رجال يعرفون كلّاً بسيماهم ، فقال علي عليه السلام : « نحن أصحاب الأعراف » - إلى أن قال عليه السلام - « انّ اللَّه عزّوجلّ لو شاء عرف للناس نفسه حتّى يعرفوه وحده ويأتوه من بابه ، ولكنّه جعلنا أبوابه وصراطه وبابه الذي يؤتى منه ، فقال فيمن عدل عن
ص: 37
ولايتنا وفضّل علينا غيرنا : فانهم « عَنِ الصراطِ لَناكِبُون »(1) » .(2)
وعن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : « كلّ من دان اللَّه عزّوجلّ بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من اللَّه فسعيه غير مقبول ، وهو ضالّ متحيّر واللَّه شانى ء لأعماله ، ومثله كمثل شاة ضلّت عن راعيها وقطيعها ، فهجمت ذاهبة وجائية يومها ، فلمّا جنّها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها ، فحنّت إليها واغترّت بها ، فباتت معها في مربضها ، فلمّا ان ساق الراعي قطيعه أنكرت راعيها وقطيعها ، فهجمت متحيّرة تطلب راعيها وقطيعها ، فبصرت بغنم مع راعيها فحنّت إليها واغترّت بها ، فصاح بها الراعي الحقي براعيك وقطيعك فأنت تائهة متحيّرة عن راعيك وقطيعك ، فهجمت ذعرة ، متحيّرة ، تائهة ، لا راعى لها يرشدها إلى مرعاها أو يردّها ، فبينا هي كذلك اذا اغتنم الذئب ضيعتها ، فأكلها ، وكذلك واللَّه يا محمّد من أصبح من هذه الأُمّة لا إمام له من اللَّه عزّوجلّ ظاهر عادل ، أصبح ضالّاً تائهاً وان مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق واعلم يا محمّد انّ أئمّة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين اللَّه قد ضلّوا وأضلّوا فأعمالهم التي يعملونها « كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ في يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْ ءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعيدُ »(3) .(4)
ص: 38
عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبداللَّه عليه السلام وكان من قول أبي عبداللَّه عليه السلام له : « لا يَخْلُو قَوْلُكَ إِنَّهُمَا اثْنَانِ مِنْ أَنْ يَكُونَا قَدِيمَيْنِ قَوِيَّيْنِ ، أَوْ يَكُونَا ضَعِيفَيْنِ ، أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَوِيّاً وَالآْخَرُ ضَعِيفاً ، فَإِنْ كَانَا قَوِيَّيْنِ فَلِمَ لَا يَدْفَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ ، وَيَنْفَرِدُ بِالتَّدْبِيرِ ، وَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّ أَحَدَهُمَا قَوِيٌّ وَالآْخَرَ ضَعِيفٌ ، ثَبَتَ أَنَّهُ وَاحِدٌ كَمَا نَقُولُ لِلْعَجْزِ الظَّاهِرِ فِي الثَّانِي ، وَإِنْ قُلْتَ : إِنَّهُمَا اثْنَانِ ، لَمْ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَا مُتَّفِقَيْنِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ أَوْ مُفْتَرِقَيْنِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ ، فَلَمَّا رَأَيْنَا الْخَلْقَ مُنْتَظِماً وَالْفَلَكَ جَارِياً وَاخْتِلافَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَلَّ صِحَّةُ الْأَمْرِ وَالتَّدْبِيرِ وَائْتِلافُ الْأَمْرِ عَلَى أَنَّ الْمُدَبِّرَ وَاحِدٌ ، ثُمَّ يَلْزَمُكَ إِنِ ادَّعَيْتَ اثْنَيْنِ فَلابُدَّ مِنْ فُرْجَةٍ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَكُونَا اثْنَيْنِ ، فَصَارَتِ الْفُرْجَةُ ثَالِثاً بَيْنَهُمَا قَدِيماً مَعَهُمَا ، فَيَلْزَمُكَ ثَلاثَةٌ ، وَإِنِ ادَّعَيْتَ ثَلاثَةً لَزِمَكَ مَا قُلْنَا فِي الإثْنَيْنِ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُمَا فُرْجَتَانِ فَيَكُونَ خَمْسَةً ، ثُمَّ يَتَنَاهَى فِي الْعَدَدِ إِلَى مَا لا نِهَايَةَ فِي الْكَثْرَةِ » ، قَالَ هِشَامٌ : فَكَانَ مِنْ سُؤَالِ الزِّنْدِيقِ أَنْ قَالَ فَمَا الدَّلِيلُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام : « وُجُودُ الْأَفَاعِيلِ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى أَنَّ صَانِعاً صَنَعَهَا أَلا تَرَى أَنَّكَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَى بِنَاءٍ مَشِيدٍ مَبْنِيٍّ عَلِمْتَ أَنَّ لَهُ بَانِياً وَإِنْ كُنْتَ لَمْ تَرَ الْبَانِيَ وَلَمْ تُشَاهِدْهُ » قَالَ : فَمَا هُوَ ؟ قَالَ « هُوَ شَيْ ءٌ بِخِلافِ الْأَشْيَاءِ أَرْجِعُ بِقَوْلِي شَيْ ءٌ إِلَى إِثْبَاتِ مَعْنىً وَأَنَّهُ شَيْ ءٌ بِحَقِيقَةِ الشَّيْئِيَّةِ غَيْرَ أَنَّهُ لا جِسْمٌ وَلا صُورَةٌ وَلا يُحَسُّ وَلا يُجَسُّ وَلا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ ، لا تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ ، وَلا تَنْقُصُهُ الدُّهُورُ ، وَلا يُغَيِّرُهُ الزَّمَانُ »(1) .
ص: 39
قال تعالى : « وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ »(1) ولا كالوثنيّة الذين قالوا في أوثانهم : « ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى »(2) .
عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « العلماء كلّهم هلكى إلّا العاملون والعاملون كلّهم هلكى إلّا المخلصون والمخلصون على خطره »(3) .
عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : « كَانَ اللَّهُ وَلا شَيْ ءَ غَيْرُهُ ، وَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ عَالِماً بِمَا كَوَّنَ فَعِلْمُهُ بِهِ قَبْلَ كَوْنِهِ كَعِلْمِهِ بِهِ بَعْدَ مَا كَوَّنَهُ »(4) .
وعن أبي بصير قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : « لَمْ يَزَلِ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ رَبُّنَا وَالْعِلْمُ ذَاتُهُ وَلا مَعْلُومَ ، وَالسَّمْعُ ذَاتُهُ وَلا مَسْمُوعَ ، وَالْبَصَرُ ذَاتُهُ وَلا مُبْصَرَ وَالْقُدْرَةُ ذَاتُهُ وَلا مَقْدُور »(5) .
عن هشام بن الحكم قال في حديث الزنديق الذي سأل أبا عبداللَّه عليه السلام : انه قال له : أتقول : انه سميع بصير ؟ فقال أبو عبداللَّه عليه السلام : « هو سميع بصير ، سميع بغير
ص: 40
جارحة وبصير بغير آلة ، بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه وليس قولي : انه سميع بنفسه أنه شي ء والنفس شي ء آخر ، ولكنّي أردت عبارة عن نفسي اذ كنت مسئولاً ، وافهاماً لك اذ كنت سائلاً فأقول : يسمع بكلّه لا انّ كلّه له بعض ، لأن الكل لنا [ له ]بعض ولكن أردت افهامك ، والتعبير عن نفسي وليس مرجعي في ذلك كلّه إلّا انه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف معنى »(1) .
وعن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت : جعلت فداك يزعم قوم من أهل العراق انه يسمع بغير الذي يبصر ، ويبصر بغير الذي يسمع ، قال : فقال عليه السلام : « كذبوا وألحدوا وشبّهوا ، تعالى اللَّه عن ذلك ، انه سميع بصير ، يسمع بما يبصر ويبصر بما يسمع »(2) .
عن أبي عبداللَّه الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن علي الباقر عليه السلام في قول اللَّه تبارك وتعالى : « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ »(3) قال : « قل » أي أظهر ما أوحينا إليك ونبّأناك به بتأليف الحروف التي قرأناها لك ليهتدي بها من ألقى السمع وهو شهيد و « هو » اسم مكنّى مشار إلى غائب فالهاء تنبيه عن معنى ثابت ، والواو اشارة إلى الغائب عن الحواس ، كما انّ قولك هذا اشارة إلى الشاهد عند الحواس وذلك انّ الكفار نبّهوا عن الهتهم بحرف اشارة الشاهد المدرك ، فقالوا هذه آلهتنا المحسوسة
ص: 41
المدركة بالأبصار ، فأَشِرْ أنت يا محمّد الى الهك الذي تدعو إليه حتّى نراه وندركه ولا نالهُ فيه ، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى : « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ »(1) فالهاء تثبيت للثابت والواو اشارة إلى الغائب عن درك الأبصار ولمس الحواس وانّه تعالى عن ذلك بل هو مدرك الأبصار ومبدع الحواس »(2) .
عن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « من زعم أنّ اللَّه من شي ء أو في شي ء أو على شي ء فقد كفر » قلت : فسّر لي ؟ قال : « أعني بالحواية من الشي ء له أوْ بامساك له أوْ من شي ء سبقه » وفي رواية اخرى : « من زعم أنّ اللَّه من شي ء فقد جعله محدثاً ، ومن زعم أنّه في شي ء فقد جعله محصوراً ، ومن زعم أنّه على شي ء فقد جعله محمولاً »(3) .
وعن النبي صلى الله عليه وآله : « انّه فوق كلّ شي ء وتحت كلّ شي ء قد ملأ كلّ شي ء عظمته ، فلم يخل منه أرض ولا سماء ولا برّ ولا بحر ولا هواء »(4) .
وعن أبي جعفر عليه السلام قال : « مكتوب في التوراة التي لم تغير ان موسى عليه السلام سأل ربّه ، فقال : يا ربّ أقريب أنت منّي فاناجيك أم بعيد فاناديك ؟ فأوحى اللَّه عزّوجلّ إليه : يا موسى أنا جليس من ذكرني ( الحديث »(5) .
ص: 42
تصديقاً لقوله تعالى : « وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ »(1) وقوله : « ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ »(2) وقوله : « وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَريدِ »(3) .
قال تعالى : « ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا... »(4) .
عن عيسى بن يونس قال : قال ابن أبي العوجاء لأبي عبداللَّه عليه السلام في بعض ما كان يحاوره : ذكرت اللَّه فاحلت على غائب ، فقال أبو عبداللَّه : « ويلك كيف يكون غائباً من هو مع خلقه شاهد وإليهم أقرب من حبل الوريد ، يسمع كلامهم ويرى أشخاصهم ويعلم أسرارهم ؟ » فقال ابن أبي العوجاء : أهو في كلّ مكان ، أليس اذا كان في السماء كيف يكون في الأرض ؟ واذا كان في الأرض كيف يكون في السماء ؟ فقال أبو عبداللَّه عليه السلام : « إنّما وصفت المخلوق الذي اذا انتقل عن مكان اشتغل به مكان وخلا منه مكان ، فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما يحدث في المكان الذي كان فيه فأمّا اللَّه العظيم الشأن الملك الديّان فلا يخلو منه مكان ولا يشتغل به مكان ، ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان »(5) .
ص: 43
قال تعالى : « لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَي ءٌ »(1) .
قال تعالى : « إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ »(2) .
عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : « لم يزل اللَّه عزّوجلّ ربّنا والعلم ذاته ولا معلوم والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر والقدرة ذاته ولا مقدور ، فلمّا احدث الأشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم ، والسمع على المسموع ، والبصر على المبصر ، والقدرة على المقدور ، الحديث »(3) .
عن محمّد بن زيد قال : جئت إلى الرضا عليه السلام أسأله عن التوحيد ، فاملى عليّ « الحمد للَّه فاطر الأشياء انشاء ، ومبتدعها ابتداءً بقدرته وحكمته ، لا من شي ء فيبطل الاختراع ، ولا لعلّة فلا يصحّ ابتداع ، خلق ما شاء كيف شاء »(4) .
ص: 44
في حديث الديصاني - وكان من الزنادقة - مع الصادق عليه السلام : دُلّني على معبودي ولا تسألني عن اسمي - وكان اسمه عبداللَّه - فقال له أبو عبداللَّه عليه السلام : « اجلس » واذاً غلام له صغير ، في كفّه بيضة يلعب بها ، فقال له أبو عبداللَّه عليه السلام : « ناولني يا غلام البيضة » فناوله إيّاها ، فقال له أبو عبداللَّه عليه السلام « يا ديصاني : هذا حصن مكنون ، له جلد غليظ وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضّة ذائبة ، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضّة الذائبة ولا الفضّة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة فهي على حالها ، لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها ولا دخل فيها مفسد فيخبر عن فسادها ، لا يدري للذكر خُلقت أم للأُنثى ، تنفلق عن مثل ألوان الطواويس ، أترى لها مدبّراً ؟ » قال : فأطرق مليّاً ، ثمّ قال : اشهد أن لا إله إلّا اللَّه(1) .
قال تعالى : « وَهُوَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَليمٌ »(2) وقال : « إِنَّ اللَّهَ كانَ عَليماً حَكيماً »(3) وقال تعالى : « وَكانَ اللَّهُ عَزيزاً حَكيماً »(4) .
عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : « كان اللَّه عزّوجلّ ولا شي ء غيره ولم يزل عالماً بما يكون فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه »(5) .
ص: 45
وعن أيّوب بن نوح انه كتب إلى أبي الحسن الهادي عليه السلام يسأله عن اللَّه عزّوجلّ أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكوّنها أو لا يعلم ذلك حتّى خلقها وأراد خلقها وتكوينها ؟ فعلم ما خلق عند ما خلق وما كوّن عند ما كوّن ؟ فوقّع بخطّه : « لم يزل اللَّه عالماً بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء »(1) .
وعن منصور بن حازم قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام هل يكون اليوم شي ء لم يكن في علم اللَّه بالأمس ؟ قال : « لا ، من قال هذا فاخزاه اللَّه » قلت : أرأيت ما كان وهو كائن إلى يوم القيامة أليس في علم اللَّه ؟ قال : « بلى قبل أن يخلق الخلق »(2) .
وعن حمّاد بن عيسى قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام فقلت : لم يزل اللَّه يعلم ؟ قال: « إي يكون يعلم ولا معلوم » قال : قلت : فلم يزل اللَّه يسمع ؟ قال : « اي يكون ذلك ولا مسموع » قال : قلت : فلم يزل يبصر ؟ قال : « إي يكون ذلك ولا مبصر » قال : ثمّ قال : « لم يزل اللَّه عليماً سميعاً بصيراً ، ذات علّامة سميعة بصيرة»(3) .
وحدّثنا الحسين بن بشّار عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام قال : سألته أيعلم اللَّه الشي ء الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون أو لا يعلم إلّا ما يكون ؟ فقال : « إنّ اللَّه تعالى هو العالم بالأشياء قبل كون الأشياء ، قال اللَّه عزّوجلّ : « إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ »(4)، وقال لأهل النار : « وَلَوْ رُدُّوا
ص: 46
لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ »(1)، فقد علم اللَّه عزّوجلّ انه لو ردّهم لعادوا لما نهوا عنه ، وقال للملائكة لمّا قالوا : « أَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ »(2) فلم يزل اللَّه عزّوجلّ علمه سابقاً للأشياء قديماً قبل أن يخلقها ، فتبارك ربّنا تعالى علوّاً كبيراً خلق الأشياء وعلمه بها سابق لها كما شاء كذلك لم يزل ربّنا عليماً سميعاً بصيراً »(3) .
وعن عبداللَّه بن مسكان قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن اللَّه تبارك وتعالى أكان يعلم المكان قبل أن يخلق المكان ، أم علمه عند ما خلقه وبعد ما خلقه ؟ فقال : « تعالى اللَّه ، بل لم يزل عالماً بالمكان قبل تكوينه كعلمه به بعد ما كوّنه وكذلك علمه بجيمع الأشياء كعلمه بالمكان »(4) .
وعن الحسين بن الخالد قال : سمعت الرضا علي بن موسى عليهما السلام يقول : « لم يزل اللَّه تبارك وتعالى عليماً قادراً حيّاً قديماً سميعاً بصيراً » فقلت له : يابن رسول اللَّه انّ قوماً يقولون : انّه عزّوجلّ لم يزل عالماً بعلمٍ ، وقادراً بقدرةٍ ، وحيّاً بحياةٍ ، وقديماً بقدمٍ ، وسميعاً بسمع ، وبصيراً ببصر فقال عليه السلام : « من قال ذلك ودان به فقد اتّخذ مع اللَّه آلهة اُخرى وليس من ولايتنا على شي ء » ثمّ قال عليه السلام : « لم يزل اللَّه عزّوجلّ عليماً قادراً حيّاً قديماً سميعاً بصيراً لذاته ، تعالى عمّا يقول المشركون
ص: 47
والمشبّهون علوّاً كبيراً »(1) .
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام انّ أميرالمؤمنين عليه السلام استنهض الناس في حرب معاوية في المرّة الثانية ، فلمّا حشد الناس قام خطيباً فقال : . . . « أحاط بالأشياء علماً قبل كونها ، فلم يزدد بكونها علماً ، علمه بها قبل أن يكوّنها كعلمه بعد تكوينها »(2) .
وعن أبي بصير قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : « لم يزل اللَّه جلّ وعز ربّنا والعلم ذاته ولا معلوم والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر والقدرة ذاته ولا مقدور ، فلمّا أحدث الأشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم ، والسمع على المسموع ، والبصر على المبصر ، والقدرة على المقدور » - إلى أن قال - قال : قلت : فلم يزل اللَّه متكلّماً ؟ قال : انّ الكلام صفة محدثة ليست بأزليّةٍ ، كان اللَّه عزّوجلّ ولا متكلّم(3) .
وعن ابن سنان قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام : هل كان اللَّه عزّوجلّ عارفاً بنفسه قبل أن يخلق الخلق ؟ قال : « نعم ، الحديث »(1) .
قال الصادق عليه السلام في جواب الزنديق : « الريح على الهواء ، والهواء تمسكه القدرة »(2) .
في سئوالات الشامي عن أميرالمؤمنين عليه السلام ، أخبرني عن أوّل ما خلق اللَّه تبارك وتعالى ، فقال عليه السلام : « النور »(3) .
وقال النبي صلى الله عليه وآله : « أوّل ما خلق اللَّه نوري »(4) .
وعن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « انّ أوّل ما خلق اللَّه عزّوجلّ أرواحنا فانطقها بتوحيده وتمجيده »(5) .
وعن جابر قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « أوّل ما خلق اللَّه نوري ففتق منه نور عليّ ، ثمّ خلق العرش واللوح والشمس وضوء النهار ونور الأبصار والعقل والمعرفة ، الخبر »(6) .
ص: 49
وقع الخلاف في كون أي شي ء أوّل ما خلق اللَّه ولكن استفاضت الأخبار عن النبي وأهل البيت عليهم السلام بأنّ الصادر الأوّل هو نور النبي صلى الله عليه وآله .
فمنها : عن محمّد بن سنان قال : كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام فأجريت اختلاف الشيعة ، فقال : « يا محمّد انّ اللَّه تبارك وتعالى لم يزل متفرّداً بوحدانيّته ثمّ خلق محمّداً وعليّاً وفاطمة ، فمكثوا ألف دهر ثمّ خلق جميع الأشياء ، فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفوّض أُمورها إليهم ، فهم يحلّون ما يشاؤون ويحرّمون ما يشاؤون ولن يشاؤوا إلّا أن يشاء اللَّه تبارك وتعالى » ، ثمّ قال : « يا محمّد هذه الديانة التي من تقدّمها مرق ومن تخلّف عنها محق ومن لزمها لحق ، خذخا إليك يا محمّد »(1) .
وعن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « إنّ اللَّه خلقني وخلق عليّاً وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق آدم حين لا سماء مبنيّة ولا أرض مدحيّة ولا ظلمة ولا نور ولا شمس ولا قمر ولا نار » فقال العبّاس : فكيف كان بدء خلقكم يا رسول اللَّه ، فقال : « يا عمّ لمّا أراد اللَّه أن يخلقنا تكلّم بكلمة فخلق منها نوراً ثمّ تكلّم بكلمة أُخرى فخلق منها روحاً ، ثمّ خلط النور بالروح فخلقني وخلق عليّاً وفاطمة والحسن والحسين فكنّا نسبّحه حين لا تسبيح ونقدّسه حين لا تقديس ، فلمّا أراد اللَّه تعالى أن ينشى ء خلقه فتق نوري فخلق منه العرش ، فالعرش من نوري ، ونوري من نور اللَّه ، ونوري أفضل من العرش ، ثمّ فتق نور أخي عليّ ، فخلق منه الملائكة فالملائكة من نور عليّ ، ونور عليّ من نور اللَّه وعلي أفضل من الملائكة ، ثمّ فتق نور ابنتي فخلق منه السماوات والأرض فالسماوات والأرض من نور
ص: 50
ابنتي فاطمة ونور ابنتي فاطمة من نور اللَّه ، وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض ثمّ فتق نور ولدي الحسن وخلق منه الشمس والقمر فالشمس والقمر من نور ولدي الحسن ، ونور الحسن من نور اللَّه والحسن أفضل من الشمس والقمر ، ثمّ فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنّة والحور العين ، فالجنّة والحور العين من نور ولدي الحسين ونور ولدي الحسين من نور اللَّه وولدي الحسين أفضل من نور الجنّة والحور العين »(1) .
وقال أبو الحسن البكري استاذ الشهيد الثاني رحمه الله في كتاب « الأنوار » : روى عن أميرالمؤمنين عليه السلام انه قال : « كان اللَّه ولا شي ء معه فأوّل ما خلق نور حبيبه محمّد صلى الله عليه وآله قبل خلق الماء والعرش والكرسي والسماوات والأرض واللوح والقلم والجنّة والنار والملائكة وآدم وحوّاء بأربعة وعشرين وأربعمائة ألف عام فلمّا خلق اللَّه تعالى نور نبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله بقي ألف عام بين يدي اللَّه عزّوجلّ واقفاً يسبّحه ويحمده والحق تبارك وتعالى ينظر إليه ويقول : يا عبدي أنت المراد والمريد ، وأنت خيرتي من خلقي ، وعزّتي وجلالي لولاك ما خلقت الأفلاك من أحبّك أحببته ومن أبغضك أبغضته ، فتلألأ نوره وارتفع شعاعه ، فخلق اللَّه منه اثنى عشر حجاباً أوّلها حجاب القدرة ، ثمّ حجاب العظمة ، ثمّ حجاب العزّة ، ثمّ حجاب الهيبة ، ثمّ حجاب الجبروت ، ثمّ حجاب الرحمة ، ثمّ حجاب النبوّة ، ثمّ حجاب الكبرياء ، ثمّ حجاب المنزلة ، ثمّ حجاب الرفعة ، ثمّ حجاب السعادة ، ثمّ حجاب الشفاعة ، ثمّ انّ اللَّه تعالى أمر نور رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أن يدخل في حجاب القدرة ، فدخل وهو يقول : سبحان العليّ الأعلى وبقي على ذلك اثنى عشر ألف عام ، ثمّ
ص: 51
أمره أن يدخل في حجاب العظمة ، فدخل وهو يقول : سبحان عالم السر وأخفى ، أحد عشر ألف عام ، ثمّ دخل في حجاب العزّة وهو يقول : سبحان الملك المنّان عشرة آلاف عام ، ثمّ دخل في حجاب الهيبة وهو يقول : سبحان من هو غني لا يفتقر تسعة آلاف عام ، ثمّ دخل في حجاب الجبروت وهو يقول : سبحان الكريم الأكرم ثمانية آلاف عام ، ثمّ دخل في حجاب الرحمة وهو يقول : سبحان ربّ العرش العظيم سبعة آلاف عام ، ثمّ دخل في حجاب النبوّة وهو يقول : سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون ، ستّة آلاف عام ، ثمّ دخل في حجاب الكبرياء وهو يقول : سبحان العظيم الأعظم خمسة آلاف عام ، ثمّ دخل في حجاب المنزلة وهو يقول : سبحان العليم الكريم ، أربعة آلاف عام ، ثمّ دخل في حجاب الرفعة وهو يقول : سبحان ذي الملك والملكوت ، ثلاثة آلاف عام ، ثمّ دخل في حجاب السعادة وهو يقول : سبحان من يزيل الأشياء ولا يزول ، ألفي عام ، ثمّ دخل في حجاب الشفاعة وهو يقول : سبحان اللَّه وبحمده سبحان اللَّه العظيم ، ألف عام » قال الامام علي بن أبي طالب عليه السلام : « ثمّ إنّ اللَّه تعالى خلق من نور محمّد صلّى اللَّه عليه وآله عشرين بحراً من نور ، في كلّ بحر علوم لا يعلمها إلّا اللَّه تعالى ، ثمّ قال لنور محمّد صلى الله عليه وآله : انزل في بحر العزّ فنزل ، ثمّ في بحر الصبر ، ثمّ في بحر الخشوع ، ثمّ في بحر التواضع ، ثمّ في بحر الرضا ، ثمّ في بحر الوفاء ، ثمّ في بحر الحلم ، ثمّ في بحر التقى ، ثمّ في بحر الخشية ، ثمّ في بحر الانابة ، ثمّ في بحر العمل ، ثمّ في بحر المزيد ، ثمّ في بحر الهدى ، ثمّ في بحر الصيانة ، ثمّ في بحر الحياء ، حتّى تقلّب في عشرين بحراً ، فلمّا خرج من آخر الأبحر قال اللَّه تعالى : يا حبيبي و يا سيّد رسلي ويا أوّل مخلوقي ويا آخر رسلي ، أنت الشفيع يوم المحشر فخرّ النور ساجداً ، ثمّ
ص: 52
قال(1) : فقطرت منه قطرات كان عددها مائة ألف وأربعة وعشرين ألف قطرة ، فخلق اللَّه تعالى من كلّ قطرة من نوره نبيّاً من الأنبياء ، فلمّا تكاملت الأنوار صارت تطوف حول نور محمّد صلى الله عليه وآله كما تطوف الحجّاج حول بيت اللَّه الحرام ، وهم يسبّحون اللَّه ويحمدونه ويقولون : سبحان من هو عالم لا يجهل سبحان من هو عليم(2) لا يعجل ، سبحان من هو غني لا يفتقر ، فناداهم اللَّه تعالى : تعرفون من أنا ؟ فسبق نور محمّد صلى الله عليه وآله قبل الأنوار ونادى : أنت اللَّه الذي لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك ، ربّ الأرباب ، وملك الملوك ، فاذا بالنداء من قبل الحق : أنت صفيّي ، وأنت حبيبي ، وأنت خير خلقي ، أمّتك خير أُمّة أخرجت للناس . ثمّ خلق من نور محمّد صلى الله عليه وآله جوهرة وقسّمها قسمين ، فنظر إلى القسم الأوّل بعين الهيبة فصار ماء عذباً ونظر إلى القسم الثاني بعين الشفقة فخلق منه العرش فاستوى على وجه الماء ، فخلق الكرسيّ من نور العرش ، وخلق من نور الكرسيّ اللوح ، وخلق من نور اللوح القلم ، وقال له : اكتب توحيدي ، فبقى القلم ألف عام سكران من كلام اللَّه تعالى ، فلمّا أفاق قال : اكتب ، قال : يا ربّ وما أكتب ؟ قال : اكتب : لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه ، فلمّا سمع القلم اسم محمّد صلى الله عليه وآله خرّ ساجداً وقال : سبحان الواحد القهار ، سبحان العظيم الأعظم ، ثمّ رفع رأسه من السجود وكتب : لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه ثمّ قال : يا ربّ ومن محمّد الذي قرنت اسمه باسمك ، وذكره بذكرك ؟ قال اللَّه تعالى له : يا قلم ، فلولاه ما خلقتك ، ولا خلقت خلقي إلّا لأجله ، فهو بشير ونذير وسراج منير ، وشفيع وحبيب ، فعند ذلك انشقّ القلم من حلاوة ذكر
ص: 53
محمّد صلى الله عليه وآله ، ثمّ قال القلم : السلام عليك يا رسول اللَّه ، فقال اللَّه تعالى : وعليك السلام منّي ورحمة اللَّه وبركاته ، فلأجل هذا صار السلام سنّة والردّ فريضة ، ثمّ قال اللَّه تعالى : اكتب قضائي وقدري وما أنا خالقه إلى يوم القيامة . ثمّ خلق اللَّه ملائكة يصلّون على محمّد وآل محمّد ، ويستغفرون لأمّته إلى يوم القيامة ، ثمّ خلق اللَّه تعالى من نور محمّد صلى الله عليه وآله الجنّة وزيّنها بأربعة أشياء : التعظيم والجلالة والسخاء والأمانة ، وجعلها لأوليائه وأهل طاعته ، ثمّ نظر إلى باقي الجوهرة بعين الهيبة فذابت ، فخلق من دخانها السماوات ، ومن زبدها الأرضين ، فلمّا خلق اللَّه تبارك وتعالى الأرض صارت تموج بأهلها كالسفينة فخلق اللَّه الجبال فأرساها بها ، ثمّ خلق اللَّه تعالى العرش من ضيائين : أحدهما الفضل والثاني العدل ، ثمّ أمر الضيائين فانتفسا بنفسين فخلق منهما أربعة أشياء : العقل والحلم والعلم والسخاء ، ثمّ خلق من العقل الخوف ، وخلق من العلم الرضا ، ومن الحلم المودّة ، ومن السخاء المحبّة ، ثمّ عجن هذه الأشياء في طينة محمّد صلى الله عليه وآله ، ثمّ خلق من بعدهم أرواح المؤمنين من امّة محمّد صلى الله عليه وآله ، ثمّ خلق الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والضياء والظلام وسائر الملائكة من نور محمّد صلى الله عليه وآله ، فلمّا تكاملت الأنوار سكن نور محمّد صلى الله عليه وآله تحت العرش ثلاثة وسبعين ألف عام ، ثمّ انتقل نوره إلى الجنّة فبقى سبعين ألف عام ، ثمّ انتقل إلى سدرة المنتهى ، فبقى سبعين ألف عام ، ثمّ انتقل نوره إلى السماء السابعة ، ثمّ إلى السماء السادسة ، ثمّ إلى السماء الخامسة ، ثمّ إلى السماء الرابعة ، ثمّ إلى السماء الثالثة ، ثمّ إلى السماء الثانية ، ثمّ إلى السماء الدنيا ، فبقي نوره في السماء الدنيا إلى أن أراد [اللَّه] أن يخلق آدم عليه السلام » . ( الحديث )(1) .
ص: 54
وجابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال : « يا جابر كان اللَّه ولا شي ء غيره [ و ]لا معلوم ولا مجهول ، فأوّل ما ابتدأ من خلق خلقه ان خلق محمّداً صلى الله عليه وآله وخلقنا أهل البيت معه من نور عظمته فأوقفنا أظلّة خضراء بين يديه حيث لا سماء ولا أرض ولا مكان ولا ليل ولا نهار ولا شمس ولا قمر ، يفصل نورنا من نور ربّنا كشعاع الشمس من الشمس نسبّح اللَّه ونقدّسه ونحمده ونعبده حقّ عبادته ثمّ بَدا للَّهِ ِ أَنْ يخلق المكان فخلقه وكتب على المكان لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه علي أميرالمؤمنين ووصيه به أيّدته ونصرته ، ثمّ خلق اللَّه العرش ، فكتب على سرادقات العرش مثل ذلك ، ثمّ خلق اللَّه السماوات فكتب على أطرافها مثل ذلك ، ثمّ خلق الجنّة والنار فكتب عليهما مثل ذلك ، ثمّ خلق الملائكة فأسكنهم السماء ، ثمّ خلق الهواء فكتب عليه مثل ذلك ، ثمّ خلق الجنّ فأسكنهم الهواء ، ثمّ خلق الأرض فكتب على أطرافها مثل ذلك ، فبذلك يا جابر قامت السماوات بغير عمد ، وثبتت الأرض ، ثمّ خلق اللَّه آدم من أديم الأرض . . . إلى أن قال عليه السلام : فنحن أوّل خلق اللَّه وأوّل خلق عبد اللَّه وسبّحه ، ونحن سبب الخلق وسبب تسبيحهم وعبادتهم من الملائكة والآدميّين »(1) .
وعن جابر بن عبداللَّه قال : قلت لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله : أوّل شي ء خلق اللَّه تعالى ما هو ؟ فقال : « نور نبيّك يا جابر ، خلقه اللَّه ثمّ خلق منه كلّ خير » ( الخبر )(2) .
ص: 55
قال تعالى : « اللَّهُ الَّذي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ »(1) .
قال أميرالمؤمنين عليه السلام : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في قوله عزّوجلّ : « الَّذي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً »(2) « إنّ اللَّه عزّوجلّ لمّا خلق الماء فجعل عرشه عليه قبل أن يخلق السماوات والأرض وذلك قوله عزّوجلّ « وَهُوَ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ »(3) يعني وكان عرشه على الماء قبل أن يخلق السماوات والأرض ، فأرسل اللَّه الرياح على الماء ، فتفجّر الماء من أمواجه ، فارتفع عنه الدخان وعلا فوق الزبد ، فخلق من دخانه السماوات السبع ، فخلق من زبده الأرضين السبع ، فبسط الأرض على الماء - إلى أن قال - فلمّا خلق اللَّه الأرض دحاها من تحت الكعبة ، ثم بسطها على الماء ، فأحاطت بكل شي ء، ففخرت الأرض وقالت أحطت بكل شي ء فمن يغلبني ؟ - إلى أن قال - فخلق اللَّه عزّوجلّ الجبال فأرساها ، وثقل الأرض بها ، ففخرت الجبال وقالت : من يغلبني ؟ فخلق اللَّه عزّوجلّ الحديد فقطعت به الجبال، ولم يكن عندها دفاع ولا امتناع ، ففخر الحديد وقال : غلبت الجبال التي غلبت الحوت فمن يغلبني ؟ فخلق اللَّه عزّوجلّ النار، فألانتِ الحديد وفرّقت أجزاءه ولم يكن عند الحديد دفاع ولا امتناع ، ففخرت النار وقالت غلبت الحديد الذي غلب الجبال، فمن يغلبني ؟ فخلق اللَّه عزّوجلّ الماء، فأطفأ النار، ولم يكن عندها دفاع ولا امتناع، ففخر الماء وقال : غلبت النار التي غلبت الحديد، فمن يغلبني ؟
ص: 56
فخلق اللَّه عزّوجلّ الريح فأيبست الماء، ففخرت الريح وقالت : غلبت الماء الذي غلب النار، فمن يغلبني ؟ فخلق اللَّه عزّوجلّ الإنسان فصرف الريح عن مجاريها بالبنيان ففخر الإنسان وقال : غلبت الريح التي غلبت الماء فمن يغلبني ؟ فخلق اللَّه عزّوجلّ ملك الموت فأمات الإنسان، ففخر ملك الموت وقال : غلبت الإنسان الذي غلب الريح فمن يغلبني ؟ فقال اللَّه عزّوجلّ : أنا القهار الغلّاب الوهّاب، أغلبك وأغلب كل شي ء، فذلك قوله تعالى : « إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ »(1) »(2) .
وعن محمّد بن مسلم قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : « كان كلّ شي ء ماء وكان عرشه على الماء فأمر اللَّه عزّ ذكره الماء فاضطرم(3) ناراً ثمّ أمر النار فخمدت فارتفع من خمودها دخان فخلق اللَّه السماوات من ذلك الدخان وخلق الأرض من الرماد ثمّ اختصم الماء والنار والريح ، فقال الماء : أنا جند اللَّه الأكبر ، وقالت الريح : أنا جند اللَّه الأكبر ، وقالت النار ، أنا جند اللَّه الأكبر ، فأوحى اللَّه عزّوجلّ إلى الريح : أنت جندي الأكبر »(4) فانّ المذكور في هذه الرواية خلقة الأرض من الرماد .
ص: 57
قلت : يمكن الجمع بين هذه الرواية والرواية السابقة وأمثالها في كيفيّة الأرض بما قاله المجلسي : وهو أن يكون المراد بالأرض المخلوق من الرماد بقيّة الأرض التي حصلت بعد الدحو ويحتمل أيضاً أن يكون الزبد المذكور في الأخبار الأخر مادّة بعيدة للأرض بأن يكون الرماد تكون من الزبد ومن الرماد تكونت الأرض ، أو يكون الرماد أحد أجزاء الأرض مزج بالزبد فجمد الزبد بذلك المزج وتصلّب(1) .
عن ابن عبّاس : انّ اليهود أتت النبي صلى الله عليه وآله فسألته عن خلق السماوات والأرض فقال صلى الله عليه وآله : « خلق اللَّه الأرض يوم الأحد والاثنين ، وخلق الجبال وما فيهنّ من منافع يوم الثلاثاء ، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب ، فهذه أربعة ، فقال تعالى : « قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذي خَلَقَ الْأَرْضَ في يَوْمَيْنِ - إلى قوله : في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلينَ »(2) وخلق يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقين منه ، فخلق في أوّل ساعة من هذه الثلاث الآجال حين يموت من مات ، وفي الثانية ألقى الآفة على كلّ شي ء ممّا ينتفع به ، وفي الثالثة خلق آدم . الحديث »(3) .
وأمّا المستفاد من قوله تعالى : « أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها * رَفَعَ سَمْكَها
ص: 58
فَسَوَّاها * وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها »(1) انّ دحو الأرض بعد خلق السماء لا ينافي تقدّم خلق أصلها على السماء .
قال الطبرسي : قال ابن عبّاس : انّ اللَّه تعالى دحى الأرض بعد السماء وإن كانت الأرض خلقت قبل السماء ، وكانت ربوة مجتمعة تحت الكعبة فبسطها(2) .
وعن أبي جعفر عليه السلام قال : « إنّ اللَّه عزّوجلّ خلق الجنّة قبل أن يخلق النار وخلق الطاعة قبل أن يخلق المعصية وخلق الرحمة قبل الغضب وخلق الخير قبل الشرّ وخلق الأرض قبل السماء وخلق الحيوة قبل الموت وخلق الشمس قبل القمر وخلق النور قبل الظلمة »(3) .
قال المجلسي رحمه الله بعد ذكر الحديث : لعلّ المراد بخلق الطاعة تقديرها بل الظاهر في الأكثر ذلك ، والخلق بمعنى التقدير شائع والمراد بخلق الشرّ خلق ما يترتّب عليه شرّ ظاهراً وإن كان خيره غالباً ووجوده صلاحاً(4) .
عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : خرج هشام بن عبد الملك حاجا ومعه الأبرش الكلبي ، فلقيا أبا عبداللَّه عليه السلام في المسجد الحرام ، فقال هشام للأبرش : تعرف هذا ؟ قال : لا، قال : هذا الذي تزعم الشيعة أنه نبيّ من كثرة علمه ! فقال الأبرش : لأسألنه عن مسألة(5) لا يجيبني فيها إلّا نبي أو وصيّ نبيّ فقال
ص: 59
هشام [ للأبرش ] وددت أنك فعلت ذلك. فلقي الأبرش أبا عبداللَّه عليه السلام فقال : يا أبا عبداللَّه أخبرني عن قول اللَّه « أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما »(1) فما كان رتقهما وما كان(2) فتقهما ؟ فقال أبو عبداللَّه عليه السلام : يا أبرش هو كما وصف نفسه « وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ » والماء على الهواء والهواء لا يحدّ ، ولم يكن يومئذٍ خلق غيرهما ، والماء يومئذ عذب فرات فلما أراد(3) أن يخلق الأرض أمر الرياح فضربت الماء حتى صار موجا ، ثم أزبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت ثم جعله جبلا من زبد ، ثم دحا الأرض من تحته ، فقال اللَّه تبارك وتعالى « إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً »(4) ثم مكث الرب تبارك وتعالى ما شاء فلما أراد أن يخلق السماء أمر الرياح فضربت البحور حتى أزبدتها ، فخرج من ذلك الموج والزبد من وسطه دخان ساطع من غير نار فخلق منه السماء وجعل فيها البروج والنجوم ومنازل الشمس والقمر وأجراها في الفلك وكانت السماء خضراء على لون الماء العذب الأخضر(5) وكانت الأرض خضراء(6) على لون الماء وكانتا مرتوقتين ليس لها أبواب ولم يكن للأرض أبواب وهي النبت ولم تمطر(7) السماء عليها فتنبت ففتق السماء بالمطر وفتق الأرض بالنبات وذلك قوله « أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا
ص: 60
رَتْقاً فَفَتَقْناهُما »(1) فقال الأبرش : [واللَّه] ما حدثني بمثل هذا الحديث أحد قط ! أعد علي فأعاد عليه وكان الأبرش ملحدا فقال : [و] أنا أشهد أنك ابن نبي - ثلاث مرات -(2) .
إن قيل : إنّ كلامه عليه السلام : « ورمى بالزبد ركامه ، فسوى منه سبع سماوات ( آه )» دالّ على خلق السماء من الزبد ولكن آية السجدة : ( ثمّ استوى إلى السماء وهي دخان ) وما ورد في تفسير الامام عن أميرالمؤمنين عن النبي صلوات اللَّه عليهم في قوله : « الذي جعل لكم الأرض فراشاً إلى آخر ما مرّ سابقاً ، وفي ( الكافي ) عن محمّد بن مسلم الذي نقلناه سابقاً وفي سائر الروايات الواردة في باب الخلقة ظاهرة على أنّ السماء مخلوقة من الدخان .
قلنا : جمع الشارح البحراني بينهما بقوله : فنقول : وجه الجمع بين كلامه عليه السلام وبين لفظ القرآن الكريم ما ذكره الباقر عليه السلام وهو قوله : « فخرج من ذلك الموج والزبد دخان ساطع من وسطه من غير نار فخلق منه السماء ولا شك أن القرآن الكريم لا يريد بلفظ الدخان حقيقته لأن ذلك إنما يكون عن النار واتفق المفسرون على أن هذا الدخان لم يكن عن نار بل عن تنفس الماء وتبخيره بسبب تموجه ، فهو إذا استعارة للبخار الصاعد من الماء وإذا كان كذلك فنقول : إن كلامه عليه السلام مطابق للفظ القرآن الكريم وذلك أن الزبد بخار يتصاعد على وجه الماء عن حرارة حركته إلا أنه ما دامت الكثافة غالبة عليه وهو باق على وجه الماء لم ينفصل ، فإنه يخص باسم الزبد وما لطف وغلب عليه الأجزاء الهوائية فانفصل
ص: 61
خص باسم البخار ، وإذا كان الزبد بخاراُ والبخار هو المراد بالدخان في القرآن الكريم كان مقصده ومقصد القرآن واحدا فكان البخار المنفصل هو الذي تكوّنت عنه السماوات الذي لمن ينفصل هو الذي تكوّنت عنه الأرض وهو الزبد .
وأما وجه المشابهة بين الدخان والبخار الذي صحت لأجله استعارة لفظه له فهو أمران : أحدهما حسي وهو الصورة المشاهدة من الدخان والبخار حتى لا يكاد يفرق بينهما في الحس البصري والثاني معنوي وهو كون البخار أجزاء مائية خالطت الهواء بسبب لطافتها عن حرارة الحركة كما أن الدخان كذلك ولكن عن حرارة النار ، فإن الدخان أيضا أجزاء مائية انفصلت عن جرم المحترق بسبب لطافتها عن حر النار فكان الاختلاف بينهما ليس إلا بالسبب فلذلك صح استعارة اسم أحدهما للآخر انتهى كلامه قدس سره(1) .
قال الشارح الخوئي قدس سره : أقول : هذا التوجيه وجيه جدّاً إلّا انّه ينافيه ما رواه الكليني في « روضة الكافي »(2) باسناده عن محمّد بن عطيّة قال : جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السلام من أهل الشام من علمائهم فقال : يا أبا جعفر جئت أسألك عن مسألة قد أعيت عليّ أن أجد أحداً يفسّرها وقد سألت عنها ثلاثة أصناف من الناس فقال كلّ صنف منهم شيئاً غير الذي قال الصنف الآخر ، فقال له أبو جعفر عليه السلام : ما ذاك ؟ قال : فإنِّي أسألك عن أول ما خلق اللَّه من خلقه فإن بعض من سألته قال القدر ، وقال بعضهم القلم وقال بعضهم الروح ، فقال أبو جعفرٍ عليه السلام « ما قالوا شيئاً ، أخبرك أن اللَّه تبارك وتعالى كان ولا شي ء غيره ، وكان عزيزاً ولا أحد كان قبل عزّه وذلك
ص: 62
قوله « سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ »(1) وكان الخالق قبل المخلوق ولو كان أول ما خلق من خلقه الشي ء من الشي ء إذاً لم يكن له انقطاع أبداً ، ولم يزل اللَّه إذاً ومعه شي ءٌ ليس هو يتقدمه ولكنه كان إذ لا شي ء غيره وخلق الشي ء الذي جميع الأشياء منه وهو الماء الذي خلق الأشياء منه فجعل نسب كلّ شي ءٍ إلى الماء ولم يجعل للماء نسباً يضاف إليه ، وخلق الريح من الماء ثم سلط الريح على الماء فشقّقت الريح متن الماء حتى ثار من الماء زبد على قدر ما شاء أن يثور ، فخلق من ذلك الزبد أرضاً بيضاء نقيّةً ليس فيها صدع ولا ثقب ولا صعود ولا هبوط ولا شجرة ثمّ طواها فوضعها فوق الماء ثمّ خلق اللَّه النار من الماء فشقّقت النار متن الماء حتّى ثار من الماء دخان على قدر ما شاء اللَّه أن يثور فخلق من ذلك الدخان سماءً صافيةً نقيةً ليس فيها صدع ولا ثقب وذلك قوله « السَّماءُ بَناها * رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها * وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها »(2) قال عليه السلام : ولا شمسٌ ولا قمرٌ ولا نجومٌ ولا سحابٌ ثم طواها فوضعها فوق الأرض ثم نسب الخليقتين فرفع السماء قبل الأرض فذلك قوله عزّ ذكره : « وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها »(3) يقول بسطها ، فقال له الشامي : يا أبا جعفر قول اللَّه تعالى : « أَوَلَمْ يَرَ الَّذينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما »(4) فقال له أبو جعفر عليه السلام : فلعلك تزعم أنهما كانتا رتقاً ملتزقتين ملتصقتين ففتقت إحداهما من الأخرى ، فقال : نعم ، فقال أبو جعفر عليه السلام : « استغفر ربّك فإن قول اللَّه جلّ وعزّ « كانتا رتقاً » يقول : كانت
ص: 63
السماء رتقا لا تنزل المطر وكانت الأرض رتقا لا تنبت الحب فلمّا خلق اللَّه تبارك وتعالى الخلق وبث فيها من كلّ دابة فتق السماء بالمطر والأرض بنبات الحبّ . فقال الشامي : أشهد أنك من ولد الأنبياء وأن علمك علمهم »(1) .
أقول : ولتوجيه الجمع بين كلامه عليه السلام الدال على خلق السماء من الزبد وبين الآية والأخبار الآخر ذكرت وجوه فلتطالب .
قوله عليه السلام : « فسوى منه سبع سماوات » دال على كون السماوات سبعاً وهو ممّا لا ريب فيه ولا خلاف وتطابقه الآيات الشريفة : « فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ »(2) و « فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ »(3) و « وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً »(4) وإنّما الخلاف في الأرض وأنكر بعض من لا يعبأ به كونها سبعاً وظاهر آية الشريفة : « اللَّهُ الَّذي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ »(5) دال على خلافه .
قال الطبرسي رحمه الله في تفسير الآية : أي : خلق من الأرض مثلهنّ في العدد لا في الكيفيّة لأن كيفيّة السماء مخالفة لكيفيّة الأرض وليس في القرآن آية تدلّ على انّ الأرضين سبع مثل السماوات إلّا هذه الآية ولا خلاف في السماوات انّها سماء فوق سماء ، وأمّا الأرضون فقال قوم انها سبع أرضين طباقاً بعضها فوق بعض
ص: 64
كالسماوات ، لأنّها لو كانت مصمتة لكانت أرضاً واحدة وفي كلّ أرض خلق خلقهم اللَّه تعالى كما شاء(1) .
عن أبي ذرّ رحمه الله قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : ما بين الأرض والسماء مسيرة خمسمائة عام وغلظ كلّ سماء مسيرة خمسمائة عام وما بين السماء إلى التي تليها مسيرة خمسمائة عام كذلك إلى السماء السابعة والأرضون مثل ذلك ( الخبر )(2) .
عن ابن مسعود قال : ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام وما بين كلّ سمائين خمسمائة عام وغلظ كلّ سماء وأرض مسيرة خمسمائة عام ( آه )(3) .
عن ابن عبّاس قال : غلظ كلّ أرض خمسمائة عام وبين كلّ أرض إلى أرض خمسمائة عام ، ومن السماء إلى السماء خمسمائة عام ، وغلظ كلّ سماء خمسمائة عام(4) .
في خبر الشامي عن أميرالمؤمنين عليه السلام : وسأله عن سماء الدنيا ممّا هي ؟
قال عليه السلام : « من موج مكفوف »(5) .
ص: 65
قال تعالى : « وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً »(1) .
قال تعالى : « اللَّهُ الَّذي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها »(2) .
عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : قلت . . . واللَّه يقول : « رَفَعَ السماوات بِغَيْرٍ عَمَدٍ تَرَوْنَها » فقال عليه السلام : « سبحان اللَّه أليس اللَّه يقول بغير عمد ترونها ؟ » فقلت : بلى ، فقال عليه السلام : « فثمّ عمد ولكن لا ترونها »(3) .
قال تعالى : « إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزينَةٍ الْكَواكِبِ »(4) .
وقال تعالى : « وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابيحَ »(5) .
عن الصادق عليه السلام انّه قال لرجل من أهل اليمن : ما زحل عندكم في النجوم ؟ فقال اليماني : نجم نجس ، فقال له أبو عبداللَّه عليه السلام : « مَه لا تقولنّ هذا فانه نجم
ص: 66
أميرالمؤمنين عليه السلام وهو نجم الأوصياء عليهم السلام وهو النجم الثاقب الذي قال اللَّه عزّوجلّ في كتابه » ، فقال له اليماني : فما يعني بالثاقب ؟ قال : « ان مطلعه في السماء السابعة وانه ثقب بضوئه حتّى أضاء في السماء الدنيا فمن ثمّ سمّاه اللَّه عزّوجلّ النجم الثاقب »(1) .
قال عليه السلام : « فأجرى فيها سراجاً مستطيراً ، وقمراً منيراً » .
في خبر يزيد بن سلام انه سأل النبي صلى الله عليه وآله ما بال الشمس والقمر لا يستويان في الضوء والنور ؟ قال : « لما خلقهما اللَّه عزّوجلّ أطاعا ولم يعصيا شيئا فأمر اللَّه تعالى جبرئيل عليه السلام أن يمحو ضوء القمر فمحاه فأثر المحو في القمر خطوطاً سوداء ولو أن القمر ترك على حاله بمنزلة الشمس ولم يمح ، لما عرف الليل من النهار ولا النهار من الليل ، ولا علم الصائم كم يصوم ، ولا عرف الناس عدد السنين وذلك قول اللَّه عزّوجلّ « وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ »(2) ، قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني لم سمي الليل ليلا قال : لأنه يلايل الرجال من النساء جعله اللَّه عزّوجلّ ألفة ولباساً وذلك قول اللَّه تعالى : « وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَجَعَلْنَا النَّهارَ
ص: 67
مَعاشاً » ، قال : صدقت يا محمد ( الخبر )(1) .
ومن كتاب ابن جمهور باسناده انّ أميرالمؤمنين عليه السلام لمّا صعد المنبر وقال : سلوني قبل أن تفقدوني ، قال : فقام إليه رجل فسأله عن السواد الذي في القمر ، فقال أعمى سأل عن عمياء أما سمعت أن اللَّه عزّوجلّ يقول : « فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً » فالمحو السواد الذي تراه في القمر إن اللَّه تعالى خلق من نور عرشه شمسين وأمر تعالى جبرائيل فأمر جناحه بالذي سبق من علمه جلّت عظمته لما أراد أن يكون من اختلاف الليل والنهار ، والشمس والقمر وعدد الساعات والأيام والشهور والسنين والدهور والارتحال والنزول والإقبال والإدبار والحج والعمرة ومحل الدين وأجر الأجير وعدة أيام الحمل والمطلقة والمتوفى عنها زوجها وما أشبه ذلك(2) .
قال المجلسي رحمه الله بعد نقل الحديث : بيان « الذي » أي على الذي سبق في علم اللَّه أن يكون قمراً ، والظاهر انّه كان هكذا على أحدهما للذي سبق(3) .
وعن أبي بصير عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى : « فَمَحَونا آيَةَ الليلِ » قال : « هو السواد الذي في جوف القمر »(4) .
فظهر سبب السواد في القمر من فعل جبرئيل وأمر اللَّه سبحانه وتعالى وما ورد عن أبي عبداللَّه عليه السلام : « لمّا خلق اللَّه القمر كتب عليه لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه علي أميرالمؤمنين ، وهو السواد الذي ترونه في القمر »(5) لا ينافي الأخبار
ص: 68
السالفة لجواز أن تكون هذه الكتابة الواقعة في هذا الحديث سبب المحو الواقع في الأحاديث السابقة وتمام هذا الحديث ما رواه الطبرسي عن القاسم بن معاوية قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : هؤلاء يروون حديثاً في معراجهم انّه لما اسري برسول اللَّه صلى الله عليه وآله رأى على العرش لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه أبوبكر الصديق ، فقال : سبحان اللَّه ، غيّروا كلّ شي ء حتّى هذا ؟ قلت : نعم ، قال : انّ اللَّه عزّوجلّ لمّا خلق العرش كتب على قوائمه لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه علي أميرالمؤمنين ولمّا خلق اللَّه عزّوجلّ الماء كتب في مجراه لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه علي أميرالمؤمنين ، ولمّا خلق اللَّه عزّوجل الكرسي كتب على قوائمه لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه علي أميرالمؤمنين ولمّا خلق اللَّه عزّوجلّ اللوح كتب فيه لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه علي أميرالمؤمنين ، ولما خلق اللَّه إسرافيل كتب على جبهته لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه علي أميرالمؤمنين ولما خلق اللَّه جبرئيل كتب على جناحيه لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه علي أميرالمؤمنين ، ولما خلق اللَّه عزّوجلّ السماوات كتب في أكنافها لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه علي أميرالمؤمنين ، ولما خلق اللَّه عزّوجلّ الأرضين كتب في أطباقها لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه علي أميرالمؤمنين ، ولما خلق اللَّه عزّوجلّ الجبال كتب في رؤوسها لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه علي أميرالمؤمنين ، ولما خلق اللَّه عزّوجلّ الشمس كتب عليها لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه علي أميرالمؤمنين ولما خلق اللَّه عزّوجلّ القمر كتب عليه لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه علي أميرالمؤمنين ، وهو السواد الذي ترونه في القمر فإذا قال أحدكم لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه فليقل علي أميرالمؤمنين ولي اللَّه(1) .
ص: 69
عن محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : جعلت فداك لأيّ شي ء صارت الشمس أشدّ حرارة من القمر ؟ فقال : انّ اللَّه خلق الشمس من نور النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا حتى إذا كانت سبعة أطباق ألبسها لباسا من نار فمن ثمّ صارت الشمس أشدّ حرارة القمر . قلت : جعلت فداك والقمر ، قال : إن اللَّه تعالى ذكرُهُ خلق القمر من ضوء النار وصفو الماء طبقاً من هذا وطبقاً من هذا حتى إذا كانت سبعة أطباق ألبسها لباسا من ماء فمن ثَمّ صار القمر أبرد من الشمس(1) .
قال المجلسي قدس سره بعد رواية الحديث : توضيح قوله عليه السلام : حتى إذا كانت سبعة أطباق ، يحتمل أن يكون المعنى أن الطبقة السابعة فيها من نار ، فيكون حرارتها لجهتين ، لكون طبقات النار أكثر بواحدة ، وكون الطبقة العليا من النار ، ويحتمل أن يكون لباس النار طبقة ثامنة ، فتكون الحرارة للجهة الثانية فقط ، وكذا في القمر يحتمل الوجهين ، ثم إنّه يحتمل أن يكون خلقهما من النار والماء الحقيقيين مِنْ صفوهما وألطفهما ، وأن يكون المراد جوهرين لطيفين مشابهين لهما في الكيفية ، ولم يثبت امتناع كون العنصريات في الفلكيات ببرهان وقد دل الشرع على وقوعه في مواضع شتى(2) .
ص: 70
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لجبرئيل : هل زالت الشمس ؟ قال : لا ، نعم ، قال صلى الله عليه وآله : كيف
ص: 71
قلت : لا ، نعم . فقال : من حين قلت لا ، إلى أن قلت نعم ، سارت الشمس مسيرة خمسمائة عام(1) .
وعن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «انّ موسى سأل ربّه أن يعلمه زوال الشمس فوكّل اللَّه بها ملكاً فقال : يا موسى قد زالت الشمس ، فقال موسى : متى ؟ فقال : حين أخبرتك وقد سارت خمسمائة عام واللَّه هو الولي»(2).
وعن أصبغ بن نباتة قال : قال أميرالمؤمنين عليه السلام : «انّ للشمس ثلاثمائة وستين برجاً كلّ برج منها مثل جزيرة من جزائر العرب فتنزل كلّ يوم على برج منها فاذا غابت انتهت إلى حد بطنان العرش فلم تزل ساجدة إلى الغد ثمّ تردّ إلى موضع مطلعها ومعها ملكان يهتفان معها وإن وجهها لأهل السماء وقفاها لأهل الأرض ولو كان وجهها لأهْلِ الأرض لاحترقت الأرضُ ومن عليها من شدّة حرّها ومعنى سجودها ما قال سبحانه وتعالى : « أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثيرٌ مِنَ النَّاسِ »»(3) .(4)
قال المجلسي قدس سره بعد ذكر الحديث : توضيح : « ثلاثمائة وستين برجاً » لعلّ المراد بالبرج الدرجات التي تنتقل إليها بحركاتها الخاصّة ، أو المدارات التي تنتقل إلى واحد منها كلّ يوم ، فيكون هذا العدد مبنيّاً على ما هو الشائع بين الناس من تقدير السنة به وإن لم يكن مطابقاً لشي ء من حركتي الشمس والقمر . « مثل جزيرة
ص: 72
من جزائر العرب » أي نسبتها إلى الفلك نسبة جزيرة من الجزائر إلى الأرض ، أو الغرض التشبيه في أصل العظمة لا خصوص المقدار ، والمقصود بيان سرعة حركتها وإن كانت بطيئة بالنسبة إلى الحركة اليوميّة .
قال الفيروزآبادي : جزيرة العرب ما أحاط به بحر الهند وبحر الشام ثمّ دجلة والفرات ، أو ما بين عدن أبين إلى أطراف الشام طولاً ومن جدّة إلى (1) ريف العراق عرضاً . « فاذا غابت » أي بالحركة اليوميّة « إلى حد بطنان العرش » أي وسطه ، ولعل المراد وصولها إلى دائرة نصف النهار من تحت الأرض فإنها بحذاء أوساط العرش بالنسبة إلى أكثر المعمورة ، إذ ورد في الأخبار أن العرش محاذ للكعبة « فلم تزل ساجدة » أي مطيعة خاضعة منقادة جارية بأمره تعالى « حتى ترد إلى مطلعها » والمراد بمطلعها ما قدّر أن تطلع منه في هذا اليوم ، أو ما طلعت فيه في السنة السابقة في مثله . وقوله « و معنى سجودها » يحتمل أن تكون من تتمة الخبر لبيان أنه ليس المراد بالسجود ما هو المصطلح ، ولعل الأظهر أنه من كلام الكليني أو غيره من الرواة . انتهى(2) .
وقال الصادق عليه السلام للمفضّل : « فَكِّرِ الآْنَ فِي تَنَقُّلِ الشَّمْسِ فِي الْبُرُوجِ الإثْنَيْ عَشَرَ لإِقَامَةِ دَوْرِ السَّنَةِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّدْبِيرِ - إلى أن قال : - انْظُرْ إِلَى شُرُوقِهَا عَلَى الْعَالَمِ كَيْفَ دُبِّرَ أَنْ يَكُونَ ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَبْزُغُ فِي مَوْضِعٍ مِنَ السَّمَاءِ فَتَقِفُ لا تَعْدُوهُ لَمَا وَصَلَ شُعَاعُهَا وَمَنْفَعَتُهَا إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الْجِهَاتِ لأَنَّ الْجِبَالَ وَالْجُدْرَانَ كَانَتْ تَحْجُبُهَا عَنْهَا فَجُعِلَتْ تَطْلُعُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَتَشْرُقُ عَلَى مَا قَابَلَهَا مِنْ
ص: 73
وَجْهِ الْمَغْرِبِ ، ثُمَّ لا تَزَالُ تَدُورُ وَتَمْشِي جِهَةً بَعْدَ جِهَةٍ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَتَشْرُقَ عَلَى مَا اسْتَتَرَ عَنْهَا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَلا يَبْقَى مَوْضِعٌ مِنَ الْمَوَاضِعِ إِلّا أَخَذَ بِقِسْطِهِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ مِنْهَا وَالْإِرْبِ الَّتِي قُدِّرَتْ لَه »(1) .
عن زين العابدين عليه السلام في الخطاب إلى الهلال اذا نظر إليه : «أيها الخلق المطيع ، الدائب السريع ، المتردد في منازل التقدير ، المتصرف في فلك التدبير ، آمنت بمن نوّر بك الظلم ، وأوضح بك البهم ، وجعلك آية من آيات ملكه ، وعلامة من علامات سلطانه ، وامتهنك بالزيادة والنقصان ، والطلوع والأفول ، والإنارة والكسوف ، في كل ذلك أنت له مطيع ، وإلى إرادته سريع ، سبحانه ما أعجب ما دبر في أمرك ، وألطف ما صنع في شأنك ، جعلك مفتاح شهر حادث لأمر حادث »...الخ(2) .
وقال الصادق عليه السلام - بعد ذكر مقدار من حكمه تعالى في الشمس والقمر والنجوم - : « مع ما في ترددها في كبد السماء مقبلة ومدبرة ومشرقة ومغربة من العبر ، فإنها تسير أسرع السير وأحثه ، أرأيت لو كانت الشمس والقمر والنجوم بالقرب منا حتى يتبيّن لنا سرعة سيرها بكنه ما هي عليه ألم تكن تستخطف الأبصار بوهجها وشعاعها ، كالذي يحدث أحيانا من البروق إذا توالت واضطرمت في الجو ، وكذلك أيضا لو أن أناسا كانوا في قبة مكللة بمصابيح تدور حولهم دورانا حثيثا
ص: 74
لحارت أبصارهم حتى يخروا لوجوههم ، فانظر كيف قدّر أن يكون مسيرها في البعد البعيد لكيلا تضر في الأبصار ، وتنكأ فيها وبأسرع السرعة لكيلا تتخلف عن مقدار الحاجة في مسيرها »(1) .
قال تعالى : « أَ وَلَمْ يَرَ الَّذينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما »(2) .
قال أبو عبداللَّه عليه السلام : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « ما من شي ء خلقه اللَّه أكثر من الملائكة وانّه ليهبط في كلّ يوم وفي كلّ ليلة سبعون ألف ملك ، فيأتون البيت الحرام فيطوفون به ، ثمّ يأتون رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ثمّ يأتون أميرالمؤمنين عليه السلام فيسلّمون عليه ، ثمّ يأتون الحسين فيقيمون عنده ، فاذا كان عند السحر وضع لهم معراج إلى السماء ، ثمّ لا يعودون أبداً »(3) .
عن أبي ذرّ رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « اني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون اطت السماء وحق لها أن تئط ، ما فيها موضع أربع أصابع إلّا وملك واضع جبهته للَّه ساجداً »(4) .
ص: 75
عن داود الرقّي قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : « ما خلق اللَّه خلقاً أكثر من الملائكة... »(1) .
وعن حمّاد ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام انه سئل : هل الملائكة أكثر أم بنو آدم ؟ فقال : « والذي نفسي بيده لملائكة اللَّه في السماوات أكثر من عدد التراب في الأرض وما في السماء موضع قدم إلّا وفيها ملك يسبّحه ويقدّسه ، ولا في الأرض شجر ولا مدر إلّا وفيها ملك موكّل بها »(2) .
عن ابن جبير انّ عمر سأل النبي صلى الله عليه وآله عن صلاة الملائكة فلم يردّ عليه شيئاً ، فأتاه جبرئيل ، فقال : انّ أهل السماء الدنيا سجود إلى يوم القيامة يقولون : سبحان ذي الملك والملكوت وأهل السماء الثانية ركوع إلى يوم القيامة يقولون : سبحان ذي العزّة والجبروت ، وأهل السماء الثالثة قيام إلى يوم القيامة يقولون : سبحان الحيّ الذي لا يموت(3) .
وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وآله : « انّ للَّه ملائكة في السماء السابعة سجوداً منذ خلقهم إلى يوم القيامة ترعد فرائصهم من مخافة اللَّه لا تقطر من دموعهم قطرة إلّا صار ملكاً فاذا كان يوم القيامة رفعوا رؤوسهم وقالوا ما عبدناك حقّ عبادتك »(4) .
ص: 76
قال تعالى : « وَالصَّافَّاتِ صَفًّا »(1) وقال تعالى : « وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ »(2) .
قال تعالى : « يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ »(3) .
لمحمّد بن علي بن ابراهيم : سئل أبو عبداللَّه عليه السلام عن الملائكة يأكلون ويشربون وينكحون ؟ فقال : «لا ، انّهم يعيشون بنسيم العرش» ، فقيل له : ما العلّة في نومهم ؟ فقال : «فرقاً بينهم وبين اللَّه عزّوجلّ ، لأنّ الذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو اللَّه»(4) .
أقول : مقتضى الجمع بين الروايات انه لا يأتيهم نوم العيون الموجب للغفلة .
عن داود بن فرقد العطّار قال : قال لي بعض أصحابنا : أخبرني عن الملائكة أينامون ؟ قلت : لا أدري . فقال : يقول اللَّه عزّوجلّ : « يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ »(5) ، ثمّ قال : ألا أطرفك عن أبي عبداللَّه عليه السلام فيه بشي ء ؟ [ قال : ] فقلت : بلى ، فقال : سئل عن ذلك فقال : ما من حيّ إلّا وهو ينام ما خلا اللَّه وحده عزّوجلّ ، والملائكة ينامون ، فقلت : يقول اللَّه عزّوجلّ : « يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ
ص: 77
لا يَفْتُرُونَ »(1) فقال : أنفاسهم تسبيح(2) .
أقول : ان احتسبت الأنفاس تسبيحاً فذلك في البشر أيضاً ممكن وليس بين الملائكة والبشر فرق ولكن اللَّه في مقام بيان اظهار عظمته بخلقه من لا يفتر عبادته فرقاً بينه وبين البشر ، فالتعليل عليل .
قال تعالى : « نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمينُ * عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرينَ »(3) .
الامام زين العابدين عليه السلام : « وجبريل الامين على وحيك ، المطاع في أهل سماواتك ، المكين لديك ، المقرّب عندك »(4) .
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : قال جبرئيل في ليلة المعراج: انّ بين اللَّه وبين خلقه سبعون [تسعين] ألف حجاب وأقرب الخلق إلى اللَّه أنا وإسرافيل »(5) .
وفي الحديث انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال لجبرئيل : ما أحسن ما أثنى عليك ربّك « ذي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكينٍ * مُطاعٍ ثَمَّ أَمينٍ »(6) فما كانت قوّتك ؟ وما كانت أمانتك ؟ فقال : امّا قوّتي ، فانّي بعثت إلى مدائن لوط وهي أربع مدائن ، في
ص: 78
كلّ مدينة أربعمأة ألف مقاتل سوى الذراري فحملتهم من الأرض حتّى سمع أهل السموات أصوات الدجاج ونباح الكلاب ، ثمّ هويت بهنّ فقلبتهن وأما امانتي فاني لم أؤمر بشي ء فعدوته إلى غيره(1) .
وعن ابن عبّاس قال عبداللَّه بن سلام للنبيّ صلى الله عليه وآله فيما سأله : من أخبرك ؟ قال النبي صلى الله عليه وآله : جبرئيل ، قال : عمّن ؟ [ قال ] قال : عن ميكائيل قال : عمّن [ قال ]قال : عن إسرافيل ، قال : عمّن ؟ [ قال ] قال : عن اللوح المحفوظ ، قال : عمّن ؟ قال : عن القلم ، قال : عمّن ؟ قال : قال : عن ربّ العالمين ، قال : صدقت يا محمّد(2) .
وعن علي بن بلال ، عن علي بن موسى الرضا ، عن موسى بن جعفر ، عن جعفر بن محمّد ، عن محمّد بن علي ، عن عليّ بن الحسين ، عن الحسين بن علي ، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله ، عن جبرئيل ، عن ميكائيل ، عن اسرافيل ، عن اللوح ، عن القلم ، قال : يقول اللَّه تبارك وتعالى : « ولاية عليّ بن أبي طالب حصني فمن دخل حصني أمن ناري »(3) .
وانّ جبرئيل قال لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله في وصف اسرافيل : انّ هذا حاجب الربّ ، وأقرب خلق اللَّه منه ، واللوح بين عينيه من ياقوتة حمراء ، فاذا تكلّم الرب تبارك وتعالى بالوحي ضرب اللوح جبينه فنظر فيه ، ثمّ يلقيه إلينا فنسعى به في السماوات والأرض(4) .
ص: 79
روى انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال لجبرئيل : « من أين تأخذ الوحي ؟ » فقال : آخذه من إسرافيل ، فقال : « ومن أين يأخذه اسرافيل ؟ » قال : يأخذه من ملك فوقه من الروحانيّين ، قال : « فمن أين يأخذه ذلك الملك ؟ » قال : يقذف في قلبه قذفاً(1) .
قال تعالى : « جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً »(2) .
في كلامه عليه السلام احتمالان : أمّا الاحتمال الأوّل :
ففي : « فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً »(3) روى في « مجمع البيان » عن عبدالرحمان بن سابط انّ المراد بالمدبّرات جبرئيل وميكائيل وملك الموت وإسرافيل عليهم السلام ، يدبّرون أُمور الدنيا ، فأمّا جبرئيل فموكّل بالرياح والجنود ، وامّا ميكائيل فموكّل بالقطر والنبات ، وأمّا ملك الموت فموكّل بقبض الأنفس ، وأمّا اسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم(4) .
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام : سئل عن قول اللَّه : « يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ »(5) قال عليه السلام : « إنّ ذلك الكتاب كتاب يمحو اللَّه فيه ما يشاء ويثبت ، فمن
ص: 80
ذلك الذي يردّ الدعاء القضاء ، وذلك الدعاء مكتوب عليه الذي يردّ به القضاء حتّى اذا صار إلى أُمّ الكتاب لم يغن الدعاء فيه شيئاً »(1) .
وروى زرارة ، عن حمران ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « هما أمران : موقوف ومحتوم ، فما كان من محتوم امضاه ، وما كان من موقوف فله فيه المشيئة يقضي فيه ما يشاء »(2) .
وأمّا الاحتمال الثاني :
فعن الصادق عليه السلام : « إذا كان ليلة القدر نزلت الملائكة والروح والكتبة إلى سماء الدنيا فكتبوا ما يكون من قضاء اللَّه تعالى تلك السنة فاذا أراد اللَّه أن يقدم شيئاً أو يؤخّره أو ينقص شيئاً أمر الملك أن يمحو ما يشاء ثمّ أثبت الذي أراد »(3) .
وعن أبي جعفر عليه السلام قال : « قال اللَّه عزّوجلّ في ليلة القدر - فيها يفرق كلّ أمر حكيم - يقول ينزل فيها كلّ أمر حكيم ، والمحكم ليس بشيئين إنّما هو شي ء واحد فمن حكم بما ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم اللَّه عزّوجلّ ، ومن حكم بأمر فيه اختلاف فرأى انه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت انه لينزل في ليلة القدر إلى وليّ الأمر تفسير الأُمور سنةً سنةً يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا وكذا ، وفي أمر الناس بكذا وكذا ، وانّه ليحدث لوليّ الأمر سوى ذلك كلّ يوم علم اللَّه عزّوجلّ الخاص والمكنون العجيب المخزون - مثل ما ينزل في تلك الليلة من الأمر ثمّ قرأ « وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ
ص: 81
كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزيزٌ حَكيمٌ »(1) »(2) .
وعن حمران ، عن أبي جعفر عليه السلام انه قال : « يقدر في ليلة القدر كلّ شي ء يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل من خير أو شرّ أو طاعة أو معصية أو مولود أو أجل أو رزقٍ ، فما قدر في تلك الليلة وقضى فهو من المحتوم وللَّه فيه المشيّة »(3) .
قال أبو جعفر عليه السلام - في حديث طويل - : « إذا أتت ليلة القدر فيهبط فيها من الملائكة إلى وليّ الأمر ( اه ) »(4) .
روى عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « الروح هو أعظم من جبرئيل ، انّ جبرئيل من الملائكة وانّ الروح هو خلق أعظم من الملائكة ، أليس يقول اللَّه تبارك وتعالى : تنزّل الملائكة والروح »(5) .
عن سعد الاسكاف قال : أتى رجل أميرالمؤمنين عليه السلام يسأله عن الروح أليس هو جبرئيل ؟ فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام : « جبرئيل من الملائكة ، والروح غير جبرئيل فكرّر ذلك على الرجل » ، فقال له : لقد قلت عظيماً من القول ما أحد يزعم انّ
ص: 82
الروح غير جبرئيل .
فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام : « انّك ضال تروي عن أهل الضلال يقول اللَّه تعالى لنبيّة صلى الله عليه وآله : « أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ »(1) والروح غير الملائكة صلوات اللَّه عليهم »(2) .
وأيضاً روى عن أميرالمؤمنين : « انّ له سبعين ألف وجه لكلّ وجه سبعون ألف لسان ، لكلّ لسان سبعون ألف لغة ، يسبّح اللَّه بتلك اللغات كلّها ، يخلق اللَّه تعالى بكلّ تسبيحة ملكاً يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة ، ولم يخلق اللَّه خلقاً أعظم من الروح غير العرش ، ولو شاء أن يبلع السماوات والأرضين السبع بلقمة واحدة لفعل »(3) .
وقوله تعالى : « لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ »(1) انّها قرئت عند أبي عبداللَّه عليه السلام فقال لقارئها : « ألستم عرباً ؟ كيف تكون المعقبات من بين يديه وإنّما المعقب من خلفه ؟ » فقال الرجل : جعلت فداك كيف هذا ؟ فقال : « إنّما نزلت : « لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ » ومن الذي يقدر أن يحفظ الشي ء من أمر اللَّه ؟ ! وهم الملائكة الموكّلون بالناس »(2) .
وعن أبي جعفر عليه السلام في قوله : « لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ »(3) يقول : بأمر اللَّه من أن يقع في ركيّ أو يقع عليه حائط أو يصيبه شي ء حتّى اذا جاء القدر خلّوا بينه وبينه يدفعونه إلى المقادير ، وهما ملكان يحفظانه بالليل ، وملكان يحفظانه بالنهار يتعاقبان(4) .
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام في قوله : « يحفظونه من أمر اللَّه » ثمّ قال : «ما من عبد إلّا ومعه ملكان يحفظانه ، فاذا جاء الأمر من عند اللَّه خلّيا بينه وبين أمر اللَّه»(5) .
هذا اذا اريد بقوله عليه السلام : « الحفظة لعباده » الحفظة لأنفسهم ، ويمكن أن يراد به الأعم منها ومن الحفظة لأعمالهم .
عن هشام بن الحكم قال : سأل الزنديق [ فيما سأل ] أبا عبداللَّه عليه السلام فقال : ما علّة الملائكة الموكّلين بعباده يكتبون عليهم ولهم واللَّه عالم السرّ وما هو أخفى ؟ قال :
ص: 84
« استعبدهم بذلك وجعلهم شهوداً على خلقه ، ليكون العباد لملازمتهم ايّاهم أشدّ على طاعة اللَّه مواظبة ، أو عن معصية أشدّ انقباضاً ، وكم من عبدٍ يهمّ بمعصية فذكر مكانها فارعوى وكفّ ، فيقول : ربّي يراني وحفظتي عليّ بذلك تشهد ، وانّ اللَّه برأفته ولطفه أيضاً وكّلهم بعباده ، يذبّون عنهم مردة الشياطين وهوامّ الأرض ، وآفات كثيرة من حيث لا يرون باذن اللَّه إلى أن يجي ء أمر اللَّه عزّوجلّ »(1) .
جاء رجل من مراد إلى علي عليه السلام فقال له : يا اميرالمؤمنين احترس فان هنا قوماً يريدون قتلك ، فقال : « إنّ لكلّ انسان ملكين يحفظانه فاذا جاء القدر خلياه »(2) .
قال الخوئي رحمه الله : وأمّا أبوابها فثمانية أيضاً على ما في بعض كتب الأخبار : الباب الأوّل : اسمه التوبة ، والثاني : الزكاة ، والثالث : الصلاة ، والرابع الأمر والنهي ، والخامس : الحج ، والسادس : الورع ، والسابع : الجهاد ، والثامن : الصبر(1) .
عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في أبواب الجنّة : « باب الرحمة ، باب الصبر ، باب الشكر ، باب البلاء »(2) .
عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « وللجنّة باب يقال له : الريّان »(3) .
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « للجنّة باب يقال باب المجاهدون »(4) .
عن أبي عبداللَّه ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن علي عليهم السلام قال : « إنّ للجنّة ثمانية أبواب ، باب يدخل منه النبيّون والصدّيقون ، وباب يدخل منه الشهداء والصالحون ، وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبّونا ، فلا أزال واقفاً على الصراط أدعو وأقول : ربّ سلّم شيعتي ومحبّي وأنصاري ومن تولّاني في دار الدنيا فاذا النداء من بطنان العرش قد اجيبت دعوتك وشفّعت في شيعتك ويشفع كلّ رجل من شيعتي ومن تولّاني ونصرني وحارب من حاربني بفعل أو قول في سبعين ألف من جيرانه وأقربائه ، وباب يدخل منه سائر المسلمين ممّن شهد أن لا
ص: 86
إله إلّا اللَّه ولم يكن في قلبه مقدار ذرّة من بغضنا أهل البيت »(1) .
وعن أبي جعفر عليه السلام قال : « أحسنوا الظنّ باللَّه ، واعلموا انّ للجنّة ثمانية أبواب عرض كلّ باب منها مسيرة أربعين سنة »(2) .
في الأنوار في حديث المحشر : فاذا أتوا إلى رضوان اللَّه هو جالس على باب الجنّة ومعه سبعون ألف ملك ، مع كلّ ملك سبعون ألف ملك فينظر إليهم وهم في أقبح صورة من سواد البدن وطول الشعر وكونهم عزلا بلا ختان ، فيقال لهم : كيف يدخلون الجنّة ويعانقون الحور العين على هذه الهيئة ؟ فيأمر جماعة من الملائكة الواقفين أمامه فيذهبون بالمؤمنين إلى عين ماء عند جدار الجنّة ، وهي عين الحياة فاذا اغتسلوا فيها صار وجه كلّ واحد منهم كالبدر في تمامه وتسقط شعورهم وغلفهم وتبيض قلوبهم من النفاق والحسد والكذب والأوصاف الذميمة حتّى لا يتحاسدوا في الجنّة بعلوّ الدرجات والتفاوت في المراتب ، فيصير كلّ واحدٍ منهم بصورة ابن أربعة عشر سنة ، ويعطى حسن يوسف ، وصوت داود ، وصبر أيّوب ، فاذا أتوا إلى باب الجنّة وجدوا على بابها حلقة تطنّ عند كلّ من يدخلها وتقول في طنينها : « يا عليّ » لكنّها تطنّ عند كلّ واحد بطنين خاص ليس كالطنين الآخر ، فيعرف بذلك الطنين أهل المؤمن في منازله وخدمه والحور العين ان هذا فلان فيأتون لاستقباله هذا(3) .
ص: 87
وعن أبي جعفر عليه السلام قال : « إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله سُئل عن قول اللَّه عزّوجلّ « يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً »(1) فقال : يا علي انّ الوفد لا يكونون إلّا ركباناً اولئك رجال اتّقوا اللَّه فأحبّهم اللَّه واختصّهم ورضى أعمالهم فسمّاهم المتّقين ثمّ قال له : يا علي أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة انّهم ليخرجون من قبورهم وانّ الملائكة لتستقبلهم بنوق من نوق العز عليها رحائل الذهب مكلّلة بالدرّ والياقوت وجلائلها الاستبرق والسندس ، وخطمها جدل الأرجوان ، تطير بهم إلى المحشر مع كلّ رجل منهم ألف ملك من قُدّامه وعن يمينه وعن شماله ، يزفّونهم زفّاً حتّى ينتهوا بهم إلى باب الجنّة الأعظم وعلى باب الجنّة شجرة ان الورقة منها ليستظل تحتها ألف رجل من الناس وعن يمين الشجرة عين مطهّرة مزكّية ، قال فيسقون منها شربة فيطهّر اللَّه بها قلوبهم من الحسد ويُسقط من أبشارهم الشعر وذلك قول اللَّه عزّوجلّ « وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً »(2) من تلك العين المطهّرة . قال : ثمّ ينصرفون إلى عين اُخرى عن يسار الشجرة فيغتسلون فيها وهي عين الحياة فلا يموتون أبداً . قال : ثمّ يوقف بهم قدّام العرش وقد سلموا من الآفات والأسقام والحر والبرد أبدا .
قال : فيقول الجبار جلّ ذكره للملائكة الذين معهم : احشروا أوليائي إلى الجنة ولا توقفوهم مع الخلائق ، فقد سبق رضاي عنهم ووجبت رحمتي لهم ، وكيف أريد أن أوقفهم مع أصحاب الحسنات والسيئات .
قال : فتسوقهم الملائكة إلى الجنة فإذا انتهوا بهم إلى باب الجنة الأعظم ضرب
ص: 88
الملائكة الحلقة ضربة فتصر صريرا فيبلغ صوت صريرها كل حوراء أعدّها اللَّه عزّوجلّ لأوليائه في الجنان ، فيتباشرن بهم إذا سمعن صرير الحلقة فيقول بعضهن لبعض : قد جاءنا أولياء اللَّه ، فيفتح لهم الباب فيدخلون الجنة وتشرف عليهم أزواجهم من الحور العين والآدميين فيقلن : مرحبا بكم فما كان أشد شوقنا إليكم، ويقول لهن أولياء اللَّه مثل ذلك .
فقال علي عليه السلام : يا رسول اللَّه أخبرنا عن قول اللَّه جلّ وعزّ : « غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ »(1) بما ذا بنيت يا رسول اللَّه ؟
فقال : يا علي تلك غرف بناها اللَّه عزّوجلّ لأوليائه بالدرّ والياقوت والزبرجد سقوفها الذهب محبوكة بالفضة لكل غرفة منها ألف باب من ذهب على كل باب منها ملك موكل به وفيها فرش مرفوعة بعضها فوق بعض من الحرير والديباج بألوان مختلفة وحشوها المسك والعنبر والكافور وذلك قول اللَّه عزّوجلّ : « وَ فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ »، إذا أدخل المؤمن إلى منازله في الجنة ووضع على رأسه تاج الملك والكرامة وألبس حلل الذهب والفضة والياقوت والدر منظوما في الإكليل تحت التاج ، قال : وألبس سبعين حلة حرير بألوان مختلفة وضروب مختلفة منسوجة بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت الأحمر فذلك قوله عزّوجلّ : « يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ »، فإذا جلس المؤمن على سريره اهتز سريره فرحا فإذا استقرت لولي اللَّه جلّ وعزّ منازله في الجنان استأذن عليه الملك الموكل بجنانه ليهنيه بكرامة اللَّه عزّوجلّ إياه فيقول له خدام المؤمن من الوصفاء والوصائف : مكانك فإن ولي اللَّه قد اتكأ على أريكته وزوجته
ص: 89
الحوراء تهيّأ له فاصبر لولي اللَّه ، قال : فتخرج عليه زوجته الحوراء من خيمة لها تمشي مقبلة وحولها وصفائفها وعليها سبعون حلة منسوجة بالياقوت واللؤلؤ والزبرجد وهي من مسك وعنبر وعلى رأسها تاج الكرامة وعليها نعلان من ذهب مكلّلتان بالياقوت واللؤلؤ ، شراكهما ياقوت أحمر ، فإذا دنت من ولي اللَّه فهمّ أن يقوم إليها شوقا فتقول له : يا ولي اللَّه ليس هذا يوم تعب ولا نصب ، فلا تقم أنا لك وأنت لي ، قال : فيعتنقان مقدار خمسمائة عام من أعوام الدنيا لا يملّها ولا تملّه ، قال : فاذا فتر بعض الفتور من غير ملالة نظر إلى عنقها فإذا عليها قلائد من قصب من ياقوت أحمر وسطها لوح صفحته درّة مكتوب فيها : أنت يا ولي اللَّه حبيبي وأنا الحوراء حبيبتك إليك ، تناهت نفسي وإليّ تناهت نفسك ثم يبعث اللَّه إليه ألف ملك يهنئونه بالجنة ويزوّجونه بالحوراء ، قال : فينتهون إلى أول باب من جنانه فيقولون للملك الموكل بأبواب جنانه : استأذن لنا على ولي اللَّه فإن اللَّه بعثنا إليه نهنّئه ، فيقول لهم الملك : حتى أقول للحاجب فيعلمه بمكانكم ، قال : فيدخل الملك إلى الحاجب وبينه وبين الحاجب ثلاث جنان حتى ينتهي إلى أول باب فيقول للحاجب : إن على باب العرصة ألف ملك أرسلهم رب العالمين تبارك وتعالى ليهنئوا وليّ اللَّه وقد سألوا أن آذن لهم عليه ، فيقول الحاجب : إنه ليعظم عليّ أن أستأذن لأحد على وليّ اللَّه وهو مع زوجته الحوراء ، قال : وبين الحاجب وبين ولي اللَّه جنّتان ، قال : فيدخل الحاجب إلى القيّم فيقول له : إن على باب العرصة ألف ملك أرسلهم رب العزّة يهنئون وليّ اللَّه فاستأذن لهم، فيتقدم القيّم إلى الخدّام فيقول لهم : إنّ رسل الجبّار على باب العرصة وهم ألف ملك أرسلهم اللَّه يهنئون ولي اللَّه فأعلموه بمكانهم ، قال : فيعلمونه فيؤذن للملائكة فيدخلون على ولي اللَّه
ص: 90
وهو في الغرفة ولها ألف باب وعلى كل باب من أبوابها ملك موكّل به فإذا أذن للملائكة بالدخول على ولي اللَّه فتح كل ملك بابه الموكّل به ، قال : فيدخل القيّم كل ملك من باب من أبواب الغرفة ، قال : فيبلغونه رسالة الجبّار جلّ وعزّ قول اللَّه تعالى : « وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ » سَلامٌ عَلَيْكُمْ - إلى آخر الآية - قال : وذلك قوله جلّ وعزّ : « وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً » يعني بذلك ولي اللَّه وما هو فيه من الكرامة والنعيم والملك العظيم الكبير ، إنّ الملائكة من رسل اللَّه عزّ ذكره يستأذنون [ في الدخول ] عليه فلا يدخلون عليه إلا بإذنه ، فلذلك الملك العظيم الكبير ، الحديث(1) .
عن زيد بن وهب قال : سئل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عن قدرة اللَّه تعالى جلّت عظمته ، فقام خطيبا فحمد اللَّه وأثنى عليه ، ثم قال : «إن للَّه تبارك وتعالى ملائكة لو أن ملكاً منهم هبط إلى الأرض ما وسعته لعظم خلقه وكثرة أجنحته ومنهم من لو كلّفت الجن والإنس أن يصفوه ما وصفوه لبُعد ما بين مفاصله وحسن تركيب صورته ، وكيف يوصف من ملائكته من سبعمائة عام ما بين منكبيه وشحمة أذنيه ، ومنهم من يسد الأفق بجناح من أجنحته دون عظم بدنه ، ومنهم من السماوات إلى حُجزته ومنهم من قدمه على غير قرار في جو الهواء الأسفل والأرضون إلى ركبتيه ، ومنهم من لو ألقي في نقرة إبهامه جميع المياه لوسعتها ،
ص: 91
ومنهم من لو ألقيت السفن في دموع عينيه لجرت دهر الداهرين»(1) .
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « إنّ للَّه ملكاً ما بين شفرى عينيه مسيرة مائة عام »(2) .
وعن جابر انّ النبي صلى الله عليه وآله قال : « اذن لي أن اُحدّث عن ملك من ملائكة اللَّه من حملة العرش ما بين شحمة اذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام »(3) .
وقال الصادق عليه السلام : « انّ للَّه ملكاً بُعد ما بين شحمة اذنه(4) إلى عينيه مسيرة خمسمائة عام خفقان الطير »(5) .
عن أبي عبداللَّه عليه السلام في خبر المعراج قال النبي صلى الله عليه وآله : « ثمّ صعدنا إلى السماء السابعة - إلى أن قال - : وملكاً من ملائكة اللَّه خلقه كما أراد رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ، ثمّ أقبل مصعداً حتّى خرج في الهواء إلى السماء السابعة ، وانتهى فيها مصعداً حتّى استقرّ(6) قرنه إلى قرب العرش وهو يقول : سبحان ربي - إلى أن قال - : وله جناحان في منكبيه إذا نشرهما جاوزا المشرق والمغرب »(7)
قال تعالى : « وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ »(8) .
ص: 92
عن حمّاد قال : خلق اللَّه العرش من زمرّدة خضراء ، وخلق له أربع قوائم من ياقوتة حمراء ، وخلق له ألف لسان ، وخلق في الأرض ألف امّة ، كلّ امّة تسبّح اللَّه بلسان من ألسن العرش(1) .
وروى جعفر بن محمّد عن أبيه ، عن جدّه عليهم السلام انّه قال : «في العرش تمثال جميع ما خلق اللَّه في البر والبحر قال وهذا تأويل قوله : « وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ » وإنّ بين القائمة من قوائم العرش والقائمة الثانية خفقان الطير المسرع مسيرة ألف عام ، والعرش يكسى كل يوم سبعين ألف لون من النور لا يستطيع أن ينظر إليه خلق من خلق اللَّه ، والأشياء كلها في العرش كحلقة في فلاة ، وإن للَّه ملكا يقال له : حزقائيل له ثمانية عشر ألف جناح ، ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام ، فخطر له خاطر هل فوق العرش شي ء ؟ فزاده اللَّه مثلها أجنحة أخرى ، فكان له ست وثلاثون ألف جناح ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام ، ثم أوحى اللَّه أيها الملك طِرْ ، فطار مقدار عشرين ألف عام لم ينل رأسه قائمة من قوائم العرش ، ثم ضاعف اللَّه له في الجناح والقوة وأمره أن يطير ، فطار مقدار ثلاثين ألف عام لم ينل أيضا ، فأوحى اللَّه إليه أيها الملك لو طرت إلى نفخ الصور مع أجنحتك وقوتك لم تبلغ إلى ساق العرش ، فقال الملك : « سبحان ربي الأعلى » فأنزل اللَّه عزّوجلّ : « سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى »(2) فقال النبي صلى الله عليه وآله : اجعلوها في سجودكم»(3)
وقال ابن عبّاس : سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول : « إن للَّه تبارك وتعالى ملكاً يقال
ص: 93
له : دردائيل كان له ستة عشر ألف جناح ، ما بين الجناح إلى الجناح هواء والهواء كما بين السماء إلى الأرض ، فجعل يوما يقول في نفسه : أفوق ربنا جلّ جلاله شي ء ؟ فعلم اللَّه تبارك وتعالى ما قال ، فزاده أجنحة مثلها فصار له اثنان وثلاثون ألف جناح ، ثم أوحى اللَّه عزّوجلّ إليه أن طر ، فطار مقدار خمسين(1) عاماً فلم ينل رأس قائمة من قوام العرش فلما علم اللَّه عزّوجلّ إتعابه أوحى إليه أيها الملك عد إلى مكانك فأنا عظيم فوق كل عظيم وليس فوقي شي ء ولا أوصف بمكان فسلبه اللَّه أجنحته ومقامه من صفوف الملائكة(2) فلما ولد الحسين بن علي عليه السلام هبط جبرئيل في ألف قبيل من الملائكة لتهنئة النبي صلى الله عليه وآله فمرّ بدردائيل ، فقال له : سل النبيّ بحقّ مولوده أن يشفع لي عند ربّي ، فدعا له النبيّ صلى الله عليه وآله بحقّ الحسين عليه السلام فاستجاب اللَّه دعائه وغفر للملك [ وردّ عليه أجنحة وردّه إلى صفوف الملائكة (3)] .
هذا اذا اريد بقوله عليه السلام : « والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم » إمّا القرب وإمّا الشباهة في العظم ويمكن أن يراد به التّماسّ فالمراد بهم حملة العرش، بل هذا هو الظاهر بملاحظة انّ الأوصاف المذكورة في كلامه عليه السلام قد أثبتت في الأخبار الكثيرة على هؤلاء الطائفة(4) مثل ما روى عن ابن عبّاس في تفسير قوله تعالى : « وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ »(5) قال : يقال ثمانية صفوف من
ص: 94
الملائكة لا يعلم عدّتهم إلّا اللَّه ، ويقال ثمانية أملاك رؤوسهم تحت العرش في السماء السابقة ، وأقدامهم في الأرض السفلى ، ولهم قرون كقرون الوعلة ما بين أصل قرن أحدهم إلى منتهاه خمسمائة عام(1) .
وعن حفص بن غياث النخعي قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : « إنّ حملة العرش ثمانية ، لكلّ واحد منهم ثمانية أعين ، كلّ عين طباق الدنيا »(2) .
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « إن اللَّه عزّوجلّ لما خلق العرش خلق له ثلاثمائة وستين ألف ركن، وخلق عند كل ركن ثلاثمائة وستين ألف ملك، لو أذن اللَّه تعالى لأصغرهم فالتقم السماوات السبع والأرضين السبع ما كان ذلك بين لهواته إلّا كالرملة في المفازة الفضفاضة ، فقال اللَّه تعالى لهم : يا عبادي احملوا عرشي هذا، فتعاطوه فلم يطيقوا حمله ولا تحريكه ، فخلق اللَّه تعالى مع كل واحد منهم واحداً، فلم يقدروا أن يزعزعوه ، فخلق اللَّه مع كل واحد منهم عشرة، فلم يقدروا أن يحركوه ، فخلق اللَّه تعالى بعدد كل واحد منهم، مثل جماعتهم فلم يقدروا أن يحركوه ، فقال اللَّه عزّوجلّ لجميعهم : خلّوه عليّ أمسكه بقدرتي ، فخلوه فأمسكه اللَّه عزّوجلّ بقدرته. ثم قال لثمانية منهم : احملوه أنتم ، فقالوا يا ربنا لم نطقه نحن وهذا الخلق الكثير والجمّ الغفير، فكيف نطيقه الآن دونهم ؟ فقال اللَّه عزّوجلّ إنّي أنا اللَّه المقرب للبعيد، والمذلل للعنيد والمخفف للشديد والمسهل للعسير، أفعل ما أشاء وأحكم [ ب ] ما أريد، أعلمكم كلمات تقولونها يخفف بها عليكم. قالوا وما هي يا ربنا ؟ قال : تقولون « بسم اللَّه الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلّا باللَّه العلي
ص: 95
العظيم وصلى اللَّه على محمد وآله الطيبين ». فقالوها فحملوه وخفّ على كواهلهم كشعرة نابتة على كاهل رجل جلد قويّ. فقال اللَّه عزّوجلّ لسائر تلك الأملاك : خلّوا على [ كواهل ] هؤلاء الثمانية عرشي ليحملوه وطوفوا أنتم حوله، وسبّحوني ومجّدوني وقدّسوني، فإني أنا اللَّه القادر على ما رأيتم و[ أنا ] على كل شي ء قدير »(1)
وعن وهب قال : حملة العرش اليوم أربعة ، فاذا كان يوم القيامة ايّدوا بأربعة آخرين ، ملك منهم في صورة انسان يشفع لبني آدم في أرزاقهم ، وملك في صورة نسر يشفع للطير في أرزاقهم ، وملك في صورة ثور يشفع للبهائم في أرزاقها ، وملك في صورة أسد يشفع للسباع في أرزاقها ، فلمّا حملوا العرش وقعوا على ركبهم من عظمة اللَّه فلقّنوا « لا حول ولا قوّة إلّا باللَّه » فاستووا قياماً على أرجلهم(2) .
وعن ابن زيد قال : لم يسمّ من حملة العرش إلّا إسرافيل(3) .
وعن هارون بن رئاب قال : حملة العرش ثمانية يتجاوبون بصوت رخيم يقول أربعة منهم : « سبحانك وبحمدك على حلمك بعد علمك » ، وأربعة منهم يقولون : « سبحانك وبحمدك على عفوك بعد قدرتك »(4) .
لكن ورد في بعض الأخبار بأنّ : حملة العرش ثمانية : أربعة من الأوّلين وأربعة من الآخرين ، فأمّا الأربعة من الأوّلين : فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام وأمّا
ص: 96
الأربعة من الآخرين : فمحمّد وعلي والحسن والحسين صلوات اللَّه عليهم(1) وليكن لا تنافي بينها لأنّ العرش في الأخبار الأوله الجسم المحيط بالمخلوقات وفي هذه الأخبار هو العلم كما صرّح الصدوق به في اعتقاداته حيث قال : وإنّما صار هؤلاء حملة العرش الذي هو العلم لأنّ الأنبياء الذين كانوا قبل نبيّنا صلّى اللَّه عليه وآله كانوا على شرايع الأربعة : نوح وابراهيم وموسى وعيسى ، ومن قبل هؤلاء صارت العلوم إليهم ، وكذلك صار العلم من بعد محمّد وعلي والحسن والحسين - عليهم السلام - إلى من بعد الحسين من الأئمّة عليهم السلام(2) .
أمّا لكثرة نور العرش وأمّا لزيادة الخوف ويدلّ على الأوّل ما روى عن ميسرة قال : ثمانية ، أرجلهم في التخوم ، ورؤوسهم عند العرش ، لا يستطيعون أن يرفعوا أبصارهم من شعاع النور(3) .
ويدلّ على الثاني ما روى عنه أيضاً قال : حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم قد خرقت العرش ، وهم خشوع لا يرفعون طرفهم ، وهم أشدّ خوفاً من أهل السماء السابعة ، وأهل السماء السابعة أشدّ خوفاً من أهل السماء التي تليها ، والتي تليها أشدّ خوفاً من التي تليها(4) .
وفي دعاء الصحيفة السجاديّة على داعيه أفضل السلام والتحيّة في وصف
ص: 97
الملائكة : الخشع الأبصار فلا يرمون النظر إليك ، النواكس الأذقان ، الذين قد طالت رغبتهم فيما لديك(1) .
وعن وهب ، عن ابن عبّاس ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « إنّ للَّه تبارك وتعالى ملائكة ليس شي ء من أطباق أجسادهم إلّا وهو يسبّح اللَّه عزّوجلّ ويُحمّده من ناحية بأصوات مختلفة لا يرفعون رؤوسهم إلى السماء ولا يخفضونها إلى أقدامهم من البكاء والخشية للَّه عزّوجلّ »(2) .
عن وهب بن منبّه قال : إنّ لكلّ ملك من حملة العرش ومن حوله أربعة أجنحة ، أمّا جناحان فعلى وجهه مخافة أن ينظر إلى العرش فيصعق وأمّا جناحان فيفهو بهما ، ليس لهم كلام إلّا التسبيح والتحميد(3) .
وقال الزمخشري : مرّ بي في بعض الكتب انّ صنفاً من الملائكة عليهم السلام لهم ستّة أجنحة : فجناحان يلفون بهما أجسادهم ، وجناحان يطيرون بهما في أمرين من أُمور اللَّه تعالى ، وجناحان مرخيان على وجوههم حياء من اللَّه عزّوجلّ(4) وحينئذٍ فكلّ جناحين لغرض مخصوص ، وبه يظهر فائدة الجناح الثالث المشار إليه في قوله سبحانه : « أُولي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ »(5) . ثمّ انّ هذا في جانب القلّة ، وأمّا في جانب الكثرة فيزيد اللَّه سبحانه فيهم ما يشاء وهو على كلّ شي ء قدير(6) .
ص: 98
عن عاصم بن حميد عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : ذاكرتُ أبا عبداللَّه عليه السلام فيما يروون من الرؤية ، فقال : « الشمس جزء من سبعين جزءاً من نور الكرسي ، والكرسي جزء من سبعين جزءاً من نور العرش ، والعرش جزء من سبعين جزءاً من نور الحجاب ، والحجاب جزء من سبعين جزءاً من نور الستر » - الخبر -(1) .
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : قال جبرئيل في ليلة المعراج : إنّ بين اللَّه وبين خلقه تسعين ألف حجاب ، وأقرب الخلق إلى اللَّه أنا وإسرافيل ، وبيننا وبينه أربعة حُجُب »(2) .
منهم المقرّبون كقوله تعالى : « لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ »(3) ومنهم الحاملون للعرش كقوله تعالى : « الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ »(4) وقوله تعالى : « يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ »(5) ومنهم الكرام الكاتبين كقوله تعالى : « وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ»(6) ومنهم ملائكة الجنّة كقوله تعالى : « وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ »(7) ومنهم ملائكة النار كقوله تعالى :
ص: 99
« عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ »(1) أعاذنا اللَّه منها بحقّ محمّد وآله الطاهرين .
قال اللَّه تعالى : « وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَليفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ »(2) .
في خبر ابن سلام انّه سئل النبي صلى الله عليه وآله عن آدم لِمَ سمّي آدم ؟ قال صلى الله عليه وآله : « لأنّه خلق من طين الأرض وأديمها » ، قال : فآدم خلق من طين كلّه أو طينٍ واحد ؟ قال صلى الله عليه وآله : « بَلْ مِنَ الطِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ خُلِقَ مِنْ طِينٍ وَاحِدٍ لَمَا عَرَفَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَكَانُوا عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ » قال : فلهم في الدنيا مثل ؟ قال : « التُّرَابُ فِيهِ أَبْيَضُ ، وَفِيهِ أَخْضَرُ ، وَفِيهِ أَشْقَرُ ، وَفِيهِ أَغْبَرُ ، وَفِيهِ أَحْمَرُ ، وَفِيهِ أَزْرَقُ ، وَفِيهِ عَذْبٌ ، وَفِيهِ مِلْحٌ ، وَفِيهِ خَشِنٌ ، وَفِيهِ لَيِّنٌ ، وَفِيهِ أَصْهَبُ ، فَلِذَلِكَ صَارَ النَّاسُ فِيهِمْ لَيِّنٌ ، وَفِيهِمْ خَشِنٌ ، وَفِيهِمْ أَبْيَضُ ، وَفِيهِمْ أَصْفَرُ ، وَأَحْمَرُ ، وَأَصْهَبُ ، وَأَسْوَدُ عَلَى أَلْوَانِ التُّرَاب » ، انتهى موضع الحاجة منه(3) .
أتى علي بن أبي طالب عليه السلام يهودي فقال : لِمَ سمّي آدم آدم ؟ فقال عليه السلام : « إِنَّمَا سُمِّيَ آدَمُ آدَمَ لأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَعَثَ جَبْرَئِيلَ عليه السلام وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ بِأَرْبَعِ طِينَاتٍ ، طِينَةٍ بَيْضَاءَ ، وَطِينَةٍ
ص: 100
حَمْرَاءَ ، وَطِينَةٍ غَبْرَاءَ ، وَطِينَةٍ سَوْدَاءَ ، وَذَلِكَ مِنْ سَهْلِهَا وَحَزْنِهَا ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِأَرْبَعِ مِيَاهٍ ، مَاءٍ عَذْبٍ ، وَمَاءٍ مِلْحٍ ، وَمَاءٍ مُرٍّ ، وَمَاءٍ مُنْتِنٍ ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يُفْرِغَ الْمَاءَ فِي الطِّينِ وَأَدَمَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ فَلَمْ يَفْضُلْ شَيْ ءٌ مِنَ الطِّينِ يَحْتَاجُ إِلَى الْمَاءِ وَلا مِنَ الْمَاءِ شَيْ ءٌ يَحْتَاجُ إِلَى الطِّينِ ، فَجَعَلَ الْمَاءَ الْعَذْبَ فِي حَلْقِهِ ، وَجَعَلَ الْمَاءَ الْمَالِحَ فِي عَيْنَيْهِ ، وَجَعَلَ الْمَاءَ الْمُرَّ فِي أُذُنَيْهِ ، وَجَعَلَ الْمَاءَ الْمُنْتِنَ فِي أَنْفِهِ »(1) الخبر .
وعن محمّد الحلبي ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « إنَّ الْقَبْضَةَ الَّتِي قَبَضَهَا اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ مِنَ الطِّينِ الَّذِي خَلَقَ مِنْهُ آدَمَ عليه السلام أَرْسَلَ إِلَيْهَا جَبْرَئِيلَ عليه السلام أَنْ يَقْبِضَهَا ، فَقَالَتِ الْأَرْضُ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تَأْخُذَ مِنِّي شَيْئاً فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ يَا رَبِّ تَعَوَّذَتْ بِكَ مِنِّي ، فَأَرْسِلْ إِلَيْهَا إِسْرَافِيلَ ، فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا مِيكَائِيلَ فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا مَلَكَ الْمَوْتِ فَتَعَوَّذَتْ بِاللَّهِ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئاً ، فَقَالَ مَلَكُ الْمَوْتِ : وَأَنَا أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْهِ حَتَّى أَقْبِضَ مِنْكِ ، قَالَ : وَإِنَّمَا سُمِّيَ آدَمُ آدَمَ لأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ »(2) .
قال السيّد بن طاوس في كتاب « سعد السعود » : من صحائف ادريس النبي عليه السلام قال في صفة خلق آدم : انّ الأرض عرّفها اللَّه جلّ جلاله انّه يخلق منها خلقاً ، فمنهم من يطيعه ومن يعصيه ، فاقشعرت الأرض واستعطفت اللَّه ، وسألته لا يأخذ عنها من يعصيه ويدخله النار ، وأن جبرائيل أتاها ليأخذ منها طينة آدم عليه السلام فسألته
ص: 101
بعزة اللَّه أن لا يأخذ منها شيئا حتى تتضرّع إلى اللَّه تعالى وتضرعت ، فأمره اللَّه تعالى بالانصراف عنها ، فأمر اللَّه ميكائيل ، فاقشعرّت وتضرّعت وسألت ، فأمره اللَّه تعالى بالانصراف عنها فأمر اللَّه تعالى إسرافيل بذلك فاقشعرت وسألت وتضرعت ، فأمره اللَّه بالانصراف عنها ، فأمر اللَّه عزرائيل فاقشعرت وتضرّعت ، فقال : قد أمرني ربي بأمر أنا ماض له سرّك ذاك أم ساءك ، فقبض منها كما أمر اللَّه ، ثم صعد بها إلى موقفه ، فقال اللَّه له كما ولّيت قبضها من الأرض وهي كارهة كذلك تلي قبض أرواح كلّ من عليها وكلّ ما قضيت عليه الموت من اليوم إلى يوم القيامة(1) .
وإلى هذا الوقت أُشير في قوله تعالى : « هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً »(1) .
قال الطبرسي رحمه الله : قد كان شيئاً إلّا انّه لم يكن مذكوراً ، لأنّه كان تراباً وطيناً إلى أن نفخ فيه الروح وقيل : انّه أتى على آدم ، أربعون سنة لم يكن شيئاً مذكوراً لا في السماء ولا في الأرض بل كان جسداً ملقى من طين قبل أن ينفخ فيه الروح . وروى عن ابن عبّاس انّه تمّ خلقه بعد عشرين ومائة سنة(2) .
عن هشام بن سالم عن أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام قال : « كانت الملائكة تمرّ بآدم عليه السلام أي بصورته وهو ملقى في الجنّة من طين فتقول : لأمر ما خلقت ؟»(3)
وعن بعض الصحف السماويّة انّ طينة آدم عليه السلام عجنت أربعين سنة ، ثمّ جعلت لازباً ، ثمّ جعلت حمأً مسنوناً أربعين سنة ، ثمّ جعلت صلصالاً كالفخّار أربعين سنة ، ثمّ جعلت جسداً ملقى على طريق الملائكة أربعين سنة ، ونفخ فيها من روحه بعد تلك المدّة(4) .
وعن عبدالعظيم بن عبداللَّه الحسني قال : كتبت إلى أبي جعفر محمّد بن علي بن موسى عليهم السلام أسأله عن علّة الغائط ونتنه ؟ قال : إنّ اللَّه عزّوجلّ خلق آدم عليه السلام وكان جسده طيّباً ، وبقي أربعين سنة ملقى تمرة به الملائكة ، فتقول : لأمر ما خلقت ، وكان إبليس يدخل من فيه ويخرج من دبره فلذلك صار ما في جوف آدم منتناً
ص: 103
خبيثاً غير طيّب(1) .
وعن الحسن عليه السلام فيما سأل كعبُ الأحبار أميرالمؤمنين عليه السلام قال : « لمّا أراد اللَّه تعالى خلق آدم بعث جبرئيل فأخذ من أديم الأرض قبضة فعجنه بالماء العذب والمالح وركب فيه الطبائع قبل أن ينفخ فيه الروح فخلقه من أديم الأرض فطرحه كالجبل العظيم وكان إبليس يومئذ خازناً على السماء الخامسة ، يدخل في منخر آدم ثم يخرج من دبره ثم يضرب بيده فيقول : لأي أمر خلقت ؟ لئن جعلت فوقي لا أطعتك ولئن جعلت أسفل منّي لأعينك(2) فمكث في الجنة ألف سنة ما بين خلقه إلى أن ينفخ فيه الروح » ، الحديث(3) .
قال الشارح الخوئي رحمه الله : وجه الجمع بين هذه الرواية وما سبق من حيث اختلافهما في مقدار مدّة تأخير النفخ غير خفي على العارف الفطن(4) .
انّ السرّ في تأخّر نفخ الروح في تلك المدّة الطويلة لعلّة اعتبار الملائكة اذ الاعتبار في التدريج أكثر أو ليعلم الناس التأنّي في الأُمور وعدم الاستعجال ، ومثله خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام على ما نطق به القرآن الحكيم مع انّه سبحانه كان قادراً على خلقها في طرفة عين ، قال أميرالمؤمنين عليه السلام : « ولو شاء أن يخلقها في أقلّ من لمح البصر لخلق ، ولكنّه جعل الانائة والمداراة مثالاً لأمنائه
ص: 104
وايجاباً للحجّة على خلقه »(1) .
قال تعالى للملائكة : « فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فيهِ مِنْ رُوحي فَقَعُوا لَهُ ساجِدينَ »(2) .
وقال تعالى : « وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي »(3) .
نسب تعالى الروح إلى نفسه دلالة على شرف الانسان ، عن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن قول اللَّه عزّوجلّ : « وَنَفَخْتُ فيهِ مِنْ رُوحي » كيف هذا النفخ ؟ فقال : انّ الروح متمرك ، كالريح وإنّما سمّي روحاً لأنّه اشتقّ اسمه من الريح وإنّما أخرجه عن لفظة الريح لأنّ الأرواح مجانسة الريح وإنّما أضافه إلى نفسه لأنّه اصطفاه على سائر الأرواح ، كما قال لبيت من البيوت : بيتي ، ولرسول من الرسل : خليلي ، وأشباه ذلك وكلّ ذلك مخلوق مصنوع محدث مربوب مدبّر(4) .
ومثل اضافة الروح إليه تعالى اضافة الصورة إليه سبحانه في بعض الأخبار كما روى عن محمّد بن مسلم أيضاً قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عمّا يروون انّ اللَّه خلق آدم على صورته ، فقال : « هي صورة محدثة مخلوقة ، واصطفاها اللَّه واختارها على سائر الصور المختلفة ، فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه ، والروح
ص: 105
إلى نفسه فقال : بيتي « وَنَفَخْتُ فيهِ مِنْ رُوحي » »(1) .
ولكن عن الحسين بن خالد قال : قلت للرضا عليه السلام : يابن رسول اللَّه انّ الناس يروون انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال : « انّ اللَّه خلق آدم على صورته فقال : قاتلهم اللَّه لقد حذفوا أوّل الحديث ، انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله مرّ برجلين يتسابّان ، فسمع أحدهما يقول لصاحبه : قبّح اللَّه وجهك ووجه من يشبّهك ، فقال صلى الله عليه وآله : يا عبداللَّه لا تقل هذا لأخيك ، فانّ اللَّه عزّوجلّ خلق آدم على صورته»(2) .
عن أبي بصير قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن أرواح المؤمنين ، فقال عليه السلام : « فِي الجَنَّةِ عَلى صُوَر أبدانهم ، لَو رأيْتَهُ لقُلتَ فلان »(3) .
وعن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « إنّ الأرواح في صِفَةِ الأجساد في شَجَرَةٍ في الجنّة تَعارف وتساءل »(4) .
وعن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن أرواح المؤمنين فقال : « فِي حُجُرَاتٍ فِي الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ مِنْ طَعَامِهَا وَيَشْرَبُونَ مِنْ شَرَابِهَا وَيَقُولُونَ رَبَّنَا أَقِمْ السَّاعَةَ لَنَا وَأَنْجِزْ لَنَا مَا وَعَدْتَنَا وَأَلْحِقْ آخِرَنَا بِأَوَّلِنَا »(5) .
وروى عن يونس بن ظبيان انّه قال : كنت عند أبي عبداللَّه عليه السلام جالساً فقال عليه السلام :
ص: 106
« مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ ؟ » قلت : يقولون : في حواصل طير(1) خضر في قناديل تحت العرش فقال أبو عبداللَّه عليه السلام : « سُبْحَانَ اللَّهِ الْمُؤْمِنُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أنْ يَجْعَل رُوحَهُ في حوصلة طائرٍ أخضر ، يا يونس المُؤْمِن إِذَا قَبَضَهُ اللَّهُ تَعالى صَيَّرَ روحَهُ في قالبٍ كقالبه الدنيا فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ فَإِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمُ الْقَادِمُ عَرَفُوه بِتِلْكَ الصُّورَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي الدُّنْيَا »(2) .
قال تعالى : « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَني آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى »(3) .
عن الصادق عليه السلام عن آبائه قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « خلق اللَّه الأرواح قبل الأجساد بألفي عام »(4) .
ومن سئوال الزنديق الذي سأل أبا عبداللَّه عليه السلام قال : فهل يوصف بخفّة وثقل ووزن ؟ قال : « الروح بمنزلة الريح في الزق ، إذا نفخت فيه امتلأ الزقّ منها ، فلا يزيد في وزن الزقّ ولوجها فيه ولا ينقصها خروجها منه كذلك الروح ليس لها ثقل ولا وزن ، قال : فأخبرني ما جوهر الريح ؟ قال : الريح هواء إذا تحرك يسمّى ريحاً فإذا سكن يسمّى هواء وبه قوام الدنيا ولو كفت الريح ثلاثة أيام لفسد كل شي ء على وجه الأرض ونتن وذلك أن الريح بمنزلة المروحة تذب وتدفع الفساد عن
ص: 107
كل شي ء وتطيّبه ، فهي بمنزلة الروح إذا خرج عن البدن نتن البدن وتغير وتبارك اللَّه أحسن الخالقين(1) .
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سمّي الانسان انساناً لأنّه ينسى وقال اللَّه عزّوجلّ : « وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ »(2) .(3)
وعن ابن عبّاس قال : خلق اللَّه آدم من اديم الأرض يوم الجمعة بعد العصر ، فسمّاه آدم ، ثمّ عهد إليه فنسى ، فسمّاه الانسان قال ابن عبّاس : فباللَّه ما غابت الشمس من ذلك اليوم حتّى اهبط من الجنّة(4) .
وعن أبي بصير قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام لأيّ علّة خلق اللَّه عزّوجلّ آدم من غير أب وأُمّ ، وخلق عيسى عليه السلام من غير أب وخلق سائر الناس من الآباء والأُمّهات ؟ فقال عليه السلام : « ليعلم الناس تمام قدرته وكمالها »(5) .
قال الراغب : والتفكّر لا يكون إلّا فيما له ماهية ممّا يصحّ أن يجعل له صورة في
ص: 108
القلب مفهوماً ولأجل ذلك قال النبي صلى الله عليه وآله : « تفكّروا في آلاء اللَّه ولا تفكّروا في اللَّه »(1) .
قال تعالى : « وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبينَ »(2) الآية .
قال تعالى : « وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ »(3) أي ليعرفون .
وقوله تعالى في حديث القدسي : « كنت كنزاً مخفيّاً فأحببت أن أعرف فخلت الخلق لكي أعرف »(4) .
والمعرفة في الجملة المبحوثة عنها وإن كانت ظاهرة في الفرق بين الحق والباطل ، لا معرفة اللَّه تعالى إلّا ان معرفته تعالى تتوقّف على التميز بين الحق والباطل مع فرض انّ الحق المطلق ليس إلّا هو(5) .
قال ابن السكّيت لأبي الحسن الرضا عليه السلام - بعد سئواله عن وجه اختلاف معجزات موسى وعيسى ونبيّنا عليهم السلام - : فما الحجّة على الخلق اليوم ؟ فقال عليه السلام : « العقل ، يعرف به الصادق على اللَّه فيصدقه والكاذب على اللَّه فيكذبه » ، فقال ابن
ص: 109
السكّيت : هذا واللَّه الجواب(1) .
عن يونس بن يعقوب قال كان عند أبي عبداللَّه عليه السلام جماعة من أصحابه ، منهم حمران بن أعين ، ومحمد بن النعمان ، وهشام بن سالم ، والطيار ، وجماعة فيهم هشام بن الحكم وهو شاب ، فقال أبو عبداللَّه عليه السلام : « يا هشام ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته ؟ » فقال هشام يا ابن رسول اللَّه إني أُجلُّك وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك ، فقال أبو عبد اللَّه : « إذا أمرتكم بشي ءٍ فافعلوا » قال هشام : بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة فعظم ذلك عليّ فخرجت إليه ودخلت البصرة يوم الجمعة ، فأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمرو بن عبيد وعليه شملة سوداء متّزراً بها من الصوف ، وشملة مرتدياً بها والناس يسألونه ، فاستفرجت الناس ، فأفرجوا لي ، ثمّ قعدت في آخر القوم على ركبتيَّ ، ثمّ قلت : أيُّها العالم إنِّي رجل غريب ، تأذن لي في مسألةٍ ؟ فقال لي : نعم فقلت له : ألك عين ؟ فقال : يا بنيّ أيّ شي ء هذا من السئوال ؟ وشي ء تراه كيف تسأل عنه ؟ فقلت : هكذا مسألتي ، فقال : يا بنيّ سل وإن كانت مسألتك حمقاء ، قلت : أجبني فيها ، قال لي : سل . قلت : ألك عين ؟ قال : نعم ، قلت : فما تصنع بها ؟
ص: 110
قال : أرى بها الألوان والأشخاص ، قلت : فلك أنف ؟ قال : نعم ، قلت : فما تصنع به ؟ قال أشم به الرائحة قلت : ألك فم ؟ قال : نعم ، قلت : فما تصنع به ؟ قال : أذوق به الطعم قلت : فلك أذنٌ ؟ قال : نعم ، قلت : فما تصنع بها ؟ قال : أسمع بها الصوت ، قلت : ألك قلب ؟ قال : نعم ، قلت : فما تصنع به ؟ قال أُميّز به كلّ ما ورد على هذه الجوارح والحواس ، قلت : أو ليس في هذه الجوارح غنى عن القلب ؟ فقال : لا ، قلت : وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة ، قال : يا بني إن الجوارح إذا شكت في شي ء شمّته أو رأته أو ذاقته أو سمعته ردّته إلى القلب فيستيقن اليقين ويبطل الشكّ . قال هشام : فقلت له : فانّما أقام اللَّه القلب لشكّ الجوارح ؟ قال : نعم ، قلت : لابدّ من القلب وإلّا لم تستيقن الجوارح ؟ قال : نعم ، فقلت له يا أبا مروان فاللَّه تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتّى جعل لها اماماً يصحّح لها الصحيح ويتيقّن به ما شكّ فيه ويترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم ، لا يقيم لهم إماماً يردّون إليه شكّهم وحيرتهم ، ويقيم لك اماماً لجوارحك تردّ إليه حيرتك وشكّك ؟ ! قال : فسكت ولم يقل لي شيئاً . ثمّ التفت إليّ فقال لي : أنت هشام بن الحكم ؟ فقلت : لا ، قال : أمِنْ جلسائه ؟ قلت : لا ، قال : فمن أين أنت ؟ قال : قلت : من أهل الكوفة ، قال : فأنت إذاً هو ، ثمّ ضمّني إليه وأقعدني في مجلسه وزال عن مجلسه وما نطق حتّى قمت . قال : فضحك أبو عبداللَّه عليه السلام وقال : « يا هشام من علّمك هذا ؟ » قلت : شي ءٌ أخذته منك وألّفته ، فقال : « هذا واللَّه مكتوب في صحف إبراهيم وموسى »(1) .
روى انّ يزيد بن سلام سأل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : هل آدم خلق من طين(2) كله
ص: 111
أو طين واحد ؟ قال : « بل من الطين كله ، ولو خلق من طين واحد لما عرف الناس بعضهم بعضا ، وكانوا على صورة واحدة » ، قال : فلهم في الدنيا مَثَلٌ ؟ قال : « التراب فيه أبيض وفيه أخضر وفيه أشقر وفيه أغبر وفيه أحمر وفيه أزرق وفيه عذب وفيه ملح وفيه خشن وفيه لين وفيه أصهب ، فلذلك صار الناس فيهم لين وفيهم خشن وفيهم أبيض وفيهم أصفر وأحمر وأصهب وأسود على ألوان التراب »(1) .
عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن أميرالمؤمنين عليه السلام في حديث طويل ، وفيه قال : « فاغترف ربنا عزّوجلّ غرفة بيمينه من الماء العذب الفرات وكلتا يديه يمين ، فصلصلها في كفه حتّى جمدت ، فقال لها : منك أخلق النبيين والمرسلين وعبادي الصالحين والأئمة المهتدين والدعاة إلى الجنة وأتباعهم إلى يوم القيامة ولا أبالي ولا أسأل عما أفعل وهم يسألون، ثم اغترف غرفة أخرى من الماء المالح الأجاج فصلصلها في كفه فجمدت ثمّ قال لها : منك أخلق الجبارين والفراعنة والعتاة وإخوان الشياطين والدعاة إلى النار إلى يوم القيامة وأشياعهم ولا أبالي ولا أسأل عما أفعل وهم يسألون ، قال : وشرطه في ذلك البداء ، ولم يشترط في أصحاب اليمين ، ثم أخلط المائين(2) جميعا في كفه فصلصلهما ثم كفهما قدام عرشه وهما سلالة من طين ، الخبر(3) .
ص: 112
عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : « الطبائع أربع فمنهنّ البلغم وهو خصم جدل ، ومنهنّ الدم وهو عبد وربّما قتل العبد سيّده ، ومنهنّ الريح وهي ملك يُدارى ، ومنهنّ المرّة وهيهات وهيهات هي الأرض اذا ارتجّت ارتجّ ما(1) عليها »(2) .
وفي حديث القمي السابق بعد قوله عليه السلام : « ثمّ كفهما قدام عرشه » وهما سلالة من طين ثمّ أمر اللَّه الملائكة الشمال والجنوب والصبا والدبور أن يجولوا على هذه السلالة من الطين فأمرئوها وأنشئوها ثمّ أنزوها وجزوها وفصلوها واجروا فيها الطبايع الأربعة(3) .
المراد بتلك الوديعة ما أشار إليه سبحانه : « وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فيهِ مِنْ رُوحي فَقَعُوا لَهُ ساجِدينَ »(4) .
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قال أميرالمؤمنين عليه السلام : « وكان ذلك من أمر اللَّه عزّوجلّ تقدّم إلى الملائكة في آدم عليه السلام من قبل أن يخلقه ، احتجاجاً منه عليهم »(5) .
ص: 113
أشار عليه السلام في قوله هذا إلى قوله تعالى : « إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طينٍ * فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فيهِ مِنْ رُوحي فَقَعُوا لَهُ ساجِدينَ »(1) .
وأمّا الوفاء بالعهد والوعد فقد دلّ عليه آيات ، قال تعالى : « أَوَ كُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَريقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ »(2) ، وقال تعالى : « وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا »(3) ، وقال تعالى : « وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً »(4) ، وقال تعالى : « وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ »(5) ، وقال اللَّه تعالى : « وَالَّذينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ »(6) ، وقال تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ »(7) .
عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه عليهم السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « أقربكم منّي غداً في الموقِف أصدَقكم للحديث ، وأداءكم للأمانة ، وأوفاكم بالعهد »(8) .
ص: 114
عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام في خبر طويل في خلقة آدم عليه السلام إلى أن قال : « وكان السجود لآدم يوم الجمعة عند الزوال »(1) .
فَسَجَدُوا
فبقيت الملائكة في سجودها إلى العصر(2) .
الّا إِبْلِيسَ وَقَبِيلَهُ(3)
عن أبي الحسن الرضا عليه السلام انّه ذكر : « انّ اسم ابليس الحارث . . . وسمّي ابليس لأنّه ابلس من رحمة اللَّه عزّوجل »(4) .
اختلفت الأقوال في كون إبليس قبل الطرد واللعن انّه كان من الملائكة أم لا ؟ فمنهم من يقول بالأوّل ومنه من لا يقول به .
واستدلّ من يقول بأنّه من الملائكة بالآيات ، قال اللَّه تعالى : « وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْليسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرينَ »(5) ، وقال عزّوجلّ : « فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْليسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ
ص: 115
الّا إِبْلِيسَ وَقَبِيلَهُ(1)
السَّاجِدينَ »(2) ، وقال تعالى : « وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْليسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدينَ »(3) ، وقال تعالى : « وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْليسَ »(4) ، وقال أيضاً : « فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْليسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرينَ »(5) .
والاستثناء المذكور في الآيات ليس بمنقطع لأنّه على خلاف الأصل ولا يصار إليه إلّا لضرورة ولا ضرورة في المقام(6) .
قال المحدّث المجلسي رحمه الله : وضمّ القبيل هنا إلى ابليس غريب ، فانه لم يكن له في هذا الوقت ذريّة ولم يكن أشباهه في السماء فيمكن أن يكون المراد به أشباهه من الجن في الأرض بأن يكونوا مأمورين بالسجود أيضاً ، وعدم ذكرهم في الآيات وسائر الأخبار لعدم الاعتناء بشأنهم ، أو المراد به طائفة خلقها اللَّه تعالى في السماء غير الملائكة ، ويمكن أن يكون المراد بالقبيل ذريّته ويكون اسناد عدم السجود إليهم لرضاهم بفعله كما قال في موضع آخر : انّما يجمع الناس الرضا
ص: 116
والسخط وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمّهم اللَّه بالعذاب لمّا عمّوه بالرضا فقال سبحانه : « فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمينَ »(1) .(2)
أقول : ما ذكره أخيراً هو الأوجه ويشهد به مضافاً إلى ما ذكره ما رواه السيّد رحمه الله في آخر الكتاب عنه عليه السلام من ان : الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم(3) وقال تعالى : « قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقينَ »(4) .
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « كان بين القاتلين والقائلين خمسمائة عام فألزمهم اللَّه القتل برضاهم ما فعلوا »(5) .
قال اللَّه تعالى حكاية عن إبليس : « قالَ يا إِبْليسُ ما لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدينَ * قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ »(6) .
عن هشام بن سالم عنه ( أبي عبداللَّه عليه السلام ) : « ولمّا خلق اللَّه آدم قبل أن ينفخ فيه الروح كان ابليس يمرّ به فيضربه برجله فيدب(7) فيقول إبليس : لأمر ما خلقت »(8) .
ص: 117
قال اللَّه تعالى : « قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرينَ »(1) .
هذا معنى قوله سبحانه : « قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَني مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طينٍ »(2) ، وقال تعالى : « ءَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتُ طيناً »(3) .
عن عيسى بن عبداللَّه القرشي قال : دخل أبو حنيفة على أبي عبداللَّه عليه السلام فقال له : « يا أبا حنيفة بلغني انّك تقيس ؟ » قال : نعم ، قال : « لا تقس فانّ أوّل من قاس ابليس حين قال : « خلقتني من نار وخلقته من طين » فقاس بين النار والطين ، ولو قاس نوريّة آدم بنوريّة النار عرف فضل ما بين النورين ، وصفاء أحدهما على الآخر »(4) .
وعن أبي حمزة الثمالي قال : قال علي بن الحسين عليه السلام : « انّ دين اللَّه لا يصاب بالعقول الناقصة »(5) .
ص: 118
وعن أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : ما تقول في رجلٍ قطع إصبعاً من أصابع المرأة كم فيها ؟ قال : « عشر من الإبل » ، قلت : قطع اثنين قال : « عشرون » قلت : قطع ثلاثاً قال : « ثلاثون » ، قلت : قطع أربعاً قال : « عشرون » ، قلت : سبحان اللَّه يقطع ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون ويقطع أربعاً فيكون عليه عشرون ؟ إنّ هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممّن قاله ونقول الذي جاء به شيطان . فقال : « مهلاً يا أبان ، هكذا حكم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إنّ المرأة تقابل الرجل إلى ثلث الدية فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف ، يا أبان إنّك أخذتني بالقياس والسنّة إذا قيست محق الدين »(1) .
وانّ الصادق عليه السلام قال لأبي حنيفة - لمّا دخل عليه - : « من أنت ؟ » قال : أبو حنيفة ، قال عليه السلام : « مفتي أهل العراق ؟ » قال : نعم ، قال : « بما تفتيهم ؟ » قال : بكتاب اللَّه ، قال عليه السلام : « وإنك لعالم بكتاب اللَّه ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ؟ » قال : نعم ، قال : « فأخبرني عن قول اللَّه عزّوجلّ « وَقَدَّرْنا فيهَا السَّيْرَ سيرُوا فيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنينَ »(2) أيّ موضع هو ؟ » قال أبو حنيفة : هو ما بين مكة والمدينة . فالتفت أبو عبداللَّه عليه السلام إلى جلسائه وقال : « نشدتكم باللَّه هل تسيرون بين مكة والمدينة ولا تأمنون على دمائكم من القتل وعلى أموالكم من السرق ؟ » فقالوا : اللّهمّ نعم . فقال أبو عبداللَّه عليه السلام : « ويحك يا أبا حنيفة إن اللَّه لا يقول إلّا حقّاً ، أخبرني عن قول اللَّه عزّوجلّ : « وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً »(3) أي موضع هو ؟ » قال :
ص: 119
ذلك بيت اللَّه الحرام ، فالتفت أبو عبداللَّه إلى جلسائه وقال : « نشدتكم باللَّه هل تعلمون أنّ عبداللَّه بن الزبير وسعيد بن جبير دخلاه فلم يأمنا القتل ؟ » قالوا : اللّهمّ نعم . فقال أبو عبداللَّه عليه السلام : « ويحك يا أبا حنيفة إن اللَّه لا يقول إلّا حقّاً » ، فقال أبو حنيفة : ليس لي علم بكتاب اللَّه إنما أنا صاحب قياس . فقال أبو عبداللَّه : « فانظر في قياسك إن كنت مقيسا ، أيما أعظم عند اللَّه القتل أو الزنا ؟ » قال بل القتل . قال عليه السلام : « فكيف رضي في القتل بشاهدين ولم يرض في الزنا إلا بأربعة ؟ » ثم قال له : « الصلاة أفضل أم الصيام ؟ » قال : بل الصلاة أفضل ، قال عليه السلام : « فيجب على قياس قولك على الحائض قضاء ما فاتها من الصلاة في حال حيضها دون الصيام ، وقد أوجب اللَّه تعالى عليها قضاء الصوم دون الصلاة » ، ثمّ قال له عليه السلام : « البول أقذر أم المني ؟ » قال : البول أقذر قال عليه السلام : « يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني وقد أوجب اللَّه تعالى الغسل من المني دون البول » ، قال : إنما أنا صاحب رأي قال عليه السلام : « فما ترى في رجل كان له عبدٌ فتزوّج وزوّج عبده في ليلة واحدة فدخلا بامرأتيهما في ليلة واحدة ، ثم سافرا وجعلا امرأتيهما في بيت واحد وولدتا غلامين فسقط البيت عليهم فقتل المرأتين وبقي الغلامان ، أيهما في رأيك المالك وأيهما المملوك ؟ وأيهما الوارث وأيهما الموروث ؟ » قال : إنما أنا صاحب حدود ! قال عليه السلام : « ما ترى في رجل أعمى فقأ عين صحيح وأقطع قطع يد رجل ، كيف يقام عليهما الحدّ ؟ » قال : إنما أنا رجل عالم بمباعث الأنبياء ! قال : « فأخبرني عن قول اللَّه لموسى وهارون حين بعثهما إلى فرعون : « لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى »(1) ولعل منك شكّ ؟ » قال : نعم . قال عليه السلام : « فكذلك من اللَّه شكّ إذ قال :
ص: 120
لعله ؟ » قال أبو حنيفة : لا علم لي ! قال عليه السلام : « تزعم أنك تفتي بكتاب اللَّه ولست ممن ورثه وتزعم أنك صاحب قياس وأول من قاس إبليس لعنه اللَّه ولم يبن دين الإسلام على القياس ، وتزعم أنك صاحب رأي وكان الرأي من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله صواباً ومن دونه خطاءاً لأنّ اللَّه تعالى قال : احكم بينهم بما أراك اللَّه ، ولم يقل ذلك لغيره ، وتزعم أنك صاحب حدود ومن أنزلت عليه أولى بعلمها منك ، وتزعم أنك عالم بمباعث الأنبياء ولخاتم الأنبياء أعلم بمباعثهم منك ، ولو لا أن يقال دخل على ابن رسول اللَّه فلم يسأله عن شي ء ، ما سألتك عن شي ء ، فقس إن كنت مقيسا » . قال أبو حنيفة : لا تكلّمت بالرأي والقياس في دين اللَّه بعد هذا المجلس . قال عليه السلام : « كلّا إنّ حب الرئاسة غير تاركك كما لم يترك من كان قبلك » . الخبر(1) .
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « إنّ ابليس قاس نفسه بآدم فقال : « خَلَقْتَني مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طينٍ »(2) ، ولو قاس الجوهر الذي خلق اللَّه منه آدم بالنار ، كان ذلك أكثر نوراً وضياء من النار »(3) .
وعن اسحاق بن حريز قال : قال أبو عبداللَّه عليه السلام : « أيّ شي ء يقول أصحابك في قول ابليس : « خلقتني من نار وخلقته من طين » ؟ » قلت : جعلت فداك ، قد قال ذلك وذكره اللَّه في كتابه . قال عليه السلام : « كذب ابليس لعنه اللَّه يا اسحاق ، ما خلقه اللَّه إلّا من طين » ثمّ قال : « قال اللَّه : « الَّذي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ »(4) ، خلقه اللَّه من تلك النار والنار من تلك الشجرة والشجرة أصلها
ص: 121
من طين »(1) .
وفي الاحتجاج انّ جمعاً من المشركين حاجّوا النبيّ صلى الله عليه وآله فقالوا : انّ اللَّه لمّا خلق آدم وأمر الملائكة بالسجود له كنّا نحن أحقّ بالسجود لآدم من الملائكة ففاتنا ذلك فصوّرنا صورته فسجدنا لها تقرّباً إلى اللَّه كما تقرّبت الملائكة بالسجود لآدم إلى اللَّه تعالى وكما أُمرتم بالسجود بزعمكم إلى جهة مكّة ففعلتم ، ثمّ نصبتم في غير ذلك البلد بأيديكم محاريب سجدتم إليها ، وقصدتم الكعبة لا محاريبكم ، وقصدتم بالكعبة إلى اللَّه عزّوجلّ لا إليها - إلى أن قال - فقال النبي لهم : انّ اللَّه حيث أمر بالسجود لآدم لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره ، فليس لكم أن تقيسوا ذلك عليه لأنّكم لا تدرون لعلّه يكره ما تفعلون اذ لم يأمركم به ، ثمّ قال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « أرأيتم لو أذن لكم رجل دخول داره يوماً بعينه ألكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير امره أو لكم أن تدخلوا داراً له اُخرى مثلها بغير أمره - الخبر - »(2) .
قال سبحانه : « وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهينٌ »(1) .
عن الحسن [ الحسين ] بن عطيّة قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : « انّ ابليس عبد اللَّه في السماء الرابعة في ركعتين ستّة آلاف سنة وكان من إنظار اللَّه إيّاه إلى يوم الوقت المعلوم بما سبق من تلك العبادة »(2) .
وقال الصادق عليه السلام : « قال ابليس : يا ربّ كيف وأنت العدل الذي لا تجور ، فثواب عملي بطل ، قال : لا ولكن إسأل من أمر الدنيا ما شئت ثواباً لعملك فاعطيتك ، فأوّل ما سأل البقاء إلى يوم الدين ، فقال اللَّه : قد اعطيتك . الخبر »(3) .
وعن زرارة عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك بماذا استوجب ابليس من اللَّه ان أعطاة ما أعطاه ؟ فقال : « بشي ء كان منه شكره اللَّه عليه » ، قلت : وما كان منه جعلت فداك ؟ قال : « ركعتين ركعهما في السماء في أربعة آلاف سنة »(4) .
أقول : اختلف في المراد من يوم الوقت المعلوم فهو اما وقت النفخة الاولى
ص: 123
حين يموت كلّ الخلائق وإما الذي ذكره بقوله : « إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ »(1) وإمّا يوم لا يعلمه إلّا اللَّه تعالى وليس المراد منه يوم القيامة ولكن المستفاد من بعض الأخبار الوجه الأوّل ، انّ رجلاً دخل على أبي عبداللَّه عليه السلام فقال : جعلت فداك أخبرني عن قول اللَّه عزّوجلّ لابليس : « قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرينَ * إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ »(2) قال عليه السلام : « ويوم الوقت المعلوم يوم ينفخ في الصور نفخة واحدة فيموت ابليس ما بين النفخة الاولى والثانية »(3) .
ومن البعض الآخر انه عند الرجعة .
عن أبي عبداللَّه عليه السلام في قول اللَّه تبارك وتعالى : « فَأَنْظِرْني إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ »(4) قال : « يوم الوقت المعلوم يوم يذبحه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله على الصخرة التي في بيت المقدس »(5) .
عن وهب بن جميع مولى اسحاق بن عمّار قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن قول ابليس : « رَبِّ فَأَنْظِرْني إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرينَ * إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ »(6) قال له وهب : جعلت فداك ، أي يوم هو ؟ قال : « يا وهب أتحسب انه يوم يبعث اللَّه فيه الناس ، ان اللَّه انظره إلى يوم يبعث فيه قائمنا فاذا بعث اللَّه قائمنا كان في مسجد الكوفة وجاء ابليس حتّى يجثو بين يديه على ركبتيه فيقول : يا
ص: 124
ويله من هذا اليوم فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه فذلك اليوم هو الوقت المعلوم »(1) .
ويحتمل الجمع بينها بان يقتله القائم ثمّ يحيى ويقتله رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، ثمّ يحيى ويموت عند النفخة(2) .
منها : انّ الملائكة زعموا انّ ابليس منهم فبعد الأمر بالسجود وابائه وامتناعه عن السجدة علموا انه ليس منهم كما يدلّ عليه بما رواه جميل عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سئل عمّا ندب اللَّه الخلق إليه أدخل فيه الضلالة ؟ قال : « نعم والكافرون دخلوا فيه لأنّ اللَّه تبارك وتعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم ، فدخل في أمره الملائكة وإبليس فإنّ إبليس كان من الملائكة في السماء يعبد اللَّه وكانت الملائكة تظنّ أنه منهم ولم يكن منهم ، فلما أمر اللَّه الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام أخرج ما كان في قلب إبليس من الحسد فعلمت الملائكة عند ذلك أنّ إبليس لم يكن مثلهم » ، فقيل له عليه السلام : فكيف وقع الأمر على إبليس وإنّما أمر اللَّه الملائكة بالسجود لآدم ؟ فقال عليه السلام : « كان إبليس منهم بالولاء ولم يكن من جنس الملائكة وذلك أنّ اللَّه خلق خلقاً قبل آدم وكان إبليس منهم حاكماً في الأرض فعتوا وأفسدوا وسفكوا الدِّماء فبعث اللَّه الملائكة فقتلوهم وأسروا إبليس ورفعوه إلى السماء وكان مع
ص: 125
الملائكة يعبد اللَّه إلى أن خلق اللَّه تبارك وتعالى آدم عليه السلام »(1) .
ومنها : انّ سجود الملائكة لآدم لما في صلبه من أنوار نبيّنا واهل بيته المعصومين صلوات اللَّه عليهم أجمعين .
قال علي بن الحسين عليه السلام : حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله [ قال ] قال : « يا عباد اللَّه إن آدم لما رأى النور ساطعاً من صلبه إذ كان اللَّه قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره، رأى النور، ولم يتبين الأشباح ، فقال : يا رب ما هذه الأنوار ؟ قال اللَّه عزّوجلّ : أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك، ، إذ كنت وعاء لتلك الأشباح. فقال آدم : يا رب لو بيّنتها لي ، فقال اللَّه عزَّوجلّ : انظر يا آدم إلى ذروة العرش ، فنظر آدم، ووقع نور أشباحنا من ظهر آدم على ذروة العرش، فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا التي في ظهره كما ينطبع وجه الإنسان في المرآة الصافية فرأى أشباحنا ، فقال : يا رب ما هذه الأشباح ؟ قال اللَّه تعالى : يا آدم هذه أشباح أفضل خلائقي وبرياتي هذا محمّد وأنا المحمود الحميد في أفعالي، شققت له اسماً من اسمي ، وهذا علي وأنا العلي العظيم، شققت له اسماً من اسمي ، وهذه فاطمة وأنا فاطر السماوات والأرض، فاطم أعدائي عن رحمتي يوم فصل قضائي، وفاطم أوليائي عما يعرهم و يسيئهم فشققت لها اسما من اسمي ، وهذان الحسن والحسين وأنا المحسن [ و ]المجمل شققت اسميهما من اسمي هؤلاء خيار خليقتي وكرام بريتي، بهم آخذ، وبهم أعطي، وبهم أعاقب، وبهم أثيب، فتوسل إلي بهم. يا آدم، وإذا دهتك داهية فاجعلهم إلي شفعائك، فإني آليت على نفسي قسما حقا [ أن ] لا أخيب بهم آملا،
ص: 126
ولا أردّ بهم سائلا ، فلذلك حين زلّت منه الخطيئة، دعا اللَّه عزّوجلّ بهم فتاب عليه و غفر له »(1) .
عن ابن عبّاس رضى الله عنه قال : قال إبليس لنوح عليه السلام : لك عندي يد عظيمة سأعلمك خصالاً ، قال نوح : وما يدي عندك ؟ قال دعوتك على قومك حتى أهلكهم اللَّه جميعا ، فايّاك والكبر وإياك والحرص وإياك والحسد ، فإن الكبر هو الذي حملني على أن تركت السجود لآدم ، فأكفرني وجعلني شيطانا رجيماً وإياك والحرص فإن آدم أبيح له الجنة ونهي عن شجرة واحدة فحمله الحرص على أن أكل منها ، وإياك والحسد فإن ابن آدم حسد أخاه فقتله ، فقال نوح عليه السلام : فأخبرني متى تكون أقدر على ابن آدم قال عند الغضب(2) .
أقول : المستفاد من رواية القمي السالفة انّ المانع هو الحسد ، ومن الآيات القرآنيّة وهذه الرواية انه الاستكبار ولا منافاة بينها لأن من الممكن أن يكون الحسد والكبر كلاهما المانع الناشى من قياسه الفاسد .
ويدلّ عليه : قال أبو جعفر عليه السلام : « وجدناه هذا في كتاب أميرالمؤمنين عليه السلام فخلق اللَّه آدم فبقي أربعين سنة مصوراً فكان يمرّ به ابليس اللعين فيقول : لِأَمْرِ ما خلقت » ، فقال العالم عليه السلام : « فقال ابليس : لئن أمرني اللَّه بالسجود لهذا لأعصينه ، قال : ثمّ نفخ فيه ، فلمّا بلغت الروح إلى دماغه عطس عطسة جلس منها فقال :
ص: 127
الحمد للَّه ، فقال اللَّه تعالى : يرحمك اللَّه » ، قال الصادق عليه السلام : « فسبقت له من اللَّه الرحمة ، ثمّ قال اللَّه تبارك وتعالى للملائكة : اسجدوا لآدم ، فسجدوا له ، فأخرج إبليس ما كان في قلبه من الحسد فأبى أن يسجد ، فقال اللَّه عزّوجلّ : « قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَني مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طينٍ » »(1) . قال الصَّادق عليه السلام : « فأوّل من قاس إبليس واستكبر ، والاستكبار هو أوّل معصية عصي اللَّه بها » ، قال : « فقال إبليس : يا ربّ أعفني من السجود لآدم عليه السلام وأنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرب ولا نبيّ مرسل ، قال اللَّه تبارك وتعالى : لا حاجة لي إلى عبادتك إنما أريد أن أعبد من حيث أريد لا من حيث تريد فأبى أن يسجد فقال اللَّه تبارك وتعالى : « فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ »(2) ، فقال إبليس : يا ربّ فكيف وأنت العدل الذي لا تجور ، فثواب عملي بطل ، قال : لا ولكن سلني من أمر الدُّنيا ما شئت ثواباً لعملك فأعطيك ، فأوّل ما سأل البقاء إلى يوم الدين فقال اللَّه : قد أعطيتك ، قال : سلّطني على ولد آدم ، قال : سلّطتك ، قال أجرني منهم مجرى الدم في العروق ، قال : قد أجريتك قال : لا يلد لهم ولد إلّا ولد لي اثنان ، قال : وأراهم ولا يروني وأتصوّر لهم في كل صورة شئت ، فقال : قد أعطيتك ، قال : يا ربّ زدني ، قال قد جعلت لك ولذريتك صدورهم أوطاناً ، قال : رب حسبي ، فقال إبليس عند ذلك : « فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعينَ * إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمخْلَصينَ »(3) « ثُمَّ لآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْديهِمْ وَمِنْ
ص: 128
خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرينَ »(1) » .(2)
عن زرارة ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « لما اعطي اللَّه تبارك وتعالى ابليس ما أعطاه من القوّة قال آدم : يا ربّ سلّطته على ولدي وأجريته مجرى الدم في العروق وأعطيته ما أعطيته ، فما لي ولولدي ؟ فقال : لك ولولدك السيّئة بواحدة والحسنة بعشرة أمثالها ، قال : يا ربّ زدني ، قال : التوبة مبسوطة إلى حين يبلغ النفس الحلقوم ، فقال : يا ربّ زدني ، قال : أغفر ولا أُبالي ، قال : حسبي »(3) .
قال تعالى : « كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ »(4) .
ورواية علي بن ابراهيم القمي السالفة : فانّ ابليس كان من الملائكة في السماء يعبد اللَّه وكانت الملائكة تظنّ انه منهم ولم يكن منهم(5) .
وقال أبو يعقوب وأبو الحسن قلنا للحسن أبي القائم عليه السلام - في ذيل قصّة هاروت وماروت بعد اثباته عليه السلام عصمة الملائكة - قالا : قلنا له عليه السلام : فعلى هذا لم يكن ابليس أيضاً ملكاً ، فقال : « لا ، بل كان من الجن ، أما تسمعان انّ اللَّه تعالى يقول : « وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْليسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ »(6)
ص: 129
فاخبر انه كان من الجن ، وهو الذي قال اللَّه تعالى : « وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ »(1) » .(2)
وعن جميل بن درّاج عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « سألته عن ابليس أكان من الملائكة أو هل كان يلي شيئاً من أمر السماء ، قال : لم يكن من الملائكة ، ولم يكن يلي شيئاً من أمر السماء وكان من الجن وكان مع الملائكة وكانت الملائكة ترى انه منها ، وكان اللَّه يعلم انّه ليس منها ، فلمّا أمر بالسجود كان منه الذي كان »(3) .
عن جميل قال : كان الطيّار يقول لي : ابليس ليس من الملائكة وإنّما امرت الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام ، فقال ابليس : لا أسجد فما لابليس يعصى حين لم يسجد وليس هو من الملائكة ، قال : فدخلت أنا وهو على أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « فاحسن واللَّه في المسألة ، فقال : جعلت فداك ، أرأيت ما ندب اللَّه عزّوجلّ إليه المؤمنين من قوله : « يا أيُّها الذينَ آمَنُوا »(4) أدخل في ذلك المنافقون معهم ؟ قال : نعم ، والضلال وكلّ من أقرّ بالدعوة الظاهرة ، وكان ابليس ممّن أقرّ بالدعوة الظاهرة معهم »(5) .
عن أبي بصير عن أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام قال : قلت : سجدت الملائكة لآدم عليه السلام
ص: 130
ووضعوا جباههم على الأرض ؟ قال : « نعم تكرمة من اللَّه تعالى »(1) .
قال سبحانه : « وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً »(2) ، وقال تعالى : « وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما »(3) .
قال سبحانه : « ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنينَ »(4) وقال سبحانه : « إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فيها وَلا تَعْرى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فيها وَلا تَضْحى »(5) .
ولو كانت دار الثواب لكانت جنّة الخلد ، ولو كان آدم فيها لما لحقه الغرور من ابليس بقوله تعالى « فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ »(6) . ولمّا صحّ قوله لهما « فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما »(7) ولا يخرج منها لقوله تعالى : « وَما هُمْ
ص: 131
مِنْها بِمُخْرَجينَ »(1) ولا يفنى نعيمها لقوله تعالى : « مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها »(2) ولقوله تعالى : « وَأَمَّا الَّذينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدينَ فيها - إلى أن قال : - عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ »(3)
عن الحسين بن ميسر قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن جنّة آدم عليه السلام ، فقال : « جنّة من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس والقمر ولو كانت من جنان الآخرة ما خرج منها أبداً »(4) .
قال سبحانه : « وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْليسَ أَبى * فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى »(5) .
وقال اللَّه تعالى حكاية عنه بعد طرده ولعنه حيث قال : « قالَ أَنْظِرْني إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرينَ * قالَ فَبِما أَغْوَيْتَني لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقيمَ * ثُمَّ لآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْديهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ »(6) وقال في موضع آخر : « قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعينَ * إِلاَّ عِبادَكَ
ص: 132
مِنْهُمُ الْمخْلَصينَ »(1) وقال أيضاً : « قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ »(2) وغير ذلك من الآيات .
قال سبحانه : « فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ »(3) .
قال سبحانه : « فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فيهِ »(4) .
خلاصة القول فيه على ما يظهر من الأخبار والآثار عن الأئمّة الأخيار انّ اللَّه تعالى لمّا قال مخاطباً لآدم وحوّاء : « وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حينٍ »(5) .
قال الامام عليه السلام في تفسير هذه الآية الشريفة : « انّ اللَّه عزّوجلّ لمّا لعن ابليس بابائه ، وأكرم الملائكة بسجودها لآدم وطاعتهم للَّه عزّوجلّ أمر بآدم وحوّاء إلى الجنّة ، وقال : يا « يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها » من الجنّة
ص: 133
« رَغَداً » واسعاً « حَيْثُ شِئْتُما » بلا تعب « وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ » شجرة العلم ، شجرة علم محمّد وآل محمّد عليهم السلام الذين آثرهم اللَّه عزّوجلّ بها دون سائر خلقه فقال اللَّه تعالى : « وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ » شجرة العلم ، فانّها لمحمّد وآله خاصّة دون غيرهم ، ولا يتناول منها بأمر اللَّه إلّا هم ، ومنها ما كان يتناوله النبي صلى الله عليه وآله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات اللَّه عليهم أجمعين - بعد إطعامهم المسكين واليتيم والأسير - حتّى لم يحسّوا بعْدُ بجوع ولا عطش ولا تعب ولا نصب ، وهي شجرة تميّزت من بين أشجار الجنّة ، انّ سائر أشجار الجنّة كان كلّ نوع منها يحمل نوعاً من الثمار والمأكول ، وكانت هذه الشجرة وجنسها تحمل البُرّ والعنب والتين والعنّاب وسائر أنواع الثمار والفواكه والأطعمة ، فلذلك اختلف الحاكمون لتلك الشجرة ، فقال بعضهم : هي بُرّة ، وقال آخرون : هي عنبة ، وقال آخرون : هي تينة ، وقال آخرون : هي عنّابة ، قال اللَّه تعالى : « وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ » تلتمسان بذلك درجة محمّد وآل محمّد في فضلهم فانّ اللَّه تعالى خصّهم بهذه الدرجة دون غيرهم ، وهي الشجرة التي من تناول منها باذن اللَّه عزّوجلّ الهم علم الأوّلين والآخرين من غير تعلّم ، ومن تناول منها بغير اذن اللَّه خاب من مراده وعصى ربه وعصى ربه « فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمينَ » بمعصيتكما والتماسكما درجة قد أوثر بها غيركما إذا أردتماها بغير حكم اللَّه . قال اللَّه تعالى : « فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها » عن الجنة بوسوسته وخديعته وإيهامه [ وعداوته ] وغروره، بأن بدأ بآدم فقال : « ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ » إن تناولتما منها تعلمان الغيب، وتقدران على ما يقدر عليه من خصه اللَّه تعالى بالقدرة « أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ » لا تموتان أبدا. « وَقاسَمَهُما » حلف لهما « إِنِّي لَكُما لَمِنَ
ص: 134
النَّاصِحِينَ »(1)[ الصالحين ] وكان إبليس بين لحيي الحية أدخلته الجنة، و كان آدم يظن أن الحية هي التي تخاطبه، ولم يعلم أن إبليس قد اختبأ بين لحييها. فردّ آدم على الحية : أيتها الحية - هذا من غرور إبليس لعنه اللَّه - كيف يخوننا ربّنا أم كيف تعظّمين اللَّه بالقسم به - وأنت تنسبينه إلى الخيانة وسوء النظر، وهو أكرم الأكرمين ، أم كيف أروم التوصل إلى ما منعني منه ربي عزّوجلّ، وأتعاطاه بغير حكمة ، فلما أيس إبليس من قبول آدم منه، عاد ثانية بين لحيي الحية فخاطب حواء من حيث يوهمها أن الحية هي التي تخاطبها، وقال : يا حواء أرأيت هذه الشجرة التي كان اللَّه عزّوجلّ حرّمها عليكما، قد أحلّها لكما بعد تحريمها لما عرف من حسن طاعتكما له، وتوقيركما إياه ، وذلك أن الملائكة الموكّلين بالشجرة الذين معهم حراب يدفعون عنها سائر حيوان الجنة لا تدفعكِ عنها إن رمتها ، فاعلمي بذلك أنه قد أحلّ لكِ، وأبشري بأنكِ إن تناولتها قبل آدم كنتِ أنتِ المسلّطة عليه، الآمرة الناهية فوقه. فقالت حوّاء : سوف أجرّب هذا. فرامت الشجرة فأرادت الملائكة أن تدفعها عنها بحرابها. فأوحى اللَّه تعالى إليها(2) إنما تدفعون بحرابكم من لا عقل له يزجره، فأمّا من جعلته ممكّناً مميّزاً مختاراً، فَكِلوه إلى عقله الذي جعلته حجة عليه، فإن أطاع استحق ثوابي، وإن عصى وخالف أمري استحق عقابي وجزائي . فتركوها ولم يتعرضوا لها، بعد ما همّوا بمنعها بحرابهم ، فظنّت أن اللَّه نهاهم عن منعها ، لأنه قد أحلّها بعد ما حرّمها . فقالت : صدقت الحيّة ، وظنّت أن المخاطب لها هي الحيّة ، فتناولت منها ولم تنكّر(3) من
ص: 135
نفسها شيئا. فقالت لآدم : ألم تعلم أن الشجرة المحرّمة علينا قد أبيحتْ لنا ، تناولتُ منها فلم تمنعني أملاكها ، ولم أنكر شيئا من حالي ، فذلك حين اغتر آدم وغلط فتناول فأصابهما ما قال اللَّه تعالى في كتابه : « فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما » بوسوسته وغروره « مِمَّا كانا فِيهِ ) من النعيم » . انتهى موضع الحاجة من الحديث وسيأتي بقيّة الخبر في شرح قوله عليه السلام ثمّ بسط اللَّه سبحانه(1) .
الشكّ الذي حدث من وسوسة ابليس قال تعالى : « فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى »(2) .
وعن أبي جعفر عليه السلام : « لا تنقض اليقين أبداً بالشكّ وإنّما تنقضه بيقين آخر »(3) .
قال تعالى : « وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً »(4) .
عن أبي جعفر عليه السلام قال : انّ اللَّه تبارك وتعالى عهد إلى آدم عليه السلام أن لا يقرب هذه الشجرة ، فلمّا بلغ الوقت الذي كان في علم اللَّه أن يأكل منها نسى فأكل منها وهو قول اللَّه عزّوجلّ : « وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً »(5) .
ص: 136
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام في قوله : « وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ » : « كلمات في محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة عليهم السلام من ذريّتهم « فَنَسِيَ » هكذا واللَّه نزلت على محمّد صلّى اللَّه عليه وآله»(1) .
قال تعالى : « قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرينَ »(2) .
قال اللَّه تعالى : « فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ »(3) عن الجنّة بوسوسته وخديتعه وايهامه [ وعداوته ] وغروره ، بأن بدأ بآدم فقال : « ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ »(4) إن تناولتما منها تعلمان الغيب ، وتقدران على ما يقدر عليه من خصه اللَّه تعالى بالقدرة « أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدينَ »(5) لا تموتان أبداً ، « وَقاسَمَهُما »(6) حلف لهما « إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحينَ »(7) وكان إبليس بين لحيي الحيّة أدخلته الجنة ، وكان آدم يظنّ أنّ الحية هي التي تخاطبه ولم يعلم أن
ص: 137
إبليس قد اختبأ بين لحييها فردّ آدم على الحيَّة : أيّتها الحية هذا من غرور إبليس لعنه اللَّه كيف يخوننا ربّنا ؟ أم كيف تعظّمين اللَّه بالقسم به وأنت تنسبينه إلى الخيانة وسوء النظر وهو أكرم الأكرمين ؟ أم كيف أروم التوصل إلى ما منعني منه ربّي عزّوجلّ وأتعاطاه بغير حكمة ؟ فلمّا آيس إبليس من قبول آدم منه عاد ثانية بين لحيي الحية فخاطب حواء من حيث يوهمها أن الحيّة هي التي تخاطبها ، وقال : يا حواء أرأيت هذه الشجرة التي كان اللَّه عزّوجلّ حرّمها عليكما ، قد أحلّها لكما بعد تحريمها لما عرف من حسن طاعتكما له ، وتوقيركما إيّاه ، وذلك أنّ الملائكة الموكّلين بالشجرة - الذين معهم حراب يدفعون عنها سائر حيوانات الجنّة - لا تدفعك عنها إن رمتها ، فاعلمي بذلك أنه قد أحلّ لك ، وأبشري بأنّك إن تناولتها قبل آدم كنت أنت المسلطة عليه ، الآمرة الناهية فوقه ، فقالت حواء : سوف أجرّب هذا ، فرامت الشجرة فأرادت الملائكة أن تدفعها عنها بحرابها ، فأوحى اللَّه تعالى إليها : أنّما تدفعون بحرابكم من لا عقل له يزجره ، فأمّا من جعلته ممكّناً مميِّزاً مختاراً فكلوه إلى عقله الذي جعلته حجّة عليه ، فإن أطاع استحقّ ثوابي ، وإن عصى وخالف [ أمري ] استحقّ عقابي وجزائي ، فتركوها ولم يتعرضوا لها بعد ما همّوا بمنعها بحرابهم ، فظنّت أنّ اللَّه نهاهم عن منعها لأنّه قد أحلّها بعد ما حرّمها ، فقالت : صدقت الحيّة وظنّت أنّ المخاطب لها هي الحيّة ، فتناولت منها ولم تنكر من نفسها شيئاً فقالت لآدم : ألم تعلم انّ الشجرة المحرّمة علينا قد ابيحت لنا ؟ تناولت منها فلم تمنعني أملاكها ، ولم أنكر شيئاً من حالي ( فذلك حين ) اغترّ آدم(1) .
ص: 138
جاء نفر من اليهود إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فسألوه عن مسائل فكان فيما سألوه أخبرنا يا محمّد لأيّ علّة توضّأ هذه الجوارح الأربع وهي أنظف المواضع في الجسد ؟ قال النبي صلى الله عليه وآله : « لما أن وسوس الشيطان إلى آدم ودنا من الشجرة فنظر إليها ذهب ماء وجهه ، ثم قام ومشى إليها وهي أول قدم مشت إلى الخطيئة ، ثم تناول بيده منها ما عليها فأكل ، فطار الحلي والحلل عن جسده فوضع آدم يده على اُمّ رأسه وبكى ، فلما تاب اللَّه عزّوجلّ عليه فرض اللَّه عليه وعلى ذريته تطهير هذه الجوارح الأربع فَأَمَرَ اللَّهُ عزّوجلّ بغسل الوجه لما نظر إلى الشجرة وأمره بغسل اليدين إلى المرفقين لما تناول بهما ، وأمره بمسح الرأس لما وضع يده على اُمّ رأسه ، وأمره بمسح القدمين لما مشى بهما إلى الخطيئة»(1) .
عن موسى بن محمّد بن علي عن أخيه أبي الحسن الثالث عليه السلام قال : « الشجرة التي نهى اللَّه آدم وزوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد ، عهد إليهما أن لا ينظر إلى من فضّل اللَّه عليه وعلى خلائقه بعين الحسد ، ولم يجد اللَّه له عزما »(2) .
وقال الامام عليه السلام : « ولا تقربا هذه الشجرة » [ شجرة العلم ] شجرة علم محمّد وآل محمّد صلى الله عليه وآله الذين آثرهم اللَّه عزّوجلّ بها ، دون سائر خلقه ، فقال اللَّه تعالى :
ص: 139
« ولا تقربا هذه الشجرة » شجرة العلم فانّها لمحمّد وآله خاصّة دون غيرهم ولا يتناول منها بأمر اللَّه إلّا هم ، ومنها ما كان يتناوله النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات اللَّه عليهم أجمعين بعد إطعامهم المسكين واليتيم والأسير حتى لم يحسوا بعد بجوع ولا عطش ولا تعب ولا نصب ، وهي شجرة تميزت من بين أشجار الجنة ، إن سائر أشجار الجنة [ كان ] كل نوع منها يحمل نوعا من الثمار والمأكول ، وكانت هذه الشجرة وجنسها تحمل البر والعنب والتين والعناب وسائر أنواع الثمار والفواكه والأطعمة ، فلذلك اختلف الحاكون لتلك الشجرة ، فقال بعضهم : هي برة ، وقال آخرون : هي عنبة ، وقال آخرون : هي تينة ، وقال آخرون : هي عنابة ، وقال اللَّه تعالى : « وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ » تلتمسان بذلك درجة محمد [ وآل محمد ] في فضلهم ، فإن اللَّه تعالى خصّهم بهذه الدرجة دون غيرهم ، وهي الشجرة التي من تناول منها باذن اللَّه ألهم علم الأولين والآخرين من غير تعلم ومن تناول [ منها ]بغير إذن اللَّه خاب من مراده وعصى ربه(1) .
وعن عبدالسلام بن صالح الهروي قال : قلت للرضا عليه السلام يابن رسول اللَّه ، أخبرني عن الشجرة التي أكل منها آدم وحوّاء ما كانت ؟ فقد اختلف الناس فيها فمنهم من يروي أنها الحنطة ، ومنهم من يروي أنها العنب ، ومنهم من يروي أنها شجرة الحسد ، فقال عليه السلام : « كل ذلك حق ، قلت : فما معنى هذه الوجوه على اختلافها ؟ فقال : يا أبا الصلت إن شجرة الجنة تحمل أنواعا فكانت شجرة الحنطة وفيها عنب وليست كشجرة الدنيا وإن آدم عليه السلام لما أكرمه اللَّه تعالى ذكره بإسجاد
ص: 140
ملائكته له وبإدخاله الجنة قال في نفسه : هل خلق اللَّه بشرا أفضل مني ؟ فعلم اللَّه عز وجل ما وقع في نفسه ، فناداه : ارفع رأسك يا آدم فانظر إلى ساق العرش ، فرفع آدم رأسه فنظر إلى ساق العرش فوجد عليه مكتوبا لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه وعلي بن أبي طالب أميرالمؤمنين وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة فقال آدم عليه السلام : يا رب من هؤلاء ؟ فقال عزّوجلّ : يا آدم هؤلاء من ذريتك وهم خير منك ومن جميع خلقي ولولاهم ما خلقتك ولا خلقت الجنة والنار ولا السماء والأرض ، فإياك أن تنظر إليهم بعين الحسد فأخرجك عن جواري ، فنظر إليهم بعين الحسد وتمنى منزلتهم ، فتسلط عليه الشيطان حتى أكل من الشجرة التي نهي عنها وتسلط على حواء لنظرها إلى فاطمة عليها السلام بعين الحسد حتى أكلت من الشجرة كما أكل آدم عليه السلام فأخرجهما اللَّه عزّوجلّ عن جنته وأهبطهما عن جواره إلى الأرض»(1) .
جاء نفر من اليهود إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فسأله أعلمهم عن مسائل وكان فيما سأله أن قال : لأي شي ء أمر اللَّه تعالى بالاغتسال من الجنابة ولم يأمر من الغائط والبول ؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « إن آدم لما أكل من الشجرة دبّ ذلك في عروقه وشعره وبشره فإذا جامع الرجل أهله خرج الماء من كل عرق وشعره في جسده ، فأوجب اللَّه عزّوجلّ على ذريته الاغتسال من الجنابة إلى يوم القيامة ، والبول يخرج من فضلة الشراب الذي يشربه الإنسان ، والغائط يخرج من فضلة الطعام
ص: 141
الذي يأكله الإنسان فعليه من ذلك الوضوء ، قال اليهودي : صدقت يا محمد»(1) .
عن علي بن سالم عن أبيه قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام فقلت له : كيف صار الميراث للذكر مثل حظّ الانثيين ؟ فقال : « لأنّ الحبّات التي أكلها آدم عليه السلام وحواء في الجنّة كانت ثماني عشرة حبّة أكل آدم منها اثنتي عشرة حبّة وأكلت حوّاء ستّاً فلذلك صار الميراث للذكر مثل حظّ الانثيين »(2) .
حدّثنا علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أميرالمؤمنين عليه السلام انه سأله رجل من أهل الشام عن مسائل فكان فيما سأله ان قال له : لم صار الميراث للذكر مثل حظّ الانثيين ؟ قال : « من قبل السنبلة ، كان عليه ثلاث حبّات فبادرت إليها حوّاء فأكلت منها حبّة وأطعمت آدم حبّتين فمن أجل ذلك ورث الذكر مثل حظّ الانثيين»(3) .
قال تعالى : « ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى »(4) .
ص: 142
ولنرجع إلى بقيّة الحديث عن مولانا العسكري عليه السلام فنقول : قال الامام عليه السلام : « « وَقُلْنَا » يا آدم ويا حواء ويا أيتها الحية ويا إبليس « اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ » آدم وحواء وولدهما عدو للحيّة ، وإبليس والحية وأولادهما أعداؤكم « وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ » منزل ومقرّ للمعاش « وَمَتاعٌ » منفعة « إِلى حِينٍ » الموت . قال اللَّه تعالى : « فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ » يقولها ، فقالها « فَتابَ اللَّه عَلَيْهِ » بها « إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ » [ التواب ] القابل للتوبات ، الرحيم بالتائبين « قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً » كان أمر في الأوّل أن يهبطا ، وفي الثاني أمرهم أن يهبطوا جميعاً ، لا يتقدم أحدهم الآخر. والهبوط إنما كان هبوط آدم وحواء من الجنة ، وهبوط الحية أيضا منها ، فإنّها كانت من أحسنِ دوابّها ، وهبوط إبليس من حواليها ، فإنه كان محرّماً عليه دخول الجنة. « فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً » يأتيكم وأولادكم من بعدكم منّي هدىً يا آدم ويا إبليس « فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ » لا خوف عليهم حين يخاف المخالفون ، ولا هم يحزنون إذا يحزنون » .
قال عليه السلام : « فلما زلت من آدم الخطيئة ، واعتذر إلى ربّه عزّوجلّ ، قال : يا رب تب علي ، واقبل معذرتي ، وأعدني إلى مرتبتي ، وارفع لديك درجتي ، فلقد تبيّن نقص الخطيئة وذلّها في أعضائي وسائر بدني. قال اللَّه تعالى : يا آدم أما تذكر أمري إياك بأن تدعوني بمحمّد وآله الطيبين عند شدائدك ودواهيك، وفي النوازل التي تبهظك ؟ قال آدم : يا ربّ بلى. قال اللَّه عزّوجلّ له : فتوسّل بمحمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات اللَّه عليهم خصوصا ، فادعني أجبك إلى ملتمسك ، وأزدك فوق مرادك . فقال آدم : يا ربّ، يا إلهي وقد بلغ عندك من محلّهم أنك
ص: 143
بالتوسل إليك بهم تقبل توبتي وتغفر خطيئتي ، وأنا الذي أسجدت له ملائكتك ، وأبحته جنّتك ، وزوجته حواء أمتك ، وأخدمته كرام ملائكتك ! قال اللَّه تعالى : يا آدم إنمّا أمرت الملائكة بتعظيمك وبالسجود لك إذ كنت وعاءً لهذه الأنوار ، ولو كنت سألتني بهم قبل خطيئتك أن أعصمك منها، وأن أفطنك لدواعي عدوّك إبليس حتّى تحترز منه لكنت قد جعلت ذلك ، ولكنّ المعلوم في سابق علمي يجري موافقاً لعلمي ، فالآن فبهم فادعني لأجبك [ لاجيبك ] فعند ذلك قال آدم : اللهم [ بجاه محمد وآله الطيبين ] بجاه محمّد وعلي وفاطمة، والحسن والحسين والطيّبين من آلهم لمّا تفضّلت عليّ بقبول توبتي ، وغفران زلتي ، وإعادتي من كراماتك إلى مرتبتي . فقال اللَّه عزّوجلّ : قد قبلت توبتك، وأقبلت برضواني عليك ، وصرفت آلائي ونعمائي إليك ، وأعدتك إلى مرتبتك من كراماتي ، ووفّرت نصيبك من رَحَماتي. فذلك قوله عزّوجلّ : « فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ »(1) .
ثم قال عزّوجلّ للذين أهبطهم - من آدم وحواء وإبليس والحية - « وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ » مقام فيها تعيشون ، وتحثكم لياليها وأيّامها إلى السعي للآخرة ، فطوبى لمن تزوّد منها لدار البقاء « وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ » لكم في الأرض منفعة إلى حين موتكم ، لأن اللَّه تعالى منها يخرج زروعكم وثماركم ، وبها ينزهكم وينعمكم ، وفيها أيضا بالبلايا يمتحنكم . يلذّذكم بنعيم الدنيا تارةً ليذكركم نعيم الآخرة الخالص ، ممّا ينقص نعيم الدنيا ويبطله ، ويزهد فيه ويصغّره ويحقّره ، ويمتحنكم تارة ببلايا الدنيا التي قد تكون في خلالها الرَحَمات ، وفي تضاعيفها
ص: 144
النعم التي تدفع عن المبتلى بها مكارهها ليحذركم بذلك عذاب الأبد الذي لا يشوبه عافية ، ولا يقع في تضاعيفه راحة ولا رحمة. « فَتَلَقَّى آدَمُ » قد فسّر . « وقُلْنَا اهْبِطُوا » قد فسر.
ثم قال اللَّه عزّوجلّ « وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا » الدالات على صدق محمد صلى الله عليه وآله على ما جاء به - من أخبار القرون السالفة - وعلى ما أدّاه إلى عباد اللَّه من ذكر تفضيله لعليّ عليه السلام وآله الطيبين خير الفاضلين والفاضلات بعد محمّد سيّد البريّات « أُولئِكَ » الدافعون لصدق محمّد في إنبائه والمكذبون له في نصبه لأوليائه عليّ سيّد الأوصياء والمنتجبين من ذريته الطيّبين الطاهرين »(1)
قال تعالى : « فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحيمُ »(2) .
عن الصادق عليه السلام قال : « فهبط آدم على الصفا وإنّما سمّيت الصفا لأن صفوة اللَّه نزل عليها ونزلت حوّاء على المروة وإنما سميت المروة لأن المرأة نزلت عليها ، فبقي آدم أربعين صباحا ساجداً يبكي على الجنة فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال : يا آدم ألم يخلقك اللَّه بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته ؟ قال : بلى ، قال : وأمرك أن لا تأكل من الشجرة فلم عصيته ؟ قال : يا جبرئيل إن إبليس حلف لي باللَّه إنه لي ناصح وما ظننت أن خلقا يخلقه اللَّه أن يحلف باللَّه كاذبا(1) ، فقال له جبرئيل عليه السلام : يا آدم تب إلى اللَّه»(2) .
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : «انّ آدم عليه السلام بقي على الصفا أربعين صباحاً ساجداً يبكي على الجنّة وعلى خروجه من الجنّة من جوار اللَّه عزّوجلّ فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال : يا آدم مالك تبكي ؟ فقال : يا جبرئيل مالي لا أبكي وقد أخرجني اللَّه من الجنّة من جواره وأهبطني إلى الدنيا ، فقال : يا آدم تب إلى اللَّه» ( الحديث )(3) .
وعن المفضّل بن عمر قال : قال أبو عبداللَّه عليه السلام : «إن اللَّه تبارك وتعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ، فجعل أعلاها وأشرفها أرواح محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة بعدهم عليهم السلام فعرضها على السماوات والأرض والجبال فغشيها نورهم ، فقال اللَّه تبارك وتعالى للسماوات والأرض والجبال
ص: 146
هؤلاء أحبائي وأوليائي وحججي على خلقي وأئمة بريتي ، ما خلقت خلقا هو أحب إلي منهم ، ولمن تولاهم خلقت جنتي ، ولمن خالفهم وعاداهم خلقت ناري ، فمن ادعى منزلتهم مني ومحلهم من عظمتي عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، وجعلته مع المشركين في أسفل درك من ناري ، ومن أقر بولايتهم ولم يدع منزلتهم مني ومكانهم من عظمتي جعلته معهم في روضات جناتي ، وكان لهم فيها ما يشاءون عندي وأبحتهم كرامتي وأحللتهم جواري وشفعتهم في المذنبين من عبادي وإمائي ، فولايتهم أمانة عند خلقي ، فأيكم يحملها بأثقالها ويدعيها لنفسه دون خيرتي فأبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن من ادعاء منزلتها وتمني محلها من عظمة ربها ، فلما أسكن اللَّه عزّوجلّ آدم وزوجته الجنة قال لهما : « كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ »(1) يعني شجرة الحنطة « فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ »(2) فنظرا إلى منزلة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة بعدهم عليهم السلام ، فوجداها أشرف منازل أهل الجنة فقالا : يا ربنا لمن هذه المنزلة ؟ فقال اللَّه جل جلاله : ارفعا رؤوسكما إلى ساق عرشي ، فرفعا رءوسهما فوجدا اسم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة بعدهم عليهم السلام مكتوبة على ساق العرش بنور من نور الجبار جل جلاله ، فقالا : يا ربنا ما أكرم أهل هذه المنزلة عليك وما أحبهم إليك وما أشرفهم لديك ؟ فقال اللَّه جل جلاله : لو لا هم ما خلقتكما هؤلاء خزنة علمي وأمنائي على سري ، إياكما أن تنظرا إليهم بعين الحسد وتتمنيا منزلتهم عندي ومحلهم من كرامتي فتدخلا بذلك
ص: 147
في نهيي وعصياني فتكونا من الظالمين ، قالا : ربنا ومن الظالمون ؟ قال المدعون لمنزلتهم بغير حق ، قالا : ربنا فأرنا منازل ظالميهم في نارك حتى نراها كما رأينا منزلتهم في جنتك ، فأمر اللَّه تبارك وتعالى النار فأبرزت جميع ما فيها من ألوان النكال والعذاب ، وقال عزّوجل : مكان الظالمين لهم المدعين لمنزلتهم في أسفل درك منها « كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعيدُوا فيها »(1) وكلما نضجت جلودهم بدّلوا سواها ليذوقوا العذاب ، يا آدم ويا حواء لا تنظر إلى أنواري وحججي بعين الحسد فأهبطكما عن جواري وأحل بكما هواني « فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدينَ * وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحينَ * فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ »(2) وحملهما على تمني منزلتهم ، فنظرا إليهم بعين الحسد فخذلا حتى أكلا من شجرة الحنطة ، فعاد مكان ما أكلا شعيرا ، فأصل الحنطة كلها مما لم يأكلاه وأصل الشعير كله مما عاد مكان ما أكلاه ، فلما أكلا من الشجرة طار الحلي والحلل عن أجسادهما وبقيا عريانين « وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوّ مُبينٌ » ف« قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرينَ »(3) قال : اهبطا من جواري فلا يجاورني في جنتي من يعصيني ، فهبطا موكولين إلى أنفسهما في طلب المعاش ، فلما أراد اللَّه عز وجل
ص: 148
أن يتوب عليهما جاءهما جبرئيل فقال لهما : إنكما إنما ظلمتما أنفسكما بتمني منزلة من فضل عليكما فجزاؤكما ما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار اللَّه عز وجل إلى أرضه ، فسلا ربكما بحق الأسماء التي رأيتموها على ساق العرش حتى يتوب عليكما ، فقالا : اللهم إنا نسألك بحق الأكرمين عليك محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام إلّا تبت علينا ورحمتنا ، فتاب اللَّه عليهما إنه هو التواب الرحيم ، فلم يزل أنبياء اللَّه بعد ذلك يحفظون هذه الأمانة ويخبرون بها أوصياءهم والمخلصين من أممهم فيأبون حملها ويشفقون من ادعائها وحملها الإنسان الذي قد عرف فأصل كل ظلم منه إلى يوم القيامة وذلك قول اللَّه عز وجل « إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً »»(1) .(2)
قال المجلسي رحمه الله : المراد بالانسان الذي عرف هو أبوبكر(3) .
عن علي بن موسى الرضا ، عن آبائه عليهم السلام في أسألة الشامي عن أميرالمؤمنين عليه السلام بالكوفة قال : وسأله عن بكاء آدم على الجنّة وكم كانت دموعه التي جرت من عينيه ؟ فقال عليه السلام : « بكى مائة سنة أي وخرج من عينه اليمنى مثل الدجلة والعين الاخرى مثل الفرات »(4) .
ص: 149
وروى عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام انه قال : جاء نفر من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وآله فسأله أعلمهم عن مسائل . . . فقال النبي صلى الله عليه وآله : « وأما صلاة العصر فهي الساعة التي أكل آدم عليه السلام فيها من الشجرة فأخرجه اللَّه عزّوجلّ من الجنة فأمر اللَّه ذريته بهذه الصلاة إلى يوم القيامة واختارها لأمتي فهي من أحب الصلوات إلى اللَّه عزّوجل وأوصاني أن أحفظها من بين الصلوات ، وأما صلاة المغرب فهي الساعة التي تاب اللَّه عزّوجلّ فيها على آدم عليه السلام وكان بين ما أكل من الشجرة وبين ما تاب اللَّه عزّوجلّ عليه ثلاثمائة سنة من أيام الدنيا ، وفي أيام الآخرة يوم كألف سنة ما بين العصر إلى العشاء فصلى آدم عليه السلام ثلاث ركعات ركعة لخطيئته وركعة لخطيئة حواء وركعة لتوبته» ( الحديث )(1) .
ويمكن الجمع بين الأخبار بحمل الأقل على البكاء الشديد المشتمل على النوح والأكثر على الخفيف ويقال له البكا بالقصر .
عن كثير بن كلثمة عن أحدهما عليهما السلام في قول اللَّه عزّوجلّ : « فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ »(2) قال : « لا إله إلا أنت سبحانك اللّهمّ وبحمدك عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي وأنت خير الغافرين ، لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوءً وظلمت نفسي فاغفر لي وارحمني وأنت أرحم الراحمين لا إله إلا أنت سبحانك اللّهمّ وبحمدك عملت سوءً وظلمت
ص: 150
نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم»(1) .
قال عليه السلام : « فلما زلّت من آدم الخطيئة واعتذر إلى ربّه عزّوجل قال : يا ربّ تب عليّ ، واقبل معذرتي ، وأعدني إلى مرتبتي ، وارفع لديك درجتي فلقد تبين نقص الخطيئة وذلّها في أعضائي وسائر بدني . قال اللَّه تعالى : يا آدم أما تذكر أمري إياك بأن تدعوني بمحمّد وآله الطيبين عند شدائدك ودواهيك وفي النوازل [ التي ]تبهظك ؟ قال آدم : يا ربّ بلى قال اللَّه عزّوجل ( له : فتوسّل بمحمّد )(2) وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات اللَّه عليهم خصوصاً ، فادعني أجبك إلى ملتمسك وأزدك فوق مرادك . فقال آدم : يا رب ، يا إلهي وقد بلغ عندك من محلهم أنك بالتوسل [ اليك ] بهم تقبل توبتي وتغفر خطيئتي وأنا الذي أسجدت له ملائكتك وأبحته جنّتك وزوّجته حوّاء أمتك وأخدمته كرام ملائكتك ، قال اللَّه تعالى : يا آدم إنما أمرت الملائكة بتعظيمك [ و ] بالسجود [ لك ] إذ كنت وعاء لهذه الأنوار ولو كنت سألتني بهم قبل خطيئتك أن أعصمك منها ، وأن أفطنك لدواعي عدوك إبليس حتى تحترز منها لكنت قد جعلت ( فعلت ) ذلك ، ولكن المعلوم في سابق علمي يجري موافقا لعلمي ، فالآن فبهم فادعني لأجبك [ لأجيبك ] فعند ذلك قال آدم اللهم [ بجاه محمد وآله الطيبين ] بجاه محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم لمّا تفضّلت [ علي ] بقبول توبتي وغفران زلتي وإعادتي من كراماتك إلى مرتبتي فقال اللَّه عزّوجل : قد قبلت توبتك وأقبلت برضواني عليك وصرفت آلائي ونعمائي إليك وأعدتك إلى مرتبتك من كراماتي ، ووفّرت نصيبك
ص: 151
من رحماتي ، فذلك قول اللَّه عزّوجل : « فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ »»(1) .(2)
وعن المفضل بن عمر عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام قال : سألته عن قول اللَّه عز وجل : « وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ »(3) ما هذه الكلمات ؟ قال : « هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه وهو أنه قال : يا رب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت عليّ ، فتاب اللَّه عليه إنه هو التواب الرحيم» ، فقلت له : يا ابن رسول اللَّه فما يعني عزّوجل بقوله : « فَأَتَمَّهُنَّ » قال : « يعني فأتمهن إلى القائم عليه السلام اثني عشر إماما تسعة من ولد الحسين عليه السلام » قال : المفضل : فقلت له : يا ابن رسول اللَّه فأخبرني عن قول اللَّه عز وجل : « وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ »(4) قال : « يعني بذلك الإمامة جعلها اللَّه في عقب الحسين إلى يوم القيامة قال : فقلت له : يا ابن رسول اللَّه فكيف صارت الإمامة في ولد الحسين دون ولد الحسن عليهما السلام وهما جميعا ولدا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسبطاه وسيدا شباب أهل الجنة ؟ فقال عليه السلام : إن موسى وهارون كانا نبيين مرسلين أخوين فجعل اللَّه النبوة في صلب هارون دون صلب موسى ولم يكن لأحد أن يقول : لِمَ فَعَلَ اللَّه ذلك وإن الإمامة خلافة من اللَّه عز وجل ليس لأحد أن يقول : لِمَ جعلها اللَّه في
ص: 152
صلب الحسين دون صلب الحسن ، لأن اللَّه هو الحكيم في أفعاله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون»(1) .
عن معمر بن راشد قال : سمعت أبا عبد اللَّه الصادق عليه السلام يقول : « أتى يهودي إلى النبي صلى الله عليه وآله فقام بين يديه يحد النظر إليه ، فقال : يا يهودي ما حاجتك ؟ فقال : أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلّمه اللَّه تعالى وأنزل عليه التوراة والعصا وفلق البحر وأظله بالغمام ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وآله إنه يكره للعبد أن يزكّي نفسه ولكني أقول : إنّ آدم عليه السلام لما أصاب الخطيئة كانت توبته [إلى] أن قال : اللّهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما غفرت لي فغفر اللَّه له ، وإن نوحا لمّا ركب في السفينة وخاف الغرق قال اللّهم إني أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لمّا أنجيتني من الغرق فنجّاه اللَّه عنها ، وإنّ إبراهيم لمّا ألقي في النار قال : اللهمّ إنّي أسألك بحق محمّد وآل محمّد لمّا أنجيتني منها فجعلها اللَّه عليه برداً وسلاماً وإنّ موسى لمّا ألقى عصاه فأوجس في نفسه خيفة قال : اللّهم إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لمّا أمّنتني منها فقال اللَّه جل جلاله : لا تخف إنّك أنت الأعلى ، يا يهودي إن موسى عليه السلام لو أدركني ثمّ لم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه إيمانه شيئا ولا نفعته النبوة ، يا يهودي ومن ذريتي المهدي إذا خرج نزل عيسى ابن مريم لنصرته فقدمه وصلى خلفه»(2) .
وقد قال عليه السلام : « دار بالبلاء محفوفة وبالغدر معروفة »(3) .
ص: 153
عن الحسن بن محبوب عن أبي جعفر عليه السلام قال : « كان عمر آدم عليه السلام من يوم خلقه اللَّه إلى يوم قبضه تسعمائة وثلاثين سنة ودفن بمكة ونفخ فيه يوم الجمعة بعد الزوال ثم برأ زوجته من أسفل أضلاعه وأسكنه جنته من يومه ذلك فما استقر فيها إلّا ست ساعات من يومه ذلك حتى عصى اللَّه وأخرجهما من الجنة بعد غروب الشمس وما بات فيها»(1) .
وعن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال : « لمّا أهبط آدم من الجنة ظهرت به شامة سوداء في وجهه من قرنه إلى قدميه فطال حزنه وبكاؤه على ما قد ظهر به فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال له : ما يبكيك يا آدم ؟ فقال : من هذه الشامة التي ظهرت بي ، قال : قم يا آدم فصلّ فهذا وقت الصلاة الأولى ، فقام فصلّى فانحطت الشامة إلى عنقه ، فجاءه في الصلاة الثانية فقال : قم فصل يا آدم ، فهذا وقت الصلاة الثانية فقام فصلى فانحطت الشامة إلى سرّته ، فجاءه في الصلاة الثالثة فقال : يا آدم قم فصلّ ، فهذا وقت الصلاة الثالثة ، فقام فصلى فانحطت الشامة إلى ركبتيه فجاءه في الصلاة الرابعة فقال : يا آدم قم فصلّ فهذا وقت الصلاة الرابعة ، فقام فصلى فانحطت الشامة إلى قدميه ، فجاءه في الصلاة الخامسة فقال : يا آدم قم فصلّ فهذا وقت الصلاة الخامسة ، فقام فصلى فخرج منها فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه فقال جبرئيل عليه السلام : يا آدم مثل ولدك في هذه الصلوات كمثلك في هذه الشامة ، من صلى من ولدك في كل يوم وليلة خمس صلوات خرج من ذنوبه كما خرجت من هذه الشامة»(2) .
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « إن اللَّه عزّوجلّ لما أهبط آدم عليه السلام أمره بالحرث
ص: 154
والزرع وطرح إليه غرسا من غروس الجنة فأعطاه النخل والعنب والزيتون والرمان فغرسها لتكون لعقبه وذريته ، فأكل هو من ثمارها ، فقال له إبليس لعنه اللَّه : يا آدم ما هذا الغرس الذي لم أكن أعرفه في الأرض وقد كنت بها قبلك ، ائذن لي آكل منها شيئا ، فأبى آدم عليه السلام أن يدعه ، فجاء ابليس إلى عند آخر عمر آدم عليه السلام وقال لحواء إنه قد أجهدني الجوع والعطش ، فقالت له حواء : فما الذي تريد ؟ قال : اريد تذيقيني من هذه الثمار ، فقالت له حواء : إن آدم عهد إليّ أن لا أطعمك شيئاً من هذا الغرس لأنه من الجنة ولا ينبغي لك أن تأكل منه شيئاً ، فقال لها : فاعصري في كفي شيئا منه ، فأبت عليه ، فقال : ذريني أمصه ولا آكله ، فأخذت عنقودا من العنب فأعطته فمصه ولم يأكل منه لما كانت حوّاء قد أكدت عليه ، فلمّا ذهب يعضّ عليه جذبته حواء من فيه ، فأوحى اللَّه عز وجل إلى آدم عليه السلام : أن العنب قد مصّه عدوّي وعدوّك إبليس وقد حرّمت عليك من عصيره الخمر ما خالطه نفس إبليس ، فحرمت الخمر لأن عدو اللَّه إبليس مكر بحوّاء حتّى مصّ العنب ، ولو أكلها لحرمت الكرمة من أولها إلى آخرها وجميع ثمرها وما يخرج منها ثمّ إنه قال لحوّاء : فلو أمصصتيني شيئاً من هذا التمر كما أمصصتيني من العنب ، فأعطته ثمرة فمصها وكانت العنب والتمرة أشدّ رائحة وأذكى من المسك الأذفر وأحلى من العسل ، فلمّا مصّهما عدو اللَّه ابليس - لعنه اللَّه - ذهبت رائحتهما وانتقصت حلاوتهما» .
قال أبو عبداللَّه عليه السلام : « ثمّ انّ ابليس لعنه اللَّه ذهب بعد وفاة آدم عليه السلام فبال في أصل الكرمة والنخلة فجرى الماء في عروقهما من بول عدو اللَّه فمن ثمّ يختمر العنب والتمر فحرّم اللَّه عزّوجل على ذرية آدم عليه السلام كل مسكر لأنّ الماء جرى ببول
ص: 155
عدو اللَّه في النخلة والعنب وصار كل مختمر خمرا لأنّ الماء اختمر في النخلة والكرمة من رائحة بول عدو اللَّه إبليس - لعنه اللَّه -»(1) .
وعن علي بن موسى الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام في حديث الشامي مع أميرالمؤمنين عليه السلام : وسأله عن أوّل من قال الشعر ؟ فقال عليه السلام : «آدم عليه السلام» : قال : وما كان شعره ؟ قال عليه السلام : « لمّا انزل إلى الأرض من السماء فرأى تربتها وسعتها وهواها وقتل قابيل هابيل قال آدم عليه السلام :
تغيرت البلاد ومن عليها * فوجه الأرض مغبر قبيح
تغير كل ذي طعم ولون * وقل بشاشة الوجه المليح
أرى طول الحياة علي غما * وهل أنا من حياتي مستريح
و ما لي لا أجود بسكب دمع * وهابيل تضمنه الضريح
قتل قابيل هابيلا أخاه * فوا حزني لقد فقد المليح
فأجابه ابليس لعنه اللَّه :
تنح عن البلاد وساكنيها * ففي الخلد ضاق بك الفسيح
وكنت بها وزوجك في قرار * وقلبك من اذى الدنيا مريح
فلم تنفك من كيدي ومكري * إلى أن فاتك الثمن الربيع
وبدّل أهلها اثلا وخمطا * بحبات وأبواب منيح
فلو لا رحمة الجبّار أضحى * بكفك من جنان الخلد ريح(2)»
ص: 156
قال تعالى : « خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثيراً وَنِساءً »(1) . وقال تعالى : « يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ »(2) .
روى زرارة عن أبي عبداللَّه عليه السلام : « أن آدم عليه السلام ولد له شيث وأنّ اسمه هبة اللَّه وهو أوّل وصيّ أُوصي إليه من الآدميّين في الْأرض ثمّ ولد له بعد شيث يافث فلما أدركا أراد اللَّه عَزّوجل أن يبلغ بالنسل ما ترون وأن يكون ما قد جرى به القلم من تحريم ما حرم اللَّه عزّوجل من الْأخوات على الاْخوة أنزل بعد العصر في يوم خميسٍ حوراء من الجنة اسمُها نزلةُ فأمر اللَّهُ عزَّ وجلَّ آدم أن يُزوِّجها من شيثٍ فزوَّجها منهُ ثُمَّ أنزل بعد العصر من الغد حوراء من الجنة واسمها منزلة فأمر اللَّه عزَّوجلَّ آدم أن يُزوّجها من يافث فزوَّجها منهُ فوُلد لشيثٍ غلام وولد ليافث جارية فأمر اللَّهُ عزّوجلّ آدم حين أدركا أن يُزوّج ابنة يافث من ابن شيث ففعل فوُلد الصفوة من النبيّين والمرسلين من نسلهما ومعاذ اللَّه أن يكون ذلك على ما قالوا من أمر الْإخْوة والْأخوات»(3) .
وعن بريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر عليه السلام قال : « انّ اللَّه عزّوجلّ أنزل
ص: 157
حوراء من الجنّة إلى آدم فزوّجها أحد ابنيه وتزوّج الآخر إلى الجنّ فولدتا جميعاً فما كان من الناس من جمال وحسن خلق فهو من الحرواء وما كان فيهم من سوء الخلق فمن بنت الجانّ وأنكر أن يكون زوج بنيه من بناته»(1) .
وعن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال لي : « ما يقول الناس في تزويج آدم ولده ؟» قال : قلت : يقولون : إنّ حوّاء كانت تلد لآدم في كلِّ بطن غلاماً وجارية ، فتزوّج الغلام الجارية التي من البطن الآخر الثاني وتزوج الجارية الغلام الذي من البطن الآخر الثاني حتّى توالدوا ، فقال أبو جعفرٍ عليه السلام : « ليس هذا كذاك ، ولكنه لما ولد آدم هبة اللَّه وكبر سأل اللَّه أن يزوجه ، فأنزل اللَّه له حوراء من الجنة فزوجها إياه فولد له أربعة بنين ، ثم ولد لآدم ابن آخر فلما كبر أمره فتزوج إلى الجانّ ، فولد له أربع بنات فتزوج بنو هذا بنات هذا ، فما كان من جمالٍ فمن قبل الحوراء ، وما كان من حلم فمن قبل آدم ، وما كان من خفّة فمن قبل الجانّ فلمّا توالدوا صعدت الحوراء إلى السماء»(2) .
عن الحسن بن مقاتل عمن سمع زرارة يقول : سئل أبو عبداللَّه عليه السلام عن بدء النسل من آدم كيف كان ؟وعن بدء النسل من ذرية آدم ؟ فإن أناسا عندنا يقولون : إن اللَّه عزّوجل أوحى إلى آدم أن يزوج بناته ببنيه وأن هذا الخلق كله أصله من الإخوة والأخوات ؟ فقال أبو عبداللَّه عليه السلام : « تعالى اللَّه عن ذلك علوا كبيرا ، يقول من قال هذا بأن اللَّه عزّوجل خلق صفوة خلقه وأحباءه وأنبياءه ورسله والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات من حرام ، ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم
ص: 158
من حلال وقد أخذ ميثاقهم على الحلال الطهر الطاهر الطيّب ، فو اللَّه لقد تبيّنت أن بعض البهائم تنكرت له أخته ، فلما نزا عليها ونزل كشف له عنها ، فلما علم أنها أخته أخرج غرموله ثم قبض عليه بأسنانه حتى قطعه فخر ميتاً ، وآخر تنكرت له أمه ففعل هذا بعينه ، فكيف الإنسان في إنسيته وفضله وعلمه ؟ غير أنّ جيلا من هذا الخلق الذي ترون رغبوا عن علم أهل بيوتات أنبيائهم ، وأخذوا من حيث لم يؤمروا بأخذه فصاروا إلى ما قد ترون من الضلال والجهل - إلى أن قال عليه السلام - : حقاً أقول : ما أراد من يقول هذا وشبهه إلّا تقوية حجج المجوس ، فما لهم قاتلهم اللَّه ، ثمّ أنشأ يحدثنا كيف كان بدء النسل من آدم وكيف كان بدء النسل من ذريته . فقال : إن آدم عليه السلام ولد له سبعون بطنا في كل بطن غلام وجارية إلى أن قتل هابيل ، فلما قتل قابيل هابيل جزع آدم على هابيل جزعا قطعه عن إتيان النساء فبقي لا يستطيع أن يغشي حواء خمسمائة عام ، ثم تخلّى ما به من الجزع عليه فغشي حواء فوهب اللَّه له شيثا وحده ليس معه ثان ، واسم شيث هبة اللَّه وهو أول من أوصي إليه من الآدميين في الأرض ، ثم ولد له من بعد شيث يافث ليس معه ثان ، فلما أدركا وأراد اللَّه عزوجل أن يبلغ بالنسل ما ترون وأن يكون ما قد جرى به القلم من تحريم ما حرم اللَّه عز وجل من الأخوات على الإخوة أنزل بعد العصر في يوم الخميس حوراء من الجنة اسمها «نزلة» فأمر اللَّه عز وجل آدم أن يزوّجها من شيث فزوجها منه» إلى آخر ما مرّ في الحديث الأوّل(1) .
يمكن أن يقال في وجه الجمع بين هذه الأخبار المختلفة ظاهراً انّ ليافث
ص: 159
زوجتين : احديهما حوراء والاخرى جنيّة ، أو انّ الولد المتزوّج بالجنيّة غير شيث ويافث .
روى العامة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله انّه كان كتب له ألف سنة فوهب ستّين لداود عليه السلام ثمّ رجع .
ورووا عن ابن عبّاس انّه وهب من الألف أربعين فجحد فأكمل اللَّه لآدم عليه السلام ألف سنة ولداود عليه السلام مائة سنة ، ورووا مثل ذلك عن جماعة ، منهم سعيد بن جبير ، ورووا انّه قال ابن عبّاس : كان عمر آدم تسعمائة وستّاً وثلاثين سنة واهل التوراة يزعمون انّ عمر آدم تسعمائة وثلاثون سنة(1) .
وقال المسعودي : توفّي يوم الجمعة لست خلون من نيسان في الساعة التي كان فيها خلقه وكان عمره عليه السلام تسعمائة سنة وثلاثين سنة(2) .
وذكر السيد في سعد السعود من مصحف إدريس عليه السلام مرضه عشرة أيّام بالحمّى ، ووفاته يوم الجمعة لأحد عشر يوماً خلت من المحرّم ، ودفنه في غار في جبل أبي قبيس ، ووجهه إلى الكعبة ، وان عمره عليه السلام من وقت نفخ فيه الروح إلى وفاته ألف سنة وثلاثين ، وانّ حوّاء ما بقيت بعده إلّا سنة ، ثمّ مرضت خمسة عشر يوماً ، ثمّ توفّيت ودفنت إلى جنب آدم عليه السلام(3) .
ص: 160
وقال السيّد قدس سره : وجدت في السفر الثالث من التوراة انّ حياة آدم كانت تسعمائة وثلاثين سنة .
وقال محمّد بن خالد البرقي رحمه الله : انّ عمر آدم عليه السلام كان تسع مائة وستّاً وثلاثين سنة(1) وعلى أيّ حال لمّا مات عليه السلام قال أبو جعفر عليه السلام : « فلمّا جهّزوه قال جبرئيل عليه السلام : تقدّم يا هبة اللَّه فصلّ على أبيك ، فتقدّم وكبّر عليه خمساً وسبعين تكبيرة(2) فحضرت الملائكة ثمّ ادخلوه حفرته صلوات اللَّه عليه»(3) .
قال سبحانه : « وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ ميثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهيمَ وَمُوسى وَعيسَى بْنِ مَرْيَمَ »(4) .
وقال تعالى : « لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ »(5) .
عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « لمّا أكل آدم عليه السلام من الشجرة أهبط إلى الأرض فولد له هابيل وأخته توأم وولد له قابيل وأخته توأم ، ثم إن آدم عليه السلام أمر هابيل وقابيل أن يقرّبا قربانا وكان هابيل صاحب غنم وكان قابيل صاحب زرع فقرّب هابيل كبشاً من أفاضل غنمه وقرب قابيل من زرعه ما لم ينق فتقبل قربان
ص: 161
هابيل ولم يتقبل قربان قابيل وهو قول اللَّه عز وجل : « وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآْخَرِ »(1) إلى آخر الآية ، وكان القربان إذا قبل تأكله النار فعمد قابيل إلى النار فبنى لها بيتاً وهو أول من بنى بيوت النار فقال : لأعبدنّ هذه النار حتى يتقبّل قرباني ، ثم إن إبليس لعنه اللَّه - أتاه وهو يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق - فقال له : يا قابيل قد تقبل قربان هابيل ولم يتقبّل قربانك وانّك إن تركته يكون له عقب يفتخرون على عقبك ويقولون نحن أبناء الذي تقبّل قربانه ، فاقتله ، كيلا يكون له عقب يفتخرون على عقبك ، فقتله ، فلما رجع قابيل إلى آدم عليه السلام قال له : يا قابيل أين هابيل ؟ فقال : أطلبه حيث قرّبنا القربان ، فانطلق آدم عليه السلام فوجد هابيل قتيلا ، فقال آدم عليه السلام : لعنت من أرض كما قبلت دم هابيل ، فبكى آدم على هابيل أربعين ليلة ، ثم إنّ آدم سأل ربه ولداً فولد له غلام فسماه هبة اللَّه لأن اللَّه عزوجل وهبه له وأخته توأم فلما انقضت نبوّة آدم عليه السلام واستكمل أيامه أوحى اللَّه تعالى إليه أن يا آدم إنه قد انقضت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوة في العقب من ذريتك عند ابنك هبة اللَّه فإنّي لن أقطع العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوة من العقب من ذريتك إلى يوم القيامة ولن أدع الأرض إلا وفيها عالم يعرف به ديني ويعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد فيما بينك وبين نوح .
وبشّر آدم نوحا عليهما السلام فقال : إن اللَّه تعالى باعث نبياً اسمه نوح وإنه يدعو إلى اللَّه عز وجل فيكذبونه فيقتلهم اللَّه بالطوفان وكان بين آدم وبين نوح عليه السلام عشرة آباء
ص: 162
كلهم أنبياء اللَّه ، وأوصى آدم عليه السلام إلى هبة اللَّه أن من أدركه منكم فليؤمن به وليتبعه وليصدق به فإنه ينجو من الغرق ، ثم إن آدم عليه السلام لما مرض المرضة التي مات فيها فأرسل إلى هبة اللَّه وقال له : إن لقيت جبرئيل أو من لقيت من الملائكة فأقرئه منّي السلام وقل له : يا جبرئيل إن أبي يستهديك من ثمار الجنة ، ففعل فقال له جبرئيل : يا هبة اللَّه إن أباك قد قبض وانّا نزلنا للصلاة عليه فارجع فرجع فوجد آدم عليه السلام قد قبض فأراه جبرئيل عليه السلام كيف يغسّله فغسّله حتى إذا بلغ الصلاة عليه ، قال هبة اللَّه : يا جبرئيل تقدم فصلّ على آدم ، فقال له جبرئيل : إن اللَّه أمرنا أن نسجد لأبيك آدم وهو في الجنة فليس لنا أن نؤم شيئاً من ولده ، فتقدم هبة اللَّه فصلى على أبيه وجبرئيل خلفه وحنود من الملائكة وكبّر عليه ثلاثين تكبيرة فأمر جبرئيل عليه السلام ، فرفع خمسا وعشرين تكبيرة - والسنة فينا اليوم خمس تكبيرات ، وقد كان يكبر على أهل بدر سبعا وتسعا - .
ثم إن هبة اللَّه لما دفن آدم أباه أتاه قابيل فقال : يا هبة اللَّه إني قد رأيت أبي آدم قد خصّك من العلم بما لم أخصّ به وهو العلم الذي دعا به أخوك هابيل فتقبّل قربانه وإنما قتلته لكيلا يكون له عقب فيفتخرون على عقبي فيقولون : نحن أبناء الذي تقبّل قربانه وأنتم أبناء الذي ترك قربانه فإنك إن أظهرت من العلم الذي اختصّك به أبوك شيئا قتلتك كما قتلت أخاك هابيل .
فلبث هبة اللَّه والعقب منه مستخفين بما عندهم من العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة حتى بعث نوحاً عليه السلام وظهرت وصية هبة اللَّه حين نظروا في وصية آدم عليه السلام فوجدوا نوحا عليه السلام نبيّاً قد بشّر به آدم عليه السلام ، فآمنوا به واتبعوه وصدقوه وقد كان آدم عليه السلام وصى هبة اللَّه أن يتعاهد هذه الوصية عند رأس
ص: 163
كل سنة فيكون يوم عيدهم فيتعاهدون نوحاً وزمانه الذي يخرج فيه وكذلك جاء في وصية كل نبي حتى بعث اللَّه تبارك وتعالى محمداً صلى الله عليه وآله وإنما عرفوا نوحا بالعلم الذي عندهم وهو قول اللَّه عزّوجل : « وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ »(1) إلى آخر الآية .
وكان ما بين آدم ونوح من الأنبياء مستخفين ولذلك خفي ذكرهم في القرآن فلم يسمّوا كما سمّي من استعلن من الأنبياء صلوات اللَّه عليهم أجمعين وهو قول اللَّه عزوجل : « وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ »(2) .
يعني لم اُسمّ المستخفين كما سمّيت المستعلنين من الأنبياء عليهم السلام فمكث نوح عليه السلام في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما ، لم يشاركه في نبوته أحد ولكنه قدم على قوم مكذبين للأنبياء عليهم السلام الذين كانوا بينه وبين آدم عليه السلام وذلك قوله اللَّه عزّوجلّ : « كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ »(3) .
يعني من كان بينه وبين آدم إلى أن انتهى إلى قوله عزّوجلّ : « وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ »(4) .
ثم إن نوحا عليه السلام لما انقضت نبوته واستكملت أيامه أوحى اللَّه عزّوجل إليه ان يا نوح قد انقضت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة في العقب من ذريتك ، فإني لن
ص: 164
أقطعها من بيوتات الأنبياء عليهم السلام الذين بينك وبين آدم عليه السلام ولن أدع الأرض إلّا وفيها عالم يعرف به ديني وتعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد فيما بين قبض النبي إلى خروج النبي الآخر .
وبشّر نوح ساماً بهود عليه السلام وكان فيما بين نوح وهود من الأنبياء عليهم السلام .
وقال نوح : إن اللَّه باعث نبياً يقال له : هود وإنه يدعو قومه إلى اللَّه عزّوجل فيكذّبونه وإن اللَّه عزّوجل مهلكهم بالريح فمن أدركه منكم فليؤمن به وليتبعه فإن اللَّه عزّوجلّ ينجيه من عذاب الريح وأمر نوح عليه السلام ابنه سام أن يتعاهد هذه الوصية عند رأس كل سنة فيكون يومئذٍ عيداً لهم ، فيتعاهدون فيه ما عندهم من العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوّة فوجدوا هوداً نبياً وقد بشّر به أبوهم نوح فآمنوا به واتّبعوه وصدّقوه فنجوا من عذاب الريح وهو قول اللَّه عزّوجل : « وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً »(1) وقوله عزّوجلّ : « كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ »(2) وقال تبارك وتعالى : « وَوَصّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ »(3) وقوله : « وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلّاً هَدَيْنا ( لنجعلها في أهل بيته ) وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ »(4) لنجعلها في أهل بيته .
فآمن العقب من ذريّة الأنبياء عليهم السلام من كان من قبل إبراهيم لإبراهيم عليه السلام وكان بين إبراهيم وهود من الأنبياء صلوات اللَّه عليهم عشرة أنبياء وهو قوله عزّوجل :
ص: 165
« وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ »(1) وقوله عزّ ذكره : « فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي »(2) وقول إبراهيم : « إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ »(3) وقوله عزّوجلّ : « وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ »(4) فجرى بين كل ( نبيّ ) نبيّين ونبي عشرة ( آباء ) أنبياء وتسعة وثمانية ( آباء ) أنبياء كلهم أنبياء وجرى لكلّ نبي ما جرى لنوح عليه السلام وكما جرى لآدم وهود وصالح وشعيب وإبراهيم عليهم السلام .
حتى انتهت إلى يوسف بن يعقوب عليهما السلام ، ثم صارت بعد يوسف في الأسباط إخوته حتى انتهت إلى موسى بن عمران عليه السلام وكان بين يوسف وموسى عشرة من الأنبياء فأرسل اللَّه موسى وهارون إلى فرعون وهامان وقارون ثم أرسل اللَّه الرسل تترى « كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ »(5) وكانت بنوإسرائيل تقتل نبيّاً واثنان قائمان ويقتلون اثنين وأربعة قيام حتّى انه كان ربّما قتلوا في اليوم الواحد سبعون نبياً ويقوم سوق قتلهم في آخر النهار ، فلما نزلت التوراة على موسى بن عمران عليه السلام تبشّر بمحمّد صلى الله عليه وآله وكان بين يوسف وموسى من الأنبياء وكان وصي موسى بن عمران ، يوشع بن نون وهو فتاه الذي قال اللَّه عزّوجلّ في كتابه ، فلم تزل الأنبياء تبشر بمحمد صلى الله عليه وآله حتّى بعث اللَّه تبارك وتعالى المسيح عيسى بن مريم فبشّر بمحمّد صلى الله عليه وآله وذلك قوله تعالى :
ص: 166
« يَجِدُونَهُ ( يعني اليهود والنصارى ) مَكْتُوباً ( يعني صفة محمد صلى الله عليه وآله ) عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ »(1) وهو قول اللَّه عزّوجل يخبر عن عيسى « وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ »(2) وبشر موسى وعيسى بمحمد صلى الله عليه وآله كما بشّر الأنبياء عليهم السلام بعضهم بعضا حتى بلغت محمدا صلى الله عليه وآله ، فلما قضى محمد صلى الله عليه وآله نبوته واستكملت أيامه أوحى اللَّه تبارك وتعالى إليه : يا محمد قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة عند علي بن أبي طالب عليه السلام فإني لن أقطع العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة من العقب من ذريتك كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء الذين كانوا بينك وبين أبيك آدم وذلك قوله اللَّه تبارك وتعالى : « إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ »(3) .
وإن اللَّه تبارك وتعالى لم يجعل العلم جهلاً ولم يكل أمره إلى أحد من خلقه لا إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولكنه أرسل رسولاً من ملائكته فقال له : كذا وكذا ، فأمرهم بما يحبّ ونهاهم عما يكره ، فقصّ اليهم أمر خلقه بعلم ، فعلم ذلك العلم وعلّم أنبياءه وأصفياءه من الأنبياء والإخوان والذرية التي بعضها من بعض ، فذلك قوله جلّ وعزّ : « فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً »(4) فأما الكتاب فهو النبوة وأما الحكمة فهم الحكماء من الأنبياء من الصفوة وأمّا
ص: 167
الملك العظيم فهو الأئمّة [ الهداة ] من الصفوة ، وكلّ هؤلاء من الذرية التي بعضها من بعض والعلماء الذين جعل اللَّه فيهم البقيّة وفيهم العاقبة وحفظ الميثاق حتى تنقضي الدنيا فهم العلماء ولولاة الأمر وأهل استنباط العلم والهداة وهذا شأن الفضل من الصفوة والرسل والأنبياء والحكماء وأئمة الهدى والخلفاء الذين هم ولاة أمر اللَّه عزّوجلّ وأهل استنباط علم اللَّه وأهل آثار علم اللَّه عز وجل من الذرية التي بعضها من بعض من الصفوة بعد الأنبياء عليهم السلام من الآباء والإخوان والذرية من الأنبياء .
فمن اعتصم بالفضل انتهى بعلمهم ونجا بنصرتهم ومن وضع ولاة أمر اللَّه عزّوجلّ وأهل استنباط علمه في غير أهل الصفوة من بيوتات الأنبياء فقد خالف أمر اللَّه عزّوجل وجعل الجهال ولاة أمر اللَّه والمتكلفين بغير هدى من اللَّه عزّوجلّ ووزعموا أنهم أهل استنباط علم اللَّه ، فقد كذبوا على اللَّه ورسوله ورغبوا عن وصيته وطاعته فلم يضعوا فضل اللَّه حيث وضعه اللَّه تبارك وتعالى فضلّوا وأضلّوا أتباعهم ولم يكن لهم يوم القيامة حجة ، إنما الحجة في آل إبراهيم لقول اللَّه عزّوجل : « فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً » فالحجة الأنبياء وأهل بيوتات الأنبياء حتى تقوم الساعة لأن كتاب اللَّه ينطق بذلك ، ووصية اللَّه بعضها من بعض التي وضعها على الناس فقال عزّوجلّ : « فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ »(1) وهي بيو[تا]ت الأنبياء والرسل والحكماء وأئمة الهدى ، فهذا بيان عروة الإيمان التي بها نجا من نجا قبلكم وبها ينجو من يتّبع الأئمة وقد قال اللَّه عزّوجلّ في كتابه : « وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ
ص: 168
وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلّاً فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ * وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ »(1) « أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ »(2) .
فإنه وكّل بالفضل من أهل بيته والإخوان والذرية وهو قول اللَّه تبارك وتعالى : إِنْ تَكْفُرْ بِه أمتك فَقَدْ وَكَّلْتُ أهل بيتك بالإيمان الذي أرسلتك به فلا يكفرون بها أبداً ولا أضيع الإيمان الذي أرسلتك به من أهل بيتك من بعدك علماء أمتك وولاة أمري بعدك وأهل استنباط العلم الذي ليس فيه كذب ولا إثم ولا وزر ولا بطر ولا رياء فهذا بيان ما ينتهي إليه أمر هذه الأمة ، إن اللَّه جلّ وعزّ طهّر أهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله وسألهم أجر المودة وأجرى لهم الولاية وجعلهم أوصيائه وأحبائه ثابتة بعده في أمّته ، فاعتبروا يا أيها الناس فيما قلت حيث وضع اللَّه عزّوجل ولايته وطاعته ومودّته واستنباط علمه وحججه ، فإياه فتقبلوا وبه فاستمسكوا تنجوا به ، وتكون لكم الحجة يوم القيامة وطريق ربكم جلّ وعزّ ، ولا تصل ولاية إلى اللَّه عزّوجل إلّا بهم ، فمن فعل ذلك كان حقّا على اللَّه أن يكرمه ولا يعذّبه ، ومن يأت اللَّه عزّوجلّ بغير ما أمره كان حقّاً على اللَّه عزّوجلّ أن يذلّه ويعذّبه»(3) .
وفي ( اثبات المسعودي ) : أوحى اللَّه تعالى إلى آدم - بقد قتل قابيل لهابيل - :
ص: 169
اني أهب لك مكانه غلاماً أجعله خليفتك ووارث علمك فولد له شيث وهو هبة اللَّه ، فأوحى اللَّه إليه ان سمّه في اليوم السابع فجرت السنّة ، فلمّا شبّ وكبّر ، أوحى اللَّه تعالى إليه انّي متوفّيك ورافعك إليّ يوم كذا وكذا ، فأوص إلى خير ولدك ( هبة اللَّه ) وسلّم إليه الاسم الأعظم واجعل العلم في تابوت وسلّمه إليه ، فانّي آليت إلّا اخلي أرضي من عالم أجعله حجّة لي على خلقي ، فجمع آدم ولده الرجال والنساء ، ثمّ قال : يا ولدي انّ اللَّه تعالى أوحى إليّ انه رافعي إليه ، وأمرني أن اوصى إلى خبر ولدي هبة اللَّه ، فان اللَّه قد اختاره لي ولكم من بعدي ، فاسمعوا له وأطيعوا أمره ، فانه وصيّي وخليفتي ، فقالوا : سمعنا وأطعنا ، فأمر بتابوت فعمل ، وجعل فيه العلم والأسماء والوصيّة ، ثمّ دفعه إلى هبة اللَّه ، وقال له : انظر يا هبة اللَّه ، فاذا أنا متّ فغسّلني وكفنّي وصلّ عليّ وادخلني حفرتي في تابوت تتّخذه لي ، فاذا حضرت وفاتك وأحسست بذلك من نفسك فأوص إلى خير ولدك فانّ اللَّه لا يدع الخلق بغير حجّة عالم منّا أهل البيت ، وقد جعلتك حجّة اللَّه على خلقه ، فلا تخرج من الدنيا حتّى تدع للَّه حجّة ووصيّأً من بعدك على خلقه ، وتسلّم إليه التابوت وما فيه كما سلّمته إليك ، وأعلمه انّه سيكون نبيّ واسمه نوح .
ومضى هبة اللَّه واستخلف ريسان - وعدّ بعده قينان ، ثمّ الحيلث ، ثمّ غنيمشا ، ثمّ ادريس - وقال : هو هرمس وهو اخنوخ ، بأمر اللَّه تعالى ، وجمع اللَّه له علم المضامين ، وزاده ثلاثين صحيفة ، ثمّ عدّ بعده : برداً ، ثمّ اخنوخ ، ثمّ متوشلخ ، ثمّ لمك ، ثمّ نوح ، ثمّ سام ، ثمّ ارفخشد ، ثمّ شالح ، ثمّ هود ، ثمّ فالغ ، ثمّ يروغ ، ثمّ نوشا ، ثمّ صاروغ ، ثمّ تاجور ، ثمّ تارخ ، ثمّ ابراهيم ، ثمّ اسماعيل ، ثمّ اسحاق ، ثمّ يعقوب ، ثمّ يوسف ، ثمّ ببرز بن لاوي ، ثمّ احرب ، ثمّ ميتاح ، ثمّ عاق ، ثمّ خيام ،
ص: 170
ثمّ مادوم ، ثمّ شعيب ، ثمّ موسى ، ثمّ يوشع بن نون ، ثمّ فينحاس ، ثمّ بشير ، ثمّ جبرئيل ، ثمّ ابلث ، ثمّ احمر ، ثمّ محتان ، ثمّ عوق ، ثمّ طالوت ، ثمّ داود ، ثمّ سليمان ، ثمّ آصف بن برخيا ، ثمّ صفورا ، ثمّ منبه ، ثمّ هندوا ، ثمّ اسفر ، ثمّ رامن ، ثمّ اسحاق ، ثمّ ايم ، ثمّ زكريا ، ثمّ اليسابغ ، ثمّ روبيل ، ثمّ عيسى ، ثمّ شمعون ، ثمّ يحيى ، ثمّ منذر بن شمعون ، ثمّ دانيال ، ثمّ مكيخال بن دانيال ، ثمّ انشوا ، ثمّ رشيخا ، ثمّ نسطورس ، ثمّ مرعيد ، ثمّ بحيرا ، ثمّ منذر ، ثمّ سلمة ، ثمّ برزة ، ثمّ أبي ، ثمّ دوس ، ثمّ اسيد ، ثمّ هوف ، ثمّ يحيى ، ثمّ نبيّنا خاتم الأنبياء صلّى اللَّه عليه وعليهم أجمعين(1) .
قال سبحانه : « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَني آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلينَ * أَوْتَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ »(2) .
عن ابن مسكان عن أبي عبداللَّه عليه السلام : « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَني آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى» ، قلت : معاينة كان هذا ؟
ص: 171
قال : « نعم ، فثبتت المعرفة ونسوا الموقف ، وسيذكرونه ولو لا ذلك لم يدر أحد من خالقه ورازقه ، فمنهم من أقرّ بلسانه في الذر ولم يؤمن بقلبه فقال اللَّه : « فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ »(1)» .(2)
وقال الصادق عليه السلام : « كان الميثاق مأخوذاً عليهم للَّه بالربوبيّة ولرسوله بالنبوّة ولأميرالمؤمنين والأئمّة بالامامة ، فقال : ألست بربكم ومحمد نبيكم وعلى امامكم والأئمّة الهادون أئمّتكم ؟ فقالوا : بلى شهدنا»(3) .
وعن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن جدّه عليهم السلام : « انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال لعلي : أنت الذي احتجّ اللَّه بك في ابتدائه الخلق حيث أقامهم اشباحاً ، فقال لهم : ألست بربكم ؟ قالوا : بلى ، قال : ومحمد رسولي ؟ قالوا : بلى ، قال : وعلي بن أبي طالب وصيّي(4) ؟ فأبى الخلق جميعاً إلّا استكبارا وعتوا من ولايتك إلّا نفر قليل ، وهم أقل القليل وهم أصحاب اليمين»(5) .
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام في قول اللَّه عزوجل : « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَني آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ »(6) قال : « اخرج اللَّه من ظهر آدم ذرّيّته إلى يوم القيامة كالذر فعرفهم نفسه ، ولولا ذلك لم يعرف احد ربه وقال : ألست بربكم ؟ قالوا : بلي وانّ هذا محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله
ص: 172
وعلي أميرالمؤمنين عليه السلام»(1) .
وعن أبي جعفر عليه السلام قال : « لو يعلم الناس متى سمّي عليٌّ اميرالمؤمنين لم ينكروا حقه ، فقيل له : متى سمّي ؟ فقرأ : واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريّتهم واشهدهم على انفسهم ألست بربكم قالوا بلي الآية . قال : محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وعلى أميرالمؤمنين عليه السلام»(2) .
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قوله تعالى : « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَني آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلينَ »(3) ، قال : « اخرج اللَّه من ظهور آدم ذريته إلى يوم القيامة ، فخرجوا كالذر ، فعرفهم نفسه واراهم انفسه ، ولولا ذلك لم يعرف احد ربه ، قال : ألست بربكم ؟ قالوا : بلي ، قال : فان محمد صلى الله عليه وآله عبدي ورسولي وان علياً أميرالمؤمنين خليفتي واميني وقال رسول اللَّه [النبيّ] صلى الله عليه وآله : كل مولود يولد على المعرفة [و] ان اللَّه تعالى خالقه ، وذلك قوله تعالى : « وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ »(4)» .(5)
قال تعالى : « وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَميعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ
ص: 173
وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ »(1) .
عن معاذ بن جبل قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وآله فقال : « يا معاذ هل تدري ما حق اللَّه عزوجل على العباد ؟ يقولها ثلاثاً ، قال : قلت : اللَّه ورسوله اعلم ، فقال رسول اللَّه : حق اللَّه عزوجل على العباد ان لا يشركوا به شيئاً»(2) .
وعن علي بن الحسين عليه السلام : « فأمّا حقّ اللَّه الأكبر فانّك تعبده لا تُشرك به شيئاً فاذا فعلت ذلك باخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة ويحفظ لك ما تحب منها »(3) .
قال تعالى : « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً »(4) .
قال تعالى : « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا »(5) .
وقال سبحانه : « قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذي خَلَقَ الْأَرْضَ في يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً »(6) .
وقال تعالى : « أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَني آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبينٌ * وَأَنِ اعْبُدُوني هذا صِراطٌ مُسْتَقيمٌ »(7) .
ص: 174
قيل : أوّل من جعل للَّه ندّاً في هذا العالم من أفراد البشر أيضاً قابيل بعد ما ارتكب القتل ، وذلك لأنّه بعد قتل أخيه ذهب طريداً شريداً فزعاً مذعوراً لا يأمن من يراه وذهب إلى عدن من اليمن فأتاه ابليس ، فقال : إنّما أكلت النار قربان هابيل لأنّه كان يعبدها ، فانصب أنت أيضاً ناراً تكون لك ولعقبك ، فبنى بيت نار ، وهو أوّل من نصب النار وعبدها ، واتّخذ أولاده آلات اللهو من اليراع والطنبور والمزامير والعيدان ، وانهكموا في اللهو وشرب الخمر وعبادة النار والزنا والفواحش حتّى غرقهم اللَّه أيّام نوح بالطوفان(1)
أمّا الآيات فكثيرة :
منها : قوله تعالى : « كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرينَ وَمُنْذِرينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فيما اخْتَلَفُوا فيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فيهِ إِلاَّ الَّذينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ »(2) .
وقال سبحانه : « لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنينَ إِذْ بَعَثَ فيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ »(3) .
ص: 175
وقال اللَّه تعالى : « ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدينَ »(1) .
وقال اللَّه تعالى : « وَلَقَدْ بَعَثْنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبينَ »(2) .
وقال تعالى : « مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً »(3) .
وقال سبحانه : « رَبَّنا وَابْعَثْ فيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ »(4) .
وأمّا الآثار :
ومن سؤال الزنديق سأل أبا عبداللَّه عليه السلام : مِنْ أَيْنَ أَثْبَتَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ ؟ قَالَ عليه السلام : « إِنَّا لَمَّا أَثْبَتْنَا أَنَّ لَنَا خَالِقاً صَانِعاً ، مُتَعَالِياً عَنَّا وَعَنْ جَمِيعِ مَا خَلَقَ ، وَكَانَ ذَلِكَ الصَّانِعُ حَكِيماً لَمْ يَجُزْ أَنْ يُشَاهِدَهُ خَلْقُهُ وَلا أَنْ يُلامِسُوهُ وَلا أَنْ يُبَاشِرَهُمْ وَيُبَاشِرُوهُ وَيُحَاجَّهُمْ وَيُحَاجُّوهُ ثَبَتَ أَنَّ لَهُ سُفَراءَ فِي خَلْقِهِ وَعِبَادِهِ يَدُلُّونَهُمْ عَلَى مَصَالِحِهِمْ وَمَنَافِعِهِمْ وَمَا بِهِ بَقَاؤُهُمْ ، وَفِي تَرْكِهِ فَنَاؤُهُمْ فَثَبَتَ الآْمِرُونَ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ فِي خَلْقِهِ وَثَبَتَ عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّ لَهُ مُعَبِّرِينَ وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ عليهم السلام وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ ، حُكَمَاءَ مُؤَدَّبِينَ بِالْحِكْمَةِ ، مَبْعُوثِينَ عَنْهُ ، مُشَارِكِينَ لِلنَّاسِ فِي أَحْوَالِهِمْ ،
ص: 176
عَلَى مُشَارَكَتِهِمْ لَهُمْ فِي الْخَلْقِ وَالتَّرْكِيبِ ، مُؤَدِّينَ مِنْ عِنْدِ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ ، بِالْحِكْمَةِ وَ الدَّلائِلِ وَالْبَرَاهِينِ وَالشَّوَاهِدِ ، مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ فَلا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ حُجَّةٍ يَكُونُ مَعَهُ عِلْمٌ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ مَقَالِ الرَّسُولِ وَوُجُوبِ عَدَالَتِه »(1) .
وعن منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : انّ اللَّه أجلّ وأكرم من أن يعرف بخلقه ، بل الخلق يعرفون باللَّه ، قال عليه السلام : « صدقت » ، قلت : ان من عرف انّ له ربّاً فينبغي له أن يعرف ان لذلك الرب رضاً وسخطاً وانّه لا يعرف رضاه وسخطه إلّا بوحيٍ أو رسولٍ فمن لم يأته الوحي فقد ينبغي له أن يطلب الرسل فاذا لقيهم عرف انّهم الحجّة وانّ لهم الطاعة المفترضة ، الحديث(2) .
وعن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبداللَّه عليه السلام : « الحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق »(3) .
وعن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال : « واللَّه ما ترك اللَّه أرضاً منذ قبض آدم عليه السلام إلّا وفيها امام يهتدي به إلى اللَّه وهو حجّته على عباده ولا تبقى الأرض بغير امام حجّةٍ للَّه على عباده »(4) .
قال سبحانه : « ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا
ص: 177
بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحاديثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ »(1) .
لابدّ للمؤمن أن يؤمن بكلّ الأنبياء فالانكار بواحد منهم في حكم انكار جميعهم كما قال تعالى : « وَالَّذينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآْخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ »(2) .
قال تعالى : « تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ »(3) .
عن دارم بن قبيصة بن نهشل قال : حدّثنا علي بن موسى الرضا عن آبائه عليهم السلام قال : « قال النبي صلى الله عليه وآله : خلق اللَّه عزّوجلّ مائة ألف نبيّ وأربعة وعشرين ألف نبيّ أنا أكرمهم على اللَّه ولا فخر ، وخلق اللَّه عزّوجلّ مائة ألف وصي وأربعة وعشرين ألف وصيّ فعليّ أكرمهم على اللَّه وأفضلهم(4) .
وقال الشيخ رحمه الله : اعتقادنا في عددهم انّهم مائة ألف نبيّ وأربعة وعشرون ألف نبيّ ، ومائة ألف وصي وأربعة وعشرون ألف وصي ، لكلّ نبيّ منهم وصي أوصى إليه بأمر اللَّه تعالى (5) .
ص: 178
قال تعالى : « فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها »(1) .
عن عبدالرحمن بن كثير مولى أبي جعفر عن أبي عبداللَّه عليه السلام في قوله اللَّه عزوجل : « فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » ، قال : « التوحيد ومحمد رسول اللَّه وعلي أميرالمؤمنين عليه السلام»(2) .
وعن زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : اصلحك اللَّه ، قول اللَّه عزوجل في كتابه : « فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها »(3) ، قال : « فطرهم على التوحيد عند الميثاق على معرفته انه ربهم ، قلت : وخاطبوه ؟ قال : فطأطأ رأسه ثم قال : لولا ذلك لم يعلموا من ربُّهم ولا من رازقُهم»(4) .
وعن عبداللَّه بن سنان عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سألته عن قول اللَّه عزوجل - « فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » - ما تلك الفطرة ؟ قال : « هي الاسلام ، فطرهم اللَّه حين اخذ ميثاقهم على التوحيد ، قال : ألست بربكم وفيه المؤمن والكافر»(5) .
قال تعالى حكاية عن هود في تذكير قومه بآلائه تعالى : « وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ
ص: 179
خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ »(1) وعن صالح لقومه في ذلك : « وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدينَ »(2) وعن موسى لقومه في ذلك : « اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمينَ »(3) .
وقال - عزوجل - على لسان نبيّاً صلى الله عليه وآله في ذلك : « يا بَني إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ * وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتي ثَمَناً قَليلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ * وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ »(4) .
وقال تعالى : « وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَميثاقَهُ الَّذي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ »(5) .
قال تعالى : « لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ »(6) وقال
ص: 180
تعالى : « لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزيزاً حَكيماً »(1) .
وقال تعالى : « وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبينُ »(2) .
وقال تبارك وتعالى : « وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ »(3) .
وقال تعالى : « ادْعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ »(4) .
وقال تعالى : « أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذي حَاجَّ إِبْراهيمَ في رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهيمُ رَبِّيَ الَّذي يُحْيي وَيُميتُ قالَ أَنَا أُحْيي وَأُميتُ قالَ إِبْراهيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمينَ »(5) .
عن أبي الحسن عليه السلام قال : « ان الاحلام لم تكن فيما مضى في أول الخلق ، وانما حدثت ، فقلت : وما العلة في ذلك ؟ فقال : إن اللَّه عز ذكره بعث رسولا ً إلى أهل زمانه ، فدعاهم إلى عبادة اللَّه وطاعته ، فقالوا : إن فعلنا ذلك فما لنا ؟ فواللَّه ما انت باكثرنا مالاً ولا باعزّنا عشيرة ، فقال : ان اطعتموني ادخلكم اللَّه الجنة ، وان عصيتموني ادخلكم اللَّه النار ، فقالوا : وما الجنة والنار ؟ فوصف لهم ذلك ، فقالوا : متى نصير إلى ذلك ؟ فقال : إذا متّم ، فقالوا : لقد رأينا امواتنا صاروا عظاماً ورفاتاً ،
ص: 181
فازدادوا له تكذيباً وبه استخفافاً ، فاحدث اللَّه عزوجل فيهم الاحلام ، فاتوه فاخبروه بما رأوا وما انكروا من ذلك ، فقال : إن اللَّه عزوجلّ اراد أن يحتجّ عليكم بهذا ، هكذا تكون ارواحكم اذا متّم وإن بليت ابدانكم تصير الأرواح الى عقاب حتى تبعث الابدان »(1) .
وروى عن النبي صلى الله عليه وآله انّه قال : « نحن المجادلون في دين اللَّه على لسان سبعين نبيّاً »(2) .
قال تعالى : « قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ »(3) .
وقال تعالى : « إِنَّ في خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتي تَجْري فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَتَصْريفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لآَياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ »(4) .
قال تعالى : « وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ »(5) .
ص: 182
وقال تعالى : « وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ »(1) .
وقال سبحانه : « أَ فَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ »(2) .
ثمّ قال تعالى بعد هذه الآية : « تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنيبٍ »(3) .
وقال تعالى : « وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْميزانَ »(4) .
وقال اللَّه تبارك وتعالى : « أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ »(5) .
وقال اللَّه تعالى : « اللَّهُ الَّذي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْري لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الآْياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ »(6) .
وقال تعالى : « أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً * وَالْجِبالَ أَوْتاداً »(7) إلى أن قال : « وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً »(8) .
وقال تعالى : « الَّذي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ »(9) .
ص: 183
وقال سبحانه : « الَّذي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى »(1) .
وقال تعالى حكاية عن نوح في دعوته قومه : « ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ للَّهِ ِ وَقاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً * أَ لَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً * وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً * ثُمَّ يُعيدُكُمْ فيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً * لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً »(2) .
قال تعالى : « أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطيفٌ خَبيرٌ »(3) .
وقال اللَّه سبحانه : « أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْري فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحيمٌ »(4) .
وقال تبارك وتعالى : « وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنا فيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فيها مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْديهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ * سُبْحانَ الَّذي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا
ص: 184
تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ »(1) .
وقال تعالى : « أَ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ * وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ »(2) .
وقال سبحانه : « الَّذي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ »(3) .
وقال تعالى : « إِنَّ في خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتي تَجْري فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَتَصْريفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لآَياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ »(4) .
قال تعالى : « وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ »(5) .
وقال تعالى : « أَ وَلَمْ يَنْظُرُوا في مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْ ءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَديثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ »(6) .
ص: 185
وقال سبحانه : « وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ »(1) .
وقال تبارك وتعالى : « وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصيراً »(2) .
والآيات فيها كثيرة .
ان اللَّه تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ولا معقّب لحكمه ولا رادّ لقضائه(3) .
عن هشام بن الحكم عن ابي عبداللَّه عليه السلام انه قال للزنديق الذي سأله من أين اثبت الأنبياء والرسل ؟ قال : انّا لمّا اثبتنا انّ لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنا وعن جميع ما خلق ، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً لم يجز ان يشاهده خلقه ، ولا يلامسوه ، فيباشرهم ويباشروه ، ويحاجّهم ويحاجّوه ، ثبت انّ له سفراء في خلقه ، يعبّرون
ص: 186
عنه إلى خلقه وعباده ، ويدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم ، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه والمعبّرون عنه جلّ وعزّ ، وهم الأنبياء صلى الله عليه وآله وصفوته من خلقه ، حكماء مؤدّبين بالحكمة ، مبعوثين بها ، غير مشاركين للناس - على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب - في شي ء من احوالهم ، مؤيّدين من عند الحكيم العليم بالحكمة ، ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان مما اتت به الرّسل والأنبياء من الدلائل والبراهيم ، لكيلا تخلو ارض اللَّه من حجّة يكون معه علم يدلّ على صدق مقالته وجواز عدالته(1) .
في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام : « قد أرسل اللَّه رسله بالكتاب وبتأويله ، فمن كذب بالكتاب أو كذب بما أرسل به رسله من تأويل الكتاب فهو مشرك كافر »(2) .
وعن الحارث الأعور قال : دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّا إِذَا كُنَّا عِنْدَكَ سَمِعْنَا الَّذِي نَسُدُّ بِهِ دِينَنَا ، وَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ سَمِعْنَا أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةً مَغْمُوسَةً ، لا نَدْرِي مَا هِيَ ؟ قَالَ : « أَ وَقَدْ فَعَلُوهَا ؟ » قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : « سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وآله يَقُولُ : أَتَانِي جَبْرَئِيلُ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، سَيَكُونُ فِي أُمَّتِكَ فِتْنَةٌ . قُلْتُ : فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا ؟ فَقَالَ : كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ بَيَانُ مَا قَبْلَكُمْ مِنْ خَبَرٍ ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ ، وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ ، مَنْ وَلّاهُ مِنْ
ص: 187
جَبَّارٍ فَعَمِلَ بِغَيْرِهِ قَصَمَهُ اللَّهُ ، وَمَنِ الْتَمَسَ الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ ، لا تُزَيغُهُ الْأَهْوَاءُ وَلا تُلَبِّسُهُ الْأَلْسِنَةُ ، وَلا يَخْلُقُ عَنِ الرَّدِّ ، وَلا يَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ، وَلا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ [ هُوَ الَّذِي ]لَمْ تُكِنَّهُ الْجِنُّ إِذَ سَمِعَهُ أَنْ قَالُوا : « إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ »(1) مَنْ قَالَ بِهِ صُدِّقَ ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ ، وَمَنِ اعْتَصَمَ بِهِ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ، هُوَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ الَّذِي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ »(2) .
وعن داود بن فرقد قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : « عليكم بالقرآن فما وجدتم آية نجا بها من كان قبلكم فاعملوا به ، وما وجدتموه هلك من كان قبلكم فاجتنبوا »(3) .
وعن عمرو بن قيس الماصر عن أبي جعفر عليه السلام قال : « إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَدَعْ شَيْئاً تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأُمَّةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلّا أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ وَبَيَّنَهُ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وآله وَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْ ءٍ حَدّاً وَجَعَلَ عَلَيْهِ دَلِيلاً يَدُلُّ عَلَيْهِ وَجَعَلَ عَلَى مَنْ تَعَدَّى الْحَدَّ حَدّاً »(4) .
عن داود الرقي عن العبد الصالح عليه السلام قال : « انّ الحجّة لا تقوم للَّه على خلقه إلّا بامام حتّى يعرف »(1) .
وقال ابوعبداللَّه عليه السلام : الحجة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق(2) .
وعن عبداللَّه بن سليمان ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « ما زالت الأرض إلّا وفيها حجّة يعرف الحلال والحرام ويدعو الناس إلى سبيل اللَّه »(3)
وعن أبي اسحاق عمن يثق به من اصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام ان اميرالمؤمنين عليه السلام قال : « اللهم انك لا تخلي ارضك من حجّة لك على خلقك »(4) .
عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال : « واللَّه ما ترك اللَّه ارضاً منذ قبض آدم عليه السلام إلّا وفيها امام يهتدي به إلى اللَّه وهو حجته على عباده ، ولا تبقي الارض بغير امام حجّة للَّه على عباده »(5) .
وعن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « ان اللَّه اجل واعظم من أن يترك الارض بغير امام عادل »(6) .
وعن أبي بصير عن احدهما عليهما السلام قال : قال : « ان اللَّه لم يدع الأرض بغير عالم
ص: 189
ولولا ذلك لم يعرف الحق من الباطل »(1) .
وعن إسحاق بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سمعته يقول : « انّ الأرض لا تخلو إلّا وفيها إمام كيما ان زاد المؤمنون شيئاً ردّهم ، وإن نقصوا شيئاً أتمّه لهم»(2).
وعن أبي حمزة قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : « أتبقى الأرض بغير امام ؟ قال : لو بقيت الأرض بغير امام لساخت »(3) .
وعن أبي هراسة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال : « لو انّ الامام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله »(4) .
وعن يونس بن يعقوب ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام انّه سمعه يقول : « لو لم يكن في الأرض إلّا اثنان لكان أحدهما الامام »(5) .
قال تعالى : « وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامي وَتَذْكيري بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ * فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمينَ * فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ »(1) .
وقال : « وَإِبْراهيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبينُ * أَوَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسيرٌ * قُلْ سيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآْخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَديرٌ * يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ * وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصيرٍ * وَالَّذينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَليمٌ * فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ في ذلِكَ لآَياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ »(2) .
وقال عزّوجلّ - حكاية عنه - : « وَتَاللَّهِ لَأَكيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ »(3) .
ص: 191
قال تعالى : « وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْري قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدينَ »(1) وقال : « وَإِذْ قالَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَني إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ »(2) .
وقال : « الَّذينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجيلِ »(3) .
قال تعالى : « مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ »(4) .
وقال تعالى : « قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهيمَ وَإِسْماعيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ »(5) .
ص: 192
قال اللَّه تعالى : « وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ »(1) .
قال تعالى : « وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ »(2) .
وقال اللَّه تعالى : « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذيراً * وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ »(3) .
وقال سبحانه : « كَما أَرْسَلْنا فيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ »(4) .
وقال تعالى : « لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنينَ إِذْ بَعَثَ فيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفي ضَلالٍ مُبينٍ »(5) .
وقال تعالى : « هُوَ الَّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ »(6) .
وقال تبارك وتعالى : « ادْعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
ص: 193
وَجادِلْهُمْ بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ »(1) .
وقال تعالى : « وَيَقُولُ الَّذينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّه إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ »(2) .
وقال تعالى : « إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ »(3) .
علي بن إبراهيم بن هاشم القمي في كتابه : إن النبي صلى الله عليه وآله لما أتى له سبع وثلاثون سنة كان يرى في نومه كان آتيا أتاه فيقول : يا رسول اللَّه فينكر ذلك ، فلمّا طال عليه الأمر كان يوماً بين الجبال يرعى غنما لأبي طالب ، فنظر إلى شخص يقول يا رسول اللَّه فقال له : من أنت ؟ قال : أنا جبرئيل أرسلني اللَّه إليك ليتخذك رسولاً ، فأخبر النبي صلى الله عليه وآله خديجة بذلك ، فقالت : يا محمد أرجو أن يكون كذلك ، فنزل عليه جبرئيل وأنزل عليه ماء من السماء علمه الوضوء والركوع والسجود ، فلما تمّ له أربعون سنة علّمه حدود الصلاة ولم ينزل عليه أوقاتها فكان يصلي ركعتين ركعتين في كل وقت .
أبو ميسرة وبريدة أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا انطلق بارزاً سمع صوتاً يا محمد ، فيأتي خديجة فيقول : يا خديجة قد خشيت أن يكون خالط عقلي شي ء إني إذا خلوت
ص: 194
أسمع صوتا وأرى نوراً(1) .
وعن محمد بن كعب وعائشة : أول ما بدأ به رسول اللَّه من الوحي الرؤيا الصادقة وكان يرى الرؤيا فتأتيه مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلأ ، فكان يخلو بغار حرى ، فسمع نداء : يا محمد ، فغشي عليه ، فلمّا كان اليوم الثاني سمع مثله نداءً ، فرجع إلى خديجة ، فقال : زمّلوني زمّلوني فو اللَّه لقد خشيت على عقلي ، فقالت : كلّا واللَّه لا يخزيك اللَّه أبدا ، إنك لتصل الرحم وتحمل الكلّ وتكسب المعدم(2) وتقري الضيف ، تعين على نوائب الحق ، فانطلقت خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل ، فقال ورقة : هذا واللَّه الناموس(3) الذي أنزل على موسى وعيسى ، وإني أرى في المنام ثلاث ليال أن اللَّه أرسل في مكة رسولاً اسمه محمّد وقد قرب وقته ولست أرى في الناس رجلاً أفضل منه ، فخرج إلى حراء فرأى كرسيّاً من ياقوتة حمراء مرقاة من زبرجد ومرقاة من لؤلؤ ، فلما رأى ذلك غشي عليه ، فقال ورقة : يا خديجة فإذا أتته الحالة فاكشفي عن رأسك فإن خرج فهو ملك وإن بقي فهو شيطان ، فنزعت خمارها ، فخرج الجائي فلمّا اختمرت عاد ، فسأله ورقة عن صفة الجائي ، فلمّا حكاه قام وقبّل رأسه وقال ذاك الناموس الأكبر الذي نزل على موسى وعيسى ، ثم قال : أبشر فإنك أنت النبي الذي بُشّر به موسى وعيسى وإنك نبي مرسل ، ستؤمر بالجهاد ، وتوجه نحوها وأنشأ يقول :
فإن يك حقا يا خديجة فاعلمي * حديثك إيانا فأحمد مرسل
ص: 195
وجبريل يأتيه وميكال معهما * من اللَّه وحي يشرح الصدر منزل
يفوز به من فاز عزا لدينه * ويشقي به الغاوي الشقي المضلل
فريقان منهم فرقة في جنانه * وأخرى بأغلال الجحيم تغلل
ومن قصيدة له :
يا للرجال لصرف الدهر والقدر * وما لشي ء قضاه اللَّه من غير
حتى خديجة تدعوني لأخبرها * وما لنا بخفي العلم من خبر
فخبرتني بأمر قد سمعت به * فيما مضى من قديم الناس والعصر
بأن أحمد يأتيه فيخبره * جبريل إنك مبعوث إلى البشر
و من قصيدة له :
فخبرنا عن كل خير بعلمه * وللحق أبواب لهن مفاتح
وإن ابن عبد اللَّه أحمد مرسل * إلى كل من ضمت عليه الأباطح
وظني به أن سوف يبعث صادقا * كما أرسل العبدان نوح وصالح
وموسى وإبراهيم حتى يرى له * بهاء ومنشور من الذكر واضح(1)
وروي أنه نزل جبرئيل على جياد(2) أصفر والنبي صلى الله عليه وآله بين علي وجعفر ، فجلس جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ولم ينبّهاه إعظاماً له ، فقال ميكائيل : إلى أيّهم بعثت ؟ قال : إلى الأوسط ، فلمّا انتبه أدّى إليه جبرئيل الرسالة عن اللَّه تعالى ، فلمّا نهض جبرئيل ليقوم أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بثوبه ، ثم قال : ما اسمك ؟ قال : جبرئيل ثم نهض النبي صلى الله عليه وآله ليلحق بقومه ، فما مرّ بشجرة ولا مدرة إلّا
ص: 196
سلّمت عليه وهنّأته ، ثم كان جبرئيل يأتيه ولا يدنو منه إلّا بعد أن يستأذن عليه ، فأتاه يوماً وهو بأعلى مكّة فغمز بعقبه بناحية الوادي ، فانفجر عين فتوضّأ جبرئيل ، وتطهر الرسول ثمّ صلى الظهر وهي أول صلاة فرضها اللَّه تعالى وصلى أميرالمؤمنين عليه السلام مع النبي صلى الله عليه وآله ، ورجع رسول اللَّه من يومه إلى خديجة فأخبرها فتوضأت وصلت صلاة العصر من ذلك اليوم .
وروي أن جبرئيل أخرج قطعة ديباج فيه خطّ ، فقال : اقرأ ، قلت : كيف أقرأ ولست بقارئ ، إلى ثلاث مرات ، فقال في المرة الرابعة : « اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ » إلى قوله : « ما لَمْ يَعْلَم »(1) .
وروى : قرن إسرافيل برسول اللَّه صلى الله عليه وآله ثلاث سنين يسمع الصوت ولا يرى شيئا ، ثم قرن به جبرئيل عليه السلام عشرين سنة وذلك حيث أوحي إليه فأقام بمكة عشر سنين ، ثم هاجر إلى المدينة فأقام بها عشر سنين وقبض صلى الله عليه وآله وهو ابن ثلاث وستين سنة(2) .
وروى : أن النبوة نزلت على رسول اللَّه يوم الإثنين ، وأسلم عليّ يوم الثلاثا ، ثم أسلمت خديجة بنت خويلد زوجة النبي صلى الله عليه وآله ، ثم دخل أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو يصلي وعلي عليه السلام بجنبه ، وكان مع أبي طالب عليه السلام جعفر فقال له أبو طالب صلّ جناح ابن عمّك ، فوقف جعفر على يسار رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فبدر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله من بينهما ، فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يصلّي وعليّ وجعفر وزيد بن حارثة وخديجة يأتمّون به ، وساق الحديث إلى أن قال : فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقام على الحجر
ص: 197
فقال «يا معشر قريش يا معشر العرب أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه وآمركم بخلع الأنداد والأصنام فأجيبوني تملكوا بها العرب وتدين لكم العجم وتكونوا ملوكا في الجنة » فاستهزءوا منه وقالوا : جن محمد بن عبد اللَّه ولم يجسروا عليه لموضع أبي طالب ، فاجتمعت قريش إلى أبي طالب فقالوا : يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سفه أحلامنا ، وسب آلهتنا ، وأفسد شبّاننا وفرّق جماعتنا ، فإن كان يحمله على ذلك العدم جمعنا له مالاً ، فيكون أكثر قريش مالاً ونزوّجه أي امرأة شاء من قريش ، فقال له أبو طالب : ما هذا يا ابن أخي ؟ فقال صلى الله عليه وآله : يا عمّ هذا دين اللَّه الذي ارتضاه لأنبيائه ورسله بعثني اللَّه رسولاً إلى الناس ، فقال : يا ابن أخي إن قومك قد أتوني يسألوني أن أسألك أن تكفّ عنهم ، فقال : يا عمّ لا أستطيع أن أخالف أمر ربّي ، فكفّ عنه أبو طالب ، ثم اجتمعوا إلى أبي طالب فقالوا : أنت سيّد من ساداتنا فادفع إلينا محمداً لنقتله وتملك علينا ، فقال أبو طالب قصيدته الطويلة يقول فيها :
ولما رأيت القوم لا ودّ عندهم * وقد قطعوا كل العرى والوسائل
كذبتم وبيت اللَّه يبرأ محمد(1) * ولما نطاعن دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل(2)
وقال : « الَّذينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجيلِ »(3) .
ص: 198
وقال تعالى : « وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرينَ »(1) .
وقال سبحانه : « وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَريقٌ مِنَ الَّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ »(2) .
روى عن أبي طالب قال : خرجت إلى الشام تاجراً سنة ثمان من مولد النبي صلى الله عليه وآله وكان في أشد ما يكون من الحرّ ، فلمّا أجمعت على السير قال لي رجال من قومي : ما تريد أن تفعل بمحمد وعلى من تخلفه ؟ فقلت : لا أريد أن أخلفه على أحد من الناس ، أريد أن يكون معي ، فقيل : غلام صغير في حرٍّ مثل هذا تخرجه معك ؟ فقلت : واللَّه لا يفارقني حيثما توجهت أبدا ، فإنّي لأوطّئُ له الرحل ، فذهبت فحشوت له حشية كساءً وكتاناً وكنّا ركبانا كثيراً ، فكان واللَّه البعير الذي عليه محمدٌ أمامي لا يفارقني وكان يسبق الركب كلّهم ، فكان إذا اشتدّ الحرّ جائت سحابة بيضاء مثل قطعة ثلج فتسلّم عليه فتقف على رأسه لا تفارقه ، وكانت ربما أمطرت علينا السحابة بأنواع الفواكه وهي تسير معنا وضاق الماء بنا في طريقنا حتّى كنّا لا نصيب قربة إلّا بدينارين ، وكنا حيث ما نزلنا تمتلئ الحياض ويكثر
ص: 199
الماء وتخضر الأرض ، فكنّا في كل خصب وطيب من الخير ، وكان معنا قوم قد وقفت جمالهم ، فمشى إليها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ومسح يده عليها فسارت ، فلمّا قربنا من بصرى الشام(1) إذا نحن بصومعة قد أقبلت تمشي كما تمشي الدابة السريعة حتّى إذا قربت منّا وقفت وإذا فيها راهب وكانت السحابة لا تفارق رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ساعة واحدة ، وكان الراهب لا يكلّم الناس ولا يدري ما الركب ، ولا ما فيه من التجارة فلمّا نظر إلى النبي صلى الله عليه وآله عرفه ، فسمعته يقول : إن كان أحد فأنت أنت قال : فنزلنا تحت شجرة عظيمة قريبة من الراهب ، قليلة الأغصان ، ليس لها حمل ، وكانت الركبان تنزل تحتها ، فلمّا نزلها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله اهتزت الشجرة وألقت أغصانها(2) على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وحملت من ثلاثة أنواع من الفاكهة فاكهتان للصيف وفاكهة للشتاء فتعجب جميع من معنا من ذلك فلما رأى بحيرى الراهب ذلك ذهب فاتخذ لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله طعاما بقدر ما يكفيه ثم جاء وقال من يتولى أمر هذا الغلام فقلت أنا ، فقال أي شي ء تكون منه ؟ فقلت أنا عمه ، فقال : يا هذا إن له أعمام [ أعماماً] فأي الأعمام أنت ؟ فقلت : أنا أخو أبيه من أم واحدة ، فقال : أشهد أنه هو وإلا فلست بحيرى ثم قال لي : يا هذا تأذن لي أن أقرب هذا الطعام منه ليأكله ؟ فقلت له : قربه إليه ورأيته كارها لذلك والتفت إلى النبي صلى الله عليه وآله فقلت : يا بني
ص: 200
رجل أحب أن يكرمك فكل ، فقال : هو لي دون أصحابي ؟ فقال بحيرى : نعم هو لك خاصة ، فقال النبي صلى الله عليه وآله فإني لا آكل دون هؤلاء ، فقال بحيرى : إنه لم يكن عندي أكثر من هذا ، فقال : أفتأذن يا بحيرى إلى أن يأكلوا معي ؟ فقال : بلى ، فقال : كلوا بسم اللَّه ، فأكل وأكلنا معه ، فو اللَّه لقد كنا مائة وسبعين رجلا وأكل كل واحد منا حتى شبع وتجشأ وبحيرى قائم على رأس رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يذبّ عنه ويتعجب من كثرة الرجال وقلة الطعام ، وفي كل ساعة يقبل رأسه ويافوخه ويقول : هو هو وربّ المسيح والناس لا يفقهون فقال له رجل من الركب : إن لك لشأنا قد كنا نمرّ بك قبل اليوم فلا تفعل بنا هذا البرّ ، فقال بحيرى : واللَّه إن لي لشأنا وشأنا وإني لأرى ما لا ترون وأعلم ما لا تعلمون وإن تحت هذه الشجرة لغلاما لو أنتم تعلمون منه ما أعلم لحملتموه على أعناقكم حتى تردّوه إلى وطنه ، واللَّه ما أكرمتكم إلا له ، ولقد رأيت له وقد أقبل نوراً أضاء له ما بين السماء والأرض ، ولقد رأيت رجالاً في أيديهم مراوح الياقوت والزبرجد يروّحونه وآخرين ينثرون عليه أنواع الفواكه ، ثم هذه السحابة لا تفارقه ، ثم صومعتي مشت إليه كما تمشي الدابة على رجلها ، ثم هذه الشجرة لم تزل يابسة قليلة الأغصان ولقد كثرت أغصانها واهتزّت وحملت ثلاثة أنواع من الفواكه فاكهتان للصيف وفاكهة للشتاء ، ثم هذه الحياض التي غارت وذهب ماؤها أيّام تمرّج(1) بني إسرائيل بعد الحواريين حين وردوا عليهم فوجدنا في كتاب شمعون الصفا أنه دعا عليهم فغارت وذهب ماؤها ، ثم قال : متى ما رأيتم قد ظهر في هذه الحياض الماء فاعلموا أنه لأجل نبيّ يخرج في أرض تهامة مهاجراً إلى المدينة اسمه في قومه الأمين ، وفي السماء أحمد وهو
ص: 201
من عترة إسماعيل بن إبراهيم لصلبه ، فو اللَّه إنّه لهو ، ثم قال بحيرى : يا غلام أسألك عن ثلاث خصال بحقّ اللات والعزّى إلّا ما أَخْبَرْتَنِيها ، فغضب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عند ذكر اللات والعزّى وقال : لا تسألني بهما ، فو اللَّه ما أبغضت شيئاً كبغضهما ، وإنّما هما صنمان من حجارة لقومي ، فقال بحيرى : هذه واحدة ، ثم قال : فباللَّه إلّا ما أخبرتني ، فقال : سل عمّا بدا لك فإنّك قد سألتني بإلهي وإلهك الذي ليس كمثله شي ء ، فقال : أسألك عن نومك ويقظتك ، فأخبره عن نومه ويقظته وأموره وجميع شأنه ، فوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته التي عنده ، فانكب عليه بحيرى ، فقبّل رجليه وقال : يا بني ما أطيبك وأطيب ريحك يا أكثر النبيّين أتباعاً ، يا من بهاء نور الدنيا من نوره ، يا من بذكره تعمر المساجد ، كأنّي بك قد قُدت الأجناد والخيل وقد تبعك العرب والعجم طوعاً وكرهاً ، وكأنّي باللات والعزّى وقد كسرتهما ، وقد صار البيت العتيق لا يملكه غيرك تضع مفاتيحه حيث تريد ، كم من بطل من قريش والعرب تصرعه ، معك مفاتيح الجنان والنيران ، معك الذبح الأكبر ، وهلاك الأصنام ، أنت الذي لا تقوم الساعة حتى تدخل الملوك كلها في دينك صاغرة قميئة(1) ، فلم يزل يقبّل يديه مرّة ورجليه مرّة ويقول : لئن أدركت زمانك لأضربن بين يديك بالسيف ضرب الزند بالزند(2) أنت سيد ولد آدم وسيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين ، واللَّه لقد ضحكت الأرض يوم ولدت فهي ضاحكة إلى يوم القيامة فرحاً بك ، واللَّه لقد بكت البيَع والأصنام والشياطين ، فهي باكية إلى يوم القيامة ، أنت دعوة إبراهيم عليه السلام وبُشرى عيسى عليه السلام ، أنت المقدس
ص: 202
المطهر من أنجاس الجاهلية ، ثم التفت إلى أبي طالب وقال : ما يكون هذا الغلام منك ؟ فإنّي أراك لا تفارقه ، فقال أبو طالب : هو ابني ، فقال : ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون والده الذي ولده حيّاً ولا أمّه ، فقال : إنه ابن أخي وقد مات أبوه وأمّه حاملة به ، وماتت أمّه وهو ابن ست سنين ، فقال : صدقت هو هكذا ، ولكن أرى لك أن تردّه إلى بلده عن هذا الوجه ، فإنه ما بقي على ظهر الأرض يهودي ولا نصراني ولا صاحب كتاب إلّا وقد علم بولادة هذا الغلام ، ولئن رأوه وعرفوا منه ما قد عرفت أنا منه ليبغينه شرّاً وأكثر ذلك هؤلاء اليهود ، فقال أبو طالب : ولِمَ ذلك ؟ قال : لأنّه كائن لابن أخيك هذه النبوّة والرسالة ، ويأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى وعيسى ، فقال أبو طالب : كلّا إن شاء اللَّه ، لم يكن اللَّه ليضيعه ، ثم خرجنا به إلى الشام فلمّا قربنا من الشام رأيت واللَّه قصور الشامات كلّها قد اهتزّت وعلا منها نور أعظم من نور الشمس ، فلمّا توسطنا الشام ما قدرنا أن نجوز سوق الشام من كثرة ما ازدحموا الناس وينظرون إلى وجه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وذهب الخبر في جميع الشامات حتى ما بقي فيها حبر ولا راهب إلّا اجتمع عليه ، فجاء حبر عظيم كان اسمه نسطورا ، فجلس حذاه ينظر إليه ولا يكلّمه بشي ء حتى فعل ذلك ثلاثة أيّام متوالية ، فلمّا كانت الليلة الثالثة لم يصبر حتّى قام إليه فدار خلفه كأنه يلتمس منه شيئا ، فقلت له : يا راهب كأنّك تريد منه شيئا ، فقال : أجل إنّي أريد منه شيئا ، ما اسمه ؟ قلت : محمد بن عبد اللَّه ، فتغيّر واللَّه لونه ، ثم قال : فترى أن تأمره أن يكشف لي عن ظهره لأنظر إليه ، فكشف عن ظهره ، فلمّا رأى الخاتم انكبّ عليه يقبّله ويبكي ، ثم قال : يا هذا أسرع بردّ هذا الغلام إلى موضعه الذي ولد فيه ، فإنّك لو تدري كم عدوٍّ له في أرضنا لم تكن
ص: 203
بالذي تقدمه معك فلم يزل يتعاهده في كل يوم ويحمل إليه الطعام ، فلما خرجنا منها أتاه بقميص من عنده ، فقال لي : أترى أن يلبس هذا القميص ليذكرني به ، فلم يقبله ورأيته كارهاً لذلك ، فأخذت أنا القميص مخافة أن يغتم ، وقلت : أنا ألبسه وعجّلت به حتى رددته إلى مكة ، فو اللَّه ما بقي بمكة يومئذ امرأة ولا كهل ولا شابّ ولا صغير ولا كبير إلا استقبلوه شوقا إليه ما خلا أبو جهل لعنه اللَّه فإنه كان فاتكا ماجنا(1) قد ثمل من السكر(2)
وروى انّ أبا طالب قال : لمّا فارقه بحيرى بكى بكاءً شديداً وأخذ يقول : يا ابن آمنة كأنّي بك وقد رمتك العرب بوترها وقد قطعك الأقارب ولو علموا لكنت لهم بمنزلة الأولاد ، ثمّ التفت إليّ وقال : اما أنت يا عم فارع فيه قرابتك الموصولة ، واحتفظ فيه وصيّة أبيك ، فانّ قريشاً ستهجرك فيه فلا تبال ، الخبر(3) .
قال تعالى : « ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ »(4) .
عن مقاتل بن سليمان عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : انا سيد
ص: 204
النبيين ، ووصيي سيد الوصيين ، وأوصياؤه سادة الأوصياء ، ان آدم عليه السلام سأل اللَّه عزّوجلّ ان يجعل له وصيّاً صالحاً ، فأوحى اللَّه عزّوجلّ إليه إني أكرمت الأنبياء بالنبوّة ثم اخترت من خلقي خلقاً وجعلت خيارهم الأوصياء(1) فأوحى اللَّه تعالى ذكره إليه يا آدم أوحى إلى شيث ، فأوحى آدم عليه السلام إلى شيث وهو هبة اللَّه بن آدم ، وأوصى شيث إلى ابنه شبان وهو ابن نزلة الحوراء التي انزلها اللَّه عزوجلّ على آدم من الجنة فزوّجها ابنه شيثاً ، وأوصى شبان إلى محلث ، وأوصى محلث إلى محوق ، وأوصى محوق إلى غثميشا ، وأوصى غثميشا إلى اخنوخ وهو إدريس النبي عليه السلام ، وأوصى إدريس إلى ناحور ، ورفعها ناحور إلى نوح عليه السلام ، وأوصى نوح إلى سام ، وأوصى سام إلى عثامر ، وأوصى عثامر إلى برغيثاشا ، وأوصى برغيثاشا إلى يافث ، وأوصى يافث إلى برّة ، وأوصى برّة إلى جفسية ، وأوصى جفسية إلى عمران ، ودفعها عمران إلى إبراهيم الخليل عليه السلام وأوصى إبراهيم إلى إبنه إسماعيل ، وأوصى إسماعيل إلى إسحاق ، وأوصى إسحاق إلى يعقوب ، وأوصى يعقوب إلى يوسف ، وأوصى يوسف إلى بثرياء ، وأوصى بثرياء إلى شعيب ، ودفعها شعيب إلى موسى بن عمران عليه السلام ، وأوصى موسى بن عمران إلى يوشع بن نون ، وأوصى يوشع بن نون إلى داود(2) ، وأوصى داود إلى سليمان عليه السلام ، وأوصى سليمان إلى آصف بن
ص: 205
برخيا ، وأوصى آصف بن برخيا إلى زكريا ، ودفعها زكريا إلى عسى بن مريم عليه السلام ، وأوصى عيسى بن مريم إلى شمعون بن حمون الصفا ، وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريا(1) ، وأوصى يحيى بن زكريا إلى منذر ، وأوصى منذر إلى سليمة ، وأوصى سليمة إلى بردة ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : ودفعها إليّ برده ، وانا ادفعها إليك يا علي وأنت تدفعها إلى وصيّك ، ويدفعها وصيّك إلى أوصيائك من ولدك واحد بعد واحد حتى تدفع إلى خير أهل الأرض بعدك ، ولتكفرنّ بك الامّة ولتختلفنّ عليك اختلافاً شديداً، الثابت عليك كالمقيم معي ، والشاذ عنك في النار ، والنار مثوى الكافرين »(2) .
عن سعد بن أبي وقّاص ، عن النبي صلى الله عليه وآله انّه قال لعلي عليه السلام : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا انّه لا نبيّ بعدي »(3) .
وفي حديث المعراجيّة قال صلى الله عليه وآله مخاطباً لعليٍّ عليه السلام : « والخامس : ناجيت اللَّه عزّوجلّ ومثالك معي ، فسألت فيك خصالاً أجابني إليها إلّا النبوّة فانّه قال : خصصتها بك وختمتها بك »(4) .
قال تعالى : « وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ
ص: 206
رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْري قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدينَ »(1) .
روى عن أميرالمؤمنين عليه السلام وابن عباس وقتادة انّ اللَّه تعالى أخذ الميثاق على الأنبياء قبل نبينا ان يخبروا أممهم بمبعثه ونعته ويبشروهم به ويأمروهم بتصديقه(2) .
وقد روى عن علي عليه السلام انه قال : « لم يبعث اللَّه نبيّا ، آدم و من بعده ، إلّا اخذ عليه العهد : لئن بعث اللَّه محمداً وهو حيّ ليؤمننّ به ولينصرنه ، وامره بان يأخذ العهد بذلك على قومه »(3) .
قال الصادق عليه السلام : في قوله : « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَني آدَمَ »(4) .
الآية ، كان الميثاق مأخوذاً عليهم للَّه بالربوبية ، ولرسوله بالنبوة ، ولاميرالمؤمنين والأئمة بالامامة . فقال : ألست بربكم ومحمد نبيكم وعليّ امامكم ، والائمة الهادون ائمتكم ؟ فقالوا : بلى شهدنا ، فقال اللَّه تعالى : « أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ »(5) ، أي لئلا تقولوا يوم القيامة « إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلينَ »(6) ، فأول ما أخذ اللَّه عزّوجلّ الميثاق على الأنبياء له بالربوبية وهو قوله : « وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ ميثاقَهُمْ »(7) . فذكر جملة الأنبياء ، ثم ابرز افضلهم بالاسامي فقال :
ص: 207
« ومنك » يا محمد ، فقدّم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، لأنه افضلهم « ومن نوح وإبراهيم وموسى و عيسى ابن مريم » ، فهؤلاء الخمسة أفضل الأنبياء ورسول اللَّه صلى الله عليه وآله افضلهم ، ثم أخذ بعد ذلك ميثاق رسول اللَّه صلى الله عليه وآله على الأنبياء بالايمان به وعلى ان ينصروا أميرالمؤمنين عليه السلام فقال : « وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ »(1) يعني رسول اللَّه صلى الله عليه وآله « لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ »(2) يعني أميرالمؤمنين عليه السلام ، واخبروا اممكم بخبره وخبر وليه من الائمة عليهم السلام(3) .
وعن جعفر بن محمد عليهما السلام قال : أتى رجل اميرالمؤمنين عليه السلام وهو في مسجد الكوفة قد احتبى بسيفه ، فقال : يا اميرالمؤمنين ان في القرآن آية قد افسدت قلبي وشككتني في ديني ، قال علي عليه السلام : وما هي ؟ قال : قوله عزوجلّ : « وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا »(4) هل كان في ذلك الزمان غيره ؟ فقال له علي عليه السلام : اجلس اخبرك إن شاء اللَّه ، ان اللَّه عزوجلّ يقول في كتابه « سُبْحانَ الَّذي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا »(5) فكان من آيات اللَّه عزوجل التي أراها محمداً صلى الله عليه وآله انه أتاه جبرئيل عليه السلام فاحتمله من مكة فَوَافَي به بيت المقدس في ساعة من الليل ، ثمّ أتاه بالبراق فرفعه إلى السماء ، ثم إلى البيت المعمور ، فتوضأ جبرئيل وتوضأ النبي صلى الله عليه وآله كوضوئه ،
ص: 208
وأذّن جبرئيل عليه السلام وأقام مثنى مثنى ، وقال النبي صلى الله عليه وآله تقدم وصلّ واجهر بصلاتك ، فان خلفك صفوفاً من الملائكة لا يعلم عددهم إلّا اللَّه ، وفي الصف الأول أبوك آدم ونوح وهود وإبراهيم وموسى و كل نبي ارسله اللَّه مذ خلق السماوات والأرض إلى أن بعثك يا محمد ، فتقدم النبي صلى الله عليه وآله فصلّى بهم غير هائب ولا محتشم ركعتين ، فلما انصرف من صلاته أوحى اللَّه اليه « وسئل من ارسلنا من قبلك من رسلنا الآية فالتفت إليهم النبيّ صلى الله عليه وآله فقال : بهم تشهدون ؟ قالوا : نشهد ان لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له وأنّك رسول اللَّه وان علياً اميرالمؤمنين ووصيك وكل نبيّ مات خلّف وصيّاً من عصبته غير هذا وأشار إلى عيسى بن مريم فانه لا عصبة له وكان وصيه شمعون الصفا بن حمون بن عامة ، ونشهد انك رسول اللَّه سيد النبيين ، وان علي بن أبي طالب سيد الوصيين ، اخذت على ذلك مواثيقنا لكما بالشهاده ، فقال الرجل : احييت قلبي وفرجت عني يا أميرالمؤمنين عليه السلام(1) .
وعن أبي جعفر عليه السلام قال : « ان اللَّه تبارك وتعالى اخذ الميثاق على أولى العزم اني ربكم ومحمد رسولي وعلي أميرالمؤمنين واوصياؤه من بعده ولاة امري وخزان علمي ، وان المهدي انتصر به لديني»(2) .
قال تعالى : « الَّذينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ »(3) .
ص: 209
وقال تعالى : « الَّذينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجيلِ »(1) .
عن الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال في قوله « يَجِدُونَهُ » : يعني اليهود والنصارى صفة محمد واسمه(2) .
وعن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن أميرالمؤمنين عليه السلام في حديث : « قال يهودي لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله : اني قرأت في التوراة محمد بن عبداللَّه مولده بمكة ومهاجره بطيبة وليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب ولا متزين [مترين ]بالفحش ولا قول الخنى ، وانا اشهد ان لا اله إلّا اللَّه وانك رسول اللَّه وهذا مالي فاحكم فيه بما انزل اللَّه»(3) .
وعن أبي جعفر عليه السلام : « لمّا نزلت التوراة على موسى عليه السلام بشّر بمحمد صلى الله عليه وآله ... فلم تزل الأنبياء تبشّر بمحمد صلى الله عليه وآله حتى بعث اللَّه تبارك وتعالى المسيح عيسى بن امريم فبشّر بمحمد صلى الله عليه وآله وذلك قوله تعالى : « يَجِدُونَهُ » يعني اليهود والنصارى « مَكْتُوباً » يعني صفة محمد صلى الله عليه وآله « عِنْدَهُمْ » يعني « فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجيلِ ... » وهو قول اللَّه عزوجل يخبر عن عيسى : « وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ »(4)» .(5)
عن علي بن عيسى رفعه قال : ان موسى عليه السلام ناجاه اللَّه تبارك وتعالى فقال له
ص: 210
في مناجاته : أوصيك يا موسى وصية الشفيق المشفق بابن البتول عيسى بن مريم ... ومن بعده بصاحب الجمل الاحمر الطيّب الطاهر المطهر ، فمثله في كتابك انّه مؤمن مهيمن على الكتب كلها وانه راكع ساجد ، راغب ، راهب ، اخوانه المساكين وانصاره قوم آخرون(1) .
قال النبي صلى الله عليه وآله : « كنت نبيّاً وآدم بين الماء والطين »(2) .
وقال صلى الله عليه وآله : « آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة »(3) .
وقال صلى الله عليه وآله : « لو كان موسى حيّاً ما وسعه إلّا اتّباعي »(4) .
وقال النبي صلى الله عليه وآله : « اعطيت خمساً لم يعطها أحد قبلي ، جعلت لي الأرض مسجداً طهوراً(5) ، ونصرت بالرعب ، وأحلّ لي المغنم(6) واعطيت جوامع
ص: 211
الكلم(1) » وأعطيت الشفاعة(2) .
وعن فضيل بن عثمان قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : « لا تفضلوا على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أحداً فانّ اللَّه قد فضّله »(3) .
وعن الحسين بن عبداللَّه قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله سيّد ولد آدم ؟ فقال عليه السلام : « كان واللَّه سيّد من خلق اللَّه وما برأ اللَّه بريّة خيراً من محمّد صلى الله عليه وآله »(4) .
نادر في اللطائف في فضل نبيّنا صلى الله عليه وآله في الفضائل والمعجزات على الأنبياء عليهم السلام(5)
إن كان لآدم سجود الملائكة مرّة فلمحمّد صلى الله عليه وآله صلوات اللَّه والملائكة والناس أجمعين كلّ ساعة إلى يوم القيامة ، وإن كان آدم قبلة الملائكة فجعله اللَّه إمام
ص: 212
الأنبياء ليلة المعراج فصار إمام آدم عليه السلام ، وإن خلق آدم عليه السلام من طين فانّه خلق من النور قوله : « كنت نبيّاً وآدم بين الماء والطين » ، وإن كان آدم أوّل الخلق فقد صار محمّد صلى الله عليه وآله قبله قوله صلى الله عليه وآله : « انّ اللَّه خلقني من نور وخلق ذلك النور قبل آدم بألفي ألف سنة » ، وإن كان آدم عليه السلام أبوالبشر فمحمّد صلى الله عليه وآله سيّد النذر ، قوله صلى الله عليه وآله : « آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة » وإن كان آدم عليه السلام أوّل الأنبياء فنبوّة محمّد صلى الله عليه وآله أقدم منه ، قوله صلى الله عليه وآله : « كنت نبيّاً وآدم منخول(1) في طينته » ، وإن عجزت الملائكة عن آدم عليه السلام فأعطى القرآن الذي عجز عنه الأوّلون والآخرون ، وإن قيل لآدم عليه السلام : « فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ »(2) فقال له : « لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ »(3) ، وإن دخل آدم في الجنّة فقد عرج به إلى قاب قوسين أو أدنى(4) .
ادريس : قوله : « وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا »(5) ، أي السماء ، وللنبي صلى الله عليه وآله : « وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ »(6) ، وناجى إدريس عليه السلام ربّه ، ونادى اللَّه محمّداً : « فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْ حى »(7) ، واطعم إدريس بعد وفاته ، وقد أطعمه اللَّه في حال حياته ، قوله صلى الله عليه وآله :
ص: 213
« اني لست كأحدكم انّي أبيت عند ربّي ويطعمني ويسقيني »(1) .
نوح : جرت له السفينة على الماء وهي تجري للكافر والمؤمن ولمحمّد صلى الله عليه وآله جرى الحجر على الماء وذلك انّه كان على شفير غدير ووراء الغدير تلّ عظيم ، فقال عكرمة ابن أبي جهل : يا محمّد إن كنت نبيّاً فادع من صخور ذلك التلّ حتّى يخوض الماء فيعبر ، فدعا بالصخرة فجعلت تأتي على وجه الماء حتّى مثلت بين يديه ، فأمرها بالرجوع فرجعت كما جائت .
واجيب دعوته على قومه : « لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ »(2) فهطلت له السماء بالعقوبة ، وأجيبت لمحمّد صلى الله عليه وآله بالرحمة حيث قال : « حوالينا لا علينا » فنوح عليه السلام رسول العقوبة ، ومحمّد صلى الله عليه وآله رسول الرحمة : « وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً »(3) ، دعا نوح لنفسه ولنفر يسير : « رَبِّ اغْفِرْ لي وَلِوالِدَيَّ »(4) ومحمّد صلى الله عليه وآله دعا لأمّته من ولد منهم ومن لم يولد : « وَاعْفُ عَنّا »(5) ، وقال له : « وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقينَ »(6) ، وقال لمحمّد صلى الله عليه وآله : « ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ »(7) ، كانت سفينة نوح عليه السلام سبب النجاة في الدنيا وذريّة محمّد صلى الله عليه وآله سبب النجاة في العقبى ، قوله :
ص: 214
« مثل أهل بيتي كسفينة نوح » الخبر - . . . - قال حسان :
وإن كان نوح نجا سالماً * على الفلك بالقوم لمّا نجى
فانّ النبيّ نجى سالماً * إلى الغار في الليل لمّا دجى (1)
قال حسان بن ثابت :
وإن كان لوط دعا ربّه * على القوم فاستوصلوا بالبلا
فانّ النبي بيدر دعا * على المشركين بسيف الفنا
فناداه جبريل من فوقه * بلبّيك لبّيك سل ما تشاء(2)
ابراهيم عليه السلام نظر من الملك إلى الملكوت : « وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ »(3) ، والحبيب نظر من الملك إلى الملك : « أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ »(4) ، الخليل عليه السلام طالب قال : « إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي »(5) والحبيب مطلوب : « أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً »(6) ، قال الخليل عليه السلام : « وَالَّذي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لي »(7) وقيل للحبيب : « لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ »(8) ، وقال الخليل عليه السلام : « وَلا تُخْزِني »(9) وللحبيب : « يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ »(10) ، وقال الخليل عليه السلام وسط النار : « حسبي اللَّه » ، وقيل للحبيب :
ص: 215
« يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ »(1) ، قال الخليل عليه السلام : « وَاجْعَلْ لي لِسانَ صِدْقٍ »(2) وقيل للحبيب صلى الله عليه وآله : « وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ »(3) قال الخليل عليه السلام : « وَأَرِنا مَناسِكَنا »(4) وقيل للحبيب صلى الله عليه وآله : « لِنُرِيَهُ »(5) قال الخليل عليه السلام : « وَاجْعَلْني مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعيمِ »(6) وللحبيب صلى الله عليه وآله : « وَلَلآْخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ »(7) - . . . - الخليل عليه السلام : اقسم باللَّه : « وَتَاللَّهِ لَأَكيدَنَّ أَصْنامَكُمْ »(8) وأقسم بالحبيب : « لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ »(9) ، واتّخذ مقام الخليل قبلة : « وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهيمَ »(10) وجعل أحوال الحبيب وأفعاله وأقواله قبلة : « لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ »(11) الخليل عليه السلام كسر
ص: 216
أصنام قوم بالخفية غضباً للَّه ، والحبيب كسر عن الكعبة ثلاثمائة وستّين صنماً وأذلّ من عبدها بالسيف ، اصطفى الخليل عليه السلام بعد الابتلاء : « وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ »(1) واصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله قبل الابتلاء : « اللَّهُ يَصْطَفي »(2) ، الخليل عليه السلام بذل ماله لأجل الجليل ، وخلق الجليل العالم لأجل الحبيب صلى الله عليه وآله ، مقام الخليل عليه السلام مقام الخدمة « وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهيمَ »(3) ومقام الحبيب صلى الله عليه وآله مقام الشفاعة : « عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ »(4) والشفيع أفضل من الخادم ، الخليل عليه السلام طلب ابتداء الوصلة قال : « هذا رَبّي »(5) والحبيب صلى الله عليه وآله طلب بقاء الوصلة : « وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمينَ »(6) وللبقاء فضل على الابتداء صيّر اللَّه حرّ النار على الخليل عليه السلام برداً وسلاماً وصيّر السم في جوفه صلى الله عليه وآله سلاماً حين سمّته الخيبريّة ، ثمّ سخّر له نار جهنّم التي كانت نار الدنيا كلّها جزءً منها - . . . - وقال للخليل عليه السلام : « أَوَلَمْ تُؤْمِنْ »(7) وقال للحبيب صلى الله عليه وآله : « آمَنَ الرَّسُولُ »(8) ، قال الخليل عليه السلام : « فَإِنَّهُمْ عَدُوّ لي »(9) وقال للحبيب صلى الله عليه وآله : « لولاك لما خلقت الأفلاك » - . . . - وصل الخليل إلى الجليل بالواسطة : « وَكَذلِكَ نُري إِبْراهيمَ »(10) ووصل الحبيب صلى الله عليه وآله بلا واسطة : « ثُمَّ دَنا
ص: 217
فَتَدَلَّى »(1) ، أراد الخليل عليه السلام رضا الملك في رفع الكعبة : « وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ »(2) وأراد القبلة في رضا الحبيب صلى الله عليه وآله : « فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها »(3) - . . . - سأل الخليل عليه السلام : « وَاجْنُبْني وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ »(4) وقال للحبيب صلى الله عليه وآله : « إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ »(5) ، الخليل من يخالك ، والحبيب من تخاله(6) ، فلا جرم « وَلَسَوْفَ يُعْطيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى »(7) ، الخليل : المريد ، والحبيب : المراد ، الخليل : عطشان ، والحبيب : ريّان(8) .
يعقوب : كان له اثنا عشر ابناً ، ومحمّد صلى الله عليه وآله كان له اثنا عشر وصيّاً ، وجعل الأسباط من سلالة صلبه ، ومريم بنت عمران من بناته ، والهداة في ذرّيّته « في المصدر : والهداية في ذريّته » - . . . - ومحمّد صلى الله عليه وآله جعلت فاطمة عليها السلام سيّدة نساء العالمين من بناته ، والحسن والحسين عليهما السلام من ذرّيّته ، وآتاه الكتاب(9) .
ص: 218
يوسف عليه السلام : إن كان له جمال فلمحمّد صلى الله عليه وآله ملاحة وكمال ، وقوله صلى الله عليه وآله : « كان يوسف عليه السلام أحسن ولكنّني أملح » ، وإن كان يوسف في الليل نورانيّاً فمحمّد في الدنيا والعقبى نورانيّ ، ففي الدنيا يهدي اللَّه لنوره ، وفي العقبى : « انْظُرُونا نَقْتَبِسْ »(1) - . . . - صبر يوسف عليه السلام في الجب والحبس والفرقة والمعصية ، ومحمّد صلى الله عليه وآله قاسى من كثرة الغربة والفرقة ، - . . . -(2)
موسى عليه السلام أعطاه اللَّه اثنتي عشرة عيناً ، قوله : « فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً »(3) ، ومحمّد صلى الله عليه وآله أمر البرّاء بن عازب بغرس سهمه يوم الميضاة(4) بالحديبيّة في قليب جافّة فتفجّرت اثنتا عشرة عيناً حتّى كفت ثمانية آلاف رجل ، وكان لموسى عليه السلام انفجار الماء من الحجر ، ولمحمّد صلى الله عليه وآله انفجار الماء من بين أصابعه - . . . - خلّف موسى عليه السلام هارون عليه السلام في قومه ، وخلّف محمّد صلى الله عليه وآله عليّاً في قومه : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى » ، وكان لموسى عليه السلام اثنا عشر نقيباً ، ولمحمّد صلى الله عليه وآله اثنا عشر اماماً ، كان لموسى عليه السلام انفلاق البحر في الأرض : « فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ »(5) ولمحمّد عليه السلام انشقاق القمر في السماء وذلك أعجب : « اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ
ص: 219
وَانْشَقَّ الْقَمَرُ »(1) ، العصا بلغت البحر فانفلق : « أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ »(2) ، وأشار بالاصبع إلى القمر فانشقّ ، وقال موسى : « رَبِّ اشْرَحْ لي صَدْري »(3) ، وقال اللَّه له : ألم نشرح لك صدرك « أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ »(4) - . . . - وأعطى اللَّه موسى عليه السلام المنّ والسلوى ، وأحلّ الغنائم لمحمّد صلى الله عليه وآله ولأمّته ، ولم يحلّ لأحد قبله ، وقال في حقّ موسى : « وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ »(5) يعني في التيه ، والنبي صلى الله عليه وآله كان يسير الغمام فوقه ، وكلّم اللَّه موسى تكليماً على طور سيناء ، وناجى اللَّه محمّداً عند سدرة المنتهى ، وكان واسطة بين الحق وبين موسى عليه السلام ، ولم يكن بين محمّد صلى الله عليه وآله وربّه أحد ، - . . . - وليس من ناداه كمن ناجاه ، ومن بعد نودي ، ومن قرب نوجي - . . . -
حسان :
لئن كلّم اللَّه موسى على * شريف من الطور يوم الندا
فانّ النبي أبا قاسم * حبي(6) بالرسالة فوق السما
وقد صار بالقرب من ربّه * على قاب قوسين لمّا دنا
وان فجر الماء موسى لكم(7) * عيوناً من الصخر ضرب العصا
ص: 220
فمن كفّ أحمد قد فجّرت * عيوناً من الماء يوم الظما
وإن كان هارون من بعده * حبي بالوزراة يوم الملا
فان الوزارة قد نالها * عليّ بلا شك يوم الندا
كعب بن مالك الأنصاري :
فان يك موسى كلّم اللَّه جهرة * على جبل الطور المنيف(1) المعظم
فقد كلّم اللَّه النبيّ محمّداً * على موضع الأعلى الرفيع المسوّم(2)
- . . . - وله عليه السلام « وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ »(3) ، ولمحمّد صلى الله عليه وآله البراق ، وقال له : « وَشَدَدْنا مُلْكَهُ »(4) ، وشدّد ملك محمّد صلى الله عليه وآله حتّى نسخ بشريعته سائر الشرائع ، وقال لداود : « وَلا نَتَّبِعَ الهَوى »(5) وقال لمحمّد صلى الله عليه وآله : « ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ »(6) .(7)
ص: 221
سأل ملكاً دنيا ، « رَبِّ هَبْ لي مُلْكاً »(1) وعرض مفاتيح خزائن الدنيا على محمّد صلى الله عليه وآله فردّها ، فشتّان بين من يسأل وبين من يعطى فلا يقبل ، فأعطاه اللَّه الكوثر والشفاعة والمقام المحمود « وَلَسَوْفَ يُعْطيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى »(2) وقال لسيلمان : « فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ »(3) وقال لنبيّنا : « ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا »(4) .
حسّان بن ثابت :
وإن كانت الجن قد ساسها * سليمان والريح تجري رخا
فشهر غدو به دائباً * وشهر رواح به إن يشا
فانّ النبي سرى ليلة * من المسجدين إلى المرتقى
كعب بن مالك :
وإن تك نمل البرّ بالوهم كلّمت * سليمان ذا الملك الذي ليس بالعمى
فهذا نبيّ اللَّه أحمد سبّحت * صغار الحصى في كفّه بالترنّم(5)
يحيى عليه السلام : قال اللَّه تعالى له : « وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا »(6) وكان في عصرٍ لا
ص: 222
جاهليّة فيه ، ومحمّد صلى الله عليه وآله أوتي الحكم والفهم صبيّاً بين عبدة الأوثان وحزب الشيطان ، وكان يحيى عليه السلام أعبد أهل زمانه وأزهدهم ، ومحمّد صلى الله عليه وآله أزهد الخلائق وأعبدهم حتّى قيل : « طه * ما أَنْزَلْنا »(1) .
حسّان بن ثابت :
وإن كان يحيى بكت عينه * صغيراً وطهّره في الصبي
فان النبيّ بكى قائماً * حزيناً على الرجل خوف الرجا
فناداه ان طه(2) أبا قاسم * ولا تشقّ بالوحي لمّا أتى(3)
عيسى عليه السلام : « وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ »(4) ونبيّنا صلى الله عليه وآله أتاه معاذ بن عفرا(5) فقال : يا رسول اللَّه انّي قد تزوّجت ، وقالوا للزوجة : ان بجنبي بياضاً ، فكرهت أن تزفّ إليّ ، فقال : اكشف لي عن جنبك ، فكشف عن جنبه ، فمسحه بعود فذهب ما به من البرص - . . . - وجائت امرأة ومعها عكّة(6) سمن اُقط ومعها ابنة لها فقالت : يا رسول اللَّه ولدت هذه كمها(7) فأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عوداً فمسح به عينيها
ص: 223
فابصرتا . قوله : « وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ »(1) . . . قال الرضا عليه السلام : « لقد اجتمعت قريش إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فسألوه أن يحيي لهم موتاهم ، فوجّه معهم علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : اذهب إلى جبانة(2) ، فناد باسم هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك : يا فلان ، ويا فلان ، ويا فلان ، يقول لكم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : قوموا باذن اللَّه ، فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم ، فأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم ، ثمّ أخبروهم انّ محمّداً قد بعث نبيّاً - . . . - » .
وإن كان من مات يحيى لكم * يناديه عيسى بربّ العلى
فانّ الذراع لقد سمّها * يهود لا حمد يوم القرى(3)
فنادته انّي لمسمومة * فلا تقربنّي وُقيت الأذى(4)
عن الصادق عليه السلام : « كان ابليس يخترق السماوات السبع ، فلما ولد عيسى حجب عن ثلاث سماوات وكان يخترق اربع سماوات ، فلما ولد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حجب عن السماوات كلها ورميت الشياطين بالنجوم . وقالت قريش : هذا قيام الساعة الذي كنا نسمع أهل الكتب يذكرونه ، فقال عمرو بن امية : ان كان رمى بما تهتدون بها فهو هلاك كل شي ء ، وان كانت تثبت ورمى بغيرها فهو امر حدث»(5) .
ص: 224
نذكر بعض صفاته صلى الله عليه وآله تيمّناً وتبرّكاً به :
عن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال : « كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أجود الناس كفّاً وأكرمهم عشرة ، من خالطه فعرفه احبّه »(1) .
وبرواية أخرى عن أميرالمؤمنين عليه السلام انّه كان إذا وصف رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول : « كان أجود الناس كفّاً وأجرأ الناس صدراً وأصدق الناس لهجة وأوفاهم ذمّة ، وألينهم عريكة ، وأكرمهم عشرة ، من رآه بديهة هابه ، ومن خالطه معرفة أحبّه ، لم أَر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وآله »(2) .
قال علي عليه السلام : « كنّا إذا احمر الباس اتقيناه برسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، لم يكن منّا أحد أقرب إلى العدو منه(3) .
عن ابن عمر قال : كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يعرف رضاه وغضبه في وجهه كان إذا رضى فكانّما يلاحك الجدر ضوء وجهه ، وإذا غضب خسف لونه واسودّ(4) .
ص: 225
وعن كعب بن مالك قال : كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إذا سرّه الأمر استنار وجهه كأنّه دارة القمر(1) .
وعن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال : « كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إذا رأى ما يحبّ قال : الحمد للَّه الذي بنعمته تتمّ الصالحات »(2) .
عن أنس قال : كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إذا فقد الرجل من اخوانه ثلاثة أيّام سأل عنه ، فان كان غائباً دعا له ، وإن كان شاهداً زاره ، وإن كان مريضاً عاده(3) .
عن انس بن مالك قال : رأيت إبراهيم بن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وهو يجود بنفسه ، فدمعت عينا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقال : تدمع العين ويخزن القلب ولا نقول إلّا ما يرضى ربّنا وأنا بك يا إبراهيم لمحزونون(4) .
عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : « قال : كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إذا مشى تكفّأَ تكفّؤاً
ص: 226
كانّما يتقلّع من صبب لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وآله »(1) .
وعن ابن عبّاس قال : كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إذا مشى مشى مشياً يعرف انّه ليس بمشي عاجز ولا بكسلان(2) .
قال تعالى : « ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ »(3) .
وقال تعالى : « قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَميمٌ »(4) .
وقال تعالى : « وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشي فِي الْأَسْواقِ »(5) .
وقال تعالى : « ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى »(6) .
ومنهم ارباب الهامة التي قال النبي صلى الله عليه وآله عنهم : لا عدوي ولا هامة ولا صفر(7) .
قال تعالى : « نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ »(8) و : « وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ
ص: 227
وَقالَتِ النَّصارى الْمَسيحُ ابْنُ اللَّهِ »(1) و : « وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ »(2) .
وقال تعالى : « وَيَجْعَلُونَ للَّهِ ِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ »(3) .
وقال تعالى : « وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً »(4) .
قال تعالى : « وَللَّهِ ِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذينَ يُلْحِدُونَ في أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ »(5) .
عن ابن عبّاس ومجاهد : دعوا الذين يعدلون بأسماء اللَّه تعالى عمّا هي عليه ، فيسمّون بها أصنامهم ، ويغيّرونها بالزيادة والنقصان ، فاشتقوا اللات من اللَّه ، والعزى من العزيز ، ومنات من المنّان(6) .
قال النبيّ صلى الله عليه وآله - لقومه ادعوكم - : إلى شهادة ان لا اله إلّا اللَّه وخلع الانداد كلها ، قالوا : نَدَعُ ثلاثمائة وستين الها ونعبد الهاً واحداً(7) ؟
ص: 228
اجتمع يوماً عند رسول اللَّه صلى الله عليه وآله اهل خمسة اديان : اليهود ، والنصارى والدهرية ، والثنوية ، ومشركوا العرب .
فقالت اليهود : نحن نقول : عزير ابن اللَّه ، وقد جئناك يا محمد لننظر ما نقول ؟ فان اتبعتنا فنحن اسبق إلى الصواب منك وأفضل ، وان خالفتنا خصمناك .
وقالت النصارى : نحن نقول : ان المسيح ابن اللَّه ، اتّحد به ، وقد جئناك لننظر ما تقول ، فان اتبعتنا فنحن اسبق إلى الصواب منك وأفضل ، وان خالفتنا خصمناك .
وقالت الدهرية : نحن نقول : الأشياء لابَدء لها وهي دائمة ، وقد جئناك لننظر فيما تقول ، فان اتبعتنا فنحن اسبق إلى الصواب منك وأفضل ، وان خالفتنا خصمناك .
وقالت الثنوية : نحن نقول : ان النور والظلمة هما المدبِّران ، وقد جئناك لننظر فيما تقول ، فان اتبعتنا فنحن اسبق إلى الصواب منك ، وان خالفتنا خصمناك .
وقال مشركوا العرب : نحن نقول : ان أوثاننا آلهةٌ ، وقد جئناك لننظر فيما تقول ، فان اتبعتنا فنحن اسبق إلى الصواب منك وأفضل ، وان خالفتنا خصمناك .
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : آمنت باللَّه وحده لا شريك له وكفرت [بالجبت والطاغوت و ]بكلّ معبود سواه ، ثمّ قال لهم : ان اللَّه تعالى قد بعثني كافة للناس بشيراً ونذيراً وحجّةً على العالمين ، سيردّ كيد من يكيد دينه في نحره .
ثم قال اليهود : أجئتموني لأقْبَلَ قولكم بغير حجةٍ ؟ قالوا : لا .
قال : فما الذي دعاكم إلى القول بانّ عزيراً ابنُ اللَّه ؟
ص: 229
قالوا : لأنّه أَحيى لبني إسرائيل التوراة بعد ما ذهبت ، ولم يفعل بها هذا إلّا لأنّه ابنُهُ .
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : فكيف صار عزير ابنَ اللَّه دون موسى ، وهو الذي جاء لهم بالتوراة ورُئِيَ منه من المعجزات ما قد علمتم ؟ ولئن كان عزير ابن اللَّه لِما ظهر من إكرامه باحياء التوراة . فلقد كان موسى بالبنوّة أولى وأحقّ ، ولئن كان هذا المقدار من إكرامه لعزير يوجب له انّه ابنُهُ فاضعاف هذه الكرامة لموسى توجب له منزله اجل من البنوّة ، لأنّكم إن كنتم انما تريدون بالبنوّة الدلالة على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم من ولادة الاُمّهات الاولاد بوطئ آبائهم لهنّ فقد كفرتم باللَّه تعالى وشبهتموه بخلقه ، وأوجبتم فيه صفات المحدِّثين ، فوجب عندكم ان يكون محدَثاً مخلوقاً ، وان يكون له خالق صنعه وابتدعه .
قالوا : لسنا نعني هذا ، فان هذا كفر كما ذكرتَ ، ولكنّا نعنى انّه ابنه على معنى الكرامة وإن لم يكن هناك ولادةٌ ، كما قد يقول بعض علمائنا لمن يريد اكرامه وابانته بالمنزلة من غيره : « يابنىّ » و « انّه ابنى » لا على اثبات ولادته منه ، لانه قد يقول ذلك لمن هو اجنبي لانسب له بنيه وبينه ، وكذلك لمّا فعل اللَّه تعالى بعزير ما فعل كان قد اتّخذه ابناً على الكرامة لا على الولادة .
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : فهذا ما قلته لكم ، انّه ان وجب على هذا الوجه ان يكون عزير ابنه فان هذه المنزلة ، لموسى أولى ، وانّ اللَّه تعالى يفضح كلَّ مبطل باقراره ويقلب عليه حجَّته ، انّ ما احتججتم به يؤدّيكم إلى ما هو اكبر مما ذكرته لكم ، لانّكم قلتم : انّ عظيماً من عظمائكم قد يقول لاجنبي لانسب بينه وبينه : « يا بنيّ » و « هذا ابني » لا على طريق الولادة ، فقد تجدون أيضاً هذا العظيم يقول لاجنبي
ص: 230
آخر : « هذا أخي » ولآخر : « هذا شيخي » و « أبي » ولآخر : « هذا سيّدي » و « يا سيّدي » على سبيل الاكرام ، وانّ من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول : فاذاً يجوز عندكم ان يكون موسى اخاً للَّه ، أو شيخاً له أو أباً ، أو سيّداً ، لأنّه قد زاده في الاكرام مما لعزير ، كما انّ من زاد رجلاً في الاكرام فقال له : يا سيّدي ، و : يا شيخي ، و : يا عمّي ، ويا : رئيسي ، [و: يا اميري] على طريق الاكرام ، وانّ من زاده في الكرامة ، زاده في مثل هذا القول .
أفيجوز عندكم ان يكون موسى اخاً للَّه ، أو شيخاً ، أو عمّاً ، أو رئيساً ، أو سيّداً ، أو أميراً ، لانّه قد زاده في الاكرام على من قال له : يا شيخي ، أو : يا سيّدي ، أو : يا عمّي ، أو : يا أميري أو : يا رئيسي ؟
قال : فبهت القوم وتحيّروا وقالوا : يا محمّد . اجّلنا نتفكر فيما قد قلته لنا . فقال : انظروا فيه بقلوبٍ معتقدةٍ للانصاف ، يهديكم اللَّه تعالى . ثم اقبل صلى الله عليه وآله على النصارى . فقال لهم : وأنتم قلتم : ان القديم عزوجل اتحد بالمسيح ابنه ، فما الذي اردتموه بهذا القول ؟ اردتم ان القديم صار محدثاً لوجود هذا المحدَث الذي هو عيسى ؟ أو المحدَث الّذي هو عيسى صار قديماً لوجود القديم الذي هو اللَّه ؟ أو معنى قولكم : انّه اتّحد به انّه اختصّه بكرامةٍ لم يكرم بها احداً سواه ؟
فان اردتم انّ القديم صار محدَثاً فقد ابطلتم ، لان القديم محال ان ينقلب فيصير محدَثاً ، وان اردتم ان المحدَث صار قديماً فقد اَحَلْتم لانّ المحدث ايضاً محال ان يصير قديماً .
وان اردتم انّه اتّحد به بانّه اختصّه واصطفاه على سائر عباده ، فقد اقررتم بحدوث عيسى و بحدوث المعنى الذي اتّحد به من اجله ، لأنّه اذا كان عيسى
ص: 231
محدَثا وكان اللَّه اتّحد به - بان احدث به معنىً صار به اكرم الخلق عنده - فقد صار عيسى وذلك المعنى محدثين ، وهذا خلاف ما بَدَأتُم تقولونَه .
قال : فقالت النصارى : يا محمَّد ، انّ اللَّه تعالى لمّا اظهر عَلى يد عيسى من الأشياء العجيبة ما اظهر ، فقد اتّخذه ولداً على جهة الكرامة .
فقال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : فقد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الذي ذكرتموه . ثمّ اعاد صلى الله عليه وآله ذلك كله ، فسكتوا إلّا رجلاً واحداً منهم فقال له : يا محمد ، أَوَ لَستم تقولون : ان إبراهيم خليل اللَّه ؟ قال : قد قلنا ذلك . فقال : فاذا قلتم ذلك فَلِمَ منعتمونا مِنْ أَنْ نقولَ ان عيسى ابنُ اللَّه ؟
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : انهما لن يشتبها ، لان قولنا : ان ابراهيم خليل اللَّه فانما هو مشتق من الخَلّة أو الخُلة ، فاما الخلّة فانما معناها الفقر والفاقة ، فقد كان خليلاً إلى ربّه فقيراً [إلى اللَّه] وإليه منقطعاً ، وعن غيره متعفّفاً معرضاً مستغنياً ، وذلك لمّا اريد قذفه في النار فرمي به في المنجنيق فبعث اللَّه تعالى جبرئيل عليه السلام وقال له : اَدْرِك عبدي ، فجائه فلقيه في الهواء ، فقال : كَلِّفْني ما بدا لك فقد بعثني اللَّه لنصرتك .
فقال : بل حسبى اللَّه ونعم الوكيل ، اني لا أسأل غيره ، ولا حاجة لي إلّا إليه ، فسمّاه خليلَه ، اي فقيره ومحتاجه والمنقطع إليه عمّن سواه .
وإذا جعل معنى ذلك من الخلّة وهوانه قد تخلّل معانيه ، ووقف على اسرارٍ لم يقف عليها غيره ، كان معناه العالم به وباموره ، ولا يوجب ذلك تشبيهَ اللَّهِ بخلقه ، ألا ترون انّه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليلَه ؟ وإذا لم يعلم باسراره لم يكن خليلهَ ؟ وانّ من يَلِدُه الرجل وإنْ اهانه واقصاه لم يخرج [به] عن ان يكون وَلدَه ، لان معنى الولادة قائمٌ به .
ص: 232
ثم ان وجب - لانه قال لإبراهيم : خليلي - ان تقيسوا انتم فتقولوا : انّ عيسى ابنه ، وجب أيضاً كذلك ان تقولوا لموسى انه ابنه ، فانّ الذي معه من المعجزات لم يكن بدون ما كان مع عيسى ، فقولوا : ان موسى أيضاً ابنه ، وان يجوز ان تقولوا على هذا المعنى : انه شيخه ، وسيّده ، وعمّه ، ورئيسه ، واميره ، كما قد ذكرته لليهود .
فقال بعهضم لبعض : وفي الكتب المنزلة انّ عيسى قال : « اَذْهَبُ إلى أبي » .
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : فان كنتم بذلك الكتاب تعملون فان فيه : « اذهب إلى أبي وأبيكم » فقولوا : ان جميع الذين خاطبهم عيسى كانوا ابناءَ اللَّه ، كما كان عيسى ابنه من الوجه الذي كان عيسى ابنَه ، ثمّ انّ ما في هذا الكتاب يبطل عليكم هذا الذي زعمتم ان عيسى من جهة الاختصاص كان ابناً له ، لانكم قلتم : انما قلنا : انه ابنُه لانه اختصّه بما لم يختصّ به غيره ، وانتم تعلمون انّ الذي خُصّ به عيسى لم يُخَصَّ به هؤلاء القوم الذين قال لهم عيسى « اذهب إلى أبي وأبيكم » ، فبطل ان يكون الاختصاص لعيسى ، لأنّه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم يكن له مثلُ اختصاص عيسى ، وانتم انما حكيتم لفظةَ عيسى وتأوّلتموها على غير وجهها ، لأنّه اذا قال : « أبي و أبيكم » فقد أراد غير ما ذهبتم إليه ونحلتموه ، وما يدريكم لعلّه غنى : اَذْهَبُ إلى آدم . أو إلى نوح ، وانّ اللَّه يرفعني إليهم ويجمني معهم ، وآدم أبي وأبوكم ، وكذلك نوح ، بل ما أراد غير هذا .
قال : فسكت النصارى وقالوا : ما رأينا كاليوم مجادلاً ولا مخاصماً مثلك وسننظر في أمورنا .
ثم اقبل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله على الدهرية فقال : وانتم فما الذي دعاكم إلى القول بان
ص: 233
الاشياء لا بَدْوَ لها وهي دائمة لم تزل ولا تزال ؟
فقالوا : [لأنا] لا نحكم إلّا بما نشاهده ، ولم نجد للأشياء حدثاً فحكمنا بانها لم تزل ، ولم نجد لها انقضاءً وفَناءً فحكمنا بانها لا تزال .
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله افوجدتم لها قِدَماً ، ام وجدتم لها بقاءً ابد الابد ؟ فان قلتم : انكم وجدتم ذلك انهضتم لانفسكم انكم لم تزالوا على هيئتكم وعقولكم بلا نهاية ، ولا تزالون كذلك ، ولئن قلتم هذا ، دفعتم العيان ، وكذبّكم العالِمون والذين يشاهدونكم .
قالوا : بل لم نشاهد لها قِدَماً ولا بقاءً ابد الابد .
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : فلم صرتم بان تحكموا بالقدم والبقاء دائماً ؟ لانكم لم تشاهدوا حدوثها ، وانقضاؤها أَولى من تارك التميز لها مثلكم ، فيحكم لها بالحدوث والانقضاء والانقطاع ، لأنّه لم يشاهد لها قدماً ولا بقاءً ابد الأبد ، أَوْلستم تشاهدون الليل والنهار [انّ] أحدهما بعد الآخر ؟ فقالوا : نعم . فقال صلى الله عليه وآله : أترونهما لم يزالا ولا يزالان ؟ فقالوا : نعم ، فقال : أفيجوز عندكم اجتماع الليل والنهار ؟ فقالوا : لا .
فقال صلى الله عليه وآله : فاذاً ينقطع احدهما عن الآخر ، فيسبق احدهما ويكون الثاني جارياً بعده . قالوا : كذلك وهو .
فقال : قد حكمتم بحدوث ما تقدّم من ليلٍ ونهارٍ لم تشاهدوهما ، فلا تنكروا للَّهِ ِ قدرته .
ثم قال صلى الله عليه وآله : أتقولون ما قبلكم من الليل والنهار متناهٍ أم غيرَ متناهٍ ؟
فان قلتم : غير متناه فكيف وصل إليكم آخرٌ بلا نهايةٍ لاِوَّلِه ؟ وإنْ قلتم : انه
ص: 234
متناه ، فقد كان ولا شي ء منهما . قالوا : نعم .
قال لهم : أقلتم : انّ العالَمَ قديمٌ غيرُ محدَث ، وانتم عارفون بمعنى ما أقررتم به ، وبمعنى ما جحدتموه ؟ قالوا : نعم .
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : فهذا الذي تشاهدونه من الأشياء بعضها إلى بعض يفتقر لانه لا قِوام للبعض إلّا بما يتصل به ، ألا ترى البناء محتاجاً بعض أجزائه إلى بعض وإلّا لم يتّسق ولم يستحكم وكذلك سائر ما ترون .
وقال صلى الله عليه وآله : فاذا كان هذا المحتاج - بعضه إلى بعض لقوّته وتمامه - هو القديم . فاخبروني ان لو كان محدَثاً ، كيف كان يكون ؟ وما ذا كانت تكون صفته ؟
قال : فبهتوا وعلموا انّهم لا يجدون للمحدَث صفة يصفونه بها إلّا وهي موجودة في هذا الذي زعموا انّه قديم . فوجموا وقالوا : سننظر في أمرنا .
ثم اقبل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله على الثنوية - الذين قالوا : النور والظلمة هما المدبِّران - فقال : وانتم فما الذي دعاكم إلى ما قلتموه من هذا ؟
فقالوا : لانّا وجدنا العالم صنفين : خيراً وشراً ، ووجدنا الخير ضدّاً للشرّ ، فانكرنا ان يكون فاعل واحد يفعل الشي ء وضدَّه ، بل لكلّ واحد منهما فاعلٌ ، ألا ترى ان الثّلج محال ان يسخن ، كما ان النار محال ان تبرد فاثبتنا لذلك صانعين قديمين : ظلمةً ونوراً .
فقال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : اَفَلَسْتُمْ قد وجدتم سواءاً وبياضاً وحمرةً وصفرةً وخضرةً وزرقةً ؟ وكلّ واحدةٍ ضدّ لسائرها . لاستحالة اجتماع مثلين ( اثنين ) منها في محل واحد ، كما كان الحرُّ والبَرد ضدّين لاستحالة اجتماعهما في محل واحد ؟ قالوا : نعم .
ص: 235
قال : فهلّا اثبتم بعدد كلِّ لونٍ صانعاً قديماً ، ليكون فاعل كلّ ضدّ مِنْ هذه الالوان غير فاعل الضدّ الآخر ؟ قال : فسكتوا .
ثم قال : وكيف اختلط [هذا] النور والظلمة ، وهذا من طبعه الصعود وهذه من طبعها النزول ؟ أرأيتم لو انّ رجلاً اخذ شرقاً يمشي إليه ، والآخر غرباً ، أكان يجوز عندكم ان يلتقيا ما داما سائرين على وجوههما ؟ قالوا : لا .
قال : فوجب ان لا يختلط النور والظلمة ، لذهاب كل واحد منهما في غير جهة الآخر ، فكيف وجدتم حدث هذا العالم من امتزاج ما هو محال ان يمتزج ؟ بل هما مدبّران جميعاً مخلوقان ، فقالوا : سننظر في امورنا ثم اقبل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله على مشركي العرب فقال : وانتم فَلِمَ عبدتم الاصنام من دون اللَّه ؟ فقالوا : تتقرّب بذلك إلى اللَّه تعالى .
فقال لهم : اَوَ هي سامعة مطيعة لربّها ، عابدة لها ، حتى تتقرّبوا بتعظيمها إلى اللَّه ؟ قالوا : لا .
قال : فانتم الذين نحتّموها بأيديكم ؟ قالوا : نعم ، قال : فلئن تعبدكم هي - لو كان تجوز منها العبادة - أحرى من ان تعبدوها ، إذا لم يكن امركم بتعظيمها من هو العارف بمصالحكم وعواقبكم ، والحكيم فيما يكلّفكم .
قال : فلمّا قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله هذا [القول] اختلفوا ، فقال بعضهم : انّ اللَّه عزّوجلّ قد حلّ في هياكل رجال كانوا على هذه الصور ، فصوّرنا هذه الصور ، فعظّمها لتعظيمنا تلك الصور التي حلّ فيها ربّنا .
وقال آخرون منهم : ان هذه صور اقوام سلفوا ، كانوا مطيعين للَّه قبلنا ، فمثلنا صورهم وعبدناها تعظيماً للَّه .
ص: 236
وقال آخرون منهم : انّ اللَّه لمّا خلق آدم وامر الملائكة بالسجود له [فسجدوه تقرّباً باللَّه] ، كنا نحن أحق بالسجود لآدم من الملائكة ، ففاتنا ذلك ، فصوّرنا صورته فسجدنا لها تقرّبا إلى اللَّه ، كما تقرّبت الملائكة بالسجود لآدم إلى اللَّه تعالى ، وكما امرتم بالسجود - بزعمكم - إلى جهة « مكّة » ففعلتم ، ثم نصبتم في غير ذلك البلد بايديكم محاريب سجدتم إليها وقصدتم الكعبة لا محاربيكم ، وقصدكم بالكعبة إلى اللَّه عزّوجلّ لا إليها .
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : أخطأتم الطريق وضللتم ، أما أنتم - وهو صلى الله عليه وآله يخاطب الذين قالوا : ان اللَّه يحلّ في هياكل رجالٍ كانوا على هذه الصور التي صوّرناها ، فصوّرنا هذه الصوّر فعظّمها لتعظيمنا لتلك الصور التي حلّ فيها ربّنا - فقد وصفتم ربكم بصفة المخلوقات ، أو يحلّ ربّكم في شي ء حتى يحيط به ذلك الشي ء ، فأيّ فرق بينه اذاً وبين سائر ما يحلّ فيه من لونه ، وطعمه ، ورائحته ، ولينه ، وخشونته . وثقله وخفّته ؟ ولم صار هذا المحلول فيه محدَثاً وذلك قديماً ، دون ان يكون ذلك محدَثاً وهذا قديماً ؟ وكيف يحتاج إلى المحال من لم يزل قبل المحالّ وهو عزّوجلّ لا يزال كما لم يزل ؟ واذا وصفتموه بصفة المحدَثات في الحلول ، فقد لزمكم ان تصفوه بالزوال [والحدوث] . وما وصفتموه بالزوال والحدوث ، فصفتموه بالفَناء ، لأنّ ذلك اجمع من صفات الحال والمحلول فيه ، وجميع ذلك يغيّر الذات .
فان كان لم يتغيّر ذات البارى تعالى بحلوله في شي ء جاز أن لا يتغير بأن يتحرّك ويسكن ويسودّ ويبيّض ويحمّر ويصفّر ، وتحلّه الصفات التي تتعاقب على الموصوف بها ، حتى يكون فيه جميع صفات المحدِّثين ، ويكون محدَثاً - تعالى اللَّه عن ذلك علوّاً كبيراً .
ص: 237
ثمّ قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : فإذا بطل ما ظننتموه من انّ اللَّه تعالى يحلّ في شي ء فقد فسد ما بنيتم عليه قولكم . قال : فسكت القوم وقالوا : سننظر في أمورنا . ثم اقبل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله على الفريق الثاني فقال [لهم] : اخبرونا عنكم اذا عبدتم صور من كان يعبد اللَّه فسجدتم لها وصلّيتم ، فوضعتم الوجوه الكريمة على التراب - بالسجود لها - فما الذي ابقيتم لرب العالمين ؟ أَما علمتم انّ مِن حق مَن يلزم تعظيمه وعبادته أنْ لا يساوى به عبدُهُ ؟ أرأيتم ملكاً أو عظيماً إذا ساويتموه بعبيده في التعظيم والخشوع والخضوع أيكون في ذلك وضع مِنْ حق الكبير كما يكون زيادة في تعظيم الصغير ؟ فقالوا : نعم . قال : أفلا تعلمون انّكم من حيث تعظّمون اللَّه بتعظيم صُوَرِ عباده المطيعين له ، تزرون على ربّ العالمين ؟
قال : فسكت القوم بعد أنْ قالوا : سننظر في امورنا .
ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله للفريق الثالث : لقد ضربتم لنا مثلاً ، وشبّهتمونا بانفسكم ولسنا سواءً ، وذلك انّا عباد اللَّه مخلوقون ، مربوبون ، فأتمر له فيما أمرنا ، وننزجر عما زجرنا ، ونعبده من حيث يريده منّا ، فاذا أمرنا بوجه من الوجوه اطعناه ولم نتعد إلى غيره مما يأمرنا [به] ولم ياذن لنا ، لانّا لا ندري لعلّه إن أراد منّا الاول فهو يكره الثاني ، وقد نهانا ان نتقدم بين يديه ، فلمّا امرنا ان نعبده بالتوجه إلى الكعبة اطعناه ، ثم أمرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي نكون بها فاطعناه ، ولم نخرج في شي من ذلك من اتّباع امره ، واللَّه عزوجل حيث أَمَرَ بالسجود لآدم لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره ، فليس لكم ان تقيسوا ذلك عليه لأنكم لا تدرون لعلّه يكره ما تفعلون اذ لم يأمركم به .
ثم قال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : أرأيتم لو اذن لكم رجل دخول داره يوماً بعينه ،
ص: 238
ألكم ان تدخلوها بعد ذلك بغير أمره ؟ أَوْ لكم ان تدخلوا داراً له اُخرى مثلَها بغير أمره ؟ اَوْ وهب لكم رجل ثوباً من ثيابه ، أو عبداً من عبيده ، أو دابّة من رواية ، ألكم ان تأخذوا ذلك ؟ قالو : نعم ، قال : فان لم تأخذوه ألكم اخذ آخرَ مثلَه ؟ قالوا : لا ، لأنّه لم يأذن لنا في الثاني كما أذِنَ في الأوّل . قال صلى الله عليه وآله : فأخبروني ، واللَّه أولى بأن لا يتقدم على مِلكه بغير أمره أَوْ بعض المملوكين ؟ قالوا : بل اللَّه أَوْلى بأَنْ لا يتصرّف في ملكه بغير اِذنه .
قال صلى الله عليه وآله : فَلِمَ فعلتم ومتى امركم بالسجود ان تسجدوا لهذا الصّور ؟ قال : فقال القوم : سننظر في أمورنا وسكتوا .
وقال الصادق عليه السلام : فوالذي بعثه بالحقِّ نبياً ما أَتَتْ على جماعتهم إلّا ثلاثة أيام حتى أَتَوا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فأسلموا ، وكانوا خمسةً وعشرين رجلاً ، من كل فرقة خمسةٌ . وقالوا : ما رأينا مثل حجّتك يا محمد ، نشهد أنّك رسول اللَّه(1) .
قال تعالى : « يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً »(2) .
عن أبي مويهبة مولى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال : بعثني رسول اللَّه صلى الله عليه وآله من جوف الليل ، فقال لي : يا أبا مويهبة انّي قد امرت ان استغفر لأهل البقيع فانطلق معي ، فانطلقت معه ، فلمّا وقف بين أظهرهم قال : السلام عليكم أهل المقابر ، ليهن لكم ما اصبحتم فيه ممّا اصبح النّاس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها ،
ص: 239
الآخرة شرّ من الأولى ، ثم أقبل عليّ ، فقال : يا ابا مويهبّة ، انّي قد اُوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ، ثم الجنّة ، خيّرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنّة ، فاخترت لقاء ربي والجنة . قال : قلت : بأبي انت وامي ، فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنّة . فقال : لا واللَّه يا ابا مويهبة ، لقد اخترت لقاء ربي والجنّة ، ثم استغفر لاهل البقيع ، ثم انصرف ، فبدء رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بوجعه الذي قبض فيه(1) .
قال تعالى : « ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ »(2) .
روى الطبري عن ابن مسعود قال : نعى الينا نبيّنا وحبيبنا صلى الله عليه وآله نفسه قبل موته بشهر - إلى أن قال - فقلنا : متى أجلك ؟ قال : قَدْ دَنَا الفراق والمنقلب إلى اللَّه - وإلى سدرة المنتهى ، قلنا : فمن يغسّلك يا نبيّ اللَّه ؟ قال : أهلي الأدنى فالأدنى ، قلنا : فيم نكفّنك يا نبي اللَّه ؟ قال : في ثيابي - إلى أن قال - فمن يدخلك في قبرك يا نبيّ اللَّه ؟ قال : أهلي مع ملائكة كثيرين ، يرونكم من حيث لا ترونهم(3) .
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « قال النبي صلى الله عليه وآله يوماً لأصحابه : حياتي خير لكم وممّاتي خير لكم »(4) .
ص: 240
عن زيد بن أرقم قال : قام رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فينا خطيباً بماء يدعى خما بين مكة والمدينة ، فحمد اللَّه وأثنى عليه ووعظ وذكر ، ثم قال : اما بعد أيها الناس أنا بشرٌ يوشك ان يأتيني رسول ربي فأجيب ، واني تارك فيكم الثقلين ، أولهما كتاب اللَّه فيه النور فخذو بكتاب اللَّه واستمسكوا به ، فحث على كتاب اللَّه تعالى ورغب فيه ، ثمّ قال : وأهل بيتي ، أذكركم اللَّه في أهل بيتي ، أذكركم اللَّه في أهل بيتي ، أذكركم اللَّه في أهل بيتي(1) .
وقال تعالى : « وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ »(1) .
وقال تعالى : « قُلْ مَنْ حَرَّمَ زينَةَ اللَّهِ الَّتي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ »(2) .
قال تعالى : « قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ »(3) .
وقال تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ »(4) .
قال تعالى : « فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنينَ كِتاباً مَوْقُوتاً »(5) .
وقال تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ »(6) .
وقال تعالى : « وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ للَّهِ ِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي
ص: 242
الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكينِ وَابْنِ السَّبيلِ »(1) .
قال القمي رحمه الله في تفسيره : انّ عدّة النساء كانت في الجاهلية إذا مات الرجل تعتد امرأته سنة فلما بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لم ينقلهم عن ذلك وتركهم على عاداتهم وانزل اللَّه تعالى بذلك قراناً فقال : « وَالَّذينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ »(2) فكانت العدة حولا فلما قوى الاسلام انزل اللَّه « وَالَّذينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا »(3) فنسخت قوله : « مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ »(4) .(5)
ومثله ان المرأة كانت في الجاهلية اذا زنت تحبس في بيتها حتى تموت والرجل يؤذى ، فأنزل اللَّه في ذلك : « وَاللاَّتي يَأْتينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبيلاً »(6) وفي الرجل : « وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحيماً »(7) فلمّا قوي الاسلام
ص: 243
انزل اللَّه « الزَّانِيَةُ وَالزَّاني فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ »(1) فنسخت تلك(2) .
وأيضاً قوله تعالى : « وَالْمحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالُْمحْصَناتُ مِنَ الَّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ »(3) . فانه منسوخ بقوله تعالى : « وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ »(4) وبقوله : « وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ »(5) (6) كما يدلّ عليه ما روى عن الحسن بن جهم قال : قال لي أبوالحسن الرضا عليه السلام : يا ابا محمد ما تقول في رجل يتزوج نصرانية على مسلمة ؟ قلت : جعلت فداك وما قولى بين يديك ، قال : لتقولنّ فان ذلك يعلم به قولي . قلت : لا يجوز تزويج النصرانية على مسلمة ولا غير مسلمة ، قال : ولِمَ ؟ قلت : لقول اللَّه عزوجلّ : « وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ »(7) ، قال : فما تقول في هذه الآية : « وَالُْمحْصَناتُ مِنَ الَّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ »(8) ؟ قلت : فقوله : « وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ » نسخت هذه الآية ، فتبسّم ثم سكت(9) .
ولكن ورد في تفسير القمي : آية نصفها منسوخة ونصفها متروكة على حالها
ص: 244
فقوله : « وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ »(1) وذلك ان المسلمين كانوا ينكحون أهل الكتاب من اليهود والنصارى وينكحونهم فانزل اللَّه : « وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ »(2) فنهى اللَّه ان ينكح المسلم المشركة أو ينكح المشرك المسلمة ، ثم نسخ قوله : « وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ » بقوله في سورة المائدة « وَطَعامُ الَّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالُْمحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالُْمحْصَناتُ مِنَ الَّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ »(3) فنسخت هذه الآية قوله : « وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ » وترك قوله « وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا » لم ينسخ ، لانه لا يحل للمسلم(4) ان ينكح المشركة ويحل له ان يتزوج المشركة من اليهود والنصارى(5) .
قسم القمي رحمه الله الرخصة إلى رخصة بعد عزيمة ورخصة مخير صاحبها بين الفعل والترك ، ورخصة باطنها خلاف ظاهرها ، وقال في الأولى : ان اللَّه تبارك وتعالى فرض الوضوء والغسل بالماء فقال : « يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ
ص: 245
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا »(1) ثمّ رخص لمن لم يجد الماء التيمّم بالتراب فقال : « وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ »(2) ومثله « حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا للَّهِ ِ قانِتينَ »(3) ثم رخص فقال : « فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً »(4) وقوله : « فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ »(5) فقال العالم عليه السلام : الصحيح يصلي قائماً والمريض يصلي جالساً فمن لم يقدر فمضطجعاً يؤمن ايماءً فهذه رخصة بعد العزيمة . واما الرخصة التي صاحبها فيها بالخيار ان شاء اخذ وان شاء ترك فان اللَّه عزوجل رخص ان يعاقب الرجل الرجل على فعله به فقال : « وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ »(6) فهذا بالخيار ان شاء عاقب وان شاء عفا ، واما الرخصة التي ظاهرها خلاف باطنها ، يعمل بظاهرها ولا يدان بباطنها ، فان اللَّه تبارك وتعالى نهي ان يتخذ المؤمن الكافر ولياً فقال : « لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ في شَيْ ءٍ »(7) ثم رخص عند التقية ان يصلي بصلاته ويصوم بصيامه ويعمل بعمله في ظاهره ، وان يدين اللَّه في باطنه
ص: 246
بخلاف ذلك فقال : « إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً »(1) ، فهذا تفسير الرخص ومعنى قول الصادق عليه السلام ان اللَّه تبارك وتعالى يحب ان يؤخذ برخصه كما يجب ان يؤخذ بعزائمه(2) .
ومن الرخصة بعد العزيمة قوله تعالى : « إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ »(3) ، ثم رخص فقال : « فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ »(4) .
واما العزائم فالظاهر ان المقصود منها هي الاحكام التي لا تجوز مخالفتها بحال من الاحوال مثل وجوب الاعتقاد والاقرار بالتوحيد كما قال تعالى : « فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ »(5) .
وقال القمى رحمه الله : واما ما لفظه عام ومعناه خاص فمثل قوله تعالى : « يا بَني إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمينَ »(1) فلفظه عام ومعناه خاص لانه فضلهم على عالمي زمانهم بأشياء خصّهم بها وقوله : « وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ »(2) يعني : بلقيس ، فلفظه عام ومعناه خاص لانها لم تُؤت اشياء كثيرة منها الذكر واللحية وقوله : « ريحٌ فيها عَذابٌ أَليمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْ ءٍ بِأَمْرِ رَبِّها »(3) لفظه عام ومعناه خاص لانها تركت أشياء كثيرة لم تدمرها . واما ما لفظه خاص ومعناه عام فقوله : « مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَني إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَميعاً »(4) فلفظ الآية خاص في بني إسرائيل ومعناها عام في الناس كلهم(5) .
قال تعالى : « قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ في فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ في سَبيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ في ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ »(6) .
وقال تعالى : « لَقَدْ كانَ في قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ »(7) .
ص: 248
وقال تعالى : « وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقيكُمْ مِمَّا في بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبينَ »(1) .
وقال تعالى : « يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ في ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ »(2) .
وقال تعالى : « هُوَ الَّذي أَخْرَجَ الَّذينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْديهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ »(3) .
وقال تعالى : « فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الآْخِرَةِ وَالْأُولى * إِنَّ في ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى »(4) .
قال تعالى مشيراً إلى المنافقين : « مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ في ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ * أَوْكَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ في آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحيطٌ بِالْكافِرينَ * يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ
ص: 249
بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَديرٌ »(1) .
وقال تعالى : « وَمَثَلُ الَّذينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ »(2) .
وقال تعالى : « مَثَلُ الَّذينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ في سَبيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ في كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ »(3) .
وقال تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْ ءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرينَ »(4) .
وقال تعالى : « وَمَثَلُ الَّذينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصيرٌ * أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فيها مِنْ كُلِّ الَّثمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآْياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ »(5) .
وقال تعالى : « مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ في هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ ريحٍ فيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ »(6) .
ص: 250
وقال تعالى : « وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوينَ * وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ »(1) .
وقال تعالى : « إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآْياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ »(2) .
وقال تعالى : « مَثَلُ الْفَريقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصيرِ وَالسَّميعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ »(3) .
وقال تعالى : « مَثَلُ الَّذينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ في يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْ ءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعيدُ »(4) .
وقال تعالى : « أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ * تُؤْتي أُكُلَها كُلَّ حينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ »(5) .
ص: 251
وقال تعالى : « لِلَّذينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآْخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَللَّهِ ِ الْمَثَلُ الْأَعْلى »(1) .
وقال تعالى : « وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ في هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً »(2) .
وقال تعالى : « وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ مُقْتَدِراً »(3) .
وقال تعالى : « وَلَقَدْ صَرَّفْنا في هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْ ءٍ جَدَلاً »(4) .
وقال تعالى : « يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ »(5) .
وقال تعالى : « اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ في زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضي ءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَليمٌ »(6) .
ص: 252
وقال تعالى : « مَثَلُ الَّذينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ »(1) .
وقال تعالى : « وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ في هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ »(2) .
وقال تعالى : « مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فيها مِنْ كُلِّ الَّثمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَميماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ »(3) .
وقال تعالى : « اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الآْخِرَةِ عَذابٌ شَديدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ »(4) .
وقال تعالى : « كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَري ءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمينَ * فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمينَ »(5) .
وقال تعالى : « لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ
ص: 253
اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ »(1) .
وقال تعالى : « مَثَلُ الَّذينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً »(2) .
المرسل كقوله تعالى : « وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ »(3) والمحدود كقوله تعالى : « وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتي في حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ »(4) وروى انّ ابن مسعود افتى بجواز نكاح ام غير المدخولة ، فقال له اميرالمؤمنين عليه السلام : من اين قلت ذلك ؟ فقال : من قوله تعالى : « وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتي في حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ »(5) ، فقال عليه السلام : ان هذه الآية مستثناة وآية « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ »(6) مرسلة(7) ، ومن امثلة المرسل قوله تعالى : « وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً »(8) .
ومن امثلة المحدود قوله تعالى : « قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثيرُ الْأَرْضَ
ص: 254
وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فيها »(1) .
ومن امثلة المرسل قوله تعالى في كفارة اليمين : « أَوْ تَحْريرُ رَقَبَةٍ »(2) وفي كفارة الظهار : « وَ الَّذينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْريرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا »(3) .
ومن امثلة المحدود قوله تعالى في دية قتل الخطا في مواضع ثلاثة : « وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْريرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْريرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ ميثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْريرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ »(4) .
قال تعالى : « هُوَ الَّذي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْويلِهِ »(5) .
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك(6) .
ص: 255
مثال المحكم : قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ »(1) .(2)
وقوله تعالى : « إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً »(3) .
وقوله تعالى : « إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ »(4) .
ومثال المتشابه قوله تعالى : « وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ »(5) وقوله : « الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى »(6) .
قال القمي رحمه الله : المتشابه ما لفظه واحد ومعناه مختلف فمنه الفتنة التي ذكرها اللَّه تعالى في القرآن فمنها عذاب وهو قوله : « يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ »(7) أي يعذبون ، وقوله : « الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ »(8) وهي الكفر ، ومنه الحب وهو قوله : « أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ »(9) يعني بها الحب ، ومنه اختبار وهو قوله : « أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ »(10) أي لا يختبرون ومثله
ص: 256
كثير نذكره في مواضعه ، ومنه الحق وهو على وجوه كثيرة ، ومنه الضلال وهو على وجوه كثيرة ، فهذا من المتشابه الذي لفظه واحد ومعناه مختلف(1) . هذا ، ولم يكن احد عالماً بجميع ما في الكتاب مما عده عليه السلام من حلاله وحرامه ، وفرائضه وفضائله ، وناسخه ومنسوخه ، ورخصه وعزائمه ، وخاصه وعامه ، وعبره وامثاله ، ومرسله ومحدوده ، ومحكمه ومتشابهه ، غيره عليه السلام(2) .
عن الاصبغ بن نباته قال : لما قدم اميرالمؤمنين عليه السلام الكوفة صلّى بهم أربعين صباحاً يقرأ بهم « سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى »(3) قال : فقال المنافقون : لا واللَّه ، ما يحسن ابن أبي طالب ان يقرء القرآن ولو احسن ان يقرأ القرآن لقرء بنا غير هذه السورة ، قال : فبلغه ذلك ، فقال : ويل لهم ، اني لاعرف ناسخه من منسوخه ومحكمه من متشابهه وفصله من فصاله وحروفه من معانيه ، واللَّه ما من حرف نزل على محمد صلى الله عليه وآله إلّا اني أعرف فيمن أنزل وفي أي يوم وفي أي موضع(4) .
و عن سليم بن قيس الهلالي قال : سمعت اميرالمؤمنين عليه السلام يقول : ما نزلت آية على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إلّا أقرأنيها واملاها على ، فاكتبها بخطى ، وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخه ومحكمها ومتشابهها ، ودعا اللَّه لي ان يعلمني فهمها وحفظها ، فما نسيت آية من كتاب اللَّه ولا علم إملائه على فكتبته منذ دعا لي بما دعا ، وما ترك شيئاً علمه اللَّه من حلال ولا حرام ولا امر ولا نهى كان أو لا يكون
ص: 257
من طاعة أو معصية إلّا علمنيه وحفظته - الخبر -(1) .
أي الالفاظ المجملة المحتاجة إلى التفسير والبيان مثل ثلاثة قروء في الآية السابقة المرددة بين الطهر والحيض ، وعلى مذهب البعض ما اضيف التحليل والتحريم فيه إلى الاعيان كقوله تعالى : « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ »(2) و « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ »(3) و « أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهيمَةُ الْأَنْعامِ »(4) .
قال القمي رحمه الله : واما ما تأويله مع تنزيله فمثل قوله : « أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ »(5) فلم يستغن الناس بتنزيل الآية حتى فسّر لهم الرسول من اولوالامر وقوله : « اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقينَ »(6) فلم يستغن الناس الذين سمعوا هذا من النبيّ بتنزيل الآية حتى عرفهم النبي صلى الله عليه وآله : من الصادقون ، وقوله : « يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ »(7) .
ص: 258
فلم يستغن الناس حتى اخبرهم النبي صلى الله عليه وآله : كم يصومون ، وقوله : « أَقيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ »(1) فلم يستغن الناس بهذا حتى اخبرهم النبي صلى الله عليه وآله : كم يصلون وكم يصومون وكم يزكون(2) .
قال تعالى : « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَني آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى »(3) .
وقال تعالى : « فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ ميثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فيهِ وَالدَّارُ الآْخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ »(4) وقال تعالى : « وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ الَّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَليلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ »(5) وقال تعالى : « وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْري قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ »(6) .
ص: 259
كالمتشابهات قال تعالى : « فَأَمَّا الَّذينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْويلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْويلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ »(1) .
عن سليمان بن خالد قال : قال ابوعبداللَّه عليه السلام : يا سليمان ان اللَّه عزوجل يقول : « وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى »(2) فاذا انتهى الكلام إلى اللَّه فامسكوا(3) .
وقوله : « وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى » قال : حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : إذا انتهى الكلام إلى اللَّه فامسكوا وتكلموا فيما دون العرش ولا تكلموا فيما فوق العرش ، فانّ قوماً تكلموا فيما فوق العرش فتاهت عقولهم حتى انّ الرجل كان ينادى من بين يديه فيجيب من خلفه وينادى من خلفه فيجيب من بين يديه(4) .
ومن المتشابهات الحروف المقطعة في أوائل السّور مثل « الم » و « حم » و « طه » .
قال تعالى : « وَاللاَّتي يَأْتينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبيلاً * وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ
ص: 260
كانَ تَوَّاباً رَحيماً »(1) .
ثم نسخت بآية « الزَّانِيَةُ وَالزَّاني فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ »(2) والرجم الثابت لهما غير مذكور في الكتاب بل في السنّة قال علي بن إبراهيم القمي رحمه الله عند تفسير الآيتين : ان المرأة كانت في الجاهلية اذا زنت تحبس في بيتها حتى تموت والرجل يؤذى ثم نسخ ذلك بقوله : « الزانية ... »(3) .
وعن اسماعيل بن جابر عن أبي عبداللَّه عن آبائه عن أميرالمؤمنين عليهم السلام في حديث الناسخ والمنسوخ ، قال : كان من شريعتهم في الجاهلية ان المرأة إذا زنت حبست في بيت واقيم بِاَوَدِها حتى ياتيها الموت . واذا زنى الرجل نفوه عن مجالسهم وشتموه وآذوه وعيّروه ولم يكونوا يعرفون غير هذا قال اللَّه تعالى في أول الاسلام « وَاللاَّتي يَأْتينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبيلاً * وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحيماً »(4) ، فلما كثر المسلمون وقوى الاسلام واستوحشوا امور الجاهلية انزل اللَّه تعالى : « الزَّانِيَةُ وَالزَّاني فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ » الآية(5) فنسخت هذه آية الحبس والاذى(6) .
ص: 261
كالتوجه في الصلوة اولاً إلى بيت المقدس ، كان واجباً في ابتداء الاسلام بالسنة خاصة ثم نسخ بقوله تعالى : « فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ »(1) .
وكصوم يوم عاشوراء كان واجباً بالسّنة ثم نسخ بصوم شهر رمضان بقوله : « فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ »(2) ، كما في الفقيه : سأل محمد بن مسلم وزرارة بن أعين أبا جعفر الباقر عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء ، فقال عليه السلام : « كان صومه قبل شهر رمضان فلما نزل شهر رمضان ترك»(3) وروى عن نجبة بن الحارث العطّار قال : سألت أباجعفر عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء ، فقال : « صوم متروك بنزول شهر رمضان والمتروك بدعة»(4) .
وكحرمة الاكل بعد صلوة العشاء إذا انام في ليل شهر رمضان في السنة ، المنسوخة بقوله تعالى : « وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ »(5) .
وكذلك مباشرة النساء في الليل كانت محرّمة على الصائمين بالسنّة فنسخه الكتاب بقوله : « فَالآْنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ »(6) .
قال القمي رحمه الله قال الصادق عليه السلام : « كان النكاح والأكل محرمان في شهر رمضان
ص: 262
بالليل بعد النوم يعني كلّ من صلّى العشاء ونام ولم يفطر ثمّ انتبه حرّم عليه الافطار وكان النكاح حراماً في الليل والنهار في شهر رمضان ، وكان رجل من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقال له : خوات بن جبير الأنصاري أخو عبداللَّه بن جبير الذي كان رسول صلى الله عليه وآله وكلّه بفم الشعب يوم أحد - إلى أن قال - وكان أخوه هذا خوات بن جبير شيخاً كبيراً ضعيفاً وكان صائماً مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في الخندق ، فجاء إلى أهله حين أمسى ، فقال عندكم طعام ؟ فقالوا : لا تنم حتّى نصنع لك طعاماً ، فأبطأت أهله بالطعام ، فنام قبل أنْ يفطر ، فلمّا انتبه قال لأهله : قد حرّم اللَّه عليّ الأكل في هذه الليلة ، فلمّا أصبح حضر حفر الخندق ، فأغمي عليه ، فرآه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فرقّ له ، وكان قوم من الشباب ينكحون بالليل سرّاً في شهر رمضان فأنزل اللَّه عزّوجلّ : « أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالآْنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ »(1) وأحلّ اللَّه تبارك وتعالى النكاح بالليل في شهر رمضان والأكل بعد النوم إلى طلوع الفجر لقوله حتّى يتبيّن الآية »(2) .
كزكاة الفطرة تسقط اذا لم تؤد في وقتها(3) وكالنذر والعهد واليمين الموقت
ص: 263
بوقت معيّن قال تعالى : « وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً »(1) وقال تعالى : « وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفيلاً »(2) .
عن عباد بن كثير النوّاء قال : سألت أباجعفر عليه السلام عن الكبائر ، فقال عليه السلام : « كل ما اَوْ عَدَ اللَّهُ عليه النار»(3) .
عن أبي عبداللَّه عليه السلام في قول اللَّه عزوجل : « إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَريماً »(4) ، قال : الكبائر التي أوجب اللَّه عزوجلّ عليها النار(5) .
وفي بعض الأخبار انها سبع ، عن ابن محبوب قال : كتب معي بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه السلام يسأله عن الكبائركم هي وما هي ؟ فكتب : الكبائر من اجتنب ما وعداللَّه عليه النار كفّر عنه سيئاته إذا كان مؤمنا ، والسبع الموجبات : قتل النفس الحرام وعقوق الوالدين واكل الرباء والتعرب بعد الهجرة وقذف المحصنات واكل مال اليتيم والفرار من الزحف(6) .
ص: 264
ولكن الاخبار في المقام مختلفة جداً واكثر الأخبار جمعاً واحتواءً لها ما عن عبدالعظيم بن عبداللَّه الحسني قال : حدثني أبو جعفر صلوات اللَّه عليه قال : سمعت أبي يقول : سمعت أبي موسى بن جعفر عليهما السلام يقول : دخل عمرو بن عبيد على أبي عبداللَّه عليه السلام ، فلمّا سلّم وجلس تلا هذه الآية : « الَّذينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ »(1) .
ثم امسك ، فقال له ابوعبداللَّه عليه السلام : ما اسكتك ؟ قال : اُحِبُّ ان اعرف الكبائر من كتاب اللَّه عزوجل ، فقال : نعم يا عمرو ، اكبر الكبائر الإشراك باللَّه ، يقول اللَّه : « مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ »(2) ، وبعده الإياس من رَوح اللَّه ، لان اللَّه عزوجل يقول : « إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ »(3) ، ثم الأمن لمكر اللَّه ، لأن اللَّه عزوجل يقول : « فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ »(4) ، ومنها عقوق الوالدين ، لان اللَّه سبحانه جعل العاقّ جبّاراً شقيّاً ، وقتل النفس التي حرّم اللَّه إلّا بالحق ، لان اللَّه عزوجل يقول : « فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظيماً »(5) ، وقذف المحصنة ، لأنّ اللَّه عزوجل يقول : « لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالآْخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظيمٌ »(6) وأكل مال اليتيم ، لأنّ اللَّه عزوجل يقول : « إِنَّما يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعيراً »(7) ، والفرار من
ص: 265
الزحف ، لأنّ اللَّه عزوجل يقول : « وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصيرُ »(1) ، واكل الرّبا ، لأنّ اللَّه عزوجل يقول : « الَّذينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ »(2) ، والسحر . لانّ اللَّه عزوجل يقول : « وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الآْخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ »(3) والزنا لأن اللَّه عزوجل يقول : « وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً * يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فيهِ مُهاناً »(4) ، واليمين الغموس الفاجرة ، لأن اللَّه عزوجل يقول : « الَّذينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَليلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآْخِرَةِ »(5) ، والغلول ، لأنّ اللَّه عزوجلّ يقول : « وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ »(6) ، ومنع الزكاة المفروضة ، لأنّ اللَّه عزوجلّ يقول : « فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ »(7) ، وشهادة الزور وكتمان الشهادة ، لأنّ اللَّه عزّوجلّ يقول : « وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ »(8) ، وشرب الخمر ، لأنّ اللَّه عزّوجلّ نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان ، وترك الصلاة متعمداً أو شيئاً مما فرض اللَّه ، لأنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال : من ترك الصلاة متعمداً فقد بَرِأ من ذمة اللَّه وذمة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، ونقض العهد وقطيعة الرحم ، لأن
ص: 266
للَّه عزّوجلّ يقول : « أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ »(1) .
قال : فخرج عمرو وله صراخ من بكائه وهو يقول : هلك مَنْ قال برأيه ونازعكم في الفضل والعلم(2) .
قال تعالى : « إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَريماً »(3) .
كالصلوات الخمس تقبل في ادناها بالاقتصار على واجباتها ، وموسع في اقصاها بالاتيان بها بآدابها ونوافلها .
وكالقيام إلى صلوة الليل ، فان قليله مقبول والكثير منه موسع ، قال تعالى : « يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَليلاً * نِصْفَهُ أَوِانْقُصْ مِنْهُ قَليلاً * أَوْزِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتيلاً »(4) وقال تعالى : « إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ »(5) وروى في « مجمع البيان » عن الرضا عليه السلام عن
ص: 267
أبيه عن جده عليه السلام قال عليه السلام : ما تيسّر منه - أي من القرآن - لكم فيه خشوع القلب وصفاء السرّ(1) .
الأوّل : فائدة انزال القرآن .
عن أبي عبداللَّه عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : أيّها الناس إنّكم في دار هدنة وأنتم على ظهر سفر والسير بكم سريع وقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يبليان كل جديد ويقرّبان كلّ بعيد ويأتيان بكلّ موعود ، فأعدّوا الجهاز لبُعد المجاز ، قال : فقام المقداد بن الأسود فقال : يا رسول اللَّه وما دار الهدنة ؟ قال : دار بلاغ وانقطاع فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن ، فإنّه شافعٌ مشفَّعٌ وماحلٌ مصدَّقٌ ، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنّة ، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار وهو الدليل يدلّ على خير سبيل وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل ، وهو الفصل ليس بالهزل وله ظهر وبطن ، فظاهره حكم وباطنه علم ، ظاهره أنيق وباطنه عميق ، له نجوم وعلى نجومه نجوم ، لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه ، فيه مصابيح الهدى ومنارالحكمة ، ودليل على المعرفة لمن عرف الصفة ، فليجلُ جال بصره وليبلُغ الصفة نظره ينجُ من عطب ويتخلص من نَشب ، فإنّ التفكر حياةُ قلب البصير ، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور ، فعليكم بحسن التخلص وقلة التربص(2) .
ص: 268
منها الكتاب ، قال تعالى : « ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فيهِ »(1) ، ومنها الهدى ، قال تعالى : « هُدىً لِلْمُتَّقينَ »(2) ، « ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدي بِهِ مَنْ يَشاءُ »(3) ، ومنها الفرقان ، لكونه فارقاً بين الحق والباطل ، قال تعالى : « وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ »(4) ، ومنها الحكمة ، قال تعالى : « وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ »(5) ، ومنها النور ، قال تعالى : « جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبينٌ * يَهْدي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ »(6) ، ومنها : الرحمة ، قال تعالى : « وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ »(7) ، ومنها الموعظة الحسنة ، قال تعالى : « ادْعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ »(8) ، ومنها الحق ، قال تعالى : « بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذيرٍ »(9) ، ومنها النبأ العظيم ، قال تعالى : « قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظيمٌ * أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ »(10) ، ومنها الروح ، قال تعالى : « يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ
ص: 269
عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ »(1) ، ومنها الشفاء ، قال تعالى : « قُلْ هُوَ لِلَّذينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ »(2) ، ومنها البشير النذير ، قال تعالى : « كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشيراً وَنَذيراً »(3) ، ومنها العزيز ، قال تعالى : « وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزيزٌ »(4) ، ومنها العلي الحكيم ، قال تعالى : « وَإِنَّهُ في أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكيمٌ »(5) ، ومنها الذكر ، قال تعالى : « وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ »(6) ، ومنها القرآن ، قال تعالى : « إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَريمٌ »(7) ، ومنها التنزيل ، قال تعالى : « تَنْزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمينَ »(8) ، ومنها المجيد ، قال تعالى : « بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجيدٌ »(9) ، ومنها البيان ، قال تعالى : « هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ »(10) ، ومنها التذكرة ، قال تعالى : « وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ »(11) ، ومنها التبيان ، قال تعالى : « تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْ ءٍ »(12) ، ومنها الحبل ، قال تعالى « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا »(13) إلى غير
ص: 270
ذلك من الأسماء والألقاب .
الثاني : اختلف الأصحاب في انّ القرآن الذي نزل به جبرئيل هل حرّف وبدل وزيد عليه ونقص عنه أم لا ؟
حجة النافين : قوله تعالى : « وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزيزٌ * لا يَأْتيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ »(1) وقوله تعالى : « إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ »(2) والأخبار الدالّة على وجوب التمسّك بالقرآن والآمرة بالرجوع إليه كحديث الثقلين المتواتر بين الفريقين ونحوه ، والأخبار المفيدة بعرض الأخبار المتعارضة عليه مثل مقبولة عمر بن حنظلة وفيها : ما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنّة ووافق العامّة(3) .
وما عن السكوني عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : انّ على كلّ حقّ حقيقة وعلى كلّ صواب نوراً فما وافق كتاب اللَّه فخذوه وما خالف كتاب اللَّه فدعوه(4) .
وما عن عبدالرحمن بن أبي عبداللَّه قال : قال الصادق عليه السلام : « اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب اللَّه ، فما وافق كتاب اللَّه فخذوه وما خالف كتاب اللَّه فرُدّوه »(5) ، إلى غير هذه ممّا هي قريبة من التواتر أو متواترة .
ص: 271
وحجّة القائلين بالتحريف على ثلاثة أقسام :
القسم الأوّل : الأدلّة الدالّة على مطلق التحريف والتغيير فيه ، مثل ما عن جابر قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : ما ادعى أحد من الناس انه جمع القرآن كلّه كما انزل إلّا كذاب وما جمعه وحفظه كما نزّله اللَّه تعالى إلّا علي بن أبي طالب والأئمّة من بعده(1) .
ومثل ما في رواية أبي ذر الغفاري أنه قال : لمّا توفّي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله جمع علي عليه السلام القرآن ، وجاء به إلى المهاجرين والأنصار ، وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فلمّا فتحه أبو بكر ، خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم ، فوثب عمر وقال : يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه ، فأخذه عليه السلام وانصرف ، ثم أحضروا زيد بن ثابت - وكان قاريا للقرآن - فقال له عمر : إنّ عليّا جاء بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار ، وقد رأينا أن نؤلّف القرآن ونسقط منه ما كان فضيحة وهتكاً للمهاجرين والأنصار ، فأجابه زيد إلى ذلك ثم قال لهم : فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألّفه أليس قد بطل كل ما عملتم ؟ ثمّ قال عمر : فما الحيلة ؟ قال زيد : أنتم أعلم بالحيلة ، فقال عمر : ما حيلته دون أن نقتله ونستريح منه ، فدبّر في قتله على يد خالد بن الوليد ، فلم يقدر على ذلك ، فلما استخلف عمر سأل علياً عليه السلام أن يدفع إليهم القرآن فيحرّفوه فيما بينهم ، فقال يا أبا الحسن إن جئت بالقرآن الذي كنت قد جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه ، فقال عليه السلام : هيهات ، ليس إلى ذلك سبيل ، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ، ولا تقولوا يوم القيامة : إنا كنا عن هذا غافلين ، أو تقولوا : ما جئتنا
ص: 272
به ، إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلّا المطهّرون والأوصياء من ولدي ، فقال عمر : فهل لإظهاره وقت معلوم ؟ فقال عليه السلام : نعم ، إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه فتجري السنة به صلوات اللَّه عليه(1) .
القسم الثاني : الأدلّة الدالّة على وجود الزيادة والنقصان ، مثل ما عن أبي جعفر عليه السلام قال : لو لا أنّه زيدَ في كتاب اللَّه ونقص منه ما خفي حقنا على ذي حجى(2) .
ومثل ما عن أبي جعفر عليه السلام أيضاً : انّ القرآن قد طرح منه آي كثيرة ولم يزد فيه إلّا حروف أخطأت بها الكتبة وتوهمها الرجال(3) .
القسم الثالث : الأدلّة الدالّة على وجود النقصان فقط ، وهي كثيرة :
منها : عن عبداللَّه بن سنان عن أبي عبداللَّه عليه السلام في قوله : « ولقد عهدنا إلى آدم من قبل » كلمات في محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة عليهم السلام من ذريّتهم « فنسى » ، هكذا واللَّه نزلت على محمّد صلّى اللَّه عليه وآله(4) .
ومنها : عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية على محمّد صلى الله عليه وآله هكذا « فَبَدَّلَ الَّذينَ ظَلَمُوا » آل محمّد حقّهم « قَوْلاً غَيْرَ الَّذي قيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذينَ ظَلَمُوا » آل محمّد حقّهم « رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ »(5) .(6) .
ص: 273
أقول : ومن الأجوبة التي يمكن أن يقال لهم : ما روى عن أبي بصير قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن قول اللَّه عزّوجلّ : « أَطيعُوا اللَّهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ »(1) ، فقال : نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام ، فقلت له : انّ الناس يقولون : فما له لم يسمّ عليّاً وأهل بيته عليهم السلام في كتاب اللَّه عزّوجلّ ؟ قال : فقال : قولوا لهم : انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ اللَّه لهم ثلاثاً ولا أربعاً ، حتّى كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله هو الذي فسّر ذلك لهم(2) .
ومنها : عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ، انّ على كلّ حق حقيقة وعلى كلّ صواب نوراً فما وافق كتاب اللَّه فخذوه وما خالف كتاب اللَّه فدعوه(3) .
وقال الصادق عليه السلام : اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فأعرضوهما على كتاب اللَّه فما وافق كتاب اللَّه فخذوه وما خالف كتاب اللَّه فردّوه(4) .
أمّا عقلاً :
عن منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : - إلى أن قال - وقلت للناس : تعلمون انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كان هو الحجّة من اللَّه على خلقه ؟ قالوا : بلى ، قلت : فحين مضى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله من كان الحجّة على خلقه ؟ فقالوا : القرآن ، فنظرت في
ص: 274
القرآن ، فاذا هو يخاصم به المرجى ء والقدري والزنديق الذي لا يؤمن به حتّى يغلب الرجال بخصومته ، فعرفت انّ القرآن لا يكون حجّة إلّا بقيّم ، فما قال فيه من شي ء كان حقّاً ، فقلت لهم : من قيّم القرآن ؟(1) فقالوا : ابن مسعود قد كان يعلم وعمر يعلم وحذيفة يعلم ، قلت : كلّه ؟ قالوا : لا ، فلم أجد أحداً يقال : انه يعرف ذلك كلّه إلّا عليّاً عليه السلام ، واذا كان الشي ء بين القوم فقال هذا : لا أدري ، وقال هذا : لا أدري ، وقال هذا : لا أدري ، وقال هذا ، أنا أدري ، فاشهد أنّ عليّاً عليه السلام كان قيّم القرآن ، وكانت طاعته مفترضة وكان الحجّة على الناس بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وان ما قال في القرآن فهو حق ، فقال : رحمك اللَّه(2) .
فحكم العقل في ذلك الخبر بعلمه عليه السلام بالقرآن .
وأمّا نقلاً :
فقد روى عن ابن عبّاس انه كان ليلة من الليالي عند أميرالمؤمنين عليه السلام وهو يفسّر فاتحة الكتاب ، فرأى نفسه عنده كجرّة عند بحر عظيم ، وهو عليه السلام قال : لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً من تفسير فاتحة الكتاب(3) .
وروى عن علي عليه السلام انّه قال : « لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً من باء بسم اللَّه الرحمن الرحيم »(4) .
ص: 275
عن الأصبغ بن نباتة قال : قال أميرالمؤمنين عليه السلام : لو كسرت لي وسادة فقعدت عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم وأهل الانجيل بانجيلهم وأهل الزبور بزبورهم وأهل الفرقان بفرقانهم بقضاء يصعد إلى اللَّه يزهر ، واللَّه ما نزلت آية في كتاب اللَّه في ليل أو نهار إلّا وقد علمت فيمن أنزلت ، ولا(1) ممّن مرّ على رأسه المواسى من قريش إلّا وقد نزلت فيه آية من كتاب اللَّه تسوقه إلى الجنّة أو إلى النار ، فقام إليه رجل فقال : يا أميرالمؤمنين ما الآية التي نزلت فيك ؟ قال له : أما سمعت اللَّه يقول : « أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ »(2) قال : رسول اللَّه صلى الله عليه وآله على بيّنة من ربّة وأنا شاهد له فيه واتلوه معه(3) .
وعن علي عليه السلام قال : سلوني عن كتاب اللَّه ( عزّوجلّ ) ، فواللَّه ما نزلت آية منه في ليل أو نهار ولا مسير ولا مقام إلّا وقد أقرأنيها رسول اللَّه ( صلّى اللَّه عليه وآله ) وعلّمني تأويلها ، فقال ابن الكواء : يا أميرالمؤمنين ، فما كان ينزل عليه وأنت غائب عنه ؟ قال : كان يحفظ عليّ رسول اللَّه ( صلّى اللَّه عليه وآله ) ما كان ينزل عليه من القرآن وأنا عنه غائب حتّى أقدم عليه فيقرئنيه ، ويقول لي : يا علي ، انزل اللَّه عليّ بعدك كذا وكذا ، وتأويله كذا وكذا ، فيعلمني تنزيله وتأويله(4) .
وعن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبيه ، عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك ، النبي صلى الله عليه وآله ورث علم النبيين كلهم ؟ قال لي : نعم ، قلت : من لدن آدم إلى أن انتهى إلى نفسه ؟ قال : نعم ، قلت : ورثهم النبوة وما كان في آبائهم من النبوة
ص: 276
والعلم ؟ قال : ما بعث اللَّه نبيّاً إلّا وقد كان محمد صلى الله عليه وآله أعلم منه ، قال : قلت : إنّ عيسى ابن مريم كان يحيي الموتى بإذن اللَّه ، قال : صدقت ، وسليمان بن داود كان يفهم كلام الطير ، قال : وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقدر على هذه المنازل ، فقال : إن سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وشك في أمره « ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ »(1) وكانت المردة والريح والنمل والإنس والجن والشياطين له طائعين ، وغضب عليه ، فقال : « لأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ »(2) ، وإنما غضب عليه لأنه كان يدله على الماء ، فهذا وهو طير قد أعطي ما لم يعط سليمان وإنما أراده ليدله على الماء فهذا لم يعط سليمان وكانت المردة له طائعين ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء وكانت الطير تعرفه إن اللَّه يقول في كتابه : « وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى »(3) فقد ورثنا نحن هذا القرآن فعندنا ما يقطع [ يسيّر ] به الجبال ويقطع به البلدان ويحيي به الموتى بإذن اللَّه ونحن نعرف ما تحت الهواء وإن كان في كتاب اللَّه لآيات ما يراد بها أمر من الأمور التي أعطاه اللَّه الماضين النبيين والمرسلين إلا وقد جعله اللَّه ذلك كله لنا في أم الكتاب إن اللَّه تبارك وتعالى يقول : « وَ ما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ »(4) ثم قال جلّ وعزّ : « ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا »(5) ، فنحن الذين اصطفينا اللَّه فقد ورثنا علم
ص: 277
هذا القرآن الذي فيه تبيان كل شي ء(1) .
وعن عبدالرحمن بن كثير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « قالَ الَّذي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ »(2) ، قال : ففرّج أبو عبداللَّه عليه السلام بين أصابعه فوضعها في صدره ثمّ قال : وعندنا واللَّه علم الكتاب كلّه(3) .
وعن ابن اذينة عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : الذي « عنده علم الكتاب » هو أميرالمؤمنين عليه السلام وسئل عن « الذي عنده علم من الكتاب » أعلم أم « الذي عنده علم الكتاب » ؟ فقال : ما كان علم « الذي عنده علم من الكتاب » عند الذي « عنده علم الكتاب » إلّا بقدر ما تأخذ البعوضة بجناحها من ماء البحر(4) .
وعن عبدالأعلى بن أعين قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : قد ولدني رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وأنا أعلم كتاب اللَّه وفيه بدءُ الخلق ، وما كائن إلى يوم القيامة ، وفيه خبر السماء وخبر الأرض ، وخبر الجنّة وخبر النار ، وخبر ما كان ، و[ خبر ] ما هو كائن ، اعلم ذلك كما انظر إلى كفّي ، انّ اللَّه يقول : « فيه تبيان كلّ شي ء »(5) .
وعن عبدالأعلى مولى آل سام قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : « واللَّه اني لأعلم كتاب اللَّه من أوّله إلى آخره كانه في كفّي ، فيه خبر السماء وخبر الأرض وخبر ما كان وخبر ما هو كائن ، قال اللَّه عزّوجلّ : « فيه تبيان كلّ شي ء »(6).
ص: 278
الأخبار الناهية عنه متظافرة :
منها : ما في « مجمع البيان » قال : اعلم انّ الخبر قد صحّ عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الأئمّة القائمين مقامه عليهم السلام ان تفسير القرآن لا يجوز إلّا بالأثر الصحيح ، والنص الصريح ، وروت العامّة أيضاً عن النبي صلى الله عليه وآله انّه قال : من فسّر القرآن برأيه فأصاب الحق فقد اخطأ(1) .
ومنها : عن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « من فسّر القرآن برأيه إن أصاب لم يؤجر ، وإن أخطأ فهو أبعد من السماء»(2) .
وعن علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أميرالمؤمنين عليه السلام قال : « قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : قال اللَّه عزّوجلّ : ما آمن بي من فسّر برأيه كلامي ، وما عرفني من شبّهني بخلقي ، وما على ديني من استعمل القياس في ديني»(3) .
ومنها : عن زيد الشحّام في حديث قتادة مع أبي جعفر عليه السلام قال : فقال أبو جعفر عليه السلام : « ويحك يا قتادة ان كنت إنّما فسّرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت ، إلى أن قال : فقال أبو جعفر عليه السلام : ويحك يا قتادة ، إنّما يعرف القرآن من خوطب به»(4) .
ص: 279
عن معاوية بن عمّار قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يوم فتح مكّة : « انّ اللَّه حرّم مكة يوم خلق السموات والأرض ، وهي حرام إلى أن تقوم الساعة ، لم تحلّ لأحد قبلي ولا تحلّ لأحد بعدي ولم تحلّ لي إلّا ساعة من نهار»(1) .
أمّا اثباته من الكتاب :
قال تعالى : « فيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَللَّهِ ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ »(2) .
وقال تعالى : « وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّهِ ِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ »(3) .
وقال تعالى : « لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ »(4) .
وقال تعالى : « ثُمَّ أَفيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحيمٌ »(5) .
وقال تعالى : « الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ »(6) .
ص: 280
وقال تعالى : « فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً »(1) .
وقال تعالى : « وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ »(2) .
وقال تعالى : « وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ »(3) .
وأمّا السنّة فكثيرة :
منها : عن علي عليه السلام انّه سئل عن قول اللَّه عزّوجلّ : « وللَّه على الناس حجّ البيت » الآية فقال عليه السلام : « هذا فيمن ترك الحج وهو يقدر عليه »(4) .
ومنها : روينا عن جعفر بن محمّد عليه السلام قال : « وأمّا ما يجب على العباد في أعمارهم مرّةً واحدةً فهو الحج فرض عليهم مرّة واحدة لبعد الأمكنة والمشقّة عليهم في الأنفس والأموال ، فالحج فرض على الناس جميعاً إلّا من كان له عذر »(5) .
ومنها : عن علي عليه السلام انّه قال : « لمّا نزلت « وللَّه على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً » قال المؤمنون : يا رسول اللَّه أفي كلّ عامٍ ؟ فسكت ، فأعادوا عليه مرّتين ، فقال صلى الله عليه وآله : لا ، ولو قلت نعم لوجبت ، فأنزل اللَّه تعالى « يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ »(6) »(7) .
ص: 281
ومنها : عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قلت له أرأيت الرجل التاجر ذا المال حين يسوّف الحج كلّ عام وليس يشغله عنه إلّا التجارة أو الدين ، فقال عليه السلام : « لا عذر له يسوّف الحج إن مات وقد ترك الحج فقد ترك شريعة من شرائع الاسلام »(1) .
وعن ذريح ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سمعته يقول : « من مات ولم يحج حجّة الاسلام ولم تمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق الحج من أجله أو سلطان يمنعه فليمت يهوديّاً أو نصرانيّاً »(2) .
ومنها : عن الصادق عليه السلام : انّه سئل عن رجل ، له مال ، لم يحج حتّى مات ، قال عليه السلام : « هذا ممّن قال اللَّه عزّوجلّ « وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى »(3) » قيل : أعمى ؟ قال عليه السلام : « نعم ، عمى عن طريق الخير »(4) .
ومنها : عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله انّه قال : « إذا تركت أمّتي هذا البيت أنْ تؤمه لم تناظر »(5) .
ومنها : قال الامام زين العابدين عليه السلام : « حجّوا واعتمروا تصحّ أجسامكم وتتسع أرزاقكم ويصلح ايمانكم وتكفوا مؤنة الناس ومؤنة عيالكم »(6) .
ومنها : عن أبي عبداللَّه عليه السلام : « عليكم بحج هذا البيت ، فأدمنوه ، فان في إدمانكم
ص: 282
الحج دفع مكاره الدنيا عنكم وأهوال يوم القيامة »(1) .
وعن كليب ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سأله أبو بصير وأنا أسمع ، فقال له : رجل له مائة ألف ، فقال العام أحج ، العام أحج ، فأدركه الموت ولم يحج حجّة الاسلام ، فقال عليه السلام : « يا أبا بصير أما سمعت قول اللَّه « وَمَنْ كانَ في هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الآْخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبيلاً »(2) أعمى عن فريضة من فرائض اللَّه »(3) .
قال أبوجعفر عليه السلام : لمّا أراد اللَّه عزّوجلّ ان يخلق الأرض امر الرياح الأربع فَضَرَبْنَ متن الماء حتى صار موجاً ، ثم ازبد فصار زبداً واحداً فجمعه في موضع البيت ، ثم جعله جبلاً من زبد ثم دحى الأرض من تحته وهو قول اللَّه عزوجل : « إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً »(4) ، فأول بقعة خلقت من الأرض الكعبة ثم مدت الأرض منها(5) .
روى عن موسى بن جعفر عليه السلام انه قال : في خمسة وعشرين من ذي القعدة انزل اللَّه عزوجل الكعبة البيت الحرام ، فمن صام ذلك اليوم كان كفارة سبعين سنة وهو
ص: 283
أول يوم انزلت فيه الرّحمة من السماء على آدم عليه السلام(1) .
وعن أبي خديجة عن أبي عبداللَّه عليه السلام : ان اللَّه عزوجل انزله لآدم عليه السلام من الجنة وكان درّة بيضاء ، فرفعه اللَّه تعالى إلى السماء وبقى اُسُّه وهو بحيال هذا البيت يدخله كل يوم سبعون الف ملك لا يرجعون إليه ابداً ، فامر اللَّه عزوجل إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ببنيان البيت على القواعد(2) .
عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ آبَائِهِ ، عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله ، قَالَ : « إِنَّمَا كَانَ لَبِثَ آدَمُ وَحَوَّاءُ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا سَبْعَ سَاعَاتٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا حَتَّى أَكَلا مِنَ الشَّجَرَةِ ، فَأَهْبَطَهُمَا اللَّهُ إِلَى الْأَرْضِ مِنْ يَوْمِهِمَا ذَلِكَ ، قَالَ : فَحَاجَّ آدَمُ رَبَّهُ فَقَالَ : يَا رَبِّ أَرَأَيْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَخْلُقَنِي كُنْتَ قَدَّرْتَ عَلَىَّ هَذَا الذَّنْبَ وَكُلَّ مَا صِرْتُ وَأَنَا صَائِرٌ إِلَيْهِ ، أَوْ هَذَا شَيْ ءٌ فَعَلْتُهُ أَنَا مِنْ قَبْلُ لَمْ تُقَدِّرْهُ عَلَيَّ ، غَلَبَتْ عَلَيَّ شِقْوَتِي(3) ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنِّي وَفِعْلِي لا مِنْكَ وَلا مِنْ فِعْلِكَ ؟ قَالَ لَهُ : يَا آدَمُ أَنَا خَلَقْتُكَ وَعَلَّمْتُكَ أَنِّي أُسْكِنُكَ وَزَوْجَتَكَ الْجَنَّةَ ، وَبِنِعْمَتِي وَمَا جَعَلْتُ فِيكَ مِنْ قُوَّتِي قَوِيتَ بِجَوَارِحِكَ عَلَى مَعْصِيَتِي ، وَلَمْ تَغِبْ عَنْ عَيْنِي ، وَلَمْ يَخْلُ عِلْمِي مِنْ فِعْلِكَ وَلا مِمَّا أَنْتَ فَاعِلُهُ ، قَالَ آدَمُ : يَا رَبِّ الْحُجَّةُ لَكَ عَلَيَّ ، يَا رَبِّ فَحِينَ خَلَقْتَنِي وَصَوَّرْتَنِي وَنَفَخْتَ فِيَّ مِنْ رُوْحِي(4) وَأَسْجَدْتُ لَكَ مَلائِكَتِي ، وَنَوَّهْتُ بِاسْمِكَ فِي سَمَاوَاتِي ، وَابْتَدَأْتُكَ بِكَرَامَتِي ، وَأَسْكَنْتُكَ جَنَّتِي ، وَلَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ إِلّا بِرِضًى مِنِّي
ص: 284
عَلَيْكَ(1) أَبْلُوكَ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ عَمِلْتَ لِي عَمَلاً تَسْتَوْجِبُ بِهِ عِنْدِي مَا فَعَلْتُ بِكَ ، قَالَ آدَمُ : يَا رَبِّ الْخَيْرُ مِنْكَ وَالشَّرُّ مِنِّي . قَالَ اللَّهُ : يَا آدَمُ أَنَا اللَّهُ الْكَرِيمُ ، خَلَقْتُ الْخَيْرَ قَبْلَ الشَّرِّ ، وَخَلَقْتُ رَحْمَتِي قَبْلَ غَضَبِي ، وَقَدَّمْتُ بِكَرَامَتِي قَبْلَ هَوَانِي ، وَقَدَّمْتُ بِاحْتِجَاجِي قَبْلَ عَذَابِي ، يَا آدَمُ أَلَمْ أَنْهَكَ عَنِ الشَّجَرَةِ ؟ وَأُخْبِرْكَ أَنَّ الشَّيْطَانَ عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجَتِكَ ؟ وَأُحَذِّرْكُمَا قَبْلَ أَنْ تَصِيرَا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَأُعَلِّمْكُمَا أَنَّكُمَا إِنْ أَكَلْتُمَا مِنَ الشَّجَرَةِ كُنْتُمَا ظَالِمَينِ لِأَنْفُسِكُمَا عَاصِيَيْنِ لِي ؟ يَا آدَمُ لا يُجَاوِرُنِي فِي جَنَّتِي ظَالِمٌ عَاصٍ لِي ، قَالَ : فَقَالَ : بَلَى يَا رَبِّ الْحُجَّةُ لَكَ عَلَيْنَا ، ظَلَمَنَا أَنْفُسَنَا وَعَصَيْنَا وَإِلّا تَغْفِرْ لَنَا وَ تَرْحَمْنَا نَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ، قَالَ : فَلَمَّا أَقَرَّا لِرَبِّهِمَا بِذَنْبِهِمَا وَأَنَّ الْحٌجَّةَ مِنَ اللَّهِ لَهُمَا تَدَارَكَهُمَا رَحْمَةُ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَتَابَ عَلَيْهِمَا رَبُّهُمَا إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .
قَالَ اللَّهُ : يَا آدَمُ اهْبِطْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ إِلَى الْأَرْضِ ، فَإِذَا أَصْلَحْتُمَا أَصْلَحْتُكُمَا ، وَإِنْ عَمِلْتُمَا لِي قَوَّيْتُكُمَا ، وَإِنْ تَعَرَّضْتُمَا لِرِضَايَ تَسَارَعْتُ إِلَى رِضَاكُمَا ، وَإِنْ خِفْتُمَا مِنِّي آمَنْتُكُمَا مِنْ سَخَطِي ، قَالَ : فَبَكَيَا عِنْدَ ذَلِكَ وَقَالا : رَبَّنَا فَأَعِنَّا عَلَى صَلاحِ أَنْفُسِنَا وَعَلَى الْعَمَلِ بِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا ، قَالَ اللَّهُ لَهُمَا : إِذَا عَمِلْتُمَا سُوءاً فَتُوبَا إِلَيَّ مِنْهُ أَتُبْ عَلَيْكُمَا وَأَنَا اللَّهُ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .
قَالَ : فَأَهْبِطْنَا بِرَحْمَتِكَ إِلَى أَحَبِّ الْبِقَاعِ إِلَيْكَ ، قَالَ : فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى جَبْرَئِيلَ : أَنْ أَهْبِطْهُمَا إِلَى الْبَلْدَةِ الْمُبَارَكَةِ مَكَّةَ ، قَالَ : فَهَبَطَ بِهِمَا جَبْرَئِيلُ فَأَلْقَى آدَمَ عَلَى الصَّفَا ، وَأَلْقَى حَوَّاءَ عَلَى الْمَرْوَةِ ، قَالَ : فَلَمَّا أُلْقِيَا قَامَا عَلَى أَرْجُلِهِمَا وَرَفَعَا رُءُوسَهُمَا إِلَى السَّمَاءِ وَضَجَّا بِأَصْوَاتِهِمَا بِالْبُكَاءِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَخَضَعَا بِأَعْنَاقِهِمَا ، قَالَ : فَهَتَفَ اللَّهُ
ص: 285
بِهِمَا : مَا يُبْكِيكُمَا بَعْدَ رِضَايَ عَنْكُمَا ؟ قَالَ : فَقَالا : رَبَّنَا أَبْكَتْنَا خَطِيئَتُنَا ، وَهِيَ أَخْرَجَتْنَا عَنْ جِوَارِ رَبِّنَا ، وَقَدْ خَفِيَ عَنَّا تَقْدِيسُ مَلائِكَتِكَ لَكَ رَبَّنَا ، وَبَدَتْ لَنَا عَوْرَاتُنَا وَاضْطَرَّنَا ذَنْبُنَا إِلَى حَرْثِ الدُّنْيَا وَمَطْعَمِهَا وَمَشْرَبِهَا ، وَدَخَلَتْنَا وَحْشَةٌ شَدِيدَةٌ لِتَفْرِيقِكَ بَيْنَنَا ، قَالَ : فَرَحِمَهُمَا الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ عِنْدَ ذَلِكَ وَأَوْحَى إِلَى جَبْرَئِيلَ : أَنَا اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ، وَأَنِّي قَدْ رَحِمْتُ آدَمَ وَحَوَّاءَ لِمَا شَكَيَا إِلَيَّ فَاهْبِطْ عَلَيْهِمَا بِخَيْمَةٍ مِنْ خِيَامِ الْجَنَّةِ ، وَعَزِّهِمَا(1) عَنِّي بِفِرَاقِ الْجَنَّةِ ، وَاجْمَعْ بَيْنَهُمَا فِي الْخَيْمَةِ فَإِنِّي قَدْ رَحِمْتُهُمَا لِبُكَائِهِمَا وَوَحْشَتِهِمَا وَوَحْدَتِهِمَا ، وَانْصِبْ لَهُمَا الْخَيْمَةَ عَلَى التُّرْعَةِ(2) الَّتِي بَيْنَ جِبَالِ مَكَّةَ ، قَالَ وَالتُّرْعَةُ مَكَانُ الْبَيْتِ وَقَوَاعِدِهِ الَّتِي رَفَعَتْهَا الْمَلائِكَةُ قَبْلَ ذَلِكَ ، فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ عَلَى آدَمَ بِالْخَيْمَةِ عَلَى مِقْدَارِ أَرْكَانِ الْبَيْتِ(3) وَقَوَاعِدِهِ فَنَصَبَهَا ، قَالَ : وَأَنْزَلَ جَبْرَئِيلُ آدَمَ مِنَ الصَّفَا وَأَنْزَلَ حَوَّاءَ مِنَ الْمَرْوَةِ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْخَيْمَةِ ، قَالَ : وَكَانَ عَمُودُ الْخَيْمَةِ قَضِيبَ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ فَأَضَاءَ نُورُهُ وَضَوْؤُهُ جِبَالَ مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا ، قَالَ : وَامْتَدَّ ضَوْءُ الْعَمُودِ(4) فَجَعَلَهُ اللَّهُ حَرَماً فَهُوَ مَوَاضِعُ الْحَرَمِ الْيَوْمَ ، كُلُّ نَاحِيَةٍ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ ضَوْءُ الْعَمُودِ فَجَعَلَهُ اللَّهُ حَرَماً لِحُرْمَةِ الْخَيْمَةِ وَالْعَمُودِ لِأَنَّهُمَا مِنَ الْجَنَّةِ(5) ، قَالَ : وَلِذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ الْحَسَنَاتِ فِي الْحَرَمِ مُضَاعَفَةً وَالسَّيِّئَاتِ فِيهِ مُضَاعَفَةً ، قَالَ : وَمُدَّتْ أَطْنَابُ الْخَيْمَةِ حَوْلَهَا فَمُنْتَهَى أَوْتَادِهَا مَا حَوْلَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، قَالَ : وَكَانَتْ أَوْتَادُهَا مِنْ غُصُونِ الْجَنَّةِ ، وَأَطْنَابُهَا
ص: 286
مِنْ ظَفَائِرِ(1) الْأُرْجُوَانِ(2) قَالَ : فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى جَبْرَئِيلَ : أَهْبِطْ عَلَى الْخَيْمَةِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يَحْرُسُونَهَا مِنْ مَرَدَةِ الْجِنِّ ، وَيُؤْنِسُونَ آدَمَ وَحَوَّاءَ ، وَيَطُوفُونَ حَوْلَ الْخَيْمَةِ تَعْظِيماً لِلْبَيْتِ وَالْخَيْمَةِ ، قَالَ : فَهَبَطَتِ الْمَلائِكَةُ فَكَانُوا بِحَضْرَةِ(3) الْخَيْمَةِ يَحْرُسُونَهَا مِنْ مَرَدَةِ الشَّيَاطِينِ وَالْعُتَاةِ ، وَيَطُوفُونَ حَوْلَ أَرْكَانِ الْبَيْتِ وَالْخَيْمَةِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَمَا كَانُوا يَطُوفُونَ فِي السَّمَاءِ حَوْلَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ، قَالَ : وَأَرْكَانُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ فِي الْأَرْضِ حِيَالَ(4) الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ الَّذِي فِي السَّمَاءِ .
قَالَ : ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى جَبْرَئِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ : أَنِ اهْبِطْ إِلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ فَنَحِّهِمَا عَنْ مَوَاضِعِ قَوَاعِدِ بَيْتِي فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَهْبِطَ فِي ظِلالٍ مِنْ مَلائِكَتِي إِلَى أَرْضِي فَأَرْفَعَ أَرْكَانَ بَيْتِي لِمَلائِكَتِي وَلِخَلْقِي مِنْ وُلْدِ آدَمَ ، قَالَ : فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ عَلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ فَأَخْرَجَهُمَا مِنَ الْخَيْمَةِ وَنَحَّاهُمَا عَنْ تُرْعَةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَنَحَّى الْخَيْمَةَ عَنْ مَوْضِعِ التُّرْعَةِ ، قَالَ : وَوَضَعَ آدَمَ عَلَى الصَّفَا ، وَوَضَعَ حَوَّاءَ عَلَى الْمَرْوَةِ ، وَرَفَعَ الْخَيْمَةَ إِلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ آدَمُ وَحَوَّاءُ : يَا جَبْرَئِيلُ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ حَوَّلْتَنَا وَفَرَّقْتَ بَيْنَنَا أَمْ بِرِضًى تَقْدِيراً مِنَ اللَّهِ عَلَيْنَا ؟ فَقَالَ لَهُمَا : لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ سَخَطاً مِنَ اللَّهِ عَلَيْكُمَا ، وَلَكِنَّ اللَّهَ لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ، يَا آدَمُ : إِنَّ السَّبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ الَّذِينَ أَنْزَلَهُمُ اللَّهُ إِلَى الْأَرْضِ لِيُؤْنِسُوكَ وَيَطُوفُونَ حَوْلَ أَرْكَانِ الْبَيْتِ وَالْخَيْمَةِ سَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يَبْنِيَ لَهُمْ
ص: 287
مَكَانَ الْخَيْمَةِ بَيْتاً عَلَى مَوْضِعِ التُّرْعَةِ الْمُبَارَكَةِ(1) حِيَالَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ فَيَطُوفُونَ حَوْلَهُ كَمَا كَانُوا يَطُوفُونَ فِي السَّمَاءِ حَوْلَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ : أَنْ أُنَحِّيَكَ وَحَوَّاءَ وَأَرْفَعَ الْخَيْمَةَ إِلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ آدَمُ : رَضِينَا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ وَنَافِذِ أَمْرِهِ فِينَا ، فَكَانَ آدَمُ عَلَى الصَّفَا وَحَوَّاءُ عَلَى الْمَرْوَةِ ، قَالَ : فَدَخَلَ آدَمَ لِفِرَاقِ حَوَّاءَ وَحْشَةٌ شَدِيدَةٌ وَحُزْنٌ قَالَ : فَهَبَطَ مِنَ الصَّفَا يُرِيدُ الْمَرْوَةَ شَوْقاً إِلَى حَوَّاءَ وَلِيُسَلِّمَ عَلَيْهَا وَكَانَ فِيمَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَادٍ وَكَانَ آدَمُ يَرَى الْمَرْوَةَ مِنْ فَوْقِ الصَّفَا ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى مَوْضِعِ الْوَادِي غَابَتْ عَنْهُ الْمَرْوَةُ فَسَعَى فِي الْوَادِي حَذَراً لِمَا لَمْ يَرَ الْمَرْوَةَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ قَدْ ضَلَّ عَنْ طَرِيقِهِ ، فَلَمَّا أَنْ جَازَ الْوَادِيَ وَ ارْتَفَعَ عَنْهُ نَظَرَ إِلَى الْمَرْوَةِ فَمَشَى حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَرْوَةِ فَصَعِدَ عَلَيْهَا فَسَلَّمَ عَلَى حَوَّاءَ ، ثُمَّ أَقْبَلا بِوَجْهِهِمَا نَحْوَ مَوْضِعِ التُّرْعَةِ يَنْظُرَانِ هَلْ رُفِعَ قَوَاعِدُ الْبَيْتِ وَيَسْأَلانِ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّهُمَا إِلَى مَكَانِهِمَا حَتَّى هَبَطَ مِنَ الْمَرْوَةِ فَرَجَعَ إِلَى الصَّفَا فَقَامَ عَلَيْهِ وَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ نَحْوَ مَوْضِعِ التُّرْعَةِ فَدَعَا اللَّهَ ، ثُمَّ إِنَّهُ اشْتَاقَ إِلَى حَوَّاءَ فَهَبَطَ مِنَ الصَّفَا يُرِيدُ الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الصَّفَا فَفَعَلَ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى ، ثُمَّ إِنَّهُ هَبَطَ مِنَ الصَّفَا إِلَى الْمَرْوَةِ فَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْمَرَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ(2) ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الصَّفَا فَقَامَ عَلَيْهِ وَدَعَا اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ حَوَّاءَ ، قَالَ : فَكَانَ ذَهَابُ آدَمَ مِنَ الصَّفَا إِلَى الْمَرْوَةِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ وَرُجُوعُهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ فَذَلِكَ سِتَّةُ أَشْوَاطٍ ، فَلَمَّا أَنْ دَعَيَا اللَّهَ وَبَكَيَا إِلَيْهِ وَسَأَلاهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا
ص: 288
اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُمَا مِنْ سَاعَتِهِمَا مِنْ يَوْمِهِمَا ذَلِكَ مَعَ زَوَالِ الشَّمْسِ ، فَأَتَاهُ جَبْرَئِيلُ وَهُوَ عَلَى الصَّفَا وَاقِفٌ يَدْعُو اللَّهَ مُقْبِلاً بِوَجْهِهِ نَحْوَ التُّرْعَةِ فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام : انْزِلْ يَا آدَمُ مِنَ الصَّفَا فَالْحَقْ بِحَوَّاءَ ، فَنَزَلَ آدَمُ مِنَ الصَّفَا إِلَى الْمَرْوَةِ فَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الثَّلاثِ الْمَرَّاتِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَرْوَةِ فَصَعِدَ عَلَيْهَا وَأَخْبَرَ حَوَّاءَ بِمَا أَخْبَرَهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام فَفَرِحَا بِذَلِكَ فَرَحاً شَدِيداً وَحَمِدَا اللَّهَ وَشَكَرَاهُ ، فَلِذَلِكَ جَرَتِ السُّنَّةُ بِالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ : « إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما »(1) .
قَالَ : ثُمَّ إِنَّ جَبْرَئِيلَ أَتَاهُمَا فَأَنْزَلَهُمَا مِنَ الْمَرْوَةِ وَأَخْبَرَهُمَا أَنَّ الْجَبَّارَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ هَبَطَ إِلَى الْأَرْضِ فَرَفَعَ قَوَاعِدَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ بِحَجَرٍ مِنَ الصَّفَا ، وَحَجَرٍ مِنَ الْمَرْوَةِ وَحَجَرٍ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ(2) وَحَجَرٍ مِنْ جَبَلِ السَّلامِ وَهُوَ ظَهْرُ الْكُوفَةِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى جَبْرَئِيلَ أَنِ ابْنِهِ وَأَتِمَّهُ ، قَالَ : فَاقْتَلَعَ جَبْرَئِيلُ الْأَحْجَارَ الْأَرْبَعَةَ بِأَمْرِ اللَّهِ مِنْ مَوَاضِعِهِنَّ بِجَنَاحَيْهِ فَوَضَعَهُمَا حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ فِي أَرْكَانِ الْبَيْتِ عَلَى قَوَاعِدِهِ الَّتِي قَدَّرَهَا الْجَبَّارُ وَنَصَبَ أَعْلامَهَا ، ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى جَبْرَئِيلَ : أَنِ ابْنِهِ وَأَتْمِمْهُ بِحِجَارَةٍ مِنْ أَبِي قُبَيْسٍ(3) وَاجْعَلْ لَهُ بَابَيْنِ : بَابَ شَرْقيٍّ ، وَبَابَ غَرْبِيٍّ ، قَالَ : فَأَتَمَّهُ جَبْرَئِيلُ ، فَلَمَّا انْفَرَغَ مِنْهُ طَافَتِ الْمَلائِكَةُ حَوْلَهُ فَلَمَّا نَظَرَ آدَمُ وَحَوَّاءُ إِلَى الْمَلائِكَةِ يَطُوفُونَ حَوْلَ الْبَيْتِ انْطَلَقَا فَطَافَا بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ ، ثُمَّ خَرَجَا يَطْلُبَانِ مَا يَأْكُلانِ وَذَلِكَ
ص: 289
مِنْ يَوْمِهِمَا الَّذِي هَبَطَ بِهِمَا فِيهِ»(1) .
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام في رواية طويلة ، قال عليه السلام : « فلما بلغ إسماعيل مبلغ الرجال امر اللَّه إبراهيم عليه السلام ان يبني البيت ، فقال : يا ربّ في أيّ بقعة ؟ قال : في البقعة التي انزلت على آدم القبة ، فاضاء لها الحرم ، فلم تزل القبة التي انزلها اللَّه على آدم قائمة حتى كان ايام الطوفان ايام نوح عليه السلام ، فلمّا غرقت الدنيا رفع اللَّه تلك القبة وغرقت الدنيا إلّا موضع البيت ، فسمّيت البيت العتيق لأنه اعتق من الغرق ، فلمّا امر اللَّه عزوجل إبراهيم عليه السلام ان يبني البيت ولم يدر في أي مكان يبنيه فبعث اللَّه جبرئيل عليه السلام فخط له موضع البيت فانزل اللَّه عليه القواعد من الجنة ، وكان الحجر الذي انزله اللَّه على آدم اشد بياضاً من الثلج فلمّا لمسته ايدى الكفار اسود ، فبنى إبراهيم البيت ، ونقل إسماعيل الحجر من ذي طوى فرفعه إلى السماء تسعة اذرع ثم دله على موضع الحجر فاستخرجه إبراهيم عليه السلام ووضعه في موضعه » الحديث(2) .
وروى أبوبصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « ان آدم عليه السلام هو الذي بني البيت ووضع اساسه وأول من كساه الشعر واول من حج إليه» الحديث(3) .
إلّا ان المستفاد من بعض الروايات الاخر كان قبل آدم هناك بيت كان يطوف به الملائكة فلما هبط آدم إلى الأرض أمر بطوافه ، ويؤيده ما رواه الصدوق رحمه الله عن بكير بن اعين عن أخيه زرارة قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : جعلني اللَّه فداك ،
ص: 290
أسألك في الحج منذ اربعين عاماً فتفتيني ، فقال : « يا زرارة بيت يحجّ قبل آدم عليه السلام بالفى عام تريد أن تفنى مسائله في أربعين عاماً»(1) .
وقال الصادق عليه السلام : « لما افاض آدم عليه السلام من منى تلقّته الملائكة بالابطح فقالوا : يا آدم برَّ حَجُّك ، أما انّا قد حججنا هذا البيت قبل ان تحجّه بالفى عام»(2) .
قال تعالى : « فيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ »(3) .
قال الصدوق رحمه الله : وانما يقبّل الحجر ويستلم ليؤدِّي إلى اللَّه عزوجل العهد الذي اخذ عليهم في الميثاق ، وانما وضع اللَّه عزوجل الحجر في الركن الذي هو فيه ولم يضعه في غيره لأنّه تبارك وتعالى حين اخذ الميثاق اخذه في ذلك المكان ، وجرت السنة بالتكبير واستقبال الركن الذي فيه الحجر من الصفا ، لانّه لمّا نظر آدم عليه السلام من الصفا وقد وضع الحجر في الركن كبّر اللَّه عزوجلّ وهلّله ومجّده .
وانما جعل الميثاق في الحجر لان اللَّه عزوجلّ لمّا اخذ الميثاق له بالربوبيّة ولمحمّد صلى الله عليه وآله بالنبوّة ولعلي عليه السلام بالوصيّة اصطكت فرائص الملائكة وأوّل من اسرع إلى الاقرار بذلك الحجر . فلذلك اختاره اللَّه عزوجلّ والقمه الميثاق وهو يجي ء
ص: 291
يوم القيامة وله لسان ناطق وعين ناظرة يشهد لكل من وافاه إلى ذلك المكان وحفظ الميثاق وانما اخرج الحجر من الجنة ليذكر آدم ما نَسىَ من العهد والميثاق ، انتهى(1) .
وتفصيل ما ذكره هنا ما رواه باسناده عن بكير بن أعين قال : قال لي أبوعبداللَّه عليه السلام : هل تدري ما كان الحجر ؟ قال : قلت : لا .
قال عليه السلام : « كان ملكاً عظيماً من عظماء الملائكة عند اللَّه تعالى ، فلمّا أخذ اللَّه من الملائكة الميثاق كان أوّل من آمن به واقرّ ذلك الملك فاتّخذه اللَّه اميناً على جميع خلقه فألقمه الميثاق وأودعه عنده واستعبد الخلق ان يجدّدوا عنده في كل سنةٍ الاقرار بالميثاق والعهد الذي أخذ اللَّه به عليهم ثمّ جعله اللَّه مع آدم في الجنة يذكره الميثاق ويجدّد عنده الاقرار في كلّ سنة فلمّا عصى آدم فاخرج من الجنة انساه اللَّه العهد والميثاق الذي اخذ اللَّه عليه وعلى ولده لمحمد ووصيّه ، وجعله باهتا حيران ، فلمّا تاب على آدم حوّل ذلك الملك في صورة درّة بيضاء ، فرماه من الجنة إلى آدم وهو بارض الهند ، فلمّا رآه أنس إليه وهو لا يعرفه بأكثر من انه جوهرة فانطقها اللَّه عزوجلّ ، فقال : يا آدم أتعرفني ؟ قال : لا . قال : أجل ، استحوذ عليك الشيطان فأنساك ذكر ربّك وتحوّل إلى الصورة التي كان بها في الجنة مع آدم فقال لآدم : أين العهد والميثاق ؟ فوثب إليه آدم وذكر الميثاق وبكى وخضع له وقبّله وجدّر الاقرار بالعهد والميثاق . ثم حوّله اللَّه تعالى إلى جوهر الحجر درّة بيضاء صافية تضي ء فحمله آدم على عاتقه اجلالاً له وتعظيماً فكان إذا أعيا حمله عنه جبرئيل حتى وافي به مكة ، فما زال يأنس به بمكة ويجدّد الاقرار له كل يوم
ص: 292
وليلة ، ثم ان اللَّه تعالى لما اهبط جبرئيل إلى أرضه وبنى الكعبة هبط إلى ذلك المكان بين الركن والباب وفي ذلك المكان ترائَى لآدم حين أخذ الميثاق ، وفي ذلك الموضع القم الملك الميثاق فلتلك العلة وضع في ذلك الركن ونحى آدم من مكان البيت إلى الصفا ، وحواء إلى المروة فاخذ اللَّه الحجر فوضعه بيده في ذلك الركن فلمّا أن نظر آدم من الصفا وقد وضع الحجر في الركن كبّر اللَّه وهلّله ومجّده ، فلذلك جرت السنة بالتكبير في استقبال الركن الذي فيه الحجر من الصفا ، وانّ اللَّه عزوجل أودعه العهد والميثاق وألقمه إياه دون غيره من الملائكة ، لأنّ اللَّه تعالى لمّا اخذ الميثاق له بالربوبيّة ولمحمّد بالنبوّة ولعليّ عليه السلام بالوصية اصطكت فرائص الملائكة ، وأول من أسرع إلى الإقرار بذلك الملك ولم يكن فيهم اشدّ حبّاً لمحمد وآل محمد منه ، فلذلك اختاره اللَّه تعالى من بينهم وألقمه الميثاق فهو يجي ء يوم القيامة وله لسان ناطق وعين ناظرة ليشهد لكلّ من وافاه إلى ذلك المكان وحفظ الميثاق»(1) .
ان عمر قبّل الحجر ثم قال : اني لَأَعْلَمُ انك حجر ، لا تضر ولا تنفع ، ولولا اني رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقبلك لما قبّلتك ، فقال علي عليه السلام : بل هو يضر وينفع . فقال : وكيف ؟ قال : إن اللَّه تعالى لما اخذ الميثاق على الذرية كتب اللَّه عليهم كتاباً ثم القمه هذا الحجر فهو يشهد للمؤمن بالوفاء ويشهد على الكافر بالجحود(2) .
ص: 293
وفي بعض الاخبار : ان الحجر لا يستقر مكانه إلّا ان يضعه نبيّ أو إمام ، مرّ ان اوّل وضعه في موضعه كان من آدم : عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : ان آدم عليه السلام هو الذي بني البيت ووضع اساسه(1) ثم من إبراهيم عليه السلام حيث انه لما بني البيت وانتهى إلى موضع الحجر قال ابوجعفر عليه السلام : فنادى أبو قبيس إبراهيم عليه السلام : انّ لك عندي وديعة فاعطاه الحجر فوضعه موضعه(2) .
وعند ما هدمت قريش الكعبة من جهة السيل الذي كان يأتيهم من أعلى مكة فيدخلها وانصدعت ، وضعه النبي صلى الله عليه وآله في موضعه(3) وعند ما هدّمها الحجاج على ابن الزبير ثم بناها وفرغ من بنائها سأل علي بن الحسين عليه السلام ان يضع الحجر في موضعه ، فأخذه ووضعه في موضعه(4) .
وفي زمن القرامطة حيث خربوا الكعبة ونقلوا الحجر إلى مسجد الكوفة ثم ردوه إلى موضعه ونصبه القائم عليه السلام بحيث لم يعرفه الناس(5) .
وفي « الفقيه » : وكان اشدّ بياضاً من اللبن فاسودّ من خطايا بني آدم ولولا مامسه من ارجاس الجاهلية ما مسه ذوعاهة إلّا برء(6) .
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام : وكان الحجر الذي انزله اللَّه على آدم اشدّ بياضاً من الثلج فلما لمسته أيدى الكفار اسودّ(7) .
ص: 294
قال تعالى : « فيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهيمَ »(1) . قال زرارة بن أعين لأبي جعفر عليه السلام : ادركت الحسين عليه السلام قال : نعم ، اذكروانا معه في المسجد الحرام وقد دخل فيه السيل والناس يتخوّفون على المقام ، يخرج الخارج فيقول : قد ذهب به السيل ، ويدخل الداخل فيقول : هو مكانه ، قال : فقال : يا فلان ما يصنع هؤلاء ؟ فقلت : اصلحك اللَّه ، يخافون ان يكون السيل قد ذهب بالمقام ، قال : ان اللَّه عزوجلّ قد جعله عَلَماً لم يكن ليذهب به فاستقروا ، وكان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم عليه السلام ، عند جدار البيت فلم يزل هناك حتى حوّله اهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم ، فلمّا فتح النبيّ صلى الله عليه وآله مكة ردّه إلى الموضع الذي وضعه إبراهيم عليه السلام ، فلم يزل هناك إلى أن ولي عمر فسأل الناس من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام ؟ فقال له رجل : أنا قد كنت اخذت مقداره بنسح فهو عندي ، فقال : ائتني به ، فاتاه فقاسه ثم ردّه إلى ذلك المكان(2) .
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : حرّم المسجد لعلّة الكعبة وحرم الحرم لعلة المسجد ووجب الاحرام لعلة الحرم(3) .
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يوم فتح مكة : ان اللَّه تبارك وتعالى حرّم مكة يوم خلق
ص: 295
السماوات والأرض ، فهي حرام إلى ان تقوم الساعة لم تحلّ لأحد قبلي ولا تحلّ لاحد من بعدي ، ولم تحلّ لي إلّا ساعة من النّهار(1) .
وعن حنان قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : لم سمّي بيت اللَّه الحرام ؟ قال : لأنه حرام على المشركين ان يدخلوه(2) .
قال في « البحار » : ووصفه بالمحرم لأنّه لا يستطيع احد الوصول إليه إلّا بالاحرام ، وقيل لأنه حرم فيه ما احل في غيره من البيوت من الجماع والملابسة بشي ء من الاقذار(3) .
في قوله تعالى : « وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتيقِ »(4) فاما من جهة انه عتيق من الناس :
عن ابان بن عثمان عمن اخبره عن أبي جعفر عليه السلام : قال : قلت له : لم سمّي البيتُ العتيق ؟ قال : هو بيت حرّ عتيق من الناس لم يملكه احدٌ(5) .
واما انه عتيق وقديم : عن أبي جعفر عليه السلام : فأول بقعة خلقت من الأرض الكعبة ثم مدّت الأرض منها(6) واما انه عتيق من الغرق والطوفان : عن أبي عبداللَّه عليه السلام
ص: 296
في حديث طويل إلى ان قال : فلم تزل القبة التي انزلها اللَّه تعالى على آدم قائمة حتى كان ايام الطوفان ايام نوح عليه السلام ، فلمّا غرقت الدنيا رفع اللَّه تلك القبة وغرقت الدنيا إلّا موضع البيت ، فسمّيت البيت العتيق ، لأنه اعتق من الغرق(1) .
« وفي كشف الغمة » : وقد سئل ( جعفر بن محمد عليه السلام ) : لم سمي البيت العتيق ؟ فقال عليه السلام : لان اللَّه اعتقه من الطوفان(2) .
عن أبي الحسن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : انّ اللَّه تبارك وتعالى اختار من البلدان أربعة ، فقال عزّوجلّ : « وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سينينَ * وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمينِ »(3) التين : المدينة ، والزيتون : بيت المقدس ، وطور سينين : الكوفة وهذا البلد الأمين : مكّة(4) .
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : اسماء مكة خمسة : ام القرى ، ومكة ، وبكة ، والبساسة كانوا اذا ظلموا بها بستهم اي اخرجتهم واهلكتهم ، وأم رحم كانوا إذا لزموها رحموا(5) .
وسئل الشامي أميرالمؤمنين عليه السلام : لِمَ سمّيت مكّة أمّ القرى ؟ قال عليه السلام : « لأنّ
ص: 297
الأرض دحيت من تحتها »(1) .
وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام : « سمّيت مكّة مكّة لأنّ الناس كانوا يمكون فيها وكان يقال لمن قصدها قد مكا ، وذلك قول اللَّه عزّوجلّ : « وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً »(2) فالمكاء التصفير والتصدية صفق اليدين »(3) .
عن أبي عبداللَّه عليه السلام انّه كره المقام بمكّة وذلك انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله اخرج عنها والمقيم بها يقسو قلبه حتّى يأتي فيها ما يأتي في غيرها(4) .
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « إذا قضى أحدكم نسكه فليركب راحلته وليلحق بأهله ، فانّ المقام بمكّة يقسي القلب »(5) .
وعن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : « لا ينبغي للرجل أن يقيم بمكّة سنة » قلت : فكيف يصنع ؟ قال عليه السلام : « يتحوّل عنها إلى غيرها ، ولا ينبغي لأحد أن يرفع بناءه فوق الكعبة »(6) .
وعن أبي الحسن عليه السلام قال : « انّ عليّاً عليه السلام لم يبت بمكّة بعد إذ هاجر منها حتّى قبضه اللَّه عزّوجلّ إليه » قال : قلت له : ولِمَ ذاك ؟ قال عليه السلام : « يكره أن يبيت بأرض
ص: 298
قد هاجر منها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فكان يصلّي العصر ويخرج ويبيت بغيرها »(1) .
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « تسبيح بمكّة يعدل خراج العراقين(2) ينفق في سبيل اللَّه »(3) .
وعن أبي جعفر عليه السلام قال : « الساجد بمكّة كالمتشحّط بدمه في سبيل اللَّه »(4) .
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « كان علي بن الحسين عليه السلام يقول : النائم بمكّة كالمتشحّط في البلدان »(5) .
وعن أبي جعفر عليه السلام قال : « من ختم القرآن بمكّة لم يمت حتّى يرى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ويرى منزله في الجنّة »(6) .
وعن أبي جعفر عليه السلام قال : « من ختم القرآن بمكّة من جمعة إلى جمعة أو أقل من ذلك أو أكثر وختمه في يوم الجمعة كتب اللَّه من الأجر والحسنات من أوّل جمعة كانت في الدنيا إلى آخر جمعة تكون فيها ، وان ختمه في سائر الأيّام فكذلك(7) »(8) .
ص: 299
وعن اسحاق بن زياد ( يزداد ) قال : أتى رجل أبا عبداللَّه عليه السلام فقال : انّي قد ضربت على كلّ شي ء لي ذهباً وفضّة وبعت ضياعي فقلت : أنزل مكّة ، فقال عليه السلام : « لا تفعل فانّ أهل مكّة يكفرون باللَّه جهرة » قال : ففي حرم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ؟ قال عليه السلام : « هم شرّ منهم » قال : فأينَ أنزل ؟ قال عليه السلام : « عليك بالعراق الكوفة ، فانّ البركة منها على اثني عشر ميلاً هكذا وهكذا ، وإلى جانبها قبر(1) ما أتاه مكروب قطّ ولا ملهوف إلّا فرّج اللَّه عنه »(2) .
قال تعالى : « قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ »(3) .
قال الصدوق رحمه الله : وصلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إلى البيت المقدس بعد النبوّة ثلاث عشرة سنة بمكة وتسعة عشر شهراً بالمدينة ، ثم عيّرته اليهود فقالوا له : انك تابع لقبلتنا فاغتمّ لذلك غمّاً شديداً فلمّا كان في بعض الليل خرج صلى الله عليه وآله يقلّب وجهه في آفاق السماء ، فلمّا اصبح صلّى الغداة ، فلمّا صلى من الظهر ركعتين جائه جبرئيل عليه السلام فقال له : « قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ » الآية(4) ثم اخذ بيد النبي صلى الله عليه وآله فحوّل وجهه إلى الكعبة وحوّل من خلفه وجوههم حتى قام الرجال مقام النساء والنساء مقام
ص: 300
الرجال فكان أوّل صلاته إلى بيت المقدس وآخرها إلى الكعبة ، وبلغ الخبر مسجداً بالمدينة وقد صلّى اهله من العصر ركعتين فحوّلوا نحو الكعبة ، فكانت أوّل صلاتهم إلى بيت المقدس وآخرها إلى الكعبة فسمّى ذلك المسجد مسجد القبلتين فقال المسلمون : صلاتنا إلى بيت المقدس تضيع يا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ؟ فانزل اللَّه عزّوجلّ : « وَما كانَ اللَّهُ لِيُضيعَ إيمانَكُمْ » يعني : صلاتكم إلى بيت المقدس ، قال الصدوق رحمه الله : وقد اخرجت الخبر في ذلك على وجهه في كتاب النبوّة(1) .
وفي « الاحتجاج » قال ابومحمد الحسن العسكري عليه السلام : لما كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بمكة ، امره اللَّه تعالى ان يتوجه نحو بيت المقدس في صلاته ، ويجعل الكعبة بينه وبينها اذا امكن واذا لم يمكن استقبل بيت المقدس كيف كان ، فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يفعل ذلك طول مقامه بها ثلاث عشرة سنة . فلما كان بالمدينة - وكان متعبداْ باستقبال بيت المقدس - استقبله وانحرف عن الكعبة سبعة عشر شهراً أو ستة عشر شهراً وجعل قوم من مردة اليهود يقولون : واللَّه ما درى محمد كيف صلّى حتى صار يتوجه إلى قبلتنا ويأخذ في صلاته بهَدِْينا ونسكنا ، فاشتدّ ذلك على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لمّا اتصل به عنهم . وكره قبلتهم ، واحبّ الكعبة ، فجائه جبرئيل عليه السلام فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : يا جبرئيل لَوَددْتُ لو صرفني اللَّه عن بيت المقدس إلى الكعبة ، فقد تأذّيت بما يتصل بي من قبل اليهود من قبلتهم .
فقال جبرئيل عليه السلام : فاسأل ربّك ان يحوّلك إليها فإنّه لا يردّك عن طلبتك ولا يخيّبك من بغيتك . فلما استتمّ دعائه صعد جبرئيل عليه السلام ثم عاد من ساعته فقال : اقرء يا محمد : « قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ
ص: 301
وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ »(1) الآيات . فقالت اليهود : « ما وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتي كانُوا عَلَيْها »(2) فاجابهم اللَّه احسن جواب فقال : « قُلْ للَّهِ ِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ »(3) وهو يملكهما ، وتكليفه التحويل ( التحوّل ) إلى جانب كتحويله لكم إلى جانب آخر « يَهْدي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ »(4) وهو اعلم بمصلحتهم وتؤديهم طاعتهم إلى جنات النعيم(5) .
وفي « الاحتجاج » قال أبو محمد عليه السلام : وجاء قوم من اليهود إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقالوا : يا محمد صلى الله عليه وآله هذه القبلة بيت المقدس قد صليت إليها أربع عشرة سنة ، ثم تركتها الآن ، افحقّاً كان ما كنت عليه ؟ فقد تركته إلى باطل ، فانّ ما يخالف الحقّ الباطل ، أو باطلاً كان ذلك ؟ فقد كنت عليه طول هذه المدة ، فما يؤمننا ان تكون الآن على باطل ؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : بل ذلك كان حقّاً ، وهذا حقّ ، يقول اللَّه : « قُلْ للَّهِ ِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ »(6) . اذا عرف صلاحكم يا ايها العباد في استقبالكم المشرق امركم به ، واذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب امركم به ، وان عرف صلاحكم في غيرهما امركم به ، فلا تنكروا تدبير اللَّه تعالى في عباده وقصده إلى مصالحكم . ثم قال : [لهم] رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : لقد تركتم العمل يوم السبت ثم عملتم بعده [من ]سائر الأيام ، ثم تركتموه في السبت .
ص: 302
ثم عملتم بعده ، افتركتم الحق إلى الباطل أو الباطل إلى حق والباطل إلى باطل ؟ أو الحقّ إلى الحقّ ؟ قولوا كيف شئتم فهو قول محمد وجوابه لكم .
قالوا : بل ترك العمل في السبت حق والعمل بعده حق .
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : فكذلك قبلة بيت المقدس في وقته حق ، ثمّ قبلة الكعبة في وقته حق .
فقالوا له : يا محمد ، أفَبَدا لِرَبِّك فيما كان امرك به بزعمك من الصلاة إلى بيت المقدس حتى نقلك إلى الكعبة ؟
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : ما بدا له عن ذلك ، فانه العالم بالعواقب والقادر على المصالح ، لا يستدرك على نفسه غلطاً ولا يستحدث رأياً بخلاف المتقدم جلّ عن ذلك ، ولا يقع عليه أيضاً مانع يمنعه من مراده ، وليس يبدو إلّا لمن كان هذا وصفه ، وهو عزوجلّ يتعالى عن هذه الصفات علواً كبيراً .
ثم قال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : أيها اليهود اخبروني عن اللَّه ، أليس يُمْرِض ثم يُصحّ ؟ ويُصحّ ثمّ يُمْرِض ؟ أَبَدا له في ذلك ؟ أليس يحيى ويميت ؟ [أليس يأتي بالليل في أثر النهار والنهار في أثر الليل ؟] أَبَدا له في كلّ واحدٍ من ذلك ؟ قالوا : لا .
قال : فكذلك اللَّه ، تعبّد نبيّه محمداً بالصلاة إلى الكعبة بعد أن كان تعبّده بالصلاة إلى بيت المقدس ، وما بَدا له في الأول .
ثم قال : أليس اللَّه يأتي بالشّتاء في اثر الصّيف ، والصّيف في أثر الشتاء ؟ أَبَدا له في كل واحدٍ من ذلك ؟ قالوا : لا .
قال صلى الله عليه وآله : فكذلك لم يُبْد له في القبلة .
قال : ثم قال صلى الله عليه وآله : أليس قد الزمكم في الشتاء ان تحترزوا من البرد بالثياب
ص: 303
الغليظة ؟ والزمكم في الصّيف ان تحترزوا من الحرّ ؟ أَفَبَدا له في الصّيف حتى امركم بخلاف ما كان امركم به في الشتاء ؟ قالوا : لا .
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : فكذلكم اللَّه تعبّدكم في وقت لصلاح يعلمه بشي ء ، ثم تعبّدكم في وقت آخر لصلاحٍ ( بصلاح ) آخر يعلمه بشي ء آخر ، فاذا اطعتم اللَّهَ في الحالتين استحققتم ثوابه ، فانزل اللَّه تعالى : « وَللَّهِ ِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ »(1) ، اي إذا توجّهتم بامره فثمّ الوجه الذي تقصدون منه اللَّه وتأملون ثوابه .
ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : يا عباد اللَّه ، انتم كالمرضى ، واللَّه ربّ العالمين كالطبيب ، فصلاح المرضى فيما يعمله الطبيب ويدبره به ، لا فيما يشتهيه المريض ويقترحه ، ألا فسلّموا للَّهِ أمره ، تكونوا من الفائزين .
فقيل [له] يا بن رسول اللَّه ، فلم امر بالقبلة الأولى ؟ فقال : لما قال اللَّه تعالى : « وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتي كُنْتَ عَلَيْها »(2) - وهي بيت المقدس - « إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ »(3) إلّا لنعلم ذلك منه وجوداً بعد ان علمناه سيوجد .
وذلك انّ هوى اهل مكة كان في الكعبة ، فاراد اللَّه ان يبيّن متّبعي محمدٍ ممن خالفه باتباع القبلة التي كرهها ، ومحمدٌ يأمر بها ، ولمّا كان هوى اهل المدينة في بيت المقدس امرهم بمخالفتها والتوجه إلى الكعبة ليبيّن من يوافق محمداً فيما
ص: 304
يكرهه ، فهو مصدّقه وموافقه . ثم قال : « وَإِنْ كانَتْ لَكَبيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذينَ هَدَى اللَّهُ »(1) أي كان التوجه إلى بيت المقدس في ذلك الوقت كبيرة إلّا على من يهدى اللَّه ، فعرف أنّ اللَّه يتعبّد بخلاف ما يريده المرء ليبتلي طاعته في مخالفة هواه(2) .
عن عيسى بن يونس قال : كان ابن أبي العوجاء من تلامذة الحسن البصري فانحرف عن التوحيد ، فقيل له : تركتَ مذهب صاحبك ودخلت فيما لا اصل له ولا حقيقة ؟
قال : ان صاحبي كان مخلّطاً ، يقول طوراً بالقَدَر وطوراً بالجبر ، فما أعلمه اعتقد مذهباً دام عليه ، فقدم مكة متمرّداً ، وانكاراً على من يحجّه ، وكان تكره العلماء مجالسته لخبث لسانه وفساد ضميره ، فاتى ابا عبداللَّه عليه السلام فجلس إليه في جماعة من نظرائه .
فقال : يا اباعبداللَّه ان المجالس بالامانات ، ولابدّ لكل من به سعال ان يسعل ، أفَتَأْذنُ لي في الكلام ؟ فقال : تكلَّم .
فقال : إلى كم تدوسون هذا البيدر ، وتلوذون بهذا الحجر ، وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر ، وتهرولون حوله كهرولة البعير إذا نفر ، إن من فكّر في هذا وقدّر علم انّ هذا فعل أسّسَه غير حكيم ولا ذى نظر ، فقل فانّك رأس هذا الأمر وسنامه ، وابوك اُسّه ونظامه .
ص: 305
فقال ابوعبداللَّه عليه السلام : انّ من أضلّه اللَّه وأعمى قبله استوخم الحق ولم يستعذ به وصار الشيطان وليَّه ، يورده مناهل الهلكة ثمّ لا يصدره ، وهذا بيت استعبد اللَّه به عباده ليختبر طاعتهم في اتيانه ، فحثم على تعظيمه وزيارته ، وجعله محلّ انبيائه وقبلةً للمصلّين له ، فهو شعبة من رضوانه ، وطريق يؤدّي إلى غفرانه ، منصوب على استواءِ الكمال ، ومجتمع العظمة والجلال ، خلقه اللَّه قبل دحو الأرض بالفي عام .
فأحقّ من اطيع فيما أمر وانتهى عما نهى عنه وزجر ، اللَّهُ الْمُنْشئ للأرواح والصّور(1) .
شبّه عليه السلام ورود الحاج على البيت الحرام بورود الانعام على الماء للشرب ، ووجه الشبه الاجتماع والتزاحم ، ومن ذلك سمّى ببكة .
قال القمي رحمه الله : وقوله : « إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ »(2) قال : معنى بكة ان الناس يبك بعضهم بعضاً في الرخام(3) .
وعن الحلبي قال : سألت اباعبداللَّه عليه السلام لم سمّيت مكة بكة ؟ قال : لا ن الناس يبك بعضهم بعضاً فيها بالايدي(4) .
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « إنّما سمّيت مكّة بكّة لأنّ الناس يتباكون فيها »(5) .
وعن عبداللَّه بن سنان قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام لِمَ سمّيت الكعبة بكّة ؟ فقال عليه السلام : « لبكاء الناس حولها وفيها »(6) .
ص: 306
وفي « الفقيه » روى ان الكعبة شكت إلى اللَّه عزوجل في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات اللَّه عليهما ، فقالت : يا ربّ مالي قلّ زوّاري ما لي قلّ عُوّادي ، فأوحى اللَّه جل جلاله اليها انّي منزل نوراً جديداً على قوم يحنّون إليك كما تَحِنُّ الانعام إلى أولادها ويزفّون إليك كما تزف النسوان إلى أزواجها يعني امة محمد صلى الله عليه وآله(1) .
عن محمد بن سنان ان اباالحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله : ان علة الحج الوفادة إلى اللَّه تعالى وطلب الزيادة والخروج من كل ما اقترف وليكون تائباً مما مضى ، مستأنفا لما يستقبل ، وما فيه من استخراج الاموال وتعب الابدان وحظرها عن الشهوات واللذات ، والتقرب في العبادة إلى اللَّه عزوجل ، والخضوع والاستكانة والذل شاخصاً في الحر والبرد ، والامن والخوف دائباً في ذلك دائماً ، وما في ذلك لجميع الخلق من المنافع والرغبة ، والرهبة إلى اللَّه سبحانه وتعالى ، ومنه ترك قساوة القلب و خساسة الانفس ، ونسيان الذكر ، وانقطاع الرجاء والامل ، وتجديد الحقوق ، وحظر الانفس عن الفساد ، ومنفعة من في المشرق والمغرب ، ومن في البر والبحر ممن
ص: 307
يحج وممن لا يحج من تاجر وجالب وبائع و مشتري وكاسب ومسكين ، وقضاء حوائج أهل الأطراف والمواضع الممكن لهم الاجتماع فيها كذلك ليشهدوا منافع لهم ، وعلة فرض الحج مرّة واحدة لأنّ اللَّه تعالى وضع الفراض على ادنى القوم قوة ، فمن تلك الفرائض الحج المفروض واحد ثم رغب أهل القوة على قدر طاعتهم(1) .
قال تعالى مخاطباً لإبراهيم عليه السلام : « وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَميقٍ »(2) ، قال علي بن إبراهيم : ولمّا فرغ إبراهيم من بناء البيت امره اللَّه ان يؤذن في الناس بالحج ، فقال : يا رب وما يبلغ صوتي ، فقال اللَّه : أذّن ، عليك الأذان وعليّ البلاغ ، وارتفع على المقام وهو يومئذ ملصق بالبيت ، فارتفع المقام حتى كان اطول من الجبال فنادى وأدخل إصبعيه في أذنيه وأقبل بوجهه شرقاً وغرباً يقول : ايها الناس ، كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فاجيبوا ربكم ، فاجابوه من تحت البحور السبعة ومن بين المشرق والمغرب إلى منقطع التراب من اطراف الأرض كلها ومن اصلاب الرجال وارحام النساء بالتلبية : لبيك اللّهمّ لبيك ، أو لا ترونهم يأتون يلبّون ، فمن حج من يومئذ إلى يوم القيامة فهم ممن استجاب للَّه وذلك قوله : « فيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهيمَ »(3) يعني نداء إبراهيم على المقام بالحج(4) .
ص: 308
وعن أبي جعفر عليه السلام قال : « انّ اللَّه جلّ جلاله لمّا أمر ابراهيم عليه السلام ينادي في الناس بالحج قام على المقام فارتفع به حتّى صار بازاء أبي قبيس فناداى في الناس بالحج فاسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى أن تقوم الساعة »(1) .
وعن الحلبي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سألته لِمَ جعلت التلبية ؟ فقال عليه السلام : « انّ اللَّه عزّوجلّ أوحى إلى إبراهيم عليه السلام « وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً »(2) فنادى فأجيب « مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَميقٍ »(3) يلبّون »(4) .
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : لمّا امر ابراهيم وإسماعيل عليهما السلام ببناء البيت وتمّ بناؤه قعد إبراهيم على ركن ثمّ نادى هلم الحج هلم الحج ، فلو نادى هلموا إلى الحج لم يحج إلّا من كان يومئذ انسيّاً مخلوقاً ، ولكنّه نادى هلمّ الحج ، فلبّي الناس في اصلاب الرجال : لبيك داعي اللَّه ، لبيك داعي اللَّه عزوجلّ ، فمن لبّي عشراً يحج عشراً ومن لبّي خمساً يحج خمساً ومن لبّي أكثر من ذلك فبعدد ذلك، ومن لبّي واحداً حجّ واحداً ، ومن لم يلبّ لم يحجّ(5) .
ص: 309
امّا الأنبياء الواقفون في تلك المواقف أولهم آدم عليه السلام ، ويدلّ عليه ما رواه علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : ان آدم عليه السلام بقى على الصفا أربعين صباحاً ساجداً يبكي على الجنة وعلى خروجه من الجنة من جوار اللَّه عزوجل ، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال : يا آدم مالك تبكي ؟ فقال : يا جبرئيل : ما لي لا ابكي وقد أخرجني اللَّه من الجنة من جواره واهبطني إلى الدنيا ، فقال : يا آدم تب إلى اللَّه ، قال : وكيف اتوب ؟ فانزل اللَّه عليه قبة من نور ، فيه موضع البيت ، فسطع نورها في جبال مكة فهو الحرم ، فامر اللَّه جبرئيل ان يضع عليه الأعلام ، قال : قم يا آدم ، فخرج به يوم التروية وامره ان يغتسل ويحرم ، واخرج من الجنة أول يوم من ذي القعدة ، فلما كان يوم الثامن من ذي الحجة أخرجه جبرئيل عليه السلام إلى منى فبات بها فلمّا أصبح أخرجه إلى عرفات وقد كان علمه حين اخرجه من مكة الاحرام وعلمه التلبية ، فلمّا زالت الشمس يوم عرفة قطع التلبية وامره ان يغتسل ، فلمّا صلّى العصر أوقفه بعرفات وعلمه الكلمات التي تلقاها من ربه و هي « سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلّا انت عملت سوءً وظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي انك أنت الغفور الرحيم ، سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلّا أنت عملت سوءً وظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي انك خير الغافرين ، سبحانك اللّهمّ وبحمدك لا إله إلّا انت عملت سوءً وظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي انّك انت التواب الرحيم » ، فبقى إلى أن غابت الشمس رافعاً يديه إلى السماء يتضرع ويبكي إلى اللَّه ، فلما غابت الشمس ردّه إلى المشعر فبات بها ، فلما أصبح قام على المشعر الحرام فدعا اللَّه تعالى بكلمات
وتاب إليه ، ثم افضى إلى منى وامره جبرئيل ان يحلق الشعر الذي عليه فحلقه ، ثم ردّه إلى مكة ، فأتى به عند الجمرة الأولى ، فعرض له إبليس عندها فقال : يا آدم ! أين تريد ؟ فأمره جبرئيل ان يوميه بسبع حصيات فرمى وان يكبر مع كل حصاة تكبيرة ففعل ، ثم ذهب فعرض له إبليس عند الجمرة الثانية فأمره ان يرميه بسبع حصيات فرمى وكبر مع حصاة تكبيرة ، ثم ذهب فعرض له إبليس عند الجمرة الثالثة فأمره ان يرميه بسبع حصيات عند كل حصاة تكبيرة ، فذهب إبليس لعنه اللَّه ، وقال له جبرئيل : إنّك لن تراه بعد هذا اليوم ابداً ، فانطلق به إلى البيت الحرام وأمره ان يطوف به سبع مرات ، ففعل ، فقال له : ان اللَّه قد قبل توبتك وحلت لك زوجتك ، قال : فلمّا قضى آدم حجة لقيته الملائكة بالابطح فقالوا : يا آدم برحجك أما أنّا قد حججنا قبلك هذا البيت بألفى عام(1) .
وقال أبوجعفر عليه السلام : أتى آدم عليه السلام هذا البيت ألف أتيه على قدميه منها سبعمائة حجّة وثلاثمائة عمرة وكان يأتيه من ناحية الشام ، وكان يحج على ثور ، والمكان الذي يبيت فيه عليهم السلام الحطيم وهو ما بين باب البيت والحجر الأسود ، وطاف آدم عليه السلام قبل أن ينظر إلى حواء مائة عام ، وقال له جبرئيل عليه السلام : حيّاك اللَّه وبيّاك يعني أضحك اللَّه(2) .
وعن أبي عبداللَّه عن أبيه عليهما السلام قال : كان موضع الكعبة ربوة من الأرض بيضاء تضي ء كضوء الشمس والقمر حتى قتل ابنا آدم احدهما صاحبه فاسودّت ، فلمّا نزل آدم عليه السلام رفع اللَّه عزّوجلّ له الارض كلها حتى رآها ، ثم قال : هذه لك كلُّها ،
ص: 310
قال : يا ربّ ما هذه الأرض البيضاء المنيرة ؟ قال : هي حرمي في أرضي وقد جعلت عليك أن تطوف بها كل يوم سبعمائة طواف(1) .
ومنهم نوح النبيّ عليه السلام قال الصدوق : وروى أنه كان طول سفينة نوح عليه السلام الفاً ومائتي ذراع ، وعرضها مائة ذراع ، وطولها في السماء ثمانين ذراعاً ، فركب فيها فطافت بالبيت سبعة اشواط وسعت بين الصفا والمروة سبعاً ثمّ استوت على الجودي(2) .
وعن أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام قال : « سمعت أبي يحدّث عطا قال : كان طول سفينة نوح عليه السلام ألفاً ومأتي ذراع وكان عرضها ثمانمائة ذراع وعمقها ثمانين ذراعاً فطافت بالبيت وسَعَتْ بين الصفا والمروة سبعة أشواط ثمّ استوت على الجوديّ »(3)
ومنهم إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، قال القمي : فلما بناه وفرغ منه حج إبراهيم عليه السلام وإسماعيل ونزل عليهما جبرئيل عليه السلام يوم التروية لثمان من ذي الحجة فقال : يا إبراهيم قم فارتو من الماء ، لانه لم يكن بمنى وعرفات ماء فسمّيت التروية لذلك ، ثم أخرجه إلى منى ، فبات بها ، ففعل به ما فعل بآدم عليه السلام(4) .
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : امر اللَّه عزوجل إبراهيم عليه السلام ان يحجّ ويحجّ إسماعيل معه ويسكنه الحرم فحجّا على جمل احمر وما معهما إلّا جبرئيل عليه السلام الحديث(5) .
ص: 311
ومنهم موسى عليه السلام : قال الصدوق : وروى ان موسى عليه السلام احرم من رملة مصر وانه مر في سبعين نبيّاً على صفائح الروحاء ، عليهم العباء القطوانية ، يقول : لبيك عبدك وابن عبديك لبّيك(1) .
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : مرّ موسى النبي عليه السلام بصفاح الروحاء على جمل احمر ، خطامه من ليف ، عليه عبائتان قطوانيتان ، وهو يقول : لبيك يا كريم لبيك(2) .
وقال الصادق عليه السلام : لمّا حجّ موسى عليه السلام نزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال له موسى : يا جبرئيل ما لمن حج هذا البيت بلا نية صادقة ولا نفقة طيبة ؟
قال : لا أدري حتى ارجع إلى ربي عزوجل ، فلمّا رجع قال اللَّه عزوجلّ : يا جبرئيل ما قال لك موسى ؟ وهو اعلم بما قال ، قال : يا ربّ قال لي : ما لمن حج هذا البيت بلا نية صادقة ولا نفقة طيبة ؟ قال اللَّه عزوجلّ : ارجع إليه وقل له اهب له حقي واُرضي عنه خلقي ، قال : فقال : يا جبرئيل فما لمن حج هذا البيت بنية صادقة ونفقة طيبة ؟ قال : فرجع إلى اللَّه تعالى ، فأوحى اللَّه إليه ، قل له اجعله في الرفيق الاعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً(3) .
ومنهم يونس بن متى عليه السلام كما في « الفقيه » : مرّ يونس بن متى عليه السلام بصفائح الروحاء وهو يقول : لبيك كشّاف الكرب العظام لبّيك(4) .
ص: 312
ومنهم سليمان بن داود عليه السلام ، عن زرارة ، عن أبي جفعر عليه السلام : انّ سليمان بن داود حجّ البيت في الجن والانس والطير والرياح ، وكسا البيت القباطي(1) .
وروى ابوبصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : ان آدم عليه السلام هو الذي بني البيت ووضع اساسه ، وأول من كساه الشعر ، وأول من حجّ إليه ، ثم كساه تُبَّع بعد آدم عليه السلام الانطاع ، ثم كساه إبراهيم عليه السلام الخصف ، وأول من كساه الثياب سليمان بن داود عليه السلام كساه القباطي(2) .
ومنهم عيسى بن مريم : عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : مرّ عيسى بن مريم عليه السلام بصفائح الرّوحاء وهو يقول : لبّيك عبدك وابن امتك لبّيك(3) .
ومنهم النبيّ صلى الله عليه وآله فقد حجّ عشرين حجّة كما روى الصدوق رحمه الله في « الفقيه » انه صلى الله عليه وآله حجّ عشرين حجة مستسرّاً(4) وكذلك أولاده المعصومون سلام اللَّه عليهم أجمعين .
عن محمد بن سنان ان الرضا عليه السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله علة الطواف بالبيت ، ان اللَّه تبارك وتعالى قال للملائكة : « إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَليفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ »(5) فردّوا على اللَّه تبارك
ص: 313
وتعالى هذا الجواب ، فعلموا انهم اذنبوا فندموا فلاذوا بالعرش فاستغفروا ، فأحبّ اللَّه تعالى ان يتعبد بمثل ذلك العباد ، فوضع في السماء الرابعة بيتاً بحذاء العرش يسمى الضراح ، ثم وضع في السماء الدنيا بيتاً يسمى البيت المعمور بحذاء الضراح ، ثم وضع هذا البيت بحذاء البيت المعمور ، ثم أمر آدم فطاف به ، فتاب اللَّه عليه وجرى ذلك في ولده إلى يوم القيامة(1) .
بل ورد ان الملائكة طافوا بالكعبة أيضاً كالعرش قال القمي كما مر : فلمّا قضى آدم حجه لقيته الملائكة بالابطح فقالوا : يا آدم برحجّك اما انّا قد حججنا قبلك هذا البيت بالفي عام(2) .
وجاء في الخبر : ان حول العرش سبعين ألف صف قيام قد وضعوا أيديهم على عواتقهم رافعين أصواتهم بالتكبير والتهليل ، ومن ورائهم مائة ألف صف قد وضعوا الايمان على الشمائل ما منهم أحدٌ إلّا وهو يسبّح(3) .
وفي رواية طويلة لعلي بن إبراهيم بإسناده عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي عبداللَّه ، عن آبائه ، عن أميرالمؤمنين عليهم السلام المسوقة لابتداء خلق آدم عليه السلام بعد ما ذكر عليه السلام قوله تعالى للملائكة : « إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَليفَةً » ، وقولهم له : « أَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ » ، قال عليه السلام : «فقالت الملائكة : يا ربّنا افعل ما شئت « لا علم لنا إلّا ما علّمتنا انّك أنت العليم الحكيم » ، قال : فباعدهم اللَّه من العرش مسيرة خمسمائة عام ، قال : فلاذوا بالعرش واشاروا بالاصابع ، فنظر
ص: 314
الرب عزوجلّ إليهم ونزلت الرحمة ، فوضع لهم البيت المعمور ، فقال : طوفوا به ودعوا العرش ، فانه لي رضى فطافوا به وهو البيت الذي يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون ابدا ، فوضع اللَّه البيت المعمورة توبة لاهل السماء ووضع الكعبة توبة لأهلِ الأرض» ، الحديث(1) .
عن هشام بن الحكم قال : سألت اباعبداللَّه عليه السلام : فقلت له : ما العلة التي من اجلها كلف اللَّه العباد الحج والطواف بالبيت ؟ فقال : «ان اللَّه تعالى خلق الخلق لا لعلة إلّا انّه شاء ففعل فخلقهم إلى وقت مؤجل ، وأمرهم ونهاهم ما يكون من أمر الطاعة في الدين ومصلحتهم من أمر دنياهم فجعل فيه الاجتماع من المشرق والمغرب ليتعارفوا ، وليتربح كل قوم من التجارات من بلد إلى بلد ، ولينتفع بذلك المكاري والجمال ، ولتعرف آثار رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وتعرف اخباره ، ويذكر ولا ينسى ، ولو كان كل قوم إنما يتكلون على بلادهم وما فيها هلكوا ، وخرجت البلاد وسقط الجلب والارباح وعميت الاخبار»(2) .
وقال ابوجعفر الباقر عليه السلام : الحج والعمرة سوقان من اسواق الآخرة اللازم لهما من اضياف اللَّه عزوجلّ ، ان ابقاه ابقاه ولا ذنب له ، وان اماته ادخله الجنة(3) .
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : «ان للَّه تبارك وتعالى حول الكعبة عشرين ومائة
ص: 315
رحمةٍ ، منها ستون للطائفين ، واربعون للمصلين ، وعشرون للناظرين»(1) .
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : «من نظر إلى الكعبة بمعرفة فعرف من حقنا وحرمتنا مثل الذي عرف من حقها وحرمتها غفر اللَّه له ذنوبه وكفاه هَمَّ الدنيا والآخرة»(2) .
وقال أميرالمؤمنين عليه السلام : «ما من مهلّ يهلّ في التلبية إلّا أهّل مَن عن يمينه من شي ء إلى مقطع التراب ومَن عن يساره إلى مقطع التراب ، وقال له الملكان : أبشر يا عبداللَّه ، وما يبشّر اللَّه عبداً إلّا بالجنة ، ومن لبّي في احرامه سبعين مرّة ايماناً واحتساباً أشهد اللَّه له ألف ملك ببرائة من النار ، وبرائة من النفاق ، ومن انتهى إلى الحرم فنزل واغتسل واخذ نعليه بيده ثم دخل الحرم حافياً تواضعاً للَّه عزّوجلّ محا اللَّه عنه مائة ألف سيئة ، وكتب اللَّه له مائة ألف حسنة ، وبنى اللَّه له مائة ألف درجة ، وقضى له مائة ألف حاجة ، ومن دخل مكة بسكينة ووقار غفر اللَّه له ذنبه وهو ان يدخلها غير متكبر ولا متجبّر ، ومن دخل المسجد حافياً على سكينة ووقار وخشوع غفر اللَّه له ، ومن نظر إلى الكعبة عارفاً بحقها غفر اللَّه له ذنوبه وكفى ما اهمّه»(3) .
وروى الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن محمد بن قيس قال : سمعت أباجعفر عليه السلام يحدّث الناس بمكة قال : «صلّى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله باصحابه الفجر ثمّ جلس معهم يحدّثهم حتى طلعت الشمس ، فجعل يقول الرجل بعد الرجل حتى لم يبق معه إلّا رجلان انصاري وثقفي . فقال لهما رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : قد علمت انّ لكما
ص: 316
حاجة تريدان ان تسألاني عنها ، فان شئتما اخبرتكما بحاجتكما قبل ان تسألاني ، وان شئتما فاسألاني . قالا : بل تخبرنا انت يا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فان ذلك أجلى للعمى وابعد من الارتياب واثبت للايمان ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : أما أنت يا اخا الانصار فانك من قوم يؤثرون على انفسهم وانت قروى وهذا الثقفي بدوي ، افتؤثره بالمسألة ؟ قال : نعم ، قال : اما انت يا أخاثقيف فانك جئت تسألني عن وضوئك وصلاتك ومالك فيهما ، فاعلم انّك اذا ضربت يدك في الماء وقلت : بسم اللَّه الرحمن الرحيم تناثرت الذنوب التي اكتسبتها يداك ، فاذا غسلت وجهك تناثرت الذنوب التي اكتسبتها عيناك بنظرهما وفوك بلفظه ، فاذا غسلت ذراعيك تناثرت الذنوب عن يمينك وشمالك ، فاذا مسحت رأسك وقدميك تناثرت الذنوب التي مشيت إليها على قدميك ، فهذا لك في وضوئك ، فاذا قمت إلى الصلاة وتوجّهت وقرأت امّ الكتاب وما تيسّر لك من السوّر ثم ركعت فاتممت ركوعها وسجودها وتشهدت وسلّمت غفر لك كل ذنب فيما بينك وبين الصلاة التي قدّمتها إلى الصلاة المؤخرة ، فهذا لك في صلاتك .
وأما أنت يا أخا الانصار ، فانك جئت تسألني عن حجك وعمرتك ومالك فيهما من الثواب ، فاعلم انك اذا توجّهت إلى سبيل الحج ثم ركبت راحلتك وقلت : بسم اللَّه ومضت بك راحلتك لم تضع راحلتك خُفّاً ولم ترفع خفّاً إلّا كتب اللَّه عزوجل لك حسنة ، ومحا عنك سيئة ، فاذا احرمت ولبّيت كتب اللَّه تعالى لك في كل تلبية عشر حسنات ، ومحا عنك عشر سيئات ، فاذا طفت بالبيت اسبوعاً كان لك بذلك عند اللَّه عهد و ذكر يستحيي منك ربّك أن يعذّبك بعده ، فاذا صلّيت عند المقام ركعتين كتب اللَّه لك بهما ألفى ركعة مقبولة ، واذا سعيت بين الصفا والمروة سبعة
ص: 317
اشواط كان لك بذلك عند اللَّه عزّوجلّ مثل اجر من حجّ ماشياً من بلاده ومثل أجر من اعتق سبعين رقبة مؤمنة ، واذا وقفت بعرفات إلى غروب الشمس فلو كان عليك من الذنوب مثل رمل عالج وزبد البحر لغفرها اللَّه لك ، فاذا رميت الجمار كتب اللَّه لك بكلّ حصاة عشر حسنات فيما تستقبل من عمرك ، فاذا حلقت رأسك كان لك بعدد كل شعرة حسنة تكتب لك فيما تستقبل من عمرك ، فاذا ذبحت هديك أو نحرت بدنتك كان لك بكل قطرة من دمها حسنة تكتب لك فيما تستقبل من عمرك ، فاذا طفت بالبيت اسبوعاً للزيارة وصلّيت عند المقام ركعتين ضرب ملك كريم على كتفيك فقال : أمّا ما مضى فقد غُفر لك فاستأنف العمل فيما بينك وبين عشرين ومائة يوم»(1) .
قال تعالى : « وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقينَ »(2) .
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : «مرّ عمر بن الخطاب على الحجر الأسود فقال : واللَّه يا حجر إنّا لنعلم انك حجر لا تضر ولا تنفع إلّا أنّا رأينا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يحبّك فنحن نحبّك ، فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام : كيف يابن الخطاب ؟ فواللَّه ليبعثنه اللَّه يوم القيامة وله لسان وشفتان فيشهد لمن وافاه وهو يمين اللَّه في أرضه يبايع بها خلقه ، فقال عمر : لا ابقانا اللَّه في بلد لا يكون فيه علي بن أبي طالب»(3) .
ص: 318
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : «لا يزال الدين قائماً ما قامت الكعبة»(1) .
وفي « الفقيه » وقال عليه السلام : «ما خلق اللَّه عزوجل في الأرض بقعة أحب إليه من الكعبة ولا أكرم عليه منها ، ولها حرّم اللَّه عزوجلّ الاشهر الحُرُم الأربعة في كتابه يوم خلق السموات والأرض»(2) .
قال تعالى : « وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً »(3) وقال سبحانه حكاية عن إبراهيم عليه السلام : « رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً »(4) .
قال في « الفقيه » : وروى ان من جنى جناية ثم لجأ إلى الحرم لم يقم عليه الحد ، ولا يطعم ولا يشرب ولا يسقى ولا يؤوي حتى يخرج من الحرم ، فيقام عليه الحدّ فان أتى ما يوجب الحد في الحرم اخذ به في الحرم لانه لم ير للحرم حرمة(5) .
وعن عبداللَّه بن سنان عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سألته عن قول اللَّه عزوجلّ « وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً »(6) . البيت عنى أم الحرم ؟ قال عليه السلام : « من دخل الحرم من
ص: 319
الناس مستجيراً به فهو آمن من سخط اللَّه ، ومن دخله من الوحش والطير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذي حتى يخرج من الحرم»(1) .
وعنه عليه السلام أيضاً قال : اذا احدث العبد في غير الحرم جناية ثم فرّ إلى الحرم لم يسع لاحد ان يأخذه في الحرم ، ولكن يمنع من السوق ولا يبايع ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلّم ، فانّه اذا فعل ذلك به يوشك ان يخرج فيؤخذ ، واذا جنى في الحرم جناية اقيم عليه الحدّ في الحرم لانه لم يدع للحرم حرمته(2) .
وعن حفص البختري قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن الرجل يجنى الجناية في غير الحرم ، ثمّ يلجأ إلى الحرم ، يقام عليه الحد ؟ قال عليه السلام : « لا ، ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلّم ولا يبايع ، فانّه إذا فعل ذلك به يوشك أن يخرج ، فيقام عليه الحدّ ، وإذا جنى في الحرم جنايةً أقيم عليه الحدّ من الحرم لأنّه لم يَرَ للحرم حرمةً »(3) .
وعن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن قوله : « وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً »(4) قال عليه السلام : « يأمن فيه كلّ خائف ما لم يكن عليه حد من حدود اللَّه ينبغي أن يؤخذ به » قلت : فيأمن فيه من حارب اللَّه ورسوله وسعى في الأرض فساداً ؟ قال عليه السلام : « هو مثل الذي نكر بالطريق فيأخذ الشاة أو الشي ء ، فيصنع به الامام ما شاء » قال : وسألته عن طائر(5) يدخل الحرم ، قال : « لا يؤخذ ولا يمسّ لأنّ اللَّه يقول : ومن دخله كان آمناً »(6) .
ص: 320
عن سماعة بن مهران عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سألته عن رجل لي عليه مال ، فغاب عني زماناً فرأيته يطوف حول الكعبة أفأتقاضا مالي ؟ قال : لا ، لا تسلّم عليه ولا تروّعه حتى يخرج من الحرم(1) .
وفيه أيضاً عن معاوية بن عمار قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : شجرة أصلها في الحل وفرعها في الحرم ، فقال : «حرم أصلها لمكان فرعها» ، قلت : فان أصلها في الحرم وفرعها في الحل ، فقال : حرم فرعها لمكان أصلها»(2) .
وفيه أيضاً عن حماد بن عثمان عن أبي عبداللَّه عليه السلام : في الشجرة ، يقلعها الرجل من منزله في الحرم ؟ قال عليه السلام : « ان بني المنزل والشجرة فيه فليس له ان يقلعها ، وان كانت نبتت في منزله وهو له فليقلعها »(3) .
وفيه أيضاً عن معاوية بن عمار قال : أتِىَ أبوعبداللَّه عليه السلام في المسجد ، فقيل له : انّ سبعاً من سباع الطير على الكعبة ليس يمرّ به شي ء من حمام الحرم إلّا ضَرَبَه فقال : انصبوا له واقتلوه فانه قد الحد(4) .
وفيه أيضاً عن زرارة انّ الحكم سأل أباجعفر عليه السلام عن رجل اهدى له حمامة في الحرم مقصوصة ، فقال أبوجعفر عليه السلام : « انتفها واحسن إليها واعلفها حتى اذا استوى ريشها فخلّ سبيلها »(5) .
ص: 321
قال الصدوق رحمه الله في « الفقيه » : وما أراد الكعبة احد بسوء الا غضب اللَّه عزوجل لها ، ونوى يوماً تبّع الملك ان يقتل مقاتله اهل الكعبة ويسبى ذرّيّتهم ثم يهدم الكعبة ، فسألت عيناه حتى وقعتا على خدّيه ، فسأل عن ذلك ، فقالوا : ما نرى الذي اصابك إلّا بما نويت في هذا البيت ، لان البلد حرم اللَّه والبيت بيت اللَّه ، وسكّان مكة ذرّيّة إبراهيم خليل اللَّه ، فقال : صدقتم ، فما مخرجى مما وقعت فيه ؟ قالوا : تحدّث نفسك بغير ذلك ، فحدّث نفسه بخير ، فرجعت حدقتاه حتى ثبتتا في مكانهما ، فدعا القوم الذين اشاروا عليه بهدمها فقتلهم ، ثم أتى البيت فكساه الانطاع واطعم الطعام ثلاثين يوماً كلّ يوم مائة جزور حتى حملت الجفان إلى السباع في رؤوس الجبال ونثرت الاعلاف للوحوش ، ثم انصرف من مكة إلى المدينة فانزل بها قوماً من أهل اليمن من غسّان وهم الأنصار(1) ، - إلى أن قال - وقصده اصحاب الفيل وملكهم ابو يكسوم : أبرهة بن الصباح الحميري ليهدمه ، فأرسل اللَّه عليهم طيراً ابابيل ترميهم بحجارة من سجّيل ، فجعلهم كعصف مأكول . وانما لم يجر على الحجاج ما جرى على تبّع واصحاب الفيل لان قصد الحجاج لم يكن إلى هدم الكعبة ، انّما كان قصده إلى ابن الزبير وكان ضدّاً لصاحب الحق ، فلمّا استجار بالكعبة اراد اللَّه أن يبيّن للناس انه لم يجره فامهل من هدمها عليه(2) .
ص: 322
قال أبو جعفر عليه السلام : « بنى الاسلام على خمسة ، على الصلوة والزكاة والحج » - الخبر -(1) .
عن سيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : « وحق الحج ان تعلم انه وفادة إلى ربّك ، وفرار إليه من ذنوبك ، وفيه قبول توبتك ، وقضاء الفرض الذي أوجبه اللَّه تعالى عليك »(2) .
قال تعالى : « وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَميقٍ »(3) .
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « الحاج والمعتبر وفد اللَّه ، ان سألوه اعطاهم ، وان دعوه اجابهم ، وان شفعوا شفعهم ، وان سكتوا ابتدأهم ، ويعوضون بالدرهم ألف ألف درهم »(4) .
ص: 323
فقال سبحانه : « وَللَّهِ ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمينَ »(1) .
وقبله « إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمينَ * فيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً » وقال عزّ من قائل : « وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّهِ ِ »(2) .
روى عن أبي الربيع الشامي قال : سئل أبوعبداللَّه عليه السلام عن قول اللَّه عزوجل : « وَللَّهِ ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبيلاً »(3) .
فقال : ما يقول الناس فيها ؟ فقيل له : الزاد والراحلة ، فقال عليه السلام : قد سئل أبوجعفر عليه السلام عن هذا . فقال : « هلك الناس اذاً لئن كان من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت به عياله ويستغني به عن الناس ينطلق إليه فيسلبهم ايّاه لقد هلكوا اذاً ، فقيل له : فما السبيل ؟ فقال : السعة في المال اذا كان يحج ببعض ويبقى بعض لقوت عياله ، أليس قد فرض اللَّه عزوجل الزكاة ؟ فلم يجعلها إلّا على من يملك مائتي درهم »(4) .
ص: 324
عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قلت له : اخبرني عن وجوه الكفر في كتاب اللَّه عزوجل . قال : الكفر في كتاب اللَّه على خمسة أوجه :
فمنها كفر الجحود ، والجحود على وجهين ، والكفر بترك ما امر اللَّه وكفر البرائة ، وكفر النعم ، فاما كفر الجحود فهو الجحود بالربوبية وهو قول من يقول : لا رب ولا جنة ولا نار وهو قول صنفين من الزنادقة يقال لهم : الدهرية وهم الذين يقولون : « وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ »(1) إلى أن قال : واما الوجه الآخر من الجحود على معرفة فهو ان يجحد الجاحد وهو يعلم انه حق ، قد استقر عنده وقد قال اللَّه عزوجلّ : « وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا »(2) وقال اللَّه تعالى : « وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرينَ »(3) فهذا تفسير وجهي الجحود .
والوجه الثالث من الكفر كفر النعم وذلك قوله تعالى يحكي قول سليمان عليه السلام « هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَني أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَريمٌ »(4) وقال : « لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ »(5)وقال : « فَاذْكُرُوني أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لي وَلا تَكْفُرُونِ »(6) .
ص: 325
والوجه الرابع من الكفر ترك ما امر اللَّه به وهو قول اللَّه عزوجل : « وَإِذْ أَخَذْنا ميثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَريقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ »(1) .
فكفّرهم بترك ما امر اللَّه عزوجل به ونسبهم إلى الايمان ولم يقبله منهم ولم ينفعهم عنده فقال : « فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ »(2) .
والوجه الخامس من الكفر كفر البرائة وذلك قوله عزوجل يحكي قول إبراهيم عليه السلام : « كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ »(3) يعني تبرّأنا منكم، الحديث(4) .
تارك الحج مع وجود الاستطاعة كافر لكن الحكم بالنجاسة من خواص الكفر على وجه الجحود في وصية رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : يا علي تارك الحج وهو مستطيع كافر يقول اللَّه تبارك وتعالى : « وَللَّهِ ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ
ص: 326
إِلَيْهِ سَبيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمينَ »(1) ، يا علي من سوّف الحج حتى يموت بعثه اللَّه يوم القيامة يهوديّاً أو نصرانيّاً(2) .
وفي ذلك الباب أيضاً : يا علي كفر باللَّه العظيم من هذه الامة عشرة :
القتات والسّاحر والدّيوث وناكح المرأة حراماً في دبرها وناكح البهيمة ومن نكح ذات محرم والساعي في الفتنة وبائع السلاح من أهل الحرب ومانع الزكاة ومن وجد سعةً فمات ولم يحجّ(3) .
روى محمد بن الفضيل قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول اللَّه عزوجلّ : « وَمَنْ كانَ في هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الآْخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبيلاً »(4) .
فقال عليه السلام : نزلت فيمن سوّف الحجّ - حجة الاسلام - وعنده ما يحج به فقال : العام احج ، العام احج حتى يموت قبل ان يحج(5) .
وعن معاوية بن عمار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سألته عن رجل لم يحجّ قط وله مال . قال عليه السلام : « هو ممن قال اللَّه : « وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى »(6) » ، قلت : سبحان اللَّه أعمى ؟ ! قال : « اعماه اللَّه عن طريق الجنة »(7) .
ص: 327
عن محمّد بن سنان انّ الرضا عليه السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله علّة الطواف بالبيت : « انّ اللَّه تبارك وتعالى قال للملائكة : « إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَليفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ »(1) فردّوا على اللَّه تبارك وتعالى هذا الجواب فعلموا انّهم أذنبوا فندموا فلاذوا بالعرش فاستغفروا فاحبّ اللَّه تعالى أن يتعبّد بمثل ذلك العباد ، فوضع في السماء الرابعة بحذاء العرش يسمّى الضراح ، ثمّ وضع في السماء الدنيا بيتاً يسمّى البيت المعمور بحذاء الضراح ثمّ وضع هذا البيت بحذاء البيت المعمور ، ثمّ أمر آدم فطاف به ، فتاب اللَّه عليه وجرى ذلك في ولده إلى يوم القيامة »(2) .
عن محمّد بن الحسن الهمداني قال : سألت ذاالنون المصري قلت : يا أبا الفيض لِمَ صير الموقف بالمشعر ولم يصير بالحرم ؟ قال : حدّثني من سأل الصادق عليه السلام ذلك فقال : « لأنّ الكعبة بيت اللَّه والحرم حجابه والمشعر بابه ، فلمّا ان قصده الزائرون وقّفهم بالباب حتّى اذن لهم بالدخول ، ثمّ وقّفهم بالحجاب الثاني وهو مزدلفة ، فلمّا نظر إلى طول تضرّعهم أمرهم بتقريب قربانهم ، فلمّا قرّبوا قربانهم وقضوا تفثهم وتطهّروا من الذنوب التي كانت لهم حجاباً دونه أمرهم بالزيادة على طهارة ، قال : فقلت : فلم كره الصيام في أيّام التشريق ؟ فقال عليه السلام : لأنّ القوم زوّار اللَّه وهم أضيافه وفي ضيافته ، ولا ينبغي للضيف أن يصوم عند من زاره واضافه »
ص: 328
قلت : فالرجل يتعلّق بأستار الكعبة ، ما يعني بذلك ؟ قال عليه السلام : « مثلُ ذلك مثلُ الرجل يكون بينه وبين الرجل جناية فيتعلّق بثوبه يستخذي له رجاء أن يهب له جرمه »(1) .
اعلم انه قد وردت اخبار مستفيضة دالة على تفضيل ارض كربلا على البيت الحرام وكونها حرم اللَّه سبحانه من قبله ، مثل ما رواه جعفر بن محمد بن قولويه في المزار باسناده عن ابن أبي يعفور عن أبي عبداللَّه عليه السلام في حديث ثواب زيارة الحسين عليه السلام قال : واللَّه لو انّي حدثتكم بفضل زيارته وبفضل قبره لتركتم الحج رأساً وما حج منكم احد ، ويحك اما تعلم ان اللَّه اتخذ [بفضل قبره ]كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل ان يتخذ مكة حرما ؟
قال ابن أبي يعفور فقلت له : قد فرض اللَّه على الناس حج البيت ولم يذكر زيارة قبر الحسين عليه السلام ، فقال : وان كان كذلك فان هذا شي ء جعله اللَّه هكذا ، اما سمعت قول أبي أميرالمؤمنين عليه السلام حيث يقول : ان باطن القدم احق بالمسح من ظاهر القدم ولكن اللَّه فرض هذا على العباد ، أو ما علمت ان الموقف لو كان في الحرم كان افضل لاجل الحرم ولكن اللَّه صنع ذلك في غير الحرم(2) .
وروى أيضاً باسناده عن عمر بن يزيد يباع السابري عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : ان ارض الكعبة قالت : من مثلي وقد بنى اللَّه بيته [بنى بيت اللَّه] على ظهري ويأتيني الناس من كل فج عميق ، وجعلت حرم اللَّه وامنه ، فأوحى اللَّه إليها أن كفي
ص: 329
وقري ، فوعزتي وجلالي ما فضل ما فضلت به فيما أعطيت به أرض كربلاء إلّا بمنزلة الإبرة غرست [غمست] في البحر فحملت من ماء البحر ، ولولا تربة كربلاء ما فضلتك ، ولولا ما تضمنته ارض كربلاء لما خلقتك و لا خلقت البيت الذي افتخرت به ، فقرّي واستقرّي وكوني دنياً متواضعاً ذليلاً مهيناً غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء وإلّا سخت بك وهويت بك في نار جهنم(1) .
وعن أبي الجارود عن علي بن الحسين عليه السلام قال : « اتخذ اللَّه ارض كربلاء حرماً قبل ان يتخذ مكة حرماً بأربعة وعشرين ألف عام »(2) .
وعن صفوان الجمال قال : سمعت اباعبداللَّه عليه السلام يقول : « ان اللَّه تبارك وتعالى فقضل الارضين والمياه بعضها على بعض ، فمنها ما تفاخرت ومنها ما بغت ، فما من ماء ولا أرض إلّا عوقبت لتركها التواضع للَّه حتى سلط اللَّه المشركين على الكعبة وارسل إلى زمزم ماء مالحا حتى أفسد طعمه ، وان ارض كربلاء و ماء الفرات أول أرض وأول ماء قدس اللَّه تبارك و تعالى فبارك اللَّه عليهما ، فقال لها : تكلمي بما فضلك اللَّه تعالى ، فقد تفاخرت الارضون والمياه بعضها على بعض ، قالت : انا ارض اللَّه المقدسة المباركة ، الشفاء في تربتي ومائي ولا فخر بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي ذلك ولا فخر على من دوني بل شكراً للَّه ، فاكرمها وزاد في تواضعها [وزادها لتواضعها] وشكرها اللَّه بالحسين عليه السلام واصحابه ، ثمّ قال ابوعبداللَّه عليه السلام : من تواضع للَّه رفعه اللَّه ومن تكبر وضعه اللَّه تعالى »(3) .
والحمد للَّه وصلّى اللَّه على رسوله رسول اللَّه وعلى آله آل اللَّه إلى يوم لقاء اللَّه
ص: 330
بسم الله الرحمن الرحيم
أَحْمَدُهُ اسْتِتْمَاماً لِنِعْمَتِهِ وَاسْتِسْلاماً لِعِزَّتِهِ وَاسْتِعْصَاماً مِنْ مَعْصِيَتِهِ وَأَسْتَعِينُهُ فَاقَةً إِلَى كِفَايَتِهِ إِنَّهُ لا يَضِلُّ مَنْ هَدَاهُ وَلا يَئِلُ مَنْ عَادَاهُ وَلا يَفْتَقِرُ مَنْ كَفَاهُ فَإِنَّهُ أَرْجَحُ مَا وُزِنَ وَأَفْضَلُ مَا خُزِنَ وَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً مُمْتَحَناً إِخْلاصُهَا مُعْتَقَداً مُصَاصُهَا نَتَمَسَّكُ بِهَا أَبَداً مَا أَبْقَانَا وَنَدَّخِرُهَا لِأَهَاوِيلِ مَا يَلْقَانَا فَإِنَّهَا عَزِيمَةُ الإِيمَانِ وَفَاتِحَةُ الإِحْسَانِ وَمَرْضَاةُ الرَّحْمَنِ وَمَدْحَرَةُ الشَّيْطَانِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالدِّينِ الْمَشْهُورِ وَالْعَلَمِ الْمَأْثُورِ وَالْكِتَابِ الْمَسْطُورِ وَالنُّورِ السَّاطِعِ وَالضِّيَاءِ اللّامِعِ وَالْأَمْرِ الصَّادِعِ إِزَاحَةً لِلشُّبُهَاتِ وَاحْتِجَاجاً بِالْبَيِّنَاتِ وَتَحْذِيراً بِالْآيَاتِ وَتَخْوِيفاً بِالْمَثُلاتِ وَالنَّاسُ فِي فِتَنٍ انْجَذَمَ فِيهَا حَبْلُ الدِّينِ وَتَزَعْزَعَتْ سَوَارِي الْيَقِينِ وَاخْتَلَفَ النَّجْرُ وَتَشَتَّتَ الْأَمْرُ وَضَاقَ الْمَخْرَجُ وَعَمِيَ الْمَصْدَرُ فَالْهُدَى خَامِلٌ وَالْعَمَى شَامِلٌ عُصِيَ الرَّحْمَنُ وَنُصِرَ الشَّيْطَانُ وَخُذِلَ الإِيمَانُ فَانْهَارَتْ دَعَائِمُهُ وَتَنَكَّرَتْ مَعَالِمُهُ وَدَرَسَتْ سُبُلُهُ وَعَفَتْ شُرُكُهُ أَطَاعُوا الشَّيْطَانَ فَسَلَكُوا مَسَالِكَهُ وَوَرَدُوا مَنَاهِلَهُ بِهِمْ سَارَتْ أَعْلامُهُ وَقَامَ لِوَاؤُهُ فِي فِتَنٍ دَاسَتْهُمْ بِأَخْفَافِهَا وَوَطِئَتْهُمْ بِأَظْلافِهَا وَقَامَتْ عَلَى سَنَابِكِهَا فَهُمْ فِيهَا تَائِهُونَ حَائِرُونَ جَاهِلُونَ مَفْتُونُونَ فِي خَيْرِ دَارٍ وَشَرِّ جِيرَانٍ نَوْمُهُمْ سُهُودٌ وَكُحْلُهُمْ دُمُوعٌ بِأَرْضٍ عَالِمُهَا مُلْجَمٌ وَجَاهِلُهَا مُكْرَمٌ .
ص: 331
هُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ وَلَجَأُ أَمْرِهِ وَعَيْبَةُ عِلْمِهِ وَمَوْئِلُ حُكْمِهِ وَكُهُوفُ كُتُبِهِ وَجِبَالُ دِينِهِ بِهِمْ أَقَامَ انْحِنَاءَ ظَهْرِهِ وَأَذْهَبَ ارْتِعَادَ فَرَائِصِهِ .
زَرَعُوا الْفُجُورَ وَسَقَوْهُ الْغُرُورَ وَحَصَدُوا الثُّبُورَ لا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ أَحَدٌ وَلا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ وَعِمَادُ الْيَقِينِ إِلَيْهِمْ يَفِي ءُ الْغَالِي وَبِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي وَلَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلايَةِ وَفِيهِمُ الْوَصِيَّةُ وَالْوِرَاثَةُ الْآنَ إِذْ رَجَعَ الْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ وَنُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ .
ص: 332
قال تعالى : « لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزيدَنَّكُمْ »(1) .
قال تعالى : « وَما أُبَرِّئُ نَفْسي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي »(2) .
عن السكوني عن أبي عبداللَّه عليه السلام : « انّ النبي صلى الله عليه وآله بعث بسريّة(3) فلمّا رجعوا قال صلى الله عليه وآله : مرحباً بقوم قضوا جهاد الأصغر وبقي الجهاد الأكبر ، قيل : يا رسول اللَّه وما الجهاد الأكبر ؟ قال صلى الله عليه وآله : جهاد النفس »(4) .
قال تعالى : « إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعينُ »(5) .
عن حفص بن غياث قال : قال أبو عبداللَّه عليه السلام : « إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربّه شيئاً إلّا أعطاه فلييأس من الناس كلّهم ولا يكون له رجاء إلّا عند اللَّه فاذا علم اللَّه
ص: 333
عزّوجلّ ذلك من قلبه لم يسأل اللَّه شيئاً إلّا أعطاه »(1) .
قال تعالى : « أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ »(2) .
وقال تعالى : « يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ »(3) .
قال تعالى : « وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ »(4) .
وقال تعالى : « وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزيزٍ ذِي انْتِقامٍ »(5) .
وقال تعالى : « مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً »(6) .
وقال تعالى : « مَنْ يَهْدِى اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ »(7) .
ص: 334
وقال تعالى : « وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبيلاً »(1) .
وقال تعالى : « مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ »(2) .
وقال تعالى : « وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ »(3) .
وقال تعالى : « وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ »(4) .
قال تعالى : « ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ »(5) .
قال أبو عبداللَّه عليه السلام : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : من قال : الحمد للَّه كما هو أهله ، شغل كتّاب السماء فيقولون : اللّهمّ انا لا نعلم الغيب ، فيقول : اكتبوها كما قالها عبدي وعليّ ثوابها(6) .
قال تعالى : « وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ »(7) ، وقال تعالى : « وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ
ص: 335
كَريمٌ »(1) إلى غير هذه من الآيات الكثيرة .
ومن السنّة أخبار كثيرة مثل ما رواه :
عبداللَّه بن اسحاق الجعفري عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : مكتوب في التوراة اشكُر من أنعم عليك واَنعِم على من شكرك ، فانه لا زوال للنعماء اذا شكرت ، ولا بقاء لها اذا كفِرَت ، الشكر زيادة في النعم وأمان من الغير(2) .
وعن معاوية بن وهب عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : من أعطى الشكر اعطى الزيادة يقول اللَّه عزّوجلّ : « لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزيدَنَّكُمْ »(3) .(4)
وعن عبيداللَّه بن الوليد قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : ثلاث لا يضرّ معهنّ شي ء : الدعاء عند الكرب والاستغفار عند الذنب والشكر عند النعمة(5) .
وروى معمّر بن خلّاد قال : سمعت أبا الحسن صلوات اللَّه عليه يقول : من حمد اللَّه على النعمة فقد شكره وكان الحمد أفضل من تلك النعمة(6) .
وروى سفيان بن عيينة عن عمّار الدهني قال : سمعت علي بن الحسين عليهما السلام يقول : إنّ اللَّه يحبّ كلّ قلب حزين ويحب كلّ عبد شكور ، يقول اللَّه تبارك وتعالى
ص: 336
لعبد من عبيده يوم القيامة أشكرت فلاناً ؟ فيقول : بل شكرتك يا ربّ ، فيقول : لم تشكرني اذ لم تشكره ، ثمّ قال : اشكركم للَّه اشكركم للناس(1) . إلى غير هذه من الأخبار .
عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : ما قلت ولا قال القائلون قبلي مثل لا إله إلّا اللَّه(2) .
فعن أبي حمزة قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : ما من شي ء أعظم ثواباً من شهادة أن لا إله إلّا اللَّه ، ان اللَّه عزّوجلّ لا يعدّ له شي ء ولا يشركه في الأُمور أحد(3) .
وعن السكوني عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : خير العبادة قول لا إله إلّا اللَّه(4) .
وعن أبي الطفيل عن علي عليه السلام قال : ما من عبد مسلم يقول : لا إله إلّا اللَّه إلّا صعدت تخرق كلّ سقف ، لا تمرّ بشي ء من سيّئاته إلّا طلستها حتّى تنتهي إلى مثلها من الحسنات فتقف(5) .
ص: 337
وعن الشيباني عن الرضا عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليهم السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : انّ للَّه عزّوجلّ عموداً من ياقوت أحمر رأسه تحت العرش وأسفله في الأرض السابعة السفلى فاذا قال العبد : لا اله إلّا اللَّه وحده لا شريك له ، اهتزّ العرش وتحرّك العمود ، فيقول اللَّه عزّوجلّ : اسكن يا عرشي ، فيقول : يا ربّ كيف اسكن وأنت لم تغفر لقائلها ، فيقول اللَّه تبارك وتعالى : اشهدوا سكّان سماواتي اني قد غفرت لقائلها(1) .
وعن عبدالسلام بن صالح الهروي قال : كنت مع علي بن موسى الرضا عليه السلام حين رحل من نيسابور وهو راكب بغلة شهباء فاذا محمد بن رافع وأحمد بن الحرث ويحيى بن يحيى واسحاق بن راهويه وعدّة من أهل العلم قد تعلّقوا بلجام بغلته في ا لمربعة فقالوا : بحقّ آبائك الطاهرين حدّثنا بحديث سمعته من أبيك ، فأخرج رأسه من العمارية وعليه مطرف خز ذو وجهين وقال : حدّثنا أبي العبد الصالح موسى بن جعفر ، قال : حدّثني أبي الصادق جعفر بن محمّد ، قال : حدّثني أبي أبو جعفر بن علي باقر علوم الأنبياء ، قال : حدّثني أبي علي بن الحسين سيّد العابدين ، قال : حدّثني أبي سيّد شباب أهل الجنّة الحسين ، قال : حدّثني أبي علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول : سمعت جبرئيل يقول : قال اللَّه جلّ جلاله : اني أنا اللَّه لا إله إلّا أنا فاعبدني ، من جاء منكم بشهادة أن لا إله إلّا اللَّه بالاخلاص دخل في حصني ومن دخل في حصني أمن من عذابي(2) وفي رواية اخرى نحوه وفي آخرها : فلمّا مرّت الراحلة نادانا بشروطها وأنا من شروطها(3) .
ص: 338
قال مصنّف هذا الكتاب رحمه الله من شروطها الاقرار للرضا عليه السلام بأنه امام من قبل اللَّه عزّوجلّ على العباد مفترض الطاعة عليهم(1) .
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله قال : قال اللَّه جلّ جلاله لموسى بن عمران : يا موسى لو أنّ السموات وعامريهنّ عندي والأرضين السبع في كفه ولا اله إلّا اللَّه في كفّة مالت بهنّ لا إله إلّا اللَّه(2) .
وعن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : لقّنوا موتاكم لا إله إلّا اللَّه فانها تهدم الذنوب ، فقالوا : يا رسول اللَّه فمن قال في صحته ؟ فقال صلى الله عليه وآله : ذاك اهدم وأهدم ، انّ لا اله إلّا اللَّه أنس للمؤمن في حياته وعند موته وحين يبعث ، وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : قال جبرئيل عليهما السلام : يا محمد لو تراهم حين يبعثون هذا مبيض وجهه ينادي لا إله إلّا اللَّه واللَّه أكبر وهذا مسود وجهه ينادي يا ويلاه يا ثبوراه(3) .
وعن عبداللَّه بن الوليد رفعه قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : من قال لا إله إلّا اللَّه غرست له شجرة في الجنّة من ياقوتة حمراء منبتها في مسك أبيض أبيض أحلى من العسل وأشدّ بياضاً من الثلج وأطيب ريحاً من المسك فيها ثمار أمثال أثداء الابكار تفلق عن سبعين حلّة(4) .
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : ان لا إله إلّا اللَّه كلمة عظيمة كريمة على اللَّه عزّوجلّ ، من
ص: 339
قالها مخلصاً استوجب الجنّة ومن قالها كاذباً عصمت ماله ودمه وكان مصيره إلى النار(1) .
وعن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وآله قال : من قال لا إله إلّا اللَّه مخلصاً دخل الجنّة واخلاصه بها أن يحجزه لا إله إلّا اللَّه عمّا حرّم اللَّه(2) .
وعن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : أتاني جبرئيل عليه السلام بين الصفا والمروة فقال : يا محمّد طوبى لمن قال من أُمّتك لا إله إلّا اللَّه مخلصاً(3) .
وعن أبان بن تغلب عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : يا أبان اذا قدمت الكوفة فارو هذا الحديث : من شهد أن لا إله إلّا اللَّه مخلصاً وجبت له الجنة ، قال : قلت له : انه يأتيني من كلّ صنف من الأصناف فأروي لهم هذا الحديث ؟ قال : نعم ، يا أبان إنه اذا كان يوم القيامة وجمع اللَّه الأوّلين والآخرين فيسلب منهم لا إله إلّا اللَّه إلّا من كان على هذا الأمر(4) .
وقد شهد له عليه السلام النبي صلى الله عليه وآله في كون ايمانه عليه السلام باللَّه تعالى ممتحناً اخلاصها معتقداً مصاصها في قوله صلى الله عليه وآله يا علي : ان الايمان خالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي الحديث(5) .
وأنبأ عليه السلام به عن نفسه في قوله : لو كشف الغطاء ماازددت يقيناً(6) .
ص: 340
في خبر سلسلة الذهب عن الرضا عليه السلام قال اللَّه عزّوجلّ : من جاء منكم بشهادة أن لا إله إلّا اللَّه بالاخلاص دخل في حصني ومن دخل في حصني أمن من عذابي(1) .
قال تعالى : « يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبيهِ * وَصاحِبَتِهِ وَبَنيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنيهِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ * تَرْهَقُها قَتَرَةٌ * أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ »(2) .
وقال تعالى : « فَأَمَّا مَنْ طَغى * وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا * فَإِنَّ الْجَحيمَ هِيَ الْمَأْوى * وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى »(3) .
قال تعالى : « لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصينَ لَهُ الدِّينَ »(4) .
أي ابتداء الاحسان وأوّله واضافته إليه من قبيل اضافة الجزئي إلى الكل ويدلّ على صحّة اطلاقه بذلك ما رواه في الأمالي عن موسى بن اسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام سنة خمسين
ص: 341
ومأتين قال : حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي بن أبي طالب عليه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ : « هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ »(1) قال : « سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول : إنّ اللَّه عزّوجلّ قال : ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلّا الجنّة »(2) .
ويحتمل أن تكون الاضافة لاميّة والفاتحة وصفاً من الفتح ضدّ الغلق والمعنى انّ الشهادة باعثة لفتح أبواب الاحسان ويدلّ عليه ما رواه في الاحتجاج عن أميرالمؤمنين عليه السلام : من قال لا إله إلّا اللَّه مخلصاً طمست ذنوبه كما يطمس الحرف الأسود من الرقّ الأبيض ، فان قال ثانية لا إله إلّا اللَّه مخلصاً خرقت أبواب السماوات وصفوف الملائكة حتّى يقول الملائكة بعضها لبعض : اخشعوا لعظمة اللَّه ، فاذا قال ثالثة لا إله إلّا اللَّه مخلصاً تنته دون العرش فيقول الجليل : اسكني فوعزّتي وجلالي لأغفرنّ لقائلك بما كان فيه ثمّ تلا هذه الآية : « إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ »(3) يعنى إذا كان عمله صالحاً ارتفع قوله وكلامه(4) .
عن أبي عبداللَّه جعفر عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : أتاني جبرئيل بين الصفا والمروة فقال : يا محمّد طوبى لمن قال من أُمّتك لا إله إلّا اللَّه وحده مخلصاً(1) .
قال تعالى حكاية عن الشيطان انه قال : « وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعينَ * إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الُْمخْلَصينَ »(2) .
وفي عدّة الداعي لأحمد بن فهد الحلّي قال : وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله : على كلّ قلب جاثم من الشيطان فاذا ذكر اسم اللَّه خنس الشيطان وذاب ، واذا ترك الذكر التقمه الشيطان فجذبه وأغواه واستزله واطغاه(3) .
وفي حديث آخر : الشيطان لعنه اللَّه على قلب ابن آدم ، له خرطوم مثل خرطوم الخنزير يوسوس لابن آدم اذا أقبل على الدنيا وما لا يحب اللَّه ، فاذا ذكر اللَّه عزّوجلّ انخس يريد رجع(4) .
قال تعالى في عبوديّته : « سُبْحانَ الَّذي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ الْبَصيرُ »(5) .
ص: 343
وقال تعالى : « فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْ حى »(1) .
عن زيد الشحّام قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : « إنّ اللَّه تبارك وتعالى اتّخذ ابراهيم عبداً قبل أن يتّخذه نبيّاً وانّ اللَّه اتّخذه نبيّاً قبل أن يتّخذه رسولاً وانّ اللَّه اتّخذه رسولاً قبل أن يتّخذه خليلاً وانّ اللَّه اتّخذه خليلاً قبل أن يجعله إماماً فلمّا جمع له الأشياء « قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً »(2) قال : فمن عظمها في عين ابراهيم « قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمينَ »(3) .
قال : لا يكون السفيه امام التقى(4) .
قال تعالى : « وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ »(5) .
وقال تعالى : « وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ »(6) .
عن أبي عبيدة الحذّاء عن أبي جعفر عليه السلام قال : من قال : أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله كتب اللَّه له ألف ألف حسنة(7) .
ص: 344
وعن بشر الأوزاعي عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السلام قال : من شهد أن لا إله إلّا اللَّه ولم يشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كتب له عشر حسنات فان شهد أنّ محمّداً رسول اللَّه كتب له ألفي ألف حسنة(1) .
وعن سهل بن سعد الأنصاري قال : سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عن قول اللَّه عزّوجلّ : « وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا »(2) قال : كتب اللَّه عزّوجلّ كتاباً قبل أن يخلق الخلق بألفي عام في ورق آس أنبته ثمّ وضعها على العرش ، ثمّ نادى : يا امّة محمّد إنّ رحمتي سبقت غضبي أعطيتكم قبل أن تسألوني ، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني ، فمن لقيني منكم يشهد أن لا إله إلّا أنا وأنّ محمّداً عبدي ورسولي أدخلته الجنّة برحمتي(3) .
وعن عمرو بن جميع عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : من سرّه أن يلقى اللَّه عزّوجلّ يوم القيامة وفي صحيفته شهادة أن لا إله إلّا اللَّه وانّي رسول اللَّه وتفتح له أبواب الجنّة الثمانية ويقال له : يا وليّ اللَّه أدخل من أيّها شئت ، فليقل اذا أصبح : الحمد للَّه الذي ذهب بالليل بقدرته ، وجاء بالنهار برحمته ، خلقاً جديداً ، مرحباً بالحافظين وحيّاهما اللَّه من كاتبين ويلتفت عن يمينه ثمّ يلتفت عن شماله ويقول : اكتبا : بسم اللَّه الرحمن الرحيم اني أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأشهد أنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ اللَّه يبعث من في القبور ، على ذلك أحيى وعليه أموت ، وعلى ذلك
ص: 345
اُبعث إن شاء اللَّه ، اللّهمّ اقرأ محمّداً وآله منّي السلام(1) .
وفي « عدّة الداعي » عن الباقر عليه السلام عن النبيّ صلى الله عليه وآله مثله وزاد في آخره : الحمد للَّه الذي ذهب بالليل بقدرته وجاء بالنهار برحمته ، خلقاً جديداً مرحباً بالحافظين ويلتفت عن يمينه حيّاكما اللَّه من كاتبين ويلتفت عن شماله(2) .
أوّل من سمّاه بذلك الاسم هو اللَّه سبحانه كما يدلّ عليه حديث عرض الأشباح لآدم عليه السلام حيث قال سبحانه : هذا محمّد وأنا الحميد والمحمود في فعالي ، شققت له من اسمي(3) .
ثمّ سمّاه عبدالمطلب بذلك الهاماً من اللَّه تعالى ، وتفاؤلاً بأنّه يكثر حمد الخلق له لكثرة خصاله الحميدة ، وقد قيل لجدّه عبدالمطلب - وقد سمّاه في يوم سابع ولادته ، لموت أبيه قبلها - : لِمَ سمّيت ابنك محمّداً وليس من أسماء آبائك ولا قومك ؟ فقال : رجوت أن يحمد في السماء والأرض ، وقد حقّق اللَّه رجائه(4) .
ذكر ابن عساكر : انه لما كان اليوم السابع من ولادته ذبح عنه ودعا قريشاً ، فلمّا أكلوا قالوا : يا عبدالمطلب أرأيت ابنك هذا الذي أكرمتنا على وجهه ما سمّيته ؟ قال : سمّيته محمّداً(5) .
ص: 346
وعن جعفر بن محمّد عليه السلام عن آبائه الطاهرين عن ابن عبّاس رضي اللَّه عنهم أجمعين قال : « اذا كان يوم القيامة نادى مناد ألا ليقم من اسمه محمّد فليدخل الجنّة لكرامة سميّه محمّد صلى الله عليه وآله»(1) .
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « لا يولد لنا ولد إلّا سمّيناه محمّداً فاذا مضى لنا سبعة أيّام فان شئنا غيّرنا وإن شئنا تركنا » هذا(2) .
قال تعالى في دينه صلى الله عليه وآله : « شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهيمَ وَمُوسى وَعيسى أَنْ أَقيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فيهِ »(3) .
وقال تعالى : « إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ »(4) .
كلامه عليه السلام اشارة إلى قوله تعالى : « ايْتُوني بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقينَ »(5) .
ص: 347
قال تعالى : « وَالطُّورِ * وَكِتابٍ مَسْطُورٍ * في رَقٍّ مَنْشُورٍ »(1) .
قال تعالى : « قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبينٌ »(2) ، وقال : « يَهْدي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ »(3) ، وقال تعالى : « الَّذينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجيلِ - إلى فَالَّذينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ »(4) .
وقال تعالى : « فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذي أَنْزَلْنا »(5) .
وقال تعالى : « وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْري مَا الْكِتابُ وَلاَ الْإيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً »(6) .
قال تعالى : « فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكينَ »(7) .
ص: 348
وقال تعالى : « وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ في ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ في كِتابٍ مُبينٍ »(1) .
قال تعالى : « لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ »(2) .
قال تعالى : « قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهيراً »(3) ، وقال - عزّوجلّ - « فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ »(4) وقال - جلّ وعلا - « فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقينَ »(5) .
وقال تعالى : « ادْعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ »(6) .
ص: 349
أي انذاراً بالآيات القرآنيّة . قال تعالى : « إِنَّ الْمُنافِقينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ »(1) ويحتمل أن يكون المراد بالآيات العقوبات النازلة بالعصاة كما قال تعالى : « أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ في ذلِكَ لآَياتٍ لِلْمُتَوَسِّمينَ »(2) ، وقال تعالى : « فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ »(3) .
وفي تفسير القمي : كان الوليد بن مغيرة شيخاً كبيراً مجرّباً من دهاة العرب ، وكان من المستهزئين برسول اللَّه صلى الله عليه وآله وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقعد في الحجرة ويقرأ القرآن فاجتمعت قريش إلى الوليد بن مغيرة ، فقالوا : يا أبا عبدالشمس ما هذا الذي يقول محمّد ، أشعر هو أم كهانة أم خطب ؟ فقال : دعوني أسمع كلامه ، فدنا من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقال : يا محمّد أنشدني من شعرك ، قال : ما هو شعر ولكنّه كلام اللَّه الذي ارتضاه لملائكته وأنبيائه ، فقال : اتل علي منه شيئاً ، فقرأ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حم السجدة فلمّا بلغ قوله : « فان أعرضوا » يا محمّد أعني قريشاً « فقل لهم أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود » ، قال : فاقشعرّ الوليد وقامت كلّ شعرة في رأسه ولحيته ومرّ إلى بيته ولم يرجع إلى قريش من ذلك - الخبر -(4) .
ص: 350
الأظهر انّ المراد بالتمثيل والتنكيل بجدع الأنف وقطع الاذن ونحوها وقد نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عنه وخوف له ، كما يدلّ عليه وصيّته عليه السلام الآتية في الكتاب للحسن والحسين عليهما السلام لمّا ضربه ابن ملجم : يا بني عبدالمطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً ، تقولون قتل أميرالمؤمنين ، ألا لا تقتلنّ بي إلّا قاتلي انظروا اذا أنا متّ من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربةٍ ولا تمثّلوا بالرجل فانّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول : إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور(1) .
وعن اسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : إنّ اللَّه عزّوجلّ يقول في كتابه : « وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً »(2) ، فما هذا الاسراف الذي نهى اللَّه عزّوجلّ منه ؟ قال : نهى أن يقتل غير قاتله أو يُمثّل بالقاتل(3) .
وفي مفتاح السعادة : فيه اشارة إلى العقوبات الواردة على الأمم السالفة بسبب عصيانهم وتمرّدهم عن طاعة اللَّه كقضيّة قوم لوط وقوم عاد وثمود وقوم نوح ويونس وغيرها كلّ ذلك لأنّ يعتبروا به ولا يحذو حذوهم من كان بعدهم كما قال اللَّه تعالى « إِنَّ في ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى »(4) .
وقال في المنجد : والمثلة أيضاً ما أصاب القرون الماضية من العذاب وهي عبر
ص: 351
يعتبر بها ، ج : مثلات(1) .
قال تعالى : « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَميعاً وَلا تَفَرَّقُوا »(2) .
قال تعالى : « يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ »(3) .
قال ابن قتيبة في « معارفه » كان جمع قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله على دين اللَّه تعالى - وعدّ منهم زيد بن عمرو ابن عمّ عمر - قال : فاولع [عمر بن] الخطاب به سفهاء مكّة فآذوه فخرج إلى الشام فقتله النصارى(4) وفي « سنن أبي داود » : انّ قريشاً أهمّتهم شأن المرأة المخزوميّة التي سرقت ، فقالوا : من يكلّم فيها - أي مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله - قالوا : ومن يجترئ إلّا أسامة بن زيد حبّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله فكلّمه اُسامة ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : يا اسامة أتشفّع في حدّ من حدود اللَّه ؟ ثمّ قال فاختطب فقال : إنّما هلك الذين من قبلكم انّهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف
ص: 352
تركوه ، واذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ ، وأيم اللَّه لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعت يدها(1) .
قال الجاحظ - كما نقل عنه ( ينابيع مودة الحنفي ) - : ان الخصومات نقصت العقول السليمة ، وأفسدت الأخلاق الحسنة ، من المنازعة في فضل أهل البيت على غيرهم ، فالواجب علينا طلب الحق واتباعه ، وطلب مراد اللَّه في كتابه وترك التعصّب والهوى ، وطرح تقليد السلف ، والأساتيذ والآباء ، واعلم ان اللَّه لو أراد ان يسوّى بين بني هاشم وبين الناس لما اختصّهم بسهم ذوى القربى ، ولما قال : « وَأَنْذِرْ عَشيرَتَكَ الْأَقْرَبينَ »(2) ولما قال : « وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ »(3) ، فاذن [فاذا] كان لقومه ما ليس لغيرهم ، فكلّ من كان أقرب منه صلى الله عليه وآله كان أرفع قدراً ، ولو سوّاهم اللَّه بالناس لما حرّم عليهم الصدقة ، وما هذا التحريم إلّا لكرامتهم على اللَّه وطهارتهم ، ولهذا قال عليّ كرم اللَّه وجهه على منبر الجماعة : « نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد »(4) .
وقال محمد بن جرير بن رستم الطبري : قال أميرالمؤمنين عليه السلام في خطبة له : هلك من قارن حسداً ، وقال باطلاً ، ووالى على عداوتنا ، أو شكّ في فضلنا ، انه لا يقاس بنا آل محمد من هذه الأمّة احد ، ولا سوّى بنا من جرت نعمتنا عليهم ، نحن
ص: 353
أطول الناس أغراساً ، ونحن أفضل الناس أنفاساً ، ونحن عماد الدين ، بنا يلحق التالي ، والينا يفئ الغالي ، ولنا خصائص حقّ الولاية ، وفينا الوصية والوراثة ، وحجة اللَّه عليكم في حجة الوداع يوم غدير خم ، وبذى الحليفة ، وبعده المقام الثالث باحجار الزيت ، تلك فرائض ضيّعتموها ، وحرمات انتهكتموها ، ولو سلّتم الأمر لأهله [سلمتم] ، ولو ابصرتم باب الهدى رشدتم ، اللهمّ اني قد بصّرتهم الحكمة ، ودللتهم على طريق الرحمة ، وحرصت على توفيقهم بالتنبيه والتذكرة ، ودللتهم على طريق الجنة بالتبصر والعدل والتأنيب ليثبت راجع ويقبل ، ويتعّظ مذّكر فلم يطع لي قول . اللهم انّي اعيد عليهم القول ليكون اثبت للحجة عليهم ، يا ايها الناس اعرفوا فضل من فضل اللَّه ، واختاروا حيث اختار اللَّه ، واعلموا انّ اللَّه قد فضّلنا أهل البيت بمنّة حيث يقول : « إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً »(1) ، فقد طهّرنا اللَّه من الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ومن كل دنيّة وكل رجاسة ، فنحن على منهاج الحق ، ومن خالفنا فعلى منهاج الباطل ، واللَّه لئن خالفتم أهل بيت نبيّكم لتخالفنّ الحق(2) .
وقال عليه السلام أيضاً : ولقد علم المستحفظون من اصحاب محمد صلى الله عليه وآله انه قال : اني وأهل بيتي مطهرون فلا تسبقوهم فتضلوا ، ولا تتخلفوا عنهم فتزلوا، ولا تخالفوهم فتجهلوا ، ولا تعلّموهم فانهم اعلم منكم ، هم اعلم الناس كباراً ، واحلم الناس صغاراً ، فاتبعوا الحق وأهله حيث كان(3) .
ص: 354
وعن جميل بن صالح عن أبي خالد الكابلي عن الأصبغ بن نباتة قال : دخل الحارث الهمداني على أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في نفر من الشيعة وكنت فيهم فجعل الحارث يتأود في مشيته ويخبط الأرض بمحجنه وكان مريضاً فاقبل عليه أميرالمؤمنين عليه السلام وكانت له منه منزلة ، فقال عليه السلام : كيف تجدك يا حارث ؟ فقال : نال الدهر يا أميرالمؤمنين مني وزادني أواراً وغليلاً اختصام اصحابك ببابك ، قال عليه السلام : وفيم خصومتهم ؟
قال : فيك وفي الثلاثة من قبلك ، فمن مفرط منهم غال ومقتصد قال (قال) ومن مترد ومرتاب لا يدري أيقدم أم يحجم ؟ فقال عليه السلام : حسبك يا أخا همدان ، ألا إن خير شيعتي النمط الأوسط إليهم يرجع الغالي وبهم يلحق التالي ، فقال له الحارث : لو كشفت فداك أبي وأمي الرين عن قلوبنا وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا ، قال عليه السلام : قدك ، فانك امرؤ ملبوس عليك ، ان دين اللَّه لا يعرف بالرجال ، بل بآية الحق ، فاعرف الحق تعرف أهله ، يا حارث ان الحق أحسن الحديث ، والصارع به مجاهد ، وبالحق أخبرك فأرعني سمعك ، ثم خبّر به من كان له حصافة من أصحابك ، ألا اني عبداللَّه وأخو رسوله وصديقه الأول صدقته وآدم بين الروح والجسد ، ثم اني صديقه الأول في امتكم حقّاً ، فنحن الأولون ، ونحن الآخرون ، ونحن خاصته يا حارث وخالصته ، وانا صنوه ووصيه ووليه وصاحب نجواه وسرّه ، أوتيت فيهم الكتاب وفصل الخطاب وعلم القرون والاسباب ، واستودعت الف مفتاح ، يفتح كل مفتاح ألف باب ، يفضي كل باب إلى ألف ألف عهد ، وأيدت واتخذت وأمددت بليلة القدر نفلاً ، وان ذلك يجري لي ولمن استحفظ من ذريتي ما جرى الليل والنهار حتى يرث اللَّه الأرض ومن عليها ، وأبشرك يا حارث
ص: 355
لتعرفني عند الممات وعند الصراط وعند الحوض وعند المقاسمة ، قال الحارث : وما المقاسمة يا مولاى ؟ قال عليه السلام : مقاسمة النار ، اقاسمها قسمة صحيحة أقول : هذا وليّي فاتركيه ، وهذا عدوي فخديه ، ثم أخذ اميرالمؤمنين عليه السلام بيد الحارث فقال : يا حارث أخذت بيدك كما أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بيدي ، فقال لي - وقد شكوت إليه حسد قريش والمنافقين لي - إنه إذا كان يوم القيامة أخذت بحبل اللَّه وبحجزته يعني عصمته من ذي العرش تعالى ، واخذت انت يا علي بحجزتي ، وأخذ ذريتك بحجزتك ، وأخذ شيعتكم بحجزتكم ، فماذا يصنع اللَّه بنبيه وما يصنع نبيه بوصيه ؟ خدها إليك يا حارث قصيرة من طويلة ، نعم أنت مع من أحببت ، ولك ما اكتسبت يقولهات ثلاثاً ، فقام الحارث يجرردائه وهو يقول : ما ابالي بعدها متى لقيت الموت أو لقيني .
قال جميل بن صالح(1) : وأنشدني أبوهاشم السيد الحميري رحمه الله(2) فيما تضمنه هذا الخبر :
قول علي لحارث عجب * كم ثم أعجوبة له حملا
يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا
يعرفني طرفه واعرفه * بنعته واسمه وما عملا
وانت عند الصراط تعرفني * فلا تخف عثرة ولا زللا
اسقيك من بارد على ظماٍ * تخاله في الحلاوة العسلا
ص: 356
أقول للنارحين توقف * للعرض دعية لا تقربى الرجلا
دعيه لا تقربيه ان له * حبلا بحبل الوصي متصلا(1)
عن خثيمة قال : قال لي أبوعبداللَّه عليه السلام : يا خثيمة نحن شجرة النبوة ، وبيت الرحمة ، ومفاتيح الحكمة ، ومعدن العلم ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، وموضع سرّ اللَّه(2) .
وعن سورة بن كليب قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : « واللَّه أنا لخزّان اللَّه في سمائه وأرضه ، لا على ذهب ولا على فضّة إلّا على علمه »(3) .
وعن سدير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك ، ما أنتم ؟ قال عليه السلام : « نحن خزّان علم اللَّه ، ونحن تراجمة وحي اللَّه ، ونحن الحجّة البالغة على من دون السماء ومن فوق الأرض »(4) .
وعن علي بن جعفر ، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال : « قال أبو عبداللَّه عليه السلام : انّ اللَّه عزّوجلّ خلقنافأحسن خلقنا ، وصوّرنا فأحسن صورنا ، وجعلنا خزانه في سمائه وأرضه ، ولنا نطقت الشجرة ، وبعبادتنا عُبد اللَّه عزّوجلّ ولولانا ما عُبِدَ اللَّه »(5) .
ص: 357
وعن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « انّ منّا لخزنة اللَّه في الأرض وخزنته في السماء ، لسنا بخزّان على ذهب ولا فضّة »(1) .
وعن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : واللَّه انّا لخزّان اللَّه في سمائه وخزّانه في أرضه ، لا على ذهب ولا على فضّة ، وانّ منّا لحملة العرش يوم القيامة »(2) .
وعن سدير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : « نحن خزّان اللَّه في الدنيا والآخرة ، وشيعتنا خزّاننا »(3) .
وعن حمران ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « انّ اللَّه تبارك وتعالى أخذ الميثاق على اولى العزم انّي ربّكم ، ومحمّد صلى الله عليه وآله رسولي ، وعليّ أميرالمؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزّان علمي ، وانّ المهدي انتصر به لديني »(4) .
وعن أبي بصير قال ، قال أبوعبداللَّه عليه السلام : يا أبا محمد انّ عندنا واللَّه سرّاً من سرّاللَّه وعلماً من علم اللَّه ، واللَّه ما يحتمله ملك مقرب ولاني مرسل ولا مؤمن امتحن اللَّه قلبه للايمان ، واللَّه ما كلف اللَّه ذلك احداً غيرنا ولا استعبد بذلك احداً غيرنا ، وان عندنا سرّاً من سرّ اللَّه ، وعلماً من علم اللَّه ، امرنا اللَّه بتبليغه ، فَبَلَّغْنا عن اللَّه عزوجل ما أمرنا تببليغه ، فلم نجد له موضعاً ولا أهلاً ولا حمّالة يحتملونه حتى خلق اللَّه لذلك اقواماً ، خلقوا من طينة خلق منها محمد وآله وذرّيّته عليهم السلام و من نور خلق اللَّه منه محمداً وذرّيّته وصنعهم بفضل رحمته التي صنع منها محمداً وذرّيّته ،
ص: 358
فبلغنا عن اللَّه ما أمرنا بتبليغه ، فقبلوه واحتملوا ذلك فَبَلَغَهم ذلك عنّا فقبلوه واحتملوه وبلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم إلى معرفتنا وحديثنا ، فلولا انهم خلقوا من هذا لما كانوا كذلك ، لا واللَّه ما احتملوه ، ثم قال : ان اللَّه خلق اقواماً لجهنم والنار ، فامرنا ان نبلّعهم كما بلّغناهم واشمأزّوا من ذلك ونفرت قلوبهم وردّوه علينا ولم يحتملوه وكذّبوا به وقالوا ساحر كذّاب ، فطبع اللَّه على قلوبهم وأنساهم ذلك ، ثمّ اطلق اللَّه لسانهم ببعض الحق ، فهم ينطقون به وقلوبهم منكرة ، ليكون ذلك دفعاً عن أوليائه وأهل طاعته ، ولولا ذلك ما عبداللَّه في أرضه ، فامرنا بالكف عنهم والستر والكتمان فاكتموا عمّن امر اللَّه بالكفّ عنه واستروا عمّن امر اللَّه بالستر والكتمان عنه ، قال : ثمّ رفع يده وبكى وقال : اللهم ان هؤلاء لشرذمة قليلون فاجعل محيانا محياهم ومماتنا مماتهم ولا تسلط عليهم عدوّاً لك فتفجعنا بهم ، فانّك إن افجعتنا بهم لم تعبد أبداً في أرضك وصلى اللَّه على محمد وآله وسلّم تسليماً(1) .
فمنها المختص بهم عليهم السلام ويشهد به ما عن أبي الصامت قال : سمعت أباعبداللَّه عليه السلام يقول : ان من حديثنا ما لا يحتمله ملك مقرب ولا نبيّ مرسل ولا عبدٌ مؤمن ، قلت : فمن يحتمله ؟ قال عليه السلام : نحن نحتمله(2) .
ومنها السرّ الذي هو ادنى من ذلك ، فعن عمرو بن اليسع عن شعيب الحداد قال : سمعت الصادق جعفر بن محمد عليه السلام يقول : ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله
ص: 359
إلّا ملك مقرب ، أو نبي مرسل ، أو عبد امتحن اللَّه قلبه للايمان ، أو مدينة حصينة ، قال عمرو فقلت لشعيب : يا اباالحسن وأي شي ء المدينة الحصينة ؟ قال : فقال : سألت الصادق عليه السلام عنها ، فقال لي : القلب المجتمع(1) .
ولذا ورد عن علي بن الحسين عليهما السلام : واللَّه لو علم ابوذر ما في قلب سلمان لقتله(2) .
وورد عن أميرالمؤمنين عليه السلام بعد ما سئله عليه السلام كميل بن زياد الحنفي - وقد بلغك جلالة قدره - عن الحقيقة : مالك والحقيقة ؟ قال : أوَلَسْتُ صاحب سرّك ؟ قال عليه السلام : بلي ولكن يترشح عليك ما يطفح مني(3) .
وعن عبدالرحمن بن كثير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : أتى الحسين عليه السلام اناس فقالوا له : يا اباعبداللَّه حدثنا بفضلكم الذي جعل اللَّه لكم ، فقال : انكم لاتحتملونه ولا تطيقونه ، قالوا : بلى نحتمل ، قال : ان كنتم صادقين فليتنح اثنان وأحدث واحداً فان احتمله حدّثتكم ، فتنحى اثنان وحدّث واحداً ، فقام طائر العقل ومرّ على وجهه وذهب ، فكلمه صاحباه ، فلم يردّ عليهما شيئاً وانصرفوا(4) .
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : اتى رجل الحسين بن علي عليه السلام فقال : حدثني
ص: 360
بفضلكم الذي جعل اللَّه لكم قال : انّك لي تطيق حمله ، قال : بلي ، حدثني يا ابن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله . اني احتمله ، فحدثه بحديث فما فرغ الحسين عليه السلام من حديثه حتى ابيض رأس الرجل ولحيته وأنسى الحديث ، فقال الحسين عليه السلام : ادركته رحمة اللَّه حيث أنسى الحديث(1) .
ومن كتاب اللباب لابن الشريفة الواسطي يرفعه إلى ميثم التمار قال : بينما انا في السوق اذ أتى اصبغ بن نباتة قال : ويحك يا ميثم لقد سمعت من أميرالمؤمنين عليه السلام حديثاً صعباً شديداً ، قلت : وما هو ؟ قال : سمعته يقول : انّ حديث أهل البيت صعب مستصعب لا يحتمله إلّا ملك مقرب أو نبيّ مرسل أو عبد مؤمن امتحن اللَّه قلبه للايمان ، فقمت من فورتي فأتيت علياً عليه السلام فقلت : يا أميرالمؤمنين حديث أخبرني به اصبغ عنك قد ضقت به ذرعاً ، فقال عليه السلام : ما هو ؟ فأخبرته به فتبسّم ثم قال : اجلس يا ميثم ، أو كل علم يحتمله عالم ؟ ان اللَّه تعالى قال للملائكة : « إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَليفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ »(2) .
فهل رأيت الملائكة احتملوا العلم ؟ قال : قلت : وانّ هذا اعظم من ذلك ، قال : والأخرى انّ موسى بن عمران انزل اللَّه عليه التوراة فظن ان لا أحد اعلم منه فاخبره انّ في خلقه أعلم منه ، وذلك اذ خاف على نبيّه العجب قال : فدعا ربّه ان يرشده إلى العالم قال : فجمع اللَّه بينه وبين الخضر عليه السلام فخرق السفينة فلم يحتمل ذلك موسى ، وقتل الغلام فلم يحتمله ، وأقام الجدار فلم يحتمله .
ص: 361
واما النبيّون فانّ نبيّنا صلى الله عليه وآله اخذ يوم غدير خمّ بيدي فقال : « اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه » فهل رأيت احتملوا ذلك إلّا من عصم اللَّه منهم ، فأبشروا ثمّ أبشروا فان اللَّه قد خصّكم بما لم يخص به الملائكة والنبيين والمرسلين فيما احتملتم ذلك في أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وعلمه ، فحدّثوا عن فضلنا ولا حرج وعن عظيم امرنا ولا اثم ، قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : أمرنا معاشر الأنبياء ان نخاطب الناس على قدر عقولهم .
قال المجلسي رحمه الله بعد ذكر الحديث : لعل المراد بآخر الخبر ان كل ما رويتم في فضلنات فهو دون درجتنا لأنّا نكلّم الناس على قدر عقولهم ، أو المعنى أنّا كلّفنا بذلك ولم تكلّفوا بذلك فقولوا في فضلنا ما شئتم وهو بعيد(1) .
قال تعالى : « تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ »(2) .
وقال تعالى : « فيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكيمٍ »(3) .
قال الصادق عليه السلام : ان الناس في تلك الليلة في صلوة ودعاء ومسألة وصاحب هذا الأمر في شغل تنزل الملائكة إليه بامور السنة من غروب الشمس إلى طلوعها(4) .
وقال الصادق عليه السلام : لأبي اسحاق النحوي : ونحن فيما بينكم وبين اللَّه عزوجلّ ،
ص: 362
ما جعل اللَّه لاحد خيراً في خلاف أمرنا(1) .
وقال الباقر عليه السلام : انه لينزل في ليلة القدر إلى ولىّ الأمر تفسير الأمور سنة سنة ، يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا وكذا ، وفي أمر الناس بكذا وكذا(2) .
عن عبدالرحمن بن كثير قال سمعت اباعبداللَّه عليه السلام يقول : نحن ولاة أمر اللَّه وخزنة علم اللَّه وعيبة وحى اللَّه(3) .
وعن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله(4) .
وفي ( عيون ابن قتيبة ) اتى رجل الحسن بن علي عليه السلام فسأله ، فقال : انّ المسألة لا تصلح إلّا في غرم قادح ، أو فقر مدقع ، أو حمالة مقطعة .
فقال الرجل : ما جئت إلّا في احداهن ، فأمر له بمائة دينار ، ثم أتى الحسين عليه السلام فسأله ، فقال له مثل مقالة أخيه ، فردّ عليه كما ردّ على الحسن عليه السلام ، فقال له : كم اعطاك ؟ قال : مائة دينار . فنقصّ ديناراً كره ان يساوى أخاه ، ثم أتى إلى ابن عمر فسأله ، فاعطاه سبعة دنانير ، ولم يسأله عن شي ء ، فقال له : انّي أتيت الحسن والحسين عليهما السلام واقتصّ كلامهما وفعلهما به ، فقال له عبداللَّه : ويحك ، وانّي تجعلني
ص: 363
مثلهما ، انّهما غرّا(1) العلم(2) .
وفي ( عقد ابن عبد ربه ) كتب ملك الروم إلى عبدالملك مروان ، اكلت لحم الجمل الذي هرب عليه أبوك من المدينة ، ولاغزينك جنوداً مائة ألف ومأئة ألف ، فكتب عبدالملك إلى الحجاج ان يبعث إلى علي بن الحسين ، ويتوعّده ويكتب إليه بما يقول ، ففعل ، فقال عليه السلام : انّ للَّه عزوجلّ لوحاً محفوظاً يلحظه كل يوم ثلاثمائة لحظة ، ليس منها لحظة إلّا يحيى فيها ويميت ، ويعزّ ويذلّ ، ويفعل ما يشاء ، واني لأرجو أن يكفينيك منها بلحظة واحدة ، فكتب به الحجاج إلى عبدالملك بن مروان ، وكتب به عبدالملك إلى ملك الروم ، فلمّا قرأه قال : ما خرج هذا إلّا من كلام النبوّة(3) .
وعن يونس بن رباط قال : دخلت أنا وكامل التمار على أبي عبداللَّه عليه السلام ، فقال له كامل : جعلت فداك حديث رواه فلان ، فقال : أذكره ، فقال : حدثني ان النبيّ صلى الله عليه وآله حدّث علياً عليه السلام بألف باب يوم توفّى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، كل باب يفتح ألف باب ، فذلك ألف ألف باب ، فقال : لقد كان ذلك ، قلت : جعلت فداك فظهر ذلك لشيعتكم ومواليكم ؟ فقال : يا كامل باب أو بابان ، فقلت [له ]جعلت فداك فما يروي من فضلكم من ألف ألف باب إلّا باب أو بابان ؟ قال : فقال : وما عسيتم أن ترووا من فضلنا ، ما تروون من فضلنا إلّا ألفاً غير معطوفة(4) .
ص: 364
وفي « البحار » من كتاب « المحتضر » للحسن بن سليمان من نوادر الحكمة يرفعه إلى أبي بصير قال : كنت عند أبي عبداللَّه عليه السلام فدخل عليه المفضّل بن عمر فقال : مسئلة يا بن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال : سل يا مفضل ، قال : ما منتهى علم العالم ؟ قال عليه السلام : قد سألت جسيماً ، ولقد سألت عظيماً ما السماء الدنيا في السماء الثانية إلّا كحلقة درع ملقاة في أرض فلاة ، وكذلك كل سماء عند سماء اُخرى ، وكذا السماء السابقة عند الظلمة ، ولا الظلمة عند النور ، ولا ذلك كله في الهواء ولا الأرضين بعضها فوق بعض ، ولا مثل ذلك كله في علم العالم يعني الامام مثل مدّ من خردل دقّقته دقّاً ثم ضربته بالماء حتى إذا اختلط ورغا(1) أخذت منه لعقة(2) باصبعك ، ولا علم العالم في علم اللَّه تعالى إلّا مثل مدّ من خردل دققته دقّاً ثم ضربته بالماء حتى إذا اختلط ورغا انتهزت منه برأس ابرة نهزة ، ثم قال عليه السلام : يكفيك من هذه البيان بأقلّه وأنت بأخبار الأمور تصيب(3) .
ومن كتاب « المحتضر » ايضاً للحسن بن سليمان نقلاً من كتاب « الاربعين » رواية سعد الاربلي عن عمار بن خالد عن اسحاق الارزق عن عبدالملك بن سليمان قال : وجد في ذخيرة احد حواري المسيح عليه السلام رقّ مكتوب بالقلم السرياني منقولاً من التوراة وذلك لما تشاجر موسى والخضر عليهما السلام في قضية السفينة والغلام والجدار ورجع موسى إلى قومه سأله أخوه هارون عما استعمله [استعلمه] من الخضر عليه السلام في السفينة وشاهده من عجائب البحر .
ص: 365
قال : بينما انا و الخضر على شاطئ البحر إذ سقط بين أيدينا طائر أخذ في منقاره قطرة من ماء البحر ورمى بها نحو المشرق ، ثم أخذ ثانية ورمى بها نحو المغرب ، ثم اخذ ثالثة ورمى بها نحو السماء ، ثم اخذ رابعة ورمى بها نحو الأرض ، ثم اخذ خامسة والقاها في البحر ، فبهت الخضر وانا .
قال موسى : فسألت الخضر عن ذلك فلم يجب ، وإذا نحن بصياد يصطار فنظر الينا وقال : مالي أراكما في فكر وتعجب ؟
فقلنا : في أمر الطائر ، فقال : أنا رجل صياد وقد علمت إشارته وأنتما نبيّان لا تعلمان ؟
قلنا : ما نعلم إلّا ما علّمنا اللَّه عزوجلّ ، قال : هذا طائر في البحر يسمّى مسلم ، لأنه إذا صاح يقول في صياحه : مسلم ، واشار بذلك إلى أنّه يأتي في آخر الزمان نبيّ يكون علم أهل المشرق والمغرب واهلِ السماء والأرض عند علمه مثل هذه القطرة الملقاة في البحر ، ويرث علمه ابن عمّه ووصيّه .
فسكن ما كنّا فيه من المشاجرة ، واستقلّ كل واحد منّا علمه بعد أن كنّا به معجبين ، ومشينا ثم غاب الصياد عنّا ، فعلمنا انّه ملك بعثه اللَّه عزوجلّ إلينا يعرّفنا بنقصنا حيث ادّعينا الكمال(1) .
عن سماعة بن سعد الخثعمي انّه كان مع المفضّل عند أبي عبداللَّه عليه السلام فقال له المفضّل : جعلت فداك يفرض اللَّه طاعة عبد على العباد ثمّ يحجب عنه خبر
ص: 366
السماء ؟ قال عليه السلام : « لا ، اللَّه أكرم وأرأف بالعباد من أن يفرض عليه طاعة عبد يحجب عنه خبر السماء صباحاً ومساءً »(1) .
وعن أبي حمزة قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : « واللَّه لا يكون عالم جاهلاً أبداً ، عالم بشي ء جاهل بشي ء » ، ثمّ قال عليه السلام : « اللَّه أجلّ وأعزّ وأعظم وأكرم من أن يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه وأرضه » ، ثمّ قال عليه السلام : « لا يحجب عنه ذلك »(2) .
وقال أبو عبداللَّه عليه السلام للرجل : « أفَتَرى اللَّه يَمُنُّ بعبد في بلاده ويحتجّ على عباده ثمّ يُخفِي عنه شيئاً من أمره ؟ »(3) .
وعن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « سئل علي عليه السلام عن علم النبي صلى الله عليه وآله فقال عليه السلام : علم النبي صلى الله عليه وآله علم جميع النبيّين وعلم ما كان وعلم ما هو كائن إلى قيام الساعة ، ثمّ قال : والذي نفسي بيده انّي لأعلم علم النبي صلى الله عليه وآله وعلم ما كان وما هو كائن فيما بيني وبين قيام الساعة »(4) .
وقال أبو عبداللَّه عليه السلام ابتداءً منه : « واللَّه انّي لأعلم ما في السماوات وما في الارض ، وما في الجنّة وما في النار ، وما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة » ، ثمّ قال عليه السلام : « اعلمه من كتاب اللَّه انظر إليه هكذا » ثمّ بسط كفّيه ثمّ قال عليه السلام : « انّ اللَّه يقول : « وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ » »(5) .
ص: 367
عن أبي الجارود قال : قال علي بن الحسين عليه السلام : ما ينقم الناس منّا فنحن واللَّه شجرة النبوّة وبيت الرحمة ومعدن العلم ومختلف الملائكة(1) .
وعن اسماعيل بن أبي زياد ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه عليه السلام قال : « قال أميرالمؤمنين عليه السلام : أنا أهل البيت شجرة النبوّة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة وبيت الرحمة ومعدن العلم »(2) .
وعن بريد العجلي قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول اللَّه تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقينَ » قال عليه السلام : « إيّانا عنى »(3) .
وعن ابن أبي نصر ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سألته عن قول اللَّه عزّوجلّ : « يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقينَ » قال عليه السلام : « الصادقون هم الأئمّة والصدّيقون بطاعتهم »(4) .
قال ابوعبداللَّه عليه السلام : المعيِّب على أميرالمؤمنين عليه السلام في شي ء من احكامه كالمعيِّب على اللَّه عزوجلّ وعلى رسوله صلى الله عليه وآله ، والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حدّ الشرك باللَّه ، كان أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه باب اللَّه الذي لا يؤتى إلّا منه ، وسبيله الذي من سلك بغيره هلك ، وبذك جرت الأئمة عليهم السلام واحد بعد واحد ،
ص: 368
جعلهم اللَّه أركان الأرض أن تميد بهم ، والحجة البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى(1) .
وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام قال : اما انه ليس عند احد من الناس حق ولا صواب إلّا شي ء اخذوه منا اهل البيت ، ولا أحد من الناس يقضي بحق ولا عدل إلّا ومفتاح ذلك القضاء وبابه واوله وسنته أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، فاذا اشتبهت عليهم الأمور كان الخطا من قبلهم إذا أخْطَئوا والصواب من قبل علي بن أبي طالب عليه السلام اذا اصابوا(2) .
وعن أبي جعفر عليه السلام : قال : قال اللَّه عزوجلّ في ليلة القدر : « فيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكيمٍ »(3) يقول : ينزل فيها كل امر حكيم ، والمحكم ليس بشيئين ، انما هو شي ء واحد ، فمن حكم بما ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم اللَّه عزوجلّ ، ومن حكم بامر فيه اختلاف فرأى أنه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت(4) .
وعن المفضل بن عمر عن أبي عبداللَّه عليه السلام ، كان أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه كثيراً ما يقول : ولقد أعطيت خصالاً ما سبقني إليها احد قبلي ، علمت المنايا والبلايا والانساب وفصل الخطاب(5) .
وعن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : يا أبا بصير إنا أهل بيت أوتينا علم
ص: 369
المنايا والبلايا والوصايا وفصل الخطاب وعرفنا شيعتنا كعرفان الرجل أهل بيته(1) .
واعلم انّ أخذ الأحكام الشرعية منهم واجب والاستبداد بالعقول الناقصة فيها غير جايز عن أبي الحسن عليه السلام قال : انما هلك من كان قبلكم بالقياس ، وانّ اللَّه تبارك وتعالى لم يقبض نبيه حتى أكمله جميع دينه في حلاله وحرامه ، فجآئكم بما تحتاجون إليه في حياته وتستغيثون به وباهل بيته بعد موته ، وانها صحيفة عند أهل بيته حتى انّ فيه ارش الخدش ، ثمّ قال : إن ابا حنيفة ممن يقول : قال علي عليه السلام وقلت : أنا(2) .
المراد بالكتب ، كتب اللَّه على تقدير رجوع الضمير فيه اليه سبحانه ، وعلى تقدير رجوع الضمير فيه إلى النبي صلى الله عليه وآله فالمراد بالكتب القرآن وغيره مما اشير إليه في الاخبار .
اما الأول فالمراد بالكتب القرآن وما انزل قبلها من الصحف والكتب السماوية اما كونهم عليهم السلام كهف القرآن فواضع وقد مضى شطر من الكلام على هذا الباب في الخطبة الأولى .
واما سائر الكتب السماوية ففي حديث أبي ذر رضى الله عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قلت : كم كتاباً أنزل ، قال : مائة كتاب واربعة كتب ، أنزل على شيث خمسين صحيفة ، وعلى
ص: 370
اخنوخ ثلاثين صحيفة ، وعلى إبراهيم عشر صحائف ، وانزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف ، وانزلت التوراة والانجيل والزبور والفرقان ، وكانت صحف إبراهيم كلها امثالاً(1) .
وعن سلمان الفارسي رضى الله عنه قال : قال لي أميرالمؤمنين عليه السلام : يا سلمان . الويل كل الويل لمن لا يعرف لنا حق معرفتنا وانكر فضلنا ، يا سلمان ايما أفضل محمد صلى الله عليه وآله أو سليمان بن داوود عليه السلام ؟ قال : سلمان : بل محمد صلى الله عليه وآله أفضل ، فقال : يا سلمان فهذا آصف بن برخيا قدر ان يحمل عرش بلقيس من سبأ إلى فارس في طرفة عين وعنده علم من الكتاب ولا افعل انا اضعاف ذلك وعندي ألف كتاب ، انزل اللَّه على شيث بن آدم عليه السلام خمسين صحيفة ، وعلى ادريس عليه السلام ثلاثين صحيفة ، وعلى إبراهيم الخليل عشرين صحيفة ، والتوراة والانجيل والزبور والفرقان ، فقلت : صدقت يا سيّدي ، قال الامام عليه السلام : يا سلمان إنّ الشّاك في امورنا وعلومنا كالمستهزئ في معرفتنا وحقوقنا وقد فرض اللَّه ولايتنا في كتابه في غير موضع ، وبيّن ما أوجب العمل به وهو مكشوف(2) .
وقال برية النصراني - الذي اسلم هو وامرأته على يد الكاظم عليه السلام لما ابتدء يقرء الانجيل له - للصادق عليه السلام : اني لكم التوراة والانجيل وكتب الأنبياء ؟ قال : هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرؤوها ونقولها كما قالوا ، انّ اللَّه لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شي ء فيقول : لا أدري(3) .
ص: 371
وعن هشام بن الحكم في حديث بريهة النصراني انّه جاء مع هشام حتّى لقى أباالحسن موسى عليه السلام فقال عليه السلام : « يا بريهة كيف علمك بكتابك ؟ » قال : أنا به عالم ، قال عليه السلام : « كيف ثقتك بتأويله ؟ » قال : ما أوثقني بعلمي فيه ، فابتدء موسى عليه السلام بقراءة الانجيل فقال بريهة : والمسيح لقد كان يقرؤها هكذا ، وما قرء هذه القراءة إلّا المسيح عليه السلام ثمّ قال بريهة : إيّاك كنت أطلب منذ خمسين سنة فأسلم على يديه(1) .
وعن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قال علي عليه السلام : « لو ثنيت لي وسادة لحكمت بين أهل القرآن بالقرآن حتّى يزهر(2) إلى اللَّه ولحكمت بين أهل التوراة بالتوراة حتّى يزهر إلى اللَّه ولحكمت بين أهل الانجيل بالانجيل حتى يزهر إلى اللَّه ولحكمت بين أهل الزبور بالزبور حتّى يزهر إلى اللَّه ولو لا آية في كتاب اللَّه لأنبأتكم بما يكون حتّى تقوم الساعة »(3) .
وقال في مفتاح السعادة والآية قوله تعالى : « يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ »(4) ، (5) .
وعن أبي بصير قال : قال ابوعبداللَّه عليه السلام : يا أبا محمد عندنا الصحف التي قال اللَّه : « صُحُفِ إِبْراهيمَ وَمُوسى »(6) ، قلت : الصحف هي الألواح ؟ قال : نعم(7) .
ص: 372
وعن بريد بن معاوية قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : قل كفى باللَّه شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب . قال عليه السلام : ايّانا عني(1) .
وعن علي الصائغ قال : لقى اباعبداللَّه عليه السلام محمد بن عبداللَّه بن الحسن فدعاه محمد إلى منزله ، فأبى ان يذهب معه وأرسل معه إسماعيل وأومأ أليه ان كفّ ووضع يده على فيه وامره بالكفّ ، فلما انتهى إلى منزله اعاد إليه الرسول سأله إتيانه ، فأبى ابوعبداللَّه عليه السلام ، وأتى الرسول محمداً فاخبره بامتناعه ، فضحك محمّد ثم قال : ما منعه من إتياني إلّا انه ينظر في الصحف ، قال : فرجع إسماعيل فحكى لأبي عبداللَّه عليه السلام الكلام ، فأرسل ابوعبداللَّه عليه السلام رسولاً من قبله إليه وقال له : ان اسماعيل اخبرني بما كان منك وقد صدقت ، إني أنظر « لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى * صُحُفِ إِبْراهيمَ وَمُوسى »(2) ، فأسأل نفسك واباك ، هل ذلك عندكما ؟ قال : فلما أن بلّغه الرسول سكت(3) .
ولما قال ابوحنيفة : ان علمه في صدره من قياساته ، وان جعفر بن محمد رجل صحفى قال عليه السلام : اما في قوله إني رجل صحفي فقد صدق ، قرأت صحف آبائي إبراهيم وموسى(4) .
واما الثاني - تقدير رجوع الضمير في كتبه إلى النبي صلى الله عليه وآله -
فعن أبي الصباح الكناني عن أبي جعفر عليه السلام قال : حدثني ابي عمن ذكره ، قال :
ص: 373
خرج علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وفي يده اليمنى كتاب وفي يده اليسرى كتاب فنشر الكتاب الذي في يده اليمنى فقرأ بسم اللَّه الرحمن الرحيم كتاب لأهل الجنة باسمائهم واسماء آبائهم لا يزاد فيها واحد ولا ينقص منهم واحد ، قال : ثم نشر الذي بيده اليسرى فقرأ كتاب من اللَّه الرحمن الرحيم لأهل النار باسمائهم واسماء آبائهم وقبائلهم لا يزاد فيهم واحد ولا ينقص منهم واحد(1) .
وعن الاعمش قال : قال الكلبي : يا أعمش أيّ شي ء أشد ما سمعت من مناقب علي عليه السلام ؟ قال : فقال : حدثني موسى بن ظريف عن عباية قال : سمعت عليّاً عليه السلام وهو يقول : أنا قسيم النار فمن تبعني فهو منّي ومن عصاني فهو من أهل النار ، فقال الكلبي : عندي اعظم مما عندك ، اعطى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عليّاً كتاباً فيه اسماء اهل الجنة واسماء أهل النار فوضعه عند ام سلمة ، فلمّا ولى أبوبكر فقالت : ليس لك - فلمّا ولي عمر طلبه ، فقالت : ليس لك ، فلمّا ولي عثمان طلبه ، فقالت : ليس لك ، فلمّا ولي علي عليه السلام دفعته إليه(2) .
وعن أبي بصير قال : قال أبوعبداللَّه عليه السلام : يا أبا محمد إنّ عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة ؟ قال : قلت : جعلت فداك وما الجامعة ؟ قال : صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أملاه من فلق فيه وخطه علي عليه السلام بيمينه ، فيها كل حلال و حرام ، وكل شي ء يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش(3) .
وكان الصادق عليه السلام يقول : علمنا غابر ومزبور ونكت في القلوب ونقر
ص: 374
في الاسماع وإن عندنا الجفر الاحمر ، والجفر الأبيض ، ومصحف فاطمة عليها السلام ، وعندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج إليه الناس ، فسئل عن تفسير هذا الكلام . فقال عليه السلام : أما الغابر فالعلم بما يكون ، والمزبور فالعلم بما كان ، واما النكت في القلوب فهو الالهام ، والنقر في الاسماع فحديث الملائكة نسمع كلامهم ولا نرى اشخاصهم ، واما الجفر الاحمر فوعاء فيه توراة موسى وانجيل عيسى وزبور داوود وكتب اللَّه ، واما مصحف فاطمة عليها السلام ففيه ما يكون من حادث واسماء من يملك إلى ان تقوم الساعة ، وأمّا الجامعة فهو كتاب طوله سبعون ذرعاً إملاء رسول اللَّه صلى الله عليه وآله من فلق فيه و خط علي بن أبي طالب عليه السلام بيده ، فيه واللَّه جميع ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة حتى انّ فيه ارش الخدش والجلدة ونصف الجلدة(1) .
وعن أبي بصير قال : دخلت على أبي عبداللَّه عليه السلام فقلت له : اني أسألك جعلت فداك عن مسألة ليس ههنا احد يسمع كلامي ، فرفع أبوعبداللَّه عليه السلام ستراً بيني وبين بيت آخر فاطلع فيه ، ثم قال : يا ابا محمد سل عما بدا لك قال : قلت : جعلت فداك ان الشيعة يتحدثون ان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله علم علياً عليه السلام بابا يفتح منه ألف باب ، قال : فقال أبوعبداللَّه عليه السلام : يا ابا محمد علم واللَّه رسول اللَّه عليّاً ألف باب يفتح له من كل باب ألف باب ، قال : قلت له : واللَّه هذا لَعِلْم فنكت ساعة في الأرض ثم قال : انه لعلم وما هو بذلك ، ثم قال : يا ابا محمد وان عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة ، قال : قلت : جعلت فداك وما الجامعة ؟ قال : صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وإملاء من فلق فيه وخط على بيمينه ، فيها كل حلال و حرام ، وكل شي ء يحتاج الناس إليه حتى الارش في الخدش ، وضرب بيده إليّ فقال : تأذن لي
ص: 375
يا أبا محمد ؟ قال : قلت : جعلت فداك إنما أنالك اصنع ما شئت ، قال : فغمزني بيده فقال : حتى ارش هذا كانه مغضب ، قال : قلت : جعلت فداك هذا واللَّه العلم ، قال : انه لعلم وليس بذلك ، ثم سكت ساعة .
ثم قال : ان عندنا الجفر وما يدريهم ما الجفر مسك شاة أو جلد بعير . قال : قلت : جعلت فداك ما الجفر ؟ قال : وعاء أحمر أو أدم احمر فيه علم النبيين والوصيين ، قلت : هذا واللَّه هو العلم قال : انه لعلم وما هو بذلك ، ثم سكت ، ساعة .
ثم قال : وان عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة ، قال عليه السلام : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات واللَّه ما فيه من قرآنكم حرف واحد انما هو شى ء أملأها اللَّه وأوحى إليها ، قال : قلت : هذا واللَّه هو العلم قال : انه لعلم وليس بذاك ، قال : ثم سكت ساعة .
ثم قال : ان عندنا لعلم ما كان وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ، قال : قلت : جعلت فداك هذا واللَّه هو العلم ، قال انه لعلم وما هو بذاك ، قال : قلت : جعلت فداك فأيّ شي ء هو العلم ؟ قال : ما يحدث بالليل والنهار الأمر بعد الأمر والشي ء بعد الشي ء إلى يوم القيامة(1) .
قال المجلسي رحمه الله : قوله عليه السلام : واللَّه ما فيه من قرآنكم حرف واحد ، أي فيه علم ما كان وما يكون .
فان قلت : في القرآن ايضاً بعض الاخبار . قلت : لعلّه لم يذكر فيه مما في القرآن .
فان قلت : يظهر من بعض الأخبار اشتمال مصحف فاطمة عليها السلام ايضاً على
ص: 376
الأحكام ، قلت : لعلّ فيه ما ليس في القرآن .
فان قلت : قد ورد في كثير من الأخبار اشتمال القرآن على جميع الأحكام والأخبار مما كان أو يكون .
قلت : لعل المراد به ما نفهم من القرآن ما لا يفهمون منه ، ولذا قال عليه السلام : قرآنكم على انه يحتمل ان يكون المراد لفظ القرآن ، ثم الظاهر من أكثر الأخبار اشتمال مصحفها عليها السلام على الأخبار فقط فيحتمل ان يكون المراد عدم اشتماله على أحكام القرآن . قوله عليه السلام : علم ما كان وما هو كائن أي من غير جهة مصحف فاطمة عليها السلام أيضاً(1) .
وفي المقام اشكال قوي : وهو انّ المستفاد من قوله عليه السلام : « ان عندنا لعلم ما كان وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة » انهم عليهم السلام يعلمون جميع الشرايع والأحكام وما كان وما يكون ، ومثله ورد في الأخبار الكثيرة ، وعلى ذلك فأيّ شي ء يبقى حتى يحدث لهم بالليل والنهار ؟
ويمكن ان يجاب عنه بوجوه : الاول ما قيل : ان العلم ليس يحصل بالسماع وقراءة الكتب وحفظها فانّ ذلك تقليد ، وانما العلم ما يفيض من عنداللَّه سبحانه على قلب المؤمن يوماً فيوماً وساعة فساعة ، فيكشف به من الحقائق ما تطمئن به النفس وينشرح له الصدر ويتنوّر به القلب ، والحاصل انّ ذلك مؤكّد ومقرّر لما علم سابقاً يوجب مزيد الايمان واليقين والكرامة والشرف بافاضة العلم عليهم بغير واسطة المرسلين .
الثاني : أن يفيض عليهم عليهم السلام تفاصيل عندهم مجملاتها وإن أمكنهم استخراج
ص: 377
التفاصيل مما عندهم من اصول العلم وموادّه ، - إلى أن قال -
الرابع كما هو أقوى عندى وهو انهم عليهم السلام في النشأتين سابقاً على الحياة البدني ولاحقاً بعد وفاتهم يعرجون في المعارف الربانيّة الغير المتناهية على مدارج الكمال ، اذ لا غاية لعرفانه تعالى وقربه ، ويظهر ذلك من كثير من الأخبار . وظاهر انهم اذا تعلّموا في بدو امامتهم علماً لا يقفون في تلك المرتبة ويحصل لهم بسبب مزيد القرب والطاعات زوائد العلم والحكم والترقيات في معرفة الربّ تعالى ، وكيف لا يحصل لهم ويحصل ذلك لسائر الخلق مع نقص قابليّتهم واستعدادهم ؟ فهم عليهم السلام أولى بذلك وأحرى .
ولعلّ هذا أحد وجوه استغفارهم وتوبتهم في كل يوم سبعين مرّة وأكثر ، اذ عند عروجهم إلى كل درجة رفيعة من درجات العرفان يرون انهم كانوا في المرتبة السابقة في النقصان فيستغفرون منها ويتوبون إليه تعالى (1) .
عن أبي بصير قال : سألت أباجعفر عليه السلام عن شهادة ولد الزنا تجوز ؟ فقال : لا ، فقلت : ان الحكم بن عتيبة يزعم انها تجوز فقال : اللهم لا تغفر ذنبه ، ما قال اللَّه للحكم « إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ »(2) فليذهب الحكم يميناً وشمالاً فواللَّه لا يؤخذ العلم إلّا من أهل بيت نزل عليهم جبرئيل عليه السلام(3) .
ص: 378
وعن أبي مريم قال : قال أبوجعفر عليه السلام لسلمه بن كهيل والحكم بن عتيبة : شرقاً وغرباً فلا تجدان علماً صحيحاً إلّا شيئاً خرج من عندنا أهل البيت(1) .
عن مسعدة بن صدقة قال : حدثني جعفر بن محمد عن آبائه ان النبيّ صلى الله عليه وآله قال : في كل خلف من اُمتي عدلٌ من أهل بيتي ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجهال ، وانّ ائمتكم وفدكم إلى اللَّه فانظروا من توفدوا في دينكم وصلاتكم(2) .
وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : ان اللَّه لم يدع الأرض إلّا وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان من دين اللَّه تعالى ، فإذا زاد المؤمنون شيئاً ردّهم ، وإذا نقصوا اكمله لهم ولولا ذلك لالتبس على المسلمين أمرهم(3) .
وعن أبي حمزة قال : قال ابوعبداللَّه عليه السلام : لن تبقى الأرض إلّا وفيها من يعرف الحق ، فاذا زاد الناس فيه قال : قد زادوا ، وإذا نقصوا منه قال : قد نقصوا ، وإذا جاءوا به صدّقهم ولو لم يكن كذلك لم يعرف الحق من الباطل(4) .
ص: 379
لما بادرت الأوس إلى بيعة أبي بكر لئلّا يصل الامر إلى الخزرج ، وبادر الأوس بشيرُ بن سعد الخزرجي أبو النعمان بن بشير وابن عم سعد بن عبادة في بيعة أبي بكر لئلّا يصل الأمر إلى ابن عمّه حداً منه له قام الحباب بن المنذر وقال : يا معشر الانصار أما واللَّه لكأنّي بابنائكم على أبواب ابنائهم قد وقفوا يسألونهم باكفّهم ولا يسقون الماء(1) .
لمّا طُعِنَ عمر جعلوا يثنون عليه ويذكرون فضله ، فقال : ان من غررتموه لمغرور ، انّي واللَّه وددت أن أخرج منها كفافاً كما دخلت فيها(2) .
قال ابن عمر لمّا بايع الناس ابابكر : سمعت سلمان يقول : ( كرديد و نكرديد ) اما واللَّه لقد فعلتم فعلة اطمعتم فيها الطلقاء ، ولعناء رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فلمّا سمعت سلمان يقول ذلك ابغضته وقلت : لم يقل هذا إلّا بغضاً منه لأبي بكر . فابقاني اللَّه حتى رأيت مروان بن الحكم يخطب على منبر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقلت : رحم اللَّه اباعبداللَّه ، لقد قال ما قال بعلم عنده(3) .
ص: 380
المحاضرات عن الراغب وابن الجوزي في مناقب عمر بن عبدالعزيز انه قال عمر بن عبدالعزيز يوماً وقد قام من عنده علي بن الحسين عليه السلام : من اشرف الناس ؟ فقالوا : انتم . فقال : كلّا . فان اشرف الناس هذا القائم من عندي آنفا ، من أحَبَّ الناسُ ان يكونوا معه ولا يحب ان يكون من احد(1) .
وروى الطبري كتاب المنصور إلى محمد بن عبداللَّه بن الحسن إلى أن قال : وما ولد فيكم بعد وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله افضل من علي بن الحسين وهو لام ولد ولهو خير من جدك حسن بن حسن ، وما كان فيكم بعده مثل ابنه محمد بن علي وجدته ام ولد ولهو خير من أبيك ، ولا مثل ابنه جعفر وجدته ام ولد ولهو خير منك(2) .
وفي كتاب المأمون إلى أهل الآفاق - لمّا جعل الرضا عليه السلام ولي عهده بعد ذكر اختياره له من بين جميع الناس - انه فعل ذلك ، لما رأى من فضله البارع ، وعلمه الناصع ، وورعه الظاهر ، وزهده الخالص ، وتخلّيه من الدنيا وتسلمه من الناس ، وقد استبان له ما لم تزل الاخبار عليه متواطئة ، والالسن عليه متفقة ، والكلمة فيه جامعة ، ولما لم يزل يعرفه به من الفضل يافعاً وناشئاً وحدثاً ومكتهلا ، فعقد له بالعقد والخلافة ، ايثاراً للَّه والدين(3) .
وعن عباد بن صهيب قال : قلت للصادق جعفر بن محمد عليه السلام : اخبرني عن أبي
ص: 381
ذر أهو أفصل أم أنتم أهل البيت ؟ فقال : يابن صهيب كم شهور السنة ؟ فقلت : اثنى عشر شهراً ، فقال : وكم الحرم منها ؟ قلت : أربعة أشهر ، قال : فشهر رمضان منها ؟ قلت : لا ، قال : فشهر رمضان أفضل أم أشهر الحرم ؟ فقلت : بل شهر رمضان ، قال : فكذلك نحن أهل البيت لا يقاس بنا احد(1) .
وقال نفيع الانصاري لموسى بن جعفر عليه السلام - وكان مع عبدالعزيز بن عمر بن عبدالعزيز فمنعه من كلامه فأَبى - من أنت ؟ فقال عليه السلام : ان كنت تريد النسب فانا ابن محمد حبيب اللَّه بن اسماعيل ذبيح اللَّه بن إبراهيم خليل اللَّه ، وان كنت تريد البلد فهو الذي فرض اللَّه على المسلمين وعليك ان كنت منهم الحج إليه ، وان كنت تريد المناظرة في الرتبة فما رضي مشركو قومي مسلمو قومك اكفاءً لهم حين قالوا : يا محمد اخرج إلينا اكفائنا من قريش ، فانصرف مخزيّاً(2) .
وعن الحرث قال علي عليه السلام : نحن أهل بيت لا نقاس بالناس ، فقام رجل فأتى ابن عباس فأخبره بذلك ، فقال : صدق علي عليه السلام ، أو ليس النبيّ لا يقاس بالناس وقد نزل في علي « إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ »(3)،(4) .
ومن كتاب « المحتضر » للحسن بن سليمان ، رواه من كتاب « الخطب » لعبد العزيز بن يحيى الجلودي قال : خطب أميرالمؤمنين عليه السلام فقال : سلوني قبل ان
ص: 382
تفقدوني فانا عيبة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، سلوني فانا فَقَأْتُ عين الفتنة بباطنها وظاهرها ، سلوا مَنْ عنده علم البلايا والمنايا والوصايا وفصل الخطاب ، سلوني فانا يعسوب المؤمنين حقاً ، وما من فئة تهدي مائة أو تضلّ مائة إلّا وقد أتيت بقائدها وسائقها والذي نفسي بيده لَوْ طوى لي الوسادة فاجلس عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم ، ولاهل الانجيل بانجيلهم ، ولاهل الزبور بزبورهم ، ولأهل الفرقان بفرقانهم ، قال : فقام ابن الكوّاء إلى أميرالمؤمنين عليه السلام وهو يخطب الناس فقال : يا أميرالمؤمنين أخبرني عن نفسك ، فقال : ويلك أتريدُ أن اُزَكّى نفسي وقد نهى اللَّه عن ذلك مع أنّى كنتُ اذا سألتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله اعطاني واذا سكتُ إبتَدَأني وبين الجوانح منّي علمٌ جمٌّ ونحن أهل البيت لا نقاس باحد(1) .
وقال الصادق عليه السلام : « اجعلونا عبيداً مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم »(2) .
الأول : انهم اولياء النعم وفيه عليه السلام انزل تعالى قوله : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ ديناً »(3) .
وحيث ان المنعم عليه لا يمكن ان يكون مساوياً للمنعم ، والنبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته هم المنعمون ، وباقى الناس المنعم عليه ، قال تعالى : « ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ
ص: 383
هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ في ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ »(1) .
وسأل رجل زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام فقال له : يا ابن رسول اللَّه اخبرني بماذا فضلتم الناس جميعاً وسدتموهم ؟ فقال عليه السلام له : انا أخبرك بذلك ، اعلم ان الناس كلهم لا يخلون من ان يكونوا أحد ثلاثة ، إما رجل اسلم على يد جدّنا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فهو مولى لنا ونحن ساداته وإلينا يرجع بالولاء ، أو رجل قاتلناه فقتلناه فمضى إلى النار ، أو رجل اخذنا منه الجزية عن يد وهو صاغر ، ولا رابع للقوم ، فأيّ فضل لم نحزه وشرف لم نحصله بذلك(2) .
وعن مروان بن صباح قال : قال أبوعبداللَّه عليه السلام : ان اللَّه عزوجلّ خلقنا فأحسن خلقنا وصوّرنا فأحسن صورنا وجعلنا عينه في عباده ، ولسانه الناطق في خلقه ، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة ، ووجهه الذي يؤتى منه ، وبابه الذي يدلّ عليه ، وخزائنه في سمائه وارضه ، بنا اثمرت الاشجار واينعت الثمار وجرت الانهار ، وبنا نزل غيث السماء ونبت عشب الأرض ، بعبادتنا عبداللَّه ، لولا نحن ما عبداللَّه(3) .
ومنها قوله تعالى : « وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً »(4) .
عن جابر قال : قرأ رجل عند أبي جعفر عليه السلام : « وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً
ص: 384
وَباطِنَةً »(1) . قال عليه السلام : اما النعمة الظاهرة فهو النبيّ صلى الله عليه وآله وما جاء به من معرفة اللَّه عزوجل وتوحيده ، واما النعمة الباطنة فولايتنا أهل البيت وعقد مودتنا(2) .
ومنها قوله تعالى : « ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعيمِ »(3) .
عن أبي خالد الكابلي قال : دخلت على محمد بن علي عليه السلام فقدّم لي طعاماً لم آكل أطيب منه فقال لي : يا أبا خالد كيف رأيت طعامنا ؟ فقلت : جعلت فداك ما اطيبه غير اني ذكرت آية في كتاب اللَّه فنغصتنيه ، قال : وما هي ؟ قلت : « ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعيمِ »(4) . فقال : واللَّه لا تسأل عن هذا الطعام ابداً ، ثم ضحك حتى افتر ضاحكتاه وبدت اضراسه وقال : أتدري ما النعيم ؟ قلت : لا ، قال : نحن النعيم الذي تسألون عنه(5) .
وعن محمد بن السائب الكلبي قال : لما قدم الصادق عليه السلام العراق نزل الحيرة فدخل عليه أبوحنيفة قال : أخبرني جعلت فداك عن قول اللَّه عزوجلّ : « ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعيمِ »(6) . قال عليه السلام : فما هو عندك يا أباحنيفة ؟ قال : الامن في السرب وصحة البدن والقوت الحاضر فقال عليه السلام : يا أباحنيفة لئن وقفك اللَّه واوقفك يوم القيامة حتى يسألك عن كل أكلة اكلتها وشربة شربتها ليطولنّ وقوفك ، قال : فما النعيم ؟ - جعلت فداك - قال عليه السلام : النعيم نحن الذين انقذ اللَّه الناس بنا من
ص: 385
الضلالة ، وبصرهم بنا من العمى ، وعلمهم بنا من الجهل(1) .
ومنها قوله تعالى : « أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً »(2) .
عن الاصبغ بن نباتة في هذه الآية ، قال : قال أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه : نحن نعمة اللَّه التي انعم اللَّه بها على العباد(3) .
ومنها قوله تعالى : « فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ »(4) .
عن أبي يوسف البزاز قال : تلا أبوعبداللَّه عليه السلام هذه الآية ، قال عليه السلام : أتدري ما آلاء اللَّه ؟ قلت : لا ، قال : هي اعظم نعم اللَّه على خلقه وهي ولايتنا(5) .
ومنها قوله تعالى : « فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ »(6) .
قال أبوعبداللَّه عليه السلام في مرويّ داوود الرّقي : أي باى نعمتي تكذبان بمحمد صلى الله عليه وآله أم بعلي عليه السلام فبهما أنعمت على العباد(7) .
الثاني : ان نعمتهم جارية على العباد ابد الدهر لا يختص بآن دون آن .
ويدل مضافاً إلى ما سبق ما عن سليمان بن مهران الأعمش عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عليه السلام قال : نحن ائمة المسلمين وحجج اللَّه على العالمين وسادة المؤمنين وقادة الغر المحجلين وموالى المؤمنين ، ونحن أمان لاهل الأرض كما انّ النجوم أمان لأهل السماء ، ونحن
ص: 386
الذين بنا يمسك اللَّه السماء ان تقع على الأرض إلّا باذنه ، وبنا يمسك الأرض ان تميد باهلها ، وبنا ينزل الغيث وتنشر الرحمة وتخرج بركات الأرض ، ولولا ما في الأرض منّا لساخت بأهلها ، ثم قال عليه السلام : ولم تخل الأرض منذ خلق اللَّه آدم من حجة اللَّه فيها ، ظاهر مشهور أو غائب مستور ، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من جهة للَّه فيها ولولا ذلك لم يعبد اللَّه ، قال سليمان : فقلت للصادق عليه السلام : فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور ؟ قال : كما ينتفعون بالشمس اذا سترها السحاب(1) .
الثالث : ضروري ان المنعم افضل من المنعم عليه ولذا التسوية بينهم وبين غيرهم باطلة .
ويرشد إلى ما ذكرناه ما عن أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام قال : ولقد جاء رجل يوماً إلى علي بن الحسين عليه السلام برجل يزعم انه قاتل أبيه ، فاعترف فأوجب عليه القصاص ، وسأله ان يعفو عنه ليعظم اللَّه ثوابه ، فكأن نفسه لم تطب بذلك ، فقال علي بن الحسين عليه السلام للمدعي ولي الدم المستحق للقصاص : إن كنت تذكر لهذا الرجل عليك حقاً فهب له هذه الجناية ، واغفر له هذا الذنب ، قال : يا ابن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : له علي حق ولكن لم يبلغ [به] ان اعفو له عن قتل والدي ، قال : فتريد ماذا ؟ قال : أريد القود فان اراد لحقه علي ان اصالحه على الدية صالحته وعفوت عنه ، قال علي بن الحسين عليه السلام : فماذا حقه عليك ؟ قال : يا ابن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لقنني توحيد اللَّه ، ونبوة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وإمامة علي بن أبي طالب والائمة عليهم السلام ، فقال علي بن الحسين عليه السلام : فهذا لا يفي بدم أبيك ؟ بلي واللَّه ، هذا يفي
ص: 387
بدماء أهل الأرض كلهم من الأولين والآخرين سوى [الأنبياء ]والائمة عليهم السلام إن قتلوا فانه لا يفي بدمائهم شي ء ، الخبر(1) .
عن أبي حمزة الثمالي قال : قال أبوجعفر عليه السلام : بنى الاسلام على خمس ، أقام الصلاة وايتاء الزكاة وحج البيت وصوم شهر رمضان والولاية لنا أهل البيت ، فجعل في أربع منها رخصة ولم يجعل في الولاية رخصة ، من لم يكن له مال لم يكن عليه الزكاة ، ومن لم يكن عنده مال فليس عليه حج ، ومن كان مريضاً صلى قاعداً وافطر شهر رمضان ، والولاية صحيحاً كان أو مريضاً أو ذامال أو لا مال له فهي لازمة واجبة(2) .
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : الاسلام عريان ، فلباسه الحياء ، وزينته الوفاء ، ومروءته العمل الصالح ، وعماده الورع ، ولكلّ شي ء أساس وأساس الاسلام حبّنا أهل البيت »(3) .
وعن أبي الطفيل قال : قال أميرالمؤمنين عليه السلام : ومن لا يحبنا أهل البيت لا ينفعه ايمانه ولا يتقبل منه عمله وإن أد أب الليل والنهار لم يزل(4) .
ص: 388
عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : نحن آل محمد النمط الأوسط الذي لا يدركنا الغالي ولا يسبقنا التالي(1) .
وقال أميرالمؤمنين عليه السلام : نحن النمرقة الوسطى ، بها يلحق التالي وإليها يرجع الغالي(2) .
وعن فضيل بن يسار قال : قال الصادق عليه السلام : احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدونهم ، فان الغلاة شر خلق اللَّه يصغرون عظمة اللَّه ويدعون الربوبية لعباد اللَّه ، واللَّه إن الغلاة شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين اشركوا ، ثم قال عليه السلام : إلينا يرجع الغالي فلا نقبله ، وبنا يلحق المقصر فنقبله ، فقيل له : كيف ذلك يابن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ؟ قال : لان الغالي قد اعتاد ترك الصلوة والزكاة والصيام والحج فلا يقدر على ترك عادته وعلى الرجوع إلى طاعة اللَّه عزوجلّ ابداً ، وإن المقصر إذا عرف عمل وأطاع(3) .
قال تعالى : « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ »(4) .
وقال الرسول صلى الله عليه وآله لمجتمع الامة باجماعهم « ألست أولى بكم من أنفسكم »
ص: 389
قالوا : بلي يا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، قال : فمن كنت مولاه فعلي مولاه(1) .
وقال عبداللَّه بن جعفر لمّا أرسل معاوية إلى العبادلة في بيعة ابنه يزيد : اما بعد ، فان هذه الخلافة إن أخذ فيها بالقرآن فاولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللَّه وان اخذ فيها بسنّة رسول اللَّه فأولوا رسول اللَّه ... فأيّ الناس افضل واكمل وأحقّ بهذا الامر من آل الرسول ؟ ، وايم اللَّه لوولوه بعد نبيهم لوضعوا الامر موضعه ، لحقه وصدقه ، ولأطيع الرحمن ، وعصى الشيطان ، وما اختلف في الامة سيفان(2) .
وعن انس بن مالك قال : صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله صلاة الفجر ، فلمّا انفتل من صلاته أقبل علينا بوجهه الكريم على اللَّه عزوجلّ ، ثم قال : معاشر الناس من افتقد الشمس فليستمسك بالقمر ، ومن افتقد القمر فليستمسك بالزهرة ، فمن افتقد الزهرة فليستمسك بالفرقدين ، ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : أنا الشمس ، وعلى القمر ، وفاطمة الزهرة ، والحسن والحسين الفرقدان ، وكتاب اللَّه لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض(3) .
وقد اشير إلى هذه الخصائص في أخبار كثيرة لكن أكثرها جمعاً لها ما عن أبي محمد القاسم بن العلاء - رحمه اللَّه - رفعه ، عن عبدالعزيز بن مسلم قال : كُنّا مع الرضا عليه السلام بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا فأداروا أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها ، فدخلت على سيّدي عليه السلام ، فاعلمته خوض
ص: 390
الناس فيه ، فتبسّم عليه السلام ثم قال : يا عبدالعزيز جهل القوم وخدعوا عن آرائهم ، انّ اللَّه عزوجلّ لم يقبض نبيه صلى الله عليه وآله حتى أكمل له الدين وانزل عليه القرآن ، فيه تبيان كل شي ء بين فيه الحلال والحرام ، والحدود والأحكام ، وجميع ما يحتاج إليه الناس كملاً ، فقال عزوجل : « ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ »(1) ، وانزل في حجة الوداع وهي آخر عمره صلى الله عليه وآله : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ ديناً »(2) ، وامر الامامة من تمام الدين ، ولم يمض صلى الله عليه وآله حتى بيّن لامته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحقّ ، وأقام لهم عليّاً عليه السلام غلماً واماماً ، وما ترك [لهم] شيئاً يحتاج إليه الاُمّة إلّا بيّنة ، فمن زعم انّ اللَّه عزوجل لم يكمّل دينه فقد ردّ كتاب اللَّه ، ومن ردّ كتاب اللَّه فهو كافر به .
هل يعرفون قدر الامامة ومحلها من الاُمّة فيجوز فيها اختيارهم ؟ انّ الامامة أجلّ قدراً واعظم شأناً وأعلى مكاناً وامنع جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم ، أو ينالوها بآرائهم ، أو يقيموا إماماً باختيارهم ، انّ الامامة خصّ اللَّه عزّوجلّ بها إبراهيم الخليل عليه السلام بعد النبوة والخلّة مرتبة ثالثة ، وفضيلة شرّفه بها وأشاد(3) بها ذكره ، فقال : « إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً »(4) فقال الخليل عليه السلام سروراً بها : « ومن ذرّيّتي » قال اللَّه تبارك وتعالى : « لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمينَ » فابطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلى يوم القيامة وصارت فى الصفوة ، ثم أكرمه اللَّه تعالى
ص: 391
بأن جعلها في ذرّيّته أهل الصفوة والطهارة فقال: « وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنا صالِحينَ * وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدينَ »(1) فلم تزل في ذرّيّته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرناً حتى ورّثها اللَّه تعالى النبي صلى الله عليه وآله ، فقال جل وتعالى : « إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهيمَ لَلَّذينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنينَ »(2) فكانت له خاصّة فقلّدها صلى الله عليه وآله عليّاً عليه السلام بامر اللَّه تعالى على رسم ما فرض اللَّه ، فصارت في ذرّيّته الاصفياء الذين آتاهم اللَّه العلم والايمان بقوله تعالى : « وَقالَ الَّذينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ في كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ »(3) فهي في ولد علي عليه السلام خاصة إلى يوم القيامة ، إذ لا نبيّ بعد محمد صلى الله عليه وآله ، فمن أين يختار هؤلاء الجهّال ؟
انّ الامامة هي منزلة الانبياء وإرث الاوصياء .
انّ الامامة خلافة اللَّه وخلافة الرسول صلى الله عليه وآله ومقام اميرالمؤمنين عليه السلام وميراث الحسن والحسين عليهما السلام .
انّ الامامة زمام الدين ، ونظام المسلمين ، وصلاح الدنيا وعزّ المؤمنين ، انّ الامامة اُسّ الاسلام النامى وفرعه السامي .
بالامام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد ، وتوفير الفي ء والصدقات وامضاء الحدود والأحكام ، ومنع الثغور والاطراف .
ص: 392
الامام يحلّ حلال اللَّه ، ويحرّم حرام اللَّه ، ويقيم حدود اللَّه ، ويذبّ عن دين اللَّه ، ويدعوا إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة .
الامام كالشمس الطالعة المجلّلة بنورها العالم وهي في الاُفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار .
الامام البدر المنير ، والسراج الزاهر ، والنور الساطع ، والنجم الهادي في غياهب الدجي واجواز البلدان والقفار ، ولحج البحار .
الامام الماء العذب على الظماء ، والدال على الهدى ، والمنجي من الرّدى .
الامام النار على اليفاع ، الحارّ لمن اصطلى به والدليل في المهالك ، من فارقه فهالك .
الامام السحاب الماطر ، والغيث الهاطل ، والشمس المضيئة ، والسماء الظليلة ، والأرض البسيطة ، والعين الغزيرة ، والغدير والروضة .
الامام الأنيس الرفيق ، والوالد الشفيق ، والاخ الشقيق ، والاُمّ البرّة بالولد الصغير ، ومفزع العباد في الداهية النآد .
الامام امين اللَّه في خلقه ، وحجته على عباده ، وخليفته في بلاده ، والداعي إلى اللَّه ، والذابّ عن حرم اللَّه .
الامام المطهر من الذنوب ، والمبرّى عن العيوب ، المخصوص بالعلم ، الموسوم بالحلم ، نظام الدين ، وعزّ المسلمين وغيظ المنافقين ، وبوار الكافرين.
الامام واحد دهره ، لا يدانيه احد ، ولا يعاد له عالم ، ولا يوجد منه بدل ، ولا له مثل ولا نظير ، مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب ، بل اختصاص من المفضل الوهاب ، فمن ذا الذي يبلغ معرفة الامام أو يمكنه
ص: 393
اختياره ؟ هيهات هيهات ، ضلّت العقول ، وتاهت الحلوم ، وحارت الألباب ، وخسئت العيون ، وتصاغرت العظماء وتحيّرت الحكماء ، وتقاصرت الحلماء ، وحصرت الخطباء ، وجهلت الألبّاء ، وكلّت الشعراء ، وعجزت الادباء ، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه ، أو فضيلة من فضائله ، وأقرّت بالعجز والتقصير ، وكيف يوصف بكلّه أو ينعت بكنهه أو يفهم شي ء من أمره أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه ؟ لا كيف وأنّى وهو بحيث النجم من يد المتناولين ، ووصف الواصفين ، فاين الاختيار من هذا ؟ وأين العقول عن هذا ؟ وأين يوجد مثل هذا ؟ أتظنّون أنّ ذلك يوجد في غير آل الرسول محمد صلى الله عليه وآله ؟ كذبتهم واللَّه انفسهم ، ومنّتهم الاباطيل فارتقوا مرتقاً صعباً دحضاً ، تزلّ عنه إلى الحضيض اقدامهم ، راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة ، وآراء مضلّة ، فلم يزدادوا منه إلّا بعداً ، قاتلهم اللَّه أنّى يؤفكون ولقد راموا صعباً ، وقالوا إفكاً وضلّوا ضلالاً بعيداً ، ووقعوا في الحيرة ، اذ تركوا الامام عن بصيرة ، « وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرينَ »(1) .
رغبوا عن اختيار اللَّه واختيار رسول اللَّه صلى الله عليه وآله واهل بيته إلى اختيارهم والقرآن يناديهم : « وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ »(2) .
وقال عزوجلّ : « وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ
ص: 394
يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ »(1) الآية ، وقال : « ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فيهِ لَما تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ * سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقينَ »(2) وقال عزوجلّ : « أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها »(3) أم « وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ »(4) أم « قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ »(5) أم « قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا »(6) بل هو فضل اللَّه يؤتيه من يشاء واللَّه ذوالفضل العظيم . فكيف لهم باختيار الامام ؟ ! والامام عالم لا يجهل ، وراع لا ينكل ، معدن القدس والطهارة ، والنسك والزهادة والعلم والعبادة ، مخصوص بدعوة الرسول صلى الله عليه وآله ونسل المطهّرة البتول ، لا مغمز في نسب ، ولا يدانيه ذو حسب ، في البيت من قريش والذروة من هاشم ، والعترة من الرسول صلى الله عليه وآله والرضا من اللَّه عزوجلّ ، شرف الاشراف ، والفرع من عبد مناف ، نامى العلم ، كامل الحلم ، مضطلع بالامامة ، عالم بالسياسة ، مفروض الطاعة ، قائم بأمر اللَّه عزوجلّ ، ناصح لعباد اللَّه ، حافظ لدين اللَّه .
إنّ الأنبياء والائمة صلوات اللَّه عليهم يوفّقهم اللَّه ويؤتيهم من مخزون علمه
ص: 395
وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم ، فيكون علمهم فوق علم أهل الزمان في قوله تعالى : « أَفَمَنْ يَهْدي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ »(1) وقوله تبارك وتعالى : « وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثيراً »(2) وقوله في طالوت : « إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَليمٌ »(3) وقال لنبيّه صلى الله عليه وآله : « أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظيماً »(4) وقال : في الائمة من أهل بيت نبيّة وعترته وذرّيّته صلوات اللَّه عليهم : « أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظيماً * فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعيراً »(5) وإنّ العبد إذا اختاره اللَّه عزوجلّ لامور عباده ، شرح صدره لذلك ، وأورع قلبه ينابيع الحكمة ، وألهمه العلم إلهاماً ، فلم يعى بعده بجواب ، ولا يحير فيه عن الصواب ، فهو معصوم مؤيّد ، موفق مسدّد ، قد أمن من الخطايا والزلل والعثار ، يخصّه اللَّه بذلك ليكون حجّته على عباده ، وشاهده على خلقه ، و« ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظيمِ »(6) .
فهل يقدرون على مثل هذا فيختارونه أو يكون مختارهم بهذه الصفة
ص: 396
فيقدّمونه ؟ تعدّوا وبيت اللَّه - الحقّ ونبذوا كتاب اللَّه وراء ظهورهم كانهم لا يعلمون ، وفي كتاب اللَّه الهدى والشفاء ، فنبذوه واتّبعوا اهوائهم ، فذمّهم اللَّه ومقّتهم وأتعسهم فقال جلّ وتعالى : « وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمينَ »(1) وقال : « فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ »(2) وقال : « كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ »(3) وصلّى اللَّه على النبيّ محمّد وآله وسلّم تسليماً كثيراً(4) .
وعن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال : « للامام علامات ، يكون أعلم الناس ، وأحكم الناس ، واتقى الناس ، وأحلم الناس ، وأشجع الناس ، وأسخى الناس ، وأعبد الناس ، ويولد مختوناً ، ويكون مطهّراً ، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه ولا يكون له ظل(5) ، وإذا وقع على الارض من بطن أمّه وقع على راحتيه ، رافعاً صوته بالشهادتين ، ولا يحتلم ، وتنام عينه ولا تنام قلبه ، ويكون محدّثاً ، ويستوى عليه درع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، ولا يرى له بول ولا غائط لأنّ اللَّه عزّوجلّ قد وكّل الأرض بابتلاع ما يخرج منه ، وتكون رائحته أطيب من رائحة المسك ويكون أولى الناس منهم بأنفسهم ، وأشفق عليهم من آبائهم وأمّهاتهم ، ويكون أشدّ الناس تواضعاً للَّه جلّ ذكره ، ويكون آخذ الناس بما يأمر به ، وأكفّ
ص: 397
الناس عمّا ينهى عنه ، ويكون دعاؤه مستجاباً حتّى انّه لو دعا على صخرة لانشقّت بنصفين ، ويكون عنده سلاح رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وسيفه ذوالفقار ، ويكون عنده صحيفة يكون فيها أسماء شيعته إلى يوم القيامة ، وصحيفة فيها أسماء أعدائه إلى يوم القيامة ، وتكون عنده الجامعة وهي صحيفة طولها سبعون ذراعاً فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم ، ويكون عنده الجفر الأكبر والأصغر إهاب ما عز واهاب كبش فيها جميع العلوم حتّى ارش الخدش وحتّى الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة ويكون عنده مصحف فاطمة عليها السلام »(1) .
عن ابن عبّاس قال : دخلت على أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقلت : يا أبا الحسن أخبرني بما أوصى إليك رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال : « سَأُخْبِرُكُمْ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ وَارْتَضَاهُ ، وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ ، وَكُنْتُمْ أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها ، وَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى نَبِيِّهِ أَنْ يُوصِيَ إِلَيَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله : يَا عَلِيُّ احْفَظْ وَصِيَّتِي ، وَارْعَ ذِمَامِي ، وَأَوْفِ بِعَهْدِي ، وَأَنْجِزْ عِدَاتِي ، وَاقْضِ دَيْنِي وقوّمهما ، وَأَحْيِ سُنَّتِي ، وَادْعُ إِلى مِلَّتِي ، لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اصْطَفَانِي وَاخْتَارَنِي ، فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي مُوسَى ، فَقُلْتُ : اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي كَمَا جَعَلْتَ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ إِلَيَّ أَنَّ عَلِيّاً وَزِيرُكَ وَنَاصِرُكَ وَالْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِكَ ، ثُمَّ يَا عَلِيُّ أَنْتَ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى وَأَوْلَادُكَ(2) مِنْكَ ، فَأَنْتُمْ قَادَةُ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالشَّجَرَةُ الَّتِي أَنَا أَصْلُهَا وَأَنْتُمْ فَرْعُهَا ، فَمَنْ تَمَسَّكَ
ص: 398
بِهَا فَقَدْ نَجَا ، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا فَقَدْ هَلَكَ وَهَوَى ، وَأَنْتُمُ الَّذِينَ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى مَوَدَّتَكُمْ وَوَلايَتَكُمْ ، وَالَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ، وَوَصَفَهُمْ لِعِبَادِهِ ، فَقَالَ عَزَّوَجَلَّ مِنْ قَائِلٍ : « إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ »(1) فَأَنْتُمْ صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ آدَمَ وَنُوحٍ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ وَآلِ عِمْرَانَ وَأَنْتُمُ الْأُسْرَةُ(2) مِنْ إِسْمَاعِيلَ وَالْعِتْرَةُ الْهَادِيَةُ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَواتُ اللَّه عَلَيْهِمِ أَجْمَعين »(3) .
وعن مجاهد في قوله تعالى : « يَا أيُّها الذينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ »(4) قال : إنّما نزلت في أميرالمؤمنين عليه السلام حين خلّفه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بالمدينة فقال عليه السلام : « يا رسول اللَّه أتخلفني بين النساء والصبيان ؟ » فقال صلى الله عليه وآله : « يا علي أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى حين قال له : اخلفني من قومي وأصلح ؟ » فقال عليه السلام : « بلى واللَّه » وأولى الأمر منكم قال علي بن أبي طالب عليه السلام : « ولّاه اللَّه أمر الأمّة بعد محمّد صلى الله عليه وآله حين خلّفه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بالمدينة فأمر اللَّه العباد بطاعته وترك خلافه »(5) .
وعن أبي جعفر محمّد بن علي عليهما السلام قال : « انّ ابراهيم خليل اللَّه عليه السلام ودعا ربّه فقال : « رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْني وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ »(6) فنالت
ص: 399
دعوته النبي صلى الله عليه وآله فأكرمه اللَّه بالنبوّة ونالت دعوته أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فاختصّه ( فاستخصّه ) اللَّه بالامامة والوصيّة »(1) .
وعن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : « قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وآله : لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ ، ثُمَّ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى السَّمَاءِ ، ثُمَّ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ، أُوقِفْتُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّي عَزَّوَجَلَّ فَقَالَ لي : يَا مُحَمَّدُ ، فَقُلْتُ : لَبَّيْكَ رَبِّي وَسَعْدَيْكَ ، قَالَ : قَدْ بَلَوْتُ خَلْقِي ، فَأَيَّهُمْ وَجَدْتَ أَطْوَعَ لَكَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : رَبِّ عَلِيّاً ، قَالَ : صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ ، فَهَلِ اتَّخَذْتَ لِنَفْسِكَ خَلِيفَةً يُؤَدِّي عَنْكَ وَيُعَلِّمُ عِبَادِي مِنْ كِتَابِي مَا لا يَعْلَمُونَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : اخْتَرْ لِي ، فَإِنَّ خِيَرَتَكَ خَيْرٌ لِي ، قَالَ : قَدِ اخْتَرْتُ لَكَ عَلِيّاً فَاتَّخِذْهُ لِنَفْسِكَ خَلِيفَةً وَوَصِيّاً ، فإنّي قَدْ نَحَلْتُهُ عِلْمِي وَحِلْمِي وَهُوَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ حَقّاً لَمْ يقلها [لَمْ يَنَلْهَا] أَحَدٌ قَبْلَهُ وَلا أَحَدٌ بَعْدَهُ ، يَا مُحَمَّدُ عَلِيٌّ رَايَةُ الْهُدَى ، وَإِمَامُ مَنْ أَطَاعَنِي ، وَنُورُ أَوْلِيَائِي » ( الخبر )(2) .
وعن أنس بن مالك قال : سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عن معنى قوله : « وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ »(3) فقَالَ صلى الله عليه وآله : « إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ طِينٍ كَيْفَ شَاءَ ، ثُمَّ قَالَ : وَيَخْتارُ ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اخْتَارَنِي وَأَهْلَ بَيْتِي عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ فَانْتَجَبَنَا ، فَجَعَلَنِيَ الرَّسُولَ ، وَجَعَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ الْوَصِيَّ ، ثُمَّ قَالَ : ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ، يَعْنِي مَا جَعَلْتُ لِلْعِبَادِ أَنْ يَخْتَارُوا ، وَلَكِنِّي أَخْتَارُ مَنْ أَشَاءُ ، فَأَنَا وَ أَهْلُ بَيْتِي صَفْوَةُ اللَّهِ وَ
ص: 400
خِيَرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ ، ثُمَّ قَالَ : « سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُون »(1) »(2) .
وعن ابن عبّاس قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « أنا سيّد النبيّين وعلي بن أبي طالب سيّد الوصيّين ، وانّ أوصيائي بعدي اثنا عشر أوّلهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم »(3) .
وعن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن علي عليهم السلام قال : « قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : الأئمّة بعدي اثنا عشر أوّلهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم ، هم خلفائي وأوصيائي وأوليائي ، وحجج اللَّه على اُمّتي بعدي ، المقرّ بهم مؤمن ، المنكر لهم كافر(4) .
ويشهد له قول الحسين عليه السلام في مناشداته يوم الطف : ألست ابن بنت نبيكم صلى الله عليه وآله وابن وصيه(5) .
وعن انس بن مالك قال : قلت لسلمان الفارسي : سل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : من وصيه ؟ فقال له سلمان : يا رسول اللَّه من وصيك ؟ قال : من كان وصى موسى ؟ قال : يوشع بن نون . قال : فان وصي ووارثي ، يقضي ديني وينجز موعدي وخير من اخلف بعدي علي بن أبي طالب عليه السلام(6) .
وعن عبدالرحمن بن كثير عن أبي جعفر عليه السلام قال : « قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : انّ أول
ص: 401
وصي كان على وجه الأرض هبة اللَّه بن آدم وما من نبيّ مضى إلّا وله وصي - إلى أن قال - وانّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان هبة اللَّه لمحمد صلى الله عليه وآله ، وورث علم الأوصياء ، وعلم من كان قبله»(1) .
وعن عبداللَّه بن عباس عن علي بن أبي طالب قال عليه السلام : « لما نزلت هذه الآية على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « وَأَنْذِرْ عَشيرَتَكَ الْأَقْرَبينَ »(2) دعاني رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقال لي : يا علي ان اللَّه امرني ان أنذر عشيرتي الأقربين - إلى أن قال - ثم اجمع لي بني عبدالمطلب حتى اكلمهم وابلغهم ما أمرت به ، ففعلت ما أمرني به ، ثم دعوتهم له وهم يومئذ اربعون رجلاً - إلى أن قال - ثم تكلم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقال : يا بني عبدالمطلب اني واللَّه ما اعلم شاباً في العرب جاء قومه بافضل مما قد جئتكم به ، انّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني اللَّه تعالى أن أدعوكم إليه ، فايّكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيى وخليفتي فيكم ؟ قال عليه السلام : فاحجم القوم عنها جميعاً وقلت واني لأحدثهم سناً وارمصهم عيناً واعظمهم بطناً واحمشهم ساقاً : انا يا نبيّ اللَّه اكون وزيرك عليه ، فاخذ برقبتي ثم قال صلى الله عليه وآله : ان هذا أخي ووصيى وخليفتي فيكم فاسمعوا له واطيعوا ، قال عليه السلام : فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك ان تسمع لابنك وتطيع»(3) .
وعن الاسود قال : ذكروا عند عايشة ان علياً كان وصيّاً ، فقالت : متى أوصى إليه وقد كنت مسندته إلى صدري أو قالت حجري فدعا بالطست ، فلقد انخنث في
ص: 402
حجري فما شعرت انه مات فمتى أوصى إليه(1) .
أقول : وأي ملازمة بين هذا وبين عدم وصايته صلى الله عليه وآله فانه صلى الله عليه وآله جعل علياً وصيه وخليفته أول بعثته كما عرفت فيما مرّ وبعده إلى حين وفاته حسبما دل عليه آثار أخر قبل تلك الساعة التي ادعت في موته صلى الله عليه وآله حين بوله بين سحرها ونحرها .
قال الكراجكي : ومن عجيب امرهم : انهم اذا طرقتهم الحجج الجلية في انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لم يمض من الدنيا إلّا عن وصية ، وانه اوصى [إلى] أميرالمؤمنين [علي بن أبي طالب] عليه السلام دونَ سائر الاُمّة ، وسمعوا تمدح أميرالمؤمنين عليه السلام بذلك في كلامه وحجاجه لخصومه ، وذكره [له] في خطبه على منبر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، واحتجاج أهل بيته عليهم السلام وشيعته من الانصار بذلك فى فضله ، وما نظمه الشعراء فيه وسارت [الركبان به] - إلى أن قال - قالوا عند ذلك : لسنا نجحد انّ علياً عليه السلام وصي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، ولا ننكر ما قد اشتهر من شهادة القوم بوصيته ، ولكن النبي صلى الله عليه وآله انما أوصى [إليه] بما كان [له] في يديه ويمتلكه ويحويه ، ولم يوص إليه بأمر الاُمّة كلها ، ولا تعدّت وصيته إليه امور تركته وأهله إلى غيرها ، ثم [انهم] يدعون بعد هذا ان جميع ما خلفه صدقة ، وانه لا يورث كما يورث سواه من الأمّة ، وان فدكا والعوالي صدقه ينظر فيها الخليفة الذي تختاره الأمة ، ولا يجوز ان تقبل فيها شهادة من تثبت له الوصية ، فليت شعري بما ذا أوصى اذا كان جميع ما خلفه صدقة ، ولم يكن أوصى بحفظ الشريعة والقيام بأمر الاُمّة [الامامة] ؟ فان هذا مما يتحير فيه ذو البصيرة والخبرة والمعرفة(2) .
ص: 403
وقال ابوسعيد التيمي المعروف بعقيصا قال : كنا مع على في مسيره إلى الشام حتى اذا كنا بظهر الكوفة من جانب هذا السواد - قال : - عطش الناس واحتاجوا إلى الماء ، فانطلق بنا علي عليه السلام حتى أتى بنا على صخرة ضرس من الأرض ، كانها ربضة عنز(1) ، فأمرنا قتلعناها فخرج لنا ماء ، فشرب الناس منه وارتووا . قال : ثم امرنا فاكفاناها عليه ، قال : وسار الناس حتى اذا مضينا قليلاً قال علي عليه السلام : منكم احد يعلم مكان هذا الماء الذي شربتم منه ؟ قالوا : نعم يا أميرالمؤمنين ، قال : فانطلقوا إليه ، قال : فانطلق منا رجال ركبانا ومشاة ، فاقتصصنا الطريق إليه حتى انتهينا إلى المكان الذي نرى أنه فيه . قال : فطلبناها فلم نقدر على شي ء حتى اذا عيل علينا انطلقنا إلى دير قريب منا فسألناهم : اين الماء الذي هو عندكم ؟ قالوا : ما قربنا ماء ، قالوا : بلي ، انا شربنا منه ، قالوا : انتم شربتم منه ؟ قلنا : نعم ، قال صاحب الدير : ما بنى هذا الدير إلّا بذلك الماء ، وما استخرجه إلّا نبيّ أو ووصيّ نبيّ(2) .
وروى عن جويرية بن مُسْهِر أنّه قال : اقبلنا مع أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من قتل الخوارج حتى إذا قطعنا في أرض بابل حضرت صلاة العصر فنزل أميرالمؤمنين عليه السلام ونزل الناس ، فقال علي عليه السلام : « ايّها الناس ان هذه أرض ملعونة قد عذّبت في الدهر ثلاث مرات - إلى أن قال عليه السلام - وانه لا يحل لنبيّ ولا لوصي نبيّ ان يصلي فيها»(3) .
ص: 404
وروى ابن مردويه - وهو من حفّاظهم - عن النبيّ صلى الله عليه وآله : إنّ اللَّه عزوجلّ اختار من كل امّة نبيّاً ، واختار لكل نبيّ وصيّاً ، فأنا نبيّ هذه الاُمّة ، وعلي وصيى في عترتي وأهل بيتي وأمتي من بعدي(1) .
وروى الجمهور عن ابن عباس قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله انتهت الدعوة إليّ وإلى علي لم يسجد احدنا قط لصنم فاتخذني نبيّاً واتخذ علياً وصيّاً(2) .
وحيث ان المراد من ( الدعوة ) في الخبر دعاء إبراهيم عليه السلام وطلب الامامة لذريته من اللَّه تعالى في قوله : « وَمِنْ ذُرِّيَّتي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمينَ »(3) فلازمه عدم صحة خلافة شيخيهم اللذين شاخا في عبارة الاصنام .
وعن النبيّ صلى الله عليه وآله قال : « كنت أنا وعلي نوراً بين يدي اللَّه - عزوجل - قبل ان يخلق آدم باربعة عشر ألف عام ، فلما خلق آدم قسم ذلك فيه وجعله جزأين ، فجزء انا وجزء علي .
رواه احمد في « المسند » وفي كتاب فضائل علي عليه السلام ، وذكره صاحب كتاب الفردوس وزاد فيه : ثم انتقلنا حتى صرنا في عبدالمطلب ، فكان لي النبوة ولعلي الوصية(4) .
وقال ابن عبد ربه في ( عقده ) - بعد ذكر فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام ، وقال له النبي صلى الله عليه وآله : « أما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي - : وبهذا الحديث سمت الشيعة عليّاً عليه السلام الوصي ، وتأوّلوا فيه انّه استخلفه
ص: 405
على أمّته اذ جعله منه بمنزلة هارون من موسى ، لان هارون كان خليفة موسى على قومه اذا غاب عنهم ، وقال السيد الحميري : انّي ادين بما دان الوصى به وشاركت كفّه كفّى بصفّينا»(1) .
وروى ان أميرالمؤمنين عليه السلام أرسل عبداللَّه بن العباس إلى الخوارج وكان بمرأى منهم ومسمع قالوا له في الجواب : انا نقمنا يا ابن عباس على صاحبك خصالاً كلها مكفرفة موبقة - إلى أن قال - قال عليه السلام لهم : واما قولكم : اني كنت وصيا فضيعت الوصية فانتم كفرتم وقدمتم علي ، وأزلتم الأمر عني ، وليس على الأوصياء الدعاء إلى انفسهم ، انما يبعث اللَّه الأنبياء صلى الله عليه وآله فيدعون إلى أنفسهم ، واما الوصى فمدلول عليه مستغن عن الدعاء إلى نفسه وذلك لمن آمن باللَّه ورسوله ، ولقد قال اللَّه جل ذكره : « وَللَّهِ ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبيلاً »(2) ، فلو ترك الناس الحج لم يكن البيت ليكفر بتركهم اياه ، ولكن كانوا يكفرون بتركهم ، لأن اللَّه تعالى قد نصبه لهم علماً ، وكذلك نصبني علماً حيث قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى وأنت مني بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتي»(3) .
روى انه لما حج الرشيد ونزل في المدينة اجتمع إليه بنوهاشم وبقايا المهاجرين والانصار ووجوه الناس ، وكان في الناس الامام أبوالحسن موسى بن
ص: 406
جعفر عليه السلام ، فقال لهم الرشيد : قوموا بنا إلى زيارة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، ثم نهض معتمداً على يد أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام حتى انتهى إلى قبر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فوقف عليه فقال : السلام عليك يا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله السلام عليك يا ابن عم افتخاراً بذلك على قبائل العرب الذين حضروا معه واستطالة عليهم بالنسب ، قال : فنزع أبوالحسن موسى عليه السلام يده من يده وقال : السلام عليك يا رسول اللَّه ، السلام عليك يا ابة ، قال : فتغيّر وجه الرشيد ثم قال : يا أبا الحسن إن هذا لهو الفخر(1) .
وقال المنصور للصادق عليه السلام : زعم أوغاد الحجاز ورعاع الناس انك حبر الدهر ، وناموسه وحجة المعبود وترجمانه وعيبة علمه ، وميزان قسطه ، ومصباحه الذي يقطع به الطالب عرض الظلمة إلى ضياء النور ، وان لا يقبل من عامل جهل جدك في الدنيا عملاً ، و لا يرفع له يوم القيامة وزناً ، فنسبوك الى غير جدك ، وقالوا فيك ما ليس فيك ، فقل : فانّ أول من قال الحق جدك ، وأوّل من صدقه عليه أبوك ، وأنت حرىّ ان تقتص آثارهما وتسلك سبيلهما ، فقال الصادق عليه السلام : انا فرع من فروع الزيتونة ، وقنديل من قناويل بيت النبوّة ، وأديب السفرة ، وربيب الكرام البررة ، ومصباح من مصابيح المشكاة التي فيها نور النور ، وصفو الكلمة الباقية في عقب المصطفين إلى يوم الحشر - الخبر -(2) .
وقال الحسين عليه السلام لمعاوية لمّا دعاه إلى البيعة لابنه يزيد في جملة كلامه عليه السلام له : « ومنعتنا عن آبائنا تراث ، ولقد - لعمر اللَّه - أورثنا الرسول عليه الصلوة والسلام ولادة - إلى أن قال - فنظر معاوية إلى ابن عباس فقال : ما هذا يابن عباس ؟ ولما
ص: 407
عندك ادهى وامر . فقال ابن عباس : لعمر اللَّه انها لذرية الرسول ، واحد اصحاب الكساء ، وفي البيت المطهر»(1) .
قال اعثم الكوفي في تاريخه - في قصة أهل حضرموت - ان زياد بن لبيد وسم ابلا من شاب من حضرموت بسمة الصدقات وارسلها في نعمها فحضر الشاب وقال له : خلّ عن هذا اعطك خيراً منه ، فما قبل منه ، فذهب إلى حادثة بن سراقة الذي كان احد كبراء تلك الديار وقال له : أريد أن تشفع لي في ذلك ، فجائه حارثة في ذلك ، فاعتذر بانه بعد وسمة بسمة الصدقات لا يمكنه تبديلها ، فغضب حارثة وجاء إلى آبال الصدقة وقال للشاب : حلّ إبلك واذهب بها إلى بيتك ، ولو تكلم احد نجيبه بالسيف ، كنّا مطيعاً لصاحب الرسالة مادام كان حيّاً ، فلمّا توفى لو كان خليفة من أهل بيته كنّا مطيعين له ، واما ابن أبي قحافة فانّي له الامارة علينا ، وانشد شعراً في توالية لاهل البيت وتبرّيه من أبي بكر ، وأرسل بذلك إلى زياد ، فلمّا سمع زياد ذلك خاف وشخص إلى المدينة ، وبعث من الطريق شعرا في تهديدهم فقالت قبائل كندة : اجمعوا اطرافكم واحفظوا بلادكم فان العرب لا ترضى بتقديم تيم ، ولا يدعون سادات بطحاء اهل بيت النبوة ومستحقي الخلافة ، ولو كان ينبغي أن يكون الامر خارجاً من بني هاشم لم يكن أحد أولى به منّا لأنّ آبائنا كانوا ملوك الأرض - إلى أن قال - : فذهب زياد إلى بني زبيد وشكى إليهم من كندة ، ودعاهم إلى طاعة أبي بكر ، فقالوا له : يا زياد لم تدعونا إلى طاعة رجل
ص: 408
لم يوص الرسول صلى الله عليه وآله احدً بطاعته ولم يذكر في أمر شيئاً ؟ فقال لهم : صدقتم ولكن اتّفقت جماعة المسلمين على تقديمه باجتهادهم ، فقالوا له : لم يتجهدوا في تقديم أهل بيت نبيهم وكان هذا الأمر حقاً لهم حيث يقول تعالى : « وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ في كِتابِ اللَّهِ »(1) ، فقال لهم زياد : ان المهاجرين والانصار كانوا اعلم منكم ، قالوا : لا واللَّه بل حسدوا أهل بيت نبيهم واخذوا الحق مِنْ مستحقه ونحن نعلم يقيناً ان الرسول صلى الله عليه وآله لم يقبض حتى عيّن خليفة له من أهل بيته - الخ (2)- .
إلى هنا انتهى الجزء الأوّل من كتاب
« مصباح السعادة في شرح نهج البلاغة »
وأسأل اللَّه أن يوفّقني لبقيّة الأجزاء كما وفّقني للجزء الأوّل
انّه سميع الدعاء قريب مجيب
والحمد للَّه ربّ العالمين وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطاهرين
ص: 409
1 - اثبات الوصية : المسعودى ، ( المتوفى 344ق ) .
2 - الاحتجاج على اهل اللجاج : ابو منصور احمد بن على بن ابى طالب طبرسى ، 2 مجلد ، مترجم : بهراد جعفرى ، دار الكتب الاسلامية ، طهران 1387 ش .
3 - الاحتجاج على أهل اللجاج : احمد بن على ، طبرسى ، ( المتوفى 588ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : محمد باقر خرسان ، نشر مرتضى ، مشهد ، الأولى 1403ق .
4 - الاختصاص : محمد بن محمد المفيد ، ( المتوفى 413ق ) ، مصحح : على اكبر غفارى ومحمود حرمى زرندى ، المؤتمر العالمى للالفية الشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .
5 - اختيار مصباح السالكين : ابن ميثم البحرانى ، ( المتوفى 679ق ) ، تحقيق : الدكتور شيخ محمد هادى الامينى ، مجمع البحوث الاسلامية مشهد ، الأولى 1408ق - 1366ش .
6 - ارشاد القلوب الى الصواب للديلمى : حسن بن محمد ديلمى ، ( المتوفى 841ق ) ، 2 مجلد ، الشريف الرضى ، قم ، الأولى 1412ق .
7 - الاصول الستة عشر : مصحح : ضياءالدين محمودى ونعمت اللَّه جليلى ومهدى
ص: 410
غلامعلى ، مؤسسة دار الحديث الثقافية ، قم ، الأولى 1423ق .
8 - اعتقادات الامامية ( للصدوق ) محمد بن على بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مؤتمر الشيخ المفيد ، قم ، الثانية 1414ق .
9 - اعلام الدين فى صفات المؤمنين : حسن بن محمد ديلمى ، ( المتوفى 841ق ) ، 1 مجلد ، الناشر والمصحح : مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، قم ، الأولى 1408ق .
10 - اعلام الورى باعلام الهدى ( ط القديمة ) : فضل بن حسن طبرسى ، ( المتوفى 548ق ) ، 1 مجلد ، اسلامية ، تهران ، الثالثة 1390ق .
11 - الزام الناصب فى اثبات الحجة الغائب عليه السلام : على بن زين العابدين ، يزدى حائرى ، ( المتوفى 1323ق ) ، محقق : عاشور ، على ، مؤسسة الأعلمى ، بيروت ، الأولى 1422ق .
12 - الأمالي ( للصدوق ) : محمد بن على بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، الأعلمى بيروت ، الخامسة 1400ق - 1362ش .
13 - الأمالي ( للطوسي ) : محمد بن الحسن طوسى ، ( المتوفى 460ق ) ، 1 مجلد ، دار الثقافه ، قم ، الأولى 1414ق .
14 - الأمالي ( للمرتضى ) : على بن حسين ، علم الهدى ، ( المتوفى 436ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : محمد ابوالفضل ، ابراهيم ، دار الفكر العربى ، قاهره ، الأولى 1988م .
15 - الأمالي ( للمفيد ) : محمد بن محمد ، مفيد ، ( المتوفى 413ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : حسين استاد ولى وعلى اكبر غفارى ، مؤتمر الشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .
16 - الامامة والسياسة المعروف بتاريخ الخلفاء : ابن قتيبة دينورى ، القرن الثالث ، تحقيق : على شيرى ، دار الأضواء ، بيروت ، الأولى 1410ق - 1990م .
ص: 411
17 - الايضاح : الفضل بن شاذان الأزدى ، ( المتوفى 260ق ) ، تحقيق : السيد جلال الدين الحسينى الارموى المحدث ، مؤسسة النشر والطبع جامعة طهران ، 1363ش .
18 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار : محمّد باقر بن محمّد تقى مجلسى ، ( المتوفى 1110ق ) ، 111 مجلد ، دار احياء التراث العربي ، الثانية 1403ق .
19 - البرهان فى تفسير القرآن : سيد هاشم بن سليمان بحراني ، ( المتوفى 1107ق ) ، 5 مجلد ، مصحح : قسم الدراسات الاسلامية لمؤسسة البعثة ، مؤسسة البعثة ، قم ، الأولى 1374 ش .
20 - بشارة المصطفى لشيعة المرتضى : عماد الدين أبي جعفر محمد بن أبي القاسم الطبرى الآملي ، ( المتوفى 553ق ) ، 1 مجلد ، المكتبة الحيدرية ، نجف الأشرف ، الثانية 1383ق .
21 - بصائر الدرجات في فضائل آل محمد عليهم السلام : محمد بن حسن صفار ، ( المتوفى 290ق ) ، مصحح : محسن بن عباسعلي كوچه باغي ، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي ، قم ، الثانية 1404ق .
22 - بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة : محمّد تقي الشيخ الشوشتري ، ( المتوفى 1415ق - 1374ش ) ، مؤسّسة نشر أمير كبير ، الأولى 1376 شمسي .
23 - تاريخ بغداد : الخطيب البغدادي ، ( المتوفى 463ق ) ، تحقيق : مصطفى عبدالقادر عطا ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الأولى 1417ق - 1997 م .
24 - تاريخ الطبرى : محمد بن جرير الطبري ، 6 مجلد ، ( المتوفى 310ق ) ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت .
ص: 412
25 - تاريخ مدينة دمشق : ابن عساكر ، ( المتوفى 571ق ) ، 70 مجلد ، تحقيق : علي شيري ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، مطبعة دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، چاپ 1415ق .
26 - تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة : علي الاسترآبادي ، ( المتوفى 940ق ) ، مصحح : حسين استاد ولي ، مؤسسة النشر الاسلامى ، قم ، الأولى 1409ق .
27 - تحف العقول : حسن بن علي ، ابن شعبة الحرّاني ، ( المتوفى قرن 4 ) ، 1 مجلد ، مصحح : علي أكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الثانية 1404ق - 1363ش .
28 - التعجب من أغلاط العامّة في مسألة الإمامة : محمّد بن علي الكراجكي ، ( المتوفى 449ق ) ، 1 مجلد ، دار الغدير ، قم ، الأولى 1421ق .
29 - تفسير الآلوسي : الآلوسي ، 1270ق ، 30 مجلد .
30 - تفسير الصافي : محمّد بن شاه مرتضى فيض كاشاني ، ( المتوفى 1091ق ) ، مكتبة الصدر ، طهران ، الثانية 1415ق .
31 - تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور : جلال الدين السيوطي ، ( المتوفى 911ق ) ، 6 مجلد ، دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت .
32 - تفسير العياشي : محمّد بن مسعود العياشي ، ( المتوفى 320ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : السيّد هاشم رسولى المحلّاتى ، المطبعة العلمية ، طهران ، الأولى 1380 ق .
33 - تفسير فرات الكوفي : فرات بن ابراهيم كوفي ، ( المتوفى 307ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : محمد كاظم ، مؤسسة الطبع والنشر في وزارة الارشاد الاسلامي ، طهران ،
ص: 413
الأولى 1410ق .
34- تفسير القمي : علي بن ابراهيم القمي ، ( المتوفى القرن 3 الهجري ) ، مصحح : السيّد طيّب موسوى الجزائري ، 2 مجلد ، دار الكتاب ، قم ، الثالثة 1404ق .
35 - تفسير المحيط الأعظم والبحر الخظم في تأويل كتاب اللَّه العزيز المحكم : السيد حيدر الآملي ، 2 مجلد ، تحقيق : السيد محسن الموسوي التبريزي ، مؤسسة الثقافي والنشر نور على نور ، الثالثة 1428 .
36 - التفسير المنسوب الى الامام الحسن العسكري عليه السلام : الشهادة 260 ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : مدرسة الإمام المهدي عليه السلام ، قم ، الأولى 1409ق .
37 - تفسير نور الثقلين عبد علي بن جمعة الحويزي ، ( المتوفى 1112ق ) ، 5 مجلدات ، اسماعيليان ، قم ، الرابعة 1415ق .
38 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام : ورام بن أبي فراس ، مسعود بن عيسى ، ( المتوفى 605ق ) ، 2 مجلد ، مكتبة الفقيه ، قم ، الأولى 1410ق .
39- التوحيد ( للصدوق ) : محمّد بن علي ، ابن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : هاشم الحسيني ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الأولى 1398ق .
40 - تهذيب الأحكام : محمد بن الحسن ، طوسى ، ( المتوفى 460ق ) ، 10 مجلد ، مصحح : حسن الموسوى خرسان ، دار الكتب الاسلامية ، تهران ، الرابعة 1407ق .
41 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : محمد بن علي الصدوق ، ابن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، دار الشريف الرضي للنشر ، قم ، الثانية 1406ق .
42 - جامع احاديث الشيعة : السيّد حسين البروجردي ، ( المتوفى 1380ق ) ، 31 مجلد ، النشر الثقافي الأخضر (سبز) ، طهران ، الأولى 1386 ش .
ص: 414
43 - جامع الأخبار ( للشعيرى ) : محمد بن محمد شعيرى ، ( المتوفى القرن 6 ) ، مطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف ، الأولى .
44 - الخرائج والجرائح : سعيد بن هبة اللَّه ، قطب الدين الراوندي ، ( المتوفى 573ق ) ، المصحح والناشر : مؤسسة الامام المهدي عليه السلام ، 3 مجلد ، قم ، الأولى 1409ق .
45- خصائص الأئمّة عليهم السلام ( خصائص أميرالمؤمنين عليه السلام ) : محمد بن حسين ، الشريف الرضي ، ( المتوفى 406ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : محمد هادي الأميني ، منشورات العتبة الرضويّة ، مشهد ، الأولى 1406ق .
46 - الخصال : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : على اكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الأولى 1362ش .
47 - دعائم الاسلام وذكر الحلال والحرام : نعمان بن محمد مغربى ، ابن حيون ، ( المتوفى 363ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : الفيضي ، آصف ، مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، قم ، الثانية 1385ق .
48 - الدعوات للراوندي ، سلوة الحزين : سعيد بن هبة اللَّه ، قطب الدين الراوندي ، ( المتوفى 573ق ) ، 1 مجلد ، انتشارات مدرسة الإمام المهدي عليه السلام ، قم ، الأولى 1407ق.
49 - ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة : محمّد بن المكّي العاملي ، الشهيد الأوّل ، ( المتوفى 786ق ) ، 4 مجلد ، مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، قم ، الأولى 1419ق .
50 - رجال الكشي - اختيار معرفة الرجال : محمّد بن عمر الكشي ، ( المتوفى النصف الأوّل من القرن 4ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : محمّد حسن الطوسي ، حسن المصطفوي ، مؤسسه النشر لجامعة مشهد ، الأولى 1409ق .
ص: 415
51 - الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية : ( ط . الحديثة ) ، زين الدين بن علي العاملي الشهيد الثاني ، ( المتوفى 966ق ) ، 10 مجلد ، مصحّح : سيّد محمّد الكلانتر ، مكتبة الداوري ، قم ، الأولى 1410ق .
52 - روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه : محمّد تقى بن مقصود على ، المجلسي ، ( المتوفى 1070ق ) ، 14 مجلد ، مصحح : حسين الموسوي الكرماني وعلى پناه الاشتهاردي ، مؤسسة الثقافة الإسلاميّة كوشانبور ، قم ، الثانية 1406ق .
53 - روضة الواعظين وبصيرة المتعظين : محمّد بن أحمد ، فتال النيشابوري ، ( المتوفى 508ق ) ، 2 مجلد ، النشر الرضي ، قم ، الأولى 1375ش .
54 - رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين عليه السلام : سيد عليخان بن احمد ، الكبير المدني ، ( المتوفى 1120ق ) ، 7 مجلد ، مصحح : محسن الحسيني الأميني ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الأولى 1409ق .
55 - سعد السعود للنفوس منضود : علي بن موسى ابن طاووس ، ( المتوفى 664ق ) ، دار الذخائر ، قم ، الأولى .
56 - سنن أبي داود : سليمان بن الأشعث السجستاني ، ( المتوفى 275ق ) ، 2 مجلد ، تحقيق : سعيد محمد اللحام ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، الأولى 1410ق - 1990م .
57 - السيرة النبوية : ابن هشام الحميري ، ( المتوفى 218ق ) ، 1 مجلد ، تحقيق : محمد محي الدين عبدالحميد ، مكتبة محمّد علي صبيح وأولاده ، القاهرة ، 1383ق - 1963م .
58 - شرح احقاق الحق : السيّد المرعشي ، 33 مجلد ، تعليق : السيّد شهاب الدين
ص: 416
المرعشي النجفي ، تصحيح : السيّد إبراهيم الميانجي ، منشورات مكتبة آية اللَّه العظمى المرعشي النجفي ، قم .
59 - شرح أصول الكافي ( صدرا ) : محمّد بن ابراهيم ، صدرالدين الشيرازي ، 4 مجلد ( المتوفى 1050ق ) ، مصحح : محمد الخواجوي ، مؤسسة مطالعات و تحقيقات فرهنگى طهران ، الأولى 1383ش .
60 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : عبدالحميد بن هبة اللَّه ، ابن أبي الحديد ، ( المتوفى 656ق ) ، مصحح : محمد ابوالفضل ، ابراهيم ، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي ، قم ، الأولى 1404ق .
61 - شرح نهج البلاغة ( ابن ميثم ) : ميثم بن علي بن ميثم البحراني ، ( قرن 7 ) ، 5 مجلد ، مكتبة نشر الكتاب ، الثانية 1362 ش .
62 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل : عبيداللَّه بن عبداللَّه الحسكاني ، ( المتوفى 490 ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : محمد باقر المحمودي ، التابعة لوزارة الثقافة والارشاد الاسلامي ، مجمع احياء الثقافة الاسلامية ، طهران ، الأولى 1411ق .
63 - الصحاح : الجوهري ، ( المتوفى 393ق ) ، 3 مجلد ، تحقيق : احمد عبدالغفور العطار ، دار العلم للملايين ، بيروت ، الرابعة 1407ق - 1987م .
64 - صحيح البخاري : محمّد بن إسماعيل البخاري ، ( المتوفى 256ق ) ، 8 مجلد ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، 1401ق - 1981م .
65 - صحيح مسلم : مسلم النيسابوري ، ( المتوفى 261ق ) ، 1 مجلد ، دار الفكر ، بيروت .
66 - الصحيفة السجادية : امام علي بن الحسين عليه السلام ، ( الشهادة 94 يا 95ق ) ، مكتبة نشر الهادي ، قم ، الأولى 1376ق .
ص: 417
67 - الطرائف في معرفة مذهب الطوائف : علي بن موسى ، ابن طاووس ، 2 مجلد ، ( المتوفى 664ق ) ، مصحح : على عاشور ، خيام ، قم ، الأولى 1400ق .
68 - عدّة الداعي ونجاح الساعي : احمد بن محمد ، ابن فهد حلي ، ( المتوفى 841ق ) ، مصحّح : احمد الموحدي القمي ، 1 مجلد ، دار الكتب الاسلاميّة ، الأولى 1407ق.
69 - علل الشرايع : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، 2 مجلّد مكتبة الداوري ، قم الأولى 1385ش .
70 - عوالى اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية : محمد بن زين الدين ، ابن ابي جمهور ، ( المتوفى : زنده در سال 901ق ) ، 4 مجلد ، مصحح : مجتبى العراقي ، دار سيد الشهداء للنشر ، قم ، الأولى 1405ق .
71 - عيون الأخبار : ابن قتيبة الدينوري ، ( المتوفى 276ق ) ، 3 مجلد ، منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية ، بيروت ، الثالثة 1414ق - 2003م .
72 - عيون اخبار الرضا عليه السلام : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : مهدي اللاجوردي ، 2 مجلّد ، جهان ، طهران ، الأولى 1378ق .
73- الغيبة ( للنعماني ) : ابن ابي زينب ، محمد بن ابراهيم ، ( المتوفى 360ق ) ، مصحح : على اكبر الغفاري ، نشر صدوق ، طهران ، الأولى 1397ق .
74 - فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب : علي بن موسى ، ابن طاووس ، ( المتوفى 664ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : حامد خفاف ، مؤسسه آل البيت عليهم السلام ، قم ، الأولى 1409ق .
75 - الفتوح : ابو محمد احمد بن الأعثم الكوفي ، ( المتوفى 1314 ، تحقيق : على الشيري ، چاپ بيروت ، دار الأضواء ، الأولى 1411ق - 1991م .
ص: 418
76 - الفصول المختارة : محمّد بن محمّد، المفيد ، ( المتوفى 413ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : علي الميرشريفي ، مؤتمر الشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .
77 - قرب الاسناد (طبعة الحديثة) : عبداللَّه بن جعفر الحميري ، نيمه دوم قرن 3ق ) ، المصحح والناشر : مؤسسه آل البيت عليهم السلام ، قم ، الأولى 1413ق .
78 - قصص الأنبياء (للراوندي) : سعيد بن هبة اللَّه ، قطب الدين الراوندي ، ( المتوفى 573 ق ) ، مصحح : غلامرضا العرفانيان اليزدي ، مركز پژوهش هاى اسلامى ، مشهد ، الأولى 1409 .
79 - الكافي : ( ط . اسلاميّة ) محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني ، ( المتوفى 329ق ) ، مصحح : على اكبر الغفاري ومحمد الآخوندي ، 8 جلد ، دار الكتب الاسلاميّة ، طهران ، الرابعة 1407ق .
80 - كامل الزيارات : جعفر بن محمد ، ابن قولويه ، ( المتوفى 367ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : عبدالحسين الأميني ، دار المرتضويه ، نجف الأشرف ، الأولى 1356ش .
81 - الكامل في التاريخ : ابن الأثير ، ( المتوفى 630ق ) ، 12 مجلد ، دار صادر للطباعة والنشر ، بيروت ، 1386ق - 1966م .
82 - كشف الخفاء : العجلوني ، 2 مجلد ، ( المتوفى 1162ق ) ، دار الكتب العملية ، بيروت ، الثالثة 1408ق - 1988 م .
83 - كشف الغمّة في معرفة الأئمّة ( ط . القديمة ) ، يوسف : على بن عيسى الاربلي ، ( المتوفى : 692ق ) ، مصحّح : سيّد هاشم الرسولي المحلاتي ، بني هاشمي ، 2 مجلد ، تبريز ، الأولى 1381ق .
84 - كفاية الأثر في النص على الأئمّة الاثنى عشر عليهم السلام : علي بن محمد ، الخزاز الرازي ،
ص: 419
( المتوفى قرن 4 ، 1 مجلد ، مصحح : عبداللطيف الحسيني الكوهكمري ، بيدار ، قم ، 1401ق .
85 - كمال الدين وتمام النعمة : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : علي اكبر الغفاري ، 2 مجلد ، الإسلامية ، طهران ، الثانية 1395ق .
86 - كنز الفوائد : محمد بن علي الكراجكى ، ( المتوفى 449ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : عبداللَّه نعمه ، دار الذخائر ، قم ، الأولى 1410ق .
87 - لئالى الأخبار : محمد نبي التويسركاني ، انشارات جهان ، طهران .
88 - لسان العرب : محمّد بن المكرّم ، ابن منظور ، ( المتوفى 711ق ) ، 15 مجلد ، مصحح : جمال الدين ، الميردامادي ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، الثالثة 1414ق .
89 - مجمع البحرين : فخرالدين بن محمد ، الطريحي ، ( المتوفى 1085ق ) ، 6 مجلد ، مصحح : احمد الحسيني الاشكوري ، المرتضوي ، طهران ، الثالثة 1375ش .
90 - المحاسن : احمد بن محمد بن خالد البرقي ، ( المتوفى 274ق يا 280ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : جلال الدين ، المحدث ، دار الكتب الاسلامية ، قم ، الثانية 1371ق .
91 - المحجة البيضاء في تهذيب الاحياء : الفيض الكاشاني ، ( المتوفى 1091ق ) ، 8 مجلد ، تحقيق : علي اكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الثالثة .
92 - مرآة العقول في شرح اخبار آل الرسول : محمّد باقر بن محمد تقى المجلسي ، ( المتوفى 1110ق ) ، 26 مجلد ، مصحح : السيّد هاشم الرسولي المحلاتي ، دار الكتب الاسلامية ، طهران ، الثانية 1404ق .
ص: 420
93 - مروج الذهب ومعادن الجوهر : المسعودي ، ( المتوفى 346ق ) ، منشورات دار الهجره ، قم 1404ق - 1363ش - 1984م .
94 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل : حسين بن محمد تقي ، النوري ، ( المتوفى 1320ق ) ، 28 مجلد ، مصحح و مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، قم ، الأولى 1408ق .
95 - المسترشد في إمامة علي بن أبى طالب عليه السلام : محمد بن جرير بن رستم الطبري الآملي الكبير ، ( المتوفى 326ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : احمد المحمودي ، كوشانپور ، قم ، الأولى 1415ق .
96 - المعارف : ابن قتيبة الدينوري ، ( المتوفى 276ق ) ، تحقيق : دكتور ثروت عكاشه ، دار المعارف بمصر ، مطابع دار المعارف بمصر ، الثانية 1969م .
97 - معانى الأخبار : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : على اكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي ، الأولى ، قم 1403ق .
98 - المعجم الأوسط : الطبراني ، ( المتوفى 360ق ) ، 1 مجلد ، دار الحرمين للطباعة والنشر والتوزيع ، 1415ق - 1995م .
99 - معجم البلدان : الحموي ، ( المتوفى 626ق ) ، 1 مجلد ، دار احياء التراث العربي ، بيروت - لبنان ، 1399ق - 1979م .
100 - مفتاح السعادة في شرح نهج البلاغة : السيّد محمّد تقي النقوي القايني الخراساني ، معاصر ، 7 مجلد ، مكتبة المصطفوى ، طهران .
101 - مفردات الفاظ القران : حسين بن محمد ، الراغب الاصفهاني ، ( المتوفى 401ق ) ، 1 مجلد ، دار القلم ، الدار الشامية ، بيروت ، الأولى 1412ق .
102 - مكاتيب الرسول صلى الله عليه وآله : علي الأحمدي الميانجي ، ( المتوفى 1421ق ) ، 3 مجلد ،
ص: 421
دار الحديث ، قم ، الأولى 1419ق .
103 - مكارم الأخلاق : حسن بن فضل ، الطبرسي ، ( المتوفى قرن 6 ) ، الشريف الرضي ، قم ، الرابعة 1412ق - 1370ش .
104 - مناقب آل أبي طالب عليهم السلام : محمّد بن على بن شهر آشوب المازندراني ، ( المتوفى 588ق ) ، 4 مجلد ، العلّامة ، قم ، الأولى 1379ش .
105 - مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام : ابن المغازلي ، ( المتوفى 483ق ) ، النشر سبط النبى صلى الله عليه وآله ، مطبعة سبحان ، الأولى 1426ق - 1384 ش .
106- مناقب علي بن ابي طالب عليه السلام وما نزل من القرآن في علي عليه السلام : احمد بن موسى بن مردويه الاصفهانى ، ( المتوفى 410ق ) ، تحقيق : عبدالرزاق محمد حسين حرز الدين ، دار الحديث ، الثانية 1424ق 1382 ش .
107 - من لا يحضره الفقيه : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : علي اكبر الغف،ارى ، 4 مجلد ، مؤسسة النشر الإسلامي ، الثانية ، قم 1413ق .
108 - منهاج البراعة : قطب الدين سعيد بن هبة اللَّه الراوندي ، 3 مجلد ، مصحح : سيد عبداللطيف الكوهكمري ، مكتبة آية اللَّه المرعشى النجفى ، قم ، الثانية 1364 ش .
109 - منهاج البراغة : الميرزا حبيب اللَّه الهاشمي الخوئي ، ( المتوفى 1324ق ) ، 22 مجلد ، مصحح : علي العاشور ، دار احياء التراث العربى للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، الأولى 1429ق - 2008 م .
110 - الموضوعات : ابن الجوزي ، ( المتوفى 597ق ) ، تحقيق : عبدالرحمن محمد ، الأولى 1386ق - 1966 م ، مدينة المنوره .
111 - المؤمن : حسين بن سعيد الكوفي الأهوازي ، ( المتوفى قرن سوم ، 1 مجلد ، مؤسسة
ص: 422
الامام المهدي عليه السلام ، قم ، 1404ق .
112 - نزهة الناظر وتنبيه الخاطر : حسين بن محمد بن حسن بن نصر الحلواني ، ( المتوفى قرن 5 ) ، 1 مجلد ، مصحح : مدرسة الامام المهدي عليه السلام ، مدرسة الامام المهدي عليه السلام ، قم ، الأولى 1408ق .
113 - نور البراهين : السيد نعمة اللَّه الجزائري ، ( المتوفى 1112ق ) ، 2 مجلد ، تحقيق : السيد مهدي الرجائي ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الأولى 1417ق .
114 - النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين ( للجزائري ) : سيّد نعمة اللَّه بن عبداللَّه الجزائري ، ( المتوفى 1112ق ) ، 1 مجلد ، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي ، قم ، الأولى 1404ق .
115 - النهاية في غريب الحديث والأثر : مبارك بن محمد ، ابن الأثير الجزري ، ( المتوفى 606ق ) ، 5 مجلد ، مصحح : محمود محمد الطناحي ، اسماعيليان ، قم ، الرابعة 1367 ش .
116 - نهج الحق وكشف الصدق : حسن بن يوسف ، العلّامة الحلّي ، ( المتوفى 726ق ) ، 1 مجلد ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، الأولى 1982 م .
117 - الوافي : محمد محسن بن شاه مرتضى ، الفيض الكاشاني ، ( المتوفى 1091ق ) ، 26 مجلد ، مكتبة الإمام اميرالمؤمنين عليه السلام ، اصفهان ، الأولى 1406ق .
118- وسائل الشيعة : محمد بن حسن ، شيخ حر العاملي ، ( المتوفى 1104ق ) ، مصحح : مؤسسه آل البيت عليهم السلام ، 30 مجلد ، الأولى 1409ق .
119 - وقعة صفين : نصر بن مزاحم المنقري ، ( المتوفى 212ق ) ، 1 مجلد : مصحح : عبدالسلام محمد ، هارون ، مكتبة آية اللَّه المرعشى النجفى ، الأولى 1404ق .
ص: 423
120 - اليقين : علي بن موسى ، ابن طاووس ، ( المتوفى 664ق ) ، مصحح : الأنصاري الزنجاني الخوئيني ، اسماعيل ، دار الكتاب ، قم ، الأولى 1413 .
121 - ينابيع المودة لذوي القربى : القندوزي ، ( المتوفى 1294ق ) ، 3 مجلد ، تحقيق : سيد على جمال اشرف الحسينى ، دار الاسوة للطباعة والنشر ، الأولى 1416ق.
ص: 424
1 - ومن خطبة له عليه السلام يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم وفيها ذكر الحج وتحتوي على حمد اللَّه وخلق العالم وخلق الملائكة واختيار الأنبياء ومبعث النبي والقرآن والأحكام الشرعية
( 5 - 330 )
خلق الملائكة 10
صفة خلق آدم عليه السلام 11
اختيار الأنبياء 12
القرآن و الأحكام الشرعية 12
ومنها في ذكر الحج 13
الْحَمْدُ للَّهِ ِ 14
اللَّهِ ِ 14
الْحَمْدُ للَّهِ ِ 15
الَّذِي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقَائِلُونَ 16
وَ لا يُحْصِي نَعْمَاءَهُ الْعَادُّونَ 17
وَ لا يُؤَدِّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ 18
ص: 425
الَّذِي لا يُدْرِكُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ وَلا يَنَالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ 19
الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ 21
وَلا نَعْتٌ مَوْجُودٌ 22
وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ 22
فَطَرَ الْخَلائِقَ بِقُدْرَتِهِ 23
وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ 23
وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ 26
أدلّة وجوب المعرفة وكيفيّتها 27
أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ 27
مراتب العرفان كثيرة 29
فضيلة التوحيد والمعرفة 30
بعض والروايات الدالّة على سبيل الاستدلال على اثبات الواجب 32
الولاية شرط في التوحيد ككونها شرطاً في صحّة الفروع وقبولها 35
وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ 39
وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الْإِخْلاصُ لَهُ 40
وَكَمَالُ الإِخْلاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ 40
لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّهَا غَيْرُ الْمَوْصُوفِ وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوفٍ أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ 40
وَمَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ 41
وَمَنْ قَالَ فِيمَ فَقَدْ ضَمَّنَهُ وَمَنْ قَالَ عَلا مَ فَقَدْ أَخْلَى مِنْهُ 42
وَمَنْ قَالَ عَلا مَ فَقَدْ أَخْلَى مِنْهُ 43
مَعَ كُلِّ شَيْ ءٍ لا بِمُقَارَنَةٍ 43
ص: 426
وَغَيْرُ كُلِّ شَيْ ءٍ لا بِمُزَايَلَةٍ 44
فَاعِلٌ لا بِمَعْنَى الْحَرَكَاتِ وَالْآلَةِ 44
بَصِيرٌ إِذْ لا مَنْظُورَ إِلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ 44
أَنْشَأَ الْخَلْقَ إِنْشَاءً وَابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً 44
وَلائَمَ بَيْنَ مُخْتَلِفَاتِهَا 45
عَالِماً بِهَا قَبْلَ ابْتِدَائِهَا 45
عَارِفاً بِقَرَائِنِهَا وَأَحْنَائِهَا 48
حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ وَالزَّعْزَعِ الْقَاصِفَةِ 49
ماذا الصادر الأوّل ؟ 49
وَرَمَى بِالزَّبَدِ رُكَامُهُ فَرَفَعَهُ فِي هَوَاءٍ مُنْفَتِقٍ وَجَوٍّ مُنْفَهِقٍ فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ 56
كيفيّة خلق الأرض 56
خُلِقَت الأرض قبل السماء 58
الأرضون السبع 64
غلظ كلّ سماء 65
جَعَلَ سُفْلاهُنَّ مَوْجاً مَكْفُوفاً 65
وَعُلْيَاهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً 66
وَسَمْكاً مَرْفُوعاً بِغَيْرِ عَمَدٍ يَدْعَمُهَا 66
ثُمَّ زَيَّنَهَا بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ 66
وَضِيَاءِ الثَّوَاقِبِ 66
بعض ما يتعلّق بالنيّرين أعني الشمس والقمر 67
سبب السواد في القمر 67
ص: 427
سبب اختلاف الشمس والقمر في الحرارة 70
حركة الشمس والقمر 70
وَقَمَراً مُنِيراً 73
فتق ما بين السماوات العلى 74
فَمَلَأَهُنَّ أَطْوَاراً مِنْ مَلائِكَتِهِ 74
فَمِنْهُمْ سُجُودٌ لا يَرْكَعُونَ 75
وَصَافُّونَ لا يَتَزَايَلُونَ 76
وَمُسَبِّحُونَ لا يَسْأَمُونَ 76
لا يَغْشَاهُمْ نَوْمُ الْعُيُونِ 76
وَمِنْهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى وَحْيِهِ 77
وَأَلْسِنَةٌ إِلَى رُسُلِهِ 79
وَمُخْتَلِفُونَ بِقَضَائِهِ وَأَمْرِهِ 79
انّ المختلفين بعض الملائكة 81
انّ جبرئيل من المختلفين وهو غير الروح 81
وَمِنْهُمُ الْحَفَظَةُ لِعِبَادِهِ 82
وَالسَّدَنَةُ لِأَبْوَابِ جِنَانِهِ 84
أبواب الجنان 85
للجنّة ثمانية أبواب 85
المتولّون لأبواب الجنان 86
وَمِنْهُمُ الثَّابِتَةُ فِي الْأَرَضِينَ السُّفْلَى أَقْدَامُهُمْ وَالْمَارِقَةُ مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا أَعْنَاقُهُمْ وَالْخَارِجَةُ مِنَ الْأَقْطَارِ أَرْكَانُهُمْ 90
ص: 428
وَالْمُنَاسِبَةُ لِقَوَائِمِ الْعَرْشِ أَكْتَافُهُمْ 91
نَاكِسَةٌ دُونَهُ أَبْصَارُهُمْ 96
مَضْرُوبَةٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ دُونَهُمْ حُجُبُ الْعِزَّةِ وَأَسْتَارُ الْقُدْرَةِ 98
الملائكة على أنواع كثيرة ومراتب متفاوتة 98
منها في صفة خلق آدم عليه السلام 99
ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ 100
سَنَّهَا 101
حَتَّى لَزَبَتْ 101
حَتَّى صَلْصَلَتْ 101
لِوَقْتٍ مَعْدُودٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ 102
لماذا أخّر نفخ الروح في تلك المدّة الطويلة 103
ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ 104
اثبات تجرّد الروح 105
خلقت الأرواح قبل خلق الأجساد 106
فَتَمَثّلَتْ إِنْسَاناً 107
وَفِكَرٍ يَتَصَرَّفُ بِهَا 107
وَجَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا 108
وَ مَعْرِفَةٍ يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ 108
وَ الْأَذْوَاقِ وَالْمَشَامِّ وَالْأَلْوَانِ وَالْأَجْنَاسِ 109
مَعْجُوناً بِطِينَةِ الْأَلْوَانِ الْمُخْتَلِفَةِ 110
وَالْأَشْبَاهِ الْمُؤْتَلِفَةِ وَالْأَضْدَادِ الْمُتَعَادِيَةِ وَالْأَخْلاطِ الْمُتَبَايِنَةِ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْبَلَّةِ وَالْجُمُودِ
ص: 429
وَالْمَسائَةَ وَالسُّرُور 112
وَ اسْتَأْدَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمَلائِكَةَ وَدِيعَتَهُ لَدَيْهِمْ 112
وَ عَهْدَ وَصِيَّتِهِ إِلَيْهِمْ 113
فِي الإِذْعَانِ بِالسُّجُودِ لَهُ وَالْخُنُوعِ لِتَكْرِمَتِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا 114
إِلّا إِبْلِيسَ وَقَبِيلَهُ 114
اعْتَرَتْهُ الْحَمِيَّةُ 116
وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ الشِّقْوَةُ 117
تَعَزَّزوا بِخِلْقَةِ النَّارِ وَاسْتَوْهَنُوا خَلْقَ الصَّلْصَالِ 117
فَأَعْطَاهُ اللَّهُ النَّظِرَةَ 121
اسْتِحْقَاقاً لِلسُّخْطَةِ 122
وَ إِنْجَازاً لِلْعِدَةِ 122
ملاحظات 124
الأوّل : أسرار أمر الملائكة بالسجود لآدم 124
الثاني : ماذا كان المانع لابليس عن السجود ؟ 126
انّ ابليس اللعين ليس من الملائكة ولا كان منها 128
كيفيّة سجود الملائكة لآدم 129
ثُمَّ أَسْكَنَ سُبْحَانَهُ آدَمَ دَاراً أَرْغَدَ فِيهَا عَيْشَهُ 130
وَ آمَنَ فِيهَا مَحَلَّتَهُ 130
انّ الجنّة التي أسكنه اللَّه تعالى فيها هي جنّة الدنيا 130
وَحَذَّرَهُ إِبْلِيسَ وَعَدَاوَتَهُ 131
فَاغْتَرَّهُ عَدُوُّهُ 132
ص: 430
نَفَاسَةً عَلَيْهِ بِدَارِ الْمُقَامِ 132
فَبَاعَ الْيَقِينَ بِشَكِّهِ 135
وَالْعَزِيمَةَ بِوَهْنِهِ 135
وَبِالِاغْتِرَارِ نَدَماً 136
كيف تمكّن ابليس من وسوسة آدم مع كونه في الجنّة وابليس خارجها ؟ 136
علّة الوضوء 138
الشجرة التي نهى اللَّه آدم وزوجته منها 138
سبب وجوب غسل الجنابة 140
سبب زيادة حظّ الذكر من الانثى في الميراث 141
ثُمَّ بَسَطَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ فِي تَوْبَتِهِ 141
وَلَقَّاهُ كَلِمَةَ رَحْمَتِهِ 144
وَوَعَدَهُ الْمَرَدَّ إِلَى جَنَّتِهِ 144
الاهباط من الجنّة قبل التوبة 145
مدّة بكاء آدم على الجنّة 148
الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه 149
وَأَهْبَطَهُ إِلَى دَارِ الْبَلِيَّةِ 152
وَتَنَاسُلِ الذُّرِّيَّةِ 156
ابتداء التناسل 156
اختلفوا في عمر آدم عليه السلام حين وفاته 159
وَاصْطَفَى سُبْحَانَهُ مِنْ وُلْدِهِ أَنْبِيَاءَ أَخَذَ عَلَى الْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ وَعَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ 160
ص: 431
لمّا بدّل أكثر خلقه عهد اللَّه إليهم 170
الميثاق المأخوذ 170
فَجَهِلُوا حَقَّهُ 172
وَ اتَّخَذُوا الْأَنْدَادَ مَعَهُ 173
فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ 174
اثبات وجود النبي صلى الله عليه وآله أو الرسول نقلاً تارةً من طريق الآيات وأخرى من طريق الآثار 174
وَ وَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ 176
ليست الأنبياء على حدّ سواء من حيث الفضيلة والقرب إلى اللَّه وسعة 177
دائرة نبوّتهم 177
لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ 178
وَ يُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ 178
وَ يَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ 179
وَ يُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ 181
وَيُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفُوعٍ وَمِهَادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوعٍ 181
وَمَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ 183
وَآجَالٍ تُفْنِيهِمْ 184
وَأَوْصَابٍ تُهْرِمُهُمْ وَأَحْدَاثٍ تَتَابَعُ عَلَيْهِمْ 185
وَ لَمْ يُخْلِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ 185
سبب الحاجة إلى بعث الرسل 185
أوْ كِتابٍ مُنزَلٍ 186
ص: 432
أَوْ حُجَّةٍ لازِمَةٍ 187
المراد من الحجّة هو الإمام المعصوم 188
أَوْ مَحَجَّةٍ قَائِمَةٍ 189
رُسُلٌ لا تُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ وَلا كَثْرَةُ الْمُكَذِّبِينَ لَهُمْ 190
مِنْ سَابِقٍ سُمِّيَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُ 191
أَوْ غَابِرٍ عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ 191
عَلَى ذَلِكَ نَسَلَتِ الْقُرُونُ وَمَضَتِ الدُّهُورُ وَسَلَفَتِ الْآبَاءُ وَخَلَفَتِ الْأَبْنَاءُ إِلَى أَنْ بَعَثَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُحَمَّداً رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله 192
كيفيّة بعثه صلى الله عليه وآله وعمره حين البعثة 193
لِإِنْجَازِ عِدَتِهِ 198
كثير من أحبار اليهود وعلماء النصارى كانوا ينتظرون بعثته وآمنوا به 198
وَ إِتْمَامِ نُبُوَّتِهِ 203
مَأْخُوذاً عَلَى النَّبِيِّينَ مِيثَاقُهُ 205
اخذ الميثاق على الأنبياء 205
مَشْهُورَةً سِمَاتُهُ 208
انّ نبيّنا صلى الله عليه وآله أفضل من جميع الأنبياء والرسل 210
نادر في اللطائف في فضل نبيّنا صلى الله عليه وآله في الفضائل والمعجزات على 211
الأنبياء عليهم السلام 211
آدم عليه السلام 211
ادريس النبي عليه السلام 212
نوح النبي عليه السلام 213
ص: 433
- . . . - لوط [ النبيّ ] عليه السلام 214
إبراهيم الخليل عليه السلام 214
يعقوب النبي عليه السلام 217
يوسف النبي عليه السلام 218
موسى النبي عليه السلام 218
داود النبي عليه السلام 220
سليمان النبي عليه السلام 221
يحيى النبي عليه السلام 221
عيسى روح اللَّه عليه السلام 222
كَرِيماً مِيلادُهُ 223
جوده وسخائه صلى الله عليه وآله 224
شجاعته صلى الله عليه وآله 224
علامة رضاه وغضبه صلى الله عليه وآله 224
رفقه صلى الله عليه وآله بأمّته 225
بكائه صلى الله عليه وآله 225
مشيه صلى الله عليه وآله 225
وَ أَهْلُ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَةٌ وَأَهْوَاءٌ مُنْتَشِرَةٌ وَطَرَائِقُ مُتَشَتِّتَةٌ 226
بَيْنَ مُشَبِّهٍ للَّهِ ِ بِخَلْقِهِ 226
أَوْ مُلْحِدٍ فِي اسْمِهِ 227
أَوْ مُشِيرٍ إِلَى غَيْرِهِ 227
فَهَدَاهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلالَةِ وَأَنْقَذَهُمْ بِمَكَانِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ 228
ص: 434
ثُمَّ اخْتَارَ سُبْحَانَهُ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله لِقَاءَهُ 238
وَ رَضِيَ لَهُ مَا عِنْدَهُ 239
فَقَبَضَهُ إِلَيْهِ كَرِيماً صلى الله عليه وآله 239
وَ خَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ الْأَنْبِيَاءُ فِي أُمَمِهَا إِذْ لَمْ يَتْرُكُوهُمْ هَمَلاً بِغَيْرِ طَرِيقٍ وَاضِحٍ وَلا عَلَمٍ قَائِمٍ 240
كِتَابَ رَبِّكُمْ فِيكُمْ مُبَيِّناً 240
حَلالَهُ وَحَرَامَهُ 240
وَ فَرَائِضَهُ وَفَضَائِلَهُ 241
وَ نَاسِخَهُ وَمَنْسُوخَهُ 242
وَ رُخَصَهُ وَعَزَائِمَهُ 244
وَ خَاصَّهُ وَعَامَّهُ 246
وَ عِبَرَهُ 247
وَ أَمْثَالَهُ 248
وَ مُرْسَلَهُ وَمَحْدُودَهُ 253
وَ مُحْكَمَهُ وَمُتَشَابِهَهُ 254
مُفَسِّراً مُجْمَلَهُ 257
وَ مُبَيِّناً غَوَامِضَهُ 257
بَيْنَ مَأْخُوذٍ مِيثَاقُ عِلْمِهِ 258
وَ مُوَسَّعٍ عَلَى الْعِبَادِ فِي جَهْلِهِ 259
وَ بَيْنَ مُثْبَتٍ فِي الْكِتَابِ فَرْضُهُ وَمَعْلُومٍ فِي السُّنَّةِ نَسْخُهُ 259
وَ وَاجِبٍ فِي السُّنَّةِ أَخْذُهُ وَمُرَخَّصٍ فِي الْكِتَابِ تَرْكُهُ 261
ص: 435
وَ بَيْنَ وَاجِبٍ بِوَقْتِهِ وَزَائِلٍ فِي مُسْتَقْبَلِهِ 262
وَ مُبَايَنٌ بَيْنَ مَحَارِمِهِ مِنْ كَبِيرٍ أَوْعَدَ عَلَيْهِ نيرانه 263
أَوْ صَغِيرٍ أَرْصَدَ لَهُ غُفْرَانَهُ 266
وَ بَيْنَ مَقْبُولٍ فِي أَدْنَاهُ مُوَسَّعٍ فِي أَقْصَاهُ 266
امور مهمّة مفيدة لزيادة البصيرة 267
أسماء القرآن وألقابه 268
من قيّم القرآن بعد النبي صلى الله عليه وآله 273
تفسير القرآن بالرأي 278
وَفَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ 279
الكعبة أول بقعة خلقت من الأرض 282
اصل بناء الكعبة 282
اشارة إلى بعض المشاعر العظام كالحجر والمقام 290
اما الحجر 290
الحجر الأسود يضر و ينفع 292
واما المقام 294
علة وصف البيت بالحرام 294
علّة وصفه بالعتيق 295
الاشارة إلى بعض اسمائه 296
المقام بمكّة مكروه 297
فضل مكّة 298
البيت قبلة للانام 299
ص: 436
ابتلاء خلق الناس بالكعبة 304
يَرِدُونَهُ وُرُودَ الْأَنْعَامِ 305
جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ عَلامَةً لِتَوَاضُعِهِمْ لِعَظَمَتِهِ وَإِذْعَانِهِمْ لِعِزَّتِهِ 306
وَ اخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ سُمَّاعاً أَجَابُوا إِلَيْهِ دَعْوَتَهُ وَصَدَّقُوا كَلِمَتَهُ 307
وَ وَقَفُوا مَوَاقِفَ أَنْبِيَائِهِ 309
وَ تَشَبَّهُوا بِمَلائِكَتِهِ الْمُطِيفِينَ بِعَرْشِهِ 313
يُحْرِزُونَ الْأَرْبَاحَ فِي مَتْجَرِ عِبَادَتِهِ 315
وَ يَتَبَادَرُونَ عِنْدَهُ مَوْعِدَ مَغْفِرَتِهِ 318
جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْإِسْلامِ عَلَماً 319
وَ لِلْعَائِذِينَ حَرَماً 319
من أراد الكعبة بسوء 322
فَرَضَ حَجَّهُ 323
وَأَوْجَبَ حَقَّهُ 323
وَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ وِفَادَتَهُ 323
الاستطاعة هي الزاد والراحلة والرجوع إلى الكفاية 324
وجوه الكفر 325
تسويف الحج 327
علّة وجوب الطواف بالبيت وجميع المناسك 328
علّة صيرورة الموقف بالمشعر دون الحرم 328
تكميل 329
ص: 437
2 - ومن خطبة له عليه السلام بعد انصرافه من صفين وفيها حال الناس قبل البعثة وصفة آل النبي ثم صفة قوم آخرين
(331 - 409 )
وَمِنْهَا يَعْنِي آل النبي عليه الصلاة والسلام 332
وَ مِنْهَا يَعْنِي قَوْماً آخَرِينَ 332
أَحْمَدُهُ اسْتِتْمَاماً لِنِعْمَتِهِ 333
وَاسْتِعْصَاماً مِنْ مَعْصِيَتِهِ 333
وَأَسْتَعِينُهُ 333
فَاقَةً إِلَى كِفَايَتِهِ 334
إِنَّهُ لا يَضِلُّ مَنْ هَدَاهُ وَلا يَئِلُ مَنْ عَادَاهُ 334
فَإِنَّهُ أَرْجَحُ مَا وُزِنَ وَأَفْضَلُ مَا خُزِنَ 335
شكر المنعم واجب 335
من السنّة 336
وَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ 337
شَهَادَةً مُمْتَحَناً إِخْلاصُهَا مُعْتَقَداً مُصَاصُهَا 339
نَتَمَسَّكُ بِهَا أَبَداً مَا أَبْقَانَا وَنَدَّخِرُهَا لِأَهَاوِيلِ مَا يَلْقَانَا 341
عَزِيمَةُ الإِيمَانِ 341
وَفَاتِحَةُ الإِحْسَانِ 341
مَرْضَاةُ الرَّحْمَنِ 342
وَمَدْحَرَةُ الشَّيْطَانِ 343
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ 343
ص: 438
وَرَسُولُهُ 344
فضل الجمع بين الشهادتين 344
تسمية النبي بمحمّد صلى الله عليه وآله 346
أَرْسَلَهُ بِالدِّينِ الْمَشْهُورِ 347
وَالْعَلَمِ الْمَأْثُورِ 347
وَالْكِتَابِ الْمَسْطُورِ 348
وَالنُّورِ السَّاطِعِ وَالضِّيَاءِ اللّامِعِ 348
وَالْأَمْرِ الصَّادِعِ 348
إِزَاحَةً لِلشُّبُهَاتِ 349
وَاحْتِجَاجاً بِالْبَيِّنَاتِ 349
وَتَحْذِيراً بِالْآيَاتِ 350
وَتَخْوِيفاً بِالْمَثُلاتِ 351
وَالنَّاسُ فِي فِتَنٍ انْجَذَمَ فِيهَا 352
جَاهِلُونَ مَفْتُونُونَ 352
بِأَرْضٍ عَالِمُهَا مُلْجَمٌ 352
ومنها يعني آل النبيّ عليهم السلام 353
هُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ 357
مراتب السرّ 359
يظهرونه لبعض خواصهم على مراتب استعدادهم 360
وَ لَجَأُ أَمْرِهِ 362
وَ عَيْبَةُ عِلْمِهِ 363
ص: 439
انّ علومهم عليهم السلام غير متناهية 366
انّ علومهم عليهم السلام مأمونة من الغلط والاشتباه 368
وَ مَوْئِلُ حُكْمِهِ 368
وَ كُهُوفُ كُتُبِهِ 370
وَ جِبَالُ دِينِهِ 378
بِهِمْ أَقَامَ انْحِنَاءَ ظَهْرِهِ وَأَذْهَبَ ارْتِعَادَ فَرَائِصِهِ 379
منها يعنى قوماً آخرين ( منها في المنافقين خ ل ) 380
زَرَعُوا الْفُجُورَ 380
وَ سَقَوْهُ الْغُرُورَ 380
وَ حَصَدُوا الثُّبُورَ 380
لا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ أَحَدٌ 381
وَ لا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً 383
في هذه الجملة على وجازتها اشارة إلى مطالب نفيسة 383
هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ 388
إِلَيْهِمْ يَفِي ءُ الْغَالِي وَبِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي 389
وَ لَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلايَةِ 389
وَ فِيهِمُ الْوَصِيَّةُ 398
وَ الْوِرَاثَةُ 406
الْآنَ إِذْ رَجَعَ الْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ وَنُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ 408
المصادر 410
المحتويات 425
ص: 440
سرشناسه:موسوی آل طیب، سیدمحمدکاظم، 1331-
عنوان قراردادی:نهج البلاغه. شرح
Nhjol-Balaghah. Commantries
عنوان و نام پديدآور:مصباح السعاده فی شرح النهج البلاغه[علی بن ابی طالب(ع)]/ مولف سيدمحمدكاظم الموسوی آل طيب.
مشخصات نشر:قم: . دارالتفسیر، 1440ق.= 1397.
مشخصات ظاهری:6ج
شابک:ج.6 978-9-535-716-8 :
وضعیت فهرست نویسی:فیپا
يادداشت:عربی.
يادداشت:ج.6 (چاپ اول: 1442 ق = 1399) (فیپا).
موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- خطبه ها
موضوع:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- *Public speaking
موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- کلمات قصار
موضوع:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- Quotations
موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق . نهج البلاغه -- نقد و تفسیر
موضوع:Ali ibn Abi-talib, Imam I. Nahjol - Balaghah -- Criticism and interpretation
شناسه افزوده:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق . نهج البلاغه. شرح
شناسه افزوده:Ali ibn Abi-talib, Imam I Commantries.. Nahjol - Balaghah
رده بندی کنگره:BP38/02/م83 1397
رده بندی دیویی:297/9515
شماره کتابشناسی ملی:5402095
اطلاعات رکورد کتابشناسی:فیپا
ص: 1
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 3
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحیم
أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابن أبي قُحَّافَة وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ ، وَ لا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ ، فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً ، وَ طَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً ، وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ ، يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ ، وَ يَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ ، وَ يَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ ، فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى فَصَبَرْتُ وَ فِي الْعَيْنِ قَذًى ، وَ فِي الْحَلْقِ شَجاً ، أَرَى تُرَاثِي نَهْباً ، حَتَّى مَضَى الْأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ ، فَأَدْلَى بِهَا إِلَى ابن الخطَّاب بَعْدَهُ ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ الْأَعْشَى : شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا وَ يَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِر . فَيَا عَجَباً بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ ، إِذْ عَقَدَهَا لِآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ ، لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا، فَصَيَّرَهَا فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ ، يَغْلُظُ كَلْمُهَا ، وَ يَخْشُنُ مَسُّهَا ، وَ يَكْثُرُ الْعِثَارُ فِيهَا ، وَ الِاعْتِذَارُ مِنْهَا، فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ ، إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ ، وَ إِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ ، فَمُنِيَ النَّاسُ لَعَمْرُ اللَّهِ بِخَبْطٍ وَ شِمَاسٍ ، وَ تَلَوُّنٍ وَ اعْتِرَاضٍ ، فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ ، وَ شِدَّةِ الْمِحْنَةِ ، حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ ، جَعَلَهَا فِي جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُمْ ، فَيَا لَلَّهِ وَ لِلشُّورَى ، مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الْأَوَّلِ مِنْهُمْ ، حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ ، لَكِنِّي أَسْفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا وَ طِرْتُ إِذْ طَارُوا ، فَصَغَا رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ ، وَ مَالَ الْآخَرُ لِصِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وَ هَنٍ ، إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ الْقَوْمِ، نَافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِ وَ مُعْتَلَفِهِ ، وَ قَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اللَّهِ خِضْمَةَ الإِبِلِ نِبْتَةَ الرَّبِيعِ ، إِلَى أَنِ انْتَكَثَ عَلَيْهِ فَتْلُهُ ، وَ أَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ ، وَ كَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ، فَمَا رَاعَنِي إِلّا وَ النَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَيَّ ، يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ ، وَ شُقَّ عِطْفَايَ،
ص: 5
مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ ، فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ وَ مَرَقَتْ أُخْرَى وَ قَسَطَ آخَرُونَ ، كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللَّهَ سُبْحَانَهُ حيث يَقُولُ : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(1) بَلَى وَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَ وَعَوْهَا ، وَ لَكِنَّهُمْ حَلِيَتِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ وَ رَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا ، أَمَا وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ ، وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَوْ لا حُضُورُ الْحَاضِرِ ، وَ قِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ ، وَ مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَ لا سَغَبِ مَظْلُومٍ ، لأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا وَ لَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا ، وَ لأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ .
قَالُوا : وَ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ عِنْدَ بُلُوغِهِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ خُطْبَتِهِ فَنَاوَلَهُ كِتَاباً ، ج قِيلَ إِنَّ فِيهِ مَسَائِلَ كَانَ يُرِيدُ الإِجَابَةَ عَنْهَا ج فَأَقْبَلَ يَنْظُرُ فِيهِ ، جفَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ ج قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوِ اطَّرَدَتْ خُطْبَتُكَ مِنْ حَيْثُ أَفْضَيْتَ ، فَقَالَ : هَيْهَاتَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَوَاللَّهِ مَا أَسَفْتُ عَلَى كَلامٍ قَطُّ كَأَسَفِي عَلَى هَذَا الْكَلامِ أَلّا يَكُونَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع بَلَغَ مِنْهُ حَيْثُ أَرَادَ .
ص: 6
تعريف الخطبة
أقول : ورواها الصدوق - المتوفى : 329 - في علله في باب (122 - باب العلّة التي من أجلها ترك أميرالمؤمنين علیه السلام مجاهدة أهل الخلاف) : عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمّه محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبداللَّه البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبان بن تغلب عن عكرمة عن ابن عباس(1) .
ورواها في معانيه في «باب معاني خطبة لأميرالمؤمنين علیه السلام» مثله وزاد اسنادا آخر (محمد بن إبراهيم بن إ سحاق الطالقاني 2 قال : حدثنا عبدالعزيز بن يحيى الجلودي قال : حدثنا أبو عبداللَّه احمد بن عمار بن خالد قال : حدثنا يحيى بن عبدالحميد الحماني قال : حدثنا عيسى بن راشد عن علي بن خزيمة عن عكرمة عن ابن عباس(2) .
وقال المفيد في ارشاده : وروى جماعة من أهل النقل من طرق مختلفة عن ابن عباس قال : كنت عند أميرالمؤمنين علیه السلام بالرحبة فذكرت الخلافة وتقدم من تقدم عليه فيها فتنفس الصعداء ثم قال : . . .(3) .
وقال ؛ في جملة : فاما خطبته علیه السلام التي رواها عنه عبداللَّه بن عباس ؛ فهي أشهر من أن ندل عليها ونتحمل لثبوتها وهي التي يقول في أوّلها : أما واللَّه لقد
ص: 7
تقمصها ابن أبي قحافة - الخ(1) .
وروى الشيخ ؛ عن الحفار ، قال : حدثنا أبوالقاسم الدعبلي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا أخي دعبل ، قال : حدثنا محمّد بن سلامة الشامي ، عن زرارة بن أعين ، عن أبي جعفر محمّد بن علي 8 ، عن ابن عباس وعن محمد ، عن أبيه ، عن جدّه :، قال : ذكرت الخلافة عند أميرالمؤمنين علیه السلام. . .(2) .
وروى الشيخ قطب الدين الراوندي 1 في شرحه على نهج البلاغة بهذا السند أخبرني أبو نصر الحسن بن محمد بن إبراهيم ، عن الحاجب أبي الوفاء محمد بن بديع والحسين بن أحمد بن بديع والحسين بن أحمد بن عبدالرحمن ، عن الحافظ أبي بكر بن مروديه الإصفهاني ، عن سليان بن أحمد الطبراني ، عن أحمد بن علي الأبّار ، عن إ سحاق بن سعيد أبي سلمة الدمشقي ، عن خليد بن دعلج ، عن عطان جعطاءج بن أبي رياح ، عن ابن عبّاس ، قال : كنا مع علي علیه السلام بالرحبة فجرى ذكر الخلافة ومن تقدّم عليه فيها ، فقال : - إلى آخر الخطبة(3) .
وقال الطبرسي : وروى جماعة من أهل النقل من طرق مختلفة عن ابن عباس قال : كنت عند أميرالمؤمنين علیه السلام بالرحبة فذكرت الخلافة وتقدم من تقدم عليه فتنفس الصعداء ثم قال : اما واللَّه - الخ(4) .
قال المجلسي ؛ : ومن أهل الخلاف رواها ابن الجوزي في مناقبه ، وابن عبد ربّه في الجزء الرابع من كتاب العقد ، وأبو علي الجبائي في كتابه وابن الخشّاب في
ص: 8
درسه على ما حكاه بعض الأصحاب والحسن بن عبداللَّه بن سعيد العسكري في كتاب المواعظ والزواجر على ما ذكره صاحب الطرائف ، وفسّر ابن الأثير في النهاية لفظ الشقشقة ، ثم قال : ومنه حديث علي علیه السلام في خطبه له : تلك شقشقة هدرت ثم قَرَّت . . . وشرح كثيراً من الفاظها ، وقال الفيروزآبادي في القاموس عند تفسيرها الشقشقة بالكسر شي ء كالرّئة يخرجه البعير من فيه اذاهاج ، والخطبة الشقشقيّة العلوية لقوله لابن عباس لمّا قال لو اطّردت مقالتك من حيث افضيت : يا ابن عباس هيهات تلك شقشقة هدرت ثم قَرَّت(1) .
وقال عبدالحميد بن أبي الحديد ردّاً على من قال : انّها تأليف السيد الرضي : قد وجدت أنا كثيراً من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي امام البغداديين من المعتزلة ، وكان في دولة المقتدر قبل أن يخلق الرضي بمدة طويلة ، ووجدت أيضاً كثيراً منها في كتاب أبي جعفر بن قبة أحد متكلمي الإمامية وهو الكتاب المشهور المعروف بكتاب «الإنصاف» . وكان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي ، ومات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضي ؛ موجوداً . . . ثم حكى عن شيخه مصدّق الواسطي انّه قال : لما قرأت هذه الخطبة على الشيخ أبي محمد عبداللَّه بن أحمد المعروف بابن الخشاب قلت له : أتقول انّها منحولة ؟ فقال : لا واللَّه ، وإني لأعلم انّها كلامه ، كما اعلم انّك مصدّق ، قال : فقلت له : إنّ كثيراً من الناس يقولون انّها من كلام الرضي ، فقال : أنّي للرضي ولغير الرضي هذا النَّفس وهذا الأسلوب ! قد وقفنا على رسائل الرضي ، وعرفنا طريقته وفنّه في الكلام المنثور . . . ثم قال : واللَّه لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب
ص: 9
صنّفت قبل أن يخلق الرضي بمائتي سنة ، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها وأعرف خطوط مَنْ هو من العلماء وأهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضي(1) .
وربّما تعرف بالمقمصة أيضاً من حيث اشتمالها على قوله علیه السلام : (لقد تقمصها) .
كان أبو قحافة في قريش خاملاً من حيث الشخص ومن حيث العشيرة ، ففي الخبر : لمّا غزا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله الطائف رأى قبر أبي احيحة مشرفاً ، فقال أبوبكر : لعن اللَّه صاحب هذا القبر ، فانّه كان ممّن يحاد اللَّه ورسوله ، فقال ابناه عمرو وأبان : لعن اللَّه أبا قحافة ، فانّه كان لا يقرى الضيف ، ولا يرفع الضيم(2) .
وقال صاحب كتاب المثالب المنذر بن هشام بن محمد بن السائب الكلبي وهو من علماءهم فقال في الكتاب المذكور ما هذا لفظه : ومن كان ينادى على طعام ابن جذعان سفيان بن عبدالأسد المخزومي ولده بمكّة ، وأبو قحافة عثمان ابن عمر بن سعد بن تيم ولده بالمدينة ، وفيه يقول امية بن أبي الصلت في مرثية عبداللَّه بن جذعان :
له داع بمكّة مشمعل * وآخر فوق دارته ينادى
. . . فالمشمعل سفيان بن عبدالأسد والآخر أبو قحافة . هذا آخر لفظه .
فهل ترى لأبي قحافة آثار غنى أو ثروة ؟ فمن أين انتقل الغناء إلى أبي بكر
ص: 10
حتى صار يغنى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بماله ؟(1)
وفي شرح نهج البلاغة كان جيعني أبو قحافةج أجيراً لابن جدعان على مائدته يطرد عنها الذبان(2) .
وفي المعارف : اسلم أبو قحافة يوم فتح مكّة وأتى به إلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وكان رأسه ثغامة(3) . . . وأمرهم أن يغيروا شيبه وبايعه(4) .
ورواه ابن أبي الحديد وزاد انّ النبي صلی الله علیه وآله لما رآه فنفر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله منه ، وقال : غيّروا هذا ، فخضبوه ، ثم جاءوا به مرّة اُخرى ، فاسلم(5) .
روى الزبير ابن بكار ، في الموفقيات : انّ أبا بكر قال في الجاهلية لقيس بن عاصم المنقري : ما حملك على أن وأدت ؟ قال : مخافة أن يخلف عليهنّ مثلك(6) .
وروى الواقدي وغيره : ان عائشة رأت رجلاً من العرب خفيف العارضين ، معروق الخدين ، غائر العينين أجنأ لا يمسك إزاره ، فقالت : ما رأيت أشبه بأبي بكر من هذا(7) .
ص: 11
قال الاسكافي - رداً لقول الجاحظ «كان له جلأبي بكرج وجه عتيق»(1) : فلا نراها دلت على شي ء من الجمال في صفته(2) .
وحيث ان البكر الفتى من الإبل - وبه كنّى أبو بكر - قال أبو سفيان لمّا بويع أبو بكر : يا بني عبد مناف ، أرضيتم أن يلي عليكم أبو فصيل الرذل بن الرذل(3) .
وعن سعيد بن المسيب قال : لما قبض النبي صلی الله علیه وآله ارتجت مكة بنعيه فقال أبو قحافة : ما هذا ؟ قالوا : قبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، قال : فمن ولي الناس بعده ؟ قالوا : ابنك . قال : فهل رضيت بنو عبد شمس وبنو المغيرة ؟ قالوا ، نعم - إلى أن قال - ما أعجب هذا الأمر ، تنازعون النبوّة وتسلمون الخلافة أن هذا لشي ء يراد(4) .
وفي كتاب سليم بن قيس قال أميرالمؤمنين علیه السلام لعمر : يا ابن صهاك فليس لنا فيها حق وهي لك ولابن آكلة الذبان ؟ فقال عمر : ان العامة رضوا بصاحبي ولم يرضوا بك فما ذنبي ؟ فقال علي علیه السلام : ولكن اللَّه عزّ وجلّ ورسوله لم يرضيا إلّا بي(5) .
وفي خطبة أميرالمؤمنين علیه السلام الطالوتية قال علیه السلام : واللَّه لو انّ لي رجالاً ينصحون للَّه عزّ وجلّ ولرسوله بعدد هذه الشياه - وكان علیه السلام مرّ على ثلاثين شاة - لَاَزلْتُ ابنَ آكلة الذِبّان عن ملكه(6) .
ص: 12
قال ابن أبي الحديد : اسم أبي بكر القديم عبدالكعبة ، فسمّاه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عبداللَّه ، واختلفوا في عتيق ، فقيل : كان اسمه في الجاهلية ، وقيل : بل سمّاه به رسول اللَّه صلی الله علیه وآله(1) .
وفي بهج الصباغة : قلت : أهل بيته أعرف به ، سئل عبدالرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن اسمه فقال : اسمه عتيق ، كان بنو أبي قحافة معتق وعتّق وعتيق(2) .
ورروى أن أبا قحافة كان بالطائف لما قبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وبويع لأبي بكر ، فكتب ابنه إليه كتاباً ، عنوانه «من خليفة رسول اللَّه إلى أبي قحافة» ، أما بعد فان الناس قد تراضوا بي ، فانّي اليوم خليفة اللَّه ، فلو قدمت علينا كان اقر لعينك . قال : فلما قرأ أبو قحافة الكتاب قال للرسول : ما منعكم من علي ؟ قال : هو حدث السن ، وقد أكثر القتل في قريش وغيرها ، وأبوبكر اسن منه . قال أبو قحافة : إن كان الأمر في ذلك بالسن فأنا أحق من أبي بكر ، لقد ظلموا علياً حقه ، وقد بايع له النبي صلی الله علیه وآله وأمرنا ببيعته .
ثم كتب إليه : «من أبي قحافة إلى ابنه أبي بكر» اما بعد فقد أتاني كتابك ، فوجدته كتاب احمق ، ينقض بعضه بعضاً ، مرة تقول : خليفة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ومرة تقول : خليفة اللَّه ، ومرّة تقول : تراضي بي الناس ، وهو أمر ملتبس ، فلا تدخلن في أمر يصعب عليك الخروج منه غداً ، ويكون عقباك منه إلى النار والندامة وملامة النفس اللوامة لدى الحساب بيوم القيامة ، فإن للأمور مداخل ومخارج وأنت
ص: 13
تعرف من هو أولى بها منك ، فراقب اللَّه ، كانك تراه ولا تدعن صاحبها ، فإن تركها اليوم أخف عليك واسلم لك(1) .
عن أبي المفضل محمد بن عبداللَّه الشيباني باسناده الصحيح عن رجاله ثقة عن ثقة : انّ النبي صلی الله علیه وآله خرج في مرضه الذي توفّى فيه إلى الصلاة متوكّئاً على الفضل بن عباس وغلام له يقال له : «ثوبان» ، وهي الصلاة التي أراد التخلف عنها لثقله ، ثمّ جانه ج حمل على نفسه صلی الله علیه وآله وخرج ، فلمّا صلّى عادَ إلى منزله ، فقال لغلامه : اجلس على الباب ولا تحجب أحداً من الأنصار ، وتجلّاه الغشي وجائت الأنصار فاحدقوا الباب وقالوا : استأذن لنا على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فقال : هو مغشي عليه ، وعنده نساؤُهُ ، فجعلوا يبكون ، فسمع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله البكاء فقال : من هؤلاء ؟ قالوا : الانصار فقال : من هاهنا من أهل بيتي ؟ قالوا : علي والعباس ، فدعاهما وخرج متوكّئا عليهما ، فاستند إلى جذع(2) مِنْ اساطين مسجده - وكان الجذع جريد نخل - فاجتمع الناس وخطب وقال في كلامه :
معاشر الناس انه لم يمت نبي قطّ إلّا خلّف تركه ، وقد خلّفت فيكم الثقلين : كتاب اللَّه وأهل بيتي ، ألا فمن ضيّعهم ضيّعه اللَّه ، ألا وانّ الأنصار كرشي(3) وعيبتي التي آوي إليها . وانّي اوصيكم بتقوى اللَّه والإحسان إليهم ، فاقبلوا من
ص: 14
محسنهم وتجاوزا عن مسيئهم .
ثم دعا اُسامة بن زيد فقال : سِرْ على بركة اللَّه والنصر والعافية حيث أمرتك عليه ، وكان صلی الله علیه وآله قد امّره على جماعة من المهاجرين والأنصار ، فيهم أبوبكر وعمر وجماعة من المهاجرين الأوّلين ، وأمره أن يغير(1) على مؤتة ، وادٍ(2) من فلسطين فقال له اسامة : بأبي أنت وأمّي يا رسول اللَّه ، أتأذن لي في المقام ايّاماً حتى يشفيك اللَّه تعالى ؟ فانّي متى خرجت وأنت على هذه الحالة خرجت وفي قلبى منك قرحة .
فقال صلی الله علیه وآله : انفذ يا اسامة لما أمرتك ، فإن القعود عن الجهاد لا يجب في حال من الأحوال .
قال : فبلغ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله انّ الناس قد طعنوا في عمله ، فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : بلغني إنّكم طعنتم في عمل اسامة وفي عمل أبيه من قبل ، وايم اللَّه انّه لخليق للامارة وانّ أباه كان خليقاً لها وانه وأباه من أحبّ الناس إليّ ، فاُوصيكم به خيراً ، فلئن قلتم في امارته لقد قال قائلكم في امارة أبيه .
ثم دخل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بيته ، وخرج اسامة من يومه حتى عسكر على رأس فرسخ من المدينة ، ونادى منادي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ان لا يتخلف عن اسامة أحد ممّن امّرتُهُ عليه ، فلحق الناس به ، وكان أوّل من سارع إليه ، أبو بكر و عمر وأبو عبيدة بن الجرّاح ، فنزلوا في زقاق(3) واحد مع جملة أهل العسكر .
ص: 15
قال : وثقل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فجعل الناس ممّن لم يكن في بعث اسامة يدخلون عليه ارسالاً(1) ، وسعد بن عبادة يومئذ شاك(2) ، فكان لا يدخل أحد من الأنصار على النبي صلی الله علیه وآله إلّا انصرف إلى سعيد بن عبادة يعوده .
قال : وقبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وقت الضحى من يوم الإثنين بعد خروج اسامة إلى معسكره بيومين ، فرجع أهل العسكر والمدينة قد رجفت بأهلها ، فاقبل أبوبكر على ناقة جله ج حتى وقف على باب المسجد ، فقال : ايّها الناس ما لكم تموجون ؟ ان كان محمد قد مات فربّ محمدٍ لم يمت (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا)(3) .
قال : ثم اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة ، وجاؤوا به إلى سقيفة بني ساعدة ، فلمّا سمع بذلك عمر أخبر بذلك أبا بكر ، فمضَيا مسرعَيْنِ إلى السقيفة ومعهما أبو عبيدة ابن الجرّاح ، وفي السقيفة خلق كثير من الأنصار ، وسعدُ بنُ عبادة بينهم مريض ، فتنازعوا الامرَ بينهم ، فآل الامرُ إلى أَنْ قال أبوبكر في آخر كلامه للأنصار : إنّما أدعوكم إلى أبي عبيدة ابن الجرّاح أَوْ إلى عمر ، وكلاهما قد رضيتُ لهذا الأمر وكلاهما أراهما له أهلاً .
فقال عمر وأبو عبيدة : ما ينبغي لنا أن نتقدمك يا أبا بكر جوج أنت اقدمُنا اسلاماً ، وأنت صاحب الغار وثاني اثنين ، فأنت أحق بهذا الأمر وأولى به .
ص: 16
فقالت الأنصار : نحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منّا ولا منكم فنجعل منّا أميراً ومنكم أميراً ، ونرضى به على انّه إن هلك اخترنا آخَرَ من الأنصار .
فقال أبوبكر - بعد أن مدح المهاجين - : وأنتم يا معشر الأنصار ممّن لا ينكر فضلهم ولا نعمتهم العظيمة في الإسلام ، رضيكم اللَّه انصاراً لدينه وكهفاً لرسوله ، وجعل إليكم مهاجرتَه ، وفيكم محل ازواجه ، فليس أحد من الناس بعد المهاجرين الأوّلين بمنزلتكم ، فهم الأمراء وأنتم الوزراء .
فقا الحباب بن المنذر الأنصاري فقال : يا معشر الأنصار ، أملكوا(1) على أيديكم ، فإنّما الناس في فيئكم وظلالكم ، ولن يجترئ مجتر على خلافكم ولن يصدر الناس الّا عن رأيكم ، وأثنى على الأنصار ثمّ قال : فإن أبى هؤلاء تأميركم عليهم فلسنا نرضى بتأميرهم علينا ، ولا نقنع بدون أن يكون منّا أمير ومنهم أمير .
فقال عمر بن الخطاب فقال : هيهات ! لا يجتمع سيفان في غمد(2) واحد ، انّه لا ترضى العرب أن تؤمِّركم ونبيّها من غيركم ، ولكن العرب لا تمتنع أن تولّى أمرها من كانت النبوّة فيهم ، وأولوا الأمر منهم ، ولنا بذلك على من خالفنا الحجّة الظاهرة ، والسلطان البيِّن ، فما ينازعنا جفي ج سلطان محمد - ونحن أولياؤه وعشيرته - إلّا مدل بباطل أو متجانف(3) لاثم - أو متورّط في الهلكة ، محبٌّ للفتنة .
فقام الحباب بن المنذر ثانية فقال : يا معشر الأنصار ! امسكوا على أيديكم ،
ص: 17
ولا تسمعوا مقالة هذا الجاهل وأصحابه ، فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر ، وان أَبَوا أن يكون منا أمير ومنهم أمير ، فاجلوهم عن بلادكم ، وتولّوا هذا الأمر عليهم ، فانتم - واللَّه - أحقّ به منهم ، قد دانَ باسيافكم قبل هذا الوقت من لم يكن يدين بغيرها ، وأنا جُذَيْلها(1) المحكك وعذيقها المرجب(2) ، واللَّه لئن أحد ردّ قولي لاحطمنّ انفه بالسيف !
قال عمربن الخطاب : فلمّا كان الحباب هو الذي يجيبني لم يكن لي معه كلام فارغ فانّه جَرَتْ بيني وبينه منازعة في حياة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فنهاني رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عن مهاترته ، فحلفت أن لا أكلّمه أبداً .
ثم قال عمر لأبي عبيدة : يا أبا عبيدة ، تكلّم . فقام أبو عبيدة بن الجرّاح وتكلّم بكلام كثير ، ذكر فيه فضائل الانصار ، وكان بشير بن سعد سيّداً من سادات الأنصار ، لمّا رأى اجتماع الأنصار على سعبد بن عبادة لتأميرة ، حَسَدَه وسعى في إفساد الأمر عليه ، وتكلّم في ذلك ورضى بتأمير قريش و حثّ الناس كلّهم - جوج لا سيّما الأنصار - على الرضا بما يفعله المهاجرون .
ص: 18
فقال أبوبكر : هذا عمر و أبو عبيدة شيخان من قريش ، فبايعوا ايّهما شئتم .
فقال عمرو أبو عبيدة : ما نتولّى هذا الأمر عليك ، امدد يدك نبايك . فقال بشير بن سعد : وأنا ثالثكما وكان سيّد الأوس ، وسعد بن عبادة سيّد الخزرج ، فلمّا رأت الأوس صنيع سيدها : « بشير » وما دعت إليه الخزرج من تأمير « سعد » اكبّوا على أبي بكر بالبيعة وتكاثروا على ذلك وتزاحموا ، فجعلوا يطأون سعداً من شدة الزحمة وهو بينهم على فراشته مريض . فقال : قتلتموني . قال عمر : اقتلوا سعداً قتله اللَّه . فوثب فيس بن سعد و أخذ بلحية عمرو قال : واللَّه يا ابن صهاك جالحبشيّةج الجبان ، الفرّار في الحروب ، الليث في الملاء والأمن ، لو حركتْ منه شعرة ما رجعتْ وفي وجهك واضحة .
فقال أبو بكر : مهلا" يا عمر ! مهلا" - فان الرفق ابلغ وأفضل .
فقال سعد : يا ابن صهّاك - و كانت جدّة عمر حبشيّةً - اما واللَّه لو انّ لي قوّة على النهوض لسمعتها منّي في سككها زئيراً ازعجك وأصحابك منها ، ولَالحقتكما بقوم كنتما فيهم اذناباً اذلاء ، تابعين غير متبوعين ، لقد اجترأتما .
ثم قال للخزرج : احملوني من مكان الفتنة ، فحملوه فادخلوه منزله ، فلمّا كان بعد ذلك بعث إليه أبوبكر أن قد بايع الناس فبايِعْ ! فقال : لا و اللَّه حتى أرميكم بكلّ سهم في كنانتي وأخضب منكم سنان رمحي واضربكم بسيفي ما أقلّت يدي فاقاتلكم بمن تبعني من أهل بيتي وعشيرتي ثم وايم اللَّه لو اجتمع الجنّ والإنس عليّ لما بايعتكما أيّها الغاصبان حتّى اعرض على ربّي واعلم ما حسابي .
فلمّا جاءهم كلامُه قال عمر : لابدّ من بيعته . فقال بشير بن سعد : انّه قد أبى ولجّ وليس بمبايع أو يُقْتَل ، وليس بمقتول حتّى يُقْتَلَ معه الخزرج والأوس ، فاتركوه
ص: 19
فليس تركه بضائر ، فقبلوا قوله وتركوا سعداً . فكان سعد لا يصلّي بصلاتهم ، ولايقضى بقضائهم ، ولو وجد أعواناً لصال بهم ولقاتلهم . فلم يزل كذلك مدّة ولاية أبي بكر حتّى هلك أبوبكر . ثمّ ولّى عمر فكان كذلك ، فخشى سعد غائلة عمر ، فخرج إلى الشام فمات بحَوْران(1) في ولاية عمر ولم يبايع أحداً .
وكان سبب موته أن رمى بسهم في الليل فقتله ، وزعموا أن الجنّ رموه ، وقيل أيضاً انّ محمّد بن سلمة الأنصاري تولّى ذلك بِجُعْل جُعِلَ له عليه ، ورُوِىَ انه تولّى ذلك المغيرة بن شعبة ، وقيل : خالد بن الوليد .
قال : وبايع جماعة الأنصار ومن حضر من غيرهم ، وعليّ بن أبي طالب علیه السلام مشغول بجهاز رسول اللَّه صلی الله علیه وآله . فلمّا فرغ من ذلك وصلّى على النبي صلی الله علیه وآله والناس يصلّون عليه - من بايع أبابكر ومن لم يبايع - جلس في المسجد فاجتمع إليه بنو هاشم ومعهم الزبير بن العوام ، واجتمعت بنو أميّه إلى عثمان بن عفّان ، وبنو زهرة إلى عبدالرحمن بن عوف ، فكانوا في المسجد كلُّهم مجتمعين ، إذْ أقبل أبوبكر ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجرّاح فقالوا : ما لنا نراكم حلقاً شتّى ؟ ! قوموا فبايعوا أبابكر فقد بايعتْه الأنصار والناس .
فقام عثمان وعبدالرحمن بن عوف ومن معها فبايَعوا ، وانصرف علي وبنو هاشم إلى منزل علي علیه السلام ومعهم الزبير .
قال : فذهب إليهم عمر في جماعة ممّن بايَع ، فيهم اُسَيْد بن حضير وسلمة بن سلامة ، فألفوهم مجتمعين ، فقالوا لهم : بايعوا أبابكر فقد بايَعَه الناسُ ، فوثَبَ الزبيرُ
ص: 20
إلى سيفِهِ فقال جلهم ج عمر : عليكم بالكلب العقور فاكفونا شرّه ، فبادر سلمةُ بن سلامة فانتزع السيف من يده فاخذه عمر فضَرَبَ به الأرضَ فكَسَرَه ، و احدقوا بمن كان هناك من بني هاشم ومضوا بجماعتهم إلى أبي بكر ، فلمّا حضروا قالوا : بايعوا أبابكر فقد بايَعَه الناسُ ، وايم اللَّه لئن أبيتم ذلك لنُحاكِمَنَّكم بالسيف .
فلمّا راى ذلك بنو هاشم اقبل رجل رجل فجعل يبايِع حتّى لم يبق ممّن حضر الّا علي بن أبي طالب علیه السلام ، فقالوا له : بايع أبابكر . فقال علي علیه السلام : أنا أحقّ بهذا الأمر منه وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابةِ مِنَ الرسول ، وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً ، ألستم زعمتم للأنصار انّكم أَولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فأَعطوكم المقادة وسلّموا لكم الامارة ، وأنا احتجُّ عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار ، أنا أَولى برسول اللَّه صلی الله علیه وآله حيّاً وميّتاً ، وأنا وصيّه ووزيره ومستودع سرّه وعلمه ، وأنا الصديق الأكبر والفاروق الأعظم و أوّل من آمن به وصدّقه ، وأحسنكم بلاءً في جهاد المشركين ، وأعرفكم بالكتاب والسنّة ، وأفقهكم في الدين ، وأعلمكم بعواقب الاُمور ، واذربكم لساناً ، وأثبتكم جناناً ، فَعَلامَ تُنازِعونا هذا الأمر ؟ اَنْصِفونا ان كنتم تخافون اللَّه من أنفسكم ، واعرِفُوا لنا الأمر مثل ما عرفتْه الأنصار لكم ، وإلّا فبوءوا بالظلم والعدوان وأنتم تعلمون .
فقال عمر : يا عليّ ! أما لك باهل بيتك اُسوة ؟
فقال عليّ علیه السلام : سلوهم عن ذلك ، فابتدر القوم الذين بايَعوا من بني هاشم فقالوا : واللَّه ما بيعتنا لكم بحجة علىْ عليٍّ ، ومعاذ اللَّه أن نقول : أنا نوازيه في الهجرة وحسن الجهاد والمحل من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ! !
ص: 21
فقال عمر : انك لست متروكاً حتّى تبايع طوعاً أو كُرهاً !
فقال له علي علیه السلام : احْلُبْ حَلْباً لك شطرُهُ ، اُشْدُدْ له اليوم لِيَرُدَّ عليك غداً ، اذاً واللَّه لا اقبل قولك ولا احفل بمقامك ولا ابايع .
فقال أبوبكر : مهلاً يا أبا الحسن ، ما نُشدِّد عليك ولا نكرهُك .
فقام أبو عبيدة بن الجرّاح إلى عليّ علیه السلام فقال له : يا ابن عمٍّ ! لسنا ندفع قرابتك ولا سابقتك ولا علمك ولا نصرتك ، ولكنّك حدث السِّن - وكان لعليٍ علیه السلام يومئذٍ ثلاث وثلاثون سنة - وأبوبكر شيخ مِنْ مشائخ قومك ، وهو احمل لثقل هذا الأمر ، وقد مضى الأمر بما فيه ، فسلّم له ، فان عمّرك اللَّه يسلِّموا هذا الأمر إليك ، ولا يختلف فيك اثنان بعد هذا ، إلّا وأنت به خليق وله حقيق ، ولا تبعث الفتنة في أوانِ الفتنة فقد عرفت ما في قلوب العرب وغيرهم عليك ! .
فقال أميرالمؤمنين علیه السلام : يا معاشر المهاجين والأنصار ، اللَّه اللَّه ! لا تنسوا عهد نبيكم إليكم في أمري ، ولا تخرجوا سلطان محمّد صلی الله علیه وآله مِنْ داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم ، ولا تدفعوا أهله عن حقّه ومقامه في الناس .
فواللَّه يا معاشر الجمع ، انّ اللَّه قضى وحَكَمَ ونبيُّهُ أعْلم وانتم تعلمون بأنّا أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم ، أما كان القارئ منكم لكتاب اللَّه ، الفقيه في دين اللَّه ، المضطلع بامر الرعيّة ؟ واللَّه انّه لفينا لا فيكم ، فلا تتّبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بُعداً ، وتفسدوا قديمَكم بشرٍّ من حديثكم .
فقال بشير بن سعدٍ الأنصاري الذي وَطَّأَ الأمر لأبي بكر ، وقالت جماعة من الأنصار : يا أبا الحسن لو كان هذا الكلام سمعتْه منك الأنصار قيل بيعتها لأبي بكر ما اختلف فيك اثنان .
ص: 22
فقال علي علیه السلام : يا هولاء ! أكنتُ اَدَعُ رسولَ اللَّه مُسَبّحى (1) لا اواريه واَخْرُجُ اُنازِع في سلطانِهِ ؟ واللَّه ما خفت أحداً يسْمُو له وينازعنا أهل البيت فيه ويستحلّ ما استحللتموه ، ولا علمت انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ترك يوم غدير خمٍّ لاحدٍ حجّة ولا لقائل مقالاً ، فانشد اللَّه رجلاً سمع النبيّ صلی الله علیه وآله يوم غدير خمّ يقول : « من كنتُ مولاه فهذا على مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله » اَنْ يشهد الآن بما سمع ! !
قال زيد بن أرقم : فشهد اثنا عشر رجلاً بدريّاً بذلك وكنتُ مِمَّن سمع القول من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فكتمت الشهادة يومئذٍ ، فدعا علَىَّ عليٌّ فذهب بَصَري.
قال : وكثر الكلام في هذا المعنى وارتفع الصوت وخِشِيَ عمر أن يصغى الناسُ إلى قولِ عليٍّ فَفَسَخَ المجلس وقال : انّ اللَّه يقلّب القلوبَ ، ولاتزال يا أبا الحسن ترغب عن قول الجماعة ! ! فانصرفوا يومهم ذلك(2) .
وعن أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبداللَّه جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام جعلت فداك ، هل كان أحد في أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أنكر على أبي بكر فعله وجلوسه جفي ج مجلس رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ؟ فقال : « نعم ، كان الذي أنكر على أبي بكر اثنا عشر رجلاً ، من المهاجرين : خالد بن سعيد بن العاص وكان من بني اميّة ، وسلمان الفارسي ؛ ، وأبوذر الغفاري ، والمقداد بن الأسود الكندي ، وعمار بن ياسر ، وبريدة الأسلمي ، ومن الأنصار : أبو الهيثم بن التيهان ، وسهيل وعثمان ابنا حنيف ، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، وابيّ بن كعب ، وأبو أيوب الأنصاري - رضي اللَّه
ص: 23
عنهم أجمعين - قال : فلمّا صعد أبو بكر المنبر تشاورا بينهم ، فقال بعضهم لبعض : واللَّه لنأتينّه ولننزلنّه عن منبر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، وقال آخرون منهم : واللَّه لئن فعلتم ذلك اذاً اعنتم على أنفسكم فقد قال اللَّه عزّ وجلّ : ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ )(1) » .
قالوا : فانطَلِقوا بنا إلى أميرالمؤمنين علیه السلام
لنستشيره ونستطلع رأيَه ، فانطلق القوم إلى أميرالمؤمنين باجمعهم فقالوا : يا أميرالمؤمنين ! تركت حقّاً أنت أحقّ به وأولى به من غيرك ، لانّا سمعنا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : « علي مع الحق والحقّ مع علي يميل مع الحق كيفما مال » ولقد هممنا أن نصير إليه فننزله عن منبر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فجنئاك نستشيرك ونستطلع رأيك فما تأمرنا ؟ فقال أميرالمؤمنين علیه السلام : وأيم اللَّه لو فعلتم ذلك لما كنتم لهم إلّا حرباً ، ولكنّكم كالملح في الزاد والكحل في العين ، و أيم اللَّه لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين باسيافكم ، مستعدّين للحرب والقتال ، واذاً لأَتَوْنى فقالوا لي : بايِعْ والّا قَتَلْناكَ ، فلابد لي من أن أدفع القوم عن نفسي ، وذلك أن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أوعز إليّ قبل وفاته وقال لي : « يا أبا الحسن انّ الأُمّة ستغدر بك من بعدي تنقض فيك عهدي وإنّك منّي بمنزلة هارون من موسى وإنّ الأُمّة من بعدي كهارون ومن اتبعه ، والسامري ومن أتّبعه .
فقلت : يا رسول اللَّه ! فما تعهد إلى إذا كان كذلك ؟ فقال : إذ أوجدت اعواناً فبادر إليهم وجاهدهم ، وإن لم تجد اعواناً كفّ يدك واحقن دمَك حتّى تلحق بي مظلوماً » فلمّا تُوفّيَ رسولُ اللَّه صلی الله علیه وآله اشتغلت بغُسله وتكفينه والفراغ من شأنه ، ثم
ص: 24
آليت على نفسي يميناً أن لا ارتدى برداءٍ إلّا للصلاة حتّى اجمع القرآن ، ففعلت ، ثم اخذتُ بيد فاطمة (علیها السلام) وابنيّ الحسن والحسين 8 فدُرتُ على أهل بدر وأهل السابقة ، فناشدتهم حقّي ودعوتُهم إلى نصرتي ، فما اجابني منهم إلّا أربعة رهط : سلمان وعمّار وابوذر و المقداد - رضي اللَّه عنهم - ولقد راودتُ في ذلك بقيّةَ أهل بيتي ، فأَبَوا عليّ إلّا السكوت لما علموا من وغارةِ(1) صدور القوم وبغضهم للَّه ولرسوله ولأهل بيت نبيّه صلی الله علیه وآله ، فانطَلِقوا باجمعكم إلى الرجل فعرِّفوه ما سمعتم من قول نبيّكم صلی الله علیه وآله ليكون ذلك أوكدَ للحجة ، وابلغَ للعُذر ، وأبعدَ لهم من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله إذا وَرَدُوا عليه .
فسار القوم حتى أحدقوا بمنبر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله - وكان يوم الجمعة - فلمّا صعد أبوبكر المنبر قال المهاجرون للأنصار : تقدّموا وتكلّموا ! فقال الأنصار للمهاجرين : بل تكلّموا وتقدّموا أنتم ! فأن اللَّه عزّ وجلّ بدأ بكم في الكتاب إذ قال اللَّه عزّ و جلّ : لَقَدْ تَابَ اللَّهُ بالنَّبِيِّ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ( الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ )(2) .
قال أبان : فقلت له : يا ابن رسول اللَّه ! انّ العامّة لا تقرء كما عندك .
فقال : « وكيف تقرء يا أبان ؟ قال : قلت : انّها تقرء : لقد تاب اللَّه « على النبيّ » و المهاجرين و الأنصار ، فقال : ويلهم وايّ ذنب كان لرسول اللَّه صلی الله علیه وآله حتّى تاب اللَّه عليه منه ، إنّما تاب اللَّه عزّ و جلّ به على اُمّته ، فاوّلُ من تكلّم به خالد بن سعيد بن العاص ثمّ باقي المهاجرين ثمّ جمن ج بعدهم الأنصار .
ص: 25
ورُوِيَ انّهم كانوا غيّباً عن وفاة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فقدموا وقد تولّى أبوبكر وهم يومئذٍ اعلام مسجد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله .
فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال : اتّق اللَّه يا أبابكر فقد علمتَ انّ رسول اللَّه قال - ونحن محتوشوه(1) يوم بني قريظة حين فتح اللَّه عزّ و جلّ له باب النصر وقد قتل علي بن أبي طالب علیه السلام يومئذٍ عدّة من صناديد رجالهم و اُولي البأس والنجدة منهم - :
يا معاشر المهاجرين والأنصار ، إنّي موصيكم بوصيّة فاحفظوها وجإنّي ج مُودِعكم أمراً فاحفظوه ، ألا انّ علي بن أبي طالب علیه السلام أميركم بعدي وخليفتي فيكم ، بذلك أوصاني ربّي ، ألا وإنكم إن لم تحفظوا فيه وصيّتي وتوازروه وتنصروه اختلفتم في أحكامكم واضطرب عليكم أمرُ دينكم ووليَكم شرارُكم ، ألا وانّ أهل بيتي هم الوارثون لأمري والعالمون بأمر امّتي من بعدي ، اللهمّ من أطاعهم من أمّتي وحفظ فيهم وصيّتي فاحشرهم في زمرتي ، واجعل لهم نصيباً من مرافقتي ، يدركون به نورَ الآخرة ، اللهمّ ومن أساء خلافتي في أهل بيتي فاحْرِمْهُ الجنّة التي عرضها كعرض السماء والأرض .
فقال له عمر بن الخطاب : اسكت يا خالد ، فلست من أهل المشورة ولا ممّن يُقْتدى برأيه .
قال له خالد : بل اُسْكتْ أنت يا ابن الخطّاب ، فإنّك تنطق على لسانِ غيرك ، وايم اللَّه لقد علمتْ قريش إنّك من ألْأَمِها حسباً واَدْناها منصباً ، واخسِّها قدراً ، وأَخْملها ذكراً ، واقلِّها غناءً عن اللَّه ورسوله ، وانّك لجبان في الحروب {و} بخيل
ص: 26
بالمال لئيم العنصر ، مالَكَ في قريش من فخر ولا في الحروب من ذِكر ، وانّك في هذا الأمر بمنزلة الشيطان ( إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِي ءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ )(1) جقال :ج فابلس(2) عمرو جلس خالد بن سعيد .
ثم قام سلمان الفارسي ؛ : « كرديد و نكرديد » أي فعلتم ولم تفعلوا ، وكان قد امتنع من البيعة قبل ذلك حتّى وُجِئَ عنقه ، فقال : يا أبابكر ! إلى من تسْندُ أمرك إذا نزل بك ما لا تعرفه ؟ وإلى من تفزع إذا سُئِلتَ عمالا تَعْلَمُه ؟ وما عذرك في التقدم على من هو اَعْلَم منك وأقرب إلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، واَعْلَم بتاويل كتاب اللَّه عزّ و جلّ سنّة نبيّه صلی الله علیه وآله ، ومن قَدَّمَه النبيّ صلی الله علیه وآله في حياته وأوصاكم به عند وفاته ، فنَبَذتُم قولَه وتَناسيتُم وصيّته وأَخْلَفتم الوعدَ ونَقَضْتُم العهدَ ، وحَلَلْتم العقد الذي كان عقده عليكم من النفوذ تحت راية أُسامة بن زيد حذراً من مثل ما أتيتموه وتنبيهاً للأمّة على عظيم ما اجترمتموه من مخالفة أمره ، فعن قليل يصفو لك الأمر وقد اثقلَكَ الوزر ونُقِلْتَ إلى قبرك وحملتَ معكَ ما كسبتْ يداك ، فلو جانّك ج راجعتَ الحقّ من قريب وتلافَيْتَ نفسك وتُبْتَ إلى اللَّه من عظيم ما اجترمْتَ ، كان ذلك أقرب إلى نجاتك يوم تُفرد في حفرتك ويسلّمُكَ ذوو نصرتك ، فقد سمعتَ كما سمعنا ورايتُ كما رأينا ، فلم يَرْدَعْكَ ذلك عما أنت متشبِّث به من هذا الأمر الذي لا عذر لك في تقلُّدِه ولاحظَّ للدين ولا للمسلمين في قيامك به ، فاللَّه اللَّه في نفسِك ، فقد اَعْذَرَ من أنْذَر ولا تكن كمن ادبر واستكبر .
ص: 27
ثم قال جإليه ج أبوذر الغفاري ؛ فقال : يا معشر قريش ! أصبتم قباحة وتركتم قرابة ، واللَّه لترتَدَنَّ جماعةٌ من العرب ولْتَشكُّنَّ في هذا الدين ، ولو جعلتم الأمر في أهل بيت نبيّكم ما اختلف عليه سيفان ، واللَّه لقد صارت لمن غلب ، ولتطمحنَّ إليها عينُ مَن ليس مِن أهلها ، ولْيُسْفكَنَّ في طلبها دماءٌ كثيرة - فكان كما قال أبوذر - ثم قال : لقد علمتم وعلم خياركم انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال : « الأمر جمن ج بعدي لعلي بن أبي طالب علیه السلام ثمّ من بعده لابنيَّ جمنه ج الحسن والحسين ثم للطاهرين من ذرّيّتي » فاطرحتم قول نبيّكم وتناسيتم ما عهد به إليكم ، فاطعتم الدنيا الفانية ، ونسيتم الآخرة الباقية التي لا يهرم شبابها ، و لا يزول نعيمها ولا يحزن أهلها ، ولا يموت سكّانها بالحقير التافة الفاني الزائل ، فكذلك الأمم من قبلكم كفرت بعد انبيائها ونكصت على اعقابها وغيّرت وبدّلت واختلفت ، فساويتموهم حذو النعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة ، وعما قليل تذوقون وبال أمركم ، وتجزون بما قدّمت أيديكم وما اللَّه بظلّام للعبيد .
ثم قام المقداد بن الأسود ؛ فقال : يا أبابكر ! ارجع عن ظلمك ، وتُب إلى ربّك واَلْزَمْ بيتك ، وابْكِ على خطيئتك ، وسلّم الأمر لصاحبه الذي هو أولى به منك ، فقد علمت ما عقده رسول اللَّه صلی الله علیه وآله في عنقك من بيعته ، وأَلْزَمَك من النفوذ تحت راية اسامة بن زيد وهو مولاه ، ونَبَّهَ على بطلان وجوب هذا الأمر لك ولمن عَضَدَك عليه بضمّه لكما إلى عَلَم النفاق ومعدنِ الشنآن والشقاق : عمرو بن العاص الذي انزَل اللَّه على جلسان ج نبيّه صلی الله علیه وآله : ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ )(1) فلا اختلاف بين أهل العلم انّها نزلت في عمرو ، وهو كان اميراً عليكم وعلى سائر المنافقين في الوقت
ص: 28
الذي انفذه ورسول اللَّه صلی الله علیه وآله في غزاة ذات السلاسل ، وان عَمراً قَلَّدَكُما حرسَ عسكره ، فاين الحرسُ إلى الخلافة ، اتق اللَّه وبادر بالاستقالة قبل فوتها ، فانّ ذلك اسلم لك في حياتك وبعد وفاتك ، ولا تركن إلى دنياك ولا تغرّنّك قريشٌ وغيرُها ، فعن قليل تضمحلّ عنك دنياك ثم تصير إلى ربّك فيجزيك بعملك وقد علمت وتيقّنتَ ان علي بن أبي طالب علیه السلام هو صاحب هذا الأمر بعد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فسلّمه إليه بما جعله اللَّه له ، فانّه اتمّ لسترك واخفّ لوِزْرِك ، فقد واللَّه نصحت لك ان قبلت نُصحي وإلى اللَّه ترجع الاُمور .
ثم قال إليه بريدة الأسلمي ؛ فقال : إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون ! ماذا لقى الحق من الباطل ؟ يا أبابكر أنسيتَ أم تناسيتَ وخدعتَ أم خدعتْكَ نفسُك أم سوّلتْ لك الأِباطيل ؟ أَوَ لم تذكر ما أمرنا به رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من تسمية علي علیه السلام باْمَرةِ المؤمنين والنبيّ صلی الله علیه وآله بين أظهُرِنا ؟ وقوله صلی الله علیه وآله في عدة أوقات : «هذا علي أميرالمؤمنين وقاتل القاسطين » ؟ اتّق اللَّه وتدارك نفسك قبل أن لا تدركها ، وانفذها ممّا يهلكها ، واردد الأمر إلى من هو أحقّ به منك ، ولا تتماد في اغتصابه ، وراجع وأنت تستطيع أن تراجع ، فقد مَحَضْتُك النُصح ودلّلتُك على طريق النجاة ، فلا تكوننَّ ظهيراً للمجرمين ثم قام عمّار بن ياسر ؛ فقال : يا معاشر قريش ويا معاشر المسلمين ! إن كنتم علمتم ، وإلّا فاعلموا انّ أهل بيت نبيّكم أولى به وأحقّ بارثه ، وَأَقْوَمُ باُمور الدين ، وآمن على المؤمنين ، واحفظ لملّته ، وانصح لأمّته ، فمروا صاحبَكم فليردّ الحق إلى أهله قبل أن يضطرب حبلكم ويضعف أمركم ، ويظهر شتاتكم وتعظم الفتنة بكم وتختلفوا فيما بينكم ويطمع فيكم عدوّكم ، فقد علمتم انّ بني هاشم أولى بهذا الأمر منكم ، وعليٌّ أقرب منكم إلى نبيّكم وهو من بينهم وليّكم
ص: 29
بعد اللَّه ورسوله ، وفرق ظاهر قد جعلمتموه وج عرفتموه في حالٍ بعد حالٍ عند سدِّ النبيّ صلی الله علیه وآله أبوابكم التي كانت إلى المسجد كلّها غير بابه ، وايثاره ايّاه بكريمته فاطمة (علیها السلام) دون سائر من خطبها إليه منكم ، وقوله صلی الله علیه وآله : «أنا مدينة العلم وعليٌ بابها ، فمن أراد جالعلم وج الحكمة فليأتها من بابها » وانّكم جميعاً مضطرّون فيما أشكل عليكم من أمور دينكم إليه وهو مستغن جعن دينكم وج عن كلّ أحدٍ منكم إلى ماله من السوابق التي ليست لا فضلكم عند نفسه ، فما بالكم تحيدون عنه وتبتزّون عليّاً حقّه ، وتؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة ، بئس للظالمين بدلاً ، اعطوه ما جعله اللَّه له ولا تتولّوا عنه مدبرين ، ولا ترتدّوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين .
ثم قال إليه أبي بن كعب ؛ فقال : يا أبابكر ! لا تجحد حقاً جعله اللَّه لغيرك ولا تكن أوّل من عصى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله في وصيّه وصفيّه وصَدف عن أمره ، واردد الحقّ إلى أهله تسْلِم ، ولا تتماد في غيّك فتندم ، وبادر الانابة يخفّ وزرك ، ولا تخصص بهذا الأمر الذي لم يجعله اللَّه لك نفسك ، فتلقى وبال عملك ، فعن قليل تفارق ما أنت فيه وتصير إلى ربّك ، فيسألك عما جنيت ، وما ربّك بظلّام للعبيد .
ثمّ قام خزيمة بن ثابت ذوالشهادين فقال : أيّها الناس ! ألستم تعلمون انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قبل شهادتي وحدي ولم يرد معي غيري ؟ قالوا : بلى ، قال : فاشهد اني سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : « أهل بيتي يُفَرِّقون بين الحق والباطل وهم الأئمّة الذين يقتدى بهم » وقد قلت ما سمعت جوعلمت ج ، وما على الرسول إلّا البلاغ المبين .
ثمّ قام أبو الهيثم بن التيهان ؛ فقال : وأنا أشهد جيا أبابكرج على نبيّنا محمّد صلی الله علیه وآله
ص: 30
انّه أقام عليّاً - يعني في يوم غدير خم - فقالت الأنصار : ما أقامه إلّا للخلافة ، وقال بعضهم : ما اقامه إلّا ليعلم الناس انّه مولى من كان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله مولاه ، وكثر الخوض في ذلك ، فبعثنا رجالاً منّا إلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فسألوه عن ذلك فقال صلی الله علیه وآله : قولوا لهم : عليّ ولي المؤمنين بعدي ، وانصحُ الناسِ لأُمتي ، و قد شهدت بما حضرني فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، انّ يوم الفصل كان ميقاتاً .
ثم قام سهل بن حنيف ؛ فحمد اللَّه تعالى واثنى عليه وصلّى على النبيّ محمّد وآله ثمّ قال : يا معاشر قريش ! اشهدوا عليّ انّي أشهد على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وقد رأيته في هذا المكان - يعني في الروضة - وقد أخذ بيد علي بن أبي طالب علیه السلام وهو يقول : أيّها الناس ! هذا علي امامكم من بعدي ، ووصيي في حياتي وبعد وفاتي وقاضي ديني ، ومنجز وعدي ، وأوّل من يصافحني على حوضي ، فطوبى لمن اتّبعه ونصره ، والويل لمن تخلّف عنه و خذله .
وقام معه أخوه عثمان بن حنيف فقال : سمعنا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : أهلُ بيتي نجومُ الأرض ، فلا تتقدموهم وقدِّموهم ، فهم الولاة من بعدي ، فقام إليه رجل فقال : يا رسول اللَّه وأيّ أهل بيتك ؟ فقال : عليّ والطاهرون من وُلده ، و قد بيَّن صلی الله علیه وآله ، فلا تكن يا أبابكر اوّلَ كافر به ، ولا تخونوا اللَّهَ والرسولَ وتخونوا اماناتكم وأنتم تعلمون .
ثمّ قام أبو أيوب الأنصاري 2 فقال : اتقو اللَّهَ عبادَ اللَّه في أهل بيت نبيّكم واردُدُوا إليهم حقّهم الذي جعله اللَّه لهم ، فقد سمعتم مثل ما سمع اخواننا في مقام بعد مقامٍ لنبيّنا محمّد صلی الله علیه وآله ومجلسٍ بعد مجلسٍ يقول : « أهل بيتي أئمّتكم بعدي » ويؤمى إلى علي بن أبي طالب علیه السلام و يقول : « جإنّ ج هذا امير البررة وقاتل الكفرة ،
ص: 31
مخذول من خذله ، منصور من نصره » فتوبوا إلى اللَّه مِنْ ظلمكم ايّاه انّ اللَّه توّاب رحيم ، ولا تتولّوا عنه مدبرين ولا تتولوا عنه معرضين .
قال الصادق جعفر بن محمّد علیه السلام : «فافحم أبوبكر على المنبر حتّى لم يُحِرْ جواباً ، ثم قال : وليتكم ولست بخيركم ، اقيلوني اقيلوني !
فقال له عمر بن الخطاب : انزل عنها يالكع(1) ! إذا كنت لا تقوم بحجج قريش لِمَ أقمت نفسك هذا المقام ؟ ! واللَّهِ هممتُ أن أخلعك واجعلها في سالم مولى أبي حذيفة ! !
قال : فنزل ثمّ أخذ بيده وانطلق جبه ج إلى منزله وبقوا ثلاثة أيّام لا يدخلون مسجد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فلمّا كان اليوم الرابع جاءهم خالد بن الوليد ومعه ألف رجل ، فقال لهم : ما جلوسكم ! فقد طمع فيها - واللَّه - بنو هاشم ، وجاءهم سالم مول أبي حذيفة ومعه ألف رجل ، وجاءهم معاذ بن جبل ومعه ألف رجل ، فما زال يجتمع إليهم رجل رجل حتّى اجتمع لهم أبعة آلاف رجل ، فخرجوا شاهرين باسيافهم يقدمهم عمر بن الخطّاب حتّى وقفوا بمسجد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فقال عمر : واللَّه يا أصحاب عليّ لئن ذهب منكم رجل يتكلم بالذي تكلم بالأمس لنأخذنّ الذي فيه عيناه .
فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال : يا ابن صهّاك الحبشية ، أبأسيافكم تهدّدوننا أم بجمعكم تفزعوننا ؟ واللَّه انّ اسيافنا احدّ من أسيافكم وانّا لاكثر منكم وإنْ كنّا قليلين لأنّ حجّةَ اللَّهِ فينا ، واللَّه لَو لا أنّى أعلم انّ طاعة اللَّه ورسوله وطاعة امامي أولى بي لشهرت سيفي ولجاهدتكم في اللَّه إلى أن أبْليَ عذري .
ص: 32
قال له أميرالمؤمنين علي علیه السلام : اجلس يا خالد فقد عرف اللَّه لك مقامَك وشكر لك سعيك ، فجلس .
وقام إليه سلمان الفارسى 2 فقال : اللَّه أكبر ، اللَّه أكبر ، سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بهاتين الأذنين والّا صمّتا يقول : « بينما أخي وابن عمي جالس في مسجدي مع نفر من أصحابه إذ تكبسه جماعة من كلاب أهل النار يريدون قتله وقتل من معه » فلست اشك الّا وأنّكم هم ! !
قال : فهمّ به عمر بن الخطّاب فوثب إليه أميرالؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام وأخذ بمجامع ثوبه ثمّ جلد به الأرض ، ثمّ قال : يا ابن صهّاك الحبشية ، لو لا كتاب من اللَّه سبق وعهد من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله تقدّم ، لَأريتُك ايُّنا اضعف ناصراً واقلّ عدداً .
ثمّ التفت علیه السلام إلى أصحابه - رضي اللَّه عنهم - فقال : انصرفوا رحمكم اللَّه ، فو اللَّه لا دَخلتُ المسجد إلّا كما دخل أخواي موسى وهارون ، إذ قال له أصحابه : ( فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ )(1) .
ثمّ قال علیه السلام : ولا دخلته إلّا لصلاة أو لزيارة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، أَوْ لقضية اقضيها ، فانّه لا يجوز لحجّة اقامها رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أَن يترك الناسَ في حَيْرَةٍ .
وعن عبداللَّه بن عبدالرحمن قال : ثمّ انّ عمر احتزم بإزاره وجعل يطوف بالمدينة وينادى : ألا انّ أبا بكر قد بويع له فهلمّوا إلى البيعة ، فينثال الناس فيبايعون ، فعرف انّ جماعة في بيوت مستترون ، فكان يقصدهم في جمع كثير ويكبسهم ويحضرهم في المسجد فيبايعون حتّى إذا مضت أيام أقبل في جمع كثير إلى منزل علي بن أبي طالب علیه السلام فطالبه بالخروج فأبى ، فدعا عمر بحطب و نار ،
ص: 33
وقال : والذي نفس عمر بيده ليخرجَنَّ أو لاحرقَنَّه على ما فيه ، فقيل له : انّ فاطمة (علیها السلام) بنتَ رسولِ اللَّه صلی الله علیه وآله وولد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وآثار رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فيه ، وانكر الناسُ ذلك من قوله .
فلما عرف انكارهم قال : ما بالكم أَتَرَوْني فعلتُ ذلك ؟ انما اردتُ التهويلَ فَراسَلَهم علي علیه السلام أن ليس إلى خروجي حيلة ، لأنّي في جميع كتاب اللَّه عزّ وجلّ الذي قد نبذتموه وألهَتْكم الدنيا عنه ، وقد حَلَفْتُ أن لا أَخْرُجَ من بيتي ولا اضع ردائي على عاتقي حتّى اجمع القرآن .
قال : وخرجت فاطمة بنتُ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله اليهم فوقفت خلف الباب ثمّ قالت : « لا عهد لي بقوم أَسْوأ مَحضراً منكم ، تركتم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله جنازةً بين ايدينا ، وقطعتم أمركم فيما بينكم جوج لم تُؤمِّرونا ولم تروالنا حقاً ، كانّكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم ، واللَّه لقد عقد له يومئذٍ الولاء ليقطع منكم بذلك منها الرجاء ، ولكنّكم قطعتم الأسباب بينكم وبين نبيّكم ، واللَّه حسيب بيننا وبينكم في الدنيا والآخرة»(1) .
وعن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس قال سمعت سلمان الفارسي قال : لما أن قبض النبي صلی الله علیه وآله وصنع الناس ما صنعوا جاءهم أبوبكر وعمر وأبوعبيدة بن الجراح فخاصموا الأنصار فخصموهم بحجّة علي علیه السلام ، فقالوا : يا معاشر الأنصار ! قريش أحقّ بالأمر منكم لأنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من قريش والمهاجرون خير منكم ، لأنّ اللَّه بدأ بهم في كتابه وفضلهم وقد قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : الأئمّة من قريش .
قال سلمان : فاتيت علياً علیه السلام وهو يغسل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، و قدكان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله
ص: 34
أوصى عليّاً علیه السلام أن لا يلي غسله غيره ، فقال : يا رسول اللَّه فمن يعينني على ذلك ؟ فقال صلی الله علیه وآله : جبرائيل . فكان علي علیه السلام لا يريد عضواً إلّا قلب له ، فلما غسله وحنطه وكفنه ادخلني وادخل أباذر والمقداد وفاطمة والحسن والحسين : فتقدّم علي علیه السلام وصففنا خلفه وصلّى عليه وعائشة في الحجرة لا تعلم قد أخذ اللَّه ببصرها ، ثمّ ادخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار ، فكانوا يدخلون ويدعون ويخرجون(1) حتّى لم يبق أحد شهد من المهاجرين والأنصار إلّا صلّى عليه ، قال سلمان الفارسي : فاخبرت عليّاً علیه السلام وهو يغسل(2) رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بما صنع القوم وقلت : ان أبابكر الساعة لَعَلى منبر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ما يرضون يبايعون بيد واحدة ، وانّهم ليبايعونه بيديه جميعاً بيمينه وشماله .
فقال علي علیه السلام : يا سلمان وهل تدري من أوّل من بايعه عَلى منبر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ؟
قلت : لا ، إلّا انّي رأيته في ظلة بني ساعدة حين خصمت الأنصار وكان أوّل من بايعه المغيرة بن شعبة ثم بشير بن سعيد ثمّ أبو عبيدة الجراح ثمّ عمر بن اخلطاب ثمّ سالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل ، قال علیه السلام : لست أسألك عن هؤلاء ، ولكن هل تدري من أوّل من بايعه حين صعد المنبر ؟ قلت : لا ولكن رأيتُ شيخاً كبيراً يتوكأ على عصاه بين عينيه سجادة شديدة التشمير ، صعد المنبر أوّل من صعد {وخر} وهو يبكى ويقول : الحمد للَّه الذي لم يمتني حتّى رأيتك في هذا المكان ، أبسط يدك ، فبسط يده فبايعه جثمّ قال : يوم كيوم آدم} ثمّ نزل ، فخرج من
ص: 35
المسجد ، فقال علي علیه السلام : يا سلمان ! أتدري من هو ؟
قلت : لا ، ولقد ساءتني مقالته ، كانه شامت بموت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله .
قال علي علیه السلام : فان ذلك ابليس جلعنه اللَّه ج أخبرني رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ان ابليس ورؤساء اصحابه شهدوا نصب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله إياي جيوم ج غدير خم بأمر اللَّه ، وأخبرهم بأنى أولى بهم من أنفسهم ، وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب ، فاقبل إلى ابليس أبالسته ومردة أصحابه ، فقالوا : انّ هذه الأمّة اُمّة مرحومة معصومة ، فمالك ولا لنا عليهم سبيل ، وقد اعلموا مفزعهم وامامهم بعد نبيّهم ، فانطلق ابليس كثيباً حزيناً ، قال أميرالمؤمنين علیه السلام : أخبرني رسول اللَّه صلی الله علیه وآله جبعد ذلك ج وقال : يبايع الناس أبابكر في ظلة بني ساعدة بعد تخاصمهم بحقنا وحجّتنا ، ثمّ يأتون المسجد ، فيكون أوّل من يبايعه على منبري ابليس في صورة شيخ كبير مشمر يقول كذا وكذا ، ثمّ يخرج ، فيجمع جاصحابه ج وشياطينه وابالسته ، فيخرون سجداً ، فيقولون : يا سيدنا ، يا كبيرنا ، أنت الذي اخرجت آدم من الجنّة ، فيقول : أي امّة لن تضلّ بعد نبيّها ؟ كلّا ، زعمتم أن ليس لي عليهم جسلطان ولاج سبيل ؟ فكيف رايتموني صنعتُ بهم حين تركوا ما أمرهم اللَّه به جمن طاعته ج ، وأمرهم به رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وذلك قوله تعالى : ( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًاً مِنَ الْمُؤمِنين )(1) .
قال سلمان : فلما أن كان الليل حمل علي علیه السلام فاطمة 3 على حمار وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين 8 ، فلم يدع أحداً من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلّا اتاه في منزله . فذكرهم حقّه ودعاهم إلى نصرته ، فما استجاب له منهم إلّا أربعة وأربعون رجلاً ، فأمرهم أن يصبحوا {بكرة} ملحقين رؤسهم ، معهم
ص: 36
سلاحهم ليبايعوا على الموت ، فاصبحوا جفلم يواف ج منهم أحد إلّا أربعة ، فقلت لسلمان : من الأربعة ؟ فقال : أنا وأبوذر والمقداد والزبير بن العوام ، ثمّ أتاهم علي علیه السلام من الليلة المقبلة فناشدهم ، فقالوا : نصبحك بكرة ، فما منهم أحد أتاه غيرنا ، ثمّ اتاهم الليلة الثالثة ، فما أتاه غيرنا ، فلما رأى غدرهم وقلة وفائهم له لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه ، فلم يخرج من بيته حتّى جمعه وكان في الصحف والشظاظ والاسيار(1) والرقاع ، فلما جمعه كلّه كتبه [بيده] على تنزيله [وتأويله] والناسخ منه و المنسوخ بعث إليه أبوبكر : ان أخرج فبايع ، فبعث إليه علي علیه السلام : اني لمشغول وقد آليت على نفسي يميناً أن لا أرتدي رداء إلّا للصلاة حتّى أؤلف القرآن واجمعه [فسكتوا عنه أياماً] فجمعه في ثوب واحد وختمه ، ثمّ خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فنادى علي علیه السلام باعلى صوته : يا أيّها الناس ! إنّي لم ازل منذ قبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله مشغولاً بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كلّه في هذا الثوب الواحد ، فلم ينزل اللَّه على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله آية إلّا وقد جمعتها ، وليست منه آية إلّا وقد جمعتها ، وليست منه آية إلّا وقد أقرأنيها رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وعلمني تأويلها جثمّ قال لهم علي علیه السلام : لئلا تقولوا غدا ( إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ )(2)ج .
ثمّ قال لهم علي علیه السلام : لئلا تقولوا يوم القيامة اني لم أدعكم إلى نصرتي ولم أذكركم حقي ولم ادعكم إلى كتاب اللَّه من فاتحته إلى خاتمته .
فقال عمر : ما أغنانا ما معنا من القرآن عمّا تدعونا إليه .
ص: 37
ثم دخل علي علیه السلام بيته ، وقال عمر لأبي بكر : أرسل إلى علي ، فليبايع فإنا لسنا في شي ء حتّى يبايع ولو قد بايع امناه ، فارسل إليه أبوبكر : اجب خليفة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فأتاه الرسول فقال له ذلك ، فقال له علي علیه السلام : سبحان اللَّه ما أسرع ما كذبتم على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله انّه ليعلم جويعلم ج الذين حوله أن اللَّه ورسوله لم يستخلفنا غيري ، وذهب الرسول فاخبره بما قال له ، قال : اذهب فقل له : اجب أميرالمومنين أبابكر ، فأتاه فاخبره بما قال.
فقال له علي علیه السلام : سبحان اللَّه ! ما واللَّه طال العهد فينسى ، فو اللَّه إنّه ليعلم ان هذا الاسم لا يصلح إلّا لي ، و لقد أمره رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وهو سابع سبعة فسلموا علي بإمرة المؤمنين ، فاستفهم هو وصاحبه عمر من بين السبعة فقالا : أحقٌّ من اللَّه ورسوله ؟ فقال لهما رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : نعم حقا [حقا] من اللَّه ورسوله انّه أميرالمؤمنين وسيّد المسلمين وصاحب لواء الغر المحجلين ، يقعده اللَّه عزّ وجلّ يوم القيامة على الصراط ، فيدخل أولياءه الجنّة ، واعداءه النار ، فانطلق الرسول فأخبره بما قال ، قال : فسكتوا عنه يومهم ذلك ، فلما كان الليل حمل علي علیه السلام فاطمة (علیها السلام) [على حمار] وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين 8 ، فلم يدع احداً من أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله إلّا أتاه في منزله ، فناشدهم اللَّه حقّه ودعاهم إلى نصرته ، فما استجاب منهم رجل غيرنا الأربعة ، فانا حلقنا رءوسنا وبذلنا له نصرتا وكان الزبير اشدنا بصيرة في نصرته ، فلما رأى علي علیه السلام خذلان الناس وايّاه وتركهم نصرته واجتماع كلمتهم مع أبي بكر و طاعتهم له وتعظيمهم ايّاه لزم بيته .
فقال عمر لأبي بكر : ما يمنعك ان تبعث إليه فيبايع ، فانّه لم يبق أحد إلّا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة ، وكان أبوبكر أرق الرجلين وأرفقهما وأدهاهما
ص: 38
وأبعدهما غوراً ، والآخر افظهما [واغلظهما] واجفاهما .
فقال أبوبكر : من نرسل إليه ؟ فقال [عمر] : نرسل إليه قنفذاً - وهو رجل فظ غليظ جاف ، من الطلقاء ، أحدُ بني عدي بن كعب - فارسله وارسل معه أعواناً وانطلق ، فاستأذن على علي علیه السلام ، فأبى أن يأذن لهم ، فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر ، وهما ججالسان ج في المسجد والناس حولهما ، فقالوا : لم يؤذن لنا . فقال عمر : اذهبوا ، فإن أذن لكم وإلّا فادخلوا جعليه ج بغير إذن ، فانطلقوا فاستأذنوا ، فقالت فاطمة (علیها السلام) : أحَرِّج عليكم أن تدخلوا على بيتي جبغير اذن ج ، فرجعوا وثبت قنفذ الملعون ، فقالوا : ان فاطمة قالت : كذا وكذا . فتحرجنا ان ندخل بيتها بغير إذن ، فغضب عمر وقال : ما لنا وللنساء ؟ ثم أمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب وحمل معهم عمر ، فجعلوه حول منزل علي وفاطمة وابنيهما : ، ثمّ نادى عمر حتّى أسمع علياً وفاطمة 8 : واللَّه لتخرجن يا علي ولتبايعن خليفة رسول اللَّه وإلّا أضرمت عليك [بيتك النار] .
فقالت فاطمة (علیها السلام) : يا عمر ! مالنا ولك . فقال : افتحي الباب وإلّا أحرقنا عليكم بيتكم . فقالت : يا عمر أما تتقي اللَّه تدخل على بيتي فأبى أن ينصرف ودعا عمر بالنار ، فاضرمها في الباب ، ثمّ دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة (علیها السلام) وصاحت يا أبتاه يا رسول اللَّه ، فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها ، فصرخت يا ابتاه ، فرفع السوط فضرب به ذراعها ، فنادت يا رسول اللَّه لبئس ما خلفك أبوبكر و عمر ، فوثب علي علیه السلام فأخذ بتلابيبه ، ثمّ نتره فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهم بقتله ، فذكر قول رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وما أوصاه به ، فقال : والذي كرم محمّداً بالنبوّة يا ابن صهّاك لولا كتاب من اللَّه سبق وعهد عهده إليّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لعلمت أنّك لا
ص: 39
تدخل بيتي ، فارسل عمر يستغيث ، قاقبل الناس حتّى دخلوا الدار ، وثار علي علیه السلام إلى سيفه فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوّف أن يخرج علي علیه السلام [اليه] بسيفه ، لما قد عرف من بأسه وشدته . فقال أبوبكر لقنفذ : ارجع فان خرج وإلّا فاقتحم عليه بيته ، فإن امتنع فاضرم عليهم بيتهم النار ، فانطلق قنفذ الملعون ، فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن ، وثار علي علیه السلام إلى سيفه فسبقوه إليه [وكاثروه] وهم كثيرون فتناول بعضهم سيوفهم فكاثروه [وضبطوه] فألقوا في عنقه حبلاً وحالت بينهم وبينه فاطمة (علیها السلام) عند باب البيت فضربها قنفذ الملعون بالسوط ، فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته لعنه اللَّه [ولعن من بعث به] ثمّ انطلق بعلي علیه السلام يعتل عتلاً حتّى انتهى به إلى أبي بكر وعمر ، قائم بالسيف على رأسه ، وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حصين وبشير بن سعد وسائر الناس [لوس] حول أبي بكر عليهم السلاح ، قال : قلت لسلمان : أدَخَلوا على فاطمة (علیها السلام) بغير إذن ؟ قال : أي واللَّه وما عليها من خمار ، فنادت : وا ابتاه ، وا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، يا ابتاه فلبئس ما خلفك أبوبكر وعمر وعيناك لم تتفقأ في قبرك ، تنادي باعلى صوتها فلقد رأيت أبابكر ومن حوله يبكون [وينتحبون] ، ما فيهم إلّا باك غير عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة ، وعمر يقول : إنا لسنا من النساء ورأيهنّ في شي ء .
قال : فانتهوا بعلي علیه السلام إلى أبي بكر وهو يقول : اما واللَّه لو وقع سيفي في يدي لعلمتم أنكم لم تصلوا إلى هذا ابداً ، أما واللَّه ما ألوم نفسي في جهادكم ، ولو كنت استمكنت من الأربعين رجلاً لفرقت جماعتكم ، ولكن لعن اللَّه أقواماً بايعوني ثمّ خذلوني ولما أن بصر به أبوبكر صاح خلوا سبيله ، فقال علي علیه السلام : يا أبابكر ما
ص: 40
أسرع ما توثبتم على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، بأي حق وبأي منزلة دعوت الناس إلى بيعتك ، ألم تبايعني بالامس بأمر اللَّه وأمر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ؟ .
وقد كان قنفذ لعنه اللَّه ضرب فاطمة (علیها السلام) بالسوط حين حالت بينه وبين زوجها ، وارسل إليه عمر إن حالت بينك وبينه فاطمة فاضربها ، فألجأها قنفذ لعنه اللَّه إلى عضادة باب بيتها ودفعها ، فكسر ضلعها من جنبها ، فألقت جنيناً من بطنها ، فلم تزل صاحبة فراش حتّى ماتت (علیها السلام) من ذلك شهيدة .
قال : ولما انتهى بعلي علیه السلام إلى أبي بكر انتهره عمره وقال له : بايع [ودَعْ عنك هذه الاباطيل] ، فقال له علیه السلام : فان لم افعل فما أنتم صانعون ؟ قالوا : نقتلك ذلا وصغارا . فقال : اذاً تقتلون عبدَ اللَّهِ واخا رسوله صلی الله علیه وآله .
قال أبوبكر : اما عبداللَّه فنعم ، وأما أخو رسول اللَّه فما نقر بهذا .
قال : أتجحدون أن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله آخى بيني وبينه ؟
قال : نعم ، فاعاد ذلك عليهم ثلاث مرات ، ثم اقبل عليهم علي علیه السلام فقال : يا معشر المسلمين والمهاجرين والأنصار ، انشدّكم اللَّه أسمعتم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول يوم غدير خم كذا وكذا جوفي غزوة تبوك كذا وكذاج فلم يدع علیه السلام شيئاً قاله فيه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله علانية للعامة إلّا ذكرهم اياه . قالوا : اللهمّ نعم ، فلما تخوف أبوبكر ان ينصره الناس وان يمنعوه بادرهم فقال [له] : كلّ ما قلت حق قد سمعناه بآذاننا [وعرفناه] ووعته قلوبنا ، ولكن قد سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول بعد هذا : أنا أهل بيت اصطفانا اللَّه [واكرمنا] واختار لنا الآخرة على الدنيا وان اللَّه لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوّة والخلافة . فقال علي علیه السلام : هل أحد من أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله شهد هذا معك ؟ فقال عمر : صدق خليفة رسول اللَّه قد سمعته منه كما قال ، وقال أبو
ص: 41
عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل [صدق] قد سمعنا ذلك من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله . فقال لهم علي علیه السلام : لقد وفيتم بصحيفتكم [الملعونة] التي تعاقدتم عليها في الكعبة : إن قتل اللَّه محمّداً أو مات لتزون هذا الأمر عنّا أهل البيت .
فقال أبوبكر : فما علمك بذلك ؟ ما اطلعناك عليها ؟ فقال علي علیه السلام : أنت يا زبير وأنت يا سلمان وأنت يا أباذر وأنت يا مقداد ، أسألكم باللَّه وبالاسلام [أما] سمعتم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول ذلك وأنتم تسمعون ان فلاناً وفلاناً حتّى عد هؤلاء الخمسة قد كتبوا بينهم كتاباً وتعاهدوا فيه وتعاقدوا [ايمانا] على ما صنعوا [ان قتلت أو مت] ؟ فقالوا : اللهمّ نعم ، قد سمعنا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول ذلك لك ، انهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا وكتبوا بينهم كتاباً ان قتلت أو مت [ان يتظاهروا عليك و] أن يزووا عنك هذا يا علي . قلت : بأبي أنت وأمّي يا رسول اللَّه ! فما تأمرني إذا كان ذلك [أن افعل ؟ فقال : لك] ان وجدت عليهم أعواناً فجاهدهم ونابذهم ، وإن [أنت] لم تجد أعواناً فبايع واحقن دمك .
فقال علي علیه السلام : أما واللَّه لو أن اولئك الأربعين رجلاً الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم في اللَّه ، ولكن أما واللَّه لا ينالها أحد من عقبكما إلى يوم القيامة . و فيما يكذب قولكم على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قوله تعالى : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا )(1) .
فالكتاب البنوة ، والحكمة السنة ، والملك الخلافة ، ونحن آل إبراهيم .
فقام المقداد فقال : يا علي بما تأمرنى ؟ واللَّه ان امرتني لاضربن بسيفي و ان امرتني كففت . فقال علي علیه السلام : كف يا مقداد و اذكر عهد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وما أوصاك
ص: 42
به . فقمت وقلت : والذي نفسي بيده لو أني اعلم أني ادفع ضيما وأعزّ للَّه دينا لوضعت سيفي على عنقي ثمّ ضربت به قدما قدما ، أتثبون على أخي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ووصيه وخليفته في أمته وأبي ولده ؟ فأبشروا بالبلاء واقنطوا من الرخاء .
وقام أبوذر فقال : ايّتها الأمّة المتحيرة بعد نبيّها المخذولة بعصيانها ان اللَّه يقول : ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )(1) .
وآل محمّد الأخلاف من نوح ، وآل إبراهيم من إبراهيم والصفوة والسلالة من اسماعيل ، وعترة النبي محمّد أهل بيت النبوّة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ، وهم كالسماء المرفوعة والجبال المنصوبة والكعبة المستورة والعين الصافية والنجوم الهادية والشجرة المباركة ، اضاء نورها ، وبورك زيتها ، محمّد خاتم الأنبياء وسيّد ولد آدم ، وعلي وصي الأوصياء وامام المتقين وقائد الغر المحجّلين وهو الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم ووصي محمّد ووارث علمه وأولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم كما قال اللَّه : ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ )(2) ، فقدموا من قدم اللَّه ، وأخِّروا من أخر اللَّه ، واجعلوا الولاية والوراثة لمن جعل اللَّه .
فقام عمر فقال لأبي بكر وهو جالس فوق المنبر : ما يجلسك فوق المنبر وهذا جالس محارب لا يقوم فيبايعك ، أو تأمر به فنضرب عنقه ؟ والحسن والحسين 8 قائمان ، فلمّا سمعا مقالة عمر بَكَيا ، فضمهما علیه السلام إلى صدره فقال : لا
ص: 43
تبكيا ، فو اللَّه لا يقدران على قتل أبيكما ، وأقبلت أم ايمن حاضنة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فقالت : يا أبابكر ! ما اسرع ما أبديتم حسدكم ونفاقكم ، فأمر بها عمر فاخرجت من المسجد ، وقال : ما لنا و للنساء ؟ وقام بريدة الأسلمي وقال : أتثب يا عمر على أخي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وأبي ولده ؟ وأنت الذي نعرفك في قريش بما نعرفك ، ألستما قال لكما رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : انطلقا إلى علي وسلما عليه بإمرة المؤمنين ؟ فقلتما : أعن أمر اللَّه وأمر رسوله ؟ قال : نعم .
فقال أبوبكر : قد كان ذلك ، ولكن رسول اللَّه قال بعد ذلك : لا يجتمع لأهل بيتي النبوّة والخلافة . فقال : واللَّه ما قال هذا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله . و اللَّه لا سَكَنْتُ في بلدة أنت فيها أمير ، فأمر به عمر فضرب وطرد .
ثمّ قال : قم يا ابن أبي طالب فبايع .
فقال علیه السلام : فان لم أفعل ؟ قال : اذاً واللَّه نضرب عنقك ، فاحتج عليهم ثلاث مرات ، ثم مدّ يده من غير أن يفتح كفه ، فضرب عليها أبوبكر و رضى بذلك منه.
فنادى علي علیه السلام قبل أن يبايع والحبل في عنقه : يا ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي )(1) .
وقيل للزبير : بايع ، فأبى ، فوثب إليه عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة في أناس معهم ، فانتزعوا سيفه [من يده] فضربوا به الأرض [حتّى كسروه ثم لبّبوه(2)] . فقال الزبير [وعمر على صدره] : يا ابن صهّاك أما و اللَّه لو ان سيفي في يدي لَحِدْتَ عنّي ، ثمّ بايع .
ص: 44
قال سلمان : ثمّ اخذوني فوجئوا عنقي حتّى تركوها كالسلعة ، ثمّ اخذوا يدي جوفتلوهاج فبايعت مكرهاً ، ثمّ بايع ابوذر والمقداد مكرهين ، وما بايع أحد من الأمّة مكرها غير علي علیه السلام وأربعتنا ، ولم يكن منا أحد أشد قولاً من الزبير ، فإنه لما بايع قال : يا ابن صهاك ! اما و اللَّه لو لا هؤلاء الطغاة الذين أعانوك لما كنت تقدم علي ومعي سيفي ، لما أعرف من جبنك ولؤمك ، ولكن وجدت طغاة تقوى بهم وتصول ، فغصب عمرو قال : أتذكر صهاك ؟ فقال : [ومن صهاك] وما يمنعني من ذكرها ؟ قد كانت صهّاك... أُمّه حبشيّة لجدّي عبدالمطّلب ، فولدک اباک الخطاب؟ فوهبها عبدالمطّلب لجدّك فولدته وإنّه لعبد لجدّي الخطّاب ، فاصلح بينهما أبوبكر وكف كلّ واحد منهما عن صاحبه .
قال سليم بن قيس : فقلت لسلمان : أفبايعت أبابكر يا سلمان ولم تقل شيئاً ؟ قال : قد قلت بعد ما بايعت : تبالكم سائر الدهر ، أو تدرون ما صنعتم بأنفسكم ؟ أصبتم وأخطاتم ، اصبتم سنة من كان قبلكم من الفرقة والاختلاف ، وأخطاتم سنة نبيّكم حتّى اخرجتموها من معدنها وأهلها .
فقال عمر : يا سلمان ! أما إذ [بايع صاحبك] و بايعت فقل ما شئت ، وافعل ما بدا لك ، وليقل صاحبك ما بدا له .
قال سلمان : فقلت : سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : إن عليك وعلى صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب [جميع] أمّته إلى يوم القيامة ومثل عذابهم جميعاً .
فقال : قل ما شئت ، أليس قد بايعت و لم يقر اللَّه عينيك بأن يليها صاحبك ! فقلت : أشهد اني قد قرأت في بعض كتب اللَّه المنزلة : انّك باسمك ونسبك وصفتك
ص: 45
باب من أبواب جهنم . فقال لي : قل ما شئت ، أليس قد ازالها اللَّه عن أهل جهذاج البيت الذين اتخذتموهم أرباباً من دون اللَّه ؟ فقلت له : أشهد اني سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول وسألته عن هذه الآية : ( فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ )(1) ، فاخبرني بانّك أنت هو .
فقال عمر : اسكت ، أسكت اللَّه نأمتك أيها العبد يا ابن اللخناء .
فقال علي علیه السلام : أقسمت عليك يا سلمان لما سكت .
فقال سلمان : واللَّه لو لم يأمرني علي علیه السلام بالسكوت لخبرته بكلّ شي ء نزل فيه وكلّ شي ء سمعته من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فيه و في صاحبه .
فلما رآني عمر قد سكت قال لي : انّك له لمطيع مسلم ، فلمّا أن بويع أبوذر و المقداد ولم يقولا شيئاً قال عمر : يا سلمان ! ألاَّ تكفّ كما كفّ صاحباك ؟ واللَّه ما أنت باشدّ حبّاً لأهل هذا البيت منهما و لا أشدّ تعظيماً لحقهم منهما وقد كفّا كما ترى وبايعا .
فقال أبوذر : يا عمر ! أفتعيّرنا بحبّ آل محمّد وتعظيمهم ؟ لعن اللَّه وقد فعل من أبغضهم وافترى عليهم ، وظلمهم حقّهم ، وحمل الناس على رقابهم وردّ هذه الأمّة القهقري على أدبارها .
فقال عمر : آمين لعن اللَّه من ظلمهم حقّهم ، لا و اللَّه ما لهم فيها [من] حقّ وما هم فيها و عرض الناس الّا سواء .
قال أبوذر : فلم خاصمتم الأنصار بحقّهم وحجّتهم ؟
فقال علي علیه السلام لعمر : يا ابن صهاك ، فليس لنا فيها حق وهي لك ولابن آكلة
ص: 46
الذبان ؟ ! فقال عمر : كف الآن يا أبا الحسن إذ بايعت ، فان العامّة رضوا بصاحبي ولم يرضوا بك ، فما ذنبي ؟ فقال علي علیه السلام : ولكن اللَّه عزّ وجلّ ورسوله لم يرضيا إلّا بي ، فابشر أنت وصاحبك ومن اتبعكما و وازركما بسخط من اللَّه وعذابه خزيه ، ويلك يا ابن الخطاب [لو ترى ماذا جنيت على نفسك] لو تدري ما منه خرجت و فيما دخلت و ماذا جنيت على نفسك وعلى صاحبك .
فقال أبوبكر : يا عمر أما إذ قد بايعنا وأمنّا شره وفتكه وغائلته فدعه يقول ما شاء .
فقال علي علیه السلام : لست بقائل غير شي ء واحد ، أذكركم باللَّه أيّها الأربعة - يعنيني وأباذر والزبير والمقداد - سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : ان تابوتا من نار ، فيه اثنا عشر رجلاً ، ستة من الأولين وستة من الآخرين في جب في قعر جهنم ، في تابوب مقفل ، على ذلك الجب صخرة ، فإذا أراد اللَّه أن يسعر جهنّم كشف تلك الصخرة عن ذلك الجب ، فاستعرت جهنّم من وهج ذلك الجب ومن حرّه .
قال علي علیه السلام : فسألت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله - وأنتم شهود به - عن الأولين ، فقال صلی الله علیه وآله : أمّا الأولون فابن آدم الذي قتل أخاه ، وفرعون الفراعنة ، والذي حاج إبراهيم في ربّه ، ورجلان من بني إ سرائيل بدّلا كتابهم وغيّروا سنتهم ، أمّا أحدهما فهوّد اليهود ، والآخر نصّر النصارى [وإبليس سادسهم] ، وفي الآخرين الدجّال وهؤلاء الخمسة أصحاب الصحيفة والكتاب وجبتهم وطاغوتهم الذي تعاهدوا عليه وتعاقدوا على عداوتك يا أخي ، وتظاهرون عليك بعدي هذا وهذا حتّى سماهم وعدهم لنا ؟ قال سلمان : فقلنا : صدقت ، نشهد انا سمعنا ذلك من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله .
فقال عثمان : يا أبا الحسن ! أما عندك وعند أصحابك هؤلاء حديث فيّ ؟ فقال
ص: 47
علي علیه السلام : بلى ، سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يلعنك [مرتين] ثمّ لم يستغفر اللَّه لك بعد ما لعنك ، فغضب عثمان ثمّ قال : مالي ومالك ولا تدعني على حال عهد النبيّ ولا بعده ؟
فقال علي علیه السلام : [نعم] فارغم اللَّه أنفك ، فقال عثمان : فواللَّه لقد سمعت من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : انّ الزبير يقتل مرتداً عن الإسلام .
قال سلمان : فقال علي علیه السلام لي فيما بيني وبينه : صدق عثمان ، وذلك انه يبايعني بعد قتل عثمان وينكث بيعتي فيقتل مرتداً .
قال سلمان : فقال علي علیه السلام : ان الناس كلّهم ارتدوا بعد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله غير أربعة ، ان الناس صاروا بعد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بمنزلة هارون ومن تبعه ومنزلة العجل ومن تبعه . فعلي في شبه هارون ، وعتيق في شبه العجل ، وعمر في شبه السامري ، وسمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : ليجيئنّ قوم من أصحابي من أهل العلية والمكانة مني ليمروا على الصراط ، فإذا رأيتهم ورأوني وعرفتهم وعرفوني اختلجوا دوني ، فأقول : أي ربّ أصحابي أصحابي ، فيقال : ما تدري ما أحدثوا بعدك ، انّهم ارتدوا على أربارهم حيث فارقتهم . فاقول : بعداً وسحقاً ، وسمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : لتركبنّ أمتي سنة بني إ سرائيل حذو النعل بالنعل [وحذو] القذة بالقذة ، شبراً بشيرٍ ، وذراعاً بذراع ، وباعاً بباع ، حتّى لو دخلوا جُحراً لدخلوا فيه معهم ، انّ التوراة والقرآن كتبه ملك واحد ، في رقٍ واحد ، بقلم واحد ، وجرت الأمثال والسنن سواء .(1)
عن أبي بكر الحضرمي قال : قال أبو جعفر علیه السلام : ارتد الناس إلّا ثلاثة نفر :
ص: 48
«سلمان وأبوذر و المقداد . قال : قلت : فعمّار ؟ قال : قد كان جاض جيضة ثمّ رجع ، ثمّ قال : ان أردت الذي لم يشكّ ولم يدخله شي ء فالمقداد ، فأمّا سلمان : فانّه عرض في قلبه عارض ان عند أميرالمؤمنين علیه السلام اسم اللَّه الأعظم ، لو تكلّم به لاخذتهم الأرض ، وهو هكذا ، فلبب ووجئت عنقه حتّى تركت كالسلقة ، فمر به أميرالمؤمنين علیه السلام فقال له : يا أبا عبداللَّه ! هذا من ذاك ، بايع فبايع ، وأمّا أبوذر ، فأمره أميرالمؤمنين علیه السلام بالسكوت ولم يكن يأخذه في اللَّه لومة لائم ، فأبى إلّا أن يتكلّم ، فمرّ به عثمان فأمر به ، ثمّ أناب الناس بعد ، فكان أوّل من أناب أبو ساسان الأنصاري وأبو عمرة وشتيرة وكانوا سبعة ، فلم يكن يعرف حقّ أميرالمؤمنين علیه السلام إلّا هؤلاء السبعة » .(1)
أقول : أبو ساسان اسمه حصين بالحاء المهملة المضمومة والصاد غير المعجمة بن المنذر يكنّى أبا ساسان الرقاشي صاحب راية علي علیه السلام(2) وأبو عمرة من الأنصار أيضاً واسمه ثعلبة بن عمرو(3) .
وشتير بضمّ الشين وفتح التاء المثناة فوق والياء المثناة تحت ساكنة ويقال شمير وهبير وكريب وبريد أخوة قتلوا جبصفين كل واحد يأخذ الراية بعد الآخر حتّى قتلوا ، وبعض ج المصنفين أثبت ستير بالسين المهملة جوهو وهم ج وقد اثبته الشيخ أبو جعفر في باب الشين وأمره ظاهر(4)
وقال الحلّي : هبيره وكريب وبريد وشمير ويقال : شنير ، هؤلاء أخوة من
ص: 49
أصحاب اميرالمؤمنين علیه السلام ، قتلوا بصفين كلّ واحد يأخذ الراية بعد الآخر حتّى قتلوا(1) .
عن عمرو بن ثابت قال : سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : «انّ النبي صلی الله علیه وآله لما قبض أرتد الناس على أعقابهم كفاراً إلّا ثلاثاً سلمان والمقداد وأبوذر الغفاري ، انّه لما قبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله جاء أربعون رجلاً إلى علي بن أبي طالب علیه السلام فقالوا : لا واللَّه ، لا نعطي أحداً طاعة بعدك أبداً ، قال علیه السلام : ولِمَ ؟
قالوا : انا سمعنا من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فيك يوم غديرٍ جخم ج ، قال علیه السلام : وتفعلون ؟ قالوا : نعم ، قال علیه السلام : فأتوني غداً محلقين . قال : فما أتاه إلّا هؤلاء الثلاثة . قال : وجاءه عمّا بن ياسر بعد الظهر فضرب يده على صدره ، ثمّ قال علیه السلام له : مالك أن تستيقظ من نومة الغفلة ؟ ارجعوا فلا حاجة لي فيكم ، أنتم لم تطيعوني في حلق الرأس ، فكيف تطيعوني في قتال جبال الحديد ، ارجعوا فلا حاجة لي فيكم »(2) .
روى عن الباقر علیه السلام « انّ عمر بن الخطاب قال لأبي بكر : اكتب إلى اُسامة بن زيد يقدم عليك ، فان في قدومه قطع الشنيعة عنّا ، فكتب أبوبكر إليه : من أبي بكر خليفة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله إلى أسامة بن زيد ، أمّا بعد فانظر إذا أتاك كتابي فأقبل إلي أنت ومن معك ، فإن المسلمين قد اجتمعوا علي وولوني أمرهم ، فلا تتخلفن فتعصي ويأتيك مني ما تكره والسلام » .
قال : فكتب أسامة إليه جواب كتابه : « من أسامة بن زيد عامل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله على غزوة الشام ، أمّا بعد فقد أتاني منك كتاب ينقض أوّله
ص: 50
آخره ، ذكرت في أوّله انّك خليفة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، وذكرت في آخره انّ المسلمين قد اجتمعوا عليك فولوك أمرهم ورضوك . فاعلم انّي ومن معي من جماعة المسلمين والمهاجرين فلا واللَّه ما رضيناك ولا وليناك أمرنا ، وانظر ان تدفع الحقّ إلى أهله ، وتخليهم وايّاه ، فانّهم أحقّ به منك ، فقد علمت ما كان من قول رسول اللَّه صلی الله علیه وآله في علي يوم الغدير ، فما طال العهد فتنسى ، انظر مركزك ولا تخالف فتعصي اللَّه ورسوله وتعصي من استخلفه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عليك وعلى صاحبك ، ولم يعزلني حتّى قبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، وانّك وصاحبك رجعتما وعصيتما ، فاقمتما في المدينة بغير اذن » .
فأراد أبوبكر أن يخلعها من عنقه ، قال : فقال له عمر : لا تفعل ، قميص قمصك اللَّه ، لا تخلعه فتندم ، ولكن ألحّ عليه بالكتب والرسائل ، ومرّ فلاناً وفلاناً أن يكتبوا إلى أسامة أن لا يفرق جماعة المسلمين وأن يدخل معهم فيما صنعوا . قال : فكتب إليه أبوبكر وكتب إليه الناس من المنافقين « ان أرض بما اجتمعنا عليه ، وإيّاك أن تشتمل المسلمين فتنة من قبلك ، فانّهم حديثو عهد بالكفر . قال : فلما وردت الكتب على أسامة انصرف بمن معه حتّى دخل المدينة ، فلمّا رأى اجتماع الخلق على أبي بكر انطلق إلى علي بن أبي طالب علیه السلام ، فقال له : ما هذا ؟ قال له علي علیه السلام : هذا ما ترى . قال له أسامة : فهل بايعته ؟ فقال : نعم يا أسامة . فقال : طائعاً أوْ كارهاً ؟ فقال : لا بل كارهاً .
قال : فانطلق أسامة فدخل على أبي بكر وقال له : السلام عليك يا خليفة المسلمين . قال : فرد عليه أبوبكر وقال : السلام عليك ايّها الأمير(1) .
ص: 51
عن عامر الشعبي عن عروة بن الزبير بن العوام قال : لما قال المنافقون : ان أبابكر تقدّم علياً وهو يقول : أنا أولى بالمكان منه ، قام أبوبكر خطيباً فقال : صبراً على من ليس يئول إلى دين ولا يحتجب برعاية ، ولا يرعوي لولاية ، اظهر الإيمان ذلة ، وأسر النفاق غلة ، هؤلاء عصبة الشيطان ، وجمع الطغيان ، يزعمون اني أقول : انّي أفضل من علي ، وكيف أقول ذلك ومالي سابقته ولا قرابته ولا خصوصيته ، وحد اللَّه وأنا ملحده ، و عبده علي قبل أن أعبده ، ووالي الرسول وأنا عدوه ، وسبقني بساعات لو انقطعت لم ألحق ثناؤه ، ولم أقطع غباره ، وانّ علي بن أبي طالب فاز واللَّه من اللَّه بمحبة ، ومن الرسول بقرابة ، ومن الإيمان برتبة ، لو جهد الأوّلون والآخرون إلّا النبيّين لم يبلغوا درجته ، ولم يسلكوا منهجه ، بذل في اللَّه مهجته ، ولابن عمّه مودته ، كاشف الكرب ، ودامغ الريب ، وقاطع السبب إلّا سبب الرشاد وقامع الشرك ، ومظهر ما تحت سويداء حبة النفاق ، محنة(1) لهذا العالم ، لحق قبل أن يلاحق ، وبَرَز قبل أن يسابق ، جمع العلم والحلم والفهم ، فكان جميع الخيرات لقلبه كنوزاً لا يدّخر منها مثقال ذرة إلّا أنفقه في بابه ، من ذا يؤمل أن ينال درجته وقد جعله اللَّه ورسوله للمؤمنين ولياً ، وللنبي وصيّاً ، وللخلافة راعياً ، وبالإمامة قائماً ، أفيغترّ الجاهل بمقام قمته إذ أقامني واطعته إذ أمرني ، سمعت سول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : الحق مع علي وعلي مع الحق ، من أطاع علياً رشد ، ومن عصى علياً فسد ، ومن أحبّه سعد ، ومن أبغضه شَقي ، واللَّه لو لم يحبّ ابن أبي طالب إلّا لأجل انّه لم يواقع للَّه محرما ، ولا عبد من دونه صنماً ، ولحاجة الناس
ص: 52
إليه بعد نبيّهم ، لكان في ذلك ما يجب . فكيف لأسباب اقلها موجب و أهونها مرغب للرحم الماسة بالرسول ، والعلم بالدقيق والجليل ، والرضا بالصبر الجميل ، والمواساة في الكثير والقليل ، وخلال لا يبلغ عدّها ولا يدرك مجدها ، ودّ المتمنّون أن لو كانوا تراب اقدام ابن أبي طالب .
أليس هو صاحب لواء الحمد والساقي يوم الورود وجامع كلّ كرم وعالم كلّ علم والوسيلة إلى اللَّه وإلى رسوله ؟ !(1)
عن سعيد بن المسيب قال : قلت لسعد بن أبي وقاص : انّي أريد أن أسألك عن شي ء واني اتقيك ، قال : سل عمّا بدا لك فانّما انا عمّك ، قال : قلت : مقام رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فيكم يوم غدير خم قال : نعم ، قام فينا بالظهيرة ، فاخذ بيد علي بن أبي طالب فقال : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه » ، قال : فقال أبوبكر وعمر : أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كلّ مؤمن ومؤمنة(2) .
عن وهب بن حمزة قال : صحبت عليّاً علیه السلام من المدينة إلى مكّة ، فرأيت منه بعض ما أكره ، فقلت : لئن رجعت إلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لاشكونك إليه ، فلمّا قدمت لقيت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فقلت : رأيت من علي كذا و كذا ، فقال : لا تقل هذا ، فهو أولى الناس بعدي(3) .
و لما صرف علي علیه السلام قيس بن سعد بن عبادة عن مصروجّه مكانه محمّد بن أبي بكر ، فلما وصل إليها كتب إلى معاوية كتاباً فيه : من محمّد بن أبي بكر ، إلى الغاوي
ص: 53
معاوية بن صخر ، أما بعد - إلى أن قال - فكان أوّل من أجاب وأناب ، وآمن وصدّق ، واسلم وسلم ، أخوه وابن عمّه علي بن أبي طالب ، صدقه بالغيب المكتوم ، و آثره على كل حميم ، ووقاه بنفسه كلّ هول ، وحارب حربه ، وسالم سلمه ، فلم يبرح مبتذلاً لنفسه في ساعات الليل والنهار ، والخوف والجوع والخضوع حتّى برز سابقاً ، لا نظير له فيمن اتبعه ، ولا مقارب له في فعله ، وقد رأيتك تساميه وأنت أنت وهو هو ، أصدق الناس نية ، وأفضل الناس ذريّة ، وخير الناس زوجة ، وأفضل الناس ابن عمّ ، أخوه الشاري بنفسه يوم مؤتة ، وعمّه سيد الشهداء يوم أحد ، وأبوه الذاب عن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وعن حوزته ، واللعين ابن اللعين لم تزل أنت وأبوك تبغيان لرسول اللَّه صلی الله علیه وآله الغوائل ، وتجهدان في اطفاء نور اللَّه ، تجمعان على ذلك الجموع ، وتبذلان فيه المال ، وتؤليان عليه القبائل ،و على ذلك مات أبوك ، وعليه خلفته ، والشهيد عليك من تدني ، ويلجأ إليك من بقية الأحزاب ورؤساء النفاق ، والشاهد لعلي علیه السلام - مع فضله المبين القديم - أنصاره الذين معه وهم الذين ذكرهم اللَّه بفضلهم ، وأثنى عليهم من المهاجرين والأنصار ، وهم معه كتائب وعصائب ، يرون الحق في اتباعه ، والشقاء في خلافه ، فكيف - يا لك الويل - تعدل نفسك بعلي وهو وارث رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ووصيّه وأبو ولده ، أوّل الناس له اتباعاً ، وأقربهم به عهداً ، يخبره بسرّه ، ويطلعه على أمره وأنت عدوّه وابن عدوّه ، فتمتّع في دنياك ما استطعت بباطلك ، وليمددك ابن العاص في غوايتك - إلى أن قال - فكتب إليه معاوية : من معاوية بن صخر ، إلى الزاري على أبيه محمّد بن أبي بكر ، أمّا بعد : فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما اللَّه أهله في عظمته وقدرته وسلطانه ، وما اصطفى به رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، مع كلام كثير ، لك فيه تضعيف ،
ص: 54
ولأبيك فيه تعنيف ، ذكرت فيه فضل ابن أبي طالب ، وقديم سوابقه ، وقرابته إلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، ومواساته ايّاه في كلّ هول وخوف ، فكان احتجاجك عليّ وعيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك ، فاحمد ربّاً صرف هذا الفضل عنك ، وجعله لغيرك ، فقد كنّا - وأبوك فينا - نعرف فضل ابن أبي طالب ، وحقّه لازماً لنا مبروراً علينا ، فلمّا اختار اللَّه لنبيّه صلی الله علیه وآله ما عنده واتم له ما وعده ، وأظهر دعوته ، وأبلج حجّته ، وقبضه اللَّه إليه ، فكان أبوك وفاروقه أوّل من ابتز حقه ، وخالفه على أمره . على ذلك اتفقا واتّسقا ، ثمّ انّهما دَعَواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما ، وتلكأ عليهما ، فهمّا به الهموم ، وأرادا به العظيم ، ثمّ انّه بايع لهما وسلم لهما ، واقاما لا يشتركانه في أمرهما ، ولا يُطلعانه على سرّهما حتّى قبضهما اللَّه ، ثمّ قام ثالثهما عثمان ، فهدى بهديهما ، وسار بسيرهما ، فعبته أنت وصاحبك حتّى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي ، فطلبتماله الغوائل ، وأظهرتما عداوتكما فيه حتّى بلغتما فيه مُناكما ، فخذ حذرك يا ابن أبي بكر ، وقس شبرك بفترك ، يقصر عن أن توازي أو تساوي من يزن الجبال بحلمه ، لا يلين عن قسرٍ قناته ، ولا يدرك ذو مقال أناته ، أبوك مهّد مهاده ، وبنى لملكه وساده ، فإن يك ما نحن فيه صواباً فابوك استبد به ونحن شركاؤه ، ولو لا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب ، ولسلّمنا إليه ، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا فأخذنا بمثله ، فعب أباك بما بدا لك أو دَعْ ذلك(1) .
ورواه نصر بن مزاحم ، وفيه : فإن يكن ما نحن فيه صواباً فأبوك أوّله ، وان يكن جوراً فابوك أسسه ونحن شركاؤه ، وبهداه أخذنا ، وبفعله اقتدينا ، ولو لا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا ابن أبي طالب واسلمنا له ، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك فاحتذينا
ص: 55
بمثاله واقتدينا بفعاله ، فعب أباك ما بدا لك أو دْع(1) .
ومن العجب أن الطبري قال : كرهت ذكرها - يعني هذه المكاتبة - لما فيه ممّا لا يحتمل سماعها العامّة(2) .
وذكر البلاذري في تاريخه قال : لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالب ، كتب عبداللَّه بن عمر إلى يزيد بن معاوية ، أمّا بعد : فقد عظمت الرزية وجلّت المصيبة وحدث في الإسلام حدث عظيم ولا يوم كيوم الحسين ، فكتب إليه يزيد : يا احمق فإنا جئنا إلى بيوت متخذة ، وفرش ممهّدة ، ووسائد منضدة ، فقاتلته عليها ، فإن يكن الحق لنا فعن حقنا قاتلنا ، وإن يكن الحقّ لغيرنا فأبوك أوّل من سن هذا وآثر واستأثر بالحق على أهله(3) .
ولما كتب عبيداللَّه بن زياد مع مالك بن النسير البدي الكندي إلى الحرّ : جعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ، نظر إليه أبو الشعثاء الكندي من أصحاب الحسين علیه السلام وقال له : تكلتك اُمّك ! ماذا جئت فيه ؟ قال : و ما جئت فيه ! اطعت امامي ، ووفيت بيعتي ، فقال له أبو الشعثاء : عصيت ربّك ، واطعت امامك في هلاك نفسك ، كسبت العار والنار ، قال اللَّه عزّ وجلّ : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ )(4) (5) .
و عن أبي جعفر علیه السلام في قول اللَّه تبارك وتعالى : ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى
ص: 56
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ )(1) ، قال : « الولاية ، أبَيْنَ أن يحملنها كفراً بها وعناداً ، « وحملها الإنسان » والإنسان الّذي حملها أبو فلان »(2) .
وروى الزبير بن بكار قال : روي محمّد بن إ سحاق : أن أبابكر لما بويع افتخرت تيم بن مرّة قال : وكان عامّة المهاجرين وجل الأنصار لا يشكّون انّ عليّاً علیه السلام هو صاحب الأمر بعد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله . فقال الفضل بن العباس : يا معشر قريش وخصوصاً يا بني تيم ، انّكم إنّما أخذتم الخلافة بالنبوّة ونحن أهلا دونكم - إلى أن قال - وأنا لنعلم أن عند صاحبنا عهداً هو ينتهى إليه(3) .
وروي الواقدي في كتاب الشورى عن ابن عبّاس قال : شهدت عتاب عثمان لعلي علیه السلام يوماً - إلى أن قال - قال عثمان لعلي علیه السلام : فإن كنت تزعم أن هذا الأمر جعله رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لك فقد رأيناك حين توفي نازعت ثمّ أقررت - إلى أن قال - فقال له علي علیه السلام : وأمّا عتيق وابن الخطاب فإن كانا أخذا ما جعله رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لي فأنت أعلم بذلك والمسلمون(4) .
أخبرنا علي بن إبراهيم بن هاشم القمي عن أبيه عن الزبيري بإ سناد له يرفعه قال : بينا عمر جالس في جماعة من أصحابه ، فتذاكروا الشعر . فقال : من أشعر الناس ؟ فاختلفوا ، فدخل عبداللَّه بن عباس ، فقال عمر : قد جاءكم ابن بجدتها ، واعلم الناس . من أشعر الناس يا ابن عبّاس ؟ قال : زهير بن أبي سلمى المزني ،
ص: 57
قال : أنشدني من شعره ، فأنشده :
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم * قوم باحسابهم أو مجدهم قعدوا
قوم أبوهم سنان حين ينسبهم * طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا
فقال عمر : قاتله اللَّه يابن عبّاس ، لقد قال كلاماً حسناً ما كان ينبغي أن يكون هذا الكلام إلّا في أهل هذا البيت لقرابتهم من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله . فقال له ابن عبّاس : وفقك اللَّه يا أميرالمؤمنين فلم تزل موفقاً . فقال : يا ابن عبّاس ! أتدري ما منع الناس منكم ؟ قال : ما ادري . قال : كرهت قريش أن يولوكم هذا الأمر فتجخفون(1) على الناس جخفاً ، فنظرت قريش لانفسها فاختارت فوفّقت فاصابت انشاء اللَّه .
فقال : يميط أميرالمؤمنين عني الغضب ويسمع كلامي ؟ فقال : هات . قال : أمّا قولك أن قريشاً كرهت ، فإن اللَّه يقول : ( كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ )(2) . وأمّا قولك : انّها نظرت فاختارت فإن اللَّه نظر فاختار من خير خلقه ، فإن كانت قريش نظرت من حيث نظر اللَّه فقد اصابت . قال : فقال عمر : أبت قلوبكم يا بني هاشم لنا إلّا غشّاً لا يزول ، وحقداً لا يحول ، قال : مهلاً يا أميرالمؤمنين لا تنسب قلوب بني هاشم إلى الغش ، فإن قلوب بني هاشم من قلب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، قوم اذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وأمّا قولك : حقداً لا يحول ، فكيف لا يحقد من غصب شيئه ورآه في يد غيره ، قال : فقال : يابن عباس اخرج عني ، فلما خرج ناداه فقال له : امّا اني على ما كان منك لحقّك لراع ، فقال له : انّ لي عليك
ص: 58
وعلي كلِّ مؤمنٍ حقّاً ، فمن عرفه فقد أصاب ومن لم يعرفه فحظه أخطاء .
فقال عمر : للَّه درّ ابن عباس ، واللَّه ما رأيته لاحى رجلاً قط إلّا خصمه(1) .
روي عبداللَّه بن عمر قال : كنت عند أبي يوماً وعنده نفر من الناس ، فجرى ذكر الشعر ، فقال : من أشعر العرب ؟ فقالوا : فلان وفلان ، فطلع عبداللَّه بن عبّاس فسلّم وجلس ، فقال عمر : قد جاءكم الخبير ، من أشعر الناس يا عبداللَّه ؟ قال : زهير بن أبي سلمى . قال : فانشدني ممّا تستجيده له . فقال : يا أميرالمؤمنين انّه مدح قوماً من غطفان ، يقال لهم بنو سنان ، فقال :
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم * قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا
قوم أبوهم سنان حين تنسبهم * طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا
أنس إذا أمنوا جن إذا فزعوا * مرزءون بها ليل إذا جهدوا
محسدون على ما كان من نعم * لا ينزع اللَّه منهم ماله حسدوا
فقال عمر : واللَّه لقد أحسن ، و ما أرى هذا المدح يصلح إلّا لهذا البيت من بني هاشم لقرابتهم من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله . فقال ابن عبّاس : وفقك اللَّه يا أميرالمؤمنين فلم تزل موفقاً ، فقال : يا ابن عباس أتدري ما منع الناس منكم ؟ قال : لا ، يا أميرالمؤمنين . قال : لكني أدرى . قال : ما هو يا أميرالمومنين ؟ قال : قال : أمّا قول أميرالمؤمنين إن قريشاً كرهت فإن اللَّه تعالى قال لقوم : ( ذَلِكَ كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوّة والخلافة فيجخفوا جخفاً ، فنظرت قريش لنفسها ، فاختارت ووفقت فاصابت . فقال ابن عبّاس : أيميط أميرالمؤمنين عني غضبه فيسمع ؟ قال : قل ما تشآء .
قال : اما قول امیر المومنین ان قریشا الله تعالی قال لقوم (ذلک
ص: 59
بأنّهُم كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ )(1) . وأمّا قولك : انّا كنّا نجخف ، فلو جخفنا بالخلافة جخفنا بالقرابة ، ولكنّا قوم اخلاقنا مشتقة من خلق رسول اللَّه صلی الله علیه وآله الذي قال اللَّه تعالى : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ )(2) وقال له : ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )(3) .
وأمّا قولك : فإن قريشاً اختارت فإن اللَّه تعالى يقول : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ )(4) ، وقد علمت يا أميرالمؤنين إنّ اللَّه اختار من خلقه لذلك من أختار ، فلو نظرت قريش من حيث نظر اللَّه لها لوفقت وأصابت قريش . فقال عمر : على رِسْلِك يا ابن عبّاس أبت قلوبكم يا بني هاشم إلّا غشّاً في أمر قريش لا يزول ، وحقداً عليها لا يحول . فقال ابن عبّاس : مهلاً يا أميرالمؤمنين ، لا تنسب هاشماً إلى الغش ، فإن قلوبهم من قلب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله الذي طهّره اللَّه وزكاه وهم أهل البيت الذين قال اللَّه تعالى لهم : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )(5) ، وأمّا قولك : حقداً ، فكيف لا يحقد من غصب شيئه ويراه في يد غيره ؟
فقال عمر : أمّا أنت يا ابن عباس ، فقد بلغني عنك كلام أكره أن أخبرك به فتزول منزلتك عندي . قال : وما هو يا أميرالمؤمنين ؟ أخبرني به ، فإن يك باطلاً فمثلى أماط الباطل عن نفسه ، وإن يك حقّاً فإن منزلتي عندك لا تزول به . قال : بلغني
ص: 60
أنّك لا تزال تقول : أخذ هذا الأمر منك حسداً وظلماً . قال : أمّا قولك يا أميرالمؤمنين حسداً فقد حسد إبليس آدم فاخرجه من الجنّة فنحن بنو آدم المحسود . وأمّا قولك : ظلماً ، فأميرالمؤمنين يعلم صاحب الحقّ من هو . ثمّ قال : يا أميرالمؤمنين ! ألَمْ تحتج العرب على العجم بحقّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، واحتجت قريش على سائر العرب بحقّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ؟ فنحن أحقّ برسول اللَّه صلی الله علیه وآله من سائر القريش . فقال له عمر : قم الآن فارجع إلى منزلك فقام فلمّا ولى هتف به عمر أيّها المنصرف إني على ما كان منك لراع حقّك ، فالتفت ابن عباس فقال : إن لي عليك يا أميرالمؤمنين وعلى كلّ المسلمين حقّاً برسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فمن حفظه فحق نفسه حفظ ، ومن أضاعه فحق نفسه أضاع ، ثمّ مضى . فقال عمر لجلسائه : واهاً لابن عباس ، ما رأيته لاحى أحداً قط إلّا خصمه(1) .
وعن ابن عبّاس قال : تفرق الناس ليلة الجابية(2) عن عمر ، فسار كلّ واحد مع ألفه ، ثمّ صادفت عمر تلك الليلة في مسيرنا ، فحادثته فشكى إليّ تخلف على عنه - إلى أن قال - قال عمر : يا ابن عباس ، انّ أوّل من ريثكم عن هذا الأمر أبوبكر ، ان قومكم كرهوا ان يجمعوا لكم الخلافة والنبوّة . قلت : لم ذاك يا أميرالمؤمنين ؟ الم ننلهم خيراً ؟ قال : بلى ، ولكنهم لو فعلوا لكنتم عليهم جحفاً(3) .
وروي الزبير بن بكار في كتاب الموفقيات عن عبداللَّه بن عباس قال : اني لأماشي عمر بن الخطاب في سكة من سكك المدينة ، إذ قال لي : يابن عباس ما
ص: 61
أرى صاحبك إلّا مظلوماً ، فقلت في نفسي : واللَّه لا يسبقني بها ، فقلت : يا أميرالمؤمنين فاردد إليه ظلامته ، فانتزع يده من يدي ومضى يهمهم ساعة ثمّ وقف فلحقته ، فقال : يابن عباس ما اظنهم منعهم عنه إلّا انّه استصغره قومه . فقلت في نفسي : هذه شر من الأولى !
فقلت : واللَّه ما استصغره اللَّه ورسوله حين أمراه أن يأخذ براءة من صاحبك . فاعرض عني وأسرع فرجعت عنه(1) .
و كان هشام يقول : ما رأيت مثل مخالفينا ، عمدوا إلى من ولّاه اللَّه من سمائه فعزلوه ، وإلى من عزله من سمائه فولوه(2) .
وقال ابو العباس أحمد بن يحيى ثعلب في كتاب الأمالي : كان عبداللَّه بن عباس عند عمر ، فتنفس عمر نفساً عالياً ، قال ابن عباس : حتّى ظننت ان اضلاعه قد انفرجت . فقلت له : ما أخرج هذا النفس منك يا أميرالمؤمنين إلّا هم شديد .
قال : أي واللَّه يابن عباس ، انّي فكرت فلم أدر فيمن اجعل هذا الأمر بعدي .
ثمّ قال : لعلّك ترى صاحبك لها أهلاً ؟ قلت : وما يمنعه من ذلك مع جهاده وسابقته وقرابته وعلمه ؟ قال : صدقت ، ولكنّه أمرؤ فيه دعابة - إلى أن قال - قال عمر : ان أحراهم ان يحملهم على كتاب ربّهم وسنة نبيّهم لصاحبك ، واللَّه لئن وليها ليحملنهم على المحجة الببضاء والصراط المستقيم(3) .
وعن عبداللَّه بن عمر قال : قال عمر لأهل الشورى : للَّه درّهم أن ولّوها الاصليع
ص: 62
كيف يحملهم على الحقّ ولو كان السيف على عنقه . فقلت : أتعلم ذلك منه ولا توليه ؟ قال : إن لم أستخلف فأتركهم فقد تركهم من هو خير منّي(1) .
وروي عن يزيد بن هارون عن العوالم بن حوشب عن إبراهيم التيمي قال : قال لي ابن عباس ونحن بالجابية : لقى أبي ( لقيه ) رجل من أهل الشام فقال : السلام عليك يا أميرالمؤمنين . فقال العباس : لستُ للمؤمنين بامير ، وهو ذاك - وأشار إلى عمر وكان بالقرب - وأنا واللَّه أحقّ بها منه ، فسمعه عمر فقال : أحق واللَّه بها منّي ومنك رجل خلفناه بالمدينة أمس يعني عليّاً علیه السلام(2) .
وعن الأصبغ بن نباتة قال : قال أميرالمؤمنين علیه السلام : « ما بال أقوام غيرّوا سنة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وعدلوا عن وصيه ؟ لا يتخوّفون أن ينزل بهم العذاب ؟ ثمّ تلا هذه الآية : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ )(3) ثمّ قال : نحن النعمة التي أنعم اللَّه بها على عباده ، وبنا يفوز من فاز يوم القيامة »(4) .
نقل الصدوق ؛ في معاني أخباره عن الحسن بن عبداللَّه بن سعيد العسكري قال : معنى قوله علیه السلام : « ينحدر عني السيل ولا يرتقى اليّ الطير » انّ الخلافة ممتنعة على غيري لا يتمكن منها ولا يصلح له(5) .
ص: 63
أقول : ما قال العسكري إنّما هو معنى قوله علیه السلام : ان محلى منها محل القطب الرحى .
قال أبو زيد النحوي الأنصاري : سألت الخليل بن أحمد العروضي فقلت له : لِمَ هجر الناس علياً علیه السلام وقرباه من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قرباه ، وموضعه من المسلمين موضعه ، وعنائه في الإسلام عنائه ؟ فقال : بهر واللَّه نوره أنوارهم ، وغلبهم على صفو كلّ منهل والناس إلى اشكالهم أميل ، اما سمعت قول الأوّل يقول :
وكلّ شكل لشكله ألف
أما ترى الفيل يألف الفيلا(1)
وعن يونس بن حبيب النحوي وكان عثمانيّاً ، قال : قلت للخيل بن أحمد : ما بال أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله كانّهم كلّهم بنو أم واحدة وعلي بن أبي طالب من بينهم كانّه ابن علّة ؟ - إلى أن قال - فقال : انّ عليّاً علیه السلام تقدّمهم اسلاماً ، وفاقهم علماً ، وبذّهم(2) شرفاً ، ورجحهم زهداً ، وطالهم جهاداً فحسدوه ، والناس إلى أشكالهم وأشباههم اميل منهم إلى من بان منهم فافهم(3) .
ونقل عن أميرالمؤمنين علیه السلام رجزه في صفين :
أنا علي صاحب الصمصامة * وصاحب الحوض لدى القيامة
ص: 64
أخو نبيّ اللَّه ذي العلامة * قد قال إذ عممني العمامة
أنت أخي ومعدن الكرامة * ومن له من بعدي الإمامة (1)
قال المأمون لفقهاء العامّة : قال علي علیه السلام قبض النبي صلی الله علیه وآله وأنا أولى بمجلسه مني بقميصي ، ولكني اشفقت أن يرجع الناس كفاراً(2) .
قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لعليّ بن أبي طالب : « إنّ الأمّة ستغدر بِكَ بعدي »(3) .
وروي أن الأشعث بن قيس قال له علیه السلام : ما يمنعك يا ابن أبي طالب حين بويع أخو تيم بن مرّة وأخو بنى عدي بن كعب وأخو بنى امّية بعدهما أن تقاتل وتضرب بسيفك وأنت لم تخطبنا خطبة منذ كنت قدمت العراق إلّا وقد قلت فيها قبل أن تنزل عن منبرك : واللَّه انّي لأولى الناس بالناس وما زلت مظلوماً منذ قبض اللَّه محمّداً صلی الله علیه وآله ، فما منعك أن تضرب بسيفك دون مظلمتك ؟ فقال له علي علیه السلام : « يا ابن قيس جقلت فاسمع الجواب ج لم يمنعني من ذلك الجبن ، ولا كراهية للقاء ربي ، وان لا أكون أعلم أن ما عنداللَّه خير لي من الدنيا والبقاء فيها ولكن منعني من ذلك أمر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وعهده إلي ، أخبرني رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بما الأمّة صانعة بي بعده ، فلم أك
ص: 65
بما صنعوا حين عاينته باعلم مني ولا أشدّ يقيناً مني به قبل ذلك ، بل أنا بقول رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أشدّ يقيناً مني بما عاينت وشهدت ، فقلت : يا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فما تعهد إلى إذا كان ذلك . قال : ان وجدت أعواناً فانبذ إليهم وجاهدهم ، وإن لم تجد أعواناً فاكفف يدك واحقن دمك حتّى تجد على اقامة الدين وكتاب اللَّه وسنّتي أعواناً ، وأخبرني صلی الله علیه وآله انّ الأمّة ستخذلني وتبايع غيري وتتبع غيري ، وأخبرني صلی الله علیه وآله أنى منه بمنزلة هارون من موسى ، وأن الأمّة سيصيرون من بعده بمنزلة هارون و من تبعه ، والعجل ومن تبعه ، إذ قال له موسى : يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلّوا أن لا تتبعن أفعصيت أمري قال يابن أمّ لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي انّي خشيت أن تقول فرقت بين بني إ سرائيل ولم ترقب قولي »(1) .
قال ابن قتيبة : خرج علي - كرم اللَّه وجهه - يحمل فاطمة بنت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله على دابّة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة . فكانوا يقولون : يا بنت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، ولو انّ زوجك وابن عمّك سبق الينا قبل أبي بكر ما عدلنا به ، فيقول علي علیه السلام : أفكنت ادع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله في بيته لم أدفنه وأخرج انازع الناس سلطانه ؟ فقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن إلّا ما كان ينبغي له ، ولقد صنعوا ما اللَّه حسيبهم وطالبهم(2) .
وفي خطبته علیه السلام الطالوتية : أمّا واللَّه لو كان لي عدّة أصحاب طالوت أو عدّة
ص: 66
أهل بدر وهم أعداؤكم لضربتكم بالسيف حتّى تئولوا إلى الحق وتنيبوا للصدق - إلى أن قال - واللَّه لو أن لي رجالاً ينصحون للَّه عزّ وجلّ ولرسوله بعدد هذه الشياة - وأشار إلى ثلاثين شاة - لأزلتُ ابنَ آكلة الذبّان عن ملكه - الخبر - (1).
قال علیه السلام ذلك لأن أبابكر فعل افعالاً شنيعة حتّى أن بعضها لم يرضها عمر ، منها قتل خالد بن الوليد واليه لمالك بن نويرة بتهمة الإرتداد ، وزِناهُ بامرأته ليلة قتله ، فترك أبوبكر الحدّ والقود عليه ، قال ابن الأثير في كامله : لمّا قدم خالد البطاح بعث سرايا وأمرهم بداعية الإسلام ، وأن يأتوه بكل من لم يجب ، وان امتنع ان يقتلوه - إلى أن قال بعد ذكر قتله مالكاً ووطيه امراته ، وبلوغ خبره إلى المدينة - قال عمر لأبي بكر : انّ سيف خالد فيه رهق ، وأكثر عليه في ذلك . فقال : جهيه ج يا عمر ! تأوّل فاخطاء ، فارفع لسانك عن خالد ، فاني لا أشيم سيفاً سلّه اللَّه على الكافرين .
وودى مالكاً وكتب إلى خالد أن يقدم عليه ، ففعل ودخل المسجد وعليه قباء وقد غرز في عمامته أسهماً ، فقام إليه عمر فنزعها وحطّمها وقال له : قتلت امراً مسلماً ثم نزوت على امرأته ، واللَّه لارجمنّك باحجارك ، وخالد لا يكلّمه يظنّ انّ رأى أبي بكر مثله ، ودخل على أبي بكر فاخبره الخبر واعتذر إليه ، فعذره وتجاوزعنه وعنّفه في التزويج الذي كانت عليه العرب من كراهته ايّام الحرب ، فخرج خالد و عمر جالس فقال : « هلمّ إليّ يا ابن امّ سلمة » . فعرف عمر انّ أبابكر قد رضي عنه ، فلم يكلّمه .
ص: 67
وقيل : انّ المسلمين لما غشوا مالكاً وأصحابه ليلا أخذوا السلاح فقالوا : نحن المسلمون . فقال أصحاب مالك : ونحن المسلمون . قالوا لهم : ضعوا السلاح ، فوضعوه ثمّ صلّوا ، وكان يعتذر في قتله انّه قال : ما أخال صاحبكم إلّا قال : كذا وكذا . فقال له : أو ما تعدّه لك صاحبا ؟ ثمّ ضرب عنقه . وقدم متمم بن نويرة على أبي بكر يطلب بدم أخيه ويسأله أن يردّ عليهم سبيهم ، فأمر أبوبكر بردّ السبي وودى مالكاً من بيت المال(1) .
وقال في كامله أيضاً : كان أوّل كتاب كتبه إلى أبي عبيدة بن الجرّاح بتولية جند خالد وبعزل خالد ، لأنّه كان عليه ساخطاً في خلافة أبي بكر كلّها لوقعته بابن نويرة وما كان يعمل في حربه ، وأوّل ما تكلم به عزل خالد وقال : لا يلي لي عملاً أبداً ، وكتب إلى أبي عبيدة : أن اكذب خالد نفسه فهو الأمير على ما كان عليه ، وإن لم يكذب نفسه فأنت الأمير على ما هو عليه ، وانزع عمامته عن رأسه وقاسمه ماله فذكر ذلك لخالد ، فاستشار أخته فاطمة ، وكانت عند الحارث بن هشام ، فقالت له : واللَّه لا يحبّك عمر ابداً وما يريد إلّا أن تكذّب نفسك ثمّ ينزعك ، فقبّل رأسها وقال : صدقت ، فأبى أن يكذب نفسه ، فأمر أبو عبيدة فنزع عمامد خالد - الخ(2) .
وروى أن عمر قال يوماً في خلافته لخالد : يا خالد أنت الذي قتل مالكاً ؟ فقال : ان كنت قتلت مالك بن نويرة لهنات كانت بيني وبينه فقد قتلت لكم سعد بن عبادة لهنات كانت بينكم وبينه(3) .
ص: 68
وفي تاريخ اليعقوبي : لمّا فرغ أبوبكر من صلاته قام متمم جبن نويرةج فاتكأ على قوسه ثمّ قال :
نعم القتيل إذا الرياح تناوحت * خلف البيوت قتلت يا ابن الأزور
ادعوته باللَّه ثمّ غدرته * لو هو دعاك بذمة لم يغدر
فقال(1) ما دعوته ولا غدرت به (2)
ومن الغريب أن مِنْ مسلّماتهم كون خالد سيف اللَّه وصفه النبي صلی الله علیه وآله ولقّبه بذلك لمّا كان بموته إلّا أن اللَّه تعالى الذي يخزي الكاذب فضحهم إذ جعلوا الراوي لذلك أبا قتادة . قال الطبري : قال أبو قتادة : بعث رسول اللَّه صلی الله علیه وآله جيش الأمراء فقال : عليكم زيد بن حارثة ، فإن اصيب فجعفر بن أبي طالب ، فإن اصيب جعفر فعبداللَّه بن رواحة ، فوثب جعفر فقال : يا رسول اللَّه ما كنت اذهب اَنْ تستعمل زيداً عليّ . قال : امض ، فإنّك لا تدري أي ذلك خير ، فانطلقوا - إلى أن قال - أخبركم عن جيشكم - إلى أن قال بعد ذكر الأخبار عن شهادة زيد وجعفر و عبداللَّه بن رواحة - ثمّ اخذ اللواء خالد بن الوليد - ولم يكن من الأمراء ، هو امرّ نفسه - ثمّ قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : اللهمّ انّه سيف من سيوفك ، فأنت تنصره ، فمنذ سمي خالد سيف اللَّه(3) .
مع انّ الطبري نقل عن عروة بن الزبير : قال : لما دنوا(4) من دخول المدينة تلقاهم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله والمسلمون - إلى أن قال - وجعل الناس يحثون على الجيش التراب ويقولون : يا فرّار في سبيل اللَّه . وقالت أم سلمة لامرأة سلمة بن
ص: 69
هشام بن المغيرة : مالي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ومع المسلمين ؟ قالت : واللَّه ما يستطيع أن يخرج ، كلّما خرج صاح الناس : أفررتم في سبيل اللَّه ؟(1)
ونقل أيضاً أن أبا قتادة ممّن شهد لِمالِك بالإسلام وقد كان عاهد اللَّه إلّا يشهد مع خالد بن الوليد حرباً ابداً بعدها(2) .
كما انّهم أنّ النبي صلی الله علیه وآله سمّي أبابكر صديقاً لتصديقه خبر الاسراء(3) ولم يصفوا أميرالمؤمنين علیه السلام بالصديق مع كونه أوّل من صدق النبي صلی الله علیه وآله بالعيان ، فعن ابي أيوب الأنصاري قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : لقد صلّت الملائكة عليّ وعلى عليّ سبع سنين وذاك انّه لم يصل معي رجل غيره(4) .
وعن عباد بن عبداللَّه قال : سمعت عليّاً علیه السلام يقول : أنا عبداللَّه وأخو رسوله صلی الله علیه وآله ، وأنا الصديق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلّا كاذب مفتر ، صليت مع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قبل الناس بسبع سنين(5) .
وعن أميرالمؤمنين علیه السلام قال : لمّا نزلت هذه الآية علي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ )(6) دعاني رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فقال لي : يا علي ، إنّ اللَّه أمرني أن انذر عشيرتي الأقربين ، فضقت بذلك ذرعا ، وعرفت اني متى أباديهم بهذا الأمر
ص: 70
أرى منهم ما أكره ، فصمت عليه حتّى جائني جبرئيل فقال : يا محمّد انّك الّا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربّك ، فاصنع لنا صاعاً من طعام ، واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عسا من لبن ، ثمّ اجمع لي بني عبدالمطلب حتّى أكلمهم ، وأبلغهم ما أمرت به ، ففعلت ما أمرني به ثمّ دعوتهم له ، وهم يومئذ أربعون رجلاً ، يزيدون رجلاًأو ينقصونه ، فيهم اعمامه : أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب ، فلمّا اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم ، فجئت به ، فلما وضعته تناول رسول اللَّه صلی الله علیه وآله حذية من اللحم ، فشقها باسنانه ، ثمّ القاها في نواحي الصحفة ثمّ قال : خذوا بسم اللَّه ، فأكل القوم حتّى ما لهم بشي ء حاجة ، وما أرى إلّا موضع أيديهم ، وايم اللَّه الذي نفس عليّ بيده وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعم ، ثمّ قال : اسق القوم ، فجئتهم بذلك العس ، فشربوا منه حتّى رووا منه جميعاً ، وايم اللَّه إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله ، فلمّا أراد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أن يكلّمهم بدره أبو لهب إلى الكلام ، فقال : لهدما سحركم صاحبكم ! فتفرق القوم ولم يكلّمهم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله . فقال : الغد يا علي ، انّ هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول ، فتفرق القوم قبل أن اكلمهم ، فعُدْ لنا من الطعام بمثل ما صنعت ، ثمّ اجمعهم اليّ . قال : ففعلت ، ثمّ جمعتهم ، ثمّ دعاني بالطعام فقربته لهم ، ففعل كما فعل بالأمس ، فأكلوا حتّى ما لهم بشي ء حاجة ، ثمّ قال : اسقهم ، فجئتهم بذلك العس ، فشربوا حتّى رووا منه جميعاً ، ثمّ تكلّم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فقال : يا بني عبدالمطلب ، انّي واللَّه ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بافضل ممّا قد جئتكم به ، انّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني اللَّه تعالى أن أدعوكم إليه ، فايّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟ قال : فاحجم القوم عنها
ص: 71
جميعاً ، وقلت : وانّي لاحدثهم سناً ، وأرمصهم عيناً ، واعظمهم بطناً ، واحمشهم ساقاً ، أنا يا نبيّ اللَّه أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي ، ثمّ قال : انّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له واطيعوا . قال : فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع . وروى خبراً آخر بمضمونه(1) .
عن ابن عبّاس : انّ عامر بن الطفيل جاء إلى النبي صلی الله علیه وآله فقال : ما لي إنْ أسلمت ؟ قال صلی الله علیه وآله : لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين ، قال : تجعل لي الأمر بعدك ؟ قال صلی الله علیه وآله : ليس ذلك اليّ ، إنّما ذاك إلى اللَّه يجعله حيث يشاء(2) .
وعن ابن جرير الطبري : لمّا كان النبي صلی الله علیه وآله يعرض نفسه على القبائل جاء إلى بني كلاب ، فقالوا : نبايعك على أن يكون لنا الأمر بعدك . فقال : الأمر للَّه فإن شاء كان فيكم أو في غيركم ، فمضوا فلم يبايعوه وقالوا : لا نضرب لحربك باسيافنا ثمّ تحكم علينا غيرنا(3) .
وقال محمّد بن مسلم بن شهاب الزهري : انّه صلی الله علیه وآله أتى بني عامر ابن صعصعة فدعاهم إلى اللَّه وعرض عليهم نفسه ، فقال رجل منهم يقال له : بيحرة ابن فراس : واللَّه لو انّي أخذت هذا الفتى من قريش لاكلت به العرب ، ثمّ قال له : أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك ثمّ أظهرك اللَّه على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك ؟
ص: 72
قال صلی الله علیه وآله : الأمر إلى اللَّه يصنعه حيث يشاء . قال : فقال له : أفنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا ظهرت كان الأمر لغيرنا(1) .
روي الكلبي قال : لما أراد علي علیه السلام المسير إلى البصرة قام فخطب الناس ، فقال بعد أن حمد اللَّه وصلّى على رسوله صلی الله علیه وآله : انّ اللَّه لما قبض نبيّه استاثرت علينا قريش بالأمر ودفعتنا عن حقّ نحن احقّ به من الناس كافة ، فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين ، وسفك دمائهم ، والناس حديثوا عهد بالإسلام ، والدين يمخض مخض الوطب ، يفسده أدنى وهن ، ويعكسه أقل خلف(2) .
عن حذيفة قال : قلت : يا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : هل بعد هذا الخير شرّ ؟
قال : فتنة وشرّ . قال : قلت : يا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : هل بعد هذا الشرّ خير ؟
قال : « يا حذيفة ، تعلم كتاب اللَّه واتبع ما فيه » ثلاث مرّار . قال : قلت : يا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ! هل بعد هذا الشرّ خير ؟ قال : هدنة على دخن ، وجماعة على أقذاء فيها ، أو فيهم . قلت : يا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله الهدنة على الدخن ما هي ؟ قال : لا ترجع
ص: 73
قلوب أقوام على الذي كانت عليه - الخبر - (1) .
صبر علیه السلام أيّام أبي بكر صبر من في عينه قذى وفي حلقه شجى لما يرى من أمر اختلاط أمور الشريعة غير غصب خلافته . فكان من بدعه أخذه الناس بحمل زكواتهم إليه وترك فقرائهم محتاجين وتسمية من خالفه في ذلك مرتداً ، مع انّ النبي صلی الله علیه وآله أمر بصرف زكوة كلّ موضع إلى محتاجه ، وقد عمل بذلك عمر بن عبدالعزيز ، قال المبارك بن فضالة : كتب عمر بن العزيز إلى عدي بن أرطاة الفزاري عامله على البصرة : امّا بعد فانّى كنت كتبت إلى عمرو بن عبداللَّه أن يقسّم ما وجد بعمان من عشور التمر والحب في فقراء أهلها ، ومن سقط إليها من أهل البادية ، ومن اضافته إليها الحاجة والمسكنة وانقطاع السبيل ، فكتب إليّ انّه سأل عاملك قبله عن ذلك الطعام والتمر ، فذكر انّه قد باعه وحمل إليك ثمنه ، فأردد إلى عمرو ما كان حمل إليك عاملك على عمان من ثمن التمر والحب ليضعه في المواضع التي أمرته بها ويصرفه فيها(2) .
ونقل ابن أبي الحديد عن شيخه أبي جعفر النقيب : انّ أبابكر يقضى بالقضاء فينقضه عليه اصاغر الصحابة كبلال وصهيب ونحوهما ، قد روى ذلك في عدّة قضايا(3) .
ص: 74
وعن أبي بصير عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « لقد قضى أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه بقضية ما قضى بها أحد كان قبله وكانت أوّل قضية قضى بها بعد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وذلك : انّه لمّا قبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله واُفضى الأمر إلى أبي بكر اُتى برجل قد شرب الخمر ، فقال له أبوبكر : أشربت الخمر ؟ فقال الرجل : نعم ، فقال : ولِمَ شربتها وهي محرّمة ؟ فقال : انّني لمّا أسلمت ومنزلي بين ظَهْرانَي قوم يشربون الخمر ويستحلّونها ولو اعلم انّها حرام فأجتنبها ، قال : فالتفت أبوبكر إلى عمر فقال : ما تقول يا أبا حفص في أمر هذا الرجل ؟ فقال : معضلة وأبوالحسن لها . فقال أبوبكر : يا غلام ادع لنا عليّاً . قال عمر : بل يُؤتى الحكم في منزله ، فأتوه ومعه سلمان الفارسي ، فأخبره بقصة الرجل . فاقتص عليه قصته ، فقال علي علیه السلام لأبي بكر : إبعث معه من يدور به على مجالس المهاجرين والأنصار ، فمن كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه ، فإن لم يكن تلا عليه آية التحريم فلا شي ء عليه ، ففعل أبوبكر بالرجل ما قال علي علیه السلام ، فلم يشهد عليه أحد فخلّى سبيله ، فقال سلمان لعلي علیه السلام : لقد أرشدتهم . فقال علي علیه السلام : إنّما أردت أن اُجدّد تأكيد هذه الآية فيّ وفيهم : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ )(1) »(2) .
وعن القاسم بن محمّد بن أبي بكر قال : توفى رجل وترك جدّتين امّ امّه وامّ أبيه ، فورّث أبوبكر أم أمّه وترك الأخرى ، فقال رجل من الأنصار : لقد تركت امرأة لو انّ الجدتين هلكتا وابنهما حي ما ورث من التي ورّثتها شيئاً وورث التي
ص: 75
تركت أم أبيه فورّثها .
وعن قبيصة بن ذويب قال : جائت الجدّة إلى أبي بكر فقالت : انّ ابن ابني مات فاعطني حقي . فقال : ما اعلم لك في كتاب اللَّه شيئاً ، وسَأَسْألُ الناسَ فسأل . قال : فشهد لها المغيرة بن شعبة فقال : انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أعطاها السدس . فقال : من سمع معك ؟ فقال : محمّد بن مسلمة ، فاعطاها السدس . فجائت امّ الامّ فقالت : ان ابن ابنتي مات فاعطني حقي ، فقال : ما أنت التي شُهِدَ لها انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أعطاها السدس ، فإن اقتسمتموه بينكما فانتم أعلم(1) .
وقال محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد : رووا أنّ أبابكر سئل عن قوله تعالى : ( وَفَاكِهَةً وَأَبًّا )(2) ، فلم يعرف معنى الأبّ في القرآن ، وقال : أيّ سماء تظلّني وأيّ ارض تقلّني أم كيف اصنع إن قلت في كتاب اللَّه تعالى بما لا أعلم . اما الفاكهة فنعرفها ، واما الأبّ فاللَّه أعلم به ، فبلغ أميرالمؤمنين علیه السلام مقاله في ذلك ، فقال علیه السلام : يا سبحان اللَّه أمّا علم انّ الأبّ هو الكلاء والمرعى وانّ قوله عزّ اسمه ( وَفَاكِهَةً وَأَبًّا )(3) اعتداد من اللَّه سبحانه بانعامه على خلقه فيما غذاهم به وخلقه لهم ولانعامهم . وسئل أبوبكر عن الكلالة ، فقال : أقول فيها برأيي ، فإن اصبت فمن اللَّه ، وان أخطات فمن نفسي ومن الشيطان . فبلغ ذلك أميرالمؤمنين علیه السلام فقال : ما اغناه عن الرأى في هذا المكان ، اما علم انّ الكلالة هم الأخوة والأخوات من قبل الأب والأم ومن قبيل الأب على انفراده ومن قبل الأم أيضاً على حدتها ، قال اللَّه
ص: 76
عزّ قائلاً : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ )(1) وقال جلت عظمته : ( وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ )(2) .
وقال : و جائت الرواية : ان بعض احبار اليهود جاء إلى أبي بكر فقال : أنت خليفة نبيّ هذه الأمّة ؟ فقال له : نعم ، فقال : فأنا نجد في التوراة أنّ خلفاء الانبياء اعلم اممهم ، فخبرني عن اللَّه تعالى أين هو ، في السماء أم في الأرض ؟ فقال له أبوبكر : في السماء على العرش . فقال اليهودي : فأرى الأرض خالية منه وأراه على هذا القول في مكان دون مكان . فقال أبوبكر : هذا كلام الزنادقة ، اغرب عني وإلّا قتلتك . فولى الحبر متعجباً يستهزي بالإسلام ، فاستقبله أميرالمؤمنين علیه السلام فقال له : يا يهودي قد عرفت ما سألت عنه وما أجبت به وإنا نقول : ان اللَّه جلّ و عزّ أيّن الأين ، فلا أين له ، وجلّ عن أى يحويه مكان ، وهو في كلّ مكان بغير مماسة ولا مجاورة ، يحيط علماً بما فيها ولا يخلو شي ء منها من تدبيره ، وانّي مخبرك بما جاء في كتاب من كتبكم يصدّق ما ذكرته لك ، فإن عرفته أتؤمن به ؟ قال اليهودي : نعم . قال علیه السلام : ألستم تجدون في بعض كتبكم أن موسى بن عمران علیه السلام كان ذات يوم جالساً إذ جائه ملك من المشرق فقال له موسى : من أين اقبلت ؟ قال : من عند اللَّه عزّ وجلّ ، ثمّ جائه ملك من المغرب فقال له : من أين جئت ؟ قال : من عنداللَّه ، وجائه ملك آخر فقال : قد جئتك من السماء السابعة من
ص: 77
عند اللَّه تعالى ، وجائه ملك آخر فقال : قد جئتك من الأرض السابعة السفلى من عند اللَّه عزّ اسمه . فقال موسى علیه السلام : سبحان من لا يخلو منه مكان ، ولا يكون إلى مكان أقرب من مكان ، فقال اليهودي : أشهد أن هذا هو الحق وانّك أحق بمقام نبيّك ممّن استولى عليه(1) .
مرّ المغيرة بن شعبة بأبي بكر وعمر وهما جالسان على باب النبي صلی الله علیه وآله حين قبض . فقال : ما يقعدكما ؟ قالا : ننتظر هذا الرجل يخرج فنبايعه يعنيان عليّاً . فقال : أتريدون أن تنظروا حبل الحبلة من أهل هذا البيت وسّعوها في قريش تتّسع(2) .
وعن جبير بن مطعم انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لم يقسم لبني عبد الشمس ولا لبني نوفل من الخمس شيئاً ، كما قسم لبني هاشم وبني المطلب ، قال : وكان أبوبكر يقسم الخمس نحو قسم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، غير انّه لم يكن يعطي قربى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله كما كان يعطيهم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله(3) .
وعن ابن شهاب أخبرني يزيد بن هرمز ان نجدة الحروري حين حج في فتنة ابن الزبير ارسل إلى ابن عبّاس يسأله عن سهم ذي القربى ، ويقول : لمن تراه ؟ قال ابن عبّاس : لقربى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، قسمه لهم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله . وقد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضاً رأيناه دون حقّنا فرددناه عليه وأبينا نقبله(4) .
ص: 78
وعن عبيد بن حنين قال حدثني الحسين بن علي قال : أتيت على عمر بن الخطاب وهو على المنبر ، فصعدت إليه فقلت : انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك . فقال عمر : لم يكن لأبي منبر ، وأخذني واجلسني معه - إلى أن قال - فقال عمر لي : من علمك ؟ فقلت : واللَّه ما علمنيه أحد(1) .
وقال علي بن الحسين علیه السلام : اصبحنا في قومنا مثل بني إ سرائيل في آل فرعون يذبحون أبنائنا ويستحيون نسائنا واصبح خير البريّة بعد محمّد يلعن على المنابر(2) .
وانّ أبا جعفر محمّد بن علي الباقر علیه السلام قال لبعض أصحابه : انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قبض وقد أخبر أنا أولى الناس بالناس ، فتمالأت علينا قريش حتّى أخرجت الأمر عن معدنه ، وأحتجّت على الأنصار بحقّنا وحجّتنا ثمّ تداولتها قريش واحد بعد واحد(3) .
وعن ربيعة بن ناجد انّ رجلاً قال لعلي علیه السلام يا أميرالمؤمنين بم ورثت ابن عمّك دون عمّك ؟ فقال علي علیه السلام : هاؤم - ثلاث مرّات - حتّى أشرأب الناس ونشروا آذانهم ، ثمّ قال : جمع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أو دعا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بني عبد المطلّب منهم رهطه ، كلّهم يأكل الجذعة ويشرب الفرق ، قال : فصنع لهم مدّا من طعام ، فأكلوا حتّى شبعوا وبقى الطعام كما هو ، كانّه لم يمس ، قال : ثمّ دعا بغمر فشربوا حتّى رووا وبقى الشراب كانّه لم يمس ولم يشربوا ، قال : ثمّ قال : يا بني عبد المطلب
ص: 79
إنّي بعثت إليكم بخاصة والي الناس بعامّة ، وقد رأيتم من هذا الأمر ما قد رأيتم ، فايّكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي ، فلم يقم إليه أحد ، فقمت إليه وكنت أصغر القوم ، قال : فقال : اجلس . قال : ثمّ قال ثلاث مرّات ، كلّ ذلك أقوم إليه ، فيقول لي : اجلس حتّى كان في الثالثة ، فضرب بيده على يدي . قال : فبذلك ورثت ابن عمّى دون عمّى(1) .
وقدم الحتات بن يزيد التميمي على النبي صلی الله علیه وآله في وفد بني تميم فاسلموا وآخي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بينه وبين معاوية بن أبي سفيان ، ولما اجتمعت الخلافة لمعاوية قدم عليه الحتات وجارية بن قدامة والاحنف ابن قيس وكلاهما من تميم ، وكان الحتات عثمانياً ، وكان الجارية والاحنف من أصحاب علي علیه السلام ، فاعطاهما معاوية أكثر ممّا اعطى الحتات ، فرجع إليه وقال : فضلت عليّ محرقاً ومخذلاً . قال : اشتريت منهما دينهما ، ووكلتك إلى هواك في عثمان . قال : وأنا أيضاً فاشتر منّي ديني . قيل : انّ الحتات وفد على معاوية فمات عنده ، فورثه معاوية بتلك الأخوة وكان معاوية خليفة فقال الفرزدق - قلت : وكان أيضاً من تميم - في ذلك لمعاوية :
أبوك و عمّي يا معاوي أورثا * تراثاً فيحتاز التراث أقاربه
فما يال ميراث الحتات أكلته * وميراث صخر جامد لك ذائبه(2)
ص: 80
اختلفوا في سبب مرضه الذي مات فيه ، وفي اليوم الذي مات فيه . قال أبواليقظان عن سلام بن أبي مطيع : انّه سمّ فمات يوم الأثنين في آخره ، وقال غيره : كان سبب مرضه انّه اغتسل في يوم بارد فحم ومرض خمسة عشر يوماً ، وقال ابن إ سحاق : توفى يوم الجمعة لتسع ليال بقين من جمادي الآخرة سنة ثلاث عشرة ، وكانت ولايته سنتين وثلاثة أشهر وتسع ليال ، وكان أوصى أن تغسله اسماء بنت عميس امرأته(1) .
وفي المسترشد كان يقول في احتضاره : ليتني تبنة في لبنة(2) .
وقال أبوبكر في مرض موته : ليتني تركت بيت عليّ وإن كان أعلن عليّ الحرب(3) .
كتابه حتّى قال : ( يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا )(1) ، وإنّما هي في مصحف علي علیه السلام : يا ويلتي ليتني لم اتخذ الثاني خليلاً وسيظهر يوماً(2) .
وفي تفسير القمي : وقوله تعالى : ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ) قال الأوّل : ( يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ) . قال أبو جعفر علیه السلام : يقول : يا ليتني اتخذت مع الرسول عليّاً وليّاً ( يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ) يعني الثاني ( لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ) يعني الولاية ( وَكَانَ الشَّيْطَانُ ) وهو الثاني ( لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا )(3) .(4) .
وفي كتاب الاستدراك : انّ المتوكل قيل له : انّ أبا الحسن يعني علي بن محمّد بن علي الرضا علیه السلام يفسّر قول اللَّه عزّ وجلّ ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ . . . ) الآيتين ، في الأول والثاني . قال : فكيف الوجه في أمره ؟ قالوا : تجمع له الناس وتسأله بحضرتهم ، فانّ فسّرها بهذا كفاك الحاضرون أمره ، وإن فسّرها بخلاف ذلك افتضح عند أصحابه . قال : فوجّه إلى القضاة وبني هاشم والأولياء ، وسُئِل علیه السلام فقال : هذا رجلان كنّى اللَّه عنهما ومُنّ بالستر عليهما ، أفَيُجِبُّ أميرُ المؤمنين ان يكشف ما ستره اللَّه ؟ فقال : لا اُحِبُّ(5) .
وعن ابن عباس قال : لما نزلت : ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ
ص: 82
خَاصَّةً )(1) قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : من ظلم عليّاً مقعدى هذا بعد وفاتي فكانما جحد نبوتي ونبوّة الأنبياء قبلي(2) .
انّ أبابكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي علیه السلام ، فبعث إليهم عمر ، فجاء فناداهم وهم في دار علي ، فأبوا أن يخرجوا ، فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمره بيده لتخرجنّ أو لأحرقنها على من فيها ، فقيل له : يا أبا حفص ! انّ فيها فاطمة ، فقال : وان ، فخرجوا فبايعوا إلّا علياً ، فانّه زعم انّه قال : حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتّى أجمع القرآن ، فوقفت فاطمة 3 على بابها ، فقالت : لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم ، تركتم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله جنازة بين أيدينا ، وقطعتم أمركم بينكم ، لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقّاً ، فأتى عمر أبابكر ، فقال له : ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة ؟ فقال أبوبكر : لقنفذ و هو مولى له : اذهب فادع لي عليّاً . قال : فذهب إلى علي فقال له : ما حاجتك ؟ فقال : يدعوك خليفة رسول اللَّه ، فقال علي : لسريع ما كذبتم على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله .
فرجع فابلغ الرسالة ، قال : فبكى أبوبكر طويلاً . فقال عمر الثانية : لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة . فقال أبوبكر لقنفذ : عُد إليه ، فقال له : خليفة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يدعوك لبتايع ، فجائه قنفذ فأدى ما أمر به ، فرفع علي صوته فقال : سبحان اللَّه ، لقد ادعي ما ليس له ، فرجع قنفذ فابلغ الرسالة ، فبكى أبوبكر طويلاً ، ثمّ قام عمر ،
ص: 83
فمشي معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة ، فدقوا الباب ، فلمّا سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها : يا أبت يا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ، فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تنصدع ، وأكبادهم تنفطر ، وبقى عمر ومعه قوم ، فاخرجوا عليّاً ، فمضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بايع ، فقال : انّ انا لم أفعل فمه ؟ قالوا : إذا واللَّه الذي لا إله إلّا هو نضرب عنقك . فقال : إذا تقتلون عبداللَّه وأخا رسوله ، قال عمر : أمّا عبداللَّه فنعم ، وأمّا أخو رسوله فلا ، وأبوبكر ساكت لا يتكلّم ، فقال له عمر : ألا تأمر فيه بأمرك ؟ فقال : لا أكرهه على شي ء ما كانت فاطمة إلى جنبه ، فلحق على بقبر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يصيح ويبكى ، وينادى : يابن أم انّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ، فقال عمر لأبي بكر : انطلق بنا إلى فاطمة ، فأنا قد اغضبناها ، فانطلقا جميعاً ، فأستأذنا على فاطمة ، فلم تأذن لهما ، فأتيا عليّاً فكلماه ، فادخلهما عليها ، فلمّا قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط ، فسلّما عليها فلم ترد عليها السلام .
فتكلّم أبوبكر فقال : يا حبيبة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : واللَّه ان قرابة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أحبّ إلى من قرابتي ، وإنّك لأحبّ إلي من عائشة ابنتي ، ولَوَددت يوم مات أبوك اني مت ، ولا أبقى بعده ، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وامنعك حقّك وميراثك من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله إلّا اني سمعت أباك رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : لا نورث ، ما تركناه فهو صدقة ، فقالت : أرأيتكما ان حدثتكما حديثاً عن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله تعرفانه وتفعلان به ؟ قالا : نعم . فقالت : نشدتكما اللَّه ألم تسمعا رسول اللَّه يقول : رضا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد احبّني ، ومن أرضى فاطمة فقد ارضاني ، ومن اسخط فاطمة فقد اسخطني ؟ قالا : نعم
ص: 84
سمعناه من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، قالت : فانّي أشهد اللَّه وملائكته انّكما اسخطتماني وما ارضيتماني ، ولئن لقيت النبي صلی الله علیه وآله لا شكونكما إليه ، فقال أبوبكر : أنا عائذ باللَّه تعالى مني سخطه وسخطك يا فاطمة ، ثم انتحب أبوبكر يبكى حتى كادت نفسه أن تزهق ، وهي تقول : واللَّه لأدعون اللَّه عليك في صلاة أصليها(1) .
وقال النظام - وهو أحد شيوخ المعتزلة واستاد الجاحظ - : انّ النبي صلی الله علیه وآله نصّ على علي علیه السلام في مواضع ، و أظهر اظهاراً لم يشتبه على الجماعة إلّا أن عمر كتم ذلك ، وهو الذي تولى بيعة أبي بكر يوم السقيفة - إلى أن قال - انّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت الجنين من بطنها وكان يصيح « احرقوا دارها بمن فيها » ، وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين(2) .
وقال ابن أبي الحديد : وعمر هو الذي شد بيعة أبي بكر ووقم المخالفين فيها ، فكسر سيف الزبير لما جرده ، ودفع في صدر المقداد ، ووطى ء في السقيفة سعد بن عبادة ، وقال : اقتلوا سعداً قتل اللَّه سعداً ، وحطم أنف الحباب بن المنذر الذي قال يوم السقيفة : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، وتوعد من لجأ إلى دار فاطمة 3 من الهاشميين وأخرجهم منها ، ولو لاه لم يثبت لأبي بكر أمر ولا قامت له قائمة(3) .
وروي أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي عن محمّد بن سائب الكلبي وأبي صالح ورواه أيضاً عن رجاله عن زائدة بن قدامة قال : كان جماعة من الاعراب
ص: 85
قد دخلوا المدينة ليتماروا منها ، فشغل الناس عنهم بموت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فشهدوا البيعة وحضروا الأمر ، فانفذ إليهم عمر واستدعاهم ، وقال لهم : خذوا بالحظ والمعونة على بيعة خليفة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، واخرجوا إلى الناس واحشروهم ليبايعوا ، فمن امتنع فاضربوا رأسه وحبينه ، قال : فو اللَّه لقد رأيت الأعراب قد تحزّموا وانشحوا بالأزر الصنعانية ، وأخذوا بايديهم الخشب ، وخرجوا حتى خبطوا الناس خبطا ، وجاءوا بهم مكرهين إلى البيعة(1) .
وقال البراء بن عازب : لم أزل لبني هاشم محبّاً فلمّا قبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله خفت ان تتمالا قريش على اخراج هذا الأمر عنهم فاخذني ما يأخذ الوالهة العجول مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فكنت أتردد إلى بني هاشم وهم عند النبي صلی الله علیه وآله في الحجرة ، وأتفقد وجوه قريش فاني كذلك إذ فقدت أبابكر وعمر ، وإذا قائل يقول : القوم في سقيفة بني ساعدة ، وإذا قائل آخر يقول : قد بويع أبوبكر فلم البث وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمرون بأحد إلّا خبطوه وقدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه ، شاء ذلك أو أبي ، فانكرت عقلي وخرجت أشتدّ حتّى انتهيت إلى بني هاشم ، والباب مغلق ، فضربت عليهم الباب ضرباً عنيفاً وقلت : قد بايع الناس لأبي بكر بن أبي قحافة ، فقال العباس : تربت ايديكم إلى آخر الدهر ، أمّا اني قد أمرتكم فعصيتموني ، فمكثت اكابد ما في نفسي ورأيت في الليل المقداد وسلمان وأباذر و عبادة بن الصامت وأبا الهيثم بن التيهان وحذيفة وعماراً وهم يريدون ان يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين .
ص: 86
وبلغ ذلك أبابكر وعمر فارسلا إلى أبي عبيدة وإلى المغيرة بن شعبة فسألاهما عن الرأي ؟ فقال المغيرة : الرأي أن تلقوا العباس فتجعلوا له ولولده في هذه الأمرة نصيباً ليقطعوا بذلك ناحية علي بن أبي طالب .
فانطلق أبوبكر و عمر وأبو عبيدة والمغيرة حتّى دخلوا على العباس ، وذلك في الليلة الثانية من وفاة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله - إلى أن قال - فقال أبوبكر للعباس : فخلى على الناس أمورهم ليختاروا لأنفسهم متفقين غير مختلفين ، فاختاروني عليهم والياً - إلى أن قال - قال أبوبكر : وما انفك يبلغني عن طاعن يقول بخلاف قول عامة المسلمين ، يتخذكم لجأ فتكونون حصنه المنيع ، وخطبه البويع فأما دخلتم فيما دخل فيه الناس أو صرفتموهم عمّا مالوا إليه ، فقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيباً ولمن بعدك من عقبك ، إذ كنت عمّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، وان كان المسلمون قدر رأوا مكانك من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ومكان أهلك ، ثمّ عدلوا بهذا الأمر عنكم ، وعلى رسلكم بني هاشم ، فإن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله منّا ومنكم .
فاعترض كلامه عمر وقال : أي واللَّه ، وأخرى أنا لم نأتكم حاجة إليكم ولكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم فيتفاقم الخطب بكم وبهم ، فانظروا لأنفسكم ولعامتهم - إلى أن قال - فقال العباس لأبي بكر : فإن كنت برسول اللَّه صلی الله علیه وآله طلبت فحقنا أخذت ، وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم ما تقدّمنا في أمركم فرطاً ، ولا حللنا وسطاً ، ولا نزحنا شحطاً ، فإن كان هذا الأمر يجب لك بالمؤمنين فما وجب إذ كنّا كارهين ، وما أبعد قولك انّهم طعنوا من قولك انّهم مالوا إليك ، وأمّا ما بذلت لنا فإن يكن حقّك أعطيتناه فامسكه عليك ، وإن يكن حق المؤمنين فليس لك أن تحكم فيه ، وإن يكن حقّنا لم نرض لك ببعضه دون بعض ، وما أقول
ص: 87
هذا أروم صرفك عمّا دخلت فيه ولكن للحجّة نصيبها من البيان - إلى أن قال - وقال العباس : وأمّا قولك يا عمر : انّك تخاف الناس علينا فهذا الذي قدّمتموه أوّل ذلك - الخ -(1) .
قلنا : إنّ ابن أبي الحديد نقل كلامه علیه السلام « فأدلى بها إلى ابن الخطاب » في السير انّ عمر لما بعث محمّد بن مسلمة إلى عمرو بن العاص ، بمصر لتشطير ماله لمّا كان واليه عليها قال عمرو بن العاص : لعن اللَّه زماناً صرت فيه عاملاً لعمر ، واللَّه لقد رأيت عمرو أباه على كلّ واحد منهما عبائة قطوانية(2) ، لا تجاوز مأبض(3) ركبتيه ، وعلى عنقه حزمة حطب ، والعاص بن وائل في مزررات الديباج(4) .
وقال ابن الأثير : ( كان عمر فى الجاهلية مُبَرْطِشاً ) وهو الساعى بين البايع والمشتري ، شبه الدلال ، ويروي بالسين المهملة بمعناه(5) وذكر ذلك صاحب القاموس وقال : هو - بالمهملة - الذي يكترى للناس الإبل والحمير ويأخذ عليه جعلاً(6) .
وقال ابن أبي الحديد : قدم عمرو بن العاص على عمر وكان والياً لمصر . فقال له : في كم سرت ؟ قال : في عشرين . قال عمر : لقد سرت سير عاشق . فقال عمرو : اني واللَّه ما تأبطتني الإماء ، ولا حملتني في غبرات المآلي - أراد خرق الحيص - قال ابن أبي الحديد : وسألت النقيب أبا جعفر عن هذا الحديث في عمر . فقال :
ص: 88
انّ عمرواً فخر على عمر لأنّ أم الخطاب زنجية وتعرف بباطحلي تسمّى صهّاك(1) .
وذكر أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث : انّ رجلاً أتى عمر يسأله - إلى أن قال - ثمّ أنشأ يحدث عن نفسه فقال : لقد رأيتني واختا لي نرعى على أبوينا ناضحاً لنا ، وقد ألبستنا أمنا نقبتها وزودتنا يمنتيها هبيدا فنخرج بنا ضحنا ، فإذا طلعت الشمس ألقيت النقبة إلى أختي وخرجت أسعى عريان ، فنرجع إلى أمنا وقد جعلت لنا لفيته من ذلك الهبيد(2) فيا خصباه(3) .
وقال ابن أبي الحديد : حج عمر ، فلمّا كان بضجنان(4) قال : أذكر وأنا أرعى ابل الخطاب بهذا الوادي في مدرعة صوف ، وكان فظاً يتعبني إذا عملت ، ويضربني إذا قصّرت(5) .
وذكر مؤلّف كتاب نهاية الطلب الحنبلي : انّ عمر بن الخطاب كان قبل الإسلام نخاس الحمير(6) .
وكان أبو سفيان يكنّى عُمْرَ أبا حجر لبخله كما كان يكنّى أبا بكر بأبي فصيل . فقال لعثمان لمّا ولى : « بأبي أنت انفق ولا تكن كأبي حجر »(7) .
وعن أبي جعفر علیه السلام : انّ صفية بنت عبدالمطلب مات ابن لها ، فاقبلت ، فقال لها
ص: 89
الثاني : غطي قرطك فإن قرابتك من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لا تنفعك شيئاً . فقالت له : هل رأيت لي قرطا يا ابن اللخناء ، ثمّ دخلت على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فاخبرته بذلك وبكت . فخرج رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فنادى : الصلاة جامعة . فاجتمع الناس ، فقال : ما بال أقوام يزعمون انّ قرابتي لا تنفع . . . لا يسألني اليوم أحد من أبواه إلّا أخبرته . فقام إليه رجل فقال : من أبي ؟ فقال : أبوك غير الذي تدعى له ، أبوك فلان بن فلان ، فقام آخر فقال : من أبي يا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ؟ فقال : أبوك الذي تدعى له . ثمّ قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : ما بال الذي يزعم أن قرابتي لا تنفع ، لا يسألني عن أبيه ؟ فقام إليه الثاني فقال له : أعوذ باللَّه من غضب اللَّه وغضب رسوله . اعف عني - الخبر -(1) .
وفي المستدرك النيسابوري : حدثني مصعب بن عبداللَّه الزبيري : عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبدالعزى بن رياح بن عبداللَّه ابن قرط بن رزاح بن عدي واُمّه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة ابن عبداللَّه بن عمر بن مخزوم(2) .
ومن أراد الإطلاع على تفصيل الكلام فليراجع محاله .
وأمّا كونه ( أخا عدي ) كما في رواية معاني الأخبار للخطبة(3) روي انّ أبابكر حض الناس على الجهاد فتثاقلوا ، قال عمر : لو كان عرضا قريباً الآية(4) فقال له خالد بن سعيد بن العاص : يا ابن أم عمر ! ألنا تضرب امثال المنافقين ؟ واللَّه لقد
ص: 90
اسلمت وانّ لبني عدي صنماً إذا جاعوا أكلوه ، وإذا شبعوا استأنفوه(1) .
وفي تاريخ مدينة دمشق : كانت عبد مناف بن قصي قد كثروا وقلّت عبدالدار بن قصي ،فأرادوا انتزاع الحجابة من بني عبدالدار ، فاختلفت في ذلك قريش ، فكانت طائفة مع بني عبد مناف ، وطائفة مع بني عبدالدار ، فاخرجت أم حكيم البيضاء بنت عبدالمطلب توأمة أبي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله جفتة فيها طيب ، فوضعتها في الحجر ، فقالت : من كان منا فليدخل في هذا الطيب ، فادخلت فيه عبد مناف أيديها وبنو أسد بن عبدالعزى وبنو زهرة وبنو تيم بن مرّة وبنو الحارث بن فهر ، فسمّوا المطيبين . فعمدت بنو سهم بن عمرو ، فنحرت جزوراً وقالوا : من كان معنا فليدخل يده في دم هذا الجزور ، فأدخلت عبدالدار يديها ومخزوم وعدي وجمح وسهم ، فسمّوا الاحلاف ، وقام الأسود بن حارثة فادخل يده في الدم ، ثمّ لعقها فلعقت بنو عدي أيديها ، فسمّوا لعقة الدم(2) .
وقال الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار : أنزل اللَّه في الخمر ثلاث آيات : أوّلها ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ )(3) فكان المسلمون بين شارب وتارك إلى أن شرب رجل ودخل في صلاة فهجر ، فنزلت : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى )(4) فشربها من شرب من المسلمين ، حتّى شربها عمر ، فأخذ لحي بعير فشج رأس عبدالرحمن بن عوف ، ثمّ قعد ينوح على قتلي بدر بشعر الأسود بن عبد يغوث :
ص: 91
و كائن بالقليب قليب بدر * من الفتيان والشرب الكرام
أيو عدنا ابن كبشة ان سنحيى * وكيف حياة أصداء وهام
أ يعجز أن يرد الموت عني * وينشرني إذا بليت عظامي
ألا من مبلغ الرحمن عني * باني تارك شهر الصيام
فقل للَّه يمنعني شرابي * وقل للَّه يمنعني طعامي
فبلغ ذلك رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فخرج مغضباً يجر ردائه ، فرفع شيئاً في يده ليضربه ، فقال : أعوذ باللَّه من غضب اللَّه وغضب رسوله ، فانزل اللَّه : ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) إلى آخر الآية(1) .(2)
قال أميرالمؤمنين علیه السلام بعد احتجاجه علیه السلام عليهم لمّا جائوا به للبيعة : فانصفونا ان كنتم تؤمنون وإلّا فبؤوا بالظلم وأنتم تعلمون .
فقال له عمر : انّك لست متروكاً حتّى تبايع . فقال له علي علیه السلام : احلب حلباً لك شطره ، واشدد له اليوم أمره يردده عليك غداً(3) .
قال ابن أبي الحديد : وروى كثير من الناس : انّ أبابكر لما نزل به الموت دعا
ص: 92
عبدالرحمن بن عوف فقال : أخبرني عن عمر . فقال : انّه أفضل من رأيك ج فيه ج إلّا أن فيه غلظة . فقال أبوبكر : ذاك لأنّه يراني رقيقاً ، ولو قد أفضى الأمر إليه لترك كثيراً ممّا هو عليه ، وقد رمقته إذا أنا غضبت على رجل أراني الرضا عنه ، وإذا لنت له أراني الشدة عليه . ثمّ دعا عثمان ابن عفان فقال : أخبرني عن عمر ، فقال : سريرته خير من علانيته ، وليس فينا مثله ، فقال لهما : لا تذكرا ممّا قلت لكما شيئاً ، ولو ترك عمر لما عدوتك يا عثمان ، والخيرة لك ألا تلى من أمورهم شيئاً ، ولوددت انّي كنت من أموركم خلواً ، و كنت فيمن مضى من سلفكم . ودخل طلحة بن عبيداللَّه على أبي بكر ، فقال : انّه بلغني انّك يا خليفة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، استخلفت على الناس عمر ، وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه ، فكيف به إذا خلابهم ، وأنت غداً لاق ربك ، فيسألك عن رعيتك ! فقال أبوبكر : أجلسوني ، ثمّ قال : أباللَّه تخوفني ؟ إذا لقيت ربّي فسألني ، قلت : استخلفت عليهم خير أهلك ، فقال طلحة : أعمر خير الناس يا خليفة رسول اللَّه ؟ ! فاشتد غضبه وقال : أي واللَّه ، هو خيرهم وأنت شرّهم ، أما واللَّه لو وليتك لجعلت أنفك في قفاك ، ولرفعت نفسك فوق قدرها ، حتّى يكون اللَّه هو الذي يضعها ! اتيتني وقد دلكت عينك تريد أن تفتنني عن ديني ، وتزيلني عن رأيي ! قم لا أقام اللَّه رجليك ! أما واللَّه لئن عشت فواق ناقة ، وبلغني انّك غمصته فيها ، أو ذكرته بسوء ، لألحقنك بمحمضات قنة(1) ، حيث كنتم تسقون ولا تروون ، وترعون ولا تشبعون ، وأنتم بذلك بجحون(2) راضون ، فقام طلحة فخرج(3) .
ص: 93
ثمّ قال : احضر أبوبكر عثمان - وهو يجود بنفسه - فأمره أن يكتب عهداً ، وقال - اكتب : بسم اللَّه الرحمن الرحيم ، هذا ما عهد عبداللَّه بن عثمان إلى المسلمين ، أما بعد ، ثم أغمى عليه ، و كتب عثمان : قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ، وافاق أبوبكر فقال : أقرأ فقرأه ، فكبر أبوبكر وسرّ ، وقال : أراك خفت أن يختلف الناس إن مت في غشيتي ! قال : نعم ، قال : جزاك اللَّه خيراً عن الاسلام وأهله ، ثم اتم العهد ، وأمر أن يقرأ على الناس ، فقرء عليهم(1) .
قال المجلسي ؛ : انظروا بعين الانصاف إلى الخلافة الكبرى ورئاسة الدين والدنيا ، كيف صارت لعبة للجهّال وخلسة لأهل الغيّ والضلال ، بحيث يلهم بها الفاسق الفاجر اللئيم عثمان و يكتبها برأيه بدون مصلحة الخليفة الخوان ثمّ يمدحه هذا الشقيّ ويشكره ويجزيه خيراً عن الإسلام وأهله ، ولا يقول له : لِمَ اجترأت على هذا الأمر الكبير والخطب الخطير الذي يترتب عليه عظائم الاُمور بمحض رأيك وهواك ؟ مع انّ النبيّ كان لا يجترئ أن يخبر بأدنى حكم بدون الوحي الإلهي .
ويلزم على زعمهم أن يكون أبوبكر وعثمان اشفق على أهل الإسلام والإيمان من الرسول الذي أرسله الرحمن لهداية الإنس والجانّ ، لأنّه صلی الله علیه وآله بزعمهم أهمل امر الأُمّة ، ولم يوص لهم بشي ء ، وهما اشفقا على الأمّة حذراً من ضلالتهم ، فعيّنا لهم جاهلاً شقيّاً فظّاً غليظاً ليدعوا الناس إلى نصبهم وغباوتهم ، ويصرفهم عن أهل بيت نبيّهم صلوات اللَّه عليه .
والعجب من عمر كيف لم يقل لأبي بكر في تلك الحالة التي يغمى عليه فيها
ص: 94
ساعة ويفيق اُخرى : انّه ليهجر ، ويمنعه من الوصية كما منع نبيّه صلی الله علیه وآله ونسبه إلى الهجر ؟ ! وكيف اجترأ أبوبكر على ربّه في تلك الحالة التي كان يفارق الدنيا ويرد على ربّه تعالى ، فحكم بكون عمر أفضل الصحابة مع كون أميرالمؤمنين علیه السلام بينهم ، وقال فيه نبيّهم : « اللهمّ ائتني باحب خلقك اليك »(1) وسائر ما رووه في صحاحهم فيه علیه السلام ، وأنزله اللَّه فيه صلوات اللَّه عليه ؟ !
وهل يريب لبيب في أن تلك الاُمور المتناقضة والحيل الفاضحة الواضحة لم تكن إلّا لتتميم ما اسّسوه في الصحيفة الملعونة من منع أهل البيت : عن الخلافة والإمامة وحطّهم عن رتبة الرئاسة والزعامة(2) .
ولما كتب أبو بكر عهده قال لعمر : خذ هذا الكتاب وأخرج به إلى الناس ، وأخبرهم انّه عهدي ، وسلهم عن سمعهم وطاعتهم ، فخرج عمر بالكتاب واعلمهم ، فقالوا : سمعاً وطاعة ، فقال له رجل : ما في الكتاب يا أبا حفص ؟ قال : لا أدري ، ولكنّي أول من سمع واطاع . قال : لكني واللَّه أدري ما فيه : أمّرته عام أوّل ، وامّرك العام(3) .
وإنّما رشا عثمان عمر بأن كتب في غشوة أبي بكر اسم عمر في عهده ليردّه إليه بعده . ولقد جزاه عمر بتدبير الشورى ، وجعل عبدالرحمن حكماً ، ولما بايع عبدالرحمن عثمان قال أميرالمؤمنين علیه السلام لعبدالرحمن : واللَّه ما أملت منه إلّا أمل صاحبك من صاحبه ، دقِّ اللَّه بينكما عطر منشم(4) .
ص: 95
والأعشى هذا كنيته أبوبصير واسمه ميمون بن قيس بن جندل من قيس بن ثعلبة . وكان أبوه قيس يدعى « قتيل الجوع » وذلك انّه كان في جبل ، فدخل غاراً ، فوقعت صخرة من الجبل ، فسدّت فم الغار ، فمات فيه جوعاً(1) .
وذكر ابن شبة انّ الأعشى وفد إلى النبيّ صلی الله علیه وآله وقد مدحه بقصيدته التي منها :
نبي يرى ما لا ترون و ذكره * اغار لعمري في البلاد وانجدا
فبلغ خبره قريشاً فرصدوه على طريقه وقالوا : هذا صناجة العرب ، فقالوا له : أين أردت أبا بصير ؟ قال : أردت صاحبكم هذا لأسلم . قال : انّه ينهاك عن خلال ويحرمها وكلّها بك رافق ولك موافق . قال : وما هن ؟ فقال أبو سفيان : الزنا ، فقال : لقد تركني الزنا وما تركته ، وماذا ؟ قال : القمار . قال : لعلي ان لقيته اصبت منه عوضاً من القمار ، وماذا ؟ قالوا : الربا ، قال : ما دنت ولا أدنت قط ، قال : وماذا ؟ قال : الخمر ، قال : أوّه أرجع إلى صبابة قد بقيت لي من المهراس(2) فأشربها ، فقال أبو سفيان : أبا بصير هل لك في خير مما هممت به ؟ قال : و ما هو ؟ قال : نحن وهو الآن في هدنة ، فتأخذ مائة من الإبل وترجع إلى بلدك سنتك هذه ، وتنظر ما يصير إليه أمرنا ، فإن ظهرنا عليه كنت قد أخذت خلفا . وإن ظهر علينا أتيته . قال : ما أكره ذاك . فقال أبو سفيان : يا معشر قريش هذا الأعشى ، واللَّه لئن أتى محمّداً واتبعه ليضرمن عليكم نيران العرب بشعره ، فاجمعوا له مائة من الإبل ، ففعلوا
ص: 96
وأخذها وانطلق إلى بلده ، فلما كان بقاع منفوحة(1) رمى به بعيره فقتله(2) .
وفي الصحاح : الأعشى : من يبصر بالنهار ، ولا يبصر بالليل(3) .
هو من قصيدة طويلة له قالها في منافرة علقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل وأولها :
علقم ما أنت إلى عامر * الناقض الاوثار والواتر
وقبل البيت :
وقد أسلى الهم إذ يعتري * بحسرة دو سرة عاقر
زيّافة بالرحل خطارة * تلوي بشرخي ميسة قاتر
شرخا الرحل مقدمه ومؤخره ، والميس شجر يتخذ منه الرحال ورحل قاتر جيد الوقوع على ظهر البعير .
وبعد البيت :
أرمي بها البيداء إذ هجرت * وأنت بين القرو والعاصر
في مجدل شيد بنيانه * يزل عنه ظفر الطائر
وكان حيان وجابر ابنا السمين الحنفيان ، وكان حيان صاحب شراب ومعاقرة خمر وكان نديم الأعشى ، وكان أخوه جابر أصغر سناً معه ، فيقال : ان حيان قال
ص: 97
للأعشى : نسبتني إلى أخي وهو أصغر سناً مني ، فقال : ان الروي اضطرني إلى ذلك . فقال : واللَّه لا نازعتك كأساً أبدا ما عشت(1).
وحيان كان صاحب حصن باليمامة ، وكان من سادات بنى حنيفة ، مطاعاً في قومه يصله كسرى في كل سنة ، وكان في نعمة ورفاهيّة ، مصونا من وعثاء السفر ، لأنّه ما كان يسافر أبدا ، وكان الاعشى ينادمه(2) .
وأمّا الغرض من التمثيل بالبيت فأفاد السيد المرتضى ؛ : أراد بذلك انّ القوم لما فازوا بمقاصدهم ورجعوا بمطالبهم فظفروا بها وهو في أثناء ذلك كلّه محقق في حقه ، مكذّب في نصيبه كما أشار إليه بقوله : « وفي العين قذى وفي الحق شجى » كان بين حالهم وحاله بعد بعيد ، وافتراق شديد(3) .
وقال بعض الشارحين : المعنى : ما أبعد ما بين يومي على كور الناقة أدأب وانصب وبين يومي منادما حيان أخي جابر في خفض ودعة . فالغرض من التمثيل اظهار البعد بين يومه علیه السلام بعد وفاة الرسول صلی الله علیه وآله مقهوراً ممنوعاً عن حقه وبين يومه في صحبة النبي صلی الله علیه وآله(4) .
قال أبوبكر : أقيلوني أقيلوني فلست بخيركم وعليّ فيكم(5) .
ص: 98
قال صاحب « بيت مال العلوم » وصاحب « عقلاء المجانين » : قال أبو الهذيل العلاف : سافرت مع المأمون إلى الرقة ، فبينا أنا أسير في الفرات إذ مررنا بدير . فوصف لي فيه مجنون يتكلّم بالحكمة ، فدخلت الدير وإذا برجل وسيم نظيف فصيح وهو مقيّد ، فسلمت عليه ، فردّ السلام ، ثمّ قال : قلبي يحدثني انّك لست من أهل هذه المدينة القليل عقول أهلها - يعني الرقة - قلت : نعم ، أنا من أهل العراق . فقال : انّي اسألك ، فافهم ما أقول : فقلت : سل . فقال : أخبرني عن النبي صلی الله علیه وآله هل أوصى ؟ قلت : لا ، قال : فكيف ولي أبوبكر مجلسه من غير وصية ؟ فقلت : أختاره المهاجرون والأنصار ، ورضي به الناس . فقال : كيف أجازه المهاجرون وقد قال الزبير بن العوام : لا أبايع إلّا علي بن أبي طالب ، وكذا العباس ، وكيف أختاره الأنصار وقد قالت : منا أمير ومنكم أمير ، وولوا سعد بن عبادة يوم السقيفة ، وقال عمر : اقتلوا سعداً قتله اللَّه ، وكيف تقول : رضي به الناس وقد قال سلمان الفارسي : « كردى نكردى » أي فعلتموها ، فوجئت عنقه ، وقال أبو سفيان بن حرب لعلي علیه السلام : مدّ يدك لا بايعك ، وان شئت ملائتها خيلاً ورجالاً ، ثمّ قعد بنو هاشم عن بيعة أبي بكر ستة أشهر ، فأين الإجماع ؟ ثمّ لمّا ولي أبوبكر الخلافة قال : « ليتكم ولست بخيركم » وكيف يتقدّم المفضول على الفاضل ؟
ولما ولي عمر قال : « وددت انّي كنت شعرة في صدر أبي بكر » ثمّ قال بعد ذلك : « كانت بيعة أبي بكر فلتة » وقي اللَّه الأمّة شرّها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه » ثمّ انّ عمر ردّ السبي الذي سباه خالد بن الوليد في أيّام أبي بكر ، فإن خالداً تزوّج امرأة مالك بن نويرة ، فردّها عمر بعد ما ولدت منه ، ثمّ ولي عمر صهيباً على أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وهو عبدالنمر بن قاسط وكلّ هذا تناقض .
ص: 99
وأخبرني : عن عبدالرحمن بن عوف حين ولي عثمان الخلافة وأختاره ، هل ولاه إلّا وهو يعرفه ؟ قلت : لا(1) قال : فقد قال عبدالرحمن بن عوف بعد ذلك : ما كنت أحبّ أن أعيش حتّى يقول لي عثمان : يا منافق ، فمعرفة عثمان عبدالرحمن حين نسبه إلى النفاق كمعرفة عثمان ايّاه إذ ولّاه الخلافة .
وأخبرني : عن عائشة لمّا كانت تحرض الناس على عثمان يوم الدار وتقول : اقتلوا نعثلاً ، قتله اللَّه فقد كفر ، فلمّا ولي علي علیه السلام الخلافة ، قالت : وددت انّ هذه سقطت على هذه - تعني السماء على الأرض - ثمّ خرجت من بيتها تقاتل عليّاً علیه السلام مع طلحة والزبير وتسفك الدم الحرام ، واللَّه تعالى يقول : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى )(2) ، وهذه مخالفة للَّه تعالى ، ولما قتل عثمان جاء المسلمون والصحابة ارسالاً إلى علي علیه السلام ليبايعوه ، فلم يفعل حتّى قالوا له : واللَّه لئن لم تفعل لنلحقنك بعثمان ، فأخبرني : أيّما آكد من ضرب سعداً ووجأ عنق سلمان كمن جاء الناس يكرهونه على البيعة . قال أبو الهذيل : فلم أحر جواباً وسقط في يدي .
قال : في كم يجب القطع في السرقة ؟ قلت : في ربع دينار .
فقال : كم أعطاك هذا الذي جئت معه إلى هيهنا - يعني المأمون - ؟ فقلت : خمسمائة دينار . فقال : يجب أن يقطع أعضاءك بحساب ما أخذت . قلت : ولِم ؟ قال : لانّك سرقت مال المسلمين . فقلت : الخليفة أعطاني من ماله . فقال : وأين ماله ؟ المال للَّه تعالى و لعامة المسلمين ، واللَّه انّك لاحق بهذا السعوط الذي اسعط
ص: 100
به كلّ يوم والقيد منّي . قال : فخرجت من عنده وأنا خجل . فحدّثت المأمون حديثه فاستطرفه وبقى زماناً يستعيده منّي(1) .
ومن تناقضاته كاستقالته لنفسه وعقده لغيره انّه قال للعبّاس : انّ الناس أختاروني والياً . . . وما أنفك يبلغني عن طاعن يقول : الخلاف على عامة المسلمين ، يتخذكم لجأ . فقال له العبّاس : ما أبعد قولك من انّهم طعنوا عليك من قولك انّهم أختاروك ، ومالوا إليك ، وما أبعد تسميتك بخليفة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من قولك : خلّى على الناس أمورهم ليختاروا فاختاروك(2) .
ويا عجبا بينا هو وصاحبه يطعنان على النبي صلی الله علیه وآله في تأمير أسامة عليهما ويتخلّفان عن جيشه مع حث النبي صلی الله علیه وآله عل تجهيزه ، ولعنه المتخلّف عنه ينفذه من قبله باسم اجراء أمر النبي صلی الله علیه وآله ، قال ابن الأثير : ضرب النبي صلی الله علیه وآله بعثاً إلى الشام وأميرهم اسامة بن زيد مولاه ، وأمره أن يوطى الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين فتكلّم المنافقون في أمارته وقالوا : أمّر غلاماً على جلّة المهاجرين والأنصار ، فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ان تطعنوا في امارته فقد طعنتم في امارة أبيه من قبل ، وانّه لخليق للإمارة ، وكان أبوه خليقاً لها ، وأوعب مع أسامة المهاجرون الأوّلون ، منهم أبوبكر و عمر ، فبينما الناس على ذلك ابتدء برسول اللَّه صلی الله علیه وآله مرضه(3) .
ومعلوم انّ المنافقين لم يكن لهم اعتقاد باللَّه ورسوله ، فكيف يكون لهم اعتقاد
ص: 101
بالمهاجرين والأنصار ، وانّ الرجلين إذا كانا في مقام التسليم للَّه ورسوله كيف يغضب لهما غيرهما .
وقال أيضاً - بعد ذكر بيعة أبي بكر وارتداد جمع ، وارادته انقاذ جيش اسامة - قال الناس لأبي بكر : انّ هؤلاء - يعنون جيش اسامة - جند المسلمين والعرب - على ما ترى - قد انتقضت بك ، فلا ينبغي أن تفرق جماعة المسلمين عنك ، فقال أبوبكر : والذي نفسي بيده لو ظننت ان السباع تختطفني لانفذت جيش أسامة كما أمر النبي صلی الله علیه وآله .
فخاطب الناس وأمرهم بالتجهز للغزو ، وان يخرج كلّ من هو من جيش أسامة إلى معسكره بالجرف ، فخرجوا كما أمرهم ، وجيّش أبوبكر من بقي من تلك القبائل التي كانت لهم الهجرة في ديارهم ، فصاروا مسالح حول قبائلهم وهم قليل ، فلمّا خرج الجيش إلى معسكرهم بالجرف وتكاملوا ، أرسل اسامة عمر ابن الخطاب - وكان معه في جيشه - إلى أبي بكر يستأذنه أن يرجع بالناس وقال : انّ معي وجوه الناس وحدّهم ، ولا آمن على خليفة رسول اللَّه وحرم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله والمسلمين ان يتخطفهم المشركون وقال من مع أسامة من الأنصار لعمر بن الخطّاب : انّ أبابكر خليفة رسول اللَّه . ج{فان أبي} إلّا أن نمضي فابلغه عنّا واطلب إليه ان يولّى أمرنا جرجلاًج أقدم سنّاً من أسامة .
فخرج عمر بأمر أسامة إلى أبي بكر ، فأخبره بما قال أسامة ، فقال : لو خطفتني الكلاب والذئاب لا نفذته كما أمر به رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، ولا اردّ قضاء قضى به رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، ولو لم يبق في القرى غيري لا نفذته ، قال عمر : فانّ الأنصار تطلب رجلاً أقدم سنّاً من أسامة ، فوثب أبوبكر وكان جالساً ، وأخذ بلحية عمر وقال : تكلتك
ص: 102
أمّك يا ابن الخطاب ، استعمله رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وتأمرني أن اعز له ؟ ثمّ خرج أبوبكر حتّى أتاهم واشخصهم وشيّعهم ، وهو ماش وأسامة راكب - إلى أن قال - فلما أراد أن يرجع قال لأسامة : ان رأيت أن تعينني بعمر فافعل ، فاذن له - الخ(1) .
أقول : علامات النفاق ظاهرة ، فأين هذا التصلب منه في اجراء حكم النبي صلی الله علیه وآله في وقت حكمه صلی الله علیه وآله ؟ فانّه صلی الله علیه وآله في حيوته حكم بتجهيز جيش أُسامة وهو وصاحبه كانا من جيشه . والإنسان قد يأمر بشي ء لغرض في وقت لا يريده بعد ذلك الوقت لعدم حصول غرضه منه . ومن أين لم يكن غرضه صلی الله علیه وآله من بعث أُسامة في شدة مرضه ولعنه من تخلّف عنه خروج الرجل وخروج صاحبه حين وفاته حتّى لا يبقى في المدينة حين وفاته مخالف لأمير المؤمنين علیه السلام ؟
ومن العجب انّ ابن أبي الحديد قال : ومن الناس من أنكر هذه اللفظة - أي : استقالة أبي بكر - وقال : انّما قال أبوبكر : « وليتكم ولست بخيركم »(2) .
وكيف يقول ابن أبي الحديد ما قال وروي ابن قتيبة مع نصبه استقالة أبي بكر مرّتين ثانيتهما - بعد ذكر عيادته مع صاحبه عمر لسيّدة نساء العالمين وذكر أخذها 3 اقرارهما بقول النبي صلی الله علیه وآله فيها « سخط فاطمة من سخطي وسخطي سخط اللَّه » وذكر قولها 3 لأبي بكر : «واللَّه لادعون اللَّه عليك في كلّ صلاد أصليها - قال : فخرج أبوبكر باكياً وقال : « لا حاجة لي في بيعتكم اقيلوني بيعتي »(3) .
ص: 103
عن الربيع بن المنذر عن أبيه قال : سمعت الحسن بن علي علیه السلام يقول : انّ أبابكر وعمر عمداً إلى هذا الأمر وهو لنا كلّه فاخذاه دوننا ، وجعلا لنا فيه سهماً كسهم الجدّة ، امّا واللَّه لتهمنهما أنفسهما يوم يطلب الناس فيه شفاعتنا(1) .
قال الزبير بن بكار : وكان عمر بن الخطاب إذا غضب على واحد من أهله لا يسكن غضبه حتّى يعضّ يده عضّاً شديداً حتّى يدميها(2) .
وكان يقال : درّة عمر أهيب من سيف الحجاج(3) وكان الحجاج يتشبه بزياد وكان زياد يتشبه بعمر(4) .
ولمّا أراد عمر منع زياد عن اقامة الشهادة على المغيرة ، وراه أقبل صاح به صيحة حكاها المشاهد للراوي - كما رواه أبو الفرج اصبهاني - فكاد أن يغشى عليه(5) .
وجعل أبوبكر عمر قاضياً في خلافته ، فمكث سنة لم يخاصم إليه أحد(6) .
وذكر الزبير بن بكار في الموفقيات : انّ سرية جائت لعبدالرحمن أو لعبيد اللَّه
ص: 104
ابن عمر بن الخطاب اليه تشكوه ، فقالت : يا أميرالمؤمنين ، ألا تعذرني من أبي عيسى ؟ قال : ومن أبو عيسى ؟ قالت : ابنك عبيداللَّه ، قال : ويحك ! وقد تكنى بأبي عيسى ! ثمّ دعاه فقال : إيها التنيت بأبي عيسى !
فحذر وفزع ، وأخذ يده فعضّها ، ثمّ ضربه وقال : ويلك ! وهل لعيسى أب ؟ أتدري ما كني العرب ؟ أبو سلمة ، أبو حنظلة ، أبو عرفطة ، أبو مرّة(1) .
وقال عمرو بن ميمون : شهدت عمر بن الخطاب يوم طعن ، فما منعني أن أكون في الصف الأوّل إلّا هيبته ، فكنت في الصف الذي يليه ، وكان عمر لا يكبر حتّى يستقبل الصف المتقدّم بوجهه ، فان رأى رجلاً متقدّماً من الصف أو متأخراً ضربه بالدرّة ، فذلك الذي منعني من التقدم ، قال : فاقبل لصلاة الصبح ، وكان يغلس(2) بها ، فعرض له أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة ، فطعنه - الخ -(3) .
وقال ابن قتيبة في « ذكر من كان على دين قبل مبعث النبي صلی الله علیه وآله » : زيد بن عمرو بن نفيل . قال : كان زيد رغب عن عبادة الأوثان وطلب الدين - فاولع به عمر ، وكان ابن عمّه ، وسلّط عليه سفهاء مكّة ، فآذوه ، فخرج إلى الشام(4) - فقتله النصارى بالشام(5) .
{وقال ابن هشام في حديث . . . } وفي - حديث أم عبداللَّه عن اسلام عمر - قال : لها زوجها : اطمعت في إ سلامه ( أي : عمر ) ؟ قالت : نعم . قال : فلا يسلم الذي
ص: 105
رأيت حتى يسلم حمار الخطاب . قالت : قال ذلك يأساً منه ، لما كان يرى من غلظته وقسوته على ( أهل ) الإسلام(1) .
وروي المجاهد عن ابن عباس قال : سألت عمر عن اسلامه ، فقال : خرجت بعد اسلام حمزة بثلاثة ايام ، فإذا فلان المخزومي - وكان قد أسلم - فقلت : تركت دين آبائك واتبعت دين محمّد ؟ قال : ان فعلت فقد فعله من هو أعظم عليك حقاً مني ! قلت : من هو ؟ قال : اختك وختنك : أي سعيد بن زيد ، قال : فانطلقت فوجدت الباب مغلقاً ، وسمعت همهمة ، ففتح الباب . فدخلت فقلت : ما هذا الذي اسمع ؟ ، قال : ما سمعت شيئاً ، فما زال الكلام بيننا حتّى أخذت برأس ختني فضربته فأدميته - ألخ -(2) .
ومرّ أبوبكر بجارية بني مؤمل - حيّ من بني عدى بن كعب - وكانت مسلمة ، وعمر بن الخطاب يعذبها لتترك الإسلام ، وهو يومئذ مشرك ، وهو يضربها حتى إذا ملّ ، قال : انّي اعتذر اليك ، انّي لم اتركك إلّا ملالة ، فتقول : كذلك فعل اللَّه بك(3) .
ومسنداً عن عمر بن الخطاب يقول : مررت بهشام بن حكيم بن حزام وهو يقرء سورة الفرقان في حياة النبي صلی الله علیه وآله ، فإذا هو يقرء على حروف لم يقرئنيها رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فكدت أساوره(4) في الصلاة ، فنظرت حتى سلّم فلبّبته(5) بردائه ، فقلت : من أقرأك هذه السورة ؟ قال : أقرئنيها رسول اللَّه صلی الله علیه وآله . فقلت له : كذبت ، واللَّه انّ
ص: 106
رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أقرأني هذه السورة التي تقرأها ، فانطلقت أقوده إلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فقلت : انّي سمعت هذا يقرء سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها ، فقال النبي صلی الله علیه وآله : أرسله يا عمر ، إقرء يا هشام ، فقرء القرائة التي سمعت ، فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : هكذا انزلت - الخ -(1) .
وفي الاستيعاب : لمّا خرج بجنازة سعد بن معاذ جعلت اُمّه تبكي ، فقال لها عمر : انظري ما تقولين يا اُمّ سعد ؟
فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « دعها يا عمر ، كل(2) باكية مكثرة إلّا اُمّ سعد ، ما قالت من خير فلن تكذب »(3) .
وعن أبي هريرة قال : كنّا مع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله في جنازة ، فرأى عمر نساء يبكين فتناولهن ، أو صاح بهنّ ، فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « يا عمر ، دعهنّ ، فانّ العين دامعة ، والنفس مصابة ، والعهد قريب »(4) .
ورووا أيضاً ان عمر سمع صوت بكاء في بيت ، فدخل وبيده الدرّة ، فمال عليهم ضرباً حتّى بلغ النائحة ، فضربا حتّى سقط خمارها ، ثمّ قال لغلامه : اضرب النائحة ، ويلك اضربها فانّها النائحة ، لا حرمة لها ، لأنّها لا تبكي بشجوكم ، انّها تهريق دموعها على أخذ دراهمكم ، انّها تؤذي أمواتكم في قبورهم وأحياءكم في دورهم ، انها تنهى عن الصبر وقد أمر اللَّه به ، وتأمر بالجزع وقد نهى اللَّه عنه(5) .
ص: 107
أقول : أوّلاً « تؤذى أمواتكم » خلاف قوله تعالى : ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )(1) وثانياً لم ينته بنهي النبي صلی الله علیه وآله فآذى المصابات المرحومات وكيف وقد أمر النبي صلی الله علیه وآله بالبكاء على عمّه(2) ، وبكى النبي صلی الله علیه وآله نفسه على إبراهيم ابنه وقال صلی الله علیه وآله : « يحزن القلب ، وتدمع العين ، ولا نقول ما يسخط الربّ »(3) ، وكسب النائحة إذا لم يكن من النوح بالباطل حلال .
وقال المدائني : وخطب عمر اُمّ أبان بنت عتبة بن ربيعة ، فكرهته ، وقالت : يغلق بابه ، ويمنع خيره ، ويدخل عابساً ، ويخرج عابساً(4) .
وقال المدائني : وخطب عمر اُمّ كلثوم بنت أبي بكر وهي صغيرة ، وأرسل فيها إلى عايشة ، فقالت : الأمر إليك ، فقالت اُمّ كلثوم : لا حاجة لي فيه ، فأرسلت عائشة إلى عمرو بن العاص فأخبرته ، فقال : اكفيك ، فأتى عمر فقال : بلغني خبر أعيذك باللَّه عنه ، قال : وما هو ؟ قال : خطبت اُمّ كلثوم بنت أبي بكر ، قال : نعم ، أفرغبت بي عنها ، أم رغبت بها عنّي ؟ قال : لا واحدة ، ولكنّها حدثة نشأت تحت كنف عايشة في لين ورفق ، وفيك غلظة ، ونحن نهابك ، وما نقدر أن نردّك عن خلق من أخلاقك ، فكيف بها إن خالفتك في شي ء فسطوت بها ! كنت قد خلّفت أبابكر في ولده بغير ما يحقّ عليك... إلخ(5) .
وعن ابن شهاب قال : دخل رجل على عمر فقال : السلام عليك يا أبا غفر ،
ص: 108
حفص ، اللَّه لك . فقال عمر : يا أبا حفص غفر اللَّه لك ، فقال الرجل : اصلعتني فرقتك، يقول : افرقتني صلعتك(1) .
وأيضاً تقدّمت امرأة إلى عمر ، فقالت : « يا أبا عمر ، حفص ، اللَّه لك » ، أرادت أن تقول : يا أبا حفص عمرك اللَّه ، فقال عمر : مالك أعقرت ؟ أي : دهشت ، قالت : « صلعتك فرقتك » ، أرادت أن تقول : « فرقت صلعتك »(2) .
ولمّا أتى خالداً كتاب أبي بكر وهو بالحيرة ، يا مره أن يمدّ أهل الشام - قال : هذا عمل الاعيسر بن ام شملة - يعني عمر بن الخطّاب - حسدني أن يكون فتح العراق على يدي(3) .
وقال الفضل بن العبّاس : قال النبي صلی الله علیه وآله في مرضه : « أيّها الناس ! من خشى من نفسه شيئاً فليقم ، ادع له » . فقام رجل فقال : يا رسول اللَّه ما شي ء - أو ان شي ء - إلّا وقد جنيته ، فقام عمر بن الخطاب فقال : فضحك نفسك أيّها الرجل ! فقال النبي صلی الله علیه وآله : « يابن الخطاب فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة ، اللهمّ صيّر أمره إلى الخير »(4) .
واقطع أبو بكر طلحة أرضاً ، وكتب له كتاباً ، واشهد له ناساً فيهم عمر ، فأتى طلحة عمر بالكتاب ليختمه فقال : هذا كلّه لك دون الناس ؟ لا أختم هذا ، فرجع طلحة مغضبا إلى أبي بكر ، فقال : أنت الخليفة أم عمر ؟(5)
ص: 109
واقطع أبوبكر لعيينة بن حصين الفزاري قطيعة ، وكتب له بها كتاباً ، فأتى عيينة عمر فأعطاه الكتاب ، فبصق فيه ومحاه(1) .
لأبي سعيد الخوارزمي في وصف رجل « جعل لسانه سنانه ، وأشفار عينيه الصلبة شفاره ، فاذا تكلّم كلّم بلسانه أكثر ممّا يكلّم بسنانه ، وإذا لمح ببصره جرح القلوب بلحظة أشدّ ممّا يجرح الآذان بلفظه ، يظهر للناس في زي مظلوم وانّه لظالم ، ويشكو إليهم وجع السليم وهو سالم(2) .
وفي لسان العرب في ( كمم ) : يروي عن عمر : انّه رأى جارية متكمكمة ، فسأل عنها ، فقالوا : أمة آل فلان ، فضربها بالدرّة وقال : يا لكعاء ، أتشبهين بالحرائر ؟ أرادوا متكممة فضاعفوا ، وأصله من الكمة وهي القلنسوة ، فشبّه قناعها بها(3) .
وارتدّ أبو شجرة السلمي ، وهو ابن الخنساء ، فانّه كان قد ارتدّ فيمن ارتدّ من سليم وقال أبياتاً منها :
فروّيت رمحي من كتيبة خالد * وانّي لأرجو بعدها أن اعمّرا
ثمّ انّ أبا شجرة أسلم ، فلمّا كان زمن عمر قدم المدينة ، فرأى عمر وهو يقسم في المساكين ، فقال : اعطني فانّي ذو حاجة ، فقال : ومن أنت ؟ فقال : أنا أبو شجرة
ص: 110
السلمى ، قال : اي عدوّ اللَّه ، [ لا ] واللَّه ، ألست الذي تقول : « فروّيت رمحي » . . . البيت . وجعل بعلوه بالدرّة في رأسه حتّى سبقه عدوا إلى ناقته ، فركبها ولحق بقومه وقال :
ضنّ علينا أبو حفص بنائله * وكلّ مختبط يوماً له ورق(1)
وقال أبو عمرو : كان سواد بن قارب يتكهّن في الجاهليّة ، وكان شاعراً ثمّ أسلم ، وداعيه عمر يوماً فقال : ما فعلت كَهانتك يا سواد ؟ فغضب وقال : ما كنّا عليه نحن وأنت يا عمر من جهلنا ، وكفرنا شرّ من الكهانة ، فما لك تعيّرني بشي ء تبت منه(2) .
وفي غزوة هوازن ولمّا سمع بهم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بعث إليهم عبداللَّه بن أبي حدرد الأسلمي ، وأمره أن يدخل في الناس فيقيم فيهم حتّى يأتيه بخبر منهم ويعلم من علمهم ، فانطلق ابن أبي حدرد ، فدخل فيهم ، فأقام معهم حتّى سمع وعلم ما قد أجمعوا له من حرب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، وعلم أمر مالك وأمر هوازن وما هم عليه ، ثمّ أتى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فأخبره الخبر ، فدعا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عمر بن الخطاب ، فأخبره خبر ابن أبي حدرد ، فقال عمر : كذب ! فقال ابن أبي حدرد : ان تكذبني فطالما كذبت بالحق يا عمر !(3)
ص: 111
عن الأصمعي قال : كلّم الناس عبدالرحمن بن عوف ان يكلم عمر بن الخطاب في أن يلين لهم ، فانّه قد أخافهم حتّى خاف الابكار في خدورهن ، فكلّمه عبدالرحمن ، فقال عمر : اني لا أجد لهم إلّا ذلك ، واللَّه لو انهم يعلمون ما عندي لأخذوا ثوبي عن عاتقي(1) .
وخطب عثمان ، فقال : لقد عبتم على أشياء ، ونقمتم اُموراً قد أقررتم لابن الخطاب مثلها ، ولكنّه وقمكم وقمعكم(2) ، ولم يجترء أحد يملأ بصره منه ، ولا يشير بطرفه إليه(3) .
ويدلّ على ذلك أيضاً ما روى ان ابن عبّاس لمّا أظهر بطلان مسألة العول بعد موت عمر قيل له : من أوّل من أعال الفرائض ؟ فقال : انّ أوّل من أعال الفريضة عمر بن الخطاب ، فقيل له : هلّا اشرت عليه ؟ فقال : هبته(4) .
وان عمر هو الذي أغلظ على جبلة بن الأيهم حتّى اضطرّه إلى مفارقة دار الهجرة ، بل مفارقة دار الاسلام كلّها ، وعاد مرتدّاً داخلاً في دين النصرانيّة لأجل لطمة لطمها ، وقال جبلة بعد ارتداده متندّماً على ما فعل :
تنصّرت الأشراف من أجل لطمة * وما كان فيها لو صبرت لها ضرر
فياليت اُمّي لم تلدني وليتني * رجعت إلى القول الذي قاله عمر(5)
ص: 112
لا بأس بالاشارة إلى بعض عثراته ونبذ من جهالاته ويسير من هفواته وزلاته :
منها : قال النظام - وهو أحد شيوخ المعتزلة - تغريب عمر نصر بن الحجاج من المدينة إلى البصرة وايداعه التراويح ونهيه عن متعة الحج ومصادرته العمال ، كلّ ذلك أحدث(1) .
ومنها : قال ابن أبي الحديد : ان نسوة كنّ عند رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قد كثر لغطهن ، فجاء عمر ، فهربْنَ هيبةً له ، فقال لهنّ : يا عديات أنفسهن ، أتهبنني ولا تهبن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ؟ قلن : نعم ، أنت أغلظ وأفظ(2) .
ومنها : عن ابن عبّاس قال : قدم سلمان من غيبة له ، فتلقّاه عمر ، فقال : أرضاك للَّه عبداً ، قال : فزوّجني ، قال : فسكت عنه ، قال : أترضاني للَّه عبداً ولا ترضاني لنفسك(3) .
ومنها : عن عبداللَّه بن بريدة عن أبيه : ان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله اشترى سلمان من قوم من اليهود بكذا وكذا درهما وعلى أن يغرس لهم كذا وكذا من النخل ، يعمل فيها سلمان حتّى تدرك ، فغرس رسول اللَّه صلی الله علیه وآله النخل كلّه إلّا نخلة واحدة غرسها عمر ، فاطعم النخل كلّه إلّا تلك النخلة ، فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من غرسها ؟ فقالوا : عمر ، فقلعها رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وغرسها ، فأطعمت من عامها(4) .
ومنها : عن أبي بكر بن حزم قال : توضّأ رجل فمسح على خفيه ، فدخل
ص: 113
المسجد فصلّى ، فجاء علي علیه السلام فوطى على رقبته فقال : « ويلك تصلي على غير وضوء ؟ » ، فقال : أمرني عمر بن الخطاب ، قال : فأخذ بيده فانتهى به إليه ، فقال علیه السلام : « انظر ما يروي هذا عليك » - ورفع صوته - فقال : نعم أنا أمرته ، انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله مسح ، قال علیه السلام : « قبل المائدة أو بعدها ؟ » قال : لا أدري ، قال : « فلم تفتي وأنت لا تدري ، سبق الكتاب الخفين »(1).
ومنها : عن أبي سعيد الخدري قال : خطبنا عمر بن الخطاب فقال : انّي لعلّي أنهاكم عن أشياء تصلح لكم ، وآمركم بأشياء لا تصلح لكم ، وإن مِن آخر القرآن نزولاً آية الربا(2) وانّه قد مات رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ولم يبيّنها لنا(3) .
قال المحقّق التستري : قوله هذا يكذّب قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ )(4) .
ص: 114
ومنها : قال ابن أبي الحديد : كان الناس بعد وفاة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يأتون الشجرة التي كانت بيعة الرضوان تحتها فيصلّون عندها ، فقال عمر : أراكم أيّها الناس رجعتم إلى العزى ! ألا لا أوتي منذ اليوم بأحد عاد لمثلها إلّا قتلته بالسيف كما يقتل المرتد ، ثمّ أمر بها فقطعت(1) .
قال المحقّق التستري ؛ : وعلى ما رأى تكون الصلاة في مقام إبراهيم علیه السلام رجوعاً إلى اللّات والمناة(2) .
ومنها : قد ذكر أبو نعيم الحافظ ، عن أبي عسيب مولى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال : خرج علينا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ليلاً ، فخرجت إليه ، ثمّ مرّ بأبي بكر فدعاه ، فخرج إليه ، ثمّ مرّ بعمر فدعاه ، فخرج إليه ، فانطلق حتّى دخل حائطاً لبعض الانصار ، فقال لصاحب الحائط : « أطعمنا بسراً » فجاء بعذق فوضعه ، فأكلوا ، ثمّ دعا بماء فشرب ، فقال صلی الله علیه وآله : « لتسئلنّ عن هذا يوم القيامة » قال : وأخذ عمر العذق ، فضرب به الأرض حتّى تناثر البسر نحو وجه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، قال : يا رسول اللَّه ، أنا لمسؤولون عن هذا يوم القيامة ؟ قال : « نعم إلّا من ثلاث : كسرة يسدّ بها جوعته ، أو ثوب يستر به عورته ، أو حجر يأوي فيه من الحرّ والقر »(3) .
ومنها : عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « أخّر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ليلة من الليالي العشاء الآخرة ما شاء اللَّه ، فجاء عمر فدقّ الباب ، فقال : يا رسول اللَّه نام النساء ، نام الصبيان ، فخرج رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فقال : ليس لكم أن تؤذوني ولا تأمروني »... إلخ(4) .
ومنها : عن زرارة قال أبو جعفر علیه السلام : « وكان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم علیه السلام عند جدار البيت ، فلم يزل هناك حتّى حوّله أهل الجاهليّة إلى المكان الذي هو فيه اليوم ، فلمّا فتح النبي صلی الله علیه وآله مكّة ردّه إلى الموضع الذي وضعه إبراهيم علیه السلام فلم يزل هناك إلى أن ولى عمر بن الخطاب . . . ثمّ ردّه إلى ذلك المكان » [أي مكان أهل الجاهليّة](5) .
ص: 115
ومنها : روى ابن شاهين باسناده عن ابن اسحاق عن ابن شهاب قال : حدّثت عن المغيرة بن شعبة قال : قدمت على عمر بن الخطاب فوجدته لا يورث الجدتين : اُمّ الاُمّ ولا اُمّ الأب ، قال : فقلت له : قد عرفت خصماء أتوا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يعني في الجدّة ، فورثها ، قال : ووجدته لا يورث الورثة من الدية شيئاً ، فقلت : كان حمل بن مالك بن النابغة الهذلي تحته امرأتان ، احداهما حُبلى وان امرأته الاُخرى قتلت الحبلى ، فرفع أمرهما إلى النبي صلی الله علیه وآله ، فقضى أن يعقل عن القاتلة عصبتها ، وإن يرث المقتولة ورثتها - وذكر الحديث - قال : فأقبل رجل من هذيل يقال له : شريك بن وائلة إلى عمر بن الخطاب ، فقصّ عليه حديث امرأتي حمل بن مالك(1) .
ومنها : كان عمر جعل الثلث للاخوة للاُمّ ، ولم يجعل للاخوّة للأب والاُمّ شيئاً ، فراجعه الاخوة للأب والاُم وقالوا له : هب إن أبانا كان حماراً فأشركنا بقرابة اُمّنا ، فاشرك بينهم ، فسميت الفريضة مشركة(2) .
ومنها ان وفد مصر أتوا عثمان فقالوا له : ادع بالمصحف ، فدعا بالمصحف ، فقالوا له : افتح التاسعة في تاريخ خليفة بن خياط : مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ )(3) قالوا له : قف ، فقالوا له : أرأيت ما حميت من الحمى ؟ اللَّه أذن لك أم على اللَّه تفتري ؟ قال : إن عمر حمى الحمى قبلي لابل
ص: 116
الصدقة ، فلمّا ولّيت زادت ابل الصدقة فزدت في الحمى لما زاد في ابل الصدقة(1) .
قال المحقّق التستري ؛ : فعل عمر لم يكن حجّة لعثمان ، والآية تتوجه بعمومها عليهما والزيادة والنقصان لا مدخليّة لهما في المشروعيّة وعدمها(2) .
ومنها عن فاطمة ابنة قيس انّها قالت : طلّقها زوجها ثلاثاً ، فبلغ ذلك إلى النبي صلی الله علیه وآله ، فلم يجعل لها سكنى ولا نفقة - إلى أن قال - فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فقال عمر : لا ندع كتاب اللَّه بقول امرأة لعلّها نسيت(3) .
قال المحقّق التستري ؛ : قولها لم يكن مخالفاً لكتاب اللَّه تعالى ، لأنّه تعالى إنّما جعل السكنى للرجعيّة لكونها في حكم الزوجة مادامت العدّة باقية ، لا البائنة ، ولكن الرجل لم يفهم الكتاب فردّ السنة(4) .
ومنها : روى عمرو بن ثابت عن أبيه ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة قال : اُتي عمر بن الخطاب بامرأة تزوّجها شيخ ، فلمّا أن واقعها مات على بطنها ، فجائت بولد فادعى بنوه انّها فجرت وتشاهدوا عليها ، فأمر بها عمر أن ترجم ، فمرّوا بها على علي بن أبي طالب علیه السلام ، فقالت : يابن عم رسول اللَّه اني مظلومة وهذه حجّتي ، فقال : « هاتي حجّتك » ، فدفعت إليه كتاباً ، فقرأه ، فقال : هذه المرأة تعلمكم بيوم تزوّجها ويوم واقعها وكيف كان جماعه لها ، ردّوا المرأة ، فلمّا كان من الغد دعا علي علیه السلام بصبيان يلعبون أتراب وفيهم ابنها ، فقال لهم : العبوا ، فلعبوا
ص: 117
حتّى إذا ألهام اللعب ، فصاح بهم ، فقاموا وقام الغلام الذي هو ابن المرأة متّكئاً على راحتيه ، فدعا به علي علیه السلام ، فورّثه من أبيه ، وجلد اخوته المفترين حدّاً حدّاً ، فقال له عمر : كيف صنعت ؟ قال علیه السلام : « عرفت ضعف الشيخ في تكأة الغلام على راحتيه »(1) .
ومنها : روى سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال : أتى عمر بن الخطاب بجارية ، فشهد عليها شهود انّها بغت ، وكان من قصّتها انّها كانت يتيمة عند رجل ، وكان للرجل امرأة ، وكان الرجل كثيراً ما يغيب عن أهله ، فشبّت اليتيمة وكانت جميلة ، فتخوّفت المرأة أن يتزوّجها زوجها إذا رجع إلى منزله ، فدعت بنسوة من جيرانها فأمسكنها ، ثمّ اقتضّتها(2) باصبعها ، فلمّا قدم زوجها سأل امرأته عن اليتيمة ، فرمتها بالفاحشة وأقامت البيّنة من جيرانها على ذلك ، قال : فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب ، فلم يدر كيف يقضي في ذلك ، فقال للرجل : اذهب بها إلى علي بن أبي طالب علیه السلام ، فأتوا عليّاً وقصّوا عليه القصّة ، فقال لامرأة آلرجل : « ألك بيّنة ؟ » قالت : نعم هؤلاء جيراني(3) يشهدون عليها بما أقول ، فأخرج علي علیه السلام السيف من غمده وطرحه بين يديه ، ثمّ أمر بكلّ واحدة من الشهود فأدخلت بيتاً ، ثمّ دعا بامرأة الرجل فأدارها بكلّ وجه ، فأبت أن تزول عن قولها ، فردّها إلى البيت الذي كانت فيه ، ثمّ دعا باحدى الشهود وجثا على ركبتيه وقال لها : « أتعرفيني أنا علي بن أبي طالب وهذا سيفي وقد قالت امرأة الرجل ما قالت
ص: 118
ورجعت إلى الحق وأعطيتها الأمان ، فاصدقيني وإلّا ملأت سيفي منك » فالتفتت المرأة إلى علي علیه السلام(1) فقالت : يا أميرالمؤمنين الأمان على الصدق ؟ فقال لها علي علیه السلام : « فاصدقي » ، فقالت : لا واللَّه ، ما زنت اليتيمة ولكن امرأة الرجل لمّا رأت حسنها وجمالها وهيئتها خافت فساد زوجها ، فسقتها المسكر ، ودعتنا فامسكناها فاقتضتها باصبعها ، فقال علي علیه السلام : « اللَّه أكبر ، اللَّه أكبر ، أنا أوّل من فرّق بين الشهود إلّا دانيال » ، ثمّ حدّ المرأة حدّ القاذف وألزمها ومن ساعدها على اقتضاض اليتيمة المهر لها أربع مائة درهم ، وفرّق بين المرأة وزوجها ، وزوّجه اليتيمة ، وساق عنه المهر إليها من ماله .
فقال عمر بن الخطّاب : فحدّثنا يا أبا الحسن بحديث دانيال النبي علیه السلام ، فقال : « إنّ دانيال كان غلاماً يتيماً لا أب له ولا اُم ، وانّ امرأة من بني إ سرائيل عجوزاً ضمّته إليها وربّته ، وإن ملكاً من ملوك بني إ سرائيل كان له قاضيان ، وكان له صديق وكان رجلاً صالحاً ، وكانت له امرأة جميلة وكان يأتي الملك فيحدّثه فاحتاج الملك إلى رجل يبعثه في بعض اُموره ، فقال للقاضيين : اختارا لي رجلاً أبعثه في بعض اُموري ، فقالا : فلان ، فوجّهه الملك ، فقال الرجل للقاضيين : اُوصيكما بأمرأتي خيراً ، فقالا : نعم ، فخرج الرجل وكان القاضيان يأتيان باب الصديق ، فعشقا امرأته ، فراوداها عن نفسها ، فأبت عليهما ، فقالا لها : إن لم تفعلي شهدنا عليك عند الملك بالزنا ليرجمك ، فقالت : افعلا ما شئتما ، فأتيا الملك ، فشهدا عليها انّها بغت وكان لها ذكرٌ حسنٌ جميلٌ ، فدخل الملك من ذلك أمر عظيم اشتدّ غمّه وكان بها معجباً ، فقال لهما : انّ قولكما مقبول ، فأجّلوها ثلاثة أيّام ثمّ
ص: 119
ارجموها ، ونادى في مدينته احضروا قتل فلانة العابدة فانّها قد بغت ، وقد شهد عليها القاضيان بذلك ، فأكثر الناس القول في ذلك ، فقال الملك لوزيره : ما عندك في هذا حيلة ؟
فقال : لا واللَّه ، ما عندي في هذا شي ء .
فلمّا كان اليوم الثالث ركب الوزير وهو آخر أيّامها ، فاذا هو بغلمان عراة يلعبون ، وفيهم دانيال ، فقال دانيال : يا معشر الصبيان تعالوا حتّى أكون أنا الملك وتكون أنت يا فلان ، فلانة العابدة ويكون فلان وفلان القاضيين الشاهدين عليها ، ثمّ جمع تراباً وجعل سيفاً من قصبٍ ، ثمّ قال للغلمان : خذوا بيد هذا فنحّوه إلى موضع كذا - والوزير واقف - وخذوا هذا فنحّوه إلى موضع كذا ، ثمّ دعا بأحدهما فقال : قل حقّاً فانّك إن لم تقل حقّاً قتلتك ، قال : نعم - والوزير يسمع : فقال له : بم تشهد على هذه المرأة ؟ قال : أشهد أنّها زنت ، قال : في أيّ يوم ؟ قال : في يوم كذا وكذا ، قال : في أيّ وقت ؟ قال : في وقت كذا وكذا ، قال : في أيّ موضعٍ ؟ قال : في موضع كذا وكذا ، قال : مع من ؟ قال : مع فلان بن فلان ، فقال : ردّوا هذا إلى مكانه ، وهاتوا الآخر ، فردّوه وجاؤوا بالآخر فسأله عن ذلك ، فخالف صاحبه في القول ، فقال دانيال : اللَّه أكبر اللَّه أكبر شهدا عليها بزور ، ثمّ نادى في الغلمان انّ القاضيين شهدا على فلانة بالزور فاحضروا قتلهما ، فذهب الوزير إلى الملك مبادراً ، فأخبره بالخبر فبعث الملك إلى القاضيين فأحضرهما ثمّ فرّق بينهما ، وفعل بهما كما فعل دانيال بالغلامين فاختلفا كما اختلفا ، فنادى في الناس وأمر بقتلهما »(1) .
ومنها : عن إبراهيم بن محمّد الثقفي قال : استودع رجلان امرأة وديعة وقالا
ص: 120
لها : لا تدفعي إلى واحد منّا حتّى نجتمع عندك ، ثمّ انطلقا فغابا ، فجاء أحدهما إليها وقال : أعطيني وديعتي ، فانّ صاحبي قد مات ، فأبت حتّى كثر اختلافه إليها ، ثمّ أعطته ، ثمّ جاء الآخر فقال : هاتي وديعتي ، قالت : أخذها صاحبك وذكر انّك قدمت ، فارتفعا إلى عمر ، فقال لها عمر : ما أراك إلّا وقد ضمنت ؟ فقالت المرأة اجعل عليّاً علیه السلام بيني وبينه ، فقال له : اقض بينهما ، فقال علي علیه السلام : « هذه الوديعة عندها وقد أمرتماها ألّا تدفعها إلى واحد منكما حتّى تجتمعا عندها ، فائتني بصاحبك ولم يضمنها » ، وقال علي علیه السلام : « إنّما أرادا أن يذهبا بمال المرأة »(1) .
ومنها : ان عمر كان يعسّ بالليل فسمع صوت رجل وامرأة في بيت فارتاب ، فتسوّر الحائط ، فوجه امرأة ورجلاً وعندهما زقّ خمر ، فقال : يا عدوّ اللَّه أكنت ترى انّ اللَّه يسترك وأنت على معصيته ؟ قال : إن كنت أخطأت في واحدة فقد أخطأت في ثلاث ، قال اللَّه تعالى : ( وَلَا تَجَسَّسُوا )(2) ، وقد تجسست ، وقال : ( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا )(3) ، وقد تسوّرت ، وقال : ( فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا )(4) ، وما سلّمت(5) .
ومنها : قال عمر : متعتان كانتا على عهد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وأنا محرمهما ومعاقب عليهما ، متعة النساء ومتعة الحج ، قال ابن أبي الحديد : وهذا الكلام وإن كان ظاهره منكراً فله عندنا مخرج وتأويل(6) .
ص: 121
لكن يقال : هو باق على منكريته والتأويل الذي ارتبكوه ممّا لا يسمن ولا يغني من جوع .
ومنها : عن مالك انه بلغه : ان المؤذن جاء إلى عمر بن الخطاب ، يؤذنه لصلاة الصبح ، فوجده نائماً ، فقال : الصلاة خير من النوم ، فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح(1) .
ومنها عن سعيد بن جبير قال : جعل ابن عبّاس يبكي ويقول : يوم الخميس وما يوم الخميس ، اشتدّ بالنبي صلی الله علیه وآله وجعه ، فقال : « ائتوني بدواة وصحيفه اكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً » ، فقال بعض من كان عنده : انّ نبيّ اللَّه ليهجر ، فقيل له : ألا نأتيك بما طلبت ؟ قال : « أو بعد ماذا » ، فلم يدع به(2) .
وروى في اسناد آخر : قال ابن عباس : يوم الخميس وما يوم الخميس ؟ قال : اشتدّ برسول اللَّه صلی الله علیه وآله وجعه في ذلك اليوم ، فقال : « ائتوني بدواة وصحيفة اكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً » ، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبيّ تنازع ، فقالوا : ما شأنه أهجر استفهموه فذهبوا يعيدون عليه ، فقال : « دعوني فالذي أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه »(3) .
ومنها : عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري قال : لمّا كان في مرض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله الذي توفي فيه دعا بصحيفة ليكتب فيها لاُمّته كتاباً لا يضلّون ولا يضلون ، فكان في البيت لغط وكلام ، وتكلّم عمر بن الخطاب ، فرفضه النبي صلی الله علیه وآله(4) .
ص: 122
ومنها : عن عبيداللَّه بن عبداللَّه بن عتبة ، عن ابن عبّاس قال : لمّا حضرت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله الوفاة وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « هلمّ أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده » ، فقال عمر : ان رسول اللَّه قد غلبه الوجع وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب اللَّه ، فاختلف أهل البيت واختصموا ، فمنهم من يقول : قربوا يكتب لكم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ومنهم من يقول : ما قال عمر ، فلمّا كثر اللغط والاختلاف وغموا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فقال : « قوموا عني » ، فقال عبيداللَّه بن عبداللَّه فكان ابن عبّاس يقول : الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم(1) .
وروى عن عمر بن الخطّاب قال : كنّا عند النبي صلی الله علیه وآله وبيننا وبين النساء حجاب ، فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « ايتوني بصحيفة ودواة اكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً » ، فقال النسوة : ائتوا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بحاجته ، قال عمر : فقلت : اسكتن ، فانكن صواحبة إذا مرض عصرتن أعينكن ، وإذا صحّ أخذتن بعنقه ، فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « هنّ خيرٌ منكم »(2) .
وروى عن ابن عبّاس : ان النبي صلی الله علیه وآله قال في مرضه الذي مات فيه : « ائتوني بدواة وصحيفة اكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً » ، فقال عمر بن الخطاب : من لفلانة وفلانة مدائن الروم ؟ ان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ليس بميّت حتّى نفتتحها ، ولو مات لانتظرناه كما انتظرت بنوإ سرائيل موسى ، فقالت زينب زوج النبي صلی الله علیه وآله : ألا تسمعون النبيّ صلی الله علیه وآله يعهد إليكم ؟ فلغطوا ، فقال صلی الله علیه وآله : « قوموا » فلمّا قاموا قبض
ص: 123
النبي صلی الله علیه وآله مكانه(1) .
ومنها : انّ عمران بن سوادة قال لعمر : عابت اُمّتك منك أربعاً ، فوضع رأس درته في ذقنه ، ووضع أسفلها على فخذه ، ثمّ قال : هات ، قلت : ذكروا انّك حرمت العمرة في أشهر الحج ، ولم يفعل ذلك رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ولا أبو بكر وهي حلال ، قال : هي حلال ، لو أنّهم اعتمروا في أشهر الحج رأوها مجزية من حجّهم ، فكانت قائبة قوب عامها فقرع حجهم وهو بهاء من بهاء اللَّه وقد أصبت ، قلت : وذكروا انك حرمت متعة النساء وقد كانت رخصة من اللَّه نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث .
قال : ان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أحلّها في زمان ضرورة ، ثمّ رجع الناس إلى السعة ، ثمّ لم أعلم أحداً من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها ، فالان من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق وقد أصبت .
قال : قلت : واعتقت الأمة إن وضعت ذا بطنها بغير عتاقة سيّدها ، قال : الحقت حرمة بحرمة ، وما أردت إلّا الخير - إلى أن قال - قلت : وتشكوا منك نهر الرعية وعنف السياق . قال : فشرع الدرّة ثمّ مسحها(2) .
قال ابن أبي الحديد : وكان عمر يفتى كثيراً بالحكم ثمّ ينقضه ويفتى بضدّه وخلافه ، قضى في الجد مع الاخوة قضايا كثيرة مختلفة ، ثمّ خاف من الحكم في
ص: 124
هذه المسألة ، فقال : من أراد أن يتقحم(1) جراثيم(2) جهنم فليقل في الجد برأيه(3) .
وقال أيضاً : لمّا مات رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وشاع بين الناس موته طاف عمر على الناس قائلا : إنّه لم يمت ولكنّه غاب عنّا كما غاب موسى عن قومه وليرجعن ، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنّه مات ، فجعل لا يمرّ بأحد يقول : إنّه مات إلّا ويخبطه ويتوعده حتّى جاء أبوبكر فقال : أيّها الناس من كان يعبد محمّداً فإنّ محمّداً قد مات ومن كان يعبد ربّ محمّد فانّه حيّ لم يمت ثمّ تلا قوله تعالى : ( أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ )(4) ، قالوا : فواللَّه لكان الناس ما سمعوا هذه الآية حتّى تلاها أبوبكر ، وقال عمر : لما سمعته يتلوها هويت إلى الأرض وعلمت ان رسول اللَّه قد مات(5) .
أقول : كيف يجوز أن يكون اماماً واجب الطاعة على جميع الخلق من هذه حاله .
ومنها : ما رواه أيضاً من أنّه : قال مرة لا يبلغني أن امرأة تجاوز صداقها صداق نساء النبي صلی الله علیه وآله إلّا ارتجعت ذلك منها ، فقالت له امرأة : ما جعل اللَّه لك ذلك إنّه تعالى قال : ( وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً
ص: 125
مُبِيناً )(1) فقال : كلّ النساء أفقه من عمر حتّى ربات الحجال ، ألا تعجبون من إمام أخطأ وامرأة أصابت فاضلت إمامكم ففضلته(2) .
ومنها : ما رواه أيضاً من انّه مرّ يوماً بشاب من فتيان الأنصار وهو ظمآن ، فاستسقاه فجدح(3) له ماء بعسل ، فلم يشربه وقال إن اللَّه تعالى يقول : ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا ) فقال له الفتى : يا أميرالمؤمنين إنّها ليست لك ولا لأحد من هذه القبيلة ، اقرأ ما قبلها ( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا )(4) فقال عمر كل : الناس أفقه من عمر(5) .
ومنها : انه أمر برجم امرأة حامل . فقال له أميرالمؤمنين علیه السلام : إن كان لك عليها سبيل فليس لك على ما في بطنها سبيل ، فقال عمر : لو لا علي لهلك عمر(6) .
ومنها : انّه أمر برجم مجنونة فنبّهه أميرالمؤمنين علیه السلام وقال : « القلم مرفوع عن المجنون حتّى يفيق » ، فقال : لو لا علي لهلك عمر(7).
ومنها : ان عمر أمر أن يؤتى بامرأة لحال اقتضت ذلك وكانت حاملاً ، فانزعجت من هيبته فاجهزت(8) جنياً ، فجمع جمعاً من الصحابة وسألهم ماذا يجب عليه ، فقالوا : أنت مجتهد ( مؤدب - خ ل ) ولا نرى انّه يجب عليك شي ء ،
ص: 126
فراجع عليّاً علیه السلام في ذلك وأعلمه بما قال بعض الصحابة ، فأنكر ذلك وقال : « إن كان ذلك عن اجتهاد منهم فقد أخطأوا ، وإن لم يكن عن اجتهاد فقد غشّوك ، أرى عليك الغرّة » ، فعندها قال : لا عشت لمعضلة لا تكون لها يا أبا الحسن . ورواه الشارح المعتزلي بتغيير في متنه(1) .
ومنها : عن محمّد بن منصور - واللفظ لأبي العيناء - قال : كنّا مع المأمون في طريق الشام ، فأمر فنودي بتحليل المتعة - إلى أن قال - ويقول - وهو مغتاظ - : « متعتان كانتا على عهد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وعلى عهد أبي بكر ، وأنا أنهى عنهما » ومن أنت يا أحول حتّى تنهى عمّا فعله النبي صلی الله علیه وآله ؟(2)
ومنها : انّ المغيرة بن شعبة تكنى بأبي عيسى ، فقال له عمر : أما يكفيك أن تكنى بأبي عبداللَّه ؟ فقال : انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله كناني . فقال : انّ رسول اللَّه قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، وأنا في جلجتنا(3) : أي ضيق كضيق الحباب(4) .
أقول : مع ان كلّ أحد يعلم ان فعل النبي صلی الله علیه وآله حجّة ليس مراده من قوله : « ان رسول اللَّه قد غفر له » إلّا انّه صلی الله علیه وآله قد أخطأ في فعله وإن ذلك كان ذنباً منه وإن وعده تعالى بالغفران .
ومنها : عن أبي موسى انه أتى عمر فاستأذن ثلاثاً ، فقال : يستأذن أبو موسى ، يستأذن الأشعري ، يستأذن عبداللَّه بن قيس ، فلم يؤذن له ، فرجع ، فبعث إليه عمر : ما ردّك ؟ قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « يستأذن أحدكم ثلاثاً ، فان أذن له وإلّا
ص: 127
فليرجع » قال : ائتني ببينة على هذا ، فذهب ثمّ رجع ، فقال : هذا أبي ، فقال أبي : يا عمر لا تكن عذاباً على أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله(1) .
وروى في خبر آخر : فانطلق بأبي سعيد ( الخدري ) ، فشهد له ، فقال : أخفى على هذا من أمر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، الهانى الصفق ( السفق ) بالأسواق(2) .
وروى انه ذكر عند عمر بن الخطاب في أيّامه حُلْىُ الكعبة وكثرته ، فقال قوم : لو أخذته فجهّزت به جيوش المسلمين كان أعظم للأجر ، وما تصنع الكعبة بالحلى ؟ فهمّ عمر بذلك ، وسأل عنه أميرالمؤمنين علیه السلام فقال علیه السلام : « ان القرآن أنزل على النبي صلی الله علیه وآله والأموال أربعة : أموال المسلمين فقسّمها بين الورثة في الفرائض ، والفي ء فقسّمه على مستحقّيه ، والخمس فوضعه اللَّه حيث وضعه ، والصدقات فجعلها اللَّه حيث جعلها ، وكان حلى الكعبة فيها يومئذٍ فتركه اللَّه على حاله ، ولم يتركه نسياناً ، ولم يخف عليه مكاناً ، فاقرّه حيث أقرّه اللَّه ورسوله صلی الله علیه وآله » ، فقال له عمر : لولاك لافتضحنا ، وترك الحلى بحاله(3) .
وروى ان عمر بن الخطاب سأل رجلاً : كيف أنت ؟ فقال : من يحب الفتنة ؟ ويكره الحق ، ويشهد على ما لم يره ، فأمر به إلى السجن ، فأمره علي علیه السلام برده ، فقال علیه السلام : « صدق » قال : كيف صدقته ؟ قال علیه السلام : « يجب المال والولد وقد قال اللَّه تعالى : ( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ )(4) ، ويكره الموت وهو الحق ، ويشهد انّ محمّداً صلی الله علیه وآله رسول اللَّه ولم يره ، فأمر عمر باطلاقه وقال : ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ
ص: 128
وعن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن علي علیه السلام قال : « لمّا كان في ولاية عمر ، أتى بامرأة حامل فسألها عمر ، فاعترفت بالفجور ، فأمر بها عمر ج أن ج ترجم ، فلقيها علي بن أبي طالب علیه السلام فقال : ما بال هذه ؟ فقالوا : أمر بها أن ترجم ، فردّها علي علیه السلام فقال ج لعمر ج : « أمرت بها أن ترجم ؟ » فقال : نعم اعترفت عندي بالفجور فقال علیه السلام : « هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما في بطنها ؟ » ثم قال له علي : « فلعلك انتهرتها أو أخفتها » فقال : قد كان ذلك ، قال : « أو ما سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : لا حدّ على معترف بعد بلاء ، إنه من قيدت أو حبست أو تهددت فلا إقرار له » ، فخلى عمر سبيلها ، ثم قال : عجزت النساء أن تلدن مثل علي بن أبي طالب لو لا علي لهلك عمر(3) .
وفي ( المناقب ) كان الهيثم في جيش ، فلمّا جاءت امرأته بعد قدومه بستة أشهر بولد فأنكر ذلك منها ، وجاء به عمر وقصّ عليه ، فأمر برجمها ، فأدركها علي من قبل أن ترجم ، ثم قال لعمر : « أربع على نفسك إنها صدقت إن اللَّه تعالى يقول : ( وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً )(4) وقال : ( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ )(5) فالحمل والرضاع ثلاثون شهرا » فقال عمر : لو لا علي لهلك عمر وخلى سبيلها وألحق الولد بالرجل(6) .
ص: 129
إلى غير ذلك من الموارد التي يقف عليها المتتبّع ويمكن للقارئ مراجعة : « الامام علي علیه السلام في آراء الخلفاء : صلی الله علیه وآله2 ) ليطلع على الحقائق والمصادر .
إذ هم الذين اتّبعوا آثار النبوّة واقتبسوا أنوار الرسالة وهم المحدّثون المفهمون المؤيّدون بروح القدس ويدلّ عليه ما عن جعيد الهمداني قال : سألت علي بن الحسين علیه السلام بأيّ حكم تحكمون قال علیه السلام : « نحكم بحكمِ آلِ داود ، فان عيينا شيئاً تلقّانا به روح القدس »(1) .
وعن عمّار الساباطي قال : قلت لأبي عبداللَّه علیه السلام : بما تحكمون إذا حكمتم ؟ فقال : « بحكم اللَّه وحكم داود ، فاذا ورد علينا شي ء ليس عندنا تلقّانا به روح القدس »(2) .
وعن علي بن عبدالعزيز عن أبيه قال : قلت لأبي عبداللَّه علیه السلام : جعلت فداك ، ان الناس يزعمون ان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وجّه عليّاً علیه السلام إلى اليمن ليقضي بينهم فقال علي علیه السلام : « فما وردت عليَّ قضيّة الّا حكمت فيها بحكم اللَّه وحكم رسوله صلی الله علیه وآله » ، فقال : صدقوا ، قلت : وكيف ذاك ولم يكن اُنزِل القرآن كلّه وقد كان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله غائباً عنه ، فقال : تتلقّاه به روح القدس(3) .
ص: 130
لما قعد عمر في الخلافة أتاه رجل فقال : ادنو منك ؟ فانّ لي حاجة ، قال عمر : لا ، قال الرجل : إذا أذهب فيغنيني اللَّه عنك ، فولّى ذاهباً ، فاتّبعه عمر ببصره ، ثمّ قام فأخذه بثوبه ، فقال له : ما حاجتك ؟ فقال الرجل : بغضك الناس ، وكرهك الناس ، قال عمر : ولم ويحك ؟ قال الرجل : للسانك وعصاك(1) .
وقال ابن قتيبة أيضاً : كان أهل الشام قد بلغهم مرض أبي بكر ، واستبطئوا الخبر ، فقال : إنّا لنخاف أن يكون الخليفة قد مات ، وولّى بعده عمر ، فان كان عمر هو الوالي فليس لنا بصاحب وانا نرى خلعه ، قال بعضهم : فابعثوا رجلاً ترضون عقله ، فانتخبوا لذلك رجلاً ، فقدم على عمر ، وقد كان عمر استبطأ خبر أهل الشام ، فلمّا أتاه قال له : كيف الناس ؟ قال : سالمون صالحون ، وهم كارهون لولايتك ، ومن شرك مشفقون ، فأرسلوني انظر أحلو أنت أم مر ؟... الخ .
ومن المضحك ان ابن قتيبة بعد نقل قضيتين قال : ان عمر دعا لحب الناس له فاستجيب دعائه .
قلت : استجابة دعائه في ذلك كاستجابة دعائه حين موته بعد تعيينه ستّة الشورى ، فقال في دعائه : « اللهمّ ألّفهم واجمعهم على الحقّ ، ولا تردّهم على أعقابهم ، وولّ أمر اُمّة محمّد خيرهم »(2) فاستجيب دعائة وصار الأمر إلى بني اُميّة الذين لا يعتقدون ثواباً ولا عقاباً وكانوا يلعبون بالدين لعب الأطفال بالكرات .
ص: 131
عن عبدالعزيز وسعيد بن هريم انّ محمّداً وإبراهيم ابنا عبداللَّه بن الحسن المثنى كانا عند أبيهما ، فوردت إبل لمحمّد فيها ناقة شرود ، لا يردّ رأسها شي ء ، فجعل إبراهيم يحدّ النظر إليها ، فقال له محمّد : كأنّ نفسك تحدثك انّك رادّها ؟ قال : نعم ، قال : فان فعلت فهي لك ، فوثب إبراهيم فجعل يتغير لها ويتستّر بالابل حتّى إذا أمكنته جاءها ج هايجها - خ ل ج وأخذ بذنبها ، فاحتملته وأدبرت تمخض بذنبها حتّى غاب عن عين أبيه ، فأقبل على محمّد وقال له : قد عرضت أخاك للهكة ، فمكث هويا ثمّ أقبل مشتملاً بازاره حتّى وقف عليهما ، فقال له محمّد : كيف رأيت ؟ زعمت انّك رادّها وحابسها ؟ قال : فألقى ذنبها وقد انقطع في يده ، فقال : ما أعذر من جاء بهذا(1) .
ذكر ابن عبد ربّه في المجلّد الثاني من كتاب العقد قال : وخرج عمر بن الخطّاب ويده على المعلّى بن جارود ، فلقيته امرأة من قريش فقالت : يا عمر ! فوقف لها فقالت : كنّا نعرفك مرة عميرا ، ثمّ صرت من بعد عمير عمر ، ثمّ صرت من بعد عمر أميرالمؤمنين ، فاتّق اللَّه يابن الخطّاب وانظر في اُمورك واُمور الناس(2) .
والمرأة هي خولة بنت حكيم(3) التي نزلت فيها ( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ
ص: 132
فِي زَوْجِهَا )(1) .
وعن سماك بن حرب : كان عمر اروح(2) - والأروح الذي إذا مشى تتباعد صدور قدميه وتتدانى عقباه(3) - وكان خالد بن الوليد يسميه الأعيسر(4) - والأعسر الذي يعمل بيساره(5) - .
خَبْط عشواء : هي الناقة التي في بصرها ضعف تَخْبِط إذا مشت لا تتوقى(6) .
ويقال : « ما له خابط ولا ناطح » أي بعير ولا ثور ، لمن لا شي ء له(7) .
والخبط : ضرب الشجر بالعصا ليتناثر ورقها(8) .
والرجل كان مختبطاً في الجاهليّة وخابطاً في الاسلام ، أمّا اختباطه في الجاهليّة قال عمر : « لقد رأيتني بهذا الجبل احتطب مرّة واختبط اُخرى » أي أضرب الشجر لينتثر الخبط منه(9) .
وأمّا خبطه في الاسلام عن عبيدة بن عمرو قال : اني لأحفظ عن عمر في الجدّ
ص: 133
مائة قضيّة ، كلّها ينقض بعضها بعضاً(1) مع انّه قال : أجرأكم على الجدّ أجرأكم على النار(2) .
وقال بابنه عبداللَّه لمّا قال له الطبيب لا أرى أن تمسى ؛ ناولني الكتف ، فلو أراد اللَّه أن يمضي ما فيه أمضاه ، فمحاها بيده ، وكان فيها فريضة الجد(3) .
وقال الجاحظ قال إبراهيم : وليس يشبه رأي عمر صنيعه حين خالف اُبي بن كعب عبداللَّه بن مسعود في الصلاة في ثوب واحد ، لأنّه حين بلغه ذلك خرج مغضباً حتّى اسند ظهره إلى حجرة عايشة وقال : اختلف رجلان من أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ممّن يؤخذ عنهما ، لا أسمع أحداً يختلف في الحكم بعد مقامي هذا إلّا فعلت به وفعلت ، أفترى ان عمر نسى اختلاف قوله في الأحكام حتّى أنكر ما ظهر من الاختلاف عن الرجلين ؟ كلّا ، ولكنّه كان يناقض ويخبط خبط عشواء(4) .
وفي نيل الأوطار شاطر عمر عمّاله أموالهم(5) .
وفي تاريخ اليعقوبي : شاطر عمر جماعة مِن عماله أموالهم قيل : انّ فيهم سعد بن أبي وقّاص عامله على الكوفة ، وعمرو بن العاص عامله على مصر ، وأبا هريرة عامله على البحرين - إلى أن قال - ويعلي بن منية عامله على اليمن ، وامتنع أبوبكر من المشاطرة وقال : واللَّه لئن كان هذا المال للَّه فما يحل لك أن تأخذ بعضاً
ص: 134
وتترك بعضاً ، وإن كان لنا فما لك أخذه(1) .
وقال : ولم يكن يموت لمعاوية عامل إلّا شاطر ورثته ماله ، فكان يكلّم في ذلك فيقول : هذه سنّة سنّها عمر بن الخطّاب(2) .
ومن خبطه ، عن ابن عبّاس : انّ النبي صلی الله علیه وآله قال لأصحابه يوم بدر : ( في أوّل الوقعة ) اني عرفت انّ رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً ، لا حاجة لهم بقتالنا ، فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله ، من لقي العبّاس بن عبدالمطلب عمّ النبي صلی الله علیه وآله فلا يقتله فانّما اخرج مستكرهاً ، فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة : نقتل آبائنا وأبنائنا واخواننا وعشائرنا ونترك العبّاس ؟ واللَّه لئن لقيته لألحمنه(3) السيف ، قال : فبلغت مقالته رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فقال لعمر بن الخطّاب : أيضرب وجه عم رسول اللَّه بالسيف ؟ فقال عمر : دعني لأضرب عنق أبي حذيفة بالسيف ، فواللَّه لقد نافق(4) .
مع انه بعد ختم بدر جاء عمر نفسه إلى النبي صلی الله علیه وآله وقال له : أطعني فيما أشير به عليك ، فاني لا آلوك نصحاً ، قدم عمك العباس فاضرب عنقه بيدك وقدم عقيلاً إلى علي أخيه يضرب عنقه ، قال : فكره رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ذلك(5) فنسي قول النبي صلی الله علیه وآله في أوّل الواقعة وأراد ضرب عنق أبي حذيفة لأنه لم يكترث بقول النبي صلی الله علیه وآله : « من
ص: 135
لقي العبّاس عمّ النبي فلا يقتله فانما اخرج مستكرهاً » ، ثمّ يقول للنبي صلی الله علیه وآله : اضرب عنقه .
ويحلف ان أبا حذيفة نافق معه انّه كان مسلماً وإنّما قال ما قال عن العاطفة البشريّة بلا قصد مع ان أبا حذيفة كان في عمره يقول : « واللَّه ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذٍ ولا أزال منها خائفاً »(1) .
ومن خبطه وخبط صاحبه انّهما لم يقبلا قول فاطمة 3 بأنّ النبي صلی الله علیه وآله أعطاها فدك مع ان اللَّه تبارك وتعالى شهد بعصمتها في قوله : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )(2) وبكونها أقرب الخلق إليه من النساء في قوله تعالى : ( وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ )(3) وانّ النبي صلی الله علیه وآله شهد بجلالها وانّها سيّدة نساء العالمين ورضاها رضاه وسخطها سخطه ولكنّهما يقبلان قول من ادّعى ان النبي صلی الله علیه وآله وعده وعداً .
ففي فتوح البلدان : أمر المأمون بردّ فدك ودفعها إلى ولد فاطمة 3 وكتب بذلك إلى قثم بن جعفر عامله على المدينة : أمّا بعد فانّ المأمون بمكانه من دين اللَّه ، وخلافه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله والقرابة به أولى من استن سنته ، ونفذ أمره وسلم لمن منحه منحة ، وتصدّق عليه بصدقة ، منحته وصدقته ، وباللَّه توفيقه وعصمته ، وإليه في العمل بما يقربه إليه رغبته ، وقد كان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أعطى فاطمة بنت رسول اللَّه فدك وتصدّق بها عليها ، وكان ذلك أمراً ظاهراً معروفاً ، لا اختلاف فيه بين آل
ص: 136
رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، ولم تزل تدعى منه ما هو أولى به من صدق عليه ، فرأى ان يردها إلى ورثتها ويسلّمها إليهم تقرّباً إلى اللَّه تعالى باقامة حقّه وعدله ، وإلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بتنفيذ أمره وصدقته ، فأمر باثبات ذلك في دواوينه والكتاب به إلى عمّاله ، فلان كان ينادي في كلّ موسم بعد أن قبض اللَّه نبيّه صلی الله علیه وآله ان يذكر كلّ من كانت له صدقة أو هبة أو عدة ذلك فيقبل قوله وينفذ عدته ، ان فاطمة 3 لأولى بأن يصدق قولها فيما جعل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لها ، وقد كتب إلى المبارك الطبري مولاه يأمره بردّ فدك على ورثة فاطمة بنت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله . . . إلخ(1) .
أقول للمأمون : لا تعجب من عملها بأن يقبلا قول كلّ من ادّعى على النبي صلی الله علیه وآله صدقة أو هبة أو عدة ولم يقبلا قول بنتها في ذاك المقام لأنّهما أرادا أن يقولا نحن ننجز عدات النبي صلی الله علیه وآله ونقضي ديونه في مقابل أميرالمؤمنين صلی الله علیه وآله الذي كان مأموراً بذلك من النبي صلی الله علیه وآله ، وبهذا العمل مع بنته صلی الله علیه وآله أرادا أن يستأصلا أهل البيت : كما قال أميرالمؤمنين علیه السلام في شكايته : « بلى كانت في أيدينا فدك - إلى قوله - ونعم الحكم اللَّه »(2) .
ومن خطبه قوله للزبير بعد تعيينه في الشورى وذكر عيوبه أنت « يوما انسان ويوماً شيطان - إلى أن قال - فليت شعري من يكون للناس يوم تكون شيطاناً »(3) مع ان أبابكر الذي هو نصبه أقرّ « بأن له شيطاناً يعتريه »(4) وذلك رأى منه عياناً
ص: 137
في قصّة مالك بن نويرة وغدر خالد بن الوليد عامله به وقتله له مع اسلامه وزناه بامرأته ومداهنة أبي بكر في ذلك .
ومن خطبه انه يقول لطلحة بعد تعيينه في الشورى : « اما اني أعرفك منذ اصيبت اصبعك يوم اُحد والباو(1) الذي حدث لك ولقد مات رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ساخطاً عليك بالكلمة التي قلتها يوم انزلت آية الحجاب(2) .
قال أبو عثمان الجاحظ : الكلمة المذكورة ، ان طلحة لما أنزلت آية الحجاب قال بمحضر ممّن نقل عنه إلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : ما الذي يغنيه حجابهن اليوم وسيموت غداً فنكحهن .
قال أبو عثمان أيضاً : لو قال لعمر قائل : أنت قلت ان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله مات وهو راض عن الستة ، فكيف تقول الان لطلحة انه صلی الله علیه وآله مات ساخطاً عليك للكلمة التي قلتها لكان قد رماه بمشاقصه(3) ولكن من الذي يجسر على عمران يقول له ما دون هذا ، فكيف هذا ؟(4)
ومن خبطه عدم تسويته في العطاء مع كونه خلاف الكتاب والسنة ، قال علي علیه السلام لطلحة وزبير : « ألا تخبرانني أدفعتكما عن حق وجب لكما فظلمتكما اياه ؟ » قالا : معاذ اللَّه - إلى أن قال - فقال لهما : « فما الذي كرهتما من أمري حتّى رأيتما خلافي ؟ » قالا : خلافك عمر بن الخطاب في القسم انّك جعلت حقنا في
ص: 138
القسم كحق غيرنا - إلى أن قال - فقال علیه السلام لهما : « وأمّا القسم والاسوة : فان ذلك أمر لم أحكم فيه بادئ بدء ، قد وجدت أنا وأنتما رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يحكم بذلك ، وكتاب اللَّه ناطق به وهو الكتاب الذي ( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ )(1) »(2) .
ومن خبطه مخالفته النبي صلی الله علیه وآله في الصوم في السفر ، وفي بقائه على حج الافراد في حج النبي صلی الله علیه وآله مع أمره الناس بالعدول إلى حج التمتع(3) .
ومن خبطه ردّ شهادة المملوكين عن أبي عبداللَّه علیه السلام : « ان أوّل من ردّ شهادة المملوك عمر بن الخطاب »(4) .
ومن خبطه جمعه الناس على أربع تكبيرات في صلاة الجنائز ، ذكر أبو هلال العسكري صاحب كتاب الأوائل فقال فيه : ان أوّل من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات عمر بن الخطاب(5) .
وفي الطبري في غزوة حنين قال ابن اسحاق : ولمّا سمع بهم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بعث إليهم عبداللَّه بن أبي حدرد الأسلمي وأمره أن يدخل في الناس فيقيم فيهم حتّى يأتيه بخبر منهم ويعلم من علمهم ، فانطلق ابن أبي حدرد فدخل فيهم فأقام معهم حتّى سمع وعلم ما قد أجمعوا له من حرب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، وعلم أمر مالك
ص: 139
وأمر هوازن وما هم عليه ثمّ أتى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فأخبره الخبر ، فدعا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عمر بن الخطاب فأخبره خبر ابن أبي حدرد ، فقال عمر : كذب ، فقال ابن أبي حدرد : ان تكذّبني فطالما كذّبت بالحقّ يا عمر(1) .
وفي الاستيعاب : كان أبو خراش الهذلي ممّن يعدو على قدميه فيسبق الخيل(2) فأتاه نفر من أهل اليمن قدموا حجّاجاً ، والماء منهم غير بعيد ، فقال : يا بني عمى ، ما أمسى عندنا ماء ، ولكن هذه برمة وشاة ، فردوا الماء وكلوا شاتكم ، ثم دعوا برمتنا وقربتنا على الماء حتى نأخذها ، فقالوا : لا واللَّه ما نحن سائرين في ليلتنا هذه ، وما نحن ببارحين حيث أمسينا ، فلمّا رأى ذلك أبو خراش أخذ قربة وسعى نحو الماء تحت الليل حتى استقى ، ثم أقبل صادراً ، فنهشته حيّة قبل أن يصل إليهم ، فأقبل مسرعاً حتّى أعطاهم المال وقال : اطبخوا شاتكم وكلوا ، ولم يعلهم ما أصابه ، فباتوا على شاتهم يأكلون حتّى أصبحوا ، وأصبح أبو خراش وهو في الموتى ، فلم يبرحوا حتّى دفنوه فبلغ خبره عمر بن الخطاب ، فغضب غضباً شديداً ، وقال : لو لا أن تكون سنّة لأمرت أن لا يضاف يمان أبداً ، ولكتبت بذلك إلى الآفاق ، ثمّ كتب إلى عامله باليمن بأن يأخذ النفر الذين نزلوا على أبي خراش الهذلي فيلزمهم ديته ، ويؤذيهم بعد ذلك بعقوبة يمسّهم بها جزاء لفعلهم(3) .
وقال الواقدي : أوّل من جمع الناس على امام يصلّي بهم التراويح في شهر
ص: 140
رمضان وكتب به إلى البلدان وأمرهم به ، عمر(1) .
وقال اليعقوبي : فقيل له في ذلك : ان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لم يفعله ، وان أبابكر لم يفعله ، فقال : ان تكن بدعة فما أحسنها من بدعة(2) .
قال عبدالرحمن بن عوف لعمر : لم تمنعنا من الجهاد ؟ فقال له : لأن اسكت عنك فلا أجيبك خير لك من أن أجيبك ، ثمّ اندفع يحدث عن أبي بكر حتى قال : كانت بيعة أبي بكر فلتة ، وقى اللَّه شرّها ، فمن عاد لمثلها فاقتلوه(3) .
ويقال له : الأصل في خلافتك استخلاف أبي بكر لك ، والأصل في خلافة ذاك بيعته ، فاذا كانت فلتة واستحق من عاد لمثلها القتل ، فبأي سبب تصديت للخلافة(4) .
وعن عبداللَّه بن كعب بن مالك الأنصاري : ان جيشاً من الأنصار كانوا بأرض فارس مع أميرهم ، وكان عمر يعقب الجيوش في كلّ عام ، فشغل عنهم عمر ، فلمّا مرّ الأجل قفل أهل ذلك الثغر ، فاشتدّ عليهم وتواعدهم وهم أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فقالوا : يا عمر ، انك غفلت عنا وتركت فينا الذي أمر به رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من إعقاب بعض الغزية بعضاً(5) .
ص: 141
وعن عبدالرحمن بن أبزي قال : كنت عند عمر ، فجائه رجل فقال : انا نكون بالمكان الشهر والشهرين ، فقال عمر : أما أنا فلم أكن اصلّي حتّى أجد الماء قال : فقال له عمّار : أما تذكر إذ كنت أنا وأنت في الابل فاصابتناجنابة ، فأما أنا فتمعكت ، فأتينا النبي صلی الله علیه وآله فذكرت ذلك له ، فقال : انما كان يكفيك - الخبر(1) .
ورواه باسناد آخر وفيه : « أفلم تر عمر لم يقنع بقول عمّار ؟ »(2)
في كل وقت كان بلون ، لم يقتصّ من الزبير مع عدم خوفه على كفره ، اقتص من جبلة بن الأيهم من صنايع ملوك الروم مع قرب عهده بالاسلام وانتظار الارتداد منه .
فروى زيد بن أسلم عن أبيه قال : خلا عمر لبعض شأنه وقال : امسك على الباب ، فطلع الزبير ، فكرهته حين رأيته ، فأراد يدخل ، فقلت : هو على حاجة ، فلم يلتفت إليّ وأهوى ليدخل ، فوضعت يدي في صدره ، فضرب أنفي ، فأدماه ، ثمّ رجع ، فدخلت على عمر فقال : ما بك ؟ قلت : الزبير ، فأرسل إلى الزبير ، فلمّا دخل جئت فقمت لأنظر ما يقول له ، فقال : ما حملك على ما صنعت ؟ أدميتني للناس ، فقال الزبير يحكيه ويمطط في كلامه « أدميتني » أتحتجب عنّا يابن الخطاب ؟ فواللَّه ما احتجب منّي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ولا أبوبكر ، فقال عمر كالمعتذر : اني كنت في بعض شأني ، قال اسلم : فلمّا سمعته يعتذر إليه يئست من أن يأخذ لي
ص: 142
بحقي منه ، فخرج الزبير ، فقال عمر : انّه الزبير وآثاره ما تعلم(1) .
قلت : هل يسقط التكليف عمّن كان له آثار وله أن يعمل ما شاء ؟
وانما لم يقتص منه لخوفه من خروجه عليه وتزلزل سلطنته .
وقصّة جبلة في لطمه رجلاً من السوقة في المطاف وأمر عمر باقتصاص الرجل منه وارتداد جبلة لذلك ولحوقه بملوك الروم ثانياً معروفة مع ان النبي صلی الله علیه وآله كان اعطى أبا سفيان ومعاوية والأقرع وعيينة ونظرائهم من المؤلفة من غنائم حنين مأة بعير ، ولم يعط الأنصار شيئاً منها مع سوابقهم في الاسلام ، واعتذر صلی الله علیه وآله إليهم باني تألفت اولئك بما فعلت ووكلتكم إلى ايمانكم .
ومن تلونه انه ضرب ابنه الحدّ ثانياً حتّى انجر إلى هلاكه مع اجراء عمرو بن العاص الحد عليه ، وأبطل حدّ الزنا في المغيرة ، وحدّ شرب الخمر في قدامة بن مظعون(2) .
اما ضربه ابنه أي عبدالرحمن بن عمر فرووا انه شرب فضربه عمرو بن العاص الحدّ في بيته ، فأتاه كتاب عمر « ويحك ! تضرب عبدالرحمن بن عمر في داخل بيتك وتحلق رأسه في داخل بيتك - إلى أن قال - فاذا جاءك كتابي هذا فابعث به في عبائة على قتب ، حتى يعرف سوء ما صنع » فكتب إليه عمرو بن العاص : « اني ضربته في صحن الدار ، وحلفت باللَّه الذي لا يحلف بأعظم منه انه الموضع الذي اقيم فيه الحدود على المسلم والذمي - إلى أن قالوا - فدخل عليه في عبائة وهو لا يقدر على المشي من مركبه ، فقال : يا عبدالرحمن فعلت وفعلت ! السياط السياط ،
ص: 143
فكلمه عبدالرحمن بن عوف وقال له : قد اقيم عليه الحدّ مرّة ، فلم يلتفت إليه وزبره ، فأخذته السياط ، وجعل يصيح : أنا مريض وأنت واللَّه قاتلي ! فلم يرق له حتّى استوفى الحد وحبسه ثمّ مرض شهراً ومات(1) .
وأمّا تعطيله حدّ الزنا على المغيرة فعن قتادة : كان المغيرة بن شعبة وهو أمير البصرة يختلف سرّاً إلى امرأة من ثقيف يقال لها الرقطاء فلقيه أبوبكرة يوماً فقال له : أين تريد ؟ قال : أزور آل فلان ، فأخذ بتلابيبه وقال : ان الأمير يزار ولا يزور(2) ، وكانت المرأة التي يأتيها جارة لأبي بكرة ، قال : فبينا أبوبكرة في غرفة له مع اخويه نافع وزياد ورجل آخر يقال له شبل بن معبد وكانت غرفة جارته تلك محاذية غرفة أبي بكرة ، فضربت الريح باب غرفة المرأة ففتحته ، فنظر القوم ، فاذا هم بالمغيرة ينكحها ، فقال أبوبكرة : هذه بليّة ابتليتم بها ، فانظروا ، فنظروا حتّى اثبتوا ، فنزل أبوبكرة ، فجلس حتّى خرج عليه المغيرة من بيت المرأة ، فقال له أبوبكرة : انه قد كان من أمرك ما قد علمت ، فاعتزلنا - إلى أن قال - فجلس عمر ودعا المغيرة والشهود ، فتقدّم أبوبكرة ، فقال له : أرأيته بين فخذيها ؟ قال : نعم ! واللَّه لكأني أنظر إلى تشريم جدري بفخذيها ، فقال له المغيرة : لقد الطفت النظر . فقال له : لم آل أن أثبت ما يخزيك اللَّه به ، فقال له عمر : لا واللَّه حتّى تشهد لقد رأيته يلج فيها كما يلج المرود في المكحلة ، فقال : نعم اشهد على ذلك ، فقال له : اذهب عنك مغيرة ، ذهب ربعك ، ثمّ دعا نافعاً فقال له : على مَ تشهد ؟ قال : على مثل شهادة أبي بكرة ، قال : لا حتّى تشهد انك رأيته يلج فيها ولوج المرود في
ص: 144
المكحلة ، فقال : نعم حتى بلغ قذذه ، فقال : اذهب عنك مغيرة ذهب نصفك .
ثمّ دعا الثالث فقال : على مَ تشهد ؟ فقال : على مثل شهادة صاحبي ، فقال له علي بن أبي طالب علیه السلام اذهب عنك مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك - إلى أن قال - فلمّا رأى عمر زياداً مقبلاً قال : اني لأرى رجلاً لن يخزي اللَّه على لسانه رجلاً من المهاجرين - إلى أن قال - قال عبدالكريم بن رشيد عن ابن عثمان النهدي : لمّا شهد عند عمر الشاهد الأوّل على المغيرة تغير لذلك لون عمر ، ثمّ جاء آخر فشهد فانكسر لذلك انكساراً شديداً ، ثمّ جاء رجل شاب يخطر بين يديه ، فرفع عمر رأسه إليه وقال له : ما عندك أنت يا سلح العقاب وصاح أبو عثمان صيحة تحكى صيحة عمر ، قال عبدالكريم : لقد كدت أن يغشى عليّ لصيحته .
وقال آخرون : قال المغيرة : فقمت إلى زياد فقلت له : فواللَّه لو كنت بين بطني وبطنها ما رأيت آين سلك ذكري منها ؟ قال : فترنقت عيناه واحمرّ وجهه وقال لعمر : اما ان احق ما حق القوم فليس ذلك عندي ولكني رأيت مجلساً قبيحاً وسمعت نفسا حثيثاً وانبهارا ورأيته متبطنها .
فقال له : أرأيته يدخله كالميل في المكحلة ؟ فقال : لا .
وقال غير هؤلاء : ان زياداً قال له : رأيته رافعاً برجليها ورأيت خصيتين تترددان بين فخذيها ، ورأيت حفزاً شديداً وسمعت نفساً عالياً ، فقال له عمر : أرأيته يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة ؟ فقال : لا ، فقال عمر : اللَّه أكبر قم يا مغيرة إليهم فاضربهم - إلى أن قال - فقال أبوبكرة بعد أن ضرب : فاني اشهد ان المغيرة فعل كذا وكذا ، فهمّ عمر بضربه ، فقال له علي علیه السلام : ان ضربته رجمت صاحبك - إلى أن قال - فلمّا ضربوا الحدّ قال المغيرة : اللَّه أكبر الحمد للَّه الذي
ص: 145
أخزاكم ، فقال له عمر : اسكت أخزى اللَّه مكاناً رأوك فيه - إلى أن قال - ووافقت اُمّ جميل التي رمى بها المغيرة عمر بالموسم والمغيرة هناك ، فقال للمغيرة عمر : أتعرف هذه ؟ قال : نعم ، هذه اُمّ كلثوم بنت علي .
فقال له عمر : اتتجاهل علي ، واللَّه ما أظن أبابكرة كذب عليك ، وما رأيتك الا خفت أن أرمى بحجارة من السماء - إلى أن قال - قال أبو جعفر : قال علي بن أبي طالب علیه السلام : « لئن لم ينته المغيرة لاتبعنه أحجاره » .
وقال غيره : لئن أخذت المغيرة لاتبعنه أحجاره - إلى أن قال - ولما شخص المغيرة إلى عمر رأى في طريقه جارية فأعجبته فتزوّجها ، فلمّا قدم بها على عمر قال له : « انك لفارغ القلب طويل الشبق »(1) .
وإنّما أبطل عمر حدّ المغيرة لاحتياجه إليه لدهائه ، وكان المغيرة نفسه يقرّ فلمّا قال أبوبكرة : لكأنّي انظر إلى تشريم جدري بفخذ تلك المرأة قال له المغيرة : « لقد الطفت النظر » ما مرّ وقال لزياد : « واللَّه لو كنت بين بطني وبطنها ما رأيت أين سلك ذكري منها » فأيّ اقرار أصرح من هذا ؟ والعجب ان اقراريه ذينك كانا بمحضر عمر .
ولقد صرّح بابطال عمر الحدّ عمداً سيّد شباب أهل الجنّة ، ومن شهد له القرآن بعصمته ، وكونه أقرب الخلق إليه - جلّ وعلا - كباقي خمسة الكساء الحسن بن علي علیه السلام فقال للمغيرة في مجلس معاوية : « لقد درأ عنك عمر حقّاً اللَّه سائله عنه »(2) .
ص: 146
وقد عرفت قول أميرالمؤمنين علیه السلام لعمر : « ان ضربت ابابكرة رجمت صاحبك » .
وقوله علیه السلام : « لئن لم ينته المغيرة أو لئن أخذت المغيرة لاتبعنه بالحجارة » .
وفي تعبيره علیه السلام عن المغيرة بصاحبك دليل أيضاً على انّ عمر أبطل الحدّ عنه .
وقال عمر لمغيرة : « ما رأيتك إلّا خفت أن أرمي بحجارة من السماء » دال على انه عطّل حدّه عمداً لأن الامام اذا لم يثبت حد عنده على حدّه ليس في تركه مؤاخذة عليه عند اللَّه تعالى بل المؤاخذة عليه في اجرائه ولو مع علمه .
وممّا يشهد على انه عطّل الحدّ رعاية لجانب المغيرة : انه بعد صدور هذا العمل عنه في البصرة ، واشتهاره بين أهلها وخوضهم في ذلك غضب عليه في الظاهر وعزله عنها لكن رفع درجته في الباطن فجعله أمير الكوفة ، فصار ذلك مثلاً بين الناس .
قال ابن قتيبة في عيونه : قال محمّد بن سيرين : كان الرجل يقول : غضب اللَّه عليك كما غضب الخليفة على المغيرة ، عزله عن البصرة واستعمله على الكوفة(1) .
وأمّا تعطيله حدّ الشرب على قدامة بن مظعون - وكانت تحته صفيّة بنت الخطاب اخت عمر بن الخطاب(2) واُخت قدامة تحت عمر(3) - فعن عبداللَّه بن عامر بن ربيعة ان عمر بن الخطاب استعمل قدامة بن مظعون على البحرين وهو
ص: 147
خال عبداللَّه وحفصة ابني عمر بن الخطاب ، فقدم الجارود سيد عبدالقيس على عمر بن الخطاب من البحرين فقال : ان قدامة شرب فسكر واني رأيت حداً من حدود اللَّه حقا على ان أرفعه إليك ، فقال عمر : من يشهد معك ؟ قال : أبو هريرة ، فدعى أبو هريرة فقال : بِمَ تشهد ؟ فقال : لم أره يشرب ولكني رأيته سكران يقي ء ، فقال عمر : لقد تنطعت في الشهادة ، ثمّ كتب إلى قدامة أن يقدم عليه من البحرين ، فقدم ، فقال الجارود لعمر : أقم على هذا كتاب اللَّه ، فقال عمر : أخصيم أنت أم شهيد ؟ فقال : شهيد ، فقال : قد أدّيت شهادتك فصمت الجارود ، ثمّ غدا على عمر ، فقال : أقم على هذا حدّ اللَّه ، فقال عمر : ما أراك إلّا خصيماً ، وما شهد معك إلّا رجل واحد ، فقال الجارود : إني انشدك اللَّه ، قال عمر : لتمسكن لسانك أو لأسوءنك ، فقال : يا عمر أما واللَّه ما ذلك بالحق أن يشرب الخمر ابن عمك وتسوءني .
فقال أبو هريرة : إن كنت تشك في شهادتنا فأرسل إلى ابنة الوليد فسلها - وهي إمرأة قدامة - فأرسل عمر إلى هند بنت الوليد ينشدها ، فأقامت الشهادة على زوجها ، فقال عمر لقدامة : اني حادك ، فقال : لو شربت كما يقولون ما كان لكم أن تحدوني ، فقال عمر : لِمَ ؟ قال قدامة : قال اللَّه عزّوجلّ : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا )(1) .(2)
والخبر وان تضمن حده له أخيراً الّا انه لم يحدّه أوّلاً بعد شهادة رجلين بشربه ولم يقل أحد انه يشترط في حدّ الشرب رجلان وامرئة بل اضطر إلى حدّه بعد
ص: 148
شهادة امرأته .
وأمّا قول عمر لقدامة بعد استناده إلى الآية في سقوط الحدّ عنه : « لقد أخطأت في التأويل » فهو قاله بعد ارشاد أميرالمؤمنين علیه السلام له فان قدامة لمّا قال لعمر لا يجب عليّ حدّ بالآية ، بلغ ذلك أميرالمؤمنين علیه السلام فمشى إلى عمر فقال له : « لم تركت اقامة الحدّ على قدامة في شربه الخمر ؟ » فقال له : انه تلا علي الآية وتلاها عمر ، فقال أميرالمؤمنين علیه السلام : « ليس قدامة من أهل هذه الآية ولا من سلك سبيله في ارتكاب ما حرّم اللَّه عزّوجلّ ، ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يستحلون حراماً ، فاردد قدامة واستتبه ممّا قال ، فان تاب فاقم عليه الحد ، وان لم يتب فاقتله فقد خرج عن الملّة » ، فاستيقظ عمر لذلك ، وعرف قدامة الخبر فاظهر التوبة(1) .
ومن تلونه انّه ردّ على الأنصار في ادّعائهم الأمر لسعد بن عبادة بأن النبي صلی الله علیه وآله قال : « الأئمّة من قريش »(2) ومع ذلك قال بعد جعل الخلافة شورى : « لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً ما جعلتها شورى »(3) فكيف أراد يجعله في غير قريش .
ولكن لا يخفى انهم كانوا يعاملون مع الموالي معاملة العبيد ومع ذلك يجعله في مولى لا في عربي .
قال ابن عبدالبر بعد نقل قول عمر في سالم كما مرّ : « وهذا عندي على انه كان
ص: 149
يصدر فيها عن رأيه »(1) .
ومنشأ رأي عمر في سالم وإن كان مولى إلّا انّه كان له أثر جليل عنده وعند صاحبه يوم السقيفة وقبله وبعده .
ومن تلونه انه قال لأهل الشورى : « للَّه درهم إن ولّوها الأصلع - يعني أميرالمؤمنين علیه السلام - كيف يحملهم على الحق ، فقال له ابنه عبداللَّه بن عمر : أتعلم ذلك منه ولا توليه ؟ قال : إن لم استخلف فأتركهم فقد تركهم من هو خير مني(2) .
قال المحقّق التستري : يا للَّه للجواب من الرجل ويا للَّه لحمق أصحابه ، فهو الذي أجبر النبي صلی الله علیه وآله على ترك الوصية ، لكن لا غرو قال تعالى في فرعون وقومه : ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ )(3) .
ومن تلونه جعله قول الرجل لامرأته : « أنت طالق ثلاثاً » كتطليقها ثلاث مرّات خلافاً للكتاب والسنّة : أمّا الكتاب ، فقال تعالى : ( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ )(4) - إلى ( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ )(5) .(6)
وأمّا السنّة : عن طاوس : انّ رجلاً يقال له أبو الصهباء كان كثير السؤال لابن عبّاس ، قال : أما علمت ان الرجل كان إذا طلّق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها
ص: 150
جعلوها واحدة على عهد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وأبي بكر وصدراً من إمارة عمر ؟ قال ابن عبّاس : فلمّا ان رأى عمر الناس قد تتابعوا فيها قال اجيزوهن عليهم(1) .
وروى أيضاً خبراً آخر عنه قريباً منه ، وفيه : « وثلاثاً من امارة عمر »(2) .
الاعتراض : الدخول في الباطل والامتناع من الحق(3) .
ومع ابتلاء الناس به باعتراض أيضاً كما قال علیه السلام : كان هو يفتخر بأنّه يصد الناس عن ذلك ، فكان يقول : « واضرب العروض » أي مَنْ كان كالابل الذي يأخذ يميناً وشمالاً ولا يلزم المحجّة(4) .
روى سنن أبي داود : ان عمر لم يكن يأخذ الجزية من المجوس حتّى شهد عبدالرحمن بن عوف ان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أخذها من مجوس هجر(5) .
وعن سعيد بن المسيب : ان اخوين من الأنصار كان بينهما ميراث فسأل أحدهما صاحبه القسمة ، فقال : لئن عدت سألتني القسمة لا أكلمك أبداً ، وكل مالي في رتاج الكعبة .
فقال عمر بن الخطاب : ان الكعبة لغنية عن مالك ، كفّر عن يمينك وكلّم أخاك ، فاني سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب ولا في
ص: 151
قطيعة الرحم ولا فيما لا تملك(1) .
فاذا كان النبي صلی الله علیه وآله قال ما نقل فلم أمره بالتكفير ، وقد رووا انّ النبيّ صلی الله علیه وآله قال : « من حلف على يمين « شي ء » فرأى غيرها خيراً منها فليتركها(2) .
وكان عمر يقضي ان في الابهام خمس عشرة ، والوسطى والمسبحة عشراً عشراً وفي التي تلى الخنصر تسعاً وفي الخنصر ستاً حتّى وجد كتاباً عند آل عمرو بن حزم الذي كتبه له النبي صلی الله علیه وآله وفي كلّ اصبع مما هنالك عشرة من الابل فأخذ به(3) .
وعن ابن عبّاس قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « هذه وهذه سواء » يعني الابهام والخنصر(4) .
وعن سعيد بن المسيب : انّ عمر بن الخطاب قضى فيما أقبل من الأسنان بخمسة أبعرة وفي الأضراس بعيراً بعيراً(5) .
وعن ابن عبّاس قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « الأسنان سواء والاصابع سواء »(6) .
وعن عايشة بنت عثمان بعد قتل أبيها : فهلا علنت كلمتكم ، وظهرت حسكتكم ، إذ ابن الخطاب قائم على رؤوسكم ، مائل في عرصاتكم ، يرعد ويبرق بإرعابكم ، ويقمعكم غير حذر من تراجعكم الأماني بينكم ، وهلّا نقمتم عليه عوداً
ص: 152
وبدءً إذ ملك - إلى أن قالت : يحكم في رقابكم وأموالكم كأنّكم عجائز صلع ، وإماء قصح فبدأ معلناً لابن أبي قحافة بإرث نبيّكم على بُعد رحمه ، وضيق بلده ، وقلّة عدده ، فوقى اللَّه شرّها زعم - إلى أن قالت - أو لم يخصم الأنصار بقريش ، ثم حكم بالطاعة لمولى أبي حذافة ، يتمايل بكم يميناً وشمالاً ، قد خطب عقولكم ، واستمهر وجلكم ممتحناً لكم ، ومعترفاً أخطاركم ، وهل تسموا هممكم إلى منازعته ولولا تيك لكان قسمه خسيسا وسعيه تعيسا ، لكن بدر الرأي ، و ثنّى بالقضاء ، و ثلّث بالشورى ، ثمّ غدا سامراً مسلطاً درته على عاتقه ، فتطأطأتم له تطأطأ الحقة ووليتموه أدباركم حتّى علا أكتافكم ، فلم يزل ينعق بكم في كلّ مرتع ، ويشدّ منكم على كل محنق ، لا ينبعث لكم هُتاف ولا يأتلف لكم شهاب ، يهجم عليكم بالسراء ، ويتورط بالحوباء ، عرفتم أو نكرتم لا تألمون ، ولا تستنطقون حتّى إذا عاد الأمر فيكم - إلخ(1) .
وفي عيون الأخبار : تنازع اثنان ، أحدهما سلطاني والآخر سوقي ، فضربه السلطاني فصاح واعمراه ، ورفع خبره إلى المأمون ، فأمر بادخاله عليه ، قال : من أين أنت ؟ قال : من أهل فامية(2) .
قال : ان عمر بن الخطاب كان يقول : من كان جاره نبطياً واحتاج إلى ثمنه فليبعه ، فان كان تطلب سيرة عمر فهذا حكمه فيكم ، وأمر له بألف درهم(3) .
وفي الشرح كان عمر قاعداً والدرة معه والناس حوله إذ أقبل الجارود
ص: 153
العامري ، فقال رجل : هذا سيّد ربيعة ، فسمعها عمر ومن حوله ، وسمعها الجارود ، فلمّا دنا منه خفقه بالدرّة ، فقال : مالي ولك ؟ قال : ويلك سمعتها ، قال : وسمعتها ، فمه ، قال : خشيت أن تخالط القوم ويقال : هذا أمير ، فاحببت أن أطأطئ منك(1) .
وفيه أيضاً رأى عمر ناساً يتبعون اُبي بن كعب ، فرفع عليه الدرة ، فقال له اُبي : اتّق اللَّه ، قال : فما هذه الجموع خلفك(2) .
وفي صحيح مسلم : ان عمر لمّا طعن اُغمي عليه فصيح عليه ، فلمّا أفاق قال : أما علمتم انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال : انّ الميّت ليعذب ببكاء الحي(3) .
وعن ابن عمر قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « ان الميت ليعذب ببكاء أهله عليه » فذكر ذلك لعائشة فقالت : وهل تعني ابن عمر إنّما مرّ النبي صلی الله علیه وآله على قبر فقال : « إن صاحب هذا ليعذب وأهله يبكون عليه » ثمّ قرأت : ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )(4) قال عن أبي معاوية : على قبر يهودي(5) .
وعن عائشة قالت : بلغها ان ابن عمر يحدث عن أبيه « ان الميت يعذب ببكاء أهله عليه » فقالت : هُما وَهَما ، إنّما مرّ النبي صلی الله علیه وآله على رجل من اليهود وهم يكبون على قبره فقال : « انّهم ليبكون عليه وانّ اللَّه يعذّبه في قبره »(6) .
وعن قبيصة بن جابر الأسدي قال : كنت محرماً ، فرأيت ظبياً ، فرميته فاصبت
ص: 154
خششاءه يعني أصل قرنه ، فمات ، فوقع في نفسي من ذلك ، فأتيت عمر بن الخطاب أسأله ، فوجدت إلى جنبه رجلاً أبيض ، رقيق الوجه ، وإذا هو عبدالرحمن بن عوف ، فسألت عمر ، فالتفت إلى عبدالرحمن فقال : ما ترى ، شاة تكفيه ؟ قال : نعم ، فأمرني أن أذبح شاة ، فلمّا قمنا من عنده قال صاحب له ان الخليفة لم يحسن أن يفتيك حتّى سأل الرجل ، فسمع عمر بعض كلامه، فعلاه بالدرة ضرباً ، ثمّ أقبل عليّ ليضربني ، فقلت له : انّي لم أقل شيئاً ، إنّما هو قاله ، فتركني(1) .
وعن ربيعة بن أبي عبدالرحمن قال : تقامر رجلان على عهد عمر بديكين ، فأمر عمر بالديكة أن تقتل ، فأتاه رجل من الأنصار فقال : أمرت بقتل أمة من الأمم تسبّح اللَّه تعالى ؟ فأمر بتركها(2) .
ورووا : جاء رجل إلى عمر فقال : ان ضبيعاً التميمي لقينا ، فجعل يسألنا عن تفسير حروف من القرآن فقال : اللهمّ أمكني منه ، فبينا عمر يوماً جالس يغدي الناس إذ جاءه الضبيع وعليه ثياب وعمامة ، فتقدّم فأكل حتى إذا فرغ ، قال لعمر : ما معنى قوله تعالى : ( وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا )(3) ؟ فقال عمر : ويحك أنت هو ، فقام إليه فحسر عن ذراعيه ، فلم يزل يجلده حتّى سقطت عمامته ، فاذا له ضفيرتان ، فقال له : والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقاً لضربت رأسك ، ثمّ أمر به فجعل في بيت ، ثمّ كان يخرجه كلّ يوم فيضربه مائة ، فاذا برء أخرجه فضربه مائة أخرى ، ثمّ حمله على قتب وسيره إلى البصرة وكتب إلى أبي
ص: 155
موسى يأمره أن يحرّم على الناس مجالسته ، وأن يقوم في الناس خطيباً ثمّ يقول : « ان ضبيعاً قد ابتغى العلم فأخطأه » فلم يزل وضيعاً في قومه وعند الناس حتى هلك وقد كان من قبل سيّد قومه(1) .
وقال أبو عمرو [ الشيباني ] كان حريث بن زيد الخيل شاعراً ، فبعث عمر بن الخطاب رجلاً من قريش يقال له أبو سفيان يستقرء أهل البادية ، فمن لم يقرء شيئاً من القرآن عاقبه ، فأقبل حتّى نزل بمحلّة بني نبهان فاستقرأ ابن عم لزيد الخيل يقال له أوس بن خالد بن زيد ، فلم يقرأ شيئاً ، فضربه فمات ، فأقامت بنته أمّ أوس ج مأتماً ج تندبه ، وأقبل حريث بن زيد الخيل ، فأخبرته ، فأخذ الرمح ، فشدّ على أبي سفيان فطعنه فقتله ، وقتل ناساً من أصحابه ، ثمّ هرب إلى الشام ، وقال في ذلك :
ألا بكّر الناعي بأوس بن خالد * أخي الشتوة الغبراء والزمن المحل
فلا تجزعي يا اُمّ اوس فانّه * يلاقي المنايا كل حاف وذي نعل
فان يقتلوا اوساً عزيزاً فانني * تركت أبا سفيان ملتزم الرحل
ولو لا الأسى ماعشت في الناس بعده * ولكن إذا ما شئت جاوبني مثلي
اصبنا به من خيرة القوم سبعة * كراماً ولم نأكل به حشف النخل(2)
ولعمر اللَّه كان فاروقاً بين الحق والباطل لكن باختياره الباطل أيّ باطل ، وتركه الحق أي حق(3) .
ص: 156
قال ابن اسحاق : كانت ولاية عمر عشر سنين وستّة أشهر وخمس ليال(1) .
قال الواقدي : طعن عمر يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي الحجّة ومكث ثلاثة أيّام ، ثمّ توفي لأربع بقين من ذي الحجّة(2) .
سئل هشام بن الحكم ؛ عمّا ترويه العامّة من قول أميرالمؤمنين علیه السلام لمّا قبض عمر وقد دخل عليه وهو مسجّى : لوددتُ أن ألقى اللَّه بصحيفة هذا المسجّى . فقال هشام : هذا حديث غير ثابت ولا معروف الاسناد ، وإنّما حصل من جهة القصاص وأصحاب الطرقات ، ولو ثبت لكان المعنى فيه معروفاً ، وذلك : ان عمر واطأ أبابكر والمغيرة وسالماً مولى أبي حذيفة وأبا عبيدة على كَتب صحيفة بينهم ، يتعاقدون فيها على انّه إذا مات رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لم يورّثوا أحداً من أهل بيته ، ولم يولّوهم مقامه من بعده ، فكانت الصحيفة لعمر إذ كان عماد القوم ، والصحيفة التي ودّ أميرالمؤمنين علیه السلام ورجا أن يلقى اللَّه بها هي هذه الصحيفة فيخاصمه بها ويحتجّ عليه بمتضمنها .
والدليل على ذلك ما روته العامّة عن اُبيّ بن كعب انّه كان يقول في مسجد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بعد أن أفضى الأمر إلى أبي بكر بصوت يسمعه أهل المسجد : « ألا هلك أهل العقدة ، واللَّه ما آسى عليهم إنّما آسى على من يضلون من الناس ، فقيل
ص: 157
له : يا صاحب رسول اللَّه من هؤلاء أهل العقدة وما عقدتهم ؟ فقال : قوم تعاقدوا بينهم إن مات رسول اللَّه لم يورّثوا أحداً من أهل بيته ولا ولّوهم مقامه » ، أما واللَّه لئن عشت إلى يوم الجمعة لأقومنّ فيهم مقاماً ابيّن به للناس أمرهم .
قال : فما أتت عليه الجمعة(1) .
جعل أميرالمؤمنين علیه السلام في الشورى آخر الستة منهم وبدء فسمّى عثمان بن عفّان ثمّ طلحة بن عبيداللَّه التيمي والزبير بن العوام وعبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص ثمّ علي بن أبي طالب الهاشمي بعدهم في وصيته(2) .
تعبيره علیه السلام « بزعم » دال على انّه جعله في اولئك الجماعة ظاهراً وأخرجه منهم باطناً . فقالوا : « زعم مطية الكذب » .
وروى الحارث بن الفضل عن أبي عبداللَّه الأغر ان الزبير قال لابنه يوم الجمل لمّا أراد تركهم ، وقال له ابنه : أحسست برايات ابن أبي طالب ، ويلك لا تدعنا على حال أنت واللَّه قطعت بيننا ، وفرقت الفتنا بما بليت به من هذا المسير - إلى أن قال - فقال له ابنه : افتدع علياً يستولي على الأمر ، وأنت تعلم انه كان أحسن أهل الشورى عند عمر ، ولقد أشار عمر وهو مطعون يقول لأهل الشورى : ويلكم
ص: 158
أطعموا عليا فيها ، لا يفتق في الاسلام فتقاً عظيماً ، ومنّوه حتّى تجمعوا على رجل سواه(1) .
وفيه انّ أميرالمؤمنين علیه السلام أرسل ابن عبّاس إلى الزبير ليكلّمه إذا لم يكن ابنه بحاضر - إلى أن قال - فقال ابن الزبير لابن عباس : لقد سئل عبدالرحمن بن عوف عن أصحاب الشورى ، فكان صاحبكم أخيبهم عنده ، وما أدخله عمر في الشورى إلّا وهو يعرفه ، ولكن خاف فتقه في الاسلام(2) .
لا يخفى الاسلام الذي خاف عمر فتقه من أميرالمؤمنين علیه السلام إنّما كان خلافته وخلافة صاحبه والأساس الذي أسساه لمن بعدهما ، وإلّا فأميرالمؤمنين علیه السلام كان أسّس الاسلام بعد النبي صلی الله علیه وآله ، وبسيفه قام الاسلام ، وبتركه التعرّض لهم بعد النبي صلی الله علیه وآله لئلّا يرتدّ الناس جميعاً بقي الاسلام ، وهم كانوا لا يبالون أن يمحى الاسلام إذا بقى لهم سلطانهم(3) .
وقال الشعبي : حدّثني من لا اتّهمه من الأنصار - هو سهل بن سعد الأنصاري - قال : مشيت وراء علي بن أبي طالب حيث انصرف من عند عمر ، والعبّاس بن عبدالمطلب يمشي في جانبه ، فسمعته يقول للعبّاس : ذهبت منّا واللَّه ، فقال : كيف علمت ؟ قال : ألا تسمعه يقول : كونوا في جانب الذي فيه عبدالرحمن لأنّه ابن عمّه ( ابن عم سعد ) ، وعبدالرحمن نظير عثمان وهو صهره ، فاذا اجتمع هؤلاء ، فلو ان الرجلين الباقيين كانا معي لم يغنيا عنّي شيئاً ، مع انّي لست أرجوا إلّا أحدهما ،
ص: 159
ومع ذلك أحب عمر أن يعلمنا ان لعبدالرحمن عنده فضلاً علينا ، لعمر اللَّه ما جعل اللَّه ذلك لهم علينا ، كما لم يجعله لأولادهم على أولادنا ، أما واللَّه لئن عمر لم يمت لاذكرته ما أتى إلينا قديماً ، ولا علمته بسوء رأيه فينا ، وما أتى إلينا حديثاً ، ولئن مات - وليموتن - ليجتمعنّ هؤلاء القوم على أن يصرفوا هذا الأمر عنّا ولئن فعلوا - وليفعلنّ - ليرونني حيث يكرهون ، واللَّه ما بي رغبة في السلطان ، ولا حبّ الدنيا ، ولكن لاظهار العدل والقيام بالكتاب والسنّة ، قال : ثمّ التفت فرآني وراءه فعرفت انّه قد ساءه ذلك ، فقلت : لا ترع أبا حسن ، لا واللَّه يستمع أحد الذي سمعت منك في الدنيا ما اصطحبنا فيها ، فواللَّه ما سمعه مني مخلوق حتّى قبض اللَّه عليّاً إلى رحمته(1) .
وروى يحيى بن عبدالحميد الحماني عن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي صادق قال : لمّا جعلها عمر شورى في ستّة وقال : إن بايع اثنان لواحد واثنان لواحد فكونوا مع الثلاثة الذين فيهم عبدالرحمن واقتلوا الثلاثة الذين ليس فيهم عبدالرحمن . خرج أميرالمؤمنين علیه السلام من الدار وهو معتمد على يد عبداللَّه بن العبّاس ، فقال له : يابن عبّاس انّ القوم قد عادوكم بعد نبيّكم كمعاداتهم لنبيّكم صلی الله علیه وآله في حياته ، أم واللَّه لا ينيب بهم إلى الحق إلّا السيف . فقال له ابن عبّاس : وكيف ذاك ؟ قال : أما سمعت قول عمر « إن بايع اثنان لواحد واثنان لواحد فكونوا مع الثلاثة الذين فيهم عبدالرحمن واقتلوا الثلاثة الذين ليس فيهم عبدالرحمن » ؟ قال ابن عبّاس : بلى ، قال : أفلا تعلم انّ عبدالرحمن ابن عم سعد ، وان عثمان صهر عبدالرحمن ؟ قال : بلى ، قال : فان عمر قد علم ان سعداً وعبدالرحمن وعثمان لا
ص: 160
يختلفون في الرأي ، وانّه من بويع منهم كان الاثنان معه ، فأمر بقتل من خالفهم ، ولم يبال أن يقتل طلحة إذا قتلني وقتل الزبير ، أم واللَّه ، لئن عاش عمر لأعرفنّه سوء رأيه فينا قديماً وحديثاً ، ولئن مات ليجمعني وإيّاه يوم يكون فيه فصل الخطاب(1) .
وروى القطب الراوندي : إنّ عمر لمّا قال : كونوا مع الثلاثة التي عبدالرحمن فيها ، قال ابن عبّاس لعليّ علیه السلام : ذهب الأمر منّا ، الرجل يريد أن يكون الأمر في عثمان ، فقال علي علیه السلام : وأنا أعلم ذلك ولكنّي ادخل معهم في الشورى لأنّ عمر قد أهلّني الآن للخلافة وكان قبل ذلك يقول : انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال : انّ النبوّة والامامة لا يجتمعان في بيت ، فانا ادخل في ذلك لأظهر للناس مناقضة فعله لروايته(2) .
وفي الطرائف : ذكر عالم من علمائهم يقال قطب الدين الراوندي في كتاب منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة قال : انّ عمر لمّا نصّ على ستّة أنفس استصلحهم للخلافة بعده فقال : إن اختلفوا فالحق في القوم الذين فيهم عبدالرحمن بن عوف فقال العبّاس لعليّ بن أبي طالب علیه السلام ذهب الأمر منّا لأن عبدالرحمن كانت بينه وبين عثمان مصاهرة واُمور توجب انّه لا يختار عليه أحداً ، فقال علي علیه السلام للعبّاس : أنا أعلم ذلك ولكن أدخل معهم في الشورى لأن عمر استصلحني الآن للأُمّة وكان من قبل يقول : انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال : النبوّة والامامة لا يجتمعان في بيت واحد وانّي لأدخل معهم في ذلك ليظهر انّه كذّب نفسه لما رأى
ص: 161
أوّلاً وذكر مقالة العبّاس مع علي علیه السلام وجوابه أحمد بن أبي طاهر الكاتب(1) .
وفي العقد الفريد - بعد ذكر الشورى - فقال علي علیه السلام لقوم معه من بني هاشم : ان اطيع فيكم قومكم فلن يؤمروكم أبداً . وتلقاه العباس فقال له عدلت عنا . قال له : وما أعلمك ؟ قال : قرن بي عثمان ، ثمّ قال : ثلاثة رجلا وثلاثة رجلا إن رضى فكونوا مع الذين فيهم عبدالرحمن بن عوف ، فسعد لا يخالف ابن عمّه عبدالرحمن وعبدالرحمن صهر عثمان ، لا يختلفون ، فلو كان الآخرين معي ما نفعاني(2) .
وبالجملة إنّما دبّر لعثمان لأنّه كان معهم من يوم أوّل ، قال ابن أبي الحديد : وروى كثير من الناس انّ أبابكر لما نزل به الموت دعا عبدالرحمن بن عوف ، فقال : أخبرني عن عمر ، فقال : انه أفضل من رأيك فيه إلّا انّ فيه غلظة - إلى أن قال - ثمّ دعا عثمان بن عفّان ، فقال : أخبرني عن عمر ، فقال : سريرته خير من علانيته ، وليس فينا مثله ، فقال لهما : لا تذكرا ممّا قلت لكما شيئاً ، ولو تركت عمر لما عدوتك يا عثمان(3) .
ومرّ عن حارثة قال : حججت مع عمر ، فسمعت حادي عمر يحدو : انّ الأمير بعده ابن عفّان(4) .
وبعد طلب الناس كراراً من عمر استخلافه ، وقوله : لو كان أبو عبيدة أو سالم مولى أبي حذيفة حيين استخلفتهما ، قال عمر : قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم ان
ص: 162
أولى رجلاً أمركم أرجو أن يحملكم على الحق - وأشار إلى علي علیه السلام - ثمّ رأيت ان لا أتحملها حيّاً وميّتاً(1) .
روى أبو مخنف ان عماراً قال هذا البيت يوم الشورى :
يا ناعي الاسلام قم فانعه * قد مات عرف وأتى منكر
أما واللَّه لو ان لي أعواناٌ لقاتلتهم ، وقال عمّاراً أيضاً لأميرالمؤمنين علیه السلام : لئن قاتلتهم بواحد لأكونن ثانياً ، فقال علیه السلام : واللَّه ما أجد عليهم أعواناً ، ولا أحب أن أعرضكم لما لا تطيقون(2) .
وذكروا ان زياداً أوفد ابن حصين على معاوية ، فأقام عنده ما أقام ، ثمّ انّ معاوية بعث إليه ليلاً فخلا به ، فقال له : يابن حصين ، قد بلغني ان عندك ذهناً وعقلاً ، فأخبرني عن شي ء أسألك عنه ، قال : سلني عمّا بدا لك .
أخبرني ما الذي شتّت أمر المسلمين وفرّق أهوائهم وخالف بينهم ؟ قال : نعم ، قتل الناس عثمان ، قال : ما صنعت شيئاً ، قال : فمسير على إليك وقتاله إيّاك قال : ما صنعت شيئاً قال : فمسير طلحة والزبير وعائشة وقتال عليّ إيّاهم ، قال : ما صنعت شيئاً ، قال : ما عندي غير هذا قال ، فانا أخبرك انّه لم يتشتّت بين المسلمين ولا فرّق أهوائهم ولا خالف بينهم إلّا الشورى التي جعلها عمر إلى ستّة نفر ، وذلك - إلى أن قال - إذ قدّم النبي صلی الله علیه وآله أبابكر للصلوة فرضوه لأمر دنياهم إذ رضيه صلی الله علیه وآله
ص: 163
لأمر دينهم - إلى أن قال - واستخلف عمر ثمّ جعلها عمر شورى بين ستّة نفر ، فلم يكن رجل منهم إلّا رجاها لنفسه ، ورجاها له قومه ، وتطلّعت إلى ذلك نفسه ، ولو أنّ عمر استخلف عليهم كما استخلف أبوبكر ما كان في ذلك اختلاف(1) .
أقول : لكن الأصل الذي أوجب التشتت بين المسلمين وتفريق أهوائهم إنّما هو منع عمر النبي صلی الله علیه وآله عن كتابة وصيّة لاُمّته لا يَضلّون ولا يُضلّون .
فعن جابر بن عبداللَّه الأنصاري قال : لمّا كان في مرض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله الذي توفي فيه دعا بصحيفة ليكتب فيها لاُمّته كتاباً لا يَضلّون ولا يُضلّون ، قال : فكان في البيت لغط وكلام ، وتكلّم عمر بن الخطّاب ، قال : فرفضه النبي صلی الله علیه وآله(2) .
وعن ابن عبّاس قال : لما حضرت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله الوفاة وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : هلمّ أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده ، فقال عمر : انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قد غلبه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب اللَّه ، فاختلف أهل البيت واختصموا ، فمنهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلمّا كثر اللغط والاختلاف وغمّوا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فقال : قوموا عنّي(3) .
وقال جعفر بن مكّي الحاجب قلت لمحمّد بن سليمان حاجب الحجّاب : ما تقول في هذا الاختلاف الواقع في أمر الامامة من مبدء الحال ، وما الذي تظنّه أصله ومنبعه ؟ فقال : لا أعلم لهذا أصلاً إلّا أمرين : أحدهما انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أهمل
ص: 164
أمر الامامة ، فلم يصرّح فيه بأحد بعينه ، وإنّما كان هناك رمز وايماء ، وكناية وتعريض - إلى أن قال - وعادة الملوك إذا تمهّد ملكهم ، وأرادوا العقد لولد من أولادهم أو ثقة من ثقاتهم ، أن يصرّحوا بذكره ، ويخطبوا باسمه على أعناق المنابر ، وبين فواصل الخطب ، ويكتبوا بذلك إلى الآفاق البعيدة عنهم ، والأقطار النائية منهم ، ومن كان منهم ذا سرير وحصن ومدن كثيرة ، ضرب اسمه على صفحات الدنانير والدراهم ، بحيث تزول الشبهة في أمره ، ويسقط الارتياب بحاله ، فليس أمر الخلافة بهيّن ولا صغير ليترك حتّى يصير في مظنة الاشتباه واللبس ، ولعلّه كان لرسول اللَّه صلی الله علیه وآله في ذلك عذر لا نعلمه نحن ، أما خشية من فساد الأمر أو ارجاف المنافقين وقولهم : انها ليس بنبوّة وإنّما هي ملك به أوصى لذريّته وسلالته - إلى أن قال - ولعلّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لم يكن يعلم في مرضه انّه يموت في ذلك المرض - إلى أن قال - يدلّ على ذلك انّه لمّا نوزع في احضار الدواة والكتف ليكتب لهم ما لا يضلون بعده ، غضب وقال : اخرجوا عنّي ، ولم يجمعهم بعد ، بل أرجأ الأمر ارجاء من يرتقب الافاقة ، قال : فبتلك الكنايات المحتملة مثل حديث ( خصف النعل ) و ( منزلة هارون من موسى ) و ( من كنت مولاه ) و ( هذا يعسوب الدين ) و ( لا فتى إلّا علي ) و ( أحبّ خلقك إليك ) وما جرى هذا المجرى ممّا لا يفصل الأمر ، ويقطع العذر ، ويسكت الخصم - إلى أن قال - وأمّا السبب الثاني للاختلاف فهو جعل عمر الأمر شورى في الستّة . . . فبقى في نفس كلّ واحد منهم انّه قد رشّح للخلافة - إلى أن قال - ولم يكن رجاء طلحة والزبير بدون رجاء على ، بل رجائهما كان أقوى ، لأن عليّاً دحضه الأولان ، واسقاطاه وكسرا ناموسه بين الناس ، فصار نسياً منسيّاً - إلى أن قال - ولم يبق له
ص: 165
ممّا يمتّ به إلّا انّه ابن عمّ الرسول وزوج ابنته وأبو سبطيه ، ونسى ما وراء ذلك كلّه ، واتّفق له من بغض قريش وانحرافها ما لم يتّفق لأحد - إلى أن قال - وهما : أي طلحة والزبير عند أنفسهما وعند الناس خليفتان بالقوّة ، لأن عمر نصّ عليهما ، وعمر نافذ الحكم في حياته وبعد وفاته - إلى أن قال - فلمّا فاتت طلحة والزبير فتقا ذلك الفتق العظيم على علي ( من حرب الجمل ) ، ثمّ كانت حرب الجمل مقدّمة وتمهيداً لحرب الصفّين ، فانّ معاوية لم يكن يفعل ما فعل لو لا طمعه بما جرى في البصرة ، ثمّ أوهم أهل الشام انّ عليّاً قد فسق بمحاربة اُمّ المؤمنين ، وانّه قتل طلحة والزبير ، وهما من أهل الجنّة ، فهو من أهل النار... ثمّ نشأ من فساد صفين وضلال معاوية كلّ ما جرى من الفساد والقبيح في أيّام بني اُميّة ، ونشأت فتنة ابن الزبير فرعا من فروع يوم الدار لأن عبداللَّه كان يقول : إنّ عثمان لما أيقن بالقتل نص عليَّ بالخلافة ، ولِيَ بذلك شهود ، ومنهم مروان بن الحكم .
أفلا ترى كيف تسلسلت هذه الاُمور فرعاً على أصل ، وغصناً من شجرة ، وجذوة من ضرام ، هكذا يدور بعضه على بعض وكلّه من الشورى في الستة(1) .
أقول : ويقال للرجل إن كانت تلك الاُمور من النبي صلی الله علیه وآله في أميرالمؤمنين علیه السلام ليست بكافية - لا سيّما قوله « من كنت أولى به من نفسه وماله فعلي أولى به من نفسه وماله » لأن معنى قوله صلی الله علیه وآله « فمن كنت مولاه فعليّ مولاه» بعد قوله صلی الله علیه وآله للناس : « ألست أولى بكم من أنفسكم وأموالكم » ليس إلّا ذلك - لم تكن أدلّة وجود الصانع كافية لأنّها ممّا لم تسكت الخصم الدهريّة والطبيعيّة كما لم تسكت تلك الأمور الخصم العامة وأهل السنّة .
ص: 166
ويقال له : الملوك أهل الدنيا يهيّئون أسباب مقاصدهم بأيّ وسيلة ولو بقتل نفوس وهتك أعراض ، والأنبياء إنّما يكتفون باتمام الحجّة ليهلك من هلك عن بيّنة ، ويحيى من حيّ عن بيّنة .
وكيف يقول : « لم يجمعهم بعد وارجى الامر ارجاء من يرتقب الافاقة » .
مع انّ في ( طبقات ابن سعد ) : انه قيل له صلی الله علیه وآله بعد : ألا نأتيك بما طلبت ؟ قال : أو بعد قول الرجل اني لأهجر(1) .
مع انه لو كان أراد ثانياً لمنعوه فكان عبيداللَّه بن عبداللَّه بن عتبة يقول : كان ابن عبّاس يقول : « الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وبين أن يكتب ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم »(2) وقال سعيد بن جبير : « كان ابن عبّاس يذكر ذلك ويبكي وكأني إلى دموعه على خدّه كأنّها نظام اللؤلؤ »(3) .
وعن عبدالكريم عتبة الهاشميّ قال : كنت قاعداً عند أبي عبداللَّه علیه السلام بمكّة ، إذ دخل عليه أناس من المعتزلة فيهم عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وحفص بن سالم مولى ابن هبيرة وناس من رؤسائهم ، وذلك حدثان(4) قتل الوليد واختلاف أهل الشام بينهم ، فتكلّموا وأكثروا وخطبوا فأطالوا(5) ، فقال لهم أبو عبداللَّه علیه السلام : إنّكم قد أكثرتم عليّ ، فأسندوا أمركم إلى رجلٍ منكم ، وليتكلّم بحججكم ويوجز ،
ص: 167
فأسندوا أمرهم إلى عمرو بن عبيدٍ ، فتكلّم فأبلغ وأطال فكان فيما قال أن قال قد قتل أهل الشام خليفتهم وضرب اللَّه عزّوجلّ بعضهم ببعض(1) وشتّت اللَّه أمرهم ، فنظرنا فوجدنا رجلاً ، له دين وعقل ومروّة وموضع ومعدنٌ للخلافة ، وهو « محمّد بن عبداللَّه بن الحسن » فأردنا أن نجتمع عليه فنبايعه ثمّ نظهر معه ، فمن كان بايعنا فهو منّا ، وكنّا منه ومن اعتزلنا كففنا عنه ، ومن نصب لنا جاهدناه ونصبنا له على بغيه ، وردّه إلى الحقّ وأهله وقد أحببنا أن نعرض ذلك عليك فتدخل معنا فإنّه لا غنى بنا عن مثلك لموضعك ، وكثرة شيعتك ، فلمّا فرغ قال أبو عبداللَّه علیه السلام : أكلّكم على مثل ما قال عمرو ؟ قالوا : نعم فحمد اللَّه وأثنى عليه وصلّى على النبي صلی الله علیه وآله ثمّ قال : إنّما نسخط إذا عصي اللَّه فأمّا إذا أطيع رضينا أخبرني يا عمرو لو أنّ الاُمّة قلّدتك أمرها وولّتك بغير قتال ولا مؤونة وقيل لك : وَلِّها من شئت ، من كنت تولّيها ؟ قال : كنت أجعلها شورى بين المسلمين .
قال علیه السلام : بين المسلمين كلّهم ؟ قال : نعم ، قال علیه السلام : بين فقهائهم وخيارهم ؟ قال : نعم ، قال : قريش وغيرهم ؟ قال : نعم ، قال والعرب والعجم ؟ قال : نعم ، قال : أخبرني يا عمرو أتتولّى أبا بكر وعمر أو تتبرّأ منهما ؟ قال أتولاّهما ، فقال : فقد خالفتهما - إلى أن قال - قد عهد عمر إلى أبي بكر فبايعه ، ولم يشاور فيه أحداً ، ثمّ ردّها أبو بكر عليه ولم يشاور فيه أحداً ، ثمّ جعلها عمر شورى بين ستّة وأخرج منها جميع المهاجرين والأنصار غير أولئك الستّة من قريش ، وأوصى فيهم شيئاً لا أراك ترضى به أنت ولا أصحابك ، إذ جعلتها شورى بين جميع المسلمين ، قال : وما صنع ؟ قال : أمر صهيباً أن يصلّي بالناس ثلاثة أيّام ، وأن يشاور أولئك الستّة
ص: 168
ليس معهم أحد إلّا ابن عمر يشاورونه ، وليس له من الأمر شي ء ، وأوصى من بحضرته من المهاجرين والأنصار إن مضت ثلاثة أيّام قبل أن يفرغوا أو يبايعوا رجلاً أن يضربوا أعناق أولئك الستّة جميعاً ، فإن اجتمع أربعة قبل أن تمضي ثلاثة أيّام وخالف اثنان أن يضربوا أعناق الاثنين ، أفترضون بهذا أنتم فيما تجعلون من الشورى في جماعةٍ من المسلمين ؟ قالوا : لا . . . الخبر(1) .
وفي مقاتل أبي الفرج الاصبهاني باسانيد : ان المأمون وجّه إلى جماعة من آل أبي طالب ، فحملهم إليه من المدينة ، وفيهم علي بن موسى الرضا ، فأخذ بهم على طريق البصرة حتّى جاؤه بهم ، وكان المتولى لاشخاصهم المعروف بالجلودي من أهل خراسان ، فقدم بهم على المأمون فأنزلهم داراً ، وأنزل علي بن موسى الرضا داراً ، ووجّه إلى الفضل ابن سهل فأعلمه انّه يريد العقد له ، وأمره بالاجتماع مع أخيه الحسن بن سهل على ذلك ، ففعل واجتمعا بحضرته ، فجعل الحسن يعظم ذلك عليه ، ويعرفه ما في اخراج الأمر من أهله عليه ، فقال له : اني عاهدت اللَّه أن أخرجها إلى أفضل آل أبي طالب إن ظفرت بالمخلوع ، وما أعلم أحداً أفضل من هذا الرجل ، فاجتمعا معه على ما أراد ، فأرسلهما إلى علي بن موسى ، فعرضا ذلك عليه فأبى ، فلم يزالا به وهو يأبى ذلك ويمتنع منه ، إلى أن قال له أحدهما : ان فعلت وإلّا فعلنا بك وصنعنا وتهدّده ، ثمّ قال له أحدهما : واللَّه : أمرني بضرب عنقك إذا خالفت ما يريد ، ثمّ دعا به المأمون ، فخاطبه في ذلك فامتنع ، فقال له : قولاً شبيهاً بالتهدّد ، ثمّ قال له : ان عمر جعل الشورى في ستّة أحدهم جدّك ،
ص: 169
وقال : من خالف فاضربوا عنقه ، ولابدّ من قبول ذلك ، فأجابه(1) .
ولمّا تخلّف ابن الزبير عن بيعة يزيد واستجار بالكعبة جعل الأمر شورى بينه وبين المسور بن مخرمة ومصعب بن عبدالرحمن بن عوف .
وفي ( أنساب البلاذري ) : أصابت المسور شظية من حجر في وجنته ، فتوفي منها يوم جاء نعي يزيد في آخر النهار ، ومات مصعب أو قتل في حصار ابن نمير ، فلمّا شخص ابن نمير ، بويع ابن الزبير(2) .
قال نافع : كنت تحت منبر ابن الزبير يوم دعا إلى نفسه ( بعد يزيد ) وكان قبل ذلك يدعوا إلى الشورى(3) .
وقال أبو حرّة مولى خزاعة :
اخوانكم ان بلاء حل ساحتكم * ولا ترون لنا في غيره سببا
نعاهد اللَّه عهداً لا نخيس به * لن نقبل الدهر شورى بعد من ذهبا(4)
فان الأوّل وهو صدّيقهم إنّما كانت منقبته منحصرة في كونه صاحب الغار ، وأنّه أمره النبي صلی الله علیه وآله بالصلاة في مرضه ، ولو كان له شي ء آخر لذكره له الثاني لمّا كان يحرّض الناس على بيعته .
مع انّ كلّاً منهما إلى المثلبه أقرب .
ص: 170
أمّا الأولى فتضمن القرآن ايذاء صاحب الغار لنبيّه صلی الله علیه وآله ، وأخرجه من وصف الايمان حيث خصّ انزال السكينة بنبيّة صلی الله علیه وآله مع انّه في آيات اُخر شرك المؤمنين معه في ذلك .
قال عزّ من قائل : ( ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ )(1) وقال تعالى ( فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ )(2) .
وأمّا الثانية : فانّما كانت من قبل بنته ، وخرج النبي صلی الله علیه وآله مع شدّة مرضه متّكئاً على نَفَرَيْنِ لمنعه .
وأمّا هو علیه السلام فمقاماته أكثر من أن تحصى ، وروى أحمد بن الحسن القطان من رجالهم باسناده عن جعفر بن محمّد عن آبائه انّه : لمّا كان من أمر أبي بكر ما كان لم يزل أبو بكر يظهر الانبساط لعلي علیه السلام ، ويرى منه انقباضاً - إلى أن قال - قال علي علیه السلام : أخبرني عن الذي يستحقّ هذا الأمر بما يستحقّه ؟ فقال : بالنصيحة والوفاء ، ورفع المداهنة والمحاباة ، وحسن السيرة ، واظهار العدل ، والعلم بالكتاب والسنّة وفصل الخطاب ، مع الزهد في الدنيا وقلّة الرغبة فيها ، وانصاف المظلوم من الظالم القريب والبعيد ، ثمّ سكت ، فقال علي علیه السلام : أنشدك باللَّه أفي نفسك تجد هذه الخصال أو فيَّ ؟ قال : بل فيك يا أبا الحسن ، قال : فأنشدك باللَّه أنا المجيب لرسول اللَّه صلی الله علیه وآله قبل ذكران المسلمين أم أنت ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنا صاحب الأذان لأهل الموسم ولجميع الاُمّة بسورة براءة أم أنت ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنا وقيت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بنفسي يوم الغار أم أنت ؟ قال : بل
ص: 171
أنت ، قال فأنشدك باللَّه أ لِيَ الولاية من اللَّه مع ولاية رسول اللَّه صلی الله علیه وآله في آية زكاة الخاتم أم لك ؟ قال : بل لك ، قال : فأنشدك باللَّه أنا المولى لك ولكلّ مسلم بحديث النبيّ صلی الله علیه وآله يوم الغدير أم أنت ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أ لِيَ الوزارة من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله والمثل من هارون من موسى أم لك ؟ قال : بل لك ، قال فأنشدك باللَّه أ بي برز رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وبأهل بيتي وولدي في مباهلة المشركين من النصارى أم بك وبأهلك وولدك ؟ قال : بل بكم ، قال : فأنشدك باللَّه أ لِيَ ولأهلي وولدي آية التطهير من الرجس أم لك ولأهل بيتك ؟ قال : بل لك ولأهل بيتك ، قال : فأنشدك باللَّه أنا صاحب دعوة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وأهلي وولدي يوم الكساء « اللهمّ هؤلاء أهلي إليك ، لا إلى النار » أم أنت ؟ قال : بل أنت وأهلك وولدك ، قال : فأنشدك باللَّه أنا صاحب آية ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً )(1) أم أنت ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنت الفتى الذي نودي من السماء « لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا علي » أم أنا ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنت الذي ردّت له الشمس لوقت صلاته فصلّاها ثمّ توارت أم أنا ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنت الذي حباك رسول اللَّه صلی الله علیه وآله برايته يوم خيبر ففتح اللَّه له أم أنا ؟ قال : بل أنت ،
ص: 172
قال : فأنشدك باللَّه أنت الذي نفّست عن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله كربته وعن المسلمين بقتل عمرو بن عبد ود أم أنا ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنت الذي ائتمنك رسول اللَّه صلی الله علیه وآله على رسالته إلى الجن فأجابت أم أنا ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنت الذي طهّرك رسول صلی الله علیه وآله اللَّه من السفاح من لدن آدم إلى أبيك بقوله : « أنا وأنت من نكاح لا من سفاح من لدن آدم إلى عبدالمطلب » أم أنا ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنا الذي اختارني رسول اللَّه وزوجني ابنته فاطمة 3 وقال : « اللَّه زوجك إياها في السماء » أم أنت ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنا والد الحسن والحسين سبطيه وريحانتيه اللذين قال فيهما : « هذان سيّدان شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما » أم أنت ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أخوك المزيّن بالجناحين في الجنة ليطير بهما مع الملائكة أم أخي ؟ قال : بل أخوك ، قال : فأنشدك باللَّه أنا ضمنت دين رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وناديت في المواسم بإنجاز موعده أم أنت ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنا الذي دعاه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لطير عنده يريد أكله فقال : « اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليّ وإليك بعدي يأكل معي من هذا الطير » فلم يأته غيري أم أنت ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنا الذي بشّرني رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين على تأويل القرآن أم أنت ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنا الذي شهدت آخر كلام رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وولّيت غسله ودفنه أم أنت ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنا الذي دلّ عليه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بعلم القضاء بقوله : « علي أقضاكم » أم أنت ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنا الذي أمر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أصحابه بالسلام عليه بالامرة في حياته أم أنت ؟ قال : بل أنت ، قال : فانشدك باللَّه أنت الذي سبقت له القرابة من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أم أنا ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنت حباك اللَّه عزّوجلّ بدينار عند حاجته إليه وباعك جبرئيل وأضفتَ محمّداً صلی الله علیه وآله وأطعمت ولده ؟ قال : فبكى أبو بكر و قال بل أنت ، قال فأنشدك باللَّه أنت الذي حملك رسول اللَّه صلی الله علیه وآله على كتفيه في طرح صنم الكعبة وكسره حتى لو شاء أن ينال أفق السماء لنالها أم أنا ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنت الذي قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنت صاحب لوائي في الدنيا
ص: 173
والآخرة » أم أنا ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنت الذي أمر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بفتح بابه في مسجده عند ما أمر بسدّ جميع أبواب أصحابه وأهل بيته وأحلّ له فيه ما أحلّه اللَّه له أم أنا ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنت الذي قدّم بين يدي نجوى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله صدقة فناجاه أم أنا إذا عاتب اللَّه عزّوجلّ قوماً فقال : ( أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ )(1) الآية ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنت الذي قال فيه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لفاطمة 3 : « زوجتك أوّل الناس إيمانا وأرجحهم إ سلاما » في كلام له أم أنا ؟ قال : بل أنت . . . فلم يزل علیه السلام يعدّ عليه مناقبه التي جعل اللَّه عزّوجلّ له دونه ودون غيره ويقول له أبوبكر : بل أنت ، قال : فبهذا وشبهه يستحق القيام باُمور اُمّة محمّد صلی الله علیه وآله - إلى أن قال - فقال عمر : يا علي دون ما تروم خرط القتاد(2) .
وكيف يعترض الريب فيه علیه السلام مع أحد وهو كنفس النبي صلی الله علیه وآله بشهادة آية « وأنفسنا »(3) ودلالة مستفيضة اتّحاد نوريهما .
قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « كنت أنا وعلي نوراً بين يدي اللَّه عزوجل قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق آدم قسم ذلك فيه وجعله جزأين ، فجزء أنا وجزء علي »(4) .
وقال عبداللَّه بن أحمد بن حنبل : قلت لأبي ما تقول في التفضيل ؟ قال في
ص: 174
الخلافة : أبوبكر وعمر وعثمان ، قلت : فعلي ؟ قال : يا بنيّ : علي بن أبي طالب من أهل بيت لا يقاس بهم أحد(1) .
وفي المحاسن في مجلس محمّد بن عايشة بالبصرة قام إليه رجل من وسط الحلقة فقال : يا أبا عبدالرحمن ! من أفضل أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ؟ فقال : أبوبكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبدالرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجرّاح ، فقال له : فأين علي بن أبي طالب علیه السلام ؟ قال : يا هذا تستفتي عن أصحابه أم عن نفسه ؟ قال : بل عن أصحابه ، قال : انّ اللَّه تبارك وتعالى يقول : ( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ )(2) فكيف يكون أصحابه مثل نفسه ؟(3)
عثمان وطلحة والزبير وسعد وعبدالرحمن ، عن أبي اسحاق سألت ابن عمر عن عثمان وعلي ، قال : تسألني عن علي ؟ ! فقد رأيت مكانه من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله انّه سدّ أبواب المسجد إلّا باب علي(4) .
ودخل علي علیه السلام على عثمان وعنده جماعة من الناس ، منهم أهل الشورى ، وقد كان بلغه عنهم هنات وقوارض ، فقال لهم : - في جملة كلام - لكنّي أخبركم عن أنفسكم أمّا أنت يا عثمان ففررت يوم حنين ، وتولّيت يوم التقى الجمعان ، وأمّا
ص: 175
أنت يا طلحة فقلت : إن مات محمّد لتركضن بين خلاخيل نسائه كما ركض بين خلاخيل نسائنا ، وأمّا أنت يا عبدالرحمن ، فصاحب قراريط ، وأمّا أنت يا سعد فتدق عن أن تذكر ، قال : ثمّ خرج ، فقال عثمان : أما كان فيكم أحد يرد عليه ، قالوا : وما منعك من ذلك وأنت أميرالمؤمنين(1) .
وقالت هاشم لاُميّة : قال شاعركم :
صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة * ولم نر مهدياً على الجذع يصلب
وقستم بعثمان عليّاً سفاهة * وعثمان خير من علي وأطيب
فروى ان بعض الصالحين من أهل البيت : قال : « اللهمّ إن كان كاذباً فسلّط عليه كلباً من كلابك » فخرج يوماً بسفر له ، فعرض له الأسد فافترسه(2) وتفصيله : جاء رجل إلى عبداللَّه بن جعفر فقال له : يابن رسول اللَّه ، هذا حكيم الكلبي ينشد الناس هجاءكم بالكوفة - وأنشده البيت - فرفع عبداللَّه يديه إلى السماء وهما ينتقضان رعدة فقال : « اللهمّ إن كان كاذباً فسلّط عليه كلباً » ، فخرج حكيم من الكوفة فأدلج ، فافترسه الأسد فأكله ، وأتى البشير عبداللَّه وهو في مسجد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فخرّ للَّه تعالى ساجداً وقال : « الحمد للَّه الذي صدقنا وعده »(3) .
وعن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس - وكان قد شهد مقتل الحسين علیه السلام - قال : وخرج يزيد بن معقل من بني عميرة بن ربيعة وهو حليف لبني سليمة من عبدالقيس فقال : يا برير بن حضير ! كيف ترى اللَّه صنع بك ؟ قال : صنع اللَّه واللَّه بي
ص: 176
خيراً ، وصنع اللَّه بك شرّاً ، قال : كذبت وقبل اليوم ما كنت كذّاباً ، هل تذكر وأنا أماشيك في بني لوذان وأنت تقول : « إنّ عثمان بن عفّان كان على نفسه مسرفاً وانّ معاوية بن أبي سفيان ضال مضل ، وان امام الهدى والحق علي بن أبي طالب » فقال له برير : اشهد ان هذا رأيي وقولي ، فقال له يزيد بن معقل : « فانّي اشهد انّك من الضالّين » فقال له برير بن حضير : « هل لك فلأباهلك ولندع اللَّه أن يلعن الكاذب وأن يقتل المبطل ، ثمّ اخرج فلأبارزك ؟ » قال : فخرجا فرفعا أيديهما إلى اللَّه يدعوانه أن يلعن الكاذب وأن يقتل المحق المبطل ، ثمّ برز كلّ واحد منهما لصاحبه ، فاختلفا ضربتين ، فضرب يزيد بن معقل برير بن حضير ضربة خفيفة ، لم تضرّه شيئاً ، وضربه برير بن حضير ضربة قدّت المغفر وبلغت الدماغ ، فخرّ كأنّما هوى من حالق وان سيف ابن حضير لثابت في رأسه ، فكأنّي انظر إليه ينضنضه من رأسه(1) .
والذي مال للضغن سعد بن أبي وقّاص ، لأنّه علیه السلام قتل أباه يوم بدر ، وسعد أحد من قعد عن بيعة أميرالمؤمنين علیه السلام عند رجوع الأمر إليه ، كذا قال الراوندي ؛(2) وردّه ابن أبي الحديد(3) بأنّ أبا وقاص - واسمه مالك بن وهيب - مات في الجاهليّة حتف أنفه ، وقال : المراد به طلحة ، وضغنه لأنه تيمي وابن عم أبي بكر ،
ص: 177
وكان في نفوس بني هاشم حقد(1) شديد من بني تيم لأجل الخلافة وبالعكس ، والرواية التي جائت بأن طلحة لم يكن حاضراً يوم الشورى - ان صحت - فذو الضغن هو سعد ، لأن اُمّه حمنة بنت سفيان بن اُميّة بن عبدشمس والضغنة التي كانت عنده من قبل أخواله الذين قتلهم علي علیه السلام ، ولم يعرف انّه علیه السلام قتل أحداً من بني زهرة لينسب الضغن إليه(2) .
المراد بالرجل سعد معيناً ولو لم تكن تلك الرواية صحيحة لما في كتاب الشورى والسقيفة عن الشعبي وعن كتاب الحماني عن أبي صادق انه علیه السلام قال : « إن سعداً مع ابن عمّه ابن عوف ، وابن عوف مع صهره عثمان ، فلو فرض كون طلحة والزبير معي ما نفعاني » وزاد في الأخير : « ولم يبال أن يقتل طلحة إذا قتلني وقتل الزبير »(3) (4) .
وقال علي علیه السلام لعمّه : عدل بالأمر عنّي ، قال : وما علمك ، قال : قرن بي عثمان وقال : « كونوا مع الأكثر ، فان رضي رجلان رجلاً ورجلان رجلاً فكونوا مع الذين فيهم عبدالرحمن بن عوف » فسعد لا يخالف ابن عمّه عبدالرحمن وعبدالرحمن صهر عثمان ، لا يختلفون ، فيوليها عبدالرحمن عثمان أو يوليها عثمان عبدالرحمن ، فلو كان الآخران معي لم ينفعاني(5) .
وقال علي علیه السلام لسعد : اسئلك برحم ابني هذا من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وبرحم عمّي
ص: 178
حمزة منك أن لا تكون مع عبدالرحمن لعثمان ظهيراً عليّ(1) .
والمراد بالآخر عبدالرحمن بن عوف ، وبصهره عثمان ، فان أخت عثمان لاُمّه أروى بنت كريز ، وهي اُمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط كانت تحت عبدالرحمن .
قال الشعبي : وأدخل أهل الشورى داراً ، فأقبلوا يتجادلون عليها ، وكلّهم بها ضنين ، وعليها حريص ، إمّا لدنيا وإمّا لآخرة ، فلمّا طال ذلك قال عبدالرحمن : من رجل منكم يخرج نفسه عن هذا الأمر ، ويختار لهذه الاُمّة رجلاً منكم ، فان طيبة نفسي أن أخرج منها ، وأختار لكم ، قالوا : قد رضينا إلّا علي بن أبي طالب ، فانّه اتّهمه وقال : أنظر وأرى ، فأقبل أبو طلحة عليه وقال : يا أبا الحسن ! ارض برأي عبدالرحمن ، كان الأمر لك أو لغيرك ، فقال علي علیه السلام : اعطني يا عبدالرحمن موثقاً من اللَّه لتؤثرنّ الحق ، ولا تتبع الهوى ، ولا تمل إلى صهر ولا ذي قرابة ، ولا تعمل إلّا للَّه ، ولا تألو هذه الاُمّة أن تختار لها خيرها - إلى أن قال - فخرج عبدالرحمن ، فمكث ثلاثة أيّام يشاور الناس ، ثمّ رجع واجتمع الناس وكثروا على الباب لا يشكّون انه يبايع علي بن أبي طالب علیه السلام وكان هوى قريش كافة ما عدا بني هاشم في عثمان ، وهوى طائفة من الأنصار مع علي علیه السلام ، وهوى طائفة اُخرى مع عثمان وهي أقل الطائفتين ، وطائفة لا يبالون أيّهما بويع ، قال : فأقبل المقداد بن عمرو والناس مجتمعون فقال : أيّها الناس اسمعوا ما أقول : أنا المقداد بن عمرو ، إنكم إن بايعتم عليّاً سمعنا وأطعنا وإن بايعتم عثمان سمعنا وعصينا - إلى أن قال -
ص: 179
ثمّ أقبل ( عمّار ) على عبداللَّه بن سعد بن أبي سرح فقال : « يا فاسق يا ابن الفاسق ! أأنت ممّن يستنصحه المسلمون أو يستشيرونه في اُمورهم ؟ » وارتفعت الأصوات ، ونادى مناد لا يدري من هو ، فقريش تزعم انّه رجل من بني مخزوم ، والأنصار تزعم انّه رجل طوال آدم مشرف على الناس لا يعرفه أحد منهم(1) : « يا عبدالرحمن ، افرغ من أمرك ، وامض على ما في نفسك فانّه الصواب » .
قال الشعبي : فأقبل عبدالرحمن على علي بن أبي طالب ، فقال : عليك عهد اللَّه وميثاقه ، وأشد ما أخذ اللَّه على النبيين من عهد وميثاق : إن بايعتك لتعملن بكتاب اللَّه وسنّة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر ، فقال علي علیه السلام : « طاقتي ومبلغ علمي وجهد ورأيي » والناس يسمعون ، فأقبل على عثمان ، فقال له : مثل ذلك ، فقال : « نعم ، لا أزول عنه ولا أدع شيئاً منه » ثمّ أقبل على علي علیه السلام فقال له : ذلك ثلاث مرّات ، ولعثمان ثلاث مرّات ، في كلّ ذلك يجيب علي علیه السلام مثل ما كان أجاب به ، ويجيب عثمان بمثل ما كان أجاب به ، فقال : « ابسط يدك يا عثمان » فبسط يده فبايعه ، وقام القوم فخرجوا ، وقد بايعوا إلّا علي بن أبي طالب علیه السلام ، فانّه لم يبايع .
قال : فخرج عثمان على الناس ووجهه متهلل ، وخرج علي وهو كاسف البال مظلم ، وهو يقول : « يابن عوف ليس هذا بأوّل يوم تظاهرتم علينا ، من دفعنا عن حقّنا والاستئثار علينا ، وانّها لسنة علينا ، وطريقة تركتموها »(2) .
وفي أنساب البلاذري : لمّا بايع عبدالرحمن عثمان ، وبايعه أصحاب الشورى
ص: 180
وكان علي قائماً فقعد ، فقال له عبدالرحمن : « بايع وإلّا فضربت عنقك » ولم يكن مع أحد يومئذٍ سيف غيره ، فيقال : انّ عليّاً خرج مغضباً ، فلحبه أصحاب الشورى وقالوا : بايع وإلّا جاهدناك ، فأقبل معهم يمشي حتى بايع عثمان(1) .
وفي خلفاء ابن قتيبة : أخذ عبدالرحمن بيد عثمان وقال له : « لئن بايعتك لتقيمنّ لنا كتاب اللَّه وسنّة رسوله وسنّة صاحبيك ، وشرط عمر أن لا تجعل أحداً من بني اُميّة على رقاب الناس ، فقال عثمان : نعم ، ثمّ أخر بيد علي علیه السلام فقال له : اُبايعك على شرط عمر أن لا تجعل أحداً من بني هاشم على رقاب الناس ، فقال علي عند ذلك : مالَكَ ولهذا اذا قطعتها في عنقي ؟ فانّ عليّ الاجتهاد لاُمّة محمّد صلی الله علیه وآله حيث علمت القوّة والأمانة استعنت بها ، كان في بني هاشم أو غيرهم ، قال عبدالرحمن : لا واللَّه حتّى تعطيني هذا الشرط ، قال علي علیه السلام : « واللَّه ، لا أعطيكه أبداً » فتركه - إلى أن قال - قال عبدالرحمن : « لا تجعل يا علي سبيلاً إلى نفسك ، فانّه السيف لا غير »(2) .
وقال ابن أبي الحديد : - بعد ذكر بيعة عبدالرحمن لعثمان لمّا قبل العمل بسيرة الشيخين - فقال علي علیه السلام : « ليس هذا بأوّل يوم تظاهرتم فيه علينا ، فصبر جميل واللَّه المستعان على ما تصفون ، واللَّه ما ولّيته الأمر إلّا ليرده إليك، واللَّه كلّ يوم في شأن » فقال عبدالرحمن : لا تجعلنّ على نفسك سبيلاً يا علي - يعني أمر عمر أبا طلحة أن يضرب عنق المخالف - فقام علي علیه السلام فخرج ، وقال : « سيبلغ الكتاب أجله » فقال عمّار : « يا عبدالرحمن ! أما واللَّه لقد تركته ، وانّه من الذين يقضون
ص: 181
بالحق وبه كانوا يعدلون » فقال المقداد : « تاللَّه ما رأيت مثل ما أتى إلى أهل هذا البيت بعد نبيّهم ، وا عجبا لقريش ! لقد تركت رجلاً ما أقول ولا أعلم أن أحداً أقضى بالعدل ولا أعلم ولا أتقى منه ! أما واللَّه لو أجد أعواناً ! » فقال عبدالرحمن : اتّق اللَّه يا مقداد ، فانّي خائف عليك الفتنة ، وقال علي علیه السلام : اني لأعلم ما في أنفسهم ، ان الناس ينظرون إلى قريش ، وقريش تنظر في صلاح شأنها ، فتقول : ان ولي الأمر بنو هاشم لم يخرج منهم أبداً ، وما كان في غيرهم فهو متداول في بطون قريش . قال : وقدم طلحة في اليوم الذي بويع فيه لعثمان فتلكأ ساعة ، ثمّ بايع(1) .
وقال أبو هلال العسكري في كتاب « الأوائل » : استجيبت دعوة علي علیه السلام في عثمان وعبدالرحمن ، فما ماتا إلّا متهاجرين متعاديين(2) .
ودعائه علیه السلام فيهما انّه قال لهما : دقّ اللَّه بينكما عطر منشم(3) » .
ص: 182
قال الشعبي : أتى عبدالرحمن بن عوف بعد بيعة عثمان عليّاً علیه السلام واعتذر إليه وقال : ان عثمان أعطانا يده ويمينه ، ولم تفعل أنت ، فاحببت أن أتوثق للمسلمين ، فجعلتها فيه ، فقال علیه السلام : ايها عنك ! انّما آثرته بها لتنالها بعده ، دقّ اللَّه بينكما عطر منشم(1) .
وقال ابن أبي الحديد : لمّا بنى عثمان قصره طمار بالزوراء ، وصنع طعاماً كثيراً ، ودعا الناس إليه ، كان فيهم عبدالرحمن ، فلمّا نظر للبناء والطعام قال : يابن عفّان لقد صدّقنا عليك ما كنّا نكذّب فيك ، واني استعيذ باللَّه من بيعتك ، فغضب عثمان وقال : أخرجه عنّي يا غلام ، فأخرجوه ، وأمر الناس أن لا يجالسوه(2) .
وفي المعجم : الزوراء : دار عثمان بن عفّان بالمدينة والزوراء موضع عند سوق المدينة قرب المسجد(3) .
روى انّ عثمان اعتل علّة اشتدّت به ، فدعا حمران بن أبان ، وكتب عهداً لمن بعده ، وترك موضع الاسم ، ثمّ كتب بيده : عبدالرحمن بن عوف ، وربطه وبعث إلى اُمّ حبيبة بنت أبي سفيان ، فقرأه حمران في الطريق فأتى عبدالرحمن فأخبره ، فقال عبدالرحمن - وغضب غضباً شديداً - : أستعمله علانية ، ويستعملني سرّاً ، ونمى الخبر وانتشر بذلك في المدينة ، وغضب بنو اُميّة - إلى أن قال - فكان سبب العداوة بينه وبين عبدالرحمن بن عوف(4) وذكر الثقفي في تاريخه عن أبي اسحاق قال : ضجّ الناس يوماً حين صلّوا الفجر في خلافة عثمان ، فنادوا بعبدالرحمن بن عوف ، فحوّل وجهه إليهم واستدبر القبلة ، ثمّ خلق قميصه من جنبه فقال : « يا معشر أصحاب محمّد ، يا معشر المسلمين ، اشهد اللَّه واشهدكم اني قد
ص: 183
خلعت عثمان من الخلافة كما خلعت سربالي هذا ، فأجابه مجيب من الصف الأوّل : ( آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ )(1) » فنظروا من الرجل ، فاذا هو عليّ بن أبي طالب علیه السلام(2) .
ومن الغريب انّ عمر قال : سأستخلف النفر الذين توفي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وهو عنهم راض - ثمّ ذكر عيب كلّ منهم وقال لعبدالرحمن : « وما يمنعني منك يا عبدالرحمن إلّا انّك فرعون هذه الأُمّة »(3) .
وهو أيضاً قارون هذه الأُمّة فقال ابن قتيبة : وقسم ميراثه على ستّة عشر سهماً ، فبلغ نصيب كلّ امرأة له ثمانين ألف درهم(4) .
وقال المسعودي : قد أتى عثمان بتركة عبدالرحمن بن عوف الزهري من المال فنثرت البدر حتّى حالت بين عثمان وبين الرجل القائم(5).
وروى الواحدي ان قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ )(6) نزلت في نفر من أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، منهم عبدالرحمن بن عوف(7) .
ص: 184
وقال ابن قتيبة : وكان به ج أي عبدالرحمن ج برش(1) ، فرخص له النبي صلی الله علیه وآله في لبس الحرير لذلك(2) .
وقال الصدوق ؛ : ولم يطلق النبي صلی الله علیه وآله لبس الحرير لأحد من الرجال إلّا لعبدالرحمن بن عوف ، وذلك انّه كان رجلاً قملاً(3) .
وينبغي التذييل بأُمور :
الأوّل : كيفيّة قتل عمر وقاتله :
فقاتله أبولؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة .
ذكر الواقدي قال : أخبرني نافع ، عن أبي نعيم ، عن عامر بن عبداللَّه ابن الزبير ، عن أبيه قال : غدوت مع عمر بن الخطّاب إلى السوق وهو متّكئ على يدي ، فلقيه أبولؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة ، فقال : ألا تكلّم مولاي يضع عنّي من خراجي ؟ قال : كم خراجك ؟ قال : دينار ، قال : ما أرى أن أفعل ، انك لعامل محسن وما هذا بكثير ، ثمّ قال له عمر : ألا تعمل لي رحى ؟ قال : بلى ، فلمّا ولى قال أبولؤلؤة : لأعملنّ لك رحى يتحدّث بها ما بين المشرق والمغرب .
قال : فوقع في نفسي قوله ، قال : فلمّا كان في النداء لصلاة الصبح خرج عمر إلى الناس ، يؤذنهم للصلاة ، قال ابن الزبير : وأنا في مصلاي ، وقد اضطجع له أبولؤلؤة ، فضربه بالسكّين ست طعنات احداهن تحت سرّته وهي قتلته(4) .
وعن عمرو بن ميمون الأودي قال : وجائه بسكين له طرفان ، فلمّا جرح عمر
ص: 185
جرح معه ثلاثة عشر رجلاً في المسجد ، ثمّ أخذ ، فلمّا أخذ قتل نفسه(1) .
وروى أيضاً ان عمر لمّا ضربه أبولؤلؤة بالسكين في بطنه قال : ادعوا لي الطبيب ، فدعى الطبيب ، فقال : أي الشراب أحبّ إليك ؟ قال : النبيذ ، فسقى نبيذاً ، فخرج من بعض طعناته ، فقال الناس : هذا دم صديد ، قال : اسقوني لبناً ، فخرج من الطعنة ، فقال له الطبيب : لا أرى أن تمسى ، فما كنت فاعلاً فافعل وذكر تمام الخبر في الشورى(2) .
قال بعض أصحابنا : ولقد كان يحب أن يلاقى اللَّه سبحانه وبطنه الممزوق ممتلئ من الشراب ، فانظروا يا أُولي الألباب(3) .
الثاني : في ذكر أخبار الشورى من طرق العامّة :
عن عمرو بن ميمون الأودي : انّ عمر بن الخطّاب لمّا طعن قيل له : يا أميرالمؤمنين لو استخلفت ، قال : من استخلف ؟ لو كان أبو عبيدة ابن الجرّاح حيّاً استخلفته ، فان سألني ربّي قلت : سمعت نبيّك يقول : انّه أمين هذه الأُمّة ، ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً استخلفته ، ان سألني ربّي قلت : سمعت نبيّك يقول : انّ سالماً شديد الحب للَّه ، فقال له رجل : أدلّك عليه : عبداللَّه بن عمر ، فقال : قاتلك اللَّه ، واللَّه ما أردت اللَّه بهذا ، ويحك كيف استخلف رجلاً عجز عن طلاق امرأته ؟(4) .
وقال ابن أبي الحديد : انّ عمر لمّا طعنه أبو لؤلؤة ، وعلم انّه ميّت ، استشار فيمن
ص: 186
يولّيه الأمر بعده ، فاشير عليه بابنه عبداللَّه ، فقال : لاها اللَّه إذا لا يليها رجلان من ولد الخطاب ، حسب عمر ما حمل ، حسب عمر ما احتقب ، لاها اللَّه ! لا أتحملها حيّاً وميّتاً ! ثمّ قال : إنّ رسول اللَّه مات وهو راض عن هذه الستّة من قريش : علي ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وعبدالرحمن بن عوف ، وقد رأيت أن أجعلها شورى بينهم ليختاروا لأنفسهم ، ثمّ قال : إن استخلف فقد استخلف من هو خير منّي - يعني أبا بكر - وإن أترك فقد ترك من هو خير منّي - يعني رسول اللَّه صلی الله علیه وآله - ثمّ قال : ادعوهم لي ، فدعوهم ، فدخلوا عليه وهو ملقى على فراشه يجود بنفسه ، فنظر إليهم فقال : أكلكم يطمع في الخلافة بعدي ؟ فوجموا ، فقال لهم ثانية ، فأجابه الزبير وقال : وما الذي يبعدنا منها ، وليتها أنت فقمت بها ، ولسنا دونك في قريش ولا في السابقة ولا في القرابة .
قال الشارح :
قال الشيخ أبوعثمان الجاحظ : واللَّه لولا علمه ان عمر يموت في مجلسه ذلك لم يقدم على أن يفوه من هذا الكلام بكلمة ، ولا أن ينبس منه بلفظة ، فقال عمر : أفلا أخبركم عن أنفسكم ! قال : قل ، فإنّا لو استعفيناك لم تعفنا ، فقال : أمّا أنت يا زبير فوعق(1) لقس(2) مؤمن الرضا ، كافر الغضب ، يوماً انسان ويوماً شيطان ، ولعلّها لوأفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مدّ من شعير ! أفرأيت إن أفضت إليك ، فليت شعري من يكون للناس يوم تكون شيطاناً ، ومن يكون يوم تغضب ! وما كان اللَّه ليجمع لك أمر هذه الأُمّة وأنت على هذه الصفة .
ص: 187
ثمّ أقبل على طلحة - وكان له مبغضاً منذ قال لأبي بكر يوم وفاته ما قال في عمر - فقال له : أقول أم أسكت ؟ قال : قل ، فانّك لا تقول من الخير شيئاً ، قال : أما انّي أعرفك منذ اصيبت اصبعك يوم أُحد وائياً(1) بالذي حدث لك ، ولقد مات رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ساخطاً عليك بالكلمة التي قلتها يوم أنزلت آية الحجاب .
قال الشارح : قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ : الكلمة المذكورة أن طلحة لمّا انزلت آية الحجاب قال بمحضر ممّن نقل عنه إلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : ما الذي يغنيه حجابهنّ اليوم ، وسيموت غداً فننكحهنّ !
قال أبو عثمان أيضاً : لو قال لعمر قائل : - أنت قلت : ان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله مات وهو راض عن الستّة ، فكيف تقول الآن لطلحة انّه صلی الله علیه وآله مات ساخطاً عليك للكلمة التي قلتها ؟ - لكان قد رماه بمشاقصه(2) .
ولكن من الذي كان يجسر على عمر أن يقول له ما دون هذا ، فكيف هذا ؟ ! قال : ثمّ أقبل على سعد بن أبي وقّاص فقال : إنّما أنت صاحب مقنب(3) من هذه المقانب ، تقاتل به ، وصاحب قنص وقوس وأسهم ، وما زهرة(4) والخلافة وأُمور الناس ؟ !
ثمّ أقبل على عبدالرحمن بن عوف ، فقال : وأمّا أنت يا عبدالرحمن ، فلو وزن نصف إيمان المسلمين بايمانك لرجح ايمانك به ، ولكن ليس يصلح هذا الأمر لمن فيه ضعف كضعفك ، وما زهرة وهذا الأمر ؟ !
ص: 188
ثمّ أقبل على عليّ علیه السلام ، فقال : للَّه أنت لولا دعابة فيك ! أما واللَّه لئن ولّيتهم لتحملنّهم على الحق الواضح ، والمحجّة البيضاء .
ثمّ أقبل على عثمان ، فقال : هيها(1) إليك ! كأنّي بك قد قلّدتك قريش هذا الأمر لحبّها إليك ، فحملت بني أُميّة وبني أبي معيط على رقاب الناس ، وآثرتهم بالفي ء ، فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب ، فذبحوك على فراشك ذبحاً ، واللَّه لئن فعلوا لتفعلنّ ، ولئن فعلت ليفعلنّ ، ثمّ أخذ بناصيته ، فقال : فاذا كان ذلك فاذكر قولي ، فانه كائن - إلى أن قال - ثمّ قال : ادعوا إلى أبا طلحة الأنصاري ، فدعوه له فقال : انظر يا أبا طلحة ، اذا عدتم من حفرتي فكن في خمسين رجلاً من الأنصار حاملي سيوفكم ، فخذ هؤلاء النفر بامضاء الأمر وتعجيله ، واجمعهم في بيت وقِفْ بأصحابك على باب البيت ليتشاوروا ويختاروا واحداً منهم ، فان اتّفق خمسة وأبى واحد فاضرب عنقه ، وإن اتّفق أربعة وأبى اثنان فاضرب أعناقهما ، وان اتّفق ثلاثة وخالف ثلاثة ، فانظر الثلاثة التي فيها عبدالرحمن ، فارجع إلى ما قد اتّفقت عليه ، فان اصرت الثلاثة الاخرى على خلافها فاضرب أعناقهما ، وإن مضت ثلاثة أيّام ولم يتّفقوا على أمر فاضرب أعناق الستّة ودع المسلمين يختاروا لأنفسهم .
فلمّا دفن عمر ، جمعهم أبو طلحة ، ووقف على باب البيت بالسيف في خمسين من الأنصار ، حاملي سيوفهم ، ثمّ تكلّم القوم وتنازعوا ، فأوّل ما عمل طلحة أنّه اشهدهم على نفسه أنّه قد وهب حقّه من الشورى لعثمان ، وذلك لعلمه انّ الناس لا يعدلون به عليّاً وعثمان ، وانّ الخلافة لا تخلص له وهذان موجودان ، فأراد تقوية
ص: 189
أمر عثمان وإضعاف جانب علي علیه السلام بهبة أمر لا انتفاع له به ، ولا تمكن له منه .
فقال الزبير في معارضته : وأنا اشهدكم على نفسي اني قد وهبت حقّي من الشورى لعلي ، وإنّما فعل ذلك لأنّه لمّا رأى عليّاً قد ضعف وانخزل بهبة طلحة حقّه لعثمان دخلته حميّة النسب ، لأنّه ابن عمّة أميرالمؤمنين علیه السلام ، وهي صفيّة بنت عبدالمطلب ، وأبو طالب خاله ، وإنّما مال طلحة إلى عثمان لانحرافه عن علي علیه السلام باعتبار أنّه تيمي ، وابن عم أبي بكر - إلى أن قال - فبقى من الستّة أربعة ، فقال سعد بن أبي وقّاص : وأنا قد وهبت حقّي من الشورى لابن عمّي عبدالرحمن - وذلك لأنّهما من بني زهرة ، ولعلم سعد ان الأمر لا يتمّ له - فلمّا لم يبق إلّا الثلاثة ، قال عبدالرحمن لعلي وعثمان : أيّكما يخرج نفسه من الخلافة ، ويكون إليه الاختيار في الاثنين الباقيين ؟ فلم يتكلّم منهما أحد ، فقال عبدالرحمن : أشهدكم انني قد اخرجت نفسي من الخلافة ، على أن أختار أحدهما ، فأمسكا ، فبدأ بعلي علیه السلام وقال له : ابايعك على كتاب اللَّه ، وسنّة رسول اللَّه ، وسيرة الشيخين أبي بكر وعمر ، فقال : بل على كتاب اللَّه وسنّة رسوله واجتهاد رأيي .
فعدل عنه إلى عثمان ، فعرض ذلك عليه ، فقال : نعم ، فعاد إلى علي علیه السلام فأعاد قوله ، فعل ذلك عبدالرحمن ثلاثاً ، فلمّا رأى انّ عليّاً غير راجع عمّا قاله ، وانّ عثمان ينعم له(1) بالاجابة صفق على يد عثمان ، وقال : السلام عليك يا أميرالمؤمنين ، فيقال : انّ عليّاً علیه السلام قال له : واللَّه ما فعلتها إلّا لأنّك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه ، دقّ اللَّه بينكما عطر منشم ، قيل : ففسد بعد ذلك بين
ص: 190
عثمان وعبدالرحمن ، فلم يكلّم أحدهما صاحبه حتّى مات عبدالرحمن(1) .
أقول : وفي هذه القضيّة اشارات لا يخفى على أهل البصيرة واليقين ومن أراد التفصيل فليراجع إلى منهاج البراعة(2) .
الثالث : في ذكر طائفة من الاحتجاجات التي احتجّ بها الامام علیه السلام في مجلس الشورى ومناشداته معهم وتعديد فضائله وذكر خصائصه وهي كثيرة ونحن نقتصر على رواية واحدة .
روى الطبرسي عن عمرو بن شمر ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه وعلى آبائه الصلاة والسلام قال : إن عمر بن الخطّاب لمّا حضرته الوفاة وأجمع على الشورى بعث إلى ستّة نفر من قريش إلى علي بن أبي طالب علیه السلام ، وإلى عثمان بن عفان ، وإلى الزبير بن العوام ، وإلى طلحة بن عبيداللَّه ، وعبدالرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وأمرهم أن يدخلوا إلى البيت ولا يخرجوا منه حتّى يبايعوا لأحدهم ، فإن اجتمع أربعة على واحد وأبى واحد أن يبايعهم قتل ، وإن امتنع اثنان وبايع ثلاثة قتلا ، فأجمع رأيهم على عثمان .
فلمّا رأى أميرالمؤمنين علیه السلام ما همّ القوم به من البيعة لعثمان ، قام فيهم ليتخذ عليهم الحجّة فقال علیه السلام لهم : اسمعوا منّي كلامي ، فإن يك ما أقول حقّا فاقبلوا ، وإن يك باطلا فأنكروا ، ثم قال لهم : أنشدكم باللَّه الذي يعلم صدقكم إن صدقتم ويعلم كذبكم إن كذبتم ، هل فيكم أحد صلى القبلتين كلتيهما غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم من بايع البيعتين كلتيهما ، بيعة الفتح وبيعة
ص: 191
الرضوان غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد أخوه المزيّن بالجَناحين في الجنة غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد عمّه سيّد الشهداء غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد زوجته سيدة نساء العالمين غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد ابناه ابنا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وهما سيدا شباب أهل الجنة غيري ؟ قالوا : لا .
قال نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد عرف الناسخ من المنسوخ غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد أذهب اللَّه عنه الرجس وطهره تطهيرا غيري ؟ قالوا : لا .
قال نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد عاين جبرئيل في مثال دحية الكلبي غيري ؟ قالوا : لا .
قال نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد أدّى الزكاة وهو راكع غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد مسح رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عينيه وأعطاه الراية يوم خيبر فلم يجد حرّاً ولا برداً غيري ؟ قالوا : لا .
قال نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد نصبه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يوم غدير خم بأمر اللَّه تعالى فقال : « من كنت مولاه فعلي مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد هو أخو رسول اللَّه صلی الله علیه وآله في الحضر ورفيقه
ص: 192
في السفر غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد بارز عمرو بن عبدودّ يوم الخندق وقتله غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد سمّاه اللَّه تعالى في عشر آيات من القرآن مؤمنا غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد ناول رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قبضة من التراب ، فرمى بها في وجوه الكفار فانهزموا ، غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد وقفت الملائكة معه يوم أُحد حتّى ذهب الناس غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قضى دين رسول اللَّه صلی الله علیه وآله غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد اشتاقت الجنّة إلى رؤيته غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد شهد وفاة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد غسل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وكفنه ولحّده غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد ورث سلاح رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ورايته وخاتمه غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد جعل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله طلاق نسائه بيده
ص: 193
غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد حمله رسول اللَّه صلی الله علیه وآله على ظهره حتى كسر الأصنام على باب الكعبة غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد نودي باسمه من السماء يوم بدر : « لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا علي » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد أكل مع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من الطائر المشوي الذي أهدي إليه غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله « أنت صاحب رايتي في الدنيا وصاحب لوائي في الآخرة غيري ؟ » قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قدّم بين يدي نجواه صدقةً غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد خصف نعل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنا أخوك وأنت أخي » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنت أحب الخلق إلي وأقولهم بالحق »غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد وجد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله جائعا فاستقى مائة دلو بمائة تمرة وجاء بالتمر فأطعمه رسول اللَّه غيري ؟ وهو جائع قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد سلم عليه جبرئيل وميكائيل وإ سرافيل في ثلاثة آلاف من الملائكة يوم بدر غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد غمض عين رسول اللَّه صلی الله علیه وآله غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد وحّد اللَّه قبلي غيري ؟ قالوا : لا .
ص: 194
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد كان أول داخل على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وآخر خارج من عنده غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد مشى مع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فمرّ على حديقة فقلت : ما أحسن هذه الحديقة ! فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « وحديقتك في الجنة أحسن من هذه » حتى مررت على ثلاث حدائق كلّ ذلك يقول رسول اللَّه : « حديقتك في الجنة أحسن من هذه » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنت أوّل من آمن بي وصدّقني وأوّل من يَرِد عليّ الحوض يوم القيامة » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد أخذ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بيده ويد امرأته وابنيه حين أراد أن يباهل نصارى أهل نجران غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أول طالع يطلع عليكم من هذا الباب يا أنس ، فإنه أميرالمؤمنين وسيد المسلمين وأولى الناس بالناس » فقال أنس : اللهمّ اجعله رجلاً من الأنصار فكنت أنا الطالع ، فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لأنس : « ما أنت بأوّل رجل أحبّ قومه » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ وهُمْ راكِعُونَ )(1) غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد أنزل اللَّه فيه وفي ولده : ( إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ
ص: 195
مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً )(1) إلى آخر السورة غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد أنزل اللَّه فيه : ( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآْخِرِ وجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ )(2) غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد علّمه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ألف كلمة كل كلمة مفتاح ألف كلمة غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد ناجاه رسول اللَّه يوم الطائف ، فقال أبو بكر وعمر : « يا رسول اللَّه ناجيت عليا دوننا ؟ ! » فقال لهما النبي صلی الله علیه وآله : « ما أنا ناجيته بل اللَّه أمرني بذلك » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد سقاه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من المهراس(3) غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنت أقرب الخلق مني يوم القيامة ، يدخل بشفاعتك الجنة أكثر من عدد ربيعة ومضر » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « يا علي أنت تُكسى حين أُكسى » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنت وشيعتك
ص: 196
الفائزون يوم القيامة » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « كذب من زعم أنه يحبّني ويبغض هذا » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من أحبّ شطراتي هذه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب اللَّه » ، فقيل له : وما شطراتك ؟ قال : « علي ، والحسن ، والحسين ، وفاطمة » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنت خير البشر بعد النبيين » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنت الفاروق تفرّق بين الحق والباطل » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنت أفضل الخلائق عملا يوم القيامة بعد النبيين » غيري ؟ قالوا : لا .
قال: نشدتكم باللَّه، هل فيكم أحد أخذ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله كسائه عليه وعلى زوجته وعلى ابنيه ثم قال : « اللهمّ أنا وأهل بيتي إليك لا إلى النار » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد كان يبعث إلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله الطعام وهو في الغار ويخبره بالأخبار غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « لا سرّ دونك » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنت أخي ووزيري وصاحبي من أهلي » غيري ؟ قالوا : لا .
ص: 197
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنت أقدمهم سلماً وأفضلهم علماً وأكثرهم حلماً » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قتل مرحباً اليهودي ، فارس اليهود مبارزةً غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد عرض عليه النبي صلی الله علیه وآله الإسلام فقال له : « أنظرني حتى ألقى والدي » فقال له النبي صلی الله علیه وآله : « فإنها أمانة عندك ، فقلت : فإن كانت أمانة عندي فقد أسلمت » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد احتمل باب خيبر حين فتحها ، فمشى به مائة ذراع ، ثم عالجه بعده أربعين رجلاً فلم يطيقوه غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً )(1) فكنت أنا الذي قدّم الصدقة غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب اللَّه » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « منزلي مواجه منزلك في الجنة » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « قاتل اللَّه من قاتلك وعادى اللَّه من عاداك » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد اضطجع على فراش رسول اللَّه صلی الله علیه وآله حين
ص: 198
أراد أن يسير إلى المدينة ووقاه بنفسه من المشركين حين أرادوا قتله غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله « أنت أولى الناس بأُمّتي بعدي » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنت يوم القيامة عن يمين العرش واللَّه يكسوك ثوبين أحدهما أخضر والآخر وردي » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد صلّى قبل الناس بسبع سنين وأَشْهُر غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنا يوم القيامة آخذ بحجزة ربي والحجزة النور وأنت آخذ بحجزتي وأهل بيتي آخذ بحجزتك » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أنت كنفسي وحبك حبي وبغضك بغضي قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «ولايتك كولايتي عَهْدٌ عهده إليّ ربي وأمرني أن أ بلّغكموه » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «اللهمّ اجعله لي عونا وعضدا وناصرا غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «المال يعسوب الظلمة وأنت يعسوب المؤمنين » غيري ؟ قالوا : لا .
ص: 199
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «لأبعثن إليكم رجلا امتحن اللَّه قلبه للإيمان » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد أطعمه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله رمانة وقال هذه من رمان الجنة لا ينبغي أن يأكل منه إلا نبي أو وصي نبي غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «ما سألت ربي شيئا إلا أعطانيه ولم أسأل ربي شيئا إلا سألت لك مثله » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «أنت أقومهم بأمر اللَّه وأوفاهم بعهد اللَّه وأعلمهم بالقضية وأقسمهم بالسوية وأعظمهم عند اللَّه مزية » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «فضلك على هذه الأمة كفضل الشمس على القمر وكفضل القمر على النجوم » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «يدخل اللَّه وليك الجنة وعدوك النار » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «الناس من أشجار شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «أنا سيد ولد آدم وأنت سيد العرب والعجم ولا فخر » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد رضي اللَّه عنه في الآيتين من القرآن غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «موعدك موعدي
ص: 200
وموعد شيعتك عند الحوض إذا خافت الأمم ووضعت الموازين » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «اللهمّ إني أحبه فأحبه اللهمّ إني أستودعكه » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «أنت تحاج الناس فتحججهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقام الحدود والقسم بالسوية » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد أخذ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بيده يوم بدر فرفعها حتى نظر الناس إلى بياض إبطيه وهو يقول : « ألا إن هذا ابن عمي ووزيري فوازروه وناصحوه وصدقوه فإنّه وليّكم » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية ( ويُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ ولَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ ومَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )(1) غيري ؟ قالوا : لا .
قال : نشدتكم باللَّه ، فهل فيكم أحد كان جبرئيل أحد ضيفانه غيري ؟ قالوا : لا .
قال فهل فيكم أحد أعطاه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله حنوطا من حنوط الجنة ثم أقسمه أثلاثا ثلثا لي تحنطني به وثلثا لابنتي وثلثا لك غيري ؟ قالوا : لا .
قال فهل فيكم أحد كان إذا دخل على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله حياه وأدناه ورحب به وتهلل له وجهه غيري ؟ فقالوا لا قال فهل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «أنا أفتخر بك يوم القيامة إذا افتخرت الأنبياء بأوصيائها » غيري ؟ قالوا : لا .
ص: 201
قال فهل فيكم أحد سرحه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بسورة براءة إلى المشركين من أهل مكة غيري ؟ قالوا : لا .
قال فهل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «إني لأرحمك من ضغائن في صدور أقوام عليك لا يظهرونها حتى يفقدوني فإذا فقدوني خالفوا فيها » غيري ؟ قالوا : لا .
قال فهل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «أدى اللَّه عن أمانتك أدى اللَّه عن ذمتك » غيري ؟ قالوا : لا .
قال فهل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنت قسيم النار تخرج منها من زكا وتذر فيها كلّ كافر » غيري ؟ قالوا : لا .
قال : فهل فيكم أحد فتح حصن خيبر وسَبى بنت مرحب فأدّاها إلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله غيري ؟ قالوا : لا .
قال : فهل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « ترد عليّ الحوض أنت وشيعتك رواءً مرويّين ، مبيضة وجوههم ، ويرد عليّ عدوّك ظماء مظمئين مقتحمين مسودّة وجوههم » غيري ؟ قالوا : لا .
قال لهم أميرالمؤمنين علیه السلام : أما إذا أقررتم على أنفسكم واستبان لكم ذلك من قول نبيكم فعليكم بتقوى اللَّه وحده لا شريك له وأنهاكم عن سخطه ولا تعصوا أمره وردّوا الحق إلى أهله واتّبعوا سنّة نبيّكم فإنّكم إن خالفتم خالفتم اللَّه فادفعوها إلى من هو أهله وهي له .
قال : فتغامزوا فيما بينهم وتشاوروا وقالوا : قد عرفنا فضله وعلمنا أنّه أحقّ الناس بها ولكنّه رجل لا يفضل أحدا على أحد فإن ولّيتموها إيّاه جعلكم وجميع
ص: 202
الناس فيها شِرعاً سواءً ، ولكن ولّوها عثمان فإنه يهوى الذي تهوون » فدفعوها إليه(1) .
عثمان بن عفّان بن أبي العاص بن أُميّة .
وفي قوله علیه السلام : « ثالث القوم » ايماء إلى انّه كان معيّناً من قبل حسب معاهدتهم .
وفي الطبري : كان عثمان يدعى في إمارة عمر رديفاً ، قالوا : والرديف بلسان العرب الذي بعد الرجل ، والعرب تقول ذلك للرجل الذي يرجونه بعد رئيسهم(2) .
وعن حارثة بن مضرب قال : حججت مع عمر بن الخطّاب فسمعت الحادي يحدو : « ان الأمير بعده عثمان » كما مرّ(3) .
وأمّا أبوه عفّان ، ذكر هشام الكلبي في كتاب المثالب : « كان عفان يضرب بالدف »(4) .
وأمّا جدّه أبوالعاص ، وفيه يجتمع مع مروان بن الحكم - وقد نقل خبره ابن أبي الحديد عند كلامه لأبي ذر - ان أبا ذر قال لعثمان بعد تسيير معاوية له من الشام إليه : « واشهد لسمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً جعلوا مال اللَّه دولا ، وعباد اللَّه خولا ، ودين اللَّه دخلا .
فقال عثمان لمن حضره : أسمعتموها من نبي اللَّه ؟ فقالوا : ما سمعناه فقال
ص: 203
عثمان : ويلك يا أبا ذر أتكذب على رسول اللَّه ؟ ! فقال أبو ذر لمن حضر : أما تظنّون أنّي صدقت ؟ ! قالوا : لا واللَّه ما ندري فقال عثمان : ادعوا لي عليا فدعي فلما جاء قال عثمان لأبي ذر : اقصص عليه حديثك في بني أبي العاص فحدّثه فقال عثمان لعلي : هل سمعت هذا من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ؟ فقال علي علیه السلام : لا وقد صدق أبو ذر قال عثمان بم عرفت صدقه ؟
قال : لأني سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر
فقال جميع من حضر من أصحاب النبي صلی الله علیه وآله لقد صدق أبو ذر فقال أبو ذر : أحدثكم أني سمعت هذا من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ثمّ تتّهمونني ! ما كنت أظن أنّي أعيش حتّى أسمع هذا من أصحاب محمد صلی الله علیه وآله(1) .
وقال السدي عند قوله تعالى : ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا )(2) ، لمّا توفّي أبو سلمة وخنيس بن حذيفة وتزوّج رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بأمرأتيهما اُمّ سلمة وحفصة ، قال طلحة وعثمان : أينكح محمّد نسائنا إذا متنا ، ولا ننكح نسائه إذا مات ، واللَّه لو قد مات لقد أجلنا على نسائه بالسهام ، وكان طلحة يريد عائشة ، وعثمان يريد اُمّ سلمة ، فأنزل اللَّه : ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا)(3) الآية ، وأنزل اللَّه تعالى : ( إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ
ص: 204
شَيْ ءٍ عَلِيمًا )(1) وأنزل : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا )(2) (3) .
ومن كتاب السدي عند قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )(4) قال السدي : لما اُصيب أصحاب النبي صلی الله علیه وآله باُحد قال عثمان : « لألحقنّ بالشام فانّ لي به صديقاً من اليهود يقال له : دهلك ، فلآخذنّ منه أماناً ، فانّي أخاف أن يدال علينا اليهود ، وقال طلحة بن عبيداللَّه : لأخرجنّ إلى الشام فانّ لي صديقاً من النصارى ، فلآخذنّ منه أماناً فانّي أخاف أن يدال علينا النصارى ، وقال السدي : فأراد أحدهما أن يتهوّد والآخر أن يتنصّر(5) .
وروى السدى أيضاً لمّا فتح رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بني النضير وقسّم أموالهم قال عثمان لعلي علیه السلام ائت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فاسأله أرض كذا وكذا ، فان أعطاكها فأنا شريكك فيها أو آتيه أنا فأسأله إيّاها ، فان اعطانيها فأنت شريكي فيها ، فسأله عثمان ، فأعطاها إيّاها ، فقال له علي علیه السلام : فاشركني فأبى عثمان الشركة ، فقال بيني وبينك رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فأبى أن يخاصمه إلى النبي صلی الله علیه وآله ، فقيل له لِم لا تنطلق معه إلى النبي صلی الله علیه وآله ؟ فقال : هو ابن عمّه ، فأخاف أن يقضي له ، فنزل قوله تعالى :
( وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ
ص: 205
لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ )(1) (2) .
وفي الطبري : كان الناس انهزموا عن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، حتّى انتهى بعضهم إلى المنقى دون الاعواص ، وفرّ عثمان بن عفّان ، وعقبة بن عثمان وسعد بن عثمان رجلان من الأنصار ، حتّى بلغوا الجلعب - جبلاً بناحية المدينة ممّا يلي الأعواص - فأقاموا به ثلاثاً - إلى أن قال - فزعموا أنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال لهم : لقد ذهبتم فيها عريضة(3) .
ومسنداً عن أمّ سلمة زوج النبي صلی الله علیه وآله قالت : لمّا بنى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله مسجده بالمدينة أمر باللبن يضرب وما يحتاج إليه ، ثمّ قام رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فوضع ردائه ، فلمّا رأى ذلك المهاجرون والأنصار وضعوا ارديتهم واكسيتهم يعملون ويرتجزون ويقولون :
لئن قعدنا والنبي يعمل * ذاك إذا لعمل مضلل
قالت : وكان عثمان بن عفّان رجلاً نضيفاً متنظفاً ، فكان يحمل اللبنة ويجافى بها عن ثوبه ، فاذا وضعها نفض كفيه ونظر إلى ثوبه ، فاذا أصابه شي ء من التراب نفضه ، فنظر إليه علي علیه السلام فأنشده :
لا يستوي من يعمر المساجد * يدأب فيها راجعاً وساجداً
وقائماً طوراً وطوراً قاعداً * ومن يرى عن التراب حائداً
ص: 206
فسمعها عمّار بن ياسر ، فجعل يرتجزها وهو لا يدري من يعني ، فسمعه عثمان فقال : يابن سميّة ، ما أعرفني بمن تعرّض ، ومعه جريدة ، فقال : لتكفّنّ أو لأعترضنّ بها وجهك ! فسمعه النبي صلی الله علیه وآله وهو جالس في ظل حائط ، فقال : « عمّار جلدة ما بين عينيّ وانفى ، فمن بلغ ذلك منه ، وأشار بيده فوضعها بين عينيه ، فكفّ الناس عن ذلك ، وقالوا لعمّار : انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قد غضب فيك ، ونخاف أن ينزل فينا قرآن(1) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : كان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وعلي علیه السلام وعمّار يعملون مسجداً ، فمرّ عثمان في بزة له يخطر ، فقال له أميرالمؤمنين علیه السلام : ارجز به ، فقال عمّار :
لا يستوي من يعمر المساجدا * يظلّ فيها راكعاً وساجداً
ومن تراها عانداً معاندا * عن الغبار لا يزال حائدا
قال : فأتى النبي صلی الله علیه وآله فقال : ما أسلمنا لتشتم أعراضنا وأنفسنا ! فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : أفتحبّ أن تقال ؟ فنزلت آيتان : ( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا )(2) - إلى أن قال - و( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ )(3) (4) .
وعن قيس بن أبي حازم قال : سمعت عليّاً علیه السلام يقول : انفروا إلى من يقاتل على دم حمال الخطايا ، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة انّه ليحمل خطاياهم إلى يوم القيامة(5) .
ص: 207
وروى نصر بن مزاحم ان عمرو بن العاص قال لعمّار :
ما ترى في قتل عثمان ؟
قال : فتح لكم باب كلّ سوء .
قال عمرو : فعلي قتله ؟
قال عمّار : بل اللَّه ربّ علي قتله وعلي معه .
قال عمرو : أكنت فيمن قتله ؟
قال : كنت مع من قتله وأنا اليوم أقاتل معهم .
قال عمرو : فلم قتلتموه ؟
قال عمّار : أراد أن يغيّر ديننا فقتلناه .
فقال عمرو : ألا تسمعون ، قد اعترف بقتل عثمان ؟
قال عمّار : وقد قالها فرعون قبلك لقومه : ( أَلَا تَسْتَمِعُونَ )(1) (2) .
وروى أبو مخنف عن ابن أبي ليلى قال : سمعت عمّاراً يقول لمّا جاء إلى الكوفة لنفر الناس إلى البصرة : « ما تركت في نفسي حزّة أهم إليّ من ألّا نكون نبشنا عثمان من قبره ، ثمّ أحرقناه بالنار »(3) .
وقد روى من طرق مختلفة وبأسانيد كثيرة انّ عمّاراً كان يقول : ثلاثة يشهدون على عثمان بالكفر وأنا الرابع ، وانا شر الأربعة(4) .
ص: 208
وروى عن زيد بن أرقم من طرق مختلفة انّه قيل له : بأيّ شي ء كفرتم ( أكفرتم ن خ ) عثمان ؟ فقال : بثلاث : جعل المال دولة بين الأغنياء ، وجعل المهاجرين من أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بمنزلة من حارب اللَّه ورسوله ، وعمل بغير كتاب اللَّه(1) .
وعن القاسم بن مصعب العبدي قال : قام عثمان ذات يوم خطيباً ، ثمّ قال : « نسوة تكتبن(2) في الآفاق لتنكث بيعتي ويهراق دمي .
واللَّه لو شئت أن أملأ عليهنّ حجراتهنّ رجالاً سوداً وبيضاً لفعلت ، ألست ختن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله على ابنتيه ؟ ألست جهزت جيش العسرة ؟ ألم آل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله(3) إلى أهل مكّة ؟ » قال : إذ تكلّمت امرأة من وراء الحجاب - إلى أن قال - فقالت : صدقت ، لقد كنت ختن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله على ابنتيه ، فكان منك فيهما ما قد علمت وجهّزت جيش العسرة ، وقد قال اللَّه تعالى : ( فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً)(4) .
وكتب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله إلى أهل مكّة فيك عن بيعة الرضوان انّك(5) لم تكن لها أهلاً .
قال : فانتهرها عثمان ، فقالت : أما أنا فاشهد ان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال : انّ لكلّ أُمّة فرعون ، وانّك فرعون هذه الأُمّة(6) .
ص: 209
وروى : كان معاوية بن المغيرة بن أبي العاص الذي جدع أنف حمزة ومثّل به فيمن مثّل ، قد انهزم يوم أُحد فمضى على وجهه ، فبات قريباً من المدينة ، فلمّا أصبح دخل المدينة ، فأتى منزل عثمان بن عفّان بن أبي العاص - إلى أن قال - قال لعثمان : « جئتك لتجيرني » فأدخله عثمان داره وصيّره في ناحية منها ، ثمّ خرج إلى النبي صلی الله علیه وآله ليأخذ له منه أماناً ، فسمع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : « انّ معاوية بالمدينة وقد أصبح بها ، فاطلبوه » ، فقال بعضهم : ما كان ليعدو منزل عثمان ، فاطلبوه فيه ، فدخل منزل عثمان ، فأشارت أُمّ كلثوم إلى الموضع الذي صيّره عثمان فيه ، فاستخرجوه من تحت حمارة لهم ، فانطلقوا به إلى النبي صلی الله علیه وآله ، فقال عثمان حين رآه : « ما جئت إلّا لأطلب له الأمان منك ، فهبه لي » فوهبه له ، وأجّله ثلاثاً ، واقسم : « لئن وُجِد بعدها بشي ء من أرض المدينة وما حولها ، ليقتلنّ » ، وخرج عثمان ، فجهّزه واشترى له بعيراً ، ثمّ قال له : « ارتحل » ، وصار رسول اللَّه إلى حمراء الأسد ، وأقام معاوية إلى اليوم الثالث ليتعرّف أخبار النبي صلی الله علیه وآله ويأتي بها قريشاً ، فلمّا كان في اليوم الرابع قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « انّ معاوية أصبح قريباً لم ينفذ ، فاطلبوه واقتلوه » - إلى أن قال - ويقال : ان الذي قتل معاوية بن المغيرة : علي علیه السلام(1) .
وفي أنساب البلاذري أيضاً نزل قوله تعالى : ( وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا )(2) في عبداللَّه بن سعد بن أبي سرح(3) ، وكان أخا عثمان من الرضاع
ص: 210
« فانّه أسلم وكان يكتب بين يدي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فيملي عليه « الكافرين » ، فيجعلها « الظالمين » ، ويملي عليه « عزيز حكيم » فيجعلها « عليم حكيم » واشباه هذا ، فقال : أنا أقول كما يقول محمّد ، وآتى بمثل ما يأتي به محمّد ، فأنزل اللَّه فيه :
( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْ ءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ )(1) ، وهرب إلى مكّة مرتدّاً ، فأمر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بقتله ، وكان أخا عثمان بن عفّان من الرضاع ، فطلب فيه أشدّ طلب حتّى كفّ عنه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وقال : اما كان فيكم من يقوم إلى هذا الكلب قبل أن أؤمنه فيقتله ؟ فقال عمر - ويقال أبو اليسر - لو أومأت إلينا قتلناه ، فقال صلی الله علیه وآله : اني ما اقتل بالاشارة ، لأنّ الأنبياء لا يكون له خائنة الأعين .
قال البلاذري : وولّاه عثمان في خلافته مصر(2) .
نافجاً حضنيه رافعاً لهما والحضن ما بين الابط والكشح ، يقال للمتكبّر : جاء نافجاً حضنيه ويقال لمن امتلأ بطنه طعاماً جاء نافجاً حضنيه ومراده علیه السلام هذا الثاني والنثيل الروث والمعتلف موضع العلف يريد أن همّه الأكل والرجيع وهذا من ممض الذم(3) .
ص: 211
روى الجوهري بعد ذكر بيعة ابن عوف لعثمان عن الشعبي : لمّا دخل عثمان رحله دخل إليه بنو أُميّة حتّى امتلأت بهم الدار ، ثمّ اغلقوها عليهم ، فقال أبو سفيان بن حرب : أعندكم أحد من غيركم ؟ قالوا : لا ، قال : يا بني أُميّة تلقفوها تلقف الكرة ، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من عذاب ولا حساب ولا جنّة ولا نار ولا بعث ولا قيامة .
قال : فانتهره عثمان وساءه بما قال ، وأمر باخراجه .
قال الشعبي : فدخل عبدالرحمن بن عوف على عثمان فقال له : ما صنعت ، فواللَّه ما وقفت(1) حيث تدخل رحلك قبل أن تصعد المنبر ، فتحمد اللَّه وتثنى عليه ، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتعد الناس خيراً .
قال : فخرج عثمان ، فصعد المنبر ، فحمد اللَّه وأثنى عليه ، ثمّ قال :
هذا مقام لم نكن نقومه ، ولم نعدّله من الكلام الذي يقام به في مثله(2) .
رأى ابن عوف - الذي فوّض الأمر إلى عثمان وجعله خليفة - رؤياه انّه يأكل مال اللَّه أكل الابل نبت الربيع .
ففي العقد الفريد : قال سعد بن أبي وقّاص لعبدالرحمن بن عوف : ان اخترت نفسك فنعم .
ص: 212
فقال له : انّي قد خلعت نفسي منها على أن أختار - إلى أن قال - انّي رأيت [ في المنام ] كأنّي في روضة خضراء كثيرة العشب - إلى أن قال - ثمّ دخل بعير راتع فرتع في الروضة ، ولا واللَّه لا أكون بعير الرابع(1) .
أقول : ما الفرق بين أن يكون بنفسه البعير الراتع أو سبباً للبعير الراتع فيدخل النار لغيره وإنّما صار بما فعل من خسر الدنيا والآخرة فيدخل النار لغيره .
وولّى عثمان بن سعيد بن العاص الكوفة بعد الوليد بن عقبة وقال في بعض الأيّام - أو كتب به عثمان - : إنّما هذا السواد قطين لقريش ، فقال له الأشتر ، وهو مالك بن الحارث النخعي : أتجعل ما أفاء اللَّه علينا بظلال سيوفنا ومراكز رماحنا بستاناً لك ولقومك ؟(2) .
وعن أبي يحيى مولى معاذ بن عفراء الأنصاري قال : انّ عثمان بن عفّان بعث إلى الأرقم بن عبداللَّه - وكان خازن بيت مال المسلمين - فقال له : أسلفني(3) مائة ألف ج ألف ج درهم ، فقال له الأرقم : اكتب عليك بها صكّاً(4) للمسلمين ، قال : وما أنت وذاك ؟ لا أُمّ لك ، إنّما أنت خازن لنا ، قال : فلمّا سمع الأرقم ذلك خرج مبادراً إلى الناس فقال :
أيّها الناس عليكم بمالكم فانّي ظننت إنّي خازنكم ولم أعلم انّي خازن عثمان بن عفّان حتّى اليوم ومضى ، فدخل بيته ، فبلغ ذلك عثمان ، فخرج إلى الناس حتّى دخل المسجد ، ثمّ رقى المنبر وقال : أيّها الناس إنّ أبابكر كان يؤثر بني تيم على
ص: 213
الناس ، وإنّ عمر كان يؤثر بني عديّ على كلّ الناس وإنّي أؤثر واللَّه بني أُميّة على من سواهم ، ولو كنت جالساً بباب الجنّة ثمّ استطعت أن أدخل بني أُميّة جميعاً الجنّة لفعلت ، وانّ هذا المال لنا ، فان احتجنا إليه أخذناه ، وإن رَغِمَ أنف أقوام ، فقال عمّار بن ياسر ؛ : معاشر المسلمين ! اشهدوا انّ ذلك مرغم لي ، فقال عثمان : وأنت هاهنا ، ثمّ نزل من المنبر فجعل يتوطّأه برجله حتّى غشي على عمّار ، واحتمل وهو لا يعقل إلى بيت أُمّ سلمة ، فأعظم الناس ذلك . وبقي عمّار مغمىً عليه لم يصلّ يومئذٍ الظهر والعصر والمغرب ، فلمّا أفاق قال : « الحمد للَّه ، فقديماً أُوذيت في اللَّه وأنا أحتسب ما أصابني في جنب اللَّه بيني وبين عثمان العدل الكريم يوم القيامة » .
قال : وبلغ عثمان انّ عمّاراً عند أُمّ سلمة ، فأرسل إليها ، فقال : ممّا هذه الجماعة في بيتك مع هذا الفاجر ، اخرجيهم من عندك ، فقالت : واللَّه ما عندنا مع عمّار إلّا بنتاه ، فأجتنبنا يا عثمان واجعل سطوتك حيث شئت ، وهذا صاحب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يجود بنفسه من فعالك به - إلى أن قال - ثمّ انّ عمّاراً ؛ صلح من مرضه فخرج إلى مسجد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فبينما هو كذلك إذ دخل ناعي أبي ذر على عثمان من الربذة فقال : انّ أباذر مات بالربذة وحيداً ، ودفنه قوم سَفْر(1) ، فاسترجع عثمان وقال رحمه اللَّه ، فقال عمّار : رحم اللَّه أبا ذر من كلّ أنفسنا ، فقال له عثمان : وانّك لَهُناك بعد ، أتراني ندمت على تسييري إيّاه ؟ فقال له عمّار : لا واللَّه
ص: 214
ما أظنّ ذاك ، قال : وأنت أيضاً فالحق بالمكان الذي كان فيه أبوذر فلا تبرحه(1) ما حيينا ، قال عمّار : افعل ، واللَّه لمجاورة السباع أحبّ إليّ من مجاورتك ، قال : فتهيّأ عمّار للخروج ، وجائت بنو مخزوم إلى أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام فسألوه أن يقوم معهم إلى عثمان يستنزله(2) عن تسيير عمّار(3) .
وعن أُمّ بكر بنت المسور قالت : لمّا بنى مروان داره بالمدينة دعا الناس إلى طعامه ، وكان المسور فيمن دعا ، فقال مروان وهو يحدّثهم : واللَّه ما أنفقت في داري هذه من مال المسلمين درهماً فما فوقه ، فقال المسور : لو أكلت طعامك وسكت لكان خيراً لك ، لقد غزوت معنا افريقيّة وانّك لأقلنا مالاً ورفيقاً وأعواناً وأخفنا ثقلاً ، فأعطاك ابن عفّان خمس افريقيّة ، وعملت على الصدقات ، فأخذت أموال المسلمين .
وروى عن أُمّ بكر عن أبيها قالت : قدمت إبل الصدقة على عثمان فوهبها للحارث بن الحكم بن أبي العاص(4) .
وروى أيضاً أنّه ولّى الحكم بن أبي العاص صدقات قضاعة فبلغت ثلاثمائة ألف ، فوهبها له حين أتاه بها(5) .
وعن عبدالرحمن بن يسار قال : رأيت عامل صدقات المسلمين على سوق
ص: 215
المدينة إذا أمسى آتاها عثمان ، فقال له : ادفعها إلى الحكم بن العاص - إلى أن قال - وجاء بالمفتاح يوم الجمعة وعثمان يخطب ، فقال : أيّها الناس زعم عثمان انّي خازن له ولأهل بيته ، وإنّما كنت خازناً للمسلمين ، وهذه مفاتيح بيت مالكم - ورمى بها - فأخذها عثمان ودفعها إلى زين بن ثابت(1) .
وروى الواقدي باسناده عن الميسور بن عتبة انّه قال : سمعت عثمان يقول : إنّ أبابكر وعمر كانا يتأوّلان في هذا المال ظلف(2) أنفسهما وذوي أرحامهما وأنّي تأوّلت فيه صلة رحمي ، وروي عنه انّه كان بحضرته زياد بن عبيداللَّه الحارثي مولى الحارث بن كلدة الثقفي ، وقد بعث أبو موسى بمال عظيم من البصرة ، فجعل عثمان يقسمه بين أهله وولده بالصحاف ، ففاضت عينا زياد دموعاً لما رأى من صنيعه بالمال ، فقال : لا تبك فانّ عمر كان يمنع أهله وذوي أرحامه ابتغاء وجه اللَّه ، وانا أعطي أهلي وقرابتي ابتغاء وجه اللَّه(3) .
وروى أبو مخنف والواقدي جميعاً : انّ الناس أنكروا على عثمان اعطائه سعيد بن أبي العاص مائة ألف ، فكلّمه علي علیه السلام والزبير وطلحة وسعد وعبدالرحمن في ذلك .
فقال : انّ لي قرابة ورحماً ، فقالوا : أما كان لأبي بكر وعمر قرابة وذو رحم ؟ فقال : انّ أبابكر وعمر كانا يحتسبان في منع قرابتهما ، وأنا أحتسب في عطاء قرابتي ، قال : فهديهما واللَّه أحبّ إلينا من هديك(4) .
ص: 216
وقد روى أبو مخنف : انّه لما قدم على عثمان عبداللَّه بن خالد بن أسيد بن أبي العاص من مكّة وناس معه أمر لعبداللَّه ثلاثمائة ألف ، ولكلّ واحد من القوم مائة ألف وصك(1) بذلك على عبداللَّه بن الأرقم(2) وكان خازن بيت المال فاستكثره وردّ الصك به .
ويقال : انّه سأل عثمان أن يكتب بذلك كتاب دين ، فأبى ذلك ، وامتنع ابن الأرقم أن يدفع المال إلى القوم ، فقال له عثمان : إنّما أنت خازن لنا ، فما حملك على ما فعلت ؟ فقال ابن الأرقم : كنت أراني خازناً للمسلمين ، وإنّما خازنك غلامك ، واللَّه لا ألي لك بيت المال أبداً ، فجاء بالمفاتيح فعلّقها على المنبر ، ويقال : بل ألقاها إلى عثمان فدفعها إلى نائل مولاه .
وروى الواقدي : انّ عثمان أمر زيد بن ثابت أن يحمل من بيت المال إلى عبداللَّه بن الأرقم في عقيب هذا الفعل ثلاثمائة ألف درهم ، فلمّا دخل بها عليه قال له : يا أبا محمّد انّ أميرالمؤمنين أرسل اظليك يقول لك : أنا قد شغلناك عن التجارة ولك ذو رحم أهل حاجة ففرّق هذا المال فيهم ، واستعن به على عيالك ، فقال عبداللَّه بن الأرقم : مالي إليه حاجة ، وما عملت لأن يثبتني عثمان ، واللَّه لئن كان هذا من مال المسلمين ما بلغ قدر عملي على أن أعطى ثلاثمائة ألف درهم ، ولئن
ص: 217
كان من مال عثمان ما أحب أن أرزأه(1) من ماله شيئاً(2) .
وقال ابن أبي الحديد : وصحت فيه فراسة عمر ، فانّه أوطأ بني أُميّة رقاب الناس ، وولّاهم الولايات وأقطعهم القطائع وافتتحت افريقيّة في أيّامه ، فأخذ الخمس كلّه فوهبه لمروان ، فقال عبدالرحمن بن حنبل الجمحي : « وأعطيت مروان خمس البلاد » ، وطلب منه عبداللَّه بن خالد بن أسيد صلة ، فأعطاة أربعمائة ألف درهم ، وأعاد الحكم بن أبي العاص بعد أن كان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قد سيّره ، ثمّ لم يرده أبوبكر ولا عمر ، وأعطاه مائة ألف درهم وتصّدق رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بموضع سوق بالمدينة يعرف بمهزور على المسلمين ، فاقطعه عثمان الحارث بن الحكم أخا مروان بن الحكم .
واقطع مروان فدك(3) ، وقد كانت فاطمة 3 طلبتها بعد وفاة أبيها صلی الله علیه وآله تارة بالميراث ، وتارة بالنحلة فدفعت عنها .
وحمى المراعى حول المدينة كلّها من مواشي المسلمين كلّهم إلّا عن بني أُميّة . وأعطى عبداللَّه بن أبي سرح جميع ما أفاء اللَّه عليه من فتح افريقيّة بالمغرب ، وهي من طرابلس الغرب إلى طنجة من غير أن يشركه فيه أحد من المسلمين وأعطى أبا
ص: 218
سفيان بن حرب مائتي ألف من بيت المال في اليوم الذي أمر فيه لمروان به الحكم بمائة ألف من بيت المال ، وقد كان زوجة ابنته أُمّ أبان ، فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح ، فوضعها بين يدي عثمان وبكى ، فقال عثمان : أتبكي ان وصلت رحمي ؟ قال : لا ، ولكن أبكي لأنّي أظنّك أنّك أخذت هذا المال عوضاً عمّا كنت أنفقته في سبيل اللَّه في حياة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، واللَّه لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيراً فقال : ألق المفاتيح يابن أرقم ، فانا سنجد غيرك وأتاه أبو موسى بأموال من العراق جليلة ، فقسمها كلّها في بني أُميّة ، وأنكح الحارث بن الحكم ابنته عايشة ، فأعطاه مائة ألف من بيت المال أيضاً بعد صرفه زيد بن أرقم عن خزنه(1) .
أقول : أيّها القارئ المنصف ، هذه فراسة من عمر أم كاشفة بتدبيره لعثمان عن سوء سريرته وخبث نيّته بارادته اضمحلال الاسلام .
ثمّ انّ بني أُميّة كما قاموا معه « يخضمون مال اللَّه خضم الإبل نبتة الربيع » لعبوا بدين اللَّه لعب الصبيان بالكرة كما قال النبي صلی الله علیه وآله : « اتّخذوا دين اللَّه دخلاً »(2) .
فمرّ أبو سفيان أيّام عثمان بقبر حمزة ، وضربه برجله وقال : « يا أبا عمارة ! انّ الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسى في يد غلماننا اليوم يتلعبون به »(3) .
وفي مروج المسعودي : وقد كان عمّار حين بويع عثمان بلغه قول أبي سفيان صخر بن حرب في دار عثمان عقيب الوقت الذي بويع فيه عثمان ودخل داره
ص: 219
ومعه بنو أُميّة ، قال أبو سفيان : أفيكم أحد من غيركم ؟ وقد كان عمى .
قالوا : لا .
قال : يا بني أُميّة ! تلقفوها تلقف الكرة ، فوالي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم ، ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة(1) .
وروى : انّ أبا سفيان دخل على عثمان حين صارت الخلافة إليه فقال : قد صارت إليك بعد تيم وعدي ، فأدرها كالكرة ، واجعل أوتادها بني أُميّة ، فانّما هو الملك ، ولا أدرى ما جنّة ولا نار(2) .
وكان من عمّال عثمان الوليد بن عقبة بن أبي معيط على الكوفة ، وهو ممّن أخبر النبي صلی الله علیه وآله انّه من أهل النار - إلى أن قال - كان يشرب مع ندمائه ومغنيه من أوّل الليل إلى الصباح ، فلمّا آذنه المؤذنون بالصلاة خرج متفضّلاً في غلائله ، فتقدّم إلى المحراب في صلاة الصبح ، فصلّى بهم أربعاً ، وقال : أتريدون أن أزيدكم ؟ وقيل : انّه قال في سجوده وقد أطال : « اشرب واسقني » فقال له بعض من كان خلفه في الصف الأوّل : ما تريد ، لا زادك اللَّه من الخير ، واللَّه لا أعجب إلّا ممّن بعثك إلينا والياً وعلينا أميراً - إلى أن قال - وفي ذلك يقول الحطيئة :
شهدالحطيئة يوم يلقى ربه * ان الوليد احق بالعذر
نادى وقد تمّت صلاتهم * أأزيدكم ثملاً ؟ وما يدري
ليزيدهم اخرى ولو قبلوا * لقرنت بين الشفع والوتر
حبسوا عنانك في الصلاة ولو * خلّوا عنانك لم تزل تجري
ص: 220
واشاعوا بالكوفة فعله ، وظهر فسقه ومداومته على شرب الخمر ، فهجم عليه جماعة من المسجد منهم أبو زينب بن عوف الأزدي وجندب زهير الأزدي وغيرهما ، فوجدوه سكران مضطجعاً على سريره لا يعقل ، فأيقظوه من رقدته ، فلم يستيقظ ، ثمّ تقايا عليهم ما شرب من الخمر ، فانتزعوا خاتمه من يده وخرجوا من فورهم إلى المدينة ، فأتوا عثمان بن عفّان ، فشهدوا عنده على الوليد انّه شرب الخمر ، فقال عثمان : وما يدريكما انّه شرب خمراً ؟ فقالا : هي الخمر التي كنا نشربها في الجاهليّة ، وأخرجا خاتمه فدفعاه إليه ، فزجرهما ودفع في صدورهما ، وقال : تنحيّا عنّي ، فخرجا من عنده وأتيا علي بن أبي طالب علیه السلام وأخبراه بالقصّة ، فأتى عثمان وهو يقول : « دفعت الشهود وأبطلت الحدود - إلى أن قال - فلمّا نظر علیه السلام إلى امتناع الجماعة عن اقامة الحدّ عليه توقّيا لغضب عثمان لقرابته منه أخذ علي علیه السلام السوط ودنا منه - إلى أن قال - فأقبل الوليد يروع من علي علیه السلام فاجتذبه علي علیه السلام فضرب به الأرض وعلاه بالسوط فقال عثمان : ليس لك أن تفعل به هذا ، قال : بل وشرّاً من هذا إذا فسق ومنع حقّ اللَّه تعالى أن يؤخذ منه(1) .
ولمّا قال عثمان له علیه السلام : « لست بدون واحد منهما » جأي : عتيق وابن الخطّاب ج قال علیه السلام له : فلست كأحدهما ، انّهما وليا هذا الأمر فظلفا أنفسهما(2) وأهلهما عنه وعمت فيه وقومك عوم السابح في اللجة(3) .
ص: 221
عن عامر بن سعد قال : كان أوّل من اجترء على عثمان بالمنطق السيّئ جبلة بن عمرو الساعي .
مرّ به عثمان وهو جالس في ندى قومه ، وفي يد جبلة بن عمرو جامعة ، فلمّا مرّ عثمان سلّم فردّ القوم ، فقال جبلة : لم تردّون على رجل فعل كذا وقال : ثمّ أقبل على عثمان فقال : واللَّه لأطرحنّ هذه الجامعة في عنقك أو للتتركنّ بطانتك هذه ، قال عثمان : أي بطانة ؟ فواللَّه انّي لا تخير الناس .
فقال : مروان تخيرته ، ومعاوية تخيرته ، وعبداللَّه بن عامر بن كريز تخيرته وعبداللَّه بن سعد تخيرته ، منهم من نزل القرآن بدمه واباح رسول اللَّه صلی الله علیه وآله دمه ، قال : فانصرف عثمان ، فما زال الناس مجترئين عليه إلى هذا اليوم(1) .
وعن الفضيل عن أبي جعفر علیه السلام قال : ان فلاناً وفلاناً ظلمانا حقّنا وقسّماه بينهم ، فرضوا بذلك منهما ، وان عثمان لما منعهم واستأثر عليهم غضبوا لأنفسهم(2) .
قال عبدالرحمن بن يسار : لمّا رأى الناس ما صنع عثمان كتب مَنْ بالمدينة من أصحاب النبي صلی الله علیه وآله إلى ما بالآفاق منهم ، وكانوا قد تفرّقوا في الثغور : انكم إنّما خرجتم أن تجاهدوا في سبيل اللَّه عزّوجلّ ، تطلبون دين محمّد صلی الله علیه وآله ، فان دين محمّد قد أفسد من خلفكم وترك ، فهلموا فأقيموا دين محمّد صلی الله علیه وآله ، فأقبلوا من كلّ أُفق حتّى قتلوه .
ص: 222
وكتب عثمان إلى عبداللَّه بن سعد بن أبي سرح عامله على مصر حين تراجع الناس عنه وزعم انّه تائب بكتاب في الذين شخصوا من مصر ، وكانوا أشدّ أهل الأمصار عليه ، أمّا بعد فانظر فلاناً وفلاناً فاضرب أعناقهم اذا قدموا عليك ، فانظر فلاناً وفلاناً فعاقبهم بكذا وكذا ، منهم نفر من أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، ومنهم قوم من التابعين ، فكان رسوله في ذلك أبو الأعور بن سفيان السلمي ، حمله عثمان على جمل له ، ثمّ أمره أن يقبل حتّى يدخل مصر قبل أن يدخلها القوم ، فلحقهم أبو الأعور ببعض الطريق ، فسألوه أين يريد ، قال : اُريد مصر ومعه رجل من أهل الشام من خولان ، فلمّا رأوه على جمل عثمان قالوا له : هل معك كتاب ؟ قال : لا . قالوا : فيم أرسلت ؟ قال : لا علم لي . قالوا : ليس معك كتاب ولا علم لك بما أرسلت . انّ أمرك لمريب . ففتّشوه فوجدوا معه كتاباً في إداوة يابسة ، فنظروا في الكتاب ، فاذا فيه قتل بعضهم وعقوبة بعضهم في أنفسهم وأموالهم ، فلمّا رأوا ذلك رجعوا إلى المدينة ، فبلغ الناس رجوعهم والذي كان من أمرهم ، فتراجعوا من الآفاق كلّها وثار أهل المدينة(1) .
وأرسل المصريّون إلى عثمان ألم نفارقك على انّك زعمت انّك تائب من احداثك ، وراجع عمّا كرهنا منك ، وأعطيتنا على ذلك عهد اللَّه وميثاقه ؟ قال : بلى أنا على ذلك . قال : فما هذا الكتاب الذي وجدنا مع رسولك ، وكتبت به إلى عاملك ؟ قال : ما فعلت ولا لي علم بما تقولون . قالوا : بريدك على جملك وكتاب كاتبك عليه خاتمك ، قال : أمّا الجمل فمسروق ، وقد يشبه الخط الخط ، وأمّا الخاتم فانتقش عليه ، قالوا : فانا لا نعجل عليك وإن كنا قد اتّهمناك ، اعزل عنّا
ص: 223
عمّالك الفساق ، واستعمل علينا من لا يتهم على دمائنا وأموالنا ، واردد علينا مظالمنا ، قال عثمان : ما أراني إذا في شي ء إن كنت أستعمل من هويتم وأعزل من كرهتم ، الأمر إذا أمركم ، قالوا : واللَّه لتفعلنّ أو لتعزلنّ أو لتقتلن ، فانظر لنفسك أو دع ، فأبى عليهم وقال : « لم أكن لأخلع سربالاً سربلينه اللَّه» ، فحصروه أربعين ليلة(1) .
قال : ودخل عليه رجل يقال له : « الموت الأسود » قال : فخنقه ثمّ خفقه قال : ثمّ خرج فقال : واللَّه ما رأيت شيئاً قط ألين من حلقه ، واللَّه لقد خنقته حتّى رأيت نفسه تتردّد في جسده كنفس الجان(2) .
هذا ، وقال الحموي : هدم غمدان في أيّام عثمان بن عفّان ، فقيل له : انّ كهّان اليمن يزعمون ان الذي يهدمه يقتل ، فأمر باعادة بنائه ، فقيل له : لو أنفقت عليه خرج الأرض وما أعدته كما كان ، فتركه ، وقيل : وُجد على خشبة لمّا خرب وهدم مكتوب برصاص مصبوب : « اسلم غمدان ، هادمك مقتول » ، فهدمه عثمان ، فقتل(3) .
وكان قتل عثمان يوم الثامن عشر من ذي الحجّة من سنة خمس وثلاثين(4) .
عن جندب بن عبداللَّه قال : قام عمّار بن ياسر بصفّين فقال : امضوا معي عباد
ص: 224
اللَّه إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه ، الحاكم على عباد اللَّه بغير ما في كتاب اللَّه ، إنّما قتله الصالحون ، المنكرون للعدوان ، الآمرون بالاحسان ، فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم ولو درس هذا الدين : لم قتلتموه ؟ فقلنا : لا حداثه .
فقالوا : انه ما أحدث شيئاً . وذلك لأنّه مكنهم من الدنيا فهم يأكلونها ويرعونها ولا يبالون لو انهدمت عليهم الجبال . واللَّه ما أظنّهم يطلبون دمه ، انّهم ليعلمون انّه لظالم ، ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمرئوها ، وعلموا لو ان صاحب الحق لزمهم لحال بينهم وبين ما يأكلون ويرعون فيه منها ، ولم يكن للقوم سابقة في الاسلام يستحقّون بها الطاعة والولاية ، فخدعوا أتباعهم بأن قالوا : قتل امامنا مظلوماً ليكونوا بذلك جبابرة وملوكاً ، وتلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون(1) .
وفيه أيضاً خرج أبوا امامة الباهلي وأبو الدرداء فدخلا على معاوية فقالا : يا معاوية ! علامَ تقاتل هذا الرجل ، فواللَّه لهو أقدم منك سلماً(2) وأحقّ بهذا الأمر منك ، وأقرب من النبي صلی الله علیه وآله ، فعلامَ تقاتله ؟ فقال : أقاتله على دم عثمان ، وأنّه آوى قتلته ، فقولوا له : فليقدنا من قتلته ، فانا أوّل من بايعه من أهل الشام ، فانطلقوا إلى علي علیه السلام فأخبروه بقول معاوية ، فقال : هم الذين ترون ، فخرج عشرون ألفاً أو أكثر مسربلين في الحديد ، لا يرى منهم إلّا الحدق ، فقالوا : كلّنا قتله(3) .
وروى انّ معاوية بن خديج لمّا أراد قتل محمّد بن أبي بكر قال له : إنّي إنّما
ص: 225
أقتلك بعثمان ، قال له محمّد : وما أنت وعثمان ؟ انّ عثمان عمل بالجور ، ونبذ حكم القرآن وقد قال اللَّه تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )(1) ، فنقمنا ذلك عليه فقتلناه ، وحسّنت أنت له ذلك ونظراؤك ، فقد برأنا اللَّه إن شاء اللَّه من ذنبه ، وأنت شريكه في اثمه وعظم ذنبه - إلى أن قال - فغضب معاوية ، فقدّمه فقتله ثمّ ألقاه في جيفة حمار ثمّ أحرقه(2) .
وعن عطاء بن السائب قال : كنت جالساً مع أبي البختري والحجّاج يخطب ، فقال في خطبته : إنّ مثل عثمان عند اللَّه كمثل عيسى بن مريم ، قال اللَّه فيه : ( إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )(3) فقال أبوالبختري : كفر وربّ الكعبة(4) .
وإنّ عائشة كانت تذمّ عثمان وترفع قميص رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فتقول : هذا قميص رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لم يبل وقد أبلى عثمان أحكامه ، ولمّا جاء الناعي إلى مكّة فنعاه بكى لقتله قوم من أهل ظنه ، فأمرت منادياً ينادي : ما بكاؤكم على نعثل ؟ أراد أن يطفئ نور اللَّه فاطفاه اللَّه تعالى وان يضيع سنّة رسوله فقتله(5) .
وفي تذكرة سبط ابن الجوزي - بعد نقل قول الحسين علیه السلام لمروان « يابن طرير رسول اللَّه » ، وبعد نقل قصّة الحكم وطرد النبي صلی الله علیه وآله له ، وبعد نقل طلب عثمان بعد النبي صلی الله علیه وآله من أبي بكر وعمر ردّه وابائهما ذلك - قال : فلمّا مات عمر وولّى عثمان
ص: 226
ردّه في اليوم الذي ولي فيه ، وقرّبه وأدناه ، ودفع له مالاً عظيماً ورفع منزلته ، فقام المسلمون على عثمان وأنكروا عليه ، وهو أوّل ما أنكروا عليه ، وقالوا : رددت عدوّ اللَّه ورسوله ، فقال : انّ النبي وعدني بردّه فامتنع جماعة من الصحابة عن الصلاة خلف عثمان لذلك ثمّ توفي الحكم في خلافته ، فصلّى عليه ، ومشى خلفه ، فشقّ ذلك على المسلمين وقالوا : ما كفاك ما فعلت حتّى تصلّي على منافق ملعون لعنه النبيّ صلی الله علیه وآله ونفاه ، فخلعوه وقتلوه ولهذا السبب قالت عائشة : « اقتلو نعثلاً قتله اللَّه فقد كفر »(1) .
وكان الحكم مؤذياً لرسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، يشتمه ويسمعه ، وكان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يمشي ذات يوم وهو خلفه يخلج بأنفه وفمه ، ج فالتفت النبي صلی الله علیه وآله فرآه ، فقال له : كن كذلك ج ، فبقي على ذلك وأظهر الاسلام يوم فتح مكّة ، وكان مغموصاً عليه في دينه ، فاطلع يوماً على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وهو في بعض حجر نسائه ، فخرج إليه بعنزة وقال : من عذيري من هذه الوزغة ؟ لو أدركته لفقأت عينيه ، ولعنه وما ولد ، وغرّبه عن المدينة .
فلم يزل خارجاً منها إلى أن استخلف عثمان بن عفّان فردّه وولده ، فكان ذلك ممّا أنكره عليه ، ومات في خلافة عثمان ، فضرب على قبره فسطاطاً(2) .
وقال معاوية لأُمّ الخير : ما تقولين في عثمان بن عفّان ؟ قالت : وما عسيت أن أقول فيه استخلفه الناس وهم له كارهون ، وقتلوه وهم راضون(3) .
ص: 227
وقال معاوية لعبدالرحمن بن حسان الذي كان من أصحاب حجر بن عدي :
ما تقول في علي علیه السلام ؟ قال : دعني ولا تسألني فهو خير لك قال : واللَّه لا أدعك قال : اشهد انه كان من الذاكرين اللَّه تعالى كثيراً ، مِنَ الآمرين بالحق ، والقائمين بالقسط ، والعافين عن الناس .
قال : فما قولك في عثمان ؟ قال : هو أوّل من فتح أبواب الظلم ، وأغلق أبواب الحق - إلى أن قال - فردّه معاوية إلى زياد وأمره أن يقتله شرّ قتلة ، فدفنه حيّاً(1) .
وعن الأصمعي قال : كان القواد الذين ساروا إلى المدينة في أمر عثمان أربعة : عبدالرحمن بن عديس البلوى ، وحكيم بن جبلة العبدي ، والأشتر النخعي ، وعبداللَّه بن بديل الخزاعي ، فقدموا المدينة فحاصروه ، وحاصره معهم قوم من المهاجرين والأنصار حتّى دخلوا عليه فقتلوه(2) .
وقال أبوا الحسن : اقبل أهل مصر عليهم عبدالرحمن بن عديس البلوى ، وأهل البصرة عليهم حكيم بن جبلة العبدي ، وأهل الكوفة عليهم الأشتر - واسمه مالك بن الحارث النخعي - في أمر عثمان حتّى قدموا المدينة . . . إلخ(3) .
قال ابن أبي الحديد : والذي نقول نحن : انّها وإن كانت أحداثاً ، إلّا انّها لم تبلغ المبلغ الذي يستباح به دمه ، وقد كان الواجب عليهم أن يخلعوه من الخلافة حيث لم يستصلحوه لها ، ولا يعجلوا بقتله(4) .
أقول : لا يكاد ينقضي عجبي منه مع انّه قال : كان الواجب على الناس خلعه
ص: 228
دون قتله ، كيف يجعله ثالث الخلفاء ويعتقد بخلافته ؟
ونظير كلامه علیه السلام في عثمان إلى هنا في هذه الخطبة كلامه علیه السلام في أُخرى ليست في النهج وهو : ثمّ اختلفوا ثالثاً لم يكن يملك من أمر نفسه شيئاً غلب عليه أهله ، فقادوه إلى أهوائهم كما تقود الوليدة البعير المخطوم ، فلم يزل الأمر بينه وبين الناس يبعد تارة ويقرب أُخرى حتّى نزوا عليه فقتلوه ، ثمّ جاءوا بي مدب الدبا ، يريدون بيعتي(1) .
وفي كتاب مروان إلى معاوية في شرح اقبال الناس إلى أميرالمؤمنين علیه السلام بعد قتل عثمان : فسفكوا دمه ، وانقشعوا عنه انقشاع سحابة قد أفرغت ماءها ، منكفئين قبل ابن أبي طالب انكفاء الجراد إذا أبصر المرعى(2) .
قال ابن أبي الحديد : الحسنان : الحسن والحسين 8(3) .
وقال علیه السلام في موضع آخر في وصف هجومهم عليه علیه السلام للبيعة : حتّى ظننت انّهم
ص: 229
قاتلي أو بعضهم قاتل بعضٍ لديّ(1) .
ورووا ان خفاف بن عبداللَّه الطائي قال لمعاوية في وصف اقبال الناس لبييعته علیه السلام بعد قتل عثمان : « ثمّ تهافت الناس على علي علیه السلام بالبيعة تهافت الفراش حتّى ضلّت النعل(2) ، وسقط الرداء ، ووطئ الشيخ(3) .
الربيض : الجماعة من الغنم ، الضان والمعز فيه واحد ، يقال : هذا ربيض بني فلان أي جماعة غنمهم(4) .
وقد عبّر علیه السلام عن كيفيّة بيعة الناس له وابتهاجهم بها بتعبيرات مختلفة ، منها قوله علیه السلام هنا ، ومنها قوله علیه السلام في الخطبة 53 « فتداكّوا عليّ تداكّ الابل الهيم يوم وِردها قَدار سلها راعيها ، وخلعت مثانيها ، حتّى ظننت انّهم قاتلي ، أو بعضهم قاتل بعضٍ لديّ » ، ومنها في الخطبة 13علیه السلام/8 : « فأقبلتم إليّ إقبال العوذ المطافيل على أولادها ، تقولون : البيعة البيعة ، قبضت كفّي فبسطتموها ، ونازعتكم يدي فجاذبتموها .
وروى البحار الأوّل وزاد « وبلغ من سرور الناس ببيعتهم ايّاي أن حمل إليها
ص: 230
الصغير ، وهدج إليها الكبير ، وتحامل إليها العليل وحسرت لها الكعاب »(1) .
وهم الناكثون أهل جمل عايشة ، الزبير وطلحة .
روى المفيد ؛ : ولمّا نزل أميرالمؤمنين علیه السلام في خروجه إلى الجمل بذي قار أخذ البيعة على من حضره ، ثمّ تكلّم فأكثر من الحمد للَّه والثناء عليه والصلاة على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ثمّ قال : قد جرت أمور صبرنا فيها ، وفي أعيننا القذى ، تسليماً لأمر اللَّه تعالى فيما امتحننا به ، رجاء الثواب على ذلك ، وكان الصبر عليها امثل من أن يتفرّق المسلمون ، وتسفك دمائهم ، نحن أهل بيت النبوّة ، وأحقّ الخلق بسلطان الرسالة ، ومعدن الكرامة التي ابتدأ اللَّه بها هذه الأُمّة ، وهذا طلحة والزبير ليسا من أهل النبوّة ولا من ذرّيّة الرسول ، حين رأيا ان اللَّه قد ردّ علينا حقّنا بعد أعصر ، فلم يصبرا حولاً واحداً ، ولا شهراً كاملاً ، حتّى وثبا عليّ دأب الماضين قبلهما ليذهبا بحقّي ، ويفرّقا جماعة المسلمين عنّي(2) .
وكان أحمد بن حنبل يقول : انّ عليّاً ما زانته الخلافة ولكن هو زانها(3) .
وكان أوّل من بايعه طلحة ، فبايعه بيده وكانت اصبع طلحة شلاء ، فتطير منها علي علیه السلام وقال : ما أخلقه(4) أن ينكث(5) .
ص: 231
وفي تذكرة الخواص : فلم يلبثوا إلّا يسيراً حتّى دخل عليه طلحة والزبير فقالا : يا أميرالمؤمنين انّ عيالنا كثير - إلى أن قال - وقالا له علیه السلام : ايذن لنا في العمرة ، فقال: واللَّه ما تريدان العمرة ، وإنّما تريدان الغدرة والفتنة .
فقالا : كلّا واللَّه ، فقال : « قد أذنت لكما فافعلا ما شئتما »(1) .
وقد كان علیه السلام يتلو وقت مبايعتهم له: (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ)(2) (3).
وعن عثمان مؤذن بني أفصى قال : سمعت عليّاً علیه السلام يقول : واللَّه ما قوتل أهل هذه الآية بعد ما نزلت : ( وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ . . . )(4) (5) .
عن قتادة قال : سار علي علیه السلام من الزاوية يريد طلحة والزبير وعائشة ، وساروا من الفرضة يريدون عليّاً علیه السلام فالتقوا عند موضع قصر عبيداللَّه بن زياد في النصف من جمادي الآخرة سنة ست وثلاثين يوم الخميس ، فلمّا تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس ، عليه سلاح ، فقيل لعلي علیه السلام : هذا الزبير ، قال : « اما انه احرى الرجلين إن ذكر باللَّه أن يذكره ، وخرج طلحة ، فخرج إليهما علي علیه السلام ، فدنا منهما حتّى اختلفت أعناق دوابهم ، فقال علي علیه السلام : لعمري لقد أعددتما سلاحاً وخيلاً ورجالاً ، إن كنتما أعددتما عند اللَّه عذراً فاتقيا اللَّه سبحانه ، ولا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً ، ألم أكن أخاكما في دينكما ، تحرمان دمي واحرم
ص: 232
دمائكما ، فهل من حدث أحل لكما دمي ؟ قال طلحة : البت الناس على عثمان ، قال علي علیه السلام : « يومئذ يوفيهم اللَّه دينهم الحق ويعلمون انّ اللَّه هو الحقّ المبين » يا طلحة ، تطلب بدم عثمان فلعن اللَّه قتلة عثمان ، يا زبير أتذكر يوم مررت مع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله في بني غنم ، فنظر إليّ فضحك وضحكت إليه ، فقلت : لا يدع ابن أبي طالب زهوه ، فقال لك رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : صه ، انه ليس به زهو ، ولتقاتلنه وأنت له ظالم . فقال : اللهمّ نعم ، ولو ذكرت ما سرت مسيري هذا ، واللَّه لا أقاتلك أبداً ، فانصرف علي علیه السلام إلى أصحابه ، فقال : أمّا الزبير فقد أعطى اللَّه عهداً ألّا يقاتلكم ، ورجع الزبير إلى عائشة فقال لها : ما كنت في موطن منذ عقلت إلّا وأنا أعرف فيه أمري غير موطني هذا ، قالت : فما تريد أن تصنع ؟ قال : أُريد أن أدعهم واذهب ، فقال له ابنه عبداللَّه : « جمعت بين هذين الغارين ، حتّى إذا حدّد بعضهم لبعض ، أردت أن تتركهم وتذهب ، أحسست رايات ابن أبي طالب ، وعلمت انّها تحملها فتية انجاد » قال : انّي قد حلفت ألّا أقاتله ، واحفظه ما قال له ، فقال : كفّر عن يمينك ، وقاتله .
فدعا بغلام له يقال له مكحول ، فاعتقه ، فقال عبدالرحمن بن سليمان التيمي :
لم أر كاليوم أخا اخوان * أعجب من مكفّر الايمان
بالعتق في معصية الرحمن
وقال لهم مِن شعرائهم :
يعتق مكحولاً لصون دينه * كفّارة للَّه عن يمينه
والنكث قد لاح على جبينه(1) .
ص: 233
ورواه سبط ابن الجوزي وقال : « وفي رواية فقال الزبير لمّا ذكّره علي علیه السلام قول النبي صلی الله علیه وآله : فما الذي أصنع ورجوعي عار عليّ ؟
فقال علیه السلام : ارجع بالعار ، ولا تجمع بين العار والنار ، فرجع وهو يقول :
نادى علي بأمر لست أجهله * عار لعمرك في الدنيا وفي الدين
فقلت حسبك من لوم أبا حسن * فبعض هذا الذي قد قلت يكفيني(1)
وروى المبرّد في الكامل انّ عليّاً وجّه إلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بذهبة من اليمن ، فقسّمها أرباعاً ، فأعطى ربعاً للأقرع بن حابس المجاشعي وربعاً لزيد الخيل الطائي ، وربعاً لعيينة بن حصن الفزاري ، وربعاً لعلقمة بن علاقة الكلابي ، فقام إليه رجل مضطرب الخلق ، غائر العينين ، ناتئ الجبهة ، فقال : رأيت قسمة ما أُريد بها وجه اللَّه ! فغضب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله حتّى تورد خدّاه ، ثمّ قال : أيأمنني اللَّه عزّوجلّ على أهل الأرض ولا تأمنوني ؟ فقام إليه عمر فقال : ألا أقتله يا رسول اللَّه ؟ فقال صلی الله علیه وآله : انّه سيكون من ضئضئي هذا قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، تنظر في النصل(2) فلا ترى شيئاً ، وتنظر في الرصاف(3) فلا ترى شيئاً ، وتتمارى في الفوق(4) - الخبر(5) .
وعن نبيط بن شريط الأشجعي قال : لمّا فرغ علي بن أبي طالب علیه السلام من قتال أهل النهروان قفل أبو قتادة الأنصاري ومعه ستّون أو سبعون من الأنصار ، قال :
ص: 234
فبدأ بعائشة - إلى أن قال - فقالت عائشة : ما يمنعني ما بيني وبين علي أن أقول الحق ، سمعت النبي صلی الله علیه وآله يقول : تفترق أُمّتي على فرقتين ، تمرق بينهما فرقة ، محلقون رؤوسهم ، محفون شواربهم ، أزرهم إلى أنصاف سوقهم ، يقرأون القرآن لايتجاوز تراقيهم ، يقتلهم أحبّهم إليّ وأحبّه إلى اللَّه تعالى » قال : فقلت لها : فأنت تعلمين هذا ، فلِم كان الذي منك ؟ قالت : يا أبا قتادة ، وكان أمر اللَّه قدراً مقدوراً(1) .
وهم القاسطون معاوية وأصحابه .
قال ابن أبي الحديد : قول النبي صلی الله علیه وآله لأميرالمؤمنين علیه السلام : « ستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين » من دلائل نبوّته صلی الله علیه وآله(2) .
وعن زيد بن يثع قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : لينتهين بنو وليعة أو لأبعثنّ إليهم رجلاً كنفسي يمضي فيهم أمري ، يقتل المقاتلة ويسبى الذرّيّة ، قال : فقال أبوذر : فما راعني الّا برد كف عمر في حجزتي من خلفي فقال : من تراه يعني ؟ قلت : ما يعنيك ولكن يعني خاصف النعل(3) .
وفي تذكرة الخواص : فقال عمر : واللَّه ما اشتهيت الامارة إلّا يومئذٍ جعلت أنصب له صدري رجاء أن يقول هذا ، فالتفت إلى علي علیه السلام فأخذه بيده وقال : هذا
ص: 235
هو هذا هو(1) .
وروى الترمذي عن ربعي بن حراش قال : أخبرنا علي بن أبي طالب علیه السلام بالرحبة فقال : لما كان يوم الحديبيّة خرج إلينا ناس من المشركين ، فيهم سهيل بن عمرو واناس من رؤساء المشركين فقالوا : يا رسول اللَّه خرج إليك ناس من أبنائنا واخواننا وأرقائنا وليس لهم فقه في الدين ، وإنّما خرجوا فراراً من أموالنا وضياعنا ، فارددهم إلينا ، فقال النبي صلی الله علیه وآله : فان لم يكن لهم فقه في الدين سنفقههم ، ثمّ قال : يا معشر قريش لتنتهنّ أو ليبعثنّ اللَّه عليكم مَن يضرب رقابكم بالسيف على الدين ، قد امتحن اللَّه قلوبهم على الايمان ، قالوا : مَنْ هو يا رسول اللَّه ؟ - إلى أن قال - قال صلی الله علیه وآله : هو خاصف النعل وكان أعطى عليّاً نعله يخصفها(2) .
وعن أبي سعيد قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لعلي علیه السلام : يا علي لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك(3) .
وعن عمران بن حصين قال : بعث رسول اللَّه صلی الله علیه وآله جيشاً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب علیه السلام ، فمضى في السريّة ، فأصاب جارية ، فأنكروا عليه وتعاقد أربعة من أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فقالوا : إن لقينا رسول اللَّه أخبرناه بما صنع علي - إلى أن قال - فقام أحد الأربعة فقال : يا رسول اللَّه ألم تر إلى عليّ بن أبي طالب صنع كذا وكذا ؟ فأعرض عنه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، ثمّ قام الثاني فقال مثل مقالته ، فأعرض عنه ، ثمّ قام إليه الثالث فقال مثل مقالته فأعرض عنه ، ثمّ قام الرابع فقال مثل ما
ص: 236
قالوا ، فأقبل إليه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله والغضب يعرف في وجهه ، فقال : ما تريدون من علي ؟ ما تريدون من علي ؟ ماتريدون من علي ؟ انّ عليّاً منّي وأنا منه ، وهو ولّي كلّ مؤمن من بعدي(1) .
قال سبط ابن الجوزي : ومعنى قوله صلی الله علیه وآله : « ولا يؤدّي عنّي إلّا علي » انّه بعث أبابكر سنة تسع ، وقال له : إنّ المشركين يحضرون الموسم ، ويطوفون بالبيت عراة ، ولا أحبّ أحج حتّى لا يكون ذلك ، وأعطاه أربعين آية من صدر سورة براءة ليقرأها على أهل الموسم ، فلمّا سار دعا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عليّاً علیه السلام فقال له : أدرك أبابكر فخذ منه الآيات ، واقرأها على الناس بالموسم ، ودفع إليه ناقته العضباء ، فأدرك أبابكر بذي الحليفة فأخذ منه الآيات ، فرجع أبوبكر إلى النبي صلی الله علیه وآله فقال : هل نزل فيّ شي ء ؟ فقال : لا ، ولكن لا يبلغ عنّي غيري أو رجل منّي .
وفي فضائل أحمد بن حنبل : قال له النبي صلی الله علیه وآله : انّ جبرئيل جائني ، فقال : ابعث بها عليّاً(2) .
وعن أبي سعيد الخدري قال : كنّا جلوساً ننظر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فخرج إلينا قد انقطع شسع نعله ، فرمى به إلى علي علیه السلام فقال : إنّ منكم رجلاً يقاتل الناس على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ، قال أبوبكر : أنا ؟ قال : لا ، قال عمر : أنا ؟ قال : لا ، ولكن خاصف النعل(3) .
وروى خبر الناكثين والقاسطين والمارقين قبل الوقوع جمع .
ص: 237
روى نصر بن مزاحم انّ عمرو بن العاص قال لعمّار : عَلامَ تقاتلنا ؟
أوَلسنا نعبد إلهاً واحداً ونصلّي إلى قبلتكم ، وندعو دعوتكم ؟ ونقرء كتابكم ، ونؤمن برسولكم ؟ قال عمّار : « الحمد للَّه الذي أخرجها من فيك انّها لي ولأصحابي : القبلة ، والدين ، وعبادة الرحمن ، والنبي صلی الله علیه وآله ، والكتاب ، من دونك ودون أصحابك .
الحمد للَّه الذي قررك لنا بذلك ، دونك ودون أصحابك ، وجعلك ضالاً مضلاً - إلى أن قال - وجعلك أعمى ، وسأخبرك علامَ قاتلتك عليه أنت وأصحابك .
أمرني رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أن أقاتل الناكثين وقد فعلت ، وأمرني أن أقاتل القاسطين فأنتم هم ، وأمّا المارقون فما أدري أدركهم أم لا .
أيّها الأبتر ، ألست تعلم انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال لعلي علیه السلام : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه » وأنا مولى اللَّه ورسوله ، وعلي بعده ، وليس لك مولى » .
قال له عمرو : لم تشتمني يا أبا اليقظان ولست أشتمك ؟ قال عمّار : وبِمَ تشتُمني ؟ أتستطيع أن تقول : إني عصيت اللَّه ورسوله يوماً قط ؟(1) .
وعن محمّد بن سليمان قال : قدم علينا أبو أيّوب الأنصاري ، فنزل ضيعتنا يعلف خيلاً له ، فأتيناه فاهدينا له ، قال : قعدنا عنده ، فقلنا : يا أبا أيّوب ، قاتلت المشركين بسيفك هذا مع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، ثمّ جئت تقاتل المسلمين ؟ فقال : انّ النبي صلی الله علیه وآله أمرني بقتال القاسطين والمارقين والناكثين ، فقد قاتلت الناكثين ، وقاتلت القاسطين ، وأنا نقاتل إن شاء اللَّه بالمسفعات بالطرقات بالنهروانات ، وما
ص: 238
أدري انّى هي(1) .
وفي تاريخ بغداد : كان ( أبو أيّوب ) على مقدمة علي يوم النهروان - الخبر(2) .
وعن ابن مسعود قال : خرج رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فأتى منزل أُمّ سلمة ، فجاء علي علیه السلام فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : يا أُمّ سلمة ، هذا واللَّه قاتل القاسطين والناكثين والمارقين من بعدي(3) .
وعن المفضل بن عمر عن أبي عبداللَّه الصادق عن أبيه عن جدّه قال : بلغ أُمّ سلمة زوجة النبي صلی الله علیه وآله أن مولى لها ينتقص ج تنتقص ج عليا علیه السلام و يتناوله ؟
فأرسلت إليه، فلمّا صار إليها قالت له : يا بني، بلغني أنك تنتقص عليا وتتناوله ؟ قال نعم يا أُمّاه.
قالت له : اقعد ثكلتك أُمك حتّى أحدّثك بحديث سمعته من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ثم اختر لنفسك.
إنّا كنّا عند رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ليلة تسع نسوة، و كانت ليلتي ويومي من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فأتيت الباب فقلت أدخل يا رسول اللَّه عليك ؟ قال لا. قالت : فكبوت كبوة شديدة مخافة أن يكون ردّني من سخطة أو نزل في شي ء من السماء، فلم ألبث أن أتيت الباب الثانية، فقلت أدخل يا رسول اللَّه ؟ فقال : لا فكبوت كبوة أشدّ من الأولى، ثم لم ألبث حتّى أتيت الباب الثالثة فقلت : أدخل يا رسول اللَّه ؟ فقال : ادخلي يا أُم سلمة فدخلت فإذا علي علیه السلام جاث بين يديه وهو يقول فداك أبي وأُمّي
ص: 239
يا رسول اللَّه، إذا كان كذا وكذا فما تأمرني به ؟ قال : آمرك بالصبر، ثم أعاد عليه القول ثانية فأمره بالصبر، فأعاد عليه القول ثالثة فقال له : يا علي، يا أخي، إذا كان لك ذلك منهم فسل سيفك، وضعه على عاتقك، واضرب قدما قدما حتى تلقاني وسيفك شاهر يقطر من دمائهم.
ثم التفت علیه السلام إلي وقال : تاللَّه ما هذه الكئابة، يا أُمّ سلمة ؟ قلت : الذي كان من ردّك إيّاي يا رسول اللَّه.
فقال لي : واللَّه ما رددتك من موجدة، وإنك لعلى خير من اللَّه ورسوله، ولكن أتيتني وجبرئيل عن يميني وعلي عن يساري ، وجبرئيل يخبرني بالأحداث التي تكون من بعدي، وأمرني أن أوصي بذلك عليّا، يا أُمّ سلمة، اسمعي واشهدي، هذا علي بن أبي طالب أخي في الدنيا و أخي في الآخرة .
يا أم سلمة، اسمعي و اشهدي هذا علي بن أبي طالب وزيري في الدنيا ووزيري في الآخرة، يا أُمّ سلمة، اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب حامل لوائي وحامل لواء الحمد غدا يوم القيامة، يا أُمّ سلمة، اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب وصيّي وخليفتي من بعدي وقاضي عداتي والذابّ عن حوضي، يا أُمّ سلمة، اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب سيّد المسلمين وإمام المتّقين وقائد الغرّ المحجّلين وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.
قلت : يا رسول اللَّه ، من الناكثون ؟ قال صلی الله علیه وآله : الذي يبايعون بالمدينة وينكثون بالبصرة.
قلت : ومن القاسطون ؟ قال : معاوية وأصحابه من أهل الشام.
قلت : ومن المارقون قال أصحاب النهروان.
ص: 240
فقال مولى أُمّ سلمة : فرجت عنّي فرّج اللَّه عنك، واللَّه لا سببت علي أبدا(1) .
كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا كَلام اللَّهَ سُبْحَانَهُ حيث يَقُولُ : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(2) .
وكان الصادق علیه السلام يتلو هذه الآية ويبكي ويقول : ذهبت الأماني عند هذه الآية(3) .
وروى عن الحسن بن جرموز المرادي عن أبيه قال : رأيت عليّاً يخرج من هذا القصر - يعني قصر الكوفة - وعليه ازار إلى أنصاف ساقيه ورداء مشمراً قريباً منه ومعه الدرّة ، يمشي بها في الأسواق ويقول : يا قوم اتّقوا اللَّه ، وفي رواية يقول : أوفوا الكيل والميزان ولا تنفخوا اللحم ، وفي رواية : ويرشد الضالة ، ويعين الحمّال على الحمولة ويقرأ : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ)(4) الآية ، ويقول : هذه الآيات نزلت في الولاة وذوي القدرة من الناس(5) .
وروى عن أميرالمؤمنين علیه السلام : انّه كان يمشي في الأسواق وحده وهو وال ، يرشد الضال ، ويعين الضعيف ، ويمرّ بالبقال والبيع ، فيفتح عليه القرآن ويقرأ :
ص: 241
( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ)(1) ويقول : نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع في الولاة ، وأهل القدرة من سائر الناس(2) .
وعن زادان قال : رأيت علي بن أبي طالب يمسك الشسوع بيده ، يمرّ في الأسواق ، فيناول الرجل الشسع ، ويرشد الضال ، ويعين الحمّال على المحمولة وهو يقرأ هذه الآية : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(3) ، ثمّ يقول : هذه الآية انزلت في الولاة وذوي القدرة من الناس(4) .
وقال سفيان الثوري : ما رأيت الزهد في شي ء أقل منه في الرياسة ، ترى الرجل يزهد في المطعم والمشرب والمال والثياب ، فاذا تورع في الرياسة حامي عليها وعادى(5) .
قال الطبري : ولمّا أراد المغيرة بن شعبة أن يعيّن رئيساً لحرب الخوارج ، قام صعصعة بن صوحان فقال : ابعثني إليهم أيّها الأمير ، فانا واللَّه لدمائهم مستحل ، وبحملها مستقل ، فقال : اجلس ، فانّما أنت خطيب ، فكان احفظه ذلك ، وإنّما قال ذلك لأنّه بلغه انّه يعيب عثمان بن عفّان ويكثر ذكر علي علیه السلام ويفضله ، وقد كان دعاه فقال : إيّاك أن يبلغني عنك انك تعيب عثمان عند أحد من الناس ، وإيّاك أن يبلغني عنك انك تظهر شيئاً من فضل علي علیه السلام علانية ، فانّك لست بذاكر من فضل علي علیه السلام شيئاً أجهله ، بل انا أعلم بذلك ، ولكن هذا السلطان قد ظهر ، وقد أخذنا باظهار عيبه للناس ، فنحن ندع كثيراً ممّا أمرنا به ، ونذكر الشي ء الذي لا نجد منه بُداً ، ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا تقيّةً ، فان كنت ذاكراً فضله فاذكه بينك وبين أصحابك وفي منازلكم سرّاً ، وأمّا علانيةً في المسجد فان هذا لا يحتمله الخليفة لنا ، ولا يعذرنا به ، فكان يقول له : نعم ، افعل ، ثمّ يبلغه انّه قد عاد إلى ما نهاه عنه(1) .
وذكروا انّ رجلاً من همدان يقال له برد قدم على معاوية ، فسمع عمرواً يقع في علي علیه السلام فقال له : يا عمرو ، ان أشياخنا سمعوا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » ، فحق ذلك أم باطل ؟ فقال عمرو : حق وأنا أزيدك انّه ليس أحد من صحابة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله له مناقب مثل مناقب علي ، ففزع الفتى ، فقال عمرو : انّه أفسدها بأمره في عثمان - إلى أن قال - فرجع الفتى إلى قومه فقال : انا أتينا قوماً أخذنا الحجّة عليهم من أفواههم « علي على الحقّ فاتّبعوه »(2) .
ص: 243
وذكروا انّ عبداللَّه بن أبي محجن الثقفي قدم على معاوية فقال له : انّي أتيتك من عند الغبي ، الجبان ، البخيل ، ابن أبي طالب ، فقال معاوية : للَّه أنت ! أتدري ما قلت ؟ أمّا قولك : « الغبي » فواللَّه لو أنّ ألسن الناس جمعت فجعلت لساناً واحداً لكفاها لسان علي ، وأمّا قولك : « انّه جبان » فثكلتك أُمّك ، هل رأيت أحداً قط بارزه إلّا قتله ؟ وأمّا قولك : « إنّه بخيل » فواللَّه لو كان له بيتان أحدهما من تبر والآخر من تبن ، لأنفذ تبره قبل تبنه ، فقال الثقفي : فعلامَ تقاتله اذن ؟ قال : على دم عثمان ، وعلى هذا الخاتم ، الذي من جعله في يده جادت طينته ، وأطعم عياله ، وادّخر لأهله ، فضحك الثقفي ثمّ لحق بعلي فقال : يا أميرالمؤمنين هب لي يديّ بجرمي ، لا دنيا أصبت ولا آخرة ، فضحك علي علیه السلام(1) .
وفي تذكرة سبط ابن الجوزي بعد ذكر دعوة معاوية عمرو بن العاص إلى معاونته في حرب أميرالمؤمنين علیه السلام فكتب إليه عمرو بن العاص : أمّا ما دعوتني إليه من خلع ربقة الاسلام من عنقي ، والتهون معك في الضلالة ، واعانتي إيّاك على الباطل ، واختراط السيف في وجه أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام وهو أخو رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ووليّه ووصيّه ووارثه وقاضي دينه ، ومنجز وعده ، وصهره على ابنته سيّدة نساء العالمين ، وأبوالسبطين الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة - إلى أن قال - ويحك يا معاوية أما علمت انّ أبا الحسن بذل نفسه للَّه تعالى ، وبات على فراش رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وقال فيه : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » - إلى أن قال - فقال عتبة لمعاوية : لمّا وصل كتاب عمرو إليه : « لا تيأس منه ، فكتب إليه ، وارغبه في الولاية وشركه معه في سلطانه » - إلى أن قال - انّ عمرو بن العاص كتب إلى
ص: 244
معاوية ثانية :
معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل * به منك ديناً فانظرن كيف تصنع
- إلى أن قال - بعد ذكر قبول معاوية ما اقترح : وبات عمرو طول ليلته متفكّراً ، فدعا غلاماً له يقال له وردان - وهو الذي ينسب إليه مكان بمصر يقال له سوق وردان - فقال له : ما ترى يا وردان ؟ فقال : انّ مع علي آخرة ولا دنيا ، وانّ مع معاوية دنياً ولا آخرة ، فالتي مع علي تبقى ، والتي مع معاوية تفنى ، فلمّا أصبح ركب فرسه ومعه ( ابنه ) عبداللَّه بن عمرو وهو يقول له : لا تذهب إلى معاوية لا تبع آخرتك(1) .
ولمّا ندب معاوية رجلين من لخم لقتل العبّاس بن ربيعة الهاشمي ، فقتلهما أميرالمؤمنين علیه السلام ، لأنّه كان لبس لباس العبّاس ، قال معاوية : قبّح اللَّه اللجاج انّه لعقور ، ما ركبته قط إلّا خذلت ، فقال عمرو بن العاص : المخذول واللَّه اللخميان لا أنت .
فقال له معاوية : « ذلك أخسر لصفقتك » .
قال : قد علمت ذلك ، ولوْلا مصر وولايتها لركبت المنجاة منها ، فانّي أعلم انّ علي بن أبي طالب على الحق ، وأنت على ضدّه » ، فقال معاوية : « مصر واللَّه أعمتك ، ولو لا مصر لألفيتك بصيراً »(2) .
وعن أبي جعفر وزيد بن حسن قالا : طلب معاوية إلى عمرو بن العاص أن يسوي صفوف أهل الشام ، فقال له عمرو : على أن لي حكمي إن قتل ابن أبي
ص: 245
طالب ، واستوسقت لك البلاد(1) ، قال : أليس حكمك في مصر ؟ قال : وهل مصر تكون عوضاً عن الجنّة وقتل ابن أبي طالب ثمناً لعذاب النار الذي لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون ؟(2) .
ولمّا عسكر علي علیه السلام بالنخيلة وبعث الأصبغ بن نباتة بكتابه إلى معاوية قال الأصبغ : دخلت على معاوية ، عن يمينه عمرو بن العاص وحوشب وذوالكلاع ، وعن يساره أخوه عتبة وابن عامر بن كريز والوليد بن عقبة وعبدالرحمن بن خالد وشرحبيل بن السمط ، وبين يديه أبو هريرة - إلى أن قال - فقلت لأبي هريرة : يا صاحب رسول اللَّه انّي أحلفك باللَّه الذي لا إله إلّا هو وبحقّ حبيبه المصطفى صلی الله علیه وآله ألا أخبرتني أشهدت غدير خم ؟ قال : بلى شهدته ، قلت : فما سمعته ج يقول ج في علي ؟ قال : سمعته يقول : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله » قلت له : فاذن أنت واليت عدوّه وعاديت وليّه » فتنفّس أبو هريرة الصعداء وقال : « إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون » ، فتغيّر معاوية عن حاله وغضب وقال : كف عن كلامك ، فلا تستطيع أن تخدع أهل الشام بالكلام عن طلب دم عثمان(3) .
وقال النعمان بن جبلة التنوخي - من صاحب رايات معاوية - له : لقد نصحتك على نفسي ، وآثرت ملكك على ديني ، وتركت لهواك الرشد وأنا أعرفه ، وحِدْتُ عن الحق وأنا أبصره ، وما وفّقت لرشد حين أقاتل على ملكك ابن عم رسول
ص: 246
اللَّه صلی الله علیه وآله وأوّل مؤمن به ومهاجر معه ، ولو أعطيناه ما أعطيناك لكان أرأف بالرعيّة ، وأجزل في العطيّة ، ولكن قد بذلنا لك الأمر ، ولابدّ من اتمامه كان غيّاً أو رشداً ، وحاشا أن يكون رشداً ، وسنقاتل عن تين الغوطة وزيتونها ، إذ حرمنا أثمار الجنّة وأنهارها(1) .
وفيه أيضاً عن الشرقي : انّ معاوية قال لعمرو بن العاص بعد صفّين : « هل غششتني منذ نصحتني ؟ قال : لا ، قال : بلى واللَّه يوم أشَرْتَ عليّ بمبارزة علي وأنت تعلم ما هو ، قال : دعاك إلى المبارزة ، فكنت من مبارزته على إحدى الحسنيين : إمّا أن تقتله فتكون قد قتلت قاتل الأقران وتزداد شرفاً إلى شرفك ، وإمّا أن يقتلك ، فتكون قد استعجلت مرافقة الشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً(2) .
فقال معاوية : « جوابك هذا أشدّ عليّ من اشارتك » قال : لِم ؟ قال : « لأنّي إن قتلته كنت من أهل النار ، وإن قتلني كنت من أهل النار »(3) .
وفي خبر هشام مع خالد بن عبداللَّه القسري عامله على العراق لمّا أراد أن يوقع به لمّا بلغه عنه أشياء في كتابه إليه « فهذا جدّك يزيد بن أسد قد حشد مع معاوية في يوم صفّين ، وعرض له دينه ودمه ، فما اصطنع إلّا عنده ولا ولاه ما اصطنع إليك(4) .
وعن عوف الأعرابي قال : جاء رجل إلى طلحة والزبير وهما في المسجد
ص: 247
بالبصرة ، فقال : نشدتكما باللَّه في مسيركما أعهد إليكما فيه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله شيئاً ، فقام طلحة ولم يجبه ، فناشد الزبير فقال : لا ، ولكن بلغنا ان عندكم دراهم فجئنا نشارككم فيها(1) .
وعن أبي صالح انّ عليّاً علیه السلام لمّا نزل ذاقار في قلّة من عسكره ، صعد الزبير منبر البصرة - إلى أن قال - هذه واللَّه الفتنة التي كنّا نحدث بها ، فقال له بعض مواليه : يا أبا عبداللَّه تسمّيها فتنة ثمّ نقاتل فيها ؟ فقال : ويحك واللَّه أنا لنبصر ثمّ لا نصبر ، فاسترجع المولى ، ثمّ خرج في الليل فاراً إلى علي علیه السلام فأخبره ، فقال : اللهمّ عليك به(2) .
وفي الطبري : أقبل غلام من جهينة - من أصحاب الجمل - على محمّد بن طلحة فقال : أخبرني عن قتلة عثمان ، فقال : نعم دم عثمان ثلاث أثلاث : ثلث على صاحبة الهودج يعني عائشة ، وثلث على صاحب الجمل الأحمر يعني طلحة ( أباه ) ، وثلث على علي بن أبي طالب ، وضحك الغلام وقال : ألا أراني على ضلال ولحق بعلي علیه السلام وقال في ذلك شعراً :
سألت ابن طلحة عن هالك * بجوف المدينة لم يقبر
فقال ثلاثة رهط هم * أماتوا ابن عفان واستعبر
فثلث على تلك في خدرها * وثلث على راكب الأحمر
وثلث على بن أبي طالب * ونحن بدوية قرقر
ص: 248
فقلت صدقت على الأولين * وأخطأت في الثالث الأزهر(1)
ورواه ابن قتيبة وزاد : « وبلغ طلحة قول ابنه ، فقال له : أتزعم انّي قاتل عثمان ، كذلك تشهد على أبيك ؟ كن كعبداللَّه بن الزبير ، ما أنت بخير منه ، ولا أبوك بدون أبيه ، كفّ عن قولك، وإلّا فارجع ، فان نصرتك نصرة رجل واحد ، وفسادك فساد عامة ، فقال محمّد: ما قلت إلّا حقّاً ، ولن أعود(2) .
وعن علي بن الحسين علیه السلام قال : قال لي مروان : ما كان في القوم أدفع عن صاحبنا من صاحبكم ، قلت : فما بالكم تسبونه على المنابر ؟ قال ل انّه لا يستقيم لنا الأمر إلّا بذلك(3) .
وفيه أيضاً عن ابن أبي سيف قال : خطب مروان والحسن علیه السلام جالس ، فنال من علي علیه السلام ، فقال الحسن علیه السلام : ويلك يا مروان أهذا الذي تشتم شرّ الناس ؟ قال : لا ، ولكنّه خير الناس(4) .
وفيه أيضاً قال عمر بن عبدالعزيز : كان أبي يخطب ، فلا يزال مستمراً في خطبته حتّى إذا صار إلى ذكر علي علیه السلام وسبّه تقطع لسانه ، واصفرّ وجهه ، وتغيّرت حاله ، فقلت له في ذلك ، فقال : أو قد فطنت لذلك ؟ إنّ هؤلاء لو يعلمون من علي علیه السلام ما يعلمه أبوك ما تبعنا منهم رجل(5) .
وذكروا ان سعداً كتب إلى معاوية : وكان علي أحقّنا كلّنا بالخلافة ، ولكن
ص: 249
مقادير اللَّه تعالى التي صرفتها عنه حيث شاء لعلمه وقدره ، وقد علمنا أنّه أحقّ بها منّا(1) .
وعن ابن أبي نجيح قال : لمّا حجّ معاوية طاف بالبيت ومعه سعد ، فلمّا فرغ انصرف معاوية إلى دار الندوة ، فأجلسه على سريره ووقع معاوية في علي علیه السلام وشرع في سبّه ، فزحف سعد ثمّ قال : أجلستني معك على سريرك ثمّ شرعت في سبّ علي علیه السلام ؟ واللَّه لأن يكون فيّ خصلة واحدة من خصال كانت لعلي علیه السلام أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، واللَّه لأن يكون رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال لي ما قاله يوم خيبر : « لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّه اللَّه ورسوله ويحبّ اللَّه ورسوله ، ليس بفرّار ، يفتح اللَّه على يديه » أحبّ إليّ مِن أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، واللَّه لأن يكون رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال لي ما قاله في غزوة تبوك : « ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي » أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، وأيم اللَّه لا دخلت لك داراً ما بقيت ، ثمّ نهض(2) .
وفي تذكرة سبط ابن الجوزي : ذكر أبو حامد الغزالي في كتاب ( سر العالمين وكشف ما في الدارين ) قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لعلي علیه السلام يوم غدير خم : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » ، فقال عمر بن الخطّاب : بخّ بخّ يا أبا الحسن ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ، قال : وهذا تسليم ورضاء وولاية وتحكيم .
ثمّ بعد هذا غلب الهوى حبّاً للرئاسة وعقد البنود وخفقان الرايات ، وازدحام
ص: 250
الخيول في فتح الأمصار ، وأمر الخلافة ونهيها ، فحملهم على الخلاف ، فنبذوه وراء ظهورهم ، واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون(1)..
وعن رافع بن أبي رافع الطائي قال : كنت امرءً نصرانيّاً ، فلمّا أسلمت خرجت في تلك الغزوة التي بعث فيها رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل ، قال : قلت : واللَّه لأختارن لنفسي صاحباً قال : فصحبت أبابكر ، قال : فكنت معه في رحله ، وكانت عليه عباءة له فدكيّة ، فكان إذا نزلنا بسطها ، وإذا ركبنا لبسها ، ثمّ شكها عليه بخلال له ، وذلك الذي له يقول أهل نجد حين ارتدوا كفّاراً : « نحن نبايع ذا العباءة ؟ » فلمّا دنونا من المدينة قلت : يا أبا بكر ، إنّما صحبتك لينفعني اللَّه بك ، فانصحني وعلّمني قال : آمرك أن توحّد اللَّه ولا تشرك به شيئاً - إلى أن قال - ولا تتأمر على رجل من المسلمين أبداً . قلت : يا أبابكر ، أما أنا واللَّه فانّي أرجو أن لا أشرك باللَّه أحداً أبداً - إلى أن قال - وأمّا الامارة فانّي رأيت الناس يا أبا بكر لا يشرفون عند رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وعند الناس إلّا بها ، فلم تنهاني عنها ؟ قال : « انّك إنّما استجهدتني لأجهد لك ، ان اللَّه عزّوجلّ بعث محمّداً صلی الله علیه وآله بهذا الدين ، فجاهد عليه حتّى دخل الناس فيه طوعاً وكرهاً ، فلمّا دخلوا فيه كانوا عوّاذ اللَّه وجيرانه وفي ذمّته . فإيّاك لا تخفر اللَّه في جيرانه ، فيتبعك اللَّه خفرته » - إلى أن قال - ففارقته على ذلك ، فلمّا قبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وأمّر أبوبكر على الناس قدمت عليه ، فقلت له : يا أبا بكر ، ألم تك نهيتني عن أن أتامّر على رجلين من المسلمين ؟ قال : بلى ، فقلت له : فما حملك على أن تلي أمر الناس ؟ قال : خشيت على أُمّة محمّد صلی الله علیه وآله الفرقة(2) .
ص: 251
أقول : هل وقعت الفرقة في الأُمّة من ذاك اليوم إلّا من تأمّره ؟
وروى عاصم بن أبي عامر البجلي عن يحيى بن عروة ، قال : كان أبي إذا ذكر عليّاً نال منه ، وقال لي مرّة : يا بنيّ ، واللَّه ما أحجم الناس عنه إلّا طلباً للدنيا ، لقد بعث إليه أُسامة بن زيد : « ان ابعث إليّ بعطائي ، فواللَّه انّك لتعلم أنّك لو كنت في فم أسد لدخلت معك » ، فكتب إليه : « انّ هذا المال لمن جاهد عليه ، ولكن لي مالاً بالمدينة فأصب منه ما شئت » ، قال يحيى : فكنت أعجب من وصفه إيّاه بما وصفه به وانحرافه عنه(1) .
وعن أبي المنهال قال : لمّا كان زمن اخرج ابن زياد وثب مروان بالشام ، وابن الزبير بمكّة ، ووثب الذين كانوا يدعون القراء بالبصرة غمّ أبي غمّاً شديداً فانطلق إلى أبي برزة وأنشأ أبي يستطعمه الحديث ، فكان أوّل شي ء تكلّم به أن قال : « اني احتسب عند اللَّه عزّوجلّ اني أصبحت ساخطاً على احياء قريش ، وانكم معشر العرب كنتم على الحال الذي قد علمتم ، وان اللَّه عزوجل قد نعشكم بالاسلام وبمحمّد صلی الله علیه وآله خير الأنام حتّى بلغ بكم ما ترون ، وانّ هذه الدنيا هي التي أفسدت بينكم - إلى أن قال - فلمّا لم يدع أحداً قال له أبي : بما تأمر اذن ؟ قال : لا أرى خير الناس اليوم إلّا عصابة ملبّوة خماص البطون من أموال الناس ، خفاف الظهور من دمائهم(2) .
وروى أبو جعفر الاسكافي : انّ عليّاً علیه السلام خطب في اليوم الثاني من بيعته - إلى أن قال في خطبته - وانّي حاملكم على منهج نبيّكم صلی الله علیه وآله ومنفذ فيكم ما أمرت به ،
ص: 252
ان استقمتم لي وباللَّه المستعان ، الا ان موضعي من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بعد وفاته كموضعي منه أيّام حياته ، فامضوا لما تؤمرون به ، وقفوا عند ما تنهون عنه ، ولا تعجلوا في أمر حتّى نبيّنه لكم ، فان لنا عن كلّ أمر تنكرونه عذراً - إلى أن قال - ثمّ التفت علیه السلام يميناً وشمالاً ، فقال : ألا لا يقولن رجال منكم غدا قد غمرتهم الدنيا فاتّخذوا العقار ، وفجروا الأنهار ، وركبوا الخيول الفارهة ، واتّخذوا الوصائف الروقة(1) ، فصار ذلك عليهم عاراً وشناراً ، إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه ، وأصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون ، فينقمون ذلك ، ويستنكرون ويقولون :
حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا ! ألا وايما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يَرى ان الفضل له على من سواه لصحبته ، فان الفضل النير غدا عند اللَّه ، وثوابه وأجره على اللَّه ، وأيّما رجل استجاب للَّه وللرسول ، فصدّق ملّتنا ، ودخل في ديننا ، واستقبل قبلتنا ، فقد استوجب حقوق الاسلام وحدوده ، فأنتم عباد اللَّه ، والمال مال اللَّه ، يقسم بينكم بالسويّة ، لا فضل فيه لأحد على أحد - الحديث .
قال أبو جعفر الاسكافي : وكان هذا أوّل ما أنكروه من كلامه علیه السلام ، وأورثهم الضغن عليه ، وكرهوا اعطائه وقسمه بالسوية(2) .
وقال ابن أبي الحديد : قرء كتاب « الاستيعاب » على شيخنا عبدالوهاب بن سكينة المحدث وأنا حاضر ، فلمّا انتهى القارى إلى هذا الخبر ( يعني إلى خبر شهادة النبي صلی الله علیه وآله لدافنى أبي ذر بالايمان ) قال استاذي عمر بن عبداللَّه الدباس -
ص: 253
وكنت أحضر معه سماع الحديث - : « لتقل الشيعة بعد هذا ما شاءت ، فما قال المرتضى والمفيد إلّا بعض ما كان حجر والأشتر - وكانا من دافنى أبي ذر(1) - يعتقدانه في عثمان ومن تقدّمه » فأشار الشيخ إليه بالسكوت ، فسكت .
وفي منهاج الكرامة العلّامة الحلّي : ان ذكر الخلفاء في الخطب لم يكن في زمن النبي صلی الله علیه وآله ولا في زمن أحد من الصحابة والتابعين ، ولا في صدر ولاية العباسيين ، بل هو شي ء أحدثه المنصور لما وقع بينه وبين العلوية ، فقال : واللَّه لأرغمن أنفى وأنوفهم ، وارفع عليهم بني تيم وعدي(2) .
وفيه : وقد رأيت بعض أئمّة الحنابلة يقول : انّي على مذهب الاماميّة ، فقلت له : لم تدرس على مذهب الحنابلة ؟ فقال : ليس في مذهبكم البغلات(3) والمشاهرات(4) وكان أكبر مدرس الشافعيّة في زماننا حيث(5) توفي أوصى بأن يتولّى أمره في غسله وتجهيزه بعض المؤمنين ، وان يدفن في مشهد الكاظم علیه السلام(6) .
ص: 254
ولا سغب مظلوم : أي شدّة جوعه .
قال تعالى : ( فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ )(1) .
روى الثقفي مسنداً عنه علیه السلام قال في خطبة له : ثمّ كان من أمر القوم بعد بيعتهم لي ما كان ، ثمّ لم أجد إلّا قتالهم أو الكفر باللَّه(2) .
وعن عبدالواحد الدمشقي قال : نادى حوشب الحميري عليّاً علیه السلام يوم صفّين فقال : انصرف عنّا يابن أبي طالب ، فانا ننشدك اللَّه في دمائنا ودمك ، ونخلي بينك وبين عراقك ، وتخلي بيننا وبين شامنا ، وتحقن دماء المسلمين ، فقال علي علیه السلام : هيهات يا أحمد بن أم ظليم ، واللَّه لو علمت ان المداهنة تسعني في دين اللَّه لفعلت ، ولكان أهون عليّ في المؤونة ولكن اللَّه لم يرض من أهل القرآن بالسكوت والإدهان إذا كان اللَّه يعصى وهم يطيقون الدفاع والجهاد حتّى يظهر أمر اللَّه(3) .
في خلفاء ابن قتيبة قال علي علیه السلام بعد السقيفة : فواللَّه يا معشر المهاجرين ، لنحن
ص: 255
أحقّ الناس به لأنّا أهل البيت ، ونحن أحقّ بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب اللَّه ، الفقيه في دين اللَّه ، العالم بسنن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله المضطلع بأمر الرعيّة ، المدافع عنهم الأمور السيّئة ، القاسم بينهم بالسويّة ، واللَّه انه لفينا ، فلا تتّبعوا الهوى فتضلّوا عن سبيل اللَّه ، فتزدادوا من الحق بعداً ، فقال بشير بن سعد الأنصاري - وهو أوّل ما بايع أبا بكر حسداً لابن عمّه سعد بن عبادة - : لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها لأبي بكر ، ما اختلف عليك اثنان ، فقال علیه السلام : أفكنت أدع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لم أدفنه وأخرج انازع الناس سلطانه ؟(1)
واخراجه علیه السلام لسيّدة النساء 3 إنّما كان لاتمام الحجّة ففي الخلفاء أيضاً وخرج علي علیه السلام يحمل فاطمة بنت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله على دابّة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة ، فكانوا يقولون : يا بنت رسول اللَّه قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، ولو أنّ زوجك وابن عمّك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به ، فقالت فاطمة : ما صنع أبوالحسن إلّا ما كان ينبغي له ، ولقد صنعوا ما اللَّه حسيبهم وطالبهم(2) .
وبالجملة لولا قيام الحجّة بحضور جمع معدود لنصرته علیه السلام لسقى آخرهم بكأس أوّلهم .
وفي أمالي محمّد بن محمّد بن النعمان انّ معاوية قال لابن عبّاس : إنكم تريدون أن تحرزوا الإمامة كما اختصصتم بالنبوّة ، واللَّه لا يجتمعان أبدا ، إنّ حجّتكم في الخلافة مشتبهة على الناس ، إنكم تقولون : نحن أهل بيت النبي ، فما
ص: 256
بال خلافة النبوّة في غيرنا ؟ وهذه شبهة ، لأنّها تشبه الحق وبها مسحة من العدل وليس الأمر كما تظنون ، إن الخلافة تتقلب في أحياء قريش برضى العامّة وشورى الخاصّة ، ولسنا نجد الناس يقولون : ليت بني هاشم ولّونا ، ولو ولّونا كان خيرا لنا في دنيانا وأخرانا ولو كنتم زهدتم فيها أمس كما تقولون ما قاتلتم عليها اليوم و واللَّه لو ملكتموها يا بني هاشم لما كانت ريح عاد ولا صاعقة ثمود بأهلك للناس منكم .
فقال ابن عباس : أمّا قولك يا معاوية : إنّا نحتجّ بالنبوّة في استحقاق الخلافة فهو واللَّه كذلك ، فإن لم يستحق الخلافة بالنبوّة فَبِمَ يستحق ؟ وأمّا قولك إن الخلافة والنبوّة لا يجتمعان لأحد فأين قول اللَّه عز وجل : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً )(1) فالكتاب هو النبوة ، والحكمة هي السنة ، والملك هو الخلافة ، فنحن آل إبراهيم ، والحكم بذلك جار فينا إلى يوم القيامة .
وأمّا دعواك على حجّتنا أنّها مشتبهة فليس كذلك ، وحجّتنا أضوء من الشمس ، وأنور من القمر ، كتاب اللَّه معنا ، وسنّة نبيّه صلی الله علیه وآله فينا ، وإنّك لتعلم ذلك ، ولكن ثنى عطفك وصعرك(2) قتلنا أخاك وجدّك وخالك وعمّك ، فلا تبك على أعظم حائلة وأرواح في النار هالكة .
ولا تغضبوا لدماء أراقها الشرك وأحلها الكفر ووضعها الدين وأما ترك تقديم
ص: 257
الناس لنا فيما خلا وعدولهم عن الإجماع علينا فما حرموا منا أعظم مما حرمنا منهم وكل أمر إذا حصل حاصله ثبت حقه وزال باطله وأما افتخارك بالملك الزائل الذي توصلت إليه بالمحال الباطل فقد ملك فرعون من قبلك فأهلكه اللَّه وما تملكون يوما يا بني أمية إلا ونملك بعدكم يومين ولا شهرا إلا ملكنا شهرين ولا حولا إلا ملكنا حولين .
وأما قولك : إنا لو ملكنا كان ملكنا أهلك للناس من ريح عاد وصاعقة ثمود ، فقول اللَّه يكذبك في ذلك قال اللَّه عز وجل : ( وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ )(1) فنحن أهل بيته الأدنون ورحمة اللَّه خلقه كرحمته بنبيه خلقه ، الخبر(2) .
وعن المدائني قال : لمّا دخل علي بن أبي طالب الكوفة دخل عليه رجل من حكماء العرب فقال : « واللَّه يا أميرالمؤمنين لقد زنت الخلافة وما زانتك ، ورفعتها وما رفعتك ، وهي كانت أحوج إليك منك إليها »(3) .
وفيه أيضاً عنه علیه السلام قال : قال [ لي ] رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : أنت بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتي ، فان أتاك هؤلاء القوم فسلموها إليك يعني الخلافة فاقبل منهم ، وإن لم يأتوك فلا تأتهم حتّى يأتوك(4) .
وفي خطبته علیه السلام الطالوتيّة التي رواها الكليني في روضة مسنداً عن أبي الهيثم بن التيّهان قال علیه السلام : أيّها الأُمّة التي خدعت فانخدعت ، وعرفت خديعة من خدعها
ص: 258
فاصرّت على ما عرفت ، واتبعت أهواءها ، وضربت في عشواء غوايتها ، وقد استبان لها الحق فصدّت عنه ، والطريق الواضح فتنكّبته ، أمّا والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لو اقتبستم العلم من معدنه ، وشربتم الماء بعذوبته ، وادّخرتم الخير من موضعه ، وأخذتم الطريق من واضحه ، وسلكتم من الحقّ نهجه ، لنجهت ج لتنهّجت ن خ ج بكم السبل ، وبدت لكم الأعلام وأضاء لكم الاسلام ، فأكلتم رغدا(1) ، وما عال فيكم عائل ، ولا ظلم منكم مسلم ولا معاهد ، ولكن سلكتم سبيل الظلام ، فأظلمت عليكم دنياكم برحبها(2) وسُدّت عليكم أبواب العلم ، فقلتم بأهوائكم ، واختلفتم في دينكم ، فأفنيتم في دين اللَّه بغير علم ، واتّبعتم الغواة فأغوتكم ، وتركتم الأئمّة فتركوكم - إلى أن قال - رويداً عمّا قليل تحصدون جميع ما زرعتم ، وتجدون وخيم ما اجترمتم وما أجتلبتم(3) ، والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لقد علمتم اني صاحبكم ، والذي به أمرتم ، واني عالمكم ، والّذي بعلمه نجاتكم ، ووصيّ نبيّكم ، وخيرة ربّكم ، ولسان نوركم ، والعالم بما يصلحكم ، فعن قليل رويداً ينزل بكم ما وعدتم ، وما نزل بالأُمم قبلكم ، وسيسألكم اللَّه عزّوجلّ عن أئمّتكم ، معهم تحشرون ، وإلى اللَّه عزّوجلّ غداً تصيرون ، أما واللَّه لو كان لي عدّة أصحاب طالوت أو عدّة أهل بدر وهم أعداؤكم لضربتكم بالسيف حتّى تؤولوا إلى الحقّ ، وتنيبوا للصدق ، فكان أرتق للفتق ، وآخذ بالرفق ، اللهمّ فاحكم بيننا بالحق وأنت خير الحاكمين .
ص: 259
قال : ثمّ خرج من المسجد فمرّ بصيرة(1) فيها نحو من ثلاثين شاة ، فقال : واللَّه لو أنّ لي رجالاً ينصحون للَّه عزّوجلّ ولرسوله بعدد هذه الشياه لأزلت ابن آكلة الذبان(2) عن ملكه(3) .
رأى عارف من يسير في موكب جليل ، فسأل من هو ؟ فقالوا : هو يضحك الملك بحبقاته ، فقال : ما اشترى أحد الدنيا بثمنها إلّا هذا(4) .
وعن إ سحاق بن موسى(5) عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد ، عن آبائه : قال : خطب أميرالمؤمنين علیه السلام خطبة بالكوفة فلمّا كان في آخر كلامه قال : ألا وإنّي لأولى الناس بالناس ، وما زلت مظلوما منذ قُبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله .
فقام إليه أشعث بن قيس فقال : يا أميرالمؤمنين لم تخطبنا خطبة منذ قدمت العراق إلّا وقلت : « واللَّه إني لأولى الناس بالناس ، فما زلت مظلوما منذ قُبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله » ولما ولي تيم(6) وعدي(7) ألا ضربت بسيفك دون ظلامتك ؟
ص: 260
فقال أميرالمؤمنين علیه السلام يا ابن الخمارة ، قد قلت قولاً فاسمع مني ، واللَّه ما منعني الجبن ولا كراهيّة الموت ، ولا منعني من ذلك إلّا عهد أخي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، خبّرني وقال لي : « يا أبا الحسن إن الأُمة ستغدر بك ، وتنقض عهدي ، وإنك منّي بمنزلة هارون من موسى » فقلت : يا رسول اللَّه ، فما تعهد إليّ إذا كان ذلك كذلك ؟ فقال : « إن وجدت أعوانا فبادر إليهم وجاهدهم ، وإن لم تجد أعواناً فكفّ يدك واحقن دمك حتّى تلحق بي مظلوماً » .
فلمّا توفّي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله اشتغلت بدفنه والفراغ من شأنه ، ثم آليت(1) يميناً أني لا أرتدي إلّا للصلاة حتّى أجمع القرآن ففعلت ، ثم أخذته وجئت به فأعرضته عليهم فقالوا : لا حاجة لنا به ، ثم أخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين ، ثم درت على أهل بدر ، وأهل السابقة ، فأنشدتهم حقّي ، ودعوتهم إلى نصرتي ، فما أجابني منهم إلّا أربعة رهط : سلمان وعمار والمقداد وأبو ذر ، وذهب من كنت أعتضد بهم على دين اللَّه من أهل بيتي ، وبقيت بين خفيرتين قريبي العهد بجاهلية : عقيل والعباس .
فقال له الأشعث : يا أميرالمؤمنين ، كذلك كان عثمان لمّا لم يجد أعوانا ، كفّ يده حتى قتل .
فقال له أميرالمؤمنين علیه السلام : يا ابن الخمّارة ، ليس كما قست ، إنّ عثمان لمّا جلس في غير مجلسه وارتدى بغير ردائه ، صارع الحقّ فصرعه الحقّ ، والذي بعث محمداً صلی الله علیه وآله بالحقّ لو وجدت يوم بويع أخو تيم أربعين رهطا لجاهدتهم في اللَّه إلى أن أبلي عذري .
ص: 261
ثم قال : أيها الناس ، إن الأشعث لا يزن عند اللَّه جناح بعوضة ، وإنه أقلّ في دين اللَّه من عفطة عنز(1) .
أي أهل القرى ، والمراد قرى الكوفة لكونه علیه السلام بها .
أي قوله علیه السلام : « ولا لفيتم دنياكم هذه أزهد من عطفة عنز » .
قال أبو الحسن الكيدري ؛ : وجدت في الكتب القديمة ان الكتاب الذي دفعه الرجل إلى أميرالمؤمنين علیه السلام كان فيه عدّة مسائل : أحدها : ما الحيوان الذي خرج من بطن حيوان آخر وليس بينهما نسب ؟
فأجاب علیه السلام : « بأنّه يونس بن متى علیه السلام خرج من بطن الحوت » .
الثانية : ما الشي ء الذي قليله مباح وكثيره حرام ؟
فقال علیه السلام : هو نهر طالوت لقوله تعالى : ( إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ )(2) .
الثالثة : ما العبادة الذي لو فعلها واحد استحقّ العقوبة ، وإن لم يفعلها استحقّ أيضاً العقوبة ؟
ص: 262
فأجاب علیه السلام : بأنّها صلاة السكارى .
الرابعة : ما الطائر الذي لا فرخ له ولا فرع ولا أصل ؟
فقال علیه السلام : هو طائر عيسى علیه السلام في قوله : ( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي )(1) .
الخامسة : رجل عليه من الدين ألف درهم ؟ وله في كسيه ألف درهم ، فضمنه ضامن بألف درهم ، فحال عليه الحول ، فالزكاة على أيّ المالين تجب ؟
فقال علیه السلام : إن ضمن الضامن بإجازة من عليه الدين فلا يكون عليه ، وإن ضمنه من غير اذنه فالزكاة مفروضة في ماله .
السادسة : حجّ جماعة ونزلوا في دار من دور مكّة ، وأغلق واحد منهم باب الدار وفيها حمام ، فمتن من العطش قبل عودهم إلى الدار ، فالجزاء على أيّهم يجب ؟
فقال علیه السلام : على الذي أغلق الباب ولم يخرجهنّ ولم يضع لهنّ ماء .
السابعة : شهد شهداء أربعة على محضر بالزنا ، فأمرهم الامام برجمه ، فرجمه واحد منهم دون الثلاثة الباقين ، ووافقهم قوم أجانب في الرجم ، فرجع من رجمه عن شهادته والمرجوم لم يمت ، ثمّ مات ، فرجع الآخرون عن شهادتهم عليه بعد موته ، فعلى من يجب ديته ؟
فقال : يجب على من رجمه من الشهود ومن وافقه .
الثامنة : شهد شاهدان من اليهود على يهوديّ انّه أسلم ، فهل يقبل شهادتهما أم لا ؟
ص: 263
فقال علیه السلام : لا تقبل شهادتهما ، لأنّهما يجوّزان تغيير كلام اللَّه ، وشهادة الزور .
التاسعة : شهد شاهدان من النصارى على نصرانيّ أو مجوسيّ أو يهوديّ انّه أسلم .
فقال علیه السلام : تقبل شهادتهما لقول اللَّه سبحانه : ( وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى )(1) ومن لا يستكبر عن عبادة اللَّه لا يشهد شهادة الزور .
العاشرة : قطع انسان يد آخر ، فحضر أربعة شهود عند الامام وشهدوا على قطع يده ، وانّه زنا وهو محصن ، فأراد الامام أن يرجمه ، فمات قبل الرجم .
فقال علیه السلام : على من قطع يده دية يد حسب ، ولو شهدوا انّه سرق نصاباً لم يجب دية يده على قاطعها ، واللَّه أعلم(2) .
ونظير كلامه علیه السلام هذا كلام سيّدة النساء 3 في فدك ففي بلاغات النساء أحمد بن أبي طاهر ابن طيفور البغدادي : لمّا بلغ فاطمة 3 إجماع أبي بكر على منعها فدك لاثت خمارها - إلى أن قال - لمّا فرغت من كلام أبي بكر والمهاجرين عدلت إلى مجلس الأنصار فقالت : معشر البقية ، وأعضاد الملة ، وحصون الإسلام ، ما هذه الغميرة في حقّي ، والسنّة عن ظلامتي ، أما قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « المرء يحفظ في ولده » سرعان ما أجدبتم فأكديتم ، وعجلان ذا إهانة ، تقولون : مات رسول
ص: 264
اللَّه صلی الله علیه وآله فخطب جليل ، استوسع وهيه ، واستنهر فتقه ، وبعد وقته ، وأظلمت الأرض لغيبته ، واكتأبت خيرة اللَّه لمصيبته ، وخشعت الجبال ، وأكدت الآمال ، وأضيع الحريم ، وأذيلت الحرمة عند مماته صلی الله علیه وآله وتلك نازل علينا بها كتاب اللَّه في أفنيتكم في ممساكم ومصبحكم يهتف بها في أسماعكم وقبله حلت بأنبياء اللَّه عزّوجلّ ورسله ( وما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ )(1) إيها بني قيلة : أأهضم تراث أبيه وأنتم بمرأى ومسمع ، تلبسكم الدعوة ، وتمثلكم الحيرة ، وفيكم العدد والعدّة ، ولكم الدار ، وعندكم الجنن - إلى أن قال - فأنّى حرتم بعد البيان ، ونكصتم بعد الإقدام ، وأسررتم بعد الإعلان ، لقوم نكثوا أيمانهم ، أتخشونهم ؟ فاللَّه أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين ، ألا قد أرى أن أخلدتم إلى الخفض ، وركنتم إلى الدعة ، فعجتم عن الدين ، وبحجتم الذي وعيتم ، ودسعتم الذي سوّغتم ، فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن اللَّه لغني حميد ، ألا وقد قلت الذي قلته على معرفة منّي بالخذلان الذي خامر صدوركم ، واستشعرته قلوبكم ، ولكن قلته فيضة النفس ، ونفثة الغيظ ، وبثة الصدر ، ومعذرة الحجة فدونكموها ، فاحتقبوها مدبرة الظهر ، ناكبة الحق ، باقية العار ، موسومة بشنار الأبد ، موصولة بنار اللَّه الموقدة التي تطلع على الأفئدة ، فبعين اللَّه ما تفعلون ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ )(2) (3) .
ص: 265
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَوَاللَّهِ مَا أَسَفْتُ عَلَى كَلامٍ قَطُّ كَأَسَفِي عَلَى هَذَا الْكَلامِ أَلّا يَكُونَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ علیه السلام بَلَغَ مِنْهُ حَيْثُ أَرَادَ .
قال ابن أبي الحديد : حدّثني شيخي أبو الخير مصدق بن شبيب الواسطي في سنة ثلاث وستمائة ، قال : قرأت على الشيخ أبي محمّد عبداللَّه بن أحمد المعروف بابن الخشاب هذه الخطبة ، فلمّا انتهيت إلى هذا الموضع قال لي : لو سمعت ابن عبّاس يقول هذا لقلت له : وهل بقي في نفس ابن عمك أمر لم يبلغه في هذه الخطبة لتتأسف ألا يكون بلغ من كلامه ما أراد ! واللَّه ما رجع عن الأوّلين ولا عن الآخرين ، ولا بقي في نفسه أحد لم يذكره إلّا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله .
قال مصدق : وكان ابن الخشاب صاحب دعابة وهزل .
قال : فقلت له : أتقول إنّها منحولة ؟ فقال : لا واللَّه ، وإني لأعلم أنها كلامه ، كما أعلم أنك مصدق . قال : فقلت له : إن كثيرا من الناس يقولون إنّها من كلام الرضي رحمه اللَّه تعالى .
فقال : أنّى للرضي ولغير الرضي هذا النفس ، وهذا الأسلوب ، قد وقفنا على رسائل الرضي ، وعرفنا طريقته وفنه في الكلام المنثور ، وما يقع مع هذا الكلام في خل ولا خمر ، ثم قال : واللَّه لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صنّفت قبل أن يخلق الرضي بمائتي سنة ، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها ، وأعرف خطوط من هو من العلماء وأهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضي.
وقال ابن أبي الحديد أيضاً : وقد وجدت أنا كثيراً من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي إمام البغداديين من المعتزلة ، وكان في دولة المقتدر قبل
ص: 266
أن يخلق الرضي بمدّة طويلة ، ووجدت أيضا كثيرا منها في كتاب أبي جعفر بن قبة أحد متكلّمي الإماميّة ، وهو الكتاب المشهور المعروف بكتاب « الإنصاف » ، وكان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي ، ومات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضي موجودا(1) .
وقال ابن ميثم : انّي وجدت الخطبة بنسخة ، عليها خطّ الوزير أبي الحسن علي بن محمّد بن الفرات وكان وزير المقتدر باللَّه ، وذلك قبل مولد الرضي بنيف وستّين سنة ، والذي يغلب على ظنّي انّ تلك النسخة كانت كتبت قبل وجود ابن الفرات بمدّة(2) .
وممّن ذكر الخطبة قبل مولد الرضي أبو عمر محمّد بن عبدالواحد غلام ثعلب ، وانّ المرتضى نقل عنه ان مراده علیه السلام بقوله : « حتّى لقد وطئ الحسنان » الابهامان(3) .
وكان مولد الرضي سنة (35صلی الله علیه وآله) وكانت وفاة أبي عمر ذاك سنة (345)(4) .
أقول : انّ قول ابن الخشاب « لو سمعت ابن عبّاس يقول ما قال لقلت له وهل بقي في نفس ابن عمّك شي ء » في غير محلّه وانّه بقي في نفسه علیه السلام أشياء وأشياء اتقى اظهارها علانية فنظير هذه الخطبة في شكايته علیه السلام من الثلاثة ، ومن أهل الشورى ، ومن الناكثة والقاسطة والمارقة ما رواه ابن قتيبة فقال : « قام حجر بن عدي وعمرو بن الحمق وعبداللَّه بن وهب الراسبي ، فدخلوا على علي علیه السلام فسألوه
ص: 267
عن أبي بكر وعمر ما تقول فيهما ؟ وقالوا : بيّن لنا قولك فيهما وفي عثمان .
قال علي علیه السلام : وقد تفرغتم لهذا ؟ وهذه مصر قد افتتحت ، وشيعتي فيها قد قتلت، إنّي مخرج إليكم كتاباً انبّئكم فيه ما سألتموني عنه ، فاقرؤوه على شيعتي .
فأخرج إليهم كتاباً فيه : أمّا بعد فإن اللَّه بعث محمّداً صلی الله علیه وآله - إلى أن قال - فلما مضى لسبيله تنازع المسلمون الأمر بعده ، فواللَّه ما كان يلقى في روعي(1) ولا يخطر على بالي أنّ العرب تعدل هذا الأمر بعد محمّد عنّي فما راعني إلا إقبال الناس على أبي بكر ، وإجفالهم(2) إليه ، فأمسكت يدي ، ورأيت أنّي أحقّ بمقام محمد صلی الله علیه وآله في الناس ممّن تولّى الأمور عليّ ، فلبثت بذلك ما شاء اللَّه ، حتّى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام ، يدعون إلى محو دين محمد صلی الله علیه وآله وملّة إبراهيم علیه السلام ، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما وهدما ، يكون المصاب بهما عليّ أعظم من فوات ولاية أمركم ، التي إنّما هي متاع أيّام قلائل ، ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب - إلى أن قال - فلمّا احتضر عمر قلت في نفسي : ليس يصرف هذا الأمر عنّي ، فجعلها شورى ، وجعلني سادس ستّة ، فما كانوا لولاية أحد منهم باكره منهم لولايتي ، لأنّهم كانوا يسمعونني وأنا أحاج أبابكر فأقول : يا معشر قريش « أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ما كان منّا من يقرأ القرآن ، ويعرف السنّة » فخشوا ان ولّيت عليهم أن لا يكون لهم في هذا الأمر نصيب ، فبايعوا اجماع رجل واحد ، حتّى صرفوا الأمر عنّي لعثمان ، فأخرجوني منها رجاء أن يتداولوها ، حين يئسوا أن ينالوها ، ثم قالوا لي : هلم فبايع عثمان ،
ص: 268
وإلّا جاهدناك ، فبايعت مستكرهاً وصبرت محتسباً ، وقال قائلهم : انّك يا ابن أبي طالب على هذا الأمر لحريص ، قلت : أنتم أحرص ، أما إذ طلبت ميراث ابن أبي وحقّه ، وأنتم إذ دخلتم بيني وبينه ، وتضربون وجهي دونه ، اللهمّ إني أستعين بك على قريش ، فإنهم قطعوا رحمي ، وصغروا عظيم منزلتي وفضلي ، وأجمعوا على منازعتي حقّاً كنت أولى به منهم فسلبونيه ، ثم قالوا : اصبر كمداً ، وعش متأسفاً ، فنظرت فاذا ليس معي رفاق ولا مساعد إلّا أهل بيتي ، فضننت بهم على الهلاك ، فأغضيت عيني على القذى ، وتجرعت ريقي على الشجا(1) وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم طمعاً ، وآلم للقلب من حزّ الحديد ، حتّى إذا نقمتم على عثمان أتيتموه فقتلتموه ، ثم جئتموني تبايعوني ، فأبيت عليكم ، وأبيتم عليّ ، فنازعتموني ودافعتموني ، ولم أمدّ يدي ، تمنّعاً عنكم ، ثمّ ازدحمتم عليّ ، حتّى ظننت أن بعضكم قاتل بعض ، وأنكم قاتلي ، وقلتم : « لا نجد غيرك ، ولا نرضى إلّا بك ، فبايعنا ، لا نفترق ولا نختلف » فبايعتكم ودعوتم الناس إلى بيعتي ، فمن بايع طائعاً قبلت منه ، ومن أبى تركته ، فأوّل من بايعني طلحة والزبير ، ولو أبيا ما أكرهتهما كما لم أكره غيرهما ، فما لبثا إلّا يسيراً حتّى قيل لي : قد خرجا متوجهين إلى البصرة في جيش ، ما منهم رجل إلّا وقد أعطاني الطاعة - الخبر(2) .
واتّقى علیه السلام على أن يخطب بها بنفسه ، فكتبها ، ففي الطريق الكليني انّه علیه السلام لمّا سألوه عن الثلاثة قال : « وأنا كاتب لكم كتاباً فيه تصريح ما سألتم إن شاء اللَّه تعالى ، فدعا كاتبه عبيداللَّه بن أبي رافع فقال له : أدخل عليّ عشرة من ثقاتي ،
ص: 269
فقال : سمّهم لي يا أميرالمؤمنين ، فقال علیه السلام : أدخل أصبغ بن نباتة وأبا الطفيل عامر بن وائلة الكناني ، ورزين بن حبيش الأسدي ، وجويرية بن مسهر العبدي وخندف بن زهير الأسدي وحارثة بن مضرب الهمداني ، والحارث بن عبداللَّه الأعور الهمداني ، ومصباح النخعي ، وعلقمة بن قيس ، وكميل بن زياد ، وعمير بن زرارة ، فدخلوا عليه ، فقال لهم : خذوا هذا الكتاب ، وليقرأه عبيداللَّه بن أبي رافع وأنتم شهود كلّ يوم جمعة ، فان شغب شاغب عليكم فانصفوه بكتاب اللَّه بينكم وبينه(1) .
وقد رووا انّه علیه السلام اتّقى أبا طلحة يوم الشورى لمّا سمع كلامه علیه السلام فقال له : « لا ترع يا أبا حسن »(2) وهذه الخطبة تكلّم بها على الملأ للعامّة ، ولقد قال علیه السلام في الخلأ لخواصّه أموراً أخر رواها شيعته وكذلك أهل بيته : كانوا يتّقون العامّة أن يظهروا ما في أنفسهم في المتقدّمين عليهم وأتباعهم ، ففي المقاتل وغيره كتب الحسن علیه السلام إلى معاوية : وقد تعجّبنا لتوثب المتوثبين علينا في حقّنا وسلطان نبيّنا صلی الله علیه وآله - إلى أن قال - فكتب إليه معاوية : رأيتك صرحت بتهمة أبي بكر الصديق ، وعمر الفاروق ، وأبي عبيدة الأمين ، وحواري الرسول صلی الله علیه وآله ، وصلحاء المهاجرين والأنصار ، فكرهت ذلك لك ، فانك أمرؤ عندنا وعند الناس غير الظنين(3) ، ولا المسي ء واللئيم ، وأنا أحبّ لك القول السديد ، والذكر الجميل - الخ(4) .
فترى هدّده بالعامّة .
ص: 270
وكيف ينكرون شكايتهم : منهم ، ولمّا كتب معاوية كما في العقد وغيره إلى أميرالمؤمنين علیه السلام بعد ذكر الثلاثة « فكلّهم حسدت ، وعلى كلّهم بغيت ، عرفنا ذلك في نظرك الشزر ، وتنفسك الصعداء ، وإبطائك على الخلفاء ، وأنت في كلّ ذلك تقاد كما يقاد البعير المخشوش(1) حتّى تبايع وأنت كاره » - إلى أن قال - فكتب علي علیه السلام إليه : وذكرت ابطائي عن الخلفاء وحسدي إيّاهم والبغي عليهم ، فأمّا البغي ، فمعاذ اللَّه أن يكون ، وأمّا الكراهة لهم فواللَّه ما أعتذر للناس من ذلك(2) .
وممّا روى من شكايته ما رواه الثقفي عن المسعودي ، عن الحسن بن حمّاد ، عن أبيه ، عن رزين بيّاع الأنماط ، عن زيد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جدّه : قال علي بن أبي طالب علیه السلام في خطبته : واللَّه لقد بايع الناس أبابكر وأنا أولى الناس بهم منّي بقميصي هذا فكظمت غيظي ، وانتظرت أمر ربّي ، والصقت كلكلي بالأرض ، ثمّ انّ أبابكر هلك واستخلف عمر ، وقد علم واللَّه انّي أولى الناس بهم منّي بقميصي هذا ، فكظمت غيظي ، وانتظرت أمر ربّي ثمّ انّ عمر هلك وقد جعلها شورى ، فجعلني سادس ستّة كسهم الجدة ، وقال اقتلوا الأقل ، وما أراد غيري ، فكظمت غيظي ، وانتظرت أمر ربّي ، وألصقت كلكلي بالأرض ، ثمّ كان من أمر القوم بعد بيعتهم لي ما كان ، ثمّ لم أجد إلّا قتالهم أو الكفر باللَّه(3) .
وممّا روى من شكايته علیه السلام عنهم ما رواه جمل المفيد باسناده عن أبي مخنف عن العدي ، عن أبي هاشم ، عن البريد ، عن عبداللَّه بن المخارق ، عن هاشم بن
ص: 271
مساحق القرشي قال : قال أبي : انّه لما انهزم الناس يوم الجمل اجتمع معه طائفة من قريش ، فيهم مروان بن الحكم ، فقال بعضهم لبعض : واللَّه لقد ظلمنا هذا الرجل ( يعنون أميرالمؤمنين علیه السلام ) ونكثنا بيعته من غير حدث ، واللَّه لقد ظهر علينا ، فما رأينا قط أكرم سيرة منه ، ولا أحسن عفواً بعد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، تعالوا حتّى ندخل عليه ، ونعتذر إليه ممّا صنعناه ، قال : فصرنا إلى بابه ، فاستأذنّاه ، فاذن لنا ، فلمّا مثلنا بين يديه جعل متكلّمنا يتكلّم ، فقال علیه السلام : انصتوا أكفكم ، إنّما أنا بشر مثلكم ، فإن قلت حقّاً فصدّقوني ، وإن قلت باطلاً فردّوا عليّ ، أنشدكم اللَّه أتعلمون أنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لما قبض كنت أنا أولى الناس به وبالناس من بعده ؟ قلنا : اللهمّ نعم ، قال علیه السلام : فعدلتم عني وبايعتم أبا بكر ، فامسكت ولم أحبّ أن أشق عصا المسلمين ، وافرق بين جماعاتهم ، ثمّ إنّ أبابكر جعلها لعمر من بعده ، فكففت ، ولم أهج الناس وقد علمت انّي كنت أولى الناس باللَّه وبرسوله وبمقامه ، فصبرت حتّى قتل ، وجعلني سادس ستّة ، فكففت ، ولم أحب أن أفرق بين المسلمين ، ثمّ بايعتم عثمان - الخبر(1) .
ومن شكايته علیه السلام عنهم ما رواه المدائني عن عبداللَّه بن جنادة قال : قدمت من الحجاز أُريد العراق في أوّل إمارة علي علیه السلام فمررت بمكة ، فاعتمرت ، ثمّ قدّمت المدينة ، فدخلت مسجد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله إذ نودي الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس ، وخرج علي علیه السلام متقلّدا سيفه ، فشخصت الأبصار نحوه ، فحمد اللَّه وصلّى على رسوله صلی الله علیه وآله ثم قال : أمّا بعد فإنّه لمّا قُبض اللَّه نبيّه صلی الله علیه وآله قلنا نحن أهله وورثته ، وعترته وأولياؤه ، دون الناس لا ينازعنا سلطانه أحد ، ولا يطمع في حقّنا طامع إذ
ص: 272
انبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبينا صلی الله علیه وآله ، فصارت الإمرة لغيرنا ، وصرنا سوقة يطمع فينا الضعيف ، ويتعزز علينا الذليل ، فبكت الأعين منا لذلك ، وخشنت الصدور ، وجزعت النفوس ، وايم اللَّه لو لا مخافة الفرقة بين المسلمين ، وأن يعود الكفر ، ويبور الدين ، لكنّا على غير ما كنا لهم عليه - الخبر -(1) .
وعن المسيّب ن نجيه قال : بينا علي علیه السلام يخطب إذ قام أعرابي فصاح وامظلمتاه ، فاستدناه علي علیه السلام ، فلمّا دنا قال له : إنّما لك مظلمة واحدة ، وأنا قد ظلمت عدد المدر والوبر(2) .
وروى أبو نعيم باسناده عن حريث قال : انّ عليّاً علیه السلام لم يقم مرّة على المنبر إلّا قال في آخر كلامه قبل أن ينزل : « مازلت مظلوماً منذ قُبض اللَّه نبيّة صلی الله علیه وآله »(3) .
وقد روى من طرق كثيرة انّه علیه السلام كان يقول : أنا أوّل من يجثو للخصومة بين يدي اللَّه يوم القيامة(4) .
هذا ، وكما أسف ابن عبّاس شديداً على عدم بلوغ أميرالمؤمنين علیه السلام أقصى مراده في تلك الخطبة كذلك كان يأسف دائماً شديداً على منع النبي صلی الله علیه وآله عن الوصيّة .
قال أبو جعفر الطبري : وروى سعيد بن جبير قال : كان ابن عبّاس يقول : « يوم الخميس وما يوم الخميس ؟ ثمّ يبكي حتّى تبل دموعه الحصباء ، فقلنا له : وما يوم
ص: 273
الخميس ؟ قال : يوم اشتدّ برسول اللَّه صلی الله علیه وآله وجعه ، فقال : « ائتوني باللوح والدواة - أو قال بالكتف والدواة - اكتب لكم ما لا تضلّون بعدي ، فتنازعوا ، فقال صلی الله علیه وآله : اخرجوا ولا ينبغي عند نبيّ أن يتنازع ، قالوا : ما شأنه أهجر استفهموه ، فذهبوا يعيدون عليه ، فقال صلی الله علیه وآله : دعوني ، فما أنا فيه خير ممّا تدعونني إليه(1) .
وما رواه البخاري باسناده عن عبداللَّه بن عبّاس قال : لمّا اشتدّ بالنبيّ مرضه الذي مات فيه قال : ائتوني بدواة وقرطاس اكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعدي ، فقال عمر : « انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قد غلبه الوجع ، حسبنا كتاب اللَّه » وكثر اللغط ، فقال النبي صلی الله علیه وآله : « قوموا عنّي لا ينبغي عندي التنازع » ، قال ابن عبّاس : الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بيننا وبين كتاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله(2) .
الحمدالله رب العالمین
وصلی الله علی سیدنا محمد و علی آله الطاهرین
ص: 274
1 - إثباة الهداة بالنصوص والمعجزات : محمّد بن حسن ، الشيخ حرّ العاملى ، ( المتوفى 1104 ق ) ، 5 مجلد ، الأعلمي ، بيروت ، الأولى 1425 .
2- اثبات الوصية : المسعودى ، ( المتوفى 344ق ) .
3 - الاحتجاج على اهل اللجاج : ابو منصور احمد بن على بن ابى طالب طبرسى ، 2 مجلد ، مترجم : بهراد جعفرى ، دار الكتب الاسلامية ، طهران 138علیه السلام ش .
4- الاحتجاج على أهل اللجاج : احمد بن على ، طبرسى ، ( المتوفى 588ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : محمد باقر خرسان ، نشر مرتضى ، مشهد ، الأولى 1403ق .
5 - اخبار الدولة العبّاسيّة : مؤلّف : مجهول ، القرن الثالث ، تحقيق : عبدالعزيز الدوري وعبدالجبّار المطلبي ، بيروت ، دار الطليعة ، 1391 ق .
6 - الاختصاص : محمد بن محمد المفيد ، ( المتوفى 413ق ) ، مصحح : على اكبر غفارى ومحمود حرمى زرندى ، المؤتمر العالمى للالفية الشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .
7 - اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشى ) : الشيخ الطوسي ، ( المتوفّى 460ق ) ، تصحيح ميرداماد الاسترآبادي ، 2 مجلد ، مؤسّسة آل البيت : لاحياء التراث ،
ص: 275
بعثت ، قم ، 1404ق .
8 - أدب الكتاب : أبوبكر محمّد بن يحيى الصولي ، ( المتوفّى 335 ه ) ، مصحّح : محمّد بهجة الأثرى ، 1 مجلّد ، المكتبة العربيّة ، بغداد ، 1341 .
9 - الارشاد في معرفة حجج اللَّه على العباد : محمّد بن محمّد المفيد ، ( المتوفّى 413ق ) ، المصحّح : مؤسّسة آل البيت : ، المؤتمر للشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .
10 - اسباب نزول الآيات : الواحدي النيسابوري ، ( المتوفّى 468ق ) ، مؤسّسة الحلبي للنشر والتوزيع ، القاهرة ، 1388ق 1968م .
11 - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار : محمّد بن الحسن الطوسي ، ( المتوفّى 460ق ) ، مصحّح : حسن الموسوى الخرسان، 4 مجلد ، دار الكتب الاساميّة ، طهران ، الأولى 13صلی الله علیه وآله0ق .
12 - الاستيعاب : ابن عبدالبر ، القرن الخامس ، تحقيق : علي محمّد البجاوى ، بيروت ، دار الجيل ، الأولى 1412ق ، 1992م .
13 - اسد الغابة : ابن الأثير ، ( المتوفّى 630ق ) ، دار الكتاب العربي بيروت ، لبنان ، توضيحات : نشر إسماعيليان ، طهران .
14 - الاصابة : أحمد بن علي بن حجر العسقلانى ، ( المتوفى 852ق ) : تحقيق : عادل أحمد ، 4 مجلد ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، الأولى 1415ق 1995م .
15 - اعلام الدين فى صفات المؤمنين : حسن بن محمد ديلمى ، ( المتوفى 841ق ) ، 1 مجلد ، الناشر والمصحح : مؤسسة آل البيت : ، قم ، الأولى 1408ق .
16 - الأغاني : ابن الفرج الاصفهاني ، ( المتوفّى 356 ) ، 25 جلد ، دار إحياء التراث
ص: 276
العربي .
17 - الأمالي ( للصدوق ) : محمد بن على بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، الأعلمى بيروت ، الخامسة 1400ق - 1362ش .
18 - الأمالي ( للطوسي ) : محمد بن الحسن طوسى ، ( المتوفى 460ق ) ، 1 مجلد ، دار الثقافه ، قم ، الأولى 1414ق .
19 - الأمالي ( للمفيد ) : محمد بن محمد ، مفيد ، ( المتوفى 413ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : حسين استاد ولى وعلى اكبر غفارى ، مؤتمر الشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .
20 - الامامة والسياسة : ابن قتيبة الدينوري ، ( المتوفّى 276ق ) ، تحقيق : الزيني ، مؤسّسة الحلبى وشركاه للنشر والتوزيع .
21 - الأم : الشافعي ، ( المتوفّى 204ق ) ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، الثانية ، 1403ق 1983م .
22 - امتاع الاسماع : تقي الدين أحمد بن علي المقريزي ، ( المتوفّى 845 ) ، تحقيق : محمّد عبدالحميد النيمسى ، بيروت ، دار الكتب العلميّة ، الأولى 1420ق 1999م .
23 - أنساب الأشراف : أحمد بن يحيى بن جابر البلاذرى ، ( المتوفى 279ق ) ، تحقيق : سهيل زكار ، رياض ، زركلى ، 13 مجلد ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، الأولى .
24 - الايضاح : الفضل بن شاذان الأزدى ، ( المتوفى 260ق ) ، تحقيق : السيد جلال الدين الحسينى الارموى المحدث ، مؤسسة النشر والطبع جامعة طهران ، 1363ش .
25 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار : محمّد باقر بن محمّد تقى مجلسى ، ( المتوفى 1110ق ) ، 111 مجلد ، دار احياء التراث العربي ، الثانية
ص: 277
1403ق .
26 - البداية والنهاية : ابن كثير ، ( المتوفى 774م ) ، بيروت ، دار الفكر ، 1407 ق 1986م .
27 - البرهان فى تفسير القرآن : سيد هاشم بن سليمان بحراني ، ( المتوفى 1107ق ) ، 5 مجلد ، مصحح : قسم الدراسات الاسلامية لمؤسسة البعثة ، مؤسسة البعثة ، قم ، الأولى 13علیه السلام4 ش .
28 - بصائر الدرجات في فضائل آل محمد : : محمد بن حسن صفار ، ( المتوفى 290ق ) ، مصحح : محسن بن عباسعلي كوچه باغي ، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي ، قم ، الثانية 1404ق .
29 - بلاغات النساء : ابن طيفور ، ( المتوفى 380ق ) ، مكتبة بصيرتي ، قمّ المقدّسة .
30 - بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة : محمّد تقي الشيخ الشوشتري ، ( المتوفى 1415ق - 13علیه السلام4ش ) ، مؤسّسة نشر أمير كبير ، الأولى 1376 شمسي .
31 - تاج العروس من جواهر القاموس : محمّد مرتضى حسينى زبيدى ، ( المتوى 1205ق ) ، تحقيق : على هلالى وسيرى على ، 20 مجلد ، دار الفكر ، بيروت ، الأولى 1414ق .
32 - تاريخ بغداد : الخطيب البغدادي ، ( المتوفى 463ق ) ، تحقيق : مصطفى عبدالقادر عطا ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الأولى 141علیه السلامق - 1997 م .
33 - تاريخ الخلفاء : جلال الدين السيوطي ، ( المتوفى صلی الله علیه وآله11ق ) ، مطابع معتوق اخوان ، بيروت .
34 - تاريخ خليفة : خليفة بن خيّاط العصفرى ( شباب ) ، ( المتوفى 240 ) ، تحقيق :
ص: 278
فواز ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، الأولى 1415ق 1995م .
35- تاريخ الطبرى : محمد بن جرير الطبري ، 6 مجلد ، ( المتوفى 310ق ) ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت .
36 - تاريخ الطبرى : ابو جعفر محمد بن جرير الطبرى ، ( المتوفى 310ق ) ، تحقيق : محمّد ابوالفضل إبراهيم ، 11 مجلد ، بيروت ، دار التراث ، الثانية 1387ق 1967م .
37 - تاريخ المدينة : ابن شبة النميري ، ( المتوفى 262 ق ) ، تحقيق : فهيم محمّد شلتوت ، 4 مجلّد ، دار الفكر ، قم ، الثانية 1410ق 1368ش .
38 - تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة : علي الاسترآبادي ، ( المتوفى 940ق ) ، مصحح : حسين استاد ولي ، مؤسسة النشر الاسلامى ، قم ، الأولى 140صلی الله علیه وآلهق .
39 - تاريخ يعقوبى : أحمد بن أبى يعقوب المعروف باليعقوبى ، ( المتوفى بعد 292 ) ، بيروت ، دار صادر ، بى تا .
40 - تذكرة الخواص : سبط ابن جوزى ، ( المتوفى 654ق ) ، 1 مجلد ، منشورات الشريف الرضى ، قم ، 1418ق 1376ش .
41 - تفسير الثعلبى ( الكشف والبيان عن تفسير القرآن ) : الثعلبي ، ( المتوفى 427ق ) ، تحقيق : أبى محمد بن عاشور ، 5 مجلد ، دار احياء التراث العربى ، بيروت ، الأولى 1422ق 2002م .
42 - تفسير العياشي : محمّد بن مسعود العياشي ، ( المتوفى 320ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : السيّد هاشم رسولى المحلّاتى ، المطبعة العلمية ، طهران ، الأولى 1380 ق .
43 - تفسير القمي : علي بن ابراهيم القمي ، ( المتوفى القرن 3 الهجري ) ، مصحح : السيّد
ص: 279
طيّب موسوى الجزائري ، 2 مجلد ، دار الكتاب ، قم ، الثالثة 1404ق .
44 - تقريب المعارف : تقى بن نجم ، ابو الصلاح الحلبى ، ( المتوفى 447ق ) ، مصحح : تبريزيان ( الحسون ) ، 1 مجلد ، الهادى ، قم ، الاولى 1404ق .
45 - تهذيب الأحكام : محمد بن الحسن ، طوسى ، ( المتوفى 460ق ) ، 10 مجلد ، مصحح : حسن الموسوى خرسان ، دار الكتب الاسلامية ، تهران ، الرابعة 1407ق .
46 - الجامع لأحكام القرآن ( تفسير القرطبى ) : القرطبى ، ( المتوفى 671ق ) ، تحقيق : مصطفى السقا ، 20 مجلّد ، دار احياء التراث العربى ، بيروت ، 1405ق 1985م .
47 - الجمل والنصرة لسيّد العترة في حرب البصرة : محمّد بن محمّد المفيد ، ( المتوفى 413ق ) ، تحقيق : على مير شريفى ، المؤتمر للشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .
48 - جمهرة اللغة : أبوكر محمّد بن الحسن بن دريد الأزدي ، ( المتوفى 321ق ) ، 3 مجلد ، دار العلم للملايين ، بيروت ، الأولى 1صلی الله علیه وآله8علیه السلامم .
49 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء : أبو نعيم أحمد بن عبداللَّه الاصبهاني ، ( المتوفى 430ق ) ، السعادة ، بجوار محافظة مصر ، 1394ق 1974م .
50 - الحيوان : عمرو بن بحر الشهير بالجاحظ ، ( المتوفى 255ق ) ، علیه السلام مجلّد، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، الثانية 1424ق .
51 - خزانة الأدب : البغدادي ، ( المتوفى 1093ق ) ، 11 مجلد ، تحقيق : محمّد نبيل طريفى ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، الأولى 1998م .
52 - الخلاصة للحلّي ( رجال العلّامة الحلّى ) : حسن بن يوسف العلّامة الحلّى ، ( المتوفى 726ق ) ، 1 مجلد ، دار الذخائر ، نجف الأشرف ، الثانية 1411ق .
53 - خصائص الأئمّة : ( خصائص أميرالمؤمنين علیه السلام ) : محمد بن حسين ، الشريف
ص: 280
الرضي ، ( المتوفى 406ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : محمد هادي الأميني ، منشورات العتبة الرضويّة ، مشهد ، الأولى 1406ق .
54- خصائص أميرالمؤمنين علیه السلام : النسائى ( المتوفى 303ق ) ، تحقيق : محمد هادى الأمينى ، مكتبة نينوى الحديثة ، طهران .
55 - الخصال : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : على اكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الأولى 1362ش .
56 - ربيع الأبرار ونصوص الأخبار : الزمخشرى ( المتوفى 538ق ) ، تحقيق : عبدالأمير مهنا ، 5 مجلد ، مؤسّسة الأعلمي ، بيروت ، الأولى 1412 ق 1992 م .
57- الرجال لابن داود : حسن بن على بن داود حلّى ( حي 707ق ) ، مصحّح : محمّد صادق بحرالعلوم ، 1 مجلد ، الجامعة طهران ، الأولى 1342ق .
58 - رجال الطوسى : محمد بن حسن الطوسى ، ( المتوفى 460ق ) مصحّح : جواد قيومى اصفهانى ، 1 مجلد : مؤسسة النشر الاسلامى التابعة لجامعة المدرسين بقمّ المقدّسة ، قم ، الثانية 1373ش .
59 - رجال الكشي - اختيار معرفة الرجال : محمّد بن عمر الكشي ، ( المتوفى النصف الأوّل من القرن 4ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : محمّد حسن الطوسي ، حسن المصطفوي ، مؤسسه النشر لجامعة مشهد ، الأولى 1409ق .
60 - رياض الأبرار فى مناقب الأئمّة الأبرار : سيد نعمة اللَّه بن عبداللَّه الجزائرى ، ( المتوفى 1112ق ) ، 3 مجلد ، مؤسسة التاريخ العربى ، بيروت ، الأولى 1427ق 2006م .
61 - سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد : محمّد بن يوسف الصالحى الشامى
ص: 281
( 942م) ، تحقيق : عادل احمد عبدالموجود ، 12 مجلد ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، الأولى 1414ق 1993م .
62 - سعد السعود للنفوس منضود : علي بن موسى ابن طاووس ، ( المتوفى 664ق ) ، دار الذخائر ، قم ، الأولى .
63- السقيفة وفدك : احمد بن عبدالعزيز جوهرى بصرى ، ( المتوفى 323ق ) مصحّح : محمّد هادي امينى ، 1 مجلد ، مكتبة نينوى الحديثة ، طهران ، بى تا .
65 - سنن أبي داود : سليمان بن الأشعث السجستاني ، ( المتوفى 275ق ) ، 2 مجلد ، تحقيق : سعيد محمد اللحام ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، الأولى 1410ق - 1990م .
66 - سنن الترمذى : الترمذي ، ( المتوفى 2علیه السلامصلی الله علیه وآله ) ، تحقيق : عبدالرحمان محمد ، 5 مجلد ، دار الفكر للطباعة والتوزيع ، بيروت ، الثانية 1403ق 1983م .
67 - السنن الكبرى : احمد بن الحسين البيهقى ، ( المتوفى 458ق ) ، 10 مجلد .
68- السنن الكبرى : النسائى ، ( المتوفى 303 ) ، تحقيق : عبدالغفار سليمان البندارى ، 6 مجلد ، دار الكتب العلمية بيروت ، الأولى 1411ق 1991م .
69- السيرة النبوية : ابن هشام الحميري ، ( المتوفى 218ق ) ، 1 مجلد ، تحقيق : محمد محي الدين عبدالحميد ، مكتبة محمّد علي صبيح وأولاده ، القاهرة ، 1383ق - 1ص963م .
70 - الشافى فى الامامة : الشريف المرتضى ، ( المتوفى 436ق ) ، 4 مجلد ، مؤسسة
ص: 282
اسماعيليان ، قم ، الثانية 1410ق .
71 - شرح احقاق الحق : السيّد المرعشي ، 33 مجلد ، تعليق : السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي ، تصحيح : السيّد إبراهيم الميانجي ، منشورات مكتبة آية اللَّه العظمى المرعشي النجفي ، قم .
72 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : عبدالحميد بن هبة اللَّه ، ابن أبي الحديد ، ( المتوفى 656ق ) ، مصحح : محمد ابوالفضل ، ابراهيم ، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي ، قم ، الأولى 1404ق .
73 - شرح نهج البلاغة ( ابن ميثم ) : ميثم بن علي بن ميثم البحراني ، ( قرن 7 ) ، 5 مجلد ، مكتبة نشر الكتاب ، الثانية 1362 ش .
74 - شرف النبى صلی الله علیه وآله : ابو سعيد واعظ خرگوشى ، ( المتوفى 406 ) ، تحقيق : محمد روشن ، طهران ، بابك ، 1361ش .
75 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل : عبيداللَّه بن عبداللَّه الحسكاني ، ( المتوفى 490 ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : محمد باقر المحمودي ، التابعة لوزارة الثقافة والارشاد الاسلامي ، مجمع احياء الثقافة الاسلامية ، طهران ، الأولى 1411ق .
76 - الصحاح : الجوهري ، ( المتوفى 393ق ) ، 6 مجلد ، تحقيق : احمد عبدالغفور العطار ، دار العلم للملايين ، بيروت ، الرابعة 1407ق - 1987م .
77 - صحيح البخاري : محمّد بن إسماعيل البخاري ، ( المتوفى 256ق ) ، 8 مجلد ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، 1401ق - 1981م .
78 - صحيح مسلم : مسلم النيسابوري ، ( المتوفى 261ق ) ، 1 مجلد ، دار الفكر ، بيروت .
79 - الطبقات الكبرى : ابن سعد ، ( المتوفى 230 ) ، 8 مجلد ، دار صادر ، بيروت .
ص: 283
80- الطرائف في معرفة مذهب الطوائف : علي بن موسى ، ابن طاووس ، 2 مجلد ، ( المتوفى 664ق ) ، مصحح : على عاشور ، خيام ، قم ، الأولى 1400ق .
81 - طرف من الأنباء والمناقب : على بن موسى ، ابن طاووس ، ( المتوفى 664ق ) ، مصحّح : قيس عطار ، 1 مجلد ، تاسوعا ، مشهد ، الأولى 1420ق .
82 - العدد القوية لدفع المخاوف اليومية : رضى الدين على بن يوسف بن المطهر ( اخو العلّامة الحلّي ) ، ( المتوفى علیه السلام03ق ) ، مصحّح : مهدى رجائى ومحمود مرعشى ، 1 مجلد ، مكتبة آية اللَّه المرعشى النجفى ، قم ، الاولى 1408ق .
83 - العقد الفريد : شهاب الدين احمد المعروف بابن عبد ربه الأندلسى ، ( المتوفى 328ق ) ، 8 مجلد ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الأولى 1404ق .
84 - علل الشرايع : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، 2 مجلّد مكتبة الداوري ، قم الأولى 1385ش .
85 - عوالى اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية : محمد بن زين الدين ، ابن ابي جمهور ، ( المتوفى : زنده در سال 901ق ) ، 4 مجلد ، مصحح : مجتبى العراقي ، دار سيد الشهداء للنشر ، قم ، الأولى 1405ق .
86 - عيون الأخبار : ابن قتيبة الدينوري ، ( المتوفى 276ق ) ، 3 مجلد ، منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية ، بيروت ، الثالثة 1414ق - 2003م .
87 - عيون اخبار الرضا علیه السلام : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : مهدي اللاجوردي ، 2 مجلّد ، جهان ، طهران ، الأولى 1378ق .
88 - عين العبرة فى غبن العترة : احمد بن موسى ، ابن طاووس ، ( المتوفى 673ق ) ، 1مجلد ، دار الشهاب ، قم ، الاولى ، بى تا .
ص: 284
89 - الغارات : ابراهيم ثقفى ، ( المتوفى 283ق ) ، تحقيق : جلال الدين حسينى ارموى ، طهران ، انجمن آثار ملى ، 1353ش .
90 - فتح البارى : ابن حجر ، ( المتوفى 852ق ) ، 13 مجلد ، دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت ، الثانية .
91 - فتوح البلدان : احمد بن يحيى بن جابر ( البلاذرى ) ، ( المتوفى 279 ) ، تحقيق : صلاح الدين المنجد ، مكتبة النهضة المصريّة ، القاهرة ، 1956م .
92 - الفصول المختارة : محمّد بن محمّد، المفيد ، ( المتوفى 413ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : علي الميرشريفي ، مؤتمر الشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .
93 - فضائل الصحابة : احمد بن محمد بن حنبل الشيبانى ، ( المتوفى 241ق ) ، 2 مجلد ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، الاولى 1403ق 1983م .
94 - فهرست ابن النديم : ابن النديم البغدادى ، ( المتفوى 438ق ) ، تحقيق : رضا تجدد .
95 - قاموس الرجال : الشيخ محمد تقى التسترى ، ( المتوفى 1415ق ) ، تحقيق : مؤسسة النشر الاسلامى ، 12 مجلد ، مؤسسة النشر الاسلامى التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة ، الاولى 1422ق .
96 - الكافي : ( ط . اسلاميّة ) محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني ، ( المتوفى 329ق ) ، مصحح : على اكبر الغفاري ومحمد الآخوندي ، 8 جلد ، دار الكتب الاسلاميّة ، طهران ، الرابعة 140علیه السلامق .
97 - الكامل : عبداللَّه بن عدى الجرجانى ، ( المتوفى 365ق ) ، تحقيق : يحيى مختار غزاوى ، علیه السلام مجلد ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، الثالثة ، محرم 1409ق 1988م .
ص: 285
98 - الكامل في التاريخ : ابن الأثير ، ( المتوفى 630ق ) ، 12 مجلد ، دار صادر للطباعة والنشر ، بيروت ، 1386ق - 1صلی الله علیه وآله66م .
99 - الكامل فى اللغة والأدب : محمد بن يزيد المبرد ، ( المتوفى 285ق ) ، محقق : محمد ابوالفضل ابراهيم ، 4 مجلد ، دار الفكر العربى ، قاهرة ، الثالثة 141علیه السلامق .
100 - كتاب سليم بن قيس : سليم بن قيس الهلالى ، ( المتوفى 76ق ) ، مصحح : انصارى زنجانى ، محمد خوئينى ، 2 مجلد ، الهادى ، قم ، الاولى 1405ق .
101 - كشف الغمّة في معرفة الأئمّة ( ط . القديمة ) ، يوسف : على بن عيسى الاربلي ، ( المتوفى : 692ق ) ، مصحّح : سيّد هاشم الرسولي المحلاتي ، بني هاشمي ، 2 مجلد ، تبريز ، الأولى 1381ق .
102 - كشف المحجة لثمرة المهجة : السيد بن طاووس ، ( المتوفى 664ق ) ، المطبعة الحيدريّة ، النجف الأشرف ، 1370ق 1950م .
103 - كشف المشكل : ابن الجوزى ، ( المتوفى 597ق ) ، تحقيق : على حسين البواب ، 4 مجلد ، دار الوطن للنشر ، الرياض ، الأولى 1418ق 1997م .
104 - كنز العمال : المتقى الهندى ، ( المتوفى 975ق ) 16 مجلد ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، 1409ق 1989م .
105 - لسان العرب : محمّد بن المكرّم ، ابن منظور ، ( المتوفى 711ق ) ، 15 مجلد ، مصحح : جمال الدين ، الميردامادي ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، الثالثة 1414ق .
106 - المحاسن والمساوى : ابراهيم بن محمّد البيهقي ، ( المتوفى نحو 320ه ) .
107 - المحاضرات والمحاورات : جلال الدين السيوطى ، ( المتوفى 911ق ) ، تحقيق :
ص: 286
يحيى الجبورى ، دار الغرب الاسلامى ، بيروت ، الاولى 1424ق 2003م .
108 - المحلى : ابن حزم ، ( المتوفى 456ق ) ، 11 مجلد ، دار الفكر .
109 - المحيط فى اللغة : صاحب بن عباد ، اسماعيل بن عباد ، ( المتوفى 385ق ) ، مصحح : محمد حسن آل ياسين ، 11 مجلد ، عالم الكتاب ، بيروت ، الاولى 1414ق .
110 - مراصد الاطّلاع على أسماء الأمكنة والبقاع : القطيعى البغدادى ، ( المتوفى ع739ق ) 3 مجلد ، دار الجيل ، بيروت ، الأولى 1412ق .
111 - مروج الذهب ومعادن الجوهر : المسعودي ، ( المتوفى 346ق ) ، منشورات دار الهجره ، قم 1404ق - 1363ش - 1984م .
112 - المستدرك : الحاكم النيسابوري ، ( المتوفى 405ق ) ، 4 مجلد .
113 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل : حسين بن محمد تقي ، النوري ، ( المتوفى 1320ق ) ، 28 مجلد ، مصحح و مؤسسة آل البيت : ، قم ، الأولى 1408ق .
114 - المسترشد في إمامة علي بن أبى طالب علیه السلام : محمد بن جرير بن رستم الطبري الآملي الكبير ، ( المتوفى 326ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : احمد المحمودي ، كوشانپور ، قم ، الأولى 1415ق .
115 - مستطرفات السرائر : ابن إدريس الحلّي ، ( المتوفى 598 ق ) ، مؤسّسة النشر الاسلامي بقم المشرّفة .
116 - مسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد : زين الدين على شهيد الثاني ( المتوفى 966ق ) ، 1 مجلد ، قم ، بصيرتى ، بى تا ، الأولى .
117- مسند أحمد : أحمد بن حنبل ، ( المتوفى 241ق ) ، 6 مجلد ، دار صادر ، بيروت .
ص: 287
118 - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : محمّد بن طلحة الشافعي ، ( المتوفى 652ق ) ، تحقيق : ماجد أحمد العطيّة .
119 - المعارف : ابن قتيبة الدينوري ، ( المتوفى 276ق ) ، تحقيق : دكتور ثروت عكاشه ، دار المعارف بمصر ، مطابع دار المعارف بمصر ، الثانية 1969م .
120 - معانى الأخبار : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : على اكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي ، الأولى ، قم 1403ق .
121- معجم الأدباء : ياقوت الحموى ، ( المتوفى 626ق ) ، علیه السلام مجلد ، دار الغرب الاسلامى ، بيروت ، الأولى 1414 ق 1993م .
122 - معجم البلدان : الحموي ، ( المتوفى 626ق ) ، 1 مجلد ، دار احياء التراث العربي ، بيروت - لبنان ، 1399ق - 1979م .
123 - مع رجال الفكر : السيّد مرتضى الرضوى ، معاصر ، 2 مجلد ، الارشاد للطباعة والنشر ، بيروت ، الرابعة 1418ق 1998م .
124 - مقاتل الطالبيين : ابو الفرج الاصفهانى ، ( المتوفى 356ق ) ، تحقيق : سيد أحمد صقر ، بيروت ، دار المعرفة ، بى تا .
125 - الملل والنحل : الشهرستانى ، ( المتوفى 548 ) ، تحقيق : محمد سيد كيلانى ، 2 مجلد ، دار المعرفة ، بيروت ، لبنان .
126 - المناقب : الموفق الخوارزمى ، ( المتوفى 568ق ) ، تحقيق : الشيخ مالك محمودى ، مؤسسة سيّد الشهداء علیه السلام ، مؤسسة النشر الاسلامى التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة ، ربيع الثانى 1414ق .
127 - مناقب آل أبي طالب : : محمّد بن على بن شهر آشوب المازندراني ، ( المتوفى
ص: 288
588ق ) ، 4 مجلد ، العلّامة ، قم ، الأولى 1379ش .
128 - مناقب الامام أحمد : أبو الفرج عبدالرحمن بن على الجوزى ( المتوفى 597ق ) ، 1 مجلد ، دار هجر ، الثانية 1409ق .
129 - مناقب علي بن ابي طالب علیه السلام وما نزل من القرآن في علي علیه السلام : احمد بن موسى بن مردويه الاصفهانى ، ( المتوفى 410ق ) ، تحقيق : عبدالرزاق محمد حسين حرز الدين ، دار الحديث ، الثانية 1424ق 1382 ش .
130 - المنتظم في تاريخ الاُمم والملوك : ابن الجوزى ، ( المتوفى 597ق ) ، 2 مجلد ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، لبنان ، الأولى 1412ق 1992م .
131 - منتهى الآمال : الشيخ عبّاس القمّي .
132 - من لا يحضره الفقيه : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : علي اكبر الغف،ارى ، 4 مجلد ، مؤسسة النشر الإسلامي ، الثانية ، قم 1413ق .
133 - منهاج البراعة : قطب الدين سعيد بن هبة اللَّه الراوندي ، 3 مجلد ، مصحح : سيد عبداللطيف الكوهكمري ، مكتبة آية اللَّه المرعشى النجفى ، قم ، الثانية 1364 ش .
134 - منهاج البراعة : الميرزا حبيب اللَّه الهاشمي الخوئي ، ( المتوفى 1324ق ) ، 22 مجلد ، مصحح : علي العاشور ، دار احياء التراث العربى للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، الأولى 1429ق - 2008 م .
135 - منهاج الكرامة : العلّامة الحلّي ، ( المتوفى : علیه السلام26 ق ) ، تحقيق : عبدالرحيم مبارك ، انتشارات تاسوعا ، مشهد ، الأولى 1379ش .
136- الموطأ : الامام مالك ، ( المتوفى 179 ) ، تحقيق : محمّد فؤاد عبدالباقى ، 1 مجلد ، دار إحياء التراث العربى ، بيروت ، 1406ق 1985م .
ص: 289
137 - ميزان الاعتدال : الذهبى ، ( المتوفى علیه السلام48ق ) ، 4 مجلد ، دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت .
138 - نظم درر السمطين : الشيخ محمد الزرندى ، ( المتوفى 750ق ) الأولى 1377ق 1958م .
139 - النهاية في غريب الحديث والأثر : مبارك بن محمد ، ابن الأثير الجزري ، ( المتوفى 606ق ) ، 5 مجلد ، مصحح : محمود محمد الطناحي ، اسماعيليان ، قم ، الرابعة 1367 ش .
140 - نهج الحق وكشف الصدق : حسن بن يوسف ، العلّامة الحلّي ، ( المتوفى 726ق ) ، 1 مجلد ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، الأولى 1982 م .
141 - نيل الاوطار : الشوكانى ، ( المتوفى 1255ق ) صلی الله علیه وآله مجلد ، دار الجيل ، بيروت ، 1973م .
142 - الوافى بالوفيات : صلاح الدين خليل الصفدى ، ( المتوفى علیه السلام64ق ) ، 2صلی الله علیه وآله مجلد ، دار إحياء التراث ، بيروت ، 1420ق 2000م .
143- وقعة صفين : نصر بن مزاحم المنقري ، ( المتوفى 212ق ) ، 1 مجلد : مصحح : عبدالسلام محمد ، هارون ، مكتبة آية اللَّه المرعشى النجفى ، الأولى 1404ق .
ص: 290
المحتويات
1 - ومن خطبة له علیه السلام وهي المعروفة بالشقشقية
( 5 - 274 )
أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابن أبي قَحَّافَة 10
وامّا ابن أبي قحافة 11
كيفية غصب أهل الخلافة للخلافة 14
وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى 52
يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ ، وَ لا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ 64
فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً 65
وَ طَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً 65
وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ 66
يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ ، وَ يَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ 67
الأمر بعد النبي صلی الله علیه وآله إلى اللَّه عزّ وجلّ 72
فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى 73
ص: 291
فَصَبَرْتُ وَ فِي الْعَيْنِ قَذًى 73
وَ فِي الْحَلْقِ شَجاً 74
أَرَى تُرَاثِي نَهْباً 78
حَتَّى مَضَى الْأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ 81
فَأَدْلَى بِهَا إِلَى ابن الخطَّاب بَعْدَهُ 81
كيفيّة بيعة أميرالمؤمنين علیه السلام 83
نسب عمر صلی الله علیه وآله0
رشا عمر أبابكر بالخلافة 92
كيفية عقد أبي بكر الخلافة لعمر92
ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ الْأَعْشَى96
شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا وَ يَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِر 97
فَيَا عَجَباً بَينَا هُوَ يَستَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ ، إِذ عَقَدَهَا لِآخَرَ بَعدَ وَفَاتِهِ 98
لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا 104
فَصَيَّرَهَا فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ 104
يَغْلُظُ كَلْمُهَا 110
وَ يَخْشُنُ مَسُّهَا 112
وَ يَكْثُرُ الْعِثَارُ فِيهَا 113
وَ الِاعْتِذَارُ مِنْهَا 124
ص: 292
الخلافة مختصّة بالأئمّة : ومخصوصة بسراج الاُمّة 130
فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ 131
إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ 132
وَ إِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ 132
بِخَبْطٍ 133
وَ شِمَاسٍ 141
وَ تَلَوُّنٍ 142
وَ اعْتِرَاضٍ 151
فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ ، وَ شِدَّةِ الْمِحْنَةِ 157
حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ 157
جَعَلَهَا فِي جَمَاعَةٍ 158
زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُمْ 158
فَيَا ِللَّهِ وَ لِلشُّورَى 163
مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الْأَوَّلِ مِنْهُمْ 170
حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ 175
لَكِنِّي أَسْفَفتُ إِذ أَسَفُّوا وَ طِرتُ إِذْ طَارُوا فَصَغَا رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ 177
وَ مَالَ الْآخَرُ لِصِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وَ هَنٍ 179
دعوة علي علیه السلام في عثمان وعبدالرحمن 182
ص: 293
سبب العداوة بين عثمان وعبدالرحمن 183
كلام عمر في عبدالرحمن 184
إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ الْقَوْمِ 203
نَافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِ وَ مُعْتَلَفِهِ 211
وَ قَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ 212
يَخْضَمُونَ مَالَ اللَّهِ خضم ( خِضْمَةَ ) الإِبِلِ نِبْتَةَ الرَّبِيعِ 212
إِلَى أَنِ انْتَكَثَ عَلَيْهِ فَتْلُهُ 222
وَ أَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ 222
وَ كَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ 224
فَمَا رَاعَنِي إِلّا وَ النَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَيَّ 229
يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ 229
حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ 229
وَ شُقَّ عِطْفَايَ 230
مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ 230
فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ 231
وَ مَرَقَتْ أُخْرَى وَ قَسَطَ آخَرُونَ 235
كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا كَلام اللَّهَ سُبْحَانَهُ حيث يَقُولُ : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) 241
ص: 294
بَلَى وَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا وَلَكِنَّهُمْ حَلِيَتِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ 242
وَ رَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا 242
أَمَا وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ 254
لَوْ لا حُضُورُ الْحَاضِرِ وَ قِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ وَ مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَ لا سَغَبِ مَظْلُومٍ 255
لأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا 255
وَ لَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا 255
وَ لأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ 260
قَالُوا : وَ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ 262
عِنْدَ بُلُوغِهِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ خُطْبَتِهِ 262
فَنَاوَلَهُ كِتَاباً - قِيلَ إِنَّ فِيهِ مَسَائِلَ كَانَ يُرِيدُ الإِجَابَةَ عَنْهَا - فَأَقْبَلَ يَنْظُرُ فِيهِ 262
قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوِ اطَّرَدَتْ خُطْبَتُكَ مِنْ حَيْثُ أَفْضَيْتَ فَقَالَ : هَيْهَاتَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ 264
المصادر 275
المحتويات 291
ص: 295
سرشناسه:موسوی آل طیب، سیدمحمدکاظم، 1331-
عنوان قراردادی:نهج البلاغه. شرح
Nhjol-Balaghah. Commantries
عنوان و نام پديدآور:مصباح السعاده فی شرح النهج البلاغه[علی بن ابی طالب(ع)]/ مولف سيدمحمدكاظم الموسوی آل طيب.
مشخصات نشر:قم: . دارالتفسیر، 1440ق.= 1397.
مشخصات ظاهری:6ج
شابک:ج.6 978-964-535-716-8 :
وضعیت فهرست نویسی:فیپا
يادداشت:عربی.
يادداشت:ج.6 (چاپ اول: 1442 ق = 1399) (فیپا).
موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- خطبه ها
موضوع:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- *Public speaking
موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- کلمات قصار
موضوع:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- Quotations
موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق . نهج البلاغه -- نقد و تفسیر
موضوع:Ali ibn Abi-talib, Imam I. Nahjol - Balaghah -- Criticism and interpretation
شناسه افزوده:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق . نهج البلاغه. شرح
شناسه افزوده:Ali ibn Abi-talib, Imam I Commantries.. Nahjol - Balaghah
رده بندی کنگره:BP38/02/م83 1397
رده بندی دیویی:297/9515
شماره کتابشناسی ملی:5402095
اطلاعات رکورد کتابشناسی:فیپا
ص: 1
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 2
ص: 3
مصباح السعادة في شرح نهج البلاغة الجزء الثالث
السيّد محمّد كاظم الموسوي آل طيّب
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحیم
بِنَا اهْتَدَيْتُمْ فِي الظَّلْمَاءِ وَ تَسَنَّمْتُمْ الْعَلْيَاءِ وَ بِنَا أَفْجَرْتُمْ عَنِ السِّرَارِ وُقِرَ سَمْعٌ لَمْ يَفْقَهِ الْوَاعِيَةَ وَ كَيْفَ يُرَاعِي النَّبْأَةَ مَنْ أَصَمَّتْهُ الصَّيْحَةُ ؟ رُبِطَ جَنَانٌ لَمْ يُفَارِقْهُ الْخَفَقَانُ مَا زِلْتُ أَنْتَظِرُ بِكُمْ عَوَاقِبَ الْغَدْرِ وَ أَتَوَسَّمُكُمْ بِحِلْيَةِ الْمُغْتَرِّينَ حَتَّى سَتَرَنِي عَنْكُمْ جِلْبَابُ الدِّينِ وَ بَصَّرَنِيكُمْ صِدْقُ النِّيَّةِ أَقَمْتُ لَكُمْ عَلَى سُنَنِ الْحَقِّ فِي جَوَادِّ الْمَضَلَّةِ حَيْثُ تَلْتَقُونَ وَ لا دَلِيلَ وَ تَحْتَفِرُونَ وَ لا تُمِيهُونَ الْيَوْمَ أُنْطِقُ لَكُمُ الْعَجْمَاءَ ذَاتَ الْبَيَانِ عَزَبَ رَأْيُ امْرِئٍ تَخَلَّفَ عَنِّي مَا شَكَكْتُ فِي الْحَقِّ مُذْ أُرِيتُهُ لَمْ يُوجِسْ مُوسَى علیه السلام خِيفَةً عَلَى نَفْسِهِ بَلْ أَشْفَقَ مِنْ غَلَبَةِ الْجُهَّالِ وَ دُوَلِ الضَّلالِ الْيَوْمَ تَوَافَقْنَا عَلَى سَبِيلِ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ مَنْ وَثِقَ بِمَاءٍ لَمْ يَظْمَأْ .
روى أنّ هذه الخطبة خطب بها أميرالمؤمنين علیه السلام بعد قتل طلحة والزبير(1) .
فقال : رسول اللَّه صلی الله علیه وآله المنذر ولكلّ زمان منّا هاد يهديهم إلى ما جاء به نبيّ اللَّه ثمّ الهداة من بعده عليّ ثمّ الأوصياء واحد بعد واحد(1) .
وعن أبي جعفر علیه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ : ( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ )(2) قال : « رسول اللَّه المنذر وعليّ الهادي »(3) .
عن عبداللَّه بن سنان قال : سألت أبا عبداللَّه علیه السلام عن قول اللَّه عزّوجلّ : ( وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ )(4) قال : « هم الأئمّة »(5) .
في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر علیه السلام في قوله : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ )(6) : « فأمّا من يهدي إلى الحقّ فهم محمّد وآل محمّد من بعده ، وأمّا من لا يهدي إلّا أن يُهدى ، فهو من خالف من قريش وغيرهم أهل بيته من بعده »(7) .
عن المعلّى بن خنيس عن أبي عبداللَّه علیه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ : ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ )(8) « يعني من يتّخذ دينه رأيه بغير هدى أئمّة من أئمّة الهدى »(9) .
ص: 6
عن عيسى بن داود النجّار عن أبي الحسن موسى بن جعفر علیه السلام قال : « إنّه سأل أباه عن قول اللَّه عزّوجلّ : ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى )(1) قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : يا أيّها الناس اتّبعوا هدى اللَّه تَهتدوا وتُرشدوا وهو هُداي وهداي وهدى علي بن أبي طالب فمن اتّبع هداه في حياتي وبعد موتي فقد اتّبع هداي ومن اتّبع هداي فقد اتّبع هدى اللَّه ومن اتّبع هدى اللَّه فلا يضلّ ولا يشقى »(2) .
قال المفضّل : سمعت الصادق علیه السلام يقول : « بلية الناس علينا عظيمة إن دعوناهم لم يجيبونا وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا »(3) .
عن زياد بن مطرف قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « من أراد أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويدخل الجنّة التي وعدني ربّي وهو قضيب من قضبانه غرسه بيده وهي جنّة الخلد فليتولّ عليّاً وذريّته من بعده فانّهم لن يخرجوه من باب هدى ولن يدخلوه في باب ضلال »(4) .
روى عن أبي حنيفة النعمان بن ثابت قال : لو لا جعفر بن محمد ما علم الناس مناسك حجّهم(5) .
لقى مسلم مولى أبي عبداللَّه علیه السلام صدقة الأحدب وقد قدم من مكّة فقال له مسلم : الحمد للَّه الذي يسّر سبيلك وهدى دليلك وأقدمك بحال عافية وقد قضى
ص: 7
الحجّ وأعان على السعة فقبل اللَّه منك وأخلف عليك نفقتك وجعلها حجّة مبرورة ولذنوبك طهوراً فبلغ ذلك أبا عبداللَّه علیه السلام فقال له : « كيف قلت لصدقة فأعاد عليه » فقال له : من علمك هذا فقال : جعلت فداك مولاي أبو الحسن علیه السلام فقال له : « نعم ما تعلمت إذا لقيت أخا من إخوانك فقل له هكذا فانّ الهدى بنا هدى وإذا لقيت هؤلاء فقل لهم ما يقولون »(1) .
عن أبي خالد الكابلي قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن قوله : ( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا )(2) فقال : « يا أبا خالد ! النور واللَّه الأئمّة من آل محمّد صلی الله علیه وآله إلى يوم القيامة ، وهم واللَّه نور اللَّه الذي أنزل ، وهم واللَّه نور اللَّه في السماوات والأرض ، يا أبا خالد ! لنور الامام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار ، وهم واللَّه ينوّرون قلوب المؤمنين ، ويحجب اللَّه نورهم عمّن يشاء فتظلم قلوبهم ، واللَّه يا أبا خالد ! لا يحبّنا عبد ويتولّانا حتّى يطهر اللَّه قلبه ولا يطهّر اللَّه قلب عبد حتّى يسلم لنا ويكون سلما لنا ، فاذا كان سلما لنا سلّمه اللَّه من شديد الحساب ، وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر »(3) .
قال أبو عبداللَّه علیه السلام : « إنّ اللَّه قال في كتابه : ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى
ص: 8
الظُّلُمَاتِ )(1) فالنور هم آل محمّد : والظلمات عدوّهم »(2) .
عن ابن عبّاس 2 في قول اللَّه تبارك وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ) قال الحسن والحسين ( وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ )(3) قال : أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام(4) .
في تفسير القمي : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ )(5) قال : النجوم آل محمد صلی الله علیه وآله(6) .
عن عكرمة وسُئل عن قول اللَّه تعالى : ( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا )(7) قال : والشمس وضحاها هو محمّد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله والقمر إذا تلاها أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام والنهار إذا جلّاها آل محمّد الحسن والحسين 8 والليل إذا يغشاها بنو اُميّة(8) .
أبو الورد عن أبي جعفر علیه السلام في قوله : ( وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ )(9) قال : « نحن النجم»(10) .
ص: 9
قال صلی الله علیه وآله : « أنا الشمس وعلي كلاقمر وأهل بيتي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم »(1) .
قال النبي صلی الله علیه وآله : « النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض »(2) .
عن عبداللَّه بن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبداللَّه علیه السلام انّي أخالط الناس فيكثر عجبى من أقوام لا يتولّونكم ويتولّون فلاناً وفلاناً لهم أمانة وصدق ووفاء وأقوام يتولّونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء ولا الصدق قال : فاستوى أبو عبداللَّه علیه السلام جالساً وأقبل عليّ كالمغضب ثمّ قال : « لا دين لمن دان بولاية إمام جائر ليس من اللَّه ولا عتب على من دان بولاية إمام عادل من اللَّه » قلت : لا دين لاُولئك ولا عتب على هؤلاء ؟ قال : « نعم لا دين لاُولئك ولا عتب على هؤلاء » ثمّ قال : « أما تسمع لقول اللَّه عزوجل : ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ )(3) يعني من ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة لولايتهم كلّ امام عادل من اللَّه » ثمّ قال : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ) فأيّ نور يكون للكافر فيخرج منه إنّما عني بهذا أنّهم كانوا على نور الاسلام فلمّا تولّوا كلّ إمام جائر ليس من اللَّه خرجوا بولايتهم إيّاهم من نور
ص: 10
الاسلام إلى ظلمات الكفر فأوجب اللَّه لهم النار مع الكفار فقال : ( أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )(1) » .
عن سعيد بن أبي الأصبغ قال : سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام وهو يسأل عن مستقر ومستودع قال : « مستقر في الرحم ومستودع في الصلب ، وقد يكون مستودع الايمان ثمّ ينزع منه . ولقد مشى الزبير في ضوء الإيمان ونوره حين قبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله حتّى مشى بالسيف وهو يقول : لا نبايع إلّا عليّاً »(2) .
عن جعفر بن مروان ، قال : إنّ الزبير اخترط سيفه يوم قبض النبي صلی الله علیه وآله وقال : لا أغمده حتّى ابايع لعلي ، ثمّ اخترط سيفه فضارب عليّاً 6 ، فكان ممّن أعير الإيمان فمشى في ضوء نوره ، ثمّ سلبه اللَّه إيّاه(3) .
دخل الزبير وطلحة على علي علیه السلام فاستأذناه في العمرة فقال : ما العمرة تريدان فحلفا له باللَّه أنّهما ما يريدان غير العمرة فقال لهما ما العمرة تريدان وإنّما تريدان الغدرة ونكث البيعة فحلفا باللَّه ما الخلاف عليه ولا نكث بيعة يريدان وما رأيهما غير العمرة قال لهما : فاعيدا البيعة لي ثانية فأعاداها بأشد ما يكون من الأيمان والمواثيق فأذن لهما فلمّا خرجا من عنده قال لمن كان حاضراً واللَّه لا ترونهما إلّا في فتنة يقتتلان فيها قالوا يا أميرالمؤمنين فمر بردهما عليك قال : ( لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا )(1) (2) .
قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « اتقوا فراسة المؤمن فانّه ينظر بنور اللَّه »(3) .
عن أبي الحسن الرضا علیه السلام أنّه قال : « لنا أعين لا تشبه أعين الناس وفيها نور وليش للشيطان فيه شرك »(4) .
سئل عن مولانا الرضا علیه السلام : ما وجه إخباركم بما في قلوب الناس ؟ قال علیه السلام له : « أما بلغك قول الرسول صلی الله علیه وآله اتّقوا فراسة المؤمن فانّه ينظر بنور اللَّه ؟ قال : بلى ، قال : وما من مؤمن إلّا وله فراسة ينظر بنور اللَّه على قدر إيمانه ومبلغ استبصاره وعلمه وقد جمع اللَّه للأئمّة منّا ما فرّقه في جميع المؤمنين وقال عزّوجلّ في
ص: 12
محكم كتابه : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ )(1) فأوّل المتوسمين رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ثمّ أميرالمؤمنين علیه السلام من بعده ثمّ الحسن والحسين والأئمّة من وُلد الحسين : إلى يوم القيامة »(2) .
عن أبي جعفر علیه السلام قال : « ليس مخلوق إلّا وبين عينيه مكتوب أنّه مؤمن أو كافر وذلك محجوب عنكم وليس بمحجوب من الأئمّة من آل محمّد صلی الله علیه وآله ليس يدخل عليهم أحد إلّا عرفوه هو مؤمن أو كافر » ثمّ تلا هذه الآية : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) فهم المتوسِّمون(3) .
عن أبي جعفر علیه السلام قال : « بينا أميرالمؤمنين علیه السلام في مسجد الكوفة إذ جاءت امرأة تستعدي على زوجها فقلت ج فقضى ج لزوجها عليها فغضبت فقالت واللَّه ما الحقّ فيما قضيت وما تقضي بالسويّة ولا تعدل في الرعيّة ولاقضيتك عند اللَّه بالمرضيّة فنظر إليها مليّاً ثمّ قال لها : كذبت يا جرية يا بذيّة يا سلسع أي التي لا تحبل من حيث تحبل النساء قالت : فولّت المرأة هاربة تولول وتقول : ويلي ويلي لقد هتكت يابن أبي طالب سرّاً كان مستوراً ، قال : فلحقها عمرو بن حريث فقال لها : يا أمة اللَّه لقداستقبلت عليّاً علیه السلام بكلام سررتني ثمّ إنّه نزغك بكلمة فولّيت عنه هاربة تولولين قال ج قالت ج : إنّ عليّاً واللَّه أخبرني بالحق وبما أكتمه من زوجي منذ ولى عصمتي ومن أبوي فرجع عمرو إلى أميرالمؤمنين علیه السلام فأخبره بما قالت له المرأة وقال له فبما تقول ما نعرفك بالكهانة قال له : يا عمرو ويلك إنّها ليست
ص: 13
بالكهانة شي ء ولكنّ اللَّه خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام فلمّا ركب الأرواح في أبدانها كتب بين أعينهم مؤمن أم كافر وما هم به مبتلون وما هم عليه من سي ء من أعمالهم وحسنة في قدر اُذن الفارة ثمّ أنزل بذلك قراناً على نبيه فقال ان في ذلك لايات للمتوسمين وكان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله هو المتوسم ثمّ انا من بعده والأئمّة من ذرّيتي من بعدي هم المتوسمون فلمّا تأمّلتها عرفت ما عليها بسيماها»(1) .
عن عبدالكريم يعني ابن كثير قال : حججت مع أبي عبداللَّه علیه السلام فلمّا صرنا في بعض الطريق صعد على جبل فأشرف فنظر إلى الناس فقال : « ما أكثر الضجيج وأقلّ الحجيج » فقال له داود الرقي : يابن رسول اللَّه هل يستجيب اللَّه دعاء هذا الجمع الذي أرى ؟ قال : « ويحك يا أبا سليمان إنّ اللَّه لا يغفر أن يشرك به ، الجاحد لولاية علي كعابد وثن » قال : قلت : جعلت فداك هل تعرفوت محبّكم ومبغضكم ؟ قال : « ويحك يا أبا سليمان إنّه ليس من عبد يولد إلّا كتب بين عينيه مؤمن أو كافر إنّ الرجل ليدخل إلينا بولايتنا وبالبراءة من أعدائنا فنرى مكتوباً بين عينيه مؤمن أو كافر وقال اللَّه عزّوجلّ : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ )(2) نعرف عدوّنا من وليّنا »(3) .
قال النبي صلی الله علیه وآله : « لو لا انّ الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات »(4) .
ص: 14
قال عبداللَّه بن مسعود : خطّ لنا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله خطا ثمّ قال : هذا سبيل اللَّه ثمّ خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله ثمّ قال : « هذه سبل وعلى كلّ سبيل منها شيطان يدعو الناس إليه » ثمّ تلا قوله تعالى :
( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )(1) (2) .
عن أبي جعفر علیه السلام في قوله تعالى : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي )(3) قال : « ذاك رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وأميرالمؤمنين علیه السلام والأوصياء من بعدهم »(4) .
ويبيّن ذلك في المثل المشهور عن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله روى أنّه قال : « ضرب اللَّه مثلاً صراطاً مستقيماً وعلى جنبتي الصراط سور فيه أبواب مفتّحة وعلى تلك الأبواب ستور مرخاة وعلى رأس الصراط داع يقول : ادخلوا الصراط ولا تعرجوا ، قال : فالصراط هو الإسلام والستور حدود اللَّه والأبواب المفتّحة محارم اللَّه وذلك الداعي هو القرآن »(5) .
ص: 15
هذا الكلام تعريض بالمتقدّمين عليه :
نقل عن أبي بكر أنّه تمنّى في حال احتضاره سؤال النبيّ صلی الله علیه وآله : هل كان له حقّ في الخلافة أم لا ؟ في السقيفة : فوددت أنّي سألته صلی الله علیه وآله هذا الأمر فكنّا لا ننازعه أهله(1) وفليتني سألته صلی الله علیه وآله لمن هذا الأمر من بعده فلا ينازعه فيه أحد(2) .
قال المحقّق التستري ؛ : ونقلوا عن عمر انّه لمّا اشير عليه بنصب ابنه بعده قال : إن كان له فيها حقّ فحسب آل الخطاب بشخصه ، وإن لم يكن له حقّ فلم يتحمّل مظلمة ابنه زائدة على مظلمته(3) .
كما انّه أقرّ أنّه شكّ في حقيّة الاسلام ، وحقيّة النبي صلی الله علیه وآله يوم الحديبيّة(4) .
وقال أميرالمؤمنين علیه السلام في حقّ نفسه : « لو كشف الغطاء ماازددت يقينا »(5) .
روى صدر الأئمّة أخطب خوارزم أبو المؤيّد موفّق بن أحمد من أعيان العلماء عند العامّة في كتاب الفضائل باسناده عن ابن عبّاس في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) الآيه(6) قال : هو عليّ بن أبي طالب علیه السلام(7) .
ص: 16
وعنه أيضاً بسند آخر عن ابن عبّاس في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) الآيه قال : هو عليّ بن أبي طالب(1) .
إبراهيم بن محمّد الحمويني من أعيان علماء العامّة باسناده عن أبي صالح بن عبّاس في هذه الآية : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) قال : مع عليّ بن أبي طالب(2) .
أبو نعيم أحمد بن عبداللَّه بن اسحق بن موسى بن مهران الاصفهاني في كتابه باسناده عن ابن عبّاس في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) قال : هو عليّ بن أبي طالب علیه السلام(3) .
أبو نعيم هذا عن جعفر بن محمّد في قوله عزّوجلّ : ( اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) قال : محمّد وعلي 8(4) .
ابن شهر آشوب من طريق العامّة باسناده عن ابن عمر في هذه الآية قال : أمر الصحابة أن يخافوا اللَّه ثمّ قال : ( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) يعني محمّد وأهل بيته(5) .
عن أحمد بن محمّد قال : سألت الرضا عن قول اللَّه تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) قال : « الصادقون الأئمّة الصدّيقون بطاعتهم »(6) .
ص: 17
عن بريد العجلي قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن قول اللَّه تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) قال : « إيّانا عنى »(1) .
عن أبي جعفر علیه السلام في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) قال : « مع عليّ بن أبي طالب علیه السلام »(2) .
وروى المدائني قال : لقى عمرو بن العاص الحسن علیه السلام في الطواف فقال له : يا حسن زعمت أنّ الدين لا يقوم إلّا بك وبأبيك فقد رأيت اللَّه أقامه بمعاوية فجعله راسياً بعد ميله وبينا بعد خفائه أفرضى اللَّه بقتل عثمان أو من الحق أن تطوف بالبيت كما يدور الجمل بالطحين عليك ثياب كغرقئ(3) البيض وأنت قاتل عثمان واللَّه إنّه لألم للشعث وأسهل للوعث أن يوردك معاوية حياض أبيك .
فقال الحسن علیه السلام : « إنّ لأهل النار علامات يعرفون بها إلحاداً لأولياء اللَّه وموالاة لأعداء اللَّه واللَّه إنّك لتعلم أنّ عليّاً لم يرتب في الدين ولا يشكّ في اللَّه ساعة ولا طرفة عين قطّ وأيم اللَّه لتنتهينّ يابن أم عمرو أو لأنفذن حضينك بنوافذ أشدّ من القعضبية(4) فإيّاك والتهجم علي فاني من قد عرفت لست بضعيف الغمزة ولا هش المشاشة(5) ولا مرئ المأكلة وإنّي من قريش كواسطة القلادة يعرف حسبي ولا أدعى لغير أبي وأنت من تعلم ويعلم الناس تحاكمت فيك رجال قريش فغلب عليك جزاروها الأمهم حسبا وأعظمهم لؤما فإيّاك عنّي فإنّك رجس
ص: 18
ونحن أهل بيت الطهارة أذهب اللَّه عنّا الرجس وطهّرنا تطهيرا فأقحم عمرو وانصرف كئيبا(1).
قال تعالى : ( قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى )(2) .
قال عمّار بن ياسر : واللَّه لو ضربونا حتّى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنّا على الحق وهم على الباطل(3) .
عن النبي صلی الله علیه وآله أنّه قال : « عليّ مع الحقّ والحقّ مع علي يدور معه حيث ما دار »(4) .
عن خيثمة عن أبي جعفر علیه السلام قال : سمعته يقول : « نحن جنب اللَّه ونحن صفوته ونحن خيرته ونحن مستودع مواريث الأنبياء ونحن اُمناء اللَّه ونحن حجّة اللَّه ونحن أركان الايمان ونحن دعائم الاسلام ونحن من رحمة اللَّه على خلقه ونحن الذين بنا يفتح اللَّه وبنا يختم ونحن أئمّة الهدى ونحن مصابيح الدجى ونحن منار
ص: 19
الهدى ونحن السابقون ونحن الآخرون ونحن العلم المرفوع للخلق ، من تمسّك بنا لحق ومن تخلّف عنّا غرق ونحن قادة الغرّ المحجّلين ونحن خيرة اللَّه ونحن الطريق وصراط اللَّه المستقيم إلى اللَّه » الحديث(1) .
عن أبي بريدة في قوله اللَّه تعالى : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) قال : صراط محمّدٍ وآله(2) .
ومن تفسير وكيع بن الجراح عن سفيان الثوري عن السدي عن أسباط ومجاهد عن عبداللَّه بن عبّاس في قوله : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) قال : قولوا معاشر العباد أُرشِدْنا إلى حبّ النبيّ وأهل بيته(3) .
حدّثني أبي عن حماد عن أبي عبداللَّه علیه السلام في قوله : ( الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) قال : « هو أميرالمؤمنين علیه السلام ومعرفته ، والدليل على أنّه أميرالمؤمنين قوله : ( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ )(4) وهو أميرالمؤمنين علیه السلام في اُمّ الكتاب وفي قوله الصراط المستقيم »(5) .
عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : سألته عن قول اللَّه عزّوجلّ : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا )(6) قال : « هو واللَّه عليّ علیه السلام هو واللَّه الميزان والصراط المستقيم»(7) .
ص: 20
عن أبي جعفر علیه السلام قال : « أوحى اللَّه إلى نبيّه ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )(1) قال : إنّك على ولاية عليّ وعليّ هو الصراط المستقيم »(2) .
وفي معناه قول النبي الأكرم صلی الله علیه وآله : « اللهمّ إن لم يكن بك علي غضب فلا ابالي»(3) .
وكتب الامام علیه السلام فيما كتب إلى معاوية : « وما على المسلم من غضاضة(4) في أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكّاً في دينه ولا مرتاباً في يقينه»(5) .
والحمد للَّه ربّ العالمين وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطاهرين
ص: 21
بسم الله الرحمن الرحیم
5-ومن کلام له علیه السلام لما قبض رسول الله صلی الله علیه وآله وخاطبه العباس و ابو سفیان بن حرب فی ان یبایعاله بالخلافه:
أَيُّهَا النَّاسُ شُقُّوا أَمْوَاجَ الْفِتَنِ بِسُفُنِ النَّجَاةِ وَ عَرِّجُوا عَنْ طَرِيقِ الْمُنَافَرَةِ وَ ضَعُوا تِيجَانَ الْمُفَاخَرَةِ أَفْلَحَ مَنْ نَهَضَ بِجَنَاحٍ أَوِ اسْتَسْلَمَ فَأَرَاحَ هَذَا مَاءٌ آجِنٌ وَ لُقْمَةٌ يَغصُّ بِهَا آكِلُهَا وَمُجْتَنِي الثَّمَرَةِ لِغَيْرِ وَقْتِ إِينَاعِهَا كَالزَّارِعِ بِغَيْرِ أَرْضِهِ.
فَإِنْ أَقُلْ يَقُولُوا حَرَصَ عَلَى الْمُلْكِ وَ إِنْ أَسْكُتْ يَقُولُوا جَزِعَ مِنَ الْمَوْتِ هَيْهَاتَ بَعْدَ اللَّتَيَّا وَ الَّتِي وَ اللَّهِ لابْنُ أَبِي طَالِبٍ آنَسُ بِالْمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْيِ أُمِّهِ بَلِ انْدَمَجْتُ عَلَى مَكْنُونِ عِلْمٍ لَوْ بُحْتُ بِهِ لاضْطَرَبْتُمْ اضْطِرَابَ الْأَرْشِيَةِ فِي الطَّوِيِّ الْبَعِيدَةِ .
في الشرح : لما قبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله واشتغل علي علیه السلام بغسله ودفنه وبويع أبو بكر خلا الزبير وأبو سفيان وجماعة من المهاجرين بعبّاس وعلي علیه السلام لإجالة الرأي وتكلّموا بكلام يقتضي الاستنهاض والتهييج فقال العبّاس 2 : قد سمعنا قولكم فلا لقلّة نستعين بكم ولا لظنّة نترك آراءكم فأمهلونا نراجع الفكر فإن يكن لنا من الإثم مخرج يصر بنا وبهم الحق صرير الجدجد(1) ونبسط إلى المجد أكفا لا نقبضها أو نبلغ المدى وإن تكن الأخرى فلا لقلّة في العدد ولا لوهن في الأيد واللَّه
ص: 22
لو لا أنّ الإسلام قيد الفتك لتدكدكت جنادل صخر يسمع اصطكاكها من المحل العلى .
فحل علي علیه السلام حبوته وقال : « الصبر حلم والتقوى دين والحجّة محمّد والطريق الصراط أيّها الناس شقّوا أمواج الفتن . . . » الخطبة ثمّ نهض فدخل إلى منزله وافترق القوم(1) .
وقال البحراني : روى أنّه لمّا تمّ في سقيفة بني ساعدة لأبي بكر أمر البيعة أراد أبو سفيان بن حرب أن يوقع الحرب بين المسلمين ليقتل بعضهم بعضا ، فيكون في ذلك دمار الدين واندراسه ، فمشى إلى عبّاس بن عبدالمطّلب فقال له : يا أبا الفضل إنّ هؤلاء القوم قد ذهبوا بهذا الأمر من بني هاشم ، وجعلون في رذل تيم وأنّه ليحكم فينا غداً هذا الفظ الغليظ من بني عدي قم بنا حتّى ندخل على عليّ ونبايعه بالخلافة ، فأنت عم رسول اللَّه وأنا رجل مقبول القول في قريش ، فان دافعونا عن ذلك قاتلناهم قتلاً شديداً وقتلناهم إلى آخرهم .
فأتيا أميرالمؤمنين علیه السلام ، وقال له أبو سفيان : يا أبا الحسن لا تغافل عن هذا الأمر ، متى كنّا تبعا لتيم الأرذال ، وكان عليّ علیه السلام يعلم أنّه لا يقول ذلك غضبا لدين اللَّه(2) بل للفساد الذي زآه في نفسه فأجابه علیه السلام بقوله : . . .
عن أبي مويهبة مولى النبي صلی الله علیه وآله قال : بعثنى النبي صلی الله علیه وآله من جوف الليل . فقال لى :
ص: 23
« يا أبا مويهبة إنّي قد أمرت ان استغفر لأهل البقيع . فانطلق معى . » فانطلقت معه . فلمّا وقف بين أظهرهم قال : « السلام عليكم أهل المقابر . ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أوّلها ، الآخرة شرّ من الاولى » - إلى أن قال - ثم استغفر لأهل البقيع ، ثم انصرف فبدى ء النبي صلی الله علیه وآله بوجعه الّذي قبض فيه(1) .
عن المغرور بن سويد قال : أخذ أبوذر بحلقة الباب فقال : أنا أبوذر من عرفنى فقد عرفنى ومن لم يعرفنى فأنا جندب ، سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : « إنّما مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح في قومه ، من تخلّف عنها هلك ، ومن ركبها نجا »(2)
عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلی الله علیه وآله قال : « إني أوشك أن ادعى فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه عزوجلّ وعترتي كتاب اللَّه حبل ممدود بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علىّ الحوض فانظروا بما ذا تخلفوني فيهما »(3) .
عن اميرالمؤمنين علیه السلام : « ولو كنت وجدت يوم بويع أخو تيم أربعين رجلاً
ص: 24
مطيعين لي لجاهدتهم »(1) .
قيل لعلى بن ميثم لم قعد ( على علیه السلام ) عن قتالهم ؟ قال كما قعد هارون عن السامرى وقد عبدوا العجل قيل فكان ضعيفا قال كان ( على علیه السلام ) كهارون حيث يقول يا : ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي )(2) وكنوح إذ قال ( أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ )(3) وكلوط إذ قال ( لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ )(4) وسأل أبو حنيفة الطاقي(5) فقال لم لم يطلب على بحقه بعد وفاة الرسول صلی الله علیه وآله إن كان له حق قال خاف أن يقتله الجن كما قتلوا سعد بن عبادة بسهم المغيرة بن شعبة . وقال ضرار لهشام بن الحكم ألا دعا على الناس عند وفاة النبي صلی الله علیه وآله إلى الائتمام به إن كان وصيا قال لم يكن واجبا عليه لأنه قد دعاهم إلى موالاته والائتمام به النبي صلی الله علیه وآله يوم الغدير ويوم تبوك وغيرهما فلم يقبلوا منه ولو كان ذلك جائزا لجاز على آدم أن يدعو إبليس إلى السجود له بعد إذ دعاه ربه إلى ذلك ثم إنه صبر ( كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ )(6) ، (7) .
زرارة بن أعين قال : قلت لأبي عبداللَّه علیه السلام : ما منع أميرالمؤمنين علیه السلام أن يدعو الناس إلى نفسه ويجرد في عدوّه سيفه فقال « لخوف أن يرتدّوا فلا يشهدوا أنّ
ص: 25
محمّداً رسول اللَّه صلی الله علیه وآله »(1) .
ونظير ما ذكره علیه السلام في عدم المصلحة لقيامه ذاك الوقت ما ذكره الامام الصادق علیه السلام لمّا استنهضوه في اوّل أمر العباسيّة .
لما قتل ابراهيم الإمام خاف ابو سلمة وزير العباسية انتفاض الأمر وفساده عليه ، فبعث بمحمد بن عبد الرحمن بن أسلم ، وكتب معه كتابين على نسخة واحدة إلى أبي عبداللَّه جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن علي بن أبي طالب : وإلى أبي محمد عبداللَّه بن الحسن يدعو كل واحد منهما إلى الشخوص إليه ليصرف الدعوة إليه ، ويجتهد في بيعة أهل خراسان له ، وقال للرسول : العجل العجل ، فلا تكونن كوافد عاد ، فقدم محمد بن عبدالرحمن المدينة على أبي عبداللَّه جعفر بن محمد فلقيه ليلاً ، فلما وصل إليه أعلمه أنه رسول أبي سلمة ، ودفع اليه كتابه ، فقال له أبو عبداللَّه : وما أنا وأبو سلمة ؟ وأبو سلمة شيعة لغيري ، قال : انى رسول ، فتقرأ كتابه وتجيبه بما رأيت ، فدعا أبو عبداللَّه بسراج ثم أخذ كتاب أبي سلمة فوضعه على السراج حتى احترق ، وقال للرسول : عرف صاحبك بما رأيت ، ثم أنشأ يقول علیه السلام متمثلاً بقول الكميت بن زيد :
أيا موقداً ناراً لغيرك ضوؤها * ويا حاطباً في غير حبلك تحطب
فخرج الرسول من عنده وأتى عبداللَّه بن الحسن فدفع اليه الكتاب فقبله وقرأه وابتهج به ، فلما كان من غد ذلك اليوم الذي وصل اليه فيه الكتاب ركب عبداللَّه
ص: 26
حماراً حتى أتى منزل أبي عبداللَّه جعفر بن محمد الصادق علیه السلام ، فلما رآه أبو عبداللَّه أكبر مجيئه ، وكان أبو عبداللَّه أسنَّ من عبداللَّه ، فقال له : يا أبا محمد أمر ما أتى بك ؟ قال : نعم وهو أجل من أن يوصف ، فقال : وما هو يا أبا محمد ؟ قال : هذا كتاب أبي سلمة يدعونى الى ما أقبله ، وقد قدمت عليه شيعتنا من أهل خراسان ، فقال له أبو عبداللَّه : يا أبا محمد ، ومتى كان أهل خراسان شيعة لك ؟ أنت بعثت أبا مسلم الى خراسان ؟ وأنت أمرته بلبس السواد ؟ وهؤلاء الذين قدموا العراق أنت كنت سبب قدومهم أو وَجَّهت فيهم ؟ وهل تعرف منهم أحداً ؟ فنازعه عبداللَّه بن الحسن الكلام . . . فقال علیه السلام له : « ولقد كتب إلىَّ أبو سلمة بمثل ما كتب به إليك ، فلم يجد رسوله عندي ما وجد عندك ، ولقد أحرقت كتابه من قبل أن أقرأه » ، فانصرف عبداللَّه من عند جعفر علیه السلام مغضباً ، ولم ينصرف رسول أبي سلمة إليه إلى أن بويع السفاح بالخلافة(1) .
قال عمر لعلي علیه السلام : وما يمنعنى منك يا على إلّا حرصك عليها ، وإنّك أحرى القوم إن وليتها ، أن تقيم على الحقّ المبين والصراط المستقيم(2) .
وقال أميرالمؤمنين علیه السلام في أهل الشورى : « فأجمعوا إجماعا واحدا . فصرفوا الولاية إلى عثمان وأخرجوني منها ، رجاء أن ينالوها ويتداولوها إذ يئسوا أن ينالوا من قبلي » . ثم قالوا : هلمّ فبايع . وإلّا جاهدناك . فبايعت مستكرها ،
ص: 27
وصبرت محتسبا . فقال قائلهم : يا ابن أبي طالب إنّك على هذا الأمر لحريص . فقلت : « أنتم أحرص منّي وأبعد ، أ أنا احرص اذا طلبت تراثي ، وحقّي الّذي جعلني اللَّه ورسوله أولى به ، أم أنتم إذ تضربون وجهي دونه ، وتحولون بيني وبينه فبهتوا واللَّه لا يهدي القوم الظالمين »(1) .
قال الصادق جعفر بن محمد علیه السلام : « إنّ رضا الناس لا يملك وألسنتهم لا تضبط وكيف تسلمون ممّا لم يسلم منه أنبياء اللَّه ورسله وحجج اللَّه : . . . ألم ينسبوه صلی الله علیه وآله يوم بدر إلى أنّه أخذ لنفسه من المغنم قطيفة حمراء حتّى أظهره اللَّه عزّوجلّ على القطيفة وبرّأ نبيّه صلی الله علیه وآله من الخيانة وأنزل بذلك في كتابه - ( وَمَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَنْ يَغُلَّ )(2) ألم ينسبوه إلى أنّه صلی الله علیه وآله ينطق عن الهوى في ابن عمّه عليّ علیه السلام حتّى كذّبهم اللَّه عزّوجلّ فقال سبحانه ( وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَى )(3) ، (4) » .
وقال الشاعر ، وربّما ينسب إليه علیه السلام .
قيل إنّ الاله ذو ولد * وقيل إنّ الرسول قد كهنا
ما نجا اللَّه والرسول معا * من لسان الورى فكيف أنا(5)
روى أنّ لقمان الحكيم قال لولده في وصيّته : لا تعلّق قلبك برضا الناس
ص: 28
ومدحهم وذمّهم فإنّ ذلك لا يحصل ولو بالغ الانسان في تحصيله بغاية قدرته فقال : ولده ما معناه أحبّ أن أرى لذلك مثالاً أو فعالاً أو مقالاً فقال له : أخرج أنا وأنت فخرجا ومعهما بهيمة فركبه لقمان وترك ولده يمشي وراءه فاجتازوا على قوم فقالوا : هذا شيخ قاسى القلب قليل الرحمة يركب هو الدابّة وهو أقوى من هذا الصبيّ ويترك هذا الصبيّ يمشي وراءه وإنَّ هذا بئس التدبير فقال لولده : سمعت قولهم وإنكارهم لركوبي ومشيك فقال : نعم فقال : اركب أنت يا ولدي حتّى أمشى أنا فركب ولده ومشى لقمان فاجتازوا على جماعة أخرى فقالوا : هذا بئس الوالد وهذا بئس الولد أمّا أبوه فإنّه ما أدّب هذا الصبيّ حتّى يركب الدابة ويترك والده يمشي وراءه والوالد أحقّ بالاحترام والركوب وأمّا الولد فإنّه عقّ والده بهذه الحال فكلاهما أساءا في الفعال . فقال لقمان لولده : سمعت . فقال : نعم فقال : نركب معا الدابّة فركبا معاً فاجتازا على جماعة فقالوا : ما في قلب هذين الراكبين رحمة ولا عندهم من اللَّه خير يركبان معا الدابّة يقطعان ظهرها ويحملانها ما لا تطيق لو كان قد ركب واحد ومشى واحد كان أصلح واجود فقال : سمعت فقال : نعم فقال : هات حتّى نترك الدابّة تمشى خالية من ركوبنا فساقا الدابّة بين أيديهما وهما يمشيان فاجتازا على جماعة فقالوا : هذا عجيب من هذين الشخصين يتركان دابّة فارغة تمشى بغير راكب ويمشيان وذمّوهما على ذلك كما ذمّوهما على كلّ ما كان فقال لولده :ترى في تحصيل رضاهم حيلة لمحتال فلا تلتفت إليهم واشتغل برضا اللَّه جلّ جلاله ففيه شغل شاغل وسعادة وإقبال في الدنيا ويوم الحساب والسؤال(1) .
ص: 29
أصله أنّ رجلا تزوّج امرأة قصيرة سيّئة الخلق . فقاسى منها شدائد . فطلّقها ، وتزوّج طويلة . فقاسى منها اضعاف ما قاسى من القصيرة فطلّقها ، وقال بعد اللتيا والّتى لا أتزوّج أبدا فصار ذلك مثلا(1) .
انّه علیه السلام متفرد بذلك لأن الاخبار وردت بان الانبياء حتى ابراهيم علیه السلام كانوا متوحشين من الموت .
قال يونس بن ظبيان حدّثني الصادق عن أبيه عن عليّ بن الحسين عن أبيه عن أمير المؤمنين علیه السلام قال : « لمّا أراد اللَّه تبارك وتعالى قبض روح إبراهيم علیه السلام أهبط إليه ملك الموت فقال : السلام عليك يا إبراهيم قال : وعليك السلام يا ملك الموت أ داعٍ أم ناعٍ قال : بل داعٍ يا إبراهيم فأجب قال إبراهيم علیه السلام : فهل رأيت خليلاً يميت خليله قال فرجع ملك الموت حتّى وقف بين يدى اللَّه جلّ جلاله فقال : إلهي قد سمعت ما قال خليلك إبراهيم فقال اللَّه جلّ جلاله : يا ملك الموت اذهب إليه وقل له هل رأيت حبيباً يكره لقاء حبيبه إنّ الحبيب يحبّ لقاء حبيبه »(2) .
عن عبداللَّه بن سنان عن الصادق علیه السلام - في خبر - قال له علیه السلام ابن شبرمة ما تقول يا أبا عبداللَّه في شي ء سألني عنه الامير - أي عيسى بن موسى العباسي - فلم يكن عندي فيه شي ء فقال : « وما هو » ؟ قال : سألني عن أوّل كتاب كتب في الأرض
ص: 30
قال : نعم إنّ اللَّه عزّوجلّ عرض على آدم علیه السلام ذرّيّته عرض العين(1) في صور الذرّ نبيّاً فنبيّاً وملكاً فملكاً ومؤمناً فمؤمناً وكافراً فكافراً فلمّا انتهى إلى داود علیه السلام قال : من هذا الّذي نبّأته وكرّمته وقصّرت عمره قال فأوحى اللَّه عزّوجلّ إليه هذا ابنك داود عمره أربعون سنة وإنّي قد كتبت الآجال وقسمت الأرزاق وأنا أمحو ما أشاء وأثبت وعندي أمّ الكتاب فإن جعلت له شيئاً من عمرك ألحقت له قال : يا ربّ قد جعلت له من عمري ستّين سنةً تمام المائة قال فقال اللَّه عزّوجلّ لجبرئيل وميكائيل وملك الموت اكتبوا عليه كتاباً فإنّه سينسى قال : فكتبوا عليه كتابا وختموه بأجنحتهم من طينة علّيّين قال : فلمّا حضرت آدم الوفاة أتاه ملك الموت فقال آدم : يا ملك الموت ما جاء بك قال : جئت لأقبض روحك قال : قد بقى من عمري ستّون سنة فقال : إنّك جعلتها لابنك داود قال ونزل عليه جبرئيل وأخرج له الكتاب فقال أبو عبداللَّه علیه السلام : فمن أجل ذلك إذا خرج الصكّ(2) على المديون ذلّ المديون فقبض روحه(3) (4) .
ص: 31
واما هو علیه السلام ، عن حبّة العرني قال : لمّا نزل على الرقّة نزل بمكانٍ يقال له بليخٌ على جانب الفرات فنزل راهبٌ هناك من صومعته فقال لعليّ : إنّ عندنا كتاباً توارثناه عن آبائنا كتبه أصحاب عيسى ابن مريم أعرضه عليك قال عليّ : « نعم فما هو ؟ » قال الراهب : بسم اللَّه الرحمن الرحيم الّذي قضى فيما قضى وسطر فيما سطر أنّه باعثٌ في الاُمّيّين رسولاً منهم . . . يعلّمهم الكتاب والحكمة ويدلّهم على سبيل اللَّه لا فظٌّ ولا غليظٌ ولا صخّابٌ في الأسواق ولا يجزى بالسّيّئة السيّئة ولكن يعفو ويصفح اُمّته الحمّادون الّذين يحمدون اللَّه على كلّ نشز وفي كلّ صعودٍ وهبوطٍ(1) تذلّ ألسنتهم(2) بالتّهليل والتكبير والتسبيح وينصره اللَّه على كل من ناواه فإذا توفّاه اللَّه اختلفت اُمّته ثمّ اجتمعت فلبثت بذلك ما شاء اللَّه ثمّ اختلفت فيمرّ رجل من اُمّته بشاطى ء هذا الفرات يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقضى بالحقّ ولا يرتشى في الحكم ، الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح ، والموت أهون عليه من شرب الماء على الظمأ(3) (4) .
ومثله علیه السلام كانت سيدة النساء صلوات اللَّه عليها ، عن عايشة قالت : انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله دعا ابنته فاطمة 3 فسارّها فبكت ثمّ سارّها فضحكت فقالت عايشة فقلت لفاطمة ما هذا الّذى سارّك به رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فبكيت ثمّ سارّك فضحكت ؟ فقالت فاطمة « أخبرنى بموته فبكيت ثمّ سارّني فاخبرني أني أوّل من يتبعه من
ص: 32
أهله فضحكت »(1) .
و كذلك كان باقي أئمتنا : ، قال الحسين علیه السلام يوم الطف لبعض اصحابه وكان تعجب من عدم مبالاته بالموت - قال بعضهم لبعضٍ : انظروا إليه لا يبالي بالموت - : « ما الموت إلّا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّ إلى الجنان الواسعة والنعم الدائمة »(2) .
وقال محمّد بن عليّ علیه السلام قيل لعليّ بن الحسين علیه السلام ما الموت ؟ قال : « للمؤمن كنزع ثياب وسخة قملة(3) وفكّ قيود وأغلال ثقيلة والإستبدال بأفخر الثياب وأطيبها روائح وأوطإ المراكب وآنس المنازل »(4) .
قال أمير المؤمنين علیه السلام : « لو دخلت على عامّة شيعتي الّذين بهم أقاتل ، الّذين اقرّوا بطاعتى وسمّوني أميرالمؤمنين واستحلّوا جهاد من خالفني فحدّثتهم شهراً ( شطرا خ ل ) ببعض ما أعلم من الحقّ في الكتاب الّذي نزل به جبرئيل على محمّد صلی الله علیه وآله جوببعض ما سمعت من رسول اللَّه صلی الله علیه وآلهج لتفرّقوا عنّي حتّى أبقى في عصابة حقّ قليلة . . . إنّ أمرنا صعب مستصعب لا يعرفه ولا يقرّ به إلّا ثلاثة ملك
ص: 33
مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد مؤمن نجيب امتحن اللَّه قلبه للإيمان »(1) .
وإلى هذا يشير سيّدنا الإمام السجّاد زين العابدين علیه السلام بقوله :
إنّي لأكتم من علمي جواهره * كيلا يرى الحقّ ذو جهل فيفتتنا
وقد تقدّم في هذا أبو حسن * إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا
فربّ جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي : أنت ممّن بعبد الوثنا
ولا ستحلّ رجال مسلمون دمى * يرون أقبح ما يأتونه حسنا(2)
عن أبي داود قال : كنّا يوما عند شعبة وفي البيت جراب معلّق في السقف . فقال أترون ذلك الجراب واللَّه لقد كتبت فيه عن الحكم عن ابن أبي ليلي عن علي - كرم اللَّه وجهه - عن النبي صلی الله علیه وآله ما لو حدّثتكم به لرقصتم ، واللَّه لا حدّثتكموه(3) .
عن عبداللَّه سليمان قال سمعت أبا جعفر علیه السلام وعنده رجل من أهل البصرة يقال له عثمان الأعمى وهو يقول إنّ الحسن البصرى يزعم أنّ الّذين يكتمون العلم يؤذي ريح بطونهم أهل النار فقال أبو جعفر علیه السلام « فهلك إذاً مؤمن آل فرعون وما زال العلم مكتوماً منذ بعث اللَّه نوحا علیه السلام فليذهب الحسن يميناً وشمالاً فواللَّه ما يوجد العلم إلّا هاهنا »(4) .
قال سلمان : لو حدّثت الناس بكلّ ما أعلم لقالوا : رحم اللَّه قاتل سلمان(5) .
ص: 34
عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال خطب سلمان فقال : « ألا أيّها الناس اسمعوا من حديثى ثمّ اعقلوه عنّي ! قد أوتيت العلم كثيراً ولو أخبرتكم بكلّ ما أعلم لقالت طائفة مجنون وقالت طائفة أخرى اللهمّ اغفر لقاتل سلمان . ألا إنّ لكم منايا تتبعها بلايا ، فإنّ عند عليّ علیه السلام علم المنايا وعلم الوصايا وفصل الخطاب على منهاج هارون بن عمران ، قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أنت وصيّي وخليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى ، ولكنّكم أصبتم سنة الأوّلين وأخطأتم سبيلكم ، والّذي نفس سلمان بيده لتركبنّ طبقاً عن طبق سنّة بني إ سرائيل القذّة بالقذّة . أما واللَّه لو ولّيتموها عليّاً لأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم ، فأبشروا بالبلاء واقنطوا من الرجاء ونابذتكم ( انذرتكم ) على سواء وانقطعت العصمة فيما بينى وبينكم من الولاء »(1) .
سئل عليّ علیه السلام عن أبي ذرّ فقال ذلك رجل وعى علما عجز عنه الناس ثمّ أوكأ عليه ولم يخرج شيئا منه(2) .
ص: 35
بسم الله الرحمن الرحیم
وَ اللَّهِ لا أَكُونُ كَالضَّبُعِ تَنَامُ عَلَى طُولِ اللَّدْمِ حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهَا طَالِبُهَا وَ يَخْتِلَهَا رَاصِدُهَا وَ لَكِنِّي أَضْرِبُ بِالْمُقْبِلِ إِلَى الْحَقِّ الْمُدْبِرَ عَنْهُ وَ بِالسَّامِعِ الْمُطِيعِ الْعَاصِيَ الْمُرِيبَ أَبَداً حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمِي فَوَاللَّهِ مَا زِلْتُ مَدْفُوعاً عَنْ حَقِّي مُسْتَأْثَراً عَلَيَّ مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا .
قول المصنف « لمّا اشير عليه علیه السلام بألّا يتبع طلحة والزبير ولا يرصد لهما القتال » اختلف في المشير عليه بذلك ، فروت العامّة كونه ابنه الحسن علیه السلام ، وروت الخاصّة كونه اسامة .
اما الاول : فهو ما ذكره الشارح المعتزلي ( ج 1 ، ص 226 ) ، ولكن الذي ذكره من الموضوعات المجعولات لوجوه عديدة لا يخفى .
واما الثاني : فروى المفيد انه لما جاء كتاب الى اميرالمؤمنين علیه السلام يخبره بخبر طلحة والزبير وعايشة دعا ابن عبّاس ومحمّد بن أبي بكر وعمّار بن ياسر وسهل بن حنيف وأخبرهم بالكتاب و بما عليه القوم من المسير فقال محمّد بن أبي بكر ما يريدون يا أمير المؤمنين ؟ فتبسّم علیه السلام وقال : « يطلبون بدم عثمان » فقال محمّد واللَّه ما قتل عثمان غيرهم ثمّ قال أمير المؤمنين « اشيروا علىّ بما اسمع منكم
ص: 36
القول فيه » فقال عمّار بن ياسر الرأى المسير ( ان نسير ) إلى الكوفة فإنّ أهلها شيعة وقد انطلق هؤلاء القوم إلى البصرة وقال ابن عبّاس الرأى عندي يا أمير المؤمنين أن تقدّم رجلاً ( رجالا ) إلى الكوفة فيبايعوا ( فيبايعون ) لك - إلى أن قال - فبينما هم في ذلك إذ دخل عليهم أسامة بن زيد بن حارثة وقال لأمير المؤمنين علیه السلام فداك أبي وأمّي لا تسر سيرا واحدا و انطلق إلى ينبع وخلف على المدينة رجلا وأقم بمالك فإنّ العرب لهم جولة ثمّ يصيرون إليك فقال له إبن عبّاس إنّ هذا القول منك يا أسامة إن كان على غير غلّ(1) في صدرك فقد أخطأت وجه الرأى فيه ليس هذا برأي بصير ، يكون واللَّه كهيئة الضبع في مغارتها فقال أسامة فما الرأى ؟ قال ما أشرت به أو ما رآه أمير المؤمنين لنفسه . ثمّ نادى أمير المؤمنين علیه السلام في الناس : تجهّزوا(2) .
واختلف المؤرخون في المكان الّذي خطب الامام فيه بهذه الخطبة فبعضهم روى انّه علیه السلام خطب بها في مكة . وبعضهم في الربذة وبعضهم في ذي قار واللَّه العالم .
وَ لَكِنِّي أَضْرِبُ بِالْمُقْبِلِ إِلَى الْحَقِّ الْمُدْبِرَ عَنْهُ وَ بِالسَّامِعِ الْمُطِيعِ الْعَاصِيَ الْمُرِيبَ أَبَداً حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمِي فَوَاللَّهِ مَا زِلْتُ مَدْفُوعاً عَنْ حَقِّي مُسْتَأْثَراً عَلَيَّ مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ص
ص: 37
وَ لَكِنِّي أَضْرِبُ بِالْمُقْبِلِ إِلَى الْحَقِّ الْمُدْبِرَ عَنْهُ . . .
قال أمير المؤمنين علیه السلام في اثناء كلام له : « وهذا طلحة والزبير ليسا من أهل النبوّة ولا من ذرّيّة الرسول حين رأيا أنّ اللَّه قد ردّ علينا حقّنا بعد أعصر فلم يصبرا حولا واحدا ولا شهرا كاملا حتّى وثبا على دأب الماضين قبلهما ليذهبا بحقّى ويفرقّا جماعة المسلمين عنّي ثمّ دعا عليهما(1) »
اما طلحة : ذكر أبو المنذر هشام بن محمّد بن السائب الكلبيّ من علماء الجمهور أن من جملة البغايا وذوات الرايات صعبة بنت الحضرمي وكانت لها راية بمكّة واستصغت بأبي سفيان فوقع عليها أبو سفيان وتزوّجها عبيداللَّه بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم فجاءت بطلحة عبيداللَّه لستّة أشهر فاختصم أبو سفيان وعبيداللَّه في طلحة فجعلا أمرهما إلى صعبة فألحقته بعبيداللَّه فقيل لها كيف تركت أبا سفيان فقالت يد عبيداللَّه طلقة ويد أبي سفيان بكرة وقال وممّن كان يلعب به ويتخنّث أبو طلحة(2) .
واما الزبير : قال مؤلف كتاب إلزام النواصب وصاحب تحفة الطالب قد ورد أن العوام كان عَبْداً لخويلد ثم أعتقه وتبنّاه(3) ولم يكن من قريش وذلك أن العرب في الجاهلية كان إذا كان لأحدهم عبد وأراد أن ينسب إلى نفسه ويلحق به نسبه
ص: 38
أعتقه وزوجه كريمة من العرب فيلحق بنسبه وكان هذا من سنن العرب .
ويصدق ذلك شعر عدي بن حاتم في عبداللَّه بن الزبير بحضرة معاوية وعنده جماعة قريش وفيهم عبداللَّه بن الزبير فقال عبداللَّه لمعاوية يا أمير المؤمنين ذرنا نكلم عديا فقد زعم أن عنده جوابا فقال إني أحذركموه فقال لا عليك دعنا وإياه فرضى معاوية فقال يا أبا طريف متى فقئت عينك فقال يوم فر أبوك وقتل شر قتلة وضربك الأشتر على استك فوقعت هاربا من الزحف وأنشد يقول
أما وأبي يا ابن الزبير لو أنني * لقيتك يوم الزحف رمت مدى شحطا
وكان أبي في طي ء وأبو أبي * صحيحين لم ينزع عروقهما القبطا
قال معاوية قد حذرتكموه فأبيتم . وقوله : صحيحين لم ينزع عروقهما القبطا
تعريض بابن الزبير بأن أباه وأبا أبيه ليسا بصحيحي النسب وأنهما من القبط ولم يستطع إبن الزبير إنكار ذلك في مجلس معاوية(1) .
في الشرح لابن أبي الحديد : لما بويع على علیه السلام كتب إلى معاوية « أمّا بعد فإن الناس قتلوا عثمان عن غير مشورة مني وبايعوني عن مشورة منهم واجتماع فإذا أتاك كتابي فبايع لى وأوقد إلى أشراف أهل الشام قبلك ، فلما قدم رسوله على معاوية وقرأ كتابه بعث رجلا من بني عميس وكتب معه كتابا إلى الزبير بن العوام وفيه : بسم اللَّه الرحمن الرحيم لعبداللَّه الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبي
ص: 39
سفيان سلام عليك ، أما بعد فإني قد بايعت لك أهل الشام فأجابوا واستوسقوا(1) كما يستوسق الجلب فدونك الكوفة والبصرة لا يسبقك إليها ابن أبي طالب فإنّه لا شي ء بعد هذين المصرين ، وقد بايعت لطلحة بن عبيداللَّه من بعدك فأظهرا الطلب بدم عثمان وادعوا الناس إلى ذلك وليكن منكما الجد والتشمير أظفركما اللَّه وخذل مناوئكما » .
فلما وصل هذا الكتاب إلى الزبير سر به وأعلم به طلحة وأقرأه إياه فلم يشكا في النصح لهما من قبل معاوية وأجمعا عند ذلك على خلاف علي علیه السلام .
قال الشارح : جاء الزبير وطلحة إلى علي علیه السلام بعد البيعة بأيام فقالا له : يا أمير المؤمنين قد رأيت ما كنا فيه من الجفوة في ولاية عثمان كلها وعلمت رأى عثمان كان في بني أمية وقد ولاك اللَّه الخلافة من بعده فولنا بعض أعمالك . فقال علیه السلام لهما : « ارضيا بقسم اللَّه لكما حتّى أرى رأيي واعلما أني لا أشرك في أمانتي إلّا من أرضي بدينه وأمانته من أصحابي ومن قد عرفت دخيلته » .
فانصرفا عنه وقد دخلهما اليأس فاستأذناه في العمرة(2) .
وروي عن إبن عبّاس ؛ أنّه قال : كنت قاعدا عند علي علیه السلام حين دخل عليه طلحة والزبير فاستأذناه في العمرة فأبى أن يأذن لهما وقال قد اعتمرتما فأعادا عليه الكلام فأذن لهما ثمّ التفت إليّ فقال « واللَّه ما يريدان العمرة وإنّما يريدان الغدرة - قلت له فلا تأذن لهما فرّدهما ثمّ قال لهما واللَّه ما تريدان العمرة وما تريدان إلّا نكثاً لبيعتكما وفرقة لأمّتكما فحلفا له فأذن لهما ثمّ التفت إليّ فقال واللَّه
ص: 40
ما يريان العمرة » قلت فلم أذنت لهما ؟ قال « حلفا لي باللَّه قال فخرجا إلى مكّة فدخلا على عايشة فلم يزالا بها حتّى أخرجاها »(1) .
وذكر أبو مخنف في كتاب الجمل أن عليا علیه السلام خطب لما سار الزبير وطلحة من مكة ومعهما عايشة يريدون البصرة فقال أيها الناس إن عايشة سارت إلى البصرة ومعها طلحة والزبير وكل منهما يرى الأمر له دون صاحبه أمّا طلحة فإبن عمها وأما الزبير فختنها واللَّه لو ظفروا بما أرادوا ولن ينالوا ذلك أبدا ليضربن أحدهما عنق صاحبه بعد تنازع منهما شديد واللَّه إن راكبة الجمل الأحمر ما تقطع عقبة ولا تحل عقدة إلّا في معصية اللَّه وسخطه حتّى تورد نفسها ومن معها موارد الهلكة إي واللَّه ليقتلن ثلثهم وليهربن ثلثهم وليتوبن ثلثهم وإنّها الّتي تنبحها كلاب الحوأب وإنّهما ليعلمان أنّهما مخطئان وربّ عالم قتله جهله ومعه علمه لا ينفعه و ( حَسْبُنَا اللَّهَ ُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ )(2) فقد قامت الفتنة فيها الفئة الباغية أين المحتسبون أين المؤمنون ما لي ولقريش أمّا واللَّه لقد قتلتهم كافرين ولأقتلنهم مفتونين وما لنا إلى عايشة من ذنب إلّا أنا أدخلناها في حيزنا واللَّه لأبقرن الباطل حتى يظهر الحقّ من خاصرته(3) .
ص: 41
بسم الله الرحمن الرحیم
اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لِأَمْرِهِمْ مِلاكاً وَ اتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْرَاكاً فَبَاضَ وَ فَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ وَ دَبَّ وَ دَرَجَ فِي حُجُورِهِمْ فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ وَ نَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ وَ زَيَّنَ لَهُمُ الْخَطَلَ فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِكَهُ الشَّيْطَانُ فِي سُلْطَانِهِ وَ نَطَقَ بِالْبَاطِلِ عَلَى لِسَانِهِ(1) .
أخذه منه علیه السلام الحجّاج فخطب بها بعد دير الجماجم فقال : « يا أهل العراق إنّ الشيطان قد استبطنكم فخالط اللحم والدم والعصب والمسامع والأطراف والأعضاء والشغاف ، ثمّ أفضى إلى الأمخاخ والأصماخ ، ثمّ ارتفع فعشّش ثمّ باض وفرّخ ، فحشاكم نفاقا وشقاقا وأشعركم خلافا ، واتخذتموه دليلا تتّبعونه وقائدا تطيعونه ومؤامرا تستشيرونه ، فكيف تنفعكم تجربة وتعظكم وقعة ، أو يحجزكم إ سلام أو ينفعكم بيان ، ألستم أصحابي بالأهواز . . . »(2) .
قال سبحانه : ( اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ )(3) .
ص: 42
وقال تعالى : ( إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ )(1) .
وقال تعالى : ( إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ )(2) .
وقال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً )(3) .
في صفين نصر بن مزاحم : حمل شمر بن عبداللَّه الخثعميّ من أهل الشام على أبي كعب رأس خثعم الكوفة فطعنه فقتله ثمّ انصرف يبكي ويقول : رحمك اللَّه يا أبا كعب لقد قتلتك في طاعة قوم أنت أمس بي رحما منهم وأحبّ إليّ نفسا منهم ولكن واللَّه ما أدري ما أقول ولا أرى الشيطان إلّا قد فتننا ولا أرى قريشا إلّا قد لعبت بنا(4) .
وفي تاريخ إبن الأثير : دخل منذر بن سعيد البلّوطيّ ، قاضي قضاة الأندلس ( المتوفى سنة 366 ) يوما على عبد الرحمن الناصر ، صاحب الأندلس ، بعد أن فرغ من بناء « الزهراء » وقصورها ، وقد قعد في قبّة مزخرفة بالذهب ، والبناء البديع الّذي لم يسبق إليه ، ومعه جماعة من الأعيان ، فقال عبد الرحمن الناصر : هل بلغكم أنّ أحدا بني مثل هذا البناء ؟ فقال له الجماعة : لم نر ، ولم نسمع بمثله ، وأثنوا ، وبالغوا ، والقاضي مطرق ، فاستنطقه عبد الرحمن ، فبكى القاضي ، وانحدرت دموعه على لحيته ، وقال : واللَّه ما كنت أظنّ أنّ الشيطان ، أخزاه اللَّه تعالى ، يبلغ منك هذا المبلغ ، ولا أن تمكّنه من قيادك هذا التمكين ، مع ما آتاك اللَّه ،
ص: 43
وفضّلك به ، حتّى أنزلك منازل الكافرين .
فقال له عبد الرحمن : انظر ما تقول ، وكيف أنزلني منزل الكافرين ؟
فقال : قال تعالى : ( وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً ) ، إلى قوله ( وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ )(1) .
فوجم عبد الرحمن وبكى ، وقال : . . . أكثر اللَّه في المسلمين مثلك(2) .
قال تعالى :
( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمْ الْخَاسِرُونَ )(3) .
عن محمّد بن عيسى ، قال : كتب إلىّ أبو الحسن العسكريّ ابتداء منه ، « لعن اللَّه القاسم اليقطينيّ ولعن اللَّه عليّ بن حسكة القمّيّ ، إنّ شيطانا تراءى للقاسم فيوحى إليه زخرف القول غرورا »(4) .
عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « إنّ بيانا جبناناج والسريّ وبزيعا لعنهم اللَّه تراءى لهم الشيطان في أحسن ما يكون صورة آدميّ من قرنه إلى سرّته »(5) .
ص: 44
عن زرارة عن أبي جعفر علیه السلام قال : سمعته يقول كان الحجاج ابن الشيطان يباضع ذي الردهة ، ثم قال : « إن يوسف دخل على أم الحجاج فأراد أن يصيبها ، فقالت : أ ليس إنما عهدك بذلك الساعة فأمسك عنها فولدت الحجاج »(1) .
عن زرارة قال كان يوسف أبو الحجاج صديقا لعلي بن الحسين علیه السلام وأنه دخل على امرأته فأراد أن يضمها - أعني أم الحجاج قال : فقالت له : أ ليس إنما عهدك بذاك الساعة قال فأتى علي بن الحسين فأخبره فأمره أن يمسك عنها فأمسك عنها فولدت بالحجاج وهو إبن شيطان ذي الردهة(2) .
في المروج : ولد الحجاج بن يوسف مشوها لا دبر له ، فثقب عن دبره ، وأبى أن يقبل ثدي أمه أو غيرها ، فأعياهم أمره ، فيقال : إن الشيطان تصور لهم في صورة الحارث بن كلدة ، فقال : ما خبركم ؟ فقالوا : ابن ولد ليوسف . . . فقال : اذبحوا جديا أسود وأولغوه دمه ، فإذا كان في اليوم الثاني فافعلوا به كذلك ، فإذا كان في اليوم الثالث فاذبحوا له تيسا أسود وأولغوه دمه ، ثم اذبحوا له أسود سالخا - أي الأسود من الحيات - فأولغوه دمه واطلو به وجهه ، فإنّه يقبل الثدى في اليوم الرابع ، قال : ففعلوا به ذلك ، فكان بعد لا يصبر عن سفك الدماء(3) .
عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « الآباء ثلاثة آدم ولد مؤمنا والجانّ ولد مؤمنا وكافرا وإبليس ولد كافرا وليس فيهم نتاج إنّما يبيض ويفرخ
ص: 45
وولده ذكور ليس فيهم إناث »(1) .
عن زيد بن عليّ عن آبائه : قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله « إنّ اللَّه تعالى حين أمر آدم أن يهبط هبط آدم وزوجته وهبط إبليس ولا زوجة له وهبطت الحيّة ولا زوج لها فكان أوّل من يلوط بنفسه إبليس فكانت ذرّيّته من نفسه وكذلك الحيّة وكانت ذرّيّة آدم من زوجته فأخبرهما أنّهما عدوّان لهما »(2) .
روى زكريّا بن يحيى القطّان عن فضيل بن الزبير عن أبي الحكم قال : سمعت مشيختنا وعلماءنا يقولون خطب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام فقال في خطبته « سلوني قبل أن تفقدوني فو اللَّه لا تسألونّي عن فئة تضلّ مائة وتهدي مائة إلّا نبّأتكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة » فقام إليه رجل فقال أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر فقام أمير المؤمنين علیه السلام وقال : « واللَّه لقد حدّثني خليلي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بما سألت عنه وإنّ على كلّ طاقة شعر في رأسك ملكا يلعنك وعلى كلّ طاقة شعر في لحيتك شيطانا يستفزّك وإنّ في بيتك لسخلا يقتل ابن رسول اللَّه وآية ذلك مصداق ما خبّرتك به ولو لا أنّ الّذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرتك به ولكن آية ذلك ما نبّأت به عن لعنتك وسخلك الملعون » وكان إبنه في ذلك الوقت صبيّا صغيرا يحبو فلمّا كان من أمر الحسين علیه السلام ما كان تولّى قتله وكان الأمر كما قال أمير المؤمنين علیه السلام(3) .
ص: 46
في البحار الأنوار : السائل هو ابو الحصين تميم بن أسامة بن زهير بن دريد التميمي(1) .
روى عامر عن النبي صلی الله علیه وآله : « إن الشيطان يأتي القوم في صورة الرجل يعرفون وجهه ولا يعرفون نسبه فيحدثهم فيقولون حدثنا فلان ما اسمه ؟ ليس يعرفونه »(2) .
عن بريد العجلي قال : سألت أبا عبداللَّه علیه السلام عن قول اللَّه عزّوجلّ ( هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ )(3) قال : « هم سبعة : المغيرة بن سعيد ، وبيان ، وصائد النهدي ، والحارث الشامي ، وعبداللَّه بن الحارث ، وحمزة بن عمارة البربري ، وأبو الخطاب »(4) .
عن أبي عبداللَّه علیه السلام وذكر الغلاة ، فقال : « إنّ فيهم من يكذب حتّى أنّ الشيطان ليحتاج إلى كذبه »(5) .
عن زرارة ، قال قال أبو عبداللَّه علیه السلام : « أخبرني عن حمزة أ يزعم أن أبي آتيه ؟ » قلت نعم ، قال : « كذب واللَّه ما يأتيه إلّا المتكوّن ، إنّ إبليس سلّط شيطانا يقال له
ص: 47
المتكوّن يأتي الناس في أيّ صورة شاء ، إن شاء في صورة صغيرة وإن شاء في صورة كبيرة ، ولا واللَّه ما يستطيع أن يجي ء في صورة أبي علیه السلام »(1) .
عن الصادق علیه السلام قال لأصحاب أبي الخطاب : « إنّ شيطانا يقال له المذهب يأتي في كلّ صورة إلّا أنّه لا يأتي في صورة نبيّ ولا وصيّ نبيّ ، ولا أحسبه إلّا وقد ترأى لصاحبكم . . . »(2) .
عن الصادق علیه السلام : « إنّ إبليس إتّخذ عرشا فيما بين السماء والأرض ، واتّخذ زبانية(3) كعدد الملائكة فإذا دعا رجلا فأجابه ووطى ء عقبه وتخطّت إليه الأقدام ، تراءى له إبليس ورفع إليه(4) » .
أتى الفرزدق الحسن البصري فقال : إنّي قد هجوت إبليس فاسمع . فقال : لا حاجة لنا بما تقول . قال : لتسمعن أو لاخرجن فأقول : إن الحسن ينهى عن هجاء إبليس ، فقال الحسن : أسكت فإنّك عن لسانه تنطق(5) .
عن محمّد بن مسلم قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « إنّ العبد يوقظ ثلاث مرّات من الليل فإن لم يقم أتاه الشيطان فبال في أذنه »(6) .
ص: 48
عن إ سحاق بن جرير قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول إنّ شيطاناً يقال له القفندر إذا ضرب في منزل الرجل أربعين صباحا بالبربط ودخل عليه الرجال وضع ذلك الشيطان كلّ عضو منه على مثله من صاحب البيت ثمّ نفخ فيه نفخة فلا يغار بعد هذا حتّى تؤتى نساؤه فلا يغار(1) .
عن أبي داود المسترقّ قال : من ضرب في بيته بربط أربعين يوما سلّط اللَّه عليه شيطانا يقال له القفندر فلا يبقى عضوا من أعضائه إلّا قعد عليه فإذا كان كذلك نزع منه الحياء ولم يبال ما قال ولا ما قيل فيه(2) .
كان محمد بن سعد بن أبي وقاص - وهو أخو عمر إبن سعد - يلقب ظل الشيطان لقصره(3) .
عن الحسن بن عليّ بن يقطين عن أبي جعفر علیه السلام قال : « من أصغى إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق يؤدّي عن اللَّه عزّوجلّ فقد عبداللَّه وإن كان الناطق يؤدّي عن الشيطان فقد عبد الشيطان »(4) .
عن أبي عبداللَّه عن آبائه علیه السلام أنّ النبيّ صلی الله علیه وآله قال لأصحابه : « ألا أخبركم بشي ء إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم كما تباعد المشرق من المغرب » قالوا بلى قال : « الصوم يسوّد وجهه والصدقة تكسر ظهره والحبّ في اللَّه والموازرة على العمل الصالح يقطع دابره والاستغفار يقطع وتينه ولكلّ شي ء زكاة وزكاة الأبدان الصيام »(5) .
ص: 49
بسم الله الرحمن الرحیم
يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ بَايَعَ بِيَدِهِ وَ لَمْ يُبَايِعْ بِقَلْبِهِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْبَيْعَةِ وَ ادَّعَى الْوَلِيجَةَ فَلْيَأْتِ عَلَيْهَا بِأَمْرٍ يُعْرَفُ وَ إِلّا فَلْيَدْخُلْ فِيمَا خَرَجَ مِنْهُ .
في الشرح : لما خرج الزبير وطلحة من المدينة إلى مكة لم يلقيا أحدا إلّا وقالا له ليس لعلي في أعناقنا بيعة وإنّما بايعناه مكرهين فبلغ عليّا علیه السلام قولهما فقال : « أبعدهما اللَّه وأغرب(1) دارهما أما واللَّه لقد علمت أنّهما سيقتلان أنفسهما أخبث مقتل ويأتيان من وردا عليه بأشأم يوم واللَّه ما العمرة يريدان ولقد أتياني بوجهي فاجرين ورجعا بوجهي غادرين ناكثين واللَّه لا يلقيانني بعد اليوم إلّا في كتيبة خشناء(2) يقتلان فيها أنفسهما فبعدا لهما وسحقا »(3) .
روى نصر بن مزاحم(4) أنّ أمير المؤمنين علیه السلام حين وقع القتال وقتل طلحة -
ص: 50
تقدّم على بغلة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله الشهباء بين الصفّين فدعا الزبير فدنا إليه حتّى اختلف أعناق دابّتيهما فقال : « يا زبير أنشدك باللَّه أ سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول إنّك ستقاتل عليّا وأنت له ظالم ؟ » قال : نعم ، قال : « فلم جئت ؟ » قال : جئت لأصلح بين الناس فأدبر الزبير وهو يقول :
ترك الأمور الّتي تخشى عواقبها * للَّه أجمل في الدنيا وفي الدين
أتى عليّ بأمر كنت أعرفه * قد كان عمر أبيك الخير مذ حين
فقلت حسبك من عذل أبا حسن * بعض الّذي قلت هذا اليوم يكفيني
فاخترت عارا على نار مؤجّجة * أنّى يقوم لها خلق من الطين
نبّئت طلحة وسط النقع منجدلا * مأوى الضيوف ومأوى كلّ مسكين
قد كنت أنصر أحيانا وينصرنى * في النائبات ويرمى من يراميني
حتّى ابتلينا بأمر ضاق مصدره * فاصبح اليوم ما يعنيه يعنيني
قال وأقبل الزبير على عايشة فقال يا أمّه ما لي في هذا بصيرة وإنّى منصرف فقالت عايشة يا أبا عبداللَّه أ فررت من سيوف إبن أبي طالب فقال إنّها واللَّه طوال حداد تحملها فتية أنجاد(1) ثمّ خرج راجعا فمرّ بوادي السباع وفيه الأحنف بن قيس قد اعتزل من بني تميم فأخبر الأحنف بإنصرافه فقال ما أصنع به إن كان الزبير ألقى بين غارتين من المسلمين وقتل أحدهما بالآخر ثمّ هو يريد اللحاق بأهله فسمعه إبن جرموز فخرج هو ورجلان معه وقد كان لحق بالزّبير رجل من كليب ومعه غلامه فلمّا أشرف ابن جرموز وصاحباه على الزبير فحرّك الرجلان رواحلهما وخلّفا الزبير وحده فقال لهما الزبير ما لكما هم ثلاثة ونحن ثلاثة فلمّا
ص: 51
أقبل إبن جرموز قال له الزبير إليك عنّي فقال إبن جرموز يا أبا عبداللَّه إنّي جئتك لأسألك عن أمور الناس ، قال : تركت الناس يضرب بعضهم وجوه بعضهم بالسّيف قال : إبن جرموز أخبرني عن أشياء أسألك عنها قال : هات ، قال : أخبرني عن خذلك عثمان وعن بيعتك عليّا وعن نقضك بيعته وعن إخراجك عايشة وعن صلاتك خلف إبنك وعن هذا الحرب الّتي جنيتها وعن لحوقك بأهلك . فقال : أمّا خذلي عثمان فأمر قدّم اللَّه فيه الخطيئة وأخّر فيه التوبة - وأمّا بيعتي عليّا فلم أجد منها بدّا إذ بايعه المهاجرون والأنصار وأمّا نقضي بيعته فإنّما بايعته بيدي دون قلبي وأمّا إخراجي أمّ المؤمنين فأردنا أمرا وأراد اللَّه أمرا غيره وأمّا صلاتي خلف إبني فإنّ خالته قدّمته فتنحّى إبن جرموز عنه وقال قتلني اللَّه إن لم أقتلك(1) .
وفي شرح المعتزلي بعد ما ذكر سؤال إبن جرموز وجواب الزبير قال : فسار إبن جرموز معه وكلّ واحد منهما يتّقى الآخر فلمّا حضرت الصلاة قال الزبير : يا هذا إنا نريد أن نصلّى .
فقال إبن جرموز : وأنا أريد ذلك فقال الزبير : فتؤمنى وأؤمنك ، قال : نعم فثنى الزبير رجله وأخذ وضوءه فلمّا قام إلى الصلاة شد إبن جرموز عليه فقتله وأخذ رأسه وخاتمه وسيفه وحثا عليه ترابا يسيرا ورجع إلى الأحنف فأخبره فقال : واللَّه ما أدري أسأت أم أحسنت إذهب إلى علي علیه السلام فأخبره فجاء إلى علي علیه السلام فقال للآذن قل له عمرو بن جرموز بالباب ومعه رأس الزبير وسيفه فأدخله وفي كثير من الروايات أنّه لم يأت بالرأس بل بالسيف فقال له : وأنت قتلته ، قال : نعم ، قال علیه السلام : « واللَّه ما كان إبن صفية جبانا ولا لئيما ولكن الحين ومصارع السوء » ثمّ
ص: 52
قال علیه السلام : « ناولني سيفه فناوله فهزه وقال : سيف طالما جلى به الكرب عن وجه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله » فقال إبن جرموز : الجائزة يا أمير المؤمنين ، فقال : « أمّا إنّي سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : بشر قاتل إبن صفية بالنار » ، فخرج إبن جرموز خائبا وقال :
أتيت عليّا برأس الزبير * أبغي به عنده الزلفة
فبشّر بالنّار يوم الحساب * فبئست بشارة ذي التحفة
فقلت له إن قتل الزبير * لو لا رضاك من الكلمة
فإن ترض ذاك فمنك الرضا * وإلّا فدونك لي حلقة
وربّ المحلّين والمحرمّين * وربّ الجماعة والألفة
لسيان عندي قتل الزبير * وضرطة عنز بذي الجحفة
ثم خرج إبن جرموز على علي علیه السلام مع أهل النهر فقتله معهم فيمن قتل(1) .
وكان قتله في جمادي الأولى سنة ست وثلاثين ، وله ست أو سبع وستون سنة(2) .
ص: 53
بسم الله الرحمن الرحیم
وَ قَدْ أَرْعَدُوا وَ أَبْرَقُوا وَ مَعَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ الْفَشَلُ وَ لَسْنَا نُرْعِدُ حَتَّى نُوقِعَ وَ لا نُسِيلُ حَتَّى نُمْطِرَ .
روى المفيد : وبلغ أمير المؤمنين علیه السلام لغط(1) القوم وإجتماعهم على حربه فقام في الناس خطيبا . . . ثمّ قال « أيّها الناس إنّ طلحة والزبير قدما البصرة وقد إجتمع أهلها على طاعة اللَّه وبيعتي فدعواهم إلى معصية اللَّه وخلافي فمن أطاعهما منهم فتنوه ومن عصاهما قتلوه وقد كان من قتلهما حكيم بن جبلة ما بلغكم وقتلهما السبابجة وفعالهما ( فعلهما ) بعثمان بن حنيف ما لم يخف عليكم وقد كشفوا الآن القناع وآذنوا بالحرب وقام طلحة بالشّتم والقدح في أديانكم وقد أرعد وصاحبه وأبرقا وهذان امرءان ( امران ) معهما الفشل » - إلى أن قال - « ولسنا نرعد حتّى نوقع ولا نسيل حتّى نمطر وقد خرجوا من هدى إلى ضلال ، دعوناهم إلى الرضا ، ودعونا إلى السخط ، فحلّ لنا ولكم ردّهم إلى الحقّ والقتال ، وحلّ لهم بقصاصهم القتل ، وقد واللَّه مشوا إليكم ضراراً وأذاقوكم أمسّ من الجمر(2) فإذا لقيتم القوم
ص: 54
غدا فاغدوا في الدعاء وأحسنوا في التقيّة و( اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ )(1) ، ( وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )(2) » .
فقام إليه حبيب بن يساف(3) حتّى وقف بين يديه وقال :
أبا حسن أيقظت من كان نائما
وما كلّ من يدعى إلى الحقّ يسمع(4)
عن إبن محبوب رفعه أنّ أمير المؤمنين علیه السلام خطب يوم الجمل وقال : « وقد كنت وما أهدّد بالحرب ولا أرهب بالضّرب أنصف القارة من راماها فلغيري فليبرقوا وليرعدوا فأنا أبو الحسن الّذي فللت حدّهم وفرّقت جماعتهم »(5) .
أي الجبن .
روى الوافديّ قال حدّثني عبداللَّه بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب علیه السلام عن أبيه قال : لمّا سمع أبي أصوات الناس يوم الجمل وقد إرتفعت فقال لإبنه محمّد ما يقولون ؟ قال : يقولون يا ثارات عثمان ، قال : فشدّ عليه وأصحابه يهشّون(6)
ص: 55
في وجهه يقولون الشمس إرتفعت الشمس إرتفعت وهو يقول « الصبر أبلغ في الحجّة » .
ثمّ قام خطيبا يتوكّأ على قوس عربيّة وقال : « أمّا بعد فإنّ الموت طالب حثيث(1) لا يفوته الهارب ولا يعجزه فاقدموا ولا تنكلوا(2) وهذه الأصوات الّتي تسمعونها من عدوّكم فشل واختلاف(3) » .
وكما أنّ الإرعاد والإبراق والصياح والجلبة علامة الفشل ، كذلك السكوت والصمت علامة الإطمينان بالغلبة - ولمّا بعث قريش يوم بدر عمرو بن وهب الجمحي ليرى عسكر النبيّ صلی الله علیه وآله صعد وصوب ثم رجع إليهم وقال : نواضح يثرب قد حملت السمّ الناقع ، أما ترونهم خرسى لا يتكلمون يتلمظون تلمظ الأفاعي ما لهم ملجأ إلّا سيوفهم(4) .
عن معاذ بن عبيداللَّه التميميّ قال لمّا قدمنا البصرة مع عايشة وأقمنا ندعو الناس إلى نصرتنا - إلى أن قال - وتقدّم عليّ والراية بين كتفيه وجرّد سيفه وضرب رجلا فأبان زنده ثمّ إنتهى إلى الجمل وقد اجتمع الناس حوله واختلطوا وأحدقوا به من كلّ جانب وناحية واستجنّ الناس تحت بطان الجمل فانظر واللَّه إلى
ص: 56
عليّ علیه السلام يصيح بمحمّد بن أبي بكر « اقطع البطان » وأرى عليّا قد قتل ممّن أخذ بخطام الجمل عشرة بيده وكلّما قتل رجلا مسح سيفه بثيابه ثمّ جاوزه حتّى صرنا في أيديهم كأنّنا غنم نساق فانصرمنا ( فانصرفنا ) حينئذ أمرنا وتلاومنا وندمنا(1) .
وفي خلفاء إبن قتيبة : شق علي علیه السلام في عسكر القوم يطعن ويقتل ، ثم خرج وهو يقول : الماء الماء ، فأتاه رجل بإداوة فيها عسل فقال له : يا أمير المؤمنين ، أما الماء فإنّه لا يصلح لك في هذا المقام ، ولكن أذوقك هذا العسل فقال : هات فحسا (ع) منه حسوة ، ثم قال : إن عسلك لطائفى ، قال الرجل : لعجبا منك واللَّه يا أمير المؤمنين ، لمعرفتك الطائفى من غيره في هذا اليوم ، وقد بلغت القلوب الحناجر . فقال له علي علیه السلام : « إنّه واللَّه يابن أخي ما ملأ صدر عمك شي ء قط ، ولا هابه شي ء ثم أعطى الراية لإبنه » ، وقال : « هكذا فاصنع »(2) .
وروي أنّ كاتب حدود الروم كتب إلى المعتصم أنّ أبا قيس الرومي حاكم قلعة عمورية أمسك أمرأة من المسلمين يعذّبها وهي تصيح وا محمّداه وا معتصماه وأبو قيس يستهزء بها ويقول : إنّ المعتصم يركب مع جنوده على خيل بلق يأتي إلى ويستخرجك من عذابي ، فلمّا ورد عليه الكتاب كان خادمه معه قدح من ماء السكر يشربه المعتصم ، فقال له : احفظ هذا ولا تناولنيه إلّا في بيت المرأة المسلمة ، فخرج من سرّ من رأى وأمر بعساكره أن لا يركب إلّا من عنده فرس أبلق فاجتمع عنده ثمانون ألفا يركوبن خيلا بلقا ، وكان المنجّمون أشاروا عليه بأن لا يسافر وأن قلعة عمورية لا تفتح على يديه .
ص: 57
فقال إنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال : « من صدّق منجّما فقد كذب ما أنزل اللَّه على محمّد(1) فسار إلى القلعة وحصرها مدّة وكان الشتاء في غاية البرد » فخرج المعتصم يوما من خيمته ووجد العسكر واقفا من شدّة البرد لا يقدرون على رمى السهام ، فأمر بمأتى قوس وركب إلى حصار القلعة بنفسه فلمّا رآه جنوده ركضوا على القلعة من أطرافها وفتحوها فسأل عن المرأة فدلوه عليها واعتذر لديها ، وقال : إنّك ندبتنى من عمورية وسمعتك من سامرا وقلت : لبّيك ، فها أنا ركبت على الخيل البلق واخذت بطلامتك ، ثمّ أمر خادمه باحضار ماء السكر فشربه وقال : الآن طاب الشراب واحتوى على ما فيها من الأموال وقتل ثلاثين ألف أو أزيد(2) .
ص: 58
بسم الله الرحمن الرحیم
أَلا وَ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ جَمَعَ حِزْبَهُ وَ اسْتَجْلَبَ خَيْلَهُ وَ رَجِلَهُ وَ إِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي مَا لَبَّسْتُ عَلَى نَفْسِي وَ لا لُبِّسَ عَلَيَّ وَ ايْمُ اللَّهِ لأُفْرِطَنَّ لَهُمْ حَوْضاً أَنَا مَاتِحُهُ لا يَصْدُرُونَ عَنْهُ وَ لا يَعُودُونَ إِلَيْهِ .
قال تعالى : ( وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً )(1) .
بحار الأنوار ( ط . - بيروت ) ج 60 ، 175 باب 3 إبليس لعنه اللَّه وقصصه وبدء خلقه ومكايده ومصايده وأحوال ذريته والاحتراز عنهم أعاذنا اللَّه من شرورهم . . . ص : 131 .
عن إبن عبّاس أنّه قال كلّ راكب أو راجل في معصية اللَّه فهو من خيل إبليس وجنوده ويدخل فيه كلّ راكب وماش في معصية اللَّه فخيله ورجله كلّ من شاركه
ص: 59
في الدعاء إلى المعصية(1) .
قال تعالى : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي )(2) .
عن أبي جعفر علیه السلام في قوله تعالى : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي ) ، قال : « ذاك رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وأمير المؤمنين علیه السلام والأوصياء من بعدهم »(3) .
وقال تعالى : ( بَلْ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ )(4) .
عن أبي الحسن الرضا علیه السلام أنّه قال : « لنا أعين لا تشبه أعين الناس وفيها نور وليس للشيطان فيه شرك »(5) .
عن أبي عبداللَّه علیه السلام أن في الإمام آيه للمتوسمين ، وهو السبيل المقيم ينظر بنور اللَّه وينطق عن اللَّه - لا يعزب عليه جعنه ج شي ء ممّا أراد(6) .
عن أبي جعفر علیه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ )(7) قال : « هم الأئمّة قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله إتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور اللَّه في قوله
ص: 60
( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) »(1) .
عن سلمان الفارسيّ 2 قال سمعت أمير المؤمنين علیه السلام يقول في قول اللَّه عزّوجلّ « ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) فكان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يعرف الخلق بسيماهم وأنا بعده المتوسّم والأئمّة من ذرّيّتي المتوسّمون إلى يوم القيامة »(2)
ص: 61
بسم الله الرحمن الرحیم
تَزُولُ الْجِبَالُ وَ لا تَزُلْ عَضَّ عَلَى نَاجِذِكَ أَعِرِ اللَّهَ جُمْجُمَتَكَ تِدْ فِي الْأَرْضِ قَدَمَكَ ارْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى الْقَوْمِ وَ غُضَّ بَصَرَكَ وَ اعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ .
الأصل في كلامه علیه السلام قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ )(1) .
بعث علیه السلام إلى ولده محمّد إبن الحنفية ، وكان صاحب رايته : أحمل على القوم ، فأبطأ محمّد بحملته ، وكان بإزائه قوم من الرماة ينتظر نفاد سهامهم ، فأتاه علي علیه السلام فقال : « هلا حملت » ، فقال : لا أجد متقدّما إلّا علي سهم أو سنان ، وإنّي منتظر نفاد سهامهم وأحمل ، فقال علیه السلام له : « أحمل بين الأسنة ، فإن للموت عليك جنّة »(2) .
ص: 62
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )(1) .
قال أمير المؤمنين علیه السلام : « من أكثر النظر في العواقب لم يشجع »(2) .
خرجت عايشة من البصرة ، وقد بعث أمير المؤمنين علیه السلام معها على أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر وثلاثين رجلا وعشرين امرأة من ذوات الدين من عبد القيس وهمدان وغيرهما ، ألبسهن العمائم وقلدهن السيوف ، وقال لهن : « لا تعلمن عايشة أنكن نسوة وتلثّمن كأنكن رجال وكن اللاتي تلين خدمتها وحملها » فلمّا أتت المدينة قيل لها : كيف رأيت مسيرك ؟ قالت : بعث علي بن أبي طالب علیه السلام معي رجالا أنكرتهم فعرفها النسوة أمرهن(3) .
وقال اليعقوبي : وجه علیه السلام معها سبعين إمرأة من عبد القيس في ثياب الرجال ، حتّى وافوا بها المدينة(4) .
وقيل : مع ثلاثين إمرأة .
ص: 63
في نسب محمّد بن الحنفية من قبل أمّه والإشارة إلى بعض اوصافه ومناقبه
اقول : إ سمه محمّد وكنيته أبو القاسم برخصة من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ولم يرخّص في حقّ غيره أن يكنّي به كما عن إبن خلّكان في تاريخه .
وأمّه ، خولة بنت جعفر إبن قيس من قبيلة بني حنيفة وهي سبب إ شتهاره بإبن الحنفية .
في الشرح : أم محمّد 2 خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل . واختلف في أمرها .
فقال قوم إنّها سبية من سبايا الردة قوتل أهلها على يد خالد بن الوليد في أيام أبي بكر لمّا منع كثير من العرب الزكاة وارتدت بنو حنيفة وأدعت نبوة مسيلمة وانّ أبا بكر دفعها إلى علي علیه السلام من سهمه في المغنم .
وقال قوم منهم أبو الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني هي سبية في أيّام رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بعث رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عليّا إلى اليمن فأصاب خولة في بني زبيد وقد ارتدوا مع عمرو بن معديكرب وكانت زبيد سبتها من بني حنيفة في غارة لهم عليهم فصارت في سهم علي علیه السلام فقال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « إن ولدت منك غلاما فسمه بإ سمي وكنه بكنيتي فولدت له بعد موت فاطمة 3 محمدا فكنّاه أبا القاسم » .
وقال قوم وهم المحقّقون وقولهم الأظهر إن بني أسد أغارت على بني حنيفة في خلافة أبي بكر فسبوا خولة بنت جعفر وقدموا بها المدينة فباعوها من علي علیه السلام ،
ص: 64
وبلغ قومها خبرها فقدموا المدينة على علي علیه السلام فعرفوها وأخبروه بموضعها منهم فأعتقها ومهرها وتزوجها فولدت له محمّدا فكنّاه أبا القاسم .
وهذا القول هو إختيار أحمد بن يحيى البلاذري في كتابه المعروف بتاريخ الأشراف(1) .
ولد في سنة ستّة عشر من الهجرة ومات في ربيع الأوّل من سنة أحد وثمانين وقيل أربع وثمانين بعد الهجرة وقد مضى من عمره خمس وستّين سنة(2) .
وروى عن جاحظ انّه قال وامّا محمّد بن حنفيّة فقد اقرّ الصادر والوارد ، والحاضر والبادي انّه كان واحد دهره ورجل عصره وكان أتمّ الناس تماما وكمالا انتهي(3) .
أقول : بعد أخويه الحسن والحسين 8 .
حدّث النوفلي في كتابه في الأخبار عن الوليد بن هشام المخزومي ، قال : خطب إبن الزبير فنال من علي ، فبلغ ذلك إبنه محمّد بن الحنفية فجاء حتّى وضع له كرسي قدامه ، فعلاه ، وقال : يا معشر قريش ، شاهت الوجوه ! أ ينتقص علي وأنتم حضور ؟ إنّ عليّا كان سهما صادقا أحد مرامي اللَّه على اعدائه يقتلهم لكفرهم ويهوّعهم مآكلهم ، فثقل عليهم ، فرموه بقرفة الأباطيل ، فإن تكن لنا في الأيّام دولة ننثر عظامهم ونحسر عن أجسادهم ، والأبدان يومئذ بالية ، ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا
ص: 65
أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ )(1) ، فعاد إبن الزبير إلى خطبته ، وقال : عذرت بني الفواطم يتكلّمون فما بال إبن الحنفية ؟ فقال محمد : يا إبن أم رومان ، وما لي لا أتكلم ؟ أ ليست فاطمة بنت محمّد صلی الله علیه وآله حليلة أبي وأم إخوتي ؟ أو ليست فاطمة بنت أسد بن هاشم جدتي ؟ أو ليست فاطمة بنت عمرو بن عائذ جدة أبي ؟ أما واللَّه لو لا خديجة ينت خويلد ما تركت في بني أسد عظما إلّا هشمته(2) .
قال في الشرح : كان علي علیه السلام يقذف بمحمّد في مهالك الحرب ويكفّ حسنا وحسينا عنها وقيل لمحمد لم يغرر بك أبوك في الحرب ولا يغرر بالحسن والحسين 8 فقال : « إنّهما عيناه وأنا يمينه فهو يدفع عن عينيه بيمينه »(3) .
وقال : « لمّا تقاعس محمّد يوم الجمل عن الحملة وحمل علي علیه السلام بالرّاية فضعضع أركان عسكر الجمل دفع إليه الراية وقال امح الأولى بالأخرى وهذه الأنصار معك .
وضم إليه خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين في جمع من الأنصار كثير منهم من أهل بدر فحمل حملات كثيرة أزال بها القوم عن مواقفهم وأبلى بلاء حسنا فقال خزيمة بن ثابت لعلي علیه السلام أما إنّه لو كان غير محمّد اليوم لافتضح ولئن كنت خفت عليه الحين وهو بينك وبين حمزة وجعفر لمّا خفناه عليه وإن كنت اردت أن تعلمه الطعان فطالما علمته الرجال .
وقالت الأنصار يا أمير المؤمنين علیه السلام لو لا ما جعل اللَّه تعالى للحسن والحسين
ص: 66
لما قدمنا على محمّد أحدا من العرب فقال علي علیه السلام : « أين النجم من الشمس والقمر أمّا إنّه قد أغنى وأبلى وله فضله ولا ينقص فضل صاحبيه عليه وحسب صاحبكم ما انتهت به نعمة اللَّه تعالى إليه » ، فقالوا يا أمير المؤمنين علیه السلام : إنّا واللَّه لا نجعله كالحسن والحسين ولا نظلمهما له ولا نظلمه لفضلهما عليه حقّه . فقال علي علیه السلام : « أين يقع ابني من ابني بنت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله » فقال خزيمة بن ثابت فيه :
محمّد ما في عودك اليوم وصمة
ولا كنت في الحرب الضروس معردا(1)
أبوك الّذي لم يركب الخيل مثله
علي وسمّاك النبي محمّدا
فلو كان حقا من أبيك خليفة
لكنت ولكن ذاك ما لا يرى بدا
وأنت بحمداللَّه أطول غالب(2)
لسانا وأنداها بما ملكت يدا
وأقربها من كل خير تريده
قريش وأوفاها بما قال موعدا
وأطعنهم صدر الكمي برمحه
وأكساهم للهام عضبا مهندا
ص: 67
سوى أخويك السيدين كلاهما
إمام الورى والداعيان إلى الهدى
أبى اللَّه أن يعطى عدوّك مقعدا
من الأرض أو في الأوج مرقى ومصعدا(1)
دعا أمير المؤمنين علیه السلام محمّد بن الحنفيّة يوم الجمل فأعطاه رمحه وقال له :
« إقصد بهذا الرمح قصد الجمل » فذهب فمنعوه بنو ضبّة فلمّا رجع إلى والده انتزع الحسن رمحه من يده وقصد قصد الجمل وطعنه برمحه ورجع إلى والده وعلى رمحه أثر الدم فتمعّر(2) وجه محمّد من ذلك فقال أمير المؤمنين علیه السلام لا تأنف فإنّه إبن النبيّ صلی الله علیه وآله وأنت إبن علي علیه السلام(3) .
عن المفضّل بن عمر عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : لمّا حضرت الحسن بن عليّ علیه السلام الوفاة قال : « يا قنبر انظر هل ترى من وراء بابك مؤمنا من غير آل محمّد : » فقال : اللَّه تعالى ورسوله وإبن رسوله أعلم به منّي ، قال : « أدع لي محمّد بن عليّ » فأتيته فلمّا دخلت عليه قال : « هل حدّث إلّا خير » ، قلت : أجب أبا محمّد . فعجّل على شسع نعله فلم يسوّه وخرج معي يعدو فلمّا قام بين يديه سلّم . فقال له الحسن بن عليّ علیه السلام : « إجلس فإنّه ليس مثلك يغيب عن سماع كلام يحيا به الأموات ويموت به الأحياء كونوا أوعية العلم ومصابيح الهدى فإنّ ضوء النهار بعضه أضوأ من بعض أ ما علمت أنّ اللَّه جعل ولد إبراهيم علیه السلام أئمّة وفضّل بعضهم على بعض
ص: 68
وآتي داود زبورا وقد علمت بما استأثر به محمّدا صلی الله علیه وآله - يا محمّد بن عليّ إنّي أخاف عليك الحسد وإنّما وصف اللَّه به الكافرين فقال اللَّه عزّوجلّ - ( كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ )(1) ولم يجعل اللَّه عزّوجلّ للشيطان عليك سلطانا يا محمّد بن عليّ ألا أخبرك بما سمعت من أبيك فيك ؟ » قال : بلى ، قال : « سمعت أباك علیه السلام يقول يوم البصرة من أحبّ أن يبرّني في الدنيا والآخرة فليبرّ محمّدا ولدي يا محمّد بن عليّ لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك يا محمّد بن عليّ أ ما علمت أنّ الحسين بن عليّ علیه السلام بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدي وعنداللَّه جلّ اسمه في الكتاب وراثة من النبي صلی الله علیه وآله أضافها اللَّه عزّوجلّ له في وراثة أبيه وأمّه فعلم اللَّه أنّكم خيرة خلقه فاصطفى منكم محمّدا صلی الله علیه وآله واختار محمّد عليّا علیه السلام واختارني عليّ علیه السلام بالإمامة واخترت أنا الحسين علیه السلام » ، فقال له محمّد بن عليّ أنت إمام وأنت وسيلتي إلى محمّد صلی الله علیه وآله واللَّه لوددت أنّ نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام ألا وإنّ في رأسي كلاما لا تنزفه الدلاء ( 2 ) ولا تغيّره نغمة الرياح كالكتاب المعجم في الرقّ المنمنم(2) أهمّ بإبدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل أو ما جاءت به الرسل وإنّه لكلام يكلّ به لسان الناطق ويد الكاتب حتّى لا يجد قلما ويؤتوا بالقرطاس حمما(3) فلا يبلغ إلى فضلك وكذلك يجزي اللَّه المحسنين ولا قوّة إلّا باللَّه - الحسين أعلمنا علما وأثقلنا حلما وأقربنا من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله رحما كان فقيها
ص: 69
قبل أن يخلق وقرأ الوحي قبل أن ينطق ولو علم اللَّه في أحد خيرا ما اصطفى محمّدا صلی الله علیه وآله فلمّا اختار اللَّه محمّدا واختار محمّد عليّا واختارك عليّ إماما واخترت الحسين سلّمنا ورضينا من هو بغيره يرضى ومن غيره كنّا نسلم به من مشكلات أمرنا(1) .
وعن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام يذكر فيه كيفيّة دفن الحسن علیه السلام بعد ما ذكر منع عايشة من دفنه عند النبيّ صلی الله علیه وآله وإحتجاج الحسين علیه السلام عليها قال : ثمّ تكلّم محمّد بن الحنفيّة وقال يا عايشة يوما على بغل ويوما على جمل فما تملكين نفسك ولا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم ، قال : فأقبلت عليه فقالت : يا إبن الحنفيّة هؤلاء الفواطم يتكلّمون فما كلامك ؟ فقال لها الحسين علیه السلام : « وأنّى تبعدين محمّدا من الفواطم فو اللَّه لقد ولدته ثلاث فواطم - فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم وفاطمة بنت أسد بن هاشم وفاطمة بنت زائدة بن الأصمّ إبن رواحة بن حجر بن عبد معيص بن عامر الحديث »(2) .
عن أبي عبيدة وزرارة جميعا عن أبي جعفر علیه السلام قال : لمّا قتل الحسين علیه السلام أرسل محمّد بن الحنفيّة إلى علي بن الحسين علیه السلام فخلا به فقال له يا إبن أخي قد علمت أنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله دفع الوصيّة والإمامة من بعده إلى أمير المؤمنين علیه السلام ثمّ إلى الحسن علیه السلام ثمّ إلى الحسين علیه السلام وقد قتل أبوك رضي اللَّه وصلّى على روحه ولم يوص وأنا عمّك وصنو أبيك وولادتي من عليّ علیه السلام في سنّي وقديمي أحقّ بها منك في حداثتك فلا تنازعني في الوصيّة والإمامة ولا تحاجّني فقال له عليّ بن
ص: 70
الحسين علیه السلام : « يا عمّ اتّق اللَّه ولا تدّع ما ليس لك بحقّ ( إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ )(1) إنّ أبي يا عمّ صلوات اللَّه عليه أوصى إلىّ قبل أن يتوجّه إلى العراق وعهد إلىّ في ذلك قبل أن يستشهد بساعة وهذا سلاح رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عندي فلا تتعرّض لهذا فإنّي أخاف عليك نقص العمر وتشتّت الحال إنّ اللَّه عزّوجلّ جعل الوصيّة والإمامة في عقب الحسين علیه السلام فإذا أردت أن تعلم ذلك فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتّى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك » قال أبوجعفر علیه السلام وكان الكلام بينهما بمكّة فانطلقا حتّى أتيا الحجر الأسود فقال عليّ بن الحسين علیه السلام لمحمّد بن الحنفيّة : « إبدأ أنت فابتهل إلى اللَّه عزّوجلّ وسله أن ينطق لك الحجر » ثمّ سل فابتهل محمّد في الدعاء وسأل اللَّه ثمّ دعا الحجر فلم يجبه فقال عليّ بن الحسين علیه السلام : « يا عمّ لو كنت وصيّا وإماما لأجابك » قال له محمّد فادع اللَّه أنت يا إبن أخي وسله فدعا اللَّه عليّ بن الحسين علیه السلام بما أراد ثم قال : « أسألك بالّذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الأصياء وميثاق الناس أجمعين لمّا أخبرتنا من الوصيّ والإمام بعد الحسين بن عليّ علیه السلام » قال فتحرّك الحجر حتّى كاد أن يزول عن موضعه ثمّ أنطقه اللَّه عزّوجل بلسان عربيّ مبين . فقال : اللهمّ إنّ الوصيّة والإمامة بعد الحسين بن عليّ علیه السلام إلى عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب وإبن فاطمة بنت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله . قال فأنصرف محمّد بن عليّ وهو يتولّى عليّ بن الحسين علیه السلام(2) .
ص: 71
قال تعالى : ( إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهَ ُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ )(1) .
حمل محمد ، فشك بين الرماح والنشاب فوقف ، فأتاه علي فضربه بقائم سيفه ، وقال : « أدركك عرق من أمك ، وأخذ الراية وحمل ، وحمل الناس معه ، فما كان القوم إلّا كرماد إ شتدّت به الريح في يوم عاصف »(2) .
روى محمّد بن عبداللَّه عن عمرو بن دينار قال : قال أمير المؤمنين علیه السلام لإبنه محمّد « خذ الراية وامض » وعليّ علیه السلام خلفه فناداه « يا أبا القاسم » فقال لبّيك يا أبت ، فقال : « يا بنىّ لا يستفزّك(3) ماترى قد حملت الراية وأنا أصغر منك فما استفزّني عدوّي وذلك أنّني لم ألق أحدا إلّا حدّثتني نفسي بقتله فحدّث نفسك بعون اللَّه بظهورك عليهم ولا يخذلك ضعف النفس باليقين فإنّ ذلك أشدّ الخذلان » ، قال : فقلت : يا أبت أرجو أن أكون كما تحبّ إن شاء اللَّه ، قال : « فالزم رايتك فإذا إختلطت الصفوف قف في مكانك وبين أصحابك فإن لم تر أصحابك(4) فسيرونك » قال : واللَّه إنّي لفي وسط أصحابي فصاروا كلّهم خلفي وما بيني وبين القوم أحد يردّهم عنّي وأنا أريد أن أتقدّم في وجوه القوم فما شعرت إلّا بأبي من خلفي قد جرّد سيفه وهو يقول « لا تقدّم حتّى أكون أمامك » فتقدّم علیه السلام بين يدىّ يهرول ومعه طائفة من أصحابه فضربوا الّذين في وجهه حتّى أنهضوهم ولحقتهم بالرّاية فوقفوا وقفة وإختلط الناس وركدت السيوف ساعة فنظرت إلى أبي يفرّج
ص: 72
الناس يمينا وشمالا ويسوقهم أمامه فأردت أن أجول فكرهت خلافه ووصيّته لي : « لا تفارق الراية حتّى إنتهى إلى الجمل وحوله أربعة آلاف مقاتل من بني ضبّة والأزد وتميم وغيرهم وصاح « اقطعوا البطان » فأسرع محمّد بن أبي بكر ؛ فقطعه واطّلع على الهودج »(1) .
قال إبن جريج : لمّا ردّ علي علیه السلام الراية إلى إبنه محمّد قال له : « أحسن حملها وتوسّط أصحابك ولا تخفض عاليها وإجعلها مستشرفة يراها أصحابك » ففعلت ما قال لي فقال عمّار بن ياسر « يا أبا القاسم ما أحسن ما حملت الراية اليوم » فقال له أمير المؤمنين علیه السلام : « بعد ما ذا ؟ ! » فقال عمّار : ما العلم إلّا بالتّعلّم(2) .
عن المدائني والواقدي : زحف علي علیه السلام نحو الجمل بنفسه ودفع الراية إلى محمّد وقال أقدم بها حتّى تركزها في عين الجمل ولا تقفن دونه فتقدّم محمّد فرشقته السهام فأنفذ إليه علي علیه السلام إليه يستحثه ويأمره بالمناجزة فلمّا أبطأ عليه جاء بنفسه من خلفه فوضع يده اليسرى على منكبه الأيمن وقال له « أقدم لا أم لك » فكان محمّد إذا ذكر ذلك يبكي ويقول لكأني أجد ريح نفسه في قفاي واللَّه لا أنسى أبدا فتناول الراية منه بيده اليسرى وذو الفقار مشهور في يمني يديه ثمّ حمل فغاص في عسكر الجمل ثمّ رجع وقد إنحني سيفه فأقامه بركبته فقال له أصحابه وبنوه والأشتر وعمّار نحن نكفيك يا أمير المؤمنين فلم يجب أحدا منهم ولا ردّ إليهم بصره وظلّ ينحطّ(3) ويزأر زئير الأسد حتّى فرق(4) من حوله وتبادروه وإنّه
ص: 73
لطامح ببصره نحو عسكر البصرة لا يبصر من حوله ولا يرد حوارا ثمّ دفع الراية إلى إبنه محمّد ثمّ حمل حملة ثانية وحده فدخل وسطهم فضربهم بالسّيف قدما قدما والرجال تفرّ من بين يديه وتنحاز عنه يمنة ويسرة حتّى خضب الأرض بدماء القتلى ثمّ رجع وقد انحني سيفه فأقامه بركبته فاعصوصب(1) به أصحابه وناشدوه اللَّه في نفسه وفي الإسلام وقالوا : إنّك إن تصب يذهب الدين فقال علیه السلام :
« واللَّه ما أريد بما ترون إلّا وجه اللَّه والدار الآخرة » ثمّ قال لمحمّد ابنه هكذا تصنع يا ابن الحنفية فقال الناس من الّذي يستطيع ما تستطيعه يا أمير المؤمنين علیه السلام(2) .
وروى الواقدي عن ابن الحنفية قال : فالتقينا وأبي ( خلفي ) بين كتفي يقول : « يا بنيّ تقدّم ! » فقلت : « ما أجد متقدّما إلّا على الأسنّة »(3) ، فغضب أبي علیه السلام وقال : « أقول لك تقدّم فتقول على الأسنّة ثق - باللَّه - يا بنيّ وتقدّم بين يديّ على الأسنّة » وتناول الراية منّي وتقدّم يهرول بها فأخذتني حدّة فلحقته وقلت أعطني الراية فقال لي : « خذها » وقد عرفت ما وصف لي ، ثمّ تقدّم بين يديّ وجرّد سيفه وجعل يضرب به . . . فرمقت لصوت ( لضرب ) أبي ولحظته فإذا هو يورد السيف ويصدره ولا أرى فيه دما وإذا هو يسرع إصداره فيسبق الدم - إلى أن قال - فصاح أبي علیه السلام « يا إبن أبي بكر اقطع البطان »(4) فقطعه وألقى ( تلقوا ) الهودج فكأنّ واللَّه
ص: 74
الحرب جمرة صبّ عليها الماء(1) .
من كتاب « جمل أنساب الأشراف » أنّه زحف عليّ بالنّاس غداة يوم الجمعة لعشر ليال خلون من جمادي الآخرة سنة ستّ وثلاثين وعلى ميمنته الأشتر وسعيد بن قيس وعلى ميسرته عمّار وشريح بن هاني وعلى القلب محمّغد بن أبي بكر وعديّ بن حاتم وعلى الجناح زياد بن كعب وحجر بن عديّ وعلى الكمين عمرو بن الحمق وجندب بن زهير وعلى الرجّالة أبو قتادة الأنصاريّ وأعطى رايته محمّد بن الحنفيّة ثمّ أوقفهم من صلاة الغداء إلى صلاة الظهر يدعوهم ويناشدهم ويقول لعايشة إنّ اللَّه أمرك أن تقرّى في بيتك فاتّقي اللَّه وإرجعي ويقول لطلحة والزبير خبأتما نساءكما وأبرزتما زوجة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وإ ستفززتماها(2) فيقولان إنّما جئنا للطلب بدم عثمان وأن يردّ الأمر شورى وألبست عايشة درعا وضربت على هودجها صفائح الحديد وألبس الهودج درعا وكان الهودج لواء أهل البصرة وهو على جمل يدعى عسكرا(3) .
إبن مردويه في كتاب الفضائل من ثمانية طرق أنّ أمير المؤمنين علیه السلام قال للزبير : « أ ما تذكر يوما كنت مقبلا بالمدينة تحدّثني إذ خرج رسول اللَّه فرآك معي وأنت تبسّم إلىّ فقال لك يا زبير أ تحبّ عليّا فقلت وكيف لا أحبّه وبيني وبينه من
ص: 75
النسب باللَّه المودّة في اللَّه ما ليس لغيره ، فقال : إنّك ستقاتله وأنت ظالم عليه فقلت أعوذ باللَّه من ذلك » ، وقد تظاهرت الروايات أنّه قال علیه السلام إنّ النبيّ صلی الله علیه وآله قال لك : « يا زبير تقاتله ظلما وضرب كتفك » ، قال اللهمّ نعم قال : « أ فجئت تقاتلني » ، فقال أعوذ باللَّه من ذلك ، ثمّ قال أمير المؤمنين علیه السلام : « دع هذا بايعتني طائعا ثمّ جئت محاربا فما عدا ممّا بدا » ، فقال : لا جرم واللَّه لا قاتلتك(1) .
حلية الأولياء قال عبد الرحمن بن أبي ليلي فلقيه عبداللَّه إبنه فقال : جبنا جبنا ، فقال : يا بنىّ قد علم الناس أنّي لست بجبان ولكنّي ذكّرني عليّ شيئا سمعته من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فحلفت أن لا أقاتله فقال دونك غلامك فلان أعتقه كفّارة ليمينك(2) .
نزهة الأبصار عن إبن مهدي أنّه قال همام الثقفي :
أ يعتق مكحولا(3) ويعصي نبيه * لقد تاه عن قصد الهدى ثمة عوق
لشتان ما بين الضلالة والهدى * وشتان من يعصي الإله ويعتق
وفي رواية قالت عايشة لا واللَّه بل خفت سيوف إبن أبي طالب أما إنّها طوال حداد تحملها سواعد أنجاد ولئن خفتها فلقد خافها الرجال من قبلك فرجع إلى القتال فقيل لأمير المؤمنين علیه السلام إنّه قد رجع فقال : دعوه فإنّ الشيخ محمول عليه ثمّ قال : « أيّها الناس غضّوا أبصاركم وعضّوا على نواجذكم وأكثروا من ذكر ربّكم وإيّاكم وكثرة الكلام فإنّه فشل ونظرت عايشة إليه هو يجول بين الصفّين » فقالت :
ص: 76
أنظروا إليه كأنّ فعله فعل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يوم بدر أما واللَّه ما ينتظر بك إلّا زوال الشمس فقال عليّ علیه السلام : « يا عايشة ، ( عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ )(1) » ، فجدّ الناس في القتال فنهاهم أمير المؤمنين علیه السلام وقال : « اللهمّ إنّي أعذرت وأنذرت فكن لى عليهم من الشاهدين » ثمّ أخذ المصحف وطلب من يقرأ عليهم : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا )(2) الآية ، فقال مسلم المجاشعيّ : ها أنا ذا فخوفّه بقطع يمينه وشماله وقتله . فقال لا عليك يا أمير المؤمنين علیه السلام فهذا قليل في ذات اللَّه فأخذه ودعاهم إلى اللَّه فقطعت يده اليمنى فأخذه بيده اليسرى فقطعت فأخذه بأسنانه فقتل فقالت أمّه :
يا ربّ إنّ مسلما أتاهم * بمحكم التنزيل إذ دعاهم
يتلو كتاب اللَّه لا يخشاهم * فزمّلوه زمّلت لحاهم(3)
فقال علیه السلام : « ألآن طاب الضراب » وقال لمحمّد بن الحنفيّة والراية في يده « يا بنىّ تزول الجبال ولا تزل عضّ ناجذك أعر اللَّه جمجمتك تد في الأرض قدميك إرم ببصرك أقصى القوم وغضّ بصرك واعلم أنّ النصر من اللَّه » ثمّ صبر سويعة فصاح الناس من كلّ جانب من وقع النبال فقال علیه السلام : « تقدّم يا بنىّ » فتقدّم وطعن طعنا منكرا وقال علیه السلام :
أطعن بها طعن أبيك تحمد * لا خير في حرب إذا لم توقد
ص: 77
بالمشرفيّ(1) والقنا المسدّد * والضرب بالخطّيّ(2) والمهنّد
فأمر الأشتر أن يحمل فحمل وقتل هلال بن وكيع صاحب ميمنة الجمل وكان زيد يرتجز ويقول ديني ديني وبيعي بيعي وجعل مخنف بن مسلم يقول :
قد عشت يا نفس وقد غنيت * دهرا وقبل اليوم ما عييت
وبعد ذا لا شكّ قد فنيت * أ ما مللت طول ما حييت
فخرج عبداللَّه بن اليثربيّ قائلا : * يا ربّ إنّي طالب أبا الحسن
ذاك الّذي يعرف حقّا بالفتن * فبرز إليه عليّ علیه السلام قائلا :
إن كنت تبغي أن ترى أبا الحسن * فاليوم تلقاه ملبّا فاعلمن
وضربه ضربة مجرفة(3) فخرج بنو ضبّة وجعل يقول بعضهم :
نحن بنو ضبّة أعداء علي * ذاك الّذي يعرف فيهم بالوصيّ
وكان عمرو بن اليثربيّ يقول :
إن تنكروني فأنا إبن اليثربي * قاتل عليّا يوم هند الجمل
ثمّ إبن صوحان على دين عليّ
فبرز إليه عمّار قائلا :
لا تبرح العرصة يا إن اليثربي * إثبت أقاتلك على دين علي
ص: 78
وأرداه عن فرسه وجرّ برجله إلى عليّ علیه السلام فقتله بيده فخرج أخوه قائلا :
أضربكم ولو أرى عليّا * عمّمته أبيض مشرفيّا
وأسمر عنطنطا(1) خطّيّا * أبكي عليه الولد والوليّا
فخرج عليّ متنكّرا وهو يقول :
يا طالبا في حربه عليّا * يمنعه أبيض مشرفيّا
اثبت ستلقاه بها مليّا * مهذّبا سميدعا كميّا(2)
فضربه فرمى نصف رأسه فناداه عبداللَّه بن خلف الخزاعيّ صاحب منزل عايشة بالبصرة أ تبارزني ؟ فقال علیه السلام : ما أكره ذلك ولكن ويحك يا إبن خلف ما راحتك في القتل وقد علمت من أنا فقال : ذرني من بذخك(3) يا إبن أبي طالب ثمّ قال :
إن تدن منّي يا عليّ فترا * فإنّني دان إليك شبرا
بصارم يسقيك كأسا مرّا * ها إنّ في صدري عليك وترا(4)
فبرز إليه عليّ علیه السلام قائلا :
يا ذا الّذي يطلب منّي الوترا * إن كنت تبغي أن تزور القبرا
حقّا وتصلي بعد ذاك جمرا * فادن تجدني أسدا هزبرا
ص: 79
أصعطك اليوم ذعافا صبرا(1)
فضربه فطيّر جمجمته فخرج مازن الضبّيّ قائلا :
لا تطعموا في جمعنا المكلّل * الموت دون الجمل المجلّل
فبرز إليه عبداللَّه بن نهشل قائلا :
إن تنكروني فأنا إبن نهشل * فارس هيجاء وخطب فيصل
فقتله وكان طلحة يحثّ الناس ويقول عباداللَّه الصبر الصبر في كلام له ، وعن البلاذري(2) أن مروان بن الحكم قال واللَّه ما أطلب ثاري بعثمان بعد اليوم أبدا فرمى طلحة بسهم فأصاب ركبته والتفت إلى أبان بن عثمان وقال لقد كفيتك أحد قتلة أبيك . معارف القتيبي أن مروان قتل طلحة يوم الجمل بسهم فأصاب ساقه .
الحميري :
واختل من طلحة المزهو حبته * سهم بكف قديم الكفر غدار
في كفّ مروان مروان اللعين أرى * رهط الملكوك ملوكا غير أخيار
وله :
واغتر طلحة عند مختلف القنا * عبد الذراع شديد أصل المنكب
فاختل حبة قلبه بمدلق * ريان من دم جوفه المتصبب
في مارقين من الجماعة فارقوا * باب الهدى وجبا الربيع المخضب
وحمل أمير المؤمنين علیه السلام في بني ضبّة فما رأيتهم إلّا كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف فانصرف الزبير فتبعه عمرو بن جرموز وجزّ رأسه وأتى به إلى أمير
ص: 80
المؤمنين علیه السلام القصّة(1) .
فقالوا : يا عايشة قتل طلحة والزبير وجرح عبداللَّه بن عامر من يدي عليّ فصالحي عليّا فقالت كبر عمرو عن الطوق(2) وجلّ أمر عن العتاب ثمّ تقدّمت فحزن عليّ علیه السلام وقال : ( إِنَّا للَّهِ َِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) فجعل يخرج واحد بعد واحد ويأخذ الزمام حتّى قتل جقطع ج ثمان وتسعون رجلا ثمّ تقدّمهم كعب بن سور الأزديّ وهو يقول :
يا معشر الناس عليكم أمّكم * فإنّها صلاتكم وصومكم
والحرمة العظمى الّتي تعمّكم * لا تفضحوا اليوم فداكم قومكم
فقتله الأشتر فخرج إبن جفير الأزديّ يقول :
قد وقع الأمر بما لم يحذر * والنبل يأخذن وراء العسكر
وأمّنا في خدرها المشمّر
فبرز إليه الأشتر قائلا :
إ سمع ولا تعجل جواب الأشتر * واقرب تلاق كأس موت أحمر
ينسيك ذكر الجمل المشمّر
فقتله ثمّ قتل عمر الغنويّ وعبداللَّه بن عتّاب بن أسيد ثمّ جال في الميدان جولا وهو يقول :
نحن بنو الموت به غذّينا
ص: 81
فخرج إليه عبداللَّه بن الزبير فطعنه الأشتر وأرداه وجلس على صدره ليقتله فصاح عبداللَّه أقتلوني ومالكا واقتلوا مالكا معي فقصد إليه من كلّ جانب فخلّاه وركب فرسه فلمّا رأوه راكبا تفرّقوا عنه وشدّ رجل من الأزد على محمّد بن الحنفيّة وهو يقول : يا معشر الأزد كرّوا فضربه إبن الحنفيّة فقطع يده فقال : يا معشر الأزد فرّوا ،
فخرج الأسود بن البختريّ السلميّ قائلا :
إرحم إلهي الكلّ من سليم * وانظر إليه نظرة الرحيم
فقتله عمرو بن الحمق فخرج جابر الأزديّ قائلا :
يا ليت أهلي من عمّار حاضري * من سادة الأزد وكانوا ناصري
فقتله محمّد بن أبي بكر وخرج عوف القينيّ قائلا :
يا أمّ يا أمّ خلا منّي الوطن * لا أبتغي القبر ولا أبغي الكفن -
فقتله محمّد بن الحنفيّة ، فخرج بشر الضبيّ قائلا :
ضبّة أبدي للعراق عمعمة * وأضرمي الحرب العوان المضرمة(1)
فقتله عمّار وكانت عايشة تنادي بأرفع صوت أيّها الناس عليكم بالصّبر فإنّما يصبر الأحرار فأجابها كوفيّ :
يا أمّ يا أمّ عققت فاعلموا * والأمّ تغذوا ولدها وترحم
أ ما ترى كم من شجاع يكلم * وتجتلي هامته والمعصم
وقال آخر :
قلت لها وهي على مهوات * إنّ لنا سواك أمّهات
ص: 82
في مسجد الرسول ثاويات
فقال الحجّاج بن عمر الأنصاري :
يا معشر الأنصار قد جاء الأجل * إنّي أرى الموت عيانا قد نزل
فبادروه نحو أصحاب الجمل * ما كان في الأنصار جبن وفشل
فكلّ شي ء ما خلا اللَّه جلل(1)
وقال خزيمة بن ثابت :
لم يغضبوا للَّه إلّا للجمل * والموت خير من مقام في خمل
والموت أحرى من فرار وفشل * والقول لا ينفع إلّا بالعمل
وقال شريح بن هاني :
لا عيش إلّا ضرب أصحاب الجمل - * ما إن لنا بعد عليّ من بدل -
وقال هاني بن عروة المذحجي
يا لك حربا جثّها جمالها * قائدة ينقصها ضلالها
هذا عليّ حوله أقيالها(2)
وقال سعيد بن قيس الهمداني :
قل للوصيّ اجتمعت قحطانها * إن يك حرب أضرمت نيرانها
وقال عمّار :
إنّي لعمّار وشيخي ياسر * صاح كلانا مؤمن مهاجر
طلحة فيها والزبير غادر * والحقّ في كفّ عليّ ظاهر
ص: 83
وقال الأشتر :
هذا عليّ في الدجى مصباح * نحن بذا في فضله فصاح
وقال عديّ بن حاتم :
أنا عديّ ونماني حاتم * هذا عليّ بالكتاب عالم
لم يعصه في الناس إلّا ظالم
وقال عمرو بن الحمق :
هذا عليّ قائد نرضى به * أخو رسول اللَّه في أصحابه
من عوده النامي ومن نصابه
وقال رفاعة بن شدّاد البجلي :
إنّ الّذين قطعوا الوسيلة * ونازعوا على عليّ الفضيلة
في حربه كالنّعجة الأكيلة
وشكّت السهام الهودج حتّى كأنّه جناح نسر أو شوك قنفذ فقال أمير المؤمنين علیه السلام : « ما أراه يقاتلكم غير هذا الهودج إعقروا الجمل » . وفي رواية أخرى عرقبوه ، فإنّه شيطان ، وقال لمحمّد بن أبي بكر : « أنظر إذا عرقب الجمل فأدرك أختك فوارها فعرقب رِجْل منه فدخل تحته رجل ضبّيّ » ثمّ عرقب جرجل ج أخرى جمنه ج عبد الرحمن فوقع على جنبه فقطع عمّار نسعهُ فأتاه عليّ ودقّ رمحه على الهودج وقال : يا عايشة أ هكذا أمرك رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أن تفعلي ؟ فقالت : يا أبا الحسن ظفرت فأحسن وملكت فأسجع(1) ، فقال عليّ لمحمّد بن أبي بكر : « شأنك وأختك فلا يدنو أحد منها سواك » ، فقال محمّد : فقلت لها : ما فعلت
ص: 84
بنفسك عصيت ربّك وهتكت سترك ثمّ أبحت حرمتك وتعرّضت للقتل فذهب بها إلى دار عبداللَّه بن خلف الخزاعيّ فقالت : أقسمت عليك أن تطلب عبداللَّه بن الزبيرجريحا كان أو قتيلا .
فقال : إنّه كان هدفا للأشتر فانصرف محمّد إلى العسكر فوجده ، فقال : إجلس يا ميشوم جمشئوم ج أهل بيته ، فأتاها به فصاحت وبكت ثمّ قالت : يا أخي إ ستأمن له من عليّ علیه السلام ، فأتى محمّد أمير المؤمنين علیه السلام فاستأمن له منه فقال علیه السلام : « أمنته وأمنت جميع الناس » . وكانت وقعة الجمل بالخريبة ووقع القتال بعد الظهر وانقضى عند المساء فكان مع أمير المؤمنين علیه السلام عشرون ألف رجل منهم البدريّون ثمانون رجلا وممّن بايع تحت الشجرة مائتان وخمسون ومن الصحابة ألف وخمسمائة رجل ، وكانت عايشة في ثلاثين ألف جألفاج أو يزيدون منها المكّيّون ستّ مائة رجل ، قال قتادة : قتل يوم الجمل عشرون ألفا وقال الكلبيّ : قتل من أصحاب عليّ علیه السلام ألف راجل وسبعون فارسا ، منهم زيد بن صوحان وهند الجمليّ وأبو عبداللَّه العبديّ وعبداللَّه بن رقيّة . وقال أبو مخنف والكلبيّ : قتل من أصحاب الجمل من الازد خاصّة أربعة آلاف رجل ، و من بني عديّ ومواليهم تسعون رجلا ، ومن بني بكر بن وائل ثمانمائة رجل ، ومن بني حنظلة تسعمائة رجل ، ومن بني ناجية أربعمائة رجل ، والباقي من أخلاط الناس إلى تمام تسعة آلاف إلّا تسعين رجلا والقرشيّون منهم طلحة والزبير وعبداللَّه بن عتّاب بن أسيد وعبداللَّه بن حكيم بن حزام وعبداللَّه بن شافع بن طلحة ومحمّد بن طلحة وعبداللَّه بن أبي بن خلف الجمحيّ وعبد الرحمن بن معدّ وعبداللَّه بن معدّ . وعرقب الجمل أوّلا أمير المؤمنين علیه السلام ، ويقال المسلم بن عدنان ، ويقال رجل من الأنصار ، ويقال رجل
ص: 85
ذهليّ ، وقيل لعبد الرحمن بن صرد التنوخيّ لم عرقبت الجمل ؟ فقال :
عقرت ولم أعقر بها لهوانها * عليّ ولكنّي رأيت المهالكا
إلى قوله :
فيا ليتني عرقبته قبل ذلكا(1)
ص: 86
بسم الله الرحمن الرحیم
وَدِدْتُ أَنَّ أَخِي فُلاناً كَانَ شَاهِدَنَا - لِيَرَى مَا نَصَرَكَ اللَّهُ بِهِ عَلَى أَعْدَائِكَ - فَقَالَ لَهُ علیه السلام : أَ هَوَى أَخِيكَ مَعَنَا ؟ فَقَالَ نَعَمْ - قَالَ فَقَدْ شَهِدَنَا - وَ لَقَدْ شَهِدَنَا فِي عَسْكَرِنَا هَذَا أَقْوَامٌ فِي أَصْلابِ الرِّجَالِ - وَ أَرْحَامِ النِّسَاءِ - سَيَرْعَفُ بِهِمُ الزَّمَانُ وَ يَقْوَى بِهِمُ الإِيمَانُ .
روي نظيره عنه علیه السلام في أهل النهروان لمّا أظفره اللَّه بهم : عن محمّد بن الحسن بن شمّون البصريّ عن عبداللَّه بن عمرو بن الأشعث عن عبداللَّه بن حمّاد الأنصاري عن الصباّح بن يحيى المزنّي عن الحارث بن حصيرة عن الحكم بن عيينة قال : لمّا قتل أمير المؤمنين علیه السلام الخوارج يوم النهروان قام إليه رجل - وذكر حبّه شهود رجال لم يشهدوا - فقال أمير المؤمنين علیه السلام : « والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لقد شهدنا في هذا الموقف أناس لم يخلق اللَّه آباءهم ولا أجدادهم بعد » ، فقال الرجل : وكيف شهدنا قوم لم يخلقوا ؟ قال : « بلى قوم يكونون في آخر الزمان يشركوننا فيما نحن فيه وهم يسلّمون لنا فأولئك شركاؤنا فيما كنّا فيه حقّا حقّا »(1) .
ص: 87
عن أبي بصير قال قال أبو عبداللَّه علیه السلام « لمّا التقى أمير المؤمنين علیه السلام وأهل البصرة نشر الراية راية رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فزلزلت أقدامهم فما اصفرّت الشمس حتّى قالوا آمنّا يا ابن أبي طالب فعند ذلك قال لا تقتلوا الأسرى ولا تجهزوا الجرحى ولا تتبعوا مولّيا ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ولمّا كان يوم صفّين سألوه نشر الراية فأبى عليهم فتحمّلوا عليه بالحسن والحسين 8 وعمّار بن ياسر 2 فقال للحسن يا بنىّ إنّ للقوم مدّة يبلغونها وإنّ هذه راية لا ينشرها بعدي إلاّ القائم علیه السلام »(1) .
عن سعيد عن قتادة قال : قتل يوم الجمل مع عايشة عشرون ألفا منهم ثمانمائة من بني ضبة ، وقتل من أصحاب عليّ علیه السلام خمسمائة رجل لم يعرف إلّا علباء بن الهيثم(2) وهند الجملي(3) .
وكانت الوقعة في الموضع المعروف بالخريبة ، وذلك يوم الخميس لعشر خلون من جمادي الآخرة سنة ست وثلاثين(4) .
وكانت الحرب أربع ساعات من النهار ، فروى بعضهم أنّه قتل في ذلك اليوم نيف وثلاثون ألفا . ثمّ نادى منادي علي علیه السلام : ألا لا يجهز على جريح - الخ -(5) .
وروي الواقدي عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال : كنت أنا وألأسود
ص: 88
بن أبي البختري وعبداللَّه بن الزبير(1) قد تواعدنا وتعاهدنا بالبصرة لئن لقينا القوم لنموتنّ أو لنقتلنّ عليّا - إلى أن قال - فأنظر إلى علي قد انتهى إلى الجمل وسيفه يرعف دما وهو واضعه على عاتقه وهو يصبح بمحمّد بن أبي بكر « اقطع البطان » فكانت الهزيمة(2) .
وَ قَدْ قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ - وَدِدْتُ أَنَّ أَخِي فُلاناً كَانَ شَاهِدَنَا - لِيَرَى مَا نَصَرَكَ اللَّهُ بِهِ عَلَى أَعْدَائِكَ - فَقَالَ لَهُ علیه السلام : أَ هَوَى أَخِيكَ مَعَنَا فَقَالَ نَعَمْ - قَالَ فَقَدْ شَهِدَنَا
أنّه علیه السلام قال بعد ظفره بأهل النهروان : « ولقد شهدنا اُناس باليمن » ، قالوا : كيف فقال علیه السلام : « هواهم معنا »(3) .
قال حبة العرني : قسم علي علیه السلام بيت مال البصرة على أصحابه خمسمائة خمسمائة وأخذ خمسمائة درهم كواحد منهم فجاءه إنسان لم يحضر الوقعة فقال يا أمير المؤمنين كنت شاهدا معك بقلبي وإن غاب عنك جسمي فأعطني من الفى ء شيئا فدفع إليه الّذي أخذه لنفسه(4) .
ورواه المروج هكذا : دخل علي بيت مال البصرة في جماعة من المهاجرين والأنصار ، فنظر إلى ما فيه من العين والورق فجعل يقول : « يا صفراء ، غرّى غيري ويا بيضاء غرّى غيري » ، وأدام النظر إلى المال مفكرا ، ثمّ قال : « إقسموه بين
ص: 89
أصحابي ومن معي خسمائة خمسمائة » ، ففعلوا ، فما نقص درهم واحد ، وعدد الرجال اثنا عشرا ألفا ، وقبض ما كان في معسكرهم من سلاح ودابّة ومتاع وآلة وغير ذلك فباعه وقسمه بين أصحابه ، وأخذ لنفسه كما أخذ لكلّ واحد ممّن معه من أصحابه وأهله وولده خمسمائة درهم ، فأتاه رجل من أصحابه فقال : يا أمير المؤمنين إنّي لم آخذ شيئا ، وخلّفني عن الحضور كذا ، وأدلّي بعذر ، فأعطاه الخمسمائة الّتي كانت له(1) .
قال غندر : حدّثنا شعبة بن عمرو بن مرّة قال : سمعت عبداللَّه بن سلمة - وكان مع عليّ علیه السلام يوم الجمل - والحرث بن سويد - وكان مع طلحة والزبير - وتذاكرا وقعة الجمل ، فقال الحرث : واللَّه ما رأيت مثل يوم الجمل ، لقد أشرعوا رماحهم في صدورنا ، ولو شاءت الرجال أن تمشي عليها لمشت ، فو اللَّه لوددت أنّي لم أشهد ذلك اليوم ، وإنّي أعمى مقطوع اليدين والرجلين . فقال عبداللَّه بن سلمة : واللَّه ما يسّرني أنّي غبت عن ذلك اليوم ولا عن مشهد شهده عليّ علیه السلام بحمر النعم(2) .
وفي كتابه علیه السلام إلى أهل مصر وإلى محمّد بن أبي بكر : « إنّ اللَّه عزّوجلّ يعطي العبد على جقدرج نيّته ، وإذا أحبّ الخير وأهله ولم يعمله كان إن شاء اللَّه كمن عمله ، فإنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال حين رجع من تبوك : لقد كان بالمدينة أقوام ما سرتم من مسير ولا هبطتم من واد إلّا كانوا معكم ، ما حبسهم إلّا المرض يقول : كانت لهم نيّة »(3) .
ص: 90
قال معاوية لزرقاء الهمدانية - بعد أن كتب إلى عامله بإيفادها وذكره لها حضّها في صفّين عليه وخطبها في ذلك - : واللَّه يا زرقاء لقد شركت عليّا في كل دم سفكه . فقالت : أحسن اللَّه بشارتك مثلك من بشر بخير وسر جليسه . فقال لها معاوية : وقد سرّك ذلك ؟ قالت : نعم واللَّه لقد سرّني قولك ، فأنّى بتصديق الفعل . فقال لها معاوية : واللَّه لوفاؤكم لعليّ بعد موته أعجب إليّ من حبّكم له في حياته(1) .
قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « من شهد أمرا فكرهه كان كمن غاب عنه ومن غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده »(2) .
عن عبد السلام بن صالح الهرويّ قال قلت لإبي الحسن عليّ بن موسى الرضا علیه السلام : يا ابن رسول اللَّه ما تقول في حديث روى عن الصادق علیه السلام أنّه قال : « إذا خرج القائم قتل ذراريّ قتلة الحسين علیه السلام بفعال آبائها » ، فقال علیه السلام : « هو كذلك » ، فقلت : فقول اللَّه عزّوجلّ ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )(3) ما معناه ؟ فقال : « صدق اللَّه في جميع أقواله لكنّ ذراريّ قتلة الحسين يرضون أفعال آبائهم ويفتخرون بها ومن رضى شيئا كان كمن أتاه ولو أنّ رجلا قتل في المشرق فرضى بقتله رجل في المعرب لكان الراضي عنداللَّه شريك القاتل وإنّما يقتلهم القائم إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم »(4) .
ص: 91
منهم السيّد الحميري حيث يقول :
إنّي أدين بما دان الوصيّ به * وشاركت كفّه كفى بصفينا
في سفك ما سفكت منها إذا احتضروا * وأبرز اللَّه للقسط الموازينا
تلك الدماء معا يا ربّ في عنقي * ثمّ اسقني مثلها آمين آمينا(1)
وأيضا في العقد : هو رأس الشيعة وكانت الشيعة من تعظيمها له تلقى له وسادا بمسجد الكوفة(2) فينشدهم .
وقال بعض الشيعة :
إنّي أدين بحبّ آل محمّد * وبني الوصيّ شهودهم والغيب
وأنا البرى ء من الزبير وطلحة * ومن الّتي نبحت كلام الحوأب(3)
قال سبط الجوزي : أنشدنا أبو عبد اللَّه محمّد بن عبد اللَّه البندنيجي البغدادي ، قال : أنشدنا بعض مشايخنا أنّ إبن الهبارية الشاعر اجتاز بكربلاء فجعل يبكي على الحسين علیه السلام وقال :
أ حسين والمبعوث جدّك بالهدى * قسما يكون الحقّ عند مسائلي
ص: 92
لو كنت شاهد كربلا لبذلت في * تنفّس كربك جهد بذل الباذل
وسقيت حد السيف من أعدائكم * عللا وحدّ السمهري الذابل
لكنّني أخّرت عنك لشقوتي * فبلا بلى بين الغرى وبابل
هبني حرمت النصر من أعدائكم * فأقلّ من حزن ودمع سائل
ثمّ نام في مكانه فرأى النبيّ صلی الله علیه وآله في المنام فقال له : « يا فلان جزاك اللَّه عنّي خيرا ، أبشر فإن اللَّه قد كتبك ممّن جاهد بين يدي الحسين »(1) .
كان بالمدينة رجل ناصبيّ ثمّ تشيّع بعد ذلك فسئل عن الّسبب في ذلك فقال رأيت في منامي عليّا علیه السلام يقول لي : « لو حضرت صفّين مع من كنت تقاتل » ، فأطرقت أفكّر فقال علیه السلام : « يا خسيس هذه مسألة تحتاج إلى هذا الفكر العظيم أعطوا قفاه » ، فصفعت(2) حتّى إنتبهت وقد ورم قفاى فرجعت عمّا كنت عليه(3) .
عن أبي هريرة قال النبيّ صلی الله علیه وآله : « ليرعفنّ جبّار من جبابرة بني أميّة على منبري هذا فرئى عمرو بن سعيد بن العاص سال رعافه »(4) .
ولّي يزيد عثمان بن محمّد بن أبي سفيان الثقفي على المدينة ومكّة وعلى الموسم ، فلمّا استوى على المنبر رعف فقال رجل مستقبله : جئت واللَّه بالدّم ، فتلقاه رجل آخر بعمامته فقال : مه واللَّه عم الناس ، ثمّ قام يخطب فتناول عصا لها شعبتان - فقال : مه شعب واللَّه أمر الناس(5) .
ص: 93
فيما قاله علیه السلام لطلحة حين وقوفه عليه بعد ما وضعت الحرب أوزارها :
روى أنّه علیه السلام لمّا مرّ على طلحة من بين القتلي قال : « أقعدوه » فأقعد ، فقال « إنّه كانت لك سابقة من رسول اللَّه لكنّ الشيطان دخل في منخريك فأوردك النار » وروى أنّه علیه السلام مرّ عليه فقال « هذا ناكث بيعتي والمنشى ء للفتنة في الأمّة والمجلب علىّ الداعي إلى قتلي وقتل عترتي أجلسوا طلحة » فأجلس ، فقال أمير المؤمنين علیه السلام : « يا طلحة بن عبيداللَّه قد وجدت ما وعدني ربّي حقّا فهل وجدت ما وعدك ربّك حقّا ؟ » ثمّ قال : « أضجعوا طلحة » وسار ، فقال له بعض من كان معه : يا أمير المؤمنين أتكلّم طلحة بعد قتله ؟ فقال : « أما واللَّه سمع كلامي كما سمع أهل القليب كلام رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يوم بدر » وهكذا فعل علیه السلام بكعب بن شور القاضي لمّا مرّ به قتيلا وقال : « هذا الّذي خرج علينا في عنقه مصحف - يزعم أنّه ناصر أمّه(1) يدعو الناس إلى ما فيه وهو لا يعلم ما فيه ثمّ استفتح وخاب كلّ جبّار عنيد أما إنّه دعا اللَّه أن يقتلني فقتله اللَّه »(2) .
روي خالد بن مخلّد عن زياد بن المنذر عن أبي جعفر عن آبائه : قال مرّ أمير المؤمنين علیه السلام على طلحة وهو صريع فقال : « أجلسوه » فأجلس فقال : « أم واللَّه لقد كانت لك صحبة ولقد شهدت وسمعت ورأيت ولكن الشيطان أزاغك وأمالك فأوردك جهنم »(3) .
ص: 94
وفي الشرح : عن أصبغ بن نباتة أنّه لمّا إنهزم أهل البصرة ركب علي علیه السلام بغلة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله الشهباء وكانت باقية عنده وسار في القتلى يستعرضهم فمرّ بكعب بن سور القاضي قاضي البصرة وهو قتيل فقال : « أجلسوه » فأجلس فقال له : « ويلمك كعب بن سور لقد كان لك علم لو نفعك ولكنّ الشيطان أضلّك فأزلك فعجلك إلى النار أرسلوه » ثمّ مرّ بطلحة بن عبيداللَّه قتيلا فقال : « أجلسوه » فأجلس قال أبو مخنف في كتابه فقال : « ويلمك طلحة لقد كان لك قدم لو نفعك ولكنّ الشيطان أضلّك فأزلك فعجلك إلى النار »(1) .
قال الشارح بعد ذكر ذلك : وأمّا أصحابنا فيروون غير ذلك ، يروون أنّه علیه السلام قال له لمّا أجلسوه : « أعزز على أبا محمّد أن أراك معفرا تحت نجوم السماء وفي بطن هذا الوادي أ بعد جهادك في اللَّه وذبك عن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله » فجاء إليه إنسان فقال : أشهد يا أمير المؤمنين لقد مررت عليه بعد أن أصابه السهم وهو صريع فصاح بي فقال من أصحابِ من أنت ؟ فقلت : من أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام ، فقال : امدد يدك لأبايع لأمير المؤمنين علیه السلام ، فمددت إليه يدي فبايعني لك فقال علي علیه السلام : « أبى اللَّه أن يدخل طلحة الجنّة إلّا وبيعتي في عنقه »(2) .
وأنت خبير بان مبايعته لمن يبايع أمير المؤمنين علیه السلام في تلك الحال الّتي كان عليها صريعا بين القتلى آيسا من الحياة لا يكفى في رفع العقاب وإ ستحقاق الثواب قال سبحانه : ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهَ ُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهَ ُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ
ص: 95
يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً )(1) بل توبته في تلك الحال على تسليم كون تلك المبايعة منه توبة إنّما هي مثل توبة فرعون الّتي لم تنجه من عذاب ربّه كما قال تعالى : ( فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ * أَالْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ )(2)(3) .
كان الشيخ أبو عبداللَّه محمّد بن النعمان 2 من أهل عكبراء وانحدر مع أبيه إلى بغداد وبدأ بقراءة العلم على أبي عبداللَّه المعروف بجعل بدرب رياح ثمّ قرأ من بعده على أبي ياسر غلام أبي الحبيش بباب خراسان فقال له أبو ياسر : لم لا تقرأ على عليّ بن عيسى الرمّانيّ الكلام وتستفيد منه فقال : ما أعرفه ولا لي به أنس فأرسل معي من يدلّني عليه ، قال : ففعل ذلك وأرسل معي من أوصلني إليه ، فدخلت عليه والمجلس غاصّ بأهله وقعدت حيث إنتهى بي المجلس وكلّما خفّ الناس قربت منه فدخل إليه داخل ، فقال : بالباب إنسان يؤثر الحضور بمجلسك وهو من أهل البصرة ، فقال : أ هو من أهل العلم ؟ فقال : غلام لا أعلم إلّا أنّه يؤثر الحضور بمجلسك ، فأذن له فدخل عليه فأكرمه وطال الحديث بينهما فقال الرجل
ص: 96
لعليّ بن عيسى : ما تقول في يوم الغدير والغار ، فقال : أمّا خبر الغار فدراية وأمّا خبر الغدير فرواية والرواية لا توجب ما توجب الدراية ، قال : فانصرف البصريّ ولم يحر جوابا يورد إليه ، قال المفيد 2 : فتقدّمت فقلت : أيّها الشيخ مسألة : فقال : هات مسألتك ، فقلت : ما تقول فيمن قاتل الإمام العادل ؟ فقال : يكون كافرا ثمّ استدرك فقال : فاسقا ، فقلت ، ما تقول في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام ؟ فقال : إمام ، فقلت : ما تقول في يوم الجمل وطلحة والزبير ؟ قال : تابا ، قلت : أمّا خبر الجمل فدراية وأمّا خبر التوبة فرواية ، فقال لي : أ كنت حاضرا وقد سألني البصريّ ؟ فقلت : نعم ، قال : رواية برواية ودراية بدراية ، قال : بمن تعرف وعلى من تقرأ ، قلت : أعرف بابن المعلّم وأقرأ على الشيخ أبي عبداللَّه الجعلّي ، فقال : موضعك ودخل منزله وخرج ومعه رقعة قد كتبها وألصقها وقال لي : أوصل هذه الرقعة إلى أبي عبداللَّه فجئت بها إليه فقرأها ولم يزل يضحك هو ونفسه ثمّ قال لي : أيّ شيّ جرى لك في مجلسه فقد وصّاني بك ولقّبك المفيد فذكرت له المجلس بقصّته فتبسّم(1) .
ص: 97
بسم الله الرحمن الرحیم
كُنْتُمْ جُنْدَ الْمَرْأَةِ وَ أَتْبَاعَ الْبَهِيمَةِ رَغَا فَأَجَبْتُمْ وَ عُقِرَ فَهَرَبْتُمْ أَخْلاقُكُمْ دِقَاقٌ وَ عَهْدُكُمْ شِقَاقٌ وَ دِينُكُمْ نِفَاقٌ وَ مَاؤُكُمْ زُعَاقٌ وَ الْمُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مُرْتَهَنٌ بِذَنْبِهِ وَ الشَّاخِصُ عَنْكُمْ مُتَدَارَكٌ بِرَحْمَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَأَنِّي بِمَسْجِدِكُمْ كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ قَدْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْعَذَابَ مِنْ فَوْقِهَا وَ مِنْ تَحْتِهَا وَ غَرِقَ مَنْ فِي ضِمْنِهَا وَ فِي رِوَايَةٍ وَ ايْمُ اللَّهِ لَتَغْرَقَنَّ بَلْدَتُكُمْ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَسْجِدِهَا كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ أَوْ نَعَامَةٍ جَاثِمَةٍ وَ فِي رِوَايَةٍ كَجُؤْجُؤِ طَيْرٍ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ .
ومن كلامه له علیه السلام في ذمّ أهل البصرة
عن أبي فاختة مولى أم هانى ء قال : كنت عند علي علیه السلام فأتاه رجل عليه زى السفر ، فقال : يا أمير المؤمنين إنّي أتيتك من بلدة ما رأيت لك بها محبّا ، قال : « من أين أتيت ؟ » ، قال : من البصرة ، قال علیه السلام : « أما إنّهم لو يستطيعون أن يحبّوني لأحبّوني إنّي وشيعتي في ميثاق اللَّه لا يزاد فينا رجل ولا ينقص إلى يوم القيامة »(1) .
روى أبو غسّان البصري قال : بنى عبيداللَّه بن زياد أربعة مساجد بالبصرة تقوم
ص: 98
على بغض عليّ بن أبي طالب علیه السلام والوقيعة فيه ، مسجد بني عدي ، ومسجد بني مجاشع ، ومسجد كان في العلّافين على وجه ( في الغارات : على فرضة ) البصرة ، ومسجد في الأزد(1) .
عن أبي بكرة قال : لقد نفعني اللَّه بكلمة أيّام الجمل لمّا بلغ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أنّ فارسا ملّكوا إبنة كسرى فقال صلی الله علیه وآله : « لن يفلح قوم ولّوا أمرهم إمراة »(2) .
روى الواقديّ قال : حدّثني معمّر بن راشد عن عمرو بن عبيد عن الحسن البصريّ قال : أقبل أبو بكرة يريد أن يدخل مع طلحة والزبير في أمرهما فلمّا رأى عايشة تدبّره برأيها رجع عنهما فقيل له : ما لك لم تدخل معهما ؟ فقال : رأيت إمرأة تدبّر أمورهم وقد سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول وقد ذكر ملكة سبإ « لا أفلح قوم تدبّرهم إمرأة » فكرهت الدخول معهم(3) .
وقد روى هذا الخبر على صورة أخرى « أنّ قوما يخرجون بعدي في فئة رأسها إمرأة لا يفلحون أبدا »(4) فأنصرف .
وقد ذكر المدائني أنّه رأى بالبصرة رجلا مصطلم الأذن ، فسأله عن قصّته ، فذكّر أنّه خرج يوم الجمل ينظر إلى القتلى ، فنظر إلى رجل منهم يخفض رأسه ويرفعه وهو يقول :
ص: 99
لقد أوردتنا حومة الموت أمّنا * فلم تنصرف إلّا ونحن رواء
أطعنا بني تيم لشقوة جدّنا * وما تيم إلّا أعبد وإماء
فقلت : سبحان اللَّه ! أ تقول هذا عند الموت ؟ قل لا إله إلّا اللَّه ، فقال : يا إبن اللخناء ، أيّاي تأمر بالجزع عند الموت ؟ فوليت عنه متعجّبا منه ، فصاح بي ادن منّي ولقّني الشهادة، فصرت إليه ، فلمّا قربت منه استدناني ، ثمّ التقم أذني فذهب بها ، فجعلت ألعنه وأدعو عليه ، فقال : إذا صرت إلى أمّك فقالت : من فعل هذا بك ؟ فقل عمير بن الأهلب الضبى مخدوع المرأة الّتي أرادت أن تكون أمير المؤمنين(1) .
وفي الطبري : أطافت ضبة والأزد بعايشة يوم الجمل ، وإذا رجال من الأزد يأخذون بعر الجمل فيفتونه ويشمونه ، ويقولون : بعر جمل أمنا ريحه ريحه المسك(2) .
وروى الواقدي أنّ أمير المؤمنين علیه السلام لمّا فرغ من قسمة المال قام خطيباً فحمد اللَّه وأثنى عليه وقال : - مشيرا إلى عايشة - « وما كانت واللَّه على القوم إلّا أشام من ناقة الحجر »(3) .
وروى أنّ عليّا علیه السلام كتب بعد الفتح كتابا إلى أهل الكوفة وفيه « فما كانت ناقة الحجر بأشأم منها على أهل ذاك المصر مع ما جاءت به من الحوب(4) الكبير »(5) .
ص: 100
وقال النبي صلی الله علیه وآله لعايشة : « يا حميراء كأنّي بك ينبحك كلاب الحوأب تقاتلين عليّا وأنت له ظالمة »(1) .
عن سالم بن مكرم عن أبيه قال سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول في قوله عزّوجلّ ( كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ) قال : هي الحميراء(2) .
علي بن طاهر بن زيد يقول : لمّا أرادوا دفنه - الحسن علیه السلام عند النبي صلی الله علیه وآله - ركبت عايشة بغلا واستنفرت بني أميّة مروان بن الحكم ( وإ ستعونت بني أميّة ومروان ) ، ومن كان هناك منهم ومن حشمهم ، وهو ( قول ) القائل : « فيوما على بغل ، ويوما على جمل »(3) .
وقيل إنّ عايشة ركبت بغلة شهباء ، وقالت : بيتي لا آذن فيه لأحد ، فأتاها القاسم بن محمّد بن أبي بكر ، فقال لها : يا عمة ! ما غسلنا رءوسنا من يوم الجمل الأحمر ، أ تريدين أن يقال يوم البغلة الشهباء(4) ؟
كان جمل عايشة راية عسكر البصرة قتلوا دونه كما تقتل الرجال تحت
ص: 101
راياتها(1) .
أعطى يعلى بن منية عايشة جملا إ سمه عسكر إ شتراه بمائتي دينار ويقال إ شتراه بثمانين دينارا فركبته وقيل كان جملها لرجل من عرينة قال العرنيّ بينما : أنا أسير على جمل إذ عرض لي راكب فقال : أ تبيع جملك قلت : نعم ، قال : بكم ؟ قلت : بألف درهم ، قال : أ مجنون أنت ؟ قلت : ولم واللَّه ما طلبت عليه أحدا إلّا أدركته ولا طلبني وأنا عليه أحد إلّا فتّه ، قال : لو تعلم لمن نريده إنّما نريده لأمّ المؤمنين عايشة ، فقلت : خذه بغير ثمن ، قال : بل إرجع معنا إلى الرحل فنعطيك ناقة ودراهم ، قال : فرجعت وأعطوني ناقة مهريّة وأربعمائة درهم أو ستّمائة(2) .
لمّأ عزمت عايشة على الخروج إلى البصرة طلبوا لها بعيرا أيدا يحمل هودجها فجاءهم يعلي بن أمية ببعيره المسمىّ عسكرا وكان عظيم الخلق شديدا فلمّا رأته أعجبها وأنشأ الجمال يحدّثها بقوّته وشدّته ويقول في أثناء كلامه عسكر فلمّا سمعت هذه اللفظة إ سترجعت وقالت ردوّه لا حاجة لي فيه وذكرت حيث سئلت أن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ذكر لها هذا الإسم ونهاها عن ركوبه وأمرت أن يطلب لها غيره فلم يوجد لها ما يشبهه فغير لها بجلال غير جلاله وقيل لها قد أصبنا لك أعظم منه خلقا وأشدّ قوّة وأتيت به فرضيت(3) .
عن النبيّ صلی الله علیه وآله قال لنسائه : « أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدبب يقتل حولها قتلى كثير ، وتنجو بعد ما كادت » . وهذا الحديث من أعلام نبوّته صلی الله علیه وآله(4) . قلت : ومن
ص: 102
أعلام إمامته علیه السلام(1) .
عن الحسن بن حمّاد ، بلغ به ، قال : كان سلمان إذا رأى الجمل الّذي يقال له عسكر يضربه ، فيقال له يا أبا عبداللَّه ما تريد من هذه البهيمة فيقول ما هذا بهيمة ولكن هذا عسكر بن كنعان الجنّيّ ،يا أعرابيّ لا ينفق عليك هاهنا ولكن اذهب به إلى الحوأب فإنّك تعطى به ما تريد(2) .
عن أبي جعفر علیه السلام قال : « إ شتروا عسكرا بسبعمائة درهم وكان شيطانا »(3) .
قال المدائني والواقدي : ما حفظ رجز قط أكثر من رجز قيل يوم الجمل وأكثره لبني ضبة والأزد الّذين كانوا حول الجمل يحامون عنه ولقد كانت الرءوس تندر(4) عن الكواهل والأيدي تطيح من المعاصم وأقتاب(5) البطن تندلق من الأجواف وهم حول الجمل كالجراد الثابتة لا تتحلحل ولا تتزلزل حتّى لقد صرخ علیه السلام بأعلى صوته : « ويلكم إعقروا الجمل فإنّه شيطان » ، ثمّ قال إعقروه وإلّا فنيت العرب لا يزال السيف قائما وراكعا حتّى يهوى هذا البعير إلى الأرض فصمدوا له حتّى عقروه فسقط وله رغاء شديد فلمّا برك كانت الهزيمة(6) .
ص: 103
قالوا استدار الجمل كما تدور الرحى وتكاثفت الرجال من حوله واشتدّ رغاؤه واشتدّ زحام الناس عليه ونادى الحتات المجاشعي أيّها الناس أمّكم أمّكم(1) .
ثمّ تقدّم عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس وهو من أشراف قريش وكان إ سم سيفه ولول فارتجز فقال :
أنا إبن عتاب وسيفي ولول * والموت دون الجمل المجلّل
فحمل عليه الأشتر فقتله(2) .
قالوا وأخذ خطام الجمل سبعون من قريش قتلوا كلّهم ولم يكن يأخذ بخطام الجمل أحد إلّا سالت نفسه أو قطعت يده(3) .
وتناول عبداللَّه بن أبزى خطام الجمل وكان كلّ من أراد الجدّ في الحرب وقاتل قتال مستميت يتقدّم إلى الجمل فيأخذ بخطامه ثمّ شدّ على عسكر علي علیه السلام وقال :
أضربهم ولا أرى أبا حسن * ها إن هذا حزن من الحزن
فشدّ عليه علي أمير المؤمنين علیه السلام بالرّمح فطعنه فقتله وقال قد رأيت أبا حسن فكيف رأيته وترك الرمح فيه(4) .
قال أبو مخنف وحدّثنا مسلم الأعور عن حبّة العرني قال : فلمّا رأى علي علیه السلام أنّ الموت عند الجمل وأنّه ما دام قائما فالحرب لا تطفأ وضع سيفه على عاتقه
ص: 104
وعطف نحوه وأمر أصحابه بذلك ومشي نحوه والخطام مع بني ضبة فاقتتلوا قتالا شديدا واستحرّ القتل في بني ضبة فقتل منهم مقتلة عظيمة وخلص علي علیه السلام في جماعة من النخع وهمدان إلى الجمل فقال لرجل من النخع إ سمه بجير دونك الجمل يا بجير فضرب عجز الجمل بسيفه فوقع لجنبه وضرب بجرانه الأرض وعجّ عجيجا لم يسمع بأشدّ منه فما هو إلّا أن صرع الجمل حتّى فرّت الرجال كما يطير الجراد في الريح الشديدة الهبوب وإحتملت عايشة بهودجها فحملت إلى دار عبداللَّه بن خلف وأمر علي علیه السلام بالجمل أن يحرق ثمّ يذري في الريح ، وقال علیه السلام : « لعنه اللَّه من دابّة فما أشبهه بعجل بني إ سرائيل » ثمّ قرأ ( وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً )(1) (2) .
وروى منصور بن أبي الأسود عن مسلم الأعور عن حبّة العرنيّ قال واللَّه إنّي لأنظر إلى الرجل الّذي ضرب الجمل ضربة على عجزه فسقط لجنبه فكأنّي أسمع عجيج الجمل وما سمعت قطّ عجيجا أشدّ منه ، قال ولمّا عقر الجمل : إنقطع بطان الهودج فزال عن ظهر الجمل فانفضّ أهل البصرة منهزمين وجعل عمّار بن ياسر ومحمّد بن أبي بكر يقطعان الحقب(3) والأنساع(4) واحتملاه أيّ الهودج فوضعاه على الأرض فأقبل عليّ بن أبي طالب علیه السلام حتّى وقف عليها وهي في هودجها
ص: 105
فقرع الهودج بالرّمح وقال : « يا حميراء أ رسول اللَّه أمرك بهذا المسير ؟ »(1) .
ثمّ نادى منادي أمير المؤمنين علیه السلام : « عليكم بالبعير فإنّه شيطان » قال فعقره رجل برمحه وقطع إحدى يديه رجل آخر فبرك ورغا وصاحت عايشة صيحة شديدة فولّي الناس منهزمين(2) .
وفي الإحتجاج : وتولّى محمّد بن أبي بكر وعمّار بن ياسر رحمة اللَّه عليهما عقره بعد طول دمائه(3) .
وروى أنّه كلّما بتر منه قائمة من قوائمه ثبت على أخرى(4) .
وفي الشرح : تقصد أهل الكوفة قصد الجمل والرجال دونه كالجبال كلّما خفّ قوم جاء أضعافهم فنادي علي علیه السلام : « ويحكم إرشقوا الجمل بالنّبل إعقروه لعنه اللَّه » فرشق بالسّهام فلم يبق فيه موضع إلّا أصابه النبل وكان مجففا(5) فتعلّقت السهام به فصار كالقنفذ ونادت الأزد وضبة يا لثارات عثمان فاتّخذوها شعارا ونادي أصحاب علي علیه السلام يا محمّد فاتّخذوها شعارا وإختلط الفريقان ونادي علي علیه السلام بشعار رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « يا منصور أمِتْ »(6) وهذا في اليوم الثاني من أيّام الجمل فلمّا دعا بها تزلزلت أقدام القوم وذلك وقت العصر بعد أن كانت الحرب من وقت الفجر .
ص: 106
قال الواقدي وقد روي أنّ شعاره علیه السلام كان في ذلك اليوم « حم لا ينصرون اللهمّ أنصرنا على القوم الناكثين » ثمّ تحاجز الفريقان والقتل فاش فيهما إلّا أنّه في أهل البصرة أكثر وأمارات النصر لائحة لعسكر الكوفة ثمّ تواقفوا في اليوم الثالث فبرز أوّل الناس عبداللَّه بن الزبير - الخ -(1) .
قدم شريك القاضي بالبصرة فأبى أن يحدّثهم فاتّبعوه حين خرج ، وجعلوا يرجمونه بالحجارة في السفينة ، وهو يقول لهم : يا أبناء الظؤرات ، ويا أبناء السنائخ لا سمعتم منّي حرفا(2) .
في الحديث أنّ رجلا قال له : يا رسول اللَّه إنّي أحبّ أن أنكح فلانة إلّا أنّ في أخلاق أهلها دقّة ، فقال له : « إيّاك وخضراء الدمن إيّاك والمرأة الحسناء في منبت السوء »(3)
لمّا إرتدّ عيينة بن حصن الفزازي ، وتبع طليحة الأسدي فأسر وأدخل المدينة فكان الصبيان يقولون له : يا عدوّ اللَّه أكفرت بعد إيمانك فيقول : ما آمنت باللَّه طرفة عين(4) .
ص: 107
قال تعالى : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ )(1) .
وقال تعالى : ( أَلَمْ تَرى إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً )(2) .
وقال تعالى : ( الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً )(3) .
وقال تعالى : ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ )(4) .
وقال تعالى : ( وَعَدَ اللَّهَ ُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ )(5) .
وقوله تعالى : ( لِيُعَذِّبَ اللَّهَ ُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ )(6) .
وقال تعالى : ( يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا )(7) .
وقال تعالى : ( إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ )(8) .
وقال تعالى : ( بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً )(9) .
وقال تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ) والآيات في ذمّ المنافقين كثيرة(10) .
ص: 108
منها : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله « من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار »(1) .
ومنها : وعن النبي صلی الله علیه وآله : « تجدون من شرّ عباد اللَّه يوم القيامة ذا الوجهين الّذي يأتي هؤلاء بحديث هؤلاء وهؤلاء بحديث هؤلاء » وفي حديث آخر الّذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه(2) .
ومنها : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « يجي ء يوم القيامة ذو الوجهين دالعا لسانه في قفاه وآخر من قدّامه يتلهبا جيتلهّبان ج نارا حتّى يلهبا جسده ثمّ يقال له هذا الّذي كان في الدنيا ذا وجهين ولسانين يعرف بذلك يوم القيامة »(3) .
ومنها : مكتوب في التوراة : تطلب الأمانة والرجل مع صاحبه بشفتين مختلفتين ، يهلك اللَّه يوم القيامة كلّ شفتين مختلفتين(4) .
ومنها : قال اللَّه تبارك وتعالى لعيسى إبن مريم علیه السلام : يا عيسى ليكن لسانك في السرّ والعلانية لسانا واحدا وكذلك قلبك إنّي أحذّرك نفسك وكفى بي خبيرا لا يصلح لسانان في فم واحد ولا سيفان في غمد واحد ولا قلبان في مصدر واحد وكذلك الأذهان(5) .
ومنها : عن أبي جعفر علیه السلام قال : « بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين
ص: 109
يطري أخاه شاهدا ويأكله غائبا إن أعطى حسده وإن ابتلي خذله »(1) .
ومنها : عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا علیه السلام قال : كتبت إليه أسأله عن مسألة - فكتب إليّ أنّ اللَّه يقول : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهَ ُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً )(2) ليسوا من عترة وليسوا من المؤمنين ، وليسوا من المسلمين ، يظهرون الإيمان ويسرّون الكفر والتكذيب لعنهم اللَّه(3) .
ومنها : محمّد بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمّد عن آبائه : قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « خلّتان لا تجتمعان في منافق فقة في الإسلام وحسن سمت(4) في الوجه »(5) .
ومنها : قال الصادق علیه السلام : « أربع من علامات النفاق قساوة القلب وجمود العين والإصرار على الذنب والحرص على الدنيا »(6) .
ومنها : عن عبّاد بن صهيب قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « لا يجمع اللَّه لمنافق ولا فاسق حسن السمت والفقه وحسن الخلق أبدا »(7) .
ص: 110
وأنت ترى انّ هذه العلامات كلّها موجودة في أهل البصرة ولهذا وقعوا في الضلالة والغواية في الدنيا والآخرة وبئس المصير .
قال رجل من الكوفة لرجل من البصرة : ماؤكم كدر زهك زفر ، وماؤنا أصحّ للأجسام من ماء دجلة فإنّ ماءها يقطّع شهوة الرجال ، ويذهب بصهيل الخيل ، وإن لم يتدسم النازلون علهيا أصابهم قحول في عظامهم ، ويبس في جلودهم ، وإذا كان فضيلة مائنا على دجلة فما ظنّك بفضيلته على ماء البصرة ، وهو يختلط بماء البحر ، ومن الماء المستنقع في أصول القصب والهروي(1) .
لمشاركته إيّاهم في الذنوب أو يراها ولا ينكرها
ففي الخبر عن مهاجر الأسديّ عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « مرّ عيسى بن مريم علیه السلام على قرية قد مات أهلها وطيرها ودوابّها فقال أما إنّهم لم يموتوا إلّا بسخطة ولو ماتوا متفرّقين لتدافنوا فقال الحواريّون : يا روح اللَّه وكلمته أدع اللَّه أن يحييهم لنا فيخبرونا ما كانت أعمالهم فنجتنبها فدعا عيسى علیه السلام ربّه فنودي من الجوّ أن نادهم فقام عيسى علیه السلام باللّيل على شرف من الأرض فقال : يا أهل هذه القرية فأجابه منهم مجيب لبّيك يا روح اللَّه وكلمته فقال : ويحكم ما كانت أعمالكم ؟ قال : عبادة الطاغوت وحبّ الدنيا مع خوف قليل وأمل بعيد وغفلة في
ص: 111
لهو ولعب ، فقال : كيف كان حبّكم للدنيا ؟ قال : كحبّ الصبيّ لأمّه إذا أقبلت علينا فرحنا وسررنا وإذا أدبرت عنّا بكينا وحزنّا ، قال : كيف كانت عبادتكم للطاغوت ؟ قال : الطاعة لأهل المعاصي ، قال : كيف كان عاقبة أمركم ؟ قال : بتنا ليلة في عافية وأصبحنا في الهاوية ، فقال : وما الهاوية ؟ فقال : سجّين ، قال : وما سجّين ؟ قال جبال من جمر توقد علينا إلى يوم القيامة ، قال : فما قلتم وما قيل لكم ؟ قال : قلنا ردّنا إلى الدنيا فنزهد فيها ، قيل لنا : كذبتم ، قال ويحك كيف لم يكلّمني غيرك من بينهم ؟ قال : يا روح اللَّه إنّهم ملجمون بلجام من نار بأيدي ملائكة غلاظ شداد وإنّي كنت فيهم ولم أكن منهم فلمّا نزل العذاب عمّني معهم فأنا معلّق بشعرة على شفير جهنّم(1) لا أدري أكبكب فيها أم أنجو منها فالتفت عيسى علیه السلام إلى الحوارييّن فقال : يا أولياء اللَّه أكل الخبز اليابس بالملح الجريش(2)النوم على المزابل خير كثير مع عافية الدنيا والآخرة »(3) .
الْمُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مُرْتَهَنٌ بِذَنْبِهِ وَالشَّاخِصُ عَنْكُمْ مُتَدَارَكٌ بِرَحْمَةٍ مِنْ رَبِّهِ
عن أبي حمزة عن أبي جعفر علیه السلام قال سمعته يقول : « إنّه ما من سنة أقلّ مطرا من سنة ولكنّ اللَّه يضعه حيث يشاء إنّ اللَّه عزّوجلّ إذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدّر لهم من المطر في تلك السنة إلى غيرهم وإلى الفيافي والبحار(4) والجبال وإنّ اللَّه ليعذّب الجعل في حجرها(5) بحبس المطر عن الأرض الّتي هي
ص: 112
بمحلّها بخطايا من بحضرتها وقد جعل اللَّه لها السبيل في مسلك سوى محلّة أهل المعاصي » قال ثمّ قال أبو جعفر علیه السلام : « فاعتبروا يا أولي الأبصار »(1) .
وعن أبي حمزة عن عليّ بن الحسين 8 في حديث طويل قال : « إيّاكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين ومجاورة الفاسقين إحذروا فتنتهم وتباعدوا من ساحتهم »(2) .
روى محمّد بن مسلم قال مرّ بي أبو جعفر علیه السلام وأنا جالس عند القاضي بالمدينة فدخلت عليه من الغد فقال لي : « ما مجلس رأيتك فيه أمس ؟ » قال قلت له : جلعت فداك إنّ هذا القاضي بي مكرم فربّما جلست إليه ، فقال لي : « وما يؤمنك أن تنزل اللعنة فتعمّك معه » ، وفي خبر آخر فتعمّ من في المجلس(3) .
عن الجعفري(4) قال سمعت أبا الحسن علیه السلام يقول : « ما لي رأيتك عند عبد الرحمن بن يعقوب ؟ » فقال : إنّه خالي ، فقال : « إنّه يقول في اللَّه قولا عظيما يصف اللَّه ولا يوصف فإمّا جلست معه وتركتنا وإمّا جلست معنا وتركته » ، فقلت : هو يقول ما شاء أيّ شي ء عليّ منه إذا لم أقل ما يقول ، فقال أبو الحسن علیه السلام : « أ ما تخاف أن تنزل به نقمة فتصيبكم جميعا أ ما علمت بالّذي كان من أصحاب
ص: 113
موسى علیه السلام وكان أبوه من أصحاب فرعون فلمّا لحقت خيل فرعون موسى تخلّف عنه ليعظ أباه فيلحقه بموسى فمضى أبوه وهو يراغمه(1) حتّى بلغا طرفا من البحر فغرقا جميعا فأتى موسى علیه السلام الخبر فقال : هو في رحمة اللَّه ولكنّ النقمة إذا نزلت لم يكن لها عمّن قارب المذنب دفاع »(2) .
قال أمير المؤمنين علیه السلام : « هي مسكن الجن الخارج منها برحمة والداخل إليها بذنب أما إنّها لا تذهب الدنيا حتّى يجي ء إليها كلّ فاجر ويخرج منها كلّ مؤمن »(3) .
نقل : ضاقت على النضر بن شميل اللغوي النحوي الأديب الأسباب في البصرة . فعزم على الخروج إلى خراسان . فشيّعه من أهل البصرة نحو ثلاثة آلاف من المحدّثين ، والفقهاء واللغويين ، والنحاة ، والأدباء . فجلس لوداعهم بالمربد ، وقال : يا أهل البصرة لو وجدت عندكم كيلجة من الباقلاء ما فارقتكم ، فلم يكن فيهم واحد يتكفّل له ذلك فسار إلى مرو ، وأقام بها فأثرى(4) .
كَأَنِّي بِمَسْجِدِكُمْ كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ قَدْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْعَذَابَ
في حديث أنس : البصرة إحدى المؤتفكات فأنزل في ضواحيها ، وإيّاك والمملكة ، قال شمر : أراد بالمملكة وسطها(5) .
عن أنس بن مالك عن النبيّ صلی الله علیه وآله : « إنّ الناس يمصّرون أمصارا ، وإن مصرا منها
ص: 114
يقال له البصرة أو البصيرة فإن أنت مررت بها أو دخلتها فإيّاك وسباخها ، وكلاءها ، وسوقها ، وباب امرائها وعليك بضواحيها فإنّه يكون بها خسف ، وقذف ، ورجف ، وقوم يبيتون يصبحون قردة وخنازير »(1) .
أما إخباره علیه السلام أن البصرة تغرق عدا المسجد الجامع بها فقد رأيت من يذكر أن كتب الملاحم تدلّ على أنّ البصرة تهلك بالماء الأسود ينفجر من أرضها فتغرق ويبقى مسجدها ، والصحيح أنّ المخبر به قد وقع فإنّ البصرة غرقت مرّتين مرّة في أيّام القادر باللَّه ومرّة في أيّام القائم بأمر اللَّه غرق بأجمعها ولم يبق منها إلّا مسجدها الجامع بارزا بعضه كجؤجؤ الطائر حسب ما أخبر به أمير المؤمنين علیه السلام جاءها الماء من بحر فارس من جهة الموضع المعروف الآن بجزيرة الفرس ومن جهة الجبل المعروف بجبل السنام وخربت دورها وغرق كل ما في ضمنها وهلك كثير من أهلها .
وأخبار هذين الغرقين معروفة عند أهل البصرة يتناقلها خلفهم عن سلفهم(2) .
ص: 115
هذا ، وإختلف في موضع قتل هابيل ، حكى محمّد بن جرير قال جعفر الصادق علیه السلام : « بالبصرة في موضع المسجد الأعظم »(1) .
عن أبي عبداللَّه علیه السلام : « ما من مسجد بني إلّا على قبر نبيّ أو وصيّ نبيّ قتل فأصاب تلك البقعة رشّة من دمه »(2) .
أنّ جارية بن قدامة لمّا حرّق بالبصرة إبن الحضرمي الّذي قدم بها من قبل معاوية ، ودفع غائلته ، وكتب زياد - وكان خليفة إبن عبّاس عليها يومئذ - إلى أمير المؤمنين علیه السلام بذلك مع ظبيان مع عمّارة . قال علیه السلام لظبيان : « أنّها أوّل القرى خرابا ، إمّا غرقا وإمّا حرقا حتّى يبقى مسجدها كجؤجؤ سفينة » ، ثمّ قابل لظبيان : « أين منزلك منها ؟ » فقلت : مكان كذا ، فقال علیه السلام : « عليك بضواحيها ، عليك بضواحيها »(3) .
الأوّل : عن إبن عبّاس 2 قال : لمّا فرغ عليّ علیه السلام من قتال أهل البصرة وضع قتبا على قتب(4) ثمّ صعد عليه فخطب فحمد اللَّه وأثنى عليه فقال : « يا أهل البصرة يا
ص: 116
أهل المؤتفكة(1) يا أهل الداء العضال(2) أتباع البهيمة(3) - يا جند المرأة(4) رغا فأجبتم(5) وعقر فهربتم ماؤكم زعاق(6) ودينكم نفاق وأخلاقكم دقاق » ثمّ نزل يمشي بعد فراغه من خطبته فمشينا معه فمرّ بالحسن البصريّ وهو يتوضّأ فقال : « يا حسن أسبغ الوضوء » ، فقال : يا أمير المؤمنين لقد قتلت بالأمس أناسا يشهدون أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله يصلّون الخمس ويسبغون الوضوء ، فقال له أمير المؤمنين علیه السلام : « فقد كان ما رأيت فما منعك أن تعين علينا عدوّنا ؟ »
فقال : واللَّه لأصدقنّك يا أمير المؤمنين علیه السلام لقد خرجت في أوّل يوم فاغتسلت وتحنّطت وصببت عليّ سلاحي وأنا لا أشكّ في أنّ التخلّف عن أمّ المؤمنين عايشة هو الكفر فلمّا انتهيت إلى موضع من الخريبة ناداني مناد يا حسن إلى أين ؟ إرجع فإنّ القاتل والمقتول في النار فرجعت ذعرا وجلست في بيتي فلمّا كان في اليوم الثاني لم أشكّ أنّ التخلّف عن أمّ المؤمنين عايشة هو الكفر فتحنّطت وصببت عليّ سلاحي - وخرجت أريد القتال حتّى أنتهيت إلى موضع من الخريبة فناداني مناد من خلفي يا حسن ألى أين ؟ إرجع مرّة بعد أخرى فإنّ القاتل والمقتول في النار ،
ص: 117
قال عليّ علیه السلام : « صدقك أ فتدري من ذلك المنادي ؟ » ، قال : لا ، قال علیه السلام : « ذاك أخوك إبليس وصدقك أنّ القاتل والمقتول منهم(1) في النار » ، فقال الحسن البصريّ : الآن عرفت يا أمير المؤمنين أنّ القوم هلكي(2) .
ومنها : عليّ بن إبراهيم القمي في تفسير قوله تعالى : ( وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى )(3) قال : المؤتفكة البصرة والدليل على ذلك قول أمير المؤمنين علیه السلام : « يا أهل البصرة ويا أهل المؤتفكة يا جند المرأة وأتباع البهيمة ، رغا فأجبتم ، وعقر فهربتم ، ماؤكم زعاق(4) ، وأحلامكم جأخلاقكم ج رقاب وفيكم ختم النفاق ، ولعنتم على لسان سبعين نبيّا ، إنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أخبرني - أنّ جبرئيل علیه السلام أخبره أنّه طوى له الأرض - فرأى البصرة أقرب الأرضين من الماء وأبعدها من السماء - وفيها تسعة أعشار الشرّ والداء العضال ، المقيم فيها مذنب ، والخارج منها جمتدارك ج برحمة ، وقد إئتفكت بأهلها مرّتين ، وعلى اللَّه تمام الثالثة وتمام الثالثة في الرجعة »(5) .
قال في مجمع البيان : ( المؤتفكة ) المنقلبة وهي الّتي صار أعلاها أسفلها وأسفلها أعلاها وأهوى أي أنزل بها في الهواء(6) .
وقال : « والمؤتفكة » يعني قرى قوم لوط المخسوفة « أهوى » أي أسقط أهواها
ص: 118
جبرائيل بعد أن رفعها(1) هذا تنزيل الآية الشريفة وما رواه القمي ؛ تأويلها .
وقال القمي ؛ في تفسير قوله تعالى : ( وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ )(2) المؤتفكات البصرة والخاطئة فلانة(3) .
عن محمّد البرقيّ عن سيف بن عميرة عن أخيه عن منصور بن حازم عن حمران قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقرأ وجاء فرعون ومن قبله والمتؤفكات بالخاطئة ، قال : « وجاء فرعون يعني الثالث ومن قبله الأوّلين والمؤتفكات أهل البصرة بالخاطئة الحميراء »(4) .
وجاء في بيان المجلسي ؛ : وأمّا تأويل الّذي ذكره عليّ بن إبراهيم فقد رواه مؤلّف تأويل الآيات الباهرة بإ سناده عن حمران ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقرأ : « وجاء فرعون ؛ يعني الثالث ، ومن قبله ؛ يعني الأوّلين ، والمؤتفكات ؛ أهل البصرة ، بالخاطئة ( الحاقة : 9 ) ؛ الحميراء فالمراد بمجي ء الأوّلين والثالث بعايشة أنّهم أسّسوا لها بما فعلوا من الجور على أهل البيت : أساسا به تيسّر لها الخروج والإعتداء على أمير المؤمنين علیه السلام ، ولو لا ما فعلوا لم تكن تجترى ء على ما فعلت »(5) .
قال المجلسي ؛ : روى كمال الدين بن ميثم البحرانيّ(6) مرسلا أنّه لمّا فرغ
ص: 119
أمير المؤمنين علیه السلام من أمر الحرب لأهل الجمل أمر مناديا ينادي في أهل البصرة أنّ الصلاة الجامعة لثلاثة أيّام من غد إن شاء اللَّه ولا عذر لمن تخلّف إلّا من حجّة أو علّة فلا تجعلوا على أنفسكم سبيلا فلمّا كان اليوم الّذي إجتمعوا فيه خرج علیه السلام فصلّى بالنّاس الغداة في المسجد الجامع فلمّا قضى صلاته قام فأسند ظهره إلى حائط القبلة عن يمين المصلّى فخطب الناس فحمد اللَّه وأثنى عليه بما هو أهله وصلّى على النبيّ صلی الله علیه وآله واستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ثمّ قال : « يا أهل البصرة يا أهل المؤتفكة وائتفكت بأهلها ثلاثا وعلى اللَّه تمام الرابعة ، يا جند المرأة وأعوان البهيمة رغا فأجبتم وعقر فانهزمتم أخلاقكم دقاق ودينكم نفاق وماؤكم زعاق بلادكم أنتن بلاد اللَّه تربة وأبعدها من السماء ، بها تسعة أعشار الشرّ المحتبس فيها بذنبه والخارج منها بعفو اللَّه ، كأنّي أنظر إلى قريتكم هذه وقد طبّقها الماء حتّى ما يرى منها إلّا شرف المسجد كأنّه جؤجؤ طير في لجّة بحر » . فقام إليه الأحنف بن قيس فقال له : يا أمير المؤمنين ومتى يكون ذلك ؟ قال : « يا أبا بحر إنّك لن تدرك ذلك الزمان وإنّ بينك وبينه لقرونا ولكن ليبلغ الشاهد منكم الغائب عنكم لكي يبلغوا إخوانهم إذا هم رأوا البصرة قد تحوّلت أخصاصها دورا وآجامها قصورا فالهرب الهرب فإنّه لا بصيرة لكم يومئذ » ، ثمّ إلتفت عن يمينه فقال : « كم بينكم وبين الأبلّة ؟ » فقال له المنذر بن الجارود : فداك أبي وأمّي أربعة فراسخ ، قال له : « صدقت فو الّذي بعث محمّدا صلی الله علیه وآله وأكرمه بالنّبوّة
ص: 120
وخصّه بالرّسالة وعجّل بروحه إلى الجنّة لقد سمعت منه كما تسمعون منّي أن قال لي : يا عليّ هل علمت أنّ بين الّتي تسمّى البصرة والّتي تسمّى الأبلّة أربعة فراسخ وسيكون الّتي تسمّى الأبلّة موضع أصحاب العشور ويقتل في ذلك الموضع من أمّتي سبعون ألفا شهيدهم يومئذ بمنزلة شهداء بدر » .
فقال له المنذر : يا أمير المؤمنين ومن يقتلهم فداك أبي وأمّي ؟ قال : « يقتلهم إخوان الجنّ وهم جيل كأنّهم الشياطين سود ألوانهم منتنة أرواحهم شديد كلبهم قليل سلبهم طوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه ، ينفر لجهادهم في ذلك الزمان قوم هم أذلّة عند المتكبّرين من أهل الزمان ، مجهولون في الأرض معروفون في السماء تبكي السماء عليهم وسكّانها والأرض وسكّانها » ، ثمّ هملت(1) عيناه بالبكاء ثمّ قال : « ويحك يا بصرة ويلك يا بصرة من جيش لا رهج(2) له ولا حسّ » ، فقال له المنذر : يا أمير المؤمنين وما الّذي يصيبهم من قبل الغرق ممّا ذكرت وما الويح وما الويل ؟ فقال : « هما بابان فالويح باب الرحمة والويل باب العذاب يا إبن الجارود نعم تارات عظيمة ، منها عصبة تقتل بعضها بعضا ، ومنها فتنة تكون بها إخراب منازل وخراب ديار وإنتهاك أموال وقتل رجال وسباء نساء يذبحن ذبحا ، يا ويل أمرهنّ حديث عجيب ، منها أن يستحلّ بها الدجّال الأكبر الأعور الممسوح العين اليمنى والأخرى كأنّها ممزوجة بالدّم لكأنّها في الحمرة علقة ناتي(3) الحدقة كهيئة حبّة العنب الطاّفية على الماء فيتّبعه من أهلها عدّة من
ص: 121
قتل بالأبلّة من الشهداء أناجيلهم في صدورهم يقتل من يقتل ويهرب من يهرب ثمّ رجف ثمّ قذف ثمّ خسف ثمّ مسخ ثمّ الجوع الأغبر ثمّ الموت الأحمر وهو الغرق ، يا منذر إنّ للبصرة ثلاثة أسماء سوى البصرة في الزبر الأوّل لا يعلمها إلّا العلماء منها الخريبة ومنها تدمر ومنها المؤتفكة ، يا منذر والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لو أشاء لأخبرتكم بخراب العرصات عرصة عرصة متى تخرب ومتى تعمر بعد خرابها إلى يوم القيامة وإنّ عندي من ذلك علما جمّا وإن تسألوني تجدوني به عالما لا أخطى ء منه علما ولا دافئا(1) ولقد إ ستودعت علم القرون الأولى وما هو كائن إلى يوم القيامة » ، ثمّ قال : « يا أهل البصرة إنّ اللَّه لم يجعل لأحد من أمصار المسلمين خطّة شرف ولا كرم إلّا وقد جعل فيكم أفضل ذلك وزادكم من فضله بمنّه ما ليس لهم أنتم أقوم الناس قبلة قبلتكم على المقام حيث يقوم الإمام بمكّة ، وقارؤكم أقرأ الناس ، وزاهدكم ازهد الناس ، وعابدكم أعبد الناس ، وتاجركم أتجر الناس وأصدقهم في تجارته ، ومتصدّقكم أكرم الناس صدقة ، وغنيّكم أشدّ الناس بذلا وتواضعا وشريفكم أحسن الناس خلقا ، وأنتم أكرم الناس جوارا وأقلّهم تكلّفا لما لا يعنيه وأحرصهم على الصلاة في جماعة ، ثمرتكم أكثر الثمار ، وأموالكم أكثر الأموال وصغاركم أكيس الأولاد ، ونساؤكم أقنع النساء وأحسنهنّ تبعّلا ، سخّر لكم الماء يغدو عليكم ويروح ، صلاحا لمعاشكم والبحر سببا لكثرة أموالكم فلو صبرتم واستقمتم لكانت شجرة طوبى لكم مقيلا وظلّا ظليلا وغير أنّ حكم اللَّه فيكم ماض وقضاءه نافذ لا معقّب لحكمه وهو سريع الحساب يقول اللَّه : ( وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ
ص: 122
ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً )(1) وأقسم لكم يا أهل البصرة ما الّذي إبتدأتكم به من التوبيخ إلّا تذكير وموعظة لما بعد لكي لا تسرّعوا إلى الوثوب في مثل الّذي وثبتم وقد قال اللَّه لنبيّه صلوات اللَّه عليه وآله ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ )(2) ولا الّذي ذكرت فيكم من المدح والتطرية بعد التذكير والموعظة رهبة منّي لكم ولا رغبة في شي ء ممّا قبلكم فإنّي لا أريد المقام بين أظهركم إن شاء اللَّه لأمور تحضرني قد يلزمنى القيام بها فيما بيني وبين اللَّه لا عذر لي في تركها ولا علم لكم بشي ء منها حتّى يقع ممّا أريد أن أخوضها مقبلا ومدبرا ، فمن أراد أن يأخذ بنصيبه منها فليفعل ، فلعمري إنّه للجهاد الصافي صفّاه لنا كتاب اللَّه ولا الّذي أردت به من ذكر بلادكم موجدة منّي عليكم لما شاققتموني غير أنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال لي يوما وليس معه غيري : إنّ جبرئيل الروح الأمين حملني على منكبه الأيمن حتّى أراني الأرض ومن عليها وأعطاني أقاليدها وعلّمني ما فيها وما قد كان على ظهرها وما يكون إلى يوم القيامة ولم يكبر ذلك عليّ كما لم يكبر على أبي آدم علّمه الأسماء كلّها ولم يعلمها الملائكة المقرّبون ، وإنّي رأيت بقعة على شاطى ء البحر تسمّى البصرة ، فإذا هي أبعد الأرض من السماء وأقربها من الماء وإنّها لأسرع الأرض خرابا وأخشنها ترابا وأشدّها عذابا ، ولقد خسف بها في القرون الخالية مرارا وليأتينّ عليها زمان وإنّ لكم يا أهل البصرة وما حولكم من القرى من الماء ليوما عظيما بلاؤه وإنّي لأعرف موضع منفجره من قريتكم هذه ، ثمّ أمور قبل ذلك تدهمكم أخفيت عنكم وعلمناه فمن خرج منها عند دنوّ غرقها فبرحمة من اللَّه
ص: 123
سبقت له ومن بقي فيها غير مرابط بها فبذنبه وما اللَّه بظلّام للعبيد » .
فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني من أهل الجماعة ومن أهل الفرقة ومن أهل البدعة ومن أهل السنّة ؟ فقال علیه السلام : « إذا سألتني فافهم عنّي ولا عليك أن لا تسأل أحدا بعدي ، أمّا أهل الجماعة فأنا ومن اتّبعني وإن قلّوا وذلك الحقّ عن أمر اللَّه و أمر رسوله صلی الله علیه وآله ، وأمّا أهل الفرقة فالمخالفون لي ولمن اتّبعني وإن كثروا ، وأمّا أهل السنّة فالمستمسكون بما سنّة اللَّه لهم ورسوله وإن قلّوا ، وأمّا أهل البدعة فالمخالفون لأمر اللَّه ولكتابه ورسوله العاملون برأيهم وأهوائهم وإن كثروا وقد مضى الفوج الأوّل وبقيت أفواج وعلى اللَّه قصمها وإ ستيصالها عن جدد الأرض » وباللَّه التوفيق(1) ،(2) .
ولعلّ تمام الخطبة ما في « الإحتجاج » عن يحيى بن عبداللَّه بن الحسن عن أبيه عبد اللَّه بن الحسن قال : كان أمير المؤمنين علیه السلام يخطب بالبصرة بعد دخوله بأيّام ، فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني من أهل الجماعة ومن أهل الفرقة - إلى أن قال - وإ ستيصالها عن جدد الأرض فقام إليه عمّار فقال : يا أمير المؤمنين إنّ الناس يذكرون ألفى ء ويزعمون أنّ من قاتلنا فهو وماله وولده فى ء لنا .
فقام إليه رجل من بكر بن وائل ويدعى عبّاد بن قيس ، وكان ذا عارضة ولسان شديد فقال : يا أمير المؤمنين واللَّه ما قسمت بالسّويّة ولا عدلت بالرّعيّة ، فقال علیه السلام : « ولم ويحك ؟ »
ص: 124
قال : لأنّك قسمت ما في العسكر وتركت الأموال والنساء والذريّة ، فقال علیه السلام : « أيّها الناس من كانت به جراحة فليداوها بالسّمن » ، فقال عبّاد : جئنا نطلب غنائمنا فجاءنا بالتّرّهات ، فقال له أمير المؤمنين علیه السلام : « إن كنت كاذبا فلا أماتك اللَّه حتّى يدركك غلام ثقيف » ، قيل : ومن غلام ثقيف ؟ فقال علیه السلام : « رجل لا يدع للَّه حرمة إلّا إنتهكها » ، فقيل : أ فيموت أو يقتل ؟ فقال : « يقصمه قاصم الجبّارين بموت فاحش يحترق منه دبره لكثرة ما يجري من بطنه ، يا أخا بكر أنت إمرؤ ضعيف الرأي ، أ وما علمت أنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير ، وأنّ الأموال كانت لهم قبل الفرقة وتزوّجوا على رشدة وولدوا على فطرة ، وإنّما ما حوى عسكركم وما كان في دورهم فهو ميراث ، فإن عدا أحد منهم أخذناه بذنبه ، وإن كفّ عنّا لم نحمل عليه ذنب غيره .
يا أخا بكر لقد حكمت فيهم بحكم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله في أهل مكة ، فقسم ما حوى العسكر ولم يتعرّض لما سوى ذلك ، وإنّما اتّبعت أثره حذو النعل بالنّعل .
يا أخا بكر أما علمت أنّ دار الحرب يحلّ ما فيها ، وأنّ دار الهجرة يحرم ما فيها إلّا بالحقّ فمهلا مهلا رحمكم اللَّه ، فإن لم تصدّقوني وأكثرتم عليّ وذلك أنّه تكلّم في هذا غير واحد ، فأيّكم يأخذ عائشة بسهمه ؟ » ، فقالوا : يا أمير المؤمنين أصبت وأخطأنا وعلمت وجهلنا فنحن نستغفر اللَّه تعالى ، ونادى الناس من كلّ جانب أصبت يا أمير المؤمنين أصاب اللَّه بك الرشاد والسداد .
فقام عبّاد فقال : أيّها الناس إنّكم واللَّه لو اتبعتموه وأطعتموه لن يضلّ بكم عن منهل نبيّكم حتّى قيد شعرة وكيف لا يكون ذلك وقد إ ستودعه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله علم المنايا والقضايا وفصل الخطاب على منهاج هارون علیه السلام وقال له : « أنت منّي بمنزلة
ص: 125
هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدى » ، فضلا خصّه اللَّه به وإكراما منه لنبيّه صلی الله علیه وآله حيث أعطاه ما لم يعط أحدا من خلقه » .
ثمّ قال أمير المؤمنين علیه السلام : « أنظروا رحمكم اللَّه ما تؤمرون فامضوا له ، فإنّ العالم أعلم بما يأتي به من الجاهل الخسيس الأخسّ فإنّي حاملكم إن شاء اللَّه إن اطعتموني على سبيل النجاة وإن كان فيه مشقّة شديدة ومرارة عديدة والدنيا حلوة الحلاوة لمن اغترّ بها من الشقاوة والندامة عمّا قليل ، ثمّ إنّي أخبركم أنّ جيلا من بني إ سرائيل أمرهم نبيّهم أن لا يشربوا من النهر فلجّوا في ترك أمره فشربوا منه إلّا قليل جقليلاج منهم ، فكونوا رحمكم اللَّه من أولئك الّذين أطاعوا نبيّهم ولم يعصوا ربّهم ، وأمّا عايشة فأدركها رأي النساء ولها بعد ذلك حرمتها الأولى والحساب على اللَّه يعفو عمّن يشاء ويعذّب من يشاء »(1) .
الثاني : في الإشارة إلى جملة من الآيات والأخبار الواردة في نهي عايشة عن الخروج إلى القتال وما فيها الإشارة إلى تعدّيها عن حدود اللَّه وعمّا أوجباه في حقّها فنقول(2) :
عن حمّاد عن حريز قال سألت أبا عبداللَّه علیه السلام عن قول اللَّه عزّوجلّ : ( يَا نِسَاءَ النَّبِىِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ )(3) ، قال « الفاحشة الخروج بالسّيف »(4) .
عن عبداللَّه بن مسعود : إنّ يوشع بن نون وصيّ موسى عاش بعد موسى ثلاثين
ص: 126
سنة وخرجت عليه صفراء بنت شعيب زوجة موسى علیه السلام فقالت : أنا أحقّ منك بالأمر فقاتلها فقتل مقاتليها وأسرها فأحسن أسرها وإنّ إبنة أبي بكر ستخرج على عليّ في كذا وكذا ألفا من أمّتي فتقاتله فيقتل مقاتليها ويأسرها فيحسن أسرها
وفيها أنزل اللَّه عزّوجلّ ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى )(1) يعني صفراء بنت شعيب(2) .
عن أبي عبداللَّه علیه السلام عن أبيه في هذه الآية ( وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ) قال : « أي سيكون جاهليّة أخرى »(3) .
إبن عبّاس لمّا علم اللَّه أنّه ستجري حرب الجمل قال لأزواج النبيّ ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ) وقال تعالى : ( يَا نِسَاءَ النَّبِىِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ )(4) في حربها مع عليّ علیه السلام(5) .
روى الشعبي(6) عن عبد الرحمن بن مسعود العبدي قال : كنت بمكّة مع عبداللَّه بن الزبير وطلحة والزبير فأرسلا عبداللَّه بن الزبير فقالا له إنّ عثمان قتل مظلوما وإنّا نخاف أمر أمّة محمّد صلی الله علیه وآله أن يختلّ فإن رأت عايشة أن تخرج معنا لعلّ اللَّه أن
ص: 127
يرتق بها فتقا ويشعب بها صدعا ، فخرجنا نمشي حتّى إنتهينا إليها فدخل عبداللَّه بن الزبير في سترها وجلست على الباب فأبلغها ما أرسلا به إليها فقالت : سبحان اللَّه ، ما أمرت بالخروج وما تحضرني من أمّهات المؤمنين إلّا أمّ سلمة فإن خرجت خرجت معها فرجع إليهما فبلّغهما ذلك ، فقالا : إرجع إليها فلتأتها فهي أثقل عليها منّا فرجع إليها فبلّغها فأقبلت حتّى دخلت أمّ سلمة فقالت أمّ سلمة : مرحبا بعايشة واللَّه ما كنت لي بزوّارة فما بدا لك ؟ قدم طلحة والزبير فخبرا أنّ أمير المؤمنين عثمان قتل مظلوما فصرخت أمّ سلمة صرخة أسمعت من في الدار فقالت : يا عايشة بالأمس أنت تشهدين عليه بالكفر وهو اليوم أمير المؤمنين قتل مظلوما ؟ فما تريدين ؟ قالت : تخرجين معنا فعلّ اللَّه أن يصلح بخروجنا أمر أمّة محمّد صلی الله علیه وآله قالت : يا عايشة تخرجين وقد سمعت من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ما سمعنا ، نشدتك باللَّه يا عايشة الّذي يعلم صدقك إن صدقت أ تذكرين يوما كان نوبتك من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فصنعت حريرة في بيتي فأتيته بها وهو صلی الله علیه وآله يقول : « واللَّه لا تذهب الليالي والأيّام حتّى تتنابح كلاب ماء بالعراق يقال له : الحوأب ، إمرأة من نسائي في فئة باغية فسقط الإناء من يدي » فرفع رأسه إليّ وقال : « ما بالك يا أمّ سلمة ؟ » فقلت : يا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ألا يسقط الإناء من يدي وأنت تقول ما تقول ؟ ما يؤمنني أن أكون هي أنا ؟ فضحكت أنت فالتفت إليك فقال صلی الله علیه وآله : « ممّا تضحكين يا حميراء الساقين ؟ » إنّي أحسبك هي ، ونشدتك باللَّه با عايشة أ تذكرين ليلة أسرى بنا مع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من مكان كذا وكذا هو بيني وبين عليّ بن أبي طالب علیه السلام يحدّثنا فأدخلت جملك فحال بينه وبين عليّ علیه السلام فرفع مقرعة كانت معه يضرب بها وجه جملك وقال : « أما واللَّه ما يومه منك بواحدة ، أما إنّه لا يبغضه إلّا منافق كذّاب »
ص: 128
، وأنشدك باللَّه أ تذكرين مرض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله الّذي قبض فيه فأتاه أبوك يعوده ومعه عمر وقد كان عليّ بن أبي طالب علیه السلام يتعاهد ثوب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ونعله وخفّه ويصلح ما وهي منها ، فدخل قبل ذلك فأخذ نعل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وهي حضرميّة فهو يخصفها خلف البيت فاستأذنا عليه فأذن لهما فقالا : يا رسول اللَّه كيف أصبحت ؟
قال : « أصبحت أحمد اللَّه » ، قالا : لا بدّ من الموت ، قال : « أجل لا بدّ من الموت » ، قالا : يا رسول اللَّه فهل إ ستخلفت أحدا ؟ قال : « ما خليفتي فيكم إلّا خاصف النعل » ، فخرجا فمرّا على عليّ بن أبي طالب علیه السلام وهو يخصف نعل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله كلّ ذلك تعرفينه يا عايشة وتشهدين عليه .
ثمّ قالت أمّ سلمة : يا عايشة أنا أخرج على عليّ علیه السلام بعد الّذي سمعته من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ؟ فرجعت عايشة إلى منزلها فقالت : يا ابن الزبير أبلغهما أنّي لست بخارجة من بعد الّذي سمعت من أمّ سلمة ، فرجع فبلّغهما ، قال : فما انتصف الليل حتّى سمعت رغاء إبلهما ترتحل فارتحلت معهما(1) .
وعن جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام عن أبيه عن آبائه عن عليّ علیه السلام قال : « كنت أنا ورسول اللَّه صلی الله علیه وآله في المسجد بعد أن صلّى الفجر ثمّ نهض ونهضت معه وكان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله إذا أراد أن يتّجه إلى موضع أعلمني بذلك - وكان إذا أبطأ في ذلك الموضع صرت إليه لأعرف خبره لأنّه لا يتصابر قلبي على فراقه ساعة واحدة ، فقال لي : أنا متّجه إلى بيت عايشة . فمضى صلی الله علیه وآله ومضيت إلى بيت فاطمة الزهراء 3 . فلم أزل مع الحسن والحسين فأنا وهي مسروران بهما ثمّ إنّي نهضت وسرت إلى باب عايشة فطرقت الباب فقالت : من هذا ؟ فقلت لها : أنا عليّ ، فقالت : إنّ النبيّ صلی الله علیه وآله
ص: 129
راقد . فانصرفت ثمّ قلت النبيّ صلی الله علیه وآله راقد وعايشة في الدار ، فرجعت وطرقت الباب فقالت لي : من هذا ؟ فقلت لها : أنا عليّ ، فقالت : إنّ النبيّ صلی الله علیه وآله على حاجة فانثنيت مستحييا من دقّ الباب ووجدت في صدري ما لا أستطيع عليه صبرا فرجعت مسرعا فدققت الباب دقّا عنيفا ، فقالت لي عايشة : من هذا ؟ فقلت : أنا عليّ فسمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : يا عايشة إفتحى له الباب ففتحت ودخلت ، فقال لي : إقعد يا أبا الحسن أحدّثك بما أنا فيه أو تحدّثني بإبطائك عنّي ؟ فقلت : يا رسول اللَّه حدّثني فإنّ حديثك أحسن . فقال صلی الله علیه وآله : يا أبا الحسن كنت في أمر كتمته من ألم الجوع فلمّا دخلت بيت عايشة وأطلت القعود ليس عندها شى ء تأتي به فمددت يدي وسألت اللَّه القريب المجيب فهبط علىّ حبيبي جبرئيل 3 ومعه هذا الطير ووضع إصبعه على طائر بين يديه ، فقال : إنّ اللَّه عزّوجلّ أوحى إليّ أن آخذ هذا الطير وهو أطيب طعام في الجنّة فآتيك به يا محمّد ، فحمدت اللَّه عزّوجلّ كثيرا ، وعرج جبرئيل فرفعت يدي إلى السماء ، فقلت : اللهمّ يسّر عبدا يحبّك ويحبّني يأكل معي من هذا الطير فمكثت مليّا فلم أر أحدا يطرق الباب فرفعت يدي ثمّ قلت اللهمّ يسّر عبدا يحبّك ويحبّني وتحبّه وأحبّه يأكل معي من هذا الطير فسمعت طرق الباب وإرتفاع صوتك فقلت لعايشة : أدخلي عليّا فدخلت ، فلم أزل حامدا للَّه حتّى بلغت إليّ إذ كنت تحبّ اللَّه وتحبّني ويحبّك اللَّه وأحبّك ، فكلّ يا عليّ ، فلمّا أكلت أنا والنبي الطائر قال لي : يا عليّ حدّثني فقلت : يا رسول اللَّه لم أزل منذ فارقتك أنا وفاطمة والحسن والحسين مسرورين جميعا ثمّ نهضت أريدك فجئت فطرقت الباب فقالت لي عايشة : من هذا ؟ فقلت : أنا عليّ ، فقالت : إنّ النبيّ صلی الله علیه وآله راقد ، فانصرفت . فلمّا أن صرت إلى بعض الطريق الّذي سلكته رجعت
ص: 130
فقلت : النبيُّ صلی الله علیه وآله راقد وعايشة في الدار لا يكون هذا فجئت فطرقت الباب فقالت لي : من هذا ؟ فقلت لها : أنا عليّ ، فقالت : إنّ النبيّ صلی الله علیه وآله على حاجة . فانصرفت مستحييا . فلمّا إنتهيت إلى الموضع الّذي رجعت منه أوّل مرّة وجدت في قلبي ما لا أستطيع عليه صبرا وقلت النبيّ صلی الله علیه وآله على حاجة وعايشة في الدار . فرجعت فدققت الباب الدقّ الّذي سمعته فسمعتك يا رسول اللَّه وأنت تقول لها : أدخلي عليّا ، فقال النبيّ صلی الله علیه وآله : أبي اللَّه إلّا أن يكون الأمر هكذا يا حميراء ما حملك على هذا ؟
قالت : يا رسول اللَّه إ شتهيت أن يكون أبي يأكل من هذا الطير . فقال لها : ما هو بأوّل ضغن بينك وبين عليّ وقد وقفت جعلى ما في قلبك ج لعليّ إن شاء اللَّه لتقاتلنّه . فقالت : يا رسول اللَّه وتكون النساء يقاتلن الرجال ؟
فقال لها : يا عايشة إنّك لتقاتلين عليّا ويصحبك ويدعوك إلى هذا نفر من أهل بيتي وأصحابي(1) فيحملونك عليه وليكوننّ في قتالك له أمر يتحدّث به الأوّلون و الآخرون وعلامة ذلك أنّك تركبين الشيطان ثمّ تبتلين قبل أن تبلغي إلى الموضع الّذي يقصد بك إليه فتنبح عليك كلاب الحوأب فتسألين الرجوع فتشهد عندك قسامة أربعين رجلا ما هي كلاب الحوأب فتنصرفين(2) إلى بلد أهله أنصارك وهو أبعد بلاد على الأرض من السماء وأقربها إلى الماء ولترجعنّ وأنت صاغرة غير بالغة ما تريدين ويكون هذا الّذي يردّك مع من يثق به من أصحابه وإنّه لك خير
ص: 131
منك له ولينذرنّك بما يكون الفراق بيني وبينك في الآخرة ، وكلّ من فرّق عليّ بيني وبينه بعد وفاتي ففراقه جائز . فقالت : يا رسول اللَّه ليتني متّ قبل أن يكون ما تعدني ، فقال لها : هيهات هيهات والّذي نفسي بيده ليكوننّ ما قلت حقّ كأنّي أراه . ثمّ قال صلی الله علیه وآله لي : قم يا عليّ فقد وجبت صلاة الظهر حتّى آمر بلالا بالأذان . فأذّن بلال وأقام وصلّى وصلّيت معه ولم يزل في المسجد »(1) .
روى عن الباقر علیه السلام أنّه قال : « لمّا كان يوم الجمل وقد رشق هودج عايشة بالنّبل ، قال أمير المؤمنين علیه السلام : واللَّه ما أراني إلّا مطلّقها فأنشد اللَّه رجلا سمع من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : يا عليّ أمر نسائي بيدك من بعدي لمّا قام فشهد فقال : فقام ثلاثة عشر رجلا فيهم بدريّان فشهدوا أنّهم سمعوا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول لعليّ بن أبي طالب علیه السلام : يا عليّ أمر نسائي بيدك من بعدي ، قال : فبكت عايشة عند ذلك حتّى سمعوا بكاءها »(2) .
وعن الحسن بن حمّاد عن زياد بن المنذر عن الأصبغ بن نباته قال : لمّا عقر الجمّل وقف علي علیه السلام على عايشة فقال : ما حملك على ما صنعت ؟ قالت : ذيت وذيت ، فقال : أمّا والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لقد ملأت أذنيك من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وهو يلعن أصحاب الجمل وأصحاب النهروان أمّا أحياؤهم فيقتلون في الفتنة وأمّا أمواتهم ففي النار على ملّة اليهود(3) ، إلى غير ذلك ممّا رواها الأصحاب .
ص: 132
بسم الله الرحمن الرحیم
أَرْضُكُمْ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمَاءِ بَعِيدَةٌ مِنَ السَّمَاءِ خَفَّتْ عُقُولُكُمْ وَ سَفِهَتْ حُلُومُكُمْ فَأَنْتُمْ غَرَضٌ لِنَابِلٍ وَ أُكْلَةٌ لِآكِلٍ وَ فَرِيسَةٌ لِصَائِلٍ
قال في الشرح : إنّ أرباب علم الهيئة وصناعة التنجيم يذكرون أن أبعد موضع في الأرض عن السماء الأبلة(1) وذلك موافق لقوله علیه السلام . ومعنى البعد عن السماء هاهنا هو بعد تلك الأرض المخصوصة عن دائرة معدّل النهار والبقاع والبلاد تختلف في ذلك وقد دلّت الأرصاد والآلات النجومية على أن أبعد موضع في المعمورة عن دائرة معدّل النهار هو الأبلة والأبلة هي قصبة البصرة ، وهذا الموضع من خصائص أمير المؤمنين علیه السلام لأنّه أخبر عن أمر لا تعرفه العرب ولا تهتدي إليه وهو مخصوص بالمدقّقين من الحكماء وهذا من أسراره وغرائبه البديعة(2) .
ص: 133
أنّ قوما أتوا الصادق علیه السلام يسألونه عن الحديث : فقال لرّجل منهم : هل سمعت الحديث من غيري ؟ قال : نعم . وحدّثه بأحاديث موضوعة عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمّد . فقال علیه السلام له : « من أيّ البلاد أنت ؟ » قال : من أهل البصرة ، قال علیه السلام « هذا الّذي تحدّث عنه وتذكر إ سمه جعفر بن محمّد هل تعرفه ؟ » قال : لا ، قال : « فهل سمعت منه شيئا قط ؟ » قال : لا ، قال : « فهذه الأحاديث عندك حقّ ؟ » قال : نعم . قال : « فمتى سمعتها ؟ » قال : لا أحفظ إلّا انّها أحاديث أهل مصرنا منذ دهر لا يمترون فيها . فقال علیه السلام له : « لو رأيت هذا الرجل الّذي تحدّث عنه فقال لك : هذه الّتي ترويها عنّي كذب ولا أعرفها ولم أحدّث بها ، هل كنت تصدّقه ؟ » قال : لا ، قال علیه السلام : « ولم ؟ » قال : لأنّه شهد على قوله رجال لو شهد أحدهم على عتق رجل لجازقوله - إلى أن قال - قال علیه السلام : « أعجب حديثهم عندي الكذب عليّ والحكاية عنّي ما لم أقل وقولهم لو أنكر الأحاديث ما صدّقناه . ما لهؤلاء ؟ لا أمهل اللَّه لهم ، إنّ عليّا علیه السلام لمّا أراد الخروج من البصرة قام على أطرافها وقال : لعنك اللَّه يا أنتن الأرض ترابا ، وأسرعها خرابا ، وأشدّها عذابا . فيك الداء الدويّ . قيل : ما هو ؟ قال : كلام القدر الّذي فيه الفرية على اللَّه ، وبغضنا أهل البيت ، وإ ستحلالهم الكذب علينا . . . »(1) .
ص: 134
بسم الله الرحمن الرحیم
وَ اللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ وَمُلِكَ بِهِ الإِمَاءُ لَرَدَدْتُهُ فَإِنَّ فِي الْعَدْلِ سَعَةً وَ مَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ الْعَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقُ
هذه الخطبة ذكرها الكلبي مروية مرفوعة إلى أبي صالح عن إبن عبّاس رضى اللَّه عنهما أنّ عليّا علیه السلام خطب في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة فقال : « ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان وكلّ مال أعطاه من مال اللَّه فهو مردود في بيت المال فإنّ الحقّ القديم لا يبطله شي ء ولو وجدته وقد تزوّج به النساء وفرق في البلدان لرددته إلى حاله ( على حاله ) فإنّ في العدل سعة ومن ضاق عنه الحقّ فالجور عليه أضيق » .
قال الكلبي : ثمّ أمر علیه السلام بكلّ سلاح وجد لعثمان في داره ممّا تقوى به على المسلمين فقبض و أمر بقبض نجائب كانت في داره من إبل الصدقة فقبضت وأمر بقبض سيفه ودرعه وأمر ألّا يعرض لسلاح وجد له لم يقاتل به المسلمون وبالكفّ عن جميع أمواله الّتي وجدت في داره وفي غير داره وأمر أن ترتجع الأموال الّتي
ص: 135
أجاز بها عثمان حيث أصيبت أو أصيب أصحابها .
فبلغ ذلك عمرو بن العاص وكان بأيلة من أرض الشام أتاها حيث وثب الناس على عثمان فنزلها فكتب إلى معاوية : ما كنت صانعا فاصنع إذ قشرك إبن أبي طالب من كلّ مال تملكه كما تقشر عن العصا لحاها .
وقال الوليد بن عقبة وهو أخو عثمان من أمّه يذكر قبض على علیه السلام نجائب عثمان وسيفه وسلاحه :
بني هاشم ردّوا سلاح إبن أختكم * ولا تنهبوه لا تحلّ مناهبه
بني هاشم كيف الهوادة بيننا * وعند على درعه ونجائبه
بني هاشم كيف التودّد منكم * وبز إبن أروى فيكم وحرائبه(1)
بني هاشم إلّا تردّوا فإنّنا * سواء علينا قاتلاه وسالبه
بني هاشم إنّا وما كان منكم * كصدع الصفا لا يشعب الصدع شاعبه
قتلتم أخي كيما تكونوا مكانه * كما غدرت يوما بكسرى مرازبه
فأجابه عبداللَّه بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب بأبيات طويلة من جملتها :
فلا تسألونا سيفكم إن سيفكم * أضيع وألقاه لدى الروع صاحبه
وشبهته كسرى وقد كان مثله * شبيها بكسرى هدبه وضرائبه
أي كان كافرا كما كان كسرى كافرا . * وكان المنصور إذا أنشد هذا الشعر يقول لعن اللَّه الوليد هو الّذي فرق بين بني مناف بهذا الشعر(2) .
ص: 136
وفي الجمل للمفيد :
فلا تسألونا سيفكم إنّ سيفكم * أضيع وألقاه لدى الروع صاحبه
وشبّهته كسرى وقد كان مثله * شبيها بكسرى هديه وضرائبه
سلوا أهل مصر عن سلاح ابن أختنا * فهم سلبوه سيفه وحرائبه
وكان وليّ الأمر بعد محمّد * عليّ وفي كلّ المواطن صاحبه
عليّ وليّ اللَّه أظهر دينه * وأنت مع الأشقين فيما تحاربه
وأنت امرؤ من أهل صفواء نازح * فما لك فينا من حميم تعاتبه
وقد أنزل الرحمن أنّك فاسق * فيما لك في الإسلام سهم تطالبه(1)
وفي تاريخ اليعقوبي : بايع الناس - بعد عثمان عليّا علیه السلام - إلّا ثلاثة نفر من قريش : مروان بن الحكم ، وسعيد بن العاص ، والوليد بن عقبة ، وكان لسان القوم . فقال : يا هذا إنّك قد وترتنا جميعا ، أمّا أنا فقتلت أبي صبرا يوم بدر ، وأمّا سعيد فقتلت أباه يوم بدر ، وكان أبوه من نور قريش ، وأمّا مروان فشتمت أباه وعبت على عثمان حين ضمّه إليه - إلى أن قال - فتبايعنا على أن تضع عنّا ما أصبنا وتعفى لنا عمّا في أيدينا ، وتقتل قتلة صاحبنا . فغضب عليّ وقال : « أما ما ذكرت من وترى إيّاكم ، فألحق وتركم ، وأمّا وضعي عنكم ما أصبتم ، فليس لي أن أضع حقّ اللَّه تعالى ، وأمّا إعفائي عمّا في أيديكم فما كان للَّه وللمسلمين فالعدل يسعكم ، وأمّا قتلي قتلة عثمان ، فلو لزمني قتلهم اليوم لزمني قتالهم غدا ، ولكن لكم أن أحملكم على كتاب اللَّه وسنّة نبيّه ، فمن ضاق عليه الحقّ ، فالباطل عليه أضيق ، وإن شئتم فألحقوا بملاحقكم »(2) .
ص: 137
ذِمَّتِي بِمَا أَقُولُ رَهِينَةٌ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ - إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَهُ الْعِبَرُ عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْمَثُلاتِ - حَجَزَتْهُ التَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ الشُّبُهَاتِ - أَلا وَ إِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيّكُم صلی الله علیه وآله وَ الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً - وَ لَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً وَ لَتُسَاطُنَّ سَوْطَ الْقِدْرِ - حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلاكُمْ وَ أَعْلاكُمْ أَسْفَلَكُمْ - وَ لَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا - وَ لَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا وَ اللَّهِ مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً وَ لا كَذَبْتُ كِذْبَةً - وَ لَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا الْمَقَامِ وَ هَذَا الْيَوْمِ - أَلا وَ إِنَّ الْخَطَايَا خَيْلٌ شُمُسٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا - وَ خُلِعَتْ لُجُمُهَا فَتَقَحَّمَتْ بِهِمْ فِي النَّارِ - أَلا وَ إِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا - وَ أُعْطُوا أَزِمَّتَهَا فَأَوْرَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ - حَقٌّ وَ بَاطِلٌ وَ لِكُلٍّ أَهْلٌ - فَلَئِنْ أَمِرَ الْبَاطِلُ لَقَدِيماً فَعَلَ - وَ لَئِنْ قَلَّ الْحَقُّ فَلَرُبَّمَا وَ لَعَلَّ وَ لَقَلَّمَا أَدْبَرَ شَيْ ءٌ فَأَقْبَلَ
قال الشريف : أقول : إنّ في هذا الكلام الأدنى من مواقع الإحسان ما لا تبلغه مواقع الاستحسان ، وإن حظّ العجب منه أكثر من حظّ العُجب به ، وفيه مع الحال الّتي وصفنا زوائد من الفصاحة لا يقوم بها لسان ، ولا يطّلع فجّها إنسان ، ولا يعرف ما أقول إلّا من ضرب في هذه الصناعة بحقّ ، وجرى فيها على عرق ، وما يعقلها إلّا العالمون .
ص: 138
قال تعالى : ( تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا )(1) .
وقال تعالى : ( وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ )(2) .
وقال اللَّه تعالى : ( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ )(3) .
وقال اللَّه تعالى : ( كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً )(4) .
وقال اللَّه تعالى : ( فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )(5) .
وقال أيضا : ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِاُوْلِي الْأَلْبَابِ )(6) .
عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « تمثّلت الدنيا لعيسى علیه السلام في صورة إمرأة زرقاء فقال لها : كم تزوّجت ، قالت : كثيرا ، قال : فكلّ طلّقك ؟ قالت : بلى جبل ج كلّا قتلت ، قال : فويح أزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بالماضين »(7) .
ص: 139
أنّ الصادق علیه السلام سئل عن تفسير التقوى فقال علیه السلام : « أن لا يفقدك اللَّه حيث أمرك ولا يراك حيث نهاك »(1) .
وعن فضيل بن عياض عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قلت له من الورع من الناس فقال : « الّذي يتورّع من محارم اللَّه ويجتنب هؤلاء وإذا لم يتّق الشبهات وقع في الحرام وهو لا يعرفه »(2) .
وعن عمر بن حنظلة عنه علیه السلام أيضا في حديث قال : « وإنّما الأمور ثلاثة أمر بيّن رشده فيتّبع وأمر بيّن غيّه فيجتنب وأمر مشكل يردّ علمه إلى اللَّه وإلى رسوله قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات ومن أخذ بالشّبهات ارتكبت المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم »(3) .
وعن النعمان بن بشير على منبر الكوفة ، فحمد اللَّه وأثنى عليه وقال : سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : « إنّ لكلّ ملك حمى ، وإنّ حمى اللَّه حلاله وحرامه والمشتبهات بين ذلك ، كما لو أنّ راعيا رعى إلى جانب الحمى لم تثبت غنمه أن تقع في وسطه ، فدعوا المشتبهات »(4) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « أورع الناس من وقف عند الشبهة أعبد الناس من أقام الفرائض أزهد الناس من ترك الحرام أشدّ الناس إجتهادا من ترك الذنوب »(5) .
ص: 140
وقد نهى اللَّه تعالى في كتابه عن الأخذ بالمشتبهات حيث قال : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهَ ُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ )(1) .
هذا الكلام يدلّ على أنّ الإمامة كالنّبوّة ، وأنّه علیه السلام مثل النبيّ صلی الله علیه وآله في إمتحان اللَّه تعالى الخلق به . ففي بعثة النبيّ صلی الله علیه وآله سبق جمع كانوا قصّروا ، وقصّر جمع كانوا سبقوا . فاليهود كانوا يبشّرون الناس بظهور النبيّ الخاتم ، ويوعدون الأوس والخزرج به ، فلمّا بعث النبيّ صلی الله علیه وآله كفر به اليهود ، وآمن به الأوس والخزرج كما ورد في تفسير قوله تعالى : ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ * بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهَ ُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهَ ُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ )(2) .
وكان أميّة بن أبي الصلت ، وعبداللَّه بن جحش ، وأبو عامر الأوسي ممّن آمن باللَّه في الجاهليّة ، ولكن في الإسلام كفروا ، وكذلك بليّة الناس وإمتحانهم كانت
ص: 141
تعود عند قيام كلّ إمام من أئمّة الهدى : قال النوبختي في ( فرقه ) : فلمّا قتل علي علیه السلام إفترقت الفرقة الّتي ثبتت على إمامته ، وانّها فرض من اللَّه تعالى ورسوله فصاروا فرقا ثلاثا : فرقة قالت : إنّ عليّا علیه السلام لم يقتل ولم يمت ، ولا يقتل ولا يموت حتّى يملأ الأرض عدلا وقسطا وهي السبائيّة ، وفرقة قالت : بإمامة محمّد بن الحنفيّه لأنّه كان صاحب راية أبيه يوم البصرة دون أخويه وهي الكيسانيّة ، وفرقة لزمت القول بإمامة الحسن علیه السلام ثمّ بعده بإمامة الحسين علیه السلام حتّى قتل فحارب فرقة من أصحابه ، وقالت : إختلف فعل الحسن علیه السلام وفعل الحسين علیه السلام لأنّه إن كان الّذي فعله الحسن حقّا واجبا صوابا من موادعته مع معاوية مع كثرة أنصاره فما فعله الحسين من محاربة يزيد مع قلّة أنصاره كان باطلا ، وإن كان ما فعله الحسين حقّا صوابا فقعود الحسن كان باطلا فشكّوا في إمامة ورجعوا .
وإختلف القائلون بإمامته بعد أبيه وأخيه . فقالت فرقة بإمامة عليّ بن الحسين علیه السلام ، وفرقة قالت : إنقطعت الإمامة بعد الحسين علیه السلام انّما كانوا ثلاثة مسمّين بأسمائهم استخلفهم النبيّ صلی الله علیه وآله ، وفرقة قالت : إنّ الإمامة صارت بعد الحسين علیه السلام في ولد الحسن والحسين 8 ، من قام منهم ودعا إلى نفسه فهو الإمام وهو السرّحوبية .
ولمّا توفّى عليّ بن الحسين علیه السلام قال القائلون بإمامته بإمامة إبنه الباقر علیه السلام غير نفر يسير أصحاب عمر بن رباح .
ولمّا توفّى الباقر علیه السلام قالت فرقة بإمامة محمّد بن عبداللَّه المحض ، وهم المغيرية ، وقالت فرقة منهم بإمامة إبنه الصادق علیه السلام .
ولمّا توفّى الصادق علیه السلام إفترقت شيعته ستّ فرق ، فرقة قالت : إنّه لم يمت ولا
ص: 142
يموت وهم الناووسيّة ، وفرقة قالت : الإمام بعده إبنه إ سماعيل ، وانّه لم يمت في حياة أبيه ، وفرقة قالت : الإمام بعده محمّد بن إ سماعيل لأنّ إ سماعيل مات في حياته وهم المباركيّة ، وقالت فرقة : إنّ الإمام بعد محمّد بن جعفر وهم السمطيّة ، وقالت فرقة منهم : إنّ الإمام بعده إبنه عبداللَّه الأفطح وهم الفطحيّة ، وقالت فرقة : إنّ الإمام بعده إبنه الكاظم علیه السلام .
ولمّا توفّى الكاظم علیه السلام صارت الشيعة خمس فرق ، فرقة قالت : إنّ الإمام بعده إبنه الرضا علیه السلام ، وهم القطعيّة ، لأنّها قطعت بوفاة أبيه ، وقالت فرقة : إنّ الكاظم علیه السلام لم يمت وإنّه إختفى ، وبعضهم قال : مات ورجع ، وبعضهم قال : لا يرجع إلّا وقت قيامه ، وبعضهم قال : مات ورفعه اللَّه ، وينزل عند قيامه . وكلّهم الواقفة ، وفرقة قالت : غاب ، وإ ستخلف محمّد بن بشير إلى أن يرجع وهم البشيريّة .
ولمّا مات الرضا علیه السلام قالت فرقة : إنّ الإمام بعده إبنه الجواد علیه السلام ، وفرقة قالت : أخوه أحمد لكون الجواد علیه السلام إذ ذاك إبن سبع .
ولمّا توفّى الجواد علیه السلام قالت شيعته بإمامة إبنه الهادي علیه السلام سوى شرذمة قالوا بإمامة أخيه موسى بن محمّد مدّة ثمّ رجعوا إليه علیه السلام .
ولمّا توفّى الهادي علیه السلام قالت فرقة : إنّ الإمام بعده إبنه محمّد ، وإنّه لم يمت في حياة أبيه ، وقالت فرقة ، إنّ الإمام بعده الحسن إبنه علیه السلام ، وقال نفر يسير بإمامة أخيه جعفر .
ولمّا توفّى الحسن علیه السلام إفترق أصحابه أربع عشرة فرقة ، الأولى : أنّه لم يمت ، والثانية : أنّه مات وعاش ، والثالثة : أنّ الإمام بعده أخوه جعفر منه ، والرابعة : أنّه
ص: 143
جعفر من قبل أبيه - إلخ(1) .
كما أنّه تعود بليّة الناس عند قيام القائم علیه السلام . فعن الصادق علیه السلام : « إذا خرج القائم علیه السلام خرج من هذا الأمر من كان يرى أنّه من أهله ، ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر »(2) .
كما أنّ بليّة الناس في أمير المؤمنين علیه السلام كانت مرّتين : وقت قيامه كما قاله هنا ، وبعد وفاة النبيّ صلی الله علیه وآله وبيعة أبي بكر(3) .
عن أبي عبداللَّه علیه السلام أنّه قال : « واللَّه لتكسرنّ تكسّر الزجاج وإنّ الزجاج ليعاد فيعود كما كان واللَّه لتكسّرنّ تكسّر الفخّار فإنّ الفخّار ليتكسّر فلا يعود كما كان واللَّه لتغربلنّ و واللَّه لتميّزنّ و واللَّه لتمحّصنّ حتّى لا يبقى منكم إلّا الأقلّ »(4) .
وعن أبي جعفر علیه السلام أنّه قال : « لتمحّصنّ يا شيعة آل محمّد تمحيص الكحل في العين وإنّ صاحب العين يدري متى يقع الكحل في عينه ولا يعلم متى يخرج منها وكذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا ويمسى وقد خرج منها ويمسى على شريعة من أمرنا ويصبح وقد خرج منها »(5) .
وعن أمير المؤمنين علیه السلام أنّه قال : « كونوا كالنّحل في الطير ليس شي ء من الطير
ص: 144
إلّا وهو يستضعفها ولو علمت الطير ما في أجوافها من البركة لم تفعل بها ذلك(1) خالطوا الناس بألسنتكم وأبدانكم وزايلوهم بقلوبكم وأعمالكم(2) فو الّذي نفسي بيده ما ترون ما تحبّون حتّى يتفل بعضكم في وجوه بعض وحتّى يسمّى بعضكم بعضا كذّابين وحتّى لا يبقى منكم أو قال من شيعتي إلّا كالكحل في العين والملح في الطعام(3) وسأضرب لكم مثلا وهو مثل رجل كان له طعام فنقّاه وطيّبه ثمّ أدخله بيتا وتركه فيه ما شاء اللَّه ثمّ عاد إليه فإذا هو قد أصابه السوس(4) فأخرجه ونقّاه وطيّبه ثمّ أعاده إلى البيت فتركه ما شاء اللَّه ثمّ عاد إليه فإذا هو قد أصابته طائفة من السوس فأخرجه ونقّاه وطيّبه وأعاده ولم يزل كذلك حتّى بقيت منه رزمة كرزمة الأندر لا يضرّه السوس شيئا وكذلك أنتم تميّزون حتّى لا يبقى منكم إلّا عصابة لا تضرّها الفتنة شيئا » .(5) ،(6) .
قال الفضل بن شاذان : إنّ من السابقين الّذين رجعوا إلى أمير المؤمنين علیه السلام أبو الهيثم بن التيّهان وأبو أيّوب وخزيمة بن ثابت وجابربن عبداللَّه وزيد بن أرقم وأبو سعيد الخدريّ وسهل بن حنيف والبراء بن مالك وعثمان بن حنيف وعبادة بن
ص: 145
الصامت ثمّ ممّن دونهم قيس بن سعد بن عبادة وعديّ بن حاتم وعمرو بن الحمق وعمران بن الحصين وبريدة الأسلميّ وبشر كثير(1) ،(2) .
عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : «ما زال الزبير منّا أهل البيت حتّى نشأ إبنه عبداللَّه بن الزبير ، ولقد حلق رأسه وهو يقول : لا نبايع إلّا عليّا ، قال : ولقد أخذ عمر سيفه فكسّره بين حجرين »(3) .
وكان يعدّ في عداد الهاشميين ولكن بعد قيامه علیه السلام بالأمر كان أوّل من نكث بيعته مع صاحبه طلحة ، وقال علیه السلام : « ما زال الزبير منّا أهل البيت حتّى نشأ إبنه المشئوم عبداللَّه(4) » أي : عبداللَّه ابن الزبير .
كما أنّ تميم البصرة كانوا في حرب الجمل معه علیه السلام ، وأزدها مع عائشة ، وفي فتنة ابن الحضرمي الّذي بعثه معاوية إلى البصرة صاروا بالعكس(5) .
عن أبي جحيفة قال علي علیه السلام حين فرغنا من الحرورية : « إنّ فيهم رجلا محدجا ليس في عضده عظم أو في عضدة حلمة كحلمة الثدى عليها شعرات طوال
ص: 146
عقف فالتمسوه » . فلم يوجد ، وأنا في من يلتمس ، فما رأيت عليّا علیه السلام جزع جزعا قطّ أشدّ من جزعه يومئذ . فقالوا : ما نجده يا أمير المؤمنين ، قال : « ويلكم ما إ سم هذا المكان ؟ » ، قالوا : النهروان . قال : « كذبتم » . إنّه لفيهم - إلى أن قال - فالتمسناه في ساقية . فوجدناه فجئنا به . فنظرت إلى عضده ليس فيها عظم ، وعليها حلمة كحلمة ثدى المرأة عليها شعرات طوال عقف(1) .
وروى عن أبي الأحوص قال : كنّا مع علي علیه السلام يوم النهروان ، فجاءت الحرورية فكانت من وراء النهر ، فقال علي علیه السلام : « واللَّه لا يقتل اليوم رجل من وراء النهر » ثمّ نزلوا فقالوا لعليّ : قد نزلوا قال : « واللَّه لا يقتل اليوم رجل من وراء النهر » . فأعادوا عليه هذه المقالة - ثلاثا - كلّ ذلك يقول لهم على مثل قوله الأوّل .
فقالت الحرورية بعضهم لبعض : يرى على أنّا نخافه ، فأجازوا فقال على لأصحابه : « لا تحرّكوهم حتّى يحدثوا حدّثا » - إلى أن قال بعد ذكر إخراجهم عبداللَّه بن خباب من منزله على شطّ النهر ، وذبحهم له كالشّاة وسيلان دمه في الماء كالشّراك ما اختلط ، وطلبه منهم قاتله ، وجوابهم أنّ كلّهم قاتله - فقال علي علیه السلام لأصحابه : « دونكم القوم ، فما لبثوا أن قتلوهم » . فقال علي علیه السلام : « أطلبوا في القوم رجلا يده كثدي المرأة فطلبوه » . فقالوا : ما وجدنا . فقال : « واللَّه ما كذبت ولا كذبت ، وإنّه لفي القوم » - الخبر(2) .
ص: 147
عن إبن عبّاس في قوله تعالى : ( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِىُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهَ ُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ * إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ )(1) . قال : أسرّ إلى حفصة أن أبا بكر وإلى الأمر بعده ، وأنّ عمر واليه بعد أبي بكر ، فأخبرت بذلك عائشة(2) .
وأمّا الدليل على بطلان أمرهما :
كان أبو بكر تمنى في حال احتضاره في ما تمنى : وودت أنّي كنت سألته في من هذا الأمر ، فلا ينازع الأمر أهله(3) .
وقال عمر يوما والناس حوله : واللَّه ما أدري أ خليفة أنا أم ملك فإن كنت ملكا فقد ورطت في أمر عظيم(4) .
وقد روى أبو أحمد العسكريّ أنّ عمر كان يخرج مع الوليد بن المغيرة في تجارة للوليد إلى الشام وعمر يومئذ إبن ثماني عشرة سنة ، وكان يرعى للوليد إبله ، ويرفع أحماله ، ويحفظ متاعه فلمّا كان بالبلقاء لقيه رجل من علماء الروم ، فجعل ينظر إليه ، ويطيل النظر لعمر ، ثمّ قال : أظنّ اسمك يا غلام - عامرا أو عمران أو نحو ذلك ؟ قال : إ سمي عمر .
ص: 148
قال : إكشف عن فخذيك ، فكشف ، فإذا على أحدهما شامة سوداء في قدر راحة الكفّ ، فسأله أن يكشف عن رأسه ، فإذا هو أصلع ، فسأله أن يعتمد بيده ، فاعتمد ، فإذا أعسر أيسر . فقال له : أنت ملك العرب . قال : فضحك عمر مستهزئا ، فقال : أ وتضحك ؟ وحقّ مريم البتول أنت ملك العرب وملك الروم والفرس ، فتركه عمر وانصرف مستهينا بكلامه ، فكان عمر يحدّث بعد ذلك ، ويقول : تبعني ذلك الرومي راكب حمار فلم يزل معي حتّى باع الوليد متاعه وابتاع بثمنه عطرا وثيابا ، وقفل(1) ،(2) .
وعن إبن عبّاس قال سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : « عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ وهو الإمام والخليفة من بعدي »(3) .
قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « يا عليّ أنا صاحب التنزيل وأنت صاحب التأويل »(4) .
وعن أبي ذرّ الغفاريّ 2 قال كنت مع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وهو ببقيع الفرقد فقال : « والّذي نفسي بيده إنّ فيكم رجلا يقاتل الناس على تأويل القرآن كما قاتلت المشركين على تنزيله وهم في ذلك يشهدون أن لا إله إلّا اللَّه وما يؤمن أكثرهم باللَّه إلّا وهم مشركون فيكبر قتلهم على الناس حتّى يطعنوا على وليّ اللَّه ويسخطوا عمله »(5) .
عن الشعبي ، عن أبي الطفيل : قال قال علي علیه السلام بالرّبذة لمّا أراد البصرة :
ص: 149
« يأتيكم من الكوفة إثنا عشر ألف رجل ورجل ، فقعدت على نجفه ذي قار ، فأحصيتهم فما زادوا رجلا ، ولا نقصو رجلا »(1) .
عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « كان أبي علیه السلام يقول ما من شي ء أفسد للقلب من خطيئة إنّ القلب ليواقع الخطيئة فما تزال به حتّى تغلب عليه فيصيّر أعلاه أسلفه »(2) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ - ( فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ )(3) فقال : « ما أصبرهم على فعل ما يعلمون أنّه يصيّرهم إلى النار »(4) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « كان أمير المؤمنين علیه السلام يقول لا تبدين عن واضحة وقد عملت الأعمال الفاضحة ولا يأمن البيات(5) من عمل السيّئات »(6) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « من همّ بسيّئة فلا يعملها فإنّه ربّما عمل العبد السيّئة فيراه الربّ تبارك وتعالى فيقول وعزّتي وجلالي لاأغفر لك بعد ذلك أبدا »(7) .
وعن أبي الحسن علیه السلام قال : « حقّ على اللَّه أن لا يعصى في دار إلّا أضحاها(8)
ص: 150
للشمس حتّى تطهّرها »(1) .
وعن العبّاس بن هلال الشاميّ مولى لأبي الحسن موسى علیه السلام قال سمعت الرضا علیه السلام يقول : « كلّما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون أحدث اللَّه لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون »(2) .
وعن إبن عرفة عن أبي الحسن علیه السلام قال : « إنّ للَّه عزّوجلّ في كلّ يوم وليلة مناديا ينادي مهلا مهلا عباد اللَّه عن معاصي اللَّه فلولا بهائم رتّع وصبية رضّع وشيوخ ركّع لصبّ عليكم العذاب صبّا ترضّون به رضّا »(3) .
وعن أبي حمزة عن أبي جعفر علیه السلام قال سمعته يقول : « إنّه ما من سنة أقلّ مطرا من سنة ولكنّ اللَّه يضعه حيث يشاء إنّ اللَّه عزّوجلّ إذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدّر لهم من المطر في تلك السنة إلى غيرهم وإلى الفيافي والبحار والجبال وإنّ اللَّه ليعذّب الجعل في جحرها بحبس المطر عن الأرض الّتي هي بمحلّها بخطايا من بحضرتها وقد جعل اللَّه لها السبيل في مسلك سوى محلّة أهل المعاصي »(4) .
وعن الرضا علیه السلام قال : « أوحى اللَّه عزّوجلّ إلى نبيّ من الأنبياء إذا أطعت رضيت وإذا رضيت باركت وليس لبركتي نهاية وإذا عصيت غضبت وإذا غضبت لعنت ولعنتي تبلغ السابع من الورى »(5) .
ص: 151
وعن سدير قال : سأل رجل أبا عبداللَّه علیه السلام عن قول اللَّه عزّوجلّ - ( فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ )(1) فقال : « هؤلاء قوم كانت لهم قرى متّصلة ينظر بعضهم إلى بعض وأنهار جارية وأموال ظاهرة فكفروا نعم اللَّه عزّوجلّ وغيّروا ما بأنفسهم من عافية اللَّه فغيّر اللَّه ما بهم من نعمة - و( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ )(2) ، ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ )(3) فغرّق قراهم وخرّب ديارهم وأذهب أموالهم وأبدلهم مكان جنّاتهم ( جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَىْ ءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ )(4) ثمّ قال : ( ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ )(5) »(6) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « يقول اللَّه عزّوجلّ إذا عصاني من عرفني سلّطت عليه من لا يعرفني »(7) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « إنّ الرجل ليذنب الذنب فيحرم صلاة الليل وإنّ عمل السيّى ء أسرع في صاحبه من السكّين في اللحم »(8) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « إنّ العبد ليحبس على ذنب من
ص: 152
ذنوبه مائة عام وإنّه لينظر إلى أزواجه في الجنّة يتنعّمن »(1) .
وعن أبي جعفر علیه السلام قال : « ما من عبد إلّا وفي قلبه نكتة بيضاء فإذا أذنب ذنبا خرج في النكتة نكتة سوداء فإن تاب ذهب ذلك السواد وإن تمادي في الذنوب زاد ذلك السواد حتّى يغطّى البياض فإذا غطّى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا وهو قول اللَّه عزّوجلّ - ( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )(2) »(3) .
وقال تعالى : ( يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنْ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )(4) .
وقال تعالى : ( الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ )(5) .
وقال تعالى : ( بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )(6) .
وقال تعالى : ( فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ )(7) .
وقال تعالى : ( وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهَ ُ عَلِيماً حَكِيماً )(8) .
ص: 153
وقال تعالى : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ )(1) .
وقال تعالى : ( وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ )(2) ، وقال ( لَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ )(3) .
وقال تعالى : ( فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ )(4) .
وقال تعالى : ( كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهَ ُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ* ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )(5) .
وقال تعالى : ( وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )(6) .
وقال تعالى : ( إِلَّا بَلَاغاً مِنْ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ )(7) .
عن عبدا للَّه بن مسكان عمّن ذكره عن أبي عبداللَّه علیه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ ( فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ )(8) فقال ما أصبرهم على فعل
ص: 154
ما يعلمون(1) أنّه يصيّرهم إلى النار(2) .
وعن أبي جعفر علیه السلام قال : « الذنوب كلّها شديدة وأشدّها ما نبت عليه اللحم والدم لأنّه إمّا مرحوم وإمّا معذّب والجنّة لا يدخلها إلّا طيّب »(3) .
وعن أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام قال سمعته يقول : « إتّقوا المحقّرات من الذنوب فإنّ لها طالبا يقول أحدكم أذنب وأستغفر اللَّه الحديث »(4) .
وعن أبي بصير قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء فإن تاب انمحت وإن زاد زادت حتّى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبدا »(5) .
وعن الصادق علیه السلام جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه : قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « عجب لمن يحتمي من الطعام مخافة الداء كيف لا يحتمى من الذنوب مخافة النار »(6) .
وعن أبي عبداللَّه الصادق علیه السلام قال : « كان أبي علیه السلام يقول ما شي ء أفسد للقلب من الخطيئة إنّ القلب ليواقع الخطيئة فما تزال به حتّى تغلب عليه فيصير أسفله أعلاه وأعلاه أسفله »(7) .
وعن الصادق علیه السلام قال : « قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من يطع الشيطان يعص اللَّه ومن
ص: 155
يعص اللَّه يعذّبه اللَّه »(1) .
قال تعالى : ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِىَ الْمَأْوَى )(2) .
قال الصادق علیه السلام : « التقوى على ثلثة أوجه : تقوى باللَّه ( وفي اللَّه ) وهو ترك - الحلال فضلا عن الشبهة ، وهو تقوى خاصّ الخاص . وتقوى من اللَّه تعالى وهو - ترك الشبهات فضلا عن الحرام ، وهو تقوى الخاص . وتقوى من خوف النار والعقاب وهو ترك الحرام ، وهو تقوى العام . ومثل التقوى كماء يجري في نهر ، ومثل هذه الطبقات الثلاث في معني التقوى كأشجار مغروسة على حافة ذلك النهر من كلّ لون وجنس ، وكلّ شجرة منها يستمص الماء من ذلك النهر على قدر جوهره وطعمه ولطافته وكثافته . ثمّ منافع الخلق من ذلك الأشجار والثمار على قدرها وقيمتها . قال اللَّه تعالى - ( صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ )(3) فالتّقوى للطاعات كالماء للأشجار ، ومثل طبايع الأشجار والثمار في لونها وطعمها مثل مقادير الإيمان ، فمن كان أعلا درجة في الإيمان وأصفى جوهرا بالرّوح ، كان أتقى ، ومن كان أتقى كانت عبادته أخلص وأطهر ، ومن كان كذلك كان من اللَّه أقرب ، وكلّ عبادة مؤسّسة على غير التقوى
ص: 156
فهي هباء منثور . قال اللَّه تعالى - ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ )(1) وتفسير التقوى : ترك ما ليس بأخذه بأس حذرا ممّا به البأس ، وهو الحقيقة : طاعة بلا عصيان وذكر بلا نسيان وعلم بلا جهل مقبول غير مردود »(2) .
قال تعالى : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهَ ُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )(3) .
إ ستوجب من اللَّه المحبّة(4) كما قال تعالى : ( بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ )(5) وكفى به فخرا للمؤمنين ، والولاية لقوله تعالى : ( إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ )(6) وكفى لهم بها عزّى وشرفا كفاية .
ومعيّة اللَّه سبحانه بلا نهاية كما قال اللَّه تعالى : ( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ )(7) . وذلك مقام لا يساوي ، ويصير من وفد الرحمن فيستوفي فيه الرحمة العامّة الشاملة فيتّصف بها كما قال اللَّه : ( يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ
ص: 157
وَفْداً* وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً )(1) .
ويستحقّ الرحمة لقوله تعالى : ( وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )(2) .
وقال اللَّه تعالى : ( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً )(3) .
والفلاح لقوله تعالى : ( وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )(4) .
ودفع الخوف والحزن - لقوله : ( يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنْ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )(5) .
والنجاة من سجّين ودار البعد لقوله تعالى : ( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً )(6) .
وحصول الفرقان وتكفير السيّئات وغفران الذنوب لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهَ ُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )(7) .
وقال : ( ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ )(8) .
وإ ستحقاق البشارة في الدنيا والآخره لقوله تعالى : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ
ص: 158
* لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )(1) .
ويستوجب المخرج من كلّ ضنك والرزق من حيث لا يحتسب لقوله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ )(2) .
والأهليّة للدخول في الجنّة لقوله تعالى : ( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ )(3) .
وقال : ( قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيراً * لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْئُولاً )(4) .
وقال : ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ )(5) .
وقال : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ )(6) .
وقال تعالى : ( وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا
ص: 159
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهَ ُ الْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )(1) .
وقال تعالى : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ )(2) .
وقال : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ )(3) .
ويستحقّ الكرامة - لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )(4) .
والبركة من السماء والأرض لقوله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ )(5) .
وقبول الأعمال لقوله تعالى : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَىْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهَ ُ مِنْ الْمُتَّقِينَ )(6) وقوله : ( وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ )(7) .
والفوز - لقوله تعالى : ( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً )(8) .
والمقام الأمين لقوله تعالى : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ )(9) .
ص: 160
وعدّها اللَّه تعالى من محكمات الأمور حيث يقول : ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ )(1) .
وسبباً للأجر العظيم حيث يقول : ( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ )(2) .
وسبباً لدفع كيد الأعداء حيث يقول : ( إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً )(3) .
وخصّ بها أولو الألباب حيث يقول : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ )(4) .
عن أبي جعفر علیه السلام قال : « كان أمير المؤمنين علیه السلام يقول لا يقلّ عمل مع تقوى وكيف يقلّ ما يتقبّل »(5) .
وعن مفضّل بن عمر قال : كنت عند أبي عبداللَّه علیه السلام فذكرنا الأعمال فقلت أنا ما أضعف عملي فقال : « مه إ ستغفر اللَّه » ثمّ قال لي : « إنّ قليل العمل مع التقوى خير من كثير العمل بلا تقوى » قلت : كيف يكون كثير بلا تقوى ؟ قال : « نعم مثل الرجل يطعم طعامه ويرفق جيرانه ويوطّى ء رحله(6) فإذا إرتفع له الباب من الحرام دخل فيه فهذا العمل بلا تقوى ويكون الآخر ليس عنده فإذا إرتفع له الباب من الحرام لم
ص: 161
يدخل فيه »(1) .
وعن يعقوب بن شعيب قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « ما نقل اللَّه عزّوجلّ عبدا من ذلّ المعاصي إلى عزّ التقوى إلّا أغناه من غير مال وأعزّه من غير عشيرة وآنسه من غير بشر »(2) .
وعن يزيد بن عبداللَّه عمّن حدّثه قال : كتب أبوجعفر علیه السلام إلى سعد الخير : « بسم اللَّه الرحمن الرحيم * أمّا بعد فإنّي أوصيك بتقوى اللَّه فإنّ فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب ، إنّ اللَّه عزّوجلّ يقى بالتّقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلى بالتّقوى عنه عماه وجهله وبالتّقوى نجا نوح ومن معه في السفينة وصالح ومن معه من الصاعقة وبالتّقوى فاز الصابرون ونجت تلك العصب من المهالك ولهم إخوان على تلك الطريقة يلتمسون تلك الفضيلة الحديث »(3) .
وقال النبيّ صلی الله علیه وآله : « من إتّقى اللَّه عاش قويّا وسار في بلاد عدوّه آمنا »(4) .
وعن أمير المؤمنين علیه السلام قال : « نَسَخَ قولُهُ تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ )(5) قولُهُ تعالى ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )(6) »(7) .
وإ سحاق بن موسى ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن محمّد بن عليّ ، عن عليّ بن الحسين ، عن الحسين بن عليّ ، عن أمير المؤمنين : ، قال : « قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله :
ص: 162
المتّقون سادة ، والفقهاء قادة ، والجلوس إليهم عبادة »(1) .
وعن أبي عبداللَّه الصادق علیه السلام عن آبائه قال : « قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : من أحبّ أن يكون أكرم الناس فليتّق اللَّه ومن أحبّ أن يكون أتقى الناس فليتوكّل على اللَّه »(2) .
وعن الوليد بن العبّاس قال : سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « الحسب الفعال والشرف المال والكرم التقوى »(3) .
عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « إذا كان يوم القيامة يقوم عنق من الناس فيأتون باب الجنّة فيضربونه ، فيقال لهم من أنتم ؟ فيقولون نحن أهل الصبر ، فيقال لهم على ما صبرتم ؟ فيقولون كنّا نصبر على طاعة اللَّه ونصبر عن معاصي اللَّه فيقول اللَّه عزّوجلّ صدقوا أدخلوهم الجنّة وهو قول اللَّه عزّوجلّ : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ )(4) »(5) .
وعن أبي جعفر علیه السلام قال : « أعينونا بالورع فإنّه من لقي اللَّه عزّوجلّ منكم بالورع كان له عنداللَّه فرجا وإنّ اللَّه عزّوجلّ يقول : ( وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهَ ُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً )(6) فمنّا النبيّ ومنّا الصدّيق والشهداء والصالحون »(7) .
ص: 163
قد تواتر قول النبيّ صلی الله علیه وآله : « عليّ مع الحقّ ، والحقّ مع عليّ ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض يوم القيامة »(1) .
قال تعالى : ( ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهَ ُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ )(2) .
قال أمير المؤمنين علیه السلام : « أيّها الناس لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله فإنّ الناس إجتمعوا على مائدة شبعها قصير وجوعها طويل »(3) .
وخرج عليّ علیه السلام يحمل فاطمة بنت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله على دابّة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة ، فكانوا يقولون : يا بنت رسول اللَّه ، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل(4) ، وما أجابه أحد مع سماعهم أقوال النبيّ صلی الله علیه وآله فيه وفيها 8 ، ولمّا خرجت بنت أبي بكر على أمير المؤمنين علیه السلام أجابها آلاف من الناس مع قول اللَّه عزّوجلّ فيها : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى )(5) .
ص: 164
قال تعالى : ( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ )(1) .
وكما في زمن سليمان وذي القرنين
قد روي أنّ أمير المؤمنين علیه السلام لمّا إجتمعوا أليه بالكوفة فسألوه أن ينصب لهم إماما يصلّي بهم نافلة شهر رمضان زجرهم وعرفهم أنّ ذلك خلاف السنّة فتركوه وإجتمعوا لأنفسهم وقدّموا بعضهم فبعث إليهم إبنه الحسن علیه السلام فدخل عليهم المسجد ومعه الدرة فلمّا رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا وا عمراه(2) .
روي الكليني تمام الخطبة عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن إبن محبوب عن عليّ بن رئاب ويعقوب السرّاج عن أبي عبداللَّه علیه السلام أنّ أمير المؤمنين علیه السلام لمّا بويع بعد مقتل عثمان صعد المنبر فقال : « الحمد للَّه الّذي علا فاستعلى ودنا فتعالى وإرتفع فوق كّل منظر وأشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله خاتم النبيّين وحجّه اللَّه على العالمين مصدّقا للرسل الأوّلين وكان بالمؤمنين رءوفا رحيما فصلّى اللَّه وملائكته عليه وعلى آله أمّا بعد أيّها الناس فإنّ البغي يقود أصحابه إلى النار وإنّ أوّل من بغى على اللَّه جلّ ذكره - عناق بنت آدم وأوّل قتيل قتله اللَّه عناق وكان مجلسها جريبا جمن الأرض ج في جريب وكان لها عشرون إصبعا في كلّ إصبع ظفران مثل المنجلين(3) فسلّط اللَّه عزّوجلّ عليها
ص: 165
أسدا كالفيل وذئبا كالبعير ونسرا مثل البغل فقتلوها وقد قتل اللَّه الجبابرة على أفضل أحوالهم وآمن ما كانوا وأمات هامان - وأهلك فرعون وقد قتل عثمان ألا وإنّ بليّتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث اللَّه نبيّه صلی الله علیه وآله والّذي بعثه بالحقّ لتبلبلنّ بلبلة ولتغربلنّ غربلة ولتساطنّ سوطة القدر(1) حتّى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم وليسبقنّ سابقون كانوا قصّروا وليقصّرنّ سابقون كانوا سبقوا واللَّه ما كتمت وشمة(2) ولا كذبت كذبة ولقد نبّئت بهذا المقام وهذا اليوم ألا وإنّ الخطايا خيل شمس(3) حمل عليها أهلها وخلعت لجمها فتقحّمت بهم في النار ألا وإنّ التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها وأعطوا أزمّتها فأوردتهم الجنّة وفتحت لهم أبوابها ووجدوا ريحها وطيبها وقيل لهم أدخلوها بسلام آمنين ألا وقد سبقني إلى هذا الأمر من لم أشركه فيه ومن لم أهبه له ومن ليست له منه نوبة(4) إلّا بنبيّ صلی الله علیه وآله يبعث ألا ولا نبيّ بعد محمّد صلی الله علیه وآله أشرف منه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنّم حقّ وباطل ولكلّ أهل فلئن أمر الباطل لقديما فعل(5) ولئن قلّ الحقّ فلربّما ولعلّ ولقلّما أدبر شي ء فأقبل ولئن ردّ عليكم أمركم أنّكم سعداء وما عليّ إلّا الجهد وإنّي
ص: 166
لأخشى أن تكونوا على فترة ملتم عنّي ميلة كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي ولو أشاء لقلت عفا اللَّه عمّا سلف سبق فيه الرجلان وقام الثالث كالغراب همّه بطنه ويله لو قصّ جناحاه وقطع رأسه كان خيرا له شغل عن الجنّة والنار أمامه ثلاثة وإثنان خمسة ليس لهم سادس ملك يطير بجناحيه ونبيّ أخذ اللَّه بضبعيه(1) وساع مجتهد وطالب يرجو ومقصّر في النار اليمين والشمال مضلّة والطريق الوسطى هي الجادّة عليها يأتي(2) الكتاب وآثار النبوّة هلك من إدّعى وخاب من إفترى إنّ اللَّه أدّب هذه الأمّة بالسّيف والسوط وليس لأحد عند الإمام فيهما هوادة(3) فاستتروا في بيوتكم .
وأصلحوا ذات بينكم والتوبة من ورائكم من أبدى صفحته للحقّ هلك(4) ، (5) .
ص: 167
ورُوِيَ بعد قوله علیه السلام : « من أبدى صفحته للحقّ هلك » : « ألا وإنّ كلّ قطيعة أقطعها عثمان أو مال أخذه من بيت مال المسلمين فهو مردود عليهم في بيت مالهم ولو وجدته قد تزوّج به النساء وفرّق في البلدان فإنّه من لم يسعه الحقّ فالباطل أضيق عليه »(1) .
كناية عن الأوّل والثاني كما في قوله تعالى : ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ )(2) .
هذا مأخوذ من قوله سبحانه : ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهَ ُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )(3) .
شُغِلَ مَنِ الْجَنَّةُ وَ النَّارُ أَمَامَهُ سَاعٍ سَرِيعٌ نَجَا وَ طَالِبٌ بَطِي ءٌ رَجَا وَ مُقَصِّرٌ فِي النَّارِ هَوَى الْيَمِينُ وَ الشِّمَالُ مَضَلَّةٌ وَ الطَّرِيقُ الْوُسْطَى هِيَ الْجَادَّةُ عَلَيْهَا بَاقِي الْكِتَابِ وَ آثَارُ النُّبُوَّةِ وَ مِنْهَا مَنْفَذُ السُّنَّةِ وَ إِلَيْهَا مَصِيرُ الْعَاقِبَةِ هَلَكَ مَنِ ادَّعَى وَ خابَ مَنِ افْتَرى مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ وَ كَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلاً أَلّا يَعْرِفَ قَدْرَهُ لا يَهْلِكُ عَلَى التَّقْوَى سِنْخُ أَصْلٍ وَ لا يَظْمَأُ عَلَيْهَا زَرْعُ قَوْمٍ فَاسْتَتِرُوا فِي بُيُوتِكُمْ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَ التَّوْبَةُ مِنْ وَرَائِكُمْ وَ لا يَحْمَدْ حَامِدٌ إِلّا رَبَّهُ وَ لا يَلُمْ لائِمٌ إِلّا نَفْسَهُ
عن أبي عبد اللَّه عن أبيه علیه السلام قال : « بكى أبوذرّ ؛ من خشية اللَّه عزّوجلّ حتّى
ص: 168
إ شتكى بصره فقيل له يا أباذرّ لو دعوت اللَّه أن يشفى بصرك فقال إنّي عنه لمشغول وما هو من أكبر همّي قالوا وما يشغلك عنه قال العظيمتان الجنّة والنار »(1) .
وعن زرارة قال قال أبو جعفر علیه السلام : « لا تنسوا الموجبتين أو قال عليكم بالموجبتين في دبر كلّ صلاة » ، قلت : وما الموجبتان ؟ قال : « تسأل اللَّه الجنّة وتعوذ باللَّه من النار »(2) .
وفي ( الطبري ) - بعد ذكر أنّ الحرّ سأل إبن سعد هل أنت مقاتل الحسين فقال له : نعم - أنّ الحرّ أخذ يدنو من الحسين علیه السلام قليلا قليلا . فقال له رجل من قومه يقال له المهاجر بن أوس : ما تريد أ تريد أن تحمل فسكت وأخذه مثل العرواء . فقال له المهاجر : واللَّه إنّ أمرك لمريب . واللَّه ما رأيت منك في موقف قطّ مثل شي ء أراه الآن ، ولو قيل لي : من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك . فما هذا الّذي أرى منك ؟ قال : إنّي واللَّه أخيّر نفسي بين الجنّة والنار ، وواللَّه لا أختار على الجنّة شيئا ، ولو قطّعت وحرّقت . ثمّ ضرب فرسه فلحق بالحسين علیه السلام(3) .
وعن مفضّل بن عمر عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه علیه السلام قال سئل الحسين بن عليّ علیه السلام فقيل له كيف أصبحت يا إبن رسول اللَّه ؟ قال : « أصبحت ولي ربّ فوقي والنار أمامي والموت يطلبني والحساب محدق بي وأنا مرتهن بعملي لا أجد ما أحبّ ولا أدفع ما أكره والأمور بيد غيري فإن شاء عذّبني وإن شاء عفى عنّي فأيّ فقير أفقر منّي ؟ »(4) .
ص: 169
قال تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ )(1) .
قال تعالى : ( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ )(2) .
وقال تعالى : ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهَ ُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )(3) .
وقال تعالى : ( وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِاَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهَ ُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )(4) .
قال تعالى : ( بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )(5) .
ص: 170
عن بريد العجلّي قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن قول اللَّه عزّوجلّ - ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )(1) فكان جوابه - « ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ )(2) ( وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً ) يقولون لأئمّة الضلالة والدعاة إلى النار - هؤلاء أهدى من آل محمّد سبيلا ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهَ ُ وَمَنْ يَلْعَنْ اللَّهَ ُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً )(3) »(4) .
وعن بريد العجلي عن أبي جعفر علیه السلام قال : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ - وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )(5) قال : « أ تدري ما يعني ب ( صِرَاطِي مُسْتَقِيماً ) ؟ » قلت : لا ، قال : « ولاية علي والأوصياء » ، قال : وتدري ما يعني ( فَاتَّبِعُوهُ ) قال : قلت : لا قال : « يعني عليّ بن أبي طالب علیه السلام » ، قال : « وتدري ما يعني ( وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) » قلت : لا ، قال : « ولاية فلان وفلان واللَّه » ، قال : « وتدري ما يعني ( فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) » قلت : لا ، قال : « يعني سبيل علي علیه السلام »(6) .
وعن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي علیه السلام قال : قلت : ( أَفَمَنْ يَمْشِي
ص: 171
مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )(1) قال : « إنّ اللَّه ضرب مثل من حاد عن ولاية عليّ كمن يمشي على وجهه لا يهتدي لأمره وجعل من تبعه سويّا على صراط مستقيم والصراط المستقيم أمير المؤمنين علیه السلام »(2) . وعن إبن عبّاس كان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يحكم وعليّ بين يديه مقابلته ورجل عن يمينه ورجل عن شماله فقال اليمين والشمال مضلّة والطريق المستوي الجادّة ثمّ أشار بيده وإنّ صراط عليّ مستقيم ، فاتّبعوه(3) .
وحدّثني أبي عن الحسن بن محبوب عن عليّ بن رئاب قال قال لي أبو عبداللَّه علیه السلام : « نحن واللَّه سبيل اللَّه الّذي أمر اللَّه بإتّباعه - ونحن واللَّه الصراط المستقيم - ونحن واللَّه الّذين أمر اللَّه العباد بطاعتهم - فمن شاء فليأخذ هنا ، ومن شاء فليأخذ هناك - لا يجدون واللَّه عنّا محيصا »(4) .
وعن رزين بن حبيش قال سمعت عليّا علیه السلام يقول : « إنّ العبد إذا دخل حفرته أتاه ملكان إ سمهما منكر ونكير فأوّل من يسألانه عن ربّه ثمّ عن نبيّه ثمّ عن وليّه فإن أجاب نجا وإن عجز عذّباه » ، فقال له رجل : جماج لمن عرف ربّه ونبيّه ولم يعرف وليّه ؟ فقال : « ( مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهَ ُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً )(5) ، ذلك لا سبيل له وقد قيل للنبيّ صلی الله علیه وآله من الوليّ يا نبيّ اللَّه ؟ قال : وليّكم في هذا الزمان عليّ علیه السلام ومن بعده وصيّه ولكلّ زمان عالم يحتجّ
ص: 172
اللَّه به لئلّا يكون كما قال الضلّال قبلهم حين فارقتهم أنبياؤهم ( رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى )(1) تمام ضلالتهم جهالتهم بالآيات وهم الأوصياء فأجابهم اللَّه ( فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِىِّ وَمَنْ اهْتَدَى )(2) فإنّما كان تربّصهم أن قالوا نحن في سعة عن معرفة الأوصياء حتّى نعرف إماما فعرّفهم اللَّه بذلك والأوصياة أصحاب الصراط وقوف عليه لا يدخل الجنّة إلّا من عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار إلّا من أنكرهم وأنكروه لأنّهم عرفاء اللَّه عرّفهم عليهم عند أخذ المواثيق عليهم ووصفهم في كتابه فقال جلّ وعزّ : ( وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلّاً بِسِيمَاهُمْ )(3) هم الشهداء على أوليائهم والنبيّ الشهيد عليهم أخذ لهم مواثيق العباد بالطّاعة وأخذ النبيّ صلی الله علیه وآله عليهم المواثيق بالطّاعة فجرت نبّوته عليهم وذلك قول اللَّه ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيداً * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوْا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمْ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً )(4) »(5) .
وعن أبي جعفر علیه السلام في قوله : ( )(6) قال : « عليّ صاحب الصراط السويّ ومن إهتدى أي إلى ولايتنا أهل البيت »(7) .
ص: 173
قال تعالى : ( الْحَمْدُ للَّهِ َِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّماً لِيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً )(1) .
قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ )(2) .
قال تعالى : ( يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ )(3) .
وقال تعالى : ( إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ )(4) .
عن جابر عن أبي جعفر علیه السلام قال قال : « يا جابر إذا كان يوم القيامة جمع اللَّه عزّوجلّ الأوّلين والآخرين لفصل الخطاب دعي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ودعي أمير المؤمنين علیه السلام فيكسى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله حلّة خضراء تضي ء ما بين المشرق والمغرب ويكسى عليّ علیه السلام مثلها ويكسى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله حلّة ورديّة يضي ء لها ما بين المشرق والمغرب
ص: 174
ويكسى عليّ علیه السلام مثلها ثمّ يصعدان عنها ثمّ يدعى بنا فيدفع إلينا حساب الناس فنحن واللَّه ندخل أهل الجنّة الجنّة وأهل النار النار »(1) .
وعن سماعة قال : كنت قاعدا مع أبي الحسن الأوّل علیه السلام فقال علیه السلام : « يا سماعة إلينا إياب هذا الخلق وعلينا حسابهم فما كان لهم من ذنب بينهم وبين اللَّه عزّوجلّ حتمنا على اللَّه في تركه لنا فأجابنا إلى ذلك وما كان بينهم وبين الناس إ ستوهبناه منهم وأجابوا إلى ذلك وعوّضهم اللَّه عزّوجلّ »(2) .
ويحتمل أن يكون المراد من قوله علیه السلام : « وإليها مصير العاقبة » الولاية كما دلت عليه الأخبار الواردة في تفسير قوله سبحانه : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ )(3) .
عن إبن عبّاس قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « إذا كان يوم القيامة أقف أنا وعليّ بن أبي طالب على الصراط بيد كلّ واحد منّا سيف فما يمرّ أحد إلّا سألناه عن ولاية عليّ بن أبي طالب فمن كانت معه وإلّا ضربنا عنقه وألقيناه في النار وذلك قوله تعالى ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لَا يَتَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمْ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ )(4) »(5) .
ص: 175
عن يونس بن ظبيان قال قال أبو عبداللَّه علیه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ - ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ جأَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ ج )(1) - قال : « من زعم أنّه إمام وليس بإمام »(2) .
وعن أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً - أَوْ قَالَ أُوحِىَ إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْ ءٌ - وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهَ ُ )(3) قال : « من إدّعى الإمامة دون الإمام علیه السلام »(4) .
وعن عبداللَّه بن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « ثلاثة ( لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )(5) من إدّعى إمامة من اللَّه ليست له ومن جحد إماما من اللَّه ، ومن قال : إنّ لفلان وفلان في الإسلام نصيبا »(6) .
وعن محمّد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : « إنّ أئمّة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين اللَّه والحقّ قد ضلّوا بأعمالهم الّتي يعملونها - ( كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَىْ ءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ )(7) »(8) .
ص: 176
في الحديث أنّ الصادق علیه السلام سئل عن الخلفاء الأربعة بعد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : ما بال الشيخين قد إنتظمت لهما أمور الخلافة وجرت على أيديهم فتوح البلاد من غير معارضة أحد من المسلمين وما بال عثمان وأمير المؤمنين علیه السلام لم تنتظم لهما أمور الخلافة بل قام المسلمون على عثمان وحصروه في داره وقتلوه وسط بيته وأمّا أمير المؤمنين علیه السلام فثارت الفتن في زمن خلافته حتّى قاتل الناكثين وهم أهل البصرة ، والقاسطين وهم أهل الشام ، والمارقين وهم الخوارج ، فأجاب علیه السلام : « إنّ أمور ملك الدنيا والخلافة فيها لا تجرى بباطل بحت ولا بحقّ خالص بل تجري بحقّ وباطل ممزوجين فأمّا عثمان فأراد أن يجري أمور الخلافة بمحض البالطل ، فلم يتمّ له الأمر وأمّا أمير المؤمنين علیه السلام فأراد أن يجري إحكامها على الطريقة المستقيمة ، والسنن النبويّة فلم يحصل له ما أراد وأمّا الشيخان ، فأخذا قبضة من الحقّ وقبضة من الباطل فجرت لهما الأمور كما أرادا »(1) .
قال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ )(2) .
وقال تعالى : ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً )(3) .
ص: 177
قال تعالى : ( تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً )(1)
قال اللَّه تعالى : ( فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ )(2) .
وقال تعالى : ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )(3) .
وقال تعالى : ( وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِاَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ )(4) .
وقال تعالى : ( وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ )(5) .
وقال تعالى : ( يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ للَّهِ َِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ )(6) .
وقال تعالى : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا )(7) .
ص: 178
وقال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ يِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ )(1) .
عن حبيب الأحول قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « صدقه يحبّها اللَّه إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا »(2) .
وعن هشام بن سالم عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « لأن أصلح بين إثنين أحبّ إليّ من أن أتصدّق بدينارين »(3) .
وعن مفضّل قال قال أبو عبداللَّه علیه السلام : « إذا رأيت بين إثنين من شيعتنا منازعة فافتدها من مالي »(4) .
وعن أبي حنيفة سابق الحاجّ قال : مرّ بنا المفضّل وأنا وختني نتشاجر في ميراث فوقف علينا ساعة ثمّ قال لنا تعالوا إلى المنزل فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم فدفعها إلينا من عنده حتّى إذا إ ستوثق كلّ واحد منّا من صاحبه قال : أما إنّها ليست من مالي ولكن أبو عبداللَّه علیه السلام أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا من شي ء أن أصلح بينهما وأفتديها من ماله فهذا من مال أبي عبداللَّه علیه السلام(5) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « المصلح ليس بكاذب »(6) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ ( وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِاَيْمَانِكُمْ أَنْ
ص: 179
تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ) قال : « إذا دعيت بين إثنين فلا تقل على يمين ألّا أفعل »(1) .
وعن معاوية بن وهب أو معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال علیه السلام : « نعم إنّ المصلح ليس بكذّاب إنّما هو الصلح ليس بكذب »(2) .
وقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « كلّ الكذب مكتوب كذبا لا محالة إلّا أن يكذب الرجل في الحرب فإنّ الحرب خدعة أو يكون بين رجلين شحناء فيصلح بينهما أو يحدّث إمرأته يرضيها »(3) .
قال اللَّه تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً )(4) .
وقال تعالى : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ . . . وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )(5) .
وقال تعالى : ( وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ )(6) .
وقال تعالى : ( وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا . . . فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ )(7) .
وقال تعالى : ( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ
ص: 180
مِدْرَاراً )(1) .
وقال تعالى : ( وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً )(2) .
وقال تعالى : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ )(3) .
وقال تعالى : ( أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهَ ُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )(4) .
وقال تعالى : ( أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ )(5) .
قال أمير المؤمنين علیه السلام لقائل قال بحضرته أستغفر اللَّه ثكلتك أمّك أ تدري ما الإستغفار ؟ إنّ الإستغفار درجة العلّيّين وهو إ سم واقع على ستّة معان أوّلها الندم على ما مضى والثاني العزم على ترك العود إليه أبدا والثالث أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتّى تلقى اللَّه أملس ليس عليك تبعة والرابع أن تعمد إلى كلّ فريضة عليك ضيّعتها فتؤدّي حقّها والخامس أن تعمد إلى اللحم الّذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتّى يلصق الجلد وينشأ بينهما لحم جديد والسادس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول أستغفر اللَّه(6) .
ص: 181
وقال النبيّ صلی الله علیه وآله : « التائب إذا لم يستبن عليه أثر التوبة فليس بتائب يرضى الخصماء ويعيد الصلوات ويتواضع بين الخلق ويتّقي نفسه عن الشهوات ويهزّل رقبته بصيام النهار ويصفّر لونه بقيام الليل ويخمص بطنه بقلّة الأكل ويقوّس ظهره من مخافة النار ويذيب عظامه شوقا إلى الجنة ويرقّ قلبه من هول ملك الموت ويخفّف جلده على بدنه بتفكّر الآخرة فهذا أثر التوبة وإذا رأيتم العبد على هذه الصفة فهو تائب ناصح لنفسه »(1) .
أمّا الآيات :
فمنها - قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً )(2) .
ومنها - قوله تعالى : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً )(3) .
ومنها - قوله تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً )(4) .
ومنها - قوله تعالى : ( وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً )(5) .
ص: 182
ومنها - قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهَ ُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ )(1) .
وأمّا الأخبار :
فمنها عن أبي جعفر علیه السلام قال : « سئل النبيّ صلی الله علیه وآله عن خيار العباد فقال الّذين إذا أحسنوا إ ستبشروا وإذا أساءوا إ ستغفروا وإذا أعطوا شكروا وإذا إبتلوا صبروا وإذا غضبوا غفروا »(2) .
ومنها عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « ما من مؤمن يقترف في يوم وليلة أربعين كبيرة فيقول وهو نادم أستغفر اللَّه الّذي ( لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ )(3) بديع الّسماوات والأرض ذا الجلال والإكرام وأسأله أن يتوب عليّ إلّا غفرها اللَّه له »(4) .
ومنها قال أبو عبداللَّه علیه السلام : « إنّ اللَّه إذا أراد بعبد خيرا فأذنب ذنبا أتبعه بنقمة ويذكّره الإستغفار وإذا أراد بعبد شرّا فأذنب ذنبا أتبعه بنعمة لينسيه الإستغفار ويتمادي بها وهو قول اللَّه عزّوجلّ - ( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ )(5) بالنّعم عند المعاصي »(6) .
ومنها عن أبي عبداللَّه علیه السلام عن آبائه : قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « لكلّ داء دواء ودواء
ص: 183
الذنوب الإستغفار »(1) .
ومنها عن عبداللَّه بن محمد الجعفي قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : « كان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله والاستغفار - حصنين لكم من العذاب ، فضمى أكبر الحصنين وبقي الإستغفار ، فأكثروا منه فإنّه منجاة للذنوب ، وإن شئتم فاقرءوا ( وَمَا كَانَ اللَّهَ ُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهَ ُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ )(2) »(3) .
ومنها عن جعفر الصادق عن أبيه عن آبائه : قال : « قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : طوبى لمن وجد في صحيفته يوم القيامة تحت كلّ ذنب أستغفر اللَّه »(4) .
ومنها عن جابر عن أبي جعفر علیه السلام قال سمعته يقول : « التائب من الذنب كمن لا ذنب له والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزى ء »(5) .
ومنها عن أبي جعفر علیه السلام قال : « واللَّه ما ينجو من الذنب إلّا من أقرّ به »(6) .
وقال أبو جعفر علیه السلام : « كفى بالنّدم توبة »(7) .
ومنها عن معاوية بن عمّار قال : سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « إنّه واللَّه ما خرج عبد من ذنب بإصرار وما خرج عبد من ذنب إلّا بإقرار »(8) .
ص: 184
ومنها عن أمير المؤمنين علیه السلام قال : « لا شفيع أنجح من التوبة »(1) .
ومنها عن موسى بن جعفر علیه السلام : « من سرّته حسنته وساءته سيّئته فهو مؤمن فمن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن ولم تجب له الشفاعة وكان ظالما واللَّه تعالى ذكره يقول - ( مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ )(2) » فقلت له يا ابن رسول اللَّه وكيف لا يكون مؤمنا من لم يندم على ذنب يرتكبه ؟ فقال : « يا أبا أحمد ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي وهو يعلم أنّه سيعاقب عليها إلّا ندم على ما إرتكب ومتى ندم كان تائبا مستحقّا للشفاعة ومتى لم يندم عليها كان مصرّا والمصرّ لا يغفر له لأنّه غير مؤمن بعقوبة ما إرتكب ولو كان مؤمنا بالعقوبة لندم وقد قال النبيّ صلی الله علیه وآله : لا كبيرة مع الإستغفار ولا صغيرة مع الإصرار وأمّا قول اللَّه عزّوجلّ : ( وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنْ ارْتَضَى ) فإنّهم لا يشفعون إلّا لمن إرتضى اللَّه دينه والدين الإقرار بالجزاء على الحسنات والسيّئات فمن إرتضى اللَّه دينه ندم على ما إرتكبه من الذنوب لمعرفته بعاقبته في القيامة »(3) .
ومنها قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أيّها الناس توبوا إلى اللَّه توبة نصوحا قبل أن تموتوا وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا وأصلحوا بينكم وبين ربّكم تسعدوا وأكثروا من الصدقة ترزقوا »(4) الحديث .
وقال صلی الله علیه وآله : « إذا أذنب العبد كان نقطة سوداء على قلبه فإن هو تاب وأقلع وإ ستغفر صفا قلبه منها وإ هو لم يتب ولم يستغفر كان الذنب على الذنب والسواد على السواد
ص: 185
حتّى يغمر القلب فيموت بكثرة غطاء الذنوب عليه وذلك قوله تعالى : ( بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )(1) »(2) .
ومنها قال النبيّ صلی الله علیه وآله : « من أعطى أربعا لم يحرم أربعا من أعطى الإستغفار لم يحرم المغفرة ومن أعطى الشكر لم يحرم الزيادة ومن أعطى التوبة لم يحرم القبول ومن أعطى الدعاء لم يحرم الإجابة »(3) .
وقال صلی الله علیه وآله : « أكثروا من الإستغفار فإنّ اللَّه عزّوجلّ لم يعلّمكم الإستغفار إلّا وهو يريد أن يغفر لكم »(4) .
قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أ تدرون من التائب ؟ » فقالوا : اللهمّ لا قال إذا تاب العبد ولم يرض الخصماء فليس بتائب ومن تاب ولم يغيّر مجلسه وطعامه فليس بتائب ومن تاب ولم يغيّر رفقاءه فليس بتائب ومن تاب ولم يزد في العبادة فليس بتائب ومن تاب ولم يغيّر لباسه فليس بتائب ومن تاب ولم يغيّر فراشه ووسادته فليس بتائب ومن تاب ولم يفتح قلبه ولم يوسّع كفّه فليس بتائب ومن تاب ولم يقصّر أمله ولم يحفظ لسانه فليس بتائب ومن تاب ولم يقدّم فضل قوته من يديه فليس بتائب وإذا إ ستقام على هذه الخصال فذاك التائب(5) .
ص: 186
قال جلّ وعلا : ( وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً * مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ )(1) .
قال تعالى : ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِىَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهَ ُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )(2) .
وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ )(3) الآية .
وقوله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً )(4) .
وقوله تعالى : ( بَلْ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ )(5) الآية .
وقوله تعالى : ( فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهَ ُ لِيَظْلِمَهُمْ
ص: 187
وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )(1) .
وقوله تعالى : ( وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )(2) .
وقوله تعالى : ( سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ )(3) .
وقوله تعالى : ( مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهَ ُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )(4) .
وقوله تعالى : ( مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ )(5) .
ص: 188
بسم الله الرحمن الرحیم
إنَّ أَبْغَضَ الْخَلائِقِ إِلَى اللَّهِ رَجُلانِ - رَجُلٌ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ - فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ - مَشْغُوفٌ بِكَلامِ بِدْعَةٍ وَ دُعَاءِ ضَلالَةٍ - فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنِ افْتَتَنَ بِهِ ضَالٌّ عَنْ هَدْيِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ - مُضِلٌّ لِمَنِ اقْتَدَى بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَ بَعْدَ وَفَاتِهِ - حَمَّالٌ خَطَايَا غَيْرِهِ رَهْنٌ بِخَطِيئَتِهِ وَ رَجُلٌ قَمَشَ جَهْلاً مُوضِعٌ فِي جُهَّالِ الأُمَّةِ - عَادٍ فِي أَغْبَاشِ الْفِتْنَةِ عَمٍ بِمَا فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ - قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالِماً وَ لَيْسَ بِهِ - بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْعٍ مَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ - حَتَّى إِذَا ارْتَوَى مِنْ مَاءٍ آجِنٍ وَ اكْتَنَزَ مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ - جَلَسَ بَيْنَ النَّاسِ قَاضِياً ضَامِناً لِتَخْلِيصِ مَا الْتَبَسَ عَلَى غَيْرِهِ - فَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى الْمُبْهَمَاتِ - هَيَّأَ لَهَا حَشْواً رَثّاً مِنْ رَأْيِهِ ثُمَّ قَطَعَ بِهِ - فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ فِي مِثْلِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ - لا يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ - فَإِنْ أَصَابَ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْطَأَ - وَ إِنْ أَخْطَأَ رَجَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَ - جَاهِلٌ خَبَّاطُ جَهَالاتٍ عَاشٍ رَكَّابُ عَشَوَاتٍ - لَمْ يَعَضَّ عَلَى الْعِلْمِ بِضِرْسٍ قَاطِعٍ - يَذْرُو الرِّوَايَاتِ ذَرْوَ الرِّيحِ الْهَشِيمَ - لا مَلِيٌّ وَ اللَّهِ بِإِصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ - وَلا هُوَ أهلٌ لِما فَوَّضَ إليه ( وَ لا أَهْلٌ لِمَا قُرِّظَ بِهِ ) لا يَحْسَبُ الْعِلْمَ فِي شَيْ ءٍ مِمَّا أَنْكَرَهُ - وَ لا يَرَى أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَ مَذْهَباً لِغَيْرِهِ - وَ إِنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَمْرٌ اكْتَتَمَ بِهِ - لِمَا يَعْلَمُ مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ - تَصْرُخُ مِنْ جَوْرِ قَضَائِهِ الدِّمَاءُ - وَ تَعَجُّ مِنْهُ الْمَوَارِيثُ ، إِلَى اللَّهِ أَشْكُو - مِنْ مَعْشَرٍ يَعِيشُونَ جُهَّالاً وَ يَمُوتُونَ ضُلَّالاً - لَيْسَ فِيهِمْ سِلْعَةٌ أَبْوَرُ مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلاوَتِهِ - وَ لا
ص: 189
سِلْعَةٌ أَنْفَقُ بَيْعاً - وَ لا أَغْلَى ثَمَناً مِنَ الْكِتَابِ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ - وَ لا عِنْدَهُمْ أَنْكَرُ مِنَ الْمَعْرُوفِ وَ لا أَعْرَفُ مِنَ الْمُنْكَرِ
عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « سمعت أمّ سلمة النبيّ صلی الله علیه وآله يقول في دعائه : اللهمّ ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا »(1) .
وقال أبو جعفر علیه السلام كان من دعاء أمير المؤمنين علیه السلام : « إلهي كفى بي عزّا أن أكون لك عبدا وكفى بي فخرا أن تكون لي ربّا »(2) .
قال النبيّ صلی الله علیه وآله : « اللهمّ . . . وانّك أن تكلني إلى نفسي تقرّبني من الشرّ وتباعدني من الخير »(3) .
عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « كلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة في النار »(1) .
وقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أبى اللَّه لصاحب البدعة بالتّوبة » قيل يا رسول اللَّه وكيف ذلك ؟ قال : « إنّه قد أشرب قلبه حبّها »(2) .
قال اللَّه تعالى : ( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ ) الآية(3) .
وقال تعالى : ( وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً )(4) .
وقال تعالى : ( قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ ) الآية(5) .
وقال تعالى : ( فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ ) الآية(6) .
ص: 191
الفتنة تارة يراد بها - الإختبار والإمتحان وتارة يراد بها الفساد وقد أشار اللَّه تعالى الى المعنيين في كتابة : أمّا الأوّل - فقوله تعالى ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ )(1) أي لا يختبرون ولا يمتحنون .
وقوله - ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ )(2) أي إختبرناه .
وقوله - ( وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ )(3) أي إختبرناهم .
وقوله - ( قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمْ السَّامِرِىُّ )(4) أي إختبرناهم .
ومن الثاني قوله تعالى : ( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ ) ، الآية(5) أي الفساد .
وقوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ ) ، الآية(6) . أيّ الفساد .
ص: 192
وقوله تعالى : ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ) ، الآية(1) . أيّ إتّقوا فسادا .
وقوله تعالى : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للَّهِ َِ ) ، الآية(2) . أيّ الفساد .
وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ ) ، الآية(3) . والآيات في المعنيين كثيرة(4) .
قال صلی الله علیه وآله : « من أتى ذا بدعة فعظّمه فإنّما يسعى في هدم الإسلام »(5) .
قال علي علیه السلام : « ما إبتدع أحد بدعة إلّا ترك بها سنّة(6) »(7) .
وعن يونس بن عبد الرحمن قال : قلت لأبي الحسن الأوّل علیه السلام بما أوحّد اللَّه ؟ فقال : « يا يونس لا تكوننّ مبتدعا من نظر برأيه هلك ومن ترك أهل بيت نبيّه صلی الله علیه وآله ضلّ ومن ترك كتاب اللَّه وقول نبيّه
ص: 193
كفر »(1) .
وعن أبي الحسن موسى علیه السلام قال : « لعن اللَّه أبا حنيفة كان يقول عليّ وقلت أنا وقالت الصحابة وقلت ( هذا ) »(2) .
وروى ان أبا حنيفة قال : خالفت جعفر بن محمد - الإمام الصادق علیه السلام - في جميع ما قاله ، ولم أدر أنّه يغمض عينيه في السجود أو يفتحها ، ففتحت واحدة وغمضت أخرى(3) .
قال تعالى : ( وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ )(4) .
قال أبو جعفر علیه السلام : « من أفتى الناس برأيه فقد دان اللَّه بما لا يعلم ومن دان اللَّه بما لا يعلم فقد ضادّ اللَّه حيث أحلّ وحرّم فيما لا يعلم »(5) .
وعن قتيبة قال : سأل رجل أبا عبداللَّه علیه السلام عن مسألة فأجابه فيها فقال الرجل : أ رأيت إن كان كذا وكذا ما يكون القول فيها ؟ فقال له : « مه ما أجبتك فيه من شي ء فهو عن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لسنا من أ رأيت في شي ء »(6) .
ص: 194
قال تعالى : ( وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ . . . )(1) .
قول النبيّ صلی الله علیه وآله : « . . . ومن سن سنّة سيّئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة »(2) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « كان رجل في الزمن الأوّل طلب الدنيا من حلال فلم يقدر عليها وطلبها من حرام فلم يقدر عليها فأتاه الشيطان فقال له يا هذا إنّك قد طلبت الدنيا من حلال فلم تقدر عليها وطلبتها من حرام فلم تقدر عليها أ فلا أدلّك على شي ء تكثر به دنياك ويكثر به تبعك ؟ قال : بلى ، قال : تبتدع دينا وتدعو إليه الناس . ففعل فاستجاب له الناس فأطاعوه وأصاب من الدنيا . ثمّ إنّه فكّر . فقال : ما صنعت إبتدعت دينا ودعوت الناس . ما أرى لي توبة إلّا جأن ج آتي من دعوته إليه فأردّه عنه فجعل يأتي أصحابه الّذين أجابوه . فيقول : إنّ الّذي دعوتكم إليه باطل وإنّما إبتدعته . فجعلوا يقولون كذبت وهو الحقّ ولكنّك شككت في دينك . فرجعت عنه فلمّا رأى ذلك عمد إلى سلسلة فوتد لها وتداً ثمّ جعلها في عنقه وقال لا أحلّها حتّى يتوب اللَّه تعالى عليّ . فأوحى اللَّه تعالى إلى نبيّ من الأنبياء قل لفلان وعزّتي لو دعوتني حتّى تنقطع أوصالك ما إ ستجبت لك حتّى تردّ من مات إلى دعوته إليه فيرجع عنه »(3) .
ص: 195
قال تعالى : ( كُلُّ امْرِءٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ )(1) .
وقال تعالى : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه )(2) .
وقال تعالى : ( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ )(3) .
عن النبيّ صلی الله علیه وآله قال : « أيّما داع دعا إلى الهدى فأتّبع فله مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شي ء وأيّما داع دعا إلى ضلالة واتّبع فإنّ عليه مثل أوزار من إتّبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شي ء »(4) .
مسعدة بن صدقة قال : حدّثني جعفر بن محمّد ، عن أبيه علیه السلام : أنّ عليّا علیه السلام قال : « من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس ، ومن دان اللَّه بالرّأي لم يزل دهره في إرتماس »(5) .
قد روى أنّ معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتّى يروىّ أنّ هذه الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
ص: 196
وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهَ ُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ )(1) وأنّ الآية الثانية نزلت في إبن ملجم وهي قوله تعالى : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ )(2) فلم يقبل فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل فبذل له ثلاثمائة ألف فلم يقبل فبذل له أربعمائة ألف فقبل وروي ذلك(3) .
قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « شرار علماء أمّتنا المضلّون عنّا ، القاطعون للطرق إلينا ، المسمّون أضدادنا بأسمائنا ، الملقّبون أضدادنا بألقابنا ، يصلّون عليهم وهم للّعن مستحقّون ، ويلعنوننا ونحن بكرامات اللَّه مغمورون ، وبصلوات اللَّه وصلوات ملائكته المقرّبين علينا - عن صلواتهم علينا - مستغنون »(4) .
وقيل لأمير المؤمنين علیه السلام : من خير خلق اللَّه بعد أئمّة الهدى ومصابيح الدجى ؟ قال : « العلماء إذا صلحوا » .
قيل : فمن شرّ خلق اللَّه بعد إبليس وفرعون ونمرود ، وبعد المتّسمين بأسمائكم والمتلقّبين بألقابكم ، والآخذين لأمكنتكم ، والمتأمّرين في ممالككم ؟
قال : « العلماء إذا فسدوا ، هم المظهرون للأباطيل ، الكاتمون للحقائق ، وفيهم قال اللَّه
ص: 197
عزّوجلّ : ( أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهَ ُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا(1) ) » الآية(2) .
قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « سيأتي على أمّتي زمان لا يبقى من القرآن إلّا رسمه ومن الإسلام إلّا إ سمه يسمّون به وهم أبعد الناس منه ، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى ، فقهاء ذلك الزمان شرّ فقهاء تحت ظلّ السماء ، منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود »(3) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا » قيل يا رسول اللَّه وما دخولهم في الدنيا ؟ قال : « إتّباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم »(4) .
وقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « من تعلّم علما ليماري به السفهاء ويباهي به العلماء ويصرف به الناس إلى نفسه يقول أنا رئيسكم فليتبوّأ مقعده من النار » ثمّ قال : « إنّ الرئاسة لا تصلح إلّا لأهلها فمن دعا الناس إلى نفسه وفيهم من هو أعلم منه لم ينظر اللَّه إليه يوم القيامة »(5) .
ص: 198
قال اللَّه تعالى : ( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً )(1) .
عن ميمون بن عبداللَّه ، قال ، أتى قوم أبا عبداللَّه علیه السلام يسألونه الحديث من الأمصار ، وأنا عنده ، فقال لي : « أ تعرف أحدا من القوم » قلت : لا ، فقال : « فكيف دخلوا عليّ ؟ » قلت : هؤلاء قوم يطلبون الحديث من كلّ وجه لا يبالون ممّن أخذوا الحديث ، فقال لرجل منهم : هل سمعت من غيري من الحديث قال : نعم ، قال : فحدّثني ببعض ما سمعت . . . قال حدّثني سفيان الثوريّ ، عن جعفر بن محمّد قال : النبيذ كلّه حلال إلّا الخمر ، ثمّ سكت ، فقال أبو عبداللَّه علیه السلام : « زدنا ! » قال حدّثني سفيان عمّن حدّثه عن محمّد بن عليّ أنّه قال : من لا يمسح على خفّيه فهو صاحب بدعة ، ومن لم يشرب النبيذ فهو مبتدع ، ومن لم يأكل الجرّيث وطعام أهل الذمّة وذبائحهم فهو ضالّ ، أمّا النبيذ فقد شربه عمر نبيذ زبيب فرشّحه بالماء ، وأمّا المسح على الخفّين : فقد مسح عمر على الخفّين ثلاثا في السفر ويوما وليلة في الحضر ، وأمّا الذبائح : فقد أكلها عليّ علیه السلام . . . فقال له أبو عبداللَّه علیه السلام زدنا ! قال حدّثني سفيان الثوريّ ، عن محمّد بن المنكدر ، أنّه رأى عليّا علیه السلام على منبر الكوفة وهو يقول : لئن أتيت برجل يفضّلني على أبي بكر وعمر لأجلّدنّه حدّ المفتري ، فقال أبو عبداللَّه علیه السلام « زدنا ! » فقال حدّثني سفيان ، عن جعفر ، أنّه قال حبّ أبي بكر وعمر إيمان . . . قال له أبو عبداللَّه علیه السلام : « زدنا ! » قال حدّثني نعيم بن عبداللَّه ، عن جعفر بن محمّد ، أنّه قال : ودّ عليّ بن أبي طالب أنّه بنخيلات ينبع يستظلّ بظلّهنّ
ص: 199
ويأكل من حشفهنّ(1) ولم يشهد يوم الجمل ولا النهروان ، وحدّثني به سفيان ، . . . قال له أبو عبداللَّه علیه السلام : « زدنا ! » قال : حدّثني سفيان الثوريّ ، عن جعفر بن محمّد ، أنّ عليّا علیه السلام لمّا قتل أهل صفّين ، بكى عليهم ثمّ قال : جمع اللَّه بيني وبينهم في الجنّة .
فقال له أبو عبداللَّه علیه السلام : « من أيّ البلاد أنت ؟ » قال : من أهل البصرة ، قال : « فهذا الّذي تحدّث عنه وتذكر إ سمه جعفر بن محمّد ، تعرفه ؟ » قال : لا ، قال : « فهل سمعت منه شيئا قطّ ؟ » قال : لا ، قال : « فهذه الأحاديث عندك حقّ ؟ » قال : نعم ، قال : « فمتى سمعتها ؟ » قال : لا أحفظ ، قال : إلّا أنّها أحاديث أهل مصرنا منذ دهر لا يمترون فيها ، قال له أبو عبداللَّه علیه السلام : « لو رأيت هذا الرجل الّذي تحدّث عنه ، فقال لك هذه الّتي ترويها عنّي كذب لا أعرفها ولم أحدّث بها ، هل كنت تصدّقه ؟ » قال لا ، قال : « لم ؟ » قال : لأنّه شهد على قوله رجال لو شهد أحدهم على عتق ( عنق ) رجل لجاز قوله(2) .
كما ذكر علیه السلام في آخر هذه الخطبة المرويّة من الطبرسي والمفيد : هذا عذب فرات فاشربوا - فاستعار علیه السلام لعلوم آل محمّد : بالعذب الفرات - وهذا ملح اجاج فاجتنبوا - واستعار لعلوم غيرهم بالملح الأُجاج -(3) .
ص: 200
عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « إتّقوا الحكومة فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبيّ أو وصيّ نبيّ »(1) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال أمير المؤمنين علیه السلام لشريح : « يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ أو شقيّ »(2) .
وروى محمّد بن مسلم قال مرّ بي أبو جعفر علیه السلام وأنا جالس عند القاضي بالمدينة فدخلت عليه من الغد فقال لي : « ما مجلس رأيتك فيه أمس ؟ » قال قلت له : جعلت فداك إنّ هذا القاضي بي مكرم فربّما جلست إليه ، فقال لي : « وما يؤمنك أن تنزل اللعنة فتعمّك معه »(3) .
وقال الصادق علیه السلام : « إنّ النواويس(4) شكت إلى اللَّه عزّوجلّ شدّة حرّها فقال لها عزّوجلّ أسكتي فإنّ مواضع القضاء أشدّ حرّا منك »(5) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « القضاة أربعة ثلاثة في النار وواحد في الجنّة رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار ورجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم فهو في النار ورجل قضى بالحقّ وهو يعلم فهو في الجنّة »(6) .
ص: 201
وعن أبي جعفر علیه السلام قال : « من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من اللَّه لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه »(1) .
وعن مفضّل بن مزيد قال قال أبو عبداللَّه علیه السلام : « أنهاك عن خصلتين ، فيهما هلك الرجال أن تدين اللَّه بالباطل وتفتي الناس بما لا تعلم »(2) .
وعن أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام وحكم عن إبن أبي يعفور عن أبي عبداللَّه علیه السلام قالا : « من حكم في درهمين بغير ما أنزل اللَّه عزّوجلّ ممّن له سوط أو عصا فهو كافر بما أنزل اللَّه عزّوجلّ على محمّد صلی الله علیه وآله »(3) .
وعن أبي بصير بن علي عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « سمعته يقول من حكم في درهمين بغير ما أنزل اللَّه - فهو كافر باللَّه العظيم »(4) .
وقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « من حكم في درهمين بحكم جور ثمّ جبر عليه كان من أهل هذه الآية - ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهَ ُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ ) »(5) فقلت : وكيف يجبر عليه فقال يكون له سوط وسجن فيحكم عليه فإذا رضي بحكومته وإلّا ضربه بسوطه وحبسه في سجنه(6) .
وعن معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « أيّ قاض قضى بين إثنين فأخطأ سقط أبعد من السماء »(7) .
ص: 202
وعن النبيّ صلی الله علیه وآله قال : « ومن لم يحكم بما أنزل اللَّه كان كمن شهد شهادة زور ويقذف به في النار ويعذّب بعذاب شاهد الزور »(1) .
عن أبي خديجة قال قال لي أبو عبداللَّه علیه السلام : « إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ولكن أنظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضائنا فاجعلوه بينكم ، فإنّي قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه »(2) .
وقال النبيّ صلی الله علیه وآله : « من حكم بين الإثنين فتراضيا به فلم يعدل فعليه لعنة اللَّه »(3) .
وقال الصادق علیه السلام لعمر إبن حنظلة : « أنظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فارضوا به حكما فإنّي قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنّما بحكم اللَّه قد إ ستخفّ وعلينا ردّ والرادّ علينا الرادّ على اللَّه وهو على حدّ الشرك باللَّه »(4) .
قال تعالى : ( وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )(5) .
ص: 203
وقال تعالى : ( وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) ، الآية(1) .
وقال تعالى : ( الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ )(2) .
وقال تعالى : ( وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )(3) الآية .
وقال تعالى : ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ )(4) .
وقال تعالى : ( ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ النَّارِ )(5) .
وقال تعالى : ( إِنْ هِىَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ ) ، الآية(6) .
وقال تعالى : ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ) ، الآية(7) .
وقال تعالى : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ) ، الآية(8) .
الآيات الدالة على نهي الأخذ بغير علم في الأحكام الشرعيّة كثيرة وفيما ذكرناه كفاية .
وأمّا الأخبار : فمنها عن عليّ بن أبي طالب علیه السلام قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « من
ص: 204
أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة السموات والأرض »(1) .
ومنها عن أبي جعفر علیه السلام قال : « من أفتى الناس بغير علم ولا هدى لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه »(2) .
ومنها قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « إتّقوا تكذيب اللَّه » قيل : يا رسول اللَّه وكيف ذاك ؟ قال : « يقول أحدكم قال اللَّه فيقول اللَّه كذبت لم أقله أو يقول لم يقل اللَّه فيقول اللَّه عزّوجلّ كذبت قد قلته »(3) .
ومنها عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « الكذب على اللَّه وعلى رسوله وعلى الأوصياء : من الكبائر »(4) .
ومنها قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « من قال عَلَيّ ما لم أقل فليتبوّأ مقعده من النار »(5) .
ومنها عن الرضا علیه السلام قال : « واللَّه ما أحد يكذب علينا إلّا ويذيقه اللَّه حرّ الحديد »(6) .
ومنها عن أبي جميلة قال سمعت عليّا علیه السلام على منبر الكوفة يقول : « أيّها الناس ثلاث لا دين لهم لا دين لمن دان بجحود آية من كتاب اللَّه ولا دين لمن دان بفرية باطل على اللَّه ولا دين لمن دان بطاعة من عصى اللَّه تبارك وتعالى »(7) .
ص: 205
ومنها عن زرارة بن أعين قال : قلت لأبي عبداللَّه علیه السلام ما حقّ اللَّه على خلقه ؟ قال علیه السلام : « حقّ اللَّه على خلقه أن يقولوا بما يعلمون ويكفّوا عمّا لا يعلمون فإذا فعلوا ذلك فقد واللَّه أدّوا إليه حقّه »(1) .
ومنها عن مفضّل بن يزيد قال قال لي أبو عبداللَّه علیه السلام : « أنهاك عن خصلتين فيهما هلاك الرجال أنهاك أن تدين اللَّه بالباطل وتفتي الناس بما لا تعلم »(2) .
ومنها عن عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « إيّاك وخصلتين مهلكتين أن تفتي الناس برأيك وأن تقول ما لا تعلم »(3) .
ومنها عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال : سألت أبا عبداللَّه علیه السلام عن مجالسة أصحاب الرأي فقال : « جالسهم وإيّاك وخصلتين تهلك فيهما الرجال أن تدين بشي ء من رأيك وتفتي الناس بغير علم »(4) .
ومنها عن أبي جعفر علیه السلام قال : « لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا لم يجحدوا ولم يكفروا »(5) .
ومنها عن جعفر بن محمّد علیه السلام أنّه قال : « نهى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عن الحكم بالرّأي والقياس وقال إنّ أوّل من قاس إبليس ومن حكم في شي ء من دين اللَّه برأيه خرج من دين اللَّه »(6) .
ص: 206
ومنها قال النبيّ صلی الله علیه وآله : « من أفتى بفتيا من غير تثبّت وفي لفظ بغير علم فإنّما إثمه على من أفتاه »(1) .
ومنها : أيّها الناس إتّقوا اللَّه ولا تفتوا الناس بما لا تعلمون(2) .
ومنها قال النبي صلی الله علیه وآله : « تعمل هذه الأمّة برهة بالكتاب وبرهة بالسّنّة وبرهة بالقياس فإذا فعلوا ذلك فقد ضلّوا »(3) .
وعن إبن شبرمة(4) قال : ما ذكرت حديثا سمعته عن جعفر بن محمّد صلی الله علیه وآله إلّا كاد أن يتصدّع قلبي قال حدّثني أبي عن جدّي عن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال : « إبن شبرمة وأقسم باللَّه ما كذب أبوه على جدّه ولا جدّه على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : من عمل بالمقاييس فقد هلك وأهلك ومن أفتى الناس بغير علم وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك »(5) .
ومنها قال صلی الله علیه وآله : « إيّاكم وأصحاب الرأي فإنّهم أعيتهم السنن أن يحفظوها فقالوا بالحلال والحرام برأيهم فأحلّوا ما حرّم اللَّه وحرّموا ما أحلّه اللَّه فضلّوا وأضلّوا » .(6)
ومنها قول رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « ستفترق أمّتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فتنة
ص: 207
على أمّتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحرّمون الحلال ويحلّلون الحرام »(1) .
ومنها روي عن سلمان الفارسيّ ؛ أنّه قال : ما هلكت أمّة حتّى قاست في دينها(2) .
ومنها عن المعلّي بن خنيس عن أبي عبداللَّه علیه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ : ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنْ اللَّهِ )(3) يعني من يتّخذ دينه رأيه بغير هدى أئمّة من أئمّة الهدى(4) .
ومنها عن عكرمة قال قال الحسين بن عليّ علیه السلام : « من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في الإرتماس مائلا عن المنهاج ظاعنا في الإعوجاج ضالّا عن السبيل قائلا غير الجميل الخبر »(5) .
ومنها عن محمّد بن حكيم قال قلت لأبي عبداللَّه علیه السلام : إنّ قوماً من أصحابنا قد تفّقهوا وأصابوا علما ورووا أحاديث فيرد عليهم الشي ء فيقولون فيه برأيهم ؟ فقال : « لا وهل هلك من مضى إلّا بهذا وأشباهه »(6) .
روي أبو نعيم - انّ أبا حنيفة وعبداللَّه إبن أبي شبرمة وإبن أبي ليلى دخلوا على جعفر إبن محمّد علیه السلام فقال : « لإبن أبي ليلى من هذا الّذي معك ؟ » قال رجل له بصر ونفاذ في الدين . قال علیه السلام : « لعلّه يقيس أمر الدين برأيه » قال : نعم . فقال ( الإمام )
ص: 208
جعفر لأبي حنيفة « ما اسمك ؟ » قال : نعمان . قال : « ما أراك تحسّن شيئا ، ثمّ جعل يوجّه إليه أسئلته » ، فكان جواب أبي حنيفة عدم الجواب عنها ، فأجابه الإمام عنها .
ثمّ قال : « يا نعمان حدّثني أبي عن جدّي انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال : من قاس أمر الدين برأيه إبليس » .
قال اللَّه تعالى له : أسجد لآدم ، فقال : ( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) ، فمن قاس الدين برأيه قرنه اللَّه تعالى يوم القيامة بإبليس لأنّه إتّبعه بالقياس .
قال إبن بشرمة : ثمّ قال جعفر : « أيّهما أعظم قتل النفس أو الزنا ؟ » قال أبو حنيفة : قتل النفس .
قال الصادق علیه السلام : « فإنّ اللَّه عزّوجلّ قبل في قتل النفس شاهدين ولم يقبل في الزنا إلّا أربعة » .
ثمّ قال علیه السلام : « أيّهما أعظم الصلوة أم الصوم ؟ » قال أبو حنيفة : الصلوة .
قال الصادق علیه السلام : « فما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلوة ؟ فكيف ويحك يقوم لك قياسك ؟ إتّق اللَّه ولا تقس الدين برأيك »(1) .
وفي المستدرك قال علیه السلام : « إتّق اللَّه يا عبداللَّه فإنّما نحن وأنت غدا ومن خالفنا بين يدي اللَّه عزّوجلّ ونقول قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وتقول أنت وأصحابك سمعنا ورأينا فيفعل بنا وبكم ما شاء اللَّه عزّوجلّ »(2) .
ص: 209
وفي أبي حنيفة وأصحابه من أهل الرأي والقياس قال مساور وهو من شعراء عصره قال :
كنّا من الدين قبل اليوم في سعة * حتّى بلينا بأصحاب المقائيس
قاموا من السوق إذ قامت مكاسبهم * فاستعملو الرأي بعد الجهد والبؤس
فلقيه أبو حنيفة فقال له : هجوتنا يا مساور نحن نرضيك فوصله بدراهم فقال مساور :
إذا ما الناس يوما قايسونا * بآبدة من الفتيا طريفة
أتيناهم بمقياس صحيح * قلّاد من طراز أبي حنيفة
إذا سمع الفقيه بها وعاها * وأثبتها بجبر من صحيفة(1)
وأبو حنيفة كان من أصحاب الرأي والقياس وقيل هو أوّل من قاس في الإسلام(2) كما انّ إبليس أوّل من قاس في الخلق .
وقال أبو صالح الفراء سمعت يوسف إبن أسباط يقول ردّ أبو حنيفة على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أربعمائة حديث أو أكثر ، قلت له : يا أبا محمّد تعرفها ؟ قال : نعم .
قلت : فأخبرني بشي ء منها . فقال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « للفرس سهمان وللرجل سهم » ، قال أبو حنيفة : أنا لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن ، وأشعر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وأصحابه البدن ، وقال أبو حنيفة : الاشعار مثلة .
وقال صلی الله علیه وآله : « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا » ، وقال أبو حنيفة : إذا وجب البيع فلا خيار .
ص: 210
وكان النبيّ صلی الله علیه وآله يقرع بين نسائه إذا أراد أن يخرج إلى سفر وأقرع أصحابه وقال أبو حنيفة : القرعة قمار(1) .
قال اللَّه تبارك وتعالى : ( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ )(2) .
عن أبي عبداللَّه علیه السلام عن آبائه : قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر ممّا يصلح »(3) .
وعن طلحة بن زيد قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « العامل على غير بصيرة كالسّائر على غير الطريق ولا يزيده سرعة السير من الطريق إلّا بعدا »(4) .
وقال أمير المؤمنين علیه السلام : « المتعبّد على غير فقه كحمار الطاحونة يدور ولا يبرح وركعتان من عالم خير من سبعين ركعة من جاهل لأنّ العالم تأتيه الفتنة فيخرج منها بعلمه وتأتي الجاهل فينسفه نسفا وقليل العمل مع كثير العلم خير من
ص: 211
كثير العمل مع قليل العلم والشكّ والشبهة »(1) .
وقال الصادق علیه السلام : « أحسنوا النظر فيما لا يسعكم جهله وأنصحوا لأنفسكم وجاهدوا في طلب ما لا عذر لكم في جهله فإنّ لدين اللَّه أركانا لا ينفع من جهلها شدّة إجتهاده في طلب ظاهر عبادته ولا يضرّ من عرفها فدان به حسن إقتصار ولا سبيل لأحد إلى ذلك إلّا بعون من اللَّه عزّوجلّ »(2) .
قال يحيى بن مخنف : جاء رجل من أهل المشرق إلى أبي حنيفة بكتاب وهو بمكّة ، فعرضه عليه وكان قد جمعه ممّا سمعه منه ، فرجع عن ذلك أبو حنيفة ، فوضع الرجل التراب على رأسه ثمّ قال : يا معاشر الناس أتيت هذا الرجل عام أوّل فأفتاني هذا الكتاب ، فهرقت به الدماء وأبحت به الفروح ، ثمّ رجع عنه الآن . فقال أبو حنيفة : هذا رأى رأيته ، وقد رجعت عنه .
فقال له الرجل : فتؤمنني ألا ترى من قابل شيئا آخر ؟ قال : لا أدري كيف يكون هذا .
قال الرجل : لكنّي أدري أن من أخذ عنك فهو ضالّ(3) .
وقال الجاحظ : قال إبراهيم : رويتم عن إ سماعيل عن الشعبي أن قوما سألوا زيد بن ثابت عن شي ء فأفتاهم فكتبوه ، فقال : وما يدريكم لعلّي قد أخطأت وإنّما
ص: 212
إجتهدت لكم برأيي .
ورويتم عن المغيرة عن إبراهيم : أنّ عمر بن الخطّاب قضى بقضاء فقال له رجل : أصبت واللَّه ، فقال : وما يدريك أنّي أصبت ، واللَّه ما يدري عمر أ أصاب أم أخطأ .
ورويتم عن عمر وعن طاوس أنّ إبن عمر سئل عن شي ء فقال : لا أدري ، فإن شئت أخبرتك بالظّنّ .
قال إبراهيم : فقد أقرّ القوم على أنفسهم أنّهم بالظّنّ كانوا يريقون الدماء ، وبالظّنّ كانوا يبيحون الفروج ، وبالظّنّ يحكمون في الأموال ، وبالظّنّ يوجبون العبادات ، وقد نهي اللَّه عزّوجلّ العباد أن يحكموا بالظّنّ ويشهدوا به ، فقال تعالى : ( إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )(1) وأمر بالعلم واليقين فخالف القوم ذلك وعلموا أنّ الناس لهم منقادون وأنّهم ما قالوا من شي ء فهو حتم لا مردّ له .
قال إبراهيم : وإذا كان هذا المذهب موجودا في الأكابر والأصاغر من السلف فما ظنّك بالتّابعين ؟ ثمّ ما ظنّك بالفرق الّتي بينهم وإذا كان هذا ما أقرّوا به على أنفسهم فما لم يقرّوا به ورأوا ستره أكثر(2) .
قال بعضهم في وصف بعض : كان يغلط في علمه من وجوه أربعة : يسمع غير ما
ص: 213
يقال له ، ويحفظ غير ما يسمع ، ويكتب غير ما يحفظ ، ويحدّث بغير ما يكتب(1) .
وقال بعضهم : رأيت إبن الجصاص يقبل المصحف ويبكي ، فقلت له : ما يبكيك ؟ فقال : أكلت اليوم مخيضا وبصلا مع النساء ، ثمّ نظرت في المصحف فرأيته فيه : وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَخِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ . فتعجّبت من قدرة اللَّه كيف بيّن كلّ شي ء في القرآن حتّى المخيض وأكله مع النساء(2) .
وحكى أبو الحسين إبن الراوندي قال : مررت بشيخ جالس وبيده مصحف ، وهو يقرأ وَللَّهِ َِ مِيزَابُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ، فقلت : وما يعني ميزاب السموات والأرض ؟ قال : هذا المطر الّذي ترى . فقلت : ما يكون التصحيف إلّا إذا كان مثلك يقرأ ، يا هذا إنّما هو ( مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ) . فقال : أنا من أربعين سنة أقرؤها هكذا(3) .
وقال مساور العزاف في أهل القياس :
وكنّا من الدين قبل اليوم في سعة * حتّى بلينا بأصحاب المقاييس
قاموا من السوق إذ قلت مكاسبهم * فاستعملوا الرأي بعد الجهد والبؤس
فلقيه أبو حنيفة وقال له : هجوتنا نحن نرضيك ، فبعث إليه بدراهم ، فكفّ عنه وقال :
إذا ما الناس يوما قايسونا * بمسألة من الفتيا ظريفة
أتيناهم بمقياس صحيح * بديع من طراز أبي حنيفة
ص: 214
إذا سمع الفقيه بها وعاها *وأثبتها بحبر في صحيفة(1)
إنّ سلمان كان يقول للناس : هربتم من القرآن إلى الأحاديث ، وجدتم كتاباً رقيقا ( رفيعا خ ل ) حوسبتم فيه على النقير والقطمير والفتيل وحبّة خردل فضاق ذلك عليكم وهربتم إلى الأحاديث الّتي إتّسعت عليكم(2) .
قدم إلى أبي يوسف مسلم قتل ذميا ، فأمر أن يقاد به ، ووعدهم ليوم ، وأمر بالقاتل فحبس ، فلمّا كان في اليوم الّذي وعدهم ، حضر أولياء الذمي وجي ء بالمسلم القاتل ، فلمّا همّ أبو يوسف أن يقول : أقيدوه ، رأى رقعة قد سقطت ، فتناولها صاحب الرقاع وخنسها ، فقال : ما هذه الّتي خنستها ؟ فدفعها إليه ، فإذا فيها أبيات شعر قالها أبو المضرجي شاعر ببغداد :
يا قاتل المسلم بالكافر * جرت وما العادل كالجائر
يا من ببغداد وأطرافها * من فقهاء الناس أو شاعر
جار على الدين أبو يوسف * إذ يقتل المسلم بالكافر
فاسترجعوا وإبكوا على دينكم * وإصطبروا فالأجر للصابر
فأمر بالقمطر ، فشدّ وركب إلى الرشيد ، فحدّثه بالقصّة وإقرأه الرقعة ، فقال له
ص: 215
الرشيد : إذهب فاحتل ، فلمّا عاد أبو يوسف إلى دار ه، وجاءه أولياء الذمي يطالبونه بالقود ، قال لهم : إيتوني بشاهدين عدلين إن صاحبكم كان يؤدّي الجزية(1) .
وروي أنّ يحيى إبن أكثم قاضي القضاة لمّا أنكر فضل الإمام الجواد وعلمه علیه السلام ، وأنّه لا يليق بما راه المأمون في حقّه لكونه صغير السن فأنّه علیه السلام كان يومئذ إبن تسع سنين وأشهر فقال المأمون - وهو كان يعرف فضله وعلمه - ليحيى ومن تبعه : إن شئتم فامتحنو أبا جعفر حتّى يتبيّن لكم ما وصفته علیه السلام به . قالوا له : قد رضينا لك يا أمير المؤمنين ولأنفسنا بإمتحانه فخلّ بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شي ء من فقه الشريعة فإن أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا إعتراض في أمره وظهر للخاصّة والعامّة سديد رأى أمير المؤمنين وإن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه . فقال لهم المأمون شأنكم وذاك متى أردتم ، فخرجوا من عنده وأجمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم وهو يومئذ قاضي القضاء ( الزمان خ ل ) على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك وعادوا إلى المأمون فسألوه أن يختار لهم يوما للإجتماع فأجابهم إلى ذلك وإجتمعوا في اليوم الّذي إتّفقوا عليه وحضر معهم يحيى بن أكثم وأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر علیه السلام دست(2) وتجعل له فيه مسورتان(3) ففعل ذلك وخرج أبو جعفر علیه السلام وهو يومئذ إبن تسع سنين وأشهر فجلس بين المسورتين وجلس يحيى
ص: 216
بن أكثم بين يديه . . . فقال يحيى بن أكثم للمأمون : يأذن لي أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر ؟ فقال له المأمون : إ ستأذنه في ذلك ؟ فأقبل عليه يحيى بن أكثم فقال : أ تأذن لي جعلت فداك في مسألة ؟ فقال له أبو جعفر علیه السلام : « سل إن شئت » ، قال يحيى : ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيدا ؟ فقال له أبو جعفر علیه السلام : « قتله في حلّ أو حرم ؟ عالما كان المحرم أم جاهلا ؟ قتله عمدا أو خطأ ؟ حرّا كان المحرم أم عبدا ؟ صغيرا كان أم كبيرا ؟ مبتدئا بالقتل أم معيدا ؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها ؟ من صغار الصيد كان أم كبارها ؟ مصرّا على ما فعل أو نادما ؟ في الليل كان قتله الصيد أم نهارا ؟ محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحجّ كان محرما ؟ » فتحيّر يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والإنقطاع ولجلج حتّى عرف جماعة أهل المجلس أمره . . . قال المأمون لأبي جعفر علیه السلام : إن رأيت جعلت فداك أن تذكر الفقه فيما فصّلته من وجوه قتل المحرم الصيد لنعلمه ونستفيده . فقال أبو جعفر علیه السلام : « نعم إنّ المحرم إذا قتل صيدا في الحلّ وكان الصيد من ذوات الطير وكان من كبارها فعليه شاة فإن كان أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا وأذا قتل فرخا في الحلّ فعليه حمل قد فطم من اللبن وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ ، وإن كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة وإ كان نعامة فعليه بدنة وإن كان طبيا فعليه شاة فإ قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدى فيه وكان إحرامه للحجّ نحره بمنى وإن كان إحرامه للعمرة نحره بمكّة وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء وفي العمد له المأثم وهو موضوع عنه في الخطإ ، والكفّارة على الحرّ في نفسه وعلى السيّد في عبده والصغير لا كفّارة عليه وهي على الكبير واجبة والنادم يسقط بندمه
ص: 217
عنه عقاب الآخرة والمصرّ يجب عليه العقاب في الآخرة » فقال له المأمون : أحسنت أبا جعفر أحسن اللَّه إليك ، فإن رأيت أن تسأل يحيى عن مسألة كما سألك ، فقال أبو جعفر ليحيى : « أسألك ؟ » قال : ذلك إليك جعلت فداك ، فإن عرفت جواب ما تسألني عنه وإلّا إ ستفدته منك ، فقال له أبو جعفر علیه السلام : « خبّرني عن رجل نظر إلى إمرأة في أوّل النهار فكان نظرة إليها حراما عليه ، فلمّا إرتفع النهار حلّت له ، فلمّا زالت الشمس حرمت عليه ، فلمّا كان وقت العصر حلّت له ، فلمّا غربت الشمس حرمت عليه ، فلمّا دخل عليه وقت العشاء الآخرة حلّت له ، فلمّا كان إنتصاف الليل حرمت عليه ، فلمّا طلع الفجر حلّت له ، ما حال هذه المرأة وبما ذا حلّت له وحرمت عليه ؟ » فقال له يحيى بن أكثم : لا واللَّه ما أهتدي إلى جواب هذا السؤال ولا أعرف الوجه فيه ، فإن رأيت أن تفيدناه . فقال له أبو جعفر علیه السلام : « هذه أمة لرجل من الناس نظر إليها أجنبيّ في أوّل النهار فكان نظره إليها حراما عليه فلمّا إرتفع النهار إبتاعها من مولاها فحلّت له فلمّا كان الظهر أعتقها فحرمت عليه فلمّا كان وقت العصر تزوّجها فحلّت له فلمّا كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه فلمّا كان وقت العشاء الآخرة كفّر عن الظهار فحلّت له فلمّا كان نصف الليل طلّقها واحدة فحرمت عليه فلمّا كان عند الفجر راجعها فحلّت له » .
قال فأقبل المأمون على من حضره من أهل بيته فقال لهم : هل فيكم أحد يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب أو يعرف القول فيما تقدّم من السؤال ؟
قالوا : لا واللَّه إنّ أمير المؤمنين أعلم وما رأى(1) .
ولتوضيح المقام نذكر لك قضيّة من قضايا قاضي القضاة أبو البختري لتعرف
ص: 218
أهليّته لهذه المنزلة ، وهي انّ الرشيد قد أعطى ليحيى إبن عبداللَّه إبن الحسن إبن الحسن إبن أبي طالب علیه السلام كتاب الأمان ثمّ أراد إبطاله فسئل محمّد إبن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة . . . فقال : هذا أمان صحيح ودمه حرام ، فدفع الكتاب إلى الحسن إبن زياد فقال : بصوت ضعيف : أمان .
فدخل أبو البختري ، وهب إبن وهب القاضي وأخرج من خفّه سكّينا فقطع الكتاب من غير أن يسأل عنه وقال هذا أمان مفسوخ وكتاب فاسد ودمه في عنقي ، وبإرتكابه هذه الجريمة وإراقته دما طاهراً لحفيد من احفاد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله نال درجة الرقى في مناصب الدولة وخطا خطوات واسعة ، إذ قال له الرشيد عند صدور هذه الفتيا : أنت قاضي القضاة وأنت أعلم بذلك وإجازه الرشيد بألف ألف وستّمائة ألف درهم ، فها هو قد أصبح بعد إن كان واحدا من القضاة رئيسهم الأوّل ومرجعهم الأعلى تناط به أمورهم(1) .
قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « من مدح سلطانا جائرا وتخفّف وتضعضع له طمعا فيه كان قرينه إلى النار »(2) .
وقال صلی الله علیه وآله : إذا مدح الفاجر إهتزّ العرش وغضب الرب(3) .
وقال صلی الله علیه وآله : أحثوا في وجوه المدّاحين التراب(4) .
ص: 219
كان الأوزاعي يقول : أنا لا ننقم على أبي حنيفة الرأي ، وإنّنا كلّنا نرى ، ولكنّا ننقم عليه أنّه يجي ء بالحديث عن النبيّ صلی الله علیه وآله فيخالفه إلى غيره(1) .
وقال حماد بن زيد : شهدت أبا حنيفة وقد سئل عن محرم لم يجد أزارا ، فلبس سراويل ، فقال عليه الفدية ، فقلت : سبحان اللَّه ، حدّثنا عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن إبن عبّاس قال : سمعت النبيّ صلی الله علیه وآله في المحرم إذا لم يجد ازارا لبس سراويل ، وإذا لم يجد نعلين لبس خفين . فقال : دعنا من حديث النبيّ حدّثنا حمّاد بن أبي مسلم عن إبراهيم النخعي قال : عليه الكفّارة(2) .
روى أبو عاصم عن أبي عوانة قال : كنت عند أبي حنيفة ، فسئل عن رجل سرق وديا ، فقال : عليه القطع . فقلت : حدّثنا يحيى بن سعيد عن محمّد بن يحيى عن رافع إبن خديج قال : قال النبيّ صلی الله علیه وآله : لا قطع في ثمر ولا كثر . قال : ما بلغني هذا . قلت : فالرّجل الّذي أفتيته ردّه . فقال : دعه فقد جرت به البغال الشهب(3) .
قال حجّاج : سألت قيس الربيع عن أبي حنيفة ، فقال : أنا من أعلم الناس به ،
ص: 220
كان أعلم الناس بما لم يكن ، وأجهلهم بما كان(1) .
وإنّ هشام بن عبد الملك حجّ في خلافة عبد الملك والوليد فطاف بالبيت وأراد أن يستلم الحجر فلم يقدر عليه من الزحام فنصب له منبر فجلس عليه وأطاف به أهل الشام فبينا هو كذلك إذ أقبل عليّ بن الحسين علیه السلام وعليه إزار ورداء من أحسن الناس وجها وأطيبهم رائحة بين عينيه سجّادة كأنّها ركبة عنز فجعل يطوف بالبيت فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحّى الناس حتّى يستلمه هيبة له وإجلالا فغاظ هشاما فقال رجل من أهل الشام لهشام : من هذا الّذي قد هابه الناس هذه الهيبة وأفرجوا له عن الحجر ؟ فقال هشام : لا أعرفه لأن لا يرغب فيه أهل الشام ، فقال الفرزدق وكان حاضرا : لكنّي أعرفه ، فقال الشاميّ : من هو يا أبا فراس ؟ فقال :
هذا الّذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا إبن خير عباد اللَّه كلّهم * هذا التقيّ النقيّ الطاّهر العلم
هذا عليّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله والده * أمسى بنور هداه تهتدي الظلم(2)
إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
ينمي إلى ذروة العزّ الّتي قصرت * عن نيلها عرب الإسلام والعجم
يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
يغضي حياء ويغضى من مهابته * فما يكلّم إلّا حين يبتسم(3)
ينشقّ نور الدجى عن نور غرّته * كالشّمس تنجاب عن إشراقها الظلم(4)
ص: 221
هذا إبن فاطمة إن كنت جاهله * بجدّه أنبياء اللَّه قد ختموا
هذا إبن فاطمة الغرّاء نسبته *في جنّة الخلد يجري بإ سمه القلم
اللَّه فضّله قدما وشرّفه * جرى بذلك له في لوحة القلم
من جدّه دان فضل الأنبياء له * وفضل أمّته دانت لها الأمم
من معشر حبّهم دين وبغضهم * كفر وقربهم منجى ومعتصم
يستدفع السوء والبلوى بحبّهم * ويستزاد به الإحسان والنعم
مقدّم بعد ذكر اللَّه ذكرهم * في كلّ بدء ومختوم به الكلم
إن عدّ أهل التقى كانوا أئمّتهم * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطيع جواد بعد غايتهم * ولا يدانيهم قوم وإن كرموا
يأبى لهم أن يحلّ الذمّ ساحتهم * خيم كريم وأيد بالنّدى هضم(1)
لا ينقص العسر شيئا من أكفّهم * سيّان ذلك إن أثروا وإن عدموا
أيّ الخلائق ليست في رقابهم * لأوّليّة هذا أو له نعم
من يعرف اللَّه يعرف أوّليّة ذا * والدين من بيت هذا ناله الأمم
قال فذهب هشام وأمر بحبس الفرزدق فحبس بعسفان بين مكّة والمدينة الخبر(2) .
ص: 222
لا شكّ في حرمة قتل النفس إذا كان بغير الحقّ :
قال تعالى : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا ) الآية(1) .
وقال تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً ) الآية(2) .
وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ )(3) .
وقال تعالى : ( فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنْ الْخَاسِرِينَ )(4) .
وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَ ) الآية(5) .
وقال تعالى : ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا ) الآية(6) .
ولا شكّ أن تضييع الحقوق المالية وغيرها أيضا حرام محرم :
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ ) الآية(7) .
روى إبن المبارك عن أبي حنيفة ان أمرأة شكت إليه زوجها ، وآثرت فراقه ، فقال لها : إرتدّى ، فيزول النكاح(8) .
ص: 223
وقال علي بن عاصم : قال أبو حنيفة لزوج امرأة - في قصّة معروفة - قبّل أمّها بشهوة ، فإن نكاح زوجتك ينفسخ(1) .
وقال محمّد بن الحسن : لو أنّ رجلا حضر عند الحاكم ، فادّعى « إنّ فلانة زوجتي » وهو يعلم أنّه كاذب ، وشهد له بذلك شاهدان زورا ، وهما يعلمان ذلك ، فحكم له الحاكم بذلك ، حلّت له ظاهرا وباطنا(2) .
وكذلك على قولهم : لو أنّ رجلا تزوّج بإمرأة جميلة ، فرغب فيها أجنبي قبل دخول زوجها بها ، فأتى هذا الأجنبي الحاكم ، فادّعى انّها زوجته ، وإن زوجها طلّقها قبل الدخول بها وتزوّج بها ، وشهد له بذلك شاهدا زورا ، فحكم الحاكم بذلك ، نفذ حكمه ، وحرمت على الأوّل ظاهرا وباطنا ، وحلّت للمحتال ظاهرا وباطنا(3) .
وجاء إ سماعيل بن حمّاد بن أبي حنيفة إلى أبي بكر بن عيّاش ، فضرب إبن عيّاش يده على ركبة إ سماعيل ثمّ قال : كم من فرج حرام أباحه جدّك(4) .
وفيه عن خالد بن يزيد بن أبي مالك قال : أحلّ أبو حنيفة الزنا ، وأهدر الدماء ، أمّا الدماء فقال لو أنّ رجلا ضرب رجلا بحجر عظيم فقتله ، كان على العاقلة دية ، وتكلّم - ولم يحسن النحو - فقال : لو ضربه بأباقبيس كان على العاقلة - إلخ(5) .
ولمّا مدح مساور أبا حنيفة بما مرّ في شرح « لم يعضّ على العلم » أجابه بعضهم
ص: 224
فقال :
إذا ذو الرأي خاصم في قياس * وجاء ببدعة هنة سخيفة
أتيناهم بقول اللَّه فيها * وآثار مبرزة شريفة
فكم من فرج محصنة عفيف * أحلّ حرامه بأبي حنيفة(1)
أحلّ أبو حنيفة بنت صلب * تكون من الزنا عرسا صحيحة(2)
ولمّا عزل إ سماعيل بن حمّاد عن البصرة ، شيّعوه فقالوا : عففت عن أموالنا وعن دمائنا . فقال لهم : وعن أبنائكم - يعرض بيحيى إبن أكثم في اللواط(3) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام : « في مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء ماءها وتمنع الأرض بركتها ( بركاتها خ ل يب ) »(4) .
عن سعيد بن أبي الخضيب البجلّي قال : كنت مع إبن أبي ليلى مزاملة حتّى جئنا ألى المدينة فبينا نحن في مسجد الرسول صلی الله علیه وآله إذ دخل جعفر بن محمّد علیه السلام فقلت لإبن أبي ليلى : تقوم بنا إليه ، فقال : وما نصنع عنده ، فقلت : نسائله ونحدّثه ، فقال : قم . فقمنا إليه فساءلني عن نفسي وأهلي ثمّ قال : من هذا معك ؟ فقلت إبن أبي ليلى قاضي المسلمين ، فقال له : أنت إبن أبي ليلى قاضي المسلمين ؟ قال : نعم ، قال تأخذ مال هذا فتعطيه هذا وتقتل وتفرّق بين المرء وزوجه لا تخاف في ذلك
ص: 225
أحدا ؟ قال : نعم ، قال : فبأيّ شي ء تقضي ؟ قال : بما بلغني عن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وعن عليّ علیه السلام وعن أبي بكر وعمر ، قال : فبلغك عن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أنّه قال : « إنّ عليّا علیه السلام أقضاكم ؟ » قال نعم ، قال : « فكيف تقضي بغير قضاء عليّ علیه السلام وقد بلغك هذا ؟ » فما تقول . . . إذا أخذ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بيدك فأوقفك بين يدي ربّك . فقال : يا ربّ إنّ هذا قضى بغير ما قضيت . قال : فاصفرّ وجه إبن أبي ليلى(1) .
عن عقبة بن خالد قال قال لي أبو عبداللَّه علیه السلام : « لو رأيت غيلان بن جامع وإ ستأذن عليّ فأذنت له » فلمّا جلس قال : أصلحك اللَّه أنا غيلان بن جامع المحاربيّ قاضي إبن هبيرة قال : قلت : يا غيلان ما أظنّ إبن هبيرة وضع على قضائه إلّا فقيها ، قال : أجل ، قلت : يا غيلان تجمع بين المرء وزوجه ؟ قال : نعم ، قلت : وتفرّق بين المرء وزوجه ؟ قال : نعم ، قلت : وتقتل ؟ قال : نعم ، قلت : وتضرب الحدود ؟ قال : نعم ، قلت : وتحكم في أموال اليتامى ؟ قال : نعم ، قلت : وبقضاء من تقضي ؟ قال : بقضاء عمر وبقضاء إبن مسعود وبقضاء إبن عبّاس وأقضي من قضاء أمير المؤمنين بالشّي ء ، قال : قلت : يا غيلان أ لستم يا أهل العراق وتروون أنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال - « عليّ أقضاكم ؟ » فقال : نعم ، قال : قلت : « . . . فكيف تقول إذا جمع اللَّه الأوّلين والآخرين في صعيد ثمّ وجدك قد خالفت قضاء رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وعليّ علیه السلام » ؟ قال : فأقسم باللَّه لجعل ينتحب(2) ، قلت : أيّها الرجل إقصد لسانك(3) .
ص: 226
ومن ذلك ما ذكره الثعلبي في كتاب يتيمة الدهر : إنّ عمرو بن العاص غير الخاتم من يمينه إلى شماله ، فاقتدى العامة به إلى يومنا هذا .
وقال السلامي في كتاب السيف : انّ النبيّ صلی الله علیه وآله والخلفاء كانوا يتختمون في أيمانهم ، فنقلها معاوية إلى اليسار ، وأخذ الناس بذلك . وذكر غير الثعلبي في ذلك شعرا :
سنّ التختم في اليمين محمّد * للقائلين بدعوة الإخلاص
وسعى إبن هند في إزالة رسمه * وأعانه في ذلك إبن العاص(1)
قال أبو سالم الدبّاغ : رأيت النبيّ صلی الله علیه وآله في المنام ، فقلت : أقرأ عليك يا رسول اللَّه . فقال : نعم ، فاستفتحت وإ ستعذت ، وقرأت عليه فاتحة الكتاب ، وعشرين آية من أوّل سورة البقرة ، فلم يردّ على شيئا ، فقلت : يا رسول اللَّه لم تردّ عليّ شيئا أحبّ أن تأخذ علىّ كما أنزل . فقال : لو أخذت عليك كما أنزل رجمك الناس بالحجارة(2) .
إنّ عائشة لمّا كتبت إلى زيد بن صوحان « ثبّط الناس عن عليّ » كتب إليها أنّك أمرت بأمر وأمرنا بغيره ، أمرت أن تقرى في بيتك ، وأمرنا أن نقاتل الناس حتّى لا
ص: 227
تكون فتنة ، فتركت ما أمرت به ، وكتبت تنهانا عمّا أمرنا به(1) .
وأقبل زيد ومعه كتاب من عائشة إليه خاصّة ، وكتاب منها إلى أهل الكوفة عامّة تثبطهم عن نصرة علي علیه السلام ، وتأمرهم بلزوم الأرض . فقال : أيّها الناس أنظروا إلى هذه أمرت أن تقرّ في بيتها ، وأمرنا نحن أن نقاتل حتّى لا تكون فتنة ، فأمرتنا بما أمرت به ، وركبت ما أمرنا به .
فقال إليه شبث بن ربعي فقال له : وما أنت وذاك أيّها العمّاني ، سرقت أمس بجلولاء ، فقطعك اللَّه وتسبّ أمّ المؤمنين(2) .
أنظروا إلى أن أمهم أمرت بالمنكر ، ونهت عن المعروف ، وحرّفت الكتاب ، وابنها شبث الجافي الجلف وقاتل الحسين علیه السلام أنكر على زيد إنكاره عليها مخالفة كتاب اللَّه ، وكان زيد قطع يده في سبيل اللَّه تعالى ، فسمّى الخبيث قطع يده في سبيل اللَّه سرقة ، وكان النبيّ صلی الله علیه وآله قد أخبر زيدا بأن يده تقطع في سبيل اللَّه ، ثمّ يتبع اللَّه آخر جسده بأوّله(3) ، وصار كما قال ، فاستشهد في الجمل ، وقال قبل قتله : ما أراني إلّا مقتولا رأيت يدي نزلت من السماء وهي تستشيلني - أفّ لهم ولدينهم(4) .
وقال الشافعي : نظرت في كتب لأصحاب أبي حنيفة ، فإذا فيها مائة وثلاثون ورقة ، فعددت منها ثمانين ورقة خلاف الكتاب والسنّة(5) .
ص: 228
وعن الحسن : كتب زياد إلى الحكم بن عمرو الغفّاري وهو على خراسان ان معاوية كتب إلى ان تصطفى له البيضاء والصفراء ، فلا تقسم بين الناس ذهبا ولا فضّة ، فكتب إليه الحكم : إنّي وجدت كتاب اللَّه قبل كتاب معاوية . ثمّ قال للناس : أغدوا على مالكم ، فقسمه بينهم ، ثمّ قال : اللهمّ إن كان لي عندك خير فاقبضني إليك - فمات بخراسان بمرو(1) .
وعن سديف مولى اللهبيين انّه كان يقول : اللهمّ إ شتريت المعازف والملاهي بسهم اليتيم والأرملة ، وحكم في أبشار المسلمين أهل الذمّة ، وتولّى القيام بأمورهم فاسق كلّ محلّه . اللهمّ وقد إ ستحصد زرع الباطل ، وبلغ نهايته ، وإجتمع طريده ، اللهمّ فأتح له يدا من الحقّ حاصدة تبدد شمله ، وتفرّق أمره(2) .
وذكر رجل قوما فقال : يصومون عن المعروف ويفطرون على الفحشاء(3) .
وعن الحلبيّ قال : سألت أبا عبداللَّه علیه السلام عن الحجّ ، فقال : « تمتّع » ثمّ قال : « إنّا إذا وقفنا بين يدي اللَّه عزّوجلّ قلنا يا ربّ أخذنا بكتابك وسنّة نبيّك وقال الناس رأينا برأينا »(4) .
وقال الرضا علیه السلام : إنّ النبيّ صلی الله علیه وآله قال : قال اللَّه جلّ جلاله : « ما آمن بي من فسّر برأيه كلامي »(5) .
ص: 229
وقال النبيّ صلی الله علیه وآله : « من فسّر القرآن برأيه فليتبوّء مقعده من النار »(1) .
وعن عوانة : خطبنا عتبة بن النهاس العجلي ، فقال : ما أحسن ما قال تعالى في كتابه :
ليس حيّ على المنون بباق * غير وجه المسبح الخلّاق
فقمت إليه فقلت : أيّها الرجل إنّ اللَّه عزّوجلّ لم يقل هذا ، إنّما قاله عدي إبن زيد ، فنزل عن المنبر(2) .
قال تعالى في كتابه : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ ) الآية(3) .
عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : قال النبيّ صلی الله علیه وآله : « كيف بكم إذا . . . ولم تنهوا عن المنكر ؟ » فقيل له : ويكون ذلك يا رسول اللَّه ؟ فقال : « نعم وشرّ من ذلك كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟ » فقيل له يا رسول اللَّه ويكون ذلك ؟ قال : « نعم وشرّ من ذلك كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا ؟ »(4) .
وقال النبيّ صلی الله علیه وآله : « لا يعذّب اللَّه ، الخاصّة بذنوب العامّة حتّى يرى المنكر بين
ص: 230
أظهرهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه »(1) .
وفي مسند إبن حنبل قال أنس : ما أعرف اليوم شيئا ممّا كنّا عليه على عهد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، قلنا : فالصّلاّة ؟ قال : أو لم يضعوا فيها ما قد علمتم(2) ؟
ص: 231
بسم الله الحرمن الرحیم
تَرِدُ عَلَى أَحَدِهِمُ الْقَضِيَّةُ فِي حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ - فَيَحْكُمُ فِيهَا بِرَأْيِهِ - ثُمَّ تَرِدُ تِلْكَ الْقَضِيَّةُ بِعَيْنِهَا عَلَى غَيْرِهِ - فَيَحْكُمُ فِيهَا بِخِلافِ قَوْلِهِ - ثُمَّ يَجْتَمِعُ الْقُضَاةُ بِذَلِكَ عِنْدَ الإِمَامِ الَّذِي اسْتَقْضَاهُمْ - فَيُصَوِّبُ آرَاءَهُمْ جَمِيعاً وَ إِلَهُهُمْ وَاحِدٌ - وَ نَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ وَ كِتَابُهُمْ وَاحِدٌ - أَ فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعالى بِالِاخْتِلافِ فَأَطَاعُوهُ - أَمْ نَهَاهُمْ عَنْهُ فَعَصَوْهُ أَمْ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ دِيناً نَاقِصاً - فَاسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى إِتْمَامِهِ - أَمْ كَانُوا شُرَكَاءَ لَهُ فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا وَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْضَى - أَمْ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ دِيناً تَامّاً - فَقَصَّرَ الرَّسُولُ صلی الله علیه وآله عَنْ تَبْلِيغِهِ وَ أَدَائِهِ - وَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ - وقال : وَ فِيهِ تِبْيَانٌ لِكُلِّ شَيْ ءٍ - وَ ذَكَرَ أَنَّ الْكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً - وَ أَنَّهُ لا اخْتِلافَ فِيهِ - فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ - لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً - وَ إِنَّ الْقُرْآنَ ظَاهِرُهُ أَنِيقٌ وَ بَاطِنُهُ عَمِيقٌ - لا تَفْنَى عَجَائِبُهُ وَ لا تَنْقَضِي غَرَائِبُهُ وَ لا تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إِلّا بِهِ
تَرِدُ عَلَى أَحَدِهِمُ الْقَضِيَّةُ فِي حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ . . .
حجّ الأعمش من الكوفة : ومالك بن أنس من المدينة ، وعثمان البتي من البصرة ، فجلسوا في المسجد الحرام يفتون ويخالف بعضهم بعضا ، فقال رجل للأعمش : أ تخالف أهل المدينة ؟ فقال : قديما ما إختلفنا وإيّاهم ، فرضينا بعلمائنا ورضوا بعلمائهم(1) .
ص: 232
تَرِدُ عَلَى أَحَدِهِمُ الْقَضِيَّةُ فِي حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ - فَيَحْكُمُ فِيهَا بِرَأْيِهِ - ثُمَّ تَرِدُ تِلْكَ الْقَضِيَّةُ بِعَيْنِهَا عَلَى غَيْرِهِ - فَيَحْكُمُ فِيهَا بِخِلافِ قَوْلِهِ
عن عبد الوارث بن سعيد ، قال : قدمت مكّة فوجدت فيها أبا حنيفة وإبن أبي ليلى وإبن شبرمة ، فسألت أبا حنيفة فقلت : ما تقول في رجل باع بيعا وشرط شرطا قال : البيع باطل والشرط باطل ، ثمّ أتيت إبن أبي ليلى فسألته ، فقال : البيع جائز والشرط باطل ، ثمّ أتيت إبن شبرمة فسألته ، فقال : البيع جائز والشرط جائز ، فقلت : سبحان اللَّه ثلاثة من فقهاء أهل العراق إختلفتم عليّ في مسألة واحدة ، فأتيت أبا حنيفة فأخبرته ، فقال : ما أدري ما قالا ، حدّثني عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جدّه ، أنّ النبيّ صلی الله علیه وآله نهى عن بيع وشرط ، البيع باطل والشرط باطل ، ثمّ أتيت إبن أبي ليلى فأخبرته ، فقال : ما أدري ما قالا ، حدّثني هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : أمرني رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أن أشتري بريرة فأعتقها ، البيع جائز والشرط باطل ، ثمّ أتيت إبن شبرمة فأخبرته ، فقال : ما أدري ما قالا : حدّثني مسعر بن كدام ، عن محارب بن دثار ، عن جابر بن عبداللَّه : قال بعت النبيّ صلی الله علیه وآله ناقة شرط لي جلابها إلى المدينة ، البيع جائز والشرط جائز(1) .
عن إ سماعيل الأسدي عن أيّوب عن محمّد قال : سألت عبيدة عن شي ء من ( ميراث ) الجدّ ، فقال : ما تريد إليه ، لقد حفظت فيه مائة قضيّة عن عمر . قلت : كلّها
ص: 233
عن عمر ؟ قال : كلّها عن عمر(1) .
عن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبداللَّه علیه السلام إنّ الناس يقولون إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف . فقال : « كذبوا أعداء اللَّه ولكنّه نزل على حرف واحد من عند الواحد »(2) .
قال تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا )(3) .
قال تعالى : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ )(4) .
وقال تعالى : ( وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ )(5) الآية .
قال تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ
ص: 234
الْإِسْلَامَ دِيناً )(1) .
ولكن روي الخطيب عن يوسف بن أسباط قال : قال أبو حنيفة : لو أدركني النبيّ وأدركته لأخذ بكثير من قولي(2) .
وعن أبي إ سحاق الفزاري : سألت أبا حنيفة عن مسألة فأجاب فيها ، فقلت له : انّ هذا يروى فيه عن النبيّ صلی الله علیه وآله كذا وكذا . فقال : حكّ هذا بذنب خنزير(3) .
وعن بشر بن مفضّل : قلت لأبي حنيفة انّ النبيّ صلی الله علیه وآله قال : « البيعان بالخيار ما لم يفترقا » . فقال : هذا رجز(4) .
وعن يحيى بن آدم : ذكر لأبي حنيفة انّ النبيّ صلی الله علیه وآله قال : « الوضوء نصف الإيمان » . فقال : لتتوضّأ مرّتين حتّى تستكمل الإيمان .
قال يحيى : ومعني الحديث : يعني نصف الصلاة لأنّه تعالى سمّى الصلاة إيمانا في قوله ( وَمَا كَانَ اللَّهَ ُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ )(5) يعني صلاتكم وقال النبيّ صلی الله علیه وآله : « لا تقبل صلاة إلّا بطهور »(6) .
وعن الفضل بن موسى السيناني قال أبو حنيفة : من أصحابي من يبول قلتين ، يردّ على النبيّ صلی الله علیه وآله قوله : إذا كان الماء قلّتين لم ينجس(7) .
وعن يوسف بن أسباط : ردّ أبو حنيفة على النبيّ صلی الله علیه وآله أربعمائة حديث أو أكثر ،
ص: 235
قيل له : مثل ما قال النبيّ صلی الله علیه وآله : « للفرس سهمان ، وللرجل سهم » ، وقال أبو حنيفة ، أنا لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم مؤمن . وأشعر النبيّ البدن ، وقال أبو حنيفة : الأشعار مثلة ، وقال : البيعان بالخيار ما لم يتفرّقا ، وقال أبو حنيفة : إذا وجب البيع فلا خيار ، وكان النبيّ صلی الله علیه وآله يقرع بين نسائه أذا أراد أن يخرج في سفر ، وقال أبو حنيفة : القرعة قمار(1) .
قال تعالى : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )(2) .
قال تعالى : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَىْ ءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ )(3) .
وقال تعالى : ( وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ )(4) .
عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « إنّ اللَّه تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كلّ شي ء حتّى واللَّه ما ترك اللَّه شيئا يحتاج إليه العباد حتّى لا يستطيع عبد يقول لو كان هذا
ص: 236
أنزل في القرآن - إلّا وقد أنزله اللَّه فيه »(1) .
وعن حماد اللحام قال : قال أبو عبداللَّه علیه السلام : « نحن واللَّه نعلم ما في السماوات وما في الأرض - وما في الجنّة وما في النار وما بين ذلك » ، قال : فبهت أنظر إليه ، فقال : « يا حماد إن ذلك في كتاب اللَّه ثلاث مرّات - » قال : ثمّ تلا هذه الآية ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلَاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَىْ ءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ )(2) إنّه من كتاب اللَّه فيه تبيان كلّ شي ء(3) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام يقول : « إنّي لأعلم ما في السماوات وأعلم ما في الأرضيين وأعلم ما في الجنّة وأعلم ما في النار وأعلم ما كان وما يكون » ثمّ مكث هنيئة فرأى أنّ ذلك كبر على من سمعه فقال : « علمت من كتاب اللَّه إنّ اللَّه يقول فيه تبيان كلّ شي ء »(4) .
وعن عبد الأعلى بن أعين قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « أنا أعلم كتاب اللَّه وفيه بدء الخلق وما هو كائن إلى يوم القيامة وفيه خبر السماء وخبر الأرض وخبر الجنّة وخبر النار وخبر ما كان وخبر ما هو كائن أعلم ذلك كما أنظر إلى كفّي إنّ اللَّه يقول فيه تبيان كلّ شي ء »(5) .
وعن أبي الجارود قال قال أبو جعفر علیه السلام : « إذا حدّثتكم بشي ء فاسألوني عن
ص: 237
كتاب اللَّه » ثمّ قال في حديثه : « إنّ اللَّه نهى عن القيل والقال وفساد المال وكثرة السؤال » فقالوا : يا ابن رسول اللَّه : أين هذا من كتاب اللَّه ؟ قال : « إنّ اللَّه عزّوجلّ يقول في كتابه ( لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ ) الآية(1) وقال : ( وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهَ ُ لَكُمْ قِيَاماً )(2) وقال ( لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ )(3) »(4) .
وقال تعالى : ( لَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَىَّ )(5) .
عن أحمد بن الحسن الميثمي(6) أنّه سئل الرضا علیه السلام يوما وقد إجتمع عنده قوم من أصحابه وقد كانوا يتنازعون في الحديثين المختلفين عن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله في الشي ء الواحد فقال علیه السلام : « إنّ اللَّه عزّوجلّ حرّم حراما وأحلّ حلالا وفرض فرائض فما جاء في تحليل ما حرّم اللَّه أو تحريم ما أحلّ اللَّه أو دفع فريضة في كتاب اللَّه رسمها بين قائم بلا ناسخ نسخ ذلك فذلك ممّا لا يسع الأخذ به لأنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لم يكن ليحرم ما أحلّ اللَّه ولا ليحلّل ما حرّم اللَّه ولا ليغيّر فرائض اللَّه وأحكامه كان في ذلك كلّه متّبعا مسلّما مؤدّيا عن اللَّه وذلك قول اللَّه عزّوجلّ ( إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَىَّ )(7) فكان علیه السلام متّبعا للَّه مؤدّيا عن اللَّه ما أمره به من
ص: 238
تبليغ الرسالة »(1) .
وَ ذَكَرَ أَنَّ الْكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً - وَ أَنَّهُ لا اخْتِلافَ فِيهِ - فَقَالَ سُبْحَانَهُ ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً )(2)
قال تعالى : ( قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً )(3)
عن أبي جعفر علیه السلام أنّه قال : « ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّه جمع القرآن كلّه ظاهره وباطنه غير الأوصياء »(4) .
وعن حمّاد بن عثمان قال قلت لأبي عبداللَّه علیه السلام إنّ الأحاديث تختلف عنكم ، قال فقال : « إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف وأدنى ما للإمام أن يتفي على سبعة وجوه » ثمّ قال : « ( هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ )(5)(6) .
وقال أبو عبداللَّه علیه السلام : « يا جابر إنّ للقرآن بطنا وللبطن ظهرا » ثمّ قال : « يا جابر وليس شي ء أبعد من عقول الرجال منه ، إنّ الآية لتتزّل أوّلها في شي ء - وأوسطها
ص: 239
في شي ء وآخرها في شي ء ، وهو كلام متّصل يتصرّف على وجوه »(1) .
وعن الفضيل بن يسار قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن هذه الرواية « ما في القرآن آية إلّا ولها ظهر وبطن ، وما فيه حرف إلّا وله حدّ ولكلّ حدّ مطلع » ما يعني بقوله لها ظهر وبطن . قال : « ظهره وبطنه تأويله منه ما مضى ومنه ما لم يكن بعد ، يجري كما تجري الشمس والقمر كلّما جاء منه شي ء وقع قال اللَّه تعالى ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهَ ُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ )(2) نحن نعلمه »(3) .
وعن جابر قال سألت أبا جعفر علیه السلام عن شي ء في تفسير القرآن فأجابني ، ثمّ سألته ثانية فأجابني بجواب آخر - فقلت : جعلت فداك - كنت أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم - فقال علیه السلام لي : « يا جابر إن للقرآن بطنا ، وللبطن ظهرا ، يا جابر وليس شي ء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ، إنّ الآية لتكون أوّلها في شي ء وآخرها في شي ء - وهو كلام متّصل يتصرّف على وجوه »(4) .
وعن حمران بن أعين قال سألت أبا جعفر علیه السلام عن ظهر القرآن وبطنه فقال : « ظهره الّذين نزل فيهم القرآن وبطنه الّذين عملوا بمثل أعمالهم يجري فيهم ما نزل في أولئك »(5) .
وقال عمّار حين نظر إلى راية عمرو بن العاص : واللَّه إن هذه الراية قاتلتها
ص: 240
ثلاث عركات وما هذه بأرشدهنّ ثمّ قال عمّار :
نحن ضربناكم على تنزيله * فاليوم نضربكم على تأويله
ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله
أو يرجع الحقّ ألى سبيله *
ثمّ إ ستسقى وقد إ شتدّ ظمؤه فأتته إمراة طويلة اليدين واللَّه ما أدري أ عسّ معها أم إداوة فيها ضياح من لبن(1) ؟ فقال حين شرب :
الجنّة تحت الأسنّة * اليوم ألقى الأحبّة
محمّد وحزبه(2)
قال إبن السكّيت(3) لأبي الحسن علیه السلام : لماذا بعث اللَّه موسى بن عمران علیه السلام بالعصا ويده البيضاء وآلة السحر وبعث عيسى بآلة الطبّ وبعث محمّدا صلی الله علیه وآله وعلى جميع الأنبياء بالكلام والخطب ؟ فقال أبو الحسن علیه السلام : « إنّ اللَّه لمّا بعث موسى علیه السلام
ص: 241
كان الغالب على أهل عصره السحر فأتاهم من عنداللَّه بما لم يكن في وسعهم مثله وما أبطل به سحرهم وأثبت به الحجّة عليهم وإنّ اللَّه بعث عيسى علیه السلام في وقت قد ظهرت فيه الزمانات(1) وإحتاج الناس إلى الطبّ فأتاهم من عنداللَّه بما لم يكن عندهم مثله وبما أحيا لهم الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن اللَّه وأثبت به الحجّة عليهم وإنّ اللَّه بعث محمّدا صلی الله علیه وآله في وقت كان الغالب على أهل عصره الخطب والكلام وأظنّه قال الشعر فأتاهم من عنداللَّه من مواعظه وحكمه ما أبطل به قولهم وأثبت به الحجّة عليهم » . قال فقال إبن السكّيت : تاللَّه ما رأيت مثلك قطّ فما الحجّة على الخلق اليوم ؟ قال فقال علیه السلام : « العقل يعرف به الصادق على اللَّه فيصدّقه والكاذب على اللَّه فيكذّبه » ، قال فقال إبن السكّيت : هذا واللَّه هو الجواب(2) .
وعن الرضا عن أبيه موسى بن جعفر علیه السلام إنّ رجلا سأل أبا عبداللَّه علیه السلام ما بال القرآن لا يزداد عند النشر والدراسة ألّا غضاضة ؟ فقال : « لأنّ اللَّه لم ينزله لزمان دون زمان ولا للناس دون ناس فهو في كلّ زمان جديد وعند كلّ قوم غضّ إلى يوم القيامة »(3) .
عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله في خطبة بمنى أو بمكّة : « يا أيّها الناس ما جاءكم عنّي يوافق القرآن
ص: 242
فأنا قلته - وما جاءكم عنّي لا يوافق القرآن فلم أقله »(1) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام عن آبائه : قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أيّها الناس إنّكم في دار هدنة(2)وأنتم على ظهر سفر والسير بكم سريع وقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يبليان كلّ جديد ويقرّبان كلّ بعيد ويأتيان بكلّ موعود فأعدّوا الجهاز لبعد المجاز » قال فقام المقداد بن الأسود فقال يا رسول اللَّه وما دار الهدنة ؟ قال : « دار بلاغ وإنقطاع فإذا إلتبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنّه شافع مشفّع وماحل مصدّق(3) ومن جعله أمامه قادة إلى الجنّة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار وهو الدليل يدلّ على خير سبيل وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل وهو الفصل ليس بالهزل وله ظهر وبطن فظاهره حكم وباطنه علم ظاهره أنيق وباطنه عميق له نجوم وعلى نجومه نجوم(4) .
لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ودليل على المعرفة لمن عرف الصفة(5) فليجل جال بصره وليبلغ الصفة نظره ينج من
ص: 243
عطب(1) ويتخلّص من نشب(2) فإنّ التفكّر حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنّور فعليكم بحسن التخلّص وقلّة التربّص »(3) ، (4) .
وعن الحارث الأعور قال : دخلت على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام فقلت : يا أمير المؤمنين إنّا أذا كنّا عندك - سمعنا الّذي نسد به ديننا ، وإذا خرجنا من عندك سمعنا أشياء مختلفة مغموسة - لا ندري ما هي ؟ قال : « أ وقد فعلوها ؟ » قال : قلت : نعم - قال : سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : « أتاني جبرئيل فقال : يا محمّد سيكون في أمّتك فتنة ، قلت : فما المخرج منها ؟ فقال : كتاب اللَّه فيه بيان ما قبلكم من خبر ، وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم ، وهو الفصل ليس بالهزل ، من ولاه من جبّار فعمل بغيره قصمه اللَّه(5) ومن التمس الهدى في غيره أضلّه اللَّه - وهو حبل اللَّه المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم لا تزيغه الأهوية ، ولا تلبسه الألسنة ولا يخلق على الردّ ولا ينقضي عجائبه - ولا يشبع منه العلماء جهو الذي ج لم تكنه الجن - إذا سمعته أن قالوا : ( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ )(6) ، من قال به صدّق ، ومن عمل به أجر ، ومن اعتصم به ( هُدِىَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )(7) ، هو الكتاب العزيز الّذي ( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا
ص: 244
مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ )(1) »(2)
وقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله القرآن هدي من الضلالة ، وتبيان من العمى ، وإ ستقالة من العثرة ، ونور من الظلمة ، وضياء من الأحزان ، وعصمة من الهلكة ، ورشد من الغواية وبيان من الفتن ، وبلاغ من الدنيا إلى الآخرة وفيه كمال دينكم فهذه صفة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله للقرآن ، وما عدل أحد عن القرآن إلّا إلى النار(3) .
وقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « إنّ هذا القرآن هو النور المبين ، والحبل المتين ، والعروة الوثقى ، والدرجة العليا ، والشفاء الأشفى ، والفضيلة الكبرى ، والسعادة العظمى ، من إ ستضاء به نوّره اللَّه ، ومن إعتقد به في أموره عصمه اللَّه ، ومن تمسّك به أنقذه اللَّه ، ومن لم يفارق أحكامه رفعه اللَّه ، ومن إ ستشفى به شفاه اللَّه ، ومن آثره على ما سواه هداه اللَّه ، ومن طلب الهدى في غيره أضلّه اللَّه ، ومن جعله شعاره ودثاره أسعده اللَّه ، ومن جعله إمامه الّذي يقتدي به ومعوّله الّذي ينتهي إليه ، أدّاه اللَّه إلى جنّات النعيم ، والعيش السليم »(4) .
وعن أبي جعفر علیه السلام قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « يا معاشر قرّاء القرآن إتّقوا اللَّه عزّوجلّ فيما حمّلكم من كتابه فإنّي مسئول وإنّكم مسئولون إنّي مسئول عن تبليغ الرسالة وأمّا أنتم فتسألون عمّا حمّلتم من كتاب اللَّه وسنّتي »(5) .
ص: 245
وروّينا عن عمرو بن أذينة وكان من أصحاب أبي عبداللَّه جعفر بن محمّد صلی الله علیه وآله أنّه قال : دخلت يوما على عبد الرحمن بن أبي ليلى بالكوفة وهو قاض فقلت : أردت أصلحك اللَّه أن أسألك عن مسائل وكنت حديث السنّ فقال : سل يا إبن أخي عمّا شئت ، قلت : أخبرني عنكم معاشر القضاة ترد عليكم القضيّة في المال والفرج والدم فتقضي أنت فيها برأيك ثمّ ترد تلك القضيّة بعينها على قاضي مكّة فيقضي فيها بخلاف قضيّتك ثمّ ترد على قاضي البصرة وقاضي اليمن وقاضي المدينة فيقضون فيها بخلاف ذلك ثمّ تجتمعون عند خليفتكم الّذي إ ستقصاكم فتخبرونه بإختلاف قضاياكم فيصوّب رأى واحد منكم وإلهكم واحد ونبيّكم واحد ودينكم واحد أ فأمركم اللَّه عزّوجلّ بالإختلاف فأطعتموه أم نهاكم عنه فعصيتموه أم كنتم شركاء اللَّه في حكمه فلكم أن تقولوا وعليه أن يرضى أم أنزل اللَّه دينا ناقصا فاستعان بكم في إتمامه أم أنزل اللَّه تامّا فقصّر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عن أدائه أم ما ذا تقولون فقال : من أين أنت يا فتى ؟ قلت من أهل البصرة ، قال : من أيّها ؟ قلت : من عبد القيس ، قال : من أيّهم ؟ قلت : من بني أذينة ، قال : ما قرابتك من عبد الرحمن بن أذينة ؟ قلت : هو جدّي فرحّب بي وقرّبني وقال : أي فتى لقد سألت فغلّظت وإنهمكت فتعوّصت وسأخبرك إن شاء اللَّه أمّا قولك في إختلاف القضايا فإنّه ما ورد علينا من أمر القضايا ممّا له في كتاب اللَّه أصل أو في سنّة نبيّه صلی الله علیه وآله فليس لنا أن نعدو الكتاب والسنّة وأمّا ما ورد علينا ممّا ليس في كتاب اللَّه ولا في سنّة نبيّه فإنّا نأخذ فيه برأينا ، قلت : ما صنعت شيئا لأنّ اللَّه عزّوجلّ يقول : ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَىْ ءٍ )(1) وقال فيه : ( تِبْيَاناً لِكُلِّ شَىْ ءٍ )(2) أ رأيت لو أنّ
ص: 246
رجلا عمل بما أمر اللَّه به وإنتهى عمّا نهى اللَّه عنه أ بقي للَّه شي ء يعذّبه عليه إن لم يفعله أو يثيبه عليه إن فعله ؟ قال : وكيف يثيبه على ما لم يأمره به أو يعاقبه على ما لم ينهه عنه ؟ قلت : وكيف يرد عليك من الأحكام ما ليس له في كتاب اللَّه أثر ولا في سنّة نبيّه خبر ؟ قال : أخبرك يا إبن أخي حديثا حدّثناه بعض أصحابنا يرفع الحديث إلى عمر بن الخطّاب أنّه قضى قضيّة بين رجلين ، فقال له : أدنى القوم إليه مجلسا أصبت يا أمير المؤمنين فعلاه عمر بالدّرّة وقال ثكلتك أمّك واللَّه ما يدري عمر أصاب أم أخطأ إنّما هو رأي إجتهدته فلا تزكّونا في وجوهنا قلت : أ فلا أحدّثك حديثا ؟ قال : وما هو ؟ قلت : أخبرني أبي عن أبي القاسم العبديّ عن أبان عن عليّ بن أبي طالب علیه السلام أنّه قال : « القضاة ثلاثة هالكان وناج فأمّا الهالكان فجائر جار متعمّدا ومجتهد أخطأ والناجي من عمل بما أمر اللَّه به » فهذا نقض حديثك يا عمّ ، قال : أجل واللَّه يا إبن أخي فتقول : أنت إنّ كلّ شي ء في كتاب اللَّه عزّ وجلّ ، قلت : اللَّه قال ذلك وما من حلال ولا حرام ولا أمر ولا نهي إلّا وهو في كتاب اللَّه عزّوجلّ عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله ولقد أخبرنا اللَّه فيه بما لا نحتاج إليه فكيف بما نحتاج إليه قال : كيف قلت ، قلت : قوله : ( فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا )(1) قال فعند من يوجد علم ذلك ؟ قلت عند من عرفت ، قال : وددت لو أنّي عرفته فأغسل قدميه وآخذ عنه وأتعلّم منه ، قلت : أناشدك اللَّه هل تعلم رجلا كان إذا سأل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله شيئا أعطاه وإذا سكت عنه إبتدأه ؟ قال : نعم ذلك عليّ بن أبي طالب علیه السلام ، قلت : فهل علمت أنّ عليّا سأل أحدا بعد رسول
ص: 247
اللَّه صلی الله علیه وآله عن حلال أو حرام ؟ قال : لا ، قلت : هل علمت أنّهم كانوا يحتاجون إليه ويأخذون عنه ؟ قال : نعم ، قلت : فذلك عنده ، قال : فقد مضى فأين لنا به ؟ قلت : تسأل في ولده فإنّ ذلك العلم عندهم ، قال : وكيف لي بهم ؟ قلت أرأيت قوما كانوا بمفازة من الأرض ومعهم أدلّا فوثبوا عليهم فقتلوا بعضهم وجافوا بعضهم فهرب وإ ستتر من بقي لخوفهم فلم يجدوا من يدلّهم فتاهوا في تلك المفازة حتّى هلكوا ما تقول فيهم قال إلى النار وإصفرّ وجهه وكانت في يده سفرجلة فضرب بها الأرض فتهشّمت وضرب بين يديه وقال : ( إِنَّا للَّهِ َِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ )(1) ، (2) .
ص: 248
بسم الله الرحمن الرحیم
19 - ومن كلام له علیه السلام قاله للأشعث بن قيس وهو على منبر الكوفة يخطب ، فمضى في بعض كلامه شي ء إعترضه الأشعث فيه فقال : يا أمير المؤمنين هذه عليك لا لك . فخفض علیه السلام إليه بصره ثمّ قال :
عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ لَعْنَةُ اللّاعِنِينَ - حَائِكٌ ابْنُ حَائِكٍ مُنَافِقٌ ابْنُ كَافِرٍ - وَ اللَّهِ لَقَدْ أَسَرَكَ الْكُفْرُ مَرَّةً وَ الإِسْلامُ أُخْرَى - فَمَا فَدَاكَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَالُكَ وَ لا حَسَبُكَ - وَ إِنَّ امْرَأً دَلَّ عَلَى قَوْمِهِ السَّيْفَ - وَ سَاقَ إِلَيْهِمُ الْحَتْفَ - لَحَرِيٌّ أَنْ يَمْقُتَهُ الْأَقْرَبُ وَ لا يَأْمَنَهُ الْأَبْعَدُ
ومن كلام له علیه السلام قاله للأشعث بن قيس وهو على منبر الكوفة يخطب
روي عن الحسن بن عليّ علیه السلام في خبر « إنّ الأشعث بن قيس الكنديّ بنى في داره مئذنة فكان يرقى إليها إذا سمع الأذان في أوقات الصلوات في مسجد جامع الكوفة فيصيح من على مئذنته يا رجل إنّك لكاذب ساحر - يعني أمير المؤمنين - وكان أبي يسمّيه عنق النار » وفي رواية عرف النار فيسأل عن ذلك فقال : « إنّ الأشعث إذا حضرته الوفاة دخل عليه عنق من النار ممدودة من السماء فتحرقه فلا يدفن إلّا وهو فحمة سوداء فلمّا توفّى نظر سائر من حضر إلى النار وقد دخلت
ص: 249
عليه كالعنق الممدود حتّى أحرقته وهو يصيح ويدعو بالويل والثبور »(1) .
وهو على منبر الكوفة يخطب ، فمضى في بعض كلامه شي ء إعترضه الأشعث فيه فقال : يا أمير المؤمنين هذه عليك لا لك
روي أنّ رجلا من أصحابه قام إليه فقال إنّك نهيتنا عن الحكومة ثمّ أمرتنا بها فما ندري أيّ الأمرين أرشد فصفّق علیه السلام إحدى يديه على الأخرى ثمّ قال : « هذا جزاء من ترك العقدة »(2) وكان مراده علیه السلام هذا جزاؤكم إذ تركتم الرأي والحزم وأصررتم على إجابة القوم ألى التحكيم فظنّ الأشعث أنّه أراد هذا جزائي حيث تركت الرأي والحزم وحكمت لأنّ هذه اللفظة محتملة أ لا ترى أنّ الرئيس إذا شغب عليه جنده وطلبوا منه إعتماد أمر ليس بصواب فوافقهم تسكينا لشغبهم لا إ ستصلاحا لرأيهم ثمّ ندموا بعد ذلك قد يقول هذا جزاء من ترك الرأي وخالف وجه الحزم ويعني بذلك أصحابه وقد يقوله يعني به نفسه حيث وافقهم أمير المؤمنين علیه السلام إنّما عنّي ما ذكرناه دون ما خطر للأشعث(3) .
فخفض علیه السلام إليه بصره ثمّ قال : مَا يُدْرِيكَ مَا عَلَيَّ مِمَّا لِي
قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهَ ُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ )(4) .
ص: 250
قال أبو الفرج : وقد كان إبن ملجم أتى الأشعث بن قيس في هذه الليلة ( ليلة الجمعة التاسعة عشرة من شهر رمضان ) فخلّا به في بعض نواحي المسجد ومرّ بهما حجر بن عدي فسمع الأشعث وهو يقول لإبن ملجم النجاء النجاء بحاجتك فقد فضحك الصبح قال له حجر : قتلته يا أعور وخرج مبادرا إلى علي علیه السلام وقد سبقه إبن ملجم فضربه فأقبل حجر والناس يقولون قتل أمير المؤمنين علیه السلام(1) .
وحضر الأشعث بن قيس في تلك الليلة لمعونة إبن ملجم لعنه اللَّه على قتله عليه السلام(2) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « إنّ الأشعث بن قيس شرك في دم أمير المؤمنين علیه السلام وإبنته جعدة سمّت الحسن علیه السلام ومحمّد إبنه شرك في دم الحسين علیه السلام »(3) .
قال أبو الفرج : وللأشعث بن قيس في إنحرافه عن أمير المؤمنين أخبار يطول شرحها ، منها جاء الأشعث إلى على يستأذن عليه فردّه قنبر فأدمى الأشعث أنفه فخرج علي وهو يقول ما لي ولك يا أشعث أما واللَّه لو بعبد ثقيف تمرّست لأقشعرت شعيراتك قيل يا أمير المؤمنين ومن عبد ثقيف قال غلام لهم لا يبقى أهل بيت من العرب إلّا أدخلهم ذلا قيل يا أمير المؤمنين كم يلي أو كم يمكث ؟ قال : « عشرين إن بلغها » .
وقال أبو الفرج : أنّ الأشعث دخل على علي علیه السلام فكلّمه فأغلظ علي علیه السلام فعرض له الأشعث أنّه سيفتك به فقال له علي علیه السلام : « أ بالموت تخوفني أو تهدّدني فو اللَّه ما
ص: 251
أبالي وقعت على الموت أو وقع الموت على »(1) .
وجاء رجل إلى أمير المؤمنين علیه السلام فأقرّ بالسّرقة ، فقال له أمير المؤمنين علیه السلام : « أ تقرأ شيئا من كتاب اللَّه عزّوجلّ » ؟ قال : نعم سورة البقرة ، فقال : « قد وهبت يدك لسورة البقرة » فقال الأشعث : أ تعطّل حدّا من حدود اللَّه تعالى ؟ فقال : « وما يدريك ما هذا إذا قامت البيّنة فليس للإمام أن يعفو وإذا أقرّ الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام إن شاء اللَّه عفا وإن شاء قطع »(2) .
ومن ذلك قول الأشعث بن قيس لعليّ بن أبي طالب علیه السلام وأتاه يتخطّى رقاب الناس وعليّ على المنبر فقال : يا أمير المؤمنين غلبتنا هذه الحمراء على قربك ، قال : فركض عليّ المنبر برجله فقال صعصعة بن صوحان العبديّ : ما لنا ولهذا يعني الأشعث ليقولنّ أمير المؤمنين اليوم في العرب قولا لا يزال يذكر ، فقال عليّ :
« من يعذرني من هذه الضياطرة يتمرّغ أحدهم على فراشه تمرّغ الحمار ؛ ويهجّر قوم للذكر ، فيأمرني أن أطردهم ؛ ما اكنت لأطردهم فأكون من الجاهلين ، والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ليضربنّكم على الدين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا » .
قوله : « الضياطرة واحدهم ضيطر وضيطار وهو الأحمر العضل الفاحش »(3) .
وأنّه علیه السلام خطب بعد قتل الخوارج وحضّ الناس على حرب معاوية ، فتخاذلوا فجعل يؤنّبهم ويشكو من تخاذلهم فقام إليه الأشعث بن قيس الكندي ، فقال : يا
ص: 252
أمير المؤمنين فهلا فعلت كما فعل عثمان ؟ قال له عليّ علیه السلام : « ويلك وما فعل عثمان ، رأيتنى عائذا باللَّه من شرّ ما تقول ، واللَّه إنّ الّذي فعل عثمان لمخزاة على من لا دين له ، ولا حجّة معه ، فكيف وأنا على بيّنة من ربّي ، والحقّ معي ، واللَّه إن امرأ أمكن عدوّه من نفسه ، فنهش عظمه ، وسفك دمه ، لعظيم عجزه ، ضعيف قلبه . أنت يابن قيس فكن ذلك ، فأمّا أنا فواللَّه دون أن أعطى ذلك ضرب بالمشرفي(1) ، يطير له فراش الرأس(2) ، وتطيح منه الأكف والمعاصم ، وتجد به الغلاصم ويفعل اللَّه بعد ذلك ما يشاء »(3) .
ومنها أنّه علیه السلام خطب بعد بيعة الناس له وقال : « سلوني قبل أن تفقدوني ، هذا سفط العلم ، هذا لعاب رسول اللَّه ، هذا ما زقني رسول اللَّه زقا زقا سلوني فإنّ عندي علم الأوّلين والآخرين » - إلى أن قال - فقام إليه الأشعث وقال : كيف تؤخذ الجزية من المجوس ولم ينزل عليهم كتاب ولم يبعث إليهم نبيّ ؟ فقال علیه السلام : « بلي يأ أشعث قد أنزل اللَّه عليهم كتابا وبعث إليهم نبيّا وكان لهم ملك سكر ذات ليلة فدعا بإبنته إلى فراشه » ، الخبر(4) .
عن سدير قال : قال لي أبو جعفر علیه السلام : « يا سدير بلغني عن نساء أهل الكوفة جمال وحسن تبعّل فابتغ لي إمرأة ذات جمال في موضع » ، فقلت : قد أصبتها جعلت فداك - فلانة بنت فلان بن محمّد بن الأشعث بن قيس ، فقال لي : « يا سدير إنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لعن قوما فجرت اللعنة في أعقابهم إلى يوم القيامة وأنا أكره أن يصيب جسدي جسد أحد من أهل النار »(1) .
وروي الكشي : إنّ رجلين من ولد الأشعث إ ستأذنا على أبي عبداللَّه ! فلم يأذن لهما ، فقلت : إنّ لهما ميلا ومودّة لكم ، فقال : « إنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لعن أقواما فجرى اللعن فيهم وفي أعقابهم إلى يوم القيامة »(2) .
حتّى إنّ مسجده كان ملعونا : عن أبي جعفر علیه السلام قال : « إنّ بالكوفة مساجد ملعونة ومساجد مباركة » - إلى أن قال - وأمّا المساجد الملعونة - فمسجد ثقيف ومسجد الأشعث - الخبر(3) .
وعن أبي جعفر علیه السلام قال : « جدّدت أربعة مساجد بالكوفة فرحا لقتل الحسين علیه السلام مسجد الأشعث » - الخبر -(4) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « إنّ أمير المؤمنين علیه السلام نهى بالكوفة عن الصلاة في خمسة مساجد - مسجد الأشعث بن قيس ومسجد جرير بن عبداللَّه البجلّي ومسجد سماك بن مخرمة ومسجد شبث بن ربعيّ ومسجد التيم »(5) .(6)
ص: 254
كان المسلمون يلعنون الأشعث ، ويلعنه الكافرون أيضا وسبايا قومه(1) .
والمراد بهما ، إمّا معناهما الحقيقي :
روى أهل السيرة أنّ الأشعث خطب إلى علي علیه السلام إبنته فزبره وقال : يا إبن الحائك أ غرّك إبن أبي قحافة(2) .
وكان المغيرة والأشعث وجرير يوما متواقفين بالكوفة بالكناسة ، فطلع عليهم أعرابي ، فقال لهم المغيرة : دعوني أحرّكه . قالوا : لا تفعل ، فإنّ للأعراب جوابا يؤثر . قال : لا بدّ . قالوا : فأنت أعلم . فقال له : يا أعرابي هل تعرف المغيرة بن شعبة ؟ قال : نعم أعرفه أعور زانيا ، فوجم ثمّ تجلد فقال : هل تعرف الأشعث بن قيس ؟ قال : نعم ذاك رجل لا يعرى قومه ، قال : وكيف ذلك ؟ قال : لأنّه حائك إبن حائك(3) .
وفي رواية قال لعليّ علیه السلام الأشعث بن قيس : ما أحسبك عرفتني يا أمير
ص: 255
المؤمنين ؟ قال : « بلى وإنّي لأجد بنّة الغزل منك - أي ريح الغزل - رماه بالحياكة » ،
قيل : كان أبو الأشعث يولع بالنّساجة(1) .
وفي حديث عليّ علیه السلام قال للأشعث بن قيس : « إنّ أبا هذا كان ينسج الشمال بيمينه وفي رواية ينسج الشمال باليمين »(2) .
وإمّا معناهما المجازي : وهو حائك الكذب على اللَّه ورسوله ووليّه كما هو شأن المنافق والكافر .
عن أحمد ، عن بعض أصحابه رفعه إلى أبي عبداللَّه علیه السلام قال : ذكر الحائك عند أبي عبداللَّه علیه السلام أنّه ملعون فقال : « إنّما ذلك الّذي يحوك الكذب على اللَّه وعلى رسوله صلی الله علیه وآله »(3) .
وروى شيخنا بهاء الملّة والدين أنّه دخل رجل إلى مسجد الكوفة وكان إبن عبّاس مع أمير المؤمنين علیه السلام يتذاكران العلم فدخل الرجل ولم يسلّم وكان أصلع الرأس من أوحش ما خلق اللَّه ( تعالى ) وخرج أيضا ولم يسلّم فقال أمير المؤمنين : « يا إبن عبّاس أتّبع هذا الرجل وأسأله ما حاجته ومن أين وإلى أين ؟ » فأتى وسأله فقال : أنا من خراسان وأبي من القيروان وأمّي من أصفهان ، قال : وإلى أين تطلب ؟ قال : البصرة في طلب العلم ، قال إبن عبّاس فضحكت من كلامه فقلت له : يا هذا تترك عليّا جالسا في المسجد وتذهب إلى البصرة في طلب العلم
ص: 256
والنبيّ صلی الله علیه وآله قال : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها فمن أراد العلم فليأت المدينة من بابها » فسمعني عليّ علیه السلام وأنا أقول له ذلك ، فقال : يا إبن عبّاس : أسأله ما تكون صنعته ، فسألته ، فقال : إنّي رجل حائك ، فقال علیه السلام : « صدق واللَّه حبيبي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله حيث قال : « يا عليّ إيّاك والحائك فأنّ اللَّه نزع البركة من أرزاقهم في الدنيا وهم الأرذلون » » ثمّ قال إبن عبّاس أ تدري ما فعل الحيّاك في الأنبياء والأوصياء : من عهد آدم إلى يومنا هذا فقال : اللَّه ورسوله وإبن عمّ رسوله أعلم فقال علیه السلام : « معاشر الناس من أراد أن يسمع حديث الحائك فعليه بمعاشرة الديلم » .
ألا ومن مشي مع الحائك قتّر عليه رزقه ومن أصبح به حفي فقلت : يا أمير المؤمنين ولم ذلك قال : « لأنّهم سرقوا ذخيرة نوح ، وقدر شعيب ، ونعلي شيث ، وجبّة آدم ، وقميص حوّاء ، ودرع داود ، وقميص هود ، ورداء صالح ، وشملة إبراهيم ، ونخوة إ سحاق ، وقدر يعقوب ومنطقة يوشع ، وسروال زليخا ، وأزار أيّوب ، وحديد داود ، وخاتم سليمان ، وعمّامة إ سماعيل وغزل سارة ، ومغزل هاجر ، وفصيل ناقة صالح ، وإطفئوا سراج لوط ، وألقوا الرمل في دقيق شعيب ، وسرقوا حمار العزيز ، وعلّقوه في السقف ، وحلفوا أنّه لا في الأرض ولا في السماء ، وسرقوا مرود الخضر ، ومصلّى زكريّا ، وقلنسوة يحيى ، وفوطة يونس ، وشاة إ سماعيل ، وسيف ذي القرنين ، ومنطقة أحمد ، وعصى موسى ، وبرد هارون ، وقصعة لقمان ، ودلو المسيح ، واسترشدتهم مريم فدلّوها على غير الطريق وسرقوا ركاب النبيّ صلی الله علیه وآله ، وخطام الناقة ، ولجام فرسي وقرط خديجة ، قرطي فاطمة ونعل الحسن ومنديل الحسين وقماط إبراهيم وخمار فاطمة وسراويل أبي طالب ،
ص: 257
وقميص العبّاس ، وحصير حمزة ، ومصحف ذي النون ، ومقراض إدريس ، وبصقوا في الكعبة ، وبالوا في زمزم ، وطرحوا الشوك ، والعثار في طريق المسلمين ، وهم شعبة البلاء ، وسلاح الفتنة ، ونسّاج الغيبة ، وأنصار الخوارج واللَّه ( تعالى ) نزع البركة من بين أيديهم بسوء أعمالهم ، وهم الّذين ذكرهم اللَّه ( تعالى ) في محكم كتابه العزيز بقوله : ( وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ )(1) وهم الحاكة والحجّام فلا تخالطوهم ولا تشاركوهم فقد نهى اللَّه ( تعالى ) عنهم »(2) .
وقال كعب : لا تستشيروا الحاكة ، فإنّ اللَّه سلبهم عقولهم ، ونزع البركة من كسبهم(3) .
وفي ( تفسير القمي ) في قوله تعالى : ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ )(4) - إنّ النخلة كانت نخلة يابسة ، فإ ستقبل مريم الحاكة على بغال شهب - وكانت الحياكة أنبل صناعة في ذلك الزمان - فقالت لهم : أين النخلة اليابسة ، فاستهزءوا بها وزجروها ، فقالت لهم : جعل اللَّه كسبكم بورا ، وجعلكم في الناس عارا ، ثمّ إ ستقبلها قوم من التجّار ، فدلّوها على النخلة اليابسة ، فقالت لهم : جعل اللَّه البركة في كسبكم ، وأحوج الناس إليكم(5) .
وذكروا انّ رجلا قال للأعمش : ما تقول في الصلاة خلف الحائك فقال : لا بأس
ص: 258
بها على غير الوضوء . قال : فما تقول في شهادته فقال : تقبل مع شهادة عدلين(1) .
قال اللَّه تعالى : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً )(2) .
وقال تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ) الآية(3) .
وقال تعالى : ( بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً )(4) .
وقال تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهَ ُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً )(5) .
وقال تعالى : ( وَعَدَ اللَّهَ ُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِىَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهَ ُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ )(6) .
وقال تعالى : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ )(7) .
ص: 259
وقال تعالى : ( وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ ) الآية(1) .
وقال تعالى : ( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهَ ُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهَ ُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ )(2) . والآيات في ذمّ المنافقين كثيرة ولا حاجة إلى إ ستيفائها بعد ما أنزل اللَّه في الكتاب منهم سورة مستقلّة مضافا إلى آيات كثيرة في سائر السور .
وأمّا الأخبار فيهم أيضا كثيرة ولنشير إلى شطر منها :
قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار »(3) .
وعنه صلی الله علیه وآله : « تجدون من شرّ عباد اللَّه يوم القيامة ذا الوجهين الّذي يأتي هؤلاء بحديث هؤلاء وهؤلاء بحديث هؤلاء » : وفي حديث آخر الّذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه(4) .
وعن زيد بن عليّ عن أبيه عن جدّه عن عليّ علیه السلام قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « يجي ء يوم القيامة ذو الوجهين دالعا لسانه في قفاه وآخر من قدّامه يلتهبان نارا حتّى يلهبا جسده ثمّ يقال له هذا الّذي كان في الدنيا ذا وجهين وذا لسانين يعرف بذلك يوم القيامة »(5) .
ص: 260
وقيل مكتوب في التوراة بطلت الأمانة والرجل مع صاحبه بشفتين مختلفتين(1) .
وقيل مكتوب في التوراة : تطلب الأمانة والرجل مع صاحبه بشفتين مختلفتين ، يهلك اللَّه يوم القيامة كلّ شفتين مختلفتين(2) .
وقال اللَّه تبارك وتعالى لعيسى إبن مريم علیه السلام : يا عيسى ليكن لسانك في السرّ والعلانية لسانا واحدا وكذلك قلبك إنّي أحذّرك نفسك وكفى بي خبيرا لا يصلح لسانان في فم واحد ولا سيفان في غمد واحد ولا قلبان في صدر واحد وكذلك الأذهان(3) .
وعن أبي جعفر علیه السلام قال : « بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين يطرى أخاه(4) شاهدا ويأكله غائبا إن أعطي حسده وإن ابتلي خذله »(5) .
وعن جعفر بن محمّد عن آبائه : قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « خلّتان لا تجتمعان في منافق : فقه في الإسلام وحسن سمت في الوجه »(6) .
وقال الصادق علیه السلام : « أربع من علامات النفاق : قساوة القلب وجمود العين والإصرار على الذنب والحرص على الدنيا »(7) .
وعن عبّاد بن صهيب قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « لا يجمع اللَّه لمنافق ولا
ص: 261
لفاسق حسن السمت والفقر وحسن الخلق أبدا »(1) .
وعن محمّد بن الفضيل قال : كتبت إلى أبي الحسن علیه السلام أسأله عن مسألة فكتب إلى - « ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهَ ُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً )(2) ليسوا من الكافرين وليسوا من المؤمنين وليسوا من المسلمين يظهرون الإيمان ويصيرون إلى الكفر والتكذيب لعنهم اللَّه »(3) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « ما زاد خشوع الجسد على ما في القلب فهو عندنا نفاق »(4) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « ثلاث من كن فيه كان منافقا وإن صام وصلّى وزعم أنّه مسلم : من إذا إئتمن خان وإذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف إنّ اللَّه عزّوجلّ قال في كتابه ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ )(5) وقال ( أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ )(6) وفي قوله عزّوجلّ - ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً )(7) » ، (8) .
ص: 262
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « مثل المنافق مثل جذع النخل أراد صاحبه أن ينتفع به في بعض بنائه فلم يستقم له في الموضع الّذي أراد فحوّله في موضع آخر فلم يستقم له فكان آخر ذلك أن أحرقه بالنّار »(1) .
وعن عليّ بن الحسين علیه السلام قال : « إنّ المنافق ينهى ولا ينتهي ويأمر بما لا يأتي وإذا قام إلى الصلاة إعترض » قلت : يابن رسول اللَّه وما الإعتراض ؟ قال : « الإلتفات وإذا ركع ربض يمسي وهمّه العشاء وهو مفطر ويصبح وهمّه النوم ولم يسهر إن حدّثك كذبك وإن إئتمنته خانك وإن غبت إغتابك وإن وعدك أخلفك »(2) .
روى يحيى البرمكيّ عن الأعمش : أنّ جريرا والأشعث خرجا إلى الجبّان بالكوفة ، فمرّ بهما ضبّ يعدو وهما في ذمّ عليّ علیه السلام ، فنادياه يا أبا حسل ! هلمّ يدك نبايعك بالخلافة . فبلغ عليّا علیه السلام قولهما فقال : « إنّهما يحشران يوم القيامة وإمامهما ضبّ »(3) .
وقال أبو بكر في إحتضاره : واللَّه ما آسى إلّا على ثلاث فعلتهنّ ليتني كنت تركتهنّ وثلاث تركتهنّ ليتني فعلتهنّ - إلى أن قال - ليتني كنت حين أتيت بالأشعث أسيرا قتلته ولم إ ستحيه ، فإنّي سمعت منه وأراه لا يرى غيّا ولا شرّا إلّا أعان عليه(4) ، وكان أبو بكر عفا عنه وزوّجه بنته .
وفي قصّة التحكيم ، قال الأشعث وأولئك الّذين صاروا خوارج بعد : فإنّا قد
ص: 263
رضينا بأبي موسى . قال علي علیه السلام : « إنّكم عصيتموني في أوّل الأمر ، فلا تعصوني الآن ، إنّي لا أرى أن أولى أبا موسى » . فقال الأشعث ونفران : لا نرضى إلّا به ، فإنّه كان يحذّرنا ما وقعنا فيه . قال علي علیه السلام : « ليس أبو موسى لي بثقة قد فارقني وخذل الناس عنّي ، ولكن هذا إبن عبّاس نوليه ذلك »، قالوا : ما نبالي كنت أنت أم إبن عبّاس ، لا نريد إلّا رجلا هو منك ومن معاوية سواء . فقال علي علیه السلام : « فإنّي أجعل الأشتر » . فقال الأشعث : وهل نحن إلّا في حكم الأشتر ؟ قال علي علیه السلام : « وما حكمه » ؟ قال الأشعث : إن يضرب بعضنا بعضا بالسّيوف حتّى يكون ما أردت وأراد ، قال : فهل أبيتم إلّا أبا موسى . قالوا : نعم : قال : فاصنعوا ما أردتم(1) - إلى أن قال - عن عمّاره بن ربيعه الجرمي ، قال : لمّا كتبت الصحيفة دعى لها الأشتر فقال : « لا صحبتني يميني ، ولا نفعتني بعدها شمالي ، إن خطّ لي في هذه الصحيفة إ سم على صلح ولا موادعه أو لست على بيّنه من ربّي ، ومن ضلال عدوّي ! أو لستم قد رأيتم الظفر لو لم تجمعوا على الجور » ! فقال له الأشعث بن قيس : إنّك واللَّه ما رأيت ظفرا ولا جورا ، هلمّ إلينا فإنّه لا رغبه بك عنّا ، فقال : « بلى واللَّه لرغبه بي عنك في الدنيا للدنيا والآخرة للآخرة ، ولقد سفك اللَّه عزّوجلّ بسيفي هذا دماء رجال ما أنت عندي خير منهم ، ولا أحرم دما » ، قال عمّاره : فنظرت إلى ذلك الرجل وكأنّما قصع على أنفه الحمم - يعني الأشعث(2) . ويكفي في نفاقه شركته في دم أمير المؤمنين علیه السلام كما مرّ من مساعدته إبن ملجم(3) وأمّا كفر أبيه فهو
ص: 264
مسلّم عند الكل(1) .
وفي ( تاريخ الطبري ) - في قصّة من قتله مصعب من أصحاب المختار بعد قتله - ثمّ مرّ عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث بعبد اللَّه بن قراد من أصحاب المختار - وكان أخرج مكتفا فقال : قدّموه إليّ أضرب عنقه . فقال له عبداللَّه : أنا على دين جدّك الّذي آمن ثمّ كفر ، إن لم أكن ضربت أباك بسيفي حتّى فاظ(2) .
فأمّا الأسر الّذي أشار أمير المؤمنين علیه السلام إليه في الجاهلية فقد ذكره إبن الكلبي في جمهرة النسب فقال : إن مرادا لمّا قتلت قيسا الأشج خرج الأشعث طالبا بثأره فخرجت كندة متساندين على ثلاثة ألوية ، على أحد الألوية كبس بن هانى ء بن شرحبيل ، وعلى أحدها القشعم ، وعلى أحدها الأشعث فأخطئوا مرادا ولم يقعوا عليهم ووقعوا على بني الحارث بن كعب ، فقتل كبس والقشعم وأسرّ الأشعث ففدى بثلاثة آلاف بعير لم يفد بها عربي بعده ولا قبله ، فقال في ذلك عمرو بن معديكرب الزبيدي :
فكان فداؤه ألفى بعير * وألفا من طريفات وتلد
فإنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لمّا قدمت كندة حجاجا قبل الهجرة عرض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله
ص: 265
نفسه عليهم كما كان يعرض نفسه على أحياء العرب ، فدفعه بنو وليعة من بني عمرو بن معاوية ولم يقبلوه ، فلمّا هاجر صلی الله علیه وآله وتمهّدت دعوته وجاءته وفود العرب جاءه وفد كندة فيهم الأشعث وبنو وليعة ، فأسلموا فأطعم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بني وليعة طمعة من صدقات حضرموت ، وكان قد إ ستعمل على حضرموت زياد بن لبيد البياضي الأنصاري فدفعها زياد إليهم فأبوا أخذها وقالوا : لا ظهر لنا(1) فابعث بها إلى بلادنا على ظهر من عندك ، فأبى زياد وحدث بينهم وبين زياد شركاد يكون حربا ، فرجع منهم قوم إلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وكتب زياد إليه صلی الله علیه وآله يشكوهم ، وفي هذه الوقعة كان الخبر المشهور عن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال لبني وليعة : « لتنتهنّ يا بني وليعة أو لأبعثنّ عليكم رجلا عديل نفسي يقتل مقاتلتكم ويسبي ذراريكم » ، قال عمر بن الخطّاب : فما تمنيت الإمارة إلّا يومئذ وجعلت أنصب له صدري رجاء أن يقول : هو هذا ، فأخذ بيد علي علیه السلام وقال : « هو هذا »(2) .
ثمّ كتب لهم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله إلى زياد فوصلوا إليه بالكتاب وقد توفى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وطار الخبر بموته إلى قبائل العرب فارتدّت بنو وليعة وغنت بغاياهم وخضبن له أيديهنّ ، فأمر أبو بكر زيادا على حضرموت وأمره بأخذ البيعة على أهلها وإ ستيفاء صدقاتهم فبايعوه إلّا بني وليعة ، فلمّا خرج ليقبض الصدقات من بني عمرو بن معاوية أخذ ناقة لغلام منهم يعرف بشيطان بن حجر - وكانت صفية(3) نفيسة إ سمها شذرة - فمنعه الغلام عنها وقال : خذ غيرها فأبى زياد ذلك
ص: 266
ولج ، فاستغاث شيطان بأخيه العداء بن حجر ، فقال لزياد : دعها وخذ غيرها ، فأبى زياد ذاك ولجّ الغلامان في أخذها ولجّ زياد فهتف الغلامان مسروق بن معديكرب ، فقال مسروق لزياد : أطلقها ، فأبى ... ثمّ قام فأطلقها فاجتمع إلى زياد بن لبيد أصحابه وإجتمع بنو وليعة وأظهروا أمرهم فبيتهم زياد وهم غارون فقتل منهم جمعا كثيرا ونهب وسبى ولحق فلهم بالأشعث بن قيس فاستنصروه ، فقال : لا أنصركم حتّى تملكوني عليكم ، فملكوه وتوجّوه كما يتوجّ الملك من قحطان فخرج إلى زياد في جمع كثيف . وكتب أبو بكر إلى المهاجر بن أبي أميّة وهو على صنعاء أن يسير بمن معه إلى زياد ، فاستخلف على صنعاء وسار إلى زياد ، فلقوا الأشعث فهزموه وقتل مسروق ولجأ الأشعث والباقون إلى الحصن المعروف بالنّجير(1) فحاصرهم المسلمون حصارا شديدا حتّى ضعفوا ، ونزل الأشعث ليلا إلى المهاجر وزياد فسألهما الأمان على نفسه حتّى يقدما به على أبي بكر فيرى فيه رأيه على أن يفتح لهم الحصن ويسلم إليهم من فيه .
وقيل بل كان في الأمان عشرة من أهل الأشعث .
فأمناه وأمضيا شرطه ففتح لهم الحصن فدخلوه وإ ستنزلوا كلّ من فيه وأخذوا أسلحتهم وقالوا للأشعث : أعزل العشرة ، فعزلهم فتركوهم وقتلوا الباقين وكانوا ثمانمائة ، وقطعوا أيدي النساء اللواتي شمتن برسول اللَّه صلی الله علیه وآله وحملوا الأشعث إلى أبي بكر موثقا في الحديد هو والعشرة(2) .
وقيل : إنّه لمّا حاصره المسلمون وقومه بعث إلى زياد يطلب منه الأمان لأهله
ص: 267
ولبعض قومه ، وكان من غفلته أنّه لم يطلب لنفسه بالتّعيين فلمّا نزل أسره زياد وبعث به إلى أبي بكر فسأل أبا بكر أن يستبقيه لحربه(1) .
فعفا عنه وعنهم وزوّجه أخته أمّ فروة بنت أبي قحافة(2) .
وممّا يدلّ على عدم مراعاته لقواعد الدين أنّه بعد خروجه من مجلس عقده بأمّ فروه أصلت سيفه في أزّقة المدينة ، وعقر كلّ بعير رآه وذبح كلّ شاة إ ستقبلها للناس والتجأ إلى دار من دور الأنصار فصاح به الناس من كلّ جانب وقالوا : قد إرتدّ الأشعث مرّة ثانية فأشرف عليهم من السطح وقال : يا أهل المدينة إنّي غريب ببلدكم وقد أولمت بما نحرت وذبحت فليأكل كلّ إنسان منكم ما وجد وليغد إليّ من كان له علىّ حقّ حتّى ارضيه وفعل ذلك فلم يبق دار من دور المدينة إلّا وقد أوقد فيها بسبب تلك الجهلة فضرب أهل المدينة به المثل ، وقالوا : أو لم من الأشعث ، وفيه قال الشاعر :
لقد أولم الكنديّ يوم ملاكه
وليمة حمّال لثقل العظائم(3)
وقال الأصبغ بن حرمة متسخطا لهذه المصاهرة :
أتيت بكندي قد إرتدّ وانتهى * إلى غاية من نكث ميثاقه كفرا
فكان ثواب النكث إحياء نفسه * وكان ثواب الكفر تزويجه البكرا
ولو أنّه يأبى عليك نكاحها * وتزويجها منه لأمهرته مهرا
ولو أنّه رام الزيادة مثلها * لأنكحته عشرا وأتبعه عشرا
ص: 268
فقل لأبي بكر : لقد شنت بعدها * قريشا ، وأخملت النباهة والذكرا
أ ما كان في تيم بن مرة واحد * تزوّجه لو لا أردت به الفخرا
ولو كنت لمّا أن أتاك قتلته * لأحرزتها ذكرا وقدّمتها ذخرا
فأضحى يرى ما قد فعلت فريضة * عليك فلا حمدا حويت ولا أجرا(1)
وبعد ذلك تندم أبو بكر ممّا فعل : من قبول توبة الأشعث المرتد ، وتزويجه أخته أمّ فروة وأظهر الندم لعبد الرحمن بن عوف ، لمّا جاءه عبد الرحمن عائدا له فقال في كلام طويل : أما إنّي لا آسى من الدنيا إلّا على ثلاث فعلتها وودت أنّي تركتها وثلاث تركتها وودت أنّي فعلتها وثلاث وددت أنّي كنت سألت عنهنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أمّا الّتي وددت أنّي تركتها فوددت أنّي لم أكن كشفت بيت فاطمة وإن كان أعلن ( علّق خ ل ) علىّ الحرب وددت أنّي لم أكن أحرقت الفجاءة وأنّي قتلته سريحا أو أطلقته نجيحا وددت أنّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين عمر أو أبي عبيدة فكان أميرا وكنت وزيرا وأمّا الّتي تركتها فوددت أنّي فعلتها فوددت أنّي يوم أتيت بالأشعث أسيرا كنت ضربت عنقه فإنّه يخيّل لي(2) أنّه لم ير صاحب شرّ إلّا أعانه(3) .
لا يريد علیه السلام به الفداء الحقيقي فإنّ الأشعث فدى في الجاهلية بفداء يضرب به
ص: 269
المثل فقال أغلى فداء من الأشعث وسنذكره وإنّما يريد ما دفع عنك الأسر مالك ولا حسبك(1) .
وانّما قال علیه السلام « فما فداك من واحدة منهما ما لك ولا حسبك » لأنّ ذوي الكمال يمنعهم كمالهم من أسرهم أو أخذ الفدية منهم .
ولقد أسر متمّم بن نويرة ، ففداه جمال أخيه مالك ومقاله ، ففي الأغاني : دخل متمّم على عمر ، فقال له عمر : ما أرى في أصحابك مثلك . فقال : أما واللَّه انّي مع ذلك لأركب الجمل الثفال واعتقل الرمح الشطون ، ولقد أسرتني بنو تغلب في الجاهلية ، فبلغ ذلك أخي مالكا ، فجاء ليفديني منهم ، فلمّا رآه القوم أعجبهم جماله ، وحدّثهم فأعجبهم حديثه ، فأطلقوني له بغير فداء(2) .
أشار علیه السلام بعمله مع قومه حيث فتح باب حصن النجير لزياد البياضي والمهاجر حتّى قتلا من فيه .
وفي ( الطبرى ) كان المسلمون يلعنون الأشعث ويلعنه الكافرون أيضا وسبايا قومه وسمّاه نساء قومه عرف النار وهو إ سم للغادر عندهم(3) .
ص: 270
بسم الله الرحمن الرحیم
وَ لَكِنْ مَحْجُوبٌ عَنْكُمْ مَا قَدْ عَايَنُوا - وَ قَرِيبٌ مَا يُطْرَحُ الْحِجَابُ - وَ لَقَدْ بُصِّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ وَ أُسْمِعْتُمْ إِنْ سَمِعْتُمْ - وَ هُدِيتُمْ إِنِ اهْتَدَيْتُمْ - وَ بِحَقٍّ أَقُولُ لَكُمْ لَقَدْ يجَاهَرَتْكُمُ الْعِبَرُ - وَ زُجِرْتُمْ بِمَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ - وَ مَا يُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ بَعْدَ رُسُلِ السَّمَاءِ إِلّا الْبَشَرُ
فَإِنَّكُمْ لَوْ قَدْ عَايَنْتُمْ مَا قَدْ عَايَنَ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ - لَجَزِعْتُمْ وَ وَهِلْتُمْ وَ سَمِعْتُمْ وَ أَطَعْتُمْ
فَإِنَّكُمْ لَوْ قَدْ عَايَنْتُمْ مَا قَدْ عَايَنَ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ . . .
قال اللَّه تعالى في كتابه : ( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )(1) .
عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « إنّ الميّت إذا حضره الموت أوثقه ملك الموت ولو لا ذلك ما إ ستقرّ »(2) .
وقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « فو الّذي نفس محمّد بيده لو يرون مكانه ويسمعون كلامه لذهلوا عن ميّتهم وليبكوا [لبكوا] على نفوسهم حتّى حمل الميّت على نعشه
ص: 271
وترفرف روحه فوق النعش وهو ينادي يا أهلي ويا ولدي لا تلعبنّ بكم الدنيا كما لعبت بي جمعت المال من حلّه وغير حلّه ثمّ خلّفته لغيري فالمهنا لهم والتبعة علىّ فاحذروا مثل ما حلّ بي »(1) .
وسئل أبو عبداللَّه علیه السلام عن المصلوب يصيبه عذاب القبر فقال : « إنّ ربّ الأرض هو ربّ الهواء فيوحي اللَّه عزّوجلّ إلى الهواء فيضغطه ضغطة أشدّ من ضغطة القبر »(2) .
وروي : أنّ يحيى بعد لبسه برنس الصوف ، ومدرعة الشعر وإقباله على العبادة حتّى أكلت المدرعة من الشعر لحمه فنظر ذات يوم إلى ما قد نحل من جسمه فبكى فأوحى اللَّه عزّوجلّ إليه يا يحيى أ تبكي ممّا قد نحل من جسمك وعزّتي وجلالي لو اطّلعت إلى النار إطّلاعة لتدرّعت مدرعة الحديد فضلا عن المنسوج فبكى حتّى أكلت الدموع لحم خدّيه وبدا للناظرين أضراسه(3) .
قال تعالى : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )(4) .
ص: 272
وقال تعالى : ( تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ ) الآية(1) .
وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهَ ُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ )(2) .
وقال تعالى : ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي )(3) .
وقال تعالى : ( فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ )(4) .
وقال تعالى : ( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ )(5) .
وقال تعالى : ( وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِىَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ )(6) .
ص: 273
قال تعالى : ( وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ )(1) .
وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً )(2) .
عن الحسن بن عليّ عن أبيه جعن جدّه ج الرضا عن أبيه موسى بن جعفر علیه السلام قال قيل للصادق علیه السلام : صف لنا الموت . قال : « للمؤمن كاطيب ريح يشمّه فينعس(3) لطيبه وينقطع التعب والألم كلّه عنه وللكافر كلسع(4) الأفاعيّ ولدغ العقارب وأشدّ » ، قيل : فإنّ قوما يقولون إنّه أشدّ من نشر بالمناشر وقرض بالمقاريض ورضخ(5) بالأحجار وتدوير قطب الأرحية على لأحداق . قال : « كذلك هو على بعض الكافرين والفاجرين أ لا ترون منهم من يعاين تلك الشدائد فذلكم الّذي هو أشدّ من هذا الأمر عذاب الآخرة فإنّه أشدّ من عذاب الدنيا » ، قيل فما بالنا نرى
ص: 274
كافرا يسهل عليه النزع فينطفي وهو يحدّث ويضحك ويتكلّم وفي المؤمنين أيضا من يكون كذلك وفي المؤمنين والكافرين من يقاسي عند سكرات الموت هذه الشدائد . فقال : « ما كان من راحة للمؤمن هناك فهو تعجيل ثواب وما كان من شديد فتمحيصه(1) من ذنوبه ليرد الآخرة نقيّا نظيفا مستحقّا للثواب الأبد لا مانع له دونه ، وما كان من سهولة هناك على الكافر فليوفّى أجر حسناته في الدنيا ليرد الآخرة وليس له إلّا ما يوجب عليه العذاب وما كان من شدّة على الكافر هناك فهو إبتداء عذاب اللَّه له ذلكم بأنّ اللَّه عدل لا يجور »(2) .
وعن محمّد بن عليّ عن أبيه الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمّد عن أبيه محمّد بن عليّ عن أبيه عليّ بن الحسين عن أبيه الحسين علیه السلام قال قيل لأمير المؤمنين علیه السلام : صف لنا الموت ، فقال : « على الخبير سقطتم هو أحد ثلاثة أمور يرد عليه إمّا بشارة بنعيم الأبد وإمّا بشارة بعذاب الأبد وإمّا تحزين وتهويل وأمره مبهم لا يدري من أيّ الفرق هو فأمّا وليّنا المطيع لأمرنا فهو المبشّر بنعيم الأبد وأمّا عدوّنا المخالف علينا فهو المبشّر بعذاب الأبد وأمّا المبهم أمره الّذي لا يدرى ما حاله فهو المؤمن المسرف على نفسه لا يدرى ما يئول إليه حاله يأتيه الخبر مبهما مخوفا ثمّ لن يسوّيه اللَّه عزّوجلّ بأعدائنا لكن يخرجه من النار بشفاعتنا فاعملوا وأطيعوا لا تتّكلوا ولا تستصغروا عقوبة اللَّه عزّوجلّ فإنّ من المسرفين من لا تلحقه شفاعتنا إلّا بعد عذاب ثلاثمائة ألف سنة »(3) .
ص: 275
وقال محمّد بن عليّ علیه السلام قيل لعليّ بن الحسين علیه السلام : ما الموت ؟ قال : « للمؤمن كنزع ثياب وسخة قملة وفكّ قيود وأغلال ثقيلة والإستبدال بأفخر الثياب وأطيبها روائح وأوطإ المراكب وآنس المنازل وللكافر كخلع ثياب فاخرة والنقل عن منازل أنيسة والإستبدال بأوسخ الثياب وأخشنها وأوحش المنازل وأعظم العذاب »(1) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « لو أنّ مؤمنا أقسم على ربّه أن لا يميته ما أماته أبدا ولكن إذا كان ذلك أو إذا حضر أجله بعث اللَّه عزّوجلّ إليه ريحين ريحا يقال لها المنسية وريحا يقال لها المسخية فأمّا المنسية فإنّها تنسيه أهله وماله وأمّا المسخية فإنّها تسخي نفسه عن الدنيا حتّى يختار ما عنداللَّه »(2) .
وعن محمّد بن سليمان الديلميّ قال حدّثنا أبي قال سمعت الإفريقيّ يقول سألت أبا عبداللَّه علیه السلام عن المؤمن أ يستكره على قبض روحه ؟ قال : « لا واللَّه » ، قلت : وكيف ذاك ؟ قال : « لأنّه إذا حضره ملك الموت علیه السلام جزع فيقول له ملك الموت لا تجزع فو اللَّه لأنا [أنا] أبرّ بك وأشفق [عليك] من والد رحيم لو حضرك افتح عينيك فانظر [وانظر] قال ويتهلّل [يتمثّل] له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وأمير المؤمنين والحسن والحسين والأئمّة من بعدهم وفاطمة عليهم [الصلاة و] السلام والتحيّة والإكرام قال فينظر إليهم فيستبشر بهم فما رأيت شخصته تلك ؟ » قلت : بلى ، قال : « فإنّما ينظر إليهم » قال قلت جعلت فداك قد يشخص المؤمن والكافر ؟ قال : « ويحك إنّ الكافر يشخص منقلبا إلى خلفه لأنّ ملك الموت إنّما يأتيه ليحمله من
ص: 276
خلفه والمؤمن ينظر أمامه وينادي روحه مناد من قبل ربّ العزّة من بطنان العرش فوق الأفق الأعلى ويقول يا أيّتها النفس المطمئنّة إلى محمّد وآله إرجعي إلى ربّك راضية مرضيّة . فادخلي في عبادي وادخلي جنّتي . فيقول ملك الموت : إنّي قد أمرت أن أخيّرك الرجوع إلى الدنيا والمضيّ جقال ج فليس شي ء أحبّ إليه من إ سلال جانسلال ج(1) روحه »(2) .
وسئل الحسن بن عليّ بن أبي طالب علیه السلام : ما الموت الّذي جهلوه ؟ قال علیه السلام : « أعظم سرور يرد على المؤمنين إذ نقلوا عن دار النكد إلى نعيم الأبد وأعظم ثبور يرد على الكافرين إذ نقلوا عن جنّتهم إلى نار لا تبيد ولا تنفد »(3) .
وعن ياسر الخادم قال سمعت أبا الحسن الرضا علیه السلام يقول : « إنّ أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن يوم يولد ويخرج من بطن أمّه فيرى الدنيا ويوم يموت فيرى الآخرة وأهلها ويوم يبعث فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا وقد سلّم اللَّه عزّوجلّ على يحيى في هذه الثلاثة المواطن وآمن روعته فقال : ( وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً ) »(4) وقد سلّم عيسى إبن مريم علیه السلام على نفسه في هذه الثلاثة المواطن فقال : ( وَالسَّلَامُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً )(5) ، (6) .
ص: 277
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام : « أنّ أمير المؤمنين علیه السلام إ شتكى عينه فعاده النبيّ صلی الله علیه وآله فإذا هو يصيح فقال النبي صلی الله علیه وآله : أ جزعا ام وجعا(1) فقال : يا رسول اللَّه ما وجعت وجعا قطّ أشدّ منه ، فقال : يا عليّ إنّ ملك الموت إذا نزل لقبض روح الكافر نزل معه سفّود(2) من نار فينزع روحه به فتصيح جهنّم ، فاستوى عليّ علیه السلام جالسا فقال : يا رسول اللَّه أعد عليّ حديثك فلقد أنساني وجعي ما قلت ثمّ قال : هل يصيب ذلك أحدا من أمّتك ؟ قال صلی الله علیه وآله : نعم حاكم جائر وآكل مال اليتيم ظلما وشاهد زور »(3) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « إنّ عيسى إبن مريم جاء إلى قبر يحيى بن زكريّا علیه السلام وكان سأل ربّه أن يحييه له فدعاه فأجابه وخرج إليه من القبر فقال له : ما تريد منّي ؟ فقال له : أريد أن تؤنسني كما كنت في الدنيا ، فقال له : يا عيسى ما سكنت عنّي حرارة الموت وأنت تريد أن تعيدني إلى الدنيا وتعود علىّ حرارة الموت فتركه فعاد ألى قبره »(4) .
وعن أبي جعفر علیه السلام قال : « إنّ فتية من أولاد ملوك بني إ سرائيل كانوا متعبّدين وكانت العباد في أولاد ملوك بني إ سرائيل وإنّهم خرجوا يسيرون في البلاد ليعتبروا فمرّوا بقبر على ظهر الطريق قد سفى عليه السافي(5) ليس يبيّن منه إلّا رسمه فقالوا لو دعونا اللَّه الساعة فينشر لنا صاحب هذا القبر فساءلناه كيف وجد طعم الموت فدعوا اللَّه وكان دعاؤهم الّذي دعوا اللَّه به أنت إلهنا يا ربّنا ليس لنا إله
ص: 278
غيرك والبديع الدائم غير الغافل والحيّ الّذي لا يموت لك في كلّ يوم شأن تعلم كلّ شي ء بغير تعليم انشر لنا هذا الميّت بقدرتك ، قال : فخرج من ذلك القبر رجل أبيض الرأس واللحية ينفض رأسه من التراب فزعا شاخصا بصره إلى السماء فقال لهم : ما يوقفكم على قبري ؟ فقالوا : دعوناك لنسألك كيف وجدت طعم الموت ؟ فقال لهم : لقد سكنت في قبري تسعا وتسعين سنة ما ذهب عنّي ألم الموت وكربه ولا خرج مرارة طعم الموت من حلقي ، فقالوا له : متّ يوم متّ وأنت على ما نرى أبيض الرأس واللحية ؟ قال : لا ولكن لمّا سمعت الصيحة اخرج اجتمعت تربة عظامي إلى روحي فبقيت فيه فخرجت فزعا شاخصا بصري مهطعا(1) إلى صوت الداعي فابيضّ لذلك رأسي ولحيتي »(2) .
أمّا المؤمن :
فالآيات : قوله تعالى : ( وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ )(3) .
ومنها - ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهَ ُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ
ص: 279
لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ )(1) .
ومنها - ( يُثَبِّتُ اللَّهَ ُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ) الآية(2) .
وأمّا الأخبار الوارده فيه :
فمنها - سئل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله كيف يتوفّى ملك الموت المؤمن ؟ فقال : « إنّ ملك الموت ليقف من المؤمن عند موته موقف العبد الذليل من المولى فيقوم وأصحابه لا يدنون منه حتّى يبدأه بالتّسليم ويبشّره بالجنّة »(3) .
وقال أمير المؤمنين علیه السلام : « إنّ إبن آدم إذا كان في آخر يوم من أيّام الدنيا وأوّل يوم من أيّام الآخرة مثّل له ماله وولده وعمله فيلتفت إلى ماله فيقول واللَّه إنّي كنت عليك حريصا شحيحا(4) فما لي عندك ؟ فيقول : خذ منّي كفنك ، قال فيلتفت إلى ولده فيقول واللَّه إنّي كنت لكم محبّا وإنّي كنت عليكم محاميا فماذا لي عندكم ؟ فيقولون نؤدّيك إلى حفرتك نواريك فيها ، قال فيلتفت إلى عمله فيقول : واللَّه إنّي كنت فيك لزاهدا وإن كنت علىّ لثقيلا فماذا عندك ؟ فيقول : أنا قرينك في قبرك ويوم نشرك حتّى أعرض أنا وأنت على ربّك ، قال : فإن كان للَّه وليّا أتاه أطيب الناس ريحا وأحسنهم منظرا وأحسنهم رياشا(5) فقال : أبشر بروح وريحان وجنّة نعيم ومقدمك خير مقدم فيقول له : من أنت ؟ فيقول : أنا عملك الصالح إرتحل من
ص: 280
الدنيا إلى الجنّة وإنّه ليعرف غاسله ويناشد حامله أن يعجّله فإذا أدخل قبره أتاه ملكا القبر يجرّان أشعارهما ويخدّان الأرض بأقدامهما أصواتهما كالرّعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف فيقولان له من ربّك وما دينك ومن نبيّك ؟ فيقول : اللَّه ربّي وديني الإسلام ونبييّ محمّد صلی الله علیه وآله فيقولان له ثبّتك اللَّه فيما تحبّ وترضى وهو قول اللَّه عزّوجلّ - ( يُثَبِّتُ اللَّهَ ُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ )(1) ثمّ يفسحان له في قبره مدّ بصره ثمّ يفتحان له بابا إلى الجنّة ثمّ يقولان له نم قرير العين نوم الشابّ الناعم فإنّ اللَّه عزّوجلّ يقول - ( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً )(2) » ، (3) .
وقال أبو عبداللَّه علیه السلام : « إنّ المؤمنين إذا أخذوا مضاجعهم أصعد اللَّه بأرواحهم إليه فمن قضى له عليه الموت جعله في رياض الجنّة في كنوز رحمته ونور عزّته وإن لم يقدّر عليه الموت بعث بها مع أمنائه من الملائكة إلى الأبدان الّتي هو فيها »(4) .
وعن أبي بصير عن أحدهما علیه السلام قال : « إذا مات العبد المؤمن دخل معه في قبره ستّة صور فيهنّ صورة هي أحسنهنّ وجها وأبهاهنّ هيئة وأطيبهنّ ريحا وأنظفهنّ صورة ، قال فيقف صورة عن يمينه وأخرى عن يساره وأخرى بين يديه وأخرى خلفه وأخرى عند رجليه ويقف الّي هي أحسنهنّ فوق رأسه فإن أتى عن يمينه
ص: 281
منعته الّتي عن يمينه ثمّ كذلك إلى أن يؤتى من الجهات الستّ قال فتقول أحسنهنّ صورة : من أنتم جزاكم اللَّه عنّي خيرا ، فتقول الّتي عن يمين العبد أنا الصلاة وتقول الّتي عن يساره أنا الزكاة وتقول الّتي بين يديه أنا الصيام وتقول الّتي خلفه أنا الحجّ والعمرة وتقول الّتي عند رجليه أنا برّ من وصلت من إخوانك ثمّ يقلن من أنت ؟ فأنت أحسننا وجها وأطيبنا ريحا وأبهانا هيئة ، فتقول : أنا الولاية لآل محمّد صلی الله علیه وآله »(1) .
ما يراه الكافر عند موته وبعده .
فمن الآيات :
قوله تعالى : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِي * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )(2) .
وقوله تعالى : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى )(3) .
وقوله تعالى : ( قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ )(4) .
وقوله تعالى : ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ
ص: 282
فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ )(1) .
وقوله تعالى : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً ) الآية(2) .
وقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ )(3) .
وقوله تعالى : ( إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ . . . )(4) .
ومن الأخبار الواردة فيه :
قال أبو جعفر علیه السلام قال النبي صلی الله علیه وآله : « أنّ الكافر يضرب ضربة ما خلق اللَّه شيئا إلاّ سمعها ويذعر لها إلّا الثقلين » الحديث(5) .
وقال أمير المؤمنين في حديث نقلنا شطرا منه - ممّا يراه الؤمن بعد موته - ما هذا لفظه : « وإن كان لربّه عدوّا فإنّه يأتيه أقبح من خلق اللَّه زيّا ورؤيا وأنتنه ريحا فيقول له أبشر بنزل من حميم وتصلية جحيم(6) وإنّه ليعرف غاسله ويناشد حملته أن يحبسوه فإذا أدخل القبر أتاه ممتحنا القبر فألقيا عنه أكفانه ثمّ يقولان له من ربّك وما دينك ومن نبيّك ؟ فيقول : لا أدرى فيقولان لا دريت ولا هديت فيضربان
ص: 283
يافوخه(1) بمرزبة معهما ضربة ما خلق اللَّه عزّوجلّ من دابة إلّا وتذعر لها ما خلا الثقلين(2) ثمّ يفتحان له بابا إلى النار ثمّ يقولان له - إلى أن قال علیه السلام - حتّى إنّ دماغه ليخرج من بين ظفره ولحمه ويسلّط اللَّه عليه حيّات الأرض وعقاربها » الحديث(3) .
وعن موسى بن جعفر عن أبيه الصادق جعفر بن محمّد علیه السلام أنّه قال : « إذا مات المؤمن شيّعه سبعون ألف ملك إلى قبره » - وساق الحديث إلى أن قال علیه السلام - « وإذا مات الكافر شيّعه سبعون ألفا من الزبانية إلى قبره وإنّه ليناشد حامليه بصوت يسمعه كلّ شي ء إلّا الثقلان ويقول ( لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً)(4) فأكون من المؤمنين ويقول ( ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ )(5) فتجيبه الزبانية ( كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ )(6) أنت قائلها ويناديهم ملك لو ردّ لعاد نهي عنه فإذا أدخل قبره وفارقه الناس أتاه منكر ونكير في أهول صورة فيقيمانه ثمّ يقولان له من ربّك وما دينك ومن نبيّك ؟ فيتلجلج لسانه ولا يقدر على الجواب فيضربانه ضربة من عذاب اللَّه يذعر لها كلّ شي ء ثمّ يقولان له من ربّك وما دينك ومن نبيّك ؟ فيقول لا أدري فيقولان له لا دريت ولا هديت ولا أفلحت ثمّ يفتحان له بابا إلى النار وينزلان إليه
ص: 284
الحميم من جهنّم وذلك قول اللَّه عزّوجلّ - ( وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ )(1) يعني في القبر ( وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ )(2) يعني في الآخرة »(3) .
وعن الصادق علیه السلام - في خبر في سؤال الملكين بعد ذكر سؤال المؤمن قال : « فينادي مناد من السماء كذب عبدي(4) أفرشوا له في قبره من النار وألبسوه من ثياب النار وإفتحوا له بابا إلى النار حتّى يأتينا وما عندنا شرّ له فيضربانه بمرزبة ثلاث ضربات ليس منها ضربة إلّا يتطاير قبره نارا لو ضرب بتلك المرزبة جبال تهامة(5) لكانت رميما وقال أبو عبداللَّه علیه السلام ويسلّط اللَّه عليه في قبره الحيّات تنهشه نهشا والشيطان يغمّه غمّا قال ويسمع عذابه من خلق اللَّه إلّا الجنّ والإنس قال وإنّه ليسمع خفق نعالهم(6) ونقض أيديهم وهو قول اللَّه عزّوجلّ - ( يُثَبِّتُ اللَّهَ ُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهَ ُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهَ ُ مَا يَشَاءُ ) »(7) .
قال علیه السلام : « ويسمع عذابه من خلق اللَّه إلّا الجنّ والإنس »(8) .
ص: 285
قال تعالى : ( فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ )(1) .
دخل أرطاة بن سهيّة على عبد الملك ، فقال له : كيف حالك - وقد كان أسنّ - فقال : ضعفت أوصالي ، وقلّ مالي ، وقلّ منّي ما كنت أحبّ كثرته وكثر منّي ما كنت أحبّ قلّته . قال : فكيف أنت في شعرك ؟ فقال : واللَّه ما أطرب ، ولا أغضب ، ولا أرغب ، ولا أرهب وما يكون الشعر إلّا من نتائج هذه الأربع ، وعلى أنّي القائل :
رأيت المرء تأكله الليالي * كأكل الأرض ساقطة الحديد
وما تبغي المنيّة حين تأتي * على نفس إبن آدم من مزيد
وأعلم أنّها ستكرّ حتّى * توفّى نذرها بأبي الوليد
فارتاع عبد الملك ثمّ قال : بل توفّى نذرها بك ويلك مالي ولك . فقال : لا ترع ، فإنّما عنيت نفسي وكان أرطأة يكنّى أبا الوليد ، فسكن عبد الملك ، ثمّ إ ستعبر باكيا ثمّ قال : أما واللَّه على ذلك ، لتلمّنّ بي(2) ، (3) .
وهذا الكلام يدلّ على صحة القول بعذاب القبر وأصحابنا كلّهم يذهبون إليه وإن شنع عليهم أعداؤهم من الأشعرية وغيرهم بجحده .
ويمكن أن يعنى به ما كان علیه السلام يقوله عن نفسه إنّه لا يموت ميّت حتّى يشاهده علیه السلام حاضرا عندهو والشيعة تذهب إلى هذا القول وتعتقده .
وتروي عنه علیه السلام شعرا قاله للحارث الأعور الهمداني :
ص: 286
يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا
يعرفني طرفه وأعرفه * بعينه وإ سمه وما فعلا
أقول للنار وهي توقد للعرض * ذريه لا تقربى الرجلا
ذرية لا تقربيه إن له * حبلا بحبل الوصيّ متّصلا
وأنت يا حار إن تمت ترني * فلا تخف عثرة ولا زللا
أسقيك من بارد على ظمإ * تخاله في الحلاوة العسلا
وليس هذا بمنكر إن صحّ أنّه علیه السلام قاله عن نفسه ففي الكتاب العزيز ما يدلّ على أنّ أهل الكتاب لا يموت منهم ميّت حتّى يصدق بعيسى إبن مريم علیه السلام وذلك قوله تعالى : ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً )(1) قال كثير من المفسّرين : معني ذلك أن كلّ ميّت من اليهود وغيرهم من أهل الكتب السالفة إذا إحتضر رأى المسيح عيسى عنده فيصدق به من لم يكن في أوقاف التكليف مصدّقا به(2) .
ولكن لم يرو الشيعة نفس الشعر له علیه السلام بل مضمونه ، وانّما نظّم الحميري مضمون كلامه علیه السلام فعن الأصبغ : أنّ الحارث دخل عليه علیه السلام وكانت له منه منزلة ، فقال علیه السلام له : « وأبشّرك يا حارث تعرفني عند الممات ، وعند الصراط ، وعند الحوض ، وعند المقاسمة » ، قال : وما المقاسمة ؟ قال علیه السلام : « مقاسمة النار ، أقول : هذا وليّي فاتركيه ، وهذا عدوّي فخذيه » . ثمّ قال جميل : وأنشدني السيّد الحميري في ما تضمّنه هذا الخبر - ثمّ نقل أبياته وأوّلها :
ص: 287
قول عليّ لحارث عجب * كم ثمّ أعجوبة له حملا
يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا
وأنت عند الصراط تعرفني * فلا تخف عثرة ولا زللا
أسقيك من بارد على ظمأ * تخاله في الحلاوة العسلا(1)
وقال الشيخ ؛ : إعتقادنا في المساءلة في القبر أنّها حقّ لا بدّ منها ، فمن أجاب بالصّواب فاز بروح وريحان في قبره ، وبجنّة نعيم في الآخرة ، ومن لم يأت بالصّواب فله نزل من حميم في قبره وتصلية جحيم في الآخرة .
وأكثر ما يكون عذاب القبر من النميمة ، وسوء الخلق ، والإستخفاف بالبول .
وأشدّ ما يكون عذاب القبر على المؤمن مثل إختلاج العين أو شرطة حجام ويكون ذلك كفّارة لمّا بقي عليه من الذنوب الّتي لم تكفّرها الهموم والغموم والأمراض وشدّة النزع عند الموت ، فإنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله كفّن فاطمة بنت أسد في قميصه بعد ما فرغ النساء من غسلها ، وحمل جنازتها على عاتقه فلم يزل تحت جنازتها حتّى أوردها قبرها ، ثمّ وضعها ودخل القبر وإضطجع فيه ، ثمّ قام فأخذها على يديه ووضعها في قبرها ، ثمّ إنكبّ عليها يناجيها طويلا ويقول لها : إبنك إبنك ، ثمّ خرج وسوّى عليها التراب ، ثمّ إنكبّ على قبرها ، فسمعوه وهو يقول : « اللهمّ إنّي إ ستودعتها إيّاك » ثمّ إنصرف .
فقال له المسلمون : يا رسول اللَّه ، إنّا رأيناك صنعت اليوم شيئا لم تصنعه قبل اليوم ؟
فقال : « اليوم فقدت برّ أبي طالب ، إنّها كانت يكون عندها الشي ء فتؤثرني به
ص: 288
على نفسها وولدها . وإنّي ذكرت يوم القيامة يوما وأنّ الناس يحشرون عراة ، فقالت : وا سوأتا ، فضمنت لها أن يبعثها اللَّه كاسية . وذكرت ضغطة القبر ، فقالت : وا ضعفاه ، فضمنت لها أن يكفيها اللَّه ذلك . فكفّيتها بقميصي وإضطجعت في قبرها لذلك ، وإنكببت عليها فلقّنتها ما تسأل عنه .
وإنّما سئلت عن ربّها فقالت اللَّه ، وسئلت عن نبيّها فأجابت « 1 » ، وسئلت عن وليّها وإمامها فارتجّ عليها ، فقلت لها : إبنك ، إبنك »(1) .
الإبصار قد يجي ء بمعني البصيرة كما في قوله تعالى : ( فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً )(2) وقد يجي ء بمعني الرؤية بالبصر كما في هذا المورد .
قال تعالى : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ )(3) .
وفي الخبر إنّ شابّا من الأنصار كان يأتي عبداللَّه بن عبّاس وكان عبداللَّه يكرمه ويدنيه فقيل له إنّك تكرم هذا الشابّ وتدنيه وهو شابّ سوء يأتي القبور فينبشها باللّيالي ، فقال عبداللَّه بن عبّاس إذا كان ذلك فأعلموني ، قال فخرج الشابّ في
ص: 289
بعض الليالي يتخلّل القبور فأعلم عبداللَّه بن عبّاس بذلك فخرج لينظر ما يكون من أمره ووقف ناحية ينظر إليه من حيث لا يراه الشابّ قال فدخل قبرا قد حفر ثمّ إضطجع في اللحد ونادي بأعلى صوته يا ويحي إذا دخلت لحدي وحدي ونطقت الأرض من تحتي فقالت لا مرحبا بك ولا أهلا قد كنت أبغضك وأنت على ظهري فكيف وقد صرت في بطني بل ويحي إذا نظرت إلى الأنبياء وقوفا والملائكة صفوفا فمن عدلك غدا من يخلّصني ومن المظلومين من يستنقذني ومن عذاب النار من يجيرني ؟ عصيت من ليس بأهل أن يعصي عاهدت ربّي مرّة بعد أخرى فلم يجد عندي صدقا ولا وفاء وجعل يردّد هذا الكلام ويبكي فلمّا خرج من القبر إلتزمه إبن عبّاس وعانقه ثمّ قال له : نعم النبّاش نعم النبّاش ما أنبشك للذنوب والخطايا ثمّ تفرّقا(1) .
قال اللَّه تعالى : ( قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ )(2) .
وقال تعالى : ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ )(3) .
وقال تعالى : ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِاُوْلِي الْأَلْبَابِ )(4) .
ص: 290
وقال تعالى : ( وَلَقَد تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ )(1) .
وقال تعالى : ( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ )(2) .
وقال تعالى : ( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهَ ُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )(3) .
وقال تعالى : ( وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ )(4) .
وقال تعالى : ( كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ )(5) .
وقال تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِاَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنْ اللَّهِ فَأَتَاهُمْ اللَّهَ ُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ )(6) .
وقال تعالى : ( لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )(7) .
ص: 291
عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : كان أمير المؤمنين علیه السلام يقول « نبّه بالتّفكّر قلبك وجاف عن الليل جنبك واتّق اللَّه ربّك »(1) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « أفضل العبادة إدمان التفكّر في اللَّه وفي قدرته »(2) .
وعن الصادق علیه السلام قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أغفل الناس من لم يتّعظ بتغيّر الدنيا من حال إلى حال »(3) .
وعن إ سماعيل بن بشر بن عمّار قال كتب هارون الرشيد إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عظني وأوجز . قال : فكتب علیه السلام إليه : « ما من شي ء تراه عينك إلّا وفيه موعظة »(4) .
وقال الصادق علیه السلام : « إعتبروا بما مضى من الدنيا هل بقي على أحد أو هل فيها باق من الشريف والوضيع والغنيّ والفقير والوليّ والعدوّ فكذلك ما لم يأت منها بما مضى أشبه من الماء بالماء قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : كفى بالموت واعظا وبالعقل دليلا وبالتقوى زادا وبالعبادة شغلا وباللَّه مونسا وبالقرآن بيانا »(5) .
ولمّا توجّه عليّ علیه السلام إلى صفّين إنتهى إلى ساباط - المدائن - ثمّ إلى مدينة بهرسير وإذا رجل من أصحابه يقال له حريز بن سهم من بني ربيعة ينظر إلى آثار كسرى وهو يتمثّل بقول إبن يعفر التميمي :
جرت الرياح على مكان ديارهم * فكأنّما كانوا على ميعاد
ص: 292
فقال عليّ علیه السلام أفلا قلت : « ( كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ )(1) إنّ هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا موروثين إنّ هؤلاء لم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم بالمعصية إيّاكم وكفر النعم لا تحلّ بكم النقم »(2) .
قال المسعوديّ في مروج الذهب ، سعي إلى المتوكّل بعليّ بن محمّد الجواد علیه السلام - وساق الحديث إلى أن - قال المتوكّل : أنشدني شعرا فقال علیه السلام : « إنّي قليل الرواية للشعر » فقال : لا بدّ فأنشده علیه السلام وهو جالس عنده
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم * غلب الرجال فلم تنفعهم القلل
وإ ستنزلوا بعد عزّ من معاقلهم * وأسكنوا حفرا يا بئسما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد دفنهم* أين الأساور والتيجان والحلل
أين الوجوه الّتي كانت منعّمة * من دونها تضرب الأستار والكلل
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم * تلك الوجوه عليها الدود تقتتل
قد طال ما أكلوا دهرا وقد شربوا * وأصبحوا اليوم بعد الأكل قد أكلوا(3)
قال اللَّه تعالى : ( وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ
ص: 293
النُّذُرُ ) إلى قوله تعالى : ( وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ )(1) .
وقال تعالى : ( كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ )(2) .
وقال تعالى : ( وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ )(3) . والآيات في هذا الباب كثيرة .
عن وهب قال لمّا تمّ لهود علیه السلام أربعون سنة أوحى اللَّه إليه أن ائت قومك فادعهم إلى عبادتي وتوحيدي فإن أجابوك زدتهم قوّة وأموالا فبينا هم مجتمعون إذ أتاهم هود ( فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) فقالوا : يا هود لقد كنت عندنا ثقة أمينا . قال : فإنّي رسول اللَّه إليكم دعوا عبادة الأصنام . فلمّا سمعوا ذلك منه بطشوا به وخنقوه وتركوه كالميّت فبقي يومه وليلته مغشيّا عليه فلمّا أفاق قال : يا ربّ إنّي قد عملت وقد ترى ما فعل بي قومي . فجاء جبرئيل علیه السلام فقال : يا هود إنّ اللَّه تعالى يأمرك أن لا تفتر عن دعائهم وقد وعدك أن يلقى في قلوبهم الرعب فلا يقدرون على ضربك بعدها فأتاهم هود فقال لهم : قد تجبرتم في الأرض وأكثرتم الفساد . فقالوا : يا هود أترك هذا القول فإنّا إن بطشنا بك الثانية نسيت الأولى فقال دعوا هذا وإرجعوا إلى اللَّه وتوبوا إليه . فلمّا رأى القوم ما لبسهم من الرعب علموا أنّهم لا يقدرون على ضربه الثانية فاجتمعوا بقوّتهم فصاح بهم هود علیه السلام صيحة فسقطوا لوجوههم ثمّ قال : يا قوم قد تماديتم في الكفر كما تمادى قوم نوح علیه السلام
ص: 294
وخليق أن أدعو عليكم كما دعا نوح على قومه الحديث(1) .
وكذلك قوم صالح وقوم نوح ولم يكن ما وقع عليهم إلّا لعدم مبالاتهم بالنّذر .
قال اللَّه تعالى : ( أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ )(2) .
وقال تعالى : ( أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ) الآيات(3) .
قال تعالى : ( وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِىَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ )(4) .
وقال اللَّه تبارك وتعالى : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً )(5) .
أقول : ندبة جليلة مطابقة المضامين لهذه الخطبة الشريفة لسبطه الأجل زين العابدين وسيّد الساجدين سلام اللَّه عليهما من ربّ العالمين مضافا إلى ما فيها من المواعظ الحسنة والفوائد الجمّة وهي ما رواها شاكر بن غنيمة بن أبي الفضل عن عبد الجبّار الهاشمي قال : سمعت هذه الندبة من الشيخ أبي بشر بن أبي طالب
ص: 295
الكندي يرويها عن أبي عيينة الزهري قال : كان عليّ بن الحسين علیه السلام يناجي ويقول : « قل لمن قلّ عزاؤه ، وطال بكاؤه ، ودام عناؤه ، وبان صبره ، وتقسم فكره ، وإلتبس عليه أمره ، من فقد الأولاد ، ومفارقة الآباء والأجداد ، والإمتعاض بشماتة الحسّاد : ( أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ )(1) » شعر :
تعزّ فكل للمنيّة ذائق * وكلّ إبن أنثى للحياة مفارق
فعمر الفتى للحادثات ذريئة * تناهبه ساعاتها والدقايق
كذا تتفانى واحد بعد واحد * وتطرقنا بالحادثات الطوارق
فحسّن الأعمال ، وجمّل الأفعال ، وقصّر الآمال الطوال ، فما عن سبيل المنية مذهب ، ولا عن سيف الحمام مهرب ، ولا إلى قصد النجاة مطلب ، فيا أيّها الإنسان المتسخّط على الزمان ، والدهر الخوّان ، مالك والخلود إلى دار الأحزان ، والسكون إلى دار الهوان ، وقد نطق القرآن بالبيان الواضح في سورة الرحمن : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )(2) شعر :
وفيم وحتّى م الشكاية والردى * جموح لآجال البريّة لاحق
فكلّ إبن أنثى هالك وإبن هالك * لمن ضمّنته غربها والمشارق
فلا بدّ من إدراك ما هو كائن * ولا بدّ من إتيان ما هو سابق
فالشّباب للهرم ، والصحّة للسقم والوجود للعدم ، وكلّ حيّ لا شكّ مخترم ، بذلك جرى القلم ، على صفحة اللوح في القدم ، فما هذا التلهّف والندم ؟ وقد خلت من قبلكم الأمم شعر :
ص: 296
أ ترجو نجاة من حياة سقيمة * وسهم المنايا للخليقة راشق
سرورك موصول بفقدان لذّة * ومن دون ما تهواه تأتي العوائق
وحبّك للدنيا غرور وباطل * وفي ضمنها للراغبين البوائق
أ في الحياة طمع ؟ أم إلى الخلود نزع ؟ أم لما فات مرتجع ؟ ورحي المنون دائرة ، وأفراسها غائرة ، وسطواتها قاهرة ، فقرب الزاد ، ليوم المعاد ، ولا تتوطّ على غير مهاد وتعمّد الصواب ، وحقّق الجواب ، فلكلّ أجل كتاب ، يمحو اللَّه ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب شعر :
فسوف تلاقي حاكما ليس عنده * سوى العدل لا يخفى عليه المنافق
يميّز أفعال العباد بلطفه * ويظهر منه عند ذاك الحقائق
فمن حسنت أفعاله فهو فايز * ومن قبحت أفعاله فهو زاهق
أين السلف الماضون ؟ والأهلون والأقربون ؟ والأوّلون والآخرون ؟ والأنبياء والمرسلون ؟ طحنتهم واللَّه المنون ، وتوالت عليهم السنون ، وفقدتهم العيون ، وإنّا إليهم صائرون ، فإنّا للَّه وإنّا إليه راجعون شعر :
إذا كان هذا نهج من كان قبلنا * فإنّا على آثارهم نتلاحق
فكن عالما ان سوف تدرك من مضى * ولو عصمتك الراسيات الشواهق
فما هذه دارالمقامةفاعملن «فاعلمن» * ولو عمّر الإنسان ما ذرّ شارق
أين من شقّ الأنهار ؟ وغرس الأشجار وعمر الديار ؟ ألم تمح منهم الآثار ؟ وتحلّ بهم دار البوار ؟ فاخش الجوار ، فلك اليوم بالقوم إعتبار ، فإنّما الدنيا متاع والآخرة هي دار القرار شعر :
تخرّمهم ريب المنون فلم تكن * لتنفعهم جنّاتهم والحدائق
ص: 297
ولا حملتهم حين ولّوا بجمعهم * نجائبهم والصافنات السوابق
وراحوا عن الأموال صفرا وخلّفوا * ذخايرهم بالرّغم منهم وفارقوا
أين من بني القصور والدساكر ؟ وهزم الجيوش والعساكر ؟ وجمع الأموال والذخائر ؟ وحاز الآثام والجرائر ؟ أين الملوك والفراعنة ؟ والأكاسرة والسياسنة ؟ أين العمّال والدهاقنة ؟ أين ذووا النواحي والرساتيق ؟ والأعلام والمناجيق ، والعهود والمواثيق شعر :
كأن لم يكونوا أهل عزّ ومنعة * ولا رفعت أعلامهم والمناجق
ولا سكنوا تلك القصور الّتي بنوا * ولا أخذت منهم بعهد مواثق
وصاروا قبورا دارسات وأصبحت * منازلهم تسفى عليه الخوافق
ما هذه الحيرة والسبيل واضح ؛ والمشير ناصح ، والصواب لائح ، عقلت فاغفلت ، وعرفت فانكرت ، وعلمت فاهملت ، هذا هو الداء الّذي عزّ دواؤه ، والمرض الّذي لا يرجى شفاؤه ، والأمل الّذي لا يدرك إنتهاؤه ، أ فأمنت الأيّام ؛ وطول الأسقام ، ونزول الحمّام ، واللَّه يدعو إلى دار السلام شعر :
لقد شقيت نفس تتابع غيّها * وتصدف عن إرشادها وتفارق
وتأمّل ما لا يستطاع بحيلة(1)
وتعصيك إن خالفتها وتشاقق * وتصغى إلى قول الغويّ وتنثنى
وتعرض عن تصديق من هو صادق * فيا عاقلا راحلا ، ولبيبا جاهلا ، ومتيقّظا غافلا ، أتفرح بنعيم زائل ، وسرور حائل ، ورفيق خاذل ، فيا أيّها المفتون بعمله ، الغافل عن حلول أجله ، والخائض في بحار زلله ، ما هذا التقصير وقد وخطك القتير ، ووافاك النذير ، وإلى اللَّه المصير
ص: 298
شعر :
طلابك أمر لا يتمّ سروره * وجهدك بإ ستصحاب من لا يوافق
وأنت كمن يبني بناء وغيره * يعاجله في هدمه ويسابق
وينسج آمالا طوالا بعيدة * ويعلم أنّ الدهر للنسج خارق
ليست الطريقة لمن ليس له الحقيقة ، ولا يرجع خليقة : إلى كم تكدح ولا تقنع ؟ وتجمع ولا تشبع ؛ وتوفر لما تجمع ، وهو لغيرك مودع ، ما ذا الرأى العازب ، والرشد الغايب ، والأمل الكاذب ، ستنقل عن القصور ، ورباب الخدور ، والجذل والسرور إلى ضيق القبور ، ومن دار الفناء إلى دار الحبور ، ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ )(1) ، وما الحياة الدنيا إلّا متاع الغرور ، شعر :
فعالك هذا غرّة وجهالة * وتحسب يا ذا الجهل أنّك حاذق
تظنّ بجهل منك أنّك راتق * وجهلك بالعقبى لدينك فاتق
توخّيك من هذا أدلّ دلالة * وأوضح برهانا بأنّك مائق
عجبا لغافل عن صلاحه ، مبادر إلى لذّاته وأفراحه ، والموت طريده « في خ » مسائه وصباحه فيا قليل التحصيل ، ويا كثير التعطيل ، ويا ذا الأمل الطويل ، ( أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ )(2) ، بناؤك للخراب ، ومالك للذهاب ، و أجلك إلى إقتراب شعر :
وأنت على الدنيا حريص مكاثر * كأنّك منها بالسّلامة واثق
تحدّثك الاطماع أنّك للبقا * خلقت وأنّ الدهر خلّ موافق.
ص: 299
كأنّك لم تبصر اناسا ترادفت * عليهم بأسباب المنون اللواحق
هذه حالة من لا يدوم سروره ، ولا تتمّ أموره ، ولا يفّك أسيره ، أتفرح بمالك ونفسك وولدك وغرسك « عرسك » ، وعن قليل تصير إلى رمسك ، وأنت بين طيّ ونشر ، وغنى وفقر ، ووفاء وغدر ، فيا من القليل لا يرضيه ، والكثير لا يغنيه ، اعمل ما شئت أنّك ملاقيه ، ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ )(1) شعر :
سيقفر بيت كنت فرحة أهله * ويهجر مثواك الصديق المصادق
وينساك من صافيته وألّفته * ويجفوك ذو الودّ الصحيح الموافق
على ذا مضى الناس إجتماع وفرقة * وميت ومولود وقال ووامق
أفّ لدنيا لا يرقى سليمها ، ولا يصحّ سقيمها ، ولا يندمل كلومها ، وعودها كاذبة ، وسهامها صائبة ، وآمالها خائبة ، لا تقيم على حال ، ولا تمتّع بوصال ، ولا تسرّ بنوال شعر :
وتلك لمن يهوى هواها مليكة * تعبّده أفعالها والطرائق
يسرّ بها من ليس يعرف غدرها * ويسعى إلى تطلابها ويسابق
إذا عدلت جارت على أثر عدلها * فمكروهة أفعالها والخلائق
فيا ذا السطوة والقدرة ، والمعجب بالكثرة ، ما هذه الحيرة والفترة ، لك فيمن مضى عبرة ، وليؤذن الغافلوان عمّا إليه يصيرون ، إذا تحقّقت الظنون ، وظهر السرّ المكنون وتندمون حين لا تقالون ، ثمّ إنّكم بعد ذلك لميّتون شعر :
سيندم فعّال على سوء فعله * ويزداد منه عند ذاك التشاهق
ص: 300
إذا عاينوا من ذى الجلال إقتداره * وذو قوّة من كان قد ما يداقق
هنالك تتلو كلّ نفس كتابها * فيطفو ذو عد ويرسب فاسق
إلى كم ذا التشاغل بالتّجارة والأرباح ؟ إلى كم ذا التهور بالسّرور والأفراح ؟ وحتّام التغرير بالسّلامة في مراكب النياح ؟ من ذا الّذي سالمه الدهر فسالم ( فسلم ) ، ومن ذا الّذي تاجره الزمان فغنم ، ومن ذا الّذي إ سترحم الأيّام فرحم ، إعتمادك على الصحة والسلامة خرق ، وسكونك إلى المال والولد حمق ، والإغترار بعواقب الأمور خلق ، فدونك وحزم الأمور ، والتيقظ ليوم النشور ، وطول اللبث في صفحات القبور ، فلا تغرّنّكم الحياة الدنيا ولا يغرّنّكم باللَّه الغرور شعر :
فمن صاحب الأيّام سبعين حجّة * فلذّاتها لا شكّ منه طوالق
فعقبى حلاوات الزمان مريرة * وإن عذبت حينا فحينا خرابق
ومن طرفته الحادثات بويلها * فلا بدّ أن تاتيه فيها الصواعق
فما هذه الطمأنينة وأنت مزعج ؟ وما هذه الولوج وأنت مخرج ؟ جمعك إلى تفريق ورفوك ( وفرّك خ ) إلى تمزيق ، وسعتك إلى ضيق ، فيا أيّها المفتون ، والطامع بما لا يكون ، ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ) شعر :
ستندم عند الموت شرّ ندامة * إذا ضمّ أعضاك الثرى والمطابق
وعاينت أعلام المنيّة والردى * ووافاك ما تبيضّ منه المفارق
وصرت رهينا في ضريحك مفردا * وباعدك الجار القريب الملاصق
فيا من عدم رشده ، وجار قصده ، ونسى ورده ، إلى متى تواصل بالذّنوب وأوقاتك محدودة ، وأفعالك مشهودة ، أ فتعول على الإعتذار ،
ص: 301
وتهمل الأعذار والإنذار ، وأنت مقيم على الإصرار ، ( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ) شعر :
إذا نصب الميزان للفصل والقضا * وإبليس محجاج واخرس ناطق
واجّجت النيران وإ شتدّ غيظها * إذا فتحت أبوابها والمغالق
وقطّعت الأسباب من كلّ ظالم * يقيم على اسراره وينافق
فقدّم التوبة ، وإغسل الحوبة ، فلا بدّ أن تبلغ إليك النوبة ، وحسن العمل قبل حلول الأجل وإنقطاع الأمل ، فكلّ غائب قادم ، وكلّ عريب عازم ( وكلّ غريب غارم خ ) ، وكلّ مفرط نادم ، فاعمل للخلاص قبل القصاص ، والأخذ النواص شعر :
فإنّك مأخوذ بما قد جنيته * وإنّك مطلوب بما أنت سارق
وذنبك إن أبغضته فمعانق * ومالك ان أحببته فمفارق
فقارب وسدّد وإتّق اللَّه وحده * ولا تستقلّ الزاد فالموت طارق
( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ )(1) ، (2) .
ص: 302
بسم الله الرحم نالرحیم
فَإِنَّ الْغَايَةَ أَمَامَكُمْ وَ إِنَّ وَرَاءَكُمُ السَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ - تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا فَإِنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأَوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ
عن علي علیه السلام : « الموت غاية المخلوقين »(1) .
قال تعالى : ( أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ )(2) .
وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْ ءٌ عَظِيمٌ )(3) .
وقال تعالى : ( وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً )(4) .
ص: 303
وقال تعالى : ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ )(1) .
وقال تعالى : ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ )(2) .
وقال تعالى : ( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً )(3) .
وقال تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ )(4) .
وقال تعالى : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ )(5) .
وقال تعالى : ( إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ )(6) .
وقال تعالى : ( لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا )(7) الآية .
وقال تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا )(8) الآية .
وقال تعالى : ( وَللَّهِ َِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ )(9) .
ص: 304
وقال تعالى : ( اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ )(1) .
وقال تعالى : ( بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ )(2) .
قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لعبداللَّه بن عمر : « إذا أصبحت فلا تحدّث نفسك بالمساء وأذا أمسيت فلا تحدّث نفسك بالصّباح وخذ من حياتك لموتك ومن صحّتك لسقمك فإنّك يا عبداللَّه ما تدري ما اسمك غدا »(3) .
وقال سلمان الفارسيّ 2 ثلاث أعجبتني حتّى أضحكتني : مؤمّل الدنيا والموت يطلبه وغافل وليس بمغفول عنه وضاحك مل ء فيه لا يدري أ ساخط ربّ العالمين عليه أم راض عنه(4) .
روي انّ سلمان الفارسي لمّا بعث إلى المدائن ركب حماره وحده فأتّصل بالمداين خبر قدومه فاستقبله أصناف الناس على طبقاتهم فلمّا رأوه قالوا : أيّها الشيخ إبن خلفت قال : ومن أميركم ، قالوا : الأمير سلمان الفارسي ؛ صاحب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فقال : لا أعرف الأمير وأنا سلمان ولست بأمير ، فترجلوا له وقادوا إليه المراكب والجنائب ، فقال : انّ حماري هذا خير لي وارفق . فلمّا دخل البلد أرادوا أن ينزلوه دار الإمارة . قال : كيف أنزل دار الإمارة ولست بأمير فنزل على حانوت في السوق ، فقال : ادعوا لي صاحب الحانوت فاستاجر منه وجلس هناك
ص: 305
يقضي بين الناس وكان معه وطاء يجلس عليه ومطهرة يتطهّر بها للصلوة وعكازة يعتمد عليها في المشي فاتّفق انّ سيلا وقع في البلد وإرتفع صياح الناس بالويل والعويل يقولون وا أهلاه ووا ولداه وامالاه ، فقام سلمان ووضع وطائه في عاتقه وأخذ مطهرته وعكازته بيده وإرتفع على الصعيد وقال : هكذا ينجو المخفّفون يوم القيامة(1) .
وقيل إنّ سلمان الفارسيّ 2 لمّا مرض مرضه الّذي مات فيه أتاه سعد يعوده فقال : كيف تجدك يا أبا عبداللَّه ؟ فبكى فقال : ما يبكيك ؟ فقال : واللَّه ما أبكي حرصا على الدنيا ولا حبّا لها ولكنّ أمير المؤمنين علیه السلام عهد إلينا عهدا فقال : ليكن بلاغ أحدكم كزاد الراكب فأخشى أن يكون قد جاوزنا أمره وهذه الأساود(2) حولي وليس حوله إلّا مطهرة وإجّانة وجفنة(3) .
وقيل دخل رجل على سلمان فلم يجد في بيته إلّا سيفا ومصحفا فقال له : ما في بيتك إلّا ما أرى . قال : إنّ أمامنا عقبه كئودا فإنّا قد قدّمنا متاعنا إلى المنزل أوّلا فأوّلا ، وقال وقع حريق بالمدائن فأخذ سلمان سيفه ومصحفه وخرج من البلد وقال هكذا ينجو المخفّون(4) .
ودخل قوم على سلمان وهو أمير المدائن وهو يعمل الخوص فقيل له : لم تعمل هذا وأنت أمير يجرى عليك رزق ؟ فقال : إنّي أحبّ أن آكل من عمل يدي(5) .
ص: 306
وعن الحسن قال : كان عطاء سلمان خمسة آلاف وكان على ثلاثين ألفا من الناس يخطب في عبائة يفترش نصفها ويلبس نصفها وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف(1) يده(2) .
وعن إبن أبي يعفور عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « إنّ فقراء المسلمين يتقلّبون في رياض الجنّة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا » ثمّ قال : « سأضرب لك مثل ذلك إنّما مثل ذلك مثل سفينتين مرّ بهما على عاشر فنظر في إحداهما فلم ير فيها شيئا فقال أسربوها ونظر في الأخرى فإذا هي موقورة فقال إحبسوها »(3) .
وعن سعدان قال قال أبو عبداللَّه علیه السلام : « إنّ اللَّه عزّوجلّ يلتفت - يوم القيامة إلى فقراء المؤمنين شبيها بالمعتذر إليهم فيقول وعزّتي وجلالي ما أفقرتكم في الدنيا من هوان بكم عليّ ولترونّ ما أصنع بكم اليوم فمن زوّد أحدا منكم في دار الدنيا معروفا فخذوا بيده فأدخلوه الجنّة قال فيقول رجل منهم يا ربّ إنّ أهل الدنيا تنافسوا في دنياهم فنكحوا النساء ولبسوا الثياب اللينة وأكلوا الطعام وسكنوا الدور وركبوا المشهور من الدواب(4) فأعطني مثل ما أعطيتهم فيقول تبارك وتعالى لك ولكلّ عبد منكم مثل ما أعطيت أهل الدنيا منذ كانت الدنيا إلى أن إنقضت الدنيا سبعون ضعفا »(5) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « إذا كان يوم القيامة قام عنق من الناس حتّى يأتوا
ص: 307
باب الجنّة فيضربوا باب الجنّة فيقال لهم من أنتم ؟ فيقولون : نحن الفقراء ، فيقال لهم: أقبل الحساب ؟ فيقولون : ما أعطيتمونا شيئا تحاسبونا عليه ، فيقول اللَّه عزّوجلّ : صدقوا أدخلواالجنّة »(1) .
عن عجلان أبي صالح قال قال لي أبو عبداللَّه علیه السلام : « يا أبا صالح عجب لقوم حبس أوّلهم عن آخرهم ثمّ نودي فيهم الرحيل وهم يلعبون »(2) .
وعن أبي بصير عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : سألت أبا عبداللَّه علیه السلام عن أرواح المؤمنين فقال : « في حجرات في الجنّة يأكلون من طعامها ويشربون من شرابها ويقولون ربّنا أقم الساعة لنا وأنجز لنا ما وعدتنا وألحق آخرنا بأوّلنا »(3) .
وعن أبي بصير عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « سألته عن أرواح المشركين فقال في النار يعذّبون يقولون ربّنا لا تقم لنا الساعة ولا تنجز لنا ما وعدتنا ولا تلحق آخرنا بأوّلنا »(4) .
ص: 308
بسم الله الرحمن الرحیم
أَلا وَ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ ذَمَّرَ حِزْبَهُ وَ اسْتَجْلَبَ جَلَبَهُ - لِيَعُودَ الْجَوْرُ إِلَى أَوْطَانِهِ وَ يَرْجِعَ الْبَاطِلُ إِلَى نِصَابِهِ - وَ اللَّهِ مَا أَنْكَرُوا عَلَيَّ مُنْكَراً - وَ لا جَعَلُوا بَيْنِي وَ بَيْنَهُمْ نَصِفاً
وَ إِنَّهُمْ لَيَطْلُبُونَ حَقّاً هُمْ تَرَكُوهُ وَ دَماً هُمْ سَفَكُوهُ - فَلَئِنْ كُنْتُ شَرِيكَهُمْ فِيهِ فَإِنَّ لَهُمْ لَنَصِيبَهُمْ مِنْهُ - وَ لَئِنْ كَانُوا وَلُوهُ دُونِي فَمَا التَّبِعَةُ إِلّا عِنْدَهُمْ - وَ إِنَّ أَعْظَمَ حُجَّتِهِمْ لَعَلَى أَنْفُسِهِمْ - يَرْتَضِعُونَ أُمّاً قَدْ فَطَمَتْ وَ يُحْيُونَ بِدْعَةً قَدْ أُمِيتَتْ - يَا خَيْبَةَ الدَّاعِي مَنْ دَعَا وَ إِلامَ أُجِيبَ - وَ إِنِّي لَرَاضٍ بِحُجَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَ عِلْمِهِ فِيهِمْ -
فَإِنْ أَبَوْا أَعْطَيْتُهُمْ حَدَّ السَّيْفِ - وَ كَفَى بِهِ شَافِياً مِنَ الْبَاطِلِ وَ نَاصِراً لِلْحَقِّ - وَ مِنَ الْعَجَبِ بَعْثُهُمْ إِلَيَّ أَنْ أَبْرُزَ لِلطِّعَانِ وَ أَنْ أَصْبِرَ لِلْجِلادِ - هَبِلَتْهُمُ الْهَبُولُ - لَقَدْ كُنْتُ وَ مَا أُهَدَّدُ بِالْحَرْبِ وَ لا أُرْهَبُ بِالضَّرْبِ - وَ إِنِّي لَعَلَى يَقِينٍ مِنْ رَبِّي وَ غَيْرِ شُبْهَةٍ مِنْ دِينِي
ص: 309
قال صلی الله علیه وآله : « من أعان ظالما سلّطه اللَّه عليه »(1) .
وقال صلی الله علیه وآله : « من أحبّ حجرا حشر معه »(2) .
لمّا أشرف المغيرة مع سعيد بن العاص على طلحة والزبير وعايشة ومن معهم أقبل المغيرة عليهم وقال : أيّها الناس إن كنتم إنّما خرجتم مع أمّكم فارجعوا بها خيرا لكم ، وإن كنتم غضبتم لعثمان فرؤساؤكم قتلوا عثمان ، وإن كنتم نقمتم على عليّ شيئا فبيّنوا ما نقمتم عليه ، أنشدكم اللَّه فتنتين في عام واحد(3) .
قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « سيّد الأعمال ثلاث خصال : إنصافك من نفسك ومواساة الأخ في اللَّه وذكر اللَّه تعالى على كلّ حال »(4) .
وقال صلی الله علیه وآله : « لا يستكمل العبد الإيمان حتّى يكون فيه ثلاث خصال : الإنفاق
ص: 310
من الإقتار والإنصاف من نفسه وبذل السلام »(1) .
وكان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول في آخر خطبته : « طوبى لمن طاب خلقه وطهرت سجيّته وصلحت سريرته وحسنت علانيته وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله وأنصف الناس من نفسه »(2) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « من واسى الفقير من ماله وأنصف الناس من نفسه فذلك المؤمن حقّا »(3) .
وقال عن أبي جعفر علیه السلام « قال أميرالمؤمنين علیه السلام : ألا إنّه من ينصف الناس من نفسه ، لم يزده اللَّه إلّا عزّا »(4) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « من يضمن لي أربعا بأربعة أبيات في الجنّة أنفق ولا تخف فقرا وأنصف الناس من نفسك وأفش السلام في العالم واترك المراء وإن كنت محقّا »(5) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « من أنصف الناس من نفسه رضي به حكما لغيره »(6) .
ص: 311
إنّ عايشة حرّضت الناس على قتل عثمان بالمدينة وقالت اقتلوا نعثلا قتل اللَّه نعثلا(1) .
وقالوا أوّل من سمّى عثمان نعثلا عايشة والنعثل الكثير شعر اللحية والجسد وكانت تقول أقتلوا نعثلا قتل اللَّه نعثلا(2) .
وقال علیه السلام - في روايه أبي مخنّف - اللهمّ إنّ طلحة نكث بيعتي وألّب على عثمان حتّى قتله ثمّ عضهني به ورماني اللهمّ فلا تمهله(3) .
ولمّا حاصر أهل الكوفة وأهل مصر عثمان ليلا ونهارا ، كان طلحة يحرّض الفريقين جميعا على عثمان ويقول لهم : إنّ عثمان لا يبالي ما حصرتموه وهو يدخل إليه الطعام والشراب ، فامنعوه الماء أن يدخل عليه(4) .
وروي أبو جعفر الطبري في تاريخه أنّ عليّا علیه السلام كان في ماله بخيبر لمّا أراد الناس حصر عثمان فقدم المدينة والناس مجتمعون على طلحة في داره فبعث عثمان إليه يشكو أمر طلحة فقال علیه السلام : « أنا أكفيكه » فانطلق إلى دار طلحة وهي مملوّة بالنّاس فقال له : « يا طلحة ما هذا الأمر الّذي صنعت بعثمان » ؟ فقال طلحة : يا أبا الحسن أبعد أن مسّ الحزام الطبيين . فانصرف عليّ علیه السلام إلى بيت المال فأمر بفتحه فلم يجدوا المفتاح فكسّر الباب وفرّق ما فيه على الناس فانصرفوا من عند
ص: 312
طلحة حتّى بقي وحده فسرّ عثمان بذلك ، وجاء طلحة إلى عثمان فقال له : يا أمير المؤمنين إنّي أردت أمرا فحال اللَّه بيني وبينه وقد جئتك تائبا ، فقال : واللَّه ما جئت تائبا ولكن جئت مغلوبا ، اللَّه حسيبك يا طلحة ، وروي أنّ الزبير لمّا برز لعليّ علیه السلام يوم الجمل قال له : « ما حملك يا أبا عبداللَّه على ما صنعت » ؟ قال : أطلب بدم عثمان ، فقال له : « أنت وطلحة وليّتماه وإنّما توبتك من ذلك أن تقدّم نفسك وتسلّمها إلى ورثته »(1) .
روي أنّ عثمان قال : ويلي على إبن الحضرمية يعني طلحة أعطيته كذا وكذا بهارا(2) ذهبا وهو يروم دمي يحرض على نفسي .
روي الناس الّذين صنفوا في واقعة الدار أن طلحة كان يوم قتل عثمان مقنعا بثوب قد إ ستتر به عن أعين الناس يرمي الدار بالسّهام .
ورووا أيضا أنّه لمّا إمتنع على الّذين حصروه الدخول من باب الدار حملهم طلحة إلى دار لبعض الأنصار فأصعدهم إلى سطحها وتسوّروا منها على عثمان داره فقتلوه .
ورووا أيضا أن الزبير كان يقول أقتلوه فقد بدل دينكم فقالوا : إنّ إبنك يحامي عنه بالباب ، فقال : ما أكره أن يقتل عثمان ولو بدى ء بابني إن عثمان لجيفه على
ص: 313
الصراط غدا(1) .
وعن عبد الرحمن بن ابزي قال : رأيت اليوم الّذي دخل فيه على عثمان ، فدخلوا من دار عمرو بن حزم من خوخة هناك ، فواللَّه ما نسيت أن خرج سودان بن حمران يقول : أين طلحة ، قد قتلنا إبن عفان(2) .
تكلّم الزبير في ملأ من قريش فقال : هذا جزاؤنا من علىّ ، قمنا له في أمر عثمان حتّى أثبتنا عليه الذنب وسببنا له القتل ، وهو جالس في بيته وكفى الأمر ، فلمّا نال بنا ما أراد جعل دوننا . . .(3) .
وروي سليمان بن عبداللَّه بن عويمر الأسلمي قال قال إبن الزبير : سمعت عمّارا يقول لأصحابنا ما تريدون وما تطلبون ؟ فناديناه نطلب بدم عثمان فإن خلّيتم بيننا وبين قتلته رجعنا عنكم ، فنادانا عمّار : قد فعلنا ، هذه عائشة وطلحة والزبير قتلوه عطشا فابدءوا بهم فإذا فرغتم منهم تعالوا إلينا نبذل لكم الحقّ ، فأسكت واللَّه أصحاب الجمل كلّهم(4) .
ص: 314
قام عثمان بن حنيف عامل علي علیه السلام على البصرة - لمّا سمع بدنوّ طلحة والزبير - فقال : أيّها الناس إنّما بايعتم اللَّه ، ( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً )(1) واللَّه لو علم علي علیه السلام أنّ أحدا أحقّ بهذا الأمر منه ما قبله ، وما به إلى أحد من الصحابة حاجة وما بأحد عنه غنى ، ولقد شاركهم في محاسنهم وما شاركوه في محاسنه ، ولقد بايعه هذان الرجلان وما يريدان اللَّه ، فاستعجلا الفطام قبل الرضاع ، والرضاع قبل الولادة والولادة قبل الحمل(2) .
قالا - طلحة والزبير - له علیه السلام : إنّا بايعناك على أنّا شركاؤك في الأمر . وقال طلحة بعد قول الزبير المتقدّم : ما اللوم إلّا لنا ، إنّا كنّا ثلاثة من أهل الشورى - أي : هما مع سعد - كرهه أحدنا وبايعناه ، وأعطيناه ما في أيدينا ومنعنا ما في يده ، فأصبحنا قد أخطأنا ما رجونا(3) .
أتى طلحة والزبير عبداللَّه بن خلف فقال لهما : إنّه ليس أحد من أهل الحجاز
ص: 315
كان منه في عثمان شي ء إلّا وقد بلغ أهل العراق ، وقد كان منكما في عثمان من التخليب والتأليب ما لا يدفعه جحود ، ولا ينفعكما فيه عذر ، وأحسن الناس فيكما قولا من أزال عنكما القتل وألزمكما الخذل ، وقد بايع الناس عليّا بيعة عامّة ، والناس لاقوكما غدا ، فما تقولون ؟ فقال طلحة : ننكر القتل ونقرّ بالخذل ، ولا ينفع الإقرار بالذّنب إلّا مع الندم عليه ، ولقد ندمنا على ما كان منّا . وقال الزبير نقول : بايعنا عليّا والسيف على أعناقنا ، حين تواثب الناس بالبيعة إليه دون مشورتنا ، ولم نصب لعثمان خطأ فتجب علينا الديّة ، ولا عمدا فيجب علينا القصاص . فقال عبداللَّه بن خلف : عذركما أشدّ من ذنبكما(1) .
وجاء جارية بن قدامة إلى عايشة فقال لها : لقتل عثمان كان أهون علينا من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون(2) .
روي عبداللَّه بن رباح مولى الأنصار عن عبداللَّه بن زياد مولى عثمان بن عفان قال : خرج عمّار بن ياسر يوم الجمل إلينا فقال - : يا هؤلاء على أيّ شي ء تقاتلونا ؟ فقلنا نقاتلكم على أن عثمان قتل مؤمنا ، فقال عمّار : نحن نقاتلكم على أنّه قتل كافرا ، قال وسمعت عمّارا يقول واللَّه لو ضربتمونا حتّى نبلغ سعفات هجر لعلمنا أنا على الحقّ وأنّكم على الباطل وسمعته يقول واللَّه ما نزل تأويل هذه الآية - ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهَ ُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ
ص: 316
وَيُحِبُّونَهُ )(1) - إلّا اليوم(2) .
وقال عمرو بن العاص لعمّار : أكنت فيمن قتل عثمان ؟ قال : كنت مع من قتله وأنا اليوم أقاتل معهم . فقال عمرو : فلم قتلتموه ؟ قال عمّار : أراد أن يغيّر ديننا فقتلناه . فقال عمرو لمن معه : ألا تسمعون ، قد إعترف بقتل عثمان ، قال عمّار : وقد قالها فرعون قبلك لقومه : ( أَلَا تَسْتَمِعُونَ )(3) ، (4) .
وذكروا : أنّ عبداللَّه بن عامر لحق بالشّام ولم يأت معاوية ، فبعث إليه معاوية أن يأتيه وألحّ عليه ، فكتب إليه إبن عامر : أخبرك أنّي أقحمت طلحة والزبير إلى البصرة ، وأنا أقول : إذا رأى الناس أمّ المؤمنين مالوا إليها ، وإن فرّ الناس لم يفرّ الزبير ، وإن غدر الناس لم يغدر مروان . فغضبت عايشة ورجع الزبير وقتل مروان طلحة وذهب مالي بما فيه ، والناس أشباه ، واليوم كأمس . فكتب معاوية إليه : فإنّك قلّدت أمر دينك قتلة عثمان ، وأنفقت مالك لعبداللَّه بن الزبير وآثرت العراق على الشام ، فأخرجك اللَّه من الحرب صفر اليدين ، ليس لك حظّ الحقّ ولا ثار القتيل(5) .
روى الواقديّ قال حدّثني عبداللَّه بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب علیه السلام
ص: 317
عن أبيه قال : « لمّا سمع أبي أصوات الناس يوم الجمل وقد إرتفعت » فقال لإبنه محمّد : « ما يقولون » ؟ قال : يقولون : يا ثارات عثمان ، فقال علیه السلام : « فقاتلوهم صابرين محتسبين فإنّ الكتاب معكم والسنّة معكم ومن كانا معه فهو القوي »(1) .
قال محمّد بن عليّ ؛ : رمقت لصوت ( لضرب خ ل ) أبي ولحظته فإذا هو يورد السيف ويصدره ولا أرى فيه دما وإذا هو يسرع إصداره فيسبق الدم وأحدقنا بالجمل وصار القتال حوله واضطربنا أشدّ إضطراب رآه راء حتّى ظننت أنّه القتل فصاح أبي علیه السلام : « يا إبن أبي بكر إقطع البطان »(2) فقطعه وألقى ( تلقوا خ ل ) الهودج فكأنّ واللَّه الحرب جمرة صبّ عليها الماء(3) .
روى إبراهيم بن نافع عن سعيد بن أبي هند قال أخبرني أصحابنا ممّن حضر القتال يوم البصرة أنّ عليّا قاتل يومئذ أشدّ القتال وسمعوه وهو يقول : « تبارك الّذي أذن لهذه السيوف تصنع ما تصنع »(4) .
وفي ( الطبري ) - في عنوان كثرة قتلى يوم الجمل - قال الزبير بن الحريث : قلت لأبي لبيد : لم تسبّ عليّا ، قال : ألا أسبّ رجلا قتل منّا ألفين وخمسمائة ،
ص: 318
والشمس ها هنا(1) .
عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « لا يقيم الناس إلّا السيف »(2) .
وقال أمير المؤمنين علیه السلام : « واللَّه لا ينيب بهم إلى الحقّ إلّا السيف »(3) .
وَ مِنَ الْعَجَبِ بَعْثُهُمْ إِلَيَّ أَنْ أَبْرُزَ لِلطِّعَانِ وَ أَنْ أَصْبِرَ لِلْجِلادِ - هَبِلَتْهُمُ الْهَبُولُ - لَقَدْ كُنْتُ وَ مَا أُهَدَّدُ بِالْحَرْبِ وَ لا أُرْهَبُ بِالضَّرْبِ وَ إِنِّي لَعَلَى يَقِينٍ مِنْ رَبِّي وَ غَيْرِ شُبْهَةٍ مِنْ دِينِي
عن أمير المؤمنين علیه السلام : « لوكشف الغطاء ما إزددت يقينا »(4) .
وقال علیه السلام : « لم أعبد ربّا لم أره »(5) .
قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « من أقلّ ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر ومن أعطي حظّه منهما لم يبال ما فاته من قيام الليل وصيام النهار »(6) .
ص: 319
وقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « اليقين الإيمان كلّه »(1) .
وقال صلی الله علیه وآله : « ما من آدميّ إلّا وله ذنوب وخطايا يقترفها فمن كانت سجيّته العقل جوج غريزته اليقين لم تضرّه ذنوبه » قيل كيف ذاك يا رسول اللَّه ؟ قال : « لأنّه كلّما أخطأ لم يلبث أن يتدارك ذلك بتوبة وندامة على ما كان منه فيمحو ذنوبه(2) ويبقى له فضل يدخل به الجنّة »(3) .
وعن هشام بن سالم قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « إنّ العمل الدائم القليل على اليقن أفضل عنداللَّه من العمل الكثير على غير يقين »(4) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام : « إنّ اللَّه بعدله وقسطه جعل الروح والراحة في اليقين والرضا وجعل الهمّ والحزن في الشكّ والسخط »(5) .
وفي وصيّة لقمان لإبنه : يا بنيّ لا يستطاع العمل إلّا باليقين ولا يعمل المرء إلّا بقدر يقينه ولا يقصّر عامل حتّى ينقص يقينه(6) .
وروي انّ سعد بن معاذ دخل على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فقال صلی الله علیه وآله : « كيف أصبحت يا سعد ؟ » فقال : بخير يا رسول اللَّه ، أصبحت باللَّه مؤمنا .
وَ مِنَ الْعَجَبِ بَعْثُهُمْ إِلَيَّ أَنْ أَبْرُزَ لِلطِّعَانِ . . .
فقال يا سعد : انّ لكلّ قول حقيقة ، فما مصداق ما تقول ؟ قال : يا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ما أصبحت فظننت انّي أمسى ولا أمسيت فظننت انّي أصبح ولا مددت خطوة
ص: 320
فظننت انّي اتبعها بأخرى وكأنّي بكلّ أمّة جائية وبكلّ أمّة تدعى إلى كتابها معها كتابها ونبيّها امامها تدعى إلى حسابها وكأنّي بأهل الجنّة وهم يتنعّمون وبأهل النار وهم معذّبون . فقال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « يا سعد عرفت فالزم »(1) .
وقال الصادق علیه السلام : « اليقين يوصل العبد إلى كلّ حال سنيّ ومقام عجيب كذلك أخبر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عن عظم شأن اليقين حين ذكر عنده أنّ عيسى علیه السلام كان يمشي على الماء فقال صلی الله علیه وآله : لو زاد يقينه لمشى على الهواء »(2) .
وعن إ سحاق بن عمّار قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول إنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله صلّى بالنّاس الصبح فنظر إلى شابّ في المسجد وهو يخفق ويهوي(3) برأسه مصفرّا لونه قد نحف جسمه وغارت عيناه في رأسه فقال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « كيف أصبحت يا فلان » ؟ قال أصبحت يا رسول اللَّه موقنا فعجب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من قوله(4) وقال : « إنّ لكلّ يقين حقيقة فما حقيقة يقينك » ؟ فقال : إنّ يقيني يا رسول اللَّه هو الّذي أحزنني وأسهر ليلي وأظمأ هواجري فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها(5) حتّى كأنّي أنظر إلى عرش ربّي وقد نصب للحساب وحشر الخلائق لذلك وأنا فيهم وكأنّي أنظر إلى أهل الجنّة يتنعّمون في الجنّة ويتعارفون وعلى الأرائك متّكئون وكأنّي أنظر إلى أهل النار وهم فيها معذّبون مصطرخون وكأنّي الآن أسمع زفير
ص: 321
النار يدور في مسامعي فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لأصحابه : « هذا عبد نوّر اللَّه قلبه بالإيمان » ثمّ قال له : « الزم ما أنت عليه » الحديث(1) .
وعن أبي بصير عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال لي : « ما من شي ء إلّا وله حدّ » قال فقلت : وما حدّ التوكلّ ؟ قال : « اليقين » قلت : فما حدّ اليقين ؟ قال : « أن لا تخاف مع اللَّه شيئا »(2) .
وعن الوشّاء عن أبي الحسن علیه السلام قال سمعته يقول : « الإيمان فوق الإسلام بدرجة والتقوى فوق الإيمان بدرجة واليقين فوق التقوى بدرجة وما قسم في الناس شي ء أقلّ من اليقين »(3) .
وفي رواية أخرى قال الراوي فأيّ شي ء اليقين ؟ قال : « التوكّل على اللَّه والتسليم للَّه والرضا بقضاء اللَّه والتفويض إلى اللَّه »(4) .
ص: 322
بسم الله الرحمن الرحیم
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْأَمْرَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ - كَقَطَرَاتِ الْمَطَرِ إِلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا قُسِمَ لَهَا - مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ - فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ لِأَخِيهِ غَفِيرَةً - فِي أَهْلٍ أَوْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ - فَلا تَكُونَنَّ لَهُ فِتْنَةً - فَإِنَّ الْمَرْءَ الْمُسْلِمَ مَا لَمْ يَغْشَ دَنَاءَةً تَظْهَرُ - فَيَخْشَعُ لَهَا إِذَا ذُكِرَتْ وَ يُغْرَى بِهَا لِئَامُ النَّاسِ - كَانَ كَالْفَالِجِ الْيَاسِرِ الَّذِي يَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزَةٍ - مِنْ قِدَاحِهِ تُوجِبُ لَهُ الْمَغْنَمَ وَ يُرْفَعُ بِهَا عَنْهُ الْمَغْرَمُ - وَ كَذَلِكَ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ الْبَرِي ءُ مِنَ الْخِيَانَةِ - يَنْتَظِرُ مِنَ اللَّهِ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ - إِمَّا دَاعِيَ اللَّهِ فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لَهُ - وَ إِمَّا رِزْقَ اللَّهِ فَإِذَا هُوَ ذُو أَهْلٍ وَ مَالٍ - وَ مَعَهُ دِينُهُ وَ حَسَبُهُ - وَ إِنَّ الْمَالَ وَ الْبَنِينَ حَرْثُ الدُّنْيَا - وَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ حَرْثُ الْآخِرَةِ - وَ قَدْ يَجْمَعُهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَقْوَامٍ - فَاحْذَرُوا مِنَ اللَّهِ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ - وَ اخْشَوْهُ خَشْيَةً لَيْسَتْ بِتَعْذِيرٍ - وَ اعْمَلُوا فِي غَيْرِ رِيَاءٍ وَ لا سُمْعَةٍ - فَإِنَّهُ مَنْ يَعْمَلْ لِغَيْرِ اللَّهِ يَكِلْهُ اللَّهُ لِمَنْ عَمِلَ لَهُ - نَسْأَلُ اللَّهَ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَ مُعَايَشَةَ السُّعَدَاءِ - وَ مُرَافَقَةَ الْأَنْبِيَاءِ -
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لا يَسْتَغْنِي الرَّجُلُ - وَ إِنْ كَانَ ذَا مَالٍ عَنْ عِشيرَتِهِ - وَ دِفَاعِهِمْ عَنْهُ بِأَيْدِيهِمْ وَ أَلْسِنَتِهِمْ - وَ هُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ حَيْطَةً مِنْ وَرَائِهِ وَ أَلَمُّهُمْ لِشَعَثِهِ - وَ أَعْطَفُهُمْ عَلَيْهِ عِنْدَ نَازِلَةٍ إِذَا نَزَلَتْ بِهِ - وَ لِسَانُ الصِّدْقِ يَجْعَلُهُ اللَّهُ لِلْمَرْءِ فِي النَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْمَالِ يَورّثُهُ غَيْرُهُ -
و منها : أَلا لا يَعْدِلَنَّ أَحَدُكُمْ عَنِ الْقَرَابَةِ يَرَى بِهَا الْخَصَاصَةَ - أَنْ يَسُدَّهَا بِالَّذِي لا يَزِيدُهُ إِنْ أَمْسَكَهُ - وَ لا يَنْقُصُهُ إِنْ أَهْلَكَهُ - وَ مَنْ يَقْبِضْ يَدَهُ عَنْ عَشِيرَتِهِ - فَإِنَّمَا تُقْبَضُ مِنْهُ عَنْهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ - وَ تُقْبَضُ مِنْهُمْ عَنْهُ أَيْدٍ كَثِيرَةٌ - وَ مَنْ تَلِنْ حَاشِيَتُهُ يَسْتَدِمْ مِنْ قَوْمِهِ الْمَوَدَّةَ
ص: 323
قال تعالى : ( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )(1) .
وقال تعالى : ( وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ * وَإِنْ مِنْ شَىْ ءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ )(2) .
وقال تعالى : ( يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً )(3) .
وقال تعالى : ( قُلْ اللهمّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَىَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَىِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ )(4) .
ص: 324
وقال تعالى : ( اللَّهَ ُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ )(1) .
عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « إنّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب »(2) .
قال تعالى : ( وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى )(3) .
وقال صلی الله علیه وآله : « إذا كان يوم القيامة أنبت اللَّه تعالى لطائفة من أمّتي أجنحة فيطيرون من قبورهم إلى الجنان يسرعون فيها ويتنعّمون كيف شاءوا فتقول لهم الملائكة هل رأيتم الحساب فيقولون ما رأينا حسابا فيقولون هل جزتم الصراط فيقولون ما رأينا صراطا فيقولون هل رأيتم جهنّم فيقولون ما رأينا شيئا فيقول الملائكة من أمّة من أنتم ؟ فيقولون من أمّة محمّد صلی الله علیه وآله فيقولون نشدناكم اللَّه حدّثونا ما كانت أعمالكم في الدنيا فيقولون خصلتان كانتا فينا فبلّغنا اللَّه تعالى هذه المنزلة بفضل رحمته فيقولون وما هما ؟ فيقولون كنّا إذا خلونا نستحيي أن نعصيه ونرضى باليسير ممّا قسم لنا فيقول الملائكة حقّ لكم هذا »(4) .
مرّ مالك بن الريب بليلي الأخيلية فجلس إليها يحادثها طويلا وأنشدها ،
ص: 325
فأقبلت عليه وأعجبت به حتّى طمع في وصلها ثمّ إذا هو بفتى قد جاء إليها كأنّه نصل سيف فجلس إليها فأعرضت عن مالك وتهاونت به حتّى كأنّه عندها عصفور ، وأقبلت على صاحبها مليّا من نهارها فغاظه ذلك من فعلها وأقبل على الرجل فقال : من أنت ؟ فقال ، توبة بن الحميّر . فقال : هل لك في المصارعة ؟ قال : وما دعاك إلى ذلك وأنت ضيفنا وجارنا ؟ قال : لا بدّ منه . فظنّ أنّ ذلك لخوفه منه فازداد لجاجا ، فقام توبة فصارعه فصرعه ، فلمّا سقط مالك إلى الأرض ضرط ضرطة هائلة ، فضحكت ليلى منه وإ ستحى مالك ، فاكتتب بخراسان وقال : لا أقيم في بلد العرب أبدا وقد تحدّثت عنّي بهذا الحديث ، فلم يزل بخراسان حتّى مات فقبره هناك معروف(1) .
وكان المخبّل السعدي خطب ألى الزبرقان بن بدر أخته خليدة فمنعه ثمّ زوّجها بآخر فقال المخبّل :
فأنكحته رهوا كأنّ عجانها
مشقّ إهاب أوسع السلخ ناجله(2)
ثمّ مرّ المخبل بعد ما أسن وضعف بصره بخليدة فأنزلته وقرّبته وأكرمته ووهبت له وليدة قالت له : إنّي آثرتك بها يا أبا يزيد فاحتفظ بها . فقال : ومن أنت حتّى أعرفك وأشكرك . قالت : لا عليك . قال : بلى واللَّه . قالت : أنا بعض من هتكت بشعرك ظلما أنا خليدة بنت بدر . فقال : وا سوأتاه منك فإنّي أستغفر اللَّه وأستقيلك ، ثمّ قال :
لقد ضلّ حلمي في خليدة إنّني * سأعتب نفسي بعدها وأتوب
ص: 326
فأقسم بالرّحمن إنّي ظلمتها * وجرت عليها والهجاء كذوب(1)
إجتاز القاضي التنوخي يوما في بعض الدروب فسمع إمرأة تقول لأخرى : كم عمر بنتك يا أختي فقالت لها : رزقتها يوم شهر بالقاضي التنوخي وضرب بالسّياط فرفع رأسه إليها وقال : يا بظراء صار صفعي تاريخك وما وجدت تاريخا غيره(2) .
ودخل أعرابي على المساور الضبي وهو بندار الرى(3) فسأله فلم يعطه شيئا فقال :
أتيت المساور في حاجة * فما زال يسعل حتّى ضرط
وحكّ قفاه بكرسوعه * ومسّح عثنونه وإمتخط(4)
فأمسك عن حاجتي خيفة * لاخرى تقطّع شرج السفط(5)
فأقسم لو عدت في حاجتي * للطخ بالسّلح وشي ء النمط(6)
وقال غلطنا حساب الخراج * فقلت من الضرط جاء الغلط
فكان العامل ( مساور ) كلّما ركب صاح به الصبيان : « من الضرط جاء الغلط » فهرب من غير عزل إلى بلاد أصبهان(7) .
ص: 327
كَانَ كَالْفَالِجِ الْيَاسِرِ الَّذِي يَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزَةٍ . . .
قال تعالى : ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )(1) .
وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهَ ُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ *نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ )(2) .
ولمّا إنتهى الحسين علیه السلام إلى عذيب الهجانات(3) فإذا هم بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة على رواحلهم ، ومعهم دليلهم الطرماح بن عدي على فرسه ، فلمّا إنتهوا إلى الحسين علیه السلام إنشدوه هذه الأبيات :
يا نقتي لا تذعري من زجري * وشمّري قبل طلوع الفجر
بخير ركبان وخير سفر * حتّى تحلّي بكريم النجر
أتى به اللَّه لخير أمر * ثمّة أبقاه بقاء الدهر
ص: 328
فقال الحسين علیه السلام : « أما واللَّه إنّي لأرجو أن يكون خيرا ما أراد اللَّه بنا قتلنا أم ظفرنا »(1) !
أنّ الصادق علیه السلام قال لسفيان الثوري وأصحابه الصوفية - لمّا رأى عليه ثيابا بيضا كأنّها غرقى البيض وأنكره - فيما ردّ عليه : إنّ النبيّ صلی الله علیه وآله قال : « ما عجبت من شي ء كعجبي من المؤمن إنّه إن قرّض جسده في دار الدنيا بالمقاريض كان خيرا له وإن ملك ما بين مشارق الأرض ومغاربها كان خيرا له وكلّ ما يصنع اللَّه عزّوجلّ به فهو خير له . . . وأخبروني أين أنتم عن سليمان بن داود علیه السلام حيث سأل اللَّه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه اللَّه جلّ إ سمه ذلك وكان يقول الحقّ ويعمل به . . . وداود النبيّ صلی الله علیه وآله قبله في ملكه وشدّة سلطانه ، ثمّ يوسف النبيّ علیه السلام حيث قال لملك مصر - ( اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ )(2) . . . ثمّ ذو القرنين عبد أحبّ اللَّه فأحبّه اللَّه وطوى له الأسباب(3) وملكه مشارق الأرض ومغاربها وكان يقول الحقّ ويعمل به ثمّ لم نجد أحدا عاب ذلك عليه »(4) .
وعن أبي جعفر علیه السلام قال : « كان في بني إ سرائيل رجل عابد وكان محارفا(5) لا
ص: 329
يتوجّه في شي ء فيصيب فيه شيئا فأنفقت عليه إمرأته حتّى لم يبق عندها شي ء فجاعوا يوما من الأيّام فدفعت إليه نصلا من غزل(1) وقالت له ما عندي غيره إنطلق فبعه وإ شتر لنا شيئا نأكله فانطلق بالنّصل الغزل ليبيعه فوجد السوق قد غلقت ووجد المشترين قد قاموا وإنصرفوا فقال لو أتيت هذا الماء فتوضّأت منه وصببت عليّ منه وإنصرفت فجاء إلى البحر وإذا هو بصيّاد قد ألقى شبكته فأخرجها وليس فيها إلّا سمكة رديّة قد مكثت عنده حتّى صارت رخوة منتنة فقال له بعني هذه السمكة وأعطيك هذا الغزل تنتفع به في شبكتك قال : نعم فأخذ السمكة ودفع إليه الغزل وإنصرف بالسّمكة ألى منزله فأخبر زوجته الخبر فأخذت السمكة لتصلحها فلمّا شقّتها بدت من جوفها لؤلؤة فدعت زوجها فأرته إيّاها فأخذها فانطلق بها إلى السوق فباعها بعشرين ألف درهم وإنصرف إلى منزله بالمال فوضعه فإذا سائل يدقّ الباب ويقول يا أهل الدار تصدّقوا رحمكم اللَّه على المسكين فقال له الرجل : أدخل فدخل ، فقال له : خذ إحدى الكيسين فأخذ إحداهما وإنطق فقالت له إمرأته : سبحان اللَّه بينما نحن مياسير إذ ذهبت بنصف يسارنا فلم يكن ذلك بأسرع من أن دقّ السائل الباب ، فقال له الرجل : أدخل فدخل فوضع الكيس في مكانه ثمّ قال كل هنيئا مريئا إنّما أنا ملك من ملائكة ربّك إنّما أراد ربّك أن يبلوك فوجدك شاكرا ثمّ ذهب »(2) .
ص: 330
قال تعالى : ( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )(1) .
من قبائل مذحج سعد العشيرة بن مالك بن أدد ، وإنّما سمّي سعد العشيرة لأنّه لم يمت حتّى ركب معه من ولده وولد ولده ثلاثمائة رجل(2) .
قال تعالى : ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ )(3) .
وقال تعالى : ( فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ )(4) .
وقال تعالى : ( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً )(5) .
وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )(6) .
وقال تعالى : ( مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) الآية(7) .
ص: 331
وقال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) الآية(1) .
وقال تعالى : ( وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى )(2) .
وقال تعالى : ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً )(3) .
وقال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) الآية(4) .
وأمّا الأخبار منها عن الصادق علیه السلام أنّه قال : « الكلم الطيّب قول المؤمن « لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه عليّ وليّ اللَّه وخليفة رسول اللَّه » » وقال : « والعمل الصالح الإعتقاد بالقلب - إنّ هذا هو الحقّ من عنداللَّه - لا شكّ فيه من ربّ العالمين »(5) .
ومنها : ورد في تفسير قوله تعالى : ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) قال كلمة الإخلاص والإقرار بما جاء من عنداللَّه من الفرائض والولاية ترفع العمل الصالح إلى اللَّه(6) .
وعن داود بن فرقد قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « إنّ العمل الصالح ليذهب إلى الجنّة فيسهّل لصاحبه كما يبعث الرجل غلاما فيفرش له ثمّ قرأ أمّا الّذين آمنوا وعملوا الصالحات فلأنفسهم يمهدون »(7) .
ص: 332
وعن يعقوب بن ميثم التمّار مولى عليّ بن الحسين 8 قال : دخلت على أبي جعفر علیه السلام فقلت له : جعلت فداك يا إبن رسول اللَّه ، إنّي وجدت في كتب أبي أنّ عليّا علیه السلام قال لأبي ميثم : إنّي سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وهو يقول : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ )(1) ثمّ إلتفت إليّ وقال : « هم واللَّه أنت وشيعتك يا عليّ ، وميعادك وميعادهم الحوض غدا ، غرّا محجّلين ، مكتحلين متوّجين » الحديث(2) .
قال تعالى : ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا )(3) .
كان أبو عبداللَّه علیه السلام إذا رأى إ سحاق بن عمّار وإ سماعيل بن عمّار ، قال : « وقد يجمعهما الأقوام ، يعني الدنيا والآخرة »(4) .
قال تعالى : ( لَا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَىْ ءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهَ ُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ
ص: 333
الْمَصِيرُ )(1) .
وقال تعالى : ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهَ ُ نَفْسَهُ وَاللَّهَ ُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ )(2) .
وقال تعالى : ( فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )(3) .
لمّا عاد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من تبوك إلى المدينة قدم عليه عمرو بن معديكرب فقال له النبيّ صلی الله علیه وآله : « أسلم يا عمرو يؤمنك اللَّه من الفزع الأكبر » ، فقال يا محمّد وما الفزع الأكبر ؟ فإنّي لا أفزع ، فقال : « يا عمرو إنّه ليس ممّا تحسب وتظنّ إنّ الناس يصاح بهم صيحة واحدة فلا يبقى ميّت إلّا نشر ولا حيّ إلّا مات إلّا ما شاء اللَّه ثمّ يصاح بهم صيحة أخرى فينشر من مات ويصفّون جميعا وتنشقّ السماء وتهدّ الأرض وتخرّ الجبال وتزفر النيران وترمي بمثل الجبال شررا فلا يبقى ذو روح إلّا انخلع قلبه وذكر ذنبه وشغل بنفسه إلّا ما شاء اللَّه »(4) .
عن جعفر ، عن أبيه علیه السلام ، « أنّ اللَّه تبارك وتعالى أنزل كتابا من كتبه على نبيّ من أنبيائه ، وفيه :
إنّه سيكون خلق من خلقي ، يلحسون الدنيا بالدّين ، يلبسون مسوك الضأن
ص: 334
على قلوب كقلوب الذئاب أشدّ مرارة من الصبر ، ألسنتهم أحلى من العسل ، وأعمالهم الباطنة أنتن من الجيف . أبي يغترّون ؟ ! أم إيّاي يخدعون ؟ أم عليّ يتجبّرون ؟ ! فبعزّتي حلفت لأبعثنّ لهم فتنة تطأ في خطامها حتّى تبلغ أطراف الأرض ، تترك الحكيم فيها حيران »(1) .
قال تعالى : ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ )(2) .
وقال تعالى : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ )(3) .
وقال تعالى : ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً )(4) .
عن أبي عبداللَّه علیه السلام أنّه قال لعبّاد بن كثير البصريّ في المسجد : « ويلك يا عبّاد والرياء فإنّه من عمل لغير اللَّه وكله اللَّه إلى من عمل له »(5) .
وعن عليّ بن سالم قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « قال اللَّه عزّوجلّ : أنا خير
ص: 335
شريك من أشرك معي غيري في عمل عمله لم أقبله إلّا ما كان لي خالصا »(1) .
وفي حديث آخر : « إنّي أغنى الشركاء فمن عمل عملا ثم أشرك فيه غيري - فأنا منه بري ء وهو للّذي أشرك به دوني »(2) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ - ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً )(3) قال : « الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه اللَّه إنّما يطلب تزكية الناس - يشتهي أن يسمع به الناس فهذا الّذي أشرك بعبادة ربّه » ثمّ قال : « ما من عبد أسرّ خيرا فذهبت الأيّام أبدا حتّى يظهر اللَّه له خيرا وما من عبد يسرّ شرّا فذهبت الأيّام أبدا حتّى يظهر اللَّه له شرّا »(4) .
وقال أبو عبداللَّه علیه السلام في قوله تعالى : ( بَلْ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ )(5) « يا أبا حفص ما يصنع الإنسان أن يتقرّب إلى اللَّه عزّوجلّ بخلاف ما يعلم اللَّه تعالى - إنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله كان يقول من أسرّ سريرة ردّاه اللَّه رداءها إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ »(6) .
وعن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه علیه السلام عن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « إجتنبوا الرياء فإنّه شرك باللَّه إنّ المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء يا كافر يا فاجر يا غادر يا خاسر حبط عملك وبطل أجرك ولا خلاق لك اليوم فالتمس أجرك ممّن كنت
ص: 336
تعمل له »(1) .
وقال علیه السلام : « ليست الصلاة قيامك وقعودك إنّما الصلاة إخلاصك وأن تريد بها اللَّه وحده »(2) .
وعن النبيّ صلی الله علیه وآله : « إنّ أوّل ما يدعى يوم القيامة رجل جمع القرآن ورجل قاتل في سبيل اللَّه ورجل كثير المال فيقول اللَّه عزّوجلّ للقارى ء : أ لم أعلّمك ما أنزلت على رسولي ؟ فيقول : بلى يا ربّ ، فيقول : ما عملت به فيما علّمت ؟ فيقول : يا ربّ قمت به في آناء الليل وأطراف النهار ، فيقول اللَّه تعالى : كذبت وتقول الملائكة كذبت ويقول اللَّه تعالى : إنّما أردت أن يقال فلان قارى فقد قيل ذلك ،
ويؤتى بصاحب المال فيقول اللَّه تعالى أ لم أوسع عليك حتّى لم أدعك تحتاج إلى أحد ؟ فيقول : بلى يا ربّ ، فيقول : فما عملت فيما آتيتك ، قال : كنت أصل الرحم وأتصدّق ، فيقول اللَّه : كذبت وتقول الملائكة كذبت ويقول اللَّه سبحانه : بل أردت أن يقال فلان جواد وقد قيل ذلك ،
ويؤتى بالّذي قتل في سبيل اللَّه فيقول اللَّه تعالى ما فعلت ؟ فيقول : أمرت بالجهاد في سبيل اللَّه فقالت حتّى قتلت ، فيقول اللَّه : كذبت وتقول الملائكة كذبت ويقول اللَّه تعالى : بل أردت أن يقال فلان جرى شجاع فقد قيل ذلك » ثمّ قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أولئك خلق اللَّه تسعر بهم نار جهنّم »(3) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « ما يصنع أحدكم أن يظهر حسنا ويسرّ سيّئا أ ليس
ص: 337
يرجع إلى نفسسه فيعلم أنّ ذلك ليس كذلك واللَّه عزّوجلّ يقول - ( بَلْ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) - إنّ السريرة إذا صحّت قويت العلانية »(1) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « سيأتي على الناس زمان تخبث فيه سرائرهم وتحسن فيه علانيتهم طمعا في الدنيا لا يريدون به ما عند ربّهم يكون دينهم رياء لا يخالطهم خوف يعمّهم اللَّه بعقاب فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم »(2) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « من أراد اللَّه بالقليل من عمله أظهر اللَّه له أكثر ممّا أراده به ومن أراد الناس بالكثير من عمله في تعب من بدنه وسهر من ليله أبى اللَّه إلّا أن يقلّله في عين من سمعه »(3) .
وعن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عن آبائه : قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « يؤمر برجال إلى النار فيقول اللَّه عزّوجلّ جلاله لمالك قل للنار لا تحرقي لهم أقداما فقد كانوا يمشون إلى المساجد ولا تحرقي لهم أوجها فقد كانوا يسبغون الوضوّ ولا تحرقي لهم أيديا فقد كانوا يرفعوها جيرفعونهاج بالدّعاء ولا تحرقي لهم ألسنا فقد كانوا يكثرون تلاوة القرآن . قال فيقول لهم خازن النار : يا أشقياء ما كان حالكم ؟ قالوا كنّا نعمل لغير اللَّه تعالى فقيل لنا خذوا ثوابكم ممّن عملتم له »(4) .
وعن السكونيّ عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال النبيّ صلی الله علیه وآله : « إنّ الملك ليصعد بعمل
ص: 338
العبد مبتهجا به(1) فإذا صعد بحسناته يقول اللَّه عزّوجلّ إجعلوها في سجّين(2) إنّه ليس إيّاي أراد بها »(3) .
وعن عليّ بن عقبة عن أبيه قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « إجعلوا أمركم هذا للَّه ولا تجعلوه للناس فإنّه ما كان للَّه فهو للَّه وما كان للناس فلا يصعد إلى اللَّه »(4) .
وروى الشيخ أبو محمّد جعفر بن أحمد بن عليّ القمّيّ نزيل الريّ في كتابه المنبى ء عن زهد النبيّ صلی الله علیه وآله عن عبد الواحد عمّن حدّثه عن معاذ بن جبل قال : قلت حدّثنى بحديث سمعته من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وحفظته من دقّة ما حدّثك به ، قال : نعم وبكى معاذ ثمّ قال : بأبي وأمّي حدّثني وأنا رديفه قال بينا نحن نسير إذ رفع بصره إلى السماء فقال : « الحمد للَّه الّذي يقضي في خلقه ما أحبّ » ثمّ قال : « يا معاذ » قلت : لبّيك يا رسول اللَّه إمام الخير ونبيّ الرحمة ، قال : « أحدّثك ما حدّث نبيّ أمّته إن حفظته نفعك عيشك وإن سمعته ولم تحفظه إنقطعت حجّتك عنداللَّه » ثمّ قال : « إنّ اللَّه خلق سبعة أملاك قبل أن يخلق السماوات فجعل في كلّ سماء ملكا قد جلّلها بعظمته وجعل على كلّ باب من أبواب السماوات ملكا بوّابا فتكتب الحفظة عمل العبد من حين يصبح إلى حين يمسي ثمّ ترتفع الحفظة بعمله وله نور كنور الشمس حتّى إذا بلغ سماء الدنيا فتزكّيه وتكثّره فيقول الملك قفوا وإضربوا
ص: 339
بهذا العمل وجه صاحبه أنا ملك الغيبة فمن إغتاب لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري أمرني بذلك ربّي » قال صلی الله علیه وآله : « ثمّ تجي ء الحفظة من الغد ومعهم عمل صالح فتمرّ به وتزكّيه وتكثّره حتّى يبلغ السماء الثانية فيقول الملك الّذي في السماء الثانية قفوا وإضربوا بهذا العمل وجه صاحبه إنّما أراد بهذا عرض الدنيا أنا صاحب الدنيا لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري » قال صلی الله علیه وآله : « ثمّ تصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجا بصدقة وصلاة فتعجب به الحفظة وتجاوزه إلى السماء الثالثة فيقول الملك قفوا وإضربوا بهذا العمل وجه صاحبه وظهره أنا ملك صاحب الكبر فيقول إنّه عمل وتكبّر فيه على الناس في مجالسهم أمرني ربّي أن لا أدع عمله يتجاوزني إلى غيري » قال : « وتصعد الحفظة بعمل العبد يزهر كالكوكب الدرّيّ في السماء له دويّ بالتّسبيح والصوم والحجّ فتمرّ به إلى ملك السماء الرابعة فيقول لهم الملك : قفوا وإضربوا بهذا العمل وجه صاحبه وبطنه أنا ملك العجب إنّه كان يعجب بنفسه وإنّه عمل وأدخل نفسه العجب أمرني ربّي لا أدع عمله يتجاوزني إلى غيري » قال صلی الله علیه وآله : « وتصعد الحفظة بعمل العبد كالعروس المزفوفة إلى أهلها فتمرّ به إلى ملك السماء الخامسة بالجهاد والصلاة والصدقة ما بين الصلاتين ولذلك العمل رنين كرنين الإبل عليه ضوء كضوء الشمس فيقول الملك قفوا أنا ملك الحسد وإضربوا بهذا العمل وجه صاحبه وإحملوا على عاتقه إنّه كان يحسد من يتعلّم أو يعمل للَّه بطاعته وإذا رأى لأحد فضلا في العمل والعبادة حسده ووقع فيه فيحملونه على عاتقه ويلعنه عمله » قال : « وتصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وزكاة وحجّ وعمرة فيتجاوز إلى السماء السادسة فيقول الملك قفوا أنا صاحب الرحمة إضربوا بهذا العمل وجه صاحبه وإطمسوا عينيه لأنّ صاحبه لم يرحم شيئا
ص: 340
إذا أصاب عبدا من عباد اللَّه ذنبا جذنب ج للآخرة أو ضرا جضرّج في الدنيا شمت به أمرني ربّي أن لا أدع عمله يجاوزني » قال : « وتصعد الحفظة بعمل العبد بفقه وإجتهاد وورع وله صوت كالرّعد وضوء كضوء البرق ومعه ثلاثة آلاف ملك فتمرّ به إلى ملك السماء السابعة فيقول الملك قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه أنا ملك الحجاب أحجب كلّ عمل ليس للَّه إنّه أراد رفعه عند القوّاد وذكرا في المجالس وصيتا في المدائن أمرني ربّي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري ما لم يكن للَّه خالصا » قال : « وتصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجا به من صلاة وزكاة وصيام وحجّ وعمرة وحسن خلق وصمت وذكر كثير تشيّعه ملائكة السماوات والملائكة السبعة بجماعتهم فيطوف الحجب كلّها حتّى يقوموا بين يديه سبحانه فيشهدوا له بعمل ودعاء يقول اللَّه أنتم حفظة عمل عبدي وأنا رقيب على ما في نفسه إنّه لم يردني بهذا العمل ، عليه لعنتي فتقول الملائكة عليه لعنتك ولعنتنا » قال : ثمّ بكى معاذ قال قلت : يا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ما أعمل ؟ قال : « إقتد بنبيّك يا معاذ في اليقين » قال قلت : أنت رسول اللَّه وأنا معاذ ، قال صلی الله علیه وآله : « إن كان في عملك تقصير يا معاذ فاقطع لسانك عن إخوانك وعن حملة القرآن ولتكن ذنوبك عليك لا تحمّلها على إخوانك ولا تزكّ نفسك بتذميم إخوانك ولا ترفع نفسك بوضع إخوانك ولا تراء بعملك ولا تدخل من الدنيا في الآخرة ولا تفحّش في مجلسك لكي يحذروك بسوء خلقك ولا تناج مع رجل وأنت مع آخر ولا تتعظّم على الناس فينقطع عنك خيرات الدنيا ولا تمزّق الناس فتمزّقك كلاب أهل النار قال اللَّه تعالى : ( وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً )(1) أ فتدري ما الناشطات ؟ كلاب أهل النار تنشط اللحم
ص: 341
والعظم » قلت : ومن يطيق هذه الخصال ؟ قال : « يا معاذ أما إنّه يسير على من يسّره اللَّه عليه » قال : « وما رأيت معاذا يكثر تلاوة القرآن كما يكثر تلاوة هذا الحديث »(1) .
وعن الصادق علیه السلام : « من عمل حسنة سرّا كتبت له سرّا فإذا أقرّ بها محيت وكتبت جهرا فإذا أقرّ بها ثانيا محيت وكتبت رياء »(2) .
وفي مجموعة ورام : قال النبيّ صلی الله علیه وآله حين سأله رجل يا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : فيم النجاة ؟ فقال : « أن لا يعمل العبد بطاعة اللَّه يريد بها الناس » .
وقال صلی الله علیه وآله : « إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر » قالوا وما الشرك الأصغر يا رسول اللَّه ؟ قال : « الرياء يقول اللَّه عزّوجلّ يوم القيامة إذا جازى العباد بأعمالهم إذهبوا إلى الّذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم الجزاء » ؟
وقال النبيّ صلی الله علیه وآله : « إنّ اللَّه لا يقبل عملا فيه مثقال ذرّة من رياء » .
وقال النبيّ صلی الله علیه وآله : « إنّ في ظلّ العرش يوم لا ظلّ إلّا ظلّه رجلا يتصدّق بيمينه فيكاد أن يخفيها عن شماله ولذلك ورد أنّ فضل عمل السرّ على عمل الجهر سبعين ضعفا » .
وقال صلی الله علیه وآله : « إنّ المرائي ينادي يوم القيامة يا فاجر يا غادر يا مرائي ضلّ عملك وحبط أجرك إذهب فخذ أجرك ممّن كنت تعمل له ورأى بعضهم رجلا يتطأطأ رقبته فقال يا صاحب الرقبة إرفع رقبتك ليس الخشوع في الرقاب وإنّما
ص: 342
الخشوع في القلوب ورأى بعضهم رجلا في المسجد فبكى في سجوده فقال أنت أنت لو كان هذا في بيتك » .
وقال أمير المؤمنين علیه السلام : « للمرائي ثلاث علامات يكسل إذا كان وحده وينشط إذا كان في الناس ويزيد في العمل إذا أثني عليه وينقص إذا ذم » .
وسئل بعضهم فقال أحدنا يصطنع المعروف يحبّ أن يحمد به أو يؤجر فقال له أ تحبّ أن تمقت ؟ فقال : لا ، قال : فإذا عملت للَّه عملا فأخلصه .
ويقال إنّهم كانوا يراءون بما يعملون فصاروا اليوم يراءون بما لا يعملون .
وقال عكرمة : إن اللَّه يعطي العبد على نيّته ما لا يعطيه على عمله لأنّ النيّة لا رياء فيها(1) .
وعن محمّد بن عرفة قال قال لي الرضا علیه السلام : « ويحك يا إبن عرفة إعملوا لغير رياء ولا سمعة فإنّه من عمل لغير اللَّه وكله اللَّه إلى ما عمل ويحك ما عمل أحد عملا إلّا ردّاه اللَّه إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ »(2) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « من أظهر للناس ما يحبّ اللَّه وبارز اللَّه بما يكرهه جيكره ج لقي اللَّه وهو له ماقت »(3) .
وقال أبو عبداللَّه علیه السلام : « ما على أحدكم لو كان على قلّة جبل حتّى ينتهي إليه أجله أتريدون تراءون الناس إنّ من عمل للناس كان ثوابه على الناس ومن عمل
ص: 343
للَّه كان ثوابه على اللَّه إنّ كلّ رياء شرك »(1) .
وقال أبو عبداللَّه علیه السلام : « كلّ رياء شرك إنّه من عمل للناس كان ثوابه على الناس ومن عمل للَّه كان ثوابه على اللَّه »(2) .
وعن النبيّ صلی الله علیه وآله قال : « إنّ النار وأهلها يعجّون من أهل الرياء » فقيل : يا رسول اللَّه كيف تعجّ النار ؟ قال : « من حرّ النار الّتي يعذّبون بها »(3) .
روي أنّ رجلا من بني إ سرائيل قال لأعبدنّ اللَّه عبادة أذكر بها - فمكث مدّة مبالغا في الطاعات وجعل لا يمرّ بملإ من الناس إلّا قالوا متصنّع مراء فأقبل على نفسه وقال قد أتعبت نفسك وضيّعت عمرك في لا شي ء فينبغي أن تعمل للَّه سبحانه فغير نيّته وأخلص عمله للَّه تعالى فجعل لا يمرّ بملإ من الناس إلّا قالوا ورع تقي(4) .
وكان عيسى علیه السلام يقول للحواريّين : إذا صام أحدكم صوما فليدهّن رأسه ولحيته ويمسح شفتيه بالزّيت لئلّا يرى الناس أنّه صائم وإذا أعطى بيمينه فليخف عن شماله وإذا صلّى فليرخ ستر بابه فإنّ اللَّه يقسم الثناء كما يقسم الرزق(5) .
وقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « إنّ في ظلّ العرش ثلاثة يظلّهم اللَّه بظلّه يوم لا ظلّ إلّا
ص: 344
ظلّه رجلان تحابّا في اللَّه وإفترقا عليه ورجل تصدّق بيمينه صدقة فأخفاها عن شماله ورجل دعته إمرأة ذات جمال فقال إنّي أخاف اللَّه ربّ العالمين »(1) .
وتوصل عبداللَّه بن الزبير إلى إمرأة عبداللَّه بن عمر وهي أخت المختار بن أبي عبيد الثقفي في أن تكلّم بعلها عبداللَّه بن عمر أن يبايعه فكلمته في ذلك وذكرت صلاته وقيامه وصيامه ، فقال لها : أ ما رأيت البغلات الشهب الّتي كنّا نراها تحت معاوية بالحجر إذا قدم مكة ؟ قالت : بلى ، قال : فإيّاها يطلب إبن الزبير بصومه وصلاته(2) .
وذكروا أن رجلا من قريش قال لأشعب الطمّاع : ما شكرت معروفي عندك . فقال له : إن معروفك كان من غير محتسب فوقع عند غير شاكر(3) .
إ شارة إلى قوله تعالى : ( وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهَ ُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً )(4) .
قال عليّ علیه السلام : « من يطل هن أبيه ينتطق به ، أي : من كثر بنو أبيه يتقوّى بهم »(5) .
ص: 345
كان مهلهل صار إلى قبيلة من اليمن يقال لهم جنب فخطبوا إليه فزوّجهم وهو كاره لإغترابه عن قومه ، ومهروا إبنته أدما ، فقال :
أنكحها فقدها الأراقم(1) في * جنب وكان الحباء من أدم
لو بأبانين(2) جاء يخطبها * رمّل ما(3) أنف خاطب بدم(4)
قال الشيباني : لمّا نزل محمّد بن أبي بكر مصر وصيّر إليه معاوية لعنه اللَّه عليه معاوية إبن خديج الكندي وتفرّق عن محمّد من كان معه فتغيّب دلّ عليه فأخذه وضرب عنقه وبعث برأسه إلى معاوية وكان أوّل رأس طيف به في الإسلام .
وكان محمّد إبن جعفر إبن طالب معه فاستجار باخواله من خثعم فغيّبوه وكان سيّد خثعم يومئذ رجلا في ظهره بزخ من كسر اصابه فكان إذا مشي ظنّ الجاهل انّه يتبختر في مشيّته فذكر لمعاوية انّه عنده فقال له أسم إلينا هذا الرجل فقال : إبن اختنا لجاء الينا لنحقن دمه فدعه عنك ، قال معاوية : واللَّه لا أدعه حتّى تأتيني به ، قال : لا واللَّه لا آتيك به ، قال : كذبت واللَّه لتأتيني به انّك ما علمت لأوره(5) قال :
ص: 346
أجل انّي لاوره حين أقاتلك على إبن عمّك لأحقن دمه وأقدم إبن عمّى دونه تسفك دمه فسكت معاوية لعنه اللَّه وخلّى بينه وبينه(1) .
قال عليّ علیه السلام : « عشيرة الرجل خير للرجل من الرجل للعشيرة إنّ كفّ عنهم يدا واحدة كفّوا عنه أيديا كثيرة مع مودّتهم وحفاظهم ونصرتهم ، إنّ الرجل ليغضب للرجل لا يعرفه إلّا بنسبه . وسأتلوا عليكم في ذلك آيات من كتاب اللَّه عزّوجلّ فيما حكاه عن لوط : ( لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ )(2) يعني العشيرة ولم يكن للوط عشيرة ، فو الّذي نفسي بيده ما بعث اللَّه نبيّا من بعد إلّا في ثروة من قومه ومنعة من عشيرته ، ثمّ ذكر شعيبا إذ قال له قومه ( إِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ )(3) وكان مكفوفا ، واللَّه ما هابوا إلّا عشيرته »(4) .
وفي ( الطبري ) - بعد ذكر قتل أصحاب معاوية لحجر وستة من أصحابه - فقال عبد الرحمن بن حسان العنزي وكريم بن عفيف الخثعمي : إبعثوا بنا إلى معاوية فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته ، فبعثوا إلى معاوية يخبرونه بمقالتهما فأجاز ، فأدخلا عليه فقال معاوية للخثعمي : ما تقول في عليّ ؟ قال : أقول فيه قولك ، أتبرّأ من دين عليّ الّذي كان يدين اللَّه به ، فسكت معاوية وكره أن يجيبه فقال شمر بن عبداللَّه من بني قحافة : هب لي إبن عمّي . فقال : هو لك .
ص: 347
قال : فخلّى سبيله على أن لا يدخل الكوفة ما كان له سلطان . فقال له : تخيّر بلدا ، فاختار الموصل ، وكان يقول : لو قد مات معاوية قدمت المصر ، فمات قبل معاوية بشهر ، ثمّ أقبل معاوية على العنزي فقال له : يا أخا ربيعة ما قولك في عليّ ؟ قال : دعني ولا تسألني . قال : لا أدعك . قال : أشهد أنّه كان من الذاكرين اللَّه كثيرا ومن الآمرين بالحقّ والقائمين بالقسط . قال : فما قولك في عثمان ؟ قال : هو أوّل من فتح باب الظلم وأرتج أبواب الحقّ . قال : قتلت نفسك . قال بل إيّاك قتلت « ولا ربيعة بالوادي » ، قال ذلك لأنّ شمر الخثعمي كلّم معاوية في كريم الخثعمي ولم يكن له أحد من قومه يكلّمه فيه ، فبعث به إلى زياد وقال له : إنّ هذا شرّهم فاقتله شرّ قتلة ، فدفنه زياد حيّا بقسّ الناطف(1) ، (2) .
وفيه : كان عبداللَّه بن خليفة الطائي شهد مع حجر فطلبه زياد فتوارى ، فبعث إليه الشرط فأخذوه فقالت أخته : يا معشر طيّ أ تسلمون سنانكم ولسانكم عبداللَّه بن خليفة فشدّ الطائيّون عليهم وإنتزعوه ، فرجعوا إلى زياد فأخبروه فوثب على عدي بن حاتم وهو في المسجد فقال : إئتنى بإبن خليفة .
فقال : هذا شي ء كان في الحيّ لا علم لي به . قال : واللَّه لتأتينّي به . قال : أجيئك بإبن عمّي تقتله ، واللَّه لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه ، فأمر به إلى السجن فلم يبق بالكوفة يماني ولا ربعي إلّا أتاه وكلّمه وقالوا تفعل هذا بعدي بن حاتم صاحب النبيّ صلی الله علیه وآله قال : فإنّي أخرجه على أن يخرج إبن عمّه عنّي فلا يدخل الكوفة ما دام لي بها سلطان . فقال عديّ لعبد اللَّه : إنّ هذا لجّ في أمرك فالحقّ
ص: 348
بالجبلّين(1) .
وروى أبو عبيدة قال كان الفرزدق لا ينشد بين يدي الخلفاء والأمراء إلّا قاعدا فدخل على سليمان بن عبدالملك يوما فأنشده شعرا فخر فيه بآبائه وقال من جملته :
تاللَّه ما حملت من ناقة رجلا
مثلي إذا الريح لفتني على الكور
فقال سليمان هذا المدح لي أم لك ؟ قال : لي ولك يا أمير المؤمنين فغضب سليمان وقال : قم فأتمم ولا تنشد بعده إلّا قائما ، فقال الفرزدق : لا واللَّه أو يسقط إلى الأرض أكثري شعرا ، فقال سليمان : ويلي على الأحمق إبن الفاعلة لا يكنّي وإرتفع صوته فسمع الضوضاء بالباب ، فقال سليمان : ما هذا قيل بنو تميم على الباب قالوا لا ينشد الفرزدق قائما وأيدينا في مقابض سيوفنا قال : فلينشد قاعدا(2) .
قال إبراهيم علیه السلام : ( وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ )(3) أي : ثناء حسنا ، وقال تعالى في نوح وإبراهيم وموسى وهارون وإلياس : ( وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ
ص: 349
عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ )(1) ، ( وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ )(2) ، ( وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ )(3) أي : تركنا قول « سلام عليهم » في الآخرين .
وعن أبي كهمس قال أبو عبداللَّه علیه السلام : « إذا أتيت عبداللَّه بن أبي يعفور فأقرئه السلام وقل له إنّ جعفر بن محمّد يقول لك : أنظر ما بلغ به عليّ علیه السلام عند رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فالزمه فإنّ عليّا علیه السلام إنّما بلغ ما بلغ به عند رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بصدق الحديث وأداء الأمانة »(4) .
وعن ربيع بن سعد قال : قال لي أبو جعفر علیه السلام : « يا ربيع إنّ الرجل ليصدق حتّى يكتبه اللَّه صدّيقا »(5) .
وقال المبرد - في الكامل - قال معاوية لإبن الأشعث بن قيس : ما كان جدّك قيس بن معد يكرب أعطى الأعشى ؟ فقال : أعطاه مالا وظهرا ورقيقا وأشياء أنسيتها . فقال معاوية : لكن ما أعطاكم الأعشى لا ينسى(6) .
عن إبن أبي نصر قال : قرأت في كتاب أبي الحسن الرضا إلى أبي جعفر 8 يا أبا جعفر بلغني أن الموالي إذا ركبت أخرجوك من الباب الصغير فإنّما ذلك من بخل
ص: 350
منهم لئلّا ينال منك أحد خيرا وأسألك بحقّي عليك لا يكن مدخلك ومخرجك إلّا من الباب الكبير فإذا ركبت فليكن معك ذهب وفضّة ثمّ لا يسألك أحد شيئا إلّا أعطيته ومن سألك من عمومتك أن تبرّه فلا تعطه أقلّ من خمسين دينارا والكثير إليك ومن سألك من عمّاتك فلا تعطها أقلّ من خمسة وعشرين دينارا والكثير إليك إنّي إنّما أريد بذلك أن يرفعك اللَّه فأنفق ولا تخش من ذي العرش إقتارا(1) .
وعن الحسين بن أيمن عن أبي جعفر علیه السلام قال قال : « يا حسين أنفق وأيقن بالخلف من اللَّه فإنّه لم يبخل عبد ولا امة بنفقة فيما يرضي اللَّه عزّوجلّ إلّا أنفق أضعافها فيما يسخط اللَّه عزّوجلّ »(2) .
وعن أبي جعفر علیه السلام قال : « إنّ الشمس لتطلع ومعها أربعة أملاك ملك ينادي يا صاحب الخير أتمّ وأبشر وملك ينادي يا صاحب الشرّ انزع وأقصر وملك ينادي أعط منفقا خلفا وآت ممسكا تلفا وملك ينضحها بالماء ولولا ذلك إ شتعلت الأرض »(3) .
وقال أمير المؤمنين علیه السلام : « البركة في مال من آتى الزكاة وواسي المؤمنين ووصل الأقربين »(4) .
وعن أبي عبداللَّه علیه السلام : « صلة الأرحام تحسن الخلق وتسمح الكفّ وتطيب
ص: 351
النفس وتزيد في الرزق وتنسى في الأجل »(1) .
وقال أبو عبداللَّه علیه السلام : « صلة الرحم وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار »(2) .
وعن إسحاق بن عمّار قال : قال أبو عبداللَّه علیه السلام : « ما نعلم شيئاً يزيد في العمر إلّا صلة الرحم حتّى انّ الرجل يكون أجله ثلاث سنين فيكون وَصولاً للرحم فيزيد اللَّه في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثاً وثلاثين سنة ، ويكون أجله ثلاثاً وثلاثين سنة ، فيكون قاطعاً للرحم فينقصه اللَّه ثلاثين سنة ويجعل أجله إلى ثلاث سنين »(3) .
والروايات في هذا الباب كثيرة ، وفيما رويناه كفاية إن شاء اللَّه .
عن صعصعة بن صوحان : قال : عادني عليّ أمير المؤمنين علیه السلام في مرض ، ثمّ قال : « أنظر فلا تجعلن عيادتي إيّاك فخرا على قومك ، فإذا رأيتهم في أمر فلا تخرج منه ، فإنّه ليس بالرّجل غناء عن قومه ، إذا خلع منهم يدا واحدة يخلعون منه أيديا كثيرة ، فإذا رأيتهم في خير فأعنهم عليه ، وإذا رأيتهم في شرّ فلا تخذلنّهم ، وليكن تعاونكم على طاعة اللَّه ، فإنّكم لن تزالوا بخير ما تعاونتم على طاعة اللَّه ( تعالى ) ، وتناهيتم عن معاصيه »(4) .
ص: 352
وعن أبي جعفر علیه السلام قال قال أبو ذرّ 2 سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : « حافتا الصراط - يوم القيامة الرحم والأمانة فإذا مرّ الوصول للرحم المؤدّي للأمانة نفذ إلى الجنّة وإذا مرّ الخائن للأمانة القطوع للرحم لم ينفعه معهما عمل وتكفّأ به الصراط في النار »(1) .
قال تعالى : ( وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ )(2) .
عن أبي جعفر علیه السلام قال : « لمّا خرج أمير المؤمنين علیه السلام يريد البصرة نزل بالرّبذة(3) فأتاه رجل من محارب فقال يا أمير المؤمنين إنّي تحمّلت في قومي حمالة(4) وإنّي سألت في طوائف منهم المواساة والمعونة فسبقت إليّ ألسنتهم بالنّكد(5) فمرهم يا أمير المؤمنين بمعونتي وحثّهم على مواساتي فقال : أين هم ؟ فقال هؤلاء فريق منهم حيث ترى قال فنص(6) راحلته فادّلفت كأنّها
ص: 353
ظليم(1) فادّلف بعض أصحابه في طلبها فلأْيا بلأْي ما لحقت(2) فانتهى إلى القوم فسلّم عليهم وسألهم ما يمنعهم(3) من مواساة صاحبهم ؟ فشكوه وشكاهم فقال أمير المؤمنين علیه السلام : « وصل امرؤ عشيرته(4) فإنّهم أولى ببرّه وذات يده ووصلت العشيرة أخاها إن عثر به دهر وأدبرت عنه دنيا فإنّ المتواصلين المتباذلين مأجورون وإنّ المتقاطعين المتدابرين موزورون » قال ثمّ بعث راحلته وقال : « حل »(5) ، (6) .
إلى هنا انتهى الجزء الثالث وأسأل اللَّه أن يوفّقني بمنّه
لإتمام هذا الشرح انّه سميع الدعاء قريب مجيب
الحمدالله رب العالمین
وصلی الله علی سیدنا محمد وعلی آله الطاهرین
ص: 354
1 - إثباة الهداة بالنصوص والمعجزات : محمّد بن حسن ، الشيخ حرّ العاملى ، ( المتوفى 1104 ق ) ، 5 مجلد ، الأعلمي ، بيروت ، الأولى 1425 .
2- الاثنا عشريّة : الحرّ العاملى ، ( المتوفى 1104ق ) ، دار الكتب العلميّة ، قم .
3 - الاحتجاج على اهل اللجاج : ابو منصور احمد بن على بن ابى طالب طبرسى ، 2 مجلد ، مترجم : بهراد جعفرى ، دار الكتب الاسلامية ، طهران 1387 ش .
4 - الاحتجاج على أهل اللجاج : احمد بن على ، طبرسى ، ( المتوفى 588ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : محمد باقر خرسان ، نشر مرتضى ، مشهد ، الأولى 1403ق .
5 - احياء العلوم : أبو حامد محمّد الغزالي ، ( المتوفى 505ق ) ، دار المعرفة ، بيروت ، 4 مجلد .
6 - الاختصاص : محمد بن محمد المفيد ، ( المتوفى 413ق ) ، مصحح : على اكبر غفارى ومحمود حرمى زرندى ، المؤتمر العالمى للالفية الشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .
ص: 355
7- الارشاد في معرفة حجج اللَّه على العباد : محمّد بن محمّد المفيد ، ( المتوفّى 413ق ) ، المصحّح : مؤسّسة آل البيت : ، المؤتمر للشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .
8- ارشاد القلوب الى الصواب للديلمى : حسن بن محمد ديلمى ، ( المتوفى 841ق ) ، 2 مجلد ، الشريف الرضى ، قم ، الأولى 1412ق .
9 - الاستيعاب : ابن عبدالبر ، القرن الخامس ، تحقيق : علي محمّد البجاوى ، بيروت ، دار الجيل ، الأولى 1412ق ، 1992م .
10 - اسد الغابة : ابن الأثير ، ( المتوفّى 630ق ) ، دار الكتاب العربي بيروت ، لبنان ، توضيحات : نشر إسماعيليان ، طهران .
11 - الاصابة : أحمد بن علي بن حجر العسقلانى ، ( المتوفى 852ق ) : تحقيق : عادل أحمد ، 8 مجلد ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، الأولى 1415ق 1995م .
12 - الاصول الستة عشر : مصحح : ضياءالدين محمودى ونعمت اللَّه جليلى ومهدى غلامعلى ، مؤسسة دار الحديث الثقافية ، قم ، الأولى 1423ق .
13 - اعتقادات الامامية ( للصدوق ) محمد بن على بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مؤتمر الشيخ المفيد ، قم ، الثانية 1414ق .
14 - الأعلام : خيرالدين الزركلى ، ( المتوفى 1410ق ) ، 8 مجلد ، دار العلم للملايين ، الخامسة 1980م .
15 - أعيان الشيعة : السيّد محسن الأمين ، ( المتوفى 1371ق ) ، 10 مجلد ، تحقيق : حسن الأمين ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت ، لبنان .
ص: 356
16 - الأغاني : ابن الفرج الاصفهاني ، ( المتوفّى 356 ) ، 25 جلد ، دار إحياء التراث العربي .
17 - الزام الناصب : ابن صلاح البحرانى ( المتوفى ق 9 ) ، تحقيق : الشيخ عبدالرضا النجفي ، الأولى 1420ق .
18 - الأمالي ( للصدوق ) : محمد بن على بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، الأعلمى بيروت ، الخامسة 1400ق - 1362ش .
19 - الأمالي ( للطوسي ) : محمد بن الحسن طوسى ، ( المتوفى 460ق ) ، 1 مجلد ، دار الثقافه ، قم ، الأولى 1414ق .
20 - الأمالي ( للمفيد ) : محمد بن محمد ، مفيد ، ( المتوفى 413ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : حسين استاد ولى وعلى اكبر غفارى ، مؤتمر الشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .
21 - الامام الصادق علیه السلام والمذاهب الأربعة : أسد حيدر ، 8 مجلد ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت ، لبنان .
22 - الامامة والسياسة : ابن قتيبة الدينوري ، ( المتوفّى 276ق ) ، تحقيق : الزيني ، مؤسّسة الحلبى وشركاه للنشر والتوزيع .
23 - الامامة والسياسة المعروف بتاريخ الخلفاء : ابن قتيبة دينورى ، القرن الثالث ، تحقيق : على شيرى ، دار الأضواء ، بيروت ، الأولى 1410ق - 1990م .
24 - أنساب الأشراف : أحمد بن يحيى بن جابر البلاذرى ، ( المتوفى 279ق ) ، تحقيق : سهيل زكار ، رياض ، زركلى ، 13 مجلد ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، الأولى .
ص: 357
25 - الأنوار النعمانيّة : السيّد نعمة اللَّه بن عبداللَّه الجزائرى ، ( المتوفى 1112ق ) ، 4 مجلد ، دار القارى ، بيروت ، الأولى 1429ق .
26 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار : محمّد باقر بن محمّد تقى مجلسى ، ( المتوفى 1110ق ) ، 111 مجلد ، دار احياء التراث العربي ، الثانية 1403ق .
27 - البرهان فى تفسير القرآن : سيد هاشم بن سليمان بحراني ، ( المتوفى 1107ق ) ، 5 مجلد ، مصحح : قسم الدراسات الاسلامية لمؤسسة البعثة ، مؤسسة البعثة ، قم ، الأولى 1374 ش .
28 - بشارة المصطفى لشيعة المرتضى : عماد الدين أبي جعفر محمد بن أبي القاسم الطبرى الآملي ، ( المتوفى 553ق ) ، 1 مجلد ، المكتبة الحيدرية ، نجف الأشرف ، الثانية 1383ق .
29 - بصائر الدرجات في فضائل آل محمد : : محمد بن حسن صفار ، ( المتوفى 290ق ) ، مصحح : محسن بن عباسعلي كوچه باغي ، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي ، قم ، الثانية 1404ق .
30 - بلاغات النساء : ابن طيفور ، ( المتوفى 380ق ) ، مكتبة بصيرتي ، قمّ المقدّسة .
31 - بلاغة الامام على بن الحسين علیه السلام : جعفر عباس الحائرى ، دار الحديث للطباعة والنشر ، قم ، الأولى 1425ق 1383ش .
32 - بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة : محمّد تقي الشيخ الشوشتري ، ( المتوفى 1415ق - 1374ش ) ، مؤسّسة نشر أمير كبير ، الأولى 1376 شمسى .
ص: 358
33 - البيان والتبيين : الجاحظ ، ( المتوفى 255ق ) ، المكتبة التجاريّة الكبرى لصاحبها مصطفى محمّد ، مصر ، الأولى 1345ق 1926م .
34 - تأويل مختلف الحديث : ابن قتيبة الدينورى ، ( المتوفى 276ق ) ، دار الكتاب العلميّة ، بيروت .
35 - تاج العروس من جواهر القاموس : محمّد مرتضى حسينى زبيدى ، ( المتوى 1205ق ) ، تحقيق : على هلالى وسيرى على ، 20 مجلد ، دار الفكر ، بيروت ، الأولى 1414ق .
36 - تاريخ الاسلام : الذهبي ، ( المتوفى 748ق ) ، 52 مجلد ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، الأولى 1407ق 1987م .
37 - تاريخ بغداد : الخطيب البغدادي ، ( المتوفى 463ق ) ، تحقيق : مصطفى عبدالقادر عطا ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الأولى 1417ق - 1997 م .
38 - تاريخ الطبرى : محمد بن جرير الطبري ، 6 مجلد ، ( المتوفى 310ق ) ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت .
39 - تاريخ الطبرى : ابو جعفر محمد بن جرير الطبرى ، ( المتوفى 310ق ) ، تحقيق : محمّد ابوالفضل إبراهيم ، 11 مجلد ، بيروت ، دار التراث ، الثانية 1387ق 1967م .
40- تاريخ مدينة دمشق : ابن عساكر ، ( المتوفى 571ق ) ، 70 مجلد ، تحقيق : علي شيري ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، مطبعة دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، چاپ 1415ق .
41 - تاريخ يعقوبى : أحمد بن أبى يعقوب المعروف باليعقوبى ، ( المتوفى بعد 292 ) ، بيروت ، دار صادر ، بى تا .
ص: 359
42 - تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة : علي الاسترآبادي ، ( المتوفى 940ق ) ، مصحح : حسين استاد ولي ، مؤسسة النشر الاسلامى ، قم ، الأولى 1409ق .
43 - تحف العقول : حسن بن علي ، ابن شعبة الحرّاني ، ( المتوفى قرن 4 ) ، 1 مجلد ، مصحح : علي أكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الثانية 1404ق - 1363ش .
44 - التذكرة الحمدونيّة : ابن حمدون ، ( المتوفى 562ق ) 10 مجلد ، تحقيق : احسان عبّاس ، دار صادر للطباعة والنشر ، بيروت ، الأولى 1996م .
45- تذكرة الخواص : سبط ابن جوزى ، ( المتوفى 654ق ) ، 1 مجلد ، منشورات الشريف الرضى ، قم ، 1418ق 1376ش .
46- تفسير الصافي : محمّد بن شاه مرتضى فيض كاشاني ، ( المتوفى 1091ق ) ، مكتبة الصدر ، طهران ، الثانية 1415ق .
47 - تفسير الثعلبى ( الكشف والبيان عن تفسير القرآن ) : الثعلبي ، ( المتوفى 427ق ) ، تحقيق : أبى محمد بن عاشور ، 5 مجلد ، دار احياء التراث العربى ، بيروت ، الأولى 1422ق 2002م .
48 - تفسير العياشي : محمّد بن مسعود العياشي ، ( المتوفى 320ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : السيّد هاشم رسولى المحلّاتى ، المطبعة العلمية ، طهران ، الأولى 1380 ق .
49 - تفسير فرات الكوفي : فرات بن ابراهيم كوفي ، ( المتوفى 307ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : محمد كاظم ، مؤسسة الطبع والنشر في وزارة الارشاد الاسلامي ، طهران ، الأولى 1410ق .
ص: 360
50 - تفسير القمي : علي بن ابراهيم القمي ، ( المتوفى القرن 3 الهجري ) ، مصحح : السيّد طيّب موسوى الجزائري ، 2 مجلد ، دار الكتاب ، قم ، الثالثة 1404ق .
51 - تفسير المحيط الأعظم والبحر الخظم في تأويل كتاب اللَّه العزيز المحكم : السيد حيدر الآملي ، 2 مجلد ، تحقيق : السيد محسن الموسوي التبريزي ، مؤسسة الثقافي والنشر نور على نور ، الثالثة 1428 .
52 - التفسير المنسوب الى الامام الحسن العسكري علیه السلام : الشهادة 260 ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : مدرسة الإمام المهدي علیه السلام ، قم ، الأولى 1409ق .
53 - تفسير نور الثقلين عبد علي بن جمعة الحويزي ، ( المتوفى 1112ق ) ، 5 مجلدات ، اسماعيليان ، قم ، الرابعة 1415ق .
54 - تقريب التهذيب : ابن حجر ، ( المتوفى 852ق ) ، 2 مجلد ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، الثانية 1415ق - 1995م .
55 - تقريب المعارف : تقى بن نجم ، ابو الصلاح الحلبى ، ( المتوفى 447ق ) ، مصحح : تبريزيان ( الحسون ) ، 1 مجلد ، الهادى ، قم ، الاولى 1404ق .
56 - التمحيص : ابن همام اسكافى ، ( المتوفى 336ق ) ، مدرسة الامام المهدى علیه السلام ، قم ، الأولى 1404ق .
57 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام : ورام بن أبي فراس ، مسعود بن عيسى ، ( المتوفى 605ق ) ، 2 مجلد ، مكتبة الفقيه ، قم ، الأولى 1410ق .
58 - التوحيد ( للصدوق ) : محمّد بن علي ، ابن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : هاشم الحسيني ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الأولى 1398ق .
ص: 361
59 - توضيح الرشاد فى تاريخ حصر الاجتهاد : آقا بزرگ الطهرانى ، ( المتوفى 1389ق ) ، تحقيق : محمد على الأنصارى ، 1401ق .
60 - تهذيب الأحكام : محمد بن الحسن ، طوسى ، ( المتوفى 460ق ) ، 10 مجلد ، مصحح : حسن الموسوى خرسان ، دار الكتب الاسلامية ، تهران ، الرابعة 1407ق .
61 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : محمد بن علي الصدوق ، ابن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، دار الشريف الرضي للنشر ، قم ، الثانية 1406ق .
62 - جامع الأخبار ( للشعيرى ) : محمد بن محمد شعيرى ، ( المتوفى القرن 6 ) ، مطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف ، الأولى .
63 - جامع البيان عن تأويل آى القرآن : محمّد بن جرير الطبرى ، ( المتوفى 310ق ) ، 30 مجلد ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، 1415ق 1995م .
64 - الجمل والنصرة لسيّد العترة في حرب البصرة : محمّد بن محمّد المفيد ، ( المتوفى 413ق ) ، تحقيق : على مير شريفى ، المؤتمر للشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .
65 - جواهر التاريخ ( السيرة النبويّة ) : الشيخ على الكورانى العاملى ، معاصر ، 3 مجلد ، باقيات ، الأولى 1430 .
66 - الجواهر السنية فى الأحاديث القدسيّة : محمّد بن حسن شيخ حرّ العاملي ، ( المتوفى 1104ق ) ، 1 مجلد ، انتشارات دهقان ، طهران ، الثالثة 1380ش .
67 - حلية الأولياء : أبو نعيم أحمد بن عبداللَّه الاصبهاني ، ( المتوفى 430ق ) ، 10 مجلد ، السعادة ، بجوار محافظة مصر ، 1394ق 1974م .
68 - الخرائج والجرائح : سعيد بن هبة اللَّه ، قطب الدين الراوندي ، ( المتوفى 573ق ) ، المصحح والناشر : مؤسسة الامام المهدي علیه السلام ، 3 مجلد ، قم ، الأولى 1409ق .
ص: 362
69 - الخصال : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : على اكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الأولى 1362ش .
70 - الخلاف : الشيخ الطوسى ، ( المتوفى 460ق ) ، 6 مجلد ، مؤسسة النشر الاسلامى التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة ، 1414ق .
71 - دعائم الاسلام وذكر الحلال والحرام : نعمان بن محمد مغربى ، ابن حيون ، ( المتوفى 363ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : الفيضي ، آصف ، مؤسسة آل البيت : ، قم ، الثانية 1385ق .
72 - الدعوات للراوندي ، سلوة الحزين : سعيد بن هبة اللَّه ، قطب الدين الراوندي ، ( المتوفى 573ق ) ، 1 مجلد ، انتشارات مدرسة الإمام المهدي علیه السلام ، قم ، الأولى 1407ق.
73 - ربيع الأبرار ونصوص الأخبار : الزمخشرى ، ( المتوفى 538ق ) ، تحقيق : عبدالأمير مهنا ، 5 مجلد ، مؤسسة الأعلمى للمطبوعات ، بيروت ، الأولى 1412ق 1992م .
74 - رجال الكشي - اختيار معرفة الرجال : محمّد بن عمر الكشي ، ( المتوفى النصف الأوّل من القرن 4ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : محمّد حسن الطوسي ، حسن المصطفوي ، مؤسسه النشر لجامعة مشهد ، الأولى 1409ق .
75 - رجال الكشى ( مع تعليقات ميرداماد الاسترآبادى ) : محمّد بن عمر كشى ، ( المتوفى النصف الأوّل من القرن الرابع ) ، 2 مجلد ، مصحّح : رجائى ، مؤسسة آل البيت : ، قم ، الأولى 1363ش .
ص: 363
76 - روضة الواعظين وبصيرة المتعظين : محمّد بن أحمد ، فتال النيشابوري ، ( المتوفى 508ق ) ، 2 مجلد ، النشر الرضي ، قم ، الأولى 1375ش .
77 - رياض الأبرار فى مناقب الأئمّة الأبرار : سيد نعمة اللَّه بن عبداللَّه الجزائرى ، ( المتوفى 1112ق ) ، 3 مجلد ، مؤسسة التاريخ العربى ، بيروت ، الأولى 1427ق 2006م .
78 - زبدة التفاسير : الملا فتح اللَّه الكاشانى ، ( المتوفى 988ق ) ، 7 مجلد ، مؤسسة المعارف الاسلاميّة ، قم ، الأولى 1423ق .
79 - الزهد : حسين بن سعيد ، كوفى اهوازى ، ( المتوفى القرن الثالث ) ، مصحّح : غلامرضا عرفانيان يزدى ، 1 مجلد ، المطبعة العلميّة ، قم ، الثانية 1402ق .
80 - زهر الربيع : السيّد نعمة اللَّه بن عبداللَّه الجزائرى ، ( المتوفى 1112ق ) ، 1 مجلد ، مؤسسة العالميّة للتجليد ، بيروت ، الأولى 1421ق .
81 - السقيفة وفدك : الجوهرى ، ( المتوفى 323ق ) ، شركة الكتبى للطباعة والنشر ، بيروت ، لبنان ، الثانية 1413ق 1993م .
82 - سنن أبي داود : سليمان بن الأشعث السجستاني ، ( المتوفى 275ق ) ، 2 مجلد ، تحقيق : سعيد محمد اللحام ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، الأولى 1410ق - 1990م .
83 - سنن الدارمى : عبداللَّه بن الرحمن الدارمى ، ( المتوفى 255ق ) ، 2 مجلد ، مطبعة الاعتدال ، دمشق 1349 .
ص: 364
84 - السيرة النبوية : ابن هشام الحميري ، ( المتوفى 218ق ) ، 1 مجلد ، تحقيق : محمد محي الدين عبدالحميد ، مكتبة محمّد علي صبيح وأولاده ، القاهرة ، 1383ق - 1963م .
85 - شرح أصول الكافي ( صدرا ) : محمّد بن ابراهيم ، صدرالدين الشيرازي ، 4 مجلد ( المتوفى 1050ق ) ، مصحح : محمد الخواجوي ، مؤسسة مطالعات و تحقيقات فرهنگى طهران ، الأولى 1383ش .
86 - شرح نهج البلاغة ( ابن ميثم ) : ميثم بن علي بن ميثم البحراني ، ( قرن 7 ) ، 5 مجلد ، مكتبة نشر الكتاب ، الثانية 1362 ش .
87 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : عبدالحميد بن هبة اللَّه ، ابن أبي الحديد ، ( المتوفى 656ق ) ، مصحح : محمد ابوالفضل ، ابراهيم ، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي ، قم ، الأولى 1404ق .
88 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل : عبيداللَّه بن عبداللَّه الحسكاني ، ( المتوفى 490 ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : محمد باقر المحمودي ، التابعة لوزارة الثقافة والارشاد الاسلامي ، مجمع احياء الثقافة الاسلامية ، طهران ، الأولى 1411ق .
89 - الصحاح : الجوهري ، ( المتوفى 393ق ) ، 6 مجلد ، تحقيق : احمد عبدالغفور العطار ، دار العلم للملايين ، بيروت ، الرابعة 1407ق - 1987م .
90 - صحيح مسلم : مسلم النيسابوري ، ( المتوفى 261ق ) ، 1 مجلد ، دار الفكر ، بيروت .
91 - الصراط المستقيم إلى مستحقى التقديم : على بن محمّد عاملى نباطى ، ( المتوفى 877ق ) ، 3 مجلد ، المكتبة الحيدريّة ، الأولى 1384ق .
ص: 365
92 - الطبقات الكبرى : ابن سعد ، ( المتوفى 230 ) ، 8 مجلد ، دار صادر ، بيروت .
93 - الطرائف في معرفة مذهب الطوائف : علي بن موسى ، ابن طاووس ، 2 مجلد ، ( المتوفى 664ق ) ، مصحح : على عاشور ، خيام ، قم ، الأولى 1400ق .
94 - عدّة الداعي ونجاح الساعي : احمد بن محمد ، ابن فهد حلي ، ( المتوفى 841ق ) ، مصحّح : احمد الموحدي القمي ، 1 مجلد ، دار الكتب الاسلاميّة ، الأولى 1407ق.
95 - العقد الفريد : شهاب الدين احمد المعروف بابن عبد ربه الأندلسى ، ( المتوفى 328ق ) ، 8 مجلد ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الأولى 1404ق .
96 - علل الشرايع : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، 2 مجلّد مكتبة الداوري ، قم الأولى 1385ش .
97 - عمدة عيون صحاح الأخبار فى مناقب امام الأبرار : ابن البطريق ، ( المتوفى 600ق ) ، مؤسسة النشر الاسلامى التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرفة ، جمادي الأولى 1407ق .
98 - عوالى اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية : محمد بن زين الدين ، ابن ابي جمهور ، ( المتوفى : زنده در سال 901ق ) ، 4 مجلد ، مصحح : مجتبى العراقي ، دار سيد الشهداء للنشر ، قم ، الأولى 1405ق .
99 - عيون الأخبار : ابن قتيبة الدينوري ، ( المتوفى 276ق ) ، 3 مجلد ، منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية ، بيروت ، الثالثة 1414ق - 2003م .
100 - عيون أخبار الرضا علیه السلام : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : مهدي اللاجوردي ، 2 مجلّد ، جهان ، طهران ، الأولى 1378ق .
ص: 366
101 - الغارات : ابراهيم ثقفى ، ( المتوفى 283ق ) ، تحقيق : جلال الدين حسينى ارموى ، طهران ، انجمن آثار ملى ، 1353ش .
102 - غاية المرام : السيّد هاشم البحرانى ، ( المتوفى 1107ق ) ، تحقيق : السيّد على عاشور ، 7 مجلد .
103 - الغدير : الشيخ الأمينى ، ( المتوفى 1392ق ) ، 11 مجلد ، دار الكتاب العربى ، بيروت ، الثالثة 1387ق 1967م .
104 - غرر الخصائص الواضحة : ابو اسحاق برهان الدين محمد المعروف بالوطواط ، ( المتوفى 718ق ) ، 1 مجلد ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، الأولى 1429ق 2008م .
105 - الغيبة ( للنعماني ) : ابن ابي زينب ، محمد بن ابراهيم ، ( المتوفى 360ق ) ، مصحح : على اكبر الغفاري ، نشر صدوق ، طهران ، الأولى 1397ق .
106 - فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب : علي بن موسى ، ابن طاووس ، ( المتوفى 664ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : حامد خفاف ، مؤسسه آل البيت : ، قم ، الأولى 1409ق .
107- الفتوح : ابو محمد احمد بن الأعثم الكوفي ، ( المتوفى 1314 ، تحقيق : على الشيري ، چاپ بيروت ، دار الأضواء ، الأولى 1411ق - 1991م .
108 - فرق الشيعة : الحسن بن موسى النوبختى .
109 - الفصول المختارة : محمّد بن محمّد، المفيد ، ( المتوفى 413ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : علي الميرشريفي ، مؤتمر الشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .
110 - قرب الاسناد (الطبعة الحديثة) : عبداللَّه بن جعفر الحميري ، نيمه دوم قرن 3ق ) ، المصحح والناشر : مؤسسه آل البيت : ، قم ، الأولى 1413ق .
ص: 367
111 - قصص الأنبياء (للراوندي) : سعيد بن هبة اللَّه ، قطب الدين الراوندي ، ( المتوفى 573 ق ) ، مصحح : غلامرضا العرفانيان اليزدي ، مركز پژوهش هاى اسلامى ، مشهد ، الأولى 1409 .
112، دار الكتب الاسلاميّة ، طهران ، الرابعة 1407ق .
113 - الكافية فى ابطال توبة الخاطئة ( الكافئة : محمّد بن محمّد المفيد ، ( المتوفى 1413ق ) ، مصحّح : زمانى نژاد ، 1 مجلد ، المؤتمر للشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق 1372ش .
114 - الكامل : عبداللَّه بن عدى الجرجانى ، ( المتوفى 365ق ) ، تحقيق : يحيى مختار غزاوى ، 7 مجلد ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، الثالثة ، محرم 1409ق 1988م .
115 - الكامل في التاريخ : ابن الأثير ، ( المتوفى 630ق ) ، 12 مجلد ، دار صادر للطباعة والنشر ، بيروت ، 1386ق - 1966م .
116- كتاب سليم بن قيس : سليم بن قيس الهلالى ، ( المتوفى 76ق ) ، مصحح : انصارى زنجانى ، محمد خوئينى ، 2 مجلد ، الهادى ، قم ، الاولى 1405ق .
117 - كشف الريبة : زين الدين بن على ، الشهيد الثانى ، ( المتوفى 966ق ) ، 1 مجلد ، دار المرتضوى للنشر ، بى جا ، الثالثة 1390ق .
ص: 368
118 - كشف الغمّة في معرفة الأئمّة ( ط . القديمة ) ، يوسف : على بن عيسى الاربلي ، ( المتوفى : 692ق ) ، مصحّح : سيّد هاشم الرسولي المحلاتي ، بني هاشمي ، 2 مجلد ، تبريز ، الأولى 1381ق .
119 - كشف اللئام ( ط - ج ) : الفاضل الهندى ، ( المتوفى 1137ق ) ، 11 مجلد ، مؤسسة النشر الاسلامى التابعة لجماعة المدرسين بقمّ المشرّفة .
120 - كفاية الأثر في النص على الأئمّة الاثنى عشر : : علي بن محمد ، الخزاز الرازي ، ( المتوفى قرن 4 ، 1 مجلد ، مصحح : عبداللطيف الحسيني الكوهكمري ، بيدار ، قم ، 1401ق .
121 - كمال الدين وتمام النعمة : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : علي اكبر الغفاري ، 2 مجلد ، الإسلامية ، طهران ، الثانية 1395ق .
122 - كنز الفوائد : محمد بن علي الكراجكى ، ( المتوفى 449ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : عبداللَّه نعمه ، دار الذخائر ، قم ، الأولى 1410ق .
123 - الكنى والألقاب : الشيخ عبّاس القمّى ، ( المتوفى 1359ق ) 3 مجلد ، مكتبة الصدر ، طهران .
124 - لسان العرب : محمّد بن المكرّم ، ابن منظور ، ( المتوفى 711ق ) ، 15 مجلد ، مصحح : جمال الدين ، الميردامادي ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، الثالثة 1414ق .
125 - مجمع الأمثال : الميدانى ، ( المتوفى 518ق ) ، 2 مجلد ، المعاونية الثقافية للآستانة الرضوية المقدسة ، آذر 1366ش .
ص: 369
126 - مجمع البحرين : فخرالدين بن محمد ، الطريحي ، ( المتوفى 1085ق ) ، 6 مجلد ، مصحح : احمد الحسيني الاشكوري ، المرتضوي ، طهران ، الثالثة 1375ش .
127 - مجمع البيان فى تفسير القرآن : فضل بن حسن الطبرسى ، ( المتوفى 548ق ) ، 10 مجلد ، ناصر خسرو ، طهران ، الثالثة 1372 .
128 - المحاسن : احمد بن محمد بن خالد البرقي ، ( المتوفى 274ق يا 280ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : جلال الدين ، المحدث ، دار الكتب الاسلامية ، قم ، الثانية 1371ق .
129 - المحجة البيضاء في تهذيب الاحياء : الفيض الكاشاني ، ( المتوفى 1091ق ) ، 8 مجلد ، تحقيق : علي اكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الثالثة .
130 - مختصر البصائر : حسن بن سليمان بن محمّد الحلّي ، ( المتوفى القرن الثامن ) ، 1 مجلد ، مؤسسة النشر الاسلامي ، قم ، الأولى 1421ق .
131- مرآة العقول في شرح اخبار آل الرسول : محمّد باقر بن محمد تقى المجلسي ، ( المتوفى 1110ق ) ، 26 مجلد ، مصحح : السيّد هاشم الرسولي المحلاتي ، دار الكتب الاسلامية ، طهران ، الثانية 1404ق .
132 - مراصد الاطّلاع على أسماء الأمكنة والبقاع : القطيعى البغدادى ، ( المتوفى 739ق ) 3 مجلد ، دار الجيل ، بيروت ، الأولى 1412ق .
133- مروج الذهب ومعادن الجوهر : المسعودي ، ( المتوفى 346ق ) ، منشورات دار الهجره ، قم 1404ق - 1363ش - 1984م .
134 - المسائل الصاغانيّة : الشيخ المفيد ، ( المتوفى 413ق ) ، تحقيق : السيّد محمّد القاضي ، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، الثانية 1414ق 1993م .
ص: 370
135 - مستدركات أعيان الشيعة : حسن الأمين ، ( المتوفى 399ق ) ، 7 مجلد ، دار التعارف للمطبوعات ، المكتب شارع سوريا ، 1409ق 1989م .
136 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل : حسين بن محمد تقي ، النوري ، ( المتوفى 1320ق ) ، 28 مجلد ، مصحح و مؤسسة آل البيت : ، قم ، الأولى 1408ق .
137 - مسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد : زين الدين على شهيد الثاني ( المتوفى 966ق ) ، 1 مجلد ، قم ، بصيرتى ، بى تا ، الأولى .
138 - مسند أحمد : أحمد بن حنبل ، ( المتوفى 241ق ) ، 6 مجلد ، دار صادر ، بيروت .
139 - مشارق أنوار اليقين في أسرار أميرالمؤمنين علیه السلام : رجب بن محمّد ، حافط البرسي ، ( المتوفى 813 ق ) ، تحقيق : على عاشور ، 1 مجلد ، أعلمى ، بيروت ، الأولى 1422ق .
140 - المصباح المنير : أحمد بن محمّد الفيومي ، ( المتوفى 770ق ) ، 2 مجلد ، مؤسسة دار الهجرة ، قم ، الثانية 1414ق .
141 - مصباح الشريعة ( ترجمة المصطفوى ) : منسوب به امام صادق علیه السلام : ( م 148ق ) ، 1 مجلد ، انحمن اسلامى حكمت وفلسفه ايران ، طهران ، 1360ش .
142 - مصباح الشريعة : منسوب به امام صادق علیه السلام ( م 148ق ) ، الأعلمى ، بيروت ، الأولى 1400ق .
143- مصباح المتهجّد : محمّد بن الحسن الطوسي ، ( المتوفى 460ق ) ، 2 مجلد ، مؤسسة فقه الشيعة ، بيروت ، الأولى 1411ق .
144 - معانى الأخبار : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : على اكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي ، الأولى ، قم 1403ق .
ص: 371
145 - المعتبر : المحقّق الحلّي ، ( المتوفى 676ق ) ، 2 مجلد ، مؤسسة سيّد الشهداء علیه السلام ، قم .
146- معجم الأدباء : ياقوت الحموى ، ( المتوفى 626ق ) ، 7 مجلد ، دار الغرب الاسلامى ، بيروت ، الأولى 1414 ق 1993م .
147 - مععم الكبير : الطبراني، ( المتوفى 360ق ) ، دار احياء التراث العربي، 20 مجلّد .
148 - مفتاح السعادة في شرح نهج البلاغة : السيّد محمّد تقي النقوي القايني الخراساني ، معاصر ، 7 مجلد ، مكتبة المصطفوى ، طهران .
149 - مفردات الفاظ القران : حسين بن محمد ، الراغب الاصفهاني ، ( المتوفى 401ق ) ، 1 مجلد ، دار القلم ، الدار الشامية ، بيروت ، الأولى 1412ق .
150 - مقاتل الطالبيين : ابو الفرج الاصفهانى ، ( المتوفى 356ق ) ، تحقيق : سيد أحمد صقر ، بيروت ، دار المعرفة ، بى تا .
151 - مناقب آل أبي طالب : : محمّد بن على بن شهر آشوب المازندراني ، ( المتوفى 588ق ) ، 4 مجلد ، العلّامة ، قم ، الأولى 1379ش .
152 - من لا يحضره الفقيه : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : علي اكبر الغف،ارى ، 4 مجلد ، مؤسسة النشر الإسلامي ، الثانية ، قم 1413ق .
153 - منهاج البراعة : الميرزا حبيب اللَّه الهاشمي الخوئي ، ( المتوفى 1324ق ) ، 22 مجلد ، مصحح : علي العاشور ، دار احياء التراث العربى للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، الأولى 1429ق - 2008 م .
154 - منية المريد : الشهيد الثانى ، ( ش 965ق ) ، تحقيق : رضا المختارى ، مكتب الأعلام الاسلامى ، الأولى 1409ق 1368ش .
ص: 372
155 - النهاية في غريب الحديث والأثر : مبارك بن محمد ، ابن الأثير الجزري ، ( المتوفى 606ق ) ، 5 مجلد ، مصحح : محمود محمد الطناحي ، اسماعيليان ، قم ، الرابعة 1367 ش .
156 - نهج الحق وكشف الصدق : حسن بن يوسف ، العلّامة الحلّي ، ( المتوفى 726ق ) ، 1 مجلد ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، الأولى 1982 م .
157 - نهج الفصاحة : كلمات القصار للنبى الأكرم صلی الله علیه وآله ، دنياى دانش ، طهران ، الرابعة 1382ش .
158 - هداية الأمّة إلى أحكام الأئمّة : الحرّ العاملى ( المتوفى 1104ق ) ، 8 مجلد ، مجمع البحوث الاسلاميّة ، مشهد ، ايران ، الأولى 1414ق .
159 - الوافي : محمد محسن بن شاه مرتضى ، الفيض الكاشاني ، ( المتوفى 1091ق ) ، 26 مجلد ، مكتبة الإمام اميرالمؤمنين علیه السلام ، اصفهان ، الأولى 1406ق .
160- وسائل الشيعة : محمد بن حسن ، شيخ حر العاملي ، ( المتوفى 1104ق ) ، مصحح : مؤسسه آل البيت : ، 30 مجلد ، الأولى 1409ق .
161 - وقعة صفين : نصر بن مزاحم المنقري ، ( المتوفى 212ق ) ، 1 مجلد : مصحح : عبدالسلام محمد ، هارون ، مكتبة آية اللَّه المرعشى النجفى ، الأولى 1404ق .
ص: 373
4 - ومن خطبة له علیه السلام
( 5 - 21 )
بِنَا اهْتَدَيْتُمْ 5
الأئمّة من آل محمّد : هم نور اللَّه إلى يوم القيامة 8
الاعتقاد بالولاية شرط في استحقاق الثواب 10
وبنا انفجرتم عن السرار 11
مازلت انتظر بكم عواقب الغدر واتوسمكم بحيلة المفترين 12
وبصرنيكم صدق النية 12
أقمت لكم على سنن الحق في جواد المضلة 15
ما شككت في الحقّ مذ أريته 16
لم يوجس موسى خيفة على نفسه ، أشفق من غلبة الجهّال ودول الضلال 19
اليوم توافقنا على سبيل الحقّ والباطل 19
من وثق بماء لم يظمأ 21
ص: 374
5 - ومن كلام له علیه السلام لمّا قبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وخاطبه العبّاس
وأبو سفيان بن حرب في أن يبايعا له بالخلافة
( 22 - 35 )
أَيُّهَا النَّاسُ شُقُّوا أَمْوَاجَ الْفِتَنِ 23
بِسُفُنِ النَّجَاةِ 24
أَفْلَحَ مَنْ نَهَضَ بِجَنَاحٍ أَوِ اسْتَسْلَمَ فَأَرَاحَ 24
مُجْتَنِي الثَّمَرَةِ لِغَيْرِ وَقْتِ إِينَاعِهَا كَالزَّارِعِ بِغَيْرِ أَرْضِهِ 26
فَإِنْ أَقُلْ يَقُولُوا حَرَصَ عَلَى الْمُلْكِ 27
وَ إِنْ أَسْكُتْ يَقُولُوا جَزِعَ مِنَ الْمَوْتِ 28
بَعْدَ اللَّتَيَّا وَ الَّتِي 30
وَ اللَّهِ لابْنُ أَبِي طَالِبٍ آنَسُ بِالْمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْيِ أُمِّهِ 30
بَلِ انْدَمَجْتُ عَلَى مَكْنُونِ عِلْمٍ لَوْ بُحْتُ بِهِ لاضْطَرَبْتُمْ اضْطِرَابَ الْأَرْشِيَةِ فِي الطَّوِيِّ الْبَعِيدَةِ 33
6 - ومن كلام له علیه السلام لمّا اشير عليه بألّا يتبع طلحة والزبير ولا يرصد لهما القتال
( 36 - 41 )
وَ لَكِنِّي أَضْرِبُ بِالْمُقْبِلِ إِلَى الْحَقِّ الْمُدْبِرَ عَنْهُ وَ بِالسَّامِعِ الْمُطِيعِ الْعَاصِيَ الْمُرِيبَ أَبَداً حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمِي فَوَاللَّهِ مَا زِلْتُ مَدْفُوعاً عَنْ حَقِّي مُسْتَأْثَراً عَلَيَّ مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا 37
تنبيهان 38
ص: 375
الاول : في ذكر نسب طلحة والزبير 38
الثاني : في سبب نقض طلحة والزبير بيعته علیه السلام 39
7 - ومن خطبة له علیه السلام
( 42 - 49 )
اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لِأَمْرِهِمْ مِلاكاً 42
وَ اتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْرَاكاً 44
فَبَاضَ وَ فَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ 45
وَ دَبَّ وَ دَرَجَ فِي حُجُورِهِمْ 46
فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ وَ نَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ 47
فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ وَ زَيَّنَ لَهُمُ الْخَطَلَ 48
8 - ومن كلام له علیه السلام : يعني به الزبير في حال اقتضت ذلك
( 50 - 53 )
يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ بَايَعَ بِيَدِهِ وَ لَمْ يُبَايِعْ بِقَلْبِهِ . . . 50
9 - ومن كلام له علیه السلام
( 54 - 58 )
وَ مَعَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ الْفَشَلُ 55
وَ لَسْنَا نُرْعِدُ حَتَّى نُوقِعَ وَ لا نُسِيلُ حَتَّى نُمْطِرَ 56
ص: 376
10 - ومن خطبة له علیه السلام وهي الخطبة العاشرة
( 59 - 61 )
وَ اسْتَجْلَبَ خَيْلَهُ وَ رَجِلَهُ 59
وَ إِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي 60
11 - ومن كلام له علیه السلام لإبنه محمد بن الحنفية - لمّا أعطاه الراية
( 62 - 86 )
يوم الجمل 62
تَزُولُ الْجِبَالُ وَ لا تَزُلْ 62
أَعِرِ اللَّهَ جُمْجُمَتَكَ 62
تِدْ فِي الْأَرْضِ قَدَمَكَ 63
ارْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى الْقَوْمِ 63
خروج عايشة من البصرة 63
تبصرة 64
وَ اعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ 72
قصّة الجمل إجمالا بما يناسب المقام 75
12 - ومن كلام له علیه السلام لمّا أظفره اللَّه بأصحاب الجمل ، وقد قال له بعض أصحابه
( 87 - 97 )
وَدِدْتُ أَنَّ أَخِي فُلاناً كَانَ شَاهِدَنَا . . . 87
ص: 377
لمّا اظفره اللَّه بأصحاب الجمل 88
وَ قَدْ قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ - وَدِدْتُ أَنَّ أَخِي فُلاناً كَانَ شَاهِدَنَا - لِيَرَى مَا نَصَرَكَ اللَّهُ بِهِ عَلَى أَعْدَائِكَ - فَقَالَ لَهُ علیه السلام : أَ هَوَى أَخِيكَ مَعَنَا فَقَالَ نَعَمْ - قَالَ فَقَدْ شَهِدَنَا 89
وَ لَقَدْ شَهِدَنَا فِي عَسْكَرِنَا هَذَا أَقْوَامٌ فِي أَصْلابِ الرِّجَالِ - وَ أَرْحَامِ النِّسَاءِ - 92
سَيَرْعَفُ بِهِمُ الزَّمَانُ وَ يَقْوَى بِهِمُ الإِيمَانُ 92
تنبيه 94
لطيفة مناسبة للمقام 96
13 - ومن كلام له علیه السلام في ذمّ أهل البصرة وأهلها
( 98 - 132 )
كُنْتُمْ جُنْدَ الْمَرْأَةِ 99
وَ أَتْبَاعَ الْبَهِيمَةِ 101
رَغَا فَأَجَبْتُمْ 103
وَ عُقِرَ فَهَرَبْتُمْ 104
أَخْلاقُكُمْ دِقَاقٌ 107
وَ دِينُكُمْ نِفَاقٌ 107
وأمّا الأخبار 109
وَ مَاؤُكُمْ زُعَاقٌ 111
الْمُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مُرْتَهَنٌ بِذَنْبِهِ وَالشَّاخِصُ عَنْكُمْ مُتَدَارَكٌ بِرَحْمَةٍ مِنْ رَبِّهِ 111
لمشاركته إيّاهم في الذنوب أو يراها ولا ينكرها 111
ص: 378
كَأَنِّي بِمَسْجِدِكُمْ كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ قَدْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْعَذَابَ مِنْ فَوْقِهَا وَ مِنْ تَحْتِهَا وَ غَرِقَ مَنْ فِي ضِمْنِهَا 115
وَ فِي رِوَايَةٍ وَ ايْمُ اللَّهِ لَتَغْرَقَنَّ بَلْدَتُكُمْ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَسْجِدِهَا كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ أَوْ نَعَامَةٍ جَاثِمَةٍ وَ فِي رِوَايَةٍ كَجُؤْجُؤِ طَيْرٍ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ 116
تنبيهان 116
14 - ومن كلام له علیه السلام في مثل ذلك
( 133 - 134 )
أَرْضُكُمْ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمَاءِ بَعِيدَةٌ مِنَ السَّمَاءِ 133
خَفَّتْ عُقُولُكُمْ وَ سَفِهَتْ حُلُومُكُمْ 134
15 - ومن كلام له علیه السلام فيما ردّه على المسلمين من قطائع عثمان
( 135 - 137 )
وَ اللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ . . . 135
16 - ومن خطبة له علیه السلام لمّا يوبع بالمدينة
( 138 - 188 )
إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَهُ الْعِبَرُ عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْمَثُلاتِ 139
حَجَزَتْهُ التَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ الشُّبُهَاتِ 140
أَلا وَ إِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيِّكُم 9 141
ص: 379
حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلاكُمْ وَ أَعْلاكُمْ أَسْفَلَكُمْ 144
وَ لَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا 145
وَ لَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا كالزّبير 146
وَ اللَّهِ مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً وَ لا كَذَبْتُ كِذْبَةً 146
وَ لَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا الْمَقَامِ وَ هَذَا الْيَوْمِ 148
أَلا وَ إِنَّ الْخَطَايَا خَيْلٌ شُمُسٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا وَ خُلِعَتْ لُجُمُهَا فَتَقَحَّمَتْ بِهِمْ فِي النَّارِ 150
أَلا وَ إِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا - وَ أُعْطُوا أَزِمَّتَهَا فَأَوْرَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ 156
آثار وفوائد التقوى 157
حَقٌّ وَ بَاطِلٌ 164
وَ لِكُلٍّ أَهْلٌ 164
فَلَئِنْ أَمِرَ الْبَاطِلُ لَقَدِيماً فَعَلَ 164
وَ لَئِنْ قَلَّ الْحَقُّ فَلَرُبَّمَا وَ لَعَلَّ 165
وَ لَقَلَّمَا أَدْبَرَ شَيْ ءٌ فَأَقْبَلَ 165
وأمات هامان - وأهلك فرعون 168
على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنّم 168
شُغِلَ مَنِ الْجَنَّةُ وَ النَّارُ أَمَامَهُ 168
سَاعٍ سَرِيعٌ نَجَا 170
وَ طَالِبٌ بَطِي ءٌ رَجَا 170
وَ مُقَصِّرٌ فِي النَّارِ هَوَى 170
ص: 380
الْيَمِينُ وَ الشِّمَالُ مَضَلَّةٌ وَ الطَّرِيقُ الْوُسْطَى هِيَ الْجَادَّةُ 171
عَلَيْهَا بَاقِي الْكِتَابِ 174
وَ آثَارُ النُّبُوَّةِ 174
وَ مِنْهَا مَنْفَذُ السُّنَّةِ وَ إِلَيْهَا مَصِيرُ الْعَاقِبَةِ 174
هَلَكَ مَنِ ادَّعَى وَ خابَ مَنِ افْتَرى 176
مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ 177
لا يَهْلِكُ عَلَى التَّقْوَى سِنْخُ أَصْلٍ 177
وَ لا يَظْمَأُ عَلَيْهَا زَرْعُ قَوْمٍ 178
وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ 178
شرايط التوبة وآدابها 181
في كيفيّة التوبة 182
التائب وأقسامه 186
وَ لا يَحْمَدْ حَامِدٌ إِلّا رَبَّهُ 187
وَ لا يَلُمْ لائِمٌ إِلّا نَفْسَهُ 187
17 - و من كلام له علیه السلام في صفة من يتصدى للحكم بين الأمة وليس لذلك بأهل
( 189 - 231 )
إنَّ أَبْغَضَ الْخَلائِقِ إِلَى اللَّهِ رَجُلانِ رَجُلٌ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ 190
فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ 190
مَشْغُوفٌ 190
ص: 381
بِكَلامِ بِدْعَةٍ 191
وَ دُعَاءِ ضَلالَةٍ 191
فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنِ افْتَتَنَ بِهِ 192
ضَالٌّ عَنْ هَدْيِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ 193
مُضِلٌّ لِمَنِ اقْتَدَى بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَ بَعْدَ وَفَاتِهِ 194
حَمَّالٌ خَطَايَا غَيْرِهِ 195
رَهْنٌ بِخَطِيئَتِهِ 196
وَ رَجُلٌ قَمَشَ جَهْلاً مُوضِعٌ فِي جُهَّالِ الأُمَّةِ - عَادٍ فِي أَغْبَاشِ الْفِتْنَةِ 196
عَمٍ بِمَا فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ 197
قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالِماً وَ لَيْسَ بِهِ 198
بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْعٍ مَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ 199
حَتَّى إِذَا ارْتَوَى مِنْ مَاءٍ آجِنٍ وَ اكْتَنَزَ مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ 200
جَلَسَ بَيْنَ النَّاسِ قَاضِياً ضَامِناً لِتَخْلِيصِ مَا الْتَبَسَ عَلَى غَيْرِهِ 201
جواز حكم قاضي التحكيم 203
فان نَزلَت بِهِ إِحدَى الْمُبهَمَاتِ هَيَّأَ لَهَا حَشواً رَثّاًمِن رَأيِهِ ثُمَّ قَطَعَ بِهِ 203
فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ فِي مِثْلِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ 211
لا يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ - فَإِنْ أَصَابَ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْطَأَ - وَ إِنْ أَخْطَأَ رَجَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَ 211
جَاهِلٌ خَبَّاطُ جَهَالاتٍ عَاشٍ رَكَّابُ عَشَوَاتٍ 212
لَمْ يَعَضَّ عَلَى الْعِلْمِ بِضِرْسٍ قَاطِعٍ 213
ص: 382
يَذْرُو الرِّوَايَاتِ ذَرْوَ الرِّيحِ الْهَشِيمَ 215
لا مَلِيٌّ وَ اللَّهِ بِإِصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ - وَ لا أَهْلٌ لِمَا قُرِّظَ بِهِ 215
لا يَحْسَبُ الْعِلْمَ فِي شَيْ ءٍ مِمَّا أَنْكَرَهُ 220
وَ لا يَرَى أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَ مَذْهَباً لِغَيْرِهِ 220
وَ إِنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَمْرٌ اكْتَتَمَ بِهِ - لِمَا يَعْلَمُ مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ 220
تَصْرُخُ مِنْ جَوْرِ قَضَائِهِ الدِّمَاءُ - وَ تَعَجُّ مِنْهُ الْمَوَارِيثُ 223
إِلَى اللَّهِ أَشْكُو - مِنْ مَعْشَرٍ يَعِيشُونَ جُهَّالاً وَ يَمُوتُونَ ضُلَّالاً 225
لَيْسَ فِيهِمْ سِلْعَةٌ أَبْوَرُ مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلاوَتِهِ 227
وَ لا سِلْعَةٌ أَنْفَقُ بَيْعاً - وَ لا أَغْلَى ثَمَناً مِنَ الْكِتَابِ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ 227
وَ لا عِنْدَهُمْ أَنْكَرُ مِنَ الْمَعْرُوفِ وَ لا أَعْرَفُ مِنَ الْمُنْكَرِ 230
18 - ومن كلام له علیه السلام في ذمّ إختلاف العلماء في الفتيا
( 232 - 248 )
تَرِدُ عَلَى أَحَدِهِمُ الْقَضِيَّةُ فِي حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ - فَيَحْكُمُ فِيهَا بِرَأْيِهِ - ثُمَّ تَرِدُ تِلْكَ الْقَضِيَّةُ بِعَيْنِهَا عَلَى غَيْرِهِ - فَيَحْكُمُ فِيهَا بِخِلافِ قَوْلِهِ 233
ثُمَّ يَجْتَمِعُ الْقُضَاةُ بِذَلِكَ عِنْدَ الإِمَامِ الَّذِي اسْتَقْضَاهُمْ - فَيُصَوِّبُ آرَاءَهُمْ جَمِيعاً 233
وَ إِلَهُهُمْ وَاحِدٌ - وَ نَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ وَ كِتَابُهُمْ وَاحِدٌ 234
أَ فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالِاخْتِلافِ فَأَطَاعُوهُ - أَمْ نَهَاهُمْ عَنْهُ فَعَصَوْهُ 234
أَمْ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ دِيناً نَاقِصاً - فَاسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى إِتْمَامِهِ 234
أَمْ كَانُوا شُرَكَاءَ لَهُ فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا وَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْضَى 236
ص: 383
أَمْ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ دِيناً تَامّاً - فَقَصَّرَ الرَّسُولُ صلی الله علیه وآله عَنْ تَبْلِيغِهِ وَ أَدَائِهِ - وَ اللَّهُ 236
سُبْحَانَهُ يَقُولُ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ - وَقال : فِيهِ تِبْيَانٌ لِكُلِّ شَيْ ءٍ 236
وَ ذَكَرَ أَنَّ الْكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً - وَ أَنَّهُ لا اخْتِلافَ فِيهِ - فَقَالَ سُبْحَانَهُ 239
وَ إِنَّ الْقُرْآنَ ظَاهِرُهُ أَنِيقٌ وَ بَاطِنُهُ عَمِيقٌ 239
وَ لا تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إِلّا بِهِ 242
19 - ومن كلام له علیه السلام قاله للأشعث بن قيس وهو على منبر الكوفة يخطب ،
فمضى في بعض كلامه شي ء إعترضه الأشعث فيه فقال :
يا أمير المؤمنين هذه عليك لا لك . فخفض علیه السلام إليه بصره ثمّ قال
( 249 - 270 )
مَا يُدْرِيكَ مَا عَلَيَّ مِمَّا لِي 250
عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللَّهِ 253
وَ لَعْنَةُ اللّاعِنِينَ 255
حَائِكٌ ابْنُ حَائِكٍ 255
مُنَافِقٌ ابْنُ كَافِرٍ 259
وَ اللَّهِ لَقَدْ أَسَرَكَ الْكُفْرُ مَرَّةً وَ الإِسْلامُ أُخْرَى 265
وأمّا الأسر الثاني في الإسلام 265
فَمَا فَدَاكَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَالُكَ وَ لا حَسَبُكَ 269
وَ إِنَّ امْرَأً دَلَّ عَلَى قَوْمِهِ السَّيْفَ - وَ سَاقَ إِلَيْهِمُ الْحَتْفَ - لَحَرِيٌّ أَنْ يَمْقُتَهُ الْأَقْرَبُ وَ لا يَأْمَنَهُ الْأَبْعَدُ 270
ص: 384
20 - ومن خطبة له علیه السلام
( 271 - 302 )
فَإِنَّكُمْ لَوْ قَدْ عَايَنْتُمْ مَا قَدْ عَايَنَ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ - لَجَزِعْتُمْ وَ وَهِلْتُمْ وَ سَمِعْتُمْ وَأَطَعْتُمْ 271
ما يرى الإنسان عند الموت 272
فمن الآيات 272
أمّا المؤمنون 272
وأمّا الكفّار 274
وأمّا الأخبار 274
ما يرى الإنسان بعد الموت 279
وَ لَكِنْ مَحْجُوبٌ عَنْكُمْ مَا قَدْ عَايَنُوا 285
وَ قَرِيبٌ مَا يُطْرَحُ الْحِجَابُ 286
وَ لَقَدْ بُصِّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ 289
وَ أُسْمِعْتُمْ إِنْ سَمِعْتُمْ - وَ هُدِيتُمْ إِنِ اهْتَدَيْتُمْ 289
وَ بِحَقٍّ أَقُولُ لَكُمْ لَقَدْ جَاهَرَتْكُمُ الْعِبَرُ 290
وَ زُجِرْتُمْ بِمَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ 293
وَ مَا يُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ بَعْدَ رُسُلِ السَّمَاءِ إِلّا الْبَشَرُ 295
21 - ومن خطبة له علیه السلام
( 303 - 308 )
فَإِنَّ الْغَايَةَ أَمَامَكُمْ 303
ص: 385
وَ إِنَّ وَرَاءَكُمُ السَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ 303
تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا 305
فَإِنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأَوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ 308
22 - ومن خطبة له علیه السلام
( 309 - 322 )
أَلا وَ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ ذَمَّرَ حِزْبَهُ وَ اسْتَجْلَبَ جَلَبَهُ لِيَعُودَ الْجَوْرُ إِلَى أَوْطَانِهِ وَ يَرْجِعَ الْبَاطِلُ إِلَى نِصَابِهِ 310
وَ اللَّهِ مَا أَنْكَرُوا عَلَيَّ مُنْكَراً 310
وَ لا جَعَلُوا بَيْنِي وَ بَيْنَهُمْ نَصِفاً 310
وَ إِنَّهُمْ لَيَطْلُبُونَ حَقّاً هُمْ تَرَكُوهُ وَ دَماً هُمْ سَفَكُوهُ 312
فَلَئِنْ كُنْتُ شَرِيكَهُمْ فِيهِ فَإِنَّ لَهُمْ لَنَصِيبَهُمْ مِنْهُ 313
وَ لَئِنْ كَانُوا وَلُوهُ دُونِي فَمَا التَّبِعَةُ إِلّا عِنْدَهُمْ - وَ إِنَّ أَعْظَمَ حُجَّتِهِمْ لَعَلَى أَنْفُسِهِمْ 314
يَرْتَضِعُونَ أُمّاً قَدْ فَطَمَتْ 315
وَ يُحْيُونَ بِدْعَةً قَدْ أُمِيتَتْ 315
يَا خَيْبَةَ الدَّاعِي مَنْ دَعَا 315
وَ إِلى أُجِيبَ 316
وَ إِنِّي لَرَاضٍ بِحُجَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَ عِلْمِهِ فِيهِمْ 317
فَإِنْ أَبَوْا أَعْطَيْتُهُمْ حَدَّ السَّيْفِ 318
وَ كَفَى بِهِ شَافِياً مِنَ الْبَاطِلِ وَ نَاصِراً لِلْحَقِّ 319
ص: 386
وَ مِنَ الْعَجَبِ بَعْثُهُمْ إِلَيَّ أَنْ أَبْرُزَ لِلطِّعَانِ وَ أَنْ أَصْبِرَ لِلْجِلادِ - هَبِلَتْهُمُ الْهَبُولُ - لَقَدْ كُنْتُ وَ مَا أُهَدَّدُ بِالْحَرْبِ وَ لا أُرْهَبُ بِالضَّرْبِ وَ إِنِّي لَعَلَى يَقِينٍ مِنْ رَبِّي وَغَيْرِ شُبْهَةٍ مِنْ دِينِي 319
اليقين أفضل الكمالات النفسيّة 319
23 - ومن خطبة له علیه السلام
( 323 - 354 )
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْأَمْرَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ - كَقَطَرَاتِ الْمَطَرِ إِلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا قُسِمَ لَهَا - مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ 324
فَإذَا رَأى أحَدُكُم لأخِيهِ غَفِيرَةً فِي أهلٍ أو مَالٍ أو نَفسٍ فَلا تَكُونَنَّ لَهُ فِتنَة 325
فَإِنَّ الْمَرْءَ الْمُسْلِمَ مَا لَمْ يَغْشَ دَنَاءَةً تَظْهَرُ - فَيَخْشَعُ لَهَا إِذَا ذُكِرَتْ 325
وَ تُغْرَى بِهَا لِئَامُ النَّاسِ 327
كَانَ كَالْفَالِجِ الْيَاسِرِ الَّذِي يَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزَةٍ - مِنْ قِدَاحِهِ تُوجِبُ لَهُ الْمَغْنَمَ وَيُرْفَعُ بِهَا عَنْهُ الْمَغْرَمُ 328
وَ كَذَلِكَ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ الْبَرِي ءُ مِنَ الْخِيَانَةِ - يَنْتَظِرُ مِنَ اللَّهِ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ - إِمَّا دَاعِيَ اللَّهِ فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لَهُ 328
وَ إِمَّا رِزْقَ اللَّهِ فَإِذَا هُوَ ذُو أَهْلٍ وَ مَالٍ - وَ مَعَهُ دِينُهُ وَ حَسَبُهُ 329
إِنَّ الْمَالَ وَ الْبَنِينَ حَرْثُ الدُّنْيَا 331
وَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ حَرْثُ الْآخِرَةِ 331
وَ قَدْ يَجْمَعُهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَقْوَامٍ 333
فَاحْذَرُوا مِنَ اللَّهِ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ 333
ص: 387
وَ اخْشَوْهُ خَشْيَةً لَيْسَتْ بِتَعْذِيرٍ 334
وَاعمَلُوا فِي غَيرِ ريَاءٍ وَلاسُمعَةٍ فَانَّهُ مَن يَعمَل لِغَيرِ اللَّهِ يَكِلهُ اللَّهُ لِمَن عَمِلَ لَه 335
علاج الرياء 344
نَسْأَلُ اللَّهَ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَ مُعَايَشَةَ السُّعَدَاءِ - وَ مُرَافَقَةَ الْأَنْبِيَاءِ 345
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لا يَسْتَغْنِي الرَّجُلُ - وَ إِنْ كَانَ ذَا مَالٍ عَنْ عِشِرَتِهِ 345
وَ دِفَاعِهِمْ عَنْهُ بِأَيْدِيهِمْ وأَلسِنَتِهِمْ 346
وَ هُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ حَيْطَةً مِنْ وَرَائِهِ ژ 346
وَ أَلَمُّهُمْ لِشَعَثِهِ - وَ أَعْطَفُهُمْ عَلَيْهِ عِنْدَ نَازِلَةٍ إِذَا نَزَلَتْ بِهِ 347
وَلِسَانُ الصِّدقِ يَجعَلُهُ اللَّهُ لِلمَرْءِ فِي النَّاسِ خَيرٌ لَهُ مِنَ المَالِ يَورِثُهُ غَيرَهُ 349
ومنها : أَلا لا يَعْدِلَنَّ أَحَدُكُمْ عَنِ الْقَرَابَةِ يَرَى بِهَا الْخَصَاصَةَ - أَنْ يَسُدَّهَا بِالَّذِي لا يَزِيدُهُ إِنْ أَمْسَكَهُ - وَ لا يَنْقُصُهُ إِنْ أَهْلَكَهُ 350
فوائد صلة الرحم 351
وَ مَنْ يَقْبِضْ يَدَهُ عَنْ عَشِيرَتِهِ - فَإِنَّمَا تُقْبَضُ مِنْهُ عَنْهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ - وَ تُقْبَضُ مِنْهُمْ عَنْهُ أَيْدٍ كَثِيرَةٌ 352
وَ مَنْ تَلِنْ حَاشِيَتُهُ يَسْتَدِمْ مِنْ قَوْمِهِ الْمَوَدَّةَ 353
المصادر 355
المحتويات 374
ص: 388
سرشناسه:موسوي آل طيب، سيدمحمدکاظم، 1331-
عنوان قراردادي:نهج البلاغه. شرح
Nhjol-Balaghah. Commantries
عنوان و نام پديدآور:مصباح السعاده في شرح النهج البلاغه[علي بن ابي طالب(ع)]/ مولف سيدمحمدكاظم الموسوي آل طيب.
مشخصات نشر:قم: . دارالتفسير، 1440ق.= 1397.
مشخصات ظاهري:6ج
شابک:ج.6 978-964-535-716-8 :
وضعيت فهرست نويسي:فيپا
يادداشت:عربي.
يادداشت:ج.6 (چاپ اول: 1442 ق = 1399) (فيپا).
موضوع:علي بن ابي طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- خطبه ها
موضوع:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- *Public speaking
موضوع:علي بن ابي طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- کلمات قصار
موضوع:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- Quotations
موضوع:علي بن ابي طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق . نهج البلاغه -- نقد و تفسير
موضوع:Ali ibn Abi-talib, Imam I. Nahjol - Balaghah -- Criticism and interpretation
شناسه افزوده:علي بن ابي طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق . نهج البلاغه. شرح
شناسه افزوده:Ali ibn Abi-talib, Imam I Commantries.. Nahjol - Balaghah
رده بندي کنگره:BP38/02/م83 1397
رده بندي ديويي:297/9515
شماره کتابشناسي ملي:5402095
اطلاعات رکورد کتابشناسي:فيپا
ص: 1
بسم الله الرحمن الرحيم
ص: 2
مصباح السعادة في شرح نهج البلاغة السيّد محمّد كاظم الموسوي آل طيّب
ص: 3
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحيم
وَلَعَمْرِي مَا عَلَيَّ مِنْ قِتَالِ مَنْ خَالَفَ الْحَقَّ وَخَابَطَ الْغَيَّ مِنْ إِدْهَانٍ وَلا إِيهَانٍ فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ مِنَ اللَّهِ وَامْضُوا فِي الَّذِي نَهَجَهُ لَكُمْ وَقُومُوا بِمَا عَصَبَهُ بِكُمْ فَعَلِيٌّ ضَامِنٌ لِفَلْجِكُمْ آجِلاً إِنْ لَمْ تُمْنَحُوهُ عَاجِلاً.
يمكن أن يكون قاله عليه السلام لمّا أراد المسير إلى معاوية ابتداء أو ثانياً، ويمكن الاستيناس للأوّل بما عن عبدالرحمن بن عبيد بن أبي الكنود قال: أنّ عليّاًعليه السلام لمّا أراد المسير إلى الشام دعا إليه من كان معه من المهاجرين والأنصار، فحمد اللَّه وأثنى عليه وقال: «إِنَّكُمْ مَيَامِينُ الرَّأْيِ، مَرَاجِيحُ الْحِلْمِ، مَقَاوِيلُ بِالْحَقِّ، مُبَارِكُوا الفِعل وَالْأَمْرِ وَقَدْ أَرَدْنَا الْمَسِيرِ إِلَى عَدُوِّنَا وَعَدُوِّكُمْ فَأَشِيرُوا عَلَيْنَا بِرَأْيِكُم.
فقام هاشم بن عتبة بن أبي وقاص وقال: أنا بالقوم جد خبير، هم لك ولأشياعك أعداء، وهم لمن يطلب حرث الدنيا أولياء، وهم مقاتلوك ومجاهدوك لا يبقون جهدا، مشاحة على الدنيا، وضنّا بما في أيديهم منها، وليس لهم إربة غيرها إلّا ما يخدعون به الجهال من الطلب بدم عثمان.
وقام عمّار وقال له عليه السلام: إن استطعت ألّا تقيم يوما واحدا، فأشخص بنا قبل استعار نار الفجرة، واجتماع رأيهم على الصدود والفرقة، وادعهم إلى رشدهم.
وقام قيس بن سعد بن عبادة وقال له: انكمش بنا إلى عدونا، ولا تعرج، فواللَّه لجهادهم أحبّ إليّ من جهاد الترك والروم، لإدهانهم في دين اللَّه، واستذلالهم أولياء اللَّه من أصحاب محمّد صلّى اللَّه عليه وآله، من المهاجرين والأنصار
ص: 5
والتابعين بإحسان، فإذا غضبوا على رجل حبسوه، أو ضربوه، أو حرموه، أو سيّروه، وفيئنا لهم حلال، ونحن لهم فيما يزعمون قطين. يعني: رقيق(1).
ويمكن الاستيناس للثاني بما في (خلفاء ابن قتيبة): أنّه عليه السلام لمّا آيس من رجوع الخوارج، رأى أن يدعهم ويمضي بالناس إلى معاوية، فقام خطيبا وقال: أمّا بعد، فانّ من ترك الجهاد، وداهن في أمر اللَّه، كان على شفا هلكة، إلّا أن يتداركه اللَّه برحمته، فاتّقوا اللَّه عباد اللَّه. قاتلوا من حادّ اللَّه وحاول أن يطفى ء نور اللَّه، قاتلوا الخاطئين القائلين لأولياءاللَّه، المحرّفين لدين اللَّه، الذين ليسوا بقرّاء الكتاب، ولا فقهاء في الدين، ولا علماء بالتأويل، ولا لهذا الأمر بأهل في دين، ولا سابقة في الاسلام واللَّه لو ولوا عليكم لعملوا فيكم بعمل كسرى وقيصر(2).
قال تعالى لنبيّه صلى الله عليه وآله: «وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ»(3).
ولذلك أوحى اللَّه عزّ وجلّ إلى شعيب النبيّ صلى الله عليه وآله: أَنِّي مُعَذِّبٌ مِنْ قَوْمِكَ مِائَةَ أَلْفٍ أَرْبَعِينَ أَلْفاً مِنْ شِرَارِهِمْ وَسِتِّينَ أَلْفاً مِنْ خِيَارِهِمْ فَقَالَ عليه السلام: يَا رَبِّ هَؤُلاءِ الْأَشْرَارُ فَمَا بَالُ الْأَخْيَارِ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ دَاهَنُوا أَهْلَ الْمَعَاصِي وَلَمْ يَغْضَبُوا لِغَضَبِي(4).
ص: 6
أمرعليه السلام بالتقوى تبعاً لقرآن الكريم حيث أمرنا اللَّه تعالى فيه بالتقوى في آيات كثيرة نشير إلى بعض منها:
فمنها قوله تعالى: «الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ»(1).
ومنها قوله تعالى: «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّهِ ِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ»(2)
ومنها قوله تعالى: «وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ»(3).
ومنها قوله تعالى: «نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ»(4).
ومنها قوله تعالى: «وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
ص: 7
سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ»(1).
ومنها قوله تعالى: «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ»(2).
ومنها قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ»(3).
ومنها قوله تعالى: «وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»(4).
ومنها قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»(5).
ومنها قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ
ص: 8
تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ»(1).
ومنها قوله تعالى: «وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ»(2).
ومنها قوله تعالى: «أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ»(3).
هذه شرذمة من الآيات الواردة في الأمر بالتقوى وما لم نذكره أكثر ممّا ذكرناه جدّاً.
وأمّا الأخبار فكثيرة قد ذكرنا شطراً منها في شرح قوله عليه السلام: «أَلا وَإِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ»، وسبق منّا هناك ما يناسب التقوى الّا انّ الحوالة بأسرها توجب الملالة فلابدّ لنا من الاشارة إلى بعض ما ورد فيها ممّا لم نذكره هناك:
التقوى في اللغة الاتقاء وهو اتّخاذ الوقاية، وفي العرف هي الاحتراز بطاعة اللَّه عن عقوبته(4).
وقال بعض العلماء: هي بحسب العرف الشرعي تعود إلى خشية الحقّ سبحانه المستلزمة للاعراض عن كلّ ما يوجب الالتفات عنه من متاع الدنيا وزينتها
ص: 9
وتنحية ما دون وجهه عن جهة القصد(1).
وأنّ الصادق عليه السلام سئل عن تفسير التقوى فقال عليه السلام: «أن لا يَفْقِدُكَ اللَّهُ حَيْثُ أَمَرَكَ وَلا يَرَاكَ حَيْثُ نَهَاك»(2).
وقال بعض العارفين: إنّ خيرات الدنيا والآخرة جمعت تحت لفظة واحدة وهي التقوى انظر إلى ما في القرآن الكريم من ذكرها، فكم علق عليها من خير ووعد لها من ثواب وأضاف إليها من سعادة دنيويّة وكرامة أُخرويّة(3).
وفي عدّة الداعي(4): هي العدة الكافية في قطع الطريق إلى الجنة بل هي الجنة الواقية من متالف الدنيا والآخرة وهي الممدوحة بكل لسان والمشرفة لكل إنسان ولقد شحن بمدحها القرآن وكفاها شرفا قوله تعالى: «وَللَّهِ ِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ» ولو كان في العالم خصلة أصلح للعبد وأجمع للخير وأعظم في القدر وأولى بالإيجال وأنجح للآمال من هذه الخصلة التي هي التقوى لكان اللَّه سبحانه أوحى بها عباده لمكان حكمته ورحمته، فلما أوصى بهذه الخصلة الواحدة جمع الأولين والآخرين واقتصر عليها علم أنها الغاية التي لا يتجاوز عنها ولا مقتصر دونها. والقرآن مشحون بمدحها وعد في مدحها خصالا:
الأول: المدحة والثناء «وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ»(5).
ص: 10
الثاني: الحفظ والتحصين من الأعداء «وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً»(1).
الثالث: التأييد والنصر «أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ»(2).
الرابع: إصلاح العمل «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ»(3).
الخامس: غفران الذنوب «وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ»(4).
السادس: محبة اللَّه «بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ»(5).
السابع: قبول الاعمال «إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ»(6).
الثامن: الإكرام «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ»(7).
التاسع: البشارة عند الموت «الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الآْخِرَةِ»(8).
العاشر: النجاة من النار «ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا»(9).
ص: 11
الحادي عشر: الخلود في الجنة «أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ»(1).
الثاني عشر: تيسير الحساب «وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ»(2).
الثالث عشر: النجاة من الشدائد والرزق الحلال «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْ ءٍ قَدْراً»(3).
فانظر ما جمعت هذه الخصلة الشريفة من السعادات فلا تنس نصيبك منها
اعلم أنّ فرار العبد إلى اللَّه تعالى على مراتب:
فاوليها: الفرار عن بعض آثاره إلى بعض كما يفرك من أثر غضبه إلى أثر رحمته كما قال تعالى حكاية عن المؤمنين في التضرّع إليه: «رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا»(4). فكأنّهم لم يروا إلاّ اللَّه وأفعاله ففرّوا إلى اللَّه من بعضها إلى بعض.
الثانية: أن يفنى العبد عن مشاهدة الأفعال ويترقّى في درجات القرب والمعرفة إلى مصادر الأفعال، وهي الصفات فيفرّ من بعضها إلى بعض كما ورد عن زين العابدين عليه السلام: «اللّهمّ اجْعَلْنِي أُسْوَةَ مَنْ قَدْ أَنْهَضْتَهُ بِتَجَاوُزِكَ عَنْ مَصَارِعِ الْخَاطِئِينَ،
ص: 12
وَخَلَّصْتَهُ بِتَوْفِيقِكَ مِنْ وَرَطَاتِ الْمُجْرِمِينَ، فَأَصْبَحَ طَلِيقَ عَفْوِكَ مِنْ إِسَارِ سُخْطِك»(1) والعفو والسخط صفتان فاستعاذ باحداهما من الأخرى.
الثالثة: أن يترقّى عن مقام الصفات إلى ملاحظة الذات فيفرّ منها إليها كقوله تعالى: «لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ»(2) وكالوارد في الدعاء في القيام إلى الصلاة: منك وبك ولك وإليك(3) أي منك بدء الوجود، وبك قيامه، ولك ملكه، وإليك رجوعه. ثمّ أكّد ذلك بقوله: لا ملجأ ولا منجا ولا مفرّ منك إلّا اليك(4).
وقد جمع الرسول صلى الله عليه وآله هذه المراتب حين أمر بالقرب في قوله تعالى: «وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ»(5) وقال في سجوده: أعوذ بعفوك من عقابك(6) وهو كلام من شاهد فعل اللَّه فاستعاذ ببعض أفعاله من بعض، والعفو كما يراد به صفة العافي كذلك قد يراد به الأثر الحاصل عن صفة ا لعفو في المعفوّ عنه كالخلق والصنع، ثمّ لمّا قرب فغنى عن مشاهدة الأفعال وتترقّى إلى مصادرها وهي الصفات قال: وأعوذ برضاك من سخطك(7) وهما صفتان، ثمّ لمّا رأى ذلك نقصاناً في التوحيد اقترب وترقّى عن مقام مشاهدة الصفات إلى ملاحظة الذات فقال: وأعوذ بك منك(8) وهذا فرار إليه منه مع قطع النظر عن الأفعال والصفات، وهو أوّل مقام الوصول إلى ساحل العزّة.
ص: 13
ثمّ للسباحة في لجّة الوصول درجات اخر لا تتناهى. ولذلك لمّا ازداد صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم قربا قال: لا احصي ثناء عليك(1) فكان ذلك حذفاً لنفسه عن درجة الاعتبار في ذلك المقام واعترافاً منه بالعجز عن الاحاطة بما له من صفات الجلال ونعوت الكمال، وكان قوله بعد ذلك: أنت كما أثنيت على نفسك(2) كمالا للإخلاص وتجريداً للكمال المطلق(3).
عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري قال: كنا جلوسا عند رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إذ أقبل علي بن أبي طالب، فلمّا نظر إليه النبي صلى الله عليه وآله قال: قد أتاكم أخي. ثم التفت إلى الكعبة فقال: ورب هذه البنية إن هذا وشيعته [هم] الفائزون يوم القيامة(4).
ص: 14
بسم اللها لرحمن الرحیم
25 - ومن خطبة له عليه السلام وقد تواترت عليه الأخبار باستيلاء أصحاب معاوية على البلاد، وقدم عليه عاملاه على اليمن، وهما عبيداللَّه بن عبّاس وسعيد بن نمران لمّا غلب عليهما بسر بن أبي أرطاة، فقام عليه السلام على المنبر ضجرا بتثاقل أصحابه عن الجهاد، ومخالفتهم له
مَا هِيَ إِلّا الْكُوفَةُ أَقْبِضُهَا وَأَبْسُطُهَا إِنْ لَمْ تَكُونِي إِلّا أَنْتِ تَهُبُّ أَعَاصِيرُكِ فَقَبَّحَكِ اللَّهُ وَتَمَثَّلَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
لَعَمْرُ أَبِيكَ الْخَيْرِ يَا عَمْرُو إِنَّنِي
عَلَى وَضَرٍ مِنْ ذَا الإِنَاءِ قَلِيلِ
ثُمَّ قَالَ عليه السلام: أُنْبِئْتُ بُسْراً قَدِ اطَّلَعَ الْيَمَنَ وَإِنِّي وَاللَّهِ لأَظُنُّ أَنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ سَيُدَالُونَ مِنْكُمْ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ وَبِمَعْصِيَتِكُمْ إِمَامَكُمْ فِي الْحَقِّ وَطَاعَتِهِمْ إِمَامَهُمْ فِي الْبَاطِلِ وَبِأَدَائِهِمُ الْأَمَانَةَ إِلَى صَاحِبِهِمْ وَخِيَانَتِكُمْ وَبِصَلاحِهِمْ فِي بِلادِهِمْ وَفَسَادِكُمْ فَلَوِ ائْتَمَنْتُ أَحَدَكُمْ عَلَى قَعْبٍ لَخَشِيتُ أَنْ يَذْهَبَ بِعِلاقَتِهِ اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلْتُهُمْ وَمَلُّونِي وَسَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِي فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ وَأَبْدِلْهُمْ بِي شَرّاً مِنِّي اللَّهُمَّ مِثْ قُلُوبَهُمْ كَمَا يُمَاثُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ أَمَا وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ لِي بِكُمْ أَلْفَ فَارِسٍ مِنْ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنْمٍ.
ص: 15
هُنَالِكَ لَوْ دَعَوْتَ أَتَاكَ مِنْهُمْ * فَوَارِسُ مِثْلُ أَرْمِيَةِ الْحَمِيمِ
ثُمَّ نَزَلَ عليه السلام مِنَ الْمِنْبَرِ.
عن إبراهيم بن محمّد الثقفي عن يوسف بن كليب المسعودي، عن الحسن بن حمّاد الطائي، عن عبد الصمد البارقي، قال: قدم عقيل على عليّ عليه السلام وهو جالس في صحن مسجد الكوفة فقال: السلام عليك يا أميرالمؤمنين ورحمة اللَّه وبركاته قال: وعليك السلام يا أبا يزيد ثمّ التفت إلى الحسن بن عليّ عليه السلام فقال: قم وأنزل عمّك، فذهب به وأنزله وعاد إليه فقال له اشتر له قميصاً جديداً ورداءً جديداً وإزاراً جديداً ونعلاً جديداً فغدا على عليٍ عليه السلام في الثياب فقال: السلام عليك يا أميرالمؤمنين قال: وعليك السلام يا أبا يزيد قال: يا أميرالمُؤمنين ما أراك أصبت من الدنيا شيئا إلّا هذه وإنّي لا ترضى نفسي من خلافتك بما رضيت به لنفسك. فقال: يا أبا يزيد يخرج عطائي فادفعه إليك.
فارتحل عن عليّ إلى معاوية فلمّا سمع به معاوية نصب كراسيّه وأجلس جلسائه فورد عليه فأمر له بمأة ألف درهم فقبضها فقال له معاوية: أخبرني عن العسكرين فقال: مررت بعسكر عليّ بن أبي طالب فاذا ليل كليل النبيّ ونهار كنهار النبيّ إلّا أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ليس في القوم، ومررت بعسكرك فاستقلني قوم من المنافقين ممّن نفر برسول اللَّه ليلة العقبة.
فقال: من هذا الذي عن يمينك يا معاوية؟ قال: هذا عمرو بن العاص قال:
ص: 16
هذا الذي اختصم فيه ستّة نفر فغلب عليه جرارها فمن الآخر؟ قال: الضحّاك بن قيس الفهري قال: أما واللَّه لقد كان أبوه جيّد الأخذ لعسب(1) التيؤس خسيس النفس.
فمن هذا الآخر؟ قال: أبو موسى الأشعري قال: هذا ابن المراقة السراقة.
فلمّا رأى معاوية أنّه قد أغضب جلسائه قال: يا أبا يزيد ما تقول فيّ؟ قال: دع عنك قال: لتقولنّ قال: أتعرف حمامة؟ قال: ومن حمامة؟ قال: أخبرتك، ومضى عقيل فأرسل معاوية إلى النسابة فقال: أخبرني من حمامة؟ قال: اعطني الأمان على نفسي وأهلى فأعطاه قال: حمامة جدّتك وكانت بغيّة في الجاهليّة لها راية تؤتى(2) قال الشيخ: قال أبو بكر بن زنين هي أمُ أمّ أبي سفيان(3).
ومعاوية هو أبو عبدالرحمان معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن اميّة بن عبد شمس بن عبد مناف، وأُمّه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، وأبو سفيان هو الذي قاد قريشاً في حروبها إلى النبيّ صلى الله عليه وآله(4) وكانت هند تذكر في مكّة بفجور وعهر(5).
وقال الزمخشري: كان معاوية يغرى إلى أربعة: إلى مسافر بن أبي عمرو، وإلى عمارة بن الوليد بن المغيرة، وإلى العبّاس بن عبدالمطلب، وإلى الصبّاح مغنّ كان لعمارة بن الوليد(6).
ص: 17
قال وقد كان أبو سفيان دميما قصيراً وكان الصباح عسيفا(1) لأبي سفيان شابا وسيما فدعته هند إلى نفسها فغشيها.
وقالوا إن عتبة بن أبي سفيان من الصباح أيضاً وقالوا إنّها كرهت أن تدعه في منزلها فخرجت إلى أجياد فوضعته هناك وفي هذا المعنى يقول حسان أيّام المهاجاة بين المسلمين والمشركين في حياة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قبل عام الفتح:
لمن الصبي بجانب البطحا * في الترب ملقى غير ذي مهد
نجلت به بيضاء آنسة * من عبد شمس صلتة الخد(2)
و ولي معاوية اثنتين وأربعين سنة منها اثنتان وعشرون سنة ولي فيها إمارة الشام منذ مات أخوه يزيد بن أبي سفيان بعد خمس سنين من خلافة عمر إلى أن قتل أميرالمؤمنين علي عليه السلام في سنة أربعين ومنها عشرون سنة خليفة إلى أن مات في سنة ستين.
وكان معاوية على أس(3) الدهر مبغضا لعلي عليه السلام شديد الانحراف عنه وكيف لا يبغضه وقد قتل أخاه حنظلة يوم بدر وخاله الوليد بن عتبة وشرك عمه في جده وهو عتبة أو في عمه وهو شيبة على اختلاف الرواية وقتل من بني عمه عبد شمس نفرا كثيرا من أعيانهم وأماثلهم ثم جاءت الطامة الكبرى واقعة عثمان فنسبها كلها إليه بشبهة إمساكه عنه وانضواء كثير من قتلته إليه عليه السلام فتأكدت البغضة وثارت الأحقاد وتذكرت تلك الترات الأولى حتّى أفضى الأمر إلى ما أفضى إليه.
ص: 18
وقد كان معاوية مع عظم قدر علي ع في النفوس واعتراف العرب بشجاعته وأنه البطل الذي لا يقام له يتهدده وعثمان بعد حي بالحرب والمنابذة ويراسله من الشام رسائل خشنة(1).
ثم قال: ومعاوية مطعون في دينه عند شيوخنا يرمى بالزندقة وقد ذكرنا في نقض السفيانية على شيخنا أبي عثمان الجاحظ ما رواه أصحابنا في كتبهم الكلاميّة عنه من الإلحاد والتعرض لرسول اللَّه ص وما تظاهر به من الجبر والإرجاء ولو لم يكن شي ء من ذلك لكان في محاربته الإمام ما يكفي في فساد حاله لاسيّما على قواعد أصحابنا وكونهم بالكبيرة الواحدة يقطعون على المصير إلى النار والخلود فيها إن لم تكفّرها التوبة(2).
في سنة (39) كان تفريق معاوية جيوشه في أطراف عليّ عليه السلام فوجّه النعمان بن بشير في ألفين إلى عين التمر، وبعث سفيان بن عوف في ستّة آلاف إلى هيت والأنبار والمدائن، ووجّه عبداللَّه بن مسعدة الفزاري في ألف وسبعمائة رجل إلى تيماء، ووجّه الضحّاك بن قيس إلى واقصة والأعراب والثعلبيّة والقطقطانة(3).
الأوّل على صنعاء اليمن، والثاني على جند اليمن وجند أعظم من صنعاء.
ص: 19
كان عبيداللَّه أصغر من أخيه عبداللَّه بسنة، استعمله عليّ عليه السلام على اليمن وأمّره على الموسم، فحجّ بالناس سنة ست وثلاثين وسنة سبع وثلاثين، وكان أحد الأجواد وكان يقال: من أراد الجمال والفقه والسخاء فليأت دار العبّاس الجمال للفضل والفقه لعبداللَّه والسخاء لعبيداللَّه(1) وعبيداللَّه هو الذي ترك عسكر الحسن عليه السلام ولحق بمعاوية.
كان سعيد من سبعة من أصحاب حجر نجوا من القتل، استشفع له إلى معاوية حمزة بن مالك، لكون كلّ منهما من همدان، فوهبه له.
ولمّا أقبل الأعور الذي بعثه معاوية لقتل حجر وأصحابه، قال كريم بن عفيف الخثعمي حين رأى الأعور مقبلاً: يقتل نصفنا وينجو نصفنا فقال سعدى بن نمران: اللهم اجعلني ممّن ينجو وأنت عنّي راض(2).
وكان سعيد كاتباً لعلي عليه السلام(3).
وقال ابن عبدالبرّ: بسر بن ارطاة بن أبي أرطاة عويمر بن عمران من عامر بن لؤي(4).
ص: 20
وذكر ابن الكلبي في (صفينه): أنّ بسراً بارز عليّاًعليه السلام فطعنه عليّ عليه السلام فصرعه فكفّ عنه، كما عرض له عليه السلام مع عمرو بن العاص، قال الحارث بن النضر السهمي:
أفي كل يوم فارس ليس ينتهي * وعورته وسط العجاحة باديه
يكف لها عنه علي سنانه * ويضحك منه في الخلاء معاوية
بدت أمس من عمرو فقنع رأسه * وعورة بسر مثلها حذو حاذيه
فقولا لعمرو ثم بسر ألا انظرا * سبيلكما لا تلقيا الليث ثانيه
ولا تحمدا الّا الحيا وخصاكما * هما كانتا واللَّه للنفس واقيه(1)
وعن أبي مخنف: لمّا توجّه بسر بن أرطاة إلى اليمن هرب عبيداللَّه، فأتى بسر بابني عبيداللَّه فذبحهما، فنال أُمّهما من ذلك أمر عظيم فأنشأت تقول:
يا من أحسّ بابنيّ اللذين هما * سمعي وعقلي فقلبي اليوم مزدهف
حدثت بسرا وما صدقت ما زعموا * من فعلهم ومن الإثم الذي اقترفوا
أنحى على ودجي ابني مرهفة * مشحوذة وكذاك الإثم يقترف
ثمّ وسوست فكانت تقف في الموسم تنشد هذا الشعر، وتهيم على وجهها(2).
قال الأصمعي: سمع رجل من أهل اليمن - وقد قدم مكّة - امرأة عبيداللَّه تندب ابنيها اللذين قتلهما بسر بن أرطاة بقولها: «يا من أحس...» فرقّ لها واتّصل ببسر حتّى وثق به، ثمّ احتال لقتل ابنيه فخرج بهما إلى وادي أوطاس، فقتلهما وهرب، وقال:
يا بسر بسر بني أرطاة ما طلعت * شمس النهار ولا غابت على الناس
ص: 21
خير من الهاشميين الذين هم * عين الهدى وسمام الأسوق القاس
ماذا أردت إلى طفلي مولّهة * تبكي وتنشد من اثكلت في الناس
إمّا قتلتهما ظلماً فقد شرقت * من صحابيك قناتي يوم أوطاس
فاشرب بكأسهما ثكلى كما شربت * أُمّ الصبيين أو ذاق ابن عبّاس(1)
وكان عليّ عليه السلام حين أتاه خبر قتل بسر ابني عبيداللَّه دعا على بسر فقال: اللهمّ اسلبه دينه وعقله. فخرف حتّى ذهل عقله وكان لا يفارقه السيف، فجعل له سيف من خشب، وجعل في يديه زقّ منفوخ كلّما تخرّق أبدل، فلم يزل يضرب ذلك الزقّ بذلك السيف حتّى مات ذاهل العقل يلعب بخرئه، وربّما كان يتناول ثمّ يقبل على من يراه فيقول: انظروا كيف يطعمني هذان الغلامان ابنا عبيداللَّه. وكان ربّما شدّت يداه إلى وراء منعا من ذلك، فأنجى ذات يوم في مكانه ثمّ أهوى بفيه فتناول منه، فبادروا إلى منعته فقال: أنتم تمنعونني وعبدالرحمن وقثم ابني عبيداللَّه يطعماني. مات في أيّام الوليد بن عبدالملك(2).
وقد كان عبيداللَّه دخل يوماً على معاوية وعنده بسر بن أرطاة، فقال له عبيداللَّه: أنت قاتل الصبيين؟ قال: نعم. قال: واللَّه لوددت أنّ الأرض انبتتني عندك يومئذٍ. فقال له بسر: قد أنبتتك الساعة. فقال عبيداللَّه: ألا سيف فقال: هاك سيفي. فلمّا أهوى عبيداللَّه إلى السيف ليتناوله قبض معاوية على يد عبيداللَّه قبل أن يقبض على السيف، ثمّ أقبل على بسر فقال: أخزاك اللَّه من شيخ كبرت وذهل عقلك، تعمد إلى رجل موتور من بني هاشم فتدفع إليه سيفك إنّك لغافل عن قلوب
ص: 22
بني هاشم، واللَّه لو تمكن من السيف لبدأ بي قبلك. قال عبيداللَّه: ذلك واللَّه أردت(1).
ذكر أرباب السير أن الذي هاج معاوية على تسريح بسر إلى اليمن: أنّ قوماً بصنعاء كانوا من شيعة عثمان يعظمون قتله، ولكن لم يكن لهم رأس فبايعوا لعلي عليه السلام على ما في أنفسهم، وعامله عليه السلام على صنعاء يومئذ عبيداللَّه وعلى الجند سعيد بن نمران، فلما اختلف الناس عليه بالعراق، وقتل محمد بن أبي بكر بمصر وكثرت غارات أهل الشام تكلموا ودعوا إلى الطلب بدم عثمان فبلغ ذلك عبيداللَّه فأرسل إلى وجوههم فقال: ما هذا الذي بلغني عنكم؟ قالوا: إنّا لم نزل ننكر قتل عثمان ونرى مجاهدة من سعى عليه فحبسهم فكتبوا إلى من بالجند من أصحابهم، فثاروا بسعيد وأخرجوه من الجند وأظهروا أمرهم، وخرج إليهم من كان بصنعاء وانضم إليهم كلّ من كان على رأيهم، ولحق بهم قوم لم يكونوا على رأيهم لكن أرادوا منع الصدقة، فالتقى عبيداللَّه وسعيد فقال عبيداللَّه لسعيد: لقد اجتمع هؤلاء وإنّهم لنا لمقاربون، وإن قاتلناهم لا ندري على من تكون الدبرة فهلمّ لنكتب إلى أميرالمؤمنين عليه السلام بخبرهم فكتبا ذلك، فكتب عليه السلام إليهما: أتاني كتابكما تذكران خروج هذه الخارجة وتعظّمان من شأنها صغيرا، وتكثّران من عددها قليلا، وقد علمت أنّ نخب أفئدتكما وصغر أنفسكما وعدم ثبات رأيكما وسوء تدبيركما هو الذي أفسد عليكما من لم يكن عليكما فاسدا، وجرّا عليكما من كان عن لقائكما جبانا، فإذا قدم رسولي عليكما فامضيا إلى القوم حتّى تقرءا عليهم كتابي، وتدعواهم إلى حظهم وتقوى ربهم، فإن أجابوا حمدنا اللَّه وقبلناهم، وإن حاربوا
ص: 23
استعنا باللَّه عليهم ونابذناهم على سواء، إن اللَّه لا يحب الخائنين.
قالوا: وقال عليه السلام ليزيد بن قيس الأرحبي: ألا ترى إلى ما صنع قومك؟
فقال: إن ظنّي بقومي لحسن في طاعتك، فإن شئت خرجت إليهم فكفيتهم، وإن شئت كتبت إليهم فتنظر ما يجيبونك وكتب عليه السلام إليهم من عبداللَّه علي أميرالمؤمنين إلى من شاقّ وغدر من أهل الجند وصنعاء، أما بعد، فإنّي أحمد اللَّه الذي لا إله الّا هو الذي لا يعقب له حكم، ولا يرد له قضاء ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين، وقد بلغني تجرّيكم وشقاقكم وإعراضكم عن دينكم بعد الطاعة وإعطاء البيعة، فسألت أهل الدين الخالص والورع الصادق واللب الراجح، عن بدء محرككم وما نويتم به وما أحمشكم له، فحدثت عن ذلك بما لم أر لكم في شي ء منه عذرا مبينا، ولا مقالا جميلا، ولا حجة ظاهرة، فإذا أتاكم رسولي فتفرقوا وانصرفوا إلى رحالكم، أعف عنكم وأصفح عن جاهلكم وأحفظ قاصيكم وأعمل فيكم بحكم الكتاب، فإن لم تفعلوا فاستعدوا لعدو من جيش جمّ الفرسان، عظيم الأركان يقصد لمن طغى وعصى فتطحنوا كطحن الرحى، فمن أحسن فلنفسه «وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ»(1).
ووجه الكتاب مع رجل من همدان فقدم عليهم بالكتاب فلم يجيبوه إلى خير، فقال لهم: إنّي تركت أميرالمؤمنين عليه السلام يريد أن يوجّه إليكم يزيد بن قيس الأرحبي في جيش كثيف، فلم يمنعه إلّا انتظار جوابكم فقالوا: نحن سامعون مطيعون إن عزل عنا هذين الرجلين: عبيداللَّه وسعيدا. فرجع الهمداني وأخبره عليه السلام.
قالوا وكتبت تلك العصابة - حين جاءها كتاب علي عليه السلام - إلى معاوية يخبرونه، وكتبوا في كتابهم
ص: 24
معاوي الّا تسرع السير نحونا * نبايع عليا أو يزيد اليمانيا
فلمّا قدم كتابهم دعا بسر بن أبي أرطاة - وكان قاسي القلب فظّا غليظاً سفّاكا للدماء، لا رأفة عنده ولا رحمة - فأمره أن يأخذ طريق الحجاز والمدينة ومكّة حتّى ينتهي إلى اليمن، وقال له: لا تنزل على بلد أهله على طاعة عليّ الّا بسطت عليهم لسانك، حتّى يروا أنّهم لا نجاء لهم وأنك محيط بهم، ثمّ اكفف عنهم وادعهم إلى البيعة لي، فمن أبى فاقتله، واقتل شيعة عليّ حيث كانوا(1).
عن أبي الوداك قال: كنت عند علي عليه السلام حين قدم عليه سعيد بن نمران الكوفة فعتب عليه وعلى عبيداللَّه ألا يكونا قاتلا بسرا فقال سعيد: واللَّه قاتلت ولكنّ ابن عبّاس خذلني وأبى أن يقاتل، ولقد خلوت به حين دنا منّا بسر فقلت: إنّ ابن عمّك لا يرضى منّي ومنك إلّا بالجدّ في قتالهم وما نعذر، قال: لا واللَّه ما لنا بهم طاقة ولا يدان، فقمت في الناس وقلت: يا أهل اليمن من كان في طاعتنا وعلى بيعة أميرالمؤمنين فإليّ إليّ فأجابني منهم عصابة فقاتلت بهم قتالا ضعيفا وتفرق الناس عنّي وانصرفت(2).
عن الكلبي: أنّ بسرا لمّا خرج من المدينة إلى مكّة قتل في طريقه رجالا وأخذ أموالاً، وبلغ أهل مكّة خبره فتنحى عنها عامّة أهلها، وتراضى الناس بشيبة بن عثمان أميرا لمّا خرج قثم بن العباس - عامل عليّ عليه السلام - عنها هارباً فدخل مكة وخطبهم وقال: الحمد للَّه الذي أعزّ دعوتنا وأذل عدوّنا بالقتل والتشريد، هذا ابن أبي طالب بناحية العراق في ضنك وضيق قد ابتلاه اللَّه بخطيئته
ص: 25
وأسلمه بجريرته، فتفرّق عنه أصحابه ناقمين عليه وولي الأمر معاوية الطالب بدم عثمان فبايعوا.
ووجه رجلا من قريش إلى تبالة(1) وبها قوم من شيعة علي عليه السلام، وأمر بقتلهم فأخذهم وكلّم فيهم وقيل له: هؤلاء قومك فكفّ عنهم حتّى نأتيك بكتاب من بسر بأمانهم فحبسهم وخرج منيع(2) الباهلي من عندهم إلى بسر وهو بالطائف يستشفع إليه فيهم، فتحمّل عليه بقوم من الطائف فكلّموه فيهم وسألوه الكتاب بإطلاقهم، فوعدهم ومطلهم بالكتاب حتّى ظن أنّه قد قتلهم القرشي المبعوث لقتلهم، وأنّ كتابه لا يصل إليهم حتّى يقتلوا، ثمّ كتب لهم، فأتى منيع منزله وكان قد نزل على امرأة بالطائف ورحله عندها، فلم يجدها في منزلها فوطأ على ناقته بردائه وركب، فسار يوم الجمعة وليلة السبت لم ينزل عن راحلته قط فأتاهم ضحوة وقد أخرج القوم ليقتلوا واستبطئ كتاب بسر فيهم، فقدّم رجل منهم فضربه شامي فانقطع سيفه، فقال الشاميون بعضهم لبعض: شيموا سيوفكم حتّى تلين فهزوها. وتبصر منيع الباهلي بريق السيوف فألمع بثوبه، فقال القوم: هذا راكب عنده خير فكفوا. وقام به بعيره فنزل عنه وجاء على رجليه يشدو، فدفع الكتاب إليهم فأطلقوا. وكان الرجل المقدّم الذي ضرب بالسيف فانكسر السيف: أخاه(3).
وخرج بسر من الطائف حتّى مرّ ببني كنانة وفيهم ابنا عبيداللَّه بن العباس
ص: 26
وأُمّهما وكان عبيداللَّه قد جعل ابنيه عند رجل من بني كنانة فلمّا انتهى بسر إليهما أراد أن يقتلهما فلمّا رأى ذلك الكنانيّ دخل بيته وأخذ السيف وخرج إليه فقال له بسر: ما كنا أردنا قتلك فلم عرّضت نفسك للقتل؟ قال: أقتل دون جاري أعذر لي عند اللَّه والناس. ثم شدّ على أصحاب بسر بالسيف حاسرا وهو يرتجز:
آليت لا يمنع حافات الدار * ولا يموت مصلتا دون الجار
الّا فتى أروع غير غدار
فضارب بسيفه حتّى قتل، ثم قدمّ الغلامان فقتلا، فخرج نسوة من بني كنانة فقالت امرأة منهن: هذه الرجال تقتلها، فما بال الولدان فواللَّه ما كانوا يقتلون في جاهلية ولا إسلام، واللَّه إنّ سلطانا لا يشتدّ إلّا بقتل الضرع الضعيف والشيخ الكبير، ورفع الرحمة وقطع الأرحام، لسلطان سوء. فقال بسر: واللَّه لهممت أن أضع فيكن السيف. قالت: واللَّه إنه لأحبّ إليّ إن فعلته(1).
وأتى نجران فقتل عبداللَّه بن عبد المدان وكان صهراً لعبيداللَّه بن العبّاس، وقتل ابنه مالكا ثم جمعهم وقام فيهم وقال: يا أهل نجران يا معشر النصارى وإخوان القرود أما واللَّه إن بلغني عنكم ما أكره، لأعودنّ عليكم بالتي تقطع النسل وتهلك الحرث وتخرب الديار.
ثم سار حتّى أتى (بلغ) أرحب فقتل أبا كرب وكان يتشيع، ويقال: إنّه سيّد من كان بالبادية من همدان، فقدّمه فقتله.
وأتى صنعاء وقد خرج عنها عبيداللَّه واستخلف عليها عمرو بن أراكة الثقفي، فمنع بسرا من دخولها وقاتله، فقتله بسر ودخل فقتل منها قوما، وأتاه وفد مأرب
ص: 27
فقتلهم، فلم ينج منهم إلّا رجل واحد ورجع إلى قومه وقال: «أنعى قتلانا شيوخا وشبانا»(1).
ثمّ خرج من صنعاء فأتى حبسان - وهم شيعة عليّ عليه السلام - فقاتلهم وقاتلوه فهزمهم وقتلهم قتلا ذريعا.
ثمّ رجع إلى صنعاء فقتل بها مائة شيخ من أبناء فارس، لأنّ ابني عبيداللَّه كانا مستترين في بيت امرأة من أبناء فارس تعرف بابنة بزرج(2).
وكان الذي قتل بسر في وجهه ذلك ثلاثين ألفا، وحرق قوماً بالنار(3).
ذكر أبو عمرو الشيباني أنّ بسراً في هذه الخرجة أغار على همدان وقتل وسبي نساءهم، فكن أوّل مسلمات سبين في الإسلام(4).
وعن أبي الرباب وصاحب له: أنّهما سمعا أبا ذر يتعوّذ في صلاة صلّاها، فسألناه مم تعوذت؟ فقال: من يوم البلاء ويوم العورة - إلى أن قال - وأمّا يوم العورة فإنّ نساء من المسلمات يسبين فيكشف عن سوقهن، فأيتهنّ كانت أعظم ساقاً اشتريت على عظم ساقها، فدعوت اللَّه ألّا يدركني هذا الزمان، ولعلّكما تدركانه. قالا: فقتل عثمان ثمّ أرسل معاوية بسراً إلى اليمن، فسبى نساء من المسلمات فأقمن في السوق(5).
وممّا كان في سنة أربعين توجيه معاوية بسرا في ثلاثة آلاف من المقاتلة إلى
ص: 28
الحجاز فذكر عن زياد البكائي عن عوانة قال: أرسل معاوية بعد تحكيم الحكمين بسرا - وهو رجل من بني عامر بن لؤي - في جيش فسار حتّى قدم المدينة، وعامل عليّ عليه السلام على المدينة يومئذٍ أبو أيّوب ففرّ وأتى الكوفة، فصعد بسر منبر المدينة ونادى: يا دينار يا نجار يا زريق شيخي شيخي عهدي به بالأمس فأين هو - يعني عثمان -.
ثم: قال: يا أهل المدينة لو لا ما عهد إليّ معاوية ما تركت بها محتلما إلّا قتلته. ثمّ بايع أهل المدينة، وأرسل إلى بني سلمة فقال: ما لكم عندي أمان حتّى تأتوني بجابر بن عبداللَّه. فانطلق جابر إلى أُمّ سلمة وقال لها: ماذاترين، خشيت أن اقتل وهذه بيعة ضلالة قالت: أرى أن تبايع. فإنّي قد أمرت ابني عمر بن أبي سلمة أن يبايع، وأمرت ختني عبداللَّه بن زمعة أن يبايع. فأتاه جابر فبايعه، وهدم بسر دوراً بالمدينة ثمّ مضى حتّى أتى مكّة - إلى أن قال - ولقى بسر ثقل عبيداللَّه باليمن فذبح ابنيه، وقيل: وجدهما عند رجل من بني كنانة من أهل البادية، فلمّا أراد قتلهما قال الكناني: إن كنت قاتلهما فاقتلني معهما.
قال: أفعل. فبدأ به ثمّ بهما، وقيل: إنّ الكناني قاتل عنهما حتّى قتل.
وقتل في مسيره ذلك جماعة كثيرة من شيعة عليّ عليه السلام باليمن وبلغ عليّاًعليه السلام خبر بسر فوجّه جارية بن قدامة في ألفين، ووهب بن مسعود في ألفين، فسار جارية حتّى أتى نجران فحرق بها وأخذ ناساً من شيعة عثمان فقتلهم، وهرب بسر وأصحابه منه واتبعهم حتّى بلغ مكّة، فقال لهم: بايعونا.
فقالوا: قد هلك أميرالمؤمنين فلمن نبايع؟(1)
ص: 29
ومضى بسر من المدينة إلى مكّة فقتل نفراً من آل أبي لهب، ثمّ أتى السراة فقتل من بها من أصحابه، وأتى نجران فقتل عبداللَّه بن عبدالمدان الحارثي وابنه، وكانا من أصهار عبيداللَّه بن عبّاس(1) - إلى أن قال - فسرّح عليّ عليه السلام جارية بن قدامة السعدي في طلبه فخرج مسرعاً، فلمّا وصل المدينة انتهى إليه قتل عليّ عليه السلام ومعه الحسن عليه السلام، فركب في السلاح ودعا أهل المدينة إلى البيعة للحسن عليه السلام فامتنعوا، فقال: واللَّه لتبايعنّ ولو باستاهكم.
فلمّا رأى أهل المدينة ذلك بايعوا الحسن عليه السلام - الخبر(2).
قال الكلبي وأبو مخنف: ولمّا تثاقل أصحابه عن الخروج في أثر بسر بن ارطاة فأجابه إلى ذلك جارية بن قدامة السعدي فبعثه في ألفين فشخص إلى البصرة ثمّ أخذ طريق الحجاز حتّى قدم اليمن وسأل عن بسر فقيل: أخذ في بلاد بني تميم فقال: خذ في ديار قوم يمنعون أنفسهم.
وبلغ بسرا مسير جارية فانحدر إلى اليمامة وأغذ جارية بن قدامة السير ما يلتفت إلى مدينة مرّ بها ولا أهل حصن ولا يعرج على شي ء إلاّ أن يرمل بعض أصحابه من الزاد فيأمر أصحابه بمواساته أو يسقط بعير رجل أو تحفى دابته فيأمر أصحابه بأن يعقّبوه حتّى انتهوا إلى أرض اليمن فهربت شيعة عثمان حتّى لحقوا بالجبال واتبعهم شيعة عليّ وتداعت عليهم من كلّ جانب وأصابوا منهم وصمد نحو بسر وبسر بين يديه يفرّ من جهة إلى جهة أخرى حتّى أخرجه من أعمال عليّ عليه السلام كلّها. فلمّا فعل به ذلك أقام جارية بحرس نحوا من شهر حتّى استراح
ص: 30
وأراح أصحابه ووثب الناس ببسر في طريقه لمّا انصرف من بين يدي جارية لسوء سيرته وفظاظته وظلمه وغشمه وأصاب بنو تميم ثقلا من ثقله في بلاده.
فلمّا وصل بسر معاوية قال: أحمد اللَّه يا أميرالمؤمنين إنّي سرت في هذا الجيش أقتل عدوك ذاهبا جائيا لم ينكب رجل منهم نكبة فقال معاوية: اللَّه قد فعل ذلك لا أنت.
وكان الذي قتل بسر في وجهه ذلك ثلاثين ألفا وحرق قوما بالنار(1).
روى أنّه دعا علي عليه السلام على بسر فقال: اللّهمّ إنّ بسرا باع دينه بالدنيا وانتهك محارمك وكانت طاعة مخلوق فاجر آثر عنده ممّا عندك اللّهمّ فلا تمته حتّى تسلبه عقله ولا توجب له رحمتك ولا ساعة من نهار، اللّهمّ العن بسرا وعمروا ومعاوية وليحلّ عليهم غضبك ولتنزل بهم نقمتك وليصبهم بأسك ورجزك لا تردّه عن القوم المجرمين.
فلم يلبث بسر بعد ذلك إلّا يسيرا حتّى وسوس وذهب عقله فكان يهذي بالسيف ويقول أعطوني سيفا أقتل به لا يزال يردّد ذلك حتّى اتّخذ له سيف من خشب وكانوا يدنون منه المرفقة فلا يزال يضربها حتّى يغشى عليه فلبث كذلك إلى أن مات(2) عليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين.
وفي المروج: مات ذاهل العقل يلعب بخرئه وربما كان يتناول منه ثمّ يقبل على من يراه فيقول: انظروا كيف يطعمني هذان الغلامان ابنا عبيداللَّه؟ وكان ربما شدت يداه إلى وراء منعاً من ذلك، فأنجى ذات يوم في مكانه، ثمّ أهوى بفيه فتناول منه:
ص: 31
فبادروا إلى منعه، فقال: أنتم تمنعونني وعبدالرحمن وقثم يطعمانني(1).
عن يزيد بن جابر الأزدي قال: سمعت عبد الرحمن بن مسعدة الفزاري يحدث في خلافة عبدالملك قال: لمّا دخلت سنة أربعين تحدّث الناس بالشام أن عليا يستنفر الناس بالعراق فلا ينفرون، وتذاكروا أن قد اختلفت أهواؤهم ووقعت الفرقة بينهم، فقمت في نفر من أهل الشام إلى الوليد بن عقبة فقلنا له: إن الناس لا يشكّون في اختلاف الناس على عليّ بالعراق، فادخل إلى صاحبك فمره فليسر بنا إليهم قبل أن يجتمعوا بعد تفرقهم، أو يصلح لصاحبهم ما قد فسد عليه من أمره. فقال: لقد قاولته في ذلك وراجعته حتّى لقد برم بي، وايم اللَّه على ذلك ما أدع أن أبلغه ما مشيتم إلي فيه.
فدخل عليه فخبّره بمجيئنا إليه ومقالتنا له، فأذن لنا فدخلنا عليه فقلنا: هذا خبر في الناس سائر فشمّر واهتبل الفرصة، فإنّك لا تدري متى تقدر على عدوك.
فقال: إن هؤلاء الذين تذكرون تفرّقهم على صاحبهم واختلاف أهوائهم لم يبلغ ذلك عندي بهم أن أكون أطمع في استئصالهم، وأن أسير إليهم مخاطرا بجندي لا أدري عليّ تكون الدائرة أم لي؟ فإياكم واستبطائي فإني آخذ بهم في وجه هو أرفق بكم، وأبلغ في هلاكهم، قد شننت عليهم الغارات من كل جانب، فخيلي مرّة بالجزيرة ومرّة بالحجاز، وقد فتح اللَّه ما بين ذلك مصر، عزّ بفتحها ولينا وأذل به عدوّنا فأشراف أهل العراق لمّا يرون من حسن صنيع اللَّه لنا يأتوننا على قلائصهم
ص: 32
في كلّ أيام، وهذا ممّا يزيدكم وينقصهم ويقويكم ويضعفهم، فلا تعجلوا فإني لو رأيت فرصة لاهتبلتها. فخرجنا من عنده ونحن نعرف الفضل فيما ذكر. وبعث عند خروجنا من عنده إلى بسر وقال له: تمرّ بالمدينة(1) - إلى أن قال - فقال الوليد: أشرنا على معاوية برأينا أن يسير إلى الكوفة، فبعث الجيش إلى المدينة، فمثلنا ومثله كما قال الأول: أريها السهى وتريني القمر(2). فبلغ ذلك معاوية وقال واللَّه لقد هممت بمساءة هذا الأحمق الذي لا يدري ولا يحسن سياسة الأمور(3).
مراده عليه السلام: أنّ استيلائه التام منحصر بالكوفة مركزه، كما يشهد له قوله عليه السلام بعد: «إن لم تكوني إلّا أنت فقبحك اللَّه» ولذا كان معاوية لا يجسر أن يغير عليها، كما في باقي البلاد ممّا بيده عليه السلام.
بعث معاوية بعد تحكيم الحكمين بسر بن أرطاة والضحّاك بن قيس الفهري وغيرهما كلّا في جيش، وأمرهم أن يسيروا في البلاد فيقتلوا كلّ من وجدوه من
ص: 33
شيعته عليه السلام وأصحابه، وأن يغيّروا على ساير اعماله ويقتلوا أصحابه، ولا يكفّوا أيديهم عن النساء والصبيان(1).
تهب أعاصيرك فقبّحك اللَّه وتمثّل بقول الشاعر:
لعمر أبيك الخير يا عمرو إنّني * على وضر من ذا الإناء قليل
لمّا قتل عثمان خرجت الركبان إلى الشام بقتله، فبينما معاوية إذ أقبل رجل متلفف فكشف عن وجهه وخاطبه بالامرة وقال: أتعرفني؟ قال: نعم، أنت الحجّاج بن خزيمة، فأين تريد؟ قال: إليك القربان أنعى إليك ابن عفّان، إنّك تقوى على عليّ بدون ما يقوى به عليك، لأنّ معك قوم لا يقولون إذا قلت ولا يسألون إذا امرت، وأنّ مع عليّ قوم يقولون إذا قال ويسألون إذا أمر، فقليل ممّن معك خير من كثير ممّن معه(2).
وكتب ابن عامر إلى معاوية في حثّه على الطلب بدم عثمان: إنّ الناس في هذا الأمر تسعة لك، وواحد عليك(3).
بويع معاوية على الخلافة، فبايعه الناس على كتاب اللَّه وسنّة نبيّه فأقبل مالك
ص: 34
بن هبيرة الكندي فقال خطيباً - وكان غائباً من البيعة - فقال لمعاوية: أخرجت هذا الملك وأفسدت الناس وجعلت للسفهاء مقالا، وقد علمت العرب أنّا حيّ فعال ولسنا بحي مقال، وأنّا نأتي بعظيم فعالنا على قليل مقالنا، فأبسط يدك ابايعك على ما أحببنا وكرهنا. فكان أوّل العرب بايع عليها.
وقال الزبرقان السكوني في ذلك:
معاوي أخذت الخلافة بالتي * شرطت فقد بوّى لك الملك مالك
ببيعة فصل ليس فيها غميزة * ألا كلّ ملك ضمّه الشرط هالك
وكانت كبيت العنكبوت مذبذبا * فأصبح محجوباً عليه الأرائك
وأصبح لا يرجوه راج لعلّة * ولا تنتحى فيه الرجال الصعالك
وما خير ملك يا معاوي مخدج * تجرّع فيه الغيظ والوجه حالك
إذا شاء ردته السكون وحمي * وهمدان والحي الخفاف السكاسك(1)
قال معاوية أعنت على عليّ بأربع: كنت رجلاً أكتم سرّي وكان رجلا ظهرة، وكنت في أطوع جند وأصلحه وكان في أخبث جند وأعصاه، وتركته وأصحابه الجمل، وقلت: إن ظفروا به كانوا أهون عليّ منه، وإن ظفر بهم اعتدت بها عليه في دينه، وكنت أحب إلى قريش منه، فيالك من جامع إلي ومفرّق عنه(2).
وبعث عليّ عليه السلام في اجتماع الحكمين أربعمائة رجل عليهم شريح بن هاني
ص: 35
الحارثي، وبعث معهم ابن عبّاس وهو يصلّي بهم ويلي أمورهم، وأبو موسى معهم، وبعث معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة من أهل الشام حتّى توافوا بدومة الجندل، فكان معاوية إذا كتب إلى عمرو جاء الرسول وذهب لا يدري بما جاء به ولا بما رجع به، ولا يسأله أهل الشام عن شي ء، وإذا جاء رسول عليّ عليه السلام جاؤوا إلى ابن عبّاس فسألوه: ما كتب إليك فان كتم ظنوا به الظنون، وقالوا: ما نراه إلّا كتب بكذا وكذا. فقال لهم ابن عبّاس: أما ترون رسول معاوية يجي ء لا يعلم بما جاء به ويرجع لا يعلم بما رجع به، ولا يسمع لهم صياح ولا لغط، وأنتم عندي كلّ يوم تظنّون بي الظنون(1).
أي: قدح من خشب مقعّر.
بالكسر أي حبله.
لمّا قرب أن يغلب أبو السرايا على هرثمة صاح هرثمة: يا أهل الكوفة إن أحببتم إخراج الأمر من ولد العبّاس، انصبوا إمامكم واتفقوا معنا نتناظر فيه، ولا تقتلونا وأنفسكم. فأمسك أهل الكوفة عن الحرب فغضب أبو السرايا وقال لهم: إنّ
ص: 36
هذه حيلة منهم فاحملوا عليهم. فقالوا: لا يحلّ لنا قتالهم، فقال: يا أهل الكوفة يا قتلة عليّ وخذلة الحسين إنّ المغتر بكم لمغرور، وإنّ المعتمد على نصركم لمخذول، وإنّ الذليل لمن اعززتموه، واللَّه ما حمد عليّ أمركم في حمده ولا رضي مذهبكم، ولقد حكّمكم فحكمتم عليه، وائتمنكم وخنتم أمانته، ووثق بكم فحلتم عن ثقته ثمّ لم تنفكّوا عليه مختلفين ولطاعته ناكثين، إن قام قعدتم وإن قعد قمتم، وإن تقدّم تأخّرتم وإن تأخّر تقدّمتم خلافاً عليه وعصياناً لأمره، حتّى سبقت فيكم دعوته وخذلكم اللَّه بخذلانكم إيّاه(1).
قال أبو صالح الحنفي: رأيت عليّاًعليه السلام يخطب وقد وضع المصحف على رأسه، حتّى رأيت الورق يتقعقع على رأسه وهو يقول: اللهمّ قد منعوني ما فيه فأعطني ما فيه. اللهمّ قد أبغضتهم وأبغضوني ومللتهم وملوني، وحملوني على غير خلقي وطبيعتي، وأخلاق لم تكن تعرف لي. اللهمّ فأبدلني بهم خيرا...(2).
في (تنبيه البكري) على (أوهام القالي)(3) قال أبو العبّاس: كان عليّ عليه السلام يأخذ البيعة على أصحابه فجعلوا يقولون: نعام - يريدون نعم - فقال عليّ عليه السلام: إنّ النعام
ص: 37
والباقر في الصحراء لكثير، ما لكم أبدلكم اللَّه منّي من هو شرّ لكم منّي، وأبدلني اللَّه منكم من هو خير لي منكم(1).
وفي خطبة أبي السرايا المتقدّمة: اما واللَّه لاستبدلن بكم قوما يعرفون اللَّه حق معرفته، ويحفظون محمّداً صلّى اللَّه عليه وآله في عترته - ثمّ قال -:
ومارست أقطار البلاد فلم أجد * لكم شبها في ما وطئت من الأرض
خلافا وجهلا وانتشار عزيمة * ووهنا وعجزا في الشدائد والخفض
لقد سبقت فيكم إلى الحشر دعوة * فلا عنكم راض ولا فيكم مرضي
سابعد داري من قلى عن دياركم * فذوقوا إذا ولّيت عاقبة البغض(2)
وروى: أنّه عليه السلام قال بعد قوله: «وأبدلهم بي شرّاً منّي»: «اللهمّ عجّل عليهم بالغلام الثقفي الذيّال الميّال، يأكل خضراها ويلبس فرواها ويحكم فيها بحكم الجاهليّة، لا يقبل من محسنها ولايتجاوز عن مسيئها» يعني عليه السلام: الحجّاج. وما كان الحجّاج ولد يومئذٍ(3).
روى إنّ اليوم الذي دعا عليهم فيه بهذا الدعاء ولد فيه الحجّاج بن يوسف، وروى أنّه ولد بعد ذلك اليوم بأوقات يسيرة وفعله بأهل الكوفة مشهور حتّى قيل لو جاءت كلّ امّة بخبيثها وفاسقها وفاجرها وجئنا بالحجّاج وحده لزدنا عليهم(4).
ص: 38
أنّ أمّ الحجّاج ولدته لا دبر له فثقب له دبر وأبي أن يقبل الثدي(1).
وفي الحديث أنّ ابليس تصوّر لهم بصورة الحارث بن كلدة فقال: اذبحوا له تيساً والعقوه من دمه واطلوا به وجهه وبدنه ففعلوا به ذلك فقبل الثدي فلأجل ذلك كان لا يصبر عن سفك الدماء وكان يخبر عن نفسه أنّ أكبر لذّاته في سف الدماء وارتكاب أمور لا يقدر عليها غيره(2).
واحصى من قتل بأمره سوى من قتل في حروبه فكانوا مائة ألف وعشرين ألفاً ووجد في سجنه خمسون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة ولم يجب على أحد منهم قتل ولا قطع وكان يحبس الرجال والنساء في موضع واحد لا سقف له(3) فاذا أوى المسجونون إلى الجدران يستظلّون بها من حرّ الشمس رمتهم الحرس بالحجارة، وكان طعامهم خبز الشعير مخلوطاً بالملح والرماد(4).
ومن أعجب ما روى أنّه وجد على منبره مكتوباً: «قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»(5) فكتب تحته: «قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ»(6).(7)
ص: 39
أي: كما يذاب فيه. اقتدى عليه السلام في الدعاء عليهم بنبيين: نوح عليه السلام حيث قال: «رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً»(1). وموسى عليه السلام حيث قال: «رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ»(2).
قال رجل من بني العنبر:
فليت لي بهم قوما إذا ركبوا * شنّوا الإغارة فرساناً وركبانا
لا يسألون أخاهم حين يندبهم * في النائبات على ما قال برهانا
لكن يطيرون أشتاتاً إذا فزعوا * وينفرون إلى الغارات وحدانا
ومن هذه الأبيات:
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي * بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا
إذن لقام بنصري معشر خشن * عند الكريهة(3) إن ذو لوثة لانا
قوم إذا الشرّ أبدى ناجذيه لهم * طاروا إليه زرافات ووحدانا
لكنّ قومي وإن كانوا ذوي عدد * ليسوا من الشرّ في شي ء وإن هانا
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة * ومن إساءة أهل السوء إحسانا
كأنّ ربك لم يخلق لخشيته * سواهم من جميع الناس إنسانا(4)
ص: 40
بنو مالك من كنانة بطن، منهم: جندل الطعان، ومن ولد جندل الطعان ربيعة بن مكدم، وهو أشجع بيت في العرب، وفيهم يقول عليّ عليه السلام لأهل الكوفة: «وددت واللَّه أنّ لي بمائة ألف منكم ثلاثمائة من فراس بن غنم بن ثعلبة»(1).
قالت امرأة من غامد في هزيمة ربيعة بن مكدم لغامد وحده:
ألا هل أتاها على نايها * بما فضحت قومها غامد
تمنيتم مائتي فارس * فردكم فارس واحد
فليت لنا بارتباط الخيول * ضانا لها حالب قاعد(2)
وربيعة بن مكدم هو الذي قالوا فيه: هو حامى الظعن حيّاً وميّتاً ولم يحم ميت الحريم غيره، عرض له فرسان من بني سليم ومعه ظعائن من أهله يحميهم وحده، فطاعنهم فرماه أحدهما بسهم أصاب قلبه، فنصب رمحه في الأرض واعتمد عليه وهو ثابت في سرجه، وأشار إلى الظعائن بالرواح فسرن حتّى بلغن بيوت الحي، وبنو سليم قيام بإزائه لا يقدمون عليه ويظنّونه حيّا حتّى قال قائل منهم: إنّي لا أراه إلّا ميّتا ولو كان حيّا لتحرّك. فرموا فرسه بسهم فوثيت فوقع، وفاتتهم الظعائن(3).
هنالك لو دعوت أتاك منهم * فوارس مثل أرمية الحميم
قال ابن أبي الحديد: البيت لأبي جندب الهذلي، وأول الأبيات:
ص: 41
ألا يا أم زنباع أقيمي * صدور العيس نحو بني تميم(1)
في تاريخ أعثم: لمّا أنّبهم عليه السلام فلم يجيبوه قال لهم: إنّي وإيّاكم كنوح وقومه كما حكى تعالى عنه: «رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً»(2) مالكم صموت كالحوت « إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ »(3).(4)
وله عليه السلام خطبة أُخرى في مسير بسر إلى اليمن رواها المفيدرحمه الله في الإرشاد فقال:
وَمِنْ كَلامِهِ عليه السلام فِي اسْتِنْفَارِ الْقَوْمِ وَاسْتِبْطَائِهِمْ عَنِ الْجِهَادِ، وَقَدْ بَلَغَهُ مَسِيرُ بُسْرِ بْنِ أَرْطَاةَ إِلَى الْيَمَنِ:
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّ أَوَّلَ رَفَثِكُمْ وَبَدْءَ نَقْضِكُمْ، ذَهَابُ أُولِي النُّهَى وَأَهْلِ الرَّأْيِ مِنْكُمُ، الَّذِينَ كَانُوا يَلْقَوْنَ فَيَصْدُقُونَ، وَيَقُولُونَ فَيَعْدِلُونَ، وَيُدْعَوْنَ فَيُجِيبُونَ. وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ دَعَوْتُكُمْ عَوْداً وَبَدْءاً، وَسِرّاً وَجَهْراً، وَفِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالْغُدُوِّ وَالآْصَالِ، مَا يَزِيدُكُمْ دُعَائِي إِلّا فِرَاراً وَإِدْبَاراً. مَا تَنْفَعُكُمُ الْعِظَةُ وَالدُّعَاءُ إِلَى الْهُدَى وَالْحِكْمَةِ وَإِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ وَيُقِيمُ لِي أَوَدَكُمْ، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لا أُصْلِحُكُمْ بِفَسَادِ نَفْسِي.
ص: 42
وَلَكِنْ أَمْهِلُونِي قَلِيلاً فَكَأَنَّكُمْ وَاللَّهِ بِامْرِئٍ قَدْ جَاءَكُمْ، يَحْرُمُكُمْ وَيُعَذِّبُكُمْ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ كَمَا يُعَذِّبُكُمْ. إِنَّ مِنْ ذُلِّ الْمُسْلِمِينَ وَهَلاكِ الدِّينِ، أَنَّ بني أَبِي سُفْيَانَ يَدْعُو الْأَرْذَالَ الأشرار فَيُجَابُ، وَأَدْعُوكُمْ وَأَنْتُمُ الْأَفْضَلُونَ الْأَخْيَارُ فَتُرَاوِغُونَ وَتُدَافِعُونَ. مَا هَذَا بفِعْلَ الْمُتَّقِينَ(1).
والظاهر انّ هذه الخطبة كانت في أوّل مسير بسر وخطبة المتن في آخره.
ص: 43
بسم الله الرحمن الرحیم
إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداًصلى الله عليه وآله نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ وَأَمِيناً عَلَى التَّنْزِيلِ وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ عَلَى شَرِّ دِينٍ وَفِي شَرِّ دَارٍ مُنِيخُونَ بَيْنَ حِجَارَةٍ خُشْنٍ وَحَيَّاتٍ صُمٍّ تَشْرَبُونَ الْكَدِرَ وَتَأْكُلُونَ الْجَشِبَ وَتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَتَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ الْأَصْنَامُ فِيكُمْ مَنْصُوبَةٌ وَالْآثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ.
ومنها:
فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي مُعِينٌ إِلّا أَهْلُ بَيْتِي فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَوْتِ وَأَغْضَيْتُ عَلَى الْقَذَى وَشَرِبْتُ عَلَى الشَّجَا وَصَبَرْتُ عَلَى أَخْذِ الْكَظَمِ وَعَلَى أَمَرَّ مِنْ طَعْمِ الْعَلْقَمِ.
ومنها:
وَلَمْ يُبَايِعْ حَتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَهُ عَلَى الْبَيْعَةِ ثَمَناً فَلا ظَفِرَتْ يَدُ الْبَائِعِ وَخَزِيَتْ أَمَانَةُ الْمُبْتَاعِ فَخُذُوا لِلْحَرْبِ أُهْبَتَهَا وَأَعِدُّوا لَهَا عُدَّتَهَا فَقَدْ شَبَّ لَظَاهَا وَعَلا سَنَاهَا وَاسْتَشْعِرُوا الصَّبْرَ فَإِنَّهُ أَدْعَى إِلَى النَّصْرِ.
الأصل فيه ما رواه ابن قتيبة في (خلفائه)، والكليني في (رسائله)، وإبراهيم الثقفي في (غاراته)، وكون سببها سؤال الناس له بعد انقضاء أمر النهروان عن رأيه في أبي بكر وعمر وعثمان.
قال الأوّل: دخل حجر بن عدي وعمرو بن الحمق وعبداللَّه بن وهب الراسبي عَلَى علي عليه السلام، فسألوه عن الثلاثة، فقال: إنّي مخرج إليكم كتاباً أنبّئكم فيه ما
ص: 44
سألتموني عنه، فاقرؤوه على شيعتي، فأخرج إليهم كتاباً فيه: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداًصلى الله عليه وآله نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ وَأَمِيناً عَلَى التَّنْزِيلِ وَشَهِيداً عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَنْتُمْ يا مَعَاشِرَ الْعَرَبِ يَوْمَئِذٍ عَلَى غَير دِينٍ وَفِي شَرِّ دَارٍ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَتَقْتُلُونَ أَوْلادَكُمْ وَتَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ وَتَأْكُلُونَ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَبَعَثَ مُحَمَّداًصلى الله عليه وآله إِلَيْكُم(1).
وقال الثاني: كتب أميرالمؤمنين عليه السلام كتاباً بعد منصرفه من النهران وأمر أن يقرأ على الناس - إلى أن قال: - بَعَثَ مُحَمَّداً صَلَّى صلى الله عليه وآله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَنْتُمْ - مَعَاشِرَ الْعَرَبِ - عَلَى شَرِّ حَالٍ ، يَغْذُو أَحَدُكُمْ كَلْبَهُ، وَيَقْتُلُ وَلَدَهُ، وَيُغِيرُ عَلَى غَيْرِهِ، فَيَرْجِعُ وَقَدْ أُغِيرَ عَلَيْهِ، تَأْكُلُونَ الْعِلْهِزَ وَالْهَبِيدَ وَالْمَيْتَةَ وَالدَّمَ، مُنِيخُونَ عَلَى أَحْجَارٍ خَشِنٍ وَأَوْثَانٍ مُضِلَّةٍ، تَأْكُلُونَ الطَّعَامَ الْجَشِبَ، وَتَشْرَبُونَ الْمَاءَ الآْجِنَ، تُسَافِكُونَ دِمَاءَكُمْ، وَيَسْبِي بَعْضُكُمْ بَعْضا(2)
وقال الثالث: خطب عليّ عليه السلام بعد فتح مصر وقتل محمّد بن أبي بكر، فقال: أَمّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداًصلى الله عليه وآله نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ، وَأَمِيناً عَلَى التَّنْزِيلِ، وَشَهِيداً عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَنْتُمْ - مَعَاشِرَ الْعَرَبِ - يَوْمَئِذٍ عَلَى شَرِّ دِينٍ، وَفِي شَرِّ دَارٍ، مُنِيخُونَ عَلَى حِجَارَةٍ خَشِنٍ، وَحيات صُمٍّ، وَشَوْكٍ مَبْثُوثٍ فِي الْبِلادِ، تَشْرَبُونَ الْمَاءَ الْخَبِيثَ، وَتَأْكُلُونَ الطَّعَامَ الْجَشِبَ، وَتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ، وَتَقْتُلُونَ أَوْلادَكُمْ، وَتَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ، وَتَأْكُلُونَ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ، سُبُلُكُمْ خَائِفَةٌ، وَالْأَصْنَامُ فِيكُمْ مَنْصُوبَةٌ، وَلا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ، فَمَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ
ص: 45
بِمُحَمَّدٍصلى الله عليه وآله، فَبَعَثَهُ إِلَيْكُمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ، فَعَلَّمَكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ، وَالْفَرَائِضَ وَالسُّنَّةَ، وَأَمَرَكُمْ بِصِلَةِ أَرْحَامِكُمْ، وَحَقْنِ دِمَائِكُمْ، وَصَلاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها، وَأَنْ تُوفُوا بِالْعَهْدِ، وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها، وَأَنْ تَعَاطَفُوا وَتَبَارُّوا، وَتَبَاذَلُوا وَتَرَاحَمُوا، وَنَهَاكُمْ عَنِ التَّنَاهُبِ، وَالتَّظَالُمِ وَالتَّحَاسُدِ وَالتَّبَاغِي وَالتَّقَاذُفِ، وَعَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَبَخْسِ الْمِكْيَالِ، وَنَقْصِ الْمِيزَانِ، وَتَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ فِي مَا تَلا عَلَيْكُمْ أَنْ لا تَزْنُوا وَلا تَرْبُوا، وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً، وَ«أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها»(1) «وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ»(2) «وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»(3) وَكُلُّ خَيْرٍ يُدْنِي إِلَى الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُ مِنَ النَّارِ أَمَرَكُمْ بِهِ، وَكُلُّ شَرٍّ يُدْنِي إِلَى النَّارِ وَيُبَاعِدُ عنَ الْجَنَّةِ نَهَاكُمْ عَنْه...(4).
قال تعالى: «وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»(5).
وقال تعالى: «وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً»(6).
ص: 46
وقال تعالى: «إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً»(1).
وقال تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً»(2).
وقال تعالى: «أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ»(3).
وقال تعالى: «تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً»(4).
وقال تعالى: «قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ»(5).
وقال تعالى: «قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ»(6).
وقال تعالى: «قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ»(7).
حدّثنا حفص الكناني قال سمعت عبداللَّه بن بكير الدجاني [الأرجاني] قال: قال لي الصادق جعفر بن محمدعليه السلام: أخبرني عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كان عاما للناس بشيراً ا ليس قد قال اللَّه في محكم كتابه: «وَما أَرْسَلْناكَ إِلّا كَافَّةً لِلنَّاسِ»، لأهل الشرق والغرب وأهل السماء والأرض من الجن والإنس هل بلغ رسالته إليهم كلهم؟ قلت لا أدري، قال يا ابن بكير إن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لم يخرج من المدينة فكيف بلغ أهل الشرق والغرب؟ قلت لا أدري، قال إن اللَّه تعالى أمر جبرئيل فاقتلع الأرض بريشة من جناحه ونصبها لمحمدصلى الله عليه وآله فكانت بين يديه مثل راحته في كفه ينظر إلى أهل الشرق والغرب؟ ويخاطب كل قوم بألسنتهم ويدعوهم إلى اللَّه وإلى
ص: 47
نبوته بنفسه فما بقيت قرية ولا مدينة الّا ودعاهم النبي صلى الله عليه وآله بنفسه(1).(2)
عن أبي حمزة الثمالي قال سمعت عليّ بن الحسين عليه السلام يقول: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُصَافِحَهُ مِائَةُ أَلْفِ نَبِيٍّ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ نَبِيٍّ فَلْيَزُرْ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍ عليه السلام ليلة النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَإِنَّ المَلَائِكَةَ وأَرْوَاحَ النَّبِيِّينَ يَسْتَأْذِنُونَ اللَّهَ تَعَالَى فِي زِيَارَتِهِ فَيُؤْذَنُ لَهُمْ فَطُوبى لِمَن صَافَحَهُم وَصَافَحُوه مِنْهُمْ خَمْسَةٌ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ المُرسَلِين نُوحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدٌصلى الله عليه وآله قُلتُ: لِمَ سمُوا أُولُوا العَزْم؟ قَالَ: لِأَنَّهُم بُعِثُوا إلى شَرقِها وَغَربِها وَجِنِّهَا وَإِنْسِها(3).
وقال تعالى: «وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ»(1).
قال المغيرة بن زرارة الأسدلي ليزدجرد في القادسيّة: كان ديننا أن يقتل بعضنا بعضا، ويغير بعضنا على بعض، وأن كان أحدنا ليدفن ابنته وهي حيّة كراهة أن تأكل من طعامه(2).
وفي عنوان أديان العرب في الجاهليّة: كانت النصرانيّة في ربيعة وغسّان وبعض قضاعة، وكانت اليهوديّة في حمير وبني كنانة وبني الحرث بن كعب وكندة، وكانت المجوسيّة في تميم، ومنهم حاجب ابن زرارة، وكان تزوّج ابنته ثمّ ندم، ومنهم الأقرع بن حابس، وكانت الزندقة في قريش أخذوها من الحيرة، وكان بنو حنيفة اتّخذوا في الجاهليّة إلهاً من حيس (أي: تمر يخلط بسمن وأقط، فيعجن شديداً ثمّ يندر منه نواه) فعبدوه دهراً طويلاً، ثمّ أصابتهم مجاعة، فأكلوه، فقال رجل من بني تميم:
أكلت حنيفة ربّها * زمن التقحّم والمجاعة
لم يحذروا من ربّهم * سوء العواقب والتباعه(3)
وفي السبائك: ديانات العرب كانت متباينة مختلفة، فصنف منهم قالوا بالدهر، وصنف أقرّوا بالمبدأ وأنكروا المعاد، وقالوا:... «مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ»(4)، وصنف عبدوا الأصنام، وصنف عبدوا الملائكة، وصنف عبدوا الجنّ، وصنف يميل
ص: 49
إلى اليهوديّة، وصنف إلى النصرانيّة، وصنف إلى الصابئة، ويعتقدون أنّ الكواكب فعّالة بأنفسها(1).
وروى: أنّ النكاح كان في الجاهليّة على أربعة أنحاء، فكان منها: نكاح اليوم.
والثاني: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسّها أبداً حتّى يتبيّن حملها من ذلك الرجل الّذي تستبضع منه، فاذا تبيّن حملها أصابها زوجها إن أحبّ، وإنّما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، فكان هذا النكاح يسمّى نكاح الاستبضاع.
والثالث: يجتمع الرهط دون العشرة، فيدخلون على المرأة كلّهم يصيبها، فاذا حملت ووضعت ومرّ ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتّى يجتمعوا عندها، فتقول لهم: قد عرفت الّذي كان من أمركم، وقد ولدت وهو ابنك يا فلان، فتسمّى من أحبّت منهم باسمه، فيلحق به ولدها.
والرابع: يجتمع الناس الكثير لا تمتنع ممّن جاءها، وهنّ البغايا، كنّ ينصبن على أبوابهنّ رايات يكن علما لمن أرادهنّ دخل عليهنّ، فإذا حملت فوضعت، جمعوا لها ودعوا لهم القافة، ثمّ ألحقوا ولدها بالّذي يرون، فالتاطه، ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك. فلمّا بعث اللَّه محمّدصلى الله عليه وآله هدم نكاح أهل الجاهلية كلّه إلّا نكاح أهل الإسلام اليوم(2).
قال المحقّق التستري رحمه الله: ومن الثالث كان تكوّن عمرو بن العاص، ومن الرابع
ص: 50
تكوّن زياد بن أبيه، لكن معاوية الحقه بأبيه أبي سفيان عن هواه لا بطريقة الجاهليّة عن حكم القافة، ولا بسنّة الإسلام بكونه للفراش عبيد(1).
قال المغيرة ليزدجرد: وأمّا منازلنا فإنّما هي ظهر الأرض(2).
قال البحراني: ووصفها بالصمّ لأنّ حيّات تلك الأرض على غاية من القوّة وحدّة السموم لاستيلاء الحرارة واليبس عليها(3).
وقال ابن أبي الحديد: والحيّة الصمّاء أدهى من التي ليست بصمّاء لأنّها لا تنزجر بالصوت(4).
وفي (السير): قال رجل: كنت بالبادية، فرأيت ناساً حول نار فسألت عنهم، فقالوا: صادوا حيّات فهم يشتوونها، فأتيتهم فرأيت رجلاً منهم قد أخرج حيّة من الجمر ليأكلها، فامتنعت عليه، فجعل مدّها، فما صرفت بصري عنه حتّى صرع، فمات(5).
وقال ابن قتيبة: جي ء إلى المتوكّل بأسود من بعض البوادي، يأكل الأفاعي
ص: 51
وهي حيّة، يتلقّاها بالنهش من جهة رؤوسها، ويأكل ابن عرس وهو حيّ ويتلقّاه بالأكل من جهة الرأس(1).
لأن غالب مياه العرب هو الغدران والآبار أمّا الغدران فأصلها ماء المطر ينزل على الأودية السبخة والقفار الملحة فيسيل حتّى يقع في تلك الغدران فيكون مرّاً ملحاً أجاجاً ثمّ يتكدّر ويتعفّن من طول الزمان ووقوع الشمس عليها وتأثّره بها وأمّا الآبار فمضافاً إلى وقوع ماء المطر الموصوف فيها ربما تنزل العشاير حولها وينيخون أباعرهم هنالك فيثور الرياح البار «أبوال ظ» الأباعر وأرواثها وساير كثافات القوم بعد ارتحالهم من ذلك المكان حتّى تقع على تلك الآبار فيكون مياهها كثيفاً كدرا(2).
قال الجاحظ: كان للعرب شرب مجدوح، وهو إذا بلغ العطش منهم المجهود نحروا الإبل وتلقّوا دمائها بالجفان كيلا يضيع من دمائها شي ء، فإذا برد الدم ضربوه بأيديهم، وجدحوه بالعيدان جدحا، حتّى ينقطع فيعتزل ماؤه من ثفله، كما يخلص الزبد بالمخض والجبن بالأنفحة، فيتصافنون ذلك الماء، ويبتلعون به حتّى يخرجوا من المفازة. قال: ولهم شرب غضّ وهو عصارة الفرث إذا أصابهم العطش في المفاوز(3).
ص: 52
وفي (بلدان الحموي): سلاح: ماء لبني كلاب شبكة ملحة لا يشرب منها أحد إلّا سلح(1).
وقال رجل من أهل المدينة لأعرابيّ: ما تأكلون وما تعافون قال له الأعرابي نأكل كلّ ما دبّ وهبّ إلاّ امّ حبين (هي دويبة على خلقة الحرباء عريضة الصدر عظيمة البطن وقيل هي انثر الحرباء) قال المدني تهنّى امّ حبين العافية(2).
وقال المغيرة الأسيدي ليزدجرد: كنّا نأكل ا لخنافس والجعلان والعقارب والحيّات(3).
قوله عليه السلام في رواية الكليني: «تأكلون العلهز والهبيد»(4).
قال الجاحظ: العلهز: القردان ترضّ وتعجن بالدم(5).
وقال أبو عبيدة: الهبيد: حبّ الحنظل زعموا أنّه يعالج حتّى يمكن أكله(6).
والهبيد: كان طعام عمر في الجاهليّة، فقالوا: ذكر عمر خشونة مطعمه وملبسه في صباه فقال: لقد رأيتني مرّة وأختالي نرعى على أبوينا ناضحا - أي بعير السقي - قد ألبستنا أمّنا نقبتها - النقبة: قطعة من ثوب قدر السراويل، يجعل لها حجزة
ص: 53
محيطة من غير نيفق، ويشدّ حجزة السراويل - وزوّدتنا من الهبيد - فنخرج بناضحنا، فإذا طلعت الشمس ألقيت النقبة إلى أختي وخرجت أسعى عرياناً، فنرجع إلى أُمّنا وقد جعل لنا لفيتة - أي: ضربا من الطبيخ كالحساء من ذلك الهبيد - فيا خصباه. ذكروا ذلك في غريب حديث عمر(1).
وقال الحموي: كان لقضاعة ولخم وجذام وأهل الشام صنم يقال له: الأقيصر، وكانوا يحجّون إليه ويلحقون رؤوسهم عنده، فكان كلّما حلق رجل منهم رأسه ألقى مع كلّ شعرة قرّة من دقيق - وهي قبضة - وكانت هوازن تنتابهم في ذلك الإبّان، فإن أدركه الهوازني قبل أن يلقي القرّة على الشعر، قال: أعطنيه - يعني الدقيق - فإنّي من هوازن ضارع، وإن فاته أخذ ذلك الشعر بما فيه من القمل والدقيق فخبزه وأكله. فقال معاوية الجرمي في أبيات:
ألم تر جرما أنجدت وأبوكم
مع القمل في حفر الأقيصر(2) شارع(3)
وقال أبو عبيدة: دخلت على رؤبة بن العجّاج وهو يجيل جرذاناً على النار، فقلت: أتأكلها؟ قال: نعم، انّها خير من دجاجكم، إنّها تأكل البرّ والتمر(4).
قيل: كانت العرب لم تعرف طيبات الأطعمة إنّما كان طعامهم اللحم يطبخ بالماء والملح حتّى أدرك معاوية فاتّخذ ألوان الأطعمة(5).
ص: 54
قال أبو بردة: كانوا يقولون: من أكل الخبز سمن، فلمّا فتحنا خيبراً جهضناهم عن خبزهم فقعدت عليه آكل وأنظر في اعطافي هل سمنت(1).
وقال خالد بن عمير العددي: شهدت فتح الاملة فاصبنا سفينة مملوّة جوزا فقال رجل، ما هذه الحجارة؟ ثمّ كسر واحدة فقال: طعام طيب(2) وقال بعضهم: أصابوا جربا من الكافور فخالوها الملح فذاقوه فقالوا لا ملوحة لهذا الملح ففطن ناس من أهل الخبرة فجعلوا يعطونهم جراباً من ملح ويأخذون جراباً من الكافور وقدم إلى أعرابي خبز عليه لحم فأكل اللحم وترك الخبز وقال: خذوا الطبق، وكان بنو أسد يأكلون الكلاب ولذلك قال الفرزدق:
إذا اسدي جاع يوماً ببلدة * وكان سمينا كلبه فهو أكله
وقال بعضهم نزلت برجل فأضافني فأتى بحيّة مشويّة شواها فأطعمنيها ثمّ أتى بماء منتن فسقانيه فلمّا أردت الارتحال قال: ألا قمت لطعام طيب وماء نمير؟
وكان أحدهم يتناول الشعر المحلوق فيجعله في جفنة من الدقيق ثمّ يأكله مع ما فيه من القمل ولذلك قال شاعرهم:
بني أسد جاءت بكم قملية * بها باطن من داء سوء وظاهر
ومن طعامهم الفظ وهو ماء الكرش وقيل لأعرابي: ما تأكلون؟ فقال: نأكل ما دب ودرج إلّا ام حبين فقال:
لتهن ام حبين العافية وقال أبو نواس:
ص: 55
ولا تأخذ عن الاعراب طعما * ولا عيشا فيشهم جديب
وكان روبة يأكل الفار فقيل له: أَلا تستقذره؟ فقال: هو واللَّه لا يأكل إلاّ فاخرات متاعنا وبنو تميم يعيّرون بأكل الضب قال أبو نواس في هجوهم:
إذا ما تميمي أتاك مفاخرا * فقل عد عن ذا كيف أكلك للضبّ
قال الأصمعي دنوت من بعض الأخبية في البادية فسقيت لبنا في إناء فلمّا شربته قلت هل كان هذا إلاّ إناء «الاناء» نظيفا؟ فقيل: نعم إنّا نأكل منه في النهار ونبول فيه بالليالي فاذا أصبحنا سقينا فيه الكلب فلحسه ونقاه، فقلت: لعنك اللَّه ولعن هذه النظافة(1).
قال تعالى: «وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ»(1).
قال ابن عبّاس المرأة إذا حان وقت ولادتها حفرت حفرة وقعدت على رأسها فان ولدت بنتاً رمت بها في الحفرة وإن ولدت غلاماً حبسته(2).
قيل: الصنم ما كان له جسم أو صورة، فإن لم يكن له جسم أو صورة فهو وثن(3).
وفي سيرة ابن هشام: اللّات بيت لثقيف بالطائف ويعظّمونه تعظيم الكعبة.
قال ضرار بن الخطاب الفهري:
وفرّت ثقيف إلى لاتها
بمنقلب الخائب الخاسر(4)
وفيه: قال ابن إسحاق: واتّخذ أهل كلّ دار في دارهم صنماً يعبدونه، فإذا أراد الرجل منهم سفراً تمسّح به حين يركب، فكان ذلك آخر ما يصنع حين يتوجّه إلى سفره، وإذا قدم من سفره تمسّح به، فكان ذلك أوّل ما يبدأ به قبل أن يدخل على
ص: 57
أهله، فلمّا بعث اللَّه تعالى رسوله محمّداًصلى الله عليه وآله بالتوحيد قالت قريش: «أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْ ءٌ عُجَابٌ»(1).(2)
وقالوا: لمّا ولّت خزاعة أمر البيت، وكان أوّل من ولى عمر بن لحي، بعث العرب على عبادة التماثيل، وأكثر من نصب الأصنام حول الكعبة(3).
وقالوا: كان ودّ لكلب بدومة الجندل، وسواع لهذيل برها، ونسر لحمير، ويغوث لهمدان، واللّات لثقيف، والعزّى لكنانة وقريش ومضر كلّها وبعض بني سليم، والسعير لعنزة، وعوص لبكر بن وائل.
قال الأعشى:
حلفت بمائرات حول عوص * وأنصاب تركن لدى السعير
ومناة بالمشلّل لغسّان والأوس والخزرج، وكان هبل لقريش خاصّة على ظهر الكعبة، وأساف ونائلة على الصفا والمروة(4).
وعن تهذيب الأزهري: الدوّار: صنم كانت العرب تنصبه يجعلون موضعاً حوله يدورون به، واسم ذلك الصنم والموضع الدوّار، ومنه قول امرى ء القيس:
فعنّ لنا سرب كأنّ نعاجه * عذارى دوار في ملاء مذيّل(5)
وفي القاموس: الضمار ككتاب: صنم عبده العبّاس بن مرداس ورهطه(6)،
ص: 58
ورضا: صنم كان لطيّ، وبه سمّي جدّ زيد الخيل: عبد رضا(1)، وسواع: بالضم والفتح - وقرأ به الخليل - صنم عبد في زمن نوح عليه السلام، فدفنه الطوفان، فاستثاره إبليس فعبد وصار لهذيل(2).
وفي المعجم: لمّا قتلت بنو أسد حجرا، وخرج ابنه امرؤ القيس في طلب ثأره، مرّ بتبالة وبها صنم للعرب تعظّمه يقال له: ذو الخلصة، فاستقسم عنده بقداحه، وهي ثلاثة: الآمر والناهي والمتربّص، فأجالها فخرج الناهي، فجمعها وكسرها وضرب بها وجه الصنم، وقال: مصصت بظر أمّك، لو قتل أبوك ما نهيتني، وقال:
لو كنت يا ذا الخلص الموتورا * مثلي وكان شيخك المقبورا
لو تنه عن قتل العداة زورا
ثمّ خرج فظفر ببني أسد، وقتل قاتل أبيه وأهل بيته، وألبسهم الدروع البيض محماة وكحّلهم بالنار ويقال: إنّه ما استقسم عند ذي الخلصة بعدها أحد بقدح حتّى جاء الاسلام وهدم(3).
وقالوا: كان لأهيب بن سماع صنم يقال له: راقب، واستعان به الحرث المصطلقي في حربه، فعقر له عقيرة ليستخيره (لأستخبره) في أمره، فسمع منه صوتاً هائلاً، فصار سبب هدايته، وله قصّة طويلة(4).
وكان عمرو بن الجموع الأنصاري سيّداً من سادات بني سلمة، وكان قد اتّخذ في داره صنماً من خشب يقال له: مناف، يعظّمه ويطهّره، فلمّا أسلم فتيان بني
ص: 59
سلمة، كانوا يدخلون بالليل على صنمه فيحملونه، ويطرحونه في بعض حفر بني سلمة، وفيها عذر بني سلمة منكّساً على رأسه، فإذا أصبح عمرو قال: ويلكم من عدا على إلهنا هذه الليلة ثمّ يغدو فيلتمسه، فإذا وجده غسله وطيّبه، ثمّ يقول: واللَّه لو أعلم من يصنع بك هذا لأخزينّه. يفعلون به ذلك كلّ ليلة، فلمّا ألحّوا عليه جاء بسيفه فعلّقه عليه، ثمّ قال له: إن كان فيك خير فهذا السيف معك. فلمّا أمسى عدوا عليه وأخذوا السيف من عنقه، ثمّ أخذوا كلبا ميّتاً فقرنوه معه بحبل ثمّ ألقوه في بئر من آبار بني سلمة فيها عذر الناس، وغدا عمرو يبتغيه حتّى وجده مقروناً بكلب فأبصر رشده، وكلّم من أسلم من قومه، فأسلم وقال:
تاللَّه لو كنت إلها لم تكن * أنت وكلب وسط بئر في قرن(1)
وعن أبي رجاء العطاردي: بعث النبيّ صلى الله عليه وآله ونحن على ماء لنا، وكان لنا صنم مدوّر، فحملناه على قتب، وانتقلنا من ذلك الماء إلى غيره، فمررنا برملة، فانسلّ الحجر فوقع في رمل فغاب فيه، فلمّا رجعنا إلى الماء فقدنا الحجر، فرجعنا في طلبه، فإذا هو في رمل قد غاب فيه فاستخرجناه. فقلت: إنّ إلها لم يمنَع من تراب يغيب فيه لإله سوء، وإنّ العنز لتمنع حياها بذنبها. فكان ذلك أوّل إسلامي، فرجعت إلى المدينة، وقد توفّي النبيّ صلى الله عليه وآله(2).
وقالوا: كان لسعد العشيرة صنم يقال له: فرّاض، ويقال لسادنه يقال له: ابن وقشة، وكان له رئي يخبره بما يكون، فأتاه فقال له: «اسمع العجب العجاب، بعث أحمد بالكتاب، بمكّة لا يجاب».
ص: 60
فحكى ابن وقشة ذلك لرجل من قومه، فلمّا سمع الرجل بخروج النبيّ صلى الله عليه وآله قام إلى الصنم فحطّمه، ثمّ أتى النبيّ صلى الله عليه وآله فأسلم، وقال:
تبعت رسول اللَّه إذ جاء بالهدى * وخلّفت فرّاضاً بأرض هوان
شددت عليه شدّة فتركته * كأن لم يكن والدهر ذو حدثان
ولمّا رأيت اللَّه أظهر دينه * أحببت رسول اللَّه حين دعاني
فمن مبلغ سعد العشرية أنّني * شريت الذي يبقى بآخر فان(1)
وقالوا: كان لبني عذرة صنم يقال له: حمام، وكان في بني هند بن حزام، وسادنه رجل منهم يقال له: طارق.
فلمّا بعث النبيّ صلى الله عليه وآله سمعوا منه صوتاً يقول: يا بني هند بن حزام، ظهر الحقّ وأودى حمام، ودفع الشرك الإسلام، ففزعوا. ثمّ سمعوا بعد أيّام صوتاً يقول: يا طارق بعث النبيّ الصادق بوحي ناطق. صدع صادع بأرض تهامه، لناصريه السلامة، ولخاذليه الندامة. هذا الوداع منّي إلى يوم القيامة. ثمّ وقع الصنم لوجهه. فأتى زمل العذري ونفر من قومه إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وأخبروه بما سمعوا فقال النبيّ صلى الله عليه وآله: ذاك كلام مؤمن من الجنّ. فأسلموا، وقال زمل:
إليك رسول اللَّه أعملت نصّها
أكلّفها حزناً وفوزاً من الرمل(2)
وقالوا: كان لجهينة صنم، فرأى سادنه في النوم من يقول: تقشّعت الظلماء، وسطع الضياء، وبعث خاتم الأنبياء. أقبل حقّ فسطع، ودمغ باطل فانقمع. فكسر
ص: 61
الصنم ولحق بالنبيّ صلى الله عليه وآله، وقال:
شهدت بأنّ اللَّه حقّ وأنّني * لآلهة الأحجار أوّل تارك
وشمّرت عن ساق الازار مهاجرا * إليك أجوب الوعث بعد الدكادك
فبعثه النبيّ صلى الله عليه وآله إلى قومه، فأسلموا إلّا رجلا منهم كذّبه، فقال له: أمرّ اللَّه عيش الأكذب منّي ومنك، وأبكم لسانه، وأكمه إنسانه. فما مات حتّى عمّي وافتقر وأبكم(1).
وفي الأسد: كان لأحمر بن سواء السدوسي صنم يعبده، فألقاه في بئر ثمّ أتى النبيّ صلى الله عليه وآله فبايعه(2).
وفيه: كان اسم راشد بن حفص ظالما، وقيل: غاويا. فسمّاه النبيّ صلى الله عليه وآله راشدا، وكان سادن صنم بني سليم يدعى سواعا فكسره(3).
وأنّه لمّا فتح النبيّ صلى الله عليه وآله مكّة كان فيها ثلاثمائة وستّون صنماً بعضها مشدود ببعض بالرصاص، فأنفذ أبو سفيان من ليلة مناة إلى الحبشة، ومنها إلى الهند فهيّؤوا لها داراً من مغناطيس، فتعلّقت في الهواء إلى أيّام محمود بن سبكتكين، فلمّا غزاها أخذها وكسرها، ونقلها إلى اصفهان وجعلت تحت مارّة الطريق(4).
وفي الكامل الجزري في فتح مكّة: وكان على الكعبة ثلاثمائة وستّون صنماً، وكان بيد النبيّ صلى الله عليه وآله قضيب، فكان يشير به إلى الأصنام وهو يقرأ... «جَاءَ الْحَقُّ
ص: 62
وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً»(1)، فلا يشير إلى صنم منها إلّا سقط لوجهه(2).
وعن أبي مريم قال: قال عليّ عليه السلام: انطلق بي النبيّ صلى الله عليه وآله إلى الأصنام، فقال: اجلس، فجلست إلى جنب الكعبة، ثمّ صعد النبيّ صلى الله عليه وآله على منكبي، ثمّ قال: انهض بي إلى الصنم، فنهضت به، فلمّا رأى ضعفي تحته، قال: اجلس، فجلست وأنزلته عنّي، وجلس لي النبيّ صلى الله عليه وآله، ثمّ قال لي: يا علي اصعد إلى منكبي، فصعدت على منكبيه، ثمّ نهض بي النبيّ صلى الله عليه وآله، فلمّا نهض بي خيّل لي أنّي لو شئت نلت السماء، وصعدت على الكعبة، وتنحّي النبيّ صلى الله عليه وآله فألقيت صنمهم الأكبر صنم قريش، وكان من نحاس موتّدا بأوتاد من حديد إلى الأرض، فقال لي النبيّ صلى الله عليه وآله: عالجه، فعالجته، فما زلت أعالجه والنبيّ صلى الله عليه وآله يقول: إيه إيه إيه، فلم أزل أعالجه حتّى استمكنت منه، فقال: «دقه» فدققته، وكسرته ونزلت(3).
ولمّا أراد النبيّ صلى الله عليه وآله السير إلى الطائف بعث الطفيل بن عمرو إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة الدوسي يهدمه، وأمره أن يستمدّ قومه ويوافيه بالطائف، فخرج سريعاً إلى قومه فهدم ذا الكفين، وجعل يحش النار في وجهه ويحرقه ويقول:
يا ذا الكفّين لست من عبّادكا * ميلادنا أقدم من ميلادكا
إنّي حششت النار في فؤادكا(4)
ولمّا وفد خولان على النبيّ صلى الله عليه وآله وأسلموا قال لهم: ما فعل عمّ أنس - صنم لهم -
ص: 63
قالوا: بشرّ وعرّ، أبدلنا اللَّه به ما جئت به، ولو قد رجعنا إليه هدمناه، فلمّا رجعوا فلم يحلّوا عقدة حتّى هدموه(1).
ومن سرايا النبيّ صلى الله عليه وآله سريّة خالد بن الوليد بعد فتح مكّة لهدم العزّى ببطن نخلة، وسريّة عمرو بن العاص لهدم سواع برهاط من بلاد هذيل في شهر رمضان سنة ثمان(2).
ومن سرايا النبيّ صلى الله عليه وآله سريّة عليّ عليه السلام لهدم الفلس صنم طيّ، وكان مقلّداً بسيفين أهداهما إليه الحارث بن أبي شمر، وهما مخذم ورسوب، وفيهما يقول علقمة:
مظاهر سربالي حديد عليهما * عقيلا سيوف مخذم ورسوب
فأتى بهما النبيّ صلى الله عليه وآله(3).
وأنّ جذيمة الأبرش اتّخذ صنمين يقال لهما: الضيزنان، ومكانهما بالحيرة معروف، وكان يستسقي بهما، ويستنصر بهما على العدو، فغزا أيادا، فبعثوا قوما، فسقوا سدنة الصنمين الخمر وسرقوهما، فبعثوا إلى جذيمة: إنّ صنميك أصبحا فينا، زهدا فيك ورغبة فينا، فإن أوثقت لنا أن لا تغزونا رددناهما إليك(4).
ورووا عن هشام الكلبي في قصّة أساف ونافلة: أنّ أسافاً كان رجلاً من جرهم يقال له: أساف بن يعلي، وأنّ نائلة كانت بنت زيد من جرهم، وكان يتعشّقها بأرض اليمن، فأقبلا حاجّين فدخلا الكعبة، فوجدا غفلة من الناس وخلوة في البيت، ففجر بها في البيت فمسخا، فأصبحوا فوجدوهما مسخين فوضعا عند
ص: 64
الكعبة ليتّعظ بهما الناس، فلمّا طال مكثهما وعبدت الأصنام عبدا معها فكانوا ينحرون ويذبحون عندهما إلى أن كسرهما النبيّ صلى الله عليه وآله يوم الفتح في ما كسر من الأصنام(1) ولكن في خبر مسعدة أنّهما كانا شابّين صبيحين، وكان بأحدهما تأنيث، وكانا يطوفان بالبيت فصادفا من البيت خلوة، فأراد أحدهما صاحبه، ففعل، فمسخهما اللَّه تعالى، فقالت قريش: لو لا أنّ اللَّه رضي أن يعبد هذان معه ما حوّلهما عن حالهما(2).
«والآثام بكم معصوبة» أي: مشدودة، يقال: عصب رأسه بعصابة. كانوا يزنون، ويشربون، ويسرقون، ويقامرون، قال ابن قتيبة: إنّه لمّا رحل الأعشى - وهو ابن قيس قتيل الجوع - إلى النبيّ صلى الله عليه وآله في صلح الحديبيّة، فسأله أبو سفيان عن وجهه الّذي يريد، فقال: أردت محمّداً. قال: إنّه يحرم عليكم الخمر، والزنا، والقمار. قال: أمّا الزنا فقد تركني ولم أتركه، وأمّا الخمر فقد قضيت منها وطرا، وأمّا القمار فلعلّي أصيب منه عوضا(3).
وقالوا: ان عمرو بن كلثوم، وزهير بن جناب، وعامر ملاعب الأسنّة ممّن غضبوا فشربوا خمرهم صرفاً حتّى ماتوا(4).
وقيل لحنظلة بن الشرقي: ما أدنى آثامك ليلة الدير قال: نزلت بديرانية، فأكلت
ص: 65
عندها طفشليا - أي: مرقا - بلحم خنزير، وشربت من خمرها، وزنيت بها، وسرقت كأسها ومضيت(1).
وجعل عمرو بن لحي الخزاعي فتح باب الكعبة وغلفه إلى أبي غبشان الخزاعي، فباعه أبو غبشان من قصيّ ببعير وزقّ خمر، فقال شاعر:
إذا افتخرت خزاعة في قديم * وجدنا فخرها شرب الخمور
وباعت كعبة الرحمن جهراً * بزقّ بئس مفتخر الفخور(2)
وقالوا: كان سبب الفجار الثاني من الفجار الأربعة أنّ فتية من قريش قعدوا إلى امرأة من بني عامر بن صعصعة بسوق عكاظ، وعليها برقع، وهي في درع فضل، فأعجبهم ما رأوا من هيئتها، فسألوها أن تسفر عن وجهها، فأبت عليهم، فأتى أحدهم من خلفها، فشدّ ذيلها بشوكة إلى ظهرها، وهي لا تدري، فلمّا قامت تقلص الدرع عن دبرها، فضحكوا وقالوا: منعتنا النظر إلى وجهها، فقد رأينا دبرها. فنادت المرأة يا آل عامر فتثاور الناس، ووقع يوم الفجار الثاني(3).
وقصة ذات النحيين التي يضرب بها المثل، ويقال: اشغل من ذات النحيين ، معروفة كانت امرأة من تيم اللَّه بن ثعلبة تبيع السمن، فأتاها خوّات بن جبير الانصاري ليتباع منها سمنا، فلم ير عندها احداً فطمع فيها وساومها، فحلت نحيا فنظر إليه ثم قال: امسكيه حتى انظر إلى غيره فامسكته وقال: حلّي نحيا آخر، ففعلت ونظر إليه فقال: اريد غير هذا، امسكيه شرد بعيري. ففعلت، فلمّا شغلت
ص: 66
يديها ساورها، فلم تقدر على دفعه حتى قضى ما أراد وهرب فقال:
شغلت يديها اذا اردت خلاطها * بنحيين من سمن ذوي عجرات
فأخرجته ريّان ينطف رأسه * من الرامل المذموم بالمقرات
ثمّ أسلم وشهد بدراً، فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله: كيف شراؤك يا خوّات وتبسّم. فقال: رزق اللَّه خيرا، وأعوذ باللَّه من الحور بعد الكور.
وفي رواية قال له النبيّ صلى الله عليه وآله: ما فعل بعيرك أشرد عليك فقال: أمّا منذ عقله الإسلام فلا(1).
وخوّات هذا هو الذي شهد حفر الخندق، وكان في ذاك الوقت لم يحلّ الإفطار في ليالي شهر رمضان بعد صلاة العشاء والنوم فنام ليلة ولم يفطر، فانتبه وقد حرّم عليه الأكل، ولمّا أصبح وحفر غشي عليه، فرقّ له النبيّ صلى الله عليه وآله، وأنزل تعالى به: «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ»(2).(3)
ولألفهم واعتيادهم بالآثام سألت هذيل النبيّ صلى الله عليه وآله أن يحلّ لهم الزنا، فقال حسّان:
سألت هذيل رسول اللَّه فاحشة * ضلّت هذيل بما سألت ولم تصب(4)
وسألت بنو عمرو بن عمير من ثقيف وبنو المغيرة من مخزوم النبيّ صلى الله عليه وآله أن يحلّ لهم الربا، فنزلت كما في (أسباب نزول الواحدي) آية «وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ
ص: 67
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ»(1).(2)
وعن الباقرعليه السلام: إنّ ناساً أتوا النبيّ صلى الله عليه وآله بعد ما أسلموا، فقالوا: يا رسول اللَّه أيؤخذ الرجل منّا بما كان عمل في الجاهليّة بعد إسلامه؟ فقال لهم النبيّ صلى الله عليه وآله: من حسن اسلامه وصحّ يقين إيمانه لم يأخذه اللَّه تعالى بما عمل في الجاهليّة، ومن سخف إسلامه، ولم يصحّ يقين إيمانه أخذه اللَّه تعالى بالأوّل والآخر(3).
قال المحقّق التستري رحمه الله: ومصداق الأوّل خوّات المتقدّم صاحب ذات النحيين، ومصداق الثاني المغيرة بن شعبة، غدر في جاهليّته بجمع فقتلهم وأخذ أموالهم، وصار في إسلامه سبباً لتصدي الرجلين الأجنبيين لخلافة النبيّ صلى الله عليه وآله، وصار سبباً لاستلحاق معاوية زياداً به، واستخلافه ابنه السكّير القمّير، كما أنّ جمعاً أسلموا لو كانوا بقوا على شركهم كانوا أهون عذاباً، وهم الذين عملوا مع أهل بيت نبيّهم ما عملوا «وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً»(4).(5)
ومنها: فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي مُعِينٌ إِلّا أَهْلُ بَيْتِي فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَوْتِ وَأَغْضَيْتُ عَلَى الْقَذَى وَشَرِبْتُ عَلَى الشَّجَا وَصَبَرْتُ عَلَى أَخْذِ الْكَظَمِ وَعَلَى أَمَرَّ مِنْ طَعْمِ الْعَلْقَمِ
اختلفت الروايات في قصّة السقيفة فالذي تقوله الشيعة وقد قال قوم من
ص: 68
المحدّثين بعضه ورووا كثيراً منه أنّ عليّاًعليه السلام امتنع من البيعة حتّى أخرج كرها وأن الزبير بن العوام امتنع من البيعة وقال لا أبايع الّا عليّاًعليه السلام وكذلك أبو سفيان بن حرب وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس والعبّاس بن عبد المطلب وبنوه وأبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب وجميع بني هاشم وقالوا إنّ الزبير شهر سيفه فلما جاء عمر ومعه جماعة من الأنصار وغيرهم قال في جملة ما قال خذوا سيف هذا فاضربوا به الحجر ويقال إنه أخذ السيف من يد الزبير فضرب به حجرا فكسره وساقهم كلّهم بين يديه إلى أبي بكر فحملهم على بيعته ولم يتخلف إلّا عليّ عليه السلام وحده فإنّه اعتصم ببيت فاطمةعليها السلام فتحاموا إخراجه منه قسرا فقامت فاطمةعليها السلام إلى باب البيت فأسمعت من جاء يطلبه فتفرقوا وعلموا أنه بمفرده لا يضر شيئا فتركوه.
وقيل انّهم أخرجوه فيمن أخرج وحمل إلى أبي بكر فبايعه.
وقد روى أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري كثيراً من هذا(1).
فأمّا حديث التحريق وما جرى مجراه من الأُمور الفظيعة وقول من قال إنّهم أخذوا عليّاًعليه السلام يقاد بعمامته والناس حوله فأمر بعيد والشيعة تنفرد به على أن جماعة من أهل الحديث قد رووا نحوه وسنذكر ذلك.
وقال أبو جعفر إنّ الأنصار لمّا فاتها ما طلبت من الخلافة قالت أو قال بعضها لا نبايع إلّا عليّاً وذكر نحو هذا عليّ بن عبدالكريم المعروف بابن الأثير الموصلي في تاريخه(2).
ص: 69
فأمّا قوله لم يكن لي معين إلّا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت فقول ما زال عليّ عليه السلام يقوله ولقد قاله عقيب وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال لو وجدت أربعين ذوي عزم لقاتلت؛ ذكر ذلك نصر بن مزاحم في كتاب صفين وذكر كثير من أرباب السيرة.
وعن سلمان الفارسيّ، والمقداد، وأبي ذرّ، قالوا: إنّ رجلا فاخر علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: يا علي، فاخر أهل الشرق والغرب العرب والعجم فأنت أقربهم نسباً، وابن عم رسول اللَّه، وأكرمهم نفسا وأكرمهم (في البحار: أعلاهم) رفعة، وأكرمهم ولدا، وأكرمهم أخا، وأكرمهم عمّا، وأعظمهم حلما، واعظهم حكماً، وأقدمهم سلما، واكثرهم علماً، وأعظمهم غنى في نفسك ومالك وأنت أقرأهم لكتاب اللَّه عزّ وجلّ، وأعلاهم نسبا، وأشجعهم في لقاء الحرب قلبا، وأجودهم كفا، وأزهدهم في الدنيا، وأشهدهم جهادا، وأحسنهم خلقا، وأصدقهم لسانا، وأحبهم إلى اللَّه وليّاً (واليّ).
وستبقى بعدي ثلاثين سنة تعبد اللَّه وتصبر على ظلم قريش لك ثمّ تجاهدهم في سبيل اللَّه إذا وجدت أعوانا فتقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله، ثم تقتل شهيدا وتخضب لحيتك من دم رأسك، قاتلك يعدل عاقر ناقة صالح في البغضاء للَّه والبعد من اللَّه.
يا علي، إنّك بعدي مغلوب، فاصبر في الأذى في اللَّه، وفيّ محتسبا، أجرك غير ضائع، فجزاك اللَّه عن الإسلام خيراً بعدي(1).
ص: 70
وعن إسحاق بن موسى(1) عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن آبائه عليهم السلام قال:
خطب أميرالمؤمنين عليه السلام خطبة بالكوفة فلمّا كان في آخر كلامه قال: أَلا وَإِنِّي لَأَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ وَمَا زِلْتُ مَظْلُوماً مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، فَقَامَ أَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ لَعَنَهُ اللَّهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ لَمْ تَخْطُبْنَا خُطْبَةً مُنْذُ قَدِمْتَ الْعِرَاقَ إِلّا وَقُلْتَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ، فَمَا زِلْتُ مَظْلُوماً مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَلَمَّا وَلِيَ تَيْمٌ(2) وَعَدِيٌّ(3)، أَلّا ضَرَبْتَ بِسَيْفِكَ دُونَ ظُلامَتِكَ.
فَقَالَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ: يَا ابْنَ الْخَمَّارَةِ قَدْ قُلْتَ قَوْلاً فَاسْمَعْ منّي، وَاللَّهِ مَا مَنَعَنِي الجُبن ولا كراهِية الموت ولا مَنعني ذَلِكَ إِلّا عَهْدُ أَخِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، أَخْبَرَنِي وَقَالَ لِي: يَا أَبَا الْحَسَنِ إِنَّ الْأُمَّةَ سَتَغْدِرُ بِكَ وَتَنْقُضُ عَهْدِي، وَإِنَّكَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَعْهَدُ إِلَيَّ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ؟ فَقَالَ: إِنْ وَجَدْتَ أَعْوَاناً فَبَادِرْ إِلَيْهِمْ وَجَاهِدْهُمْ، وَإِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً فَكُفَّ يَدَكَ وَاحْقِنْ دَمَكَ حَتَّى تَلْحَقَ بِي مَظْلُوماً.
فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ اشْتَغَلْتُ بِدَفْنِهِ وَالْفَرَاغِ مِنْ شَأْنِهِ، ثُمَّ آلَيْتُ يَمِيناً(4) أَنِّي لا أَرْتَدِي إِلّا لِلصَّلاةِ حَتَّى أَجْمَعَ الْقُرْآنَ، فَفَعَلْتُ، ثُمَّ أَخَذْتُهُ
ص: 71
وَجِئْتُ بِهِ فَأَعرَضتهُ عَلَيْهِم قَالوا لا حاجَةَ لَنَا بِهِ ثمّ أَخَذتُ بِيَدِ فَاطِمَةَ وَابْنَيَّ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ثُمَّ دُرْتُ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ وَأَهْلِ السَّابِقَةِ فَنَاشَدْتُهُمْ حَقِّي وَدَعَوْتُهُمْ إِلَى نَصْرِي، فَمَا أَجَابَنِي مِنْهُمْ إِلّا أَرْبَعَةُ رَهْطٍ سَلْمَانُ وَعَمَّارٌ وَالْمِقْدَادُ وَأَبُو ذَرٍّ، وَذَهَبَ مَنْ كُنْتُ أَعْتَضِدُ بِهِمْ عَلَى دِينِ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، وَبَقِيتُ بَيْنَ خَفِيرَتَيْنِ قَرِيبَيِ الْعَهْدِ بِجَاهِلِيَّةٍ عَقِيلٍ وَالْعَبَّاسِ.
فَقَالَ لَهُ الْأَشْعَثُ: كَذَلِكَ كَانَ عُثْمَانُ لَمَّا لَمْ يَجِدْ أَعْوَاناً كَفَّ يَدَهُ حَتَّى قُتِلَ.
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ: يَا ابْنَ الْخَمَّارَةِ لَيْسَ كَمَا قِسْتَ، إِنَّ عُثْمَانَ لَمَّا جَلَسَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ، وَارْتَدَى بِغَيْرِ رِدَائِهِ، وَصَارَعَ الْحَقَّ فَصَرَعَهُ الْحَقُّ، وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ لَوْ وَجَدْتُ يَوْمَ بُويِعَ أَخُو تَيْمٍ أَرْبَعِينَ رَهْطاً لَجَاهَدْتُهُمْ فِي اللَّهِ إِلَى أَنْ أُبْلِيَ عُذْرِي.
ثُمَّ قَال: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الْأَشْعَثَ لا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَإِنَّهُ أَقَلُّ فِي دِينِ اللَّهِ مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ(1).(2)
وأمّا الذي يقوله جمهور المحدّثين وأعيانهم فانّه عليه السلام امتنع من البيعة ستّة أشهر ولزم بيته فلم يبايع حتّى ماتت فاطمةعليها السلام فلمّا ماتت بايع طوعاً.
وفي صحيحي مسلم والبخاري: كانت وجوه الناس إليه وفاطمة باقية بعد فلمّا ماتت فاطمةعليها السلام انصرفت وجوه الناس عنه وخرج من بيته فبايع أبا بكر وكانت مدة بقائها بعد أبيهاعليها السلام ستة أشهر(3).
ص: 72
وروى أحمد بن عبد العزيز قال: لما بويع لأبي بكر كان الزبير والمقداد يختلفان في جماعة من الناس إلى علي وهو في بيت فاطمة فيتشاورون ويتراجعون أمورهم فخرج عمر حتّى دخل على فاطمةعليها السلام وقال: يا بنت رسول اللَّه ما من أحد من الخلق أحب إلينا من أبيك وما من أحد أحب إلينا منك بعد أبيك وايم اللَّه ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بتحريق البيت عليهم فلما خرج عمر جاؤوها فقالت تعلمون أن عمر جاءني وحلف لي باللَّه إن عدتم ليحرقن عليكم البيت وايم اللَّه ليمضين لما حلف له فانصرفوا عنا راشدين فلم يرجعوا إلى بيتها وذهبوا فبايعوا لأبي بكر(1).
ومن كتاب معاوية المشهور إلى علي عليه السلام: وأعهدك أمس تحمل قعيدة بيتك ليلا على حمار ويداك في يدي ابنيك الحسن والحسين يوم بويع أبو بكر فلم تدع أحدا من أهل بدر والسوابق إلّا دعوتهم إلى نفسك ومشيت إليهم بامرأتك وأدليت إليهم بابنيك واستنصرتهم على صاحب رسول اللَّه فلم يجبك منهم إلّا أربعة أو خمسة ولعمري لو كنت محقّا لأجابوك ولكنّك ادّعيت باطلا وقلت ما لا يعرف ورمت ما لا يدرك ومهما نسيت فلا أنسى قولك لأبي سفيان لما حركك وهيجك لو وجدت أربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم فما يوم المسلمين منك بواحد(2).
روى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز عن حباب بن يزيد عن جرير بن المغيرة أن سلمان والزبير والأنصار كان هواهم أن يبايعوا علياعليه السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله فلما بويع أبو بكر قال سلمان أصبتم الخبرة وأخطأتم المعدن(3).
ص: 73
وعن حبيب بن أبي ثابت قال: قال سلمان يومئذ أصبتم ذا السن منكم وأخطأتم أهل بيت نبيكم لو جعلتموها فيهم ما اختلف عليكم اثنان ولأكلتموها رغدا(1).
وروي أيضا عن غسان بن عبد الحميد قال: لمّا أكثر في تخلف علي عليه السلام عن بيعة أبي بكر واشتد أبو بكر وعمر عليه في ذلك خرجت أم مسطح بن أثاثة فوقفت عند القبر وقالت:
كانت أمور وأبناء وهنبثة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها * واختل قومك فاشهدهم ولا تغب(2)
وروي أيضا منه عن أبي الأسود قال: غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغير مشورة وغضب علي عليه السلام والزبير فدخلا بيت فاطمةعليها السلام معهما السلاح فجاء عمر في عصابة منهم أسيد بن حضير وسلمة بن سلامة بن وقش وهما من بني عبد الأشهل فصاحت فاطمةعليها السلام وناشدتهم اللَّه فأخذوا سيفي علي والزبير فضربوا بهما الجدار حتّى كسروهما ثم أخرجهما عمر يسوقهما حتّى بايعا ثم قام أبو بكر فخطب الناس واعتذر إليهم وقال: إنّ بيعتي كانت فلتة وقى اللَّه شرّها وخشيت الفتنة وايم اللَّه ما حرصت عليها يوما قط ولقد قلّدت أمرا عظيما ما لي به طاقة ولا يدان ولوددت أن أقوى الناس عليه مكاني وجعل يعتذر إليهم فقبل المهاجرون عذره إلى آخر ما رواه(3).
ص: 74
وقد روي بإسناد آخر ذكره أن ثابت بن قيس بن شماس كان مع الجماعة الذين حضروا مع عمر في بيت فاطمةعليها السلام وثابت هذا أخو بني الحارث بن الخزرج(1).
وروي أيضاً أنّ محمّد بن مسلمة كان معهم وأنّ محمداً هو الذي كسر سيف الزبير(2).
وعن سلمة بن عبد الرحمن قال: لمّا جلس أبو بكر على المنبر كان علي عليه السلام والزبير وناس من بني هاشم في بيت فاطمة فجاء عمر إليهم فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقنّ البيت عليكم فخرج الزبير مصلتا سيفه فاعتنقه رجل من الأنصار وزياد بن لبيد فبدر السيف فصاح به أبو بكر وهو على المنبر اضرب به الحجر فدق به قال أبو عمرو بن حماس فلقد رأيت الحجر فيه تلك الضربة ويقال هذه ضربة سيف الزبير ثم قال أبو بكر: دعوهم فسيأتي اللَّه بهم قال: فخرجوا إليه بعد ذلك فبايعوه.
وقد روى الجوهري في رواية أخرى: أن سعد بن أبي وقاص كان معهم في بيت فاطمةعليها السلام والمقداد بن الأسود أيضا وأنهم اجتمعوا على أن يبايعوا علياعليه السلام فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت فخرج إليه الزبير بالسيف وخرجت فاطمةعليها السلام تبكي وتصيح فنهنهت من الناس وقالوا ليس عندنا معصية ولا خلاف في خير اجتمع عليه الناس وإنما اجتمعنا لنؤلف القرآن في مصحف واحد ثم با
ص: 75
يعوا أبا بكر فاستمر الأمر واطمأن الناس(1).
وقد روى الجوهري أيضاً عن داود بن المبارك قال: أتانا عبداللَّه بن موسى بن عبداللَّه بن حسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب ونحن راجعون من الحج في جماعة فسألناه عن مسائل وكنت أحد من سأله فسألته عن أبي بكر وعمر فقال: اجيبك بما أجاب به جدّي عبداللَّه بن الحسن بن الحسن فانّه سئل عنهما فقال: كانت أمنا فاطمة عليها السلام صدّيقة ابنة نبي مرسل فماتت وهي غضباء على قوم فنحن غضاب لغضبها(2).
وروى أيضاً باسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السلام، عن ابن عبّاس قال: قَالَ لِي عُمَرُ: أَمَا وَاللَّهِ إِنْ كَانَ صَاحِبُكَ أَوْلَى النَّاسِ بِالْأَمْرِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِلّا أَنَّا خِفْنَاهُ عَلَى اثْنَتَيْنِ، قُلْتُ: مَا هُمَا؟ قَالَ: خَشِينَاهُ عَلَى حَدَاثَةِ سِنِّهِ وَحُبِّهِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ(3).
وعن الشعبي قال: سأل أبو بكر فقال: أين الزبير؟ فقيل عند علي وقد تقلد سيفه فقال: قم يا عمر، قم يا خالد بن الوليد انطلقا حتّى تأتياني بهما، فانطلقا فدخل عمر وقام خالد على باب البيت من خارج فقال عمر للزبير: ما هذا السيف؟ فقال: نبايع عليّا فاخترطه عمر فضرب به حجرا فكسره ثم أخذ بيد الزبير فأقامه ثم دفعه وقال: يا خالد دونكه فأمسكه ثم قال لعليّ: قم فبايع لأبي بكر فتلكأ واحتبس فأخذ بيده وقال: قم فأبى أن يقوم فحمله ودفعه كما دفع الزبير فأخرجه ورأت فاطمة ما صنع بهما فقامت على باب الحجرة وقالت: يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول اللَّه واللَّه لا أكلم عمر حتّى ألقى اللَّه إلى آخر ما رواه(4).
ص: 76
ومنها: وَلَمْ يُبَايِعْ حَتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَهُ عَلَى الْبَيْعَةِ ثَمَناً فَلا ظَفِرَتْ يَدُ الْبَائِعِ وَخَزِيَتْ أَمَانَةُ الْمُبْتَاعِ فَخُذُوا لِلْحَرْبِ أُهْبَتَهَا وَأَعِدُّوا لَهَا عُدَّتَهَا فَقَدْ شَبَّ لَظَاهَا وَعَلا سَنَاهَا وَاسْتَشْعِرُوا
اعلم أنّ هذا الفصل من كلامه بيان لحال عمرو بن العاص مع معاوية (و) يقول إنّ عمرواً (لم يبايع) لمعاوية (حتّى شرط أن يؤتيه) معاوية (على البيعة) مصر طعمة و(ثمناً فلا ظفرت) ولا فازت (يد البايع) وهو عمرو في بيعته بالثمن أو بما يأمله (وخزيت أمانة المبتاع) وهو معاوية وقال الشارح المعتزلي: البايع معاوية والمبتاع هو عمرو، ولعلّه نظر إلى أن معاوية باع مصر له ببيعته ولكنّه خلاف ظاهر الكلام حيث إنّه عليه السلام جعل البيعة مثمناً فيكون مصر ثمناً فالأظهر ما ذكرناه.
اعلم أنّ كيفيّة تلك المبايعة على ما رواه المحدّث العلّامة المجلسي والشارح المعتزلي جميعاً من كتاب الصفين لنصر بن مزاحم مع إسقاط الزوايد منّا هو أنّه عليه السلام حين قدم الكوفة بعد فراغه من قتال الناكثين كتب إلى معاوية كتاباً على ما يأتي ذكره في الكتاب في باب المختار من كتبه إن شاء اللَّه يدعوه فيه إلى البيعة وأرسل جرير بن عبداللَّه البجلي رسولاً إليه مع كتابه فقدم عليه به الشام فقرأه واغتم بما فيه وذهبت به أفكاره كل مذهب وطاول جريراً بالجواب عن الكتاب حتّى كلم قوماً من أهل الشام في الطلب بدم عثمان فأجابوه وبايعوه على ذلك وأوثقوا له على أن يبذلوا أنفسهم وأموالهم أو يدركوا ثاره أو يفنى اللَّه أرواحهم.
فلمّا أمسى معاوية اغتمّ بما هو فيه واستحثه جرير بالبيعة فقال: يا جرير إنها ليست بخلسة وإنّه أمر له ما بعده فابلغني ريقي حتّى أنظر، ودعا ثقاته فقال له أخوه عتبة بن أبي سفيان: استغن بعمرو بن العاص فانّه من قد علمت في دهائه
ص: 77
ورأيه وقد اعتزل أمر عثمان في حياته وهو لامرك أشدّ اعتزالاً إلّا أن يثمن له دينه فسيبيعك فانّه صاحب دنيا(1).
روى أنّ معاوية ذات يوم جمع أهله وعشيرته وأظهر له مكنون خاطره وانّه بصدد تحصيل الخلافة والحكومة بأيّ وجه اتّفق واستشارهم في ذلك الأمر، فقال له عتبة ابن أبي سفيان نعم المقصد مقصدك إلّا انّه لا يتمّ إلّا باستعانتك من عمرو بن العاص واستمدادك من مكره وحيلته فانّه من فرسان هذا الأمر ولا يدانيه فيه أحد من العرب.
فقال لأخيه: نعم الرأي رأيك إلّا انّ عمروا هواه مع عليّ وأنا أخاف ان دعوته إلى نفسي لا يوافقني عليه.
قال له أخوه حنظلة: انّ عمرواً لم يكن من أبناء الدّين ولكنّه من أبناء الدّنيا وانّه من الّذين يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة فاجبه بكلّ ما يرتضيه من الدرهم والدينار والمقام وغيرها.
فكتب معاوية إليه وهو في فلسطين لأنّه سار عن المدينة قبل أن يقتل عثمان نحوه وسبب ذلك على ما في الكامل انّه لمّا احيط بعثمان خرج عنها وسار معه ابناه عبداللَّه ومحمّد فسكن فلسطين فمرّ به راكب من المدينة فقال عمرو ما اسمك؟ قال: حصيرة. قال عمرو: حصر الرجل. وما الخبر؟ قال: تركت عثمان محصوراً.
ثمّ مرّ به راكب آخر بعد أيّام فقال له عمرو ما اسمك؟ قال: قتال. قال: قتل الرجل فما الخبر؟ قال: قتل عثمان.
ص: 78
ثمّ مرّ به راكب آخر بعد أيّام، فقال له عمر ما اسمك؟ قال: حرب، قال عمرو: ليكون حرب وقال له: ما الخبر؟ قال: بايع الناس عليّاً، فقال: فسلم ابن زنباع يا معشر العرب كان بينكم وبين العرب باب فكسر فاتّخذوا باباً غيره فقال عمرو: ذلك الّذي نريده انتهى(1).
فلمّا وصل إليه الكتاب وهو هذا: من معاوية بن أبي سفيان خليفة عثمان بن عفان إمام المسلمين وخليفة رسول رب العالمين ذي النورين ختن المصطفى على ابنتيه وصاحب جيش المعسرة وبئر رومة المعدوم الناصر الكثير الخاذل المحصور في منزله المقتول عطشا وظلما في محرابه المعذب بأسياف الفسقة إلى عمرو بن العاص صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وثقته وأمير عسكره بذات السلاسل المعظم رأيه المفخم تدبيره.
أمّا بعد فلن يخفى عليك احتراق قلوب المؤمنين وفجعتهم بقتل عثمان وما ارتكبه جاره بغيا وحسدا وامتناعه عن نصرته وخذلانه إياه حتّى قتل في محرابه فيا لها مصيبة عمت الناس وفرضت عليهم طلب دمه من قتله [قتلته] وأنا أدعوك إلى الحظ الأجزل من الثواب والنصيب الأوفر من حسن المآب بقتال من آوى قتلة عثمان.
فكتب إليه عمروبن العاص من عمرو بن العاص صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فقد وصل كتابك فقرأته وفهمته فأمّا ما دعوتني إليه من خلع ربقة الإسلام من عنقي والتهور في الضلالة معك وإعانتي إياك على
ص: 79
الباطل واختراط السيف في وجه علي بن أبي طالب عليه السلام وهو أخو رسول اللَّه ووصيه ووارثه وقاضي دينه ومنجز وعده وزوج ابنته سيدة نساء أهل الجنة وأبو السبطين سيدي شباب أهل الجنة وأما قولك إنك خليفة عثمان فقد صدقت ولكن تبين اليوم عزلك من خلافته وقد بويع لغيره فزالت خلافتك وأما ما عظمتني به ونسبتني إليه من صحبة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وأنّي صاحب جيشه فلا أغتر بالتزكية ولا أميل بها عن الملّة.
وأما ما نسبت أبا الحسن أخا رسول اللَّه ووصيه إلى البغي والحسد لعثمان وسمّيت الصحابة فسقة وزعمت أنّه أشلاهم على قتله فهذا كذب وغواية ويحك يا معاوية أما علمت أنّ أبا الحسن بذل نفسه بين يدي رسول اللَّه وبات على فراشه وهو صاحب السبق إلى الإسلام والهجرة وقال فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: هو مني وأنا منه وهو مني بمنزلة هارون من موسى الّا أنه لا نبي بعدي.
وقال فيه يوم الغدير: من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.
وقال فيه يوم حنين [خيبر]: لأعطين الراية غدا رجلا يحب اللَّه ورسوله ويحبه اللَّه ورسوله.
وقال فيه يوم الطير: اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك فلمّا دخل قال وإلي وإلي.
وقال فيه يوم النضير: عليّ إمام البررة وقاتل الفجرة منصور من نصره مخذول من خذله.
وقال فيه: علي وليكم بعدي.
وأكّد القول عَلَيّ وعليك وعلى جميع المسلمين.
ص: 80
وقال: إنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي.
وقال: أنا مدينة العلم وعلي بابها.
وقد علمت يا معاوية ما أنزل اللَّه من الآيات المتلوات في فضائله التي لا يشركه فيها أحد كقوله تعالى: «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً»(1) «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(2) «أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ»(3) «رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ»(4) «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى»(5).
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أما ترضى أن يكون سلمك سلمي وحربك حربي وتكون أخي وولييّ في الدنيا والآخرة يا أبا الحسن من أحبّك فقد أحبّني ومن أبغضك فقد أبغضني ومن أحبّك أدخله اللَّه الجنة ومن أبغضك أدخله اللَّه النار.
وكتابك يا معاوية الذي هذا جوابه ليس ممّا ينخدع به من له عقل ودين والسلام(6).
ثمّ انّ معاوية كتب إليه كتاباً آخر وهو:
أمّا بعد فإنّه كان من أمر عليّ وطلحة والزبير ما قد بلغك وقد سقط إلينا مروان
ص: 81
بن الحكم في نفر من أهل البصرة وقدم علينا جرير بن عبداللَّه في بيعة عليّ وقد حبست نفسي عليك حتّى تأتيني فأقبل أذاكرك أُمورا لا تعدم صلاح مغبتها إن شاء اللَّه.
فلما قدم الكتاب على عمرو استشار ابنيه عبداللَّه ومحمّداً فقال: ما تريان؟ فقال عبداللَّه: أرى أن نبيّ اللَّه قبض وهو عنك راض والخليفتان من بعده، وقتل عثمان وأنت عنه غائب فقر في منزلك فلست مجعولا خليفة ولا تزيد (تريد) على أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة أوشكتما أن تهلكا فتستويا (فتسويا خ ل) في عقابها وقال محمد: أرى أنّك شيخ قريش وصاحب أمرها وأن تصرم هذا الأمر وأنت فيه غافل تصاغر أمرك فالحق بجماعة أهل الشام وكن يدا من أيديها طالبا بدم عثمان فإنه سيقوم بذلك بنو أمية.
فقال عمرو: أما أنت يا عبداللَّه فأمرتني بما هو خير لي في ديني، وأنت يا محمد فأمرتني بما هو خير لي في دنياي وأنا ناظر فيه فلمّا جَنّه الليل رفع صوته ينشد أبياتاً في ذلك ردّدها فقال عبداللَّه: ترحل الشيخ.
ودعا عمرو غلاما له يقال له وردان وكان داهيا ماردا فقال: أرحل يا وردان، ثم قال: احطط يا وردان ثم قال: ارحل يا وردان احطط يا وردان فقال له وردان: خلطت أبا عبداللَّه أما إنك إن شئت أنبأتك بما نفسك قال: هات ويحك قال:
اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك فقلت: علي معه الآخرة في غير دنيا وفي الآخرة عوض من الدنيا، ومعاوية معه الدنيا بغير آخرة وليس في الدنيا عوض من الآخرة فأنت واقف بينهما قال: فإنّك واللَّه ما أخطأت فما ترى يا وردان؟ قال أرى أن تقيم في بيتك فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم، وإن ظهر أهل الدنيا لم
ص: 82
يستغنوا عنك قال الآن لما شهدت (شهرت خ ل) العرب مسيري إلى معاوية. فارتحل وهو يقول:
يا قاتل اللَّه وردانا وقدحته * أبدى لعمرك ما في النفس وردان
لما تعرضت الدنيا عرضت لها * بحرص نفسي وفي الأطباع إدهان
نفس تعف وأخرى الحرص يغلبها * والمرء يأكل تبنا وهو غرثان
أما علي فدين ليس يشركه * دنيا وذاك له دنيا وسلطان
فاخترت من طمعي دنيا على بصر * وما معي بالذي أختار برهان
وسار حتّى قدم إلى معاوية وعرف حاجة معاوية إليه فباعده من نفسه وكايد كلّ واحد منهما صاحبه فقال له معاوية يوم دخل عليه: أبا عبداللَّه طرقتنا في ليلتنا هذه ثلاثة أخبار ليس منها ورد ولا صدر قال: وما ذاك؟ قال: منها أن محمد بن أبي حذيفة قد كسر سجن مصر فخرج هو وأصحابه وهو من آفات هذا الدين، ومنها أن قيصر زحف بجماعة الروم إلي ليغلب على الشام، ومنها أن عليا نزل الكوفة متهيئا للمسير إلينا.
فقال عمرو: كلّ ما ذكرت عظيما أما ابن أبي حذيفة فما يتعاظمك من رجل خرج في أشباهه أن تبعث إليه خيلا تقتله أو تأتيك به وإن فاتك لا يضرك وأما قيصر فاهد له الوصايف وآنية الذهب والفضة وسله الموادعة فإنّه إليها سريع، وأمّا علي فلا واللَّه يا معاوية ما تسوي العرب بينك وبينه في شي ء من الأشياء وإن له في الحرب لحظا ما هو لأحد من قريش وإنه لصاحب ما هو فيه إلّا أن تظلمه.
وروى عمر بن سعد بإسناده قال معاوية لعمرو: يا أبا عبداللَّه إنّي أدعوك إلى جهاد هذا الرجل الذي عصى ربه وشقّ عصا المسلمين وقتل الخليفة وأظهر الفتنة
ص: 83
وفرق الجماعة وقطع الرحم، قال عمرو: إلى جهاد من؟ قال: علي قال عمرو: واللَّه يا معاوية ما أنت وعلي بعكمي بعير(1) ما لك هجرته ولا سابقته ولا صحبته ولا جهاده ولا فقهه ولا علمه وواللَّه إن له مع ذلك جدا وجدودا وحظا وحظوة وبلاء من اللَّه حسنا فما تجعل لي إن شايعتك على حربه وأنت تعلم ما فيه من الغرر والخطر قال: حكمك قال: مصر طعمة قال: فتلكأ(2) عليه معاوية.
قال: إني أكره أن يتحدّث العرب عنك أنك إنّما دخلت في هذا الأمر لغرض الدنيا.
قال: دعني عنك قال معاوية: إنّي لو شئت أن أخدعك لفعلت.
قال: مثلي يخدع؟ قال له: ادن منّي أسارّك. فدنا منه عمرو ليسارّه، فعض معاوية أذنه، وقال: هذه خدعة، هل ترى في بيتك أحدا غيري وغيرك فأنشأ عمرو يقول:
معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل * بذلك دنيا فانظرن كيف تصنع
فإن تعطني مصرا فأربح بصفقة * أخذت بها شيخا يضر وينفع
وما الدين والدنيا سواء وإنني * لآخذ ما تعطي ورأسي مقنع
ولكنّني أغضي الجفون وإنني * لأخدع نفسي والمخادع يخدع
وأعطيك أمرا فيه للملك قوة * وإني به إن زلت النعل أصرع
وتمنعني مصرا وليست برغبة * وإني بذا الممنوع قدما لمولع
ص: 84
قال له معاوية: ألم تعلم أنّ مصرا مثل العراق قال: بلى ولكنّها إنّما تكون لي إذا كانت لك وإنما تكون لك إذا غلبت عليا على العراق.
قال: فدخل عتبة بن أبي سفيان فقال: أما ترضى أن تشتري عمروا بمصر إن هي صفت لك فليتك لا تغلب على الشام فقال معاوية: يا عتبة بت عندنا الليلة.
قال: فلمّا جنّ الليل على عتبة رفع صوته يسمع معاوية بأبيات يحثّه فيها على ارضاء عمرو فلمّا سمع معاوية ذلك أرسل إلى عمرو وأعطاها إيّاه، فقال عمرو: ولي اللَّه عليك بذلك شاهد؟ قال: نعم لك اللَّه عَلَيّ بذلك إن فتح اللَّه واعطاها ايّاه علينا الكوفة.
فقال عمرو: «واللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ».
فخرج عمرو من عنده فقال له ابناه: ما صنعت؟ قال أعطانا مصر طعمة قالا: وما مصر في ملك العرب قال: لا أشبع اللَّه بطونكما إن لم تشبعكما مصر قال فأعطاها إيّاه(1).
وكتب له معاوية بمصر كتاباً وكتب على أن لا ينقض شرط طاعته فكتب عمرو أن لا ينقض طاعته شرطاً وكايد كل منهما صاحبه.
وكان مع عمرو ابن عم له فتى شاب وكان داهيا فلمّا جاء عمرو بالكتاب مسرورا عجب الفتى وقال: ألا تخبرني يا عمرو بأيّ رأي تعيش في قريش أعطيت دينك ومنيت دنيا غيرك أترى أهل مصر وهم قتلة عثمان يدفعونها إلى معاوية وعلي حي؟ وأتراها إن صارت لمعاوية لا يأخذها بالحرف الذي قدمه في
ص: 85
الكتاب؟ فقال عمرو: يا ابن الأخ إن الأمر للَّه دون علي ومعاوية وأنشد الفتى في ذلك شعرا فقال له عمرو: يابن عم لو كنت مع علي وسعني بيتي ولكني الآن مع معاوية فقال له الفتى: إنّك إن لم ترد معاوية لم يردك ولكنّك تريد دنياه ويريد دينك.
وبلغ معاوية قول الفتى فطلبه فهرب ولحق بعلي فحدّثه بأمر عمرو ومعاوية قال: فسرّ ذلك عليّا وقرّبه قال: وغضب مروان وقال: ما بالي لا أشتري كما اشترى عمرو فقال له معاوية: إنما نبتاع الرجال لك(1)
فلمّا بلغ عليّاً ما صنعه معاوية وعمرو قال:
يا عجبا لقد سمعت منكرا * كذبا على اللَّه يشيب الشعرا
يسترق السمع ويغشى البصرا * ما كان يرضى أحمد لو خبرا
أن يقرنوا وصيه والأبترا(2) * شاني الرسول واللعين الأخزرا
كلاهما في جنده قد عسكرا * قد باع هذا دينه فأفجرا(3)
من ذا بدنيا بيعه قد خسرا * بملك مصر إن أصاب الظفرا(4)
فلما كتب الكتاب قال معاوية لعمرو: ما ترى؟ قال: أمض الرأي الأول فبعث مالك بن هبيرة الكندي في طلب محمّد بن أبي حذيفة فأدركه فقتله، وبعث إلى قيصر بالهدايا فوادعه، ثم قال: ما ترى في علي؟ قال: إنه قد أتاك في طلب البيعة
ص: 86
خير أهل العراق ومن عند خير الناس في أنفس الناس ودعواك أهل الشام إلى رد هذه البيعة خطر شديد، ورأس أهل الشام شرحبيل بن السمط الكندي وهو عدو لجرير المرسل إليك فابعث إليه ووطن له ثقاتك فليفشوا في الناس أن عليّاً قتل عثمان وليكونوا أهل رضا عند شرحبيل فإنها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحب وإن تعلّقت بقلب شرحبيل لم تخرج منه بشي ء أبدا.
فكتب إلى شرحبيل أن جرير بن عبداللَّه قدم علينا من عند عليّ بن أبي طالب بأمر مفظع فاقدم.
ودعا معاوية يزيد بن أسد وبسر بن أرطاة وعمرو بن سفيان ومخارق بن الحارث الزبيدي وحمزة بن مالك وحابس بن سعد الطائي وهؤلاء رؤوس قحطان واليمن وكانوا ثقات معاوية وخاصته وبني عم شرحبيل بن السمط فأمرهم أن يلقوه ويخبروه أن عليا قتل عثمان.
فلمّا قدم كتاب معاوية على شرحبيل وهو بحمص استشار أهل اليمن فاختلفوا عليه، فقام إليه عبد الرحمن بن غنم الأزدي وهو صاحب معاذ بن جبل وختنه وكان أفقه أهل الشام، فنهاه عن المسير إلى معاوية ووعظه ونهاه أيضاً عياض اليماني وكان ناسكاً فأبى شرحبيل إلّا أن يسير إلى معاوية فلمّا قدم تلقاه الناس فأعظموه ودخل على معاوية.
فقال له معاوية: يا شرحبيل ان جرير بن عبداللَّه يدعونا إلى بيعة عليّ وعليّ خير الناس لو لا أنّه قتل عثمان وحبست نفسي عليك وإنّما أنا رجل من أهل الشام أرضى ما رضوا وأكره ما كرهوا فقال شرحبيل: أخرج وانظر، فلقاه هؤلاء النفر الموطئون له فكلّهم أخبره أنّ عليّاً قتل عثمان، فرجع مغضبا إلى معاوية فقال:
ص: 87
يا معاوية أبى الناس إلّا أن عليّاً قتل عثمان، واللَّه إن بايعت له لنخرجنك من شامنا أو لنقتلنك.
فقال معاوية ما كنت لأخالف عليكم ما أنا إلّا رجل من أهل الشام.
قال: فَردّ هذا الرجل إلى صاحبه إذن فعرف معاوية أن شرحبيل قد نفذت بصيرته في حرب أهل العراق وأنّ الشام كله مع شرحبيل (وعند ذلك استعد للقتال) وكتب إلى علي عليه السلام ما ستعرفه إن شاء اللَّه(1).
وفيه: أنّ معاوية طلب من عمرو أن يسوي له صفوف أهل الشام، فقال له عمرو: على أنّ لي حكمي إن قتل عليّ بن أبي طالب، واستوسقت لك البلاد. فقال: أليس حكمك في مصر؟ قال: وهل مصر تكون عوضاً عن الجنّة؟ وقتل ابن أبي طالب ثمناً لعذاب النار الذي لا «لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ»(2) فقال له معاوية: إنّ لك حكمك إن قتل، رويدا لا يسمع أهل الشام كلامك(3).
وفيه: جاء رجل إلى عمّار فقال له: إنّ صلاتنا واحدة وكتابنا واحد ورسولنا واحد.
فقال له عمّار: هل تعرف الراية السوداء في مقابلتي إنّها راية عمرو بن العاص قاتلتها مع النبيّ صلى الله عليه وآله ثلاث مرّات، وهذه الرابعة، ما هي بخيرهن ولا أبرهن، بل شرّهن وأفجرهن(4).
ص: 88
أي: استعدادها، والأصل فيه قوله تعالى: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ»(1).
أي: اجعلوه شعاراً لكم كالثوب الملصق بالبدن فانّه
أي: الصبر.
«قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ للَّهِ ِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»(2).
عن أميرالمؤمنين عليه السلام: بشّر نفسك إذا صبرت بالنجح والظفر(3).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَقُومُ عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ فَيَأْتُونَ بَابَ الْجَنَّةِ فَيَضْرِبُونَهُ فَيُقَالُ لَهُمْ مَنْ أَنْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ نَحْنُ أَهْلُ الصَّبْرِ فَيُقَالُ لَهُمْ عَلَى مَا صَبَرْتُمْ فَيَقُولُونَ كُنَّا نَصْبِرُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَنَصْبِرُ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
ص: 89
صَدَقُوا أَدْخِلُوهُمُ الْجَنَّةَ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ»(1).(2)
روي أنّ الأشعث بن قيس دخل على أميرالمؤمنين عليه السلام بصفّين وهو قائم يصلّي ظهيرة فقال:
قلت: يا أميرالمؤمنين أدؤوب بالليل [و] دؤوب بالنهار؟ [قال:] فانسل من صلاته وهو يقول هذه الأبيات:
اصبر على تعب الإدلاج والسهر * وبالرواح على الحاجات والبكر(3)
إنّي وجدت وفي الأيّام تجربة * للصبر عاقبة محمودة الأثر
وقل من جد في أمر يطالبه * فاستصحب الصبر إلّا فاز بالظفر(4)
هذه المقطوعات الثلاث التي مرّ ذكرها وشرحها هي من خطبة مفصّلة نذكرها بتمامها، كما ذكرها العلّامة المجلسى وابن أبي الحديد:
أنّه دخل عمرو بن الحمق وحجر بن عدي وحبة العرني والحارث الأعور وعبد اللَّه بن سبإ على أميرالمؤمنين عليه السلام بعد ما افتتحت مصر، وهو مغموم حزين فقالوا له: بيّن لنا ما قولك في أبي بكر وعمر؟ فقال لهم: هل فرغتم لهذا وهذه مصر قد افتتحت وشيعتي بها قد قتلت، أنا مخرج إليكم كتابا أخبركم فيه عما سألتم، وأسألكم أن تحفظوا من حقّي ما ضيّعتم، فاقرؤوه على شيعتي، وكونوا على الحق
ص: 90
أعوانا، وهذه نسخة الكتاب: من عبداللَّه عليّ أميرالمؤمنين إلى من قرأ كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين:
السلام عليكم، فإنّي أحمد إليكم اللَّه الذي لا إله إلّا هو، أما بعد: فإنّ اللَّه بعث محمّدا نذيراً للعالمين وأمينا على التنزيل، وشهيدا على هذه الأمة، وأنتم معشر العرب يومئذ على شر دين، وفي شر دار، منيخون على حجارة خشن، وجنادل صم، وشوك مبثوث في البلاد، تشربون الماء الخبيث، وتأكلون الطعام الجشب، وتسفكون دماءكم، وتقتلون أولادكم، وتقطعون أرحامكم، وتأكلون أموالكم بينكم بالباطل، سبلكم خائفة، والأصنام فيكم منصوبة، والآثام بكم معصوبة، ولا يؤمن أكثرهم باللَّه إلّا وهم مشركون.
فمنّ اللَّه عزّوجل عليكم بمحمدصلى الله عليه وآله فبعثه إليكم رسولا من أنفسكم وقال فيما أنزل من كتابه: «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ»(1) وقال: «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ»(2) وقال: «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ»(3). وقال: «ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ»(4) فكان الرسول إليكم من أنفسكم بلسانكم فعلّمكم الكتاب والحكمة، والفرائض والسنّة، وأمركم بصلة أرحامكم، وحقن دمائكم، وصلاح ذات البين، وأن تؤدوا الأمانات إلى
ص: 91
أهلها وأن توفوا بالعهد، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وأمركم أن تعاطفوا، وتباروا وتباشروا وتباذلوا وتراحموا ونهاكم عن التناهب والتظالم والتحاسد والتباغي والتقاذف وعن شرب الخمر وبخس المكيال ونقص الميزان تقدم إليكم فيما تلى عليكم: ألا تزنوا ولا تربوا ولا تأكلوا أموال اليتامى ظلما وأن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ولا تعثوا في الأرض مفسدين، ولا تعتدوا إن اللَّه لا يحب المعتدين فكلّ خير يدني إلى الجنة ويباعد من النار أمركم به وكل شر يدني من النار ويباعد من الجنّة نهاكم عنه فلمّا استكمل مدّته من الدنيا توفّاه اللَّه سعيدا حميدا فيالها مصيبة خصت الأقربين، وعمّت جميع المسلمين، ما أصيبوا بمثلها، قبلها، ولن يعاينوا بعدها أختها فلمّا مضى لسبيله صلى الله عليه وآله تنازع المسلمون الأمر من بعده.
فو اللَّه ما كان يلقى في روعي ولا يخطر على بالي أن العرب تعدل هذا الأمر بعد محمّدصلى الله عليه وآله عن أهل بيته ولا أنهم ينحّوه عنّي من بعده فما راعني إلّا انثيال الناس على أبي بكر، وإجفالهم إليه ليبايعوه، فأمسكت يدي، ورأيت أني أحق بمقام محمّدصلى الله عليه وآله وملّة محمّد في الناس ممّن تولّى الأمر بعده، فلبثت بذاك ما شاء اللَّه حتّى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام تدعو إلى محق دين اللَّه وملّة محمّدصلى الله عليه وآله، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما وهدما تكون المصيبته بهما أعظم علي من فوات ولاية أموركم التي هي متاع أيام قلائل، ثم يزول كما يزول السراب، وكما ينقشع السحاب فتولّى أبو بكر تلك الأمور، وسدّد وبسّ، وقارب واقتصد، فصحبته مناصحا، وأطعته فيما أطاع اللَّه فيه جاهدا، وما طمعت أن لو حدث به حدث وأنا حي أن يرد إلي الأمر الذي بايعته فيه طمع
ص: 92
مستيقن، ولا يئست منه يأس من لا يرجوه، ولو لا خاصة ما كان بينه وبين عمر لظننت أن لا يدفعها عنّي، فلما احتضر بعث إلى عمر فولاه، فسمعنا وأطعنا، وناصحنا، وتولى عمر... فلمّا احتضر قلت في نفسي: لن يعتدّ لها عنّي، وليس يدافعها عنّي، فجعلني سادس ستة، فما كانوا لولاية أحد أشدّ كراهيّة منهم لولايتي عليهم، فكانوا يسمعوني عند وفاة الرسول أحاجّ أبا بكر وأقول: «يا معشر قريش: إنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم، أ ما كان فينا من يقرأ القرآن ويعرف السنة ويدين بدين الحق» فخشي القوم إن أنا ولّيت عليهم أن لا يكون لهم من الأمر نصيب ما بقوا فأجمعوا إجماعا واحدا فصرفوا الولاية إلى عثمان، وأخرجوني منها رجاء أن ينالوها ويتداولها، إذ يئسوا أن ينالوها من قبلي ثم قالوا: هلم فبايع، وإلّا جاهدناك. فبايعت مستكرها، وصبرت محتسبا فقال قائلهم: يا ابن أبي طالب إنّك على هذا الأمر لحريص. فقلت: أنتم أحرص منّي وأبعد، أأنا أحرص أنا الذي طلبت تراثي وحقّي الذي جعلني اللَّه ورسوله أولى به إذ تضربون وجهي دونه، وتحولون بيني وبينه فبهتوا واللَّه لا يهدي القوم الظالمين.
اللهمّ إنّي أستعديك على قريش، فإنّهم قطعوا رحمي وأصغوا إنائي، وصغّروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي حقّاً كنت أولى به منهم فسلبونيه ثمّ قالوا: ألا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تمنعه.
فاصبر كمدا، أو مت أسفا وحنقا فنظرت فإذا ليس معي رافد، ولا ذاب ولا ناصر ولا مساعد إلّا أهل بيتي فضننت بهم عن المنية، فأغضيت على القذى، وتجرعت ريقي من الشجى وصبرت من كظم الغيظ على أمرّ من العلقم والم للقلب من حز الشفار حتّى إذا نقمتم على عثمان، أتيتموه فقتلتموه، ثم جئتموني
ص: 93
لتبايعوني، فأبيت عليكم، وأمسكت يدي، فنازعتموني ودافعتموني، وبسطتم يدي فكففتها، ومددتم يدي فقبضتها، وازدحمتم عليّ حتّى ظننت أن بعضكم قاتل بعض أو أنكم قاتلي، فقلتم: بايعنا لا نجد غيرك ولا نرضى إلّا بك فبايعنا لا نفترق ولا تختلف كلمتنا فبايعتكم، ودعوت الناس إلى بيعتي فمن بايع طوعا قبلته منه ومن أبى لم أكرهه وتركته فبايعني فيمن بايعني طلحة والزبير ولو أبيا ما أكرهتهما كما لم أكره غيرهما فما لبثنا إلّا يسيرا حتّى بلغني أنّهما خرجا من مكّة متوجهّين إلى البصرة في جيش ما منهم رجل إلّا قد أعطاني الطاعة وسمح لي بالبيعة. فقدما على عاملي، وخزّان بيت مالي وعلى أهل مصر الذين كلّهم على بيعتي وفي طاعتي فشتّتوا كلمتهم وأفسدوا جماعتهم. ثم وثبوا على شيعتي من المسلمين فقتلوا طائفة منهم غدرا وطائفة صبرا، وطائفة غضبوا للَّه ولي فشهروا سيوفهم، وضربوا بها حتّى لقوا اللَّه صادقين، فو اللَّه لو لم يصيبوا منهم إلّا رجلاً واحداً متعمّدين لقتله لحل لي به قتل ذلك الجيش بأسره، فدع ما أنهم قد قتلوا من المسلمين أكثر من العدة التي دخلوا بها عليهم وقد أدال اللَّه منهم، فبعدا للقوم الظالمين ثمّ إنّي نظرت في أهل الشام، فإذا أعراب أحزاب وأهل طمع جفاة طغاة يجتمعون في كلّ أدب (أوب) من كان ينبغي أن يؤدب أو يولي عليه ويؤخذ على يديه ليسوا من المهاجرين ولا الأنصار ولا التابعين بإحسان فسرت إليهم فدعوتهم إلى الطاعة والجماعة فأبوا إلّا شقاقا وفراقا ونهضوا في وجوه المسلمين ينظمونهم بالنبل ويشجرونهم بالرماح فهناك نهدت إليهم بالمسلمين فقاتلتهم فلمّا عضهم السلاح ووجدوا ألم الجراح رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها فأنبأتكم أنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن وأنّهم قد رفعوها غدرا ومكيدة وخديعة ووهنا وضعفا فامضوا على حقّكم وقتالكم فأبيتم عليّ وقلتم اقبل منهم فإن أصابوا إلى ما في
ص: 94
الكتاب جامعونا على ما نحن عليه من الحق وإن أبوا كان أعظم لحجّتنا عليهم فقبلت منكم وكففت عنهم إذ ونيتم وأبيتم وكان الصلح بينكم وبينهم على رجلين يحييان ما أحيى القرآن ويميتان ما أمات القرآن فاختلف رأيهما وتفرّق حكمهما ونبذا حكم القرآن وخالفا ما في الكتاب فجنّبهما اللَّه السداد ودلاهما في الضلال، فنبذا حكمهما وكانا أهله فانخزلت فرقة منا فتركناهم ما تركونا حتّى إذا عتوا في الأرض يقتلون و يفسدون أتيناهم فقلنا ادفعوا لنا قتلة إخواننا ثم كتاب اللَّه بيننا وبينكم قالوا: كلّنا قتلهم وكلّنا استحل دمائهم ودمائكم وشدت علينا خيلهم ورجالهم فصرعهم اللَّه مصرع الظالمين فلمّا كان ذلك من شأنهم أمرتكم أن تمضوا من فوركم ذلك إلى عدوّكم فقلتم: كلّت سيوفنا ونفدت نبالنا ونصلت أسنّة رماحنا فارجع بنا إلى مصرنا لنستعد بأحسن عدّتنا وإذا رجعت زدت في مقاتلتنا عدة من هلك منا وفارقنا فإن ذلك أقوى لنا على عدوّنا فأقبلت بكم حتّى إذا ظللتم على الكوفة أمرتكم أن تنزلوا بالنخيلة وأن تلزموا معسكركم وأن تضموا قواصيكم وأن توطنوا على الجهاد أنفسكم ولا تكثروا زيارة أبنائكم ونسائكم، فإن أصحاب الحرب المصابرون واهل التشمير فيها الذين لا ينوحون من سهر ليلهم ولا ظمإ نهارهم ولا خمص بطونهم ولا نصب ابدانهم فنزلت طائفة منكم معي معذرة ودخلت طائفة منكم المصر عاصية، فلا من بقي منكم ثبت وصبر ولا من دخل المصر عاد إلي ورجع فنظرت إلى معسكري وليس فيه خمسون رجلا فلمّا رأيت ما أتيتم دخلت إليكم فما قدر لي أن تخرجوا إلى يومنا هذا فما تنتظرون أما ترون أطرافكم قد انتقصت؟ وإلى مصركم قد فتحت؟ وإلى شيعتي بها قد قتلت؟ وإلى مسالحكم تغرى؟ وإلى بلادكم تغزى؟ وأنتم ذوو عدد كثير وشوكة وبأس شديد، فما بالكم للَّه أنتم من أين تؤتون وما لكم تسحرون وأنّى تؤفكون ولو أنكم عزمتم
ص: 95
وأجمعتم لم تراموا ألا إنّ القوم قد اجتمعوا، وتناشبوا وتناصحوا وأنتم قد ونيتم وتغاششتم وافترقتم، ما أنتم إن أتممتم عندي على هذا بمنقذين، فانتهوا عمّا نهيتم، واجمعوا على حقّكم وتجرّدوا لحرب عدوّكم، قد بدت الرغوة من التصريح، وقد بيّن الصبح لذي عينين، إنّما تقاتلون الطلقاء وأبناء الطلقاء، وأولي الجفاء، ومن أسلم كرها، فكان لرسول اللَّه أنف الإسلام كلّه حربا، أعداء اللَّه والسنة والقرآن، وأهل البدع والأحداث، ومن كانت بوائقة تتقى، وكان على الإسلام وأهله مخوفا، آكلة الرشا وعبدة الدنيا لقد أنهي إلي أن ابن النابغة لم يبايع (معاوية) حتّى أعطاه وشرط به أن يؤتيه ما هي أعظم ممّا في يده من سلطانه، ألا صفرت يد هذا البائع دينه بالدنيا، وخزيت أمانة هذا المشتري بنصرة فاسق غادر بأموال المسلمين، وإنّ فيهم لمن قد شرب فيهم الخمر، وجلد الحدّ، يعرف بالفساد في الدين، والفعل السيئ وإن فيهم لمن لم يسلم حتّى رضخ له رضيخة فهؤلاء قادة القوم، ومن تركت ذكر مساويه من قادتهم مثل من ذكرت منهم، بل هو شر منهم، ويودّ هؤلاء الذين ذكرت لو ولوا عليكم، فأظهروا فيكم الكفر والفساد والفجور والتسلط بالجبرية، واتّبعوا الهوى وحكموا بغير الحق.
ولأنتم على ما كان فيكم من تواكل وتخاذل خير منهم، وأهدى سبيلا، فيكم العلماء والفقهاء والنجباء والحكماء، وحملة الكتاب، والمتهجدون بالأسحار وعمّار المساجد بتلاوة القرآن أفلا تسخطون وتهتمون أن ينازعكم الولاية عليكم سفهاؤكم والأشرار الأرذال منكم فاسمعوا قولي هداكم اللَّه اذا قلت وأطيعوا أمري إذا أمرت، فو اللَّه لئن أطعتموني لا تغوون، وإن عصيتموني لا ترشدون، خذوا للحرب أهبتها، وعدوا لها عدّتها، فقد شبت نارها، وعلا شنارها،
ص: 96
وتجرد لكم فيها الفاسقون كي يعذّبوا عباد اللَّه ويطفئوا نور اللَّه ألا إنه ليس أولياء الشيطان من أهل الطمع والجفاء والكبر بأدنى في الجد في غيهم وضلالهم وباطلهم من أولياء اللَّه من أهل البر والزهادة، والإخبات بالجد في حقهم، وطاعة ربهم، ومناصحة إمامهم.
إني واللَّه لو لقيتهم فردا وهم مل ء الأرض ما باليت، ولا استوحشت، وإني من ضلالتهم التي هم فيها، والهدى الذي نحن عليه لعلى ثقة وبينة، ويقين وبصيرة وإني إلى لقاء ربّي لمشتاق ولحسن ثوابه لمنتظر، ولكن أسفا يعتريني وحزنا يخامرني أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها، فيتخذوا مال اللَّه دولا، وعباد اللَّه خولا، والفاسقين حزبا وايم اللَّه لو لا ذلك ما أكثرت تأنيبكم وتأليبكم وتحريضكم، ولتركتكم إذ ونيتم وأبيتم حتّى ألقاهم بنفسي متى حمّ لي لقاؤهم فو اللَّه إني لعلى الحق وإني للشهادة لمحب فانفروا خفافا وثقالا، وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل اللَّه، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، ولا تثاقلوا إلى الأرض فتقروا بالخسف، وتبوّؤا بالذل ويكن نصيبكم الأخسر إن أخا الحرب اليقظان الأرق من نام لم نيم عنه، ومن ضعف أودى، ومن ترك الجهاد فى اللَّه كان كالمغبون المهين.
اللهمّ اجمعنا وإيّاهم على الهدى وزهدنا وإياهم في الدنيا واجعل الآخرة خيراً لنا ولهم من الأولى والسلام(1).
ص: 97
بسم الله الرحمن الرحیم
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ...
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَتَحَهُ اللَّهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ وَهُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى وَدِرْعُ اللَّهِ الْحَصِينَةُ وَجُنَّتُهُ الْوَثِيقَةُ فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ الذُّلِّ وَشَمِلَهُ الْبَلاءُ وَدُيِّثَ بِالصَّغَارِ وَالْقَمَاءَةِ وَضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالإِسْهَابِ وَأُدِيلَ الْحَقُّ مِنْهُ بِتَضْيِيعِ الْجِهَادِ وَسِيمَ الْخَسْفَ وَمُنِعَ النَّصَفَ.
أَلا وَإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لَيْلاً وَنَهَاراً وَسِرّاً وَإِعْلاناً وَقُلْتُ لَكُمُ اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ فَوَاللَّهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلّا ذَلُّوا فَتَوَاكَلْتُمْ وَتَخَاذَلْتُمْ حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ وَمُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الْأَوْطَانُ وَهَذَا أَخُو غَامِدٍ وَقَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الْأَنْبَارَ وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلُبَهَا وَقَلائِدَهَا وَرُعَاثَهَا مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلّا بِالِاسْتِرْجَاعِ وَالِاسْتِرْحَامِ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ وَلا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً فَيَا عَجَباً عَجَباً وَاللَّهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ مِنَ اجْتِمَاعِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلا تُغِيرُونَ وَتُغْزَوْنَ وَلا تَغْزُونَ وَيُعْصَى اللَّهُ وَتَرْضَوْنَ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الْحَرِّ قُلْتُمْ هَذِهِ حَمَارَّةُ الْقَيْظِ أَمْهِلْنَا يُسَبَّخْ
ص: 98
عَنَّا الْحَرُّ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ هَذِهِ صَبَارَّةُ الْقُرِّ أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ كُلُّ هَذَا فِرَاراً مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ تَفِرُّونَ فَأَنْتُمْ وَاللَّهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ.
يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلا رِجَالَ حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكُمْ مَعْرِفَةً وَاللَّهِ جَرَّتْ نَدَماً وَأَعْقَبَتْ سَدَماً قَاتَلَكُمُ اللَّهُ لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلانِ حَتَّى قَالَتْ قُرَيْشٌ إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ وَلَكِنْ لا عِلْمَ لَهُ بِالْحَرْبِ للَّهِ ِ أَبُوهُمْ وَهَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي؟ لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ وَهَا أَنَا ذَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ وَلَكِنْ لا رَأْيَ لِمَنْ لا يُطَاعُ.
عن أبي الكنود قال: حدّثني سفيان بن عوف الغامدي قال: دعاني معاوية فقال: إنّي باعثك في جيش كثيف ذي أداة وجلادة فالزم لي جانب الفرات حتّى تمرّ بهيت(1) فتقطعها فإن وجدت بها جنداً فأغر عليهم وإلّا فامض حتّى تغير على الأنبار فإن لم تجد بها جندا فامض حتّى تغير على المدائن ثم أقبل إلي واتق أن تقرب الكوفة واعلم أنّك إن أغرت على أهل الأنبار وأهل المدائن فكأنّك أغرت على أهل الكوفة إن هذه الغارات يا سفيان على أهل العراق ترهب قلوبهم وتجرئ كل من كان له هوى منهم ويرى فراقهم وتدعو إلينا كل من كان يخاف الدوائر وخرب كل ما مررت به من القرى وأقتل كل من لقيت ممن ليس هو على رأيك وأحرب الأموال(2) فإنه شبيه بالقتل
ص: 99
وهو أوجع للقلوب(1).
قال فخرجت من عنده فعسكرت وقام معاوية في الناس خطيبا فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس فانتدبوا مع سفيان بن عوف فإنه وجه عظيم فيه أجر عظيم سريعة فيه أوبتكم إن شاء اللَّه ثم نزل.
قال فو اللَّه الذي لا إله إلّا هو ما مرت بي ثلاثة حتّى خرجت في ستة آلاف ثم لزمت شاطئ الفرات فأغذذت(2) السير حتّى أمر بهيت فبلغهم أني قد غشيتهم فقطعوا الفرات فمررت بها وما بها عريب(3) كأنها لم تحلل قط فوطئتها حتّى مررت بصندوداء فتنافروا فلم ألق بها أحدا فمضيت حتّى أفتتح الأنبار وقد أنذروا بي فخرج إلي صاحب المسلحة فوقف لي فلم أقدم عليه حتّى أخذت غلمانا من أهل القرية فقلت لهم: خبروني كم بالأنبار من أصحاب علي؟ قالوا: عدة رجال المسلحة خمسمائة ولكنّهم قد تبدّدوا ورجعوا إلى الكوفة ولا ندري الذي يكون فيها فيها قد يكون مائتي رجل. قال فنزلت فكتبت أصحابي كتائب(4) ثم أخذت أبعثهم إليه كتيبة بعد كتيبة فيقاتلونهم واللَّه ويصبرون لهم ويطاردونهم في الأزقة فلمّا رأيت ذلك أنزلت إليهم نحوا من مائتين ثم أتبعتهم الخيل فلمّا مشت إليهم الرجال(5) وحملت عليهم الخيل فلم يكن إلّا قليلا حتّى تفرّقوا وقتل صاحبهم في
ص: 100
رجال من أصحابه وأتيناه في نيف(1) وثلاثين رجلا فحملنا ما كان في الأنبار من أموال أهلها ثم انصرفت فو اللَّه ما غزوت غزوة أسلم ولا أقر للعيون ولا أسر للنفوس منها وبلغني واللَّه إنها أفزعت الناس فلما أتيت معاوية فحدثته الحديث على وجهه قال كنت واللَّه عند ظنّي بك لا تنزل في بلد من بلداني إلّا قضيت فيه مثل ما يقضي فيه أميره وإن أحببت توليته وليتك وأنت أمين أينما كنت من سلطاني وليس لأحد من خلق اللَّه عليك أمر دوني.
قال فو اللَّه ما لبثنا إلّا يسيرا حتّى رأيت رجال أهل العراق يأتوننا على الإبل هرابا من عسكر علي عليه السلام(2).
عن محمّد بن مخنف أنّ سفيان بن عوف لمّا أغار على الأنبار قدم علج من أهلها على عليّ عليه السلام فأخبره الخبر فصعد المنبر فقال:
أيها الناس إن أخاكم البكري قد أصيب بالأنبار وهو معتز لا يخاف(3) ما كان، فاختار ما عند اللَّه على الدنيا فانتدبوا إليهم حتّى تلاقوهم فإن أصبتم منهم طرفا أنكلتموهم(4) عن العراق أبدا ما بقوا ثم سكت عنهم رجاء أن يجيبوه أو يتكلموا أو يتكلم متكلم منهم بخير فلم ينبس(5) أحد منهم بكلمة فلما رأى صمتهم على ما في
ص: 101
أنفسهم نزل فخرج يمشي راجلا حتّى أتى النخيلة والناس يمشون خلفه حتّى أحاط به قوم من أشرافهم فقالوا: ارجع يا أميرالمؤمنين نحن نكفيك فقال: ما تكفونني ولا تكفون أنفسكم فلم يزالوا به حتّى صرفوه إلى منزله فرجع وهو واجم كئيب.
ودعا سعيد بن قيس الهمداني(1) فبعثه من النخيلة بثمانية آلاف وذلك أنه أخبر أن القوم جاؤوا في جمع كثيف فقال له: إني قد بعثتك في ثمانية آلاف فاتبع هذا الجيش حتّى تخرجه من أرض العراق فخرج على شاطئ الفرات في طلبه حتّى إذا بلغ عانات(2) سرح أمامه هانئ بن الخطاب الهمداني فاتبع آثارهم حتّى إذا بلغ أداني أرض قنسرين(3) وقد فاتوه ثم انصرف.
قال: فلبث علي عليه السلام ترى فيه الكآبة والحزن حتّى قدم عليه سعيد بن قيس فكتب كتابا وكان في تلك الأيام عليلا فلم يطق (فلم يقو) على القيام في الناس بكل ما أراد من القول فجلس بباب السدة(4) التي تصل إلى المسجد ومعه الحسن
ص: 102
والحسين عليهما السلام وعبداللَّه بن جعفر بن أبي طالب فدعا سعدا(1) مولاه فدفع الكتاب إليه فأمره أن يقرأه على الناس فقام سعد بحيث يسمع علي قراءته وما يرد عليه الناس ثم قرأ الخطبة هذه: أمّا بعد فانّ الجهاد باب من أبواب الجنّة...(2).
وقد وردت الآيات والأخبار في مدحه والحثّ عليه، أمّا الآيات:
منها قوله تعالى «لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً»(3).
ومنها قوله تعالى «فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً»(4).
ومنها قوله تعالى «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ»(5).
ومنها قوله تعالى «وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ»(6).
ص: 103
ومنها قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ» الآية(1).
ومنها قوله تعالى «تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» الآية(2).
ومنها قوله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ» الآية(3).
ومنها قوله تعالى «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا» الآية(4).
ومنها قوله تعالى «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ»(5)
ومنها قوله تعالى «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ»(6).
وأمّا الآثار:
عن جعفر بن محمّد عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حملة القرآن عرفاء أهل الجنّة والمجاهدون في سبيل اللَّه
ص: 104
قوادها والرسل سادة أهل الجنّة»(1).
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «الجهاد أفضل الأشياء بعد الفرائض»(2).
وعن أبي بصير قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: أي الجهاد أفضل؟ قال: «من عقر جواده وأهريق دمه في سبيل اللَّه»(3).
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «دعا موسى وأمن هارون وأمنت الملائكة فقال اللَّه سبحانه وتعالى استقيما فقد أجيبت دعوتكما ومن غزا في سبيلي استجبت له كما استجبت لكما إلى يوم القيامة»(4).
وعن جعفر بن محمّد عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إن أبخل الناس من بخل بالسلام وأجود الناس من جاد بنفسه وماله في سبيل اللَّه تعالى»(5).
وعن عليّ بن الحسين عن أبيه عليهم السلام عن أبي ذرّ في حديث: أنّه قال له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في مرض وفاته: «ومن ختم له بجهاد في سبيل اللَّه ولو قدر فواق ناقة دخل الجنّة»(6).
وعن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهم السلام: «أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال: فوق كلّ بر برّ حتّى يقتل
ص: 105
الرجل في سبيل اللَّه عزّوجلّ فإذا قتل في سبيل اللَّه فليس فوقه بر(1).
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: خيول الغزاة في الدنيا خيولهم في الجنّة»(2).
عن جابر عن أبي جعفرعليه السلام قال: «أتى رجل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقال: انّي راغب نشيط في الجهاد قال: فجاهد في سبيل اللَّه فانّك إن تقتل كنت حيّاً عند اللَّه ترزق، وإن متّ فقد وقع أجرك على اللَّه وإن رجعت خرجت من الذنوب إلى اللَّه هذا تفسير: «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً»(3).(4)
وقال صلى الله عليه وآله: «مثل المجاهدين في سبيل اللَّه كمثل القائم القانت لا يزال في صومه وصلاته حتّى يرجع إلى أهله».
وقال: «إذا خرج الغازي من عتبة بابه بعث اللَّه ملكا بصحيفة سيّئاته فطمس سيّئاته».
وقال صلى الله عليه وآله: «من كبر تكبيرة في سبيل اللَّه فواق ناقة وجبت له الجنّة».
وقال صلى الله عليه وآله: «لا يجمع اللَّه كافراً وقاتله في النار».
وقال صلى الله عليه وآله: «لا يجتمع غبار في سبيل اللَّه ودخان في جهنّم».
وقال صلى الله عليه وآله: «السيوف مفاتيح الجنّة»(5).
وقال صلى الله عليه وآله: «ما من أحد يدخل الجنّة فيتمنّى أن يخرج منها إلّا الشهيد فإنّه
ص: 106
يتمنّى أن يرجع فيقتل عشر مرّات ممّا يرى من كرامة اللَّه»(1).
وعن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنّه قال: «ما من قطرة أحبّ إلى اللَّه من قطرة دم في سبيل اللَّه أو قطرة دمع في جوف الليل من خشية اللَّه»(2).
وعن أبي جعفرعليه السلام قال: الخير كلّه في السيف وتحت السيف وفي ظلّ السيف».
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: انّ جبرئيل أخبرني بأمر قرت به عيني وفرح به قلبي قال: يا محمّد من غزا غزاة في سبيل اللَّه من أمّتك فما أصابه قطرة من السماء أو صداع إلاّ كانت له شهادة»(3).
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: للجنّة باب يقال له باب المجاهدين يمضون إليه فإذا هو مفتوح وهم متقلّدون بسيوفهم والجمع في الموقف والملائكة ترحّب بهم»(4).
والروايات من طرق الشيعة في فضل الجهاد أكثر من أن تحصى وكفاك شاهداً على اهميّة الجهاد كونه كتاباً مستقلّاً في الفقه الإسلامي.
ومن الاثار من طريق العامّة أيضاً كثيرة ولنذكر بعضا منها تكميلاً للبحث وتتميماً للغرض:
منها: عن النبيّ صلى الله عليه وآله: «ما من قطرة أحبّ إلى اللَّه من قطرة دم في سبيله أو قطرة دمع في جوف ليل من خشيته».
ومنها: ما رواه فيه أيضاً عنه صلى الله عليه وآله انّه قال: «انّ الجنّة تحت ظلال السيوف».
ص: 107
ومنها: ما رواه فيه أيضاً عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حين انتهينا إلى خيبر: «اللَّه اللَّه اكبر خربت خيبر انّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين».
وأيضاً عنه عليه السلام: «(لغدوة) لغزوة في سبيل اللَّه أو روحة خير من الدنيا وما فيها».
وروى عن ابن مسعود انّ أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر لها قناديل معلّقة بالعرش تسرح من الجنّة حيث شائت ثمّ تأوى إلى تلك القناديل.
وعن فضالة بنت عبيد رفعه عنه عليه السلام قال: «كلّ ميّت يختم على عمله إلّا المرابط فانّه ينمى له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتنة القبر.
وعن سهل بن حنيف رفعه قال عليه السلام: «من سأل اللَّه الشهادة بصدق بلغه اللَّه منازل الشهداء وإن مات على فراشه»(1).
والجهاد معاملة ثمنها الجنّة، وقبالتها الكتب السماويّة، ومسجلها هو تعالى عزّ اسمه، قال سبحانه: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»(2).
اعلم انّ الجهاد على أقسام:
فمنها: جهاد العدو أعني جهاد المسلمين مع الأعداء من الكفّار والمشركين الذين ليسوا من أهل الذمّة كغزوات الرسول صلى الله عليه وآله مع أهل المشركين وهم على صنفين: أهل الكتاب، وغير أهل الكتاب.
ص: 108
أمّا الصنف الأوّل: أعني أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فيجب جهادهم بالكتاب والسنّة والاجماع من الفقهاء ولا يطلب منهم إلّا أحد الأمرين إمّا الإسلام، أو الجزية فان أسلموا فلا بحث وان امتنعوا وبذلوا الجزية أخذت منهم وأقرّوا على دينهم بلا خلاف.
أمّا الكتاب فقوله تعالى: «قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ»(1).
وأمّا السنّة: فقد روى انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كتب إلى أهل مكّة: «أسلموا وإلّا نابذتكم بحرب» فكتبوا إلى النبيّ صلى الله عليه وآله: ان خذ منّا الجزية ودعنا على عبادة الأوثان فكتب النبيّ صلى الله عليه وآله: «انّي لست آخذ الجزية إلّا من أهل الكتاب»، الحديث(2).
أمّا الصنف الثاني: أعني من ليس لهم كتاب ولا شبهة كتاب من سائر فرق الكفّار كعبدة الأصنام والشمس والقمر والنجوم وأمثال ذلك فهؤلاء يجب قتالهم إلى أن يسلموا أو يقتلوا ولا تقبل منهم الجزية لقوله تعالى: «فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ»(3) الآية.
وقوله تعالى: «فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ»(4) ولم يذكر الجزية.
ص: 109
ومنها: الجهاد على البغاة، جمع باغ وهو من خرج على الإمام المعصوم من الأئمّة.
أقول: أمّا القسمين الأوّلين من الأقسام الثلاثة للجهاد فلا كلام لنا فيهما فعلا ولا كلامه عليه السلام أيضاً ينظر إليهما في الخطبة وذلك لأنّ السبب في صدور الخطبة منه عليه السلام هو الحثّ على الجهاد مع معاوية وأصحابه كما عرفته مفصّلاً وعليه فالبحث انّما يدور على القسم الأخير منها وهو الجهاد مع البغاة فانّ من خرج على الإمام المعصوم يجب على المسلمين ردعه ودفعه حتّى يفي ء إلى أمر اللَّه إذا كانت شرائط الجهاد موجودة وما نحن فيه من هذا القبيل(1).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «انّ منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل» فسئل من هو؟ قال صلى الله عليه وآله: «خاصف النعل» يعني أميرالمؤمنين قال عمّار بن ياسر قاتلت بهذه الرواية مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ثلاثاً وهذه الرابعة ولو ضربونا حتّى يبلغونا السعفات من هجر لعلمنا انّا على الحقّ وانّهم على الباطل(2).
وأمّا قوله صلى الله عليه وآله: «انّ الجهاد باب من أبواب الجنّة»، فهو مقتبس من قول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حيث قال: «جاهدوا في اللَّه القريب والبعيد في الحضر والسفر فانّ الجهاد باب من أبواب الجنّة فتحه اللَّه لأوليائه وانّه ينجى صاحبه من الهمّ والغمّ»(3).
وقال صلى الله عليه وآله: «ألا وانّ الجهاد باب
ص: 110
من أبواب الجنّة فتحه اللَّه لأوليائه»(1).
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: للجنّة باب يقال له باب المجاهدين يمضون إليه فإذا هو مفتوح وهم متقلّدون بسيوفهم والجمع في الموقف والملائكة ترحّب بهم»(2).
وروى جاء رجل إلى أميرالمؤمنين فقال له عليه السلام: هؤلاء القوم الذين نقاتلهم الدعوة واحدة والرسول واحد، والصلاة واحدة والحج واحد فبم نسمّيهم؟ قال عليه السلام: «سمّهم بما سمّاهم اللَّه في كتابه أما سمعته تعالى يقول: «تِلْك الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ»(3) الآية فلمّا وقع الاختلاف كنا أولى باللَّه وبدينه وبالنبي صلى الله عليه وآله وبالكتاب وبالحقّ فنحن الذين آمنوا وهم الذين كفروا وشاء اللَّه منّا قتالهم فقاتلناهم بمشيئته وأمره وإرادته»(4).
وعن أبي جعفرعليه السلام أنّه ذكر الذين حاربهم عليّ عليه السلام فقال: «أما إنّهم أعظم جرما ممّن حارب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله» قيل له: وكيف ذلك يا ابن رسول اللَّه؟ قال: «أولئك كانوا جاهلية وهؤلاء قرؤوا القرآن وعرفوا أهل الفضل فأتوا ما أتوا بعد البصيرة»(5).
وعن تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي باسناده عن أبي جعفرعليه السلام قال: «قال أميرالمؤمنين عليه السلام: يا معشر المسلمين «فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ
ص: 111
يَنْتَهُونَ»(1)، ثم قال عليه السلام: هؤلاء القوم هم وربّ الكعبة يعني أهل صفّين والبصرة والخوارج»(2).
وعنه عليه السلام انّه قال يوم صفّين: «اقتلوا بقية الأحزاب وأولياء الشيطان اقتلوا من يقول كذب اللَّه ورسوله»(3).
وعلى أيّ حال لا شكّ في كون معاوية وأصحابه من البغاة التي يجب الجهاد معهم قربة إلى اللَّه ولذلك أمرعليه السلام أصحابه بالجهاد غير مرّة وقد روى انّه عليه السلام قال: «قاتلوا أهل الشام مع كلّ إمام بعدي»(4).
أشارعليه السلام إلى قوله تعالى: «يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ»(5).
فانّ المقصود من لباس التقوى هنا لباس الحرب أي الدرع والمغفر والآلات التي يتّقى بها من العدو، روي ذلك عن زيد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام(6).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «إنّ اللَّه عزّ وجلّ بعث رسوله بالإسلام إلى الناس عشر
ص: 112
سنين فأبوا أن يقبلوا حتّى أمره بالقتال فالخير في السيف وتحت السيف والأمر يعود كما بدأ»(1).
عن ابن محبوب رفعه قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: «إنّ اللَّه عزّ وجلّ فرض الجهاد وعظمه وجعله نصره وناصره واللَّه ما صلحت دنيا ولا دين إلاّ به»(2).
فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ الذُّلِّ وَشَمِلَهُ الْبَلاءُ وَدُيِّثَ بِالصَّغَارِ وَالْقَمَاءَةِ وَضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالإِسْهَابِ وَأُدِيلَ الْحَقُّ مِنْهُ بِتَضْيِيعِ الْجِهَادِ وَسِيمَ الْخَسْفَ وَمُنِعَ النَّصَفَ
قال تعالى: «ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ»(3) وقال تعالى: «ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(4) وقال تعالى: «قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا»(5) وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ» الآية(6) وقال تعالى: «إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا» الآية(7) وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا
ص: 113
لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ»(1) والآيات كثيرة.
بعض الأخبار الواردة الدالّ على تحريم الفرار من الزحف إلّا ما استثنى فنقول:
منها: في حديث مالك بن أعين قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: «وليعلم المنهزم بأنّه مسخط ربّه وموبق نفسه إنّ في الفرار موجدة اللَّه والذل اللازم والعار الباقي وفساد العيش عليه وإن الفار لغير مزيد في عمره ولا محجوز بينه وبين يومه ولا يرضي ربه ولموت الرجل محقا قبل إتيان هذه الخصال خير من الرضا بالتلبيس بها والإقرار عليها»(2).
ومنها: عن محمّد بن سنان انّ أبا الحسن الرضاعليه السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله: «حَرَّمَ اللَّهُ الْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْوَهْنِ فِي الدِّينِ وَالاسْتِخْفَافِ بِالرُّسُلِ وَالْأَئِمَّةِ الْعَادِلَةِعليهم السلام وَتَرْكِ نُصْرَتِهِمْ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَالْعُقُوبَةِ لَهُمْ عَلَى إِنْكَار مَا دُعُوا إِلَيْهِ مِنَ الْإِقْرَارِ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَإِظْهَارِ الْعَدْلِ وَتَرْكِ الْجَوْرِ وَإِمَاتَةِ الْفَسَادِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ جُرْأَةِ الْعَدُوِّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَمَا يَكُونُ فِي ذَلِك مِنَ السَّبْيِ وَالْقَتْلِ وَإِبْطَالِ دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْفَسَادِ»(3).
ومنها: عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «قال أميرالمؤمنين عليه السلام لأصحابه: إذا لقيتم عدوّكم في الحرب فأقلّوا الكلام وذكروا اللَّه عزّ وجلّ ولا تولّوهم الأدبار
ص: 114
فتسخطوا اللَّه تبارك وتعالى وتستوجبوا غضبه»(1).
ومنها: عن أميرالمؤمنين عليه السلام انّه قال: «الفرار عن الزحف من الكبائر»(2).
ومنها: عن عمران بن حصين قال: لمّا تفرّق الناس عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في يوم أُحد جاء عليّ عليه السلام متقلدا سيفه حتّى قام بين يديه فرفع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله رأسه إليه فقال له: «ما لك لم تفرّ مع الناس؟» فقال: «يا رسول اللَّه أأرجع كافرا بعد إسلامي»(3).
ومنها: عن أبي أُسامة زيد الشحّام عن أبي الحسن عليه السلام في حديث أنّه قال في قوله تعالى: «إِلّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ»(4) قال: «مُتَطَرِّداً يُرِيدُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَمُتَحَيِّزاً يَعْنِي مُتَأَخِّراً إِلَى أَصْحَابِهِ مِنْ غَيْرِ هَزِيمَةٍ فَمَنِ انْهَزَمَ حَتَّى يَجُوزَ صَفَّ أَصْحَابِهِ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ»(5).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «من ترك الجهاد ألبسه اللَّه ذلّا في نفسه وفقراً في معيشته ومحقاً في دينه»(6).
ص: 115
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «قال النبيّ صلى الله عليه وآله: اغزوا تورثوا أبنائكم مجدا»(1).
وذكر مؤرخ السدوسي أنّ أعشى همدان كان في حرب ابن الأشعث شديد التحريض على الحجّاج، فجال أهل العراق جولة ثمّ غاروا، فنزل الأعشى عن سرجه ونزعه عن فرسه، ونزع درعه فوضعها فوق السرج، ثمّ جلس عليها فأحدث والناس يرونه، ثمّ أقبل عليهم فقال لهم: لعلّكم أنكرتم ما صنعت قالوا: أو ليس هذا موضع نكير؟ فقال: كلّكم سلح في سرجه ودرعه خوفاً وفرقا، ولكنّكم سترتموه وأظهرته(2).
ونسب بعضهم هذا العمل إلى ابن حلّزة اليشكري(3).
فقد روى عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنّه قال: «من فرّ من اثنين فقد فرّو من فَرَّ مِنْ ثلاثة لم يكن فارّاً لأنّ اللَّه عزّ وجلّ افترض على المسلمين أن يقاتلوا مثلى أعدادهم من المشركين(4).
وعن الحسين بن صالح، قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول كان عليّ عليه السلام يقول من فرّ من رجلين في القتال من الزحف فقد فرّ من الزحف ومن فرّ من ثلاثة رجال في
ص: 116
القتال من الزحف فلم يفرّ(1).
وعن عليّ بن ابراهيم في قوله تعالى: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ»(2) الآية قال كان الحكم في أول النبوّة في أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنّ الرجل الواحد وجب عليه أن يقاتل عشرة من الكفّار، فإن هرب منهم فهو الفارّ من الزحف والمائة يقاتلون ألفا ثمّ علم اللَّه أن فيهم ضعفا لا يقدرون على ذلك فأنزل اللَّه: «الآْنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ»(3) الآية ففرض اللَّه عليهم أن يقاتل رجل من المؤمنين رجلين من الكفّار فإن فرّ منهما فهو الفار من الزحف، فإن كانوا ثلاثة من الكفّار وواحد من المسلمين ففرّ المسلم منهم فليس هو الفار من الزحف(4).
هو نظير قول نوح عليه السلام: «رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَاراً»(1).
ومن أمثالهم: تغد به قبل أن يتعشى بك(2).
فَوَاللَّهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلّا ذَلُّوا فَتَوَاكَلْتُمْ وَتَخَاذَلْتُمْ حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ وَمُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الْأَوْطَانُ وَهَذَا أَخُو غَامِدٍ وَقَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الْأَنْبَارَ
الانبار مدينة على الفرات في غربي بغداد بينها عشرة فراسخ(3).
وعن جندب بن عفيف قال: واللَّه إني لفي جند الأنبار مع أشرس (حسان) بن حسان البكري إذ صبحنا سفيان بن عوف في كتائب تلمع الأبصار منها فهالونا واللَّه وعلمنا إذ رأيناهم أنه ليس لنا بهم طاقة ولا يد فخرج إليهم صاحبنا وقد تفرّقنا فلم يلقهم نصفنا وايم اللَّه لقد قاتلناهم فأحسنا قتالهم واللَّه حتى كرهونا ثم نزل صاحبنا وهو يتلو قوله تعالى: «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً»(4) ثم قال لنا: من كان لا يريد لقاء اللَّه ولا يطيب نفسا بالموت فليخرج عن القرية ما دمنا نقاتلهم فإن قتالنا إياهم شاغل لهم عن طلب هارب ومن أراد ما عند اللَّه فما عند اللَّه خير للأبرار ثم نزل في ثلاثين رجلا قال فهممت
ص: 118
واللَّه بالنزول معه ثمّ إن نفسي أبت واستقدم هو وأصحابه فقاتلوا حتى قتلوا رحمهم اللَّه(1).
وكان أوّل من عمّرها سابور ذو الاكتاف ثمّ جدّدها السفاح، فتحت أيّام أبي بكر على يد خالد(2).
قال أحمد بن يحيى بن جابر: مرّ عليّ عليه السلام بالأنبار فخرج إليه أهلها بالهدايا إلى معسكره فقال: اجمعوا الهدايا واجعلوها باجا واحداً، ففعلوا فسمي موضع معسكره بالأنبار الباج إلى الآن(3).
وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ
فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلُبَهَا وَقَلائِدَهَا وَرُعَاثَهَا
حجلها: أي خلخالها.
وقلبها: بالضم السوار.
وقلائدها: جمع قلادة.
ورعاثها: جمع (رعثة) القرط.
أي قوله: «إِنَّا للَّهِ ِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»(4).
ص: 119
والِاسْتِرْحَامِ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ وَلا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً
قال تعالى: «وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ»(1).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إن اللَّه بعث ملكين إلى أهل مدينة ليقلباها على أهلها فلمّا انتهيا إلى المدينة وجدا رجلا يدعو اللَّه ويتضرّع إليه فقال أحد الملكين لصاحبه: أما ترى هذا الداعي؟ فقال: قد رأيته ولكن أمضي لما أمرني به ربّي فقال: لا ولكن لا أحدث شيئا حتّى أراجع إلى ربّي فعاد إلى اللَّه تبارك وتعالى فقال: يا رب إنّي انتهيت إلى المدينة فوجدت عبدك فلانا يدعوك ويتضرّع إليك فقال: امض لما أمرتك فإن ذلك رجل لم يتغير وجهه غضبا لي قط(2).
وممّن مات أسفا مروان بن عبدالملك بن مروان، حجّ مروان مع أخيه الوليد - وهو خليفة - فلمّا كانا بوادي القرى جرى بينهما محاورة فغضب الوليد فامصه، فتفوّه مروان بالردّ عليه فأمسك عمر بن عبدالعزيز على فيه فمنعه من ذلك، فقال مروان لعمر: قتلتني رددت غيظي في جوفي. فما راحوا من وادي القرى حتّى دفنوه(3)
ص: 120
قال ابن قتيبة بعد ذكر هزيمة زحر بن قيس من قبله عليه السلام للضحّاك بن قيس من قبل معاوية: أنّ معاوية جمع الناس وقال لهم: أتاني خبر من ناحية من نواحي، أمر شديد. فقالوا: لسنا في شي ء ممّا أتاك، إنّما علينا السمع والطاعة. وبلغ عليّاًعليه السلام قول معاوية وقول أهل الشام، فأراد أن يعلم ما رأي أهل العراق فجمعهم فقال: أيّها الناس انّه أتاني خبر من ناحية من نواحي. فقال ابن الكوّاء وأصحابه: إنّ لنا في كلّ أمر رأيا في ما أتاك، فأطلعنا عليه حتّى نشير عليك. فبكى عليه السلام ثمّ قال: ظفر واللَّه ابن هند باجتماع أهل الشام له، واختلافكم عليّ، واللَّه ليغلبنّ باطله حقّكم، إنّما أتاني أنّ زحر بن قيس ظفر بالضحاك وقطع الميرة، وأتى معاوية هزيمة صاحبه فقال: يا أهل الشام، إنّه أتاني أمر شديد. فقلّدوه أمرهم، واختلفتم عليّ(1).
وقال النجاشي:
كفى حزنا أنّا عصينا إمامنا * عليّاً وأنّ القوم طاعوا معاوية
وأنّ لأهل الشام في ذلك فضلهم * علينا بما قالوه فالعين باكيه
أيعصى إمام أوجب اللَّه حقّه * علينا وأهل الشام طوع لطاغيه(2)
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ»(3).
ص: 121
فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلا تُغِيرُونَ وَتُغْزَوْنَ وَلا تَغْزُونَ وَيُعْصَى اللَّهُ وَتَرْضَوْنَ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الْحَرِّ (الصّيف) قُلْتُمْ هَذِهِ حَمَارَّةُ الْقَ
عن المنهال بن عمرو(1) عن قيس بن السكن أنه قال: سمعت عليّاًعليه السلام يقول: ونحن بمسكن(2): «يا معشر المهاجرين «ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ»(3)» فبكوا وقالوا: البرد شديد وكان غزاتهم في البرد فقال عليه السلام: «إن القوم يجدون البرد كما تجدون» قال: فلم يفعلوا وأبوا فلمّا رأى ذلك منهم قال: «أف لكم إنها سنة جرت عليكم»(4).
وعن فرقد البجلي عنه عليه السلام في كلام له عليه السلام: «إن قلت لكم: انفروا إلى عدوكم، قلتم: القر يمنعنا. أفترون عدوكم لا يجدون القر كما تجدونه؟ ولكنّكم أشبهتم قوما قال لهم النبيّ صلى الله عليه وآله: انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فقال كبراؤهم: «لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ» فقال اللَّه لنبيه: «قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُون»(5).
ص: 122
يروى أنّ رجلا من الخوارج يوم سلى، حمل على رجل من أصحاب المهلب فطعنه، فلمّا خالطه الرمح صاح: يا أمّاه. فصاح به المهلب: لا كثّر اللَّه بمثلك المسلمين. فضحك الخارجي وقال:
أمك خير لك مني صاحبا * تسقيك محضا وتعل رائبا(1)
وكانت هند بنت عتبة يوم أُحد في وسط العسكر، فكلّما انهزم رجل من قريش رفعت إليه ميلا ومكحلة وقالت له: إنّما أنت امرأة فاكتحل بهذا(2).
وقتل رجل من مازن سعد العشيرة أخا عمرو بن معديكرب، وطلبوا من عمرو قبول الدية لكون القاتل سكران، فقبل عمرو فقالت اخته كبشة:
فان أنتم لم تقتلوا واتديتمو * فمشّوا باذان النعام المصلم
ولا تشربوا إلّا فضول نسائكم * إذا أنهلت أعقابهنّ من الدم
فأكبّ عمرو بالغارة عليهم فأوجع فيهم(3).
وكان عمليق الطمسي أمر ألّا تزوّج بكر من جديس حتّى يفترعها هو قبل زوجها ليلة زفافها فلمّا تزوّجت الشموس - وهي عفيرة بنت عباد، أُخت الأسود الذي وقع إلى جبل طي، فقتله طي وسكنوا الجبل من بعده - انطلقوا بها إلى عمليق فافترعها، فخرجت إلى قومها في دماء شاقة درعها من قبل ومن دبر والدم يسيل، وهي في أقبح منظر، وهي تقول:
ص: 123
أيجمل ما يؤتى إلى فتياتكم * وأنتم رجال فيكم عدد النمل
ولو أنّنا كنّا رجالاً وكنتم * نساء لكنّا لا نقرّ بذا الفعل
وإن أنتم لم تغضبوا بعد هذه * فكونوا نساء لا تعاب من الكحل
ودونكم طيب العروس فإنّما * خلقتم لأثواب العروس وللنسل
فبعدا وسحقا للذي ليس دافعا * ويختال يمشي بيننا مشية الفحل(1)
قال المبرّد(2): نسبهم عليه السلام في قوله هذا إلى ضعف النساء، قال تعالى: «أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ»(3).
وفي الخبر - بعد ذكر إعطاء محمّد بن الأشعث الأمان لمسلم وتسليمه - : قال مسلم له: إني أراك واللَّه ستعجز عن أماني، فهل عندك خير تستطيع أن تبعث من عندك رجلا إلى الحسين عليه السلام يقول له: ارجع بأهل بيتك ولا يغررك أهل الكوفة، فإنّهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنّى فراقهم بالموت أو القتل، إنّ أهل الكوفة كذّبوك وكذّبوني وليس لمكذوب رأي(4).
ص: 124
قَاتَلَكُمُ اللَّهُ لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلانِ حَتَّى قَالَتْ قُرَيْشٌ إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ وَ
قد بلغ عليّاًعليه السلام عن اناس من قريش ممّن قعد عن بيعته ونافق في خلافته كلام كثير، فقال عليه السلام: «وقد زعمت قريش أنّ ابن أبي طالب شجاع ولكن لا علم له بالحروب، تربت أيديهم وهل فيهم أشدّ مراساً لها منّي؟ لقد نهضت فيها وما بلغت الثلاثين، وها أنا ذا قد أربيت على نيف وستّين»(1).
وهَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ وَهَا أَنَا ذَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ
أنّ الكليني والصدوق والمفيد والجاحظ أيضاً رووه كذلك.
قال المجلسي رحمه الله: وكان النبيّ صلى الله عليه وآله إذا خرج من بيته (في مكّة) تبعه أحداث المشركين يرمونه بالحجارة حتّى أدموا كعبه وعرقوبيه(2) فكان عليّ يحمل عليهم فينهزمون فنزل: «كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ»(3).(4)
ولكن المسعودي رواه: «وما بلغت الثلاثين» والظاهر صحّته، فأوّل حروبه عليه السلام الرسميّة حرب بدر، وكانت في السنة الثانية من الهجرة وكان عليه السلام وقت البعثة ابن عشر على الأصحّ، وكان مقام النبيّ صلى الله عليه وآله بمكّه قبل الهجرة ثلاث عشرة سنة.
ص: 125
قال أبو الطيّب المتنبي:
الرأي قبل شجاعة الشجعان * هو أوّل وهي المحلّ الثاني
وهما إذا اجتمعا لنفس مرّة(1) * بلغت من العلياء كلّ مكان
لو لا العقول لكان أدنى ضيغم * أدنى إلى شرف من الإنسان(2)
قيل: وإنّما قال أعداؤه لا رأي له لأنّه كان متقيّدا بالشريعة لا يرى خلافها ولا يعمل بما يقتضي الدين تحريمه وقد قال عليه السلام: «لو لا الدين والتقى لكنت أدهى العرب»(3)، وغيره من الخلفاء كان يعمل بمقتضى ما يستصلحه ويستوفقه سواء أكان مطابقا للشرع أم لم يكن، هذا(4).
عن أبي جعفر الباقرعليه السلام قال: «بينما أميرالمؤمنين يتجهّز إلى معاوية ويحرض الناس على قتاله إذ اختصم إليه رجلان في فعل فعجل أحدهما في الكلام وزاد فيه فالتفت إليه أميرالمؤمنين عليه السلام فقال له: اخسأ، فإذا رأسه رأس الكلب، فبهت من حوله وأقبل الرجل بإصبعه المسبحة يتضرع إلى أميرالمؤمنين ويسأله الإقالة فنظر إليه وحرك شفتيه فعاد كما كان خلقا سويا، فوثب إليه بعض أصحابه وقال له يا أميرالمؤمنين هذه القدرة لك كما رأينا وأنت تجهز إلى معاوية فما بالك لا تكفيناه ببعض ما أعطاك اللَّه من هذه القدرة؟
فأطرق قليلا ورفع رأسه إليهم فقال: والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لو شئت أن
ص: 126
أضرب برجلي هذه القصيرة في طول هذه الفيافي والفلوات والجبال والأودية حتى أضرب صدر معاوية على سريره فأقبله على أُمّ رأسه لفعلت، ولو أقسمت على اللَّه عزّ وجلّ أن أوتي به قبل أن أقوم من مجلسي هذا أو قبل أن يرتد إليّ أحد منكم طرفه لفعلت، ولكنّا كما وصف اللَّه في كتابه: «عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ»(1).(2)
وعن ميثم التمّار قال: خطب لنا أميرالمؤمنين عليه السلام في جامع الكوفة فأطال خطبته وأعجب الناس تطويلها وحسن وعظها وترغيبها وترهيبها، إذ دخل نذير من ناحية الأنبار مستغيثا يقول: اللَّه اللَّه يا أميرالمؤمنين في رعيتك وشيعتك، هذه خيل معاوية قد شنّت علينا الغارات في سواد الفرات ما بين هيت والأنبار.
فقطع أميرالمؤمنين عليه السلام الخطبة وقال: ويحك بعض خيل معاوية قد دخل الدسكرة التي تلي جدران الأنبار فقتلوا فيها سبع نسوة وسبعة من الأطفال ذكراناً وسبعة إناثاً وشهروا بهم ووطئوهم بحوافر خيلهم وقالوا هذه مراغمة لأبي تراب.
فقام إبراهيم بن الحسن الأزدي بين يدي المنبر فقال: يا أميرالمؤمنين هذه القدرة التي رأيت بها وأنت على منبرك إن في دارك خيل معاوية ابن آكلة الأكباد وما فعل بشيعتك ولم تعلم بها هذا فلم تقصيرك عن معاوية.
فقال له: ويحك يا إبراهيم ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، فصاح الناس من جوانب المسجد: يا أميرالمؤمنين فإلى متى يهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة؟ وشيعتك تهلك، فقال عليه السلام لهم: ليقضي اللَّه أمرا كان مفعولا.
ص: 127
فصاح زيد بن كثير المرادي وقال: يا أميرالمؤمنين تقول بالأمس وأنت تجهز إلى معاوية وتحرضنا على قتاله ويحتكم إليك الرجلان في الفعل فتعمل (فيعجل ظ) عليك أحدهما الكلام فتجعل رأسه رأس الكلب فيستجير بك فترده بشرا سويا.
ونقول لك: ما بال هذه القدرة لا تبلغ معاوية فتكفينا شره فتقول لنا:
وفالق الحبة وبارئ النسمة لو شئت أن أضرب برجلي هذه القصيرة صدر معاوية وأقلبه على أم رأسه لفعلت، فما بالك لا تفعل ما تريد أن تضعف نفوسنا فنشك فيك فندخل النار.
فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: لأفعلن ذلك ولأعجلنه على ابن هند، فمد رجله على منبره فخرجت عن أبواب (ديوان) المسجد وردها إلى فخذه وقال: معاشر الناس أقيموا تاريخ الوقت وأعلموه فقد ضربت برجلي هذه الساعة صدر معاوية فقلبته عن سريره على أم رأسه فظن أنه قد أحيط به، فصاح يا أميرالمؤمنين فأين النظرة؟ فرددت رجلي عنه.
وتوقع الناس ورودا بخبر من الشام وعلموا أن أميرالمؤمنين عليه السلام لا يقول إلّا حقّا فوردت الأخبار والكتب بتاريخ تلك الساعة بعينها من ذلك اليوم بعينه أنّ رجلا جاءت من ناحية الكوفة ممدودة متّصلة فدخلت من ديوان (ايوان) معاوية والناس ينظرون حتّى ضربت صدره، فقلبته عن سريره على أم رأسه فصاح: يا أميرالمؤمنين وأين النظرة؟ و ردت تلك الرجل عنه، وعلم الناس ما قال أميرالمؤمنين إلّا حقا(1).
ص: 128
انّ هذه الخطبة من خطبه المشهورة، وأنّها ممّا رواها جماعة من العامة والخاصّة، ولمّا كانت رواية الصدوق مخالفة لرواية السيّد في بعض فقراتها أحببنا ايرادها بسند الصدوق أيضاً ازدياداً للبصيرة فأقول:
عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضى الله عنه، عن عبدالعزيز بن يحيى الجلودي، عن هشام بن علي ومحمّد بن زكريا الجوهري عن ابن عائشة بإسناد ذكره أن عليّاًعليه السلام انتهى إليه(1) أنّ خيلا لمعاوية وردت الأنبار فقتلوا عاملا له يقال له: حسان بن حسان فخرج مغضبا يجر ثوبه حتى أتى النخيلة وأتبعه الناس فرقي رباوة(2) من الأرض فحمد اللَّه وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال:
«أمّا بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنّة فتحه اللَّه لخاصّة أوليائه وهو لباس التقوى ودرع اللَّه الحصينة وجنته الوثيقة فمن تركه رغبة عنه ألبسه اللَّه ثوب الذل وسيماء(3) الخسف وديث الصغار(4) وقد دعوتكم إلى حرب هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً وسرّاً وإعلاناً وقلت لكم: اغزوهم من قبل أن يغزوكم فو الذي نفسي بيده ما غزي قوم قط في عقر ديارهم إلّا ذلوا فتواكلتم وتخاذلتم وثقل عليكم قولي واتخذتموه وراءكم ظهريا حتى شنت عليكم الغارات هذا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار وقتلوا حسان بن حسان ورجالا منهم كثيرا ونساء، والذي نفسي بيده لقد بلغني أنّه كان يدخل على المرأة المسلمة والمعاهدة فتنتزع أحجالهما ورعثهما
ص: 129
ثم انصرفوا موفورين لم يكلّم أحد منهم كلما، فلو أن امرأ مسلما مات من دون هذا أسفا ما كان عندي فيه ملوما بل كان عندي به جديرا.
يا عجبا كل العجب من تظافر هؤلاء القوم على باطلهم وفشلكم عن حقّكم إذا قلت لكم اغزوهم في الشتاء قلتم هذا أوان قر وصر، وإذا قلت لكم اغزوهم في الصيف قلتم هذه حمارة القيظ أنظرنا ينصرم الحر عنا، فإذا كنتم من الحر والبرد تفرون فأنتم واللَّه من السيف أفر.
يا أشباه الرجال ولا رجال ويا طغام الأحلام(1) ويا عقول ربات الحجال(2) واللَّه لقد أفسدتم علي رأيي بالعصيان ولقد ملأتم جوفي غيظا حتّى قالت قريش إن ابن أبي طالب شجاع ولكن لا رأي له في الحرب، للَّه درهم ومن ذا يكون أعلم بها وأشد لها مراسا مني، فو اللَّه لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ولقد نيفت اليوم على الستين ولكن لا رأي لمن لا يطاع» يقولها ثلاثا.
فقام إليه رجل ومعه أخوه فقال يا أميرالمؤمنين أنا وأخي هذا كما قال اللَّه عزّ وجلّ حكاية عن موسى «رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلّا نَفْسِي وَأَخِي»(3) فمرنا بأمرك فو اللَّه لننتهين إليه ولو حال بيننا وبينه جمر الغضا(4) وشوك القتاد فدعا له بخير ثم قال عليه السلام: وأين تقعان ممّا أريد ثم نزل عليه السلام(5).
ص: 130
وذكر أنّ القائم إليه العارض نفسه عليه جندب بن عفيف الأزدي هو وابن أخ له يقال له عبدالرحمن بن عبداللَّه بن عفيف(1).
وقال عليه السلام لمّا بلغه إغارة أصحاب معاوية على الانبار فخرج بنفسه ماشياً حتّى أتى النخيلة وأدركه الناس وقالوا يا أميرالمؤمنين نحن نكفيكهم فقال عليه السلام: «واللَّه ما تكفونني أنفسكم فكيف تكفونني غيركم»(2).
قالوا: إنّ قواً اغير عليهم فاستصرخوا بني عمّهم، فأبطأوا عنهم حتّى اسروا وذهب بهم ثمّ جاؤوا يسألون عنهم، فقيل لهم: «أسائر اليوم وقد زال الظهر» فصار مثلاً، أي: تطمع وقد بان اليأس(3).
ص: 131
بسم الله الرحمن الرحیم
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَدْبَرَتْ وَآذَنَتْ بِوَدَاعٍ وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَأَشْرَفَتْ بِاطِّلاعٍ أَلا وَإِنَّ الْيَوْمَ الْمِضْمَارَ وَغَداً السِّبَاقَ وَالسَّبَقَةُ الْجَنَّةُ وَالْغَايَةُ النَّارُ أَ فَلا تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ أَ لا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ أَلا وَإِنَّكُمْ فِي أَيَّامِ أَمَلٍ مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ فَمَنْ عَمِلَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ نَفَعَهُ عَمَلُهُ وَلَمْ يَضْرُرْهُ أَجَلُهُ وَمَنْ قَصَّرَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ خَسِرَ عَمَلُهُ وَضَرَّهُ أَجَلُهُ أَلا فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِي الرَّهْبَةِ أَلا وَإِنِّي لَمْ أَرَ كَالْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا وَلا كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا أَلا وَإِنَّهُ مَنْ لا يَنْفَعُهُ الْحَقُّ يَضُرُّهُ الْبَاطِلُ وَمَنْ لا يَسْتَقِيمُ بِهِ الْهُدَى يَجُرُّ بِهِ الضَّلالُ إِلَى الرَّدَى أَلا وَإِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ وَدُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ وَإِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَتَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَطُولُ الْأَمَلِ فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحْرُزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً.
انّه قدتواترت الآيات والآثار في ذمّ الدنيا وعدم اعتبارها وانّه لا ينبغي للعاقل الرّكون عليها.
فمن الآيات:
قوله تعالى: «أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ
ص: 132
الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ»(1).
ومنها: «زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(2) الآية.
ومنها: «ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ»(3).
ومنها: «مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ»(4) الآية.
ومنها: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ»(5) الآية.
ومنها: «قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى»(6) الآية.
ومنها: «وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ»(7) الآية.
ومنها: «وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا»(8) الآية.
ومنها: «فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ»(9).
ومنها: «يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ»(10).
ومنها: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا»(11) الآية.
ص: 133
والآيات في ذمّ الدنيا كثيرة.
وأمّا الأخبار:
فمن الخاصّة والعامّة كثيرة ونشير إلى طرف منها:
منها: قوله صلى الله عليه وآله: «لو كانت الدنيا تعدل عند اللَّه مثل جناح بعوضة ما أعطى كافراً ولا منافقاً منها شيئاً»(1).
ومنها: قوله صلى الله عليه وآله: «الدنيا ملعونة ما فيها إلّا ما كان للَّه منها»(2).
وقوله صلى الله عليه وآله: «الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر»(3).
وقال صلى الله عليه وآله: «من أصبح والدنيا أكبر همّه فليس من اللَّه في شي ء وألزم قلبه أربع خصال هما لا ينقطع عنه أبداً وشغلاً لا ينفرج منه أبداً وفقراً لا يبلغ غناه أبداً وأملا لا يبلغ منتهاه أبدا»(4).
ومنها قوله صلى الله عليه وآله: «يا عجبا كلّ العجب للمصدّق بدار الخلود وهو يسعى لدار الغرور»(5).
ومنها قوله صلى الله عليه وآله: «لتأتينّكم بعدي دنيا تأكل ايمانكم كما تأكل النار الحطب»(6).
وقوله صلى الله عليه وآله: «حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة»(7).
ومنها قوله صلى الله عليه وآله: «من أحبّ دنياه أضرّ بآخرته ومن أحبّ آخرته أضرّ بدنياه
ص: 134
فآثروا ما يبقى على ما يفنى»(1).
ومنها قوله صلى الله عليه وآله: «انّ اللَّه لم يخلق خلقاً أبغض إليه من الدنيا وانّه لم ينظر إليها منذ خلقها»(2).
ومنها: عَنِ الزُّهْرِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقَالَ: «مَا مِنْ عَمَلٍ بَعْدَ مَعْرِفَةِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ وَمَعْرِفَةِ رَسُولِهِ ص أَفْضَلَ مِنْ بُغْضِ الدُّنْيَا وَإِنَّ لِذَلِكَ لَشُعَباً كَثِيرَةً وَلِلْمَعَاصِي شُعَب فَأَوَّلُ مَا عُصِيَ اللَّهُ بِهِ الْكِبْرُ وَهِيَ مَعْصِيَةُ إِبْلِيسَ حِينَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ثمّ الْحِرْصُ وَهِيَ مَعْصِيَةُ آدَمَ وَحَوَّاءَ حِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا: «وَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ»(3) فَأَخَذَا مَا لا حَاجَةَ بِهِمَا إِلَيْهِ فَدَخَلَ ذَلِكَ عَلَى ذُرِّيَّتِهِمَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَذَلِكَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا يَطْلُبُ ابْنُ آدَمَ مَا لا حَاجَةَ بِهِ إِلَيْهِ ثُمَّ الْحَسَدُ وَهِيَ مَعْصِيَةُ ابْنِ آدَمَ حَيْثُ حَسَدَ أَخَاهُ فَقَتَلَهُ فَتَشَعَّبَ مِنْ ذَلِكَ حُبُّ النِّسَاءِ وَحُبُّ الدُّنْيَا وَحُبُّ الرِّئَاسَةِ وَحُبُّ الرَّاحَةِ وَحُبُّ الْكَلامِ وَحُبُّ الْعُلُوِّ وَالثَّرْوَةِ فَصِرْنَ سَبْعَ خِصَالٍ فَاجْتَمَعْنَ كُلُّهُنَّ فِي حُبِّ الدُّنْيَا فَقَالَ الْأَنْبِيَاءُ وَالْعُلَمَاءُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ وَالدُّنْيَا دُنْيَاءَانِ دُنْيَا بَلاغٍ وَدُنْيَا مَلْعُونَةٍ»(4).
ومنها: عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: «فِي مُنَاجَاةِ مُوسَى عليه السلام يَا مُوسَى إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ عُقُوبَةٍ عَاقَبْتُ فِيهَا آدَمَ عِنْدَ خَطِيئَتِهِ وَجَعَلْتُهَا مَلْعُونَةً مَلْعُونٌ مَا
ص: 135
فِيهَا إِلّا مَا كَانَ فِيهَا لِي يَا مُوسَى إِنَّ عِبَادِيَ الصَّالِحِينَ زَهِدُوا فِي الدُّنْيَا بِقَدْرِ عِلْمِهِمْ وَسَائِرَ الْخَلْقِ رَغِبُوا فِيهَا بِقَدْرِ جَهْلِهِمْ وَمَا مِنْ أَحَدٍ عَظَّمَهَا فَقَرَّتْ عَيْنَاهُ فِيهَا وَلَمْ يُحَقِّرْهَا أَحَدٌ إِلّا انْتَفَعَ بِهَا»(1).(2)
ومنها: عَنْ مُهَاجِرٍ الْأَسَدِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: «مَرَّ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام عَلَى قَرْيَةٍ قَدْ مَاتَ أَهْلُهَا وَطَيْرُهَا وَدَوَابُّهَا فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَمُوتُوا إِلّا بِسَخْطَةٍ(3) وَلَوْ مَاتُوا مُتَفَرِّقِينَ لَتَدَافَنُوا فَقَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا رُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحْيِيَهُمْ لَنَا فَيُخْبِرُونَا مَا كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ فَنَجْتَنِبَهَا فَدَعَا عِيسَى عليه السلام رَبَّهُ فَنُودِيَ مِنَ الْجَوِّ أَنْ نَادِهِمْ فَقَامَ عِيسَى عليه السلام بِاللَّيْلِ عَلَى شَرَفٍ مِنَ الْأَرْضِ فَقَالَ: يَا أَهْلَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ فَأَجَابَهُ مِنْهُمْ مُجِيبٌ لَبَّيْكَ يَا رُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ فَقَالَ: وَيَحْكُمْ مَا كَانَتْ أَعْمَالُكُمْ قَالَ: عِبَادَةُ الطَّاغُوتِ وَحُبُّ الدُّنْيَا مَعَ خَوْفٍ قَلِيلٍ وَأَمَلٍ بَعِيدٍ وَغَفْلَةٍ فِي لَهْوٍ وَلَعِبٍ فَقَالَ: كَيْفَ كَانَ حُبُّكُمْ لِلدُّنْيَا؟ قَالَ: كَحُبِّ الصَّبِيِّ لِأُمِّهِ إِذَا أَقْبَلَتْ عَلَيْنَا فَرِحْنَا وَسررْنَا وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنَّا بَكَيْنَا وَحَزِنَّا قَالَ: كَيْفَ كَانَتْ عِبَادَتُكُمْ لِلطَّاغُوتِ؟ قَالَ: الطَّاعَةُ لِأَهْلِ الْمَعَاصِي قَالَ: كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِكُمْ؟ قَالَ: بِتْنَا لَيْلَةً فِي عَافِيَةٍ وَأَصْبَحْنَا فِي الْهَاوِيَةِ فَقَالَ: وَمَا الْهَاوِيَةُ؟ فَقَالَ: سِجِّينٌ قَالَ: وَمَا سِجِّينٌ؟ قَالَ: جِبَالٌ مِنْ جَمْرٍ تُوقَدُ عَلَيْنَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ: فَمَا قُلْتُمْ وَمَا قِيلَ لَكُمْ؟ قَالَ: قُلْنَا رُدَّنَا إِلَى الدُّنْيَا فَنَزْهَدَ فِيهَا قِيلَ لَنَا كَذَبْتُمْ قَالَ: وَيْحَكَ كَيْفَ لَمْ يُكَلِّمْنِي غَيْرُكَ مِنْ بَيْنِهِمْ؟ قَالَ: يَا رُوحَ اللَّهِ إِنَّهُمْ
ص: 136
مُلْجَمُونَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ بِأَيْدِي مَلائِكَةٍ غِلاظٍ شِدَادٍ وَإِنِّي كُنْتُ فِيهِمْ وَلَمْ أَكُنْ مِنْهُمْ فَلَمَّا نَزَلَ الْعَذَابُ عَمَّنِي مَعَهُمْ فَأَنَا مُعَلَّقٌ بِشَعْرَةٍ عَلَى شَفِيرِ(1) جَهَنَّمَ لا أَدْرِي أكَبْكَبُ فِيهَا أَمْ أَنْجُو مِنْهَا فَالْتَفَتَ عِيسَى عليه السلام إِلَى الْحَوَارِيِّينَ فَقَالَ: يَا أَوْلِيَاءَ اللَّهِ أَكْلُ الْخُبْزِ الْيَابِسِ بِالْمِلْحِ الْجَرِيشِ(2) وَالنَّوْمُ عَلَى الْمَزَابِلِ خَيْرٌ كَثِيرٌ مَعَ عَافِيَةِ الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ»(3).
ومنها: عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍعليه السلام قَالَ: «قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام: إِنَّ الدُّنْيَا قَدِ ارْتَحَلَتْ مُدْبِرَةً وَإِنَّ الآْخِرَةَ قَدِ ارْتَحَلَتْ مُقْبِلَةً وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآْخِرَةِ وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا أَلا وَكُونُوا مِنَ الزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا الرَّاغِبِينَ فِي الآْخِرَةِ أَلا إِنَّ الزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا اتَّخَذُوا الْأَرْضَ بِسَاطاً وَالتُّرَابَ فِرَاشاً وَالْمَاءَ طِيباً وَقُرِّضُوا مِنَ الدُّنْيَا تَقْرِيضاً(4) أَلا وَمَنِ اشْتَاقَ إِلَى الْجَنَّةِ سَلا عَنِ الشَّهَوَاتِ وَمَنْ أَشْفَقَ مِنَ النَّارِ رَجَعَ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ وَمَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا هَانَتْ عَلَيْهِ الْمَصَائِبُ أَلا إِنَّ للَّهِ ِ عِبَاداً كَمَنْ رَأَى أَهْلَ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ مُخَلَّدِينَ وَكَمَنْ رَأَى أَهْلَ النَّارِ فِي النَّارِ مُعَذَّبِينَ شُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ وَقُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ أَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ وَحَوَائِجُهُمْ خَفِيفَةٌ صَبَرُوا أَيَّاماً قَلِيلَةً فَصَارُوا بِعُقْبَى رَاحَةٍ طَوِيلَةٍ أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَجْرِي دُمُوعُهُمْ عَلَى خُدُودِهِمْ وَهُمْ يَجْأَرُونَ(5) إِلَى رَبِّهِمْ يَسْعَوْنَ فِي
ص: 137
فَكَاكِ رِقَابِهِمْ وَأَمَّا النَّهَارَ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ بَرَرَةٌ أَتْقِيَاءُ كَأَنَّهُمْ الْقِدَاحُ قَدْ بَرَاهُمُ(1) الْخَوْفُ مِنَ الْعِبَادَةِ يَنْظُرُ إِلَيْهِمُ النَّاظِرُ فَيَقُولُ مَرْضَى وَمَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ أَمْ خُولِطُوا(2) فَقَدْ خَالَطَ الْقَوْمَ أَمْرٌ عَظِيمٌ مِنْ ذِكْرِ النَّارِ وَمَا فِيهَا»(3).
ومنها: قوله صلى الله عليه وآله: «احذروا الدنيا فانّها أسحر من هاروت وماروت»(4).
ومنها: قوله صلى الله عليه وآله: «حقّ على اللَّه ألّا يرفع شيئاً من الدنيا إلّا وضعه»(5)
ومنها: قوله صلى الله عليه وآله: «فواللَّه ما الفقر أخشى عليكم ولكنّي أخشى عليكم أن تبسط لكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها(6) كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم»(7).
ومنها: «قال عيسى بن مريم عليه السلام: من ذا الذي يبنى على أمواج البحر داراً تلكم چاپ
ص: 138
الدنيا فلا تتّخذوها قرارا»(1).
ومنها: «انّ النبيّ صلى الله عليه وآله مرّ على مزبلة فوقف عليها وقال هلمّوا إلى الدنيا وأخذ خرقا قد بليت على تلك المزبلة وعظاما قد نخرت فقال هذه الدنيا»(2).
ومنها: عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «مثل الدنيا كمثل ماء البحر كلّما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتّى يقتله»(3).
قال عليه الصلاة والسلام في الديوان المنسوب إليه:
رأيت الدهر مختلفا يدور * فلا حزن يدوم ولا سرور
وقد بنت الملوك به قصورا * فما بقي الملوك ولا القصور(4)
دلّت على الآخرة الآيات والأخبار بل وضرورة المذاهب والملل.
فمن الآيات قوله تعالى: «وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ»(5).
ومنها قوله تعالى: «قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً»(6) الآية.
ومنها قوله تعالى: «مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ»(7) الآية.
ص: 139
ومنها قوله تعالى: «وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ»(1) الآية.
ومنها قوله تعالى: «قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى»(2) الآية.
ومنها قوله تعالى: «فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا»(3) الآية.
ومنها قوله تعالى: «تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ»(4) الآية.
ومنها قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ»(5) الآية.
ومنها قوله تعالى: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ»(6) الآية.
ومنها قوله تعالى: «وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ»(7).
ومنها قوله تعالى: «وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى»(8).
ومنها قوله تعالى: «وَلَلآْخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى»(9).
ومنها قوله تعالى: «يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً»(10) الآية.
ص: 140
وأمّا الأخبار والآثار الواردة فيها من العامّة والخاصّة فهي فوق حدّ الاحصاء وسيأتي في تضاعيف الكتاب ما يناسبها ويوضحها حقّ الايضاح إن شاء اللَّه تعالى.
قال لقمان لابنه وهو يعظه: يا بنيّ إنّك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة فدار أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد(1).
وقال أبو الحسن الثالث عليه السلام: «الدنيا سوق ربح فيها قوم وخسر آخرون»(2).
وفي الحديث القدسي: «يابن آدم الموت يكشف أسرارك والقيامة يتلو أخبارك والكتاب يهتك أستارك» الحديث(3).
الأصل في كلامه عليه السلام قوله تعالى: «سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ»(4).
وقوله تعالى: «وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا»(5) الآية.
وقوله تعالى: «فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ»(6).
ص: 141
وعن أبي عبدالرحمن السلمي قال: جمعت مع حذيفة بالمدائن فسمعته يقول: إنّ اللَّه تعالى يقول: «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ»(1) ألا وانّ القمر انشقّ على عهد النبيّ صلى الله عليه وآله وأنّ الساعة اقتربت، ألا انّ المضمار اليوم والسبق غداً. قال: فقلت لأبي: غدا تجري الخيل؟ قال: انّك لغافل أما سمعته يقول السابق من سبق إلى الجنّة...(2).
كانت السبقة عند بني أُميّة مائة ناقة حمراء ولا يمنعون أحداً قاد إليهم فرساً فأرسل الوليد بن عبدالملك في الحلبة العظمى فلمّا مدّت الحبال في صدور الخيل جاءت عجوز من بني نمير تقود فرساً لها وعليها غرارة وهي تقول:
فتاتنا المنسوبة الكريمة * ميمونة الطلعة لا مشؤومة
ثمّ قالت للوليد: ادخل فرسي، قال: أدخلوها قال: ما هذه الغرارة على عنقك قالت: فيها عقل السبقة، قال: انّك لواثقة بفرسك، قالت: ثقتي بهذه صيّرني تحت هذه، قال: فجاءت فرسها سابقة فأخذت المائة قال: فالنسل من خيلها معروف يقال لها خيل العجوز(3).
استدلّ له بقوله تعالى: «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ
ص: 142
يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ»(1).
وقال تعالى: «وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ»(2).
وعن جابر عن أبي جعفرعليه السلام قال: سمعته يقول: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له»(3).
قال اللَّه تعالى: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ»(4).
وقال اللَّه تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا»(5) الآية.
وقال اللَّه تعالى: «إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ»(6) الآية.
وقال اللَّه تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ»(7) الآية.
وقال اللَّه تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ»(8) الآية.
ص: 143
وقال اللَّه تعالى: «وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ»(1).
وقال اللَّه تعالى: «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ»(2).
وقال اللَّه تعالى: «أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ»(3).
البؤس شدّة الحاجة وهو كناية عن «يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»(4) وعن يوم «يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ»(5) وهو يوم القيامة.
وفي (المعارف) كان لنعمان بن منذر يومان يوم بؤس ويوم نعيم، وكان إذا ركب يوم بؤسه يقتل من يلقاه ويغري بدمه الغريّين، وأتاه عبيد بن الأبرص الشاعر يمتدحه يوم بؤسه ولم يعلم أنّه يوم بؤسه فقتله(6).
ص: 144
قال تعالى: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً»(1) الآية.
وقال تعالى: «وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ»(2) الآية.
وقال تعالى: «وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْ ءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ»(3) الآية.
وقال تعالى: «قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»(4).
وقال تعالى: «أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ»(5) الآية.
قال النبيّ صلى الله عليه وآله: «ما من عبد إلّا وله ثلاثة أخلّاء فأمّا خليل فيقول: ما أنفقت فلك وما أمسكت فليس لك فذلك ماله وأمّا خليل فيقول: أنا معك فإذا أتيت باب الملك
ص: 145
ذهبت وتركتك فذاك أهله وحشمه وأمّا خليل فيقول: أنا معك حيث دخلت وحيث خرجت فذاك عمله»(1).
في الخبر عن الرضاعليه السلام:
انّك في دار لها مدّة * يقبل فيها عمل العامل
ألا ترى الموت محيطا بها * يكذب فيها أمل الآمل
تعجّل الذنب لما تشتهي * وتأجل التوبة في قابل
والموت يأتي أهله بغتة * ما ذاك فعل الحازم العاقل(2)
وقريب من هذا المضمون قوله عليه السلام: «الناس في الدنيا عاملان عامل في الدنيا للدنيا قد شغلته دنياه عن آخرته يخشى على من يخلف الفقر ويأمنه على نفسه فيفني عمره في منفعة غيره وآخر عمل في الدنيا لما بعدها فجاءه الذي له من الدنيا بغير عمل فأصبح ملكا عند اللَّه لا يسأل شيئاً يمنعه»(3).
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «شيئان يكرههما ابن آدم يكره الموت والموت راحة للمؤمن من الفتنة ويكره قلّة المال وقلّة المال أقلّ للحساب»(4).
قيل للحسن بن علي عليهما السلام: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا بَالُنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ وَلا نُحِبُّهُ؟ فَقَالَ الْحَسَنُ عَلَيْهِ السَّلامُ: «إِنَّكُمْ أَخْرَبْتُمْ آخِرَتَكُمْ وَعَمَرْتُمْ دُنْيَاكُمْ وَأَنْتُمْ تَكْرَهُونَ النُّقْلَةَ مِنَ الْعُمْرَانِ إِلَى الْخَرَابِ»(5).
ص: 146
وعن أبي جعفرعليه السلام قال: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: النَّاسُ اثْنَانِ وَاحِدٌ أَرَاحَ وَآخَرُ اسْتَرَاحَ فَأَمَّا الَّذِي اسْتَرَاحَ فَالْمُؤْمِنُ إِذَا مَاتَ اسْتَرَاحَ مِنَ الدُّنْيَا وَبَلائِهَا وَأَمَّا الَّذِي أَرَاحَ فَالْكَافِرُ إِذَا مَاتَ أَرَاحَ الشَّجَرَ وَالدَّوَابَّ وَكَثِيراً مِنَ النَّاسِ»(1).
لا شكّ في انّ الموت راحة للمؤمن إنّما الكلام في انّ أيّ الأعمال يوجب الراحة عند الموت وبعد الموت.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَوْماً فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ عَجَائِبَ قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا رَأَيْتَ حَدِّثْنَا بِهِ فِدَاكَ أَنْفُسُنَا وَأَهْلُونَا وَأَوْلادُنَا فَقَالَ: «رَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي وَقَدْ أَتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ فَجَاءَهُ بِرُّهُ بِوَالِدَيْهِ فَمَنَعَهُ مِنْهُ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي قَدْ بُسِطَ عَلَيْهِ عَذَابُ الْقَبْرِ فَجَاءَهُ وُضُوؤُهُ فَمَنَعَهُ مِنْهُ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي قَدِ احْتَوَشَتْهُ الشَّيَاطِينُ فَجَاءَهُ ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَنَجَّاهُ مِنْ بَيْنِهِمْ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي قَدِ احْتَوَشَتْهُ مَلائِكَةُ الْعَذَابِ فَجَاءَتْهُ صَلاتُهُ فَمَنَعَتْهُ مِنْهُمْ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي يَلْهَثُ عَطَشاً كُلَّمَا وَرَدَ حَوْضاً مُنِعَ منه فَجَاءَهُ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَسَقَاهُ وَأَرْوَاهُ ورأيت رجلاً مِنْ أُمَّتِي قد احتوشته ملائكة العذاب فجائته صلاته فمنعته منهم. وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي وَالنَّبِيُّونَ حَلَقاً حَلَقاً كُلَّمَا أَتَى حَلْقَةً طُرِدَ فَجَاءَهُ اغْتِسَالُهُ مِنَ الْجَنَابَةِ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَجْلَسَهُ إِلَى جَنْبِي وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ ظُلْمَةٌ وَمِنْ خَلْفِهِ ظُلْمَةٌ وَعَنْ يَمِينِهِ ظُلْمَةٌ وَعَنْ شِمَالِهِ ظُلْمَةٌ وَمِنْ تَحْتِهِ ظُلْمَةٌ مُسْتَنْقِعاً فِي الظُّلْمَةِ فَجَاءَهُ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ فَأَخْرَجَاهُ مِنَ الظُّلْمَةِ وَأَدْخَلاهُ النُّورَ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي يُكَلِّمُ الْمُؤْمِنِينَ فَلا يُكَلِّمُونَهُ فَجَاءَهُ صِلَتُهُ لِلرَّحِمِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ كَلِّمُوهُ فَإِنَّهُ كَانَ وَاصِلاً لِرَحِمِهِ فَكَلَّمَهُ الْمُؤْمِنُونَ
ص: 147
وَصَافَحُوهُ وَكَانَ مَعَهُمْ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي يَتَّقِي وَهَجَ النِّيرَانِ وَشَرَرَهَا بِيَدِهِ وَوَجْهِهِ فَجَاءَتْهُ صَدَقَتُهُ فَكَانَتْ ظِلّاً عَلَى رَأْسِهِ وَسِتْراً عَلَى وَجْهِهِ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي قَدْ أَخَذَتْهُ الزَّبَانِيَةُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَجَاءَهُ أَمْرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُهُ عَنِ الْمُنْكَرِ فَخَلَّصَاهُ مِنْ بَيْنِهِمْ وَجَعَلاهُ مَعَ مَلائِكَةِ الرَّحْمَةِ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي جَاثِياً عَلَى رُكْبَتَيْهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَحْمَةِ اللَّهِ حِجَابٌ فَجَاءَهُ حُسْنُ خُلُقِهِ فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ فَأَدْخَلَهُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي قَدْ هَوَتْ صَحِيفَتُهُ قِبَلَ شِمَالِهِ فَجَاءَهُ خَوْفُهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَخَذَ صَحِيفَتَهُ فَجَعَلَهَا فِي يَمِينِهِ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي قَدْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَجَاءَهُ أَفْرَاطُهُ في صَلاته فَثَقلت مَوَازِينَهُ [فَجَاءَهُ أَفْرَاطُهُ فَثَقَّلُوا مَوَازِينَهُ] وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي قَائِماً عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَجَاءَهُ إفراطه في صلاته فَثَقُلَت مَوازينُهُ رَجَاؤُهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَاسْتَنْقَذَهُ مِنْ ذَلِكَ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي قَدْ هَوَى فِي النَّارِ فَجَاءَتْهُ دُمُوعُهُ الَّتِي بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ فَاسْتَخْرَجَتْهُ مِنْ ذَلِكَ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي عَلَى الصِّرَاطِ يَرْتَعِدُ كَمَا تَرْتَعِدُ السَّعَفَةُ فِي يَوْمِ رِيحٍ عَاصِفٍ فَجَاءَهُ حُسْنُ ظَنِّهِ بِاللَّهِ فَسَكَنَ رَعْدَتُهُ وَمَضَى عَلَى الصِّرَاطِ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي عَلَى الصِّرَاطِ يَزْحَفُ أَحْيَاناً وَيَحْبُو أَحْيَاناً وَيَتَعَلَّقُ أَحْيَاناً فَجَاءَتْهُ صَلاتُهُ عَلَيَّ فَأَقَامَتْهُ عَلَى قَدَمَيْهِ وَمَضَى عَلَى الصِّرَاطِ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي انْتَهَى إِلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ كُلَّمَا انْتَهَى إِلَى بَابٍ أُغْلِقَ دُونَهُ فَجَاءَتْهُ شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ صَادِقاً بِهَا فَفَتَحَتْ لَهُ الأبْوَابُ وَدَخَلَ الْجَنَّةَ»(1).
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أَرْضُ الْقِيَامَةِ نَارٌ مَا خَلا ظِلَّ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّ صَدَقَتَهُ تُظِلُّهُ»(2).
ص: 148
وعن أيّوب بن نوح قال: سمعت أبا جعفرعليه السلام يقول: «مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبِي بِطُوسَ غَفَرَ اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نُصِبَ لَهُ مِنْبَرٌ بِحِذَاءِ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله حَتَّى يَفْرُغَ اللَّهُ مِنْ حِسَابِ الْخَلائِقِ»(1).
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «من زوّج عزباً كان ممّن ينظر اللَّه إليه يوم القيامة»(2).
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «أربعة ينظر اللَّه عزّ وجلّ إليهم يوم القيامة: من أقال نادماً أو أغاث لهفان أو اعتق نسمة أو زوّج عزبا»(3).
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: من وقّر ذا شيبة في الإسلام آمنه اللَّه عزّ وجلّ من فزع يوم القيامة»(4).
وعن النبيّ صلى الله عليه وآله قال: «من عرضت له فاحشة أو شهوة فاجتنبها من مخافة اللَّه عزّ وجلّ حرّم اللَّه عليه النار وآمنه من الفزع الأكبر»(5).
مدح تعالى أنبيائه فقال فيهم: «فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ»(6)،
ص: 149
وذمّ اناسا لا يعرفونه الّا في الرهبة فقال: «وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(1).
وقال سبحانه: «وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ»(2).
وقال تعالى: «قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ»(3).
وقال تعالى: «وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ»(4).
وقال تعالى: «وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُوراً»(5).
وقال تعالى: «قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى»(6).
وقال تعالى: «وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ»(7) الآية.
وقال تعالى: «فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا»(8) الآية.
ص: 150
وقال تعالى: «لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ»(1).
وقال تعالى: «وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي»(2) الآية.
وقال تعالى: «إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً»(3).
وقال تعالى: «فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى»(4).
وقال تعالى: «كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى»(5).
الآيات الواردة في الجنّة وانّ دخولها فيها لا يمكن إلّا بالأعمال فكثيرة.
منها قوله تعالى: «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ»(6) الآية.
ومنها قوله تعالى: «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ
ص: 151
فِيهَا خَالِدُونَ»(1).
ومنها قوله تعالى: «وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ ِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ»(2) الآية.
ومنها قوله تعالى: «قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ»(3).
ومنها قوله تعالى: «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ»(4).
ومنها قوله تعالى: «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ»(5) الآية.
ومنها قوله تعالى: «وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً»(6).
ومنها قوله تعالى: «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا»(7) الآية.
ص: 152
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَقِيَ بِلالاً مُؤَذِّنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَسَأَلَهُ فِيمَا سَأَلَهُ عَنْ وَصْفِ بِنَاءِ الْجَنَّةِ قَالَ: اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَقُولُ: «إِنَّ سُورَ الْجَنَّةِ لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ يَاقُوتٍ وَمِلاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ وَشُرَفُهَا الْيَاقُوتُ الْأَحْمَرُ وَالْأَخْضَرُ وَالْأَصْفَرُ قُلْتُ فَمَا أَبْوَابُهَا قَالَ أَبْوَابُهَا مُخْتَلِفَةٌ بَابُ الرَّحْمَةِ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ» قُلْتُ: فَمَا حَلْقَتُهُ؟ قَالَ: وَيْحَكَ كُفَّ عَنِّي فَقَدْ كَلَّفْتَنِي شَطَطاً قُلْتُ: مَا أَنَا بِكَافٍّ عَنْكَ حَتَّى تُؤَدِّيَ إِلَيَّ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي ذَلِكَ قَالَ: اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ «أَمَّا بَابُ الصَّبْرِ فَبَابٌ صَغِيرٌ مِصْرَاعٌ وَاحِدٌ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ لا حَلَقَ لَهُ وَأَمَّا بَابُ الشُّكْرِ فَإِنَّهُ مِنْ يَاقُوتَةٍ بَيْضَاءَ لَهَا مِصْرَاعَانِ مَسِيرَةُ مَا بَيْنَهُمَا خَمْسُمِائَةِ عَامٍ لَهُ ضَجِيجٌ وَحَنِينٌ يَقُولُ اللَّهُمَّ جِئْنِي بِأَهْلِي قُلْتُ هَلْ يَتَكَلَّمُ الْبَابُ قَالَ نَعَمْ يُنْطِقُهُ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ وَأَمَّا بَابُ الْبَلاءِ قُلْتُ أَ لَيْسَ بَابُ الْبَلاءِ هُوَ بَابَ الصَّبْرِ؟ قَالَ لا، قُلْتُ فَمَا الْبَلاءُ؟ قَالَ الْمَصَائِبُ وَالْأَسْقَامُ وَالْأَمْرَاضُ وَالْجُذَامُ وَهُوَ بَابٌ مِنْ يَاقُوتَةٍ صَفْرَاءَ مِصْرَاعٌ وَاحِدٌ، مَا أَقَلَّ مَنْ يَدْخُلُ مِنْهُ قُلْتُ رَحِمَكَ اللَّهُ زِدْنِي وَتَفَضَّلْ عَلَيَّ فَإِنِّي فَقِيرٌ قَالَ يَا غُلامُ لَقَدْ كَلَّفْتَنِي شَطَطاً أَمَّا الْبَابُ الْأَعْظَمُ فَيَدْخُلُ مِنْهُ الْعِبَادُ الصَّالِحُونَ وَهُمْ أَهْلُ الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ وَالرَّاغِبُونَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْمُسْتَأْنِسُونَ بِهِ» قُلْتُ: رَحِمَكَ اللَّهُ فَإِذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ مَا ذَا يَصْنَعُونَ؟ قَالَ: يَسِيرُونَ عَلَى نَهْرَيْنِ فِي مَصَافَّ فِي سُفُنِ الْيَاقُوتِ مَجَاذِيفُهَا اللُّؤْلُؤُ فِيهَا مَلائِكَةٌ مِنْ نُورٍ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ خُضْرٌ شَدِيدَةٌ خُضْرَتُهَا قُلْتُ رَحِمَكَ اللَّهُ هَلْ يَكُونُ مِنَ النُّورِ أَخْضَرُ قَالَ: إِنَّ الثِّيَابَ هِيَ خُضْرٌ وَلَكِنْ فِيهَا نُورٌ مِنْ نُورِ رَبِّ الْعَالَمِينَ جَلَّ جَلالُهُ يَسِيرُونَ عَلَى حَافَتَيْ ذَلِكَ النَّهَرِ قُلْتُ: فَمَا اسْمُ ذَلِكَ النَّهَرِ؟ قَالَ: جَنَّةُ الْمَأْوَى قُلْتُ: هَلْ وَسَطُهَا غَيْرُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ جَنَّةُ عَدْنٍ وَهِيَ فِي
ص: 153
وَسَطِ الْجِنَانِ فَأَمَّا جَنَّةُ عَدْنٍ فَسُورُهَا يَاقُوتٌ أَحْمَرُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ قُلْتُ: فَهَلْ فِيهَا غَيْرُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ قُلْتُ: وَكَيْفَ سُورُهَا؟ قَالَ: وَيْحَكَ كُفَّ عَنِّي حَيَّرْتَ عَلَى قَلْبِي قُلْتُ: بَلْ أَنْتَ الْفَاعِلُ بِي ذَلِكَ مَا أَنَا بِكَافٍّ عَنْكَ حَتَّى تُتِمَّ لِيَ الصِّفَةَ وَتُخْبِرَنِي عَنْ سُورِهَا قَالَ: سُورُهَا نُورٌ فَقُلْتُ وَالْغُرَفُ الَّتِي هِيَ فِيهَا قَالَ: هِيَ مِنْ نُورِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قُلْتُ: زِدْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ قَالَ: وَيْحَكَ إِلَى هَذَا انْتَهَى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله طُوبَى لَكَ إِنْ أَنْتَ وَصَلْتَ إِلَى بَعْضِ هَذِهِ الصِّفَةِ وَطُوبَى لِمَنْ يُؤْمِنُ بِهَذَا الْخَبَرِ(1).
وأمّا الآيات الواردة في النار أيضاً كثيرة ولنشير إلى بعضها منها:
منها قوله تعالى: «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»(2).
ومنها قوله تعالى: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»(3).
ومنها قوله تعالى: «أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ»(4)
ومنها قوله تعالى: «وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً»(5).
ص: 154
ومنها قوله تعالى: «أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً»(1).
ومنها قوله تعالى: «سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا»(2) الآية.
ومنها قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ»(3).
ومنها قوله تعالى: «وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ»(4).
الآيات الصريحة في ذلك:
منها قوله تعالى: «وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى»(5).
ومنها: «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ»(6) الآية.
ومنها: «سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ
ص: 155
وَالْأَرْضِ»(1) الآية.
وفي حقّ النار:
ومنها: «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا... أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»(2).
قوله تعالى: «وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ»(3).
وأمّا الأخبار الواردة في الباب فكثيرة:
منها: ما رواه أبو الصلت الهروي عن الرِّضَاعليه السلام قال: قلت له: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ أَ هُمَا الْيَوْمَ مَخْلُوقَتَانِ؟ فَقَالَ عليه السلام: «نَعَمْ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَدْ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَرَأَى النَّارَ لَمَّا عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ» قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنَّ قَوْماً يَقُولُونَ إِنَّهُمَا الْيَوْمَ مُقَدَّرَتَانِ غَيْرُ مَخْلُوقَتَيْنِ فَقَالَ عليه السلام: «مَا أُولَئِكَ مِنَّا وَلا نَحْنُ مِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ خَلْقَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَقَدْ كَذَّبَ النَّبِيَ صلى الله عليه وآله وَكَذَّبَنَا وَلَيْسَ مِنْ وَلايَتِنَا عَلَى شَيْ ءٍ وَيخلّد فِي نَارِ جَهَنَّم»(4).
ومنها عن عليّ بن إبراهيم قال: حَدَّثني أَبِي عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ قَصْراً مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ يُرَى دَاخِلُهَا مِنْ خَارِجِهَا وَخَارِجُهَا مِنْ دَاخِلِهَا مِنْ ضِيَائِهَا وَفِيهَا بَيْتَانِ دُرٌّ وَزَبَرْجَدٌ فَقُلْتُ يَا جَبْرَئِيلُ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ فَقَالَ: هَذَا لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ وَأَدَامَ الصِّيَامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَتَهَجَّدَ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَام»(5).
ص: 156
ومنها: عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِعليه السلام قَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص حَيْثُ أُسْرِيَ بِهِ إلى السمآء لَمْ يَمُرَّ بِخَلْقٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إِلّا رَأَى مِنْهُ مَا يُحِبُّ مِنَ الْبِشْرِ وَاللُّطْفِ وَالسُّرُورِ بِهِ حَتَّى مَرَّ بِخَلْقٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئاً فَوَجَدَهُ قَاطِباً عَابِساً فَقَالَ يَا جَبْرَئِيلُ مَا مَرَرْتُ بِخَلْقٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إِلّا رَأَيْتُ الْبِشْرَ وَاللُّطْفَ وَالسُّرُورَ مِنْهُ إِلّا هَذَا، فَمَنْ هَذَا؟ قَالَ هَذَا مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ هَكَذَا خَلَقَهُ رَبُّهُ قَالَ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَطْلُبَ إِلَيْهِ أَنْ يُرِيَنِي النَّارَ فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام: إِنَّ هَذَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَقَدْ سَأَلَنِي أَنْ أَطْلُبَ إِلَيْكَ أَنْ تُرِيَهُ النَّارَ قَالَ: فَأَخْرَجَ لَهُ عُنُقاً مِنْهَا فَرَآهَا فَلَمَّا أَبْصَرَهَا لَمْ يَكُنْ ضَاحِكاً حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ»(1).
ومنها: ما رواه باسناده عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ مِثْلَهُ وَفِيهِ: «وَقَدْ سَأَلَنِي أَنْ أَسْأَلَكَ أَنْ تُرِيَهَا إِيَّاهُ قَالَ فَكَشَفَ لَهُ طَبَقاً مِنْ أَطْبَاقِهَا قَالَ فَمَا افْتَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله ضَاحِكاً حَتَّى مَاتَ»(2).
ومنها: عن أبي جعفرعليه السلام: «لا وَاللَّهِ مَا خَلَتِ الْجَنَّةُ مِنْ أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ مُنْذُ خَلَقَهَا وَلا خَلَتِ النَّارُ مِنْ أَرْوَاحِ الْكُفَّارِ وَالْعُصَاةِ مُنْذُ خَلَقَهَا عَزَّ وَجَل»(3).
ومنها: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ يَهُودِيَّانِ فَسَأَلا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَقَالا: أَيْنَ تَكُونُ الْجَنَّةُ وَأَيْنَ تَكُونُ النَّارُ؟ قَالَ: «أَمَّا الْجَنَّةُ فَفِي السَّمَاءِ وَأَمَّا النَّارُ فَفِي الْأَرْض»(4).
ومنها: عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَال: «مَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقاً إِلّا جَعَلَ لَهُ فِي
ص: 157
الْجَنَّةِ مَنْزِلاً وَفِي النَّارِ مَنْزِلاً فَإِذَا سَكَنَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ نَادَى مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ أَشْرِفُوا فَيُشْرِفُونَ عَلَى النَّارِ وَتُرْفَعُ لَهُمْ مَنَازِلُهُمْ فِيهَا ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ هَذِهِ مَنَازِلُكُمُ الَّتِي لَوْ عَصَيْتُمُ اللَّهَ دَخَلْتُمُوهَا قَالَ عليه السلام فَلَوْ أَنَّ أَحَداً مَاتَ فَرَحاً لَمَاتَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَرَحاً لِمَا صُرِفَ عَنْهُمْ مِنَ الْعَذَابِ ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ يَا أَهْلَ النَّارِ ارْفَعُوا رُؤُوسَكُمْ فَيَرْفَعُونَ رُؤُوسَهُمْ فَيَنْظُرُونَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ فِي الْجَنَّةِ وَمَا فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ فَيُقَالُ لَهُمْ هَذِهِ مَنَازِلُكُمُ الَّتِي لَوْ أَطَعْتُمْ رَبَّكُمْ دَخَلْتُمُوهَا قَالَ عليه السلام فَلَوْ أَنَّ أَحَداً مَاتَ حُزْناً لَمَاتَ أَهْلُ النَّارِ حُزْناً فَيُورِثُ هَؤُلاءِ مَنَازِلَ هَؤُلاء ويورث هؤلاء منازل هؤلاء»(1).
ومنها: عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام فَقَرَأَ رَجُلٌ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ فَقَالَ الرَّجُلُ: وَمَا الْفَلَقُ؟ قَالَ: «صَدْعٌ فِي النَّارِ فِيهِ سَبْعُونَ أَلْفَ دَارٍ فِي كُلِّ دَارٍ سَبْعُونَ أَلْفَ بَيْتٍ فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ أَلْفَ أَسْوَدَ فِي جَوْفِ كُلِّ أَسْوَدَ سَبْعُونَ أَلْفَ جَرَّةِ سَمٍّ لا بُدَّ لِأَهْلِ النَّارِ أَنْ يَمُرُّوا عَلَيْهَا»(2).
ومنها: عَنِ الصَّادِقِ عليه السلام فِي خَبَرِ الْمِعْرَاجِ قَالَ: «قَالَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله: سَمِعْتُ صَوْتاً أَفْزَعَنِي فَقَالَ لِي جَبْرَئِيلُ: أَ تَسْمَعُ يَا مُحَمَّدُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: هَذِهِ صَخْرَةٌ قَذَفْتُهَا عَنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ مُنْذُ سَبْعِينَ عَاماً فَهَذَا حِينَ اسْتَقَرَّتْ قَالُوا فَمَا ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله حَتَّى قُبِضَ قَالَ عليه السلام: فَصَعِدَ جَبْرَئِيلُ وَصَعِدْتُ حَتَّى دَخَلْتُ سَمَاءَ الدُّنْيَا فَمَا لَقِيَنِي مَلَكٌ إِلّا وَهُوَ ضَاحِكٌ مُسْتَبْشِرٌ حَتَّى لَقِيَنِي مَلَكٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ لَمْ أَرَ أَعْظَمَ خَلْقاً مِنْهُ كَرِيهُ الْمَنْظَرِ ظَاهِرُ الْغَضَبِ فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالُوا مِنَ الدُّعَاءِ إِلّا أَنَّهُ لَمْ يَضْحَكْ وَلَمْ أَرَ فِيهِ مِنَ الاسْتِبْشَارِ مَا رَأَيْتُ مِمَّنْ ضَحِكَ مِنَ الْمَلائِكَةِ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جَبْرَئِيلُ
ص: 158
فَإِنِّي قَدْ فَزِعْتُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ تَفْزَعَ مِنْهُ فَكُلُّنَا يَفْزَعُ مِنْهُ إِنَّ هَذَا مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ لَمْ يَضْحَكْ قَطُّ وَلَمْ يَزَلْ مُنْذُ وَلّاهُ اللَّهُ جَهَنَّمَ يَزْدَادُ كُلَّ يَوْمٍ غَضَباً وَغَيْظاً عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ وَأَهْلِ مَعْصِيَتِهِ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ بِهِ مِنْهُم»(1).
والروايات في الباب مِنَ الخاصّة والعامّة كثيرة كلّها تدلّ على كون الجنّة والنار مخلوقتين الآن.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: «لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ قَالَ لِي جَبْرَئِيلُ عليه السلام: قَدْ أَمَرْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَنْ تعْرَضَ عَلَيْكَ قَالَ: فَرَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَمَا فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ وَرَأَيْتُ النَّارَ وَمَا فِيهَا مِنَ الْعَذَابِ (الأليم) وَالْجَنَّةُ لهَا ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْهَا أَرْبَعُ كَلِمَاتٍ كُلُّ كَلِمَةٍ منها خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لِمَنْ يَعْلَمُ وَيَعْمَلُ بِهَا وَلِلنَّارِ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْهَا ثَلاثُ كَلِمَاتٍ كُلُّ كَلِمَةٍ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لِمَنْ يَعْلَمُ وَيَعْمَلُ بِهَا فَقَالَ لِي جَبْرَئِيلُ عليه السلام: اقْرَأْ يَا مُحَمَّدُ مَا عَلَى الْأَبْوَابِ فَقَرَأْتُ ذَلِكَ أَمَّا أَبْوَابُ الْجَنَّةِ:
فَعَلَى أَوَّلِ بَابٍ مِنْهَا مَكْتُوبٌ: لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ لِكُلِّ شَيْ ءٍ حِيلَةٌ وَحِيلَةُ الْعَيْشِ أَرْبَعُ خِصَالٍ الْقَنَاعَةُ وَبَذْلُ الْحَقِّ وَتَرْكُ الْحِقْدِ وَمُجَالَسَةُ أَهْلِ الْخَيْرِ.
وَعَلَى الْبَابِ الثَّانِي مَكْتُوبٌ: لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ لِكُلِّ شَيْ ءٍ حِيلَةٌ وَحِيلَةُ السُّرُورِ فِي الآْخِرَةِ أَرْبَعُ خِصَالٍ مَسْحُ رُؤُوسِ الْيَتَامَى وَالتَّعَطُّفُ عَلَى الْأَرَامِلِ وَالسَّعْيُ فِي حَوَائِجِ الْمُؤْمِنِينَ وَالتَّفَقُّدُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ.
ص: 159
وَعَلَى الْبَابِ الثَّالِثِ مَكْتُوبٌ: لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ لِكُلِّ شَيْ ءٍ حِيلَةٌ وَحِيلَةُ الصِّحَّةِ فِي الدُّنْيَا أَرْبَعُ خِصَالٍ قِلَّةُ الْكَلامِ وَقِلَّةُ الْمَنَامِ وَقِلَّةُ الْمَشْيِ وَقِلَّةُ الطَّعَامِ.
وَعَلَى الْبَابِ الرَّابِعِ مَكْتُوبٌ: لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلْيُكْرِمْ وَالِدَيْهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ يَسْكُتُ.
وَعَلَى الْبَابِ الْخَامِسِ مَكْتُوبٌ: لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ مَنْ أَرَادَ أَنْ لا يُظْلَمَ فَلا يَظْلِمْ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ لا يُشْتَمَ فَلا يَشْتِمْ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ لا يُذَلَّ فَلا يُذِلَّ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَمْسِكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ فَلْيَقُلْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ.
وَعَلَى الْبَابِ السَّادِسِ مَكْتُوبٌ: لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ قَبْرُهُ وَسِيعاً فَسِيحاً فَلْيَبْنِ الْمَسَاجِدَ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ لا تَأْكُلَهُ الدِّيدَانُ تَحْتَ الْأَرْضِ فَلْيَسْكُنِ [فليكنس] الْمَسَاجِدَ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ طَرِيّاً مُطِرّاً لا يَبْلَى فَلْيَكْنُسِ [فليسكن] الْمَسَاجِدَ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرَى مَوْضِعَهُ فِي الْجَنَّةِ فَلْيَكْسُ الْمَسَاجِدَ بِالْبُسُطِ.
وَعَلَى الْبَابِ السَّابِعِ مَكْتُوبٌ: لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ بَيَاضُ الْقَلْبِ فِي أَرْبَعِ خِصَالٍ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَشِرَاءِ الْأَكْفَانِ [وأسر الكفار ]وَرَدِّ الْقَرْضِ.
وَعَلَى الْبَابِ الثَّامِنِ مَكْتُوبٌ: لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ مَنْ
ص: 160
أَرَادَ الدُّخُولَ مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ فَلْيَتَمَسَّكْ بِأَرْبَعِ خِصَالٍ السَّخَاءِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ وَالصَّدَقَةِ وَالْكَفِّ عَنْ أَذَى عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى.
ثُمَ رَأَيْتُ عَلَى أَبْوَابِ النَّارِ مَكْتُوباً عَلَى الْبَابِ الْأَوَّلِ ثَلاثَ كَلِمَاتٍ: مَنْ رَجَا اللَّهَ سَعِدَ وَمَنْ خَافَ اللَّهَ أَمِنَ وَالْهَالِكُ الْمَغْرُورُ مَنْ رَجَا غَيْرَ اللَّهِ وَخَافَ سِوَاهُ.
وَعَلَى الْبَابِ الثَّانِي: مَنْ أَرَادَ أَنْ لا يَكُونَ عُرْيَاناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلْيَكْسُ الْجُلُودَ الْعَارِيَةَ فِي الدُّنْيَا ومَنْ أَرَادَ أَنْ لا يَكُونَ عَطْشَاناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلْيَسْقِ الْعِطَاشَ فِي الدُّنْيَا مَنْ أَرَادَ أَنْ لا يَكُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَائِعاً فَلْيُطْعِمِ الْبُطُونَ الْجَائِعَةَ فِي الدُّنْيَا.
وَعَلَى الْبَابِ الثَّالِثِ مَكْتُوبٌ: لَعَنَ اللَّهُ الْكَاذِبِينَ لَعَنَ اللَّهُ الْبَاخِلِينَ لَعَنَ اللَّهُ الظَّالِمِينَ.
وَعَلَى الْبَابِ الرَّابِعِ مَكْتُوبٌ: ثَلاثُ كَلِمَاتٍ أَذَلَّ اللَّهُ مَنْ أَهَانَ الْإِسْلامَ أَذَلَّ اللَّهُ مَنْ أَهَانَ أَهْلَ الْبَيْتِ أَذَلَّ اللَّهُ مَنْ أَعَانَ الظَّالِمِينَ عَلَى ظُلْمِهِمْ لِلْمَخْلُوقِينَ.
وَعَلَى الْبَابِ الْخَامِسِ مَكْتُوبٌ: ثَلاثُ كَلِمَاتٍ لا تَتَّبِعُوا الْهَوَى فَالْهَوَى يُخَالِفُ [مجانب] الْإِيمَانَ وَلا تُكْثِرْ مَنْطِقَكَ فِيمَا لا يَعْنِيكَ فَتَسْقُطَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَلا تَكُنْ عَوْناً لِلظَّالِمِينَ.
وَعَلَى الْبَابِ السَّادِسِ مَكْتُوبٌ: أَنَا حَرَامٌ عَلَى الْمُجْتَهِدِينَ أَنَا حَرَامٌ عَلَى الْمُتَصَدِّقِينَ أَنَا حَرَامٌ عَلَى الصَّائِمِينَ.
وَعَلَى الْبَابِ السَّابِعِ مَكْتُوبٌ: ثَلاثُ كَلِمَاتٍ حَاسِبُوا نُفُوسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَوَبِّخُوا نُفُوسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوَبَّخُوا وَادْعُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَنْ تَرِدُوا عَلَيْهِ وَلا تَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ»(1).
ص: 161
وعن أبي جعفرعليه السلام قال: «أَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ عَرْضُ كُلِّ بَابٍ مِنْهَا مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً»(1).
عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقرعليه السلام قال: «قَالَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: طُوبَى شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ أَصْلُهَا فِي دَارِ النَّبِيِ صلى الله عليه وآله وَلَيْسَ مِنْ مُؤْمِنٍ إِلّا وَفِي دَارِهِ غُصْنٌ مِنْهَا لا تَخْطُرُ عَلَى قَلْبِهِ شَهْوَةُ شَيْ ءٍ إِلّا أَتَاهُ بِهِ ذَلِكَ الْغُصْنُ وَلَوْ أَنَّ رَاكِباً مُجِدّاً سَارَ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ مَا خَرَجَ مِنْهَا وَلَوْ طَارَ مِنْ أَسْفَلِهَا غُرَابٌ مَا بَلَغَ أَعْلاهَا حَتَّى يَسْقُطَ هَرِماً أَلا فَفِي هَذَا فَارْغَبُوا»(2).
وعن عطيّة عن جابر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «مَكْتُوبٌ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَخُو رَسُولِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِأَلْفَيْ عَامٍ»(3).
وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍ عليهم السلام قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا خَلَقَ الْجَنَّةَ خَلَقَهَا مِنْ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَجَعَلَ حِيطَانَهَا الْيَاقُوتَ وَسَقْفَهَا الزَّبَرْجَدَ وَحَصْبَاءَهَا اللُّؤْلُؤَ(4) وَتُرَابَهَا الزَّعْفَرَانَ وَالْمِسْكَ الْأَزْفَرَ فَقَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي فَقَالَتْ: لا إِلَهَ إِلّا أَنْتَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ قَدْ سَعِدَ مَنْ يَدْخُلُنِي فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: بِعِزَّتِي وَعَظَمَتِي وَجَلالِي وَارْتِفَاعِي لا يَدْخُلُهَا مُدْمِنُ خَمْرٍ وَلا سِكِّيرٌ(5) وَلا
ص: 162
قَتَّاتٌ(1) وَهُوَ النَّمَّامُ وَلا دَيُّوثٌ وَهُوَ الْقَلْطَبَانُ وَلا قَلّاعٌ وَهُوَ الشُّرْطِيُّ وَلا زَنُّوقٌ وَهُوَ الْخُنْثَى وَلا خَيُّوفٌ وَهُوَ النَّبَّاشُ وَلا عَشَّارٌ وَلا قَاطِعُ رَحِمٍ وَلا قَدَرِيٌّ»(2).
وَعَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ خَوِّفْنِي فَإِنَّ قَلْبِي قَدْ قَسَا فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ اسْتَعِدَّ لِلْحَيَاةِ الطَّوِيلَةِ فَإِنَّ جَبْرَئِيلَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِ صلى الله عليه وآله وَهُوَ قَاطِبٌ وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يَجِي ءُ وَهُوَ مُتَبَسِّمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: يَا جَبْرَئِيلُ جِئْتَنِي الْيَوْمَ قَاطِباً فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ وُضِعَتْ مَنَافِخُ النَّارِ فَقَالَ: وَمَا مَنَافِخُ النَّارِ يَا جَبْرَئِيلُ؟ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِالنَّارِ فَنُفِخَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ ثُمَّ نُفِخَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى احْمَرَّتْ ثُمَّ نُفِخَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الضَّرِيعِ قَطَرَتْ فِي شَرَابِ أَهْلِ الدُّنْيَا لَمَاتَ أَهْلُهَا مِنْ نَتْنِهَا وَلَوْ أَنَّ حَلْقَةً وَاحِدَةً مِنَ السِّلْسِلَةِ الَّتِي طُولُهَا سَبْعُونَ ذِراعاً وُضِعَتْ عَلَى الدُّنْيَا لَذَابَتِ الدُّنْيَا مِنْ حَرِّهَا وَلَوْ أَنَّ سِرْبَالاً مِنْ سَرَابِيلِ أَهْلِ النَّارِ عُلِّقَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَمَاتَ أَهْلُ الدُّنْيَا مِنْ رِيحِهِ ووهجه قَالَ فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ ص وَبَكَى جَبْرَئِيلُ فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمَا مَلَكاً فَقَالَ لَهُمَا إِنَّ رَبَّكُمَا يُقْرِئُكُمَا السَّلامَ وَيَقُولُ قَدْ أَمِنْتُكُمَا أَنْ تُذْنِبَا ذَنْباً أُعَذِّبُكُمَا عَلَيْهِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع فَمَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ص جَبْرَئِيلَ مُتَبَسِّماً بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ إِنَّ أَهْلَ النَّارِ يُعَظِّمُونَ النَّارَ وَإِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يُعَظِّمُونَ الْجَنَّةَ وَالنَّعِيمَ وَإِنَّ اهل جَهَنَّمَ إِذَا دَخَلُوهَا هَوَوْا فِيهَا مَسِيرَةَ سَبْعِينَ عَاماً فَإِذَا بَلَغُوا
ص: 163
أَعْلاهَا قُمِعُوا بِمَقَامِعِ الْحَدِيدِ وَأُعِيدُوا فِي دَرَكِهَا فَهَذِهِ حَالُهُمْ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ «كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ»(1) ثُمَّ تُبَدَّلُ جُلُودُهُمْ جلوداً غَيْرَ الْجُلُودِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع حَسْبُكَ يا ابامحمد، قُلْتُ حَسْبِي حَسْبِي(2).
وحيث انّ الآيات والأخبار في الجنّة والنار وأحوالهما من النعيم والعذاب أكثر من أن تحصى فلا حاجة إلى اطالة الكلام بها.
الايمان والعمل الصالح يوجب الدخول في الجنّة.
الآيات الواردة في المقام كلّها أو جلّها مصدّر بقوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ» وما يفيد هذا المعنى كقوله تعالى: «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ»(3).
وقوله تعالى: «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ»(4) الآية.
وقوله تعالى: «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا ... قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ»(5).
ص: 164
وقوله تعالى: «قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي»(1) الآية.
وقوله تعالى: «فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ»(2) الآية.
وقوله تعالى: «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا»(3) الآية.
وقوله تعالى: «وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا»(4) الآية.
ان العمل الصالح الصادق على أفراده ومصاديقه من قبيل الوجود المقول على أفراده ومصاديقه بالتشكيك.
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنِ الصَّادِقِ عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفاً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا لا يَسْكُنُهَا مِنْ أُمَّتِي إِلّا مَنْ أَطَابَ الْكَلامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَفْشَى السَّلامَ وَأَدَامَ الصِّيَامَ وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَام»(5).
وعَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ آبائِهِ عَنْ عَلِيّ عليه السلام: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَخْرُجُ مِنْ أَعْلاهَا الْحُلَلُ وَمِنْ أَسْفَلِهَا خَيْلٌ بُلْقٌ مُسْرَجَةٌ مُلْجَمَةٌ ذَوَاتُ أَجْنِحَةٍ لا تَرُوثُ وَلا تَبُولُ فَيَرْكَبُهَا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فَتَطِيرُ بِهِمْ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاؤُوا فَيَقُولُ الَّذِينَ أَسْفَلُ مِنْهُمْ يَا
ص: 165
رَبَّنَا مَا بَلَّغَ بِعِبَادِكَ هَذِهِ الْكَرَامَةَ فَيَقُولُ اللَّهُ جَلَّ جَلالُهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ اللَّيْلَ وَلا يَنَامُونَ وَيَصُومُونَ النَّهَارَ وَلا يَأْكُلُونَ وَيُجَاهِدُونَ الْعَدُوَّ وَلا يَجْبُنُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَلا يَبْخَلُون»(1).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍ عليهم السلام قَالَ: «إِنَّ لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ بَابٌ يَدْخُلُ مِنْهُ النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ وَبَابٌ يَدْخُلُ مِنْهُ الشُّهَدَاءُ وَالصَّالِحُونَ وَخَمْسَةُ أَبْوَابٍ يَدْخُلُ مِنْهَا شِيعَتُنَا وَمُحِبُّونَا فَلا أَزَالُ وَاقِفاً عَلَى الصِّرَاطِ أَدْعُو وَأَقُولُ رَبِّ سَلِّمْ شِيعَتِي وَمُحِبِّي وَأَنْصَارِي وَمَنْ تَوَلانِي فِي دَارِ الدُّنْيَا فَإِذَا النِّدَاءُ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكَ وَشُفِّعْتَ فِي شِيعَتِكَ وَيَشْفَعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ شِيعَتِي وَمَنْ تَوَلّانِي وَنَصَرَنِي وَحَارَبَ مَنْ حَارَبَنِي بِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ فِي سَبْعِينَ أَلْفاً مِنْ جِيرَانِهِ وَأَقْرِبَائِهِ وَبَابٌ يَدْخُلُ مِنْهُ سَائِرُ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ مِقْدَارُ ذَرَّةٍ مِنْ بُغْضِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ»(2).
وَعَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا قيعان [قِيعَاناً] يَقَقٍ [يَقَقَا(3)] وَرَأَيْتُ فِيهَا مَلائِكَةً يَبْنُونَ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ وَرُبَّمَا أَمْسَكُوا فَقُلْتُ لَهُمْ: مَا بَالُكُمْ رُبَّمَا بَنَيْتُمْ وَرُبَّمَا أَمْسَكْتُمْ؟ فَقَالُوا: حَتَّى تَجِيئَنَا النَّفَقَةُ فَقُلْتُ: وَمَا نَفَقَتُكُمْ؟ فَقَالُوا: قَوْلُ الْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ للَّهِ ِ وَلا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، فَإِذَا قَالَ: بَنَيْنَا وَإِذَا أَمْسَكَ أَمْسَكْنَا»(4).
قَالَ الصَّادِقُ عليه السلام: «قَالَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ فِي الْجَنَّةِ عَمُوداً مِنْ
ص: 166
يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ قَصْرٍ فِي كُلِّ قَصْرٍ سَبْعُونَ أَلْفَ غُرْفَةٍ خَلَقَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمُتَحَابِّينَ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِي اللَّهِ» الْخَبَرَ(1).
عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِيٍ عليهم السلام قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا خَلَقَ الْجَنَّةَ خَلَقَهَا مِنْ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَجَعَلَ حِيطَانَهَا الْيَاقُوتَ وَسَقْفَهَا الزَّبَرْجَدَ وَحَصْبَاءَهَا اللُّؤْلُؤَ وَتُرَابَهَا الزَّعْفَرَانَ وَالْمِسْكَ الْأَزْفَرَ فَقَالَ لَهَا تَكَلَّمِي فَقَالَتْ لا إِلَهَ إِلّا أَنْتَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ قَدْ سَعِدَ مَنْ يَدْخُلُنِي فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ بِعِزَّتِي وَعَظَمَتِي وَجَلالِي وَارْتِفَاعِي لا يَدْخُلُهَا مُدْمِنُ خَمْرٍ وَلا سِكِّيرٌ وَلا قَتَّاتٌ وَهُوَ النَّمَّامُ وَلا دَيُّوثٌ وَهُوَ الْقَلْطَبَانُ وَلا قَلّاعٌ وَهُوَ الشُّرْطِيُّ وَلا زَنُّوقٌ وَهُوَ الْخُنْثَى وَلا خَيُّوفٌ وَهُوَ النَّبَّاشُ وَلا عَشَّارٌ وَلا قَاطِعُ رَحِمٍ وَلا قَدَرِيٌّ»(2).
وقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام: «عَلَيْكَ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ بِيَدِهِ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ وَجَعَلَ مِلاطَهَا الْمِسْكَ وَتُرَابَهَا الزَّعْفَرَانَ وَحَصْبَاءَهَا(3) اللُّؤْلُؤَ وَجَعَلَ دَرَجَاتِهَا عَلَى قَدْرِ آيَاتِ الْقُرْآنِ فَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ قَالَ لَهُ اقْرَأْ وَارْقَ وَمَنْ دَخَلَ مِنْهُمُ الْجَنَّةَ لَمْ يَكُنْ أحد فِي الْجَنَّةِ أَعْلَى دَرَجَةً مِنْهُ مَا خَلا النبيين والصديقين «النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ»(4).
وَعَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍ عليهم السلام عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ عليها السلام عَنْ أَبِيهَا وعمها الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍ عليهما السلام قَالا: «حَدَّثَنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: لَمَّا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ رَأَيْتُ فِيهَا شَجَرَةً تَحْمِلُ
ص: 167
الْحُلِيَّ وَالْحُلَلَ أَسْفَلُهَا خَيْلٌ بُلْقٌ وَأَوْسَطُهَا حُورٌ عِينٌ وَفِي أَعْلاهَا الرِّضْوَانُ قُلْتُ يَا جَبْرَئِيلُ لِمَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةُ قَالَ هَذِهِ لابْنِ عَمِّكَ أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام فَإِذَا أَمَرَ اللَّهُ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ يُؤْتَى بِشِيعَةِ عَلِيٍّ حَتَّى يَنْتَهِيَ بِهِمْ إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَيَلْبَسُونَ الْحُلِيَّ وَالْحُلَلَ وَيَرْكَبُونَ الْخَيْلَ الْبُلْقَ وَيُنَادِي مُنَادٍ هَؤُلاءِ شِيعَةُ عَلِيٍ عليه السلام صَبَرُوا فِي الدُّنْيَا عَلَى الْأَذَى فَحُبُوا فِي هَذَا الْيَوْمَ بِهَذَا»(1).
عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: «إِنَّ للجنّة إحدى وَسَبْعِينَ بَاباً يَدْخُلُ مِنْ سَبْعِينَ مِنْهَا شِيعَتِي وَأَهْلُ بَيْتِي وَمِنْ بَابٍ وَاحِدٍ سَائِرُ النَّاسِ»(2).
عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا عِبَادِيَ الصِّدِّيقِينَ تَنَعَّمُوا بِعِبَادَتِي فِي الدُّنْيَا فَإِنَّكُمْ تَتَنَعَّمُونَ بِهَا فِي الآْخِرَةِ»(3).
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في حديث طويل: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا كَانَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ أَمَرَ بِأَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَتُفَتَّحُ وَيَأْمُرُ شَجَرَةَ طُوبَى فَتُطْلِعُ أَغْصَانَهَا عَلَى هَذِهِ الدُّنْيَا [ثمّ يأمر بأبواب النار فتفتح، ويأمر شجرة الزقّوم فتطلع أغصانها على هذه الدنيا ]ثُمَّ يُنَادِي مُنَادِي رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَا عِبَادَ اللَّهِ هَذِهِ أَغْصَانُ شَجَرَةِ طُوبَى فَتَعَلَّقُوا بِهَا تُؤَدِّكُمْ إِلَى الْجِنَانِ وَهَذِهِ أَغْصَانُ شَجَرَةِ الزَّقُّومِ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهَا لا تَؤَدِّيكُمْ إِلَى الْجَحِيمِ».
ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وآله: «فَوَ الَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبِيّاً إِنَّ مَنْ تَعَاطَى بَاباً مِنَ الْخَيْرِ والبر فِي هَذَا الْيَوْمِ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِ شَجَرَةِ طُوبَى فَهُوَ مُؤَدِّيهِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَنْ
ص: 168
تَعَاطَى بَاباً مِنَ الشَّرِّ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِ الزَّقُّومِ فَهُوَ مُؤَدِّيهِ إِلَى النَّارِ».
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: «فَمَنْ تَطَوَّعَ للَّهِ ِ بِصَلاةٍ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ. وَمَنْ صامَ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ.
وَمَنْ عَفَا عَنْ مَظْلِمَةٍ فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ وَمَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، وَالْوَالِدِ وَوَلَدِهِ، وَالْقَرِيبِ وَقَرِيبِهِ، وَالْجَارِ وَجَارِهِ، وَالْأَجْنَبِيِّ وَأَجْنَبِيِّهِ، فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ.
وَمَنْ خَفَّفَ عَنْ مُعْسِرٍ مِنْ دَيْنِهِ أَوْ حَطَّ(1) عَنْهُ فَقَطْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ.
وَمَنْ نَظَرَ فِي حِسَابِهِ فَرَأَى دَيْناً عَتِيقاً قَدْ يَئِسَ مِنْهُ صَاحِبُهُ فَأَدَّاهُ فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ.
وَمَنْ كَفَلَ يَتِيماً فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ.
وَمَنْ كَفَّ سَفِيهًا عَنْ عِرْضِ مُؤْمِنٍ فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ.
وَمَنْ قَرَأَ القُرآن أوْ شَيْئاً مِنْهُ فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ.
وَمَنْ قَعَدَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَلِنَعْمَائِهِ يَشْكُرُهُ فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ.
وَمَنْ عَادَ مَرِيضاً فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ.
وَمَنْ شَيَّعَ فِيهِ جَنَازَةً فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ.
وَمَنْ عَزَّى فِيهِ مُصَاباً فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ.
وَمَنْ بَرَّ فِيهِ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فِي هَذَا الْيَوْمِ فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ.
وَمَنْ كَانَ أَسْخَطَهُمَا قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ فَأَرْضَاهُمَا فِي هَذَا الْيَوْمِ فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ.
وَكَذَلِكَ مَنْ فَعَلَ شَيْئاً مِنْ سَائِرِ أَبْوَابِ الْخَيْرِ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ».
ص: 169
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: «وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبِيّاً، وان من تعاطى بابا من الشر والعصيان في هذا اليوم فقد تعلق بغصن من اغصان شجرة الزقوم فهو مؤديه إلى النار، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: «وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبِيّاً فَمَنْ قَصَّرَ فِي صَلاتِهِ الْمَفْرُوضَةِ وَضَيَّعَهَا فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.
[ومن كان عليه فرض صوم ففرط فيه وضيّعه، فقد تعلّق بغصن منه].
وَمَنْ جَاءَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَقِيرٌ ضَعِيفٌ يَشْكُو إِلَيْهِ (يعرف) سُوءَ حَالِهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِ حَالِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ وَيَقُومُ مَقَامَهُ فَتَرَكَهُ يُضَيَّعُ وَيَعْطَبُ وَلَمْ يَأْخُذْ بِيَدِهِ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.
وَمَنِ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ مُسِي ءٌ فَلَمْ يَعْذِرْهُ ثُمَّ لَمْ يَقْتَصِرْ بِهِ عَلَى قَدْرِ عُقُوبَةِ إِسَاءَتِهِ بَلْ أَرْبَى عَلَيْهِ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.
وَمَنْ أَفْسَدَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ أَوِ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ أَوِ الْأَخِ وَأَخِيهِ أَوِ الْقَرِيبِ وَقَرِيبِهِ أَوْ بَيْنَ جَارَيْنِ أَوْ خَلِيطَيْنِ أَوْ أَجْنَبِيَّيْنِ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.
وَمَنْ شَدَّدَ عَلَى مُعْسِرٍ وَهُوَ يَعْلَمُ إِعْسَارَهُ فَزَادَ غَيْظاً وَبَلاءً فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.
وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَكَسَرَهُ(1) عَلَى صَاحِبِهِ وَتَعَدَّى عَلَيْهِ حَتَّى أَبْطَلَ دَيْنَهُ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.
وَمَنْ جَفَا يَتِيماً وَآذَاهُ وَتَهَضَّمَ(2) مَالَهُ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.
وَمَنْ وَقَعَ فِي عِرْضِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ وَحَمَلَ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.
وَمَنْ تَغَنَّى بِغِنَاءٍ حَرَامٍ يَبْعَثُ فِيهِ عَلَى الْمَعَاصِي فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.
ص: 170
وَمَنْ قَعَدَ يُعَدِّدُ قَبَائِحَ أَفْعَالِهِ فِي الْحُرُوبِ وَأَنْوَاعَ ظُلْمِهِ لِعِبَادِ اللَّهِ فَافْتَخَرَ بِهَا فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.
وَمَنْ كَانَ جَارُهُ مَرِيضاً فَتَرَكَ عِيَادَتَهُ اسْتِخْفَافاً بِحَقِّهِ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.
وَمَنْ مَاتَ جَارُهُ فَتَرَكَ تَشْيِيعَ جَنَازَتِهِ تَهَاوُناً بِهِ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ مُصَابٍ وَجَفَاهُ إِزْرَاءً(1) عَلَيْهِ وَاسْتِصْغَاراً لَهُ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.
وَمَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.
وَمَنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ عَاقّاً لَهُمَا فَلَمْ يُرْضِهِمَا فِي هَذَا الْيَوْمِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.
وَكَذَا مَنْ فَعَلَ شَيْئاً مِنْ سَائِرِ أَبْوَابِ الشَّرِّ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْه» الحديث(2).
وَقَالَ الْإِمَامُ عليه السلام: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: مَنْ رَعَى حَقَّ قَرَابَاتِ أَبَوَيْهِ أُعْطِيَ فِي الْجَنَّةِ أَلْفَ دَرَجَةٍ بُعْدُ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ حُضْرُ الْفَرَسِ الْجَوَادِ الْمُضَمَّرِ مِائَةَ سَنَةٍ إِحْدَى الدَّرَجَاتِ مِنْ فِضَّةٍ وَالْأُخْرَى مِنْ ذَهَبٍ وَالْأُخْرَى مِنْ لُؤْلُؤٍ وَالْأُخْرَى مِنْ زُمُرُّدٍ وَالْأُخْرَى مِنْ زَبَرْجَدٍ وَالْأُخْرَى مِنْ مِسْكٍ وَالْأُخْرَى مِنْ عَنْبَرٍ وَالْأُخْرَى مِنْ كَافُورٍ وَتِلْكَ الدَّرَجَاتُ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ وَمَنْ رَعَى حَقَّ قُرْبَى مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ أُوتِيَ مِنْ فَضائلِ الدَّرَجَاتِ وَزِيَادَةِ الْمَثُوبَاتِ عَلَى قَدْرِ زِيَادَةِ فَضْلِ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ عَلَى أَبَوَيْ نَسَبِهِ»(3).
ص: 171
وَقَالَ الصَّادِقُ عليه السلام: «عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبٌ الْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَالصَّدَقَةُ بِعَشَرَة»(1).
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ عَنِ النَّبِيِ صلى الله عليه وآله: فِي خُطْبَةٍ طَوِيلَةٍ قَالَ: «مَنْ عَمِلَ فِي تَزْوِيجٍ بَيْنَ مُؤْمِنَيْنِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا زَوَّجَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَلْفَ امْرَأَةٍ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ كُلُّ امْرَأَةٍ فِي قَصْرٍ مِنْ دُرٍّ وَيَاقُوتٍ وَمَنْ بَنَى مَسْجِداً فِي الدُّنْيَا بَنَى اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ شِبْرٍ مِنْهُ أَوْ بِكُلِّ ذِرَاعٍ مَسِيرَةَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ عَامٍ مَدِينَةً مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَدُرٍّ وَيَاقُوتٍ وَزُمُرُّدٍ وَزَبَرْجَدٍ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ قَصْرٍ فِي كُلِّ قَصْرٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ دَارٍ فِي كُلِّ دَارٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ بَيْتٍ فِي كُلِّ بَيْتٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ سَرِيرٍ عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ زَوْجَةٌ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَلِكُلِّ زَوْجَةٍ أَلْفُ أَلْفِ وَصِيفٍ وَأَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ وَصِيفَةٍ فِي كُلِّ بَيْتٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ مَائِدَةٍ عَلَى كُلِّ مَائِدَةٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ قَصْعَةٍ فِي كُلِّ قَصْعَةٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ لَوْنٍ مِنَ الطَّعَامِ وَيُعْطِي اللَّهُ وَلِيَّهُ مِنَ الْقُوَّةِ مَا يَأْتِي عَلَى تِلْكَ الْأَزْوَاجِ وَعَلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ وَعَلَى ذَلِكَ الشَّرَابِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَمَنْ تَوَلَّى أَذَانَ مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ اللَّهِ فَأَذَّنَ فِيهِ وَهُوَ يُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ أَعْطَاهُ اللَّهُ ثَوَابَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ أَلْفِ صِدِّيقٍ وَأَرْبَعِينَ أَلْفَ أَلْفِ شَهِيدٍ وَأَدْخَلَ فِي شَفَاعَتِهِ أَرْبَعِينَ أَلْفَ أَلْفِ أَمَةٍ فِي كُلِّ أَمَةٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ رَجُلٍ وَكَانَ لَهُ جَنَّةٌ مِنَ الْجَنَّاتِ فِي كُلِّ جَنَّةٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ مَدِينَةٍ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ قَصْرٍ فِي كُلِّ قَصْرٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ دَارٍ فِي كُلِّ دَارٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ بَيْتٍ فِي كُلِّ بَيْتٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ سَرِيرٍ عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ زَوْجَةٌ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ كُلُّ بَيْتٍ مِنْهَا مِثْلُ الدُّنْيَا أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ مَرَّةٍ لِكُلِّ زَوْجَةٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ وَصِيفٍ وَأَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ وَصِيفَةٍ فِي كُلِّ بَيْتٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ
ص: 172
مَائِدَةٍ عَلَى كُلِّ مَائِدَةٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ قَصْعَةٍ فِي كُلِّ قَصْعَةٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ نَوْعٍ مِنَ الطَّعَامِ لَوْ نَزَلَ بِهِ الثَّقَلانِ لَكَانَ لَهُمْ فِي أَدْنَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهَا مَا شَاؤُوا مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَالثِّمَارِ وَالتُّحَفِ وَالطَّرَائِفِ وَالْحُلِيِّ وَالْحُلَلِ كُلُّ بَيْتٍ يُكْتَفَى بِمَا فِيهِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَمَّا فِي الْبَيْتِ الآْخَرِ»(1).(2)
وَقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «إِنَّ لِلْجَنَّةِ بَاباً يُدْعَى الرَّيَّانَ لا يَدْخُلُ مِنْهُ إِلّا الصَّائِمُونَ»(3).
عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: «إِنَّ لِلْجَنَّةِ بَاباً يُقَالُ لَهُ الْمَعْرُوفُ لا يَدْخُلُهُ إِلّا أَهْلُ الْمَعْرُوف»(4).
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍعليه السلام قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً إِلَى الْجَنَّةِ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ وَإِنَّ أَوَّلَ أَهْلِ النَّارِ دُخُولاً أَهْلُ الْمُنْكَرِ»(5).
عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: «إِنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ لَيَذْهَبُ إِلَى الْجَنَّةِ فَيُمَهِّدُ لِصَاحِبِهِ كَمَا يَبْعَثُ الرَّجُلُ غُلاماً فَيُفْرِشُ لَهُ ثُمَّ قَرَأَ: «أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ»(6)»(7).
وأمّا الأُمور التي توجب الاتيان بها الدخول في النار فلا حاجة لنا إلى بسط
ص: 173
الكلام فيه وذلك لأنّ الجنّة والنار تتقابلان تقابل التضادّ فاذا جاء أحدهما ذهب الآخر لا محالة، والأعمال الموجبة للدخول فيها أيضاً كذلك فالعمل الذي يقرّب العبد إلى الجنّة يبعّده من النار وبالعكس بالعكس ومع ذلك كلّه لا بأس بالاشارة إلى بعض الآيات والأخبار الواردة في الباب تتميماً للبحث.
قال تعالى: «وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ»(1).
وقال تعالى: «وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ»(2).
وأمّا الأخبار:
عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍ عليهم السلام قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: أَرْبَعَةٌ يُؤْذُونَ أَهْلَ النَّارِ عَلَى مَا بِهِمْ مِنَ الْأَذَى يُسْقَوْنَ مِنَ الْحَمِيمِ وَالْجَحِيمِ يُنَادَوْنَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ يَقُولُ أَهْلُ النَّارِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مَا بَالُ هَؤُلاءِ الْأَرْبَعَةِ قَدْ آذَوْنَا عَلَى مَا بِنَا مِنَ الْأَذَى فَرَجُلٌ مُعَلَّقٌ عَلَيْهِ تَابُوتٌ مِنْ جَمْرٍ وَرَجُلٌ يَجُرُّ أَمْعَاءَهُ وَرَجُلٌ يَسِيلُ فُوهُ قَيْحاً وَدَماً وَرَجُلٌ يَأْكُلُ لَحْمَهُ فَيُقَالُ لِصَاحِبِ التَّابُوتِ مَا بَالُ الْأَبْعَدِ قَدْ آذَانَا عَلَى مَا بِنَا مِنَ الْأَذَى فَيَقُولُ إِنَّ الْأَبْعَدَ مَاتَ وَفِي عُنُقِهِ أَمْوَالُ النَّاسِ لَمْ يَجِدْ لَهَا أَدَاءً وَلا وَفَاءً ثُمَّ يُقَالُ لِلَّذِي يَجُرُّ أَمْعَاءَهُ مَا بَالُ الْأَبْعَدِ قَدْ آذَانَا عَلَى مَا بِنَا مِنَ الْأَذَى فَيَقُولُ إِنَّ الْأَبْعَدَ كَانَ لا يُبَالِي أَيْنَ أَصَابَ الْبَوْلُ مِنْ جَسَدِهِ ثُمَّ يُقَالُ لِلَّذِي يَسِيلُ فُوهُ قَيْحاً وَدَماً مَا بَالُ الْأَبْعَدِ قَدْ آذَانَا عَلَى مَا بِنَا مِنَ الْأَذَى فَيَقُولُ
ص: 174
إِنَّ الْأَبْعَدَ كَانَ يُحَاكِي يَنْظُرُ إِلَى كُلِّ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ فَيُسْنِدُهَا فَيُحَاكِي بِهَا ثُمَّ يُقَالُ لِلَّذِي يَأْكُلُ لَحْمَهُ مَا بَالُ الْأَبْعَدِ قَدْ آذَانَا عَلَى مَا بِنَا مِنَ الْأَذَى فَيَقُولُ إِنَّ الْأَبْعَدَ كَانَ يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ بِالْغِيبَةِ وَيَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ»(1).
وَعَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْحَسَنِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرِّضَا، عَنْ أَبِيهِ الرِّضَا، عَنْ أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ، عن أبيه أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليّ بن أبي طالبٍ عليه السلام قَالَ: «دَخَلْتُ أَنَا وَفَاطِمَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَوَجَدْتُهُ يَبْكِي بُكَاءً شَدِيداً فَقُلْتُ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الَّذِي أَبْكَاكَ؟ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ رَأَيْتُ نِسَاءً مِنْ أُمَّتِي فِي عَذَابٍ شَدِيدٍ فَأَنْكَرْتُ شَأْنَهُنَّ فَبَكَيْتُ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ شِدَّةِ عَذَابِهِنَّ وَرَأَيْتُ امْرَأَةً مُعَلَّقَةً بِشَعْرِهَا يَغْلِي دِمَاغُ رَأْسِهَا وَرَأَيْتُ امْرَأَةً مُعَلَّقَةً بِلِسَانِهَا وَالْحَمِيمُ يُصَبُّ فِي حَلْقِهَا وَرَأَيْتُ امْرَأَةً مُعَلَّقَةً بِثَدْييهَا وَرَأَيْتُ امْرَأَةً تَأْكُلُ لَحْمَ جَسَدِهَا وَالنَّارُ تُوقَدُ مِنْ تَحْتِهَا وَرَأَيْتُ امْرَأَةً قَدْ شُدَّ رِجْلاهَا إِلَى يَدَيْهَا وَقَدْ سُلِّطَ عَلَيْهَا الْحَيَّاتُ وَالْعَقَارِبُ وَرَأَيْتُ امْرَأَةً صَمَّاءَ عَمْيَاءَ خَرْسَاءَ فِي تَابُوتٍ مِنْ نَارٍ يَخْرُجُ دِمَاغُ رَأْسِهَا مِنْ مَنْخِرِهَا وَبَدَنُهَا مُتَقَطِّعٌ مِنَ الْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَرَأَيْتُ امْرَأَةً مُعَلَّقَةً بِرِجْلَيْهَا فِي تَنُّورٍ مِنْ نَارٍ وَرَأَيْتُ امْرَأَةً تُقَطَّعُ لَحْمُ جَسَدِهَا مِنْ مُقَدَّمِهَا وَمُؤَخَّرِهَا بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ وَرَأَيْتُ امْرَأَةً يُحْرَقُ وَجْهُهَا وَيَدَاهَا وَهِيَ تَأْكُلُ أَمْعَاءَهَا وَرَأَيْتُ امْرَأَةً رَأْسُهَا رَأْسُ الخِنْزِيرٍ وَبَدَنُهَا بَدَنُ الْحِمَارِ وَعَلَيْهَا أَلْفُ أَلْفِ لَوْنٍ مِنَ الْعَذَابِ وَرَأَيْتُ امْرَأَةً عَلَى صُورَةِ الْكَلْبِ وَالنَّارُ تَدْخُلُ فِي دُبُرِهَا وَتَخْرُجُ مِنْ
ص: 175
فِيهَا وَالْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ رَأْسَهَا وَبَدَنَهَا بِمَقَامِعَ(1) مِنْ نَارٍ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ ع حَبِيبِي وَقُرَّةُ عَيْنِي أَخْبِرْنِي مَا كَانَ عَمَلُهُنَّ وَسِيرَتُهُنَّ حَتَّى وَضَعَ اللَّهُ عَلَيْهِنَّ هَذَا الْعَذَابَ فَقَالَ يَا بِنْتِي أَمَّا الْمُعَلَّقَةُ بِشَعْرِهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ لا تُغَطِّي شَعْرَهَا مِنَ الرِّجَالِ وَأَمَّا الْمُعَلَّقَةُ بِلِسَانِهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ تُؤْذِي زَوْجَهَا وَأَمَّا الْمُعَلَّقَةُ بِثَدْييهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ تَمْتَنِعُ مِنْ فِرَاشِ زَوْجِهَا وَأَمَّا الْمُعَلَّقَةُ بِرِجْلَيْهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا وَأَمَّا الَّتِي كَانَتْ تَأْكُلُ لَحْمَ جَسَدِهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ تُزَيِّنُ بَدَنَهَا لِلنَّاسِ وَأَمَّا الَّتِي شُدَّتْ يَدَاهَا إِلَى رِجْلَيْهَا وَسُلِّطَ عَلَيْهَا الْحَيَّاتُ وَالْعَقَارِبُ فَإِنَّهَا كَانَتْ قَذِرَةَ الْوَضُوءِ قَذِرَةَ الثِّيَابِ وَكَانَتْ لا تَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَلا تَنَتَظَّفُ وَكَانَتْ تَسْتَهِينُ بِالصَّلاةِ وَأَمَّا الْعَمْيَاءُ الصَّمَّاءُ الْخَرْسَاءُ فَإِنَّهَا كَانَتْ تَلِدُ مِنَ الزِّنَاءِ فَتُعَلِّقُهُ فِي عُنُقِ زَوْجِهَا وَأَمَّا الَّتِي تُقْرَضُ لَحْمُهَا بِالْمَقَارِيضِ فَإِنَّهَا كانت تَعْرِضُ نَفْسَهَا عَلَى الرِّجَالِ وَأَمَّا الَّتِي كَانَتْ تُحْرَقُ وَجْهُهَا وَبَدَنُهَا وَهِيَ تَأْكُلُ أَمْعَاءَهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ قَوَّادَةً وَأَمَّا الَّتِي كَانَ رَأْسُهَا رَأْسَ الخِنْزِيرٍ وَبَدَنُهَا بَدَنَ الْحِمَارِ فَإِنَّهَا كَانَتْ نَمَّامَةً كَذَّابَةً وَأَمَّا الَّتِي كَانَتْ عَلَى صُورَةِ الْكَلْبِ وَالنَّارُ تَدْخُلُ فِي دُبُرِهَا وَتَخْرُجُ مِنْ فِيهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ قَيْنَةً(2) نَوَّاحَةً حَاسِدَةً ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وآله: وَيْلٌ لإمْرَأَةٍ أَغْضَبَتْ زَوْجَهَا وَطُوبَى لإمْرَأَةٍ رَضِيَ عَنْهَا زَوْجُهَا»(3).
وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام: «أَنَّ عَلِيّاًعليه السلام قَالَ: إِنَّ فِي جَهَنَّمَ رَحًى تَطْحَنُ خمساً أَ فَلا تَسْأَلُونِّي مَا طِحْنُهَا فَقِيلَ لَهُ وَمَا طِحْنُهَا؟ يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ،
ص: 176
قَالَ الْعُلَمَاءُ الْفَجَرَةُ وَالْقُرَّاءُ الْفَسَقَةُ وَالْجَبَابِرَةُ الظَّلَمَةُ وَالْوُزَرَاءُ الْخَوَنَةُ وَالْعُرَفَاءُ الْكَذِبَةُ(1) وَإِنَّ فِي النَّارِ لَمَدِينَةً يُقَالُ لَهَا الْحَصِينَةُ أَ فَلا تَسْأَلُونِّي مَا فِيهَا فَقِيلَ وَمَا فِيهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ فِيهَا أَيْدِي النَّاكِثِينَ»(2).
حضر الحجّاف عند عبدالملك والأخطل حاضر في مجلسه ينشد:
ألا سائل الجحّاف هل هو ثائر * بقتلي أصبت من سليم وعامر
فقال له الحجّاف:
نعم سوف نبكيهم بكلّ مهنّد
ونبكي عميرا بالرماح الخواطر
ثمّ قال له: ظننت يابن النصرانيّة انّك لم تكن لتجترئ عليّ، ولو رأيتني لك مأسوراً - وأوعده - فما برح الأخطل حتّى حمّ فقال له عبدالملك: أنا جراك منه قال هذا أجرتني منه يقظان فمن يجيرني منه نائماً فجعل عبدالملك يضحك(3).
وكان عبيداللَّه بن الحرّ الجعفي محبوساً عند ابن زياد فكلّمه الأحنف بن قيس فأطلقه فقال للأحنف: ما أدري ما أكافئك به إلّا أن أقتلك فتدخل الجنّة وأدخل النار فضحك الأحنف وقال: لا حاجة لي في مكافأتك يابن أخي(4).
قال تعالى: «أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً
ص: 177
رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ»(1).
قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ»(2).
وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ»(3) الآية.
وقال تعالى: «وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى»(4) الآية.
وقال تعالى: «يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»(5).
وقال تعالى: «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلًا»(6).
بعض الآيات والأخبار الواردة في ذمّها:
ص: 178
فمن الآيات الواردة فيه:
قوله تعالى: «وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً»(1).
وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا... فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا»(2).
وقوله تعالى: «وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ»(3) الآية.
وقوله تعالى: «وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً»(4).
وقوله تعالى: «فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى»(5).
وقوله تعالى: «فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»(6).
وقوله تعالى: «بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ»(7).
وقوله تعالى: «وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ»(8) الآية.
ص: 179
وقوله تعالى: «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ»(1).
وقوله تعالى: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ ... أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ»(2) الآية.
وقوله تعالى: «وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ»(3).
وقوله تعالى: «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى»(4).
ومن الأخبار الواردة فيه:
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعود لم يره»(5).
وعن أبي جعفرعليه السلام قال: «إنّ اللَّه عزّ وجلّ يقول: بجلالي وجمالي وبهائي وعلائي وارتفاعي لا يؤثر عبد هواي على هواه إلّا جعلت غناه في نفسه وهمّه في آخرته وكففت عنه ضيعته وضمنت السماوات والأرض رزقه وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر...»(6).
وعن جابر بن عبداللَّه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «إنّ أخوف ما أخاف على أُمّتي الهوى وطول الأمل أمّا الهوى فإنّه يصدّ عن الحقّ وأمّا طول الأمل فينسى الآخرة»(7).
ص: 180
وعن جعفر بن محمّدعليه السلام قال: «إنّي لأرجو النجاة لهذه الأُمّة لمن عرف حقّنا منهم إلّا لأحد ثلاثة صاحب سلطان جائر وصاحب هوى والفاسق المعلن»(1).
وعن الصادق جعفر بن محمّد، عن آبائه عليهم السلام أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: «أشجع الناس من غلب هواه»(2).
وقال زيد بن صوحان: يا أميرالمؤمنين أيّ سلطان أغلب وأقوى؟ قال عليه السلام: «الهوى»(3).
وقال الجوادعليه السلام: «من أطاع هواه أعطى عدوّه مناه وقال عليه السلام: راكب الشهوات لا يستقال له عثرة»(4).
وعن أبي محمّد الوابشي قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: «احذروا أهوائكم كما تحذرون أعدائكم فليس شي ء أعدى للرجال من اتّباع أهوائهم وحصائد ألسنتهم»(5).
وعن عبدالرحمن بن الحجّاج قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: «اتّق المرتقى السهل إذا كان منحدره وعرا» وقال: كان أبو عبداللَّه عليه السلام يقول: «لا تدع النفس وهواها فإن هواها في رداها وترك النفس وما تهوى أذاها وكفّ النفس عمّا تهوى دواها»(6).
ص: 181
قال تعالى: «ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ»(1).
وأمّا الأخبار:
فمنها: عن أنس بن مالك أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال: «يهلك أو قال يهرم ابن آدم ويبقى منه اثنتان الحرص والامل»(2).
كما ورد في حديث آخر: «يشيب ابن آدم ويشبّ فيه خصلتان الحرص وطول الامل»(3).
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «يا عليّ أنهاك عن ثلاث خصال عظام: الحسد والكذب والحرص»(4).
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «لا يؤمن رجل فيه الشح والحسد والجبن ولا يكون المؤمن جباناً ولا شحيحاً ولا حريصاً»(5).
وعن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: «من تعلّق قلبه بالدنيا تلّق قلبه بثلاث خصال: همّ لا يفنى وأمل لا يدرك ورجاء لا ينال»(6).
وعن السكوني عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ عليه السلام قال: «من أطال أمله ساء عمله»(7).
ص: 182
وعن فاطمة بنت الحسين عن أبيهاعليهما السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إنّ صلاح أوّل هذه الأُمّة بالزهد واليقين وهلاك آخرها بالشحّ والأمل»(1).
وعن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ عليهم السلام، عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال: «يا عليّ أربع خصال من الشقاء: جمود العين وقساوة القلب وبُعد الأمل(2) وحبّ البقاء»(3).
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام، عن أبيه عليه السلام قال: «قال عليّ عليه السلام: لو رأى العبد أجله وسرعته إليه لأبغض الأمل وطلب الدنيا»(4).
وفي ما أوصى النبيّ صلى الله عليه وآله به أميرالمؤمنين عليه السلام عند وفاته: «قصّر الأمل، واذكر الموت، وازهد في الدنيا فإنّك رهن موت وغرض بلاء وصريع سقم»(5).
وروي أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله أخذ ثلاثة أعواد فغرس عوداً بين يديه والآخر إلى جنبه وأمّا الثالث فأبعده وقال: «هل تدرون ما هذا»؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم، قال: «هذا الإنسان وهذا الأجل وهذا الأمل يتعاطاه ابن آدم ويختلجه الأجل دون الأمل»(6).
ص: 183
وقال النبيّ صلى الله عليه وآله: «وليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب»(1).
قال النبيّ صلى الله عليه وآله: «اذكروا هادم اللذات»، قيل: وما هو يا رسول اللَّه؟، فقال صلى الله عليه وآله: «الموت، فما ذكره عبد على الحقيقة في سعة إلّا ضاقت عليه الدنيا ولا في شدّة إلّا اتّسعت عليه»(2).
وقال النبيّ صلى الله عليه وآله: «تحفة المؤمن الموت»(3).
وقال صلى الله عليه وآله: «الموت كفّارة لكلّ مسلم» وقيل له: هل يحشر مع الشهداء أحد؟ قال صلى الله عليه وآله: «نعم، من يذكر الموت في اليوم والليلة عشرين مرّة» وقال صلى الله عليه وآله: «اكثروا من ذكر الموت فانّه يمحصّ الذنوب ويزهّد فى الدنيا» وقال صلى الله عليه وآله: «كفى بالموت واعظا»(4).
وعن أبي جعفرعليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله الموت الموت ألا ولابدّ من الموت جاء الموت بما فيه، جاء بالروح والراحة والكرة(5) المباركة إلى جنّة عالية لأهل دار الخلود الذين كان لها سعيهم، وفيها رغبتهم»... وقال: «إذا استحقّت ولاية اللَّه
ص: 184
والسعادة جاء الأجل بين العينين(1) وذهب الأمل وراء الظهر وإذا استحقّت ولاية الشيطان(2) والشقاوة جاء الأمل بين العينين وذهب الأجل وراء الظهر»(3).
وقال الصادق عليه السلام: «ذكر الموت يميت الشهوات في النفس ويقطع منابت الغفلة ويقوي القلب بمواعد اللَّه تعالى ويرق الطبع ويكسر أعلام الهوى ويطفئ نار الحرص ويحقر الدنيا وهو معنى ما قال النبيّ صلى الله عليه وآله فكر ساعة خير من عبادة سنة وذلك عند ما تحلّ أطناب خيام الدنيا وتشدها بالآخرة ولا يسكن (ولا يشكّ) نزول الرحمة عند ذكر الموت بهذه الصفة ومن لا يعتبر بالموت وقلّة حيلته وكثرة عجزه وطول مقامه في القبر وتحيره في القيامة فلا خير فيه»(4).
قال تعالى: «عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً»(5).
ص: 185
لما كان رواية الارشاد مختلفة لرواية السيّد أحببنا ذكرها، قال في الارشاد: من كلام لأميرالمؤمنين عليه السلام ما اشتهر بين العلماء وحفظه ذوو الفهم والحكماء:
«أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَدْبَرَتْ وَآذَنَتْ بِوَدَاعٍ وَإِنَّ الآْخِرَةَ قَدْ أَظلَتْ وَأَشْرَفَتْ بِاطِّلَاعٍ أَلا وَإِنَّ الْمِضْمَارَ الْيَوْمَ وَغَداً السِّبَاقَ وَالسُّبْقَةُ الْجَنَّةُ وَالْغَايَةُ النَّارُ أَلا وَإِنَّكُمْ فِي أَيَّامِ مَهَلٍ مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ يَحُثُّهُ عَجَلٌ فَمَنْ أَخْلَصَ للَّهِ ِ عَمَلَهُ لَمْ يَضُرَّهُ أَمَلُهُ وَمَنْ بَطَأَ بِهِ عَمَلُهُ فِي أَيَّامِ مَهَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ خَسِرَ عَمَلُهُ وَضَرَّهُ أَمَلُهُ أَلا فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ فَإِنْ نَزَلَتْ بِكُمْ رَغْبَةٌ فَاشْكُرُوا اللَّهَ وَأَجْمِعُوا مَعَهَا رَهْبَةً وَإِنْ نَزَلَتْ بِكُمْ رَهْبَةٌ فَاذْكُرُوا اللَّهَ وَأَجْمِعُوا مَعَهَا رَغْبَةً فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَأَذَّنَ لِلْمُحْسِنِينَ بِالْحُسْنَى وَلِمَنْ شَكَرَهُ بِالزِّيَادَةِ وَلا كَسْبَ خَيْرٌ مِنْ كَسْبٍ لِيَوْمٍ تدَّخِرُ فِيهِ الذَّخَائِرُ وَتُجْمَعُ فِيهِ الْكَبَائِرُ وَتُبْلَى فِيهِ السَّرَائِرُ وَإِنِّي لَمْ أَرَ مِثْلَ الْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا وَلا مِثْلَ النَّارِ نَامَ هَارِبُهَا أَلا وَإِنَّهُ مَنْ لا يَنْفَعُهُ الْيَقِينُ يَضُرُّهُ الشَّكُّ وَمَنْ لا يَنْفَعُهُ حَاضِرُ لُبِّهِ وَرَأْيِهِ فَغَائِبُهُ عَنْهُ أَعْجَزُ أَلا وَإِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ وَدُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ وَإِنَّ أَخْوَفَ مَا أتخوفُ عَلَيْكُمُ اثْنَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَطُولُ الْأَمَلِ لِأَنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى يَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ وَطُولَ الْأَمَلِ ينْسى الآْخِرَةَ أَلا وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَرَحَّلَتْ مُدْبِرَةً وَإِنَّ الآْخِرَةَ قَدْ تَرَحَّلَتْ مُقْبِلَةً وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا إِنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ أَبْنَاءِ الآْخِرَةِ وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلا حِسَابَ وَغَداً حِسَابٌ وَلا عَمَلَ»(1).
ص: 186
بسم الله الرحمن الرحیم
أَيُّهَا النَّاسُ الْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمْ الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ كَلامُكُمْ يُوهِي الصُّمَّ الصِّلابَ وَفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الْأَعْدَاءَ تَقُولُونَ فِي الْمَجَالِسِ كَيْتَ وَكَيْتَ فَإِذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ حِيدِي حَيَادِ مَا عَزَّتْ دَعْوَةُ مَنْ دَعَاكُمْ وَلا اسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاكُمْ أَعَالِيلُ بِأَضَالِيلَ وَسَأَلْتُمُونِي التَّطْوِيلَ دِفَاعَ ذِي الدَّيْنِ الْمَطُولِ لا يَمْنَعُ الضَّيْمَ الذَّلِيلُ وَلا يُدْرَكُ الْحَقُّ إِلّا بِالْجِدِّ أَيَّ دَارٍ بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ؟ وَمَعَ أَيِّ إِمَامٍ بَعْدِي تُقَاتِلُونَ؟ الْمَغْرُورُ وَاللَّهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ وَمَنْ فَازَ بِكُمْ فَقَدْ فَازَ وَاللَّهِ بِالسَّهْمِ الْأَخْيَبِ وَمَنْ رَمَى بِكُمْ فَقَدْ رَمَى بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ أَصْبَحْتُ وَاللَّهِ لا أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ وَلا أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ وَلا أُوعِدُ الْعَدُوَّ بِكُمْ مَا بَالُكُمْ؟ مَا دَوَاؤُكُمْ؟ مَا طِبُّكُمْ؟ الْقَوْمُ رِجَالٌ أَمْثَالُكُمْ أَ قَوْلاً بِغَيْرِ عِلْمٍ؟ وَغَفْلةً مِنْ غَيْرِ وَرَعٍ؟ وَطَمَعاً فِي غَيْرِ حَقٍّ؟!
أنّ السّبب في هذه الخطبة هو غارة الضحّاك بن قيس بعد قصّة الحكمين وعزمه على المسير إلى الشام وذلك على ما في كتاب الغارات لإبراهيم بن محمّد الثقفي باختصار منّا هو:
أنّ معاوية لمّا بلغه أنّ عليّاً بعد واقعة الحكمين تحمل(1) إليه مقبلاً هاله ذلك
ص: 187
فخرج من دمشق معسكراً وبعث إلى كور الشام فصاح فيها أنّ عليّاً قد سار إليكم فاجتمع إليه الناس من كلّ كورة وأرادوا المسير إلى صفّين.
فمكثوا يجيلون الرأى يومين أو ثلاثة حتّى قدمت عليهم عيونهم أنّ عليّاً اختلف عليه أصحابه ففارقته منهم فرقة أنكرت أمر الحكومة وأنه قد رجع عنكم إليهم فكثر سرور الناس بانصرافه عنهم وما ألقي من الخلاف بينهم. فلم يزل معاوية معسكرا في مكانه منتظرا لما يكون من علي وأصحابه وهل يقبل علي بالناس أم لا؟ فما برح معاوية حتّى جاءه الخبر أنّ عليّاً قد قتل تلك الخوارج وأراد بعد قتلهم أن يقبل إليه بالناس وأنّهم استنظروه ودافعوه فسرّ بذلك هو ومن قبله من الناس(1).
فعند ذلك دعا معاوية الضحّاك بن قيس الفهري وقال له: سر حتّى تمرّ بناحية الكوفة وترتفع عنها ما استطعت فمن وجدته من الأعراب في طاعة عليّ فأغر عليه وإن وجدت له مسلحة أو خيلا فأغر عليهما وإذا أصبحت في بلدة فأمس في أخرى ولا تقيمنّ لخيل بلغك أنّها قد سرحت إليك لتلقاها فتقاتلها، فسرّحه فيما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف جريدة خيل(2)، فأقبل الضحّاك يأخذ الأموال ويقتل من لقي من الأعراب حتى مر بالثعلبية(3) فأغار خيله على الحاج فأخذ أمتعتهم ثم أقبل مقبلا(4) فلقي عمرو بن عميس بن مسعود الذهلي وهو ابن أخ
ص: 188
عبداللَّه بن مسعود صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقتله في طريق الحاج عند القطقطانة(1) وقتل معه ناسا من أصحابه.
فخرج عليّ عليه السلام إلى الناس وهو يقول على المنبر: «يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ اخْرُجُوا إِلَى الْعَبْدِ الصَّالِحِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْسٍ وَإِلَى جُيُوشٍ لَكُمْ قَدْ أُصِيبَ مِنْهُمْ طَرَفٌ، اخْرُجُوا فَقَاتِلُوا عَدُوَّكُمْ، وَامْنَعُوا حَرِيمَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ. فَرَدُّوا عَلَيْهِ رَدّاً ضَعِيفاً وَرَأَى مِنْهُمْ عَجْزاً وَفَشَلاً فَقَالَ وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ لِي بِكُلِّ مِائَةٍ مِنْكُمْ رَجُلاً مِنْهُمْ، وَيْحَكُمْ اخْرُجُوا مَعِي، ثُمَّ فِرُّوا عَنِّي إن بَدَا لَكُمْ، فَوَ اللَّهِ مَا أَكْرَهُ لِقَاءَ رَبِّي عَلَى نِيَّتِي وَبَصِيرَتِي، وَفِي ذَلِكَ رَوْحٌ لِي عَظِيمٌ، وَفَرَجٌ مِنْ مُنَاجَاتِكُمْ»(2).
ولمّا رأى تثاقل أصحابه وتقاعدهم عنه خطبهم بهذه الخطبة فقال: «أيّها الناس المجتمعة أبدانهم المختلفة أهوائهم».
كتب عبداللَّه بن حسن إلى زيد بن عليّ لمّا أراد الخروج: يابن عمّ، انّ أهل الكوفة نفخ العلانية، خور السريرة، هوج في الرخاء، جزع في اللقاء، تقدمهم ألسنتهم، ولا تشايعهم قلوبهم، لا يبيتون بعده في الأحداث ولا ينيؤون بدولة مرجوة(3).
ص: 189
كان لأبي حيّة النميري سيف ليس بينه وبين الخشبة فرق، وكان يسمّيه لعاب المنيّة، قال جار له: أشرفت عليه ليلة وقد انتضاه وشمّر وهو يقول: أيّها المغترّ بنا والمجتري علينا، بئس واللَّه ما اخترت لنفسك، خير قليل وسيف صقيل، لعاب المنيّة الذي سمعت به مشهور ضربته، ولا تخاف نبوته، أخرج بالعفو عنك وإلّا دخلت بالعقوبة عليك، إنّي واللَّه إن أدع قيساً تملأ الأرض خيلاً ورجلاً، يا سبحان اللَّه ما أكثرها وأطيبها ثمّ فتح الباب فاذا كلب قد خرج، فقال: الحمد للَّه الذي مسخك كلباً وكفاني حرباً(1).
وكان بالبصرة شيخ من بني نهشل يقال له: عروة بن مرثد، ويكنّى أبا الأغرّ، ينزل ببني أخت له في سكة بني مازن، وبنو اخته من قريش، فخرج رجالهم إلى ضياعهم في شهر رمضان، وخرج النساء يصلين في مسجدهم فلم يبق في الدار إلّا الإماء فدخل كلب يعتس(2) فرأى بيتا مفتوحا فدخله وانصفق الباب، فسمع الحركة بعض الاماء فظنّوا أنّ لصاً دخل الدار، فذهبت إحداهن إلى أبي الأغر فأخبرته، فقال أبو الأغر: ما يبتغي اللص ثمّ أخذ عصاه فجاء فوقف على باب البيت وقال إيه يا ملامان(3) أما واللَّه إنّك بي لعارف، فهل أنت الّا من لصوص بني مازن، شربت حامضا خبيثا حتّى إذا دارت القدوح في رأسك منتك نفسك الأماني وقلت: أطرق ديار بني عمرو والرجال خلوف والنساء يصلين في مسجدهن
ص: 190
فأسرقهم. سوأة لك، واللَّه ما يفعل هذا ولد الأحرار، وايم اللَّه لتخرجنّ أو لأهتفنّ هتفة مشؤومة يلتقي فيها الحيان: عمرو وحنظلة، وتجي ء سعد بعدد الحصى وتسيل عليك الرجال من هاهنا وهاهنا، ولئن فعلت لتكوننّ أشأم مولود. فلمّا رأى أنّه لا يجيبه أحدأخذ باللين فقال: اخرج بأبي وأُمّي، أنت مستور، إنّي واللَّه ما أراك تعرفني ولو عرفتني لقنعت بقولي واطمأننت إلي أنا - فديتك - أبو الأغر النهشلي، وأنا خال القوم وجلدة بين أعينهم لا يعصونني، ولن تضار الليلة فأخرج فأنت في ذمّتي، وعندي قوصرتان أهداهما إليّ ابن أختي البار الوصول، فخذ إحداهما فانتبذها حلالا من اللَّه ورسوله. وكان الكلب إذا سمع الكلام أطرق، وإذا سكت وثب يريغ المخرج، فتهاتف أبو الأغر ثم تضاحك وقال: يا ألأم الناس وأوضعهم، لا أرى إلّا أنّي لك الليلة في واد وأنت في واد، أقلّب السوداء والبيضاء فتصيح وتطرق وإذا سكت عنك وثبت تريغ الخروج، واللَّه لتخرج أو لألجنّ عليك البيت فلما طال وقوفه جائت إحدى الإماء فقالت: اعرابي مجنون واللَّه ما أرى في البيت شيئاً، فدفعت الباب فخرج الكلب شدا، وحاد عنه أبو الأغر ساقطا على قفاه(1).
هجا دعبل المطلب بن عبداللَّه وكان والياً على المصر، فقال:
تعلّق مصر بك المخزيات * وتبصق في وجهك الموصل
وعاديت قوماً فما ضرّهم * وشرّفت قوماً فلم ينبلوا
شعارك عند الحروب النجا * وصاحبك الأخور الأفشل
ص: 191
فأنت إذا ما التقوا آخر * وأنت إذا ما انهربوا أوّل(1)
ولبعضهم: ما فيهم إلّا مشغول بنفسه، منكب على مجلس انسه، يرى السلامة غنيمة، وإذا عنّ له وصف الحرب لم يسأل إلّا عن طرق الهزيمة، أموال تنهب وممالك تذهب، لا يبالون بما سلبوا، وهم كما قيل: إن قاتلوا قتلوا أو طاردوا طردوا أو حاربوا حربوا أو غالبوا غلبوا(2).
لمّا توجّه الخوارج إلى الكوفة وخالطوا سوادها في أيّام القباع - وكان جباناً - تثاقل عن الخروج، فذمره(3) إبراهيم بن الأشتر ولامه الناس، فخرج متحاملاً حتّى أتى النخيلة ففي ذلك يقول الشاعر:
إن القباع سار سيرا نكرا * يسير يوما ويقيم شهرا
أيضاً:
إنّ القباع سار سيرا ملسا(4)
بين دباها ودبيري(5) خمسا
وجعل يعد الناس بالخروج ولا يخرج، والخوارج يعيثون حتى أخذوا امرأة فقتلوا أباها بين يديها ثم ارادوا قتلها - وكانت جميلة - فقالت: أتقتلون «مَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ»(6) فقال أحدهم: دعوها، فقالوا له: قد فتنتك. ثم قدّموها فقتلوها.
ص: 192
ثمّ قدّموا أُخرى فقتلوها، وهم بإزاء القباع والجسر معقود بينهم، وهو في ستة آلاف والمرأة تستغيث، والناس ينفلتون إلى الخوارج والقباع يمنعهم، فلمّا خاف أن يعصوه أمر بقطع الجسر، وأقام بين دباها ودبيري خمسة أيّام والخوارج بقربه، وهو يقول للناس في كلّ يوم: إذا لقيتم العدو غدا فأثبتوا أقدامكم واصبروا فإنّ الحرب أوّلها الترامي، ثم إشراع الرماح ثم سلّة السيوف، فثكلت رجلا أُمّه فرّ من الزحف. فقال بعضهم - لما أكثر عليهم - : أمّا الصفة فقد سمعناها، فمتى يقع الفعل فأخذت الخوارج حاجتهم وكان شأن البقاع التحصّن منهم(1).
وبعث المهلّب إلى عبدالرحمن بن محمّد بن الأشعث أن يخندق وعلى أصحابه من الخوارج، فأجابه: أنّهم أهون عليه من ضرطة الجمل، فبيّته قطري فقتل من أصحابه خمسمائة وفرّ لا يلوي على أحد(2) فقالوا فيه:
تركت ولداننا تدمى نحورهم * وجئت منهزماً يا ضرطة الجمل(3)
و: فرّ اميّة بن عبداللَّه بن خالد بن اسيد من أبي فديك الخارجي، فسار من البحرين إلى البصرة في ثلاثة أيّام، فقال يوماً: سرت على فرسي من البحرين إلى البصرة في المهرجان في ثلاثة أيّام. فقال له بعضهم: فلو ركبت في النيروز لسرت إليها في يوم واحد(4).
وأتى الحجّاج بدواب من دواب اميّة هذا، وقد وسم على أفخاذها: «عده» فأمر أن يكتب تحت «عده» «للفرار»(5). وقال الشاعر فيه:
ص: 193
إذا صوّت العصفور طار فؤاده * وليث حديد الناب عند الثرائد(1)
وفي الأغاني في خروج عبداللَّه بن يحيى طالب الحق زمن مروان الحمار، وتوجيهه جيشاً من مكّة إلى المدينة، قال رجل من قريش: لو شاء أهل الطائف لكفونا أمر هؤلاء لكنّهم داهنوا، واللَّه إن ظفرنا لنسيرنّ إلى أهل الطائف فلنسبينّهم. ثمّ قال: من يشتري منّي سبي أهل الطائف فلمّا انهزم الناس رجع ذاك القرشي في أوّل المنهزمين، فدخل منزله وأراد أن يقول لجاريته: اغلقي الباب، فقال لها: «غاق باق». دهشا، ولم تفهم الجارية قوله حتّى أومأ إليها بيده فأغلقت الباب، فلقّبه أهل المدينة بذلك: (غاق باق)(2).
وفي (محاسن الجاحظ) في الشجاعة والضدّ قيل: هو أجبن من المنزوف ضرطا، وكان من حديثه أنّ نسوة من العرب لم يكن لهنّ رجل، فتزوّجت واحدة منهنّ برجل كان ينام إلى الضحى، فإذا انتبه ضربنه وقلن له: قم فاصطبح. فيقول: «لو لعادية نبهتني». أي: خيل عادية عليكنّ مغيرة، فأدحضها عنكنّ. ففرحن وقلن: إنّ صاحبنا لشجاع. ثمّ قلن: تعالين نجرّبه، فأتينه كما كنّ يأتينه فأيقظنه فقال: لو لعادية نبّهتني. فقلن له: نواصي ا لخيل معك. فجعل يقول: الخيل الخيل. ويضرط حتّى مات(3).
وفيه: قال الحجّاج لحميد الأرقط - وقد أنشده قصيدة يصف فيها الحرب - : يا حميد هل قاتلت قطّ؟ قال: لا أيّها الأمير إلّا في النوم. قال: وكيف كانت وقعتك؟ قال: انتبهت وأنا منهزم(4).
ص: 194
كان عليه السلام لمّا فرغ من أهل النهروان قال لهم: «إنّ اللَّه قد أحسن بكم وأعزّ نصركم، فتوجّهوا من فوركم هذا إلى عدوّكم. فقالوا: نفدت نبالنا وكلّت سيوفنا ونصلت أسنّة رماحنا(1).
قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ»(2). وقال تعالى: «وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا»(3).
«ذي الدين» أي المديون. «المطول» أي المماطل.
مواعيد عرقوب معروفة. كان عرقوب من العماليق فأتاه أخوه يسأله، فقال: إذا أطلعت هذه النخلة فلك طلعها.
فأتاه للعدة، فقال له: دعها حتّى تصير بلحا. فلمّا أبلحت قال له: حتّى تصير رطبا. فلمّا أرطبت قال له: حتّى تصير تمرا. فلمّا أتمرت عمد إليها فجزّها ولم يعطه شيئاً(4).
ص: 195
كتب عدي بن ارطاة عمر بن عبدالعزيز يخبره بسوء طاعة أهل الكوفة، فوقع في كتابه: لا تطلب طاعة من خذل عليّاًعليه السلام وكان إماماً مرضيّا(1).
وشكا عامل الكوفة إلى الحجّاج من أهلها، فوقع: ما ظنّك بقوم قتلوا من كانوا يعبدونه(2).
قد ورد في ذمّ الغرور ما لا يخفى على أهله من الآيات والأخبار كيف لا وهو منبع كلّ هلكه وامّ كلّ شقاوة. قال اللَّه سبحانه: «فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ»(3).
وقال اللَّه تعالى: «يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى»(4) الآية.
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «حبّذا نوم الأكياس وفطرهم كيف يغبنون سهراً لحمقى واجتهادهم ولمثقال ذرّة من صاحب تقوى ويقين أفضل من مل ء الأرض عبادة من المغترّين»(5).
ص: 196
وقال الصادق: «المغرور في الدنيا مسكين وفي الآخرة مغبون لأنّه باع الأفضل بالأدنى ولا تعجب من نفسك فربّما اغتررت بمالك وصحّة جسمك لعلّك أن تبقى» الحديث بطوله(1).
لمّا مات المنذر بن ساوي بعد النبيّ صلى الله عليه وآله بقليل، ارتدّ من بالبحرين من قيس بن ثعلبة، وارتدّ ربيعة وأمّروا عليهم ابنا للنعمان بن المنذر، وكان يسمّى الغرور، فلمّا ظهر المسلمون عليهم قال: لست بالغرور ولكنّي المغرور(2).
وَمَنْ فَازَ بِكُمْ فَقَدْ فَازَ وَاللَّهِ بِالسَّهْمِ الْأَخْيَبِ وَمَنْ رَمَى بِكُمْ فَقَدْ رَمَى بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ أَصْبَحْتُ وَاللَّهِ لا أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ وَلا أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ وَلا أُوعِدُ الْعَدُوَّ بِكُمْ مَا بَالُكُمْ مَا دَوَاؤُكُمْ
أي علاجكم.
وقيل: انّ الطبّ بمعنى العادة على حدّ قوله:
فما ان طبّنا جبن ولكن * منايانا ودولة آخرينا
ص: 197
قال الشاعر:
قاتلوا القوم يا خزاع ولا * يدخلكم من قتالهم فشل(1)
القوم أمثالكم لهم شعر * في الرأس لا ينشرون ان قتلوا
قال سبحانه: «لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ»(2).
روى أنّ عليّاً دعا حجر بن عدي الكندي بعد غارة الضحّاك فعقد له على أربعة ألف فخرج حجر حتّى مرّ بالسماوة(3) وهي أرض كلب فلقى بها امرء القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم الكلبي وهم أصهار الحسين بن علي بن أبي طالب فكانوا ولائه في الطريق وعلى المياه فلم يزل في أثر الضحّاك حتّى لقاه بناحية ترمد(4) فواقعه فاقتتلوا ساعة فقتل من أصحاب الضحّاك تسعة عشر رجلاً، وقتل من أصحاب حجر رجلان وحجز الليل بينهما، فمضى الضحّاك فلمّا أصبحوا لم يجدوا له ولا لأصحابه أثراً، وكان الضحّاك يقول بعد، أنا ابن قيس أنا
ص: 198
أبو انيس أنا قاتل عمرو بن عميس(1).
اعلم انّ هذه الخطبة مرويّة بطرق متعدّدة، والمستفاد من الارشاد انّها من الخطبة السابعة والعشرين ملتقطة من خطبة طويلة له عليه السلام ولا بأس بذكر تلك الرواية زيادة للبصيرة.
قال في الارشاد: ومن كلام له عليه السلام يجري مجرى الاحتجاح مشتملاً على التوبيخ لأصحابه على تثاقلهم عن قتال معاوية والتفنيد متضمّناً للوم والوعيد.
«أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي اسْتَنْفَرْتُكُمْ لِجِهَادِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ فَلَمْ تَنْفِرُوا، وَأَسْمَعْتُكُمْ فَلَمْ تُجِيبُوا، وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَلَمْ تَقْبَلُوا، شُهُودٌ كَالْغُيَّبِ. أَتْلُو عَلَيْكُمُ الْحِكْمَةَ فَتُعْرِضُونَ عَنْهَا، وَأَعِظُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ الْبَالِغَةِ فَتَتَفَرقُونَ (فَتَنْفِرقُونَ) عَنْهَا، كَأَنَّكُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ وَأَحُثُّكُمْ عَلَى جِهَادِ أَهْلِ الْجَوْرِ فَمَا آتِي عَلَى آخِرِ قَوْلِي، حَتَّى أَرَاكُمْ مُتَفَرِّقِينَ أَيَادِيَ سَبَا، تَرْجِعُونَ إِلَى مَجَالِسِكُمْ، تَتَرَبَّعُونَ حَلَقاً، تَضْرِبُونَ الْأَمْثَالَ، وَتُنْشِدُونَ الْأَشْعَارَ، وَتَجَسَّسُونَ الْأَخْبَارَ، حَتَّى إِذَا تَفَرَّقْتُمْ تَسْأَلُونَ عَنِ الْأَسْعَارِ. جَهْلَةً مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، وَغَفْلَةً مِنْ غَيْرِ وَرَعٍ، وَتَتَبُّعاً (تثبطا) مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ. وَنَسِيتُمُ الْحَرْبَ وَالاسْتِعْدَادَ لَهَا، فَأَصْبَحَتْ قُلُوبُكُمْ فَارِغَةً مِنْ ذِكْرِهَا، شَغَلْتُمُوهَا بِالْأَعَالِيلِ وَالْأَضَالِيلِ. فَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ وَكَيْفَ (ومالي) لا أَعْجَبُ مِنِ اجْتِمَاعِ قَوْمٍ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَخَاذُلِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ.
ص: 199
يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ أَنْتُمْ كَأُمِّ مُجَالِدٍ، حَمَلَتْ فَأَمْلَصَتْ(1)، فَمَاتَ قَيِّمُهَا، وَطَالَ تأَيِّمُهَا، وَوَرِثَهَا أَبْعَدُهَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمُ الْأَعْوَرَ الْأَدْبَرَ(2) جَهَنَّمَ الدُّنْيَا، لا يُبْقِي وَلا يَذَرُ، وَمَنْ بَعْدَهُ النَّهَّاسُ(3) الْفَرَّاسُ، الْجَمُوعُ الْمَنُوعُ.
ثُمَّ لَيَتَوَارَثَنَّكُمْ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ عِدَّةٌ، مَا الآْخَرُ بِأَرْأَفَ بِكُمْ مِنَ الْأَوَّلِ، مَا خَلا رَجُلاً وَاحِداً(4) بَلاءٌ قَضَاهُ اللَّهُ (فما قضاه اللَّه) عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، لا مَحَالَةَ كَائِنٌ، يَقْتُلُونَ خِيَارَكُمْ، وَيَسْتَعْبِدُونَ أَرْذَالَكُمْ، وَيَسْتَخْرِجُونَ كُنُوزَكُمْ وَذَخَائِرَكُمْ مِنْ جَوْفِ حِجَالِكُمْ(5)، نَقِمَةً بِمَا ضَيَّعْتُمْ مِنْ أُمُورِكُمْ وَصَلاحِ أَنْفُسِكُمْ وَدِينِكُمْ.
يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، لِتَكُونُوا مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ، وَلِتُنْذِرُوا بِهِ مَنِ اتَّعَظَ وَاعْتَبَرَ، كَأَنِّي بِكُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ عَلِيّاً يَكْذِبُ كَمَا قَالَتْ قُرَيْشٌ لِنَبِيِّهَا وَسَيِّدِهَا نَبِيِّ الرَّحْمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ صلى الله عليه وآله حَبِيبِ اللَّهِ.
فَيَا وَيْلَكُمْ، فَعَلَى مَنْ أَكْذِبُ؟ أَعَلَى اللَّهِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَوَحَّدَهُ، أَمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَنَصَرَهُ،. كَلّا وَلَكِنَّهَا لَهْجَةُ خُدْعَةٍ كُنْتُمْ عَنْهَا أَغْبِيَاءَ (أغنياء)، وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهَا بَعْدَ حِينٍ، وَذَلِكَ إِذَا صَيَّرَكُمْ إِلَيْهَا جَهْلُكُمْ، وَلا
ص: 200
يَنْفَعُكُمْ عِنْدَهَا عِلْمُكُمْ. فَقُبْحاً لَكُمْ يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلا رِجَالَ، حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ. أَمَا وَاللَّهِ أَيُّهَا الشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُمْ، الْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ، الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ مَا أَعَزَّ اللَّهُ نَصْرَ مَنْ دَعَاكُمْ، وَلا اسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاكُمْ، وَلا قَرَّتْ عَيْنُ مَنْ آوَاكُمْ (أراكم)، كَلامُكُمْ يُوهِي الصُّمَّ الصِّلابَ، وَفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمْ عَدُوَّكُمُ الْمُرْتَابَ.
يَا وَيْحَكُمْ، أَيَّ دَارٍ بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ وَمَعَ أَيِّ إِمَامٍ بَعْدِي تُقَاتِلُونَ الْمَغْرُورُ وَاللَّهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ، وَمَنْ فَازَ بِكُمْ فَازَ بِالسَّهْمِ الْأَخْيَبِ. أَصْبَحْتُ لا أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ، وَلا أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ، فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَأَعْقَبَنِي بِكُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ لِي مِنْكُمْ، وَأَعْقَبَكُمْ بِي مَنْ هُوَ شَرٌّ لَكُمْ مِنِّي.
إِمَامُكُمْ يُطِيعُ اللَّهَ وَأَنْتُمْ تَعْصُونَهُ، وَإِمَامُ أَهْلِ الشَّامِ يَعْصِي اللَّهَ وَهُمْ يُطِيعُونَهُ، وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَارَفَنِي بِكُمْ صَرْفَ الدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ، فَأَخَذَ مِنِّي عَشَرَةً مِنْكُمْ وَأَعْطَانِي وَاحِداً مِنْهُمْ وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ، وَلَمْ تَعْرِفُونِي، فَإِنَّهَا مَعْرِفَةٌ جَرَتْ نَدَماً لَقَدْ وَرَّيْتُمْ(1) صَدْرِي غَيْظاً، وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ أَمْرِي بِالْخِذْلانِ وَالْعِصْيَانِ، حَتَّى لَقَدْ قَالَتْ قُرَيْشٌ إِنَّ عَلِيّاً رَجُلٌ شُجَاعٌ لَكِنْ لا عِلْمَ لَهُ بِالْحُرُوبِ.
للَّهِ ِ دَرُّهُمْ هَلْ كَانَ فِيهِمْ أَحَدٌ أَطْوَلُ لَهَا مِرَاساً مِنِّي وَأَشَدُّ لَهَا مُقَاسَاةً لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ، ثُمَّ هَا أَنَا قَدْ ذَرَّفْتُ (نيفت) عَلَى السِّتِّينَ، وَلَكِنْ لا أَمْرَ لِمَنْ لا يُطَاعُ.
أَمَا وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ رَبِّي قَدْ أَخْرَجَنِي مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ إِلَى رِضْوَانِهِ، وَأَنَّ الْمَنِيَّةَ لَتَرْصُدُنِي(2)، فَمَا يَمْنَعُ أَشْقَاهَا أَنْ يَخْضِبَهَا وَنَزَّلَ (ترك) [ عَلَيْهِ السَّلَامُ ]يَدَهُ عَلَى
ص: 201
رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عَهْد عَهِدَهُ إِلَيَّ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ، وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى، وَنَجَا مَنِ اتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى.
يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى جِهَادِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لَيْلاً وَنَهَاراً، وَسِرّاً وَإِعْلاناً، وَقُلْتُ لَكُمُ: اغْزُوهُمْ (قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ) فَإِنَّهُ مَا غُزِيَ قَوْمٌ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلّا ذَلُّوا. فَتَوَاكَلْتُمْ وَتَخَاذَلْتُمْ، وَثَقُلَ عَلَيْكُمْ قَوْلِي، وَاسْتَصْعَبَ عَلَيْكُمْ أَمْرِي، وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ، وَظَهَرَتْ فِيكُمُ الْفَوَاحِشُ وَالْمُنْكَرَاتُ، تُمْسِيكُمْ وَتُصْبِحُكُمْ كَمَا فعلَ بِأَهْلِ الْمَثُلاتِ مِنْ قَبْلِكُمْ، حَيْثُ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الْجَبَابِرَةِ الْعُتَاةِ الطُّغَاةِ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ(1) الْغُوَاةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ»(2).
أَمَّا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَقَدْ حَلَّ بِكُمُ الَّذِي تُوعَدُونَ. عَاتَبْتُكُمْ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ بِمَوَاعِظِ الْقُرْآنِ فَلَمْ أَنْتَفِعْ بِكُمْ، وَأَدَّبْتُكُمْ بِالدِّرَّةِ فَلَمْ تَسْتَقِيمُوا لِي، وَعَاقَبْتُكُمْ بِالسَّوْطِ الَّذِي يُقَامُ بِهِ الْحُدُودُ فَلَمْ تَرْعَوُوا(3)، وَلَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الَّذِي يُصْلِحُكُمْ هُوَ السَّيْفُ. وَمَا كُنْتُ مُتَحَرِّياً صَلَاحَكُمْ بِفَسَادِ نَفْسِي، وَلَكِنْ سَيُسَلَّطُ عَلَيْكُمْ بعدي سُلْطَانٌ صَعْبٌ، لا يُوَقِّرُ كَبِيرَكُمْ، وَلا يَرْحَمُ صَغِيرَكُمْ، وَلا يُكْرِمُ عَالِمَكُمْ، وَلا يَقْسِمُ الْفَيْ ءَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَكُمْ، وَلَيَضْرِبَنَّكُمْ وَلَيُذِلَنَّكُمْ، وَلَيَجمرَنِّكُمْ(4) فِي الْمَغَازِي، وَيَقْطَعَنَّ سُبُلَكُمْ، وَلَيَحْجُبَنَّكُمْ عَلَى بَابِهِ حَتَّى يَأْكُلَ قَوِيُّكُمْ ضَعِيفَكُمْ، ثُمَّ لا يُبَعِّدُ اللَّهُ إِلّا مَنْ
ص: 202
ظَلَمَ. وَلَقَلَّ مَا أَدْبَرَ شَيْ ءٌ فَأَقْبَلَ، إِنِّي لَأَظُنُّكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ، وَمَا عَلَيَّ إِلّا النُّصْحُ لَكُمْ.
يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ مُنِيتُ مِنْكُمْ بِثَلاثٍ وَاثْنَتَيْنِ صُمٌّ ذَوُو أَسْمَاعٍ، وَبُكْمٌ ذَوُو أَلْسُنٍ، وَعُمْيٌ ذَوُو أَبْصَارٍ. لا إِخْوَانُ صِدْقٍ عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَلا إِخْوَانُ ثِقَةٍ عِنْدَ الْبَلاءِ.
اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلْتُهُمْ وَمَلُّونِي، وَسَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِي. اللَّهُمَّ لا تُرْضِ عَنْهُمْ أَمِيراً، وَلا تُرْضِهِمْ عَنْ أَمِيرٍ، وَأَمِثْ قُلُوبَهُمْ كَما يُمَاثِ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ. أَمَا وَاللَّهِ لَوْ [كُنْتُ ]أَجِدُ بُدّاً مِنْ كَلَامِكُمْ وَمُرَاسَلَتِكُمْ مَا فَعَلْتُ، وَلَقَدْ عَاتَبْتُكُمْ فِي رُشْدِكُمْ حَتَّى سَئِمْتُ الْحَيَاةَ، كُلِّ ذَلِكَ تَرْجِعُونَ بِالْهُزْءِ (بالهذر) مِنَ الْقَوْلِ، فِرَاراً مِنَ الْحَقِّ، وَإِلْحَاداً إِلَى الْبَاطِلِ الَّذِي لا يُعِزُّ اللَّهُ بِأَهْلِهِ الدِّينَ.
وَإِنِّي لَأَعْلَمُ بِكُمْ أَنَّكُمْ لا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ. كُلَّمَا أَمَرْتُكُمْ بِجِهَادِ عَدُوِّكُمْ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ، وَسَأَلْتُمُونِيَ التَّأْخِيرَ دِفَاعَ ذِي الدَّيْنِ الْمَطُولِ. إِنْ قُلْتُ لَكُمْ فِي الْقَيْظِ: سِيرُوا، قُلْتُمْ الْحَرُّ شَدِيدٌ. وَإِنْ قُلْتُ لَكُمْ سِيرُوا فِي الْبَرْدِ. قُلْتُمْ الْقَرُّ شَدِيدٌ. كُلُّ ذَلِكَ فِرَاراً عَنِ الْحَرْبِ (عن الجنّة)، إِذَا كُنْتُمْ عَنِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ تَعْجِزُونَ، فَأَنْتُمْ عَنْ حَرَارَةِ السَّيْفِ أَعْجَزُ وَأَعْجَزُ. فَإِنَّا للَّهِ ِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ.
يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ قَدْ أَتَانِيَ الصَّرِيخُ (الصريح(1)) يُخْبِرُنِي أَنَّ أخا غَامِدٍ قَدْ نَزَلَ الْأَنْبَارَ عَلَى أَهْلِهَا لَيْلًا فِي أَرْبَعَةِ آلافٍ، فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ كَمَا يُغَارُ عَلَى الرُّومِ وَالْخَزَرِ، فَقَتَلَ بِهَا عَامِلِي ابْنَ حَسَّانَ، وَقَتَلَ مَعَهُ رِجَالاً صَالِحِينَ ذَوِي فَضْلٍ وَعِبَادَةٍ وَنَجْدَةٍ، بَوَّأَ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَإِنَّهُ أَبَاحَهَا.
ص: 203
وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الْعُصْبَةَ(1) مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، كَانُوا يَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْأُخْرَى الْمُعَاهَدَةِ، فَيَهْتِكُونَ سِتْرَهَا، وَيَأْخُذُونَ الْقِنَاعَ مِنْ رَأْسِهَا، وَالْخُرْصَ(2) مِنْ أُذُنِهَا، وَالْأَوْضَاحَ(3) مِنْ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا وَعَضُدَيْهَا، وَالْخَلْخَالَ وَالْمِئْزَرَ عَنْ سُوقِهَا، فَمَا تَمْتَنِعُ إِلّا بِالإسْتِرْجَاعِ وَالنِّدَاءِ «يَا لَلْمُسْلِمِينَ» فَلَا يُغِيثُهَا مُغِيثٌ وَلا يَنْصُرُهَا نَاصِرٌ، فَلَوْ أَنَّ مُؤْمِناً مَاتَ مِنْ دُونِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ عِنْدِي مَلُوماً بَلْ كَانَ عِنْدِي بَارّاً مُحْسِناً.
وَا عَجَباً كُلَّ الْعَجَبِ مِنْ تَظَافُرِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ، وَفَشَلِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ قَدْ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى وَلا تَرْمُونَ، وَتُغْزَوْنَ وَلا تَغْزُونَ، وَيَعْصى اللَّهَ وَتَرْضَوْنَ، فَتَرِبَتْ أَيْدِيكُمْ يَا أَشْبَاهَ الْإِبِلِ غَابَ عَنْهَا رُعَاتُهَا، كُلَّمَا اجْتَمَعَتْ مِنْ جَانِبٍ تَفَرَّقَتْ مِنْ جَانِبٍ(4).
ص: 204
بسم الله الرحمن الرحیم
لَوْ أَمَرْتُ بِهِ لَكُنْتُ قَاتِلاً أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ لَكُنْتُ نَاصِراً غَيْرَ أَنَّ مَنْ نَصَرَهُ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ خَذَلَهُ مَنْ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ وَمَنْ خَذَلَهُ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ نَصَرَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي وَأَنَا جَامِعٌ لَكُمْ أَمْرَهُ اسْتَأْثَرَ فَأَسَاءَ الْأَثَرَةَ وَجَزِعْتُمْ فَأَسَأْتُمُ الْجَزَعَ وَللَّهِ ِ حُكْمٌ وَاقِعٌ فِي الْمُسْتَأْثِرِ وَالْجَازِعِ.
ومن كلام له عليه السلام في معنى قتل عثمان:
ان اصحاب أميرالمؤمنين كانوا فرقتين احداهما اعتقدوا أن عثمان قتل مظلوما ويتولاه ويتبر من أعدائه، والاخرى وهم جمهور أهل الحرب وأهل العناء والبأس اعتقدوا أن عثمان قتل لأحداث أوجبت عليه القتل، ومنهم من يصرح بتكفيره وكل من هاتين الفرقتين تزعم أن عليا موافق له على رأيه وكان عليه السلام يعلم أنه متى وافق إحدى الطائفتين باينته الأخرى وأسلمته وتولت عنه وخذلته فكان يستعمل في كلامه ما يوافق كل واحدة من الطائفتين(1) .
ولأجل اشتباه كلامه على السامعين قال كعب بن جعيل شاعر الشام الأبيات
ص: 205
التي منها:
أرى الشام تكره اهل العراق * وأهل العراق لهم كارهونا
وكل لصاحبه مبغض * يرى كل ما كان من ذاك دينا
إذا ما رمونا رميناهم * ودناهم مثل ما يقرضونا
وقالوا علي إمام لنا * وقلنا رضينا ابن هند رضينا
وقالوا نرى أن تدينوا لنا * فقلنا ألا لا نرى أن تدينا
ومن دون ذلك خرط القتاد * وطعن وضرب يقر العيونا
وكل يسر بما عنده * يرى غث ما في يديه سمينا
وما في على لمستعتب * يقال سوى ضمه المحدثينا
واريثاره اليوم أهل الذنوب * ورفع القصاص عن القاتلينا
اذا سئل عنه حذا شبهة * وعمى الجواب على السائلينا
فليس براض ولا ساخط * ولا في النهاة ولا الآمرينا
ولا هو ساء ولا سره * ولا بد من بعض ذا أن يكونا(1)
خرج جرير البجليّ أيّام كونه بالشام لمّا بعثه عليّ عليه السلام إلى معاوية لأخذ البيعة يتجسّس الأخبار، فإذا هو بغلام (يتغنّى) على قعود له، وهو يقول:
حكيم وعمّار الشجا ومحمّد * وأشترو المكشوح جرّوا الدواهيا(2)
وقد كان فيها للزيبر عجاجة * وصاحبه الأدنى أشاب النواصيا
ص: 206
فأمّا عليّ فاستغاث ببيته * فلا آمر فيها ولم يك ناهيا
فقال له جرير: يابن أخي، من أنت؟ قال: أنا غلام من قريش، وأصلي من ثقيف، أنا ابن المغيرة بن الأخنس، قتل أبي مع عثمان يوم الدار. فعجب جرير من قوله، وكتب بشعره إلى عليّ عليه السلام، فقال عليّ عليه السلام: واللَّه ما أخطأ الغلام شيئاً(1).
وقال حسّان بن ثابت لعليّ: إنّك تقول: ما قتلت عثمان ولكن خذلته، ولم آمر به ولكن لم أنه عنه. فالخاذل شريك القاتل، والساكت شريك القاتل.
وأخذ معنى كلام حسّان، كعب بن جعيل التغلبي - وكان مع معاوية في صفّين - فقال:
وما في عليّ لمستحدث * مقال سوى عصمة المحدّثينا
وايثاره لأهالي الذنوب * ورفع القصاص عن القاتلينا
إذا سئل عنه زوى وجهه * وعمّى الجواب على السائلينا
فليس براض ولا ساخط * ولا في النهاة ولا الآمرينا
ولا هو ساء «ساه» ولا سرّه * ولابدّ من بعض ذا أن يكونا(2)
ولمّا اخبر عمرو بن العاص وهو بفلسطين، أنّ عثمان قد قتل، وأنّ الناس بايعوا عليّاًعليه السلام قال: فما فعل عليّ في قتلة عثمان؟ قيل له: دخل عليه الوليد بن عقبة، فسأله عن قتله، فقال: ما أمرت ولا نهيت، ولا سرّني ولا ساءني.
قال: فما فعل بقتلته؟ فقيل له: آواهم. فقال عمرو: خلط واللَّه أبو الحسن.
ثمّ كتب عمرو إلى سعد بن أبي وقّاص يسأله عن قتل عثمان، ومن قتله؟ فكتب
ص: 207
إليه سعد: انّك سألتني عن قتل عثمان، وإنّي أخبرك أنّه قتل بسيف سلّته عائشة، وصقله طلحة، وسمّه ابن أبي طالب وسكت الزبير بلسانه وأشار بيده، وأمسكنا نحن، ولو شئنا دفعنا عنه(1).
وقال العتبى: قال رجل من بني ليث: لقيت سعداً، فقلت له: من قتل عثمان؟ قال: سيف سلّته عائشة، وشحذه طلحة وسمّه عليّ(2).
وقال أبو ثور: كنت فيمن حاصر عثمان، فكنت آخذ سلاحي وأضعه، وعليّ عليه السلام ينظر إلي لا يأمرني ولا ينهاني، فلمّا كانت البيعة له، خرجت في أثره(3).
وطلب معاوية من عبيداللَّه بن عمر أن يشهد على عليّ عليه السلام بقتل عثمان، فقام وقال:
ولكنّه قد قرّب القوم جهده * ودبّوا حواليه دبيب العقارب
فما قال أحسنتم ولا قد أسأتم * وأطرق إطراق الشجاع المواثب(4)
وعن قيس بن رافع قال: قال زيد بن ثابت: رأيت عليّاً مضطجعاً في المسجد، فقلت له: إنّ الناس يرون أنّك لو شئت رددت الناس عن عثمان. فجلس ثمّ قال: واللَّه ما أمرتهم بشي ء ولا دخلت في شي من شأنهم.
فأتيت عثمان فأخبرته، فقال:
ص: 208
وحرّق قيس عليّ البلاد
حتّى إذا اضطرمت أحجما (أجذما)(1)
وعن الواقدي، عن الحكم بن الصلت، عن محمّد بن عمّار، عن أبيه، قال: رأيت عليّاًعليه السلام على منبر النبيّ صلى الله عليه وآله حين قتل عثمان، وهو يقول: ما أحببت قتله ولا كرهته، ولا أمرت به ولا نهيت عنه(2).
وعن أبي خلدة (جلدة) قال: سمعت عليّاًعليه السلام وهو يخطب فذكر عثمان وقال: واللَّه الذي لا إله إلّا هو ما قتلته، ولا مالأت على قتله، ولا سائني(3).
هذا، ولعلّ قوله عليه السلام في قتل عثمان: «ما أمرت ولا نهيت، ولا رضيت ولا سخطت» في قبال قول أبي سفيان لمّا مثلت امرأته هند بعمّه حمزة في أُحد، فأشرف أبو سفيان على المسلمين وقال: «أما إنّها قد كانت فيكم مثلة ما أمرت بها ولا نهيت عنها، ولا سرّتني ولا سائتني»(4).
هذا، وفي المروج: لمّا قتل الأمين قيل لزبيدة: ما يجلسك وقد قتل ابنك فقالت: وما أصنع فقيل: تخرجين فتطلبين بثأره كما خرجت عائشة تطلب بدم عثمان. فقالت: اخسأ لا أمّ لك، ما للنساء وطلب الثأر ثمّ أمرت بثيابها فسوّدت، ولبست مسحا من شعر، ودعت بدواة وقرطاس، وكتب إلى المأمون ما لقت من طاهر، وقتله لابنها. فلمّا قرأ المأمون كتابها قال: اللهمّ إنّي أقول كما قال أميرالمؤمنين
ص: 209
عليّ عليه السلام لمّا بلغه قتل عثمان: واللَّه ما أمرت به ولا نهيت عنه...(1).
في بهج الصباغة: «فمن نصره» كان مروان بن الحكم، والمغيرة بن الأخنس ونظراؤهما من المنافقين، و«من خذله» كان منهم أجلّاء المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، فناصره لا يمكنه لوضوح فسقه ادّعاء كونه خيراً من خاذله، كما أنّ خاذله لثبوت تديّنه لا يمكنه الإقرار على نفسه بكون ناصره خيراً منه.
وهذا الكلام ككلامه الأوّل المشتمل على عدم نهيه عليه السلام عن قتله، مع كونه عليه السلام آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر باتّفاق المؤالف والمخالف دالّ على إباحة قتله، فان حقّ الأُمور وباطلها يعلمان من متصدّيها، فإذا كان ناصره لا يستطيع أن يدّعي تلك الدعوى، وخاذله لا يستطيع أن يقرّ ذاك الإقرار، يفهم أنّ جواز قتله كان بمثابة من الوضوح الذي لا يعتريه مرية، وكيف لا وقاتلوه من الأجلّة الذين اعترف المخالف بجلالهم، مثل عمّار الذي يكفي في جلاله قول النبيّ صلى الله عليه وآله المتواتر فيه: «عمّار تقتله الفئة الباغية»(2) وقد أقرّ عمّار بأنّه من قتلته، وأنّهم قتلوه لأنّه أراد أن يغيّر دين اللَّه(3).(4)
وقال ابن قتيبة: لمّا أرسل عليّ عليه السلام عمّاراً إلى الكوفة لنفر الناس إليه قال عمّار:
ص: 210
يا أهل الكوفة إن كان غاب عنكم أنباؤنا فقد انتهت إليكم أُمورنا، إنّ قتلة عثمان لا يعتذرون من قتله إلى الناس، ولا ينكرون ذلك، وقد جعلوا كتاب اللَّه بينكم وبين محاجّيهم، فبكتابه أحيا اللَّه من أحيا، وأمات من أمات(1).
ومن قتلته محمّد بن أبي بكر، وفي الطبري: أنّ معاوية بن خديج لمّا قال لمحمّد بن أبي بكر: أقتلك بعثمان، قال له محمّد: إنّ عثمان عمل بالجور، ونبذ حكم القرآن، وقد قال تعالى: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»(2).، فنقمنا ذلك عليه فقلناه(3).
ومن قتلته عمرو بن الحمق الخزاعي: وفي الطبري: جلس عمرو بن الحمق على صدر عثمان وبه رمق، فطعنه تسع طعنات، وقال: فأمّا ثلاث منهنّ فإنّي طعنتهنّ إيّاه للَّه، وأمّا ستّ فإنّي طعنتهنّ إيّاه لما كان في صدري عليه(4).
وكان عليه السلام مدافعاً عن قتلة عثمان، فلمّا قام أبو مسلم الخولاني(5) في قرّاء الشام إلى معاوية - كما في (صفين نصر) - وقال له: علامَ تقاتل عليّاً وليس لك مثل
ص: 211
صحبته ولا قرابته ولا سابقته؟ قال: لست أدّعي ذلك، ولكن ألستم تعلمون أنّ عثمان قتل مظلوماً فليدع إلينا قتلته فنقتلهم به، ولا قتال بيننا وبينه... إلى أن قال: فقال أبو مسلم لعليّ عليه السلام: قد رأيت قوماً ما لك معهم أمر.
قال: وما ذاك؟ قال: بلغ القوم أنّك تريد أن تدفع إلينا قتلة عثمان فضجّوا واجتمعوا، ولبسوا السلاح، وزعموا أنّهم كلّهم قتلة عثمان. فقال له عليّ عليه السلام: واللَّه ما أردت أن أدفعهم إليك طرفة عين، لقد ضربت هذا الأمر أنفه وعينيه، ما رأيته ينبغي لي أن أدفعهم إليك ولا إلى غيرك. فخرج أبو مسلم وهو يقول: الآن طاب الضرّاب(1).
وروى الطبري: أنّ عثمان نبذ ثلاثة لا يدفن ثمّ إنّ حكيم بن حزام، وجبير بن مطعم كَلّما عليّاًعليه السلام في دفنه، وطلبا إليه أن يأذن لأهله في ذلك، ففعل. فلمّا سمع الناس بذلك قعدوا إليه في الطريق بالحجارة، وخرج به ناس يسير من أهله، وهم يريدون به حائطاً بالمدينة، يقال له: حش كوكب(2)، كانت اليهود تدفن موتاهم فيه، فلمّا خرج على الناس رجموا سريره، وهمّوا بطرحه، فبلغ ذلك عليّاًعليه السلام، فأرسل إليهم يعزم عليهم ليكفّنّ عنه، ففعلوا، فانطلق به حتّى دفن في حشّ كوكب. فلمّا ظهر معاوية على الناس أمر بهدم ذلك الحائط حتّى أفضى به إلى البقيع، وأمر الناس أن يدفنوا حوله حتّى اتّصل بمقابر المسلمين(3).
ص: 212
وفي الطبري: قال أبو كرب عامل عثمان على بيت المال: إنّ عثمان دفن بين المغرب والعتمة، لم يشهد جنازته إلّا مروان وثلاثة من مواليه وابنته الخامسة، فناحت (ابنته) فأخذ الناس الحجارة، وقالوا: نعثل نعثل وكادت ترجم(1).
وفي الطبري: كان قتل معه عبداه نجيح وصبيح، فجرّا بأرجلهما فرمي بهما على البلاط، فأكلتهما الكلاب، ولم يغسل عثمان ولا غلاماه، ولمّا وضع ليصلّي عليه، جاء نفر من الأنصار يمنعونهم الصلاة عليه(2).
إنّ معاوية سأل النعمان بن بشير أن يخرج إلى قيس بن سعد بن عبادة فيعاتبه ويسأله السلم فخرج النعمان حتى وقف بين الصفين فقال: يا قيس أنا النعمان بن بشير فقال قيس: هيه يابن بشير فما حاجتك؟ قال النعمان: يا قيس ألستم معشر الأنصار تعلمون أنّكم أخطأتم في خذل عثمان يوم الدار وقتلتم أنصاره يوم الجمل وإقحمتم خيولكم على أهل الشام بصفّين فلو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليّا لكانت واحدة بواحدة ولكنّكم خذلتم حقا ونصرتم باطلا ثمّ لم ترضوا أن تكونوا كالناس حتّى أعلمتم في الحرب ودعوتم إلى البراز ثمّ لم ينزل بعلي أمر قطّ إلّا وهونتم عليه المصيبة ووعدتموه الظفر وقد أخذت الحرب منّا ومنكم ما قد رأيتم فاتّقوا اللَّه في البقية.
فضحك قيس ثم قال: ما كنت أراك يا نعمان تجترئ على هذه المقالة إنّه لا ينصح أخاه من غشّ نفسه وأنت واللَّه الغاشّ الضالّ المضلّ وأما ذكرك عثمان فإن كانت الأخبار تكفيك فخذها مني واحدة قتل عثمان من لست خيرا منه وخذله من
ص: 213
هو خير منك الخبر(1).
وكيف لم يكن مباح الدم وشهد حجر بن عديّ وأصحابه الذين قالوا: لو لم يكن في معاوية إلّا قتله لهم لكفاه في هلاكته بذلك.
ففي الطبري - بعد ذكر بعث زياد بهم إلى الشام، وبعث معاوية جمعاً لقتلهم - قال أصحاب معاوية لحجر وأصحابه: يا هؤلاء، رأيناكم البارحة قد أطلتم الصلاة، وأحسنتم الدعاء فأخبرونا ما قولكم في عثمان؟ قالوا: هو أوّل من جار في الحكم، وعمل بغير الحقّ(2).
وقال في عبدالرحمن العنزي الذي كان أحد أصحاب حجر ولم يقتله معاوية معهم، بل ردّه إلى زياد فدفنه حيّاً بقسّ الناطف. قال معاوية له: إيه يا أخا ربيعة، ما قولك في عليّ؟ قال: دعني ولا تسألني فإنّه خير لك. قال: واللَّه لا أدعك حتّى تخبرني. قال: أشهد أنّه كان من الذاكرين اللَّه كثيراً، ومن الآمرين بالحقّ، والقائمين بالقسط، والعافين عن الناس. قال: فما قولك في عثمان؟ قال: هو أوّل من فتح باب الظلم، وارتجّ أبواب الحقّ. قال معاوية: قتلت نفسك، قال: بل إيّاك قتلت(3).
وكيف لم يكن تضادّه عليه السلام مع عثمان واضحاً، وكان نافع بن هلال الجمليّ من أصحاب الحسين عليه السلام يقاتل يوم الطفّ ويقول - كما في الطبري - : أنا الجمليّ أنا على دين عليّ. فخرج إليه مزاحم بن حريث من أصحاب إبن سعد وقال: أنا على دين عثمان. فقال له نافع: أنت على دين شيطان(4).
ص: 214
وكيف لم يكن بطلان أمر عثمان واضحاً وقد باهل أصحاب الحسين عليه السلام أصحاب ابن سعد في ذلك ففي الطبري: قال عفيف بن زهير - وهو ممّن شهد مقتل الحسين عليه السلام - : خرج يزيد ابن معقل من أصحاب ابن سعد فقال لبرير بن حضير من أصحاب الحسين عليه السلام كيف ترى اللَّه صنع بك قال: صنع اللَّه واللَّه بى خيرا، وصنع بك شرّا. قال له يزيد: كذبت، وقبل اليوم ما كنت كذّابا، فهل تذكر وأنا أماشيك في بني لوذان وأنت تقول: إنّ عثمان كان على نفسه مسرفاً، وإنّ معاوية ضالّ مضلّ، وإنّ إمام الهدى والحقّ عليّ بن أبي طالب فقال له برير: أشهد أنّ هذا رأيي وقولي. فقال له يزيد: فإنّي أشهد أنّك من الضالّين. فقال له برير: هل لك أن أباهلك(1)، ولندع اللَّه أن يلعن الكاذب وأن يقتل المبطل، ثمّ نخرج للمبارزة قال: نعم. فخرجا فرفعا أيديهما يدعوانه أن يلعن الكاذب، وأن يقتل المحقّ المبطل، ثمّ برز كلّ واحد منهما لصاحبه، فاختلفا ضربتين، فضرب يزيد بريرا ضربة خفيفة لم تضرّه شيئاً، وضربه برير ضربة قدّت المغفر، وبلغت الدماغ، فخرّ كأنّما هوى من حالق، وإنّ سيف برير لثابت في رأسه، فكأنّي أنظر إليه ينضنضه(2) من رأسه. الخ(3).
وفي الطبري أيضاً: لمّا جي ء برأس الحسين عليه السلام إلى عبيداللَّه بن زياد، دعا عبدالملك بن أبي الحارث السلميّ، وقال له: انطلق حتّى تأتي المدينة على عمرو بن سعيد بن العاص - وكان يومئذٍ أمير المدينة - فبشّره بقتل الحسين.
قال: فدخلت على عمرو فقال: ما وراءك؟ قلت: ما سرّ الأمير، قتل الحسين.
ص: 215
قال: ناد بقتله. فناديت لم أسمع واللَّه واعية مثل واعية نساء بني هاشم في دورهنّ على الحسين، فقال عمرو متمثّلاً ببيت عمرو بن معدى كرب وضحك:
عجّت نساء بني زياد عجّة
كعجيج نسوتنا غداة الأرنب(1)
ثمّ قال: هذه واعية بواعية عثمان(2).
«وأنا جامع لكم أمره» من طرفه وطرفكم.
«استأثر فأساء الأثرة» فكان عثمان خصّ أقاربه بولاية البلاد حتّى عزل عمرو بن العاص، فطلّق عمرو لذلك أخته أُمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وحرّض الناس عليه. ولمّا سمع خبر قتله قال: أنا أبو عبداللَّه، إذا حككت قرحة نكأتها(3)، إن كنت لا حرّض عليه، حتّى انّي لا حرّض عليه الراعي في غنمه في رأس الجبل. فقال له سلامة بن روح: يا معشر قريش، إنّه كان بينكم وبين العرب باب وثيق فكسرتموه، فما حملكم على ذلك فقال: أردنا أن نخرج الحقّ من خاصرة (حافرة) الباطل، وأن يكون الناس في الحقّ شرعاً سواء(4).
«وجزعتم فأسأتم الجزع» لأنّهم منعوه الماء في حياته، ومنعوا من دفنه بعد
ص: 216
قتله. ولا يجوز منع الماء من أحد(1). ويجب مواراة أموات جميع الناس المسلم وغيره(2).
وإنّما الأصل في قوله عليه السلام: «وأسأتم الجزع» لأنّ عمدة الجازعين وهم قريش وفي رأسهم طلحة من تيم، والزبير من أسد لم يقتلوه غضبا للَّه بل لهوى أنفسهم، لأنّه لم يولّهم وولّى بني أبيه.
وفي المروج: حجّ عبدالملك في بعض أعوامه، فأمر للناس بالعطاء، فخرجت بدرة مكتوب عليها «من الصدقة» فأبى أهل المدينة من قبولها وقالوا: إنّما كان عطاؤنا من الفي ء. فقال عبدالملك وهو على المنبر: يا معشر قريش، مثلنا ومثلكم أنّ أخوين خرجا مسافرين، فنزلا في ظلّ شجرة تحت صفاة، فلمّا دنا الرواح خرجت إليهما من تحت الصفاة حيّة تحمل ديناراً فألقته إليهما، فقالا: إنّ هذا لمن كنز، فأقاما عليها ثلاثة أيّام، كلّ يوم تخرج إليهما ديناراً، فقال أحدهما لصاحبه: إلى متى ننتظر هذه الحيّة ألا نقتلها ونحفر هذا الكنز فنأخذه فنهاه أخوه، وقال: ما تدري لعلّك تعطب ولا تدرك المال. فأبى عليه، وأخذ فأسا وصرد الحيّة حتّى خرجت، فضربها ضربة جرحت رأسها ولم تقتلها، فثارت الحيّة فقتلته، ورجعت إلى حجرها، فقام أخوه فدفنه، وأقام حتّى إذا كان الغد خرجت الحيّة معصوباً رأسها ليس معها شي ء، فقال لها: يا هذه، إنّي واللَّه ما رضيت ما أصابك، ولقد نهيت أخي عن ذلك، فهل لك أن نجعل اللَّه بيننا أن لا تضرّيني ولا أضرّك، وترجعين إلى
ص: 217
ما كنت عليه؟ قالت الحيّة: لا.
قال: ولِمَ ذلك؟ قالت: لأنّي أعلم أنّ نفسك لا تطيب لي أبداً، وأنت ترى قبر أخيك، ونفسي لا تطيب لك أبداً وأنا أذكر هذه الشجّة، وأنشدهم - أي عبدالملك - شعر النابغة في ذلك:
فقالت أره (أرى) قبراً تراه مقابلي
وضربة فاس فوق رأسي فاغرة (فاقرة)
يا معشر قريش، ولّاكم عمر فكان فظّاً غليظاً مضيّقاً عليكم، فسمعتم له وأطعتم، ثمّ ولّاكم عثمان فكان سهلاً فعدوتم عليه فقتلتموه، وبعثنا عليكم مسلماً يوم الحرّة فقتلناكم، فنحن نعم يا معشر قريش، أنّكم لا تحبّوننا أبداً.
وأنتم تذكرون يوم الحرّة ونحن لا نحبّكم أبداً ونحن نذكر قتل عثمان(1).
وفي الأغاني: كان حسّان بن ثابت والنعمان بن بشير وكعب بن مالك عثمانيّة، يقدّمون بني أُميّة على بني هاشم، ويقولون: الشام خير من المدينة. واتّصل بهم أنّ ذلك قد بلغ عليّاًعليه السلام، فدخلوا عليه، فقال له كعب: أخبرنا عن عثمان، أقتل ظالماً، فنقول بقولك (أم قتل مظلوماً، فنقول بقولنا)، ونكلك إلى الشبهة فيه، والعجب من تيقّننا وشكّك، وقد زعمت العرب أنّ عندك علم ما اختلفنا فيه، فهاته نعرفه.
فقال لهم عليّ عليه السلام: لكم عندي ثلاثة أشياء: استأثر عثمان فأساء الأثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع، وعند اللَّه ما تختلفون فيه إلى يوم القيامة. فقالوا: لا
ص: 218
ترضى بهذا العرب، ولا تعذرنا فيه (به). فقال لهم عليّ: أتردّون عليّ بين ظهراني المسلمين، بلا بيّنة صادقة، ولا حجّة واضحة اخرجوا عنّي، فلا تجاوروني في بلد أنا فيه أبداً. فخرجوا من يومهم، فساروا حتّى أتوا معاوية، فقال: لكم الكفاية أو الولاية. فأعطى حسّاناً ألف دينار، وكعباً ألف دينار، وولّى النعمان حمصا(1).
وقال كعب بن مالك الأنصاري لعليّ عليه السلام: بلغك عنّا أمر لو كان غيرك لم يحتمله ولو كان غيرنا لم يقم معك عليه، وما في الناس من هو أعلم منك، وفي الناس من نحن أعلم منه، أوضَحُ العلم ما وقف على لسان، وأرفعه ما ظهر في الجوارح والأركان، ونحن أعرف بقدر عثمان من قاتليه، وأنت أعلم بهم وبخاذليه، فإن قلت: «إنّه قتل ظالماً» قلنا: بقولك، وإن قلت: «إنّه قتل مظلوماً» قلنا بقولنا، وإن وكلتنا إلى الشبهة آيسنا بعدك من إصابة البيّنة. فقال عليه السلام: عندي في عثمان وفيكم. استأثر فأساء الأثرة وجزعتم فأسأتم الجزع، وللَّه عزّ وجلّ حكم واقع في المستأثر والجازع(2).
وهوعليه السلام وإن أجمل في جواب أولئك العثمانيّة لكون سؤالهم في غير الموقع، إلّا أنّه بيّن بأفعاله من إيوانه قاتليه، ودفاعه عنهم، وبأقواله كما مرّ من قوله عليه السلام للخولاني: «إنّي ضربت هذا الأمر أنفه وعينه، فرأيت أنّه ما ينبغي لي أن أدفع قتلته إلى أحد(3).
وقوله عليه السلام لقرّاء الشام والعراق لمّا قالوا له: «إنّ معاوية يقول: إن كنت صادقاً
ص: 219
أنّك ما أمرت بقتل عثمان، ولا مالأت على قتله، فادفع إلينا قتلته أو أمكنّا منهم»: تأوّل القوم عليه القرآن، وقتلوه في سلطانه وليس على أضرابهم (ضربهم) قود(1)، أنّه كان مباح الدم، وبه صرّح شيعته عمّار وغيره(2).
وفي فواتح الميبدي: روى إبراهيم النخعي وأبو العالية أنّ قوله تعالى: «ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ»(3) في شأن المسلمين، وناظر إلى قتل عثمان وحرب صفين. وقوله تعالى: «فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ * وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ»(4) تفصيل اولئك الفرق(5).
في الاشارة إلى كيفيّة قتل عثمان إجمالاً على ما رواه في شرح المعتزلي من الواقدي والطبري وهو أنّه أحدث أحداثاً مشهورة نقمها الناس عليه من تأمير بني أُميّة ولاسيّما الفسّاق وأرباب السفه وقلّة الدين، وإخراج مال الفي ء إليهم وما جرى في أمر عمّار وأبي ذرّ وعبداللَّه بن مسعود وغير ذلك من الأمور التي جرت في أواخر خلافته، فلمّا دخلت سنة خمس وثلاثين كاتب أعداء عثمان وبني أميّة في البلاد وحرّض بعضهم بعضا على خلعه من الخلافة وعزل عمّا له من الأمصار
ص: 220
فخرج ناس من مصر وكانوا في ألفين، وخرج ناس من أهل الكوفة في ألفين، وخرج ناس من أهل البصرة وأظهروا أنّهم يريدون الحج، فلمّا كانوا من المدينة على ثلاث تقدّم أهل البصرة فنزلوا ذا خشب(1) وكان هواهم في طلحة، وتقدم أهل الكوفة فنزلوا الأعوص(2) وكان هواهم في الزبير، وجاء أهل مصر فنزلوا المروة(3) وكان هواهم في علي عليه السلام، ودخل ناس منهم إلى المدينة يخبرون ما في قلوب الناس لعثمان فلقوا جماعة من المهاجرين والأنصار ولقوا أزواج النبي صلى الله عليه وآله وقالوا: إنما نريد الحج ونستعفي من عمّالنا.
ثمّ لقي جماعة من المصريين عليا وهو متقلّد سيفه عند أحجار الزيت(4) فسلموا عليه وعرضوا عليه أمرهم فصاح بهم وطردهم وقال: لقد علم الصالحون أنّ جيش المروة وذي خشب والأعوص ملعونون على لسان محمدصلى الله عليه وآله فانصرفوا عنه، وأتى البصريون طلحة فقال لهم مثل ذلك، وأتى الكوفيون الزبير فقال لهم مثل ذلك، فتفرقوا وخرجوا عن المدينة إلى أصحابهم.
فلما أمن أهل المدينة منهم واطمأنوا إلى رجوعهم لم يشعروا إلّا والتكبير في نواحي المدينة وقد نزلوها وأحاطوا بعثمان ونادى مناديهم: يا أهل المدينة من كف يده عن الحرب فهو آمن.
فحصروه في منزله إلّا أنّهم لم يمنعوا الناس من كلامه ولقائه، فجاءهم جماعة من رؤساء المهاجرين وسألوهم ما شأنهم؟ فقالوا: لا حاجة لنا في هذا الرجل
ص: 221
ليعتزلنا لنولّي غيره لم يزيدوهم على ذلك.
وخرج عثمان يوم الجمعة فصلّى بالناس وقام على المنبر فقال: يا هؤلاء اللَّه اللَّه فو اللَّه إنّ أهل المدينة يعلمون أنكم ملعونون على لسان محمدصلى الله عليه وآله فامحوا الخطأ بالصواب.
فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال: نعم أنا أعلم ذلك فأقعده حكيم بن جبلة البصري، وقام زيد بن ثابت فأقعده قتيرة بن وهب المصري.
و ثار القوم فحصبوا الناس حتّى أخرجوهم من المسجد وحصبوا عثمان حتّى صرع عن المنبر مغشيا عليه فأدخل داره. وأقبل علي وطلحة والزبير فدخلوا على عثمان يعودونه من صرعته وعند عثمان نفر من بني أُميّة منهم مروان بن الحكم فقالوا لعلي: أهلكتنا وصنعت هذا الذي صنعت واللَّه إن بلغت هذا الأمر الذي تريده لنمرنّ عليك الدنيا فقام مغضبا وخرج الجماعة الذين حضروا معه إلى منازلهم.
ثمّ إنّ أهل المدينة تفرّقوا عنه ولزموا بيوتهم لا يخرج أحد منهم إلّا بسيفه يمتنع به فكان حصاره أربعين يوما(1).
وفي رواية الطبري: فما نزل القوم ذا خشب يريدون قتل عثمان إن لم ينزع عمّا يكرهون وعلم عثمان ذلك جاء إلى منزل علي فدخل وقال: يا ابن عمّ إنّ قرابتي قريبة وقد جاء ما ترى من هؤلاء القوم وهم مصبحي ولك عند الناس قدر وهم يسمعون منك وأحب أن تركب إليهم فتردهم عنّي فإن في دخولهم علي وهنا لأمري وجرأة علي.
فقال عليه السلام: على أي شي ء أردهم؟ قال: على أن أصير إلى ما أمرت به ورأيت في،
ص: 222
فقال علي عليه السلام: إنّي قد كلمتك مرّة بعد أخرى فكلّ ذلك تخرج وتقول وتعد ثمّ ترجع وهذا من فعل مروان ومعاوية وابن عامر وسعيد بن العاص فإنّك أطعتهم وعصيتني.
قال عثمان: فإنّي أعصيهم وأطيعك، فأمر علي عليه السلام الناس أن يركبوا معه فركب ثلاثون رجلا من المهاجرين والأنصار فأتوا المصريّين فكلّموهم فكان الذي يكلّمهم علي عليه السلام ومحمد بن مسلمة فسمعوا منهما ورجعوا أصحابهم يطلبون مصر.
ورجع علي عليه السلام حتّى دخل على عثمان فأشار عليه أن يتكلم بكلام يسمعه الناس منه ليسكنوا إلى ما يعدهم به من النزوع، وقال: إن البلاد قد تمخضت عليك ولا آمن أن يجي ء ركب من جهة أخرى فتقول لي يا علي اركب إليهم فإن لم أفعل قد قطعت رحمك واستخففت بحقك.
فخرج عثمان فخطب الخطبة التي نزع فيها وأعطى الناس من نفسه التوبة وقال لهم: أنا أوّل من اتّعظ وأستغفر اللَّه وأتوب إليه فمثلي نزع وتاب فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليروا رأيهم، وليذكر كل واحد ظلامته لأكشفها وحاجته لأقضيها فو اللَّه لئن ردّني الحق عبدا لأستن بسنة العبيد، ولأذلن ذلّ العبيد، وما عن اللَّه مذهب إلّا إليه واللَّه لأعطينكم الرضا ولأنحين مروان وذويه ولا أحتجب عنكم.
فلمّا نزل وجد مروان وسعيدا ونفرا من بني أُمية في منزله قعودا لم يكونوا شهدوا خطبته ولكنها بلغتهم.
فلمّا جلس قال مروان: يا أميرالمؤمنين أأتكلم؟ فقالت نائلة امرأة عثمان: لا بل تسكت فأنتم واللَّه قاتلوه وموتوا أطفاله إنّه قد قال مقالة لا ينبغي أن ينزع عنها، فقال لها مروان: وما أنت وذاك؟ واللَّه لقد مات أبوك وما يحسن أن يتوضأ، فقالت:
ص: 223
مهلا يا مروان عن ذكر أبي إلّا بخير واللَّه لو لا أن أباك عمّ عثمان وأنّه يناله غمّه وعيبه لأخبرتك بما لا أكذب فيه عليه، فأعرض عنه عثمان.
ثم عاد فقال: أأتكلم أم أسكت؟ فقال: تكلم، فقال: واللَّه لوددت أن مقالتك هذه كانت وأنت ممتنع منيع فكنت أوّل من رضي بها وأعان عليها، ولكنّك قلت وقد بلغ الحزام الطبيّين وجاوز السيل الزبى، واللَّه لإقامة على خطيئة تستغفر اللَّه منها أجمل من توبة تخوف عليها ما زدت على أن جرأت عليك الناس.
فقال عثمان قد كان من قولي ما كان، وإن الفائت لا يرد ولم آل خيرا.
فقال مروان: إنّ الناس قد اجتمعوا ببابك أمثال الجبال، قال: ما شأنهم؟ قال: أنت دعوتهم إلى نفسك، فهذا يذكر مظلمة وهذا يطلب مالا وهذا يسأل نزع عامل من عمالك عنه وهذا ما جنيت على خلافتك، ولو استمسكت وصبرت كان خيراً لك، قال: فاخرج أنت إلى الناس فكلّمهم فإنّي أستحيي أن أكلّمهم وأردهم.
فخرج مروان إلى الناس وقد ركب بعضهم بعضا، فقال: ما شأنكم قد اجتمعتم كأنّكم جئتم لنهب، شاهت الوجوه أتريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا، اعزبوا عنّا واللَّه إن رمتمونا لنمرن عليكم ما حلا ولنحلنّ بكم ما لا يسرّكم ولا تحمدوا فيه رأيكم، ارجعوا إلى منازلكم، فإنا واللَّه غير مغلوبين على ما في أيدينا.
فرجع الناس خائبين يشتمون عثمان ومروان وأتى بعضهم علياعليه السلام فأخبره الخبر، فأقبل علي على عبدالرحمن بن الأسود بن عبد يغوث الزهري، فقال أحضرت خطبة عثمان؟ قال: نعم، قال: أحضرت مقالة مروان للناس؟ قال: نعم.
ص: 224
فقال عليه السلام: أي عباد اللَّه، يا للَّه للمسلمين إنّي قعدت في بيتي، قال لي تركتني وخذلتني وإن تكلمت فبلغت له ما يريد جاء مروان ويلعب به حتّى قد صار سيقة له يسوقه حيث يشاء بعد كبر السن وقام مغضبا من فوره حتّى دخل على عثمان، فقال عليه السلام له: أما يرضى مروان منك إلّا أن يحرفك عن دينك وعقلك فأنت معه كجمل الظعينة يقاد حيث يسار به، واللَّه ما مروان بذي رأي في دينه ولا عقله، وإنّي لأراه يوردك ثمّ لا يصدرك وما أنا عائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك أفسدت شرفك وغلبت على رأيك ثم نهض.
فدخلت نائلة فقالت: قد سمعت قول علي لك وإنّه ليس براجع إليك ولا معاود لك وقد أطعت مروان يقودك حيث يشاء، قال: فما أصنع؟ قالت: تتقي اللَّه وتتبع سنّة صاحبيك، فإنّك متى أطعت مروان قتلك، وليس لمروان عند الناس قدر ولا هيبة ولا محبّة وإنّما تركك الناس لمكانه، وإنّما رجع عنك أهل مصر لقول علي عليه السلام، فأرسل إليه فاستصلحه، فإنّ له عند الناس قدما وإنّه لا يعصى، فأرسل إلى علي فلم يأته وقال: قد أعلمته أني غير عائد(1).
وعن عبداللَّه بن أبي بكر، عن أبي جعفرعليه السلام، قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري، قال: لمّا نزل المصريون بعثمان بن عفان في مرتهم الثانية، دعى مروان بن الحكم فاستشاره، فقال له: إنّ القوم ليس هم لأحد أطوع منهم لعلي بن أبي طالب عليه السلام، وهو أطوع الناس في الناس، فابعثه إليهم فليعطهم الرضا، وليأخذ لك عليهم الطاعة، ويحذرهم الفتنة.
فكتب عثمان إلى علي بن أبي طالب عليه السلام: سلام عليك، أما بعد، قد جاز السيل
ص: 225
الزبى(1)، وبلغ الحزام الطبيين(2)، وارتفع أمر الناس بي فوق قدره، وطمع في من كان يعجز عن نفسه، فاقبل عليّ وتمثل:
فإن كنت مأكولا فكن خير آكل * إلّا فأدركني ولما أمزق والسلام
فجاءه علي عليه السلام فقال: يا أبا الحسن، ائت هؤلاء القوم، فادعهم إلى كتاب اللَّه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله. فقال: نعم، إن أعطيتني عهد اللَّه وميثاقه على أن تفي لهم بكل شي ء أعطيته عنك، فقال: نعم. فأخذ عليه عهدا غليظا ومشى إلى القوم، فلمّا دنا منهم، قالوا وراءك(3). قال: لا، قالوا: وراءك، قال: لا.
فجاء بعضهم ليدفع في صدره، فقال القوم بعضهم لبعض: سبحان اللَّه، أتاكم ابن عم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يعرض كتاب اللَّه، اسمعوا منه واقبلوا، قالوا تضمن لنا كذلك. قال: نعم.
فأقبل معه أشرافهم ووجوههم حتّى دخلوا على عثمان فعاتبوه، فأجابهم إلى ما أحبّوا، فقالوا: اكتب لنا على هذا كتاباً وليضمن عليّ عنك ما في الكتاب. قال اكتبوا أنّى شئتم، فكتبوا بينهم:
بسم اللَّه الرحمن الرحيم. هذا ما كتب عبداللَّه عثمان بن عفان أميرالمؤمنين لمن
ص: 226
نقم عليه من المؤمنين والمسلمين أن لكم علي أن أعمل بكتاب اللَّه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله، وأن المحروم يعطى، وأن الخائف يؤمن، وأن المنفي يرد، وأن المبعوث لا يجمر(1)، وأن الفي ء لا يكون دولة بين الأغنياء، وعليّ بن أبي طالب عليه السلام ضامن للمؤمنين والمسلمين على عثمان الوفاء لهم على ما في هذا الكتاب. شهد الزبير بن العوام، وطلحة بن عبيداللَّه، وسعد بن مالك، وعبداللَّه بن عمر، وأبو أيوب بن زيد. وكتب في ذي القعدة سنة خمس وعشرين (سنة خمس وثلاثين)(2).
فأخذوا الكتاب ثم انصرفوا، فلما نزلوا أيلة، إذا هم براكب فأخذوه، فقالوا من أنت؟ قال: أنا رسول عثمان إلى عبداللَّه بن سعد. قال بعضهم لبعض: لو فتشناه لئلّا يكون قد كتب فينا، ففتشوه فلم يجدوا معه شيئا.
فقال كنانة بن بشر التجيبي: انظروا إلى أدواته(3)، فإنّ للناس حيلا، فإذا قارورة مختومة بموم(4)، فإذا فيها: كتاب إلى عبداللَّه بن سعد إذا جاءك كتابي هذا، فاقطع أيدي الثلاثة مع أرجلهم. فلما قرؤوا الكتاب رجعوا حتى أتوا عليّا (عليه السلام)، فأتاه فدخل عليه، فقال استعتبك القوم فأعتبتهم، ثم كتبت كتابك هذا، نعرفه الخط الخط والخاتم الخاتم فخرج عليّ (عليه السلام) مغضبا وأقبل الناس عليه، فخرج سعد من المدينة فلقيه رجل، فقال: يا أبا إسحاق أين تريد؟ قال: إني قد فررت بديني من مكّة إلى المدينة، وأنا اليوم أهرب بديني من المدينة إلى مكّة.
ص: 227
وقال الحسن بن علي لعليّ عليهما السلام حين أحاط الناس بعثمان: اخرج من المدينة واعتزل، فإن الناس لابدّ لهم منك، وإنّهم ليأتونك ولو كنت بصنعاء اليمن، وأخاف أن يقتل هذا الرجل وأنت حاضره.
فقال: يا بني، أخرج عن دار هجرتي، وما أظن أحدا يجترئ على هذا القول كلمة.
وقام كنانة بن بشر، فقال: يا عبد اللَّه، أقم لنا كتاب اللَّه، فإنّا لا نرضى بالقول دون الفعل، قد كتبت وأشهدت لنا شهوداً، وأعطيتنا عهد اللَّه وميثاقه، فقال: ما كتبت بينكم كتابا.
فقام إليه المغيرة بن الأخنس، فضرب بكتابه وجهه، وخرج إليهم عثمان ليكلمهم، فصعد المنبر، فرفعت عائشة قميص رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، ونادت: أيها الناس، هذا قميص رسول اللَّه لم يبل، وقد غيرت سنته، فنهض الناس، وكثر اللغط(1)، وحصبوا عثمان حتّى نزل من المنبر، فدخل بيته.
فكتب نسخة واحدة إلى معاوية وعبداللَّه بن عامر: أما بعد، فإنّ أهل السفه والبغي والعدوان من أهل العراق ومصر والمدينة أحاطوا بداري، ولن يرضيهم منّي دون خلعي أو قتلي، وأنا ملاق اللَّه قبل أن أتابعهم على شي ء من ذلك، فأعينوني.
فلمّا بلغ كتابه ابن عامر قام وقال: أيها الناس، إنّ أميرالمؤمنين عثمان ذكر أن شرذمة من أهل مصر والعراق نزلوا بساحته، فدعاهم إلى الحقّ فلم يجيبوا، فكتب إليّ أن أبعث إليه منكم ذوي الرأي والدين والصلاح، لعلّ اللَّه أن يدفع عنه ظلم الظالمين وعدوان المعتدين فلم يجيبوه إلى الخروج.
ص: 228
ثمّ إنه قيل لعلي عليه السلام: إنّ عثمان قد منع الماء، فأمر بالروايا فعكمت(1)، وجاء للناس علي عليه السلام فصاح بهم صيحة فانفرجوا، فدخلت الروايا، فلما رأى علي عليه السلام اجتماع الناس دخل على طلحة بن عبيداللَّه وهو متكئ على وسائد، فقال: إنّ هذا الرجل مقتول فامنعوه، فقال: أما واللَّه دون أن تعطي بنو أُمية الحقّ من أنفسها(2).
وفي شرح المعتزلي عن الطبري عن عبداللَّه بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال: دخلت على عثمان فأخذ بيدي فأسمعني كلام من على بابه من الناس فمنهم من يقول: ما تنتظرون به، ومنهم من يقول: لا تعجلوا فعساه ينزع ويراجع، فبينا نحن إذ مرّ طلحة فقام إليه ابن عديس البلوي فناجاه ثمّ رجع ابن عديس فقال لأصحابه: لا تتركوا أحدا يدخل إلى عثمان ولا يخرج من عنده، قال لي عثمان هذا ما أمر به طلحة، اللهم اكفني طلحة فإنّه حمل هؤلاء القوم وأكبّهم علي، واللَّه إني لأرجو أن يكون منها صفرا وأن يسفك دمه قال فأردت أن أخرج فمنعوني حتّى أمرهم محمّد بن أبي بكر فتركوني أخرج(3).
قال الطبري: فلمّا طال الأمر وعلم المصريّون أنّهم قد أجرموا إليه جرما كجرم القتل وأنّه لا فرق بين قتله وبين ما أتوا إليه وخافوا على نفوسهم من تركه حيّاً راموا الدخول عليه من باب داره، فأغلقوا الباب، وقام رجل من أسلم يقال له: نيار بن عياض وكان من الصحابة فنادى عثمان وأمره أن يخلع نفسه، فبينا هو يناشده ويسومه خلع نفسه رماه كثير بن الصلت الكندي وكان من أصحاب عثمان من أهل الدار بسهم فقتله.
ص: 229
فصاح المصريون وغيرهم عند ذلك: ادفعوا إلينا قاتل ابن عياض لنقتله به، فقال عثمان: لم أكن لأدفع إليكم رجلا نصرني وأنتم تريدون قتلي، فثاروا إلى الباب فأغلق دونهم فجاؤوا بنار فأحرقوه وأحرقوا السقيفة التي عليه.
وخرج مروان بسيفه يجالد الناس فضربه رجل من بني ليث على رقبته فأثبته(1) وقطع إحدى علباويه(2) فعاش مروان بعد ذلك أوقص(3).
وقتل المغيرة بن الأخنس وهو يحامي عن عثمان بالسيف.
واقتحم القوم الدار ودخل كثير منهم الدور المجاورة لها وتسوروا من دار عمرو بن حزم إليها حتّى ملئوها وغلب الناس على عثمان وندبوا رجلاً لقتله، فدخل إليه البيت فقال له: اخلعها وندعك فقال: ويحك واللَّه ما كشفت عن امرأة في جاهلية ولا إسلام ولا تعينت(4) ولا تمنيت ولا وضعت يميني على عورتي منذ بايعت رسول اللَّه ولست بخالع قميصا كسانيه اللَّه حتّى يكرم أهل السعادة ويهين أهل الشقاوة.
فخرج عنه فقالوا له: ما صنعت؟ قال: إني لم أستحل قتله فأدخلوا إليه رجلا من الصحابة فقال له: لست بصاحبي إن النبي صلى الله عليه وآله دعا لك أن يحفظك يوم كذا ولن تضيع فرجع عنه.
ص: 230
فأدخلوا إليه رجلا من قريش فقال له: إن رسول اللَّه استغفر لك يوم كذا فلن تقارف دما حراما فرجع عنه.
فدخل عليه محمّد بن أبي بكر وفي رواية الواقدي انّه أوّل من دخل عليه فقال له عثمان: ويحك أعَلَى اللَّه تغضب هل لي إليك جرم إلّا أنّي أخذت حق اللَّه منك، فأخذ محمد بلحيته وقال: أخزاك اللَّه يا نعثل(1)، قال: لست بنعثل، لكنّي عثمان وأميرالمؤمنين، فقال: ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان، فقال عثمان: يا ابن أخي دعها من يدك فما كان أبوك ليقبض عليها، فقال: لو عملت ما عملت في حياة أبي لقبض عليها والذي أريد بك أشد من قبضي عليها فقال: أستنصر اللَّه عليك وأستعين به فتركه وخرج.
وقيل: بل طعن جبينه بمشقص(2) كان في يده فثار سودان بن حمران وأبو حرب الغافقي وقتيرة بن وهب السكسكي فضربه الغافقي بعمود كان في يده وضرب المصحف برجله وكان في حجره فنزل بين يديه وسال عليه الدم، وجاء سودان ليضربه بالسيف فأكبت عليه امرأته نائلة واتقت السيف بيدها وهي تصرخ فنفح أصابعها فأطنها(3) فولت فغمز بعضهم أوراكها وقال: إنها لكبيرة العجز وضرب سودان عثمان فقتله.
وقيل: بل قتله كنانة بن بشر التجيبي، وقيل بل قتيرة بن وهب، ودخل غلمان عثمان ومواليه فضرب أحدهم عنق سودان فقتله، فوثب قتيرة بن وهب على ذلك الغلام فقتله، فوثب غلام آخر على قتيرة فقتله، ونهبت دار عثمان وأخذ ما على نسائه وما كان في بيت المال.
ص: 231
وكان فيه غرارتان دراهم ووثب عمرو بن الحمق على صدر عثمان وبه رمق فطعنه تسع طعنات وقال: أمّا ثلاث منها فإنّي طعنتهن للَّه تعالى وأما ست منها فلما كان في صدري عليه وأرادوا قطع رأسه فوقعت عليه زوجتاه فصحن وضربن الوجوه فقال ابن عديس: اتركوه.
وأقبل عمير بن الصبائي فوثب عليه فكسر ضلعين من أضلاعه وقال له سجنت أبي حتّى مات في السجن.
وكان قتله يوم الثامن عشر من ذي الحجة من سنة خمسين وثلاثين، وكان عمره ستّاً وثمانين سنة ودفن في حش كوكب(1) بعد ثلاثة أيّام باذن عليّ عليه السلام(2).
ص: 232
بسم الله الرحمن الرحیم
لا تَلْقَيَنَّ طَلْحَةَ فَإِنَّكَ إِنْ تَلْقَهُ تَجِدْهُ كَالثَّوْرِ عَاقِصاً قَرْنَهُ يَرْكَبُ الصَّعْبَ وَيَقُولُ هُوَ الذَّلُولُ وَلَكِنِ الْقَ الزُّبَيْرَ فَإِنَّهُ أَلْيَنُ عَرِيكَةً فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ ابْنُ خَالِكَ: عَرَفْتَنِي بِالْحِجَازِ وَأَنْكَرْتَنِي بِالْعِرَاقِ فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا؟
روى الزبير بن بكار في الموفقيّات(1) قال: لمّا سار علي عليه السلام إلى البصرة بعث ابن عبّاس فقال ائت الزبير فاقرأ عليه السلام وقل: له يا أبا عبداللَّه كيف عرفتنا بالمدينة وأنكرتنا بالبصرة؟ فقال ابن عباس: أفلا آتي طلحة؟ قال: لا إذن تجده عاقصا قرنه في حزن يقول هذا سهل.
قال: فأتيت الزبير فوجدته في بيت يتروح في يوم حار وعبداللَّه ابنه عنده فقال مرحبا بك يا ابن لبابة أجئت زائرا أم سفيرا؟ قلت: كلا، إنّ ابن خالك يقرأ عليك
ص: 233
السلام ويقول لك يا أبا عبداللَّه كيف عرفتنا بالمدينة وأنكرتنا بالبصرة؟ فقال:
علقتهم أني خلقت عصبه * قتادة تعلقت بنشبه(1).
لن أدعهم حتى أؤلف بينهم فقال لم أقله(2).
وروي عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عليهم السلام قال: «سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ تِلْكَ الرِّسَالَةِ؟ فَقَالَ: بَعَثَنِي فَأَتَيْتُ الزُّبَيْرَ فَقُلْتُ لَهُ فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ مَا تُرِيدُ
ص: 234
كَأَنَّهُ يَقُولُ الْمُلْكَ وَلَمْ يَزِدْنِي عَلَى ذَلِكَ فَرَجَعْتُ إِلَى أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ فَأَخْبَرْتُهُ»(1).
وروى محمّد بن إسحاق الكلبيّ، عن ابن عباس قال: قلت الكلمة للزبير، فلم يزدني على أن قال: قل له:
إنا مع الخوف الشديد لنطمع.
وسئل ابن عبّاس عمّا يعني بقوله هذا، فقال: يقول: إنّا على الخوف لنطمع أن نلي من الأمر ما وليتم.
وقال قوم: أراد إنّا مع الخوف من اللَّه لنطمع أن يغفر لنا هذا الذنب(2).
ورواه الجاحظ في بيانه: قال عبداللَّه بن مصعب: أرسل عليّ عليه السلام لمّا قدم البصرة ابن عبّاس وقال له: ايت الزبير ولا تأت طلحة، فإنّ الزبير ألين، وانّك تجد طلحة كالثور عاقصاً قرنه يركب الصعوبة ويقول هي السهل، فأقرئه السلام وقل له: يقول لك ابن خالك: عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق، فما عدا ممّا بدا لك.
قال: فأتيت الزبير، فقال: مرحبا بابن لبابة، أزارئراً أم سفيراً؟ قلت: كلّ ذلك. وأبلغته ما قال عليّ عليه السلام، فقال الزبير: أبلغه السلام وقل له: بيننا وبينك عهد خليفة ودم خليفة واجتماع ثلاثة وانفراد واحد وام مبرورة ومشاورة العشيرة ونشر المصاحف، فنحلّ ما أحلّت ونحرّم ما حرّمت(3).
عن مثالب هشام الكلبي - كما في الطرائف - : كانت لامّه صعبة راية بمكّة
ص: 235
واستبضعت بأبي سفيان فوقع عليها وتزوّجها عبيداللَّه بن عثمان بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم، فجاءت بطلحة لستّة أشهر، فاختصم أبو سفيان وعبيداللَّه في طلحة، فجعلا أمرهما إلى امّه فالحقته بعبيداللَّه، فقيل لها: كيف تركت أبا سفيان؟ فقالت: يد عبيداللَّه طلقة ويد أبي سفيان كزّة.
فقال حسّان:
فيا عجبا من عبد شمس وتركها * أخاها زنا بابعد ريش القوادم
وكان أبوه يلعب به ويتخنث(1).
شاة عقصاء إذا كانت منقلبة القرن(2).
وفي الأساس: في قرن الشاة عقص أي التواء، وهي عقصاء القرن(3). هذا.
وفي ميزان الذهبي في ثور بن يزيد الذي كان يرى القدر: حكى عن ابن أبي رواد أنّه كان يقول إذا أتاه من يريد الشام: «إنّ بها ثورا فاحذر لا ينطحك بقرنيه». وسئل سفيان عنه فقال: خذوا عنه واتّقوا قرنيه(4).
قال ابن قتيبة: كلّم عليّ طلحة والزبير قبل القتال، فقال لهما: استحلفا عايشة
ص: 236
بحقّ اللَّه وبحقّ رسوله عليها أربع خصال أن تصدق فيها: هل تعلم رجلاً من قريش أولى منّي باللَّه ورسوله وإسلامي قبل كافّة الناس أجمعين، وكفايتي رسول اللَّه كفّار العرب بسيفي ورمحي وعلى أنّي لم أستكره أحداً على بيعة وعلى أنّي ألم أكن أحسن قولاً منكما في عثمان فأجابه طلحة جواباً غليظاً، ورقّ له الزبير. ثمّ رجع عليّ عليه السلام إلى أصحابه فقالوا: بِمَ كلمت الرجلين؟ فقال عليه السلام: إنّ شأنهما لمختلف، أمّا الزبير فقاده اللحاج ولن يقاتلكم، وأمّا طلحة فسألته عن الحقّ فأجابني بالباطل، ولقيته باليقين ولقيني بالشكّ، فواللَّه ما نفعه حقّي ولا ضرّني باطله، مقتول غداً في الرعيل الأوّل(1).
وقد وصفه عمر لمّا عيّنه للشورى مع عيبه فقال: أمّا أنّي أعرفك منذ اصيبت إصبعك يوم أُحد بالبأو(2) الذي حدث لك، ولد بات النبيّ صلى الله عليه وآله ساخطاً عليك للكلمة التي قلتها يوم انزلت آية الحجاب(3).
قال الحاجظ: أشار عمر إلى أنّ طلحة لمّا انزلت آية الحجاب، قال بمحضر ممّن نقل إلى النبيّ صلى الله عليه وآله: ما الذي يغنيه حجابهنّ اليوم وسيموت غداً فننكحهنّ(4).
وفي المروج: سار أهل الجمل في ستمائة راكب نحو البصرة، فانتهوا في الليل إلى ماء لبني كلاب يعرف بالحوأب، فنبحت كلابهم على الركب، فقالت عائشة: ما اسم هذا الموضع؟ فقال سائق جملها: الحوأب، فاسترجعت وذكرت ما قيل لها في ذلك، فقالت: ردّوني، فقال ابن الزبير: واللَّه ما هذا بحوأب، ولقد غلط فيما أخبرك
ص: 237
به. وكان طلحة في ساقة الناس فلحقها فأقسم أن ذلك ليس بالحوأب، وشهد معها خمسون، فكان ذلك أوّل شهادة زور اقيمت في الإسلام(1).
أي: طبيعة.
قال قتادة: سار عليّ عليه السلام من الزاوية يريد طلحة والزبير وعائشة، وساروا من الفرضة يريدون عليّاًعليه السلام، فالتقوا عند موضع قصر عبيداللَّه بن زياد في النصف من جمادي الآخرة سنة (36)، فلمّا ترائى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه سلاح، فقيل لعليّ عليه السلام: هذا الزبير، أما إنّه أحرى الرجلين إن ذكر باللَّه أن يذكر، وخرج طلحة فخرج إليهما عليّ عليه السلام فدنا منهم حتّى اختلفت أعناق دوابهم فقال عليّ عليه السلام لهما: لعمري لقد أعددتما سلاحاً وخيلاً ورجالاً، إن كنتما أعددتما عند اللَّه عذراً فاتّقيا اللَّه سبحانه ولا تكونا «وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ»(2)، ألم أكن أخاكما في دينكما تحرمان دمي واحرم دماءكما فهل من حدث أحل لكما دمي. قال طلحة: ألّبت الناس على عثمان. فقال له عليّ عليه السلام: «يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ»(3)، يا طلحة تطلب بدم عثمان فلعن اللَّه قتلة عثمان. يا زبير أتذكر يوم مررت مع النبيّ صلى الله عليه وآله في بني غنم فنظر إليّ النبيّ صلى الله عليه وآله وضحك وضحكت إليه، فقلت
ص: 238
أنت: لا يدع ابن أبي طالب زهوه. فقال لك النبيّ صلى الله عليه وآله: صه، إنّه ليس به زهو، ولتقاتلنّه وأنت له ظالم فقال: اللهمّ نعم، ولو ذكرت ما سرت مسيري هذا، واللَّه لا اقاتلك أبداً.
فانصرف عليّ عليه السلام إلى أصحابه فقال: أمّا الزبير فقد أعطى اللَّه عهداً ألّا يقاتلكم، فرجع الزبير إلى عائشة فقال: ما كنت في موطن منذ عقلت إلّا وأنا أعرف فيه أمري غير موطني هذا. قالت: فما تريد أن تصنع؟ قال: أريد أن أدعهم وأذهب. فقال له ابنه: جمعت بين هذين الغارين، حتّى إذا حدّد بعهضم لبعض أردت أن تتركهم وتذهب، أحسست رايات ابن أبي طالب، وعلمت أنّها تحملها فتية أنجاد. قال: إنّي حلفت ألّا أقاتله - وأحفظه ما قال ابنه له - كفّر عن يمينك وقاتل. فدعا بغلام يقال له مكحول فأعتقه.
فقال عبدالرحمن التميمي:
لم أر كاليوم أخا إخوان * أعجب من مكفّر الأيمان
بالعتق في معصية الرحمن(1)
قال المحقّق التستري رحمه الله: قوله عليه السلام في الخبر: يا طلحة تطلب بدم عثمان فلعن اللَّه قتلة عثمان أراد: (منّي ومنكم يا طلحة والزبير وعايشة) فلعنهم اللَّه بما لا يستطيعون إنكاراً ولا اعتراضا، لا إنّه لعن جميع قتلته، كما لا يخفى(2).
وقد وصفه عمر يوم الشورى بقوله له: أمّا أنت يا زبير فوعق لقس(3)، مؤمن
ص: 239
الرضا، كافر الغضب، يوما إنسان، ويوما شيطان، ولعلّها لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مد من شعير. أفرأيت إن أفضت إليك فليت شعري من يكون للناس يوم تكون شيطانا إماماً، ومن يكون يوم تغضب إماماً(1).
وقال الشارح المعتزلي: برز علي عليه السلام بين الصفين حاسرا وقال ليبرز إلي الزبير فبرز إليه مدججا فقيل لعائشة قد برز الزبير إلى علي عليه السلام فصاحت وا زبيراه فقيل لها: لا بأس عليه منه إنه حاسر والزبير دارع(2) فقال له: ما حملك يا أبا عبداللَّه على ما صنعت؟ قال: أطلب بدم عثمان قال: «أنت وطلحة وليتماه وإنّما نوبتك من ذلك أن تقيد به نفسك وتسلّمها إلى ورثته». ثم قال: «نشدتك اللَّه أتذكر يوم مررت بي ورسول اللَّه صلى الله عليه وآله متكئ على يدك وهو جاء من بني عمرو بن عوف فسلّم عليّ وضحك في وجهي فضحكت إليه لم أزده على ذلك فقلت لا يترك ابن أبي طالب يا رسول اللَّه زهوه فقال لك: مه إنه ليس بذي زهو أما إنك ستقاتله وأنت له ظالم» فاسترجع الزبير وقال: لقد كان ذلك ولكن الدهر أنسانيه ولأنصرفنّ عنك فرجع فأعتق عبده سرجس تحللا (محللا ن ل) من يمين لزمته في القتال ثمّ أتى عائشة فقال لها: إنّي ما وقفت موقفا قطّ ولا شهدت حربا إلّا ولي فيه رأي وبصيرة إلّا هذه الحرب وإنّي لعلى شكّ من أمري وما أكاد أبصر موضع قدمي. فقالت له: يا أبا عبداللَّه أظنّك فرقت سيوف ابن أبي طالب إنها واللَّه سيوف حداد معدة للجلاد تحملها فئة أنجاد ولئن فرقتها لقد فرقها الرجال قبلك، قال: كلّا ولكنّه ما قلت لك ثم انصرف(3).
ص: 240
وروى فروة بن الحارث التميمي قال: كنت فيمن اعتزل عن الحرب بوادي السباع(1) مع الأحنف بن قيس وخرج ابن عمّ لي يقال له الجون مع عسكر البصرة فنهيته فقال: لا أرغب بنفسي عن نصرة أُمّ المؤمنين وحواري رسول اللَّه فخرج معهم وإنّي لجالس مع الأحنف يستنبئ الأخبار إذا بالجون بن قتادة ابن عمّي مقبلا فقمت إليه واعتنقته وسألته عن الخبر فقال: أخبرك العجب خرجت وأنا لا أريد أن أبرح الحرب حتّى يحكم اللَّه بين الفريقين فبينا أنا واقف مع الزبير إذ جاءه رجل فقال أبشر أيّها الأمير فإنّ عليّاً لمّا رأى ما أعد اللَّه له من هذا الجمع نكص على عقبيه وتفرّق عنه أصحابه وأتاه آخر فقال له مثل ذلك فقال الزبير ويحكم أبو حسن يرجع واللَّه لو لم يجد إلّا العرفج لدب إلينا فيه ثمّ أقبل رجل آخر فقال: أيها الأمير إنّ نفراً من أصحاب عليّ فارقوه ليدخلوا معنا منهم عمّار بن ياسر فقال الزبير: كلّا وربّ الكعبة إنّ عمّارا لا يفارقه أبدا فقال الرجل: بلى واللَّه مرارا فلمّا رأى الزبير أن الرجل ليس براجع عن قوله بعث معه رجلا آخر وقال: اذهبا فانظرا فعادا وقالا: إن عمارا قد أتاك رسولا من عند صاحبه قال جون: فسمعت واللَّه الزبير يقول: وا انقطاع ظهراه وا جدع أنفاه وا سواد وجهاه ويكرّر ذلك مرارا ثمّ أخذته رعدة شديدة فقلت: واللَّه إن الزبير ليس بجبان وإنّه لمن فرسان قريش المذكورين وإنّ لهذا الكلام لشأنا ولا أريد أن أشهد مشهدا يقول أميره هذه المقالة فرجعت إليكم(2).
ص: 241
كان عليه السلام كالنبيّ عليه السلام ابن خال الزبير لأبيه، فكانت صفيّة أُمّ الزبير من أُمّ حمزة دون أبي طالب وعبداللَّه، وكان الزبير يعدّ أوّلا من الهاشميّين من قبل أُمّه - وإن كان أسدياً أبا - لكونه معه عليه السلام يوم السقيفة حتّى نشأ ابنه عبداللَّه المبغض له عليه السلام من قبل أُمّه أسماء بنت أبي بكر.
وروى أبو مخنف: أنّ أبا الأسود أتى الزبير في الجمل فقال له: عهد الناس بك يوم بويع أبوبكر آخذ بقائم سيفك تقول: لا أحد أولى بهذا الأمر من ابن أبي طالب، وأين هذا المقام من ذاك فذكر له الزبير دم عثمان، فقال له أبو الأسود: أنت وصاحبك ولّيتماه فيما بلغنا. فقال له: فاذهب إلى طلحة فاسمع ما يقول لك. فذهب إليه فوجدوه سادراً في غيّه مصرّاً على الحرب والفتنة(1).
عبّرعليه السلام بقوله: «ابن خالك» استعطافاً، فقالوا نظير قول هارون «قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ»(2).
حيث بايعه بالحجاز ونصب له الحرب بالعراق.
هذا وقال البحتري في عتاب ابن بسطام:
فكنّا بالشام أخال خيرا * لرعي الودّ منّا بالعراق
وهجا بعض الشعراء المازني فقال:
ص: 242
وفتى من مازن ساد أهل البصر
أُمّه معرفة وأبوه نكره(1)
وفي الأغاني: استأذن أبو العتاهيّة على عمرو بن مسعدة فحجب، فكتب إليه أبياتاً منها:
قد كان وجهي لديك معرفة
فاليوم أضحى حرفاً من النكرة(2)
أي: جاوز.
«ممّا بدا» أي: ابتدأت به إن كان الأصل فيه الهمز، أو ظهر لك أوّلاً إن كان معتلا.
وروى أنّه عليه السلام أرسل ابن عبّاس إلى عايشة وقال له قل لها: «إنّك كنت أشدّ الناس على عثمان، فما عدا ممّا بدا»(3).
وروى أنّ عرار بن أدهم الشامي لمّا دعا في صفّين العبّاس بن ربيعة الهاشمي إلى البراز، فبرز إليه وضربه ضربة خرّ لوجهه وكبّر الناس تكبيرة ارتجّت لها الأرض، سأل عليه السلام عن المبارز فقيل له: العبّاس بن ربيعة ابن أخيكم. فقال عليه السلام له: «ألم أنهك وابن عبّاس أن تخلا بمركز كما أو تباشرا حرباً فما عدا ممّا بدا» قال العبّاس: فادعى إلى البراز فلا اجيب(4)؟
ص: 243
بسم الله الرحمن الرحیم
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا قَدْ أَصْبَحْنَا فِي دَهْرٍ عَنُودٍ وَزَمَنٍ كَنُودٍ يُعَدُّ فِيهِ الْمُحْسِنُ مُسِيئاً وَيَزْدَادُ الظَّالِمُ فِيهِ عُتُوّاً لا نَنْتَفِعُ بِمَا عَلِمْنَا وَلا نَسْأَلُ عَمَّا جَهِلْنَا وَلا نَتَخَوَّفُ قَارِعَةً حَتَّى تَحُلَّ بِنَا.
فَالنَّاسُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ مِنْهُمْ مَنْ لا يَمْنَعُهُ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِلّا مَهَانَةُ نَفْسِهِ وَكَلالَةُ حَدِّهِ وَنَضِيضُ وَفْرِهِ وَمِنْهُمْ الْمُصْلِتُ لِسَيْفِهِ وَالْمُعْلِنُ بِشَرِّهِ وَالْمُجْلِبُ بِخَيْلِهِ وَرَجِلِهِ قَدْ أَشْرَطَ نَفْسَهُ وَأَوْبَقَ دِينَهُ لِحُطَامٍ يَنْتَهِزُهُ أَوْ مِقْنَبٍ يَقُودُهُ أَوْ مِنْبَرٍ يَفْرَعُهُ وَلَبِئْسَ الْمَتْجَرُ أَنْ تَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِكَ ثَمَناً وَمِمَّا لَكَ عِنْدَ اللَّهِ عِوَضاً وَمِنْهُمْ مَنْ يَطْلُبُ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ وَلا يَطْلُبُ الْآخِرَةَ بِعَمَلِ الدُّنْيَا قَدْ طَامَنَ مِنْ شَخْصِهِ وَقَارَبَ مِنْ خَطْوِهِ وَشَمَّرَ مِنْ ثَوْبِهِ وَزَخْرَفَ مِنْ نَفْسِهِ لِلْأَمَانَةِ وَاتَّخَذَ سِتْرَ اللَّهِ ذَرِيعَةً إِلَى الْمَعْصِيَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْعَدَهُ عَنْ طَلَبِ الْمُلْكِ ضُئُولَةُ نَفْسِهِ وَانْقِطَاعُ سَبَبِهِ فَقَصَرَتْهُ الْحَالُ عَلَى حَالِهِ فَتَحَلَّى بِاسْمِ الْقَنَاعَةِ وَتَزَيَّنَ بِلِبَاسِ أَهْلِ الزَّهَادَةِ وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي مَرَاحٍ وَلا مَغْدًى.
وَبَقِيَ رِجَالٌ غَضَّ أَبْصَارَهُمْ ذِكْرُ الْمَرْجِعِ وَأَرَاقَ دُمُوعَهُمْ خَوْفُ الْمَحْشَرِ فَهُمْ بَيْنَ شَرِيدٍ نَادٍّ وَخَائِفٍ مَقْمُوعٍ وَسَاكِتٍ مَكْعُومٍ وَدَاعٍ مُخْلِصٍ وَثَكْلانَ مُوجَعٍ قَدْ أَخْمَلَتْهُمُ التَّقِيَّةُ وَشَمِلَتْهُمُ الذِّلَّةُ فَهُمْ فِي بَحْرٍ أُجَاجٍ أَفْوَاهُهُمْ ضَامِزَةٌ
ص: 244
وَقُلُوبُهُمْ قَرِحَةٌ قَدْ وَعَظُوا حَتَّى مَلُّوا وَقُهِرُوا حَتَّى ذَلُّوا وَقُتِلُوا حَتَّى قَلُّوا.
فَلْتَكُنِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِكُمْ أَصْغَرَ مِنْ حُثَالَةِ الْقَرَظِ وَقُرَاضَةِ الْجَلَمِ وَاتَّعِظُوا بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَّعِظَ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ وَارْفُضُوهَا ذَمِيمَةً فَإِنَّهَا قَدْ رَفَضَتْ مَنْ كَانَ أَشْغَفَ بِهَا مِنْكُمْ.
قال المصنّف: هذه الخطبة ربما نسبها من لا علم له إلى معاوية وهي من كلام أمير المؤمنين عليه السلام الذي لا يشك فيه وأين الذهب من الرغام؟ وأين العذب من الأجاج؟ وقد دل على ذلك الدليل الخريت ونقده الناقد البصير عمرو بن بحر الجاحظ فإنه ذكر هذه الخطبة في كتاب البيان والتبيين وذكر من نسبها إلى معاوية ثم قال: هي بكلام علي عليه السلام أشبه وبمذهبه في تصنيف الناس وبالإخبار عما هم عليه من القهر والإذلال ومن التقية والخوف أليق قال: ومتى وجدنا معاوية في حال من الأحوال يسلك في كلامه مسلك الزهاد ومذاهب العباد؟
عند عن الطريق: عدل. لابن لنكك البصري:
نحن واللَّه في زمان غشوم * لو رأيناه في المنام فزعنا
يصبح الناس فيه من سوء حال * حقّ من مات منهم أن يهنّا(1)
عن الريّان بن الصلت قال: أنشدني الرضاعليه السلام لعبد المطلب:
يعيب الناس كلّهم زمانا * وما لزماننا عيب سوانا
ص: 245
نعيب زماننا والعيب فينا * ولو نطق الزمان بنا هجانا
وإنّ الذئب يترك لحم ذئب * ويأكل بعضنا بعضاً عيانا(1)
رجل كنود: كافر النعمة، وأرض كنود: لا تنبت شيئا. لابن لنكك البصري:
يا زمانا ألبس الأحرار ذلّا ومهانة
لست عندي بزمان إنّما أنت زمانه(2)
قال تعالى: «الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ»(3) الآية.
وقال تعالى: «فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ»(4).
وقال تعالى: «فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ»(5) الآية
ص: 246
قال تعالى: «وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً»(1).
قال تعالى: «مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً»(2) الآية.
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «الْعِلْمُ مَقْرُونٌ إِلَى الْعَمَلِ فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ وَمَنْ عَمِلَ عَلِمَ وَالْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلّا ارْتَحَلَ عَنْهُ»(3).
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَسَأَلَهُ عَنْ مَسَائِلَ فَأَجَابَ ثُمَّ عَادَ لِيَسْأَلَ عَنْ مِثْلِهَا فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام: «مَكْتُوبٌ فِي الْإِنْجِيلِ لا تَطْلُبُوا عِلْمَ مَا لا تَعْلَمُونَ وَلَمَّا تَعْمَلُوا بِمَا عَلِمْتُمْ فَإِنَّ الْعِلْمَ إِذَا لَمْ يُعْمَلْ بِهِ لَمْ يَزْدَدْ صَاحِبُهُ إِلّا كُفْراً وَلَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللَّهِ إِلّا بُعْداً»(4).
قال أميرالمؤمنين عليه السلام: «إِنَّ الْعَالِمَ الْعَامِلَ بِغَيْرِهِ كَالْجَاهِلِ الْحَائِرِ الَّذِي لا يَسْتَفِيقُ عَنْ جَهْلِهِ بَلْ قَدْ رَأَيْتُ الْحُجَّةَ عَلَيْهِ أَعْظَم»(5).
عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت أميرالمؤمنين عليه السلام يحدّث عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال في كلام له: «الْعُلَمَاءُ رَجُلانِ رَجُلٌ عَالِمٌ آخِذٌ بِعِلْمِهِ فَهَذَا نَاجٍ وَعَالِمٌ تَارِكٌ
ص: 247
لِعِلْمِهِ فَهَذَا هَالِكٌ وَإِنَّ أَهْلَ النَّارِ لَيَتَأَذَّوْنَ مِنْ رِيحِ الْعَالِمِ التَّارِكِ لِعِلْمِهِ وَإِنَّ أَشَدَّ (الناس) أَهْلِ النَّارِ نَدَامَةً وَحَسْرَةً رَجُلٌ دَعَا عَبْداً إِلَى اللَّهِ فَاسْتَجَابَ لَهُ وَقَبِلَ مِنْهُ فَأَطَاعَ اللَّهَ فَأَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَأَدْخَلَ الدَّاعِيَ النَّارَ بِتَرْكِهِ عِلْمَهُ وَاتِّبَاعِهِ الْهَوَى»(1).
قال أبو عبداللَّه عليه السلام: «إِنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يُحِبُّ أَنْ يَخْزُنَ عِلْمَهُ وَلا يُؤْخَذَ عَنْهُ فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ الْأَوَّلِ مِنَ النَّارِ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ إِذَا وُعِظَ أنفَ(2) وَإِذَا وَعَظَ عَنَّفَ فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ الثَّانِي مِنَ النَّارِ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَرَى أَنْ يَضَعَ الْعِلْمَ عِنْدَ ذَوِي الثَّرْوَةِ وَالشَّرَفِ وَلا يَرَى لَهُ فِي الْمَسَاكِينِ وَضْعاً فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ الثَّالِثِ مِنَ النَّارِ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَذْهَبُ فِي عِلْمِهِ مَذْهَبَ الْجَبَابِرَةِ وَالسَّلاطِينِ فَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ شَيْ ءٌ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ قُصِّرَ فِي شَيْ ءٍ مِنْ أَمْرِهِ غَضِبَ(3) فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ الرَّابِعِ مِنَ النَّارِ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَطْلُبُ أَحَادِيثَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِيَغْزُرَ بِهِ عِلْمُهُ وَيَكْثُرَ بِهِ حَدِيثُهُ فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ الْخَامِسِ مِنَ النَّارِ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ لِلْفُتْيَا وَيَقُولُ سَلُونِي وَلَعَلَّهُ لا يُصِيبُ حَرْفاً وَاحِداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُتَكَلِّفِينَ فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ السَّادِسِ مِنَ النَّارِ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَتَّخِذُ عِلْمَهُ مُرُوءَةً وَعَقْلاً(4) فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ السَّابِعِ مِنَ النَّارِ»(5).
عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: « قالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وآله: إِذَا ظَهَرَ الْعِلْمُ وَاحْتُرِزَ الْعَمَلُ وَائْتَلَفَتِ الْأَلْسُنُ وَاخْتَلَفَتِ الْقُلُوبُ وَتَقَاطَعَتِ الْأَرْحَامُ
ص: 248
هُنَالِكَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ»(1).
قال أميرالمؤمنين عليه السلام: «رُبَّ عَالِمٍ قَدْ قَتَلَهُ جَهْلُهُ وَعِلْمُهُ مَعَهُ لا يَنْفَعُهُ»(2).
قال تعالى: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(3).
قال الباقرعليه السلام: «أَلا إِنَّ مِفْتَاحَ الْعِلْمِ السُّؤَالُ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
شِفَاءُ الْعَمَى طُولُ السُّؤَالِ وَإِنَّمَا
تَمَامُ الْعَمَى طُولُ السُّكُوتِ عَلَى الْجَهْل(4)
قال لي أبو عبداللَّه عليه السلام: «اغْدُ عَالِماً أَوْ مُتَعَلِّماً أَوْ أَحِبَّ أَهْلَ الْعِلْمِ وَلا تَكُنْ رَابِعاً فَتَهْلِكَ بِبُغْضِهِمْ»(5).
عن مسعدة بن زياد قال: سمعت جعفر بن محمّدعليه السلام وقد سئل عن قوله تعالى:«فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ»(6) فقال: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: عَبْدِي أَكُنْتَ عَالِماً فَإِنْ قَالَ نَعَمْ قَالَ لَهُ أَ فَلا عَمِلْتَ بِمَا عَلِمْتَ وَإِنْ قَالَ كُنْتُ جَاهِلاً قَالَ لَهُ أَ فَلا تَعَلَّمْتَ حَتَّى تَعْمَلَ فَيَخْصِمُه فَتِلْكَ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ»(7).
عن أميرالمؤمنين عليه السلام: «... وَإِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ أَوْجَبُ عَلَيْكُمْ مِنْ طَلَبِ الْمَالِ إِنَّ
ص: 249
الْمَالَ مَقْسُومٌ مَضْمُونٌ لَكُمْ قَدْ قَسَمَهُ عَادِلٌ بَيْنَكُمْ وَضَمِنَهُ وَسَيَفِي لَكُمْ وَالْعِلْمُ مَخْزُونٌ عِنْدَ أَهْلِهِ وَقَدْ أُمِرْتُمْ بِطَلَبِهِ مِنْ أَهْلِهِ(1) فَاطْلُبُوهُ»(2).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: أُفٍّ لِرَجُلٍ لا يُفَرِّغُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ لِأَمْرِ دِينِهِ فَيَتَعَاهَدُهُ وَيَسْأَلُ عَنْ دِينِه»(3).
عن عليّ بن الحسين عليه السلام قال: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ لَطَلَبُوهُ وَلَوْ بِسَفْكِ الْمُهَجِ وَخَوْضِ اللُّجَجِ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْحَى إِلَى دَانِيَالَ أَنَّ أَمْقَتَ عَبِيدِي إِلَيَّ الْجَاهِلُ الْمُسْتَخِفُّ بِحَقِّ أَهْلِ الْعِلْمِ التَّارِكُ لِلاقْتِدَاءِ بِهِمْ وَأَنَّ أَحَبَّ عَبِيدِي إِلَيَّ التَّقِيُّ الطَّالِبُ لِلثَّوَابِ الْجَزِيلِ اللّازِمُ لِلْعُلَمَاءِ التَّابِعُ لِلْحُلَمَاءِ الْقَابِلُ عَنِ الْحُكَمَاء»(4).
قال الإمام عليه السلام: «دَخَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَقَالَ له أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام «يَا جَابِرُ قِوَامُ هَذِهِ الدُّنْيَا بِأَرْبَعَةٍ عَالِمٌ يَسْتَعْمِلُ عِلْمَهُ وَجَاهِلٌ لا يَسْتَنْكِفُ أَنْ يَتَعَلَّمَ وَغَنِيٌّ جَوَادٌ بِمَعْرُوفِهِ وَفَقِيرٌ لا يَبِيعُ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِه»(5).
عن النبيّ صلى الله عليه وآله: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عُتَقَاءِ اللَّهِ مِنَ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى الْمُتَعَلِّمِينَ فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ مُتَعَلِّمٍ يَخْتَلِفُ إِلَى بَابِ الْعَالِمِ إِلّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ قَدَمٍ عِبَادَةَ سَنَةٍ وَبَنَى اللَّهُ بِكُلِّ قَدَمٍ مَدِينَةً فِي الْجَنَّةِ وَيَمْشِي عَلَى الْأَرْض»(6) الحديث.
ص: 250
وقوله صلى الله عليه وآله: «مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ فَهُوَ كَالصَّائِمِ نَهَارَهُ الْقَائِمِ لَيْلَهُ وَإِنَّ بَاباً مِنَ الْعِلْمِ يَتَعَلَّمُهُ الرَّجُلُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَبُو قُبَيْسٍ ذَهَباً فَأَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»(1).
وقوله صلى الله عليه وآله: «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لا يُرِيدُ إِلّا لِيَتَعَلَّمَ خَيْراً أَوْ لِيُعَلِّمَهُ كَانَ لَهُ أَجْرُ مُعْتَمِرٍ تَامَّ الْعُمْرَة»(2) الحديث.
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «النَّاسُ يَغْدُونَ عَلَى ثَلاثَةٍ عَالِمٍ وَمُتَعَلِّمٍ وَغُثَاءٍ فَنَحْنُ الْعُلَمَاءُ وَشِيعَتُنَا الْمُتَعَلِّمُونَ وَسَائِرُ النَّاسِ غُثَاءٌ»(3).
القارعة: الشديدة من الشدائد، ولذا سمّيت بها القيامة. وعن النبيّ صلى الله عليه وآله: «شيّبتني قوارع القرآن»(4).
المراد الناس المذمومون.
ومهانة نفسه: حقارتها.
ص: 251
قالوا: لمّا أرادوا البيعة لمروان بعد يزيد قام روح بن زنباع فقال: تذكرون عبداللَّه بن عمر وصحبته ولكنّه رجل ضعيف مهين وليس مثله بصاحب الأمة(1).
من كلّ السيف: إذا لم يقطع.
من نضّ الماء: سال قليلاً قليلاً، وسقاء أوفر: لم ينقص من أديمه شي ء، وهذا الصنف هم الأكثرون من الناس، وفي طبعهم الفساد في الأرض، إلّا أنّ مهانة نفسه وقلّة ماله تمنعانه ممّا في باطنه، فان صار يوماً ذا مكنة ورياسة يظهر مكنونه ويعلم خبثه، كالحجّاج في أوّل أمره لما كان معلما بالطائف وآخره لما يلحق بعبدالملك(2).
قال تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ»(3).
أي: المجرّد له من غمده. خرج عبداللَّه بن عليّ على المنصور في أهل
ص: 252
خراسان، فخشي من جيش العراق ألّا يناصحوه فأمر صاحب شرطته فقتل منهم نحواً من سبعة عشر ألفاً(1).
وقتل مصعب بن الزبير من المستسلمين من عسكر المختار سبعة آلاف صبراً، فقال له ابن عمر: أنت القاتل سبعة آلاف من أهل القبلة في غداة واحدة عش ما استطعت.
فقال مصعب: إنّهما كانوا كفرة سحرة - سمّوهم كفرة سحرة لمّا طالبوا بدم ابن بنت نبيّهم صلى الله عليه وآله - فقال له ابن عمر: واللَّه لو قتلت عدّتهم غنما من تراث أبيك لكان ذلك سرفا(2).
عن النبيّ صلى الله عليه وآله: «يا عليّ شرّ الناس من أكرمه الناس اتّقاء شرّه»(3).
والاجلاب كذلك كناية عن صرف غاية جهده، والخيل: الفرسان والرجل: الرجالة، قال تعالى في الشيطان: «وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ»(4) الآية.
ص: 253
أي: أعذها وجعل لها علامة يعرفونه بها.
أي: أهلكه.
أي: يغتنمه، والحطام: ما تكسّر من اليبس.
المقنب: ما بين الثلاثين إلى الأربعين من الخيل(1).
عن ابن حاطب أنّه ذكر ابن الزبير فقال: طالما حرص على الامارة. أتى النبيّ صلى الله عليه وآله بلص فأمر بقتله، فقيل له: إنّه سرق. فقال: اقطعوه. ثمّ أتى به بعد إلى أبي بكر وقد سرق - وقد قطعت قوائمه - فقال: ما أجد لك شيئاً إلّا ما قضى فيك النبيّ يوم أمر بقتلك، فانّه كان أعلم بك، ثمّ أمر بقتله أغيلمة من أبناء المهاجرين أنا فيهم. فقال ابن الزبير: أمّروني عليكم فأمّرناه علينا ثمّ انطلقنا به فقتلناه(2).
أي: يصعده، للفرزدق في فقيمي صار أميراً وكان أسود دميماً قصيراً:
ص: 254
بكى المنبر الشرقي إذ قام فوقه * خطيب فقيميّ قصير الدوارج(1)
وفي ديوان البحتري في مدح المعتزّ وهجو المستعين:
بكى المنبر الشرقي إذ خار فوقه * على الناس ثور قد تدلّت غباغبه(2)
ولمّا ولّى سعيد بن العاص الكوفة بعد الوليد بن عقبة الذي صلّى الصبح أربعاً في سكره، أبى أن يصعد المنبر حتّى يغسل، وقال: إنّ الوليد كان رجساً نجسا(3).
وَلَبِئْسَ الْمَتْجَرُ أَنْ تَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِكَ ثَمَناً وَمِمَّا لَكَ عِنْدَ اللَّهِ عِوَضاً
قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ»(4) الآية.
وقال تعالى: «بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ»(5) الآية.
وقال تعالى: «أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ»(6).
وقال تعالى: «مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً»(7).
ص: 255
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «مَنْ أَرَادَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِالْقَلِيلِ مِنْ عَمَلِهِ أَظْهَرَ اللَّهُ لَهُ أَكْثَرَ مِمَّا أَرَادَ وَمَنْ أَرَادَ النَّاسَ بِالْكَثِيرِ مِنْ عَمَلِهِ فِي تَعَبٍ مِنْ بَدَنِهِ وَسَهَرٍ مِنْ لَيْلِهِ أَبَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلّا أَنْ يُقَلِّلَهُ فِي عَيْنِ مَنْ سَمِعَهُ»(1).
أظهر ابن الزبير الزهد في الدنيا والعبادة مع الحرص على الخلافة وقال: إنّما بطني شبر فما عسى أن يسع ذلك من الدنيا، وأنا العائذ بالبيت والمستجير بالرب، وكثرت أذيته لبني هاشم مع شحّه بالدنيا على سائر الناس، فقال أبو حرّة:
لو كان بطنك شبراً قد شبعت وقد * أفضلت فضلاً كثيراً للمساكين
فيا راكبا إما عرضت فبلغن * كبير بني العوام إن قيل من تعني
تخبّر من لاقيت أنّك عائذ * وتكثر قتلا بين زمزم والركن
وفيه يقول أيضاً الضحّاك بن فيروز الديلمي:
تخبّرنا أن سوف تكفيك فبضة * وبطنك شبر أو أقلّ من الشبر
وأنت إذا ما نلت شيئاً قضمته * كما قضمت نار الغضا حطب السدر(2)
أي: سكن منه.
ص: 256
الخطوة بالضم ما بين القدمين(1).
أي: رفع منه.
مَرَّ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَرَأَى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ كَثِيرَةُ الْقِيمَةِ حِسَانٌ فَقَالَ: وَاللَّهِ لآَتِيَنَّهُ وَلَأُوَبِّخَنَّهُ فَدَنَا مِنْهُ فَقَالَ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا لَبِسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مِثْلَ هَذَا اللِّبَاسِ وَلا عَلِيٌ عليه السلام وَلا أَحَدٌ مِنْ آبَائِكَ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي زَمَانِ قَتْرٍ مُقْتِرٍ وَكَانَ يَأْخُذُ لِقَتْرِهِ وَاقْتِدَارِهِ وَإِنَّ الدُّنْيَا بَعْدَ ذَلِكَ أَرْخَتْ عَزَالِيَهَا فَأَحَقُّ أَهْلِهَا بِهَا أَبْرَارُهَا ثُمَّ تَلا: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ»(2) فَنَحْنُ أَحَقُّ مَنْ أَخَذَ مِنْهَا مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ غَيْرَ أَنِّي يَا ثَوْرِيُّ مَا تَرَى عَلَيَّ مِنْ ثَوْبٍ إِنَّمَا أَلْبَسُهُ لِلنَّاسِ» ثُمَّ اجْتَذَبَ يَدَ سُفْيَانَ فَجَرَّهَا إِلَيْهِ ثُمَّ رَفَعَ الثَّوْبَ الْأَعْلَى وَأَخْرَجَ ثَوْباً تَحْتَ ذَلِكَ عَلَى جِلْدِهِ غَلِيظاً فَقَالَ: «هَذَا أَلْبَسُهُ لِنَفْسِي وَمَا رَأَيْتَهُ لِلنَّاسِ» ثُمَّ جَذَبَ ثَوْباً عَلَى سُفْيَانَ أَعْلاهُ غَلِيظٌ خَشِنٌ وَدَاخِلُ ذَلِكَ ثَوْبٌ لَيِّنٌ فَقَالَ: «لَبِسْتَ هَذَا الْأَعْلَى لِلنَّاسِ وَلَبِسْتَ هَذَا لِنَفْسِكَ تَسُرُّهَا»(3).
وأنّ الحسن عليه السلام قال: «إنّ قوماً جعلوا تواضعهم في ثيابهم وكبرهم في
ص: 257
صدورهم، حتّى لصاحب المدرعة بمدرعته أشدّ فرحاً من صاحب المطرف بمطرفه(1).
ولبعضهم:
يرى الناس الهيئة كالامسيح بن مريم * وفي ثوبه المسيّح(2) أو هو أغدر
أغرّكم منه تقلّص ثوبه * وذلك حبّ تحته الفخّ فاحذروا(3).
عن عبداللَّه بن سنان قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: «بَيْنَا أَنَا فِي الطَّوَافِ وَإِذَا بِرَجُلٍ يَجْذِبُ ثَوْبِي وَإِذَا هُوَ عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ الْبَصْرِيُّ فَقَالَ يَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ تَلْبَسُ مِثْلَ هَذِهِ الثِّيَابِ وَأَنْتَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعَ الْمَكَانِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ مِنْ عَلِيٍّ ع فَقُلْتُ ثَوْبٌ فُرْقُبِيٌّ(4) اشْتَرَيْتُهُ بِدِينَارٍ وَكَانَ عَلِيٌّ ع فِي زَمَانٍ يَسْتَقِيمُ لَهُ مَا لَبِسَ فِيهِ وَلَوْ لَبِسْتُ مِثْلَ ذَلِكَ اللِّبَاسِ فِي زَمَانِنَا لَقَالَ النَّاسُ هَذَا مُرَاءٍ مِثْلُ عَبَّاد»(5).
قال تعالى: «يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا
ص: 258
لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً»(1).
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «كَانَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ: لا تُبْدِيَنَّ عَنْ وَاضِحَةٍ(2) وَقَدْ عَمِلْتَ الْأَعْمَالَ الْفَاضِحَةَ وَلا يَأْمَنِ الْبَيَاتَ مَنْ عَمِلَ السَّيِّئَاتِ(3)»(4).
أي: حقارتها.
أي: وسيلته ووصلته.
أي: لم يقدر على طلب امارة لضوؤولته.
أي: جعل اسم القناعة حلية له.
ص: 259
أي: جعل لباس أهل الزهادة زينة له.
وأنت بالليل ذئب لا حريم له * وبالنهار على سمت ابن سيرين(1)
كناية عن أنّه ليس من الزهد والقناعة في شي ء، كما أن قولهم «ما ترك فلان من أبيه مغدى ولا مراحا»(2) كناية عن كمال شباهته به، والمراد بالصنف الأخير الذي ذكره عليه السلام: الصوفيّة الضالّة المضلّة كعمرو بن عبيد والثوري(3).
غير الأصناف المذمومين، وهم الذين لا أثر لسوء الزمان فيهم لكونهم عارفين باللَّه تعالى وبجلاله، وبفناء هذه الدنيا، وأنّهم لدار أُخرى وهم شيعته عليه السلام.
قال تعالى: «وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ»(4).
وهول االمطلع، أي: صبّها.
ص: 260
روى «أنّ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ عَقَبَةً لا يَجُوزُهَا إِلّا الْبَكَّاؤُونَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ»(1).
قال الإمام الصادق عليه السلام: «كُلُّ عَيْنٍ بَاكِيَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلّا ثَلاث عُيُون: عَيْن غُضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، وَعَيْن سَهِرَتْ فِي طاعة اللَّهِ، وَعَيْن بَكَتْ فِي جَوفِ اللِّيلِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ»(2).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «مَا مِنْ شَيْ ءٍ إِلّا وَلَهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ إِلّا الدموع فَإِنَّ الْقَطْرَةَ مِنْها تُطْفِئُ بِحَاراً مِنَ نار وإذا اغرورقت العين بمائها لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة فإذا فاضت حرمه اللَّه على النار وَلَوْ أَنَّ بَاكِياً بَكَى فِي أُمَّةٍ لَرُحِمُوا»(3).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْداً نَصَبَ فِي قَلْبِهِ نَائِحَةً مِنَ الْحُزْنِ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ كُلَّ قَلْبٍ حَزِينٍ وَإِنَّهُ لا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تعالى حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ إِلَى الضَّرْعِ وإنَّهُ لا يَجتمع غبار في سبيل اللَّه ودُخان جَهنَّم في مِنْخَري المؤمن أبدا. وَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ عَبْداً جَعَلَ فِي قَلْبِهِ مِزْمَاراً مِنَ الضَّحِكِ وَإِنَّ الضَّحِكَ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ»(4).
إنّ أبا ذر بكى من خشية اللَّه حتّى اشتكى عينيه فخافوا عليهما فقيل له يا أبا ذرّ لو دعوت اللَّه في عينيك فقال إنّي عنهما لمشغول وما عناني أكثر فقيل له: وما شغلك عنهما؟ قال: العظيمان الجنّة والنار(5).
ص: 261
لا يخفى عليك انّ الخوف منزل من منازل الدين ومقام من مقامات الموقنين وهو أفضل الفضائل النفسانيّة والآيات والأخبار الدالّة عليه أكثر من أن تحصى.
أمّا الآيات:
قال تعالى: «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ»(1) الآية.
وقال تعالى: «هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ»(2).
وقال تعالى: «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ»(3).
وقال تعالى: «وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»(4)
وقال تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ»(5) الآية.
وقال تعالى: «سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى»(6).
وقال تعالى: «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى»(7).
وقال تعالى: «وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ»(8).
ص: 262
وأمّا الأخبار فكثيرة:
منها: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَعِزَّتِي وَجَلالِي لا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَلا أَجْمَعُ لَهُ أَمْنَيْنِ فَإِذَا آمَنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا آمَنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة»(1).
وعن صلى الله عليه وآله: «رَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»(2).
عن الهيثم بن واقد قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: «مَنْ خَافَ اللَّهَ أَخَافَ اللَّهُ مِنْهُ كُلَّ شَيْ ءٍ وَمَنْ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ أَخَافَهُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ شَيْ ء»(3).
قال النبي صلى الله عليه وآله: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَخْرُجُ مِنْ عَيْنَيْهِ مِثْلُ رَأْسِ الذُّبَابَةِ مِنَ الدُّمُوعِ فَيُصِيبُ حَرَّ وَجْهِهِ إِلّا حَرَّمَ اللَّهُ عَليه النَّارِ»(4).
ومن دعائه عليه السلام: «اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي عَيْنَيْنِ هَطَّالَتَيْن»(5).
عن النبيّ صلى الله عليه وآله قال: «مَا مِنْ قَطْرَةٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ قَطْرَةِ دَمْعٍ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ قَطْرَةِ دَمٍ أُهَرِيقَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»(6).
الشريد: الطريد، ونادّ من «ندّ» إذا انفرد وذهب على وجهه.
ص: 263
عن أبي إسحاق الهمداني قال: اجتمع نفر بالكوفة يطعنون على عثمان - من أشراف أهل العراق - مالك الأشتر، وثابت بن قيس النخعي، وكميل بن زياد الأزدي، وعروة بن الجعد، وعمرو بن الحمق الخزاعي، فكتب سعيد بن العاص إلى عثمان يخبره بأمرهم، فكتب إليه أن سيّرهم إلى الشام وألزمهم الدروب(1).
وروى خبراً آخر عن الواقدي وزاد فيهم صعصعة بن صوحان، وفي خبره أنّ معاوية كتب إلى عثمان بعد تسيير سعيد لهم إلى الشام: إنّي لست آمن إن أقاموا وسط أهل الشام أن يغروهم بسحرهم فارددهم إلى مصرهم.
فكتب عثمان إلى معاوية بردّهم إلى سعيد بالكوفة، فكتب سعيد إلى عثمان يضجّ منهم، فكتب عثمان إليه أن سيّرهم إلى عبدالرحمن بن خالد بن الوليد بحمص، وكتب عثمان إلى الأشتر وأصحابه: إنّي سيّرتكم إلى حمص فإذا أتاكم كتابي هذا فانصرفوا إليها فانّكم لستم تألون الإسلام وأهله شرا.
فلمّا قرأ الأشتر الكتاب قال: اللهمّ أسوأنا نظرا للرعيّة وأعملنا فيهم بالمعصية فعجّل له النقمة(2).
وروى الواقدي عن صهبان مولى الأسلميّين قال: رأيت أبا ذر يوم أدخل على عثمان فقال له عثمان: أنت الذي فعلت وفعلت؟ فقال أبو ذر: نصحتك فاستغششتني، ونصحت صاحبك فاستغشني.
قال عثمان: كذبت ولكنّك تريد الفتنة، قد أنغلت الشام علينا - إلى أن قال - قال عثمان: أشيروا عليّ في هذا الشيخ الكذّاب، أضربه أو أحبسه أو أقتله، فانّه قد
ص: 264
فرّق جماعة المسلمين، أو أنفيه من أرض الإسلام.
فَتَكَلَّمَ عَلِيٌ عليه السلام وَكَانَ حَاضِراً فَقَالَ: أُشِيرُ عَلَيْكَ بِمَا قَالَ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ «وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ»(1) فأجابه عثمان بجواب غليظ، وأجابه علي عليه السلام بمثله...(2).
عن أميرالمؤمنين عليه السلام في احتجاجه على بعض أصحابه من الشيعة ومنه: «وَآمُرُكَ أَنْ تَسْتَعْمِلَ التَّقِيَّةَ فِي دِينِكَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلّ يَقُولُ: «لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْ ءٍ إِلّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً»(3) وَقَدْ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي تَفْضِيلِ أَعْدَائِنَا إِنْ أَلْجَأَكَ الْخَوْفُ إِلَيْهِ وَفِي إِظْهَارِ الْبَرَاءَةِ إِنْ حَمَلَكَ الْوَجَلُ عَلَيْهِ وَفِي تَرْكِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ إِنْ خَشِيتَ عَلَى حُشَاشَتِكَ(4) الآْفَاتِ وَالْعَاهَاتِ فَإِنَّ تَفْضِيلَكَ أَعْدَاءَنَا علينا عِنْدَ خَوْفِكَ لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّنَا وَإِنَّ إِظْهَارَكَ بَرَاءَتَكَ مِنَّا عِنْدَ تَقِيَّتِكَ لا يَقْدَحُ فِينَا وَلا يَنْقُصُنَا وَلَئِنْ تَبْرَأْت مِنَّا سَاعَةً بِلِسَانِكَ وَأَنْتَ مُوَالٍ لَنَا بِجَنَانِكَ لِتُبْقِيَ عَلَى نَفْسِكَ رُوحَهَا الَّتِي بِهَا قِوَامُهَا - إلى أن قال عليه السلام: - وَإِيَّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ أَنْ تَتْرُكَ التَّقِيَّةَ الَّتِي أَمَرْتُكَ بِهَا فَإِنَّكَ شَائِطٌ بِدَمِكَ وَدِمَاءِ إِخْوَانِكَ مُعَرِّضٌ لِنِعْمَتِكَ وَنِعْمهِمْ لِلزَّوَالِ مُذِلٌّ لك ولَهُمْ فِي أَيْدِي أَعْدَاءِ دِينِ اللَّهِ وَقَدْ أَمَرَكَ اللَّهُ بِإِعْزَازِهِمْ فَإِنَّكَ إِنْ خَالَفْتَ وَصِيَّتِي كَانَ ضَرَرُكَ عَلَى إِخْوَانِكَ
ص: 265
وَنَفْسِكَ أَشَدَّ مِنْ ضَرَرِ المَنَاصِب (النَّاصِبِ) لَنَا الْكَافِرِ بِنَا»(1).
عن أبي الصباح قال: واللَّه لقد قال لي جعفر بن محمّدعليه السلام: «مَا صَنَعْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ أَوْ حَلَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ يَمِينٍ فِي تَقِيَّةٍ فَأَنْتُمْ مِنْهُ فِي سَعَةٍ»(2).
قال أبو عبداللَّه عليه السلام: «التَّقِيَّةُ فِي كُلِّ شَيْ ءٍ إِلّا فِي شُرْبِ النَّبِيذِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ(3)»(4).
قيل إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله مرّ على سخلة منبوذة على ظهر الطريق فقال: «أَتَرَوْنَ هَذِهِ هَيِّنَةً عَلَى أَهْلِهَا فَوَ اللَّهِ انّ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى أَهْلِهَا»، ثمّ قال صلى الله عليه وآله: «الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لا دَارَ لَهُ وَمَالُ مَنْ لا مَالَ لَهُ وَلَهَا يَجْمَعُ مَنْ لا عَقْلَ لَهُ وَشَهَوَاتِهَا يَطْلُبُ مَنْ لا فَهْمَ لَهُ وَعَلَيْهَا يُعَادِي مَنْ لا عِلْمَ لَهُ وَعَلَيْهَا يَحْسُدُ مَنْ لا فِقْهَ لَهُ وَلَهَا يَسْعَى مَنْ لا يَقِينَ لَهُ»(5).
وقال صلى الله عليه وآله: «من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من اللَّه في شي ء وألزم قلبه أربع
ص: 266
خصال هما لا ينقطع عنه أبدا وشغلا لا ينفرج منه أبدا وفقرا لا يبلغ غناه أبدا وأملا لا يبلغ منتهاه أبدا»(1).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «مَنْ أَصْبَحَ وَالدُّنْيَا أَكْبَرُ هَمِّهِ شَتَّتَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَكَانَ فَقْرُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلّا مَا قُدِّرَ لَهُ وَمَنْ كَانَتِ الآْخِرَةُ أَكْبَرَ هَمِّهِ كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ ضِيقَهُ وَجَمَعَ لَهُ أَمْرَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ»(2).
«كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ»(3).
روي: أَنَّ عِيسَى عليه السلام كُوشِفَ بِالدُّنْيَا فَرَآهَا فِي صُورَةِ عَجُوزٍ هَتْمَاءَ(4) عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ زِينَةٍ فَقَالَ لَهَا كَمْ تَزَوَّجْتِ فَقَالَتْ لا أُحْصِيهِمْ قَالَ وَكُلُّهُمْ مَاتَ عَنْكِ أَوْ كُلُّهُمْ طَلَّقَوكِ قَالَتْ بَلْ كُلَّهُمْ قَتَلْتُ فَقَالَ عِيسَى عليه السلام: بُؤْساً لِأَزْوَاجِكِ الْبَاقِينَ كَيْفَ لا يعتبرون بأزواجك الماضين كيف تهلكينهم وَاحِداً وَاحِداً وَلَمْ يَكُونُوا مِنْكِ عَلَى حَذَرٍ(5).
ص: 267
بسم الله الرحمن الرحیم
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِذِي قَارٍ وَهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ فَقَالَ لِي: مَا قِيمَةُ هَذِهِ النَّعْلِ؟ فَقُلْتُ: لا قِيمَةَ لَهَا، فَقَالَ عليه السلام: وَاللَّهِ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلاً، ثُمَّ خَرَجَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ:
إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداًصلى الله عليه وآله وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً وَلا يَدَّعِي نُبُوَّةً فَسَاقَ النَّاسَ حَتَّى بَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ وَبَلَّغَهُمْ مَنْجَاتَهُمْ فَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ وَاطْمَأَنَّتْ صَفَاتُهُمْ أَمَا وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَفِي سَاقَتِهَا حَتَّى تَوَلّتْ بِحَذَافِيرِهَا مَا ضعفت (عَجَزْتُ) وَلا جَبُنْتُ وَإِنَّ مَسِيرِي هَذَا لِمِثْلِهَا فَلَأَنْقُبَنَّ الْبَاطِلَ حَتَّى يَخْرُجَ الْحَقُّ مِنْ جَنْبِهِ (من خاصرته خ ل) مَا لِي وَلِقُرَيْشٍ وَاللَّهِ لَقَدْ قَاتَلْتُهُمْ كَافِرِينَ وَلأُقَاتِلَنَّهُمْ مَفْتُونِينَ وَإِنِّي لَصَاحِبُهُمْ بِالْأَمْسِ كَمَا أَنَا صَاحِبُهُمُ الْيَوْمَ.
ومن خطبة له عليه السلام عند خروجه لقتال أهل البصرة:
ص: 268
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِذِي قَارٍ(1) وَهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ فَقَالَ لِي: مَا قِيمَةُ هَذِهِ النَّعْلِ؟ فَقُلْتُ: لا قِيمَةَ لَهَا
وكان عليه السلام يخصف نعله كالنبيّ صلى الله عليه وآله، يخصف عليه السلام نعله ونعل النبيّ، وحديث «خاصف النعل» فيه مشهور.
روى الخطيب - مع نصبه - في ربعي بن حراش الذي قال فيه: تابعي ثقة، ويقال أنّه لم يكذب كذبة قط ونقل شاهداً في ذلك مسنداً عنه قال: سمعت عليّاًعليه السلام وهو بالمدائن قال: جاء سهيل بن عمرو إلى النبيّ صلى الله عليه وآله فقال: إنّه قد خرج إليك ناس من أرقائنا ليس بهم الدين تعبّدا فارددهم علينا، فقال أبوبكر وعمر: صدق، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله: لن تنتهوا معشر قريش حتّى يبعث اللَّه عليكم رجلاً امتحن اللَّه قلبه بالايمان، يضرب رقابكم وأنتم مجفلون عنه إجفال النعم، فقال أبو بكر: أنا هو؟ قال: لا، قال عمر: أنا هو؟ قال: لا، ولكنّه خاصف النعل، وفي كفّ عليّ نعل يخصفها للنبيّ صلى الله عليه وآله(2).
وَاللَّهِ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلاً ثُمَّ خَرَجَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداًصلى الله عليه وآله وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً وَلا يَدَّعِي نُبُوّ
ظاهر العبارة ارادة العموم وانّ الكتاب الذي كان بأيدي اليهود والنصارى حين بعثه لم يكن بالتوراة والإنجيل المنزل من السماء، لمكان التحريف والتغيير الذي
ص: 269
وقع فيهما كما يشهد به قوله تعالى: «وَإِنَّ مِنْهُمْ(1) لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ»(2).
قال أبو علي الطبرسي في مجمع البيان: قيل: نزلت في جماعة من أحبار اليهود كتبوا بأيديهم ما ليس في كتاب اللَّه من نعت (بعث خ ل) النبيّ وغيره وأضافو إلى كتاب اللَّه، وقيل: نزلت في اليهود والنصارى حرّفوا التوراة والإنجيل وضربوا كتاب اللَّه بعضه ببعض والحقوا به ما ليس منه وأسقطوا منه الدين الحنيف عن ابن عبّاس(3).
قال تعالى: «وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْ ءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً»(4) الآية.
تشخيص موضع النجاة وتمييزه عن غيره أمر لا يمكن تحصيله إلّا منه صلى الله عليه وآله.
قال تعالى: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ»(5) الآية.
وقال تعالى: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»(6) الآية.
ص: 270
وقال تعالى: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»(1) الآية.
وغير ذلك من الآيات.
فَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ وَاطْمَأَنَّتْ صَفَاتُهُمْ أَمَا وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَفِي سَاقَتِهَا حَتَّى تَوَلَّتْ بِحَذَافِيرِهَا مَا ضعفت (عَجَزْتُ) وَلا جَبُنْتُ وَإِنَّ مَسِيرِي هَذَا لِمِثْلِهَا فَلَأَنْقُبَنَّ الْبَاطِلَ حَتَّى يَخْرُجَ الْحَقُّ مِنْ ج
قال تعالى: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً»(2).
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَ صلى الله عليه وآله قَالَ لَهُ: «يَا عَلِيُّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ كَتَبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْجِهَادَ فِي الْفِتْنَةِ مِنْ بَعْدِي كَمَا كَتَبَ عَلَيْهِمُ الْجِهَادَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ مَعِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْفِتْنَةُ الَّتِي كُتِبَ عَلَيْنَا فِيهَا الْجِهَادُ قَالَ فِتْنَةُ قَوْمٍ يَشْهَدُونَ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَهُمْ مُخَالِفُونَ لِسُنَّتِي وَطَاعِنُونَ فِي دِينِي(3) فَقُلْتُ فَعَلامَ نُقَاتِلُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ يَشْهَدُونَ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ عَلَى إِحْدَاثِهِمْ فِي دِينِهِمْ وَفِرَاقِهِمْ لِأَمْرِي وَاسْتِحْلالِهِمْ دِمَاءَ عِتْرَتِي»(4).
ص: 271
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لأُمّ سلمة: «اشْهَدِي عَلَى أَنَّ عَلِيّاً يُقَاتِلُ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ»(1).
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ» قَالَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله: «لَأُجَاهِدَنَّ الْعَمَالِقَةَ يَعْنِي الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ فَأَتَاهُ جَبْرَئِيلُ فَقَالَ أَنْتَ أَوْ عَلِي»(2).
عن أبي عبداللَّه عن أبيه عليهما السلام: «بَعَثَ اللَّه محمّداً بِخَمسة أسياف ثلاثة منها شاهِرَة وسيف منها مَكفُوف وسيف منها سلّة إلى غيرنا وحكمه اليه»، ثمّ قال: «أمَّا السَّيْفُ الْمَكْفُوفُ فَسَيْفٌ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ وَالتَّأْوِيلِ قَالَ اللَّهُ تَعالى: «وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ»(3) فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ بَعْدِي عَلَى التَّأْوِيلِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى التَّنْزِيلِ فَسُئِلَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله مَنْ هُوَ؟ فَقالَ خَاصِفُ النَّعْلِ يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ» فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: قَاتَلْتُ بِهَذِهِ الرَّايَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله ثَلاثاً وَهَذِهِ الرَّابِعَةُ وَاللَّهِ لَوْ ضَرَبُونَا حَتَّى يَبْلُغُوا بِنَا السَّعَفَاتِ مِنْ هَجَرَ لَعَلِمْنَا أَنَّا عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّهُمْ عَلَى الْبَاطِل الخبر(4).
قال عليّ عليه السلام «أُمِرْتُ بِقِتَالِ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِين»(5).
عن ابن عبّاس: أَنَّ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ يَقُولُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
ص: 272
عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: «وَما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ»(1) وَاللَّهِ لا نَنْقَلِبُ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ، وَاللَّهِ لَئِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ لَأُقَاتِلَنَّ عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ حَتَّى أَمُوتَ، واللَّه إنّي أَخُوهُ وَابْنُ عَمِّهِ وَوَارِثُهُ، فَمَنْ أَحَقُّ بِهِ مِنِّي(2).
فَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ وَاطْمَأَنَّتْ صَفَاتُهُمْ أَمَا وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَفِي سَاقَتِهَا...
عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَهُوَ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ فِيكُمْ رَجُلاً يُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ كَمَا قَاتَلْتُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى تَنْزِيلِهِ وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَشْهَدُونَ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ فَيَكْبُرُ قَتْلُهُمْ عَلَى النَّاسِ حَتَّى يَطْعَنُوا عَلَى وَلِيِّ اللَّهِ وَيَسْخَطُوا عَمَلَهُ كَمَا سَخِطَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ خَرْقَ السَّفِينَةِ وَقَتْلَ الْغُلامِ وَإِقَامَةَ الْجِدَارِ وَكَانَ خَرْقُ السَّفِينَةِ وَقَتْلُ الْغُلامِ وَإِقَامَةُ الْجِدَارِ للَّهِ ِ رِضًا وَسَخِطَ ذَلِكَ مُوسَى عليه السلام»(3).
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَقَدِ انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِهِ فَدَفَعَهَا إِلَى عَلِيٍ عليه السلام يُصْلِحُهَا ثُمَّ جَلَسَ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُؤُوسِنَا الطَّيْرُ فَقَالَ: «إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ يُقَاتِلُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ كَمَا قَاتَلْتُ النَّاسَ عَلَى تَنْزِيلِهِ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لا» فَقَالَ عُمَرُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «لا وَلَكِنَّهُ خَاصِفُ النَّعْلِ» قَالَ: فَأَتَيْنَا عَلِيّاًعليه السلام نُبَشِّرُهُ بِذَلِكَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ بِهِ رَأْساً فَكَأَنَّهُ قَدْ سَمِعَهُ قَبْلُ(4).
ص: 273
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: إِنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ أَنَّ عَلِيّاًعليه السلام قَتَلَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ وَتَرَكَ أَمْوَالَهُمْ فَقَالَ: «إِنَّ دَارَ الشِّرْكِ يَحِلُّ مَا فِيهَا وَإِنَّ دَارَ الْإِسْلامِ لا يَحِلُّ مَا فِيهَا» فَقَالَ: «إِنَّ عَلِيّاًعليه السلام إِنَّمَا مَنَّ عَلَيْهِمْ كَمَا مَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَإِنَّمَا تَرَكَ عَلِيٌ عليه السلام لِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَكُونُ لَهُ شِيعَةٌ وَأَنَّ دَوْلَةَ الْبَاطِلِ سَتَظْهَرُ عَلَيْهِمْ فَأَرَادَ أَنْ يُقْتَدَى بِهِ فِي شِيعَتِهِ وَقَدْ رَأَيْتُمْ آثَارَ ذَلِكَ هُوَ ذَا يُسَارُ فِي النَّاسِ بِسِيرَةِ عَلِيٍ عليه السلام وَلَوْ قَتَلَ عَلِيٌ عليه السلام أَهْلَ الْبَصْرَةِ جَمِيعاً وَاتَّخَذَ أَمْوَالَهُمْ لَكَانَ ذَلِكَ لَهُ حَلالاً لَكِنَّهُ مَنَّ عَلَيْهِمْ لِيُمَنَّ عَلَى شِيعَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ(1).
عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال: «قال مروان بن الحكم: لما هزمنا علي عليه السلام بالبصرة ردّ على الناس أموالهم من أقام بينة أعطاه ومن لم يقم بيّنة حلفه قال: فقال له قائل: يا أمير المؤمنين اقسم الفي ء بيننا والسبي قال: فلمّا أكثروا عليه قال: أيكم يأخذ أم المؤمنين في سهمه فكفوا»(2).
عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: «مَالُ النَّاصِبِ وَكُلُّ شَيْ ءٍ يَمْلِكُهُ حَلالٌ لَكَ إِلّا امْرَأَتَهُ فَإِنَّ نِكَاحَ أَهْلِ الشِّرْكِ جَائِزٌ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَالَ: لا تَسُبُّوا أَهْلَ الشِّرْكِ فَإِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ نِكَاحاً وَلَوْ لا أَنَّا نَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ يُقْتَلَ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَالرَّجُلُ مِنْكُمْ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَمِائَةِ أَلْفٍ مِنْهُمْ لَأَمَرْنَاكُمْ بِالْقَتْلِ لَهُمْ وَلَكِنَّ ذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ»(3).
ص: 274
عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «لَسِيرَةُ عَلِيٍ عليه السلام فِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ كَانَتْ خَيْراً لِشِيعَتِهِ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ إِنَّهُ عَلِمَ أَنَّ لِلْقَوْمِ دَوْلَةً فَلَوْ سَبَاهُمْ لَسُبِيَتْ شِيعَتُهُ» قُلْتُ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْقَائِمِ عليه السلام يَسِيرُ بِسِيرَتِهِ؟ قَالَ: «لا إِنَّ عَلِيّاًعليه السلام سَارَ فِيهِمْ بِالْمَنِّ لِلْعِلْمِ مِنْ دَوْلَتِهِمْ وَإِنَّ الْقَائِمَ عَجَّلَ اللَّهُ فَرَجَهُ يَسِيرُ فِيهِمْ بِخِلافِ تِلْكَ السِّيرَةِ لِأَنَّهُ لا دَوْلَةَ لَهُم»(1).
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍعليه السلام عَنِ الْقَائِمِ إِذَا قَامَ بِأَيِّ سِيرَةٍ يَسِيرُ فِي النَّاسِ؟ فَقَالَ: «بِسِيرَةِ مَا سَارَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله حَتَّى يُظْهِرَ الْإِسْلامَ» قُلْتُ: وَمَا كَانَتْ سِيرَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله؟ قَالَ: «أَبْطَلَ مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَاسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِالْعَدْلِ وَكَذَلِكَ الْقَائِمُ إِذَا قَامَ يُبْطِلُ مَا كَانَ فِي الْهُدْنَةِ مِمَّا كَانَ فِي أَيْدِي النَّاسِ وَيَسْتَقْبِلُ بِهِمُ الْعَدْلَ»(2).
وروى عن عليّ عليه السلام أنه سئل عن الذين قاتلهم من أهل القبلة أكافرون هم؟ قال: «كفروا بالأحكام وكفروا بالنعم كفرا ليس ككفر المشركين الذين دفعوا النبوة ولم يقروا بالإسلام ولو كانوا كذلك ما حلت لنا مناكحتهم ولا ذبائحهم ولا مواريثهم فهم وإن كانوا غير مشركين على الجملة كما قال علي عليه السلام فإنهم لم يتعلقوا من الإسلام إلّا باسمه إقرارا بألسنتهم حل بذلك الإقرار مناكحتهم ومواريثهم»(3).
هذا الخبر مرويّ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قد رواه كثير من المحدّثين: عَنْ عَلِيٍ عليه السلام أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَالَ لَهُ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ عَلَيْكَ جِهَادَ الْمَفْتُونِينَ كَمَا كَتَبَ عَلَيَّ جِهَادَ
ص: 275
الْمُشْرِكِينَ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْفِتْنَةُ الَّتِي كُتِبَ عَلَيَّ فِيهَا الْجِهَادُ؟ قَالَ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَهُمْ مُخَالِفُونَ لِلسُّنَّةِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَعَلامَ أُقَاتِلُهُمْ وَهُمْ يَشْهَدُونَ كَمَا أَشْهَدُ؟ قَالَ عَلَى الْإِحْدَاثِ فِي الدِّينِ وَمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ كُنْتَ وَعَدْتَنِي الشَّهَادَةَ فَاسْأَلِ اللَّهَ أَنْ يُعَجِّلَهَا لِي بَيْنَ يَدَيْكَ قَالَ فَمَنْ يُقَاتِلُ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ؟ أَمَا إِنِّي وَعَدْتُكَ بِالشَّهَادَةِ وَتُسْتَشْهَدُ يُضْرَبُ عَلَى هَذِهِ فَتُخْضَبُ هَذِهِ فَكَيْفَ صَبْرُكَ إِذاً؟ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ ذَا بِمَوْطِنِ صَبْرٍ هَذَا مَوْطِنُ شُكْرٍ قَالَ أَجَلْ أَصَبْتَ فَأَعِدَّ لِلْخُصُومَةِ فَإِنَّكَ مُخَاصَمٌ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ بَيَّنْتَ لِي قَلِيلاً فَقَالَ إِنَّ أُمَّتِي سَتُفْتَنُ مِنْ بَعْدِي فَتَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ وَتَعْمَلُ بِالرَّأْيِ وَتَسْتَحِلُّ الْخَمْرَ بِالنَّبِيذِ وَالسُّحْتَ بِالْهَدِيَّةِ وَالرِّبَا بِالْبَيْعِ وَتُحَرِّفُ الْكِتَابَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَتَغْلِبُ كَلِمَةَ الضَّلالِ فَكُنْ حِلْسَ (جليس) بَيْتِكَ حَتَّى تُقَلِّدَهَا فَإِذَا قَلَّدْتَهَا جَاشَتْ عَلَيْكَ الصُّدُورُ وَقُلِبَتْ لَكَ الْأُمُورُ تُقَاتِلُ حِينَئِذٍ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى تَنْزِيلِهِ فَلَيْسَتْ حَالُهُمُ الثَّانِيَةُ بِدُونِ حَالِهِمُ الْأُولَى فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَبِأَيِّ الْمَنَازِلِ أُنْزِلَ هَؤُلاءِ الْمَفْتُونِينَ مِنْ بَعْدِكَ أَ بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةٍ أَمْ بِمَنْزِلَةِ رِدَّةٍ فَقَالَ بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةٍ يَعْمَهُونَ فِيهَا إِلَى أَنْ يُدْرِكَهُمُ الْعَدْلُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ يُدْرِكُهُمُ الْعَدْلُ مِنَّا أَمْ مِنْ غَيْرِنَا فَقَالَ بَلْ مِنَّا بِنَا فَتَحَ اللَّهُ وَبِنَا يَخْتِمُ وَبِنَا أَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ الْقُلُوبِ بَعْدَ الشِّرْكِ وَبِنَا يُؤَلِّفُ بَيْنَ الْقُلُوبِ بَعْدَ الْفِتْنَةِ فَقُلْتُ الْحَمْدُ للَّهِ ِ عَلَى مَا وَهَبَ لَنَا مِنْ فَضْلِهِ»(1).
روى أبو مخنف عن الكلبي، عن أبي صالح، عن زيد بن علي، عن ابن عباس
ص: 276
قال: لما نزلنا مع علي عليه السلام ذا قار قلت: يا أمير المؤمنين ما أقل من يأتيك من أهل الكوفة فيما أظن؟ فقال: «واللَّه ليأتيني منهم ستة آلاف وخمسمائة وستون رجلا لا يزيدون ولا ينقصون».
قال ابن عباس: فدخلني واللَّه من ذلك شك شديد في قوله وقلت في نفسي: واللَّه إن قدموا لأعدنهم.
قال أبو مخنف فحدث ابن إسحاق عن عمه عبد الرحمن بن يسار قال نفر إلى علي عليه السلام إلى ذي قار من الكوفة في البحر والبر ستة آلاف وخمسمائة وستون رجلا أقام علي بذي قار خمسة عشر يوما حتى سمع صهيل الخيل وشحيح البغال حوله قال: فلما سار بهم منقلة(1) قال ابن عباس: واللَّه لأعدنهم فإن كانوا كما قال وإلّا أتممتهم من غيرهم فإن الناس قد كانوا سمعوا قوله قال فعرضتهم فو اللَّه ما وجدتهم يزيدون رجلا ولا ينقصون رجلا فقلت اللَّه أكبر صدق اللَّه ورسوله ثم سرنا(2).
وفي الدرّ النظيم في مناقب الأئمّةعليهم السلام: فقال عليه السلام: «والذي بعث محمّداً بالحقّ لتأتيني منهم ستّة آلاف وخمسمائة وستّون رجلاً لا يزيدون ولا ينقصون رجلا.
قال: فدخلني من ذلك شك شديد وعظم علي، فقلت في نفسي: واللَّه لئن قدموا لأعدنهم، فلمّا وردوا قعدت على الجسر لاعتبار ما قاله علي عليه السلام، فوجدتهم كما قال ستّة آلاف وخمسمائة وستّين رجلاً لا يزيدون ولا ينقصون، فعجبت من ذلك
ص: 277
وذكرته لعليّ عليه السلام وسألته من أين علم ذلك؟ فذكر أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله أخبره بذلك(1).
قال الشارح المعتزلي: فلمّا قدم أهل الكوفة على علي عليه السلام سلّموا عليه وقالوا: الحمد للَّه يا أميرالمؤمنين الذي اختصنا بموازرتك وأكرمنا بنصرتك قد أجبناك طائعين غير مكرهين فمرنا بأمرك.
قال: فقام فحمد اللَّه وأثنى عليه وصلى على رسوله وقال: «مرحبا بأهل الكوفة...» فأمرهم بالرحيل إلى البصرة(2).
اشارة إلى عدم تغير حالته عن التي بها قاتلهم كافرين، وفيه تهديد لهم وتذكير لشدة بأسه وسطوته وشجاعته ، هذا .
وزاد ابن أبي الحديد بعده «واللَّه ما تنقم منا قريش إلّا أنّ اللَّه اختارنا عليهم، فادخلنا هم في حيّزنا فكانوا كما قال الاول:
ادمت لعمري شريك المحض صابحا * واكلك بالزبد المقشرة البجرا
ونحن وهبنالك العلاء ولم تكن * عليّا وحطنا حولك الجردو السّمرا(3)
وقال ابن ميثم: قد نقل في بعض النسخ في تمام هذه الخطبة «لتضجّ قريش ضجيجها ان تكن فينا النبوّة والخلافة واللَّه ما أتينا إليهم الّا إنّا اجترأنا عليهم»(4).
ص: 278
قال المفيد رحمه الله: هذه الخطبة خطب عليه السلام بها لمّا نزل الزبدة في توجهه إلى البصرة، فلقيه بها آخر الحاج، فاجتمعوا ليسمعوا من كلامه وهو في خبائه، قال ابن عبّاس: فأتيته فوجته يخصف فعلا فقلت له: نحن إلى ان تصلح أمرنا أحوج إلى ما تصنع، فلم يكلمني حتى فرغ من نعله، ثم ضمّها إلى صاحبتها. وقال لي: قوّمها. فقلت: ليس لها قيمة، قال: على ذلك، قلت: كسر درهم، قال: واللَّه لهما احبّ اليّ من امركم هذا الّا ان اقيم حقّاً أو أدفع باطلا، قلت : انّ الحاجّ اجتمعوا ليسمعوا من كلامك. فتأذن لي في أن أتكلم فان كان حسنا كان منك وإن كان غير ذلك كان منّي، قال: لا، أنا أتكلّم. ثم وضع يده على صدري وكان ششن الكفين فآلمني ثم قام فاخذت بثوبه وقلت: نشدتك اللَّه والرحم قال: لا تنشدني ثم خرج فاجتمعوا عليه فحمداللَّه وأثنى عليه ثم قال: اما بعد فإنّ اللَّه بعث محمّداًصلى الله عليه وآله وليس في العرب احد يقرأ كتاباً ولا يدعى نبوّة، فساق الناس الى منجاتهم ام واللَّه مازلت في ساقتها - إلى آخر ما مر(1).
ص: 279
بسم الله الرحمن الرحیم
أُفٍّ لَكُمْ لَقَدْ سَئِمْتُ عِتَابَكُمْ «أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ»(1) عِوَضاً؟ وَبِالذُّلِّ مِنَ الْعِزِّ خَلَفاً؟ إِذَا دَعَوْتُكُمْ إِلَى جِهَادِ عَدُوِّكُمْ دَارَتْ أَعْيُنُكُمْ كَأَنَّكُمْ مِنَ الْمَوْتِ فِي غَمْرَةٍ وَمِنَ الذُّهُولِ فِي سَكْرَةٍ يُرْتَجُ عَلَيْكُمْ حَوَارِي فَتَعْمَهُونَ فَكَأَنَّ قُلُوبَكُمْ مَأْلُوسَةٌ فَأَنْتُمْ لا تَعْقِلُونَ مَا أَنْتُمْ لِي بِثِقَةٍ سَجِيسَ اللَّيَالِي وَمَا أَنْتُمْ بِرُكْنٍ يُمَالُ بِكُمْ وَلا زَوَافِرُ عِزٍّ يُفْتَقَرُ إِلَيْكُمْ مَا أَنْتُمْ إِلّا كَإِبِلٍ ضَلَّ رُعَاتُهَا فَكُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِبٍ انْتَشَرَتْ مِنْ آخَرَ لَبِئْسَ لَعَمْرُ اللَّهِ سُعْرُ نَارِ الْحَرْبِ أَنْتُمْ تُكَادُونَ وَلا تَكِيدُونَ وَتُنْتَقَصُ أَطْرَافُكُمْ فَلا تَمْتَعِضُونَ لا يُنَامُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ فِي غَفْلَةٍ سَاهُونَ غُلِبَ وَاللَّهِ الْمُتَخَاذِلُونَ وَايْمُ اللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّ بِكُمْ أَنْ لَوْ حَمِسَ الْوَغَى وَاسْتَحَرَّ الْمَوْتُ قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ انْفِرَاجَ الرَّأْسِ وَاللَّهِ إِنَّ امْرَأً يُمَكِّنُ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ يَعْرُقُ لَحْمَهُ وَيَهْشِمُ عَظْمَهُ وَيَفْرِي جِلْدَهُ لَعَظِيمٌ عَجْزُهُ ضَعِيفٌ مَا ضُمَّتْ عَلَيْهِ جَوَانِحُ صَدْرِهِ أَنْتَ فَكُنْ ذَاكَ إِنْ شِئْتَ فَأَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ دُونَ أَنْ أُعْطِيَ ذَلِكَ ضَرْبٌ بِالْمَشْرَفِيَّةِ تَطِيرُ مِنْهُ فَرَاشُ الْهَامِ وَتَطِيحُ السَّوَاعِدُ وَالْأَقْدَامُ وَيَفْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ ما يَشاءُ
ص: 280
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً وَلَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ وَتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ وَتَعْلِيمُكُمْ كَيْلا تَجْهَلُوا وَتَأْدِيبُكُمْ كَيْمَا تَعْلَمُوا وَأَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ فَالْوَفَاءُ بِالْبَيْعَةِ وَالنَّصِيحَةُ فِي الْمَشْهَدِ وَالْمَغِيبِ وَالإِجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ وَالطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ.
رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ خَطَبَ بِهَذِهِ الْخُطْبَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ أَمْرِ الْخَوَارِجِ، بِالنَّهْرَوَانِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحْسَنَ نَصْرَكُمْ ، فَتَوَجَّهُوا مِنْ فَوْرِكُمْ هَذَا إِلَى عَدُوِّكُمْ مِنَ أَهْلِ الشَّامِ».
فَقَالُوا لَهُ: قَدْ نَفِدَتْ نِبَالُنَا، وَكَلَّتْ سُيُوفُنَا، ارْجِعْ بِنَا إِلَى مِصْرِنَا لِنُصْلِحَ عُدَّتَنَا، وَلَعَلَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدُ فِي عَدَدِنَا مِثْلَ مَنْ هَلَكَ مِنَّا لِنَسْتَعِينَ بِهِ.
فَأَجَابَهُمْ: «يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ»»(1).
فَتَلَكَّئُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا: إِنَّ الْبَرْدَ شَدِيدٌ.
فَقَالَ [لَهُمْ]: «إِنَّهُمْ يَجِدُونَ الْبَرْدَ كَمَا تَجِدُونَ»، ثُمَّ تَلا قَوْلَهُ تَعَالَى: «قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ»(2).
فَقَامَ نَاسٌ مِنْهُمْ وَاعْتَذَرُوا بِكَثْرَةِ الْجِرَاحِ فِي النَّاسِ، وَطَلَبُوا [مِنْهُ] أَنْ يَرْجِعَ بِهِمْ
ص: 281
إِلَى الْكُوفَةِ أَيَّاماً ثُمَّ يَخْرُجُ [بِهِمْ] فَرَجَعَ بِهِمْ غَيْرَ رَاضٍ [بِمَا اقْتَرَحُوا] وَأَنْزَلَهُمُ النُّخَيْلَةَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَلْزَمُوا مُعَسْكَرَهُمْ، وَيُقِلُّوا زِيَارَةَ أَهْلِهِمْ، فَلَمْ يَقْبَلُوا وَدَخَلُوا الْكُوفَةَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلّا قَلِيلٌ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ دَخَلَ الْكُوفَةَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسِ اسْتَعِدُّوا لِقِتَالِ عَدُوٍّ فِي جِهَادِهِمُ الْقُرْبَةُ إِلَى اللَّهِ، وَدَرْكُ الْوَسِيلَةِ عِنْدَهُ، قَوْمٍ حَيَارَى عَنِ الْحَقِّ لا يُبْصِرُونَهُ، مُوزَعِينَ بِالْجَوْرِ وَالظُّلْمِ لا يَعْدِلُونَ بِهِ، وَجُفَاةٍ عَنِ الْكِتَابِ، نُكُبٍ عَنِ الدِّينِ، يَعْمَهُونَ فِي الطُّغْيَانِ، وَيَتَسَكَّعُونَ فِي غَمْرَةِ الضَّلالَةِ، «فَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ»(1)، «وَتَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً»(2). فَتَرَكَهُمْ أَيَّاماً ثُمَّ خَطَبَهُمْ بِهَذِهِ الْخُطْبَةِ(3).
قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ»(4).
وقال تعالى أيضاً فيها: «فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ»(5).
ص: 282
ترجيح الحيوة الدّنيا على الحياة الآخرة أمر مذموم شرعاً ولذلك ورد القرآن والآثار في ذمّ من كان كذلك أمّا الآيات:
منها قوله تعالى: «فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ»(1).
ومنها قوله تعالى: «زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا»(2) الآية.
ومنها قوله تعالى: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ»(3) الآية.
ومنها قوله تعالى: «ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ»(4).
ومنها قوله تعالى: «وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ»(5).
ومنها قوله تعالى: «مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى»(6) الآية
ومنها قوله تعالى: «وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ»(7) الآية.
ص: 283
ومنها قوله تعالى: «وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا»(1) الآية.
ومنها قوله تعالى: «الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا» الآية.(2)
ومنها قوله تعالى: «فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ»(3).
ومنها قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا»(4) الآية.
ومنها قوله تعالى: «الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ»(5).
ومنها قوله تعالى: «ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ»(6) الآية.
والآيات الواردة في ذمّ الدنيا وحبّها ومدح الآخرة كثيرة كما لا يخفى على المتأمّل المتتبع.
وأمّا الأخبار فأيضاً كثيرة:
منها: قوله صلى الله عليه وآله: «الدنيا ملعونة ملعون ما منها إلّا ما كان للَّه منها»(7).
ومنها: قال صلى الله عليه وآله: «الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر»(8).
ص: 284
ومنها: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «لو كانت الدنيا تعدل عند اللَّه جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء»(1).
ومنها: قال صلى الله عليه وآله: «من أصبح والدنيا أكبر همّه فليس من اللَّه في شي ء وألزم قلبه أربع خصال هما لا ينقطع عنه أبدا وشغلا لا ينفرج منه أبدا وفقرا لا يبلغ غناه أبدا وأملا لا يبلغ منتهاه أبدا»(2).
ومنها: قوله صلى الله عليه وآله: «يا عجبا كلّ العجب للمصدّق بدار الخلود وهو يسعى لدار الغرور»(3).
كان أهل العراق أعزاء قبل رجوعهم من صفّين، وصاروا أذلّاء بعده بتركهم القتال مع أهل الشام.
قال تعالى: «فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ»(4) الآية.
ص: 285
قال تعالى: «يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ»(1).
انّ الفاء في قوله «فكأنّ» للتفريع أو الجزاء للشرط وفيه اشارة على الأوّل إلى ما قاله تبارك وتعالى في وصف المنافقين:
«وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ»(2) الآية.
وأمّا على الثاني أعني الجزاء فالمعنى انّ لازم هذا الرويّة الرديّة وجزائها هو عدم البصيرة في أمر الدّين والدنيا قال اللَّه تعالى: «وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا»(3).
أي طوال الدهر، قال الشاعر:
هنالك لا أرجو حياة تسرني * سجيس الليالي مبسلا بالجرائر(4)
ص: 286
قالوا في قوله تعالى: «أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ»(1) أي عزِ ومنعة، وركن الشي ء جانبه الأقوى(2).
لمّا كان الحجّاج يقاتل شبيب الخارجي، وأمدّه عبدالملك بسفيان بن الأبرد الكلبي قام الحجّاج على المنبر وقال: يا أهل الكوفة، لا أعزّ اللَّه من أراد بكم العزّ، ولا نصر من أراد بكم النصر، أخرجوا عنّا ولا تشهدوا معنا قتال عدوّنا، الحقوا بالحيرة فانزلوا مع اليهود والنصارى(3).
مَا أَنْتُمْ إِلّا كَإِبِلٍ ضَلَّ رُعَاتُهَا فَكُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِبٍ انْتَشَرَتْ مِنْ آخَرَ لَبِئْسَ لَعَمْرُ اللَّهِ سُعْرُ نَارِ الْحَرْبِ أَنْتُمْ تُكَادُونَ وَلا تَكِيدُونَ وَتُنْتَقَصُ أَطْرَافُكُمْ فَلا تَمْتَعِضُونَ لا يُنَامُ عَنْكُمْ وَأَنْت
عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَرْيَتَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَلِكٌ عَلَى حِدَةٍ اقْتَتَلُوا ثُمَّ اصْطَلَحُوا ثُمَّ إِنَّ أَحَدَ الْمَلِكَيْنِ غَدَرَ بِصَاحِبِهِ فَجَاءَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ فَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَغْزُوَمَعَهُمْ تِلْكَ الْمَدِينَةَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: «لا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَغْدِرُوا وَلا يَأْمُرُوا بِالْغَدْرِ وَلا يُقَاتِلُوا مَعَ الَّذِينَ غَدَرُوا»(4).
ص: 287
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وآله: يَجِي ءُ كُلُّ غَادِرٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِإِمَامٍ مَائِلٍ شِدْقُهُ حَتَّى يَدْخُلَ النَّارَ»(1).
عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ: قَالَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ بِالْكُوفَةِ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَوْ لا كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ كُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ أَلا إِنَّ لِكُلِّ غُدَرَةٍ فُجَرَةً وَلِكُلِّ فُجَرَةٍ كُفَرَةً أَلا وَإِنَّ الْغَدْرَ وَالْفُجُورَ وَالْخِيَانَةَ فِي النَّارِ»(2).
عَنْ عَدِيٍّ وَكَانَ مَعَ أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي حُرُوبِهِ أَنَّ أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ فِي يَوْمَ الْتَقَى هُوَ وَمُعَاوِيَةُ بِصِفِّينَ وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ لِيُسْمِعَ أَصْحَابَهُ: «وَاللَّهِ لَأَقْتُلَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابَهُ» ثُمَّ يَقُولُ فِي آخِرِ قَوْلِهِ: «إِنْ شَاءَ اللَّهُ» يَخْفِضُ بِهَا صَوْتَهُ وَكُنْتُ قَرِيباً مِنْهُ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّكَ حَلَفْتَ عَلَى مَا فَعَلْتَ ثُمَّ اسْتَثْنَيْتَ فَمَا أَرَدْتَ بِذَلِكَ؟ فَقَالَ لِي: «إِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ وَأَنَا عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ كَذُوبٍ فَأَرَدْتُ أَنْ أُحَرِّضَ أَصْحَابِي عَلَيْهِمْ كَيْلا يَفْشَلُوا(3) وَكَيْ يَطْمَعُوا فِيهِمْ فَأَفْقَهُهُمْ يَنْتَفِعُ بِهَا بَعْدَ الْيَوْمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ لِمُوسَى عليه السلام حَيْثُ أَرْسَلَهُ إِلَى فِرْعَوْنَ: «فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى»(4) وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لا يَتَذَكَّرُ وَلا يَخْشَى وَلَكِنْ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَحْرَصَ لِمُوسَى عليه السلام عَلَى الذَّهَابِ»(5).
ص: 288
قال ابن أبي الحديد: معنى انفراج الرأس: أي كما ينفلق الرأس، فيذهب نصفه يمنة ونصفه شامة. وقال الراوندي: معناه انفراج من أدنى رأسه إلى غيره ثمّ حرف رأسه عنه(1).
وقال ابن ميثم: انفراج الرّأس مثل، قيل أوّل من تكلم به أكثم بن ضيفي في وصيّته لبنيه: لا تنفرجوا عند الشدائد انفراج الرأس، فإنّكم بعد ذلك لا تجتمعون على عزّ.
قال ابن دريد: معناه أنّ الرأس إذا انفرج عن البدن لا يعود إليه.
وقال المفضل: الرأس اسم رجل ينسب إليه قرية من قرى الشّام يقال لها: بيت الرأس، يباع فيه الخمر. قال حسّان:
كأنّ سبيئة من بيت رأس * يكون مزاجها عسلاً وماءً
وهذا الرجل قد انفرج عن قومه ومكانه فلم يعد، فضرب به المثل.
وقيل: معناه أنّ الرأس إذا انفرج بعض عظامه كان بعيدا عن الالتئام.
وقيل: معناه انفراج المرأة عن رأس ولدها حالة الوضع، كما في قوله عليه السلام في موضع آخر: «انفراج المرأة عن قبلها»(2).
قال المحقق التستري: الأصل قول ابن دريد، وأمّا ما عن المفضّل فيختلف تعريفاً وتنكيراً، وأمّا الأخير فيردّه أنّ الثقفي والقتيبي جمعا بينهما في روايتيهما(3).
ص: 289
قال الحرسيّ: استثرنا من مزرعة في بلاد الشام رجلين يذريان حنطة، أحدهما أصيفر أحيمش(1)، والآخر مثل الجمل عظما، فقاتلنا الأصيفر بالمذرى(2) لا تدنو منه دابة إلاّ نخس أنفها وضربها حتّى شقّ علينا فقتل، ولم نصل إلى الآخر حتّى مات فرقا(3) فأمرت بهما فبقرت بطونهما فإذا فؤاد الضخم يابس مثل الحشفة(4)، وإذا فؤاد الأصيفر مثل فؤاد الجمل يتخضخض في مثل كوز من ماء(5).
واخرج شبيب الخارجي من الماء - بعد غرقه - فشقّ بطنه واخرج فؤاده، فاذا هو مثل الكوز، فجعلوا يضربون به الأرض فينزو(6).
أنّ المخاطب له عليه السلام بهذا الكلام الأشعث بن قيس لمّا قام إليه في خطبته تلك وقال له: هلّا فعلت كما فعل عثمان فزجره عليه السلام وقال له: «إنّ الذي فعل لمخزاة على من لا دين له ولا حجّة معه، فكيف وأنا على بيّنة من ربّي والحقّ معي واللَّه ان امرأ يمكّن عدوّه...(7)
ص: 290
أي سيوف منسوبة إلى مشارف قرية بها تعمل السيوف.
ممّن لم يمكن عدوّه من نفسه المختار، ففي (الطبري) ان المختار لمّا حوصر خرج في تسعة عشر رجلاً فقال لهم: أتؤمنوني وأخرج إليكم فقالوا: لا إلّا على الحكم. فقال: لا احكّمكم في نفسى أبداً. فضارب بسيفه حتّى قتل، وقد كان قال لأصحابه - حين أبوا أن يتابعوه على الخروج معه - : إذا أنا خرجت إليهم فقتلت لم تزدادوا إلّا ضعفا وذلا فإن نزلتم على حكمهم وثب أعداؤكم الذين قد وترتموهم، فقال كلّ رجل منهم لبعضكم: هذا عنده ثأري. فيقتل وبعضكم ينظر إلى مصارع بعض فتقولون: يا ليتنا أطعنا المختار وعملنا برأيه، ولو أنّكم خرجتم كنتم إن أخطأتم الظفر متّم كراما، وإن هرب منكم هارب فدخل في عشيرته يكن أذلّ من على ظهر الأرض - فكان كما قال - ولمّا كان الغد من قتل المختار قال بجير المسلي من أصحابه لباقيهم: يا قوم قد كان صاحبكم بالأمس أشار عليكم بالرأي فما أطعتموه، يا قوم إنّكم إن نزلتم على حكم القوم ذبحتم كما تذبح الغنم، أخرجوا بأسيافكم حتّى تموتوا كراما. فقالوا: لقد أمرنا بهذا من كان أطوع عندنا فعصيناه. فأمكنوا من أنفسهم ونزلوا إلى الحكم، فبعث مصعب إليهم عباد الحبطي فكان هو يخرجهم مكتّفين - إلى أن قال: - فقال بجير لمصعب: إنّ حاجتي إليك ألّا أقتل مع هؤلاء، إنّي أمرتهم أن يخرجوا مع أسبافهم فيقاتلوا حتّى يموتوا كراماً فعصوني. فقدّم فقتل، وقال مسافر بن سعيد بن نمران لمصعب لمّا أبى إلّا قتلهم: قبّح اللَّه قوماً
ص: 291
أمرتهم أن يخرجوا ليلاً على حرس سكّة من هذه السكك، فنطردهم ثمّ نلحق بعشائرنا فعصوني حتّى حملوني على أن أعطيت التي هي أنقص وأدنى، وأبوا إلّا أن يموتوا ميتة العبيد، فأنا أسألك ألّا تخلط دمي بدمائهم. فقدّم فقتل ناحية(1).
وفيه: لمّا حمل عبدالجبّار الأزدي إلى المنصور بعد خروجه عليه قال له: قتلة كريمة قد تركتها وراءك يابن اللخناء(2).
وفيه: إنّ معديكرب بن ذي يزن لمّا استجار بكسرى لينصره حتّى يخرج الحبشة من بلاده، أمر بمن كان في سجنه فاحصوا فبلغوا ثمانمائة، فقوّد عليهم قائداً من أساورته يقال له: وهرز، كان كسرى يعدله بألف أسوار، وأمر بحملهم في ثماني سفائن في كلّ سفينة مائة، فغرقت سفينتان وسلمت ست فخرجوا ساحل حضرموت، وسار إليهم مسروق بن أبرهة في مائة ألف من الحبشة وحمير والأعراب، ونزل وهرز على سيف البحر وجعل البحر وراء ظهره، فلمّا نظر مسروق الحبشي إلى قلّتهم طمع فيهم فأرسل إلى وهرز: ما جاء بك وليس معك إلّا من أرى ومعي من ترى لقد غررت بنفسك وأصحابك فإن أحببت أذنت لك فرجعت، وإن أحببت ناجزتك الساعة، وإن أحببت أجّلتك حتّى تنظر أمرك. فرأى وهرز أنّه لا طاقة له بهم فقال: بل تضرب بيني وبينك أجلاً - إلى أن قال: - فلمّا انقضى الأجل إلّا يوما أمر بالسفن التي كانوا فيها فاحرقت بالنار، وأمر بما كان معهم من فضل كسوة فاحرق، ولم يدع منه إلّا ما كان على أجسادهم، ثمّ دعا بكلّ زاد معهم فقال لأصحابه: كلوا هذا الزاد. فأكلوا فلمّا انتهوا أمر بفضله فالقي في
ص: 292
البحر، ثمّ قام فيهم خطيباً فقال: أمّا أن أحرقتم سفنكم فأردت أنّه لا سبيل لكم إلى بلادكم أبداً، وأمّا أن أحرقت من ثيابكم فإنّه كان يغيظني إن ظفروا بكم أن يصير ذلك اليهم، وأمّا ما ألقيت من زادكم في البحر فإنّي كرهت أن يطمع أحد منكم أن يكون معه زاد يعيش به يوماً واحدا، فإن كنتم تقاتلون معي وتصبرون أعلمتموني ذلك، وإن كنتم لا تفعلون اعتمدت على سيفي هذا حتّى يخرج من ظهري، فإنّي لم أكن أمكّنهم من نفسي أبدا. فقالوا: بل نقاتل معك حتّى نموت عن آخرنا أو نظفر.
فلمّا كان صبح اليوم الذي انقضى فيه الأجل عبّأ أصحابه وجعل البحر خلفه، وأقبل عليهم يحضّهم على الصبر ويعلمهم أنّهم معه بين خلتين: إمّا ظفروا بعدوّهم وإمّا ماتوا كراما، وأمرهم أن تكون قسيهم موترة وقال: إذا أمرتكم أن ترموا فارموهم رشقا بالبنجكان - ولم يكن أهل اليمن رأوا النشّاب قبل ذلك - وأقبل مسروق في جمع لا يرى طرفاه على فيل، وعلى رأسه تاج بين عينيه ياقوتة حمراء مثل البيضة لا يرى أنّ دون الظفر شيئاً، وكان وهرز قد كلّ بصره، فقال: أروني عظيمهم. فقالوا: هو صاحب الفيل. ثمّ لم يلبث مسروق أن نزل فركب فرسا، فقالوا: قد ركب فرسا. فقال: ارفعوا لي حاجبي.
وكان قد سقطا على عينيه من الكبر، فرفعوهما بعصابة ثمّ أخرج نشابه فوضعها في كبد قوسه وقال: أشيروا لي إلى مسروق. فأشاروا حتّى أثبته ثمّ قال: ارموا فرموا. ونزع في قوسه حتّى إذا ملأها سرّح النشابة فأقبلت كأنّها رشا حتّى صكت جبهته فسقط عن دابّته، وقتل في ذلك الرشق منهم جماعة كثيرة، وانقضّ صفّهم لمّا رأوا صاحبهم صريعاً فلم يكن دون الهزيمة شي ء، وغنم من عسكرهم ما لا
ص: 293
يحصى، وجعل الأسوار يأخذ من الحبشة من حمير والأعراب الخمسين والستين فيسوقهم مكتفّين(1).
قد قيل في التشجيع نظما ونثرا عربيّاً وفارسيّاً وأكثروا، وأحسن ما قيل في ذلك أبيات الفردوسي المعروف بالفارسيّة التي منها:
اگر جز بكام من آيد جواب
من و گرز و ميدان و افراسياب
ولمّا سمعه السلطان محمود الغزنوي قال: لمن هذا البيت الذي يقطر منه ماء الشجاعة إلّا انّه - لعمري - أين ذلك البيت من كلامه عليه السلام: «إن امرؤ يمكّن عدوّه - إلى - ويفعل اللَّه بعد ذلك ما يشاء(2).
وجه معاوية عبداللَّه بن مسعدة الفزاري في ألف وسبعمائة رجل إلى تيماء وأمره أن يصدق من مرّ به من أهل البوادي وأن يقتل من امتنع من عطائه صدقة ماله ثمّ يأتي مكّة والمدينة والحجاز يفعل ذلك واجتمع إليه بشر كثير من قومه فلمّا بلغ ذلك عليّاً وجّه المسيب بن نجبة الفزاري فسار حتّى لحق ابن مسعدة بتيماء
ص: 294
فاقتتلوا ذلك اليوم حتّى زالت الشمس قتالاً شديداً وحمل المسيّب على ابن مسعدة فضربه ثلاث ضربات كلّ ذلك لا يلتمس قتله ويقول له النجاء النجاء فدخل ابن مسعدة وعامّة من معه الحصن وهرب الباقون نحو الشام وانتهب الأعراب إبل الصدقة التي كانت مع ابن مسعدة وحصره ومن كان معه المسيّب ثلاثة أيّام ثمّ ألقى الحطب على الباب وألقى النيران فيه حتّى احترق فلمّا أحسوا بالهلاك أشرفوا على المسيّب فقالوا يا مسيّب قومك فرق لهم وكره هلاكهم فأمر بالنار فأطفئت وقال لأصحابه قد جائتني عيون فأخبروني أن جندا قد أقبل إليكم من الشام فانضموا في مكان واحد فخرج ابن مسعدة في أصحابه ليلاً حتّى لحقوا بالشام فقال له عبدالرحمن بن شبيب سر بنا في طلبهم فأبى المسيّب ذلك عليه فقال له غششت أميرالمؤمنين وداهنت في أمرهم(1).
قيل: آكد الأسباب في تقاعد العرب عن أميرالمؤمنين عليه السلام أمر المال فإنّه لم يكن يفضل شريفا على مشروف ولا عربيّا على عجمي ولا يصانع الرؤساء وأمراء القبائل كما يصنع الملوك ولا يستميل أحدا إلى نفسه وكان معاوية بخلاف ذلك فترك الناس عليّا والتحقوا بمعاوية فشكا علي عليه السلام إلى الأشتر تخاذل أصحابه وفرار بعضهم إلى معاوية فقال الأشتر: يا أميرالمؤمنين إنا قاتلنا أهل البصرة بأهل البصرة وأهل الكوفة ورأي الناس واحد وقد اختلفوا بعد وتعادوا وضعفت النية وقل العدد وأنت تأخذهم بالعدل وتعمل فيهم بالحق وتنصف الوضيع من الشريف فليس للشريف عندك فضل منزلة على الوضيع فضجت طائفة ممن معك من الحق إذ عموا به واغتموا من العدل إذ صاروا فيه ورأوا صنائع معاوية عند أهل الغناء والشرف فتاقت أنفس الناس إلى الدنيا وقل من ليس للدنيا بصاحب وأكثرهم يجتوي(1) الحق ويشتري الباطل ويؤثر الدنيا فإن تبذل المال، يا أميرالمؤمنين تمل إليك أعناق الرجال وتصف نصيحتهم لك وتستخلص ودهم صنع اللَّه لك يا أمير المؤمنين وكبت أعداءك وفض جمعهم وأوهن كيدهم وشتت أمورهم «إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ»(2).
فقال عليّ عليه السلام: «أما ما ذكرت من عملنا وسيرتنا بالعدل فإن اللَّه عزّ وجلّ يقول: «مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ»(3) وأنا من أن
ص: 296
أكون مقصرا فيما ذكرت أخوف وأما ما ذكرت من أن الحق ثقل عليهم ففارقونا لذلك فقد علم اللَّه أنهم لم يفارقونا من جور ولا لجئوا إذ فارقونا إلى عدل ولم يلتمسوا إلّا دنيا زائلة عنهم كأن قد فارقوها وليسألن يوم القيامة أ للدنيا أرادوا أم للَّه عملوا وأما ما ذكرت من بذل الأموال واصطناع الرجال فإنه لا يسعنا أن نؤتي امرأ من الفي ء أكثر من حقه وقد قال اللَّه سبحانه وتعالى وقوله الحق: «كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ»(1) وقد بعث اللَّه محمداصلى الله عليه وآله وحده فكثره بعد القلة وأعز فئته بعد الذلة وإن يرد اللَّه أن يولينا هذا الأمر يذلل لنا صعبه ويسهل لنا حزنه وأنا قابل من رأيك ما كان للَّه عز وجل رضا وأنت من آمن الناس عندي وأنصحهم لي وأوثقهم في نفسي إن شاء اللَّه»(2).
ويؤيّد ذلك ما روى عن عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن بعض أصحابه، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «إِنَّ مَوْلًى لِأَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام سَأَلَهُ مَالاً فَقَالَ يَخْرُجُ عَطَائِي فَأُقَاسِمُكَ هُوَ فَقَالَ لا أَكْتَفِي وَخَرَجَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَوَصَلَهُ فَكَتَبَ إِلَى أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يُخْبِرُهُ بِمَا أَصَابَ مِنَ الْمَالِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَا فِي يَدِكَ مِنَ الْمَالِ قَدْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ قَبْلَكَ وَهُوَ صَائِرٌ إِلَى أَهْلِهِ بَعْدَكَ وَإِنَّمَا لَكَ مِنْهُ مَا مَهَّدْتَ لِنَفْسِكَ فَ آثِرْ نَفْسَكَ عَلَى صَلاحِ وُلْدِكَ فَإِنَّمَا أَنْتَ جَامِعٌ لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ إِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ فَسَعِدَ بِمَا شَقِيتَ وَإِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فِيهِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَشَقِيَ بِمَا جَمَعْتَ لَهُ وَلَيْسَ مِنْ هَذَيْنِ أَحَدٌ بِأَهْلٍ أَنْ تُؤْثِرَهُ عَلَى نَفْسِكَ وَلا تُبَرِّدَ لَهُ عَلَى ظَهْرِكَ فَارْجُ لِمَنْ مَضَى رَحْمَةَ اللَّهِ وَثِقْ لِمَنْ بَقِيَ بِرِزْقِ اللَّهِ»(3).
ص: 297
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْعَقَبِيِّ رَفَعَهُ قَالَ: خَطَبَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ آدَمَ لَمْ يَلِدْ عَبْداً وَلا أَمَةً وَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَحْرَارٌ وَلَكِنَّ اللَّهَ خَوَّلَ بَعْضَكُمْ بَعْضاً فَمَنْ كَانَ لَهُ بَلاءٌ فَصَبَرَ فِي الْخَيْرِ فَلا يَمُنَّ بِهِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَلا وَقَدْ حَضَرَ شَيْ ءٌ وَنَحْنُ مُسَوُّونَ فِيهِ بَيْنَ الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ فَقَالَ مَرْوَانُ لِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ مَا أَرَادَ بِهَذَا غَيْرَكُمَا قَالَ فَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ ثَلاثَةَ دَنَانِيرَ وَأَعْطَى رَجُلاً مِنَ الْأَنْصَارِ ثَلاثَةَ دَنَانِيرَ وَجَاءَ بَعْدُ غُلامٌ أَسْوَدُ فَأَعْطَاهُ ثَلاثَةَ دَنَانِيرَ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ هَذَا غُلامٌ أَعْتَقْتُهُ بِالْأَمْسِ تَجْعَلُنِي وَإِيَّاهُ سَوَاءً فَقَالَ إِنِّي نَظَرْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَمْ أَجِدْ لِوُلْدِ إِسْمَاعِيلَ عَلَى وُلْدِ إِسْحَاقَ فَضْلا»(1).
وعن حبيب بن أبي ثابت أنّه قال: قال عبداللَّه بن جعفر بن أبي طالب لعليّ عليه السلام: يا أميرالمؤمنين لو أمرت لي بمعونة أو نفقة فواللَّه ما عندي إلّا أن أبيع بعض علوفتي (وفي البحار: دابّتي) قال له: «لا واللَّه ما أجد لك شيئاً إلّا أن تأمر عمّك أن يسرق فيعطيك»(2).
وروى علي بن محمد بن أبي يوسف المدائني أن طائفة من أصحاب علي عليه السلام مشوا إليه فقالوا: يا أميرالمؤمنين أعط هذه الأموال وفضل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم واستمل من تخاف خلافه من الناس وفراره وإنما قالوا له ذلك لما كان معاوية يصنع في المال فقال لهم: «أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور لا واللَّه لا أفعل ما طلعت شمس وما لاح في السماء نجم واللَّه لو كان
ص: 298
المال لي لواسيت بينهم فكيف وإنما هي أموالهم ثم سكت طويلا واجما» ثم قال: «الأمر أسرع من ذلك» قالها: ثلاثا(1).
وروى عن الكاتب، عن الزعفراني، عن الثقفي، عن محمد بن إسماعيل، عن زيد بن المعدل، عن يحيى بن صالح، عن الحارث بن حصيرة، عن أبي صادق، عن جندب بن عبداللَّه الأزدي قال: سمعت أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول لأصحابه وقد استنفرهم أياما إلى الجهاد فلم ينفروا: «أيها الناس إني قد استنفرتكم فلم تنفروا ونصحت لكم فلم تقبلوا فأنتم شهود كأغياب [كغياب] وصم ذوو أسماع أتلو عليكم الحكمة وأعظكم بالموعظة الحسنة وأحثكم على جهاد عدوكم الباغين فما آتي على آخر منطقي حتى أراكم متفرقين أيادي سبا(2) فإذا أنا كففت عنكم عدتم إلى مجالسكم حلقا عزين(3) تضربون الأمثال وتتناشدون الأشعار وتسألون عن الأخبار قد نسيتم الاستعداد للحرب وشغلتم قلوبكم بالأباطيل تربت أيديكم(4) اغزوا القوم من قبل أن يغزوكم فو اللَّه ما غزي قوم قط
ص: 299
في عقر ديارهم إلّا ذلوا وايم اللَّه ما أراكم تفعلون حتى يفعلوا ولوددت أني لقيتهم على نيتي وبصيرتي فاسترحت من مقاساتكم فما أنتم إلّا كإبل جمة ضلت راعيها(1) فكلّما ضمت من جانب انتشرت من جانب آخر واللَّه لكأني بكم لو حمس الوغى وأحم البأس(2) قد انفرجتم عن علي بن أبي طالب انفراج الرأس وانفراج المرأة عن قبلها»(3).
فقام إليه الأشعث بن قيس الكندي فقال له: يا أميرالمؤمنين فهلا فعلت كما فعل ابن عفان(4) فقال عليه السلام له: يا عرف النار(5) ويلك إن فعل ابن عفان لمخزاة على من
ص: 300
لا دين له ولا حجّة معه فكيف وأنا على بينة من ربي والحق في يدي واللَّه إن امرأ يمكن عدوه من نفسه يخذع لحمه ويهشم عظمه ويفري(1) جلده ويسفك دمه لضعيف ما ضمت عليه جوانح صدره(2) أنت فكن كذلك إن أحببت فأمّا أنا فدون أن أعطي ذلك ضرب بالمشرفي(3) يطير منه فراش الهام وتطيح منه الأكف والمعاصم(4) ويفعل اللَّه بعد ما يشاء».
فقام أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد صاحب منزل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقال: أيها الناس إن أميرالمؤمنين قد أسمع من كانت له أذن واعية وقلب حفيظ إن اللَّه قد أكرمكم بكرامة لم تقبلوها حق قبولها إنه ترك بين أظهركم ابن عم نبيكم وسيد المسلمين من بعده يفقهكم في الدين ويدعوكم إلى جهاد المحلين فكأنكم صم لا تسمعون أو على قلوبكم غلف مطبوع عليها فأنتم لا تعقلون أ فلا تستحيون عباد اللَّه أ ليس إنما عهدكم بالجور والعدوان أمس قد شمل البلاء وشاع في البلاد فذو حق محروم وملطوم وجهه وموطوء بطنه وملقى بالعراء تسفى عليه الأعاصير(5)
ص: 301
لا يكنه من الحر والقر وصهر الشمس والضح(1) إلّا الأثواب الهامدة(2) وبيوت الشعر البالية حتى جاءكم اللَّه(3) بأمير المؤمنين عليه السلام فصدع بالحق ونشر العدل وعمل بما في الكتاب يا قوم فاشكروا نعمة اللَّه عليكم ولا تولوا مدبرين «وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ»(4) اشحذوا السيوف واستعدوا لجهاد عدوكم فإذا دعيتم فأجيبوا وإذا أمرتم فاسمعوا وأطيعوا وما قلتم فليكن وما أمرتم فكونوا بذلك من الصادقين(5).
ص: 302
بسم الله الرحمن الرحیم
الْحَمْدُ للَّهِ ِ وَإِنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفَادِحِ وَالْحَدَثِ الْجَلِيلِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وحده لا شَرِيكَ لَهُ لَيْسَ مَعَهُ إِلَهٌ غَيْرُهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وآله.
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَعْصِيَةَ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ الْعَالِمِ الْمُجَرِّبِ تُورِثُ الْحَيْرَةَ وَتُعْقِبُ النَّدَامَةَ وَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هَذِهِ الْحُكُومَةِ أَمْرِي وَنَخَلْتُ لَكُمْ مَخْزُونَ رَأْيِي لَوْ كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ الْجُفَاةِ وَالْمُنَابِذِينَ الْعُصَاةِ حَتَّى ارْتَابَ النَّاصِحُ بِنُصْحِهِ وَضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِهِ فَكُنْتُ أَنَا وَإِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ:
أَمَرْتُكُمْ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى * فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلّا ضُحَى الْغَدِ
إنّما قال عليه السلام ذلك، لأنّه يجب حمده تعالى على كلّ حال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ أَمْرٌ يَسُرُّهُ قَالَ الْحَمْدُ للَّهِ ِ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ وَإِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ أَمْرٌ يَغْتَمُّ بِهِ قَالَ الْحَمْدُ للَّهِ ِ عَلَى كُلِّ حَالٍ»(1).
ص: 303
قال سبيع لأهل اليمامة: يا بني حنيفة، بُعداً كما بعدت عاد وثمود، أما واللَّه أنبأتكم بالأمر قبل وقوعه كأنّي أسمع جرسه وأبصر غيبه ولكنّكم أبيتم النصيحة فاجتنيتم الندم، وأصبحتم وفي أيديكم من تكذيبي التصديق ومن تهمتي الندامة، وأصبح في يدي من هلاككم البكاء ومن ذلّكم الجزع، وأصبح ما فات غير مردود وما بقي غير مأمون. وإنّي لمّا رأيتكم تتّهمون النصيح وتسفّهون الحليم استشعرت منكم اليأس وخفت عليكم البلاء(1).
وفي الطبري - في قصّة خروج ابن الأشعث على الحجّاج - كتب المهلب إلى الحجاج : إنّ أهل العراق قد أقبلوا إليك وهم مثل السيل المنحدر من علّ، ليس يردّه شي ء حتّى ينتهي إلى قراره وانّ لأهل العراق شرّة في أوّل مخرجهم، وصبابة إلى أبنائهم ونسائهم، فليس شي ء يردّهم حتّى يسقطوا إلى أهليهم، ويشمّوا أولادهم، ثمّ واقفهم عندها.
فلمّا قرأ كتابه قال: فعل اللَّه به وفعل، لا واللَّه ما لي نظر، ولكن لابن عمّه نصح.
وعزم على استقبال ابن الأشعث، فسار بأهل الشام حتّى نزل تستر، وقدّم بين يديه مطهر بن الحر العكي، وعبداللَّه بن رميثة الطائي، فجاؤوا حتّى انتهوا إلى دجيل، وقد قطع ابن الأشعث خيلاً له عليها عبداللَّه بن أمان الحارثي في ثلاثمائة
ص: 304
فارس، وكانت مسلحة له وللجند، فلمّا انتهى إليه مطهر أمر ابن رميثة فأقدم عليهم فهزمت خيله حتّى انتهت إليه، وجرح أصحابه، وأقحم أصحاب ابن الأشعث خيولهم دجيل، وهزموا العكي والطائي في يوم الأضحى سنة (81) وقتلوهم قتلاً ذريعاً وأتت الحجّاج الهزيمة وهو يخطب، فقال: ارتحلوا إلى البصرة. وحين صدم تلك الصدمة دعا بكتاب المهلب فقرأه، ثمّ قال: للَّه أبوه أي صاحب حرب هو أشار علينا بالرأي ولكنّا لم نقبل(1).
لما حصلت الحسرة والندامة.
وقصير هذا هو قصير بن سعد مولى جزيمة الأبرش من ملوك العرب.
روى انّ جذيمة قتل أبا الزبا ملكة الجزيرة، فبعث إليه عن حين ليتزوج بها خدعة وسألته القدوم عليها فأجابها إلى ذلك وخرج في ألف فارس وخلف باقي جنوده مع ابن أخته عمرو بن عدي، وأشار قصير إلى جزيمة لا يتوجّه إليها فلم يقبل رأيه فلمّا قرب جزيمة من الجزيرة استقبله جنود الزباء بالعدّة ولم ير منهم إكراماً له فأشار قصير إليه بالرجوع عنها وقال: إنّها امرأة ومن شأن النساء الغدر فلم يقبل فلما دخل عليها غدرت به وقتلته فعند ذلك قال قصير: لا يطاع لقصير أمر فيضرب به المثل لكل ناصح عصي وهو مصيب في رأيه(2).
ص: 305
«لو كان يطاع لقصير أمر» مثل تمثّل عليه السلام به، والأصل فيه كما في الطبري: أنّ جذيمة الأبرش - وكان من أفضل ملوك العرب رأيا، وأبعدهم مغارا، وأشدّهم نكاية وكان أوّل من استجمع له الملك بأرض العراق، وكان به برص، فهابت العرب أن تنسبه إليه إعظاماً له، فقال: جذيمة الوضاح، وجذيمة الأبرش.
وكانت منازله بين الحيرة والأنبار، وبقة وهيت وناحيتها، وعين التمر وأطراف البر إلى الغمير، والقطقطانة وخفية وما والاها - غيرا عمرو بن ظرب ملك الشام، فقتله، فملك بعده ابنته الزباء، فأجمعت لغزو جذيمة تطلب بثار أبيها، فقالت لها أختها - وكانت ذات رأي دهاء: إن ظفرت أصبت ثارك، وإن قتلت ذهب ملكك، ولا تدرين لمن تكون العاقبة فانصرفت عن هذا الرأي، فأتت أمرها من وجوه الخدع والمكر، فكتبت إلى جذيمة تدعوه إلى نفسها وملكها، وأن يصل بلاده ببلادها، وأنّها لم تجد ملك النساء إلّا إلى قبيح في السماع، وضعف في السلطان، وأنّها لم تجد لنفسها كفواً غيره، فأقبل إليّ فأجمع ملكي إلى ملكك، وصل بلادي ببلادك، وتقلّد أمري مع أمرك.
فلمّا انتهى كتابها إلى جذيمة استخفه ما دعته إليه، ورغب في ما أطمعته فيه، وجمع إليه أهل النهي من ثقاته، وهو بالبقة من شاطئ الفرات، فعرض عليهم ما دعته إليه فصوبوا ذلك كلّهم إلّا قصيراً - وهو قصير بن سعد بن عمرو بن جذيمة بن قيس بن ربي بن نمارة بن لخم - وقال: «رأي فاتر وغدر حاضر» فذهبت مثلاً.
فنازعوه الرأي فقال: «إنّي لأرى أمراً ليس بالخسا ولا الزكا» فذهبت مثلاً.
وقال لجذيمة: اكتب إليها، فإن كانت صادقة فلتقبل إليك، وإلّا لم تمكنها من نفسك وقد قتلت أباها، فلم يوافق جذيمة رأي قصير، فقال قصير:
ص: 306
إنّي امرؤ لا يميل العجز ترويتي * إذا أتت دون شي ء مرة الوذم
فقال جذيمة: «ولكنّك امرؤ رأيك في الكن لا في الضح» فذهبت مثلاً.
فدعا جزيمة ابن اخته عمرو بن عدي، فاستشاره فشجّعه على المسير، وقال: إنّ نمارة قومي مع الزباء، ولو قدروا لصاروا معك. فأطاعه وعصى قصيراً، فقال قصير: «لا يطاع لقصير أمر». فاستخلف على ملكه عمرو بن عدي، وسار في وجوه من أصحابه، فأخذ على الفرات من الجانب الغربي، فلمّا نزل الفرضة دعا قصيراً، فقال: ما الرأي؟ قال: «ببقة تركت الرأي» فذهبت مثلاً.
واستقبلته رسل الزباء بالهدايا والألطاف، فقال: يا قصير كيف ترى؟ قال: «خطر يسير في خطب كبير» فذهبت مثلا.
وقال له: ستلقاك الخيول، فإن سارت أمامك فإن المرأة صادقة، وإن أخذت جنبيك وأحاطت بك من خلفك فانّ القوم غادرون، فاركب العصا - وكانت عصا فرساً لجذيمة لا تجارى - فإنّي راكبها ومسايرك عليها. فلقيته الخيول والكتائب، فحالت بينه وبين العصا، فركبها قصير، ونظر إليه جذيمة موليا على متنها، فقال: «ويل امه حزما على ظهر العصا» فذهبت مثلا.
فقال: «يا ضل ما تجري به العصا».
وجرت به إلى غروب الشمس ثمّ نفقت وقد قطعت أرضاً بعيدة فبنى عليها برجا يقال له: برج العصا. وسار جذيمة وقدأحاطت به الخيول حتّى دخل على الزباء، فلمّا رأته تكشفت، فإذا هي مضفورة الأسب، فقالت: يا جذيمة «أ دأب عروس ترى» فذهبت مثلاً. وقالت: إنّي انبئت أن دماء الملوك شفاء من الكلب.
ثمّ أجلسته على نطع، وأمرت بطست من ذهب فأعدته له وسقته من الخمر
ص: 307
حتّى أخذت مأخذها منه، وأمرت براهشيه فقطعا، وقد قيل لها: إن قطر من دمه شي ء في غير السطت طلب بدمه. وكانت الملوك لا تقتل بضرب العنق إلّا في القتال تكرمة للملك.
فلمّا ضعفت يداه سقطتا فقطر من دمه، فقالت: لا تضيعوا دم الملك. فقال: «دعوا دما ضيعه أهله» فذهبت مثلا.
فهلك جذيمة واستنشفت الزباء دمه، فجعلته في برس قطن في ربعة لها. وخرج قصير من الحي الذي هلكت العصا بين أظهرهم، حتّى قدم على عمرو بن عدي بالحيرة، فقال له: «أداثر أم ثائر» قال: «ثائر سائر» فذهبت مثلا.
فقال له قصير: «تهيّأ ولا تطل دم خالك».
قال: وكيف لي بها وهي «امنع من عقاب الجو» فذهبت مثلاً.
وكانت اتّخذت نفقا من مجلسها الذي كانت تجلس فيه إلى حصن لها داخل مدينتها، وقالت ان فجأني أمر دخلت النفق إلى حصني. فقال له قصير: اجدع أنفي واضرب ظهري، ودعني وإيّاها.
فقال عمرو: ما أنا بفاعل ذلك وما أنت بذلك بمستحقّ منّي. فقال قصير: «خلّ عنّي إذن وخلاك ذم» فذهبت مثلا.
فقال له عمرو: فأنت أبصر. فجدع قصير أنفه وأثر بظهره، فقالت العرب: «لمكر ما جدع قصير أنفه».
ثمّ خرج كأنّه هارب، وأظهر أن عمرا فعل به ذلك، وأنّه يزعم أنّه مكر بخاله جذيمة، وغرّه من الزبا.
فسار حتّى قدم على الزباء فقيل لها: إنّ قصيراً بالباب. فأمرت به فادخل عليها
ص: 308
فاذا أنفه قد جدع، وظهره قد ضرب، فقالت: ما الذي أرى بك يا قصير؟ فقال: زعم عمرو بن عدي أنّي غررت خاله، وزيّنت له المسير إليك وغششته ومالأتك عليه، ففعل بي ماترين، فأقبلت إليك وعرفت أنّى لا أكون مع أحد هو أثقل عليه منك. فأكرمته، وأصابت عنده بعض ما أرادت من الرأي والمعرفة بأُمور الملوك. فلمّا عرف أنّها قد ثقّت به قال: إنّ لي بالعراق أموالاً كثيرة، وبها طرائف وثياب وعطر، فابعثيني إلى العراق لأحمل مالي، وأحمل إليك من بزوزهاو وطرائف ثيابها، وصنوف ما يكون بها من الأمتعة والطيب والتجارات، فتصيبين في ذلك أرباحاً عظاما، وبعض ما لا غنى بالملوك عنه. فلم يزل يزيّن لها ذلك حتّى سرحته ودفعت معه عيرا، وقالت له: بع ما جهّزناك به، وابتع لنا من طرائف ما يكون بها. فسار قصير حتّى قدم العراق وأتى الحيرة متنكرا، فدخل على عمرو بن عدي فأخبره بالخبر، وقال: جهّزني بالبز والطرف والأمتعة، لعلّ اللَّه يمكن منها فتصيب ثأرك. فجهّزه بصنوف الثياب وغيرها، فرجع بذلك كلّه إلى الزباء فأعجبها ما رأت، وازدادت به ثقة. ثمّ جهّزته بعد ذلك بأكثر ممّا في المرّة الأُولى، فسار حتّى قدم العراق، ولقي عمرو بن عدي، وحمل من عنده ما ظنّ أنّه موافق لها، ولم يدع طرفة قدر عليها إلّا حملها، ثمّ عاد الثالثة، وقال لعمرو: اجمع لي ثقات أصحابك وجندك، وهيّئ لهم الغرائر والمسوح - وقصير أوّل من عمل الغرائر - واحمل كلّ رجلين على بعير في غرارتين، واجعل معقد رؤوس الغرائر من باطنها، فإذا دخلوا مدينة الزباء أقمتك على باب نفقها، وأخرجت الرجال من الغرائر فصاحوا بأهل المدينة، فمن قاتلهم قتلوه، وإن أقبلت الزباء تريد النفق جللتها بالسيف. ففعل عمرو ما قال، ثمّ وجّه إلى الزبا العير عليها الرجال وأسلحتهم، فلمّا كانوا قريباً من
ص: 309
مدينتها تقدّم قصير إليها، فبشّرها واعلمها كثرة ما حمل إليها من الثياب والطرائف، وسألها أن تخرج فتنظر إلى قطارات تلك الإبل، وقال لها: «إنّي جئت بما صاء وصمت» فذهبت مثلا.
وكان قصير يكمن النهار ويسير الليل، وهو أوّل من فعل ذلك فخرجت، فأبصرت الإبل تكاد قوائمها تسوخ في الأرض من ثقل أحمالها، فقالت: يا قصير:
ما للجمال مشيها وئيدا * أجندلا يحملن أم حديدا
أم صرفانا بارداً شديدا * أم الرجال جثما قعودا
فدخلت الإبل المدينة حتّى كان آخرها، نخس بواب نبطي بمنخسته الغرائر التي تليه، فأصابت خاصرة الرجل الذي فيها، فضرط، فقال: «بشقا بسقا» - يعني في الجوالق شر - فذهبت مثلا.
فلمّا توسّطت الإبل المدينة انيخت، ودلّ قصير عمرا على باب النفق، وخرجت الرجال من الغرائر، وصاحوا بأهل المدينة، ووضعوا فيهم السيف وقام عمرو على باب النفق، وأقبلت الزباء مولّية مبادرة لتدخل النفق فأبصرت عمرا قائماً - وكان المصوّرون صوّروا لها صورته قبل، لأن كاهنتها أخبرتها أنّه قاتلها - فمصّت خاتمها، وكان فيه سم وقالت: «بيدي لا بيدك يا عمرو» فذهبت مثلا.
وتلقّاها عمرو، فجلّلها بالسيف فقتلها.
والمثل بعدم إطاعة أمر قصير كما تمثّل عليه السلام به معروف، قال نهشل بن حري التميمي:
ومولى عصاني واستبدّ برأيه * كما لم يطع بالبقتين قصير
فلمّا تيقّن غبّ أمري وأمره * وولّت بأعجاز الأُمور صدور
ص: 310
تمنّى بئيسا أن يكون أطاعني * وقد حدثت بعد الأُمور أُمور(1)
في قضايا أبي السرايا في خروج علي بن محمّد بن جعفر أيّام المأمون وقتاله مع عسكر المأمون وعليهم هرثمة بن أعين - ان هرثمة صاح: يا أهل الكوفة عَلامَ تسفكون دماءنا ودماءكم إن كان قتالكم كراهيّة لإمامنا فهذا منصور بن المهدي رضا لنا ولكم نبايعه، وإن أحببتم إخراج الأمر من ولد العبّاس فانصبّوا إمامكم، واتّفقوا معنا ليوم الإثنين نتناظر فيه ولا قتلونا وأنفسكم.
فأمسك أهل الكوفة أصحاب أبي السرايا عن الحملة، فناداهم أبو السرايا: ويحكم إنّ هذه حيلة من هؤلاء لما أيقنوا بالهلاك، فاحملوا عليهم، فامتنعوا وقالوا: لا يحلّ لنا قتالهم، وقد أجابوا.
فغضب أبو السرايا، ولمّا كان يوم الجمعة خطب وقال: يا أهل الكوفة يا قتلة علي عليه السلام ويا خذلة الحسين عليه السلام إنّ المغتر بكم لمغرور، وإنّ المعتمد على نصركم لمخذول، وإنّ الذليل لمن أعززتموه، واللَّه ما خمد عليّ عليه السلام أمركم في حمده، ولا رضى مذهبكم في رضاه، ولقد حكمكم فحكمتم عليه، وائتمنكم فخنتم أمانته، ووثق بكم فحلتم عن ثقته، ثمّ لم تنفكّوا عليه مختلفين، ولطاعته ناكثين، إن قام قعدتم، وإن قعد قمتم، وإن تقدّم تأخّرتم، وإن تأخّر تقدّمتم خلافاً عليه، وعصياناً لأمره، حتّى سبقت فيكم دعوته، وخذلكم اللَّه بخذلانكم إيّاه، أي عذر لكم في الهرب عن عدوّكم، والنكول عمّن لقيتم وقد عبّروا خندقكم، وعلوا قبائلكم،
ص: 311
ينتهبون أموالكم ويستباحون حريمكم هيهات لا عذر لكم إلّا العجز والمهانة والرضا بالصغار والذلّة، إنّما أنتم كفي ء الظل، وتهزمكم الطبول بأصواتها، ويملأ قلوبكم الخرق بسوادها. أما واللَّه لأستبدلنّ بكم قوماً يعرفون اللَّه حقّ معرفته، ويحفظون محمّداًصلى الله عليه وآله في عترته. قال:
ومارست أقطار البلاد فلم أجد * لكم شبها في ما وطئت من الأرض
خلافاً وجهلاً وانتشار عزيمة * ووهنا وعجزا في الشدائد والخفض
لقد سبقت فيكم إلى الحشر دعوة * فلا فيكم راض ولا فيكم مرضي
سأبعد داري عن قلى من دياركم * فذوقوا إذا ولّيت عاقبة النقض(1)
أخو هوازن صاحب الشعر هو دريد بن الصمة وقبله:
نصحت لعارض وأصحاب عارض * ورهط بني السوداء والقوم شهدي
فقلت لهم ظنّوا بألفي مدجج * سراتهم في الفارسي المسرد
وبعده:
فلمّا عصوني كنت منهم وقد أرى * غوايتهم وأنّني غير مهتد
وهل (ما) أنا إلّا من غزية إن غوت * غويت وإن ترشد غزية أرشد(2)
ص: 312
وقصّة دريد في هذه القصيدة: أنّ أخاه عبداللَّه بن الصمة غزا بني بكر بن هوازن فغنم منهم واستاق إبلهم فلما كان بمنعرج اللوى قال: واللَّه لا أبرح حتى أنحر النقيعة وهي ما ينحر من النهب قبل القسمة فقال أخوه: لا تفعل فإن القوم في طلبك وأبى عليه وأقام ونحر النقيعة وبات فلمّا أصبح هجم القوم عليه وطعن عبداللَّه بن الصمة فاستغاث بأخيه دريد فنهنه عنه القوم حتى طعن هو أيضا وصرع وقتل عبداللَّه وحال الليل بين القوم فنجا دريد بعد طعنات وجراح فأنشد القصيدة(1).
وعن نصر بن مزاحم في كتاب الصفين أنّه بعد روايته هذه الخطبة مثل ما رواه السيّد زاد في آخرها:
ألا إنّ هذين الرجلين اللذين اخترتموهما قد نبذا حكم الكتاب، وأحييا ما أمات واتبع كل واحد منهما هواه وحكم بغير حجة ولا بينة ولا سنة ماضية واختلفا فيما حكما فكلاهما لم يرشد اللَّه، فاستعدوا للجهاد وتأهبوا للمسير وأصبحوا في معسكركم يوم كذا(2).
قال ابن الأثير في كامله انّه لمّا عاد عليّ عليه السلام من البصرة بعد فراغه من الجمل قصد الكوفة وأرسل إلى جرير بن عبداللَّه البجلي وكان عاملاً على همدان استعمله عثمان وإلى الأشعث بن قيس وكان على آذربايجان استعمله عثمان أيضاً يأمرهما بأخذ البيعة والحضور عنده فلمّا حضرا عنده أراد عليّ عليه السلام أن يرسل
ص: 313
رسولاً إلى معاوية قال جرير: أرسلني إليه فانّه لي ودّ فقال الأشتر: لا تفعل فانّ هواه مع معاوية فقال عليّ: دعه حتّى ننظر ما الذي يرجع إلينا به فبعثه وكتب معه كتاباً إلى معاوية يعلمه فيه باجتماع المهاجرين والأنصار على بيعته ونكث طلحة والزبير وحربه إيّاهما ويدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه المهاجرون والأنصار من طاعته.
فسار جرير إلى معاوية فلمّا قدم عليه ماطله واستنظره واستشار عمروا فأشار عليه أن يجمع أهل الشام ويلزم عليّاً دم عثمان ويقاتله بهم ففعل معاوية ذلك وكان اهل الشام لما قدم عليهم النعمان بن بشير بقميص عثمان الذي قتل فيه مخضوباً بالدم باصابع زوجته نائلة اصبعان منها وشي ء من الكفّ واصبعان مقطوعتان من أُصولهما ونصف الإبهام، وضع معاوية القميص على المنبر وجمع الاجناد إليه فبكوا على القميص مدّة وهو على المنبر والأصابع معلّقة فيه واقسم رجال من أهل الشام أن لا يمسّهم الماء إلّا للغسل من الجنابة وأن لايناموا على الفراش حتّى يقتلوا قتلة عثمان ومن قام دونهم قتلوه فلمّا عاد جرير إلى أميرالمؤمنين عليه السلام وأخبره خبر معاوية واجتماع أهل الشام معه على قتاله وأنّهم يبكون على عثمان ويقولون انّ عليّاً قتله وآوى قتلته وانّهم لا ينتهون عنه حتّى يقتلهم أو يقتلوه قال الأشتر لعليّ: قد كنت نهيتك أن ترسل جريراً وأخبرتك بعداوته وغشّه ولو كنت أرسلتني لكان خيراً من هذا الذي أقام عنده حتّى لم يدع باباً يرجو فتحه إلّا فتحه ولا بابا يخاف منه إلّا أغلقه.
فقال جرير: لو كنت ثمّ لقتلوك لقد ذكروا انّك من قتلة عثمان، فقال الأشتر: واللَّه لو اتيتهم لم يعييني جوابهم ولحملت معاوية على خطته اعجله فيها عن الفكر ولو
ص: 314
أطاعني فيك أميرالمؤمنين لحبستك وأشباهك حتّى يستقيم هذا الأمر فخرج جرير إلى قرقيسا وكتب إلى معاوية فكتب إليه معاوية يأمره بالقدوم عليه(1).
وقيل كان الذي حمل معاوية على رد جرير البجلي غير مقضي الحاجة شرحبيل بن السمط الكندي.
وكان سبب ذلك إنّ شرحبيل كان قد سيّره عمر بن الخطاب إلى العراق إلى سعد بن أبي وقّاص وكان معه فقدمه سعد وقرّبه فحسده الأشعث بن قيس الكندي لمنافسة بينهما فوفد جرير البجلي على عمر فقال له الأشعث: إن قدرت أن تنال شرحبيل عند عمر فافعل فلمّا قدم على عمر سأله عمر عن الناس فأحسن الثناء على سعد قال وقد قال شعرا:
ألا ليتني والمرء سعد بن مالك * وزبرا وابن السمط في لجّة البحر
فيغرق أصحابي وأخرج سالما * على ظهر قرقور أنادي أبا بكر
فيكتب عمر إلى سعد يأمره بارساله زبرا وشرحبيلا إليه فأرسلهما فأمسك زبرا بالمدينة وسير شرحبيلا إلى الشام فشرف وتقدم وكان أبوه السمط من غزة الشام فلمّا قدم جرير بكتاب علي إلى معاوية في البيعة انتظر معاوية قدوم شرحبيل فلمّا قدم عليه أخبره معاوية بما قدم فيه جرير فقال كان أميرالمؤمنين عثمان خليفتنا فإن قويت على الطلب بدمه وإلّا فاعتزلنا فانصرف جرير فقال النجاشي:
شرحبيل ما للدين فارقت أمرنا * ولكن لبغض المالكي جرير
وقولك ما قد قلت عن أمر أشعث * فأصبحت كالحادي بغير بعير
(جرير بن عبداللَّه بن جابر بن مالك فنسب إلى جدّه مالك).
ص: 315
وخرج علي فعسكر بالنخيلة وتخلّف عنه نفر من أهل الكوفة منهم:
مرّة الهمداني ومسروق أخذا أعطياتهما وقصدا قزوين فأمّا مسروق فانّه كان يستغفر اللَّه من تخلّفه عن عليّ بصفّين وقدم عليه عبداللَّه بن عبّاس فيمن معه من أهل البصرة وبلغ ذلك معاوية فاستشار عمرا فقال أما إذا سار علي فسر إليه بنفسك ولا تغب عنه برأيك ومكيدتك فتجهّز معاوية وتجهّز الناس وحضهم عمرو وضعف عليا وأصحابه وقال: إن أهل العراق قد فرقوا جمعهم ووهنوا شوكتهم وفلوا حدّهم وأهل البصرة مخالفون لعليّ بمن قتل منهم وقد تفانت صناديدهم وصناديد أهل الكوفة يوم الجمل وإنّما سار علي في شرذمة قليلة وقد قتل خليفتكم واللَّه اللَّه في حقّكم إن تضيعوه وفي دمكم إن تطلبوه وكتب معاوية إلى أهل الشام وعقد لواء لعمرو ولواء لابنيه عبداللَّه ومحمّد ولواء لغلامه وردان وعقد علي لواء لغلامه قنبر(1).
فقال عمرو:
هل يغنين وردان عني قنبرا * أو تغني السكون عني حميرا
فبلغ ذلك عليّاً فقال:
لأصبحنّ العاصي ابن العاصي * سبعين ألفاً عاقدي النواصي
مجنبين الخيل بالقلاص * مستحقبين حاق الدلاص
فلمّا سمع معاوية ذلك قال: ما أرى عليّاً إلّا وقد وفي ذلك وسار معاوية وتأني في مسيره فلمّا رأى ذلك الوليد بن عقبة بعث إليه يقول:
ألا أبلغ معاوية بن حرب * فإنّك من أخي ثقة مليم
ص: 316
قطعت الدهر كالسدم المعني * تهدر في دمشق فما تريم
وإنّك والكتاب إلى علي * كدابغة وقد حلم الأديم
يمنيك الامارة كلّ ركب * لانقاض العراق بها رسيم
وليس أخو الترات بمن تواني * ولكن طالب الترة الغشوم
ولو كنت القتيل وكان حيا * لجرد لا ألف ولا غشوم
ولا نكل عن الأتار حتّى * يبي ء بها ولا برم جثوم
وقومك بالمدينة قد أبيروا * فهم صرعى كأنّهم الهشيم
فكتب إليه معاوية:
ومستعجب ما يرى من أناتنا * ولو زينته الحرب لم يترمرم
وبعث علي زياد بن النضر الحارثي طليعة في ثمانية آلاف وبعث مع شريح بن هانئ أربعة آلاف وسار علي من النخيلة وأخذ معه من بالمدائن من المقاتلة وولى علي المدائن سعد بن مسعود عمّ المختار بن أبي عبيد الثقفي لما سار علي كان معه نابغة بني جعدة فحدا به يوماً فقال:
قد علم المصران والعراق * أنّ عليّاً فحلها العتاق
أبيض جحجاح له رواق * إن الأولي جاروك لا أفاقوا
لكم سباق ولهم سباق * قد علمت ذلكم الرفاق
ووجه علي من المدائن معقل بن قيس في ثلاثة ألف وأمره أن يأخذ على الموصل حتّى يوافيه على الرقّة فلمّا وصل إلى الرقّة قال لأهلها ليعملوا له جسراً يعبر عليه إلى الشام فأبوا وكانوا قد ضمّوا سفنهم إليهم فنهض من عندهم ليعبر على جسر منبج وخلف عليهم الأشتر فناداهم الأشتر وقال أقسم اللَّه لئن لم تعملوا
ص: 317
جسراً يعبر عليه أميرالمؤمنين لأجردن فيكم السيف ولأقتلنّ الرجال ولآخذنّ الأموال فلقي بعضهم بعضا وقالوا انّه الأشتر وإنّه قمن أن يفي لكم بما حلف عليه أو يأتي بأكثر منه فنصبوا له جسراً وعبر عليه علي وأصحابه وازدحموا عليه فسقطت قلنسوة عبداللَّه بن أبي الحصين الأزدي فنزل فأخذها ثمّ ركب وسقطت قلنسوة عبداللَّه بن الحجّاج الأزدي فنزل فأخذها ثمّ قال لصاحبه:
فان يك ظنّ الزاجري الطير صادقا * كما زعموا أقتل وشيكا ويقتل
فقال ابن أبي الحصين ما شي ء أحبّ إليّ ممّا ذكرت فقتلا جميعاً بصفّين(1).
ولمّا بلغ عليّ الفرات دعا زياد بن النضر الحارثي وشريح بن هانئ فسرحهما أمامه في اثني عشر ألفاً نحو معاوية على حالهما التي خرجا عليها من الكوفة وكان سبب عودهما إليه أنّهما حيث سيّرهما علي من الكوفة أخذا على شاطئ الفرات ممّا يلي البر فلمّا بلغا عانات بلغهما أنّ معاوية قد أقبل في جنود الشام فقالا: لا واللَّه ما هذا لنا برأي نسير وبيننا وبين المسلمين وأميرالمؤمنين هذا البحر وما لنا خير في أن نلقي جنود الشام لقلّة من معنا فذهبوا ليعبروا من عانات فمنعهم أهلها فرجعوا فعبروا من هيت فلحقوا علياً دون قرقيسيا فلمّا لحقوا عليّاً قال مقدمتي تأتيني من ورائي فأخبره شريح وزياد بما كان فقال سددتما فلمّا عبر الفرات سيرهما أمامه فلمّا انتهيا إلى سور الروم لقيهما أبو الأعور السلمي في جند من أهل الشام فأرسلا إلى عليّ فأعلماه فأرسل علي إلى الأشتر وأمره بالسرعة وقال له: إذا قدمت فأنت عليهم وإيّاك أن تبدأ القوم بقتال إلّا أن يبدؤوك حتّى تلقاهم فتدعوهم وتسمع منهم ولا يحملك بغضهم على قتالهم قبل دعائهم
ص: 318
والإعذار إليهم مرّة بعد مرّة واجعل على ميمنتك زيادا وعلى ميسرتك شريحا ولا تدن منهم دنو من يريد أن ينشبّ الحرب ولا تباعد منهم تباعد من يهاب البأس حتّى أقدم عليك فإنّي حثيث المسير في أثرك إن شاء اللَّه تعالى. وكتب علي إلى شريح وزياد بذلك وأمرهما بطاعة الأشتر.
فسار الأشتر حتّى [إذا] قدم عليهم واتبع ما أمره وكفّ عن القتال ولم يزالوا متوافقين حتّى كان عند المساء حمل عليهم أبو الأعور السلمي فثبتوا له واضطربوا ساعة ثمّ انصرف أهل الشام وخرج إليهم من الغد هاشم بن عتبة المرقال وخرج إليه أبو الأعور فاقتتلوا يومهم وصبر بعضهم لبعض ثمّ انصرفوا وحمل عليهم الأشتر وقال أروني أبا الأعور وتراجعوا ووقف أبو الأعور وراء المكان الذي كان فيه أوّل مرّة وجاء الأشتر فصفّ أصحابه بمكان أبي الأعور بالأمس فقال الأشتر لسنان بن مالك النخعي: انطلق إلى أبي الأعور فادعه إلى البراز فقال: إلى مبارزتي أو مبارزتك؟ فقال الأشتر:
لو أمرتك بمبارزته لفعلت؟ قال: نعم واللَّه لو أمرتني أن أعترض صفّهم بسيفي لفعلت فدعا له وقال إنّما تدعوه لمبارزتي. فخرج إليهم فقال أمنوني فإنّي رسول فأمنوه فانتهى إلى أبي الأعور وقال له إنّ الأشتر يدعوك إلى أن تبارزه فسكت طويلاً ثمّ قال إن خفّة الأشتر وسوء رأيه حملاه على إجلاء عمال عثمان عن العراق وتقبيح محاسنه وعلى أن سار إليه في داره حتّى قتله فأصبح متعبا بدمه لا حاجة لي في مبارزته قال له الرسول: قد قلت فاسمع منّي أجبك قال: لا حاجة لي في جوابك اذهب عنّي فصاح به أصحابه فانصرف عنه ورجع إلى الأشتر فأخبره فقال لنفسه نظر فوقفوا حتّى حجز الليل بينهم وعاد الشاميون من الليل.
ص: 319
وأصبح على غدوة عند الأشتر وتقدّم الأشتر ومن معه فانتهى إلى معاوية فواقفه ولحق بهم علي فتواقفوا طويلا.
ثمّ أنّ عليّاً طلب لعسكره موضعاً ينزل فيه وكان معاوية قد سبق فنزل منزلاً اختاره بسيطا واسعاً أفيح وأخذ شريعة الفرات وليس في ذلك الصقع شريعة غيرها وجعلها في حيزة وبعث عليها أبا الأعور السلمي يحميها ويمنعها فطلب أصحاب علي شريعة غيرها فلم يجدوا فأتوا عليا فأخبروه بفعلهم وبعطش الناس فدعا صعصعة بن صوحان فأرسله إلى معاوية يقول له إنا سرنا مسيرنا هذا ونحن نكره قتالكم قبل الإعذار إليكم فقدمت إلينا خيلك ورجالك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك ونحن من رأينا الكف حتّى ندعوك ونحتجّ عليك وهذه أخرى قد فعلتموها منعتم الناس عن الماء والناس غير منتهين فابعث إلى أصحابك فليخلوا بين الناس وبين الماء وليكفوا لننظر فيما بيننا وبينكم وفيما قدمنا له فان أردت أن نترك ما جئنا له ونقتتل على الماء حتّى يكون الغالب هو الشارب فعلنا(1).
فقال معاوية لأصحابه: ما ترون؟ فقال الوليد بن عقبة وعبداللَّه بن سعد امنعهم الماء كما منعوه ابن عفّان اقتلهم عطشا قتلهم اللَّه فقال عمرو بن العاص خل بين القوم وبين الماء وإنّهم لن يعطشوا وأنت ريان ولكن بغير الماء فانظر فيما بينك وبين اللَّه فأعاد الوليد وعبداللَّه بن سعد (والصحيح بن أبي السرح) مقالتهما وقالا امنعهم الماء إلى الليل فانّهم إن لم يقدروا عليه رجعوا وكان رجوعهم هزيمة امنعهم الماء منعهم اللَّه [إيّاه] يوم القيامة.
قال صعصعة: إنّما يمنعه اللَّه الفجرة وشربة الخمر لعنك اللَّه ولعن هذا الفاسق
ص: 320
يعني الوليد بن عقبة فشتموه وهدّدوه.
وقد قيل إن الوليد وابن أبي سرح لم يشهدا صفين.
فرجع صعصعة فأخبره بما كان وأن معاوية قال سيأتيكم رأيي، فسرب الخيل إلى أبي الأعور ليمنعهم الماء فلمّا سمع علي ذلك قال قاتلوهم على الماء فقال الأشعث بن قيس الكندي أنا أسير إليهم فلمّا دنوا منهم ثاروا في وجوههم فرموهم بالنبل فتراموا ساعة ثمّ تطاعنوا بالرماح ثمّ ساروا إلى السيوف فاقتتلوا ساعة وأرسل معاوية يزيد بن أسد البجلي القسري جد خالد بن عبداللَّه القسري في الخيل إلى أبي الأعور فأقبلوا فأرسل علي شبث بن ربعي الرياحي فازداد القتال فأرسل معاوية عمرو بن العاس في جند كثير فأخذ يمد أبا الأعور ويزيد بن أسد وأرسل علي الأشتر في جمع عظيم وجعل يمدّ الأشعث وشيئا فاشتدّ القتال فقال عبداللَّه بن عوف الأزدي الأحمري:
خلو لنا ماء الفرات الجاري * أو أثبتوا لجحفل الجرار
لكلّ قوم مستميت ثاري(1) * مطاعن برمحه كرار
ضراب هامات العدى مغوار * لم يخش غير الواحد القهّار
وقاتلوهم حتّى خلوا بينهم وبين الماء وصار في أيدي أصحاب عليّ فقالوا: واللَّه لا نسقيه أهل الشام فأرسل علي إلى أصحابه أن خذوا من الماء حاجتكم وخلوا عنهم فانّ اللَّه نصركم ببغيهم وظلمهم ومكث علي يومين لا يرسل إليهم أحداً ولا يأتيه أحد.
ثمّ أنّ عليّاً دعا أبا عمرو وبشير بن عمرو بن محصن الأنصاري وسعيد بن قيس
ص: 321
الهمداني وشبث بن ربعي التميمي فقال لهم ائتوا هذا الرجل وادعوه إلى اللَّه وإلى الطاعة والجماعة فقال له شبث: يا أميرالمؤمنين ألا تطمعه في سلطان توليه إيّاه أو منزلة تكون له بها أثرة عندك إن هو بايعك؟ قال: انطلقوا إليه واحتجّوا عليه وانظروا ما رأيه وهذا في أوّل ذي الحجّة فأتوه فدخلوا عليه فابتدأ بشير بن عمرو الأنصاري فحمد اللَّه وأثنى عليه وقال يا معاوية إنّ الدنيا عنك زائلة وإنّك راجع إلى الآخرة إنّ اللَّه محاسبك بعملك ومجازيك عليه وإنّي أنشدك اللَّه أن لا تفرق جماعة هذه الأُمّة وأن لا تسفك دماءها بينها.
فقطع عليه معاوية الكلام وقال: هلا أوصيت بذلك صاحبك فقال له أبو عمرو إنّ صاحبي ليس مثلك إنّ صاحبي أحقّ البريّة كلّها بهذا الأمر في الفضل والدين والسابقة في الإسلام والقرابة بالرسول قال فماذا يقول؟ قال: يأمرك بتقوى اللَّه وأن تجيب ابن عمّك إلى ما يدعوك إليه من الحق فانّه أسلم لك في دنياك وخير لك في عاقبة أمرك.
قال معاوية ونترك دم ابن عفّان لا واللَّه لا أفعل ذلك أبدا.
قال: فذهب سعيد بن قيس يتكلّم فبادره شبث بن ربعي فحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال: يا معاوية قد فهمت ما رددت على ابن محصن إنّه واللَّه لا يخفى علينا ما تطلب إنّك لم تجد شيئاً تستغوي به الناس وتستميل به أهوائهم وتستخلص به طاعتهم إلّا قولك قتل إمامكم مظلوما فنحن نطلب بدمه فاستجاب لك سفهاء طغام وقد علمنا أنّك أبطأت عنه بالنصر وأحببت له القتل لهذه المنزلة التي أصبحت تطلب ورب متمني أمر وطالبه يحول اللَّه دونه وربما أوتي المتمني أمنيته وفوق أمنيته وواللَّه ما لك في واحدة منهما خير وواللَّه ان أخطأك ما ترجو إنك لشر
ص: 322
العرب حالا ولئن أصبت ما تتمناه لا تصيبه حتّى تستحق من ربك صلى النار فاتق اللَّه يا معاوية ودع ما أنت عليه ولا تنازع الأمر أهله.
قال معاوية: أما بعد فان أوّل ما عرفت به سفهك وخفّة حلمك ان قطعت على هذا الحسيب الشريف سيّد قومه منطقة ثمّ اعترضت بعد فيما لا علم لك به فقد كذبت ولؤمت أيّها الأعرابي الجلف الجاف (الجاني) في كلّ ما ذكرت ووصفت، انصرفوا من عندي فليس بيني وبينكم إلّا السيف وغضب وخرج القوم فقال له شبث بن ربعي أتهول بالسيف أقسم باللَّه لنجعلنها إليك، فأتوا عليّاً فأخبروه بذلك.
فأخذ علي يأمر الرجل ذا الشرف فيخرج ومعه جماعة من أصحابه ويخرج إليه آخر من أصحاب معاوية ومعه جماعة فيقتتلان في خيلهما ثمّ ينصرفان وكرهوا أن يلقوا جمع أهل العراق بجمع أهل الشام لما خافوا أن يكون فيها من الاستئصال والهلاك فكان علي يخرج مرّة الأشتر ومرّة حجر بن عدي الكندي ومرّة شبث بن ربعي ومرّة خالد بن المعمر ومرّة زياد بن النضر الحارثي ومرّة زياد بن خصفة التيمي ومرّة سعيد بن قيس الهمداني ومرّة معقل بن قيس الرياحي ومرّة قيس بن سعد الأنصاريّ وكان الأشتر أكثرهم خروجا وكان معاوية يخرج إليهم عبدالرحمن بن خالد بن الوليد وأبو الأعور السلمي وحبيب بن مسلمة الفهري وابن ذي الكلاع الحميري وعبيداللَّه بن عمر بن الخطّاب وشرحبيل بن السمط الكندي وحمزة بن مالك الهمذاني فاقتتلوا أيّام ذي الحجّة كلّها وربما اقتتلوا في اليوم الواحد مرّتين(1).
ثمّ قال: في هذه السنة (سنة سبع وثلاثين) في المحرم منها جرت موادعة بين
ص: 323
علي ومعاوية توادعا على ترك الحرب بينهما حتّى ينقضي المحرم طمعاً في الصلح واختلفت بينهم الرسل فبعث علي عدي بن حاتم ويزيد بن قيس الأرحبي وشبث بن ربعي وزياد بن خصفة.
فتكلّم عدي بن حاتم فحمد اللَّه وقال: أمّا بعد فانّا أتيناك ندعوك إلى أمر يجمع اللَّه به كلمتنا وأمتنا ونحقن به الدماء ونصلح ذات البين إن ابن عمّك سيّد المسلمين أفضلها سابقة وأحسنها في الإسلام أثرا وقد استجمع له الناس ولم يبقى أحد غيرك وغير من معك فأحذر يا معاوية لا يصيبك وأصحابك مثل يوم الجمل فقال له معاوية كأنّك إنّما جئت متهدّداً ولم تأت مصلحاً هيهات يا عدي كلّا واللَّه إنّي لإبن حرب لا يقعقع له بالشنان وإنّك واللَّه من المجلبين على عثمان وإنّك من قتلته وإنّي لأرجو أن تكون ممّن يقتله اللَّه به.
فقال له شبث وزياد بن خفصة جواباً واحداً: أتيناك فيما يصلحنا وإيّاك فأقبلت تضرب لنا الأمثال دع ما لا ينفع وأجبنا فيما يعمّ نفعه وقال يزيد بن قيس إنّا لم نأت إلاّ لنبلغك ما أرسلنا به إليك ونؤدّي عنك ما سمعنا منك.
ولن ندع أن ننصح لك وأن نذكر ما يكون به الحجّة عليك ويرجع إلى الألفة والجماعة إن صاحبنا من قد عرف المسلمون فضله ولا يخفى عليك فاتّق اللَّه يا معاوية ولا تخالفه فإنا واللَّه ما رأينا في الناس رجلاً قط أعمل بالتقوى ولا أزهد في الدنيا ولا أجمع لخصال الخير كلّها منه.
فقال معاوية: أمّا بعد فإنّكم دعوتم إلى الطاعة والجماعة فأمّا الجماعة التي دعوتم إليها فمعنا هي وأمّا الطاعة لصاحبكم فإنّا لا نراها لأن صاحبكم قتل خليفتنا وفرّق جماعتنا وآوى ثارنا وصاحبكم يزعم أنّه لم يقتله فنحن لا نرد
ص: 324
عليه ذلك فليدفع إلينا قتلة عثمان لنقتلهم ونحن نجيبكم إلى الطاعة والجماعة.
فقال شبث بن ربعي: أسرك يا معاوية أن تقتل عمّاراً فقال وما يمنعني من ذلك لو تمكنت من ابن سميّة لقتلته بمولى عثمان فقال شبث والذي لا إله غيره لا تصل إلى ذلك حتّى تذر الهام عن الكواهل وتضيق الأرض والفضاء عليك فقال معاوية لو كان ذلك لكانت عليك أضيق.
وتفرّق القوم عن معاوية وبعث معاوية إلى زياد بن خصفة فخلا به وقال له يا أخا ربيعة إنّ عليّاً قطع أرحامنا وقتل إمامنا وآوى قتلة صاحبنا وإنّي أسألك النصر عليه بعشيرتك ثمّ لك عهد اللَّه وميثاقه اني اوليك إذا ظهرت أي المصريين أحببت فقال زياد: أما بعد فانّي على بيّنة من ربّي وما أنعم اللَّه عليّ فلن أكون ظهيراً للمجرمين وقام فقال معاوية لعمرو بن العاص ليس نكلّم رجلاً منهم فيجيب إلى خير ما قلوبهم إلّا كقلب واحد.
وبعث معاوية إلى علي حبيب بن مسلمة الفهري وشرحبيل بن السمط ومعن بن يزيد بن الأخنس فدخلوا عليه فحمد اللَّه حبيب وأثنى عليه ثمّ قال أمّا بعد فان عثمان كان خليفة مهديا يعمل بكتاب اللَّه وينيب إلى أمره فاستثقلتم حياته واستبطأتم وفاته فعدوتم عليه فقتلتموه فادفع إلينا قتلة عثمان إن زعمت أنّك لم تقتله [نقتلهم به]، ثمّ اعتزل أمر الناس فيكون أمرهم شورى بينهم يولونه من أجمعوا عليه.
فقال له عليّ عليه السلام: ما أنت لا أم لك والعزل وهذا الأمر؟ اسكت [فإنّك] لست هناك ولا بأهل له.
فقال: واللَّه لتريني بحيث تكره فقال له علي عليه السلام: وما أنت؟ لا أبقى اللَّه عليك إن
ص: 325
أبقيت علينا اذهب فصوب وصعد ما بدا لك وقال شرحبيل ما كلامي إلّا مثل كلام صاحبي فهل عندك جواب غير هذا؟ فقال علي ليس عندي جواب غيره.
ثمّ حمد اللَّه وأثنى عليه وقال عليه السلام ما ذكره في الكامل: أمّا بعد فانّ اللَّه تعالى بعث محمّداً بالحق فأنقذ به من الضلالة والهلكة وجمع به من الفرقة ثمّ قبضه اللَّه تعالى إليه فاستخلف الناس أبا بكر واستخلف أبو بكر عمر فأحسنا السيرة وعدلا وقد وجدنا عليهما أن توليا الأُمور ونحن آل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فغفرنا ذلك لهما وولى الناس عثمان فعمل بأشياء عابها الناس فساروا إليه فقتلوه ثمّ أتاني الناس وأنا معتزل أُمورهم فقالوا لي نبايع فأبيت فقالوا نبايع فان الأُمّة لا ترضى إلّا بك وإنّا نخاف إن لم تفعل أن يتفرّق الناس فبايعتهم فلم يرعني إلّا شقاق رجلين قد بايعاني وخلاف معاوية الذي لم يجعل له سابقة في الدين ولا سلف صدق في الإسلام، طليق بن طليق، حزب من الأحزاب، لم يزل حربا للَّه ورسوله هو وأبوه حتّى دخلا في الإسلام كارهين ولا عجب إلّا من اختلافكم معه وانقيادكم له وتتركون آل بيت نبيّكم الذين لا ينبغي لكم شقاقهم ولا خلافهم ألا إنّي أدعوكم إلى كتاب اللَّه وسنّة نبيّه وإماتة الباطل وإحياء الحق ومعالم الدين أقول قولي هذا واستغفر اللَّه لي وللمؤمنين.
فقالا: تشهد ان عثمان قتل مظلوماً؟ فقال لهما: لا أقول إنّه قتل مظلوماً ولا ظالماً، قالا: فمن لم يزعم أنّه قتل مظلوماً فنحن منه براء وانصرفا، فقال [عليّ]عليه السلام: (إنّك لا تسمع الموتى)، إلى قوله: (فهم مسلمون).
ثمّ قال لأصحابه: لا يكن هؤلاء في الجد في ضلالهم أجد منكم في الجد في حقّكم وطاعة ربّكم(1).
ص: 326
فلمّا انسلخ (الأشهر الحرم) المحرّم أمر عليّ عليه السلام منادياً فنادى يا أهل الشام يقول لكم أميرالمؤمنين قد استدمتكم لتراجعوا الحق وتنيبوا إليه فلم تنتهوا عن طغيانكم ولم تجيبوا إلى الحق وإنّي قد نبذت إليكم على سواء إنّ اللَّه لا يحبّ الخائنين.
فاجتمع أهل الشام إلى أمرائهم ورؤسائهم وخرج معاوية وعمر يكتبان الكتائب ويعبيان الناس وكذلك فعل أميرالمؤمنين وقال للناس لاتقاتلوهم حتّى يقاتلوكم فأنتم بحمد اللَّه على حجّة وترككم قتالهم حجّة أخرى فاذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ولا تكشفوا عورة ولا تمثلوا بقتيل وإذا وصلتم إلى رجال القوم فلا تهتكوا سترا ولا تدخلوا داراً ولا تأخذوا شيئاً من أموالهم ولا تهيجوا امرأة وإن شتمن أعراضكم وسبين أمراءكم وصلحاءكم فإنهنّ ضعاف القوي والأنفس وكان يقول بهذا المعنى لأصحابه في كلّ موطن وحرض أصحابه فقال عليه السلام: عباد اللَّه اتّقوا اللَّه وغضّوا الأبصار واخفضوا الأصوات وأقلّوا الكلام ووطنوا أنفسكم على المنازلة والمجاولة والمزاولة والمناضلة والمعانقة والمكادمة والملازمة «فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»(1)، «وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ»(2). اللهمّ ألهمهم الصبر وأنزل عليهم النصر وأعظم لهم الأجر!
وأصبح علي فجعل على خيل الكوفة الأشتر وعلى جند البصرة سهل بن حنيف وعلى رجّالة الكوفة عمّار بن ياسر وعلى رجّالة البصرة قيس بن سعد وأعطى
ص: 327
الراية هاشم بن عتبة المرقال وجعل مسعر بن فدكي على قرّاء الكوفة وأهل البصرة.
وبعث معاوية على ميمنته ابن ذي الكلاع الحميري وعلى ميسرته حبيب بن مسلمة الفهري وعلى مقدمته أبا الأعور السلمي وعلى خيل دمشق عمرو بن العاص وعلى رجالة دمشق مسلم بن عقبة المري وعلى الناس كلّهم الضحّاك بن قيس وبايع رجال من أهل الشام على الموت فعقلوا أنفسهم بالعمائم وكانوا خمسة صفوف وخرجوا أوّل يوم من صفر فاقتتلوا وكان على الذين خرجوا من أهل الكوفة الأشتر وعلى من خرج من أهل الشام حبيب بن مسلمة فاقتتلوا يومهم هذا قتالاً شديداً معظم النهار ثمّ تراجعوا وقد انتصف بعضهم من بعض.
ثمّ خرج في اليوم الثاني هاشم بن عتبة في خيل ورجال وخرج من أهل الشام أبو الأعور السلمي فاقتتلوا يومهم ذلك ثمّ انصرفوا.
وخرج في اليوم الثالث عمّار بن ياسر وخرج إليه عمرو بن العاص فاقتتلوا أشدّ قتال وقال عمّار: يا أهل العراق أتريدون أن تنظروا إلى من عادى اللَّه ورسوله وجاهدهما وبغي على المسلمين وظاهر المشركين؟
فلمّا رأى اللَّه يعزّ دينه ويظهر رسوله أتى النبي صلى الله عليه وآله وهو فيما نرى راهب غير راغب ثمّ قبض النبي صلى الله عليه وآله فواللَّه إن زال بعده معروفاً بعداوة المسلم واتباع المجرم فاثبتوا له وقاتلوه.
وقال عمّار لزياد بن النضر وهو على الخيل احمل على أهل الشام فحمل وقاتله الناس وصبروا له وحمل عمّار فأزال عمرو بن العاص عن موضعه وبارز يومئذٍ زياد بن النضر أخاه لأُمّه واسمه عمرو بن معاوية من بني المنتفق فلمّا التقيا
ص: 328
تعارفا فانصرف كلّ واحد منهما عن صاحبه وتراجع الناس.
وخرج من الغد محمّد بن علي وهو ابن الحنفيّة وخرج إليه عبيداللَّه بن عمر بن الخطّاب في جمعين عظيمين فاقتتلوا أشدّ القتال وأرسل عبيداللَّه إلى ابن الحنفيّة يدعوه إلى المبارزة فخرج إليه فحرّك على دابته وردّ ابنه وبرز علي إلى عبيداللَّه فرجع عبيداللَّه وقال محمّد لأبيه لو تركتني لرجوت قتله وقال يا أميرالمؤمنين وكيف تبرز إلى هذا الفاسق واللَّه انّي لأرغب بك عن أبيه فقال علي يا بني لا تقل في أبيه إلّا خيراً وتراجع الناس.
وخرج عبداللَّه بن عبّاس في اليوم الخامس وخرج إليه الوليد بن عقبة فاقتتلوا قتالاً شديداً فسبّ الوليد بني عبدالمطلب فطلبه ابن عبّاس ليبارزه فأبى وقاتل ابن عبّاس قتالاً شديداً وخرج في اليوم السادس قيس بن سعد الأنصاري وخرج إليه ابن ذي الكلاع الحميري فاقتتلوا قتالاً شديداً ثمّ انصرفوا ثمّ عاد يوم الثلاثاء وخرج الأشتر وخرج إليه حبيب فاقتتلوا قتالاً شديداً وانصرفوا عند الظهر(1).
ثمّ انّ عليّاً قال: حتّى متى لا نناهض هؤلاء القوم بأجمعنا فقام في الناس عشيّة الثلاثاء ليلة الأربعاء خطيباً فحمد اللَّه وأثنى عيه فقال: «الْحَمْدُ للَّهِ ِ الَّذِي لا يُبْرِمُ مَا نَقَضَ وما ابرم لم ينقضه الناقضون ولو شاء اللَّه ما اختلف اثنان من خلقه ولا اختلفت الأمة في شي ء ولا جحد المفضول ذا الفضل فضله وقد ساقنا وهؤلاء القوم الأقدار فنحن بمرأى من ربّنا ومسمع فلو شاء اللَّه عجل النقمة وكان مِنْهُ التَّغْيِيرُ حَتَّى يُكَذِّبَ اللَّهُ الظَّالِمَ وَيُعْلِمَ الْحَقَّ أَيْنَ مَصِيرُهُ وَلَكِنَّهُ جَعَلَ الدُّنْيَا دَارَ الْأَعْمَالِ وَجَعَلَ الآْخِرَةَ دَارَ الْجَزَاءِ وَالْقَرَارِ «لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ
ص: 329
الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى»(1) أَلا إِنَّكُمْ لاقُو القوم (الْعَدُوِّ) غَداً إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَطِيلُوا اللَّيْلَةَ الْقِيَامَ وَأَكْثِرُوا تِلاوَةَ الْقُرْآنِ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الصَّبْرَ وَالنَّصْرَ وَالْقَوْهُمْ بِالْجِدِّ وَالْحَزْمِ وَكُونُوا صَادِقِينَ». فقام القوم يصلحون سلاحهم فمرّ بهم كعب بن جعيل فقال:
أصبحت الأُمّة في أمر عجب
والملك مجموع غدا لمن غلب
فقلت قولا صادقاً غير كذب
إن غدا تهلك أعلام العرب
وعبا على الناس ليلته حتّى الصباح وزحف بالناس وخرج إليه معاوية في أهل الشام فسأل علي عن القبائل من أهل الشام فعرف مواقفهم قال للأزد اكفونا الأزد وقال لخثعم اكفونا خثعم وأمر كلّ قبيلة أن تكفيه أختها من الشام إلاّ أن تكون قبيلة ليس منها بالشام أحد فيصرفها إلى قبيلة أُخرى من الشام ليس بالعراق منهم أحد مثل بجيلة لم يكن بالشام منهم إلّا القليل صرفهم إلى لخم.
فتناهض الناس يوم الأربعاء فاقتتلوا قتالاً شديداً ثمّ انصرفوا عند المساء وكلّ غير غالب.
فلمّا كان يوم الخميس صلّى علي عليه السلام بغلس وخرج بالناس إلى أهل الشام فرحف إليهم وزحفوا معه، وكان على ميمنة علي عبداللَّه بن بديل بن ورقاء الخزاعي وعلى ميسرته عبداللَّه بن عبّاس والقراء مع ثلاثة نفر عمّار وقيس بن سعد وعبداللَّه بن بديل والناس على راياتهم ومراكزهم وعلي عليه السلام في القلب في أهل المدينة بين أهل الكوفة والبصرة وأكثر من معه من أهل المدينة الانصار ومعه عدد من خزاعة وكنانة وغيرهم من أهل المدينة، ورفع معاوية قبّة عظيمة فالقى عليها الثياب وبايعه أكثر أهل الشام على الموت وأحاط بقبّته خيل دمشق وزحف
ص: 330
عبداللَّه بن بديل في الميمنة نحو حبيب بن مسلمة وهو في ميسرة معاوية فلم يزل يحوزه ويكشف خيله حتّى اضطرّهم إلى قبّة معاوية عند الظهر وحرّض عبداللَّه بن بديل أصحابه فقال: ألا إنّ معاوية ادّعى ما ليس له ونازع الحق أهله وعاند من ليس مثله وجادل بالباطل ليدحض به الحق وصال عليكم بالأعراب والأحزاب الذين قد زيّن لهم الضلالة وزرع في قلوبهم حبّ الفتنة ولبس عليهم الأمر وزاد عليهم الأمر وزادهم رجسا إلى رجسهم، فقاتلوا الطغام الجفاة ولا تخشوهم «قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ»(1).
وحرّض علي أصحابه فقال في كلام له: «فَسَوُّوا صُفُوفَكُمْ كَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ فَقَدِّمُوا الدَّارِعَ وَأَخِّرُوا الْحَاسِرَ وَعَضُّوا عَلَى الأضراس (النَّوَاجِدِ) فَإِنَّهُ أَنْبَأُ لِلسُّيُوفِ عَلَى الْهَامِ والتووا في الأطراف فانه اصون للأسنة (وَالْتَوُوا عَلَى أَطْرَافِ الرِّمَاحِ فَإِنَّهُ أَمْوَرُ لِلْأَسِنَّةِ) وَغُضُّوا الْأَبْصَارَ فَإِنَّهُ أَرْبَطُ لِلْجَأْشِ وَأَسْكَنُ لِلْقُلُوبِ وَأَمِيتُوا الْأَصْوَاتَ فَإِنَّهُ أَطْرَدُ لِلْفَشَلِ وَألوي بِالْوَقَارِ وَلا تَمِيلُوا بِرَايَاتِكُمْ وَلا تُزِيلُوهَا وَلا تَجْعَلُوهَا إِلّا بايدي شُجْعَانِكُم، واستعينوا بالصدق والصبر فإنّ بعد الصبر ينزل عليكم النصر».
وقام يزيد بن قيس الأرحبي يحرّض الناس فقال إن المسلم من سلم في دينه ورأيه وإنّ هؤلاء القوم واللَّه لا يقاتلونا على اقامة دين ضيعناه واحياء حقّ أمتناه إن يقاتلوننا إلّا على هذه الدنيا ليكونوا جبّارين فيها ملوكاً فلو ظهروا عليكم لا أراهم اللَّه ظهوراً ولا سروراً ألزموكم بمثل سعيد والوليد وابن عامر السفيه الضال
ص: 331
يجيز أحدهم بمثل ديته ودية أبيه وجدّه في جلسة ثمّ يقول هذا لي ولا إثم عليّ كأنّما أعطى تراثه عن أبيه وأُمّه وإنّما هو مال اللَّه أفاءه علينا بأرماحنا وسيوفنا فقاتلوا عباد اللَّه القوم الظالمين فانّهم إن يظهروا عليكم يفسدوا عليكم دينكم ودنياكم وهم من قد عرفتم وخبرتم واللَّه ما ازدادوا إلى يومهم إلّا شرّا(1).
وقاتلهم عبداللَّه بن بديل في الميمنة قتالاً شديداً حتّى انتهى إلى قبّة معاوية وأقبل الذين تبايعوا على الموت إلى معاوية فأمرهم أن يصمدوا لابن بديل في الميمنة وبعث إلى حبيب بن مسلمة في الميسرة فحمل بهم وبمن كان معه على ميمنة الناس فهزمهم وانكشف أهل العراق من قبل الميمنة حتّى لم يبق منهم إلّا ابن بديل في مائتين أو ثلاثمائة من القرّاء قد أسند بعضهم إلى بعض وانجفل الناس، وأمر على سهل بن حنيف فاستقدم فيمن كان معه من أهل المدينة فاستقبلتهم جموع لأهل الشام عظيمة فاحتملتهم حتّى أوقفتهم في الميمنة وكان فيما بين الميمنة إلى موقف علي في القلب أهل اليمن فلمّا انكشفوا انتهت الهزيمة إلى علي فانصرف علي يمشي نحو الميسرة فانكشفت عنه مضر من الميسرة وثبتت ربيعة وكان الحسن والحسين ومحمّد بنو علي معه حين قصد الميسرة والنبل يمرّ بين عاتقيه ومنكبيه وما من بنيه أحد إلّا يقيه بنفسه فيردّه فبصر به أحمر مولى أبي سفيان أو عثمان فأقبل نحوه فخرج إليه كيسان مولى علي فاختلفا بينهما ضربتان فقتله أحمر فأخذ علي بجيب درع أحمر فجذبه وحمله على عاتقه ثمّ ضرب به الأرض فكسر منكبيه وعضديه ودنا منه أهل الشام فما زاده قربهم إلّا إسراعاً فقال له ابنه الحسن ما ضرك لو سعيت حتّى تنتهي إلى هؤلاء القوم من أصحابك فقال: يا
ص: 332
بني إنّ لأبيك يوماً لا يعدوه ولا يبطى ء به عنه السعي ولا يعجل به إليه المشي ء وإنّ أباك واللَّه لا يبالي أ وقع على الموت أم وقع الموت عليه.
فلمّا وصل إلى ربيعة نادى بصوت عالي كغير المكترث لما فيه الناس لمن هذه الرايات؟ قالوا رايات ربيعة قال بل رايات عصم اللَّه أهلها فصبرهم وثبت أقدامهم وقال للحضين بن المنذر يا فتى ألا تدنى رايتك هذه ذراعاً؟ قال: بلى واللَّه عشرة أذرع فأدناها حتّى قال: حسبك مكانك ولما انتهى علي إلى ربيعة تنادوا بينهم يا ربيعة إن أصيب فيكم أميرالمؤمنين وفيكم رجل حي افتضحتم في العرب فقاتلوا قتالاً شديداً ما قاتلوا مثله فلذلك قال علي:
لمن راية سوداء يخفق ظلها * إذا قيل قدما حضين تقدّما
ويقدمها في الموت حتّى يزيرها * حياض المنايا تقطر الموت والدما
أذقنا ابن حرب طعننا وضرابنا * بأسيافنا حتى تولّى وأحجما
جزى اللَّه قوماً صابروا في لقائهم * لدى الموت قوماً ما أعف وأكرما
وأطيب أخباراً وأكرم شيمة * إذا كان أصوات الرجال تغمغما
ربيعة أعني أنّهم أهل نجدة * وبأس إذا لاقوا خميسا عرمرما(1)
ومرّ به الأشتر وهو يقصد الميسرة والأشتر يركض نحو الفزع قبل الميمنة فقال له علي: يا مالك قال: لبّيك يا أميرالمؤمنين قال: أئت هؤلاء القوم فقل لهم أين فراركم من الموت الذي لن تعجزوه إلى الحياة التي لا تبقى لكم فمضى الأشتر فاستقبل الناس منهزمين فقال لهم ما قال علي ثمّ قال: أيّها الناس أنا الأشتر إلى فأقبل إليه بعضهم وذهب البعض فنادى أيّها الناس ما أقبح ما قاتلتم مذ اليوم
ص: 333
أخلصوا لي مذحجا فأقبلت مذحج إليه فقال لهم: ما أرضيتم ربّكم ولا نصحتم له في عدوّكم وكيف ذلك وأنتم أبناء الحرب وأصحاب الغارات وفتيان الصباح وفرسان الطراد وحتوف الأقران ومذحج الطعان الذين لم يكونوا يسبقون بثأرهم ولا تطل دماؤهم وما تفعلون هذا اليوم فانّه مأثور بعده فانصحوا وأصدقوا عدوّكم اللقاء فانّ اللَّه مع الصادقين والذي نفسي بيده ما من هؤلاء وأشار إلى أهل الشام رجل على مثل جناح بعوضة من دين أجلوا اسواد وجهي يرجع فيه دمه عليكم بهذا السواد الأعظم فان اللَّه [لو] قد فضه فتبعه من بجانبيه قالوا تجدنا حيث أحببت فقصد نحو عظمهم ممّا يلي الميمنة يزحف إليهم ويردّهم واستقبله شباب من همدان وكانوا ثمانمائة مقاتل يومئذٍ وكانوا صبروا في الميمنة حتّى أصيب منهم ثمانون ومائة رجل وقتل منهم أحد عشر رئيساً كان أوّلهم ذؤيب بن شريح ثمّ شرحبيل ثمّ مرثد ثمّ هبيرة ثمّ يريم ثمّ سمير أولاد شريح فقتل ثمّ أخذ الراية عميرة ثمّ الحارث ابنا بشير فقتلا جميعاً ثمّ أخذ الراية سفيان وعبداللَّه وبكر بنو زيد فقتلوا جميعاً، ثمّ أخذ الراية وهب بن كريب فانصرف هو وقومه وهم يقولون ليت لنا عدّتنا من العرب يحالفوننا على الموت ثمّ نرجع فلا ننصرف أو نقتل أو نظفر فسمعهم الأشتر يقولون هذا فقال لهم: أنا أحالفكم على أن لا نرجع أبداً حتّى نظفر أو نهلك فوقفوا معه وفي هذا قال كعب بن جعيل:
وهمدان زرق تبتغي من تحالف
وزحف الأشتر نحو الميمنة وثاب إليه الناس وتراجعوا من أهل البصرة وغيرهم فلم يقصد كتيبة إلّا كشفها ولا جمعا إلّا جازه وردّه فانّه كذلك إذ مرّ به
ص: 334
زياد بن النضر الحارثي يحمل إلى العسكر(1).
ثمّ أطال الكلام في المقال بما لا مزيد عليه إلى أن قال:
وخرج عمّار بن ياسر على الناس فقال اللهمّ إنّك تعلم أنّي لو أعلم أنّ رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلته اللهمّ إنّك تعلم أنّي لو أعلم أنّ رضاك في أن أضع ظبّة سيفي في بطني ثمّ أنحني عليها حتّى تخرج من ظهري لفعلته وإنّي لا أعلم اليوم عملاً هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين ولو أعلم عملاً هو أرضى لك منه لفعلته واللَّه إنّي لأرى قوماً ليضربنّكم ضرباً يرتاب منه المبطلون وأيم اللَّه لو ضربونا حتّى يبلغوا بنا سفعات هجر لعلمت أنا على الحق وأنّهم على الباطل.
ثمّ قال: من يبتغي رضوان اللَّه ربّه ولا يرجع إلى مال ولا ولد فأتاه عصابة فقال: اقصدوا بنا هؤلاء القوم الذين يطلبون دم عثمان واللَّه ما أرادوا الطلب بدمه ولكنّهم ذاقوا الدنيا واستحبوها وعلموا أنّ الحقّ إذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرّغون فيه منها ولم يكن لهم سابقة يستحقّون بها طاعة الناس والولاية عليهم فخدعوا أتباعهم وقالوا إمامنا قتل مظلوماً ليكونوا بذلك جبابرة ملوكاً فبلغوا ما ترون فلو لا هذا ما تبعهم من الناس رجلان اللهمّ إن تنصرنا فطالما نصرت وإن تجعل لهم الأمر فادخر لهم بما أحدثوا في عبادك العذاب الأليم.
ثمّ مضى ومعه تلك العصابة فكان لا يمرّ بواد من أودية صفّين إلّا تبعه من كان هناك من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله ثمّ جاء هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص وهو المرقال وكان صاحب راية عليّ وكان أعور فقال يا هاشم أعور وجبنا لا خير في أعور لا يغشى البأس اركب يا هاشم فركب ومضى معه وهو يقول:
ص: 335
أعور يبغي أهله محلا * قد عالج الحياة حتّى ملأ
لابدّ أن يفل أو يفلا * يتلهم بذي الكعوب تلأ
وعمّار يقول تقدّم يا هاشم الجنّة تحت ظلال السيوف والموت تحت أطراف الأسل وقد فتحت أبواب السماء وتزيّنت الحور العين:
اليوم ألقى الأحبّة * محمّداً وحزبه
وتقدّم حتّى دنا من عمرو بن العاص فقال له: يا عمرو بعت دينك بدنياك بمصر تبّاً لك فقال له: لا ولكن أطلب بدم عثمان قال: أنا أشهد على علمي فيك أنّك لا تطلب بشي ء من فعلك وجه اللَّه وإنّك إن لم تقتل اليوم تمت غداً فانظر إذا أعطى الناس على قدر نيّاتهم ما نيّتك لقد قاتلت صاحب هذه الراية ثلاثاً مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وهذه الرابعة ما هي بأبر وأتقى ثمّ قال عمّار فلم يرجع وقتل(1).
وقال حبّة بن جوين العرني: قلت لحذيفة بن اليمان: حدّثنا فانا نخاف الفتن فقال: عليكم بالفئة التي فيها ابن سمية فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: تقتله الفئة الباغية الناكبة عن الطريق وإن آخر رزقه ضياح من لبن وهو الممزوج بالماء من اللبن.
قال حبة فشهدته يوم قتل يقول ائتوني بآخر رزق لي من الدنيا فأتي بضياح من لبن في قدح أروح له حلقة حمراء فما أخطأ حذيفة مقياس شعره فقال:
اليوم ألقى الأحبة * محمدا وحزبه
واللَّه لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمت أنّنا على الحق وأنّهم على الباطل ثمّ قتل، قتله أبو الغازية واجتز رأسه ابن جوى السكسكي وقيل قتله غيره.
وكان ذي الكلاع سمع عمرو بن العاص يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لعمار بن
ص: 336
ياسر: تقتلك الفئة الباغية وآخر شربة تشربها ضياح من لبن فكان ذو الكلاع يقول لعمرو ما هذا ويحك يا عمرو فيقول عمرو إنّه سيرجع إلينا فقتل ذو الكلاع قبل عمّار مع معاوية وأصيب عمّار بعده مع علي فقال عمرو لمعاوية ما أدري بقتل أيّهما أنا أشدّ فرحا بقتل عمّار أو بقتل ذي الكلاع واللَّه لو بقي ذو الكلاع بعد قتل عمّار لمال بعامّة أهل الشام إلى علي فأتى جماعة إلى معاوية كلّهم يقول أنا قتلت عمّاراً فيقول عمرو فما سمعته يقول فيخلطون فأتاه ابن حوي فقال أنا قتلته فسمعته يقول:
اليوم ألقى الأحبّة * محمّداً وحزبه
فقال له عمرو: أنت صاحبه ثمّ قال رويدا واللَّه ما ظفرت يداك ولقد أسخطت ربّك.
قيل: إنّ أبا الغازية قتل عمّارا وعاش إلى زمن الحجّاج ودخل عليه فأكرمه الحجّاج وقال له: أنت قتلت ابن سميّة؟ يعني عمّاراً قال: نعم. فقال: من سرّه أن ينظر إلى عظيم الباع يوم القيامة فلينظر إلى هذا الذي قتل ابن سميّة ثمّ سأله أبو الغازية حاجته فلم يجبه إليها فقال نوطئ لهم الدنيا ولا يعطونا منها ويزعم أني عظيم الباع يوم ا لقيامة [فقال الحجّاج]: أجل واللَّه من كان ضرسه مثل أحد وفخذه مثل جبل ورقان ومجلسه مثل المدينة والربذة إنّه لعظيم الباع يوم القيامة واللَّه لو أنّ عمّاراً قتله أهل الأرض كلّهم لدخلوا كلّهم النار.
وقال عبدالرحمن السلمي: لما قتل عمّار دخلت عسكر معاوية لأنظر هل بلغ منهم قتل عمّار ما بلغ منّا وكنّا إذا تركنا القتال تحدّثوا إلينا وتحدّثنا إليهم فاذا معاوية وعمرو وأبو الأعور وعبداللَّه بن عمرو يتسايرون فأدخلت فرسي بينهم
ص: 337
لئلّا يفوتني ما يقولون فقال عبداللَّه لأبيه: يا أبت هذا الرجل في يومكم هذا وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ما قال، قال: وما قال؟ قال ألم يكن المسلمون ينقلون في بناء مسجد النبي صلى الله عليه وآله لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين فغشى عليه فأتاه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول: ويحك يابن سميّة الناس ينقلون لبنة لبنة وأنت تنقل لبنتين لبنتين رغبة في الأجر وأنت ذلك تقتلك الفئة الباغية فقال عمرو لمعاوية: أما تسمع ما يقول عبداللَّه؟ قال: وما يقول؟ فأخبره فقال معاوية أنحن قتلناه إنّما قتله من جاء به.
«فعلى قول معاوية كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قاتل حمزة لا الوحشيّ لأنّه صلى الله عليه وآله قد جاء بعمّه يوم الأُحد للقتال مع المشركين»(1).
قال: فخرج الناس من فساطيطهم وأخبيتهم يقولون إنّما قتل عمّاراً من جاء به فلا أدري من كان أعجب أهو أم هم.
فلمّا قتل عمّار قال علي لربيعة وهمدان: أنتم درعي ورمحي فانتدب له نحو من اثنى عشر وتقدّمهم علي على بغلة فحملوا معه حملة رجل واحد فلم يبق لأهل الشام صف إلّا انتقض وقتلوا كلّ من انتهوا إليه حتّى بلغوا معاوية وعلي عليه السلام يقول:
أقتلهم ولا أرى معاوية * الجاحظ العين العظيم الحاوية
ثمّ نادى معاوية فقال: علامَ يقتل الناس بيننا هلم أحاكمك إلى اللَّه فأينا قتل صاحبه استقامت له الأُمور فقال له عمرو أنصفك فقال له معاوية ما أنصفت إنّك لتعلم أنّه لم يبرز له أحد إلّا قتله فقال له عمر: ما يحسن بك ترك مبارزته؟ فقال له معاوية: طمعت فيها بعدي وكان أصحاب علي قد وكّلوا به رجلين يحافظانه لئلّا
ص: 338
يقاتل وكان يحمل إذا غفلا فلا يرجع حتّى يخضب سيفه وإنّه حمل مرّة فلم يرجع حتّى انثني سيفه فألقاه إليهم وقال لو لا أنّه أنثني ما رجعت إليكم فقال الأعمش لأبي عبدالرحمن هذا واللَّه ضرب غير مرتاب فقال أبو عبدالرحمن سمع القوم شيئاً فأدوه ما كانوا بكاذبين.
وأسر معاوية جماعة من أصحاب علي فقال له عمرو اقتلهم فقال عمرو بن أوس الأودي: لا تقتلني فإنّك خالي قال من أين أنا خالك ولم يكن بيننا وبين أود مصاهرة؟ قال: إن أخبرتك فهو أماني عندك؟ قال: نعم قال: أليست أختك أُمّ حبيبة زوج النبيّ صلى الله عليه وآله؟ قال: بلى قال: فإنّي ابنها وأنت أخوها فأنت خالي فقال معاوية ما له للَّه أبوه أما كان في هؤلاء من يفطن لها غيره وخلى سبيله.
وكان قد أسر علي عليه السلام أسارى كثيرة فخلّى سبيلهم فجاؤوا معاوية وإنّ عمراً ليقول له وقد أسر أيضاً أسارى كثيرة اقتلهم فلمّا وصل أصحابهم قال معاوية يا عمرو لو أطعناك في هؤلاء الأسارى لوقعنا في قبيح من الأمر وخلّى سبيل من عنده(1).
وأمّا هاشم بن عتبة فإنّه دعا الناس عند المساء وقال: ألا من كان يريد اللَّه والدار الآخرة فإلي فأقبل إليه ناس كثير فحمل على أهل الشام مرارا ويصبرون له وقاتل قتالاً شديداً وقال لأصحابه: لا يهولنّكم ما ترون من صبرهم فواللَّه ما هو إلّا حميّة العرب وصبرها تحت راياتهم وإنّهم لعلى الضلال وإنّكم لعلى الحق ثمّ حرض أصحابه وحمل في عصابة من القرّاء فقاتل قتالاً شديداً حتّى رأوا بعض ما يسرّون به فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم شاب وهو يقول:
ص: 339
أنا ابن أرباب الملوك غسان * والدائن اليوم بدين عثمان
نبأنا قرّاؤنا بما كان * أنّ عليّاً قتل ابن عفّان
ثمّ يحمل فلا يرجع حتّى يضرب بسيفه ويشتم ويلعن فقال له هاشم: يا هذا إنّ هذا الكلام بعده الخصام وإن هذا القتال بعده الحساب فاتّق اللَّه فإنّه سائلك عن هذا الموقف وما أردت به قال فإنّي أقاتلكم لأن صاحبكم لا يصلّي وأنتم لا تصلّون وإنّ صاحبكم قتل خليفتنا وأنتم ساعدتموه على قتله فقال له هاشم: ما أنت وعثمان قتله أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وأبناء أصحابه وقرّاء الناس وهم أهل الدين والعلم وماأهملوا أمر هذا الدين طرفة عين وأمّا قولك إنّ صاحبنا لا يصلّي فإنّه أوّل من صلّى وأفقه خلق اللَّه في دين اللَّه وأولى بالرسول صلى الله عليه وآله وأمّا كلّ من ترى معي فكلّهم قارئ لكتاب اللَّه لا ينام الليل تهجّداً فلا يغوينّك هؤلاء الأشقياء فقال الفتى فهل لي من توبة؟ قال: نعم تب إلى اللَّه يتب عليك فإنّه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيّئات فرجع الفتى فقال له أهل الشام خدعك العراقي؟ فقال: كلّا ولكن نصح لي وقاتل هاشم وأصحابه قتالاً شديداً حتّى رأوا الظفر فأقبلت عليهم عند المغرب كتيبة لتنوخ فقاتلهم هاشم وهو يقول:
أعور يبغي أهله محلا * لابدّ أن يفل أو يفلا
قد عالج الحياة حتّى ملا * يتلهم بذي الكعوب تلا
فقتل يومئذٍ تسعة أو عشرة وحمل عليه الحارث بن المنذر التنوخي فطعنه فسقط فأرسل إليه علي أن قدم لواءك فقال لرسوله انظر إلى بطني فاذا هو [قد ]انشقّ فقال الحجّاج بن غزية الأنصاري:
فان تفخروا بابني بديل وهاشم * فنحن قتلنا ذا الكلاع وحوشبا
ص: 340
ونحن تركنا عند معترك القنا * أخاك عبيداللَّه لحما ملحبا
ونحن أحطنا بالبعير وأهله * ونحن سقيناك سماما مقشبا(1)
ومرّ عليّ بكتيبة من أهل الشام فرآهم لا يزولون وهم غسان فقال إنّ هؤلاء لا يزولون إلّا بطعن وضرب يفلق الهام ويطيح العظام تسقط منه المعاصم والأكف وحتّى يقرع جباههم بعمد الحديد أين أهل النصر والصبر طلّاب الأجر فأتاه عصابة من المسلمين فدعا ابنه محمّداً فقال له: تقدّم نحو هذه الراية مشيا رويدا على هيئتك حتّى إذا أشرعت في صدورهم الرماح فأمسك حتّى يأتيك أمري ففعل وأعدّ لهم علي مثلهم وسيّرهم إلى ابنه محمّد وأمره بقتالهم فحملوا عليهم فأزالوهم عن مواقفهم وأصابوا منهم رجالاً ومرّ الأسود بن قيس المرادي بعبداللَّه بن كعب المرادي وهو صريع فقال عبداللَّه: يا أسود! فقال: لبّيك وعرفه وقال له عزّ عليّ مصرعك ثمّ نزل إليه وقال له: إن كان جارك ليأمن بوائقك وإن كنت لمن الذاكرين اللَّه كثيراً أوصني رحمك اللَّه فقال أوصيك بتقوى اللَّه وأن تناصح أميرالمؤمنين وأن تقاتل معه المحلّين حتّى تظهر أو تلحق باللَّه وأبلغه عنّي السلام وقل له قاتل على المعركة حتّى تجعلها خلف ظهرك فانّه من أصبح غداً والمعركة خلف ظهره كان العالي ثمّ لم يلبث أن مات فأقبل الأسود إلى علي فأخبره فقال: رحمه اللَّه جاهد عدوّنا في الحياة ونصح لنا في الوفاة.
وقيل إنّ الذي أشار على أميرالمؤمنين علي بهذا عبدالرحمن بن الحنبل الجمحي قال: فاقتتل الناس تلك الليلة كلّها إلى الصباح وهي ليلة الهرير فتطاعنوا حتّى تقصفت الرماح وتراموا حتّى نفد النبل وأخذوا السيوف وعلي يسير فيما بين
ص: 341
الميمنة والميسرة ويأمر كلّ كتيبة أن تقدم على التي تليها فلم يزل يفعل ذلك حتّى أصبح والمعركة كلّها خلف ظهره والأشتر في الميمنة وابن عبّاس في الميسرة وعلي في القلب والناس يقتتلون من كلّ جانب وذلك يوم الجمعة وأخذ الأشتر يزحف بالميمنة ويقاتل فيها وكان قد تولّاها عشية الخميس وليلة الجمعة إلى ارتفاع الضحى ويقول لأصحابه ازحفوا قيد هذا الرمح وهو يزحف بهم نحو أهل الشام فإذا فعل ذلك بهم قال ازحفوا قيد هذا القوس فإذا فعلوا سألهم مثل ذلك حتّى مل أكثر الناس الإقدام فلمّا رأى الأشتر ذلك قال أعيذكم باللَّه أن ترضوا الغنم سائر اليوم ثمّ دعا بفرسه فركبه وترك رايته مع حيان بن هوذة النخعي وخرج يسير في الكتائب ويقول من يشتري نفسه ويقاتل مع الأشتر [حتّى] يظهر أو يلحق باللَّه فاجتمع إليه ناس كثير فيهم حيّان بن هوذة النخعي وغيره فرجع إلى المكان الذي فيه وقال لهم شدّوا شدّة فدا لكم خالي وعمّي ترضون بها الرب وتعزون بها الدين ثمّ نزل وضرب وجه دابته وقال لصاحب رايته أقدم بها وحمل على القوم وحملوا معه فضرب أهل الشام حتّى انتهى بهم إلى عسكرهم ثمّ قاتلوه عند العسكر قتالاً شديداً وقتل صاحب رايته ولمّا رأى علي الظفر من ناحيته أمدّه بالرجال، فقال عمرو بن العاص لوردان مولاه أتدري ما مثلي ومثلك ومثل الأشتر؟ قال: لا قال: كالأشقر إن تقدم عقر وإن تأخّر عقر لئن تأخّرت لأضربنّ عنقك قال: أما واللَّه يا أبا عبداللَّه لأوردنّك حياض الموت ضع يدك على عاتقي ثمّ جعل يتقدّم ويتقدّم ويقول: لأوردنّك حياض الموت واشتدّ القتال(1).
ص: 342
قال الشارح: الذي دعا إلى التحكيم طلب أهل الشام له واعتصامهم به من سيوف أهل العراق فقد كانت أمارات القهر والغلبة لاحت ودلائل النصر والظفر وضحت، فعدل أهل الشام عن القراع إلى الخداع وكان ذلك برأي عمرو بن العاص، وهذه الحال وقعت عقيب ليلة الهرير(1) التي يضرب بها المثل(2).
قال نصر بن مزاحم وهو ثقة ثبت صحيح النقل غير منسوب إلى هوى ولا إدغال وهو من رجال أصحاب الحديث: حدثنا عمرو بن شمر قال: حدّثني أبو ضرار قال: حدّثني عمّار بن ربيعة قال: غلس علي عليه السلام بالناس صلاة الغداة يوم الثلاثاء عاشر شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وقيل عاشر شهر صفر ثم زحف إلى أهل الشام بعسكر العراق والناس على راياتهم وأعلامهم وزحف إليهم أهل الشام وقد كانت الحرب أكلت الفريقين ولكنّها في أهل الشام أشدّ نكاية وأعظم وقعا فقد ملوا الحرب وكرهوا القتال وتضعضعت أركانهم.
قال: فخرج رجل من أهل العراق على فرس كميت ذنوب(3) عليه السلاح لا يرى منه إلّا عيناه وبيده الرمح فجعل يضرب رؤوس أهل العراق بالقناة ويقول: سووا صفوفكم رحمكم اللَّه حتى إذا عدل الصفوف والرايات استقبلهم بوجهه وولى أهل الشام ظهره ثم حمد اللَّه وأثنى عليه وقال الحمد للَّه الذي جعل فينا ابن عم نبيّه أقدمهم هجرة وأولهم إسلاما سيف من سيوف اللَّه على أعدائه فانظروا إذا
ص: 343
حمي الوطيس(1) وثار القتام(2) وتكسر المران(3) وجالت الخيل بالأبطال فلا أسمع إلّا غمغمة أو همهمة فاتبعوني وكونوا في أثري.
ثمّ حمل على أهل الشام فكسر فيهم رمحه ثمّ رجع فإذا هو الأشتر.
قال: وخرج رجل من أهل الشام فنادى بين الصفين يا أبا الحسن يا علي ابرز إلي فخرج إليه علي عليه السلام حتى اختلفت أعناق دابتيهما بين الصفين فقال: إنّ لك يا علي تقدّما في الإسلام والهجرة فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء وتأخّر هذه الحروب حتّى ترى رأيك؟ قال عليّ عليه السلام: وما هو؟ قال: ترجع إلى عراقك فنخلي بينك وبين العراق ونرجع نحن إلى شامنا فتخلي بيننا وبين الشام فقال علي عليه السلام: قد عرفت ما عرضت إنّ هذه لنصيحة وشفقة ولقد أهمّني هذا الأمر وأسهرني وضربت أنفه وعينه فلم أجد إلّا القتال أو الكفر بما أنزل اللَّه على محمّد إن اللَّه تعالى ذكره لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر فوجدت القتال أهون علي من معالجة في الأغلال في جهنم.
قال: فرجع الرجل (الشاميّ) وهو يسترجع وزحف الناس بعضهم إلى بعض فارتموا بالنبل والحجارة حتى فنيت ثم تطاعنوا بالرماح حتى تكسرت واندقت ثم مشى القوم بعضهم إلى بعض بالسيوف وعمد الحديد فلم يسمع السامعون إلّا
ص: 344
وقع الحديد بعضه على بعض لهو أشد هولا في صدور الرجال من الصواعق ومن جبال تهامة يدك بعضها بعضا وانكسفت الشمس بالنقع وثار القتام والقسطل(1) وضلت الألوية والرايات وأخذ الأشتر يسير فيما بين الميمنة والميسرة فيأمر كل قبيلة أو كتيبة من القراء بالإقدام على التي تليها فاجتلدوا بالسيوف وعمد الحديد من صلاة الغداة من اليوم المذكور إلى نصف الليل لم يصلوا للَّه صلاة فلم يزل الأشتر يفعل ذلك حتى أصبح والمعركة خلف ظهره وافترقوا عن سبعين ألف قتيل في ذلك اليوم وتلك الليلة وهي ليلة الهرير المشهورة وكان الأشتر في ميمنة الناس وابن عباس في الميسرة وعلي عليه السلام في القلب والناس يقتتلون. ثم استمر القتال من نصف الليل الثاني إلى ارتفاع الضحى والأشتر يقول لأصحابه وهو يزحف بهم نحو أهل الشام ازحفوا قيد رمحي هذا ويلقي رمحه فإذا فعلوا ذلك قال ازحفوا قاب هذا القوس(2) إذا فعلوا ذلك سألهم مثل ذلك حتى مل أكثر الناس من الإقدام فلما رأى ذلك قال أعيذكم باللَّه أن ترضعوا الغنم سائر اليوم ثم دعا بفرسه وركز رايته وكانت مع حيان بن هوذة النخعي وسار بين الكتائب وهو يقول: ألا من يشتري نفسه للَّه ويقاتل مع الأشتر حتى يظهر أو يلحق باللَّه فلا يزال الرجل من الناس يخرج إليه فيقاتل معه(3).
قال نصر وحدثني عمرو قال حدثني أبو ضرار قال حدثني عمار بن ربيعة قال: مرّ بي الأشتر فأقبلت معه حتى رجع إلى المكان الذي كان به فقام في أصحابه
ص: 345
فقال شدوا فدا لكم عمي وخالي شدة ترضون بها اللَّه وتعرزون بها الدين إذا أنا حملت فاحملوا(1) ثم نزل وضرب وجه دابته وقال لصاحب رايته أقدم فتقدم(2) بها ثم شد على القوم وشد معه أصحابه فضرب أهل الشام حتى انتهى بهم إلى معسكرهم فقاتلوا عند المعسكر قتالا شديدا وقتل صاحب رايتهم وأخذ علي عليه السلام لما رأى الظفر قد جاء من قبله يمده بالرجال.
وروى نصر عن رجاله قال لما بلغ القوم إلى ما بلغوا إليه قام علي عليه السلام خطيبا فحمد اللَّه وأثنى عليه وقال:
أيّها الناس قد بلغ بكم الأمر وبعدوكم ما قد رأيتم ولم يبق منهم إلّا آخر نفس وإن الأمور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأولها وقد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغنا منهم ما بلغنا وأنا غاد عليهم بالغداة أحاكمهم إلى اللَّه.
قال فبلغ ذلك معاوية فدعا عمرو بن العاص وقال يا عمرو إنما هي الليلة حتى يغدو علي علينا بالفيصل فما ترى.
قال إن رجالك لا يقومون لرجاله ولست مثله هو يقاتلك على أمر وأنت تقاتله على غيره أنت تريد البقاء وهو يريد الفناء وأهل العراق يخافون منك إن ظفرت بهم وأهل الشام لا يخافون عليا إن ظفر بهم ولكن ألق إلى القوم أمرا إن قبلوه اختلفوا وإن ردوه اختلفوا ادعهم إلى كتاب اللَّه حكما فيما بينك وبينهم فإنك بالغ به حاجتك في القوم وإني لم أزل أؤخر هذا الأمر لوقت حاجتك إليه.
فعرف معاوية ذلك وقال له صدقت.
ص: 346
قال نصر: وحدّثنا عمرو بن شمر عن جابر بن عمير الأنصاري قال: واللَّه لكأنّي أسمع عليا يوم الهرير وذلك بعد ما طحنت رحى مذحج فيما بينها وبين عك ولخم و جذام والأشعريين بأمر عظيم تشيب منه النواصي حتى استقلت الشمس وقام قائم الظهر(1) وعلي عليه السلام يقول لأصحابه حتى متى نخلي بين هذين الحيين قد فنيا وأنتم وقوف تنظرون أ ما تخافون مقت اللَّه ثم انفتل إلى القبلة ورفع يديه إلى اللَّه عز وجل ونادى يا اللَّه يا رحمان يا رحيم يا واحد يا أحد يا صمد يا اللَّه يا إله محمد اللهم إليك نقلت الأقدام وأفضت القلوب ورفعت الأيدي ومدت الأعناق وشخصت الأبصار وطلبت الحوائج اللهم إنا نشكو إليك غيبة نبينا وكثرة عدونا وتشتت أهوائنا «رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ»(2) سيروا على بركة اللَّه ثم نادى لا إله إلّا اللَّه واللَّه أكبر.
قال: فلا والذي بعث محمدا بالحق نبيا ما سمعنا رئيس قوم منذ خلق اللَّه السموات والأرض أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب إنه قتل فيما ذكر العادون زيادة على خمسمائة من أعلام العرب يخرج بسيفه منحنيا
فيقول معذرة إلى اللَّه وإليكم من هذا لقد هممت أن أفلقه(3) ولكن يحجزني عنه أنّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: «لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا علي» وأنا أقاتل به دونه صلى الله عليه وآله.
قال: فكنا نأخذه فنقومه ثم يتناوله من أيدينا فيقتحم به في عرض الصف فلا
ص: 347
واللَّه ما ليث بأشد نكاية منه في عدوه عليه السلام(1).
ولنعم ما قيل في وصف حاله عليه السلام في ليلة هذا اليوم وهي ليلة الهرير:
فَمَا لَقِيَ عليه السلام شُجَاعاً إِلّا أَرَاقَ دَمَهُ وَلا بَطَلاً إِلّا زَلْزَلَ قَدَمَهُ وَلا مُرِيداً إِلّا أَعْدَمَهُ وَلا قَاسِطاً إِلّا قَصَرَ عُمُرَهُ وَأَطَالَ نَدَمَهُ وَلا جُمِعَ نِفَاقٌ إِلّا فَرَّقَهُ وَلا بِنَاءُ ضَلالٍ إِلّا هَدَمَهُ وَكَانَ كُلَّمَا قَتَلَ فَارِساً أَعْلَىَ بِالتَّكْبِيرِ فَأَحْصَيْتُ تَكْبِيرَاتِهِ لَيْلَةَ الْهَرِيرِ فَكَانَتْ خَمْسَمِائَةٍ وَثَلاثاً وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً بِخَمْسِمِائَةٍ وَثَلاثَةٍ وَعِشْرِينَ قَتِيلاً مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ.
وَقِيلَ إِنَّهُ فَتَقَ نَيْفَقَ(2) دِرْعِهِ لِثِقَلِ مَا كَانَ يَسِيلُ مِنَ الدَّمِ عَلَى ذِرَاعِهِ وَقِيلَ إِنَّ قَتْلاهُ عُرِفُوا فِي النَّهَارِ فَإِنَّ ضَرَبَاتِهِ كَانَتْ عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ إِنْ ضَرَبَ طُولاً قَدَّ أَوْ عَرْضاً قَطَّ وَكَانَتْ كَأَنَّهَا مِكْوَاةٌ بِالنَّارِ(3)
قال نصر: فحدّثنا عمرو بن شمر عن جابر قال: سمعت تميم بن حذيم يقول: لمّا أصبحنا من ليلة الهرير نظرنا فإذا أشباه الرايات أمام أهل الشام في وسط الفيلق حيال موقف علي ومعاوية فلما أسفرنا إذا هي المصاحف قد ربطت في أطراف الرماح وهي عظام مصاحف العسكر وقد شدوا ثلاثة أرماح جميعا وربطوا عليها مصحف المسجد الأعظم يمسكه عشرة رهط.
قال نصر: وقال أبو جعفر وأبو الطفيل: استقبلوا عليّاً بمائة مصحف ووضعوا في
ص: 348
كل مجنبة(1) مائتي مصحف فكان جميعها خمسمائة مصحف.
قال أبو جعفر: ثم قام الطفيل بن أدهم حيال علي عليه السلام وقام أبو شريح الجذامي حيال الميمنة وقام ورقاء بن المعمر حيال الميسرة ثم نادوا: يا معشر العرب اللَّه اللَّه في النساء والبنات والأبناء من الروم والأتراك وأهل فارس غدا إذا فنيتم اللَّه اللَّه في دينكم هذا كتاب اللَّه بيننا وبينكم.
فقال علي عليه السلام: اللهم إنك تعلم أنهم ما الكتاب يريدون فاحكم بيننا وبينهم إنك أنت الحكم الحق المبين.
فاختلف أصحاب علي عليه السلام في الرأي فطائفة قالت القتال وطائفة قالت المحاكمة إلى الكتاب ولا يحل لنا الحرب وقد دعينا إلى حكم الكتاب فعند ذلك بطلت الحرب ووضعت أوزارها.
قال نصر: وحدّثنا عمرو بن شمر عن جابر قال: حدّثنا أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين قال: لما كان اليوم الأعظم قال أصحاب معاوية واللَّه لا نبرح اليوم العرصة حتى نموت أو يفتح لنا وقال أصحاب علي عليه السلام لا نبرح اليوم العرصة حتى نموت أو يفتح لنا فبادروا القتال غدوة في يوم من أيام الشعرى(2) طويل شديد الحرّ فتراموا حتى فنيت النبال وتطاعنوا حتى تقصفت الرماح ثم نزل القوم عن خيولهم ومشى بعضهم إلى بعض بالسيوف حتى كسرت جفونها وقام الفرسان في الركب ثم اضطربوا بالسيوف وبعمد الحديد فلم يسمع السامعون إلّا تغمغم القوم وصليل الحديد في الهام وتكادم الأفواه وكسفت الشمس وثار القتام وضلت
ص: 349
الألوية والرايات ومرت مواقيت أربع صلوات ما يسجد فيهن للَّه إلّا تكبيرا ونادت المشيخة في تلك الغمرات يا معشر العرب اللَّه اللَّه في الحرمات من النساء والبنات قال جابر فبكى أبو جعفر وهو يحدثنا بهذا الحديث.
قال نصر: وأقبل الأشتر على فرس كميت محذوف وقد وضع مغفره على قربوس السرج وهو ينادي اصبروا يا معشر المؤمنين فقد حمي الوطيس ورجعت الشمس من الكسوف واشتد القتال وأخذت السباع بعضها بعضا فهم كما قال الشاعر:
مضت واستأخر القرعاء عنها * وخلي بينهم إلّا الوريع
قال: يقول واحد لصاحبه في تلك الحال: أي رجل هذا لو كانت له نيّة فيقول له صاحبه: وأي نية أعظم من هذه ثكلتك أمّك وهبلتك إن رجلا كما ترى قد سبح في الدم وما أضجرته الحرب وقد غلت هام الكماة من الحر وبلغت القلوب الحناجر وهو كما تراه جذعا(1) يقول هذه المقالة اللهم لا تبقنا بعد هذا(2).
قال نصر: وروى الشعبي عن صعصعة قال: وقد كان الأشعث بن قيس بدر منه قول ليلة الهرير نقله الناقلون إلى معاوية فاغتنمه وبنى عليه تدبيره.
ص: 350
وذلك أنه خطب أصحابه من كندة تلك الليلة فقال في خطبته:
قد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي وما قد فني فيه من العرب فو اللَّه لقد بلغت من السن ما شاء اللَّه أن أبلغ فما رأيت مثل هذا اليوم قط ألا فليبلغ الشاهد الغائب إنا نحن إن تواقفنا غدا إنه لفناء العرب وضيعة الحرمات أما واللَّه ما أقول هذه المقالة جزعا عن الحرب ولكنّي رجل مسن أخاف على النساء والذراري غدا إذا فنينا ونحو ذلك ممّا يخذلهم عن القتال.
فلمّا بلغ ذلك معاوية قال: أصاب ورب الكعبة فدبر تلك الليلة ما دبر من رفع المصاحف على الرماح، فأقبلوا بالمصاحف ورفعوها في رؤوس الرماح وقد قلدوها الخيل ومصحف دمشق الأعظم يحمله عشرة رجال على رؤوس الرماح وهم ينادون كتاب اللَّه بيننا وبينكم.
قال: فجاء عدي فقال: يا أمير المؤمنين إنه لم يصب منا عصبة إلّا وقد أصيب منهم مثلها، وكل مقروح ولكنّا أمثل بقية منهم وقد جزع القوم وليس بعد الجزع إلّا ما نحب فناجزهم.
وقام الأشتر (في الشرح المعتزلي: عمرو بن الحمق) فقال: يا أميرالمؤمنين إنّا واللَّه ما أجبناك ولا نصرناك على الباطل ولا أجبنا إلّا اللَّه ولا طلبنا إلّا الحق، ولو دعانا غيرك إلى ما دعوتنا إليه لاستشرى(1) فيه اللجاج وطالت فيه النجوى وقد بلغ الحق مقطعه وليس لنا معك رأي.
فقام الأشعث بن قيس مغضبا فقال: يا أمير المؤمنين إنا لك اليوم على ما كنا عليه أمس وليس آخر أمرنا كأوله وما من القوم أحد أحنى على أهل العراق ولا
ص: 351
أوتر لأهل الشام مني فأجب القوم إلى كتاب اللَّه عز وجل فإنك أحق به منهم وقد أحب الناس البقاء وكرهوا القتال.
فقال علي عليه السلام: هذا أمر ينظر فيه. فتنادى الناس من كل جانب الموادعة.
فقال علي عليه السلام: أيها الناس إني أحق من أجاب إلى كتاب اللَّه ولكن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وابن أبي سرح وابن مسلمة ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن إني أعرف بهم منكم صحبتهم صغارا ورجالا فكانوا شر صغار وشر رجال ويحكم إنها كلمة حق يراد بها باطل إنهم ما رفعوها أنهم يعرفونها ولا يعملون بها ولكنها الخديعة والوهن والمكيدة أعيروني سواعدكم وجماجمكم ساعة واحدة فقد بلغ الحق مقطعه ولم يبق إلّا أن يقطع دابر الذين ظلموا.
فجاءه من أصحابه زهاء عشرين ألفا مقنعين في الحديد شاكي السلاح سيوفهم على عواتقهم وقد اسودت جباههم من السجود يتقدمهم مسعر بن فدكي وزيد بن حصين وعصابة من القراء الذين صاروا خوارج من بعد فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين: يا علي أجب القوم إلى كتاب اللَّه إذ دعيت إليه وإلّا قتلناك كما قتلنا ابن عفان فو اللَّه لنفعلنها إن لم تجبهم.
فقال لهم: ويحكم أنا أول من دعا إلى كتاب اللَّه وأول من أجاب إليه وليس يحل لي ولا يسعني في ديني أن أدعى إلى كتاب اللَّه فلا أقبله إني إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم القرآن فإنّهم قد عصوا اللَّه فيما أمرهم ونقضوا عهده ونبذوا كتابه ولكني قد أعلمتكم أنهم قد كادوكم وأنهم ليس العمل بالقرآن يريدون.
قالوا: فابعث إلى الأشتر ليأتينك وقد كان الأشتر صبيحة ليلة الهرير أشرف على عسكر معاوية ليدخله.
ص: 352
قال نصر: فحدّثني فضيل بن خديج عن رجل من النخع قال سأل مصعب إبراهيم بن الأشتر عن الحال كيف كانت فقال كنت عند علي عليه السلام حين بعث إلى الأشتر ليأتيه وقد كان الأشتر أشرف على معسكر معاوية ليدخله فأرسل إليه علي عليه السلام يزيد بن هانئ أن ائتني به فأتاه فأبلغه فقال له الأشتر: ائته فقل له ليس هذه بالساعة التي ينبغي لك أن تزيلني عن موقفي إني قد رجوت الفتح فلا تعجلني.
فرجع يزيد إلى علي عليه السلام فأخبره فما هو إلّا أن انتهى إلينا حتى ارتفع الرهج(1) وعلت الأصوات من قبل الأشتر وظهرت دلائل الفتح والنصر لأهل العراق ودلائل الخذلان والإدبار على أهل الشام.
فقال القوم لعلي عليه السلام: واللَّه ما نراك أمرته إلّا بالقتال قال أ رأيتموني ساررت رسولي إليه أ ليس إنما كلمته على رؤوسكم علانية وأنتم تسمعون؟ قالوا: فابعث إليه فليأتك وإلّا فو اللَّه اعتزلناك.
فقال عليه السلام: ويحك يا يزيد قل له أقبل إلي فإن الفتنة قد وقعت فأتاه فأخبره فقال الأشتر: أبرفع هذه المصاحف؟ قال نعم قال أما واللَّه لقد ظننت أنها حين رفعت ستوقع خلافا وفرقة إنها مشورة ابن النابغة ثم قال ليزيد بن هانئ ويحك أ لا ترى إلى الفتح ألا ترى إلى ما يلقون أ لا ترى الذي يصنع اللَّه لنا أ ينبغي أن ندع هذا وننصرف عنه؟
فقال له يزيد: أتحب أنك ظفرت هاهنا وأن أمير المؤمنين بمكانه الذي هو فيه يفرج عنه ويسلم إلى عدوه قال سبحان اللَّه لا واللَّه لا أحب ذلك قال فإنهم قد قالوا
ص: 353
له وحلفوا عليه لترسلن إلى الأشتر فليأتينك أو لنقتلنك بأسيافنا كما قتلنا عثمان أو لنسلمنك إلى عدوك.
فأقبل الأشتر حتى انتهى إليهم فصاح: يا أهل الذل والوهن أ حين علوتم القوم وظنوا أنكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها وقد واللَّه تركوا ما أمر اللَّه به فيها وتركوا سنة من أنزلت عليه فلا تجيبوهم أمهلوني فواقا فإني قد أحسست بالفتح قالوا لا نمهلك قال فأمهلوني عدوة الفرس فإني قد طمعت في النصر قالوا إذن ندخل معك في خطيئتك.
قال فحدثوني عنكم وقد قتل أماثلكم وبقي أراذلكم متى كنتم محقين؟ أحين كنتم تقتلون أهل الشام فأنتم الآن حين أمسكتم عن قتالهم مبطلون أم أنتم الآن في إمساككم عن القتال محقون فقتلاكم إذن الذين لا تنكرون فضلهم وأنهم خير منكم في النار.
قالوا: دعنا منك يا أشتر قاتلناهم في اللَّه وندع قتالهم في اللَّه إنا لسنا نطيعك فاجتنبنا(1) فقال: خدعتم واللَّه فانخدعتم ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم يا أصحاب الجباه السود كنا نظن صلاتكم زهادة في الدنيا وشوقا إلى لقاء اللَّه فلا أرى فراركم إلّا إلى الدنيا من الموت ألا فقبحا يا أشباه النيب(2) الجلالة ما أنتم براءين بعدها عزا أبدا فابعدوا كما بعد القوم الظالمون. فسبوه وسبهم وضربوا بسياطهم وجه دابته وضرب بسوطه وجوه دوابهم وصاح بهم علي عليه السلام فكفوا.
وقال الأشتر: يا أميرالمؤمنين احمل الصف على الصف تصرع القوم فتصايحوا
ص: 354
أن أمير المؤمنين قد قبل الحكومة ورضي بحكم القرآن فقال الأشتر إن كان أميرالمؤمنين قد قبل ورضي فقد رضيت بما يرضي به أميرالمؤمنين، فأقبل الناس يقولون قد قبل أميرالمؤمنين قد رضي أميرالمؤمنين وهوعليه السلام ساكت لا يبض(1) بكلمة مطرق إلى الأرض.
ثم قال فسكت الناس كلهم.
فقال عليه السلام: أيها الناس إن أمري لم يزل معكم على ما أحب إلى أن أخذت منكم الحرب وقد واللَّه أخذت منكم وتركت وأخذت من عدوكم فلم تترك وإنها فيهم أنكى وأنهك ألا إني كنت أمس أميرالمؤمنين فأصبحت اليوم مأمورا، وكنت ناهيا فأصبحت منهيا، وقد أحببتم البقاء وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون، ثم قعد.
ثمّ تكلّم رؤساء القبائل فكل قال ما يراه ويهواه إما من الحرب أو من السلم(2).
قال نصر: ثمّ إن أهل الشام لما أبطأ عنهم علم حال أهل العراق هل أجابوا إلى الموادعة أم لا جزعوا فقالوا يا معاوية ما نرى أهل العراق أجابوا إلى ما دعوناهم إليه فأعدها جذعة(3) فإنّك قد غمرت بدعائك القوم وأطمعتهم فيك.
فدعا معاوية عبداللَّه بن عمرو بن العاص فأمره أن يكلم أهل العراق ويستعلم له ما عندهم فأقبل حتى إذا كان بين الصفين نادى يا أهل العراق أنا عبداللَّه بن عمرو
ص: 355
بن العاص إنه قد كانت بيننا وبينكم أمور للدين أو الدنيا فإن تكن للدين فقد واللَّه أعذرنا وأعذرتم وإن تكن للدنيا فقد واللَّه أسرفنا وأسرفتم وقد دعوناكم إلى أمر لو دعوتمونا إليه لأجبناكم فإن يجمعنا وإياكم الرضا فذاك من اللَّه فاغتنموا هذه الفرصة عسى أن يعيش فيها المحتزق(1) وينسى فيها القتيل فإن بقاء المهلك بعد الهالك قليل.
فأجابه سعد بن قيس الهمداني فقال: أمّا بعد يا أهل الشام إنه قد كانت بيننا وبينكم أمور حامينا (حاسبنا) فيها على الدين والدنيا وسميتموها غدرا وسرفا وقد دعوتمونا اليوم إلى ما قاتلناكم عليه أمس ولم يكن ليرجع أهل العراق إلى عراقهم و أهل الشام إلى شامهم بأمر أجمل من أن يحكم فيه بما أنزل اللَّه سبحانه [فالأمر في أيدينا دونكم وإلّا فنحن نحن وأنتم أنتم]. فقام الناس إلى علي عليه السلام فقالوا له: أجب القوم إلى المحاكمة(2).
قال نصر: فجاء الأشعث إلى علي عليه السلام فقال: يا أميرالمؤمنين ما أرى الناس إلّا قد رضوا وسرهم أن يجيبوا القوم إلى ما دعوهم إليه من حكم القرآن فإن شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد ونظرت ما الذي يسأل.
قال عليه السلام: فأته إن شئت فأتاه فسأله يا معاوية لأي شي ء رفعتم هذه المصاحف قال لنرجع نحن وأنتم إلى ما أمر اللَّه به فيها فابعثوا رجلا منكم ترضون به ونبعث منا رجلا ونأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب اللَّه ولا يعدوانه ثم نتبع ما اتفقا عليه.
ص: 356
فقال الأشعث: هذا هو الحق. وانصرف إلى علي عليه السلام فأخبره فبعث علي عليه السلام قراء من أهل العراق وبعث معاوية قراء من أهل الشام فاجتمعوا بين الصفين ومعهم المصحف فنظروا فيه وتدارسوا واجتمعوا على أن يحيوا ما أحيا القرآن ويميتوا ما أمات القرآن ورجع كل فريق إلى أصحابه.
فقال أهل الشام: إنا قد رضينا واخترنا عمرو بن العاص وقال الأشعث والقراء الذين صاروا خوارج فيما بعد قد رضينا نحن واخترنا أبا موسى الأشعري فقال لهم علي عليه السلام: فإني لا أرضى بأبي موسى ولا أرى أن أوليه فقال الأشعث وزيد بن حصين ومسعر بن فدكي في عصابة من القراء: إنّا لا نرضى إلّا به فإنه قد كان حذرنا ما وقعنا فيه.
فقال علي عليه السلام: فإنه ليس لي برضا وقد فارقني وخذل الناس عني وهرب مني حتى أمنته بعد أشهر ولكن هذا ابن عباس أوليه ذلك قالوا واللَّه ما نبالي أ كنت أنت أو ابن عباس ولا نريد إلّا رجلا هو منك ومن معاوية سواء ليس إلى واحد منكما أدنى من الآخر قال علي عليه السلام فإني أجعل الأشتر.
فقال الأشعث: وهل سعر الأرض علينا إلّا الأشتر وهل نحن إلّا في حكم الأشتر قال علي عليه السلام وما حكمه؟ قال حكمه أن يضرب بعضنا بعضا بالسيف حتّى يكون ما أردت وما أراد.
قال نصر: وحدّثنا عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام قال: لمّا أراد الناس عليا أن يضع الحكمين قال لهم إن معاوية لم يكن ليضع لهذا الأمر أحدا هو أوثق برأيه ونظره من عمرو بن العاص وإنه لا يصلح للقرشي إلّا مثله فعليكم بعبد اللَّه بن العباس فارموه به فإن عمرا لا يعقد عقدة إلّا حلها عبداللَّه
ص: 357
ولا يحل عقدة إلّا عقدها ولا يبرم أمرا إلا نقضه ولا ينقض أمرا إلا أبرمه.
فقال الأشعث: لا واللَّه لا يحكم فينا مضريان حتى تقوم الساعة ولكن اجعل رجلا من أهل اليمن إذ جعلوا رجلا من مضر فقال علي عليه السلام إني أخاف أن يخدع يمنيكم فإن عمرا ليس من اللَّه في شي ء إذا كان له في أمر هوى فقال الأشعث واللَّه لأن يحكما ببعض ما نكره وأحدهما من أهل اليمن أحب إلينا من أن يكون بعض ما نحب في حكمهما وهما مضريان.
قال نصر: فقال علي عليه السلام: قد أبيتم إلّا أبا موسى قالوا نعم قال فاصنعوا ما شئتم فبعثوا إلى أبي موسى وهو بأرض من أرض الشام يقال لها «عرض»(1) قد اعتزل القتال فأتاه مولى له فقال: إن الناس قد اصطلحوا فقال: الحمد للَّه رب العالمين قال: وقد جعلوك حكما فقال: إنا للَّه وإنا إليه راجعون.
فجاء أبو موسى حتى دخل عسكر علي عليه السلام وجاء الأشتر عليّاً فقال: يا أمير المؤمنين ألزني(2) بعمرو بن العاص فو الذي لا إله غيره لئن ملأت عيني منه لأقتلنه.
وجاء الأحنف بن قيس عليّاً فقال: يا أميرالمؤمنين إنك قد رميت بحجر(3) الأرض ومن حارب اللَّه ورسوله أنف(4) الإسلام وإني قد عجمت(5) هذا الرجل
ص: 358
يعني أبا موسى وحلبت أشطره(1) فوجدته كليل الشفرة(2) قريب القعر وانه لا يصلح لهؤلاء القوم إلّا رجل يدنو منهم حتى يكون في أكفهم ويتباعد منهم حتى يكون بمنزلة النجم منهم فإن شئت أن تجعلني حكما فاجعلني وإن شئت أن تجعلني ثانيا أو ثالثا فإن عمرا لا يعقد عقدة إلّا حللتها ولا يحل عقدة إلّا عقدت لك أشد منها.
فعرض علي عليه السلام ذلك على الناس فأبوه وقالوا لا يكون إلّا أبا موسى.
قال نصر: فبعث أيمن بن خزيم الأسدي وكان م * من الضلال رموكم بابن عباس
للَّه در أبيه أيما رجل * ما مثله لفصال الخطب في الناس
لكن رموكم بشيخ من ذوي يمن * لا يهتدي ضرب أخماس لأسداس
إن يخل عمرو به يقذفه في لجج * يهوي به النجم تيسا بين أتياس(3)
أبلغ لديك عليا غير عاتبه * قول امرئ لا يرى بالحق من باس
ما الأشعري بمأمون أبا حسن * فاعلم هديت وليس العجز كالرأس
فاصدم بصاحبك الأدنى زعيمهم * إن ابن عمك عباس هو الآسي
فلما بلغ الناس هذا الشعر طارت أهواء قوم من أولياء علي عليه السلام وشيعته إلى ابن عبّاس وأبت القراء إلّا أبا موسى(4).
ص: 359
قال نصر: فلمّا رضي أهل الشام بعمرو وأهل العراق بأبي موسى أخذوا في سطر كتاب الموادعة وكانت صورته: هذا ما تقاضى عليه علي أمير المؤمنين ومعاوية بن أبي سفيان فقال معاوية بئس الرجل أنا إن أقررت أنه أمير المؤمنين ثم قاتلته وقال عمرو: بل نكتب اسمه واسم أبيه إنما هو أميركم فأما أميرنا فلا فلما أعيد عليه الكتاب أمر بمحوه.
فقال الأحنف: لا تمح اسم أمير المؤمنين عنك فإني أتخوف إن محوتها ألا ترجع إليك أبدا فلا تمحها.
فقال علي عليه السلام إن هذا اليوم كيوم الحديبية حين كتب الكتاب عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله هذا ما صالح عليه محمد رسول اللَّه سهيل بن عمرو فقال سهيل لو أعلم أنك رسول اللَّه لم أقاتلك ولم أخالفك إني إذا لظالم لك إن منعتك أن تطوف ببيت اللَّه الحرام وأنت رسوله ولكن اكتب من محمد بن عبداللَّه فقال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يا علي إني لرسول اللَّه وأنا محمد بن عبداللَّه ولن يمحو عني الرسالة كتابي لهم من محمد بن عبداللَّه فاكتبها وامح ما أراد محوه أما إن لك مثلها(1) ستعطيها وأنت مضطهد(2).
قال نصر: وقد روي أن عمرو بن العاص عاد بالكتاب إلى علي عليه السلام فطلب منه أن يمحو اسمه من إمرة المؤمنين فقص عليه وعلى من حضر قصة صلح الحديبية قال إن ذلك الكتاب أنا كتبته بيننا وبين المشركين واليوم أكتبه إلى أبنائهم كما كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كتبه إلى آبائهم شبها ومثلا.
فقال عمرو سبحان اللَّه أتشبهنا بالكفار ونحن مسلمون فقال علي عليه السلام.
ص: 360
يا ابن النابغة ومتى لم تكن للكافرين وليا وللمسلمين عدوا فقام عمرو وقال: واللَّه لا يجمع بيني وبينك مجلس بعد اليوم فقال علي أما واللَّه إني لأرجو أن يظهر اللَّه عليك وعلى أصحابك وجاءت عصابة قد وضعت سيوفها على عواتقها فقالوا يا أمير المؤمنين مرنا بما شئت فقال لهم سهل بن حنيف أيها الناس اتهموا(1) رأيكم فلقد شهدنا صلح رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يوم الحديبية ولو نرى قتالا لقاتلنا.
قال نصر: وقد روى أبو إسحاق الشيباني قال قرأت كتاب الصلح عند سعيد بن أبي بردة في صحيفة صفراء عليها خاتمان خاتم من أسفلها وخاتم من أعلاها على خاتم علي عليه السلام محمد رسول اللَّه وعلى خاتم معاوية محمد رسول اللَّه وقيل لعلي عليه السلام حين أراد أن يكتب الكتاب بينه وبين معاوية وأهل الشام أ تقر أنهم مؤمنون مسلمون؟
فقال علي عليه السلام: ما أقر لمعاوية ولا لأصحابه أنهم مؤمنون ولا مسلمون ولكن يكتب معاوية ما شاء بما شاء ويقر بما شاء لنفسه ولأصحابه ويسمي نفسه بما شاء وأصحابه فكتبوا: هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان قاضى علي بن أبي طالب على أهل العراق ومن كان معه من شيعته من المؤمنين والمسلمين وقاضى معاوية بن أبي سفيان على أهل الشام ومن كان معه من شيعته من المؤمنين والمسلمين إننا ننزل عند حكم اللَّه تعالى وكتابه ولا يجمع بيننا إلّا إياه وإن كتاب اللَّه سبحانه وتعالى بيننا من فاتحته إلى خاتمته نحيي ما أحيا القرآن ونميت ما أمات القرآن فإن وجد الحكمان ذلك في كتاب اللَّه اتبعاه وإن لم يجداه أخذا بالسنة العادلة غير المفرقة والحكمان عبداللَّه بن قيس وعمرو بن العاص.
ص: 361
وقد أخذ الحكمان من علي ومعاوية ومن الجندين أنهما آمنان على أنفسهما وأموالهما وأهلهما والأمة لهما أنصار وعلى الذي يقضيان عليه وعلى المؤمنين والمسلمين من الطائفتين عهد اللَّه أن يعملوا بما يقضيان عليه ممّا وافق الكتاب والسنة وإن الأمن والموادعة ووضع السلاح متفق عليه بين الطائفتين إلى أن يقع الحكم وعلى كل واحد من الحكمين عهد اللَّه ليحكمن بين الأمة بالحق لا بالهوى.
وأجل الموادعة سنة كاملة فإن أحب الحكمان أن يعجلا الحكم عجلاه وإن توفي أحدهما فلأمير شيعته أن يختار مكانه رجلا لا يألو الحق والعدل وإن توفي أحد الأميرين كان نصب غيره إلى أصحابه ممن يرضون أمره ويحمدون طريقته اللهم إنا نستنصرك على من ترك ما في هذه الصحيفة وأراد فيها إلحادا وظلما.
قال نصر: هذه رواية محمد بن علي بن الحسين عليه السلام والشعبي وروى جابر عن زيد بن الحسن بن الحسن زيادات على هذه النسخة - إلى أن قال: - وشهد فيه من أصحاب علي عليه السلام عشرة ومن أصحاب معاوية عشرة وتاريخ كتابته لليلة بقيت من صفر سنة سبع وثلاثين(1).
قال نصر: وحدثنا عمرو بن سعيد قال حدثني أبو جناب عن ربيعة الجرمي قال: لما كتبت الصحيفة دعي لها الأشتر ليشهد مع الشهود عليه فقال لا صحبتني يميني ولا نفعني بعدها الشمال إن كتب لي في هذه الصحيفة اسم على صلح أو الموادعة، أولست على بينة من أمري ويقين من ضلالة عدوي أ ولستم قد رأيتم الظفر إن لم تجمعوا على الخور(2) فقال له رجل من الناس: واللَّه ما رأيت ظفرا ولا
ص: 362
خورا هلم فأشهد على نفسك وأقرر بما كتب في هذه الصحيفة فإنه لا رغبة لك عن الناس فقال: بلى واللَّه إن لي لرغبة عنك في الدنيا للدنيا وفي الآخرة للآخرة ولقد سفك اللَّه بسيفي هذا دماء رجال ما أنت عندي بخير منهم ولا أحرم دما.
قال نصر: وكان الرجل هو الأشعث بن قيس قال فكأنما قصع على أنه الحميم ثم قال الاشتر: ولكنّي قد رضيت بما يرضى به أمير المؤمنين ودخلت فيما دخل فيه وخرجت ممّا خرج منه فإنه لا يدخل إلّا في الهدى والصواب.
قال نصر: فحدّثنا عمر بن سعد عن أبي جناب الكلبي عن إسماعيل بن شفيع عن سفيان بن سلمة قال: فلمّا تم الكتاب وشهدت فيه الشهود وتراضى الناس خرج الأشعث ومعه ناس بنسخة الكتاب يقرؤها على الناس ويعرضها عليهم.
فمرّ به على صفوف من أهل الشام وهم على راياتهم فأسمعهم إياه فرضوا به ثم مرّ به على صفوف من أهل العراق وهم على راياتهم فأسمعهم إياه فرضوا به حتى مرّ برايات عنزة وكان معه عليه السلام منهم أربعة ألف فلمّا مر بهم الأشعث يقرأ عليهم قال فتيان منهم: لا حكم إلّا للَّه ثم حملا على أهل الشام بسيوفهما فقاتلا حتى قتلا على باب رواق معاوية.
ثمّ مرّ بهما على مراد فقال صالح بن شقيق وكان من رؤوسهم:
لا حكم إلّا للَّه ولو كره المشركون، ثمّ مرّ على رايات بني راسب فقرأها عليهم فقال رجل منهم: لا حكم إلّا للَّه لا نرضى ولا نحكم الرجال في دين اللَّه، ثمّ مرّ على رايات تميم فقرأها عليهم فقال رجل منهم: لا حكم إلّا للَّه يقضي بالحق وهو خير الفاصلين وخرج عروة التميمي فقال: أتحكمون الرجال في أمر اللَّه لا حكم
ص: 363
إلّا للَّه فأين قتلانا يا أشعث؟ ثمّ شد بسيفه ليضرب به الأشعث فأخطأه وضرب عجز دابته ضربة خفيفة.
فانطلق الأشعث إلى علي عليه السلام فقال: يا أميرالمؤمنين إني عرضت الحكومة على صفوف أهل الشام وأهل العراق فقالوا جميعا رضينا حتى مررت برايات بني راسب ونبذ من الناس سواهم فقالوا لا نرضى لا حكم إلّا للَّه فمل (فلنحمل) بأهل العراق وأهل الشام عليهم حتى يقتلهم فقال: هل هي غير راية أو رايتين ونبذ من الناس قال: لا قال: فدعهم(1).
قال نصر: فظنّ علي عليه السلام أنهم قليلون لا يعبأ بهم فما راعه إلّا نداء الناس من كل جهة ومن كل ناحية لا حكم إلّا للَّه الحكم للَّه يا علي لا لك لا نرضى بأن يحكم الرجال في دين اللَّه إن اللَّه قد أمضى حكمه في معاوية وأصحابه أن يقتلوا أو يدخلوا تحت حكمنا عليهم، وقد كنّا زللنا وأخطأنا حين رضينا بالحكمين وقد بان لنا زللنا وخطؤنا فرجعنا إلى اللَّه وتبنا فارجع أنت يا علي كما رجعنا وتب إلى اللَّه كما تبنا وإلّا برئنا منك.
فقال علي عليه السلام: ويحكم أ بعد الرضا والميثاق والعهد نرجع أ ليس اللَّه تعالى قد قال: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(2) وقال: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً»(3) فأبى علي أن يرجع وأبت الخوارج إلّا تضليل التحكيم والطعن فيه فبرئت من علي عليه السلام وبرئ علي عليه السلام منهم.
ص: 364
قال نصر: وحدثني عمر بن نمير بن وعلة عن أبي الوداك قال لما تداعى الناس إلى المصاحف وكتبت صحيفة الصلح والتحكيم قال علي عليه السلام إنما فعلت ما فعلت لما بدا فيكم من الخور والفشل عن الحرب فجاءت إليه همدان كأنها ركن حصير فيهم سعيد بن قيس وابنه عبدالرحمن غلام له ذؤابة فقال سعيد ها أنا ذا وقومي لا نرد أمرك فقل ما شئت نعمله، فقال: أما لو كان هذا قبل سطر الصحيفة لأزلتهم عن عسكرهم أو تنفرد سالفتي(1) قبل ذلك ولكن انصرفوا راشدين.
قال نصر: وروى الشعبي أن علياعليه السلام قال يوم صفين حين أقر الناس بالصلح: إنّ هؤلاء القوم لم يكونوا لينيبوا إلى الحق ولا ليجيبوا إلى كلمة سواء حتى يرموا بالمناسر(2) تتبعها العساكر وحتى يرجموا بالكتائب تقفوها الجلائب(3)، وحتّى يجر ببلادهم الحميس(4) يتلوه الحميس، وحتّى يدعق(5) الخيول في نواحي أرضهم وبأحناء مشاربهم ومسارحهم وحتى تشن عليهم الغارات من كل فج وحتى يلقاهم قوم صدق صبر لا يزيدهم هلاك من هلك من قتلاهم وموتاهم في سبيل اللَّه إلّا جدا في طاعة اللَّه وحرصا على لقاء اللَّه.
ولقد كنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأخوالنا وأعمامنا لا
ص: 365
يزيدنا ذلك إلّا إيمانا وتسليما ومضيا على أمض الألم وجدا على جهاد العدو والاستقلال بمبارزة الأقران.
ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون فمرة لنا من عدونا ومرة لعدونا منا فلما رآنا اللَّه صدقا صبرا أنزل بعدونا الكبت وأنزل علينا النصر ولعمري لو كنا نأتي مثل الذي أتيتم ما قام الدين ولا عز الإسلام(1).
وروى نصر عن عمرو بن شمر عن فضيل بن خديج قال: قيل لعلي عليه السلام لما كتبت الصحيفة أن الأشتر لم يرض بما في الصحيفة ولا يرى إلّا قتال القوم فقال علي عليه السلام: بلى إن الأشتر ليرضى إذا رضيت وقد رضيت ورضيتم ولا يصلح الرجوع بعد الرضا ولا التبديل بعد الإقرار إلّا أن يعصى اللَّه أو يتعدى ما في كتابه، وأما الذي ذكرتم من تركه أمري وما أنا عليه فليس من أولئك ولا أعرفه على ذلك وليت فيكم مثله اثنين بل ليت فيكم مثله واحدا يرى في عدوي مثل رأيه إذا (إذن) لخفت مئونتكم علي ورجوت أن يستقيم لي بعض أودكم.
قال نصر: ثمّ انّ الناس أقبلوا على قتلاهم فدفنوهم(2).
وروى الشعبي عن زياد بن النضر: أنّ عليّاًعليه السلام بعث أربعمائة عليهم شريح بن هانئ ومعه عبداللَّه بن عباس يصلي بهم (ويلي أمورهم) ومعهم أبو موسى الأشعري وبعث معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة، ثمّ إنهم خلوا بين الحكمين
ص: 366
فكان رأي عبداللَّه بن قيس (أبو موسى) في عبداللَّه بن عمر بن الخطاب وكان يقول واللَّه إن استطعت لأحيين سنة عمر.
قال نصر: وفي حديث محمّد بن عبيد اللَّه عن الجرجاني قال لما أراد أبو موسى المسير قام إليه شريح بن هانئ فأخذ بيده وقال يا أبا موسى إنك قد نصبت لأمر عظيم لا يجبر صدعه ولا تستقال فتنته، ومهما تقل من شي ء عليك أو لك يثبت حقه وتر (ترى) صحته وإن كان باطلا وإنه لا بقاء لأهل العراق إن ملكهم معاوية، ولا بأس على أهل الشام إن ملكهم على عليه السلام.
وقد كانت منك تثبيطة أيام الكوفة والجمل فإن تشفعها بمثلها يكن الظن بك يقينا والرجاء منك يأسا فقال أبو موسى: ماينبغي لقوم اتّهموني ان يرسلوني لا دفع عنهم باطلا أو أجر إليهم حقا(1).
وروى المدائني في كتاب صفين قال: لما أجمع أهل العراق على طلب أبي موسى وأحضروه للتحكيم على كره من علي عليه السلام أتاه عبداللَّه بن العباس وعنده وجوه الناس وأشرافهم فقال له: يا أبا موسى إن الناس لم يرضوا بك ولم يجتمعوا عليك لفضل لا تشارك فيه وما أكثر أشباهك من المهاجرين والأنصار والمتقدمين قبلك ولكن أهل العراق أبوا إلّا أن يكون الحكم يمانيا ورأوا أن معظم أهل الشام يمان وايم اللَّه إني لأظن ذلك شرا لك ولنا، فإنّه قد ضم إليك داهية(2) العرب، وليس في معاوية خلة يستحق بها الخلافة، فإن تقذف بحقك على باطله تدرك
ص: 367
حاجتك منه وإن يطمع باطله في حقك يدرك حاجته منك.
واعلم يا أبا موسى أن معاوية طليق الإسلام وأن أباه رأس الأحزاب وأنه يدعي الخلافة من غير مشورة ولا بيعة فإن زعم لك أن عمر وعثمان استعملاه فلقد صدق استعمله عمر وهو الوالي عليه بمنزلة الطبيب يحميه ما يشتهي ويؤجره ما يكره ثم استعمله عثمان برأي عمر وما أكثر من استعملا ممن لم يدع الخلافة.
واعلم أن لعمرو مع كل شي ء يسرك خبيئا يسوءك ومهما نسيت فلا تنس أن عليا بايعه القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان وأنها بيعة هدى وأنه لم يقاتل إلّا العاصين والناكثين.
فقال أبو موسى: رحمك اللَّه واللَّه ما لي إمام غير علي عليه السلام وإني لواقف عند ما رأى وإن حق اللَّه أحب إلي من رضا معاوية وأهل الشام وما أنت وأنا إلّا باللَّه(1).
قال نصر: وكان النجاشي الشاعر صديقا لأبي موسى فكتب إليه يحذره من عمرو بن العاص:
يؤمل أهل الشام عمرا وإنني * لآمل عبداللَّه عند الحقائق
وإن أبا موسى سيدرك حقنا * إذا ما رمى عمرا بإحدى البوائق
وللَّه ما يرمى العراق وأهله * به منه إن لم يرمه بالصواعق
فكتب إليه أبو موسى إني لأرجو أن ينجلي هذا الأمر وأنا فيه على رضا اللَّه سبحانه.
قال نصر: ثمّ إن شريح بن هانئ جهز أبا موسى جهازا حسنا وعظم أمره في الناس ليشرف في قومه فقال الأعور الشني في ذلك يخاطب شريحا:
ص: 368
زففت ابن قيس زفاف العروس * شريح إلى دومة الجندل
و في زفك الأشعري البلاء * وما يقض من حادث ينزل
و ما الأشعري بذي إربة * ولا صاحب الخطة الفيصل
و لا آخذا حظ أهل العراق * ولو قيل ها خذه لم يفعل
يحاول عمرا وعمرو له * خدائع يأتي بها من علي
فإن يحكما بالهدى يتبعا * وإن يحكما بالهوى الأميل
يكونا كتيسين في قفرة * أكيلي نقيف من الحنظل(1)
فقال شريح: واللَّه لقد تعجلت رجال مساءتنا في أبي موسى وطعنوا عليه بأسوإ الطعن وظنوا فيه ما اللَّه عصمه منه إن شاء اللَّه(2).
قال نصر: وكان آخر من ودع أبا موسى الأحنف بن قيس أخذ بيده ثم قال له: يا أبا موسى اعرف خطب هذا الأمر واعلم أن له ما بعده وأنك إن أضعت العراق فلا عراق، اتّق اللَّه فإنّها تجمع لك دنياك وآخرتك وإذا لقيت غدا عمرا فلا تبدأه بالسلام فإنّها وإن كانت سنة إلّا أنّه ليس من أهلها، ولا تعطه يدك فإنّها أمانة وإياك أن يقعدك على صدر الفراش فإنّها خدعة ولا تلقه إلّا وحده، واحذر أن يكلمك في بيت فيه مخدع تخبأ لك فيه الرجال والشهود.
ثمّ أراد أن يبور(3) ما في نفسه لعلي عليه السلام فقال له: فإن لم يستقم لك فيه الرضا بعلي فليختر أهل العراق من قريش الشام من شاؤوا أو فليختر أهل الشام من قريش العراق من شاؤوا.
ص: 369
فقال أبو موسى: قد سمعت ما قلت ولم ينكر ما قاله من زوال الأمر عن علي.
فرجع الأحنف إلى علي عليه السلام فقال له: أخرج أبو موسى واللَّه زبدة سقائه في أوّل مخضه لا أرانا إلّا بعثنا رجلا لا ينكر خلعك فقال علي عليه السلام: اللَّه غالب على أمره.
قال نصر: وشاع وفشا أمر الأحنف وأبي موسى في الناس فبعث الصلتان العبدي وهو بالكوفة إلى دومة الجندل بهذه الأبيات:
لعمرك لا ألفي مدى الدهر خالعا * عليا بقول الأشعري ولا عمرو
فإن يحكما بالحق نقبله منهما * وإلّا أثرناها كراغية البكر
ولسنا نقول الدهر ذاك إليهما * وفي ذاك لو قلناه قاصمة الظهر
ولكن نقول الأمر والنهي كله* إليه وفي كفيه عاقبة الأمر
وما اليوم إلّا مثل أمس وإننا * لفي وشل الضحضاح(1) أو لجة البحر
قال: فلما سمع الناس قول الصلتان شحذهم ذلك على أبي موسى واستبطأه القوم وظنّوا به الظنون ومكث الرجلان بدومة الجندل لا يقولان شيئا(2).
قال نصر: وقد كان الأجناد(3) أبطأت على معاوية فبعث إلى رجال من قريش كانوا كرهوا أن يعينوه في حربه إن الحرب قد وضعت أوزارها، والتقى هذان الرجلان في دومة الجندل فاقدموا علي فأتاه عبداللَّه بن الزبير وعبداللَّه بن عمر بن الخطاب والمغيرة بن شعبة فقال له: يا مغيرة ما ترى؟ قال: يا معاوية لو وسعني أن أنصرك لنصرتك ولكن علي أن آتيك بأمر الرجلين فرحل حتى أتى دومة الجندل،
ص: 370
فدخل على أبي موسى، فقال: يا أبا موسى ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر وكره الدماء؟ قال: أولئك خير الناس خفت ظهورهم من دمائهم وخمصت بطونهم من أموالهم.
ثم أتى عمرا فقال: يا أبا عبداللَّه ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر وكره الدماء؟ قال: أولئك شرار الناس لم يعرفوا حقا ولم ينكروا باطلا فرجع المغيرة إلى معاوية فقال له: قد ذقت الرجلين أما عبداللَّه بن قيس فخالع صاحبه وجاعلها لرجل لم يشهد هذا الأمر وهواه في عبداللَّه بن عمر، وأما عمرو بن العاص فهو صاحب (صاحبك) الذي تعرف، وقد ظن الناس أنه يرومها لنفسه وأنه لا يرى أنك أحق بهذا الأمر منه.
قال نصر: في حديث عمرو بن شمر قال أقبل أبو موسى على عمرو فقال: يا عمرو هل لك في أمر هو للأمة صلاح ولصلحاء الناس رضا نولي هذا الأمر عبداللَّه بن عمر بن الخطاب الذي لم يدخل في شي ء من هذه الفتنة ولا هذه الفرقة قال: وكان عبداللَّه بن عمرو بن العاص وعبداللَّه بن الزبير قريبين يسمعان هذا الكلام.
فقال عمرو: فأين أنت يا أبا موسى عن معاوية، فأبى عليه أبو موسى.
فقال عمرو: ألست تعلم أن عثمان قتل مظلوما؟ قال: بلى أشهد، ثم قال: فما يمنعك من معاوية وهو ولي عثمان وقد قال اللَّه تعالى: «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً»(1) ثم إن بيت معاوية من قريش ما قد علمت فإن خشيت أن يقول الناس ولى معاوية وليست له سابقة فإن لك حجة أن تقول وجدته ولي عثمان الخليفة المظلوم والطالب بدمه الحسن السياسة الحسن التدبير وهو أخو أم
ص: 371
حبيبة أم المؤمنين وزوج النبي صلى الله عليه وآله وقد صحبه وهو أحد الصحابة.
ثم عرض له بالسلطان فقال له: إن هو ولي الأمر أكرمك كرامة لم يكرمك أحد قط مثلها.
فقال أبو موسى: اتق اللَّه يا عمرو أما ما ذكرت من شرف معاوية فإن هذا الأمر ليس على الشرف يولاه أهله لو كان على الشرف كان أحق الناس بهذا الأمر أبرهة بن الصباح إنما هو لأهل الدين والفضل مع أني لو كنت أعطيه أفضل قريش شرفا لأعطيته علي بن أبي طالب وأما قولك إن معاوية ولي عثمان فوله هذا الأمر فإني لم أكن أوليه إياه لنسبته من عثمان، وأدع المهاجرين الأولين، وأمّا تعريضك لي بالإمرة والسلطان فو اللَّه لو خرج لي من سلطانه ما وليته وما كنت أرتشي في اللَّه ولكنّك إن شئت أحيينا سنة عمر بن الخطاب.
قال نصر: وحدّثني عمر بن سعد عن أبي جناب أن أبا موسى قال غير مرة:
واللَّه إن استطعت لأحيين اسم عمر بن الخطاب، قال فقال عمرو بن العاص: إن كنت إنما تريد أن تبايع ابن عمر لدينه فما يمنعك من ابني عبداللَّه، وأنت تعرف فضله وصلاحه، فقال: إن ابنك لرجل صدق ولكنك قد غمسته في هذه الفتنة(1).
قال نصر: وروى عن النضر بن صالح قال: كنت مع شريح بن هانئ في غزوة سجستان فحدّثني أن علياعليه السلام أوصاه بكلمات إلى عمرو بن العاص وقال له قل لعمرو إذا لقيته إن عليّا يقول لك: إن أفضل الخلق عند اللَّه من كان العمل بالحق أحب إليه وإن نقصه وإن أبعد الخلق من اللَّه من كان العمل بالباطل أحب إليه وإن زاده، واللَّه يا عمرو إنّك لتعلم أين موضع الحق فلم تتجاهل؟ أبأن أوتيت طمعا
ص: 372
يسيرا صرت للَّه ولأوليائه عدوا؟ فكان واللَّه ما قد أوتيت قد زال عنك، فلا تكن للخائنين خصيما ولا للظالمين ظهيرا، أما إني أعلم أن يومك الذي أنت فيه نادم هو يوم وفاتك وسوف تتمنى أنك لم تظهر لي عداوة ولم تأخذ على حكم اللَّه رشوة.
قال شريح: فأبلغته ذلك يوم لقيته فتمعر وجهه قال: ومتى كنت قابلا مشورة علي أو منيبا إلى رأيه أو معتمداً (معتدا) بأمره، فقلت: وما يمنعك يا ابن النابغة أن تقبل من مولاك وسيد المسلمين بعد نبيهم مشورته، لقد كان من هو خير منك أبو بكر وعمر يستشيرانه ويعملان برأيه، فقال: إن مثلي لا يكلم مثلك، فقلت: بأي أبويك ترغب عن كلامي بأبيك الوشيظ(1) أم بأمك النابغة فقام من مكانه وقمت.
قال نصر: وروى أبو جناب الكلبي أن عمرا وأبا موسى لما التقيا بدومة الجندل أخذ عمرو يقدم أبا موسى في الكلام ويقول: إنك صحبت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قبلي وأنت أكبر مني سنّا فتكلم أنت ثم أتكلم أنا فجعل ذلك سنة وعادة بينهما، وإنما كان مكرا وخديعة واغترارا له أن يقدمه فيبدأ بخلع علي ثم يرى رأيه.
وقال ابن ديزيل في كتاب صفين: أعطاه عمرو صدر المجلس وكان لا يتكلم قبله، وأعطاه التقدم في الصلاة وفي الطعام لا يأكل حتى يأكل وإذا خاطبه فإنما يخاطبه بأجل الأسماء ويقول له يا صاحب رسول اللَّه حتى اطمأن إليه وظن أنه لا يغشه.
قال نصر: فلمّا انمخضت الزبدة بينهما قال له عمرو أخبرني ما رأيك يا أبا موسى؟ قال: أرى أن أنخلع (أخلع) هذين الرجلين ونجعل الأمر شورى بين
ص: 373
المسلمين يختارون من شاؤوا، فقال عمرو: الرأي واللَّه ما رأيت، فأقبلا إلى الناس وهم مجتمعون فتكلم أبو موسى فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: إن رأيي ورأي عمرو قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح اللَّه به شأن هذه الأمة فقال عمرو صدق.
ثمّ قال له: تقدّم يا أبا موسى فتكلم، فقام ليتكلم فدعاه ابن عباس فقال له: ويحك واللَّه إني لأظّنه خدعك إن كنتما قد اتّفقتما على رأي فقدمه قبلك ليتكلّم به ثم تكلّم أنت بعده فإنه رجل غدّار ولا آمن أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك وبينه فإذا قمت به في الناس خالفك، وكان أبو موسى رجلا مغفلا، فقال: إيها عنك إنا قد اتفقنا.
فتقدّم أبو موسى فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر شيئا هو أصلح لأمرها ولا ألم لشعثها من أن يبتز(1) أمورها وقد أجمع رأيي ورأي صاحبي على خلع علي ومعاوية وأن يستقبل هذا الأمر فيكون شورى بين المسلمين يولون أمورهم من أحبوا، وإني قد خلعت عليا ومعاوية فاستقبلوا أموركم وولوا من رأيتموه لهذا الأمر أهلا ثمّ تنحى.
فقام عمرو بن العاص في مقامه فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: إن هذا قد قال ما سمعتم وخلع صاحبه وأنا أخلع صاحبه كما خلعه وأثبت صاحبي في الخلافة فإنّه ولي عثمان والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه.
فقال له أبو موسى: ما لك لا وفّقك اللَّه قد غدرت وفجرت، إنّما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث.
فقال له عمرو: إنّما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا.
ص: 374
وحمل شريح بن هانئ على عمرو فقنعه بالسوط وحمل ابن عمرو على شريح فقنعه بالسوط وقام الناس فحجزوا بينهما فكان شريح يقول بعد ذلك ما ندمت على شي ء ندامتي ألا أكون ضربت عمرا بالسيف بدل السوط أتى الدهر بما أتى به والتمس أصحاب علي عليه السلام أبا موسى فركب ناقته ولحق بمكّة وكان ابن عبّاس يقول:
قبح اللَّه أبا موسى لقد حذرته وهديته إلى الرأي فما عقل وكان أبو موسى يقول: لقد حذرني ابن عباس غدرة الفاسق ولكني اطمأننت إليه وظننت أنه لا يؤثر شيئا على نصيحة الأمة(1).
قال نصر: ورجع عمرو إلى منزله من دومة الجندل فكتب إلى معاوية بهذه الأبيات:
أتتك الخلافة مزفوفة * هنيئا مريئا تقر العيونا
تزف إليك زفاف العروس * بأهون من طعنك الدارعينا
و ما الأشعري بصلد الزناد * ولا خامل الذكر في الأشعرينا
و لكن أتيحت له حية * يظل الشجاع لها مستكينا
فقالوا وقلت وكنت امرأ * أجهجه بالخصم حتى يلينا
فخذها ابن هند على بعدها * فقد دافع اللَّه ما تحذرونا
و قد صرف اللَّه عن شامكم * عدوا مبينا وحربا زبونا
قال نصر: فقام سعد بن قيس الهمداني فقال: واللَّه لو اجتمعتما على الهدى ما زدتمانا على ما نحن الآن عليه وما ضلالكما بلازم لنا وما رجعتما إلّا بما بدأتما
ص: 375
به، وإنا اليوم لعلى ما كنا عليه أمس.
وقام كردوس بن هانئ مغضبا فقال:
ألا ليت من يرضى من الناس كلهم * بعمرو وعبداللَّه في لجة البحر
رضينا بحكم اللَّه لا حكم غيره * وباللَّه ربا والنبي وبالذكر
وبالأصلع الهادي علي إمامنا * رضينا بذاك الشيخ في العسر واليسر
رضينا به حيا وميتا وإنه * إمام هدى في الحكم والنهي والأمر
فمن قال لا قلنا بلى إن أمره * لأفضل ما نعطاه في ليلة القدر
وما لابن هند بيعة في رقابنا * وما بيننا غير المثقفة(1) السمر
وضرب يزيل الهام عن مستقره * وهيهات هيهات الرضا آخر الدهر
أبت لي أشياخ الأراقم سبة * أسب بها حتى أغيب في القبر
وتكلّم جماعة أُخرى بمثل كلامه في الرضا بخلافة عليّ عليه السلام وإنكار خلافة معاوية وحكم الحكمين(2).
قال نصر: وكان علي عليه السلام لما سمع ما خدع به عمرو أبا موسى غمّه ذلك وسائه وخطب الناس فقال: الحمد للَّه وإن أتى الدهر بالخطب الفادح إلى آخر ما مرّ في الكتاب مع الزيادة التي ذكرناها.
قال نصر: فكان علي عليه السلام بعد الحكومة إذا صلى الغداة والمغرب وفرغ من الصلاة قال: اللهمّ العن معاوية وعمرا وأبا موسى وحبيب بن مسلمة وعبدالرحمن
ص: 376
بن خالد والضحاك بن قيس والوليد بن عقبة(1).
وروى ابن ديزيل أيضا أن أبا موسى كتب من مكّة إلى علي عليه السلام: أمّا بعد فقد بلغني أنك تلعنني في الصلاة ويؤمن خلفك الجاهلون وإني أقول كما قال موسى عليه السلام «رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ»(2).(3)
إلى هنا انتهى الجزء الرابع وأسأل اللَّه أن يوفّقني بمنّه
لإتمام هذا الشرح انّه سميع الدعاء قريب مجيب
الحمدلله رب العالمین
وصلی الله علی سیدنا محمد وعلی آله الطیبین الطاهرین
واللعن الدائم علی اعدائهم اجکعین الی یوم الدین
ص: 377
القرآن الکریم
1 - الاحتجاج على اهل اللجاج: ابو منصور احمد بن على بن أبي طالب طبرسى، 2 مجلد، مترجم: بهراد جعفرى، دار الكتب الاسلامية، طهران 1387 ش.
2 - احياء العلوم: أبو حامد محمّد الغزالي، (المتوفى 505ق)، دار المعرفة، بيروت، 4 مجلد.
3 - الأربعين: محمّد طاهر القمي الشيرازي، (المتوفى: 1098ق)، تحقيق: السيّد مهدي الرجائي، الأولى 1418ق.
4 - الارشاد في معرفة حجج اللَّه على العباد: محمّد بن محمّد المفيد، (المتوفّى 413ق)، المصحّح: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، المؤتمر للشيخ المفيد، قم، الأولى 1413ق.
5 - ارشاد القلوب الى الصواب للديلمى: حسن بن محمد ديلمى، (المتوفى 841ق)، 2 مجلد، الشريف الرضى، قم، الأولى 1412ق.
6 - اساس البلاغة: محمود بن عمر زمخشرى، (المتوفى 583ق)، 1 مجلد، دار صادر، يروت، الأولى 1979م.
7 - اسباب نزول الآيات: الواحدي النيسابوري، (المتوفّى 468ق)، مؤسّسة الحلبي للنشر والتوزيع، القاهرة، 1388ق 1968م.
ص: 378
8 - الاستيعاب: ابن عبدالبر، القرن الخامس، تحقيق: علي محمّد البجاوى، بيروت، دار الجيل، الأولى 1412ق، 1992م.
9 - اسد الغابة: ابن الأثير، (المتوفّى 630ق)، دار الكتاب العربي بيروت، لبنان، توضيحات: نشر إسماعيليان، طهران.
10 - الأعلام: خيرالدين الزركلى، (المتوفى 1410ق)، 8 مجلد، دار العلم للملايين، الخامسة 1980م.
11 - اعلام الدين فى صفات المؤمنين: حسن بن محمد ديلمى، (المتوفى 841ق)، 1 مجلد، الناشر والمصحح: مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1408ق.
12 - الأغاني: أبو الفرج الاصفهاني (المتوفى 356ق)، 25 مجلد، نشر دار إحياء التراث العربي.
13 - اقبال الأعمال (ط - القديمة): علي بن موسى ابن طاووس، (المتوفى 664ق)، 2 مجلد، دار الكتب الاسلاميّة، طهران، الثانية 1409ق.
14 - الأمالي ( للصدوق ) : محمد بن على بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، الأعلمى بيروت ، الخامسة 1400ق - 1362ش .
15 - الأمالي ( للطوسي ) : محمد بن الحسن طوسى ، ( المتوفى 460ق ) ، 1 مجلد ، دار الثقافه ، قم ، الأولى 1414ق .
16 - الأمالي ( للمفيد ) : محمد بن محمد ، مفيد ، ( المتوفى 413ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : حسين استاد ولى وعلى اكبر غفارى ، مؤتمر الشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .
17 - الإمامة والسياسة: ابن قتيبة الدينوري، تحقيق الزيني، (المتوفى 276ق)، 2 مجلد، مؤسّسة الحلبي والشركاء للتشر والتوزيع.
ص: 379
18 - أنساب الأشراف: أحمد بن يحيى البلاذري (المتوفى 279ق)، 13 مجلد، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، الأُولى.
19 - بحار الأنوار الجامعة لدرر اخبار الأئمّة الأطهار: محمّد باقر بن محمّد تقى مجلسى، (المتوفى 1110ق)، 111 مجلد، دار احياء التراث العربي، الثانية 1403ق.
20 - البخلاء: الجاحظ، (المتوفى 255ق)، دار ومكتبة الهلا، بيروت، 2004م.
21 - البداية والنهاية: ابن كثير، (المتوفى 774م)، 14 مجلد، دار احيارء التراث العربي بيروت، لبنان، 1408 ق 1988م.
22 - بصائر الدرجات في فضائل آل محمد عليهم السلام: محمد بن حسن صفار، (المتوفى 290ق)، مصحح: محسن بن عباسعلي كوچه باغي، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي، قم، الثانية 1404ق.
23 - بلاغات النساء: ابن طيفور، (المتوفى 380ق)، مكتبة بصيرتي، قمّ المقدّسة.
24 - بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: محمّد تقي الشيخ الشوشتري، (المتوفى 1415ق - 1374ش)، مؤسّسة نشر أمير كبير، الأولى 1376 شمسى.
25 - البيان والتبيين: الجاحظ، (المتوفى 255ق)، المكتبة التجاريّة الكبرى لصاحبها مصطفى محمّد، مصر، الأولى 1345ق 1926م.
26 - تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي، (المتوفى 463ق)، تحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1417ق - 1997 م.
27 - تاريخ الخلفاء: جلال الدين السيوطي (المتوفى 911ق)، مطابع معتوق اخوان،بيروت.
28 - تاريخ الطبرى: محمد بن جرير الطبري، 6 مجلد، (المتوفى 310ق)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.
29 - تاريخ مدينة دمشق: ابن عساكر، (المتوفى 571ق)، 70 مجلد، تحقيق: علي
ص: 380
شيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، مطبعة دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، چاپ 1415ق.
30 - تأويل مختلف الحديث: ابن قتيبة الدينورى، (المتوفى 276ق)، دار الكتاب العلميّة، بيروت.
31 - تحف العقول: حسن بن علي، ابن شعبة الحرّاني، (المتوفى قرن 4)، 1 مجلد، مصحح: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الثانية 1404ق - 1363ش.
32 - التذكرة الحمدونيّة: ابن حمدون، (المتوفى 562ق) 10 مجلد، تحقيق: احسان عبّاس، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت، الأولى 1996م.
33 - تذكرة الخواص: سبط ابن جوزى، (المتوفى 654ق)، 1 مجلد، منشورات الشريف الرضى، قم، 1418ق 1376ش.
34 - تفسير الصافي: محمّد بن شاه مرتضى فيض كاشاني، (المتوفى 1091ق)، مكتبة الصدر، طهران، الثانية 1415ق.
35 - تفسير العياشي: محمّد بن مسعود العياشي، (المتوفى 320ق)، 2 مجلد، مصحح: السيّد هاشم رسولى المحلّاتى، المطبعة العلمية، طهران، الأولى 1380 ق.
36 - تفسير فرات الكوفي: فرات بن ابراهيم كوفي، (المتوفى 307ق)، 1 مجلد، مصحح: محمد كاظم، مؤسسة الطبع والنشر في وزارة الارشاد الاسلامي، طهران، الأولى 1410ق.
37 - تفسير القمي: علي بن ابراهيم القمي، (المتوفى القرن 3 الهجري)، مصحح: السيّد طيّب موسوى الجزائري، 2 مجلد، دار الكتاب، قم، الثالثة 1404ق.
38 - التفسير المنسوب الى الامام الحسن العسكري عليه السلام: الشهادة 260 ق)، 1 مجلد، مصحح: مدرسة الإمام المهدي عليه السلام، قم، الأولى 1409ق.
ص: 381
39 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام: ورام بن أبي فراس، مسعود بن عيسى، (المتوفى 605ق)، 2 مجلد، مكتبة الفقيه، قم، الأولى 1410ق.
40 - التنبيه على أوهام أبي علي في أماليه: عبداللَّه الأندلسي، (المتوفى 487ق)، مطبعة دار الكتب المصريّة بالقاهرة، 1 مجلد، الثانية 2000م.
41 - تهذيب الأحكام: محمد بن الحسن، طوسى، (المتوفى 460ق)، 10 مجلد، مصحح: حسن الموسوى خرسان، دار الكتب الاسلامية، تهران، الرابعة 1407ق.
42 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: محمد بن علي الصدوق، ابن بابويه، (المتوفى 381ق)، دار الشريف الرضي للنشر، قم، الثانية 1406ق.
43 - جامع الرواة: محمّد علي الأردبيلي، (المتوفى 1101ق)، 2 مجلد، مكتبة المحمّدي.
44 - الجعفريّات (الأشعثيّات): محمّد بن محمّد بن الأشعث، (المتوفى قرن 4)، 1 مجلد، مكتبة النينوى الحديثة، طهران، الأولى.
45 - الجمل والنصرة لسيّد العترة في حرب البصرة: محمّد بن محمّد المفيد، (المتوفى 413ق)، تحقيق: على مير شريفى، المؤتمر للشيخ المفيد، قم، الأولى 1413ق.
46 - جمهرة اللغة: أبوكر محمّد بن الحسن بن دريد الأزدي، (المتوفى 321ق)، 3 مجلد، دار العلم للملايين، بيروت، الأولى 1987م.
47 - حلية الأولياء: أبو نعيم أحمد بن عبداللَّه الاصبهاني، (المتوفى 430ق)، 10 مجلد، السعادة، بجوار محافظة مصر، 1394ق 1974م.
48 - حياة الحيوان الكبرى: كمال الدين دميرى، (المتوفى 808ق)، 2 مجلد، دار ومكتبة الهلال، بيروت.
49 - الخرائج والجرائح: سعيد بن هبة اللَّه، قطب الدين الراوندي، (المتوفى 573ق)،
ص: 382
المصحح والناشر: مؤسسة الامام المهدي عليه السلام، 3 مجلد، قم، الأولى 1409ق.
50 - خزانة الأدب: البغدادي، (المتوفى 1093ق)، 11 مجلد، تحقيق: محمّد نبيل طريفى، دار الكتب العلميّة، بيروت، الأولى 1998م.
51 - خصائص الأئمّةعليهم السلام (خصائص أميرالمؤمنين عليه السلام): محمد بن حسين، الشريف الرضي، (المتوفى 406ق)، 1 مجلد، مصحح: محمد هادي الأميني، منشورات العتبة الرضويّة، مشهد، الأولى 1406ق.
52 - خصائص اميرالمؤمنين عليه السلام: النسائى (المتوفى 303ق)، تحقيق: محمد هادى الأمينى، مكتبة نينوى الحديثة، طهران.
53 - الخصال: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: على اكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الأولى 1362ش.
54 - الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم: يوسف بن حاتم شامي، (المتوفى قرن 7)، 1 مجلد، جامعة المدرّسين، قم، الأولى 1420ق.
55 - الدرّة الباهرة من الأصداف الطاهرة (ط - القديمة):: محمّد بن مكّي، شهيد الأوّل، (المتوفى 786ق)، 1 مجلد، انتشارات زائر قم، الأولى 1379ش.
56 - دعائم الاسلام وذكر الحلال والحرام: نعمان بن محمد مغربى، ابن حيون، (المتوفى 363ق)، 2 مجلد، مصحح: الفيضي، آصف، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الثانية 1385ق.
57 - الدعوات للراوندي، سلوة الحزين: سعيد بن هبة اللَّه، قطب الدين الراوندي، (المتوفى 573ق)، 1 مجلد، انتشارات مدرسة الإمام المهدي عليه السلام، قم، الأولى 1407ق.
ص: 383
58 - ديوان المنسوب الى أميرالمؤمنين عليه السلام: حسين بن معين الدين ميبدى، (المتوفى 911ق)، 1 مجلد، دار نداء الاسلام للنشر، قم، الأولى 1411ق.
59- ربيع الأبرار ونصوص الأخبار: الزمخشرى، (المتوفى 538ق)، تحقيق: عبدالأمير مهنا، 5 مجلد، مؤسسة الأعلمى للمطبوعات، بيروت، الأولى 1412ق 1992م.
60 - رجال الكشي - اختيار معرفة الرجال: محمّد بن عمر الكشي، (المتوفى النصف الأوّل من القرن 4ق)، 1 مجلد، مصحح: محمّد حسن الطوسي، حسن المصطفوي، مؤسسه النشر لجامعة مشهد، الأولى 1409ق.
61 - رجال الكشى (مع تعليقات ميرداماد الاسترآبادى): محمّد بن عمر كشى، (المتوفى النصف الأوّل من القرن الرابع)، 2 مجلد، مصحّح: رجائى، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1363ش.
62 - رسائل الشريف المرتضى: الشريف المرتضى، (المتوفى 817ق)، 4مجلد، دار القرآن الكريم، قم، 1405ق.
63 - الروض المعطار في خبر الاقطار: محمد بن عبدالمنعم الحميري، (المتوفى 900ق)، مكتبة لبنان، الثانية، 1984م.
64 - الروض المعطار في خبر الاقطار: ابوعبداللَّه محمد بن عبداللَّه الحميري (المتوفى 900 ق)، 1 مجلد، الناشر: مؤسسة ناصر للثقافة بيروت، الثانية 1980 م.
65 - الروض المعطار في خبر الأقطار: أبو عبداللَّه محمّد بن عبداللَّه الحميري (المتوفى 900 ق)، 1 مجلد، الناشر: مؤسسة ناصر للثقافة - بيروت، الثانية 1980م.
66- الروضة في فضائل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام: ابوالفضل شاذان بن جبرئيل، ابن شاذان قمي، (المتوفى حدوداً 600ق)، 1 مجلد، مكتبة الأمين، ايران، قم 1423ق.
ص: 384
67 - روضة الواعظين وبصيرة المتعظين: محمّد بن أحمد، فتال النيشابوري، (المتوفى 508ق)، 2 مجلد، النشر الرضي، قم، الأولى 1375ش.
68 - رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين عليه السلام: سيد عليخان بن احمد، الكبير المدني، (المتوفى 1120ق)، 7 مجلد، مصحح: محسن الحسيني الأميني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الأولى 1409ق.
69 - الزهد: حسين بن سعيد، كوفى اهوازى، (المتوفى القرن الثالث)، مصحّح: غلامرضا عرفانيان يزدى، 1 مجلد، المطبعة العلميّة، قم، الثانية 1402ق.
70 - سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب: محمّد امين البغدادي الشهير بالسويدي، محبين، الأولى 1383ش، دار احياء العلوم، بيروت.
71 - السقيفة وفدك: الجوهرى، (المتوفى 323ق)، شركة الكتبى للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، الثانية 1413ق 1993م.
72 - سنن ابي داود: سليمان بن الأشعث السجستاني، (المتوفى 275ق)، 2 مجلد، تحقيق: سعيد محمد اللحام، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الأولى 1410ق - 1990م.
73 - السنن الكبرى: احمد بن الحسين البيهقى، (المتوفى 458ق)، 10 مجلد.
74 - السيرة النبوية: ابن هشام الحميري، (المتوفى 218ق)، 1 مجلد، تحقيق: محمد محي الدين عبدالحميد، مكتبة محمّد علي صبيح وأولاده، القاهرة، 1383ق - 1963م.
75 - الشافي في الامامة: الشريف المرتضى، (المتوفى 436ق)، 4 مجلد، مؤسسة إسماعيليان، قم، الثانتية 1410ق.
ص: 385
76 - شرح آقا جمال خوانسارى بر غرر الحكم ودرر الكلم: آقا جمال خوانسارى، محمّد بن حسين، (المتوفى 1125ق)، 7 مجلد، دانشگاه طهران، الرابعة 1366ش.
77 - شرح اصول الكافي (صدرا): محمّد بن ابراهيم، صدرالدين الشيرازي، 4 مجلد (المتوفى 1050ق)، مصحح: محمد الخواجوي، مؤسسة مطالعات وتحقيقات فرهنگى طهران، الأولى 1383ش.
78 - شرح ديوان الحماسة للتبريزي: ابوزكريا يحيى بن على الشيباني التبريزي (المتوفى: 502 ق) 1 مجلد، دارالقلم، بيروت.
79 - شرح فارسى شهاب الأخبار (كلمات قصار پيامبر خاتم صلى الله عليه وآله): محمّد بن سلامة، قضاعي، (المتوفى 454ق)، 1 مجلد، مركز انتشارات علمى وفرهنگى، ظهران، الأولى 1361ش.
80 - شرح نهج البلاغة (ابن ميثم): ميثم بن علي بن ميثم البحراني، (قرن 7)، 5 مجلد، مكتبة نشر الكتاب، الثانية 1362 ش.
81 - شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: عبدالحميد بن هبة اللَّه، ابن أبي الحديد، (المتوفى 656ق)، مصحح: محمد ابوالفضل، ابراهيم، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي، قم، الأولى 1404ق.
82 - الشعر والشعراء: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفى 276ق)، دار الحديث، القاهرة، 2 مجلد، 1427ق - 2006م.
83 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل: عبيداللَّه بن عبداللَّه الحسكاني، (المتوفى 490 ق)، 2 مجلد، مصحح: محمد باقر المحمودي، التابعة لوزارة الثقافة والارشاد الاسلامي، مجمع احياء الثقافة الاسلامية، طهران، الأولى 1411ق.
ص: 386
84 - الصحاح: الجوهري، (المتوفى 393ق)، 6 مجلد، تحقيق: احمد عبدالغفور العطار، دار العلم للملايين، بيروت، الرابعة 1407ق - 1987م.
85 - الصحيفة السجادية: امام علي بن الحسين عليه السلام، (الشهادة 94 يا 95ق)، مكتبة نشر الهادي، قم، الأولى 1376ق.
86 - صفات الشيعة: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، 1 مجلد، اعلمى، تهران، الأولى 1362ش.
87 - الطبقات الكبرى: ابن سعد، (المتوفى 230)، 8 مجلد، دار صادر، بيروت.
88 - الطرائف في معرفة مذهب الطوائف: علي بن موسى، ابن طاووس، 2 مجلد، (المتوفى 664ق)، مصحح: على عاشور، خيام، قم، الأولى 1400ق.
89 - العدد القوية لدفع المخاوف اليومية: رضى الدين على بن يوسف بن المطهر (اخو العلّامة الحلّي)، (المتوفى 703ق)، مصحّح: مهدى رجائى ومحمود مرعشى، 1 مجلد، مكتبة آية اللَّه المرعشى النجفى، قم، الاولى 1408ق.
90 - عدّة الداعي ونجاح الساعي: احمد بن محمد، ابن فهد حلي، (المتوفى 841ق)، مصحّح: احمد الموحدي القمي، 1 مجلد، دار الكتب الاسلاميّة، الأولى 1407ق.
91 - العقد الفريد: شهاب الدين احمد المعروف بابن عبد ربه الأندلسى، (المتوفى 328ق)، 8 مجلد، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1404ق.
92 - علل الشرايع: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، 2 مجلّد مكتبة الداوري، قم الأولى 1385ش.
93 - عوالى اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية: محمد بن زين الدين، ابن ابي جمهور، (المتوفى: زنده در سال 901ق)، 4 مجلد، مصحح: مجتبى العراقي، دار سيد الشهداء للنشر، قم، الأولى 1405ق.
ص: 387
94 - عيون الأخبار: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفى 276ق)، 3 مجلد، منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية، بيروت، الثالثة 1414ق - 2003م.
95 - عيون اخبار الرضاعليه السلام: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: مهدي اللاجوردي، 2 مجلّد، جهان، طهران، الأولى 1378ق.
96 - الغارات (ط - القديمة): ابراهيم بن محمّد بن سعيد بن هلال ثقفى، (المتوفى 283ق)، 2 مجلد، دار الكتاب الاسلامي، قم، الأولى 1410ق.
97 - الغارات (ط - الحديثة): ابراهيم ثقفى، (المتوفى 283ق)، تحقيق: جلال الدين حسينى ارموى، طهران، انجمن آثار ملى، 1353ش.
98 - غرر الحكم ودرر الكلم: عبدالواحد بن محمد تميمي آمدي، (المتوفى 550ق)، 1 مجلد، دار الكتاب الاسلامي، قم، الثانية 1410ق.
99 - فتوح البلدان: احمد بن يحيى بن جابر (البلاذرى)، (المتوفى 279)، تحقيق: صلاح الدين المنجد، مكتبة النهضة المصريّة، القاهرة، 1956م.
100 - فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام: احمد بن محمّد، ابن عقدة الكوفي، (المتوفى 332ق)، 1 مجلد، دليلنا، ايران، قم، الأولى 1424ق.
101 - فقه الرضاعليه السلام: علي بن بابويه القمي، (المتوفى 329ق)، المؤتمر العالمي للإمام الرضاعليه السلام، مشهد المقدسة، الأولى 1406ق.
102 - القاموس المحيط: الفيروزآبادي، (المتوفى 817ق)، 4مجلد.
103 - قرب الاسناد (طبعة الحديثة): عبداللَّه بن جعفر الحميري، نيمه دوم قرن 3ق)، المصحح والناشر: مؤسسه آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1413ق.
ص: 388
104 - الكافى: (ط. اسلاميّة) محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني، (المتوفى 329ق)، مصحح: على اكبر الغفاري ومحمد الآخوندي، 8 جلد، دار الكتب الاسلاميّة، طهران، الرابعة 1407ق.
105 - الكامل: عبداللَّه بن عدى الجرجانى، (المتوفى 365ق)، تحقيق: يحيى مختار غزاوى، 7 مجلد، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الثالثة، محرم 1409ق 1988م.
106 - كامل الزيارات: جعفر بن محمد، ابن قولويه، (المتوفى 367ق)، 1 مجلد، مصحح: عبدالحسين الأميني، دار المرتضويه، النجف الأشرف، الأولى 1356ش.
107 - الكامل في التاريخ: ابن الأثير، (المتوفى 630ق)، 12 مجلد، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت، 1386ق - 1966م.
108 - كشف الغمّة في معرفة الأئمّة (ط. القديمة)، يوسف: على بن عيسى الاربلي، (المتوفى: 692ق)، مصحّح: سيّد هاشم الرسولي المحلاتي، بني هاشمي، 2 مجلد، تبريز، الأولى 1381ق.
109 - كشف المحجة لثمرة المهجة: السيد بن طاووس، (المتوفى 664ق)، 1 مجلد، بوستان كتاب، قم، الثانية 1375ش.
110 - كفاية الأثر في النص على الأئمّة الاثنى عشرعليهم السلام: علي بن محمد، الخزاز الرازي، (المتوفى قرن 4، 1 مجلد، مصحح: عبداللطيف الحسيني الكوهكمري، بيدار، قم، 1401ق.
111 - كنز الفوائد: محمد بن علي الكراجكى، (المتوفى 449ق)، 2 مجلد، مصحح: عبداللَّه نعمه، دار الذخائر، قم، الأولى 1410ق.
ص: 389
112 - لسان العرب: محمّد بن المكرّم، ابن منظور، (المتوفى 711ق)، 15 مجلد، مصحح: جمال الدين، الميردامادي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الثالثة 1414ق.
113 - المجازات النبويّة: محمد بن حسين شريف الرضي، (المتوفى 406ق)، 1 مجلد، دار الحديث، قم، الأولى 1422ق - 1380ش.
114 - مجمع الأمثال: الميدانى، (المتوفى 518ق)، 2 مجلد، المعاونية الثقافية للآستانة الرضوية المقدسة، آذر 1366ش.
115 - مجمع البحرين: فخرالدين بن محمد، الطريحي، (المتوفى 1085ق)، 6 مجلد، مصحح: احمد الحسيني الاشكوري، المرتضوي، طهران، الثالثة 1375ش.
116 - مجمع البيان فى تفسير القرآن: فضل بن حسن الطبرسى، (المتوفى 548ق)، 10 مجلد، ناصر خسرو، طهران، الثالثة 1372.
117 - مجموعة ورّام (ترجمة تنبيه الخواطر): مسعود بن عيسى، ورام بن أبي فراس، (المتوفى 605ق)، 1 مجلد، بنياد پژوهش هاى اسلامى آستان 118 - المحاسن: احمد بن محمد بن خالد البرقي، (المتوفى 274ق يا 280ق)، 2 مجلد، مصحح: جلال الدين، المحدث، دار الكتب الاسلامية، قم، الثانية 1371ق.
119 - المحاسن والأضداد: الجاحظ، (المتوفى 255ق)، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1423ق.
120 - المحاسن والمساوى: ابراهيم بن محمّد البيهقي، (المتوفى نحو 320ه).
ص: 390
121 - محاضرات الادباء: ابوالقاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الاصفهاني (المتوفى 502 ق) 2 مجلد، الناشر: شركة دارالارقم - بيروت ، الاولى 1420 ق.
122 - محاضرات الأدباء: ابوالقاسم الحسين بن محمّد، المعروف بالراغب الاصفهانى (المتوفى 502 ق)، 2 مجلد، الناشر: شركة دار الأرقم - بيروت، الأولى 1420ق.
123 - محاضرات الادباء ومحاورات الشعراء والبلغاء: حسين بن محمد، راغب اصفهانى 2 مجلد، بيروت، لبنان 1420.
124 - مراصد الاطّلاع على اسماء الأمكنة والبقاع: القطيعى البغدادى، (المتوفى 739ق) 3 مجلد، دار الجيل، بيروت، الأولى 1412ق.
125 - مروج الذهب ومعادن الجوهر: المسعودي، (المتوفى 346ق)، منشورات دار الهجره، قم 1404ق - 1363ش - 1984م.
126 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: حسين بن محمد تقي، النوري، (المتوفى 1320ق)، 28 مجلد، مصحح ومؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1408ق.
127 - المسترشد في امامة علي بن ابى طالب عليه السلام: محمد بن جرير بن رستم الطبري الآملي الكبير، (المتوفى 326ق)، 1 مجلد، مصحح: احمد المحمودي، كوشانپور، قم، الأولى 1415ق.
128 - المستطرف في كلّ فن مستظرف: الابشيهي، (المتوفى 850ق)، 2 مجلد، دار ومكتبة الهلال، بيروت.
129 - مشكاة الأنوار في غرر الأخبار: على بن حسن طبرسى، (المتوفى 600ق)، 1 مجلد، المكتبة الحيدريّة، النجف الأشرف، الثانية 1385ق - 1344ش.
ص: 391
130 - مصباح الشريعة (ترجمة المصطفوى): منسوب به امام صادق عليه السلام: (م 148ق)، الأعلمي، بيروت، الأولى 1400ق.
131 - مصباح المتهجّد: محمّد بن الحسن الطوسي، (المتوفى 460ق)، 2 مجلد، مؤسسة فقه الشيعة، بيروت، الأولى 1411ق.
132 - المصباح المنير: أحمد بن محمّد الفيومي، (المتوفى 770ق)، 2 مجلد، مؤسسة دار الهجرة، قم، الثانية 1414ق.
133 - المعارف: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفى 276ق)، تحقيق: دكتور ثروت عكاشه، دار المعارف بمصر، مطابع دار المعارف بمصر، الثانية 1969م.
134 - معانى الأخبار: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: على اكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، الأولى، قم 1403ق.
135 - معجم الأدباء: ياقوت الحموى، (المتوفى 626ق)، 20 جزء في 10 مجلدات، دار الفكر، بيروت، الثالثة 1400 ق.
136 - معجم البلدان: الحموي، (المتوفى 626ق)، 1 مجلد، دار احياء التراث العربي، بيروت - لبنان، 1399ق - 1979م.
137 - معدن الجواهر ورياض الخواطر: محمّد بن علي الكراجكي، (المتوفى 449ق)، 1 مجلد، المكتبة المرتضويّة، طهران، الثانية 1394ق - 1353ش.
138 - مفتاح السعادة في شرح نهج البلاغة: السيّد محمّد تقي النقوي القايني الخراساني، معاصر، 7 مجلد، مكتبة المصطفوى، طهران.
139 - مقاتل الطالبيين: ابو الفرج الاصفهانى، (المتوفى 356ق)، تحقيق: سيد أحمد صقر، بيروت، دار المعرفة، بى تا.
ص: 392
140 - مكارم الأخلاق: حسن بن فضل، الطبرسي، (المتوفى قرن 6)، الشريف الرضي، قم، الرابعة 1412ق - 1370ش.
141 - مناقب آل ابي طالب عليهم السلام: محمّد بن على بن شهر آشوب المازندراني، (المتوفى 588ق)، 4 مجلد، العلّامة، قم، الأولى 1379ش.
142 - المنتظم في تاريخ الاُمم والملوك: ابن الجوزى، (المتوفى 597ق)، 2 مجلد، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، الأولى 1412ق 1992م.
143 - من لا يحضره الفقيه: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: علي اكبر الغفارى، 4 مجلد، مؤسسة النشر الإسلامي، الثانية، قم 1413ق.
144 - منهاج البراعة: الميرزا حبيب اللَّه الهاشمي الخوئي، (المتوفى 1324ق)، 22 مجلد، مصحح: علي العاشور، دار احياء التراث العربى للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الأولى 1429ق - 2008 م.
145 - منية المريد: الشهيد الثانى، (ش 965ق)، تحقيق: رضا المختارى، مكتب الأعلام الاسلامى، الأولى 1409ق 1368ش.
146 - ميزان الاعتدال: الذهبى، (المتوفى 748ق)، 4 مجلد، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت.
147 - نثر الدر في المحاضرات: منصور بن الحسين الرازي، (المتوفى 421ق)، عدد الأجزاء: 7 * 4، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، الأولى 1424ق - 2004م.
148 - نسب قريش: مصعب الزبيري، (المتوفى 236ق)، 1 مجلد، دار المعارف، القاهرة، الثالثة.
ص: 393
149 - النوادر للراوندي: فضل اللَّه بن علي، راوندي كاشاني، (المتوفى 570ق)، 1 مجلد، دار الكتاب، ايران، قم، بى تا، الأولى.
150 - نهاية الأرب في فنون الأدب: النويري، (المتوفى 733ق)، 33 مجلد، وزارة الثقافة والارشاد القومي المؤسّسة المصريّة العامّة.
151 - النهاية في غريب الحديث والأثر: مبارك بن محمد، ابن الأثير الجزري، (المتوفى 606ق)، 5 مجلد، مصحح: محمود محمد الطناحي، اسماعيليان، قم، الرابعة 1367 ش.
152 - نهج البلاغة (فيض الاسلام): حاج سيد علينقى فيض الاسلام، انتشارات فيض الاسلام، چاپ مكرر، چاپخانه احمدى.
153 - نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة: محمّد باقر محمودى، معاصر، 8 مجلد، سازمان چاپ وانتشارات وزارت فرهنگ وارشاد اسلامى، تهران، الأولى 1376ش.
154 - نهج الفصاحة: كلمات القصار للنبى الأكرم صلى الله عليه وآله، دنياى دانش، طهران، الرابعة 1382ش.
155 - الوافي: محمد محسن بن شاه مرتضى، الفيض الكاشاني، (المتوفى 1091ق)، 26 مجلد، مكتبة الإمام اميرالمؤمنين عليه السلام، اصفهان، الأولى 1406ق.
156 - وسائل الشيعة: محمد بن حسن، شيخ حر العاملي، (المتوفى 1104ق)، مصحح: مؤسسه آل البيت عليهم السلام، 30 مجلد، الأولى 1409ق.
157 - وقعة صفين: نصر بن مزاحم المنقري، (المتوفى 212ق)، 1 مجلد: مصحح: عبدالسلام محمد، هارون، مكتبة آية اللَّه المرعشى النجفى، الأولى 1404ق.
ص: 394
158 - وقعة الطفّ: لوط بن يحيى أبو مخنف الكوفي، (المتوفى 158ق)، 1 مجلد، جامعة المدرسين ايران، قم، الثالثة 1417ق.
159 - هداية الأمّة الى احكام الأئمّة: الحرّ العاملى (المتوفى 1104ق)، 8 مجلد، مجمع البحوث الاسلاميّة، مشهد، ايران، الأولى 1414ق.
160 - الهداية الكبرى: حسين بن حمدان الخصيبي، (المتوفى 334ق)، 1 مجلد، البلاغ، بيروت، 1419ق.
161 - يتيمة الدهر: عبدالملك الثعالبي النيسابوري، (المتوفى 429ق)، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، الأولى 1403ق - 1983م.
162 - اليقين باختصاص مولانا علي عليه السلام بامرة المؤمنين: ابن طاووس، على بن موسى (المتوفى 664ق)، 1 مجلد، دار الكتاب، ايران، قم، الأولى 1413ق.
ص: 395
24 - ومن خطبة له عليه السلام
( 5 - 14 )
ومن خطبة له عليه السلام: وَلَعَمْرِي مَا عَلَيَّ مِنْ قِتَالِ مَنْ خَالَفَ الْحَقَّ وَخَابَطَ الْغَيَّ مِنْ إِدْهَانٍ وَلا إِيهَانٍ 6
فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ 7
في بيان معنى التقوى لغة وشرعاً ومايترتّب عليه من الثمرات الدنيويّة والأُخرويّة 9
وَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ من اللَّهِ 12
فرار العبد إلى اللَّه تعالى 12
وامضوا في الذي نهجه لكم وقوموا بما عصبة بكم فعليّ ضامن لفلجكم آجلاً إن لم تمنحوه عاجلا 14
ص: 396
25 - ومن خطبة له عليه السلام وقد تواترت عليه
الأخبار باستيلاء أصحاب معاوية على البلاد، وقدم عليه عاملاه على اليمن،
وهما عبيداللَّه بن عبّاس وسعيد بن نمران لمّا غلب عليهما بسر بن
أبي أرطاة، فقام عليه السلام على المنبر ضجرا بتثاقل أصحابه عن الجهاد،
ومخالفتهم له في الرأي، فقال:
( 15 - 43 )
وقد تواترت عليه الأخبار باستيلاء أصحاب معاوية على البلاد 16
نسب معاوية 16
وقدم عليه عاملاه على اليمن 19
وهما عبيداللَّه بن عبّاس 20
وسعيد بن نمران 20
لمّا غلب عليهما بسر بن أبي أرطاة 20
فقام عليه السلام على المنبر ضجرا بتثاقل أصحابه عن الجهاد، ومخالفتهم له في الرأي 32
مَا هِيَ إِلّا الْكُوفَةُ أَقْبِضُهَا وَأَبْسُطُهَا 33
إِنْ لَمْ تَكُونِي إِلّا أَنْتِ 33
ثُمَّ قَالَ عليه السلام: أُنْبِئْتُ بُسْراً قَدِ اطَّلَعَ الْيَمَنَ وَإِنِّي وَاللَّهِ لأَظُنُّ أَنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ سَيُدَالُونَ مِنْكُمْ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ 34
وَبِمَعْصِيَتِكُمْ إِمَامَكُمْ فِي الْحَقِّ وَطَاعَتِهِمْ إِمَامَهُمْ فِي الْبَاطِلِ 34
وَبِأَدَائِهِمُ الْأَمَانَةَ إِلَى صَاحِبِهِمْ وَخِيَانَتِكُمْ وَبِصَلاحِهِمْ فِي بِلادِهِمْ وَفَسَادِكُمْ 35
فَلَوِ ائْتَمَنْتُ أَحَدَكُمْ عَلَى قَعْبٍ 36
ص: 397
لَخَشِيتُ أَنْ يَذْهَبَ بِعِلاقَتِهِ 36
اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلْتُهُمْ وَمَلُّونِي وَسَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِي 36
فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ 37
وَأَبْدِلْهُمْ بِي شَرّاً مِنِّي 37
اللَّهُمَّ مِثْ قُلُوبَهُمْ كَمَا يُمَاثُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ 40
أَمَا وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ لِي بِكُمْ أَلْفَ فَارِسٍ مِنْ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنْمٍ 40
ثُمَّ نَزَلَ عليه السلام مِنَ الْمِنْبَرِ 42
تكملة 42
26 - ومن خطبة له عليه السلام
( 44 - 97 )
إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداًصلى الله عليه وآله نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ 46
وَأَمِيناً عَلَى التَّنْزِيلِ 48
وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ عَلَى شَرِّ دِينٍ 48
وَفِي شَرِّ دَارٍ مُنِيخُونَ 51
بَيْنَ حِجَارَةٍ خُشْنٍ وَحَيَّاتٍ صُمٍّ 51
تَشْرَبُونَ الْكَدِرَ 52
وَتَأْكُلُونَ الْجَشِبَ 53
وَتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ 56
وَتَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ 56
ص: 398
الْأَصْنَامُ 57
فِيكُمْ مَنْصُوبَةٌ 57
وَالْآثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ 65
ومنها: فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي مُعِينٌ إِلّا أَهْلُ بَيْتِي فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَوْتِ وَأَغْضَيْتُ عَلَى الْقَذَى وَشَرِبْتُ عَلَى الشَّجَا وَصَبَرْتُ عَلَى أَخْذِ الْكَظَمِ وَعَلَى أَمَرَّ مِنْ طَعْمِ الْعَلْقَمِ 68
ومنها: وَلَمْ يُبَايِعْ حَتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَهُ عَلَى الْبَيْعَةِ ثَمَناً فَلا ظَفِرَتْ يَدُ الْبَائِعِ وَخَزِيَتْ أَمَانَةُ الْمُبْتَاعِ فَخُذُوا لِلْحَرْبِ أُهْبَتَهَا وَأَعِدُّوا لَهَا عُدَّتَهَا فَقَدْ شَبَّ لَظَاهَا وَعَلا سَنَاهَا وَاسْتَشْعِرُوا الصَّبْرَ فَإِنَّهُ أَدْعَى إِلَى النَّصْرِ 77
وَأَعِدُّوا لَهَا عُدَّتَهَا 89
وَاسْتَشْعِرُوا الصَّبْرَ 89
فَإِنَّهُ 89
أَدْعَى إِلَى النَّصْرِ 89
27 - ومن خطبة له عليه السلام
( 98 - 131 )
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَتَحَهُ اللَّهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ 103
وَهُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى 112
وَدِرْعُ اللَّهِ الْحَصِينَةُ وَجُنَّتُهُ الْوَثِيقَةُ 113
ص: 399
فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ الذُّلِّ وَشَمِلَهُ الْبَلاءُ وَدُيِّثَ بِالصَّغَارِ وَالْقَمَاءَةِ وَضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالإِسْهَابِ وَأُدِيلَ الْحَقُّ مِنْهُ بِتَضْيِيعِ الْجِهَادِ وَسِيمَ الْخَسْفَ وَمُنِعَ النَّصَفَ 113
فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ الذُّلِّ وَشَمِلَهُ الْبَلاءُ وَدُيِّثَ بِالصَّغَارِ وَالْقَمَاءَةِ 115
فقوله عليه السلام: رغبة عنه اشارة إلى ما استثنى منه كما إذا كان فرار المسلم من ثلاثة في الحرب 116
وَضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالإِسْهَابِ 117
أَلا وَإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لَيْلاً وَنَهَاراً وَسِرّاً وَإِعْلاناً 118
وَقُلْتُ لَكُمُ اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ 118
فَوَاللَّهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلّا ذَلُّوا فَتَوَاكَلْتُمْ وَتَخَاذَلْتُمْ حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ وَمُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الْأَوْطَانُ وَهَذَا أَخُو غَامِدٍ وَقَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الْأَنْبَارَ 118
وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلُبَهَا وَقَلائِدَهَا وَرُعَاثَهَا 119
مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلّا بِالِاسْتِرْجَاعِ 119
وَالِاسْتِرْحَامِ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ وَلا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً 120
فَيَا عَجَباً عَجَباً وَاللَّهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ اجْتِمَاعُ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقُكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ 121
ص: 400
فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلا تُغِيرُونَ وَتُغْزَوْنَ وَلا تَغْزُونَ وَيُعْصَى اللَّهُ وَتَرْضَوْنَ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الْحَرِّ (الصّيف) قُلْتُمْ هَذِهِ حَمَارَّةُ الْقَيْظِ أَمْهِلْنَا يُسَبَّخْ عَنَّا الْحَرُّ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ هَذِهِ صَبَارَّةُ الْقُرِّ أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ كُلُّ هَذَا فِرَاراً مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ تَفِرُّونَ فَأَنْتُمْ وَاللَّهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ 122
يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلا رِجَالَ 123
حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ 124
لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكُمْ مَعْرِفَةً وَاللَّهِ جَرَّتْ نَدَماً وَأَعْقَبَتْ سَدَماً 124
قَاتَلَكُمُ اللَّهُ لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلانِ حَتَّى قَالَتْ قُرَيْشٌ إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ وَلَكِنْ لا عِلْمَ لَهُ بِالْحَرْبِ للَّهِ ِ أَبُوهُمْ 125
وهَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ وَهَا أَنَا ذَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ 125
وَلَكِنْ لا رَأْيَ لِمَنْ لا يُطَاعُ 126
تكملة 129
28 - ومن خطبة له عليه السلام
( 132 - 186 )
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَدْبَرَتْ وَآذَنَتْ بِوَدَاعٍ 132
وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَأَشْرَفَتْ بِاطِّلاعٍ 139
ص: 401
أَلا وَإِنَّ الْيَوْمَ الْمِضْمَارَ وَغَداً السِّبَاقَ 141
وَالسَّبَقَةُ الْجَنَّةُ وَالْغَايَةُ النَّارُ 142
أَ فَلا تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ 142
أَ لا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ 143
قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ 144
أَلا وَإِنَّكُمْ فِي أَيَّامِ أَمَلٍ مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ 145
فَمَنْ عَمِلَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ نَفَعَهُ عَمَلُهُ وَلَمْ يَضْرُرْهُ أَجَلُهُ وَمَنْ قَصَّرَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ خَسِرَ عَمَلُهُ وَضَرَّهُ أَجَلُهُ 145
أَلا فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِي الرَّهْبَةِ 149
أَلا وَإِنِّي لَمْ أَرَ كَالْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا وَلا كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا 151
الجنّة والنار مخلوقتان الآن 155
كيفيّة الجنّة والنار وأحوالهما 159
موجبات الدخول إلى الجنّة والفرار من النار 164
أَلا وَإِنَّهُ مَنْ لا يَنْفَعُهُ الْحَقُّ يَضُرُّهُ الْبَاطِلُ 177
وَمَنْ لا يَسْتَقِيمُ بِهِ الْهُدَى يَجُرُّ بِهِ الضَّلالُ إِلَى الرَّدَى أَلا وَإِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ وَدُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ 178
وَإِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَتَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى 178
وَطُولُ الْأَمَلِ 182
ذكر الموت يقصّر الأمل ويدفع طوله 184
فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحْرُزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً 185
ص: 402
تكملة 186
29 - ومن خطبة له عليه السلام: 187
أَيُّهَا النَّاسُ الْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمْ الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ 189
كَلامُكُمْ يُوهِي الصُّمَّ الصِّلابَ وَفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الْأَعْدَاءَ 190
تَقُولُونَ فِي الْمَجَالِسِ كَيْتَ وَكَيْتَ فَإِذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ حِيدِي حَيَادِ 191
مَا عَزَّتْ دَعْوَةُ مَنْ دَعَاكُمْ وَلا اسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاكُمْ أَعَالِيلُ بِأَضَالِيلَ 195
دِفَاعَ ذِي الدَّيْنِ الْمَطُولِ 195
لا يَمْنَعُ الضَّيْمَ الذَّلِيلُ وَلا يُدْرَكُ الْحَقُّ إِلّا بِالْجِدِّ أَيَّ دَارٍ بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ وَمَعَ أَيِّ إِمَامٍ بَعْدِي تُقَاتِلُونَ 196
الْمَغْرُورُ وَاللَّهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ 196
الْمَغْرُورُ - الحقيقي - وَاللَّهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ 197
وَمَنْ فَازَ بِكُمْ فَقَدْ فَازَ وَاللَّهِ بِالسَّهْمِ الْأَخْيَبِ وَمَنْ رَمَى بِكُمْ فَقَدْ رَمَى بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ أَصْبَحْتُ وَاللَّهِ لا أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ وَلا أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ وَلا أُوعِدُ الْعَدُوَّ بِكُمْ مَا بَالُكُمْ مَا دَوَاؤُكُمْ 197
مَا طِبُّكُمْ 197
الْقَوْمُ رِجَالٌ أَمْثَالُكُمْ 198
أَ قَوْلاً بِغَيْرِ عِلْمٍ 198
وَغَفْلةً مِنْ غَيْرِ وَرَعٍ وَطَمَعاً فِي غَيْرِ حَقٍّ 198
تكملة 199
ص: 403
30 - ومن كلام له عليه السلام في معنى قتل عثمان
( 205 - 232 )
لَوْ أَمَرْتُ بِهِ لَكُنْتُ قَاتِلاً أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ لَكُنْتُ نَاصِراً 205
غَيْرَ أَنَّ مَنْ نَصَرَهُ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ خَذَلَهُ مَنْ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ وَمَنْ خَذَلَهُ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ نَصَرَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي 210
وَأَنَا جَامِعٌ لَكُمْ أَمْرَهُ اسْتَأْثَرَ فَأَسَاءَ الْأَثَرَةَ وَجَزِعْتُمْ فَأَسَأْتُمُ الْجَزَعَ 216
وَللَّهِ ِ حُكْمٌ وَاقِعٌ فِي الْمُسْتَأْثِرِ وَالْجَازِعِ 218
تذييل 220
31 - ومن كلام له عليه السلام لابن عبّاس لمّا أرسله إلى الزبير
يستفيئه إلى طاعته قبل حرب الجمل
( 233 - 243 )
ومن كلام له عليه السلام لابن عبّاس لمّا أرسله إلى الزبير يستفيئه إلى طاعته قبل حرب الجمل 233
لا تَلْقَيَنَّ طَلْحَةَ 235
فَإِنَّكَ إِنْ تَلْقَهُ تَجِدْهُ كَالثَّوْرِ عَاقِصاً قَرْنَهُ 236
يَرْكَبُ الصَّعْبَ وَيَقُولُ هُوَ الذَّلُولُ 236
وَلَكِنِ الْقَ الزُّبَيْرَ فَإِنَّهُ أَلْيَنُ عَرِيكَةً 238
فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ ابْنُ خَالِكَ 242
عَرَفْتَنِي بِالْحِجَازِ وَأَنْكَرْتَنِي بِالْعِرَاقِ 242
فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا 243
ص: 404
32 - ومن خطبة له عليه السلام
( 244 - 267 )
أَصْبَحْنَا فِي دَهْرٍ عَنُودٍ 245
وَزَمَنٍ كَنُودٍ 246
يُعَدُّ فِيهِ الْمُحْسِنُ مُسِيئاً 246
وَيَزْدَادُ الظَّالِمُ فِيهِ عُتُوّاً 247
لا نَنْتَفِعُ بِمَا عَلِمْنَا 247
وَلا نَسْأَلُ عَمَّا جَهِلْنَا 249
وَلا نَتَخَوَّفُ قَارِعَةً حَتَّى تَحُلَّ بِنَا 251
وَالنَّاسُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ 251
مِنْهُمْ مَنْ لا يَمْنَعُهُ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِلّا مَهَانَةُ نَفْسِهِ وَكَلالَةُ حَدِّهِ وَنَضِيضُ وَفْرِهِ وَمِنْهُمْ الْمُصْلِتُ لِسَيْفِهِ 251
وَكَلالَةُ حَدِّهِ 252
وَنَضِيضُ وَفْرِهِ 252
وَمِنْهُمْ الْمُصْلِتُ لِسَيْفِهِ 252
وَالْمُعْلِنُ بِشَرِّهِ 253
وَالْمُجْلِبُ بِخَيْلِهِ وَرَجِلِهِ 253
قَدْ أَشْرَطَ نَفْسَهُ 254
وَأَوْبَقَ دِينَهُ 254
لِحُطَامٍ يَنْتَهِزُهُ 254
ص: 405
أَوْ مِقْنَبٍ يَقُودُهُ 254
أَوْ مِنْبَرٍ يَفْرَعُهُ 254
وَلَبِئْسَ الْمَتْجَرُ أَنْ تَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِكَ ثَمَناً وَمِمَّا لَكَ عِنْدَ اللَّهِ عِوَضاً 255
وَمِنْهُمْ مَنْ يَطْلُبُ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ وَلا يَطْلُبُ الْآخِرَةَ بِعَمَلِ الدُّنْيَا 256
قَدْ طَامَنَ مِنْ شَخْصِهِ 256
وَقَارَبَ مِنْ خَطْوِهِ 257
وَشَمَّرَ مِنْ ثَوْبِهِ 257
وَزَخْرَفَ مِنْ نَفْسِهِ لِلْأَمَانَةِ 258
وَاتَّخَذَ سِتْرَ اللَّهِ ذَرِيعَةً إِلَى الْمَعْصِيَةِ 258
وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْعَدَهُ عَنْ طَلَبِ الْمُلْكِ ضُئُولَةُ نَفْسِهِ 259
وَانْقِطَاعُ سَبَبِهِ 259
فَقَصَرَتْهُ الْحَالُ عَلَى حَالِهِ 259
فَتَحَلَّى بِاسْمِ الْقَنَاعَةِ 259
وَتَزَيَّنَ بِلِبَاسِ أَهْلِ الزَّهَادَةِ 260
وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي مَرَاحٍ وَلا مَغْدًى 260
وَبَقِيَ رِجَالٌ 260
غَضَّ أَبْصَارَهُمْ ذِكْرُ الْمَرْجِعِ 260
وَأَرَاقَ دُمُوعَهُمْ خَوْفُ الْمَحْشَرِ 260
تذييل 262
فَهُمْ بَيْنَ شَرِيدٍ نَادٍّ 263
ص: 406
أَخْمَلَتْهُمُ التَّقِيَّةُ 265
فَلْتَكُنِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِكُمْ أَصْغَرَ مِنْ حُثَالَةِ الْقَرَظِ وَقُرَاضَةِ الْجَلَمِ 266
وَاتَّعِظُوا بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَّعِظَ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ وَارْفُضُوهَا ذَمِيمَةً فَإِنَّهَا قَدْ رَفَضَتْ مَنْ كَانَ أَشْغَفَ بِهَا مِنْكُمْ 267
33 - ومن خطبة له عليه السلام عند خروجه لقتال أهل البصرة
( 268 - 279 )
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِذِي قَارٍ وَهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ فَقَالَ لِي: مَا قِيمَةُ هَذِهِ النَّعْلِ؟ فَقُلْتُ: لا قِيمَةَ لَهَا 269
وَاللَّهِ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلاً ثُمَّ خَرَجَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداًصلى الله عليه وآله وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً وَلا يَدَّعِي نُبُوَّةً 269
فَسَاقَ النَّاسَ حَتَّى بَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ وَبَلَّغَهُمْ مَنْجَاتَهُمْ 270
فَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ وَاطْمَأَنَّتْ صَفَاتُهُمْ أَمَا وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَفِي سَاقَتِهَا حَتَّى تَوَلَّتْ بِحَذَافِيرِهَا مَا ضعفت (عَجَزْتُ) وَلا جَبُنْتُ وَإِنَّ مَسِيرِي هَذَا لِمِثْلِهَا فَلَأَنْقُبَنَّ الْبَاطِلَ حَتَّى يَخْرُجَ الْحَقُّ مِنْ جَنْبِهِ مَا لِي وَلِقُرَيْشٍ وَاللَّهِ لَقَدْ قَاتَلْتُهُمْ كَافِرِينَ وَلأُقَاتِلَنَّهُمْ مَفْتُونِينَ 271
جريان حكم المسلمين على البغاة في زمان الهدنة 274
تبصرة 276
وَإِنِّي لَصَاحِبُهُمْ بِالْأَمْسِ كَمَا أَنَا صَاحِبُهُمُ الْيَوْمَ 278
ص: 407
34 - ومن خطبة له عليه السلام في استنفار الناس إلى أهل الشام
( 280 - 302 )
ومن خطبة له عليه السلام في استنفار الناس إلى أهل الشام 281
أُفٍّ لَكُمْ لَقَدْ سَئِمْتُ عِتَابَكُمْ «أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ» 282
وَبِالذُّلِّ مِنَ الْعِزِّ خَلَفاً 285
إِذَا دَعَوْتُكُمْ إِلَى جِهَادِ عَدُوِّكُمْ دَارَتْ أَعْيُنُكُمْ كَأَنَّكُمْ مِنَ الْمَوْتِ فِي غَمْرَةٍ 285
وَمِنَ الذُّهُولِ فِي سَكْرَةٍ يُرْتَجُ عَلَيْكُمْ حَوَارِي فَتَعْمَهُونَ 286
وَكَأَنَّ قُلُوبَكُمْ مَأْلُوسَةٌ فَأَنْتُمْ لا تَعْقِلُونَ 286
مَا أَنْتُمْ لِي بِثِقَةٍ سَجِيسَ اللَّيَالِي 286
وَمَا أَنْتُمْ بِرُكْنٍ يُمَالُ بِكُمْ 287
وَلا زَوَافِرُ عِزٍّ يُفْتَقَرُ إِلَيْكُمْ 287
مَا أَنْتُمْ إِلّا كَإِبِلٍ ضَلَّ رُعَاتُهَا فَكُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِبٍ انْتَشَرَتْ مِنْ آخَرَ لَبِئْسَ لَعَمْرُ اللَّهِ سُعْرُ نَارِ الْحَرْبِ أَنْتُمْ تُكَادُونَ وَلا تَكِيدُونَ وَتُنْتَقَصُ أَطْرَافُكُمْ فَلا تَمْتَعِضُونَ لا يُنَامُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ فِي غَفْلَةٍ سَاهُونَ غُلِبَ وَاللَّهِ الْمُتَخَاذِلُونَ 287
وَايْمُ اللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّ بِكُمْ أَنْ لَوْ حَمِسَ الْوَغَى وَاسْتَحَرَّ الْمَوْتُ قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ انْفِرَاجَ الرَّأْسِ 289
وَاللَّهِ إِنَّ امْرَأً يُمَكِّنُ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ يَعْرُقُ لَحْمَهُ وَيَهْشِمُ عَظْمَهُ وَيَفْرِي جِلْدَهُ لَعَظِيمٌ عَجْزُهُ ضَعِيفٌ مَا ضُمَّتْ عَلَيْهِ جَوَانِحُ صَدْرِهِ 290
أَنْتَ فَكُنْ ذَاكَ إِنْ شِئْتَ 290
فَأَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ دُونَ أَنْ أُعْطِيَ ذَلِكَ ضَرْبٌ بِالْمَشْرَفِيَّةِ 291
ص: 408
تَطِيرُ مِنْهُ فَرَاشُ الْهَامِ وَتَطِيحُ السَّوَاعِدُ وَالْأَقْدَامُ 291
وَيَفْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ ما يَشاءُ 294
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً وَلَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ وَتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ وَتَعْلِيمُكُمْ كَيْلا تَجْهَلُوا وَتَأْدِيبُكُمْ كَيْمَا تَعْلَمُوا وَأَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ فَالْوَفَاءُ بِالْبَيْعَةِ وَالنَّصِيحَةُ فِي الْمَشْهَدِ وَالْمَغِيبِ 294
وَالإِجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ 295
وَالطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ 295
تنبيه 296
تكملة 299
الخطبة (35) ومن خطبة له عليه السلام بعد التحكيم
( 303 - 377 )
و من خطبة له عليه السلام بعد التحكيم 303
الْحَمْدُ للَّهِ ِ وَإِنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفَادِحِ وَالْحَدَثِ الْجَلِيلِ 303
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وحده لا شَرِيكَ لَهُ لَيْسَ مَعَهُ إِلَهٌ غَيْرُهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وآله 304
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَعْصِيَةَ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ الْعَالِمِ الْمُجَرِّبِ تُورِثُ الْحَيْرَةَ وَتُعْقِبُ النَّدَامَةَ 304
وَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هَذِهِ الْحُكُومَةِ أَمْرِي وَنَخَلْتُ لَكُمْ مَخْزُونَ رَأْيِي لَوْ كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ 305
فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ الْجُفَاةِ وَالْمُنَابِذِينَ الْعُصَاةِ 311
ص: 409
حَتَّى ارْتَابَ النَّاصِحُ بِنُصْحِهِ وَضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِهِ فَكُنْتُ أَنَا وَإِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ 312
أَمَرْتُكُمْ أَمْرِي بِمُنْعَرِجِ اللِّوَى فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلّا ضُحَى الْغَدِ 312
قضيّة صفّين 313
قصّة التحكيم والحكمين وحكمهما بالجور رأي العين 343
المصادر 378
المحتويات 396
ص: 410
سرشناسه:موسوی آل طیب، سیدمحمدکاظم، 1331-
عنوان قراردادی:نهج البلاغه. شرح
Nhjol-Balaghah. Commantries
عنوان و نام پديدآور:مصباح السعاده فی شرح النهج البلاغه[علی بن ابی طالب(ع)]/ مولف سيدمحمدكاظم الموسوی آل طيب.
مشخصات نشر:قم: . دارالتفسیر، 1440ق.= 1397.
مشخصات ظاهری:6ج
شابک:ج.6 978-964-535-716-8 :
وضعیت فهرست نویسی:فیپا
يادداشت:عربی.
يادداشت:ج.6 (چاپ اول: 1442 ق = 1399) (فیپا).
موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- خطبه ها
موضوع:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- *Public speaking
موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- کلمات قصار
موضوع:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- Quotations
موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق . نهج البلاغه -- نقد و تفسیر
موضوع:Ali ibn Abi-talib, Imam I. Nahjol - Balaghah -- Criticism and interpretation
شناسه افزوده:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق . نهج البلاغه. شرح
شناسه افزوده:Ali ibn Abi-talib, Imam I Commantries.. Nahjol - Balaghah
رده بندی کنگره:BP38/02/م83 1397
رده بندی دیویی:297/9515
شماره کتابشناسی ملی:5402095
اطلاعات رکورد کتابشناسی:فیپا
ص: 1
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 2
مصباح السعادة في شرح نهج البلاغة الجز خامس
السيّد محمّد كاظم الموسوي آل طيّب
ص: 3
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحیم
عَلَى غَيْرِ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا سُلْطَانٍ مُبِينٍ مَعَكُمْ قَدْ طَوَّحَتْ بِكُمُ الدَّارُ وَاحْتَبَلَكُمُ الْمِقْدَارُ وَ قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ هَذِهِ الْحُكُومَةِ فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُنَابِذِينَ حَتَّى صَرَفْتُ رَأْيِي إِلَى هَوَاكُمْ وَأَنْتُمْ مَعَاشِرُ أَخِفَّاءُ الْهَامِ سُفَهَاءُ الْأَحْلامِ وَلَمْ آتِ لا أَبَا لَكُمْ بُجْراً وَلا أَرَدْتُ لَكُمْ ضُرّاً.
فَأَنَا نَذِيرٌ لَكُمْ أَنْ تُصْبِحُوا صَرْعَى بِأَثْنَاءِ هَذَا النَّهَرِ وَبِأَهْضَامِ هَذَا الْغَائِطِ
انّ كلامه عليه السلام هذا مشعر بكونه مأموراً من اللَّه و رسوله بقتالهم وانّ هذا الأخبار منه عليه السلام إنّما كان بعد ما سمعه من النبيّ صلى الله عليه وآله و الأخبار به كثيرة.
منها: عن زيد بن علي، عن أبيه، عن الحسين بن علي، عن أميرالمؤمنين عليهم السلام، قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: يا علي، إن اللَّه (تعالى) أمرني أن أتخذك أخا و وصيا، فأنت أخي و وصيي، و خليفتي على أهلي في حياتي وبعد موتي، من تبعك فقد تبعني، ومن تخلف عنك فقد تخلف عني، ومن كفر بك فقد كفر بي، ومن ظلمك فقد ظلمني. يا علي، أنت مني وأنا منك. يا علي، لو لا أنت لما قوتل أهل النهر.
قال: فقلت: يا رسول اللَّه، ومن أهل النهر؟ قال قوم يمرقون من الإسلام كما
ص: 5
يمرق السهم من الرمية»(1).
وَ مِنْهَا مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّ النَّبِيَ صلى الله عليه و آله قَسَمَ يَوْماً قَسْماً فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ تَمِيمٍ اعْدِلْ فَقَالَ: وَ يْحَكَ وَ مَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ.
قِيلَ نَضْرِبُ عُنُقَهُ قَالَ: لا إِنَّ لَهُ أَصْحَاباً يُحَقِّرُ أَحَدُكُمْ صَلاتَهُ وَ صِيَامَهُ مَعَ صَلاتِهِمْ وَ صِيَامِهِمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ آيتهم (رَئِيسُهُمْ) رَجُلٌ أَدْعَجُ إِحْدَى ثَدْيَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ.
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: إِنِّي كُنْتُ مَعَ عَلِيٍ عليه السلام حِينَ قَتَلَهُمْ فَالْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى بِالنَّهْرَوَانِ فَأُتِيَ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله(2).
ثمّ انّ قوله عليه السلام هذا اشارة إلى انّ القتل بما هو هو ليس ممدوحاً بل يكون مذموماً لقوله تعالى: «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ»(3)الّا أن يكون فيه نفع في الآخرة وهو لا يكون إلّا فيما إذا كان الانسان على بصيرة في دينه ليكون من المجاهدين في سبيل اللَّه ومصداقاً لقوله تعالى: «وَ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»(4).
ص: 6
قَدْ طَوَّحَتْ بِكُمُ الدَّارُ وَ احْتَبَلَكُمُ الْمِقْدَارُ وَ قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ هَذِهِ الْحُكُومَةِ فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ المخالفين الْمُنَابِذِينَ حَتَّى صَرَفْتُ رَأْيِي إِلَى هَوَاكُمْ وَ أَنْتُمْ مَعَاشِرُ أَخِفَّاءُ الْهَامِ سُفَهَاء
الأوّل: في ذكر ما ورد من أخبار النبيّ صلى الله عليه و آله لقتال الخوارج و كفرهم من طريق الخاصّة و العامّة:
ذكر الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث في مسنده المسمى بالسنن يرفعه إلى أبي سعيد الخدري و أنس بن مالك أن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال سيكون في أمتي اختلاف و فرقة قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية(1)هم شر الخلق طوبى لمن قتلهم و قتلوه يدعون إلى كتاب اللَّه و ليسوا منه في شي ء من قاتلهم كان أولى باللَّه منهم(2).
و نقل مسلم بن حجاج في صحيحه و وافقه أبو داود بسند هما عن زيد بن وهب أنّه كان في الجيش الذي كانوا مع علي عليه السلام فقال علي عليه السلام أيها الناس إني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول يخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن ليس قرآنكم إلى قرآنهم بشي ء و لا صلاتكم إلى صلاتهم بشي ء و لا صيامكم إلى صيامهم بشي ء يقرؤون
ص: 7
القرآن يحسبون أنه لهم و هو عليهم لا تجاوز قراءتهم تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم لنكلوا عن العمل و آية ذلك أن فيهم رجلا له عضد ليس له ذراع على عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض فتذهبون إلى معاوية و أهل الشام و يتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم و أموالكم و اللَّه إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم فإنهم قد سفكوا الدم الحرام وأغاروا على سرج (سرح) الناس فسيروا (فتسيروا)(1).
عن عبداللَّه بن أبي أوفى قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «الخوارج كلاب أهل النار»(2).
و من تفسير القشيري و إبانة العكبري عن سفيان عن الأ عمش عن سلمة عن كهيل عن أبي الطفيل أنه سأل ابن الكواء أمير المؤمنين عليه السلام عن قوله تعالى: «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً»(3)الآية فقال عليه السلام: «إنهم أهل حروراء.
ثم قال: «الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً»(4)في قتال علي بن أبي طالب «أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فلا يقيم لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً * ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا»(5)بولاية علي واتخذوا آيات القرآن ورسلي يعني: محمدا صلى الله عليه و آله هزوا
ص: 8
واستهزؤوا بقوله: ألا من كنت مولاه فعلي مولاه و أنزل في أصحابه: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ»(1)»الآية فقال ابن عباس نزلت: في أصحاب الجمل.
و عن تفسير الفلكي أبو أمامة قال النبي صلى الله عليه و آله في قوله تعالى: «يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ»(2)الآية هم الخوارج(3).
قال المعتزلي: قد تظاهرت الأخبار حتى بلغت حد التواتر بما وعد اللَّه تعالى قاتلي الخوارج من الثواب على لسان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله(4).
و في الصحاح المتفّق عليها أن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بينا هو يقسم قسما جاء رجل من بني تميم يدعى ذا (ذو) الخويصرة فقال: اعدل يا محمّد فقال صلى الله عليه و آله: «قد عدلت»فقال له ثانية: اعدل يا محمّد فإنّك لم تعدل فقال صلى الله عليه و آله: «ويلك و من يعدل إذا لم أعدل»فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول اللَّه ائذن لي أضرب عنقه فقال: دعه فسيخرج من ضئضئ(5)هذا قوم يمرقون(6)من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر أحدكم إلى نصله(7)فلا يجد شيئا فينظر إلى نضيه(8)فلا يجد شيئاً ثمّ ينظر
ص: 9
إلى القذذ(1)فكذلك سبق الفرث والدم(2)يخرجون على حين فرقة من الناس تحتقر صلاتكم في جنب صلاتهم و صومكم عند صومهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم آيتهم(3)رجل أسود أو قال أدعج(4)مخدج(5)اليد إحدى يديه كأنها ثدي امرأة أو بضعة تدردر(6).(7)
وفي بعض الصحاح أنرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهقال لأبي بكر و قد غاب الرجل عن عينه قم إلى هذا فاقتله فقام ثم عاد وقال وجدته يصلي فقال لعمر مثل ذلك فعاد و قال وجدته يصلي فقال لعلي عليه السلام مثل ذلك فعاد فقال لم أجده فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لو قتل هذا لكان أول فتنة و آخرها أما إنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم. الحديث(8).
وفي مسند أحمد بن حنبل عن مسروق قال قالت لي عائشة إنك من ولدي و من أحبهم إلي فهل عندك علم من المخدج فقلت نعم قتله علي بن أبي طالب على نهر يقال لأعلاه تامرا(9)ولأسفله النهروان بين لخاقيق وطرفاء(10)
ص: 10
قالت ابغني(1)على ذلك بينة فأقمت رجالا شهدوا عندها بذلك قال فقلت لها سألتك بصاحب القبر ما الذي سمعت من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فيهم فقالت نعم سمعته يقول إنهم شر الخلق و الخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة و أقربهم عند اللَّه وسيلة(2).
لمّا أراد عليّ عليه السلام أن يبعث أبا موسى للحكومة أتاه رجلان من الخوارج زرعة بن البرج الطائي و حرقوص بن زهير السعدي فقالا له: لا حكم إلّا للَّه، فقال عليّ عليه السلام: «لا حكم إلّا للَّه»و قال حرقوص بن زهير: تب من خطيئتك و ارجع عن قضيّتك و اخرج بنا إلى عدوّنا نقاتلهم حتّى نلقي ربّنا.
فقال عليّ عليه السلام: «قد أردتكم على ذلك فعصيتوني و قد كتبنا بيننا و بين القوم كتاباً و شرطنا شروطاً و أعطينا عليها عهوداً و قد قال اللَّه تعالى: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ»(3)».
فقال حرقوص: ذلك ذنب ينبغي أن تتوب عنه، فقال عليّ عليه السلام: «ما هو ذنب ولكنّه عجز عن الرأي و قد نهيتكم»فقال زرعة: يا علي لئن لم تدع تحكيم الرجال لأقاتلنّك أطلب وجه اللَّه تعالى فقال عليّ عليه السلام: «بؤسا لك ما أشقاك كأنّي بك قتيلاً تسفي عليك الرياح».
ص: 11
قال: وددت لو كان ذلك فخرجا من عنده يحكمان.
و خطب عليّ ذات يوم فحكمت المحكمة في جوانب المسجد فقال عليّ اللَّه أكبر كلمة حقّ أريد بها باطل إن سكتوا غممناهم و إن تكلّموا حججناهم وإن خرجوا علينا قاتلناهم.
فوثب يزيد بن عاصم المحاربي فقال: الحمد للَّه غير مودع ربّنا ولا مستغن عنه اللهمّ إنّنا نعوذ بك من إعطاء الدنيّة في ديننا فان اعطاء الدنية في الدين ادهان في أمر اللَّه وذلّ راجع بأهله إلى سخط اللَّه يا علي أباالقتل تخوّفنا أما واللَّه إنّي لأرجو أن نضربكم بها عمّا قليل غير مصفحات ثمّ لتعلم أيّنا أولى بها صليّا.
ثمّ خرج هو وأخوة له ثلاثة فأصيبوا مع الخورج بالنهر وأصيب أحدهم بعد ذلك بالنخيلة.
ثمّ خطب عليّ عليه السلام يوماً آخر فقال رجل فقال: لا حكم إلّا للَّه ثمّ توالي عدّة رجال يحكمون فقال علي اللَّه أكبر كلمة حقّ أريد بها باطل أمّا إن لكم عندنا ثلاثاً ما صحبتمونا لانمنعكم مساجد اللَّه أن تذكروا فيها اسمه و لا نمنعكم الفي ء مادامت أيديكم مع أيدينا و لا نقاتلكم حتّى تبدأونا وإنّما فيكم أمر اللَّه ثمّ رجع إلى مكانه من الخطبة(1).
ثمّ أنّ الخوارج لقي بعضهم بعضا واجتمعوا في منزل عبداللَّه بن وهب الراسبي فخطبهم و زهدهم في الدنيا و أمرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثمّ قال: اخرجوا بنا من هذه القرية الظالم أهلها إلى بعض كور الجبال أو إلى بعض هذه المدائن منكرين لهذه البدع المضلّة.
ص: 12
فقال له حرقوص بن زهير: إنّ المتاع بهذه الدنيا قليل وإن الفراق لها وشيك فلا تدعونّكم زينتها و بهجتها إلى المقام بها ولا تلفتنّكم (ولا تمنعكم) عن طلب الحقّ و إنكار الظلم ف «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ»(1).
فقال حمزة بن سنان الأسدي: يا قوم إنّ الرأي ما رأيتم فولوّا أمركم رجلاً منكم فإنّكم لابدّ لكم من عماد وسناد وراية تحفون بها و ترجعون إليها فعرضوها على زيد بن حصين الطائي فأبى و عرضوا على حرقوص بن زهير فأبى و على حمزة بن سنان و شريح بن أوفى العبسي فأبيا فعرضوها على عبداللَّه بن وهب فقال: هاتوها أما واللَّه لا آخذها رغبة في الدنيا ولا أدعها فرقا من الموت فبايعوه لعشر خلون من شوال وكان يقال له ذو الثفنات.
ثمّ اجتمعوا في منزل شريح بن أوفى العبسي فقال ابن وهب اشخصوا بنا إلى بلدة نجتمع فيها لانقاذ حكم الحق فإنّكم أهل الحقّ.
قال شريح نخرج إلى المدائن فننزلها ونأخذها بأبوابها و نخرج منها سكانها و نبعث إلى إخواننا من أهل البصرة فيقدمون علينا فقال زيد بن حصين إنّكم إن خرجتم مجتمعين أتبعتم ولكن اخرجوا وحدانا مستخفّين فأمّا المدائن فإنّ بها من يمنعكم ولكن سيروا حتّى ننزل جسر النهروان وتكاتبوا إخوانكم من أهل البصرة قالوا هذا الرأي.
و كتب عبداللَّه بن وهب إلى من بالبصرة منهم يعلمونهم ما اجتمعوا عليه و يحثّونهم على اللحاق بهم و سير الكتاب إليهم فأجابوه أنّهم على اللحاق به فلمّا عزموا على المسير تعبدوا ليلتهم وكانت ليلة الجمعة ويوم الجمعة وساروا يوم
ص: 13
السبت فخرج شريح بن أوفى العبسي و هو يتلو قول اللَّه تعالى: «فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ»إلى «سَوَاءَ السَّبِيلِ»و خرج معهم طرفة بن عدي بن حاتم الطائي فاتبعه أبوه فلم يقدر عليه فانتهى إلى المدائن ثمّ رجع فلمّا بلغ ساباط لقيه عبداللَّه بن وهب الراسبي في نحو عشرين فارساً فأراد عبداللَّه قتله فمنعه عمرو بن مالك التيهاني وبشر بن زيد البولاني و أرسل عدي إلى سعد بن مسعود عامل علي على المدائن يحذّره أمرهم فأخذ أبواب المدائن و خرج في الخيل و استخلف بها ابن أخيه المختار بن أبي عبيد و سار في طلبهم فأخبر عبداللَّه بن وهب خبره فرابأ طريقه وسار على بغداد ولحقهم سعد بن مسعود بالكرخ في خمسمائة فارس عند المساء فانصرف إليهم عبداللَّه في ثلاثين فارساً فاقتتلوا ساعة وامتنع القوم منهم.
و قال أصحاب سعد لسعد: ما تريد من قتال هؤلاء ولم يأتك فيهم أمر خلّهم فليذهبوا واكتب إلى أميرالمؤمنين فان أمرك باتباعهم اتبعتهم و إن كفاكهم غيرك كان في ذلك عافية لك فأبى عليهم فلمّا جنّ عليهم الليل خرج عبداللَّه بن وهب فعبر دجلة إلى أرض جوخى و سار إلى النهروان فوصل إلى أصحابه و قد أيسوا منه و قالوا إن كان هلك وليّنا الأمر زيد بن حصين أو حرقوص بن زهير.
و سار جماعة من أهل الكوفة يريدون الخوارج ليكونوا معهم فردّهم أهلوهم كرها منهم القعقاع بن قيس الطائي عم الطرماح بن حكيم و عبداللَّه بن حكيم بن عبدالرحمن البكائي، وبلغ عليّاً أنّ سالم بن ربيعة العبسي يريد الخروج فأحضره عنده و نهاه فانتهى(1).
و لمّا خرجت الخوارج من الكوفة أتى عليّاً أصحابه و شيعته فبايعوه وقالوا
ص: 14
نحن أولياء من و اليت و أعداء من عاديت فشرط لهم فيه سنّة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فجاءه ربيعة بن أبي شدّاد الخثعمي و كان شهد معه الجمل وصفّين و معه راية خثعم فقال عليه السلام له: بايع على كتاب اللَّه و سنّة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقال ربيعة على سنّة أبي بكر وعمر.
قال له عليّ عليه السلام: ويلك لو أنّ أبابكر و عمر عملا بغير كتاب وسنّة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لم يكونا على شي ء من الحقّ فبايعه فنظر إليه عليّ وقال: أما و اللَّه لكأنّي بك و قد نفرت مع هذه الخوارج فقتلت و كأنّي بك و قد وطئتك الخيل بحوافرها فقتل يوم النهر مع خوارج البصرة.
و أمّا خوارج البصرة فانّهم اجتمعوا في خمسمائة رجل و جعلوا عليهم مسعر بن فدكي التميمي فعلم بهم ابن عبّاس فاتبعهم أبا الأسود الدؤلي فلحقهم بالجسر الأكبر فتواقفوا حتّى حجز بينهم الليل وأدلج مسعر بأصحابه وأقبل يعترض الناس و على مقدّمته الأشرس بن عوف الشيباني وسار حتّى لحق بعبداللَّه بن وهب بالنهر.
فلمّا خرجت الخوارج و هرب أبو موسى إلى مكّة وردّ علي عليه السلام ابن عبّاس إلى البصرة قام في الكوفة فخطبهم فقال: «الحمد للَّه وإن أتى الدهر بالخطب الفادح و الحدثان الجليل وأشهد أن لا إله إلّا اللَّه وانّ محمّداً رسول اللَّه»(أقول: قد مرّ ذكر الخطبة مع شرحها - المؤلّف -).
ثمّ قال عليه السلام: «ألا إنّ هذا الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما و أحييا ما أمات القرآن و اتبع كلّ واحد منهما هواه بغير هدى من اللَّه فحكما بغير حجّة بيّنة و لا سنّة ماضية و اختلفا في حكمهما و کلا هما
ص: 15
لم يرشد فبرئ اللَّه منهما ورسوله و صالح المؤمنين استعدّوا و تاهبوا للمسير إلى الشام وأصبحوا في معسكرهم إن شاء اللَّه يوم الاثنين».
ثمّ نزل وكتب إلى الخوارج بالنهر:
«بسم اللَّه الرحمن الرحيم من عبداللَّه علي أميرالمؤمنين إلى زيد بن حصين وعبداللَّه بن وهب و من معهما من الناس أمّا بعد فإن هذين الرجلين اللذين ارتضيناهما حكمين قد خالفا كتاب اللَّه واتبعا هواهما بغير هدى من اللَّه فلم يعملا بالسنّة و لم ينفذا القرار حكما فبرئ اللَّه منهما و رسوله و المؤمنون فإذا بلغكم كتابي هذا فأقبلوا إلينا فإنّا سائرون إلى عدوّنا و عدوّكم و نحن على الامر الأوّل الذي كنّا عليه».
فكتبوا إليه: أمّا بعد فإنّك لم تغضب لربّك و إنّما غضبت لنفسك فإن شهدت على نفسك بالكفر واستقبلت التوبة نظرنا فيما بيننا وبينك وإلّا فقد نبذناك على سواء إنّ اللَّه لا يحبّ الخائنين.
فلمّا قرأ كتابهم أيس منهم ورأى أن يدعهم ويمضي بالناس حتّى يلقى أهل الشام فيناجزهم فقام في أهل الكوفة فحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال: «أمّا بعد فإنّه من ترك الجهاد في اللَّه وأدهن في أمره كان على شفا هلكة إلّا أن يتداركه اللَّه بنعمته فاتّقوا اللَّه وقاتلوا من حادّ اللَّه ورسوله وحاول أن يطفئ نور اللَّه فقاتلوا الخاطئين الضالّين القاسطين الذين ليسوا بقرّاء القرآن و لا فقهاء في الدين و لا علماء في التأويل و لا لهذا الأمر بأهل في سابقة الإسلام واللَّه لو ولّوا عليكم لعملوا فيكم بأعمال كسرى وهرقل تيسروا للمسير إلى عدوّكم من أهل المغرب و قد بعثنا إلى إخوانكم من أهل البصرة ليقدموا عليكم فإذا اجتمعتم شخصنا إن شاء اللَّه و لا
ص: 16
حول ولا قوّة إلّا باللَّه»(1).
و كتب إلى ابن عبّاس: «أمّا بعد فإنّا خرجنا إلى معسكرنا بالنخيلة و قد أجمعنا على المسير إلى عدوّنا من أهل المغرب فأشخص إلى الناس حتّى يأتيك رسولي و أقم حتّى يأتيك أمري والسلام عليك».
فقرأ ابن عبّاس الكتاب على الناس وندبهم مع الأحنف بن قيس فشخّص ألف و خمسمائة فاستقلهم عبداللَّه بن عبّاس فخطبهم و قال: يا أهل البصرة أتاني كتاب أميرالمؤمنين فأمرتكم بالنفير إليه فلم يشخص منكم إليه إلّا ألف و خمسمائة و أنتم ستّون ألف مقاتل سوى أبنائكم و عبيدكم ألا انفروا إليه مع جارية بن قدامة السعدي و لا يجعلنّ رجل على نفسه سبيلا فإنّي موقع بكلّ من وجدته متخلّفاً عن دعوته عاصياً لإمامه فلا يلومنّ رجل إلّا نفسه.
فخرج جارية فاجتمع إليه ألف و سبعمائة فوافوا عليّاً و هم ثلاثة آلاف و مائتان فجمع إليه رؤوس أهل الكوفة و رؤوس الأسباع و وجوه الناس فحمد اللَّه و أثنى عليه ثمّ قال: «يا أهل الكوفة أنتم إخواني وأنصاري و أعواني على الحقّ و أصحابي إلى جهاد المحلّين بكم أضرب المدبر وأرجو تمام طاعة المقبل و قد استنفرت أهل البصرة فأتاني منهم ثلاثة آلاف و مائتان فليكتب لي رئيس كلّ قبيلة ما في عشيرته من المقاتلة و أبناء المقاتلة الذين أدركوا القتال و عبدان عشيرته و يرفع ذلك إلينا».
فقام إليه سعد بن قيس الهمداني فقال: يا أميرالمؤمنين سمعاً و طاعة أنّا أوّل الناس أجاب ما طلبت و قام معقل بن قيس وعدي بن حاتم و زياد بن خصفة
ص: 17
و حجر بن عدي وأشراف الناس و القبائل فقالوا مثل ذلك و كتبوا إليه ما طلب وأمروا أبناءهم وعبيدهم أن يخرجوا معهم و لا يتخلّف منهم فرفعوا إليه أربعين ألف مقاتل و سبعة عشر ألفاً من الأبناء ممّن أدرك و ثمانية آلاف من مواليهم وعبيدهم و كان جميع أهل الكوفة خمسين (خمساً) وستّين ألفاً سوى أهل البصرة و هم ثلاثة آلاف ومائتا رجل.
و كتب إلى سعد بن مسعود بالمدائن يأمره بإرسال من عنده من المقاتلة.
و بلغ عليّاً أنّ الناس يقولون لو سار بنا إلى قتال هذه الحروريّة فإذا فرغنا منهم توجّهنا إلى قتال المحلين! فقال لهم: «بلغني أنّكم قلتم كيت وكيت و إنّ هؤلاء الخارجين أهم إلينا فدعوا ذكرهم وسيروا إلى قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبّارين ملوكاً و يتّخذون عباد اللَّه خولا».
فناداه الناس أن سر بنا يا أميرالمؤمنين حيث أحببت و قام إليه صيفي بن فسيل الشيباني فقال: يا أميرالمؤمنين نحن حزبك و أنصارك نعادي من عاداك و نشايع من أناب إلى طاعتك من كانوا وأينما كانوا فإنّك إن شاء اللَّه لن تؤتى من قلّة عدد وضعف نيّة أتباع(1).
روى إبراهيم بن الحسن بن ديزيل المحدث في كتاب صفين عن عبد الرحمن بن زياد عن خالد بن حميد المصري عن عمر مولى غفرة قال لما رجع علي عليه السلام من
ص: 18
صفين إلى الكوفة أقام الخوارج حتى جموا(1)ثم خرجوا إلى صحراء بالكوفة تسمى حروراء فنادوا لا حكم إلّا للَّه ولو كره المشركون ألا إن عليا ومعاوية أشركا في حكم اللَّه.
فأرسل علي عليه السلام إليهم عبداللَّه بن عباس فنظر في أمرهم و كلمهم ثم رجع إلى علي عليه السلام فقال له: ما رأيت؟ فقال ابن عباس: واللَّه ما أدري ما هم فقال له علي عليه السلام: رأيتهم منافقين؟ قال واللَّه ما سيماهم بسيما المنافقين إن بين أعينهم لأثر السجود و هم يتأولون القرآن، فقال علي عليه السلام: دعوهم ما لم يسفكوا دما أو يغصبوا مالا وأرسل إليهم ما هذا الذي أحدثتم و ما تريدون؟ قالوا: نريد أن نخرج نحن وأنت و من كان معنا بصفين ثلاث ليال ونتوب إلى اللَّه من أمر الحكمين ثم نسير إلى معاوية فنقاتله حتى يحكم اللَّه بيننا و بينه فقال علي عليه السلام: فهلا قلتم هذا حين بعثنا الحكمين وأخذنا منهم العهد وأعطيناهموه أ لا قلتم هذا حينئذ قالوا: كنا قد طالت الحرب علينا واشتد البأس وكثر الجراح وخلا الكراع والسلاح فقال لهم: أفحين اشتد البأس عليكم عاهدتم فلمّا وجدتم الجمام قلتم ننقض العهد إن رسول اللَّه كان يفي للمشركين أفتأمرونني بنقضه.
فمكثوا مكانهم لا يزال الواحد منهم يرجع إلى علي عليه السلام و لا يزال الآخر يخرج من عند علي عليه السلام فدخل واحد منهم على علي عليه السلام بالمسجد والناس حوله فصاح لا حكم إلّا للَّه ولو كره المشركون فتلفت الناس فنادى لا حكم إلّا للَّه ولو كره المتلفتون فرفع علي عليه السلام رأسه إليه فقال: لا حكم إلّا للَّه ولو كره أبو حسن.
ص: 19
فقال علي عليه السلام إن أبا الحسن لا يكره أن يكون الحكم للَّه ثم قال: حكم اللَّه أنتظر فيكم فقال له الناس: هلا ملت يا أميرالمؤمنين على هؤلاء فأفنيتهم فقال إنهم لا يفنون إنهم لفي أصلاب الرجال و أرحام النساء إلى يوم القيامة(1).
روى أنس بن عياض المدني قال حدثني جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جده عليهم السلام: «أن عليا عليه السلام كان يوما يؤم الناس وهو يجهر بالقراءة فجهر ابن الكواء من خلفه «وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ»(2)فلمّا جهر ابن الكواء و هو خلفه بها سكت علي عليه السلام فلما أنهاها ابن الكواء عاد علي عليه السلام فأتم قراءته فلما شرع علي عليه السلام في القراءة أعاد ابن الكواء الجهر بتلك الآية فسكت علي عليه السلام فلم يزالا كذلك يسكت هذا ويقرأ ذاك مرارا حتى قرأ علي عليه السلام «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ»(3)فسكت ابن الكواء و عاد عليه السلام إلى قراءته»(4).
و ذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في التاريخ أن عليا عليه السلام لما دخل الكوفة دخلها معه كثير من الخوارج و تخلف منهم بالنخيلة وغيرها خلق كثير لم يدخلوها فدخل حرقوص بن زهير السعدي وزرعة بن البرج الطائي و هما من رؤوس الخوارج على علي عليه السلام فقال له حرقوص تب من خطيئتك و اخرج بنا إلى معاوية نجاهده فقال له علي عليه السلام إني كنت نهيتكم عن الحكومة فأبيتم ثم الآن تجعلونها ذنبا أما إنها ليست بمعصية ولكنها عجز من الرأي وضعف في التدبير و قد نهيتكم عنه
ص: 20
فقال زرعة أما واللَّه لئن لم تتب من تحكيمك الرجال لأقتلنك أطلب بذلك وجه اللَّه و رضوانه فقال علي عليه السلام بؤسا لك ما أشقاك كأني بك قتيلا تسفي عليك الرياح قال زرعة وددت أنه كان ذلك.
قال و خرج علي عليه السلام يخطب الناس فصاحوا به من جوانب المسجد لا حكم إلّا للَّه وصاح به رجل [منهم واضع إصبعه في أذنيه فقال]«وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ»(1)فقال له علي عليه السلام: «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ»(2).(3)
قال أبو العباس: و يقال إن أول من حكم عروة بن أدية وأ دية جدة له جاهلية و هو عروة بن حدير أحد بني ربيعة بن حنظلة و قال قوم أول من حكم رجل من بني محارب بن خصفة بن قيس بن عيلان يقال له سعيد ولم يختلفوا في اجتماعهم على عبداللَّه بن وهب الراسبي وأنه امتنع عليهم وأومأ إلى غيره فلم يقنعوا إلّا به فكان إمام القوم وكان يوصف برأي فأما أول سيف سل من سيوف الخوارج فسيف عروة بن أدية وذاك أنه أقبل على الأشعث فقال له ما هذه الدنية يا أشعث وما هذا التحكيم أ شرط أوثق من شرط اللَّه عز وجل ثم شهر عليه السيف والأشعث مول فضرب به عجز بغلته.
قال أبو العباس: وعروة بن حدير هذا من النفر الذين نجوا من حرب النهروان فلم يزل باقيا مدة من أيام معاوية ثم أتي به زياد ومعه مولى له فسأله عن أبي بكر
ص: 21
و عمر فقال خيرا فقال له فما تقول في أمير المؤمنين عثمان وفي أبي تراب فتولى عثمان ست سنين من خلافته ثم شهد عليه بالكفر وفعل في أمر علي عليه السلام مثل ذلك إلى أن حكم ثم شهد عليه بالكفر ثم سأله عن معاوية فسبه سبا قبيحا ثم سأله عن نفسه فقال له أولك لزنية(1)و آخرك لدعوة وأنت بعد عاص لربك فأمر به فضربت عنقه ثم دعا مولاه فقال له صف لي أموره قال أ أطنب أم أختصر قال بل اختصر قال ما أتيته بطعام بنهار قط ولا فرشت له فراشا بليل قط.
قال أبو العباس: وسبب تسميتهم الحرورية أن عليا عليه السلام لما ناظرهم بعد مناظرة ابن عباس إياهم كان فيما قال لهم أ لا تعلمون أن هؤلاء القوم لما رفعوا المصاحف قلت لكم إن هذه مكيدة ووهن وإنهم لو قصدوا إلى حكم المصاحف لأتوني وسألوني التحكيم أفتعلمون أن أحدا كان أكره للتحكيم مني قالوا صدقت قال فهل تعلمون أنكم استكرهتموني على ذلك حتى أجبتكم إليه فاشترطت أن حكمهما نافذ ما حكما بحكم اللَّه فمتى خالفاه فأنا وأنتم من ذلك برآء وأنتم تعلمون أن حكم اللَّه لا يعدوني قالوا اللهم نعم قال وكان معهم في ذلك الوقت ابن الكواء(2)قال وهذا من قبل أن يذبحوا عبداللَّه بن خباب وإنما ذبحوه في الفرقة الثانية بكسكر(3)فقالوا له: حكمت في دين اللَّه برأينا و نحن مقرون بأنا كنا كفرنا و لكنّا الآن تائبون فأقر بمثل ما أقررنا به وتب ننهض معك إلى الشام فقال أ ما تعلمون أن اللَّه تعالى قد أمر بالتحكيم في شقاق بين الرجل وامرأته فقال سبحانه: «فَابْعَثُوا
ص: 22
حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها»(1)و في صيد أصيب كأرنب يساوي نصف درهم فقال: «يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ»(2)فقالوا له: فإن عمرا لما أبى عليك أن تقول في كتابك هذا ما كتبه عبداللَّه علي أمير المؤمنين محوت اسمك من الخلافة و كتبت علي بن أبي طالب فقد خلعت نفسك فقال لي في رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أسوة حين أبى عليه سهيل بن عمرو أن يكتب هذا كتاب كتبه محمد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سهيل بن عمرو وقال له لو أقررت بأنك رسول اللَّه ما خالفتك ولكني أقدمك لفضلك فاكتب محمد بن عبداللَّه فقال لي: «يا علي امح رسول اللَّه فقلت يا رسول اللَّه لا تشجعني نفسي على محو اسمك من النبوة قال فقضى عليه فمحاه بيده ثم قال: اكتب محمد بن عبداللَّه ثم تبسم إلي وقال يا علي أما إنك ستسام مثلها فتعطي».
فرجع معه منهم ألفان من حروراء وقد كانوا تجمعوا بها فقال لهم علي ما نسميكم ثم قال أنتم الحرورية لاجتماعكم بحروراء(3).
و ذكر أبو العباس أيضا في الكامل أن عليا عليه السلام في أول خروج القوم عليه دعا صعصعة بن صوحان العبدي و قد كان وجهه إليهم وزياد بن النضر الحارثي مع عبداللَّه بن عباس فقال لصعصعة بأي القوم رأيتهم أشد إطافة(4)(أشدّ إطاعة) قال بيزيد بن قيس الأرحبي فركب علي عليه السلام إلى حروراء فجعل يتخللهم حتى صار إلى مضرب يزيد بن قيس فصلى فيه ركعتين ثم خرج فاتكأ على قوسه وأقبل على
ص: 23
الناس فقال هذا مقام من فلج فيه فلج(1)يوم القيامة ثم كلمهم وناشدهم فقالوا إنا أذنبنا ذنبا عظيما بالتحكيم وقد تبنا فتب إلى اللَّه كما تبنا نعد لك فقال علي عليه السلام: أنا أستغفر اللَّه من كل ذنب فرجعوا معه و هم ستة آلاف فلمّا استقروا بالكوفة أشاعوا أن عليا عليه السلام رجع عن التحكيم ورآه ضلالا وقالوا إنما ينتظر أمير المؤمنين أن يسمن الكراع(2)وتجبى الأموال ثم ينهض بنا إلى الشام فأتى الأشعث عليا عليه السلام فقال يا أمير المؤمنين إن الناس قد تحدثوا أنك رأيت الحكومة ضلالا والإقامة عليها كفرا فقام علي عليه السلام يخطب فقال من زعم أني رجعت عن الحكومة فقد كذب و من رآها ضلالا فقد ضل فخرجت حينئذ الخوارج من المسجد فحكمت(3).
قال الشارح المعتزلي: قلت: كلّ فساد كان في خلافة علي عليه السلام و كل اضطراب حدث فأصله الأشعث و لو لا محاقته(4)أمير المؤمنين عليه السلام في معنى الحكومة في هذه المرة لم تكن حرب النهروان ولكان أمير المؤمنين عليه السلام ينهض بهم إلى معاوية ويملك الشام فإنه صلى الله عليه و آله حاول أن يسلك معهم مسلك التعريض والمواربة وفي المثل النبوي صلوات اللَّه على قائله الحرب خدعة.
و ذاك أنهم قالوا له تب إلى اللَّه ممّا فعلت كما تبنا ننهض معك إلى حرب أهل
ص: 24
الشام فقال لهم كلمة مجملة مرسلة يقولها الأنبياء والمعصومون وهي قوله أستغفر اللَّه من كل ذنب فرضوا بها وعدوها إجابة لهم إلى سؤلهم وصفت له عليه السلام نياتهم واستخلص بها ضمائرهم من غير أن تتضمن تلك الكلمة اعترافا بكفر أو ذنب فلم يتركه الأشعث وجاء إليه مستفسرا وكاشفا عن الحال وهاتكا ستر التورية والكناية ومخرجا لها من ظلمة (مشكلة) الإجمال وستر الحيلة إلى تفسيرها بما يفسد التدبير ويوغر الصدور ويعيد الفتنة ولم يستفسره عليه السلام عنها إلّا بحضور من لا يمكنه أن يجعلها معه هدنة على دخن ولا ترقيقا عن صبوح وألجأه بتضييق الخناق عليه إلى أن يكشف ما في نفسه ولا يترك الكلمة على احتمالها ولا يطويها على غرها فخطب بما صدع به عن صورة ما عنده مجاهرة فانتقض ما دبره وعادت الخوارج إلى شبهتها الأولى وراجعوا التحكيم والمروق وهكذا الدول التي تظهر فيها أمارات الانقضاء والزوال يتاح لها أمثال الأشعث من أولي الفساد في الأرض «سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً»(1).(2)
النهروان بفتح النون وضمّها وتثليث الرّاء وهو على ما نقل عن المصباح بلدة تقرب من بغداد أربعة فراسخ(3).
قال أبو العباس: ثمّ مضى القوم إلى النهروان وقد كانوا أرادوا المضي إلى المدائن فمن طريف أخبارهم أنهم أصابوا في طريقهم مسلما ونصرانيا فقتلوا المسلم لأنّه عندهم كافر إذ كان على خلاف معتقدهم واستوصوا بالنصراني وقالوا
ص: 25
احفظوا ذمة نبيكم(1).
قال أبو العباس: ولقيهم عبداللَّه بن خباب في عنقه مصحف على حمار ومعه امرأته وهي حامل فقالوا له: إن هذا الذي في عنقك ليأمرنا بقتلك فقال لهم ما أحياه القرآن فأحيوه و ما أماته فأميتوه فوثب رجل منهم على رطبة سقطت من نخلة فوضعها في فيه فصاحوا به فلفظها تورعا وعرض لرجل منهم خنزير فضربه فقتله فقالوا هذا فساد في الأرض وأنكروا قتل الخنزير ثم قالوا لابن خباب: حدثنا عن أبيك فقال: إني سمعت أبي يقول: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: «ستكون بعدي فتنة يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه يمسي مؤمنا ويصبح كافرا فكن عبد اللَّه المقتول ولا تكن القاتل».
قالوا فما تقول في أبي بكر وعمر فأثنى خيرا قالوا: فما تقول في علي قبل التحكيم وفي عثمان في السنين الست الأخيرة؟ فأثنى خيرا قالوا فما تقول في علي بعد التحكيم والحكومة؟ قال إنّ عليّاً أعلم باللَّه وأشد توقيا على دينه وأنفذ بصيرة فقالوا: إنك لست تتبع الهدى إنما تتبع الرجال على أسمائهم ثمّ قربوه إلى شاطئ النهر فأضجعوه فذبحوه.
قال أبو العباس وساوموا رجلا نصرانيّاً بنخلة له فقال هي لكم فقالوا ما كنا لنأخذها إلّا بثمن فقال واعجباه أتقتلون مثل عبداللَّه بن خباب ولا تقبلون جنا نخلة إلّا بثمن؟(2)
عن عبداللَّه بن عوف بن الأحمر قال: لمّا أراد أمير المؤمنين عليه السلام المسير إلى
ص: 26
النهروان أتاه منجم فقال له: يا أميرالمؤمنين لا تسر في هذه الساعة وسر في ثلاث ساعات يمضين من النهار، فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: «ولِمَ ذاك؟»قال: لأنك إن سرت في هذه الساعة أصابك و أصاب أصحابك أذى و ضر شديد وإن سرت في الساعة التي أمرتك ظفرت و ظهرت وأصبت كلما طلبت، فقال له أميرالمؤمنين: «تدري ما في بطن هذه الدابة أذكر أم أنثى؟»قال: إن حسبت علمت قال له أميرالمؤمنين عليه السلام: «من صدقك على هذا القول كذب بالقرآن «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»(1)ما كان محمد صلى الله عليه وآله يدعي ما ادعيت أتزعم أنك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء والساعة التي من سار فيها حاق به الضر من صدقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة باللَّه عزّ و جلّ في ذلك الوجه وأحوج إلى الرغبة إليك في دفع المكروه عنه و ينبغي له أن يولّيك الحمد دون ربه عز وجل فمن آمن لك بهذا فقد اتخذك من دون اللَّه ندا و ضدا».
ثم قال عليه السلام «اللهمّ لا طير إلّا طيرك و ا ضير إلا ضيرك و لا خير إلّا خيرك ولا إله غيرك»ثم التفت إلى المنجم فقال: «بل نكذبك ونخالفك ونسير في الساعة التي نهيت عنها»(2).
ثم أقبل على الناس فقال: «أيها الناس إيّاكم والتعلّم للنجوم إلّا ما يهتدى به في ظلمات البر والبحر إنّما المنجم كالكاهن والكاهن كالكافر والكافر في النار أما
ص: 27
واللَّه لئن بلغني أنك تعمل بالنجوم لأخلدنك السجن أبدا ما بقيت ولأحرمنك العطاء ما كان لي من سلطان».
ثم سار في الساعة التي نهاه عنها المنجم فظفر بأهل النهر وظهر عليهم ثم قال: «لو سرنا في الساعة التي أمرنا بها المنجم [لولم نسر في الساعة التي نهاه عنها المنجم] لقال الناس سار في الساعة التي أمر بها المنجم فظفر و ظهر أما إنه ما كان لمحمد صلى الله عليه وآله منجم ولا لنا من بعده حتى فتح اللَّه علينا بلاد كسرى و قيصر أيها الناس توكلوا على اللَّه وثقوا به فإنه يكفي ممن سواه»(1).
و لمّا خرج عليّ عليه السلام و عبر الجسر وسار إليهم، فلقيه منجّم في مسيره فأشار عليه أن يسير وقتا من النهار، فقال له: «إن أنت سرت في غيره لقيت أنت وأصحابك ضرّاً شديداً»فخالفه عليّ وسار في الوقت الذي نهاه عنه، فلمّا فرغ من أهل النهر حمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال: لو سرنا في الساعة التي أمر بها المنجّم لقال الجهّال الذين لا يعلمون شيئاً: سار في الساعة التي أمر بها المنجّم فظفر. و كان المنجّم مسافر بن عفيف الأزدي(2).
وروى أبو عبيدة أيضا قال استنطقهم علي عليه السلام بقتل عبداللَّه بن خباب فأقروا به فقال انفردوا كتائب لأسمع قولكم كتيبة كتيبة فتكتبوا كتائب وأقرت كل كتيبة بمثل ما أقرت به الأخرى من قتل ابن خباب و قالوا و لنقتلنك كما قتلناه فقال علي عليه السلام واللَّه لو أقر أهل الدنيا كلهم بقتله هكذا وأنا أقدر على قتلهم به لقتلتهم ثم التفت إلى أصحابه فقال لهم: «شدوا عليهم فأنا أول من يشد عليهم»وحمل بذي الفقار حملة
ص: 28
منكرة ثلاث مرات كل حملة يضرب به حتى يعوج متنه ثم يخرج فيسويه بركبتيه ثم يحمل به حتى أفناهم(1).
وروى قيس بن سعد بن عبادة أن عليا عليه السلام لما انتهى إليهم قال لهم: «أقيدونا بدم عبداللَّه بن خباب»فقالوا: كلّنا قتله فقال عليه السلام: «احملوا عليهم»(2).
وروى مسلم الضبي عن حبة العرني قال لما انتهينا إليهم رمونا فقلنا لعلي عليه السلام يا أميرالمؤمنين قد رمونا فقال لنا كفوا ثم رمونا فقال لنا عليه السلام كفوا ثم الثالثة فقال الآن طاب القتال احملوا عليهم(3).
روي عن جندب بن زهير الأزدي قال لما فارقت الخوارج عليا عليه السلام خرج إليهم وخرجنا معه فانتهيت إلى عسكرهم فإذا لهم دوي كدوي النحل في قراءة القرآن وفيهم أصحاب البرانس وذوو الثفنات فلما رأيت ذلك دخلني شك فتنحيت ونزلت عن فرسي وركزت رمحي ووضعت ترسي ونثرت عليه درعي وقمت أصلي وأنا أقول في دعائي اللهم إن كان قتال هؤلاء القوم رضا لك فأرني من ذلك ما أعرف به أنه الحق وإن كان لك سخطا فاصرف عني إذ أقبل علي عليه السلام فنزل عن بغلة رسول اللَّه وقام يصلي إذ جاء رجل وقال قطعوا النهر ثم جاء آخر تشتد به دابته وقال قطعوه وذهبوا فقال أمير المؤمنين عليه السلام ما قعطوه ولا يقطعونه وليقتلن دونه عهد من اللَّه و رسوله و قال يا جندب ترى التل (الشك)؟ قلت: نعم قال: «فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حدثني أنهم يقتلون عنده»ثم قال: «أما إنا نبعث إليهم رسولا
ص: 29
يدعوهم إلى كتاب اللَّه وسنة نبيه فيرشقون وجهه بالنبل وهو مقتول».
قال: فانتهينا إليهم (إلى القوم) فإذا هم في معسكرهم لم يبرحوا ولم يرتحلوا فنادى في الناس فضمهم ثم أتى الصف وهو يقول: «من يأخذ هذا المصحف فيمشي إلى هؤلاء القوم فيدعوهم إلى كتاب اللَّه وسنة نبيه وهو مقتول وله الجنة»فما أجابه أحد إلّا شاب من بني عامر بن صعصعة فلمّا رأى حداثة سنه قال: ارجع إلى موقفك، ثمّ أعاد القول فما أجابه أحد إلّا ذلك الشاب فقال: «خذه أما إنك مقتول»فمشى به حتّى إذا دنا من القوم حيث يسمعهم ناداهم فرموا وجهه بالنبل فأقبل علينا ووجهه كالقنفذ فقال علي عليه السلام: «دونكم القوم»فحملنا عليهم قال جندب: ذهب الشكّ عنّي وقتلت بكفي ثمانية(1).
ومن كتاب المناقب: لمّا دخل أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة جاء إليه زرعة بن البزرج الطائي وحرقوص بن زهير التميمي ذو الثدية فقال لا حكم إلّا للَّه فقال عليه السلام كلمة حق يراد بها باطل قال حرقوص فتب من خطيئتك وارجع عن قصتك واخرج بنا إلى عدونا نقاتلهم حتى نلقى ربنا فقال علي عليه السلام قد أردتكم على ذلك فعصيتموني وقد كتبنا بيننا وبين القوم كتابا وشروطا وأعطينا عليها عهودا ومواثيق و قد قال اللَّه تعالى: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ»الآية(2)فقال حرقوص ذلك ذنب ينبغي أن تتوب عنه فقال علي ما هو ذنب ولكنه عجز من الرأي وضعف في العقل وقد تقدمت فنهيتكم عنه فقال ابن الكواء الآن صح عندنا أنك لست بإمام ولو كنت إماما لما رجعت فقال علي ويلكم قد رجع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عام الحديبية عن قتال أهل مكة.
ص: 30
ففارقوا أمير المؤمنين عليه السلام وقالوا لا حكم إلّا للَّه ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وكانوا اثني عشر ألفا من أهل الكوفة والبصرة وغيرهما ونادى مناديهم أن أمير القتال شبث بن ربعي وأمير الصلاة عبداللَّه بن الكواء والأمر شورى بعد الفتح و البيعة للَّه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستعرضوا الناس وقتلوا عبداللَّه بن خباب بن الأرت وكان عامله عليه السلام على النهروان.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «يا ابن عباس امض إلى هؤلاء القوم فانظر ما هم عليه ولما ذا اجتمعوا»فلمّا وصل إليهم قالوا: ويلك يا ابن عباس أكفرت بربّك كما كفر صاحبك علي بن أبي طالب وخرج خطيبهم عتاب بن الأعور الثعلبي فقال ابن عباس من بنى الإسلام؟ فقال اللَّه ورسوله، فقال: النبي أحكم أموره وبين حدوده أم لا؟ قال: بلى قال: فالنبي بقي في دار الإسلام أم ارتحل؟ قال: بل ارتحل قال: فأمور الشرع ارتحلت معه أم بقيت بعده؟ قال: بل بقيت قال: وهل قام أحد بعده بعمارة ما بناه؟ قال: نعم الذرية والصحابة قال: أفعمروها أو خربوها؟ قال: بل عمروها قال: فالآن هي معمورة أم خراب؟ قال: بل خراب قال: خربها ذريته أم أمته؟ قال: بل أمته قال: وأنت من الذرية أو من الأمة؟ قال: من الأمة قال: أنت من الأمة وخربت دار الإسلام فكيف ترجو الجنة وجرى بينهم كلام كثير.
فحضر أميرالمؤمنين عليه السلام في مائة رجل فلما قابلهم خرج ابن الكواء في مائة رجل فقال عليه السلام أنشدكم اللَّه هل تعلمون حيث رفعوا المصاحف فقلتم نجيبهم إلى كتاب اللَّه فقلت لكم إني أعلم بالقوم منكم وذكر مقاله إلى أن قال فلما أبيتم إلّا الكتاب أشرطت على الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن وأن يميتا ما أمات القرآن فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكمه وإن أبيا فنحن منه برآء.
ص: 31
فقالوا له: أخبرنا أ تراه عدلا تحكيم الرجال في الدماء؟ فقال: إنا لسنا الرجال حكمنا وإنما حكمنا القرآن والقرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق إنما يتكلم به الرجال قالوا: فأخبرنا عن الأجل لم جعلته فيما بينك وبينهم؟ قال: ليعلم الجاهل ويثبت العالم ولعل اللَّه يصلح في هذه المدة لهذه الأمة وجرت بينهم مخاطبات فجعل بعضهم يرجع فأعطى أمير المؤمنين عليه السلام راية الأمان مع أبي أيوب الأنصاري فناداهم أبو أيوب من جاء إلى هذه الراية أو خرج من بين الجماعة فهو آمن فرجع منهم ثمانية آلاف رجل فأمرهم أمير المؤمنين عليه السلام أن يتميزوا منهم وأقام الباقون على الخلاف وقصدوا إلى النهروان فخطب أمير المؤمنين عليه السلام واستنفرهم فلم يجيبوه فتمثل:
أمرتكم أمري بمنعرج اللوى***فلم تستبينوا النصح إلّا ضحى الغد
ثمّ استنفرهم فنفر ألفا رجل يقدمهم عدي بن حاتم وهو يقول:
إلى شر خلق من شراة تحزبوا***وعادوا إله الناس رب المشارق
فوجّه أمير المؤمنين عليه السلام نحوهم وكتب إليهم على يدي عبداللَّه بن أبي عقب وفيها: والسعيد من سعد به رعيته والشقي من شقيت به رعيته وخير الناس خيرهم لنفسه وشر الناس شرهم لنفسه وليس بين اللَّه وبين أحد قرابة «وكُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ»(1)فلما أتاهم أمير المؤمنين عليه السلام فاستعطفهم فأبوا إلّا قتاله وتنادوا أن دعوا مخاطبة علي وأصحابه وبادروا الجنّة وصاحوا الرواح الرواح إلى الجنة وأميرالمؤمنين يعبئ أصحابه ونهاهم أن يتقدم إليهم أحد فكان أول من خرج أخنس بن العيزار الطائي وجعل يقول:
ص: 32
ثمانون من حي جديلة قتلوا***على النهر كانوا يخضبون العواليا
ينادون لا حكم إلّا لربنا***حنانيك فاغفر حوبنا والمساويا(1)
هم فارقوا من جار في اللَّه حكمه***فكل على الرحمن أصبح ثاويا
فقتله أميرالمؤمنين عليه السلام و خرج عبداللَّه بن وهب الراسبي يقول:
أنا ابن وهب الراسبي الشاري***أضرب في القوم لأخذ الثار
حتى تزول دولة الأشرار***ويرجع الحق إلى الأخيار
وخرج مالك بن الوضاح وقال:
إني لبائع ما يفنى بباقية***ولا يريد لدى الهيجاء تربيضا(2)
وخرج إلى أمير المؤمنين عليه السلام الوضاح بن الوضاح من جانب وابن عمه حرقوص من جانب فقتل الوضاح وضرب ضربة على رأس الحرقوص فقطعه ووقع رأس سيفه على الفرس فشرد وأرجله في الركاب حتى أوقعه في دولاب خراب فصارت الحرورية كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف.
فكان المقتولون من أصحاب علي عليه السلام رؤبة بن وبر البجلي ورفاعة بن وائل الأرحبي والفياض بن خليل الأزدي وكيسوم بن سلمة الجهني وحبيب بن عاصم الأزدي إلى تمام تسعة وانفلت من الخوارج تسعة كما تقدم ذكره وكان ذلك لتسع خلون من صفر سنة ثمان وثلاثين(3).
و قال ابن طلحة: أن عليا عليه السلام لما عاد من صفين إلى الكوفة بعد إقامة الحكمين
ص: 33
أقام ينتظر انقضاء المدة التي بينه وبين معاوية ليرجع إلى المقاتلة والمحاربة إذ انخزلت طائفة من خاصة أصحابه في أربعة آلاف فارس وهم العباد والنساك فخرجوا من الكوفة وخالفوا عليا عليه السلام وقالوا لا حكم إلّا للَّه ولا طاعة لمن عصى اللَّه وانحاز إليهم نيف عن ثمانية آلاف ممن يرى رأيهم فصاروا اثني عشر ألفا وساروا إلى أن نزلوا بحروراء وأمروا عليهم عبداللَّه بن الكواء فدعا علي عليه السلام عبداللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما فأرسله إليهم فحادثهم وأطال فلم يرتدعوا وقالوا ليخرج إلينا علي بنفسه لنسمع كلامه عسى أن يزول ما بأنفسنا إذا سمعناه فرجع ابن عباس فأخبره فركب في جماعة ومضى إليهم فركب ابن الكواء في جماعة منهم فواقفه.
فقال له علي عليه السلام «يا ابن الكواء إن الكلام كثير فأبرز إلي من أصحابك لأكلمك»فقال: وأنا آمن من سيفك فقال نعم فخرج إليه في عشرة من أصحابه فقال له عليه السلام عن الحرب مع معاوية وذكر له رفع المصاحف على الرماح وأمر الحكمين وقال ألم أقل لكم إن أهل الشام يخدعونكم بها فإن الحرب قد عضتهم فذروني أناجزهم فأبيتم أ لم أرد أن أنصب ابن عمي حكما وقلت إنه لا ينخدع فأبيتم إلّا أبا موسى الأشعري وقلتم رضينا به حكما فأجبتكم كارها ولو وجدت في ذلك الوقت أعوانا غيركم لما أجبتكم وشرطت على الحكمين بحضوركم أن يحكما بما أنزل اللَّه من فاتحته إلى خاتمته والسنة الجامعة وأنهما إن لم يفعلا فلا طاعة لهما علي كان ذلك أ ولم يكن؟
قال ابن الكواء: صدقت قد كان هذا كله فلم لا ترجع الآن إلى محاربة القوم؟ فقال حتى تنقضي المدة التي بيننا وبينهم قال ابن الكواء وأنت مجمع على ذلك قال نعم ولا يسعني غيره فعاد ابن الكواء والعشرة الذين معه إلى أصحاب
ص: 34
علي عليه السلام راجعين عن دين الخوارج وتفرق الباقون وهم يقولون لا حكم إلّا للَّه
و أمروا عليهم عبداللَّه بن وهب الراسبي وحرقوص بن زهير البجلي المعروف بذي الثدية وعسكروا بالنهروان.
وخرج علي فسار حتى بقي على فرسخين منهم وكاتبهم وراسلهم فلم يرتدعوا فأركب إليهم ابن عباس وقال سلهم ما الذي نقموا وأنا أردفك فلا تخف منهم فلما جاءهم ابن عباس قال ما الذي نقمتم من أمير المؤمنين قالوا نقمنا أشياء لو كان حاضرا لكفرناه بها وعلي عليه السلام وراءه يسمع ذلك فقال ابن عباس يا أمير المؤمنين قد سمعت كلامهم وأنت أحق بالجواب.
فتقدم وقال: «أيها الناس أنا علي بن أبي طالب فتكلموا بما نقمتم علي»قالوا: نقمنا عليك أولا أنا قاتلنا بين يديك بالبصرة فلما أظفرك اللَّه بهم أبحتنا ما في عسكرهم ومنعتنا النساء والذرية فكيف حل لنا ما في العسكر ولم يحل لنا النساء؟ فقال لهم علي عليه السلام: «يا هؤلاء إن أهل البصرة قاتلونا وبدؤونا بالقتال فلما ظفرتم اقتسمتم سلب من قاتلكم ومنعتكم من النساء والذرية فإن النساء لم يقاتلن والذرية ولدوا على الفطرة ولم ينكثوا ولا ذنب لهم ولقد رأيترسول اللَّه صلى الله عليه وآلهمن على المشركين فلا تعجبوا إن مننت على المسلمين فلم أسب نساءهم ولا ذريتهم».
وقالوا: نقمنا عليك يوم صفين كونك محوت اسمك من إمرة المؤمنين فإذا لم تكن أميرنا فلا نطيعك ولست أميرا لنا فقال يا هؤلاء إنما اقتديت برسول اللَّه حين صالح سهيل بن عمرو وقد تقدمت قصته.
قالوا: فإنا نقمنا عليك أنك قلت للحكمين انظرا كتاب اللَّه فإن كنت أفضل من
ص: 35
معاوية فأثبتاني في الخلافة فإذا كنت شاكا في نفسك فنحن فيك أشد وأعظم شكا.
فقال عليه السلام: «فإنما أردت بذلك النصفة فإني لو قلت احكما لي وذرا معاوية لم يرض ولم يقبل ولو قال النبي صلى الله عليه وآله لنصارى نجران لما قدموا عليه تعالوا حتى نبتهل وأجعل لعنة اللَّه عليكم لم يرضوا ولكن أنصفهم من نفسه كما أمره اللَّه تعالى فقال: «فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ»(1)فأنصفهم من نفسه فكذلك فعلت أنا ولم أعلم بما أراد عمرو بن العاص من خدعه أبا موسى».
قالوا: فإنا نقمنا عليك أنك حكمت حكما في حق هو لك.
فقال: «إن رسول اللَّه حكم سعد بن معاذ في بني قريظة ولو شاء لم يفعل وأنا اقتديت به فهل بقي عندكم شي ء»فسكتوا وصاح جماعة منهم من كل ناحية التوبة التوبة يا أميرالمؤمنين واستأمن إليه ثمانية آلاف وبقي على حربه أربعة آلاف فأمر عليه السلام المستأمنين بالاعتزال عنه في ذلك الوقت وتقدم بأصحابه حتى دنا منهم.
و تقدم عبداللَّه بن وهب و ذو الثدية حرقوص وقالا ما نريد بقتالنا إياك إلّا وجه اللَّه والدار الآخرة فقال علي عليه السلام: «هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً»(2).
ثم التحم القتال بين الفريقين واستعرت الحرب بلظاها وأسفرت عن زرقة صبحها وحمرة ضحاها فتجادلوا وتجالدوا بألسنة رماحها وحداد ظباها فحمل فارس من الخوارج يقال له الأخنس الطائي وكان شهد صفين مع علي عليه السلام فحمل وشق الصفوف يطلب عليا عليه السلام فبدره علي بضربة فقتله.
ص: 36
فحمل ذو الثدية ليضرب عليا فسبقه علي عليه السلام وضربه ففلق البيضة ورأسه فحمله فرسه وهو لما به فألقاه في آخر المعركة في جرف دالية(1)على شط النهروان.
و خرج من بعده ابن عمه مالك بن الوضاح وحمل على علي فضربه علي فقتله.
و تقدم عبداللَّه بن وهب الراسبي فصاح يا ابن أبي طالب واللَّه لا نبرح من هذه المعركة أو تأتي على أنفسنا أو نأتي على نفسك فابرز إلي وأبرز إليك وذر الناس جانبا فلما سمع علي عليه السلام كلامه تبسم و قال قاتله اللَّه من رجل ما أقل حياؤه أما إنه ليعلم أني حليف السيف وخدين الرمح(2)ولكنه قد يئس من الحياة وإنه ليطمع طمعا كاذبا ثم حمل على علي عليه السلام فضربه علي وقتله وألحقه بأصحابه القتلى.
واختلطوا فلم يكن إلّا ساعة حتى قتلوا بأجمعهم وكانوا أربعة آلاف. فما أفلت منهم إلّا تسعة أنفس رجلان هربا إلى خراسان إلى أرض سجستان وبها نسلهما ورجلان صارا إلى بلاد عمان وبها نسلهما ورجلان صارا إلى اليمن وبها نسلهما وهم الإباضية ورجلان صارا إلى بلاد الجزيرة إلى موضع يعرف بالسن والبوازيج وإلى شاطئ الفرات وصار آخر إلى تل موزن.
و غنم أصحاب علي عليه السلام غنائم كثيرة وقتل من أصحاب علي عليه السلام تسعة بعدد من سلم من الخوارج وهي من جملة كرامات علي عليه السلام فإنه قال نقتلهم ولا يقتل منا عشرة ولا يسلم منهم عشرة فلما قتلوا قال علي عليه السلام: «التمسوا المخدج»(3)فالتمسوه فلم يجدوه.
ص: 37
فقام علي عليه السلام بنفسه حتى أتى ناسا قد قتل بعضهم على بعض فقال عليه السلام أخروهم فوجدوه ممّا يلي الأرض فكبر علي عليه السلام وقال صدق اللَّه وبلغ رسوله قال أبو الرضي فكأني أنظر إليه حبشي عليه قريطق(1)أحد ثدييه مثل ثدي المرأة عليها شعرات مثل شعرات ذنب اليربوع.
و هذا أبو الرضي هو عباد بن نسيب القيسي تابعي يروي عنه هذا القول أبو داود(2).
و عن أبي نعيم الأصفهاني عن الثوري أن أمير المؤمنين عليه السلام أمر أن يفتش عن المخدج بين القتلى فلم يجدوه فقال رجل واللَّه ما هو فيهم فقال عليه السلام واللَّه ما كذبت ولا كذبت(3).
و عن تاريخ الطبري وإبانة ابن بطة وسنن أبي داود ومسند أحمد عن عبداللَّه بن أبي رافع وأبي موسى و جندب وأبي الوضاح واللفظ له قال علي عليه السلام اطلبوا المخدج فقالوا لم نجده فقال واللَّه ما كذبت ولا كذبت يا عجلان ايتني ببغلةرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهفأتاه بالبغلة فركبها وجال في القتلى ثم قال اطلبوه هاهنا قال فاستخرجوه من تحت القتلى في نهر وطين(4).
و عن تاريخ القمي أنه رجل أسود عليه شعرات عليه قريطق مخدج اليد أحد
ص: 38
ثدييه كثدي المرأة عليه شعيرات مثل ما يكون على ذنب اليربوع(1).(2)
و في رواية أبي داود وابن بطة أنه قال علي عليه السلام: «من يعرف هذا؟»فلم يعرفه أحد فقال رجل: أنا رأيت هذا بالحيرة فقلت: إلى أين تريد فقال: إلى هذه وأشار إلى الكوفة وما لي بها معرفة فقال علي عليه السلام صدق هو من الجان وفي رواية هو من الجن، وفي رواية أحمد قال أبو الوضاح لا يأتينكم أحد يخبركم من أبوه قال فجعل الناس يقول هذا ملك هذا ملك هذا مالك ويقول علي: ابن من؟(3)
وفي مسند الموصلي في حديث من قال من الناس أنه رآه قبل مصرعه فإنه كاذب(4).
و في مسند أحمد بإسناده عن ابن الوضاح أنه قال علي عليه السلام أما إن خليلي أخبرني بثلاثة إخوة من الجن هذا أكبرهم والثاني له جمع كثير والثالث فيه ضعف(5).
و روى إبراهيم بن ديزيل في كتاب صفين عن الأعمش عن زيد بن وهب قال لما شجرهم علي عليه السلام بالرماح قال اطلبوا ذا الثدية فطلبوه طلبا شديدا حتى وجدوه في وهدة من الأرض تحت ناس من القتلى فأتي به وإذا رجل على ثديه مثل سبلات(6)السنور فكبر علي عليه السلام وكبر الناس معه سرورا بذلك(7).
ص: 39
و روى أيضا عن مسلم الضبي عن حبة العرني قال: كان رجلا أسود منتن الريح له ثدي كثدي المرأة إذا مدت كانت بطول اليد الأخرى وإذا تركت اجتمعت وتقلصت و صارت كثدي المرأة عليها شعرات مثل شوارب الهرة فلما و جدوه قطعوا يده ونصبوها على رمح ثم جعل علي عليه السلام ينادي: صدق اللَّه وبلغ رسوله لم يزل يقول ذلك هو وأصحابه بعد العصر إلى أن غربت الشمس أو كادت(1).
و روى العوام بن حوشب عن أبيه عن جده يزيد بن رويم قال قال علي عليه السلام يقتل اليوم أربعة آلاف من الخوارج أحدهم ذو الثدية فلما طحن القوم ورام استخراج ذي الثدية فأتبعه أمرني أن أقطع له أربعة آلاف قصبة وركب بغلةرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهوقال اطرح على كل قتيل منهم قصبة فلم أزل كذلك وأنا بين يديه وهو راكب خلفي والناس يتبعونه حتى بقيت في يدي واحدة فنظرت إليه وإذا وجهه أربد وإذا هو يقول واللَّه ما كذبت ولا كذبت فإذا خرير ماء عند موضع دالية فقال فتش هذا ففتشته فإذا قتيل قد صار في الماء وإذا رجله في يدي فجذبتها وقلت هذه رجل إنسان فنزل عن البغلة مسرعا فجذب الرجل الأخرى وجررناه حتى صار على التراب فإذا هو المخدج فكبر علي عليه السلام بأعلى صوته ثم سجد فكبر الناس كلهم(2).
بعض الأخبار الواردة في ذمّ القاسطين والمارقين والناكثين:
ص: 40
منها: عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله لِأُمِّ سَلَمَةَ اشْهَدِي عَلَى أَنَّ عَلِيّاً يُقَاتِلُ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ»(1).
و منها: عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عليهما السلام قَالَ: «قَالَ: بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً صلى الله عليه وآله بِخَمْسَةِ أَسْيَافٍ ثَلاثَةٌ مِنْهَا شَاهِرَةٌ وَسَيْفٌ مِنْهَا مَكْفُوفٌ وَسَيْفٌ مِنْهَا مَغْمُودٌ سَلُّهُ إِلَى غَيْرِنَا وَحُكْمُهُ إِلَيْنَا ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا السَّيْفُ الْمَكْفُوفُ فَسَيْفٌ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ وَالتَّأْوِيلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ بَعْدِي عَلَى التَّأْوِيلِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى التَّنْزِيلِ فَسُئِلَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ خَاصِفُ النَّعْلِ يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ قَاتَلْتُ بِهَذِهِ الرَّايَةِ مَعَ النَّبِيِ صلى الله عليه وآله ثَلاثاً وَ هَذِهِ الرَّابِعَةُ وَاللَّهِ لَوْ ضَرَبُونَا حَتَّى بَلَغُوا بِنَا السَّعَفَاتِ مِنْ هَجَرَ لَعَلِمْنَا أَنَّا عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ»(2)الْخَبَرَ
ومنها: في الحديث قال عليّ عليه السلام: «أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين»(3).
ومنها: عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ يَقُولُ فِي آخِرِهِ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ اسْمَعِي وَاشْهَدِي هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَخِي فِي الدُّنْيَا وَأَخِي فِي الآْخِرَةِ يَا أُمَّ سَلَمَةَ اسْمَعِي وَاشْهَدِي هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَزِيرِي فِي الدُّنْيَا وَوَزِيرِي فِي الآْخِرَةِ يَا أُمَّ سَلَمَةَ اسْمَعِي وَاشْهَدِي هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ حَامِلُ لِوَائِي فِي الدُّنْيَا وَحَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ
ص: 41
غَداً فِي الْقِيَامَةِ يَا أُمَّ سَلَمَةَ اسْمَعِي وَاشْهَدِي هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَصِيِّي وَخَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي وَقَاضِي عِدَاتِي وَالذَّائِدُ عَنْ حَوْضِي يَا أُمَّ سَلَمَةَ اسْمَعِي وَاشْهَدِي هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ وَقَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ وَقَاتِلُ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنِ النَّاكِثُونَ؟ قَالَ الَّذينَ يُبَايِعُونَهُ بِالْمَدِينَةِ وَيَنْكُثُونَهُ بِالْبَصْرَةِ قُلْتُ مَنِ الْقَاسِطُونَ قَالَ مُعَاوِيَةُ وَأَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ثُمَّ قُلْتُ مَنِ الْمَارِقُونَ قَالَ أَصْحَابُ النَّهْرَوَانِ»(1).
و منها: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَأَتَى مَنْزِلَ أُمِّ سَلَمَةَ فَجَاءَهُ عَلِيٌ عليه السلام فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: «يَا أُمَّ سَلَمَةَ هَذَا وَاللَّهِ قَاتِلُ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ مِنْ بَعْدِي»(2).
و منها: عَنْ زِرٍّ بن حبيش أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيّاً عليه السلام يَقُولُ: «أَنَا فَقَأْتُ عَيْنَ الْفِتْنَةِ وَلَوْ لا أَنَا مَا قُتِلَ أَهْلُ النَّهْرَوَانِ وَأَهْلُ الْجَمَلِ وَلَوْ لا أَنَّنِي أَخْشَى أَنْ تَتْرُكُوا الْعَمَلَ لَأَنْبَأْتُكُمْ بِالَّذِي قَضَى اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وآله لِمَنْ قَاتَلَهُمْ مُسْتَبْصِراً ضَلالَهُمْ (ضلالتهم) عَارِفاً لِلْهُدَى الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ»(3).
ص: 42
بسم الله الرحمن الرحیم
37 - ومن كلام له عليه السلام يجري مجرى الخطبة وفيه يذكر فضائله عليه السلام قاله بعد وقعة النهروان:
فَقُمْتُ بِالْأَمْرِ حِينَ فَشِلُوا وَتَطَلَّعْتُ حِينَ تَقَبَّعُوا وَنَطَقْتُ حِينَ تَعْتَعُوا وَمَضَيْتُ بِنُورِ اللَّهِ حِينَ وَقَفُوا وَكُنْتُ أَخْفَضَهُمْ صَوْتاً وَأَعْلاهُمْ فَوْتاً فَطِرْتُ بِعِنَانِهَا وَاسْتَبْدَدْتُ بِرِهَانِهَا كَالْجَبَلِ لا تُحَرِّكُهُ الْقَوَاصِفُ وَلا تُزِيلُهُ الْعَوَاصِفُ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فِيَّ مَهْمَزٌ وَلا لِقَائِلٍ فِيَّ مَغْمَزٌ الذَّلِيلُ عِنْدِي عَزِيزٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ لَهُ وَالْقَوِيُّ عِنْدِي ضَعِيفٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ رَضِينَا عَنِ اللَّهِ قَضَاءَهُ وَسَلَّمْنَا للَّهِ ِ أَمْرَهُ أَتَرَانِي أَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَاللَّهِ لَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ فَلا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ فَنَظَرْتُ فِي أَمْرِي فَإِذَا طَاعَتِي قَدْ سَبَقَتْ بَيْعَتِي وَإِذَا الْمِيثَاقُ فِي عُنُقِي لِغَيْرِي.
قال الصاحب بن عبّاد مخاطباً له عليه السلام مشيراً إلى نحو ما عدّده عليه السلام من صفاته:
أيا ابن عم رسول اللَّه أفضل من***ساد الأنام وساس الهاشمينا
يا بدرة الدين يا فرد الزمان أصخ***لمدح مولى يرى تفضيلكم دينا
هل مثل سيفك في الإسلام لو عرفوا***وهذه الخصلة الغرّاء تكفينا
هل مثل علمك إن زلّوا وإن وهنوا***وقد هديت كما أصبحت تهدينا
هل مثل قولك إذ قالوا مجاهرة***لو لا علي هلكنا في فتاوينا
ص: 43
هل مثل جمعك للقرآن تعرفه***لفظاً ومعنى وتأويلا وتبيينا
هل مثل صبرك إذ خانوا وإذ فشلوا***حتّى جرى ما جرى في يوم صفّينا
هل مثل بذلك للعاني الأسير ولل***-طفل الصغير وقد أعطيت مسكينا(1)
سئل أبو محمد الفضل بن شاذان النيشابوري رحمه الله فقيل له: ما الدليل على إمامة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام؟ فقال: الدليل على ذلك من كتاب اللَّه عزّ وجلّ ومن سنة نبيه صلى الله عليه وآله ومن إجماع المسلمين فأما كتاب اللَّه تبارك و تعالى فقوله عزّ وجلّ «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(2)
فدعانا سبحانه إلى طاعة أولي الأمر كما دعانا إلى طاعة نفسه و طاعة رسوله صلى الله عليه وآله فاحتجنا إلى معرفة أولي الأمر كما وجبت علينا معرفة اللَّه تعالى ومعرفة الرسول عليه وآله السلام فنظرنا في أقاويل الأمة فوجدناهم قد اختلفوا في أولي الأمر وأجمعوا في الآية على ما يوجب كونها في علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: بعضهم أولي الأمر هم أمراء السرايا وقال: بعضهم هم العلماء وقال: بعضهم هم القوام على الناس والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر وقال: بعضهم هم أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من ذريته عليهم السلام فسألنا الفرقة الأولى فقلنا لهم أليس علي بن أبي طالب عليه السلام من أمراء السرايا فقالوا بلى فقلنا للثانية ألم يكن عليه السلام من العلماء قالوا بلى فقلنا للثالثة أليس علي عليه السلام قد كان من القوام على الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقالوا بلى فصار أميرالمؤمنين عليه السلام معنيا بالآية باتفاق الأمة واجتماعها وتيقنا ذلك بإقرار المخالف لنا في امامته والموافق عليها فوجب
ص: 44
أن يكون إماما بهذه الآية لوجود الاتفاق على أنه معني بها ولم يجب العدول إلى غيره والاعتراف بإمامته لوجود الاختلاف في ذلك وعدم الاتفاق وما يقوم مقامه من البرهان.
و أما السنة فإنا وجدنا النبي صلى الله عليه وآله استقضى عليا عليه السلام على اليمن وأمره على الجيوش وولاه الأموال وأمره بأدائها إلى بني جذيمة الذين قتلهم خالد بن الوليد ظلما واختاره عليه السلام لأداء رسالات اللَّه سبحانه والإبلاغ عنه في سورة براءة واستخلفه عند غيبته على من خلف ولم نجد النبي صلى الله عليه وآله سن هذه السنن في أحد غيره ولا اجتمعت هذه السنن في أحد بعد النبي صلى الله عليه وآله كما اجتمعت في علي عليه السلام وسنة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بعد موته واجبة كوجوبها في حياته وإنما يحتاج الأمة إلى الإمام بهذه الخصال التي ذكرناها فإذا وجدناها في رجل قد سنها الرسول صلى الله عليه وآله فيه كان أولى بالإمامة ممن لم يسن النبي فيه شيئا من ذلك.
و أما الإجماع فإن إمامته ثبتت من جهته من وجوه منها أنهم قد أجمعوا جميعا أن عليا عليه السلام قد كان إماما ولو يوما واحدا ولم يختلف في ذلك أصناف أهل الملّة ثم اختلفوا فقالت طائفة كان إماما في وقت كذا دون وقت كذا وقالت طائفة بل كان إماما بعد النبي صلى الله عليه وآله في جميع أوقاته ولم يجتمع الأمة على غيره أنه كان إماما في الحقيقة طرفة عين والإجماع أحق أن يتبع من الخلاف.
و منها: أنهم أجمعوا جميعا على أن عليا عليه السلام كان يصلح للإمامة وأن الإمامة تصلح لبني هاشم واختلفوا في غيره وقالت طائفة لم تكن تصلح لغير علي بن أبي طالب عليه السلام ولا تصلح لغير بني هاشم والإجماع حق لا شبهة فيه والاختلاف لا حجة فيه.
ص: 45
و منها: أنهم أجمعوا على أن عليا عليه السلام كان بعد النبي صلى الله عليه وآله ظاهر العدالة واجبة له الولاية ثمّ اختلفوا فقال قوم انه كان مع ذلك معصوما من الكبائر والضلال وقال آخرون لم يك معصوما ولكن كان عدلا برا تقيا على الظاهر لا يشوب ظاهره الشوائب فحصل الإجماع على عدالته عليه السلام واختلفوا في نفي العصمة عنه ثمّ أجمعوا كلهم جميعاً على أن ابابكر لم يك معصوما واختلفوا في عدالته فقالت طائفة كان عدلاً وقالت أخرى لم يكن عدلاً لأنه اخذ ما ليس له فمن أجمعوا على عدالته واختلفوا في عصمته اولى بالإمامة ممن اختلفوا في عدالته وأجمعوا على نفى العصمة عنه(1).
انّ يوم أُحد لمّا قتل عليّ عليه السلام أصحاب الألوية، أبصر النبيّ صلى الله عليه وآله جماعة من مشركي قريش. فقال لعليّ عليه السلام: احمل عليهم، فحمل عليهم ففرّق جماعتهم كراراً وقتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي. فقال جبرئيل عليه السلام: يا رسول اللَّه! انّ هذه للمواساة. فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: إنّه منّي وأنا منه، فقال جبرئيل: وأنا منكما، فسمعوا صوتا: لا سيف إلّا ذوالفقار ولا فتى إلّا عليّ(2).
وروى الطبري أيضاً: أنّ أنس بن النضر عمّ أنس بن مالك، انتهى إلى عمر بن الخطّاب، و طلحة بن عبيداللَّه في رجال من المهاجرين والأنصار، وقد ألقوا بأيديهم. فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل محمّد رسول اللَّه. قال: فما تصنعون بالحياة
ص: 46
بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، ثمّ استقبل القوم فقاتل(1)-إلى أن قال: - .
و فشا في الناس أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قد قتل، فقال بعض أصحاب الصخرة: ليت لنا رسولاً إلى عبداللَّه بن ابيّ. فيأخذ لنا أمنة من أبي سفيان. يا قوم انّ محمّداً قد قتل، فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم.
قال أنس بن النضر: يا قوم إن كان محمّد قد قتل فإنّ ربّ محمّد لم يقتل، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمّد صلى الله عليه و آله. اللهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا يقول هؤلاء، وأبرأ إليك ممّاجاء به هؤلاء ثمّ شدّ بسيفه فقاتل حتّى قتل - إلى أن قال: - فقال اللَّه عزّ وجلّ للذين قالوا: إنّ محمّداً قد قتل فارجعوا إلى قومكم: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً...»(2).(3)
وهو وإن أجمل في الذيل، إلّا أنّ إفصاح الصدر يكفي لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد(4).
قال القمي: كانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العدوي من بني عبد الدار فبرز ونادى يا محمد تزعمون أنكم تجهزونا بأسيافكم إلى النار ونجهزكم بأسيافنا
ص: 47
إلى الجنة فمن شاء أن يلحق بجنته فليبرز إلي، فبرز إليه أمير المؤمنين عليه السلام - إلى أن قال: -
فقال طلحة: من أنت يا غلام؟ قال: أنا علي بن أبي طالب قال قد علمت يا قضيم أنه لا يجسر علي أحد غيرك - إلى أن قال: - سئل عن أبي عبداللَّه عليه السلام عن معنى قول طلحة بن أبي طلحة لما بارزه علي عليه السلام يا قضيم، قال: إنرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهكان بمكة لم يجسر عليه أحد لموضع أبي طالب واغروا به الصبيان وكانوا إذا خرجرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهيرمونه بالحجارة والتراب فشكا ذلك إلى علي عليه السلام فقال: بأبي أنت وأمّي يا رسول اللَّه إذا خرجت فأخرجني معك فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ومعه أميرالمؤمنين عليه السلام فتعرض الصبيان لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله كعادتهم فحمل عليهم أميرالمؤمنين عليه السلام وكان يقضمهم في وجوههم وآنافهم وآذانهم فكانوا يرجعون باكين إلى آبائهم ويقولون قضمنا علي قضمنا علي فسمى لذلك «القضيم».
وفرّ يوم أُحد عثمان بن عفّان، ورجلان من الأنصار، حتّى بلغوا الجلعب - جبل بناحية المدينة - فأقاموا به ثلاثاً - الخبر(1).
ولمّا كان يوم الأحزاب، وبرز عمرو بن عبد ود وطلب المبارز مرّة بعد مرّة حتّى بحّ صوته، فتقبعوا وأدخلوا رؤوسهم في أعناقهم كالقنفذ، تطلّع عليه السلام إليه وبادر إلى حربه حتّى قتله(2).
وممّا يدلّ على فشل صحابتهم الذين يبخبخون بهم، وعلى تقبّعهم ما رواه الطبري في الأحزاب عن محمّد بن كعب قال: قال فتى من أهل الكوفة لحذيفة: يا
ص: 48
أبا عبداللَّه رأيتم النبيّ صلى الله عليه وآله و صحبتموه قال: نعم يابن أخي، قال: فكيف كنتم تصنعون. قال: واللَّه لقد رأيتنا مع النبيّ صلى الله عليه وآله بالخندق، وصلّى هويّاً من الليل ثمّ التفت إلينا قال: من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم يشرط له رسول اللَّه أنّه يرجع أدخله اللَّه الجنّة. قال: فما قام منّا رجل. قال: ثمّ صلّى النبيّ صلى الله عليه وآله هويا من الليل ثمّ التفت إلينا. فقال: من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم. ثمّ يرجع ويشرط له رسول اللَّه الرجعة، وأسأل اللَّه أن يكون رفيقي في الجنّة. قال: قام رجل من القوم من شدّة الخوف وشدّة الجوع وشدّة البرد، فلمّا لم يقم أحد دعاني النبيّ صلى الله عليه وآله فلم يكن لي بدّ من القيام حين دعاني. الخبر(1).
و ما رواه في الحديبيّة عن المسوّر قال: لمّا فرغ النبيّ صلى الله عليه وآله من قضيّته قال لأصحابه: قوموا فانحروا ثمّ احلقوا. قال: فواللَّه ما قام منهم رجل حتّى قال ذلك ثلاث مرّات. فلمّا لم يقم أحد قام فدخل على أُمّ سلمة فذكر لها ما لقي من الناس(2).
وروي عن ابن عبّاس قال: حلق يوم الحديبيّة، وقصّر آخرون. فقال النبيّ صلى الله عليه وآله: يرحم اللَّه المحلّقين قالوا: والمقصّرين يا رسول اللَّه؟ قال صلى الله عليه وآله: يرحم اللَّه المحلّقين، قالوا: والمقصرين يا رسول اللَّه؟ قال: يرحم اللَّه المحلّقين، قالوا: يا رسول اللَّه والمقصّرين؟ قال: يرحم اللَّه المحلّقين والمقصّرين، قالوا: يا رسول اللَّه فلم ظاهرت الترحّم للمحلّقين دون المقصّرين؟ قال: لأنّهم لم يشكّوا(3).
وقصّة شك عمر ذلك اليوم وإنكاره على النبيّ صلى الله عليه وآله معروفة.
ص: 49
قال الطبري، قال الزهري: ثمّ بعثت قريش سهيل بن عمرو أخا بني عمرو بن لؤي إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وقالوا له: إيت محمّداً فصالحه، ولا يكن في صلحه إلّا أن يرجع عنّا عامه هذا. فواللَّه لا تحدّث العرب أنّه دخل علينا عنوة أبدا. قال: فأقبل سهيل - إلى أن قال: - فلمّا انتهى سهيل إلىرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهتكلّم، فأطال الكلام وتراجعا، ثمّ جرى بينهما الصلح، فلمّا التام الأمر، ولم يبق إلّا الكتاب، وثب عمر. فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر أليس برسول اللَّه؟ قال: بلى، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلامَ نعطي الدنيّة في ديننا - إلى أن قال: - ثمّ أتى النبيّ صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول اللَّه ألست برسول اللَّه؟ قال: بلى، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أو ليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلامَ نعطىِ الدنيّة في ديننا؟ فقال: أنا عبد اللَّه ورسوله لن أخلف أمره ولن يضيعني(1).
وفي خبر آخر: فقام عمر مغضباً، وقال: واللَّه لو أجد أعواناً ما أعطيت الدنيّة أبداً - إلى أن قال: - فلمّا كان يوم الفتح و أخذرسول اللَّه صلى الله عليه وآله مفتاح الكعبة قال: ادعوا لي عمر فجاء فقال: هذا الذي كنت وعدتكم به(2).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: ما قدست أمّة لم يؤخذ لضعيفها من قويها بحقّه غير متعتع(3).
ص: 50
جاءت الآثار أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وآله في بقرة قتلت حمارا فقال أحدهما يا رسول اللَّه بقرة هذا الرجل قتلت حماري فقال رسول اللَّه عليه السلام اذهبا إلى أبي بكر فاسألاه عن ذلك فجاء إلى أبي بكر وقصا عليه قصتهما فقال كيف تركتما رسول اللَّه ص وجئتماني قالا هو أمرنا بذلك فقال لهما بهيمة قتلت بهيمة لا شي ء على ربها.
فعادا إلى النبي صلى الله عليه وآله فأخبراه بذلك فقال لهما امضيا إلى عمر بن الخطاب وقصا عليه قصتكما واسألاه القضاء في ذلك فذهبا إليه و قصا عليه قصتهما فقال لهما كيف تركتما رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وجئتماني قالا هو أمرنا بذلك قال فكيف لم يأمركما بالمصير إلى أبي بكر قالا قد أمرنا بذلك فصرنا إليه فقال ما الذي قال لكما في هذه القضية قالا له كيت وكيت قال ما أرى إلّا ما رأى أبو بكر. فعادا إلى النبي صلى الله عليه وآله فخبراه الخبر فقال اذهبا إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ليقضي بينكما فذهبا إليه فقصا عليه قصتهما فقال عليه السلام: إن كانت البقرة دخلت على الحمار في مأمنه فعلى ربها قيمة الحمار لصاحبه وإن كان الحمار دخل على البقرة في مأمنها فقتلته فلا غرم على صاحبها فعادا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فأخبراه بقضيته بينهما فقال عليه السلام: لقد قضى علي بن أبي طالب بينكما بقضاء اللَّه عز اسمه ثمّ قال الحمد للَّه الذي جعل فينا أهل البيت من يقضي على سنن داود في القضاء(1).
روى عبادة بن الصامت قال عمر: كنا أمرنا إذا اختلفنا في شي ء أن نحكم عليا و لهذا تابعه المذكورون بالعلم من الصحابة نحو سلمان وعمار وحذيفة وأبي ذر وأبي بن كعب وجابر الأنصاري وابن عباس وابن مسعود وزيد بن صوحان ولم
ص: 51
يتأخر إلّا زيد بن ثابت وأبو موسى و معاذ وعثمان وكلهم معترفون له بالعلم مقرون له بالفضل(1).
روى النقاش في تفسيره قال ابن عباس: علي علم علما علمه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله و رسول اللَّه صلى الله عليه و آله علمه اللَّه فعلم النبي صلى الله عليه وآله من علم اللَّه و علم علي من علم النبي صلى الله عليه وآله وعلمي من علم علي عليه السلام وما علمي وعلم أصحاب محمد صلى الله عليه وآله في علم علي عليه السلام إلّا كقطرة في سبعة أبحر(2).
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: أعطي علي بن أبي طالب عليه السلام تسعة أعشار العلم وإنه لأعلمهم بالعشر الباقي(3).
يحيى بن معين بإسناده عن عطاء بن أبي رياح أنه سئل هل تعلم أحدا بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أعلم من علي فقال لا واللَّه ما أعلمه(4).
وروى الخطيب في الأربعين قال: عمر العلم ستة أسداس لعلي من ذلك خمسة أسداس وللناس سدس ولقد شاركنا في السدس حتّى لهو أعلم به منا(5).
وروى عكرمة عن ابن عباس: إن عمر بن الخطاب قال له: يا أبا الحسن إنّك لتعجل في الحكم والفصل للشي ء إذا سئلت عنه قال: فأبرز علي كفه وقال له: كم هذا؟ فقال عمر: خمسة فقال: عجلت يا أبا حفص قال: لم يخف عَلَيَّ فقال علي:
ص: 52
وأنا أسرع فيما لا يخفى علي(1).
و قال عمر: أعوذ باللَّه من معضلة ليس لها أبو حسن(2).
روى البلاذري عن عمر: لا أبقاني اللَّه لمعضلة ليس لها أبو الحسن(3).
وقد ظهر رجوعه إلى علي عليه السلام في ثلاث وعشرين مسألة حتّى قال: لو لا علي لهلك عمر(4).
وقال النبيّ صلى الله عليه وآله: أعلم أمّتي من بعدي عليّ بن أبي طالب(5).
سئل النبيّ عن عليّ بن أبي طالب فقال: قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي عليّ تسعة أجزاء والناس جزء واحدا(6).
وقد أجمعوا على أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال: أقضاكم عليّ(7).
قال أبوا أمامة: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أعلم بالسنّة والقضاء بعدي عليّ بن أبي طالب(8).
أخبرنا أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن العباس البزاز رفعه إلى إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس قال سأل رجل معاوية عن مسألة فقال سل عنها علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه أعلم فقال: يا أميرالمؤمنين قولك فيها أحب إلي من قول علي فقال:
ص: 53
بئس ما قلت ولؤم ما جئت به لقد كرهت رجلا كانرسول اللَّه صلى الله عليه وآله يغره العلم غرا ولقد قال له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي ولقد كان عمر بن الخطاب يسأله فيؤخذ عنه ولقد شهدت عمرا إذا أشكل عليه شي ء قال هاهنا علي قم لا أقام اللَّه رجليك ومحا اسمه من الديوان(1).
ومناقب شهد العدو بفضلها***والفضل ما شهدت به الأعداء(2)
عن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام: «اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ»؟ قال: كذلك اللَّه عزّ وجلّ قال: قلت : «مَثَلُ نُورِهِ»؟ قال لي محمد صلى الله عليه وآله: قلت: «كَمِشْكاةٍ»؟ قال: صدر محمد صلى الله عليه وآله قلت: «فِيها مِصْباحٌ»؟ قال: فيه نور العلم يعني النبوة قلت: «الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ»؟ قال: علم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله صدر إلى قلب علي عليه السلام قلت: «كَأَنَّها»؟ قال: لأي شي ء تقرأ «كَأَنَّها»؟ قلت: وكيف أقرأ جعلت فداك قال: كأنه(3)كوكب دري قلت: «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ»؟ قال: ذلك أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لا يهودي ولا نصراني قلت: «يَكادُ زَيْتُها يُضِي ءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ»؟ قال: يكاد العلم يخرج من فم العالم من آل محمد عليهم السلام من قبل أن ينطق به قلت: «نُورٌ عَلى نُورٍ»؟ قال: الإمام
ص: 54
على أثر الإمام(1).
لما كان حاطب بن أبي بلتعة كتب إلى أهل مكة يخبرهم بعزيمةرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهعلى فتحها وأعطى الكتاب امرأة سوداء كانت وردت المدينة لتستميح بها الناس، وجعل لها جعلا على أن توصله إلى قوم سمّاهم لها من أهل مكة، وأمرها أن تأخذ على غير الطريق، فنزل الوحي علىرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهبذلك.
فاستدعى النبي صلى الله عليه وآله أميرالمؤمنين عليه السلام وقال له: إن بعض أصحابي قد كتب إلى أهل مكّة يخبرهم بخبرنا، وقد كنت سألت اللَّه أن يعمّي أخبارنا عليهم، والكتاب مع امرأة سوداء قد أخذت على غير الطريق، فخذ سيفك وألحقها، وانزع الكتاب منها وخلها، ثمّ استدعى الزبير بن العوام، وقال له: امض مع علي في هذا الوجه، فمضيا، وأخذا على غير الطريق، فأدركا المرأة، فسبق إليها الزبير، فسألها عن الكتاب الذي معها. فأنكرت، وحلفت أنه لا شي ء معها، وبكت. فقال الزبير: ما أرى يا أبا الحسن معها كتابا. فارجع بنا إلىرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهلنخبره ببراءة ساحتها. فقال عليه السلام يخبرنيرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهأن معها كتابا، ويأمرني بأخذه منها، وتقول أنت: لا كتاب معها، ثمّ اخترط سيفه، وتقدم إليها فقال: أما واللَّه لئن لم تخرجي الكتاب لأكشفنك. ثمّ لأضربن عنقك.
فقالت: إذا كان لابدّ من ذلك. فأعرض بوجهك عنّي. فأعرض عليه السلام فكشفت قناعها، وأخرجت الكتاب من عقيصتها، فأخذه أميرالمؤمنين عليه السلام وصار به إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله(2).
ص: 55
عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال: المؤمن ينظر بنور اللَّه(1).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنوراللَّه(2).
خفض الصوت من ممدوح الصفات، وضدّه من مذمومها. قال تعالى حاكياً عن لقمان لابنه: «وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ»(3).
كانت هند بنت عتبة قد أعطت وحشيّاً عهداً لئن قتلت محمّداً أو عليّاً أو حمزة لأعطيتك رضاك وكان وحشي عبداً لجبير بن مطعم حبشيّاً، فقال وحشي: أمّا محمّد فلا أقدر عليه وأمّا عليّ فرأيته رجلاً حذراً كثير الالتفات فلم أطمع فيه، قال: فكمنت لحمزة إلخ(4).
أي: الرياح الكاسرة للأشجار.
قوله عليه السلام: «كالجبل لا تحرّكه القواصف، ولا تزيله العواصف».والقواصف واحدها القاصفة: أي الكاسرة من القصف بمعنى: الكسر أو الصوت الشديد،
ص: 56
كما في آية «قَاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ»(1)هي التي لها قصف: أي صوت شديد، كأنّها تقصف لأنّها لا تمرّ بشي ء إلّا قصفته؛ والعواصف جمع العاصفة، ومنها آية: «فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً»(2)وهي الرياح الشديد «وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً»(3):أي إن أراد تعصف عصفت، وإن ترخى رخت. ثمّ انّ هذا التمثيل جاء في زيارة يوم توفّي فيه عليه السلام، زاره بها الخضر عليه السلام(4)عرّف الناس بعض ماله من خصائص خصّه اللَّه عزّ وجلّ بها، وبعد ما عرفوه ولا دروا ما هو ومن هو...
إنّ للَّه في معاليك سرّاً***أكثر العالمين ما علموه(5)
فسلام اللَّه عليك غادية ورائحة(6).
أي: الرياح الشديد الناقلة للأشياء من محلّ إلى محلّ آخر.
ولمّا بعثه النبيّ صلى الله عليه وآله لقبض ما صالح عليه أهل نجران، ففعل ورجع، وقد كان النبيّ صلى الله عليه وآله توجّه وساق البدن، وأشركه عليه السلام في هديه تقدّم عليه السلام على الجيش للقاء النبيّ صلى الله عليه وآله ثمّ عاد إليهم، ووجدهم قد لبسوا الحلل التي كانت معهم فأنكر ذلك عليهم، وانتزعها منهم، وشدّها في الأعدال فاضطغنوا ذلك عليه، فلمّا دخلوا مكّة على النبيّ صلى الله عليه وآله أكثروا الشكاية منه عليه السلام. فأمر النبيّ صلى الله عليه وآله منادياً ينادي في الناس:
ص: 57
«ارفعوا ألسنتكم عن عليّ بن أبي طالب فإنّه خشن في ذات اللَّه - عزّ وجلّ - غير مداهن في دينه»فكفّوا(1).
قال تعالى: «يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ»(2).
و قال تعالى: «فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ * وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ»(3).
عن أبي ذررحمه الله قال: أوصانيرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهأن لا أخاف في اللَّه لومة لائم(4).
عن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: لاتأخذكم في اللَّه لومة لائم يكفكم اللَّه من أرادكم وبغى عليكم(5).
قال أبو عبداللَّه عليه السلام إنّ المؤمن أشدّ من زبر الحديد إنّ الحديد إذا أدخل النار تغيّر وإنّ المؤمن لو قتل ثمّ نشر ثمّ قتل لم يتغيّر قلبه(6).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رقبة تذله(7).
قيل لجعفر بن محمد عليه السلام إن قوما هاهنا ينتقصون عليّاً عليه السلام قال: بم ينتقصونه لا أبا لهم وهل فيه موضع نقيصة واللَّه ما عرض لعلي أمران قط كلاهما للَّه طاعة إلّا عمل بأشد هما وأشقهما عليه ولقد كان يعمل العمل كأنه قائم بين الجنة والنار ينظر إلى
ص: 58
ثواب هؤلاء فيعمل له وينظر إلى عقاب هؤلاء فيعمل له وإن كان ليقوم إلى الصلاة فإذا قال وجهت وجهي تغير لونه حتّى يعرف ذلك في وجهه ولقد أعتق ألف عبد من كد يده كل منهم يعرق فيه جبينه وتحفى فيه كفه ولقد بشر بعين نبعت في ماله مثل عنق الجزور فقال بشر الوارث بشر ثمّ جعلها صدقة على الفقراء والمساكين وابن السبيل - الخبر -(1).
وَلا لِقَائِلٍ فِيَّ مَغْمَزٌ
إنّما أراد عمر الغمز فيه عليه السلام كباقي ستّة الشورى فلم يجد شيئاً، فاضطر إلى أن يستهجن فضائله عليه السلام فأخرج حسن خلقه عليه السلام في لباس سوء، فسمّاه دعابة وتبعه عمرو بن العاص(2)، وأراد معاوية همزة عليه السلام ففضح نفسه والمؤسّسين له فكتب إليه عليه السلام: «انّك كنت تقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتّى بايعت أبا بكر».
فأجابه عليه السلام: «لقد أردت أن تذمّ فمدحت، وأن تفضح فافتضحت، وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكّاً في دينه ولا مرتاباً بيقينه»(3).
قال تعالى: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ»(4).
ص: 59
عن أميرالمؤمنين عليه السلام: إنّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول في غير موطن لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقّه من القوي غير متتعتع(1).
عن محمّد بن جعفر العقبي رفعه قال: خطب أميرالمؤمنين عليه السلام فحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ آدَمَ لَمْ يَلِدْ عَبْداً وَلا أَمَةً وَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَحْرَارٌ... أَلا وَقَدْ حَضَرَ شَيْ ءٌ وَنَحْنُ مُسَوُّونَ فِيهِ بَيْنَ الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ فَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ ثَلاثَةَ دَنَانِيرَ وَأَعْطَى رَجُلاً مِنَ الْأَنْصَارِ ثَلاثَةَ دَنَانِيرَ وَجَاءَ بَعْدُ غُلامٌ أَسْوَدُ فَأَعْطَاهُ ثَلاثَةَ دَنَانِيرَ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ هَذَا غُلامٌ أَعْتَقْتُهُ بِالْأَمْسِ تَجْعَلُنِي وَإِيَّاهُ سَوَاءً فَقَالَ: إِنِّي نَظَرْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَمْ أَجِدْ لِوُلْدِ إِسْمَاعِيلَ عَلَى وُلْدِ إِسْحَاقَ فَضْلاً(2).
روى البغدادي في وفود سورة بنت عمارة الهمدانيّة على معاوية قالت له: لا يزال يقدم علينا من ينوء(3)بعزّك ويبطش بسلطانك فيحصدنا حصد السنبل ويدوسنا دوس البقر(4)ويسومنا(5)الخسيسة ويسلبنا الجليلة هذا بسر بن أرطاة قدم علينا من قبلك فقتل رجالي وأخذ مالي يقول لي: فوهي بما استعصم اللَّه منه وألجأ إليه فيه(6)ولولا الطاعة لكان فينا عز ومنعة فإمّا عزلته عنّا فشكرناك وإمّا لا
ص: 60
فعرفناك فقال معاوية: أتهدّدني بقومك لقد هممت أن أحملك على قتب(1)أشرس فأردك إليه ينفذ فيك حكمه فأطرقت تبكي ثمّ أنشأت تقول:
صلّى الإله على جسم تضمّنه***قبر فأصبح فيه العدل مدفونا
قد حالف الحق لا يبغي به بدلا***فصار بالحق والإيمان مقرونا
قال لها: ومن ذلك؟ قالت: عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: وما صنع بك حتّى صار عندك كذلك؟ قالت: قدمت عليه في رجل ولاه صدقتنا قدم علينا من قبله فكان بيني وبينه ما بين الغث والسمين فأتيت عليّا ًعليه السلام لأشكو إليه ما صنع فوجدته قائماً يصلّي فلمّا نظر إليّ انفتل(2)من صلاته ثمّ قال لي برأفة وتعطف: «ألك حاجة؟»فأخبرته الخبر فبكى ثمّ قال: «اللهمّ انّك أنت الشاهد عليّ و عليهم أنّي لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقّك»ثمّ أخرج من جيبه قطعة جلد كهيئة طرف الجواب فكتب فيها: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»قد جاءتكم بيّنة من ربّكم فَ «أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا(3)النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا(4)فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ»(5)إذا قرأت كتابي فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتّى يقدم عليك من يقبضه منك والسلام»فأخذته منه واللَّه ما ختمه بطين ولا خزمه بخزام فقرأته فقال لها معاوية: لقد
ص: 61
لمظكم(1)ابن أبي طالب الجرأة على السلطان فبطيئا ما تفطمون - الخبر -(2).
قال تعالى: «وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا...»(3)
وقال تعالى: «إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»(4).
قال صلى الله عليه وآله: إنّ أهون الخلق على اللَّه من ولّى أمر المسلمين فلم يعدل لهم(5).
عن أبي عبداللَّه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: كلّ معروف صدقة والدال على الخير كفاعله واللَّه عزّ وجلّ يحب إغاثة اللهفان(6).
عن مسعدة بن صدقة قال: حدّثني جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهم السلام: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أَمَرَهُمْ بِسَبْعٍ: أَمَرَهُمْ بِعِيَادَةِ الْمَرْضَى، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ، وَتَسْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِفْشَاءِ السَّلامِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي(7).
عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام قال: من ردّ على المسلمين عادية ماء أوْ عادية نار أوْ عادية عدو مكابر للمسلمين غفر اللَّه ذنبه(8).
ص: 62
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعِينُ مُؤْمِناً مَظْلُوماً إِلّا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَاعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَنْصُرُ أَخَاهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى نُصْرَتِهِ إِلّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ(1).
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: جَوْرُ سَاعَةٍ فِي حُكْمٍ أَشَدُّ وَأَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ مَعَاصِي سِتِّينَ سَنَةً(2).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَخْذُلُ أَخَاهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى نُصْرَتِهِ إِلّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ(3).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إنَّ اللَّهَ عزّ وجلّ أوحى إلى نبيّ مِنْ أنبِيَائِهِ فِي مَمْلَكَةِ جَبَّارٍ مِنَ الْجَبَّارِينَ أَنِ ائْتِ هَذَا الْجَبَّارَ فَقُلْ لَهُ إِنَّنِي لَمْ أَسْتَعْمِلْكَ عَلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ وَاتِّخَاذِ الْأَمْوَالِ وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلْتُكَ لِتَكُفَّ عَنِّي أَصْوَاتَ الْمَظْلُومِينَ فَإِنِّي لَمْ أَدَعْ ظُلامَتَهُمْ وَإِنْ كَانُوا كُفَّاراً(4).
و قال النبيّ صلى الله عليه وآله: من مشى مع ظالم فقد أجرم(5).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: أُقْعِدَ رجلٌ مِنَ الأحبار فِي قَبْرِهِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّا جَالِدُوكَ مِائَةَ جَلْدَةٍ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لا أُطِيقُهَا فَلَمْ يَفْعَلُوا بِهِ حَتَّى انتَهوا إِلَى جَلْدَة وَاحِدَةٍ فَقَالُوا لَيْسَ مِنْهَا بُدَّ قَالَ: فَبِمَا تَجْلِدُونِيهَا؟ قَالُوا نَجْلِدُكَ بِأَنَّكَ صَلَّيْتَ يَوْماً بِغَيْرِ وُضُوءٍ وَمَرَرْتَ عَلَى ضَعِيفٍ فَلَمْ تَنْصُرْهُ، قال: فَجَلَدُوهُ جَلْدَةً مِنْ عَذَابِ
ص: 63
اللَّهِ تَعَالَى فَامْتَلأَ قَبْرُهُ نَارا(1).
عن أبي عبداللَّه عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ أَيْنَ الظَّلَمَةُ وَأَعْوَانُ الظَّلَمَةِ مَنْ لاقَ لَهُمْ دَوَاةً أَوْ رَبَطَ لَهُمْ كِيساً أَوْ مَدَّ لَهُمْ مَدَّةً احْشُرُوهُ مَعَهُمْ(2).
هذا كلّه بالنسبة إلى عامّة المكلّفين ومنهم الأُمراء والحكّام وأمّا بالنسبة إلى خصوص الأُمراء والحكّام فقد وردت أيضاً روايات فانّ الأمر فيهم أشدّ من غيرهم لقوله صلى الله عليه وآله: كلّكم راع وكلّكم مسئول عن رعيّته(3).
عن زيد الشحّام قال: سمعت الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام يقول: مَنْ تَوَلَّى أَمْراً مِنْ أُمُورِ النَّاسِ فَعَدَلَ وَفَتَحَ بَابَهُ وَرَفَعَ سِتْرَهُ وَنَظَرَ فِي أُمُورِ النَّاسِ كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُؤْمِنَ رَوْعَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ(4).
عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: صنفان من أُمّتي إذا صلحا صلحت أُمّتي وإذا فسدا فسدت أُمّتي: الأُمراء والقرّاء(5).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: ثَلاثَةٌ يُدْخِلُهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَثَلاثَةٌ يُدْخِلُهُمُ اللَّهُ النَّارَ بِغَيْرِ حِسَابٍ فَأَمَّا الَّذِينَ يُدْخِلُهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ فَإِمَامٌ عَادِلٌ وَتَاجِرٌ صَدُوقٌ وَشَيْخٌ أَفْنَى عُمُرَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَّا الثَّلاثَةُ الَّذِينَ يُدْخِلُهُمُ النَّارَ بِغَيْرِ حِسَابٍ فَإِمَامٌ جَائِرٌ وَتَاجِرٌ كَذُوبٌ وَشَيْخٌ زَانٍ(6).
ص: 64
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: من ولّى شيئاً من أُمور المسلمين فضيّعهم ضيّعه اللَّه تعالى(1).
عَن رسول اللَّه أنّه قال: رَجُلانِ لا تَنَالُهُمَا شَفَاعَتِي صَاحِبُ سُلْطَانٍ عَسُوفٍ غَشُومٍ وَغَالٍ فِي الدِّينِ مَارِقٌ(2).
عن ابن بريدة، عن أبيه، عن النبيّ صلى الله عليه وآله قال: لا يؤمر رجل على عشرة فما فوقهم إلّا جي ء به يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه، فإن كان محسناً فكّ عنه، وإن كان مسيئاً زيد غلا إلى غلّه(3).
أخذ عليّ عليه السلام رجلا من بني أسد في حد فاجتمع قومه ليكلّموا فيه وطلبوا إلى الحسن أن يصحبهم فقال: ائتوه فهو أعلى بكم عينا فدخلوا عليه وسألوه فقال: لا تسألوني شيئا أملك إلّا أعطيتكم فخرجوا يرون أنهم قد أنجحوا فسألهم الحسن فقالوا: أتينا خير مأتي وحكوا له قوله فقال: ما كنتم فاعلين إذا جلد صاحبكم فاصنعوه فأخرجه علي فحدّه ثمّ قال: هذا واللَّه لست أملكه(4).
عن فضيل بن الجعد قال: آكد الأسباب في تقاعد العرب عن أميرالمؤمنين عليه السلام أمر المال فإنّه لم يكن يفضل شريفاً على مشروف ولا عربيّاً على عجميّ ولا يصانع الرؤساء وأمراء القبائل كما يصنع الملوك ولا يستميل أحداً إلى نفسه وكان معاوية بخلاف ذلك(5).
ص: 65
عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: خلا عمر لبعض شأنه وقال أمسك علي الباب فطلع الزبير فكرهته حين رأيته فأراد أن يدخل فقلت: هو على حاجة فلم يلتفت إلي وأهوى ليدخل فوضعت يدي في صدره فضرب أنفي فأدماه ثمّ رجع فدخلت على عمر فقال ما بك قلت الزبير.
فأرسل إلى الزبير فلمّا دخل جئت فقمت لأنظر ما يقول له فقال: ما حملك على ما صنعت أدميتني للناس فقال الزبير يحكيه ويمطط في كلامه أدميتني أتحتجب عنا يابن الخطاب فقال عمر كالمعتذر إني كنت في بعض شأني.
قال أسلم فلمّا سمعته يعتذر إليه يئست من أن يأخذ لي بحقي منه. فخرج الزبير فقال عمر إنّه الزبير وآثاره ما تعلم(1).
وفي عيون ابن قتيبة: تنازع إثنان، أحدهما سلطاني والآخر سوقي، فضربه السلطاني فصاح واعمراه، ورفع خبره إلى المأمون، فأمر بإدخاله عليه، قال: من أين أنت؟ قال: من أهل فامية(2)، فقال: إنّ عمر كان يقول: من كان جاره نبطياً واحتاج إلى ثمنه فليبعه فإن كنت تطلب سيرة عمر فهذا حكمه(3).
قيل: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله مرّ بقوم فقال لهم: ما أنتم؟ فقالوا: مؤمنون فقال: ما علامة إيمانكم؟ قالوا: نصبر على البلاء ونشكر عند الرخاء ونرضى بمواقع القضاء فقال:
ص: 66
مؤمنون بربّ الكعبة. وفي خبر آخر أنّه قال: حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء(1).
عن عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إن اللَّه بعدله وقسطه وعلمه جعل الروح والفرح في اليقين والرضا عن اللَّه عزّ وجلّ وجعل الهم والحزن في الشك والسخط فارضوا عن اللَّه وسلموا لأمره(2).
عن أبي حمزة الثمالي عن عليّ بن الحسين عليه السلام قال: الصَّبْرُ وَالرِّضَا عَنِ اللَّهِ رَأْسُ طَاعَةِ اللَّهِ وَمَنْ صَبَرَ وَرَضِيَ عَنِ اللَّهِ فِيمَا قَضَى عَلَيْهِ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ لَمْ يَقْضِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ إِلّا مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ(3).
وقال موسى عليه السلام: يا رب دلّني على أمر فيه رضاك قال تعالى: إنّ رضاي في رضاك بقضائي(4).
قال أبو عبداللَّه عليه السلام: قال اللَّه عزّ وجلّ: عبدي المؤمن لا أصرفه في شي ء إلّا جعلته خيراً له فليرض بقضائي وليصبر على بلائي وليشكر نعمائي أكتبه يا محمّد من الصدّيقين عندي(5).
وقال النبيّ صلى الله عليه وآله: إذا أحب اللَّه عبد ابتلاه فإن صبر اجتباه فإن رضي اصطفاه(6).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ بِاللَّهِ أَرْضَاهُمْ بِقَضَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ(7).
ص: 67
وقال صلى الله عليه وآله: أَعْطُوا اللَّهَ الرِّضَا مِنْ قُلُوبِكُمْ تظفروا بثواب (يُثِبْكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى) فَقْرِكِم(1).
وقال أيضاً: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَنْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى لِطَائِفَةٍ مِنْ أُمَّتِي أَجْنِحَةً فَيَطِيرُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ إِلَى الْجِنَانِ يَسْرَحُونَ فِيهَا وَيَتَنَعَّمُونَ كَيْفَ شَاءُوا فَتَقُولُ لَهُمُ الْمَلائِكَةُ هَلْ رَأَيْتُمُ الْحِسَابَ فَيَقُولُونَ مَا رَأَيْنَا حِسَاباً فَيَقُولُونَ هَلْ جُزْتُمُ الصِّرَاطَ فَيَقُولُونَ مَا رَأَيْنَا صِرَاطاً فَيَقُولُونَ هَلْ رَأَيْتُمْ جَهَنَّمَ فَيَقُولُونَ مَا رَأَيْنَا شَيْئاً فَتَقُولُ الْمَلائِكَةُ مِنْ أُمَّةِ مَنْ أَنْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ص فَيَقُولُونَ نَشَدْنَاكُمُ اللَّهَ حَدِّثُونَا مَا كَانَتْ أَعْمَالُكُمْ فِي الدُّنْيَا فَيَقُولُونَ خَصْلَتَانِ كَانَتَا فِينَا فَبَلَّغَنَا اللَّهُ هَذِهِ الدَّرَجَةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ فَيَقُولُونَ وَمَا هُمَا؟ فَيَقُولُونَ كُنَّا إِذَا خَلَوْنَا نَسْتَحِي أَنْ نَعْصِيَهُ وَنَرْضَى بِالْيَسِيرِ مِمَّا قُسِمَ لَنَا فَتَقُولُ الْمَلائِكَةُ حَقٌّ لَكُمْ هَذَا(2).
عن عليّ بن هاشم بن البريد عن أبيه قال: قال لي عليّ بن الحسين عليهما السلام: الزُّهْدُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ أَعْلَى دَرَجَةِ الزُّهْدِ أَدْنَى دَرَجَةِ الْوَرَعِ وَأَعْلَى دَرَجَةِ الْوَرَعِ أَدْنَى دَرَجَةِ الْيَقِينِ وَأَعْلَى دَرَجَةِ الْيَقِينِ أَدْنَى دَرَجَةِ الرِّضَا(3).
اعلم انّ في هذا الكلام تعريض على غيره من الخلفاء حيث انّهم لم يبالوا في أن يكذبوا على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كحديث: نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه
ص: 68
صدقة(1).وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: من كذب عليّ متعمّداً فليتبوّء مقعده من النار(2)وأمثال ذلك كثيرة كحديث تحريم النبيّ المتعة في الحجّ وغيره(3)مع انّه من المبدعات في عهد عمر بن الخطّاب.
وكقول سمرة بن جندب بأمر معاوية بن أبي سفيان في تفسير الآية الشريفة: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ»(4)الآية، حيث قال انّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: هذه الآية نزلت في مدح عبدالرحمن بن ملجم (لعنة اللَّه عليه) قاتل عليّ بن أبي طالب(5).
وكقول معاوية في زياد والحاقه بأبي سفيان وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: الولد للفراش وللعاهر الحجر(6)وأمّا معاوية فقد قلّب الحكم وقال الولد للعاهر وللفراش الحجر(7)ونسبه إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وأمثال ذلك كثيرة ألا ترى انّ بني أُميّة وعلمائهم قد نقلوا عن النبيّ صلى الله عليه وآله انّه قال: من تولّى أمر أُمّتي ثلاثة أيّام فلا تضرّه المعصية أبداً وإن بلغت ما بلغت(8)والمجعولات كثيرة.
ص: 69
وَاللَّهِ لَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ فَلا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ
أمّا الخاصّة فقولا واحداً اتّفقوا على كونه عليه السلام اوّل من آمن باللَّه ورسوله بلا خلاف بينهم فيه ولنشير إلى بعض الأخبار الواردة:
قال الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام: أَوَّلُ جَمَاعَةٍ كَانَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّه ِ صلى الله عليه وآله كَانَ يُصَلِّي وَأَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مَعَهُ إِذْ مَرَّ أَبُو طَالِبٍ بِهِ وَجَعْفَرٌ مَعَهُ قَالَ: يَا بُنَيَّ صَلِّ جَنَاحَ ابْنِ عَمِّكَ فَلَمَّا أَحَسَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله تَقَدَّمَهُمَا وَانْصَرَفَ أَبُو طَالِبٍ مَسْرُورا(1).
عن أبي جعفرعليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إن أمتي عرضت علي في الميثاق، فكان أول من آمن بي عليّ، وهو أول من صدّقني حين بعثت، وهو الصديق الأكبر، والفاروق يفرق بين الحق والباطل(2).
عن عليّ عليه السلام: إنّي كُنْتُ أَوَّلَ النَّاسِ إِسْلاماً بُعِثَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ وَصَلَّيْتُ مَعَهُ يَوْمَ الثَّلاثَاءِ وَبَقِيتُ مَعَهُ أُصَلِّي سَبْعَ سِنِينَ حَتَّى دَخَلَ نَفَرٌ فِي الْإِسْلام(3).
عن أبي سخيلة، قال: حججت أنا وسلمان فنزلنا بأبي ذر، فكنا عنده ما شاء اللَّه، فلمّا حان منّا خفوف قلت: يا أبا ذر، إنّي أرى أمورا قد حدثت، وأنا خائف أن يكون في الناس اختلاف، فإن كان ذلك، فما تأمرني قال: الزم كتاب اللَّه و علي بن أبي طالب عليه السلام، واشهد أني سمعترسول اللَّه صلى الله عليه وآلهيقول: علي أوّل من آمن بي، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو الفاروق يفرق بين الحق
ص: 70
والباطل(1).
عن سلمان قال: إنّ أول هذه الأمة ورودا على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أولها إسلاما علي بن أبي طالب(2).
عن ابن عبّاس انّه قال: أوّل من آمن (أسلم) برسول اللَّه صلى الله عليه و آله من الرجال عليّ عليه السلام ومن النساء خديجة(3).
عن ابن عبّاس قال: قال أبو موسى: عليّ أوّل من أسلم(4).
عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَسَلْمَانَ قَالا: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام فَقَالَ: هَذَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِي، وَأَوَّلُ مَنْ يُصَافِحُنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ وَفَارُوقُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَيَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِينَ(5).
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَتَكُونُ فِتْنَةٌ فَإِنْ أَدْرَكَهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِخَصْلَتَيْنِ كِتَابِ اللَّهِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ هَذَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِي وَأَوَّلُ مَنْ يُصَافِحُنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ فَارُوقُ هَذِهِ الْأُمَّةِ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَهُوَ يَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَالُ يَعْسُوبُ الظَّلَمَةِ وَهُوَ الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ وَهُوَ بَابِيَ الَّذِي أُوتَى مِنْهُ(6).
وأمّا الروايات العاميّة أيضاً كثيرة ونشير إلى شطر منها:
ص: 71
جامع الترمذي ومسند أبي يعلي الموصلي عن أنس وتاريخ الطبري عن جابر قالا: بعث النبيّ صلى الله عليه وآله يوم الاثنين وصلّى عليّ عليه السلام يوم الثلاثاء(1).
وروى الثعلبي في تفسيره في تفسير قوله تعالى: «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ»(2)عن عباد بن عبداللَّه قال: سمعت عليّاً عليه السلام يقول: أنا عبد اللَّه وأخو رسول اللَّه وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلّا كذّاب مفتر صلّيت قبل الناس بسبع سنين(3).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: صلّت الملائكة عليّ وعلى عليّ سبع سنين لأنّه لم يكن من الرجال غيره(4).
عن أبي رافع قال: صلّى النبيّ صلى الله عليه وآله أوّل يوم الإثنين وصلّت خديجة آخر يوم الإثنين و صلّى عليّ يوم الثلاثاء من الغد و صلّى مستخفياً قبل أن يصلّي مع النبيّ أحد سبع سنين وأشهرا(5).
عن ابن عبّاس قال: أوّل من أسلم من الناس بعد خديجة عليّ عليه السلام.
قال: ولبعض أهل الكوفة في أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أيّام صفّين:
أنت الإمام الذي نرجوا بطاعته***يوم النشور من الرحمن غفرانا
أوضحت من ديننا ما كان مشتبها***جزاك ربّك عنّا فيه احسانا
نفسي الفداء لخير الناس كلّهم***بعد النبيّ علي الخير مولانا
ص: 72
أخي النبيّ ومولى المؤمنين معاً***وأوّل الناس تصديقاً وإيمانا(1)
عن عبداللَّه قال: سمعت عليّاً عليه السلام يقول: صلّيت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ثلاث سنين قبل أن يُصلّي معه أحد من الناس(2).
عبداللَّه عن حبّة العرني قال عليّ عليه السلام: «اللهمّ أنّي لا أعرف أنّ عبداً لك من هذه الأُمّة عبدك قبل نبيّك - قال ذلك ثلاث مرّات - ثمّ قال: لقد صلّيت قبل أن يصلّي أحد(3).
روى الشافعي ابن المغازلي في تفسير قوله تعالى: «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ»(4)عن ابن عبّاس قال: سبق يوشع بن نون إلى موسى عليه السلام وصاحب يس إلى عيسى وسبق عليّ بن أبي طالب أميرالمؤمنين عليه السلام إلى محمّد صلى الله عليه وآله(5).
عن سلمان رحمه الله قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أوّل الناس وروداً عليّ الحوض أوّلهم إسلاماً عليّ بن أبي طالب(6).
الثعلبي: بسنده عن عفيف الكندي قال: كنت تاجراً فقدمت مكّة أيّام الحج
ص: 73
فنزلت في دار العبّاس بن عبدالمطلب، فبينا أنا والعبّاس إذ جاء رجل شاب استقبل الكعبة، وجاءه غلام فقام عن يمينه، وجاءت امرأة فقامت خلفه، فركعوا وسجدوا، ثمّ رفعوا رؤوسهم، فقلت: يا عبّاس أمر عظيم.
فقال: أمر عظيم، هذا محمّد ابن أخي يقول: إنّ اللَّه بعثه رسولاً، وإنّ كنوز كسرى وقيصر ستفتح على يدي من آمن به، وهذا الغلام ابن أخي عليّ بن أبي طالب، وهذه زوجته خديجة بنت خويلد.
وأيضاً هذا الحديث أي حديث «عفيف الكندي»في كتاب الإصابة، وفي ذخائر العقبى مذكور(1).
عن أبي معمّر قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «صلّت الملائكة عليّ و على عليّ سبع سنين وذلك انّه لم ترفع شهادة أن لا إله إلّا اللَّه إلى السماء إلّا منّي ومن علي(2).
عن عبداللَّه بن مسعود قال إن أول شي ء علمته من أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أني قدمت مكة في عمومة لي فأرشدونا على العباس بن عبد المطلب، فانتهينا إليه وهو جالس إلى زمزم فجلسنا إليه، فبينا نحن عنده، إذ أقبل رجل من باب الصفا، معه مراهق أو محتلم تقفوه امرأة قد سترت محاسنها، حتّى قصدوا نحو الحجر فاستلمه، ثمّ استلم الغلام، ثم استلمته المرأة، ثم طاف بالبيت سبعا، والغلام والمرأة يطوفان معه فقلنا: يا أبا الفضل إن هذا الدين لم نكن نعرفه فيكم أو شي ء حدث؟
ص: 74
قال: هذا ابن أخي محمد بن عبداللَّه، والغلام علي بن أبي طالب، والمرأة امرأته خديجة بنت خويلد، ما على وجه الأرض أحد يعبد اللَّه تعالى بهذا الدين إلّا هؤلاء الثلاثة(1).
عن سلمة بن كهيل، عن حبّة العرني قال: سمعت عليّاً عليه السلام يقول: أنا أوّل من أسلم(2).
عن أبي رافع قال: صلّى النبي صلى الله عليه وآله أوّل يوم الإثنين وصلّت خديجة آخر يوم الإثنين وصلّى علي يوم الثلاثاء من الغد وصلى مستخفياً قبل أن يصلّي مع النبي صلى الله عليه وآله [أحد] سبع سنين وأشهراً(3).
عن أبي ذر قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول لعليّ: أنت أوّل من آمن بي وأنت أوّل من يصافحني يوم القيامة وأنت الصدّيق الأكبر وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحقّ والباطل وأنت يعسوب المسلمين والمال يعسوب الكفّار(4).
و في المناقب: عن أبي الزبير المكّي عن جابر بن عبداللَّه رضي اللَّه عنهما قال: كنّا عند النبيّ صلى الله عليه وآله فأقبل عليّ فقال: قد أتاكم أخي، ثمّ التفت إلى الكعبة فمسّها بيده، ثمّ قال: والذي نفسي بيده أنّ هذه وشيعته هم الفائزون يوم القيامة.
ثمّ قال: انّه أوّلكم إيماناً معي، وأوفاكم بعهد اللَّه و أقومكم بأمر اللَّه، وأعدلكم في الرعيّة، وأقسمكم بالسويّة، وأعظمكم عند اللَّه مزية.
قال: فنزلت «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ»(5)، قال:
ص: 75
فكان الصحابة إذا قيل: علي قالوا: قد جاء خير البريّة(1).
و في المناقب: بالاسناد عن أبي الزبير المكّي عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إنّ اللَّه - تبارك وتعالى - اصطفاني واختارني وجعلني رسولاً وأنزل عليّ سيّد الكتب. فقلت: إلهي وسيّدي إنّك أرسلت موسى إلى فرعون فسألك أن تجعل معه أخاه هارون وزيراً يشدّ به عضده ويصدق به قوله، وإنّي أسألك يا سيّدي وإلهي أن تجعل لي من أهلي وزيراً تشدّ به عضدي، فاجعل لي عليّاً وزيراً وأخا، واجعل الشجاعة في قلبه وألبسه الهيبة على عدوّه، وهو أوّل من آمن بي وصدّقني، وأوّل من وحّد اللَّه معي، وإنّي سألت ذلك ربّي عزّ وجلّ فأعطانيه، فهو سيّد الأوصياء، اللحوق به سعادة، والموت في طاعته شهادة، واسمه في التوراة مقرون إلى اسمي، وزوجته الصديقة الكبرى ابنتي، وابناه سيّدا شباب أهل الجنّة ابناي، وهو وهما والأئمّة من بعدهم حجج اللَّه على خلقه بعد النبيين، وهم أبواب العلم في أُمّتي، من تبعهم نجا من النار، ومن اقتدى بهم هدى إلى صراط مستقيم، لم يهب اللَّه محبّهم لعبد إلّا أدخله اللَّه الجنّة(2).
ثمّ قال: قال الحسن بن علي عليه السلام في خطبة كما تقدّمت فكان أبي أوّلهم ايماناً فهو سابق السابقين و فضّل اللَّه السابقين على المتأخّرين، كذلك فضّل سابق السابقين على السابقين(3).
روي أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام كان جالساً في بعض مجالسه بعد رجوعه من
ص: 76
نهروان(1)فجرى الكلام حتّى قيل له لِمَ لا حاربت أبا بكر وعمر كما حاربت طلحة والزبير ومعاوية؟
فقال عليه السلام: إِنِّي كُنْتُ لَمْ أَزَلْ مَظْلُوماً مُسْتَأْثَراً عَلَى حَقِّي(2)فَقَامَ إِلَيْهِ أَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِمَ لَمْ تَضْرِبْ بِسَيْفِكَ وَتَطْلُبَ بِحَقِّكَ فَقَالَ يَا أَشْعَثُ قَدْ قُلْتَ قَوْلاً فَاسْمَعِ الْجَوَابَ وَعِهْ وَاسْتَشْعِرِ الْحُجَّةَ إِنَّ لِي أُسْوَةً بِسِتَّةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَوَّلُهُمْ نُوحٌ عليه السلام حَيْثُ قَالَ: «أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ»(3)فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّهُ قال هذا لِغَيْرِ خَوْفٍ فَقَدْ كَفَرَ وَإِلّا فَالْوَصِيُّ أَعْذَرُ وثَانِيهِمْ لُوطٌعليه السلام حَيْثُ قَالَ: «لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ»(4)فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّهُ قَالَ هذا لِغَيْرِ خَوْفٍ فَقَدْ كَفَرَ وَإِلّا فَالْوَصِيُّ أَعْذَرُ وَثَالِثُهُمْ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ عليه السلام حَيْثُ قَالَ: «وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ»(5)فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّهُ قَالَ هَذا لِغَيْرِ خَوْفٍ فَقَدْ كَفَرَ وَإِلّا فَالْوَصِيُّ أَعْذَرُ وَرَابِعُهُمْ مُوسَى عليه السلام حَيْثُ قَالَ: «فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ»(6)فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّهُ قَالَ هَذَا لِغَيْرِ
ص: 77
خَوْفٍ فَقَدْ كَفَرَ وَإِلّا فَالْوَصِيُّ أَعْذَرُ وَخَامِسُهُمْ أَخُوهُ هَارُونُ حَيْثُ قَالَ: «ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي»(1)فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّهُ قَالَ هذا لِغَيْرِ خَوْفٍ فَقَدْ كَفَرَ وَإِلّا فَالْوَصِيُّ أَعْذَرُ وَسَادِسُهُمْ أَخِي مُحَمَّد ٌصلى الله عليه وآله سَيِّدُ الْبَشَرِ حَيْثُ ذَهَبَ إِلَى الْغَارِ وَنَوَّمَنِي عَلَى فِرَاشِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى الْغَارِ لِغَيْرِ خَوْفٍ فَقَدْ كَفَرَ وَإِلّا فَالْوَصِيُّ أَعْذَرُ فَقَامَ إِلَيْهِ النَّاسُ بِأَجْمَعِهِمْ فَقَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُكَ وَنَحْنُ الْمُذْنِبُونَ التَّائِبُونَ وَقَدْ عَذَرَكَ اللَّهُ(2).
وعن أحمد بن همام قال أتيت عبادة بن الصامت في ولاية أبي بكر فقلت يا عبادة أكان الناس على تفضيل أبي بكر قبل أن يستخلف فقال يا أبا ثعلبة إذا سكتنا عنكم فاسكتوا ولا تبحثونا فو اللَّه لعلي بن أبي طالب كان أحق بالخلافة من أبي بكر كما كانرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهأحق بالنبوة من أبي جهل قال وأزيدكم إنا كنا ذات يوم عندرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهفجاء علي عليه السلام وأبو بكر وعمر إلى بابرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهفدخل أبو بكر ثمّ دخل عمر ثم دخل علي عليه السلام على أثرهما فكأنما سفي على وجه رسول اللَّه الرماد ثمّ قال يا علي أيتقدمانك هذان وقد أمرك اللَّه عليهما؟ فقال أبو بكر نسيت يا رسول اللَّه و قال عمر سهوت يا رسول اللَّه فقال رسول اللَّه ما نسيتما ولا سهوتما وكأني بكما قد سلبتماه ملكه وتحاربتما عليه و أعانكما على ذلك أعداء اللَّه وأعداء رسوله وكأني بكما قد تركتما المهاجرين والأنصار يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف على الدنيا ولكأني بأهل بيتي وهم المقهورون المشتتون في أقطارها وذلك لأمر قد قضي ثمّ بكىرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهحتّى سالت دموعه ثم قال يا علي الصبر الصبر حتّى ينزل الأمر ولا حول ولا قوة إلّا باللَّه العلي العظيم فإن لك من الأجر في كل يوم ما لا يحصيه كاتباك فإذا أمكنك الأمر فالسيف السيف القتل القتل حتّى يفيئوا إلى أمر اللَّه وأمر رسوله فإنك على الحق ومن ناواك على الباطل
ص: 78
و كذلك ذريتك من بعدك إلى يوم القيامة(1).
وروى المدائنِي عن عبداللَّه بن جنادة قال: قَدِمْتُ مِنَ الْحِجَازِ أُرِيدُ الْعِرَاقَ فِي أَوَّلِ إِمَارَةِ عَلِيٍ عليه السلام فَمَرَرْتُ بِمَكَّةَ فَاعْتَمَرْتُ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِذْ نُودِيَ الصَّلاةَ جَامِعَةً فَاجْتَمَعَ النَّاسُ وَخَرَجَ عَلِيٌ عليه السلام مُتَقَلِّداً سَيْفَهُ فَشَخَصَتِ الْأَبْصَارُ نَحْوَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَ صَلَّى عَلَى رَسُولِهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمَّا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ قُلْنَا نَحْنُ أَهْلُهُ وَوَرَثَتُهُ وَعِتْرَتُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ دُونَ النَّاسِ لا يُنَازِعُنَا سُلْطَانَهُ أَحَدٌ وَلا يَطْمَعُ فِي حَقِّنَا طَامِعٌ إِذَا تَنَزَّى لَنَا قَوْمُنَا فَغَصَبُونَا سُلْطَانَ نَبِيِّنَا فَصَارَتِ الْإِمْرَةُ لِغَيْرِنَا وَصِرْنَا سُوقَةً يَطْمَعُ فِينَا الضَّعِيفُ وَيَتَعَزَّزُ عَلَيْنَا الذَّلِيلُ فَبَكَتِ الْأَعْيُنُ مِنَّا لِذَلِكَ وَخَشُنَتِ الصُّدُورُ وَجَزِعَتِ النُّفُوس - الخبر(2).
عن الكرخي قال: قَالَ رَجُلٌ لأَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: أَلَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ قَوِيّاً فِي بَدَنِهِ قَوِيّاً فِي أَمْرِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: بَلَى. قَالَ: فَمَا مَنَعَهُ أَنْ يَدْفَعَ أَوْ يَمْتَنِعَ؟ قَالَ: قَدْ سَأَلْتَ فَافْهَمِ الْجَوَابَ مَنَعَ عَلِيّاً مِنْ ذَلِكَ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. فَقَالَ: وَأَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ فَقَرَأَ: «لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً»، إِنَّهُ كَانَ للَّهِ َ وَدَائِعُ مُؤْمِنُونَ فِي أَصْلابِ قَوْمٍ كَافِرِينَ وَمُنَافِقِينَ، فَلَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لِيَقْتُلَ الآْبَاءَ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَدَائِعُ، فَلَمَّا خَرَجَتْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ ظَهَرَ وَقَتَلَهُ، وَكَذَلِكَ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ لَنْ يَظْهَرْ أَبَداً حَتَّى يَخْرُجَ وَدَائِعُ اللَّهِ فَإِذَا خَرَجَتْ يَظْهَرُ عَلَى مَنْ يَظْهَرُ فَيَقْتُلُهُ(3).
ص: 79
قال الخوئي: هذا هو التأويل، وتنزيله أنّه لو تميّز هؤلاء الذين كانوا بمكّة من المؤمنين والمؤمنات وزالوا من الكفّار لعذّبنا الذين كفروا، بالسيف والقتل بأيديكم(1).
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُنْدَبٍ، عَنْ أَبِيهِ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام وَقَدْ بُويِعَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَوَجَدْتُهُ مُطْرِقاً كَئِيباً، فَقُلْتُ لَهُ مَا أَصَابَكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ مِنْ قَوْمِكَ. فَقَالَ صَبْرٌ جَمِيلٌ. فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَاللَّهِ إِنَّكَ لَصَبُورٌ.
قَالَ فَأَصْنَعُ مَا ذَا. قُلْتُ: تَقُومُ فِي النَّاسِ وَتَدْعُوهُمْ إِلَى نَفْسِكَ وَتُخْبِرُهُمْ أَنَّكَ أَوْلَى بِالنَّبِيِ صلى الله عليه وآله وَبِالْفَضْلِ وَالسَّابِقَةِ، وَتَسْأَلُهُمُ النَّصْرَ عَلَى هَؤُلاءِ الْمُتَظَاهِرِينَ عَلَيْكَ، فَإِنْ أَجَابَكَ عَشَرَةٌ مِنْ مِائَةٍ شَدَّدْتَ بِالْعَشَرَةِ عَلَى الْمِائَةِ، فَإِنْ دَانُوا لَكَ كَانَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْتَ، وَإِنْ أَبَوْا قَاتِلْهُمْ، فَإِنْ ظَهَرْتَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ سُلْطَانُ اللَّهِ الَّذِي آتَاهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وآله وَكُنْتَ أَوْلَى بِهِ مِنْهُمْ، وَإِنْ قُتِلْتَ فِي طَلَبِهِ قُتِلْتَ إِنِ شَاءَ اللَّهُ شَهِيداً، وَكُنْتَ أَوْلَى بِالْعُذْرِ عِنْدَ اللَّهِ، لأَنَّكَ أَحَقُّ بِمِيرَاثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله.
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: أَتَرَاهُ يَا جُنْدَبُ كَانَ يُبَايِعُنِي عَشَرَةٌ مِنْ مِائَةٍ فَقُلْتُ أَرْجُو ذَلِكَ.
فَقَالَ: لَكِنِّي لا أَرْجُو، وَلا مِنْ كُلِّ مِائَةٍ اثْنَانِ وَسَأُخْبِرُكَ مِنْ أَيْنَ ذَلِكَ، إِنَّمَا يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَى قُرَيْشٍ، وَإِنَّ قُرَيْشاً يَقُولُ إِنَّ آلَ مُحَمَّدٍ يَرَوْنَ لَهُمْ فَضْلاً عَلَى سَائِرِ قُرَيْشٍ، وَأَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ هَذَا الْأَمْرِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَنَّهُمْ إِنْ وَلَّوْهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُمْ هَذَا السُّلْطَانُ إِلَى أَحَدٍ أَبَداً، وَمَتَى كَانَ فِي غَيْرِهِمْ تَدَاوَلُوهُ بَيْنَهُمْ، وَلا وَاللَّهِ لا
ص: 80
تَدْفَعُ إِلَيْنَا هَذَا السُّلْطَانَ قُرَيْشٌ أَبَداً طَائِعِينَ.
قال: فَقُلْتُ لَهُ: أَفَلا أَرْجِعُ فَأُخْبِرَ النَّاسَ بِمَقَالَتِكَ هَذِهِ، وَأَدْعُوَهُمْ إِلَى نَصْرِكَ فَقَالَ يَا جُنْدَبُ لَيْسَ ذَا زَمَانُ ذَاكَ.
قَالَ جُنْدَبٌ: فَرَجَعْتُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْعِرَاقِ، فَكُنْتُ كُلَّمَا ذَكَرْتُ مِنْ فَضْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام شَيْئاً زَبَرُونِي وَنَهَرُونِي حَتَّى رُفِعَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِي إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، فَبَعَثَ إِلَيَّ فَحَبَسَنِي حَتَّى كُلِّمَ فِيَّ فَخَلَّى سَبِيلِي(1).
حدّثنا مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الطَّالَقَانِيِ رضى الله عنه قال: حدّثنا أبو سعيد الحسين بن علي العدويّ قال: حدّثنا الهيثم بن عبداللَّه الرماني قال: سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الرِّضَا عليه السلام فَقُلْتُ لَهُ: يَابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام لِمَ لَمْ يُجَاهِدْ أَعْدَاءَهُ خَمْساً وَعِشْرِينَ سَنَةً بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله ثُمَّ جَاهَدَ فِي أَيَّامِ وِلايَتِهِ فَقَالَ لأَنَّهُ اقْتَدَى بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي تَرْكِ جِهَادِ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَبِالْمَدِينَةِ تِسْعَةَ عَشَرَ شَهْراً وَذَلِكَ لِقِلَّةِ أَعْوَانِهِ عَلَيْهِمْ وَكَذَلِكَ عَلِيٌ عليه السلام تَرَكَ مُجَاهَدَةَ أَعْدَائِهِ لِقِلَّةِ أَعْوَانِهِ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا لَمْ تَبْطُلْ نُبُوَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مَعَ تَرْكِهِ الْجِهَادَ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَتِسْعَةَ عَشَرَ شَهْراً فَكَذَلِكَ لَمْ تَبْطُلْ إِمَامَةُ عَلِيٍ عليه السلام مَعَ تَرْكِهِ لِلْجِهَادِ خَمْساً وَعِشْرِينَ سَنَةً إِذا كَانَتِ الْعِلَّةُ الْمَانِعَةُ لَهُمَا وَاحِدَةً(2).
عَن أميرالمؤمنين عليه السلام: قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّه ِ صلى الله عليه وآله عَهِدَ إِلَيَّ عَهْداً فَقَالَ: يَابْنَ أَبِي طَالِبٍ لَكَ وِلايَتِي فَإِنْ وَلَّوْكَ فِي عَافِيَةٍ وَرَجَعُوا عَلَيْكَ بِالرِّضَا فَقُمْ بِأَمْرِهِمْ ، وَإِنِ
ص: 81
اخْتَلَفُوا عَلَيْكَ فَدَعْهُمْ وَمَا هُمْ فِيهِ، فَإِنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ لَكَ مَخْرَجا(1).
عَن سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلالِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ وَعَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي وَصِيَّتِهِ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: يَا عَلِيُّ إِنَّ قُرَيْشاً سَتَظَاهَرُ عَلَيْكَ وَتَجْتَمِعُ كَلِمَتُهُمْ عَلَى ظُلْمِكَ وَقَهْرِكَ فَإِنْ وَجَدْتَ أَعْوَاناً فَجَاهِدْهُمْ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً فَكُفَّ يَدَكَ وَاحْقِنْ دَمَكَ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ وَرَاءِكَ لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَك(2).
وَمن كِتَابُ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلالِيِّ قَالَ: كُنَّا جُلُوساً حَوْلَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام وَحَوْلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوِ اسْتَنْفَرْتَ النَّاسَ؟ فَقَامَ وَخَطَبَ وَقَالَ: أَمَا إِنِّي قَدِ اسْتَنْفَرْتُكُمْ فَلَمْ تَنْفِرُوا، وَدَعَوْتُكُمْ فَلَمْ تَسْمَعُوا، فَأَنْتُمْ شُهُودٌ كَغُيَّابٍ، وَأَحْيَاءٌ كَأَمْوَاتٍ، وَصُمٌّ ذَوُو أَسْمَاعٍ، أَتْلُو عَلَيْكُمُ الْحِكْمَةَ وَأَعِظُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ الشَّافِيَةِ الْكَافِيَةِ، وَأَحُثُّكُمْ عَلَى جِهَادِ أَهْلِ الْجَوْرِ، فَمَا آتِي عَلَى آخِرِ كَلامِي حَتَّى أَرَاكُمْ مُتَفَرِّقِينَ حَلَقاً شَتَّى تَتَنَاشَدُونَ الْأَشْعَارَ، وَتَضْرِبُونَ الْأَمْثَالَ، وَتَسْأَلُونَ عَنْ سِعْرِ التَّمْرِ وَاللَّبَنِ.
تَبَّتْ أَيْدِيكُمْ لَقَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى الْحَرْبِ وَالاسْتِعْدَادِ لَهَا وَأَصْبَحَتْ قُلُوبُكُمْ فَارِغَةً مِنْ ذِكْرِهَا، شَغَلْتُمُوهَا بِالْأَبَاطِيلِ وَالْأَضَالِيلِ، ويحكم اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ، فَوَ اللَّهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلّا ذَلُّوا، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَظُنُّ أَنْ تَفْعَلُوا حَتَّى يَفْعَلُوا.
ثُمَّ وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُهُمْ فَلَقِيتُ اللَّهَ عَلَى بَصِيرَتِي وَيَقِينِي، وَاسْتَرَحْتُ مِنْ مُقَاسَاتِكُمْ وَمُمَارَسَتِكُمْ، فَمَا أَنْتُمْ إِلّا كَإِبِلٍ جَمَّةٍ ضَلَّ رَاعِيهَا، فَكُلَّمَا ضُمَّتْ مِنْ جَانِبٍ انْتَشَرَتْ مِنْ جَانِبٍ، كَأَنِّي بِكُمْ وَاللَّهِ فِيمَا أَرَى لَوْ قَدْ حُمِّسَ الْوَغَى وَاحْمَرَّ
ص: 82
الْمَوْتُ قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ انْفِرَاجَ الرَّأْسِ وَانْفِرَاجَ الْمَرْأَةِ عَنْ قُبُلِهَا لا تَمْنَعُ مِنْهَا.
قَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: فَهَلّا فَعَلْتَ كَمَا فَعَلَ ابْنُ عَفَّانَ؟ فَقَالَ عليه السلام: أَو كما فَعَلَ ابْنُ عَفَّانَ رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ أَنَا عَائِذٌ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ مَا تَقُولُ يَابْنَ قَيْسٍ، وَاللَّهِ إِنَّ الَّتِي فَعَلَ ابْنُ عَفَّانَ لَمَخْزَاةٌ لِمَنْ لا دِينَ لَهُ وَلا وَثِيقَةَ مَعَهُ، فَكَيْفَ أَفْعَلُ ذَلِكَ وَأَنَا عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي، وَالْحُجَّةُ فِي يَدِي، وَالْحَقُّ مَعِي وَاللَّهِ إِنَّ امْرَأً أَمْكَنَ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ يَجُزُّ لَحْمَهُ، وَيَفْرِي جِلْدَهُ، وَيَهْشِمُ عَظْمَهُ، وَيَسْفِكُ دَمَهُ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَمْنَعَهُ لِعَظِيمِ وِزْرِهِ، ضَعِيفٌ مَا ضُمَّتْ عَلَيْهِ جَوَانِحُ صَدْرِهِ(1)، فَكُنْتَ أَنْتَ ذَاكَ يَابْنَ قَيْسٍ.
فَأَمَّا أَنَا فَوَ اللَّهِ دُونَ أَنْ أُعْطِيَ بِيَدِي ضَرْبٌ بِالْمَشْرَفِيِّ تَطِيرُ لَهُ فِرَاشُ الْهَامِ، وَتَطِيحُ مِنْهُ الْأَكُفُّ وَالْمَعَاصِمُ، وَيَفْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَشَاءُ، وَيْلَكَ يَابْنَ قَيْسٍ إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَمُوتُ كُلَّ مَيْتَةٍ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَقْتُلُ نَفْسَهُ، فَمَنْ قَدَرَ عَلَى حَقْنِ دَمِهِ ثُمَّ خَلَّى عَمَّنْ يَقْتُلُهُ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسِهِ.
وَيلكَ يَابْنَ قَيْسٍ إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَشَرُّهَا وَأَبْغَضُهَا وَأَبْعَدُهَا مِنْهُ السَّامِرَةُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا قِتَالَ وَكَذَبُوا، قَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِقِتَالِ هؤلاء الْبَاغِينَ فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، وَكَذَلِكَ الْمَارِقَةُ.
فَقَالَ ابْنُ قَيْسٍ وَغَضِبَ مِنْ قَوْلِهِ فَمَا مَنَعَكَ يَابْنَ أَبِي طَالِبٍ حِينَ بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ أَخُو بَنِي تَيْمٍ وَأَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَخُو بَنِي أُمَيَّةَ بَعْدَهُمْ أَنْ تُقَاتِلَ وَتَضْرِبَ بِسَيْفِكَ؟ وَأَنْتَ لَمْ تَخْطُبْنَا خُطْبَةً مُذْ كُنْتَ قَدِمْتَ الْعِرَاقَ إِلّا قُلْتَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ
ص: 83
عَنِ الْمِنْبَرِ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ، وَمَا زِلْتُ مَظْلُوماً مُنذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَمَا مَنَعُكَ أَنْ تَضْرِبَ بِسَيْفِكَ دُونَ مَظْلِمَتِكَ.
فقَالَ له عليه السلام: يَابْنَ قَيْسٍ اسْمَعِ الْجَوَابَ، لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ ذَلِكَ الْجُبْنُ وَلا كَرَاهَةٌ لِلِقَاءِ رَبِّي، وَأَنْ لا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِي مِنَ الدُّنْيَا وَالْبَقَاءِ فِيهَا، وَلَكِنْ مَنَعَنِي مِنْ ذَلِكَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَعَهْدُهُ إِلَيَّ، أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله بِمَا الْأُمَّةُ صَانِعَةٌ بي بَعْدَهُ فَلَمْ أَكُ بِمَا صَنَعُوا حِينَ عَايَنْتُهُ بِأَعْلَمَ بِهِ وَلا أَشَدَّ اسْتِيقَاناً مِنِّي بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، بَلْ أَنَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أَشَدُّ يَقِيناً مِنِّي بِمَا عَايَنْتُ وَشَهِدْتُ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَعْهَدُ إِلَيَّ إِذَا كَانَ ذَلِكَ؟ قَالَ صلى الله عليه وآله إِنْ وَجَدْتَ أَعْوَاناً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ وَجَاهِدْهُمْ، وَإِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً فَكُفَّ يَدَكَ وَاحْقِنْ دَمَكَ حَتَّى تَجِدَ عَلَى إِقَامَةِ الدِّينِ وَكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّتِي أَعْوَاناً.
وَأَخْبَرَنِي صلى الله عليه وآله أَنَّ الْأُمَّةَ سَتَخْذُلُنِي وَتُبَايِعُ غَيْرِي، وَأَخْبَرَنِي صلى الله عليه وآله أَنِّي مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، وَأَنَّ الْأُمَّةَ سَيَصِيرُونَ بَعْدَهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ وَمَنْ تَبِعَهُ وَالْعِجْلِ وَمَنْ تَبِعَهُ، إِذْ قَالَ لَهُ مُوسَى: «يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي * قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي»(1)«قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي»(2).
وَإِنَّمَا يَعْنِي أَنَّ مُوسَى أَمَرَ هَارُونَ حِينَ اسْتَخْلَفَهُ عَلَيْهِمْ إِنْ ضَلُّوا فَوَجَدَ أَعْوَاناً أَنْ يُجَاهِدَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَعْوَاناً أَنْ يَكُفَّ يَدَهُ وَيَحْقِنَ دَمَهُ وَلا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ، وَإِنِّي
ص: 84
خَشِيتُ أَنْ يَقُولَ لي ذَلِكَ أَخِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله لِمَ فَرَّقْتَ بَيْنَ الْأُمَّةِ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي؟ وَقَدْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً أَنْ تَكُفَّ يَدَكَ وَتَحْقِنَ دَمَكَ وَدَمَ أَهْلِكَ وَشِيعَتِكَ.
فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مَالَ النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَبَايَعُوهُ وَأَنَا مَشْغُولٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله بِغُسْلِهِ ودَفنه، ثُمَّ شُغِلْتُ بِالْقُرْآنِ فَ آلَيْتُ يَمِيناً بِالْقُرْآنِ أَنْ لا أَرْتَدِيَ إِلّا لِلصَّلاةِ حَتَّى أَجْمَعَهُ فِي كِتَابٍ فَفَعَلْتُ، ثُمَّ حَمَلْتُ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلامُ وَأَخَذْتُ بِيَدِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلامُ فَلَمْ أَدَعْ أَحَداً مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَأَهْلِ السَّابِقَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ إِلّا نَاشَدْتُهُمُ اللَّهَ في حَقِّي وَدَعَوْتُهُمْ إِلَى نُصْرَتِي، فَلَمْ يَسْتَجِبْ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ إِلّا أَرْبَعَةُ رَهْطٍ الزُّبَيْرُ وَسَلْمَانُ وَأَبُو ذَرٍّ وَالْمِقْدَادُ، وَلَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي أَصُولُ بِهِ وَلا أَقْوَى بِهِ.
أَمَّا حَمْزَةُ فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَأَمَّا جَعْفَرٌ فَقُتِلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ، وَبَقِيتُ بَيْنَ جِلْفَيْنِ خَائِفَيْنِ ذَلِيلَيْنِ حَقِيرَيْنِ الْعَبَّاسِ وَعَقِيلٍ، وَكَانَا قَرِيبَيْ عَهْدٍ بِكُفْرٍ، فَأَكْرَهُونِي وَقَهَرُونِي، فَقُلْتُ كَمَا قَالَ هَارُونُ لأَخِيهِ «ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي»(1)فَلِي بِهَارُونَ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، وَلِي بِعَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ.
قَالَ الْأَشْعَثُ: كَذَلِكَ صَنَعَ عُثْمَانُ اسْتَغَاثَ بِالنَّاسِ وَدَعَاهُمْ إِلَى نُصْرَتِهِ فَلَمْ يَجِدْ أَعْوَاناً فَكَفَّ يَدَهُ حَتَّى قُتِلَ مَظْلُوماً. قَالَ وَيْلَكَ يَابْنَ قَيْسٍ إِنَّ الْقَوْمَ حِينَ قَهَرُونِي وَاسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي وَلَوْ قَالُوا لِي نَقْتُلَنَّكَ الْبَتَّةَ لامْتَنَعْتُ مِنْ قَتْلِهِمْ إِيَّايَ، وَلَوْ لَمْ أَجِدْ غَيْرَ نَفْسِي وَحْدِي، وَلَكِنْ قَالُوا إِنْ بَايَعْتَ كَفَفْنَا عَنْكَ وَأَكْرَمْنَاكَ وَقَرَّبْنَاكَ وَفَضَّلْنَاكَ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ قَتَلْنَاكَ، فَلَمَّا لَمْ أَجِدْ أَحَداً بَايَعْتُهُمْ، وَبَيْعَتِي لَهُمْ لَمَّا لا حَقَّ
ص: 85
لَهُمْ فِيهِ لا يُوجِبُ لَهُمْ حَقّاً وَلا يَلْزَمُنِي رِضاً.
وَلَوْ أَنَّ عُثْمَانَ لَمَّا قَالَ لَهُ النَّاسُ اخْلَعْهَا وَنَكُفَّ عَنْكَ خَلَعَهَا لَمْ يَقْتُلُوهُ، وَلَكِنَّهُ قَالَ لا أَخْلَعُهَا. قَالُوا فَإِنَّا قَاتِلُوكَ، فَكَفَّ يَدَهُ عَنْهُمْ حَتَّى قَتَلُوهُ، وَلَعَمْرِي لَخَلْعُهُ إِيَّاهَا كَانَ خَيْراً لَهُ، لأَنَّهُ أَخَذَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا نَصِيبٌ، وَادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ، وَتَنَاوَلَ حَقَّ غَيْرِهِ.
وَيْلَكَ يَابْنَ قَيْسٍ إِنَّ عُثْمَانَ لا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ أَحَدَ رَجُلَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ دَعَا النَّاسَ إِلَى نُصْرَتِهِ فَلَمْ يَنْصُرُوهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَوْمُ دَعَوْهُ إِلَى أَنْ يَنْصُرُوهُ فَنَهَاهُمْ عَنْ نُصْرَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْهَى الْمُسْلِمِينَ عَنْ أَنْ يَنْصُرُوا إِمَاماً هَادِياً مُهْتَدِياً لَمْ يُحْدِثْ حَدَثاً وَلَمْ يُؤْوِ مُحْدِثاً، وَبِئْسَ مَا صَنَعَ حِينَ نَهَاهُمْ، وَبِئْسَ مَا صَنَعُوا حِينَ أَطَاعُوهُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا لَمْ يَرَوْهُ أَهْلاً لِنُصْرَتِهِ لِجَوْرِهِ وَحُكْمِهِ بِخِلافِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَقَدْ كَانَ مَعَ عُثْمَانَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَمَوَالِيهِ وَأَصْحَابِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ آلافِ رَجُلٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِهِمْ لَفَعَلَ وَلَمْ يَنْهَهُمْ عَنْ نُصْرَتِهِ، وَلَوْ كُنْتُ وَجَدْتُ يَوْمَ بُويِعَ أَخُو تَيْمٍ أَرْبَعِينَ رَجُلاً مُطِيعِينَ لي لَجَاهَدْتُهُمْ، فَأَمَّا يَوْمَ بُويِعَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ فَلا، لأَنِّي كُنْتُ بَايَعْتُ وَمِثْلِي لا يَنْكُثُ بَيْعَتَه(1).
وَيْلَكَ يَابْنَ قَيْسٍ كَيْفَ رَأَيْتَنِي صَنَعْتُ حِينَ قُتِلَ عُثْمَانُ وَوَجَدْتُ أَعْوَاناً؟ هَلْ رَأَيْتَ مِنِّي فَشَلاً أَوْ جُبْناً، أَوْ تَقْصِيراً فِي وَقْعَتِي يَوْمَ الْبَصْرَةِ وَهُمْ حَوْلَ جَمَلِهِمُ الْمَلْعُون مَنْ مَعَهُ، الْمَلْعُون مَنْ قُتِلَ حَوْلَهُ، الْمَلْعُون مَنْ رَكِبَهُ، الْمَلْعُونِ مَنْ بَقِيَ بَعْدَهُ لا تَائِباً وَلا مُسْتَغْفِراً فَإِنَّهُمْ قَتَلُوا أَنْصَارِي، وَنَكَثُوا بَيْعَتِي، وَمَثَّلُوا بِعَامِلِي، وَبَغَوْا عَلَيَّ، وَسِرْتُ إِلَيْهِمْ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ آلافٍ وَهُمْ نَيِّفٌ
ص: 86
عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةِ أَلْفٍ وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةً عَلَى خَمْسِينَ أَلْفاً فَنَصَرَنِيَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَقَتَلَهُمْ بِأَيْدِينَا وَشَفَى صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ. وَكَيْفَ رَأَيْتَ يَابْنَ قَيْسٍ وَقْعَتَنَا بِصِفِّينَ، وَمَا قَتَلَ اللَّهُ مِنْهُمْ بِأَيْدِينَا خَمْسِينَ أَلْفاً فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ إِلَى النَّارِ - وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى زِيَادَةً عَلَى سَبْعِينَ أَلْفاً - وَكَيْفَ رَأَيْتَنَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ إِذْ لَقِيتُ الْمَارِقِينَ وَهُمْ مُسْتَبْصِرُونَ مُتَدَيِّنُونَ قَدْ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا «وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً»(1)فَقَتَلَهُمُ اللَّهُ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ إِلَى النَّارِ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ وَلَمْ يَقْتُلُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَشَرَةً.
وَيْلَكَ يَابْنَ قَيْسٍ هَلْ رَأَيْتَ لِي لِوَاءً رُدَّ أَوْ رَايَةً رُدَّتْ إِيَّايَ تُعَيِّرُ يَابْنَ قَيْسٍ. وَأَنَا صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي جَمِيعِ مَوَاطِنِهِ وَمَشَاهِدِهِ، وَالْمُتَقَدِّمُ إِلَى الشَّدَائِدِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلا أَفِرُّ وَلا أَلُوذُ وَلا أَعْتَلُّ وَلا أَنْحَازُ وَلا أَمْنَحُ الْيَهُودَ دُبُرِي، إِنَّهُ لا يَنْبَغِي لِلنَّبِيِّ وَلا لِلْوَصِيِّ إِذَا لَبِسَ لامَتَهُ وَقَصَدَ لِعَدُوِّهِ أَنْ يَرْجِعَ أَوْ يَنْثَنِيَ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يَفْتَحَ اللَّهُ لَهُ.
يَابْنَ قَيْسٍ هَلْ سَمِعْتَ لِي بِفِرَارٍ قَطُّ أَوْ نَبْوَةٍ؟
يَابْنَ قَيْسٍ أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ وَجَدْتُ يَوْمَ بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ الَّذِي عَيَّرْتَنِي بِدُخُولِي فِي بَيْعَتِهِ أَرْبَعِينَ رَجُلاً كُلُّهُمْ عَلَى مِثْلِ بَصِيرَةِ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ وَجَدْتُ لَمَا كَفَفْتُ يَدِي، وَلَنَاهَضْتُ الْقَوْمَ، وَلَكِنْ لَمْ أَجِدْ خَامِساً.
قَالَ الْأَشْعَثُ وَمَنِ الْأَرْبَعَةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام؟
قَالَ: سَلْمَانُ وَأَبُو ذَرٍّ وَالْمِقْدَادُ وَالزُّبَيْرُ بْنُ صَفِيَّةَ قَبْلَ نَكْثِهِ بَيْعَتِي، فَإِنَّهُ بَايَعَنِي مَرَّتَيْنِ، أَمَّا بَيْعَتُهُ الْأُولَى الَّتِي وَفَى بِهَا فَإِنَّهُ لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ أَتَانِي أَرْبَعُونَ رَجُلاً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَبَايَعُونِي وَفِيهِمُ الزُّبَيْرُ، فَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصْبِحُوا عِنْدَ بَابِي
ص: 87
مُحَلِّقِينَ رُءُوسَهُمْ عَلَيْهِمُ السِّلاحُ، فَمَا وَافَى مِنْهُمْ أَحَدٌ وَلا صَبَّحَنِي مِنْهُمْ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ سَلْمَانُ وَأَبُو ذَرٍّ وَالْمِقْدَادُ وَالزُّبَيْرُ، وَأَمَّا بَيْعَتُهُ الْأُخْرَى فَإِنَّهُ أَتَانِي هُوَ وَصَاحِبُهُ طَلْحَةُ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ فَبَايَعَانِي طَائِعِينَ غَيْرَ مُكْرَهِينَ، ثُمَّ رَجَعَا عَنْ دِينِهِمَا مُرْتَدِّينَ نَاكِثِينَ مُكَابِرِينَ مُعَانِدِينَ حَاسِدِينَ، فَقَتَلَهُمَا اللَّهُ إِلَى النَّارِ، وَأَمَّا الثَّلاثَةُ سَلْمَانُ وَأَبُو ذَرٍّ وَالْمِقْدَادُ فَثَبَتُوا عَلَى دِينِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وَمِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام حَتَّى لَقُوا اللَّهَ، يَرْحَمُهُمُ اللَّهُ.
يَابْنَ قَيْسٍ فَوَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أُولَئِكَ الْأَرْبَعِينَ الَّذِينَ بَايَعُونِي وَفَوْا لِي وَأَصْبَحُوا عَلَى بَابِي مُحَلِّقِينَ قَبْلَ أَنْ تَجِبَ لِعَتِيقٍ فِي عُنُقِي بَيْعَةٌ لَنَاهَضْتُهُ وَحَاكَمْتُهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَوْ وَجَدْتُ قَبْلَ بَيْعَةِ عُثْمَانَ أَعْوَاناً لَنَاهَضْتُهُمْ وَحَاكَمْتُهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَإِنَّ ابْنَ عَوْفٍ جَعَلَهَا لِعُثْمَانَ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَأَمَّا بَعْدَ بَيْعَتِي إِيَّاهُمْ فَلَيْسَ إِلَى مُجَاهَدَتِهِمْ سَبِيلٌ.
فَقَالَ الْأَشْعَثُ وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ لَقَدْ هَلَكَتِ الْأُمَّةُ غَيْرَكَ وَغَيْرَ شِيعَتِكَ فَقَالَ إِنَّ الْحَقَّ وَاللَّهِ مَعِي يَابْنَ قَيْسٍ كَمَا أَقُولُ، وَمَا هَلَكَ مِنَ الْأُمَّةِ إِلّا النَّاصِبِينَ وَالْمُكَاثِرِينَ وَالْجَاحِدِينَ وَالْمُعَانِدِينَ، فَأَمَّا مَنْ تَمَسَّكَ بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِقْرَارِ بِمُحَمَّدٍ وَالْإِسْلامِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْمِلَّةِ، وَلَمْ يُظَاهِرْ عَلَيْنَا الظَّلَمَةَ، وَلَمْ يَنْصِبْ لَنَا الْعَدَاوَةَ، وَشَكَّ فِي الْخِلافَةِ، وَلَمْ يَعْرِفْ أَهْلَهَا وَوُلاتَهَا، وَلَمْ يَعْرِفْ لَنَا وَلايَةً، وَلَمْ يَنْصِبْ لَنَا عَدَاوَةً، فَإِنَّ ذَلِكَ مُسْلِمٌ مُسْتَضْعَفٌ يُرْجَى لَهُ رَحْمَةُ اللَّهِ وَيُتَخَوَّفُ عَلَيْهِ ذُنُوبُهُ.
قَالَ أَبَانٌ قَالَ سُلَيْمُ بْنُ قَيْسٍ فَلَمْ يَبْقَ يَوْمَئِذٍ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍ عليه السلام أَحَدٌ إِلّا تَهَلَّلَ وَجْهُهُ وَفَرِحَ بِمَقَالَتِهِ، إِذْ شَرَحَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام الْأَمْرَ وَبَاحَ بِهِ، وَكَشَفَ الْغِطَاءَ، وَتَرَكَ التَّقِيَّةَ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ الْقُرَّاءِ مِمَّنْ كَانَ يَشُكُّ فِي الْمَاضِينَ وَيَكُفُّ عَنْهُمْ وَيَدَعُ الْبَرَاءَةَ مِنْهُمْ وَرِعاً وَتَأَثُّماً إِلّا اسْتَيْقَنَ وَاسْتَبْصَرَ وَحَسُنَ وَتَرَكَ الشَّكَّ َ
ص: 88
الْوُقُوفَ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ حَوْلَهُ أَتَى بَيْعَتَهُ عَلَى وَجْهِ مَا بُويِعَ عُثْمَانُ وَالْمَاضُونَ قَبْلَهُ إِلّا رُئِيَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ وَضَاقَ بِهِ أَمْرُهُ، وَكَرِهَ مَقَالَتَهُ، ثُمَّ إِنَّهُمْ اسْتَبْصَرَ عَامَّتُهُمْ وَذَهَبَ شَكُّهُمْ.
قَالَ أَبَانٌ، عَنْ سُلَيْمٍ فَمَا شَهِدْتُ يَوْماً قَطُّ عَلَى رُءُوسِ الْعَامَّةِ أَقَرَّ لأَعْيُنِنَا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَمَّا كَشَفَ لِلنَّاسِ مِنَ الْغِطَاءِ، وَأَظْهَرَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ، وَشَرَحَ فِيهِ مِنَ الْأَمْرِ، وَأَلْقَى فِيهِ التَّقِيَّةَ وَالْكِتْمَانَ، وَكَثُرَتِ الشِّيعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ مُذْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَتَكَلَّمُوا وَقَدْ كَانُوا أَقَلَّ أَهْلِ عَسْكَرِهِ، وَصَارَ النَّاسُ يُقَاتِلُونَ مَعَهُ عَلَى عِلْمٍ بِمَكَانِهِ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَصَارَتِ الشِّيعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَجَلَّ النَّاسِ وَأَعْظَمَهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى جُلُّ النَّاسِ وَأَعْظَمُهُمْ وَذَلِكَ بَعْدَ وَقْعَةِ النَّهْرَوَانِ، وَهُوَ يَأْمُرُ بِالتَّهْيِئَةِ وَالْمَسِيرِ إِلَى مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ قُتِلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، قَتَلَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللَّهُ غِيلَةً وَفَتْكاً(1)، وَقَدْ كَانَ سَيْفُهُ مَسْمُوماقَبْلَ ذَلِكَ(2).
روى الطبري أنّه عليه السلام قال يوم الشورى: «فنحن بيت النبوّة، ومعدن الحكمة، وأمان أهل الأرض، ونجاة لمن طلب لنا حقّ إن نعطه نأخذه، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل ولو طال السرى. لو عهد إلينا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عهداً لأنفذنا عهده، ولو
ص: 89
قال لنا قولاً لجادلنا عليه حتّى نموت، لن يسرع أحد قبلي إلى دعوة حق»الخبر(1).
و في خبر المدائني المتقدّم: «وأيم اللَّه لو لا مخافة الفرقة بين المسلمين وأن يعود الكفر ويبور الدين، لكنّا على غير ما كنّا لهم»الخبر(2).
وسأل الباقلاني المفيد عن علّة سكوته فقال له: أوّلاً إنّ الإمام المعصوم من الخطأ والزلل لا اعتراض عليه في قيامه وقعوده، وثانياً: نعلم في الجملة أنّ قعوده لمصلحة أُبيّن بعض وجوهها وهو: انّه عليه السلام علم أنّ في المخالفين من يرجع عن الباطل إلى الحق بعد مدّة فكان ترك قتله مصلحة، ويمكن أن يكون علم أنّ في ظهورهم مؤمنين لا يجوز اجتياحهم فكان في ترك قتلهم مصلحة، ويمكن أن يكون أنّه شفقة منه على ولده وشيعته أن يصطلموا(3)فينقطع نظام الإمامة(4).
هذا، ويناسب كلامه عليه السلام في العنوان كلام ابنه الحسن عليه السلام لمّا أرسله عليه السلام مع عمّار إلى الكوفة لمّا أراد حرب البصرة.
روى أبو مخنف عن عبدالرحمن بن أبي ليلى أنّ الحسن عليه السلام قال بعد حمده تعالى: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا جِئْنَا نَدْعُوكُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَإِلَى أَفْقَهِ مَنْ تَفَقَّهَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَعْدَلِ مَنْ تُعَدِّلُونَ وَأَفْضَلِ مَنْ تُفَضِّلُونَ وَأَوْفَى مَنْ تُبَايِعُونَ مَنْ لَمْ يُعْيِهِ الْقُرْآنُ وَلَمْ تُجَهِّلْهُ السُّنَّةُ وَلَمْ تَقْعُدْ بِهِ السَّابِقَةُ إِلَى مَنْ قَرَّبَهُ اللَّهُ إِلَى رَسُولِهِ قَرَابَتَيْنِ قَرَابَةَ الدِّينِ وَقَرَابَةَ الرَّحِمِ إِلَى مَنْ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى كُلِّ مَأْثُرَةٍ إِلَى مَنْ كَفَى اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ وَالنَّاسُ مُتَخَاذِلُونَ فَقَرُبَ مِنْهُ وَهُمْ مُتَبَاعِدُونَ وَصَلَّى مَعَهُ وَهُمْ مُشْرِكُونَ
ص: 90
وَقَاتَلَ مَعَهُ وَهُمْ مُنْهَزِمُونَ وَبَارَزَ مَعَهُ وَهُمْ مُجْمِحُونَ (محجمون) وَصَدَّقَهُ وَهُمْ مُكَذِّبُونَ إِلَى مَنْ لَمْ تُرَدَّ لَهُ رَايَةٌ وَلا تُكَافِئْ لَهُ سَابِقَةٌ وَهُوَ يَسْأَلُكُمُ النَّصْرَ وَيَدْعُوكُمْ إِلَى الْحَقِّ»(1).
ص: 91
بسم الرحمن الرحیم
وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الشُّبْهَةُ شُبْهَةً لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْحَقَّ فَأَمَّا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فَضِيَاؤُهُمْ فِيهَا الْيَقِينُ وَدَلِيلُهُمْ سَمْتُ الْهُدَى وَأَمَّا أَعْدَاءُ اللَّهِ فَدُعَاؤُهُمْ فِيهَا الضَّلالُ وَدَلِيلُهُمُ الْعَمَى فَمَا يَنْجُو مِنَ الْمَوْتِ مَنْ خَافَهُ وَلا يُعْطَى الْبَقَاءَ مَنْ أَحَبَّهُ.
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: حلال بيّن و حرام بيّن و شبهات بين ذلك(1).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في حديث طويل: الأُمور ثلاثة: أمر تبين لك رشده فاتبعه و أمر تبين لك غيه فاجتنبه وأمر اختلف فيه فرده إلى اللَّه عزّ وجلّ(2).
وإنّما سمّيت الشبهة شبهة لانّها تُشبه الحق أي: ليس بحق وإنّما هي شبيهة بالحق كقول الخوارج «لا حكم إلّا للَّه»فانّ أصله كلمة حقّ، فقال تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام لصاحبي سجنه: «مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للَّهِ ِ...»(3)وعن يعقوب عليه السلام لبنيه:
ص: 92
«وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْ ءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ...»(1)وإرشاداً لنبيّه صلى الله عليه وآله إلى جواب المشركين: «قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ...»(2).
فانّ لفظهم ذاك اللفظ مع تبديل حرف نفي بنفي، إلّا أنّ المعنى من المعنى بمراحل، فإنّ المراد من الآيات من سابقها ولاحقها معلوم، ففي الأوّل أنّ الحكم في العبادة ليس لغير اللَّه، وفي الثاني أنّ القضاء والقدر ليس إلّا بيده تعالى وفي الثالث أنّ الوقت الذيّ ينزل فيه العذاب ليس تعيينه لغير اللَّه.
والخوارج أرادوا بكلامهم أنّه لا يجوز أن يحكم غير اللَّه من مقتضى آيات القرآن بأنّه هل يجب أن يكون المتصدّي لأمر الخلافة عليّاً أم يجوز أن يكون معاوية(3).
اعلم أنّ أوّل شبهة وقعت في الخليقة شبهة إبليس، ومصدرها استبداده بالرأي في مقابلة النص(4)-إلى أن قال: في بيان أوّل شبهة وقعت في الملّة الإسلاميّة: - وإن خفي علينا ذلك في الأُمم السالفة لتمادي الزمان فلم يخف أنّ شبهات الملّة الإسلاميّة نشأ كلّها من شبهات منافقي زمن النبيّ صلى الله عليه وآله، إذ لم يرضوا بحكمه فيما يأمر وينهى وشرعوا فيما لا مسرح للفكر فيه ولا مسرى، وسألوا عمّامنعوا من الخوض فيه و السؤال عنه، وجادلوا بالباطل فيما لا يجوز الجدال فيه اعتبر حديث
ص: 93
ذي الخويصرة التميمي إذ قال: اعدل يا محمّد فإنّك لم تعدل. حتّى قال صلى الله عليه وآله: إن لم أعدل فمن يعدل(1)إلى أن قال: وأمّا الاختلافات الواقعة في حال مرض النبيّ صلى الله عليه وآله وبعد وفاته بين الصحابة فهي اختلافات اجتهاديّة كما قيل - إلى أن قال: - فأوّل تنازع في مرضه صلى الله عليه وآله فيها رواه محمّد بن إسماعيل البخاري باسناده عن عبداللَّه بن العبّاس قال: لمّا اشتدّ بالنبيّ مرضه الذي مات فيه قال: «ايتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعدي»، فقال عمر: إنّ رسول اللَّه قد غلبه الوجع حسبنا كتاب اللَّه. وكثر اللغط فقال النبيّ صلى الله عليه وآله: قوموا عنّي لا ينبغي عندي التنازع.
قال ابن عبّاس: الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بيننا وبين كتاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله(2).
إلى أن قال: الخلاف الثاني في مرضه قال النبيّ صلى الله عليه وآله: جهّزوا جيش أُسامة لعن اللَّه من تخلّف عنها. فقال قوم: يجب علينا امتثال أمره. وأُسامة قد برز من المدينة، وقال قوم قد اشتدّ مرض النبيّ فلا تسع قلوبنا مفارقته والحال هذه فنصبر حتّى نبصر أيّ شي ء يكون من أمره(3).
قال الشهرستاني: وإنّما أوردت هذين التنازعين لأنّ المخالفين ربما عدوا ذلك من المخالفات المؤثّرة في أمر الدين، وهو كذلك وإن كان الغرض كلّه اقامة مراسم الشرع في حال تزلزل القلوب(4).
ثمّ إنّ الشهرستاني لم يستقص جميع شبهاتهم واعتراضاتهم على النبيّ صلى الله عليه وآله، ومنها اعتراضهم في تأمير زيد بن حارثة مولاه عليهم أوّلاً، ثمّ تأمير ابنه أُسامة
ص: 94
عليهم ثانياً، ففي (طبقات كاتب الواقدي): لما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة (11) أمر النبيّ صلى الله عليه وآله بالتهيّؤ لغزو الروم، فلمّا كان من الغد دعا أُسامة بن زيد فقال: سر إلى موضع مقتل أبيك فلمّا كان يوم الأربعاء بدى ء بالنبيّ صلى الله عليه وآله فحم وصدع، فلمّا أصبح يوم الخميس عقد لأُسامة بيده لواء فخرج معقوداً بلوائه فدفعه إلى بريدة بن الخصيب وعسكر بالجرف، فلم يبق من وجوه المهاجرين الأوّلين والأنصار إلّا انتدب في تلك فيهم أبو بكر وعمر بن الخطّاب وأبو عبيدة بن الجرّاح وسعد بن أبي وقّاص وسعيد بن زيد، فتكلّم قوم وقالوا: استعمل هذا الغلام على المهاجرين الأوّلين. فغضب النبيّ صلى الله عليه وآله غضباً شديداً فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة، فصعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال: «أمّا بعد أيّها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أُسامة، ولئن طعنتم في إمارتي أُسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله، وأيم اللَّه إن كان للإمارة خليقاً وإنّ ابنه من بعده لخليق للإمارة»(1).
قال تعالى: «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى»(2).
عَنْ عِيسَى بْنِ دَاوُدَ النَّجَّارِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليه السلام أَنَّهُ سَأَلَ أَبَاهُ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى»(3)قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وآله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّبِعُوا هُدَى اللَّهِ تَهْتَدُوا وَتَرْشُدُوا وَهُوَ هُدَايَ وَهُدَايَ وَهُدَى
ص: 95
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام (وهداي هدى علي بن أبي طالب خ ل) فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ فِي حَيَاتِي وَبَعْدَ مَوْتِي فَقَدِ اتَّبَعَ هُدَايَ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَقَدِ اتَّبَعَ هُدَى اللَّهِ وَ مَنِ اتَّبَعَ هُدَى اللَّهِ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى(1).
قال أبو نوح: كنت في خيل عليّ عليه السلام وهو واقف بين جماعة من همدان وحمير وغيرهم من أفنان قحطان إذا أنا برجل من أهل الشام يقول: من دلّ على الحميري أبي نوح، فقلنا: من تريد؟ قال: الكلاعي أبا نوح. قلت: قد وجدته فمن أنت؟ قال: أنا ذو الكلاع سر إليّ. فقلت له: معاذ اللَّه أن أسير إليك إلّا في كتيبة. قال: فسر فلك ذمّة اللَّه وذمّة رسوله وذمّة ذي الكلاع حتّى ترع إلى خيلك فإنّما أريد أن أسألكم عن أمر تمارينا فيه في حديث حدّثناه عمرو بن العاص في إمارة عمر. قال أبو نوح: وما هو؟ قال: ذو الكلاع حدّثنا أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال: «يلتقي أهل الشام وأهل الحقّ (العراق) وفي إحدى الكتيبتين الحقّ وإمام الهدى ومعه عمّار بن ياسر»قال أبو نوح: واللَّه إنّه لفينا.
قال: أجاد هو في قتالنا قال أبو نوح: نعم وربّ الكعبة لهو أشدّ على قتالكم منّي، ولوددت أنّكم خلق واحد فذبحته وبدأت بك قبلهم وأنت ابن عمّي - إلى أن قال: - فسار أبو نوح معه حتّى أتى عمرو بن العاص وهو عند معاوية وحوله الناس، فقال ذوالكلاع لعمرو بن العاص: هل لك في رجل ناصح لبيب شفيق يخبرك عن عمّار لا يكذبك؟ قال: من هو؟ قال: ابن عمّي هذا وهو من أهل الكوفة. فقال عمرو: إنّي لأرى عليك سيماء أبي تراب. قال أبو نوح: عليّ سيماء محمّد صلى الله عليه وآله وأصحابه وعليك سيماء أبي جهل وسيماء فرعون، الخبر(2).
ص: 96
قال تعالى: «وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ»(1).
وقال تعالى: «وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ»(2).
وقال تعالى: «وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ»(3)
وقال تعالى: «وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى»(4)الآية.
وقال تعالى: «أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى»(5)الآية.
وقال تعالى: «وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ»(6).
قال تعالى: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى»(7).
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّه عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً»(8)قال: قَالَ يَعْنِي بِهِ وَلايَةَ أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام، قُلْتُ: «وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى»(9)قَالَ: يَعْنِي أَعْمَى الْبَصَرِ فِي الآْخِرَةِ أَعْمَى الْقَلْبِ فِي
ص: 97
الدُّنْيَا عَنْ وَلايَةِ أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ: وَهُوَ مُتَحَيِّرٌ فِي الْقِيَامَةِ يَقُولُ: «لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها»(1)قَالَ: الآْيَاتُ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام «فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى»يَعْنِي: تَرَكْتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُتْرَكُ فِي النَّارِ كَمَا تَرَكْتَ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام فَلَمْ تُطِعْ أَمْرَهُمْ وَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُم(2).
قال عمرو بن العاص لعمّار بن ياسر: علامَ تقاتلنا، أولسنا نعبد إلهاً واحداً، ونصلّي قبلتكم وندعو دعوتكم ونقرأ كتابكم ونؤمن برسولكم؟ قال عمّار: الحمد للَّه الذي أخرجها من فيك، إنّها القبلة والدين وعبادة الرحمن والكتاب، لي ولأصحابي دونك ودون أصحابك. سأخبرك على ما قاتلتك وأصحابك:
أمرني النبيّ صلى الله عليه وآله أن أقاتل الناكثين وقد فعلت، وأمرني أن أقاتل القاسطين وأنتم هم، وأمّا المارقين فما أدري أدركهم أم لا، ألم تعلم أيّها الأبتر ألَسْت تعلم أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال لعليّ عليه السلام: «من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه»وأنا مولى اللَّه و رسوله و عليّ بعده وليس لك مولى.
قال له عمرو: ولم تشتمني ولست أشتمك؟ قال عمّار: بِمَ تشتمني أتستطيع أن تقول إنّي عصيت اللَّه و رسوله يوماً؟ قال: إنّ فيك لمسبات غير ذلك. فقال: ان الكريم من أكرمه اللَّه، كنت وضيعاً فرفعني ومملوكاً فأعتقني وضعيفاً فقوّاني وفقيراً فأغناني. قال عمرو: فما ترى في قتل عثمان؟ قال: فتح لكم باب كلّ سوء. قال عمرو: فعليّ قتله. قال عمّار: بل اللَّه ربّ عليّ قتله و عليّ معه. قال عمرو: أكنت فيمن قتله؟ قال: كنت مع من قتله وأنّا اليوم أقاتل معهم. قال عمرو: فلِمَ قتلتموه؟
ص: 98
قال عمّار: أراد أن يغيّر ديننا فقتلناه. قال عمرو: ألا تسمعون قد اعترف بقتل عثمان. قال عمّار: وقد قال قبلك فرعون لقومه: ألا تسمعون(1).
عن السدي عن يعقوب بن الأوسط قال: احتجّ رجلان بصفّين في سلب عمّار وفي قتله، فأتيا عبداللَّه بن عمرو بن العاص قال لهما: ويحكما اخرجا عنّي فإنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال: «ما لهم ولعمار يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار قاتله وسالبه في النار»قال السدي: فبلغني أنّ معاوية قال: إنّما قتله من أخرجه يخدع بذلك طغام أهل الشام(2).
وإلى الفريقين أشير في قوله عزّ وجلّ: «أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ»قال عليّ بن إبراهيم في تفسيره: جاهلاً عن الحق والولاية فهديناه إليها؛ «وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ»قال: النور الولاية «كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا»يعني في ولاية غير الأئمّة عليهم السلام «كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(3)،(4).
عَنْ بُرَيْدٍ الْعِجْلِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: قَالَ: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ»قَالَ الْمَيْتُ الَّذِي لا يَعْرِفُ هَذَا الشَّأْنَ قَالَ أَتَدْرِي مَا يَعْنِي مَيْتاً قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ لا قَالَ الْمَيْتُ الَّذِي لا يَعْرِفُ شَيْئاً فَأَحْيَيْنَاهُ بِهَذَا الاْمْرِ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ قَالَ إِمَاماً يَأْتَمُّ بِهِ قَالَ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها قَالَ كَمَثَلِ هَذَا الْخَلْقِ الَّذِينَ لا يَعْرِفون الْإِمَامَ(5).
ص: 99
وفي قوله: «اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ»قال الصادق عليه السلام يَعْنِي: مِنْ ظُلُمَاتِ الذُّنُوبِ إِلَى نُورِ التَّوْبَةِ وَالْمَغْفِرَةِ لِوَلايَتِهِمْ كُلَّ إِمَامٍ عَادِلٍ مِنَ اللَّهِ وَقَالَ: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ»إِنَّمَا عَنَى بِهَذَا أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى نُورِ الْإِسْلامِ فَلَمَّا أَنْ تَوَلَّوْا كُلَّ إِمَامٍ جَائِرٍ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَرَجُوا بِوَلايَتِهِمْ إِيَّاهُ مِنْ نُورِ الْإِسْلامِ إِلَى ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ فَأَوْجَبَ اللَّهُ لَهُمُ النَّارَ مَعَ الْكُفَّارِ فَ «أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ»(1).
وإلى الفرقة الأولى خاصّة وقعت الاشارة في قوله سبحانه: «فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا»قَالَ ابو خَالِدٍ سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الآية فقال عليه السلام: يا أبا خالد النُّورُ وَاللَّهِ الاْئِمَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ وَاللَّهِ نُورُ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ وَهُمْ وَاللَّهِ نُورُ اللَّهِ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الاْرْضِ وَاللَّهِ يَا أَبَا خَالِدٍ لَنُورُ الْإِمَامِ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْوَرُ مِنَ الشَّمْسِ الْمُضِيئَةِ بِالنَّهَارِ وَهُمْ وَاللَّهِ يُنَوِّرُونَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ وَيَحْجُبُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نُورَهُمْ عَمَّنْ يَشَاءُ فَتُظْلَمُ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهِ يَا أَبَا خَالِدٍ لا يُحِبُّنَا عَبْدٌ وَيَتَوَلَّانَا حَتَّى يُطَهِّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ وَلا يُطَهِّرُ اللَّهُ قَلْبَ عَبْدٍ حَتَّى يُسَلِّمَ لَنَا وَيَكُونَ سِلْماً لَنَا فَإِذَا كَانَ سِلْماً لَنَا سَلَّمَهُ اللَّهُ مِنْ شَدِيدِ الْحِسَابِ وَآمَنَهُ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ الاْكْبَرِ(2).
وإلى الفرقة الثانية خاصّة أشيرت في قوله سبحانه: «فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ»فقد روى عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ»
ص: 100
قَالَ: أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ وَالاْئِمَّةُ «وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ»قَالَ: فُلانٌ وَفُلانٌ «فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ»اصحابهم واهل ولايتهم «فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ»وَهُمْ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ وَالاْئِمَّةُ عليهم السلام(1).
قال تعالى: «قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»(2).
وقال تعالى: «أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ»(3).
وقال تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ»(4).
وقال تعالى: «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ»(5).
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: أَخْبَرَنِي جَبْرَئِيلُ عليه السلام أَنَّ مَلَكاً مِنْ مَلائِكَةِ اللَّهِ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ فَتُعُتِّبَ عَلَيْهِ فَأُهْبِطَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الاْرْضِ فَأَتَى إِدْرِيسَ عليه السلام فَقَالَ: إِنَّ لَكَ مِنَ اللَّهِ مَنْزِلَةً فَاشْفَعْ لِي عِنْدَ رَبِّكَ فَصَلَّى ثَلاثَ لَيَالٍ لا يَفْتُرُ وَصَامَ أَيَّامَهَا لا يُفْطِرُ ثُمَّ طَلَبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي السَّحَرِ فِي الْمَلَكِ فَقَالَ الْمَلَكُ إِنَّكَ قَدْ أُعْطِيتَ سُؤْلَكَ وَقَدْ أُطْلِقَ لِي جَنَاحِي وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُكَافِيَكَ فَاطْلُبْ إِلَيَّ حَاجَةً فَقَالَ تُرِينِي مَلَكَ الْمَوْتِ لَعَلِّي آنَسُ بِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ يَهْنِئُنِي مَعَ ذِكْرِهِ
ص: 101
شَيْ ءٌ فَبَسَطَ جَنَاحَهُ ثُمَّ قَالَ ارْكَبْ فَصَعِدَ بِهِ يَطْلُبُ مَلَكَ الْمَوْتِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَقِيلَ لَهُ اصْعَدْ فَاسْتَقْبَلَهُ بَيْنَ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ فَقَالَ الْمَلَكُ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ مَا لِي أَرَاكَ قَاطِباً(1)قَالَ الْعَجَبُ إِنِّي تَحْتَ ظِلِّ الْعَرْشِ حَيْثُ أُمِرْتُ أَنْ أَقْبِضَ رُوحَ آدَمِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ فَسَمِعَ إِدْرِيسُ عليه السلام فَامْتَعَضَ(2)فَخَرَّ مِنْ جَنَاحِ الْمَلَكِ فَقُبِضَ رُوحُهُ مَكَانَهُ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا»(3).(4)
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: جاء جبرئيل إلى النبيّ صلى الله عليه وآله فقال: يا محمّد عش ما شئت فإنّك ميّت وأحبب ما شئت فإنّك مفارقه واعمل ما شئت فإنّك لاقيه(5).
قال تعالى: «فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ»(6).
وقال تعالى: «مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ»(7)الآية.
وقال تعالى: «وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى»(8).
وقال تعالى: «وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ»(9)، وغيرها من الآيات.
ص: 102
قال في الديوان المنسوب إليه عليه السلام:
أرى الدنيا ستؤذن بانطلاق***مشمرة على قدم وساق
فلا الدنيا بباقية لحى***ولا حى على الدنيا بباق(1)
وقال أيضاً:
حياتك أنفاس تعد فكلّما***مضى نفس انتقضت به جزءا
ويحييك ما يفنيك في كلّ حالة***ويحدوك حاد ما يريد بك الهزءا
فتصبح في نفس وتمسى بغيرها
ومالك من عقل تحسّ به رزءا(2)
وقال أيضاً:
الموت لا والدا يبقى ولا ولدا***هذا السبيل إلى أن ترى أحدا
كان النبيّ ولم يخلد لأمّته***لو خلّد اللَّه خلقاً قبله خلدا
للموت فينا سهام غير خاطئة***من فاته اليوم سهم لم يفته غدا(3)
ص: 103
بسم الرحمن الرحیم
مُنِيتُ بِمَنْ لا يُطِيعُ إِذَا أَمَرْتُ وَلا يُجِيبُ إِذَا دَعَوْتُ لا أَبَا لَكُمْ مَا تَنْتَظِرُونَ بِنَصْرِكُمْ رَبَّكُمْ أَمَا دِينٌ يَجْمَعُكُمْ وَلا حَمِيَّةَ تُحْمِشُكُمْ أَقُومُ فِيكُمْ مُسْتَصْرِخاً وَأُنَادِيكُمْ مُتَغَوِّثاً فَلا تَسْمَعُونَ لِي قَوْلاً وَلا تُطِيعُونَ لِي أَمْراً حَتَّى تَكَشَّفَ الأُمُورُ عَنْ عَوَاقِبِ الْمَسَاءَةِ فَمَا يُدْرَكُ بِكُمْ ثَارٌ وَلا يُبْلَغُ بِكُمْ مَرَامٌ دَعَوْتُكُمْ إِلَى نَصْرِ إِخْوَانِكُمْ فَجَرْجَرْتُمْ جَرْجَرَةَ الْجَمَلِ الْأَسَرِّ وَتَثَاقَلْتُمْ تَثَاقُلَ النِّضْوِ الْأَدْبَرِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ مِنْكُمْ جُنَيْدٌ مُتَذَائِبٌ ضَعِيفٌ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ
هذه الخطبة خطب عليه السلام بها في فتح مصر وقتل محمّد بن أبي بكر.
عن أبي مخنف، عن جندب، عن عبداللَّه بن فقيم، عن الحارث بن كعب: أنّ عليّاً عليه السلام قام في الناس فقال: «أمّا بعد، فإنّ هذا صريخ محمّد بن أبي بكر وإخوانكم من أهل مصر، وقد سار إليهم ابن النابغة عدوّ اللَّه و وليّ من عادى اللَّه، فلا يكوننّ أهل الضلال إلى باطلهم، والركون إلى سبيل الطاغوت، أشدّ اجتماعاً منكم على حقّكم هذا، فانّهم قد بدؤكم وإخوانكم بالغزو فاعجلوا إليهم بالمواساة والنصر، عباد اللَّه إنّ مصر أعظم من الشام وأكثر خيراً وخير أهلا، فلا تغلبوا على أهل مصر فإنّ بقاء مصر في أيديكم عزّ لكم وكبت لعدوّكم، أخرجوا إلى الجرعة - بين الحيرة والكوفة - فوافوني بها هناك غداً».
ص: 104
فلمّا كان من الغد خرج يمشي فنزلها بكرة، فأقام بها حتّى انتصف النهار يومه ذلك فلم يوافه منهم واحد فرجع، فلمّا كان من العشي بعث إلى أشراف الناس، فدخلوا عليه القصر وهو حزين كئيب فقال:
«الحمد للَّه على ما قضى من أمري وقدّر من فعلي، وابتلاني بكم أيّتها الفرقة ممّن لا يطيع إذا أمرت، ولا يجيب إذا دعوت، لا أب لغيركم ما تنتظرون بنصركم والجهاد على حقّكم الموت والذلّ لكم في هذه الدنيا على غير الحق فواللَّه لئن جاء الموت - وليأتين - ليفرقنّ بيني وبينكم وأنا لصحبتكم قال وبكم غير ضنين، للَّه أنتم لا دين يجمعكم ولا حميّة تحميكم إذا أنتم سمعتم بعدوّكم يرد بلادكم ويشنّ الغارة عليكم، أو ليس عجباً أنّ معاوية يدعو الجفاة الطغام فيتّبعونه على غير عطاء ولا معونة، ويجيبونه في السنة مرّتين والثلاث إلى أيّ وجه شاء، وأنا أدعوكم - وأنتم أولو النهي وبقيّة الناس على المعونة - فتقومون عنّي وتعصونني وتختلفون عليّ»، إلى أن قال عليه السلام بعد ذكر مجي ء الخبر بقتل محمّد بن أبي بكر وفتح مصر وخطبته الناس واخبارهم بذلك: «إنّي واللَّه ما ألوم فسي على التقصير وإنّي لمقاساة الحرب مجدّ خبير، وإنّي لأقدم على الأمر وأعرف وجه الحزم وأقوم فيكم بالرأي المصيب، فأستصرخكم معلنا وأناديكم نداء المستغيث معرباً، فلا تسمعون لي قولاً ولا تطيعون لي أمراً حتّى تصير بي الأُمور إلى عواقب المساءة فأنتم القوم لا يدرك بكم الثأر ولا ينقض بكم الأوتار، دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ بضع وخمسين ليلة، فتجرجرتم جرجرة الجمل الأشدق، وتثاقلتم إلى الأرض تثاقل من ليس له نيّة في جهاد العدوّ ولا اكتساب الأجر، ثمّ خرج إليّ
ص: 105
منكم جنيد متذائب «كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ»(1)فافّ لكم»(2).
ومثله الثقفي في (غاراته)(3)ورواه ابن بكار في (موفقياته) عن محمّد بن الضحّاك عن أبيه: أنّ ابن غزية الأنصاري - ثمّ النجاري - قدم على علي عليه السلام من مصر، وقدم عليه عبدالرحمن بن شبيب الفزاري من الشام وكان عيناً لعليّ عليه السلام بها، فأمّا الأنصاري فكان مع محمّد بن أبي بكر، وحدّثه الفزاري: إنّه لم يخرج من الشام حتّى قدمت الرسل البشرى من قبل عمرو بن العاص تترى، يتبع بعضها بعضا بفتح مصر وقتل محمّد بن أبي بكر، حتّى آذن معاوية بقتله على المنبر.
وقال له عليه السلام: ما رأيت سرور قوم قط أظهر من سرور رأيته بالشام حين أتاهم قتل محمّد بن أبي بكر. فقال له عليه السلام: حزننا على قتله على قدر سرورهم بقتله، لا بل يزيد أضعافاً. وحزن على قتله حزناً شديداً حتّى رئي في وجهه وتبيّن فيه، وقام على المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال عليه السلام: أَلا وَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ قَدِ اسْتُشْهِدَ رَحمَة اللَّهِ عليه وَعِنْدَ اللَّهِ نَحْتَسِبُهُ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ مَا عَلِمْتُ يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ وَيَعْمَلُ لِلْجَزَاءِ وَيُبْغِضُ شَكْلَ الْفَاجِرِ وَيُحِبُّ سَمْتَ الْمُؤْمِنِ وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَلُومُ نَفْسِي عَلَى تَقْصِيرٍ وَلا عَجْزٍ وَإِنِّي لِمُقَاسَاةِ الْحَرْبِ مُجِدٌّ بَصِيرٌ إِنِّي لأُقْدِمُ عَلَى الْحَرْبِ وَأَعْرِفُ وَجْهَ الْحَزْمِ وَأَقُومُ بِالرَّأْيِ الْمُصِيبِ فَأَسْتَصْرِخُكُمْ مُعْلِناً وَأُنَادِيكُمْ مُسْتَغِيثاً فَلا تَسْمَعُونَ لِي قَوْلاً وَلا تُطِيعُونَ لِي أَمْراً حَتَّى تَصِيرَ الْأُمُورُ إِلَى عَوَاقِبِ الْمَسَاءَةِ وَأَنْتُمُ الْقَوْمُ لا يُدْرَكُ بِكُمُ الثَّأْرُ وَلا يُنْقَصُ بِكُمُ الْأَوْتَارُ دَعَوْتُكُمْ إلَى غِيَاثِ إِخْوَانِكُمْ مُنْذُ بِضْعٍ وَخَمْسِينَ لَيْلَةً فَجَرْجَرْتُمْ عَلَيَّ جَرْجَرَةَ الْجَمَلِ الْأَسَرِّ وَتَثَاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ
ص: 106
تَثَاقُلَ مَنْ لا نِيَّةَ لَهُ فِي الْجِهَادِ وَلا رَأْيَ لَهُ فِي اكْتِسَابِ الْأَجْرِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ مِنْكُمْ جُنَيْدٌ مُتَذَائِبٌ ضَعِيفٌ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ فَأُفٍّ لَكُمْ ثُمَّ نَزَلَ فَدَخَلَ رَحْلَهُ(1).
وقد ذكر الشارح المعتزلي صورة هذه القضيّة على وجه آخر نقلاً منه عن كتاب الغارات ولا بأس بنقله.
قال هذا الكلام خطب به أميرالمؤمنين عليه السلام في غارة النعمان بن بشير الأنصاري على عين التمر(2)ذكر صاحب الغارات أن النعمان بن بشير قدم هو وأبو هريرة على علي عليه السلام من عند معاوية بعد أبي مسلم الخولاني يسألانه أن يدفع قتلة عثمان إلى معاوية ليقيدهم بعثمان لعل الحرب أن تطفأ ويصطلح الناس وإنما أراد معاوية أن يرجع مثل النعمان وأبي هريرة من عند علي عليه السلام إلى الناس وهم لمعاوية عاذرون ولعلي لائمون وقد علم معاوية أن عليا لا يدفع قتلة عثمان إليه فأراد أن يكون هذان يشهدان له عند أهل الشام بذلك وأن يظهر عذره فقال لهما ائتيا عليا فانشداه اللَّه وسلاه باللَّه لما دفع إلينا قتلة عثمان فإنه قد آواهم ومنعهم ثمّ لا حرب بيننا وبينه فإن أبى فكونوا شهداء اللَّه عليه.
وأقبلا على الناس فأعلماهم ذلك فأتيا إلى علي عليه السلام فدخلا عليه فقال له أبو هريرة يا أبا حسن إن اللَّه قد جعل لك في الإسلام فضلا وشرفا أنت ابن عم محمدرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهوقد بعثنا إليك ابن عمك معاوية يسألك أمرا تسكن به هذه الحرب ويصلح اللَّه تعالى ذات البين أن تدفع إليه قتلة عثمان ابن عمه فيقتلهم به ويجمع اللَّه
ص: 107
تعالى أمرك وأمره ويصلح بينكم وتسلم هذه الأمة من الفتنة والفرقة ثمّ تكلم النعمان بنحو من ذلك.
فقال لهما دعا الكلام في هذا حدثني عنك يا نعمان أنت أهدى قومك سبيلا يعني الأنصار قال لا قال فكل قومك قد اتبعني إلّا شذاذا منهم ثلاثة أو أربعة أفتكون أنت من الشذاذ فقال النعمان أصلحك اللَّه إنما جئت لأكون معك وألزمك وقد كان معاوية سألني أن أؤدي هذا الكلام ورجوت أن يكون لي موقف اجتمع فيه معك وطمعت أن يجري اللَّه تعالى بينكما صلحا فإذا كان غير ذلك رأيك فأنا ملازمك وكائن معك.
فأمّا أبو هريرة فلحق بالشام وأقام النعمان عند علي عليه السلام فأخبر أبو هريرة معاوية بالخبر فأمره أن يعلم الناس ففعل وأقام النعمان بعده شهرا ثمّ خرج فارا من علي عليه السلام حتّى إذا مر بعين التمر أخذه مالك بن كعب الأرحبي وكان عامل علي عليه السلام عليها فأراد حبسه وقال له: ما مر بك بيننا؟ قال: إنما أنا رسول بلغت رسالة صاحبي ثم انصرفت فحبسه وقال كما أنت حتّى أكتب إلى علي فيك فناشده وعظم عليه أن يكتب إلى علي فيه فأرسل النعمان إلى قرظة بن كعب الأنصاري وهو كاتب عين التمر يجبي خراجها لعلي عليه السلام فجاءه مسرعا فقال لمالك بن كعب: خل سبيل ابن عمي يرحمك اللَّه فقال: يا قرظة اتق اللَّه ولا تتكلم في هذا فإنه لو كان من عباد الأنصار ونساكهم لم يهرب من أمير المؤمنين إلى أمير المنافقين.
فلم يزل به يقسم عليه حتّى خلى سبيله وقال له يا هذا لك الأمان اليوم والليلة وغدا واللَّه إن أدركتك بعدها لأضربن عنقك فخرج مسرعا لا يلوي على شي ء وذهبت به راحلته فلم يدر أين يتسكع من الأرض ثلاثة أيام لا يعلم أين هو فكان النعمان
ص: 108
يحدث بعد ذلك يقول واللَّه ما علمت أين أنا حتّى سمعت قول قائلة تقول وهي تطحن:
شربت مع الجوزاء كأسا روية***وأخرى مع الشعرى إذا ما استقلت
معتقة كانت قريش تصونها***فلما استحلوا قتل عثمان حلت
فعلمت أني عند حي من أصحاب معاوية وإذا الماء لبني القين فعلمت أني قد انتهيت إلى الماء.
ثمّ قدم على معاوية فخبره بما لقي ولم يزل معه مصاحبا لم يجاهد عليا ويتتبع قتلة عثمان حتّى غزا الضحاك بن قيس أرض العراق ثمّ انصرف إلى معاوية وقد كان معاوية قال قبل ذلك بشهرين أو ثلاثة أما من رجل أبعث به بجريدة خيل حتّى يغير على شاطئ الفرات فإن اللَّه يرعب بها أهل العراق فقال له النعمان فابعثني فإن لي في قتالهم نية وهوى وكان النعمان عثمانيا قال فانتدب على اسم اللَّه فانتدب وندب معه ألفي رجل وأوصاه أن يتجنب المدن والجماعات وألا يغير إلّا على مصلحة وأن يعجل الرجوع.
فأقبل النعمان بن بشير حتّى دنا من عين التمر وبها مالك بن كعب الأرحبي الذي جرى له معه ما جرى ومع مالك ألف رجل وقد أذن لهم فرجعوا إلى الكوفة فلم يبق معه إلّا مائة أو نحوها فكتب مالك إلى علي عليه السلام أما بعد فإن النعمان بن بشير قد نزل بي في جمع كثيف فرأيك سددك اللَّه تعالى وثبتك والسلام.
فوصل الكتاب إلى علي عليه السلام فصعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال: اخرجوا هداكم اللَّه إلى مالك بن كعب أخيكم فإن النعمان بن بشير قد نزل به في جمع من أهل الشام ليس بالكثير فانهضوا إلى إخوانكم لعل اللَّه يقطع بكم من الكافرين طرفا ثمّ نزل.
ص: 109
فلم يخرجوا فأرسل إلى وجوههم وكبرائهم فأمرهم أن ينهضوا ويحثوا الناس على المسير فلم يصنعوا شيئا واجتمع منهم نفر يسير نحو ثلاثمائة فارس أو دونها فقام عليه السلام فقال ألا إني منيت بمن لا يطيع - إلى آخر الفصل(1).
ثمّ نزل فدخل منزله فقام عدي بن حاتم فقال هذا واللَّه الخذلان، على هذا بايعنا أمير المؤمنين؟ ثمّ دخل إليه فقال يا أمير المؤمنين إن معي من طيئ ألف رجل لا يعصونني فإن شئت أن أسير بهم سرت قال ما كنت لأعرض قبيلة واحدة من قبائل العرب للناس ولكن اخرج إلى النخيلة فعسكر بهم وفرض علي عليه السلام لكل رجل سبعمائة فاجتمع إليه ألف فارس عدا طيئا أصحاب عدي بن حاتم. وورد على علي عليه السلام الخبر بهزيمة النعمان بن بشير ونصرة مالك بن كعب فقرأ الكتاب على أهل الكوفة وحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ نظر إليهم وقال هذا بحمد اللَّه وذم أكثركم.
فأما خبر مالك بن كعب مع النعمان بن بشير قال عبد اللَّه بن حوزة الأزدي: كنت مع مالك بن كعب حين نزل بنا النعمان بن بشير وهو في ألفين وما نحن إلّا مائة فقال لنا قاتلوهم في القرية واجعلوا الجدر في ظهوركم «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ»(2)، واعلموا أن اللَّه تعالى ينصر العشرة على المائة والمائة على الألف والقليل على الكثير ثمّ قال إن أقرب من هاهنا إلينا من شيعة أمير المؤمنين وأنصاره وعماله قرظة بن كعب ومخنف بن سليم فاركض إليهما فأعلمهما حالنا.
فمررت بقرظة فقال: إنما أنا صاحب خراج وليس عندي من أعينه به فمضيت
ص: 110
إلى مخنف بن سليم فأخبرته الخبر فسرح معي عبد الرحمن بن مخنف في خمسين رجلا وقاتل مالك بن كعب النعمان وأصحابه إلى العصر فأتيناه وقد كسر هو وأصحابه جفون سيوفهم واستقبلوا الموت فلو أبطأنا عنهم هلكوا فما هو إلّا أن رآنا أهل الشام وقد أقبلنا عليهم فأخذوا ينكصون عنهم ويرتفعون ورآنا مالك وأصحابه فشدوا عليهم حتّى دفعوهم عن القرية فاستعرضناهم فصرعنا منهم رجالا ثلاثة وارتفع القوم عنا وظنوا أن وراءنا مددا ولو ظنوا أنه ليس غيرنا لأقبلوا علينا ولأهلكونا وحال الليل بيننا وبينهم فانصرفوا إلى أرضهم وكتب مالك بن كعب إلى علي عليه السلام أما بعد فإنه نزل بنا النعمان بن بشير في جمع من أهل الشام كالظاهر علينا وكان عظم أصحابي متفرقين وكنا للذي كان منهم آمنين فخرجنا إليهم رجالا مصلتين فقاتلناهم حتّى المساء واستصرخنا مخنف بن سليم فبعث إلينا رجالا من شيعة أمير المؤمنين وولده فنعم الفتى ونعم الأنصار كانوا، فحملنا على عدونا وشددنا عليهم فأنزل اللَّه علينا نصره وهزم عدوه وأعز جنده والحمد للَّه رب العالمين والسلام عليك يا أميرَالمؤمنين ورحمة اللَّه وبركاته(1).
ترجمة النعمان بن بشير
النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي وأّمّه عمرة بنت رواحة أخت عبداللَّه بن رواحة ولد في السنة الأولى للهجرة وكان أوّل مولود للأنصار بعد الهجرة كما كان عبداللَّه بن الزبير أوّل أولاد المهاجرين بعد الهجرة وكان النعمان من جملة من لم يبايع الإمام عليّ وقد كان عثماني الهوى وعند ما قتل عثمان أخذ
ص: 111
قميصه وأصابع زوجته نائلة فلحق بالشام وسلّمهم لمعاوية الذي رفعهم أمام أهل الشام وأخذ يحرّك عواطفهم للثأر له من الإمام عليّ الخليفة الشرعي وهناك رواية ينقلها ابن أبي الحديد في شرحه(1)عن صاحب الغارات ننقلها مع التحفّظ عليها بل استبعادها عن مثل النعمان الذي لم يبايع عليّاً بل هرب بقميص عثمان وأصابع نائلة إلى معاوية تقول الرواية: إنّ النعمان بن بشير قدم هو وأبو هريرة على عليّ عليه السلام من عند معاوية بعد أبي مسلم الخولاني... ثمّ ورد الخبر عليه بهزيمة النعمان بن بشير ونصرة مالك بن كعب... وفي مقابل هذه اليد البيضاء عند معاوية كافأه بولاية الكوفة حيث نصبه أميراً عليها سنة 59 وقد تزوّج بنائلة بنت عمارة الكلابيّة بعد أن طلّقها معاوية وتزويجها حبيب بن مسلمة الفهري وطلاقها منه وقد كان على الكوفة حتّى كتب أهلها إلى الحسين يستقدمونه إليهم... وقد التحق بالشام عند ما ولى يزيد لابن زياد الكوفة وقد أرسله يزيد إلى أهل المدينة حيث كانت تعيش الغليان وكان عبداللَّه بن حنظلة غسيل الملائكة يحدّثهم بأفعال يزيد القبيحة وسيّئاته ويدعوهم إلى الثورة عليه.
فجاء النعمان ليهدأ المدينة وكان الأنصار فيها فأتى قومه وأمرهم بلزوم الطاعة وخوفهم الفتنة وقد كان بالشام عند قدوم السبايا والرؤوس إليها ولمّا مات يزيد بن معاوية واستخلف معاوية بن يزيد عن قرب دعا النعمان إلى ابن الزبير ثمّ دعا إلى نفسه فواقعه مروان بن الحكم بعد أن واقع الضحّاك بن قيس فقتل النعمان بن بشير وذلك سنة خمس وستّين(2).
ص: 112
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ فُرَاتٍ الْجَرْمِيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍ عليه السلام قَالَ: قَالَ عَلِيٌ عليه السلام فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي دَعَوْتُكُمْ إِلَى الْحَقِّ فَتَوَلَّيْتُمْ عَنِّي وَضَرَبْتُكُمْ بِالدِّرَّةِ فَأَعْيَيْتُمُونِي. أَمَا إِنَّهُ سَيَلِيكُمْ بَعْدِي وُلاةٌ لا يَرْضَوْنَ مِنْكُمْ بِذَلِكَ حَتَّى يُعَذِّبُونَكُمْ بِالسِّيَاطِ وَالْحَدِيدِ، فَأَمَّا أَنَا فَلا أُعَذِّبُكُمْ بِهِمَا، إِنَّهُ مَنْ عَذَّبَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا عَذَّبَهُ اللَّهُ فِي الآْخِرَةِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَكُمْ صَاحِبُ الْيَمَنِ حَتَّى يَحُلَّ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، فَيَأْخُذَ الْعُمَّالَ وَعُمَّالَ الْعُمَّالِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ(1)، وَيَقُومُ عِنْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتَ فَانْصُرُوهُ، فَإِنَّهُ دَاعٍ إِلَى الْحَق.
قَالَ فَكَانَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ هُوَ زَيْدٌ عليه السلام(2).
قال يزيد بن الصعق لبني سليم حين صنعوا بسيّدهم العباس ما صنعوا - وكانوا توجّوه وملّكوه فلمّا خالفهم في بعض الامر وثبوا عليه لقلّة رهطه -:
وان اللَّه ذاق حلوم قيس***فلمّا ذاق خفّتها قلاها
رآها لا تطيع لها أميراً***فخلّاها تردّد في خلاها(3)
انّ في كلامه هذا حثّ على الجهاد وترغيب وتحريص على نصرة الدين
ص: 113
وقددلّت الآيات على وجوب نصرة اللَّه ورسوله.
منها: قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ»(1)أي إن تنصرو دين اللَّه.
ومنها: قوله تعالى: «ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ»(2)الآية.
ومنها: قوله تعالى: «فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ»(3)الآية.
ومنها: قوله تعالى: «وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ»(4).
ومنها: قوله تعالى: «لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ»(5)وكثير من الآيات.
وأمّا قوله عليه السلام: ما تنتظرون بنصركم، فهو كقوله تعالى: «مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ»(6).
حاصل كلامه عليه السلام انّ الدين والحميّة العربيّة والغريزة الانسانيّة توجبان الوحدة بين الأفراد واعانة المظلوم والفرار عن الظالم ودفعه في صورة التمكّن والقدرة
ص: 114
وهكذا الأمر بالنسبة إلى الأحرار فانّ الحريّة مانعة عن الذلّة والنكبة كما قال الحسين عليه السلام مخاطباً لأهل الكوفة: يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم(1).
ص: 115
بسم الله الرحمن الرحیم
كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا البَاطِلٌ نَعَمْ إِنَّهُ لا حُكْمَ إِلّا للَّهِ ِ وَلَكِنَّ هَؤُلاءِ يَقُولُونَ لا إِمْرَةَ إِلّا للَّهِ ِ وَإِنَّهُ لا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ يَعْمَلُ فِي إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ وَيَسْتَمْتِعُ فِيهَا الْكَافِرُ وَيُبَلِّغُ اللَّهُ فِيهَا الْأَجَلَ وَيُجْمَعُ بِهِ الْفَيْ ءُ وَيُقَاتَلُ بِهِ الْعَدُوُّ وَتَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ وَيُؤْخَذُ بِهِ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ وَيُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا سَمِعَ تَحْكِيمَهُمْ قَالَ حُكْمَ اللَّهِ أَنْتَظِرُ فِيكُمْ وَقَالَ أَمَّا الإِمْرَةُ الْبَرَّةُ فَيَعْمَلُ فِيهَا التَّقِيُّ وَأَمَّا الإِمْرَةُ الْفَاجِرَةُ فَيَتَمَتَّعُ فِيهَا الشَّقِيُّ إِلَى أَنْ تَنْقَطِعَ مُدَّتُهُ وَتُدْرِكَهُ مَنِيَّتُهُ
روى عن عبداللَّه بن صالح، عن يحيى بن آدم، عن رجل، عن مجالد، عن الشعبي قال: بعث عليّ عليه السلام عبداللَّه بن عبّاس إلى الحررويّة - إلى أن قال: - ثمّ خرجوا فتوافوا بالنهروان، وأقبلوا يحكمون، فقال عليّ عليه السلام: «إنّ هؤلاء يقولون: لا إمرة ولابدّ من أمير يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع الفاجر، ويبلغ الكتاب الأجل، وإنّها لكلمة حقّ يعتزون بها الباطل، فإن تكلّموا حججناهم، وإن سكتوا غممناهم»(1).
ص: 116
وروى عن بكر بن الهيثم، عن أبي الحكم، عن معمّر، عن الزهري في خبر: فاذا صلّى عليّ عليه السلام وخطب حكموا، فيقول عليّ عليه السلام: «كلمة حقّ يعتزى بها باطل»(1).
وروى عن عبّاس بن هشام، عن أبيه، عن أبي مخنف، عن ابن أبي جرّة الحنفي: أنّ عليّاً عليه السلام خرج ذات يوم فخطب، فإنّه لفي خطبته إذ حكمت المحكمة في جوانب المسجد، فقال عليّ عليه السلام: «كلمة حقّ يعزى بها - أو قال: يراد بها باطل - نعم إنّه لا حكم إلّا للَّه، ولكنّهم يقولون: إنّه لا إمرة، ولابدّ من أمير يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع الفاجر، فإن سكتوا تركناهم - أو قال: عذرناهم - وإن تكلّموا حججناهم، وإن خرجوا علينا قاتلناهم(2).
قيل: إنّ أوّل من حكم من الخوارج عروة بن أدية، وقيل: بل سعيد، رجل من بني محارب بن خصفة بن قيس عيلان، وقيل: بل الحجاج بن عبداللَّه المعروف بالبرك، وهو الذي ضرب معاوية على أليته وأول من حكم بين الصفين رجل من بني يشكر قتل رجلاً من أصحابه عليه السلام غيلة، ثمّ مرق بين الصفين وحكم وحمل على أهل الشام، فكثروه فرجع وحمل على أصحابه عليه السلام، فخرج إليه رجل من همدان فقتله فقال شاعر همدان:
وما كان أغنى اليشكري عن التي***تصلى بها جمرا من النار حاميا(3)
ص: 117
قال عليه السلام كلمةُ حقٍّ يُرادُ بِهَا بَاطِلٌ
أي: قولهم «لا حكم إلّا للَّه» ورد في القرآن كراراً، قال تعالى: «إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ»(1).
وقال تعالى: «إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ...»(2).
وقال تعالى: «إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ»(3).
وقال تعالى: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»(4).
روى الطبري: أنّه عليه السلام خرج ذات يوم يخطب إذ حكمت المحكمة في جوانب المسجد فقال عليّ عليه السلام: «اللَّه أكبر، كلمة حقّ يراد بها باطل، إن سكتوا عممناهم، وإن تكلّموا حججناهم، وإن خرجوا علينا قاتلناهم»فوثب يزيد بن عاصم المحاربي وقال: اللهمّ إنّا نعوذ بك من إعطاء الدنية في ديننا - إلى أن قال: - ثمّ خرج هو وإخوة له ثلاثة، فاصيبوا مع الخوارج بالنهر، واصيب أحدهم بعد ذلك بالنخيلة(5).
وروى الخطيب في أبي قتادة الأنصاري عنه: أنّه لمّا فرغنا من قتال أهل النهروان قفلت، ومعي ستّون أو سبعون من الأنصار، فبدأت بعايشة فقالت: قصّ
ص: 118
عليّ القصّة، فقلت: تفرّقت المحكمة وهم نحو من اثني عشر ألفاً ينادون: لا حكم إلّا للَّه، فقال عليّ عليه السلام: «كلمة حقّ يراد بها باطل»-إلى أن قال: - فقالت عايشة: ما يمنعني ما بيني وبين عليّ أن أقول الحقّ، سمعت النبيّ صلى الله عليه وآله يقول: «تفترق أُمّتي على فرقتين، تمرق بينهما فرقة محلّقة رؤوسهم، محفّون شواربهم، ازرهم إلى أنصاف سوقهم، يقرؤون القرآن لا يتجاوز تراقيهم، يقتلهم أحبّهم إليّ وأحبّهم إلى اللَّه تعالى».
فقلت لعايشة: فأنت تعلمين هذا، فلِمَ الذي كان منك؟ قالت: يا أبا قتادة، كان أمر اللَّه قدراً مقدوراً، وللقدر أسباب(1).
وروى في عبيداللَّه بن أبي رافع عنه: أنّ الحروريّة لمّا خرجت فقالت: «لا حكم إلّا للَّه»قال عليّ عليه السلام: «كلمة حقّ اريد بها باطل، إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وصف لي ناساً، إنّي لأعرف صفتهم في هؤلاء، يقولون الحق بألسنتهم لا يجاوز هذا - وأشار إلى حلقه - وهم من أبغض خلق اللَّه إليه وفيهم أسود إحدى يديه كأنّها طبي شاة أو حلمة ثدي. فلمّا قتلهم قال: انظروا، فنظروا فلم يجدوا شيئاً، فقال: ارجعوا فواللَّه ما كذبت ولا كذبت - مرّتين أو ثلاثاً - فوجدوه في خربة(2).
ثمّ إنّ المصنّف إنّما قال: إنّه عليه السلام قال قوله: «كلمة حقّ يراد بها باطل»لمّا سمع قول الخوارج: (لا حكم إلّا للَّه). مع أنّه لم ينحصر به، فقاله عليه السلام لما دعا أهل الشام أصحابه إلى حكم القرآن، ففي (صفين نصر): لما رفع أهل الشام المصاحف يدعون إلى حكم القرآن، قال عليّ عليه السلام «عباد اللَّه أنا أحقّ
ص: 119
من أجاب إلى كتاب اللَّه، ولكنّ معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبي سرح ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، إنّي أعرف بهم منكم، صحبتهم أطفالاً وصحبتهم رجالاً، فكانوا شرّ أطفال وشرّ رجال، إنّها كلمة حق يراد بها باطل، إنّهم واللَّه ما رفعوها لكم إلّا خديعة ومكيدة، اعيروني سواعدكم وجماجمكم ساعة واحدة، قد بلغ الحق مقطعه ولم يبق إلّا أن يقطع دابر الذين ظلموا».
فجاءته زهاء عشرين ألفاً مقنعين في الحديد، شاكي السلاح، سيوفهم على عواتقهم، وقد أسودت وجوههم من السجود، فنادوه باسمه: أجب القوم إلى كتاب اللَّه إذا دعيت إليه، وإلّا قتلناك كما قتلنا ابن عفّان(1).
وخطب الحجّاج، فلمّا توسّط كلامه سمع تكبيراً عالياً من ناحية السوق، فقطع خطبته ثمّ قال: يا أهل العراق، يا أهل الشقاق، يا بني اللكيعة، وعبيد العصا، وبني الإماء، إنّي لأسمع تكبيراً ما يراد به اللَّه، وإنّما يراد به الشيطان(2).
فهو كلمة حقّ وكلام صدق.
لم أقف على من روى أنّه عليه السلام قال: إن الخوارج أرادوا بقولهم: (لا حكم إلّا للَّه):
ص: 120
(لا إمرة إلّا للَّه) سوى المبرّد في كامله مرفوعاً، وتبعه ابن عبد ربّه في عقده(1).
فقال الأوّل: لمّاسمع عليّ عليه السلام نداءهم: لا حكم إلّا للَّه قال: «كلمة عادلة يراد بها جور، إنّما يقولون: لا إمارة، ولابدّ من إمارة برّة أو فاجرة(2).
وقال الثاني: لمّا سمع عليّ عليه السلام نداءهم قال: «كلمة حقّ يراد بها باطل، وإنّما مذهبهم ألّا يكون أمير، ولابد من أمير، برّاً كان أو فاجراً»(3).
ومعلوم بالدراية أنّهم أرادوا بقولهم: «لا حكم إلّا للَّه»عدم صحّة حكمية أبي موسى وعمرو بن العاص، لا عدم إمارة أمير، قال يحيى بن معين: حدّثنا وهب بن جابر، عن الصلت بن بهرام قال: لما قدم عليّ عليه السلام الكوفة جعلت الحروريّة تناديه وهو على المنبر: جزعت من البليّة، ورضيت بالقضيّة، وقبلت الدنيّة، لا حكم إلّا للَّه. فيقول عليه السلام: «حكم اللَّه أنتظر فيكم»فيقولون: «وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ»(4).(5)
وعن شقيق بن سلمة: أنّ الأشعث خرج في الناس بكتاب الصلح يعرضه على الناس، ويمرّ به على صفوف أهل الشام فرضوا به، ثمّ مرّ به على صفوف أهل العراق وراياتهم، حتّى مرّ برايات عنزة، وكان معه عليه السلام منهم بصفين أربعة آلاف مجفف(6)فلمّا مرّ بهم الأشعث فقرأه عليهم، قال فتيان منهم: لا حكم إلّا للَّه، ثمّ حملا
ص: 121
على أهل الشام بسيوفهما حتّى قتلا على باب رواق معاوية، وهما أول من حكم، وكانا أخوين، ثمّ مر الأشعث بالصحيفة على مراد، فقال صالح بن شقيق وكان من رؤسائهم:
ما لعلي في الدماء قد حكم***لو قاتل الأحزاب يوما ما ظلم
لا حكم إلّا للَّه ولو كره المشركون ثمّ مرّ على رايات بني راسب فقرأها عليهم، فقالوا: لا حكم إلّا للَّه، لا نرضى ولا نحكّم الرجال في دين اللَّه، ثمّ مرّ على رايات بني تميم فقرأها عليهم، فقال رجل منهم: لا حكم إلّا للَّه، يقضي بالحقّ وهو خير الفاصلين. وخرج عروة بن أدية أخو مرداس، فقال: أتحكمون الرجال في أمر اللَّه، لا حكم إلّا للَّه، فأين قتلانا يا أشعث ثمّ شدّ بسيفه ليضرب به الأشعث فأخطأه، فانطلق إلى علي عليه السلام فقال له: قد عرضت الحكومة عليهم فقالوا جميعا: قد رضينا، حتّى مررت برايات بني راسب، ونبذ من الناس سواهم، قالوا: لا نرضى لا حكم إلّا للَّه. قال: دعهم. فما راعه إلّا نداء الناس من كل جهة: لا حكم إلّا للَّه الحكم للَّه لا لك يا علي، لا نرضى بأن يحكم الرجال في دين اللَّه، إن اللَّه قد أمضى حكمه في معاوية وأصحابه أن يقتلوا أو يدخلوا في حكمنا عليهم، وقد كانت زلّة منّا حين رضينا بالحكمين، فرجعنا وتبنا، فارجع أنت كما رجعنا، وإلّا برئنا منك.
فقال علي عليه السلام: ويحكم أبعد الرضا والعهد نرجع أوليس اللَّه تعالى قال: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(1)وقال: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ»(2)فأبى علي عليه السلام أن يرجع وأبت
ص: 122
الخوارج إلّا تضليل التحكيم(1).
مع أنّ نصب الناس أميراً لهم أمر فطري للبشر لا ينكره أحد: مبتدع وغيره، وكيف، والخوارج أنفسهم - من أوّلهم إلى آخرهم - كانوا يجعلون امراء لأنفسهم حتّى يجمع كلمتهم ففي الطبري: أنّ عليّاً لمّا بعث أبا موسى لإنفاذ الحكومة، لقيت الخوارج بعضها بعضا، فقال عبداللَّه بن وهب الراسبي: «أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا»(2).
فقال حمزة بن سنان الأسدي: الرأي ما رأيتم، فولّوا أمركم رجلاً منكم، فإنّه لابدّ لكم من عماد وسناد وراية تحفون بها، فبايعوا عبداللَّه بن وهب وسار إلى النهروان، فقالوا: إن هلك وليّنا الأمر زيد بن حصين أو حرقوص بن زهير.
وأمّا خوارج البصرة فاجتمعوا في خمسمائة رجل، وجعلوا عليهم مسعر بن فدكي التميمي، وأقبل يعترض الناس - وعلى مقدمته الأشرس بن عوف الشيباني - حتّى لحق عبداللَّه بالنهر(3).
وَإِنَّهُ لا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ يَعْمَلُ فِي إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ وَيَسْتَمْتِعُ فِيهَا الْكَافِرُ وَيُبَلِّغُ اللَّهُ فِيهَا الْأَجَلَ وَيُجْمَعُ بِهِ الْفَيْ ءُ وَيُقَاتَلُ بِهِ الْعَدُوُّ وَتَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ وَيُؤْخَذُ
قال النبيّ صلى الله عليه وآله: إنّ اللَّه ليؤيّد هذا الدين بقوم لا خلاق لهم وبالرجل الفاجر(4).
ص: 123
المؤمن في أمرة الفاجر إمّا أن يكون منزوياً في زوايا الخمول مشتغلاً بالرياضيّات النفسانيّة والعبادات والنسك في الخلوات غير معاشر لأبناء زمانه أو سلطان وقته وإمّا أن لا يكون منزوياً بل كان معاشراً لهم مجالساً معهم قائماً بالأمر بالمعروف وناهياً عن المنكر ولو كان هذا بلغ ما بلغ حتّى السب والضرب والقتل علماً أو ظنّاً منه انّ هذه الرويّة أصلح للدين وأنفع للمسلمين وفي كلا المسلكين يصدق انّه يعمل ونحن نذكر بعض الروايات الواردة في الباب من الطرفين:
فمن الأوّل: عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام في حديث طويل انّه عليه السلام قال: يَا هِشَامُ الصَّبْرُ عَلَى الْوَحْدَةِ عَلامَةُ قُوَّةِ الْعَقْلِ فَمَنْ عَقَلَ عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اعْتَزَلَ أَهْلَ الدُّنْيَا وَالرَّاغِبِينَ فِيهَا وَرَغِبَ فِيمَا عِنْدَ رَبِّهِ وَكَانَ اللَّه أُنْسَهُ فِي الْوَحْشَةِ وَصَاحِبَهُ فِي الْوَحْدَةِ وَغِنَاهُ فِي الْعَيْلَةِ وَمُعِزَّهُ فِي غَيْرِ عَشِيرَةٍ(1).
وعن أميرالمؤمنين عليه السلام: طُوبَى لِمَنْ لَزِمَ بَيْتَهُ، وَأَكَلَ كَسرَتَهُ، وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ وَكَانَ مِنْ نَفْسِهِ فِي تَعَب وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ(2).
قال الصادق عليه السلام: اطلب السلامة أينما كنت وفي أيّ حال كنت لدينك وقلبك وعواقب أُمورك من اللَّه عزّ وجلّ(3).
وروى سفيان الثوري قال: قصدت جعفر بن محمد عليه السلام فأذن لي بالدخول فوجدته في سرداب ينزل عشر مرقاة فقلت: يا ابن رسول اللَّه أنت في هذا المكان مع حاجة الناس إليك فقال: يا سفيان فسد الزمان وتنكر الإخوان وتقلب الأعيان فاتخذنا الوحدة سكنا أمعك شي ء تكتب؟ قلت: نعم فقال: اكتب شعرا:
ص: 124
لا تجزعن لوحدة وتفرد***ومن التفرد في زمانك فازدد
فسد الإخاء فليس ثمة أخوة***إلّا التملق باللسان وباليد
و إذا نظرت جميع ما بقلوبهم***أبصرت سم نقيع ثمّ الأسود
فإذا فتشت ضميره من قلبه***وافيت عنه مرارة لا تنفد(1)
وعن أميرالمؤمنين عليه السلام: مداومة الذكر خلصان الأولياء ملازمة الخلوة دأب الصلحاء(2).
ومن الثاني: عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ النَّوْفَلِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ عليه السلام فَإِذَا بِمَوْلًى لِعَبْدِاللَّهِ النَّجَاشِيِّ قَدْ وَرَدَ عَلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَأَوْصَلَ إِلَيْهِ كِتَابَهُ فَفَضَّهُ وَقَرَأَهُ فَإِذَا أَوَّلُ سَطْرٍ فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَ سَيِّدِي وَمَوْلايَ وَجَعَلَنِي مِنْ كُلِّ سُوءٍ فِدَاهُ وَلا أَرَانِي فِيهِ مَكْرُوهاً فَإِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ واعْلَمْ سَيِّدِي وَمَوْلايَ أَنِّي بُلِيتُ بِوِلايَةِ الْأَهْوَازِ فَإِنْ رَأَى سَيِّدِي أَنْ يَحُدَّ لِيَ حَدّاً أَوْ يُمَثِّلَ لِي مِثَالاً لأَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى مَا يُقَرِّبُنِي إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى رَسُولِهِ وَيُلَخِّصَ فِي كِتَابِهِ مَا يَرَى لِيَ الْعَمَلَ بِهِ وَفِيمَا أَبْذُلُهُ وَأَبْتَذِلُهُ وَأَيْنَ أَضَعُ زَكَاتِي وَفِيمَنْ أَصْرِفُهَا وَبِمَنْ آنَسُ وَإِلَى مَنْ أَسْتَرِيحُ وَبِمَنْ أَثِقُ وَآمَنُ وَأَلْجَأُ إِلَيْهِ فِي سِرِّي فَعَسَى أَنْ يُخَلِّصَنِي اللَّهُ بِهِدَايَتِكَ وَدَلالَتِكَ فَإنَّكَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَأَمِينُهُ فِي بِلادِهِ ولا زَالَتْ نِعْمَتُهُ عَلَيْكَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ فَأَجَابَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ جاملك (حَاطَكَ) اللَّهُ بِصُنْعِهِ وَلَطَفَ بِكَ بِمَنِّهِ وَكَلَأَكَ بِرِعَايَتِهِ فَإِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ جَاءَ إِلَيَّ رَسُولُكَ بِكِتَابِكَ فَقَرَأْتُهُ وَفَهِمْتُ جَمِيعَ مَا ذَكَرْتَهُ وَسَأَلْتَ عَنْهُ
ص: 125
وَزَعَمْتَ أَنَّكَ بُلِيتَ بِوِلايَةِ الْأَهْوَازِ فَسَرَّنِي ذَلِكَ وَسَاءَنِي وَسَأُخْبِرُكَ بِمَا سَاءَنِي مِنْ ذَلِكَ وَمَا سَرَّنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا سُرُورِي بِوِلايَتِكَ فَقُلْتُ عَسَى أَنْ يُغِيثَ اللَّهُ بِكَ مَلْهُوفاً خَائِفاً مِنْ أَوْلِيَاءِ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وَيُعِزَّ بِكَ ذَلِيلَهُمْ وَيَكْسُوَ بِكَ عَارِيَهُمْ وَيُقَوِّيَ بِكَ ضَعِيفَهُمْ وَيُطْفِئَ بِكَ نَارَ الْمُخَالِفِينَ عَنْهُمْ وَأَمَّا الَّذِي سَاءَنِي مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ أَدْنَى مَا أَخَافُ عَلَيْكَ تَغَيُّرُكَ بِوَلِيٍّ لَنَا فَلا تَشِمُ رائحة حَظِيرَةَ الْقُدْسِ فَإِنِّي مُخَلِّصٌ لَكَ جَمِيعَ مَا سَأَلْتَ عَنْهُ إِنْ أَنْتَ عَمِلْتَ بِهِ وَلَمْ تُجَاوِزْهُ رَجَوْتُ أَنْ تَسْلَمَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى(1).
عن علي بن جعفر قال سمعت أخي موسى بن جعفر عليه السلام يقول: من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يستطيع إبلاغها، أثبت اللَّه عزّ وجلّ قدميه على الصراط(2).
ورَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الرِّضَا عليه السلام قَالَ: إِنَّ للَّهِ ِ بِأَبْوَابِ السَّلاطِينِ مَنْ نَوَّرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَجْهَهُ بِالْبُرْهَانِ وَمَكَّنَ لَهُ فِي الْبِلادِ لِيَدْفَعَ بِهِ عَنْ أَوْلِيَائِهِ وَيُصْلِحَ بِهِ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِ يَلْجَأُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الضَّرَرِ وَيَفْزَعُ ذُو الْحَاجَةِ مِنْ شِيعَتِنَا وَبِهِ يُؤْمِنُ اللَّهُ تَعَالَى رَوْعَتَهُمْ فِي دَارِ الظَّلَمَةِ أُولَئِكَ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا وَأُولَئِكَ أُمَنَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ أُولَئِكَ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ يَزْهَرُ نُورُهُمْ لأَهْلِ السَّمَاوَاتِ كَمَا تَزْهَرُ الْكَوَاكِبُ الدُّرِّيَّةُ لأَهْلِ الْأَرْضِ وَأُولَئِكَ مِنْ نُورِهِمْ تُضِي ءُ الْقِيَامَةُ خُلِقُوا وَاللَّهِ لِلْجَنَّةِ وَخُلِقَتِ الْجَنَّةُ لَهُمْ فَهَنِيئاً لَهُمْ مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ شَاءَ لَيَنَالُ هَذَا كُلَّهُ قَالَ قُلْتُ بِمَا ذَا جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ قَالَ تَكُونُ مَعَهُمْ فَتَسُرُّنَا بِإِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ شِيعَتِنَا(3).
ص: 126
قال عليّ عليه السلام لنرسا الذي أسند أهل السواد أمرهم إليه: أَخْبِرْنِي عَنْ مُلُوكِ فَارِسَ كَمْ كَانُوا قَالَ كَانَتْ مُلُوكُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَمْلَكَةِ الآْخِرَةِ اثْنَيْنِ وَثَلاثِينَ مَلِكاً قَالَ فَكَيْفَ كَانَتْ سِيرَتُهُمْ قَالَ مَا زَالَتْ سِيرَتُهُمْ فِي عِظَمِ أَمْرِهِمْ وَاحِدَةً حَتَّى مَلَّكْنَا كِسْرَى بْنَ هُرْمُزَ فَاسْتَأْثَرَ بِالْمَالِ وَالْأَعْمَالِ وَخَالَفَ أَوَّلِينَا وَأَخْرَبَ الَّذِي لِلنَّاسِ وَعَمَّرَ الَّذِي لَهُ وَاسْتَخَفَّ بِالنَّاسِ وَأَوْغَرَ نُفُوسَ فَارِسَ حَتَّى ثَارُوا إِلَيْهِ فَقَتَلُوهُ فَأَرْمَلَتْ نِسَاؤُهُ وَيَتِمَ أَوْلادُهُ فَقَالَ عليه السلام يَا نَرْسَا إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ الْخَلْقَ بِالْحَقِّ وَلا يَرْضَى مِنْ أَحَدٍ إِلّا بِالْحَقِّ وَفِي سُلْطَانِ اللَّهِ تَذْكِرَةٌ مِمَّا خَوَّلَ اللَّهُ وَإِنَّهَا لا تَقُومُ مَمْلَكَةٌ إِلّا بِتَدْبِيرٍ وَلا بُدَّ مِنْ إِمَارَة(1).
وعن أميرالمؤمنين عليه السلام: أسد حطوم خير من سلطان ظلوم وسلطان ظلوم خير من فتن تدوم(2).
وعن الصادق عليه السلام في قصّة إبراهيم عليه السلام: لمّا خرج سائراً بجميع ما معه خرج الملك القبطي يمشي خلف إبراهيم عليه السلام اعظاماً له، فأوحى اللَّه تعالى: ألّا تمش قدّام الجبار المتسلّط وامش خلفه، وعظّمه وهيّبه، ولابدّ للناس من إمرة في الأرض، برّة أو فاجرة(3).
وعن ابن مقفّع: السلطان وما للناس من كثرة المنافع وكثرة المضار، كالشمس في النهار، و فساد الرعيّة بلا سلطان، كفاسد الجسم بلا روح(4).
ص: 127
وقال الأفوه بن مالك الأودي(1):
لا يصلح الناس فوضى لاسراة لهم***ولا سراة إذا جهّالهم سادوا
تهد الأمور بأهل الرأي ما صلحت***فان تولّت فبالأشرار تنقاد
والبيت لا يبتني إلّا له عمد***ولا عماد إذا لم ترش أوتاد
فإن تجمع أوتاد وأعمدة***فقد بلغوا الأمر الذي كادوا(2)
هذا وفي المروج عن يحيى بن أكثم: دخل بعض الصوفيّة على المأمون فقال له: هذا المجلس الذي قد جلسته أباجتماع من المسلمين عليك أم بالمغالبة لهم بسلطانك؟ قال: لا بأحدهما، وإنّما كان يتولّى أمر المسلمين سلطان قبلي أحمده المسلمون، إمّا على رضا وإمّا على كره، فعقد لي ولآخر معي ولاية هذا الأمر بعده في أعناق من حضر، فأعطوا ذلك إمّا طائعين أو كارهين، فمضى الذي عقد له معي، فلمّا صار إليّ علمت أنّى أحتاج إلى اجتماع كلمة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على الرضا، ثمّ نظرت فرأيت أنّي متى تخلّيت عن المسلمين، اضطرب حبل الاسلام وانتقضت أطرافه، وغلب الهرج والفتنة ووقع التنازع، فتعطّلت أحكام اللَّه سبحانه، ولم يحجّ أحد بيته ولم يجاهد في سبيله ولم يكن له سلطان يجمعهم ويسوسهم، وانقطعت السبل ولم يؤخذ لمظلوم من ظالم، فقمت بهذا الأمر حياطة للمسلمين ومجاهداً لعدوّهم، وضابطاً لسبلهم، وآخذاً على أيديهم إلى أن يجتمع المسلمون على رجل، تتفق كلمتهم عليه - على الرضا - به
ص: 128
فاسلّم الأمر إليه وأكون كرجل من المسلمين، وأنت أيّها الرجل رسولي إلى جماعة المسلمين، فمتى اجتمعوا على رجل ورضوا به خرجت إليه من هذا الأمر. فقال ذاك الرجل: السلام عليكم. وقام فذهب، فبعث المأمون في أثره فانتهى الرسول إلى مسجد فيه خمسة عشر رجلاً مثله، فقالوا له: لقيته؟ قال: نعم، ذكر أنّه ناظر في أُمور المسلمين إلى أن تأمن سبلهم ولا يعطل الأحكام، فإذا رضي المسلمون برجل يسلم الأمر إليه، فقالوا: ما نرى بهذا بأساً.
فقال المأمون: كفينا مؤونتهم بأيسر الخطب(1).
عن المدائني: قدم قادم على معاوية بن أبي سفيان فقال له معاوية: هل من مغرّبة خبر؟ قال: نعم، نزلت بماء من مياه الأعراب فبينا أنا عليه أورد أعرابي إبله فلمّا شربت ضرب على جنوبها وقال: عليك زيادا. فقلت له: ما أردت بهذا؟ قال: هي سدى، ما قام لي بها راع مذ ولي زياد(2).
عن الشعبي قال: قال الحجّاج: دلّوني على رجل للشرط(3)، فقيل: أيّ الرجال تريد؟ فقال: أريده دائم العبوس طويل الجلوس سمين الأمانة أعجف الخيانة لا
ص: 129
يحنق في الحق على جرّة(1)يهون عليه سبال الأشراف في الشفاعة، فقيل له: عليك بعبدالرحمن بن عبيد التميمي.
فأرسل إليه يستعمله، فقال له: لست أقبلها إلّا أن تكفيني عيالك وولدك وحاشيتك، قال: يا غلام! ناد الناس: من طلب إليه منهم (من ولدي وحاشيتي) حاجة فقر برئت منه الذمّة.
قال الشعبي: فواللَّه ما رأيت صاحب شرطة قطّ مثله، كان لا يحبس إلّا في دين، وكان إذا أتى برجل قد نقب على قوم وضع منقبته(2)في بطنه حتّى تخرج من ظهره، وإذا أتى بنبّاش حفر له قبراً فدفنه فيه، وإذا أتى برجل قاتل بحديدة أو شهر سلاحاً قطع يده، وإذا أتى برجل قد أحرق على قوم منزلهم أحرقه، وإذا أتى برجل يشكّ فيه وقد قيل إنّه لص ولم يكن منه شي ء ضربه ثلاثمائة سوط.
قال: فكان ربما أقام أربعين ليلة لا يؤتى بأحد فضمّ إليه الحجّاج شرطة البصرة مع شرطة الكوفة(3).
قول المصنّف:
باسناده قال: جعل عليّ عليه السلام يقلّب بيديه يقول هكذا وهو على المنبر، فقال حكم اللَّه عزّ وجلّ ينتظر فيكم - مرّتين - ان لكم عندنا ثلاثاً لا نمنعكم: صلاة في هذا المسجد ولا نمنعكم نصيبكم من هذا الفي ء ما كانت أيديكم مع أيدينا ولا نقاتلكم حتّى تقاتلونا.
ورواه ابن ديزيل في (صفينه)، هكذا قال: لما رجع علي عليه السلام من صفين إلى الكوفة أقام الخوارج حتّى جموا ثمّ خرجوا إلى صحراء بالكوفة تسمى حروراء فنادوا: لا حكم إلّا للَّه ولو كره المشركون، ألا إن عليّا ومعاوية أشركا في حكم اللَّه.
فأرسل علي عليه السلام إليهم ما هذا الذي أحدثتم، وما تريدون؟ قالوا: نريد أن نخرج نحن وأنت ومن كان معنا بصفين ثلاث ليال، ونتوب إلى اللَّه من أمر الحكمين، ثمّ نسير إلى معاوية فنقاتله حتّى يحكم اللَّه بيننا وبينه، فقال علي عليه السلام: هذا حيث بعثنا الحكمين وأخذنا منهم العهد وأعطيناهموه، هلا قلتم هذا قبل قالوا كنا قد طالت الحرب علينا واشتدّ البأس وكثر الجراح وحلا الكراع والسلاح.
فقال لهم: أفحين اشتد البأس عليكم عاهدتم، فلمّا وجدتم الجمام قلتم: ننقض العهد، إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله كان يفي للمشركين، أفتأمرونني بنقضه، فمكثوا مكانهم لا يزال الواحد منهم يرجع إلى عليّ عليه السلام، ولا يزال الآخر يخرج من عند علي عليه السلام، فدخل واحد منهم على علي عليه السلام بالمسجد والناس حوله فصاح: لا حكم إلّا للَّه ولو كره المشركون، فَتَلَفَّتَ الناسُ فنادى: لا حكم إلّا للَّه ولو كره المتلفِّتون.
فرفع علي عليه السلام رأسه إليه فقال: لا حكم إلّا للَّه ولو كره أبو حسن.
فقال: إنّ أبا الحسن لا يكره أن يكون الحكم للَّه، ثمّ قال: حكم اللَّه أنتظر فيكم(1).
ص: 131
وَقَالَ أَمَّا الإِمْرَةُ الْبَرَّةُ فَيَعْمَلُ فِيهَا التَّقِيُّ وَأَمَّا الإِمْرَةُ الْفَاجِرَةُ فَيَتَمَتَّعُ فِيهَا الشَّقِيُّ إِلَى أَنْ تَنْقَطِعَ مُدَّتُهُ وَتُدْرِكَهُ مَنِيَّتُهُ
لمّا أراد عمرو اللحوق بمعاوية قال لغلامه وردان: أرحل أحط يا وردان فقال له وردان: إن شئت أنبأتك بما نفسك، اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك، فقلت: علي معه الآخرة في غير دنيا، وفي الآخرة عوض الدنيا، ومعاوية معه الدنيا بغير آخرة، وليس في الدنيا عوض من الآخرة، فأنت واقف بينهما.
قال عمرو: ما أخطأت فما ترى؟ قال: أرى أن تقيم في بيتك، فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم، وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك.
فقال عمرو: آلآن وقد شهدت العرب مسيري إلى معاوية فارتحل(1).
ص: 132
بسم الرحمن الرحیم
إِنَّ الْوَفَاءَ تَوْأَمُ الصِّدْقِ وَلا أَعْلَمُ جُنَّةً أَوْقَى مِنْهُ وَلا يَغْدِرُ مَنْ عَلِمَ كَيْفَ الْمَرْجِعُ وَلَقَدْ أَصْبَحْنَا فِي زَمَانٍ قَدِ اتَّخَذَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ الْغَدْرَ كَيْساً وَنَسَبَهُمْ أَهْلُ الْجَهْلِ فِيهِ إِلَى حُسْنِ الْحِيلَةِ، مَا لَهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ، قَدْ يَرَى الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ وَجْهَ الْحِيلَةِ وَدُونَهَا مَانِعٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ فَيَدَعُهَا رَأْيَ عَيْنٍ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَيَنْتَهِزُ فُرْصَتَهَا مَنْ لا حَرِيجَةَ لَهُ فِي الدِّينِ
قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(1).
أي بالعهود، قال ابن عبّاس: والمراد بها العهود التي أخذ اللَّه سبحانه على عباده بالايمان به وطاعته فيما أحلّ لهم أو حرّم عليهم، وفي رواية أُخرى قال: ما هو أحلّ وحرّم وما فرض وما حدّ في القرآن كلّه، أي فلا تتعدوا ولا تنكثوا، وقيل: المراد العقود التي يتعاقدها الناس بينهم(2).
وقال تعالى: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ»(3).
ص: 133
وقال تعالى: «وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(1).
قال الطبرسي: أي لا تخالفوا عهد اللَّه بسبب شي ء يسير تنالوه من حطام الدنيا فتكونوا قد بعتم عظيم ما عند اللَّه بالشي ء الحقير(2).
وقال تعالى: «وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا».
قال في مجمع البيان: إذا وعد بشي ء وفي به ولم يخلف، قال ابن عبّاس: إنّه واعد رجلاً أن ينتظره في مكان ونسي الرجل فانتظره سنة حتّى أتاه الرجل.
وعن الكافي عن الصادق والعيون عن الرضا عليه السلام ما في معناه والإسماعيل ابن حزقيل وقيل إسماعيل بن إبراهيم، والأوّل رواه أصحابنا عن أبي عبداللَّه عليه السلام(3).
ولعلّ أراد بهذه الرواية ما رواه الصدوق باسناه عن الصادق عن آبائه عليهم السلام، قالَ رَسُولَ اللَّه: إِنَّ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ صَدَقَةُ اللِّسَانِ تَحْقُنُ بِهِ الدِّمَاءَ وَتَدْفَعُ بِهِ الْكَرِيهَةَ وَتَجُرُّ الْمَنْفَعَةَ إِلَى أَخِيكَ الْمُسْلِمِ ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وآله: إِنَّ عَابِدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي كَانَ أَعْبَدَهُمْ كَانَ يَسْعَى فِي حَوَائِجِ النَّاسِ عِنْدَ الْمَلِكِ وَإِنَّهُ لَقِيَ إِسْمَاعِيلَ بْنَ حِزْقِيلَ فَقَالَ لا تَبْرَحْ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ يَا إِسْمَاعِيلُ فَسَهَا عَنْهُ عِنْدَ الْمَلِكِ فَبَقِيَ إِسْمَاعِيلُ إِلَى الْحَوْلِ هُنَاكَ فَأَنْبَتَ اللَّهُ لإِسْمَاعِيلَ عُشْباً فَكَانَ يَأْكُلُ مِنْهُ وَأَجْرَى لَهُ عَيْناً وَأَظَلَّهُ بِغَمَامٍ فَخَرَجَ الْمَلِكُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى التَّنَزُّهِ وَمَعَهُ الْعَابِدُ فَرَأَى إِسْمَاعِيلَ فَقَالَ إِنَّكَ لَهَاهُنَا يَا إِسْمَاعِيلُ
ص: 134
فَقَالَ لَهُ قُلْتَ لا تَبْرَحْ فَلَمْ أَبْرَحْ فَسُمِّيَ صَادِقَ الْوَعْدِ قَالَ وَكَانَ جَبَّارٌ مَعَ الْمَلِكِ فَقَالَ أَيُّهَا الْمَلِكُ كَذَبَ هَذَا الْعَبْدُ قَدْ مَرَرْتُ بِهَذِهِ الْبَرّيَّةِ فَلَمْ أَرَهُ هَاهُنَا فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ إِنْ كُنْتَ كَاذِباً نَزَعَ اللَّهُ صَالِحَ مَا أَعْطَاكَ قَالَ فَتَنَاثَرَتْ أَسْنَانُ الْجَبَّارِ فَقَالَ الْجَبَّارُ إِنِّي كَذَبْتُ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ الصَّالِحِ فَأَطْلُبُ يَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ أَسْنَانِي فَإِنِّي شَيْخٌ كَبِيرٌ فَطَلَبَ إِلَيْهِ الْمَلِكُ فَقَالَ إِنِّي أَفْعَلُ قَالَ السَّاعَةَ قَالَ لا وَأَخَّرَهُ إِلَى السَّحَرِ ثُمَّ دَعَا ثُمَّ قَالَ يَا فَضْلُ إِنَّ أَفْضَلَ مَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ بِالْأَسْحَارِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ»(1).(2)
وقال تعالى: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا»(3).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: الْمُؤْمِنُ مُؤْمِنَانِ فَمُؤْمِنٌ صَدَقَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَوَفَى بِشَرْطِهِ وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَذَلِكَ الَّذِي لا تُصِيبُهُ أَهْوَالُ الدُّنْيَا وَلا أَهْوَالُ الآْخِرَةِ وَذَلِكَ مِمَّنْ يَشْفَعُ وَلا يُشْفَعُ لَهُ وَمُؤْمِنٌ كَخَامَةِ الزَّرْعِ تَعْوَجُّ أَحْيَاناً وَتَقُومُ أَحْيَاناً فَذَلِكَ مِمَّنْ تُصِيبُهُ أَهْوَالُ الدُّنْيَا وَأَهْوَالُ الآْخِرَةِ وَذَلِكَ مِمَّنْ يُشْفَعُ لَهُ وَلا يَشْفَعُ(4).
عن محمّد بن سليمان عن أبيه قال: كنت عند أبي عبداللَّه عليه السلام إذ دخل أبو بصير وقد خفره النفس فلمّا أخذ مجلسه قال له أبو عبداللَّه عليه السلام: يا أبا محمّد ما هذا النفس العالي؟ فقال: جعلت فداك يابن رسول اللَّه كبر سنّي ودقّ عظمي واقترب أجلي مع
ص: 135
أنّني ليس أدري ما أرد عليه من أمر آخرتي، فقال أبو عبداللَّه عليه السلام: يا أبا محمّد لقد ذكركم اللَّه في كتابه فقال: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا»(1)إنّكم وفيتم بما أخذ اللَّه عليه ميثاقكم من ولايتنا وإنّكم لم تبدلوا بنا غيرنا(2).
وقال تعالى: «وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا»(3).
وقال تعالى: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ»(4).
وقال تعالى: «وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا»(5)الآية.
ومنها قوله تعالى: «يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ»(6)الآية.
وقال تعالى: «لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ
ص: 136
وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا»(1).
وقال تعالى: «الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ»(2).
وقال تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ»(3).
وقال تعالى: «بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ»(4).
وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ»(5).
وقال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا»(6).
وأمثال ذلك من الآيات الواردة.
وأمّا الأخبار والآثار:
اعلم انّ الوفاء والصدق من جنود العقل كما أنّ الغدر والكذب من جنود الجهل على ما ورد في رواية الكافي باسناده عن ابن مهران عن أبي عبداللَّه عليه السلام(7).
عن أبي مالك قال: قلت لعليّ بن الحسين عليه السلام أخبرني بجميع شرائع الدين قال: قول الحقّ والحكم بالعدل والوفاء بالعهد(8).
ص: 137
عن الحسين بن مصعب الهمداني قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: ثلاثة لا عذر لأحد فيها: أداء الأمانة إلى البرّ والفاجر والوفاء بالعهد إلى البرّ والفاجر وبرّ الوالدين برّين كانا أو فاجرين(1).
عن عنبسة بن مصعب قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: ثلاث لم يجعل اللَّه لأحد من الناس فيهنّ رخصة: برّ الوالدين برّين كانا أو فاجرين ووفاء بالعهد للبرّ والفاجر وأداء الأمانة إلى البرّ والفاجر(2).
عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: من عامل الناس فلم يظلمهم وحدّثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممّن كملت مروته وظهرت عدالته ووجبت أخوته وحرمت غيبته(3).
عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليهم السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أقربكم غداً منّي في الموقف أصدقكم للحديث، وآداكم للأمانة، وأوفاكم بالعهد، وأحسنكم خلقا، وأقربكم من الناس(4).
عن الرضا عليه السلام قال: إنّا أهل بيت نرى ما وعدنا علينا ديناً كما صنع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله(5).
قَالَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله: تَقْبَلُوا لِي سِتَّ خِصَالٍ أَتَقَبَّلُ لَكُمُ الْجَنَّةَ: إِذَا حَدَّثْتُمْ فَلا تَكْذِبُوا وَإِذَا وَعَدْتُمْ فَلا تُخْلِفُوا وَإِذَا اؤْتُمِنْتُمْ فَلا تَخُونُوا وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ وَاحْفَظُوا ُ
ص: 138
فرُوجَكُمْ وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَلْسِنَتَكُمْ(1).
عن شعيب العقرقوفي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فليف إذا وعد(2).
عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: عِدَةُ الْمُؤْمِنِ أَخَاهُ نَذْرٌ لا كَفَّارَةَ لَهُ فَمَنْ أَخْلَفَ فَبِخُلْفِ اللَّهِ بَدَأَ وَلِمَقْتِهِ تَعَرَّضَ وَذَلِكَ قَوْلُهُ: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ»(3).(4)
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَعَدَ رَجُلاً إِلَى صَخْرَةٍ فَقَالَ أَنَا لَكَ هَاهُنَا حَتَّى تَأْتِيَ قَالَ فَاشْتَدَّتِ الشَّمْسُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّكَ تَحَوَّلْتَ إِلَى الظِّلِّ قَالَ قَدْ وَعَدْتُهُ إِلَى هَاهُنَا وَإِنْ لَمْ يَجِئْ كَانَ مِنْهُ الْمَحْشَرُ(5).
عن أميرالمؤمنين عليه السلام: الأمانة والوفاء صدق الأفعال(6).
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَيَابَةَ قَالَ: لَمَّا هَلَكَ أَبِي سَيَابَةُ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ إِخْوَانِهِ إِلَيَّ فَضَرَبَ الْبَابَ عَلَيَّ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَعَزَّانِي وَقَالَ لِي: هَلْ تَرَكَ أَبُوكَ شَيْئاً؟ فَقُلْتُ لَهُ: لا، فَدَفَعَ إِلَيَّ كِيساً فِيهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَقَالَ لِي أَحْسِنْ حِفْظَهَا وَكُلْ فَضْلَهَا فَدَخَلْتُ إِلَى أُمِّي وَأَنَا فَرِحٌ فَأَخْبَرْتُهَا فَلَمَّا كَانَ بِالْعَشِيِّ أَتَيْتُ صَدِيقاً كَانَ لأَبِي فَاشْتَرَى لِي بَضَائِعَ
ص: 139
سَابِرِيٍّ وَجَلَسْتُ فِي حَانُوتٍ فَرَزَقَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ فِيهَا خَيْراً كَثِيراً وَحَضَرَ الْحَجُّ فَوَقَعَ فِي قَلْبِي فَجِئْتُ إِلَى أُمِّي وَقُلْتُ لَهَا إِنَّهَا قَدْ وَقَعَ فِي قَلْبِي أَنْ أَخْرُجَ إِلَى مَكَّةَ فَقَالَتْ لِي فَرُدَّ دَرَاهِمَ فُلانٍ عَلَيْهِ فَهَاتِهَا وَجِئْتُ بِهَا إِلَيْهِ فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ فَكَأَنِّي وَهَبْتُهَا لَهُ فَقَالَ لَعَلَّكَ اسْتَقْلَلْتَهَا فَأَزِيدَكَ قُلْتُ لا وَلَكِنْ قَدْ وَقَعَ فِي قَلْبِيَ الْحَجُّ فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ شَيْئُكَ عِنْدَكَ ثُمَّ خَرَجْتُ فَقَضَيْتُ نُسُكِي ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَدَخَلْتُ مَعَ النَّاسِ عَلَى أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام وَكَانَ يَأْذَنُ إِذْناً عَامّاً فَجَلَسْتُ فِي مَوَاخِيرِ النَّاسِ وَكُنْتُ حَدَثاً فَأَخَذَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ وَيُجِيبُهُمْ فَلَمَّا خَفَّ النَّاسُ عَنْهُ أَشَارَ إِلَيَّ فَدَنَوْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ لِي: أَلَكَ حَاجَةٌ؟ فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَيَابَةَ فَقَالَ لِي مَا فَعَلَ أَبُوكَ؟ فَقُلْتُ: هَلَكَ قَالَ: فَتَوَجَّعَ وَتَرَحَّمَ قَالَ: ثُمَّ الَ لِي: أَفَتَرَكَ شَيْئاً؟ قُلْتُ: لا قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ حَجَجْتَ؟ قَالَ: فَابْتَدَأْتُ فَحَدَّثْتُهُ بِقِصَّةِ الرَّجُلِ قَالَ: فَمَا تَرَكَنِي أَفْرُغُ مِنْهَا حَتَّى قَالَ لِي: فَمَا فَعَلْتَ فِي الْأَلْفِ؟ قَالَ: قُلْتُ: رَدَدْتُهَا عَلَى صَاحِبِهَا قَالَ: فَقَالَ لِي: قَدْ أَحْسَنْتَ وَقَالَ لِي: أَلا أُوصِيكَ؟ قُلْتُ: بَلَى جُعِلْتُ فِدَاكَ فَقَالَ: عَلَيْكَ بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ تَشْرَكُ النَّاسَ فِي أَمْوَالِهِمْ هَكَذَا وَجَمَعَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ قَالَ: فَحَفِظْتُ ذَلِكَ عَنْهُ فَزَكَّيْتُ ثَلاثَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ(1).
و من حكم أميرالمؤمنين عليه السلام وترغيبه وترهيبه و وعظه:
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْمَكْرَ وَالْخَدِيعَةَ فِي النَّارِ فَكُونُوا مِنَ اللَّهِ عَلَى وَجَلٍ وَمِنْ صَوْلَتِهِ عَلَى حَذَرٍ(2)اِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى لِعِبَادِهِ بَعْدَ إِعْذَارِهِ وَإِنْذَارِهِ اسْتِطْرَاداً وَاسْتِدْرَاجاً مِنْ
ص: 140
حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ(1)وَلِهَذَا يَضِلُّ سَعْيُ الْعَبْدِ حَتَّى يَنْسَى الْوَفَاءَ بِالْعَهْدِ وَيَظُنَّ أَنَّهُ قَدْ أَحْسَنَ صُنْعاً وَلا يَزَالُ كَذَلِكَ فِي ظَنٍّ وَرَجَاءٍ وَغَفْلَةٍ عَمَّا جَاءَهُ مِنَ النَّبَإِ يَعْقِدُ عَلَى نَفْسِهِ الْعَقْدَ وَيُهْلِكُهُا بِكُلِّ الْجَهْدِ وَهُوَ فِي مُهْلَةٍ مِنَ اللَّهِ عَلَى عَهْدٍ يَهْوِي مَعَ الْغَافِلِينَ وَيَغْدُو مَعَ الْمُذْنِبِينَ وَيُجَادِلُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ وَيَسْتَحْسِنُ تَمْوِيهَ الْمُتْرَفِينَ(2)فَهَؤُلاءِ قَوْمٌ شَرَحَتْ قُلُوبُهُمْ بِالشُّبْهَةِ وَتَطَاوَلُوا عَلَى غَيْرِهِمْ بِالْفِرْيَةِ(3)وَحَسِبُوا أَنَّهَا للَّهِ ِ قُرْبَةٌ وَذَلِكَ لأَنَّهُمْ عَمِلُوا بِالْهَوَى وَغَيَّرُوا كَلامَ الْحُكَمَاءِ وَحَرَّفُوهُ بِجَهْلٍ وَعَمًى وَطَلَبُوا بِهِ السُّمْعَةَ وَالرِّيَاءَ(4)بِلا سَبِيلٍ قَاصِدَةٍ وَلا أَعْلامٍ جَارِيَةٍ وَلا مَنَارٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَمَدِهِمْ وَإِلَى مَنْهَلِهِمْ وَارِدُوهُ(5)وَحَتَّى إِذَا كَشَفَ اللَّهُ لَهُمْ عَنْ ثَوْبِ سِيَاسَتِهِمْ(6)وَاسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ جَلابِيبِ غَفْلَتِهِمْ اسْتَقْبَلُوا مُدْبِراً وَاسْتَدْبَرُوا مُقْبِلاً فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِمَا أَدْرَكُوا مِنْ أُمْنِيَّتِهِمْ وَلا بِمَا نَالُوا مِنْ طَلِبَتِهِمْ وَلا مَا قَضَوْا مِنْ وَطَرِهِمْ وَصَارَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَبَالاً فَصَارُوا يَهْرُبُونَ مِمَّا كَانُوا يَطْلُبُونَ(7)وَإِنِّي أُحَذِّرُكُمْ هَذِهِ الْمَزَلَّةَ وَآمُرُكُمْ
ص: 141
بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي لا يَنْفَعُ غَيْرَهُ فَلْيَنْتَفِعْ بِنَفْسِهِ إِنْ كَانَ صَادِقاً عَلَى مَا يُجَنُّ ضَمِيرُهُ(1)فَإِنَّمَا الْبَصِيرُ مَنْ سَمِعَ وَتَفَكَّرَ وَنَظَرَ وَأَبْصَرَ وَانْتَفَعَ بِالْعِبَرِ وَسَلَكَ جَدَداً وَاضِحاً(2)يَتَجَنَّبُ فِيهِ الصَّرْعَةَ فِي الْمهَوَى وَيَتَنَكَّبُ طَرِيقَ الْعَمَى وَلا يُعِينُ عَلَى فَسَادِ نَفْسِهِ الْغُوَاةَ بِتَعَسُّفٍ فِي حَقٍّ أَوْ تَحْرِيفٍ فِي نُطْقٍ أَوْ تَغْيِيرٍ فِي صِدْقٍ وَلا قُوَّةَ إِلّا بِاللَّه(3)، الحديث.
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إنّ اللَّه أخذ من شيعتنا الميثاق كما أخذ على بني آدم حيث يقول عزّ وجلّ: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى»فمن وفا لنا وفا اللَّه له بالجنّة(4).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: يجي ء كلّ غادر يوم القيامة بإمام مائل شدقه حتّى يدخل النار(5).
ذكر أبو عبيدة معمّر بن المثنى في كتابه المترجم بالديباج: أوفياء العرب فعد السمو أل بن عادياء الغساني، والحارث بن ظالم المرى، وعمير بن سلمى الحنفي. ولم يذكر هانئاً وهو أعظم العرب وفاء، وأعزهم جوارا، وأمنعهم جارا، لأنّه عرض نفسه وقومه للحتوف، ونعمهم للزوال، وحرمهم للسبي، ولم يخفر أمانته، ولا ضيع وديعته(6).
ص: 142
ويقال: «أوفى من الحرث بن ظالم»كان من وفائه أنّ عيّاض بن ديهث مرّ برعاء الحرث وهم يسقون، فسقى فقصر رشاؤه فاستعار من أرشية الحرث فوصل رشائه فأروى إبله، فأغار عليه بعض حشم النعمان فاطردوا إبله، فصاح عيّاض يا «حار»يا جاراه فقال له الحرث: ومتى كنت جارك؟ قال: وصلت رشائي برشائك فسقيت إبلي وأغير عليها، أفلا تشدّ ما وهي من أديمك - يريد أنّ الحارث قتل خالد بن جعفر بن كلاب في جوار الأسود ابن المنذر - فقال الحرث: هل تعدون الحلبة إلى نفسي فأرسلها مثلاً - أي: إنّك لا تهلك إلّا نفسي إن قتلتها - فتدبّر النعمان كلمته فردّ على عياض أهله وماله، وقال الفرزدق في ذلك، يضرب مثلاً لسليمان بن عبدالملك حين وفي ليزيد بن المهلب:
لعمري لقد أوفى وزاد وفاؤه***على كلّ حال جار آل المهلّب
كما كان أوفى إذ ينادي ابن ديهث***وصرمته كالمغنم المتنهّب
فقام أبو ليلى إليه ابن ظالم***وكان متى ما يسلل السيف يضرب(1)
ويقال «أوفى من الحرث بن عبادة»أسر عدي بن ربيعة في يوم قضة ولم يعرفه، فقال له: دلّني على عديّ. فقال له: إن أنا دللتك عليه تؤمنني؟ قال: نعم، فقال: أنا عديّ، فخلّاه وقال:
لهف نفسي على عديّ وقد***أشعب للموت واحتوته اليدان(2)
و«أوفى من السموأل»استودعه امرؤ القيس لما أراد الخروج إلى قيصر دروعا، فلمّا مات امرؤ القيس غزاه ملك من ملوك الشام، فتحرّز منه السموأل
ص: 143
فأخذ الملك ابنا له - وكان خارجاً من الحصن - فصاح به: هذا ابنك في يدي وامرؤ القيس ابن عمّي ومن عشيرتي، فإن دفعت إليّ الدروع وإلّا ذبحت ابنك. قال: أجّلني، فأجّله، فجمع أهل بيته ونساءه فشاورهم فكلّ أشار إليه أن يدفع الدروع ويستنقذ ابنه، فأشرف عليه وقال: ليس إلى دفع الدروع سبيل، فاصنع ما أنت صانع، فذبح الملك ابنه وهو مشرف ينظر إليه، ثمّ انصرف الملك بالخيبة فوافى السموأل بالدروع الموسم فدفعها إلى ورثة امرؤ القيس وقال:
وفيت بأدرع الكندي إنّي***إذا ما خان أقوام وفيت
وقالوا إنّه كنز رغيب***ولا واللَّه أغدر ما مشيت
بنى لي عادياً حصناً حصيناً***وبئراً كلّما شئت استقيت(1)
«أوفى من عوف بن محلم وابنته خماعة»غزا مروان القرظ - سمّي القرظ لأنّه كان يغزو اليمن وهي منابت القرظ - بكر بن وائل فقصوا أثر جيشه فأسره رجل منهم وهو لا يعرفه، فأتى به أُمّه فقالت له: إنّك لتختال بأسيرك كأنّك جئت بمروان القرظ. فقال لها مروان: وما ترتجين من فدائه؟ قالت: مئة بعير. قال: ذلك لك على أن تؤدّيني إلى خماعة بنت عوف بن محلم، وكان السبب في ذلك أن خماعة كانت امرأة ليث بن مالك، ولمّا مات ليث أخذت بنو عبس ماله وأهله، وكان الذي أصاب أهله خماعة عمرو بن قارب وذؤاب بن أسماء، فسألها مروان القرظ: من أنت؟ قالت: خماعة بنت عوف، فانتزعها من عمرو وذؤاب - لأنّه كان رئيس القوم - وقال لها: غطّي وجهك حتّى أردّك إلى أبيك، وقيل: اشتراها منهما بمائة من الإبل، فحملها إلى عكاظ، فلمّا انتهى إلى منازل بني شيبان قالت: هذه منازل قومي
ص: 144
وهذه قبّة أبي. قال: فانطلقي إلى أبيك، وقال:
رددت على عوف خماعة بعد ما***خلاها ذؤاب غير خلوة خاطب
فمضت به إلى عوف وكان عمرو بن هند وجد على مروان في أمر فآلى أن لا يعفو عنه حتّى يضع يده في يده، فبعث عمرو إلى عوف أن يأتيه به، فقال: قد أجارته ابنتي وليس إليه سبيل، فقال عمرو: قد آليت كذا وكذا. فقال عوف: يضع يده في يدك على أن تكون يدي بينهما فأجابه عمرو إلى ذلك(1).
أنّ النعمان بن المنذر كان قد جعل له يومين يوم بؤس من صادفه فيه قتله وأرداه ويوم نعيم من لقيه فيه أحسن إليه وأغناه. وكان رجل من طي قد رماه حادث دهره بسهام فاقته وفقره فأخرجته الفاقة من محل استقراره ليرتاد شيئاً لصبيته وصغاره فبينما هو كذلك إذ صادفه النعمان في بؤسه فلمّا رآه الطائي علم أنّه مقتول وأنّ دمه مطلول فقال: حيّا اللَّه الملك إنّ لي صبيّة صغاراً وأهلاً جياعاً وقد أرقت ماء وجهي في حصول شي ء من البلغة لهم وقد أقدمني سوء الحظ على الملك في هذا اليوم العبوس وقد قربت من مقرّ الصبية والأهل وهم على شفا تلف من الطوى ولن يتفاوت الحال في قتلي بين أوّل النهار وآخره فإن رأى الملك أن يأذن لي في أن أوصل إليهم هذا القوت وأوصي بهم أهل المروءة من الحي لئلّا يهلكوا ضياعاً ثمّ أعود إلى الملك وأسلم نفسي لنفاذ أمره. فلمّا سمع النعمان صورة مقاله وفهم حقيقة حاله ورأى تلهفه على ضياع أطفاله رقّ له ورثى لحاله غير أنّه
ص: 145
قال له: لا آذن لك حتّى يضمنك رجل معنا فإن لم ترجع قتلناه وكان شريك بن علي بن شرحبيل نديم النعمان معه فالتفت الطائي إلى شريك وقال له: [من م. الرمل]
يا شريك بن عدي***ما من الموت انهزام
من الأطفال ضعاف***عدموا طعم الطعام
بين رجوع وانتظار***وافتقارا وسقام
يا أخا كلّ كريم***أنت من قوم كرام
يا أخا النعمان جد***لي بضمان والتزام
ولك اللَّه بأنّي***راجع قبل الظلام
فقال شريك بن عدي: أصلح اللَّه الملك عليّ ضمانه فمرّ الطائي مسرعاً وصار النعمان يقول لشريك: إن صدر النهار قد ولى ولم يرجع وشريك يقول: ليس للملك عليّ سبيل حتّى يأتي المساء فلمّا قرب المساء قال النعمان لشريك: قد جاء وقتك قم فتأهب للقتل. فقال شريك: هذا شخص قد لاح مقبلاً وأرجو أن يكون الطائي فإن لم يكن فأمر الملك ممتثل، قال: فبينما هم كذلك وإذ بالطائي قد اشتدّ عدوه في سيره مسرعاً حتّى وصل. فقال: خشيت أن ينقضي النهار قبل وصولي. ثمّ وقف قائماً وقال: أيّها الملك مر بأمرك فأطرق النعمان ثمّ رفع رأسه وقال: واللَّه ما رأيت أعجب منكما أمّا أنت يا طائي فما تركت لأحد في الوفاء مقاماً يقوم فيه ولا ذكراً يفتخر به وأمّا أنت يا شريك فما تركت لكريم سماحة يذكر بها في الكرماء، فلا أكون أنا ألأم الثلاثة ألا وأنّي قد رفعت يوم بؤسي ء عن الناس ونقضت عادتي كرامة لوفاء الطائي وكرم شريك، فقال له النعمان: ما حملك على الوفاء وفيه
ص: 146
إتلاف نفسك؟ فقال: ديني فمن لا وفاء فيه لا دين له، فأحسن إليه النعمان ووصله بما أغناه(1).
وفي الطبري: حبس ابن زياد فيمن حبس مرداس بن اديه، فكان السجّان يرى عبادته واجتهاده وكان يأذن له في الليل فينصرف، فإذا طلع الفجر أتاه حتّى يدخل السجن، وكان صديق لمرداس يسامر ابن زياد، فذكر ابن زياد ليلة الخوارج، فعزم على قتلهم إذا أصبح فانطلق صديق مرداس إلى منزل مرداس، فأخبرهم وقال: أرسلوا إليه في السجن فليعهد فإنّه مقتول فسمع ذلك مرداس وبلغ الخبر صاحب السجن، فبات بليلة سوء إشفاقا من أن يعلم الخبر مرداس فلا يرجع، فلمّا كان الوقت الذي كان يرجع فيه إذا به قد طلع فقال له السجّان: هل بلغك ما عزم عليه الأمير؟ قال: نعم، قال: ثمّ غدوت، قال: نعم ولم يكن جزاؤك مع احسانك أن تعاقب بسببي، وأصبح عبيداللَّه فجعل يقتل الخوارج ثمّ دعا بمرداس، فلمّا حضر وثب السجّان - وكان ظئرا لعبيداللَّه - فأخذ بقدمه ثمّ قال: هب لي هذا، وقصّ عليه قصّته، فوهبه له وأطلقه(2).
أي: كيف مرجع الغادر في الدنيا من الخزي وفي الآخرة من العقاب، أمّا خزي الدنيا: لما قوي أمر بني العبّاس وظهر، قال مروان بن محمّد لعبدالحميد بن يحيى كاتبه: إنّا نجد في الكتب أنّ هذا الأمر زائل عنّا لا محالة، وسيضطرّ إليك هؤلاء
ص: 147
القوم - يعني ولد العبّاس - فصر إليهم فإنّي لأرجو أن تتمكّن منهم فتنفعني في مخلّفي وفي كثير من أُموري، فقال له: وكيف لي بعلم الناس جميعاً أنّ هذا على رأيك وكلّهم يقول: إنّي غدرت بك وصرت إلى عدوّك وأنشد:
أسرّ وفاء ثمّ أظهر غدرة***فمن لي بعذر يوسع الناس ظاهره
ثمّ قال له عبدالحميد: إنّ الذي أمرتني به أنفع الأمرين لك، وأقبحهما بي(1).
نزل أنيس بن مرّة بن مرداس السلمي في صرم من بني سليم بعتيبة بن الحرث فشدّ على أموالهم فأخذها وربط رجالها حتّى افتدوا فقال عبّاس بن مرداس عم أنيس:
كثر الضجاج وما سمعت بغادر***كعتيبة بن الحرث بن شهاب
ملكت حنظلة الدباءة كلّها***ودنست آخر هذه الأحقاب(2)
انّ رجلاً من العماليق يسمّى بعرقوب أتاه أخ له يسأله فقال له عرقوب: إذا اطلعت هذه النخلة فلك طلعها فلمّا أطلعت أتاه للعدة فقال: دعها حتّى تصير بلحا، فلمّا أبلحت قال: دعها حتّى تصير زهوا، فلمّا زهت قال: دعها حتّى تصير رطبا، فلمّا أرطبت قال: دعها حتّى تصير تمرا، فلمّا أتمرت عمد إليها عرقوب من الليل فجدها ولم يعط أخاه شيئاً فصار مثلاً في الخلف وفيه يقول الأشجعي:
وعدت وكان الخلف منك سجيّة***مواعيد عرقوب أخا بيثرب(3)
وقال الشاعر:
ص: 148
غدرت بأمر كنت أنت جذبتنا***إليه وبئس الشيمة الغدر بالعهد(1)
ونقل أنّه لمّا حلف محمّد الامين للمأمون في بيت اللَّه الحرام وهما وليّا عهد طالبه جعفر بن يحيى أن يقول خذلني اللَّه إن خذلته فقال ذلك ثلاث مرّات فقال الفضل بن الربيع: قال لي الأمين في ذلك الوقت عند خروجه من بيت اللَّه: يا أبا العبّاس أجد في نفسي انّ أمري لا يتمّ فقلت له: ولِمَ ذلك أعزّ اللَّه الأمير؟ قال: لأنّي كنت أحلف وأنا أنوي الغدر وكان كذلك لم يتمّ أمره(2).
وورد في أخبار العرب أن الضيزن بن معاوية بن قضاعة كان ملكاً بين دجلة والفرات وكان له هناك قصر مشيّد يعرف بالجوسق وبلغ ملكه الشام فأغار على مدينة سابور في الأكتاف فأخذها وأخذ أخت سابور وقتل منهم خلقاً كثيراً ثمّ إنّ سابور جمع جيوشاً وسار إلى ضيزن فأقام على الحصن أربع سنين لا يصل منه إلى شي ء ثمّ إنّ النضيرة بنت الضيزن عركت أي حاضت فخرجت من الربض وكانت من أجمل أهل دهرها وكذلك كانوا يفعلون بنسائهم إذا حضن وكان سابور من أجمل أهل زمانه فرآها ورأته فعشقها وعشقته وأرسلت إليه تقول: ما تجعل لي إن دللتك على ما تهدم به هذه المدينة وتقتل أبي، فقال: أحكمك؟ فقالت: عليك بحمامة مطوقة ورقاء فاكتب عليها بحيض جارية ثمّ أطلقها فإنّها تقعد على حائط المدينة فتتداعى المدينة كلّها وكان ذلك طلسماً لا يهدمها إلّا هو ففعل ذلك فقالت له: وأنا أسقي الحرس الخمر فإذا صرعوا فاقتلهم ففعل ذلك فتداعت المدينة وفتحها سابور عنوة وقتل الضيزن واحتمل ابنته النضيرة وأعرس بها فلمّا دخل بها
ص: 149
لم تزل ليلتها تتضرّر وتتململ في فراشها وهو من حرير محشو بريش النعام فالتمس ما كان يؤذيها فإذا هو ورقة آس التصقت بعكنتها وأثرت فيها وقيل: كان ينظر إلى مخ عظمها من صفاء بشرتها ثمّ إنّ سابور بعد ذلك غدر بها وقتلها.
وقيل: إنّه أمر رجلاً فركب فرساً جموحاً وضفر غدائرها بذنبه ثمّ استركضه فقطعها قطعاً قطعه اللَّه ما أغدره(1).
وورد أن ازدجرد بن سابور لمّا خاف على ولده بهرام وكان قبله لا يعيش له ولد سأل عن منزل صحيح مري ء فدلّ على ظهر الجزيرة فدفع ابنه بهرام إلى النعمان وهو عامله على أرض العرب وأمره أن يبني له جوسقاً فامتثل أمره وبنى له جوسقاً كأحسن ما يكون وكان الذي بنى الجوسق رجلاً يقال له سنمار فلمّا فرغ من بنائه عجبوا من حسنه فقال: لو علمت أنّكم توفوني أجرته لبنيته بناء يدور مع الشمس حيث دارت فقالوا: وإنّك لتبني أحسن من هذا ولم تبنه ثمّ أمر به فطرح من أعلى الجوسق فتقطع فكانت العرب تقول: جزاني جزاء سنمار(2).
وفيه قال الشاعر:
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر***وحسن فعل كما يجزي سنمّار(3)
وورد أيضاً جعل المنصور العهد إلى عيسى بن موسى ثمّ غدر به وأخّره وقدم المهدي عليه فقال عيسى:
أينسى بنو العبّاس ذبي عنهم***بسيفي ونار الحرب زاد سعيرها
ص: 150
فتحت لهم شرق البلاد وغربها***فذل معاديها وعز نصيرها
أقطع أرحاماً على عزيزة***وأبدي مكيدات لها وأثيرها
فلمّا وضعت الامر في مستقره***ولاحت له شمس تلالأ نورها
دفعت عن الأمر الذي استحقه***وأوسق أوساقاً من الغدر عيرها(1)
و خرج قوم لصيد فطردوا ضبعة حتّى ألجأوها إلى خباء أعرابي فأجارها وجعل يطعمها ويسقيها فبينما هو نائم ذات يوم إذ وثب عليه فبقرت بطنه وهربت فجاء ابن عمّه يطلبه فوجده ملقى فتبعها حتّى قتلها وأنشد يقول:
ومن يصنع المعروف مع غير أهله***يلاقي كما لاقى مجير أم عامر
أعد لها لما استجار ببيته***أحاليب ألبان اللقاح الدوائر
وأسمنها حتّى إذا ما تمكّنت***فرته بأنياب لها وأظافر
فقل لذوي المعروف هذا جزاء من***يجود بمعروف على غير شاكر(2)
وحكى بعضهم قال: دخلت البادية فإذا أنا بعجوز بين يديها شاة مقتولة وإلى جانبها جرو ذئب. فقالت: أتدري ما هذا؟ فقلت: لا، قالت: هذا جرو ذئب أخذناه صغيراً وأدخلناه بيتنا وربّيناه فلمّا كبر فعل بشاتي ما ترى وأنشدت:
بقرب شويهتي وفجعت قومي***وأنت لشاتنا ابن ربيب
غذيت بدرها ونشأت معها***فمن أنبأك أن أباك ذيب
إذا كان الطباع طباع سوء***فلا أدب يفيد ولا أديب(3)
ص: 151
واما العقاب الآخرة:
عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ بِالْكُوفَةِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَوْ لا كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ كُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ أَلا إِنَّ لِكُلِّ غُدَرَةٍ فُجَرَةً وَلِكُلِّ فُجَرَةٍ كُفَرَةً أَلا وَإِنَّ الْغَدْرَ وَالْفُجُورَ وَالْخِيَانَةَ فِي النَّارِ(1).
وزاد النهج: ولكلّ غادر لواء يعرف به يوم القيامة(2).
ذُكِرَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ عِنْدَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ عليه السلام وَمَا الْمُغِيرَةُ إِنَّمَا كَانَ إِسْلامُهُ لِفَجْرَةٍ وَغَدْرَةٍ غَدَرَهَا بِنَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَهَرَبَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ كَالْعَائِذِ بِالْإِسْلامِ، وَاللَّهِ مَا رَأَى عَلَيْهِ أَحَدٌ مُنْذُ ادَّعَى الْإِسْلامَ خُضُوعاً وَلا خُشُوعا(3).
وقال عليه السلام في مروان لمّا أخذ أسيراً وكلّمه الحسنان عليهما السلام في أن يبايعه: لا حَاجَةَ لِي فِي بَيْعَتِهِ إِنَّهَا كَفٌّ يَهُودِيَّةٌ لَوْ بَايَعَنِي بِيَدِهِ لَغَدَرَ بِسَبَّتِهِ أَمَا إِنَّ لَهُ إِمْرَةً كَلَعْقَةِ الْكَلْبِ أَنْفَهُ وَهُوَ أَبُو الْأَكْبُشِ الْأَرْبَعَةِ وَسَتَلْقَى الْأُمَّةُ مِنْهُ وَمِنْ وُلْدِهِ يَوْماً أَحْمَرَ(4).
قال عليه السلام للأشعث: وان امرأ دلّ على قومه السيف، وساق إليهم الحتف، لحريّ أن يمقته الأقرب، ولا يأمنه الأبعد.
قال الرضي: وكان قومه بعد ذلك يسمّونه «عرف النار»وهو اسم للغادر عندهم(5).
عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَرْيَتَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ
ص: 152
لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَلِكٌ عَلَى حِدَةٍ اقْتَتَلُوا ثُمَّ اصْطَلَحُوا ثُمَّ إِنَّ أَحَدَ الْمَلِكَيْنِ غَدَرَ بِصَاحِبِهِ فَجَاءَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ فَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَغْزُوَمَعَهُمْ تِلْكَ الْمَدِينَةَ. فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: لا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَغْدِرُوا وَلا يَأْمُرُوا بِالْغَدْرِ وَلا يُقَاتِلُوا مَعَ الَّذِينَ غَدَرُوا وَلَكِنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدُوهُمْ وَلا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ مَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الْكُفَّارُ(1).
عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال النبيّ صلى الله عليه وآله ليس منّا من غشّ مسلماً أو ضرّه أوماكره(2).
عن أميرالمؤمنين عليه السلام انّه قال: المؤمن لا يغشّ أخاه ولا يخونه ولا يخذله ولا يتّهمه ولا يقول له أنا منك بري ء(3).
عن عمرو بن العلاء: كانت بنو سعد بن تميم أغدر العرب، وكانو يسمّون الغدر في الجاهليّة كيسان(4)فقيل فيهم:
إذا كنت في سعد وخالك منهم***غريبا فلا يغررك خالك من سعد
إذا ما دعوا كيسان كانت كهولهم***إلى الغدر أولى من شبابهم المرد(5)
وقال الأخطل في نابغة بني جعدة:
ص: 153
قبيلة يرون الغدر مجدا***ولا يدرون ما نقل الجفان
قالوا: أشار إلى قتل ورد والرقاد الجعديين لشراحيل الجعفي غدرا(1).
وقال أبو إسحاق: سمعت معاوية بالنخيلة يقول: ألا إنّ كلّ شي ء أعطيته الحسن بن عليّ تحت قدميّ هاتين. قال أبو إسحاق: وكان واللَّه غدّاراً(2).
هذا، وفي عيون ابن بابويه عن محمّد بن يحيى الصولي: إنّ العبّاس بن الأحنف خال جدّه قال في جدّته لأبيه المسمّاة بغدر:
يا غدر زيّن باسم الغدر(3)
وَنَسَبَهُمْ أَهْلُ الْجَهْلِ فِيهِ إِلَى حُسْنِ الْحِيلَةِ مَا لَهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ قَدْ يَرَى الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ وَجْهَ الْحِيلَةِ وَدُونَهَا مَانِعٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ فَيَدَعُهَا رَأْيَ عَيْنٍ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَيَنْتَهِزُ
في زيارته عليه السلام الغديريّة: وَكَمْ مِنْ أَمْرٍ صَدَّكَ عَنْ إِمْضَاءِ عَزْمِكَ فِيهِ التُّقَى وَاتَّبَعَ غَيْرُكَ فِي مِثْلِهِ الْهَوَى فَظَنَّ الْجَاهِلُونَ أَنَّكَ عَجَزْتَ عَمَّا إِلَيْهِ انْتَهَى ضَلَّ وَاللَّهِ الظَّانُّ لِذَلِكَ وَمَا اهْتَدَى وَلَقَدْ أَوْضَحْتَ مَا أَشْكَلَ مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ تَوَهَّمَ وَامْتَرَى(4)بِقَوْلِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ قَدْ يَرَى الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ وَجْهَ الْحِيلَةِ(5)وَدُونَهَا حَاجِزٌ مِنْ تَقْوَى اللَّهِ فَيَدَعُهَا
ص: 154
رَأْيَ الْعَيْنِ وَيَنْتَهِزُ فُرْصَتَهَا مَنْ لا جَرِيحَةَ (حريجة ن ل)(1)لَهُ فِي الدِّينِ صَدَقْتَ، وَخَسِرَ الْمُبْطِلُون(2).
عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: مَنْ كَانَ مُسْلِماً فَلا يَمْكُرُ وَلا يَخْدَعُ فَإِنِّي سَمِعْتُ جَبْرَئِيلَ يَقُولُ إِنَّ الْمَكْرَ وَالْخَدِيعَةَ فِي النَّارِ ثُمَّ قَالَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ مُسْلِماً وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ خَانَ مُسْلِماً(3).
ص: 155
بسم الله الرحمن الرحیم
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَانِ...
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَطُولُ الْأَمَلِ فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ وَأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَيُنْسِي الْآخِرَةَ أَلا وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ وَلَّتْ حَذَّاءَ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلّا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ اصْطَبَّهَا صَابُّهَا أَلا وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا فَإِنَّ كُلَّ وَلَدٍ سَيُلْحَقُ بِأَبِيهِ (بأمه خ ل) يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلا حِسَابَ وَغَداً حِسَابٌ وَلا عَمَلَ
عن عمر بن سعد بن أبي الصيد الأسدي عن الحارث بن حصيرة عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود وغيره قالوا: لما قدم علي بن أبي طالب من البصرة إلى الكوفة يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة مضت من رجب سنة ست وثلاثين وقد أعز اللَّه نصره وأظهره على عدوه ومعه أشراف الناس وأهل البصرة استقبله أهل الكوفة وفيهم قراؤهم وأشرافهم فدعوا له بالبركة وقالوا يا أمير المؤمنين أين تنزل أ تنزل القصر؟ فقال: لا ولكنّي أنزل الرحبة فنزلها وأقبل حتّى دخل المسجد الأعظم فصلّى فيه ركعتين ثمّ صعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه وصلى على رسوله وقال: أمّا بعد يا أهل الكوفة فإن لكم في الإسلام فضلا ما لم تبدلوا وتغيروا دعوتكم إلى الحق فأجبتم وبدأتم بالمنكر فغيرتم ألا إن فضلكم فيما بينكم وبين
ص: 156
اللَّه في الأحكام والقسم فأنتم أسوة من أجابكم ودخل فيما دخلتم فيه ألا إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة ألا إن الدنيا قد ترحلت مدبرة والآخرة ترحلت مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل الحمد للَّه الذي نصر وليه(1)الخبر.
ومن كلام له عليه السلام:
قال تعالى: «فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى»(2).
مجامع الهوى خمسة أُمور: جمعها قوله سبحانه:
«اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ»(3).
والأعيان التي تحصل منها هذه الخمسة سبعة جمعها قوله سبحانه:
«زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ»(4).
ص: 157
قال تعالى: «وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ»(1)الآية.
وقال تعالى: «وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ»(2).
وقال تعالى: «وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ»(3).
وقال تعالى: «قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ»(4).
وقال تعالى: «قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»(5).
وقال تعالى: «أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ»(6).
وقال تعالى: «أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ»(7).
ص: 158
قال تعالى: «ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ»(1).
في الحديث القدسي: يَا مُوسَى لا تُطَوِّلْ فِي الدُّنْيَا أَمَلَكَ فَيَقْسُوَ قَلْبُكَ وَقَاسِي الْقَلْبِ مِنِّي بَعِيدٌ(2).
و في النبويّ المعروف قال صلى الله عليه وآله: يَا أَبَا ذَرٍّ إِيَّاكَ وَالتَّسْوِيفَ بِأَمَلِكَ فَإِنَّكَ بِيَوْمِكَ وَلَسْتَ بِمَا بَعْدَهُ فَإِنْ يَكُنْ غَدٌ لَكَ فَكُنْ فِي الْغَدِ كَمَا كُنْتَ فِي الْيَوْمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَدٌ لَكَ لَمْ تَنْدَمْ عَلَى مَا فَرَّطْتَ فِي الْيَوْمِ يَا أَبَا ذَرٍّ كَمْ مِنْ مُسْتَقْبِلٍ يَوْماً لا يَسْتَكْمِلُهُ وَمُنْتَظِرٍ غَداً لا يَبْلُغُهُ يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ نَظَرْتَ إِلَى الْأَجَلِ وَمَصِيرِهِ لأَبْغَضْتَ الْأَمَلَ وَغُرُورَهُ يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالْمَسَاءِ وَإِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالصَّبَاحِ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ قَبْلَ سُقْمِكَ وَمن حَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ فَإِنَّكَ لا تَدْرِي مَا اسْمُكَ غَدا(3).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لعبداللَّه بن عمر: إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح وخذ من حياتك لموتك ومن صحتك لسقمك فإنك يا عبد اللَّه ما تدري ما اسمك غدا(4).
روى أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ اشْتَرَى وَلِيدَةً بِمِائَةِ دِينَارٍ إِلَى شَهْرٍ فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَقَالَ: أَلا تَعْجَبُونَ مِنْ أُسَامَةَ الْمُشْتَرِي إِلَى شَهْرٍ إِنَّ أُسَامَةَ لَطَوِيلُ الْأَمَلِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا طَرَفَتْ عَيْنَايَ إِلّا ظَنَنْتُ أَنَّ شُفْرَيَّ لا يَلْتَقِيَانِ حَتَّى يَقْبِضَ اللَّهُ رُوحِي
ص: 159
وَلا رَفَعْتُ طَرْفِي وَظَنَنْتُ أَنِّي خَافِضُهُ حَتَّى أُقْبَضَ وَلا تَلَقَّمْتُ لُقْمَةً إِلّا ظَنَنْتُ أَنْ لا أُسِيغَهَا أَنْحَصِرُ بِهَا مِنَ الْمَوْتِ ثُمَّ قَالَ يَا بَنِي آدَمَ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ فَعُدُّوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْمَوْتَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ «إِنَّمَا تُوعَدُونَ لآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ»(1).(2)
و قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أكلكم يحب أن يدخل الجنة قالوا نعم يا رسول اللَّه قال قصروا من الأمل وثبتوا آجالكم بين أبصاركم واستحيوا من اللَّه حق الحياء(3).
وعن أنس أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله خطّ خطّاً وقال: هذا الإنسان، وخط إلى جنبه وقال: هذا أجله، وخطّ آخر بعيداً منه فقال: هذا الأمل، فبينما هو كذلك إذ جاءه الأقرب(4).
وفي رواية: انّه اجتمع عبدان من عباد اللَّه فقال أحدهما للآخر: ما بلغ من قصر أملك؟ فقال: أملي إذا أصبحت أن لا أمسى، وإذا أمسيت أن لا أصبح، فقال: انّك لطويل الأمل، أمّا أنا فلا أؤمّل أن يدخل لي نفس إذا خرج، ولا يخرج لي نفس إذا دخل(5).
و في الصحيفة السجّاديّة على منشئها آلاف السلام والتحيّة: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاكْفِنَا طُولَ الْأَمَلِ ، وَ قَصِّرْهُ عَنَّا بِصِدْقِ الْعَمَلِ حَتَّى لا نُؤَمِّلَ اسْتِتْمَامَ سَاعَةٍ بَعْدَ سَاعَةٍ، وَلا اسْتِيفَاءَ يَوْمٍ بَعْدَ يَوْمٍ، وَلا اتِّصَالَ نَفَسٍ بِنَفَسٍ، وَلا لُحُوقَ قَدَمٍ بِقَدَمٍ، وَسَلِّمْنَا مِنْ غُرُورِهِ، وَآمِنَّا مِنْ شُرُورِه(6).
ص: 160
فامّا اتباع الهوى فيصلّ عن الحق اما الآيات فمنها:
قال تعالى لداود: «يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ»(1)الآية.
وقال لنبيّه صلى الله عليه وآله: «ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ»(2).
وقال تعالى: «وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا»(3).
وقال تعالى: «وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا»(4).
وقال تعالى: «فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا»(5).
وقال تعالى: «فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى»(6).
ص: 161
وأمّا الأخبار فمنها:
قال النبيّ صلى الله عليه وآله: أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك(1).
عن أبي محمّد الوابشي قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: احذروا أهوائكم كما تحذرون أعدائكم، فليس شي ء أعدى للرجال، من اتباع أهوائهم وحصائد ألسنتهم(2).
رُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله رَجُلٌ اسْمُهُ مُجَاشِعٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وآله: مَعْرِفَةُ النَّفْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى مُوَافَقَةِ الْحَقِّ؟ قَالَ: مُخَالَفَةُ النَّفْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى رِضَاءِ الْحَقِّ؟ قَالَ صلى الله عليه وآله: سَخَطُ النَّفْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى وَصْلِ الْحَقِّ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وآله: هِجْرَ النَّفْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى طَاعَةِ الْحَقِّ؟ قَالَ: عِصْيَانُ النَّفْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى ذِكْرِ الْحَقِّ؟ قَالَ صلى الله عليه وآله: نِسْيَانُ النَّفْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى قُرْبِ الْحَقِّ؟ قَالَ صلى الله عليه وآله: التَّبَاعُدُ مِنَ النَّفْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى أُنْسِ الْحَقِّ؟ قَالَ صلى الله عليه وآله: الْحشَةُ مِنَ النَّفْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى ذَلِكَ؟ قَالَ صلى الله عليه وآله: الاسْتِعَانَةُ بِالْحَقِّ عَلَى النَّفْسِ(3).
كان أبو عبداللَّه عليه السلام يقول: لا تدع النفس وهواها فان هواها في رداها وترك النفس وما تهوى أذاها وكف النفس عمّا تهوى دواها(4).
ص: 162
و قال صلى الله عليه وآله: من غلب علمه هواه فهو علم نافع ومن جعل شهوته تحت قدميه فرّ الشيطان من ظله(1).
عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعود لم يره(2).
قال ابن أبي الحديد: إذا تأملت هلاك من هلك من المتكلمين كالمجبرة والمرجئة مع ذكائهم وفطنتهم واشتغالهم بالعلوم عرفت أنه لا سبب لهلاكهم إلّا هوى الأنفس وحبهم الانتصار للمذهب الذي قد ألفوه وقد رأسوا بطريقه وصارت لهم الأتباع والتلامذة وأقبلت الدنيا عليهم وعدهم السلاطين علماء ورؤساء فيكرهون نقض ذلك كله وإبطاله ويحبون الانتصار لتلك المذاهب والآراء التي نشئوا عليها وعرفوا بها ووصلوا إلى ما وصلوا إليه بطريقها ويخافون عار الانتقال عن المذهب وأن يشتفي بهم الخصوم ويقرعهم الأعداء ومن أنصف علم أن الذي ذكرناه حق(3).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: ثلاث مهلكات شحّ مطاع وهوى متّبع واعجاب المرء بنفسه(4).
وفي ذيل الخطبة على رواية سليم وإنّما ابتداء وقوع الفتن أهواء تتّبع وأحكام تبتدع يخالف فيها حكم اللَّه يتولّى فيها رجال رجلا(5).
ص: 163
وفي الديوان المنسوب إلى اميرالمؤمنين عليه السلام:
تؤمل في الدنيا طويلاً ولا تدري***إذا جنّ ليل هل تعيش إلى فجر
فكم من صحيح مات من غير علّة***وكم من مريض عاش دهراً إلى دهر
وكم من فتى يمسي ويصبح آمنا***وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري(1)
قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ»(2).
وقال تعالى: «فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا»(3)الآية.
وقال تعالى: «فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ»(4)
قال ابن أبي الحديد في الحديث المرفوع: أيّها الناس انّ الأعمال تطوي والأعمار تفنى والأبدان تبلى في الثرى وانّ الليل والنهار يتراكضان تراكض الفرقدين يقرّبان كلّ بعيد ويخلقان كلّ جديد وفي ذلك ما ألهى عن الأمل واذكرك بحلول الأجل(5).
ص: 164
وحيث انّ: من مات قد قامت قيامته(1).
والموت في غاية القرب منّا فالآخرة قد أقبلت إلينا ولو أريد بالآخرة الساعة فهي أيضاً في غاية القرب منّا، قال تعالى: «كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا»(2).
عن النبيّ صلى الله عليه وآله: إذا دعيتم إلى العرسات فأبطئوا فإنّها تذكر الدنيا وإذا دعيتم إلى الجنائز فأسرعوا فانّها تذكر الآخرة(3).
قال تعالى: «يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ»(4).
عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لعليّ بن أبي طالب: «إذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسماء أُمّهاتهم إلّا شيعتك فانّهم يدعون بأسماء آبائهم لطيب مولدهم»(5).
ص: 165
قد دلّت الآيات والأخبار عليه:
أمّا الآيات:
فمنها قوله تعالى: «وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ»(1).
ومنها قوله تعالى: «لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ»(2)الآية.
ومنها قوله تعالى: «اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ»(3).
ومنها قوله تعالى: «إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ»(4).
ومنها قوله تعالى: «وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا»(5)الآية.
ومنها قوله تعالى: «ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ»(6)الآية.
ومنها قوله تعالى: «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ»(7).
ص: 166
ومنها قوله تعالى: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ»(1).
ومنها قوله تعالى: «يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ»(2)الآية.
ومنها قوله تعالى: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ»(3)الآية.
ومنها قوله تعالى: «فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(4).
ومنها قوله تعالى: «وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ»(5).
ومنها قوله تعالى: «لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(6).
ومنها قوله تعالى: «وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(7)
ص: 167
ومنها قوله تعالى: «فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(1).
ومنها قوله تعالى: «وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ»(2)الآية.
والآيات كثيرة.
ومن الاخبار الواردة في المقام:
عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: لا يَزُولُ قَدَمُ عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلاهُ وَعَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ مَالِهِ مِمَّا اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ حُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ(3).
عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحَاسِبُ كُلَّ خَلْقٍ إِلّا مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ لا يُحَاسَبُ وَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّارِ(4).
عن النبيّ صلى الله عليه وآله: أَنَّهُ يُفْتَحُ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ عُمُرِهِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ خِزَانَةً عَدَدَ سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَخِزَانَةٌ يَجِدُهَا مَمْلُوءَةً نُوراً وَسُرُوراً فَيَنَالُهُ عِنْدَ مُشَاهَدَتِهَا مِنَ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ مَا لَوْ وُزِّعَ عَلَى أَهْلِ النَّارِ لأَدْهَشَهُمْ عَنِ الْإِحْسَاسِ بِأَلَمِ النَّارِ وَهِيَ السَّاعَةُ الَّتِي أَطَاعَ فِيهَا رَبَّهُ ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ خِزَانَةٌ أُخْرَى فَيَرَاهَا مُظْلِمَةً مُنْتِنَةً مُفْزِعَةً فَيَنَالُهُ عِنْدَ مُشَاهَدَتِهَا مِنَ الْفَزَعِ وَالْجَزَعِ مَا لَوْ قُسِمَ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ لَنُغِّصَ عَلَيْهِمْ نَعِيمُهَا وَهِيَ السَّاعَةُ الَّتِي عَصَى فِيهَا رَبَّهُ ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ خِزَانَةٌ أُخْرَى فَيَرَاهَا فَارِغَةً لَيْسَ فِيهَا مَا يَسُرُّهُ وَلا مَا يَسُوؤُهُ وَهِيَ السَّاعَةُ الَّتِي نَامَ فِيهَا أَوِاشْتَغَلَ فِيهَا بِشَيْ ءٍ مِنْ مُبَاحَاتِ الدُّنْيَا فَيَنَالُهُ مِنَ الْغَبْنِ وَالْأَسَفِ عَلَى فَوَاتِهَا حَيْثُ
ص: 168
كَانَ مُتَمَكِّناً مِنْ أَنْ يَمْلأَهَا حَسَنَاتٍ مَا لا يُوصَفُ وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: «ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ»(1).
في الطبري: جاء عابس بن أبي شبيب الشاكري ومعه شوذب مولى شاكر فقال: يا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟ قال: ما أصنع؟ أقاتل معك دون ابن بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حتّى أقتل، قال: ذلك الظنّ بك إمالا فتقدّم بين يدي أبي عبداللَّه حتّى يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه وحتّى أحتسبك أنا فإنّه لو كان معي الساعة أحد أنا أولى به منّي بك لسرّني أن يتقدّم بين يديّ حتّى أحتسبه فإنّ هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الأجر فيه بكلّ ما قدرنا عليه فإنّه لا عمل بعد اليوم وإنّما هو الحساب(2).
عن الضحّاك المشرفي قال: قال العبّاس بن عليّ لأخيه من أبيه وأمّه عبداللَّه بن عليّ تقدّم بين يديّ حتّى أراك (قتيلاً) وأحتسبك. إلخ(3).
ص: 169
بسم الرحمن الرحیم
43 - ومن كلام له عليه السلام وقد أشار عليه أصحابه بالاستعداد للحرب بعد إرساله جرير بن عبد اللَّه البجلي إلى معاوية:
إِنَّ اسْتِعْدَادِي لِحَرْبِ أَهْلِ الشَّامِ وَجَرِيرٌ عِنْدَهُمْ إِغْلاقٌ لِلشَّامِ وَصَرْفٌ لِأَهْلِهِ عَنْ خَيْرٍ إِنْ أَرَادُوهُ وَلَكِنْ قَدْ وَقَّتُّ لِجَرِيرٍ وَقْتاً لا يُقِيمُ بَعْدَهُ إِلّا مَخْدُوعاً أَوْ عَاصِياً وَالرَّأْيُ عِنْدِي مَعَ الْأَنَاةِ فَأَرْوِدُوا وَلا أَكْرَهُ لَكُمُ الإِعْدَادَ وَلَقَدْ ضَرَبْتُ أَنْفَ هَذَا الْأَمْرِ وَعَيْنَهُ وَقَلَّبْتُ ظَهْرَهُ وَبَطْنَهُ فَلَمْ أَرَ لِي فِيهِ إِلّا الْقِتَالَ أَوِ الْكُفْرَ بِمَا جَاءَ مُحَمَّدٌ ص إِنَّهُ قَدْ كَانَ عَلَى النَّاسِ وَالٍ أَحْدَثَ أَحْدَاثاً وَأَوْجَدَ النَّاسَ مَقَالاً فَقَالُوا ثُمَّ نَقَمُوا فَغَيَّرُوا
إنّما أشار عليه بذلك منهم الأشتر، وعديّ بن حاتم، وشريح بن هانئ، وأمّا باقيهم فأشاروا عليه بترك الاستعداد.
ذكروا أنّ عليّاً استشار الناس، فأشاروا عليه بالمقام بالكوفة عامه ذلك، غير الأشتر النخعي، وعدي بن حاتم، وشريح بن هانئ، فإنّهم قاموا إلى عليّ فتكلّموا بلسان واحد، فقالوا: إنّ الذين أشاروا عليك بالمقام، إنّما خوّفوك بحرب الشام، وليس في حربهم شي ء أخوف من الموت ونحن نريده.
ص: 170
فقال عليه السلام لهم: إن استعدادي لحرب أهل الشام، وجرير عندهم إغلاق للشام، وصرف لأهله عن خير إن أرادوه، ولكنّي قد وقّت لنا وقتاً لا يقيم بعده إلّا أن يكون مخدوعاً أو عاصياً، ولا أكره لكم الإعداد(1).
ان استعداده عليه السلام إنّما كان بشخوصه مع أصحابه إلى الشام للحرب، كما عرفت من موجب قوله عليه السلام ذاك الكلام وهو قول الأشتر وعديّ وشريح له عليه السلام: ليس في حرب الشام شي ء أخوف من الموت ونحن نريده»(2).ومعلوم أنّ ذلك كان صرفاً لأهلها عن خير إن أرادوه.
وأمّا إعداد أصحابه فإنّما هو بتهيّئة أسباب الحرب من الخيل والأسلحة، ولم يعلم من التهيئة لذلك أنّه عليه السلام أراد حربهم لكونه أعمّ(3).
أنّ عليّاً قدم من البصرة إلى الكوفة بعد انقضاء أمر الجمل كاتب إلى العمّال فكتب إلى جرير بن عبداللَّه البجلي وكان عاملاً لعثمان على ثغر همدان كتاباً مع زجر بن قيس، فلمّا قرأ جرير الكتاب قام فقال: أيها الناس هذا كتاب أميرالمؤمنين وهو المأمون على الدين والدنيا وقد كان من أمره وأمر عدوه ما
ص: 171
يحمد اللَّه عليه، وقد بايعه الناس الأولون من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، ولو جعل هذا الأمر شورى بين المسلمين كان أحقّهم بها ألا وإن البقاء في الجماعة والفناء في الفرقة، وإنّ عليّاً حاملكم على الحق ما استقمتم، فإن ملتم أقام ميلكم. فقال الناس: سمعا وطاعة رضينا رضينا، فأجاب جرير إلى عليّ جواب كتابه بالطاعة(1).
ثمّ أقبل جرير سائراً من ثغر همدان حتّى ورد على علي عليه السلام بالكوفة فبايعه ودخل فيما دخل فيه الناس من طاعة علي واللزوم لأمره(2).
فلمّا أراد عليّ أن يبعث إلى معاوية رسولا قال له جرير: ابعثني يا أميرالمؤمنين إليه فأدعوه على أن يسلم لك الأمر ويجامعك على الحق على أن يكون أميرا من أمرائك وأدعو أهل الشام إلى طاعتك فجلهم قومي وأهل بلادي وقد رجوت ألّا يعصوني، فقال له الأشتر: لا تبعثه ولا تصدقه فو اللَّه إنّي لأظنّ هواه هواهم ونيّته نيّتهم، فقال له عليه السلام: دعه حتّى ننظر ما يرجع به إلينا، فبعثه علي عليه السلام وقال له حين أراد أن يبعثه إن حولي من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله من أهل الرأي والدين من قد رأيت وقد اخترتك لقول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فيك إنك من خير ذي يمن ائت معاوية بكتابي فإن دخل فيما دخل فيه المسلمون وإلّا فانبذ إليه وأعلمه أني لا أرضى به أميرا، وأن العامة لا ترضى به خليفة.
فانطلق جرير حتّى أتى الشام ونزل بمعاوية، فدخل عليه فحمد اللَّه وأثنى عليه وقال: أمّا بعد يا معاوية فإنه قد اجتمع لابن عمك أهل الحرمين وأهل المصرين
ص: 172
وأهل الحجاز وأهل اليمن وأهل مصر وأهل العروض، وعمان وأهل البحرين واليمامة فلم يبق إلّا أهل هذه الحصون التي أنت فيها لو سال عليها سيل من أوديته غرقها وقد أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك ويهديك إلى مبايعة هذا الرجل.
و دفع إليه كتاب علي عليه السلام وفيه:
بسم اللَّه الرحمن الرحيم أمّا بعد فإنّ بيعتي لزمتك بالمدينة وأنت بالشام لأنّه بايعني الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بويعوا عليه فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإذا اجتمعوا على رجل فسمّوه إماما كان ذلك للَّه رضا فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردوه إلى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه على اتباعه «غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ»(1)وولاه اللَّه ما تولى ويصله «جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً»(2)وإنّ طلحة والزبير بايعاني ثمّ نقضا بيعتي وكان نقضهما كردهما فجاهدتهما على ذلك «حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ»(3)فادخل فيما دخل فيه المسلمون فإن أحبّ الأمور إلي فيك العافية إلّا أن تتعرّض للبلاء فإن تعرّضت له قاتلتك واستعنت اللَّه عليك وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس وحاكم القوم إلي أحملك وإيّاهم على كتاب اللَّه فأمّا تلك التي تريدها فهي خدعة الصبي عن اللبن ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ قريش من دم عثمان واعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحلّ لهم الخلافة ولا تعرض فيهم الشورى وقد أرسلت إليك وإلى من قبلك جرير
ص: 173
بن عبداللَّه وهو من أهل الإيمان والهجرة فبايع و«لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ»(1).(2)
و يأتي ذكر هذا الكتاب أيضاً في باب المختار من كتبه عليه السلام إن شاء اللَّه.
فلما قرأ الكتاب قام جرير فحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال:
أيها الناس إنّ أمر عثمان قد أعيا من شهده فما ظنّكم بمن غاب عنه، وإن الناس بايعوا عليّا غير واتر ولا موتور، وكان طلحة والزبير ممّن بايعه ثمّ نكثا بيعته على غير حدث ألا وإنّ هذا الدين لا يحتمل الفتن، ألا وإن العرب لا يحتمل السيف، وقد كانت بالبصرة أمس ملحمة أن يشفع البلاء بمثلها فلا بقاء للناس، وقد بايعت العامّة عليّاً ولو ملكنا اللَّه أمورنا لم نختر لها غيره ومن خالف هذا استعتب فادخل يا معاوية فيما دخل فيه الناس.
فإن قلت استعملني عثمان ثمّ لم يعزلني، فإن هذا أمر لو جاز لم يقم للَّه دين وكان لكل امرئ ما في يديه ولكن اللَّه جعل للآخر من الولاة حق الأوّل(3).
وجعل الأمور موطأة وحقوقا ينسخ بعضها بعضا، ثمّ قعد.
فقال معاوية: انظر وننظر واستطلع رأي أهل الشام.
فمضت أيّام وأمر معاوية مناديا ينادى الصلاة جامعة فلمّا اجتمع الناس صعد المنبر وقال بعد كلام طويل:
أيها الناس قد علمتم أنّي خليفة أميرالمؤمنين عمر بن الخطاب وخليفة أميرالمؤمنين عثمان بن عفان عليكم، وأنّي لم أقم رجلا منكم على خزاية قط،
ص: 174
وأني وليّ عثمان وقد قتل مظلوما واللَّه تعالى يقول: «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً»(1)وأنا أحبّ أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان.
فقام أهل الشام بأجمعهم فأجابوا إلى الطلب بدم عثمان، وبايعوه على ذلك وأوثقوا له على أن يبذلوا بين يديه أموالهم وأنفسهم حتّى يدركوا بثأره أو يفنى اللَّه أرواحهم.
قال نصر: فلما أمسى معاوية اغتمّ بما هو فيه وجنّه الليل وعنده أهل بيته واستحثه جرير بالبيعة فقال:
يا جرير إنّها ليست بخلسة وإنّه أمر له ما بعده فابلغ (فابلع خ ل) ريقي ودعا ثقاته فأشار عليه أخوه بعمرو بن العاص، وقال له إنه من قد عرفت، وقد اعتزل أمر عثمان في حياته وهو لأمرك أشد اعتزالا إلّا أن يثمن له دينه(2).
وروي أنّه عليه السلام لمّا أراد بعثه قال جرير: واللَّه يا أميرالمؤمنين ما أدّخرك من نصري شيئا وما أطمع لك في معاوية.
فقال عليه السلام: قصدي حجّة أقيمها ثمّ كتب معه فإنّ بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام إلى آخر ما مرّ برواية نصر بن مزاحم.
فأجابه معاوية: أمّا بعد فلعمري لو بايعك القوم الّذين بايعوك وأنت بري ء من دم عثمان كنت كأبي بكر وعمر وعثمان ولكنّك أغريت بعثمان وخذلت عنه الأنصار فأطاعك الجاهل وقوي بك الضعيف وقد أبى أهل الشام إلّا قتالك حتّى
ص: 175
تدفع إليهم قتلة عثمان فإن فعلت كانت شورى بين المسلمين ولعمري ما حجّتك عليّ كحجّتك على طلحة والزبير لأنّهما بايعاك ولم أبايعك ولا حجّتك على أهل الشام كحجّتك على أهل البصرة لأنّهم أطاعوك ولم يطعك أهل الشام فأمّا شرفك في الإسلام وقرابتك من النبيّ صلى الله عليه وآله وموضعك من قريش فلست أدفعه.
وكتب في آخر الكتاب قصيدة كعب بن جعيل:
أرى الشام يكره أهل العراق***وأهل العراق لها كارهونا(1)
ويروى أنّ الكتاب الّذي كتبه عليه السلام مع جرير كانت صورته: أنّي قد عزلتك ففوّض الأمر إلى جرير والسلام.
وقال لجرير: صن نفسك عن خداعه فإن سلّم إليك الأمر وتوجّه إليّ فأقم أنت بالشّام وإن تعلّل بشي ء فارجع فلمّا عرض جرير الكتاب على معاوية تعلّل بمشاورة أهل الشام وغير ذلك فرجع جرير وكتب معاوية في أثره في ظهر كتاب عليّ عليه السلام: من ولّاك حتّى تعزلني والسلام(2).
وقد ذكرنا في شرح الخطبة السادسة والعشرين رواية استدعائه عمرو بن العاص وما شرط له من ولاية مصر واستقدامه شرجيل بن السمط ودسس الرجال عليه يغرونه بعليّ عليه السلام ويشهدون عنده أنّه قتل عثمان حتّى ملئوا قلبه وصدره حقداً بما لا حاجة إلى اعادته.
فخرج شرحبيل فأتى حصين بن نمير فقال: ابعث إلى جرير فليأتنا فبعث إليه
ص: 176
حصين أن زرنا فإن عندنا شرحبيل بن السمط فاجتمعا عنده فتكلم شرحبيل فقال: يا جرير أتيتنا بأمر ملفف(1)لتلقينا في لهوات الأسد وأردت أن تخلط الشام بالعراق وأطريت عليا(2)وهو قاتل عثمان واللَّه سائلك عما قلت يوم القيامة فأقبل عليه جرير فقال: يا شرحبيل أما قولك إني جئت بأمر ملفف فكيف يكون أمرا ملففا وقد اجتمع عليه المهاجرون والأنصار وقوتل على رده طلحة والزبير وأمّا قولك إني ألقيتك في لهوات الأسد ففي لهواتها ألقيت نفسك وأما خلط العراق بالشام فخلطها على حق خير من فرقتها على باطل وأما قولك إن عليّاً قتل عثمان فو اللَّه ما في يديك من ذلك إلّا القذف (الرجم) بالغيب من مكان بعيد ولكنك ملت إلى الدنيا وشي ء كان في نفسك على زمن سعد بن أبي وقاص(3).
فبلغ معاوية قول الرجلين فبعث إلى جرير وزجره وكتب جرير إلى شرحبيل أبياتا يعظه فيها فذعر شرحبيل وفكر وقال: هذا نصيحة لي في ديني لا واللَّه لا اعجل في هذا الأمر لشي ء وكان يحول عن نصر معاوية فلفف معاوية له الرجال يدخلون إليه ويخرجون ويعظمون عنده قتل عثمان، حتّى أعادوا رأيه وشحذوا عزمه، ثمّ حثّه معاوية على السير في مداين الشام والنداء فيها انّ عليّاً قتل عثمان وأنّه يجب على المسلمين أن يطلبوا بدمه، فسار شرحبيل فبدء بأهل حمص فأجابه الناس كلّهم إلّا نساكاً من أهل حمص، فإنهم قاموا إليه فقالوا: بيوتنا قبورنا ومساجدنا وأنت أعلم بما ترى وجعل شرحبيل يستنهض مدائن الشام حتّى
ص: 177
استفرغها لا يأتي على قوم إلّا قبلوا ما أتاهم به فآيس جرير عند ذلك من معاوية ومن عوام أهل الشام(1).
ذكروا أنّ معاوية قال لجرير: إنّي قد رأيت رأياً. قال جرير: هات. قال: اكتب إلى عليّ أن يجعل لي الشام ومصر (جباية)، فإن حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده في عنقه بيعة، وأسلم إليه الأمر، واكتب إليه بالخلافة. قال جرير: اكتب ما شئت. وإنّما أراد معاوية في طلبه الشام ومصر ألّا يكون لعليّ في عنقة بيعة، وأن يخرج نفسه ممّا دخل فيه الناس، فكتب إلى عليّ عليه السلام يسأله ذلك، فلمّا أتى عليّاً عليه السلام كتاب معاوية عرف أنّها خدعة منه. فكتب إلى جرير: أمّا بعد، فإنّ معاوية إنّما أراد بما طلب ألّا يكون لي في عنقه بيعة، وأن يختار من أمره ما أحبّ، وقد كان المغيرة بن شعبة أشار عليّ وأنا بالمدينة أن أستعمله على الشام، فأبيت ذلك عليه، ولم يكن اللَّه ليراني أن أتّخذ المضلّين عضدا، فإن بايعك الرجل، وإلّا فأقبل(2).
أَوْ عَاصِياً
في حديث صالح بن صدقة قال: أبطأ جرير عند معاوية حتّى اتّهمه الناس و قال عليّ عليه السلام: قد وقت لجرير وقتاً لا يقيم بعده إلّا مخدوعاً أو عاصياً، وأبطأ على عليّ حتّى آيس منه(3).
ص: 178
وفي حديث محمد وصالح بن صدقة قالا: وكتب علي إلى جرير: أمّا بعد فإذا أتاك كتابي فاحمل معاوية على الفصل ثمّ خيره وخذه بالجواب بين حرب مخزية أو سلم محظية، فإن اختار الحرب فانبذ إليه، وإن اختار السلم فخذ بيعته والسلام.
ويأتي ذكر هذا الكتاب من السيّد في باب المختار من كتبه.
قال: فلمّا انتهى الكتاب إلى جرير أتى معاوية فأقرأه الكتاب فقال له: يا معاوية إنّه لا يطبع على قلب إلّا بذنب، ولا يشرح صدر إلّا بتوبة، ولا أظن قلبك إلّا مطبوعا أراك قد وقفت بين الحق والباطل كأنك تنتظر شيئا في يدي غيرك.
فقال معاوية: ألقاك بالفيصل أول مجلس إن شاء اللَّه(1).
فلما بايع معاوية أهل الشام وذاقهم قال: يا جرير الحق بصاحبك وكتب إليه بالحرب وكتب في أسفل كتابه بقول كعب بن جعيل:
أرى الشام تكره ملك العراق***وأهل العراق لها كارهونا
وقد مرّ تمام ذلك الشعر في شرح الكلام الثلاثين(2)
قال عوانة: لما قدم جرير على علي عليه السلام واخبره خبر معاوية واجتماع اهل الشام معه على قتاله وانهم يبكون على عثمان ويقولون: انّ عليّاً قتله وآوى قتلته، وانهم لا ينتهون عنه حتى يقتلهم أو يقتلوه، فقال الاشتر لعلي عليه السلام: قد كنت نهيتك ان تبعث جريراً، واخبرتك بعداوته وغشّه، ولو كنت بعثتني كان خيراً من هذا الذي أقام عنده حتى لم يدع بابا يرجوفتحه الّا فتحه، ولا بابا يخاف منه إلّا أغلقه.
فقال له جرير: لو كنت ثمّ لقتلوك، لقد ذكروا أنّك من قتلة عثمان، فقال الأشتر:
ص: 179
واللَّه يا جرير، لو أتيتهم لم يعيني جوابهم، ولحملت معاوية على خطّة أعجله فيها عن الفكر، ولو أطاعني فيك أميرالمؤمنين لحبسك وأشباهك في محبس لا تخرجون منه حتّى تستقيم هذه الأُمور. فخرج جرير إلى قرقيسيا وكتب إلى معاوية، فكتب إليه معاوية يأمره بالقدوم عليه(1).
وقال نصر بن مزاحم: لمّا رجع جرير إلى عليّ كثر قول الناس في التهمة لجرير في أمر معاوية فاجتمع جرير والأشتر عند عليّ عليه السلام فقال الأشتر: أما واللَّه يا أميرالمؤمنين لو كنت أرسلتني إلى معاوية لكنت خيراً لك من هذا الذي أرخى من خناقه وأقام عنده حتّى لم يدع باباً يرجو روحه(2)(فتحه ن ل) إلّا فتحه أو يخاف غمّه إلّا سدّه فقال جرير واللَّه لو أتيتهم لقتلوك وخوفه بعمرو وذي الكلاع وحوشب ذي ظليم(3)وقد زعموا أنّك من قتلة عثمان.
فقال الأشتر: لو أتيته واللَّه يا جرير لم يعيني جوابها ولم يثقل علي محملها ولحملت معاوية على خطة أعجله فيها عن الفكر قال فأتهم إذاً، قال الآن وقد أفسدتهم ووقع بينهم الشر.
وقال نصر: وروى الشعبي قال: اجتمع جرير والأشتر عند علي عليه السلام فقال الأشتر: أليس قد نهيتك يا أميرالمؤمنين أن تبعث جريرا وأخبرتك بعداوته وغشّه وأقبل الأشتر بشتمه ويقول يا أخا بجيلة إن عثمان اشترى منك دينك بهمدان واللَّه ما أنت بأهل أن تمشي فوق الأرض حيا إنما أتيتهم لتتخذ عندهم يدا بمسيرك إليهم ثمّ رجعت إلينا من عندهم تهدّدنا بهم وأنت واللَّه منهم ولا أرى سعيك إلّا لهم
ص: 180
ولئن أطاعني فيك أميرالمؤمنين ليحبسنك وأشباهك في محبس لا تخرجون منه حتّى تستبين هذه الأمور ويهلك اللَّه الظالمين(1).
قال جرير: وددت واللَّه إنك كنت مكاني بعثت إذا واللَّه لا ترجع، قال: فلمّا سمع جرير ذلك من قوله فارق عليّاً عليه السلام فلحق بقرقيسيا، ولحق به أناس من قسر من قومه فلم يشهد صفّين من قسر غير تسعة عشر رجلاً، ولكن شهدها من أحمس سبعمائة رجل(2)وخرج علي عليه السلام إلى دار جرير فهدمه وهدم دور قوم ممّن خرج معه حيث فارق عليّاً(3).
وروى الحارث بن حصين أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله دفع إلى جرير بن عبد اللَّه نعلين من نعاله وقال: احتفظ بهما فإن ذهابهما ذهاب دينك.
فلمّا كان يوم الجمل ذهبت إحداهما فلمّا أرسله علي عليه السلام إلى معاوية ذهبت الأخرى ثمّ فارق عليا واعتزل الحرب(4).
قال إسماعيل بن جرير: هدم عليّ دارنا مرّتين(5).
ترجمة جرير بن عبداللَّه البجلي
جرير بن عبداللَّه بن جابر بن مالك بن نضرة بن ثعلبة بن جشم بن عوف بن خزيمة بن حرب بن عليّ البجلي يكنّى أبا عمرو قيل أبا عبداللَّه الصحابي الشهير.
ص: 181
جزم ابن عبدالبرّ بأنّه أسلم قبل وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله بأربعين يوماً وهو غلط وان النبيّ صلى الله عليه وآله قال له استنصت الناس في حجّة الوداع وجزم الواقدي أنّه وفد على النبيّ في شهر رمضان سنة عشر(1).
وذكر الشيخ الطوسي في رجاله أنّه من أصحاب الرسول فقال: جرير بن عبداللَّه أبو عمرو ويقال أبو عباللَّه البجلي سكن الكوفة وقدم الشام برسالة أميرالمؤمنين عليه السلام إلى معاوية وأسلم في السنة التي قبض فيها النبيّ صلى الله عليه وآله وقيل أن طوله كان ستّة أذرع(2).
وفي حواشي الخلاصة للشهيد الثاني - أقول - إنّ إرسال أميرالمؤمنين وإن دلّ على مدحه أوّلاً، لكن مفارقته له ولحوقه بمعاوية ثانياً كما هو معلوم مشهور يدفع هذا المدح ويخرجه من هذا القسم وسيرته، وتخريب عليّ داره بالكوفة بعد لحوقه بمعاوية (لعنة اللَّه عليه) مشهورة(3).
وفي منتهى المقال قلت: وكذلك ما روي من أنّ مسجده بالكوفة من المساجد المحدثة فرحاً بقتل الحسين عليه السلام(4).
ومن المحتمل بنى مسجده بالكوفة محبوه لموته قبل شهادة مولانا الحسين أرواحنا فداه وكذلك انحرافه عن أهل البيت عليهم السلام، وروايته عن النبيّ صلى الله عليه وآله رؤية اللَّه سبحانه(5).
وخلط في عقله في آخر عمره(6).
ص: 182
درجة عداوته مع أميرالمؤمنين عليه السلام
عن الأصبغ قال أمرنا أمير المؤمنين عليه السلام بالمسير من الكوفة إلى المدائن فسرنا يوم الأحد وتخلف عنا عمرو بن حريث والأشعث بن قيس وجرير بن عبد اللَّه البجلي مع خمسة نفر فخرجوا إلى مكان بالحيرة يقال له الخورنق والسدير وقالوا إذا كان يوم الجمعة لحقنا عليا قبل أن يجمع الناس فصلينا معه فبيناهم جلوس وهم يتغدون إذ خرج عليهم ضب فاصطادوه فأخذه عمرو بن حريث فبسط كفه فقال بايعوا هذا أمير المؤمنين فبايعه الثمانية ثمّ أفلتوه وارتحلوا وقالوا إن علي بن أبي طالب يزعم أنه يعلم الغيب فقد خلعناه وبايعنا مكانه ضبا فقدموا المدائن يوم الجمعة فدخلوا المسجد وأمير المؤمنين عليه السلام يخطب على المنبر فقال عليه السلام إن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أسر إلي حديثا كثيرا في كل حديث باب يفتح كل باب ألف باب إن اللَّه تعالى يقول في كتابه العزيز «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ»(1)وأنا أقسم باللَّه ليبعثن يوم القيامة ثمانية نفر من هذه الأمة إمامهم ضب ولو شئت أن أسميهم لفعلت(2)الخبر.
ثمّ إنّه بعد رجوعه إلى العراق لم يطل به المقام حتّى هرب إلى معاوية أو إلى قرقيسيا وهي أيضاً من البلدان الخاضعة لسلطان معاوية وتوفّي سنة إحدى وخمسين وقيل أربع وخمسين(3).
ص: 183
عن أبي جعفر الثاني عن آبائه عليهم السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: التدبير قبل العمل يؤمنك من الندم(1).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: يا أبا ذر لا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف ولا حسب كحسن الخلق(2).
عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: مع التثبت تكون السلامة (مع التدبير) ومع العجلة تكون الندامة ومن ابتدأ بعمل في غير وقته كان بلوغه في غير حينه(3).
وروى انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أوصى إلى رجل وقال له فانّي اوصيك إذا أنت هممت بأمر فتدبّر عاقبته فان يك رشداً فامضه، وإن يك غيّاً فانته عنه(4).
وفيما أوصى به أميرالمؤمنين عليه السلام عند وفاته انهاك عن التسرّع بالقول والفعل(5).
عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إنّما أهلك الناس العجلة ولو أنّ الناس تثبتوا لم يهلك أحد(6).
عن أبي النعمان عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: الأناة من اللَّه والعجلة من الشيطان(7).
ص: 184
قال تعالى: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ»(1)الآية.
الأنف قد يجي ء في قبال العين - كما هنا - وقد يجي ء في مقابل الذنب، كقول الشاعر:
قوم هم الأنف، والأذناب غيرهم***ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا(2)
وقال عليه السلام نظير هذا الكلام لأبي مسلم الخولاني لمّا جاء بكتاب معاوية إليه، ففي (أخبار الطوال) قال أبو مسلم له عليه السلام: ادفع إلينا قتلة عثمان، وأنت أميرنا، فإن خالفنا (خالفك) أحد من الناس كانت أيدينا لك ناصرة فقال عليه السلام له: «إنّي ضربت أنف هذا الأمر وعينه، فلم يستقم دفعهم إليك ولا إلى غيرك»(3).
خرج رجل من أهل الشام ينادي بين الصفين: يا أبا الحسن يا علي ابرز إلي قال: فخرج إليه علي حتّى إذا اختلف أعناق دابتيهما بين الصفين فقال: يا علي إن لك قدما في الإسلام وهجرة فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء وتأخير هذه الحروب حتّى ترى من رأيك؟ فقال له علي: وما ذاك؟ قال:
ص: 185
ترجع إلى عراقك فنخلي بينك وبين العراق ونرجع إلى شامنا فتخلي بيننا وبين شامنا فقال له علي: لقد عرفت إنّما عرضت هذا نصيحة وشفقة ولقد أهمني هذا الأمر وأسهرني وضربت أنفه وعينيه فلم أجد إلّا القتال أو الكفر بما أنزل اللَّه على محمد صلى الله عليه وآله إن اللَّه تبارك وتعالى لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر فوجدت القتال أهون علي من معالجة الأغلال في جهنم(1).
وكيف يترك عليه السلام قتالهم وكان اللَّه تعالى عيّنه على لسان نبيّه صلى الله عليه وآله لقتال الناكثين والقاسطين والمارقين(2)، والقاسطون: معاوية وأهل الشام.
وأمره اللَّه تعالى بجهاد المنافقين عوضا عن نبيّه صلى الله عليه وآله حيث كان نفس نبيّه صلى الله عليه وآله بقوله تعالى: «...وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ...»(3)، وقد قال جلّ وعلا لنبيّه صلى الله عليه وآله: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ...»(4)ولم يجاهد النبيّ صلى الله عليه وآله غير الكفّار، فلابدّ أنّه صلّى اللَّه عليه وآله فوّض إليه جهاد المنافقين. ومعاوية وأصحابه كانوا رؤوس المنافقين(5).
عن مجاهد عن ابن عبّاس قال: لمّا نزلت «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ...»قال النبيّ صلى الله عليه وآله: لأجاهدنّ العمالقة - يعني الكفّار والمنافقين - فأتاه جبرئيل عليه السلام و ال: أنت أو علي(6).
ص: 186
عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عليه السلام قَالَ: قَالَ: بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً صلى الله عليه وآله بِخَمْسَةِ أَسْيَافٍ ثَلاثَةٌ مِنْهَا شَاهِرَةٌ وَسَيْفٌ مِنْهَا مَكْفُوفٌ وَسَيْفٌ مِنْهَا مَغْمُودٌ سَلُّهُ إِلَى غَيْرِنَا وَحُكْمُهُ إِلَيْنَا ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا السَّيْفُ الْمَكْفُوفُ فَسَيْفٌ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ وَالتَّأْوِيلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى «وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ»(1)فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ بَعْدِي عَلَى التَّأْوِيلِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى التَّنْزِيلِ فَسُئِلَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ خَاصِفُ النَّعْلِ يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ قَاتَلْتُ بِهَذِهِ الرَّايَةِ مَعَ النَّبِيِ صلى الله عليه وآله ثَلاثاً وَهَذِهِ الرَّابِعَةُ وَاللَّهِ لَوْ ضرَبُونَا حَتَّى بَلَغُوا بِنَا السَّعَفَاتِ مِنْ هَجَرَ لَعَلِمْنَا أَنَّا عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ(2)الْخَبَرَ.
قال عليّ عليه السلام: أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين(3).
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ يُوحَى إِلَيْهِ وَإِذَا حَيَّةٌ فِي جَانِبِ الْبَيْتِ فَكَرِهْتُ أَنْ أَقْتُلَهَا فَأُوقِظَهُ فَاضْطَجَعْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيَّةِ حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهَا سُوءٌ يَكُونُ لِي دُونَهُ فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَتْلُو هَذِهِ الآْيَةَ: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ»(4)ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ للَّهِ ِ الَّذِي أَكْمَلَ لِعَلِيٍّ مِنَّتَهُ وَهَنِيئاً لِعَلِيٍّ بِتَفْضِيلِ اللَّهِ إِيَّاهُ ثُمَّ الْتَفَتَ فَرَآنِي إِلَى جَانِبِهِ فَقَالَ مَا أَضْجَعَكَ هَاهُنَا يَا أَبَا رَافِعٍ
ص: 187
فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرَ الْحَيَّةِ فَقَالَ: قُمْ إِلَيْهَا فَاقْتُلْهَا فَقَتَلْتُهَا ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله بِيَدِي فَقَالَ: يَا أَبَا رَافِعٍ كَيْفَ أَنْتَ وَقَوْمٌ يُقَاتِلُونَ عَلِيّاً [وَ] هُوَ عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ يَكونُ حقاً فِي اللَّهِ جِهَادُهُمْ فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ جِهَادَهُمْ فَبِقَلْبِهِ فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ شَيْ ءٌ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ لِي إِنْ أَدْرَكْتُهُمْ أَنْ يُعِينَنِيَ اللَّهُ وَيُقَوِّيَنِي عَلَى قِتَالِهِمْ فَقَالَ: اللّهُمَّ إِنْ أَدْرَكَهُمْ فَقَوِّهِ وَأَعِنْهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى أَمِينِي عَلَى نَفْسِي وَأَهْلِي فَهَذَا أَبُو رَافِعٍ أَمِينِي عَلَى نَفْسِي.
قَالَ عَوْنُ بْنُ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ: فَلَمَّا بُويِعَ عَلِيٌ عليه السلام وَخَالَفَهُ مُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ وَسَارَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ إِلَى الْبَصْرَةِ قَالَ أَبُو رَافِعٍ: هَذَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: سَيُقَاتِلُ عَلِيّاً قَوْمٌ يَكُونُ حَقّاً فِي اللَّهِ جِهَادُهُمْ.
فَبَاعَ أَرْضَهُ بِخَيْبَرَ وَدَارَهُ ثُمَّ خَرَجَ مَعَ عَلِيٍ عليه السلام وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً وَقَالَ: الْحَمْدُ للَّهِ ِ لَقَدْ أَصْبَحْتُ وَلا أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي لَقَدْ بَايَعْتُ الْبَيْعَتَيْنِ بَيْعَةَ الْعَقَبَةِ وَبَيْعَةَ الرِّضْوَانِ وَصَلَّيْتُ الْقِبْلَتَيْنِ وَهَاجَرْتُ الْهِجَرَ الثَّلاثَ قُلْتُ: وَمَا الْهِجَرُ الثَّلاثُ؟ قَالَ: هَاجَرْتُ مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ (رحمه اللَّه) إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَهَاجَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِلَى الْمَدِينَةِ وَهَذِهِ الْهِجْرَةُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام إِلَى الْكُوفَةِ فَلَمْ يَزَلْ مَعَ عَلِيٍّ حَتَّى اسْتُشْهِدَ عَلِيٌّ فَرَجَعَ أَبُو رَافِعٍ إِلَى الْمَدِينَةِ مَعَ الْحَسَنِ عليه السلام وَلا دَارَ لَهُ بِهَا وَلا أَرْضَ فَقَسَمَ لَهُ الْحَسَنُ دَارَ عَلِيٍّ بِنِصْفَيْنِ وَأَعْطَاهُ سِنْخَ (سنح) أَرْضٍ أَقْطَعَهُ إِيَّاهَا فَبَاعَهَا عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِمِائَةِ أَلْفٍ وَسَبْعِينَ أَلْفاً(1).
ص: 188
نسب معاوية وأسلافه وحالاته
نحن نتكلّم أوّلاً في نسب معاوية ثمّ في أسلافه ثمّ في حالاته وما ورد فيه فيقع البحث في أُمور:
الأمر الأوّل في البحث عن نسبه:
قال الشارح المعتزلي في شرحه: هو أبو عبدالرحمن، معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي وهي أم أخيه عتبة بن أبي سفيان.
فأما يزيد بن أبي سفيان و محمد بن أبي سفيان وعنبسة بن أبي سفيان وحنظلة بن أبي سفيان وعمرو بن أبي سفيان فمن أمهات شتى.
وأبو سفيان هو الذي قاد قريشا في حروبها إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو رئيس بني عبد شمس بعد قتل عتبة بن ربيعة ببدر ذاك صاحب العير وهذا صاحب النفير وبهما يضرب المثل فيقال للخامل لا في العير ولا في النفير(1).
وإنما كان أبو سفيان صاحب العير لأنه هو الذي قدم بالعير التي رام رسول اللَّه صلى الله عليه وآله و أصحابه أن يعترضوها وكانت قادمة من الشام إلى مكة تحمل العطر والبر فنذر بهم أبو سفيان فضرب وجوه العير إلى البحر فساحل بها حتّى أنقذها منهم وكانت وقعة بدر العظمى لأجلها لأن قريشا أتاهم النذير بحالها وبخروج النبي صلى الله عليه وآله بأصحابه من المدينة في طلبها لينفروا وكان رئيس الجيش النافر لحمايتها عتبة بن ربيعة بن شمس جد معاوية لأمّه(2).
ص: 189
قال ابن أبي الحديد: وكانت هند تذكر في مكّة بفجور وعهر(1).
وقال الزمخشري: كان معاوية يعزى إلى أربعة إلى مسافر بن أبي عمرو وإلى عمارة بن الوليد بن المغيرة وإلى العباس بن عبد المطلب وإلى الصباح مغن كان لعمارة بن الوليد قال وكان أبو سفيان دميما قصيرا وكان الصباح عسيفا(2) لأبي سفيان شابا وسيما فدعته هند إلى نفسها فغشيها.
وقالوا: إن عتبة بن أبي سفيان من الصباح أيضا وقالوا: إنها كرهت أن تدعه في منزلها فخرجت إلى أجياد فوضعته هناك وفي هذا المعنى يقول حسان أيام المهاجاة بين المسلمين والمشركين في حياة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قبل عام الفتح:
لمن الصبي بجانب البطحاء***في الترب ملقى غير ذي مهد
نجلت به(3)بيضاء آنسة***من عبد شمس صلته الخد(4)
الأمر الثاني: في بيان بعض ما ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله والأئمّة المعصومين عليهم السلام في لعنه والبرائة منه.
عَنْ عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ الْبَجَلِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: فَلَمَّا نَظَرَ عَلِيٌ عليه السلام إِلَى رَايَاتِ مُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ قَالَ وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا أَسْلَمُوا وَلَكِنِ اسْتَسْلَمُوا وَأَسَرُّوا الْكُفْرَ فَلَمَّا وَجَدُوا عَلَيْهِ أَعْوَاناً رَجَعُوا إِلَى عَدَاوَتِهِم مِنّا(5).
ص: 190
عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: إِذَا رَأَيْتُمْ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ وَإِذَا رَأَيْتُمُ الْحَكَمَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ وَلَوْ تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَاقْتُلُوه(1).
وروى صاحب كتاب الغارات عن الأعمش عن أنس بن مالك قال سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: سيظهر على الناس رجل من أمتي عظيم السرم واسع البلعوم يأكل ولا يشبع يحمل وزر الثقلين يطلب الإمارة يوما فإذا أدركتموه فابقروا بطنه قال: وكان في يد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قضيب قد وضع طرفه في بطن معاوية(2).
عن عبداللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان يخطب على منبري فاضربوا عنقه. قال الحسن فما فعلوا ولا أفلحوا(3).
عن الحسن قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقتلوه. قال: فحدّثني بعضهم قال: قال أبو سعيد الخدري: فلم نفعل ولم نفلح(4).
عن عبداللَّه بن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: يموت معاوية على غير الإسلام(5).
وعن عبداللَّه بن عمر قال: أتيت النبيّ صلى الله عليه وآله فسمعته يقول: يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت حين يموت وهو على غير سنّتي. فشقّ عليّ ذلك وتركت أبي يلبس ثيابه ويجي ء فطلع معاوية(6).
ص: 191
عن جابر بن عبداللَّه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: يموت معاوية على غير ملّتي(1).
وروى أحمد بن أبي طاهر في كتاب الملوك أنّ معاوية سمع المؤذّن يقول أشهد أن لا إله إلّا اللَّه فقالها فقال أشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه فقال للَّه أبوك يابن عبداللَّه لقد كنت عالي الهمّة ما رضيت لنفسك إلّا أن يقرن اسمك باسم ربّ العالمين(2).
وقال في موضع آخر معاوية عند أصحابنا مطعون في دينه منسوب إلى الإلحاد(3).
مِنْ كِتَابِ الْمُوَفَّقِيَّاتِ لِلزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ الزُّبَيْرِيِّ عَنْ رِجَالِهِ قَالَ قَالَ مُطَرِّفُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَفَدْتُ مَعَ أَبِي الْمُغِيرَةِ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَكَانَ أَبِي يَأْتِيهِ فَيَتَحَدَّثُ مَعَهُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ إِلَيَّ فَيَذْكُرُ مُعَاوِيَةَ وَيَذْكُرُ عَقْلَهُ وَيُعْجَبُ بِمَا يَرَى مِنْهُ إِذْ جَاءَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَأَمْسَكَ عَنِ الْعَشَاءِ وَرَأَيْتُهُ مُغْتَمّاً فَانْتَظَرْتُهُ سَاعَةً وَظَنَنْتُ أَنَّهُ لِشَيْ ءٍ حَدَثَ فِينَا وَفِي عَمَلِنَا فَقُلْتُ مَا لِي أَرَاكَ مُغْتَمّاً مُنْذُ اللَّيْلَةِ فَقَالَ يَا بُنَيَّ جِئْتُ مِنْ عِنْدِ أَخْبَثِ النَّاسِ قُلْتُ وَمَا ذَاكَ قَالَ قُلْتُ لَهُ وَخَلَوْتُ بِهِ إِنَّكَ قَدْ بَلَغْتَ سِنّاً فَلَوْ أَظْهَرْتَ عَدْلاً وَبَسَطْتَ خَيْراً فَإِنَّكَ قَدْ كَبِرْتَ وَلَوْ نَظَرْتَ إِلَى إِخْوَتِكَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَوَصَلْتَ أَرْحَامَهُمْ فَوَ اللَّهِ مَا عِنْدَهُمُ الْيَوْمَ شَيْ ءٌ تَخَافُهُ فَقَالَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ مَلِكَ أَخُو تَيْمٍ فَعَدَلَ وَفَعَلَ مَا فَعَلَ فَوَ اللَّهِ مَا عَدَا أَنْ هَلَكَ فَهَلَكَ ذِكْرُهُ إِلّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ مَلِكَ أَخُو بَنِي عَدِيٍّ فَاجْتَهَدَ وَشَمَّرَ عَشْرَ سِنِينَ فَوَ اللَّهِ مَا عَدَا أَنْ هَلَكَ فَهَلَكَ ذِكْرُهُ إِلّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ عُمَرُ ثُمَّ مَلِكَ عُثْمَانُ فَهَلَكَ رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي مِثْلِ نَسَبِهِ وَفَعَلَ مَا فَعَلَ وَعُمِلَ بِهِ مَا
ص: 192
عُمِلَ فَوَ اللَّهِ مَا عَدَا أَنْ هَلَكَ فَهَلَكَ ذِكْرُهُ وَذِكْرُ مَا فُعِلَ بِهِ وَإِنَّ أَخَا بَنِي هَاشِمٍ يُصَاحُ بِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ فَأَيُّ عَمَلٍ يَبْقَى بَعْدَ هَذَا لا أُمَّ لَكَ لا وَاللَّهِ إِلّا دَفْناً دَفْناً(1).
قال المجلسي قدس سره: أي أقتلهم وأدفنهم دفنا أو أدفن وأخفي ذكرهم وفضائلهم وهو أظهر(2).
المحاضرات عن الراغب قال أميرالمؤمنين عليه السلام: لا يموت ابن هند حتّى يعلق الصليب في عنقه وقد رواه الأحنف بن قيس وابن شهاب الزهري والأعثم الكوفي وأبو حيان التوحيدي وأبو الثلاج في جماعة فكان كما قال عليه السلام(3).
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: أَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ وَمُعَاوِيَةُ يَتْبَعُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: اللَّهُمَّ الْعَنِ التَّابِعَ وَالْمَتْبُوعَ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالْأُقَيْعِسِ قَالَ ابْنُ الْبَرَاءِ لأَبِيهِ مَنِ الْأُقَيْعِسُ قَالَ مُعَاوِيَةُ(4).
قال الصدوق قدس سره: الأقيعس تصغير الأقعس وهو الملتوي العنق(5).
عن ابن عمر: ايم اللَّه ما يمنعني أن أحدثكم ما سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال فيه، رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أرسل إليه يدعوه وكان يكتب بين يديه فجاء الرسول فقال
ص: 193
هو يأكل فأعاد عليه الرسول الثالثة (ثانية وثالثة) فقال: هو يأكل فقال صلى الله عليه وآله: لا أشبع اللَّه بطنه فهل ترونه يشبع.
قال: وخرج معاوية من فج قال: فنظر اليه رسول اللَّه وإلى أبي سفيان وهو راكب ومعاوية وأخوه أحدهما قائد والآخر سائق فلمّا نظر إليهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: اللهمّ العن القائد والسائق والراكب قلنا: أنت سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله؟ قال: نعم وإلّا فصمتا أذناي كما عميتا عيناي(1).
عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَ صلى الله عليه وآله يَقُولُ: مِنْ شَرِّ خَلْقِ اللَّهِ خَمْسَةٌ إِبْلِيسُ وَابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رَدَّهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَرَجُلٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يُبَايَعُ عَلَى كُفْرٍ عِنْدَ بَابِ لُدٍّ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُ مُعَاوِيَةَ يُبَايَعُ عِنْدَ بَابِ لُدٍّ ذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَلَحِقْتُ بِعَلِيٍ عليه السلام فَكُنْتُ مَعَهُ(2).
قال الفيروزآبادي لد بالضم قرية بفلسطين يقتل عيسى عليه السلام الدجّال عند بابها(3).
عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: إِنَّ مُعَاوِيَةَ أَوَّلُ مَنْ عَلَّقَ عَلَى بَابِهِ مِصْرَاعَيْنِ بِمَكَّةَ - إلى أن قال: - وَكَانَ مُعَاوِيَةُ صَاحِبَ السِّلْسِلَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ»(4)وَكَانَ فِرْعَوْنَ هَذِهِ الْأُمَّةِ(5).
ص: 194
عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَاحِبُ السِّلْسِلَةِ وَهُوَ فِرْعَوْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ(1).
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ فِي تَابُوتٍ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَوْ لا كَلِمَةُ فِرْعَوْنَ «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى»(2)مَا كَانَ أَحَدٌ أَسْفَلَ مِنْ مُعَاوِيَةَ(3).
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا بَيْنَ تَابُوتِ مُعَاوِيَةَ وَتَابُوتِ فِرْعَوْنَ إِلّا دَرَجَةٌ وَمَا انْخَفَضَتْ تِلْكَ الدَّرَجَةُ إِلّا لأَنَّهُ قَالَ: «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى»(4).
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ تَابُوتَ مُعَاوِيَةَ فِي النَّارِ فَوْقَ تَابُوتِ فِرْعَوْنَ وَذَلِكَ بِأَنَّ فِرْعَوْنَ قَالَ: «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى»(5).
هنا لا بأس ما أورده الطبري عن المعتضد العبّاسي في لعن معاوية بن أبي سفيان على المنابر وكذلك ما روى عن أبي عبداللَّه الحسين في مطاعنه ومفاسده تأييداً لما ذكرناه وتشييداً لما اصّلناه مضافاً إلى ما في هذه المكتوبات والتوقيعات من الحقائق التي لا توجد في غيرها.
أمّا مكتوب المعتضد فقد روى الطبري: في هذه السنة [284] عزم المعتضد على لعن معاوية بن أبي سفيان على المنابر وأمر بإنشاء كتاب يقرأ على الناس فخوفه عبيد اللَّه بن سليمان اضطراب العامّة وأنّه لا يأمن أن تكون فتنة فلم يلتفت إليه فكان أول شي ء بدأ به المعتضد من ذلك بالتقدم إلى العامّة بلزوم أعمالهم وترك الاجتماع والقضيّة (العصبية) والشهادات عند السلطان إلّا أن يسألوا بمنع
ص: 195
القصاص عن القعود على الطرقات وأنشأ هذا الكتاب وعملت به نسخ قرئت بالجانبين من مدينة السلام في الأرباع والمحال والأسواق يوم الأربعاء لست بقين من جمادى الأولى من هذه السنة ثمّ منع يوم الجمعة لأربع بقين منها ومنع القصاص من القعود في الجانبين ومنع أهل الحلق في الفتيا أو غيرهم من القعود في المسجدين ونودي في المسجد الجامع بنهي الناس عن الاجتماع وغيره وبمنع القصاص وأهل الحلق من القعود ونودي إن الذمة قد برئت ممن اجتمع من الناس في مناظرة أو جدال وتقدم إلى الشراب الذين يسقون الماء في الجامعين ألا يترحموا على معاوية ولا يذكروه بخير وكانت عادتهم جارية بالترحم عليه وتحدث الناس أن الكتاب الذي قد أمر المعتضد بإنشائه بلعن معاوية يقرأ بعد صلاة الجمعة على المنبر فلمّا صلّى الناس بادروا إلى المقصورة ليسمعوا قراءة الكتاب فلم يقرأ(1).(2)
ص: 196
وقيل إن عبيداللَّه بن سليمان صرفه عن قراءته وأنه أحضر يوسف بن يعقوب القاضي وأمره أن يعمل الحيلة في إبطال ما عزم المعتضد عليه فمضى يوسف فكلّم المعتضد في ذلك وقال له: إنّي أخاف أن تضطرب العامّة ويكون منها عند سماعها هذا الكتاب حركة فقال: إن تحركت العامّة أو نطقت وضعت السيف فيها فقال: يا
ص: 197
أميرالمؤمنين فما تصنع بالطالبيين الذين يخرجون في كل ناحية ويميل إليهم خلق كثير لقرابتهم من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وما في هذا الكتاب من إطرائهم أو كما قال وإذا سمع الناس هذا كانوا إليهم أميل وكانوا هم أبسط ألسنة وأثبت حجة منهم اليوم فأمسك المعتضد فلم يرد إليه جوابا ولم يأمر بعد ذلك في الكتاب بشي ء(1).
وكان من جملة الكتاب بعد أن قدم حمد اللَّه والثناء عليه والصلاة على رسوله صلى الله عليه وآله: أما بعد فقد انتهى إلى أميرالمؤمنين ما عليه جماعة العامّة من شبهة قد دخلتهم في أديانهم وفساد قد لحقهم في معتقدهم وعصبية قد غلبت عليها أهواؤهم ونطقت بها ألسنتهم على غير معرفة ولا روية قد قلدوا فيها قادة الضلالة بلا بينة ولا بصيرة وخالفوا السنن المتبعة إلى الأهواء المبتدعة قال اللَّه تعالى: «وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ»(2).
خروجا عن الجماعة ومسارعة إلى الفتنة وإيثارا للفرقة وتشتيتا للكلمة وإظهارا لموالاة من قطع اللَّه عنه الموالاة وبتر منه العصمة وأخرجه من الملة وأوجب عليه اللعنة وتعظيما لمن صغر اللَّه حقه وأوهن أمره وأضعف ركنه من بني أمية الشجرة الملعونة ومخالفة لمن استنقذهم اللَّه به من الهلكة وأسبغ عليهم به النعمة من أهل بيت البركة والرحمة «وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ»(3).
فأعظم أميرالمؤمنين ما انتهى إليه من ذلك ورأى ترك إنكاره حرجا عليه في
ص: 198
الدين وفسادا لمن قلده اللَّه أمره من المسلمين وإهمالا لما أوجبه اللَّه عليه من تقويم المخالفين وتبصير الجاهلين وإقامة الحجة على الشاكين وبسط اليد على المعاندين وأمير المؤمنين يخبركم معاشر المسلمين أن اللَّه جل ثناؤه لما ابتعث محمدا صلى الله عليه وآله بدينه وأمره أن يصدع بأمره بدأ بأهله وعشيرته فدعاهم إلى ربه وأنذرهم وبشرهم ونصح لهم وأرشدهم فكان من استجاب له وصدق قوله واتبع أمره نفر يسير من بني أبيه من بين مؤمن بما أتى به من ربه وناصر لكلمته وإن لم يتبع دينه إعزازا له وإشفاقا عليه فمؤمنهم مجاهد ببصيرته وكافرهم مجاهد بنصرته وحميته يدفعون من نابذه ويقهرون من عابه وعانده ويتوثقون له ممن كانفه وعاضده ويبايعون له من سمح له بنصرته ويتجسسون أخبار أعدائه ويكيدون له بظهر الغيب كما يكيدون له برأي العين حتّى بلغ المدى وحان وقت الاهتداء فدخلوا في دين اللَّه وطاعته وتصديق رسوله والإيمان به بأثبت بصيرة وأحسن هدى ورغبة فجعلهم اللَّه أهل بيت الرحمة وأهل بيت الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا معدن الحكمة وورثة النبوة وموضع الخلافة أوجب اللَّه لهم الفضيلة وألزم العباد لهم الطاعة(1).
ص: 199
وكان ممن عانده وكذبه وحاربه من عشيرته العدد الكثير والسواد الأعظم يتلقونه بالضرر والتثريب ويقصدونه بالأذى والتخويف وينابذونه بالعداوة وينصبون له المحاربة ويصدون عنه من قصده وينالون بالتعذيب من اتبعه وكان أشدهم في ذلك عداوة وأعظمهم له مخالفة أولهم في كل حرب ومناصبة ورأسهم في كل إجلاب وفتنة لا يرفع على الإسلام راية إلّا كان صاحبها وقائدها ورئيسها أبا سفيان بن حرب صاحب أحد والخندق وغيرهما وأشياعه من بني أمية الملعونين في كتاب اللَّه ثمّ الملعونين على لسان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في مواطن عدة لسابق علم اللَّه فيهم وماضي حكمه في أمرهم وكفرهم ونفاقهم فلم يزل لعنه اللَّه يحارب مجاهدا ويدافع مكايدا ويجلب منابذا حتّى قهره السيف وعلا أمر اللَّه وهم كارهون فتعوذ بالإسلام غير منطو عليه وأسر الكفر غير مقلع عنه فعرفه بذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقبله وقبل ولده على علم منه بحاله وحالهم ثمّ أنزل اللَّه تعالى كتابا فيما أنزله على رسوله يذكر فيه شأنهم(1)وهو قوله تعالى: «وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي
ص: 200
الْقُرْآنِ»ولا خلاف بين أحد في أنه تعالى وتبارك أراد بها بني أمية.
ومما ورد من ذلك في السنة ورواه ثقات الأمة قول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فيه وقد رآه مقبلاً على حمار ومعاوية يقوده ويزيد يسوقه: لعن اللَّه الراكب والقائد والسائق.
ومنه ما روته الرواة عنه من قوله يوم بيعة عثمان تلقفوها يا بني عبد شمس تلقف الكرة فو اللَّه ما من جنة ولا نار وهذا كفر صراح يلحقه اللعنة من اللَّه كما لحقت «الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ»(1).
ومنه ما يروى من وقوفه على ثنية أحد من بعد ذهاب بصره وقوله لقائده هاهنا رمينا محمدا وقتلنا أصحابه(2).
ومنها: الكلمة التي قالها للعباس قبل الفتح وقد عرضت عليه الجنود لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما فقال له العباس ويحك إنه ليس بملك إنها النبوة.
ومنها: قوله يوم الفتح وقد رأى بلالا على ظهر الكعبة يؤذن ويقول أشهد أن محمدا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لقد أسعد اللَّه عتبة بن ربيعة إذ لم يشهد هذا المشهد(3).
ومنها: الرؤيا التي رآها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فوجم لها قالوا فما رئي بعدها ضاحكا رأى نفرا من بني أمية ينزون على منبره نزوة القردة(4).
ص: 201
ومنها: طرد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله الحكم بن أبي العاص لمحاكاته إياه في مشيته وألحقه اللَّه بدعوة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله آفة باقية حين التفت إليه فرآه يتخلج يحكيه فقال كن كما أنت فبقي على ذلك سائر عمره.
هذا إلى ما كان من مروان ابنه في افتتاحه أول فتنة كانت في الإسلام واحتقابه(1)كل حرام سفك فيها أو أريق بعدها.
ومنها: ما أن زل اللَّه تعالى على نبيه صلى الله عليه وآله: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ»(2)قالوا ملك بني أمية.
ومنها: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله دعا معاوية ليكتب بين يديه فدافع بأمره واعتل بطعامه فقال صلى الله عليه وآله: لا أشبع اللَّه بطنه فبقي لا يشبع وهو يقول واللَّه ما أترك الطعام شبعا ولكن إعياء.
ومنها: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال يطلع من هذا الفج رجل من أمتي يحشر على غير ملتي فطلع معاوية.
ومنها: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه.
ومنها: الحديث المشهور المرفوع أنه صلى الله عليه وآله قال: إن معاوية في تابوت من نار في أسفل درك من جهنم ينادي يا حنان يا منان فيقال له: «آلآْنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ»(3)
ومنها: افتراؤه بالمحاربة لأفضل المسلمين في الإسلام مكانا وأقدمهم إليه
ص: 202
سبقا وأحسنهم فيه أثرا وذكرا علي بن أبي طالب ينازعه حقه بباطله ويجاهد أنصاره بضلاله أعوانه ويحاول ما لم يزل هو وأبوه يحاولانه من إطفاء نور اللَّه وجحود دينه «وَيَأْبَى اللَّهُ إِلّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ»ويستهوي أهل الجهالة ويموه لأهل الغباوة بمكره وبغيه الذين قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله الخبر عنهما فقال لعمار بن ياسر: تقتلك الفئة الباغية تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار مؤثرا للعاجلة كافرا بالآجلة خارجا من ربقة (طريقة) الإسلام مستحلا للدم الحرام حتّى سفك في فتنته وعلى سبيل غوايته وضلالته دماء ما لا يحصى عدده من أخيار المسلمين الذابين عن دين اللَّه والناصرين لحقه مجاهدا في عداوة اللَّه مجتهدا في أن يعصى اللَّه فلا يطاع وتبطل أحكامه فلا تقام ويخالف دينه فلايدان وأن تعلو كلمة الضلال وترتفع دعوة الباطل وكلمة اللَّه هي العليا ودينه المنصور وحكمه النافذ وأمره الغالب وكيد من عاداه وحاده المغلوب الداحض حتّى احتمل أوزار تلك الحروب وما تبعها وتطوق تلك الدماء وما سفك بعدها وسن سنن الفساد التي عليه إثمها وإثم من عمل بها وأباح المحارم لمن ارتكبها ومنع الحقوق أهلها وغرته الآمال واستدرجه الإمهال وكان مما أوجب اللَّه عليه به اللعنة قتله من قتل صبرا(1)من خيار
ص: 203
الصحابة والتابعين وأهل الفضل والدين مثل عمرو بن الحمق الخزاعي وحجر بن عدي الكندي فيمن قتل من أمثالهم على أن تكون له العزة والملك والغلبة ثمّ ادعاؤه زياد ابن سمية أخا ونسبته إياه إلى أبيه واللَّه تعالى يقول: «ادْعُوهُمْ لآِبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ»(1)ورسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: ملعون من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه(2)وقال: الولد للفراش وللعاهر الحجر فخالف حكم اللَّه تعالى ورسوله جهارا وجعل الولد لغير الفراش والحجر لغير العاهر فأحل بهذه الدعوة من محارم اللَّه ورسوله في أم حبيبة أم المؤمنين وفي غيرها من النساء من شعور ووجوه قد حرمها اللَّه وأثبت بها من قربى قد أبعدها اللَّه ما لم يدخل الدين خلل مثله ولم ينل الإسلام تبديل يشبهه(3).
ومن ذلك إيثاره لخلافة اللَّه على عباده ابنه يزيد السكير الخمير صاحب الديكة والفهود والقردة وأخذ البيعة له على خيار المسلمين بالقهر والسطوة والتوعد والإخافة والتهديد والرهبة وهو يعلم سفهه ويطلع على رهقه وخبثه ويعاين سكراته وفعلاته وفجوره وكفره فلما تمكن قاتله اللَّه فيما تمكن منه وعصى اللَّه ورسوله فيه طلب بثارات المشركين وطوائلهم عند المسلمين فأوقع بأهل المدينة
ص: 204
في وقعة الحرة الوقعة التي لم يكن في الإسلام أشنع منها ولا أفحش فشفى بذلك عند نفسه غليله وظن أنه قد انتقم من أولياء اللَّه وبلغ الثأر لأعداء اللَّه فقال مجاهرا بكفره ومظهرا لشركه:
ليت أشياخي ببدر شهدوا***جزع الخزرج من وقع الأسل
هذا قول من لا يرجع إلى اللَّه ولا إلى دينه ولا إلى رسوله ولا إلى كتابه ولا يؤمن باللَّه وبما جاء من عنده.
ثم أغلظ ما انتهك وأعظم ما اجترم سفكه دم الحسين بن علي عليهما السلام مع موقعه من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ومكانه منه ومنزلته من الدين والفضل والشهادة له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنة اجتراء على اللَّه وكفرا بدينه وعداوة لرسوله ومجاهرة لعترته واستهانة لحرمته كأنما يقتل منه ومن أهل بيته قوما من كفرة الترك والديلم ولا يخاف من اللَّه نقمة ولا يراقب منه سطوة فبتر اللَّه عمره وأخبث (اجتث) أصله وفرعه وسلبه ما تحت يده وأعد له من عذابه وعقوبته ما استحقه من اللَّه بمعصيته.
هذا إلى ما كان من بني مروان من تبديل كتاب اللَّه وتعطيل أحكام اللَّه واتخاذ مال اللَّه بينهم دولا وهدم بيت اللَّه واستحلالهم حرمه ونصبهم المجانيق عليه ورميهم بالنيران إياه لا يألون له إحراقا وإخرابا ولما حرم اللَّه منه استباحة وانتهاكا ولمن لجأ إليه قتلا وتنكيلا ولمن أمنه اللَّه به إخفاقة وتشريدا حتّى إذا حقت عليهم كلمة العذاب واستحقوا من اللَّه الانتقام وملئوا الأرض بالجور والعدوان وعموا عباد بلاد اللَّه بالظلم والاقتسار وحلت عليهم السخطة ونزلت بهم من اللَّه السطوة
ص: 205
أتاح اللَّه لهم من عترة نبيه وأهل وراثته ومن استخلصه منهم لخلافته مثل ما أتاح من أسلافهم المؤمنين وآبائهم المجاهدين لأوائلهم الكافرين فسفك اللَّه به دماءهم ودماء آبائهم مرتدين كما سفك بآبائهم مشركين وقطع اللَّه دابر الذين ظلموا والحمد للَّه رب العالمين.
أيها الناس إن اللَّه إنما أمر ليطاع ومثل ليتمثل وحكم ليفعل قال اللَّه سبحانه وتعالى: «إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً»(1)وقال: «أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللّاعِنُونَ»(2).
فالعنوا أيها الناس من لعنه اللَّه ورسوله وفارقوا من لا تنالون القربة من اللَّه إلّا بمفارقته اللهم العن أبا سفيان بن حرب بن أمية ومعاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية ومروان بن الحكم وولده وولد ولده اللهم العن أئمة الكفر وقادة الضلال وأعداء الدين ومجاهدي الرسول ومعطلي الأحكام ومبدلي الكتاب ومنتهكي الدم الحرام اللهم إنا نبرأ إليك من موالاة أعدائك ومن الإغماض لأهل معصيتك كما قلت: «لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»(3).
أيها الناس اعرفوا الحق تعرفوا أهله وتأملوا سبل الضلالة تعرفوا سابلها فقفوا عند ما وقفكم اللَّه عليه وانفذوا كما أمركم اللَّه به وأميرالمؤمنين يستعصم باللَّه لكم ويسأله توفيقكم ويرغب إليه في هدايتكم واللَّه حسبه وعليه توكله
ص: 206
ولا قوة إلّا باللَّه العلي العظيم(1).(2)
في كتاب سليم بن قيس الهلالي عن أبان بن أبي عيّاش عنه أنّه قال: دعا معاوية قراء أهل الشام وقضاتهم فأعطاهم الأموال وبثهم في نواحي الشام ومدائنها يروون الروايات الكاذبة ويضعون لهم الأصول الباطلة ويخبرونهم بأن عليا عليه السلام قتل عثمان ويتبرأ من أبي بكر وعمر وأن معاوية يطلب بدم عثمان ومعه أبان بن عثمان وولد عثمان حتّى استمالوا أهل الشام واجتمعت كلمتهم ولم يزل معاوية على ذلك عشرين سنة ذلك عمله في جميع أعماله حتّى قدم عليه طغام الشام وأعوان الباطل المنزلون له بالطعام والشراب يعطيهم الأموال ويقطعهم القطائع ويطعمهم الطعام والشراب حتّى نشأ عليه الصغير وهرم عليه الكبير وهاجر
ص: 207
عليه الأعرابي وترك أهل الشام لعن الشيطان وقالوا لعن علي وقاتل عثمان فاستقر على ذلك جهلة الأمة وأتباع أئمة الضلالة والدعاة إلى النار فحسبنا اللَّه ونعم الوكيل(1).
وعن أبان، عن سليم قال: كان لزياد ابن سمية كاتب يتشيع وكان لي صديقا فأقرأني كتابا كتبه معاوية إلى زياد جواب كتابه إليه أما بعد فإنّك كتبت إلي تسألني عن العرب من أكرم منهم ومن أهين ومن أقرب ومن أبعد ومن آمن منهم ومن أحذر وفي رواية أخرى: ومن أومن منهم ومن أخيف وأنا يا أخي أعلم الناس بالعرب انظر إلى هذا الحي من اليمن فأكرمهم في العلانية وأهنهم في السر فإني كذلك أصنع بهم أقرب مجالسهم وأهينهم في الخلاء إنّهم أسوأ الناس عندي حالاً ويكون فضلك وعطائك لغيرهم سرّاً منهم وانظر إلى ربيعة بن نزار فأكرم أمراءهم وأهن عامتهم فإن عامتهم تبع لأشرافهم وساداتهم وانظر إلى مضر فاضرب بعضها ببعض فإن فيهم غلظة وكبرا ونخوة شديدة فإنك إذا فعلت ذلك وضربت بعضهم ببعض كفاك بعضهم بعضا ولا ترض بالقول منهم دون الفعل ولا بالظن دون اليقين وانظر إلى الموالي ومن أسلم من الأعاجم فخذهم بسنة عمر بن الخطاب فإن في ذلك خزيهم وذلهم أن تنكح العرب فيهم ولا ينكحوهم وأن يرثوهم [ترثهم] العرب ولا يرثو العرب وأن تقصر بهم في عطائهم وأرزاقهم وأن يقدموا في المغازي يصلحون الطريق ويقطعون الشجر ولا يؤم أحد منهم العرب في صلاة ولا يتقدم أحد منهم في الصف الأول إذا حضرت العرب إلّا أن يتموا الصف ولا تول أحدا منهم ثغرا من ثغور المسلمين ولا مصرا من أمصارهم ولا يلي أحد منهم قضاء
ص: 208
المسلمين ولا أحكامهم فإن هذه سنة عمر فيهم وسيرته فلعمري لو لا ما صنع هو وصاحبه وقوتهما وصلابتهما في دين اللَّه لكنا وجميع هذه الأمة لبني هاشم الموالي ولتوارثوا الخلافة واحدا بعد واحد كما يتوارث أهل كسرى وقيصر ولكن اللَّه أخرجها من بني هاشم وصيرها إلى بني تيم بن مرة ثمّ خرجت إلى بني عدي بن كعب وليس في قريش حيان أقل وأذل منهما ولا أنذل فأطمعنا فيها وكنا أحق منهما ومن عقبهما لأن فينا الثروة والعز ونحن أقرب إلى رسول اللَّه في الرحم منهما ثمّ نالها صاحبنا عثمان بشورى ورضا من العامة بعد شورى ثلاثة أيام بين الستة ونالها من نالها قبله بغير شورى فلما قتل عثمان مظلوما نلناها به لأن من قتل مظلوما فقد جعل اللَّه لوليه سلطانا ولعمري يا أخي لو أن عمر سن دية المولى نصف دية العربي لكان أقرب إلى التقوى ولو وجدت السبيل إلى ذلك ورجوت أن تقبله العامة لفعلت ولكني قريب عهد بحرب فأتخوف فرقة الناس واختلافهم علي وبحسبك ما سنه عمر فيهم فهو خزي لهم وفي رواية أخرى: يا أخي لو أنّ عمر سن دية الموالي على النصف من دية العرب فذلك أقرب للتقوى لما كان للعرب فضل على العجم فإذا جاءك كتابي هذا فأذل العجم وأهنهم وأقصهم ولا تستعن بأحد منهم ولا تقض لهم حاجة فو اللَّه إنك لابن أبي سفيان خرجت من صلبه وقد كنت حدثتني وأنت يا أخي عندي صدوق إنك قرأت كتاب عمر إلى الأشعري بالبصرة وكنت يومئذ كاتبه وهو عامل بالبصرة وأنت أنذل الناس عنده وأنت يومئذ ذليل النفس تحسب أنك مولى لثقيف ولو كنت تعلم يومئذ يقينا كيقينك اليوم أنك ابن أبي سفيان لأعظمت نفسك وأنفت أن تكون كاتبا لدعي الأشعريين وأنت تعلم ونحن نعلم يقينا أن أبا سفيان كان يحذو حذو أمية بن عبد شمس وحدثني ابن أبي
ص: 209
معيط أنك أخبرته أنك قرأت كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري وبعث إليه بحبل طوله خمسة أشبار وقال له اعرض من قبلك من أهل البصرة فمن وجدته من الموالي ومن أسلم من الأعاجم قد بلغ خمسة أشبار فقدمه فاضرب عنقه فشاورك أبو موسى في ذلك فنهيته وأمرته أن يراجع فراجعه وذهبت بالكتاب إلى عمر وإنما صنعت ما صنعت تعصبا للموالي وأنت يومئذ تحسب أنك ابن عبيد ثقيف فلم تزل تلتمس حتّى رددته عن رأيه وخوفته فرقة الناس فرجع وقلت له ما يؤمنك وقد عاديت أهل هذا البيت أن يثوروا إلى علي فينهض بهم فيزيل ملكك فكف عن ذلك وما أعلم يا أخي ولد مولود من آل أبي سفيان أعظم شؤما عليهم منك حين رددت عمر عن رأيه ونهيته عنه وخبرني أن الذي صرفت به عن رأيه في قتلهم أنك قلت إنك سمعت علي بن أبي طالب يقول لتضربنكم الأعاجم على هذا الدين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا وقال ليملأن اللَّه أيديكم من الأعاجم ثمّ ليصيرن أشداء لا يفرون فليضربن أعناقكم وليغلبنكم على فيئكم فقال لك عمر قد سمعت ذلك عن رسول اللَّه فذاك الذي حملني على الكتاب إلى صاحبك في قتلهم وقد كنت عزمت على أن أكتب إلى عمالي في سائر الأمصار بذلك فقلت لعمر لا تفعل يا أميرالمؤمنين فإنك لن تأمنهم أن يدعوهم علي إلى نصرته وهم كثير وقد علمت شجاعة علي وأهل بيته وعداوته لك ولصاحبك فرددته عن ذلك فأخبرتني أنك لم ترده عن ذلك إلّا عصبية وأنك لم ترجع عن رواية (رأيه) جبنا وحدثتني أنك ذكرت ذلك لعلي بن أبي طالب في إمارة عثمان فأخبرك أن أصحاب الرايات السود وفي رواية أخرى وخبرتني أنّك سمعت عليّاً في إمارة عثمان يقول: إنّ أصحاب الرايات السود التي تقبل من خراسان هم الأعاجم وأنهم الذين يغلبون
ص: 210
بني أميّة على ملكهم ويقتلونهم تحت كلّ كوكب فلو كنت يا أخي لم تردّ عمر عن ذلك لجرت سنّة ولاستأ صلهم اللَّه وقطع أصلهم وإذن لانتست به الخلفاء بعده(1)حتّى لا يبقى منهم شعر ولا ظفر ولا نافخ نار فإنّهم آفة الدين فما أكثر ما قد سنّ عمر في هذه الأمّة بخلاف سنّةرسول اللَّه صلى الله عليه وآله فتابعه الناس عليها وأخذوا بها فتكون هذه مثل واحدة منهنّ فمنهنّ تحويله المقام عن الموضع الذي وضعه فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وصاع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ومده وحين غيّره وزاد فيه ونهيه الجنب عن التيمّم وأشياء كثيرة شتّى أكثر من ألف باب أعظمها وأحبّها إلينا وأقرّها لأعيننا زيله الخلافة عن بني هاشم وعن أهلها ومعدنها لأنّها لا تصلح إلّا لهم ولا تصلح الأرض إلّا بهم فإذا قرأت كتابي هذا فاكتم ما فيه ومزّقه قال فلمّا قرأ زياد الكتاب ضرب به الأرض ثمّ أقبل إليّ فقال ويلي ممّا خرجت وفيما دخلت كنت من شيعة آل محمّد فدخلت في شيعة آل الشيطان وحزبه وفي شيعته من يكتب مثل هذا الكتاب إنّما واللَّه مثلي كمثل إبليس أبى أن يسجد لآدم كبرا وكفرا وحسدا قال سليم فلم أمس حتّى نسخت كتابه فلمّا كان الليل دعا بالكتاب فمزّقه وقال لا يطّلعنّ أحد من الناس على ما في هذا الكتاب ولم يعلم أنّي نسخته(2).
لا يذهب عليك انّ معاوية كان لم يعرف عليّاً وسجاياه وفضائله ومناقبه بل هو كان من أعرف الناس بحقّه عليه السلام وانّه جامع لكمالات الإنسانيّة بحيث لا يمكن قياس أحد إليه وانّه أعطم الناس قدراً وأجلّهم شأناً وأقربهم إلى اللَّه ورسوله واليقهم بالخلافة والزعامة لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله على الأُمّة إلّا انّ حبّ الرياسة منعه عن
ص: 211
قول الحقّ والعمل به لأنّ حبّ الشي ء يعمي ويصمّ كما هو شأن كثير من أمثاله.
[اعترف معاوية بفضل عليّ عليه السلام وأبيات محمّد بن عبداللَّه الحميري في فضل عليّ عليه السلام].
أخبرنا الشيخ أبو عبد اللَّه أحمد بن محمد بن شهريار الخازن بمشهد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في شوال سنة اثنتي عشرة وخمسمائة قال: حدّثني الشيخ أبو عبداللَّه محمد بن الحسن الخزاعي قال: حدّثنا أبو الطيب علي بن محمد بن بنان قال: حدّثنا أبو القاسم الحسن بن محمد السكري من كتابه قال: حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن مسروق ببغداد من كتابه قال: حدّثنا محمّد بن دينار الضبي قال: حدّثنا عبداللَّه بن الضحاك قال: حدّثنا هشام بن محمّد عن أبيه قال: اجتمع الطرماح وهشام المرادي ومحمد بن عبد اللَّه الحميري عند معاوية بن أبي سفيان فأخرج بدرة فوضعها بين يديه وقال يا معشر شعراء العرب قولوا قولكم في علي بن أبي طالب ولا تقولوا إلّا الحق وأنا نفي من صخر بن حرب إن أعطيت هذه البدرة إلّا من قال الحق في علي فقام الطرماح وتكلم في علي عليه السلام ووقع فيه فقال معاوية اجلس فقد عرف اللَّه نيتك وعرف مكانك ثمّ قام هشام المرادي فقال أيضا ووقع فيه فقال معاوية اجلس فقد عرف اللَّه مكانكما فقال عمرو بن العاص لمحمد بن عبد اللَّه الحميري وكان خاصا به تكلم ولا تقل إلّا الحق ثمّ قال يا معاوية قد آليت أن لا تعطي هذه البدرة إلّا لمن قال الحق في علي، قال نعم أنا نفي من صخر بن حرب إن أعطيتها منهم إلّا من قال الحق في علي فقام محمد بن عبد اللَّه فتكلم ثم قال:
ص: 212
بحق محمد قولوا بحق***فإن الإفك من شيم اللئام
أبعد محمد بأبي وأمي***رسول اللَّه ذي الشرف الهمام
أليس علي أفضل خلق ربي***وأشرف عند تحصيل الأنام
ولايته هي الإيمان حقا***فذرني من أباطيل الكلام
وطاعة ربنا فيها وفيها***شفاء للقلوب من السقام
علي إمامنا بأبي وأمي***أبو الحسن المطهر من حرام
إمام هدى آتاه اللَّه علما***به عرف الحلال من الحرام
ولو أني قتلت النفس حبا***له ما كان فيها من أثام
يحل النار قوما أبغضوه***وإن صلوا وصاموا ألف عام
ولا واللَّه لا تزكو صلاة***بغير ولاية العدل الإمام
أميرالمؤمنين بك اعتمادي***وبالغر الميامين اعتصامي
فهذا القول لي دين وهذا***إلى لقياك يا رب كلامي
برئت من الذي عادى عليا***وحاربه من أولاد الحرام
تناسوا نصبه في يوم خم***من الباري ومن خير الأنام
برغم الأنف من يشنأ كلامي***علي فضله كالبحر طامي
وأبرأ من أناس أخروه***وكان هو المقدم بالمقام
علي هزم الأبطال لما***رأوا في كفه ذات الحسام
عَلى آل الرسول صلاة ربي***صلاة بالكمال وبالتمام
فقال معاوية: أنت أصدقهم قولاً فخذ هذه البدرة(1).
ص: 213
قصّة دارميّة الحجونيّة مع معاوية
سهل بن أبي سهل التميمي عن أبيه قال: سئل معاوية عن امرأة من بني كنانة كانت تنزل بالحجون، يقال له دارميّة الحجونيّة، فأخبر بسلامتها، فبعث إليها فجي ء بها، قال: أتدرين لم بعثت إليك؟
قالت: لا يعلم الغيب إلّا اللَّه قال: بعثت إليك لأسألك: علام أحببت عليّاً وأبغضتني وواليته وعاديتني؟ قالت: أو تعفيني؟ قال: لا أعفيك قالت: أما إذا أبيت فإنّي أحببت عليا على عدله في الرعية، وقسمته بالسوية، وأبغضتك على قتالك من هو أولى منك بالأمر، وطلبك ما ليس لك بحق وواليت عليّاً على ما عقد له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله من الولاية وعلى حبه للمساكين وإعظامه لأهل الدين وعاديتك على سفكك الدماء وجورك في القضاء وحكمك في الهوى(1).
وفود أروى بنت عبدالمطلب على معاوية
العبّاس بن بكّار قال: حدّثني عبداللَّه بن سليمان المدني وأبو بكر الهذلي، أن أروى بنت الحارث بن عبد المطلب دخلت على معاوية فلمّا رآها معاوية قال: كيف كنت بعدنا؟
فقالت: بخير لقد كفرت النعمة وأسأت لابن عمّك الصحبة وتسمّيت بغير اسمك وأخذت غير حقّك من غير دين كان منك ولا من آبائك ولا سابقة لك في الإسلام بعد أن كفرتم برسول اللَّه صلى الله عليه وآله فأتعس اللَّه منكم الجدود وأضرع (اصعر) منكم
ص: 214
الخدود وردّ الحق إلى أهله ولو كره المشركون وكانت كلمتنا هي العليا ونبيّنا صلى الله عليه وآله هو المنصور فوليتم علينا من بعده فأصبحتم تحتجون بقرابتكم من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ونحن أقرب إليه منكم وأولى بهذا منكم فكنّا فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون وكان علي بن أبي طالب عليه السلام بعد نبينا صلى الله عليه وآله بمنزلة هارون من موسى فغايتنا الجنة وغايتكم النار(1).
كتب عليّ عليه السلام إلى أهل مصر لمّا ولّى قيس بن سعد بن عبادة عليهم كتاباً - إلى أن قال فيه بعد ذكر أبي بكر وعمر: - ثمّ ولّى بعدهما وال فأحدث أحداثاً، فوجدت الأُمّة عليه مقالا فقالوا، ثمّ نقموا عليه فغيّروا، ثمّ جاءوني فبايعوني(2).
المقصود من هذا الوالي هو عثمان بن عفّان.
وأمّا أحداثه:
أنّه ولّى أمور المسلمين من لا يصلح لذلك ولا يؤتمن عليه، ومن ظهر منه الفسق والفساد، ومن لا علم له، مراعاة لحرمة القرابة، وعدولا عن مراعاة حرمة الدين والنظر للمسلمين، حتّى ظهر ذلك منه وتكرّر، وقد كان عمر حذّره من ذلك حيث وصفه بأنّه كلّف بأقاربه، وقال له إذا وليت هذا الأمر فلا تحمل بني أبي معيط على رقاب الناس فوقع منه ما حذّره إيّاه، وعوتب عليه فلم ينفع العتب، وذلك
ص: 215
نحو استعماله الوليد بن عقبة(1)وتقليده إيّاه حتّى ظهر منه شرب الخمر، واستعماله سعيد بن العاص حتّى ظهرت منه الأمور التي عندها أخرجه أهل الكوفة، وتوليته عبد اللَّه بن أبي سرح وعبد اللَّه بن عامر بن كريز، حتّى روي عنه في أمر ابن أبي سرح أنّه لما تظلّم منه أهل مصر وصرفه عنهم بمحمد بن أبي بكر كاتبه بأن يستمر على ولايته وأبطن خلاف ما أظهر، وهذه طريقة من غرضه خلاف الدين. وروي أنّه كاتبه بقتل محمد بن أبي بكر وغيره ممّن يرد عليه، وظفر بذلك الكتاب، ولذلك عظم التظلّم من بعد وكثر الجمع، وكان ذلك سبب الحصار والقتل، وحتّى كان من أمر مروان وتسلّطه عليه و على أموره ما قتل بسببه(2).
ومنها: رده الحكم بن أبي العاص بعد نفي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إياه وإباحة دمه متى دخل دار الإسلام وإقرار المتقدمين ذلك النفي وإدخاله المدينة على مراغمة من بني هاشم وسائر المسلمين واتخاذ ابنه مروان بطانة وبسط يده في أمور المسلمين وإعطاؤه خمس إفريقية مع ظهور حاله وسوء رأيه في الإسلام وأهله.
ومنها: تقليده المشهورين بالفسق والتهمة على الإسلام أمور المسلمين كالوليد بن عقبة بن أبي معيط المشهود له ولسائر نسله بالنار للإخوة التي بينهما على الكوفة وتوقفه عن عزله مع ظهور فساده في الولاية ومجاهرته بالفسق وتوقفه عن إقامة الحد عليه مع إقامة الشهادة بشرب الخمر وإتيانه المسجد وصلاته بالناس وهو سكران وتقليد سعيد بن العاص بعد عزله الوليد وإقراره على الولاية مع عظيم
ص: 216
الشكاية لجوره وقبيح سيرته وقوله إنما هذا السواد بستان لقريش إلى أن أخرجه المسلمون منها قسرا مراغمة لعثمان ورده بعد ذلك واليا عليهم ومنعهم له من دخول الكوفة بالاضطرار وتقليد عبد اللَّه بن عامر بن كريز على البصرة للخولة التي بينهما وعبد اللَّه بن أبي سرح على مصر للرضاعة التي بينهما ويعلى بن أمية ويقال ابن منية على اليمن وأسيد بن الأخنس بن الشريق على البحرين لكونه ابن عمته(1).
ومنها: استخفافه بعليّ عليه السلام حين أنكر عليه تكذيب أبي ذرّ. ومنها عزل عبد اللَّه بن الأرقم عن بيت المال لما أنكر عليه إطلاق الأموال لبني أميّة بغير حقّ.
ومنها: قوله لعبد الرحمن بن عوف: يا منافق، وهو الذي اختاره وعقد له.
ومنها: حرمانه عائشة وحفصة ما كان أبو بكر وعمر يعطيانهما، وسبّه لعائشة وقوله: وقد أنكرت عليه الأفاعيل القبيحة لئن لم تنتهي لأدخلنّ عليك الحجرة سودان الرجال وبيضانها.
ومنها: هدر دم الهرمزان وجفينة قتيلي ابن عمر واعتذاره من ذلك بأن الناس قريبو عهد بقتل أبيه.
ومنها: حماية الكلاء وتحريمه على المسلمين وتخصصه به ومنع غلمانه الناس منه وتنكيلهم بمن أراده.
ومنها: ضربه عبداللَّه بن حذيفة بن اليمان حتّى مات من ضربه لإنكاره عليه ما يأتيه غلمانه إلى المسلمين في رعي الكلاء.
ومنها: أكله الصيد وهو محرم مستحلا وصلاته بمنى أربعا وإنكاره متعة الحج
ص: 217
مع إجماع الأمة على خلاف ما فعل.
ومنها: ضربه عبد الرحمن بن حنبل الجمحي وكان بدريا مائة سوط وحمله على جمل يطاف به في المدينة لإنكاره عليه الأحداث وإظهاره عيوبه في الشعر وحبسه بعد ذلك موثقا بالحديد حتّى كتب إلى علي وعمار من الحبس.
فلم يزل عليّ عليه السلام بعثمان يكلّمه حتّى خلّى سبيله على أن لا يساكنه بالمدينة، فسيّره إلى خيبر، فأنزله قلعة بها تسمّى القموص، فلم يزل بها حتّى ناهض المسلمون عثمان وساروا إليه من كلّ بلد، فقال في الشعر
لو لا عليّ فإنّ اللَّه أنقذني***على يديه من الأغلال والصفد
نفسي فداء علي إذ يخلّصني***من كافر بعد ما أغضى على صمد
ومنها: تسيير حذيفة بن اليمان إلى المدائن حين أظهر ما سمعه من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فيه وأنكر أفعاله فلم يزل يعرض بعثمان حتّى قتل.
ومنها: نفي الأشتر ووجوه أهل الكوفة عنها إلى الشام حين أنكروا على سعيد بن العاص ونفيهم من دمشق إلى حمص.
ومنها: معاهدته لعلي عليه السلام ووجوه الصحابة على الندم على ما فرط منه والعزم على ترك معاودته ونقض ذلك والرجوع عنه مرة بعد مرة وإصراره على ما ندم منه وعاهد اللَّه تعالى وأشهد القوم على تركه من الاستئثار بالفي ء وبطانة السوء وتقليد الفسقة أمور المسلمين.
ومنها: كتابه إلى ابن أبي سرح بقتل رؤساء المصريين والتنكيل بالأتباع وتخليدهم الحبس لإنكارهم ما يأتيه ابن أبي سرح إليهم ويسير به فيهم من الجور الذي اعترف به وعاهد على تغييره.
ص: 218
ومنها: تعريضه نفسه ومن معه من الأهل والأتباع للقتل ولا يعزل ولاة السوء.
ومنها: استمراره على الولاية مع إقامته على المنكرات الموجبة للفسخ وتحريم التصرف في أمر الأمة وذلك تصرف قبيح لكونه غير مستحق عندهم مع ثبوت الفسق(1).
ومنها: كان الأشعث بن قيس والياً على أذربيجان طول ولاية عثمان، وكانت ولايته ممّا عتب الناس فيه على عثمان، لأنّه ولّاه عند مصاهرته إيّاه، وتزويج ابنة الأشعث من ابنه(2).
وفي الطبري: أنّ أوّل من زاد النداء الثالث يوم الجمعة على الزوراء عثمان(3).
وفي الطبري أيضاً - بعد ذكر كتاب عثمان إلى أهل مكّة مع ابن عبّاس لمّا ولّاه الموسم بعد حصره، وعدّه في كتابه ما طعنوا عليه وما أجابهم، إلى أن ذكر - قالوا: كتاب اللَّه يتلى، فقلت: فليتله من تلاه غير غال فيه بغير ما أنزل اللَّه في الكتاب(4).
وهو دالّ على أنّه منع من تلاوة مقدار من كتاب اللَّه بشبهة كونه من غير القرآن.
وعن الزهري: أنّ عثمان كان يأخذ من الخيل الزكاة، فأنكر ذلك من فعله، وقالوا: قال النبيّ صلى الله عليه وآله: عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق(5).
وكان عبداللَّه بن سعد بن أبي سرح أخا عثمان من الرضاعة وعامله على المغرب، فغزا إفريقيّة سنة سبع وعشرين فافتتحها، وكان معه مروان فابتاع خمس
ص: 219
الغنيمة بمائة ألف دينار أو مائتي ألف دينار، فكلّم عثمان فوهبها له، فأنكر الناس ذلك على عثمان(1).
وعن ابن عبّاس: كان ممّا أنكروا على عثمان أنّه ولّى الحكم بن العاص صدقات قضاعة، فبلغت ثلاثمائة ألف درهم، فوهبها له حين أتاه بها(2).
وقال أبو مخنف والواقدي في روايتهما: أنكر الناس على عثمان إعطاءه سعيد بن العاص مائة ألف درهم(3).
وقال أبو مخنف في اسناده: أنكر الناس على عثمان - مع ما أنكر - ان حمى الحمى، وأن أعطى زيد بن ثابت مائة ألف درهم، من ألف ألف درهم حملها أبو موسى الأشعري، وقال له: هذا حقّك، فقال: أسلم بن أوس الساعدي وهو الذي منع من دفن عثمان في البقيع:
دعوت اللعين فأدنيته***خلافاً لسنّة من قد مضى
وأعطيت مروان خمس العباد***ظلما لهم وحميت الحمى
ومال أتاك به الأشعري***من الفي ء أنهبته من ترى(4)
وقال سعيد بن المسيّب: أمر عثمان بذبح الحمام، وقال: إنّ الحمام قد كثر في بيوتكم حتّى كثر الرمي ونالنا بعضه. فقال الناس: يأمرنا بذبح الحمام وقد آوى طرداء رسول اللَّه صلى الله عليه وآله(5).
ص: 220
وقال ابن عمر: صلّيت بمنى مع النبيّ صلى الله عليه وآله ركعتين، ومع أبي بكر وعمر وعثمان صدرا من خلافته، ثمّ أتمّها أربعا، فتكلّم الناس في ذلك فأكثروا، وسئل أن يرجع عن ذلك، فلم يرجع(1).
وأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله إذا خرج للصلاة أذّن المؤذّن ثمّ يقيم، وكذلك كان الأمر على عهد أبي بكر وعمر وفي صدر من أيّام عثمان، ثمّ إنّ عثمان نادى النداء الثالث في السنة السابعة، فعاب الناس ذلك وقالوا: بدعة(2).
وفي خلفاء ابن قتيبة - بعد ذكر خطبة لأميرالمؤمنين عليه السلام في التحريض على جهاد معاوية -: ثمّ قام أبو أيّوب الأنصاري فقال: إنّ أميرالمؤمنين - أكرمه اللَّه - قد أسمع من كانت له أذن واعية، وقلب حفيظ، إنّ اللَّه قد أكرمكم به كرامة ما قبلتموها حقّ قبولها، حيث نزل بين أظهركم ابن عمّ الرسول، وخير المسلمين وأفضلهم وسيّدهم بعده، يفقهكم في الدين، ويدعوكم إلى جها المحلّين، فواللَّه لكأنّكم صمّ لا تسمعون - إلى أن قال: - أليس إنّما عهدكم بالجور والعدوان أمس، وقد شمل العباد، وشاع في الإسلام، فذو حقّ محروم، ومشتوم عرضه، ومضروب ظهره، وملطوم وجهه، وموطوء بطنه، وملقى بالعراء، فلمّا جاءكم أميرالمؤمنين عليه السلام صدع بالحقّ، ونشر العدل، وعمل بالكتاب فاشكروا نعمة اللَّه عليكم، ولا تتولّوا مجرمين(3).
وفيه: ذكروا أنّه اجتمع ناس من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وكتبوا كتاباً ذكروا فيه ما
ص: 221
خالف عثمان من سنّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسنّة صاحبيه، وما كان من هبته خمس إفريقيّة لمروان وفيه حقّ اللَّه ورسوله، ومنهم ذوو القربى واليتامى والمساكين، وما كان من تطاوله في البنيان حتّى عدّوا سبع دور بناها بالمدينة: داراً لنائلة، وداراً لعائشة ابنته، وغيرهما من أهله وبناته، وبناء (بنيان) مروان القصود بذي خشب، وعمارة الأموال بها من الخمس الواجب للَّه ولرسوله، وما كان من افشائه العمل والولايات في أهله وبني عمّه من بني اميّة، أحداث وغلمة لا صحبة لهم من الرسول، ولا تجربة لهم بالأُمور، وما كان من الوليد بن عقبة بالكوفة إذ صلّى بهم الصبح - وهو أمير عليها - سكران أربع ركعات، ثمّ قال لهم: إن شئتم أن أزيدكم ركعة (صلاة) زدتكم، وتعطيله إقامة الحدّ عليه، وتأخيره ذلك عنه، وتركه المهاجرين والأنصار لا يستعملهم على شي ء ولا يستشيرهم، واستغنى برأيه عن رأيهم، وما كان من الحمى الذي حمى حول المدينة، وما كان من إدراره القطائع والأرزاق والأعطيات على أقوام بالمدينة ليست لهم صحبة من النبيّ صلى الله عليه وآله، ثمّ لا يغزون ولا يذبّون، وما كان من مجاوزته الخيزران إلى السوط، وإنّه أوّل من ضرب بالسياط ظهور الناس، وإنّما كان ضرب الخليفتين قبله بالدرّة والخيزران.
ثمّ تعاهد القوم ليدفعنّ الكتاب في يد عثمان، وكان ممّن حضر الكتاب عمّار والمقداد، وكانوا عشرة، فلمّا خرجوا بالكتاب ليدفعوه إلى عثمان والكتاب في يد عمّار جعلوا يتسلّلون عن عمّار، حتّى بقي وحده، فمضى حتّى جاء دار عثمان، فاستأذن عليه، فأذن له، فدخل عليه وعنده مروان وأهله من بني أُميّة، فدفع إليه الكتاب فقرأه، فقال له: أنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: نعم، قال: ومن كان معك؟ قال: معني نفر تفرّقوا فرقا منك، قال: ومن هم؟ قال: لا أخبرك بهم، قال: فلم
ص: 222
اجترأت عليّ من بينهم؟ فقال مروان: إنّ هذا العبد الأسود - يعني عمّاراً - قد جرّأ عليك الناس، وإنّك إن قتلته نكلت به من ورائه، قال عثمان: اضربو، فضربوه وضربه عثمان معهم حتّى فتقوا بطنه، فغشي عليه، فجرّوه حتّى طرحوه على باب الدار، فأمرت به أُمّ سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وآله، فأدخل منزلها... ثمّ خرج عثمان إلى المسجد، فإذا هو بعليّ عليه السلام وهو شاكّ معصوب الرأس، فقال عثمان: واللَّه يا أبا الحسن، ما أدري أشتهي موتك أم حياتك فواللَّه لئن متّ ما أحبّ أن أبقى بعدك، لأنّي لا أجد منك خلفا، ولئن بقيت لا أعدم طاغياً يتّخذك سلما وعضدا، ويعدّك كهفا وملجأ، لا يمنعني منه إلّا مكانه منك، ومكانك منه - إلى أن قال -: فقال عليّ عليه السلام: إنّ في ما تكلّمت به جوابا، ولكنّي عن جواك مشغول بوجعي، وأنا أقول كما قال العبد الصالح: «... فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ»(1).(2)
عن عبدالملك بن ميسرة عن النزّال بن سبرة، قال: كنّا مع حذيفة في البيت فقال له عثمان: يا أبا عبداللَّه، ما هذا الذي يبلغني عنك؟ قال: ما قلته، فقال له عثمان: أنت أصدقهم وأبرّهم، فلمّا خرج قلت: يا أبا عبداللَّه، ألم تقل: ما قلت قلت: بلى، ولكن اشترى ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كلّه(3).
وفي تاريخ اليعقوبي: نقم الناس على عثمان بعد ولايته بستّ سنين، وتكلّم فيه من تكلّم، وقالوا: آثر القرباء، وحمى الحمى، وبنى الدار، واتّخذ الضياع والأموال بمال اللَّه والمسلمين، ونفى أبا ذرّ صاحب الرسول، وعبدالرحمن بن حنبل، وآوى
ص: 223
الحكم بن أبي العاص، وولّى الوليد بن عقبة الكوفة، فأحدث في الصلاة ما أحدث، فلم يمنعه ذلك من إعادته إيّاه، وأجاز الرجم، وذلك أنّه كان رجم امرأة من جهينة دخلت على زوجها، فولدت لستّة أشهر، فأمر عثمان برجمها، فلمّا اخرجت دخل عليه عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال: إنّ اللَّه تعالى يقول: «... وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا...»(1)وقال في رضاعه: «... حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ...»(2).فأرسل عثمان في أثر المرأة، فوجدت قد رجمت فماتت، فاعترف الرجل بالولد(3).
وفيه: وكتب في جمع المصاحف من الآفاق حتّى جمعها، ثمّ سلقها بالماء الحارّ والخلّ وقيل: أحرقها، فلم يبق مصحف إلّا فعل به ذلك خلا مصحف ابن مسعود وكان ابن مسعود بالكوفة، فامتنع أن يدفع مصحفه إلى عبداللَّه بن عامر، فكتب إليه عثمان: أن أشخصه فدخل المسجد وعثمان يخطب، فقال عثمان: إنّه قد قدمت عليكم دابّة سوء. فتكلّم ابن مسعود بكلام غليظ فأمر به عثمان، فجرّ برجله حتّى كسر له ضلعان، فتكلّمت عائشة، وقالت قولا كثيرا.
فأقام ابن مسعود مغاضباً لعثمان حتّى توفّي، وصلّى عليه عمّار، وكان عثمان غائباً فستر أمره، فلمّا انصرف رأى القبر، فقال: قبر من هذا؟ قيل: قبر عبداللَّه بن مسعود، قال: فكيف دفن قبل أن أعلم؟ فقالوا: وليّ أمره عمّار، وذكر أنّه أوصى ألّا يخبر به، ولم يلبث إلّا يسيراً حتّى مات المقداد، فصلّى عليه عمّار، وكان أوصى إليه، ولم يؤذن به عثمان، فاشتدّ غضب عثمان على عمّار، وقال: ويلي على إبن
ص: 224
السوداء أما لقد كنت به عليما(1).
قال الشارح المعتزلي: قرئ كتاب الإستيعاب على شيخنا عبد الوهاب بن سكينة المحدث وأنا حاضر فلمّا انتهى القارئ إلى هذا الخبر قال أستاذي عمر بن عبداللَّه الدباس وكنت أحضر معه سماع الحديث لتقل الشيعة بعد هذا ما شاءت فما قال المرتضى والمفيد إلّا بعض ما كان حجر والأشتر يعتقدانه في عثمان ومن تقدمه فأشار الشيخ إليه بالسكوت(2).
ومنها: ان عثمان حمى الحمى عن المسلمين، مع أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله جعلهم شرعا سواء في الماء والكلاء.
روى المرتضى عن الواقدي باسناده قال: كان عثمان يحمي الربذة والشرف والنقيع، فكان لا يدخل الحمى بعير له ولا فرس ولا لبني أميّة، حتّى كان آخر الزمان، فكان يحمي الشرف لإبله، وكانت ألف بعير، ولإبل الحكم بن أبي العاص، ويحمي الربذة لإبل الصدقة، ويحمي النقيع لخيل المسلمين وخيله وخيل بني أميّة(3).
ومنها: أنّه أعطى من بيت المال الصدقة المقاتلة وغيرها، وذلك ممّا لا يحلّ في الدين لأنّ المال الذي جعل اللَّه له جهة مخصوصة لا يجوز العدول به عن تلك الجهة.
ومنها: أنّه ضرب عبداللَّه بن مسعود حتّى كسر بعض أضلاعه(4)وقد رووا في
ص: 225
فضله في صحاحهم أخباراً كثيرة.
قال المرتضى رحمه الله في الشافي: قد روى كلّ من روى السيرة على اختلاف طرقهم أن ابن مسعود كان يقول: ليتني وعثمان برمل عالج يحثو علي وأحثو عليه حتّى يموت الأعجز مني ومنه.
وكان يقول في كل يوم جمعة بالكوفة جاهرا معلنا أن أصدق القول كتاب اللَّه وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وإنما كان يقول ذلك معرضا بعثمان حتّى غضب الوليد بن عقبة من استمرار تعريضه ونهاه عن خطبته هذه فأبى أن ينتهي فكتب إلى عثمان فيه فكتب عثمان يستقدمه عليه(1).
وروى الواقديّ بإسناده، وغيره، أنّ عثمان لمّا استقدمه المدينة دخلها ليلة جمعةٍ، فلمّا علم عثمان بدخوله، قال أيّها النّاس إنّه قد طرقكم اللّيلة دويبةٌ من تمرٍ على طعامه تقي ء وتسلح(2).فقال ابن مسعودٍ: لست كذلك، ولكنّي صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يوم بدر، وصاحبه يوم أحد، وصاحبه يوم بيعة الرضوان، وصاحبه يوم الخندق، وصاحبه يوم حنينٍ.
قال: وصاحت عائشة: أيا عثمان! أتقول هذا لصاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله؟! فقال عثمان: اسكتي. ثمّ قال لعبد اللَّه بن زمعة بن الأسود: أخرجه إخراجاً عنيفاً، فأخذه ابن زمعة فاحتمله حتّى جاء به باب المسجد، فضرب به الأرض فكسر ضلعاً من
ص: 226
أضلاعه. فقال ابن مسعود قتلني ابن زمعة الكافر بأمر عثمان(1).
ومنها أنّه جمع الناس على قراءة زيد بن ثابت خاصّة وأحرق المصاحف وأبطل ما لا شكّ أنّه منزل من القرآن وأنّه مأخوذ من الرسول، ولو كان ذلك حسنا لسبق إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله(2).
والطعن في ذلك من وجهين: أحدهما أن جمع الناس على قراءة زيد إبطال للقرآن المنزل وعدول عن الراجح إلى المرجوح في اختيار زيد من جملة قرّاء القرآن بل هو رد صريح لقول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: نزل القرآن على سبعة أحرف كلّها كاف شاف على ما ورد في صحاح أخبارهم(3).الثاني أن إحراق المصاحف الصحيحة استخفاف بالدين محادة للَّه ربّ العالمين(4).
ومنها أنّه أقدم على عمّار بن ياسر بالضرب حتّى حدث به فتق، ولهذا صار أحد من ظاهر المتظلمين من أهل الأمصار على قتله وكان يقول قتلناه كافراً(5).
قال المرتضى رحمه الله: ضرب عمّار ممّا لم يختلف فيه الرواة وإنّما اختلفوا في سببه، فروى عبّاس بن هشامٍ الكلبيّ، عن أبي مخنف في إسناده أنّه كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حليّ وجوهر، فأخذ منه عثمان ما حلّى به بعض أهله فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك وكلّموه فيه بكلّ كلام شديد حتّى غضب فخطب، وقال: لنأخذنّ حاجتنا من هذا الفي ء وإن رغمت أنوف أقوام. فقال له عليّ عليه السلام: إذا
ص: 227
تمنع من ذلك ويحال بينك وبينه. فقال عمّار أشهد واللَّه أن أنفي أوّل راغم من ذلك، فقال عثمان: أعليّ يابن ياسر وسميّة تجتري؟ خذوه، فأخذوه، ودخل عثمان فدعا به وضربه حتّى غشي عليه، ثمّ أخرج فحمل إلى منزل أمّ سلمة فلم يصلّ الظّهر والعصر والمغرب، فلمّا أفاق توضّأ وصلّى. وقال الحمد للَّه، ليس هذا أوّل يوم أوذينا في اللَّه.
فقال هشام بن الوليد بن المغيرة المخزوميّ وكان عمّار حليفا لبني مخزوم: يا عثمان أمّا عليّ عليه السلام فاتّقيته، وأمّا نحن فاجترأت علينا وضربت أخانا حتّى أشفيت به على التّلف، أما واللَّه لئن مات لأقتلنّ به رجلا من بني أميّة عظيم الشّأن. فقال عثمان: وإنّك هاهنا يابن القسريّة. قال: فإنّهما قسريّتان وكانت أمّ هشام وجدّته قسريّتين من بجيلة، فشتمه عثمان وأمر به فأخرج، وأتي به أمّ سلمة فإذا هي قد غضبت لعمّار، وبلغ عائشة ما صنع بعمّار فغضبت وأخرجت شعراً من شعر رسول اللَّه ونعلاً من نعاله وثوبا من ثيابه، وقالت ما أسرع ما تركتم سنّة نبيّكم، وهذا ثوبه وشعره ونعله لم يبل(1).
وروى آخرون أنّ السّبب في ذلك أنّ عثمان مرّ بقبر جديد، فسأل عنه، فقيل عبداللَّه بن مسعود، فغضب على عمّار لكتمانه إيّاه موته إذ كان المتولّي للصلاة عليه والقيام بشأنه فعندها وطئ عثمان عمّارا حتّى أصابه الفتق(2).
وروى آخرون أنّ المقداد وطلحة والزّبير وعمّارا وعدّة من أصحاب رسول اللَّه كتبوا كتاباً عدّدوا فيه أحداث عثمان وخوّفوه ربّه، وأعلموه أنّهم واثبوه إن لم يقلع،
ص: 228
فأخذ عمّار الكتاب فأتاه به فقرأ منه صدرا، فقال عثمان أعليّ تقدم من بينهم. فقال لأنّي أنصحهم لك. قال: كذبت يا ابن سميّة، فقال: أنا واللَّه ابن سميّة وأنا ابن ياسر، فأمر عثمان غلمانه له فمدّوا بيديه ورجليه ثمّ ضربه عثمان برجليه وهي في الخفّين على مذاكيره فأصابه الفتق، وكان ضعيفاً كبيراً فغشي عليه(1).
وقال المحدّث المجلسي: وعندي أنّ السبب الحامل لعثمان على ما صنع بعمّار هو أنّ عمّارا كان من المجاهرين بحبّ عليّ عليه السلام، وأنّ من غلبه على الخلافة غاصب لها، فحملته عداوته لأميرالمؤمنين عليه السلام وحبّه للرئاسة على إهانته وضربه حتّى حدث به الفتق وكسر ضلعا من أضلاعه(2).
ومنها: ما صنع بأبي ذر من الاهانة والضرب والاستخفاف مع علوّ شأنه وتقدّمه في الإسلام حتّى سيّره إلى الربذة ونفاه(3).
ومنها تعطيله الحدّ الواجب على عبيداللَّه بن عمر بن الخطّاب، فانّه قتل الهرمزان بعد اسلامه بتهمة أنّه أغرى أبا لؤلؤة إلى قتل أبيه عمر، فلم يقده عثمان به وقد كان أميرالمؤمنين يطلبه(4).
وروى أنّه لمّا ولى الخلافة أراد قتله فهرب منه إلى معاوية بالشام(5).
ومنها: وهو اجمالي قالي وهو أنّه لو لم يقدم عثمان على أحداث يوجب خلعه والبراءة منه لوجب على الصحابة أن ينكروا على من قصده من البلاد متظلّما، وقد
ص: 229
عملنا أنّ بالمدينة قد كان كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار ولم ينكروا على القوم بل أسلموه ولم يدفعوا عنه، بل أعانوا قاتليه ولم يمنعوا من قتله، وحصره ومنع الماء عنه وهذا من أقوى الدليل على تصديق الصحابة للمطاعن فيه وبراءتهم منه ولو لم يكن في أمره إلّا ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام من قوله: اللَّه قتله وأنا معه مريدا بذلك رضائهما به لكفى هذا كلّه مضافاً إلى أنّهم تركوه بعد قتله ثلاثة أيّام على المزابل لم يدفنوه وهو من أدلّ الدلائل على رضاهم بقتله(1).
ويناسب المقام حكاية ظريفة روى إنّ ابن الجوزي قال يوماً على منبره سلوني قبل أن تفقدوني فسألته امرأة عمّا روي أن عليّاً عليه السلام سار في ليلة إلى سلمان فجهّزه ورجع، فقال: روي ذلك، قالت فعثمان ثم ثلاثة أيام منبوذا في المزابل وعليّ حاضر؟ قال: نعم، قالت: فقد لزم الخطأ لأحدهما، فقال: إن كنت خرجت من بيتك بغير إذن بعلك فعليك لعنة اللَّه، وإلّا فعليه، فقالت: خرجت عائشة إلى حرب علي عليه السلام بإذن النبي أو لا؟ فانقطع ولم يحر جواباً(2).
ومنها: جرأته على الرسول صلى الله عليه وآله ومضادته له، قال السدي في تفسير قوله تعالى: «وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً»(3)انّه لمّا توفي أبو سلمة وعبداللَّه بن حذافة وتزوج رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بامرأتيهما أمّ سلمة وحفصة قال طلحة وعثمان: أينكح محمّد نسائنا إذا متنا ولا ننكح نسائه إذا مات، واللَّه لو قد مات لقد أجلنا على نسائه بالسهام وكان طلحة يريد عائشة وعثمان يريد أمّ سلمة فأنزل اللَّه تعالى:
ص: 230
«وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً»(1)وأنزل اللَّه تعالى: «إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيماً»(2)وأنزل: «إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالآْخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِينا»(3).
ومنها: عدم اذعانه بقضاءرسول اللَّه صلى الله عليه وآله، عن السدي في تفسير قوله تعالى: «وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ»(4)الآيات. قال السدي: نزلت هذه في عثمان بن عفان، قال: لما فتح رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بني النضير فغنم أموالهم فقال عثمان لعلي: ائت رسول اللَّه فأسأله أرض كذا وكذا، فإن أعطاكها فأنا شريكك فيها وآتيه أنا فأسأله فإن أعطانيها فأنت شريكي فسأله عثمان أولا فأعطاه إياها فقال له علي أشركني فأبى عثمان، فقال بيني وبينك رسول اللَّه فأبى أن يخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وآله فقيل له: لِمَ لَم تنطلق معه إلى النبي؟ فقال: هو ابن عمّه فأخاف أن يقضي له فنزل قوله تعالى: «وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ»(5)إلى قوله تعالى «بَلْ أُولئِكَ هُمُ
ص: 231
الظَّالِمُونَ»(1)فلمّا بلغ عثمان ما أنزل اللَّه فيه أتى النبي فأقر لعلي بالحق.
ومنها: انّه زعم أنّ في المصحف لحنا، فقد حكى في البحار من كشف الحق عن تفسير الثعلبي في قوله تعالى: «إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ»(2)قال: قال عثمان: إنّ في المصحف لحنا فقيل له ألا تغيره؟ فقال: دعوه فلا يحلل حراماً ولا يحرم حلالاً.
ومنها: تقديمه الخطبتين في العيدين، وكون الصلاة مقدمة على الخطبتين قبل عثمان ممّا تظافرت به الأخبار العاميّة(3)وأخبار أهل البيت في ذلك أيضاً بالغة حدّ الاستفاضة وقال العلّامةرحمه الله في محكي المنتهى: لا نعرف في ذلك خلافاً إلّا من بني أميّة(4).
وعن محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: الصلاة قبل الخطبتين وكان أوّل من أحدثها بعد الخطبة عثمان لما أحدث احداثه كان إذا فرغ من الصلاة قام الناس ليرجعوا فلمّا رأى ذلك قدم الخطبتين واحتبس الناس للصلاة(5).
ومنها أنّه لم يتمكّن من الاتيان بالخطبة، فقد روى في البحار من روضة الأحباب أنّه لمّا كان أوّل جمعةٍ من خلافته صعد المنبر فعرضه العيّ فعجز عن أداء الخطبة فتركها، فقال بسم اللَّه الرحمن الرحيم أيّها النّاس سيجعل اللَّه بعد عسر يسرا وبعد عيّ نطقا، وإنّكم إلى إمام فعّال أحوج منكم إلى إمام قوّال، أقول قولي واستغفر اللَّه لي ولكم، فنزل، قال وفي رواية أنّه قال: الحمد للَّه، وعجز عن الكلام،
ص: 232
وفي رواية أنّه قال أوّل كلّ مركب صعب، وإنّ أبا بكر وعمر كانا يعدّان لهذا المقام مقالا وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام قائل، وإن أعش فآتكم الخطبة على وجهها، ويعلم اللَّه إن شاء اللَّه تعالى(1).
فانّ الظاهر من الرواية أنّ الخطبة كانت خطبة الجمعة الواجبة وأنّ عثمان لما حصر وعرضه العي ترك الخطبة ولم يأمر أحداً بالقيام بها وإقامة الصلاة وإلّا لرووه فالأمر في ذلك ليس مقصوراً على العجز والقصور، بل فيه ارتكاب المحظور فيكون أوضح في الطعن(2).
ومنها: قلّة اعتنائه بالشريعة، وقد قال المجلسي رحمه الله: أنّ مرويّاته في كتب الجمهور مع حرص أتباعه من بني أميّة والمتأخّرين عنهم على إظهار فضله لم يزد على مائة وستة وأربعين. وقد رووا عن أبي هريرة خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثا، وذلك إمّا لغلبة الغباوة حيث لم يأخذ في طول الصحبة إلّا نحوا ممّا ذكر، أو لقلّة الاعتناء برواية كلام الرسول وكلاهما يمنعان عن استيهال الخلافة والإمامة(3).
في الطبري في جهاد هاشم المرقال يوم صفّين مع جمع من القرّاء: فإنّهم لكذلك إذ خرج عليهم فتى شابّ وهو يقول:
ص: 233
أنا ابن أرباب الملوك غسّان***والدائن اليوم بدين عثمان
إنّي أتاني خبر فأشجان***أنّ عليّاً قتل ابن عفّان
ثمّ يشدّ فلا ينثني حتّى يضرب بسيفه، ثمّ يشتم ويلعن ويكثر الكلام، فقال له هاشم: يا عبد اللَّه إنّ هذا الكلام بعده الخصام، وإنّ هذا القتال بعده الحساب، فاتّق اللَّه فإنّك راجع إلى اللَّه فسائلك عن هذا الموقف وما أردت به، قال: فإنّي أقاتلكم لأنّ صاحبكم لا يصلّي كما ذكر لي، وأنتم لا تصلّون أيضاً، وأقاتلكم لأنّ صاحبكم قتل خليفتنا، وأنتم أردتموه على قتله، فقال له هاشم: وما أنت وابن عفّان إنّما قتله أصحاب محمّد صلى الله عليه وآله وأبناء أصحابه وقرّاء الناس، حين أحدث الأحداث، وخالف حكم الكتاب، وهم أهل الدين، وأولى بالنظر في أُمور الناس منك ومن أصحابك - إلى أن قال: - وأمّا قولك: إنّ صاحبنا لا يصلّي، فهو أوّل من صلّى، وأفقه خلق اللَّه في دين اللَّه، وأولى بالرسول، وأمّا كلّ من ترى معي فكلّهم قارئ لكتاب اللَّه لا ينام الليل تهجّداً(1).
وفي الطبري أيضاً: كان ابتداء الجرأة على عثمان أنّ إبلاً من إبل الصدقة قدمت على عثمان، فوهبها لبعض ولد الحكم بن أبي العاص، فبلغ ذلك عبدالرحمن بن عوف، فأخذها (فأخذاها) وقسّمها بين الناس وعثمان في داره، فكان ذلك أوّل وهن دخل عليه(2).
وفيه وقيل: بل كان أوّل وهن دخل عليه أنّ عثمان مرّ بجبلة بن عمرو
ص: 234
الساعدي، وهو في نادي قومه وفي يده جامعة(1)، فسلّم عثمان، فردّ القوم عليه، فقال لهم جبلة: لم تردّون على رجل فعل كذا وفعل كذا ثمّ قال لعثمان: واللَّه لأطرحنّ هذه الجامعة في عنقك أو لتتركنّ بطانتك هذه الخبيثة، مروان وابن عامر وابن أبي سرح، منهم من نزل القرآن بذمّه ومنهم من أباح النبيّ صلى الله عليه وآله دمه(2).
وفيه وقيل: إنّه خطب يوماً، وبيده عصا كان النبيّ صلى الله عليه وآله وأبوبكر وعمر يخطبون عليها، فأخذها جهجاه الغفاري من يده، وكسرها على ركبته، فلمّا تكاثرت أحداثه كتب جمع من أهل المدينة من الصحابة وغيرهم الى من بالآفاق: إنّكم إن كنتم تريدون الجهاد فهلمّوا إلينا، فانّ دين محمّد صلى الله عليه وآله قد أفسده خليفتكم(3).
وفي العقد: قال ابن دأب: لمّا أنكر الناس على عثمان ما أنكروا، من تأمير الأحداث من أهل بيته بني أُميّة على الجلّة الأكابر من أصحاب محمّد صلى الله عليه وآله، قالوا لعبدالرحمن بن عوف: هذا عملك واختيارك لأُمّة محمّد صلى الله عليه وآله قال: لم أظنّ هذا به(4).
وفيه: قال أبو سعيد الخدري: إنّ ناساً كانوا عند فسطاط عائشة وأنا معهم بمكّة، فمرّ بنا عثمان، فما بقي أحد من القوم إلّا لعنه غيري، وكان فيهم رجل من أهل الكوفة، كان عثمان أجرأ عليه منه على غيره، فقال له: يا كوفيّ، أتشتمني فلمّا قدم المدينة كان يتهدّده، فقيل له: عليك بطلحة. فانطلق معه حتّى دخل على عثمان، فقال عثمان: واللَّه لأجلدنّه مائة سوط. قال طلحة: واللَّه لا تجلدنّه مائة سوط إلّا أن
ص: 235
يكون زانياً. قال: واللَّه لأحرمنّة عطاءه. قال: اللَّه يرزقه(1).
وفيه: نظر ثابت بن عبداللَّه بن الزبير إلى أهل الشام فقال: إنّي لأبغض هذه الوجوه، فقال له سعيد بن عمرو بن عثمان: تبغضهم لأنّهم قتلوا أباك؟ قال: صدقت، ولكنّ المهاجرين والأنصار قتلوا أباك(2).
وفي خلفاء لابن قتيبة في حصار عثمان: فقام الأشتر وقال لطلحة: تبعثون إلينا وجاءنا رسولكم بكتابكم، وها هو ذا، وأخرج كتاباً فيه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، من المهاجرين الأوّلين وبقيّة الشورى، إلى من بمصر من الصحابة والتابعين، أمّا بعد، أن تعالوا إلينا، وتداركوا خلافة رسول اللَّه قبل أن يسلبها أهلها، فإنّ كتاب اللَّه قد بدّل، وسنّة رسوله قد غيّرت، وأحكام الخليفتين قد بدّلت، فننشد اللَّه من قرأ كتابنا من بقيّة أصحاب الرسول والتابعين بإحسان، إلّا أقبل إلينا، وأخذ الحقّ لنا، وأعطاناه، فأقبلوا إلينا إن كنتم تؤمنون باللَّه واليوم الآخر، وأقيموا الحقّ على المنهاج الواضح، الذي فارقتم عليه نبيّكم صلى الله عليه وآله، وفارقكم عليه الخلفاء، غلبنا على حقّنا، واستولي على فيئنا، وحيل بيننا وبين أمرنا، وكانت الخلافة بعد نبيّنا خلافة نبوّة ورحمة، وهي اليوم ملكا عضوضا(3)، من غلب على شي ء أكله. فبكى طلحة، فقال الأشتر: لمّا حضرنا أقبلتم تعصرون أعينكم، واللَّه لا نفارقه حتّى نقتله - إلى أن قال: - وذكروا أنّ أهل مصر جاءوا يشكون عاملهم ابن أبي سرح، فكتب إليه عثمان يتهدّده فيه، فأبى ابن أبي سرح أن يقبل ما نهاه عنه عثمان، وضرب بعض
ص: 236
من أتاه به من قبل عثمان من أهل مصر حتّى قتله، فخرج من أهل مصر سبعمائة رجل، فنزلوا في المسجد، وشكوا إلى أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله في مواقيت الصلاة ما صنع بهم ابن أبي سرح، فقام طلحة وتكلّم بكلام شديد، وأرسلت عائشة إلى عثمان فقالت له: قد تقدّم إليك أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله، وسألوك عزل هذا الرجل، فأبيت إلّا واحدة، فهذا قد قتل منهم رجلاً، فأنصفهم من عاملك.
و دخل عليه عليّ عليه السلام وكان متكلّم القوم، فقال له: إنّما يسألونك رجلاً مكان رجل وقد ادّعوا قبله دما، فاعزله عنهم واقض بينهم، فإن وجب لهم عليه حقّ، فأنصفهم منه. فقال: اختاروا رجلاً أولّيه عليهم. فقالوا: استعمل محمّد بن أبي بكر. فكتب عهده، وولّاه، فخرج وخرج معه عدد من المهاجرين والأنصار، ينظرون في ما بين أهل مصر وابن أبي سرح، حتّى إذا كانو على مسيرة ثلاث ليال من المدينة، فإذا هم بغلام أسود على بعير يخبط البعير، كأنّه رجل يطلب أو يطلب، فقال له أصحاب محمّد صلى الله عليه وآله: ما قصّتك وما شأنك كأنّك طالب أوهارب؟ فقال: إنّي غلام عثمان وجّهني إلى عامل مصر. فقال له رجل: هذا عامل مصر معنا، قال: ليس هذا اريد فاخبر محمّد بن أبي بكر بأمره، فبعث في طلبه، فجي ء به إليه، فقال له: غلام من أنت؟ فأقبل مرّة يقول: غلام مروان، ومرّة يقول: غلام عثمان، حتّى عرفه رجل أنّه لعثمان، فقال له محمّد: إلى من أرسلك؟ قال: إلى عامل مصر. قال: بماذا؟ أما معك كتاب؟ قال: لا: ففتّشوه فلم يجدوا معه كتاباً، وكانت معه إداوة قد يبست(1)، فيها شي ء يتقلقل، فحرّكوه ليخرج فلم يخرج، فشقّوا إداوته، فإذا فيها كتاب من
ص: 237
عثمان إلى ابن أبي سرح، فجمع محمّد بن أبي بكر من كان معه من المهاجرين والأنصار، وفكّ الكتاب بمحضر منهم، فقرأه فإذا فيه: إذا أتاك محمّد بن أبي بكر وفلان وفلان وفلان فاقتلهم، وأبطل كتابهم، وقرّ على عملك حتّى يأتيك رأيي.
فلمّا رأوا الكتاب فزعوا منه، ورجعوا إلى المدينة، وختم محمّد بن أبي بكر الكتاب بخواتم النفر الذين كانوا معه، ودفعه إلى رجل منهم، ثمّ قدموا المدينة، فجمعوا طلحة والزبير وعليّاً وسعدا، ومن كان من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله، ثمّ فكّوا الكتاب بمحضر منهم، وأخبرهم بقصّة الغلام، وأقرأهم الكتاب، فلم يبق أحد من المدينة إلّا حنق(1)على عثمان. وقام أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله فلحقوا بمنازلهم، وحصر الناس عثمان وأحاطوا به(2)
ص: 238
44- ومن كلام له عليه السلام لما هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية، وكان قد ابتاع سبي بني ناجية من عامل أمير المؤمنين عليه السلام وأعتقهم، فلما طالبه بالمال خاس به وهرب إلى الشام
قَبَّحَ اللَّهُ مَصْقَلَةَ فَعَلَ فِعْلَ السَّادَةِ وَفَرَّ فِرَارَ الْعَبِيدِ فَمَا أَنْطَقَ مَادِحَهُ حَتَّى أَسْكَتَهُ وَلا صَدَّقَ وَاصِفَهُ حَتَّى بَكَّتَهُ وَلَوْ أَقَامَ لَأَخَذْنَا مَيْسُورَهُ وَانْتَظَرْنَا بِمَالِهِ وُفُورَهُ
مصقلة بفتح الميم وهو مصقلة بن هبيرة فإنّ إبن الكلبي قد ذكره في جمهرة النسب فقال هو مصقلة بن هبيرة بن شبل بن يثربي بن امرئ القيس بن ربيعة بن مالك بن ثعلبة بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان(1).
ص: 239
ولّاه الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام على أردشير خرة(1).
ذكروا أنّه قام إلى عليّ عليه السلام وجوه بكر بن وائل فقالوا: إنّ نعيما أخا مصقلة يستحي منك بما صنع مصقلة، وقد أتانا اليقين أنّه لا يمنع مصقلة من الرجوع إليك إلّا الحياء، ولم يبسط منذ فارقنا لسانه، ولا يده، فلو كتبنا إليه كتاباً وبعثنا من قبلنا، فانّا نستحي أن يكون فارقنا مثل مصقلة من أهل العراق إلى معاوية. فقال عليّ عليه السلام: اكتبوا، فكتبوا: أمّا بعد فقد علمنا أنّك لم تلحق بمعاوية رضى بدينه، ولا رغبة في دنياه، ولم يعطفك عن عليّ عليه السلام طعن فيه، ولا رغبة عنه، ولكن توسّطت أمرا، فقوّيت فيه الظنّ، وأضعفت فيه الرجاء. فكان أولاهما عندك أن قلت أفوز بالمال، وألحق بمعاوية، ولعمرنا ما استبدلت الشام بالعراق، ولا السكاسك(2)بربيعة، ولا معاوية بعليّ عليه السلام، ولا أصبت دنيا تهنأ بها، ولا حظّاً تحسد عليه، وإنّ أقرب ما يكون مع اللَّه أبعد ما يكون مع معاوية فارجع إلى مصرك فقد اغتفر لك أمبرالمؤمنين عليه السلام الذنب، واحتمل الثقل، واعلم أنّ رجعتك اليوم خير منها غدا، وكانت أمس خيراً منها اليوم، وإن كان عليك حياء من الرجوع إلى الحقّ فما أنت فيه أعظم، فقبّح اللَّه أمراً ليس فيه دنيا ولا آخرة.
فكتب مصقلة إليهم: جاءني كتابكم وإنّي أخبركم أنّ من لم ينفعه القليل لم ينفعه الكثير، وقد علمتم الأمر الذي قطعني من عليّ، وأضافني إلى معاوية وقد علمت أني لو رجعت إلى عليّ وإليكم لكان ذنبي مغفوراً، ولكنّي أذنبت إلى عليّ عليه السلام وصحبت معاوية، فلو رجعت إلى عليّ أحدثت عيبا وأحييت عارا، وكنت بين
ص: 240
لائمين أوّلهما خيانة، وآخرهما غدر، ولكنّي اقيم بالشام فان غلب معاوية فداري العراق، وإن غلب عليّ فداري أرض الروم فأمّا الهوى فإليكم طائر، وكانت فرقتي عليّاً على بعض العذر أحبّ إليّ من فرقتي معاوية ولا عذر لي. فرجع الرسول بالكتاب فأقرأه عليّاً، فقال: كفّوا عن صاحبكم فليس براجع حتّى يموت(1).
وفي بلدان للبلاذري: ولّى معاوية مصقلة طبرستان وجميع أهلها حرب وضمّ إليه عشرة آلاف - ويقال عشرين ألفاً - فكاده العدو وأروه الهيبة له حتّى توغّل بمن معه في البلاد فلمّا جاوزوا المضائق، أخذها العدوّ عليهم، وهدّوا الصخور من الجبال على رؤوسهم فهلك ذلك الجيش أجمع، وهلك مصقلة فضرب الناس به المثل فقالوا: «حتّى يرجع مصقلة من طبرستان»(2).
نسب بني ناجية
في الأغاني: وناجية أمهم بنت جرم بن ربان وهو علاف، وهو أول من اتخذ الرحال العلافية. فنسبت إليه، واسم ناجية ليلى وإنما سميت ناجية لأنها سارت في مفازة معه. فعطشت فاستسقته ماء. فقال لها: الماء بين يديك وهو يريها السراب حتّى جاءت الماء فشربت وسميت ناجية(3).
وأما القول في نسب بني ناجية فإنّهم ينسبون أنفسهم إلى سامة بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وقريش تدفعهم عن هذا النسب ويسمونهم بني ناجية وهي أمهم وهي امرأة سامة بن لؤي بن
ص: 241
غالب ويقولون إن سامة خرج إلى ناحية البحرين مغاضبا لأخيه كعب بن لؤي في مماظة(1)كانت بينهما فطأطأت ناقته رأسها لتأخذ العشب فعلق بمشفرها أفعى ثمّ عطفت على قتبها فحكته به فدب الأفعى على القتب حتّى نهش ساق سامة فقتله، وكانت معه امرأته ناجية فلمّا مات تزوجت رجلا في البحرين فولدت منه الحارث ومات أبوه وهو صغير فلمّا ترعرع طمعت أمه أن تلحقه بقريش فأخبرته أنه ابن سامة بن لؤي بن غالب فرحل من البحرين إلى مكّة ومعه أمه فأخبر كعب بن لؤي أنه ابن أخيه سامة فعرف كعب أمه ناجية فظن أنه صادق في دعواه فقبله ومكث عنده مدة حتّى قدم مكّة ركب من البحرين فرأوا الحارث فسلّموا عليه وحادثوه فسألهم كعب بن لؤي من أين يعرفونه فقالوا هذا ابن رجل من بلدنا يعرف بفلان وشرحوا له خبره فنفاه كعب عن مكّة ونفى أمّه فرجعا إلى البحرين فكانا هناك وتزوّج الحارث فأعقب هذا العقب(2).
وروي عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال: عمّي سامة لم يعقب(3).
عن هشام بن محمّد الكلبي عن أبيه عن عدّة عن عليّ عليه السلام قال: سامة حق، أمّا العقب فليس له، وقال قوم: كان لناجية ولد من غير سامة، وكان سامة متبنّياً له
ص: 242
فنسب إليه، فالعقب لذلك الولد(1).
وفي الأغاني في مروان بن أبي حفصة: علي بن الجهم خطب امرأة من قريش، فلم يزوّجوه، وبلغ المتوكّل ذلك فسأل عن السبب فحدّث بقصّة بني سامة بن لؤي، وأنّ أبا بكر وعمر لم يدخلاهم في قريش، وأن عثمان أدخلهم فيها، وأن عليّاً عليه السلام أخرجهم منها فارتدّوا وأنه قتل من ارتدّ منهم، وسبى بقيتهم، فباعهم من مصقلة بن هبيرة، فضحك المتوكل، وبعث إلى علي بن الجهم فأحضره وأخبره بما قال القوم، وكان فيهم مروان بن أبي حفصة - وكان المتوكل يغريه بعلي بن الجهم وهجائه - فقال:
إنّ جهما حين تنسبه***ليس من عجم ولا عرب
لجّ في شتمي بلا سبب***سارق للشعر والنسب
من أناس يدّعون أبا***ما له في الناس من عقب
فغضب علي بن الجهم، ولم يجبه لأنّه كان يستحقره فأومأ إليه المتوكّل أن يزيده فقال:
أأنتم يا ابن جهم من قريش***وقد باعوكم ممّن تريد
أترجو أن تكاثرنا جهارا***بأصلكم(2)وقد بيع الجدود(3)
ولمّا أخذ بنو ناجية يوم الجمل بخطام جمل عايشة قالت لهم: صبراً فإنّي أعرف فيكم شمائل قريش(4).
ص: 243
وفي مروج المسعودي: أبي كثير من الناس كون بني ناجية من ولد سامة وقالوا: إنّ سامة ما أعقب. قال عليّ بن محمّد بن جعفر العلوي في من انتمى إلى سامة بن لؤي:
وسامة منّا فأمّا بنوه***فأمرهم عندنا مظلم
اناس أتونا بأنسابهم***خرافة مضطجع يحلم
وقلنا لهم مثل قول الوصي***وكلّ أقاويله محكم
إذا ما سئلت فلم تدر ما***تقول، فقل: ربّنا أعلم
ولست ترى أحداً منهم إلّا منحرفاً عن عليّ عليه السلام، وبلغ من انحراف علي بن الجهم الناجي أنّه كان يلعن أباه فسئل عن ذلك فقال بتسميته إيّاي عليّاً(1).
وسمع أبو العيناء علي بن الجهم يوماً يطعن على أميرالمؤمنين عليه السلام فقال له: أنا أدري لِمَ تطعن عليه، فقال له: أتعني قصّة بيعة أهلي من مصقلة؟ قال: لا أنت أوضع من ذلك ولكن لأنّه قتل الفاعل فعل قوم لوط والمفعول به وأنت أسفلهما(2)وفيه يقول البحتري:
إذا ما حصلت عليا قريش***فلا في العير أنت ولا النفير
و لو أعطاك ربك ما تمنى***لزاد الخلق في عظم الأيور
علام هجوت مجتهدا عليّا***بما لفّقت من كذب وزور
أما لك في استك الوجعاء شغل***يكفّك عن أذى أهل القبور(3)
ص: 244
وأدخلهم الزبير بن بكار في قريش لمخالفة فعل أميرالمؤمنين عليه السلام لاجماعهم على بغضه حسب المشهور من مذهب الزبير(1).
قال المحقّق التستري قدس سره: وسبقه في ذلك عمّه مصعب الزبيري، ولابدّ أنّهما قلّدا خالة جدّهما عائشة باشتراك بغضهم له عليه السلام مثل بني ناجية(2).
قال مصعب في نسب قريشه: عبد البيت بن الحارث بن سامة، هم الذين قتلهم عليّ، وكان رئيسهم الخرّيت(3).
وأمّا قصّة بني ناجية هي انّه لمّا بايع أهل البصرة عليا عليه السلام بعد الهزيمة دخلوا في الطاعة غير بني ناجية فإنّهم عسكروا فبعث إليهم علي عليه السلام رجلا من أصحابه في خيل ليقاتلهم فأتاهم فقال: ما بالكم عسكرتم وقد دخل الناس في الطاعة غيركم؟ فافترقوا ثلاث فرق فرقه قالوا: كنّا نصارى فأسلمنا ودخلنا فيما دخل فيه الناس من الفتنة ونحن نبايع كما بايع الناس فأمرهم فاعتزلوا وفرقة قالوا: كنا نصارى ولم نسلم وخرجنا مع القوم الذين كانوا خرجوا قهرونا فاخرجونا كرها فخرجنا معهم فهزموا فنحن ندخل فيما دخل الناس فيه ونعطيكم الجزية كما أعطيناهم فقال لهم: اعتزلوا فاعتزلوا، وفرقة قالوا: كنّا نصارى فأسلمنا فلم يعجبنا الإسلام فرجعنا إلى النصرانيّة فنحن نعطيكم الجزية كما أعطاكم النصارى فقال لهم: توبوا وارجعوا إلى الإسلام فأبوا فقتل مقاتليهم وسبى ذراريهم وقدم بهم على علي عليه السلام(4).
ص: 245
عن عبداللَّه بن قعين الأزدي قال: كان الخريت بن راشد (الناجي أحد بني ناجية) قد شهد مع علي عليه السلام صفين فجاء إلى علي عليه السلام في ثلاثين من أصحابه يمشي بينهم حتّى قام بين يدي علي عليه السلام فقال له: واللَّه (لا واللَّه خ ل) لا أطيع أمرك ولا أصلّي خلفك وإنّي غدا لمفارق لك قال: وذاك بعد وقعة صفين وبعد تحكيم الحكمين فقال له عليّ عليه السلام: ثكلتك أمك إذا تنقض عهدك وتعصي ربك ولا تضر إلّا نفسك أخبرني لم تفعل ذلك؟ قال: لأنّك حكمت في الكتاب وضعفت عن الحق إذ جد الجد وركنت إلى القوم الذين ظلموا أنفسهم فأنا عليك رادّ وعليهم ناقم ولكم جميعا مباين(1).
فقال له علي عليه السلام: ويحك هلم إلي أدارسك(2)وأناظرك في السنن وأفاتحك أمورا من الحق أنا أعلم بها منك فلعلّك تعرف ما أنت الآن له منكر وتبصر ما أنت الآن عنه عم وبه جاهل.
فقال الخريت: فإنّي غاد عليك غدا فقال له علي عليه السلام اغد ولا يستهوينك الشيطان(3)ولا يتقحمن بك رأي السوء ولا يستخفنك الجهلاء الذين لا يعلمون فو اللَّه إن استرشدتني واستنصحتني وقبلت مني لأهدينك سبيل الرشاد.
فخرج الخريت من عنده منصرفا إلى أهله.
قال عبداللَّه بن قعين فعجلت في أثره مسرعا وكان لي من بني عمه صديق فأردت أن ألقى ابن عمه في ذلك فأعلمه بما كان من قوله لأميرالمؤمنين وما ردّ
ص: 246
عليه وآمر ابن عمه أن يشتد بلسانه عليه وأن يأمره بطاعة أميرالمؤمنين ومناصحته ويخبره أن ذلك خير له في عاجل الدنيا وآجل الآخرة.
قال: فخرجت حتّى انتهيت إلى منزله وقد سبقني فقمت عند باب داره وفي داره رجال من أصحابه(1)لم يكونوا شهدوا معه دخوله على أميرالمؤمنين عليه السلام فو اللَّه ما رجع ولا ندم على ما قال لأميرالمؤمنين وما ردّ عليه ثمّ (ولكنه خ ل) قال لهم: يا هؤلاء إني قد رأيت أن أفارق هذا الرجل وقد فارقته على أن أرجع إليه من غد ولا أرى إلّا مفارقة فقال له أكثر أصحابه: لا تفعل حتّى تأتيه فإن أتاك بأمر تعرفه قبلت منه وإن كانت الأخرى فما أقدرك على فراقه فقال لهم: نعم ما رأيتم.
قال: ثمّ استأذنت عليهم فأذنوا لي فأقبلت على ابن عمه وهو مدرك بن الريان الناجي وكان من كبراء العرب فقلت له إن لك على حقا لإخائك وودك ولحق المسلم على المسلم إن ابن عمك كان منه ما قد ذكر لك فأخل به واردد عليه رأيه وعظم عليه ما أتى (ما أبى خ ل) واعلم أنني خائف إن فارق أميرالمؤمنين أن يقتلك ونفسه وعشيرته فقال: جزاك اللَّه خيراً من أخ إن اراد صاحبي فراق أميرالمؤمنين فارقته وخالفته وأنا بعد خال به ومشير عليه بطاعة أميرالمؤمنين ومناصحته والإقامة معه وفي ذلك حظّه ورشده فقمت من عنده وأردت الرجوع إلى علي عليه السلام لأعلمه الذي كان ثمّ اطمأننت إلى قول صاحبي فرجعت إلى منزلي فبت ثم أصبحت فلما ارتفع النهار أتيت أميرالمؤمنين عليه السلام فجلست عنده ساعة وأنا أريد أن أحدثه بالذي كان من قوله لي على خلوة فأطلت الجلوس ولا يزداد الناس إلّا كثرة فدنوت منه فجلست وراءه فأصغى إلي برأسه فأخبرته بما سمعته
ص: 247
من الخريت (من الحديث خ ل) وما قلت لابن عمه وما رد علي(1).
فقال عليه السلام: دعه فإن قبل الحق ورجع عرفنا له ذلك وقبلناه منه وإن أبى طلبناه.
فقلت: يا أميرالمؤمنين فلم لا تأخذه الآن فتستوثق منه؟ فقال: إنا لو فعلنا هذا بكل من نتهمه من الناس ملأنا السجون منهم ولا أراني يسعني الوثوب على الناس والحبس لهم وعقوبتهم حتّى يظهروا لنا الخلاف.
قال: فسكت عنه وتنحيت فجلست مع أصحابي ثمّ مكثت ما شاء اللَّه معهم.
ثمّ قال لي عليّ عليه السلام: ادن منّي، فدنوت منه ثمّ قال لي مسرا: اذهب إلى منزل الرجل فاعلم ما فعل فإنّه قل يوم لم يكن يأتيني فيه إلّا قبل هذه الساعة.
قال: فأتيت إلى منزله فإذا ليس في منزله منهم ديار فدرت على أبواب دور أخرى كان فيها طائفة أخرى من أصحابه فإذا ليس فيها داع ولا مجيب فأقبلت إلى عليّ عليه السلام فقال لي حين رآني: أأمنوا فقطنوا(2)أم جبنوا فظعنوا؟ قلت: لا بل ظعنوا قال: أبعدهم اللَّه كما بعدت ثمود أما واللَّه لو قد أشرعت لهم الأسنة وصبت على هامهم السيوف لقد ندموا إن الشيطان قد استهواهم فأضلهم وهو غدا متبرئ منهم ومخل عنهم.
فقام إليه زياد بن خصفة(3)فقال: يا أمير المؤمنين إنّه لو لم يكن من مضرة هؤلاء إلّا فراقهم إيّانا لم يعظم فقدهم علينا فنأسى عليهم(4)فإنهم قلّما يزيدون في عددنا
ص: 248
لو أقاموا معنا ولقلّما ينقصون من عددنا بخروجهم منّا ولكنّا نخاف أن يفسدوا علينا جماعة كثيرة ممن يقدمون عليهم من أهل طاعتك فأذن لي في اتباعهم حتّى أردهم عليك إن شاء اللَّه.
فقال له عليه السلام: اخرج في آثارهم راشدا، فلمّا ذهب ليخرج قال له عليه السلام: وهل تدري أين توجه القوم؟ قال: لا واللَّه ولكنّي أخرج فأسأل وأتبع الأثر، فقال له عليّ عليه السلام: اخرج رحمك اللَّه حتّى تنزل دير أبي موسى(1)ثمّ لا تبرحه حتّى يأتيك أمري فإنهم إن كانوا قد خرجوا ظاهرين بارزين للناس في جماعة فإن عمالي ستكتب إلي بذلك وإن كانوا متفرقين مستخفين فذلك أخفى لهم وسأكتب إلى من حولي من عمالي فيهم.
فكتب نسخة واحدة وأخرجها إلى العمال:
بسم اللَّه الرحمن الرحيم من عبد اللَّه علي أميرالمؤمنين إلى من قرأ كتابي هذا من العمال أما بعد فإن رجالا لنا عندهم بيعة خرجوا هرابا فنظنهم وجّهوا نحو بلاد البصرة فاسأل عنهم أهل بلادك واجعل عليهم العيون في كل ناحية من أرضك ثمّ اكتب إلي بما ينتهي إليك عنهم والسلام.
فخرج زياد بن خصفة حتّى أتى داره فجمع أصحابه فحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال: أمّا بعد يا معشر بكر بن وائل فإنّ أميرالمؤمنين ندبني(2)لأمر من أموره مهم له وأمرني بالانكماش(3)فيه بالعشيرة حتّى آتي أمره وأنتم شيعته وأنصاره وأوثق حي
ص: 249
من أحياء العرب في نفسه فانتدبوا معي في هذه الساعة وعجلوا.
قال: فو اللَّه ما كان إلّا ساعة حتّى اجتمع إليه منهم مائة رجلا ونيف(1)وعشرون أو ثلاثون، فقال: اكتفينا لا نريد أكثر من هؤلاء.
قال: فخرج زياد حتّى قطع الجسر ثمّ أتى دير أبي موسى فنزله فأقام به بقية يومه ذلك ينظر أمر أميرالمؤمنين عليه السلام(2).
ثمّ جاء كتاب من قرظة بن كعب بن عمرو الأنصاري إلى أمير المؤمنين عليه السلام أخبره فيه أن خيلا مرت بنا من قبل الكوفة متوجهة نحو نفر(3)وأن رجلا من دهاقين(4)أسفل الفرات قد أسلم وصلى يقال له: زادان فروخ(5)أقبل من قبل إخوان (اخوال له) له بناحية نفر فلقوه فقالوا له: أمسلم أنت أم كافر؟ قال: قال: بل مسلم قالوا: ما قولك في علي بن أبي طالب؟ قال: قولي فيه خير أقول إنه أميرالمؤمنين و وصي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسيد البشر(6)فقالوا له: كفرت يا عدو اللَّه ثمّ حملت عليه
ص: 250
عصابة منهم فقطعوه بأسيافهم وأخذوا معه رجلا من أهل الذمة يهوديا فقالوا له: ما دينك؟ قال: يهودي: فقالوا خلوا سبيل هذا لا سبيل لكم عليه فأقبل إلينا ذلك الذمي فأخبرنا هذا الخبر وقد سألت عنهم فلم يخبرني عنهم أحد بشي ء فليكتب إلي أميرالمؤمنين فيهم برأيه أنتهي إليه والسلام.
فكتب إليه علي عليهما السلام: أما بعد فقد فهمت كتابك وما ذكرت من أمر العصابة التي مرت بعملك فقتلت المرء المسلم وأمن عندهم المخالف المشرك وإن أولئك قوم استهواهم الشيطان فضلوا كالذين «حَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا»(1)ف «أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ»(2)يوم تختبر أحوالهم (اعمالهم) فالزم عملك وأقبل على خراجك فإنك كما ذكرت في طاعتك ونصيحتك والسلام(3).
قال: وكتب علي عليه السلام إلى زياد بن خصفة مع عبداللَّه بن وال التميمي وفيه: أما بعد فقد كنت أمرتك أن تنزل دير أبي موسى حتّى يأتيك أمري وذلك أني لم أكن علمت (لأعلم خ لا) أين توجه القوم وقد بلغني أنهم أخذوا نحو قرية من قرى السواد(4)يقال لها نفر فاتبع آثارهم وسل عنهم فإنهم قد قتلوا رجلا مسلما من أهل السواد مصلّيا فإذا أنت لحقتهم فارددهم إلي فإن أبوا فناجزهم واستعن باللَّه عليهم فإنهم قد فارقوا الحق وسفكوا الدم الحرام وأخافوا السبيل والسلام.
قال عبداللَّه بن وال: فأخذت الكتاب منه عليه السلام ومضيت إلى زياد فلمّا وصل
ص: 251
الكتاب إليه خرجنا حتّى أتينا الموضع الذي كانوا فيه (به خ ل) فسألنا عنهم فقيل لنا: إنّهم قد أخذوا نحو المدائن(1)فلحقناهم وهم نزول بالمدائن وقد أقاموا بها يوما وليلة وقد استراحوا وأعلفوا دوابهم فهم جامون(2)مريحون وأتيناهم فلمّا رأونا وثبوا على خيولهم واستووا عليها وجئنا حتّى انتهينا إليهم فواقفناهم فنادانا صاحبهم الخريت بن راشد: يا عميان القلوب والأبصار أمع اللَّه أنتم ومع كتابه وسنة نبيه أم مع القوم الظالمين؟ فقال له زياد بن خصفة: لا بل واللَّه نحن مع اللَّه وكتابه وسنة رسوله وابن عم رسوله. فقال لنا الخريت: أخبروني ما تريدون؟ فقال له زياد: وكان مجربا(3)رفيقا قد ترى ما بنا من النصب واللغوب والذي جئنا له لا يصلحه الكلام علانية على رؤوس أصحابك ولكن انزلوا وننزل ثمّ نخلو جميعا فنذاكر أمرنا وننظر فيه فإن رأيت فيما جئنا له حظا لنفسك قبلته وإن رأيت فيما أسمع منك أمرا أرجو فيه العافية لنا ولك لم أردده (لم أرده خ ل) عليك فقال له الخريت: انزل فنزل ثمّ أقبل إلينا زياد فقال: انزلوا على هذا الماء فأقبلنا حتّى
ص: 252
انتهينا إلى الماء فنزلنا به فما هو إلّا أن نزلنا فتفرقنا ثمّ تحلقنا(1)عشرة عشرة وتسعة وثمانية وسبعة يضعون طعامهم بين أيديهم فيأكلون ثمّ يقومون إلى ذلك الماء فيشربون فقال لنا زياد: علقوا على خيولكم فعلقنا عليها مخاليها(2)ووقف زياد في خمسة فوارس أحدهم عبد اللَّه بن وال فوقف بيننا وبين القوم فانطلق القوم فتنحوا ناحية فنزلوا وأقبل إلينا زياد فلما رأى تفرقنا وتحلقنا قال: سبحان اللَّه أنتم أصحاب حرب واللَّه لو أن هؤلاء القوم جاءوكم الساعة على هذه الحال ما أرادوا من غرتكم(3)أفضل من حالكم التي أنتم عليها عجلوا قوموا إلى خيولكم (خيلكم خ ل) فأسرعنا وتحشحشنا(4)فمنا من يتوضأ ومنا من يشرب ومنا من يسقي فرسه حتّى إذا فرغنا من ذلك كله أتينا زيادا وإذا في يده عرق ينهش فنهشه(5)نهشتين أو ثلاثا ثمّ أتى بإداوة فيها ماء(6)فشرب ثم ألقى العرق من يده ثم قال: يا هؤلاء إنا قد لقينا العدو وإن القوم لفي عدتكم - وساق الحديث إلى أن قال: - ودعا زياد بن خصفة صاحبهم الخريت فقال له: اعتزل فلننظر في أمرنا فأقبل إليه في خمسة نفر فقلت لزياد: أدعو لك ثلاثة نفر من أصحابنا حتّى نلقاهم في عددهم فقال: ادع من أحببت منهم فدعوت له ثلاثة فكنا خمسة وهم خمسة، فقال له زياد: ما الذي
ص: 253
نقمت على أميرالمؤمنين وعلينا إذ فارقتنا؟ فقال له الخريت: لم أرض بصاحبكم إماما ولم أرض بسيرتكم سيرة فرأيت أن أعتزل وأكون مع من يدعو إلى الشورى من الناس فإذا اجتمع الناس على رجل هو لجميع الأمة رضى كنت مع الناس، فقال له زياد: ويحك وهل يجتمع الناس على رجل منهم يداني عليا صاحبك الذي فارقته علما باللَّه وبكتابه وسنة رسوله مع قرابته منه صلى الله عليه وآله وسابقته في الإسلام؟ فقال له الخريت: ذلك ما أقول لك فقال له زياد ففيم قتلت ذلك الرجل المسلم(1)؟ فقال له الخريت: ما أنا قتلته إنما قتلته طائفة من أصحابي فقال له زياد: فادفعهم إلي، فقال له الخريت: ما إلى ذلك سبيل فقال له زياد: وكذلك أنت فاعل قال: هو ما تسمع.
قال: فدعونا أصحابنا ودعا الخريت أصحابه ثمّ اقتتلنا فواللَّه ما رأيت قتالاً مثله منذ خلقني اللَّه لقد تطاعنا بالرماح حتّى لم يبق في أيدينا رمح ثمّ اضطربنا بالسيوف حتّى انحنت وعقرت(2)عامة خيلنا وخيلهم وكثرت الجراح فيما بيننا وبينهم وحال الليل بيننا وبينهم وقد واللَّه كرهونا وكرهناهم وقد جرح زياد وجرحت ثمّ انا بتنا في جانب وتحوا فمكثوا ساعة من الليل ثمّ انّهم مضوا وذهبوا فأصبحنا فوجدناهم قد ذهبوا فواللَّه ما كرهنا ذلك فمضينا حتّى أتينا البصرة وبلغنا أنّهم أتوا الأهواز فنزلوا في جانب منها فتلاحق بهم ناس من أصحابهم نحو مائتين كانوا معهم بالكوفة ولم يكن معهم من القوّة ما ينهضهم معهم حتّى نهضوا فاتبعوهم من بعد فلحقوهم بأرض أهواز فأقاموا معهم.
قال: وكتب زياد بن خصفة إلى عليّ عليه السلام بالقصّة وانّهم ذهبوا إلى الأهواز ونحن
ص: 254
بالبصرة نداوي جراحنا وننتظر أمرك رحمك اللَّه والسلام.
قال: فلمّا أتاه الكتاب قرأه على الناس فقام إليه معقل بن قيس الرياحي(1)وقال: أصلحك اللَّه يا أميرالمؤمنين إنما كان ينبغي أن يكون مكان كل رجل من هؤلاء الذين بعثتهم في طلبهم عشرة من المسلمين.
فقال له علي عليه السلام: تجهز يا معقل إليهم وندب معه ألفين من أهل الكوفة فيهم يزيد بن المغفل(2)وكتب إلى عبد اللَّه بن العباس بالبصرة: أما بعد فابعث رجلا من قبلك صليبا(3)شجاعا معروفا بالصلاح في ألفي رجل من أهل البصرة فليتبع معقل بن قيس فإذا خرج من أرض البصرة فهو أمير أصحابه حتّى يلقى معقلا فإذا لقيه فمعقل أمير الفريقين فليسمع منه وليطعه ولا يخالفه ومُر زياد بن خصفة فليقبل إلينا فنعم المرء زياد ونعم القبيل قبيله والسلام.
قال: وكتب علي عليه السلام إلى زياد بن خصفة: أما بعد فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت به الناجي وأصحابه الذين «طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ»(4)«زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ
ص: 255
أَعْمَالَهُمْ»(1)فهم حيارى عمون وهم «يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً»(2)ووصفت ما بلغ بك وبهم الأمر فأما أنت وأصحابك فلله سعيكم وعليه جزاؤكم وأيسر ثواب اللَّه للمؤمن خير له من الدنيا التي يقبل الجاهلون بأنفسهم عليها «مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(3)وأما عدوكم الذين لقيتموهم فحسبهم بخروجهم من الهدى وارتكابهم في الضلالة وردهم الحق وجماحهم في التيه «فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ»(4)ودعهم «فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ»(5)ف «أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ»(6)فكأنك بهم عن قليل بين أسير وقتيل فأقبل إلينا أنت وأصحابك مأجورين فقد أطعتم وسمعتم وأحسنتم البلاء والسلام.
قال: ونزل الناجي جانبا من الأهواز واجتمع إليه علوج من أهلها كثير ممن أراد كسر الخراج(7)ومن اللصوص وطائفة أخرى من الأعراب ترى رأيه (رأيهم خ ل).
قال عبداللَّه بن قعين: كنت أنا وأخي كعب بن قعين في ذلك الجيش مع معقل بن قيس فلمّا أراد الخروج أتى عليّاً عليه السلام فودعه فقال له علي عليه السلام: يا معقل اتق اللَّه ما استطعت فإنها وصية اللَّه للمؤمنين لا تبغ على أهل القبلة ولا تظلم أهل الذمة ولا
ص: 256
تتكبر فإن اللَّه لا يحب المتكبرين. فقال معقل: اللَّه المستعان فقال: خير مستعان، ثمّ قام فخرج وخرجنا معه حتّى نزل الأهواز فأقمنا ننتظر أهل البصرة فأبطئوا علينا فقام معقل فقال: يا أيها الناس إنا قد انتظرنا أهل البصرة وقد أبطئوا علينا وليس بنا بحمد اللَّه قلة ولا وحشة إلى الناس فسيروا بنا إلى هذا العدو القليل الذليل فإني أرجو أن ينصركم اللَّه وأن يهلكهم فقام إليه أخي كعب بن قعين فقال: أصبت إن شاء اللَّه، رأينا رأيك وإني لأرجو أن ينصرنا اللَّه عليهم وإن كانت الأخرى فإن في الموت على الحق لتعزية عن الدنيا فقال معقل: سيروا على بركة اللَّه فسرنا فو اللَّه ما زال معقل بن قيس لي ولأخي مكرما موادا ما يعدل بنا أحداً من الجند. قال: فو اللَّه ما سرنا يوماً وإذا برجل أتانا وفي يده صحيفة من عبداللَّه بن عباس إلى معقل بن قيس امره فيه بالوقوف في مكانه حتّى يقدم عليه بعثه الذي وجهه إليه من البصرة تحت راية خالد بن معدان الطائي وهو من أهل الدين والصلاح فاسمع منه وأعرف ذلك له فاقمنا حتّى قدم علينا خالد وسلّم عليه صاحبنا بالأمرة واجتمعنا جميعاً في عسكر واحد(1).
ثم خرجنا إلى الناجي وأصحابه فأخذوا يرتفعون نحو جبال رامهرمز يريدون قلعة بها حصينة وجاءنا أهل البلد فأخبرونا بذلك فخرجنا في آثارهم نتبعهم فلحقناهم وقد دنوا من الجبل فصففنا لهم ثمّ أقبلنا نحوهم فجعل معقل على ميمنته يزيد بن المغفل الأزدي وعلى ميسرته منجاب بن راشد الضبي من بني السيد من أهل البصرة فوقف الخريت بن راشد الناجي فيمن معه من العرب فكانوا ميمنة
ص: 257
وجعل أهل البلد والعلوج ومن أراد كسر الخراج وجماعة من الأكراد ميسرة.
قال: وسار فينا معقل يحرضنا ويقول لنا: يا عباد اللَّه لا تبدئوا القوم وغضوا الأبصار وأقلوا الكلام ووطنوا أنفسكم على الطعن والضرب وأبشروا في قتالهم بالأجر العظيم إنما تقاتلون مارقة مرقت وعلوجا منعوا الخراج ولصوصا وأكرادا انظروني (فما تنتظرون خ ل) فإذا حملت فشدوا شدة رجل واحد قال: فمرّ في الصف كلّه يقول لهم هذه المقالة حتّى إذا مرّ بالناس كلّهم أقبل فوقف وسط الصف في القلب ونظرنا إليه ما يصنع فحرك رأيته تحريكتين ثمّ حمل في الثالثة وحملنا معه جميعا فو اللَّه ما صبروا لنا ساعة واحدة حتّى ولوا وانهزموا وقتلنا سبعين عربيا من بني ناجية ومن بعض من اتبعه من العرب وقتلنا نحو ثلاثمائة من العلوج والأكراد.
قال كعب بن قعين: ونظرت فيمن قتل من العرب فإذا صديقي مدرك بن الريان(1)قتيلا وخرج الخريت منهزما حتّى لحق بسيف من أسياف(2)البحر وبها جماعة من قومه كثير فما زال يسير فيهم ويدعوهم إلى خلاف علي عليه السلام ويزين لهم فراقه ويخبرهم أن الهدى في فراقه وحربه ومخالفته حتّى اتبعه منهم ناس كثير وأقام معقل بن قيس بأرض الأهواز وكتب إلى أميرالمؤمنين عليه السلام معي بالفتح وكان في الكتاب بسم اللَّه الرحمن الرحيم لعبد اللَّه علي أميرالمؤمنين من معقل بن قيس سلام عليك فإني أحمد إليك اللَّه الذي لا إله إلّا هو أما بعد فإنا لقينا المارقين وقد استظهروا علينا بالمشركين فقتلنا منهم ناسا كثيرا ولم نتعد فيهم سيرتك فلم نقتل
ص: 258
منهم مدبرا ولا أسيرا ولم ندفف (نذفف خ ل) منهم على جريح(1)وقد نصرك اللَّه والمسلمين والحمد للَّه رب العالمين.
قال: فقدّمت بالكتاب (فلمّا قدمت بالكتاب عليه قرأه) فقرأه أميرالمؤمنين على أصحابه واستشارهم في الرأي فاجتمع رأي عامتهم على قول واحد فقالوا: يا أميرالمؤمنين نرى أن تكتب إلى معقل بن قيس أن يتبع آثارهم ولا يزال في طلبهم حتّى يقتلهم أو ينفيهم من أرض الإسلام فكتب إليه عليّ عليه السلام: أما بعد فالحمد للَّه على تأييد أوليائه وخذلان أعداءه جزاك اللَّه والمسلمين خيرا فقد أحسنتم البلاء وقضيتم ما عليكم فأسأل عن أخي بني ناجية فإن بلغك أنه قد استقر في بلد من البلادان فسر إليه حتّى تقتله أو تنفيه فإنّه (لم يزل خ ل) لن يزال للمسلمين عدوا وللقاسطين وليا ما بقي والسلام.
قال فسأل معقل عن مسيره والمكان الذي انتهى إليه فنبئ بمكانه بسيف البحر بفارس وأنه قد رد قومه عن طاعة علي عليه السلام وأفسد من قبله من عبد القيس ومن والاهم من سائر العرب وكان قومه قد منعوا الصدقة عام صفين ومنعوها في ذلك العام أيضا فسار إليهم معقل بن قيس في ذلك الجيش من أهل الكوفة وأهل البصرة فأخذوا على أرض فارس حتّى انتهوا إلى أسياف البحر فلمّا سمع الخريت بن راشد بمسيره أقبل على من كان معه من أصحابه ممن يرى رأي الخوارج فأسر إليهم أني أرى رأيكم فإن عليّاً لم ينبغي له أن يحكم الرجال في دين اللَّه وقال لمن يرى رأي عثمان أنا على رأيكم وقد قتل عثمان مظلوما معقولا وقال لمن منع الصدقة شدوا أيديكم على صدقاتكم ثمّ صلوا بها أرحامكم وعودوا بها إن شئتم
ص: 259
على فقرائكم فأرضى كل طائفة بضرب من القول وكان فيهم نصارى كثير وقد كانوا أسلموا فلما اختلف الناس (فلما رأوا ذلك الإختلاف) قالوا واللَّه لديننا الذي خرجنا منه خير وأهدى من دين هؤلاء الذين لا ينهاهم دينهم عن سفك الدماء وإخافة السبل فرجعوا إلى دينهم.
فلقى الخريت أولئك فقال ويحكم إنه لا ينجيكم من القتل إلّا الصبر لهؤلاء القوم وقتالهم أتدرون ما حكم علي فيمن أسلم من النصارى ثمّ رجع إلى النصرانيّة لا واللَّه لا يسمع له قولا ولا يرى له عذراً ولا يقبل منه توبة ولا يدعوه إليها وإن حكمه فيه أن يضرب عنقه ساعة يستمكن منه فما زال حتّى خدعهم وجاءه من كان من بني ناجية في تلك الناحية ومن غيرهم فاجتمع إليه ناس كثير وكان منكرا داهيا.
قال: فلمّا رجع معقل قرأ على أصحابه كتابا من علي عليه السلام فيه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم من عبد اللَّه علي أميرالمؤمنين إلى من قرئ عليه كتابي هذا من المسلمين والمؤمنين والمارقين والنصارى والمرتدين سلام على من اتبع الهدى وآمن باللَّه ورسوله وكتابه والبعث بعد الموت وافيا بعهد اللَّه ولم يكن من الخائنين أما بعد فإنّي أدعوكم إلى كتاب اللَّه وسنّة نبيه وأن أعمل فيكم بالحق وبما أمر اللَّه تعالى به في كتابه فمن رجع منكم إلى رحله وكفّ يده واعتزل هذا المارق (الفاسق) الهالك المحارب الذي حارب اللَّه ورسوله والمسلمين وسعى في الأرض فسادا فله الأمان على ماله ودمه ومن تابعه على حربنا والخروج من طاعتنا استعنا باللَّه عليه وجعلنا اللَّه بيننا وبينه وكفى باللَّه وليا والسلام(1).
ص: 260
قال: فأخرج معقل رأية أمان فنصبها وقال من أتاها من الناس فهو آمن إلّا الخريت وأصحابه الذين نابذوا أوّل مرّة فتفرق عن الخريت كلّ من كان معه من غير قومه وعبأ معقل أصحابه ثمّ زحف بهم نحوه وقد حضر مع الخريت جميع قومه مسلمهم ونصرانيهم ومانعو الصدقة منهم فجعل مسلميهم ميمنة والنصارى ومانعي الصدقة ميسرة.
وسار معقل يحرض الناس فيما بين الميمنة والميسرة ويقول: أيها الناس ما تدرون ممّا سيق (ما سبق خ ل) إليكم في هذا الموقف من الأجر العظيم إن اللَّه ساقكم إلى قوم منعوا الصدقة وارتدوا عن الإسلام ونكثوا البيعة ظلما وعدوانا إني شهيد لمن قتل منكم بالجنة ولمن عاش بأن اللَّه يقر عينه بالفتح والغنيمة، ففعل ذلك حتّى مرّ بالناس أجمعين ثمّ إنه وقف في القلب برايته فحملت الميمنة عليهم ثمّ الميسرة وثبتوا لهم وقاتلوا قتالاً شديدا، ثمّ حمل هو وأصحابه عليهم فصبروا لهم ساعة.
ثمّ إن النعمان بن صهبان أبصرت بالخريت فحمل عليه وضربه فصرعه عن فرسه ثمّ نزل إليه وقد جرحه فاختلف بينهما ضربات (ضربتان خ ل) فقتله النعمان بن صهبان وقتل معه في المعركة سبعون ومائة من أصحابه وذهب الباقون في الأرض يمينا وشمالا وبعث معقل الخيل إلى رحالهم فسبى من أدرك منهم فسبى رجالا ونساء وصبيانا ثمّ نظر فيهم فمن كان مسلما فخلاه وأخذ بيعته وخلى سبيل عياله ومن كان ارتد عن الإسلام فعرض عليه الرجوع إلى الإسلام وإلّا القتل فأسلموا فخلى سبيلهم وسبيل عيالاتهم إلّا شيخا منهم نصرانيا لم يرجع فقتل وجمع الناس فقالوا ردّوا ما عليكم في هذه السنين من الصدقة فأخذ من المسلمين
ص: 261
عقالين(1)وعمد إلى النصارى وعيالاتهم فاحتملهم معه، وأقبل المسلمون الذين كانوا معهم يشيعونهم، فأمر معقل بردهم فلمّا ذهبوا لينصرفوا تصايحوا ودعا الرجال والنساء بعضهم إلى بعض، قال: فلقد رحمتهم رحمة ما رحمتها أحدا قبلهم ولا بعدهم.
وكتب معقل إلى أميرالمؤمنين عليه السلام أما بعد فإني أخبر أميرالمؤمنين عن جنده وعن عدوه إنا رفعنا إلى عدونا بأسياف البحر فوجدنا بها قبائل ذات جد وعدد وقد جمعوا لنا فدعوناهم إلى الجماعة والطاعة وإلى حكم الكتاب والسنة وقرأنا عليهم كتاب أمير المؤمنين ورفعنا لهم راية أمان فمالت إلينا منهم طائفة وثبتت طائفة أخرى فقبلنا من التي أقبلت وصمدنا إلى التي أدبرت فضرب اللَّه وجوههم ونصرنا عليهم فأما من كان مسلما فإنا مننا عليه وأخذنا بيعته لأميرالمؤمنين وأخذنا منهم الصدقة التي كانت عليهم وأما من ارتد فعرضنا عليهم الرجوع إلى الإسلام وإلّا قتلنا فرجعوا إلى الإسلام غير رجل واحد فقتلناه وأما النصارى فإنا سبيناهم وأقبلنا لهم (بهم خ ل) ليكونوا نكالا لمن بعدهم من أهل الذمة لكي لا يمنعوا الجزية ولكي لا يجترئوا على قتال أهل القبلة وهم للصغار والذلة أهل، رحمك اللَّه يا أميرالمؤمنين وأوجب لك جنات النعيم والسلام.
من عامل أميرالمؤمنين عليه السلام وأعتقهم
يعنى أمير جنده معقل بن قيس؛
ثم أقبل - معقل - بالأسارى حتّى مرّ على مصقلة بن هبيرة الشيباني وهو عامل
ص: 262
لعلي عليه السلام على أردشيرخرة(1)وهم خمسمائة إنسان فبكى إليه النساء والصبيان وصاح الرجال: يا أبا الفضل يا حامل الثقل (الثقيل خ ل) ومأوى الضعيف وفكاك العناة(2)امنن علينا فاشترنا وأعتقنا فقال مصقلة: اقسم باللَّه لأتصدقنّ عليهم إنّ اللَّه يجزي المتصدّقين فبلغ قوله معقلاً فقال: واللَّه لو أني أعلم أنّه قالها توجعا لهم ووجدا وإزراء على (عليكم) لضربت عنقه ولو كان في ذلك فناء بني تميم وبكر بن وائل.
ثم إن مصقلة بن هبيرة بعث ذهل بن الحارث الذهلي(3)إلى معقل فقال: يبيعني نصارى بني ناجية فقال: نعم أبيعكم بألف ألف درهم فأبى عليه فلم يزل يراوده حتّى باعه إياهم بخمسمائة ألف درهم ودفعهم إليه وقال له: عجل بالمال إلى أميرالمؤمنين فقال مصقلة: أنا باعث الآن بصدر(4)منه ثمّ أبعث بصدر آخر ثم كذلك حتّى لا يبقى منه شي ء إن شاء اللَّه.
قال: وأقبل معقل إلى علي عليه السلام فأخبره بما كان منه في ذلك فقال له علي عليه السلام: أحسنت وأصبت ووفقت.
ص: 263
قال: وانتظر علي عليه السلام مصقلة أن يبعث إليه بالمال فأبطأ به فبلغ عليا عليه السلام أن مصقلة خلى سبيل الأسارى (خلى الأسارى خ ل) ولم يسألهم أن يعينوه في فكاك أنفسهم بشي ء فقال: ما أرى مصقلة إلّا قد حمل حمالة(1)لا أراكم إلّا سترونه عن قريب مبلدحا(2)(عن قريب ليس ببلدة خ ل) ثمّ كتب إليه: أما بعد فإن من أعظم الخيانة خيانة الأمة وأعظم الغش على أهل المصر غش الإمام وعندك من حق المسلمين خمسمائة ألف درهم فابعث إلي بها حين يأتيك رسولي وإلّا فأقبل إلي حين تنظر في كتابي فإني قد تقدمت إلى رسولي ألا يدعك ساعة واحدة تقيم بعد قدومه عليك إلّا أن تبعث بالمال والسلام.
قال: وكان الرسول أبا حرة الحنفي فقال له أبو حرة: إن تبعث بهذا المال وإلّا فاشخص معي إلى أميرالمؤمنين فلما قرأ كتابه أقبل حتّى نزل بالبصرة وكان العمال يحملون المال من كور البصرة إلى ابن عباس فيكون ابن عباس هو الذي يبعث به إلى أميرالمؤمنين عليه السلام فقال له: نعم أنظرني أياما ثمّ أقبل من البصرة حتّى أتى عليا عليه السلام بالكوفة فأقره علي عليه السلام أياما لم يذكر له شيئا ثمّ سأله المال فأدى إليه مائتي ألف درهم وعجز عن الباقي ولم يقدر عليه(3).
وعن أبي الصلت عن ذهل بن الحارث قال: دعاني مصقلة إلى رحله فقدم عشاءً فطعمنا منه ثمّ قال: واللَّه إن أميرالمؤمنين عليه السلام يسألني هذا المال و واللَّه لا أقدر عليه فقلت له: لو شئت لا يمضي عليك جمعة حتّى تجمع هذا المال فقال: واللَّه ما
ص: 264
كنت لأحملها قومي ولا أطلب فيها إلى أحد. ثمّ قال: أما واللَّه لو أن ابن هند يطالبني بها أو ابن عفان لتركها لي ألم تر إلى ابن عفان حيث أطعم الأشعث بن قيس مائة ألف درهم من خراج آذربيجان(1)في كل سنة فقلت: إن هذا لا يرى ذلك الرأي وما هو بتارك لك شيئا فسكت ساعة وسكت عنه فما مكث ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتّى لحق بمعاوية فبلغ ذلك عليا عليه السلام فقال: ما له؟ ترحه اللَّه فعل فعل السيد وفر فرار العبيد وخان خيانة الفاجر أما إنه لو أقام فعجز ما زدنا على حبسه فإن وجدنا له شيئا أخذناه وإن لم نقدر له على مال تركناه ثمّ سار إلى داره فهدمها.
وكان أخوه نعيم بن هبيرة الشيباني شيعيا ولعلي عليه السلام مناصحا فكتب إليه مصقلة من الشام مع رجل من نصارى تغلب يقال له حلوان: أما بعد فإني كلمت معاوية فيك فوعدك الكرامة ومناك الإمارة فأقبل ساعة تلقى رسولي إن شاء اللَّه والسلام.
فلمّا وصل الكوفة علم به علي عليه السلام فأخذ النصراني(2)فقطع يده فمات فكتب نعيم إلى أخيه مصقلة جواب كتابه شعرا يتضمن امتناعه وتعييره:
لا ترميني هداك اللَّه معترضا***بالظن منك فما بالي وحلوانا
ص: 265
ذاك الحريص على ما نال من طمع***وهو البعيد فلا يورثك(1)أحزانا
ما ذا أردت إلى إرساله سفها***ترجو سقاط امرئ لم يلف وسنانا
عرضته لعلي إنه أسد***يمشي العرضنة من آساد خفانا(2)
قد كنت في منظر عن ذا ومستمع(3)أي كنت تكره ارتكاب مثل هذا لغيرك فكيف رطت فيه نفسك.(4)أي تحييهم بالذكر الحسن حيث يقال ان فاعل هذا من اولئك فسيدل بالفرع على الأصل.(5)يقال: قرع سنه ندما حك بعض أسنانه ببعض حتّى سمع لها صرير من شدّة الندم.$***ما ذا تقول وقد كان الذي كانا
أصبحت تبغضك الأحياء قاطبة***لم يرفع اللَّه بالبغضاء إنسانا
فلمّا وقع (بلغ) الكتاب إليه علم أن النصراني قد هلك ولم يلبث التغلبيون إلّا قليلا حتّى بلغهم هلاك صاحبهم فأتوا فقالوا: أنت أهلكت صاحبنا فإما أن تحييه وإما أن تديه(6)فقال: أما أن أحييه فلا أستطيع وأما أن أديه فنعم فوداه(7).
ص: 266
عن بن أبي يوسف عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال: قيل لعلي عليه السلام حين هرب مصقلة: اردد الذين سبوا ولم تستوف أثمانهم في الرق فقال: ليس ذلك في القضاء بحق قد عتقوا إذ أعتقهم الذي اشتراهم وصار مالي دينا على الذي اشتراهم(1).
قال مصقلة لمّا هرب منه عليه السلام ولحق بمعاوية:
وفارقت خير الناس بعد محمد***لمال قليل لا محالة ذاهب(2)
قَبَّحَ اللَّهُ مَصْقَلَةَ فَعَلَ فِعْلَ السَّادَةِ وَفَرَّ فِرَارَ الْعَبِيدِ فَمَا أَنْطَقَ مَادِحَهُ حَتَّى أَسْكَتَهُ وَلا صَدَّقَ وَاصِفَهُ حَتَّى بَكَّتَهُ وَلَوْ أَقَامَ لَأَخَذْنَا مَيْسُورَهُ وَانْتَظَرْنَا بِمَالِهِ وُفُورَهُ
فقال عليّ عليه السلام: قبّح اللَّه مصقلة، فعل فعل السيّد وفرّ فرار العبد، ولو أقام ورأيناه قد عجز لم نأخذه بشي ء.
وأجاز عتق من أعتق ففتّش عليّ عليه السلام دار مصقلة فوجد فيها سلاحاً فقال:
أرى حربا مفرّقة وسلما***وعهدا ليس بالعهد الوثيق
ثمّ هدمها، فقال يحيى بن منصور:
ص: 267
قضى وطرا منها عليّ فأصبحت***إمارته فيها أحاديث كاذب
فبناها له معاوية بعد وقال مصقلة حين لحق بمعاوية:
تركت نساء الحيّ بكر بن وائل***وأعتقت سبيا من لؤيّ بن غالب
وفارقت خير الناس بعد محمّد***لمال قليل لا محالة ذاهب(1)
ص: 268
بسم الرحمن الرحیم
الْحَمْدُ للَّهِ ِ غَيْرَ مَقْنُوطٍ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلا مَخْلُوٍّ مِنْ نِعْمَتِهِ وَلا مَأْيُوسٍ مِنْ مَغْفِرَتِهِ وَلا مُسْتَنْكَفٍ عَنْ عِبَادَتِهِ الَّذِي لا تَبْرَحُ مِنْهُ رَحْمَةٌ وَلا تُفْقَدُ لَهُ نِعْمَةٌ وَالدُّنْيَا دَارٌ مُنِيَ لَهَا الْفَنَاءُ وَلِأَهْلِهَا مِنْهَا الْجَلاءُ وَهِيَ حُلْوَةٌ خَضْرَاءُ وَقَدْ عَجِلَتْ لِلطَّالِبِ وَالْتَبَسَتْ بِقَلْبِ النَّاظِرِ فَارْتَحِلُوا مِنْهَا بِأَحْسَنِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ الزَّادِ وَلا تَسْأَلُوا فِيهَا فَوْقَ الْكَفَافِ وَلا تَطْلُبُوا مِنْهَا أَكْثَرَ مِنَ الْبَلاغِ
قال تعالى: «كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ»(1)
وقال تعالى: «وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ»(2)
وقال تعالى: «رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْ ءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً»(3)
وقال تعالى: «فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ»(4)
ص: 269
وقال تعالى: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»(1)
وقال تعالى: «وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ»(2)
عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن للَّه مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على ولدها وأخر اللَّه تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة(3).
روي عن النبي صلى الله عليه وآله لما قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ولخرجتم إلى الصعدات تلدمون صدوركم وتجأرون إلى ربكم، فهبط جبرئيل عليه السلام فقال: إنّ ربّك يقول: لم تقنط عبادي؟ فخرج عليهم ورجاهم وشوقهم(4).
عَنْ جُنْدَبٍ الْغِفَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَالَ: إِنَّ رَجُلاً قَالَ يَوْماً وَاللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ ذَا الَّذِي تَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لا أَغْفِرَ لِفُلانٍ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَ المتألي بِقَوْلِهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ(5).
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَبْعَثُ اللَّهُ الْمُقْنِطِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُغَلَّبَةً وُجُوهُهُمْ يَعْنِي غَلَبَةَ السَّوَادِ عَلَى الْبَيَاضِ فَيُقَالُ لَهُمْ هَؤُلاءِ الْمُقْنِطُونَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى(6).
وفي الخبر أنّ رجلاً من بني إسرائيل كان يقنط الناس ويشدّد عليهم قال:
ص: 270
فيقول اللَّه تعالى يوم القيامة: اليوم أويسك من رحمتي كما كنت تقنط عبادي منها(1).
ومنها: ما روى عن أميرالمؤمنين عليه السلام حيث قال لرجل أخرجه الخوف إلى القنوط لكثرة ذنوبه: أيا هذا يأسك من رحمة اللَّه أعظم من ذنوبك. انتهى
قال تعالى: «وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ»(2).
وقال تعالى: «أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً»(3).
وقال تعالى: «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا»(4).
وقال تعالى «وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»(1).
عن الصادق عليه السلام أنّه قال: اليأس من روح اللَّه أشدّ برداً من الزمهرير(2).
وقال أميرالمؤمنين عليه السلام لرجل أخرجه الخوف إلى القنوط لكثرة ذنوبه: يا هذا يأسك من رحمة اللَّه أعظم من ذنوبك(3).
وفي الحديث: ليغفرنّ اللَّه تعالى يوم القيامة مغفرة ما خطرت قط على قلب أحد، حتّى أن إبليس ليتطاول لها رجاء أن تصيبه(4).
وورد في دعاء الاستقالة عن الذنوب من الصحيفة السجّاديّة وهو قوله عليه السلام: أَنْتَ الَّذِي وَسِعْتَ كُلَّ شَيْ ءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً وَأَنْتَ الَّذِي جَعَلْتَ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ فِي نِعَمِكَ سَهْماً وَأَنْتَ الَّذِي عَفْوُهُ أَعْلَى مِنْ عِقَابِه(5).
قال تعالى: «وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ»(6).
ص: 272
وقال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ»(1).
وقال تعالى: «لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً للَّهِ ِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً»(2).
قال عليه السلام: كفى بي فخراً أن أكون لك عبدا(3).
وفي الحديث القدسي: عبدي أطعني أجعلك مثلي(4).
قال تعالى: «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ»(5).
ص: 273
وقال تعالى: «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا»(1).
قال تعالى: «وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ»(2).
وقال تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ»(3).
وقال تعالى: «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ»(4).
وقال تعالى: «كُلُّ شَيْ ءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ»(5).
في الذوق الفاسد، كذوق المريض، ومرّة في الذوق الصحيح كذوق السالم.
في ظاهر المرأى وسوداء في المعنى.
«وقد عجّلت للطالب»الإنسان عجول، والدنيا عاجلة، والعجول طالب العاجلة، قال تعالى: «كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الآْخِرَةَ»(1)و قال تعالى: «إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا»(2)لكن العاجلة خزف والآجلة جوهر ولا يختار الخزف وان كان عاجلاً على الجوهر وان كان آجلاً الّا مغفل قال تعالى:«مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا* وَمَنْ أَرَادَ الآْخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا»(3).
ص: 275
أي: اشتبهت فظنّها خيراً مع كونها شرّاً، كأعمى أضلّ عصاه فوقعت يده على حيّة أسكنها البرد، فظنّها عصا حسنة.
قال تعالى: «كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ»(1).
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي خُطْبَتِهِ: لا تَكُونُوا مِمَّنْ خَدَعَتْهُ الْعَاجِلَةُ وَغَرَّتْهُ الْأُمْنِيَّةُ فَاسْتَهْوَتْهُ الْخُدْعَةُ فَرَكَنَ إِلَى دَارِ سَوْءٍ سَرِيعَةِ الزَّوَالِ وَشِيكَةِ الانْتِقَالِ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ فِي جَنْبِ مَا مَضَى إِلّا كَإِنَاخَةِ رَاكِبٍ أَوْ صَرِّ حَالِبٍ(2)فَعَلَى مَا تَعْرُجُونَ وَمَا ذَا تَنْتَظِرُونَ فَكَأَنَّكُمْ وَاللَّهِ وَمَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ وَمَا تَصِيرُونَ إِلَيْهِ مِنَ الآْخِرَةِ لَمْ يَزَلْ فَخُذُوا أُهْبَةً لازوفَ(3)لِنَقْلِهِ (أهبة لا زوال لنقله) وَأَعِدُّوا الزَّادَ لِقُرْبِ الرِّحْلَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ امْرِئٍ [عَلَى] مَا قَدَّمَ قَادِمٌ وَعَلَى مَا خَلَّفَ نَادِمٌ(4).
وفي قصة يوذاسف وبلوهر: في ملك عارف مرّ على عارفين عليهما لباس خلق، فنزل عن مركبه احتراماً لهما، وأنكر ذلك وزراؤه الجاهلون، فأراد تنبيههم على صواب عمله، فأمر الملك بأربعة توابيت فصنعت له من خشب فطلى تابوتين منها بالذهب وتابوتين بالقار فلما فرغ منها ملأ تابوتي القار ذهبا وياقوتا
ص: 276
وزبرجدا وملأ تابوتي الذهب جيفا ودما وعذرة وشعرا، ثمّ جمع الوزراء والأشراف الذين ظن أنهم أنكروا صنيعه بالرجلين، فعرض عليهم التوابيت الأربعة وأمرهم بتقويمها، فقالوا: أما في مبلغ علمنا فتابوتا الذهب لا ثمن لهما لفضلهما، وتابوتي القار لا ثمن لهما لرذالتهما، فقال الملك: نعم هذا لعلمكم، ثمّ أمر بتابوتي القار فنزعت عنهما صفائحهما فأضاء البيت بما فيهما من الجواهر فقال: هذان مثل الرجلين الذين ازدريتم ظاهرهما ولباسهما، وهما مملوّان علما وحكمة وصدقا وبرّا وسائر مناقب الخير الذي هو أفضل من الياقوت واللؤلؤ والجوهر والذهب. ثم أمر بتابوتي الذهب فنزع عنهما أثوابهما فاقشعر القوم من سوء منظرهما وتأذوا بريحهما ونتنهما فقال الملك: وهذان مثل القوم المتزينين بظاهر الكسوة واللباس وأجوافهما مملوّة جهالة وعمى وكذبا وجورا وسائر أنواع الشر التي هي أفظع وأشنع وأقذر من الجيف(1).
قال تعالى: «لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ»(2).
وقال تعالى: «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ»(3).
وقال تعالى: «وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ»(4).
وقال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ
ص: 277
يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ»(1).
وقال تعالى: «وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ»(2).
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ شَمِّرُوا فَإِنَّ الْأَمْرَ جَدٌّ وَتَأَهَّبُوا فَإِنَّ الرَّحِيلَ قَرِيبٌ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ السَّفَرَ بَعِيدٌ وَخَفِّفُوا أَثْقَالَكُمْ فَإِنَّ وَرَاءَكُمْ عَقَبَةً كَئُوداً وَلا يَقْطَعُهَا إِلّا الْمُخِفُّونَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أُمُوراً شِدَاداً وَأَهْوَالاً عِظَاماً وَزَمَاناً صَعْباً يَتَمَلَّكُ فِيهِ الظَّلَمَةُ وَيَتَصَدَّرُ فِيهِ الْفَسَقَةُ وَيُضَامُ فِيهِ الآْمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَضْطَهِدُ فِيهِ النَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَأَعِدُّوا لِذَلِكَ الْإِيمَانَ وَعَضُّوا عَلَيْهِ بِالنَّوَاجِذِ وَالْجَئُوا إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَأَكْرِهُوا عَلَيْهِ النُّفُوسَ تُفْضُوا إِلَى النَّعِيمِ الدَّائِمِ(3).
قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»(4).
وقال تعالى: «أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ»(5).
ص: 278
وقال تعالى: «كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى»(1).
وقال تعالى: «أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ إلى قوله: ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ»(2).
عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الْحَذَّاءِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ مِنْ أَغْبَطِ أَوْلِيَائِي عِنْدِي رَجُلاً خَفِيفَ الْحَالِ ذَا حَظٍّ مِنْ صَلاةٍ أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ بِالْغَيْبِ وَكَانَ غَامِضاً فِي النَّاسِ جُعِلَ رِزْقُهُ كَفَافاً فَصَبَرَ عَلَيْهِ عُجِّلَتْ مَنِيَّتُهُ فَقَلَّ تُرَاثُهُ وَقَلَّتْ بَوَاكِيهِ(3).
عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: طُوبَى لِمَنْ أَسْلَمَ وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافاً(4).
عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: اللَّهُمَّ ارْزُقْ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ وَمَنْ أَحَبَّ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ الْعَفَافَ وَالْكَفَافَ وَارْزُقْ مَنْ أَبْغَضَ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ الْمَالَ وَالْوَلَدَ(5).
عن عليّ بن الحسين عليه السلام قال: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله بِرَاعِي إِبِلٍ فَبَعَثَ يَسْتَسْقِيهِ فَقَالَ: أَمَّا مَا فِي ضُرُوعِهَا فَصَبُوحُ الْحَيِّ(6)وَأَمَّا مَا فِي آنِيَتِنَا فَغَبُوقُهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوُلْدَهُ ثُمَّ مَرَّ بِرَاعِي غَنَمٍ فَبَعَثَ إِلَيْهِ يَسْتَسْقِيهِ فَحَلَبَ لَهُ مَا فِي
ص: 279
ضُرُوعِهَا وَأَكْفَأَ(1)مَا فِي إِنَائِهِ فِي إِنَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِشَاةٍ وَقَالَ: هَذَا مَا عِنْدَنَا وَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ نَزِيدَكَ زِدْنَاكَ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ الْكَفَافَ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعَوْتَ لِلَّذِي رَدَّكَ بِدُعَاءٍ عَامَّتُنَا نُحِبُّهُ وَدَعَوْتَ لِلَّذِي أَسْعَفَكَ بِحَاجَتِكَ(2)بِدُعَاءٍ كُلُّنَا نَكْرَهُهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: إِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى(3)اللَّهُمَّ ارْزُقْ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ الْكَفَافَ(4).
عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ
عليه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَحْزَنُ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنُ إِنْ قَتَّرْتُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَقْرَبُ لَهُ مِنِّي وَيَفْرَحُ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنُ إِنْ وَسَّعْتُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَبْعَدُ لَهُ مِنِّي(5).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: يا أبا ذر إني قد دعوت اللَّه جلّ ثناؤه أن يجعل رزق من يحبّني الكفاف وأن يعطي من يبغضني كثرة المال والولد(6).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآلهلِأَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ فِي غَنَمِهِ فَقَالَ: قَدْ كَثُرَ الْغَنَمُ وَوَلَدَتْ فَقَالَ
صلى الله عليه وآله: تُبَشِّرُنِي بِكَثْرَتِهَا مَا قَلَّ وَكَفَى مِنْهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى وروى وطوبى لمن آمن وكان عيشه كفافاً(7).
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ِ صلى الله عليه وآله: مَنْ أَصْبَحَ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ آمِناً فِي سَرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا خِيرَتْ لَهُ الدُّنْيَا يَا ابْنَ جُعْشُمٍ يَكْفِيكَ مِنْهَا مَا سَدَّ
ص: 280
جَوْعَتَكَ وَوَارَى عَوْرَتَكَ فَإِنْ يَكُنْ بَيْتٌ يَكُنُّكَ فَذَاكَ وَإِنْ يَكُنْ دَابَّةٌ تَرْكَبُهَا فَبَخْ بَخْ وَإِلّا فَالْخُبْزُ وَمَاءُ الْجَرَّةِ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ حِسَابٌ عَلَيْكَ أَوْ عَذَاب(1).
عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أتاني ملك فقال: يا محمّد إنّ ربّك يقرئك السلام ويقول: إن شئت جعلت لك بطحاء(2)مكّة ذهباً قال: فرفعت رأسي إلى السماء وقلت: يا ربّ أشبع يوماً فأحمدك وأجوع يوماً فأسألك(3).
عن صحيح مسلم عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال: اللهمّ اجعل رزق محمّد قوتاً، وعنه أيضاً اللهمّ اجعل رزق محمّد كفافاً(4).
عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى مُوسَى يَا مُوسَى لا تَفْرَحْ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَلا تَدَعْ ذِكْرِي عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْمَالِ تُنْسِي الذُّنُوبَ وَتَرْكُ ذِكْرِي يُقْسِي الْقُلُوب(5).
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: إِنَّمَا أتخَوْفُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي ثَلاثُ خِصَالٍ أَنْ يَتَأَوَّلُوا الْقُرْآنَ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ(6)أَوْ يَتَّبِعُوا زَلَّةَ الْعَالِمِ أَوْ يَظْهَرَ فِيهِمُ الْمَالُ حَتَّى يَطْغَوْا
ص: 281
وَيَبْطَرُوا وَسَأُنَبِّئُكُمُ الْمَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ أَمَّا الْقُرْآنُ فَاعْمَلُوا بِمُحْكَمِهِ وَآمِنُوا بِمُتَشَابِهِهِ وَأَمَّا الْعَالِمُ فَانْتَظِرُوا فَيْئَهُ وَلا تَتَّبِعُوا زَلَّتَهُ(1)وَأَمَّا الْمَالُ فَإِنَّ الْمَخْرَجَ مِنْهُ شُكْرُ النِّعْمَةِ وَأَدَاءُ حَقِّهِ(2).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: خَمْسٌ مَنْ لَمْ يَكُنَّ فِيهِ لَمْ يَتَهَنَّأِ بالْعَيْش الصِّحَّةُ وَالْأَمْنُ وَالْغِنَى وَالْقَنَاعَةُ وَالْأَنِيسُ الْمُوَافِقُ(3).
عن أميرالمؤمنين عليه السلام: من اقتنع بالكفاف أداه إلى العفاف(4).
عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍ عليهم السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: مَنْ رَضِيَ مِنَ اللَّهِ بِالْقَلِيلِ مِنَ الرِّزْقِ رَضِيَ اللَّهُ مِنْهُ بِالْقَلِيلِ مِنَ الْعَمَلِ(5).
قَالَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: مَنْ رَضِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا يُجْزِيهِ كَانَ أَيْسَرُ مَا فِيهَا يَكْفِيهِ وَمَنْ لَمْ يَرْضَ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا يُجْزِيهِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْ ءٌ يَكْفِيهِ(6).
عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: كَانَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ: ابْنَ آدَمَ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ مِنَ الدُّنْيَا مَا يَكْفِيكَ فَإِنَّ أَيْسَرَ مَا فِيهَا يَكْفِيكَ وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تُرِيدُ مَا لا يَكْفِيكَ فَإِنَّ كُلَّ مَا فِيهَا لا يَكْفِيكَ(7).
ص: 282
قال تعالى: «قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ»(1).
وقال تعالى: «نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ»(2).
وقال تعالى: «هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ»(3)
وقال تعالى: «أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ»(4).
وقال تعالى: «وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ»(5).
وقال تعالى: «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ»(6).
وقال تعالى: «قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ»(7).
وقال تعالى: «قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ»(8).
وقال تعالى: «لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ»(9).
وقال تعالى: «وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ»(10).
ص: 283
وقال تعالى: «وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ»(1).
وقال تعالى: «وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا»(2).
عن أبي جعفرعليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: من أراد أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد اللَّه أوثق منه بما في يد غيره(3).
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَوْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليهما السلام قَالَ: مَنْ قَنِعَ بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ فَهُوَ مِنْ أَغْنَى النَّاس(4).
عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ قَالَ: شَكَا رَجُلٌ إِلَى أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام أَنَّهُ يَطْلُبُ فَيُصِيبُ وَلا يَقْنَعُ وَتُنَازِعُهُ نَفْسُهُ إِلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ وَقَالَ: عَلِّمْنِي شَيْئاً أَنْتَفِعْ بِهِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: إِنْ كَانَ مَا يَكْفِيكَ يُغْنِيكَ فَأَدْنَى مَا فِيهَا يُغْنِيكَ وَإِنْ كَانَ مَا يَكْفِيكَ لا يُغْنِيكَ فَكُلُّ مَا فِيهَا لا يُغْنِيكَ(5).
قَالَ الصَّادِقُ عليه السلام: لا تَحْرِصْ عَلَى شَيْ ءٍ لَوْ تَرَكْتَهُ لَوَصَلَ إِلَيْكَ وَكُنْتَ عِنْدَ اللَّهِ مُسْتَرِيحاً مَحْمُوداً بِتَرْكِهِ وَمَذْمُوماً بِاسْتِعْجَالِكَ فِي طَلَبِهِ وَتَرْكِ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالرِّضَى بِالْقِسْمِ فَإِنَّ الدُّنْيَا خَلَقَهَا اللَّهُ بِمَنْزِلَةِ ظِلِّكَ إِنْ طَلَبْتَهُ أَتْعَبكَ وَلا تَلْحَقُهُ أَبَداً وَإِنْ تَرَكْتَهُ تَبِعَكَ وَأَنْتَ مُسْتَرِيحٌ(6).
وَقَالَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله: الْحَرِيصُ مَحْرُومٌ وَهُوَ مَعَ حِرْمَانِهِ مَذْمُومٌ فِي أَيِّ شَيْ ءٍ كَانَ
ص: 284
وَكَيْفَ لا يَكُونُ مَحْرُوماً وَقَدْ فَرَّ مِنْ وَثَاقِ اللَّهِ وَخَالَفَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ»(1)وَالْحَرِيصُ بَيْنَ سَبْعِ آفَاتٍ صَعْبَةٍ فِكْرٍ يَضُرُّ بَدَنَهُ وَلا يَنْفَعُهُ وَهَمٍّ لا يَتِمُّ لَهُ أَقْصَاهُ وَتَعَبٍ لا يَسْتَرِيحُ مِنْهُ إِلّا عِنْدَ الْمَوْتِ وَيَكُونُ عِنْدَ الرَّاحَةِ أَشَدَّ تَعَباً وَخَوْفٍ لا يُورِثُهُ إِلّا الْوُقُوعَ فِيهِ وَحُزْنٍ قَدْ كَدِرَ عَلَيْهِ عَيْشُهُ بِلا فَائِدَةٍ وَحِسَابٍ لا يُخَلِّصُهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِلّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهُ وَعِقَابٍ لا مَفَرَّ لَهُ مِنْهُ وَلا حِيلَةَ وَالْمُتَوَكِّلُ عَلَى اللَّهِ يُمْسِي وَيُصْبِحُ فِي كَنَفِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مِنْهُ فِي عَافِيَتِهِ وَقَدْ عَجَّلَ اللَّهُ كِفَايَتَهُ وَهَيَّأَ لَهُ مِنَ الدَّرَجَاتِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ وَالْحِرْصُ (مَا يَجْرِي فِي مَنَافِذِ غَضَبِ اللَّهِ وَمَا لَمْ يُحْرَمِ الْعَبْدُ الْيَقِينَ لا يَكُونُ حَرِيصاً وَالْيَقِينُ أَرْضُ الْإِسْلامِ وَسَمَاءُ الْإِيمَان(2).
قال النبيّ صلى الله عليه وآله: يَا عَلِيُّ مَا أَحَدٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالآْخِرِينَ إِلّا وَهُوَ يَتَمَنَّى يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّهُ لَمْ يُعْطَ مِنَ الدُّنْيَا إِلّا قُوتا.
يَا عَلِيُّ إِنَّ الدُّنْيَا لَوْ عَدَلَتْ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَنَاحَ بَعُوضَةٍ لَمَا سَقَى الْكَافِرَ مِنْهَا شَرْبَةً مِنْ مَاء(3).
وقال أبو العتاهية:
حسبك مما تبتغيه القوت***ما أكثر القوت لمن يموت
الفقر فيما جاوز الكفافا***من اتقى اللَّه رجا وخافا(4)
ص: 285
وكان مع الرشيد في سفر، فجلس الرشيد في الطريق في ظلّ ميل، فقال له:
وما تصنع بالدنيا***وظلّ الميل يكفيكا(1)
اعلم ان المستفاد من شرح البحراني قدس سره ان هذه الخطبة ملتقطة من خطبة طويلة خطب عليه السلام بها يوم الفطر رواها الصدوق قدس سره في الفقيه فقال:
خَطَبَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَوْمَ الْفِطْرِ فَقَالَ: الْحَمْدُ للَّهِ ِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ لا نُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا نَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ وَلِيّاً وَالْحَمْدُ للَّهِ ِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ كَذَلِكَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ وَالْحَمْدُ للَّهِ ِ الَّذِي يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا بِرَحْمَتِكَ وَاعْمُمْنَا بِمَغْفِرَتِكَ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ وَالْحَمْدُ للَّهِ ِ الَّذِي لا مَقْنُوطٌ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلا مَخْلُوٌّ مِنْ نِعْمَتِهِ وَلا مُؤْيَسٌ مِنْ رَوْحِهِ وَلا مُسْتَنْكِفٌ عَنْ عِبَادَتِهِ الَّذِي بِكَلِمَتِهِ قَامَتِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَاسْتَقَرَّتِ الْأَرْضُ الْمِهَادُ وَثَبَتَتِ الْجِبَالُ الرَّوَاسِي وَجَرَتِ الرِّيَاحُ اللَّوَاقِحُ وَسَارَ فِي جَوِّ السَّمَاءِ السَّحَابُ وَقَامَتْ عَلَى حُدُودِهَا الْبِحَارُ وَهُوَ إِلَهٌ لَهَا وَقَاهِرٌ يَذِلُّ لَهُ الْمُتَعَزِّزُونَ وَيَتَضَاءَلُ لَهُ الْمُتَكَبِّرُونَ(2)وَيَدِينُ لَهُ طَوْعاً وَكَرْهاً الْعَالَمُونَ نَحْمَدُهُ كَمَا حَمِدَ نَفْسَهُ وَكَمَا هُوَ أَهْلُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ يَعْلَمُ مَا تُخْفِي النُّفُوسُ وَمَا تُجِنُّ الْبِحَارُ وَمَا تَوَارَى مِنْهُ ظُلْمَةٌ وَلا تَغِيبُ عَنْهُ غَائِبَةٌ
ص: 286
وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ مِنْ شَجَرَةٍ وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتٍ إِلّا يَعْلَمُهَا لا إِلَهَ إِلّا هُوَ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ وَيَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ وَأَيَّ مَجْرًى يَجْرُونَ وَإِلَى أَيِّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ وَنَسْتَهْدِي اللَّهَ بِالْهُدَى وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَنَبِيُّهُ وَرَسُولُهُ إِلَى خَلْقِهِ وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ وَأَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ رِسَالاتِ رَبِّهِ وَجَاهَدَ فِي اللَّهِ الْحَائِدِينَ عَنْهُ الْعَادِلِينَ بِهِ(1)وَعَبَدَ اللَّهَ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ، أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي لا تَبْرَحُ مِنْهُ نِعْمَةٌ وَلا تَنْفَدُ مِنْهُ رَحْمَةٌ وَلا يَسْتَغْنِي الْعِبَادُ عَنْهُ وَلا يَجْزِي أَنْعُمَهُ الْأَعْمَالُ الَّذِي رَغَّبَ فِي التَّقْوَى وَزَهَّدَ فِي الدُّنْيَا وَحَذَّرَ الْمَعَاصِيَ وَتَعَزَّزَ بِالْبَقَاءِ وَذَلَّلَ خَلْقَهُ بِالْمَوْتِ وَالْفَنَاءِ وَالْمَوْتُ غَايَةُ الْمَخْوقِينَ وَسَبِيلُ الْعَالَمِينَ وَمَعْقُودٌ بِنَوَاصِي الْبَاقِينَ لا يُعْجِزُهُ إِبَاقُ الْهَارِبِينَ وَعِنْدَ حُلُولِهِ يَأْسِرُ أَهْلَ الْهَوَى يَهْدِمُ كُلَّ لَذَّةٍ وَيُزِيلُ كُلَّ نِعْمَةٍ وَيَقْطَعُ كُلَّ بَهْجَةٍ وَالدُّنْيَا دَارٌ كَتَبَ اللَّهُ لَهَا الْفَنَاءَ وَلِأَهْلِهَا مِنْهَا الْجَلاءَ فَأَكْثَرُهُمْ يَنْوِي بَقَاءَهَا وَيُعَظِّمُ بِنَاءَهَا وَهِيَ حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَقَدْ عَجِلَتْ لِلطَّالِبِ وَالْتَبَسَتْ بِقَلْبِ النَّاظِرِ وَيَضَنُّ ذُو الثَّرْوَةِ الضَّعِيفَ وَيَجْتَوِيهَا الْخَائِفُ الْوَجِلُ(2)فَارْتَحِلُوا مِنْهَا يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ بِأَحْسَنِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ وَلا تَطْلُبُوا مِنْهَا أَكْثَرَ مِنَ الْقَلِيلِ وَلا تَسْأَلُوا مِنْهَا فَوْقَ الْكَفَافِ وَارْضَوْا مِنْهَا بِالْيَسِيرِ وَلا تَمُدُّنَّ أَعْيُنَكُمْ مِنْهَا إِلَى مَا مُتِّعَ الْمُتْرَفُونَ بِهِ وَاسْتَهِينُوا بِهَا وَلا تُوَطِّنُوهَا وَأَضِرُّوا بِأَنْفُسِكُمْ فِيهَا وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ وَالتَّلَهِّيَ وَالْفَاكِهَاتِ(3)فَإِنَّ فِي ذَلِكَ غَفْلَةً وَاغْتِرَاراً أَلا إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَنَكَّرَتْ وَأَدْبَرَتْ
ص: 287
وَاحْلَوْلَتْ(1)وَآذَنَتْ بِوَدَاعٍ أَلا وَإِنَّ الآْخِرَةَ قَدْ رَحَلَتْ فَأَقْبَلَتْ وَأَشْرَفَتْ وَآذَنَتْ بِاطِّلاعٍ أَلا وَإِنَّ الْمِضْمَارَ الْيَوْمَ وَالسِّبَاقَ غَداً أَلا وَإِنَّ السُّبْقَةَ الْجَنَّةُ وَالْغَايَةَ النَّارُ(2)ألا فَلا تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ يَوْمِ مَنِيَّتِهِ أَلا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ وَفَقْرِهِ جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ يَخَافُهُ وَيَرْجُو ثَوَابَهُ أَلا وَإِنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ لَكُمْ عِيداً وَجَعَلَكُمْ لَهُ أَهْلاً فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ وَادْعُوهُ يَسْتَجِبْ لَكُمْ وَأَدُّوا فِطْرَتَكُمْ فَإِنَّهَا سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ وَفَرِيضَةٌ وَاجِبَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَلْيُؤَدِّهَا كُلُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ عَنْهُ وَعَنْ عِيَالِهِ كُلِّهِمْ ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ وَحُرِّهِمْ وَمَمْلُوكِهِمْ عَنْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ صَاعاً مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ وَأَطِيعُوا اللَّهَ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَأَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ إِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَحِجِّ الْبَيْتِ وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ َالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى نِسَائِكُمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ فِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ قَذْفِ الْمُحْصَنَةِ وَإِتْيَانِ الْفَاحِشَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَبَخْسِ الْمِكْيَالِ وَنَقْصِ الْمِيزَانِ
ص: 288
وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَالْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ عَصَمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِالتَّقْوَى وَجَعَلَ الآْخِرَةَ خَيْراً لَنَا وَلَكُمْ مِنَ الْأُولَى إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ وَأَبْلَغَ مَوْعِظَةِ الْمُتَّقِينَ كِتَابُ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.«قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد»(1).(2)
ص: 289
بسم الله الرحمن الرحیم
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَأَنْتَ الْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ وَلا يَجْمَعُهُمَا غَيْرُكَ لِأَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ لا يَكُونُ مُسْتَصْحَباً وَالْمُسْتَصْحَبُ لا يَكُونُ مُسْتَخْلَفاً
وابتداء هذا الكلام مروي عنرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهوقد قفاه أميرالمؤمنين عليه السلام بأبلغ كلام وتممه بأحسن تمام من قوله «ولا يجمعهما غيرك»إلى آخر الفصل
قال نصر: لما وضع علي عليه السلام رجله في ركاب دابته يوم خرج من الكوفة إلى صفين قال: «بسم اللَّه»فلمّا جلس على ظهرها قال: «سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ»(1)، ثمّ قال: اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، إلخ(2).
ص: 290
قال تعالى: «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ»(1).
وقال تعالى: «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ»(2).
وقال تعالى: «فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»(3).
وقال تعالى: «وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ»(4).
وقال تعالى حكاية عن موسى عليه السلام: «وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ»(5).
عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: مَا اسْتَخْلَفَ عَبْدٌ عَلَى أَهْلِهِ بِخِلافَةٍ أَفْضَلَ مِنَ رَكْعَتَيْنِ يَرْكَعُهُمَا إِذَا أَرَادَ سَفَراً يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ نَفْسِي وَأَهْلِي وَمَالِي وَدِينِي وَدُنْيَايَ وَآخِرَتِي وَأَمَانَتِي وَخَوَاتِيمَ عَمَلِي إِلّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا سَأَلَ(6)
ص: 291
«ولا يجمعها غيرك»من المخلوقين «لأن المستخلف»في الأهل «لا يكون مستصحبا»في السفر «والمستصحب»مع المسافر «لا يكون مستخلفا»في أهله، لاستحالة كون جسم في مكانين، وأمّا اللَّه تعالى فالسماء والأرض والمشرق والمغرب عنده سواء قال تعالى: «وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ»(1)وقال تعالى: «فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ»(2)وقال تعالى: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ»(3).
قول المصنّف: «وابتداء هذا الكلام»من أوّله إلى «وأنت الخليفة في الأهل»مروي عنرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهلكن مع زيادة ونقصان، ففي (مجازات) المصنّف: ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله: «اللهمّ إنّا نعوذ بك من عثاء السفر وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، وسوء المنظر في الأهل والمال»وقال المصنّف ثمّة: والحور بعد الكور أي انتشار الأُمور بعد انضمامها وانفراجها بعد التيامها، وذلك مأخوذ من حور العمامة بعد كورها، وهو نقضها بعد ليّها ونشرها بعد طيّها(4)، قاله صلى الله عليه وآله - كما في السيرة - في
ص: 292
رجوعه من غزوة بني لحيان لمّا خرج إليهم لطلب ثأر أصحاب الرجيع(1)«وقد قفّاه عليه السلام»أي: أتبعه «بأبلغ كلام وتمّمه بأحسن تمام، من قوله لا يجمعهما غيرك إلى آخر الفصل»«والمستصحب لا يكون مستخلفا».
لكن روى الكلام عنه عليه السلام في ذهابه إلى صفين وفيه قفّاه عليه السلام بما قال وفي إيابه من صفين، وفيه زاد قبله شيئاً، قال نصر: قال عبدالرحمن بن جندب لما أقبل عليّ عليه السلام من صفّين أقبلنا معه، فأخذ طريقاً غير طريقنا الذي أقبلنا فيه، فقال «آئبون عائدون، لربّنا حامدون، اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في المال والأهل(2).
تكملة
أمّا النقل فمن الكتاب:
قال تعالى: «قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ»(3).
وقال تعالى: «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ»(4).
وقال تعالى: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ»(5).
ص: 293
قال أحمد بن فهد الحلّي: اعلم أنّ هذه الآية قد دلّت على أمور: الأوّل: تعريضه(1)تعالى لعباده بسؤاله بقوله: وإذا سألك عبادي عنّي فانّي قريب.
الثاني: غاية عنايته بمسارعة إجابته ولم يجعل الجواب موقوفاً على تبليغ الرسول بل قال فإنّي قريب ولم يقل قل لهم إنّي قريب.
الثالث: خروج هذا الجواب بالفاء المقتضي للتعقيب بلا فصل.
الرابع: تشريفه تعالى لهم بردّ الجواب بنفسه لينبّه بذلك على كمال منزلة الدعاء وشرفه عنده تعالى ومكانه منه.
قال الباقر عليه السلام لي ولا تمل(2)من الدعاء فإنّه من اللَّه بمكان(3).(4)وقال عليه السلام لبريد بن معاوية بن وهب وقد سأله كثرة القراءة أفضل أم كثرة الدعاء؟ فقال عليه السلام: كثرة الدعاء أفضل ثمّ قرأ: قل ما يعبأ بكم ربّي لو لا دعاؤكم(5).
الخامس: دلّت هذه الآية على أنّه تعالى لا مكان له إذ لو كان له مكان لم يكن قريباً من كلّ من يناجيه.
السادس: أمره تعالى لهم بالدعاء في قوله: فليستجيبوا لي أي فليدعوني.
السابع: قوله تعالى: وليؤمنوا بي وقال الصادق عليه السلام: «أي وليتحقّقوا أنّي قادر على إعطائهم ما سألوه»(6)فأمرهم باعتقادهم قدرته على إجابتهم.
ص: 294
وفيه فائدتان إعلامهم بإثبات صفة القدرة له وبسط رجائهم في وصولهم إلى مقترحاتهم(1)وبلوغ مراداتهم ونيل سؤالاتهم فانّ الإنسان إذا علم قدرة معامله ومعاوضه على دفع عوضه كان ذلك داعياً له إلى معاملته ومرغباً له في معاوضته كما أنّ علمه بعجزه عنه على الضد من ذلك ولهذا تراهم يجتنبون معاملة المفلس.
الثامن: تبشيره تعالى لهم بالرشاد(2)الذي هو طريق الهداية المؤدّى إلى المطلوب فكأنّه بشّرهم بإجابة الدعاء.
ومثله قول الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام: من تمنّى شيئاً وهو للَّه رضى لم يخرج من الدنيا حتّى يعطاه(3)ويروي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله، وقال عليه السلام: إذا دعوت فظن حاجتك بالباب(4).(5)
فان قلت: نحن نرى كثيراً من الناس يدعون اللَّه فلا يجيبهم فما معنى قوله: اجيب دعوة الداع إذا دعان وبعبارة أخرى إنّه سبحانه وعد إجابة الدعاء وخلف الوعد عليه تعالى محال لأنّه كذب قبيح في حقّه عزّ وجلّ.
فجوابه: انّه ليس أحد يدعو اللَّه على ما توجبه الحكمة إلّا أجابه اللَّه فانّ الداعي إذا دعاه يجب أن يسأل ما فيه صلاح له في دينه ولا يكون فيه مفسدة له ولا لغيره ويشترط ذلك بلسانه أو ينويه بقلبه فاللَّه سبحانه يجيبه إذا اقتضت المصلحة إجابته أو يؤخّر الإجابة إن كان المصلحة في التأخير وإذا قيل إن ما تقتضيه الحكمة لابدّ
ص: 295
أن يفعله فما معنى الدعاء وإجابته فجوابه أنّ الدعاء عبادة في نفسها يعبد اللَّه سبحانه بها لما في ذلك من إظهار الخضوع والانقياد إليه سبحانه وأيضاً فانه لا يمتنع أن يكون وقوع ما سأله إنما صار مصلحة بعد الدعاء ولا يكون مصلحة قبل الدعاء ففي الدعاء هذه الفائدة(1).
وقال الشارح البحراني: سبب اجابة الدعاء هو توافي الأسباب، وهو أن يتوافى دعاء رجل مثلاً فيما يدعو فيه وساير أسباب وجود ذلك الشي ء معاً عن الباري تعالى لحكمة الهيّة على ما قدر وقضى، ثمّ الدعاء واجب وتوقّع الاجابة واجب، فان انبعاثنا للدعاء سببه من هناك، ويصير دعانا سبباً للاجابة وموافاة الدعاء لحدوث الأمر المدعو لأجله هما معلولا علة واحدة وقد يكون أحدهما بواسطة الآخر، وإذا لم يستجب الدعاء لداع وإن كان يرى أنّ الغاية التي يدعو لأجلها نافعة فالسبب في عدم الاجابة أنّ الغاية النافعة ربما لا تكون نافعة بحسب نظام الكل بل بحسب مراده فلذلك تتأخّر إجابة الدعاء أو لا يستجاب له، وبالجملة قد يكون عدم الاجابة لفوات شرط من شروط ذلك المطلوب حال الدعاء واعلم أنّ النفس الزكيّة عند الدعاء قد يفيض عليها من الأوّل قوّة تصير بها مؤثّرة في العناصر فتطاوعها متصرّفة على ارادتها فيكون ذلك إجابة للدعاء، فانّ العناصر موضوعة لفعل النفس فيها واعتبار ذلك في أبداننا فانّا ربما تخيّلنا شيئاً فتتغيّر أبداننا بحسب ما تقتضيه أحوال نفوسنا وتخييلاتها وقد يمكن أن تؤثّر النفس في غير بدنها كما تؤثّر في بدنها، وقد تؤثّر في نفس غيرها وقد يستجيب اللَّه لتلك النفس إذا دعت فيما تدعوا فيه إذا كانت الغاية التي تطلبها بالدعا نافعة
ص: 296
بحسب نظام الكل(1).
ومن السنّة:
فَعَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قال: قلت لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أي العبادة أفضل؟ فقال عليه السلام: ما من شي ء افضل عند اللَّه عزوجل من أن يسئل ويطلب ما عنده: وَمَا أَحَدٌ أَبْغَضَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّنْ يَسْتَكْبِرُ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْأَلُ مَا عِنْدَهُ(2).
وعَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: «إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ»(3)قَالَ: هُوَ الدُّعَاءُ وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ الدُّعَاءُ قُلْتُ: «إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ»(4)قَالَ: الْأَوَّاهُ هُوَ الدَّعَّاءُ(5).
عَنِ ابْنِ الْقَدَّاحِ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْأَرْضِ الدُّعَاءُ وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ الْعَفَافُ قَالَ وَكَانَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام رَجُلاً دَعَّاءً(6).
عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّه ِ عليه السلام: الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي الآْيَة ادْعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَلا تَقُلْ إِنَّ الْأَمْرَ قَدْ فُرِغَ مِنْه(7).
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحِ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: الدُّعَاءُ كَهْفُ الْإِجَابَةِ كَمَا
ص: 297
أَنَّ السَّحَابَ كَهْفُ الْمَطَرِ(1).
وعن هشام بن سالم قال: قال أبو عبداللَّه عليه السلام: هل تعرفون طول البلاء من قصره؟ قلنا: لا، قال: إذا ألهم أحدكم الدعاء عند البلاء فاعلموا أنّ البلاء قصير(2).
وَعَنْ أَبِي وَلّادٍ قَالَ: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى عليه السلام: مَا مِنْ بَلاءٍ يَنْزِلُ عَلَى عَبْدٍ مُؤْمِنٍ فَيُلْهِمُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الدُّعَاءَ إِلّا كَانَ كَشْفُ ذَلِكَ الْبَلاءِ وَشِيكاً(3)وَمَا مِنْ بَلاءٍ يَنْزِلُ عَلَى عَبْدٍ مُؤْمِنٍ فَيُمْسِكُ عَنِ الدُّعَاءِ إِلّا كَانَ ذَلِكَ الْبَلاءُ طَوِيلاً فَإِذَا نَزَلَ الْبَلاءُ فَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ(4).
عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: الدُّعَاءُ سِلاحُ الْمُؤْمِنِ وَعَمُودُ الدِّينِ وَنُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ(5).
قَالَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: الدُّعَاءُ مَفَاتِيحُ النَّجَاحِ وَمَقَالِيدُ الْفَلاح(6).
عَنِ النَّبِيِ صلى الله عليه وآله: افْزَعُوا إِلَى اللَّهِ فِي حَوَائِجِكُمْ وَالْجَئُوا إِلَيْهِ فِي مُلِمَّاتِكُمْ وَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِ وَادْعُوهُ فَإِنَّ الدُّعَاءَ مُخُّ(7)الْعِبَادَةِ وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَدْعُو اللَّهَ إِلّا اسْتَجَابَ له فَإِمَّا أَنْ يُعَجِّلَهُ لَهُ فِي الدُّنْيَا أَوْ يُؤَجِّلَ لَهُ فِي الآْخِرَةِ وَإِمَّا أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ مِنْ ذُنُوبِهِ بِقَدْرِ مَا دَعَا مَا لَمْ يَدْعُ بِمَأْثَمٍ(8).
ص: 298
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إِنَّ أَعْجَزَ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ الدُّعَاء(1).
وعن النبيّ صلى الله عليه وآله: ألا أدلكم على أبخل الناس وأكسل الناس وأسرق الناس وأجفى الناس وأعجز الناس؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه قال: أما أبخل الناس فرجل يمر بمسلم ولم يسلم عليه وأما أكسل الناس فعبد صحيح فارغ لا يذكر اللَّه بشفة ولا بلسان وأما أسرق الناس فالذي يسرق من صلاته تلف كما تلف الثوب الخلق فيضرب بها وجهه وأما أجفى الناس فرجل ذكرت بين يديه فلم يصل علي وأما أعجز الناس فمن عجز عن الدعاء(2).
وقال النبي صلى الله عليه وآله: أفضل العبادة الدعاء فإذا أذن اللَّه للعبد في الدعاء فتح له باب الرحمة إنه لن يهلك مع الدعاء أحد(3).
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: رَجُلانِ افْتَتَحَا الصَّلاةَ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فَتَلا هَذَا الْقُرْآنَ فَكَانَتْ تِلاوَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ دُعَائِهِ وَدَعَا هَذَا أَكْثَرَ فَكَانَ دُعَاؤُهُ أَكْثَرَ مِنْ تِلاوَتِهِ ثُمَّ انْصَرَفَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ قَالَ: كُلٌّ فِيهِ فَضْلٌ كُلٌّ حَسَنٌ قُلْتُ: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ كُلّاً حَسَنٌ وَأَنَّ كُلّاً فِيهِ فَضْلٌ فَقَالَ: الدُّعَاءُ أَفْضَلُ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ»(4)هِيَ وَاللَّهِ الْعِبَادَةُ هِيَ وَاللَّهِ أَفْضَلُ هِيَ وَاللَّهِ أَفْضَلُ أَلَيْسَتْ هِيَ الْعِبَادَةَ هِيَ وَاللَّهِ الْعِبَادَةُ هِيَ وَاللَّهِ الْعِبَادَةُ أَلَيْسَتْ
ص: 299
هِيَ أَشَدَّهُنَّ هِيَ وَاللَّهِ أَشَدُّهُنَّ هِيَ وَاللَّهِ أَشَدُّهُنَّ(1).
عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى آدَمَ عليه السلام أَنِّي سَأَجْمَعُ لَكَ الْكَلامَ فِي أَرْبَعِ كَلِمَاتٍ قَالَ يَا رَبِّ وَمَا هُنَّ قَالَ وَاحِدَةٌ لِي وَوَاحِدَةٌ لَكَ وَوَاحِدَةٌ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَوَاحِدَةٌ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ النَّاسِ قَالَ يَا رَبِّ بَيِّنْهُنَّ لِي حَتَّى أَعْلَمَهُنَّ قَالَ أَمَّا الَّتِي لِي فَتَعْبُدُنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئاً وَأَمَّا الَّتِي لَكَ فَأَجْزِيكَ بِعَمَلِكَ أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهِ وَأَمَّا الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَعَلَيْكَ الدُّعَاءُ وَعَلَيَّ الْإِجَابَةُ وَأَمَّا الَّتِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ النَّاسِ فَتَرْضَى لِلنَّاسِ مَا تَرْضَى لِنَفْسِكَ وَتَكْرَهُ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ(2).
وَمِنْ كِتَابِ الدُّعَاءِ، لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ في حَديثٍ مَرفوع قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلانِ كَانَا يَعْمَلانِ عَمَلاً وَاحِداً فَيَرَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَوْقَهُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ بِمَا أَعْطَيْتَهُ وَكَانَ عَمَلُنَا وَاحِداً فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَأَلَنِي وَلَمْ تَسْأَلْنِي ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وآله: أسألُوا اللَّهَ وَأَجْزِلُوا فَإِنَّهُ لا يَتَعَاظَمُهُ شَيْ ءٌ(3).
ومنه أيضاً برواية مرفوعة قَالَ: قَالَ النبيّ صلى الله عليه وآله: لَيَسْأَلُنَّ اللَّهَ أَوْ لَيَقْضِيَنَّ عَلَيْكُمْ إِنَّ للَّهِ ِ عِبَاداً يَعْمَلُونَ فَيُعْطِيهِمْ وَآخَرِينَ يَسْأَلُونَهُ صَادِقِينَ فَيُعْطِيهِمْ ثُمَّ يَجْمَعُهُمْ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ الَّذِينَ عَمِلُوا رَبَّنَا عَمِلْنَا فَأَعْطَيْتَنَا فَبِمَا أَعْطَيْتَ هَؤُلاءِ فَيَقُولُ: هَؤُلاءِ عِبَادِي أَعْطَيْتُكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَمْ أَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً وَسَأَلَنِي هَؤُلاءِ فَأَعْطَيْتُهُمْ وَهُوَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ(4).
ص: 300
وعن الصادق عليه السلام قال لميسر بن عبدالعزيز: يَا مُيَسِّرُ ادْعُ اللَّه وَلا تَقُلْ إِنَّ الْأَمْرَ(1)قَدْ فُرِغَ مِنْهُ إِنَّ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْزِلَةً لا تُنَالُ إِلّا بِمَسْأَلَةٍ وَلَوْ أَنَّ عَبْداً سَدَّ فَاهُ وَلَمْ يَسْأَلْ لَمْ يُعْطَ شَيْئاً فَسَلْ تُعْطَ يَا مُيَسِّرُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابٍ يُقْرَعُ إِلّا يُوشِكُ أَنْ يُفْتَحَ لِصَاحِبِهِ(2).
ص: 301
بسم الرحمن الرحیم
كَأَنِّي بِكِ يَا كُوفَةُ تُمَدِّينَ مَدَّ الْأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ تُعْرَكِينَ بِالنَّوَازِلِ وَتُرْكَبِينَ بِالزَّلازِلِ وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِكِ جَبَّارٌ سُوءاً إِلّا ابْتَلاهُ اللَّهُ بِشَاغِلٍ وَرَمَاهُ [أو رَماهُ] بِقَاتِلٍ
قال ابن الكلبي: سمّيت الكوفة كوفة بجبل صغير في وسطها كان يقال له: كوفان، وعليه اختطّت مهرة موضعها، وقيل: سمّيت بموضعها لأنّ كلّ رملة يخالطها حصباء تسمّى كوفة، وقيل: لأنّ جبل ساتيد ما يحيط بها كالكفاف عليها، وقيل: لاجتماع الناس بها من قولهم «تكوّف الرمل» وقيل: لاستدارتها من قولهم رأيت كوفانا وكوفانا للرملة المستديرة، وقال بشر القرشي: كان قدر الكوفة ستّة عشر ميلاً وثلثي ميل(1)وكان ظهر الكوفة يدعى خدّ العذراء ينبت الخزامى، والأقحوان، والشيح، والقيصوم، والشقائق(2).
لمّا فرغ الحجّاج من دير الجماجم وفد على عبدالملك ومعه أشراف أهل
ص: 302
الكوفة والبصرة فتذاكروا البلدان. فقال محمّد بن عمير بن عطارد: إنّ الكوفة أرض ارتفعت عن البصرة وحرّها وعمقها، وسفلت عن الشام، ووبائها، وجاوزها الفرات فعذب ماؤها، وطاب ثمرها إذا أتتنا الشمال ذهبت مسيرة شهر على مثل رضراض الكافور، وإذا هبّت الجنوب جاءتنا ريح السواد وورده ويا سمينه واترنجه ماؤنا عذب وعيشنا خصب فقال خالد بن صفوان: نحن أوسع منهم برية، وأسرع منهم في السريّة، وأكثر منهم قندا، وعاجا، وساجا. ماؤنا صفو، وخيرنا عفو لا يخرج من عندنا إلّا قائد أو سائق أو ناعق. فقال الحجّاج: إنّي بالبلدين خبير وقد وطئتهما جميعا.
فقال له عبدالملك: قل فأنت عندنا مصدّق، فقال: أمّا البصرة فعجوز شمطاء، دفراء بخراء، اوتيت من كلّ حليّ وزينة، وأمّا الكوفة فشابة حسناء جميلة لا حليّ لها ولا زينة فقال عبدالملك: فضّلت الكوفة على البصرة(1).
وأمّا قول زياد «لو ضلّت البصرة لجعلت الكوفة لمن دلّني عليها(2)فعصبية.
ولمّا أراد عمر طواف البلدان بعد طاعون عمواس قال: أشيروا عليّ فقال له عليّ عليه السلام: إنّ الكوفة للهجرة بعد الهجرة، وإنّما هي لقبّة الإسلام ليأتينها يوم لا يبقى مسلم إلّا وحنّ عليها، ولينتصرنّ بأهلها كما انتصر بالحجارة من قوم لوط(3).
سار عليّ عليه السلام من البصرة إلى الكوفة، فلمّا أشرف عليها قال: ويحك يا كوفان ما أطيب هواءك وأغذى تربتك، الخارج منك بذنب والداخل إليك برحمة لا تذهب
ص: 303
الأيّام والليالي حتّى يجي ء إليك كلّ مؤمن ويبغض المقام بك كلّ فاجر وتعمرين حتّى أنّ الرجل من أهلك ليبكر إلى الجمعة فلا يلحقها من بعد المسافة(1).
وكان عليّ عليه السلام يقول: الكوفة كنز الإيمان وحجّة الإسلام وسيف اللَّه ورمحه يضعه حيث يشاء والذي نفسي بيده لينتصرنّ اللَّه بأهلها في شرق الأرض وغربها كما انتصر بالحجاز وكان إذا أشرف على الكوفة قال:
يا حبّذا مقامنا بالكوفة***أرض سواء سهلة معروفة
تعرفها جمالنا العلوفة
وكان سلمان الفارسي يقول: أهل الكوفة أهل اللَّه وهي قبّة الإسلام(2).
وقال عليّ عليه السلام - وأشار إلى قبر عظيم في النخيلة يدفن اليهود موتاهم حوله - ما يقول الناس فيه؟ فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍ عليه السلام: يَقُولُونَ هَذَا قَبْرُ هُودٍ النَّبِيِ عليه السلام لَمَّا أَنْ عَصَاهُ قَوْمُهُ جَاءَ فَمَاتَ هَاهُنَا قَالَ عليه السلام: كَذَبُوا لأَنَّا أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُمْ هَذَا قَبْرُ يَهُودَا بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بَكْرِ يَعْقُوبَ ثُمَّ قَالَ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ مَهَرَةٍ(3)قَالَ فَأُتِيَ بِشَيْخٍ كَبِيرٍ فَقَالَ: أَيْنَ مَنْزِلُكَ؟ قَالَ: عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ قَالَ: أَيْنَ مِنَ الْجَبَلِ الْأَحْمَرِ؟ قَالَ: قَرِيب مِنْهُ قَالَ: فَمَا يَقُولُ قَوْمُكَ فيه؟ قَالَ: يَقُولُونَ قَبْرُ سَاحِرٍ قَالَ: كَذَبُوا ذَاكَ قَبْرُ هُودٍ وَهَذَا قَبْرُ يَهُودَا بْنِ يَعْقُوبَ يُحْشَرُ مِنْ ظَهْرِ الْكُوفَةِ سَبْعُونَ أَلْفاً عَلَى غُرَّةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ(4).
وقال ابن أبي الحديد: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: الكوفة مدينتنا ومقرّ شيعتنا،
ص: 304
يحشر من ظهرها يوم القيامة سبعون ألفاً وجوههم على صورة القمر(1).
وورد في مسجد الكوفة فضائل: روى حبّة العرني قال: كنت جالساً عند عليّ عليه السلام فأتاه رجل فقال: يا أميرالمؤمنين هذه راحلتي وزادي أريد هذا البيت - يعني بيت المقدس - فقال عليه السلام: كُلْ زَادَكَ وَبِعْ رَاحِلَتَكَ وَعَلَيْكَ بِهَذَا الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ الْكُوفَةِ فَإِنَّهُ أَحَدُ الْمَسَاجِدِ الْأَرْبَعَةِ رَكْعَتَانِ فِيهِ تَعْدِلُ عَشْراً فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ وَالْبَرَكَةُ مِنْهُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ مِيلاً مِنْ حَيْثُ مَا أَتَيْتَهُ وَقَدْ تُرِكَ مِنْ أُسِّهِ أَلْفُ ذِرَاعٍ وَفِي زَاوِيَتِهِ فَارَ التَّنُّورُ وَعِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ الْخَامِسَةِ صَلَّى إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عليه السلام وَقَدْ صَلَّى فِيهِ أَلْفُ نَبِيٍّ وَأَلْفُ وَصِيٍّ وَفِيهِ عَصَا مُوسَى وَشَجَرَةُ يَقْطِينٍ وَفِيهِ هَلَكَ يَغُوثُ وَيَعُوقُ وَهُوَ الْفَارُوقُ وَمِنْهُ مَسِير لجَبَل الْأَهْوَازِ وَفِيهِ مُصَلَّى نُوحٍ عليه السلام وَيُحْشَرُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُونَ أَلْفاً لَيْسَ عَلَيْهِمْ حِسَابٌ، وَوَسَطُهُ عَلَى رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَفِيهِ ثَلاثُ أَعْيُنٍ مِنَ الجَنَّة تُذْهِبُ الجْسَ وَتُطَهِّرُ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ عَلِمَ النَّاسُ مَا فِيهِ من الفضل لَأَتَوْهُ وَلَوْ حَبْواً(2).
ورواه ابن قتيبة مختصراً، وفيه «فيه ثلاث أعين أنبتت بالضغث تذهب الرجس، وتطهّر المؤمنين: عين من لبن، وعين من دهن، وعين من ماء، جانبه الأيمن ذكر، وجانبه الأيسر مكر، ولو يعلم الناس ما فيه من الفضل لأتوه ولو حبوا».
وقوله عليه السلام: «أنبتت بالضغث»أحسبه أراد الضغث الذي ضرب أيّوب أهله، والعين التي ظهرت لما ركض بالأرض رجله، وقوله عليه السلام: «في جانبه الأيمن ذكر»
ص: 305
أي صلاة، وقوله: «في جانبه الأيسر مكر»أراه أراد المكر باللوذ به حين قتل في المسجد(1).
وقال السيّد الحميري:
لعمرك ما من مسجد بعد مسجد***بمكّة ظهر أو مصلّى بيثرب
بشرق ولا غرب علمنا مكانه***من الأرض معموراً ولا متجنّب
بأبين فضلا من مصلّى مبارك***بكوفان رحب ذي أواس ومخصب
مصلّى به نوح تأثل وابتنى***به ذات حيزوم وصدر محنّب
وفار به التنّور ماء وعنده***له قيل أيا نوح في الفلك فاركب
وباب أميرالمؤمنين الذي به***ممرّ أميرالمؤمنين المهذّب(2)
عكاظ على ما روي اسم سوق للعرب بناحية مكّة كانوا يجتمعون بها في كل سنة يقيمون شهرا ويبيعون ويتفاخرون ويتناشدون شعرا قال أبو ذؤيب:
إذا بني القباب على عكاظ***وقام البيع واجتمع الألوف
فلما جاء الإسلام هدم ذلك السوق وأكثر ما كان يباع بها الأديم فنسب الأديم إليها وقيل أديم العكاظي(3).
ص: 306
لا بأس بالاشارة إلى شطر ممّا وقع بعده عليه السلام بها تأييداً لما اخبر عليه السلام به وشاهداً على صدقه فنقول: لمّا دخلت سنة أربعين من الهجرة النبويّة قتل عليّ عليه السلام في هذه السنة وذلك انّه عليه السلام في صبيحة التاسع عشر من شهر رمضان ضربه ابن ملجم المرادي لعنه اللَّه تعالى على رأسه الشريف بعد رفعه الرأس عن السجدة الأولى أو الثانية على اختلاف فيه في صلاة الفريضة في المحراب ومات عليه السلام في ليلة احدى وعشرين من هذا الشهر ودفن بالغريّ قريباً من الكوفة المشهور الآن بالنجف وفّقنا اللَّه لزيارة قبره عليه السلام فيه ومزاره مشهور(1).
قال ابن الأثير: ولمّا بلغ قتله عليه السلام عائشة قالت:
فألقت عصاها واستقرّ بها النوى***كما قرّ عينا بالأياب المسافر
ثمّ قالت عائشة من قتله؟ فقيل لها: رجل من مراد فقالت:
فان يك تائباً فلقد نعاه***لغيّ ليس في فيه التراب
فقالت زينب بنت أبي سلمة: أتقولين هذا لعليّ؟ فقالت: انّني أنسى فاذا نسيت فذكّروني(2).
فلمّا قتل عليه السلام قال أبو الأسود الدئلي فيه أبياتاً وكتب بها إلى معاوية بن أبي سفيان لعنه اللَّه تعالى وهي هذه:
ألا أبلغ معاوية ابن حرب***فلا قرّت عيون الشامتينا
أفي شهر الصيام فجعتمونا***بخير الناس طرّاً أجمعينا
ص: 307
قتلتم خير من ركب المطايا***ورحلها ومن ركب السفينا
ومن لبس النعال ومن حذاها***ومن قراء المثاني والمبينا
إذا استقبلت وجه أبي حسين***رأيت البدر راع الناظرينا
لقد علمت قريش حيث كانت***بأنك خيرها حسبا ودينا(1)
وكانت مدّة خلافته عليه السلام خمس سنين إلّا ثلاثة أشهر(2)وكان عمره عليه السلام ثلاثاً أو خمساً وستّين سنة وهو الأشهر(3).
ثمّ بعد شهادته عليه السلام بويع الحسن بن عليّ عليه السلام(4)إلّا انّ أصحابه لم يراعوا عهدهم وبيعتهم له عليه السلام لكون أكثرهم من المنافقين المنابذين الذين قد حكى اللَّه تعالى عنهم في كتابه حيث قال: «وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ»(5)فلا جرم صالح عليه السلام معاوية ابن أبي سفيان على الشروط والعهود المذكورة في التواريخ ولكنّه لكونه من الغدّارين بل المشركين لم يف بها أبداً(6)ومن نكث فانّما ينكث على نفسه «فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ»(7)، «وَسَيَعْلَمُ
ص: 308
الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ»(1)واختلفوا في مدّة خلافته عليه السلام بعد أبيه فقيل خمسة أشهر ونصف وقيل ستّة وقيل سبعة(2).
فلمّا تمّ الأمر لمعاوية لعنه اللَّه فعل ما فعل بالمسلمين من الظلم والشناعة واحياء المنكرات فيهم وقتلهم ونهبهم وأمثال ذلك ولا نريد الآن أن نبيّن أعماله وأفعاله في حكومته وخلافته لأنّه يستدعي كتاباً مستقلاً مضافاً إلى خروجه عن مورد البحث فعلاً فانّ الأهمّ للبحث هو ما وقع بعد شهادة أميرالمؤمنين على أهل الكوفة لأنّ كلامنا يدور مداره.
حكومة المغيرة
فأوّل من ولّاه معاوية على الكوفة مغيرة بن شعبة لعنه اللَّه(3)وهو من أعداء اللَّه وأعداء رسوله وأهل بيته(4)وهو الذي كان ضرب فاطمة بنت رسول اللَّه حين هجم الناس على بيته بأمر من عمر بن الخطّاب(5)وهو الذي كان مشهوراً بالزنا في الجاهليّة(6)والإسلام كما مرّ منّا سابقاً قصّة أبي بكرة مع المغيرة في حضور عمر بن الخطّاب وادرائه الحدّ عن المغيرة لمواخاة ومحبّته وقعت بينهما في الجاهليّة والإسلام مع انّه كان محكوماً بالرجم(7).
ص: 309
وهو الذي منع الناس عن بيعة عليّ وقتالهم معه في حرب الجمل وصفّين وقد ذكرنا قصّة تقاعده عن البيعة وأمره الناس بالكوفة على خلاف عليّ واتّهامه عليه بأنّه قاتل عثمان وأمثال ذلك وبالجملة كونه من أعداء أميرالمؤمنين(1)بل من أعداء اللَّه ورسوله وانّه من الوضّاعين والمكذّبين على رسول اللَّه والمفترين عليه ممّا لا خلاف فيه(2)ولأجل هذا بعد ما أراد عليه السلام الكوفة فرّ منها وحاله معلوم فانّه من الأرجاس.
فمكث مغيرة والياً عليها من سنة احدى واربعين وهي عام الجماعة(3)إلى سنة خمسين وكانت مدّة ولايته عليها لمعاوية تسع سنين وفي هذه المدّة قتل خلقاً كثيراً من شيعة عليّ وهو الذي سبّ أميرالمؤمنين وخالفه في حياته وبعد مماته(4).
وتوفّي وهو ابن سبعين سنة وقيل كان موته سنة إحدى وخمسين وقيل سنة تسع وأربعين(5).
حكومة زياد
فلمّا مات المغيرة استعمل معاوية زياداً على الكوفة [والبصرة] وهو أوّل من جمعا له فلمّا وليها سار إليها واستخلف علي البصرة سمرة بن جندب وكان زياد يقيم بالكوفة ستّة أشهر وبالبصرة ستّة أشهر فلمّا وصل الكوفة خطبهم فحصب وهو
ص: 310
على المنبر فجلس حتّى أمسكوا ثمّ دعا قوماً من خاصّته فأمرهم، فأخذوا أبواب المسجد ثمّ قال: ليأخذ كلّ رجل منكم جليسه ولا يقولون لا أدري من جليسي، ثمّ أمر بكرسي فوضع على باب المسجد فدعاهم أربعة أربعة يحلفون ما منّا من حصبك فمن حلف خلاه ومن لم يحلف حبسه حتّى صار إلى ثلاثين وقيل إلى ثمانين فقطع أيديهم على المكان وكان أوّل قتيل قتله زياد بالكوفة أوفي بن الحصن وكان بلغه عنه شي ء فطلبه فهرب فعرض الناس [زياد]، فمرّ به فقال: من هذا؟ قال: أوفي بن حصن، فقال زياد: أتتك بخائن رجلاه وقال له: ما رأيك في عثمان؟ قال: ختنرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهعلى ابنتيه، قال: فما تقول في معاوية؟ قال: جواد حليم، قال: فما تقول فيّ؟ قال: بلغني أنّك قلت بالبصرة واللَّه لآخذنّ البرئ بالسقيم والمقبل بالمدبر، قال: قد قلت ذاك، قال: خبطتها خبط عشواء! فقال زياد: ليس بالنفاخ بشر الزمرة! فقتله.
ولما قدم زياد الكوفة قال له عمّارة بن عقبة بن أبي معيط إنّ عمرو بن الحمق يجمع إليه شيعة أبي تراب فأرسل إليه زياد ما هذه الجماعات عندك؟ من أرادك أو أردت كلامه ففي المسجد وقيل الذي سعى بعمرو يزيد بن رويم فقال له زياد: قد أشطت به ولو علمت أن مخ ساقه قد سال من بغضي ما هجته حتّى يخرج عليّ فاتّخذ زياد المصورة حين حصب.
فلمّا استخلف زياد سمرة على البصرة أكثر القتل فيها فقال ابن سيرين: قتل سمرة في غيبة زياد هذه ثمانية آلاف فقال له زياد: أتخاف أن تكون قتلت بريئاً؟ فقال: لو قتلت معهم مثلهم ما خشيت. وقال أبو السوار العدوي:
قتل سمرة من قومي في غداة واحدة سبعة وأربعين كلّهم قد جمع القرآن وركب
ص: 311
سمرة يوماً فلقي أوائل خيله رجلا فتقلوه، فمرّ به سمرة وهو يتشحّط في دمه فقال: ما هذا؟ فقيل: أصابه أوائل خيلك، فقال: إذا سمعتم بنا قد ركبنا فاتّقوا أسنتنا(1).
ذكر مقتل حجر بن عدي وعمرو بن الحمق وأصحابهما
ومن الحوادث الواقعة فيها في سنة احدى وخمسين قتل حجر بن عدي وأصحابه، وسبب ذلك أنّ معاوية استعمل المغيرة بن شعبة على ما قدمناه على الكوفة سنة إحدى وأربعين فلمّا أمره عليها دعاه وقال له: أمّا بعد فإنّ لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا وقد يجزي عنك الحكيم بغير التعليم وقد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة أنا تاركها اعتماداً على بصرك (أمرك) ولست تاركاً إيصاءك بخصلة لا تترك شتم علي وذمّه والترحّم على عثمان والاستغفار له والعيب لأصحاب علي والاقصاء لهم والإطراء بشيعة عثمان والإدناء لهم فقال له المغيرة: المغيرة قد جربت وجربت وعملت قبلك لغيرك فلم يذممني وستبلو فتحمد أو تذم فقال: بل نحمد إن شاء اللَّه تعالى.
فأقام المغيرة عاملاً على الكوفة وهو أحسن شي ء سيرة غير أنّه لا يدع شتم علي والوقوع فيه والدعاء لعثمان والاستغفار له فإذا سمع ذلك حجر بن عدي قال: بل إيّاكم ذمّ اللَّه ولعن! ثمّ قام وقال: أنا أشهد أن من تذمون أحق بالفضل ومن تزكون أولى بالذم فيقول له المغيرة يا حجر اتّق هذا السلطان وغضبه وسطوته فإن غضب السلطان يهلك أمثالك ثمّ يكفّ عنه ويصفح.
فلمّا كان آخر إمارته قال في علي وعثمان ما كان يقوله له فقام حجر فصاح
ص: 312
صيحة بالمغيرة سمعها كلّ من بالمسجد وخارجاً منه وقال له: مر لنا أيّها الانسان بأرزاقنا فقد حبستها عنّا وليس ذلك لك وقد أصبحت مولعاً بذمّ أميرالمؤمنين.
فقام أكثر من ثلثي الناس يقولون صدق حجر وبر، مر لنا بأرزاقنا فإن ما أنت عليه لا يجدي علينا نفعاً وأكثروا من هذا القول وأمثاله فنزل المغيرة فاستأذن عليه قومه ودخلوا وقالوا علام تترك هذا الرجل يجترئ عليك في سلطانك ويقول لك هذه المقالة فيوهن سلطانك ويسخط عليك أميرالمؤمنين معاوية؟ فقال لهم المغيرة: إنّي قد قتلته سيأتي من بعدي أمير بحسبه مثلي فيصنع به ما ترونه يصنع بي فيأخذه ويقتله! إني قد قرب أجلي ولا أحبّ أن أقتل خيار أهل هذا المصر فيسعدوا وأشقى ويعز في الدنيا معاوية ويشقى في الآخرة المغيرة.
ثمّ توفي المغيرة وولى زياد فقام في الناس فخطبهم عند قدومه ثمّ ترحم على عثمان وأثنى على أصحابه ولعن قاتليه فقام حجر ففعل كما كان يفعل بالمغيرة ورجع زياد إلى البصرة واستخلف على الكوفة عمرو بن حريث فبلغه أن حجراً يجتمع إليه شيعة علي ويظهرون لعن معاوية والبراءة منه وانهم حصبوا عمرو بن حريث، فشخص زياد الى الكوفة حتى دخلها فصعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه وحجر (ليس) جالس في المسجد ثمّ قال: أما بعد فان غب البغي والغي وخيم إن هؤلاء جموا فأشروا وأمنوني فاجترأوا علي اللَّه وأيم اللَّه لئن لم تستقيموا لأداوينكم بدوائكم ولست بشي ء إن لم أمنع الكوفة من حجر وأدعه مكالا لمن بعده ويل أمك يا حجر سقط العشاء بك علي سرحان وأرسل إلى حجر يدعوه وهو بالمسجد فلمّا أتاه رسول زياد يدعوه قال أصحابه: لا تأته ولا كرامة فرجع الرسول فأخبر زيادا فأمر أصحاب شرطته وهو شدّاد بن الهيثم الهلالي أن يبعث
ص: 313
إليه جماعة ففعل فسبّهم أصحاب حجر فرجعوا وأخبروا زياداً فجمع أهل الكوفة وقال: تشجون بيد وتأسون بأخرى أبدانكم معي وقلوبكم مع حجر الأحمق هذا واللَّه من دحسكم واللَّه لتظهرنّ لي براءتكم أو لآتينّكم بقوم أقيم بهم أودكم وصعركم! فقالوا معاذ اللَّه أن يكون لنا رأي إلّا طاعتك وما فيه رضاك. قال: فليقم كلّ رجل منكم فليدع من عند حجر من عشيرته وأهله ففعلوا وأقاموا أكثر أصحابه عنه وقال زياد لصاحب شرطته: انطلق إلى حجر فإن تبعك فاتني به وإلّا فشدّوا عليهم بالسيوف حتّى تأتوني به.
فأتاه صاحب الشرطة يدعوه، فمنعه أصحابه من إجابته فحمل عليهم فقال أبو العمرطة الكندي لحجر: إنّه ليس معك من معه سيف غيري وما يغني عنك سيفي قم فالحق بأهلك يمنعك قومك زياد ينظر إليهم وهو على المنبر وغشيهم أصحاب زياد وضرب رجل من الحمراء رأس عمرو بن الحمق بعموده فوقع وحمله أصحابه إلى الأزد فاختفى عندهم حتّى خرج وانحاز أصحاب حجر إلى أبواب كندة وضرب بعض اشرطة يد عائذ بن حملة التميمي وكسر نابه وأخذ عموداً من بعض الشرط فقاتل به وحمي حجراً وأصحابه حتّى خرجوا من أبواب كندة وأتى حجر بغلته وقال له أبو العمرطة: اركب فقد قتلتنا ونفسك وحمله حتّى أركبه وركب أبو العمرطة فرسه ولحقه يزيد بن طريف المسلي فضرب أبا العمرطة على فخذه بالعمود وأخذ أبو العمرطة سيفه فضرب به رأسه فسقط ثمّ برئ وله يقول عبداللَّه بن همام السلولي:
ألؤم ابن لؤم ما عدا بك حاسرا***إلى بطل ذي جرأة وشكيم
معاود ضرب الدارعين بسيفه***على الهام عند الروع غير لئيم
ص: 314
إلى فارس الغارين يوم تلاقيا***بصفين قرم خير نجل قروم
حسبت ابن برصاء الحتار قتاله***قتالك زيداً يوم دار حكيم(1)
وكان ذلك السيف أوّل سيف ضرب به في الكوفة في اختلاف بين الناس، ومضى حجر وأبو العمرطة إلى دار حجر واجتمع إليهما ناس كثير ولم يأته من كندة كثير أحد فأرسل زياد وهو على المنبر مذحج وهمدان إلى جبانة كندة وأمرهم أن يأتوه بحجر وأرسل سائر أهل اليمن إلى جبانة الصائدين وأمرهم أن يمضوا إلى صاحبهم حجر فيأتوه به ففعلوا فدخل مذحج وهمدان إلى جبانة كندة فأخذوا كلّ من جدوا فأثنى عليهم زياد.
فلمّا رأى حجر قلّة من معه أمرهم بالانصراف وقال لهم: لا طاقة لكم بمن اجتمع عليكم وما أحبّ أن تهلكوا فخرجوا فأدركهم مذحج وهمدان فقاتلوهم وأسروا قيس بن يزيد ونجا الباقون فأخذ حجر طريقاً إلى بني حوت فدخل دار رجل منهم يقال له سليم بن يزيد، وأدركه الطلب فأخذ سليم سيفه ليقاتل، فبكى بناته فقال حجر: بئسما أدخلت علي بناتك إذاً! قال: واللَّه لا تؤخذ من داري أسيراً ولا قتيلاً وأنا حي فخرج حجر من خوخة في داره فأتى النخع فنزل دار عبداللَّه بن الحارث أخي الأشتر فأحسن لقاءه فبينما هو عنده قيل له إن الشرط تسأل عنك في النخع وسبب ذلك أن أمة سوداء لقيتهم فقالت: من تطلبون؟ قالوا: حجر بن عدي. فقالت: هو في النخع.
فخرج حجر من عنده فأتي الأزد فاختفى عند ربيعة بن ناجد.
فلمّا أعياهم طلبه دعا زياد محمّد بن الأشعث وقال له: واللَّه لتأتيني به أو
ص: 315
لأقطعنّ كلّ نخلة لك وأهدم دورك ثمّ لا تسلم منّي حتّى أقطعك إربا إربا. فاستملهم فأهمله ثلاثاً وأحضر قيس بن يزيد أسيراً فقال له زياد: لا بأس عليك قد عرفت رأيك في عثمان وبلائك مع معاوية بصفّين وإنّك إنّما قاتلت مع حجر حمية وقد غفرتها لك ولكن إئتني بأخيك عمير فاستأمن له منه على ماله ودمه فأمنه فأتاه به وهو جريح فأثقله حديداً وأمر الرجال أن يرفعوه ويلقوه ففعلوا ذلك به مراراً، فقال قيس بن يزيد لزياد: ألم تؤمنه؟ قال: بلى قد أمنته على دمه ولست أهريق له دماً ثمّ ضمنه وخلى سبيله.
ومكث حجر بن عدي في بيت ربيعة يوماً وليلة فأرسل إلى محمّد بن الأشعث يقول له ليأخذ له من زياد أماناً حتّى يبعث به إلى معاوية فجمع محمّد جماعة منهم: جرير بن عبداللَّه وحجر بن يزيد، وعبداللَّه بن الحارث أخو الأشتر، فدخلوا على زياد فاستأمنوا له على أن يرسله إلى معاوية، فأجابهم، فأرسلوا إلى حجر بن عدي فحضر عند زياد، فلمّا رآه قال: مرحبا بك أبا عبدالرحمن حرب أيام الحرب وحرب وقد سالم الناس على أهلها تجني براقش، فقال حجر: ما خلعت طاعة ولا فارقت جماعة وإنّي على بيعتي فأمر به إلى السجن فلمّا ولى قال زياد: واللَّه لأحرصنّ على قطع خيط رقبته وطلب أصحابه فخرج عمرو بن الحمق حتّى أتى الموصل ومعه رفاعة بن شدّاد فاختفيا بجبل هناك فرفع خبرهما إلى عامل الموصل فسار إليهما فخرجا إليه فأمّا عمرو فكان قد استسقى بطنه ولم يكن عنده امتناع وأمّا رفاعة فقد كان شاباً قوياً فركب فرسه ليقاتل عن عمرو، فقال له عمرو: ما ينفعني قتالك عنّي انج بنفسك! فحمل عليهم فأفرجوا له فنجا وأخذ عمرو أسيراً فسألوه من أنت؟ فقال: من إن تركتموه كان أسلم لكن وإن قتلتموه كان أضر
ص: 316
عليكم ولم يخبرهم فبعثوه إلى عامل الموصل وهو عبدالرحمن بن عثمان الثقفي الذي يعرف بابن أم الحكم وهو ابن أخت معاوية فعرفه فكتب فيه إلى معاوية فكتب إليه أنّه زعم طعن عثمان تسع طعنات بمشاقص معه فأطعنه كما طعن عثمان فأخرج طعن فمات في الأولى منهنّ أو الثانية.
وجدّ زياد في طلب أصحاب حجر فهربوا وأخذ من قدر عليه منهم فأتى بقبيصة بن ضبيعة العبسي بأمان فحبسه وجاء قيس بن عباد الشيباني إلى زياد فقال له: إن أمرأ منا يقال له: صيفي من رؤوس أصحاب حجر فبعث زياد فأتي به فقال: يا عدوّ اللَّه ما تقول في أبو تراب؟ فقال: ما أعرف أبا تراب، فقال: ما أعرفك به! أتعرف عليّ بن أبي طالب؟ فقال: نعم قال: فذاك أبو تراب، قال: كلا ذاك أبو الحسن والحسين فقال له صاحب الشرطة: يقول الأمير هو أبو تراب وتقول لا! قال: فإن كذب الأمير أكذب أنا وأشهد على باطل كما شهد فقال له زياد: وهذا أيضاً علي بالعصا فأتي بها فقال: ما تقول في عليّ؟ قال: أحسن قول، قال: اضربوه فضربوه حتّى لصق بالأرض، ثمّ قال: أقلعوا عنه ما قولك في عليّ؟ قال: واللَّه لو شرّحتني بالمواسي ما قلت فيه إلّا ما سمعت منّي قال: لتلعننه أو لأضربنّ عنقك! قال: لا أفعل فأوثقوه حديداً وحبسوه.
قيل: وعاش قيس بن عباد حتّى قاتل مع ابن الأشعث في مواطنه ثمّ دخل الكوفة فجلس في بيته فقال حوشب للحجّاج إنّ هنا أمرأ صاحب فتن لم تكن فتنة بالعراق إلّا وثب فيها وهو ترابي يلعن عثمان وقد خرج مع ابن الأشعث حتّى هلك وقد جاء فجلس في بيته فبعث إليه الحجّاج فقتله(1).
ص: 317
زياد وعبداللَّه بن خليفة الطائي
وأرسل زياد إلى عبداللَّه بن خليفة الطائي فتواري فبعث إليه الشرط فأخذوه فخرجت أخته النوار فحرضت طيئا فثاروا بالشرط وخلصوه فرجعوا إلى زياد فأخبروه فأخذ عدي بن حاتم وهو في المسجد فقال: أئتني بعبداللَّه! قال: وما حاله؟ فأخبره فقال: لا علم لي بهذا! قال: لتأتيني به قال: لا آتيك به أبدا لآتيك بابن عمّي تقتله! واللَّه لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه! فأمر به إلى السجن فلم يبقى بالكوفة يمني ولا ربعي إلاّ كلّم زياداً وقالوا تفعل هذا بعدي بن حاتم صاحب رسول اللَّه صلى الله عليهوآله؟ فقال: فإنّي أخرجه على شرط أن يخرج ابن عمّه عنّي فلا يدخل الكوفة مادام لي سلطان فأجابوه إلى ذلك وأرسل عدي إلى عبداللَّه يعرفه ما كان وأمره أن يلحق بجبلي طي ء فخرج إليهما وكان يكتب إلى عدي ليشفع فيه ليعود إلى الكوفة وعدي يمينه فممّا كتب إليه يعاتبه ويرثى حجراً وأصحابه قوله من قصيدة أوّلها:
تذكرت ليلى والشبيبة أعصرا***وذكر الصبا برح على من تذكرا
والقصيدة طويلة، فمات عبداللَّه بالجبلين قبل موت زياد(1).
زياد وابن عفيف الخثعمي
ثمّ أتى زياد بكريم بن عفيف الخثعمي من أصحاب حجر بن عدي فقال: ما اسمك؟ قال: كريم بن عفيف، قال: ما أحسن اسمك واسم أبيك وأسوأ عملك ورأيك! فقال له: أما واللَّه إنّ عهدك برأيي منذ قريب.
ص: 318
ثمّ جمع زياد من أصحاب عدي اثنى عشر رجلاً في السجن ثمّ دعا رؤساء الارباع يومئذٍ وهم عمرو بن حريث على ربع أهل المدينة وخالد بن عرفطة على ربع تميم وهمدان وقيس بن الوليد على ربع ربيعة وكندة وأبا بردة بن أبي موسى على ربع مذحج وأسد فشهد هؤلاء أن حجراً جمع إليه الجموع وأظهر شتم الخليفة ودعا إلى حربه وزعم أن هذا الأمر لا يصلح إلّا في آل أبي طالب ووثب بالمصر وأخرج عامل الخليفة وأظهر عذر أبي تراب والترحم عليه والبراءة من عدوّه وأهل حربه وأنّ هؤلاء النفر الذين معه هو (هم) رؤوس أصحابه على مثل رأيه وأمره ونظر زياد في شهادة الشهود وقال: إنّي لأحبّ أن يكونوا أكثر من أربعة فدعا الناس ليشهدوا عليه فشهد إسحاق وموسى ابنا طلحة بن عبيداللَّه والمنذر بن الزبير وعمّارة بن عقبة بن أبي معيط وعمرو بن سعد بن أبي وقّاص وغيرهم وكتب في الشهود شريح بن الحارث القاضي، ثمّ دفع زياد حجر بن عدي وأصحابه إلى وائل بن حجر الحضرمي وكثير بن شهاب وأمرهما أن يسرا بهم إلى الشام فخرجوا عشية فلمّا بلغوا الغريين لحقهم شريح بن هانئ وأعطى وائلاً كتاباً وقال: أبلغه معاوية فأخذه وساروا حتّى انتهوا بهم إلى مرج عذراء عند دمشق، فبعث معاوية إلى وائل بن حجر وكثير بن شهاب فأدخلهما وأخذا كتابهما فقرأه ودفع إليه كتاب شريح بن هانئ فإذا فيه بلغني أن زياداً كتب شهادتي وإن شهادتي على حجر أنّه ممّن يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويديم الحج والعمرة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حرام الدم والمال فان شئت فاقتله وإن شئت فدعه. فقال معاوية: ما أرى هذا إلّا قد خرج نفسه من شهادتكم وحبس القوم بمرح عذراء(1).
ص: 319
ثمّ ساق الحديث إلى أن قال: ولمّا قدّموهم ليقتلوهم قالوا لهم قبل القتل إنّا أمرنا أن نعرض عليكم البراءة من عليّ واللعن له فان فعلتم تركناكم وإن أبيتم قتلناكم فقالوا: لسنا فاعلي ذلك فقتلوا جميعاً إلّا عبدالرحمن بن حسان العنزي وكريم الخثعمي قالا ابعثوا بنا إلى معاوية فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته فاستأذنوا معاوية فيها فاذن باحضارهما فدخلا عليه.
قال الخثعمي: اللَّه اللَّه يا معاوية فانّك منقول من هذه الدار الزائلة إلى الدار الآخرة ثمّ مسئول عمّا أردت بسفك دمائنا فقال له: ما تقول في عليّ؟ قال: أقول فيه قولك: قال: اتبرّء من دين عليّ الذي يدين اللَّه به؟ فسكت وقال شمر بن عبداللَّه من بني قحافة ابن خثعم فاستوهبه فوهبه له على أن لا يدخل الكوفة فاختار الموصل وكان يقول: لو مات معاوية قدمت الكوفة فمات قبل معاوية بشهر.
ثمّ قال معاوية لعبدالرحمن بن حسان يا أخا ربيعة ما تقول في عليّ؟ قال: دعني ولا تسألني فهو خير لك، قال: واللَّه لا أدعك، قال: اشهد انّه كان من الذاكرين للَّه تعالى كثيراً ومن الآمرين بالحقّ والقائمين بالقسط والعافين عن الناس. قال: فما قولك في عثمان؟ قال هو أوّل من فتح أبواب الظلم واغلق أبواب الحقّ، قال: قتلت نفسك، قال: بل إيّاك قتلت، فردّه معاوية إلى زياد وأمره أن يقتله شرّ قتله فدفنه زياد لعنه اللَّه حيّاً(1)وكانت عدّتهم أربعة عشر رجلاً في هذه الوقعة المؤلمة وهم: حجر بن عدي الكندي والأرقم بن عبداللَّه الكندي وشريك بن شدّاد الحضرمي وصيفي بن فسيل الشيباني وقبيصة بن ضبيعة العبسي وكريم بن عفيف
ص: 320
الخثعمي وعاصم بن عوف البجلي وورقاء بن سمي البجلي وكدام بن حيان وعبدالرحمن بن حسان العنزيين ومحرز بن شهاب التميمي وعبداللَّه بن حوية السعدي التميمي وعتبة بن الأخنس من سعد بن بكر وسعد بن نمران الهمداني.
قيل قتل منهم سبعة وخلّوا سبيل الباقي بشفاعة أقربائهم وقيل غير ذلك فهذه الواقعة احدى النوازل بها(1).
ولمّا بلغ الحسن البصري قتل حجر وأصحابه قال: أصلّوا عليهم وكفّنوهم ودفّنوهم واستقبلوا بهم القبلة؟ قالوا: نعم قال: حجّوهم وربّ الكعبة ولمّا بلغ حجر إلى المقتل وقتل على ما مرّ وبلغ خبره عائشة أرسلت عبدالرحمن بن الحرث إلى معاوية وقال له أين غاب عنك حلم أبي سفيان قال حين غاب عنّي مثلك من حلماء قومي وحملني ابن سميّة فاحتملت، وقيل انّها ارسلت إليه لتشفّع في حجر وأصحابه فقتلوا قبل وصول قاصدها إليه(2)ولأجل هذا قالت عائشة لولا انّا لم نغيّر شيئاً إلّا صارت بنا الأمور إلى ما هو أشدّ منه لغيّرنا قتل حجر اما واللَّه إن كان ما علمت لمسلما حجّاجا معتمرا(3).
وكان الناس يقولون أوّل ذلّ دخل الكوفة موت الحسن بن علي وقتل حجر ودعوة زياد(4).
ثمّ انّ زياداً لعنه اللَّه قد توفّي سنة ثلاث وخمسين من الهجرة بخروج طاعونة على اصبع يمينه فمات منها ولما حضرته الوفاة قال له ابنه عبيداللَّه لعنه اللَّه: قد
ص: 321
هيّأت لك ستّين ثوباً أكفنك بها، فقال له: يا بنيّ قد دنا من أبيك لباس هو خير من لباسه أو سلب سريع فمات ودفن بالثوية إلى جانب الكوفة، فلمّا بلغ موته ابن عمر قال: اذهب ابن سميّة لا الآخرة أدركت ولا الدنيا بقيت عليك.
وكان مولده سنة إحدى من الهجرة قال مسكين الدارمي يرثيه:
رأيت زيادة الإسلام ولت***جهارا حين ودعنا زياد
فقال الفرزدق يجيبه:
أمسكين أبكي اللَّه عينيك إنّما***جرى في ضلال دمعها فتحدرا
بكيت امرأ من أهل ميسان كافرا
ككسري على عداته أو كقصيرا
أقول له لما لما أتاني نعيه***به لا بظبي بالصريمة أعفرا(1)
وبعد موت معاوية وزياد وصلت النوبة إلى النازلة الثانية بكوفة وهي بدئت بخلافة يزيد وحكومة عبيداللَّه.
النازلة الثانية ولاية ابن زياد عليها
لمّا مات معاوية وصلت النوبة في الظلم والتعدّي إلى ابنه السكّير الخمير الذي كان يلبس الحرير ويضرب بالطنابير أعني يزيد بن معاوية ظاهراً ويزيد ابن أبيه واقعاً وكفره والحاده وزندقته اشهر واعرف من كفر ابليس لعنة اللَّه عليه وعلى من سلّطه على رقاب المسلمين آمين ربّ العالمين.
وكان سبب ولاية عبيداللَّه على الكوفة على ما ذكره المورّخون هو انّه لمّا خرج الحسين من المدينة إلى مكّة ومن مكّة إلى العراق وكان عليه السلام قد بعث إليهم أعني أهل
ص: 322
الكوفة ابن عمّه مسلم بن عقيل جواباً لمرسلاتهم إليه.
ولمّا وصل مسلم الكوفة كان النعمان بن بشير والياً عليها من قبل يزيد بن معاوية ونعمان كان ممّن يحبّ العافية فقام إليه عبداللَّه بن مسلم بن سعيد الحضرمي حليف بني اميّة انّه لا يصلح ما ترى إلّا الغشم انّ هذا الذي أنت عليه رأى المستضعفين فقال أكون من المستضعفين في طاعة اللَّه احبّ إليّ من أن أكون من الأعزّين في معصيته.
فكتب عبداللَّه بن مسلم إلى يزيد يخبره بقدوم مسلم بن عقيل الكوفة ومبايعة الناس له ويقول له إن كان لك في الكوفة حاجة فابعث اليها رجلاً قويّاً ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوّك فانّ النعمان رجل ضعيف أو هو يتضعّف وكان هو أوّل من كتب إليه، ثمّ كتب إليه عمّارة بن الوليد بن عقبة وعمر بن سعد بن أبي وقّاص بنحو ذلك فلمّا اجتمعت الكتب عند يزيد دعا سرجون مولى معاوية فأقرأه الكتب واستشاره فيمن يولّيه الكوفة وكان يزيد عاتباً على عبيداللَّه بن زياد فقال له سرجون: أرأيت لو نشر لك معاوية كنت تأخذ برأيه؟ قال: نعم فاخرج عهد عبيداللَّه على الكوفة وقال: هذا رأي معاوية ومات وقد أمر بهذا الكتاب فأخذ يزيد برأيه وجمع الكوفة والبصرة لعبيداللَّه - كما كان معاوية قد جمعها لأبيه زياد بن سميّة -.
فلمّا وصل كتابه إلى عبيداللَّه وهو بالبصرة أمر بالتجهيز ليبرز من الغد ثمّ خطب الناس وقال: امّا بعد، فواللَّه ما بي تقرن الصعبة وما يقعقع لي بالشنان وانّي لنكل لمن عاداني ومسلم لمن حاربني وانصف القارة من راماها يا أهل البصرة انّ أميرالمؤمنين قد ولّاني الكوفة وانا غاد إليها بالغداوة وقد استخلفت عليكم أخي
ص: 323
عثمان بن زياد فايّاكم الخلاف والأرجاف من اللَّه لئن بلغني عن رجل منكم خلاف لأقتلنّه وعريفه ووليّه ولآخذنّ الأدنى بالأقصى حتّى تستقيموا ولا يكون فيكم مخالف ولا مشاق وانّي أنا ابن زياد اشبهته من بين من وطئ الحصى فلم ينتزعني شبه خال ولا ابن عمّ(1).
ثمّ خرج عن البصرة ومعه مسلم بن عمر الباهلي وشريك بن الأعور الحارثي وحشمه وأهل بيته وكان شريك شيعيّاً حتّى دخل الكوفة وقد ذكر المورّخون كيفيّة دخوله الكوفة وقولهم له مرحبا بك يابن رسول اللَّه وهو لا يكلّمهم ثمّ خطبهم وقال: امّا بعد، فانّ أميرالمؤمنين ولّاني مصركم وثغركم وفيئكم وأمرني بانصاف مظلومكم واعطائ محرومكم وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم وبالشدّة على مريبكم وعاصيكم وانا متّبع فيكم أمره ومنفذ فيكم عهده فانّا لمحسنكم كالوالد البر ولمطيعكم كالأخ الشفيق وسيفي وسوطي على من ترك أمري وخالف عهدي فليبق أمري على نفسه، ثمّ نزل عن المنبر، فأخذ العرفاء والناس أخذاً شديداً وقال: اكتبوا لي الغرباء ومن فيكم من طلبه أميرالمؤمنين ومن فيكم من الحروريّة وأهل الريب الذين رأيهم الخلاف والشقاق فمن كتبهم إليّ فبرى ء ومن لم يكتب لنا أحداً فليضمن لنا ما في عرافته أن لا يخالفنا فيهم مخالف، ولا يبغى علينا منهم باغ فمن لم يفعل فبرئت منه الذمّة وحلال لنا دمه وماله وايّما عريف وجد في عرافته من بغية أميرالمؤمنين أحد لم يرفعه إلينا صلب على باب داره والغيت تلك العرافة من العطا وسير إلى موضع لعمّان الزرارة فلمّا سمع مسلم بن عقيل عليه السلام بمقالته خرج من دار المختار وأتى دار هاني بن عروة المرادي فدخل بابه
ص: 324
واستدعى هانئاً فخرج إليه فلمّا رآه كره مكانه فقال له مسلم أتيتك لتجيرني وتضيفني فقال له هاني لقد كلّفتني شططا ولو لا دخولك داري لأحببت أن تنصرف عنّي غير انّه يأخذني من ذلك ذمام ادخل فآواه فاختلف الشيعة إليه في دار هاني(1).
ثمّ دعا ابن زياد مولى له وأعطاه ثلاثة آلاف درهم وقال له اطلب مسلم بن عقيل وأصحابه وألفهم وأعطهم هذا المال وأعلمهم أنّك منهم واعلم أخبارهم ففعل ذلك وأتى مسلم بن عوسجة الأسدي بالمسجد فسمع الناس يقولون هذا يبايع للحسين وهو يصلّي فلمّا فرغ من صلاته قال له يا عبداللَّه إنّي امرؤ من أهل الشام أنعم اللَّه عليّ بحبّ أهل هذا البيت وهذه ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنّه قدم الكوفة يبايع لابن بنترسول اللَّه صلى الله عليه وآلهوقد سمعت نفراً يقولون أنّك تعلم أمر هذا البيت واني أتيتك لتقبض المال وتدخلني على صاحبك أبايعه وإن شئت أخذت بيعتي له قبل لقائي إيّاه فقال: لقد سرّني لقاؤك إيّاي(2)-إلى أن قال صاحب التاريخ - واختلف إليه أيّاماً ليدخله على مسلم، ثمّ نقل قصّة مرض هاني بن عروة وشريك بن الأعور وعيادة عبيداللَّه لهما والقصّة طويلة لا حاجة لنا في ذكرها - إلى أن قال: - وكان هاني قد انقطع عن عبيداللَّه بعذر المرض وساق الكلام إلى أن قال فدخل القوم على ابن زياد وهاني معهم فلمّا رآه ابن زياد قال لشريح القاضي اتتك بخائن رجلاه فلمّا دنى منه قال عبيداللَّه:
اريد حياته ويريد قتلي***عذيرك من خليلك من مراد
ص: 325
وكان ابن زياد مكرماً له فقال هانئ: وما ذاك؟ فقال: يا هانئ ما هذه الأمور التي تربص في دارك وطال بينهما النزاع فدعا ابن زياد مولاه ذاك العين فجاء حتّى وقف بين يديه وقال ما قال ثمّ قال له ابن زياد: واللَّه لا تفارقني أبداً حتّى تأتيني به قال: لا آتيك بضيفي تقتله أبداً واللَّه لو كنت واحداً ليس لي ناصر لم أدفعه حتّى أموت دونه.
فقال ابن زياد: واللَّه لتأتيني به أو لأضربنّ عنقك، قال: اذن واللَّه تكثر البارقة حول دارك وهو يرى أن عشيرته ستمنعه فقال أبالبارقة تخوّفني؟
فأخذ عبيداللَّه قضيبه ولم يزل يضرب أنفه وجبينه وخدّه حتّى كسر أنفه وسيل الدماء على ثيابه ونثر لحم خدّيه وجبينه على لحيته حتّى كسر القضيب ثمّ أمر به فألقي في بيت وأغلق عليه(1).
وبالجملة قتل عبيداللَّه هانياً ومسلماً ومن كان معهما وبعث برأس الهاني والمسلم إلى يزيد بن معاوية، ثمّ انّه لم يقنع بقتلهما ومن معهما من أصحابهما بل قتل الحسين عليه السلام وأصحابه وأنصاره عطشاناً وايّة بليّة ورزيّة كانت في الإسلام، والمسلمين أشدّ وأعظم من قتله وسلبه ونهبه عليه السلام بأيدي أهل الكوفة ثمّ ورود أهل بيته عليه السلام اسارى مع الرؤوس على القناة في مجلسه الكثيف وحيث انّ شهادته عليه السلام من أشهر القضايا في العالم الاسلامي وأعظم الدواهي الواقعة في الاسلام فلا نحتاج إلى شرحها لأنّ العلماء من الخاصّة والعامّة بل ومن غير المسلمين كتبوا فيها كتبا مفصّلة وحكموا بكفر ابن زياد وزندقته وكذلك من أمره بها ومن تابعه فيها فلولا في الاسلام بعد أميرالمؤمنين نازلة إلّا هذه لكفى في صدق قوله عليه السلام
ص: 326
وتعركين بالنوازل وقد روى انّ هذه الواقعة الهائلة انّما وقعت بسيوف أهل الكوفة لا غيرها لم يكن فيها بصري ولا شامّي ولا من غيرهما من البلاد فهذه هي النازلة الثانية الواقعة بها وهي أعظمها وأشدّها.
النازلة الثالثة: ولاية الحجّاج عليها
اعلم انّ الحجّاج بن يوسف الثقفي لعنه اللَّه كان من عمّال عبدالملك بن مروان ومشيّدي خلافته وسلطنته وهو في دولته كزياد بن أبيه في دولة معاوية وعبيداللَّه بن زياد في خلافة يزيد فهؤلاء الثلاثة لم يكن لهم نظير في الإسلام في اشاعة الظلم ووضع السيف على المخالفين لهؤلاء الخلفاء الكفرة الفسقة، امّا زياد وابنه عبيداللَّه فقد عرفتهما، وأمّا الحجّاج وهو شرّهم وأخبثهم وأسفكهم بل لا يبعد القول بكونه شرّ الناس أجمعين فمجمل القول فيه هو انّ عبدالملك بن مروان لما تقمّص بقميص الخلافة بعد أبيه وكان في الحجاز عبداللَّه بن الزبير بن العوّام مدّعيا للخلافة ومستولياً على الحجاز والعراق واليمن وسائر البلاد إلّا الشام وهو مقيم بمكّة المكرّمة لائذاً بالبيت عائذاً ملتجأ إليه وقد ولّى على البصرة أخاه مصعب بن الزبير واستولى على الكوفة في خلافته المختار بن أبي عبيدة الثقفي فأمر أخاه المصعب بالحرب معه فوقع القتال بين الفريقين وقتل مختار واستولى ابن الزبير على الكوفة أيضاً.
فلمّا وصلت النوبة إلى عبدالملك وأراد القتال مع ابن الزبير واستشار فيه أصحابه فخالفه بعضهم ووافقه بعض آخر ولمّا عزم على المسير إلى العراق، ودّع زوجته عاتكة بنت يزيد بن معاوية فبكت وبكى جواريها فقال:
ص: 327
إذا ما أراد الغزو لم يثن همّه***حصان عليها عقد درّ يزينها
نهته فلمّا لم تر النهي عاقه***بكت وبكى ممّا عناها فطينها
فسار عبدالملك إلى العراق فلمّا بلغ مصعباً مسيره وهو بالبصرة قصد الكوفة وجعل ابراهيم بن الأشتر على مقدّمته وسار حتّى نزل باخمرا وأمّا عبدالملك فجعل على مقدمته أخاه محمّد بن مروان وخالد بن عبداللَّه بن اسيد فنزلوا بقرقيسا.
فلمّا وقع الحرب بين الفريقين واقتتلوا قتالاً شديداً قتل مصعب بن الزبير وانهزم أصحابه لترك الناس مصعباً وخذلانهم إيّاه وغدرهم به كما هو شأن أهل الكوفة فقطع ابن ظبيان رأسه وحمله إلى عبدالملك فألقاه بين يديه وأنشد يقول:
نعاطي الملوك الحقّ ما قسطولنا***وليس علينا قتلهم بمحرّم
فلمّا رأى عبدالملك الرأس سجد قال ابن ظبيان لقد هممت أن أقتل عبدالملك وهو ساجد فأكون قد قتلت ملكي العرب وارحت الناس منهما وقال عبدالملك لقد هممت أن أقتل ابن ظبيان فأكون قد قتلت افتك الناس بأشجع الناس(1).
وبالجملة بعد ما استولى على العراق فأوّل من ولّاه على الكوفة قطن ابن عبداللَّه الحارثي، ثمّ عزله فاستعمل عليها أخاه بشر بن مروان(2)وفيه قال الشاعر:
قد استوى بشر على العراق***من غير سيف ودم مهراق(3)
فلمّا فرغ عبدالملك عن العراق رجع إلى الشام وأراد الحجاز وبعث إليه
ص: 328
الحجّاج بن يوسف الثقفي في ألفين وقيل في ثلاثة آلاف من أهل الشام لقتال ابن الزبير وكان السبب فيه انّ الحجّاج قال لعبدالملك قد رأيت في المنام انّي أخذت عبداللَّه بن الزبير فسلخته فابعثني إليه وولّني قتاله، فبعثه وكتب معه أماناً لابن الزبير ومن معه إن أطاعوا فسار في جمادي الأولى سنة اثنين وسبعين ولم يعرض للمدينة ونزل الطائف وكان يبعث الخيل إلى عرفة ويبعث ابن الزبير أيضاً فيقتتلون بعرفة فتنهزم خيل ابن الزبير في كلّ ذلك وتعود خيل الحجّاج بالظفر(1).
ثمّ كتب الحجّاج إلى عبدالملك يستأذنه في دخول الحرم وحصر ابن الزبير ويخبره بضعفه وتفرّق أصحابه ويستمدّه، فكتب عبدالملك إلى طارق يأمره باللحاق بالحجّاج، فقدم المدينة في ذي القعدة سنة اثنتين وسبعين، وأخرج عامل ابن الزبير عنها وجعل عليها رجلاً من أهل الشام اسمه ثعلبة، فكان ثعلبة يخرج المخّ وهو على منبر النبيّ صلى الله عليه وآله، ثمّ يأكله ويأكل عليه التمر ليغيظ أهل المدينة، وكان مع ذلك شديداً على أهل الزبير، وقدم طارق على الحجّاج بمكّة في سلخ ذي الحجّة في خمسة آلاف.
وأمّا الحجّاج فإنّه قدم مكّة في ذي القعدة وقد أحرم بحجّة، فنزل بئر ميمون، وحجّ بالناس تلك السنة الحجّاج، إلّا أنّه لم يطف بالكعبة ولا سعى بين الصفا والمروة، منعه ابن الزبير من ذلك، فكان يلبس السلاح ولا يقرب النساء ولا الطيب إلى أن قتل ابن الزبير، ولم يحجّ ابن الزبير ولا أصحابه لأنّهم لم يقفوا بعرفة ولم يرموا الجمار (بالحجار)، ونحر ابن الزبير بدنة بمكّة.
ولمّا حصر الحجّاج ابن الزبير نصب المنجنيق على أبي قبيس ورمى به الكعبة،
ص: 329
وكان عبدالملك ينكر ذلك أيّام يزيد بن معاوية، وذلك لأن يزيد بن معاوية بعث جيشاً إلى المدينة في وقعة الحرّة ففعلوا بها ما فعلوا ثمّ أمرهم بالسير إلى مكّة لقتال ابن الزبير وكان الأمير على الجيش مسلم بن عقبة لعنه اللَّه ثمّ انّه مات بقرب مكّة وأمّر على الجيش بعده حصين بن النمير السكوني فدخل مكّة ونصب المنجنيق وفعل ما فعل من سوء الأفعال وقبائح الأعمال إلّا انّه لم يظفر بابن الزبير لموت يزيد في الأثناء(1)ولمّا بلغ الخبر إلى عبدالملك وهو بالشام أنكره على يزيد وقال ما قال ثمّ لمّا وصلت النوبة إليه ووجّه الحجّاج إلى مكّة ورمى الحجّاج الكعبة لم ينكر عليه بل كان يشوّقه ويؤيّده وبالجملة منع الناس من أعمالهم وطوافهم حتّى قالوا: خذل في دينه.
وحجّ ابن عمر تلك السنة فأرسل إلى الحجّاج: أن اتّق اللَّه واكفف (عن) هذه الحجارة عن الناس فإنّك في شهر حرام وبلد حرام وقد قدمت وفود اللَّه من أقطار الأرض ليؤدّوا فريضة اللَّه ويزدادوا خيرا، وإنّ المنجنيق قد منعهم عن الطواف (طواف)، فاكفف، فلمّا فرغوا من طواف الزيارة نادى منادي الحجّاج: انصرفوا إلى بلادكم فإنّا نعود بالحجارة على ابن الزبير الملحد.
وأوّل ما رمي بالمنجنيق إلى الكعبة أرعدت السماء وأبرقت وعلا صوت الرعد على الحجارة فأعظم ذلك أهل الشام وأمسكوا أيديهم، فأخذ الحجّاج حجر المنجنيق بيده فوضعه فيه ورمى به معهم، فلمّا أصبحوا جاءت الصواعق فقتلت من أصحابه اثني عشر رجلا، فانكسر أهل الشام، فقال الحجّاج لهم: يا أهل الشام لا تنكروا هذا، فإنّي ابن تهامة وهذه صواعقها وهذا الفتح قد حضر فأبشروا فلمّا كان ا
ص: 330
لغد جاءت الصاعقة فأصابت من أصحاب ابن الزبير عدّة فقال الحجّاج: ألا ترون أنّهم يصابون وأنتم على الطاعة وهم على خلافها؟(1)
وبالجملة كان الوضع على هذا المنوال حتّى غلت الأسعار عند ابن الزبير وأصاب الناس مجاعة شديدة لكونهم محصورين حتّى ذبح ابن الزبير فرسه وقسّم لحمها في أصحابه وبيعت الدجاجة بعشرة دراهم والمدّ من الذرّة بعشرين درهماً وانّ بيوت ابن الزبير لمملوه قمحاً وشعيراً وذرّة وتمرا ولا ينفق منها إلّا ما يمسك الرمق ويقول انفس أصحابي قويّة ما لم يفن فتفرّق لاناس عنه وخرجوا إلى الحجّاج بالأمان خرج من عنده نحو عشرة آلاف وكان ممّن فارقه ابناه حمزة وحبيب أخذا لأنفسهما أماناً فقال عبداللَّه لإبنه الزبير خذ لنفسك أماناً كما فعل أخواك فواللَّه انّي لاحبّ بقائكم فقال: ما كنت لأرغب بنفسي عنك فصبر معه فقتل(2).
ثمّ انّ ابن الزبير بعد ما تفرّق منه أصحابه لم يزل كان يقاتلهم ويبارزهم حتّى قتل يوم الثلاثاء من جمادي الآخرة وله ثلاث وسبعون سنة وتولّى قتله رجل من مراد وحمل رأسه إلى الحجّاج فسجد ووفد السكوني والمرادي إلى عبدالملك بالخير فأعطى كلّ واحد منهما خمسمائة دينار ثمّ بعث الحجّاج برأسه ورأس عبداللَّه بن صفوان ورأس عمارة بن عمرو بن حزم إلى المدينة ثمّ ذهب بها إلى عبدالملك بن مروان وأخذ جثّته فصلبها على الثنيّة اليمنى بالحجون فاستأذنته أُمّه في تكفينه ودفنه فأبى ووكّل بالخشبة من يحرسها وكتب إلى عبدالملك يخبره بصلبه فكتب إليه يلومه ويقول: الا خلّيت بينه وبين أُمّه فأذن لها الحجّاج فدفنته في الحجون.
ص: 331
وقد نقل أرباب السير انّ ابن الزبير كان قبله بأيّام يستعمل الصبر والمسك لئلّا ينتن لعلمه بأنّه بعد القتل يصلب فلمّا صلبت ظهرت منه رائحة المسك فقيل انّ الحجّاج صلب معه كلباً ميّتاً فغلب على ريح المسك وقيل بل صلب معه سنورا وقيل غير ذلك وهذا منه ليس ببعيد(1)وكان ابن الزبير رجلاً شجاعاً قتل أبوه الزبير في وقعة الجمل وأُمّه أسماء ذات النطاقين بنت أبي بكر إلّا انّه كان شديد البغض لآل محمّد صلى الله عليه وآله وقد نقلوا عنه انه خطب الناس في ايام خلافته اربعين صباحا ولم يصل على محمد صلى الله عليه وآله في خطبته ولم يذكره فيها قيل له فيه قال: لئلّا تعجبوا بأنفسهم ولم يكن لأحد هذه السجيّة غيره وكانت مدّة خلافته تسع سنين(2).
إذا عرفت شطراً من فجائع الحجّاج وقبائح أعماله فلنرجع إلى ما نحن بصدده من كونه والياً على الكوفة من قبل عبدالملك وإنّما ذكرنا ما ذكرناه لتعلم من أين صار الحجّاج والياً على الكوفة ولِمَ ولّاه عبدالملك على العراقين كما سلكنا هذا المسلك في اخويه زياد بن أبيه وعبيداللَّه بن زياد وذلك لأنّ القارئ يحتاج إلى ما ذكرناه ونقلناه فنقول لمّا قتل ابن الزبير بالحجاز واستولى عبدالملك عليه أيضاً ولّى الحجّاج على المدينة كان الحجّاج والياً عليها من قبله وكان ظالماً سفّاكاً ولم يزل الحجّاج والياً على المدينة، حتّى دخلت سنة خمس وسبعين من الهجرة النبويّة صلى الله عليه وآله(3).
ثمّ انّ عبدالملك لعنه اللَّه ولّاه العراق في هذه السنة دون خراسان وسجستان،
ص: 332
فأرسل إليه عبدالملك بعهده على العراق وهو بالمدينة وأمره بالمسير إلى العراق، فسار في اثني عشر راكباً على النجائب حتّى دخل الكوفة حين انتشر النهار فجأة، وقد كان بشر بعث المهلّب إلى الخوارج، فبدأ الحجّاج بالمسجد فصعد المنبر وهو متلثّم بعمامة خزّ حمراء فقال: عليّ بالناس، فحسبوه وأصحابه خارجيّة، فهمّوا به وهو جالس على المنبر ينتظر اجتماعهم، فاجتمع الناس وهو ساكت قد أطال السكوت، فتناول محمّد بن عمير حصباء وأراد [أن] يحصبه بها (به) وقال: قاتله اللَّه ما أغباه وأذمّه! واللَّه إنّي لأحسب خبره كروائه.
فلمّا تكلّم الحجّاج جعلت الحصباء تنثر من يده وهو لا يعقل به قال: ثمّ كشف الحجّاج عن وجهه وقال:
أنا ابن جلا وطلّاع الثنايا***متى أضع العمامة تعرفوني
أما واللَّه إنّي لأحمل الشرّ محمله وأحذوه بنعله (آخذه بفعله) وأجزيه بمثله، وإنّي لأرى رؤساء قد أينعت وقد حان قطافها، إنّي لأنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى قد شمّرت عن ساقها تشميرا وقال:
هذا أوان الحرب فاشتدّي زيم***قد لفّها الليل بسوّاق حطم
ليس براعي إبل ولا غنم***ولا بجزّاز على ظهر (لحم) وضم
ثمّ قال:
قد لفّها الليل بعصلبيّ***أروع خرّاج من الدّويّ
مهاجر ليس بأعرابيّ***ليس أوان بكرة الخلاط
جاءت به والقلص الأعلاط***تهوي هويّ سابق الغطاط(1)
ص: 333
إنّي واللَّه يا أهل العراق ما أغمز كتغماز (ما أغمزه بتغماز) التين، ولا يقعقع لي بالشنان، ولقد فررت عن ذكائ، وجريت إلى الغاية القصوى.
ثمّ قرأ: «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ»(1).وأنتم اولئك وأشباه أولئك، إنّ أميرالمؤمنين عبدالملك نثر كنانته فعجم عيدانها فوجدني أمرّها عودا وأصلبها مكسرا فوجّهني إليكم ورمى بي في نحوركم، فإنّكم أهل بغي وخلاف وشقاق ونفاق، فإنّكم طالما أوضعتم في الشكّ وسننتم سنن الغيّ فاستوثقوا واستقيموا، فواللَّه لأذيقنّكم الهوان ولأمرينّكم به حتّى تدرّوا، ولألحونّكم لحو العود، ولأعصبنّكم عصب السلمة حتّى تذلّوا، ولأضربنّكم ضرب غرائب الابل حتّى تذروا العصيان وتنقادوا، ولأقرعنّكم قرع المروة حتّى تلينوا، إنّي واللَّه ما أعد إلّا وفيت، ولا أخلق إلّا فريت، فإيّاي وهذه الجماعات (الجمعات) فلا يركبنّ رجل إلّا وحده، أقسم باللَّه لتقبلنّ (لتقلبنّ) على الإنصاف، ولتدعنّ الإرجاف، وقيلا وقالا وما تقول وما يقول وأخبرني فلان، أو لأدعنّ لكلّ رجل منكم شغلا في جسده! فيم أنت وذاك؟ واللَّه لتستقيمنّ على الحقّ أو لأضربنّكم بالسيف ضربا يدع النساء أيامى، والولدان يتامى، حتّى تذروا السمهى (السهمي) وتقلعوا عن ها وها (هواها)، ألا إنّه ساغ لأهل المعصية معصيتهم ما جبي في ء (جي ء فيئي) ولاقوتل عدّو ولعطّلت الثغور، ولولا أنّهم يغزون كرها ما غزوا طوعا! وقد بلغني رفضكم المهلّب وإقبالكم على مصركم عاصين مخالفين، وإنّي أقسم باللَّه لا أجد أحداً من عسكره بعد ثلاثة إلّا ضربت عنقه وأنهبت داره!
ص: 334
ثمّ أمر بكتاب عبدالملك فقرئ على أهل الكوفة، فلمّا قال القارئ: أمّا بعد، سلام عليكم فإنّي أحمد اللَّه إليكم، قال له: اقطع، ثمّ قال: يا عبيد العصا يسلّم عليكم أميرالمؤمنين فلا يردّ رادّ منكم السلام! أما واللَّه لأؤدّبنّكم غير هذا الأدب! ثمّ قال للقارئ: اقرأ، فلمّا قرأ سلام عليكم قالوا بأجمعهم: سلام اللَّه على أميرالمؤمنين ورحمة وبركاته.
ثمّ دخل منزله لم يزد على ذلك، ثمّ دعا العرفاء وقال: ألحقوا الناس بالمهلّب وائتوني بالبرائات بموافاتهم ولا تغلقنّ أبواب الجسر ليلاً ولا نهاراً حتّى تنقضي هذه المدّة.
فلمّا كان اليوم الثالث سمع تكبيراً في السوق فخرج حتّى جلس على المنبر فقال: يا أهل العراق وأهل الشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق! إنّي سمعت تكبيراً ليس بالتكبير الذي يراد به وجه اللَّه ولكنّه التكبير الذي يراد به الترهيب، وقد عرفت أنّها عجاجة تحتها قصف، يا بني اللكيعة وعبيد العصا وأبناء الأيامى ألا يربع (يرجع) رجل منكم على ظلعه (ظلفه) ويحسن حقن دمه، ويعرف موضع قدمه! فأقسم باللَّه لأوشك أن أوقع بكم وقعة تكون نكالا لما قبلها وأدبا لما بعدها.
فقام عمير بن ضابئ الحنظليّ التميميّ فقال: أصلح اللَّه الأمير، أنا في هذا البعث وأنا شيخ كبير عليل وابني هذا أشب منّي.
فقال الحجّاج: هذا خير لنا من أبيه، ثمّ قال: ومن أنت؟ قال: أنا عمير بن ضابئ، قال: أسمعت كلامنا بالأمس؟ قال: نعم، قال: ألست الذي غزا عثمان بن عفّان؟ قال:بلى، قال: يا عدوّ اللَّه؟ أفلا إلى عثمان بعثت بدلا؟ وما حملك على ذلك؟ قال: إنّه حبس أبي وكان شيخاً كبيراً، قال: أولست القائل:
ص: 335
هممت ولم أفعل وكدت وليتني***تركت على عثمان تبكي حلائله
وقيل: إنّ عنبسة بن سعيد بن العاص قال للحجّاج: أتعرف هذا؟ قال: لا، قال: هذا أحد قتلة عثمان، فقال الحجّاج: أي عدوّ اللَّه! أفلا إلى أميرالمؤمنين بعثت بديلاً؟ ثمّ أمر به فضربت عنقه، وأمر منادياً فنادى: ألا إنّ عمير بن ضابئ أتى بعد ثلاثة وكان سمع النداء فأمرنا بقتله، ألا إنّ ذمّة اللَّه بريئة ممّن لم يأت الليلة من (إلى) جند الهلب.
فخرج الناس فازدحموا على الجسر، وخرج العرفاء إلى المهلّب، وهو برامهرمز، فأخذوا كتبه بالموافاة، فقال المهلّب: قدم العراق اليوم رجل ذكر، اليوم قوتل العدوّ.
فلمّا قتل الحجّاج عميراً لقي إبراهيم بن عامر الأسديّ عبداللَّه بن الزبير فسأله عن الخبر فقال:
أقول لإبراهيم لمّا لقيته***أرى الأمر أضحى منصبا متشعّبا
تجهّز وأسرع فالحق الجيش لا أرى***سوى الجيش إلّا في المهالك مذهّبا
تخيّر فإمّا أن تزور ابن ضابئ***عميرا وإمّا أن تزور المهلّبا
هما خطّتا خسف نجاؤك منهما***وركوبك حوليّاً من الثلج أشهبا
فحال ولو كانت خراسان دونه***رآها مكان السوق أو هي أقربا
فكائن ترى من مكره الغزو مسمرا***تحمّم حنو السرج حتّى تحنّبا(1)
ص: 336
قال الشعبي: كان الرجل إذا أخلّ بوجهه الذي يكتب إليه زمن عمر وعثمان وعليّ، نزعت عمامته ويقام للناس ويشهر أمره فلمّا ولّى مصعب قال: ما هذا بشي ء وأضاف إليه حلق الرؤوس واللحى، فلمّا ولّى بشر بن مروان زاد فيه فصار يرفع الرجل عن الأرض ويسمر في يديه مسماران في حائط فربّما مات وربّما خرق المسمار كفّه فسلم فقال الشاعر فيه:
لو لا مخافة بشر أو عقوبته***وان ينوط في كفّي مسمار
إذا لعطّلت ثغرى ثمّ زرتكم***انّ المحبّ لمن يهواه زوّار
فلمّا ولى الحجّاج قال هذا لعب اضرب عنق من بخل مكانه في الثغر(1).
ثمّ انّ الحجّاج كان من أخبث الناس وأرذلهم وأسفكهم وقد ذكروا انّه احصى من قتله الحجّاج صبراً فكانوا مائة ألف وعشرين ألفاً وقد روى انّه مرّ بخالد بن يزيد بن معاوية وهو يخطر في مشيته فقال رجل لخالد من هذا؟ قال خالد: بخّ بخُ هذا عمرو بن العاص فسمعها الحجّاج ورجع وقال واللَّه ما يسرّني انّ العاص ولدني ولكنّي ابن الأشياخ من ثقيف والعقائل من قريش وأنا الذي ضربت بسيفي هذا مائة ألف كلّهم يشهد انّ أباك كان يشرب الخمر ويضمر الكفر ثمّ ولّى وهو يقول بخّ بخّ عمرو بن العاص فهو قد اعترف في بعض أيّامه بمائة ألف قتيل على ذنب واحد(2).
ولاسيّما في الكوفة فانّه قتل كثيراً من أهلها من غير جرم وذنب وقد روى انّه قد احصى من حبسه في السجن فكانوا تسعين ألفاً ولم يثبت لهم ذنب أصلاً
ص: 337
وهوالذي قال لأهل السجن حين رأى انّهم يضجّون: «اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ»(1).(2)وحكاياته مشهورة.
قال الشافعيّ: بلغني أنّ عبدالملك بن مروان قال للحجّاج: ما من أحد إلّا وهو عارف بعيوب نفسه، فعب نفسك ولا تخبأ منها شيئاً. قال: يا أميرالمؤمنين أنا لجوج حقود، فقال له عبدالملك: إذا بينك وبين إبليس نسب، فقال: إنّ الشيطان إذا رآني سالمني.
قال الحسن: سمعت عليّاً على المنبر يقول: اللهمّ ائتمنتهم فخافوني، ونصحتهم فغشّوني، اللهمّ فسلّط عليهم غلام ثقيف يحكم في دمائهم وأموالهم بحكم الجاهليّة! فوصفه وهو يقول: الزيال، مفجر الأنهار، يأكل خضرتها ويلبس فروتها.
قال الحسن: هذه واللَّه صفة الحجّاج.
(الحسن هذه هو الحسن البصري المشهور).
قال حبيب بن أبي ثابت: قال عليّ لرجل: لا تموت حتّى تدرك فتى ثقيف قيل له: يا أميرالمؤمنين ما فتى ثقيف؟ قال: ليقالنّ له يوم القيامة اكفنا زاوية من زوايا جهنّم، رجل يملك عشرين أو بضعا وعشرين سنة لا يدع للَّه معصية إلّا ارتكبها حتّى لو لم تبق إلّا معصية واحدة وبينه وبينها باب مغلق لكسره حتّى يرتكبها، يقتل بمن أطاعه من عصاه(3).
وقد روينا ما روينا عن الكامل، صدّق ولي اللَّه سلام اللَّه عليه.
ص: 338
عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى اخْتَارَ مِنَ الْبُلْدَانِ أَرْبَعَةً فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ فَالتِّينُ الْمَدِينَةُ وَالزَّيْتُونُ بَيْتُ الْمَقْدِسِ وَطُورُ سِينِينَ الْكُوفَةُ وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ مَكَّة(1).
قال المجلسي قدس سره: لعلّه إنّما كنى عن المدينة بالتين لوفوره وجودته فيها أو لكونها من أشارف البلاد كما أن التين من أفاضل الثمار كما سيأتي وكنى عن الكوفة بطور سينين لأن ظهرها وهو النجف كان محل مناجاة سيد الأوصياء كما أن الطور كان محل مناجاة الكليم أو لأن الجبل الذي سأل عليه موسى الرؤية فتقطع وقع جزء منه هناك كما ورد في بعض الأخبار أو أنه لما أراد ابن نوح أن يعتصم بهذا الجبل تقطع فصار بعضها في طور سيناء أو أنه هو طور سيناء حقيقة وغلط فيه المفسرون واللغويون(2)، كَمَا رَوَى الشَّيْخُ فِي التَّهْذِيبِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: كَانَ فِي وَصِيَّةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَنْ أَخْرِجُونِي إِلَى الظَّهْرِ فَإِذَا تَصَوَّبَتْ أَقْدَامُكُمْ وَاسْتَقْبَلَتْكُمْ رِيحٌ فَادْفِنُونِي وَهُوَ أَوَّلُ طُورِ سَيْنَاءَ فَفَعَلُوا ذَلِكَ(3).
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ وَجَلَسْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَسَأَلْنَا مَنْ أَنْتُمْ؟ قُلْنَا: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ
ص: 339
أَكْثَرُ مُحِبّاً لَنَا مِنَ أهل الْكُوفَةِ ثُمَّ هَذِهِ الْعِصَابَةُ خَاصَّةً إِنَّ اللَّهَ هَدَاكُمْ لأَمْرٍ جَهِلَهُ النَّاسُ أَحْبَبْتُمُونَا وَأَبْغَضَنَا النَّاسُ وَصَدَّقْتُمُونَا وَكَذَّبَنَا النَّاسُ وَاتَّبَعْتُمُونَا وَخَالَفَنَا النَّاسُ فَجَعَلَ اللَّهُ مَحْيَاكُمْ مَحْيَانَا وَمَمَاتَكُمْ مَمَاتَنَا(1).
قال ابن أبي الحديد: قال جعفر بن محمّد عليه السلام: الكوفة تربة تحبّنا ونحبّها اللهمّ ارم من رماها، وعاد من عاداها(2).
قال: وقال المنصور لجعفر بن محمد عليه السلام: لقد هممت أن أبعث إلى الكوفة من ينقض منازلها ويجمر نخلها، ويستصفي أموالها، ويقتل أهل الريبة منها، فأشر عليّ فقال: إن المرء ليقتدي بسلفه، ولك أسلاف ثلاثة: سليمان أعطي فشكر، وأيوب ابتلي فصبر، ويوسف قدر فغفر، فاقتد بأيهم شئت، فصمت قليلا ثمّ قال: قد غفرت.
قال: وفي (منتظم ابن الجوزي): لمّا حصب أهل الكوفة زياداً وهو يخطب، قطع أيدي ثمانين منهم وهمّ أن يخرّب دورهم فجمعهم حتّى ملأ بهم المسجد والرحبة ليعرضهم على البراءة من عليّ عليه السلام وعلم أنّهم سيمتنعون فيحتجّ بذلك على استيصالهم، وإخراب بلدهم.
قال عبد الرحمن بن السائب الأنصاري: فإنّي لمع نفر من قومي والناس يومئذ في أمر عظيم إذ هومت تهويمه فرأيت شيئا أقبل طويل العنق مثل عنق البعير أهدر أهدل فقلت: ما أنت قال: أنا النقاد ذو الرقبة بعثت إلى صاحب هذا القصر، فاستيقظت فزعا، فقلت لأصحابي: هل رأيتم ما رأيت؟ قالوا: لا فأخبرتهم. وخرج علينا خارج من القصر، فقال: انصرفوا فإن الأمير يقول لكم: إنّي عنكم اليوم
ص: 340
مشغول، وإذا بالطاعون قد ضربه فكان يقول: إني لأجد في جسدي حر النار حتّى مات، فقال عبد الرحمن بن السائب:
ما كان منتهيا عما أراد بنا***حتّى تناوله النقاد ذو الرقبة
فاثبت الشق منه ضربة عظمت***كما تناول ظلما صاحب الرحبة
قال: يعني بصاحب الرحبة أميرالمؤمنين عليه السلام لأنّه كان يجلس معظم زمانه في رحبة المسجد يحكم بين الناس(1).
قال أبوالحسن الكيدري في شرحه: فمن الجبابرة الذين ابتلاهم اللَّه بشاغل فيها زياد وقد جمع الناس في المسجد ليلعن عليّاً صلوات اللَّه عليه فخرج الحاجب وقال: انصرفوا فإنّ الأمير مشغول عنكم وقد أصابه الفالج في هذه الساعة وابنه عبيد اللَّه بن زياد وقد أصابه الجذام والحجاج بن يوسف وقد تولّدت الحيّات في بطنه حتّى مات وعمر بن هبيرة وابنه يوسف وقد أصابهما البرص وخالد القسري وقد حبس فطولب حتّى مات جوعا.
وأمّا الذين رماهم اللَّه بقاتل فعبيداللَّه بن زياد ومصعب بن الزبير وأبو السرايا وغيرهم قتلوا جميعا ويزيد بن المهلب قتل على أسوء حال هذا(2).
وروى أنّ زياداً كان أحضر قوماً بلغه أنّهم شيعة لعليّ عليه السلام ليدعوهم إلى سبّه والبراءة منه، أو يضرب أعناقهم - وكانوا سبعين رجلاً - فصعد المنبر، وجعل يتكلّم بالوعيد والتهديد فنام بعض القوم - وهو جالس - فقال له بعض أصحابه: تنام وقد أحضرت لتقتل فقال: من عمود إلى عمود فرقان لقد رأيت في نومتي هذه عجبا،
ص: 341
رأيت رجلاً أسود يضرب رأسه السقف دخل المسجد، فقلت: من أنت يا هذا؟ فقال: النقّاد ذو الرقبة (داق الرقبة) قلت: وأين تريد؟ قال: أدقّ عنق هذا الجبّار الذي يتكلّم على هذه الأعواد.
فبينا زياد يتكلّم على المنبر، إذ قبض على إصبعه ثمّ صاح: يدي وسقط عن المنبر مغشياً عليه فادخل القصر، وقد طعن في خنصره اليمنى، فأحضر الطبيب، وقال له: اقطع يدي، قال: أخبرني عن الوجع الذي تجده في يدك أو في قلبك؟ قال: في قلبي، قال: فعش سويا.
فلمّانزل به الموت كتب إلى معاوية إنّي كتبت وأنا في آخر يوم من الدنيا وأوّل يوم من الآخرة(1).
وقال أبو مخنف: لمّا قتل يوسف بن عمر، زيدَ بن علي أقبل حتّى دخل الكوفة، فصعد المنبر فقال: يا أهل المدرة الخبيثة إنّي واللَّه ما تقرن بي الصعبة، ولا يقعقع لي بالشنان، ولا اخوّف بالذئب، هيهات حبيت بالساعد الأشد أبشروا يا أهل الكوفة بالصغار والهوان، لا عطاء لكم عندنا ولا رزق، ولقد هممت أن أخرب بلادكم ودوركم وأحرمكم أموالكم أما واللَّه ما علوت منبري إلّا أسمعتكم ما تكرهون عليه فانّكم أهل بغي وخلاف، ما منكم إلّا من حارب اللَّه ورسوله إلّا حكيم بن شريك المحاربي، ولقد سألت الخليفة أن يأذن لي فيكم ولو أذن لقتلت مقاتلتكم وسبيت ذراريكم(2).
عن ابن عيّاش: أنّ أهل الكوفة لا تزال الجماعة منهم قد طعنوا على عاملهم
ص: 342
وتظلموا على أميرهم وتكلّموا كلاماً فيه طعن على سلطانهم فرفع ذلك إلى المنصور فقال للربيع: اخرج إلى من بالباب من أهل الكوفة فقل لهم إنّ الخليفة يقول لكم: لئن اجتمع اثنان منكم في موضع لأحلقنّ رؤوسهما ولحاهما، ولأضربنّ ظهورهما فالزموا منازلكم وأبقوا على أنفسكم فخرج إليهم الربيع بهذه الرسالة فقال له ابن عيّاش: يا شبه عيسى بن مريم - وكان الربيع لم يعرف له أب - أبلغ الخليفة عنّا كما أبلغتنا عنه فقل له: واللَّه ما لنا بالضرب طاقة فأمّا حلق اللحى فاذا شئت - وكان ابن عيّاش منتوفا - فأبلغه فضحك وقال: قاتله اللَّه ما أدهاه وأخبثه(1).
ص: 343
بسم الرحمن الرحیم
الْحَمْدُ للَّهِ ِ كُلَّمَا وَقَبَ لَيْلٌ وَغَسَقَ وَالْحَمْدُ للَّهِ ِ كُلَّمَا لاحَ نَجْمٌ وَخَفَقَ وَالْحَمْدُ للَّهِ ِ غَيْرَ مَفْقُودِ الإِنْعَامِ وَلا مُكَافَإِ الإِفْضَالِ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَعَثْتُ مُقَدِّمَتِي وَأَمَرْتُهُمْ بِلُزُومِ هَذَا الْمِلْطَاطِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرِي وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَقْطَعَ هَذِهِ النُّطْفَةَ إِلَى شِرْذِمَةٍ مِنْكُمْ مُوَطِّنِينَ أَكْنَافَ دِجْلَةَ فَأُنْهِضَهُمْ مَعَكُمْ إِلَى عَدُوِّكُمْ وَأَجْعَلَهُمْ مِنْ أَمْدَادِ الْقُوَّةِ لَكُمْ
قال السيد الشريف: أقول: يعني عليه السلام بالملطاط السمت الذي أمرهم بلزومه وهو شاطئ الفرات، ويقال: ذلك الشاطئ البحر، وأصله ما استوى من الأرض ويعني بالنطفة ماء الفرات، وهو من غريب العبارات وأعجبها.
قال تعالى: «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»(1).
ص: 344
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: الشكر للنعم اجتناب المحارم، وتمام الشكر قول العبد الحمد للَّه ربّ العالمين(1).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: لا إله إلّا اللَّه نصف الميزان والحمد للَّه تملأه(2).
عن السكوني عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: من ظهرت عليه النعمة فليكثر ذكر الحمد للَّه(3).
قال تعالى: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ»(4).
وقال تعالى: «وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»(5).
تنبيه: اعلم انّ فيما ذكره عليه السلام نكات ودقائق: احداها: في اختياره الليل والنجم على سائر الأشياء وذلك لكثرة استعمالها في القرآن الكريم كقوله تعالى: «وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ»(6).
وقال تعالى: «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا»(7).
ص: 345
وقال تعالى: «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى»(1).
وقال تعالى: «وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى»(2).
وقال تعالى: «وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ»(3).
وأمثال ذلك من الآيات التي تقرّب مائة آية.
وقال تعالى: «وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى»(4).
وقال تعالى: «وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»(5).
وقال تعالى: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا»(6)الآية.
وقوله: «فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ»(7).
قوله: «وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ»(8)وأمثالهما من الآيات.
وثانيها: انّ فيهما خصوصيّة ليست في غيرهما.
امّا الليل فلكونه ظرفاً للأذكار والأوراد والتهجّد وكأنّه معدّ لها قال اللَّه تعالى: «وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ النُّجُومِ»(9).
ص: 346
وقال تعالى: «وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا»(1).
وقال تعالى: «وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا»(2).
وقال تعالى: «أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ»(3).
وأمّا النجم فلكونه سبباً للاهتداء والارشاد.
كقوله تعالى: «وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»(4).
وقوله: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ»(5).
وثالثها: انّ الليل له فضل على النهار.
كقوله تعالى: «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ»(6)
وقوله تعالى: «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ»(7).
وقوله تعالى: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ»(8).
وقوله تعالى: «وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»(9).
ص: 347
وقوله تعالى: «وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»(1).
وقوله تعالى: «قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً»(2).
وقوله تعالى: «وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ»(3).
وأمثالها من الآيات التي دلّت على فضيلة الليل.
في مناجات عليّ بن الحسين عليهما السلام: الهي... فَكَيْفَ لِي بِتَحْصِيلِ الشُّكْرِ وَشُكْرِي إِيَّاكَ يَفْتَقِرُ إِلَى شُكْرٍ فَكُلَّمَا قُلْتُ لَكَ الْحَمْدُ وَجَبَ عَلَيَّ لِذَلِكَ أَنْ أَقُولَ لَكَ الْحَمْد(4).
عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: فِيمَا أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى مُوسَى عليه السلام: يَا مُوسَى اشْكُرْنِي حَقَّ شُكْرِي فَقَالَ يَا رَبِّ وَكَيْفَ أَشْكُرُكَ حَقَّ شُكْرِكَ وَلَيْسَ مِنْ شُكْرٍ أَشْكُرُكَ بِهِ إِلّا وَأَنْتَ أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيَّ قَالَ يَا مُوسَى الآْنَ شَكَرْتَنِي حِينَ عَلِمْتَ أَنَّ ذَلِكَ مِنِّي(5).
بعثهم عليه السلام من النخيلة، وهم زياد بن النضر في ستّة آلاف وشريح بن هاني في
ص: 348
ستّة آلاف وقال لهما: اعلما أنّ مقدّمة القوم عيونهم، وعيون المقدّمة طلائعهم، فإيّاكما أن تسأما عن توجيه الطلائع، ولا تسيروا بالكتائب والقبائل من لدن مسيركما إلى نزولكما إلّا بتعبية وحذر(1).
أي شاطئ الفرات.
قد كان زياد بن النضر وشريح بن هاني - وكان عليّ عليه السلام سرحهما مقدّمة له - أخذا على شاطئ الفرات من قبل البر ممّا يلي الكوفة حتّى بلغا عانات، فبلغهما أخذ عليّ عليه السلام طريق الجزيرة، وعلى أنّ معاوية قد أقبل في جنود الشام من دمشق لاستقباله، فقالا: واللَّه ما هذا برأي أن نسير وبيننا وبين أميرالمؤمنين عليه السلام هذا البحر، وما لنا خير في أن نلقى جموع الشام في قلّة من العدد منقطعين عن المدد فذهبوا ليعبروا من عانات، فمنعهم أهلها وحبسوا عنهم السفن، فأقبلوا راجعين حتّى عبروا من هيت، ولحقوا عليّاً عليه السلام بقرية دون قرقيا، فلمّا لحقوا عليّاً عليه السلام عجب وقال: مقدّمتي تأتي من ورائي فقال له زياد وشريح ما جرى فقال: قد أصبتما رشدكما فلمّا عبروا الفرات قدّمهما أمامه نحو معاوية فلقيهما أبو الأعور السلمي في جنود من الشام وهو على مقدّمة معاوية، فدعواه إليه عليه السلام، فأبى فكتبا إليه بذلك(2).
ص: 349
روى نصر بن مزاحم عن عبدالرحمن بن عبيد بن أبي الكنود، قال: لمّا أراد عليّ عليه السلام الشخوص من النخيلة قام في الناس لخمس مضين من شوال يوم الأربعاء فقال: الحمد للَّه غير مفقود النعم (معقود النعم) ولا مكافأ الافضال، وأشهد ألا إله إلّااللَّه، ونحن على ذلكم من الشاهدين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم أما بعد ذلكم فإنّي قد بعثت مقدماتي وأمرتهم بلزوم هذا الملطاط، حتّى يأتيهم أمري، فقد أردت أقطع هذه النطفة إلى شرذمة منكم موطنين بأكناف دجلة، فأنهضهم معكم إلى أعداء اللَّه إن شاء اللَّه وقد أمرت على المصر عقبة بن عمرو الأنصاري ولم آلكم ولا نفسي فإياكم والتخلف والتربص فإني قد خلفت مالك بن حبيب اليربوعي وأمرته ألا يترك متخلفا إلّا ألحقه بكم عاجلا إن شاء اللَّه.
فقام إليه معقل بن قيس الرياحي فقال: يا أميرالمؤمنين واللَّه لا يتخلف عنك إلّا ظنين ولا يتربص بك إلّا منافق فأمر مالك بن حبيب أن يضرب أعناق المتخلفين قال علي قد أمرته بأمري وليس مقصرا في أمري إن شاء اللَّه(1).
وكيف كان فقال مالك بن حبيب وهو على شرطة علي وهو آخذ بعنان دابته عليه السلام: يا أميرالمؤمنين أتخرج بالمسلمين فيصيبوا أجر الجهاد والقتال وتخلفني في حشر الرجال فقال له علي إنهم لن يصيبوا من الأجر شيئا إلّا كنت شريكهم فيه وأنت هاهنا أعظم غناء منك عنهم لو كنت معهم فقال سمعا وطاعة يا أمير المؤمنين(2).
ص: 350
عَنِ الْحَسَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيّاً عليه السلام أَتَى كَرْبَلاءَ فَوَقَفَ بِهَا فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ هَذِهِ كَرْبَلاءُ فَقَالَ: ذَاتُ كَرْبٍ وَبَلاءٍ ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى مَكَانٍ فَقَالَ: هَاهُنَا مَوْضِعُ رِحَالِهِمْ وَمُنَاخُ رِكَابِهِمْ ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى مَوضع آخَرَ فَقَالَ: هَاهُنَا مهرَاقُ دِمَائِهِم(1).
ثمّ الظاهر أنّ المراد (بشرذمة منهم موطنين أكناف دجلة): أهل المدائن، فروى نصر بن مزاحم: فسار عليه السلام حتّى انتهى إلى مدينة بهرسير، وإذا رجل من أصحابه يقال له جرير بن سهم بن طريف من بني ربيعة ينظر إلى آثر كسرى ويتمثّل بقول الأسود بن يعفر:
جرت الرياح على مكان ديارهم***فكأنما كانوا على ميعاد
فقال عليّ عليه السلام له: ألا قلت: «كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ»(2).
إنّ هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا مورثين، ولم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم بالمعصية، إيّاكم وكفر النعم لا تحلّ بكم النقم ثمّ قال: انزلوا بهذه النجوة(3).
قال نصر: فأمر الحرث الأعور فصاح في أهل المدائن كان من المقاتلة فليواف
ص: 351
أميرالمؤمنين صلاة العصر فوافوه في تلك الساعة فحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال:
فانّي قد تعجّبت من تخلّفهم عن دعوتكم، وانقطاعكم من أهل مصركم في هذه المساكن الظالم أهلها الهالك أكثر ساكنها، لا معروف تأمرون به، ولا منكر تنهون عنه قالوا: يا أميرالمؤمنين إنّا كنّا ننتظر أمرك مرنا بما أحببت، فسار وخلف عليهم عدي بن حاتم فأقام عليهم ثلاثاً، ثمّ خرج في ثمانمائة رجل منهم وخلف ابنه زيداً بعده فلحقه في أربعمائة رجل منهم(1)وهؤلاء هم الذين جعلهم من أمداد القوّة لجيشه، هذا.
ومِن عجائب ما روي عنه عليه السلام، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ قَالَ: قَدِمَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام الْمَدَائِنَ فَنَزَلَ بِإِيوَانِ كِسْرَى وَكَانَ مَعَهُ دُلَفُ بْنُ مُجِيرٍ فَلَمَّا صَلَّى قَامَ وَقَالَ لِدُلَفَ: قُمْ مَعِي وَكَانَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ سَابَاطَ فَمَا زَالَ يَطُوفُ مَنَازِلَ كِسْرَى وَيَقُولُ لِدُلَفَ كَانَ لِكِسْرَى فِي هَذَا الْمَكَانِ كَذَا وَكَذَا وَيَقُولُ دُلَفُ هُوَ وَاللَّهِ كَذَلِكَ فَمَا زَالَ كَذَلِكَ حَتَّى طَافَ الْمَوَاضِعَ وأخبر عن جميع ما كان فيها (بِجَمِيعِ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ) وَدُلَفُ يَقُولُ يَا سَيِّدِي وَمَوْلايَ كَأَنَّكَ وَضَعْتَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فِي هَذِهِ الْمَسَاكِنَ ثُمَّ نَظَرَ عليه السلام إِلَى جُمْجُمَةٍ نَخِرَةٍ فَقَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ خُذْ هَذِهِ الْجُمْجُمَةَ ثُمَّ جَاءَ عليه السلام إِلَى الْإِيوَانِ وَجَلَسَ فِيهِ وَدَعَا بِطَشْتٍ فِيهِ مَاءٌ فَقَالَ لِلرَّجُلِ دَعْ هَذِهِ الْجُمْجُمَةَ فِي الطَّشْتِ ثُمَّ قَالَ أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ يَا جُمْجُمَةُ لَتُخْبِرِينِي مَنْ أَنَا وَمَنْ أَنْتِ فَقَالَتِ الْجُمْجُمَةُ بِلِسَانٍ فَصِيحٍ أمَّا أَنْتَ فَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَسَيِّدُ الْوَصِيِّينَ وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ وَأَمَّا أَنَا فَعَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ أَمَةِ اللَّهِ كِسْرَى أَنُوشِيرَوَانُ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام كَيْفَ حَالُكِ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي كُنْتُ مَلِكاً عَادِلاً شَفِيقاً عَلَى الرَّعَايَا رَحِيماً لا أَرْضَى بِظُلْمٍ وَلَكِنْ كُنْتُ عَلَى دِينِ
ص: 352
الْمَجُوسِ وَقَدْ وُلِدَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله فِي زَمَانِ مُلْكِي فَسَقَطَ مِنْ شُرُفَاتِ قَصْرِي ثَلاثٌ وَعِشْرُونَ شُرْفَةً لَيْلَةَ وُلِدَ فَهَمَمْتُ أَنْ أُومِنَ بِهِ مِنْ كَثْرَةِ مَا سَمِعْتُ مِنَ الزِّيَادَةِ مِنْ أَنْوَاعِ شَرَفِهِ وَفَضْلِهِ وَمَرْتَبَتِهِ وَعِزِّهِ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمِنْ شَرَفِ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَكِنِّي تَغَافَلْتُ عَنْ ذَلِكَ وَتَشَاغَلْتُ عَنْهُ فِي الْمُلْكِ فَيَا لَهَا مِنْ نِعْمَةٍ وَمَنْزِلَةٍ ذَهَبَتْ مِنِّي حَيْثُ لَمْ أُومِنْ به فَأَنَا مَحْرُومٌ مِنَ الْجَنَّةِ بِعَدَمِ إِيمَانِي بِهِ وَلَكِنِّي مَعَ هَذَا الْكُفْرِ خَلَّصَنِيَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ عَذَابِ النَّارِ بِبَرَكَةِ عَدْي وَإِنْصَافِي بَيْنَ الرَّعِيَّةِ وَأَنَا فِي النَّارِ وَالنَّارُ مُحَرَّمَةٌ عَلَيَّ فَوَا حَسْرَتَى لَوْ آمَنْتُ به لَكُنْتُ مَعَكَ يَا سَيِّدَ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وَيَا أَمِيرَ (أميرالمؤمنين) أُمَّتِهِ قَالَ فَبَكَى النَّاسُ وَانْصَرَفَ الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ أَهْلِ سَابَاطَ إِلَى أَهْلِهِمْ وَأَخْبَرُوهُمْ بِمَا كَانَ وَبِمَا جَرَى من الجمجمة فَاضْطَرَبُوا وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ الْمُخْلِصُونَ مِنْهُمْ: إِنَّ أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام عَبْدُ اللَّهِ وَوَلِيُّهُ وَوَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ هُوَ النَّبِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ هُوَ الرَّبُّ وَهُوَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ سَبَأٍ وَأَصْحَابُهُ وَقَالُوا لَوْ لا أَنَّهُ الرَّبُّ كَيْفَ يُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ فَسَمِعَ بِذَلِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَضَاقَ صَدْرُهُ وَأَحْضَرَهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ غَلَبَ عَلَيْكُمُ الشَّيْطَانُ إِنْ أَنَا إِلّا عَبْدُاللَّهِ أَنْعَمَ عَلَيَّ بِإِمَامَتِهِ وَوَلايَتِهِ وَوَصِيَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وآله فَارْجِعُوا عَنِ الْكُفْرِ فَأَنَا عَبْدُاللَّهِ وَابْنُ عَبْدِهِ وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله خَيْرٌ مِنِّي وَهُوَ أَيْضاً عَبْدُ اللَّهِ وَإِنْ نَحْنُ إِلّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ فَخَرَجَ بَعْضُهُمْ مِنَ الْكُفْرِ وَبَقِيَ قَوْمٌ عَلَى الْكُفْرِ مَا رَجَعُوا فَأَلَحَّ عَلَيْهِمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِالرَّجُوعِ فَمَا رَجَعُوا فَأَحْرَقَهُمْ بِالنَّارِ وَتَفَقمِنْهُمْ قَوْمٌ فِي الْبِلادِ وَقَالُوا لَوْ لا أَنَّ فِيهِ الرُّبُوبِيَّةَ مَا كَانَ أَحْرَقَنَا فِي النَّارِ فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخِذْلانِ(1).
وجاء عليّ عليه السلام حتّى مرّ بالأنبار فاستقبله بنو خشنوشك دهاقنتها. فلما استقبلوه
ص: 353
نزلوا ثمّ جاءوا يشتدون معه قال: ما هذه الدواب التي معكم؟ وما أردتم بهذا الذي صنعتم؟ قالوا: أما هذا الذي صنعنا فهو خلق منا نعظم به الأمراء وأما هذه البراذين فهدية لك وقد صنعنا لك وللمسلمين طعاما وهيأنا لدوابكم علفا كثيرا قال: أما هذا الذي زعمتم أنه منكم خلق تعظمون به الأمراء فو اللَّه ما ينفع هذا الأمراء وإنكم لتشقون به على أنفسكم وأبدانكم فلا تعودوا له وأما دوابكم هذه فإن أحببتم أن نأخذها منكم فنحسبها من خراجكم أخذناها منكم وأما طعامكم الذي صنعتم لنا فإنا نكره أن نأكل من أموالكم شيئا إلّا بثمن قالوا يا أمير المؤمنين نحن نقومه ثمّ نقبل ثمنه قال إذا لا تقومونه قيمته نحن نكتفي بما دونه قالوا يا أمير المؤمنين فإن لنا من العرب موالي ومعارف فتمنعنا أن نهدي لهم وتمنعهم أن يقبلوا منا قال كل العرب لكم موال وليس ينبغي لأحد من المسلمين أن يقبل هديتكم وإن غصبكم أحد فأعلمونا قالوا يا أمير المؤمنين إنا نحب أن تقبل هديتنا وكرامتنا قال لهم ويحكم نحن أغنى منكم فتركهم ثمّ سار(1).
قال أبو سعيد التيمي المعروف بعقيصا: كنا مع علي في مسيره إلى الشام حتّى إذا كنا بظهر الكوفة من جانب هذا السواد قال عطش الناس واحتاجوا إلى الماء فانطلق بنا علي حتّى أتى بنا على صخرة ضرس من الأرض كأنها ربضة عنز فأمرنا فاقتلعناها فخرج لنا ماء فشرب الناس منه وارتووا قال ثمّ أمرنا فأكفأناها عليه قال وسار الناس حتّى إذا مضينا قليلا قال علي عليه السلام منكم أحد يعلم مكان هذا الماء الذي شربتم منه؟ قالوا نعم يا أمير المؤمنين قال فانطلقوا إليه قال فانطلق منا
ص: 354
رجال ركبانا ومشاة فاقتصصنا الطريق إليه حتّى انتهينا إلى المكان الذي نرى أنه فيه قال فطلبناها فلم نقدر على شي ء حتّى إذا عيل علينا انطلقنا إلى دير قريب منا فسألناهم أين الماء الذي هو عندكم؟ قالوا ما قربنا ماء قالوا بلى إنا شربنا منه قالوا أنتم شربتم منه؟ قلنا نعم قال صاحب الدير ما بني هذا الدير إلّا بذلك الماء وما استخرجه إلّا نبي أو وصي نبي(1).
وفي البحار عن البرقي روى عن شيوخه عمّن خبرهم قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام نُرِيدُ صِفِّينَ فَمَرَرْنَا بِكَرْبَلاءَ فَقَالَ عليه السلام: أَتَدْرُونَ أَيْنَ هَاهُنَا؟ وَاللَّهِ مَصَارِعُ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابُهُ ثُمَّ سِرْنَا يَسِيراً فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَاهِبٍ فِي صَوْمَعَةٍ وَقَدْ تَقَطَّعَ النَّاسُ مِنَ الْعَطَشِ فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَذَلِكَ أَنَّهُ أَخَذَ طَرِيقَ الْبَرِّ وَتَرَكَ الْفُرَاتَ عِيَاناً فَدَنَا مِنَ الرَّاهِبِ وَهَتَفَ بِهِ فَأَشْرَفَ مِنْ صَوْمِعَتِهِ فَقَالَ: يَا رَاهِبُ هَلْ قُرْبَ قَائِمِكَ مَاءٌ؟ فَقَالَ: لا فَسَارَ قَلِيلاً ثُمَّ نَزَلَ بِمَوْضِعٍ فِيهِ رَمْلٌ فَأَمَرَ النَّاسَ فَنَزَلُوا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَبْحَثُوا ذَلِكَ الرَّمْلَ فَأَصَابُوا تَحْتَهُ صَخْرَةً بَيْضَاءَ فَاقْتَلَعَهَا أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِيَدِهِ وَدَحَاهَا وَإِذَا تَحْتَهَا مَاءٌ أَرَقُّ مِنَ الزُّلالِ وَأَعْذَبُ مِنْ كُلِّ مَاءٍ فَشَرِبُوا وَارْتَوَوْا وَحَمَلُوا مِنْهُ وَرَدَّ الصَّخْرَةَ وَالرَّمْلَ كَمَا كَانَ قَالَ فَسِرْنَا قَليلاً وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ مَكَانَ الْعَيْنِ فَقَالَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِحَقِّي عَلَيْكُمْ إِلّا رَجَعْتُمْ إِلَى مَوْضِعِ الْعَيْنِ فَنَظَرْتُمْ هَلْ تَقْدِرُونَ عَلَيْهَا فَرَجَعَ النَّاسُ يَقْفُونَ الْأَثَرَ إِلَى مَوْضِعِ الرَّمْلِ فَبَحَثُوا ذَلِكَ الرَّمْلَ فَلَمْ يُصِيبُوا الْعَيْنَ فَقَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لا وَاللَّهِ مَا أَصَبْنَاهَا وَلا نَدْرِي أَيْنَ هِيَ قَالَ فَأَقْبَلَ الرَّاهِبُ فَقَالَ أَشْهَدُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ أَبِي أَخْبَرَنِي عَنْ جَدِّي وَكَانَ مِنْ حَوَارِيِّ عِيسَى عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ تَحْتَ هَذَا الرَّمْلِ عَيْناً
ص: 355
مِنْ مَاءٍ أَبْيَضَ مِنَ الثَّلْجِ وَأَعْذَبَ مِنْ كُلِّ مَاءِ عَذْبٍ لا يَقَعُ عَلَيْهِ إِلّا نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّكَ وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَخَلِيفَتُهُ وَالْمُؤَدِّي عَنْهُ وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَصْحَبَكَ فِي سَفَرِكَ هَذَا فَيُصِيبَنِي مَا أَصَابَكَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ فَقالَ لَهُ خَيْراً وَدَعَا لَهُ بِخَيْرٍ وَقَالَ عليه السلام: يَا رَاهِبُ الْزَمْنِي وَكُنْ قَرِيباً مِنِّي فَفَعَلَ فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْهَرِيرِ وَالْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاضْطَرَبَ النَّاسُ فِيمَا بَيْنَهُمْ قُتِلَ الرَّاهِبُ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ لأَصْحَابِهِ: انْهَضُوا بِنَا فَادْفِنُوا قَتْلاكُمْ وَأَقْبَلَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَطْلُبُ الرَّاهِبَ حَتَّى وَجَدَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَفَنَهُ بِيَدِهِ فِي لَحْدِهِ ثُمَّ قَالَ وَاللَّهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَإِلَى مَنْزِلِهِ وَزَوْجَتِهِ الَّتِي أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهَا(1).
ثمّ مضى أمير المؤمنين حتّى نزل بأرض الجزيرة فاستقبله بنو تغلب والنمر بن قاسط بالجزيرة قال قال علي ليزيد بن قيس الأرحبي يا يزيد بن قيس قال لبيك يا أميرالمؤمنين قال هؤلاء قومك من طعامهم فاطعم ومن شرابهم فاشرب(2).
ثمّ سار حتّى أتى الرقة وجل أهلها عثمانية فروا من الكوفة برأيهم واهوائهم إلى معاوية فأغلقوا أبوابها دونه وتحصنوا وكان أميرهم سماك بن مخرقة الأسدي بالرقة في طاعة معاوية وقد كان فارق علياعليه السلام في نحو من مائة رجل من بني أسد ثمّ كاتب معاوية وأقام بالرقة حتّى لحق به سبعمائة رجل(3).
عن مسلم الملائي عن حبة عن علي قال: لما نزل عليّ الرقة نزل بمكان يقال له بليخ على جانب الفرات فنزل راهب هناك من صومعته فقال لعلي: إن عندنا كتابا توارثناه عن آبائنا كتبه أصحاب عيسى ابن مريم أعرضه عليك قال علي عليه السلام: نعم
ص: 356
فما هو؟ قال الراهب بسم اللَّه الرحمن الرحيم الذي قضى فيما قضى وسطر فيما سطر أنه باعث في الأميين رسولا منهم ... يعلمهم الكتاب والحكمة ويدلهم على سبيل اللَّه لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح أمته الحمادون الذين يحمدون اللَّه على كل نشز وفي كل صعود وهبوط(1)تذل ألسنتهم(2)بالتهليل والتكبير والتسبيح وينصره اللَّه على كل من ناواه فإذا توفاه اللَّه اختلفت أمته ثمّ اجتمعت فلبثت بذلك ما شاء اللَّه ثم اختلفت فيمر رجل من أمته بشاطئ هذا الفرات يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقضي بالحق ولا يرتشي في الحكم(3)الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح والموت أهون عليه من شرب الماء على الظمأ يخاف اللَّه في السر وينصح له في العلانية ولا يخاف اللَّه لومة لائم من أدرك ذلك النبي صلى الله عليه وآله من أهل هذه البلاد فآمن به كان ثوابه رضواني والجنة ومن أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره فإن القتل معه شهادة ثم قال له فأنا مصاحبك غير مفارقك حتّى يصيبني ما أصابك قال فبكى علي ثمّ قال الحمد للَّه الذي لم يجعلني عنده منسيا الحمد للَّه الذي ذكرني في كتب الأبرار ومضى الراهب معه وكان فيما ذكروا يتغدى مع علي ويتعشى حتّى أصيب يوم صفين فلما خرج الناس يدفنون قتلاهم قال علي اطلبوه فلما وجدوه صلى عليه السلام عليه ودفنه وقال هذا منا أهل البيت واستغفر له مرارا(4).
ص: 357
مسير معقل بن قيس إلى الرقّة
نصر عمر عن رجل وهو أبو مخنف عن نمير بن وعلة عن أبي الوداك أن عليا بعث من المدائن معقل بن قيس الرياحي في ثلاثة آلاف رجل وقال له: خذ على الموصل ثمّ نصيبين ثم القنى بالرقة فإني موافيها، ثمّ مضوا حتّى أتوا عليها بالرقّة(1).
عن عبداللَّه بن عمار بن عبد يغوث أن عليا قال لأهل الرقة: اجسروا لي جسرا لكي أعبر من هذا المكان إلى الشام فأبوا وقد كانوا ضموا السفن عندهم فنهض من عندهم ليعبر على جسر منبج وخلف عليه الأشتر فناداهم فقال: يا أهل هذا الحصن إني أقسم باللَّه لئن مضى أميرالمؤمنين ولم تجسروا له عند مدينتكم حتّى يعبر منها لأجردن فيكم السيف ولأقتلن مقاتلتكم ولأخرجن أرضكم ولآخذن أموالكم فلقي بعضهم بعضا فقالوا إن الأشتر يفي بما يقول وإن عليا خلفه علينا ليأتينا منه الشر فبعثوا إليه أنا ناصبون لكم جسرا فأقبلوا فأرسل الأشتر إلى علي عليه السلام فجاء ونصبوا له الجسر فعبر الأثقال والرجال ثمّ أمر الأشتر فوقف في ثلاثة آلاف فارس حتّى لم يبق أحد من الناس إلّا عبر ثمّ إنه عبر آخر الناس رجلا(2).
ص: 358
بسم الرحمن الرحیم
الْحَمْدُ للَّهِ ِ الَّذِي بَطَنَ خَفِيَّاتِ الْأَمُوُرِ وَدَلَّتْ عَلَيْهِ أَعْلامُ الظُّهُورِ وَامْتَنَعَ عَلَى عَيْنِ الْبَصِيرِ فَلا عَيْنُ مَنْ لَمْ يَرَهُ تُنْكِرُهُ وَلا قَلْبُ مَنْ أَثْبَتَهُ يُبْصِرُهُ سَبَقَ فِي الْعُلُوِّ فَلا شَيْ ءَ أَعْلَى مِنْهُ وَقَرُبَ فِي الدُّنُوِّ فَلا شَيْ ءَ أَقْرَبُ مِنْهُ فَلا اسْتِعْلاؤُهُ بَاعَدَهُ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْ خَلْقِهِ وَلا قُرْبُهُ سَاوَاهُمْ فِي الْمَكَانِ بِهِ لَمْ يُطْلِعِ الْعُقُولَ عَلَى تَحْدِيدِ صِفَتِهِ وَلَمْ يَحْجُبْهَا عَنْ وَاجِبِ مَعْرِفَتِهِ فَهُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ أَعْلامُ الْوُجُودِ عَلَى إِقْرَارِ قَلْبِ ذِي الْجُحُودِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُهُ الْمُشَبِّهُونَ بِهِ وَالْجَاحِدُونَ لَهُ عُلُوّاً كَبِيراً
أمّا الآيات فمنها:
قوله تعالى: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً»(1).
وقوله تعالى: «أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ»(2).
وقوله تعالى: «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ
ص: 359
بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عِلْماً»(1).
وقوله تعالى: «يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ»(2).
وقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»(3).
وقوله تعالى: «اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ»(4).
وقوله تعالى: «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ»(5).
وقوله تعالى: «قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»(6).
وقوله تعالى: «وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ»(7).
وقوله تعالى: «وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ»(8).
وقوله تعالى: «وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ»(9).
ص: 360
وقوله تعالى: «أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ»(1).
وقوله تعالى: «لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ»(2).
وقوله تعالى: «وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى»(3).
يعني لا تجهد نفسك برفع الصوت فانّك وإن لم تجهر علم اللَّه السر وأخفى من السر، قال الطبرسي: اختلفوا فيما هو أخفى من السر فقيل: السر ما حدث به العبد غيره في خفية وأخفى منه ما أضمره في نفسه ما لم يحدث به غيره، وقيل: السر ما أضمره العبد في نفسه وأخفى منه ما لم يكن ولا أضمره أحد، وروى عن السيدين الباقر والصادق عليهما السلام: السر ما أخفيته في نفسك وأخفى ما خطر ببالك ثمّ أنسيته(4).وأمثالها من الآيات.
وأمّا الأخبار الواردة في الباب فكثيرة جدّاً إلّا انّه لا نحتاج إلى ذكرها بعد صراحة الآيات ودلالتها على المدّعى.
قال تعالى: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ
ص: 361
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ»(1).
وقال تعالى: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيدٌ»(2).
وقال تعالى: «أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْ ءٍ»(3).
قال الشاعر:
وفي كلّ شي ء له آية***تدلّ على أنّه واحد(4).
وهنا طريقة أُخرى وهو الاستدلال بالفعل على الفاعل وإليه الاشارة في حديث الزنديق فانّه بعد ما سأل أبا عبداللَّه عليه السلام عن دليل التوحيد وأجاب عنه عليه السلام فكان من سؤاله أن قال: فما الدّليل عليه أي على وجوده تعالى؟ فقال أبو عبداللَّه عليه السلام: وجود الأفاعيل دلت على أن صانعاً صنعها، ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني علمت أنّ له بانياً وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده، قال: فما هو: قال شي ء بخلاف الأشياء(5).
قال تعالى: «وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ *وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ»(6).
وفي كلام سيّد الشهداء أبي عبداللَّه الحسين صلوات اللَّه على جدّه وأبيه وأُمّه
ص: 362
وأخيه و عليه وبنيه في دعاء عرفة: مَتَى غِبْتَ حَتَّى تَحْتَاجَ إِلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ وَمَتَى بَعُدْتَ حَتَّى تَكُونَ الآْثَارُ هِيَ الَّتِي تُوصِلُ إِلَيْكَ عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَرَاكَ ولا تزال عَلَيْهَا رَقِيبا(1).
قال تعالى: «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»(2).
وقالت تعالى حكاية عن قوم موسى: «وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ»(3).
وقال تعالى: «وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ»(4).
وقال تعالى: «يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ»(5).
عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: ذَاكَرْتُ أَبَا عَبْدِاللَّهِ عليه السلام فِيمَا يَرْوُونَ مِنَ الرُّؤْيَةِ فَقَالَ الشَّمْسُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ الْكُرْسِيِّ وَالْكُرْسِيُّ جُزْءٌ مِنْ
ص: 363
سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ الْعَرْشِ وَالْعَرْشُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ الْحِجَابِ وَالْحِجَابُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ السِّتْرِ فَإِنْ كَانُوا صَادِقِينَ فَلْيَمْلَئُوا أَعْيُنَهُمْ مِنَ الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ (حجاب)(1).
عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الثَّالِثِ عليه السلام أَسْأَلُهُ عَنِ الرُّؤْيَةِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ فَكَتَبَ: لا تَجُوزُ الرُّؤْيَةُ مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ هَوَاءٌ لَمْ يَنْفُذْهُ الْبَصَرُ فَإِذَا انْقَطَعَ الْهَوَاءُ عَنِ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ لَمْ تَصِحَّ الرُّؤْيَةُ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الاشْتِبَاهُ لأَنَّ الرَّائِيَ مَتَى سَاوَى الْمَرْئِيَّ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ بَيْنَهُمَا فِي الرُّؤْيَةِ وَجَبَ الاشْتِبَاهُ وَكَانَ ذَلِكَ التَّشْبِيهُ لأَنَّ الْأَسْبَابَ لا بُدَّ مِنِ اتِّصَالِهَا بِالْمُسَبَّبَاتِ(2).
عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ بَيْنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ ذِعْلِبٌ ذُو لِسَانٍ بَلِيغٍ فِي الْخُطَبِ شُجَاعُ الْقَلْبِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ قَالَ وَيْلَكَ يَا ذِعْلِبُ مَا كُنْتُ أَعْبُدُ رَبّاً لَمْ أَرَهُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَيْفَ رَأَيْتَهُ قَالَ وَيْلَكَ يَا ذِعْلِبُ لَمْ تَرَهُ الْعُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ الْأَبْصَارِ وَلَكِنْ رَأَتْهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الْإِيمَان(3).
وروى عن أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام أنّه سَأَلَهُ مُحَمَّدٌ الْحَلَبِيُّ فَقَالَ لَهُ: هَلْ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله رَبَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ رَآهُ بِقَلْبِهِ فَأَمَّا رَبُّنَا جَلَّ جَلالُهُ فَلا تُدْرِكُهُ أَبْصَارُ النَّاظِرِينَ وَلا يُحِيطُ بِهِ أَسْمَاعُ السَّامِعِينَ(4).
ص: 364
عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْكَرْخِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِلصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليه السلام: إِنَّ رَجُلاً رَأَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَنَامِهِ فَمَا يَكُونُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: ذَلِكَ رَجُلٌ لا دِينَ لَهُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لا يُرَى فِي الْيَقَظَةِ وَلا فِي الْمَنَامِ وَلا فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآْخِرَةِ(1).
عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِاللَّهِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ عليه السلام عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَلْ يُرَى فِي الْمَعَادِ؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوّاً كَبِيراً يَا ابْنَ الْفَضْلِ إِنَّ الْأَبْصَارَ لا تُدْرِكُ إِلّا مَا لَهُ لَوْنٌ وَكَيْفِيَّةٌ وَاللَّهُ خَالِقُ الْأَلْوَانِ وَالْكَيْفِيَّةِ(2).
وقال المفيد: لا يصح رؤية الباري سبحانه بالأبصار وبذلك شهد العقل ونطق القرآن وتواتر الخبر عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وآله و عليه جمهور أهل الإمامة وعامة متكلميهم إلّا من شذ منهم لشبهة عرضت له في تأويل الأخبار(3).
وأما المثبتون فاحتجوا بقوله تعالى: «وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ»(4)بأن موسى عليه السلام سأل الرؤية ولو امتنع كونه تعالى مرئيا لما سأل.
والجواب عنه من وجوه ونذكر بعضها:
منها: انّ هذا السؤال انّما كان بسبب قومه لا لنفسه لأنّه عليه السلام كان عالما بامتناعها لقوله تعالى في موضع آخر: «يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنَ السَّمَاءِ
ص: 365
فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً»(1)وهذا أظهر الوجوه في الجواب واختاره السيد الأجل المرتضى في كتابي تنزيه الأنبياء وغرر الفوائد وأيده بوجوه: الأوّل: ما ذكرناه في قوله تعالى: «يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ»الآية.
الثاني: قوله تعالى: «وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ»(2).
الثالث: أن موسى عليه السلام أضاف ذلك إلى السفهاء قال اللَّه تعالى: «فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا»الآية، واضافة ذلك إلى السفهاء تدل على أنه كان بسببهم ومن أجلهم حيث سألوا ما لا يجوز عليه تعالى(3).
عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ قَالَ: حَضَرْتُ مَجْلِسَ الْمَأْمُونِ وَعِنْدَهُ الرِّضَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى عليه السلام فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَلَيْسَ مِنْ قَوْلِكَ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ قَالَ بَلَى فَسَأَلَهُ عَنْ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَكَانَ فِيمَا سَأَلَ أَنْ قَالَ لَهُ فَمَا مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي»(4)كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَلِيمُ اللَّهِ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ عليه السلام لا يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لا يَجُوزُ عَلَيْهِ الرُّؤْيَةُ حَتَّى يَسْأَلَهُ هَذَا السُّؤَالَ فَقَالَ الرِّضَا عليه السلام إِنَّ كَلِيمَ اللَّهِ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عليه السلام عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اعز (منزه خ ل) أَنْ يُرَى بِالْأَبْصَارِ وَلَكِنَّهُ
ص: 366
لَمَّا كَلَّمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَرَّبَهُ نَجِيّاً رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَلَّمَهُ وَقَرَّبَهُ وَنَاجَاهُ فَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَسْمَعَ كَلامَهُ كَمَا سَمِعْتَ وَكَانَ الْقَوْمُ سَبْعَمِائَةِ أَلْفِ رَجُلٍ فَاخْتَارَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ أَلْفاً ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُمْ سَبْعَةَ آلافٍ ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُمْ سَبْعَمِائَةٍ ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِ رَبِّهِ فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى طُورِ سَيْنَاءَ فَأَقَامَهُمْ فِي سَفْحِ(1)الْجَبَلِ وَصَعِدَ مُوسَى عليه السلام إِلَى الطُّورِ وَسَأَلَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُكَلِّمَهُ وَيُسْمِعَهُمْ كَلامَهُ فَكَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَسَمِعُوا كَلامَهُ مِنْ فَوْقُ وَأَسْفَلُ وَيَمِينُ وَشِمَالُ وَوَرَاءُ وَأَمَامُ(2)لأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَحْدَثَهُ فِي الشَّجَرَةِ(3)وَجَعَلَهُ مُنْبَعِثاً مِنْهَا حَتَّى سَمِعُوهُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكبِأَنَّ هَذَا الَّذِي سَمِعْنَاهُ كَلامُ اللَّهِ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَلَمَّا قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ الْعَظِيمَ وَاسْتَكْبَرُوا وَعَتَوْا بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ صَاعِقَةً فَأَخَذَتْهُمْ بِظُلْمِهِمْ فَمَاتُوا فَقَالَ مُوسَى يَا رَبِّ مَا أَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا رَجَعْتُ إِلَيْهِمْ وَقَالُوا إِنَّكَ ذَهَبْتَ بِهِمْ فَقَتَلْتَهُمْ لأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ صَادِقاً فِيمَا ادَّعَيْتَ مِنْ مُنَاجَاةِ اللَّهِ إِيَّاكَ فَأَحْيَاهُمُ اللَّهُ وَبَعَثَهُمْ مَعَهُ فَقَالُوا إِنَّكَ لَوْ سَأَلْتَ اللَّهَ أَنْ يُرِيَكَ تَنْظُرُ إِلَيْهِ لأَجَابَكَ وَكُنْتَ تُخْبِرُنَا كَيْفَ هُوَ فَنَعْرِفُهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ فَقَالَ مُوسَى عليه السلام يَا قَوْمِ إِنَّ اللَّهَ لا يُرَى بِالْأَبْصَارِ وَلا كَيْفِيَّةَ لَهُ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِ آيَاتِهِ وَيُعْلَمُ بِأَعْلامِهِ فَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَسْأَلَهُ فَقَالَ مُوسَى عليه السلام يَا رَبِّ إِنَّكَ قَدْ سَمِعْتَ مَقَالَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِصَلاحِهِمْ فَأَوْحَى اللَّهُ جَلَّ جَلالُهُ إِلَيْهِ يَا مُوسَى اسْأَلْنِي مَا سَأَلُوكَ فَلَنْ أُؤَاخِذَكَ بِجَهْلِهِمْ فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ مُوسَى عليه السلام رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ
ص: 367
تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ وَهُوَ يَهْوِي فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ بآية من آيَاتِهِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ يَقُولُ رَجَعْتُ إِلَى مَعْرِفَتِي بِكَ عَنْ جَهْلِ قَوْمِي وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ بِأَنَّكَ لا تُرَى، الخبر(1).
قال ابن أبي الحديد: وقد روي هذا الكلام على وجه آخر، قالوا في الخطبة: فلا قلب من لم يره ينكره ولا عين من أثبته تبصره(2).
قال المحقّق التستري: هو أنسب جدّا، فالإنكار ينسب إلى القلب والإبصار إلى العين، والأوّل عكسه، ولا يصحّ إلّا بتأوّل(3).
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ حَضَرْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا جَعْفَرٍ أَيَّ شَيْ ءٍ تَعْبُدُ قَالَ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ رَأَيْتَهُ قَالَ بَلْ لَمْ تَرَهُ الْعُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ الْأَبْصَارِ وَلَكِنْ رَأَتْهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ لا يُعْرَفُ بِالْقِيَاسِ وَلا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ وَلا يُشَبَّهُ بِالنَّاسِ مَوْصُوفٌ بِالآْيَاتِ مَعْرُوفٌ بِالْعَلامَاتِ لا يَجُورُ فِي حُكْمِهِ ذَلِكَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلّا هُوَ قَالَ فَخَرَجَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: «اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ»(4).(5)
ص: 368
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ: «لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ»(1)قَالَ: إِحَاطَةُ الْوَهْمِ أَلا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: «قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ»(2)لَيْسَ يَعْنِي بَصَرَ الْعُيُونِ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ لَيْسَ يَعْنِي مِنَ الْبَصَرِ بِعَيْنِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها لَيْسَ يَعْنِي عَمَى الْعُيُونِ إِنَّمَا عَنَى إِحَاطَةَ الْوَهْمِ كَمَا يُقَالُ فُلانٌ بَصِيرٌ بِالشِّعْرِ وَفُلانٌ بَصِيرٌ بِالْفِقْهِ وَفُلانٌ بَصِيرٌ بِالدَّرَاهِمِ وَفُلانٌ بَصِيرٌ بِالثِّيَابِ اللَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُرَى بِالْعَيْنِ(3).
عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ اللَّهِ هَلْ يُوصَفُ فَقَالَ أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى قَالَ: أَمَا تَقْرَأُ قَوْلَهُ تَعَالَى: «لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ»(4)قُلْتُ: بَلَى قَالَ: فَتَعْرِفُونَ الْأَبْصَارَ؟ قُلْتُ: بَلَى قَالَ: مَا هِيَ؟ قُلْتُ: أَبْصَارُ الْعُيُونِ فَقَالَ: إِنَّ أَوْهَامَ الْقُلُوبِ أَكْبَرُ مِنْ أَبْصَارِ الْعُيُونِ فَهُوَ لا تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَوْهَامَ(5).
قال المحدّث المجلسي في مرآة العقول: والمراد بأوهام القلوب إدراك القلوب باحاطتها به، ولما كان إدراك القلوب بالاحاطة لما لا يمكن أن يحاط به وهماً عبّر عليه السلام عنه بأوهام القلوب(6).
ص: 369
حتّى إنّ المحتضر مع قرب أقاربه منه - ذاك الحين - واجتماعهم حوله، هو تعالى أقرب إليه منهم، حتّى يتوفى تعالى نفسه: «فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ»(1)وحتّى إنّ الأجزاء الباطنيّة للانسان مع كونها في غاية القرب من صاحبها هو تعالى أقرب إليه منها قال تعالى: «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ»(2).وقال تعالى: «يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ»(3).
وقال تعالى: «فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ»(4).
عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرٍ الْجَعْفَرِيِّ عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَهُ قَوْمٌ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ لا يَنْزِلُ وَلا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَنْزِلَ إِنَّمَا مَنْظَرُهُ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ سَوَاءٌ لَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ قَرِيبٌ وَلَمْ يَقْرُبْ مِنْهُ بَعِيدٌ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى شَيْ ءٍ بَلْ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ وَهُوَ ذُو الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم(5).
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِاللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
ص: 370
«الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى»(1)فَقَالَ: اسْتَوَى فِي كُلِّ شَيْ ءٍ فَلَيْسَ شَيْ ءٌ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ شَيْ ءٍ لَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ بَعِيدٌ وَلَمْ يَقْرُبْ مِنْهُ قَرِيبٌ اسْتَوَى فِي كُلِّ شَيْ ءٍ(2).
عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلّا هُوَ سادِسُهُمْ»(3)فَقَالَ: هُوَ وَاحِدٌ وَاحِدِيُّ الذَّاتِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ وَبِذَاكَ وَصَفَ نَفْسَهُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ مُحِيطٌ بِالْإِشْرَافِ وَالْإِحَاطَةِ وَالْقُدْرَةِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ بِالْإِحَاطَةِ وَالْعِلْمِ لا بِالذَّاتِ لأَنَّ الْأَمَاكِنَ مَحْدُودَةٌ تَحْوِيهَا حُدُودٌ أَرْبَعَةٌ فَإِذَا كَانَ بِالذَّاتِ لَزِمَهَا الْحَوَايَةُ(4).
قال تعالى: «وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ»(5).
قال الصادق عليه السلام للمفضل بن عمر: إن العقل يعرف الخالق من جهة توجب عليه الإقرار ولا يعرفه بما يوجب له الإحاطة بصفته فإن قالوا فكيف يكلف العبد الضعيف معرفته بالعقل اللطيف ولا يحيط به قيل لهم إنما كلف العباد من ذلك ما في طاقتهم أن يبلغوه وهو أن يوقنوا به ويقفوا عند أمره ونهيه ولم يكلفوا الإحاطة بصفته كما أن الملك لا يكلف رعيته أن يعلموا أطويل هو أم قصير وأبيض هو أم
ص: 371
أسمر وإنما يكلفهم الإذعان لسلطانه والانتهاء إلى أمره ألا ترى أن رجلا لو أتى باب الملك فقال أعرض علي نفسك حتّى أتقصى معرفتك وإلّا لم أسمع لك كان قد أحل نفسه بالعقوبة فكذا القائل إنه لا يقر بالخالق سبحانه حتّى يحيط بكنهه متعرضا لسخطه(1).
عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عليه السلام أَنَّ رَجُلاً قَالَ لأَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام هَلْ تَصِفُ رَبَّنَا نَزْدَادُ لَهُ حُبّاً وَبِهِ مَعْرِفَةً؟ فَغَضِبَ وَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ فِيمَا قَالَ عَلَيْكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بِمَا دَلَّكَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ صِفَتِهِ وَتَقَدَّمَكَ فِيهِ الرَّسُولُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ فَائْتَمِّ بِهِ وَاسْتَضِئْ بِنُورِ هِدَايَتِهِ فَإِنَّمَا هِيَ نِعْمَةٌ وَحِكْمَةٌ أُوتِيتَهَا فَخُذْ مَا أُوتِيتَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ وَمَا كَلَّفَكَ الشَّيْطَانُ عليه (علمه) مِمَّا لَيْسَ عَلَيْكَ فِي الْكِتَابِ فَرْضُهُ وَلا فِي سُنَّةِ الرَّسُولِ وَأَئِمَّةِ الْهُدَى أَثَرُهُ فَكِلْ عِلْمَهُ إِلَى اللَّهِ وَلا تُقَدِّرْ عَظَمَةَ اللَّهِ عَلَى قَدْرِ عَقْلِكَ فَتَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ وَاعْلَمْ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ هُمُ الَّذِينَ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ عَنِ الاقْتِحَامِ عَلَى السُّدَدِ الْمَضْرُوبَةِ دُونَ الْغُيُوبِ إِقْرَاراً بِجَهْلِ مَا جَهِلُوا تَفْسِيرَهُ مِنَ الْغَيْبِ الْمَحْجُوبِ فَقَالُوا آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ اعْتِرَافَهُمْ بِالْعَجْزِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَمْ يُحِيطُوا بِهِ عِلْماً وَسَمَّى تَرْكَهُمُ التَّعَمُّقَ فِيمَا لَمْ يُكَلِّفْهُمُ الْبَحْثَ عَنْ كُنْهِهِ (عنه) رُسُوخاً(2).
عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الْحَذَّاءِ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: يَا زِيَادُ إِيَّاكَ وَالْخُصُومَاتِ فَإِنَّهَا تُورِثُ الشَّكَّ وَتَحْبِطُ الْعَمَلَ وَتُرْدِي صَاحِبَهَا وَعَسَى أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالشَّيْ ءِ فَلا يُغْفَرَ لَهُ إِنَّهُ كَانَ فِيمَا مَضَى قَوْمٌ تَرَكُوا عِلْمَ مَا وُكِّلُوا بِهِ وَطَلَبُوا عِلْمَ مَا كُفُوهُ حَتَّى انْتَهَى
ص: 372
كَلامُهُمْ إِلَى اللَّهِ فَتَحَيَّرُوا حَتَّى إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُدْعَى مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ فَيُجِيبُ مِنْ خَلْفِهِ وَيُدْعَى مِنْ خَلْفِهِ فَيُجِيبُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى حَتَّى تَاهُوا فِي الْأَرْضِ(1).
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام إِيَّاكُمْ وَالتَّفَكُّرَ فِي اللَّهِ فَإِنَّ التَّفَكُّرَ فِي اللَّهِ لا يَزِيدُ إِلّا تَيْهاً إِنَّ اللَّهَ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَلا يُوصَفُ بِمِقْدَارٍ(2).
عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ لَيْسَ للَّهِ ِ عَلَى خَلْقِهِ أَنْ يَعْرِفُوا وَلِلْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ وَللَّهِ ِ عَلَى الْخَلْقِ إِذَا عَرَّفَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا(3).
عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللَّهِ عليه السلام يَقُولُ إِنَّ أَمْرَ اللَّهِ كُلَّهُ عَجِيبٌ إِلّا أَنَّهُ قَدِ احْتَجَّ عَلَيْكُمْ بِمَا قَدْ عَرَّفَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ(4).
يعني ان معرفة ذاته وصفاته الحقيقيّة كما هي فوق ادراك كلّ أحد، تكل العقول والأذهان وتبهر الألباب عن كنه جلاله وغور عزّه وكماله، إلّا انّه مع ذلك لكلّ أحد نصيب عن لوامع اشراقات نوره قلّ أو كثر، فله الحجّة على كلّ أحد بما عرفه من آيات وجوده ودلائل صنعه وجوده فوقع التكليف بمقتضى المعرفة والعمل بموجب العلم(5).
عَنْ جَمِيلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ إِذَا انْتَهَى الْكَلامُ إِلَى اللَّهِ فَأَمْسِكُوا وَتَكَلَّمُوا فِيمَا دُونَ الْعَرْشِ وَلا تَكَلَّمُوا فِيمَا فَوْقَ الْعَرْشِ فَإِنَّ قَوْماً تَكَلَّمُوا فِيمَا فَوْقَ الْعَرْشِ فَتَاهَتْ عُقُولُهُمْ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ يُنَادَى مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ فَيُجِيبُ مِنْ خَلْفِهِ وَيُنَادَى مِنْ
ص: 373
خَلْفِهِ فَيُجِيبُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْه(1).
عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ قَالَ رَجُلٌ عِنْدَهُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ أَيِّ شَيْ ءٍ فَقَالَ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ فَقَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام حَدَّدْتَهُ فَقَالَ الرَّجُلُ كَيْفَ أَقُولُ قَالَ قُلْ اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُوصَفَ(2).
عن سهل بن زياد قال كتبت إلى أبي محمد عليه السلام سنة خمس وخمسين ومائتين قد اختلف يا سيدي أصحابنا في التوحيد منهم من يقول هو جسم ومنهم من يقول هو صورة فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه فعلت متطولا على عبدك فوقع عليه السلام بخطه سألت عن التوحيد وهذا عنكم معزول(3)اللَّه تعالى واحد أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد خالق وليس بمخلوق يخلق تبارك وتعالى ما يشاء من الأجسام وغير ذلك ويصور ما يشاء وليس بمصور جل ثناؤه وتقدست أسماؤه وتعالى عن أن يكون له شبيه هو لا غيره(4)«لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»(5).(6)
قال تعالى: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
ص: 374
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ»(1).
وقال تعالى: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ للَّهِ ِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ»(2).
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ كَفَى لأُولِي الْأَلْبَابِ بِخَلْقِ الرَّبِّ الْمُسَخِّرِ(3)وَمُلْكِ(4)الرَّبِّ الْقَاهِرِ وَجَلالِ الرَّبِّ الظَّاهِرِ وَنُورِ الرَّبِّ الْبَاهِرِ(5)وَبُرْهَانِ الرَّبِّ الصَّادِقِ وَمَا أَنْطَقَ بِهِ أَلْسُنَ الْعِبَادِ وَمَا أَرْسَلَ بِهِ الرُّسُلَ وَمَا أَنْزَلَ عَلَى الْعِبَادِ دَلِيلاً عَلَى الرَّبِّ عَزَّ وَجَلّ(6).
قال صدرا الشيرازي في شرح الحديث: ذكر عليه السلام ثمانية أمور كلّ منها كاف لذوي العقول دليلاً على وجود الرب أحدها خلقه المسخّر له وثانيها ملكه القاهر على كلّ مالك ومملوك وثالثها جلاله الظاهر من عظائم الخلقة وبدايع الفطرة كالأجرام العالية والنفوس وغيرها ورابعها نوره الغالب على نور كلّ ذي نور وحس كلّ ذي حس وشعور وخامسها برهانه الصادق وهو وجود آياته الكاينة
ص: 375
في السموات والأرض وسادسها ما أنطق به ألسن العباد من العلوم والمعارف وغيرهما وسابعها ما أرسل به الرسل من الشرايع والأحكام والسياسات والحدود وثامنها ما أنزل على العباد من الصحايف الالهيّة والكتاب السماويّة(1).
عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَسِّنٍ الْمِيثَمِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي مَنْصُورٍ الْمُتَطَبِّبِ فَقَالَ أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي قَالَ كُنْتُ أَنَا وَابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ الْمُقَفَّعِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ تَرَوْنَ هَذَا الْخَلْقَ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى مَوْضِعِ الطَّوَافِ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ أُوجِبُ لَهُ اسْمَ الْإِنْسَانِيَّةِ إِلّا ذَلِكَ الشَّيْخُ الْجَالِسُ يَعْنِي أَبَا عَبْدِاللَّهِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عليه السلام فَأَمَّا الْبَاقُونَ فَرَعَاعٌ وَبَهَائِمُ(2) َقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ: وَكَيْفَ أَوْجَبْتَ هَذَا الاسْمَ لِهَذَا الشَّيْخِ دُونَ هَؤُلاءِ قَالَ لأَنِّي رَأَيْتُ عِنْدَهُ مَا لَمْ أَرَهُ عِنْدَهُمْ فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ لا بُدَّ مِنِ اخْتِبَارِ مَا قُلْتَ فِيهِ مِنْهُ قَالَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْمُقَفَّعِ لا تَفْعَلْ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْكَ مَا فِي يَدِكَ (3)فَقَالَ: لَيْسَ ذَا رَأْيَكَ وَلَكِنْ تَخَافُ أَنْ يَضْعُفَ رَأْيُكَ عِنْدِي فِي إِحْلالِكَ إِيَّاهُ الْمَحَلَّ الَّذِي وَصَفْتَ فَقَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ أَمَّا إِذَا تَوَهَّمْتَ عَلَيَّ هَذَا فَقُمْ إِلَيْهِ وَتَحَفَّظْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الزَّلَلِ وَلا تَثْنِي عِنَانَكَ إِلَى اسْتِرْسَالٍ(4)فَيُسَلِّمَكَ إِلَى عِقَالٍ(5)وَسِمْهُ مَا لَكَ أَوْ عَلَيْكَ قَالَ فَقَامَ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ وَبَقِيتُ أَنَا
ص: 376
وَابْنُ الْمُقَفَّعِ جَالِسَيْنِ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْنَا ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ قَالَ وَيْلَكَ يَا ابْنَ الْمُقَفَّعِ مَا هَذَا بِبَشَرٍ وَإِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا رُوحَانِيٌّ يَتَجَسَّدُ إِذَا شَاءَ ظَاهِراً وَيَتَرَوَّحُ إِذَا شَاءَ بَاطِناً فَهُوَ هَذَا فَقَالَ لَهُ وَكَيْفَ ذَلِكَ قَالَ جَلَسْتُ إِلَيْهِ فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ غَيْرِي ابْتَدَأَنِي فَقَالَ إِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ عَلَى مَا يَقُولُ هَؤُلاءِ وَهُوَ عَلَى مَا يَقُولُونَ(1)يَعْنِي أَهْلَ الطَّوَافِ فَقَدْ سَلِمُوا وَعَطِبْتُمْ وَإِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ عَلَى مَا تَقُولُونَ وَلَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ فَقَدِ اسْتَوَيْتُمْ وَهُمْ فَقُلْتُ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَأَيَّ شَيْ ءٍ نَقُولُ وَأَيَّ شَيْ ءٍ يَقُولُونَ مَا قَوْلِي وَقَوْلُهُمْ إِلّا وَاحِدٌ فَقَالَ وَكَيْفَ يَكُونُ قَوْلُكَ وَقَوْلُهُمْ وَاحِداً وَهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ لَهُمْ مَعَاداً وَثَوَاباً وَعِقَاباً وَيَدِينُونَ بِأَنَّ فِي السَّمَاءِ إِلَهاً وَأَنَّهَا عُمْرَانٌ وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ السَّمَاءَ خَرَابٌ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ قَالَ فَاغْتَنَمْتُهَا(2)مِنْهُ فَقُلْتُ لَهُ مَا مَنَعَهُ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُونَ أَنْ يَظْهَرَ لِخَلْقِهِ وَيَدْعُوَهُمْ إِلَى عِبَادَتِهِ حَتَّى لا يَخْتَلِفَ مِنْهُمُ اثْنَانِ وَلِمَ احْتَجَبَ عَنْهُمْ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ وَلَوْ بَاشَرَهُمْ بِنَفْسِهِ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ فَقَالَ لِي وَيْلَكَ وَكَيْفَ احْتَجَبَ عَنْكَ مَنْ أَرَاكَ قُدْرَتَهُ فِي نَفْسِكَ نُشُوءَكَ وَلَمْ تَكُنْ وَكِبَرَكَ بَعْدَ صِغَرِكَ وَقُوَّتَكَ بَعْدَ ضَعْفِكَ وَضَعْفَكَ بَعْدَ قُوَّتِكَ وَسُقْمَكَ بَعْدَ صِحَّتِكَ وَصِحَّتَكَ بَعْدَ سُقْمِكَ وَرِضَاكَ بَعْدَ
ص: 377
غَضَبِكَ وَغَضَبَكَ بَعْدَ رِضَاكَ وَحُزْنَكَ بَعْدَ فَرَحِكَ وَفَرَحَكَ بَعْدَ حُزْنِكَ وَحُبَّكَ بَعْدَ بُغْضِكَ وَبُغْضَكَ بَعْدَ حُبِّكَ وَعَزْمَكَ بَعْدَ أَنَاتِكَ وَأَنَاتَكَ بَعْدَ عَزْمِكَ وَشَهْوَتَكَ بَعْدَ كَرَاهَتِكَ وَكَرَاهَتَكَ بَعْدَ شَهْوَتِكَ وَرَغْبَتَكَ بَعْدَ رَهْبَتِكَ وَرَهْبَتَكَ بَعْدَ رَغْبَتِكَ وَرَجَاءَكَ بَعْدَ يَأْسِكَ وَيَأْسَكَ بَعْدَ رَجَائِكَ وَخَاطِرَكَ(1)بِمَا لَمْ يَكُنْ فِي وَهْمِكَ وَعُزُوبَ مَا أَنْتَ مُعْتَقِدُهُ عَنْ ذِهْنِك(2).وما زال يعدد علي قدرته التي هي في نفسي التي لا أدفعها حتّى ظننت أنّه سيظهر فيما بيني وبينه(3).
ومن الشواهد على ما ذكره عليه السلام من إقرار قلب ذي الجحود: أنّ كلّ جاحد إذا انقطع رجاؤه عن الأسباب الظاهريّة، وصار إلى الاضطرار يتوجّه إلى مبدئه بلا اختيار «فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا»(4)«فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ»(5).
روى أنّ زنديقاً دخل على الصادق عليه السلام فسأله عن الدليل على اثبات الصانع فأعرض عليه السلام عنه ثمّ التفت إليه وسأله من أين أقبلت وما قصّتك؟ فقال الزنديق: إنّي كنت مسافراً في البحر فعصفت علينا الريح وتقلبت بنا الأمواج فانكسرت سفينتنا فتعلقت بساجة منها ولم يزل الموج يقلبها حتّى قذفت بي إلى الساحل فنجوت عليها.
ص: 378
فقال عليه السلام: أرأيت الذي كان قلبك إذا انكسرت السفينة وتلاطمت عليكم الأمواج فزعاً عليه مخلصاً له في التضرّع طالباً منه النجاة فهو إلهك فاعترف الزنديق بذلك وحسن اعتقاده وذلك من قوله تعالى: «وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ»(1).(2)
وحتّى إنّ عمرو بن العاص الذي عادى النبيّ صلى الله عليه وآله إلى أن فتح النبيّ صلى الله عليه وآله مكّة فاستسلم ولم يسلم وأسرّ كفره، ثمّ عادى أميرالمؤمنين عليه السلام إلى شهادته، كان مقرّاً بأنّ ما قدّر اللَّه تعالى يقع، ولو على خلاف الأسباب الظاهريّة.
قال نصر: انّ معاوية لمّا أعطى عمرو بن العاص مصر ليعينه على أميرالمؤمنين عليه السلام وكتب له كتاباً وكتب فيه: على أن لا ينقض شرط طاعة وكتب عمرو على ألا تنقض طاعة شرطا وكايد كل واحد منهما صاحبه.
وكان مع عمرو ابن عم له فتى شاب وكان داهيا حليما فلما جاء عمرو بالكتاب مسرورا عجب الفتى وقال ألا تخبرني يا عمرو بأي رأي تعيش في قريش أعطيت دينك ومنيت دنيا غيرك أترى أهل مصر وهم قتلة عثمان يدفعونها إلى معاوية وعلي حي وتراها إن صارت إلى معاوية لا يأخذها بالحرف الذي قدمه في الكتاب فقال له عمرو يا ابن الأخ إن الأمر للَّه دون علي ومعاوية(3).
ص: 379
قال تعالى: «وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ»(1).
و قال تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»(2).
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ قَالَ سَأَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الصَّادِقَ عليه السلام فَقَالَ لَهُ أَخْبِرْنِي أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ تَوْحِيدُكَ لِرَبِّكَ قَالَ فَمَا أَعْظَمُ الذُّنُوبِ قَالَ تَشْبِيهُكَ لِخَالِقِكَ(3).
عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليه السلام فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنِّي دَخَلْتُ عَلَى مَالِكٍ(4)وَأَصْحَابِهِ فَسَمِعْتُ بَعْضَهُمْ يَقُولُ إِنَّ للَّهِ ِ وَجْهاً كَالْوُجُوهِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ لَهُ يَدَانِ وَاحْتَجُّوا لِذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ هُوَ كَالشَّابِّ مِنْ أَبْنَاءِ ثَلاثِينَ سَنَةً فَمَا عِنْدَكَ فِي هَذَا يَا ابْنَ رَسولِ اللَّهِ قَالَ وَكَانَ مُتَّكِئاً فَاسْتَوَى جَالِساً وَقَالَ اللَّهُمَّ عَفْوَكَ عَفْوَكَ ثُمَّ قَالَ يَا يُونُسُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ للَّهِ ِ وَجْهاً كَالْوُجُوهِ فَقَدْ أَشْرَكَ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ للَّهِ ِ جَوَارِحَ كَجَوَارِحِ الْمَخْلُوقِينَ فَهُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ فَلا تَقْبَلُوا شَهَادَتَهُ وَلا تَأْكُلُوا ذَبِيحَتَهُ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَصِفُهُ
ص: 380
الْمُشَبِّهُونَ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ فَوَجْهُ اللَّهِ أَنْبِيَاؤُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ(1)وَقَوْلُهُ خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ الْيَدُ الْقُدْرَةُ كَقَوْلِهِ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ فِي شَيْ ءٍ أَوْ عَلَى شَيْ ءٍ أَوْ يَحُولُ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَى شَيْ ءٍ أَوْ يَخْلُو مِنْهُ شَيْ ءٌ أَوْ يَشْتَغِلُ بِهِ شَيْ ءٌ فَقَدْ وَصَفَهُ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ وَاللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْ ءٍ لا يُقَاسُ بِالْقِيَاسِ وَلا يُشَبَّهُ بِالنَّاسِ لا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ وَلا يَشْتَغِلُ بِهِ مَكَانٌ قَرِيبٌ فِي بُعْدِهِ بَعِيدٌ فِي قُرْبِهِ ذَلِكَ اللَّهُ رَبُّنَا لا إِلَهَ غَيْرُهُ فَمَنْ أَرَادَ اللَّهَ وَأَحَبَّهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ وَمَنْ أَحَبَّهُ بِغَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ فَاللَّهُ مِنْهُ بَرِي ءٌ وَنَحْنُ مِنْهُ بُرَءَاءُ(2).
عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّه ِ عليه السلام قَالَ مَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لا يُشْبِهُ شَيْئاً وَلا يُشْبِهُهُ شَيْ ءٌ وَكُلُّ مَا وَقَعَ فِي الْوَهْمِ فَهُوَ بِخِلافِهِ(3).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سُبْحَانَ مَنْ لا يَعْلَمُ أَحَدٌ كَيْفَ هُوَ إِلّا هُوَ «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»(4)لا يُحَدُّ وَلا يُحَسُّ وَلا يُجَسُّ ولا يمس وَلا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَلا الْحَوَاسُّ وَلا يُحِيطُ بِهِ شَيْ ءٌ وَلا جِسْمٌ وَلا صُورَةٌ وَلا تَخْطِيطٌ وَلا تَحْدِيدٌ(5).
عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ قَالَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍ عليه السلام يَا جَابِرُ مَا أَعْظَمَ فِرْيَةَ أَهْلِ الشَّامِ عَلَى اللَّهِ عزّوجل يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيْثُ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ وَضَعَ قَدَمَهُ عَلَى صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَقَدْ وَضَعَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ قَدَمَهُ عَلَى حَجَرٍ فَأَمَرَنَا
ص: 381
اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ نَتَّخِذَهَ مُصَلًّى يَا جَابِرُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لا نَظِيرَ لَهُ وَلا شَبِيهَ، تَعَالَى عَنْ صِفَةِ الْوَاصِفِينَ وَجَلَّ عَنْ أَوْهَامِ الْمُتَوَهِّمِينَ وَاحْتَجَبَ عَنْ عَيْنِ النَّاظِرِينَ وَلا يَزُولُ مَعَ الزَّائِلِينَ وَلا يَأْفِلُ مَعَ الآْفِلِينَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(1).
عن هشام بن المشرقي عن أبي الحسن الخراساني عليه السلام قال إن اللَّه كما وصف نفسه أحد صمد نور، ثمّ قال «بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ» فقلت له أفله يدان هكذا وأشرت بيدي إلى يده فقال لو كان هكذا كان مخلوقا(2).
في جواب سؤال الزنديق برواية هشام عن الصادق عليه السلام: لا جِسْمٌ وَلا صُورَةٌ وَلا يُحَسُّ وَلا يُجَسُّ وَلا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ لا تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ وَلا تَنْقُصُهُ الدُّهُورُ وَلا تُغَيِّرُهُ الْأَزْمَانُ(3).
عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَالَ اللَّهُ جَلَّ جَلالُهُ مَا آمَنَ بِي مَنْ فَسَّرَ بِرَأْيِهِ كَلامِي وَمَا عَرَفَنِي مَنْ شَبَّهَنِي بِخَلْقِي وَمَا عَلَى دِينِي مَنِ اسْتَعْمَلَ الْقِيَاسَ فِي دِينِي(4).
عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ إِلَهِي بَدَتْ قُدْرَتُكَ وَلَمْ تَبْدُ هيبتك (هَيْئَتُهُ) فَجَهِلُوكَ وَبِهِ قَدَّرُوكَ وَالتَّقْدِيرُ عَلَى غَيْرِ مَا بِهِ وَصَفُوكَ وَإِنِّي بَرِي ءٌ يَا إِلَهِي مِنَ الَّذِينَ بِالتَّشْبِيهِ طَلَبُوكَ لَيْسَ كَمِثْلِكَ شَيْ ءٌ إِلَهِي وَلَنْ يُدْرِكُوكَ وَظَاهِرُ مَا بِهِمْ مِنْ نِعَمِكَ دَلِيلُهُمُ عَلَيْكَ لَوْ عَرَفُوكَ وَفِي خَلْقِكَ يَا إِلَهِي
ص: 382
مَنْدُوحَةٌ أَنْ يَتَنَاوَلُوكَ بَلْ سَوَّوْكَ بِخَلْقِكَ فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَعْرِفُوكَ وَاتَّخَذُوا بَعْضَ آيَاتِكَ رَبّاً فَبِذَلِكَ وَصَفُوكَ تَعَالَيْتَ رَبِّي عَمَّا بِهِ الْمُشَبِّهُونَ نَعَتُوكَ(1).
عَنْ يَاسِرٍ الْخَادِمِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ مَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَمَنْ نَسَبَ إِلَيْهِ مَا نَهَى عَنْهُ فَهُوَ كَافِرٌ(2).
عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَمَذَانِيِّ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى الرَّجُلِ عليه السلام أَنَّ مَنْ قِبَلَنَا مِنْ مَوَالِيكَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي التَّوْحِيدِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ جِسْمٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ صُورَةٌ فَكَتَبَ عليه السلام بِخَطِّهِ سُبْحَانَ مَنْ لا يُحَدُّ وَلا يُوصَفُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ أَوْ قَالَ الْبَصِيرُ(3).
عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ: مَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَمَنْ وَصَفَهُ بِالْمَكَانِ فَهُوَ كَافِرٌ وَمَنْ نَسَبَ إِلَيْهِ مَا نَهَى عَنْهُ فَهُوَ كَاذِبٌ ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآْيَةَ: «إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ»(4).(5)
عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: مَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَمَنْ أَنْكَرَ قُدْرَتَهُ فَهُوَ كَافِرٌ(6).
روي عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخَزَّازِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالا دَخَلْنَا عَلَى أَبِي
ص: 383
الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام فَحَكَيْنَا لَهُ أَنَّ مُحَمَّداً صلى الله عليه وآله رَأَى رَبَّهُ فِي صُورَةِ الشَّابِّ الْمُوَفَّقِ(1)فِي سِنِّ أَبْنَاءِ ثَلاثِينَ سَنَةً - إلى أن قال - فَخَرَّ سَاجِداً للَّهِ ِ(2)ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَكَ مَا عَرَفُوكَ وَلا وَحَّدُوكَ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَصَفُوكَ سُبْحَانَكَ لَوْ عَرَفُوكَ لَوَصَفُوكَ بِمَا وَصَفْتَ بِهِ نَفْسَكَ سُبْحَانَكَ كَيْفَ طَاوَعَتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يُشَبِّهُوكَ بِغَيْرِكَ اللَّهُمَّ لا أَصِفُكَ إِلّا بِمَا وَصَفْتَ بِهِ نَفْسَكَ وَلا أُشَبِّهُكَ بِخَلْقِكأَنْتأَهْلٌ لِكُلِّ خَيْرٍ فَلا تَجْعَلْنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا فَقَالَ مَا تَوَهَّمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَتَوَهَّمُوا اللَّهَ غَيْرَهُ ثُمَّ قَالَ نَحْنُ آلُ مُحَمَّدٍ النَّمَطُ الْأَوْسَطُ الَّذِي لا يُدْرِكُنَا الْغَالِي وَلا يَسْبِقُنَا التَّالِي يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله حِينَ نَظَرَ إِلَى عَظَمَةِ رَبِّهِ كَانَ فِي هَيْئَةِ الشَّابِّ الْمُوَفَّقِ وَسِنِّ أَبْنَاءِ ثَلاثِينَ سَنَةً يَا مُحَمَّدُ عَظُمَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ فِي صِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ مَنْ كَانَتْ رِجْلاهُ فِي خُضْرَةٍ قَالَ ذَاكَ مُحَمَّدٌ كَانَ إِذَا نَظَرَ إِلَى رَبِّهِ بِقَلْبِهِ جَعَلَهُ فِي نُورٍ مِثْلِ نُورِ الْحُجُبِ حَتَّى يَسْتَبِينَ لَهُ مَا فِي الْحُجُب(3).
عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ»(4)فَقَالَ لِي: مَا يَقُولُونَ؟ قُلْتُ: يَقُولُونَ إِنَّ الْعَرْشَ كَانَ عَلَى الْمَاءِ وَالرَّبُّ
ص: 384
فَوْقَهُ فَقَالَ عليه السلام فَقَدْ كَذَبُوا، مَنْ زَعَمَ هَذَا فَقَدْ صَيَّرَ اللَّهَ مَحْمُولاً وَوَصَفَهُ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ وَأَلْزَمَهُ أَنَّ الشَّيْ ءَ الَّذِي يَحْمِلُهُ أَقْوَى مِنْه(1).
وأمّا قوله تعالى: «الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى»(2).فهو من قبيل قول الشاعر:
قد استوى بشر على العراق***من غير سيف ودم مهراق(3)
في كون المراد به مجرّد الاستيلاء والسلطة.
هذا وفي الكامل: وفي سنة 323 خرج توقيع الراضي الخليفة بما يقرأ على الحنابلة، ينكر عليهم فعلهم ويوبّخهم باعتقاد التشبيه وغيره، فمنه: تارة أنّكم تزعمون أنّ صورة وجوهكم القبيحة السمجة على مثال ربّ العالمين وهيئتكم الرذلة على هيئته وتذكرون الكف والأصابع والرجلين والنعلين المذهّبين، والشعر القطط والصعود إلى السماء والنزول إلى الدنيا تبارك اللَّه عمّا يقول الظالمون والجاحدون علوّاً كبيرا(4).
والأصل في زعمهم قول النبيّ صلى الله عليه وآله: فانّ اللَّه تعالى خلق آدم على صورته(5)والضمير في صورته راجع إلى رجل سبّه من قال النبيّ صلى الله عليه وآله له ذلك، فتوهموا رجوعه إلى اللَّه، روى عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا عليه السلام: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ؟ فَقَالَ: قَاتَلَهُمُ اللَّهُ لَقَدْ حَذَفُوا أَوَّلَ الْحَدِيثِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مَرَّ بِرَجُلَيْنِ يَتَسَابَّانِ فَسَمِعَ
ص: 385
أَحَدَهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: قَبَّحَ اللَّهُ وَجْهَكَ وَوَجْهَ مَنْ يُشْبِهُكَ فَقَالَ عليه السلام: يَا عَبْدَ اللَّهِ لا تَقُلْ هَذَا لأَخِيكَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ(1).
وفي الكامل أيضاً في سنة 458: ذكر أنّ فيه توفي أبو يعلي الحنبلي مصنّف كتاب (الصفات) أتى فيه بكلّ عجيبة وفيه التجسيم وكان ابن تميم الحنبلي يقول: لقد خرى أبو يعلي على الحنابلة خربة لا يغسلها ماء(2).
هذا، ونوّع ابن أبي الحديد القول بالتشبيه من قائليه أحد عشر نوعاً: كونه تعالى جسماً وجوهراً وذا أعضاء وذا جهة وكونه عرضا ومحلّا لشي ء آخر ومتّحداً بغيره، وكونه ذا أعراض ولون، وذا شهوة ونفرة، وذا تناه وكونه مرئياً ونقل في كلّ نوع أباطيل من قائليه إلّا أنّ في نقله الغثّ والسمين، فنسب إلى جمع من أجلّة الشيعة أضاليل(3)، كما نقل ما لا ينبغي نقله من ترّهات قصص العامّة، مثل ما نقل عن قاصّ طبري: أنّ في القيامة يخفى اللَّه يزيد بن معاوية تحت قوائم عرشه من فاطمة، ويرغّبها في العفو عنه بارائته لها قدمه المجروحة من سهم نمرود وعفوه عنه(4)، ونقل عن معاذ العنبري أنّ له جميع الأعضاء حتّى الفرج(5).تعالى اللَّه عمّا يقولون علوّاً كبيراً.
ص: 386
بسم الله الرحمن الرحیم
إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ وَأَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ اللَّهِ وَيَتَوَلَّى عَلَيْهَا رِجَالٌ رِجَالاً عَلَى غَيْرِ دِينِ اللَّهِ فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ الْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى الْمُرْتَادِينَ وَلَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ الْبَاطِلِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَمِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَيَنْجُو الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ الْحُسْنى
قال اللَّه تعالى «الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ»(1).
وقال اللَّه تعالى «وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ»(2).
وقال اللَّه تعالى «وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ»(3).
ص: 387
وقال اللَّه تعالى «وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً»(1).
إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع كفتنة الاجتماع في السقيفة طلبا للرئاسة فقال المغيرة بن شعبة لأبي بكر وعمر: وسعوها في قريش تتسع، أتريدون أن تجمعوا من أهل هذا البيت بيت هاشم خيل حلبة أي بتصدي علي للأمر بعد محمّد(2).
وكلامه عليه السلام وإن كان بعد وقوع فتنة الخوارج إلّا انّه بيّن بدء فتنهم فلو لم يكن يوم السقيفة لم تحصل فتنة الخوارج، لأنّها حصلت بسبب قيام معاوية في قباله عليه السلام وقيام معاوية مع محاربته للَّه ولرسوله حتّى أسر فأظهر إسلاما وأسرّ كفره كان بواسطة قيام عثمان بأمر الخلافة، وقيام عثمان به مع عدم سابقة له أيّام النبيّ صلى الله عليه وآله إلّا حمايته عن أعداء اللَّه وأعداء رسوله ذويه وبني أبيه كان بتدبير عمر له لما كان كتب في غشوة أبي بكر استخلافه لعمر، وإن كان أبوبكر بعد افاقته أمضاه له طوعاً وكرها(3).
فأوصياء الأنبياء في كلّ عصر كانوا في بيوتهم ومن جنسهم «ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ»(4).
وأنكر الذين في قلوبهم مرض ذلك، فقال عمر لابن عبّاس اعتذاراً عن صرف
ص: 388
الأمر عنه عليه السلام: إنّ قومك كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوّة فتكونوا عليهم جحفا(1).(2)
أليس تعالى قال في كتابه: «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ»(3).
وقال تعالى: «أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ»(4).
وقد قضى اللَّه تعالى ولايته عليه السلام في قوله جلّ وعلا: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ»(5).
وقد قضى رسوله صلى الله عليه وآله ولايته عليه السلام بعد تقريرهم بأنّه أولى بهم من أنفسهم بأنّه من كان هو أولى به بنفسه فعليّ أولى به من نفسه في المتواتر عنه صلى الله عليه وآله، وقد قال تعالى: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِيناً»(6).
وأمّا قول فاروقهم: إنّ قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوّة فهل كانت
ص: 389
النبوّة بأيديهم حتّى تكون الخلافة بأيديهم فيكرهوا جمعهما لهم، وقد أجابه ابن عبّاس عن قوله بقوله جلّ وعلا: «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ»(1).(2)وقوله تعالى: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً»(3).
قال أبو بكر يوم السقيفة للناس: إنّما أدعوكم إلى أبي عبيدة أو عمر كلاهما قد رضيت لكم ولهذا الأمر وكلاهما له أهل. فقالا له: ما ينبغي لأحد من الناس أن يكون فوقك يا أبا بكر، أنت صاحب الغار ثاني اثنين وأمرك النبي بالصلاة(4).
فهذ هذا من دين اللَّه أن يجعلوا خلافةرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهنهبة بينهم، أليس من قواعد أهل العالم أن يكون خليفة كلّ شخص أن يخرج عن عهدة ما خرج ذاك الشخص عنه وحينئذٍ وكما هو تعالى أعلم حيث يجعل رسالته يكون هو أعلم حيث يجعل خلافة رسوله وأين اولئك الأجلاف عن مقامه صلى الله عليه وآله.
قال ابن قتيبة بعد ذكر طلب الأنصار كون الأمر لهم لأن بواسطتهم تمكّن
ص: 390
النبيّ صلى الله عليه وآله من نشر الإسلام أو كون الأمر بينهم وبين قريش لئلّا يبغي بعضهم على بعض، قام أبو بكر وقال: إنّ اللَّه بعث محمّداً رسولاً إلى خلقه وشهيداً على أُمّته ليعبدوا اللَّه ويوحّدوه وهم إذ ذاك يعبدون آلهة شتّى يزعمون أنّها شافعة وعليهم بالغة نافعة، وإنّما كانت حجارة منحوتة وخشبا منجورة، فاقرؤا إن شئتم: «إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ»(1)«وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ»(2)«مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى»(3) فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم فخصّ اللَّه المهاجرين الأولين بتصديقه والايمان به والمواساة والصبر معه على الشدّة من قومهم وإذلالهم وتكذيبهم إيّاهم وكلّ الناس مخالف عليهم يزرؤهم فلم يستوحشوا من قلّة عددهم وإزراء الناس لهم واجتماع قومهم عليهم، فهم أوّل من عبداللَّه في الأرض وأوّل من آمن باللَّه تعالى ورسوله، وهم أولياؤه وعشيرته وأحقّ الناس بالأمر من بعده، لا ينازعهم فيه إلّا ظالم(4).
فترى مزج الباطل كونه ولي الأمر بحق أعمال النبيّ صلى الله عليه وآله وعشيرته، ولم يكن مصداق ذلك بتمام معنى الكلمة إلّا أميرالمؤمنين عليه السلام وأين كان هو وصاحبه يوم نزل «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»(5)فجمع النبي بني عبدالمطلب وهم أربعون وقال
ص: 391
لهم: من يؤازرني حتّى يكون خليفتي فلم يجبه إلّا أميرالمؤمنين عليه السلام(1).
ولم يجبهم الأنصار بذلك لأنّهم لمّا شاهدوا الأحوال في مرض النبيّ صلى الله عليه وآله ومنعه من وصيّته ومخالفته في تجهيز جيش اسامة وعلموا بارادة قريش تصديهم للسلطان، وكانوا يعرفون عاقبة ذلك وما يرد عليهم من الإذلال والمهانة كما كان النبيّ أيضاً أخبرهم قبل بذلك وكانوا واترين لقريش المؤلّفة الطلقاء الذين كان أبوبكر وعمر مستظهرين بهما وعلموا أنّهم لا يرضون بتأمير أميرالمؤمنين عليه السلام أصلاً أعرضوا عن جوابهم بذلك وجدوا أن يكونوا هم المتصدّين أو شركاء.
ولم يحضر أميرالمؤمنين عليه السلام لاشتغاله بتجهيز النبيّ صلى الله عليه وآله وكانوا انتهزوا الفرصة في ذلك بأخذ البيعة من الناس وإتمام الأمر لهم ثمّ أحضروه للبيعة فقال عليه السلام - كما في (خلفاء ابن قتيبة) - لهم: أنا أحقّ بهذا الأمر منكم لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحججتم عليهم بالقرابة من النبيّ وتأخذوه منّا أهل البيت غصبا(2).
حتّى أن بشير بن سعد الخزرجي والد النعمان بن بشير الذي كان أوّل من بايع أبا بكر حتّى قبل عمر حسداً لابن عمّه سعد بن عبادة لئلّا ينال الرئاسة، لمّا سمع كلامه عليه السلام بما مرّ قال له: لو كان هذا الكلام سمعه الأنصار منك قبل بيعتهم لأبي بكر ما اختلفت عليك.
فقال عليه السلام له: أفكنت أدع رسول اللَّه صلى الله عليه وآلهفي بيته لا أدفنه وأخرج انازع الناس بسلطانه وقالت له فاطمة صلوات اللَّه عليها: ما صنع أبو الحسن إلّا ما كان ينبغي له
ص: 392
ولقد صنعوا ما اللَّه حسيبهم وطالبهم(1).
رووا عن ابن عبّاس قال: كنت عند عمر فتنفّس نفسا ظننت أنّ أضلاعه قد انفرجت، فقلت له: ما أخرج هذا النفس منك إلّا هم شديد، قال: اي واللَّه يابن عبّاس، إنّي افتكرت فلم أدر فيمن أجعل هذا الأمر بعدي. ثمّ قال: لعلّك ترى صاحبك لها أهلا. قلت: وما يمنعه من ذلك من جهاده وسابقته وقرابته وعلمه؟ قال: صدقت ولكنّه امرؤ فيه دعابة(2).
عن ابن عباس قال: إني لأماشي عمر إذ قال لي: يا ابن عباس ما أظن صاحبك إلّا مظلوما قلت في نفسي واللَّه لا يسبقني بها فقلت يا أمير المؤمنين فاردد ظلامته فانتزع يده من يدي ومضى وهو يهمهم ساعة ثمّ وقف فلحقته فقال يا ابن عباس ما أظنهم منعهم منه إلّا انهم استصغروه فقلت في نفسي هذه واللَّه شر من الأولى فقلت واللَّه ما استصغره اللَّه حين أمره أن يأخذ سورة براءة من صاحبك قال فأعرض عني وأسرع، فرجعت(3).
وعن ابن عباس قال: خرجت اريد عمر - إلى أن قال: - فقال عمر: إن صاحبكم إن ولي هذا الأمر أخشى عجبه بنفسه أن يذهب به فليتني أراكم بعدي قلت يا أمير المؤمنين إن صاحبنا ما قد علمت أنه ما غيّر ولا بدّل ولا أسخط رسول
ص: 393
اللَّه صلى الله عليه وآله أيام صحبته له. قال فقطع علي الكلام فقال ولا في ابنة أبي جهل لما أراد أن يخطبها على فاطمة. قلت قال اللَّه تعالى: «وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً»إنّ صاحبنا لم يعزم على سخط رسول اللَّه صلى الله عليه وآلهولكن الخواطر التي لا يقدر أحد على دفعها عن نفسه وربما كان من الفقيه في دين اللَّه العالم العامل بأمر اللَّه. فقال يا ابن عباس من ظن أنه يرد بحوركم فيغوص فيها معكم حتّى يبلغ قعرها فقد ظن عجزا(1).
وعن ابن عبّاس أيضاً قال: دخلت على عمر في أول خلافته فقال: كيف خلفت ابن عمك فظننته يعنى عبداللَّه بن جعفر قلت خلفته يلعب مع أترابه قال: إنما عنيت عظيمكم أهل البيت قلت خلفته يمتح بالغرب(2)على نخيلات من فلان وهو يقرأ القرآن قال يا عبد اللَّه عليك دماء البدن إن كتمتنيها هل بقي في نفسه شي ء من أمر الخلافة؟ قلت: نعم قال: أيزعم أنرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهنص عليه؟ قلت: نعم وأزيدك سألت أبي عما يدعيه فقال: صدق فقال عمر: لقد كان منرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهفي أمره ذرو(3)من قول لا يثبت حجة ولا يقطع عذرا ولقد كان يربع في أمره وقتا ما ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقا وحيطة على الإسلام لا ورب هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبدا ولو وليها لانتقضت عليه العرب من أقطارها فعلمرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهأني علمت ما في نفسه فأمسك(4).
فترى هذا المعاند ينسب تارة إليه عليه السلام الدعابة وأخرى صغر السن وتارة العجب بنفسه وأخرى عدم رضاء قريش به.
ص: 394
قال ابن أبي الحديد: كلامه عليه السلام حق، فإن الذين ضلوا من مقلدة اليهود والنصارى وأرباب المقالات الفاسدة من أهل الملة الإسلامية إنما ضل أكثرهم بتقليد الأسلاف وإنما قلدهم الأتباع لما شاهدوا من إصلاح ظواهرهم ورفضهم الدنيا وإقبالهم على العبادة وتمسكهم بالدين وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وصلابتهم في عقائدهم فاعتقد الأتباع والقرون التي جاءت بعدهم أن هؤلاء يجب اتباعهم وأن مخالفهم مبتدع ووقع الضلال والغلط بذلك لأن الباطل استتر وانغمر بما مازجه من الحق الغالب الظاهر المشاهد عيانا أو الحكم للظاهر ولولاه لما تروج الباطل ولا كان له قبول أصلا(1).
وهم طالبوا الحق لا بالتقليد والعصبيّة. قال جلّ وعلا: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا»(2).
رَوَى سُلَيْمُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام قَالَ: قَالَ لِي مُعَاوِيَةُ: مَا أَشَدَّ تَعْظِيمَكَ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ مَا هُمَا بِخَيْرٍ مِنْكَ وَلا أَبُوهُمَا بِخَيْرٍ مِنْ أَبِيكَ وَلَوْلا أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله لَقُلْتُ مَا أُمُّكَ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِدُونِهَا قَالَ: فَغَضِبْتُ مِنْ مَقَالَتِهِ وَأَخَذَنِي مَا لا أَمْلِكُ فَقُلْتُ: أَنْتَ
لَقَلِيلُ الْمَعْرِفَةِ بِهِمَا وَبِأَبِيهِمَا
ص: 395
وَأُمِّهِمَا بَلَى وَاللَّهِ هُمَا خَيْرٌ مِنِّي وَأَبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْ أَبِي وَأُمُّهُمَا خَيْرٌ مِنْ أُمِّي وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَقُولُ فِيهِمَا وَفِي أَبِيهِمَا وَأَنَا غُلامٌ فَحَفِظْتُهُ مِنْهُ وَوَعَيْتُهُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَلَيْسَ فِي الْمَجْلِسِ غَيْرُ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عليه السلام وَابْنِ جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَخِيهِ الْفَضْلِ هَاتِ مَا سَمِعْتَ فَوَ اللَّهِ مَا أَنْتَ بِكَذَّابٍ فَقَالَ إِنَّهُ أَعْظَمُ مِمَّا فِي نَفْسِكَ قَالَ وَإِنْ كَانَ أعْظَمَ مِنْ أُحُدٍ وَحَرَّى فَآتهِ مَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ لا أُبَالِي أَمَّا إِذَا قَتَلَ اللَّهُ طَاغِيَتَكُمْ وَفَرَّقَ جَمْعَكُمْ وَصَارَ الْأَمْرُ فِي أَهْلِهِ وَمَعْدِنِهِ فَلا نُبَالِي مَا قُلْتُمْ وَلا يَضُرُّنَا مَا ادَّعَيْتُمْ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَقُولُ أَنَا أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ مَنْ كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَأَنْتَ يَا أَخِي أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَعَلِيٌّ بَيْنَ يَدَيْهِ عليه السلام فِي الْبَيْتِ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَعُمَرُ [عمرو] بن أُمِّ سَلَمَةَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَفِي الْبَيْتِ فَاطِمَةُ عليه السلام وَأُمُّ أَيْمَنَ وَأَبُو ذَرٍّ وَالْمِقْدَادُ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله عَلَى عَضُدِهِ وَأَعَادَ مَا قَالَ فِيهِ ثَلاثاً ثُمَّ نَصَّ بِالْإِمَامَةِ عَلَى الْأَئِمَّةِ تَمَامَ الاثْنَيْ عَشَرَ عليه السلام ثُمَّ قَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَلأُمَّتِي اثْنَا عَشَرَ إِمَامَ ضَلالَةٍ كُلُّهُمْ ضَالٌّ مُضِلٌّ عَشَرَةٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَرَجُلانِ مِنْ قُرَيْشٍ وِزْرُ جَمِيعِ الاثْنَيْ عَشَرَ وَمَا أَضَلُّوا فِي أَعْنَاقِهِمَا ثُمَّ سَمَّاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَسَمَّى الْعَشَرَةَ مَعَهُمَا قَالَ فَسَمِّهِمْ لَنَا قَالَ فُلانٌ وَفُلانٌ وَفُلانٌ وَصَاحِبُ السِّلْسِلَةِ وَابْنُهُ مِنْ آلِ أَبِي سُفْيَانَ وَسَبْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَوَّلُهُمْ مَرْوَانُ قَالَ مُعَاوِيَةُ لَئِنْ كَانَ مَا قُلْتَ حَقّاً لَقَدْ هَلَكْتُ وَهَلَكَتِ الثَّلاثَةُ قَبْلِي وَجَمِيعُ مَنْ تَوَلّاهُمْ مِنْ هَذِهِ الْأةِ وَلَقَدْ هَلَكَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالتَّابِعِينَ غَيْرَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَشِيعَتَكُمْ قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ فَإِنَّ الَّذِي قُلْتُ وَاللَّهِ حَقٌّ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَالَ مُعَاوِيَةُ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَقُولُ ابْنُ جَعْفَرٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - وَمُعَاوِيَةُ بِالْمَدِينَةِ أَوَّلَ سَنَةٍ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ
ص: 396
النَّاسُ بَعْدَ قَتْلِ عَلِيٍ عليه السلام - أَرْسِلْ إِلَى الَّذِينَ سَمَّى فَأَرْسَلإِلَى عُمَرَ [عمرو] بْنِ أُمِّ سَلَمَةَ وَأُسَامَةَ فَشَهِدُوا جَمِيعاً أَنَّ الَّذِي قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ حَقٌّ قَدْ سَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله كَمَا سَمِعَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْفَضْلِ وَابْنِ أُمِّ سَلَمَةَ وَأُسَامَةَ فَقَالَ كُلُّكُمْ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ؟ قَالُوا نَعَمْ قَالَ مُعَاوِيَةُ فَإِنَّكُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَتَدَّعُونَ أَمْراً عَظِيماً وَتَحْتَجُّونَ بِحُجَّةٍ قَوِيَّةٍ فَإِنْ كَانَتْ حَقّاً فَإِنَّكُمْ لَتَصْبِرُونَ (لَتَبصرُونَ) عَلَى أَمْرٍ وَتَسْتُرُونَهُ وَالنَّاسُ فِي غَفْلَةٍ وَعَمًى وَلَئِنْ كَانَ مَا تَقُولُونَ حَقّاً لَقَدْ هَلَكَتِ الْأُمَّةُ وَرَجَعَتْ عَنْ دِينِهَا وَكَفَرَتْ بِرَبِّهَا وَجَحَدَتْ نَبِيَّهَا إِلّا أَنْتُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِكُمْ فَأُولَئِكَ قَلِيلٌ فِي النَّاسِ فَأَقْبَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ قَالَ اللَّهُ تعالى: «وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ»(1)وَقَالَ: «وَقَلِيلٌ ما هُمْ»(2)وَمَا تَعْجَبْ مِنِّي يَا مُعَاوِيَةُ اعْجَبْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ السَّحَرَةَ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ «فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ»(3)فَآمَنُوا بِمُوسَى وَصَدَّقُوهُ ثُمَّ سَارَ بِهِمْ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَقْطَعَهُمُ الْبَحْرَ وَأَرَاهُمُ الْعَجَائِبَ وَهُمْ مُصَدِّقُونَ بِمُوسَى وَبِالتَّوْرَاةِ يُقِرُّونَ لَهُ بِدِينِهِ ثُمَّ مَرُّوا بِأَصْنَامٍ تُعْبَدُ فَقَالُوا: «يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ»(4)وَعَكَفُوا عَلَى الْعِجْلِ جَمِيعاً غَيْرَ هَارُونَ فَقَالُوا: «هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى»(5)وَقَالَ لَهُمْ مُوسَى بَعْدَ ذَلِكَ: «ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ»(6)فَكَانَ مِنْ
ص: 397
جَوَابِهِمْ مَا قَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ فَقَالَ مُوسَى عليه السلام «رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ»(1)فَمَا اتِّبَاعُ هَذِهِ الْأُمَّةِ رِجَالاً سَوَّدُوهُمْ وَأَطَاعُوهُمْ لَهُمْ سَوَابِقُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ وَمَنَازِلُ قَرِيبَةٌ مِنْهُ وَأَصْهَارٌ مُقِرِّينَ بِدِينِ مُحَمَّدٍ وَبِالْقُرْآنِ حَمَلَهُمُ الْكِبْرُ وَالْحَسَدُ أَنْ خَالَفُوا إِمَامَهُمْ وَوَلِيَّهُمْ بِأَعْجَبَ مِنْ قَوْمٍ صَاغُوا مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً ثُمَّ عَكَفُوا عَلَيْهِ يَعْبُدُونَهُ وَيَسْجُدُونَ لَهُ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَاجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ كُلُّهُمْ غَيْرَ هَارُونَ وَحْدَهُ وَقَدْ بَقِيَ مَعَ صَاحِبِنَا الَّذِي هُوَ مِنْ نَبِيِّنَا بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ نَاسٌ سَلْمَانُ وَأَبُو ذَرٍّ وَالْمِقْدَادُ وَالزُّبَيْرُ ثُمَّ رَجَعَ الزُّبَيْرُ وَثَبَتَ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةُ مَعَ إِمَامِهِمْ حَتَّى لَقُوا اللَّهَ وَتَتَعَجَّبُ يَا مُعَاوِيَةُ أَنْ سَمَّى اللَّهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَاحداً بَعْدَ وَاحِدٍ قَدْ نَصَّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله بِغَدِيرِ خُمٍّ وَفِي غَيْرِ مَوْطِنٍ وَاحْتَجَّ بِهِمْ عَلَيْهِمْ وَأَمَرَهُمْ بِطَاعَتِهِمْ وَأَخْبَرَ أَنَّ أَوَّلَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ فِيهِمْ وَوَصِيُّهُ وَقَدْ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله جَيْشاً يَوْمَ مُؤْتَةَ فَقَالَ عَلَيْكُمْ بجَعْفَرٌ فَإِنْ هَلَكَ فَزَيْدٌ فَإِنْ هَلَكَ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقُتِلُوا جَمِيعاً أَفَتَرَاهُ يَتْرُكُ الْأُمَّةَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ مَنِ الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ لِيَخْتَارُوا هُمْ لأَنْفُسِهِمُ الْخَلِيفَةَ كَانَ رَأْيُهُمْ لأَنْفُسِهِمْ أَهْدَى لَهُمْ وَأَرْشَدَ مِنْ رَأْيِهِ وَاخْتِيَارِهِ وَمَا رَكِبَ الْقَوْمُ مَا رَكِبُوا إِلّا بَعْدَ مَا بَيَّنَهُ وَمَا تَرَكَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي عَمًى وَلا شُبْهَةٍ فَأَمَّا مَا قَالَ الرَّهْطُ الْأَرْبَعَةُ الَّذِينَ تَظَاهَرُوا عَلَى عَلِيٍ عليه السلام وَكَذَبُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَزَعَمُوا أَنَّهُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيَجْمَعَ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ النُّبُوَّةَ وَالْخِلافَةَ فَقَدْ شَبَّهُوا عَلَى النَّاسِ بِشَهَادَتِهِمْ وَكَذِبِهِمْ وَمَكْرِهِمْ قَالَ مُعَاوِيَةُ مَا تَقُولُ يَا حَسَنُ قَالَ يَا مُعَاوِيَةُ قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْعَجَبُ مِنْكَ يَا مُعَاوِيَةُ وَمِنْ قِلَّةِ حَيَائِكَ وَمِنْ
ص: 398
جرْأَتِكَ عَلَى اللَّهِ حِينَ قُلْتَ قَدْ قَتَلَ اللَّهُ طَاغِيَتَكُمْ وَرَدَّ الْأَمْرَ إِلَى مَعْدِنِهِ فَأَنْتَ يَا مُعَاوِيَةُ مَعْدِنُ الْخِلافَةِ دُونَنَا؟ وَيْلٌ لَكَ يَا مُعَاوِيَةُ وَلِلثَّلاثَةِ قَبْلَكَ الَّذِينَ أَجْلَسُوكَ هَذَا الْمَجْلِسَ وَسَنُّوا لَكَ هَذِهِ السُّنَّةَ لأَقُولَنَّ كَلاماً مَا أَنْتَ أَهْلُهُ وَلَكِنِّي أَقُولُ لِيَسْمَعَهُ بَنُو أَبِي هَؤُلاءِ حَوْلِي إِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى أُمُورٍ كَثِيرَةٍ لَيْسَ بَيْنَهُمْ اخْتِلافٌ فِيهَا وَلا تَنَازُعٌ وَلا فُرْقَةٌ عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَعَبْدُهُ وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَحِجِّ الْبَيْتِ ثُمَّ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ الَّتِي لا تُحْصَى وَلا يَعُدُّهَا إِلّا اللَّهُ وَاجْتَمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْكَذِبِ وَالْقَطِيعَةِ وَالْخِيَانَةِ وَأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنْ مَعَا صِي اللَّهِ لا تُحْصَى وَلا يَعُدُّهَا إِلّا اللَّهُ وَاخْتَلَفُوا فِي سُنَنٍ اقْتَتَلُوا فِيهَا وَصَارُوا فِرَقاً يَلْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَهِيَ الْوَلايَةُ وَيَبْرَأُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَيَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً أَيُّهُمْ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِهَا إِلّا فِرْقَةٌ تَتَّبِعُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وآله فَمَنْ أَخَذَ بِمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْقِبْلَةِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ اخْتِلافٌ وَرَدَّ عِلْمَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ إِلَى اللَّهِ سَلِمَ وَنَجَا بِهِ مِنَ النَّارِ وَدَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ وَمَنَّ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنْ نَوَّرَ قَلْبَهُ بِمَعْرِفَةِ وُلاةِ الْأَمْرِ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ وَمَعْدِنِ الْعِلْمِ أَيْنَ هُوَ فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَعِيدٌ وَللَّهِ ِ وَلِيٌّ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً عَلِمَ حَقّاً فَقَالَ فَغَنِمَ أَوْ سَكَتَ فَسَلِمَ نَحْنُ نَقُولُ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّ الْأَئِمَّةَ مِنَّا وَإِنَّ الْخِلافَةَ لا تَصْلُحُ إِلّا فِينَا وَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَنَا أَهْلَهَا فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وآله وَإِنَّ الْعِلْمَ فِينَا وَنَحْنُ أَهْلُهُ وَهُوَ عِنْدَنَا مَجْمُوعٌ كُلُّهُ بِحَذَافِيرِهِ وَإِنَّهُ لا يَحْدُثُ شَيْ ءٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى أَرْشُ الْخَدْشِ إِلّا وَهُوَ عِنْدَنَا مَكْتُوبٌ بِإِمْلاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَخَطِّ عَلِيٍ عليه السلام بِيَدِهِ وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنَّا حَتَّى أَنْتَ يَا ابْنَ هِنْدٍ تَدَّعِي ذَلِكَ وَتَزْعُمُ أَنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ إِلَى أَبِي أَنِّي أُرِيدُ أَنْ أَكْتُبَ الْقُرْآنَ فِي مُصْحَفٍ فَابْعَثْ إِلَيَّ بِمَا كَتَبْتَ مِنَ الْقُرْآنِ فَأَتَاهُ فَقَالَ
ص: 399
تَضْرِبُ وَاللَّهِ عُنُقِي قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ قَالَ وَلِمَ؟ قَالَ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: «وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ»(1)قَالَ إِيَّايَ عَنَى وَلَمْ يَعْنِكَ وَلا أَصْحَابَكَ فَغَضِبَ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ (يا خ ل) ابْنَ أَبِي طَالِبٍ تحسب (يَحْسَبُ) أَنَّ أَحَداً لَيْسَ عِنْدَهُ عِلْمٌ غيرك (غَيْرَهُ) مَنْ كَانَ يَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئاً فَلْيَأْتِنِي به فَإِذَا جَاءَ رَجُلٌ فَقَرَأَ شَيْئاً مَعَهُ فِيهِ آخَرُ كَتَبَهُ وَإِلّا لَمْ يَكْتُبْهُ ثُمَّ قَالُوا قَدْ ضَاعَ مِنْهُ قُرْآنٌ كَثِيرٌ بَلْ كَذَبُوا وَاللَّهِ بَلْ هُوَ مَجْمُوعٌ مَحْفُوظٌ عِنْدَ أَهْلِهِ ثُمَّ أَمَرَ عُمَرُ قُضَاتَهُ وَوُلاتَهُ اجتهدوا (أَجْهِدُوا) آرَاءَكُمْ وَاقْضُوا بِمَا تَرَوْنَ أَنَّهُ الْحَقُّ فَلا يَزَالُ هُوَ وَبَعْضُ وُلاتِهِ قَدْ وَقَعُوا فِي عَظِيمَةٍ فَيُخْرِجُهُمْ مِنْهَا أَبِي لِيَحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِهَا فَتَجْتَمِعُ الْقُضَاةُ عِنْدَ خَلِيفَتِهِمْ وَقَدْ حَكَمُوا فِي شَيْ ءٍ وَاحِدٍ بِقَضَايَا مُخْتَلِفَةٍ فَأَجَازَهَا لَهُمْ لأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُؤْتِهِ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ وَزَعَمَ كُلُّ صِنْفٍ مِنْ مُخَالِفِينَا مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقِبْلَةِ أَنَّهم مَعْدِنُ الْخِلافَةِ وَالْعِلْمِ دُونَنَا فَنَسْتَعِينُ بِاللَّهِ عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا وَجَحَدَنا حَقَّنَا وَرَكِبَ رِقَابَنَا وَسَنَّ لِلنَّاسِ عَلَيْنَا مَا يَحْتَجُّ بِهِ مِثْلُكَ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ إِنَّمَا النَّاسُ ثَلاثَةٌ مُؤْمِنٌ يَعْرِفُ حَقَّنَا وَيُسَلِّمُ لَنَا وَيَأْتَمُّ بِنَا فَذَلِكَ نَاجٍ مُحِبٌّ للَّهِ ِ وَلِي (ولنا) وَنَاصِبٌ لَنَا الْعَدَاوَةَ يَتَبَرَّأُ مِنَّا وَيَلْعَنُنَا وَيَسْتَحِلُّ دِمَاءَنَا وَيَجْحَدُ حَقَّنَا وَيَدِينُ اللَّهَ بِالْبَرَاءَةِ مِنَّا فَهَذَا كَافِرٌ مُشْرِكٌ فَاسِقٌ وَإِنَّمَا كَفَرَ وَأَشْرَكَ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُ كَمَا سَبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَرَجُلٌ آخِذٌ بِمَا لا يُخْتَلَفُ فِيهِ وَرَدَّ عِلْمَ مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ إِلَى اللَّهِ مَعَ وَلايَتِنَا وَلا يَأْتَمُّ بِنَا وَلا يُعَادِينَا وَلا يَعْرِفُ حَقَّنَا فَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ وَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ فَهَذَا مُسْلِمضَعِيفٌ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ أَمَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ غَيْرَ
ص: 400
الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَابْنِ جَعْفَرٍ فَإِنَّهُ أَمَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِأَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ(1).
رواه الكليني مع زيادات في كتاب الروضه: عن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلالِيِّ قَالَ خَطَبَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِ صلى الله عليه وآله ثُمَّ قَالَ أَلا إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ خَلَّتَانِ (خصلتان) اتِّبَاعُ الْهَوَى وَطُولُ الْأَمَلِ أَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ وَأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَيُنْسِي الآْخِرَةَ أَلا إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَرَحَّلَتْ مُدْبِرَةً وَإِنَّ الآْخِرَةَ قَدْ تَرَحَّلَتْ مُقْبِلَةً وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآْخِرَةِ وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلا حِسَابَ وَإِنَّ غَداً حِسَابٌ وَلا عَمَلَ وَإِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ مِنْ أَهْوَاءٍ تُتَّبَعُ وَأَحْكَامٍ تُبْتَدَعُ يُخَالَفُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ يَتَوَلَّى فِيهَا رِجَالٌ رِجَالاً أَلا إِنَّ الْحَقَّ لَوْ خَلَصَ لَمْ يَكُنِ اخْتِلافٌ وَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ لَمْ يُخَفْ عَلَى ذِي حِجًى لَكِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَمِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ فَيُجَلَّلانِ مَعاً فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَنَجَا الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ الْحُسْنَى إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَقُولُ كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَبَسَتْكُمْ فِتْنَةٌ يَرْبُو فِيهَا الصَّغِيرُ وَيَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ يَجْرِي النَّاسُ عَلَيْهَا وَيَتَّخِذُونَهَا سُنَّةً فَإِذَا غُيِّرَ مِنْهَا شَيْ ءٌ قِيلَ قَدْ غُيِّرَتِ السُّنَّةُ وَقَدْ أَتَى النَّاسُ مُنْكَراً ثُمَّ تَشْتَدُّ الْبَلِيَّةُ وَتُسْبَى الذُّرِّيَّةُ وَتَدُقُّهُمُ الْفِتْنَةُ كَمَا تَدُقُّ النَّارُ الْحَطَبَ وَكَمَا تَدُقُّ الرَّحَى بِثِفَالِهَا وَيَتَفَقَّهُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ لِغَيْرِ الْعَمَلِ
ص: 401
وَيَطْلُبُونَ الدُّنْيَا بِأَعْمَالِ الآْخِرَةِ ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَخَاصَّتِهِ وَشِيعَتِهِ فَقَالَ قَدْ عَمِلَتِ الْوُلاةُ قَبْلِي أَعْمَالاً خَالَفُوا فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مُتَعَمِّدِينَ لِخلافِهِ نَاقِضِينَ لِعَهْدِهِ مُغَيِّرِينِ لِسُنَّتِهِ وَلَوْ حَمَلْتُ النَّاسَ عَلَى تَرْكِهَا وَحَوَّلْتُهَا إِلَى مَوَاضِعِهَا وَإِلَى مَا كَانَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص لَتَفَرَّقَ عَنِّي جُنْدِي حَتَّى أَبْقَى وَحْدِي أَوْ قَلِيلٌ مِنْ شِيعَتِيَ الَّذِينَ عَرَفُوا فَضْلِي وَفَرْضَ إِمَامَتِي مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَمَرْتُ بِمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام فَرَدَدْتُهُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَرَدَدْتُ فَدَكاً إِلَى وَرَثَةِ فَاطِمَةَ عليه السلام وَرَدَدْتُ صَاعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله كَمَا كَانَ وَأَمْضَيْتُ قَطَائِعَ أَقْطَعَهَا رَسُولُ اللَّه ِ صلى الله عليه وآله لأَقْوَامٍ لَمْ تُمْضَ لَهُمْ وَلَمْ تُنْفَذْ وَرَدَدْتُ دَارَ جَعْفَرٍ إِلَى وَرَثَتِهِ وَهَدَمْتُهَا مِنَ الْمَسْجِدِ(1)وَرَدَدْتُ قَضَايَا مِنَ الْجَوْرِ قُضِيَ بِهَا(2)وَنَزَعْتُ نِسَاءً تَحْتَ رِجَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فَرَدَدْتُهُنَّ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ(3)وَاسْتَقْبَلْتُ بِهِنَّ الْحُكْمَ فِي الْفُرُوجِ وَالْأَحْكَامِ وَسَبَيْتُ ذَرَارِيَّ بَنِي تَغْلِبَ(4)وَرَدَدْتُ مَا قُسِمَ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ وَمَحَوْتُ دَوَاوِينَ
ص: 402
الْعَطَايَا(1)وَأَعْطَيْتُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله(2)يُعْطِي بِالسَّوِيَّةِ وَلَمْ أَجْعَلْهَا دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ وَأَلْقَيْتُ الْمَسَاحَةَ(3)وَسَوَّيْتُ بَيْنَ الْمَنَاكِحِ(4)وَأَنْفَذْتُ خُمُسَ الرَّسُولِ كَمَا
ص: 403
أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَفَرَضَهُ(1)وَرَدَدْتُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِلَى مَا كَانعَلَيْهِ(2)وَسَدَدْتُ مَا فُتِحَ فِيهِ مِنَ الْأَبْوَابِ وَفَتَحْتُ مَا سُدَّ مِنْهُ وَحَرَّمْتُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَحَدَدْتُ عَلَى النَّبِيذِ(3)وَأَمَرْتُ بِإِحْلالِ الْمُتْعَتَيْنِ(4)وَأَمَرْتُ بِالتَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَائِزِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ(5)وَأَلْزَمْتُ النَّاسَ الْجَهْرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(6)وَأَخْرَجْتُ مَنْ أُدْخِلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي مَسْجِدِهِ مِمَّنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أَخْرَجَهُ وَأَدْخَلْتُ مَنْ أُخْرِجَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مِمَّنْ كَانَ
ص: 404
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أَدْخَلَهُ(1)وَحَمَلْتُ النَّاسَ عَلَى حُكْمِ الْقُرْآنِ وَعَلَى الطَّلاقِ عَلَى السُّنَّةِ(2)وَأَخَذْتُ الصَّدَقَاتِ عَلَى أَصْنَافِهَا وَحُدُودِهَا(3)وَرَدَدْتُ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ وَالصَّلاةَ إِلَى مَوَاقِيتِهَا وَشَرَائِعِهَا وَمَوَاضِعِهَا(4)وَرَدَدْتُ أَهْلَ نَجْرَانَ إِلَى مَوَاضِعِهِمْ(5)
ص: 405
وَرَدَدْتُ سَبَايَا فَارِسَ وَسَائِرِ الْأُمَمِ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وآله إِذاً لَتَفَرَّقُوا عَنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ أَمَرْتُ النَّاسَ أَنْ لا يَجْتَمِعُوا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِلّا فِي فَرِيضَةٍ وَأَعْلَمْتُهُمْ أَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ فِي النَّوَافِلِ بِدْعَةٌ فَتَنَادَى بَعْضُ أَهْلِ عَسْكَرِي مِمَّنْ يُقَاتِلُ مَعِي يَا أَهْلَ الْإِسْلامِ غُيِّرَتْ سُنَّةُ عُمَرَ يَنْهَانَا عَنِ الصَّلاةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ تَطَوُّعاً وَلَقَدْ خِفْتُ أَنْ يَثُورُوا فِي نَاحِيَةِ جَانِبِ عَسْكَرِي(1)مَا لَقِيتُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الْفُرْقَةِ وَطَاعَةِ أَئِمَّةِ الضَّلالَةِ وَالدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ وَأَعْطَيْتُ(2)مِنْ ذَلِكَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى الَّذِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ»(3)فَنَحْنُ وَاللَّهِ عَنَى بِذِي الْقُرْبَى الَّذِي قَرَنَنَا اللَّهُ بِنَفْسِهِ وَبِرَسُولِه ِ صلى الله عليه وآله(4)فَقَالَ تَعَالَى: «فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ»فِينَا خَاصَّةً «كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ»فِي ظُلْمِ آلِ مُحَمَّدٍ «إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ»(5)لِمَنْ ظَلَمَهُمْ رَحْمَةً مِنْهُ لَنَا وَغِنًى أَغْنَانَا اللَّهُ بِهِ وَوَصَّى بِهِ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وآله وَلَمْ يَجْعَلْ لَنَا فِي سَهْمِ الصَّدَقَةِ نَصِيباً أَكْرَمَ اللهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وآله وَأَكْرَمَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ أَنْ يُطْعِمَنَا مِنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ فَكَذَّبُوا اللَّهَ وَكَذَّبُوا رَسُولَهُ وَجَحَدُوا كِتَابَ اللَّهِ النَّاطِقَ بِحَقِّنَا وَمَنَعُونَا فَرْضاً فَرَضَهُ اللَّهُ لَنَا، مَا لَقِيَ أَهْلُ
ص: 406
بَيْتِ نَبِيٍّ مِنْ أُمَّتِهِ مَا لَقِينَا بَعْدَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وآله وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ(1).
إلى هنا انتهى الجزء الخامس وأسأل اللَّه أن يوفّقني بمنّه لإتمام هذا الشرح انّه سميع الدعاء قريب مجيب
الحمدالله رَبِّ الْعَالَمِينَ
وَ صَلَّی اللَّهُ عَلَی سَيِّدِنا محمد و علی آله الطیبین الطاهرین
و اللَّعْنِ الدَّائِمِ عَلِيِّ أَعْدَائِهِمْ أَجْمَعِينَ الی یوم الدین
ص: 407
القرآن الکریم
1 - إثباة الهداة بالنصوص والمعجزات: محمّد بن حسن، الشيخ حرّ العاملى، (المتوفى 1104 ق)، 5 مجلد، الأعلمي، بيروت، الأولى 1425.
2 - الاحتجاج على اهل اللجاج: ابو منصور احمد بن على بن ابى طالب طبرسى، 2 مجلد، مترجم: بهراد جعفرى، دار الكتب الاسلامية، طهران 1387 ش.
3 - الاحتجاج على أهل اللجاج: احمد بن على، طبرسى، (المتوفى 588ق)، 2 مجلد، مصحح: محمد باقر خرسان، نشر مرتضى، مشهد، الأولى 1403ق.
4 - الأخبار الطوال: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفى 276ق)، دار إحياء الكتب العربي، القاهرة، الطبعة الأولى 1960م.
5 - أخبار مكّة وما جاء فيها من الآثار: محمّد بن عبداللَّه الأزرقي، (المتوفى نحو 250ق)، انتشارات الشريف الرضي، قم، الأولى 1411ق 1369ش.
6- الارشاد في معرفة حجج اللَّه على العباد: محمّد بن محمّد المفيد، (المتوفّى 413ق)، المصحّح: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، المؤتمر للشيخ المفيد، قم، الأولى 1413ق.
ص: 408
7 - ارشاد القلوب الى الصواب للديلمى: حسن بن محمد ديلمى، (المتوفى 841ق)، 2 مجلد، الشريف الرضى، قم، الأولى 1412ق.
8 - الاستيعاب: ابن عبدالبر، القرن الخامس، تحقيق: علي محمّد البجاوى، بيروت، دار الجيل، الأولى 1412ق، 1992م.
9 - اسد الغابة: ابن الأثير، (المتوفّى 630ق)، دار الكتاب العربي بيروت، لبنان، توضيحات: نشر إسماعيليان، طهران.
10 - الاصابة: أحمد بن علي بن حجر العسقلانى، (المتوفى 852ق): تحقيق: عادل أحمد، 8 مجلد، دار الكتب العلميّة، بيروت، الأولى 1415ق 1995م.
11 - الاصول الستة عشر: مصحح: ضياءالدين محمودى ونعمت اللَّه جليلى ومهدى غلامعلى، مؤسسة دار الحديث الثقافية، قم، الأولى 1423ق.
12 - اعلام الدين فى صفات المؤمنين: حسن بن محمد ديلمى، (المتوفى 841ق)، 1 مجلد، الناشر والمصحح: مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1408ق.
13 - اعلام الورى باعلام الهدى (ط القديمة): فضل بن حسن طبرسى، (المتوفى 548ق)، 1 مجلد، اسلامية، تهران، الثالثة 1390ق.
14 - الأغاني: ابن الفرج الاصفهاني، (المتوفّى 356)، 25 جلد، دار إحياء التراث العربي.
15 - اقبال الاعمال (ط - القديمة): ابن طاووس، على بن موسى، (المتوفى 664ق)، 2 مجلد، دار الكتب الاسلامية، طهران، الثانية 1409ق.
16 - الأمالي (للصدوق): محمد بن على بن بابويه، (المتوفى 381ق)، الأعلمى بيروت، الخامسة 1400ق - 1362ش.
ص: 409
17 - الأمالي (للطوسي): محمد بن الحسن طوسى، (المتوفى 460ق)، 1 مجلد، دار الثقافه، قم، الأولى 1414ق.
18 - الأمالي (للمرتضى): على بن حسين، علم الهدى، (المتوفى 436ق)، 2 مجلد، مصحح: محمد ابوالفضل، ابراهيم، دار الفكر العربى، قاهره، الأولى 1988م.
19 - الأمالي (للمفيد): محمد بن محمد، مفيد، (المتوفى 413ق)، 1 مجلد، مصحح: حسين استاد ولى وعلى اكبر غفارى، مؤتمر الشيخ المفيد، قم، الأولى 1413ق.
20 - الامامة والسياسة: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفّى 276ق)، تحقيق: الزيني، مؤسّسة الحلبى وشركاه للنشر والتوزيع.
21 - الأمثال والحكم المستخرجة من نهج البلاغة: محمّد غروي، معاصر، 1 مجلد، مؤسسة النشر الاسلامى، قم 1365.
22 - الأنساب: السمعاني، (المتوفى 562ق)، دار الجنان للطباعة والنشر والتوزيع، 5 مجلد، بيروت، لبنان، الأولى 1408ق.
23 - أنساب الأشراف: أحمد بن يحيى بن جابر البلاذرى، (المتوفى 279ق)، تحقيق: سهيل زكار، رياض، زركلى، 13 مجلد، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الأولى.
24 - اوائل المقالات: الشيخ المفيد، (المتوفى 413ق)، دار المفيد للطباعة والنشر والتوريع، بيروت، لبنان، الثانية 1414ق 1993.
25 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار: محمّد باقر بن محمّد تقى مجلسى، (المتوفى 1110ق)، 111 مجلد، دار احياء التراث العربي، الثانية 1403ق.
ص: 410
26 - بشارة المصطفى لشيعة المرتضى: عماد الدين أبي جعفر محمد بن أبي القاسم الطبرى الآملي، (المتوفى 553ق)، 1 مجلد، المكتبة الحيدرية، نجف الأشرف، الثانية 1383ق.
27 - بصائر الدرجات في فضائل آل محمد عليهم السلام: محمد بن حسن صفار، (المتوفى 290ق)، مصحح: محسن بن عباسعلي كوچه باغي، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي، قم، الثانية 1404ق.
28 - بلاغات النساء: ابن طيفور، (المتوفى 380ق)، مكتبة بصيرتي، قمّ المقدّسة.
29 - البلدان: أحمد بن محمّد الهمذاني (ابن الفقيه الهمذاني)، (المتوفى 340ق)، عالم الكتب للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، الأولى 1416/1996م.
30 - بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: محمّد تقي الشيخ الشوشتري، (المتوفى 1415ق - 1374ش)، مؤسّسة نشر أمير كبير، الأولى 1376 شمسى.
31 - تاج العروس من جواهر القاموس: محمّد مرتضى حسينى زبيدى، (المتوى 1205ق)، تحقيق: على هلالى وسيرى على، 20 مجلد، دار الفكر، بيروت، الأولى 1414ق.
32 - تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي، (المتوفى 463ق)، تحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1417ق - 1997 م.
33 - تاريخ الكوفة: السيد حسين البراقى نجفى، (المتوفى 1332)، انتشارات المكتبة الحيدرية، الأولى.
ص: 411
34 - تاريخ الطبرى: محمد بن جرير الطبري، 6 مجلد، (المتوفى 310ق)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.
35 - تاريخ مدينة دمشق: ابن عساكر، (المتوفى 571ق)، 70 مجلد، تحقيق: علي شيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، مطبعة دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، چاپ 1415ق.
36 - تاريخ يعقوبى: أحمد بن أبى يعقوب المعروف باليعقوبى، (المتوفى بعد 292)، بيروت، دار صادر، بى تا.
37 - تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: علي الاسترآبادي، (المتوفى 940ق)، مصحح: حسين استاد ولي، مؤسسة النشر الاسلامى، قم، الأولى 1409ق.
38 - تحف العقول: حسن بن علي، ابن شعبة الحرّاني، (المتوفى قرن 4)، 1 مجلد، مصحح: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الثانية 1404ق - 1363ش.
39 - التذكرة الحمدونيّة: ابن حمدون، (المتوفى 562ق) 10 مجلد، تحقيق: احسان عبّاس، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت، الأولى 1996م.
40 - تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم: تميمى آمدي، عبدالواحد بن محمد، (المتوفى 550ق)، 1 مجلد، دفتر تبليغات، ايران، قم، الأوّل 1366ش.
41- تفسير الرازي: فخرالدين الرازي، (المتوفى 606ق)، 32 مجلد، مكتبة أهل البيت عليهم السلام.
42 - تفسير الصافي: محمّد بن شاه مرتضى فيض كاشاني، (المتوفى 1091ق)، مكتبة الصدر، طهران، الثانية 1415ق.
ص: 412
43 - تفسير العياشي: محمّد بن مسعود العياشي، (المتوفى 320ق)، 2 مجلد، مصحح: السيّد هاشم رسولى المحلّاتى، المطبعة العلمية، طهران، الأولى 1380 ق.
44 - تفسير القمي: علي بن ابراهيم القمي، (المتوفى القرن 3 الهجري)، مصحح: السيّد طيّب موسوى الجزائري، 2 مجلد، دار الكتاب، قم، الثالثة 1404ق.
45 - التفسير المنسوب الى الامام الحسن العسكري عليه السلام: الشهادة 260 ق)، 1 مجلد، مصحح: مدرسة الإمام المهدي عليه السلام، قم، الأولى 1409ق.
46- تقريب المعارف: تقى بن نجم، ابو الصلاح الحلبى، (المتوفى 447ق)، مصحح: تبريزيان (الحسون)، 1 مجلد، الهادى، قم، الاولى 1404ق.
47 - التمحيص: ابن همام اسكافى، (المتوفى 336ق)، مدرسة الامام المهدى عليه السلام، قم، الأولى 1404ق.
48 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام: ورام بن أبي فراس، مسعود بن عيسى، (المتوفى 605ق)، 2 مجلد، مكتبة الفقيه، قم، الأولى 1410ق.
49 - التنبيه والاشراف: المسعودي، (المتوفى 346ق)، دار صعب، بيروت - لبنان.
50 - تنزيه الأنبياء عليهم السلام: علم الهدى، علي بن حسين، (المتوفى 436ق)، 1 مجلد، دار الشريف الرضي، قم، الأولى 1377ش.
51 - التوحيد (للصدوق): محمّد بن علي، ابن بابويه، (المتوفى 381ق)، 1 مجلد، مصحح: هاشم الحسيني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الأولى 1398ق.
52 - توحيد المفضل: مفضل بن عمر، (المتوفى 148ق)، 1 مجلد، داورى، ايران، قم، الثالثة، بى تا.
ص: 413
53 - تهذيب الأحكام: محمد بن الحسن، طوسى، (المتوفى 460ق)، 10 مجلد، مصحح: حسن الموسوى خرسان، دار الكتب الاسلامية، تهران، الرابعة 1407ق.
54 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: محمد بن علي الصدوق، ابن بابويه، (المتوفى 381ق)، دار الشريف الرضي للنشر، قم، الثانية 1406ق.
55 - جامع الأخبار (للشعيرى): محمد بن محمد شعيرى، (المتوفى القرن 6)، مطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، الأولى.
56 - جامع السعادات: ملا محمد مهدى النراقي، (المتوفى 1209ق)، 3 مجلد، دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الأشرف.
57- جمهرة الأمثال: أبو هلال الحسن بن عبداللَّه العسكري، (المتوفى نحو 395ق)، 2 مجلد، دار الفكر، بيروت.
58 - الجواهر السنية فى الأحاديث القدسيّة: محمّد بن حسن شيخ حرّ العاملي، (المتوفى 1104ق)، 1 مجلد، انتشارات دهقان، طهران، الثالثة 1380ش.
59 - حدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة: قطب الدين محمّد بن حسين بيهقي كندري، (قرن 6)، 2 مجلد، بنياد نهج البلاغه، انتشارات عطارد، الأولى 1375ش.
60 - حلية الأولياء: أبو نعيم أحمد بن عبداللَّه الاصبهاني، (المتوفى 430ق)، 10 مجلد، السعادة، بجوار محافظة مصر، 1394ق 1974م.
61 - الحيوان: عمرو بن بحر الشهير بالجاحظ، (المتوفى 255ق)، 7 مجلّد، دار الكتب العلميّة، بيروت، الثانية 1424ق.
ص: 414
62 - الخرائج والجرائح: سعيد بن هبة اللَّه، قطب الدين الراوندي، (المتوفى 573ق)، المصحح والناشر: مؤسسة الامام المهدي عليه السلام، 3 مجلد، قم، الأولى 1409ق.
63 - الخصال: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: على اكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الأولى 1362ش.
64 - خصائص أميرالمؤمنين عليه السلام: النسائى (المتوفى 303ق)، تحقيق: محمد هادى الأمينى، مكتبة نينوى الحديثة، طهران.
65 - ديوان أميرالمؤمنين عليه السلام: ميبدى، حسين بن معين الدين، (المتوفى 911ق)، 1 مجلد، دار نداء الإسلام للنشر، قم، الأوّل 1411ق.
66 - ربيع الأبرار ونصوص الأخبار: الزمخشرى، (المتوفى 538ق)، تحقيق: عبدالأمير مهنا، 5 مجلد، مؤسسة الأعلمى للمطبوعات، بيروت، الأولى 1412ق 1992م.
67 - رجال الطوسى: محمد بن حسن الطوسى، (المتوفى 460ق) مصحّح: جواد قيومى اصفهانى، 1 مجلد: مؤسسة النشر الاسلامى التابعة لجامعة المدرسين بقمّ المقدّسة، قم، الثانية 1373ش.
68 - رجال الكشى (مع تعليقات ميرداماد الاسترآبادى): محمّد بن عمر كشى، (المتوفى النصف الأوّل من القرن الرابع)، 2 مجلد، مصحّح: رجائى، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1363ش.
69 - رجال النجاشي: النجاشي، أحمد بن علي (المتوفى 450ق)، 1 مجلد، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرّسين بقم المشرّفة، قم، 1365 ش.
ص: 415
70 - رسائل الشهيد الثاني (ط - ج): الشهيد الثاني، (ش 965ق)، 2 مجلد، مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي، الأولى 1421ق 1379ش.
71 - روضة الواعظين وبصيرة المتعظين: محمّد بن أحمد، فتال النيشابوري، (المتوفى 508ق)، 2 مجلد، النشر الرضي، قم، الأولى 1375ش.
72 - رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين عليه السلام: سيد عليخان بن احمد، الكبير المدني، (المتوفى 1120ق)، 7 مجلد، مصحح: محسن الحسيني الأميني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الأولى 1409ق.
73 - سفينة البحار ومدينة الحكم والآثار: الشيخ عبّاس القمي، (المتوفى 1359ق)، الأسوة، قم، الأولى 1414ق.
74 - السقيفة وفدك: الجوهرى، (المتوفى 323ق)، شركة الكتبى للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، الثانية 1413ق 1993م.
75 - السيرة النبوية: ابن هشام الحميري، (المتوفى 218ق)، 1 مجلد، تحقيق: محمد محي الدين عبدالحميد، مكتبة محمّد علي صبيح وأولاده، القاهرة، 1383ق - 1963م.
76 - الشافى فى الامامة: الشريف المرتضى، (المتوفى 436ق)، 4 مجلد، مؤسسة اسماعيليان، قم، الثانية 1410ق.
77 - شجرة طوبى: الشيخ محمّد مهدي الحائري، (المتوفى 1369ق)، 2 مجلد، منشورات المكتبة الحيدريّة، النجف الأشرف، الخامسة محرّم الحرام 1385.
ص: 416
78 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب: عبدالحي العكري الدمشقي (ابن العماد الحنبلي)، (المتوفى 1089)، دار احياء التراث، بيروت، 8 مجلد.
79 - شرح احقاق الحق: السيّد المرعشي، 33 مجلد، تعليق: السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي، تصحيح: السيّد إبراهيم الميانجي، منشورات مكتبة آية اللَّه العظمى المرعشي النجفي، قم.
80 - شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهارعليهم السلام: ابن حيون، نعمان بن محمّد، (المتوفى 363ق)، 3 مجلد، جامعه مدرسين، قم 1409ق.
81 - شرح أصول الكافي (صدرا): محمّد بن ابراهيم، صدرالدين الشيرازي، 4 مجلد (المتوفى 1050ق)، مصحح: محمد الخواجوي، مؤسسة مطالعات وتحقيقات فرهنگى طهران، الأولى 1383ش.
82 - شرح نهج البلاغة (ابن ميثم): ميثم بن علي بن ميثم البحراني، (قرن 7)، 5 مجلد، مكتبة نشر الكتاب، الثانية 1362 ش.
83 - شرح نهج البلاغة (المجلسي): 3 مجلد، سازمان چاپ وانتشارات وزارت فرهنگ وارشاد اسلامى، الأولى 1366ش.
84 - شرح نهج البلاغة: السيّد عبّاس علي الموسوي، معاصر، 5 مجلد، دار الرسول الأكرم، دار المحجّة البيضاء، بيروت، الأولى 1376.
85 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: عبدالحميد بن هبة اللَّه، ابن أبي الحديد، (المتوفى 656ق)، مصحح: محمد ابوالفضل، ابراهيم، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي، قم، الأولى 1404ق.
ص: 417
86 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل: عبيداللَّه بن عبداللَّه الحسكاني، (المتوفى 490 ق)، 2 مجلد، مصحح: محمد باقر المحمودي، التابعة لوزارة الثقافة والارشاد الاسلامي، مجمع احياء الثقافة الاسلامية، طهران، الأولى 1411ق.
87 - صحيح البخاري: محمّد بن إسماعيل البخاري، (المتوفى 256ق)، 8 مجلد، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1401ق - 1981م.
88 - صحيح مسلم: مسلم النيسابوري، (المتوفى 261ق)، 1 مجلد، دار الفكر، بيروت.
89 - الصحيفة السجادية: امام علي بن الحسين عليه السلام، (الشهادة 94 يا 95ق)، مكتبة نشر الهادي، قم، الأولى 1376ق.
90 - الصراط المستقيم إلى مستحقى التقديم: على بن محمّد عاملى نباطى، (المتوفى 877ق)، 3 مجلد، المكتبة الحيدريّة، الأولى 1384ق.
91 - صفات الشيعة: ابن بابويه، محمد بن على، (المتوفى 381ق)، 1 مجلد، الأعلمي، طهران، الأولى 1362ش.
92 - الطبقات الكبرى: ابن سعد، (المتوفى 230)، 8 مجلد، دار صادر، بيروت.
93 - الطرائف في معرفة مذهب الطوائف: علي بن موسى، ابن طاووس، 2 مجلد، (المتوفى 664ق)، مصحح: على عاشور، خيام، قم، الأولى 1400ق.
94 - عدّة الداعي ونجاح الساعي: احمد بن محمد، ابن فهد حلي، (المتوفى 841ق)، مصحّح: احمد الموحدي القمي، 1 مجلد، دار الكتب الاسلاميّة، الأولى 1407ق.
95 - العقد الفريد: شهاب الدين احمد المعروف بابن عبد ربه الأندلسى، (المتوفى 328ق)، 8 مجلد، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1404ق.
ص: 418
96 - علل الشرايع: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، 2 مجلّد مكتبة الداوري، قم الأولى 1385ش.
97 - عمدة عيون صحاح الأخبار فى مناقب امام الأبرار: ابن البطريق، (المتوفى 600ق)، مؤسسة النشر الاسلامى التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرفة، جمادي الأولى 1407ق.
98 - عمدة القاري: العتيبي (المتوفى 855ق)، 25 مجلد، بيروت، دار احياء التراث العربي.
99 - عوالى اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية: محمد بن زين الدين، ابن ابي جمهور، (المتوفى: زنده در سال 901ق)، 4 مجلد، مصحح: مجتبى العراقي، دار سيد الشهداء للنشر، قم، الأولى 1405ق.
100 - عيون الأخبار: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفى 276ق)، 3 مجلد، منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية، بيروت، الثالثة 1414ق - 2003م.
101 - عيون أخبار الرضا عليه السلام: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: مهدي اللاجوردي، 2 مجلّد، جهان، طهران، الأولى 1378ق.
102 - الغارات: ابراهيم ثقفى، (المتوفى 283ق)، تحقيق: جلال الدين حسينى ارموى، طهران، انجمن آثار ملى، 1353ش.
103 - الغدير: الشيخ الأمينى، (المتوفى 1392ق)، 11 مجلد، دار الكتاب العربى، بيروت، الثالثة 1387ق 1967م.
ص: 419
104 - غرر الحكم ودرر الكلم: عبدالواحد بن محمد تميمي آمدي، (المتوفى 550ق)، 1 مجلد، دار الكتاب الاسلامي، قم، الثانية 1410ق.
105 - الغريب الحديث: الحربي، (المتوفى 285)، 3 مجلد، دار المدينة للطباعة والنشر والتوزيع، جدّة، الأولى 1405.
106- الغيبة: الطوسي محمّد بن الحسن، (المتوفى 460ق)، 1 مجلد، دار المعارف الإسلاميّة، ايران، قم، الأولى 1411ق.
107 - فتوح البلدان: احمد بن يحيى بن جابر (البلاذرى)، (المتوفى 279)، تحقيق: صلاح الدين المنجد، مكتبة النهضة المصريّة، القاهرة، 1956م.
108 - الفصول المختارة: محمّد بن محمّد، المفيد، (المتوفى 413ق)، 1 مجلد، مصحح: علي الميرشريفي، مؤتمر الشيخ المفيد، قم، الأولى 1413ق.
109 - الفصول المهمّة في اصول الأئمّة (تكملة الوسائل): شيخ حر عاملى، محمد بن حسن، (المتوفى 1104ق)، 3 مجلد، مؤسسة معارف اسلامى امام رضا عليه السلام، قم، الأولى، 1418ق.
110 - الفضائل: ابن شاذان قمى، ابو الفضل شاذان بن جبرئيل، (المتوفى حدود 600ق)، 1 مجلد، رضى، قم، الثانية 1363ش.
111 - فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام: احمد بن محمّد، ابن عقدة الكوفي، (المتوفى 332ق)، 1 مجلد، دليلنا، ايران، قم، الأولى 1424ق.
112 - الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: منسوب به على بن موسى امام هشتم عليه السلام، (203ق)، 1 مجلد، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث، الأولى 1406ق.
ص: 420
113- فلاح السائل ونجاح المسائل: ابن طاووس، على بن موسى، (المتوفى 664ق)، 1 مجلد، بوستان كتاب، قم، الأولى 1406ق.
114 - قرب الاسناد (الطبعة الحديثة): عبداللَّه بن جعفر الحميري، نيمه دوم قرن 3ق)، المصحح والناشر: مؤسسه آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1413ق.
115 - قصص الأنبياء (للراوندي): سعيد بن هبة اللَّه، قطب الدين الراوندي، (المتوفى 573ق)، مصحح: غلامرضا العرفانيان اليزدي، مركز پژوهش هاى اسلامى، مشهد، الأولى 1409.
116 - القول المسدد في مسند احمد:: ابن حجر، (المتوفى 852ق)، عالم الكتب، الأولى 1404ق - 1984م.
117 - الكافى: (ط. اسلاميّة) محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني، (المتوفى 329ق)، مصحح: على اكبر الغفاري ومحمد الآخوندي، 8 جلد، دار الكتب الاسلاميّة، طهران، الرابعة 1407ق.
118 - الكامل: عبداللَّه بن عدى الجرجانى، (المتوفى 365ق)، تحقيق: يحيى مختار غزاوى، 7 مجلد، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الثالثة، محرم 1409ق 1988م.
119 - الكامل في التاريخ: ابن الأثير، (المتوفى 630ق)، 12 مجلد، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت، 1386ق - 1966م.
120 - الكامل فى اللغة والأدب: محمد بن يزيد المبرد، (المتوفى 285ق)، محقق: محمد ابوالفضل ابراهيم، 4 مجلد، دار الفكر العربى، قاهرة، الثالثة 1417ق.
ص: 421
121 - كتاب سليم بن قيس: سليم بن قيس الهلالى، (المتوفى 76ق)، مصحح: انصارى زنجانى، محمد خوئينى، 2 مجلد، الهادى، قم، الاولى 1405ق.
122 - كشف الريبة: زين الدين بن على، الشهيد الثانى، (المتوفى 966ق)، 1 مجلد، دار المرتضوى للنشر، بى جا، الثالثة 1390ق.
123 - كشف الغمّة في معرفة الأئمّة (ط. القديمة)، يوسف: على بن عيسى الاربلي، (المتوفى: 692ق)، مصحّح: سيّد هاشم الرسولي المحلاتي، بني هاشمي، 2 مجلد، تبريز، الأولى 1381ق.
124 - كشف اليقين في فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام: علامه حلى، حسن بن يوسف بن مطهر، (المتوفى 726ق)، 1 مجلد، وزارت ارشاد، تهران، الأولى 1411ق.
125- كفاية الأثر في النص على الأئمّة الاثنى عشرعليهم السلام: علي بن محمد، الخزاز الرازي، (المتوفى قرن 4، 1 مجلد، مصحح: عبداللطيف الحسيني الكوهكمري، بيدار، قم، 1401ق.
126 - كمال الدين وتمام النعمة: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: علي اكبر الغفاري، 2 مجلد، الإسلامية، طهران، الثانية 1395ق.
127 - كنز الفوائد: محمد بن علي الكراجكى، (المتوفى 449ق)، 2 مجلد، مصحح: عبداللَّه نعمه، دار الذخائر، قم، الأولى 1410ق.
128 - لسان العرب: محمّد بن المكرّم، ابن منظور، (المتوفى 711ق)، 15 مجلد، مصحح: جمال الدين، الميردامادي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الثالثة 1414ق.
ص: 422
129 - اللهوف: ابن طاووس، علي بن موسى، (المتوفى 664ق)، 1 مجلد، جهان، طهران.
130- المجازات النبويّة: شريف الرضي، محمد بن حسين، (المتوفى 406ق)، 1 مجلد، دار الحديث، قم، الأولى 1422ق 1380ش.
131- مجمع الأمثال: الميدانى، (المتوفى 518ق)، 2 مجلد، المعاونية الثقافية للآستانة الرضوية المقدسة، آذر 1366ش.
132- مجمع البحرين: فخرالدين بن محمد، الطريحي، (المتوفى 1085ق)، 6 مجلد، مصحح: احمد الحسيني الاشكوري، المرتضوي، طهران، الثالثة 1375ش.
133 - مجمع البيان فى تفسير القرآن: فضل بن حسن الطبرسى، (المتوفى 548ق)، 10 مجلد، ناصر خسرو، طهران، الثالثة 1372.
134 - المحاسن: احمد بن محمد بن خالد البرقي، (المتوفى 274ق يا 280ق)، 2 مجلد، مصحح: جلال الدين، المحدث، دار الكتب الاسلامية، قم، الثانية 1371ق.
135 - المحجة البيضاء في تهذيب الاحياء: الفيض الكاشاني، (المتوفى 1091ق)، 8 مجلد، تحقيق: علي اكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الثالثة.
136- مرآة العقول في شرح اخبار آل الرسول: محمّد باقر بن محمد تقى المجلسي، (المتوفى 1110ق)، 26 مجلد، مصحح: السيّد هاشم الرسولي المحلاتي، دار الكتب الاسلامية، طهران، الثانية 1404ق.
137 - مراصد الاطّلاع على أسماء الأمكنة والبقاع: القطيعى البغدادى، (المتوفى 739ق) 3 مجلد، دار الجيل، بيروت، الأولى 1412ق.
ص: 423
138 - مروج الذهب ومعادن الجوهر: المسعودي، (المتوفى 346ق)، منشورات دار الهجره، قم 1404ق - 1363ش - 1984م.
139 - مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها: عريضى، على بن جعفر، (المتوفى 220ق)، 1 مجلد، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى، 1409ق.
140 - مسئلتان في النص على عليّ عليه السلام: الشيخ المفيد، (المتوفى 413ق)، 2 مجلد، دار المفيد، بيروت، لبنان، الثانية 1414ق / 1993م.
141 - مستدرك سفينة البحار: الشيخ علي النمازي الشاهرودي، (المتوفى 1405ق)، 10 مجلد، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة، 1419 ق.
142 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: حسين بن محمد تقي، النوري، (المتوفى 1320ق)، 28 مجلد، مصحح ومؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1408ق.
143 - المسترشد في إمامة علي بن أبى طالب عليه السلام: محمد بن جرير بن رستم الطبري الآملي الكبير، (المتوفى 326ق)، 1 مجلد، مصحح: احمد المحمودي، كوشانپور، قم، الأولى 1415ق.
144 - المستطرف في كلّ فنّ مستظرف: الابشيهي، (المتوفى 850ق)، 2 مجلد، دار مكتبة الهلال.
145 - مسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد: زين الدين على شهيد الثاني (المتوفى 966ق)، 1 مجلد، قم، بصيرتى، بى تا، الأولى.
146 - مسند أحمد: أحمد بن حنبل، (المتوفى 241ق)، 6 مجلد، دار صادر، بيروت.
ص: 424
147 - مشاهير علماء الأمصار: ابن حبان، (المتوفى 354ق)، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، المصورة، الأولى 1411ق.
148 - مشكاة الأنوار في غرر الأخبار: طبرسي، علي بن حسن، (المتوفى 600ق)، 1 مجلد، المكتبة الحيدريّة، النجف الأشرف، الثانية 1385ق 1344ش.
149 - مصباح الشريعة: منسوب به امام صادق عليه السلام (م 148ق)، الأعلمى، بيروت، الأولى 1400ق.
150 - مصباح المنير: أحمد بن محمّد الفيومي، (المتوفى 770ق)، 2 مجلد، دار الفكر للطباعة والنشر.
151 - معانى الأخبار: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: على اكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، الأولى، قم 1403ق.
152 - معجم البلدان: الحموي، (المتوفى 626ق)، 1 مجلد، دار احياء التراث العربي، بيروت - لبنان، 1399ق - 1979م.
153 - معجم ما استعجم: البكري الأندلسي، (المتوفى 487ق)، 4 مجلد، عالم الكتب، بيروت، لبنان، الثالثة 1403ق / 1983م.
154 - مفتاح السعادة في شرح نهج البلاغة: السيّد محمّد تقي النقوي القايني الخراساني، معاصر، 7 مجلد، مكتبة المصطفوى، طهران.
155 - مقاتل الطالبيين: ابو الفرج الاصفهانى، (المتوفى 356ق)، تحقيق: سيد أحمد صقر، بيروت، دار المعرفة، بى تا.
ص: 425
156 - الملل والنحل: الشهرستانى، (المتوفى 548)، تحقيق: محمد سيد كيلانى، 2 مجلد، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
157 - مناقب آل أبي طالب عليهم السلام: محمّد بن على بن شهر آشوب المازندراني، (المتوفى 588ق)، 4 مجلد، العلّامة، قم، الأولى 1379ش.
158 - مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام: ابن المغازلي، (المتوفى 483ق)، النشر سبط النبى صلى الله عليه وآله، مطبعة سبحان، الأولى 1426ق - 1384 ش.
159 - مناقب علي بن ابي طالب عليه السلام وما نزل من القرآن في علي عليه السلام: احمد بن موسى بن مردويه الاصفهانى، (المتوفى 410ق)، تحقيق: عبدالرزاق محمد حسين حرز الدين، دار الحديث، الثانية 1424ق 1382 ش.
160 - المناقب: الموفق الخوارزمى، (المتوفى 568ق)، تحقيق: الشيخ مالك محمودى، مؤسسة سيّد الشهداءعليه السلام، مؤسسة النشر الاسلامى التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة، ربيع الثانى 1414ق.
161 - منتهى المقال في أحوال الرجال: مازندرانى حائرى، محمد بن اسماعيل، (المتوفى 1216ق)، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم، ايران، الأولى 1416ق.
162 - من لا يحضره الفقيه: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: علي اكبر الغفارى، 4 مجلد، مؤسسة النشر الإسلامي، الثانية، قم 1413ق.
163 - منهاج البراعة: الميرزا حبيب اللَّه الهاشمي الخوئي، (المتوفى 1324ق)، 22 مجلد، مصحح: علي العاشور، دار احياء التراث العربى للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الأولى 1429ق - 2008 م.
ص: 426
164 - نسب قريش: مصعب بن عبداللَّه الزبيري، (المتوفى 236ق)، 1 مجلد، دار المعارف، القاهرة، الثالثة.
165 - النهاية في غريب الحديث والأثر: مبارك بن محمد، ابن الأثير الجزري، (المتوفى 606ق)، 5 مجلد، مصحح: محمود محمد الطناحي، اسماعيليان، قم، الرابعة 1367ش.
166 - نهج الحق وكشف الصدق: حسن بن يوسف، العلّامة الحلّي، (المتوفى 726ق)، 1 مجلد، دار الكتاب اللبناني، بيروت، الأولى 1982 م.
167 - وسائل الشيعة: محمد بن حسن، شيخ حر العاملي، (المتوفى 1104ق)، مصحح: مؤسسه آل البيت عليهم السلام، 30 مجلد، الأولى 1409ق.
168 - وقعة صفين: نصر بن مزاحم المنقري، (المتوفى 212ق)، 1 مجلد: مصحح: عبدالسلام محمد، هارون، مكتبة آية اللَّه المرعشى النجفى، الأولى 1404ق.
169 - النوادر: راوندى كاشانى، فضل اللَّه بن على، (المتوفى 570ق)، 1 مجلد، دار الكتاب، قم، بى تا.
170 - نهج البلاغة (فيض الإسلام): حاج سيد علينقى فيض الاسلام، انتشارات فيض الاسلام، چاپخانه احمدى، انتشار زمستان 1370.
172 - اليقين: علي بن موسى، ابن طاووس، (المتوفى 664ق)، مصحح: الأنصاري الزنجاني الخوئيني، اسماعيل، دار الكتاب، قم، الأولى 1413.
173 - ينابيع المودة لذوي القربى: القندوزي، (المتوفى 1294ق)، 3 مجلد، تحقيق: سيد على جمال اشرف الحسينى، دار الاسوة للطباعة والنشر، الأولى 1416ق.
ص: 427
الخطبة (36) ومن خطبة له عليه السلام في تخويف أهل النهروان
(5-42)
فَأَنَا نَذِيرٌ لَكُمْ أَنْ تُصْبِحُوا صَرْعَى بِأَثْنَاءِ هَذَا النَّهَرِ وَبِأَهْضَامِ هَذَا الْغَائِطِ ...5
عَلَى غَيْرِ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا سُلْطَانٍ مُبِينٍ مَعَكُمْ... 6
قَدْ طَوَّحَتْ بِكُمُ الدَّارُ وَاحْتَبَلَكُمُ الْمِقْدَارُ وَقَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ هَذِهِ الْحُكُومَةِ ...7
فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ المخالفين الْمُنَابِذِينَ حَتَّى صَرَفْتُ رَأْيِي إِلَى هَوَاكُمْ وَأَنْتُمْ... 7
مَعَاشِرُ أَخِفَّاءُ الْهَامِ سُفَهَاءُ الْأَحْلامِ وَلَمْ آتِ لا أَبَا لَكُمْ بُجْراً وَلا أَرَدْتُ لَكُمْ ضُرّاً... 7
تذييلات... 7
الثاني... 11
في كيفيّة قتال الخوارج وبعض احتجاجاته صلوات اللَّه عليه وآله معهم... 18
الثالث...40
ص: 428
37- ومن كلام له عليه السلام يجري مجرى الخطبة وفيه يذكر فضائله عليه السلام قاله بعد وقعة النهروان
(43-91)
فَقُمْتُ بِالْأَمْرِ حِينَ فَشِلُوا... 46
وَتَطَلَّعْتُ حِينَ تَقَبَّعُوا... 47
وَنَطَقْتُ حِينَ تَعْتَعُوا... 50
وَمَضَيْتُ بِنُورِ اللَّهِ حِينَ وَقَفُوا... 54
وَكُنْتُ أَخْفَضَهُمْ صَوْتاً... 56
وَأَعْلاهُمْ فَوْتاً 56...
فَطِرْتُ بِعِنَانِهَا وَاسْتَبْدَدْتُ بِرِهَانِهَا كَالْجَبَلِ لا تُحَرِّكُهُ الْقَوَاصِفُ ...56
وَلا تُزِيلُهُ الْعَوَاصِفُ ...57
لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فِيَّ مَهْمَزٌ ...58
وَلا لِقَائِلٍ فِيَّ مَغْمَزٌ ...59
الذَّلِيلُ عِنْدِي عَزِيزٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ لَهُ ...59
وَالْقَوِيُّ عِنْدِي ضَعِيفٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ ...62
رَضِينَا عَنِ اللَّهِ قَضَاءَهُ وَسَلَّمْنَا للَّهِ ِ أَمْرَهُ... 66
أَتَرَانِي أَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله ...68
وَاللَّهِ لَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ فَلا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ... 70
فَنَظَرْتُ فِي أَمْرِي فَإِذَا طَاعَتِي قَدْ سَبَقَتْ بَيْعَتِي وَإِذَا الْمِيثَاقُ فِي عُنُقِي لِغَيْرِي... 89
ص: 429
38 - ومن خطبة له عليه السلام
(92-103)
ومن خطبة له عليه السلام: وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الشُّبْهَةُ شُبْهَةً لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْحَقَّ ...92
فَأَمَّا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فَضِيَاؤُهُمْ فِيهَا الْيَقِينُ وَدَلِيلُهُمْ سَمْتُ الْهُدَى ...95
وَأَمَّا أَعْدَاءُ اللَّهِ فَدُعَاؤُهُمْ فِيهَا الضَّلالُ وَدَلِيلُهُمُ الْعَمَى ...97
فَمَا يَنْجُو مِنَ الْمَوْتِ مَنْ خَافَهُ... 101
وَلا يُعْطَى الْبَقَاءَ مَنْ أَحَبَّهُ... 102
39 - ومن خطبة له عليه السلام
(104-115)
و من خطبة له عليه السلام: مُنِيتُ بِمَنْ لا يُطِيعُ إِذَا أَمَرْتُ وَلا يُجِيبُ إِذَا دَعَوْتُ... 113
لا أَبَا لَكُمْ مَا تَنْتَظِرُونَ بِنَصْرِكُمْ رَبَّكُمْ ...113
أَ مَا دِينٌ يَجْمَعُكُمْ وَلا حَمِيَّةَ تُحْمِشُكُمْ 114
40 - ومن كلام له عليه السلام في الخوارج لما سمع قولهم «لا حكم إلّا للَّه» قَالَ عليه السلام
(116-132)
و من كلام له عليه السلام في الخوارج لما سمع قولهم «لا حكم إلّا للَّه»...117
قال عليه السلام: كلمةُ حقٍّ ...118
ص: 430
يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ ...118
نَعَمْ إِنَّهُ لا حُكْمَ إِلّا للَّهِ ِ...120
وَلَكِنَّ هَؤُلاءِ يَقُولُونَ لا إِمْرَةَ إِلّا للَّهِ ِ...120
وَإِنَّهُ لا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ يَعْمَلُ فِي إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ وَيَسْتَمْتِعُ فِيهَا الْكَافِرُ وَيُبَلِّغُ اللَّهُ فِيهَا الْأَجَلَ وَيُجْمَعُ بِهِ الْفَيْ ءُ وَيُقَاتَلُ بِهِ الْعَدُوُّ وَتَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ وَيُؤْخَذُ بِهِ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ 123
حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ 129
وَيُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ 129
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا سَمِعَ تَحْكِيمَهُمْ قَالَ حُكْمَ اللَّهِ أَنْتَظِرُ فِيكُمْ 130
وَقَالَ أَمَّا الإِمْرَةُ الْبَرَّةُ فَيَعْمَلُ فِيهَا التَّقِيُّ وَأَمَّا الإِمْرَةُ الْفَاجِرَةُ فَيَتَمَتَّعُ فِيهَا الشَّقِيُّ إِلَى أَنْ تَنْقَطِعَ مُدَّتُهُ وَتُدْرِكَهُ مَنِيَّتُهُ 132
41 - ومن خطبة له عليه السلام
(133-155)
ومن خطبة له عليه السلام: إِنَّ الْوَفَاءَ تَوْأَمُ الصِّدْقِ... 133
وَلا أَعْلَمُ جُنَّةً أَوْقَى مِنْهُ... 145
وَلا مَا يَغْدِرُ مَنْ عَلِمَ كَيْفَ الْمَرْجِعُ... 147
وَلَقَدْ أَصْبَحْنَا فِي زَمَانٍ قَدِ اتَّخَذَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ الْغَدْرَ كَيْساً... 153
ص: 431
وَنَسَبَهُمْ أَهْلُ الْجَهْلِ فِيهِ إِلَى حُسْنِ الْحِيلَةِ مَا لَهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ قَدْ يَرَى الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ وَجْهَ الْحِيلَةِ وَدُونَهَا مَانِعٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ فَيَدَعُهَا رَأْيَ عَيْنٍ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَيَنْتَهِزُ فُرْصَتَهَا مَنْ لا حَرِيجَةَ لَهُ فِي الدِّينِ 154
42 - ومن خطبة له عليه السلام
(156-169)
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى... 157
وَطُولُ الْأَمَلِ... 159
وَأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَيُنْسِي الْآخِرَةَ... 164
أَلا وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ وَلَّتْ حَذَّاءَ ...164
أَلا وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ... 165
وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا... 165
فَإِنَّ كُلَّ وَلَدٍ سَيُلْحَقُ بِأَبِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ...165
وَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلا حِسَابَ وَغَداً حِسَابٌ وَلا عَمَلَ... 166
ص: 432
43 - ومن كلام له عليه السلام وقد أشار عليه أصحابه بالاستعداد للحرب بعد إرساله جرير بن عبد اللَّه البجلي إلى معاوية
(170-238)
و من كلام له عليه السلام وقد أشار عليه أصحابه بالاستعداد للحرب... 170
بعد إرساله جرير بن عبد اللَّه البجلي إلى معاوية ...171
إِنَّ اسْتِعْدَادِي لِحَرْبِ أَهْلِ الشَّامِ وَجَرِيرٌ عِنْدَهُمْ إِغْلاقٌ لِلشَّامِ وَصَرْفٌ لِأَهْلِهِ عَنْ خَيْرٍ إِنْ أَرَادُوهُ ...171
وَلَكِنْ قَدْ وَقَّتُّ لِجَرِيرٍ وَقْتاً لا يُقِيمُ بَعْدَهُ إِلّا مَخْدُوعاً أَوْ عَاصِياً... 178
وَالرَّأْيُ عِنْدِي مَعَ الْأَنَاةِ فَأَرْوِدُوا... 184
وَلا أَكْرَهُ لَكُمُ الإِعْدَادَ ...185
وَلَقَدْ ضَرَبْتُ أَنْفَ هَذَا الْأَمْرِ وَعَيْنَهُ ...185
وَقَلَّبْتُ ظَهْرَهُ وَبَطْنَهُ فَلَمْ أَرَ لِي فِيهِ إِلّا الْقِتَالَ أَوِ الْكُفْرَ... 185
قَدْ كَانَ عَلَى النَّاسِ وَالٍ أَحْدَثَ أَحْدَاثاً... 215
وَأَوْجَدَ النَّاسَ مَقَالاً فَقَالُوا ثُمَّ نَقَمُوا فَغَيَّرُوا ...233
ص: 433
44 - ومن كلام له عليه السلام لما هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية، وكان قد ابتاع سبي بني ناجية من عامل أمير المؤمنين عليه السلام وأعتقهم، فلما طالبه بالمال خاس به وهرب إلى الشام
(239-268)
و من كلام له عليه السلام لما هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية... 239
وكان قد ابتاع سبي بني ناجية ...241
فلما طالبه بالمال خاس به وهرب إلى الشام... 267
قَبَّحَ اللَّهُ مَصْقَلَةَ فَعَلَ فِعْلَ السَّادَةِ وَفَرَّ فِرَارَ الْعَبِيدِ فَمَا أَنْطَقَ مَادِحَهُ حَتَّى أَسْكَتَهُ وَلا صَدَّقَ وَاصِفَهُ حَتَّى بَكَّتَهُ وَلَوْ أَقَامَ لَأَخَذْنَا مَيْسُورَهُ وَانْتَظَرْنَا بِمَالِهِ وُفُورَهُ ...267
الخطبة (45) ومن خطبة له عليه السلام
(269-289)
ومن خطبة له عليه السلام: الْحَمْدُ للَّهِ ِ غَيْرَ مَقْنُوطٍ مِنْ رَحْمَتِهِ... 269
وَلا مَخْلُوٍّ مِنْ نِعْمَتِهِ... 271
وَلا مَأْيُوسٍ مِنْ مَغْفِرَتِهِ ...271
وَلا مُسْتَنْكَفٍ عَنْ عِبَادَتِهِ... 272
الَّذِي لا تَبْرَحُ مِنْهُ رَحْمَةٌ وَلا تُفْقَدُ لَهُ نِعْمَةٌ... 273
وَالدُّنْيَا دَارٌ مُنِيَ لَهَا الْفَنَاءُ ...274
ص: 434
وَلِأَهْلِهَا مِنْهَا الْجَلاءُ... 274
وَهِيَ حُلْوَةٌ ...275
خَضْرَاءُ... 275
وَقَدْ عَجِلَتْ لِلطَّالِبِ وَالْتَبَسَتْ بِقَلْبِ النَّاظِرِ... 275
وَالْتَبَسَتْ بِقَلْبِ النَّاظِرِ ...276
فَارْتَحِلُوا مِنْهَا بِأَحْسَنِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ الزَّادِ... 277
وَلا تَسْأَلُوا فِيهَا فَوْقَ الْكَفَافِ... 278
وَلا تَطْلُبُوا مِنْهَا أَكْثَرَ مِنَ الْبَلاغِ... 283
الخطبة (46) ومن كلام له عليه السلام عند عزمه على المسير إلى الشام
(290-301)
و من كلام له عليه السلام عند عزمه على المسير إلى الشام... 290
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ... 291
اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَأَنْتَ الْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ ...291
وَلا يَجْمَعُهُمَا غَيْرُكَ لِأَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ لا يَكُونُ مُسْتَصْحَباً وَالْمُسْتَصْحَبُ لا يَكُونُ مُسْتَخْلَفاً ...292
ص: 435
الخطبة (47) ومن كلام له عليه السلام في ذكر الكوفة
(303-343)
و من كلام له عليه السلام في ذكر الكوفة: كَأَنِّي بِكِ يَا كُوفَةُ... 302
تُمَدِّينَ مَدَّ الْأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ ...306
تُعْرَكِينَ بِالنَّوَازِلِ وَتُرْكَبِينَ بِالزَّلازِلِ ...307
إنّي لأحب انّ في قتلك صلاح المصرين وأمر به فضربت رقبته وأنهب ماله ...336
وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِكِ جَبَّارٌ سُوءاً إِلّا ابْتَلاهُ اللَّهُ بِشَاغِلٍ وَرَمَاهُ بِقَاتِلٍ... 339
الخطبة (48) ومن خطبة له عليه السلام عند المسير إلى الشام
(344-358)
و من خطبة له عليه السلام عند المسير إلى الشام: الْحَمْدُ للَّهِ ِ كُلَّمَا وَقَبَ لَيْلٌ...344
وَغَسَقَ... 344
وَالْحَمْدُ للَّهِ ِ كُلَّمَا لاحَ نَجْمٌ وَخَفَقَ... 345
وَالْحَمْدُ للَّهِ ِ غَيْرَ مَفْقُودِ الإِنْعَامِ وَلا مُكَافَإِ الإِفْضَالِ... 348
أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَعَثْتُ مُقَدِّمَتِي... 348
وَأَمَرْتُهُمْ بِلُزُومِ هَذَا الْمِلْطَاطِ... 349
حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرِي... 310
ص: 436
وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَقْطَعَ هَذِهِ النُّطْفَةَ إِلَى شِرْذِمَةٍ مِنْكُمْ مُوَطِّنِينَ أَكْنَافَ دِجْلَةَ فَأُنْهِضَهُمْ مَعَكُمْ إِلَى عَدُوِّكُمْ... 350
وَأَجْعَلَهُمْ مِنْ أَمْدَادِ الْقُوَّةِ لَكُمْ... 351
الخطبة (49) ومن خطبة له عليه السلام
(359-386)
و من خطبة له عليه السلام: الْحَمْدُ للَّهِ ِ الَّذِي بَطَنَ خَفِيَّاتِ الْأَمُوُرِ... 359
وَدَلَّتْ عَلَيْهِ أَعْلامُ الظُّهُورِ...361
وَامْتَنَعَ عَلَى عَيْنِ الْبَصِيرِ 363
فَلا عَيْنُ مَنْ لَمْ يَرَهُ تُنْكِرُهُ وَلا قَلْبُ مَنْ أَثْبَتَهُ يُبْصِرُهُ... 368
سَبَقَ فِي الْعُلُوِّ فَلاشَيْ ءَ أَعْلَى مِنْهُ وَقَرُبَ فِي الدُّنُوِّ فَلاشَيْ ءَ أَقْرَبُ مِنْهُ... 370
فَلا اسْتِعْلاؤُهُ بَاعَدَهُ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْ خَلْقِهِ وَلا قُرْبُهُ سَاوَاهُمْ فِي الْمَكَانِ بِهِ... 370
لَمْ يُطْلِعِ الْعُقُولَ عَلَى تَحْدِيدِ صِفَتِهِ وَلَمْ يَحْجُبْهَا عَنْ وَاجِبِ مَعْرِفَتِهِ ...371
فَهُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ أَعْلامُ الْوُجُودِ عَلَى إِقْرَارِ قَلْبِ ذِي الْجُحُودِ ...374
تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُهُ الْمُشَبِّهُونَ بِهِ وَالْجَاحِدُونَ لَهُ عُلُوّاً كَبِيراً... 380
ص: 437
الخطبة (50): ومن كلام له عليه السلام
(387-407)
و من كلام له عليه السلام: إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ... 387
وَأَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ... 388
يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ اللَّهِ ...389
وَيَتَوَلَّى عَلَيْهَا رِجَالٌ رِجَالاً عَلَى غَيْرِ دِينِ اللَّهِ ...390
فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ الْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى الْمُرْتَادِينَ... 390
وَلَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ الْبَاطِلِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ... 393
وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَمِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي... 395
الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ ...395
وَيَنْجُو الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ الْحُسْنى...395
المصادر... 408
المحتويات... 428
ص: 438
سرشناسه:موسوی آل طیب، سیدمحمدکاظم، 1331-
عنوان قراردادی:نهج البلاغه. شرح
Nhjol-Balaghah. Commantries
عنوان و نام پديدآور:مصباح السعاده فی شرح النهج البلاغه[علی بن ابی طالب(ع)]/ مولف سيدمحمدكاظم الموسوی آل طيب.
مشخصات نشر:قم: . دارالتفسیر، 1440ق.= 1397.
مشخصات ظاهری:6ج
شابک:ج.6 978-964-535-716-8 :
وضعیت فهرست نویسی:فیپا
يادداشت:عربی.
يادداشت:ج.6 (چاپ اول: 1442 ق = 1399) (فیپا).
موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- خطبه ها
موضوع:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- *Public speaking
موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- کلمات قصار
موضوع:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- Quotations
موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق . نهج البلاغه -- نقد و تفسیر
موضوع:Ali ibn Abi-talib, Imam I. Nahjol - Balaghah -- Criticism and interpretation
شناسه افزوده:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق . نهج البلاغه. شرح
شناسه افزوده:Ali ibn Abi-talib, Imam I Commantries.. Nahjol - Balaghah
رده بندی کنگره:BP38/02/م83 1397
رده بندی دیویی:297/9515
شماره کتابشناسی ملی:5402095
اطلاعات رکورد کتابشناسی:فیپا
ص: 1
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 2
مصباح السعادة في شرح نهج البلاغة
الجزء السادس
السيّد محمّد كاظم الموسوي آل طيّب
ص: 3
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحیم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْقَوْمَ قَدْ بَدَؤُوكُمْ بِالظُّلْمِ، وَفَاتَحُوكُمْ بِالْبَغْيِ، وَاسْتَقْبَلُوكُمْ بِالْعُدْوَان(1).
قَدِ اسْتَطْعَمُوكُمُ الْقِتَالَ فَأَقِرُّوا عَلَى مَذَلَّةٍ، وَتَأْخِيرِ مَحَلَّةٍ، أَوْ رَوُّوا السُّيُوفَ مِنَ الدِّمَاءِ تَرْوَوْا مِنَ الْمَاءِ.
فَالْمَوْتُ فِي حَيَاتِكُمْ مَقْهُورِينَ، وَالْحَيَاةُ فِي مَوْتِكُمْ قَاهِرِينَ. أَلا وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ لُمَةً مِنَ الْغُوَاةِ، وَعَمَسَ عَلَيْهِمُ الْخَبَرَ، حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ الْمَنِيَّةِ.
قال الدينوري: أقبل معاوية بالخيل نحو صفين، وعلى مقدّمته سفيان بن عمرو ومعه أبو الأعور السلمي، وعلى ساقته بسر بن أبي أرطأة العامري. وصفين قرية خراب من بناء الروم، منها إلى الفرات غلوة، وعلى شط الفرات ممّا يليها غيضة(2) متلفة، فيها نزوز، طولها نحو من فرسخين، وليس في ذينك الفرسخين طريق إلى الفرات، إلّا طريق واحد مفروش بالحجارة، وسائر ذلك خلاف وغرب ملتف لا يسلك، وجميع الغيضة نزوز ووحل، إلّا ذلك الطريق الذي يأخذ من القريه إلى الفرات - فأقبلا حتى سبقا الى موضع القرية، فنزلا هناك من ذلك الطريق، ووافاهما معاوية بجميع الفيلق حتى نزل معهما، وأمر معاوية أبا الأعور أن يقف في عشرة آلاف من أهل الشام على طريق الشريعة، فيمنع من أراد السلوك الى الماء من أهل العراق، وأقبل علي عليه السلام حتى وافى المكان، فصادف أهل الشام احتووا على القرية والطريق، فأمر الناس فنزلوا بالقرب من عسكر معاوية، وانطلق السقاءون والغلمان إلى طريق الماء، فحال أبو الأعور بينهم وبينه، فأخبر علي عليه السلام بذلك، فقال لصعصعة: إيت معاوية فقل له: إنّا سرنا اليكم لنعذر قبل القتال، فإن قبلتم كان العافية أحبّ إلينا، وأراك قد حلت بيننا وبين الماء، فإن كان أعجب إليك أن ندع ما جئنا له، ونذر الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا. فأتاه فقال له ما قاله عليه السلام، فقال الوليد بن عقبة لمعاوية: امنعهم الماء كما منعوه عثمان. اقتلهم عطشا، قتلهم اللَّه. فقال معاوية لعمرو بن العاص: ما ترى قال: أرى أن تخلي عن الماء، فإنّ القوم لن يعطشوا وأنت ريّان. فقال عبداللَّه بن أبي سرح: امنعهم الماء إلى الليل لعلّهم أن ينصرفوا الى طرف الغيضة، فيكون انصرافهم هزيمة.
فقال صعصعة لمعاوية: ما الذي ترى؟ قال ارجع فسيأتيكم رأيي. فانصرف؛ وظلّ أهل العراق يومهم ذلك وليلتهم بلا ماء، إلّا من كان ينصرف من الغلمان الى طرف الغيضة، فيمشي مقدار فرسخين فيستقي، فغمّ عليّاعليه السلام أمر الناس غمّا شديدا، فأتاه الأشعث فقال: أيمنعنا القوم الماء وأنت فينا ومعنا سيوفنا ولّني الزحف إليه، فواللَّه لا أرجع أو أموت، ومر الأشتر فلينضم إليّ في خيله.
فقال له علي عليه السلام: إيت في ذلك ما رأيت. فلمّا أصبح زاحف أبا الأعور فاقتتلوا، وصدقهم الاشتر والأشعث حتى نفيا أبا الأعور عن الشريعة، وصارت في
ص: 5
أيديهما، فقال عمرو لمعاوية: ما ظنّك بالقوم اليوم ان منعوك من الماء كما منعتهم امس؟ فقال معاوية: دع ما مضى، ما ظنّك بعليّ قال: ظنّي أنّه لا يستحلّ منك ما استحللت منه، لأنّه أتاك في غير أمر الماء. ثم توادع الناس...(1)
ونروى كيفيّة الغلبة من كتاب صفين مع تلخيص: قال نصر: كان أبو الأعور السلمى على مقدمة معاوية واسمه سفيان بن عمرو وكان قد ناوش مقدمة علي وعليه الأشتر النخعي مناوشة ليست ما بعظيمة، فلما انصرف أبو الأعور عن الحرب راجعا سبق إلى الماء فغلب عليه في الموضع المعروف بقنصرين إلى جانب صفين قد نزلوا منزلا اختاروه مستويا بساطا واسعا وأخذوا الشريعة، فهي في أيديهم.
وساق الأشتر يتبعه فوجده غالبا على الماء وكان في أربعة آلاف من مستبصري أهل العراق فصدموا أبا الأعور وأزالوه عن الماء، فأقبل معاوية في جميع الفيلق(2) بقضه وقضيضه، فلما رآهم الاشتر انحاز إلى علي، وغلب معاوية وأهل الشام على الماء وحالوا بين أهل العراق وبينه وأقبل علي عليه السلام في جموعه، فطلب موضعاً لعسكره وأمر الناس أن يضعوا أثقالهم وهم أكثر من مأتة ألف فارس فلما نزلوا تسرع فوارس من فوارس علي عليه السلام على خيولهم إلى معاوية يطعنون ويرمون بالسهام ومعاوية بعد لم ينزل، فناوشهم أهل الشام القتال فاقتتلوا هويا(3).
قال نصر: فحدثني عمر بن سعد، عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال فكتب معاوية إلى علي عليه السلام عافانا اللَّه وإياك.
ص: 6
ما أحسن العدل والانصاف من عمل
وأقبح الطيس ثم النفش(1) في الرجل
وكتب بعده شعرا يحثه فيه بأن يروع بجيشه من التسرع والعجلة عند الحرب، فأمر علي عليه السلام أن يوزع الناس عن القتال(2) حتى أخذ أهل الشام مصافهم، ثم قال: أيها الناس إن هذا موقف من نطف(3) فيه نطف يوم القيامة ومن فلح فيه فلح يوم القيامة(4).
قال فتراجع الناس كل من الفريقين إلى معسكره وذهب شباب من الناس إلى الماء ليستسقوا فمنعهم أهل الشام وقد أجمعوا أن يمنعوا الماء وعن عبداللَّه بن عوف قال: فتسرعنا إلى أميرالمؤمنين فأخبرناه بذلك فدعا صعصعة بن صوحان فقال: ائت معاوية فقل إنا سرنا إليك مسيرنا هذا وأنا أكره قتالكم قبل الاعذار إليكم وأنك قدمت خيلك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك وبدئتنا بالحرب ونحن من رأينا الكف حتى ندعوك ونحتج عليك، وهذه أخرى قد فعلتموها قد حلتم بين الناس وبين الماء فخل بينهم وبينه حتى ننظر فيما بيننا وبينكم وفيما قدمنا له وقدمتم له، وإن كان أحب إليك أن ندع ما جئنا له وندع الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا، فلما مضى صعصعة برسالته إلى معاوية قال معاوية لأصحابه : ما ترون؟ فقال الوليد بن عقبة: أمنعهم الماء كما منعوه ابن عفان، حصروه أربعين يوما يمنعونه برد الماء ولين الطعام، اقتلهم عطشا قتلهم اللَّه، وقال
ص: 7
عمرو بن العاص: خل بين القوم وبين الماء فإنّهم لن يعطشوا وأنت ريان، ولكن لغير الماء، فانظر فيما بينك وبينهم فأعاد الوليد مقالته.
وقال عبداللَّه بن أبي سرح وكان أخا عثمان من الرضاعة امنعهم الماء إلى الليل فإنّهم إن لم يقدروا عليه رجعوا وكان رجوعهم هزيمتهم، امنعهم الماء منعهم اللَّه يوم القيامة فقال صعصعة انما يمنع اللَّه الماء يوم القيامة الفجرة الكفرة شربة الخمر ضربك وضرب هذا الفاسق يعني الوليد بن عقبة فتواثبوا إليه يشتمونه ويتهددونه، فقال معاوية: كفوا عن الرجل فانما هو رسول قال عبداللَّه بن عوف: إن صعصعة لما رجع إلينا فحدثنا بما قال معاوية وما كان منه وما رده عليه، قلنا: وما الذي رده عليك؟ فقال: لما أردت الانصراف من عنده قلت ما ترد علي؟ قال سيأتيكم رائي، قال: فواللَّه ما راعنا إلّا تسوية الرجال والصفوف والخيل فأرسل إلى أبي الأعور امنعهم الماء فازدلفنا واللَّه إليهم فارتمينا واطعنا بالرماح واضطربنا بالسيوف، فقال: ذلك بيننا وبينهم حتى صار الماء بأيدينا فقلنا: لا واللَّه لا نسقيهم: فأرسل إلينا علي عليه السلام أن خذوا من الماء حاجتكم وارجعوا إلى معسكركم وخلوا بينهم وبين الماء فان اللَّه قد نصركم عليهم ببغيهم وظلمهم(1).
وقال نصر: قال عمرو بن العاص: خل بينهم وبين الماء فان عليا لم يكن ليظمأ وأنت ريان وفي يده أعنة الخيل وهو ينظر إلى الفرات حتى يشرب أو يموت وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق، وقد سمعته أنا وأنت مرارا وهو يقول لو أن معي أربعين رجلا يوم فتش البيت يعني بيت فاطمة ويقول لو استمسكت من أربعين رجلا يعني من أمر الأول.
ص: 8
قال: ولما غلب أهل الشام على الفرات فرجعوا بالغلبة قال معاوية: يا أهل الشام هذا واللَّه أول الظفر لاسقاني اللَّه ولا أبا سفيان إن شربوا منه أبدا حتى يقتلوا بأجمعهم عليه وتباشر أهل الشام فقام إلى معاوية رجل من أهل الشام همداني ناسك يتأله ويكثر العبادة يقال له المعرى بن الأقبل، وكان صديقا لعمرو بن العاص مواخيا له، فقال: يا معاوية سبحان اللَّه سبقتم القوم إلى الفرات تمنعونهم الماء؟ أما واللَّه لو سبقوكم إليه لسقوكم منه أليس أعظم ما تنالون من القوم أن تمنعوهم الفرات فينزلون على فرضة(1) اخرى فيجازونكم بما صنعتم، أما تعلمون أن فيهم العبد والامة والاجير والضعيف ومن لا ذنب له، هذا واللَّه أول الجهل (الجور) فأغلظ له معاوية وقال لعمرو: اكفني صديقك فأتاه عمرو فأغلظ له فقال الهمداني في ذلك شعرا:
لعمرو أبي معاوية بن حرب * وعمرو ما لدائهما دواء
سوى طعن يحار العقل فيه * وضرب حين يختلط الدماء
ولست بتابع دين ابن هند * طول الدهر ما ارسي حراء
لقد ذهب العتاب فلا عتاب * وقد ذهب الولاء فلا ولاء
وقولي في حوادث كل حرب * على عمرو وصاحبه العفاء
ألا للَّه درك يا ابن هند * لقد برح الخفاء فلا خفاء(2)
أتحمون الفرات على رجال * وفي أيديهم الأسل الظماء
وفي الأعناق أسياف حداد * كأن القوم عندهم نساء
أترجو أن يجاوركم علي * بلا ماء وللأحزاب ماء
ص: 9
دعاهم دعوة فأجاب قوم * كجرب الابل خالطها الهناء
قال ثم سار الهمداني في سواد الليل حتى لحق بعلي عليه السلام ومكث أصحاب علي يوما وليلة بغير ماء واغتم عليه السلام بما فيه أهل العراق من العطش(1).
وعن سهل بن حنيف: أنه لما أخذ معاوية مورد الفرات أمر أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر أن يقول لمن على جانب الفرات يقول لكم علي اعدلوا عن الماء فلما قال ذلك عدلوا عنه فورد قوم أميرالمؤمنين الماء وأخذوا منه فبلغ ذلك معاوية فأحضرهم وقال لهم في ذلك فقالوا إن عمرو بن العاص جاء وقال إن معاوية يأمركم أن تفرجوا عن الماء فقال معاوية لعمرو إنك لتأتي أمرا ثم تقول ما فعلته فلما كان من غد وكل معاوية حجل بن عتاب النخعي في خمسة آلاف فأنفذ أميرالمؤمنين عليه السلام مالكا فنادى مثل الأول فمال حجل عن الشريعة فأورد أصحاب علي وأخذوا منه فبلغ ذلك معاوية فأحضر حجلا وقال له في ذلك فقال له إن ابنك يزيد أتاني فقال إنك أمرت بالتنحي عنه فقال ليزيد في ذلك فأنكر فقال معاوية فإذا كان غدا فلا تقبل من أحد ولو أتيتك حتى تأخذ خاتمي فلما كان يوم الثالث أمر أميرالمؤمنين لمالك مثل ذلك فرأى حجل معاوية وأخذ منه خاتمه وانصرف عن الماء وبلغ معاوية فدعاه وقال له في ذلك فأراه خاتمه فضرب معاوية يده على يده فقال نعم وإن هذا من دواهي علي(2).
رجعنا إلى رواية نصر بن مزاحم قال: فاتى الأشعث عليا فقال يا أميرالمؤمنين أ يمنعنا القوم ماء الفرات وأنت فينا والسيوف في أيدينا؟ خل عنا وعن القوم فواللَّه لا نرجع حتى نرده أو نموت ومر الأشتر يعلو بخيله ويقف حيث تأمره علي عليه السلام
ص: 10
فقال علي: ذلك إليكم فرجع الأشعث فنادى في الناس من يريد الماء أو الموت فميعاده موضع كذا فاني ناهض فأتاه إثني عشر ألفا من كندة وأفناء قحطان واضعي سيوفهم على عواتقهم فشد عليه سلاحه ونهض بهم حتى كاد يخالط أهل الشام وجعل يلقي رمحه ويقول لأصحابه: بأبي أنتم وأمي تقدموا إليهم قاب رمحي هذا فلم يزل ذلك دأبه حتى خلط القوم وحسر عن رأسه ونادى أنا الأشعث بن قيس خلوا عن الماء فنادى أبو الأعور أما حتى لا تأخذنا وإياكم السيوف فلا، فقال الأشعث قد واللَّه أظنها دنت منا ومنكم، وكان الأشتر قد تعالى بخيلة حيث أمره علي فبعث إليه الأشعث أقحم الخيل، فأقحمها حتى وضعت بسنابكها في الفرات وأخذت أهل الشام السيوف فولوا مدبرين.
وقال: وحدثنا عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر وزيد بن الحسن قالا: فنادى الأشعث(1) عمرو بن العاص فقال: ويحك يابن العاص خل بيننا وبين الماء فواللَّه لئن لم تفعل لتأخذنا وإياكم السيوف: فقال عمرو: واللَّه لا نخلي عنه حتى تأخذنا السيوف وإياكم فيعلم ربنا سبحانه اينا أصبر اليوم، فترجل الأشعث والأشتر وذووا البصاير من أصحاب علي وترجل معهما اثنى عشر ألفا فحملوا على عمرو وأبي الأعور ومن معهما من أهل الشام، فأزالوهم عن الماء حتى غمست خيل علي عليه السلام سنابكها في الماء؛
وقال: روى عمر بن سعيد أن عليا قال ذلك اليوم: هذا يوم نصرتم فيه بالحمية(2).
ص: 11
وحدثنا عمر بن شمر عن جابر عن الشعبي عن الحرث بن أدهم وعن صعصعة قال أقبل الأشتر يوم الماء فضرب بسيفه جمهور أهل الشام حتى كشفهم عن الماء وكان لواء الأشعث بن قيس مع معاوية بن الحرث، فقال الأشعث: للَّه أبوك ليست النخع بخير من كندة قدم لواءك فان الحظ لمن سبق، فتقدم لواء الأشعث وحملت الرجال بعضها على بعض فما زالوا كذلك حتى انكشف أهل الشام عن الماء، وملك أهل العراق المشرعة(1) هذا.
وفي رواية أبي مخنف عن عبداللَّه بن قيس قال قال أميرالمؤمنين يوم صفين وقد أخذ أبو الأعور السلمي الماء على الناس ولم يقدر عليه أحد فبعث إليه الحسين عليه السلام في خمسمائة فارس فكشفه عن الماء، فلما رأى ذلك أميرالمؤمنين قال: ولدي هذا يقتل بكربلا عطشانا وينفر فرسه ويحمحم ويقول في حمحمته: الظليمة الظليمة من امة قتلت ابن بنت نبيها وهم يقرءون القرآن الذي جاء به إليهم ثم إن أميرالمؤمنين عليه السلام أنشأ يقول:
أرى الحسين قتيلا قبل مصرعه * علما يقينا بأن يبلى بأشرار
وكل ذي نفس أو غير ذي نفس * يجري إلى أجل يأتي باقدار(2)
قال وقال عمرو بن العاص لمعاوية لما ملك أهل العراق الماء: ما ظنك يا معاوية بالقوم إن منعوك اليوم الماء كما منعتهم أمس أتراك تضاربهم عليه كما ضاربوك عليه؟ ما أغنى عنك أن تكشف لهم السورة، فقال له معاوية: دع عنك ما مضى فما ظنك بعلي بن أبي طالب؟ قال ظني أنه لا يستحل منك ما استحللت منه
ص: 12
وإن الذي جاء له غير الماء(1).
قال نصر: فقال أصحاب علي له: امنعهم الماء يا أميرالمؤمنين كما منعوك، فقال: لا، خلوا بينهم وبينه لا أفعل ما فعله الجاهلون سنعرض عليهم كتاب اللَّه وندعوهم إلى الهدى فان أجابوا وإلّا ففي حد السيف ما يغني إنشاء اللَّه قال: فو اللَّه ما أمسى الناس حتى رأوا سقاتهم وسقاة أهل الشام وروايا أهل الشام يزدحمون على الماء ما يؤذي إنسان إنسانا(2).
ثمّ إنّ معاوية كما تصرّف الماء في أوّل وروده، ومنع أصحابه عليه السلام الماء، كذلك تصرفها بحيلة بعد ذلك، ففي (صفين نصر): كتب معاوية في سهم: من عبداللَّه الناصح، فإني أخبركم أنّ معاوية يريد أن يفجر عليكم الفرات فيغرقكم، فخذوا حذركم. ثمّ رمى بالسهم في عسكر علي عليه السلام، فوقع السهم في يدي رجل من أهل الكوفة. فقرأه ثم أقرأه صاحبه، فلما قرأه وأقرأه الناس قالوا: هذا أخ لنا ناصح، كتب إليكم يخبركم بما أراد معاوية. فلم يزل السهم يقرأ حتى دفع إلى أميرالمؤمنين عليه السلام، وقد بعث معاوية مائتي رجل من الفعلة الى عاقول من النهر، بأيديهم المرود والزنبيل يحفرون فيها بحيال عسكر علي عليه السلام، فقال علي عليه السلام: ويحكم إنّ الذي يعالج معاوية لا يستقيم له، وإنّما يريد أن يزيلكم عن مكانكم، فالهوا عن ذلك. فقالوا له: هم واللَّه يحفرون الساعة. فقال: ويحكم لا تغلبوني على رأيي. فقالوا: واللَّه لنرتحلن، فإن شئت فارتحل وإن شئت فأقم. فارتحلوا،
ص: 13
وارتحل علي عليه السلام في اخريات الناس، وهو يقول:
ولو أني اطعت عصبت قومي * الى ركن اليمامة أو شام
ولكنّي اذا أبرمت أمرا * منيت بخلف آراء الطّغام
وارتحل معاوية حتى نزل على معسكر علي عليه السلام الذي كان فيه.
فدعا علي عليه السلام الاشتر فقال: ألم تغلبني على رأيي، أنت والأشعث فقال الأشعث: أنا اكفيك، سأداوي ما أفسدت. فجمع بني كندة فقال: يا معشر كندة، لا تفضحوني اليوم ولا تخزوني، إنّما اقارع بكم أهل الشام. فخرجوا معه رجالا يمشون. وبيد الأشعث رمح له يلقيه على الأرض، ويقول: امشوا قيس رمحي فلم يزل يقيس لهم على الأرض برمحه ذلك، ويمشون معه رجّالة قد كسروا جفون سيوفهم، حتى لقوا معاوية وسط بني سليم واقفا على الماء وقد جاءه أدنى عسكره، فاقتتلوا على الماء ساعة، وانتهى أوائل أهل العراق فنزلوا، وأقبل الأشتر في خيل من أهل العراق فحمل على معاوية، والأشعث يحارب في ناحية، فردوا وجوه إبل معاوية قدر ثلاثة فراسخ، ثم نزل ووضع أهل الشام أثقالهم، والأشعث يهدر ويقول: أرضيتك يا أميرالمؤمنين ولما غلب علي عليه السلام على الماء فطرد عنه أهل الشام، بعث إلى معاوية: انّا لا نكافيك بصنعك، هلمّ الى الماء، فنحن وأنتم سواء، فأخذ كلّ واحد منهم بالشريعة مما يليه، وقال عليه السلام لأصحابه: إنّ الخطب أعظم من منع الماء(1).
هذا ونظير حيلة معاوية هذه مع أصحابه عليه السلام حيلة أبي مسلم في قتاله لعبد اللَّه بن علي عمّ المنصور، فأقبل أبو مسلم الى عبداللَّه ونزل ناحية لم يعرض له، وأخذ
ص: 14
طريق الشام وكتب الى عبداللَّه: إنّي لم اؤمر بقتالك إنّما ولّاني المنصور الشام، وإنما اريدها. فقال من كان مع عبداللَّه من أهل الشام: كيف نقيم معك، وهذا يأتي بلادنا وفيها حرمنا، فيقتل من قدر عليه من رجالنا، ويسبي ذرارينا ولكنّا نخرج الى بلادنا، فنمنعه حرمنا وذرارينا، ونقاتله إن قاتلنا. فقال لهم عبداللَّه: إنّه واللَّه ما يريد الشام وما وجّه إلّا لقتالكم، ولئن أقمتم ليأتينكم. فأبوا إلّا المسير إلى الشام، فأقبل أبو مسلم فعسكر قريبا منهم، وارتحل عبداللَّه من معسكره نحو الشام، فتحوّل أبو مسلم حتى نزل في موضعه، وعور ما كان حوله من المياه، وألقى فيها الجيف، فقال عبداللَّه لأصحابه من أهل الشام: ألم أقل لكم...(1) هذا، وبليل - كزبير - شريعة صفين(2).
بالس، وبولس، وقاصرين، وعابدين، وصفين: قرى منسوبة الى الروم(3).
وفي (مصباح الفيومي): صفين، موضع على الفرات من الجانب الغربي بطرف الشام، مقابل قلعة نجم، وهو فعلين من الصف، أو فعيل من الصفون(4).
قال المحقق التستري: وحيث إنّها كانت من بناء الروم - كما عرفته من الدينوري والبلاذري - فلا وجه لكونه من الصف(5).
ص: 15
جعله عليه السلام منعهم عن شرب الماء كاستطعام للقتال أحسن كناية.
و: قال الأشعث لعمرو: واللَّه إن كنت لأظنّ لك رأيا، فاذا أنت لا عقل لك، أترانا نخليك والماء فقال له عمرو: كنت مقهورا على ذلك الرأي فكايدتك بالتهدد(1).
بالرضا بأن تبقى الشريعة في أيديهم.
ولمّا قتل عبداللَّه بن معديكرب أراد أخوه عمرو بن معديكرب أخذ ديته وترك ثأره، فقالت اخته كبشة:
فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم
فمشوا بآذان النعام المصلّم
ودع عنك عمرا إنّ عمرا مسالم
وهل بطن عمرو غير شبر لمطعم(2)
ولمّا كان أسماء بن خارجة ذهب بهاني بن عروة الى عبيداللَّه بن زياد فقتله، قال عبداللَّه بن الزبير الأسدي مخاطبا لمذحج قوم هاني:
فإن أنتم لما تثأروا بأخيكم * فكونوا بغايا ارضيت بقليل(3)
انّ الأشتر روّى سيفه من دماء سبعة من فرسانهم: صالح بن فيروز العكي، وكان مشهورا بشدة البأس، شد عليه بالرمح وفلق ظهره، ثم مالك بن أدهم السلماني وكان من فرسانهم، ثم رماح بن عتيك الغساني، ثم إبراهيم بن وضاح الجمحي، ثم أزمل عتيك الحزامي وكان من أصحاب ألويتهم، ثم أجلح بن منصور الكندي وكان من أعلام العرب وفرسانها وماتت اخته حبلة حزنا عليه، ثم محمد بن روضة الجمحي، خرج وهو يقول:
يا قاتلي عثمان ذاك المؤتمن * أضربكم ولا أرى أباحسن
فشدّ عليه الأشتر وهو يقول:
لا يبعد اللَّه سوى عثمانا * مخالف قد خالف الرحمانا
نصرتموه عابدا شيطانا
فقتله. وقال أيضاً - وقد كان قتل من آل ذي يزن رجلا، ومن آل ذي لقوه فارس الأردن - :
اليوم يوم الحفاظ * بين الكماة الغلاظ
نحفزها والمظاظ(4)
هذا، وذكر أعرابي قوما تحاربوا، فقال: أقبلت الفحول تمشي مشي الوعول، فلما تصافحوا بالسيوف فغرت المنايا أفواهها(5).
وقال صخر أخو خنساء في أخذه ثار أخيه معاوية من بني مرّة:
ومرّة قد صبحناها المنايا * فروّينا الأسنة غير فخر(6)
ص: 16
ولما صرف أهل مزّة الماء عن أهل دمشق ووجهوه إلى الصحاري كتب إليهم أبوالهندام: إلى بني استها - أهل مزّة - ليمسّيني الماء أو لتصبّحنكم الخيل. فوافاهم الماء قبل أن يعتموا فقال أبو الهندام: «الصدق ينبي عنك لا الوعيد»(1).
هو في جمع المعنى ورفع المغزى، كقوله تعالى: «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ»(2).
وقال ولده الحسين عليه السلام: لا واللَّه لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد(3) ونقل: لا واللَّه لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد(4).
في مسير الكربلاء حين المواجة له عليه السلام قال الحر: يا حسين إني أذكرك اللَّه في نفسك فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن.
فقال له الحسين عليه السلام أفبالموت تخوفني وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه وهو يريد نصرة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فخوفه ابن عمه وقال أين تذهب فإنك مقتول فقال.
سأمضي فما بالموت عار على الفتى * إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما
وآسى الرجال الصالحين بنفسه * وفارق مثبورا(5) وباعد (خالف خ ل) مجرما
ص: 17
فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم * كفى بك ذلا أن تعيش وترغما(1)
قال تعالى: قل هو تربصون بنا إلّا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم اللَّه بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون(2).
وقال الحسين عليه السلام: موت في عز خير من حياة في ذل(3).
وقال الحسين عليه السلام: ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز (ركزني خ ل) بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى اللَّه ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام(4).
قال ابن أبي الحديد: سيد أهل الإباء الذي علم الناس الحمية والموت تحت ظلال السيوف اختيارا له على الدنية أبوعبداللَّه الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام عرض عليه الأمان وأصحابه فأنف من الذل(5).
وقال ابن أبي الحديد: سمعت النقيب أبا زيد يحيى بن زيد العلوي البصري يقول: كان أبيات أبي تمام في محمد بن حميد الطائي ما قيلت إلّا في الحسين عليه السلام.
وقد كان فوت الموت سهلا فرده * إليه الحفاظ المر والخلق الوعر
ونفس تعاف الضيم حتى كأنه * هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر
ص: 18
فأثبت في مستنقع الموت رجله * وقال لها من تحت أخمصك الحشر
تردى ثياب الموت حمرا فما أتى * لها الليل إلّا وهي من سندس خضر(1)
وقال محمد بن أبي طالب وذكر أبو علي السلامي في تاريخه أنّ هذه الأبيات للحسين عليه السلام من إنشائه وقال ليس لأحد مثلها:
فَإنّ تَكُنِ الدُّنيَا تُعَدَّ نَفِيسَةً * فدار ثَوَابِ اللَّهِ أَعلْى وَأَنْبَلُ
وإنْ تَكُنِ الْأَبدَانٌ لِلْمَوْتِ أُنْشِئَتْ * فَقَتْلُ امرئٍ بِالسّيْفِ في اللَّهِ أَفْضَلُ
وَاِنْ تكُنِ الْأَرْزاقُ قِسما مقدرا * فقِلةُ سَعْي الْمَرْءِ فِي الْكَسْبِ أَجْمَلُ
وَإِنْ تَكُنِ الْأَمْوَالُ لِلتَّرْكِ جَمْعُهَا * فَمَا بَالُ مَتْرُوكٍ بِهِ المَرْءُ يَبْخَلُ(2)
وتمثل عليه السلام يوم الطف:
فان نهزم فهزامون قدما * وان نغلب فغير مغلبينا
وما إن طبنا جبن ولكن * منايانا ودولة آخرينا
اذا ما الموت رفع عن أناس * كلاكله (منازله) أناخ بآخرينا
فأفنى ذلكم سروات قومي * كما أفتى القرون الأولينا
فلو خلد الملوك اذا خلدنا * ولو بقي الكرام إذا بقينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا * سيلقى الشامتون كما لقينا(3)
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إن اللَّه تبارك وتعالى فوض إلى المؤمن كل شي ء إلّا إذلال نفسه(4).
ص: 19
كان عمليق الطسمي قضى على جديس: أن يذهبوا ببناتهم ليلة زفافهم قبل أزواجهم إليه فيفترعهن هو، فذهبوا بعفيرة بنت عباد الجديسي إليه فافترعها، فخرجت الى قومها شاقة درعها من قبل ومن دبر في أقبح منظر، قائلة:
لا أحد أذلّ من جديس * أ هكذا يفعل بالعروس
وقالت في تحريض قومها:
فموتوا كراما أو أميتوا عدوّكم * ودبوا الخطب بالحطب الجزل
فللبين خير من مقام على أذى * وللموت خير من مقام على الذّل
وإن أنتم لم تغضبوا بعد هذه * فكونوا نساء لا تعاب من الكحل
ودونكم طيب العروس فإنّما * خلقتم لأثواب العروس وللنسل
فصار تحريضها سببا لقتل العمليق(1).
وقال صخر أخو خنساء لمّا طال مرضه، وسئلت امرأته عنه فقالت: لاحي فيرجي ولا ميت فينعى - :
وللموت خير من حياة كأنّها * محلة يعسوب برأس سنان(2)
وتمثّل زيد بن علي يوم قتل بقول القائل:
اذل الحياة وعز الممات * وكلّا أراه طعاما وبيلا
فإن كان لابدّ من واحد * فسيروا إلى الموت سيرا جميلا(3)
وذكروا: أنّ عبد الجبار الأزدي خرج على المنصور، فانهزم، فحمل إليه فقال للمنصور: قتلة كريمة. قال تركتها وراءك يابن اللخناء(4).
ص: 20
وقال البحتري في بني حميد، وقد قتلوا في الحرب، لأبيهم:
أبا غانم أردى بنيك اعتقادهم * بأن الردى في الحرب أكبر مغنم
مضوا يستلذّون المنايا حفيظة * وحفظا لذاك السؤدد المتقدّم
ولمّا رأوا بعض الحياة مذلّة * عليهم وعز الموت غير محرم
أبوا أن يذوقوا العيش والذم واقع * عليه وماتوا ميتة لم تذمم(1)
انّ معاوية لما أتاه كتاب علي عليه السلام بعزله عن الشام بعد عثمان صعد المنبر وقال: يا أهل الشام، قد علمتم أني خليفة أميرالمؤمين عمر وخليفة عثمان وقتل مظلوما. وتعلمون أني وليّه. واللَّه يقول:... وَمَنْ قُتِلَ مَظلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً...(2) الخ(3). ووضع من يقوم في الناس ويروي لهم أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إنّ عثمان كان على الحق(4)، وبث فيهم أنّ عليّا لا يصلّي(5).
وذكروا أنّه لما غلب أهل الشام على الفرات فرحوا بالغلبة، فقال معاوية لهم: يا أهل الشام هذا واللَّه أوّل الظفر، لا سقاني اللَّه ولا سقى أبا سفيان إن شربوا منه، حتى
ص: 21
يقتلوا بأجمعهم عليه(1).
وخرج رجل من أهل الشام، فقال: من يبارز فخرج إليه رجل من أصحاب علي عليه السلام فاقتتلا ساعة، ثم إنّ العراقي ضرب رجل الشامي فقطعها، فقاتل ولم يسقط إلى الأرض، ثم ضرب يده فقطعها، فرمى الشامي سيفه بيده اليسرى الى أهل الشام وقال لهم: دونكم سيفي هذا، فاستعينوا به على عدوّكم. فأخذوه، فاشترى معاوية ذلك السيف من أولياء المقتول بعشرة آلاف(2).
ص: 22
بسم الله الرحمن الرحیم
أَلا وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَصَرَّمَتْ وَآذَنَتْ بِانْقِضَاءٍ وَتَنَكَّرَ مَعْرُوفُهَا وَأَدْبَرَتْ حَذَّاءَ فَهِيَ تَحْفِزُ بِالْفَنَاءِ سُكَّانَهَا وَتَحْدُو بِالْمَوْتِ جِيرَانَهَا وَقَدْ أَمَرَّ مِنْهَا مَا كَانَ حُلْواً وَكَدِرَ مِنْهَا مَا كَانَ صَفْواً فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلّا سَمَلَةٌ كَسَمَلَةِ الإِدَاوَةِ أَوْ جُرْعَةٌ كَجُرْعَةِ الْمَقْلَةِ لَوْ تَمَزَّزَهَا الصَّدْيَانُ لَمْ يَنْقَعْ فَأَزْمِعُوا عِبَادَ اللَّهِ الرَّحِيلَ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ الْمَقْدُورِ عَلَى أَهْلِهَا الزَّوَالُ وَلا يَغْلِبَنَّكُمْ فِيهَا الْأَمَلُ وَلا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمْ فِيهَا الْأَمَدُ.
فَوَاللَّهِ لَوْ حَنَنْتُمْ حَنِينَ الْوُلَّهِ الْعِجَالِ وَدَعَوْتُمْ بِهَدِيلِ الْحَمَامِ وَجَأَرْتُمْ جُؤَارَ مُتَبَتِّلِي الرُّهْبَانِ وَخَرَجْتُمْ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ الْتِمَاسَ الْقُرْبَةِ إِلَيْهِ فِي ارْتِفَاعِ دَرَجَةٍ عِنْدَهُ أَوْ غُفْرَانِ سَيِّئَةٍ أَحْصَتْهَا كُتُبُهُ وَحَفِظَتْهَا رُسُلُهُ لَكَانَ قَلِيلاً فِيمَا أَرْجُو لَكُمْ مِنْ ثَوَابِهِ وَأَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ عِقَابِهِ.
وَتَاللَّهِ لَوِ انْمَاثَتْ قُلُوبُكُمُ انْمِيَاثاً وَسَالَتْ عُيُونُكُمْ مِنْ رَغْبَةٍ إِلَيْهِ أَوْ رَهْبَةٍ مِنْهُ دَماً ثُمَّ عُمِّرْتُمْ فِي الدُّنْيَا مَا الدُّنْيَا بَاقِيَةٌ مَا جَزَتْ أَعْمَالُكُمْ عَنْكُمْ وَلَوْ لَمْ تُبْقُوا شَيْئاً مِنْ جُهْدِكُمْ أَنْعُمَهُ عَلَيْكُمُ الْعِظَامَ وَهُدَاهُ إِيَّاكُمْ لِلْإِيمَانِ.
ص: 23
قال الرضي رحمه الله: والمنسك هاهنا المذبح.
قال أبوتمام:
عمري لقد نصح الزمان وإنه
لمن العجائب ناصح لا يشفق(1)
وَتَنَكَّرَ مَعْرُوفُهَا وَأَدْبَرَتْ حَذَّاءَ
قال تعالى حكاية عن زكريا: «وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً»(2).
تولى الشباب كأن لم يكن * وحل المشيب كأن لم يزل
كأن المشيب كصبح بدا * وأما الشباب كبدر أفل(3)
فَهِيَ تَحْفِزُ بِالْفَنَاءِ سُكَّانَهَا
قول بعضهم:
هي الدنيا تقول بمل ء فيها * حذار حذار من بطشي وفتكى
ص: 24
فلا يغرركم حسن ابتسامي * فقولي مضحك والفعل مبكى(1)
الحدو: سوق الإبل، والغناء لها. وفي (الديوان):
قد رأيت القرون كيف تفانت * درست ثمّ قيل كان وكانت
هي دنيا كحيّة تنفث السّمّ * وان كانت المجسّة لانت(2)
الموت لا والدا يبقي ولا ولدا * هذا السبيل إلى أن لا ترى أحدا(3)
ولنعم ما قيل:
باتوا على قلل الجبال تحرسهم * غلب الرجال فلم ينفعهم القلل
واستنزلوا بعد عز عن معاقلهم * إلى مقابرهم يابئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد ما دفنوا * أين الأسرة والتيجان والحلل
أين الوجوه التي كانت محجبة * من دونها تضرب الأستار والكلل
فأفصح القبر عنهم حين سائلهم * تلك الوجوه عليها الدود تنتقل
قد طال ما أكلوا فيها وهم شربوا * فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا
وطال ما كثروا الأموال وادخروا * فخلفوها على الأعداء وارتحلوا
وطال ما شيدوا دورا لتحصنهم * ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا
أضحت مساكنهم وحشا معطلة * وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا(4)
ص: 25
سل الخليقة إذ وافت منيته * أين الجنود وأين الخيل والخول
أين الكنوز التي كانت مفاتحها * تنوء بالعصبة المقوين لو حملوا
أين العبيد التي أرصدتهم عددا * أين الحديد وأين البيض والأسل
أين الفوارس والغلمان ما صنعوا * أين الصوارم والخطية الذبل
أين الكفاة أ لم يكفوا خليفتهم * لما رأوه صريعا وهو يبتهل
أين الكماة التي ماجوا لما غضبوا * أين الحماة التي تحمى به الدول
أين الرماة ألم تمنع بأسهمهم * لما أتتك سهام الموت تنتصل
هيهات ما منعوا ضيما ولا دفعوا * عنك المنية إذ وافى بك الأجل
ولا الرشا دفعتها عنك لو بذلوا * ولا الرقى نفعت فيها ولا الخيل
ما ساعدوك ولا واساك أقربهم * بل سلموك لها يا قبح ما فعلوا(1)
في الديوان:
دنيا عدمتك ما أمرك * للمكثرين فما أضرك
ما ذاق خيرك ذائق * إلا صببت عليه شرك(2)
في الديوان:
ص: 26
أرى الدنيا ستؤذن بانطلاق * مشمّرة على قدم وساق
فلا الدنيا بباقية لحيّ * ولا حيّ على الدنيا بباق(1)
قال النبي صلى الله عليه وآله: ما الدنيا في الآخرة إلّا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع(2).
وعنه صلى الله عليه وآله: مثل الدنيا في الآخرة كمثل ثوب شقّ من أوّله إلى آخره فتعلّق بخيط منها، فما لبث ذلك الخيط أن ينقطع(3).
اوْ جُرْعَةٌ
(الجرعة) من الماء كاللقمة من الطعام وهو ما يجرع مرة واحدة(4).
كَجُرْعَةِ الْمَقْلَةِ
في حديث علي عليه السلام «لم يبق منها إلّا جرعة كجرعة المقلة» هي بالفتح: حصاة يقتسم بها الماء القليل في السفر، ليعرف قدر ما يسقى كل واحد منهم(5).
ص: 27
طلق الدنيا ثلاثا * واطلبن زوجا سواها
إنها زوجة سوء * لا تبالي من أتاها
وإذا نالت مناها * منه ولته قفاها(1)
الْمَقْدُورِ عَلَى أَهْلِهَا الزَّوَالُ
تحرز من الدنيا فإن فناءها * محل فناء لا محل بقاء
فصفوتها ممزوجة بكدورة * وراحتها مقرونة بعناء(2)
أفلا تنظر إلى الأمم الماضية والقرون الفانية وإلى من عاشرتهم من صنوف الناس وشيعتهم إلى الارماس كيف اخترمتهم أيدى المنون من قرون بعد قرون، أو لا تعتبر ممن مضى من أسلافك ومن وارته الأرض من الافك، ومن فجعت به من اخوانك ونقلت إلى دار البلا من أقرانك.
فهم في بطون الأرض بعد ظهورها * محاسنهم فيها بوال دواثر
خلت دورهم منهم واقوت عراصهم * وساقتهم نحو المنايا المقادر
وخلوا عن الدنيا وما جمعوا لها * وضمتهم تحت التراب الحفائر(3)
وَلا يَغْلِبَنَّكُمْ فِيهَا الْأَمَلُ وَلا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمْ فِيهَا الْأَمَدُ
قال تعالى : «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ
ص: 28
الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ»(1).
أي: الآبال التي فقدت ولدها فصارت والهة متحيّرة.
وهديله: صوته، وممّا اشتهر عند العرب: أنّ الهديل كان فرخا على عهد نوح عليه السلام فصاده أحد جوارح الطيور فليسمن حمامة إلّا وتبكي عليه في هديلها، قال شاعر:
وما من تهتفين به لنصر
بأسرع جابة لك من هديل(2)
قال تعالى: «وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا»(3).
وَحَفِظَتْهَا رُسُلُهُ
قال تعالى: «وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ»(4).
ص: 29
عن طاوس اليماني قال كان علي بن الحسين سيد العابدين عليه السلام يدعو بهذا الدعاء: إلهي وعزتك وجلالك وعظمتك لو أني منذ بدعت فطرتي من أول الدهر عبدتك دوام خلود ربوبيتك بكل شعرة في كل طرفة عين سرمد الأبد بحمد الخلائق وشكرهم أجمعين لكنت مقصرا في بلوغ أداء شكر أخفى نعمة من نعمك علي ولو أني كربيت [كربت] معادن حديد الدنيا بأنيابي وحرثت أرضها بأشفار عيني وبكيت من خشيتك مثل بحور السماوات والأرضين دما وصديدا لكان ذلك قليلا في كثير ما يجب من حقك علي ولو أنك إلهي عذبتني بعد ذلك بعذاب الخلائق أجمعين وعظمت للنار خلقي وجسمي ملأت جهنم وأطباقها مني حتى لا يكون في النار معذب غيري ولا يكون لجهنم حطب سواي لكان ذلك بعدلك علي قليلا في كثير استوجبته من عقوبتك(1).
وفي دعاء الصحيفة في استقالته عليه السلام من الذنوب: إلهي لو بكيت إليك حتى تسقط أشفار عيني، وانتحبت حتى ينقطع صوتي، وقمت لك حتى تتنشّر (تنثر) قدماي، وركعت لك حتى ينخلع صلبي، وسجدت لك حتى تتفقأ حدقتاي، وأكلت تراب الأرض طول عمري، وشربت ماء الرماد آخر دهري، وذكرتك في خلال ذلك حتى يكل لساني، ثم لم أرفع طرفي إلى آفاق السماء استحياء منك ما استوجبت بذلك محو سيئة واحدة من سيئاتي، وإن كنت تغفر لي حين أستوجبت مغفرتك، وتعفو عني حين أستحق عفوك فإن ذلك غير واجب لي باستحقاق، ولا أنا أهل له باستيجاب، إذ كان جزائي منك في أول ما عصيتك النار، فإن تعذبني
ص: 30
فأنت غير ظالم لي(1).
وَتَاللَّهِ لَوِ انْمَاثَتْ قُلُوبُكُمُ انْمِيَاثاً وَسَالَتْ عُيُونُكُمْ مِنْ رَغْبَةٍ إِلَيْهِ أَوْ رَهْبَةٍ مِنْهُ دَماً ثُمَّ عُمِّرْتُمْ فِي الدُّنْيَا مَا الدُّنْيَا بَاقِيَةٌ مَا جَزَتْ أَعْمَالُكُمْ عَنْكُمْ وَلَوْ لَمْ تُبْقُوا شَيْئاً مِنْ جُهْدِكُم
عن الزهري قال: دخلت مع علي بن الحسين عليهما السلام على عبدالملك بن مروان قال فاستعظم عبدالملك ما رأى من أثر السجود بين عيني علي بن الحسين عليه السلام فقال يا أبامحمد لقد بين عليك الاجتهاد ولقد سبق لك من اللَّه الحسنى وأنت بضعة من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قريب النسب وكيد السبب وإنك لذو فضل عظيم على أهل بيتك وذوي عصرك ولقد أوتيت من الفضل والعلم والدين والورع ما لم يؤته أحد مثلك ولا قبلك إلا من مضى من سلفك وأقبل يثني عليه ويطريه قال فقال علي بن الحسين عليه السلام كل ما ذكرته ووصفته من فضل اللَّه سبحانه وتأييده وتوفيقه فأين شكره على ما أنعم، كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقف في الصلاة حتى ترم قدماه ويظمأ في الصيام حتى يعصب فوه فقيل له يا رسول اللَّه ألم يغفر لك اللَّه ما تقدم من ذنبك وما تأخر فيقول صلى الله عليه وآله: «أفلا أكون عبداً شكوراً» الحمد للَّه على ما أولى وأبلى وله الحمد في الآخرة والأولى واللَّه لو تقطعت أعضاني وسألت مقلتاي على صدري لن أقوم للَّه جل جلاله بشكر عشر العشير من نعمة واحدة من جميع نعمه التي لا يحصيها العادون ولا يبلغ حد نعمة منها علي جميع حمد الحامدين - لا واللَّه أو يراني اللَّه لا يشغلني (لا واللَّه لا يراني اللَّه يشغلني) شي ء عن شكره وذكره في ليل ولا نهار ولا
ص: 31
سر ولا علانية ولو لا أن لأهلي علي حقا ولسائر الناس من خاصهم وعامهم علي حقوقا - لا يسعني إلّا القيام بها حسب الوسع والطاقة حتى أؤدّيها إليهم لرميت بطرفي إلى السماء وبقلبي إلى اللَّه ثم لم أرددهما حتى يقضي اللَّه على نفسي وهو خير الحاكمين وبكى عليه السلام وبكى عبدالملك وقال شتان بين عبد طلب الآخرة وسعى لها سعيها وبين من طلب الدنيا من أين جاءته وما له في الآخرة من خلاق(1).
وفي هذا المعنى يقول محمود الوراق(2):
شكر الإله نعمة موجبة لشكره * وكيف شكري بره وشكره من بره(3)
قال علي عليه السلام: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: استشرفوا العين والأذن(4).
وعن علي عليه السلام قال: أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في الأضاحي أن تستشرف العين والأذن ونهانا عن الخرقاء والشرقاء والمقابلة والمدابرة(5).
الخرقاء أن يكون في الأذن ثقب مستدير والشرقاء في الغنم المشقوقة الأذن باثنين حتى ينفذ إلى الطرف(6) والمقابلة أن يقطع من مقدم أذنها شي ء يترك معلقا لا يبين كأنه زنمة(7) ويقال مثل ذلك من الإبل المزنم ويسمى ذلك المعلق الرعل والمدابرة أن يفعل ذلك بمؤخر أذن الشاة(8).
وفي (النهاية) - بعد ذكر تفسير (الصحاح) للاستشراف - ومنه حديث الأضاحي «أمرنا أن نستشرف العين والأذن - أي: نتأمل سلامتهما من آفة تكون بهما(9).
وعنه عليه السلام عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنه قال: لا يضحى بالجداء ولا بالجرباء والجداء المقطوعة الأطباء وهي حلمات الضرع والجرباء التي بها الجرب(10).
وعن جعفر بن محمد صلوات اللَّه عليه أنه كره المقابلة والمدابرة والشرقاء والخرقاء فالمقابلة المقطوع من أذنها شي ء من مقدمها يترك فيها معلقا والمدابرة
ص: 32
تكون كذلك من مؤخر أذنها والشرقاء المشقوقة الأذن باثنين والخرقاء التي في أذنها ثقب مستدير(1).
وجاءت أم سلمة رضي اللَّه عنها إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت يا رسول اللَّه يحضر الأضحى وليس عندي ثمن الأضحية فأستقرض وأضحي فقال استقرضي وضحي فإنه دين مقضي ويغفر لصاحب الأضحية عند أول قطرة تقطر من دمها(1).
عن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال قلت له ما علة الأضحيه فقال إنه يغفر لصاحبها عند أول قطرة تقطر من دمها إلى الأرض وليعلم اللَّه تعالى من يتقيه بالغيب قال اللَّه تعالى: «لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ»(2) ثم قال انظر كيف قبل اللَّه قربان هابيل ورد قربان قابيل(3).
وروي عن النبيّ صلى الله عليه وآله قال: ما من عمل يوم النحر أحبّ إلى اللَّه عزّوجلّ من إراقة دم وأنّها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها، وأنّ الدم ليقع من اللَّه بمكان قبل أن يقع الأرض فطيبوا بها نفسا(4).
وعنه صلى الله عليه وآله أيضاً أنّ لكم بكلّ صوفة من جلدها حسنة، وبكلّ قطرة من دمها حسنة، وأنّها لتوضع في الميزان فأبشروا(5).
فميا أوصي به النبي صلى الله عليه وآله علياعليه السلام: يا علي لا تماكس في أربعة أشياء في شراء الأضحية والكراء إلى مكة...(6).
ص: 34
قال علي عليه السلام: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: استشرفوا العين والأذن(1).
وعن علي عليه السلام قال: أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في الأضاحي أن تستشرف العين والأذن ونهانا عن الخرقاء والشرقاء والمقابلة والمدابرة(2).
الخرقاء أن يكون في الأذن ثقب مستدير والشرقاء في الغنم المشقوقة الأذن باثنين حتى ينفذ إلى الطرف(3) والمقابلة أن يقطع من مقدم أذنها شي ء يترك معلقا لا يبين كأنه زنمة(4) ويقال مثل ذلك من الإبل المزنم ويسمى ذلك المعلق الرعل والمدابرة أن يفعل ذلك بمؤخر أذن الشاة(5).
وفي (النهاية) - بعد ذكر تفسير (الصحاح) للاستشراف - ومنه حديث الأضاحي «أمرنا أن نستشرف العين والأذن - أي: نتأمل سلامتهما من آفة تكون بهما(6).
وعنه عليه السلام عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنه قال: لا يضحى بالجداء ولا بالجرباء والجداء المقطوعة الأطباء وهي حلمات الضرع والجرباء التي بها الجرب(7).
وعن جعفر بن محمد صلوات اللَّه عليه أنه كره المقابلة والمدابرة والشرقاء والخرقاء فالمقابلة المقطوع من أذنها شي ء من مقدمها يترك فيها معلقا والمدابرة
ص: 35
تكون كذلك من مؤخر أذنها والشرقاء المشقوقة الأذن باثنين والخرقاء التي في أذنها ثقب مستدير(1).
عن علي عليه السلام أنه نهى عن الجدعاء والهرمة فالجدعاء المجدوعة الأذن أي مقطوعتها(2).
عن الحلبي قال: سألت أباعبداللَّه عليه السلام عن الضحية تكون الأذن مشقوقة فقال إن كان شقها وسما فلا بأس وإن كان شقا فلا يصلح(3).
وسأل علي بن جعفر أخاه موسى بن جعفرعليه السلام عن الرجل يشتري الضحية عوراء فلا يعلم إلّا بعد شرائها هل تجزي عنه قال نعم إلّا أن يكون هديا فإنه لا يجوز أن يكون ناقصا(4).
عن أحدهماعليه السلام قال: سئل عن الأضاحي إذا كانت الأذن مشقوقة أو مثقوبة بسمة فقال ما لم يكن منها مقطوعا فلا بأس(5).
قال أبو زيد - كما في الصحاح - العضباء: الشاة المكسوره القرن الداخل، وهو المشاش(6).
ص: 36
وفي (الصحاح) ناقة عضباء أي: مشقوقة الاذن(1)، وأمّا ناقة النبي صلى الله عليه وآله التي كانت تسمى العضباء فإنما كان ذلك لقبا لها ولم تكن مشقوقة الأذن(2).
وفيه أيضاً: كانت للنبي صلى الله عليه وآله ناقة تسمى قصواء ولم تكن مقطوعة الاذن(3).
ومثله (القاموس): وقال في (جدع): لم تكن ناقة النبي صلى الله عليه وآله جدعاء ولا عضباء ولا قصواء وإنّما هن ألقاب(4) مع أنّهما وهما، فإنّ ابن دريد إنّما قال: كان اسمها العضباء ولم يقل لم يكن بها عيب(5)، وكذلك الطبري إنّما روى عن محمّد بن إبراهيم التيمي «ان اسم ناقة النبي صلى الله عليه وآله كان القصواء والجدعاء والعضباء» ولم يقل لم يكن بها عيب(6).
ومما يوضح أنّ الاسم لم يكن مجردا ما رواه الطبري عن سعيد بن المسيب قال: كان اسم ناقة النبي صلى الله عليه وآله العضباء وكان في طرف اذنها جدع(7).
روى المشايخ الثلاثة عن السكوني عن جعفر عن آبائه عليهما السلام عن النبيّ صلى الله عليه وآله: لا يضحي بالعرجاء بين عرجها، ولا بالعوراء بين عورها، ولا بالعجفاء ولا بالخرقاء، ولا بالجذعاء ولا بالعضباء.
وزاد الأوّل ولا الجرباء». وقال الأخيران العضباء مسكورة القرن(8).
وروى الأوّلان صحيحا عن جميل عن الصادق عليه السلام في الأضحية يكسر قرنها.
ص: 37
قال: إذا كان القرن الداخل صحيحا فهو يجزي(1).
ورواه الأخير هكذا: في المقطوع القرن أو المكسور القرن إذا كان القرن الداخل صحيحا فلا بأس وإن كان القرن الظاهر الخارج مقطوعا(2).
وقال ابن بابويه: قال الصفار إذا ذهب من القرن الداخل ثلثاه وبقي ثلثه فلا بأس بأن يضحى به(3).
هذا، قالوا: كان النبي صلى الله عليه وآله إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين، فإذا صلّى وخطب اتي بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بيده بالمدية ثم يقول: «اللهم هذا عن امتي جميعاً من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ» ثم يؤتى بالآخر فيذبحه بيده ثم يقول: «هذا عن محمد وآل محمد» فيأكل هو وأهله منها ويطعم المساكين(4).
وضحى النبي صلى الله عليه وآله في سنة (2) من الهجرة أول اضحى رآه المسلمون وامر بذلك، وخرج إلى المصلى وذبح به شاتين(5).
وفي (تذكرة سبط ابن الجوزي)(6): قال: أحمد بن حنبل في (فضائله): بإسناده عن عليّ عليه السلام قال: أمرني النبي صلى الله عليه وآله أن اضحي عنه، فأنا اضحي عنه أبدا. فكان عليه السلام يضحي عنه صلى الله عليه وآله إلى أن استشهد، بكبشين أملحين(7).
قال محمّد بن شهاب الزهري: إنّما خص النبيّ صلى الله عليه وآله علياعليه السلام بذلك دون أقاربه
ص: 38
وأهله لقربة منه، فكأنه فعل ذلك بنفسه(1).
خطب إبراهيم بن هشام المخزومي - خال هشام بن عبدالملك - بمنى فقال: سلوني فأنا ابن الوحيد لا تسألون أحدا أعلم مني. فقام إليه رجل من أهل العراق فسأله عن الأضحية أهي واجبة ام لا؟ فما درى أي شي ء يقول له، فنزل(2).
وفي الطبري أيضاً: ضحى أهل سامراء في سنة (246) يوم الاثنين على الرؤية وأهل مكة يوم الثلاثاء، وقدم في سنة (240) محمّد بن عبداللَّه بن طاهر بغداد منصرفاً من مكة في صفر فشكا ما ناله من الغم بما وقع من الخلاف في يوم النحر، فأمر المتوكل بإنفاذ خريطة صفراء من الباب إلى أهل الموسم برؤية هلال ذي الحجة وأن يسار بها كما يسار بالخريطة الواردة بسلامة الموسم(3).
وكان بالبصرة ثلاثة إخوة من ولد عتاب بن أسيد، كان أحدهم يحج عن حمزة ويقول: استشهد قبل أن يحج. وكان الآخر يفطر عن عائشة أيام التشريق ويقول: غلطت في صومها أيام العيد فمن صام عن أبيه وامه فأنا أفطر عن أمي عائشة. وكان الآخر يضحى عن أبي بكر وعمر ويقول: أخطا السنة في ترك الأضحية(4). ونقل (بيان الجاحظ) عن الخليل: أنّ الثلاثة كانوا إخوة أبي قطبة البخيل(5).
وقال الأصمعي: ولي رجل قضاء الأهواز فأبطأت عليه أرزاقه وليس عنده ما يضحي به، فشكا ذلك الى امرأته وأخبرها بما هو فيه من الضيق وأنّه لا يقدر على أضحية، فقالت له: لا تغتم فإنّ عندي ديكا عظيما قد سمنته، فإذا كان يوم الأضحى
ص: 39
ذبحناه. فبلغ جيرانه الخبر فأهدوا له ثلاثين كبشا وهو في المصلى لا يعلم فلما صار إلى منزله ورأى ما فيه من الأضاحي قال لامرأته من أين هذا قالت: أهدى لنا فلان وفلان وفلان. حتى سمت له جماعة. فقال لها: يا هذه تحفظي بديكنا هذا فلهو أكرم على اللَّه من إسحاق بن إبراهيم، إنّه فدى ذلك بكبش واحد وفدى ديكنا هذا بثلاثين كبشا(1).
وخطب عبداللَّه بن عامر بالبصرة في يوم أضحى، فأرتج عليه فمكث ساعة ثم قال: واللَّه لا أجمع عليكم عيا ولؤما من اخذ شاة من السوق فهي له وثمنها علي(2).
وفي (كنايات الجرجاني): حكي أن المفضل الضبي بعث بأضحية هزيلة إلى شاعر، ثم لقيه فسأله عنها فقال: كانت قليلة الدم، فضحك المفضل: وقال مهلا أردت قوله:
ولو ذبح الضبي بالسيف لم تجد * من اللؤم للضبي لحما ولا دما(3)
هذا، وعن النفيلي عن زهير عن أبي اسحاق عن شريح ابن النعمان - وكان رجل صدق - عن علي عليه السلام قال: أمرنا النبيّ صلى الله عليه وآله ان نستشرف العين والاذنين وألّا نضحي بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء. قال زهير: فقلت لأبي إسحاق أذكر عضباء فقال: لا، قلت: فما المقابلة. قال: قطع طرف الاذن. قلت: فالمدابرة قال: قطع من مؤخر الاذن. قلت: فالشرقاء قال: شق الاذن. قلت: فالخرقاء قال: خرق اذنها للسمة(4).
وعن عبدالرحمن بن محمّد بن حبيب الجرمي صاحب الانماط عن أبيه عن
ص: 40
جدّه أنّه شهد خالدا ضحى بالجعد بن درهم(1).
قلت: مراده بخالد بن عبداللَّه القسري وبالجعد الذي ينسب مروان ابن محمّد بن مروان آخر خلفاء بني امية إليه، فكان معروفا بمروان الجعدي كما كان معروفا بمروان الحمار، كان جعد زنديقا قالوا زعم أنّ اللَّه لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى، وكان مروان على مذهبه فكانت أهل الموصل يقولون لمروان: يا جعدي يا معطل، قتل جعدا خالد القسري بالعراق يوم النحر وجعله عوض أضحية(2).
عن علي عليه السلام أنه قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أن يضحى بالأعضب والأعضب المكسور القرن كله داخله وخارجه وإن انكسر الخارج وحده فهو أقصم(3).
وعن علي عليه السلام أنه نهى عن الأضحية المكسورة القرن والعرجاء البين عرجها والمهزولة البين هزالها والمقطوعة الأذن أو المصطلمة(4).
وأسباب الوجوب أربعة: 1 - حج التمتع قال تعالى: «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّهِ ِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا»(5).
2 - إذا حلق المحرم رأسه لضرورة فعليه كفارة مخيرا بين صيام ثلاثة أيام، أو
ص: 41
إطعام ستة مساكين، أو التضحية، قال تعالى: «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ»(1) والمراد بالنسك هنا الأضحية.
3 - اذا اصطاد فعليه مثل ما قتل من النعم، قال تعالى: «وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ»(2).
4 - هدي الحصر قال سبحانه: «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ»(3). والمراد بالإحصار هنا الحبس أي إذا أحرمتم للحج أو العمرة، ثم منعكم مانع من إكمال العبادة على وجهها الشرعي من مرض أو عدو وما اليه فعليكم أن تذبحوا ما تيسر.
ولا يشترط في الأضحية المستحبة ما يشترط في الواجبة، وأيام الأضحية المستحبة أربعة لمن كان في منى: يوم العيد، والأيام الثلاثة التي تليه، وتسمى بأيام التشريق، ولمن كان في غير منى يوم العيد، والحادي عشر والثاني عشر، وأفضل ساعات الأضحية من يوم الأضحى بعد طلوع الشمس.
وتمام الكلام عن الأضحية في كتب الفقه، والظاهر ان كلام الإمام عليه السلام هنا يختص بالأضحية المستحبة.
روى الصدوق هذه الخطبة مرسلة قال: وخطب أميرالمؤمنين عليه السلام في عيد الأضحى فقال: اللَّه أكبر اللَّه أكبر لا إله إلّا اللَّه واللَّه أكبر اللَّه أكبر وللَّه الحمد اللَّه أكبر
ص: 42
على ما هدانا وله الشكر فيما أولانا(1) والحمد للَّه على ما رزقنا من بهيمة الأنعام(2) وكان علي عليه السلام يبدأ بالتكبير إذا صلى الظهر من يوم النحر وكان يقطع التكبير آخر أيام التشريق عند الغداة(3) وكان يكبر في دبر كل صلاة فيقول اللَّه أكبر اللَّه أكبر لا إله إلّا اللَّه واللَّه أكبر اللَّه أكبر وللَّه الحمد فإذا انتهى إلى المصلى تقدم فصلى بالناس بغير أذان ولا إقامة فإذا فرغ من الصلاة صعد المنبر ثم بدأ فقال اللَّه أكبر اللَّه أكبر اللَّه أكبر زنة عرشه ورضا نفسه وعدد قطر سمائه (سماواته خ ل) وبحاره له الأسماء الحسنى والحمد للَّه حتى يرضى وهو العزيز الغفور اللَّه أكبر كبيرا متكبرا وإلها متعززا ورحيما متحننا(4) يعفو بعد القدرة ولا يقنط من رحمته إلّا الضالون اللَّه أكبر كبير ولا إله إلّا اللَّه كثيرا وسبحان اللَّه حنانا قديرا والحمد للَّه نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونشهد أن لا إله إلّا هو وأن محمدا عبده ورسوله من يطع اللَّه ورسوله فقد اهتدى وفاز فوزاً عظيما ومن يعص اللَّه ورسوله فقد ضل ضلالا بعيدا وخسر خسرانا مبينا أوصيكم عباداللَّه بتقوى اللَّه وكثره ذكر الموت والزهد في الدنيا التي لم يتمتع بها من كان فيها قبلكم ولن تبقى لأحد من بعدكم وسبيلكم فيها سبيل الماضين ألا ترون أنها قد تصرمت وآذنت بانقضاء وتنكر معروفها وأدبرت حذاء فهي(5) تخبر (تحفز خ ل) بالفناء وساكنها يحدى
ص: 43
بالموت(1) فقد أمر منها ما كان حلوا وكدر منها ما كان صفوا فلم يبق منها إلا سملة كسملة الإداوة(2) وجرعة كجرعة الإناء(3) يتمززها الصديان لم تنفع غلته فأزمعوا عباداللَّه بالرحيل من هذه الدار(4) المقدور على أهلها الزوال الممنوع أهلها من الحياة المذللة أنفسهم بالموت فلا حي يطمع في البقاء ولا نفس إلّا مذعنة بالمنون فلا يغلبنكم الأمل ولا يطل عليكم الأمد ولا تغتروا فيها بالآمال وتعبدوا اللَّه أيام الحياة فواللَّه لو حننتم حنين الواله العجلان(5) ودعوتم بمثل دعاء الأنام وجأرتم جوّار متبتل الرهبان(6) وخرجتم إلى اللَّه من الأموال والأولاد التماس القربة إليه
ص: 44
في ارتفاع درجة عنده أو غفران سيئة أحصتها كتبته وحفظتها رسله(1) لكان قليلا فيما أرجو لكم من ثوابه وأتخوف عليكم من أليم عقابه وباللَّه لو انماثت(2) قلوبكم انمياثا وسالت عيونكم من رغبة إليه ورهبة منه دما ثم عمرتم فى الدنيا ما كان الدنيا باقية ما جزت أعمالكم ولو لم تبقوا شيئاً من جهدكم لنعمه العظام عليكم وهداه إياكم إلى الإيمان ما كنتم لتستحقوا أبد الدهر ما الدهر قائم بأعمالكم جنته ولا رحمته(3) ولكن برحمته ترحمون وبهداه تهتدون وبهما إلى جنته تصبرون جعلنا اللَّه وإياكم من التائبين العابدين وإن هذا يوم حرمته عظيمة وبركته مأمولة والمغفرة فيه مرجوة فأكثروا ذكر اللَّه تعالى واستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم ومن ضحى منكم بجذع من المعز(4) فإنه لا يجزي عنه والجذع من الضأن
ص: 45
يجزي ومن تمام الأضحيه استشراف عينها وأذنها وإذا سلمت العين والأذن تمت الأضحية وإن كانت عضباء القرن أو تجر برجليها إلى المنسك فلا تجزي وإذا ضحيتم فكلوا وأطعموا وأهدوا واحمدوا اللَّه على ما رزقكم من بهيمة الأنعام وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأحسنوا العبادة وأقيموا الشهاده وارغبوا فيما كتب عليكم وفرض من الجهاد والحج والصيام فإن ثواب ذلك عظيم لا ينفد وتركه وبال لا يبيد(1) وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر وأخيفوا الظالم وانصروا المظلوم وخذوا على يد المريب وأحسنوا إلى النساء وما ملكت أيمانكم واصدقوا الحديث وأدوا الأمانة وكونوا قوامين بالحق ولا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم باللَّه الغرور...(2).
ص: 46
بسم الله الرحمن الرحیم
الأصل فيه رواية أبي مخنف عن زيد بن صوحان، قال: شهدت عليّاعليه السلام بذي قار(1) وهو معتمّ بعمامة سوداء، فقال في خطبة: الحمد للَّه على كلّ أمر وحال في الغدوّ والآصال - إلى أن قال - ثم استخلف الناس عثمان فنال منكم ونلتم منه، حتى إذا كان من أمره ما كان أتيتموني لتبايعوني، فقلت: لا حاجة لي في ذلك، ودخلت منزلي فاستخرجتموني، فقبضت يدي فبسطتموها، وتداككتم(2) عليّ حتّى ظننت أنكم قاتلي، وأنّ بعضكم قاتل بعض، فبايعتموني وأنا غير مسرور بذلك ولا جذل إلخ(3).
ص: 47
وَقَدْ أَرْسَلَهَا رَاعِيهَا وَخُلِعَتْ مَثَانِيهَا حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُمْ قَاتِلِيَّ أَوْ بَعْضُهُمْ قَاتِلُ بَعْضٍ لَدَيَّ وَقَدْ قَلَّبْتُ هَذَا الْأَمْرَ بَطْنَهُ وَظَهْرَهُ حَتَّى مَنَعَنِي النَّوْمَ فَمَا وَجَدْتُنِي يَسَعُنِي إِلّا قِتَالُهُمْ أَوِ
ذكر أبو مخنف في كتاب (الجمل): أنّ الأنصار والمهاجرين أجتمعوا في مسجد النبي صلى الله عليه وآله لينظروا من يولّونه أمرهم حتّى غص المسجد بأهله، فاتفق رأي عمار وأبي الهيثم بن التهيان ورفاعة بن رافع ومالك بن عجلان وأبي أيوب على إقعاد أميرالمؤمنين عليه السلام في الخلافة، وكان أشدهم تهالكا عليه عمّار فقال لهم: «أيّها الأنصار قد سار فيكم عثمان بالأمس بما رأيتموه، وأنتم على شرف من الوقوع في مثله إن لم تنظروا لأنفسكم، وإنّ عليّاعليه السلام أولى الناس بهذا الأمر لفضله وسابقته» فقالوا حينئذ بأجمعهم لبقيّة الناس من الأنصار والمهاجرين: «إنّا لن نألوكم خيرا وأنفسنا إن شاء اللَّه، وإنّ عليّاعليه السلام من قد علمتم، وما نعرف مكان أحد أحمل لهذا الأمر منه، ولا أولى به».
فقال الناس بأجمعهم: قد رضينا وهو عندنا على ما ذكرتم وأفضل وقاموا كلّهم فأتوا عليّاعليه السلام فاستخرجوه من داره وسألوه بسط يده فقبضها، فتداكوا عليه تداك الإبل الهيم على وردها حتى كاد بعضهم يقتل بعضا، فلمّا رأى منهم ما رأى سألهم أن تكون بيعته في المسجد ظاهرة للناس، وقال عليه السلام: إن كرهني رجل واحد لم أدخل في هذا الأمر.
فنهض الناس معه حتّى دخل المسجد، فكان أوّل من بايعه طلحة، فقال قبيضة بن ذؤيب الأسدي: تخوفت ألّا يتم له أمره لأنّ أوّل يد بايعته شلاء، ثم بايعه الزبير
ص: 48
وبايعه المسلمون بالمدينة، إلّا محمد بن مسلمة وعبداللَّه بن عمر واسامة بن زيد وسعد بن أبي وقاص وكعب بن مالك وحسان بن ثابت وعبداللَّه بن سلام، فأمر بإحضار عبداللَّه بن عمر فقال له: بايع. قال: لا ابايع حتّى يبايع جميع الناس. فقال له علي عليه السلام: فأعطني حميلا أن لا تبرح. قال: لا اعطيك.
فقال الأشتر له عليه السلام: إنّ هذا قد أمن سوطك وسيفك، فدعني أضرب عنقه.
فقال عليه السلام: لست أريد ذلك منه على كره، خلوا سبيله، لقد كان صغيرا وهو سيي ء الخلق، وهو في كبره أسوأ خلقا. ثم اتي بسعد بن أبي وقاص، فقال له عليه السلام: بايع، فقال له: خلّني فاذا لم يبق غيري بايعتك، فواللَّه لا يأتيك من قبلي أمر تكرهه أبدا. فقال عليه السلام: صدق، خلوا سبيله. ثم بعث إلى محمّد بن مسلمة، فلمّا أتاه قال له: بايع. قال: إنّ النبيّ أمرني اذا اختلف الناس وصاروا هكذا - وشبّك بين أصابعه - أن أخرج بسيفي فأضرب عرض أحد، فإذا تقطع أتيت منزلي فكنت فيه، لا أبرحه حتّى تأتيني يد خاطفة أو منيّة قاضية. فقال عليه السلام له: فانطلق اذن فكن كما امرت به. ثم بعث إلى اسامة بن زيد، فلمّا جاء قال له: بايع.
فقال له: إني مولاك ولا خلاف منّي عليك، وستأتيك بيعتي إذا سكن الناس.
فأمره بالانصراف، ولم يبعث إلى أحد غيرهم.
وقيل له: ألا تبعث إلى حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبداللَّه بن سلام فقال عليه السلام: لا حاجة لنا في من لا حاجة له فينا(1).
ثم قال ابن أبي الحديد: فأمّا أصحابنا - أي المعتزلة - فإنّهم يذكرون في كتبهم أنّ هؤلاء الرهط إنّما اعتذروا بما اعتذروا به لمّا ندبهم إلى الشخوص معه في
ص: 49
حرب الجمل، وإنّهم لم يتخلفوا عن البيعة، وإنّما تخلّفوا عن الحرب(1).
ثم نقل ابن أبي الحديد خبرا شاهدا لقولهم(2).
وروى ذلك (جمل المفيد) عن (جمل أبي مخنف) وعن غيره. وفي آخر خبره: أنّه عليه السلام قال لسعد وابن عمر وأسامة: ألستم على بيعتي قالوا: بلى. قال: انصرفوا فسيغني اللَّه عنكم(3).
وروى أبو مخنف عن ابن عباس، قال: لمّا دخل عليّ المسجد وجاء الناس ليبايعوه، خفت أن يتكلّم بعض أهل الشنآن لعلي عليه السلام ممّن قتل أباه أو أخاه، أو ذا قرابته في حياة النبي صلى الله عليه وآله، فيزهد علي عليه السلام في الأمر ويتركه. فكنت أرصد ذلك وأتخوفه، فلم يتكلّم أحد حتّى بايعه الناس كلهم راضين مسلّمين غير مكرهين(4).
الاصل فيه قوله تعالى: «فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ»(5).
قال نصر: خرج رجل من أهل الشام ينادي بين الصفين: يا أبا الحسن يا علي ابرز إلي قال: فخرج إليه علي عليه السلام حتى إذا اختلف أعناق دابتيهما بين الصفين فقال: يا علي إن لك قدما في الاسلام وهجرة فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه
ص: 50
حقن هذه الدماء وتأخير هذه الحروب حتى ترى من رأيك؟ فقال له علي عليه السلام: وما ذاك؟ قال: ترجع إلى عراقك فنخلي بينك وبين العراق ونرجع إلى شامنا فتخلي بيننا وبين شامنا فقال له علي عليه السلام: «لقد عرفت إنما عرضت هذا نصيحة وشفقة ولقد أهمني هذا الأمر وأسهرني وضربت أنفه وعينيه فلم أجد إلّا القتال أو الكفر بما أنزل اللَّه على محمدصلى الله عليه وآله إن اللَّه تبارك وتعالى لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر فوجدت القتال أهون علي من معالجة الأغلال في جهنم، فرجع الشامي وهو يسترجع(1).
ص: 51
بسم الله الرحمن الرحیم
أَمَّا قَوْلُكُمْ أَ كُلَّ ذَلِكَ كَرَاهِيَةَ الْمَوْتِ فَوَاللَّهِ مَا أُبَالِي دَخَلْتُ إِلَى الْمَوْتِ أَوْ خَرَجَ الْمَوْتُ إِلَيَّ وَأَمَّا قَوْلُكُمْ شَكّاً فِي أَهْلِ الشَّامِ فَوَاللَّهِ مَا دَفَعْتُ الْحَرْبَ يَوْماً إِلّا وَأَنَا أَطْمَعُ أَنْ تَلْحَقَ بِي طَائِفَةٌ فَتَهْتَدِيَ بِي وَتَعْشُوَ إِلَى ضَوْئِي وَذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَهَا عَلَى ضَلالِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَبُوءُ بِآثَامِهَا
لما ملك أميرالمؤمنين عليه السلام الماء بصفين، ثم سمح لأهل الشام بالمشاركة فيه، استمالة لهم واظهارا للمعدلة وحسن السيرة فيهم، مكث أيّاما لا يرسل إلى معاوية ولا يأتيه من عنده أحد، فاستبطأ أهل العراق إذنه لهم في القتال وقالوا له عليه السلام: خلّفنا ذرارينا ونساءنا بالكوفة وجئنا إلى أطراف الشام لنتخذها وطنا ائذن لنا في القتال - فإنّ الناس قد قالوا - فقال عليه السلام: ما قالوا فقيل: إنّ الناس يظنّون أنّك تكره الحرب كراهية للموت، وإنّ من الناس من يظن أنّك في شكّ من قتال أهل الشام. فقال عليه السلام: ومتى كنت كارها للحرب قط إنّ من العجب حبي لها غلاما ويافعا، وكراهتي لها شيخا بعد نفاد العمر وقرب الموت، وأمّا شكي في القوم فلو شككت فيهم، لشككت
ص: 52
في أهل البصرة، واللَّه لقد ضربت هذا الأمر ظهرا وبطنا، فما وجدت يسعني إلّا القتال، أو أن أعصي اللَّه ورسوله، ولكنّي استأني بالقوم عسى أن يهتدوا أو تهتدي منهم طائفة فإنّ النبي صلى الله عليه وآله قال لي يوم خيبر لئن يهدي اللَّه بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس(1). ثم نقل ابن أبي الحديد رواية نصر بن مزاحم في (صفينه): بعثه عليه السلام جمعا إلى معاوية ومشى القراء بينهما - إلى أن قال - فقال القراء له عليه السلام: إنّ معاوية يقول لك: إن كنت صادقا في عدم قتلك عثمان وعدم أمرك بقتله، فأقدنا من قتلته، فإنّهم في عسكرك وجندك وعضدك. فقال عليه السلام لهم: إنّ القوم تأولوا عليه القرآن ووقعت الفرقة، فقتلوه في سلطانه، وليس على ضربهم قود(2). ثم قال ابن أبي الحديد: ولا أدري لم عدل عليه السلام عن الحجّة بما هو أوضح من هذا الكلام وهو أن يقول: إنّ الذين باشروا قتل عثمان بأيديهم كانا اثنين، وهما قتر بن وهب وسودان بن حمران، وكلاهما قتل يوم الدار، قتلهما عبيد عثمان، والباقون الذين جندي وعضدي - كما تزعمون - لم يقتلوا بأيديهم وإنّما اغروا به وحصروه، وأجلبوا عليه وهمجوا على داره، كمحمّد بن أبي بكر والأشتر وعمرو بن الحمق وغيرهم، وليس على هؤلاء قود. وقوله عليه السلام: وليس على ضربهم قود: أي: على مثلهم(3).
قال التستري رحمه الله: هل هو أعلم بالقضية وبقضائها منه عليه السلام وكيف أنكر تصدّي اولئك وقد طعنه عمرو بن الحمق تسع طعنات وكون عمّار من قتلته مسلم، فقال
ص: 53
معاوية لجمع أرسلهم عليه السلام إليه: ألستم تعلمون أنّ قتلة صاحبنا أصحاب صاحبكم فليدفعهم إلينا فنقتلهم به، ثم نجيبكم إلى الطاعة. فقال له شبث: أيسرك باللَّه إن امكنت من عمّار فقتلته فقال: واللَّه لو أمكنني صاحبكم من ابن سميّة ما قتلته بعثمان، ولكنّي أقتله بنائل مولاه. فقال له شبث: وإله السماء ما عدلت معدلا(1).
كما أنّ كون محمّد بن أبي بكر من قتلته أيضاً مسلّم، ففي (الطبري): كتب معاوية إليه: سعيت عليه في الساعين وسفكت دمه في السافكين - إلى أن قال - وعدوك على عثمان يوم تطعن بمشاقصك بين أحشائه وأوداجه(2). وما ينفعه تأويله لفظ «ضربهم» وكون عثمان عنده عليه السلام مباح الدم أمر واضح، فلما جاء شرحبيل ومعن من قبل معاوية إليه عليه السلام قالا له عليه السلام: أتشهد أنّ عثمان قتل مظلوما؟ فقال لهما: إنّي لا أقول ذلك. قالا: فمن لم يشهد أنّ عثمان قتل مظلوما فنحن منه براء. ثمّ قاما فانصرفا، فقال علي عليه السلام «فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ»(3).(4)
فإنّه عليه السلام كان يقول - لما كانوا يقولون: سكت عن طلب الملك جزعا من الموت - : واللَّه لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي امه(5).
ص: 54
وقال عليه السلام: والذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي من ميتة على الفراش في غير طاعة اللَّه(1).
وقال عليه السلام: لقد كنت وما أهدد بالحرب ولا أرهب بالضرب وإني لَعَلى يقين من ربي وغير شبهة من ديني(2).
وروى عن زيد بن وهب قال مر علي عليه السلام يومئذ ومعه بنوه نحو الميسرة، وإنّي لأرى النبل يمرّ بين عاتقه ومنكبيه، ثم إنّ أهل الشام دنوا منه، واللَّه ما يزيده قربهم منه ودنوهم إليه سرعة في مشيه، فقال له الحسن عليه السلام: ما ضرّك لو سعيت حتى تنتهي إلى هؤلاء الذين صبروا لعدوّك من أصحابك فقال: يا بني ان لأبيك يوما لن يعدوه، ولا يبطي به عنه السعي، ولا يعجل به إليه المشي - إنّ أباك واللَّه ما يبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه(3).
وعن عبدالرحمن بن حاطب: كان علي عليه السلام اذا أراد القتال هلّل وكبّر، ثمّ قال:
من أي يوميّ من الموت أفر
أيوم ما قدر أم يوم قدر(4)
ممّن لحق به عليه السلام ابن عمّ لعمرو بن العاص، قال نصر: أنّ ابن عمّ لعمرو قال له: إنّك ان لم ترد معاوية، لم يردك، ولكنك تريد دنياه ويريد دينك. فبلغ معاوية قوله،
ص: 55
فطلبه فلحق بعلي عليه السلام، فحدّثه بأمر عمرو ومعاوية، فسرّ ذلك عليّاعليه السلام وقرّبه(1).
ولحق به عليه السلام ابن اخت لشرحبيل بن السمط، قال نصر: لمّا كتب جرير إلى شرحبيل ينصحه، ذعر وفكر فلفف له معاوية الرجال يعظّمون عنده قتل عثمان، ويرمون به علياعليه السلام، ويقيمون الشهاده الباطلة، والكتب المختلقة، حتى أعادوا رأيه. فقال ابن اخت له من بارق - وكان لحق أهل الشام - :
لعمر أبي الأشقى ابن هند لقد رمى * شرحبيل بالسهم الذي هو قاتله
فقال شرحبيل: واللَّه لأسيرن إلى صاحب هذا الشعر، أو ليفوتني. فهرب الفتى إلى الكوفة وكان أصله منها. وكاد أهل الشام أن يرتابوا...(2).
ولحق به عليه السلام صديق لعمرو بن العاص، ذكروا أنّه لما غلب أهل الشام على الفرات فرحوا بالغلبة، وقال معاوية: هذا أول الظفر. فقام إليه رجل يقال له ابن الأقبل - وكان ناسكا - وكان له في ما يذكر همدان لسان، وكان صديقا لعمرو - فقال له: أما تعلم ان فيهم العبد والأمة والأجير والضعيف، ومن لا ذنب له هذا واللَّه أوّل الجور، لقد شجّعت الجبان، وبصّرت المرتاب، وحملت من لا يريد قتالك على كتفيك. فأغلظ له، فقال الرجل أبياتا: ولحق في سواد الليل بعلي عليه السلام(3).
ولحق به عليه السلام شامي سمع قول النبي صلى الله عليه وآله في معاوية، لمّا رأى بيعة أهل الشام معه، عن أبي حرب بن الأسود عن رجل من أهل الشام عن أبيه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: «شرّ خلق للَّه خمسة: إبليس، وابن آدم الذي قتل أخاه، وفرعون ذو الأوتاد، ورجل من بني إسرائيل ردّهم عن دينهم، ورجل من هذه الامّة يبايع على كفره
ص: 56
عند باب لد(1). قال الرجل: فلمّا رأيت معاوية يبايع عند باب لد ذكرت قول النبي صلى الله عليه وآله، فلحقت بعلي عليه السلام فكنت معه(2).
ولحق به شمر بن أبرهة الحميري، وجمع من القرّاء، عن الزهري قال: خرج في اليوم الخامس من صفر شمر بن ابرهة الحميري في ناس من قرّاء أهل الشام، فلحق بعلي عليه السلام، ففت ذلك في عضد معاوية وعمرو بن العاص، فقال عمرو لمعاوية: إنّك تريد أن تقاتل بأهل الشام رجلا له من محمد قرابة قريبة، ورحم ماسة، وقدم في الإسلام لا يعتد أحد بمثله، ونجدة في الحرب(3) لم تكن لأحد من أصحاب محمّدصلى الله عليه وآله، وإنّه قد سار إليك بأصحاب محمّد المعدودين، وفرسانهم وقرّائهم، وأشرافهم وقدمائهم في الاسلام، ولهم في النفوس مهابة، فبادر بأهل الشام محاش الوعر، ومضائق الغيض، وآتهم من باب الطمع قبل أن ترفههم، فيحدث عندهم طول المقام مللا، فيظهر فيهم كآبة الخذلان، ومهما نسيت فلا تنس أنّك على باطل وأنّه على الحق(4).
ولحق به عليه السلام عبداللَّه بن عمر العنسي لسماع ذي الكلاع حديث: (قتل الفئة الباغية لعمّار) في أيام عمر من عمرو بن العاص، روى عن الإفريقي بن أنعم قال: قال أبو نوح الحميري: كنت في خيل علي عليه السلام، إذا أنا برجل من أهل الشام يقول: من دل على الحميري قلت: أيّهم تريد قال: أبو نوح. قلت: قد وجدته، فمن أنت قال: أنا ذوالكلاع، سر إليّ. فقلت: معاذ اللَّه أن أسير إليك إلّا في كتيبة. قال: سر فلك
ص: 57
ذمّة اللَّه وذمّة رسوله وذمّة ذي الكلاع، حتى ترجع إلى خيلك، فإنّما أريد أن أسألك عن أمر فيكم تمارينا فيه. فسارا حتى التقيا، فقال له ذوالكلاع: إنّما دعوتك أحدّثك حديثا حدّثنا به عمرو بن العاص أيام إمارة عمر: أنّ النبي صلى الله عليه وآله قال: «يلتقي أهل الشام وأهل العراق، وفي احدى الكتيبتين الحق وإمام الهدى ومعه عمّار بن ياسر». فقال له: إنّ عمّارا واللَّه لفينا. قال: أجادّ هو في قتالنا قال: نعم وربّ الكعبة، هو أشد على قتالكم منّي، ولوددت أنّكم خلق واحد فذبحته، وبدأت بك قبلهم وأنت ابن عمي. قال: ويلك علام تتمنى ذلك منّي واللَّه ما قطعتك في ما بيني وبينك، وإنّ رحمك لقريبة، وما يسّرني أنّي أقتلك. قال أبو نوح: إنّ اللَّه قد قطع بالإسلام أرحاما قريبة، ووصل به أرحاما متباعدة، وأنّى يكون بيننا وصل ونحن على الحق، وأنتم على الباطل مقيمون مع أئمة الكفر ورؤوس الأحزاب فقال ذو الكلاع هل تستطيع أن تأتي معي صف أهل الشام، فأنا جار لك منهم، حتى تلقى عمرو بن العاص فتخبره بجدّ عمّار في قتالنا - إلى أن قال - ثم سار أبو نوح حتى أتى عمرا، وهو عند معاوية، فقال ذوالكلاع لعمرو: هل لك في رجل ناصح لبيب شفيق يخبرك عن عمّار لا يكذبك قال عمرو: ومن هو؟ قال: ابن عمي هذا، وهو من أهل الكوفة. فقال عمرو لأبي نوح: إنّي لأرى عليك سيماء، أبي تراب. قال أبو نوح: علي عليه السلام على سيماء محمّدصلى الله عليه وآله وأصحابه، وعليك سيماء أبي جهل وسيماء فرعون - إلى أن قال بين ذكر جمعه بين عمّار وعمرو - فقال عمّار لعمرو: ألست تعلم - أيها الأبتر - أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال لعليّ عليه السلام: من كنت مولاه فعليّ مولاه اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه - إلى أن قال - فقال عمرو: فما ترى في قتل عثمان قال عمّار: فتح لكم باب كلّ سوء.
ص: 58
قال عمرو: فعليّ قتله؟ قال عمّار: بل اللَّه ربّ علي قتله، وعلي معه. قال عمرو: أكنت في من قتله؟ قال: كنت مع من قتله وأنا اليوم أقاتل معهم. قال عمرو: فلم قتلتموه؟ قال عمّار: أراد أن يغيّر ديننا فقتلناه(1) - إلى أن قال - ومشى عبداللَّه بن سويد سيد جرش إلى ذي الكلاع فقال له: لم جمعت بين الرجلين قال: لحديث سمعته من عمرو، ذكر أنّه سمعه من النبي صلى الله عليه وآله، وهو يقول لعمّار: «تقتلك الفئة الباغية» فخرج عبداللَّه بن عمر العنسي - وكان من عبّاد أهل زمانه - ليلا فأصبح في عسكر علي عليه السلام وقال لذي الكلاع:
والراقصات بركب عامدين له * إنّ الذي جاء من عمرو لمأثور
قد كنت اسمع - والأنباء شائعة * هذا الحديث فقلت الكذب والزور
حتى تلقيته من أهل عيبته * فاليوم أرجع والمغرور مغرور
واليوم أبرأ من عمرو وشيعته * ومن معاوية المحدو به العير
لا، لا أقاتل عمّار على طمع * بعد الرواية حتى ينفخ الصور
تركت عمرا وأشياعا له نكدا* إنّي بتركهم يا صاح معذور
يا ذا الكلاع فدع له معشرا كفروا * أو لا فدينك عين فيه تغرير
ما في مقال رسول اللَّه في رجل * شكّ ولا في مقال الرسل تحيير
فلمّا سمع معاوية بهذا الشعر بعث إلى عمرو: أن أفسدت عليّ أهل الشام، أكلّ ما سمعته من النبي صلى الله عليه وآله تقوله؟ فقال عمرو: قلتها ولست أعلم الغيب، ولا أدري أنّ صفين تكون، وقد رويت أنت في عمّار مثل الذي رويت(2).
ص: 59
كما أنّ جمعا من أصحابه عليه السلام الذين كانوا حريصين على الدنيا لحقوا بمعاوية لغلبة الشقاوة عليهم، منهم بشر بن عصمة المزني، وقيس بن قرّة التميمي(1)؛ وذو نواس بن هذيم العبدي، وقيس بن زيد الكندي(2).
إنما قال عليه السلام ذلك، لأنّ معاوية لبس الأمر على أهل الشام، قال نصر: مضى هاشم المرقال في عصابة من القرّاء، إذ خرج عليهم فتى شاب يقول:
انا ابن أرباب الملوك غسان * والدائن اليوم بدين عثمان
أنبانا أقوامنا بما كان * ان عليّا قتل ابن عفان
ثمّ شدّ، فلا ينثني يضرب بسيفه، ثمّ يلعن ويشتم ويكثر الكلام، فقال له المرقال: انّ هذا الكلام بعده الخصام، وإنّ هذا القتال بعده الحساب، فاتّق اللَّه فانّك راجع إلى ربّك فسائلك عن هذا الموقف. قال: فإنّي اقاتلكم لأن صاحبكم لا يصلّي كما ذكر لي، وأنّكم لا تصلّون، واقاتلكم لأنّ صاحبكم قتل خليفتنا، وأنتم وازرتموه على قتله. فقال له هاشم: وما أنت وابن عفان إنّما قتله أصحاب محمدصلى الله عليه وآله، وقرّاء الناس حين أحدث أحداثا وخالف حكم الكتاب، وإنّ أصحاب محمّدصلى الله عليه وآله هم أصحاب الدين وأولى بالنظر في أمور المسلمين.
وأمّا قولك: إنّ صاحبنا لا يصلّي، فهو أوّل الناس من صلّى للَّه مع النبي صلى الله عليه وآله، وأفقه الناس في دين اللَّه، وأولاهم برسوله، وأمّا من ترى معه فكلّهم قارئ لكتاب اللَّه لا ينامون الليل تهجّدا، فلا يغررك عن دينك الأشقياء المغرورون.
ص: 60
فقال الفتى لهاشم: إنّي لأظنّك امرأ صالحا، هل تجد لي من توبة قال: نعم، تب إلى اللَّه إنّه يتوب عليك، فانّه «يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ»(1) و«يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ»(2) فذهب الفتى راجعا، فقال له رجل من أهل الشام: خدعك العراقي. قال: لا، ولكن نصحني(3).
اذ «كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ»(4) «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى»(5).
روى الطبري: مكث الناس في صفين حتى اذا دنا انسلاخ المحرم، أمر علي عليه السلام مرثد بن الحارث الجشمي، فنادى أهل الشام عند غروب الشمس: ألا انّ أميرالمؤمنين يقول لكم: انّي قد استدمتكم لتراجعوا الحق وتنيبوا إليه، واحتججت عليكم بكتاب اللَّه عزوجل فدعوتكم إليه، فلم تناهوا عن طغيان، ولم تجيبوا إلى حق. وإنّي قد نبذت إليكم «عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ»(6)؛(7).
وروى الطبري: أنّه ابتدئ بالقتال في أوّل يوم من صفر، وكان يوم الأربعاء فخرج الأشتر من أصحابه عليه السلام، وخرج في مقابله أبوالأعور، وخرج اليوم الثالث عمّار، وخرج في مقابله عمرو بن العاص، وخرج اليوم الرابع محمد بن الحنفية، وخرج في مقابله عبيد اللَّه بن عمرو، وخرج في اليوم الخامس ابن عباس، وخرج في مقابله الوليد بن عقبة، وخرج في اليوم السادس قيس بن سعد ابن عبادة،
ص: 61
وخرج في مقابله ابن ذي الكلاع، وخرج في اليوم السابع أيضاً الأشتر وحبيب بن مسلمة(1). فخطب عليه السلام عشية الثلاثاء بعد العصر فقال: حتى متى لا نناهض القوم بأجمعنا وقال: الحمد للَّه الذي لا يبرم ما نقض، وما أبرم لا ينقضه الناقضون، ولو شاء ما اختلف اثنان من خلقه، ولا تنازعت الأمّة في شي ء من أمره، ولا جحد المفضول ذا الفضل فضله. وقد ساقتنا وهؤلاء القوم الأقدار، فلفّت بيننا في هذا المكان، نحن من ربّنا بمرأى ومسمع، فلو شاء عجّل النقمة وكان منه التغيير، ولكن جعل الدينا دار الأعمال، وجعل دار الآخرة عنده هي دار القرار، «لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى»(2). ألا إنّكم ملاقوا القوم غدا فأطيلوا الليلة القيام، وأكثروا تلاوة القرآن، وسلوا اللَّه الصبر والنصر، والقوهم بالجدّ والحزم، وكونوا صادقين(3). وعبّأعليه السلام الناس ليلته كلّها، وخرج إليهم غداة الأربعاء فاستقبلهم، وقال: اللّهم ربّ السقف المرفوع المحفوظ المكفوف، الذي جعلته مغيضا لليل والنهار، وجعلت فيه مجرى الشمس والقمر ومنازل النجوم، وجعلت سكانه سبطا من الملائكة لا يسأمون العبادة، وربّ هذه الأرض التي جعلتها قرارا للأنام والهوام والأنعام، وما لا يحصى مما يرى وما لا يرى من خلقك العظيم، وربّ الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، وربّ السحاب المسخّر بين السماء والأرض، وربّ البحر المسجور المحيط بالعالم، وربّ الجبال الرواسي التي جعلتها للأرض أوتادا، وللخلق متاعا، إن أظهرتنا على عدوّنا فجنبنا البغي، وسدّدنا للحق، وإن أظهرتهم علينا فارزقني الشهادة، واعصم بقية أصحابي من الفتنة.
ص: 62
وازدلف الناس يوم الأربعاء، واقتتلوا أشدّ قتال حتى الليل، لا ينصرف أحد إلّا للصلاة وكثرت القتلى، فأصبحوا من الغد فصلّى عليه السلام بهم غداة الخميس، فغلس بالصلاة أشدّ التغليس، وأقبل - وعلى ميمنته ابن بديل، وعلى ميسرته ابن عباس، وهوعليه السلام في القلب - في أهل المدينة. بين أهل الكوفة وأهل البصرة، ورفع معاوية قبّة عظيمة قد ألقى عليها الكرابيس. وبايعه معظمهم على الموت، وأحاطت خيل دمشق بقبّته، فزحف ابن بديل في ميمنته عليه السلام، وقال: قد قاتلناهم مع النبي صلى الله عليه وآله مرّة، وهذه ثانية. واللَّه ما هم في هذه بأتقى ولا أزكى ولا أرشد. فلم يزل يكشف خيل حبيب بن مسلمة من الميسرة، حتى اضطرّهم إلى قبّة معاوية(1).
ص: 63
بسم الله الرحمن الرحیم
وَلَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله نَقْتُلُ آبَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا وَإِخْوَانَنَا وَأَعْمَامَنَا مَا يَزِيدُنَا ذَلِكَ إِلّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً وَمُضِيّاً عَلَى اللَّقَمِ وَصَبْراً عَلَى مَضَضِ الْأَلَمِ وَجِدّاً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا وَالْآخَرُ مِنْ عَدُوِّنَا يَتَصَاوَلانِ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ يَتَخَالَسَانِ أَنْفُسَهُمَا أَيُّهُمَا يَسْقِي صَاحِبَهُ كَأْسَ الْمَنُونِ فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا وَمَرَّةً لِعَدُوِّنَا مِنَّا فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ وَأَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصْرَ حَتَّى اسْتَقَرَّ الإِسْلامُ مُلْقِياً جِرَانَهُ وَمُتَبَوِّئاً أَوْطَانَهُ وَلَعَمْرِي لَوْ كُنَّا نَأْتِي مَا أَتَيْتُمْ مَا قَامَ لِلدِّينِ عَمُودٌ وَلا اخْضَرَّ لِلْإِيمَانِ عُودٌ وَايْمُ اللَّهِ لَتَحْتَلِبُنَّهَا دَماً وَلَتُتْبِعُنَّهَا نَدَماً
الخطبة (55)
روى في البحار ملخصا من كتاب الغارات، لإبراهيم بن محمد الثقفي: أن معاوية لما أصاب محمد بن أبي بكر بمصر، بعث عبداللَّه بن عامر الحضرمي إلى أهل البصرة ليدعوهم إلى نفسه، وإلى الطلب بدم عثمان، فلما أتاهم وقرأ عليهم كتاب معاوية اختلفوا، فبعضهم ردوا، وأكثرهم قبلوا وأطاعوا. وكان الأمير يومئذ بالبصرة، زياد بن عبيد، قد استخلفه عبداللَّه بن العباس، وذهب إلى علي عليه السلام يعزيه عن محمد بن أبي بكر، فلما رأى زياد إقبال الناس على ابن الحضرمي، استجار من الأزد ونزل فيهم، وكتب إلى ابن عباس وأخبره بما جرى؛ فرفع ابن عباس ذلك
ص: 64
إلى علي عليه السلام، وشاع في الناس بالكوفة ما كان من ذلك، واختلف أصحابه عليه السلام فيمن يبعثه إليهم حمية فقال عليه السلام(1):
تناهوا أيها الناس، وليردعكم الإسلام ووقاره عن التباغي والتهاوي، ولتجتمع كلمتكم، والزموا دين اللَّه الذي لا يقبل من أحد غيره، وكلمة الإخلاص التي هي قوام الدين، وحجة اللَّه على الكافرين، واذكروا إذ كنتم قليلا مشركين متباغضين متفرقين فألف بينكم بالإسلام، فكثرتم واجتمعتم وتحاببتم، فلا تتفرقوا بعد إذ اجتمعتم، ولا تباغضوا بعد إذ تحاببتم، وإذا رأيتم الناس وبينهم النائرة وقد تداعوا(2) إلى العشائر والقبائل فاقصدوا لهامهم ووجوههم بسيوفكم، حتى يفزعوا إلى اللَّه وكتابه وسنة نبيه، فأما تلك الحمية فإنها من خطوات الشياطين فانتهوا عنها لا أبا لكم(3).
ثم قال ابن أبي الحديد: وروى الواقدي أن علياعليه السلام استنفر بني تميم أيّاماً، لينهض منهم إلى البصرة من يكفيه أمر ابن الحضرمي، ويرد عادية بني تميم الذين أجاروه بها، فلم يجبه أحد فخطبهم وقال: ليس من العجب أن ينصرني الأزد ويخذلني مضر. وأعجب من ذلك تقاعد تميم الكوفة بي، وخلاف تميم البصرة علي، وأن أستنجد بطائفة منهم ما يشخص إلي أحد منها فيدعوهم إلى الرشاد، فإن أجابت وإلّا فالمنابذة والحرب.
فكأني أخاطب صما بكما لا يفقهون حوارا، ولا يجيبون نداء، كل ذلك جنبا
ص: 65
عن البأس وحبا للحياة.
ولقد كنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، نقتل آباءنا وأبناءنا إلى آخر ما في المتن.
قال: فقام إليه أعين بن ضبيعة المجاشعي، فقال: أنا إن شاء اللَّه أكفيك يا أميرالمؤمنين هذا الخطب، فأتكفل لك بقتل ابن الحضرمي، أو إخراجه عن البصرة. فأمره بالتهيؤ للشخوص، فشخص حتى قدم البصرة(1).
قال الثقفي في كتاب الغارات: فلما قدمها دخل على زياد وهو بالأزد مقيم، فرحب به وأجلسه إلى جانبه، فأخبره بما قال له علي عليه السلام، وإنه ليكلمه إذ جاءه كتاب من علي فيه:
بسم اللَّه الرحمن الرحيم من عبداللَّه أميرالمؤمنين علي؛ إلى زياد بن عبيد: سلام عليك، أما بعد، فإني قد بعثت أعين بن ضبيعة ليفرق قومه عن ابن الحضرمي، فارقب ما يكون منه، فإن فعل وبلغ من ذلك ما يظن به، وكان في ذلك تفريق تلك الأوباش، فهو ما نحب، وإن ترامت الأمور بالقوم إلى الشقاق والعصيان، فانهض بمن أطاعك إلى من عصاك فجاهدهم، فإن ظفرت فهو ما ظننت، وإلا فطاولهم وماطلهم، فكأن كتائب المسلمين قد أظلت عليك، فقتل اللَّه الظالمين المفسدين، ونصر المؤمنين المحقين والسلام.
فلما قرأه زياد، أقراه أعين بن ضبيعة فقال له: إني لأرجو أن تكفي هذا الأمر إن شاء اللَّه.
ثم خرج من عنده فأتى رحله، فجمع إليه رجالا من قومه، فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: يا قوم على ما ذا تقتلون أنفسكم وتهريقون دماءكم؛ على الباطل مع
ص: 66
السفهاء والأشرار؟ وإني واللَّه ما جئتكم حتى عبيت إليكم الجنود، فإن تنيبوا إلى الحق نقبل منكم، ونكف عنكم، وإن أبيتم فهو واللَّه استيصالكم وبواركم.
فقالوا: بل نسمع ونطيع فقال: انهضوا اليوم على بركة اللَّه، فنهض بهم على جماعة ابن الحضرمي، فخرجوا إليه فصافوه، وواقفهم عامة يومه يناشدهم اللَّه ويقول: يا قوم لا تنكثوا بيعتكم، ولا تخالفوا إمامكم، ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلا، فقد رأيتم وجريتم كيف صنع اللَّه بكم عند نكثكم بيعتكم وخلافكم، فكفوا عنه، وهم في ذلك يشتمونه.
فانصرف عنهم وهو منهم منتصف فلما آوى إلى رحله، تبعه عشرة نفر يظن الناس أنهم خوارج، فضربوه بأسيافهم وهو على فراشه، لا يظن أن الذى كان يكون، فخرج يشتد عريانا فلحقوه في الطريق فقتلوه.
فكتب زياد إلى علي عليه السلام ما وقع. وكتب: إني أرى أن تبعث إليهم جارية بن قدامة، فإنه نافذ البصيرة، ومطاع العشيرة، شديد على عدو أميرالمؤمنين عليه السلام، فلما قرأعليه السلام الكتاب، دعا جارية فقال: يا ابن قدامة تمنع الأزد عن عاملي وبيت مالي وتشاقني مضر وتنابذني، وبنا ابتدأها اللَّه بالكرامة، وعرفها الهدى، وتدعو إلى المعشر الذين حادوا اللَّه ورسوله وأرادوا إطفاء نور اللَّه سبحانه حتى علت كلمته عليهم وأهلك الكافرين(1).
عن كعب بن قعين قال: خرجت مع جارية من الكوفة في خمسين رجلا من بني تميم، وما كان فيهم يماني غيري، وكنت شديد التشيع، فقلت لجارية: إن شئت كنت معك، وإن شئت ملت إلى قومي. فقال:
ص: 67
بل سر معي، فواللَّه لوددت أن الطير والبهائم تنصرني عليهم فضلا عن الإنس.
فلما دخلنا البصرة، بدأ بزياد فرحب به وأجلسه إلى جانبه، وناجاه ساعة وساءله ثم خرج فقام في الأزد فقال: جزاكم اللَّه من حي خيرا، ثم قرأ عليهم وعلى غيرهم كتاب أميرالمؤمنين فإذا فيه:
من عبداللَّه أميرالمؤمنين، إلى من قرئ عليه كتابي هذا من ساكني البصرة من المؤمنين والمسلمين: سلام عليكم، أما بعد، فإن اللَّه حليم ذو أناة لا يعجل بالعقوبة قبل البينة، ولا يأخذ المذنب عند أول وهلة، ولكنه يقبل التوبة، ويستديم الأناة، ويرضى بالإنابة، ليكون أعظم للحجة، وأبلغ في المعذرة. وقد كان من شقاق جلكم أيها الناس، ما استحققتم أن تعاقبوا عليه، فعفوت عن مجرمكم، ورفعت السيف عن مدبركم وقبلت من مقبلكم، وأخذت بيعتكم، فإن تفوا ببيعتي وتقبلوا نصيحتي وتستقيموا على طاعتي، أعمل فيكم بالكتاب وقصد الحق، وأقيم فيكم سبيل الهدى؛ فواللَّه ما أعلم أن واليا بعد محمدصلى الله عليه وآله أعلم بذلك مني، ولا أعمل. أقول قولي هذا صادقا غير ذام لمن مضى، ولا منتقصا لأعمالهم.
وإن خطت بكم الأهواء المرديه، وسفه الرأي الجائر إلى منابذتي تريدون خلافي، فها أنا ذا قربت جيادي، ورحلت ركابي، وايم اللَّه لئن ألجأتموني إلى المسير إليكم، لأوقعن بكم وقعة لا يكون يوم الجمل عندها إلا كلعقة لاعق، وإني لظان إن شاء اللَّه أن لا تجعلوا على أنفسكم سبيلا.
وقد قدمت هذا الكتاب حجة عليكم، وليس أكتب إليكم من بعده كتابا إن أنتم استغششتم نصيحتي، ونابذتم رسولى ، حتى أكون أنا الشاخص نحوكم إن شأ اللَّه والسلام.
ص: 68
فلما قرئ الكتاب على الناس، قام صبرة بن شيمان فقال: سمعنا وأطعنا ونحن لمن حارب أميرالمؤمنين حرب، ولمن سالم سلم. إن كفيت يا جارية قومك بقومك فذاك، وإن أحببت أن ننصرك نصرناك.
وقام وجوه الناس فتكلموا بمثل ذلك، فلم يأذن [جارية] لأحد أن يسير معه ومضى نحو بني تميم وكلمهم فلم يجيبوه، وخرج منهم أوباش فناوشوه بعد أن شتموه، فأرسل إلى زياد والأزد يستصرخهم [و] يأمرهم أن يسيروا إليه فسارت الأزد بزياد.
وخرج إليهم ابن الحضرمي فاقتتلوا ساعة، واقتتل شريك بن الأعور الحارثي، وكان من شيعة علي عليه السلام وصديقا لجارية [فقال له: ألا أقاتل معك عدوك؟ فقال: بلي. فقاتلهم.] فما لبث بنو تميم أن هزموهم واضطروهم إلى دار سنبل السعدي، فحصروا ابن الحضرمي فيها، وأحاط جارية وزياد بالدار وقال جارية: علي بالنار. فقالت الأزد: لسنا من الحريق في شي ء، وهم قومك.
وأنت أعلم. فحرق جارية الدار عليهم، فهلك ابن الحضرمي في سبعين رجلا أحدهم عبد الرحمن بن عثمان القرشي. وسارت الأزد بزياد حتى أوطئوا (اوطنوه) قصر الإمارة ومعه بيت المال، وقالت له: هل بقي علينا من جوارك شي ء. قال: لا. فانصرفوا عنه(1).
وكتب زياد إلى أميرالمؤمنين عليه السلام: أما بعد، فإن جارية بن قدامة العبد الصالح قدم من عندك فناهض جمع ابن الحضرمي بمن نصره، وأعانه من الأزد ففضه واضطره إلى دار من دور البصرة في عدد كثير من أصحابه فلم يخرج حتى حكم اللَّه بينهما، فقتل ابن الحضرمي وأصحابه، منهم من أحرق، ومنهم من ألقي عليه
ص: 69
جدار، ومنهم من هدم عليه البيت من أعلاه، ومنهم من قتل بالسيف، وسلم منهم نفر ثابوا وتابوا فصفح عنهم وبعدا لمن عصى وغوى، والسلام على أميرالمؤمنين ورحمة اللَّه وبركاته.
فلما وصل الكتاب قرأه عليه السلام على الناس فسر بذلك وسر أصحابه وأثنى على جاريه وعلى الأزد وذم البصرة فقال: إنها أول القرى خرابا، إما غرقا وإما حرقا، حتى يبقى مسجدها كجؤجؤة سفينة(1).
وقال ابن ميثم: المنقول أنّ هذا الكلام صدر عنه عليه السلام يوم صفّين حين أقرّ الناس بالصلح، وأوّله: «إنّ هؤلاء القوم لم يكونوا ليفيئوا إلى الحقّ، ولا يجيبوا إلى كلمة سواء حتّى يرموا بالمناشر تتبعها العساكر، وحتّى يرجموا بالكتائب تقفوها الجلائب، وحتّى يجرّ ببلادهم الخميس يتلوه الخميس، وحتّى تدعق الخيول في نواحي أراضيهم وبأعناء مشاربهم، ومسارحهم، حتّى تشنّ عليهم الغارات من كلّ فجّ عميق، وحتّى يلقاهم قوم صدق صبر لا يزيدهم هلاك من هلك من قتلاهم، وموتاهم في سبيل اللَّه إلّا جدّا في طاعة اللَّه، وحرصا على لقاء اللَّه، ولقد كنّا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله...»(2).
قلت: روى ما قاله ابن ميثم نصر بن مزاحم عن عمر بن سعد عن إسحاق بن يزيد عن الشعبي أنّ عليّاعليه السلام قال يوم صفّين حين أقرّ الناس بالصلح: إنّ هؤلاء القوم...(3) وكذلك سليم بن قيس في كتابه(4)، ويمكن الجمع بين رواية الواقدي ورواية الشعبي والهلالي بأنّه عليه السلام قال ذلك في كلا الموفقين يوم صفّين، وفي قضيّة
ص: 70
ابن الحضرمي. فإنّ نقله عليه السلام جديّة أصحاب النبي صلى الله عليه وآله لأصحابه الواهنين كان مناسبا في كلّ من المقامين.
ثمّ المفهوم من رواية سليم بن قيس الآتية أنّه عليه السلام خاطب بالكلام الأشعث بن قيس.
أي في غزواته وسراياه .
لما كانوا لا يسلمون. قال عليه السلام ذلك بلفظ العموم، لكنّ المراد نفسه عليه السلام وأشخاص مخصوصون.
اشارعليه السلام الى الآية الشريفة: «قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ»(1).
قال السروي: رأى أميرالمؤمنين علي عليه السلام يوم بدر عقيلا في فدفد(2) فصدّ عنه، فصاح به: يابن أمّ عليّ، أما واللَّه لقد رأيت مكاني، ولكن عمدا تصدّ عنّي(3).
وقال: قصدعليه السلام دار أمّ هاني (أخته) متقنعا بالحديد يوم الفتح، وقد بلغه أنّها آوت الحارث بن هشام، وقيس بن السائب، وناسا من بني مخزوم (قلت: وكانوا
ص: 71
أحماءها) فنادى: أخرجوا من آويتم. فجعلوا يذرقون كما تذرق الحباري خوفا منه عليه السلام. وخرجت إليه أمّ هاني، وهي لا تعرفه، فقالت: يا عبداللَّه أنا أمّ هاني بنت عمّ النبي وأخت أميرالمؤمنين، انصرف عن داري.
فقال عليه السلام: أخرجوهم. فقالت: واللَّه لأشكونّك إلى النّبي صلى الله عليه وآله...(1).
وقال الجزريّ - بعد ذكر قصّة كعب بن الأشرف اليهودي وقتله وأمر النبيّ صلى الله عليه وآله بقتل من ظهروا عليه من رجال اليهود - : فوثب محيّصة بن مسعود على ابن سنينة اليهودي، وهو من تجّار يهود فقتله، وكان يبايعهم. فقال له أخوه حويّصة وهو مشرك: يا عدوّ اللَّه قتلته أما واللَّه لرب شحم في بطنك من ماله. وضربه. فقال محيّصة: لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لقتلتك. قال: فو اللَّه إن كان لأوّل إسلام حؤيصة. فقال: إنّ دينا بلغ بك ما أرى لعجب. ثمّ أسلم(2).
وصرّح عليه السلام بما ذكرنا من إرادة الخصوص في كلامه في رواية سليم بن قيس فزادت: ولست أقول: إن كل من كان مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كذلك ولكن أعظمهم وجلهم وعامتهم كانوا كذلك ولقد كانت معنا بطانة لا تألونا خبالا قال اللَّه عز وجل: «قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ»(3) ولقد كان منهم بعض من تفضله أنت وأصحابك يا ابن قيس فارين فلا رمى بسهم ولا ضرب بسيف ولا طعن برمح إذا كان الموت والنزال لاذ وتوارى واعتل ولاذ كما تلوذ النعجة العوراء لا تدفع يد لامس وإذا لقي العدو فر ومنح العدو دبره جبنا ولؤما وإذا كان
ص: 72
عند الرخاء والغنيمة تكلم كما قال اللَّه: «سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ»(1) فلا يزال قد استأذن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في ضرب عنق الرجل الذي ليس يريد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قتله فأبى عليه ولقد نظر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يوما وعليه السلاح تام فضحك رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ثم قال يكنيه أبا فلان اليوم يومك فقال الأشعث ما أعلمني بمن تعني إن ذلك يفر منه الشيطان قال عليه السلام يا ابن قيس لا آمن اللَّه روعة الشيطان إذ قال(2).
قال المحقّق التستري: كان الأشعث ذكر أنّ الثلاثة كانوا ممّن جاهدوا مع النبيّ صلى الله عليه وآله في غزواته، وصاروا بذلك أفضل من غيرهم، فأجابه عليه السلام بما مرّ، وأجمل الكلام تقيّة، وذكر مجملاً أوصافاً تنطبق على فاروقهم بالخصوص من استيذانه النبيّ صلى الله عليه وآله عند الرخاء والفتح ضرب عنق العبّاس وعقيل وأبي حذيفة، وغيرهم، وقوله عليه السلام: (يكنّيه أبا فلان) أي: قال له «أبا حفص» هزلا، وقول الأشعث: ما أعلمني من تعني، أي: إنّك وإن أجملت إلّا أنّ أعلم أنّ مرادك عمر، وأراد نقض كلامه عليه السلام بما وضعوه له من أنّ الشيطان كان لا يزال هائباً منه، فأجابه عليه السلام بما أجابه(3).
كما أنّ خصوصيّته عليه السلام في ذلك من بين جميعهم أمر معلوم، ففي تلك الرواية أيضاً: وقد علموا يقينا أنه لم يكن فيهم أحد يقوم مقامي ولا يبارز الأبطال ولا يفتح الحصون غيري ولا نزلت برسول اللَّه صلى الله عليه وآله شديدة قط ولا كربه أمر ولا ضيق ولا مستصعب من الأمر إلا قال أين أخي علي أين سيفي أين رمحي أين المفرج
ص: 73
غمي عن وجهي فيقدمني فأتقدم فأفديه بنفسي ويكشف اللَّه بيدي الكرب عن وجهه وللَّه عز وجل ولرسوله بذلك المن والطول حيث خصني بذلك ووفقني له(1).
ولقد ادّعوا لأبي بكر أنّه قاتل ابنه عبدالرحمن، ولعمر أنّه قاتل خاله العاص بن هاشم. أمّا الأوّل فقال الجاحظ في (عثمانيّته): ولأبي بكر في يوم أُحد مقام مشهور، خرج ابنه عبدالرحمن فارساً مكفّراً في الحديد يسأل المبارزة ويقول: أنا عبدالرحمن بن عتيق. فنهض إليه أبو بكر يسعى بسيفه، فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله: شم سيفك وارجع إلى مكانك، ومتّعنا بنفسك(2).
ولقد كفانا الإسكافي أحد شيوخهم عن الجواب، فقال للجاحظ: ما كان أغناك يا أبا عثمان عن ذكر هذا المقام المشهور لأبي بكر فإنه لو تسمعه الإمامية لأضافته إلى ما عندها من المثالب لأن قول النبي صلى الله عليه وآله «ارجع» دليل على أنه لا يحتمل مبارزة أحد لأنه إذا لم يحتمل مبارزة ابنه وأنت تعلم حنو الابن علي الأب وتبجيله له وإشفاقه عليه وكفه عنه لم يحتمل مبارزة الغريب الأجنبي. وقوله له ومتعنا بنفسك إيذان له بأنه كان يقتل لو خرج ورسول اللَّه كان أعرف به من الجاحظ فأين حال هذا الرجل من حال الرجل الذي صلى بالحرب ومشى إلى السيف بالسيف فقتل السادة والقادة والفرسان والرجالة(3).
وأمّا الثاني، فقال ابن أبي الحديد: قتل عمر يوم بدر خاله العاص بن هشام بن المغيرة(4).
ص: 74
وأيّ فخر في قتل مثله، فقد كان خاله هذا عبدا لبني هاشم، وكان رجلا أحمق، قال ابن قتيبة: ومن حمقى قريش العاص بن هشام أخو أبي جهل، وكان أبولهب قامره فقمره ماله، ثمّ داره، ثمّ قليله وكثيره، وأهله ونفسه، فاتّخذه عبدا وأسلمه قينا، فلمّا كان يوم بدر بعث به عن نفسه فقتل ببدر كافرا، قتله عمر بن الخطاب، وكان خال عمر(1).
عن أبي السائب عن رجل من بني عبد الأشهل قال: شهدت أحدا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنا وأخ لي، فرجعنا جريحين، فلمّا أذّن مؤذّن النبيّ صلى الله عليه وآله بالخروج في طلب العدوّ (لئلّا يظنّوا إنّ الذي أصابهم أوهنهم) قلت لأخي، أو قال لي: أتفوتنا غزوة مع النبي صلى الله عليه وآله، واللَّه مالنا من دابّة نركبها، وما منّا إلّا جريح ثقيل فخرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله وكنت أيسر جرحا، فكان إذا غلب حملته عقبة، ومشى عقبة حتّى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون. قال ابن اسحاق: فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حتى انتهى إلى حمراء الأسد وهي من المدينة على ثمانية أميال. ثم نقل عن ابن إسحاق: إنّه أقام النبيّ صلى الله عليه وآله بها ثلاثة أيّام ثمّ رجع بعد ذهاب المشركين إلى مكّة(2).
أي: يصول هذا على ذلك وذاك على هذا، قال الفرزدق:
ص: 75
قبيلان دون المحصنات تصاولا * تصاول أعناق المصاعب من عل(1)
أي: الإبلين الفحلين، وقالوا: وكان شدقم وجديل فحلين فحيلين(2).
أي: يأخذ بالسرعة هذا لذاك وذاك لهذا، قال أبو ذؤيب:
فتخالسا نفسيهما بنوافذ * كنوافذ العبط الّتي لا ترقع(3)
أي: المنيّة، قال المنصور لمّا قتل أبا مسلم صبرا - وكان أبومسلم قتل ستمائة ألف نفر صبرا - :
زعمت أنت الدين لا يقتضي * فاستوف بالكيل أبا مجرم
سقيت كأسا كنت تسقى بها * أمرّ في الحلق من العلقم(4)
قالت أخت عمرو بن عبدودّ في أميرالمؤمنين عليه السلام وفي أخيها يوم الخندق:
ص: 76
أسدان في ضيق المكرّ تصاولا(1) * وكلاهما كفو كريم باسل
فتخالسا مهج النفوس كلاهما * وسط المدار مخاتل ومقاتل
وكلاهما حضر القراع حفيظة * لم يثنه عن ذاك شغل شاغل(2)؛(3)
وقالوا: لمّا عزمت قريش في بدر على الحرب بإصرار أبي جهل، خرج الأسود بن عبدالأسد المخزومي منهم، وقال: لأشربنّ من حوض محمّد وأصحابه، ولأهدمنّه أو لأموتنّ دونه. فخرج إليه حمزة فضربه فأطنّ قدمه بنصف ساقه، فوقع إلى الأرض ثمّ حبا إلى الحوض ليبرّ يمينه، وتبعه حمزة فضربه حتّى قتله في الحوض(4).
وقالوا: قال معاذ بن عمرو بن الجموح: جعلت يوم بدر أبا جهل من شأني، وقريش محيطة به يقولون: لا يخلص إلى أبي الحكم. فلمّا أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه، وضربني ابنه عكرمة فطري يدي من عاتقي، وفتعلّقت بجلدة من جثّتي، فقاتلت عامّه يومي وإني لأسحبها خلفي، فلمّا آذتني جعلت عليها رجلي، ثمّ تمطيت حتّى طرحتها(5).
ص: 77
كما في بدر، فقتلوا من المشركين سبعين، منهم: أبوجهل، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، ومنيّه ونبيه ابنا الحجاج، ونوفل بن خويلد، وأسروا منهم سبعين، منهم: سهيل بن عمرو، والنضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط، ولم يقتل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله سوى سبعة(1).
روى المورّخون انّ عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد ابن عتبة خرجوا في غزوة البدر الى المبارزة وهم من أكابر قريش واعيانهم فخرج اليهم من المسلمين عوف ومعوذ ابنا عفراء وعبداللَّه ابن رواحة كلّهم من الأنصار فقالوا من أنتم قالوا من الانصار فقالوا كفاء كرام وما لنا بكم من حاجة ليخرج الينا اكفاؤنا من قومنا.
فقال النبي صلى الله عليه وآله قم يا حمزة قم يا عبيدة ابن الحرث قم يا عليّ فقاموا ودنا بعضهم من بعض فبارز عبيدة بن الحرث عتبة وبارز حمزة شيبة وبارز عليّ الوليد فقالوا من أنتم فقال حمزة انا حمزة ابن عبدالمطّلب أسد اللَّه واسد رسوله فقال عتبة كفو كريم وانا اسد الخلفاء، وقال عليه السلام انا عليّ بن أبي طالب وهكذا قال عبيده انا عبيدة ابن الحرث فقالا أنتما كفوان كريمان.
امّا أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب فبارز وليدا وامّا حمزة فبارز شيبة وعبيدة بارز عتبة(2).
فقال علي عليه السلام:
انا ابن ذى الحوضين عبدالمطّلب * وهاشم المطعم فى العام السّغب
اوفى بميثاقي واحمى عن حسب
ص: 78
ثمّ انّه عليه السلام لم يهمل وليدا وارسله الى جهنّم والوليد هذا كان من اشجع النّاس في خيل المشركين ولاجل هذا وقع الرّعب في قلوبهم بعد قتله وكبّر المسلمون لمّا قتل الوليد بسيف عليّ عليه السلام وقال عليه السلام بعد قتله مخاطبا للكفّار من قريش وغيرها(1).
قد عرف الحرب العوان أنّي * باذل عامين حديث سن
سنجنح الليل كأنّي جني * أستقبل الحرب بكل فن
معي سلاحي ومعي مجني * وصارم يذهب كل ضغن
أقصى به كل عدو عني * لمثل هذا ولدتني أمي(2)
وامّا حمزة وشيبة فاقتتلا حتّى كسر سيفها ورمحهها ولم يبق في - أيديها شي ء فتصاولا وتصارعا تصاول الفحلين يتخالسان انفسها ايّها يسقى صاحبه كأس المنون.
فنادى المسلمون با على صوتهم عليّا وقالوا يا عليّ! ما ترى كيف غلب شيبة على عمّك فأدركه فجاء علي وقتل شيبه ايضاً.
وامّا عبيدة بن الحرث وعتبة ابن ربيعة فاقتتلا فقطع عتبة رجلا عبيدة من السّاق فوقع عبيدة على الارض وقال:
فان قطعوا رجلى فانّي مسلم * وارجو به عيشا من اللَّه عاليا
فالبسنى الرّحمن من فضل منّ * لباسا من الاسلام غطّى المساويا(3)
فوضعه علىّ على عاتقه وحمل به إلى الرّسول صلى الله عليه وآله فلمّا رآه صلى الله عليه وآله بكى حتّى بلتّ دموعه ففتح عبيدة عينيه في حجر الرسول وقال اما واللَّه لو كان أبوطالب حيّا يعلم
ص: 79
أنى احقّ بما قال حين يقول:
كذبتم وبيت اللَّه نخلي محمدا * ولما نطاعن دونه ونناضل
وننصره حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل(1)
ولمّا كان في هذا القول تعريض منه عَلَى أبي طالب فنهاه الرّسول صلى الله عليه وآله عن التّقول به واستغفرصلى الله عليه وآله لها وترحّم عليها وإلى هذا المعنى أعني مقاتلة الاقرباء والاكفاء أشار حسّان ابن ثابت حيث يقول:
كذبتم وبيت اللَّه لم تقتلوننا * ولكن بسيف الهاشمييّن فافخروا
بسيف ابن عبداللَّه احمد في الوغا * بكفّ علي نلتم ذاك فاقصروا
ولم تقتلوا عمرو ابن ودّ ولا ابنه * ولكنّه الكفو الكريم الغضنفر
علي الذي في الفخر طال ثنائه * فلا تكثروا الدّعوى عليه فتفخروا
ببدر خرجتم للبراز فردّكم * شيوخ قريش جهرة فتأخّروا
فلمّا اتاهم حمزة وعبيدة * وجاء عليّ بالمهنّد مخطر
فقالو نعم اكفاء صدق فاقبلوا * إليهم سراعا اذ بغوا وتجبّروا
فجال عليّ جولة هاشميّة * فدمّرهم لمّا عتو وتكبّروا
فليس لكم فخر علينا بغيرنا * وليس لكم فخر يعدّ ويذكر(2)
وبالجملة في هذه الوقعة كان عليّ في جند المسلمين وطالب ابن أبي طالب في المشركين وهو اخوه(3):
ص: 80
وأبوبكر في المسلمين وابنه عبدالرّحمن أبي بكر في المشركين وهو الّذي قال له أبوبكر اين لى يا خبيث وعبدالرّحمن اجابه وقال:
لم يبق غير شكّه ويعبوب * وصارم يقتل ضلال الشّيب(1)
وعتبة في المشركين وابنه ابو حذيفة في المسلمين(2) ورسول اللَّه وأميرالمؤمنين وحمزة وعبيدة في المسلمين وعبّاس ابن عبدالمطّلب في الكفّار وهو عمّ الرّسول واميرالمؤمنين وعبيدة وأخو حمزة ابن عبدالمطّلب وهكذا وانت اذا تأملت واحطت خبرا بالحروب الواقعة في صدر الاسلام لعلمت انّهم كانوا كما ذكره عليه السلام في هذه الخطبة وغيرها فانّ القرابة كانت موجودة بين الكفّار والمسلمين امّا سببا أو نسبا وكفاك في اثبات المدّعى ما قاله عتبة وهو من كبار القوم وقد ذكرنا انّه وشيبة والوليد قد قتلوا جميعا.
قال عتبة مخاطبا لاصحابه قبل الحرب وهو ينصحهم: يا معشر قريش اطيعوني اليوم واعصوني الدّهر انّ محمّدا له آل وذمّة وهو ابن عمّكم فخلّوه والعرب فان يك صادقا فانتم اعلى عينا به وان يك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب امره، انتهى(3).
وقد نقلوا انّ العبّاس عمّ النبيّ خرج عن مكّة في المشركين ومعه طالب وعقيل ابن أبي طالب ونوفل ابن الحرث ابن عبدالمطّلب ولاجل هذه - القرابات الواقعة بين الطّرفين قال عتبة فى كلامه الّذي نقلناه (هو ابن عمّكم)(4).
ص: 81
كما في أحد، فقتل الكفّار من المسلمين سبعين، فقال المسلمون للنبيّ صلى الله عليه وآله: ما هذا الّذي أصابنا، وقد كنت تعدنا بالنصر فأنزل تعالى: «أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا»(1) يعني ببدر، حيث قتلتم منهم سبعين، وأسرتم منهم سبعين... «قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ»(2) حيث طلبوا في بدر من النبيّ صلى الله عليه وآله إطلاق الأسارى بالفداء، فشرط عليهم أنّه يقتل منهم في عام قابل بعدد من يأخذون منهم الفداء، فرضوا بذلك(3).
«فلمّا رأى اللَّه صدقنا» وجدّنا في غزوات حصلت بعد أحد، كما في الأحزاب وغيرها، قال تعالى: «وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا * مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ...»(4).
وفي (السير): أصاب المسلمون امرأة من الكفّار في غزوة ذات الرقاع، وكان زوجها غائبا، فلمّا أتى أهله وأخبر حلف لا ينتهي حتّى يهريق في أصحابه صلى الله عليه وآله دما، وخرج يتّبع أثره صلى الله عليه وآله حتّى نزل. فقال صلى الله عليه وآله: من يحرسنا الليلة فانتدب رجل من
ص: 82
المهاجرين ورجل من الأنصار، فأقام بفم شعب نزله النبيّ صلى الله عليه وآله واضطجع المهاجري وحرس الأنصاري أوّل الليل، وقام يصلّي فجاء زوج المرأة قرأى شخصه، فعرف أنّه ربيئة القوم، فرماه بسهم فوضعه فيه فانتزعه، وثبت قائما يصلّي، ثمّ رماه بسهم آخر فنزعه، وثبت قائما يصلّي، ثمّ رماه بالثالث فوضعه فيه، فانتزعه ثمّ ركع وسجد ثمّ أيقظ صاحبه فوثب، فلمّا رأهما الرجل علم أنّهما علما به، ولمّا رأى المهاجري ما بالأنصاري قال: سبحان اللَّه ألا أيقظتني أوّل ما رماك قال: كنت في سورة أقرؤها فلم أحبّ أن أقطعها فلمّا تابع عليّ الرمي أعلمتك، وايم اللَّه لو لا خوفي أن أضيع ثغرا أمرني النبيّ صلى الله عليه وآله بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها(1).
وفي (الطبقات) في سريّة غالب الليثي الّذي بعثه النبيّ صلى الله عليه وآله إلى بني الملوّح بالكديد بشنّ الغارة عليهم: قال جندب الجهني: فكمنّا في ناحية الوادي، وبعثني أصحابي ربيئة لهم، فخرجت حتّى أتيت تلّا مشرفا على الحاضر يطلعني عليهم، حتّى إذا أسندت عليهم فيه علوت على رأسه، ثمّ اضطجعت عليه. قال: فإنّي لأنظر إذ خرج رجل منهم من خباء له فقال لامرأته: إنّي أرى على هذا الجبل سوادا ما رأيته أوّل من يومي هذا، فانظري إلى أوعيتك لا تكون الكلاب جرّت منها شيئا. فنظرت فقالت: واللَّه ما أفقد من أوعيتي شيئا. قال: فناوليني قوسي ونبلي. فناولته قوسه وسهمين معها، فأرسل سهما فواللَّه ما أخطأ بين عينيّ. قال: فانتزعه وثبتّ مكاني، ثمّ أرسل آخر، فوضعه في منكبي، فانتزعه فوضعته وثبّت مكاني، فقال
ص: 83
لأمراته: واللَّه لو كانت ربيئة لقد تحركت بعد، واللَّه لقد خالطها سهماي. ثمّ دخل وراحت الماشية من إبلهم وأغنامهم، فلمّا احتلبوا وعطنوا واطمأنّوا فناموا، شننّا عليهم الغارة واستقنا النعم(1).
أي: المذلّة، أوقع اللَّه في الأحزاب الاختلاف بين قريش وغطفان وبين قريظة، وساء ظنّ كلّ منهم بالآخر، وبعث عليهم ريحا في ليال شاتية شديدة البرد، فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح أبنيتهم، فلمّا ارتحلوا قال النبيّ صلى الله عليه وآله: الآن نغزوهم ولا يغزونا. فكان كذلك حتّى فتح تعالى لنبيّه صلى الله عليه وآله مكّة، وقال تعالى: «وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرًا»(2)؛(3).
قال تعالى: «وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ *
ص: 84
بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ»(1).
وقال تعالى: «وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ * إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ»(2).
روى انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لمّا رأى قلّه اعوانه واصحابه يوم بدر رفع يده الى السّماء وقال: اللّهمّ انجز ما وعدتني، اللّهمّ انجز ما وعدتني ان تهلك هذه العصابة من الاسلام لا تعبد في الأرض ابدا(3).
وخرج صلى الله عليه وآله وهو يقول: «سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ»(4)،(5).
ص: 85
ثمّ قال صلى الله عليه وآله في تحريصه اصحابه على القتال من قتل كافرا فله سلبه والّذي نفس محمّد بيده من قاتل هؤلاء ولا يدبر ثمّ قتل دخل الجنّة فلمّا سمع هذا الكلام منه صلى الله عليه وآله عمير ابن الحمام وكان مشغولا بأكل الرّطب فالقاه من يده وقال لن يحول بيني وبين الجنّة شي ء فقاتل المشركين وقال:
ركضا الى اللَّه بغير زاد * الّا التّقى والعمل المعاد
والصّبر في اللَّه على الجهاد * وكلّ زاد عرضه النّقاد
غير التّقى والبرّ والرّشاد(1)
فحمل عليّ عليه السلام على المشركين فقتل منهم جمعا كثيراً ثمّ رجع الى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فراه في السّجدة وهو يقول يا حىّ يا قيّوم برحمتك استغيث فحمل عليهم ثانيا ثمّ رجع اليه صلى الله عليه وآله فراى رسول اللَّه في السّجدة وهو يقول ايضاً يا حىّ يا قيّوم برحتمك استغيث ثمّ حمل عليهم ثالثا وقتل منهم كثيراً من الأبطال(2) بين الثّلاثين والأربعين ولمّا هدّدوه بالوليد فقال عليه السلام في جوابهم:
يهدّدني بالعظيم الوليد * فقلت أنا ابن أبي طالب
انا ابن المبجّل بالأبطحين * وبالبيت من سلفى غالب
فلا تسحبنّي اخاف الوليد * ولا انّني منه بالهائب
فيا ابن المغيرة انّي امروء * سموح الأنامل بالقاضب
طويل اللّسان على الشّانئين * قصير اللّسان على الصّاحب
خسرتم بتكذيبكم للّرسول * تعيبون ما ليس بالعائب
ص: 86
وكذّبتموه لوحي السّماء * الا لعنة اللَّه على الكاذب(1)
وقال حسّان ابن ثابت في هجو الوليد:
متى تنسب قريش أو تحصّل *فمالك من ارومتها نصاب
نفتك بنو هحصيص عن أبيها * لشجع حيث تسترق العياب
وانت ابن المغيرة عبد شول * قد اندب حبل عاتقك الرّطاب
اذا عدّ الأطائب من قريش * تلاقت دون نسبتكم كلاب
وعمران ابن مخزوم فدعها * هناك السّر والحسب اللّباب(2)
وايضاً في هجو عمرو بن العاص السّهي قال:
زعم ابن نابغة اللّئيم بأنّنا * لا نجعل الاحساب دون محمّد
اموالنا ونفوسنا من دونه * من يصطنع خيرا يثب ويحمد
فتيان صدق كالليّوث مساعر * من يلقهم يوم الهياج يعّرد
قوم ابن نابغة اللئام اذلّة * لا يقبلون على صفير المرعد
وبنى لهم بيتا ابوك مقصّرا * كفرا ولؤما بئس بيت المحتد(3)
فجاء جبرئيل مع الف من الملائكة وميكائيل كذلك واسرافيل ايضاً كذلك(4) كما أشارت الى هذا المعنى الآية الشّريفة الّتي مر ذكرها وهي قوله تعالى: «إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا»(5) الآية.
وقال تعالى: «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ
ص: 87
فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ»(1).
قال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ * الآْنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ»(2).
وقال تعالى: «إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ...»(3) وقالوا: لمّا دخل النبيّ صلى الله عليه وآله المدينة منصرفه من الأحزاب واللواء معقود، أراد أن يغتسل من الغبار، فناداه جبرئيل: عذيرك من محارب، واللَّه ما وضعت الملائكة لأمتها فكيف تضع لأمتك، إنّ اللَّه تعالى يأمرك الا تصلّي العصر إلّا ببني قريظة، فإنّي متقدّمك ومزلزل حصنهم(4).
اشارعليه السلام الى عدم تقاعدهم عن القتال مع الأشرار وصبرهم على مضض الألم حتّى وصلوا إلى غاياتهم المطلوبة من ظهور كلمة لا اله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه كما نسب إليه عليه السلام انّه قال:
ص: 88
ضربنا غواة الناس عنه تكرما * ولما رأوا قصد السبيل ولا الهدى
ولما أتانا بالهدى كان كلنا * على طاعة الرحمن والحق والتقى
نصرنا رسول اللَّه لما تدابروا * وتاب إليه المسلمون ذوو الحجى(1)
وقال حسّان:
لقد لعن الرّحمن جمعا يقودهم * دعىّ بنى شجع لحرب محمّد
مشوم لعين كان قدما مبغّضا * يبيّن فيه اللّوم من كان يهتدى
فدلّاهم في الغيّ حتّى تهافتوا * وكان مضّلا امره غير مرشد
فأنزل ربّي للنّبي جنوده * وايّده بالنّصر في كل مشهد(2)
وايضاً قال:
الا ليت شعري هل اتى مكّه الّذي * قتلنا من الكفّار في ساعة العسر
قتلنا سراه القوم عند رحالهم * فلم يرجعوا الّا بقاصمة الظّهر
قتلنا ابا جهل وعتبة قبله * وشيبة ايضاً عند نائرة الصبر
وكم قد قتلنا من كريم مرزّء * له حسب في قومه نابه الذّكر
تركناهم للخامعات تنوبهم * ويصلون نارا ثمّ نائية القعر
بكفرهم باللَّه والدّين قائم * وما طلبوا فينا بطائلة الوتر
لعمري لقد قلّت كتائب غالب * وما ظفرت يوم التقينا على بدر(3)
وبالجملة في يوم بدر قتل من الأعداء سبعون نفر(4) قتل علي عليه السلام وحدة ستّ
ص: 89
وثلثون نفر(1) وقتل الباقي اعني أربع وثلثين نفر الملائكة والانصار فعليّ عليه السلام وحده قتل أكثر من الجميع واسر منهم أيضاً سبعون(2) ومن جملة الأسارى في بدر عبّاس ابن عبدالمطّلب(3) ومكث رسول اللَّه صلى الله عليه وآله هناك ثلاثة أيّام.
روى انّ الأسارى لمّا قيّدوا بالحديد في الليل وهم يقرب الرسول صلى الله عليه وآله فكان الرّسول صلى الله عليه وآله يتأذّى من ضجّتهم ولا سيّما ضجّة العبّاس عمّه قال صلى الله عليه وآله لعبد اللَّه ابن كعب وهو كان حارسا عليهم يا عبداللَّه انا ما نمت البارحة من ضجيج عمّى فقال يا رسول اللَّه اتأذن لي انّ اخفّف القيد عن العبّاس فاذن له تخفّف عنه فلمّا سكت العبّاس قال صلى الله عليه وآله يا عبداللَّه ما لى أرى عمّي قد سكت قال خفّفت عنه القيد قال عليه السلام خفّف القيود عن الأسارى كلّهم ففعل(4).
ثمّ انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله امر بالقتلى ان تلقى الى البئر(5) فلمّا رأى أبو حذيفة ابن عتبة جسد أبيه عتبة وهم يجرّونه الى البئر اغتمّ لذلك فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله اتكره هذا يا أبا حذيفة فقال يا رسول اللَّه اقسم باللَّه انّ هذا لا يوجب الوهن والتّزلزل في ايمان بل يزيده ويقوّيه الّا أنّى صرت محزونا من حيث انّ أبي كان رجلا له من مكارم الأخلاق وأصابه الرّأي ومحاسن الصّفات ما لا يخفى على احد وكنت أرجو اسلامه فلم يرجع عن غيّه وضلالته حتّى قتل فدعا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لأبي حذيفة بخير دعاء(6) وامّا العامّة فقد ذهبوا الى انّ جميع القتلى من المشركين يوم
ص: 90
بدر سبع وستّين رجلاً قتل عليّ منهم أربع وعشرين والباقي للباقي والامر سهل.
ولمّا رجع الرّسول واصحابه من بدر نظرصلى الله عليه وآله الى البئر الّذي وقع فيه اجساد قريش فخاطبهم وقال هل وجدتم ما وعد ربّكم حقّا فانّي قد وجدت ما وعدني ربّي حقّا ثمّ عدّهم واحدا بعد واحد وقال كنتم بئس الأقرباء، اذ كذّبتم الرسول وصدّقه غيركم فمن غير ذوى الأرحام فقال له عمر بن الخطّاب يا رسول اللَّه اتتكلّم الموتى، قال صلى الله عليه وآله انّهم اسمع منكم لقولي وفي رواية لستم باسمع منهم(1) والى هذا أعني مخاطبة النّبي صلى الله عليه وآله أشار حسّان حيث يقول:
عرفت ديار زينب بالكثيب * كخطّ الوحى في الورق القشيب
تداولها الرّياح وكلّ جون * من الوسميّ(2) منهمر سكوب
فامسى رسمها خلقا وامست * ببابا بعد ساكنها الحبيب
فدعى عنك التذكر كلّ يوم * وردّ حرارة الصّدر الكئيب
وخبّر بالّذي لا عيب فيه * بصدق غير احبار الكذوب
بما صنع المليك غداة بدر * لنا في المشركين من النّصيب
غداة كانّ جمعهم حراء * بدت اركانه جنح الغروب
فلا قيناهم منّا بجمع * كاسد الغاب من مرد وشيب
امام محمّد قد وازروه * على الأعداء في رهج الحروب
بايديهم صوارم مرهفات * وكلّ مجرّب خاطى الكعوب
بنو الأوس الغطارف وازرتها * بنو النّجار في الدّين الصّليب
ص: 91
فغادرنا ابا جهل صريعا * وعتبة قد تركنا بالجبوب(1)
وشيبة قد تركنا في رجال * ذوى حسب اذا انتسبوا حسيب
يناديهم رسول اللَّه لمّا * قذفناهم كباكب القليب
الم تجدو كلامي كان حقّا * وامر اللَّه يأخذ بالقلوب
فما نطقوا ولو نطقوا لقالوا * صدقت وكنت ذا رأى مصيب(2)
قال الجزري: إن المسلمين لمّا كانوا في حفر الخندق خرجت عليهم صخرة كسرت المعول، فأعلموا النبيّ صلى الله عليه وآله فهبط إليها ومعه سلمان، فأخذ المعول وضرب الصخرة ضربة صدعها، وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتي المدينة، فكبّر النبيّ صلى الله عليه وآله والمسلمون، ثمّ الثانية كذلك ثمّ الثالثة كذلك ثمّ خرج وقد صدعها، فسأله سلمان عمّا رأى من البرق، فقال النبي صلى الله عليه وآله: أضاءت الحيرة وقصور كسرى في البرقة الأولى، وأخبرني جبرئيل أنّ أمتي ظاهرة عليها، وأضاء لي في الثانية القصور الحمر من أرض الشام والروم، وأخبرني أنّ أمتي ظاهرة عليها، وأضاء لي في الثالثة قصور صنعاء، وأخبرني أنّ أمتي ظاهرة عليها، فأبشروا فاستبشر المسلمون(3).
إلى هذا المعنى أعني نصره المسلمين للدّين وحمايتهم عن الرّسول والذّب
ص: 92
عنه صلى الله عليه وآله بانفسهم اشار حسّان حيث قال:
مستشعر حلق الماذيّ يقدمهم * جلد النّحيزة ماض غير رعد يد
أعني الرّسول فانّ اللَّه فضّله * على البريّة بالتّقوى وبالجودي
وقد زعمتم بان تحموا ذماركم * وماء بدر زعمتم غير مورود
ثم وردنا ولم نهدد لقولكم * حتّى شربنا رواه غير تصريد
فينا الرّسول وفينا الحقّ نتبعه * حتّى الممات ونصر غير محدود
ماض على الهول ركاّب لماقطعوا * اذا الكماة تحاموا في الصّناديد
واف وماض شهاب يستضاء به * بدر انار على كلّ الأماجيد
مبارك كضياء البدر صورته * ما قال كان قضاء غير مردود
مستعصمين بحبل غير منجذم * مستحكم من حبال اللَّه ممدود(1)
«ولعمري لو كنّا نأتي ما أتيتم» من الخذلان والخور.
«ما قام للدين عمود» بل كان كخباء مطروح على الأرض.
«ولا اخضرّ للإيمان عود» بل كان كشجرة يابسة، روى الطبري في مولد النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه لما انخرقت دجلة وانفصم طاق كسرى، قال كسرى لمنجّميه وكاهنيه: انظروا ما هذا. وكان فيهم رجل يعتاف اعتياف العرب(2) بعثه إليه باذان من اليمن قلّما يخطي ء يقال له: السائب فخرجوا فأخذ عليهم بأقطار السماء، وبات السائب في ليلة ظلّ فيها على ربوة، فرمق برقا نشأ من الحجاز ثمّ استطار حتّى بلغ المشرق، فلمّا أصبح ذهب ينظر إلى ما تحت قدميه، فإذا روضة خضراء، فقال في
ص: 93
ما يعتاف: لئن صدق ما أرى ليخرجن من الحجاز سلطان يبلغ المشرق تخصب منه الأرض كأفضل ما خصبت من ملك قبله(1).
قال عليه السلام لهم ما قال، لأنّه إنّما كان أهل بصيرة أصحابه - لتقدّم الثلاثة عليه، وإفسادهم لعقائدهم وأخلاقهم - قليلين، فمنهم جمع صاروا خوارج عليه عليه السلام، ومنهم جمع صاروا من قتلة الحسين عليه السلام كشبث بن ربعي، وشمر بن ذي الجوشن وغيرهما، ومنهم جمع كانوا من المنافقين كالأشعث بن قيس، وعمرو بن حريث ونظرائهما، ومنهم جمع - وهم جمهورهم - كانوا من الحشوية الذين صاروا عد أتباع معاوية، وهم الّذين كانوا يقولون أيّام ابن الزبير وقيام عبدالملك عليه: ابن الزبير وليّ اللَّه. وعبدالملك عدوّ اللَّه. ولمّا قتل ابن الزبير وصار الأمر إلى عبدالملك قالوا بالعكس، كان المستبصرون في حقّه عليه السلام - مثل مؤمني أصحاب النبي صلى الله عليه وآله الذين يقتلون أرحامهم للدين - فيهم قليلا.
فخرج في صفّين عراقي يقال له: أثال بن حجل، وخرج إليه من أهل الشام ابنه، ولم يعرف واحد منهما الآخر، فطاعنا ثم انتميا فنزلا واعتنقا وبكيا، وانصرف كلّ منهما إلى أصحابه(2).
وكذلك خرج أخوان أحدهما عراقي، والآخر شامي، وغلبه العراقي، فلمّا جلس على صدره، وكشف المغفر عنه رأى أنّه أخوه تركه(3).
وكذلك خرج ابنا عمّين: قيس الأرحبي وسويد الأرحبي. فلمّا تقاربا وتعارفا، انصرفا(4).
ص: 94
بل كان فيهم من يقتل قاتل قريبه من أصحابه، فكان حابس بن سعد الطائي - خال زيد بن عدي بن حاتم الطائي - مع معاوية، فقتله بكري من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام، فطعنه زيد فقتله ولحق بمعاوية، وقال في ذلك:
من مبلغ أبناء طي بأنّني
ثأرت بخالي ثمّ لم أتأثّم(1)
«ولتتبعنّها ندما» بعد مشاهدة وبال أعمالكم وعاقبة أفعالكم، في ترككم لأهل بيت نبيّكم واتّباع الأجانب.
ولمّا دخلت نسوة المدينة على سيّدة النساء فاطمة - صلوات اللَّه عليها - في علّتها، قالت لهنّ: إلى أيّ لجأ لجؤوا وأسندوا، وبأيّ عروة تمسّكوا.. أما لعمر الهكن لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج، ثمّ احتلبوا طلاع القعب دما عبيطا، وزعافا ممقرا، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غبّ ما أسّس الأوّلون، ثمّ أطيبوا عن أنفسكم نفسا، وطامنوا للفتنة جأشا، وأبشروا بسيف صارم، وبقرح شامل، واستبداد من الظالمين يدع فيئكم زهيدا وجمعكم حصيدا، فيا حسرة لكم، وأنّي بكم وقد عميت عليكم، أنلزمكموها وأنتم لها كارهون(2).
ص: 95
بسم الله الرحمن الرحیم
أَمَّا إِنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي رَجُلٌ رَحْبُ الْبُلْعُومِ مُنْدَحِقُ الْبَطْنِ يَأْكُلُ مَا يَجِدُ وَيَطْلُبُ مَا لا يَجِدُ فَاقْتُلُوهُ وَلَنْ تَقْتُلُوهُ أَلا وَإِنَّهُ سَيَأْمُرُكُمْ بِسَبِّي وَالْبَرَاءَةِ مِنِّي فَأَمَّا السَّبُّ فَسُبُّونِي فَإِنَّهُ لِي زَكَاةٌ وَلَكُمْ نَجَاةٌ وَأَمَّا الْبَرَاءَةُ فَلا تَتَبَرَّءُوا مِنِّي فَإِنِّي وُلِدْتُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَسَبَقْتُ إِلَى الإِيمَانِ وَالْهِجْرَةِ
وذلك عقوبة تركهم له واتّباعهم معاوية أخيرا كتركهم له واتّباعهم أبابكر أوّلا.
اختلف الشراح في الرجل الذي أخبرعليه السلام بظهوره على أهل الكوفة فقيل: هو زياد بن أبيه، وقيل: الحجاج بن يوسف، وقيل المغيرة بن شعبة، والأكثرون على أن المراد به معاوية بن أبي سفيان، لاتصاله بما وصفه عليه السلام به من النهم وكثرة الأكل، وكان بطينا يقعد بطنه إذا جلس على فخذيه، وكان جوادا بالمال والصلات وبخيلا على الأكل والطعام.
يقال: إنه مازح أعرابيا على طعامه وقد قدم بين يديه خروف، فأمعن الأعرابي في أكله فقال له ما ذنبه إليك انطحك أبوه؟ فقال الأعرابي: وما حنوك عليه أرضعتك أمه(1)؟
ص: 96
روى نصر بن مزاحم عن أبي سنان الأسلمي قال: خطب عليّ عليه السلام أصحابه - إلى أن قال - وأيم اللَّه ما اختلفت امّة قط بعد نبيّها إلّا ظهر أهل باطلها على أهل حقّها. قال أبو سنان: أشهد لقد سمعت عمّار بن ياسر يقول للناس: أمّا أميرالمؤمنين عليه السلام فقد أعلمكم أنّ الامّة لم تستقم عليه أوّلا، وانّها لن تستقيم عليه آخرا. ثمّ تفرّق الناس وقد نفذت أبصارهم في قتال عدوّهم(1).
عن الشعبي: خطب معاوية حين بويع له. فقال: «ما اختلفت امّة بعد نبيّها إلّا ظهر أهل باطلها على أهل حقّها» ثمّ إنّه انتبه فندم.
فقال: إلّا هذه الامّة فإنّها وإنّها(2).
وروى قيس بن الربيع عن يحيى بن هاني المرادي عن زياد بن فلان المرادي قال: كنّا في بيت علي عليه السلام نحن وشيعته وخواصّه، فالتفت فلم ينكر منّا أحدا. فقال: إنّ هؤلاء القوم سيظهرون عليكم فيقطعون أيديكم، ويسملون أعينكم. فقال رجل منّا: وأنت حيّ يا أميرالمؤمنين قال: أعاذني اللَّه من ذلك، فالتفت فإذا واحد يبكي. فقال له: يا ابن الحمقاء أتريد اللذات في الدنيا والدرجات في الآخرة إنّما وعد اللَّه الصابرين(3).
أي: واسع الحلق. قال: الوليد بن عقبة معرضا بمعاوية:
ص: 97
إذا ما خرجنا من دمشق فلا نعد * بها أبدا ما دام فيها الجراضم(1)
بصير بما في الطبل بالبقل عالم * جروز لما التفّت عليه اللهازم(2)
ناقة داحق وهي الّتي يخرج رحمها بعد الولادة(3).
قالوا: كان معاوية إذا جلس يقعد بطنه على فخذيه(4).
وقال معاوية يوما وعنده صعصعة. وكان قدم عليه بكتاب عليّ عليه السلام وعنده وجوه الناس - : الأرض للَّه، وأنا خليفة اللَّه. فما آخذ من مال اللَّه فهو لي، وما تركت منه كان جائزاً لي. فقال صعصعة:
تمنّيك نفسك ما لا يكو * ن جهلا معاوي لا تأثم
فقال معاوية: يا صعصعة: تعلّمت الكلام. قال: العلم بالتعلّم، ومن لا يعلم يجهل، قال معاوية: ما أحوجك إلى أن اذيقك وبال أمرك. قال: ليس ذلك بيدك بل بيد الّذيى لا يؤخّر نفسا إذا جاء أجلها. قال: ومن يحول بيني وبينك قال: الّذي يحول بين المرء وقلبه. قال معاوية: اتسع بطنك للكلام كما اتّسع بطن البعير للشعير. قال: اتسع بطن من لا يشبع، ودعا عليه من لا يمنع (لا يجمع)(5).
ص: 98
عن بليد بن سليمان، عن الأعمش، عن عليّ بن الأقمر قال: وفدنا على معاوية وقضينا حوائجنا ثمّ قلنا لو مررنا برجل قد شهد النبيّ صلى الله عليه وآله وعاينه. فأتينا عبداللَّه بن عمر. فقلنا يا صاحب النبي صلى الله عليه وآله حدّثنا ما شهدت: قال: رأيت النبي صلى الله عليه وآله أرسل إلى هذا - يعني معاوية - يدعوه وكان يكتب بين يديه - فجاء الرسول. فقال: هو يأكل. فقال: لا أشبع اللَّه بطنه. فهل ترونه يشبع...(1). وضرب به المثل في ذلك. قال الشاعر:
وصاحب لي بطنه كالهاوية * كأنّ في أحشائه معاوية(2)
هذا، ومن الأكولين: ميسرة الرأس، والفيل. استدعاهما المهدي العباسي وجعل يرمي لكلّ واحد منهما رغيقا. فامتنع الفيل من تمام المئة، وأكل ميسرة تما المئة وزاد عليها(3).
ومنهم أبو السرايا فكان يؤتى بمكوكي شعير فيطرح أحدهما بين يديه، والاخرى بين يدي فرسه، فيستوفي الشعير قبل فرسه(4).
ومنهم العلّاف أبو أبي بكر العلّاف. ركب الى الوزير المهلبي على حمار. فأمر الوزير أن يؤخذ حماره، ويذبح فيطبخ بماء وملح. ثمّ قدّم له على مائدة الوزير فأكل وهو لا يظنّه، ويستطيبه حتّى أتى عليه. فلمّا خرج ليركب طلب الحمار. فقيل له: حمارك في جوفك(5).
ص: 99
قالوا كان معاوية يأكل فيكثر. ثمّ يقول ارفعوا فواللَّه ما شبعت، ولكن مللت(1).
وفي (سفيانية الجاحظ) قال معاوية لأبي ذر: يا عدّو اللَّه وعدوّ رسوله تأتينا في كلّ يوم فتصنع ما تصنع - وكان أبو ذر يأتي كلّ يوم باب دار معاوية ويصرخ «أتتكم القطار. تحمل النار. اللّهمّ العن الآمرين بالمعروف التاركين له. اللّهمّ العن الناهين عن المنكر المرتكبين له». فقال أبو ذر: ما أنا بعدّو اللَّه ولرسوله بل أنت وأبوك عدوان للَّه ولرسوله أظهرتما الإسلام. وأبطنتما الكفر، ولقد لعنك النبيّ صلى الله عليه وآله ودعا عليك مرّات أن لا تشبع. سمعت النبيّ صلى الله عليه وآله يقول: «إذا ولي الامة الأعين الواسع البلعوم الّذي يأكل ولا يشبع فلتأخذ الأمّة حذرها منه»:
فقال معاوية: ما أنا ذاك الرجل. قال أبو ذر: بل أنت ذلك الرجل أخبرني بذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسمعته يقول: وقد مررت به - «اللّهمّ العنه ولا تشبعه إلّا بالتراب» وسمعته صلى الله عليه وآله يقول: «است معاوية في النار» فضحك معاوية وأمر بحبسه(2).
وعن سفيان بن أبي ليلى قال: أتيت الحسن بن علي عليه السلام حين بايع معاوية فوجدته بفناء داره وعنده رهط. فقلت: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين. فقال: عليك السلام يا سفيان. انزل. فنزلت.
فعقلت راحلتي ثمّ أتيته فجلست إليه. فقال: كيف قلت يا سفيان فقلت: السلام عليك يا مذلّ رقاب المؤمنين. فقال: ما جرّ هذا منك إلينا فقلت: «أنت واللَّه بأبي أنت وامّي أذللت رقابنا حين أعطيت هذا الطاغية البيعة، وسلّمت الأمر إلى اللعين ابن اللعين
ص: 100
ابن آكلة الأكباد. ومعك مائة ألف كلّهم يموت دونك، وقد جمع اللَّه لك أمر الناس».
فقال: يا سفيان إنّا أهل بيت إذا علمنا الحقّ تمسّكنا به، وإنّي سمعت عليّاعليه السلام يقول: سمعت النبيّ صلى الله عليه وآله يقول: «لا تذهب الليالي والأيّام حتّى يجتمع أمر هذه الأمّة على رجل واسع السرم، ضخم البلعوم، يأكل ولا يشبع، ولا ينظر اللَّه إليه، ولا يموت حتّى لا يكون له في السماء عاذر، ولا في الأرض ناصر، وانّه لمعاوية، وإنّي عرفت أنّ اللَّه بالغ أمره»(1).
الظاهر وقوع تحريف، وأنّ الأصل «في السماء ناصر ولا في الأرض عاذر».
وروى نصر بن عاصم الليثي عن أبيه قال: أتيت مسجد النبيّ صلى الله عليه وآله والناس يقولون: نعوذ باللَّه من غضب اللَّه، وغضب رسوله، فقلت: ما هذا؟ قالوا: معاوية قام الساعة فأخذ بيد أبي سفيان فخرجا من المسجد. فقال النبيّ صلى الله عليه وآله: لعن اللَّه التابع والمتبوع، ربّ يوم لامتي من معاوية ذي الاستاه قالوا: يعني العجز الكبير(2).
ومن الخبرين يظهر وصف معاوية بذى الاستاه، وواسع السرم كوصفه برحب البلعوم وضخمه.
وكيف كانوا يقتلونه بأمره عليه السلام، وقد جحدوا إمامته علانية، وقد كان النبيّ صلى الله عليه وآله أمرهم بقتله قبله عليه السلام: ولم يمتثلوه مع إقرارهم بنبوّته ظاهرا.
ص: 101
وروى نصر بن مزاحم عن ابن مسعود قال: قال النبيّ صلى الله عليه وآله إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاضربوا عنقه. قال الحسن: فما فعلوا، ولا أفلحوا.
وعن الحسن قال: قال النبيّ صلى الله عليه وآله: إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقتلوه. قال أبوسعيد الخدري: فلم نفعل، ولم نفلح(1).
ثمّ الغريب أنّهم لم يقتصروا على عدم امتثال أمر نبيّهم صلى الله عليه وآله بل حرّفوا كلامه وجعلوه مدحا له، فنقله الخطيب الناصبي في عنوانه محمّد بن إسحاق بن مهران هكذا: إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقبلوه فإنّه أمين مأمون(2) فتراه حرّف وزاد تصحيحا لتحريفه.
وروى (الثقفي في غاراته) عن الأعمش عن أنس بن مالك قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه وآله يقول: «سيظهر على الناس رجل من امّتي عظيم السرم، واسع البلعوم يأكل ولا يشبع، يحمل وزر الثقلين يطلب الامارة يوما فإذا أدركتموه فابقروا بطنه» وكان في يد النبيّ صلى الله عليه وآله قضيب قد وضع طرفه في بطن معاوية(3).
عن ابن عباس: إنه مرّ من بعد ما كف بصره على قوم يسبون عليا فقال لقائده: ما سمعت هؤلاء يقولون؟! قال: سبوا عليا. قال: ردني إليهم. فرده فقال: أيكم الساب اللَّه عزوجل؟! قالوا: سبحان اللَّه من سب اللَّه فقد أشرك. قال: فأيكم الساب
ص: 102
لرسول اللَّه؟! قالوا: سبحان اللَّه ومن سب رسول اللَّه فقد كفر. قال: أيكم الساب علي بن أبي طالب؟! قالوا: أما هذا فقد كان. قال: فأنا أشهد باللَّه وأشهد أني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: من سب عليا فقد سبني. ومن سبني فقد سب اللَّه عزوجل ومن سب اللَّه كبه اللَّه على منخريه في النار. ثم ولى عنهم فقال لقائده:
ما سمعتهم يقولون؟! قال: ما قالوا شيئا. قال: فكيف رأيت وجوههم إذ قلت ما قلت؟! قال:
نظروا إليك بأعين محمرة * نظر التيوس إلى شفار الجازر
قال: زدني فداك أبوك. قال:
خزر العيون نواكس أبصارهم * نظر الذليل إلى العزيز القاهر
قال: زدني فداك أبوك. قال: ما عندي غير هذا قال: لكن عندي:
أحياؤهم عار على أمواتهم * والميتون فضيحة للغابر(1)
حج معاوية فدخل المدينة وأراد أن يلعن علياعليه السلام على منبر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، فقيل له: إن ههنا سعد بن أبي وقاص ولا نراه يرضى بهذا، فابعث إليه وخذ رأيه. فأرسل إليه وذكر له ذلك، فقال: إن فعلت لأخرجنّ من المسجد ثم لا أعود إليه! فأمسك معاوية عن لعنه حتى مات سعد(2).
قال ابن أبي الحديد: إن معاوية أمر الناس بالعراق والشام وغيرهما بسب علي عليه السلام والبراءة منه.
وخطب بذلك على منابر الإسلام وصار ذلك سنة في أيام بني أمية إلى أن قام
ص: 103
عمر بن عبدالعزيز فأزاله ثم قال:
ذكر شيخنا أبو عثمان الجاحظ أن معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة: اللّهمّ إنّ أبا تراب ألحد في دينك، وصدّ عن سبيلك. فالعنه لعنا وبيلا، وعذّبه به عذابا أليما. وكتب بذلك الى الآفاق. فكانت هذه الكلمات يشار بها على المنابر إلى خلافة عمر بن عبدالعزيز(1).
قال: وروى أنّ قوماً من بني أُميّة قالوا لمعاوية: إنّك قد بلغت ما أمّلت فلو كففت عن لعن هذا الرجل. فقال: لا واللَّه حتى يربو عليها الصغير، ويهرم عليها الكبير، ولا يذكر له ذاكر فضلا(2).
وأمر المغيرة - وكان أمير الكوفة من قبل معاوية - حجر بن عدي أن يقوم في الناس. فيلعن عليّاعليه السلام فأبي ذلك. فتوعده فقال: أيّها النّاس إنّ أميركم أمرني أن ألعن عليّا. فالعنوه. فقال أهل الكوفة: لعنه اللَّه. فأعاد الضمير إلى المغيرة بالنية والقصد(3).
وأراد زياد أن يعرض أهل الكوفة أجمعين على البراءة من علي عليه السلام ولعنه وأن يقتل كل من امتنع من ذلك ويخرب منزله فضربه اللَّه ذلك اليوم بالطاعون فمات بعد ثلاثة أيام وذلك في خلافة معاوية(4).
روى الزبير بن بكار في الموفقيات وهو غير متهم على معاوية ولا منسوب إلى اعتقاد الشيعة لما هو معلوم من حاله من مجانبة علي عليه السلام والانحراف عنه قال
ص: 104
المطرف بن المغيرة بن شعبة دخلت مع أبي على معاوية وكان أبي يأتيه فيتحدث معه ثم ينصرف إلي فيذكر معاوية وعقله ويعجب بما يرى منه إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء ورأيته مغتما فانتظرته ساعة وظننت أنه لأمر حدث فينا فقلت: ما لي أراك مغتما منذ الليلة فقال يا بني جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم قلت وما ذاك قال قلت له وقد خلوت به إنك قد بلغت سنا يا أميرالمؤمنين فلو أظهرت عدلا وبسطت خيرا فإنك قد كبرت ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم فواللَّه ما عندهم اليوم شي ء تخافه وإن ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه فقال هيهات هيهات أي ذكر أرجو بقاءه، ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلّا أن يقول قائل أبوبكر ثم ملك أخو عدي فاجتهد وشمر عشر سنين فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلّا أن يقول قائل عمر وإن ابن أبي كبشة ليصاح به كل يوم خمس مرات أشهد أن محمدا رسول اللَّه فأي عملي يبقى وأي ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك لا واللَّه إلّا دفنا دفنا(1).
قال ابن أبي الحديد: وأما أفعاله المجانبة للعدالة الظاهرة من لبسه الحرير وشربه في آنية الذهب والفضة حتى أنكر عليه ذلك أبوالدرداء فقال له إنّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول إن الشارب فيها ليجرجر في جوفه نار جهنم وقال معاوية اما أنا فلا أرى بذلك بأسا فقال أبو الدرداء من عذيري من معاويه أنا أخبره عن الرسول صلى الله عليه وآله وهو يخبرني عن رأيه لا أساكنك بأرض أبدا وهذا الخبر يقدح في عدالته كما يقدح أيضاً في عقيدته لأن من قال في مقابلة خبر قد روى عن رسول
ص: 105
اللَّه صلى الله عليه وآله أما أنا فلا أرى بأسا فيما حرمه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ليس بصحيح العقيدة ومن المعلوم أيضاً من حالة استئثاره بمال الفي ء وضربه من لاحد عليه وإسقاط الحد عمن يستحق إقامة الحد عليه وحكمه برأيه في الرعية وفي دين اللَّه واستلحاقه زيادا وهو يعلم قول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله الولد للفراش وللعاهر الحجر وقتله حجر بن عدي وأصحابه ولم يجب عليهم القتل ومهانته لأبي ذر الغفاري وجبهه وشتمه وإشخاصه إلى المدينة على قتب بعير وطاء لإنكاره عليه ولعنه عليا وحسنا وحسينا وعبداللَّه بن عباس على منابر الإسلام وعهده بالخلافة إلى ابنه يزيد مع ظهور فسقه وشربه المسكر جهارا...(1).
وفي (تاريخ الطبري): في مقتل حجر بن عدي في سنة (51) لمّا ولى معاوية المغيرة الكوفة قال له: أردت إيصاءك بأشياء كثيرة وأنا تاركها اعتمادا على بصرك بما يرضيني، ويسعد سلطاني، ولست تاركا إيصاءك بخصلة. لا تتحمّ عن شتم عليّ وذمّه، والترحّم على عثمان والعيب على أصحاب عليّ وإقصائهم واطراء شيعة عثمان وإدنائهم. فقال المغيره: قد جربت وجرّبت وعملت قبلك لغيرك فلم يذمم بي دفع، ولا رفع، ولا وضع فستبلو - إلى أن قال - : وأقام على الكوفة سبع سنين وأشهرا وهو من أحسن شي ء سيرة غير أنّه لا يدع ذمّ عليّ عليه السلام والوقوع فيه والدعاء لعثمان والتزكيه لأصحابه. فكان حجر إذا سمع ذلك قال: بل إيّاكم فذمّم اللَّه ولعن. ثمّ يقوم ويقول: إنّ اللَّه تعالى يقول: «كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للَّهِ ِ»(2) وأنا أشهد أنّ من تذمّون لأحق بالفضل، ومن تزكّون أولى بالذم - إلى أن قال - :
ص: 106
حتّى كان في آخر امارته فقام وقال في عليّ وعثمان كما كان يقول: فقام حجر فنعر نعرة سمعها من كان خارجا وقال: إنّك لا تدري بمن تولع من هرمك - إلى أن قال - : فقالوا للمغيرة: علام تترك هذا الرجل يقول هذه المقالة فإنّ ذلك إن بلغ معاوية كان أسخط له. فقال لهم المغيرة: انّي قد قتلته إنّه سيأتي أمير بعدي فيحبسه مثلي فيصنع به شبيها بما ترونه يصنع بي فيأخذه عند أوّل وهلة فيقتله شرّ قتلة. إنّه قد اقترب أجلي ولا أحبّ أن أبتدئ أهل هذا المصر بقتل خيارهم، وسفك دمائهم. فيسعدوا بذلك وأشقى، ويعزّ في الدنيا معاوية، ويذلّ يوم القيامة المغيرة...(1).
وسبّ معاوية عليّاعليه السلام على المنبر، وكتب إلى عمّاله أن يلعنوه على المنابر. ففعلوا فكتبت امّ سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وآله إلى معاوية: إنّكم تسبّون اللَّه ورسوله على منابركم وذلك أنّكم تسبون عليّا ومن أحبّه وأنا أشهد أن اللَّه تعالى أحبّه ورسوله(2).
وتبع المروانيون غير عمر بن عبدالعزيز منهم معاوية في الأمر بسبّه عليه السلام والبراءة منه لتشييد ملكهم.
قال ابن أبي الحديد: وروى أهل السيرة أنّ الوليد بن عبدالملك في خلافته ذكر عليّاعليه السلام فقال: «لعنه اللَّه - بالجر - كان لص ابن لصّ. فعجب الناس من لحنه في ما لا يلحن فيه أحد ومن نسبته عليّاعليه السلام إلى اللصوصية وقالوا ما ندري أيهما أعجب وكان الوليد لحانا(3).
قال: وذكر (المبرد في الكامل): أنّ خالد القسري لمّا كان أميرالعراق في خلافة هشام كان يقول على المنبر «اللّهمّ العن عليّ بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن
ص: 107
هاشم صهر النبيّ على ابنته، وأبا الحسن والحسين» ثمّ يقبل على الناس فيقول: هل كنيت(1).
قال: وذكر الجاحظ أنّ هشاماً لمّا حجّ خطب بالموسم. فقام إليه إنسان فقال: إنّ هذا يوم كانت الخلفاء تستحب فيه لعن أبي تراب. فقال: اكفف فما لهذا جئنا(2).
وقال أيضاً وما كان عبدالملك مع فضله وأناته وسداده ورجحانه ممن يخفى عليه فضل علي عليه السلام وأن لعنه على رؤوس الأشهاد وفي أعطاف الخطب وعلى صهوات المنابر مما يعود عليه نقصه ويرجع إليه وهنه لأنهما جميعا من بني عبد مناف والأصل واحد والجرثومة منبت لهما وشرف علي عليه السلام وفضله عائد عليه ومحسوب له ولكنه أراد تشييد الملك وتأكيد ما فعله الأسلاف وأن يقرر في أنفس الناس أن بني هاشم لا حظ لهم في هذا الأمر وأن سيدهم الذي به يصولون وبفخره يفخرون هذا حاله وهذا مقداره فيكون من ينتمي إليه ويدلي به عن الأمر أبعد وعن الوصول إليه أشحط وأنزح(3).
عن المدائني قال: أمر المأمون أحمد بن يوسف بإدخالي عليه. فلمّا دخلت ذكر عليّاعليه السلام فحدّثته فيه بأحاديث إلى أن ذكر لعن بني اميّة له. فقلت: حدّثني أبو سلمة المثنى الأنصاري قال قال لي رجل: كنت بالشام فجعلت لا أسمع أحدا يسمّى عليّا ولا حسنا ولا حسينا. وإنّما أسمع معاوية، ويزيد والوليد. فمررت برجل جالس على باب داره وقد عطشت فاستسقيته. فقال: يا حسن اسقه. فقلت له: أسميت
ص: 108
حسنا. فقال: أي واللَّه إنّ لي أولادا أسماؤهم حسن وحسين، وجعفر. فإنّ أهل الشام يسمّون أولادهم بأسماء خلفاء اللَّه. ولا يزال أحدنا يلعن ولده ويشتمه وإنّما سمّيت أولادي، بأسماء أعداء اللَّه. فإذا لعنت إنّما ألعن أعداء اللَّه. فقلت له: ظننتك خير أهل الشام وإذا جهنّم ليس فيها شرّ منك. فقال المأمون: لا جرم قد ابتعث اللَّه عليهم من يلعن أحياءهم وأمواتهم، ويلعن من في أصلاب الرجال وأرحام النساء منهم يعني الشيعة(1).
وفي (نقض الاسكافي): كان دعيّ لبني اميّة يقال له: خالد بن عبداللَّه لا يزال يشتم عليّاًعليه السلام فلمّا كان يوم جمعة وهو يخطب الناس قال: واللَّه إن كان النبيّ صلى الله عليه وآله ليستعمله وانّه ليعلم ما هو، ولكنّه كان ختنه، وقد نعس سعيد بن المسيب ففتح عينيه ثمّ قال: ويحكم ما قال هذا الخبيث رأيت القبر انصدع والنبيّ صلى الله عليه وآله يقول: كذبت يا عدوّ اللَّه(2).
وفيه: أقبل بالمدينة رجل على بعير فوقف فسبّ عليّاعليه السلام فحفّ به الناس ينظرون إليه فبينا هو كذلك إذ أقبل سعد بن أبي وقاص فقال: اللّهمّ إن كان سبّ عبدا لك صالحا فأر المسلمين خزيه، فما لبث أن نفر به بعيره فسقط فاندقّ عنقه(3).
دخل فراس بن جعدة بن هيبرة على خالد القسري وبين يديه نبق. فقال له: العن عليّا ولك بكلّ نبقة دينار، ورأى يوما عكرمة مولى ابن عباس، وعلى رأسه عمامة سوداء. فقال: إنّه بلغني أنّ هذا العبد يشبه عليّا وإنّي لأرجو أن يسوّد اللَّه
ص: 109
وجهه كما سوّد وجه ذاك، وقال ابن شهاب: قال لي خالد القسري اكتب لي السيرة فقلت له: فإنّه يمرّ بي الشي ء من سير عليّ فأذكره فقال: لا. إلّا أن تراه في قعر الجحيم. قال: لعن اللَّه خالدا، ومن ولّاه وقبّحهم، وصلوات اللَّه على أميرالمؤمنين(1).
وروى ابن الكلبي عن أبيه عن عبدالرحمن بن السائب قال قال الحجاج يوما لعبد اللَّه بن هانئ وهو رجل من بني أود حي من قحطان وكان شريفا في قومه قد شهد مع الحجاج مشاهده كلها وكان من أنصاره وشيعته واللَّه ما كافأتك بعد ثم أرسل إلى أسماء بن خارجه سيد بني قزارة أن زوج عبداللَّه بن هانئ بابنتك فقال لا واللَّه ولا كرامة فدعا بالسياط فلما رأى الشر قال نعم أزوجه ثم بعث إلى سعيد بن قيس الهمداني رئيس اليمانية زوج ابنتك من عبداللَّه بن أود فقال ومن أود لا واللَّه لا أزوجه ولا كرامة فقال علي بالسيف فقال دعني حتى أشاور أهلي فشاورهم فقالوا زوجه ولا تعرض نفسك لهذا الفاسق فزوجه فقال الحجاج لعبد اللَّه قد زوجتك بنت سيد فزارة وبنت سيد همدان وعظيم كهلان وما أود هناك فقال لا تقل أصلح اللَّه الأمير ذاك فإن لنا مناقب ليست لأحد من العرب قال وما هي؟ قال ما سب أميرالمؤمنين عبدالملك في ناد لنا قط قال: منقبة واللَّه قال وشهد منا صفين مع أميرالمؤمنين معاوية سبعون رجلا ما شهد منا مع أبي تراب إلّا رجل واحد وكان واللَّه ما علمته امرأ سوء قال منقبة واللَّه قال ومنا نسوة نذرن إن قتل الحسين بن علي أن تنحر كل واحدة عشر قلائص ففعلن قال منقبة واللَّه قال وما منا رجل عرض عليه شتم أبي تراب ولعنه إلّا فعل وزاد ابنيه حسنا وحسينا وأمهما فاطمة قال منقبة واللَّه قال وما أحد من العرب له من الصباحة والملاحة ما
ص: 110
لنا، فضحك الحجاج وقال أما هذه يا أبا هانئ فدعها وكان عبداللَّه دميما شديد الأدمة مجدورا في رأسه عجر مائل الشدق أحول قبيح الوجه شديد الحول(1).
وكان الحجاج لعنه اللَّه يلعن علياعليه السلام ويأمر بلعنه وقال له متعرض به يوما وهو راكب أيها الأمير إن أهلي عقوني فسموني عليا فغير اسمي وصلني بما أتبلغ به فإني فقير فقال للطف ما توصلت به قد سميتك كذا ووليتك العمل الفلاني فاشخص إليه(2).
وكان عبداللَّه ابن الزبير يبعض عليّا وينتقصه وينال من عرضه وروى أهل السّير انّه مكث ايّام ادعائه الخلافة أربعين (صباحا) جمعة لا يصلّي فيها على النّبي وقال لا يمنعني من ذكره الّا ان تشمخ رجال بآنافها.
وروى سعيد ابن جبير انّ عبداللَّه ابن زبير قال لعبد اللَّه ابن عبّاس ما حديث اسمعه عنك قال وما هو؟ قال تأنيبي وذمّي، فقال انّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول بئس المرء المسلم يشبع ويجوع جاره فقال ابن الزبير انّي لاكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة وذكر تمام الحديث.
وروى أيضاً عن سعيد بن جبير قال خطب عبداللَّه ابن الزبير فنال من عليّ فبلغ ذلك محمّد ابن الحنفيّة فجاء إليه وهو يخطب فوضع له كرّسي فقطع عليه خطبته وقال يا مشعر العرب شاهت الوجوه! ينتقص عليّ وأنتم حضور انّ عليّا كان يد اللَّه على اعداء اللَّه وصاعقة من امره ارسله على الكافرين، والجاحدين لحقّه فقتلهم بكفرهم فشنئوه وابغضوه واضمروا له السّيف والحسد وابن عمّه حيّ بعد لم يمت؛
ص: 111
فلمّا نقله اللَّه الى جواره واحبّ له ما عنده اظهرت له رجال احقادها وشفت اضغانها فمنهم من ابتز حقّه ومنهم من ائتمر به ليقتله ومنهم من شتمه وقذفه بالأباطيل فان يكن لذرّيته وناصري دعوته دولة تنشر عظامهم وتحفر على اجسادهم والابدان منهم يومئذ بالية بعد ان تقتل الاحياء منهم وتذلّ رقابهم فيكون اللَّه عزّ اسمه قد عذّبهم بايدينا، واخزاهم ونصرنا عليهم وشفا صدورنا منهم انه واللَّه ما يشتم عليّا الّا كافر يسر شتم رسول اللَّه ويخاف ان يبوح به فيكنّي بشتم علي عليه السلام عنه اما انّه قد تخطّت المنيّة منكم من امتد عمره وسمع قول رسول اللَّه فيه عليه السلام لا يحبّك الّا مؤمن ولا يبغضك الّا منافق «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ»(1).
فعاد ابن الزّبير الى خطبته وقال عذرت بني الفواطم يتكلّمون فما بال ابن امّ الحنفيّة فقال محمّد يابن امّ رؤمان وما لي لا اتكلّم وهل فاتني من الفواطم الّا واحده ولم يفتني فخرها لأنّها ام اخوى، انا ابن فاطمة بنت عمران ابن عائذ ابن مخزوم جدّة رسول اللَّه، وانا ابن فاطمة بنت أسد ابن هاشم كافلة رسول اللَّه والقائمة مقام امّه امّا واللَّه لو لا خديجة بنت خويلد ما تركت في بني أسد ابن عبد العزّى عظما الّا هشمته ثمّ قام فانصرف(2).
ونقل الشّارح المعتزلي عن شيخه أبي جعفر الاسكافي انّ معاوية وضع قوما من الصّحابة وقوماً من التّابعين على رواية اخبار قبيحة في على تقتضي الطّعن فيه والبراءة منه وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله فاختلقوا ما أرضاه، منهم أبوهريرة وعمرو بن العاص والمغيرة ابن شعبة ومن التّابعين عروة ابن الزّبير ثمّ
ص: 112
قال الاسكافي على ما نقل عنه:
روى الزّهري أنّ عروة ابن الزّبير حدّثه قال حدّثتني عايشه قال كنت عند رسول اللَّه صلى الله عليه وآله اذ أقبل العبّاس وعلىّ فقال صلى الله عليه وآله يا عايشة انّ هذين يموتان على غير ملّتي أو قال ديني.
وروى عبد الرّزاق عن معمّر قال كان عند الزّهري حديثان عن عروة عن عايشة في عليّ فسألته عنها يوما فقال ما تصنع بهما وبحديثهما اللَّه اعلم بهما انّي لأتهمهما في بني هاشم قال فأمّا الحديث الأوّل فقد دكرناه.
وأمّا الحديث الثّاني فهو انّ عروة زعم أنّ عايشة حدّثته قالت كنت عند النّبي اذ أقبل العبّاس وعليّ فقال يا عايشة ان سرّك ان تنظري إلى رجلين من أهل النار فانظري إلى هذين قد طلعا فنظرت فاذا العبّاس وعليّ عليه السلام.
وامّا عمرو بن العاص فروى عنه الحديث الّذي اخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما مسندا متّصلا بعمرو ابن العاص قال سمعت رسول اللَّه يقول انّ آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء انّما وليّي اللَّه وصالح المؤمنين.
وامّا أبوهريرة فروى عنه الحديث الّذي معناه انّ عليّا خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فاسخطه فخطب على المنبر قال لاها اللَّه لا تجتمع ابنة وليّ اللَّه وابنة عدوّ اللَّه أبي جهل انّ فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما يؤذيها فان كان عليّ يريد ابنة أبي جهل فليفارق ابنتي وليفعل ما يريد أو كلاما هذا معناه والحديث مشهور من رواية الكرابيسي قال الشّارح المعتزلي بعد نقله ما نقلناه ما هذا لفظه: قلت: هذا الحديث أيضاً مخرج من صحيحي مسلم والبخاري عن المسوّر ابن مخزّمة الزّهري وقد ذكره المرتضى رحمه الله في كتابه المسمّى تنزيه الأنبياء والأئمّة وقال انّه
ص: 113
رواية حسين الكرابيسي وانّه مشهور بالانحراف عن أهل البيت عليهم السلام وعداوتهم والمناصبة لهم فلا تقبل روايته(1).
قال أبوجعفر: وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا غير مرضي الرواية ضربه عمر بالدرة وقال قد أكثرت من الرواية وأحر بك أن تكون كاذبا على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله(2).
وأمّا السبب في منع عمر بن عبدالعزيز عن ذلك فهو على ما روى عنه أنّه قال: نكت غلاما أقرء القرآن على بعض ولد عتبة بن مسعود، فمر بي يوما وأنا ألعب مع الصبيان ونحن نلعن عليّاً، فكره ذلك ودخل المسجد فتركت الصبيان وجئت إليه لادرس عليه وردي، فلما رءاني قام وصلى وأطال في الصلاة شبه المعرض عني حتى أحسست منه بذلك فلما انفتل من صلاته كلح في وجهي، فقلت له: ما بال الشيخ، فقال لي: يا بني أنت اللاعن عليا منذ اليوم؟ قلت: نعم، قال: فمتى علمت أن اللَّه سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم؟ فقلت: يا أبه وهل كان علي من أهل بدر؟ فقال: ويحك وهل كان بدر كلها إلّا له، فقلت: لا أعود، فقال: اللَّه انك لا تعود، قلت: نعم، فلم العنه بعدها ثم كنت أحضر تحت منبر المدينه وأبي يخطب يوم الجمعة وهو حينئذ أميرالمدينة فكنت أسمع يمر في خطبه تهدر شقاشقة حتى يأتي إلى لعن علي فيجمجم ويعرض له من الفهاهة والحصر ما اللَّه عالم به، فكنت أعجب من ذلك فقلت له يوما: أنت أفصح الناس وأخطبهم فما بالى أراك أفصح خطيب يوم حفلك وإذا مررت بلعن هذا الرجل صرت ألكن عييا فقال: يا بني إن من ترى تحت منبرنا من أهل الشام وغيرهم لو علموا من فضل هذا الرجل ما يعلمه أبوك لم
ص: 114
يتبعنا منهم أحد، فوقرت كلمته في صدري مع ما كان قاله لي معلمي ايام صغري، فأعطيت اللَّه عهدا لئن كان لي في هذا الأمر نصيب لا غيرنه، فلما من اللَّه على بالخلافة أسقطت ذلك وجعلت مكانه:
«إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»(1).
وكتبت به إلى الآفاق فصار سنة(2).
وعن مروج الذهب جعل مكانه:
«رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ»(3).(4)
وفي هذا المعنى قال السيد الرضي رحمة اللَّه عليه:
يابن عبد العزيز لو بكت العين * فتى من أمية لبكيتك
غير اني أقول إنك قد طبت * وإن لم يطب ولم يزك بيتك
أنت نزهتنا عن السب والقذف * فلو أمكن الجزاء جزيتك
ولو إني رأيت قبرك لاستحييت * من أن أرى وما حييتك
وقليل أن لو بذلت دماء البدن * صرفا على الذراو سقيتك
دير سمعان(5) فيك نادى أبي حفص * يؤدي لو انني اوتيتك
دير سمعان لا أعبك(6) غيث * خير ميت من آل مروان ميتك
ص: 115
أنت بالذكر بين عيني وقلبي * إن تدا نيت منك أو إن نأيتك(1)
وعجبت إني قليت بني مروان * كلا وأنتي ما قليتك
قرب العدل منك لما نأى الجور * منهم فأحتويتهم واجتبيتك
فلو اني ملكت دفعا لما نابك * من طارق الردى لفديتك(2)
ص: 116
ورد في الحديث: ذكر المؤمن بسوء هو زكوة له وذمّه بما ليس فيه زيادة في حسابه (في جاهه وشرفه)(1).
قال ابن أبي الحديد: الزكاة النماء، والزيادة، ومعنى كون السبّ زكاة له عليه السلام إمّا ما ورد في الخبر أنّ سبّ المؤمن زكاة له وزيادة في حسناته، وإمّا أنّ سبّهم لي لا ينقص قدري بل أزيد به شرفا وعلوّّ قدر وشياع ذكر، وهكذا كان. فإنّ اللَّه تعالى جعل الأسباب الّتي حاولت أعداؤه بها الغضّ منه عللا لانتشار صيته في مشارق الأرض ومغاربها(2).
ومن آيات أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه وبيناته التي انفرد بها ممّن عداه، ظهور مناقبه في الخاصة والعامة، وتسخير الجمهور لنقل فضائله، وما خصّه اللَّه به من كرائمه وتسليم العدّو من ذلك بما فيه الحجّة عليه. هذا مع كثرة المنحرفين عنه والأعداء له، وتوفر أسباب دواعيهم إلى كتمان فضله، وجحد حقّه، وكون الدنيا في
ص: 117
يد خصومه، وانحرافها عن أوليائه، وما اتّفق لأضداده من سلطان الدنيا، وحمل الجمهور على إطفاء نوره ودحض أمره. فخرق اللَّه العادة بنشر فضائله، وظهور مناقبه، وبتسخير الكلّ للاعتراف بذلك، والإقرار بصحته، واندحاض ما احتال به اعداؤه في كتمان مناقبه، وجحد حقوقه، حتّى تمّت الحجّة، وظهر البرهان بحقّه.
ولمّا كانت العادة جارية بخلاف ما ذكرناه في من اتّفق له من أسباب خمول أمره ما اتّفق لأميرالمؤمنين عليه السلام فانخرقت العادة فيه، دلّ ذلك على بينونته من الكافة بباهر الآية على ما وصفناه.
وقد شاع الخبر عن الشعبي أنّه كان يقول: لقد كنت أسمع خطباء بني اميّة يسبّون عليّاعليه السلام على منابرهم وكأنّما يشال بضبعه إلى السماء، وكنت أسمعهم يمدحون أسلافهم على منابرهم، وكأنّما يكشفون عن جيفة.
وقال الوليد بن عبدالملك لبنيه يوما: عليكم بالدين فإنّي لم أر الدين بنى شيئا فهدمته الدنيا، ورأيت الدنيا قد بنت بنيانا، فهدمه الدين. ما زلت أسمع أهلنا يسبّون عليّا، ويدفنون فضائله، ويحملون الناس على شنآنه. فلا يزيده ذلك من القلوب إلّا قربا، ويجتهدون في تقريبهم من نفوس الخلق. فلا يزيدهم من القلوب إلّا بعدا - إلى أن قال - : وكانت الولاة الجورة تضرب بالسياط من ذكره بخير، بل تضرب الرقاب على ذلك وتعرض الناس على البراءة منه، والعادة جارية في من اتّفق له ذلك ألّا يذكر على وجه بخير، فضلا عن أن تذكر له فضائل، وإذا كان ظهور فضائله على ما قدّمنا ذكره من شياع ذلك في الخاصة والعامة، وتسخير العدوّ، والولي لنقله، ثبت خرق العادة فيه، وبان وجه البرهان في معناه بالآية الباهرة(1).
ص: 118
ثم أمره عليه السلام أصحابه بسبّه عند أمر الجبابرة لهم بذلك لكونه زكاة له عليه السلام ونجاة لهم أمر إباحة لاستثنائه من الحظر. لا أمر إيجاب، وكان يجوز لهم الاستسلام للهلكة وتركه بل هو أحسن وكونه أرفع درجة.
عن الباقرعليه السلام أنّ الحجّاج قال ليحيى ابن أمّ الطويل: العن أبا تراب. فأبي. فأمر بقطع يديه ورجليه وقتله(1).
وروى أنّ الحجاج كتب إلى محمّد بن القاسم الثقفي، أن ادع عطية فإن لعن عليّا وإلّا فاضربه(2).
وروى الطبري في صيفي بن فسيل - من رؤوس أصحاب حجر بن عدي - أنّ زيادا قال له: يا عدوّ اللَّه ما تقول في أبي تراب قال: ما أعرف أبا تراب. قال: ما أعرفك به قال: ما أعرفه. قال: أما تعرف علي بن أبي طالب قال: بلى. قال: فذاك أبوتراب . قال: كلّا ذاك أبوالحسن وأبوالحسين عليه السلام. فقال له صاحب الشرطة: يقول لك الأمير هو أبوتراب وتقول أنت لا. قال له: ان كذب الأمير أ تريد أن أكذب، وأشهد له على باطل كما شهد. قال زياد: علي بالعصا. فاتى بها قال: ما قولك فيه قال: أحسن قول أنا قائله في عبد من عباداللَّه المؤمنين. قال: اضربوا عاتقه بالعصا حتى يلصق بالأرض. فضرب حتّى لزم الأرض. ثمّ قال: أقلعوا عنه. إيه ما قولك في عليّ قال: واللَّه لو شرحتني بالمواسي والمدى ما قلت إلّا ما سمعت منّي. قال: لتلعننّه أو لأضربن عنقك. قال: اذن تضربها واللَّه قبل ذلك...(3).
ثمّ مع جوازه يجب عليه التورية إن أمكنه ذلك، روى الكشي أنّ معاوية قال
ص: 119
لصعصعة بن صوحان: اصعد المنبر والعن عليّا. فصعده وقال: أيّها الناس إنّ معاوية أمرني أن ألعن عليّ بن أبي طالب. فالعنوا من لعن علي بن أبي طالب فضجّوا بآمين. فلمّا خبّر معاوية قال: لا واللَّه ما عنى غيري؛ أخرجوه لا يساكنني في بلد. فأخرجوه(1).
وعن الأعمش قال: رأيت عبدالرحمن بن أبي ليلى ضربه الحجّاج وأوقفه على باب المسجد، فجعلوا يقولون له: العن الكاذبين عليّ بن أبي طالب، وعبداللَّه بن الزبير، والمختار بن أبي عبيد. فقال: لعن اللَّه الكاذبين - ثمّ قال - : عليّ بن أبي طالب - إلى أن قال - فعرفت حين سكت ثمّ ابتدأ فرفع أنّه ليس يريدهم(2).
هذا، وروى أنّ أباالصباح الكناني قال للصادق عليه السلام: إنّ لنا جارا يجلس الينا، فنذكر فضل عليّ عليه السلام فيقع فيه. أفتاذن لي فيه. فقال عليه السلام: دعه فستكفي. فلّما رجعت إلى الكوفة قيل لي بعد ثمانية عشر يوماً انّ الرجل ايقظ فإذن هو مثل الزق المنفوخ ميّتا فذهبوا يحملونه. فإذا لحمه يسقط عن عظمه. فجمعوه في نطع فإذا تحته أسود(3).
قال ابن أبي الحديد: لا فرق عند أصحابنا بين السبّ والتبرّي في جواز فعلهما مع التقية، وتركهما إعزازا للدين، وإنما استفحش عليه السلام البراءة لأنّ هذه اللفظة ما
ص: 120
وردت في القرآن إلّا عن المشركين مثل قوله تعالى: «بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ»(1) فصارت الكلمة بالعرف الشرعي مطلقة على المشركين خاصة، وأما الإمامية فتروي عنه عليه السلام أنّه قال: إذا عرضتم على البراءه منّا فمدّوا الأعناق. ويقولون: لا يجوز التبرّي منه إن كان الحالف صادقا وإنّ عليه الكفاره ويقولون: إنّ حكم البراءة من اللَّه تعالى ومن الرسول صلى الله عليه وآله ومن أحد الأئمةعليه السلام واحد، ويقولون: إنّ الإكراه على السبّ يبيج إظهاره، ولا يجوز الاستسلام للقتل معه، وأمّا الإكراه على البراءة فإنّه يجوز معه الاستسلام للقتل، ويجوز إظهار التبري، والأولى الاستسلام(2).
قال المحقق التستري قدس سره: كلامه كلّه خلط وخبط. أما قوله صارت كلمة البراءة بالعرف الشرعي مطلقة على المشركين خاصة فجزاف، فأيّ دلالة للآية على ما قال بعد التصريح فيها بأنّ اللَّه ورسوله بري ء من المشركين.
وأما قوله فتروي الإمامية عنه عليه السلام «إذا عرضتم على البراءة منّا فمدوا الأعناق» فبهتان. فالأصل في الرواية العامة وتبعهم المصنّف وقبله شيخه المفيد غفلة فقال في (ارشاده) ما استفاض عنه عليه السلام من قوله: «إنّكم ستعرضون من بعدي على سبّي فسبّوني فإن عرض عليكم البراءة منّي فلا تبرأوا منّي فإنّي ولدت على الاسلام فمن عرض عليه البراءة منّي فليمدد عنقه.
فمن تبرأ منّي فلا دنيا له ولا آخرة»(3) وأمّا الإماميّة فرووا تكذيب ما نسبوا إليه من أنّه عليه السلام قال لا تتبرءوا منّي(4).
ص: 121
عن مسعدة بن صدقة أنّه قيل لجعفر بن محمّدعليه السلام: إنّ الناس يروون أنّ عليّاعليه السلام قال على منبر الكوفة: «أيّها الناس أنّكم ستدعون إلى سبّي فسبّوني ثمّ تدعون إلى البراءة منّي فلا تتبرّأوا منّي». فقال، ما أكثر ما يكذب الناس على عليّ عليه السلام. إنّما قال: «إنّكم ستدعون الى سبّي فسبّوني ثم ستدعون إلى البراءة منّي وإنّي لعلى دين محمّد» ولم يقل «ولا تتبرءوا منّي». فقال له السائل: أرأيت إن اختار القتل دون البراءة. فقال: واللَّه ما ذلك عليه، وماله إلّا ما مضى عليه عمّار حيث أكرهه أهل مكة وقلبه مطمئن بالإيمان. فأنزل اللَّه فيه إلّا «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ»(1) فقال له النبي صلى الله عليه وآله عندها: يا عمّار ان عادوا فعد فقد أنزل اللَّه تعالى عذرك(2).
وروى إبراهيم الثقفي في (غاراته) - وقد نقله ابن أبي الحديد نفسه - عن يوسف بن كليب المسعودي، عن يحيى بن سليمان العبدي، عن أبي مريم الأنصاري عن محمّد بن علي الباقرعليه السلام قال: خطب عليّ عليه السلام على منبر الكوفة.
فقال «سيعرض عليكم سبّي وستذبحون عليه فإن عرض عليكم سبّي فسبّوني، وإن عرض عليكم البراءة منّي فإنّي على دين محمّدصلى الله عليه وآله» ولم يقل فلا تبرأوا منّي(3).
وعن أحمد بن المفضل عن الحسن بن صالح عن جعفر بن محمّدعليه السلام قال: قال عليّ عليه السلام: واللَّه لتذبحنّ على سبّي - وأشار بيده إلى حلقه - ثمّ قال «فإن أمروكم
ص: 122
بسبّي فسبّوني، وإن أمروكم أن تبرأوا منّي فإنّي على دين محمّدصلى الله عليه وآله ولم ينههم عن إظهار البراءة(1). فهذه ثلاثة أخبار: خبران عن الصادق عليه السلام وخبر عن الباقرعليه السلام أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام لم ينههم عن إظهار البراءة، وإن نسبة النهي إليه عليه السلام من العامة.
وبالجملة، المحقّق من الفرق بين السبّ والبراءةعليه السلام في السب قال «فسبّوني»، وأمّا في البراءة فلم يقل «فتبرءوا منّي» وإنّما اقتصر على قوله عليه السلام «فإنّي على دين محمّدصلى الله عليه وآله فتوهّموا انّه نهى فدفع عترته عليه السلام التوهّم بأنّه اقتصر على ذاك، وهو أعم من النهي وقد كان النبيّ صلى الله عليه وآله قال له «الإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي»(2).
ووجه تفريقه عليه السلام أنّ من يأمرهم بالسبّ يأمرهم لهوى نفسه فلا يقبل جوابه، وأمّا من يأمرهم بالتبرّي فإنّما يأمرهم بالتبرّي منه عليه السلام أي من دينه.
فعلّمهم عليه السلام كيف يجيبونهم بأنّ دين علي عليه السلام دين محمّدصلى الله عليه وآله وهم كانوا في الظاهر مقرّين به ولا يمكنهم انكاره.
روى أنّ شرطة معاوية لمّا قتلوا حجرا مع خمسة من أصحابه لعدم قبولهم التبرّي قال عبدالرحمن بن حسان العنزي، وكريم بن عفيف الخثعمي: إبعثوا بنا إلى معاوية فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته. فبعثوا بهما إليه فقال الخثعمي له: اللَّه اللَّه يا معاوية فإنّك منقول من هذه الدار الزائلة إلى الدار الآخرة الدائمة ثمّ مسئول عمّا أردت بقتلنا، وفيم سفكت دماءنا. فقال له معاوية: ما تقول في عليّ قال: أقول
ص: 123
فيه قولك أتبرأ من دين عليّ الّذي كان يدين اللَّه به(1).
وروى أصحاب السيرة من طرق مختلفة أنّ الحجاج قال لقنبر: إبرأ من دين عليّ. قال. فإذا برئت من دينه تدلّني على دين أفضل من دينه. قال: إنّي قاتلك. فقال له: إنّه عليه السلام أخبرني أن منيتي تكون ذبحا ظلما بغير حقّ. فأمر به فذبح(2).
ومن شعر علي عليه السلام الّذيى لا اختلاف فيه أنّه قاله وكان يردّده:
يا شاهد اللَّه علي فاشهد * أنّي على دين النبيّ أحمد
من شك في اللَّه فإنّي مهتدي(3)
وفي كتاب الحسين عليه السلام إلى معاوية: أو لست صاحب الحضرميّين الّذين كتب فيهم ابن سميّة انّهم كانوا على دين عليّ فكتبت إليه أن اقتل كلّ من كان على دين عليّ. فقتلهم ، ومثّل بهم بأمرك، ودين عليّ واللَّه الّذي كان يضرب عليه أباك ويضربك، وبه جلست مجلسك الّذي جلست، ولولا ذلك لكان شرفك، وشرف أبيك الرحلتين(4).
وحجر بن عدي مع أصحابه كانوا أربعة عشر تبرّأ نصفهم وهم كريم بن عفيف، وعبداللَّه بن حوية، وعاصم بن عوف، وورقاء بن سمي، والأرقم بن عبداللَّه، وعتبة بن الأخنس، وسعد بن نمران، فنجوا، وأبى نصفهم فقتلوا، وهم حجر، وعبدالرحمن العنزي، وشريك بن شدّاد، وصيفي بن فسيل، وقبيصة بن ضبيعة، ومحرز بن شهاب، وكدام بن حيان.
ص: 124
وروى النسوي أنّ عليّاعليه السلام قال: يا أهل العراق سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء مثلهم كمثل أصحاب الاخدود(1).
ولمّا صار حجر وأصحابه إلى مرج عذراء. على اثني عشر ميلا من دمشق - تقدّم البريد بخبرهم إلى معاوية. فبعث برجل أعور. فلمّا أشرف عليهم قال رجل من أصحاب حجر: إن صدق الزجر فإنّه يقتل منّا النصف. وينجو الباقون فقيل له وكيف ذلك قال: أما ترون الرجل المقيل مصابا بإحدى عينيه. فلمّا وصل إليهم قال لحجر إنّ الخليفة أمرني بقتلك يا رأس الضلال، ومعدن الكفر والطغيان، والمتولي لأبي تراب وقتل اصحابك إلّا أن ترجعوا عن كفركم، وتلعنوا صاحبكم، وتبرأوا منه. فقال حجر وجماعة من أصحابه إنّ الصبر على حدّ السيف لأيسر علينا ممّا تدعونا إليه، وأجاب نصفهم إلى البراءة منه عليه السلام. فلمّا قدّم حجر ليقتل قال دعوني اصلّي ركعتين. فجعل يطول في صلاته. فقيل له: أجزعا من الموت. فقال: لا ولكنّي ما تطهرت للصلاة قط إلّا صليت وما صلّيت قطّ أخفّ من هذه، وكيف لا أجزع، وإنّي لأرى قبرا محفورا وسيفا مشهورا، وكفنا منشورا، ثمّ قدّم فنحر، والحق به من وافقه منهم(2).
ولمّا أرادوا قتل حجر قال لمن حضره، من أهله: لا تطلقوا عنّي حديدا، ولا تغسلوا عنّي دما. فإنّي الاقي معاوية غدا على الجادة فكان محمّد بن سيرين إذا سئل عن الشهيد هل يغسّل حدّثهم حديث حجر، وقال بلغنا أنّ معاوية لمّا حضرته الوفاة جعل يغرغر بالصوت، ويقول يومي منك يا حجر طويل(3).
ص: 125
وقال معاوية لعبد الرحمن العنزي: ما قولك في عليّ قال: لا تسألني خير لك قال: لا أدعك حتّى تخبرني. قال: أشهد أنّه كان من الذاكرين اللَّه كثيرا، ومن الآمرين بالحقّ، والقائمين بالقسط، والعافين عن الناس. قال: فما قولك في عثمان قال: هو أوّل من فتح باب الظلم، وأرتج أبواب الحقّ. فبعث معاوية به إلى زياد، وكتب إليه اقتله شرّ قتلة. فبعث به زياد إلى قسّ الناطف فدفن به حيّا(1).
وممّن عرض عليه البراءة فأبى وقتل رشيد الهجري، وميثم التمّار.
عن قنواء بنت رشيد عن أبيها قال: قال لي أميرالمؤمنين عليه السلام كيف صبرك إذا أرسل اليك دعيّ بني أميّة. فقطع يديك ورجليك ولسانك قالت: فواللَّه ما ذهبت الأيّام حتّى أرسل إليه عبيداللَّه بن زياد الدعيّ فدعاه إلى البراءة منه عليه السلام فأبى أن يبرأ...(2).
وعن ميثم قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: كيف أنت يا ميثم إذا دعاك دعيّ بني اميّة ابن دعيّها عبيداللَّه بن زياد إلى البراءة منّي فقلت: يا أميرالمؤمنين أنا واللَّه لا أبرأ منك. قال: إذن واللَّه يقتلك ويصلبك. قلت: أصبر فذاك في اللَّه قليل...(3).
وتفصيل جريانهما: عن زياد بن النصر الحارثي قال كنت عند زياد وقد أتى برشيد الهجري وكان من خواص أصحاب علي عليه السلام فقال له زياد: ما قال لك خليلك إنا فاعلون بك؟ قال: تقطعون يدي ورجلي وتصلبونني! فقال زياد: أما واللَّه لأكذبن حديثه خلوا سبيله، فلما أراد أن يخرج قال: ردوه لا نجد شيئا أصلح
ص: 126
مما قال لك صاحبك، إنك لا تزال تبغي لنا سوء إن بقيت، اقطعوا يديه ورجليه، فقطعوا يديه ورجليه وهو يتكلم، فقال اصلبوه خنقا في عنقه، فقال رشيد: قد بقي لي عندكم شي ء ما أراكم فعلتموه، فقال زياد: اقطعوا لسانه. فلما أخرجوا لسانه ليقطع قال: نفسوا عني أتكلم كلمة واحدة، فنفسوا عنه، فقال: هذا واللَّه تصديق خبر أميرالمؤمنين أخبرني بقطع لساني، فقطعوا لسانه وصلبوه(1).
وعن أحمد بن الحسن الميثمي قال: كان ميثم التمار مولى علي بن أبي طالب عبدا لا مرئة من بني أسد، فاشتراه علي منها وأعتقه، وقال له ما اسمك؟ فقال: سالم فقال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أخبرني أن اسمك الذي سماك به أبوك في العجم ميثم، فقال: صدق اللَّه وصدق رسوله وصدقت يا أميرالمؤمنين فهو واللَّه اسمي قال: فارجع إلى اسمك ودع سالما فنحن نكنيك به فكناه أبا سالم.
قال وقد كان قد أطلعه علي عليه السلام على علم كثير وأسرار خفية من أسرار الوصية، فكان ميثم يحدث ببعض ذلك فيشك فيه قوم من أهل الكوفة وينسبون عليا في ذلك إلى المخرفة والايهام والتدليس.
حتى قال له يوما بمحضر من خلق كثير من أصحابه وفيهم الشاك والمخلص:
يا ميثم إنك تؤخذ بعدي وتصلب، فاذا كان اليوم الثاني ابتدر منخراك وفمك دما حتى يخضب لحيتك، فاذا كان اليوم الثالث طعنت بحربة يقضى عليك، فانتظر ذلك، والموضع الذي تصلب فيه نخلة على باب دار عمرو بن حريث، إنك لعاشر عشرة أنت أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة يعني الأرض، ولارينك النخلة التي تصلب على جذعها، ثم أراه إياها بعد ذلك بيومين.
ص: 127
وكان ميثم يأتيها فيصلي عندها ويقول: بوركت من نخلة، لك خلقت، ولي نبت، فلم يزل يتعاهدها بعد قتل علي عليه السلام حتى قطعت، فكان يرصد جذعها ويتعاهده ويتردد إليه ويبصره، وكان يلقى عمرو بن حريث فيقول له: إني مجاورك فأحسن جواري، فلا يعلم ما يريد فيقول له: أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أم دار ابن حكيم؟
قال: وحج في السنة التي قتل فيها، فدخل على أم سلمة رضي اللَّه عنها، فقالت له: من أنت؟ قال: عراقي فاستنسبته فذكر لها أنه مولى علي بن أبي طالب، فقالت: وأنت ميثم؟ قال: أنا ميثم، فقال: سبحان اللَّه واللَّه لربما سمعت رسول اللَّه يوصي بك عليا في جوف الليل فسألها عن الحسين بن علي عليه السلام فقالت: هو في حايط له.
قال: أخبريه أني قد أحببت السلام عليه ونحن ملتقون عند رب العالمين إنشاء اللَّه ولا أقدر اليوم على لقائه وأريد الرجوع.
فدعت بطيب فطيبت لحيته فقال لها: أما أنها ستخضب بدم فقالت: من أنباك هذا؟ قال أنبأني سيدي فبكت أم سلمة وقالت له: إنه ليس بسيدك وحدك وهو سيدي وسيد المسلمين اجمعين؛ ثم ودعته.
فقدم الكوفة فاخذ وادخل على عبيداللَّه بن زياد، وقيل له: هذا كان من آثر الناس عند أبي تراب، قال: ويحكم هذا الأعجمي؟ قالوا: نعم، فقال له عبيداللَّه: أين ربك؟ قال: بالمرصاد، قال: قد بلغني اختصاص أبي تراب لك، قال: قد كان بعض ذلك فما تريد؟ قال: وانه ليقال إنه قد أخبرك بما سيلقاك، قال نعم: أخبرني.
قال: ما الذي أخبرك أني صانع بك؟ قال: أخبرني أنك تصلبني عاشر عشرة وأنا أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة، قال: لأُخالفنّه، قال: ويحك كيف تخالفه؟ إنما
ص: 128
أخبر عن رسول اللَّه، وأخبر رسول اللَّه عن جبرئيل، وأخبر جبرئيل عن اللَّه، فكيف تخالف هؤلاء أما واللَّه لقد عرفت الموضع الذي أصلب فيه أين هو من الكوفة، وإني لأول خلق اللَّه الجم في الاسلام بلجام كما يلجم الخيل، فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيدة الثقفي، فقال ميثم للمختار وهما في حبس ابن زياد: إنك تفلت وتخرج ثائرا بدم الحسين عليه السلام فتقتل هذا الجبار الذي نحن في حبسه وتطاء بقدمك هذا على جبهته وخديه، فلما دعا عبيداللَّه بن زياد بالمختار ليقتله طلع البريد بكتاب يزيد بن معاوية إلى عبيداللَّه بن زياد أمره بتخلية سبيله وذاك أن اخته كانت تحت عبداللَّه بن عمر بن الخطاب، فسألت بعلها أن يشفع فيه إلى يزيد فشفع فأمضي شفاعته وكتب بتخلية سبيل المختار على البريد فوافى البريد وقد اخرج ليضرب عنقه فاطلق.
وأما ميثم فاخرج بعده ليصلب وقال عبيداللَّه لأمضين حكم أبي تراب فيك فلقاه رجل فقال له: ما كان أغناك عن هذا يا ميثم؟ فتبسم فقال وهو يؤمي إلى النخلة لها خلقت ولي غذيت، فلما رفع على الخشبة اجتمع الناس حوله على باب عمرو ابن حريث، فقال عمرو: ولقد كان يقول لي إني مجاورك فكان يأمر جاريته كل عشية أن تكنس تحت خشبته وترشه وتجمر بالمجمر تحته.
فجعل ميثم يحدث بفضايل بني هاشم ومخازي بني أمية وهو مصلوب على الخشبة فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد، فقال: ألجموه، فالجم فكان أول خلق اللَّه ألجم في الإسلام، فلما كان اليوم الثاني فاضت منخراه وفمه دما، فلما كان اليوم الثالث طعن بحربة فمات، وكان قتله قبل قدوم الحسين عليه السلام العراق بعشرة أيام(1).
ص: 129
وكيف يصحّ ما قاله من أنّ الإماميّة تروي أنّه لا يجوز التبرّي منه وروى عبداللَّه بن عطاء قال: قلت لأبي جعفرعليه السلام رجلان من أهل الكوفة أخذا فقيل لهما ابرأا مِنْ أميرالمؤمنين فبرئ واحد منهما وأبي الآخر فخلي سبيل الذي برئ وقتل الآخر فقال أما الذي برئ فرجل فقيه في دينه وأما الذي لم يبرأ فرجل تعجل إلى الجنة(1).
وعن الصادق عليه السلام ما منع ميثم رحمه الله من التقية فو اللَّه لقد علم أن هذه الآية نزلت في عمّار وأصحابه «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ»(2)،(3). ومرّ أنّ ميثما دعي إلى البراءة.
هذا، وروى (ذيل الطبري)، أنّ الحجاج قال للحسن البصري: ما تقول في أبي تراب قال: وما عسى أن أقول إلّا ما قال اللَّه تعالى. قال: وما قال؟ قال: قال: «وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ»(4) وكان عليّ ممّن هدى اللَّه. فغضب ثمّ أكبّ ينكت الأرض، وخرجت لم يعرض لي أحد، فتواريت تسع سنين حتّى مات(5).
وأمّا قوله: «ويقولون لا يجوز التبرّي منه إن كان الحالف صادقا وانّ عليه الكفّارة...» فخلط منه، فإنّ كلامنا في الإكراه على التبرّي منه عليه السلام، وما ذكره أمر آخر، وهو عدم جواز الحلف بالبراءة لمن كان صادقا، وهو لا يناسب هنا بل كلامه عليه السلام في احلاف الظالم والمبطل بالبراءة من اللَّه تعالى حتّى يعجل تعالى منه الانتقام.
ص: 130
روى إنّ مسيلمة الكذّاب أخذ رجلين من المسلمين فقال لاحدهما ما تقول في محمّدصلى الله عليه وآله؟ قال: رسول اللَّه، قال: فما تقول فيّ؟ قال: أنت أيضاً فخلّاه وقال للآخر: ما تقول في محمّدصلى الله عليه وآله؟ قال: رسول اللَّه قال: فما تقول فيّ؟ قال: أنا أصمّ فاعاد عليه ثلاثا فاعاد جوابه الأوّل فقتله فبلغ ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقال أما الأوّل فقد أخذ برخصة اللَّه وأمّا الثّاني فقد صدع بالحقّ فهنيئاً له(1).
قال ابن أبي الحديد: ولدعليه السلام لثلاثين من عام الفيل والنبيّ صلى الله عليه وآله بعث لأربعين منه، وقال النبيّ صلى الله عليه وآله ليلة ولادته عليه السلام: «لقد ولد لنا الليلة مولود يفتح اللَّه علينا به أبوابا كثيرة من النعمة والرحمة».
ويمكن أن يكون مراده عليه السلام بالفطرة العصمة، وأنّه عليه السلام منذ ولد لم يواقع قبيحا، ولا كان كافرا طرفة عين، ولا مخطئا، ولا غالطا في شي ء من الأشياء المتعلقة بالدين، وهذا تفسير الإمامية(2) ورواه العامة أيضاً.
ففي (مسند أحمد بن حنبل) عن سليمان قال: قال النبيّ صلى الله عليه وآله: كنت أنا وعليّ نورا بين يدي اللَّه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام. فلمّا خلق اللَّه آدم قسّم ذلك النور جزأين: فجزء أنا وجزء عليّ(3).
ورواه ابن المغازلي، وفي آخره بعد قوله: «جزأين» «جزء في صلب عبداللَّه،
ص: 131
وجزء في صلب أبي طالب، فأخرجني نبيّا وأخرج عليّا وصيّا»(1).
وعن ابن مسعود قال: قال النبيّ صلى الله عليه وآله: أوحى اللَّه تعالى إلى إبراهيم «إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا»(2) - إلى أن قال - قال: قال «ومن ذرّيتي» - إلى أن قال - قال تعالى لا أعطيك لظالم من ذريّتك. قال إبراهيم عندها «وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ»(3) قال النبيّ صلى الله عليه وآله: فانتهت الدعوة إليّ وإلى عليّ لم يسجد أحدنا لصنم قط. فاتخذني اللَّه نبيّا واتّخذ عليّا وصيّا(4).
قال ابن أبي الحديد: أن أكثر أهل الحديث وأكثر المحققين من أهل السيرة رووا أنه عليه السلام أول من أسلم ونحن نذكر كلام أبي عمر يوسف بن عبد البر المحدث في كتابه المعروف بالإستيعاب.
قال أبو عمر في ترجمة علي عليه السلام المروي عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخباب وأبي سعيد الخدري وزيد بن أسلم أن علياعليه السلام أول من أسلم وفضله هؤلاء على غيره.
قال أبو عمرو قال ابن إسحاق أول من آمن باللَّه وبمحمد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب عليه السلام وهو قول ابن شهاب إلّا أنه قال من الرجال بعد خديجة.
قال أبوعمر وحدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا
ص: 132
محمد بن جرير قال حدثنا علي بن عبداللَّه الدهقان قال حدثنا محمد بن صالح عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال لعلي عليه السلام أربع خصال ليست لأحد غيره هو أول عربي وعجمي صلى مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وهو الذي كان معه لواؤه في كل زحف وهو الذي صبر معه يوم فرعنه غيره وهو الذي غسله وأدخله قبره.
قال أبوعمرو روي عن سلمان الفارسي أنه قال أول هذه الأمة ورودا على نبيهاصلى الله عليه وآله الحوض أولها إسلاما علي بن أبي طالب.
قال أبوعمر فأما إسناده المرفوع.
فإن أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن الحارث بن أبي أسامه قال حدثني يحيى بن هاشم قال حدثنا سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن حنش بن المعتمر عن عليم (عكيم) الكندي عن سلمان الفارسي قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أولكم واردا علي الحوض أولكم إسلاما علي بن أبي طالب.
قال أبو عمرو روى أبو داود الطيالسي قال حدثنا أبو عوانة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس أنه قال أول من صلى مع النبي صلى الله عليه وآله بعد خديجة علي بن أبي طالب قال أبو عمرو حدثنا عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال حدثنا الحسن بن حماد قال حدثنا أبو عوانة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس قال كان علي أول من آمن من الناس بعد خديجة.
قال أبوعمر هذا الإسناد لا مطعن فيه لأحد لصحته وثقة نقلته.
ص: 133
قال أبوعمر اتفق ابن شهاب وعبداللَّه بن محمد بن عقيل وقتادة وابن إسحاق على أن أول من أسلم (آمن) من الرجال علي واتفقوا على أن خديجة أول من آمن باللَّه ورسوله وصدقه فيما جاء به ثم علي بعد.
ذكر عبدالرزاق في جامعه عن معمر عن قتادة عن الحسن وغيره قالوا أول من أسلم بعد خديجة علي بن أبي طالب عليه السلام.
وروى معمر عن عثمان الجزري عن مقسم عن ابن عباس قال أول من أسلم علي بن أبي طالب.
قال أبوعمرو روى ابن فضيل عن الأجلح عن حبة بن جوين العربي قال سمعت علياعليه السلام يقول لقد عبدت اللَّه قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة خمس سنين.
قال أبوعمرو روى شعبة عن سلمة بن كهيل عن حبة العربي قال سمعت عليا يقول أنا أول من صلى مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله.
قال أبو عمرو قد روى سالم بن أبي الجعد قال قلت لابن الحنفية أبوبكر كان أولهما إسلاما قال لا.
قال أبوعمرو روى مسلم الملائي عن أنس بن مالك قال استنبئ النبي صلى الله عليه وآله يوم الإثنين وصلى علي يوم الثلاثاء.
قال أبو عمرو قال زيد بن أرقم أول من آمن باللَّه بعد رسوله صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب(1).
ثمّ إنّ ما ذكره الشّارح المعتزلي وان كان كافيا لاثبات الموضوع الّا انّا أردنا تعقيبه بذكر روايات اخر وردت في هذا الموضوع من طرق العامّة - المذكورة في
ص: 134
كتبهم المعتبرة عندهم فنقول: فمنها: عبداللَّه بن أحمد بن حنبل قال: حدثنا أبو الفضل الخراساني قال: حدثنا أبو غسان عن إسرائيل عن جابر عن عبداللَّه ابن نجي عن علي عليه السلام قال: «صلّيت مع النبيّ صلى الله عليه وآله ثلاث سنين قبل أن يصلي معه أحد»(1).
ومنها: ما رواه باسناده عن جابر الجعفي عن عبداللَّه بن نجي قال: سمعت علياعليه السلام يقول: «لقد صليت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ثلاث سنين قبل أن يصلي معه أحد من الناس»(2).
ومنها: ما رواه باسناده عن حبة العرني قال رأيت علياعليه السلام يضحك يوما [ضحك] لم أره ضحك أكثر منه حتى بدت نواجده قال: «بينا أنا مع رسول اللَّه» وذكر الحديث ثم قال: «اللهم إني لا أعرف أن عبدا لك من هذه الأمّة عبدك قبلي غير نبيك صلى الله عليه وآله قال ذلك ثلاث مرات ثم قال: «لقد صليت قبل أن يصلي أحد سبعا»(3).
ومنها: ابن المغازلي الشافعي الفقيه الواسطي في قوله «(السابقون السابقون)» قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عبدالوهاب وساق الحديث باسناده عن ابن عباس في قوله تعالى: ««وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ»(4) قال سبق يوشع بن نون إلى موسى وسبق صاحب يس إلى عيسى وسبق على إلى محمدصلى الله عليه وآله(5).
ومنها: ابن المغازلي أيضاً باسناده عن عبدالرحمن بن سعد مولى أبي أيوب عن
ص: 135
أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين وذلك أنه لم يصل معي أحد غيره(1).
ومنها: ابن المغازلي أيضاً باسناده عن أنس بن مالك يقول قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «صلت الملائكة علي وعلى علي سبعا وذلك أنه لم يرفعه إلى السماء شهادة أن لا إله إلّا اللَّه وأن محمدا عبده ورسوله إلّا مني أو منه»(2).
ومنها: ابن المغازلي ايضاً باسناده عن سلمان الفارسي قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «أول الناس ورودا علي الحوض أولهم إسلاما علي بن أبي طالب»(3).
وامّا علماء الشيعة فلا شكّ عندهم في كونه عليه السلام أوّل النّاس اسلاما، واسبقهم ايمانا قولا واحدا ولم يخالف فيه احد ومع ذلك نشير إلى بعض الرّوايات الواردة فيه من طرقنا تيمنّا وتبركا وتتميما وتكميلا للبحث.
فمنها - عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب عليه السلام أقدم أمتي سلما وأكثرهم علما وأصحهم دينا وأفضلهم يقينا وأحلمهم حلما...(4).
ومنها: عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري قال قال النبي صلى الله عليه وآله: إن اللَّه تبارك وتعالى اصطفاني واختارني وجعلني رسولا وأنزل علي سيد الكتب فقلت إلهي وسيدي إنك أرسلت موسى إلى فرعون فسألك أن تجعل معه أخاه هرون وزيرا تشد به عضده وتصدق به قوله وإني أسألك يا سيدي وإلهي أن تجعل لي من أهلي وزيرا تشد به عضدي فجعل اللَّه لي عليا وزيرا وأخا وجعل الشجاعة في قلبه وألبسه
ص: 136
الهيبة على عدوه وهو أول من آمن بي وصدقني وأول من وحد اللَّه معي...(1).
ومنها: عن مقاتل بن سليمان عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لعلي بن أبي طالب عليه السلام يا علي أنت مني بمنزلة هبة اللَّه من آدم وبمنزلة سام من نوح وبمنزلة إسحاق من إبراهيم وبمنزلة هارون من موسى وبمنزلة شمعون من عيسى إلّا أنه لا نبي بعدي يا علي أنت وصيي وخليفتي فمن جحد وصيتك وخلافتك فليس مني ولست منه وأنا خصمه يوم القيامة يا علي أنت أفضل أمتي فضلا وأقدمهم سلما وأكثرهم علما...(2).
ومنها: عن أبي سخيلة، قال: حججت أنا وسلمان الفارسي رحمه الله، فمررنا بالربذة، وجلسنا إلى أبي ذر الغفاري رحمه الله، فقال لنا: إنه ستكون بعدي فتنة، ولا بد منها، فعلكيم بكتاب اللَّه والشيخ علي بن أبي طالب فالزموهما، فأشهد على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أني سمعته وهو يقول: علي أول من آمن بي، وأول من صدقني، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين(3).
ومنها: عن أبي ذر وسلمان (رضي اللَّه عنهما)، قالا: أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بيد علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: هذا أول من آمن بي» وهو أول من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وفاروق هذه الأمّة، ويعسوب المؤمنين(4).
ومنها: عن أسيد بن صفوان صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: لما كان اليوم الذي
ص: 137
قبض فيه أمير المؤمنين ارتج الموضع بالبكاء ودهش الناس كيوم قبض فيه النبي صلى الله عليه وآله وجاء رجل باك وهو متسرع مسترجع وهو يقول اليوم انقطعت خلافة النبوة حتى وقف على باب البيت الذي فيه أميرالمؤمنين عليه السلام فقال رحمك اللَّه يا أباالحسن كنت أول القوم إسلاما وأخلصهم إيمانا وأشدهم يقيناً وأخوفهم للَّه عزوجل وأعظمهم عناء وأحوطهم على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله الحديث(1).
قال المأمون لإسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل بن حماد بن زيد في ما حاجّه في إمامة أميرالمؤمنين عليه السلام: هل علمت أحدا سبق عليّاعليه السلام إلى الإسلام قال إسحاق: إنّ عليّا أسلم وهو حديث السنّ لا يجوز عليه الحكم» وأبوبكر أسلم وهو مستكمل يجوز عليه الحكم.
قال له المأمون: أخبرني أيّهما أسلم قبل ثمّ أناظرك بعد في الحداثة. قال إسحاق: عليّ أسلم قبل أبي بكر على هذه الشريطة. قال له المأمون: أخبرني عن إسلام عليّ عليه السلام حين أسلم لا يخلو من أن يكون النبي صلى الله عليه وآله دعاه إلى الاسلام، أو يكون إلهاما من اللَّه تعالى. فأطرق.
فقال له المأمون: لا تقل إلهاما فتقدّمه على النبيّ صلى الله عليه وآله لأن النبيّ صلى الله عليه وآله لم يعرف الإسلام حتّى أتاه جبرئيل عليه السلام عن اللَّه تعالى - قال إسحاق: بل دعاه النبيّ صلى الله عليه وآله.
قال المأمون: فهل يخلو النبيّ صلى الله عليه وآله حين دعاه من أن يكون دعاه بأمر اللَّه أو تكلّف ذلك من نفسه. فأطرق.
قال له المأمون: لا تنسب النبيّ صلى الله عليه وآله إلى التكلّف فإنّ اللَّه تعالى يقول «وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ»(2) قال إسحاق: أجل بل دعاه بأمر اللَّه تعالى.
ص: 138
قال له المأمون هل من صفة الجبّار جلّ ذكره أن يكلّف رسله دعاء من لا يجوز عليه الحكم وفي قياس قولك «أسلم عليّ وهو صبي لا يجوز عليه حكم» قد كلّف النبيّ صلى الله عليه وآله من دعاء الصبيان ما لا يطيقون، فهل يدعوهم الساعة، ويرتدّون بعد ساعة. فلا يجب عليهم في ارتدادهم شي ء، ولا يجوز عليهم حكم النبيّ صلى الله عليه وآله أترى عندك جائزا أن تنسب هذا إلى النبيّ صلى الله عليه وآله قال إسحاق: أعوذ باللَّه.
قال له المأمون: فأراك يا إسحاق إنّما قصدت لفضيلة فضّل بها النبيّ صلى الله عليه وآله عليّاعليه السلام على هذا الخلق ابانه بها منهم ليعرفوا فضله، ولو كان اللَّه أمره بدعاء الصبيان لدعاهم كما دعا عليّا...(1)
قال ابن أبي الحديد: يمكن ان يريدعليه السلام بسبقه في هجرته غير هجرة المدينة فإنّ النبيّ صلى الله عليه وآله هاجر عن مكّة مرارا يطوف على أحياء العرب، وينتقل من أرض قوم إلى غيرها، وكان عليّ عليه السلام معه دون غيره - إلى أن قال - وأما هجرة النبيّ صلى الله عليه وآله إلى بني عامر بن صعصعة وإخوانهم من قيس عيلان. فإنّه لم يكن معه إلّا عليّ عليه السلام وحده، وذلك عقيب وفاة أبي طالب أوحى تعالى إليه أخرج منها فقد مات ناصرك، فخرج إلى بني عامر، ومعه عليّ عليه السلام وحده. فعرض نفسه عليهم، وسألهم النصر، وتلا عليهم القرآن فلم يجيبوه.
فعاد إلى مكّة وكانت مدّة غيبته في هذه الهجرة عشرة أيّام، وهي أوّل هجرة هاجرها النبيّ صلى الله عليه وآله بنفسه(2).
ص: 139
بسم الله الرحمن الرحیم
أَصَابَكُمْ حَاصِبٌ وَلا بَقِيَ مِنْكُمْ آبِرٌ أَ بَعْدَ إِيمَانِي بِاللَّهِ وَجِهَادِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أَشْهَدُ عَلَى نَفْسِي بِالْكُفْرِ؟ لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ فَأُوبُوا شَرَّ مَآبٍ وَارْجِعُوا عَلَى أَثَرِ الْأَعْقَابِ أَمَا إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي ذُلّاً شَامِلاً وَسَيْفاً قَاطِعاً وَأَثَرَةً يَتَّخِذُهَا الظَّالِمُونَ فِيكُمْ سُنَّةً
قال الشريف قوله عليه السلام : «ولا بقي منكم آبر» يروى على ثلاثة أوجه أحدها أن يكون كما ذكرناه آبر بالراء من قولهم للذي يأبر النخل أي يصلحه. ويروى آثر بالثاء بثلاث نقط وهو الذي يأثر الحديث ويرويه أي يحكيه وهو أصح الوجوه عندي كأنه ع قال لا بقي منكم مخبر. ويروى آبز بالزاي المعجمة وهو الواثب والهالك أيضا يقال له آبز
اعلم أن المروي في عدة من شروح الكتاب وفي البحار هو أن الخوارج لما اعتزلوا منه وتنادوا من كل ناحية لا حكم إلّا اللَّه الحكم للَّه يا على لا لك، وقالوا: بأن لنا خطائنا فرجعنا وتبنا فارجع إليه أنت وتب، وقال بعضهم: اشهد على نفسك
ص: 140
بالكفر ثم تب منه، حتى نطيعك(1) أجابهم بهذا الكلام فقال:
قال الجزري أي: عذاب من اللَّه وأصله رميتم بالحصباء من السماء»(2) وفي (الجمهرة): «ريح حاصب: تقشر الحصى عن وجه الأرض»(3).
ان الطبري رواه «وابر»(4) وهو الصحيح.
فإنّه الأنسب قال الجوهري: وما بها وابر: أي أحد. قال الشاعر:
فابت إلى الحي الّذين وراءهم
جريضا ولم يفلت من الجيش وابر(5)
وفي (الجمهرة): ولا يستعمل وابر إلّا في النفي(6).
وهو دعاء عليهم بانقطاع نسلهم كما قال نوح: رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلّا فاجرا كفارا(7).
استجيب دعاؤه عليه السلام عليهم كما وقع اخباره عليه السلام فيهم.
قال ابن أبي الحديد: روى أبو عبيدة معمر بن المثنى قال: أستنطقهم عليّ عليه السلام بقتل عبداللَّه بن خباب فأقرّوا به. فقال: انفردوا كتائب لأسمع قولكم كتيبة كتيبة، فتكتّبوا كتائب وأقرّت كلّ كتيبة بمثل ما أقرّت به الاخرى من قتل ابن خباب
ص: 141
وقالوا: ولنقتلنّك كما قتلناه. فقال علي عليه السلام: «واللَّه لو أقرّ أهل الدنيا كلّهم بقتله هكذا، وأنا أقدر على قتلهم به لقتلتهم» ثمّ التفت إلى أصحابه. فقال لهم: «شدّوا عليهم فأنا أوّل من يشد عليهم»، وحمل بذي الفقار حملة منكره ثلاث مرّات كلّ حملة يضرب به حتّى يعوج متنه ثمّ يخرج فيسوّيه بركبته ثمّ يحمل به حتّى أفناهم(1).
وروى الطبري: أنه ما لبثوا عبداللَّه بن وهب وألفين وثماني مئة معه أن أناموهم وروى عن حكيم بن سعد قال: ما هو إلّا أن لقينا أهل البصرة. فما لبثناهم فكأنّما قيل لهم موتوا فماتوا قبل أن تشتدّ شوكتهم(2).
وروى عن عون بن أبي جحيفة أنّ عليّاعليه السلام لمّا أراد أن يبعث أبا موسى لحكومة أتاه رجلان من الخوارج، زرعة بن البرج الطائي، وحرقوص بن زهير السعدي فدخلا فقالا له: لا حكم إلّا للَّه. فقال علي عليه السلام: لا حكم إلّا للَّه.
فقال له حرقوص: تب من خطيئتك، وارجع عن قضيّتك، واخرج بنا إلى عدوّنا نقاتلهم حتّى نلقى ربنا.
فقال لهم علي عليه السلام: قد أردتكم على ذلك فعصيتموني، وقد كتبنا بيننا وبينهم كتابا، وشرطنا شروطا، وأعطينا عليها عهودنا ومواثيقنا، وقد قال اللَّه عزّوجلّ: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ»(3).
فقال حرقوص: ذلك ذنب ينبغي أن تتوب منه.
فقال عليّ عليه السلام: ما هو ذنب، ولكنّه عجز من الرأي وضعف من الفعل، وقد تقدّمت
ص: 142
إليكم في ما كان منه، ونهيتكم عنه.
فقال له زرعة: أما واللَّه لئن لم تدع تحكيم الرجال في كتاب اللَّه، قاتلتك أطلب بذلك وجه اللَّه ورضوانه.
فقال له علي عليه السلام: بؤسا لك ما اشقاك كأنّي بك قتيلا تسفي عليك الريح.
قال: وددت أن قد كان ذلك.
فقال له عليّ عليه السلام: «لو كنت محقا كان في الموت على الحقب تعزية عن الدنيا إنّ الشيطان قد استهواكم...»(1).
قال ابن أبي الحديد: قال المبرد في (كامله): ومن شعر عليّ عليه السلام الّذي لااختلاف فيه أنّه قاله وأنه كان يردده أنهم (أي: الخوارج) لمّا ساموه أن يقرّ لهم بالكفر ويتوب حتّى يسيروا معه إلى الشام. فقال «أبعد صحبة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله والتفقّه في الدين أرجع كافرا» ثمّ قال:
يا شاهد اللَّه عليّ فاشهد * أنّي على دين النبيّ أحمد
من شك في اللَّه فإنّي مهتدي
وفي (كامل المبرد) أيضاً: أنّ عليّاًعليه السلام في أوّل خروج القوم عليه دعا صعصعة ابن صوحان العبدي - وقد كان وجّهه وزياد بن النضر مع ابن عباس إليهم - فقال له: بأيّ القوم رأيتهم أشدّ إطافة. قال: يزيد بن قيس الأرحبي. فركب عليه السلام إلى
ص: 143
حروراء. فجعل يتخلّلهم حتّى صار إلى مضرب يزيد.
فصلّى فيه ركعتين ثمّ خرج فاتّكأ على قوسه، وأقبل على الناس. فقال: هذا مقام من فلج فيه فلج يوم القيامة، ثمّ كلّمهم وناشدهم. فقالوا: إنّا أذنبنا ذنبا عظيما بالتحكيم، وقد تبنا فتب إلى اللَّه كما تبنا بعد ذلك. فقال عليّ عليه السلام انا أستغفر اللَّه من كلّ ذنب. فرجعوا معه وهم ستّة آلاف. فلمّا استقرّوا بالكوفة أشاعوا أنّ علياعليه السلام رجع عن التحكيم ورآه ضلالا وقالوا: إنّما ينتظر أن يسمن الكراع، ويجبي الأموال ثمّ ينهض بنا إلى الشام. فأتى الأشعث عليّاعليه السلام فقال: إنّ الناس قد تحدّثوا أنك رأيت الحكومة ضلالا والإقامة عليهما كفرا. فقام علي عليه السلام فخطب فقال: «من زعم أنّي رجعت عن الحكومة فقد كذب، ومن رءاها ضلالا فقد ضلّ» فخرجت حينئذ الخوارج من المسجد فحكمت(1).
قال المحقق التستري رحمه الله: العجب من الخوارج يجعلون نصب من يحكم من القرآن - لا من نفسه - كفرا ولا يجعلون نصب إمام يحكم لهم من نفسه على خلاف حكم اللَّه كفرا والأغرب منه أنّهم جعلوا تحكيمه عليه السلام على وفق القرآن ضلالا، ولم يجعلوا تحكيم عمر في ستّة الشورى ضلالا(2).
ولمّا خرج حوثرة الأسدي على معاوية في عام الجماعة بعث معاوية إليه جيشا من أهل الكوفة. فلمّا نظر حوثرة إليهم قال لهم: «يا أعداء اللَّه أنتم بالأمس تقاتلون معاوية لتهدّوا سلطانه، وأنتم اليوم تقاتلون معه لتشدّوا سلطانه»(3) فيقال له: لازم قولكم بصحة إمامة أبي بكر وعمر أن يكون الأمر كذلك، فهل سبب
ص: 144
إمامتهما إلّا بيعة جمع كرها وطوعا يوم السقيفة ومعاوية في عام الجماعة صار كذلك، وقد كان كتب إلى الحسن عليه السلام أنّه في ذاك اليوم بمنزلة أبي بكر بعينه بعد النبي صلى الله عليه وآله ولعمري لقد صدق. فإن كان أهل الكوفة أعداء اللَّه فهم أيضاً أعداء اللَّه(1).
وكذلك القول في عبدالملك قبل فتحه الكوفة وبعده ، فسأل الخوارج جند العراق عن عبدالملك - وقد كان فتح الكوفة، ولم يعلموا به - فقالوا: عدوّ اللَّه، واخبروا غدا بفتحه، فسألهم الخوارج عنه فقالوا: وليّ اللَّه: فقالوا لهم: يا أعداء اللَّه كيف صار عدوّ اللَّه بالأمس وليّ اللَّه اليوم(2) فيقال لهم: هو لازم قولكم أيضاً بإمامة الرجلين، وإنّما أنتم جئتم بالتضادّ والتفرقة بين الملزوم واللازم(3).
وسأل عبيدة بن هلال اليشكري أبا حزابة التميمي من جند المهلّب عن سيرة أئمّتهم صدقا وحقّا. فقال: يبيحون الدم الحرام، ويجبون المال من غير حلّه، وينفقونه في غير وجهه، ويظلمون اليتيم ماله، وينيكون امّه، فقال له عبيدة: أمثل هؤلاء يتّبع(4) فيقال له: أنت تقول بإمامة عمر وهو نصب عثمان الّذي كان نصبه نصب السفيانية والمروانية مع علمه بصدور جميع ذلك مع مناكر أكبر، وكبائر أكثر منه ومنهم.
هذا، ولمّا غلب الحجاج في دير الجماجم على أهل العراق أخذ يبايع الناس، وكان لا يبايع أحداً إلّا قال له: أشهد أنّك كفرت. فإنْ قال نعم بايعه، وإلّا قتله. فأتاه رجل من خثعم كان معتزلا للناس جميعا. فسأله عن حاله. فأخبره باعتزاله. فقال
ص: 145
له: أنت متربّص. اشهد أنّك كافر. قال بئس الرجل إذن أنا. أعبداللَّه ثمانين سنة ثمّ أشهد على نفسي بالكفر قال: إذن أقتلك. قال: وإن قتلتني؛ فقتله؛ فلم يبق أحد من أهل العراق والشام إلّا رحمه(1).
أي ارجعوا شرّ مرجع، وهو الكفر بعد الإيمان.
«وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا»(2).
قيل هو أمر لهم بالرجوع والاياب إلى الحق من حيث خرجوا منه قهرا كأنَّ القاهر يضرب في وجوههم بردهم على أعقابهم والرجوع هكذا شر الأنواع، وقيل هو دعاء عليهم بالذل وانعكاس الحال؛ اقول: ويحتمل أن يكون الأمر على التهديد كقوله تعالى:
«قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ»(3).(4)
قال زياد: ألا ينهى كلّ قوم سفهاءهم. لو لا أنّكم اطفأتم هذه النار لقلت إنّكم ارثتموها. فكانت القبائل إذا أحسّت بخارجية فيهم شدّتهم، وأتت بهم زيادا فكان
ص: 146
هذا أحد ما يذكر من تدبير زياد، وله تدبير آخر أخرجوا معهم امرأة فظفر زياد بها فقتلها ثمّ عرّاها. فلم تخرج النساء بعد على زياد، وكنّ إذا دعين إلى الخروج قلن: لو لا التعرية لسارعنا(1). وكانت الخوارج أيّام ابن عامر أخرجوا معهم امرأتين يقال لإحداهما كحيلة، والاخرى قطام، فجعل أصحاب ابن عامر يعيّرونهم ويصيحون بهم: يا أصحاب كحيلة وقطام يعرّضون لهم بالفجور(2).
وبعث عبيداللَّه بن زياد إلى البلجاء - وكانت من مجتهداتهم. فاتى بها فقطع يديها ورجليها ورمى بها في السوق(3).
لما رأى أبو هلال مرداس - وكان من قعدي الخوارج - جدّ ابن زياد في طلب الخوارج عزم على الخروج. فقال لأصحابه: واللَّه ما يسعنا المقام بين هؤلاء الظالمين. يجري علينا أحكامهم مجانبين للعدل، مفارقين للفصل، واللَّه إنّ الصبر على هذا لعظيم، وإنّ تجريد السيف وإخافة السبيل لعظيم، ولكنّا ننتبذ عنهم، ولا نجرّد سيفا، ولا نقاتل إلّا من قاتلنا. فاجتمع إليه أصحابه زهاء ثلاثين رجلا منهم حريث بن حجل، وكهمس بن طلق الصريمي. فلمّا مضى بأصحابه، لقيه عبداللَّه بن رياح النصارى - وكان له صديقا - فقال له: أين تريد قال: أن أهرب بديني ودين أصحابي من أحكام هؤلاء الجورة. فقال له: أعلم بكم أحد قال لا.
قال: فارجع. قال: أو تخاف عليّ مكروها قال: نعم وأن يؤتى بك. قال: فلا
ص: 147
تخف فإنّي لا اجردّ سيفا ولا أخيف أحدا، ولا أقاتل إلّا من قاتلني ثمّ مضى حتّى نزل آسك - بين رامهرمز وارّجان - فمرّ به مال يحمل لابن زياد، وقد قارب أصحابه الأربعين فحطّ ذلك المال. فأخذ منه عطاءه واعطيات أصحابه، وردّ الباقي على الرسل وقال قولوا لصاحبكم: إنّما قبضنا اعطياتنا(1).
وروي أنّ رجلا من أصحاب ابن زياد قال: خرجنا في جيش نريد خراسان. فمررنا بآسك فإذا نحن بهم ستّة وثلاثين رجلا فصاح بنا أبو بلال: أقاصدون لقتالنا.
فقلنا: إنّما نريد خراسان. فقال: أبلغوا من لقيكم أنّا لم نخرج لنفسد في الأرض، ولا نروّع أحدا ولكن هربا من الظلم، ولسنا نقاتل إلّا من يقاتلنا، ولا نأخذ من الفي ء إلّا أعطياتنا. ثم قال: أندب إلينا أحد قلنا: نعم. أسلم بن زرعة الكلابي.
قال: فمتى ترونه يصل إلينا قلنا يوم كذا وكذا. فقال: حسبنا اللَّه - وكان ابن زياد وجّه أسلم في ألفين، وقد تتامّ أصحاب مرداس - فلمّا صار إليهم أسلم، صاح به أبو بلال: ما الّذي تريد قال: أن أردّكم إلى ابن زياد. قال: إذن يقتلنا.
قال: وإن. قال: تشركه في دمائنا. قال: إنّي أدين أنّه محقّ وأنّكم مبطلون.
فصاح به حريث بن حجل، أهو محقّ وهو يطيع الفجرة، ويقتل بالظنّة، ويخص بالفي ء، ويجور بالحكم أما علمت أنّه قتل بابن سعاد أربعة برئاء وأنا أحد قتلته، ولقد وضعت في بطنه دراهم كانت معه ثمّ حملوا عليه حملة رجل واحد. فانهزم هو وأصحابه من غير قتال. فلمّا ورد علي ابن زياد غضب غضبا شديدا، وقال له: ويلك أتمضي في ألفين. فتنهزم لحملة أربعين وكان أسلم يقول: لئن يذمّني ابن
ص: 148
زياد وأنا حي أحبّ إليّ من أن يمدحني ميّتا وكان إذا خرج إلى السوق أو مرّ بصبيان صاحوا به: «أبو بلال وراءك» وربّما صاحوا به: يا معبد خذه. حتّى شكا ذلك إلى ابن زياد. فأمر الشرط أن يكفّوا الناس عنه. فقال أحد الخوارج في هزيمته:
أألفا مؤمن في ما زعمتم * ويهزمهم بآسك أربعونا
كذبتم ليس ذاك كما زعمتم * ولكنّ الخوارج مؤمنونا(1)
ثمّ ندّب لهم ابن زياد عباد بن أخضر فالتقوا في يوم جمعة - وذكر قتل عباد لهم في الصلاة بعد إعطائهم الأمان(2).
وكتب ابن زياد من الكوفة إلى عبيداللَّه بن أبي بكرة خليفته على البصرة بالجدّ في طلب الخوارج. فكان يأخذهم ويحبسهم فإذا شفع في أحد كفّله إلى أن يقدم ابن زياد. فلمّا قدم أخذ من في السجن فقتلهم وطلب الكفلاء. فمن لم يأت بمن كفل له قتله، وكان ابن أبي بكرة أتى بعروة بن ادية في من أتى به منهم فأطلقه، وقال أنا كفيلك. فقال له: إيت بعروة. قال لا أقدر عليه. قال: إذن أقتلك. فطلبه ابن أبي بكرة حتّى دلّ عليه في سرب العلاء المنقري. فقرأ عليه الكاتب في شرب العلاء، فقال للكاتب: صحّفت، وددت أنّه كان ممّن يشرب. فأتى به فأمر ابن زياد بقطع يديه ورجليه وصلبه على باب داره(3) - إلى أن قال - .
وكان زياد ولّى شيبان الأشعري طلب الخوارج فجد في طلبهم وأخافهم فأتاه ليلة - وهو متّكئ بباب داره - رجلان منهم فضرباه بأسيافهم وقتلاه ثمّ أتى زياد
ص: 149
برجل من الخوارج. فقال: اقتلوه متّكئا كما قتل شيبان متّكئا فصاح الخارجي يا عدلاه - يهزأ به -(1).
قال الشريف قوله عليه السلام : «ولا بقي منكم آبر» يروى على ثلاثة أوجه أحدها أن يكون كما ذكرناه آبر بالراء من قولهم للذي يأبر النخل أي يصلحه. ويروى آثر وهو الذي يأثر الحديث ويرويه أي يحكيه وهو أصح الوجوه عندي كأنه عليه السلام قال لا بقي منكم مخبر. ويروى آبز بالزاي المعجمة وهو الواثب والهالك أيضا يقال له آبز
وفي السير لمّا جي ء بكتاب زياد إلى معاوية في ألّا يردّ حجرا وأصحابه. قال ابن امّ الحكم لمعاوية: «جذاذها جذاذها» فقال معاوية: «لأتعّنّ آبرا» فلم يفهم أهل الشام معنى كلامهما. فأتوا النعمان بن بشير. فقال لهم: قتل القوم(2).
ص: 150
بسم الله الرحمن الرحیم
مَصَارِعُهُمْ دُونَ النُّطْفَةِ وَاللَّهِ لا يُفْلِتُ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ وَلا يَهْلِكُ مِنْكُمْ عَشَرَةٌ.
قال الشريف يعني بالنطفة ماء النهر وهي أفصح كناية عن الماء وإن كان كثيرا جما وقد أشرنا إلى ذلك فيما تقدم عند مضي ما أشبهه.
يعني بالنطفة ماء النهر وهو أفصح كناية عن الماء وإن كان كثيراً جماً.
يعني انّ النطفة تكون كناية عن الماء وإن لم يكن قليلا كما يوهمه كون أصل النطفة ماء قليلا.
قيل لعليّ عليه السلام إنّهم يريدون الجسر. فقال: «لن يبلغوا النطفة» وجعل الناس يقولون له في ذلك حتّى كادوا يشكّون. ثمّ قالوا: قد رجعوا يا أميرالمؤمنين. فقال: «واللَّه ما كذبت ولا كذبت» ثمّ خرج إليهم في أصحابه وقال: انّه واللَّه ما يقتل منكم عشرة ولا يفلت منهم عشرة فقتل من أصحابه تسعة، وأفلت منهم ثمانية - وكان مقدار من أصاب علي عليه السلام منهم بالنهروان ألفين وثماني مئة على أصحّ الأقاويل -
ص: 151
وكان عددهم ستّة آلاف، وكان منهم بالكوفة زهاء ألفين ممن يستر أمره، ولم يشهد الحرب، وإنّ رجلا منهم قتل ثلاثة من أصحابه عليه السلام وقال:
أقتلهم ولا أرى عليّا * ولو بدا أو جرته الخطيّا
فخرج إليه عليّ عليه السلام فلمّا خالطه السيف قال: حبّذا الروحة إلى الجنّة.
فقال عبداللَّه بن وهب: ما أدري إلى الجنّة أم إلى النار فقال رجل من سعد: إنّما حضرت اغترارا بهذا، وأراه قد شك. فانخزل بجماعة من أصحابه، ومال ألف إلى ناحية أبي أيوب الأنصاري - وكان على ميمنة علي عليه السلام - وجعل الناس يتسلّلون(1).
روى الخطيب - في عنوان عبداللَّه بن خباب - : قال أبو الأحوص كنّا مع عليّ عليه السلام يوم النهروان. فجاءت الحرورية فكانت من وراء النهر قال: «واللَّه لا يقتل اليوم رجل من وراء النهر» ثمّ نزلوا: فقالوا لعليّ عليه السلام قد نزلوا قال: «واللَّه لا يقتل اليوم رجل من وراء النهر»، فأعادوا عليه هذه المقالة ثلاثا كلّ ذلك يقول لهم على مثل قوله الأوّل. فقالت الحرورية بعضهم لبعض يرى على أنّا نخافه.
فأجازوا. فقال علي عليه السلام لأصحابه: «لا تحرّكوهم حتّى يحدثوا حدثا» فذهبوا إلى منزل عبداللَّه بن خباب - وكان منزله على شاطئ النهر - فأخرجوه وقدّموه إلى الماء. فذبحوه كما تذبح الشاة. فسأل دمه مثل الشراك ما امذقرّ واخرجوا امّ ولده فتشقّوا عمّا في بطنها. فاخبر علي عليه السلام بما صنعوا.
فقال علي عليه السلام: اللَّه أكبر نادوهم أخرجوا لنا قاتل عبداللَّه. قالوا: كلّنا قتله فناداهم ثلاثا، كلّ ذلك يقولون هذا القول. فقال علي عليه السلام: دونكم القوم فما لبثوا أن قتلوهم. فقال علي عليه السلام: اطلبوا في القوم رجلا يده كثدي المرأة....(2).
ص: 152
وفي (المروج): بعث الخوارج إلى عليّ عليه السلام كلّنا قتلة أصحابك، وكلّنا مستحلّ لدمائهم وأخبره الرسول - وكان من يهود السواد - أنّ القوم قد عبروا نهر طبرستان في هذا الوقت - وهذا النهر عليه قنطرة تعرف بقنطرة طبرستان بين حلوان وبغداد من بلاد خراسان.
فقال عليّ عليه السلام «واللَّه ما عبروه ولا يقطعونه حتّى نقتلهم بالرميلة دونه».
ثمّ تواترت عليه الأخبار بقطعهم لهذا النهر وعبورهم هذا الجسر وهو يأبى ذلك ويحلف أنّهم لم يعبروه وأنّ مصارعهم دونه، ثمّ قال: «سيروا إلى القوم فو اللَّه لا يفلت منهم إلّا عشرة، ولا يقتل منكم عشرة» ثمّ سارعليه السلام فأشرف عليهم وقد عسكروا بالموضع المعروف بالرميلة على ما قال لأصحابه. فلمّا أشرف عليهم قال: اللَّه أكبر صدق رسول اللَّه صلى الله عليه وآله - إلى أن قال: فأمرعليه السلام بطلب المخدج فطلبوه فلم يقدروا عليه. فقام عليه السلام وعليه أثر الحزن لفقد المخدج. فانتهى إلى قتلى بعضهم فوق بعض. فقال: أفرجوا ففرجوا يمينا وشمالا واستخرجوه. فقال عليه السلام: اللَّه أكبر ما كذبت على محمّدصلى الله عليه وآله وإنّه لناقص اليد ليس فيها عظم طرفها حلمة ثدي المرأة عليها خمس شعرات أو سبع، رؤوسها معقفة.
ثمّ قال: إيتوني به، فنظر إلى عضده فإذا لحم مجتمع على منكبه كثدي المرأة عليه شعرات سود إذا مدّت اللحمة امتدت حتّى تحاذي بطن يده الأخرى ثمّ تترك فتعود إلى منكبه. فثنى رجله ونزل وخرّ للَّه ساجدا(1).
وروى أصحاب السيرة في حديثهم عن جندب بن عبداللَّه الأزدي قال: شهدت مع عليّ عليه السلام الجمل وصفين لا أشكّ في قتال من قاتله، حتّى نزلت النهروان.
ص: 153
فدخلني شكّ في قتال القوم وقلت: قراؤنا وخيارنا نقتلهم، إنّ هذا الأمر عظيم فخرجت غدوة أمشي، ومعي إداوة ماه حتّى برزت من الصفوف. فركزت رمحي ووضعت ترسي عليه، واستترت من الشمس. فإنّي لجالس حتّى ورد عليّ أميرالمؤمنين عليه السلام. فقال لي: يا أخا الأزد أمعك طهور قلت: نعم فناولته الإداوة. فمضى حتّى لم أره ثمّ أقبل، وقد تطهر فجلس في ظلّ الترس، وإذا فارس يسأل عنه. فقلت: يا أميرالمؤمنين هذا فارس يريدك. قال: فأشر إليه، فأشرت إليه فجاء فقال: يا أميرالمؤمنين قد عبر القوم، وقد قطعوا النهر فقال: كلّا ما عبروا.
فقال: بلى واللَّه لقد فعلوا، وانّه لكذلك إذا جاء آخر فقال: يا أميرالمؤمنين قد عبر القوم. قال: كلّا ما عبروا. قال: واللَّه ما جئتك حتّى رأيت الرايات في ذلك الجانب والأثقال. قال: واللَّه ما فعلوا وإنّه لمصرعهم ومهراق دمائهم ثمّ نهض ونهضت معه.
فقلت في نفسي: الحمد للَّه الّذيى بصّرني هذا الرجل، وعرّفني أمره هذا أحد رجلين إمّا رجل كذاّب جريّ أو على بيّنة من ربّه وعهد من نبيّه، اللهمّ إنّي اعطيك عهدا تسألني عنه يوم القيامة إن أنا وجدت القوم قد عبروا أن أكون أوّل من يقاتله، وأوّل من يطعن بالرمح في عينه، وإن كان القوم لم يعبروا أن اقيم على المناجزة والقتال، فدفعنا إلى الصفوف فوجدنا الرايات والأثقال كما هي. فأخذ بقفائي ودفعني ثمّ قال: يا أخا الأزد أتبيّن لك الأمر قلت: أجل يا أميرالمؤمنين. فقال: شأنك بعدوّك. فقتلت رجلا من القوم ثمّ قتلت آخر ثمّ اختلفت أنا ورجل أضربه ويضربني. فوقعنا جميعا فاحتملني أصحابي وأفقت حين أفقت وقد فرغ من
ص: 154
القوم(1) - وهذا حديث مشهور شائع بين نقلة الآثار - وفي الخبر زيادة دلالة إخباره عليه السلام بشكّ الرجل.
روينا بإسناد متصل إلى الأصبغ بن نباتة قال لما رحل أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه من نهر براثا إلى النهروان وقد قطع جسرها وسمّرت سفنها فنزل وقد سرح الجيش إلى جسر بوران ومعه رجل من أصحابه قد شك في قتال الخوارج فإذا رجل يركض فلما رأى أميرالمؤمنين عليه السلام قال البشرى يا أميرالمؤمنين قال وما بشراك؟ قال لما بلغ الخوارج نزولك البارحة نهر براثا ولوا هاربين فقال له علي عليه السلام: أنت رأيتهم حين ولوا؟ قال: نعم؛ قال: كذبت لا واللَّه ما عبروا النهروان ولا تجازوا الأثيلات ولا النخيلات حتى يقتلهم اللَّه عزوجل على يدي؛ عهد معهود وقدر مقدور لا ينجو منهم عشرة ولا يقتل منا عشرة - الخبر -(2).
قال ابن ميثم في شرحه: في الخبر أنّه عليه السلام لمّا خرج إلى أصحاب النهر جاءه رجل من أصحابه فقال: البشرى يا أميرالمؤمنين إنّ القوم عبروا النهر لمّا بلغهم وصولك فابشر فقد منحك اللَّه اكتافهم. فقال: اللَّه أنت رأيتهم قد عبروا. فقال: نعم. فقال عليه السلام: واللَّه ما عبروه ولن يعبروه وإنّ مصارعهم دون النطفة والّذي فلق الجنّة وبرء النسمة لم يبلغوا إلّا ثلاث ولا قصر توران حتّى يقتلهم اللَّه وقد خاب من افترى. قال: ثمّ جاءه جماعة من أصحابه واحدا بعد آخر كلّهم يخبره بما أخبره الأوّل فركب عليه السلام وسار حتّى انتهى إلى النهر فوجد القوم بأسرهم قد كسروا سيوفهم وعرقبوا خيولهم وجثوا على الركب وحكموا تحكيمة واحدة بصوت عظيم له
ص: 155
زجل، وروى أنّ شابّا من أصحابه قال في نفسه حين حكم عليه السلام بما حكم من أمرهم وسار إلى النهر لبيان صدق حكمه: واللَّه لأكوننّ قريبا منه فإن كانوا عبروا النهر لأجعلنّ سنان رمحى في عينه أيدّعي علم الغيب، فلمّا وجدهم لم يعبروا نزل عن فرسه وأخبره بما روّى في نفسه، وطلب منه أن يغفر له. فقال عليه السلام: إنّ اللَّه هو الّذي يغفر الذنوب جميعا فاستغفره. فأمّا حكمه بأنّه لا يفلت منهم عشرة ولا يقتل من أصحابه عشرة. فروى أنّه قال لأبي أيّوب الأنصاري وكان على ميمنته: لما بدأت الخوارج بالقتال احملوا عليهم فواللَّه لا يفلت منهم عشرة ولا يهلك منكم عشرة فلمّا قتلهم وجد المفلت منهم تسعة والمقتول من أصحابه ثمانية(1).
وقال ابن أبي الحديد: هذا الخبر من الأخبار الّتي تكاد تكون متواترة للاشتهاره. ونقل الناس كافة له، وهو من معجزاته وأخباره المفصّلة عن الغيوب. والأخبار على قسمين أحدهما الأخبار المجملة ولا إعجاز فيها نحو أن يقول الرجل لأصحابه إنكم ستنصرون على هذه الفئة التي تلقونها غدا فإن نصر جعل ذلك حجة له عند أصحابه وسماها معجزة وإن لم ينصر قال لهم تغيرت نياتكم وشككتم في قولي فمنعكم اللَّه نصره ونحو ذلك من القول ولأنه قد جرت العادة أن الملوك والرؤساء يعدون أصحابهم بالظفر والنصر ويمنونهم الدول فلا يدل وقوع ما يقع من ذلك على إخبار عن غيب يتضمن إعجاز.
والقسم الثاني في الأخبار المفصّلة عن الغيوب مثل هذا الخبر فإنّه لا يحتمل التلبيس لتقييده بالعدد المعين في أصحابه، وفي الخوارج، ووقوع الأمر بعد الحرب بموجبه من غير زيادة ولا نقصان، وذلك أمر إلهي عرفه من جهة النبيّ صلى الله عليه وآله،
ص: 156
وعرفه النبيّ صلى الله عليه وآله من جهة اللَّه سبحانه، والقوّة البشرية تقصر عن إدراك مثل هذا، ولقد كان له من هذا الباب ما لم يكن لغيره، وبمقتضى ما شاهد الناس من معجزاته وأحواله المنافية لقوى البشر غلا فيه من غلا حتّى نسب إلى أنّ الجوهر الإلهي حلّ في بدنه كما قالت النصارى في عيسى عليه السلام.
وقد أخبره النبيّ صلى الله عليه وآله بذلك فقال له: «يهلك فيك محبّ غال ومبغض قال» وقال له تارة أخرى: «والّذي نفسي بيده لولا أنّي أشفق أن يقول فيك طوائف من امّتي ما قالت النصارى في ابن مريم لقلت اليوم فيك مقالا لا تمرّ بملأ من الناس إلّا أخذوا التراب من تحت قدميك للبركة(1). ويأتي كلام في معنى الغلو والتفويض.
قال الشارح: ولمعترض أن يقول قد يقع الاخبار عن الغيوب من طريق النجوم.
فإنّ المنجّمين قد اتّفقوا على أنّ شكلا من أشكال الطائع إذا وقع لمولود اقتضى أن يكون صاحبه متمكّنا من الإخبار عن الغيوب، وقد يقع الإخبار عن الغيوب لأصحاب زجر الطير والبهائم كما يحكي عن بني لهب في الجاهلية(2).
وقد يقع الأخبار عن الغيوب للقيافة كما يحكي عن بني مدلج(3) أو قد يخبر به
ص: 157
أرباب التسخيرات، وأرباب السحر والطلسمات. وقد يقع الإخبار عن الغيوب لأرباب النفس الناطقة القوية الصافية الّتي تتّصل مادّتها الروحانية على ما تقوله الفلاسفة. وقد يقع الإخبار عن الغيوب بطريق المنامات الصادقة على ما رآه أكثر الناس، وقد وردت الشريعة نصّا به.
قال: وقد يقع الإخبار عن الغيوب بأمر صناعي يشبه الطبيعي كما رأيناه عن أبي البيان وابنه، وقد يقع الإخبار عن الغيوب بواسطة إعلام ذلك إنسانا آخر، لنفسه بنفس ذلك المخبر اتحادا أو كالاتحاد، وذلك كما يحكي أبو البركات بن ملكا الطبيب في كتاب المعتبر(1)، قال: والمرأة العمياء الّتي رأيناها ببغداد وتكررت مشاهدتنا لها مدّة مديدة قدرها ما يقارب ثلاثين سنة وهي على ذلك إلى الآن تعرض عليها الخبايا. فتدلّ عليها بأنواعها وأشكالها ومقاديرها وأعدادها غريبها ومألوفها، دقيقها وجليلها، تجيب على أثر السؤال من غير توقف ولا استعانة بشي ء من الأشياء إلّا أنّها كانت تلتمس أن يرى الّذي يسأل عنه أبوها أو يسمعه في بعض الأوقات دون بعض، وعند قوم دون قوم. فيتصوّر في أمرها أنّ الّذي تقوله بإشارة من أبيها. وكان الّذي تقوله يبلغ من الكثرة إلى ما يزيد على عشرين كلمة إذا قيل بصريح الكلام الّذي هو الطريق الأخصر وإنّما كان أبوها يقول إذا رأى ما يراه من أشياء كثيرة مختلفة الأنواع والأشكال في مدّة كلمة واحدة واقصاه كلمتان، وهي الّتي يكرّرها في كلّ قول، ومع كلّ ما يسمع ويرى «سلها وسلها تخيرك» أو «قولي له» أو «قولي يا صغيرة».
ص: 158
قال أبوالبركات: ولقد عاندته يوما وحاققته في أن لا يتكلّم وأريته عدّة أشياء. فقال: لفظة واحدة فقلت له: «الشرط أملك»(1) فاغتاظ واحتدّ طيشه عن أن يملك نفسه. فباح بخبيئته. قال: ومثلك يظنّ أشرت إلى هذا كله بهذه اللفظة فاسمع الآن ثمّ التفت إليها وأخذ يشير باصبعه إلى شي ء وهو يقول تلك الكلمة وهي تقول: «هذا كذا وهذا كذا» على الاتّصال من غير توقف وهو يقول تلك الكلمة لا زيادة عليها، وهي لفظة واحدة بلحن واحد، وهيئة واحدة حتّى ضجرنا، واشتدّ تعجّبنا، ورأينا أنّ هذه الاشارة لو كانت تتضمّن هذه الأشياء لكانت أعجب من كلّ ما تقوله العمياء.
ومن عجيب ما شاهدناه من أمرها أنّ أباها كان يغلط في شي ء يعتقده على خلاف ما هو به. فتخبر هي عنه على معتقد أبيها كأنّ نفسها هي نفسه، ورأيناها تقول ما لم يعلم أبوها من خبيئة في الخبيئة الّتي اطلع عليها أبوها، فكانت تطّلع على ما قد علمه أبوها، وعلى ما لا يعلمه أبوها، وهذا أعجب، وحكاياتها أكثر من أن تعدّ، وعند كلّ أحد من الناس من حديثها ما ليس عند الآخر، لأنّها كانت تقول من ذلك على الاتّصال لشخص شخص جوابا بحسب السؤال، وما زلت أقول: إنّ من يأتي بعدنا لا يصدّق ما رأيناه منها. فان قلت لي: اريد أن تفيدني العلّة في معرفة هذه. فقلت لك: العلّة الّتي تصلح في جواب لم في نسبة المحمول إلى الموضوع تكون الحدّ الأوسط في القياس، وهذه فالعلّة الفاعلة الموجبة لذلك فيها هي نفسها بقوّتها وخاصتها. فما الّذي أقوله في هذا وهل لي أن أجعل ما ليس بعلّة
ص: 159
علّة قال ابن أبي الحديد: واعلم أنّنا لا ننكر أن يكون في نوع البشر أشخاص يخبرون عن الغيوب، ولكن كلّ ذلك مستند إلى الباري سبحانه بإقداره، وتمكينه، وتهيئة أسبابه. فإن كان المخبر عن الغيوب ممّن يدّعى النبوّة لم يجز أن يكون ذلك إلّا بإذن اللَّه، وأن يريد تعالى به استدلال المكلّفين على صدق مدّعي النبوّة لأنّه لو كان كاذبا لكان تمكين اللَّه تعالى ذلك إضلالا للمكلّفين، وكذلك لا يجوز أن يمكّن اللَّه سبحانه الكاذب في ادّعاه النبوّة من الإخبار عن الغيب بطريق السحر وتسخير الكواكب والطلسمات، ولا بالزجر والقيافة، ولا بغير ذلك من الطرق المذكورة، لما فيه من استفساد البشر وإغوائهم، وأمّا إذا لم يكن المخبر عن الغيوب مدّعيا للنبوّة، نظر في حاله فإن كان من الصالحين نسب ذلك إلى أنّه كرامة أظهرها اللَّه تعالى على يده إبانة له وتمييزا من غيره كما في حق علي عليه السلام، وإن لم يكن كذلك، أمكن أن يكون ساحرا أو كاهنا أو نحو ذلك(1).
اعلم ان ما ذكره الشارح المعتزلي أخيرا مغالطة. فكما كان إخبار النبيّ صلى الله عليه وآله عن الغيوب تصديق نبوّته، كذلك إخبار أميرالمؤمنين عليه السلام عن الغيوب تصديق إمامته من اللَّه تعالى بواسطة النبيّ صلى الله عليه وآله. لأنه كان مدّعيا ذلك بالتواتر، وكونه تصديقا له من فطريات العقول وضرورياتها
قال ابن أبي الحديد: أول من جهر بالغلو في أيامه عليه السلام عبداللَّه بن سبأ(2) قام إليه
ص: 160
وهوعليه السلام يخطب فقال له أنت أنت وجعل يكررها فقال له ويلك من أنا فقال أنت اللَّه فأمر بأخذه وأخذ قوم كانوا معه على رأيه.
وروى أبو العباس أحمد بن عبيداللَّه عن عمار الثقفي عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي عن أبيه وعن غيره من مشيخته أن علياعليه السلام قال يهلك في رجلان محب مطر يضعني غير موضعي ويمدحني بما ليس في ومبغض مفتر يرميني بما أنا منه بري ء. وقال أبوالعباس وهذا تأويل الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وآله فيه وهو قوله إن فيك مثلا من عيسى بن مريم أحبته النصارى فرفعته فوق قدره وأبغضته اليهود حتى بهتت أمه.
قال أبوالعباس وقد كان علي عثر على قوم خرجوا من محبته باستحواذ الشيطان عليهم إلى أن كفروا بربّهم وجحدوا ما جاء به نبيهم واتخذوه ربا وإلها وقالوا أنت خالقنا ورازقنا فاستتابهم وتوعدهم فأقاموا على قولهم فحفر لهم حفرا دخن عليهم فيها طمعا في رجوعهم فأبوا فحرقهم بالنار(1).
قال ابن أبي الحديد: وروى أصحابنا في كتب المقالات أنه لما حرقهم صاحوا إليه الآن ظهر لنا ظهورا بينا أنك أنت الإله لأن ابن عمك الذي أرسلته قال لا يعذب بالنار إلّا رب النار.
وروى أبو العباس عن محمد بن سليمان بن حبيب المصيصي(2) عن علي بن
ص: 161
محمد النوفلي عن أبيه ومشيخته أن عليا مر بهم وهم يأكلون في شهر رمضان نهارا فقال أسفر أم مرضى قالوا ولا واحدة منهما قال أفمن أهل الكتاب أنتم قالوا لا قال فما بال الأكل في شهر رمضان نهارا قالوا أنت أنت لم يزيدوه على ذلك ففهم مرادهم فنزل عن فرسه فألصق خده بالتراب ثم قال ويلكم إنما أنا عبد من عبيداللَّه فاتقوا اللَّه وارجعوا إلى الإسلام فأبوا فدعاهم مرارا فأقاموا على أمرهم فنهض عنهم ثم قال شدوهم وثاقا وعلي بالفعلة والنار والحطب ثم أمر بحفر بئرين فحفرتا فجعل إحداهما سربا(1) والأخرى مكشوفة وألقى الحطب في المشكوفة وفتح بينهما فتحا وألقى النار في الحطب فدخن عليهم وجعل يهتف بهم ويناشدهم ارجعوا إلى الإسلام فأبوا فأمر بالحطب والنار وألقى عليهم فاحترقوا فقال الشاعر:
لترم بي المنية حيث شاءت * إذا لم ترم بي في الحفرتين
إذا ما حشتا حطبا بنار(2) * فذاك الموت نقدا غير دين
قال أبو العباس ثم إن جماعة من أصحاب علي منهم عبداللَّه بن عباس شفعوا في عبداللَّه بن سبأ خاصة وقالوا يا أميرالمؤمنين إنه قد تاب فاعف عنه فأطلقه بعد أن اشترط عليه ألا يقيم بالكوفة فقال أين أذهب؟ قال المدائن فنفاه إلى المدائن؛ فلما قتل أميرالمؤمنين عليه السلام أظهر مقالته وصارت له طائفة وفرقة يصدقونه ويتبعونه وقال لما بلغه قتل علي عليه السلام واللَّه لو جئتمونا بدماغه في سبعين صرة لعلمنا أنه لم يمت ولا يموت حتى يسوق العرب بعصاه فلما بلغ ابن عباس ذلك قال: لو علمنا أنه يرجع لما تزوجنا نساءه ولا قسمنا ميراثه.
ص: 162
قال أصحاب المقالات واجتمع إلى عبداللَّه بن سبأ بالمدائن جماعة على هذا القول وتفاقم أمرهم وصار لهم دعوة يدعون إليها وشبهة يرجعون إليها وهي ما ظهر وشاع بين الناس من إخباره بالمغيبات حالا بعد حال؛ فقالوا: إن ذلك لا يمكن أن يكون إلّا من اللَّه تعالى أو ممن حلت ذات الإله في جسده ولعمري إنه لا يقدر على ذلك إلّا بإقدار اللَّه تعالى إياه عليه ولكن لا يلزم من إقداره إياه عليه أن يكون هو الإله أو تكون ذات الإله حالة فيه(1).
قال الصدوق في اعتقاداته: اعتقادنا في الغلاة والمفوضة أنهم كفار باللَّه جل جلاله وأنهم شر من اليهود والنصارى والمجوس والقدرية والحرورية ومن جميع أهل البدع والأهواء المضلة، وأنه ما صغر اللَّه جل جلاله تصغيرهم شي ء وقال اللَّه جل جلاله:
«مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ»(2) وقال اللَّه عزوجل: «لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ»(3) واعتقادنا في النبي والأئمة أن بعضهم قتلوا بالسيف وبعضهم بالسم وأن ذلك جرى عليهم على الحقيقة وأنه ما شبه أمرهم كما يزعمه من يتجاوز الحد فيهم «إلى أن قال» وكان الرضاعليه السلام يقول في دعائه:
اللهمّ إني أبرئ اليك من الحول والقوة، ولا حول ولا قوة إلّا بك، اللهم إني أعوذ
ص: 163
بك وأبرء إليك من الذين ادعوا لنا ما ليس لنا بحق، اللهم إني أبرء إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا، اللهم لك الحق ومنك الرزق وإياك نعبد وإياك نستعين، اللهم أنت خالقنا وخالق آبائنا الأولين وآبائنا الآخرين، اللهم لا تليق الربوبية إلّا بك، ولا تصلح الالهية إلّا لك، فالعن النصارى الذين صغروا عظمتك، والعن المضاهئين لقولهم من بريتك.
اللهم إنا عبيدك وأبناء عبيدك، لا نملك لأنفسنا نفعا ولا ضرا، ولا موتا، ولا حياة، ولا نشوراً، اللهم من زعم أننا أرباب فنحن منه براء، ومن زعم أن إلينا الخلق وعلينا الرزق، فنحن منه براء كبراءة عيسى بن مريم من النصارى، اللهم إنا لم ندعهم إلى ما يزعمون، فلا تؤاخذنا بما يقولون، واغفر لنا ما يدعون، «رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا»(1).(2)
وروى عن زرارة أنه قال: قلت للصادق عليه السلام إن رجلا من ولد عبداللَّه بن سبا يقول بالتفويض، فقال: وما التفويض؟ قلت: يقول إن اللَّه خلق محمدا وعليا صلوات اللَّه عليهما ففوض الأمر إليهما فخلقا ورزقا وأماتا وأحييا، فقال: كذب عدو اللَّه إذا انصرفت إليه فاتل عليه هذه الآية التي في سورة الرعد «أَمْ جَعَلُوا للَّهِ ِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْ ءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ»(3).
ص: 164
فانصرفت إلى الرجل فأخبرته بما قال الصادق عليه السلام فكأني ألقمته حجرا أو قال فكانما خرس وقد فوض اللَّه عزوجل إلى نبيه أمر دينه فقال عزوجل: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»(1) وقد فوض ذلك إلى الأئمةعليهم السلام(2).
وعن المفيد في شرح هذا الكلام: الغلو في اللغة هو تجاوز الحد والخروج عن القصد قال اللَّه تعالى: «يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ»(3) الآية فنهي عن تجاوز الحد في المسيح وحذر من الخروج عن القصد في القول وجعل ما ادعته النصارى فيه غلوا لتعدية الحد على ما بيناه، والغلاة من المتظاهرين بالاسلام هم الذين نسبوا أميرالمؤمنين والأئمة من ذريته عليهم السلام إلى الالهية والنبوة، ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا إلى ما تجاوزوا فيه الحد، وخرجوا عن القصد وهم ضلال كفار حكم فيهم أميرالمؤمنين بالقتل والتحريق بالنار وقضت الأئمةعليهم السلام عليهم بالاكفار والخروج عن الاسلام(4).
والمفوضة صنف من الغلاة وقولهم الذي فارقوا به من سواهم من الغلاة اعترافهم بحدوث الأئمة وخلقهم، ونفى القدم عنهم وإضافة الخلق والرزق مع ذلك إليهم، ودعواهم أن اللَّه تفرد بخلقهم خاصة وأنه فوض إليهم خلق العالم بما فيه وجميع الأفعال انتهى كلامه رفع مقامه(5).
وقال المحدّث العلامة المجلسي طاب ثراه: اعلم أن الغلو في النبي والائمة
ص: 165
عليهم الصلاة والسلام إنما يكون بالقول بالوهيتهم، أو بكونهم شركاء اللَّه تعالى في المعبودية أو في الخلق والرزق. أو أن اللَّه تعالى، حل فيهم، أو اتحد بهم، أو أنهم يعلمون الغيب بغير وحى أو إلهام من اللَّه تعالى، أو بالقول في الأئمه أنهم كانوا أنبيأ أو القول بتناسخ أرواح بعضهم إلى بعض، أو القول بأن معرفتهم تغني عن جميع الطاعات ولا تكليف معها بترك المعاصي، والقول بكل منها الحاد وكفر وخروج عن الدين كما دلت عليه الأدلة العقلية والآيات والأخبار وقد عرفت أن الائمةعليهم السلام تبرؤوا منهم وحكموا بكفرهم وأمروا بقتلهم وإن قرع سمعك شي ء عن الأخبار الموهمة لشي ء من ذلك فهي إما مأولة أو هي من مفتريات الغلاة، ولكن أفرط بعض المتكلمين والمحدثين في الغلو لقصورهم عن معرفة الأئمةعليهم السلام وعجزهم عن إدراك غرائب أحوالهم وعجائب شئوناتهم فقدحوا في كثير من الروات الثقاة لنقلهم بعض غرائب المعجزات حتى قال بعضهم من الغلو نفى السهو عنهم أو القول بأنهم يعلمون ما كان وما يكون وغير ذلك؛
مع أنه قد ورد في أخبار كثيرة: لا تقولوا فينا ربا وقولوا ما شئتم ولن تبلغوا وورد أن أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن امتحن اللَّه قلبه للايمان، وورد لو علم أبوذر ما في قلب سلمان لقتله وغير ذلك فلابد للمؤمن المتدين أن لا يبادر برد ما ورد عنهم من فضايلهم ومعجزاتهم ومعالي أمورهم إلّا إذا ثبت خلافه بضرورة الدين أو بقواطع البراهين أو بالآيات المحكمة أو بالأخبار المتواترة، انتهى كلامه رفع مقامه(1).
وهو كاف في تحقيق المقام وتوضيح المرام وما ذكره رحمه الله هي الجادة الوسطى
ص: 166
والنمط الأوسط والصراط المستقيم الذي ينبغي سلوكه والمذهب الحق الواجب أخذه ولزومه، فالراغب عنه مارق واللازم له لاحق والمقصر فيه زاهق.
قال الخوئي رحمه الله: إن التفويض عبارة عن تسليم الأمر إلى الخلق ورده إليه، وهو على وجهين:
أحدهما تفويض أمور الخلق إلى أنفسهم، وهو الذي قال به القدرية ويقال لها المفوضة أيضاً ومحصل ما ذهبوا إليه أن اللَّه أوجد العباد وأقدرهم على أفعالهم وفوض إليهم الاختيار فهم مستقلون بايجادها على وفق مشيتهم وارادتهم وطبق قدرتهم من دون أن يكون له سبحانه تأثير فيها بوجه من الوجوه، وبإزاء هؤلاء الجماعة جماعة أخرى ذهبت إلى أن لا مؤثر في الوجود إلّا اللَّه فيفعل ما يشأ ويحكم ما يريد لا علة لفعله ولا راد لقضائه وهذان الفريقان واقعان في طرفي التضاد، أحدهما يسمى بالقدرية والآخر بالجبرية، وزعم الفرقة الأولى أن بالقول بالتفويض يظهر فايدة التكليف بالأمر والنهي والوعد والوعيد، وبه يحصل استحقاق الثواب والعقاب، وبه ينزه اللَّه سبحانه عن ايجاد الشرور والقبايح التي هي أنواع الكفر والمعاصي، وزعم الفرقة الاخرى أن بالقول بالجبر يحصل سلطنة مالك الملوك في ملكوته وملكه وأن فيه تعظيما لقدرة اللَّه تعالى وتقديسا له عن شوائب النقصان والافتقار في التأثير إلى شي ء آخر وأنت خبير بأن القول الأول مستلزم للشرك، والثاني مستلزم للكفر، وقد ورد في الأخبار الكثيرة المنع منهما والرد عليهما صريحا بقولهم: لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين، وتحقيق
ص: 167
الأمر بين الأمرين وتوضيح الرد على الفريقين موكول إلى محله.
الوجه الثاني تفويض أمور الخلق إلى النبي والأئمة الطاهرين سلام اللَّه عليهم وردها إلى اختيارهم وهو يتصور على أنحاء بعضها صحيح وبعضها باطل.
الأول: التفويض في الخلق والايجاد والتربية والرزق والاماتة والاحياء وغيرها من الأفعال وهذا كفر صريح دلت الادلة على امتناعه ويدل عليه ما عن الرضاعليه السلام أنه قال: من زعم أن اللَّه يفعل أفعالنا ثم يعذبنا عليها فقد قال بالجبر ومن زعم أن اللَّه عزوجل فوض أمر الخلق والرزق إلى حججه عليه السلام فقد قال بالتفويض والقائل بالجبر كافر والقائل بالتفويض مشرك(1).
وفيه أيضاً عن أبي هاشم الجعفري قال: سألت أباالحسن الرضاعليه السلام عن الغلاة والمفوضة فقال: الغلاة كفار والمفوضة مشركون من جالسهم أو خالطهم أو واكلهم أو شاربهم أو واصلهم أو زوجهم أو تزوج إليهم أو امنهم أو ائتمنهم على أمانة أو صدق حديثهم أو أعانهم بشطر كلمة، خرج من ولاية اللَّه عزوجل وولاية رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وولايتنا أهل البيت(2).
عن عبداللَّه بن شريك عن أبيه، قال، بينا علي عليه السلام عند امرأة من عنزة وهي أم عمرو إذ أتاه قنبر، فقال، إن عشرة نفر بالباب يزعمون أنك ربهم، قال أدخلهم! قال، فدخلوا عليه، فقال: ما تقولون فقالوا إنك ربنا وأنت الذي خلقتنا وأنت الذي ترزقنا، فقال لهم: ويلكم لا تفعلوا إنما أنا مخلوق مثلكم، فأبوا أن يقلعوا (ان يفعلوا خ ل) فقال لهم ويلكم ربي وربكم اللَّه ويلكم توبوا وارجعوا، فقالوا لا ترجع عن
ص: 168
مقالتنا أنت ربنا وترزقنا وانت خلقتنا، فقال: يا قنبر آتني بالفعلة، فخرج قنبر فأتاه بعشرة رجال مع الزبل والمرور(1) فأمرهم أن يحفروا لهم في الأرض، فلما حفروا خدا أمر بالحطب والنار فطرح فيه حتى صار نارا تتوقد قال لهم ويلكم توبوا وارجعوا فأبوا وقالوا لا نرجع، فقذف علي عليه السلام بعضهم ثم قذف بقيتهم في النار، ثم قال علي عليه السلام:
إني إذا أبصرت شيئا منكرا
أوقدت ناري (نارا خ ل) ودعوت قنبرا(2)
وفي بعض الروايات بعد هذا البيت هكذا:
ثم احتفرت حفرا فحفرا * وقنبر يحطم حطما منكرا(3)
عن محمد بن علي ما جيلويه عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن ياسر الخادم قال: قلت للرضاعليه السلام ما تقول في التفويض؟ فقال إن اللَّه تبارك وتعالى فوض إلى نبيه صلى الله عليه وآله أمر دينه فقال: «مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»(4) فأما الخلق والرزق فلا، ثم قال عليه السلام إن اللَّه عزوجل يقول: «اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْ ءٍ»(5) وهو يقول: «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْ ءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ»(6).(7)
ص: 169
عن أبي الحسن علي بن أحمد الدلال القمي قال: اختلف جماعة من الشيعة في أن اللَّه عزوجل فوض إلى الأئمةعليهم السلام أن يخلقوا ويرزقوا فقال قوم: هذا محال لا يجوز على اللَّه عزوجل لأن الأجسام لا يقدر على خلقها غير اللَّه عزوجل وقال آخرون: بل اللَّه عزوجل أقدر الائمة على ذلك وفوض إليهم فخلقوا ورزقوا وتنازعوا في ذلك نزاعا شديدا فقال قائل: ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمد بن عثمان فتسألونه عن ذلك ليوضح لكم الحق فيه فإنه الطريق إلى صاحب الأمر؛ فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلمت وأجابت إلى قوله فكتبوا المسألة وأنفذوها إليه؛ فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته: إن اللَّه تعالى هو الذي خلق الأجسام وقسم الأرزاق لأنه ليس بجسم ولا حال في جسم ليس «كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»(1) فأما الأئمةعليهم السلام فإنهم يسألون اللَّه تعالى فيخلق ويسأله [يسألونه] فيرزق إيجابا لمسألتهم وإعظاما لحقهم(2).
إلى غير هذه من الأخبار الواردة في رد هذه المقاله الفاسدة وطعن القائلين به.
التفويض في أمر الدين في الجملة
والتفويض بذلك المعنى حق ثابت بالأخبار المستفيضة
فمما يدل على ذلك رواية ياسر الخادم التي أسلفناها وما روى عن فضيل بن يسار قال: سمعت أباعبداللَّه عليه السلام يقول لبعض أصحاب قيس الماصر: إن اللَّه
ص: 170
عزوجل أدب نبيه فأحسن أدبه فلما أكمل لك الأدب قال: «إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ»(1) ثم فوض إليه أمر الدين والأمة ليسوس عباده فقال عزوجل: «مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»(2) وفي إن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كان مسددا موفقا مؤيدا بروح القدس لا يزل ولا يخطئ في شي ء مما يسوس به الخلق فتأدب بأداب اللَّه ثم إن اللَّه عزوجل فرض الصلاة ركعتين ركعتين عشر ركعات فأضاف رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إلى الركعتين ركعتين وإلى المغرب ركعة فصارت عديل الفريضة - لا يجوز تركهن إلّا في سفر وأفرد الركعة في المغرب فتركها قائمة في السفر والحضر فأجاز اللَّه عزوجل له ذلك كله فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة ثم سن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله النوافل أربعا وثلاثين ركعة مثلي الفريضة فأجاز اللَّه عزّ وجلّ له ذلك والفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة، منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعد بركعة مكان الوتر وفرض اللَّه في السنة صوم شهر رمضان وسن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله صوم شعبان وثلاثة أيام في كل شهر مثلي الفريضة فأجاز اللَّه عزوجل له ذلك وحرم اللَّه عزوجل الخمر بعينها وحرم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله المسكر من كل شراب فأجاز اللَّه له ذلك كله وعاف رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أشياء وكرهها ولم ينه عنها نهي حرام إنما نهى عنها نهي إعافة وكراهة ثم رخص فيها فصار الأخذ برخصة واجبا على العباد كوجوب ما يأخذون بنهيه وعزائمه ولم يرخص لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فيما نهاهم عنه نهي حرام ولا فيما أمر به أمر فرض لازم فكثير المسكر من الأشربة نهاهم عنه نهي حرام لم يرخص فيه لأحد ولم يرخص رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لأحد تقصير الركعتين اللتين ضمهما إلى ما فرض اللَّه عزوجل بل ألزمهم ذلك إلزاما واجبا لم يرخص لأحد في
ص: 171
شي ء من ذلك إلّا للمسافر وليس لأحد أن يرخص شيئا ما لم يرخصه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فوافق أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أمر اللَّه عزوجل ونهيه نهي اللَّه عزوجل ووجب على العباد التسليم له كالتسليم للَّه تبارك وتعالى(1)
وفيه أيضاً عن عبداللَّه بن سليمان العامري عن أبي جعفرعليه السلام قال: لما عرج برسول اللَّه صلى الله عليه وآله نزل بالصلاة عشر ركعات ركعتين ركعتين، فلما ولد الحسن والحسين زاد رسول اللَّه سبع ركعات شكرا للَّه(2) فأجاز اللَّه له ذلك وترك الفجر لم يزد فيها لضيق وقتها، لأنه يحضرها ملائكة الليل وملائكة النهار، فلما أمره اللَّه تعالى بالتقصير في السفر وضع عن امته ست ركعات وترك المغرب لم ينقص منها شيئا(3).
وعن جابر بن يزيد قال تلوت على أبي جفعرعليه السلام هذه الآية من قول اللَّه: «ليس لك من الأمر شي ء»(4) فقال إن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حرص أن يكون عليٌّ وليَّ الأمر من بعده فذلك الذي عني اللَّه «ليس لك من الأمر شي ء»(5) وكيف لا يكون له من الأمر شي ء وقد فرض اللَّه إليه فقال: ما أحل النبي فهو حلال وما حرم النبي فهو حرام(6).
ص: 172
وعن محمد بن الحسن الميثمي عن أبيه عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سمعته يقول: إنّ اللَّه أدب رسوله حتى قومه على ما أراد ثم فوض إليه فقال: «مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»(1) فما فوض اللَّه إلى رسوله فقد فوض إلينا(2).
وعن أديم بن الحسن [الحر] قال أديم سأله موسى بن أشيم يعني أباعبداللَّه عليه السلام عن آية من كتاب اللَّه فخبره بها فلم يبرح حتى دخل رجل فسأله عن تلك الآية بعينها فأخبره بخلاف ما أخبره قال ابن أشيم فدخلني من ذلك ما شاء اللَّه حتى كنت كاد قلبي يشرح بالسكاكين وقلت تركت أبا قتادة بالشام لا يخطي في الحرف الواحد الواو وشبهها وجئت إلى من يخطي هذا الخطاء كله فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه رجل آخر فسأله عن تلك الآية بعينها فأخبره بخلاف ما أخبرني والذي سأله بعدي فتجلى عني وعلمت أن ذلك تعمد منه فحدثت بشي ء في نفسي فالتفت إلى أبو عبداللَّه عليه السلام فقال يا ابن أشيم لا تفعل كذا وكذا فحدثني عن الأمر الذي حدثت به نفسي ثم قال يا ابن أشيم إن اللَّه فوض إلى سليمان بن داوودعليه السلام فقال «هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ»(3) وفوض إلى نبيه فقال: «مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»(4) فما فوض إلى نبيه فقد فوض إلينا(5).
ص: 173
تفويض أمور الخلق إليهم من سياستهم وتأديبهم وتكميلهم وتعليمهم وأمر الخلق بإطاعتهم فيما أحبوا وكرهوا وفيما علموا جهة المصلحة فيه وما لم يعلموا وهو المراد بهذا الخبر، وهذا المعنى حق دلت عليه الآيات والأخبار وأدلة العقل(1).
اما الآيات:
قال تعالى: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(2).
وقال تعالى: «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ»(3).
واما الأخبار:
عن أبي إسحاق النحوي قال دخلت على أبي عبداللَّه عليه السلام فسمعته يقول إن اللَّه عزوجل أدب نبيه على محبته(4) فقال: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ»(5) ثم فوض إليه فقال عزوجل: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»(6) وقال عزوجل: «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ»(7) قال ثم قال وإن نبي اللَّه فوض إلى علي وائتمنه فسلمتم وجحد الناس فو اللَّه لنحبكم أن تقولوا إذا قلنا وأن تصمتوا إذا صمتنا ونحن فيما بينكم وبين اللَّه عزوجل ما جعل اللَّه لأحد خيرا في خلاف أمرنا(8).
ص: 174
وعن زرارة قال سمعت أبا جعفر وأبا عبداللَّه عليه السلام يقولان: إن اللَّه فوض إلى نبيه أمر خلقه لينظر كيف طاعتهم ثم تلا هذه الآية «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»(1).(2)
وعن زرارة أيضاً عن أبي جعفرعليه السلام قال: وضع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله دية العين ودية النفس ودية الأنف، وحرم النبيذ وكل مسكر فقال له رجل: فوضع هذا رسول اللَّه من غير أن يكون جاء فيه شي ء؟ قال: نعم ليعلم من يطع الرسول ممن يعصيه(3).
تفويض بيان العلوم والأحكام إليهم بما أرادوا ورأوا المصلحة فيها بسبب اختلاف عقولهم وإفهامهم، أو بسبب التقية فيفتون بعض الناس بالأحكام الواقعية، وبعضهم بالتقية، ويسكنون عن جواب بعضهم للمصلحة، ويجيبون في تفسير الآيات وتأويلها وبيان الحكم والمعارف بحسب ما يحتمله عقل كل سائل، ولهم أن يجيبوا ولهم أن يسكتوا بحسب ما يريهم اللَّه من مصالح الوقت(4).
ويشهد بذلك رواية ابن أشيم السالفة:
وما روى عن الوشا عن الرضاعليه السلام قال: قلت له: حقا علينا أن نسألكم قال: نعم، قلت: حقا عليكم أن تجيبونا، قال: لا(5) ذاك إلينا إن شئنا فعلنا وان شئنا لم نفعل أما
ص: 175
تسمع قول اللَّه: هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب(1)،(2).
وعن زرارة بن أعين عن أبي جعفرعليه السلام قال سألته عن مسألة فأجابني ثم جاءه رجل آخر فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني ثم جاء آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي فلما خرج الرجلان قلت له: يابن رسول اللَّه رجلان من أهل العراق من شيعتكم قَدِما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه، فقال: يا زرارة إن هذا خير لنا ولكم وأبقى لنا ولكم ولو اجتمعتم على أمر واحد لما صدقكم الناس علينا ولكان أقل لبقائنا ولبقائكم(3).
وعن حماد بن عثمان قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام إن الأحاديث تختلف عنكم قال فقال إن القرآن نزل على سبعة أحرف وأدنى ما للإمام أن يفتي على سبعة وجوه ثم قال هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب(4)،(5).
وعن منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام ما بالي أسألك عن المسألة فتجيبني فيها بالجواب ثم يجيئك غيري فتجيبه فيها بجواب آخر فقال إنا نجيب الناس على الزيادة والنقصان(6).
قال العلامة المجلسي: ولعل تخصيص هذا النحو من التفويض بالنبي والأئمه عليهم السلام لعدم تيسر هذه التوسعة لساير الأنبياء والأوصياءعليهم السلام، بل كانوا مكلفين بعدم التقية في بعض الموارد وإن أصابهم الضرر(7).
ص: 176
التفويض في قطع الخصومات ومقام القضاء، فلهم أن يحكموا بظاهر الشريعة ولهم أن يحكموا بعلمهم وبما يلهمهم اللَّه من الواقع ومخ الحق في كل واقعة(1).
ويدل عليه ما رواه محمد بن سنان قال: قال أبوعبداللَّه عليه السلام لا واللَّه ما فوض اللَّه إلى أحد من خلقه إلّا إلى الرسول وإلى الأئمة عليه وعليهم السلام فقال: «إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ»(2) وهي جارية في الأوصياء(3) فان الظاهر أن المراد بالارائة هو الالهام وما يلقى في القلب فتدل على التفويض بالمعنى المذكور.
التفويض في العطاء والمنع، فان اللَّه تعالى خلق لهم الأرض وما فيها وجعل لهم الأنفال والخمس والصفايا فلهم أن يعطوا من شاءوا وأن يمنعوا من شاءوا(4).
ويدل عليه ما روى عن محمد بن خالد الطيالسي عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن رفيد مولى ابن هبيرة قال: قال أبوعبداللَّه عليه السلام إذا رأيت القائم اعطي رجلا مأئة ألف وأعطى آخر درهما فلا يكبر في صدرك، وفي رواية أخرى فلا يكبر ذلك في صدرك فان الأمر مفوض إليه(5) وفي هذا المعنى أخبار كثيرة
ص: 177
أوردها الأصحاب بعضها في أبواب الخمس وبعضها في أبواب الجهاد(1).
قد عرفت من رواية المسعودي أنّه يقال لجسر النهروان(2) قنطرة طبرستان.
اي محل هلاكتهم.
الجزيرة(1) وواحد إلى تل مورون باليمن(2)،(3).
قد عرفت من رواية ابن ميثم أنّ المخاطب له بذلك أبو أيوب الأنصاري الّذي كان على ميمنته عليه السلام، ثمّ قد عرفت من رواية المبرّد أنّ المفلت من الخوارج ثمانية، والمقتول من أصحابه عليه السلام تسعة وابن ميثم قال بالعكس.
وروى الطبري عن أبي مخنف أنّ المقتول من أصحابه عليه السلام سبعة(4)، وبه قال سبط ابن الجوزي(5) والجزري، وزاد الأخير وكان في من قتل من أصحابه عليه السلام يزيد بن نويرة الأنصاري وله صحبة وسابقة، وشهد له النبيّ صلى الله عليه وآله بالجنّة وكان أوّل من قتل(6).
وفي (تاريخ الطبري): كان أحد الثمانية الّذين هربوا من الخوارج يوم النهر عليّ بن أبي شمر التيمي، وكان من فرسان العرب ونسّاكهم(7).
وروى الخطيب في أبي برزة كون المقتولين من أصحابه عليه السلام تسعة(8).
انّا قد ذكرنا قصّة الخوارج مفصّلا وانّ منشائهم كان من وقعة صفّين وقصّة الحكمين وفي المقام نشير إلى أمور لم نذكره هناك.
الأوّل - انّه كان مأمورا من اللَّه ورسوله بقتل الخوارج كما كان مأمورا بقتل
ص: 179
النّاكثين والقاسطين ويدلّ عليه ما رواه غير واحد من العامّة والخاصّة في اخبار الرّسول صلى الله عليه وآله ايّاه بقتالهم.
فمنها - عن زيد بن علي، عن أبيه، عن الحسين بن علي، عن أميرالمؤمنين عليهم السلام، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: يا علي، إن اللَّه (تعالى) أمرني أن أتخذك أخا ووصيا، فأنت أخي ووصيي، وخليفتي على أهلي في حياتي وبعد موتي، من تبعك فقد تبعني، ومن تخلف عنك فقد تخلف عني، ومن كفر بك فقد كفر بي، ومن ظلمك فقد ظلمني، يا علي، أنت مني وأنا منك، يا علي، لولا أنت لما قوتل أهل النهر.
قال: فقلت يا رسول اللَّه، ومن أهل النهر قال: قوم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية(1).
ومنها: ما رواه أبوسعيد الخدري أن النبيّ صلى الله عليه وآله قسم يوما قسما فقال رجل من تميم اعدل فقال ويحك ومن يعدل إذا لم أعدل.
قيل نضرب عنقه قال لا إن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته وصيامه مع صلاتهم وصيامهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية آيتهم (رئسهم خ ل) رجل أدعج أحد ثدييه مثل ثدي المرأة.
قال أبوسعيد وإنّي كنت مع علي عليه السلام حين قتلهم فالتمس في القتلى بالنهروان فأتي به على النعت الذي نعته رسول اللَّه صلى الله عليه وآله(2).
ومنها - ما عن مسند أبي داود وهو من أعيان العامّة وكتابه من اصحّ كتبهم عن أبي سعيد الخدري وانس بن مالك انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال سيكون في امّتي اختلاف
ص: 180
وفرقه قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّمية هم شرّ الخلق طوبى لمن قتلهم وقتلوه يدعون إلى كتاب اللَّه وليس منه في شي ء من قاتلهم كان اولى باللَّه منهم(1).
ومنها - ما عن صحيح مسلم ووافقه ابو داود بسندهما عن زيد ابن وهب انّه كان في الجيش الّذي كانوا مع عليّ قال عليّ ايّها النّاس انّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول يخرج قوم من امّتي يقرؤن القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشي ء ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشي ء ولا صيامكم إلى صيامهم بشي ء يقرؤون القرآن ويحسبون انّه لهم وهو عليهم لا يجاوز قراءتهم تراقيهم يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّمية ولو يعلم الجيش الّذين يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيّهم لنكلوا عن العمل وآيه ذلك انّ فيهم رجلا له عضد ليس له ذراع على عضده مثل حلمة الثّدى عليه شعرات بيض - فتذهبون إلى معاوية وأهل الشّام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم واموالكم واللَّه انّي لارجو ان يكونوا هؤلاء القوم فانّهم قد سفكوا الدّم الحرام واغاروا على سرح النّاس فسيروا قال سلمة بن كهيل فنزلني زيد ابن وهب منزلاً حتّى قال مررنا على قنطرة فلمّا التقينا وعلى الخوارج يومئذٍ عبداللَّه بن وهب الرّاسبي - فقال لهم القوا الرّماح وسلّوا السّيوف من جفونها فانّي أخاف ان يناشدوكم كما ناشدوكم ايّام حروراء فرجعوا فوحشوا برماحهم وسلّوا السّيوف وشجرهم النّاس بالرّماح قال وقتل بعضهم على بعض ما اصيب يومئذ من النّاس الّا رجلان فقال علي عليه السلام التمسوا فيهم المخدج وهو النّاقص فلم
ص: 181
يجدوه فقام عليّ بنفسه حتّى اتى ناسا وقد قتل بعضهم على بعض قال اخرجوهم فوجدوه ممّا يلي الأرض فكبّر ثمّ قال صدق اللَّه وبلغ رسوله قال فقام اليه عبيدة السّلماني وقال يا أميرالمؤمنين اللَّه الّذي لا اله الّا هو اسمعت هذا الحديث من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال اي واللَّه الّذي لا اله الّا هو حتّى استحلفه ثلاثا وهو يحلف له(1).
الثاني - انّ ما أخبر به عليه السلام في المقام فانّما اخبر عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وهو عن اللَّه تعالى وذلك لما روى انّ عليّاعليه السلام لمّا سار الى النّهروان شكّ رجل يقال له جندب فقال له عليّ الزمني ولا تفارقني فلزمه فلمّا دنو من قنطرة النّهروان نظر عليّ عليه السلام قبل زوال الشمس الى قنبر يؤذن بالصّلاة فنزل فقال ايتني بماء فقعد يتوضّأ فاقبل فارس وقال قد عبر القوم فقال أميرالمؤمنين عليه السلام ما عبروا ولا يعبرونها ولا يفلت منهم الّا دون العشرة ولا يقتل منكم الّا دون العشرة واللَّه ما كذبت ولا كذبت فتعجّب النّاس فقال جندب ان صحّ ما قال عليّ فلا احتاج إلى دليل غيره فبينما هم كذلك اذ اقبل فارس فقال يا أميرالمؤمنين عليه السلام القوم على ما ذكرت لم يعبروا القنطرة فصلّى بالنّاس الظهر وامرهم بالمسير اليهم قال جندب قلت لا يصل إلى القنطرة قبلى احد فركضت فرسى فاذا هم دون القنطرة وقوف فكنت اوّل من رمى فقتلوا كلّهم الّا تسعة وقتل من أصحابنا تسعة، ثمّ قال عليّ اطلبوا ذا الثّدية.
فطلبوه فلم يجدوه فقال اطلبوه فواللَّه ما كذبت ولا كذبت ثمّ قام فركب البغلة نحو قتلى كثير فقال اقلبوها فاستخرجوا ذا الثّدية فقال الحمد للَّه عجّلك إلى النّار وقد كان الخوارج خرجوا عليه قبل ذلك بجانب الكوفة في حروراء وكانوا اذ ذاك اثنى عشر الفا قال فخرج اليهم اميرالمؤمنين في ازاره وردائه راكبا البغلة فقيل
ص: 182
القوم شاكّون في السّلاح اتخرج اليهم كذلك قال انّه ليس بيوم قتالهم وصار إليهم بحروراء وقال لهم ليس اليوم اوان قتالكم وستفترقون حتّى تصيروا أربعة آلاف فتخرجون عليّ مثل هذا اليوم في مثل هذا الشّهر فأخرج اليكم بأصحابي فأقاتلكم حتّى لا يبقى منكم الّا دون العشرة ويقتل من أصحابي يومئذ دون عشرة هكذا أخبرني رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فلم يبرح من مكانه حتّى تبّرأ بعضهم من بعض وتفرّقوا الى ان صاروا أربعة آلاف بالنّهروان(1).
وروى أيضاً عن جندب ابن زهير الازدي قال: لما فارقت الخوارج عليا خرج عليه السلام إليهم وخرجنا معه فانتهينا إلى عسكرهم فإذا لهم دوي كدوي النحل في قراءة القرآن وفيهم أصحاب البرانس وذوو الثفنات فلما رأيت ذلك دخلني شك فتنحيت ونزلت عن فرسي وركزت رمحي ووضعت ترسي ونثرت عليه درعي وقمت أصلي وأنا أقول في دعائي اللهم إن كان قتال هؤلاء رضا لك فأرني من ذلك ما أعرف به أنه الحق وإن كان لك سخطا فانصرف عني إذ أقبل علي عليه السلام فنزل عن بغلة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وقام يصلي إذ جاءه رجل فقال قطعوا النهر ثم جاء آخر يشتد به دابته فقال قطعوه وذهبوا فقال أميرالمؤمنين عليه السلام ما قطعوه ولا يقطعونه وليقتلن دون النطفة، عهد من اللَّه ورسوله صلى الله عليه وآله وقال لي يا جندب ترى التل قلت نعم قال إن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حدثني أنهم يقتلون عنده ثم قال إنا نبعث إليهم رسولا يدعوهم إلى كتاب اللَّه وسنة نبيه فيرشقون وجهه بالنبل وهو مقتول قال فانتهينا إلى القوم فاذا هم في معسكرهم لم يبرحوا ولم يتراحلوا فنادى الناس وضمهم ثم أتى الصف وهو يقول من يأخذ هذا المصحف فيمشي به إلى هؤلاء القوم فيدعوهم
ص: 183
إلى كتاب اللَّه وسنة نبيه وهو مقتول وله الجنة فما أجابه أحد إلّا شاب من بني عامر بن صعصعة فلما رأى حداثة سنة قال له ارجع إلى موقفك ثم أعاد فما أجابه أحد إلّا ذلك الشاب قال خذه أما إنك مقتول فمشى به حتى إذا دنا من القوم حيث يسمعهم ناداهم إذ رموا وجهه بالنبل فأقبل علينا ووجهه كالقنفذ فقال علي عليه السلام دونكم القوم فحملنا عليهم قال جندب ذهب الشك عني وقتلت بكفي ثمانية ولما قتل الحرورية(1) قال علي عليه السلام التمسوا في قتلاهم رجلا مخدوجا حدى [إحدى يديه مثل ثدي المرأة فطلبوه فلم يجدوه فقام أمر بهم فقلب بعضهم على بعض فإذا حبشي إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، عليه شعرات كسبال الستور.
فكبر وكبر الناس معه وقال هذا شيطان لو لا أن تتكلوا لحدثتكم بما أعد اللَّه على لسان نبيكم لمن قاتل هؤلاء القوم(2).
والى هذين الحديثين اشارعليه السلام بقوله مصارعهم دون النّطفة إلى آخر الخطبة فقد علمت انّ رسول اللَّه اخبره به.
ص: 184
بسم الله الرحمن الرحیم
كَلَّا وَاللَّهِ إِنَّهُمْ نُطَفٌ فِي أَصْلابِ الرِّجَالِ وَقَرَارَاتِ النِّسَاءِ كُلَّمَا نَجَمَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُمْ لُصُوصاً سَلّابِينَ
مرّ علي عليه السلام بالخوارج وهم صَرْعى، فقال: «لقد صرعكم من غركم» قيل: ومن غرهم؟ قال: الشيطان وأنفُسُ السوء، فقال أصحابه: قد قطع اللَّه دابرهم إلى آخر الدهر، فقال: كلا والذي نفسي بيده، وإنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء، لا تخرج خارجة إلّا خرجت بعدها مثلها حتى تخرج خارجة بين الفرات ودجلة مع رجل يقال له الأشمط يخرج إليه رجل منا أهل البيت فيقتله، ولا تخرج بعدها خارجة إلى يوم القيامة(1).
عن حبة العرني قال: لما فرغنا من النهروان قال رجل: واللَّه لا يخرج بعد اليوم حروري أبدا، فقال علي: مه، لا تقل هذا. فوالذي فلق الحبة، وبرأ النسمة إنهم لفي
ص: 185
أصلاب الرجال، وأرحام النساء، ولا يزالون يخرجون حتى تخرج طائفة منهم بين نهرين، حتى يخرج إليهم رجل من ولدي فيقتلهم فلا يعودون أبدا(1).
قال تعالى: «يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ»(2).
مأخوذ من قوله تعالى: «ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ»(3).
قال الحجاج لامرأة من الخوارج: لأحصدنّكم حصيدا. فقالت أنت تحصد، واللَّه يزرع. فأين قدرتك من قدرة اللَّه(4).
عن أبي سعيد الخدري قال بينا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقسم قسما وقال ابن عباس كانت غنائم هوازن يوم حنين إذ جاءه ابن أبي ذي الخويصرة التميمي هو حرقوص بن زهير أصل الخوارج فقال اعدل يا رسول اللَّه فقال ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل فقال عمر يا رسول اللَّه ائذن لي فأضرب عنقه فقال النبي صلى الله عليه وآله دعه فإن له أصحاباً يحتقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين
ص: 186
كما يمرق السهم من الرمية... وفي حديث آخر فإذا خرجوا فاقتلوهم ثم إذا خرجوا فاقتلوهم فنزلت «وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ»(1)،(2).
رأى ابن عباس منهم جباها قرحة لطول السجود وايديا كثفنات الابل وعليهم قمص مرحضة(3) وهم مشمرون(4).
وفي مسند أحمد بن حنبل عن مسروق قال قالت لي عائشة إنك من ولدي ومن أحبهم إلي فهل عندك علم من المخدج فقلت نعم قتله علي بن أبي طالب على نهر يقال لأعلاه تامرا(5) ولأسفله النهروان بين لخاقيق وطرفاء(6) قالت ابغني على ذلك بينة فأقمت رجالا شهدوا عندها بذلك قال فقلت لها سألتك بصاحب القبر ما الذي سمعت من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فيهم فقالت نعم سمعته يقول إنهم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة وأقربهم عند اللَّه وسيلة(7).
غلب الضحاك الشيباني في أيام مروان الحمار على العراق، ولم يغلب قبله، ولا بعده أحد من الخوارج على العراق، وسار للقاء مروان في جيوش عظيمة، ومعه سليمان بن هشام بن عبدالملك في جميع مواليه ورجاله مؤتمّا بالضحاك تابعا، وفي ذلك قال بعض شعراء الخوارج مفتخراً:
ص: 187
ألم تر أنّ اللَّه أنزل نصره * وصلّت قريش خلف بكر بن وائل
فالتقيا بكفر توثا، وأقاموا يقتتلون أيّاما إلى أن قتل الضحاك وخليفته الخيبري، وسارت الأباضية من اليمن من قبل عبداللَّه بن يحيى الكندي الملقّب طالب الحق، عليهم أبو حمزة الأزدي، وبلج بن عقبة. فنزلوا مكّة يوم عرفة في سنه (129) ووادعهم عبدالملك بن سليمان بن عبدالملك عامل مكّة إلى انقضاء الحج ثمّ هرب إلى المدينة. فجهزّ عبدالواحد للقائهم جيشا أمّر عليهم عبدالعزيز بن عبداللَّه بن عمرو بن عثمان فالتقوا بقديد في سنة (130) فقتل عبدالعزيز في جمع كثير أكثرهم من قريش، فقالت نائحتهم:
ما للزمان وماليه * أفنت قديد رجاليه
فلأبكين سريرة * ولأبكين علانية
ودخلت الخوارج المدينة. فغلبوا عليها ثلاثة أشهر، فوجّه مروان إليهم عبدالملك السعدي، فالتقوا بوادي القرى. فقتل بلج، وأكثر الخوارج، ونجا أبوحمزة إلى مكّة. فلحقه بها فقتله، وسار إلى اليمن. فلقيه عبداللَّه بن يحيى بنواحي صنعاء. فقتل عبداللَّه، وأكثر من معه، ولحق بقيّتهم بعد قتل طالب الحق أيّام مروان إلى حضرموت، فأكثرها أباضيه إلى هذا الوقت سنة (332)(1).
وفي (المروج)، وقد أتى الهيثم بن عدي، والمدائني، وأبو البختري القاضي وغيرهم على اخبار الخوارج وأصنافهم في ما أفردوه من كتبهم، وذكرنا في كتابنا المقالات من خرج منهم من وقت التحكيم في عصر عصر إلى آخر من خرج، منهم بديار ربيعة على بني حمدان في سنة (318) الرجل المعروف بعرون وخرج
ص: 188
ببلاد كفرتوثي، وورد إلى نصيبين. فكانت له مع أهلها حرب اسر فيها، وقتل منهم خلق عظيم. والمعروف بأبي شعيب خرج في بني مالك وغيرهم من ربيعة، وقد كان أدخل على المقتدر. وكان للأباضية بعد (320) ببلاد عمان حروب وتحكيم وإمام نصبوه، فقتل وقتل من كان معه(1).
وفيه: وفي سنة (77) كانت للحجاج حروب مع شبيب الخارجي وولّى عنه الحجاج بعد قتل ذريع كان في أصحابه حتى أحصى عددهم بالقضيب.
فدخل الكوفة، وتحصّن في دار الأمارة ودخل شبيب وامّه وزوجته غزالة، الكوفة عند الصباح وقد كانت غزالة نذرت أن تدخل مسجد الكوفة فتصّلي فيه ركعتين تقرأ فيهما سورة البقرة وآل عمران فأتوا الجامع في سبعين رجلا فصلّوا به الغداة، وخرجت غزالة ممّا كانت أوجبته على نفسها. فقال الناس بالكوفة في تلك السنة:
وفت الغزالة نذرها * يا ربّ لا تغفر لها
وكانت الغزالة من الشجاعة والفروسية بالموضع العظيم، وكذلك أمّ شبيب ولمّا بلغ عبد الملك تحصين الحجاج في دار الأمارة من شبيب بعث من الشام بعساكر كثيرة عليها سفيان بن الأبرد الكلبي لقتال شبيب. فخرجوا إلى شبيب فانهزم وقتلت الغزالة وامّه ومضى شبيب في فوارس واتّبعه سفيان فلحقه بالأهواز فولّى. فلمّا حصل على جسر دجيل نفر به فرسه وعليه الحديد الثقيل من درع ومغفر. فألقاه في الماء. فقال له بعض أصحابه: أغرقا؟ قال: ذلك تقدير العزيز العليم. فألقاه دجيل ميتا بشاطئه. فحمل على البريد إلى الحجاج فأمر بشق بطنه. فاستخرج قلبه
ص: 189
فإذا هو كالحجر إذا ضربت بها نباعنها، فشق فإذا في داخله قلب صغير كالكرة فشقّ فاصيب علقة الدم في داخله(1).
قال ابن أبي الحديد: ممن انتهى أمره إلى ذلك، الوليد بن طريف الشيباني في أيّام هارون، وعمرو الخثعمي في أيّام المتوكّل، وخرج بعدهما جمع بكرمان، وجمع بعمان ممن قصده الفساد ذكرهم أبوإسحاق الصابي في كتابه(2).
روى أن طائفة من الخوارج لم يحضروا القتال ولم يظفر بهم أميرالمؤمنين عليه السلام وقد عرفت في شرح الكلام السابق أن المفلتين من القتل كانوا تسعة نفر، فتفرقوا في البلاد وشاعت بدعهم فيها وصاروا نحوا من عشرين فرقة وكبارها ست وقيل سبع.
وهم الذين خرجوا على أميرالمؤمنين عليه السلام عند التحكيم وكفروه، وهم اثنا عشر ألف رجل كانوا أهل صلاة وصيام، وفيهم قال النبي صلى الله عليه وآله يحقر صلاة أحدكم في جنب صلاتهم، وصوم أحدكم في جنب صومهم، ولكن لا يجاوز إيمانهم تراقيهم،
ص: 190
قالوا: من نصب من قريش وغيرهم وعدل فيما بين الناس فهو امام، وإن غير السيرة وجار وجب أن يعزل أو يقتل ولم يوجبوا نصب الإمام، وجوزوا أن لا يكون في العالم إمام وكفروا عثمان وأكثر الصحابة ومرتكب الكبيرة(1).
أصحاب أبي بيهس هيصم بن جابر وكان بالحجاز وقتل في زمن الوليد(2) قالوا: الايمان هو الاقرار والعلم باللَّه وبما جاء به الرسول فمن وقع فيما لا يعرف أحلال هو أم حرام فهو كافر، لوجوب الفحص عليه حتى يعلم الحق، وقيل لا يكفر حتى يرجع أمره إلى الامام فيحده وكلما ليس فيه حد فمغفور، وقيل لا حرام إلّا ما في قوله: «قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما الآية»(3).
وقالوا: إذا كفر الامام كفرت الرعية حاضراً أو غايبا، وقال بعضهم السكر من شراب حلال لا يؤاخذ صاحبه(4).
أصحاب نافع بن الازرق وكانوا أكبر الفرق غلبوا على الأهواز وبعض بلاد فارس وكرمان في أيام عبداللَّه بن زبير(5)، وهم في ثلاثين ألف فارس فأنفذ إليهم المهلب ولم يزل في حربهم (هو وأولاده) تسع عشرة سنة إلى أن فرغ من أمرهم
ص: 191
في أيام الحجاج ومذهبهم أنهم قالوا: كفر على بالتحكيم، وهو الذي أنزل اللَّه في شأنه: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ»(1) وابن ملجم محق في قتله، وهو الذي انزل في شأنه: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ»(2).
وفيه قال شاعرهم:
يا ضربة من تقى ما أراد بها * إلّا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره يوما فأحسبه * أو في البرية عنداللَّه ميزانا(3)
عليه وعليهم ألف ألف لعنة من اللَّه والملائكة والناس أجمعين، وقالوا: أيضاً بكفر عثمان وطلحة والزبير وعايشة وعبداللَّه بن العباس وساير المسلمين معهم وقضوا بتخليدهم في النار، وكفروا الذين قعدوا عن القتال وإن كانوا موافقين لهم في الدين، وقالوا بتحريم التقية في القول والعمل وبجواز قتل المخالفين ونسائهم وأنه لا رجم على الزاني المحصن إذ هو غير مذكور في القرآن، والمرأة إذا قذفت أحدا لا تحد، لأن المذكور في القرآن هو صيغة الذين وهي للمذكر، وجوزوا أن يكون النبي كافرا وإن كان بعد النبوة، وقالوا: إن مرتكب الكبيرة كافر(4).
نسبتهم إلى نجدة بن عامر النخعي وكان معه أميران يقال: لأحدهما عطية وللآخر أبو فديك، ففارقاه بشبهة ثم قتله أبو فديك وصار لكل منهما جمع عظيم،
ص: 192
وقتلا في زمن عبد الملك، وهم افترقوا من حيث المذهب إلى فرق عديدة:
منها: العاذرية وهم الذين عذروا الناس في الجهالات بالفروع وذلك أن نجدة وجه لعنه اللَّه بجيش إلى أهل القطيف فقتلوهم وأسروا نسائهم ونكحوهن قبل القسمة وأكلوا من الغنيمة قبلها أيضاً فلما رجعو إلى نجدة وأخبروه بما فعلوا قال: لم يسعكم ما فعلتم، فقالوا: لم نعلم أنه لا يسعنا فعذروهم بجهالتهم وقال النجدات كلهم: لا حاجة للناس إلى الامام بل الواجب عليهم رعاية النصفه فيما بينهم ويجوز لهم نصبه إذا توقفت عليه الأمور وخالفوا الأزارقه في غير التكفير(1).
ومنها الأصفرية أصحاب زياد بن الأصفر يخالفون الأزارقة في تكفير من قعد عن القتال إذ كانوا موافقين لهم في الدين وفي إسقاط الرجم فإنّهم لم يسقطوه وجوزوا التقية في القول دون العمل ، وقالوا المعصية الموجبة للحد لا يسمى صاحبها إلّا بها فيقال سارق مثلاً ولا يقال كافر وما لاحد فيه لعظمته كترك الصلاة والصوم يقال لصاحبه كافر(2).
نسبتهم إلى عبداللَّه بن أباض كان في أيام مروان بن محمد فوجه إليه عبداللَّه محمد بن عطية فقاتله وقتله، وهؤلاء ذهبوا إلى أن مخالفينا من أهل القبلة كفار غير مشركين يجوز مناكحتهم وغنيمة أموالهم حلال عند الحرب دون غيره، ودارهم دار الاسلام إلّا معسكر سلطانهم، ومرتكب الكبيرة موحد غير مؤمن بناء على أن الأعمال داخلة في الإيمان، وفعل العبد مخلوق اللَّه تعالى ومرتكب الكبيرة كافر
ص: 193
كفر نعمة لا كفر ملة، وتوقفوا في النفاق أهو شرك أم لا وكفروا عليا وأكثر الصحابة وتحت هذه الفرقة أيضاً فرق عديدة.
منهم الحفصية نسبتهم إلى أبي حفص بن أبي المقدام وزادوا على الاباضية أن بين الايمان والشرك معرفة اللَّه تعالى فانها خصلة متوسطة بينهما، فمن عرف اللَّه تعالى وكفر بما سواه من رسول أو جنة أو نار أو بارتكاب كبيرة فكافر لا مشرك.
ومنهم اليزيدية وهم أصحاب يزيد بن أنيسة زادوا على الاباضية بقولهم: إنه سيبعث نبي من العجم بكتاب يكتب في السماء وينزل جملة واحدة ويترك شريعة محمد إلى ملة الصابية المذكورة في القرآن، وقالوا أصحاب الحدود مشركون، وكل ذنب شرك صغيرة كانت أو كبيرة.
ومنهم الحارثية وهم أصحاب أبي الحارث الأباضي، خالفوا الأباضية في القدر أي كون أفعال العباد مخلوقة منه تعالى، وفي كون الاستطاعة قبل الفعل(1).
أصحاب عبدالكريم بن عجر، زعموا أن العبد إذا أتى بما امر به ولم يقصد اللَّه كان ذلك طاعة، وقالوا أيضاً بوجوب التبرى عن الطفل حتى يدعي الاسلام بعد البلوغ، ويجب دعاؤه إلى الاسلام إذا بلغ، وهذه الفرقة افترقوا فرقا كثيرة:
منهم: الميمونية نسبتهم إلى ميمون بن عمران قالوا: باسناد الأفعال إلى قدر العباد، ويكون الاستطاعة قبل الفعل وأن اللَّه يريد الخير دون الشر ولا يريد المعاصي كما هو مذهب المعتزلة، قالوا: وأطفال الكفار في الجنة، ويروي منهم
ص: 194
تجويز نكاح البنات للبنين والبنين للبنات، وجوزوا أيضاً نكاح بنات البنين وبنات البنات وبنات أولاد الاخوة والأخوات، ونقل عنهم إنكار سورة يوسف فإنّهم زعموا أنها قصة من القصص، ولا يجوز أن تكون قصة العشق قرآنا.
ومنهم: الحمزية نسبتهم إلى حمزة بن أدرك وافقوا الميمونية إلّا أنهم قالوا أطفال الكفار في النار.
ومنهم: الشعيبية نسبتهم إلى شعيب بن محمد وهم كالميمونية في بدعتهم إلّا في القدر.
ومنهم: الحازمية نسبتهم إلى حازم بن عاصم وافقوا الشعيبية ويحكى عنهم أنهم يتوفقون في أمر علي ولا يصرحون بالبرائة منه كما يصرحون بالبرائة من غيره.
ومنهم: الخلفية أصحاب خلف الخارجي وهم خوارج كرمان أضافوا القدر خيره وشره إلى اللَّه وحكموا بأن أطفال المشركين في النار بلا عمل وشرك.
ومنهم: الاطرافية وهم على مذهب حمزة ورئيسهم رجل من سجستان يقال له: غالب إلّا أنهم قالوا بمعذورية أهل الأطراف فيما لم يعرفوه من الشريعة إذا أتوا بما يعرف لزومه من جهة العقل، ووافقوا أهل السنة في أصولهم.
ومنهم: المعلومية هم كالحازمية إلّا أنهم قالوا يكفي المعرفة ببعض أسمائه، فمن علمه كذلك فهو عارف به وفعل العبد مخلوق له.
ومنهم: الصلتية نسبتهم إلى عثمان بن أبي الصلت، وهم كالعجارة لكن قالوا من أسلم واستجار بنا تولينا وتبرأنا من أطفاله حتى يبلغوا فيدعوا إلى الاسلام فيقبلوا(1).
ص: 195
ومنهم: المجهولية ومذهبهم كمذهب الحازمية ايضاً الا انهم قالوا يكفي المعرفة ببعض اسمائه: فمن علمه كذلك فهو عارف به وفعل العبد مخلوق له تعالى(1).
وربما عدت هذه من فرق العجاردة فيكون الفرق الكبار ستا، وبعضهم جعلها ستا باسقاط المحكمة، وكيف كان فهم أصحاب ثعلبة بن عامر(2)، قالوا بولاية الأطفال صغارا كانوا أو كبارا حتى يظهر منهم إنكار الحق بعد البلوغ، ونقل عنهم أنهم يرون أخذ الزكاة من العبيد إذا استغنوا وإعطائها لهم إذا افتقروا، وتفرقوا إلى أربع فرق:
الاولى: الأخنسية أصحاب الأخنس بن قيس، وامتازوا عن الثعالبة بأن توقفوا فيمن هو في دار التقية من أهل القبلة فلم يحكموا عليه بايمان ولا كفر، ونقل عنهم تجويز نكاح المسلمات من مشركي قومهن.
الثانية: المعبدية نسبتهم إلى معبد بن عبدالرحمن، خالفوا الأخنسية في تزويج المسلمات من المشركين وخالفوا الثعالبة في زكاة العبيد أي أخذها منهم ودفعها إليهم.
الثالثة: الشيبانية نسبتهم إلى شيبان بن سلمة قالوا بالجبر ونفي القدرة الحادثة.
الرابعة: المكرمية نسبتهم إلى مكرم البجلي (العجلي) قالوا تارك الصلاة كافر لا لترك الصلاة بل لجهلهم باللَّه، فان من علم أنه مطلع على سره وعلنه ومجازيه على
ص: 196
طاعته ومعصيته لا يتصور منه الاقدام على ترك الصلاة، وكذا كل كبيرة فان مرتكبها كافر بجهله باللَّه(1).
وحيث انجرّ الكلام إلى البحث عن الخوارج فلابدّ لنا ايضاً من التّحقيق فيهم بحسب القدرة والاستطاعة وانّهم اين وجدوا وكيف نشاؤا ومن كان اولهم وسائر ما يتعلّق بهم فنقول قال الشّهرستاني في الملل والنّحل: اعلم انّ اوّل من خرج على أميرالمؤمنين عليه السلام عليّ بن أبي طالب جماعة ممّن كان معه في حرب صفّين واشدّهم خروجا عليه ومروقا من الدّين الاشعث ابن قيس الكندي ومسعر ابن مدكى التّميمي وزيد ابن حصن الطائي حين قالوا لقوم يدعوننا إلى كتاب اللَّه وانت تدعونا الى السّيف حتّى قال انا اعلم بما في كتاب اللَّه انفروا إلى بقيّة الاحزاب انفروا إلى من يقول كذب اللَّه ورسوله وأنتم تقولون صدق اللَّه ورسوله قالوا لترجعنّ الاشتر عن قتال المسلمين والّا لنفعلنّ بكل فعلنا بعثمان فاضطرّ إلى ردّ الأشتر بعد أن هزم الجمع وولّوا مدبرين وما بقي منهم إلّا شرذمة قليلة فيهم حشاشة قوة فامتثل الأشتر أمره(2) وكان من امر الحكمين انّ الخوارج حملوه على التّحكيم اوّلا وكان يريد ان يبعث عبداللَّه ابن عبّاس فما رضي الخوارج بذلك وقالوا هو منك فحملوه على بعث ابي موسى الاشعري على ان يحكم بكتاب اللَّه فجرى الامر على خلاف ما رضي به فلمّا لم يرض بذلك خرجت الخوارج عليه وقالوا لم حكمت الرّجال؟ لا حكم الّا للَّه وهم المارقة الّذين اجتمعوا بالنّهروان وكبار فرق الخوارج: المحكمة. والازارقة. والنّجدات - والبيهسية - والصّفرية -
ص: 197
والعجاردة والاباضية - والثّعالبة والباقون فروعهم ويجمعهم القول بالتّبرى من عثمان وعلي ويقدّمون ذلك على كلّ طاعة ولا يصحّحون المناكحات الّا على ذلك ويكفّرون اصحاب الكبائر ويرون الخروج على الامام اذا خالف السّنة حقّا واجبا(1)، ثمّ عدّ الشهرستاني الفرق على ما نقلناها الّا انّ ما ذكره صاحب الملل والنّحل ابسط واكمل ولمزيد الفائدة ننقل ما ذكره حتّى تعلم الفرق تفصيلا وتحيط بعقائدهم واوهامهم الباطلة السّخيفة على التّفصيل ولا تحتاج في الموضوع إلى كتاب آخر وذلك لأنّ البلوغ إلى الغاية في كلّ مبحث من المباحث من اهمّ الامور فنقول: قال صاحب الكتاب: المحكمة الاولى - هم الّذين خرجوا على أميرالمؤمنين عليه السلام حين جرى امر الحكمين واجتمعوا بحروراء(2) من ناحية الكوفة ورئيسهم عبداللَّه ابن الكوّاء وعتاب ابن الاعور، وعبداللَّه ابن وهب الرأسي، وعروة ابن جرير ويزيد ابن عاصم المحاربي، وحرقوص ابن زهير المعروف بذي الثّدية وكانوا يومئذ في اثنى عشر الف رجل اهل صيام وصلاة اعني يوم النّهروان وفيهم قال النبيّ صلى الله عليه وآله تحقر صلاة احدكم في جنب صلاته وصوم أحدكم في جنب صيامهم ولكن لا يجاوز ايمانهم تراقيهم وهم المارقة الّذين قال فيهم سيخرج من ضئضئ(3) هذا الرّجل قوم يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّمية وهم الّذين اوّلهم ذو الخويصره وآخرهم ذو الثّدية وانّما خروجهم في الزّمن الاوّل على امرين: احدهما - بدعتهم في الامامة إذ جوّزوا ان تكون الامامة في غير قريش وكلّ من نصبوه برأيهم وعاشر النّاس على ما مثّلوا له من العدل واجتناب الجور
ص: 198
كان اماما ومن خرج عليه يجب نصب القتال معه وان غيّر السّيرة وعدل عن الحق وجب عزله أو قتله وهم اشدّ النّاس قولا بالقياس وجوّزوا ان لا يكون في العالم امام اصلا وان احتيج اليه فيجوز ان يكون عبدا او حرّا أو نبطيّا أو قرشيّا.
والبدعة الثّانية - أنّهم قالوا اخطأ عليّ في التحكيم اذ حكّم الرّجال ولا حكم الّا للَّه تعالى وقد كذبوا على عليّ من وجهين: احدهما - في التّحكيم انّه حكّم الرّجال وليس ذلك صدقا لأنّهم هم الّذين حملوه على التّحكيم.
والثّاني - انّ تحكيم الرّ جال جائز فانّ القوم هم الحاكمون في هذه المسألة وهم رجال ولذا قال عليّ عليه السلام كلمة حق اريد بها الباطل، وتخطّوا عن التّخطئة الى التّكفير ولعنوا عليّاعليه السلام فيما قاتل النّاكثين والقاسطين والمارقين فقاتل الناكثين واغتنم أموالهم وما سبي ذراريهم ونسائهم وقتل مقاتلة من القاسطين وما اغتنم اموالهم ولا سبيّ ثمّ رضي بالتّحكيم وقاتل مقاتلة المارقين واغتنم اموالهم وسبي ذراريهم وطعنوا في عثمان للأحداث التّي عدّوها عليه وطعنوا في أصحاب الجمل واصحاب صفّين فقاتلهم عليه السلام بالنّهروان مقاتلة شديدة فما انفلت منهم الّا اقل من عشرة وما قتل من المسلمين الّا اقلّ من عشرة فانهزم اثنان منهم إلى عمّان واثنان الى كرمان واثنان إلى سجستان واثنان إلى الجزيرة واحد إلى تلّ موزون وظهرت بدع الخوارج في هذه المواضع منهم وبقيت إلى اليوم(1).
واوّل من بويع بالإمامة من الخوارج عبداللَّه ابن وهب الرّاسبي في منزل زيد ابن حصن بايعه عبداللَّه ابن الكوّا وعروة ابن جرير ويزيد ابن عاصم المحاربي وجماعة معهم وكان يمتنع عليهم تحرّجا ويستقبلهم ويومي الى غيرهم تحرّزا فلم
ص: 199
يقنعوا الّا به وكان يوصف برأى ونجدة فتبرّء من الحكمين وممّن رضي بقولهما وصوّب امرهما وكفّروا اميرالمؤمنين وقالوا انّه ترك حكم اللَّه وحكّم الرّجال.
وقبل اوّل من تلفّظ بهذا رجل من بني سعد ابن زيد ابن مناه ابن تميم يقال له الحجّاج بن عبيداللَّه يلقّب بالبرك وهو الّذي ضرب معاوية على اليتيه لما سمع بذكر الحكمين وقال اتحكم في دين اللَّه؟ لا حكم الّا للَّه فلنحكم بما حكم اللَّه في القرآن به فسمعها رجل فقال طعن واللَّه فانفذ فسمّوا - المحكمّه بذلك ولمّا سمع أميرالمؤمنين عليه السلام هذه الكلمة قال كلمة عدل أريد بها جور انّما يقولون لا امارة ولابدّ من امارة برّة أو فاجرة.
ويقال انّ اوّل سيف سلّ من سيوف الخوارج سيف عروة ابن ادية وذلك انّه اقبل على الأشعث وقال ما هذه الدّنية يا اشعث؟ وما هذا التّحكيم؟ أشرط احدكم اوثق من شرط اللَّه تعالى ثمّ شهر السّيف والأشعث مولّى فضرب به عجز البغلة فثبت البغلة فنفرت اليمانيّة فلمّا رأى ذلك الاحنف مشى هو واصحابه إلى الاشعث فسألوه الصّفح ففعل وعروة ابن ادية نجا بعد ذلك من حرب النّهروان وبقي إلى أيّام معاوية ثمّ اتى الى زياد ابن ابيه ومعه مولى له فسأله زياد عن ابي بكر وعمر فقال فيهما خيرا فسأله عن عثمان فقال كنت اتولّى عثمان على احواله في خلافته ستّ سنين ثمّ تبرّأت منه بعد ذلك للاحداث التّي احدثها فشهد عليه بالكفر فسأله عن أميرالمؤمنين - فقال اتولّاه الى ان حكّم ثمّ تبرأت منه بعد ذلك وشهد عليه بالكفر فسأله عن معاوية فسبّة سبّا قبيحا، ثمّ سأله عن نفسه فقال اوّلك لزينة وآخرك لدعوة وانت فيما بينهما بعد عاص ربّك فأمر زياد بضرب عنقه ثمّ دعا مولاه فقال لي صف امره واصدق فقال اطنب ام اختصر فقال بل اختصر فقال ما اتيته بطعام
ص: 200
في نهار قطّ ولا فرشت له فراشا بليل قطّ هذه معاملته واجتهاده وذلك خبثه واعتقاده(1).
الازارقة - اصحاب ابي راشد نافع ابن الازرق خرجوا مع نافع من البصرة إلى الاهواز فغلبوا عليها وعلى كورها وما ورائها من بلدان فارس وكرمان في أيّام عبداللَّه بن زبير وقتلوا عمّاله بهذه النّواحي وكان مع نافع من امراء الخوارج عطيّة ابن الاسود الحنفي وعبداللَّه بن الماحوز واخواه عثمان والزبير وعمر ابن عمير العنبري وقطري ابن الفجاءة المازني وعبيدة ابن هلال اليشكري وصخر ابن حبيب التّميمي وصالح ابن مخراق العبدي وعبد ربّه الكبير وعبد ربّه الصّغير في زهاء ثلاثين الف فارس ممّن يرى رأيهم في سلكهم فانفذ إليه عبداللَّه ابن الحرث ابن نوفل النّوفلي بصاحب جيشه مسلم ابن عبيس ابن كريز ابن ربيعة ابن حبيب فقتله الخوارج وهزموا اصحابه - فاخرج اليهم ايضاً عثمان ابن عبداللَّه ابن معمّر التّميمي فهزموه فاخرج اليهم حارثة ابن بدر العتابي في جيش كثير فهزموه وخشى اهل البصرة على انفسهم وبلدهم من الخوارج فاخرج اليهم المهلب ابن ابي صفرة فبقي في حرب الازارقة تسع عشرة سنة الى ان فرغ من امرهم في ايّام الحجّاج ومات نافع قبل وقايع المهلب مع الازارقة وبايعوا بعده قطرى ابن الفجأة وسمّوه أمير المؤمنين(2).
ثمّ ذكر صاحب الملل والنّحل بدع ازارقة وهي ثمانية وقد ذكرناها، ثمّ اردفه بذكر بقية الفرق على ما نقلناها وانّما ذكرنا ما ذكرناه عن الملل والنّحل إلى هذا المقام لما فيه من الفوائد ومن اراد الاطّلاع على فرق الخوارج مفصّلا فعليه بكتب
ص: 201
الموضوعة لهذا الفّن فهذا هو الّذي اشار اليه بقوله عليه السلام: كلّا واللَّه انّهم نطف في اصلاب الرّجال الى ما قال عليه السلام؛ ففيما قاله اشارة الى ان نسلهم لم ينقطع بعد من صفحة العالم وهو كذلك والحمد للَّه ربّ العالمين.
ص: 202
بسم الله الرحمن الرحیم
لا تُقْتُلُوا الْخَوَارِجَ بَعْدِي فَلَيْسَ مَنْ طَلَبَ الْحَقَّ فَأَخْطَأَهُ كَمَنْ طَلَبَ الْبَاطِلَ فَأَدْرَكَهُ (يعني معاوية وأصحابه)
انّ المستورد الخارجي لمّا أراد الخروج في سنة (43) أو سنة (42) في أمارة المغيرة على الكوفة قام المغيرة خطيبا. فقال: أيم اللَّه لا يخرجون في حيّ من أحياء العرب في هذا المصر إلّا أبدتهم وجعلتهم نكالا لمن بعدهم - إلى أن قال - فبعث المغيرة إلى الرؤساء فقال لهم: ليكفني كلّ امرئ منهم قومه - إلى أن قال - فقام صعصعة وذكر خطبته لقومه عبد القيس - إلى أن قال في ما قال لهم - حتّى أهلك اللَّه بكم، وبمن كان على مثل هديكم ورأيكم، الناكثين يوم الجمل، والمارقين يومن النهر وسكت، عن ذكر أهل الشام لأنّه كان حينئذ سلطانهم - ولا قوم أعدى للَّه ولكم، ولأهل بيت نبيّكم ولجماعة المسلمين من هذه المارقة الخاطئة الّذين فارقوا إمامنا، واستحلّوا دماءنا، وشهدوا علينا بالكفر. فإيّاكم أن تؤوهم في دوركم فانّه ليس ينبغي لحيّ من أحياء العرب أن يكونوا أعدى لهذه
ص: 203
المارقة منكم، وقد واللَّه ذكر لي أنّ بعضهم في جانب من الحيّ، وأنا باحث عن ذلك، فإن كان حقّا تقربت إلى اللَّه تعالى بدمائهم. فإنّ دمائهم حلال. يا معشر عبدالقيس إنّ ولاتنا هؤلاء هم أعرف شي ء بكم وبرأيكم - يعني تشيّعهم - فلا تجعلوا لهم عليكم سبيلا. فإنّهم أسرع شي ء إليكم وإلى أمثالكم(1) - إلى أن قال - فقال المغيرة للرؤساء: من ترون أبعث إليهم فقام إليه عدي بن حاتم. فقال: كلّنا لهم عدو، ولرأيهم مسفّه، فأينا شئت سار إليهم.
فقام معقل بن قيس، وقال له: لا أرى أن تبعث إليهم أحدا من الناس أعدي لهم ولا أشدّ عليهم منّي، فابعثني إليهم، فإنّي أكفيكهم بإذن اللَّه تعالى.
فقال: اخرج على اسم اللَّه، وجهّز معه ثلاثة آلاف رجل، وقال المغيرة لقبيصة بن الدمون: الصق لي بشيعة عليّ. فأخرجهم مع معقل فإنّه كان من رؤساء أصحابه. فإذا بعث بشيعته الّذين كانوا يعرفون فاجتمعوا جميعا استأنس بعضهم ببعض، وتناصحوا، وهم أشدّ استحلالا لدماء هذه المارقة، وأجرأ عليهم من غيرهم، وقد قاتلوا قبل هذه المرّة - إلى أن قال - ولم يلبث قبيصة أن أخرج الجيش معه ثلاثة آلاف نقاوة الشيعة وفرسانهم(2) - إلى أن قال - قال المستورد لأصحابه إنّ هذا الخرف معقل بن قيس قد وجّه اليكم وهو من السبائية المفترين الكاذبين(3) - إلى أن قال - سأل عبداللَّه بن عامر أمير البصرة عن المغيرة كيف صنع فقيل له: إنّه نظر إلى رجل شريف رئيس قد كان قاتل الخوارج مع عليّ، وكان من أصحابه فبعثه وبعث معه شيعة عليّ لعداوتهم لهم. فقال: أصاب الرأي.
ص: 204
فبعث عبداللَّه بن عامر إلى شريك بن الأعور الحارثي - وكان يرى رأي عليّ عليه السلام - فقال له: اخرج إلى هذه المارقة فانتخب ثلاثة آلاف رجل من الناس ثمّ اتبعهم حتّى تخرجهم من أرض البصرة أو تقتله، وقال له بينه وبينه: اخرج إلى أعداء اللَّه بمن يستحلّ قتالهم من أهل البصرة - فظنّ شريك به أنّه يعني شيعة عليّ عليه السلام ولكنّه يكره ان يسمّيهم - فانتخب شريك الناس وألحّ على فرسان ربيعة الّذين كان رأيهم في الشيعة، وتجيبه العظماء منهم. ثمّ إنّه خرج فيهم مقبلا إلى المستورد(1) - إلى أن قال - فأخبر من قدم على المغيرة بالفتح أنّ معقلا والمستورد مشى كلّ واحد منهما إلى صاحبه، وبيد المستورد الرمح وبيد معقل السيف. فالتقيا فأشرع المستورد الرمح في صدر معقل حتّى خرج السنان من ظهره. فضربه معقل بالسيف على رأسه حتّى خالط السيف امّ الدماغ فخرّا ميّتين(2).
ففي (تاريخ الطبري): رفع علي عليه السلام يوم النهروان راية أمان مع أبي أيوب - إلى أن قال - فقال فروة بن نوفل الأشجعي: واللَّه ما أدري على أيّ شي ء نقاتل عليّا لا أدري إلّا أن أنصرف حتّى تنفذ لي بصيرتي في قتاله أو اتباعه، وانصرف في خمسمائة فارس حتّى نزل البند نيجين(3) والدسكرة(4).
وفيه: خرجت الخوارج الّذين اعتزلت أيّام علي عليه السلام بشهر زور في سنة (41) على معاوية. قال عوانة: قدم معاوية الكوفة قبل أن يبرح الحسن حتّى نزل النخيلة. فقالت الخمسائة من الحرورية الّتي كانت اعتزلت بشهر زور مع فروة بن نوفل الأشجعي: قد جاء الآن مالا شك فيه، فسيروا إلى معاوية فجاهدوه فأقبلوا
ص: 205
وعليهم فروة حتّى دخلوا الكوفة، فأرسل إليهم معاوية خيلا من أهل الشام فكشفوا اهل الشام، فقال معاوية لأهل الكوفة: لا أمان لكم واللَّه عندي حتّى تكفّوا بوائقكم. فخرج اهل الكوفة الى الخوارج فقاتلوهم، فقالت الخوارج لهم: ويلكم ما تبغون منّا أليس معاوية عدوّنا وعدوّكم دعونا حتّى نقاتله وإن أصبناه كنّا قد كفيناكم عدوّكم، وإن أصابنا كنتم قد كفيتمونا. قالوا: لا واللَّه حتّى نقاتلكم(1).
وفي (تاريخ الطبري) - بعد ذكر قصة المستورد المتقدّم، وندب المغيرة بن شعبة والي الكوفة من قبل معاوية الناس إليهم، وقيام معقل بن قيس من رؤساء الشيعة للتصدي لحربهم - ثمّ قام صعصعة بن صوحان وقال: إبعثني إليهم أيّها الأمير فأنا واللَّه لدمائهم مستحلّ، وبحملها مستقلّ.
فقال له المغيرة: اجلس فإنّما أنت خطيب - فأحفظه ذلك - وإنّما قال ذلك لأنّه بلغه أنّه يعيب عثمان، ويكثر ذكر علي عليه السلام ويفضّله - وقد كان دعاه فقال: إيّاك أن يبلغني أنّك تعيب عثمان عند أحد من الناس، وإيّاك أن يبلغني أنّك تظهر شيئا من فضل علي علانية. فإنّك لست بذاكر من فضل عليّ شيئا أجهله بل أنا أعلم بذلك، ولكن هذا السلطان قد ظهر، وقد أخذنا باظهار عيبه للناس.
فنحن ندع كثيرا ممّا أمرنا به، ونذكر الشي ء الّذي لا نجد بدّا منه ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا تقية. فإن كنت ذاكرا فضله فاذكره بينك وبين أصحابك، وفي منازلكم سرّا، وأمّا علانية في المسجد فإنّ هذا لا يحتمله الخليفة لنا، ولا يعذرنا فيه. فكان يقول له نعم. أفعل. ثمّ يبلغه أنّه قد عاد إلى ما نهاه عنه(2).
والتحقيق في الجواب ما ذكره المجلسي رحمه الله قال: لعل المراد لا تقتلوا الخوارج
ص: 206
بعدي ما دام ملك معاوية وأضرابه كما يظهر من التعليل، وقد كان يسبه عليه السلام ويبره منه في الجمع والأعياد ولم يكن إنكاره للحق عن شبهة كالخوارج، ولم يظهر منهم من الفسوق ما ظهر منه ولم يكن مجتهدا في العبادة وحفظ قوانين الشرع مثلهم، فكان أولى بالجهاد، انتهى(1).
ويدل على ذلك ما رواه أبوالعباس المبرد قال: وخرج من الخوارج على معاوية بعد قتل علي حوثرة الأسدي وحابس الطائي خرجا في جمعهما فصارا إلى موضع أصحاب النخيلة ومعاوية يومئذ بالكوفة وقد دخلها في عام الجماعة، ووفد الحسن بن علي وخرج يريد المدينة فوجه إليه معاوية وقد تجاوز في طريقه يسأله أن يكون المتولي لمحاربة الخوارج فكان جواب الحسن: واللَّه لقد كففت عنك لحقن دماء المسلمين وذاك يسعني، أفا قاتل عنك قوما أنت واللَّه أولى بالقتل منهم.
وهذا الجواب مطابق لكلام أبيه عليه السلام، والمقصود منهما أن الخوارج أعذر من معاوية وأقل ضلالا ومعاوية أولى بالمحاربة منهم(2).
عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام قال ذكرت الحرورية عند علي بن أبي طالب عليه السلام فقال إن خرجوا مع جماعة أو على إمام عادل فقاتلوهم وإن خرجوا على إمام جائر فلا تقاتلوهم فإن لهم في ذلك مقالا(3).
ص: 207
بسم الله الرحمن الرحیم
وَإِنَّ عَلَيَّ مِنَ اللَّهِ جُنَّةً حَصِينَةً فَإِذَا جَاءَ يَوْمِي انْفَرَجَتْ عَنِّي وَأَسْلَمَتْنِي فَحِينَئِذٍ لا يَطِيشُ السَّهْمُ وَلا يَبْرَأُ الْكَلْمُ
أي: القتل بغتة؛ عن جعفر بن محمّدعليه السلام: حدّثتني امرأة منّا قالت: رأيت الأشعث بن قيس دخل على أميرالمؤمنين عليه السلام فأغلظعليه السلام له، فعرض له الأشعث بأن يفتك به، فقال عليه السلام له: أ بالموت تهددني فو اللَّه ما ابالي وقعت على الموت أو وقع الموت عليّ(1).
وعن (جمل أبي مخنف) - بعد ذكر خروجه عليه السلام إلى الزبير في الجمل، وانكاره خبر النبي صلى الله عليه وآله ورجوعه - : قال له أصحابه: تبرز إلى الزبير حاسرا وهو شاك في السلاح قال عليه السلام: إنّه ليس بقاتلي، إنّما يقتلني رجل خامل الذكر ضئيل النسب غيلة في غير مأقط حرب ولا معركة رجال، ويلمّه أشقى البشر ليودّن أنّ امّه هبلت به، أما إنّه وأحمر ثمود لمقرونان في قرن(2).
ص: 208
روى أنه عليه السلام خوف من غيلة ابن ملجم لعنه اللَّه مرارا وأن الأشعث لقاه متقلدا سيفه فقال له، ما يقلدك السيف وليس بأوان حرب؟ فقال لعنه اللَّه: أردت أن أنحربه جزور القرية، فأتى الأشعث إليه عليه السلام فأخبره وقال قد عرفت ابن ملجم وفتكه فقال ما قتلني بعد.
وروى أنه عليه السلام: كان يخطب مرة ويذكر أصحابه وابن ملجم تلقاء المنبر فسمعه يقول: واللَّه لاريحنهم منك، فلما انصرف عليه السلام أتوابه ملبيا فأشرف عليهم، وقال ما تريدون، فخبروه بما سمعوا عنه، فقال فما قتلني بعد خلوا عنه(1).
قوله عليه السلام: «وإنّ عليّ من اللَّه جنّة حصينة» تقيه من الهلكة، وهي المدّة التي قدر تعالى لكلّ بشر أن يعيش في الدنيا.
«فإذا جاء يومي» وانقضى أجلي.
«انفرجت عني» تلك الجنة.
«وأسلمتني» إلى المهالك.
«فحينئذ لا يطيش» أي: لا يعدل.
«السّهم» بل يصيب الغرض.
كما قال في الديوان المنسوب إليه.
للموت فينا سهام غير خاطئة * إن فاته اليوم سهم لم يفته غدا(2)
«ولا يبرأ الكلم» أي: الجرح فيهلك.
وفي معنى هذا الكلام قال عليه الصلاة والسلام في الديوان:
ص: 209
أي يومى من الموت أفر * يوم ما قدر أو يوم قدر
يوم ما قدر لم أخش الردى * وإذا قدر لا يغنى الحذر(1)
وفي هذا الكلام إشعار بأن للانسان أجلا موقوتا وأمدا ممدودا إذا أدركه يبطل حياته، وإلى ذلك ذهب جماعة، واستدلوا عليه بقوله سبحانه:
«وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلًا»(2).
وبقوله تعالى أيضاً: «وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ»(3).
وبأن المقدرات في الأزل والمكتوبات في اللوح المحفوظ لا تتغير بالزيادة والنقصان وذهب آخرون إلى قبوله الزيادة والنقصان مستدلين بقوله تعالى: «وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ»(4) وبالأخبار الكثيرة الدالة على أن صلة الرحم توجب الزيادة في العمر والقطيعة توجب النقصان، وكذلك البر والعقوق هذا.
والتحقيق في المقام هو التفصيل بما يجمع به بين الأدلتين، وهو أن المستفاد من بعض الآيات والأخبار هو أن الأجل على قسمين محتوم، وموقوف، قال سبحانه في سورة نوح:
«أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ»(5).
ص: 210
قال المفسرون: الأجل المسمى هو الأمد الأقصى الذي قدر اللَّه لهم بشرط الايمان والطاعة وراء ما قدره لهم على تقدير بقائهم على الكفر والعصيان، فان وصف الأجل بالمسمى وتعليق تأخيرهم إليه بالايمان صريح في أن لهم أجلا آخر لا يجاوزونه إن لم يؤمنوا، وهو المراد بقوله: «إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ»(1) أي ما قدر لكم على تقدير بقائكم على الكفر إذا جاء وأنتم على ما أنتم عليه من الكفر والعصيان لا يؤخر، فبادروا إلى الإيمان والطاعة قبل مجيئه حتى لا يتحقق شرطه الذي هو البقاء على الكفر، فلا يجي ء ويتحقق شرط التأخير إلى الأجل المسمى فتؤخروا إليه(2).
وعن حمران عن أبي جعفرعليه السلام قال سألته عن قول اللَّه عزوجل: قضى أجلا وأجل مسمى عنده(3) قال هما أجلان: أجل محتوم، وأجل موقوف(4).
وعن علي بن إبراهيم باسناده عن أبي عبداللَّه عليه السلام في تفسير هذه الآيه، قال: الأجل المقضيّ هو المحتوم الذي قضاه اللَّه وحتمه، والمسمى هو الذي فيه البداء، ويقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء، والمحتوم ليس فيه تقديم ولا تأخير(5).
عن البصري قال سهر أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في الليلة التي قتل في صبيحتها ولم يخرج إلى المسجد لصلاة الليل على عادته فقالت له ابنته أم كلثوم رحمة اللَّه عليها ما هذا الذي قد أسهرك فقال إني مقتول لو قد أصبحت وأتاه ابن النباح فآذنه بالصلاة فمشي غير بعيد ثم رجع فقالت له ابنته أم كلثوم مر جعدة
ص: 211
فليصل بالناس قال نعم مروا جعدة فليصل ثم قال لا مفر من الأجل فخرج إلى المسجد وإذا هو بالرجل قد سهر ليلته كلها يرصده فلما برد السحر نام فحركه أميرالمؤمنين عليه السلام برجله وقال له الصلاة فقام إليه فضربه(1).
هذا، وفي السير: قال كاهن لصريم بن معشر: إنّك تموت بثنية يقال لها: الاهة. فخرج مع ركب فضلّوا الطريق ليلا، فلمّا أصبحوا سألوا عن المكان هم فيه، فقيل لهم: هذه الاهة. فنزل أصحابه وأبي أن ينزل، وخلّى ناقته ترعى فعلقت بمشقرها أفعى، فأمالت الناقة رأسها فنهشته فألقى بنفسه، وأنشأ يقول:
لعمري ما يدري امرؤ كيف يتّقي * إذا هو لم يجعل له اللَّه واقيا
فطأ معرضا إنّ الحتوف كثيرة * وإنّك لا تبقي لنفسك باقيا
كفى حزنا أن يرحل الركب غاديا * واترك في أعلى الاهة ثاويا
ومات مكانه فقبر هناك(2).
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله بشهادته عليه السلام: فروى الصدوق عنه عليه السلام: أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لمّا خطب بخطبته في فضائل شهر رمضان فقلت يا رسول اللَّه ما أفضل الأعمال في هذا الشهر فقال يا أبا الحسن:
أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم اللَّه ثم بكى فقلت يا رسول اللَّه ما يبكيك فقال يا علي أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر كأني بك وأنت تصلي لربك وقد انبعث أشقى الأولين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود فضربك ضربةعليه السلام على فرقك فخضب منها لحيتك قال أميرالمؤمنين عليه السلام فقلت يا رسول اللَّه وذلك في
ص: 212
سلامة من ديني فقال في سلامة من دينك ثم قال عليه السلام يا علي من قتلك فقد قتلني ومن أبغضك فقد أبغضني ومن سبك فقد سبني لأنك مني كنفسي روحك من روحي وطينتك من طينتي...(1).
وروى أنّه عليه السلام خطب في أوّل يوم من الشهر وقال: أيّها النّاس، إنّ هذا الشهر شهر فضّله اللَّه على ساير الشهور، كفضلنا أهل البيت على ساير الناس - إلى أن قال - فقام إليه رجل من همدان فقال: زدنا ممّا حدّثك به حبيبك في شهر رمضان. فقال: سمعت سيّد المرسلين والملائكة المقرّبين يقول: إنّ سيّد الوصيين يقتل في سيّد الشهور. فقلت: وما سيّد الشهور، ومن سيّد الوصيين؟ قال: أمّا سيد الشهور فشهر رمضان، وأمّا سيّد الوصيين فأنت. فقلت: إنّ ذلك لكائن: قال: أي وربي إنّه ينبعث أشقى أمّتي، شقيق عاقر ناقة ثمود، ثم يضربك ضربة على فرقك يخضّب منها لحيتك. فأخذ الناس بالبكاء والنحيب، فقطع عليه السلام خطبته ونزل(2).
عن ابن نباتة قال: قلت لأميرالمؤمنين عليه السلام ما منعك من الخضاب وقد اختضب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال أنتظر أشقاها أن يخضب لحيتي من دم رأسي بعهد معهود أخبرني به حبيبي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله(3).
ورووا أنّه لمّا وقعت الضربة عليه قال عليه السلام: هذا ما وعدنا اللَّه ورسوله، وصدق اللَّه ورسوله(4).
ص: 213
قال تعالى «لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ»(1).
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه السلام في قوله له معقبات من بين يديه ومن خلفه. يحفظونه من أمر اللَّه يقول: بأمر اللَّه من أن يقع في ركي - أو يقع عيه حائط - أو يصيبه شي ء حتى إذا جاء القدر - خلوا بينه وبينهم يدفعونه إلى المقادير - وهما ملكان يحفظانه بالليل وملكان بالنهار يتعاقبانه(2).
وقال تعالى: «قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ»(3).
وقال تعالى: «إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ»(4).
وقال تعالى: «وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ»(5).
وقال تعالى: «وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً»(6).
وقال تعالى: «إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ حَفِيظٌ»(7).
وقال تعالى: «وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ حَفِيظٌ»(8) وامثال ذلك من الآيات الدّالة على كونه تعالى حافظ لكلّ شي ء.
ص: 214
قال تعالى: «قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ» الآية(1).
وقال تعالى: «قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ» الآية(2).
وقال تعالى: «أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ» الآية(3).
وقال تعالى: «مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ»(4).
وقال تعالى: «وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ»(5)
وقال تعالى: «مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى»(6).
وقال تعالى: «وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ»(7).
وقال تعالى: «وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا» الآية(8).
وقال تعالى: «يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ»(9).
وقال تعالى: «أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْ ءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ» الآية(10).
وقال تعالى: «وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ»(11).
ص: 215
والآيات فيه كثيرة جدّا.
وحيث انجرّ الكلام الى هنا.
فلابدّ لنا من الاشارة إلى كيفيّة شهادته عليه السلام وانّه كيف انفرجت الجنّة عنه واسلمته إلى الموت إلى آخر ما قال عليه السلام بعد حلول اجله وانقضاء ايّامه ولنذكر في ذلك ما رواه المجلسي قدس سره فنقول قال قدس سره ما هذا لفظه:
رأينا في بعض الكتب القديمة رواية في كيفية شهادته عليه السلام أوردنا منه شيئا مما يناسب كتابنا هذا على وجه الاختصار قال روى أبوالحسن علي بن عبداللَّه بن محمد البكري عن لوط بن يحيى عن أشياخه وأسلافه قالوا لما توفي عثمان وبايع الناس أميرالمؤمنين عليه السلام - كان رجل يقال له حبيب بن المنتجب واليا على بعض أطراف اليمن من قبل عثمان فأقره علي عليه السلام على عمله وكتب إليه كتابا يقول فيه بسم اللَّه الرحمن الرحيم من عبداللَّه أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب إلى حبيب بن المنتجب سلام عليك أما بعد فإني أحمد اللَّه الذي لا إله إلّا هو وأصلي على محمد عبده ورسوله وبعد فإني وليتك ما كنت عليه لمن كان من قبل فأمسك على عملك وإني أوصيك بالعدل في رعيتك والإحسان إلى أهل مملكتك واعلم أن من ولي على رقاب عشرة من المسلمين ولم يعدل بينهم حشره اللَّه يوم القيامة ويداه مغلولتان إلى عنقه لا يفكها إلّا عدله في دار الدنيا فإذا ورد عليك كتابي هذا فاقرأه على من قبلك من أهل اليمن وخذ لي البيعة على من حضرك من المسلمين فإذا بايع القوم مثل بيعة الرضوان فامكث في عملك وأنفذ إلي منهم عشرة يكونون من
ص: 216
عقلائهم وفصائحهم وثقاتهم ممن يكون أشدهم عونا من أهل الفهم والشجاعة عارفين باللَّه عالمين بأديانهم وما لهم وما عليهم وأجودهم رأيا وعليك وعليهم السلام وطوى الكتاب وختمه وأرسله مع أعرابي فلما وصل إليه قبله ووضعه على عينيه ورأسه فلما قرأه صعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه وصلى على محمد وآله ثم قال أيها الناس اعلموا أن عثمان قد قضى نحبه وقد بايع الناس من بعده العبد الصالح والإمام الناصح أخا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وخليفته وهو أحق بالخلافة وهو أخو رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وابن عمه وكاشف الكرب عن وجهه وزوج ابنته ووصيه وأبو سبطيه أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: فما تقولون في بيعته والدخول في طاعته؟ قال فضج الناس بالبكاء والنحيب وقالوا سمعا وطاعة وحبا وكرامة للَّه ولرسوله ولأخي رسوله فأخذ له البيعة عليهم عامة فلما بايعوا قال لهم أريد منكم عشره من رؤسائكم وشجعانكم أنفذهم إليه كما أمرني به فقالوا سمعا وطاعة فاختار منهم مائة ثم من المائة سبعين ثم من السبعين ثلاثين ثم من الثلاثين عشره فيهم عبدالرحمن بن ملجم المرادي لعنه اللَّه وخرجوا من ساعتهم فلما أتوه عليه السلام سلموا عليه وهنئوه بالخلافة فردعليهم السلام ورحب بهم فتقدم ابن ملجم وقام بين يديه وقال السلام عليك أيه الإمام العادل والبدر التمام والليث الهمام والبطل الضرغام والفارس القمقام ومن فضله اللَّه على سائر الأنام صلى اللَّه عليك وعلى آلك الكرام أشهد أنك أميرالمؤمنين صدقا وحقا وأنك وصي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله والخليفة من بعده ووارث علمه لعن اللَّه من جحد حقك ومقامك أصبحت أميرها وعميدها لقد اشتهر بين البرية عدلك وهطلت شآبيب(1) فضلك وسحائب رحمتك ورأفتك عليهم ولقد
ص: 217
أنهضنا الأمير إليك فسررنا بالقدوم عليك فبوركت بهذه الطلعة المرضية وهنئت بالخلافة في الرعية.
ففتح أميرالمؤمنين عليه السلام عينيه في وجهه ونظر إلى الوفد فقربهم وأدناهم فلما جلسوا دفعوا إليه الكتاب ففضه وقرأه وسر بما فيه فأمر لكل واحد منهم بحلة يمانيه ورداء عدنية وفرس عربية وأمر أن يفتقدوا ويكرموا فلما نهضوا قام ابن ملجم ووقف بين يده وأنشد:
أنت المهيمن والمهذب ذو الندى * وابن الضراغم في الطراز الأول
اللَّه خصك يا وصي محمد * وحباك فضلا في الكتاب المنزل
وحباك بالزهراء بنت محمد * حورية بنت النبي المرسل
ثم قال يا أميرالمؤمنين ارم بنا حيث شئت لترى منا ما يسرك فواللَّه ما فينا إلّاكل بطل أهيس وحازم أكيس وشجاع أشوس(1) ورثنا ذلك عن الآباء والأجداد وكذلك نورثه صالح الأولاد قال فاستحسن أميرالمؤمنين عليه السلام كلامه من بين الوفد فقال له ما اسمك يا غلام؟ قال اسمي عبدالرحمن: قال ابن من؟ قال ابن ملجم المرادي قال له أمراديّ أنت؟ قال نعم يا أميرالمؤمنين: فقال عليه السلام إنا للَّه وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلّا باللَّه العلي العظيم قال وجعل أميرالمؤمنين عليه السلام يكرر النظر إليه ويضرب إحدى يديه على الأخرى ويسترجع ثم قال ويحك أمرادي أنت؟ قال نعم فعندها تمثل عليه السلام يقول:
أنا أنصحك مني بالوداد * مكاشفة وأنت من الأعادي
أريد حياته ويريد قتلي * عذيرك من خليلك من مراد(2)
ص: 218
قال الأصبغ بن نباتة لما دخل الوفد إلى أميرالمؤمنين عليه السلام بايعوه وبايعه ابن ملجم فلما أدبر عنه دعاه أميرالمؤمنين عليه السلام ثانيا فتوثق منه بالعهود والمواثيق أن لا يغدر ولا ينكث ففعل ثم سار عنه ثم استدعاه ثالثا ثم توثق منه فقال ابن ملجم يا أميرالمؤمنين ما رأيتك فعلت هذا بأحد غيري فقال امض لشأنك فما أراك تفي بما بايعت عليه فقال له ابن ملجم كأنك تكره وفودي عليك لما سمعته من اسمي وإني واللَّه لأحب الإقامة معك والجهاد بين يديك وإن قلبي محب لك وإني واللَّه أوالي وليك وأعادي عدوك قال فتبسم عليه السلام وقال له باللَّه يا أخا مراد إن سألتك عن شي ء تصدقني فيه قال إي وعيشك يا أميرالمؤمنين فقال له هل كان لك داية يهودية فكانت إذا بكيت تضربك وتلطم جبينك وتقول لك اسكت فإنك أشقى من عاقر ناقة صالح وإنك ستجني في كبرك جناية عظيمة يغضب اللَّه بها عليك ويكون مصيرك إلى النار فقال قد كان ذلك ولكنك واللَّه يا أميرالمؤمنين أحب إلي من كل أحد.
فقال أميرالمؤمنين عليه السلام واللَّه ما كذبت ولا كذبت ولقد نطقت حقا وقلت صدقا وأنت واللَّه قاتلي لا محالة وستخضب هذه من هذه وأشار إلى لحيته ورأسه ولقد قرب وقتك وحان زمانك فقال ابن ملجم واللَّه يا أميرالمؤمنين إنك أحب إلي من كل ما طلعت عليه الشمس ولكن إذا عرفت ذلك مني فسيرني إلى مكان تكون ديارك من دياري بعيدة فقال عليه السلام كن مع أصحابك حتى أذن لكم بالرجوع إلى بلادكم ثم أمرهم بالنزول في بني تميم فأقاموا ثلاثة أيام ثم أمرهم بالرجوع إلى اليمن فلما عزموا على الخروج مرض ابن ملجم مرضا شديدا فذهبوا وتركوه فلما برأ أتى أميرالمؤمنين عليه السلام وكان لا يفارقه ليلا ولا نهارا ويسارع في قضاء حوائجه
ص: 219
وكان عليه السلام يكرمه ويدعوه إلى منزله ويقربه وكان مع ذلك يقول له أنت قاتلي ويكرر عليه الشعر.
أريد حياته ويريد قتلي * عذيرك من خليلك من مراد
فيقول له يا أميرالمؤمنين إذا عرفت ذلك مني فاقتلني فيقول إنه لا يحل ذلك أن أقتل رجلاً قبل أن يفعل بي شيئا(1).
وفي خبر آخر قال إذا قتلتك فمن يقتلني قال فسمعت الشيعة ذلك فوثب مالك الأشتر والحارث بن الأعور وغيرهما من الشيعة فجردوا سيوفهم وقالوا يا أميرالمؤمنين من هذا الكلب الذي تخاطبه بمثل هذا الخطاب مرارا وأنت إمامنا وولينا وابن عم نبينا فمرنا بقتله فقال لهم اغمدوا سيوفكم بارك اللَّه فيكم ولا تشقوا عصا هذه الأمة أترون أني أقتل رجلا لم يصنع بي شيئا؟
فلما انصرف عليه السلام إلى منزله اجتمعت الشيعة وأخبر بعضهم بعضا بما سمعوا وقالوا إن أميرالمؤمنين عليه السلام يغلس إلى الجامع وقد سمعتم خطابه لهذا المرادي وهو ما يقول إلّا حقا وقد علمتم عدله وإشفاقه علينا ونخاف أن يغتاله هذا المرادي فتعالوا نفترع على أن تحوطه كل ليلة منا قبيلة فوقعت القرعة في الليلة الأولى والثانية والثالثة على أهل الكناس فتقلدوا سيوفهم وأقبلوا في ليلتهم إلى الجامع فلما خرج عليه السلام رآهم على تلك الحالة فقال ما شأنكم؟ فأخبروه فدعا لهم وتبسم ضاحكا وقال جئتم تحفظوني من أهل السماء أم من أهل الأرض قالوا من أهل الأرض قال ما يكون شي ء في السماء إلّا هو في الأرض وما يكون شي ء في الأرض إلّا هو في السماء ثم تلا «قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا»(2) ثم أمرهم أن
ص: 220
يأتوا منازلهم ولا يعودوا لمثلها ثم إنه صعد المأذنة وكان إذا تنحنح يقول السامع ما أشبهه بصوت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فتأهب الناس لصلاة الفجر وكان إذا أذن يصل صوته إلى نواحي الكوفة كلها ثم نزل فصلى وكانت هذه عادته(1).
قال وأقام ابن ملجم بالكوفة إلى أن خرج أميرالمؤمنين عليه السلام إلى غزاة النهروان فخرج ابن ملجم معه وقاتل بين يديه قتالا شديدا فلما رجع إلى الكوفة وقد فتح اللَّه على يديه قال ابن ملجم لعنه اللَّه يا أميرالمؤمنين أتأذن لي أن اتقدمك إلى المصر لأبشر أهله بما فتح اللَّه عليك من النصر فقال له ما ترجو بذلك قال الثواب من اللَّه والشكر من الناس وأفرح الأولياء وأكمد الأعداء فقال له شأنك ثم أمر له بخلعة سنية وعمامتين وفرسين وسيفين ورمحين فسار ابن ملجم ودخل الكوفة وجعل يخترق أزقتها وشوارعها وهو يبشر الناس بما فتح اللَّه على أميرالمؤمنين عليه السلام وقد دخله العجب في نفسه فانتهى به الطريق إلى محلة بني تميم فمر على دار تعرف بالقبيلة وهي أعلى دار بها وكانت لقطام بنت سخينة بن عوف بن تيم اللات وكانت موصوفة بالحسن والجمال والبهاء والكمال فلما سمعت كلامه بعثت إليه وسألته النزول عندها ساعة لتسأله عن أهلها فلما قرب من منزلها وأراد النزول عن فرسه خرجت إليه ثم كشفت له عن وجهها وأظهرت له محاسنها فلما رآها أعجبته وهواها من وقته فنزل عن فرسه ودخل إليها وجلس في دهليز الدار وقد أخذت بمجامع قلبه فبسطت له بساطا ووضعت له متكأ وأمرت خادمها أن تنزع أخفافه وأمرت له بماء فغسل وجهه ويديه وقدمت إليه طعاما فأكل وشرب وأقبلت عليه تروحه من الحر فجعل لا يمل من النظر إليها وهي مع ذلك
ص: 221
متبسمة في وجهه سافرة له عن نقابها بارزة له عن جميع محاسنها ما ظهر منها وما بطن فقال لها أيتها الكريمة لقد فعلت اليوم بي ما وجب به بل ببعضه على مدحك وشكرك دهري كله فهل من حاجة أتشرف بها وأسعى في قضائها قال فسألته عن الحرب ومن قتل فيه فجعل يخبرها ويقول فلان قتله الحسن وفلان قتله الحسين إلى أن بلغ قومها وعشيرتها وكانت قطام لعنها اللَّه على رأي الخوارج وقد قتل أميرالمؤمنين عليه السلام في هذا الحرب من قومها جماعة كثيرة منهم أبوها وأخوها وعمها فلما سمعت منه ذلك صرخت باكية ثم لطمت خدها وقامت من عنده ودخلت البيت وهي تندبهم طويلا قال فندم ابن ملجم فلما خرجت إليه قالت يعز علي فراقهم من لي بعدهم أفلا ناصر ينصرني ويأخذ لي بثأري ويكشف عن عاري فكنت أهب له نفسي وأمكنه منها ومن مالي وجمالي فرق لها ابن ملجم وقال لها غضي صوتك وارفقي بنفسك فإنك تعطين مرادك قال فسكنت من بكائها وطمعت في قوله ثم أقبلت عليه بكلامها وهي كاشفة عن صدرها ومسبلة شعرها فلما تمكن هواها من قلبه مال إليها بكليته ثم جذبها إليه وقال لها كان أبوك صديقا لي وقد خطبتك منه فأنعم لي بذلك فسبق إليه الموت فزوجيني نفسك لآخذ لك بثأرك قال ففرحت بكلامه وقالت قد خطبني الأشراف من قومي وسادات عشيرتي فما أنعمت إلّا لمن يأخذ لي بثأري ولما سمعت عنك أنك تقاوم الأقران وتقتل الشجعان فأحببت أن تكون لي بعلا وأكون لك أهلا فقال لها فأنا واللَّه كفو كريم فاقترحي علي ما شئت من مال وفعال فقالت له إن قدمت علي العطية والشرط فها أنا بين يديك فتحكم كيف شئت فقال لها وما العطية والشرط فقالت له
ص: 222
أما العطية فثلاثة آلاف دينار وعبد وقينة(1) فقال هذا أنا ملي به فما الشرط المذكور قالت نم على فراشك حتى أعود إليك(2).
ثم إنها دخلت خدرها فلبست أفخر ثيابها ولبست قميصا رقيقا يري صدرها وحليها وزادت في الحلي والطيب وخرجت في معصفرها فجعلت تباشرة بمحاسنها ليرى حسنها وجمالها وأرخت عشرة ذوائب من شعرها منظومة بالدر والجوهر فلما وصلت إليه أرخت لثامها عن وجهها ورفعت معصفرها وكشفت عن صدرها(3) وأعكانها وقال إن قدمت علي الشرط المشروط ظفرت بها جميعها وأنت مسرور مغبوط قال فمد ابن ملجم عينيه إليه فحار عقله وهوى لحينه مغشيا عليه ساعة فلما أفاق قال يا منية النفس ما شرطك فاذكريه لي فإني سأفعله ولو كان دونه قطع القفار وخوض البحار وقطع الرؤوس واختلاس النفوس قالت له الملعونة شرطي عليك أن تقتل علي بن أبي طالب عليه السلام بضربة واحدة بهذا السيف في مفرق رأسه يأخذ منه ما يأخذ ويبقى ما يبقى فلما سمع ابن ملجم كلامها استرجع ورجع إلى عقله وأغاظه وأقلقه ثم صاح بأعلى صوته ويحك ما هذا الذي واجهتني به بئس ما حدثتك به نفسك من المحال ثم طأطأ رأسه يسيل عرقا وهو متفكر في أمره ثم رفع رأسه إليها وقال لها ويلك من يقدر على قتل أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب المجاب الدعاء المنصور من السماء والأرض ترجف من هيبته والملائكة تسرع إلى خدمته يا ويلك ومن يقدر كان في أيام رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إذا قاتل يكون جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره وملك الموت بين يديه فمن
ص: 223
هو هكذا لا طاقة لأحد بقتله ولا سبيل لمخلوق على اغتياله ومع ذلك أنه قد أعزني وأكرمني وأحبني ورفعني وآثرني على غيري فلا يكون ذلك جزاؤه مني أبدا فإن كان غيره قتلته لك شر قتلة ولو كان أفرس أهل زمانه وأما أميرالمؤمنين فلا سبيل لي عليه.
قال فصبرت عنه حتى سكن غيظه ودخلت معه في الملاعبة والملاطفة وعلمت أنه قد نسي ذلك القول ثم قالت يا هذا ما يمنعك من قتل علي بن أبي طالب وترغب في هذا المال وتتنعم بهذا الجمال وما أنت بأعف وأزهد من الذين قاتلوه وقتلهم وكانوا من الصوامين والقوامين فلما نظروا إليه وقد قتل المسلمين ظلماً وعدوانا اعتزلوه وحاربوه ومع ذلك فإنه قد قتل المسلمين وحكم بغير حكم اللَّه وخلع نفسه من الخلافة وإمرة المؤمنين فلما رأوه قومي على ذلك اعتزلوه فقتلهم بغير حجة له عليهم فقال لها ابن ملجم يا هذه كفي عني فقد أفسدت علي ديني وأدخلت الشك في قلبي وما أدري ما أقول لك وقد عزمت على رأي ثم أنشد:
ثلاثة آلاف وعبد وقينة * وضرب علي بالحسام المصمم
فلا مهر أغلى من علي وإن غلا * ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم
فأقسمت بالبيت الحرام ومن أتى * إليه جهارا من محل ومحرم
لقد أفسدت عقلي قطام وإنني * لمنها على شك عظيم مذمم
لقتل علي خير من وطئ الثرى * أخي العلم الهادي النبي المكرم
ثم أمسك ساعة وقال:
فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة * كمهر قطام من فصيح وأعجم
ثلاثة آلاف وعبد وقينة * وضرب علي بالحسام المصمم
ص: 224
فلا مهر أغلى من علي وإن غلا * ولا فتك إلّا دون فتك ابن ملجم
فأقسم بالبيت الحرام ومن أتى * إليه جهارا من محل ومحرم
لقد خاب من يسعى بقتل إمامه * وويل له من حر نار جهنم
إلى آخر ما أنشد من الأبيات ثم قال لها أجليني ليلتي هذه حتى أنظر في أمري وآتيك غدا بما يقوى عليه عزمي فلما هم بالخروج أقبلت عليه وضمته إلى صدرها وقبلت ما بين عينيه وأمرته بالاستعجال في أمرها وسايرته إلى باب الدار وهي تشجعه وأنشدت له أبياتا فخرج الملعون من عندها وقد سلبت فؤاده وأذهبت رقاده ورشاده فبات ليلته قلقا متفكرا فمرة يعاتب نفسه ومرة يفكر في دنياه وآخرته(1).
فلما كان وقت السحر أتاه طارق فطرق الباب فلما فتحه إذا برجل من بني عمه على نجيب وإذا هو رسول من إخوته إليه يعزونه في أبيه وعمه ويعرفونه أنه خلف مالا جزيلا وأنهم دعوه سريعا ليحوز ذلك المال فلما سمع ذلك بقي متحيرا في أمره إذ جاءه ما يشغله عما عظم عليه من أمر قطام فلم يزل مفكرا في أمره حتى عزم على الخروج وكان له أخوان لأبيه وأمه كانت من زبيد يقال لها عدنية وهي ابنة أبي علي بن ماشوج وكان أبوه مراديا وكانوا يسكنون عجران صنعاء فلما وصل إلى النجف ذكر قطام ومنزلتها في قلبه ورجع إليها فلما طرق الباب اطلعت عليه وقالت من الطارق فعرفته على حالة السفر فنزلت إليه وسلمت عليه وسألته عن حاله فأخبرها بخبره ووعدها بقضاء حاجتها إذا رجع من سفره وتملكها جميع ما يجي ء به من المال فعدلت عنه مغضبة فدنا منها وقبلها وودعها وحلف لها
ص: 225
أنه يبلغها مأمولها في جميع ما سألته فخرج وجاء إلى أميرالمؤمنين عليه السلام وأخبره بما جاءوا إليه لأجله وسأله أن يكتب إلى ابن المنتجب كتابا ليعينه على استخلاص حقه فأمر كاتبه فكتب له ما أراد ثم أعطاه فرسا من جياد خيله فخرج وسار سيرا حثيثا حتى وصل إلى بعض أودية اليمن فأظلم عليه الليل فبات في بعضها فلما مضى من الليل نصفه وإذا هو بزعقة عظيمة من صدر الوادي ودخان يفور ونار مضرمة فانزعج لذلك وتغير لونه ونظر إلى صدر الوادي وإذا بالدخان قد أقبل كالجبل العظيم وهو واقع عليه والنار تخرج من جوانبه فخر مغشيا عليه فلما أفاق وإذا بهاتف يسمع صوته ولا يرى شخصه وهو يقول:
اسمع وع القول يا ابن ملجم * إنك في أمر مهول معظم
تضمر قتل الفارس المكرم * أكرم من طاف ولبى وأحرم
ذاك علي ذواالتقاء الأقدم * فارجع إلى اللَّه لكيلا تندم
فلما سمع توهم أنه من طوارق الجن وإذا بالهاتف يقول يا شقي بن الشقي أما ما أضمرت من قتل الزاهد العابد العادل الراكع الساجد إمام الهدى وعلم التقى والعروة الوثقى فإنا علمنا بما تريد أن تفعله بأميرالمؤمنين ونحن من الجن الذين أسلمنا على يديه ونحن نازلون بهذا الوادي فإنا لا ندعك تبيت فيه فإنك ميشوم على نفسك ثم جعلوا يرمونه بقطع الجنادل فصعد فوق شاهق فبات بقية ليله فلما أصبح سار ليلا ونهارا حتى وصل اليمن وأقام عندهم شهرين وقلبه على حر الجمر من أجل قطام ثم إنه أخذ الذي أصابه من المال والمتاع والأثاث والجواهر وخرج فبينا هو في بعض الطريق إذ خرجت عليه حرامية فسايرهم وسايروه فلما قربوا من الكوفة حاربوه وأخذوا جميع ما كان معه ونجا بنفسه وفرسه وقليل من الذهب
ص: 226
على وسطه وما كان تحته فهرب على وجهه حتى كاد أن يهلك عطشا وأقبل سائرا في الفلاة مهموما جائعا عطشانا فلاح له شبح فقصده فإذا بيوت من أبيات الحرب فقصد منها بيتا فنزل عندهم واستسقاهم شربة ماء فسقوه وطلب لبنا فأتوه به فنام ساعة فلما استيقظ أتاه رجلان وقدما إليه طعاما فأكل وأكلا معه وجعلا يسألانه عن الطريق فأخبرهما ثم قالا له: ممّن الرجل؟ قال: من بني مراد قالا: أين تقصد؟ قال: الكوفة، فقالا له: كأنك من أصحاب أبي تراب؟ قال نعم، فاحمرت أعينهما غيظا وعزما على قتله ليلا وأسرا ذلك ونهضا فتبين له ما عزما عليه وندم على كلامه فبينما هو متحير إذ أقبل كلبهم ونام قريبا منهم فأقبل اللعين يمسح بيده على الكلب ويشفق عليه ويقول مرحبا بكلب قوم أكرموني فاستحسنا ذلك وسألاه ما اسمك قال عبدالرحمن بن ملجم فقالا له ما أردت بصنعك هذا في كلبنا فقال أكرمته لأجلكم حيث أكرمتموني فوجب علي شكركم وكان هذا منه خديعة ومكرا فقالا اللَّه أكبر الآن واللَّه وجب حقك علينا ونحن نكشف لك عما في ضمائرنا نحن قوم نرى رأي الخوارج وقد قتل أعمامنا وأخوالنا وأهالينا كما علمت فلما أخبرتنا أنك من أصحابه عزمنا على قتلك في هذه الليلة فلما رأينا صنعك هذا بكلبنا صفحنا عنك ونحن الآن نطلعك على ما قد عزمنا عليه فسألهما عن أسمائهما فقال أحدهما أنا البرك بن عبداللَّه التميمي وهذا عبداللَّه بن عثمان العنبري صهري وقد نظرنا إلى ما نحن عليه في مذهبنا فرأينا أن فساد الأرض والأمة كلها من ثلاثة نفر أبو تراب ومعاوية وعمرو بن العاص فأما أبو تراب فإنه قتل رجالنا كما رأيت وافتكرنا أيضاً في الرجلين معاوية وابن العاص وقد وليا علينا هذا الظالم الغشوم بسر بن أرطاة يطرقنا في كل وقت ويأخذ أموالنا وقد عزمنا على قتل هؤلاء
ص: 227
الثلاثة فإذا قتلناهم توطأت الأرض وأقعد الناس لهم إماما يرضونه فلما سمع ابن ملجم كلامهما صفق بإحدى يديه على الأخرى وقال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة وتردى بالعظمة إلى لثالثكما وإني مرافقكما على رأيكما وإني أكفيكما أمر علي بن أبي طالب فنظرا إليه متعجبين من كلامه قال واللَّه ما أقول لكما إلّا حقا ثم ذكر لهما قصته فلما سمعا كلامه عرفا صحته وقالا إن قطام من قومنا وأهلها كانوا من عشيرتنا فنحن نحمد اللَّه على اتفاقنا فهذا لا يتم إلّا بالأيمان المغلظة(1).
فتركب الآن مطايانا ونأتي الكعبة ونتعاقد عندها على الوفاء فلما أصبحوا وركبوا حضر عندهم بعض قومهم فأشاروا عليهم وقالوا لا تفعلوا ذلك فما منكم أحد إلّا ويندم ندامة عظيمة فلم يقبلوا وساروا جميعا حتى أتوا البيت وتعاهدوا عنده فقال البرك أنا لعمرو بن العاص وقال العنبري أنا لمعاوية وقال ابن ملجم لعنه اللَّه أنا لعلي فتحالفوا على ذلك بالأيمان المغلظة ودخلوا المدينه وحلفوا عند قبر النبي صلى الله عليه وآله على ذلك ثم افترقوا وقد عينوا يوما معلوما يقتلون فيه الجميع ثم سار كل منهم على طريقة فأما البرك فأتى مصر ودخل الجامع وأقام فيه أياما فخرج عمرو بن العاص ذات يوم إلى الجامع وجلس فيه بعد صلاته فجاء البرك إليه وسلم عليه ثم حادثة في فنون الأخبار وطرف الكلام والأشعار فشعف فجاء البرك إليه وسلم عليه ثم حادثه في فنون الأخبار وطرف الكلام والأشعار فشعف به عمرو بن العاص وقربه وأدناه وصار يأكل معه على مائدة واحدة فأقام إلى الليلة التي تواعدوا فيها... فلما كان عند طلوع الفجر أقبل المؤذن واعتذر عمرو بن العاص عن الخروج الى المسجد بعذر حدث له وقال قدموا خارجة بن تميم القاضي
ص: 228
يصلي بالناس فأتى القاضي ودخل المحراب في غلس فجاء البرك فوقف خلفه وسيفه تحت ثيابه وهو لا يشك أنه عمرو فأمهله حتى سجد وجلس من سجوده فسل سيفه ونادى لا حكم إلّا للَّه ولا طاعة لمن عصى اللَّه ثم ضربه بالسيف على أم رأسه فقضى نحبه لوقته فاحاطوا به من كل جانب واخذوا سيفه من يده واوجعوه ضربا شديداً ثم اتوا به إلى عمرو وقالوا انه قد قتل خارجة فدهش عمرو لذلك وقال يا هذا لما فعلت ما فعلت فقص عليه القصة فامر به وحبسه حتى امره معاوية بقتله فقتله.
وأما عبداللَّه العنبري فقصد دمشق كان يتردد إلى معاوية إلى ليلة تسع عشرة وكان قد عرف المكان الذي يصلي فيه معاوية فلما أذن المؤذن للفجر وأتى معاوية المسجد ودخل محرابه ثار إليه بالسيف وضربه فراغ عنه فأراد ضرب عنقه فانصاع عنه فوقع السيف في أليته إلى آخر القصة والحاصل انه لم يمت أيضاً(1).
وأما ابن ملجم لعنه اللَّه فإنه سار حتى دخل الكوفة واجتاز على الجامع وكان أميرالمؤمنين عليه السلام جالسا على باب كندة فلم يدخله ولم يسلم عليه وكان إلى جانبه الحسن والحسين عليه السلام ومعه جماعة من أصحابه فلما نظروا إلى ابن ملجم وعبوره قالوا ألا ترى إلى ابن ملجم عبر ولم يسلم عليك قال دعوه فإن له شأنا من الشأن واللَّه ليخضبن هذه من هذه وأشار إلى لحيته وهامته ثم قال:
ما من الموت لإنسان نجاء * كل امرئ لابد يأتيه الفناء
تبارك اللَّه وسبحانه * لكل شي ء مدة وانتهاء
يقدر الإنسان في نفسه * أمرا ويأتيه عليه القضاء
ص: 229
لا تأمنن الدهر في أهله
لكل عيش آخر وانقضاء
بينا ترى الإنسان في غبطة
يمسي وقد حل عليه القضاء
ثم جعل يطيل النظر إليه حتى غاب عن عينه وأطرق إلى الأرض يقول إنا للَّه وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلّا باللَّه العلي العظيم.
قال وسار ابن ملجم حتى وصل إلى دار قطام وساق الحديث بطوله إلى أن قال:
فقال لها يا قطام في هذه الليلة أقتل لك علي بن أبي طالب وأخذ سيفه ومضى به إلى الصيقل فأجاد صقاله وجاء به إليها فقالت إني أريد أن أعمل فيه سما قال وما تصنع بالسم لو وقع على جبل لهده فقالت دعني أعمل فيه السم فإنك لو رأيت عليا لطاش عقلك وارتعشت يداك وربما ضربته ضربة لا تعمل فيه شيئا فإذا كان مسموماً فإن لم تعمل الضربة عمل السم فقال لها يا ويلك أتخوفيني من عملي فواللَّه لا أرهب عليا ولا غيره إلى أن قال الراوي: وكان ابن ملجم قد خرج في ذلك اليوم يمشي في أزقة الكوفة فلقيه صديق له وهو عبداللَّه بن جابر الحارثي فسلم عليه وهنأه بزواج قطام ثم تحادثا ساعة فحدثه بحديثه من أوله إلى آخره فسر بذلك سرورا عظيما فقال له أنا أعاونك فقال ابن ملجم دعني من هذا الحديث فإن عليا أروغ من الثعلب وأشد من الأسد.
ثم مضى ابن ملجم لعنه اللَّه يدور في شوارع الكوفة فاجتاز على أميرالمؤمنين عليه السلام وهو جالس عند ميثم التمار فخطف عنه كيلا يراه ففطن به فبعث خلفه رسولا فلما أتاه وقف بين يديه وسلم عليه وتضرع لديه فقال عليه السلام له ما تعمل هاهنا؟ قال أطوف في أسواق الكوفة وأنظر إليها فقال عليه السلام عليك بالمساجد فإنها خير لك من البقاع كلها وشرها الأسواق ما لم يذكر اسم اللَّه فيها ثم حادثه ساعة
ص: 230
وانصرف فلما ولى جعل أميرالمؤمنين عليه السلام يطيل النظر إليه ويقول يا لك من عدو لي من مراد ثم قال عليه السلام:
أريد حياته ويريد قتلي * عذيرك من خليلك من مراد
ويأبى اللَّه إلّا أن يشاء ثم قال عليه السلام يا ميثم هذا واللَّه قاتلي لا محالة أخبرني به حبيبي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقال ميثم يا أميرالمؤمنين فلم لا تقتله أنت قبل ذلك فقال يا ميثم لا يحل القصاص قبل الفعل فقال ميثم يا مولاي إذا لم تقتله فاطرده فقال يا ميثم لولا آية في كتاب اللَّه «يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»(1)، وأيضاً أنه بعد ما جنى جناية فيؤخذ بها ولا يجوز أن يعاقب قبل الفعل فقال ميثم جعل اللَّه يومنا قبل يومك ولا أرانا اللَّه فيك سوءا أبدا ومتى يكون ذلك يا أميرالمؤمنين فقال عليه السلام إن اللَّه تفرد بخمسة أشياء لا يطلع عليها نبي مرسل ولا ملك مقرب فقال عز من قائل: «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ»(2) الآية.
يا ميثم هذه خمسة لا يطلع عليها إلّا اللَّه تعالى وما اطلع عليها نبيّ ولا وصيّ ولا ملك مقرّب. يا ميثم لا حذر من قدر. يا ميثم إذا جاء القضاء فلا مفرّ(3).
ثمّ ساق الحديث بطوله إلى أن قال: أمّا ابن ملجم فبات في تلك الليلة وهي الليلة التاسعة عشر يفكّر في نفسه ولا يدري ما يصنع فتارة يعاتب نفسه ويوبخها ويخاف من عقبى فعله وتارة يذكر قطام لعنها اللَّه وحسنها وجمالها وكثرة مالها وكان على هذا المنوال إلى أن غلبت الشقاوة عليه وقال هلمي إليّ بالسيف ثمّ إنّه اتّزر بمئزر واتشح بإزار وجعل السيف تحت الإزار مع بطنه وقال افتحي لي الباب
ص: 231
ففي هذه الساعة أقتل لك عليّاً إلى أن قال: فخرج من الباب وهي خلفه تحرضه بهذه الأبيات:
أقول إذا ما حية أعيت الرقا * وكان ذعاف الموت منه شرابها(1)
رسسنا(2) إليها في الظلام ابن ملجم * همام إذا ما الحرب شب لها بها
فخذها على فوق رأسك ضربة * بكف سعيد سوف يلقى ثوابها
قال الراوي فالتفت إليها وقال لها أفسدت واللَّه الشعر في هذا البيت الآخر قالت ولِمَ ذلك؟ قال لها: هلا قلت:
بكف شقي سوف يلقى عقابها(3)
قال مصنّف هذا الكتاب قدّس روحه: هذا الخبر غير صحيح بل إنّا كتبناه كما وجدناه والرواية الصحيحة أنّه بات في المسجد ومعه رجلان أحدهما شبيب بن بحيرة [بجرة] والآخر وردان بن مجالد يساعدانه على قتل عليّ عليه السلام فلمّا أذّن عليه السلام ونزل من المأذنة وجعل يسبّح اللَّه ويقدّسه ويكبّره ويكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله(4).
ثم انّ الرّاوي ذكر الحديث بطوله واعرضنا عن ذكر بقيّة الحديث وما وقع بعد قتله عليه السلام حذرا من الاطناب إلى أن قال ونادى جبرئيل بين السّماء والأرض بصوت يسمعه كلّ مستيقظ تهدّمت واللَّه أركان الهدى وانطمست واللَّه نجوم السّماء واعلام التّقى وانفصمت واللَّه العروة الوثقى قتل ابن عمّ المصطفى قتل الوصّي المجتبى قتل عليّ المرتضى قتل واللَّه سيّد الأوصياء قتله أشقى الأشقياء.
واتّفقوا على انّ الضّربة وقعت منه على رأسه عليه السلام بعد رفع رأسه عليه السلام عن السّجدة
ص: 232
الأولى من الرّكعة الاولى ووقعت الضّربة على الضّربة التّي ضربه عمرو ابن عبدودّ العامري إلى آخر ما ذكره من التفصيل انتهى ما اردنا ذكره(1).
فقوله: فحينئذٍ لا يطيش السّهم ولا يبرء الكلم، هو اشارة إلى هذا المعنى فانّ ضربة عمرو بن عبدودّ لم تقتله وضربة ابن ملجم قتلته وليس هذا الّا من جهة قوله عليه السلام فاذا جاء يومي هذا انفرجت عنّي إلخ ونسب إليه هذه الاشعار.
اشدد حيازيمك للموت * فانّ الموت لاقيكا
ولا تجزع من الموت * اذا حلّ بواديكا
فانّ الدّرع والبيضة * يوم الرّوع يكفيكا
كما اضحكك الدّهر * كذلك الدّهر يبكيكا
فقد اعرف اقواما * وان كانوا صعاليكا
مساريع الى النّجدة * للغّي متاريكا(2)
ص: 233
بسم الله الرحمن الرحیم
أَلا وَإِنَّ الدُّنْيَا دَارٌ لا يُسْلَمُ مِنْهَا إِلّا فِيهَا وَلا يُنْجَى بِشَيْ ءٍ كَانَ لَهَا ابْتُلِيَ النَّاسُ بِهَا فِتْنَةً فَمَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لَهَا أُخْرِجُوا مِنْهُ وَحُوسِبُوا عَلَيْهِ وَمَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لِغَيْرِهَا قَدِمُوا عَلَيْهِ وَأَقَامُوا فِيهِ فَإِنَّهَا عِنْدَ ذَوِي الْعُقُولِ كَفَيْ ءِ الظِّلِّ بَيْنَا تَرَاهُ سَابِغاً حَتَّى قَلَصَ وَزَائِداً حَتَّى نَقَصَ
دخل داود عليه الصلاة والسلام غاراً فوجد فيه رجلا ميتاً وعند رأسه لوح مكتوب فيه أنا فلان ابن فلان الملك عشت ألف عام وبنيت ألف مدينه وافتضضت ألف بكر وهزمت ألف جيش ثم صار أمري إلى أن بعثت زنبيلا من الدراهم في رغيف فلم يوجد ثم بعثت زنبيلا من الجواهر فلم يوجد فدققت الجواهر واستفيتها فمت مكاني فمن أصبح وله رغيف وهو يحسب أن على وجه الأرض أغني منه أماته اللَّه كما أماتني(1).
وقال هيثم بن خالد الطويل: دخلت على صالح مولى منارة في يوم شات وهو جالس في قبة مغشاة بالسمور وجميع فروشها سمور وبين يديه كانون فضة يبخر
ص: 234
فيه بالعود. ثمّ رأيته بعد ذلك في رأس الجسر وهو يسأل الناس.
ولما قتل عامر بن إسماعيل مروان بن محمد ونزل في داره وقعد على فرشه، دخلت عليه عبدة بنت مروان فقالت: يا عامر: إن دهراً أنزل مروان عن فرشه وأقعدت عليه لقد أبلغ في عظتك. وقال مالك بن دينار: مررت بقصر تضرب فيه الجواري بالدفوف ويقلن:
ألا يا دار لا يدخلك حزن * ولا يغدر بصاحبك الزمان
فنعم الدار تاوي كل ضيف * إذا ما ضاق بالضيف المكان
ثم مررت عليه بعد حين وهو خراب وبه عجوز فسألتها عما كنت رأيت وسمعت فقالت: يا عبداللَّه إن اللَّه يغير ولا يتغير والموت غالب كل مخلوق قد واللَّه دخل بها الحزن وذهب بأهلها الزمان. وقال أبو العتاهية:
لئن كنت في الدنيا بصيراً فإنما * بلاغك منها مثل زاد المسافر
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه * فما فاته منها فليس بضائر(1).
قال تعالى: «وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الآْيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(2).
وقال تعالى: «الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»(3).
وقال تعالى: «وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا
ص: 235
صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ»(1).
وإلى ذلك الاشارة في حديث الهيثم بن واقد الحريري «الجزري ظ» عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: من زهد في الدنيا أثبت اللَّه الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه وبصره عيوب الدنيا دائها ودوائها، وأخرجه من الدنيا سالما إلى دار السلام(2).
عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ فِي مُنَاجَاةِ مُوسَى عليه السلام يَا مُوسَى إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ عُقُوبَةٍ عَاقَبْتُ فِيهَا آدَمَ عِنْدَ خَطِيئَتِهِ وَجَعَلْتُهَا مَلْعُونَةً مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلّا مَا كَانَ فِيهَا لِي يَا مُوسَى إِنَّ عِبَادِيَ الصَّالِحِينَ زَهِدُوا فِي الدُّنْيَا بِقَدْرِ عِلْمِهِمْ وَسَائِرَ الْخَلْقِ رَغِبُوا فِيهَا بِقَدْرِ جَهْلِهِمْ وَمَا مِنْ أَحَدٍ عَظَّمَهَا فَقَرَّتْ عَيْنَاهُ فِيهَا وَلَمْ يُحَقِّرْهَا أَحَدٌ إِلّا انْتَفَعَ بِهَا(3).
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِنَّ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا إِضْرَاراً بِالآْخِرَةِ وَفِي طَلَبِ الآْخِرَةِ إِضْرَاراً بِالدُّنْيَا فَأَضِرُّوا بِالدُّنْيَا فَإِنَّهَا أَوْلَى بِالْإِضْرَارِ(4).
وقال اللَّه سبحانه: «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا»(5).
ص: 236
قال تعالى: «أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ»(1).
قال الشاعر:
ألا انما الدنيا بلاء وفتنة
على كل حال أقبلت أو تولت(2)
قال تعالى: «وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ»(3).
قال الطبرسي: اي نعاملكم معاملة المختبر بالفقر والغنا وبالضراء والسراء وبالشدة والرخاء، وقيل بما تكرهون وما تحبون ليظهر صبركم على ما تكرهون وشكركم فيما تحبون، وقيل: الشر غلبة الهوى على النفس والخير العصمة عن المعاصي(4).
قال تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ»(5) الآية.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام الْبَلاءُ وَمَا يَخُصُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ الْمُؤْمِنَ فَقَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مَنْ أَشَدُّ النَّاسِ بَلاءً فِي الدُّنْيَا؟ فَقَالَ: النَّبِيُّونَ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ وَيُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ بَعْدُ عَلَى قَدْرِ إِيمَانِهِ وَحُسْنِ أَعْمَالِهِ فَمَنْ صَحَّ إِيمَانُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ اشْتَدَّ بَلاؤُهُ وَمَنْ سَخُفَ إِيمَانُهُ وَضَعُفَ عَمَلُهُ قَلَّ بَلاؤُهُ(6).
عن هشام بن سالم عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ بَلاءً الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الَّذِينَ
ص: 237
يَلُونَهُمْ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ(1).
قال تعالى: «وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ»(2).
قال الصادق عليه السلام: إن كان الحساب حقّاً فجمع المال لماذا انتهى(3).
وعن الفضل بن أبي قرّة السمندي قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مَجَاعَةٌ حَتَّى نَبَشُوا الْمَوْتَى فَأَكَلُوهُمْ فَنَبَشُوا قَبْراً فَوَجَدُوا فِيهِ لَوْحاً فِيهِ مَكْتُوبٌ أَنَا فُلانٌ النَّبِيُّ يَنْبُشُ قَبْرِي حَبَشِيٌّ مَا قَدَّمْنَا وَجَدْنَاهُ وَمَا أَكَلْنَا رَبِحْنَاهُ وَمَا خَلَّفْنَا خَسِرْنَاهُ(4).
وعن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ قَالُوا مَا فِينَا أَحَدٌ يُحِبُّ ذَلِكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ بَلْ كُلُّكُمْ يُحِبُّ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ مَالُ الْوَارِثِ(5).
وعن أميرالمؤمنين عليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: إِنَّ الدِّينَارَ وَالدِّرْهَمَ أَهْلَكَا مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَهُمَا مُهْلِكَاكُمْ(6).
ص: 238
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام في قول اللَّه: «كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ(1) قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يَدَعُ الْمَالَ لا يُنْفِقُهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ بُخْلاً ثُمَّ يَمُوتُ فَيَدَعُهُ لِمَنْ يَعْمَلُ بِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ أَوْ فِي مَعْصِيَتِهِ فَإِنْ عَمِلَ بِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ رَآهُ فِي مِيزَانِ غَيْرِهِ فَزَادَ حَسْرَةً وَقَدْ كَانَ الْمَالُ لَهُ أَوْ مَنْ عَمِلَ بِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ قَوَّاهُ بِذَلِكَ الْمَالِ حَتَّى عَمِلَ بِهِ فِي مَعَاصِي اللَّهِ(2).
وَسُئِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مَنْ أَعْظَمُ النَّاسِ حَسْرَةً؟ قَالَ: مَنْ رَأَى مَالَهُ فِي مِيزَانِ غَيْرِهِ وَأَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهِ النَّارَ وَأَدْخَلَ وَارِثَهُ بِهِ الْجَنَّةَ(3).
قال تعالى: «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ»(4).
وقال تعالى: «أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ»(5).
وقال تعالى: «وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ»(6).
وقال تعالى: «إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ»(7).
وقال تعالى: «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا»(8).
ص: 239
وأمّا الأخبار الواردة في الباب:
فمنها قوله عليه السلام : ثَلاثَةٌ لا يُسْأَلُ عَنْهَا الْعَبْدُ خِرْقَةٌ يُوَارِي بِهَا عَوْرَتَهُ أَوْ كِسْرَةٌ يَسُدُّ بِهَا جَوْعَتَهُ أَوْ بَيْتٌ يَكُنُّهُ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ(1).
ومفهوم الرواية يدلّ على انّ العبد يسئل عن غير الثلاثة كائنا ما كان.
ومنها: ما روى عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَشَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاه وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ حُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ(2).
ومنها: عن الصادق جعفر بن محمّدعليه السلام قال: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وُقِفَ عَبْدَانِ مُؤْمِنَانِ لِلْحِسَابِ كِلاهُمَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَقِيرٌ فِي الدُّنْيَا وَغَنِيٌّ فِي الدُّنْيَا فَيَقُولُ الْفَقِيرُ يَا رَبِّ عَلَى مَا أُوقَفُ فَوَ عِزَّتِكَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّكَ لَمْ تُوَلِّنِي وِلايَةً فَأَعْدِلَ فِيهَا أَوْ أَجُورَ وَلَمْ تَرْزُقْنِي مَالاً فَأُؤَدِّيَ مِنْهُ حَقّاً أَوْ أَمْنَعَ وَلا كَانَ رِزْقِي يَأْتِينِي مِنْهَا إِلّا كَفَافاً عَلَى مَا عَلِمْتَ وَقَدَّرْتَ لِي فَيَقُولُ اللَّهُ جَلَّ جَلالُهُ صَدَقَ عَبْدِي خَلُّوا عَنْهُ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ وَيُبْقَى الآْخَرُ حَتَّى يَسِيلَ مِنْهُ مِنَ الْعَرَقِ مَا لَوْ شَرِبَهُ أَرْبَعُونَ بَعِيراً لَكَفَاهَا ثُمَّ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ لَهُ الْفَقِيرُ مَا حَبَسَكَ فَيَقُولُ طُولُ الْحِسَابِ مَا زَالَ الشَّيْ ءُ يَجِيئُنِي بَعْدَ الشَّيْ ءِ يُغْفَرُ لِي ثُمَّ أُسْأَلُ عَنْ شَيْ ءٍ آخَرَ حَتَّى تَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ وَأَلْحَقَنِي بِالتَّائِبِينَ فَمَنْ أَنْتَ فَيَقُولُ أَنَا الْفَقِيرُ الَّذِي كُنْتُ مَعَكَ آنِفاً فَيَقُولُ لَقَدْ غَيَّرَكَ النَّعِيمُ بَعْدِي(3).
ص: 240
ومنها: عن سفيان بن عيينة قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: مَا مِنْ عَبْدٍ إِلّا وَللَّهِ ِ عَلَيْهِ حُجَّةٌ إِمَّا فِي ذَنْبٍ اقْتَرَفَهُ وَإِمَّا فِي نِعْمَةٍ قَصَّرَ عَنْ شُكْرِهَا(1).
ومنها: عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: ثَلاثَةُ أَشْيَاءَ لا يُحَاسَبُ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ عَلَيْهِنَّ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ وَثَوْبٌ يَلْبَسُهُ وَزَوْجَةٌ صَالِحَةٌ تُعَاوِنُهُ وَيُحْصِنُ بِهَا فَرْجَهُ(2).
لعلّ المراد إذا كانت من الحلال كما هو ظاهر وإلّا فيحاسب عليها.
ومنها: عن قبيصة عن أبي عبداللَّه عليه السلام في قوله عزّ وجلّ: «إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ»(3). قَالَ: فِينَا التَّنْزِيلُ قُلْتُ: إِنَّمَا أَسْأَلُكَ عَنِ التَّفْسِيرِ قَالَ: نَعَمْ يَا قَبِيصَةُ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَعَلَ اللَّهُ حِسَابَ شِيعَتِنَا عَلَيْنَا فَمَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ اسْتَوْهَبَهُ مُحَمَّدٌصلى الله عليه وآله مِنَ اللَّهِ وَمَا كَانَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ مِنَ الْمَظَالِمِ أَدَّاهُ مُحَمَّدٌصلى الله عليه وآله عَنْهُمْ وَمَا كَانَ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ وَهَبْنَاهُ لَهُمْ حَتَّى يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ(4).
ومنها: عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: كُنْتُ قَاعِداً مَعَ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ عليه السلام وَالنَّاسُ فِي الطَّوَافِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَقَالَ يَا سَمَاعَةُ إِلَيْنَا إِيَابُ هَذَا الْخَلْقِ وَعَلَيْنَا حِسَابُهُم(5).
قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ»(6).
ص: 241
وقال تعالى: «وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا»(1).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: كَانَ فِيمَا وَعَظَ بِهِ لُقْمَانُ ابْنَهُ يَا بُنَيَّ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا قَبْلَكَ لِأَوْلادِهِمْ فَلَمْ يَبْقَ مَا جَمَعُوا وَلَمْ يَبْقَ مَنْ جَمَعُوا لَهُ وَإِنَّمَا أَنْتَ عَبْدٌ مُسْتَأْجَرٌ قَدْ أُمِرْتَ بِعَمَلٍ وَوُعِدْتَ عَلَيْهِ أَجْراً فَأَوْفِ عَمَلَكَ وَاسْتَوْفِ أَجْرَكَ وَلا تَكُنْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا بِمَنْزِلَةِ شَاةٍ وَقَعَتْ فِي زَرْعٍ أَخْضَرَ فَأَكَلَتْ حَتَّى سَمِنَتْ فَكَانَ حَتْفُهَا(2) عِنْدَ سِمَنِهَا وَلَكِنِ اجْعَلِ الدُّنْيَا بِمَنْزِلَةِ قَنْطَرَةٍ عَلَى نَهَرٍ جُزْتَ عَلَيْهَا وَتَرَكْتَهَا وَلَمْ تَرْجِعْ إِلَيْهَا آخِرَ الدَّهْرِ أَخْرِبْهَا(3) وَلا تَعْمُرْهَا فَإِنَّكَ لَمْ تُؤْمَرْ بِعِمَارَتِهَا وَاعْلَمْ أَنَّكَ سَتُسْأَلُ غَداً إِذَا وَقَفْتَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَرْبَعٍ شَبَابِكَ فِيمَا أَبْلَيْتَهُ وَعُمُرِكَ فِيمَا أَفْنَيْتَهُ وَمَالِكَ مِمَّا اكْتَسَبْتَهُ وَفِيمَا أَنْفَقْتَهُ فَتَأَهَّبْ لِذَلِكَ وَأَعِدَّ لَهُ جَوَاباً وَلا تَأْسَ عَلَى مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا فَإِنَّ قَلِيلَ الدُّنْيَا لا يَدُومُ بَقَاؤُهُ وَكَثِيرَهَا لا يُؤْمَنُ بَلاؤُهُ فَخُذْ حِذْرَكَ وَجِدَّ فِي أَمْرِكَ وَاكْشِفِ الْغِطَاءَ عَنْ وَجْهِكَ وَتَعَرَّضْ لِمَعْرُوفِ رَبِّكَ وَجَدِّدِ التَّوْبَةَ فِي قَلْبِكَ وَاكْمُشْ فِي فَرَاقِكَ(4) قَبْلَ أَنْ يُقْصَدَ قَصْدُكَ وَيُقْضَى قَضَاؤُكَ وَيُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَا تُرِيدُ(5).
عن عليّ بن الحسين عليه السلام حيث قال: اعْلَمْ يَا ابْنَ آدَمَ أَنَّ مِنْ وَرَاءِ هَذَا أَعْظَمَ وَأَفْظَعَ وَأَوْجَعَ لِلْقُلُوبِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ يَجْمَعُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ الْأَوَّلِينَ وَالآْخِرِينَ ذَلِكَ يَوْمٌ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَتُبَعْثَرُ فِيهِ
ص: 242
الْقُبُورُ(1) وَذَلِكَ يَوْمُ الآْزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ وَذَلِكَ يَوْمٌ لا تُقَالُ فِيهِ عَثْرَةٌ(2) وَلا يُؤْخَذُ مِنْ أَحَدٍ فِدْيَةٌ وَلا تُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ مَعْذِرَةٌ وَلا لِأَحَدٍ فِيهِ مُسْتَقْبَلُ تَوْبَةٍ لَيْسَ إِلّا الْجَزَاءُ بِالْحَسَنَاتِ وَالْجَزَاءُ بِالسَّيِّئَاتِ فَمَنْ كَانَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَمِلَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ وَجَدَهُ وَمَنْ كَانَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَمِلَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ شَرٍّ وَجَدَهُ(3) الخبر.
كلّ في ء ظلّ، وليس كلّ ظلّ فيئا، قال روبة: كلّ ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو في ء وظلّ، وما لم يكن عليه الشمس فهو ظلّ(4) ولكون الظلّ أعمّ صحّ إضافة الفي ء إليه.
عن جابر الجعفي عن الباقرعليه السلام قال: يَا جَابِرُ أَنْزِلِ الدُّنْيَا مِنْكَ كَمَنْزِلٍ نَزَلْتَهُ تُرِيدُ التَّحَوُّلَ عَنْهُ وَهَلِ الدُّنْيَا إِلّا دَابَّةٌ رَكِبْتَهَا فِي مَنَامِكَ فَاسْتَيْقَظْتَ وَأَنْتَ عَلَى فِرَاشِكَ غَيْرَ رَاكِبٍ وَلا أَحَدٌ يَعْبَأُ بِهَا أَوْ كَثَوْبٍ لَبِسْتَهُ أَوْ كَجَارِيَةٍ وَطِئْتَهَا يَا جَابِرُ الدُّنْيَا عِنْدَ ذَوِي الْأَلْبَابِ كَفَيْ ءِ الظِّلالِ(5).
ص: 243
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَبَّادٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ سَمِعْتُ الرِّضَاعليه السلام يَوْماً يُنْشِدُ شِعْراً وَقَلِيلاً مَا كَانَ يُنْشِدُ شِعْراً
كُلُّنَا نَأْمُلُ مَدّاً فِي الْأَجَلِ * وَالْمَنَايَا هُنَّ آفَاتُ الْأَمَلِ
لا تَغُرَّنْكَ أَبَاطِيلُ الْمُنَى * وَالْزَمِ الْقَصْدَ وَدَعْ عَنْكَ الْعِلَلَ
إِنَّمَا الدُّنْيَا كَظِلٍّ زَائِلٍ * حَلَّ فِيهِ رَاكِبٌ ثُمَّ رَحَل(1)
قال ابن أبي الحديد: قال الشاعر:
ألا إنما الدنيا كظل غمامة * أظلت يسيرا ثم خفت فولت
ظل الغمام وأحلام المنام فما * تدوم يوما لمخلوق على حال(2)
وفي (شعراء ابن قتيبة) قال لبيد:
وما النّاس إلّا كالدّيار وأهلها * بها يوم حلوّها وغدوا بلاقع
ومنا المرء إلّا كالشّهاب وضوئه * يحور رمادا بعد اذ هو ساطع(3)
وقول آخر:
ألا إنما الدنيا كظل سحابة * أظلتك يوما ثم عنك اضمحلت
فلا تك فرحانا بها حين أقبلت * ولا تك جزعانا بها حين ولت(4)
ولنعم ما قيل فيه:
ما انعم اللَّه على عبده * بنعمة اوفى من العافية
ص: 244
وكلّ من عوفي في جمعه * فانّه في عيشة راضية
والمال حلو حسن جيّد * على الفتى لكنّه عارية
ما احسن الدّنيا ولكنّها
مع حسنها غدّارة فانية(1)
بسم الله الرحمن الرحیم
فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَبَادِرُوا آجَالَكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ وَابْتَاعُوا مَا يَبْقَى لَكُمْ بِمَا يَزُولُ عَنْكُمْ وَتَرَحَّلُوا فَقَدْ جُدَّ بِكُمْ وَاسْتَعِدُّوا لِلْمَوْتِ فَقَدْ أَظَلَّكُمْ وَكُونُوا قَوْماً صِيحَ بِهِمْ فَانْتَبَهُوا وَعَلِمُوا أَنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ لَهُمْ بِدَارٍ فَاسْتَبْدَلُوا فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً وَلَمْ يَتْرُكْكُمْ سُدًى وَمَا بَيْنَ أَحَدِكُمْ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ إِلّا الْمَوْتُ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ وَإِنَّ غَايَةً تَنْقُصُهَا اللَّحْظَةُ وَتَهْدِمُهَا السَّاعَةُ لَجَدِيرَةٌ بِقِصَرِ الْمُدَّةِ وَإِنَّ غَائِباً يَحْدُوهُ الْجَدِيدَانِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ لَحَرِيٌّ بِسُرْعَةِ الْأَوْبَةِ وَإِنَّ قَادِماً يَقْدُمُ بِالْفَوْزِ أَوِ الشِّقْوَةِ لَمُسْتَحِقٌّ لِأَفْضَلِ الْعُدَّةِ فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تُحْرزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً فَاتَّقَى عَبْدٌ رَبَّهُ نَصَحَ نَفْسَهُ وَقَدَّمَ تَوْبَتَهُ وَغَلَبَ شَهْوَتَهُ فَإِنَّ أَجَلَهُ مَسْتُورٌ عَنْهُ وَأَمَلَهُ خَادِعٌ لَهُ وَالشَّيْطَانُ مُوَكَّلٌ بِهِ يُزَيِّنُ لَهُ الْمَعْصِيَةَ لِيَرْكَبَهَا وَيُمَنِّيهِ التَّوْبَةَ لِيُسَوِّفَهَا حتّى تهجم (إِذَا هَجَمَتْ) مَنِيَّتُهُ عَلَيْهِ أَغْفَلَ مَا يَكُونُ عَنْهَا فَيَا لَهَا حَسْرَةً عَلَى كُلِّ ذِي غَفْلَةٍ أَنْ يَكُونَ عُمُرُهُ عَلَيْهِ حُجَّةً وَأَنْ تُؤَدِّيَهُ أَيَّامُهُ إِلَى شقْوَةِ نَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ لا تُبْطِرُهُ نِعْمَةٌ وَلا تُقَصِّرُ بِهِ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ غَايَةٌ وَلا تَحُلُّ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ نَدَامَةٌ وَلا كَآبَةٌ
ص: 245
ذكر عباد اللَّه لبيان وجوب اتّقائه تعالى، فانّ العبد يجب عليه اتّقاء مولاه والأمر باتّقائه تعالى في الكتاب العزيز كثير:
منها: «وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ»(1).
ومنها: «وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ»(2).
ومنها: «وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»(3).
ومنها: «وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ»(4).
ومنها: «وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ»(5).
ومنها: «وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»(6).
ومنها: «وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»(7).
«وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»(8).
قال تعالى: «وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ»(9).
ص: 246
وقال تعالى: «وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ»(1).
قال تعالى: «مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ»(2).
وقال تعالى: «وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ»(3).
وقال تعالى: «وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا»(4).
وقال تعالى: «وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»(5).
وقال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»(6).
وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ
ص: 247
خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»(1).
قال عليه السلام في الديوان المنسوب إليه:
تزود من الدنيا فإنك راحل * وبادر فإن الموت لا شك نازل
ألا إنما الدنيا كمنزل راكب * أناخ عشيا وهو في الصبح راحل(2)
وقال عليه السلام:
إنما الدنيا كظل زائل * أو كضيف بات ليلا فارتحل
أو كنوم قد يراه نائم * أو كبرق لاح في أفق الأمل(3)
وقال الشاعر:
انّما الدنيا كرؤيا افرحت * من رأها ساعة ثمّ انقضت(4)
بالاسناد عن أبي محمد العسكري عن آبائه عليهم السلام قال: قيل لأميرالمؤمنين عليه السلام ما الاستعداد للموت قال أداء الفرائض واجتناب المحارم والاشتمال على المكارم ثم لا يبالي أن وقع على الموت أو وقع الموت عليه واللَّه ما يبالي ابن أبي طالب أن
ص: 248
وقع على الموت أو وقع الموت عليه(1).
سأل رجل من الأنصار رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقال من أكيس الناس وأكرم الناس؟ فقال صلى الله عليه وآله أكثرهم ذكرا للموت وأشدهم استعدادا له أولئك هم الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة(2).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: كان عيسى ابن مريم عليه السلام يقول هول لا تدري متى يلقاك ما يمنعك أن تستعد له قبل أن يفجأك(3).
قال النبيّ صلى الله عليه وآله لأبي ذر الغفاري جدّد السّفينة فانّ البحر عميق، وخذ الزّاد كاملا فإنّ السّفر بعيد، وخفّف الحمل فانّ العقبة شديد، واخلص العمل فانّ النّاقد بصير(4).
في الديوان المنسوب إليه عليه السلام:
إلى م تجر أذيال التصابي * وشيبك قد نضا برد الشباب
بلال الشيب في فوديك نادى * بأعلى الصوت حي على الذهاب
خلقت من التراب وعن قريب * تغيب تحت أطباق التراب
طمعت إقامة في دار ظعن * فلا تطمع فرجلك في الركاب
وأرخيت الحجاب وسوف يأتي * رسول ليس يحجب بالحجاب
أ عامر قصرك المرفوع اقصر * فإنك ساكن القبر الخراب(5)
وللأخطل:
ص: 249
ونفس المرء ترصدها المنايا * وتحدّ رحوله حتى يصابا
إذا أمرت به التفت عليه * أحدّ سلاحها ظفرا ونابا
قال تعالى: ولا تكونوا كالّذين قال تعالى فيهم: «وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْ ءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا...»(1).
إن للَّه سبحانه ملك ينادي في كل يوم يا أهل الدنيا لدوا للموت وابنوا للخراب(2).
روى انّ عيسى عليه السلام مرّ بقرية فإذا أهلها موتى في الأفنية والطرق فقال لهم يا معشر الحواريين إن هؤلاء ماتوا عن سخطة ولو ماتوا عن غير ذلك لتدافنوا فقالوا يا روح اللَّه وددنا لو علمنا خبرهم فسأل ربه فأوحى اللَّه إليه إذا كان الليل فنادهم يجيبوك فلما كان الليل أشرف على نشز ثم نادى يا أهل القرية فأجابه مجيب لبيك يا روح اللَّه فقال ما حالكم وما قصتكم قال بتنا في عافية وأصبحنا في الهاوية قال وكيف ذلك قال لحبنا الدنيا وطاعتنا أهل المعاصي قال وكيف كان حبكم الدنيا قال حب الصبي لأمه إذا أقبلت فرحنا وإذا أدبرت حزنا وبكينا قال فما بال أصحابك لم يجيبوني قال لأنهم ملجمون بلجام من نار بأيدي ملائكة غلاظ شداد قال كيف أجبتني من بينهم قال لأني كنت فيهم ولم أكن منهم فلما نزل العذاب أصابني معهم فأنا معلق على شفير جهنم لا أدري أنجو منها أم أكبكب فيها فقال المسيح عليه السلام للحواريين أكل خبز الشعير بالملح الجريش ولبس المسوح والنوم
ص: 250
على المزابل خير كثير مع عافية الدنيا والآخرة(1).
قال مؤمن آل فرعون لقومه: «يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآْخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ»(2)، وقال صالح عليه السلام لقومه: «أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ * وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ»(3).
قيل أوحي اللَّه تعالى إلى موسى عليه السلام يا موسى ما لك ولدار الظالمين إنها ليست لك بدار أخرج منها همك وفارقها بعقلك وبئست الدار هي إلّا للعامل فيها فنعمت الدار هي يا موسى إني مرصد للظالم حتى آخذ منه للمظلوم(4).
وقال لقمان لابنه يا بني إن الدنيا بحر عميق قد غرق فيها ناس كثير فلتكن سفينتك منها تقوى اللَّه عزوجل وحشوها الإيمان باللَّه عزوجل وشراعها التوكل على اللَّه لعلك ناج وما أراك ناجيا(5).
وقال لقمان لابنه يا بني بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا ولا تبع آخرتك بدنياك تخسرهما جميعا(6).
وقال رجل لأميرالمؤمنين عليه السلام صف لنا الدنيا فقال وما أصف لك من
ص: 251
دار من صح فيها أمن ومن سقم فيها ندم ومن افتقر فيها حزن ومن استغنى فيها فتن في حلالها الحساب وفي حرامها العقاب(1) اعاذنا اللَّه من حبها بحق محمد وآله.
قال تعالى: «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ»(2).
وقال تعالى: «أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى»(3).
وفي الحديث القدسي من منتخب التوراة: يابن آدم اني لم أخلقكم عبثا ولا جعلتكم سدى ولا أنا بغافل عما تعملون، وإنكم لن تنالوا ما عندي إلّا بالصبر على ما تكرهون في طلب رضائي، والصبر على طاعتي أيسر عليكم من حر النار، وعذاب الدنيا أيسر عليكم من عذاب الآخرة(4).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إن للقبر كلاما في كل يوم يقول أنا بيت الغربة... أنا روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار(5).
قال تعالى بعد ذكر نزول الموت بالإنسان: «فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ
ص: 252
وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ»(1).
في تفسير «إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا»(2) المراد: انّه تعالى يعدّ أنفاسهم الباقية في الدّنيا فلا يجاوزون نفسا ممّا قدّرت لهم(3).
وقال البحتري:
وما لبث من يغدو وفي كلّ لحظة * له أجل في مدّة العمر قاتل(4)
وقيل في وصفها:
أحلام نوم أو كظل زائل * إن اللبيب بمثلها لا يخدع(5)
وكان الحسن بن علي عليه السلام يتمثل:
يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها * إن اغترارا بظل زائل حمق(6)
قال ابن أبي الحديد: الغائب المشار إليه هو الموت وقيل: هو الإنسان يسوقه الجديدان إلى الدار التي هي داره الحقيقية وهي الآخرة، وهو في الدّنيا غائب على
ص: 253
الحقيقة عن داره التي خلق لها(1)، وقال ابن ميثم: المراد به الإنسان، وأمّا الموت فلا يحتمله لفظ الأوبة لأنّه لم يكن، حتّى يرجع(2)، وقال (الخوئي): لمّا كان الإنسان مسبوقا بالعدم، سمّى حلول الموت بالأوبة، إلّا أنّ توصيفه بكون الليل والنهار حاديين له لا يخلوا عن بعد(3) وقال (التستري) التحقيق أنّ الإنسان لمّا كان خلق للموت، فالموت من أوّل وجوده كان مقارنا له، إلّا أنّ الأجل أي: مدّة قدّر له فيها العيش في الدّنيا حال بينه وبينه، فكأنّه غاب بالأجل عنه، فاذا حدا الجديدان الأجل يصدق سرعة أوبة الموت من غيبته. وبالجملة كما أنّه عليه السلام شبّه في الفقرة السابقة مدّة بقاء الإنسان في الدنيا بغاية قصيرة جدا شبّه عليه السلام هنا الموت بمن غاب عنك من أعداءك ثم يرجع إليك سريعا بحدو الجديدين له، وفي عنوان وصيّته عليه السلام لابنه: واعلم، أنّ من كانت مطيّته الليل والنهار، فانّه يسار به، وإن كان واقفا، ويقطع المسافة وإن كان مقيما وادعا(4)، (5).
قال تعالى: «فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى»(6).
وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ
ص: 254
أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا»(1).
قال تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ»(2).
وقال اللَّه تعالى: «وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى»(3).
عن أميرالمؤمنين عليه السلام: ألتقوى حرز لمن عمل بها(4).
وقال عليه السلام: ألتقوى حصن حصين لمن لجأ إليه(5).
وقال عليه السلام: إلجأوا إلى التقوى فإنه جنة منيعة(6).
تفريع تبييني لتزوّد في اليوم يكون محرزا به النفس في الغد، قال تعالى: «وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ»(7).
وقال تعالى: «وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ»(8).
وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ»(9).
ص: 255
وقال تعالى: «وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا»(1).
وقال تعالى: «لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ»(2).
وقال تعالى: «لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ»(3).
وقال تعالى: «وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ للَّهِ ِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ»(4).
واعلم انّ جميع خيرات الدّنيا والآخرة جمعت تحت كلمة واحدة وهي التّقوى ولنذكر عدّة من خصالها وآثارها الواردة فيها:
الأولى - المدحة والثّناء قال اللَّه تعالى: في كتابه: «وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ»(5).
الثّانية - الحفظ والحراسة قال اللَّه تعالى في كتابه: «وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا»(6).
ص: 256
الثّالثة - التأييد والنّصر قال اللَّه تعالى في كتابه: «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا»(1) وقوله تعالى: «أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ»(2).
الرّابعة: النّجاة من الشّدائد والرِّزق الحلال قال اللَّه تعالى: «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ»(3).
الخامسة - «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ» الآية(4).
السادسة - غفران الذّنوب قال اللَّه تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ» الآية(5).
السّابعة - محبّة اللَّه تعالى: قال اللَّه تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ»(6).
الثّامنة - قبول الأعمال قال اللَّه تعالى: «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ»(7).
التّاسعة - الاكرام والاعزار قال اللَّه تعالى: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»(8).
العاشرة - البشارة عند الموت قال اللَّه تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآْخِرَةِ» الآية(9).
الحادية عشرة - النّجاة من النّار قال اللَّه تعالى: «وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ» الآية(10).
الثّانيه عشرة - الخلود فى الجنّة قال اللَّه تعالى: «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
ص: 257
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ»(1).(2)
قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ»(3).
قال تعالى: «وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ...»(4).
وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ...»(5) .
قال النبيّ صلى الله عليه وآله: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ عَبْدِهِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الزَّاكِيَةِ قَبْلَ أَنْ تَشْتَغِلُوا وَصِلُوا الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ إِيَّاهُ(6).
عن أبي عبداللَّه الصادق جعفر بن محمّدعليه السلام قال: مَرَّ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام عَلَى قَوْمٍ يَبْكُونَ فَقَالَ عَلَى مَا يَبْكِي هَؤُلاءِ فَقِيلَ يَبْكُونَ عَلَى ذُنُوبِهِمْ قَالَ فَلْيَدَعُوهَا يُغْفَرْ لَهُمْ(7).
ص: 258
عن أبي الحسن عليه السلام في قوله: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً» قَالَ عليه السلام: يَتُوبُ الْعَبْدُ ثُمَّ لا يَرْجِعُ فِيهِ وَأَحَبُّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ الْمُتَّقِي التَّائِبُ(1).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قَالَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله: يَلْزَمُ الْحَقُّ لِأُمَّتِي فِي أَرْبَعٍ يُحِبُّونَ التَّائِبَ وَيَرْحَمُونَ الضَّعِيفَ وَيُعِينُونَ الْمُحْسِنَ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلْمُذْنِبِ(2).
انّ التوبة وقتها من أوّل التكليف إلى حين الموت إلّا انّها كلّما كانت أقرب وأسرع إلى العمل الّذي يتوب عنه فهي أولى فيجب عليه التوبة آناً فآناً ويدلّ عليه:
ما روي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: مَا زَالَتِ الْأَرْضُ إِلّا وَللَّهِ ِ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِيهَا حُجَّةٌ يُعَرِّفُ الْحَلالَ وَالْحَرَامَ وَيَدْعُو إِلَى سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلا تَنْقَطِعُ الْحُجَّةُ مِنَ الْأَرْضِ إِلّا أَرْبَعِينَ يَوْماً قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَإِذَا رُفِعَتِ الْحُجَّةُ أُغْلِقَتْ أَبْوَابُ التَّوْبَةِ وَلَمْ يَنْفَعْ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُرْفَعَ الْحُجَّةُ أُولَئِكَ شِرَارُ مَنْ خَلَقَ اللَّهُ وَهُمُ الَّذِينَ تَقُومُ عَلَيْهِمُ الْقِيَامَةُ(3)
وما روي عن أبي عبداللَّه عليه السلام أو عن أبي جعفرعليه السلام قال: إِنَّ آدَمَ عليه السلام قَالَ: يَا رَبِّ سَلَّطْتَ عَلَيَّ الشَّيْطَانَ وَأَجْرَيْتَهُ مِنِّي مَجْرَى الدَّمِ فَاجْعَلْ لِي شَيْئاً فَقَالَ يَا آدَمُ جَعَلْتُ لَكَ أَنَّ مَنْ هَمَّ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ وَمَنْ هَمَّ مِنْهُمْ بِحَسَنَةٍ فَإِنْ لَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ فَإِنْ هُوَ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْراً قَالَ يَا رَبِّ
ص: 259
زِدْنِي قَالَ جَعَلْتُ لَكَ أَنَّ مَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ سَيِّئَةً ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لَهُ غَفَرْتُ لَهُ قَالَ يَا رَبِّ زِدْنِي قَالَ جَعَلْتُ لَهُمُ التَّوْبَةَ أَوْ قَالَ بَسَطْتُ لَهُمُ التَّوْبَةَ حَتَّى تَبْلُغَ النَّفْسُ هَذِهِ قَالَ يَا رَبِّ حَسْبِي(1).
صحّة التّوبة عن كلّ ذنب وان عظم الّا الشّرك باللَّه تعالى على ما نطق به القرآن حيث قال اللَّه تعالى فيه: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ»(2) ويدلّ على الاوّل قوله تعالى: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ»(3).
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ الدَّوْسِيِّ قَالَ: دَخَلَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله بَاكِياً فَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ ثُمَّ قَالَ: مَا يُبْكِيكَ يَا مُعَاذُ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بِالْبَابِ شَابّاً طَرِيَّ الْجَسَدِ نَقِيَّ اللَّوْنِ حَسَنَ الصُّورَةِ يَبْكِي عَلَى شَبَابِهِ بُكَاءَ الثَّكْلَى عَلَى وَلَدِهَا يُرِيدُ الدُّخُولَ عَلَيْكَ فَقَالَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله: أَدْخِلْ عَلَيَّ الشَّابَّ يَا مُعَاذُ فَأَدْخَلَهُ عَلَيْهِ فَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ ثُمَّ قَالَ: مَا يُبْكِيكَ يَا شَابُّ؟ قَالَ: كَيْفَ لا أَبْكِي وَقَدْ رَكِبْتُ ذُنُوباً إِنْ أَخَذَنِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِبَعْضِهَا أَدْخَلَنِي نَارَ جَهَنَّمَ وَلا أَرَانِي إِلّا سَيَأْخُذُنِي بِهَا وَلا يَغْفِرُ لِي أَبَداً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: هَلْ أَشْرَكْتَ بِاللَّهِ شَيْئاً؟ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أُشْرِكَ بِرَبِّي شَيْئاً قَالَ: أَ قَتَلْتَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ؟ قَالَ لا: فَقَالَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ ذُنُوبَكَ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي فَقَالَ الشَّابُّ: فَإِنَّهَا
ص: 260
أَعْظَمُ مِنَ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي فَقَالَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ ذُنُوبَكَ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ َبِحَارِهَا؛ وَرِمَالِهَا وَأَشْجَارِهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْخَلْقِ قَالَ: فَإِنَّهَا أَعْظَمُ مِنَ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ وَبِحَارِهَا وَرِمَالِهَا وَأَشْجَارِهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْخَلْقِ فَقَالَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ ذُنُوبَكَ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ السَّمَاوَاتِ وَنُجُومِهَا وَمِثْلَ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ قَالَ: فَإِنَّهَا أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَنَظَرَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله إِلَيْهِ كَهَيْئَةِ الْغَضْبَانِ ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ يَا شَابُّ ذُنُوبُكَ أَعْظَمُ أَمْ رَبُّكَ فَخَرَّ الشَّابُّ لِوَجْهِهِ وَهُوَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي مَا شَيْ ءٌ أَعْظَمَ مِنْ رَبِّي رَبِّي أَعْظَمُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مِنْ كُلِّ عَظِيمٍ فَقَالَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله: فَهَلْ يَغْفِرُ الذَّنْبَ الْعَظِيمَ إِلّا الرَّبُّ الْعَظِيمُ؟ قَالَ الشَّابُّ: لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ سَكَتَ الشَّابُّ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله: وَيْحَكَ يَا شَابُّ أَلا تُخْبِرُنِي بِذَنْبٍ وَاحِدٍ مِنْ ذُنُوبِكَ؟ قَالَ: بَلَى أُخْبِرُكَ إِنِّي كُنْتُ أَنْبُشُ الْقُبُورَ سَبْعَ سِنِينَ أُخْرِجُ الْأَمْوَاتَ وَأَنْزِعُ الْأَكْفَانَ فَمَاتَتْ جَارِيَةٌ مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الْأَنْصَارِ فَلَمَّا حُمِلَتْ إِلَى قَبْرِهَا وَدُفِنَتْ وَانْصَرَفَ عَنْهَا أَهْلُهَا وَجَنَّ عَلَيْهِمُ اللَّيْلُ أَتَيْتُ قَبْرَهَا فَنَبَشْتُهَا ثُمَّ اسْتَخْرَجْتُهَا وَنَزَعْتُ مَا كَانَ عَلَيْهَا مِنْ أَكْفَانِهَا وَتَرَكْتُهَا مُتَجَرِّدَةً عَلَى شَفِيرِ قَبْرِهَا وَمَضَيْتُ مُنْصَرِفاً فَأَتَانِي الشَّيْطَانُ فَأَقْبَلَ يُزَيِّنُهَا لِي وَيَقُولُ أَ مَا تَرَى بَطْنَهَا وَبَيَاضَهَا أَ مَا تَرَى وَرِكَيْهَا فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ لِي هَذَا حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْهَا وَلَمْ أَمْلِكْ نَفْسِي حَتَّى جَامَعْتُهَا وَتَرَكْتُهَا مَكَانَهَا فَإِذَا أَنَا بِصَوْتٍ مِنْ وَرَائِي يَقُولُ يَا شَابُّ وَيْلٌ لَكَ مِنْ دَيَّانِ يَوْمِ الدِّينِ يَوْمَ يَقِفُنِي وَإِيَّاكَ كَمَا تَرَكْتَنِي عُرْيَانَةً فِي عَسَاكِرِ الْمَوْتَى وَنَزَعْتَنِي مِنْ حُفْرَتِي وَسَلَبْتَنِي أَكْفَانِي وَتَرَكْتَنِي أَقُومُ جُنُبَةً إِلَى حِسَابِي فَوَيْلٌ لِشَبَابِكَ مِنَ النَّارِ فَمَا أَظُنُّ أَنِّي أَشَمُّ رِيحَ الْجَنَّةِ أَبَداً فَمَا تَرَى لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله تَنَحَّ عَنِّي يَا فَاسِقُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَحْتَرِقَ بِنَارِكَ فَمَا أَقْرَبَكَ مِنَ النَّارِ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ عليه السلام يَقُولُ وَيُشِيرُ إِلَيْهِ حَتَّى أَمْعَنَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ فَذَهَبَ
ص: 261
فَأَتَى الْمَدِينَةَ فَتَزَوَّدَ مِنْهَا ثُمَّ أَتَى بَعْضَ جِبَالِهَا فَتَعَبَّدَ فِيهَا وَلَبِسَ مِسْحاً وَغَلَّ يَدَيْهِ جَمِيعاً إِلَى عُنُقِهِ وَنَادَى يَا رَبِّ هَذَا عَبْدُكَ بُهْلُولٌ بَيْنَ يَدَيْكَ مَغْلُولٌ يَا رَبِّ أَنْتَ الَّذِي تَعْرِفُنِي وَزَلَّ مِنِّي مَا تَعْلَمُ سَيِّدِي يَا رَبِّ أَصْبَحْتُ مِنَ النَّادِمِينَ وَأَتَيْتُ نَبِيَّكَ تَائِباً فَطَرَدَنِي وَزَادَنِي خَوْفاً فَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ وَجَلالِكَ وَعَظَمَةِ سُلْطَانِكَ أَنْ لا تُخَيِّبَ رَجَائِي سَيِّدِي وَلا تُبْطِلْ دُعَائِي وَلا تُقَنِّطْنِي مِنْ رَحْمَتِكَ فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ أَرْبَعِينَ يَوْماً وَلَيْلَةً تَبْكِي لَهُ السِّبَاعُ وَالْوُحُوشُ فَلَمَّا تَمَّتْ لَهُ أَرْبَعُونَ يَوْماً وَلَيْلَةً رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ اللَّهُمَّ مَا فَعَلْتَ فِي حَاجَتِي إِنْ كُنْتَ اسْتَجَبْتَ دُعَائِي وَغَفَرْتَ خَطِيئَتِي فَأَوْحِ إِلَى نَبِيِّكَ وَإِنْ لَمْ تَسْتَجِبْ لِي دُعَائِي وَلَمْ تَغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَأَرَدْتَ عُقُوبَتِي فَعَجِّلْ بِنَارٍ تُحْرِقُنِي أَوْ عُقُوبَةٍ فِي الدُّنْيَا تُهْلِكُنِي وَخَلِّصْنِي مِنْ فَضِيحَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وآله «وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً» يَعْنِي الزِّنَا «أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ»(1) يَعْنِي بِارْتِكَابِ ذَنْبٍ أَعْظَمَ مِنَ الزِّنَا وَنَبْشِ الْقُبُورِ وَأَخْذِ الْأَكْفَانِ «ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ» يَقُولُ خَافُوا اللَّهَ فَعَجَّلُوا التَّوْبَةَ «وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلّا اللَّهُ» يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ أَتَاكَ عَبْدِي يَا مُحَمَّدُ تَائِباً فَطَرَدْتَهُ فَأَيْنَ يَذْهَبُ وَإِلَى مَنْ يَقْصِدُ وَمَنْ يَسْأَلُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ ذَنْباً غَيْرِي ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ» يَقُولُ لَمْ يُقِيمُوا عَلَى الزِّنَا وَنَبْشِ الْقُبُورِ وَأَخْذِ الْأَكْفَانِ «أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ»(2) فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله خَرَجَ وَهُوَ يَتْلُوهَا وَيَتَبَسَّمُ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى ذَلِكَ الشَّابِّ التَّائِبِ فَقَالَ مُعَاذٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلَغَنَا أَنَّهُ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله بِأَصْحَابِهِ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى ذَلِكَ
ص: 262
الْجَبَلِ فَصَعِدُوا إِلَيْهِ يَطْلُبُونَ الشَّابَّ فَإِذَا هُمْ بِالشَّابِّ قَائِمٌ بَيْنَ صَخْرَتَيْنِ مَغْلُولَةً يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ قَدِ اسْوَدَّ وَجْهُهُ وَتَسَاقَطَتْ أَشْفَارُ عَيْنَيْهِ مِنَ الْبُكَاءِ وَهُوَ يَقُولُ سَيِّدِي قَدْ أَحْسَنْتَ خَلْقِي وَأَحْسَنْتَ صُورَتِي فَلَيْتَ شِعْرِي مَا ذَا تُرِيدُ بِي أَ فِي النَّارِ تُحْرِقُنِي أَوْ فِي جِوَارِكَ تُسْكِنُنِي اللَّهُمَّ إِنَّكَ قَدْ أَكْثَرْتَ الْإِحْسَانَ إِلَيَّ وَأَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَيْتَ شِعْرِي مَا ذَا يَكُونُ آخِرُ أَمْرِي إِلَى الْجَنَّةِ تَزِفُّنِي أَمْ إِلَى النَّارِ تَسُوقُنِي اللَّهُمَّ إِنَّ خَطِيئَتِي أَعْظَمُ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمِنْ كُرْسِيِّكَ الْوَاسِعِ وَعَرْشِكَ الْعَظِيمِ فَلَيْتَ شِعْرِي تَغْفِرُ خَطِيئَتِي أَمْ تَفْضَحُنِي بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ نَحْوَ هَذَا وَهُوَ يَبْكِي وَيَحْثُو التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ وَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ السِّبَاعُ وَصَفَّتْ فَوْقَهُ الطَّيْرُ وَهُمْ يَبْكُونَ لِبُكَائِهِ فَدَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَأَطْلَقَ يَدَيْهِ مِنْ عُنُقِهِ وَنَفَضَ التُّرَابَ عَنْ رَأْسِهِ وَقَالَ يَا بُهْلُولُ أَبْشِرْ فَإِنَّكَ عَتِيقُ اللَّهِ مِنَ النَّارِ ثُمَّ قَالَ عليه السلام: لِأَصْحَابِهِ هَكَذَا تَدَارَكُوا الذُّنُوبَ كَمَا تَدَارَكَهَا بُهْلُولٌ ثُمَّ تَلا عَلَيْهِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ وَبَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ(1).
عن جابر عن أبي جعفرعليه السلام قال: سمعته يقول: التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ وَالْمُقِيمُ عَلَى الذَّنْبِ وَهُوَ مُسْتَغْفِرٌ مِنْهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ(2).
ص: 263
قال تعالى: «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى»(1).
منها - شهوة البطن والفرج وشدّة الحرص على الاكل والجماع ولا ريب في انّ الافراط فيها مذموم مطرود.
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله من وقي شر قبقبه ولقلقه ذبذبه فقد وقي الشر كله والقبقب البطن واللقلق اللسان والذبذب الفرج(2).
وقال النبيّ صلى الله عليه وآله: وَيْلٌ لِلنَّاسِ مِنَ الْقَبْقَبَيْنِ فَقِيلَ وَمَا هُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْحَلْقُ وَالْفَرْجُ(3).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: أَكْثَرُ مَا تَلِجُ بِهِ أُمَّتِي النَّارَ الْأَجْوَفَانِ الْبَطْنُ وَالْفَرْجُ(4).
وقال صلى الله عليه وآله: ثلاث أخافهنّ على أُمّتي من بعدي، الضلالة بعد المعرفة ومضلّات الفتن وشهوة البطن والفرج(5).
وقال صلى الله عليه وآله: مَا مَلَأَ الآْدَمِيُّ وِعَاءً شَرّاً مِنْ بَطْنِهِ فَإِنْ كَانَ وَلا بُدَّ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ
ص: 264
لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ(1).
وقال صلى الله عليه وآله: لا تُمِيتُوا الْقُلُوبَ بِكَثْرَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَإِنَّ الْقُلُوبَ تَمُوتُ كَالزَّرْعِ إِذَا أَكْثَرَ عَلَيْهِ الْمَاءُ(2).
وقال صلى الله عليه وآله: أفضلكم منزلة عند اللَّه تعالى أطولكم جوعا وتفكرا وأبغضكم إلى اللَّه تعالى كل نئوم. وأكول وشروب(3).
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعَاءٍ وَاحِدَةٍ وَالْمُنَافِقُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ(4).
وقال صلى الله عليه وآله: إن أبغض الناس إلى اللَّه المتخمون(5) الملاء وما ترك العبد أكلة يشتهيها إلا كانت له درجة في الجنة(6).
وعن أبي عبداللَّه عليه السلام: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أَطْوَلُ النَّاسِ جُوعاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ شِبَعاً فِي الدُّنْيَا(7).
وقال صلى الله عليه وآله: لا يدخل ملكوت السماوات والأرض من ملأ بطنه(8).
عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: بِئْسَ الْعَوْنُ عَلَى الدِّينِ قَلْبٌ نَخِيبٌ
ص: 265
وَبَطْنٌ رَغِيبٌ وَنَعْظٌ شَدِيدٌ(1).
وقال الباقرعليه السلام: إِذَا شَبِعَ الْبَطْنُ طَغَى(2).
وقال أبوجعفرعليه السلام: ما من شي ء أبغض إلى اللَّه من بطن مملو(3).
والرّوايات في ذمّ الافراط في شهوة الفرج ايضاً كثيره نشير إلى بعض منها.
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: في بعض دعواته اللّهمّ انّي أعوذ بك من شرّ سمعي وبصري وقلبي وشرّ منيّي(4).
وقال صلى الله عليه وآله: اذا قام ذكر الرّجل ذهب ثلثا عقله(5).
وقال صلى الله عليه وآله: النّساء حبائل الشّيطان(6) وامثال ذلك من الاخبار.
ومنها - شهوة الدّنيا وحبّها وقد جمعها اللَّه تعالى في قوله: «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» الآية(7).
ومنها - حبّ المال وهو من شعب حبّ الدّنيا اذ حبّ الدّنيا يتناول حبّ كل حظّ عاجل والمال بعض اجزاء الدّنيا كما انّ الجاه بعضها واتباع شهوة البطن والفرج بعضها وتشفّى الغيظ بحكم الغضب والحسد بعضها والكبر وطلب العلوّ بعضها وبالجملة لها ابعاض كثيرة ولكن أعظم آفاتها المتعلّقة بالقوة الشّهوية هو المال اذ
ص: 266
كلّ ذي روح محتاج إليه ولا غناء له عنه فان فقد حصل الفقر الّذي يكاد أن يكون كفرا وان وجد حصل منه الطغيان الّذي لا تكون عاقبة امره الّا خسرا فهو لا يخلو من فوائد وآفات وفوائده من المنجيات وآفاته من المهلكات وتمييز خيرها وشرّها من المشكلات(1).
قال اللَّه سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ»(2).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حب المال والشرف ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل(3).
وقال صلى الله عليه وآله: «ما ذئبان ضاريان أرسلا في زريبة غنم بأكثر فسادا من حب المال والجاه في دين الرجل المسلم(4).
وعن أميرالمؤمنين عليه السلام قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إن الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم وهما مهلكاكم(5).
قال صلى الله عليه وآله: لكلّ امّة عجل وعجل هذه الامّة الدّينار والدّرهم(6).
والرّوايات في ذمّة كثيرة كما انّ الأخبار الواردة في مدحة أيضاً كثيرة والجمع بينهما هو انّ اخبار الذّم تحمل على حبّه لأجل نفسه واخبار المدح تحمل على مدحه باعتبار حبّه لاجل الآخرة.
ومنها - الغني وهو وجود كلّ ما يحتاج إليه من الأموال وهذا اقلّ مراتبه وفوق
ص: 267
ذلك مراتب لا تحصى حتّى ينتهى إلى جمع اكثر اموال الدّنيا كما اتّفق لبعض الملوك(1) وهو ايضاً يرجع إلى حبّ المال بعينه فالكلام فيه هو الكلام فيه.
ومنها - الحرص وهو معنى راتب في النفس، باعث على جميع ما لا يحتاج إليه ولا يفيده من الأموال، من دون أن ينتهي إلى حد يكتفي به، وهو أقوى شعب حب الدنيا وأشهر أنواعه. ولا ريب في كونه ملكة مهلكة وصفة مضلة(2).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى وراءهما ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب ويتوب على من تاب(3).
عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: منهومان لا يشبعان منهوم العلم ومنهوم المال(4).
وقال صلى الله عليه وآله: «يشيب ابن آدم وتشب فيه خصلتان: الحرص، وطول الأمل(5).
ومنها - الطّمع وهو التّوقع من النّاس في أموالهم وهو أيضاً من شعب حبّ الدنيا ومن انواعه ومن الرّذائل المهلكة(6).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: ايّاك والطّمع فانّه الفقر الحاضر(7).
وقال الباقرعليه السلام بئس العبد عبد له طمع يقوده وبئس العبد عبد له رغبة تذلّه(8).
وعن سعدان عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قلت له ما الذي يثبت الإيمان في العبد قال الورع والذي يخرجه منه قال الطمع(9).
ص: 268
ومنها - البخل وهو الامساك حيث ينبغي البذل وهو أيضاً من الصّفات المذمومة ومن ثمرات حبّ الدّنيا ونتائجه وهو من خبائث الصّفات ورذائل الاخلاق والآيات والأخبار في ذمّه أيضاً كثيرة(1).
قال اللَّه تعالى: «الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» الآية(2).
وقال تعالى: «وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» الآية(3).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم حملهم على أن يسفكوا دماءهم ويستحلوا محارمهم(4).
وقال صلى الله عليه وآله: لا يدخل الجنّة بخيل ولا خبّ ولا خائن ولا سي ء الملكة(5).
وقال صلى الله عليه وآله: البخيل بعيد من اللَّه بعيد من النّاس بعيد من الجنّة قريب من النّار(6).
وقال صلى الله عليه وآله: جاهل سخىّ أحبّ إلى اللَّه من عابد بخيل وادوى الدّاء البخل(7) والأحاديث في ذمّه أيضاً كثيرة.
ومنها: طلب الحرام وعدم الاجتناب عنه وهو من اعظم المهلكات وبه هلك اكثر من هلك وقد وردت الآيات والأخبار في ذمّه أيضاً(8).
عن سليمان بن خالد قال: سألت أباعبداللَّه عليه السلام - عن قول اللَّه عزوجل -
ص: 269
«وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا»(1) قال أما واللَّه إن كانت أعمالهم أشد بياضا من القباطي(2) ولكن كانوا إذا عرض لهم الحرام لم يدعوه(3).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «إن للَّه ملكا على بيت المقدس، ينادي كل ليلة: من أكل حراماً لم يقبل منه صرف ولا عدل» أي لا نافلة ولا فريضة(4).
وقال صلى الله عليه وآله: «من لم يبال من أين اكتسب المال، لم يبال اللَّه من أين أدخله النار»(5).
وقال صلى الله عليه وآله: «كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به»(6).
وقال صلى الله عليه وآله: «من أصاب مالا من مأثم، فوصل به رحما أو تصدق به أو أنفقه في سبيل اللَّه، جمع اللَّه ذلك جمعا، ثم أدخله في النار(7).
وقال صلى الله عليه وآله «إن أخوف ما أخاف على أمتي من بعدي هذه المكاسب الحرام، والشهوة الخفية والربا»(8).
وقال صلى الله عليه وآله: «من اكتسب مالا من الحرام، فإن تصدق به لم يقبل منه، وإن تركه وراءه كان زاده إلى النار»(9).
ومنها - الغدر والخيانة في المال أو العرض أو الجاه وفسادهما أيضاً ممّا لا يخفى(10).
ص: 270
ومنها - أنواع الفجور من الزّنا واللّواط وشرب الخمر وامثال ذلك وقد وردت في ذمّ كلّ واحد منها بخصوصه اخبار كثيره لا حاجة إلى ذكرها(1).
ومنها - الخوض في الباطل وهو التّكلم في المعاصي والفجور(2).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: اعظم النّاس خطايا (أكثر النّاس خطايا) يوم القيامة اكثرهم خوضا في الباطل(3).
واليه الاشارة بقوله تعالى: «وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ»(4).
وقوله تعالى: «فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ»(5).
ومنها - التّكلم بما لا يعني أو بالفضول وهو أيضاً مذموم(6).
روي: «أنه استشهد يوم أحد غلام من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله، ووجد على بطنه حجر مربوط من الجوع، فمسحت أمه التراب عن وجهه، وقالت: هنيئا لك الجنة يا بني! فقال النبي صلى الله عليه وآله: وما يدريك؟ لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه، ويمنع ما لا يضره؟»(7).
وورد أيضاً: «أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال لبعض أصحابه - وهو مريض - : أبشر. فقالت أمه: هنيئا لك الجنة! فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: وما يدريك؟ لعله قال ما لا يعنيه أو منع ما لا يعنيه؟»: يعني إنّما تتهنأ الجنة لمن لا يحاسب، ومن يتكلم فيما لا يعنيه حوسب عليه، وإن كان كلامه مباحا، فلا تتهنأ له الجنة مع المناقشة في الحساب،
ص: 271
فإنه نوع من العذاب(1).
وروي: «أنه تكلّم رجل عند النبي صلى الله عليه وآله فأكثر، فقال له النبي: كم دون لسانك من حجاب؟ فقال: شفتاي وأسناني. فقال: أفما كان في ذلك ما يرد كلامك؟»(2).
وفي رواية أخرى: «إنه قال ذلك في رجل أثنى عليه، فاستهتر في الكلام، ثم قال: ما أوتي رجل شرا من فضل في لسانه»(3).
فهذه هي الأمور التّي لا بدّ للانسان الاجتناب منها في حياته.
قال تعالى: «وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ»(4).
وقال تعالى: «وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا»(5).
وقال تعالى: «وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ»(6).
قال الصادق عليه السلام: يا مفضل ما سُتِرَ عن الإنسان علمُهُ من مدة حياته فإنه لو عرف مقدار عمره وكان قصير العمر لم يتهنأ بالعيش مع ترقب الموت وتوقعه لوقت قد عرفه بل كان يكون بمنزلة من قد فنى ماله أو قارب الفناء فقد استشعر الفقر والوجل من فناء ماله وخوف الفقر على أن الذي يدخل على الإنسان من فناء العمر أعظم مما يدخل عليه من فناء المال لأن من يقل ماله يأمل أن يستخلف
ص: 272
منه فيسكن إلى ذلك ومن أيقن بفناء العمر استحكم عليه اليأس وإن كان طويل العمر ثم عرف ذلك وثق بالبقاء وانهمك في اللذات والمعاصي وعمل على أنه يبلغ من ذلك شهوته ثم يتوب في آخر عمره وهذا مذهب لا يرضاه اللَّه من عباده ولا يقبله(1).
لمّا احتضر المعتصم جعل يقول: إنّي اخذت من بين هذا الخلق(2).
قال تعالى: «ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ»(3).
قال أميرالمؤمنين عليه السلام: ما اطال عبد الامل الّا اساء العمل(4).
وقال عليه السلام لو رأى العبد اجله وسرعته إليه لأبغض الامل وطلب الدّنيا(5).
وقال عليه السلام: كم من أكلة تمنع اكلات(6) وقال لو رأى العبد الاجل ومسيره لأبغض الامل وغروره(7).
قال المعتصم: لو علمت أنّ عمري هكذا قصير ما فعلت ما فعلت، وكان عمره ستّا وأربعين أو سبعا وأربعين أو ثمانيا وأربعين، قال هو ثامن الخلفاء والثّامن من ولد العبّاس ومات عن ثمانية بنين وثماني بنات وملك ثمان سنين وثمانية أشهر(8).
ص: 273
قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ» الآية(1).
وقال تعالى: «وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا»(2).
وقال تعالى: «الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ» الآية(3).
وقال تعالى: «وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا»(4).
وقال تعالى: «إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا»(5) وكثير من الآيات.
أمّا الأخبار:
منها: عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: مَا مِنْ قَلْبٍ إِلّا وَلَهُ أُذُنَانِ عَلَى إِحْدَاهُمَا مَلَكٌ مُرْشِدٌ وَعَلَى الْأُخْرَى شَيْطَانٌ مُفْتِنٌ هَذَا يَأْمُرُهُ وَهَذَا يَزْجُرُهُ الشَّيْطَانُ يَأْمُرُهُ بِالْمَعَاصِي وَالْمَلَكُ يَزْجُرُهُ عَنْهَا وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ(6).
ومنها: عن أبي عبداللَّه عن أبيه عليهما السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِنَّ عَلَى ذِرْوَةِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَاناً فَامْتَهِنُوهَا لِأَنْفُسِكُمْ وَذَلِّلُوهَا وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ(7).
ومنها: عن أميرالمؤمنين عليه السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْجَنَّةَ عَلَى كُلِّ فَحَّاشٍ بَذِيٍّ قَلِيلِ الْحَيَاءِ لا يُبَالِي مَا قَالَ وَلا مَا قِيلَ لَهُ فَإِنَّكَ إِنْ فَتَّشْتَهُ لَمْ تَجِدْهُ إِلّا لِغَيَّةٍ أَوْ شِرْكِ شَيْطَانٍ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَفِي النَّاسِ شِرْكُ شَيْطَانٍ فَقَالَ صلى الله عليه وآله أَ مَا تَقْرَأُ
ص: 274
قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ»(1) الْخَبَرَ(2).
ومنها: عن أبي عبداللَّه عن آبائه عليهم السلام عن النبيّ صلى الله عليه وآله قال لأصحابه: أَ لا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْ ءٍ إِنْ أَنْتُمْ فَعَلْتُمُوهُ تَبَاعَدَ الشَّيْطَانُ مِنْكُمْ كَمَا تَبَاعَدَ الْمَشْرِقُ مِنَ الْمَغْرِبِ قَالُوا بَلَى قَالَ الصَّوْمُ يُسَوِّدُ وَجْهَهُ وَالصَّدَقَةُ تَكْسِرُ ظَهْرَهُ وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْمُوَازَرَةُ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ يَقْطَعُ دَابِرَهُ وَالاسْتِغْفَارُ يَقْطَعُ وَتِينَهُ(3).
ومنها: عن المفضّل بن عمر، قال: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا لإِبْلِيسَ مِنَ السُّلْطَانِ قَالَ مَا يُوَسْوِسُ فِي قُلُوبِ النَّاسِ قُلْتُ فَمَا لِمَلَكِ الْمَوْتِ قَالَ يَقْبِضُ أَرْوَاحَ النَّاسِ قُلْتُ وَهُمَا مُسَلَّطَانِ عَلَى مَنْ فِي الْمَشْرِقِ وَمَنْ فِي الْمَغْرِبِ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَمَا لَكَ أَنْتَ جُعِلْتُ فِدَاكَ مِنَ السُّلْطَانِ قَالَ أَعْلَمُ مَا فِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَعَدَدَ مَا فِيهِنَّ وَلَيْسَ ذَلِكَ لإِبْلِيسَ وَلا لِمَلَكِ الْمَوْتِ(4).
قال ابن ميثم: قال النبيّ صلى الله عليه وآله: ما من مولود يولد إلّا ويولد معه قرين من الشيطان(5).
وروى القمي في قوله تعالى: «الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ»(6)، يريد الشيطان لعنه اللَّه على قلب ابن آدم له خرطوم مثل خرطوم الخنزير، يوسوس لابن آدم إذا أقبل على الدّنيا وما لا يحبّ اللَّه، فاذا ذكر اللَّه تعالى
ص: 275
انخنس، يريد رجع ثم أخبر أنّه من الجنّ والإنس فقال عزوجل: «مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ»(1) قال: وقال الصادق عليه السلام: ما من قلب إلّا وله اذنان على إحداهما ملك مرشد، وعلى الأخرى شيطان مفتّن، هذا يأمره، وهذا يزجره، وكذلك من النّاس شيطان يحمل النّاس على المعاصي كما يحمل الشّيطان من الجنّ(2).
عَنْ حَفْصٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: جَاءَ إِبْلِيسُ إِلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَهُوَ يُنَاجِي رَبَّهُ فَقَالَ لَهُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ مَا تَرْجُو مِنْهُ وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالِ يُنَاجِي رَبَّهُ فَقَالَ أَرْجُو مِنْهُ مَا رَجَوْتُ مِنْ أَبِيهِ آدَمَ وَهُوَ فِي الْجَنَّة(3).
وفي الخبر: إنّ إبليس تراءى لموسى عليه السلام في الطّور حين أراد مناجاة اللَّه تعالى فقال له: أتطمع فيّ وأنا في هذا المقام قال: نعم كما طمعت في أبيك آدم وهو في الجنّة(4).
قال عزّوجلّ: «وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(5).
وقال تعالى: «وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ»(6).
وقوله تعالى: «قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ *
ص: 276
لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ»(1).
عَنِ عليّ بن موسى الرِّضَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام أَنَّ إِبْلِيسَ كَانَ يَأْتِي الْأَنْبِيَاءَعليهم السلام مِنْ لَدُنْ آدَمَ عليه السلام إِلَى أَنْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ عليه السلام يَتَحَدَّثُ عِنْدَهُمْ وَيُسَائِلُهُمْ وَلَمْ يَكُنْ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَشَدَّ أُنْساً مِنْهُ بِيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاعليه السلام فَقَالَ لَهُ يَحْيَى يَا أَبَا مُرَّةَ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً فَقَالَ لَهُ أَنْتَ أَعْظَمُ قَدْراً مِنْ أَنْ أَرُدَّكَ بِمَسْأَلَةٍ فَاسْأَلْنِي مَا شِئْتَ فَإِنِّي غَيْرُ مُخَالِفِكَ فِي أَمْرٍ تُرِيدُهُ فَقَالَ يَحْيَى يَا أَبَا مُرَّةَ أُحِبُّ أَنْ تَعْرِضَ عَلَيَّ مَصَايِدَكَ وَفُخُوخَكَ الَّتِي تَصْطَادُ بِهَا بَنِي آدَمَ فَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ حُبّاً وَكَرَامَةً وَوَاعَدَهُ لِغَدٍ.
فَلَمَّا أَصْبَحَ يَحْيَى عليه السلام قَعَدَ فِي بَيْتِهِ يَنْتَظِرُ الْمَوْعِدَ وَأَجَافَ(2) عَلَيْهِ الْبَابَ إِغْلاقاً فَمَا شَعَرَ حَتَّى سَاوَاهُ مِنْ خَوْخَةٍ(3) كَانَتْ فِي بَيْتِهِ فَإِذَا وَجْهُهُ صُورَةُ وَجْهِ الْقِرْدِ وَجَسَدُهُ عَلَى صُورَةِ الْخِنْزِيرِ وَإِذَا عَيْنَاهُ مَشْقُوقَتَانِ طُولاً وَإِذَا أَسْنَانُهُ وَفَمُهُ مَشْقُوقاً طُولاً عَظْماً وَاحِداً بِلا ذَقَنٍ وَلا لِحْيَةٍ وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَيْدٍ يَدَانِ فِي صَدْرِهِ وَيَدَانِ فِي مَنْكِبِهِ وَإِذَا عَرَاقِيبُهُ قَوَادِمُهُ وَأَصَابِعُهُ خَلْفَهُ وَعَلَيْهِ قِبَاءٌ قَدْ شَدَّ وَسَطَهُ بِمِنْطَقَةٍ فِيهَا خُيُوطٌ مُعَلَّقَةٌ بَيْنَ أَحْمَرَ وَأَصْفَرَ وَأَخْضَرَ وَجَمِيع الْأَلْوَانِ وَإِذَا بِيَدِهِ جَرَسٌ عَظِيمٌ وَعَلَى رَأْسِهِ بَيْضَةٌ وَإِذَا فِي الْبَيْضَةِ حَدِيدَةٌ مُعَلَّقَةٌ شَبِيهَةٌ بِالْكُلّابِ.
فَلَمَّا تَأَمَّلَهُ يَحْيَى عليه السلام قَالَ لَهُ مَا هَذِهِ الْمِنْطَقَةُ الَّتِي فِي وَسَطِكَ فَقَالَ هَذِهِ الْمَجُوسِيَّةُ أَنَا الَّذِي سَنَنْتُهَا وَزَيَّنْتُهَا لَهُمْ فَقَالَ لَهُ مَا هَذِهِ الْخُيُوطُ الْأَلْوَانُ قَالَ لَهُ هَذِهِ جَمِيعُ أَصْنَاعِ النِّسَاءِ لا تَزَالُ الْمَرْأَةُ تَصْنَعُ الصَّنِيعَ حَتَّى يَقَعَ مَعَ لَوْنِهَا فَأَفْتَتِنَ النَّاسَ بِهَا.
ص: 277
فَقَالَ لَهُ فَمَا هَذَا الْجَرَسُ الَّذِي بِيَدِكَ قَالَ هَذَا مَجْمَعُ كُلِّ لَذَّةٍ مِنْ طُنْبُورٍ وَبَرْبَطٍ(1) وَمِعْزَفَةٍ وَطَبْلٍ وَنَايٍ وَصُرْنَايٍ وَإِنَّ الْقَوْمَ لَيَجْلِسُونَ عَلَى شَرَابِهِمْ فَلا يَسْتَلِذُّونَهُ فَأُحَرِّكُ الْجَرَسَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَإِذَا سَمِعُوهُ اسْتَخَفَّهُمُ الطَّرَبُ فَمِنْ بَيْنِ مَنْ يَرْقُصُ وَمِنْ بَيْنِ مَنْ يُفَرْقِعُ أَصَابِعَهُ وَمِنْ بَيْنِ مَنْ يَشُقُّ ثِيَابَهُ.
فَقَالَ لَهُ: وَأَيُّ الْأَشْيَاءِ أَقَرُّ لِعَيْنِكَ قَالَ النِّسَاءُ هُنَّ فُخُوخِي وَمَصَايِدِي فَإِنِّي إِذَا اجْتَمَعَتْ عَلَيَّ دَعَوَاتُ الصَّالِحِينَ وَلَعَنَاتُهُمْ صِرْتُ إِلَى النِّسَاءِ فَطَابَتْ نَفْسِي بِهِنَّ.
فَقَالَ لَهُ يَحْيَى عليه السلام: فَمَا هَذِهِ الْبَيْضَةُ الَّتِي عَلَى رَأْسِكَ قَالَ بِهَا أَتَوَقَّى دَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ: فَمَا هَذِهِ الْحَدِيدَةُ الَّتِي أَرَى فِيهَا قَالَ بِهَذِهِ أُقَلِّبُ قُلُوبَ الصَّالِحِينَ.
قَالَ يَحْيَى عليه السلام فَهَلْ ظَفِرْتَ بِي سَاعَةً قَطُّ قَالَ لا وَلَكِنْ فِيكَ خَصْلَةٌ تُعْجِبُنِي قَالَ يَحْيَى عليه السلام فَمَا هِيَ قَالَ أَنْتَ رَجُلٌ أَكُولٌ فَإِذَا أَفْطَرْتَ أَكَلْتَ وَبَشِمْتَ فَيَمْنَعُكَ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ صَلاتِكَ وَقِيَامِكَ بِاللَّيْلِ قَالَ يَحْيَى عليه السلام فَإِنِّي أُعْطِي اللَّهَ عَهْداً أَنِّي لا أَشْبَعُ مِنَ الطَّعَامِ حَتَّى أَلْقَاهُ قَالَ لَهُ إِبْلِيسُ وَأَنَا أُعْطِي اللَّهَ عَهْداً أَنِّي لا أَنْصَحُ مُسْلِماً حَتَّى أَلْقَاهُ ثُمَّ خَرَجَ فَمَا عَادَ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ(2).
عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا مَضَى لِعِيسَى عليه السلام ثَلاثُونَ سَنَةً بَعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَقِيَهُ إِبْلِيسُ عَلَى عَقَبَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهِيَ عَقَبَةُ أَفِيقٍ فَقَالَ لَهُ يَا عِيسَى أَنْتَ الَّذِي بَلَغَ مِنْ عِظَمِ رُبُوبِيَّتِكَ أَنْ تَكَوَّنْتَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ؟ قَالَ عِيسَى بَلِ الْعَظَمَةُ لِلَّذِي كَوَّنَنِي وَكَذَلِكَ كَوَّنَ آدَمَ وَحَوَّاءَ قَالَ إِبْلِيسُ يَا عِيسَى فَأَنْتَ الَّذِي بَلَغَ
ص: 278
مِنْ عِظَمِ رُبُوبِيَّتِكَ أَنَّكَ تَكَلَّمْتَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً؟ قَالَ عِيسَى يَا إِبْلِيسُ بَلِ الْعَظَمَةُ لِلَّذِي أَنْطَقَنِي فِي صِغَرِي وَلَوْ شَاءَ لَأَبْكَمَنِي قَالَ إِبْلِيسُ فَأَنْتَ الَّذِي بَلَغَ مِنْ عِظَمِ رُبُوبِيَّتِكَ أَنَّكَ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَتَنْفُخُ فِيهِ فَيَصِيرُ طَيْراً؟ قَالَ عِيسَى بَلِ الْعَظَمَةُ لِلَّذِي خَلَقَنِي وَخَلَقَ مَا سَخَّرَ لِي قَالَ إِبْلِيسُ فَأَنْتَ الَّذِي بَلَغَ مِنْ عِظَمِ رُبُوبِيَّتِكَ أَنَّكَ تَشْفِي الْمَرْضَى؟ قَالَ عِيسَى بَلِ الْعَظَمَةُ لِلَّذِي بِإِذْنِهِ أَشْفِيهِمْ وَإِذَا شَاءَ أَمْرَضَنِي قَالَ إِبْلِيسُ فَأَنْتَ الَّذِي بَلَغَ مِنْ عِظَمِ رُبُوبِيَّتِكَ أَنَّكَ تُحْيِي الْمَوْتَى؟ قَالَ عِيسَى بَلِ الْعَظَمَةُ لِلَّذِي بِإِذْنِهِ أُحْيِيهِمْ وَلا بُدَّ مِنْ أَنْ يُمِيتَ مَا أَحْيَيْتُ وَيُمِيتَنِي قَالَ إِبْلِيسُ يَا عِيسَى فَأَنْتَ الَّذِي بَلَغَ مِنْ عِظَمِ رُبُوبِيَّتِكَ أَنَّكَ تَعْبُرُ الْبَحْرَ فَلا تَبْتَلُّ قَدَمَاكَ وَلا تَرْسُخُ فِيهِ؟ قَالَ عِيسَى بَلِ الْعَظَمَةُ لِلَّذِي ذَلَّلَهُ لِي وَلَوْ شَاءَ أَغْرَقَنِي قَالَ إِبْلِيسُ يَا عِيسَى فَأَنْتَ الَّذِي بَلَغَ مِنْ عِظَمِ رُبُوبِيَّتِكَ أَنَّهُ سَيَأْتِي عَلَيْكَ يَوْمٌ تَكُونُ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ دُونَكَ وَأَنْتَ فَوْقَ ذَلِكَ كُلِّهِ تُدَبِّرُ الْأَمْرَ وَتُقَسِّمُ الْأَرْزَاقَ؟ فَأَعْظَمَ عِيسَى عليه السلام ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ إِبْلِيسَ الْكَافِرِ اللَّعِينِ فَقَالَ عِيسَى سُبْحَانَ اللَّهِ مِلْ ءَ سَمَاوَاتِهِ وَأَرْضِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَرِضَى نَفْسِهِ قَالَ فَلَمَّا سَمِعَ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ ذَلِكَ ذَهَبَ عَلَى وَجْهِهِ لا يَمْلِكُ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئاً حَتَّى وَقَعَ فِي اللُّجَّةِ الْخَضْرَاءِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَخَرَجَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْجِنِّ تَمْشِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ فَإِذَا هِيَ بِإِبْلِيسَ سَاجِداً عَلَى صَخْرَةٍ صَمَّاءَ تَسِيلُ دُمُوعُهُ عَلَى خَدَّيْهِ فَقَامَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ تَعَجُّباً ثُمَّ قَالَتْ لَهُ وَيْحَكَ يَا إِبْلِيسُ مَا تَرْجُو بِطُولِ السُّجُودِ فَقَالَ لَهَا أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ ابْنَةُ الرَّجُلِ الصَّالِحِ أَرْجُو إِذْ أَبَرَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ قَسَمَهُ وَأَدْخَلَنِي نَارَ جَهَنَّمَ أَنْ يُخْرِجَنِي مِنَ النَّارِ بِرَحْمَتِهِ(1).
ص: 279
قال تعالى: «يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً»(1).
عن الصادق عليه السلام قال: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ «وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ»(2) صَعِدَ إِبْلِيسُ جَبَلاً بِمَكَّةَ يُقَالُ لَهُ ثَوْرٌ فَصَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ بِعَفَارِيتِهِ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَقَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ فَمَنْ لَهَا فَقَامَ عِفْرِيتٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ فَقَالَ أَنَا لَهَا بِكَذَا وَكَذَا فَقَالَ لَسْتَ لَهَا ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ لَسْتَ لَهَا فَقَالَ الْوَسْوَاسُ الْخَنَّاسُ أَنَا لَهَا قَالَ بِمَا ذَا قَالَ أَعِدُهُمْ وَأُمَنِّيهِمْ حَتَّى يُوَاقِعُوا الْخَطِيئَةَ فَإِذَا وَاقَعُوا الْخَطِيئَةَ أَنْسَيْتُهُمُ الاسْتِغْفَارَ فَقَالَ أَنْتَ لَهَا فَوَكَّلَهُ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ(3).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لأبي ذر رضى الله عنه: يَا أَبَا ذَرٍّ اغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سُقْمِكَ وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ.
يَا أَبَا ذَرٍّ إِيَّاكَ وَالتَّسْوِيفَ بِأَمَلِكَ فَإِنَّكَ بِيَوْمِكَ وَلَسْتَ بِمَا بَعْدَهُ فَإِنْ يَكُنْ غَدٌ لَكَ فَكُنْ فِي الْغَدِ كَمَا كُنْتَ فِي الْيَوْمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَدٌ لَكَ لَمْ تَنْدَمْ عَلَى مَا فَرَّطْتَ فِي الْيَوْمِ.
يَا أَبَا ذَرٍّ كَمْ مِنْ مُسْتَقْبِلٍ يَوْماً لا يَسْتَكْمِلُهُ وَمُنْتَظِرٍ غَداً لا يَبْلُغُهُ.
يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ نَظَرْتَ إِلَى الْأَجَلِ وَمَصِيرِهِ لَأَبْغَضْتَ الْأَمَلَ وَغُرُورَهُ.
يَا أَبَا ذَرٍّ كُنْ كَأَنَّكَ فِي الدُّنْيَا غَرِيبٌ أَوْ كَعَابِرِ سَبِيلٍ وَعُدَّ نَفْسَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ.
ص: 280
يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالْمَسَاءِ وَإِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالصَّبَاحِ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ قَبْلَ سُقْمِكَ وَحَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ فَإِنَّكَ لا تَدْرِي مَا اسْمُكَ غَدا(1).
ولذلك قال لقمان لابنه: (يابني لا تؤخر التوبة فان الموت يأتي بغتة)، ومن ترك المبادرة إلى التوبة بالتسويف كان بين خطرين عظيمين.
أحدهما أن تتراكم الظلمة على قلبه من المعاصي حتى يصير رينا وطبعا فلا يقبل المحو.
الثاني أن يعالجه المرض أو الموت فلا يجد مهلة للاشتغال بالمحو ولذلك أيضاً ورد في الخبر أن أكثر صياح أهل النار من التسويف، فما هلك من هلك إلّا بالتسويف(2) فيكون تسويده القلب نقدا وجلاؤه بالطاعة نسية إلى أن يختطفه الموت فيأتي اللَّه بقلب سقيم ولا ينجو إلّا من أتى اللَّه بقلب سليم، وإلى ما ذكرنا ينظر قوله سبحانه:
«إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآْنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا»(3).
ص: 281
قال تعالى: «وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ»(1).
وقال تعالى: «وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ»(2).
وقال تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ»(3).
وقال تعالى: «أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ»(4).
وقال تعالى: «يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآْخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ»(5)
وقال تعالى: «لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ»(6).
وقال تعالى: «فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ»(7).
وقال تعالى: «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ»(8).
وقال تعالى: «وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ»(9).
ص: 282
قال تعالى: «بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ»(1).
قال تعالى: «وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ»(2).
قال تعالى: «كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى»(3).
وقال تعالى: «وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ»(4).
وقال تعالى: «وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ»(5).
عن أميرالمؤمنين عليه السلام: ينبغي للعاقل أن يحترس من سكر المال وسكر القدرة وسكر العلم وسكر المدح وسكر الشباب فإن لكل ذلك رياح خبيثة تسلب العقل وتستخف الوقار(6).
ص: 283
الغاية وان كانت بمعنى النهاية، إلّا أنّ المراد بها هاهنا المقاصد والثمرات، لإنّها نهايات الأفعال والأعمال، «قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ...»(1).
قال تعالى: «وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»(2).
وقال تعالى: «وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ * وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآْخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ»(3).
هذا وروى (الإرشاد) عنه عليه السلام خطبة أخرى وفي ذيلها جعلنا اللَّه وإيّاكم ممّن لا تبطره نعمة ولا تحلّ به بعد الموت نقمة فإنّما نحن به وله وبيده الخير وَهُوَ عَلى كُلِّ شَي ءٍ قَدِير(4).
ولنعم ما قيل فيه:
ص: 284
من كان يعلم أنّ الموت يدركه * والقبر مسكنه والبعث يخرجه
وانّه بين جنّات مزخرفه * يوم القيامة أو نارستنضحه
فكلّ شي ء سوى التّقوى به سمج * ومن اقام عليه منه اسمجه
ترى الّذي اتّخذ الدّنيا له وطنا * لم يدر انّ المنايا سوف تزعجه(1)
ص: 285
بسم الله الرحمن الرحیم
الْحَمْدُ للَّهِ ِ الَّذِي لَمْ تَسْبِقْ لَهُ حَالٌ حَالاً فَيَكُونَ أَوَّلاً قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِراً وَيَكُونَ ظَاهِراً قَبْلَ أَنْ يَكُونَ بَاطِناً كُلُّ مُسَمًّى بِالْوَحْدَةِ غَيْرُهُ قَلِيلٌ وَكُلُّ عَزِيزٍ غَيْرُهُ ذَلِيلٌ وَكُلُّ قَوِيٍّ غَيْرُهُ ضَعِيفٌ وَكُلُّ مَالِكٍ غَيْرُهُ مَمْلُوكٌ وَكُلُّ عَالِمٍ غَيْرُهُ مُتَعَلِّمٌ وَكُلُّ قَادِرٍ غَيْرُهُ يَقْدِرُ وَيَعْجَزُ وَكُلُّ سَمِيعٍ غَيْرُهُ يَصَمُّ عَنْ لَطِيفِ الْأَصْوَاتِ وَيُصِمُّهُ كَبِيرُهَا وَيَذْهَبُ عَنْهُ مَا بَعُدَ مِنْهَا وَكُلُّ بَصِيرٍ غَيْرُهُ يَعْمَى عَنْ خَفِيِّ الْأَلْوَانِ وَلَطِيفِ الْأَجْسَامِ وَكُلُّ ظَاهِرٍ غَيْرُهُ غَير بَاطِنٌ وَكُلُّ بَاطِنٍ غَيْرُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ لَمْ يَخْلُقْ مَا خَلَقَهُ لِتَشْدِيدِ سُلْطَانٍ وَلا تَخَوُّفٍ مِنْ عَوَاقِبِ زَمَانٍ وَلا اسْتِعَانَةٍ عَلَى نِدٍّ مُثَاوِرٍ وَلا شَرِيكٍ مُكَاثِرٍ وَلا ضِدٍّ مُنَافِرٍ وَلَكِنْ خَلائِقُ مَرْبُوبُونَ وَعِبَادٌ دَاخِرُونَ لَمْ يَحْلُلْ فِي الْأَشْيَاءِ فَيُقَالَ هُوَ فيها كَائِنٌ وَلَمْ يَنْأَ عَنْهَا فَيُقَالَ هُوَ مِنْهَا بَائِنٌ لَمْ يَؤُدْهُ خَلْقُ مَا ابْتَدَأَ وَلا تَدْبِيرُ مَا ذَرَأَ وَلا وَقَفَ بِهِ عَجْزٌ عَمَّا خَلَقَ وَلا وَلَجَتْ عَلَيْهِ شُبْهَةٌ فِيمَا قَضَى وَقَدَّرَ بَلْ قَضَاءٌ مُتْقَنٌ وَعِلْمٌ مُحْكَمٌ وَأَمْرٌ مُبْرَمٌ الْمَأْمُولُ مَعَ النِّقَمِ الْمَرْهُوبُ مَعَ النِّعَمِ
عَنْ مَيْمُونٍ الْبَانِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللَّهِ عليه السلام وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْأَوَّلِ وَالآْخِرِ فَقَالَ
ص: 286
الْأَوَّلُ لا عَنْ أَوَّلٍ قَبْلَهُ وَلا عَنْ بَدْءٍ سَبَقَهُ وَالآْخِرُ لا عَنْ نِهَايَةٍ كَمَا يُعْقَلُ مِنْ صِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ وَلَكِنْ قَدِيمٌ أَوَّلٌ آخِرٌ لَمْ يَزَلْ وَلا يَزُولُ بِلا بَدْءٍ وَلا نِهَايَة(1).
قال تعالى: «لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْ ءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ»(2).
قال تعالى: «هُوَ الْأَوَّلُ وَالآْخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ»(3).
واختلف في معنى هذه الصفات فقال الصدوق في التوحيد: هو الأوّل بغير ابتدأ، والآخر بغير انتهاء، والظاهر بآياته التي أظهرها من شواهد قدرته وآثار حكمته وبينات حجته التي عجز الخلق جميعا عن إبداع أصغرها وإنشاء أيسرها وأحقرها عندهم كما قال عزوجلّ:
«إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ»(4) فليس شي ء من خلقه إلّا وهو شاهد له على وحدانيته من جميع جهاته وأعرض تبارك وتعالى عن وصف ذاته وهو ظاهر بآياته وشواهد قدرته محتجب بذاته.
ومعنى ثان أنه ظاهر غالب قادر على ما يشاء ومنه قوله عزوجل: «فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ»(5)، أي غالبين لهم والباطن معناه أنه قد بطن عن الأوهام وهو باطن لا يحيط به محيط لأنه قدم أي تقدم الفكر فجنب عنه، وسبق العلوم فلم يحط به، وفات الأوهام فلم تكتنهه، وحارت عنه الأبصار فلم تدركه، فهو باطن كل باطن،
ص: 287
ومحتجب كل محتجب، بطن بالذات وظهر وعلا بالآيات، فهو الباطن بلا حجاب والظاهر بلا اقتراب.
ومعنى ثان أنه باطن كل شي ء أي خبير بصير بما يسرون وما يعلنون وبكل ما ذرء وبرأ، وبطانة الرجل ولتجته من القوم الذين يداخلهم ويداخلونه في دخيلة أمره، والمعنى أنه عالم بسرائرهم لا أنه عزوجل يبطن في شي ء يواريه(1).
وفي مجمع البيان: هو الأول أي أول الموجودات، وتحقيقه أنه سابق لجميع الموجودات بما لا يتناهي من تقدير الأوقات، لأنه قديم وما عداه محدث والقديم يسبق المحدث بما لا يتناهي من تقدير الاوقات، والآخر بعد فناء كل شي ء لأنه يفنى الأجسام كلها وما فيها من الأعراض ويبقى وحده.
وقبل الأول قبل كل شي ء بلا ابتداء، والآخر بعد كل شي ء بلا انتهاء، والظاهر هو العالي الغالب على كل شي ء، فكل شي ء دونه، والباطن العالم بما بطن فلا أحد أعلم منه عن ابن عباس وقيل: الظاهر بالأدلة والشواهد، والباطن الخبير العالم بكل شي ء وقيل: معنى الظاهر والباطن إنه العالم بما ظهر، والعالم بما بطن وقيل: الظاهر بأدلته والباطن من احساس خلقه وقيل الأول بلا ابتدأ، والآخر بلا انتهاء، والظاهر بلا اقتراب، والباطن بلا احتجاب وقيل الأول ببره اذ هداك، والآخر بعفوه إذ قبل توبتك، والظاهر باحسانه وتوفيقه إذا أطعته، والباطن بستره إذا عصيته عن السدى وقيل الأول بالخلق، والآخر بالرزق، والظاهر بالاحياء، والباطن بالأماتة عن ابن عمر وقيل: هو الذي أول الأول وأخر الآخر وأظهر الظاهر وأبطن الباطن عن الضحاك وقيل الأول بالأزلية، والآخر بالأبدية، والظاهر بالأحدية والباطن
ص: 288
بالصمدية عن أبي بكر الوراق وقيل إن الواوات مقحمة والمعنى هو الأول والآخر والظاهر والباطن، لأن كل من كان منا أولا لا يكون آخرا، ومن كان منا ظاهرا لا يكون باطنا، عن عبدالعزيز بن يحيى وقيل هو الأول القديم، والآخر الرحيم والظاهر الحكيم، والباطن العليم عن يمان(1).
قال الرضاعليه السلام في أسمائه تعالى: وَأَمَّا الظَّاهِرُ فَلَيْسَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ عَلا الْأَشْيَاءَ بِرُكُوبٍ فَوْقَهَا وَقُعُودٍ عَلَيْهَا وَتَسَنُّمٍ لِذُرَاهَا وَلَكِنَّ ذَلِكَ لِقَهْرِهِ وَلِغَلَبَتِهِ الْأَشْيَاءَ وَقُدْرَتِهِ عَلَيْهَا كَقَوْلِ الرَّجُلِ ظَهَرْتُ عَلَى أَعْدَائِي وَأَظْهَرَنِيَ اللَّهُ عَلَى خَصْمِي يُخْبِرُ عَنِ الْفَلْجِ وَالْغَلَبَةِ فَهَكَذَا ظُهُورُ اللَّهِ عَلَى الْأَشْيَاءِ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ الظَّاهِرُ لِمَنْ أَرَادَهُ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْ ءٌ وَأَنَّهُ مُدَبِّرٌ لِكُلِّ مَا يَرَى فَأَيُّ ظَاهِرٍ أَظْهَرُ وَأَوْضَحُ أَمْراً مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَإِنَّكَ لا تَعْدَمُ صَنْعَتَهُ حَيْثُمَا تَوَجَّهْتَ وَفِيكَ مِنْ آثَارِهِ مَا يُغْنِيكَ وَالظَّاهِرُ مِنَّا الْبَارِزُ بِنَفْسِهِ وَالْمَعْلُومُ بِحَدِّهِ فَقَدْ جَمَعَنَا الاسْمُ وَاخْتَلَفَ الْمَعْنَى وَأَمَّا الْبَاطِنُ فَلَيْسَ عَلَى مَعْنَى الاسْتِبْطَانِ لِلْأَشْيَاءِ بِأَنْ يَغُورَ فِيهَا وَلَكِنْ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى اسْتِبْطَانِهِ لِلْأَشْيَاءِ عِلْماً وَحِفْظاً وَتَدْبِيراً كَقَوْلِ الْقَائِلِ أَبْطَنْتُهُ يَعْنِي خَبَّرْتُهُ وَعَلِمْتُ مَكْتُومَ سِرِّهِ وَالْبَاطِنُ(2) مِنَّا بِمَعْنَى الْغَائِرِ فِي الشَّيْ ءِ الْمُسْتَتِرِ فَقَدْ جَمَعَنَا الاسْمُ وَاخْتَلَفَ الْمَعْنَى(3).
فَالْإِنْسَانُ وَاحِدٌ فِي الاسْمِ وَلا وَاحِدٌ فِي الْمَعْنَى وَاللَّهُ جَلَّ جَلالُهُ هُوَ وَاحِدٌ لا
ص: 289
وَاحِدَ غَيْرُهُ لا اخْتِلافَ فِيهِ وَلا تَفَاوُتَ وَلا زِيَادَةَ وَلا نُقْصَانَ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ الْمَخْلُوقُ الْمَصْنُوعُ الْمُؤَلَّفُ مِنْ أَجْزَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ وَجَوَاهِرَ شَتَّى غَيْر أَنَّهُ بِالاجْتِمَاعِ شَيْ ء واحِد(1).
وفي خبر عن الجوادعليه السلام: فَلا يُقَالُ اللَّهُ مُؤْتَلِفٌ وَلا اللَّهُ قَلِيلٌ وَلا كَثِيرٌ وَلَكِنَّهُ الْقَدِيمُ فِي ذَاتِهِ لِأَنَّ مَا سِوَى الْوَاحِدِ مُتَجَزِّئٌ وَاللَّهُ وَاحِدٌ لا مُتَجَزِّئٌ وَلا مُتَوَهَّمٌ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ وَكُلُّ مُتَجَزِّئٍ أَوْ مُتَوَهَّمٍ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ فَهُوَ مَخْلُوقٌ دَالُّ عَلَى خَالِقٍ لَه(2).
عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحِ بْنِ هَانِي عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إِنَّ أَعْرَابِيّاً قَامَ يَوْمَ الْجَمَلِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَ تَقُولُ إِنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ قَالَ فَحَمَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَقَالُوا يَا أَعْرَابِيُّ أَ مَا تَرَى مَا فِيهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ تَقَسُّمِ الْقَلْبِ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام دَعُوهُ فَإِنَّ الَّذِي يُرِيدُهُ الْأَعْرَابِيُّ هُوَ الَّذِي نُرِيدُهُ مِنَ الْقَوْمِ ثُمَّ قَالَ يَا أَعْرَابِيُّ إِنَّ الْقَوْلَ فِي أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ فَوَجْهَانِ مِنْهَا لا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَوَجْهَانِ يَثْبُتَانِ فِيهِ فَأَمَّا اللَّذَانِ لا يَجُوزَانِ عَلَيْهِ فَقَوْلُ الْقَائِلِ وَاحِدٌ يَقْصِدُ بِهِ بَابَ الْأَعْدَادِ فَهَذَا مَا لا يَجُوزُ لِأَنَّ مَا لا ثَانِيَ لَهُ لا يَدْخُلُ فِي بَابِ الْأَعْدَادِ أَ مَا تَرَى أَنَّهُ كَفَرَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَقَوْلُ الْقَائِلِ هُوَ وَاحِدٌ مِنَ النَّاسِ يُرِيدُ بِهِ النَّوْعَ مِنَ الْجِنْسِ فَهَذَا مَا لا يَجُوزُ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ وَجَلَّ رَبُّنَا عَنْ ذلِكَ وَتَعَالَى(3) وَأَمَّا الْوَجْهَانِ
ص: 290
اللَّذَانِ يَثْبُتَانِ فِيهِ فَقَوْلُ الْقَائِلِ هُوَ وَاحِدٌ لَيْسَ لَهُ فِي الْأَشْيَاءِ شِبْهٌ كَذَلِكَ رَبُّنَا وَقَوْلُ الْقَائِلِ إِنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَحَدِيُّ الْمَعْنَى يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ لا يَنْقَسِمُ فِي وُجُودٍ وَلا عَقْلٍ وَلا وَهْمٍ(1) كَذَلِكَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ(2).
قال تعالى: «الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ للَّهِ ِ جَمِيعًا»(3).
وقال تعالى: «مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا»(4).
وقال تعالى: «فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»(5).
وقال تعالى: «وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ للَّهِ ِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»(6).
والعزّة في غيره تعالى - وإن كان مجازيا - إلّا أنّها أيضاً بيده، فلا ينالها إلّا من يشاء تعالى: «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ»(7).
كما أنّه تعالى جعلها بمعنى آخر للمنسوبين إليه... «وَللَّهِ ِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ
ص: 291
وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ»(1) وكلتاهما وإن كانت غير حقيقية، إلّا أنّ الأولى ظاهريه والثانية باطنيّة.
قال في التوحيد: العزيز معناه أنه لا يعجزه شي ء ولا يمتنع عليه شي ء أراده فهو ظاهر للأشياء غالب غير مغلوب وقد يقال في المثل من عز بز أي من غلب سلب وقوله عزوجل حكاية عن الخصمين - وعزني في الخطاب(2) أي غلبني في مجاوبة الكلام (محاورة الكلام خ ل) ومعنى ثان أنه الملك ويقال للملك عزيز كما قال إخوة يوسف ليوسف عليه السلام «يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ»(3) والمراد به يا أيها الملك(4).
قال تعالى: «فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ»(5).
وقال تعالى: «كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ»(6).
وقال تعالى: «الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ»(7).
وقال تعالى: «مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ»(8).
ص: 292
وقال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ»(1).
وقال تعالى: «أَنَّ الْقُوَّةَ للَّهِ ِ جَمِيعًا»(2).
عن أبي جعفر الثاني عليه السلام: وَكَذَا سَمَّيْنَا رَبَّنَا قَوِيّاً لا بِقُوَّةِ الْبَطْشِ الْمَعْرُوفِ مِنَ الْمَخْلُوقِ وَلَوْ كَانَتْ قُوَّتُهُ قُوَّةَ الْبَطْشِ الْمَعْرُوفِ مِنَ الْمَخْلُوقِ لَوَقَعَ التَّشْبِيهُ وَلاحْتَمَلَ الزِّيَادَةَ وَمَا احْتَمَلَ الزِّيَادَةَ احْتَمَلَ النُّقْصَانَ وَمَا كَانَ نَاقِصاً كَانَ غَيْرَ قَدِيمٍ وَمَا كَانَ غَيْرَ قَدِيمٍ كَانَ عَاجِزاً(3).
كيف لا يكون غيره ضعيفا والإنسان الّذي سخّر له ما في السموات والأرض، وقال تعالى فيه: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا»(4) في غاية الضعف، فقال تعالى: «...وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا»(5) وقال تعالى: «ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ»(6)، وقال عليه السلام: «مسكين ابن آدم مكتوم الأجل، مكنون العلل، محفوظ العمل، تؤلمه البقة وتقتله الشرقة، وتنته العرقة»(7).
هو تعالى«...لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ...»(8)، وغيره «...وَلَا يَمْلِكُونَ
ص: 293
لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا»(1) «... مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ»(2).
قال الجوهري: القطمير الفوفة التي في النواة، وهي القشرة الرقيقة، ويقال: هي النكتة البيضاء التي في ظهر النواة، تنبت منها النخلة(3).
وقال تعالى: «قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ»(4).
وقال تعالى: «قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا»(5).
وقد ورد في الدعاء المعروف بالجوشن الكبير: يا خالق كل مخلوق يا رازق كل مرزوق يا مالك كل مملوك(6).
واما هو تعالى فعلمه من صفات ذاته.
قال تعالى: «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ» الآية(7).
وقال تعالى: «أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ»(8).
وقال تعالى: «يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ»(9).
ص: 294
وقال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ»(1).
وقال تعالى: «قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»(2).
وقال تعالى: «وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ»(3).
وقال تعالى: «وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ»(4).
وقال تعالى: «ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ»(5).
وممّا ورد في كون غيره تعالى لا يعلم الّا قليلاً وانّه اخذ ما أخذه على سبيل التّعلم من غيره:
قوله تعالى: «تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ»(6).
وقوله تعالى: «تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا» الآية(7).
وقوله تعالى: «وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ»(8).
وقوله تعالى: «وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ»(9).
وقوله تعالى: «وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا»(10).
ص: 295
وقوله تعالى: «عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ»(1).
وقوله تعالى: «قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا» الآية(2).
وقوله تعالى: «وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ»(3).
وقوله تعالى: «فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ»(4).
وقوله تعالى: «آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا»(5).
وقوله: «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ»(6).
وقوله تعالى: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا»(7).
قال تعالى: «يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ»(8).
وقال تعالى: «وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ»(9).
وقال تعالى: «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ»(10).
وقال تعالى: «وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ»(11).
ص: 296
وقال تعالى: «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ»(1).
وقال تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ»(2).
وقال تعالى: «لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ»(3).
والآيات في عموم القدرة كثيرة جدّاً.
«وكل قادر غيره يقدر» على أشياء معدودة «ويعجز» عن أشياء غير محصورة، وأمّا هو تعالى فقادر على كلّ أمر غير مستحيل، وأمّا المستحيل كإدخال الدنيا في بيضة مع ابقائهما على حالهما، كما اقترحه جاهل معاند، فخارج عن موضوع القدرة، مع أنّه تعالى فعل نظيره.
قال الديصاني لهشام بن الحكم: ألك ربّ فقال: بلي. قال: أقادر هو؟ قال: نعم، قادر قاهر. قال: يقدر أن يدخل الدنيا كلّها البيضة لا تكبر البيضة، ولا تصغر الدنيا قال هشام: النظرة. فقال له: قد أنظرتك حولا. ثمّ خرج عنه، فركب هشام إلى الصادق عليه السلام فاستأذن عليه، فأذن له، فقال له: يا بن رسول اللَّه أتاني عبداللَّه الديصاني بمسألة ليس المعوّل فيها إلّا على اللَّه وعليك، فقال له أبوعبداللَّه عليه السلام: عن
ص: 297
ما ذا سألك فقال: قال لي: كيت وكيت. فقال أبوعبداللَّه عليه السلام: يا هشام كم حواسّك قال: خمس. قال: أيّها أصغر قال: النّاظر. قال: وكم قدر الناظر قال: مثل العدسة أو أقل منها. فقال عليه السلام له: يا هشام فانظر أمامك وفوقك واخبرني بما ترى. فقال: أرى سماء وأرضا ودورا وقصورا وبراري وجبالا وأنهارا. فقال له أبوعبداللَّه عليه السلام: إنّ الّذي قدر أن يدخل الّذي تراه العدسة أو أقلّ منها قادر أن يدخل الدنيا كلّها البيضة، لا تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة. فأكبّ هشام عليه، وقبّل يديه ورأسه ورجليه وقال: حسبي يابن رسول اللَّه، ورجع إلى الدّيصاني فأجابه. فقال: ليس هذا من عندك(1).
ورواه الصدوق باسناده عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قيل لأميرالمؤمنين عليه السلام: هل يقدر ربك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن يصغر الدنيا أو تكبر البيضة؟ فقال عليه السلام: إن اللَّه تبارك وتعالى لا ينسب إلى العجز والذي سالتني لا يكون(2).
فانّ مقصوده عليه السلام إن ما سأله الرجل أمر ممتنع بالذات محال والمحال خارج عن موضوع القدرة وأن اللَّه على كل شي ء قدير.
ومثله ما رواه أيضاً مسندا عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنه جاء رجل إلى أميرالمؤمنين عليه السلام فقال: أيقدر اللَّه أن يدخل الأرض في بيضة ولا يصغر الأرض ولا يكبر البيضة؟ فقال: ويلك إن اللَّه لا يوصف بالعجز ومن أقدر ممن يلطف الأرض ويعظم البيضة(3).
ص: 298
وَكُلُّ سَمِيعٍ غَيْرُهُ يَصَمُّ عَنْ لَطِيفِ الْأَصْوَاتِ وَيُصِمُّهُ كَبِيرُهَا وَيَذْهَبُ عَنْهُ مَا بَعُدَ مِنْهَا
قال تعالى: «لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ»(1).
وقال تعالى: «قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ»(2).
وقال تعالى: «أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ» الآية(3).
وقال تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»(4).
وقال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا»(5).
وقال تعالى: «فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا»(6).
روى عن الكاظم عليه السلام: مَا الَّذِي لا يُجْتَزَأُ فِي مَعْرِفَةِ الْخَالِقِ بِدُونِهِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ لَمْ يَزَلْ عَالِماً وَسَامِعاً وَبَصِيراً وَهُوَ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيد(7).
سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍعليه السلام عَنِ الَّذِي لا يُجْتَزَأُ بِدُونِ ذَلِكَ مِنْ مَعْرِفَةِ الْخَالِقِ فَقَالَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ وَلا يُشْبِهُهُ شَيْ ءٌ لَمْ يَزَلْ عَالِماً سَمِيعاً بَصِيراً(8).
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍعليه السلام أَنَّهُ قَالَ فِي صِفَةِ الْقَدِيمِ إِنَّهُ وَاحِدٌ صَمَدٌ أَحَدِيُّ الْمَعْنَى لَيْسَ بِمَعَانِي كَثِيرَةٍ مُخْتَلِفَةٍ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ يَزْعُمُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ
ص: 299
الْعِرَاقِ أَنَّهُ يَسْمَعُ بِغَيْرِ الَّذِي يُبْصِرُ وَيُبْصِرُ بِغَيْرِ الَّذِي يَسْمَعُ قَالَ فَقَالَ كَذَبُوا وَأَلْحَدُوا وَشَبَّهُوا تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ إِنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ يَسْمَعُ بِمَا يُبْصِرُ وَيُبْصِرُ بِمَا يَسْمَعُ قَالَ قُلْتُ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ بَصِيرٌ عَلَى مَا يَعْقِلُونَهُ قَالَ فَقَالَ تَعَالَى اللَّهُ إِنَّمَا يَعْقِلُ مَا كَانَ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِ وَلَيْسَ اللَّهُ كَذَلِكَ(1)
عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ فِي حَدِيثِ الزِّنْدِيقِ الَّذِي سَأَلَ أَبَا عَبْدِاللَّهِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ لَهُ أَ تَقُولُ إِنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ فَقَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ: هُوَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ سَمِيعٌ بِغَيْرِ جَارِحَةٍ وَبَصِيرٌ بِغَيْرِ آلَةٍ بَلْ يَسْمَعُ بِنَفْسِهِ وَيُبْصِرُ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ قَوْلِي إِنَّهُ سَمِيعٌ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ شَيْ ءٌ وَالنَّفْسُ شَيْ ءٌ آخَرُ وَلَكِنِّي أَرَدْتُ عِبَارَةً عَنْ نَفْسِي إِذْ كُنْتُ مَسْئُولاً وَإِفْهَاماً لَكَ إِذْ كُنْتَ سَائِلاً فَأَقُولُ يَسْمَعُ بِكُلِّهِ لا أَنَّ كُلَّهُ لَهُ بَعْضٌ لِأَنَّ الْكُلَّ لَنَا لَهُ بَعْضٌ وَلَكِنْ أَرَدْتُ إِفْهَامَكَ وَالتَّعْبِيرُ عَنْ نَفْسِي وَلَيْسَ مَرْجِعِي فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِلّا أَنَّهُ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ الْعَالِمُ الْخَبِيرُ بِلا اخْتِلافِ الذَّاتِ وَلا اخْتِلافِ مَعْنًى(2).
قال تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»(3).
عن محمد بن أبي عبداللَّه، رفعه إلى أبي هاشم الجعفري، قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام فسأله رجل فقال: أخبرني عن الرب تبارك وتعالى له أسماء وصفات في كتابه إلى أن قال: فقال الرجل: فكيف سمينا ربنا سميعا؟ فقال: لأنه لا
ص: 300
يخفى عليه ما يدرك بالاسماع ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس، وكذلك سميناه بصيرا لانه لا يخفى عليه ما يدرك بالابصار من لون أو شخص أو غير ذلك ولم نصفه ببصر لحظة العين، وكذلك سميناه لطيفا لعلمه بالشي ء اللطيف مثل البعوضة وأخفى من ذلك وموضع النشو منها والعقل والشهوة للسفاد والجدب على نسلها(1) واقام بعضها على بعض ونقلها الطعام والشراب إلى أولادها في الجبال والمفاوز والأودية والمفاوز(2).
قال بعض شارحي الحديث يعني أنه يعلم أعضاء البعوضة كالجناح والرجل والعين، وقواها كالسمع والبصر، وأحوالها كالادراك والارادة والشهوه والمحبة والشفقة والالفة والغضب والنفرة والعداوة، وأفعالها كالحركة والسكون والسفاد ونقل الطعام والشراب إلى الاولاد وغير ذلك من أمورها كموتها وحياتها ونفعها وضرّها وأجالها ومقادير أعمارها، وأرزاقها وغيرها من لطايف خلقه ودقائق صنعه، فهو تعالى لطيف لعلمه بلطايف الامور(3).
قال تعالى: «هُوَ الْأَوَّلُ وَالآْخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ»(4).
ص: 301
قال تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ»(1).
كالملوك في افعالهم
انّ المنصور بني الهاشمية قبالة مدينة ابن هبيرة التي كانت إلى جانب الكوفة، وبني أيضاً الرّصافة بظهر الكوفة، فلمّا ثارت الراونديّة في هاشميته كره سكناها، لاضطراب من اضطرب أمره عليه من الراونديّة مع قرب جواره من الكوفة، ولم يأمن أهلها على نفسه، فأراد أن يبعدهم من جوارهم، فذكر أنّه خرج بنفسه يرتاد موضعا يتخذه مسكنا لنفسه وجنده، فبدأ فانحدر إلى جرجرايا، ثمّ صار إلى بغداد، ثمّ مضى الى الموصل، ثمّ عاد إلى بغداد، فقال: هذا موضع معسكر صالح، هذه دجلة ليس بيننا وبين الصين شي ء، يأتينا فيها كلّ ما في البحر، وتأتينا الميرة من الجزيرة وأرمينية وما حول ذلك. وهذا الفرات يجي ء فيه كلّ شي ء من الشام.
والرّقة وما حول ذلك، فنزل وضرب عسكره على الصّراط وخطّ المدينة، ووكّل بكلّ ربع قائدا(2).
قال تعالى: «فَلَا تَجْعَلُوا للَّهِ ِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(3).
ص: 302
وقال تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا»(1).
وقال تعالى: «وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ»(2).
كأهل الدنيا قال تعالى: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ...»(3).
كتب ملك الصين إلى أنو شيروان: من فغفور ملك الصين صاحب قصر الدرّ والجوهر الّذي يجري في قصره نهران يسقيان العود والكافور الّذي توجد رائحته على فرسخين، والّذي تخدمه بنات ألف ملك، والّذي في مربطه ألف فيل أبيض إلى أخيه كسرى أنوشيروان(4).
وكتب إليه ملك الهند: من ملك الهند وعظيم أراكنة المشرق، وصاحب قصر الذهب، وأبواب الياقوت والدّر إلى أخيه ملك فارس صاحب التاج والراية كسرى أنوشيروان(5).
كالسلاطين في استحكاماتهم.
قيل للمنصور في ما قيل له في محاسن موضع بغداد ليتّخذه حصنا: وأنت بين
ص: 303
أنهار لا يصل إليك عدوّك إلّا على جسر أو قنطرة، فإذا قطعت الجسر وأخرجت القناطر لم يصل إليك عدوّك... والتّدبير في المدن أن تتّخذ لها الأسوار والخنادق والحصون، ودجلة والفرات خنادق لمدينتك(1).
قال تعالى: «إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ»(2).
قال تعالى: «وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ»(3).
وقال تعالى: «وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ»(4).
وقال تعالى: «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ»(5).
وقال تعالى: «وَللَّهِ ِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ»(6).
قال تعالى: «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ»(7).
ص: 304
وقال تعالى: «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ»(1).
قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ...»(2).
وقال تعالى: «فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ»(3).
وقال تعالى: «إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ» الآية(4).
وقال تعالى: «يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ» الآية(5).
وقال تعالى: «قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ» الآية(6).
وقال تعالى: «يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الآْيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ» الآية(7).
ص: 305
قال تعالى: «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ» الآية(1).
وقال تعالى: «أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ» الآية(2).
وقال تعالى: «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ»(3).
وقال تعالى: «أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ»(4).
وقوله تعالى: «إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ»(5).
وقال تعالى: «كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ»(6).
وقال تعالى: «يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ»(7).
وفي (التوحيد): لا بالتفكّر ولا بعلم حادث أصاب ما خلق، ولا شبهة دخلت عليه في ما لم يخلق، لكن قضاء مبرم...(8).
قال تعالى: «قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * ... فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ
ص: 306
أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ»(1).
(والمرهوب مع النّعم) كما في (ابن ميثم، وغيره).
يدلّ على كونه تعالى مأمولا مع النقم، ومرهوبا مع النّعم ما ورد أنّه تعالى قال لداودعليه السلام: بَشّر المذنبين، وانذر الصدّيقين.
قال داود: كَيْفَ أُبَشِّرُ الْمُذْنِبِينَ وَأُنْذِرُ الصِّدِّيقِينَ قَالَ يَا دَاوُدُ بَشِّرِ الْمُذْنِبِينَ أَنِّي أَقْبَلُ التَّوْبَةَ وَأَعْفُو عَنِ الذَّنْبِ وَأَنْذِرِ الصِّدِّيقِينَ أَلّا يُعْجَبُوا بِأَعْمَالِهِمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَنْصِبُهُ لِلْحِسَابِ إِلّا هَلَكَ(2).
قال تعالى: «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا»(3).
وقال تعالى: «أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ»(4).
ص: 307
بسم الله الرحمن الرحیم
الخطبة (65): ومن كلام له عليه السلام كان يقوله لأصحابه في بعض أيّام صفين
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ اسْتَشْعِرُوا الْخَشْيَةَ وَتَجَلْبَبُوا السَّكِينَةَ وَعَضُّوا عَلَى النَّوَاجِذِ فَإِنَّهُ أَنْبَى لِلسُّيُوفِ عَنِ الْهَامِ وَأَكْمِلُوا اللّأْمَةَ وَقَلْقِلُوا السُّيُوفَ فِي أَغْمَادِهَا قَبْلَ سَلِّهَا وَالْحَظُوا الْخَزْرَ وَاطْعُنُوا الشَّزْرَ وَنَافِحُوا بِالظُّبَى وَصِلُوا السُّيُوفَ بِالْخُطَا وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ بِعَيْنِ اللَّهِ وَمَعَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَعَاوِدُوا الْكَرَّ وَاسْتَحْيُوا مِنَ الْفَرِّ فَإِنَّهُ عَارٌ فِي الْأَعْقَابِ وَنَارٌ يَوْمَ الْحِسَابِ وَطِيبُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ نَفْساً وَامْشُوا إِلَى الْمَوْتِ مَشْياً سُجُحاً وَعَلَيْكُمْ بِهَذَا السَّوَادِ الْأَعْظَمِ وَالرِّوَاقِ الْمُطَنَّبِ فَاضْرِبُوا ثَبَجَهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ كَامِنٌ فِي كِسْرِهِ قَدْ قَدَّمَ لِلْوَثْبَةِ يَداً وَأَخَّرَ لِلنُّكُوصِ رِجْلاً فَصَمْداً صَمْداً حَتَّى يَنْجَلِيَ لَكُمْ عَمُودُ الْحَقِّ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ
ذكر ابن عباس علياعليه السلام فقال: ما رأيت رئيسا يوزن به، لرأيته يوم صفّين وكأنّ عينيه سراجا سليط وهو يحمّس أصحابه إلى أن انتهى إليّ وأنا في كثف(1) فقال: معشر المسلمين، إستشعروا الخشية وعنّوا(2) الأصوات وتجلببوا السكينة وأكملوا
ص: 308
اللَّؤم وأخفّوا الخوذ(1) وقلقلوا السيوف في أغمادها قبل السّلَّة والحظوا الشّزر واطعنوا(2) النّبر ونافحوا بالظَّبا وصلوا السيوف بالخطا والرماح بالنّبل وامشوا إلى الموت مشيا سجحا. وعليكم بهذا السواد الأعظم والرّواق المطنّب فاضربوا ثبجه(3) فإن الشيطان راكد في كسره نافج خصييه مفترش ذراعيه قد قدّم للوثبة يدا وأخّر للنّكوص رجلا(4).
قال المسعودي: وخرج علي عليه السلام بنفسه في البدريين والمهاجرين والأنصار وربيعة وهمدان في اليوم الثامن وهو يوم الأربعاء.
قال ابن عبّاس: رأيت في هذا اليوم عليّاًعليه السلام وعليه عمامة بيضاء وكأنّ عينيه سراجاً سليط وهو يقف على طوائف الناس في مراتبهم يحثّهم ويحرّضهم حتّى انتهى إليّ وأنا في كثيف من الناس، فقال: يا معشر المسلمين غموا الأصوات واكملوا الملامة واستشعروا الخشية وأقلقوا السيوف في الأجفان قبل السلة والحظوا الشزر واطعنوا الهبر...(5)
وحكي أنّ معاوية بن أبي سفيان سأل عبداللَّه بن العبّاس عن أميرالمؤمنين علي عليه السلام فقال ابن عبّاس: هيهات عقم النساء أن يأتين بمثله واللَّه ما رأيت رئيسا مجربا يوزن به ولقد رأيته في بعض أيام صفين وعلى رأسه عمامة بيضاء تبرق وقد أرخى طرفيها على صدره وظهره وكأنما عيناه سراجا سليط وهو يقف على كتيبة
ص: 309
كتيبة حتى انتهى إلي وأنا في كنف من القوم وهو يقول معاشر المسلمين استشعروا الخشية وتجلببوا بالسكينة وعضوا على النواجذ فإنه أنبى للسيوف عن ألهام وأكملوا اللامة وقلقلوا السيوف في أغمادها قبل سلها والحظوا الخزر واطعنوا الشزر ونافحوا بالظبى وصلوا السيوف بالخطى واعلموا أنكم بعين اللَّه ومع ابن عم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فعاودوا الكرة واستحيوا من الفر فإنه عار من الأعقاب ونار يوم الحساب وطيبوا عن أنفسكم نفسا وامشوا إلى الموت مشيا سجحا وعليكم بهذا السواد الأعظم والرواق المطنب فاضربوا ثبجه فإن الشيطان كامن في كسره قد قدم للوثبة يدا وأخر للنكوص رجلا فصمدا صمدا حتى ينجلي لكم عمود الحق وأنتم الأعلون واللَّه معكم ولن يتركم أعمالكم وأنشأ يقول:
إذا المشكلات تصدين لي * كشفت غوامضها بالنظر
و إن برقت في مخيل الظنون * عمياء لا تجتليها الفكر
مقنعة بغيوب الأمور * وضعت عليها حسام العبر
معي أصمع كظبى المرهفات * أفري به عن بنات الستر
لسان كشقشقة الأرحبي * أو كالحسام اليماني الذكر
و لكنني مدره الأصغرين * أقيس بما قد مضى ما غبر
و لست بإمعة في الرجال * أسائل هذا وذا ما الخبر
ثم غاب عني عليه السلام ثم رأيته قد أقبل وسيفه ينطف دما وهو يقرأ «فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ»(1) (2).
عَنْ ضَرَارِ بْنِ الْأَزْوَرِ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الْخَوَارِجِ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ
ص: 310
أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَقَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يُشْبِهُ الْقَمَرَ الزَّاهِرَ وَالْأَسَدَ الْخَادِرَ وَالْفُرَاتَ الزَّاخِرَ وَالرَّبِيعَ الْبَاكِرَ فَأَشْبَهَ مِنَ الْقَمَرِ ضَوْءَهُ وَبَهَاءَهُ وَمِنَ الْأَسَدِ شَجَاعَتَهُ وَمَضَاءَهُ وَمِنَ الْفُرَاتِ جُودَهُ وَسَخَاءَهُ وَمِنَ الرَّبِيعِ خَصْبَهُ وَحَبَاءَهُ عَقِمَتِ النِّسَاءُ أَنْ يَأْتِينَ بِمِثْلِ عَلِيٍّ بَعْدَ النَّبِيِّ وَاللَّهِ مَا سَمِعْتُ وَلا رَأَيْتُ إِنْسَاناً مُحَارِباً مِثْلَهُ وَقَدْ رَأَيْتُهُ يَوْمَ صِفِّينَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ بَيْضَاءُ وَكَأَنَّ عَيْنَيْهِ سِرَاجَانِ وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى شِرْذِمَةٍ شِرْذِمَةٍ يَحُضُّهُمْ وَيَحُثُّهُمْ إِلَى أَنِ انْتَهَى إِلَيَّ وَأَنَا فِي كَنَفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ مَعَاشِرَ النَّاسِ اسْتَشْعِرُوا الْخَشْيَةَ وَأَمِيتُوا الْأَصْوَاتَ وَتَجَلْبَبُوا بِالسَّكِينَةِ وَأَكْمِلُوا اللّأْمَةَ وَقَلْقِلُوا السُّيُوفَ فِي الْغِمْدِ قَبْلَ السَّلَّةِ وَالْحَظُوا الشَّزْرَ وَاطْعُنُوا الْخَزْرَ وَنَافِجُوا بِالظُّبَى وَصِلُوا السُّيُوفَ بِالخُطَى وَالرِّمَاحَ بِالنِّبَالِ فَإِنَّكُمْ بِعَيْنِ اللَّهِ وَمَعَ ابْنِ عَمِّ نَبِيِّكُمْ وَعَاوِدُوا الْكَرَّ وَاسْتَحْيُوا مِنَ الْفَرِّ فَإِنَّهُ عَارٌ بَاقٍ فِي الْأَعْقَابِ وَنَارٌ يَوْمَ الْحِسَابِ فَطِيبُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ أَنْفُساً وَاطْوُوا عَنِ الْحَيَاةِ كَشْحاً وَامْشُوا إِلَى الْمَوْتِ مَشْياً وَعَلَيْكُمْ بِهَذَا السَّوَادِ الْأَعْظَمِ وَالرِّوَاقِ الْمُطَنَّبِ فَاضْرِبُوا ثَبَجَهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ رَاكِدٌ فِي كَسْرِهِ نَافِجٌ حِضْنَيْهِ وَمُفْتَرِشٌ ذِرَاعَيْهِ قَدْ قَدَّمَ لِلْوَثْبَةِ يَداً وَأَخَّرَ لِلنُّكُوصِ رِجْلاً فَصَمْداً حَتَّى يَنْجَلِيَ لَكُمْ عَمُودُ الْحَقِّ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالُكُمْ.
قَالَ: وَأَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ فِي الْكَتِيبَةِ الشَّهْبَاءِ وَهِيَ زُهَاءُ عَشَرَةِ آلافٍ بِجَيْشٍ شَاكِّينَ فِي الْحَدِيدِ لا يُرَى مِنْهُمْ إِلّا الْحَدَقُ تَحْتَ الْمَغَافِرِ فَقَالَ عليه السلام: مَا لَكُمْ تَنْظُرُونَ بِمَا تَعْجَبُونَ إِنَّمَا هُمْ جُثَثٌ مَاثِلَةٌ فِيهَا قُلُوبٌ طَائِرَةٌ مُزَخْرَفَةٌ بِتَمْوِيهِ الْخَاسِرِينَ وَرِجْلُ جَرَادٍ زَفَّتْ بِهِ رِيحُ صَبَا وَلَفِيفٌ سَدَاهُ وَلَحْمَتُهُ الضَّلالَةُ وَصَرَخَ بِهِمْ نَاعِقُ الْبِدْعَةِ وَفِيهِمْ خَوَرُ الْبَاطِلِ وَضَحْضَحَةُ الْمُكَاثِرِ فَلَوْ قَدْ مَسَّهَا سُيُوفُ أَهْلِ الْحَقِّ لَتَهَافَتَتْ
ص: 311
تَهَافُتَ الْفَرَاشِ فِي النَّارِ أَلا فَسَوُّوا بَيْنَ الرُّكَبِ وَعَضُّوا عَلَى النَّوَاجِذِ وَاضْرِبُوا القوانص (الْقَوَابِضَ) بِالصَّوَارِمِ وَأَشْرِعُوا الرِّمَاحَ فِي الْجَوَانِحِ وَشُدُّوا فَإِنِّي شَادٌّ حم لا يُنْصَرُونَ فَحَمَلُوا حَمْلَةَ ذِي لِبَدٍ فَأَزَالُوهُمْ عَنْ مَصَافِّهِمْ وَدَفَعُوهُمْ عَنْ أَمَاكِنِهِمْ وَرَفَعُوهُمْ عَنْ مَرَاكِبِهِمْ وَارْتَفَعَ الرَّهَجُ وَخَمَدَتِ الْأَصْوَاتُ فَلا يُسْمَعُ إِلّا صَلْصَلَةُ الْحَدِيدِ وَغَمْغَمَةُ الْأَبْطَالِ وَلا يُرَى إِلّا رَأْسٌ نَادِرٌ وَيَدٌ طَائِحَةٌ وَأَنَا كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مِنْ مَوْضِعٍ يُرِيدُ أَنْ يَنْجَلِيَ مِنَ الْغُبَارِ وَيُنْفِذَ الْعَلَقَ مِنْ ذِرَاعَيْهِ سَيْفُهُ يَقْطُرُ الدِّمَاءَ وَقَدِ انْحَنَى كَقَوْسِ النَّازِعِ وَهُوَ يَتْلُو هَذِهِ الآْيَةَ: «وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ»(1) (2).
وروى عن عكرمة عن ابن عباس قال: عقم النساء أن يأتين بمثل أميرالمؤمنين، وما كشفت النساء ذيولهن عن مثله، لا واللَّه ما رأيت فارسا مجرّبا يوزن به، لرأيته يوما ونحن معه بصفين وعلى رأسه عمامة سوداء وكأن عينيه سراجا سليط يتوقدان من تحتها يقف على شرذمه يحضهم حتى انتهى إلى نفر أنا فيهم، وطلعت خيل لمعاوية تدعى بالكتيبة الشهباء عشرة آلاف دراع على عشرة آلاف أشهب، فاقشعر الناس لها لما رأوها وانحاز بعضهم إلى بعض، فقال عليه السلام: فيم النخع والنخع يا أهل العراق، هل هي إلّا أشخاص ماثلة فيها قلوب طائرة، لو مسّتها سيوف أهل الحق لرأيتموها كجراد بقيعة سفته الريح في يوم عاصف، ألا فاستشعروا الخشية وتجلببوا السكينة وادرعوا الصبر وخفضوا الأصوات وقلقلوا
ص: 312
الأسياف في الأغماد قبل السلة، وانظروا الشرّر واطعنوا الوجر وكافحوا بالظبي وصلوا السيوف بالخطى والنبال بالرماح وعاودوا الكر واستحيوا من الفر، فانّه عار في الأعقاب ونار يوم الحساب، وطيبوا عن أنفسكم نفسا وامشوا إلى الموت مشيا سجحا، فانّكم بعين اللَّه ومع أخي رسول اللَّه، وعليكم بهذا السرادق الأدلم والرواق المظلم فاضربوا ثبجه، فان الشيطان راقد في كسره ناقش حضنيه مفترش ذراعيه قد قدّم للوثبة يدا وأخّر للنكوص رجلا، فصمدا صمدا حتى ينجلي لكم عمود الحق وأنتم الأعلون واللَّه معكم ولن يتركم أعمالكم ها أنا شاد فشدّوا بسم اللَّه الرحمن الرحيم حم لا ينصرون.
ثم حمل عليه السلام عليهم وتبعته خويلة لم تبلغ المائة فارس، فأجالهم فيها جولان الرحى المسرحة بثقالها، فارتفعت عجاجة منعتني النظر، ثم انجلت فأثبت النظر فلم نر إلّا رأسا نادرا ويدا طائحة، فما كان بأسرع أن ولّوا مدبرين كأنّهم حمر مستنفرة فرّت من قسورة، فإذا أميرالمؤمنين عليه السلام قد أقبل وسيفه ينطف ووجهه كشقّة القمر وهو يقول: «وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ»(1).(2)
نصر عمرو بن شمر عن جابر عن تميم قال: كان علي إذا سار إلى القتال ذكر اسم اللَّه حين يركب ثم يقول: «الحمد للَّه على نعمه علينا وفضله العظيم - سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، ثم يستقبل القبلة ويرفع يديه إلى اللَّه ثم يقول: «اللهم إليك نقلت الأقدام وأتعبت الأبدان وأفضت القلوب
ص: 313
ورفعت الأيدي وشخصت الأبصار - ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين سيروا على بركة اللَّه» ثم يقول: «اللَّه أكبر اللَّه أكبر لا إله إلّا اللَّه واللَّه أكبر يا اللَّه يا أحد يا صمد يا رب محمد - بسم اللَّه الرحمن الرحيم لا حول ولا قوة إلّا باللَّه العلي العظيم - الحمد للَّه رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اللهم كف عنا بأس الظالمين» فكان هذا شعاره بصفين(1).
قالوا: أي اجعلوا خشية اللَّه تعالى وتقواه بمنزلة شعار لكم، والشعار من الثياب ما يلصق بالجسد، والدثار ما فوق الشعار.
قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ»(2).
وقال تعالى: «مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ»(3).
وقال تعالى: «إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ»(4).
وقال تعالى: «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ»(5).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله من كان باللَّه أعرف كان من اللَّه أخوف وقال صلى الله عليه وآله يا ابن مسعود اخش اللَّه بالغيب كأنك تراه فإن لم تره فإنه يراك.
يقول اللَّه تعالى: «مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ»(6).(7)
ص: 314
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله كان يصلي وقلبه كالمرجل يغلي من خشية اللَّه تعالى وقال اللَّه تعالى: «الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ»(1).(2)
قال أبوعبداللَّه عليه السلام من عرف اللَّه خاف اللَّه ومن خاف اللَّه سخت نفسه عن الدنيا(3).
وقال النبي صلى الله عليه وآله إذا اقشعر قلب المؤمن من خشية اللَّه تحاتت عنه خطاياه كما تتحات من الشجر ورقها(4).
عن الهيثم بن واقد قال سمعت أباعبداللَّه عليه السلام يقول من خاف اللَّه أخاف اللَّه منه كل شي ء ومن لم يخف اللَّه أخافه اللَّه من كل شي ء(5).
عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كل عين باكية يوم القيامة إلّا ثلاث أعين عين بكت من خشية اللَّه وعين غضت عن محارم اللَّه وعين باتت ساهرة في سبيل اللَّه...(6).
قال أبوعبداللَّه عليه السلام إن من العبادة شدة الخوف من اللَّه عزوجل يقول اللَّه: «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ» وقال جل ثناؤه - «فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ» وقال تبارك وتعالى: «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا» وقال أبوعبداللَّه عليه السلام إن حب الشرف والذكر لا يكونان في قلب الخائف الراهب(7).
ص: 315
قال علي بن الحسين عليه السلام: يا ابن آدم إنك لا تزال بخير ما كان لك واعظا من نفسك وما كان الخوف شعارك والحزن دثارك ابن آدم إنك ميت ومحاسب فأعد الجواب(1).
قال تعالى: «فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا»(2).
وقال تعالى: «فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا»(3).
وقال تعالى: «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ»(4).
وقال تعالى: «فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ»(5).
وقال تعالى: «ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ»(6).
عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليه السلام قال: سألته عن قول اللَّه عزوجل - «أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ»(7) قال هو الإيمان قال وسألته عن قول اللَّه عزوجل - «وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ»(8) قال هو الإيمان(9).
عن جميل قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام - عن قوله عزوجل - «أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ» قال هو الإيمان قال - «وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ» قال هو الإيمان
ص: 316
وعن قوله - «وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى»(1) قال هو الإيمان(2).
قالوا: للإنسان أربعة نواجذ، وهي أقصى الأضراس.
كان الأشتر يحرّض أصحابه ويقول: فدتكم نفسي، شدّوا شدّة المحرج الراجي الفرج فإذا نالتكم الرماح فالتووا فيها، وإذا عضتكم السيوف فليعضّ الرجل على نواجذه فإنّه أشد لشئون الرأس(3).
بالهمز، أي: الدرع لتحول بين البدن وضرب العدو وطعنه وسهمه، قال تعالى في داود: «وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ»(4).
وكان على النبيّ صلى الله عليه وآله يوم احد درعان(5).
واشترى يزيد بن حاتم أدرعا وقال: إني لم أشتر أدرعا انّما اشتريت أعمارا(6).
ص: 317
قال عمرو بن العاص: ما رأيت معاوية متكئا قط واضعا إحدى رجليه على الأخرى كاسرا عينه يقول لرجل تكلّم إلّا رحمته(1).
الشزر: ما طعنت عن يمينك وشمالك(2).
خرج رجل من عك الشام يسأل المبارزة فخرج إليه قيس بن فهدان الكناني البدني من أهل العراق فحمل عليه العكي فضربه واحتمله أصحابه فقال قيس بن فهدان:
لقد علمت عك بصفين أننا * إذا التقت الخيلان نطعنها شزرا
ونحمل رايات الطعان بحقها * فنوردها بيضا ونصدرها حمرا(3)
قال ابن أبي الحديد روي ان رجلا من الأزد رفع إلى المهلب سيفا له، فقال له: يا عم كيف ترى سيفي هذا فقال: انّه لجيّد لولا انّه قصير. قال: يا عم اطوله بخطوتي. فقال: واللَّه بابن أخي ان المشي إلى الصين أو آذربيجان على أنياب الأفاعي أسهل من تلك الخطوة. ثم نقل أبياتا في وصل السيوف بالخطى(4).
وفي صفين نصر: كانت طلائع أهل الشام وأهل العراق يلتقون ويتناشدون الأشعار ويفخر بعضهم على بعض ويحدث بعضهم بعضا على أمان فالتقوا يوما
ص: 318
وفيهم النجاشي فتذاكر القوم رجراجة علي وخضرية معاوية فافتخر كل بكتيبتهم فقال أهل الشام: إن الخضرية مثل الرجراجة وكان مع علي أربعة آلاف مجفف(1) من همدان مع سعيد بن قيس رجراجة وكان عليهم البيض والسلاح والدروع وكان الخضرية مع عبيداللَّه بن عمر بن الخطاب أربعة آلاف عليهم الخضرة فقال فتى من جذام من أهل الشام ممن كان في طليعة معاوية:
ألا قل لفجار أهل العراق * ولين الكلام لهم سيّة(2)
متى ما تجيئوا برجراجة * نجتكم بجأواء(3) خضريه
فوارسها كأسود الضراب * طوال الرماح يمانيه
قصار السيوف بأيديهم * يطولها الخطو والنيه
يقول ابن هند إذا أقبلت * جزى اللَّه خيرا جذاميه
فقال القوم للنجاشي: أنت شاعر أهل العراق وفارسهم فأجب الرجل فتنحى ساعة ثم أقبل يهدر مزبداً يقول:
معاوي إن تأتنا مزبدا * بخضرية تلق رجراجه
أسنتها من دماء الرجال * إذا جالت الخيل مجاجه
فوارسها كأسود الضراب * إلى اللَّه في القتل محتاجه
وليست لدى الموت وقافة * وليست لدى الخوف فجفاجه(4)
ص: 319
وليس بهم غير جد اللقاء * إلى طول أسيافهم حاجه
خطاهم مقدم أسيافهم * وأذرعهم غير خداجه
وعندك من وقعهم مصدق * وقد أخرجت أمس إخراجه
فشنت عليهم ببيض السيوف * بها فقع لجاجه
فقال أهل الشام: يا أخا بني الحارث أروناها فإنها جيدة فأعادها عليهم حتى رووها وكانت الطلائع تلتقي يستأمن بعضهم بعضا فيتحدثون(1).
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: الحق مع علي وعلي مع الحق(2).
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: يا علي حربك حربي وحربي حرب اللَّه(3).
وقال صلى الله عليه وآله: يا علي سلمك سلمى وسلمى سلم اللَّه(4).
وقال صلى الله عليه وآله: اللهم انصر من نصره واخذل من خذله(5).
قال قيس بن سعد بن عبادة لأصحابه في خطبته في صفين: أنتم مع هذا اللواء الذي كان يقاتل عن يمينه جبرائيل وعن يساره ميكائيل، والقوم مع لواء أبي جهل والأحزاب(6).
وفي (العقد): في وفود ام سنان المذحجية أنّها قالت في صفين:
ص: 320
يا آل مذحج لا مقام فشمّروا * ان العدو لآل أحمد يقصد
هذا عليّ كالهلال تحفّه * وسط السماء من الكواكب أسعد
خير الخلائق وابن عم محمد * ان يهدكم بالنور منه تهتدوا
ما زال مذ شهد الحروب مظفّرا * والنصر فوق لوائه ما يفقد(1)
قال تعالى: «وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ»(2).
في (العقد) في وفود ام الخير بنت حريش على معاوية، التفت معاوية إلى جلسائه فقال: أيّكم يحفظ كلامها يوم صفين لما قتل عمار فقال رجل: أنا أحفظ بعض كلامها. قال: هات. قال: كأني بها بين بردين زئبرين كثيفي النسيج، وهي على جمل أرمك وبيدها سوط منتشر الضفيرة، وهي كالفحل يهدر في شقشقته تقول: أيّها الناس اتقوا ربّكم - إلى أن قال - فأين تريدون، أفرارا عن أميرالمؤمنين أم رغبة عن الاسلام، هلموا إلى الإمام العادل والوصي التقي والصديق الأكبر، انّها إحن بدرية وأحقاد جاهلية، فإلى أين تريدون عن ابن عم رسول اللَّه وصهره وأبي سبطية الذي خلق من طينته وتفرّع من نبعته وجعله باب دينه وأبان ببغضه المنافقين، وها هو ذا مفلق الهام ومكسّر الأصنام صلّى والنّاس مشركون وأطاع والناس كارهون، فلم يزل في ذلك حتى قتل مبارزي بدر وأفنى أهل أحد وهزم الأحزاب وقتل اللَّه به أهل خيبر وفرّق به جمع هوازن؛ فيالها من وقائع زرعت في
ص: 321
قلوب نفاقا وردة وشقاقا وزادت المؤمنين ايمانا(1).
عن مغيرة قال: أرسل معاوية إلى ابنة الأشعث إني مزوجك بيزيد ابني على أن تسمي الحسن بن علي وبعث إليها بمائة ألف درهم.
فقبلت وسمت الحسن فسوغها المال ولم يزوجها منه فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها فكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام عيروهم وقالوا: يا بني مسمة الأزواج(2).
قال هشام بن عمرو التغلبي للمنصور: انصرفت إلى منزلي فلقيتني اختي فرأيت من جمالها وعقلها ودينها ما رضيتها للخليفة فجئت لأعرضها عليه، فأطرق المنصور وجعل ينكت الأرض بخيزرانة في يده وقال: اخرج يأتك أمري. فلما ولى قال: يا ربيع لولا بيت قاله جرير في بني تغلب لتزوّجت أخته، وهو قول جرير:
لاتطلبن خؤولة في تغلب * فالزنج أكرم منهم أخوالا
فأخاف أن تلد لي ولدا فيعيّر بهذا البيت(3).
ولمّا رأى أبو بلال مرداس - وكان لا يرى الخروج - جد ابن زياد في طلب الشراة عزم على الخروج، فقال لأصحابه: انّه واللَّه ما يسعنا المقام بين هؤلاء الظالمين، تجري علينا أحكامهم مجانبين للعدل مفارقين للفصل واللَّه ان الصبر
ص: 322
على هذا لعظيم وان تجريد السيف واخافة السبيل لعظيم، ولكنّا ننتبذ عنهم ولا نجرّد سيفا ولا نقاتل إلّا من قاتلنا.
ثم مضى حتى نزل آسك - بين رامهرمز وارجان - فجهّز ابن زياد اسلم بن زرعة في ألفين وجّهه إليه وقد تتام أصحاب مرداس أربعين رجلا، فلما صار إليهم صاح به أبوبلال: انّا لا نريد قتالا ولا نحتجن فيئا، فما الذي تريد قال: اريد أن أردكم إلى ابن زياد. قال مرداس: اذن يقتلنا. قال: وان. ثم حملوا على أسلم حملة رجل واحد، فانهزم هو وأصحابه من غير قتال، فلما ورد أسلم على ابن زياد غضب عليه غضبا شديدا وقال: ويلك تمضي في ألفين فتنهزم لحملة أربعين وكان أسلم يقول: لأن يذمّني ابن زياد حيّا أحبّ إليّ من أن يمدحني ميّتا. وكان إذا خرج إلى السوق أو مرّ بصبيان صاحوا به: أبوبلال وراك، وربما صاحوا به: يا معبد خذه. كان معبد أحد أصحاب أبي بلال كاد أن يأخذه لما انهزم مبرّد فشكا ذلك إلى ابن زياد فأمر الشرط أن يكفّوا الناس عنه، ففي ذلك يقول عيسى بن فاتك من الشراة:
أألفا مؤمن فيما زعمتم * ويهزمهم بآسك أربعونا
كذبتم ليس كما زعمتم * ولكن الخوارج مؤمنونا
هم الفئة القليلة غير شك * على الفئة الكثيرة ينصرونا(1)
قال ابن أبي الحديد والجهاد مع الإمام كالجهاد مع النبيّ صلى الله عليه وآله(2)، وقال تعالى في
ص: 323
الفرار عن الجهاد مع النبي «وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ...»(1).
قال المحقق التستري: وقد كان النبيّ صلى الله عليه وآله مأمورا بجهاد الكفّار والمنافقين في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ...»(2) وتصدّى للجهاد مع الكفّار بنفسه، وفوّض جهاد المنافقين إلى أميرالمؤمنين عليه السلام لكونه كنفسه(3).
قال تعالى: «وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ * وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ»(4).
وقال تعالى: «وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ»(5).
وقال تعالى: «وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا»(6).
وقال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»(7).
وقال تعالى: «وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ»(8).
ص: 324
وقال تعالى: «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»(1).
لما خطب الحسين عليه السلام أصحابه بذي حسم بعد ورود الحر قام زهير بن القين وقال: واللَّه لو كانت الدنيا لنا باقية وكنّا فيها مخلدين الا ان فراقها في نصرك ومواساتك لآثرنا الخروج معك(2).
بتقديم الجيم على الحاء: أي سهلا.
قال عتبة بن جويرية يوم صفين: ألا ان مرعى الدنيا قد أصبح شجرها هشيما وأصبح زرعها حصيدا وجديدها سملا وحلوها مرّ المذاق، ألا وإني انبئكم نبأ امرئ صادق. اني سئمت الدنيا وعزفت نفسي عنها وقد كنت أتمني الشهادة وأتعرّض لها في كلّ حين فأبى اللَّه إلّا أن يبلغني في هذا اليوم، ألا وإني متعرّض ساعتي هذه لها وقد طمعت ان لا احرمها، فما تنتظرون عباد اللَّه من جهاد أعداء اللَّه، أخوف الموت القادم عليكم الذاهب بأنفسكم لا محالة أو من ضربة كف أو جبين بالسيف، أتستبدلون الدنيا بالنظر إلى وجه اللَّه عزوجل أو مرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في دار القرار، ما هذا بالرأي السديد، يا إخوتاه اني قد بعت هذه الدار بالتي امامها، وهذا وجهي إليه لا يبرح اللَّه وجوهكم ولا يقطع اللَّه أرحامكم.
فتبعه أخواه عبيداللَّه وعوف وقالا: لانطلب رزق الدنيا بعدك، قبّح اللَّه العيش
ص: 325
بعدك، اللّهمّ انّا نحتسب أنفسنا عندك. فاستقدموا فقاتلوا حتى قتلوا(1).
وفي خطبة الأشتر في صفين: ان هؤلاء القوم واللَّه لن يقاتلوكم إلّا عن دينكم ليطفئوا السنّة ويحيوا البدعة، ويدخلوكم في أمر قد أخرجكم اللَّه منه بحسن البصيرة، فطيبوا عباد اللَّه نفسا بدمائكم دون دينكم...(2).
وكان الأشتر أيضاً يحرّض ويقول: عليكم بهذا السواد الأعظم، فان اللَّه عزوجل لو قد فضّه تبعه من بجانبيه كما يتبع مؤخر السيل مقدّمه(3).
نصب لمعاوية منبر، فقعد عليه في قبّة ضربها ألقي عليها الثياب والأرائك وأحاط به أهل يمن وقال: لا يقربن أحد هذا المنبر لا تعرفونه إلّا قتلتموه كائنا من كان(4) وكان على رأس معاوية رجل قائم معه ترس مذهّب يستره من الشمس(5).
ولقد قصد رواق معاوية جمع من أصحابه عليه السلام كما أمرهم لكن لم يكن طيه مقدرا، فممن قصده أبو شداد قيس بن المكشوح، قالت بجيلة له: خذ رأيتنا. فقال: غيري خير لكم مني. قالوا: لا نريد غيرك. قال: فواللَّه لئن أعطيتمونيها لا أنتهي بكم دون صاحب الترس المذهب. فقالوا: اصنع ما شئت. فأخذها ثم زحف بها وهم
ص: 326
حوله يضربون الناس حتى انتهى إلى صاحب الترس فاقتتلوا هنا لك قتالا شديدا وشدّ بسيفه نحو صاحب الترس، فعرض له رومي من دونه لمعاوية فضرب قدم أبي شدّاد فقطعها، وضرب أبوشداد ذلك الرومي فقتله، وأسرعت الى أبي شداد الأسنّة فقتل.
فأخذ الراية بعده عبداللَّه بن قلع الأحمسي وقال:
لا يبعد اللَّه أبا شداد * حيث أصاب دعوة المنادي
وشدّ بالسيف على الأعادي * نعم الفتى كان له الطراد
وفي طعان الخيل والجلاد
ثم قاتل حتى قتل، فأخذها بعده أخوه عبدالرحمن بن قلع، فقاتل حتى قتل، ثم أخذها عفيف بن إياس الأحمسي، فلم تزل بيده حتى تحاجز الناس(1).
ومنهم عكبر بن جدير الأسدي - وكان فارس أهل الكوفة الذي لا ينازع - فلما نادى عوف بن مجزأة المرادي - الذي كان فارس أهل الشام لا ينازع - هل من مبارز خرج إليه عكبر فطعن عوفا فصرعه ومعاوية على التل في أناس من قريش وغيرهم، فوجّه عكبر فرسه فملا فروجه ركضا يضربه بالسوط مسرعا نحو التل، فنظر إليه معاوية فقال: ان هذا الرجل مغلوب على عقله أو مستأمن فاسألوه. فناداه رجل فلم يجبه حتى انتهى إلى معاوية وجعل يطعن في أعراض الخيل ورجا أن يفردوا له معاوية، فقتل رجالا وقام القوم دون معاوية بالسيوف والرماح، فلما لم يصل إلى معاوية نادى:
أولى لك يابن هند * أنا الغلام الأسدي
ص: 327
فرجع إلى علي فقال عليه السلام: ما ذا دعاك يا عكبر إلى ما صنعت قال: أردت غرة ابن هند - وانكسر أهل الشام لقتل المرادي - وهدر معاوية دم عكبر فقال عكبر: يداللَّه فوق يد معاوية(1).
ومنهم عبداللَّه بن بديل الخزاعي، قال الشعبي: كان عَلَى ابن بديل سيفان ودرعان، فجعل يضرب الناس بسيفه قدما وهو يقول:
لم يبق إلّا الصبر والتوكل * وأخذك الترس وسيفا مصقل
ثم التمشي في الرعيل الأول * مشي الجمال في حياض المنهل
واللَّه يقضي ما يشا ويفعل
ولم يزل يضرب بسيفه حتى انتهى إلى معاوية، فأزاله عن موقفه وجعل ينادي: يا آل ثارات عثمان - يعني أخا له كان قتل - فظن معاوية وأصحابه انّه يعني عثمان بن عفان - حتى أزال معاوية عن موقفه، فأقبل أصحابه على ابن بديل يرضخونه بالصخر حتى أثخنوه وقتل، وأقبل إليه معاوية ومعه عبداللَّه بن عامر - وكان لابن بديل أخا وصديقا فألقى ابن عامر عمامته على وجهه وترحّم عليه، فقال له معاوية: اكشف عن وجهه. فقال له ابن عامر: واللَّه لا يمثل به وفيّ الروح. فقال له معاوية: اكشف عن وجهه قد وهبته لك، فكشف فلما رآه معاوية قال: هذا كبش القوم وربّ الكعبة، وما مثله إلّا كما قال الشاعر:
أخو الحرب ان عضّت به عضّها * وان شمّرت عن ساقها الحرب شمّرا
ويحمي إذا ما الموت كان لقاءه * لدى الشتر يحمي الأنف ان يتأخرا
كليث هزبر كان يحمى ذماره * رمته المنايا قصدها فتفطرا
ص: 328
لو قدرت نساء خزاعة أن يقاتلنني لفعلن فضلا عن رجالها(1).
ومنهم أخوان من الأنصار، حمل غلامان من الأنصار أخوان حتى انتهيا إلى سرادق معاوية فقتلا عنده(2).
ومنهم رجل آخر، ففيه قال رجل من أصحاب علي عليه السلام: أما واللَّه لأحملن على معاوية حتى أقتله، فركب فرسا ثم ضربه حتى قام على سنابكه ثم دفعه فلم ينهنهه شي ء عن الوقوف على رأس معاوية، فهرب معاوية ودخل خباء، فنزل الرجل عن فرسه ودخل عليه، فخرج معاوية من جانب الخباء الآخر، فخرج الرجل في أثره فاستصرخ معاوية بالناس، فأحاطوا به وحالوا بينهما، فقال معاوية: ويحكم ان السيوف لم يؤذن لها في هذا ولو لا ذلك لم يصل إليكم فعليكم بالحجارة، فرضخوه حتى همد. فعاد معاوية إلى مجلسه(3).
ومنهم سبعة آلاف من ربيعة التي كان عليه السلام يمدحها ويقول فيهم «ربيعة السامعة المطيعة»(4) الّا أنّهم لم يظفروا لغدر أميرهم خالد بن المعمر، أطعمه معاوية وخيّب اللَّه رجاءه. ففي (صفين نصر): تبايع سبعة آلاف من ربيعة وتحالفت بالأيمان العظيمة على ألا ينظر رجل منهم خلفه حتى يردوا سرادق معاوية، فأقبلوا نحوه فلما نظر إليهم معاوية قال:
إذا قلت قد ولّت ربيعة أقبلت * كتائب منها كالجبال تجالد
وقال لعمرو: ما ترى قال: ان تخلّي سرادقك اليوم. فقام معاوية وخلّى لهم
ص: 329
سرادقه ورحله. وخرج فارا عنه ببعض مضارب أهل الشام في أخريات الناس، فانتهت ربيعة إلى سرادقه ورحله وبعث معاوية إلى خالد بن المعمر انّك قد ظفرت ولك إمرة خراسان ان لم تتمّ، فقطع خالد القتال ولم يتمّه وقال لربيعة قد برّت أيمانكم فحسبكم، فلما كان عام الجماعة أمّره معاوية على خراسان فمات قبل أن يبلغها(1).
بالفتح اي واسطه.
والمراد به معاوية
اى مختف
بكسره أي أسفل شقة البيت التي تلي الأرض من حيث يكسر جانباه من عن يمينك ويسارك(2).
ص: 330
قال تعالى: «وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِي ءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ»(1).
قوله عليه السلام: «وأنتم الأعلون واللَّه معكم ولن يتركم أعمالكم» لفظ القرآن، قال تعالى: «فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ»(2).
في (صفين نصر): ركب علي عليه السلام بغلة النبيّ صلى الله عليه وآله الشهباء، ثم تعصّب بعمامة النبي السوداء، ثم نادى: أيها الناس من يشري نفسه للَّه يربح، هذا يوم له ما بعده، ان عدوّكم قد قرح كما قرحتم.
فانتدب له ما بين العشرة آلاف إلى اثني عشر ألفا وضعوا سيوفهم على عواتقهم. وتقدّمهم علي عليه السلام منقطعا على بغلة النبي وهو يقول:
دبّوا دبيب النمل لا تقوتوا * وأصبحوا بحربكم وبيتوا
حتى تنالوا الثأر أو تموتوا * أولا فإنّي طالما عصيت
قد قلتم لو جئتنا فجيب * ليس لكم ما شئتم وشيت
بل ما يريد المحيي المميت
ص: 331
فتبعه عدي بن حاتم بلوائه وهو يقول:
أبعد عمار وبعد هاشم * وابن بديل فارس الملاحم
نرجو البقاء مثل حلم الحالم * وقد عضضنا أمس بالأباهم
فاليوم لا نقرع سن نادم * ليس امرؤ من يومه بسالم
وتقدّم الأشتر وهو يقول:
حرب بأسباب الردى تأجج * يهلك فيها البطل المدجّج
يكفيك همدانها ومذحج * قوم إذا ما أحمشوها أنضجوا
روحوا إلى اللَّه ولا تعرجوا * دين قويم وسبيل منهج
وحمل الناس حملة واحدة فلم يبق لأهل الشام صف إلّا انتقض واهمدوا ما أتوا عليه حتى أفضى الأمر إلى مضرب معاوية، وعلي عليه السلام يضربهم بسيفه وهو يقول:
أضربهم ولا أرى معاوية * الأخزر العين العظيم الحاوية
هوت به في النار ام هاوية
فدعا معاوية بفرسه لينجو عليه، فلما وضع رجله في الركاب تمثّل بأبيات عمرو بن الأطنابة:
أبت لي عفّتي وأبي بلائي * وأخذي الحمد بالثمن الربيح
واعظامي على المكروه نفسي * وضربي هامة البطل المشيح
وقولي كلّما جشأت وجاشت * مكانك تحمدي أو تستريحي
فثنى رجله من الركاب ونزل واستصرخ بعك والأشعريين، فجالدوا عنه... وانتهى إلى مكيدة عمرو في رفع المصاحف(1).
ص: 332
قد مضى طرف من وقايع صفين في شرح بعض الخطب السابقة، فذكرنا في شرح الخطبة السادسة والعشرين كيفية ارسال أميرالمؤمنين جرير بن عبداللَّه البجلي إلى معاوية بالرسالة وكيفية بيعة عمرو بن العاص لمعاوية، وفي شرح كلامه الثالث والأربعين تفصيل قصة جرير ومكالماته مع معاوية ويأسه من بيعته حتى رجع إلى العراق وانجر الأمر إلى حرب صفين، وفي شرح الخطبة الثامنة والأربعين كيفية خروج أميرالمؤمنين عليه السلام من كوفة متوجها إلى صفين، وفي شرح الخطبة الاحدى والخمسين نزوله عليه السلام بصفين وغلبة أصحاب معاوية على الشريعة وفتح الفرات، وفي شرح الخطبة الخامسة والثلاثين قصة ليلة الهرير وكيفية التحكيم إلى آخر الحرب.
فأوردت هنا بقية تلك الواقعة وهي من فتح الشريعة إلى ليلة الهرير لاقتضاء المقام ذلك وليكون شرحنا ذلك مشتملا على تمام تلك الوقعة ولو اجمالا ويستغني الناظر به عن الرجوع الى غيره ولا يشذ عنه جمل تلك الوقعة.
في (صفين نصر) أنه وصل أميرالمؤمنين عليه السلام إلى صفين لثمان بقين من المحرم من سنة سبع وثلاثين(1).
قال نصر: ولما ملك أميرالمؤمنين الماء بصفين ثم سمح لأهل الشام بالمشاركة فيه والمساهمة رجاء أن يعطفوا إليه واستمالة لقلوبهم وإظهارا للمعدلة وحسن السيرة فيهم، مكث أيّاماً لا يرسل إلى معاوية ولا يأتيه من عند معاوية أحد واستبطأ أهل العراق إذنه لهم في القتال وقالوا: يا أميرالمؤمنين خلفنا ذرارينا
ص: 333
ونسائنا بالكوفة وجئنا إلى أطراف الشام لنتخذها وطنا، ائذن لنا في القتال فان الناس قد قالوا قال عليه السلام ما قالوا؟ فقال قائل منهم إن الناس يظنون أنك تكره الحرب كراهية للموت وأن من الناس من يظن أنك في شك من قتال أهل الشام(1).
فأجابهم عليه السلام بجواب مر ذكره فيما سبق وهو الكلام الرابع والخمسون.
قال نصر: فقال عليه السلام ومتى كنت كارها للحرب قط إن من العجب حبى لها غلاما ويفعا وكراهتي لها شيخا بعد نفاد العمر وقرب الوقت وأما شكي في القوم فلو شككت فيهم لشككت في أهل البصرة فو اللَّه لقد ضربت هذا الامر ظهرا وبطنا فما وجدت أن يسعني إلا القتال أو أن أعصى اللَّه ورسوله ولكني استأني(2) بالقوم عسى أن يهتدوا أو يهتدى فيهم طايفة فان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال لي يوم خيبر: لأن يهدي اللَّه بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس(3).
فبعث علي إلى معاوية بشر بن عمرو وسعيد بن قيس وشبث بن ربعي فقال ائتوا هذا الرجل فادعوه إلى الطاعة والجماعة وإلى اتباع أمر اللَّه سبحانه، فقال شبث يا أميرالمؤمنين ألا نطمعه في سلطان توليه اياه ومنزلة يكون له بها اثرة عندك إن هو بايعك؟ قال ائتوه الآن والقوه واحتجوا عليه وانظروا ما رأيه في هذا، فدخلوا عليه فابتدأ بشر بن عمرو بن محصن فحمد اللَّه وأثنى عليه وقال:
أما بعد يا معاوية فانّ الدنيا عنك زايلة وانك راجع إلى الآخرة وأن اللَّه مجازيك بعملك ومحاسبك بما قدمت يداك، وإنني انشدك باللَّه أن تفرق جماعة
ص: 334
هذه الامة وأن تسفك دمائها بينها.
فقطع معاوية عليه الكلام فقال: فهلا أوصيت صاحبك؟ فقال: سبحان اللَّه إن صاحبي ليس مثلك صاحبي أحق البرية في هذا الأمر في الفضل والدين والسابقة في الاسلام والقرابة من الرسول، قال معاوية فتقول ما ذا؟ قال: أدعوك إلى تقوى ربك وإجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحق فانه أسلم لك في دينك وخير لك في عاقبة أمرك قال وبطل دم عثمان لا والرحمن لا أفعل ذلك ابدا.
فذهب سعيد بن قيس ليتكلم فبدره شبث بن ربعي فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال:
يا معاوية قد فهمت ما رددت على ابن محصن انه لا يخفى علينا ما تطلب إنك لا تجد شيئا تستغوي به الناس ولا شيئا تستميل به أهوائهم إلّا أن قلت لهم قتل امامكم مظلوما فهلموا تطلب بدمه فاستجاب لك سفلة طغام رذال، وقد علمنا أنك بطأت عنه بالنصر وأحببت له القتل لهذه المنزلة التي تطلب، ورب مبتغ أمرا وطالب له يحول اللَّه دونه وربما أوتي المتمنى امنيته وربما لم يؤتها، وواللَّه مالك في واحدة منهما خير، واللَّه إن أخطاك ما ترجو انك لشر العرب حالا ولئن أصبت ما تتمناه لا تصيبه حتى تستحق صلى النار، فاتق اللَّه يا معاوية ودع ما أنت عليه ولا تنازع الأمر أهله.
قال معاوية: أما بعد، فان أول ما عرفت به سفهك وخفة علمك قطعك على هذا الحسيب الشريف سيد قومه منطقة ثم عتبت بعد فيما لا علم لك به، ولقد كذبت ولؤمت أيها الأعرابي الجلف الجافي في كل ما وصفت، انصرفوا من عندي فانه ليس بيني وبينكم إلّا السيف وغضب.
ص: 335
فخرج القوم وشبث يقول: أعلينا تهول بالسيف أما واللَّه لنعجلنّه إليك(1).
وخرج قراء أهل العراق وقراء أهل الشام فعسكروا في ناحية صفين في ثلاثين ألفا.
وعسكر علي عليه السلام على الماء وعسكر معاوية فوقه على الماء ومشت القراء بين علي ومعاوية، منهم عبيدة السلماني، وعلقمة بن قيس النخعي، وعبداللَّه بن عتبة، وعمار بن عبد القيس فدخلوا على معاوية فقالوا: يا معاوية ما الذي تطلب؟ قال: اطلب بدم عثمان، قالوا: ممن تطلب بدم عثمان؟ قال: أطلبه من علي، قالوا أو علي قتله؟ قال: نعم هو قتله وآوى قتلته، فانصرفوا من عنده فدخلوا على علي عليه السلام وقالوا: إن معاوية زعم أنك قتلت عثمان، قال: اللهم لكذب علم لم أقتله.
فرجعوا إلى معاوية فأخبروه فقال: إن لم يكن قتله بيده فقد أمر ومالأ، فرجعوا إليه وقالوا: بزعم أنك إن لم تكن قتلت بيدك فقد أمرت وما لئت على قتل عثمان فقال: اللهم لكذب فيما قال، فرجعوا إلى معاوية فقالوا: إن عليا يزعم أنه لم يفعل، فقال معاوية: إن كان صادقا فليمكنا (فليقدنا) من قتلة عثمان فإنّهم في عسكره وجنده وأصحابه وعضده فرجعوا إلى علي فقالوا: إن معاوية يقول لك إن كنت صادقا فادفع إلينا قتلة عثمان أو مكنا منهم، فقال لهم: إن القوم تأولوا عليه القرآن ووقعت الفرقة وقتلوه في سلطانه وليس على ضربهم قود فخصم عليٌّ معاوية.
فقال لهم معاوية: إن كان الأمر كما تزعمون فلم ابتز الأمر دوننا على غير مشورة منا وممن ههنا معنا؟ فقال: علي عليه السلام انما الناس تبع المهاجرين والأنصار وهم شهود للمسلمين في البلاد على ولاتهم وامراء دينهم، فرضوا بي وبايعوني
ص: 336
ولست استحل أن أدع ضرب معاوية يحكم على هذه الامة ويركبهم ويشق عصاهم، فرجعوا إلى معاوية فأخبروه بذلك فقال: ليس كما يقول فما بال من هو منا من المهاجرين والأنصار لم يدخلوا في هذا الأمر، فانصرفوا إليه عليه السلام فأخبروه بقوله، فقال: ويحكم هذا للبدريين دون الصحابة وليس في الأرض بدري إلا وقد بايعني وهو معي أو قد أقام ورضى فلا يغرّنكم من أنفسكم ودينكم فراسلوا بذلك ثلاثة أشهر ربيع الآخر وجماديين وهم مع ذلك يفزعون الفزعة فيما بينهم ويرجف بعضهم إلى بعض ويحجز القراء بينهم.
ففزعوا في ثلاثة أشهر خمسا وثمانين فزعة كل فزعة يرجف بعضهم إلى بعض ويحجز القراء بينهم لا يكون بينهم قتال(1)، وخرج أبو امامة الباهلي وأبو الدرداء فدخلا على معاوية فقالا: يا معاوية على م نقاتل هذا الرجل فو اللَّه لهو أقدم منك سلما وأحق منك بهذا الأمر وأقرب من رسول اللَّه فعلى م تقاتله؟ فقال: اقاتله على دم عثمان وأنه آوى قتلته فقولوا له فليقدنا من قتلته وأنا أول من بايعه من أهل الشام.
فانطلقوا إلى علي فأخبروه بقول معاوية فقال عليه السلام: إنما يطلب الذين ترون فخرج عشرون ألفا وأكثر متسربلين الحديد لا يرى منهم إلّا الحدق فقالوا: كلنا قتله فان شاءوا فليروموا ذلك منا، فرجع أبو امامة وأبو الدرداء فلم يشهدا شيئا من القتال حتى إذا كان رجب وخشى معاوية أن يبايع القراء عليا أخذ في المكر وأخذ يحتال للقراء.
فكتب معاوية في سهم من عبداللَّه الناصح أني أخبركم أن معاوية يريد أن يفجر
ص: 337
عليكم الفرات فيغرقكم فخذوا حذركم، ثم رمى بالسهم في عسكر علي فوقع السهم في يد رجل فقرأه ثم أقرئه صاحبه فلما قرأه وقرأه الناس وأقرأه من أقبل وأدبر قالوا: هذا أخ لنا ناصح كتب إليكم يخبركم بما أراد معاوية فلم يزل السهم يقرأ ويرتفع حتى رفع إلى علي عليه السلام.
وقد بعث معاوية مأتي رجل من العملة إلى عاقول من النهر بأيديهم المرور والزبل يحفرون فيها بحيال عسكر علي، فقال علي عليه السلام: ويحكم إن الذي يعالج معاوية لا يستقيم له ولا يقوم (يقوى) عليه إنما يريد أن يزيلكم عن مكانكم فانتهوا عن ذلك ودعوه، فقالوا له واللَّه يحفرون واللَّه لترتحلن وإن شئت فأقم، فارتحلوا وصعدوا بعسكرهم مليا وارتحل علي في اخريات الناس وهو يقول:
فلو أني أطعت عصمت(1) قومي * إلى ركن اليمامة(2) أو شآم
ولكنى متى ابرمت امرا * منيت بخلف آراء الطغام(3)
فارتحل معاوية ونزل بمعسكر على الذي كان فيه، فدعا علي عليه السلام الأشتر فقال: ألم تغلبني على رأيي أنت والأشعث برأيكما، فقال الأشعث أنا أكفيك يا أميرالمؤمنين سأداوي ما افسدت اليوم من ذلك، فجمع كندة فقال لهم: يا معشر كنده لا تفضحوني اليوم ولا تخزوني فانما أنا قارع بكم أهل الشام، فخرجوا معه رجالة يمشون وبيده رمح له يلقيه على الأرض ويقول: امشوا قيس رمحي هذا، فيمشون فلم يزل يقيس لهم الأرض برمحه ويمشون معه حتى أتى معاوية وسط
ص: 338
بني سليم واقفا على الماء، وقد جاءه أداني عسكره.
فاقتتلوا قتالا شديدا على الماء ساعة وانتهى أوائل أهل العراق فنزلوا، وأقبل الأشتر في جنده من أهل العراق فحمل إلى معاوية والأشعث يحارب في ناحية اخرى فانحاز معاوية في بني سليم فردوا وجوه إبله قدر ثلاث فراسخ، ثم نزل ووضع أهل الشام أثقالهم والأشعث يهدر ويقول ارضيتك يا أميرالمؤمنين وقال الأشتر يا أميرالمؤمنين قد غلب اللَّه لك على الماء(1).
قال نصر: وكان كل واحد من علي ومعاوية يخرج الرجل الشريف في جماعة ويقاتل مثله وكانوا يكرهون أن يزاحفوا بجميع الفيلق مخافة الاستيصال والهلاك، فاقتتل الناس ذالحجة كله فلما انقضى تداعوا إلى أن يكف بعضهم عن بعض إلى أن ينقضي المحرم لعل اللَّه أن يجري صلحا أو اجتماعا، فكف الناس في المحرم بعضهم عن بعض(2).
قال نصر: حدثنا عمر بن سعد عن أبي المجاهد عن المحل بن خليفة، قال: لما توادعوا في المحرم اختلفت الرسل فيما بين الرجلين رجاء الصلح، فأرسل علي إلى معاوية عدي بن حاتم، وشبث بن ربعي، ويزيد بن قيس، وزياد بن حفصة فلما دخلوا عليه حمد اللَّه تعالى عدي بن حاتم وأثنى عليه وقال أما بعد:
فقد اتيناك لندعوك إلى أمر يجمع اللَّه به كلمتنا وامتنا ويحقن دماء المسلمين ندعوك إلى أفضل الناس سابقة وأحسنهم في الاسلام آثارا، وقد اجتمع له الناس وقد أرشدهم اللَّه بالذي رأوا واتوا فلم يبق أحد غيرك وغير من معك، فانته يا
ص: 339
معاوية من قبل أن يصيبك اللَّه وأصحابك بمثل يوم الجمل.
فقال له معاوية: كأنك إنما جئت متهددا ولم تأت مصلحا هيهات يا عدي اني لابن حرب ما يقعقع(1) لي بالشنئآن، أما واللَّه إنك من المجلبين على عثمان وإنك لمن قتلته وإني لأرجو أن تكون ممن يقتله اللَّه فقال له شبث بن ربعي وزياد بن خصفة وتنازعا كلاما واحدا: أتيناك فيما يصلحنا وإياك فأقبلت تضرب لنا الأمثال، دع ما لا ينفع من القول والفعل وأجبنا فيما يعمنا وإياك نفعه.
وتكلم يزيد بن قيس فقال: إنا لم نأتك إلّا لنبلغك الذي بعثنا به إليك ولنؤدي عنك ما سمعناه منك ولم ندع أن ننصح لك وأن نذكر ما ظننا ان لنا فيه عليك حجة أو أنه راجع بك إلى الألفة والجماعة، إن صاحبنا من قد عرفت وعرف المسلمون فضله ولا أظنه يخفى عليك أن أهل الدين والفضل لا يعدلونك بعلي ولا يساوون بينك وبينه، فاتق اللَّه يا معاوية ولا تخالف عليا فإنا واللَّه ما رأينا رجلا قط أعلم بالتقوى ولا أزهد في الدنيا ولا أجمع لخصال الخير كلها منه فحمد اللَّه معاوية وأثنى عليه وقال: أما بعد فانكم دعوتم إلى الجماعة والطاعة فأما التي دعوتم إليها فنعما هي وأما الطاعة لصاحبكم فانا لا نرضى به إن صاحبكم قتل خليفتنا وفرق جماعتنا وآوى ثارنا وقتلتنا، وصاحبكم يزعم أنه لم يقتله فنحن لا نرد ذلك عليه أرأيتم قتلة صاحبنا ألستم تعلمون أنهم أصحاب صاحبكم فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به ونحن نجيبكم إلى الطاعة والجماعة فقال له شبث: ايسرك باللَّه يا معاوية إن
ص: 340
أمكنت من عمار بن ياسر فقتلته؟ قال: وما يمنعني من ذلك، واللَّه لو أمكنني صاحبكم من ابن سمية ما أقتله بعثمان، ولكن كنت أقتله بنائلة مولى عثمان، فقال شبث: وإله السماء ما عدلت معدلا ولا والذي لا إله إلّا هو لا يصل إليك قتل ابن ياسر حتى تندر الهام عن كواهل الرجال، وتضيق الأرض الفضاء عليك برحبها (بما رحبت).
فقال معاوية: إذا كان ذلك كانت عليك أضيق ثم رجع القوم عن معاوية فبعث معاوية إلى زياد بن خصفة من بينهم فأدخله عليه فحمد معاوية اللَّه وأثنى عليه ثم قال: أما بعد يا أخا ربيعة فان عليا قطع أرحامنا وقتل إمامنا وآوى قتلته وإني أسألك النصرة عليه بأسرتك وعشيرتك، ولك على عهد اللَّه وميثاقه إذا ظهرت أن أوليك أي المصرين أحببت.
قال زياد: فلما قضى معاوية كلامه حمدت اللَّه وأثنيت عليه ثم قلت: أما بعد فإنّي لَعَلَى بيّنة من ربّي وبما أنعم اللَّه على فلن أكون ظهيرا للمجرمين، ثم قمت فقال معاوية لعمرو بن العاص وكان إلى جانبه: مالهم غضبهم اللَّه ما في قلوبهم ما قلبهم إلا قلب رجل واحد(1).
وبعث معاوية حبيب بن مسلمة الفهري إلى علي عليه السلام وشرجيل بن السمط ومعن بن يزيد فدخلوا عليه، فتكلم حبيب وحمد اللَّه وأثنى عليه وقال أما بعد فان عثمان بن عفان كان خليفة مهديا يعمل بكتاب اللَّه وينيب إلى أمر اللَّه فاستثقلتم حياته واستبطأتهم وفاته. فعدوتم عليه فقتلتموه. فادفع إلينا قتلة عثمان لنقتلهم به، فان قلت إنك لم تقتله فاعتزل أمر الناس فيكون أمرهم هذا شورى بينهم يول الناس
ص: 341
أمرهم من أجمع رأيهم عليه.
فقال علي عليه السلام: ومن أنت لا ام لك والولاية والعزل والدخول في هذا الأمر اسكت فانك لست هناك ولا بأهل لذاك، فقام حبيب بن مسلمة وقال واللَّه لتراني حيث تكره، فقال علي عليه السلام: وما أنت ولو أجلبت بخيلك ورجلك؟ اذهب فصوب وصعد ما بدا لك فلا أبقى اللَّه لك إن أبقيت، فقال شرجيل بن السمط إن كلمتك فلعمري ما كلامي لك إلا نحو كلام صاحبي فهل عندك جواب غير الذي أجبته؟ قال: نعم، قال فقله، فحمد اللَّه على عليه السلام وأثنى عليه ثم قال أما بعد فان اللَّه سبحانه بعث محمداصلى الله عليه وآله فانقذ به من الضلالة ونعش به من الهلكة وجمع به بعد الفرقة، ثم قبضه اللَّه إليه وقد أدى ما عليه فاستخلف الناس ابابكر ثم استخلف أبوبكر عمر، فأحسنا السيرة وعدلا في الامة وقد وجدنا عليهما أن توليا الأمر دوننا ونحن آل الرسول وأحق بالأمر فغفرنا ذلك لهما، ثم ولى أمر الناس عثمان فعمل بأشياء عابها الناس عليه فساء إليه ناس فقتلوه ثم أتانى الناس وأنا معتزل أمرهم فقالوا لي: بايع فأبيت عليهم، فقالوا لي: بايع فان الامة لن ترضى إلا بك وإنا نخاف إن لم تفعل تفرق الناس، فبايعتهم فلم يرعنى إلا شقاق رجلين قد بايعاني وخلاف معاوية إياى الذي لم يجعل اللَّه له سابقة فى الدين ولا سلف صدق في الاسلام، طليق بن طليق، وحزب من الأحزاب، لم يزل اللَّه ولرسوله عدوا هو وأبوه حتى دخلا في الاسلام كارهين مكرهين فيا عجبا لكم ولانقيادكم له تدعون آل نبيكم الذين لا ينبغي شقاقهم ولا خلافهم ولا أن تعدلوا بهم أحدا من الناس إني أدعوكم إلى كتاب اللَّه عزوجل وسنة نبيكم صلى الله عليه وآله وإماتة الباطل وإحياء معالم الدين، أقول قولي هذا وأستغفر اللَّه لنا ولكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة.
ص: 342
فقال له شرحبيل ومعن بن يزيد: أتشهد أن عثمان قتل مظلوما فقال لهما: اني لا أقول ذلك، قالا: فمن لا يشهد أن عثمان قتل مظلوما فنحن منه براء، ثم قاما فانصرفا فقال علي عليه السلام: «إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلّا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون»(1).
ثم أقبل على أصحابه فقال: لا يكن هؤلاء في ضلالتهم بأولى بالجد منكم في حقكم وطاعة إمامكم ثم مكث الناس إلى انسلاخ المحرم فلما انسلخ واستقبل الناس صفرا من سنة سبع وثلاثين بعث علي نفرا من أصحابه حتى إذا كانوا في عسكر معاوية بحيث يسمعونهم الصوت قام مرثد بن الحرث (يزيد بن الحارث خ) الجشمي فنادى عند غروب الشمس: يا أهل الشام إن أميرالمؤمنين علياعليه السلام وأصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقولون لكم: إنا واللَّه لم نكف عنكم شكافي أمركم ولا إبقاء عليكم وإنّما كففنا عنكم لخروج المحرم، وقد انسلخ، وإنا قد نبذنا إليكم على سواء فان اللَّه لا يحب الخائنين، قال فسار الناس إلى رؤسائهم وامرائهم(2).
وأما رواية عمرو بن شمر، عن جابر عن أبي الزبير أن نداء ابن مرثد الجشمي كانت صورته: يا أهل الشام ألا إن أميرالمؤمنين يقول لكم. إني قد استأنيت لكم لتراجعوا إلى الحق وتنيبوا إليه واحتججت عليكم بكتاب اللَّه ودعوتكم إليه، فلم تتناهوا عن طغيان، ولم تجيبوا إلى حق، فاني قد نبذت إليكم على سواء إن اللَّه لا يحب الخائنين قال: فسار الناس إلى رؤسائهم وخرج معاوية وعمرو بن العاص يكتبان الكتائب ويعبأن العساكر، وأوقدوا النيران وجاءوا بالشموع وبات علي عليه السلام
ص: 343
ليلته تلك كلها يعبي الناس ويكتب الكتائب ويدور في الناس ويحرضهم قال نصر: فخرجوا أول يوم من صفر سنة سبع وثلاثين وهو يوم الأربعاء فاقتتلوا، وعلى من خرج يومئذ من أهل الكوفة الاشتر، وعلى أهل الشام حبيب بن مسلمة فاقتتلوا قتالا شديدا جل النهار، ثم تراجعوا وقد انتصف بعضهم من بعض ثم خرج في اليوم الثاني هاشم بن عتبة في خيل ورجال حسن عددها وعدتها، فخرج إليه من أهل الشام أبو الأعور السلمي، فاقتتلوا يومهم ذلك، تحمل الخيل على الخيل والرجال على الرجال ثم انصرفوا وقد صبر القوم بعضهم لبعض وخرج في اليوم الثالث عمار بن ياسر وخرج إليه عمرو بن العاص فاقتتل الناس كأشد قتال كان، وجعل عمار يقول: يا أهل الاسلام أتريدون أن تنظروا إلى من عاد اللَّه ورسوله وجاهدهما وبغى على المسلمين وظاهر المشركين فلما أراد اللَّه أن يظهر دينه وينصر رسوله أتى إلى النبي فأسلم وهو واللَّه فيما يرى راهب غير راغب، ثم قبض اللَّه رسوله، وإنا واللَّه لنعرفه بعداوة المسلم ومودة المجرم، ألا وإنه معاوية فقاتلوه والعنوه، فانه ممن يطفى نور اللَّه ويظاهر أعداء اللَّه.
قال: وكان مع عمار زياد بن النضر على الخيل فأمره أن يحمل في الخيل فحمل فصبروا له، وشد عمار في الرجالة فأزال عمرو بن العاص عن موقفه ورجع الناس يومهم ذلك(1).
وعن المسعودي، عن يونس الأرقم، عمن حدثه من شيوخ بكر بن وائل، قال: كنا مع علي بصفين فرفع عمرو بن العاص شقة خميصة سوداء في رأس رمح فقال ناس: هذا لواء عقده له رسول اللَّه، فلم يزالوا يتحدثون حتى وصل ذلك إلى
ص: 344
علي عليه السلام فقال: أتدرون ما هذا اللواء إن عمرا أخرج له رسول اللَّه هذه الشقة فقال: من يأخذها بما فيها، فقال عمرو ما فيها يا رسول اللَّه؟ فقال: لا تقاتل بها مسلما ولا تقربها من كافر، فأخذها فقد واللَّه قربها من المشركين وقاتل بها اليوم المسلمين، والذي فلق الحبة وبرء النسمة ما أسلموا ولكنهم استسلموا وأسروا الكفر، فلما وجدوا أعوانا أظهروه(1).
واما اليوم الرابع فان محمد بن الحنفية خرج في جمع من أهل العراق فاخرج إليه معاوية عبيد اللَّه بن عمر بن الخطاب في جمع من أهل الشام، فاقتتلوا، ثم إن عبيداللَّه بن عمر أرسل إلى محمد بن الحنفية أن اخرج إلى ابارزك، فقال: نعم ثم خرج إليه فبصر بهما علي عليه السلام فقال: من هذان المتبارزان؟ قيل: محمد بن الحنفية وعبيداللَّه بن عمر فحرك دابته ثم دعا محمدا إليه فجاءه فقال عليه السلام: أمسك دابّتي فأمسكها فمشى عليه السلام راجلا بيده سيفه نحو عبيداللَّه وقال له: ابارزك فهلم إلي قال: لا ابارزك، ثم رجع إلى صفه فرجع علي عليه السلام فقال ابن الحنفية: يا أبت لم تمنعني من مبارزته فو اللَّه لو تركتني لرجوت أن أقتله، قال: يا بني لو بارزته أنا لقتلته ولو بارزته أنت لرجوت لك أن تقتله وما كنت آمن أن يقتلك، فقال: يا أبت أتبرز بنفسك إلى هذا الفاسق اللئيم عدو اللَّه، واللَّه لو أبوه يسألك المبارزة لرغبت بك عنه(2).
وأما اليوم الخامس فانه خرج فيه عبيداللَّه بن العباس فخرج إليه الوليد بن عقبة فأكثر من سب بني عبدالمطلب وقال: يابن عباس قطعتم أرحامكم وقتلتم إمامكم فكيف رأيتم صنع اللَّه بكم لا تعطوا ما طلبتم ولم تدركوا ما أملتم، فأرسل إليه ابن
ص: 345
عباس ابرز إلى فأبى أن يفعل، وقاتل ابن عباس ذلك اليوم قتالا شديدا ثم انصرفوا وكل غير غالب وخرج ذلك اليوم سمرة بن أبرهه بن الصباح الحميري فلحق بعلي عليه السلام في ناس من قراء أهل الشام ففت(1) ذلك في عضد معاوية وعمرو بن العاص وقال عمرو: يا معاوية إنك تريد أن تقاتل بأهل الشام رجلا له من محمدصلى الله عليه وآله قرابة قريبة ورحم ماسة وقدم في الاسلام ليس لأحد مثله وقد سار إليك بأصحاب محمدصلى الله عليه وآله المعدودين وفرسانهم وقرائهم وأشرافهم وقدمائهم في الاسلام، ولهم في النفوس مهابة ومهما نسيت فلا تنس فانك على الباطل وإن عليا على الحق فبادر الأمر قبل اضطرابه عليك، فقام معاوية في أهل الشام خطيبا وحثهم على القتال.
فخطب علي عليه السلام أصحابه(2) قال أبو (ابن خ) سنان الأسلمي كأني أنظر إليه متكئا على قوسه وقد جمع أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وهم يلونه كانه أحب أن يعلم الناس أن الصحابة متوافرون معه فقال بعد حمد اللَّه والثناء عليه أما بعد:
فان الخيلاء من التجبر وإن النخوة من التكبر وإن الشيطان عدو حاضر يعدكم الباطل، الا إن المسلم أخ المسلم فلا تنابذوا ولا تجادلوا ألا إن شرايع الدين واحدة وسبله قاصدة، من أخذ بها لحق ومن فارقها محق ومن تركها مرق، ليس المسلم بالخائن إذا أو من، ولا بالمخلف إذا وعد، ولا الكاذب إذا نطق، نحن أهل بيت الرحمة، وقولنا الصدق، وفعلنا القصد، ومنّا خاتم النبيين، وفينا قادة الاسلام، وفينا حملة الكتاب، أدعوكم إلى اللَّه وإلى رسوله وإلى جهاد عدوه والشدة في أمره وابتغاء مرضاته وإقام الصلاة، وايتاء الزكاة، وحج البيت وصيام شهر رمضان،
ص: 346
وتوفير الفي ء على أهله.
ألا وإن من أعجب العجايب أن معاوية بن أبي سفيان الاموي وعمرو بن العاص السهمي أصبحا يحرضان على طلب الدين بزعمهما، ولقد علمتم أنى لم أخالف رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قط، ولم أعصه في أمر قط، أقيه بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الأبطال، وترعد منها الفرائص بنجدة أكرمني اللَّه سبحانه بها وله الحمد.
ولقد قبض رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وإن رأسه لفى حجري، ولقد وليت غسله بيدي وحدي تقلّبه الملائكة المقربون معي، وأيم اللَّه ما اختلف أمة بعد نبيها إلّا ظهر أهل باطلها على أهل حقها إلّا ما شاء اللَّه.
قال أبو سنان فاشهد لقد سمعت عمار بن ياسر يقول: أما أميرالمؤمنين فقد أعلمكم إن الأمة لم تستقم عليه أولا، وانها لن تستقيم عليه آخرا(1).
وعن زيد بن وهب: إن علياًعليه السلام قال في هذه الليلة: حتى متى لا نناهض القوم بأجمعنا، فقام في الناس عشية الثلثاء بعد العصر فقال:
الحمد للَّه الذي لا يبرم ما نقض، ولا ينقض ما أبرم، ولو شاء ما اختلف اثنان من هذه الامة، ولا من خلقه، ولا تنازع البشر في شي ء من أمره، ولا جحد المفضول ذا الفضل فضله، ولقد ساقتنا وهولاء القوم الأقدار حتى لفت بيننا في هذا الموضع ونحن من ربنا بمرئي ومسمع، ولو شاء لعجل النقمة ولكان منه التغيير حتى يكذب اللَّه الظالم ويعلم الحق أين مصيره، ولكنه جعل الدنيا دار الأعمال، وجعل الآخرة دار الجزاء والقرار، ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.
ص: 347
ألا إنكم لاقوا العدو غدا إنشاء اللَّه فأطيلوا الليلة القيام، وأكثروا تلاوة القرآن، وأسألوا اللَّه الصبر والنصر، والقوهم بالجد والحزم، وكونوا صادقين.
قال: فوثب الناس إلى رماحهم وسيوفهم ونبالهم يصلحونها، وخرج عليه السلام فعبّأ الناس ليلته تلك كلها حتى أصبح، وعقد الألوية وأمر الأمراء وبعث إلى أهل الشام منادياً ينادي فيهم اغدوا على مصافكم، فضج أهل الشام في معسكرهم واجتمعوا إلى معاوية فعبى خيله وعقد ألويته وأمر امرائه وكتب كتائبه، وكان أهل الشام أكثر من أهل العراق بالضعف، ونصب لمعاوية منبر فقعد عليه في قبة ضربها ألقى عليها الثياب والدرانك وأحاط به أهل اليمن، وقال لا تقربن هذا المنبر أحد لا تعرفونه إلّا قتلتموه كائنا من كان.
ثم تناهض القوم سادس صفروا واقتتلوا إلى آخر نهارهم وانصرفوا عند المساء وكل غير غالب، فأما اليوم السابع فكان القتال فيه شديدا والخطب عظيما، وكان عبداللَّه بن بديل الخزاعي على ميمنة العراق، فزحف نحو حبيب بن مسلمة وهو على ميسرة أهل الشام حتى اضطرهم إلى قبة معاوية وقت الظهر(1).
قال نصر: وحدثنا عمر بن سعد عن عبد الرحمن بن أبي عمرو عن أبيه أن عليا خطب هذا اليوم فقال: معاشر الناس استشعروا الخشية وتجلببوا السكينة إلى آخر ما مر في المتن(2).
وروى نصر باسناده المذكور أيضاً أنه خطب ذا اليوم وقال: أيها الناس إن اللَّه تعالى ذكره قد دلكم على تجارة تنجيكم من العذاب، وتشفى بكم على الخير،
ص: 348
ايمان باللَّه ورسوله وجهاد في سبيله، وجعل ثوابه مغفرة الذنوب ومساكن طيبه في جنات ورضوان من اللَّه أكبر وأخبركم بالذي يحب فقال: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ»(1) فسووا صفوفكم كالبنيان المرصوص وقدموا الدراع وأخروا الحاسر(2) وعضوا على الأضراس فانه أنبا للسيوف عن الهام، وأربط للجاش وأسكن للقلوب وأميتوا الأصوات فانه أطرد للفشل وأولى بالوقار والتووا في أطراف الرماح فانه امور للاسنة ورايتكم فلا تميلوها ولا تزيلوها ولا تجعلوها إلّا بأيدي شجعانكم المانعي الذمار(3) والصبر عند نزول الحقائق أهل الحفاظ الذين يحفون برايتكم ويكتنفونها، يضربون خلفها وأمامها ولا تضيعونا.
وهلا أجزء كل أمرء مسلم منكم قرنه وواسا أخاه بنفسه، ولم يكل قرنه إلى أخيه فيجتمع عليه قرنه وقرن أخيه فيكتسب بذلك اللائمة ويأتي به دنائة أنى هذا وكيف يكن هكذا، يقاتل اثنين، وهذا ممسك يده قد خلى قرنه إلى أخيه هاربا منه أو قائما ينظر إليه من يفعل هذا مقته اللَّه فلا تعرضوا لمقت اللَّه فانما مردكم إلى اللَّه قال اللَّه تعالى لقوم عابهم:
«لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا»(4).
وأيم اللَّه إن فررتم من سيف «اللَّه خ ل» العاجلة لا تسلمون من سيف الآخرة فاستعينوا بالصدق والصبر فانه بعد الصبر ينزل النصر(5).
ص: 349
قال نصر: ثم قام قيس بن سعد وخطب خطبة بليغة حث الناس فيها على الجهاد، ثم قام الاشتر رضي اللَّه عنه بمثل ذلك، وكذا يزيد بن قيس الأرحبي وغيرهم(1).
وروى عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفرعليه السلام، وزيد بن الحسن قالا طلب معاوية إلى عمرو بن العاص أن يسوي صفوف أهل الشام، فقال: يا معشر أهل الشام سووا صفوفكم قص الشارب، وأعيرونا جماجمكم ساعة، فانه قد بلغ الحق مقطعه فلم يبق إلا ظالم أو مظلوم(2).
وأقبل أبو الهثيم بن التيهان وكان من أصحاب محمدصلى الله عليه وآله بدريا عقبيا يسوى صفوف أهل العراق وهو يقول: يا معشر أهل العراق إنه ليس بينكم وبين الفتح العاجل أو الجنة في الآجل إلا ساعة من النهار، فارسوا أقدامكم وسووا صفوفكم وأعيروا ربكم جماجمكم واستعينوا باللَّه ربكم، واصبروا إن الأرض للَّه يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين(3).
وعن عمرو بن شمر، عن جابر، عن الشعبي أن أول فارسين التقيا في هذا اليوم وهو اليوم السابع وكان من الأيام العظيمة ذا أهوال شديدة حجر بن عدي من أصحاب علي عليه السلام وابن عم حجر المسمى بحجر أيضاً من أصحاب معاوية كلاهما من كندة، فأطعنا برمحيهما، وخرج خزيمة الأسدي من عسكر معاوية فضرب حجر ابن عدي ضربة برمحه فحمل أصحاب علي عليه السلام فقتلوا خزيمة ونجى ابن عم
ص: 350
حجر هاربا فالتحق بصف معاوية، ثم برز ثانية فبرز إليه الحكم بن أزهر من أهل العراق فقتله.
ثم إن علياً دعا أصحابه إلى أن يذهب واحد منهم بمصحف كان في يده إلى أهل الشام، فقال عليه السلام: من يذهب إليهم فيدعوهم إلى ما في هذا المصحف؟ فسكت الناس وأقبل فتى اسمه سعيد فقال: أنا صاحبه، وقال ثانيا: فلم يجبه إلّا الفتى، فسلمه إليه، ثم أتاهم وناشدهم ودعاهم إلى ما فيه فقتلوه.
فقال أميرالمؤمنين عليه السلام لعبد اللَّه بن بديل: احمل عليهم الآن فحمل عليهم بمن معه من أهل الميمنة وعليه يومئذ سيفان ودرعان، فجعل يضرب قدما ويرتجز فلم يزل يحمل حتى انتهى إلى معاوية والذين بايعوه على الموت فأمرهم أن يصمدوا لعبد اللَّه بن بديل، وبعث إلى حبيب بن مسلمة الفهري وهو في الميسرة أن يحمل عليه بجميع أصحابه واختلط الناس واصطدم(1) الصفان ميمنة أهل العراق وميسرة أهل الشام.
وأقبل ابن بديل يضرب الناس بسيفه حتى أزال معاوية عن موقفه، وجعل ينادي يا ثارات عثمان وإنما يعني اخا له قتل وظن معاوية وأصحابه أنه يعني عثمان بن عفان وتراجع معاوية عن مكانه القهقرى كثيرا وأشفق على نفسه وأرسل إلى حبيب بن مسلمة ثانية وثالثة يستنجده ويستصرخه ويحمل حبيب حملة شديدة بميسرة معاوية على ميمنة عراق، فكشفها حتى لم يبق مع ابن بديل إلّا نحو مائة انسان من القراء فاستند بعضهم إلى بعض يحمون أنفسهم.
ولجج ابن بديل في الناس وصمم على قتل معاوية وجعل يطلب موقفه حتى
ص: 351
انتهى إليه فنادى معاوية في الناس ويلكم الصخرة والحجارة إذا عجزتم عن السلاح، فرضخه الناس بالحجارة حتى أثخنوه، فسقط فأقبلوا عليه بسيوفهم فقتلوه.
فجاء معاوية وعبداللَّه بن عامر حتى وقفا عليه فالقى عبداللَّه عمامته على وجهه وترحم عليه وكان له أخا وصديقا من قبل، فقال معاوية: اكشف عن وجهه فقال: لا واللَّه لا يمثل به وفي روح، فقال معاوية: قد وهبناه لك فكشف عن وجهة فقال معاوية:
هذا كبش القويم ورب الكعبة اللهم أظفرني بالاشتر النخعي والأشعث الكندي(1).
قال: فاستعلا أهل الشام عند قتل ابن بديل على أهل العراق يومئذ وانكشف أهل العراق من قبل الميمنة واجفلوا اجفالا(2) شديدا فأمر علي عليه السلام سهل بن حنيف فاستقدم ممن كان معه ليرفد الميمنة ويعضدها، فاستقبلهم جمع أهل الشام في خيل عظيمة فحملت عليهم فالحقتهم بالميمنة، وكانت ميمنة أهل العراق متصلة بموقف علي في القلب في أهل اليمن، فلما انكشفوا انتهت الهزيمة إلى علي فانصرف يمشي نحو الميسرة(3).
وعن زيد بن وهب قال: لقد مر علي عليه السلام يومئذ ومعه بنوه وإني لأرى النبل يمر بين عاتقه ومنكبه وما من بنيه إلّا من يقيه بنفسه فيكره علي ذلك فيتقدم عليه
ص: 352
ويحول بينه وبين أهل الشام ويأخذ بيده إذا فعل ذلك فيلقيه من ورائه، وبصر به أحمر مولى بني أمية وكان شجاعا، فقال علي «لعلي ظ) ورب الكعبة قتلني اللَّه إن لم اقتلك، فاقبل نحوه فخرج إليه كيسان مولى علي فاختلفا ضربتين فقتله أحمر وخالط علياًعليه السلام ليضربه بالسيف فمد يده عليه السلام إلى جيب درعه فجذبه عن فرسه، وحمله على عاتقه واللَّه لكأني أنظر إلى رجلي أحمر يختلفان على عنق علي عليه السلام ثم ضرب به الأرض فكسر منكبيه وعضديه وشد ابنا علي عليه السلام حسين ومحمد، فضرباه بأسيافهما حتى برد فكأني أنظر إلى علي عليه السلام قائما وشبلاه يضربان الرجل حتى إذا أتيا عليه أقبلا على أبيهما والحسن قائم معه فقال له علي: يا بني ما منعك أن تفعل كما فعل أخواك فقال كفياني يا أميرالمؤمنين قال: ثم ان أهل الشام دنوا منه يريدونه واللَّه ما يزيده قربهم منه ودنوهم سرعة في مشيه، فقال له الحسن: ما أضرك لو أسرعت حتى تنتهي إلى الذين صبروا لعدوك من أصحابك، قال يعني ربيعة الميسرة فقال علي: يا بني إن لأبيك يوما لا يبطى ء به عنه السعي ولا يقربه إليه الوقوف إن أباك لا يبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه(1).
وروى عمرو بن شمر عن جابر عن أبي إسحاق قال: خرج علي يوما من أيام صفين وفي يده عنزة، فمر على سعيد بن قيس الهمداني فقال له سعيد: أما تخشى يا أميرالمؤمنين أن يغتالك أحد وأنت قريب عدوك، فقال علي عليه السلام إنه ليس من أحد إلّا وعليه حفظة من اللَّه يحفظونه من أن يتردى في قليب أو يخرب عليه حايط أو تصيبه آفة، فاذا جاء القدر خلوا بينه وبينه(2).
ص: 353
وروى عمرو، عن فضيل بن خديج عن مولى الاشتر قال لما انهزمت ميمنة العراق يومئذ أقبل علي نحو الميسرة يركض يستثيب الناس ويستوقفهم ويأمرهم بالرجوع نحو الفزع، فمر بالأشتر فقال: يا مالك قال: لبيك يا أميرالمؤمنين، قال: ائت هؤلاء القوم فقل لهم أين فراركم عن الموت الذي لن تعجزوه إلى الحياة التي لا تبقي لكم، فمتى الأشتر فاستقبل الناس منهزمين فقال لهم: الكلمات فناداهم أيها الناس أنا مالك بن الحرث، فلم يلتفت أحد منهم إليه فقال: أيها الناس أنا الأشتر، فأقبلت إليه طائفة وذهبت عنه طائفة فقال عضضتم بهن أبيكم، ما أقبح ما قاتلتم اليوم.
أيها الناس غضوا الأبصار وعضوا على النواجذ، فاستقبلوا الناس بهامكم وشدوا عليهم شدة قوم موتورين بآبائهم وأبنائهم وإخوانهم حنفاء على عدوهم، قد وطنوا على الموت أنفسهم كيلا يسبقوا بثأر إن هؤلاء القوم واللَّه لن يقاتلوكم إلّا عن دينكم ليطفؤوا السنة ويحيوا البدعة ويدخلوكم في أمركم قد أخرجكم اللَّه منه بحسن البصيرة، فطيبوا عباد اللَّه نفسا بدمائكم دون دينكم، فان الفرار فيه سلب العز والغلبة على الفي ء، وذل المحيا والممات وعار الدنيا والآخرة وسخط اللَّه وأليم عقابه ثم قال:
أيها الناس اخلصوا إلى مذحجا فاجتمعت إليه مذحج فقال عضضتم بصم(1) الجندل واللَّه ما أرضيتم اليوم ربكم ولا نصحتم له في عدوه وكيف ذلك وأنتم أبناء الحرب وأصحاب الغارات وفرسان الطراد وحتوف الأقران، ومذحج الطعان الذين لم يكونوا سبقوا بثارهم، ولم تطل دماؤهم ولم يعرفوا في موطن من
ص: 354
المواطن لحين وأنتم سادة مصركم واعز حى في قومكم، وما تفعلوا في هذا اليوم فهو مأثور بعد اليوم فاتقوا مأثور الحديث في غد، واصدقوا عدوكم اللقاء فان اللَّه مع الصابرين.
والذي نفسي بيده ما من هؤلاء وأشار بيده إلى أهل الشام رجل في مثل جناح البعوضة من دين اللَّه أنتم ما أحسنتم اليوم القراع أجلوا سواد وجهي يرجع في وجهي دمي «أحبسوا سواد وجهي رجع فيه دمي خ ل) عليكم بهذا السواد الأعظم فان اللَّه لو قد فضه تبعه من بجانبيه كما يتبع السيل مقدمه، فقالوا: خذ بنا حيث احببت فصمد بهم نحو عظمهم واستقبله سنام من همدان وهم نحو ثمانمائة مقاتل قد انهزموا آخر الناس وكانوا قد صبروا في ميمنة علي حتى قتل مأئة وثمانون رجلا واصيب منهم أحد عشر رئيسا كلما قتل منهم رئيس أخذ الراية آخروهم بنو شريح الهمدانيون وغيرهم من رؤساء العشيرة.
فقال لهم الأشتر إني أخالفكم واعاقدكم على أن لا نرجع أبدا حتى نظفر أو نهلك، فوقفوا معه على هذه النية والعزيمة وزحف نحو الميمنة وناب إليه اناس تراجعوا من أهل الصبر والوفاء والحياء فأخذ لا يصمد لكتيبة إلّا كشفها، ولا بجمع الا جازه ورده(1).
وعن عمرو عن الحارث بن الصباح (الحر بن الصباح) قال كان بيد الأشتر يومئذ صفيحة له يمانية إذا طأطاها خلت فيها ماء ينصب وإذا رفعها يكاد يعشي البصر شعاعها ومر يضرب الناس بها قدما ويقول: الغمرات ثم ينجلينا(2).
ص: 355
قال فبصر به الحارث بن جمهان الجعفي والأشتر مقنع في الحديد فلم يعرفه فدنا منه وقال له جزاك اللَّه منذ اليوم عن أميرالمؤمنين وعن جماعة المسلمين خيرا فعرفه الأشتر فقال يا ابن جمهان أمثلك يتخلف اليوم عن مثل موطني هذا؟ فتأمله ابن جمهان فعرفه وكان الأشتر من أعظم الرجال وأطولهم إلّا أن في لحمه خفة قليله فقال له جعلت فداك لا واللَّه ما علمت مكانك حتى الساعة ولا واللَّه لا أفارقك حتى أموت.
قال نصر وحدثنا عمرو عن فضيل بن خديج عن مولى الأشتر قال لما اجتمع مع الأشتر عظم من كان انهزم من الميمنة حرضهم فقال لهم عضوا على النواجذ من الأضراس واستقبلوا القوم بهامكم فإن الفرار من الزحف فيه ذهاب العز والغلبة على الفي ء وذل المحيا والممات وعار الدنيا والآخرة؛ ثم حمل على صفوف أهل الشام حتى كشفهم فألحقهم بمضارب معاوية وذلك بين العصر والمغرب(1).
وعن زيد بن وهب أن علياعليه السلام لما رأى ميمنته قد عادت إلى موقفها ومصافها وكشفت من بإزائها حتى ضاربوهم في مواقفهم ومراكزهم أقبل حتى انتهى إليهم فقال إني قد رأيت جولتكم وانحيازكم من صفوفكم يحوزكم(2) الجفاة الطغاة (الطغام) وأعراب أهل الشام وأنتم لهاميم العرب والسنام الأعظم وعمار الليل بتلاوة القرآن وأهل دعوة الحق إذ ضل الخاطئون فلولا إقبالكم بعد إدباركم وكرّكم بعد انحيازكم وجب عليكم ما وجب على المولي يوم الزحف دبره وكنتم فيما أرى من الهالكين ولقد هون علي بعض وجدي وشفى بعض أحَاح (لاعج)(3)
ص: 356
نفسي إني رأيتكم بأخرة حزتموهم كما حازوكم وأزلتموهم عن مصافهم كما أزالوكم تحشونهم بالسيوف(1) يركب أولهم آخرهم كالإبل المطرودة الهيم(2) فالآن فاصبروا نزلت عليكم السكينة وثبتكم اللَّه باليقين وليعلم المنهزم أنه يسخط ربه ويوبق نفسه وفي الفرار موجدة اللَّه عليه والذل اللازم له وفساد العيش وأن الفار لا يزيد الفرار في عمره ولا يرضي ربه فموت الرجل محقا قبل إتيان هذه الخصال خير من الرضا بالتلبس بها والإصرار عليها.
قال: فحمل أبوالكعب الخثعمي رأس خثعم العراق على خثعم الشام واقتتلوا أشد قتال فجعل أبو كعب يقول لأصحابه يا معشر خثعم خدموا أي اضربوا موضع الخدمة وهي الخلخال يعني أضربوهم في سوقهم فناداه عبداللَّه بن حنش رأس خثعم الشام: يا أبا كعب الكل قومك فأنصف قال إي واللَّه وأعظم واشتد قتالهم فحمل شمر بن عبداللَّه الخثعمي من خثعم الشام على أبي كعب فطعنه فقتله ثم انصرف يبكي ويقول يرحمك اللَّه أبا كعب لقد قتلتك في طاعة قوم أنت أمس بي رحما منهم وأحب إلي منهم نفسا ولكني واللَّه لا أدري ما أقول ولا أرى الشيطان إلّا قد فتننا ولا أرى قريشا إلّا وقد لعبت بنا قال ووثب كعب بن أبي كعب إلى راية أبيه فأخذها ففقئت عينه وصرع ثم أخذها شريح بن مالك الخثعمي فقاتل القوم تحتها حتى صرع منهم حول رايتهم نحو ثمانين رجلا وأصيب من خثعم الشام مثلهم ثم ردها شريح بن مالك بعد ذلك إلى كعب بن أبي كعب(3).
ص: 357
وروى عمرو عن عبدالسلام بن عبداللَّه بن جابر: إن راية بجيلة في صفين مع أهل العراق كانت في أحمس مع أبي شداد فقالت له بجيلة خذ رايتنا قال غيري خير لكم مني قالوا لا نريد غيرك قال فواللَّه لئن أعطيتمونيها لا أنتهي بكم دون صاحب الترس المذهب الذي هو قائم على رأس معاوية يستره من الشمس فقالوا اصنع ما شئت فأخذها ثم زحف بها وهم حوله يضربون الناس بأسيافهم حتى انتهى إلى صاحب الترس المذهب وهو في خيل عظيمة من أصحاب معاوية وكان عبدالرحمن بن خالد بن الوليد؛ فاقتتل الناس هناك قتالا شديدا وشد أبو شداد بسيفه نحو صاحب الترس فتعرض له رومي من دونه لمعاوية فضرب قدم أبي شداد فقطعها وضرب أبو شداد ذلك الرومي فقتله فأسرعت إليه الأسنة فقتل فأخذ الراية عبداللَّه بن قلع الأحمسي وقاتل حتى قتل فأخذها بعده أخوه عبدالرحمن فقاتل حتى قتل ثم أخذها عفيف بن إياس فلم يزل بيده حتى تحاجز الناس(1).
قال نصر: وقال رجل من أصحاب على أما واللَّه لأحملن على معاوية حتى أقتله. فركب فرسا ثم ضربه حتى قام على سنابكه، ثم دفعه فلم ينهنهه شي ء عن الوقوف حتى وقف على رأس معاوية ، فهرب معاوية ودخل خبائه فنزل الرجل عن فرسه ودخل عليه فخرج معاوية من جانب الخباء الآخر فخرج الرجل في أثره فاستصرخ معاوية بالناس فأحاطوا به وحالوا بينهما فقال معاوية ويحكم ان السيوف لم يؤذن لها في هذا ولولا ذلك لم يصل إليكم فعليكم بالحجارة فرضخوه بالحجارة حتى همد(2) ثم عاد معاوية إلى مجلسه(3).
ص: 358
قال: وحمل رجل من أصحاب علي عليه السلام يدعى أبا أيوب، وليس بأبي أيوب الأنصاري على صف أهل الشام، ثم رجع فوافق رجلا من أهل الشام صادرا قد حمل على أهل العراق، ثم رجع فاختلفا ضربتين فنفحه أبو أيوب بالسيف فأبان عنقه فثبت رأسه على جسده كما هو، وكذب الناس أن يكون هو ضربه فارى بهم ذلك حتى إذا أدخلته فرسه في صف أهل الشام ندر رأسه فوقع ميتا.
فقال علي عليه السلام واللَّه لأنا من ثبات رأس الرجل أشد تعجبا من الضربة وان كان إليها ينتهي وصف الواصفين، وجاء أبو أيوب فوقف بين يدي علي عليه السلام فقال عليه السلام له أنت واللَّه كما قال الشاعر:
وعلمنا الضرب آباؤنا * ونحن نعلم أيضاً بنينا(1)
قال نصر: فلما انقضى هذا اليوم بما فيه أصبحوا في اليوم الثامن من صفر والفيلقان متقابلان، فخرج رجل من أهل الشام فسأل المبارزة فخرج إليه رجل من أهل العراق فاقتتلا بين الصفين قتالا شديدا، ثم إن العراقي اعتنقه فوقعا جميعا وغار (عاد خ ل) الفرسان ثم إن العراقي قهره فجلس على صدره وكشف المغفر عنه يريد ذبحه فاذا هو أخوه لابيه وامه، فصاح به أصحاب على ويحك اجهز عليه، قال انه أخي، قالوا: فاتركه، قال: لا واللَّه حتى يأذن أميرالمؤمنين، فأخبر علي بذلك فأرسل إليه أن دعه فتركه فقام فعاد إلى صف معاوية.
وعن محمد بن عبيداللَّه عن الجرجاني قال: كان فارس معاوية الذي يعده لكل مبارز ولكل عظيم حريث مولاه، وكان يلبس سلاح معاوية متشبها به فاذا قاتل
ص: 359
قال الناس ذاك معاوية وإن معاوية دعاه فقال له: يا حريث اتق عليا وضع رمحك حيث شئت، فأتاه عمرو بن العاص فقال: يا حريث واللَّه لو كنت قرشيا لأحب لك معاوية أن تقتل عليا، ولكن كره أن يكون لك حظها فان رأيت فرصة فاقتحم وخرج علي في هذا اليوم أمام الخيل فحمل عليه حريث.
وعن عمرو بن شمر عن جابر قال: بل برز حريث هذا اليوم وكان شديدا ايدا ذا بأس لا يرام فصاح يا علي هل لك في المبارزة فاقدم أبا حسن ان شئت، فأقبل علي عليه السلام وهو يقول:
أنا علي وابن عبدالمطلب * نحن لعمر اللَّه اولى بالكتب
منا النبي المصطفى غير كذب * أهل اللواء والمقام والحجب
نحن نصرنا على كل العرب
ثم خالطه فما أمهله أن ضربه ضربة واحدة فقطعه نصفين فجزع معاوية عليه جزعا شديدا وعاتب عمرا في إغرائه إياه بعلي عليه السلام وقال في ذلك شعرا:
حريث ألم تعلم و جهلك ضاير * بأن عليا للفوارس قاهر
وان عليا لم يبارزه فارس * من الناس الا أقصدته الأظافر
أمرتك أمرا حازما فعصيتني * فحدك اذ لم تقبل النصح حائر
وولاك عمرو والحوادث جمة * غرورا وما جرت عليك المقادر
وظن حريث أن عمرا نصيحه * وقد يهلك الانسان من لا يحاذر
فلما قتل حريث برز عمرو بن الحصين السكسكي فنادى يا أبا حسن هلم إلى المبارزة فأومأ علي إلى سعيد بن قيس الهمداني فبارزه فضربه بالسيف فقتله(1).
ص: 360
عن ابي اراكة: وكان لهمدان بلاء عظيم في نصرة علي عليه السلام في صفين ومن الشعر الذي لا يشك انه عليه السلام قاله لكثرة الرواة له:
دعوت فلباني من القوم عصبة * فوارس من همدان غير لئام
فوارس من همدان ليسوا بمعزل * غداة الوغا من يشكر وشبام(1)
بكل رويني(2) وعضب تخاله * اذا اختلف الاقوام شعل ضرام
لهمدان اخلاق كرام تزينهم * وباس اذا لاقوا وحد خضام(3)
وجد وصدق في الحروب ونجدة * وقول اذا قالوا بغير اثام
متى تاتهم في دارهم تستضيفهم * تبت ناعما في خدمة وطعام
جزى اللَّه همدان الجنان فانها * سمام العدى في كل يوم زحام
ولو كنت بوابا على باب جنة * لقلت لهمدان ادخلوا بسلام(4)
وعن عمرو بن شمر: ثم قام علي بين الصفين ونادى يا معاوية يكررها، فقال معاوية اسألوه ما شأنه، قال: أحب أن يظهر لي فأكلمه كلمة واحدة، فبرز معاوية ومعه عمرو بن العاص فلما قارباه لم يلتفت إلى عمرو وقال لمعاوية: ويحك على م تقتل الناس بيني وبينك ويضرب بعضهم ابرز إلي فأينا قتل صاحبه فالأمر له فالتفت معاوية إلى عمرو فقال: ما ترى يا أباعبداللَّه؟ قال: قد أنصفك الرجل واعلم أنك إن نكلت عنه لم تزل سبته عليك وعلى عقبك ما بقى على ظهر الأرض عربي فقال معاوية: يا بن العاص ليس مثلي يخدع عن نفسه واللَّه ما بارز ابن أبي طالب
ص: 361
شجاع قط إلا وسقى الأرض من دمه، ثم انصرف معاوية راجعا حتى انتهى إلى آخر الصفوف وعمرو معه، فلما رأى علي ذلك ضحك وأعاد إلى موقفه قال نصر: وفي حديث الجرجاني ان معاوية قال لعمرو: ويحك ما أحمقك تدعوني إلى مبارزته ودوني عك وخدام والأشعرون، قال: وحقدها معاوية على عمرو باطنا وقال له ظاهرا ما أظنك يا أباعبداللَّه قلت ما قلته إلّا مازحا، فلما جلس معاوية عليه اللعنة والعذاب مجلسه أقبل عمرو يمشي حتى جلس إلى جانبه، فقال معاوية:
ولقد ظننتك قلت مزحة مازح * والهزل يحمله مقال الهازي
فاذا الذي منتك نفسك خاليا * قتلي جزاك بما نوبت الجازي
فقال: عمرو: ايها أيها الرجل أتجبن عن خصمك وتتهم نصيحك وقال مجيبا له:
معاوى ما اجترمت عليك ذنبا * ولا أنا في الذي حدثت خازي
وما ذنبي بأن نادى على * وكبش القوم يدعى للبراز
ولو بارزته بارزت ليثا * حديد الناب يخطب كل بازي
وتزعم أنني أضمرت غشا * جزاني بالذي أضمرت جازي(1)
وعن أبي الأعز التميمي قال: بينا أنا واقف بصفين إذ مر بي العباس بن ربيعة بن الحرث بن عبدالمطلب شاك في السلاح على رأسه مغفر وبيده صفيحة يمانية يقلبها وهو على فرس له أدهم وكان عينيه عينا أفعي، فبينا هو يروض فرسه ويلين عريكته إذ هتف به هاتف من أهل الشام يقال له عرار بن أدهم: يا عباس هلم إلى
ص: 362
البراز، قال: فالنزول اذن فانه اياس من الغفول، قال فنزل الشامي ووجد وهو يقول:
إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا * أو تنزلون فانا معشر نزل
قال وثنى عباس رجله وهو يقول:
ويصد عنك مخيلة(1) الرجل * العريض موضحة عن العظم
بحسام سيفك أو لسانك * والكلم الاصيل كارغب الكلم
ثم عصب(2) فضلات درعه في حجزته ودفع فرسه إلى غلام له اسلم كاني أنظر إلى قلاقل(3) شعره ودلف(4) كل واحد منهما إلى صاحبه قال فذكرت قول أبي ذويب:
فتنازلا وتوافقت خيلاهما * وكلاهما بطل اللقاء مجدع
قال ثم تكافحا(5) بسيفهما مليا(6) من نهارهما لا يصل واحد منهما إلى صاحبه لكمال لامته إلى أن لحظ العباس وهنا في درع الشامي فأهوى إليه بالسيف فانتظم في درع الشامي فاهوى إليه بيده فهتكه إلى ثندوته(7) ثم عاد لمجادلته وقد اصحر له(8) مفتق الدرع فضربه العباس ضربة انتظم به جوانح صدره وخر الشامي صريعا بخده وسمى العباس في الناس وكبر الناس تكبيرة ارتجت لها الأرض فسمعت
ص: 363
قائلا يقول من ورائي:
قاتلوهم يعذبهم اللَّه بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب اللَّه على من يشاء(1) فالتفت فاذا هو أميرالمؤمنين علي فقال: يا أبا الأعز من المبارز لعدونا؟ قلت:
هذا ابن (شيخكم خ ل) العباس بن ربيعة فقال وإنه لهو يا عباس، قال: لبيك قال: ألم انهك وحسنا وحسينا وعبداللَّه بن جعفر أن تخلوا بمركز أو تباشروا حدثا؟
قال: إن ذلك لكذلك قال: فما عدا مما بدأ، قال: فأدعى إلى البراز يا أميرالمؤمنين فلا أجيب جعلت فداك؟ قال: نعم طاعة إمامك أولى من اجابة عدوك، ود معاوية أنه ما بقى من بني هاشم نافخ ضرمة(2) إلا طعن في نيطته(3) إطفاء لنور اللَّه «وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ»(4).
أما واللَّه ليهلكنهم منا رجال ورجال يسومونهم الخسف(5) حتى يكففوا(6) بأيديهم ويحفروا الا بار إن عادوا لك فعد لي، قال: ونمي الخير إلى معاوية فقال: اللَّه دم عرار ألا رجل يطلب بدم العرار؟ قال: فانتدب له رجلان من لخم فقالا نحن له قال: اذهبا فايكما قتل العباس برازا فله كذا وكذا، فأتياه فدعواه إلى البراز فقال: إن لي سيدا اوامره قال: فأتى أميرالمؤمنين عليه السلام فأخبره فقال: ناقلني سلاحك
ص: 364
بسلاحي، فناقله قال: وركب أميرالمؤمنين عليه السلام على فرس العباس، ودفع فرسه إلى العباس وبرز إلى الشامين فلم يشكا أنه العباس، فقالا له: أذن لك سيدك فتحرج أن يقول نعم فقال «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ»(1). قال: فبرز إليه أحدهما فكانما اختطفه، ثم برز إليه الثاني فألحقه بالأول وانصرف وهو يقول:
«الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ»(2).
ثم قال: يا عباس خذ سلاحك وهات سلاحي قال: ونمى الخبر إلى معاوية فقال: قبح اللَّه اللجاج إنه لقعود ما ركبته قط إلّا خذلت، فقال عمرو بن العاص، المخذول واللَّه اللخميان لا أنت. قال: اسكت أيها الشيخ فليس هذه من ساعاتك قال: فان لم يكن فرحم اللَّه اللخميين وما أراه يفعل قال: ذلك(3) واللَّه أضيق لحجرك وأخسر لصفقتك قال: أجل ولو لا مصر لقد كانت المنجاة منها، فقال: هي واللَّه أعمتك لولاها لا لفيت بصيراً (لا الفيت نصيراً)(4).
قال نصر: ثم التقى الناس فاقتتلوا قتالا شديدا وحاربت طى مع أميرالمؤمنين حربا عظيما وتداعت وارتجرت فقتل منها أبطال كثيرون، وقاتلت النخع معه أيضاً ذلك اليوم قتالا شديدا وقطعت رجل علقمة بن قيس النخعي وقتل اخوه ابي بن قيس فكان علقمة يقول بعد ما أحب ان رجلي أصح ما كانت لما أرجو بها من
ص: 365
حسن الثواب وكان يقول أحب أن أبصر أخي في نومي فقلت له: يا أخي ما الذي قدمتم عليه؟ فقال التقينا وأهل الشام بين يدي اللَّه سبحانه فاحتججنا عنده فحججناهم، فما سررت بشي ء منذ عقلت سروري بتلك الرؤيا(1).
وروى عن الحصين بن المنذر الرقاشي قال: لما تصاف الناس في هذا اليوم وحمل بعضهم على بعض تضعضعت ميمنة أهل العراق فجاءنا علي ومعه بنوه حتى انتهى الينا، فنادى بصوت عال جهير لمن هذه الرايات؟ فقلنا: رايات ربيعة، وقال: بل هي رايات اللَّه عصم اللَّه أهلها وصبرهم وثبت أقدامهم، ثم قال لي وأنا حامل راية ربيعة يومئذ: يافتى ألا تدني رايتك هذه ذراعا؟ فقلت: بلى واللَّه وعشرة أذرع فأدنيتها فقال لي: حسبك مكانك(2).
وعن عمرو بن شمر قال: لما أقبل الحصين بن المنذر يومئذ وهو غلام يزحف براية ربيعة وكانت حمراء فأعجب عليا زحفه وثباته فقال:
لمن رأية حمراء يخفق ظلها * إذا قيل قدمها حضين تقدما
ويدنو بها في الصف حتى يديرها * جمام المنايا تقطر الموت والدما
تراه إذا ما كان يوم عظيمة * أبي فيه إلّا عزة وتكرما
جزى اللَّه قوما صابروا في لقائهم * لدى الناس حرا ما أعز وأكرما
وأحزم صبرا يوم يدعى إلى الوغا * اذا كان أصوات الكماة تغمغما
ربيعة أعني أنهم أهل نجدة * وبأس اذا لا قوا خميسا عرمرما
ص: 366
وقد صبرت عك ولخم وحمير * لمذحج حتى لم يفارق دم دما
ونادت جذام يا لمذحج ويحكم * جزى اللَّه شرا أينا كان أظلما
أما تتقون اللَّه في حرماتكم * وما قرب الرحمن منها وعظما
أذقنا ابن حرب طعننا وضرابنا * بأسيافنا حتى تولى وأحجما
وفر ينادى الزبرقان وظالما * ونادى كلاعا والكريب وانعما
وعمرا وسفيانا وجهما ومالكا * وحوشب والغاوى شريحا واظلما
وكرز بن تيهان وعمرو بن جحدر * وصباحا القيني يدعو وأسلما(1)
ص: 367
قال: وأقبل ذوالكلاع في حمير ومن لف لفها ومعهم عبيداللَّه بن عمر بن الخطاب في أربعة آلاف من قراء أهل الشام ذو الكلاع في حمير في الميمنة، وعبيداللَّه في القراء في الميسرة، فحملوا على ربيعة وهم في ميسرة أهل العراق وفيهم عبداللَّه ابن العباس حملة شديدة فتضعضعت رايات ربيعة ثم إن أهل الشام انصرفوا فلم يمكثوا إلّا قليلا حتى كروا ثانية وعبيداللَّه بن عمر في أوائلهم يقول: يا أهل الشام هذا الحى من العراق قتلة عثمان وأنصار علي فان هزمتم هذه القبيلة أدركتم ثاركم في عثمان فشدوا على الناس شدة عظيمة فثبتت لهم ربيعة وصبرت صبرا حسنا الا قليلا من الضعفاء واشتد القتال بين ربيعة وحمير وعبيداللَّه بن عمرو كثرت القتلى(1).
ثم خرج خمسمائة فارس، أو أكثر من أصحاب علي على رؤوسهم البيض،
ص: 368
وهم غائصون في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق، وخرج إليهم من أهل الشام نحوهم في العدة فاقتتلوا بين الصفين والناس وقوف تحت راياتهم، فلم يرجع من هؤلاء مخبر لا عراقي ولا شامي قتلوا جميعا بين الصفين، وكان بصفين تل يلقى عليه الجماجم من الرجال فكان يدعى تل الجماجم(1).
وقال: ثم ذهب هذا اليوم بما فيه فأصبحوا في اليوم التاسع من صفر وقد خطب معاوية أهل الشام وحرضهم فقال إنه قد نزل بكم من الأمر ما ترون وحضركم ما حضركم فإذا نهدتم إليهم إن شاء اللَّه فقدموا الدارع وأخروا الحاسر وصفوا الخيل وأجنبوها وكونوا كقص الشارب وأعيرونا جماجمكم ساعة فإنما هو ظالم أو مظلوم وقد بلغ الحق مقطعة(2).
قال: وكانت التعبية في هذا اليوم كالتعبية في الذي قبله، فحمل عبيداللَّه بن عمر في قراء أهل الشام ومعه ذوالكلاع في حمير على ربيعة وهي في ميسرة علي عليه السلام فقاتلوا قتالا شديدا فاتى زياد بن حفصة الى عبدالقيس فقال لهم: لا بكر بن وائل بعد اليوم ان ذا الكلاع وعبيداللَّه أبادا ربيعة فانهضوا لهم والا هلكوا، فركبت عبد القيس وجاءت كانها غمامة سوداء فشدت ازار الميسرة فعظم القتال فقتل ذو الكلاع الحميري قتله رجل من بكر بن وائل اسمه خندف، وتضعضعت أركان حمير وثبتت بعد قتل ذي الكلاع تحارب مع عبيداللَّه بن عمر وأرسل عبيداللَّه إلى الحسن بن علي عليه السلام أن لي إليك حاجة فألقنى فلقاه الحسن عليه السلام فقال عبيداللَّه: إن أباك قد وتر قريشا أولا وآخرا وقد شنئه الناس فهل لك في خلعه وان تتولى أنت
ص: 369
هذا الأمر: فقال: كلا واللَّه لا يكون ذلك، ثم قال: يابن الخطاب واللَّه لكاني أنظر إليك مقتولا في يومك أو غدك أما إن الشيطان قد زين لك وخدعك حتى أخرجك مخلقا بالخلوق ترى نساء أهل الشام موقفك وسيصرعك اللَّه ويبطحك لوجهك قتيلا.
قال نصر: فو اللَّه ما كان إلا بياض ذلك اليوم حتى قتل عبيداللَّه وهو في كتيبة رقطاء(1) وكانت تدعى الخضرية وكانوا أربعة آلاف عليهم ثياب خضر، فمر الحسن فاذا رجل متوسد برجل قتيل قد ركز رمحه في عينه وربط فرسه برجله فقال الحسن لمن معه: انظروا من هذا؟ فاذا هو برجل من همدان وإذا القتيل عبيداللَّه بن عمر قد قتله الهمداني في أول الليل وبات عليه حتى أصبح.
قال نصر: وقد اختلفت الرواة في قاتل عبيداللَّه فقالت الهمدان: نحن قتلناه قتله هاني بن الخظاب الهمداني، وقالت حضر موت: نحن قتلناه قتله مالك بن عمرو الحضرمي وقالت بكر بن وائل نحن قتلناه قتله محرز بن الصحصح، وروي أن قاتله حريث بن جابر الحنفي وكان رئيس بنى حنيفة يوم صفين(2).
وقال: أما ذو الكلاع فقد ذكرنا مقتله وأن قاتله خندف البكرى، وروى عمرو بن شمر عن جابر قال حمل ذو الكلاع ذلك اليوم بالفيلق العظيم من حمير على صفوف العراق، ناداهم أبو شجاع الحميري وكان من ذوي البصاير مع علي عليه السلام فقال: يا معشر حمير تبت أيديكم أترون معاوية خيرا من علي أضل اللَّه سعيكم، ثم أنت يا ذا الكلاع قد كنا نرى لان لك نية فى الدين فقال ذو الكلاع ايها يا أبا شجاع
ص: 370
واللَّه إني لأعلم ما معاوية بأفضل من علي، ولكني اقاتل على دم عثمان، قال فاصيب ذو الكلاع حينئذ قتله خندف في المعركة. قال معاوية لما قتل ذوالكلاع: لانا أشد فرحا بقتل ذى الكلاع مني بفتح مصر لو فتحها، لأن ذا الكلاع كان يحجز على معاوية في أشياء كان يأمر بها(1).
وقال: فلما قتل ذوالكلاع اشتدت الحرب وشدعك ولخم وخدام «جذام» والأشعريون من أهل الشام على مذحج من أهل العراق جعلهم معاوية بازائهم فنادى منادى مذحج بالمذحج خدموا أي اضربوا مواضع الخدمة(2) وهي السوق فاعترضت مذحج سوق القوم فكان فيه بوار عامتهم(3).
وقال: حدثني عمرو بن الزبير قال: سمعت الحضين المنذر يقول أعطاني على ذلك اليوم رايه ربيعة وقال: بسم اللَّه سر يا حضين واعلم أنك لا تخفق على رأسك راية مثلها أبدا، هذه راية رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فجاء أبو عرفاء جبلة بن عطية الذهلي إلى الحضين وقال: هل لك أن تعطيني الرايه أحملها لك ذكرها ولي أجرها؟ فقال الحضين: وما غناي يا عم مع ذكرها عن أجرها قال: إنه لا غنى بك عن ذلك ولكن أعرها ساعة فما أسرع ما ترجع إليك. قال الحضين: فقلت انه قد استقتل وانه يريد أن يموت مجاهدا فقلت له: خذها فأخذها ثم قال لأصحابه:
إن عمل الجنة كره كله وثقيل، وإن عمل النار خف كله وخبيث إن الجنة لا يدخلها إلا الصابرون الذين صبروا أنفسهم على فرائض اللَّه وأوامره وليس شي ء
ص: 371
مما فرض اللَّه على العباد أشد من الجهاد هو أفضل الأعمال ثوابا عنداللَّه، فاذا رأيتموني قد شددت فشدوا ويحكم أما تشتاقون إلى الجنة أما تحبون أن يغفر اللَّه لكم فشد وشدوا معه وقاتلوا قتالا شديدا فقتل أبو عرفاء وشدت ربيعة بعده شدة عظيمة على صفوف أهل الشام فنقضتها(1).
وقال: فاضطرب الناس يومئذ بالسيوف حتى تقطعت وتكسرت وصارت كالمناجل وتطاعنوا بالرماح حتى تقصفت وتناثرت أنابيبها، ثم جثوا على الركب فتحاثوا بالتراب يحثو بعضه التراب في وجه بعض ثم تعانقوا وتكاوموا بالأفواه ثم تراموا بالصخر والحجارة ثم تحاجزوا فكان الرجل من أهل العراق يمر على أهل الشام فيقول كيف اجز إلى رايات بنى فلان فيقولون ههنا لاهداك اللَّه ويمر الرجل من أهل الشام على أهل العراق فيقول كيف أمضى إلى رايات بنى فلان فيقولون ههنا لاهداك اللَّه ولا عافاك.
وقال: وقال معاوية لعمرو بن العاص أماترى يا أباعبداللَّه إلى ما قد وقعنا كيف ترى أهل الشام غدا صانعين إنا لبمعرض خطر عظيم فقال له إن أصبحت غدا ربيعة وهم متعطفون حول علي تعطف الابل حول فحلها لقيت منه جلادا صادقا وباسا شديدا وكانت التي لا سوى لها فقال معاوية أيجوز إنك تخوفنا يا أبا عبداللَّه، قال: إنك سألتني فأجبتك فلما أصبحوا في اليوم العاشر أصبحوا وربيعة محدقة بعلي إحداق بياض العين بسوادها(2).
ص: 372
وعن عمرو بن شمر قال لما أصبح عليّ هذا اليوم جاء فوقف بين رايات ربيعة فقال عتاب بن لقيط البكري من بني قيس بن ثعلبة: يا معشر ربيعة حاموا من علي عليه السلام منذ اليوم فان اصيب فيكم افتضحتم ألا ترونه قائما تحت راياتكم وقال لهم شقيق بن ثور: يا معشر ربيعة ليس لكم عذر عند العرب إن وصل إلى علي عليه السلام وفيكم رجل حي، فامنعوه اليوم واصدقوا عدوكم اللقاء فانه حمد الحياة تكسبونه فتعاهدت ربيعة وتحالفت بالايمان العظيمة وتبايع منهم سبعة آلاف على أن لا ينظر رجل خلفه حتى يردوا سرادق معاوية، فقاتلوا ذلك اليوم قتالا شديدا لم يكن قبله مثله وأقبلوا نحو سرادق معاوية فلما نظر إليهم قد اقبلوا قال:
اذا قلت قد ولت ربيعة اقبلت * كتائب منها كالجبال تجالد
ثم قال لعمرو: يا عمرو ما ترى؟ قال: أرى أن لا تحنث اخوالي اليوم، فقام معاوية وخلا لهم سرادقه ورحله وخرج فارا عنه لائذا ببعض مضارب العسكر في اخريات الناس فدخله، وانتهبت ربيعة سرادقه ورحله وبعث إلى خالد بن المعمر أنك قد ظفرت ولك أمارة خراسان إن لم تتم، فقطع خالد القتال، ولم يتمه، وقال لربيعة: قد برت أيمانكم فحسبكم، فلما كان عام الجماعة وبايع الناس معاوية أمره معاوية على خراسان وبعثه اليها فمات قبل أن يبلغها(1).
وعن عمر بن سعد: إن عليا صلى بهم يومئذ صلاة الغداة ثم زحف بهم، فلما بصروه قد خرج استقبلوه بزحوفهم فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم إن خيل أهل الشام حملت على خيل أهل العراق فاقتطعوا من أصحاب علي عليه السلام ألف رجل أو أكثر، فأحاطوا بهم وحالوا بينهم وبين أصحابهم فلم يروهم، فنادى علي عليه السلام ألا رجل
ص: 373
يشري نفسه للَّه ويبيع دنياه بآخرته فأتاه رجل من جعف يقال له عبدالعزيز بن الحارث على فرس أدهم كانه غراب مقنع في الحديد لا يرى منه إلّا عيناه فقال: يا أميرالمؤمنين مرني بأمرك فو اللَّه لا تأمرني بشي ء إلّا صنعته فقال علي عليه السلام:
سمحت بأمر لا يطاق حفيظة * وصدقا واخوان الوفاء قليل
جزاك إله الناس خيرا فانه * لعمرك فضل ما هناك جزيل
يا أبا الحارث شد اللَّه ركنك احمل على أهل الشام حتى تأتي أصحابك فتقول لهم إن أميرالمؤمنين يقرأ عليكم السلام ويقول لكم هللوا وكبروا من ناحيتكم، ونهلل نحن ونكبر من ههنا واحملوا من جانبكم وتحمل من جانبنا على أهل الشام فضرب الجعفي فرسه حتى اذا أقامه على أطراف سنابكه حمل على أهل الشام المحيطين بأصحاب علي عليه السلام فطاعنهم ساعة وقاتلهم فافرجوا له حتى خلص إلى أصحابه.
فلما رأوه استبشروا به وفرحوا وقالوا: ما فعل أميرالمؤمنين عليه السلام قال صالح يقرئكم السلام ويقول لكم: هللوا وكبروا واحملوا حملة رجل واحد من جانبكم ونهلل نحن من جانبنا ففعلوا ما أمرهم به وهللوا وكبروا وهلل علي عليه السلام وكبر هو وأصحابه وحمل على أهل الشام وحملوهم من وسط أهل الشام فانفرج عنهم وخرجوا وما أصيب منهم رجل واحد، ولقد قتل من فرسان الشام يومئذ زهاء سبعمائة إنسان وقال علي عليه السلام من أعظم الناس اليوم عناء؟ فقالوا: أنت يا أميرالمؤمنين فقال: كلا ولكنه الجعفي(1).
ص: 374
قال نصر: وكان علي عليه السلام لا يعدل بربيعة أحدا من الناس، فشق ذلك على مضر وأظهروا لهم «له خ ل» القبيح وأبدوا ذات أنفسهم، فقام أبوالطفيل عامر بن وائلة الكناني وعمير بن عطارد التميمي وقبيصة بن جابر الأسدي وعبداللَّه بن الطفيل العامري في وجوه قبائلهم، فأتوا علياعليه السلام فتكلم أبوالطفيل فقال: يا أميرالمؤمنين انا واللَّه ما نحسد قوما خصهم اللَّه منك بخير وإن هذا الحى من ربيعة قد ظنوا أنهم أولى بك منا فاعفهم عن القتال أياما واجعل لكل امرء منا يوما نقاتل فيه فانا إذا اجتمعنا اشتبه عليك بلاؤنا، فقال علي عليه السلام: نعم اعطيكم ما طلبتم، وأمر ربيعة أن تكف عن القتال وكانت بازاء اليمن من صفوف أهل الشام.
فغدا أبو الطفيل عامر بن وائلة في قومه من كنانة وهم جماعة عظيمة فتقدم أمام الخيل واقتتلوا قتالا شديدا ثم انصرف إلى علي فأثني عليه السلام عليه خيرا.
ثم غدا في اليوم الثاني عمير بن عطارد بجماعة من بنى تميم وهو يومئذ سيد مضر الكوفة فقال: يا قوم إني اتبع آثار أبي الطفيل فاتبعوا آثار كنانة وقاتل أصحابه قتالا شديدا حتى امسوا وانصرف عمير إلى علي عليه السلام وعليه سلاحه.
ثم غدا في اليوم الثالث قبيصة بن جابر الأسدي في بني أسد وقال لأصحابه:
يا بني أسد اما أنا فلا أقصر دون صاحبي وأما أنتم فذاك اليكم، ثم تقدم فقاتل القوم إلى أن دخل الليل.
ثم غدا في اليوم الرابع عبداللَّه بن الطفيل العامري في جماعة هوازن فحارب بهم حتى الليل ثم انصرفوا(1).
عن الاشعث بن سويد عن كردوس: كتب عقبة بن مسعود عامل علي عليه السلام على
ص: 375
الكوفة إلى سليمان بن صرد الخزاعي وهو مع علي عليه السلام بصفين: أما بعد فإنّهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا(1)، فعليك بالجهاد والصبر مع أميرالمؤمنين والسلام(2).
عن عمر بن سعد وعمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفرعليه السلام قال: قام علي عليه السلام فخطب الناس بصفين فقال:
الحمد للَّه على نعمه الفاضلة على جميع من خلق من البر والفاجر، وعلى حججه البالغة على خلقه من أطاعه فيهم ومن عصاه، إن يرحم فبفضله ومنّه، وإن عذب فبما كسبت أيديهم وأن اللَّه ليس بظلام للعبيد، أحمده على حسن البلاء وتظاهر النعماء، وأستعينه على ما نابنا من أمر الدنيا والآخرة، وأتوكل عليه وكفى باللَّه وكيلا.
ثم إني اشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ارسله بالهدى ودين الحق وارتضاه لذلك، وكان أهله واصطفاه لتبليغ رسالته وجعله رحمة منه على خلقه، فكان علمه فيه، «كعلمه فيه خ ل»، رءوفا رحيما أكرم خلق اللَّه حسبا واجملهم منظرا واسخاهم نفسا وابرهم لوالد وأوصلهم لرحم وأفضلهم علما وأثقلهم حلما وأوفاهم بعهد وآمنهم على عقد، لم يتعلق عليه مسلم ولا كافر بمظلمة قط، بل كان يظلم فيغفر ويقدر فيصفح حتى مضى مطيعا للَّه صابرا على ما أصابه مجاهدا في اللَّه حق جهاده حتى أتاه اليقين، فكان ذهابه أعظم المصيبة على أهل الأرض البر والفاجر.
ص: 376
ثم ترك فيكم كتاب اللَّه يأمركم بطاعة اللَّه وينهاكم عن معصيته، وقد عهد إلي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عهدا فلست أحيد عنه وقد حضرتم عدوكم وعلمتم أن رئيسهم منافق ابن منافق يدعوهم إلى النار، وابن عم نبيكم معكم وبين أظهركم ويدعوكم إلى الجنة وإلى طاعة ربكم والعمل بسنة نبيكم، ولا سواء من صلى قبل كل ذكر لا يسبقني بصلاة مع رسول اللَّه أحد وأنا من أهل بدر ومعاوية طليق ابن طليق، واللَّه إنا على الحق وإنهم على الباطل فلا يجتمعن عليه وتتفرقوا عن حقكم حتى يغلب باطلهم على حقكم، قاتلوهم يعذبهم اللَّه بأيديكم، فان لم تفعلوا يعذبهم بأيدي غيركم.
فقام أصحابه فقالوا: يا أميرالمؤمنين انهض بنا إلى عدونا وعدوك إذا شئت فواللَّه لا نريد بك بدلا بل نموت معك ونحيا معك، فقال لهم:
والذي نفسي بيده لنظر إلي النبي صلى الله عليه وآله أضرب بين يديه بسيفي هذا فقال: لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا علي، وقال لي: يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي وموتك وحياتك يا علي معي، واللَّه ما كذب ولا كذبت ولا ضل ولا ضللت ولا نسيت ما عهد إلي وإني على بينة من ربي وعلى الطريق الواضح ألفظه لفظا ثم نهض إلى القوم فاقتتلوا من حين طلعت الشمس حتى غاب الشفق الأحمر وما كانت صلاة القوم في ذلك اليوم إلّا تكبيرا(1).
عن عمرو بن شمر عن جابر عن الشعبي عن صعصعة بن صوحان قال برز في أيام صفين رجل اشتهر بالبأس والنجدة اسمه كريب بن الوضاح، فنادى من يبارز،
ص: 377
فخرج إليه المرتفع بن وضاح الزبيدي فقتله، ثم - نادى من يبارز فخرج إليه الحارث بن الحلاج فقتله، ثم نادى من يبارز فخرج إليه عائذ بن مسروق الهمداني فقتله، ثم رمى بأجسادهم بعضها فوق بعض ونادى من يبارز.
فخرج إليه علي عليه السلام وناداه ويحك يا كريب إني احذرك اللَّه وبأسه ونقمته وأدعوك إلى سنة اللَّه وسنة رسوله ويحك لا يدخلنك معاوية النار، فكان جوابه أن قال: ما أكثر ما قد سمعت منك هذه المقالة ولا حاجة لنا فيها، اقدم إذا شئت من يشتري سيفي وهذا أثره فقال علي عليه السلام لا حول ولا قوة إلّا باللَّه، ثم مشى إليه فلم يمهله أن ضربه ضربة خر منها يشحط في دمه ثم نادى من يبرز فبرز إليه الحرث بن وداعة (الحارث بن وادعة خ ل) الحميري فقتله، ثم نادى من يبرز فبرز إليه المطاع بن المطلب القيني فقتل مطاعا، ثم نادى من يبرز فلم يبرز إليه أحد فنادى «الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ»(1) ويحك يا معاوية هلم إلى فبارزني ولا يقتلن الناس فيما بيننا، فقال عمرو بن العاص اغتنمه منتهزاً قد قتل ثلاثة أبطال العرب وإني أطمع أن يظفرك اللَّه به، فقال معاوية واللَّه لن تريد إلّا أن اقتل فتصيب الخلافة بعدي اذهب إليك عني فليس مثلي يخدع(2).
قال نصر: وخطب عبداللَّه بن العباس يومئذ فقال: الحمد للَّه رب العالمين الذي دحى تحتنا سبعا وسمك(3) فوقنا سبعا وخلق فيما بينهن خلقا وأنزل لنا منهن رزقا، ثم جعل كل شي ء يبلى ويفنى غير وجهه الحى القيوم الذي يحيى ويبقى، إن اللَّه
ص: 378
تعالى بعث أنبياء ورسلا فجعلهم حججا على عباده عذرا أو نذرا لا يطاع إلّا بعلمه واذنه يمن بالطاعة على من يشاء من عباده، ثم يثيب عليها ويعصى فيعفو ويغفر بحلمه لا يقدر قدره ولا يبلغ شي ء مكانه، أحصى كل شي ء عددا وأحاط بكل شي ء علما.
وأشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله امام الهدى والنبي المصطفى، وقد ساقنا قدر اللَّه إلى ما ترون حتى كان مما اضطرب من حبل هذه الأمة وانتشر من امرها ان معاوية بن أبي سفيان وجد من طغام الناس أعوانا عَلى إبن عم رسول اللَّه وصهره وأول ذكر صلى معه بدري، قد شهد مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كل مشاهده التي فيها الفضل ومعاوية مشرك يعبد الاصنام والذي ملك الملك وحده وبان به وكان اهله لقد قاتل علي بن أبي طالب عليه السلام مع رسول اللَّه وهو يقول: صدق اللَّه ورسوله ومعاوية يقول كذب اللَّه ورسوله، فعليكم بتقوى اللَّه والجد والحزم والصبر واللَّه إنكم لعلى حق، وإن القوم لعلي باطل، فلا يكونن أولى بالجد على باطلهم منكم في حقكم، وإنا لنعلم أن اللَّه سيعذبهم بأيديكم أو بأيدي غيركم، اللهم أعنا ولا تخذلنا وانصرنا على عدونا ولا تحل عنا، وافتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين(1).
وعن عمرو بن عبدالرحمن بن جندب عن جندب بن عبداللَّه قال: قام عمار يوم صفين فقال: انهضوا معي عباداللَّه إلى قوم يزعمون أنهم يطلبون بدم الظالم لنفسه الحاكم على عباد اللَّه بغير ما في كتاب اللَّه إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان الآمرون بالعدل والاحسان، فقالوا هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم
ص: 379
دنياهم لو درس هذا الدين: لم قتلتموه؟ فقلنا: لاحداثه، فقالوا: إنه لم يحدث شيئا وذلك لانه مكنهم من الدنيا فهم يأكلونها ويرعونها ولا يبالون لو انهدمت الجبال، واللَّه ما أظنهم يطلبون بدم إنهم ليعلمون أنه لظالم ولكن القوم ذاقوا للدنيا فاستحبوها واستمروها وعلموا أن صاحب الحق لو ولاهم لحال بينهم وبين ما يأكلون ويرعون منها إن القوم لم تكن لهم سابقة في الإسلام يستحقون بها الطاعة والولاية فخدعوا أتباعهم بأن قالوا: قتل امامنا مظلوما ليكونوا بذلك جبابرة وملوكا، تلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون، ولولاها ما بايعهم من الناس رجل اللهم ان تنصرنا فطال ما نصرت وان تجعل لهم الأمر فادخر لهم بما أحدثوا لعبادك العذاب الاليم ثم مضى ومضى معه أصحابه، فدنا من عمرو بن العاص فقال: يا عمرو بعت دينك بمصر فتبالك فطال ما بغيت للاسلام عوجا، ثم نادى عبيداللَّه بن عمر وذلك قبل مقتله وقال: يا بن عمر صرعك اللَّه بعت دينك بالدنيا من عدو اللَّه وعدو الاسلام، قال: كلا ولكني اطلب بدم عثمان الشهيد المظلوم، قال: كلا اشهد على علمي فيك أنك أصبحت لا تطلب بشي ء من فعلك وجه اللَّه وأنك ان لم تقتل اليوم فتموت غدا فانظر اذا أعطى اللَّه العباد على نياتهم ما نيتك ثم قال:
اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في ان اقذف بنفسي في هذا البحر لفعلت اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك أن أضع ظبية سيفي في بطني ثم أنحني عليه حتى يخرج من ظهري لفعلت، اللهم إني أعلم مما علمتني أني لا أعمل عملا اليوم هذا هو أرضى من جهاد هؤلاء الفاسقين، ولو أعلم اليوم عملا هو أرضى لك منه لفعلته(1).
ص: 380
عن عمر بن سعد عن مالك بن أعين عن زيد الجهني ان عمار بن ياسر نادى يومئذ أين من يبغى رضوان ربه ولا يؤب إلى مال ولا ولد؟ قال: فأتته عصابة من الناس فقال: يا أيها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء القوم الذين يبغون دم عثمان ويزعمون أنه قتل مظلوما، واللَّه إن كان إلّا ظالما لنفسه الحاكم بغير ما أنزل اللَّه.
فدفع علي عليه السلام الراية إلى هاشم بن عتبة وكان عليه درعان فقال له علي كهيئة المازح: أيا هاشم أما تخشى على نفسك أن تكون أعورا جبانا؟ قال: ستعلم يا أميرالمؤمنين واللَّه لا لفن بين جماجم القوم لف رجل ينوى الآخرة، فأخذ رُمْحا فهزه فانكسر، ثم أخذ آخر فوجده جاسيا فألقاه، ثم دعا برمح لين فشد به لوائه ولما دفع علي عليه السلام الراية إلى هاشم قال له رجل من بكر بن وائل من أصحاب هاشم: اقدم هاشم يكرّرها ثمّ قال: ما لَكَ يا هاشم قد انتفخ سحرك أعوراً وجبناً؟ قال: من هذا؟ قالوا: فلان قال: أهلها وخير منها إذا رأيتني صرعت فخذها ثم قال لأصحابه شدوا شسوع نعالكم وشدوا ازركم فاذا رأيتموني قد هزرت الراية ثلاثا فاعلموا أن أحدا منكم لا يسبقني إلى الحملة.
ثم نظر هاشم إلى عسكر معاوية فرأى جمعا عظيما، فقال: من أولئك؟ قالوا أصحاب ذي الكلاع ثم نظر فرأى جندا آخر فقال: من أولئك؟ قالوا: جند أهل المدينة قريش، قال: قومي لا حاجة لي في قتالهم، قال من عند هذه القبة البيضاء؟ قيل معاوية وجنده، فحمل حينئذ يرقل ارقالا(1)؛ (2).
وعن عبدالعزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال: لما كان قتال صفين
ص: 381
والرايه مع هاشم بن عتبة جعل عمار بن ياسر يتناوله بالرمح ويقول: اقدم يا أعور لا خير في أعور لا يأتي الفزع قال: فجعل يستحيي من عمار وكان عالما بالحرب فيتقدم فيركز الراية فاذا سامت إليه الصفوف قال عمار: اقدم يا اعور لا خير في أعور لا يأتي الفزع فجعل عمرو بن العاص يقول: إني لأرى لصاحب الراية السوداء عملا لئن دام على هذا لتفنين العرب اليوم، فاقتتلوا قتالا شديدا وجعل عمار يقول صبرا عباداللَّه، الجنة في ظلال البيض قال: وكانت علامة أهل العراق بصفين الصوف الأبيض قد جعلوه في رؤوسهم وعلى اكتافهم، وشعارهم يا اللَّه يا أحد يا صمد يا رحيم، وكانت علامة أهل الشام خرقا بيضا قد جعلوه على رؤوسهم واكتافهم، وكان شعارهم نحن عباداللَّه حقا يا لثارات عثمان.
قال: فاجتلدوا بالسيوف وعمد الحديد، فما تحاجزنا حتى حجز بيننا سواد الليل ولا يرى رجل منا ولا منهم موليا، فلما أصبحوا وذلك يوم الثلثاء خرج الناس إلى مصافهم.
فقال أبو نوح، فكنت في خيل علي عليه السلام فاذا أنا برجل من أهل الشام يقول من يدلني على الحميري أبي نوح، قال: قلت فقد وجدته فمن أنت؟ قال: أنا ذوالكلاع سر إلي، فقال أبو نوح: معاذ اللَّه أن أسير إليك إلّا في كتيبه، قال ذوالكلاع سر فلك ذمة اللَّه وذمة رسوله وذمة ذي الكلاع حتى ترجع إلى خيلك فانما اريد أن أسألك عن أمر فيكم تمارينا فيه فسارا حتى التقيا، فقال ذوالكلاع إنما دعوتك احدثك حديثا حدثنا عمرو بن العاص في أمارة عمر بن الخطاب قال أبو نوح: وما هو؟ قال: حدثنا عمرو بن العاص أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: يلتقى أهل الشام وأهل العراق وفي إحدى الكتيبتين الحق وامام الهدى ومعه عمار بن ياسر، قال أبو نوح: لعمرو
ص: 382
واللَّه إنه لفينا، قال: أجاد هو على قتالنا؟ قال أبو نوح: نعم ورب الكعبة لهو أشد على قتالكم مني.
فقال ذوالكلاع: هل تستطيع أن تأتي معي صف أهل الشام فأنالك جار منهم حتى تلقى عمرو بن العاص فتخبره عن عمار وعن جده في قتالنا لعله يكون صلحا بين هذين الجندين، فقال له أبو نوح إنك رجل غادر وأنت في قوم غدور وإن لم تكن تريد الغدر أغدروك وإني ان أموت أحب إلى من أن أدخل مع معاوية وأدخل في دينه وأمره.
فقال ذوالكلاع: أنا جار لك من ذلك أن لا تقتل ولا تسلب ولا تكره على بيعة ولا تحبس عن جندك، وإنما هي كلمة تبلغها عمرا لعل اللَّه ان يصلح بين هذين الجندين ويضع عنهم الحرب والسلاح، فسار معه حتى أتى عمرو بن العاص وهو عند معاوية وحوله الناس وعبيداللَّه بن عمر يحرض الناس فلما وقفا على القوم قال ذوالكلاع لعمرو: يا ابا عبداللَّه هل لك في رجل ناصح لبيب شفيق يخبرك عن عمار بن ياسر ولا يكذبك؟ قال عمرو: ومن هذا معك؟ قال هذا ابن عمي وهو من أهل الكوفة، فقال له عمرو: إني لأرى عليك سيما أبي تراب قال ابو نوح: عليّ سيماء محمدصلى الله عليه وآله وأصحابه، وعليك سيماء أبي جهل وسيماء فرعون.
فقام أبوالاعور فسل سيفه ثم قال: أرى هذا الكذاب يشاتمنا بين أظهرنا وعليه سيماء أبي تراب فقال ذوالكلاع اقسم باللَّه لئن بسطت يدك إليه لأحطمن أنفك بالسيف ابن عمي وجاري عقدت له ذمتي وجئت به إليكم ليخبركم عما تماريتم فيه.
فقال له عمرو: اذكرك باللَّه يا أبا نوح إلّا ما صدقت أفيكم عمار بن ياسر؟
ص: 383
فقال له أبو نوح: ما أنا بمخبرك عنه حتى تخبرني لم تسأل عنه فان معنا من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله غيره وكلهم جاد على قتالكم.
قال عمرو: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: إن عمارا تقتله الفئة الباغية، وإنه ليس ينبغي لعمار أن يفارق الحق ولن تأكل النار منه شيئا، فقال أبو نوح: لا إله إلّا اللَّه واللَّه أكبر إنه لفينا جاد على قتالكم.
فقال عمرو: واللَّه إنّه لجاد على قتالنا؟ قال: نعم واللَّه الذي لا إله إلّا هو لقد حدثني يوم الجمل إنا سنظهر عليهم ولقد حدثني أمس أن لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر(1) لعلمنا أنا على الحق وأنهم على باطل، ولكانت قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار فقال له عمرو: هل تستطيع أن تجمع بيني وبينه؟ قال: نعم.
فلما أراد أن يبلغه أصحابه ركب عمرو بن العاص وابناه وعتبة بن أبي سفيان وذوالكلاع وأبو الأعور السلمى وحوشب والوليد بن أبي معيط فانطلقوا حتى أتوا خيولهم وسار أبو نوح ومعه شرحبيل بن ذي الكلاع حتى انتهى إلى أصحابه فذهب أبو نوح إلى عمار فوجده قاعدا مع أصحابه مع ابني بديل والهاشم والأشتر وجارية بن المثنى وخالد بن المعمر وعبداللَّه بن حجل وعبداللَّه بن العباس.
فقال أبو نوح: إنه دعاني ذوالكلاع وهو ذو رحم فذكر ما جرى بينه وبينهم وقال: أخبرني عمرو بن العاص أنه سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: عمار تقتله الفئة الباغية، فقال عمار صدق وليضر به ما سمع ولا ينفعه، فقال أبو نوح: إنه يريد أن يلقاك فقال عمار لأصحابه: اركبوا.
قال ونحن اثنا عشر رجلا بعمار فسرنا حتى لقيناهم ثم بعثنا إليهم فارسا من
ص: 384
عبدالقيس يسمى عوف بن بشر، فذهب حتى كان قريبا من القوم، ثم نادى أين عمرو بن العاص؟ قالوا: ههنا فأخبرهم بمكان عمار وخيله، فقال عمرو فليسر إلينا: فقال له عوف: إني أخاف غدرانك، ثم جرى بينهما كلمات تركتها إلى أن قال:
أقبل عمار مع أصحابه وعمرو مع أصحابه فتوافقا فقال عمرو: يا أبا اليقظان اذكرك اللَّه إلّا كففت سلاح أهل هذا العسكر وحقنت دمائهم فعلى م تقاتلنا؟ أو لسنا نعبد إلها واحدا ونصلي قبلتكم وندعو دعوتكم ونقرأ كتابكم ونؤمن برسولكم؟
فقال عمار: الحمد للَّه الذي أخرجها من فيك، إنها لي ولأصحابي القبلة والدين وعبادة الرحمن والنبي والكتاب من دونك ودون أصحابك وجعلك ضالا مضلا ولا تعلم هاد أنت أم ضال، وجعلك أعمى وسأخبرك على ما قاتلتك عليه أنت وأصحابك أمرني رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أن أقاتل الناكثين ففعلت، وأمرني أن أقاتل القاسطين فأنتم هم وأما المارقون فما أرى أدركهم أم لا.
أيها الابتر ألست تعلم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأنا مولا اللَّه ورسوله وعلي بعده وليس لك مولى.
فقال له عمرو: فما ترى في قتل عثمان؟ قال: فتح لكم باب سوء، قال عمرو فعلي قتله؟ قال عمار: بل اللَّه رب على قتله وعلي معه، قال عمرو: أكنت فيمن قتله؟
قال: أنا مع من قتله وأنا اليوم أقاتل معه، قال: فلم قتلتموه؟ قال أراد أن يغير ديننا فقتلناه، قال عمرو: ألا تسمعون قد اعترف بقتل إمامكم قال عمار: وقد قالها فرعون قبلك: ألا تسمعون.
ص: 385
فقام أهل الشام ولهم زجل فركبوا خيولهم ورجعوا فبلغ معاوية ما كان بينهم فقال له: هلكت العرب إن أخذتهم خفة العبد الأسود يعني عمارا، وخرج عمار إلى القتال وصفت الخيول بعضها لبعض وزحف الناس، وعلى عمار درع وهو يقول أيها الناس الرواح إلى الجنة، فاقتتل الناس قتالا شديدا لم يسمع الناس بمثله، وكثرت القتلى حتى أن كان الرجل ليشد طنب فسطاطه بيد الرجل أو برجله.
فقال الأشعث: لقد رأيت أخبية صفين وأروقتهم وما منها خباء ولا رواق ولا بناء ولا فسطاط إلّا مربوطا بيد رجل أو رجله وجعل أبو سماك الأسدي يأخذ اداوة من ماء وشفرة حديد فيطوف في القتلى فاذا رأى رجلا جريحا وبه رمق اقعده وسأله من أميرالمؤمنين عليه السلام؟ فان قال: علي غسل عنه الدم وسقاه من الماء وإن سكت وَجَأه بسكين حتى يموت، قال: فكان يسمى المخضخض(1)؛ (2).
وعن عمرو بن شمر عن جابر عن الشعبي عن الأحنف بن قيس قال: واللَّه إني إلى جانب عمار فتقدمنا حتى إذا دنونا من هاشم بن عتبة قال له عمار: احمل فداك أبي وأمي ونظر عمار إلى رقة في الميمنة فقال له هاشم، رحمك اللَّه يا عمار إنك رجل تأخذك خفة في الحرب وإني إنما أزحف باللواء زحفا وأرجو أن أنال بذلك حاجتي، وإني إن خففت لم آمن الهلكة.
وقد قال معاوية لعمرو ويحك يا عمرو إن اللواء مع هاشم كانه يرقل به إرقالا وإنه إن زحف به زحفا إنه ليوم أطول لأهل الشام، فلم يزل به عمار حتى حمل فبصر به معاوية فوجه إليه جملة أصحابه ومن برز بالناس منهم في ناحيته وكان
ص: 386
في ذلك الجمع عبداللَّه بن عمرو ومعه سيفان قد تقلد بواحد وهو يضرب بالآخر وأطافت به خيل علي عليه السلام فقال عمرو: يا اللَّه يا رحمن ابني ابني، وكان يقول معاوية: اصبر اصبر فانه لا بأس عليه قال عمرو لو كان يزيد اذا لصبرت؟
ولم يزل حماة أهل الشام يذبون عنه حتى نجا هاربا على فرسه واصيب هاشم في المعركة(1)، قال وقال عمار حين نظر إلى راية عمرو بن العاص: إن هذه الراية قد قاتلتها ثلاث عركات(2) وما هي بأرشدهن ثم حمل وهو يقول:
نحن ضربناكم على تنزيله * فاليوم نضربكم عى تأويله
ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله
أو يرجع الحق الى سبيله * يا رب اني مؤمن بقيله(3)
ثم استسقى واشتد ظماؤه، فأتته امرئة طويلة اليدين ما ادري اعس(4) معها أم اداوة فيها ضياح(5) من لبن وقال الجنة تحت الاسنة اليوم ألقى الأحبة محمداصلى الله عليه وآله وحزبه، واللَّه لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل.
وحمل عليه ابن جوين السكسكي وابو العادية الفزاري، فأما أبو العادية قطعنه وأما ابن جوين فاجتز رأسه عليهما لعنة اللَّه(6).
فقال ذو الكلاع لعمرو: ويحك ما هذا؟ قال عمرو: إنه سيرجع إلينا وذلك قبل أن
ص: 387
يصاب عمار، فاصيب عمار مع علي واصيب ذو الكلاع مع معاوية فقال عمرو: واللَّه يا معاوية ما أدري بقتل أيهما أنا أشد فرحا، واللَّه لو بقى ذوالكلاع حتى يقتل عمار لمال بعامة قومه ولأفسد علينا جندنا.
قال: فكان لا يزال رجل يجي ء فيقول: أنا قتلت عمارا فيقول عمرو فما سمعتموه يقول فيخلطون حتى أقبل ابن جوين فقال: أنا قتلت عمارا فقال له عمرو: فما كان آخر منطقه؟ قال: سمعته يقول اليوم ألقى الأحبه محمدا وحزبه، قال عمرو: صدقت أنت أما واللَّه ما ظفرت بذلك ولكن اسخطت ربك(1).
وروى عن الصادق عليه السلام أنه لما قتل عمار ارتعدت فرايص خلق كثير وقالوا: قد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عمار تقتله الفئة الباغية، فدخل عمرو بن العاص على معاوية فقال: قد هاج الناس واضطربوا، قال معاوية: لما ذا؟ قال: قتل عمار، قال: فما ذا؟ قال: أليس قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله تقتله الفئة الباغية؟ فقال له معاوية دحضت في قولك أنحن قتلناه؟ إنما قتله علي بن أبي طالب لما ألقاه بين رماحنا، فاتصل ذلك بعلي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: فاذن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله هو الذي قتل حمزة لما ألقاه بين رماح المشركين(2).
وعن إسماعيل بن أبي خالد قال سمعت قيس بن أبي حازم قال قال عمار بن ياسر ادفنوني في ثيابي فإني مخاصم(3).
وعن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: شهد خزيمة بن ثابت الأنصاري الجمل
ص: 388
وهو لا يسل سيفا وشهد صفين وقال: لا اصلى ابدا خلف إمام حتى يقتل عمار فأنظر من يقتله فاني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: تقتله الفئة الباغية، فلما قتل عمار قال خزيمة: قد جازت (حانت) لي الصلاة ثم اقترب وقاتل حتى قتل.
وكان الذي قتل عمارا أبو عادية المرني طعنه برمح فسقط وكان يومئذ يقاتل وهو ابن أربع وتسعين سنة، فلما وقع أكب عليه رجل آخر فاجتز رأسه فأقبلا يختصمان كلاهما يقول أنا قتلته.
فقال عمرو بن العاص: واللَّه ان يختصمان إلّا في النار، فسمعها منه معاوية فقال لعمرو، ما رأيت مثل ما صنعت؛ قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما: إنكما لتختصمان في النار، فقال عمرو: هو واللَّه ذلك وأنك لتعلمه ولوددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة(1).
وبالاسناد عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نعمر مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وكنا نحمل لبنة وعمار لبنتين لبنتين، فرآه النبي صلى الله عليه وآله فجعل ينفض التراب عن رأس عمار ويقول: يا عمار ألا تحمل كما يحمل أصحابك؟ قال: إني أريد الأجر من اللَّه تعالى، قال: فجعل ينفض التراب عنه ويقول: ويحك تقتلك الفئة الباغية تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار، قال عمار: أعوذ بالرحمن أظنه قال من الفتن(2).
وعن أبي المفضل الشيباني في حديث طويل مسندا عن النبي صلى الله عليه وآله قال: يا عمار ستكون بعدي فتنة فاذا كان ذلك فاتبع عليا وحزبه فانه مع الحق والحق معه، يا
ص: 389
عمار إنك ستقاتل بعدي مع علي صنفين: الناكثين والقاسطين، ثم يقتلك الفئة الباغية، قلت: يا رسول اللَّه أليس ذلك على رضا اللَّه ورضاك؟ قال: نعم، على رضا اللَّه ورضاى ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه.
فلما كان يوم صفين خرج عمار بن ياسر إلى أميرالمؤمنين عليه السلام فقال له: يا أخا رسول اللَّه أتأن لي في القتال؟ قال: مهلا رحمك اللَّه، فلما كان بعد ساعة أعاد عليه الكلام فأجابه بمثله، فأعاد ثالثا فبكى أميرالمؤمنين عليه السلام فنظر إليه عمار.
فقال: يا أميرالمؤمنين إنه ليوم الذي وصفه لي رسول اللَّه.
فنزل أميرالمؤمنين عليه السلام عن بغلته وعانق عمارا وودعه ثم قال: يا أبا اليقظان جزاك اللَّه عن اللَّه وعن نبيك خيرا فنعم الأخ كنت ونعم الصاحب كنت ثم بكى عليه السلام وبكى عمار ثم قال: واللَّه يا أميرالمؤمنين ما تبعتك إلّا ببصيرة فاني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: يا عمار ستكون بعدي فتنه فاذا كان ذلك فاتبع عليا وحزبه فانه مع الحق والحق معه، وستقاتل بعدى الناكثين والقاسطين، فجزاك اللَّه يا أميرالمؤمنين عن الاسلام أفضل الجزاء، فلقد أديت وبلغت ونصحت ثم ركب وركب أميرالمؤمنين عليه السلام، ثم برز إلى القتال ثم دعا بشربة من ماء فقيل ما معنا ماء فقام إليه رجل من الأنصار فاسقاه شربة من لبن فشربه، ثم قال: هكذا عهد إليّ رسول اللَّه أن يكون آخر زادي من الدنيا شربة من اللبن.
ثم حمل على القوم فقتل ثمانية عشر نفسا فخرج إليه رجلان من أهل الشام فطعناه فقتل رحمه اللَّه، فلما كان الليل طاف أميرالمؤمنين عليه السلام في القتلى فوجد عمارا ملقى بين القتلى، فجعل رأسه على فخذه ثم بكى عليه السلام وأنشأ يقول:
ص: 390
ايا موت كم هذا التفرق عنوة * فلست تبقى للخليل خليل
اراك بصيرا بالذين احبهم * كأنك تمضي نحوهم بدليل
قال المجلسي: في الديوان هكذا:
ألا أيها الموت الذي ليست تاركي * أرحنى فقد أفنيت كل خليل
أراك بصيرا بالذين أحبهم * كأنك تأتي نحوهم بدليل(1)
قال نصر بن مزاحم: لما حدث عمرو بن العاص في عمار ما قاله النبي صلى الله عليه وآله خرج عبداللَّه عمر العبسى وكان من عباد أهل زمانه ليلا فأصبح في عسكر علي عليه السلام فحدث الناس بقول عمرو في عمار فلما سمع معاوية هذا القول بعث إلى عمرو وقال: أفسدت على أهل الشام، أكل ما سمعته من رسول اللَّه تقوله؟ فقال عمرو: قلتها ولست واللَّه أعلم الغيب ولا أدري أن صفين يكون عمار خصمنا، وقد رويت أنت فيه مثل الذي رويت فأسأل أهل الشام فغضب معاوية وتنمر(2) لعمرو ومنعه خيره، فقال عمرو لا خير لي في جوار معاوية إن تجلت هذه الحرب عنا وكان عمرو حمى الانف فقال في ذلك:
تعاتبني ان قلت شيئا سمعته * وقد قلت لو أنصفتني مثله قبلى
وما كان لي علم بصفين انها * تكون وعمار يحث على قتلى
فلو كان لي بالغيب علم كتمتها * وكايدت أقواما مراجلهم تغلى
إلى آخر الأبيات ثم أجابه معاوية بأبيات تشتمل على الاعتذار، فأتاه عمرو
ص: 391
وأعتبه وصار أمرهما واحدا ثم إن عليا دعا هاشم بن عتبه ومعه لواؤه، وكان أعور، وقال عليه السلام: حتى متى تأكل الخبز وتشرب الماء، فقال هاشم: لأجهّزنّ (لاجهدن) ان لا أرجع إليك أبدا(1).
عن عمر بن سعد عن رجل عن أبي سلمة: ان هاشم ابن عتبة دعا في الناس عند المساء «يعني مساء اليوم التاسع» ألا من كان يريد اللَّه والدار الآخرة فليقبل، فاقبل إليه ناس فشد في عصابة من أصحابه على أهل الشام مرارا فليس من وجه يحمل عليهم الاصبروا له وقوتل فيه قتالا شديدا فقال لأصحابه لا يهولنكم ما ترون من صبرهم فو اللَّه ما ترون منهم إلّا حمية العرب وصبرها تحت راياتها وعند مراكزها وانهم لعلى الضلال وانكم لعلى الحق يا قوم اصبروا وصابروا واجتمعوا وامشوا بنا إلى عدونا على تؤدة رويدا ثم تاسوا وتصابروا واذكروا اللَّه ولا يسلم رجل اخاه ولا تكثروا الالتفات واصمدوا صمدهم وجالدوهم محتسبين حتى يحكم اللَّه بيننا وهو خير الحاكمين.
فقال أبو سلمة فمضى في عصابة من القراء فقاتل قتالا شديدا هو وأصحابه حتى رأى بعض ما يسرون به إذ خرج عليهم فتى شاب وشد يضرب بسيفه ويلعن ويشتم ويكثر الكلام فقال له هاشم إن هذا الكلام بعده الخصام وإن هذا القتال بعده الحساب فاتق اللَّه فإنك راجع إلى ربك فسائلك عن هذا الموقف وما أردت به قال فإني أقاتلكم لأن
ص: 392
صاحبكم لا يصلي كما ذكر لي وأنكم لا تصلون وأقاتلكم لأن صاحبكم قتل خليفتنا وأنتم وازرتموه على قتله فقال له هاشم وما أنت وابن عفان إنما قتله أصحاب محمد وقراء الناس حين أحدث أحداثا وخالف حكم الكتاب، وأصحاب محمد هم أصحاب الدين وأولى بالنظر في أمور المسلمين وما أظن أن أمر هذه الأمة ولا أمر هذا الدين عناك طرفة عين قط قال الفتي أجل واللَّه لا أكذب فإن الكذب يضر ولا ينفع ويشين ولا يزين فقال له هاشم إن هذا الأمر لا علم لك به فخله وأهل العلم به قال أظنك واللَّه قد نصحتني فقال له هاشم: وأما قولك فإن صاحبنا لا يصلي فهو أول من صلى للَّه مع رسوله صلى الله عليه وآله وأفقهه في الدين اللَّه وأولاه برسول اللَّه وأما من ترى معه فكلهم قارئ الكتاب لا ينام الليل تهجدا فلا يغررك عن دينك الأشقياء المغرورون قال الفتى: يا عبداللَّه إنّي لأظنك امرأ صالحا أخبرني هل تجد لي من توبة؟ قال: نعم تب إلى اللَّه يتب عليك قال: فذهب الفتى راجعا فقال رجل من أهل الشام: خدعك العراقي قال: لا ولكن نصحني وقاتل هاشم هو وأصحابه قتالا شديدا حتى قتل تسعة نفر أو عشرة وحمل عليه الحارث بن المنذر فطعنه فسقط وبعث إليه علي عليه السلام أن قدم لواءك فقال للرسول انظر إلى بطني فإذا هو قد انشق فأخذ الراية رجل من بكر بن وائل ورفع هاشم رأسه فإذا هو بعبداللَّه بن عمر بن الخطاب قتيلا إلى جانبه فجثا حتى دنا منه فعض على ثديه حتى تبينت فيه أنيابه ثم مات هاشم وهو على صدر عبيداللَّه وضرب البكري فوقع فأبصر عبيداللَّه فعض على ثديه الآخر ومات أيضاً فوجدا جميعا ماتا على صدر عبيداللَّه ولما قتل هاشم جزع الناس عليه جزعا شديدا وأصيب معه عصابة مِن أَسْلم مِن القراء فمر عليهم علي عليه السلام وهم قتلى حوله فقال:
ص: 393
جزى اللَّه خيرا عصبة أسلمية * صباح الوجوه صرعوا حول هاشم
يزيد وعبداللَّه بشر ومعبد * وسفيان وابنا هاشم ذي المكارم
وعروة لا يبعد ثناه وذكره * إذا اخترط البيض الخفاف الصوارم
ثم قام عبداللَّه بن هاشم وأخذ الراية(1).
عمرو بن شمر قال: لما انقضى أمر صفين وسلم الأمر الحسن عليه السلام إلى معاوية ووفدت عليه الوفود أشخص عبداللَّه بن هاشم إليه أسيرا فلما أدخل عليه مثل بين يديه وعنده عمرو بن العاص فقال: يا أميرالمؤمنين هذا المختال(2) (المحتال خ ل) ابن المرقال فدونك الضب المضب(3) المغتر المفتون فإن العصا من العصية وإنما تلد الحية حية وجزاء السيئة سيئة مثلها فقال له ابن هاشم: ما أنا بأول رجل خذله قومه وأدركه يومه (واسلمه يومه) فقال معاوية: تلك ضغائن صفين وما جنى عليك أبوك فقال عمرو: أمكني منه فأشخب أوداجه على أثباجه(4) فقال له ابن هاشم: فهلا كانت هذه الشجاعة منك يا ابن العاص أيام صفين حين ندعوك إلى النزال وقد ابتلت أقدام الرجال من نقيع الجريال(5) وقد تضايقت بك المسالك وأشرفت فيها على المهالك وايم اللَّه لولا مكانك منه لنشبت لك مني خافية أرميك من خلالها أَحدّ من وقع الأشافي (الأثاقي) فإنك لا تزال تكثر في هوسك وتخبط في دهشك وتنشب في مرسك تخبط العشواء في الليلة الحندس الظلماء قال فأعجب معاوية
ص: 394
ما سمع من كلام ابن هاشم فأمر به إلى السجن وكف عن قتله(1)، هذا.
ويأتي طرف آخر من بقية الوقعة في شرح بعض الكلمات الآتية إن شاء اللَّه.
إلى هنا انتهى الجزء السادس وأسأل اللَّه ان يوفقني بمنه لاتمام هذا الشرح انه سميع الدعاء قريب مجيب.
ص: 395
القرآن الکریم
1 - الاحتجاج على اهل اللجاج: ابو منصور احمد بن على بن ابى طالب طبرسى، 2 مجلد، مترجم: بهراد جعفرى، دار الكتب الاسلامية، طهران 1387 ش.
2 - احياء العلوم: أبو حامد محمّد الغزالي، (المتوفى 505ق)، دار المعرفة، بيروت، 4 مجلد.
3 - الأخبار الطوال: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفى 276ق)، القاهرة، الأولى 1960م.
4 - الاختصاص: محمد بن محمد المفيد، (المتوفى 413ق)، مصحح: على اكبر غفارى ومحمود حرمى زرندى، المؤتمر العالمى للالفية الشيخ المفيد، قم، الأولى 1413ق.
5 - ادب الكاتب: أبوبكر محمّد بن يحيى الصولي، (المتوفّى 335 ه)، مصحّح: محمّد بهجة الأثرى، 1 مجلّد، المكتبة العربيّة، بغداد، 1341.
6 - الارشاد في معرفة حجج اللَّه على العباد: محمّد بن محمّد المفيد، (المتوفّى 413ق)، المصحّح: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، المؤتمر للشيخ المفيد، قم، الأولى 1413ق.
7 - ارشاد القلوب الى الصواب للديلمى: حسن بن محمد ديلمى، (المتوفى 841ق)، 2 مجلد، الشريف الرضى، قم، الأولى 1412ق.
ص: 396
8 - اساس البلاغة: محمود بن عمر زمخشرى، (المتوفى 583ق)، 1 مجلد، دار صادر، يروت، الأولى 1979م.
9 - الاستيعاب: ابن عبدالبر، القرن الخامس، تحقيق: علي محمّد البجاوى، بيروت، دار الجيل، الأولى 1412ق، 1992م.
10 - اعتقادات الامامية (للصدوق) محمد بن على بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مؤتمر الشيخ المفيد، قم، الثانية 1414ق.
11 - اعلام الدين فى صفات المؤمنين: حسن بن محمد ديلمى، (المتوفى 841ق)، 1 مجلد، الناشر والمصحح: مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1408ق.
12 - اعيان الشيعة: السيّد محسن الأمين، (المتوفى 1371ق)، 10 مجلد، تحقيق: حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، لبنان.
13 - الأغاني: ابن الفرج الاصفهاني، (المتوفّى 356)، 25 جلد، دار إحياء التراث العربي.
14 - الأمالي (للصدوق): محمد بن على بن بابويه، (المتوفى 381ق)، الأعلمى بيروت، الخامسة 1400ق - 1362ش.
15 - الأمالي (للطوسي): محمد بن الحسن طوسى، (المتوفى 460ق)، 1 مجلد، دار الثقافه، قم، الأولى 1414ق.
16 - الامامة والسياسة: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفّى 276ق)، تحقيق: الزيني، مؤسّسة الحلبى وشركاه للنشر والتوزيع.
17 - الامامة والسياسة المعروف بتاريخ الخلفاء: ابن قتيبة دينورى، القرن الثالث، تحقيق: على شيرى، دار الأضواء، بيروت، الأولى 1410ق - 1990م.
ص: 397
18 - انساب الأشراف: أحمد بن يحيى بن جابر البلاذرى، (المتوفى 279ق)، تحقيق: سهيل زكار، رياض، زركلى، 13 مجلد، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الأولى.
19 - الأنصاف في النص على الأئمّة الاثنى عشرعليهم السلام: البحراني، سيّد هاشم بن سليمان، (المتوفى 1107ق)، 1 مجلد، دفتر نشر فرهنگ اسلامي.
20 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار: محمّد باقر بن محمّد تقى مجلسى، (المتوفى 1110ق)، 111 مجلد، دار احياء التراث العربي، الثانية 1403ق.
21 - البرهان فى تفسير القرآن: سيد هاشم بن سليمان بحراني، (المتوفى 1107ق)، 5 مجلد، مصحح: قسم الدراسات الاسلامية لمؤسسة البعثة، مؤسسة البعثة، قم، الأولى 1374 ش.
22 - بشارة المصطفى لشيعة المرتضى: عماد الدين أبي جعفر محمد بن أبي القاسم الطبرى الآملي، (المتوفى 553ق)، 1 مجلد، المكتبة الحيدرية، نجف الأشرف، الثانية 1383ق.
23 - بصائر الدرجات في فضائل آل محمدعليهم السلام: محمد بن حسن صفار، (المتوفى 290ق)، مصحح: محسن بن عباسعلي كوچه باغي، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي، قم، الثانية 1404ق.
24 - بلاغات النساء: ابن طيفور، (المتوفى 380ق)، مكتبة بصيرتي، قمّ المقدّسة.
25 - بلاغة الامام على بن الحسين عليه السلام: جعفر عباس الحائرى، دار الحديث للطباعة والنشر، قم، الأولى 1425ق 1383ش.
ص: 398
26 - البلد الأمين والدرع الحصين: الكفعمي، إبراهيم بن علي العاملي، (المتوفى 905ق)، 1 مجلد، مؤسسّة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 1418ق.
27 - بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: محمّد تقي الشيخ الشوشتري، (المتوفى 1415ق - 1374ش)، مؤسّسة نشر أمير كبير، الأولى 1376 شمسى.
28 - البيان والتبيين: الجاحظ، (المتوفى 255ق)، المكتبة التجاريّة الكبرى لصاحبها مصطفى محمّد، مصر، الأولى 1345ق 1926م.
29 - تاج العروس من جواهر القاموس: محمّد مرتضى حسينى زبيدى، (المتوى 1205ق)، تحقيق: على هلالى وسيرى على، 20 مجلد، دار الفكر، بيروت، الأولى 1414ق.
30 - تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي، (المتوفى 463ق)، تحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1417ق - 1997 م.
31 - تاريخ الطبرى: محمد بن جرير الطبري، 6 مجلد، (المتوفى 310ق)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.
32- تاريخ مدينة دمشق: ابن عساكر، (المتوفى 571ق)، 70 مجلد، تحقيق: علي شيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، مطبعة دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، چاپ 1415ق.
33 - تحف العقول: حسن بن علي، ابن شعبة الحرّاني، (المتوفى قرن 4)، 1 مجلد، مصحح: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الثانية 1404ق - 1363ش.
34 - تذكرة الخواص: سبط ابن جوزى، (المتوفى 654ق)، 1 مجلد، منشورات الشريف الرضى، قم، 1418ق 1376ش.
ص: 399
35 - تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور: جلال الدين السيوطي، (المتوفى 911ق)، 6 مجلد، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت.
36 - تفسير الصافي: محمّد بن شاه مرتضى فيض كاشاني، (المتوفى 1091ق)، مكتبة الصدر، طهران، الثانية 1415ق.
37 - تفسير العياشي: محمّد بن مسعود العياشي، (المتوفى 320ق)، 2 مجلد، مصحح: السيّد هاشم رسولى المحلّاتى، المطبعة العلمية، طهران، الأولى 1380 ق.
38 - تفسير القمي: علي بن ابراهيم القمي، (المتوفى القرن 3 الهجري)، مصحح: السيّد طيّب موسوى الجزائري، 2 مجلد، دار الكتاب، قم، الثالثة 1404ق.
39 - التفسير المنسوب الى الامام الحسن العسكري عليه السلام: الشهادة 260 ق)، 1 مجلد، مصحح: مدرسة الإمام المهدي عليه السلام، قم، الأولى 1409ق.
40 - تفسير فرات الكوفي: فرات بن ابراهيم كوفي، (المتوفى 307ق)، 1 مجلد، مصحح: محمد كاظم، مؤسسة الطبع والنشر في وزارة الارشاد الاسلامي، طهران، الأولى 1410ق.
41 - تفسير نور الثقلين عبد علي بن جمعة الحويزي، (المتوفى 1112ق)، 5 مجلدات، اسماعيليان، قم، الرابعة 1415ق.
42 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام: ورام بن أبي فراس، مسعود بن عيسى، (المتوفى 605ق)، 2 مجلد، مكتبة الفقيه، قم، الأولى 1410ق.
43 - تنبيه الغافلين وتذكرة العارفين: شريف الرضي، محمّد بن حسين، 2 مجلد، نشر پيام حق، طهران 1378ش.
44 - التنبيه والاشراف: المسعودي، (المتوفى 346ق)، دار صعب، بيروت، لبنان.
ص: 400
45 - التوحيد المفضل: مفضل بن عمر، (المتوفى 148ق)، 1 مجلد، داورى، ايران، قم، بى تا.
46 - تهذيب الأحكام: محمد بن الحسن، طوسى، (المتوفى 460ق)، 10 مجلد، مصحح: حسن الموسوى خرسان، دار الكتب الاسلامية، تهران، الرابعة 1407ق.
47 - جامع الأخبار (للشعيرى): محمد بن محمد شعيرى، (المتوفى القرن 6)، مطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، الأولى.
48 - جامع السعادات: ملا محمد مهدي النراقي، (المتوفى 1209ق)، 3 مجلد، دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الأشرف.
49 - الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبى): القرطبى، (المتوفى 671ق)، تحقيق: مصطفى السقا، 20 مجلّد، دار احياء التراث العربى، بيروت، 1405ق 1985م.
50 - الجمل والنصرة لسيّد العترة في حرب البصرة: محمّد بن محمّد المفيد، (المتوفى 413ق)، تحقيق: على مير شريفى، المؤتمر للشيخ المفيد، قم، الأولى 1413ق.
51 - جمهرة اللغة: أبوكر محمّد بن الحسن بن دريد الأزدي، (المتوفى 321ق)، 3 مجلد، دار العلم للملايين، بيروت، الأولى 1987م.
52 - حلية الأولياء: أبو نعيم أحمد بن عبداللَّه الاصبهاني، (المتوفى 430ق)، 10 مجلد، السعادة، بجوار محافظة مصر، 1394ق 1974م.
53 - الخرائج والجرائح: سعيد بن هبة اللَّه، قطب الدين الراوندي، (المتوفى 573ق)، المصحح والناشر: مؤسسة الامام المهدي عليه السلام، 3 مجلد، قم، الأولى 1409ق.
54 - خصائص الأئمّةعليهم السلام (خصائص أميرالمؤمنين عليه السلام): محمد بن حسين، الشريف الرضي، (المتوفى 406ق)، 1 مجلد، مصحح: محمد هادي الأميني، منشورات العتبة الرضويّة، مشهد، الأولى 1406ق.
ص: 401
55 - الخصال: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: على اكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الأولى 1362ش.
56 - الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم: يوسف بن حاتم شامي، (المتوفى قرن 7)، 1 مجلد، جامعة المدرّسين، قم، الأولى 1420ق.
57 - دعائم الاسلام وذكر الحلال والحرام: نعمان بن محمد مغربى، ابن حيون، (المتوفى 363ق)، 2 مجلد، مصحح: الفيضي، آصف، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الثانية 1385ق.
58 - الدعوات للراوندي، سلوة الحزين: سعيد بن هبة اللَّه، قطب الدين الراوندي، (المتوفى 573ق)، 1 مجلد، انتشارات مدرسة الإمام المهدي عليه السلام، قم، الأولى 1407ق.
59- دلائل الامامة (ط - الحديثة): الطبري الآملي، محمد بن جرير بن رستم، (المتوفى قرن 5)، 1 مجلد، بعثت، ايران، قم 1413ق.
60 - ديوان البحتري: وليد بن عبيد، (206 - 284ق)، بيروت، دار صادر، 1381.
61 - ديوان حسان بن ثابت: حسان بن ثابت، (المتوفى 54ق)، 2 مجلد، دار صادر، بيروت 1974م.
62 - ديوان المنسوب إلى أميرالمؤمنين عليه السلام: حسين بن معين الدين ميبدى، (المتوفى 911ق)، 1 مجلد، دار نداء الاسلام للنشر، قم، الأولى 1411ق.
63 - رجال الكشي - اختيار معرفة الرجال: محمّد بن عمر الكشي، (المتوفى النصف الأوّل من القرن 4ق)، 1 مجلد، مصحح: محمّد حسن الطوسي، حسن المصطفوي، مؤسسه النشر لجامعة مشهد، الأولى 1409ق.
ص: 402
64 - رجال الكشى (مع تعليقات ميرداماد الاسترآبادى): محمّد بن عمر كشى، (المتوفى النصف الأوّل من القرن الرابع)، 2 مجلد، مصحّح: رجائى، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1363ش.
65 - روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه: محمّد تقى بن مقصود على، المجلسي، (المتوفى 1070ق)، 14 مجلد، مصحح: حسين الموسوي الكرماني وعلى پناه الاشتهاردي، مؤسسة الثقافة الإسلاميّة كوشانبور، قم، الثانية 1406ق.
66 - رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين عليه السلام: سيد عليخان بن احمد، الكبير المدني، (المتوفى 1120ق)، 7 مجلد، مصحح: محسن الحسيني الأميني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الأولى 1409ق.
67 - الزهد: حسين بن سعيد، كوفى اهوازى، (المتوفى القرن الثالث)، مصحّح: غلامرضا عرفانيان يزدى، 1 مجلد، المطبعة العلميّة، قم، الثانية 1402ق.
68 - زهر الربيع: السيّد نعمة اللَّه بن عبداللَّه الجزائرى، (المتوفى 1112ق)، 1 مجلد، مؤسسة العالميّة للتجليد، بيروت، الأولى 1421ق.
69 - سعد السعود للنفوس منضود: علي بن موسى ابن طاووس، (المتوفى 664ق)، دار الذخائر، قم، الأولى.
70 - السقيفة وفدك: الجوهرى، (المتوفى 323ق)، شركة الكتبى للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، الثانية 1413ق 1993م.
71 - سنن ابن ماجة: محمد بن يزيد القزوينى، (المتوفى 273)، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقى، 2 مجلد، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
ص: 403
72 - سنن ابي داود: سليمان بن الأشعث السجستاني، (المتوفى 275ق)، 2 مجلد، تحقيق: سعيد محمد اللحام، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الأولى 1410ق - 1990م.
73 - السنن الكبرى: احمد بن الحسين البيهقى، (المتوفى 458ق)، 10 مجلد.
74 - السيرة النبوية: ابن كثير، (المتوفى 774ق)، 4 مجلد، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 1396ق / 1976م.
75 - السيرة النبوية: ابن هشام الحميري، (المتوفى 218ق)، 1 مجلد، تحقيق: محمد محي الدين عبدالحميد، مكتبة محمّد علي صبيح وأولاده، القاهرة، 1383ق - 1963م.
76 - شرح اصول الكافي (صدرا): محمّد بن ابراهيم، صدرالدين الشيرازي، 4 مجلد (المتوفى 1050ق)، مصحح: محمد الخواجوي، مؤسسة مطالعات وتحقيقات فرهنگى طهران، الأولى 1383ش.
77 - شرح نهج البلاغة (ابن ميثم): ميثم بن علي بن ميثم البحراني، (قرن 7)، 5 مجلد، مكتبة نشر الكتاب، الثانية 1362 ش.
78 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: عبدالحميد بن هبة اللَّه، ابن أبي الحديد، (المتوفى 656ق)، مصحح: محمد ابوالفضل، ابراهيم، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي، قم، الأولى 1404ق.
79 - الشعر والشعراء: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفى 276ق)، دار الحديث، القاهرة، 2 مجلد، 1427ق - 2006م.
ص: 404
80 - الصحاح: الجوهري، (المتوفى 393ق)، 6 مجلد، تحقيق: احمد عبدالغفور العطار، دار العلم للملايين، بيروت، الرابعة 1407ق - 1987م.
81 - صحيح مسلم: مسلم النيسابوري، (المتوفى 261ق)، 1 مجلد، دار الفكر، بيروت.
82 - الصحيفة السجادية: امام علي بن الحسين عليه السلام، (الشهادة 94 يا 95ق)، مكتبة نشر الهادي، قم، الأولى 1376ق.
83 - الطبقات الكبرى: ابن سعد، (المتوفى 230)، 8 مجلد، دار صادر، بيروت.
84 - عدّة الداعي ونجاح الساعي: احمد بن محمد، ابن فهد حلي، (المتوفى 841ق)، مصحّح: احمد الموحدي القمي، 1 مجلد، دار الكتب الاسلاميّة، الأولى 1407ق.
85 - العقد الفريد: شهاب الدين احمد المعروف بابن عبد ربه الأندلسى، (المتوفى 328ق)، 8 مجلد، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1404ق.
86 - علل الشرايع: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، 2 مجلّد مكتبة الداوري، قم الأولى 1385ش.
87 - عيون الأخبار: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفى 276ق)، 3 مجلد، منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية، بيروت، الثالثة 1414ق - 2003م.
88 - عيون اخبار الرضاعليه السلام: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: مهدي اللاجوردي، 2 مجلّد، جهان، طهران، الأولى 1378ق.
89 - الغارات: ابراهيم ثقفى، (المتوفى 283ق)، تحقيق: جلال الدين حسينى ارموى، طهران، انجمن آثار ملى، 1353ش.
90 - الغدير: الشيخ الأمينى، (المتوفى 1392ق)، 11 مجلد، دار الكتاب العربى، بيروت، الثالثة 1387ق 1967م.
ص: 405
91 - غرر الأخبار: الديلمي، حسن بن محمد، (المتوفى 841ق)، 1 مجلد، دليل ما، ايران، قم 1427ق.
92 - غرر الحكم ودرر الكلم: عبدالواحد بن محمد تميمي آمدي، (المتوفى 550ق)، 1 مجلد، دار الكتاب الاسلامي، قم، الثانية 1410ق.
93 - فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب: علي بن موسى، ابن طاووس، (المتوفى 664ق)، 1 مجلد، مصحح: حامد خفاف، مؤسسه آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1409ق.
94 - فتوح البلدان: احمد بن يحيى بن جابر (البلاذرى)، (المتوفى 279)، تحقيق: صلاح الدين المنجد، مكتبة النهضة المصريّة، القاهرة، 1956م.
95 - فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم: ابن طاووس، علي بن موسى، (المتوفى 664ق)، 1 مجلد، دار الذخائر، قم 1368ق.
96 - الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة: ابن صباغ المالكي، (المتوفى 855ق)، 2 مجلد، دار الحديث للطباعة والنشر، قم، شارع معلم، الأولى 1422ق.
97 - فضائل الأشهر الثلاثة: ابن بابويه، محمد بن علي، (المتوفى 381ق)، 1 مجلد، كتاب فروشى داورى، قم 1396ق.
98 - فضائل الصحابة: احمد بن محمد بن حنبل الشيبانى، (المتوفى 241ق)، 2 مجلد، مؤسسة الرسالة، بيروت، الاولى 1403ق 1983م.
99 - القاموس المحيط: الفيروزآبادي، (المتوفى 817ق)، 4مجلد.
100 - الكامل في التاريخ: ابن الأثير، (المتوفى 630ق)، 12 مجلد، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت، 1386ق - 1966م.
ص: 406
101 - الكامل فى اللغة والأدب: محمد بن يزيد المبرد، (المتوفى 285ق)، محقق: محمد ابوالفضل ابراهيم، 4 مجلد، دار الفكر العربى، قاهرة، الثالثة 1417ق.
102 - كتاب سليم بن قيس: سليم بن قيس الهلالى، (المتوفى 76ق)، مصحح: انصارى زنجانى، محمد خوئينى، 2 مجلد، الهادى، قم، الاولى 1405ق.
103 - كشف الغمّة في معرفة الأئمّة (ط. القديمة)، يوسف: على بن عيسى الاربلي، (المتوفى: 692ق)، مصحّح: سيّد هاشم الرسولي المحلاتي، بني هاشمي، 2 مجلد، تبريز، الأولى 1381ق.
104 - كفاية الأثر في النص على الأئمّة الاثنى عشرعليهم السلام: علي بن محمد، الخزاز الرازي، (المتوفى قرن 4، 1 مجلد، مصحح: عبداللطيف الحسيني الكوهكمري، بيدار، قم، 1401ق.
105 - كنز الفوائد: محمد بن علي الكراجكى، (المتوفى 449ق)، 2 مجلد، مصحح: عبداللَّه نعمه، دار الذخائر، قم، الأولى 1410ق.
106 - لسان العرب: محمّد بن المكرّم، ابن منظور، (المتوفى 711ق)، 15 مجلد، مصحح: جمال الدين، الميردامادي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الثالثة 1414ق.
107 - اللهوف على قتلى الطفوف: ابن طاووس، علي بن موسى، (المتوفى 664ق)، (ترجمه فهرى) 1 مجلد، نشر جهان، طهران.
108 - مثير الأحزان: ابن نما حلي، جعفر بن محمد، (المتوفى 645ق)، 1 مجلد، مدرسة الإمام مهدي عليه السلام، ايران، قم 1406ق.
ص: 407
109 - مجمع الأمثال: الميدانى، (المتوفى 518ق)، 2 مجلد، المعاونية الثقافية للآستانة الرضوية المقدسة، آذر 1366ش.
110 - مجمع البيان فى تفسير القرآن: فضل بن حسن الطبرسى، (المتوفى 548ق)، 10 مجلد، ناصر خسرو، طهران، الثالثة 1372.
111 - المحاسن: احمد بن محمد بن خالد البرقي، (المتوفى 274ق يا 280ق)، 2 مجلد، مصحح: جلال الدين، المحدث، دار الكتب الاسلامية، قم، الثانية 1371ق.
112 - المحجة البيضاء في تهذيب الاحياء: الفيض الكاشاني، (المتوفى 1091ق)، 8 مجلد، تحقيق: علي اكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الثالثة.
113 - مرآة العقول في شرح اخبار آل الرسول: محمّد باقر بن محمد تقى المجلسي، (المتوفى 1110ق)، 26 مجلد، مصحح: السيّد هاشم الرسولي المحلاتي، دار الكتب الاسلامية، طهران، الثانية 1404ق.
114 - مروج الذهب ومعادن الجوهر: المسعودي، (المتوفى 346ق)، منشورات دار الهجره، قم 1404ق - 1363ش - 1984م.
115 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: حسين بن محمد تقي، النوري، (المتوفى 1320ق)، 28 مجلد، مصحح و مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1408ق.
116 - المستطرف في كلّ فن مستظرف: الابشيهي، (المتوفى 850ق)، 2 مجلد، دار ومكتبة الهلال، بيروت.
117 - مسند احمد: أحمد بن حنبل، (المتوفى 241ق)، 6 مجلد، دار صادر، بيروت.
118 - مشكاة الأنوار في غرر الأخبار: على بن حسن طبرسى، (المتوفى 600ق)، 1 مجلد، المكتبة الحيدريّة، النجف الأشرف، الثانية 1385ق - 1344ش.
ص: 408
119 - مصباح الشريعة: منسوب به امام صادق عليه السلام (م 148ق)، الأعلمى، بيروت، الأولى 1400ق.
120 - مصباح الكفعمي (جنة الأمان الواقية): الكفعمي، ابراهيم بن علي العاملي، (المتوفى 905ق)، 1 مجلد، دار الرضي (زاهدي)، قم 1405ق.
121- المصباح المنير: أحمد بن محمّد الفيومي، (المتوفى 770ق)، 2 مجلد، مؤسسة دار الهجرة، قم، الثانية 1414ق.
122 - معارج نهج البلاغة: علي بن زيد البيهقي، (قرن 6)، 1 مجلد، نشر كتابخانه عمومى آية اللَّه مرعشي نجفي، قم، اول 1367ش.
123 - معانى الأخبار: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: على اكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، الأولى، قم 1403ق.
124 - معجم الأدباء: ياقوت الحموى، (المتوفى 626ق)، 20 مجلد، دار الغرب الاسلامى، بيروت، الأولى 1414 ق 1993م.
125 - المغازي: الواقدي، (المتوفى 207ق)، 2 مجلد، نشر دانش اسلامى، رمضان 1405ق.
126 - مفتاح السعادة في شرح نهج البلاغة: السيّد محمّد تقي النقوي القايني الخراساني، معاصر، 7 مجلد، مكتبة المصطفوى، طهران.
127 - مقاتل الطالبيين: ابو الفرج الاصفهانى، (المتوفى 356ق)، تحقيق: سيد أحمد صقر، بيروت، دار المعرفة، بى تا.
128 - الملل والنحل: الشهرستانى، (المتوفى 548)، تحقيق: محمد سيد كيلانى، 2 مجلد، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
ص: 409
129 - المناقب: الموفق الخوارزمى، (المتوفى 568ق)، تحقيق: الشيخ مالك محمودى، مؤسسة سيّد الشهداءعليه السلام، مؤسسة النشر الاسلامى التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة، ربيع الثانى 1414ق.
130 - مناقب آل أبي طالب عليهم السلام: محمّد بن على بن شهر آشوب المازندراني، (المتوفى 588ق)، 4 مجلد، العلّامة، قم، الأولى 1379ش.
131 - مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام: ابن المغازلي، (المتوفى 483ق)، 1 مجلد، دار الآثار، صنعا، الطبعة الأولى 1424ق / 2003م.
132 - المنتخب في كنايات الأدباء: أحمد بن محمّد الجرجاني، (المتوفى 482ق)، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان.
133 - المنتخب من ذيل المذيل: محمّد بن جرير الطبري، (المتوفى 310ق)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان.
134 - من لا يحضره الفقيه: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: علي اكبر الغفارى، 4 مجلد، مؤسسة النشر الإسلامي، الثانية، قم 1413ق.
135 - منهاج البراعة: الميرزا حبيب اللَّه الهاشمي الخوئي، (المتوفى 1324ق)، 22 مجلد، مصحح: علي العاشور، دار احياء التراث العربى للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الأولى 1429ق - 2008 م.
136 - المواعظ العديدة: السيد محمد بن محمد الحسيني العاملي، (قرن 11)، نشر طليعه نور، ايران، قم 1384.
137 - موسوعة اهل البيت عليهم السلام: عاشور علي، نشر دار نظير عبود، بيروت، لبنان.
ص: 410
138 - ميزان الاعتدال: الذهبى، (المتوفى 748ق)، 4 مجلد، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت.
139 - ناسخ التواريخ: محمد تقي سپهر (لسان الملك)، (المتوفى 1297ق / 1259ش).
140 - النهاية في غريب الحديث والأثر: مبارك بن محمد، ابن الأثير الجزري، (المتوفى 606ق)، 5 مجلد، مصحح: محمود محمد الطناحي، اسماعيليان، قم، الرابعة 1367 ش.
141 - نهج البلاغة (فيض الإسلام): حاج سيد علينقى فيض الاسلام، انتشارات فيض الاسلام، چاپ مكرر، چاپخانه احمدى.
142 - وسائل الشيعة: محمد بن حسن، شيخ حر العاملي، (المتوفى 1104ق)، مصحح: مؤسسه آل البيت عليهم السلام، 30 مجلد، الأولى 1409ق.
143 - وقعة صفين: نصر بن مزاحم المنقري، (المتوفى 212ق)، 1 مجلد: مصحح: عبدالسلام محمد، هارون، مكتبة آية اللَّه المرعشى النجفى، الأولى 1404ق.
ص: 411
الخطبة 51 - ومن كلام له عليه السلام لما غلب أصحاب معاوية أصحابه عليه السلام على شريعة الفرات بصفين ومنعوهم الماء
( 5 - 24 )
ومن كلام له عليه السلام: لمّا غلب أصحاب معاوية أصحابه عليه السلام على شريعة الفرات 5
بصفين 16
و منعوهم من الماء 17
قَدِ اسْتَطْعَمُوكُمُ الْقِتَالَ 17
فَأَقِرُّوا عَلَى مَذَلَّةٍ، وَتَأْخِيرِ مَحَلَّةٍ 17
أَوْ رَوُّوا السُّيُوفَ مِنَ الدِّمَاءِ تَرْوَوْا مِنَ الْمَاءِ 17
فَالْمَوْتُ فِي حَيَاتِكُمْ مَقْهُورِينَ، وَالْحَيَاةُ فِي مَوْتِكُمْ قَاهِرِينَ 19
أَلا وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ لُمَةً مِنَ الْغُوَاةِ، وَعَمَسَ عَلَيْهِمُ الْخَبَرَ، حَتَّى جَعَلُوا 23
نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ الْمَنِيَّةِ 23
الخطبة (52) - ومن خطبة له عليه السلام [وقد تقدّم مختارها برواية ونذكرها هنا برواية أخرى لتغاير الروايتين]
( 25 - 47 )
ومنها في ذكر يوم النحر وصفة الأضحية 26
ص: 412
ومن تمام الأضحية استشراف أذنها وسلامة عينها فإذا سلمت الأذن والعين سلمت الأضحية وتمت ولو كانت عضباء القرن تجر رجلها إلى المنسك 26
ومن خطبة له عليه السلام: أَلا وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَصَرَّمَتْ وَآذَنَتْ بِانْقِضَاءٍ وَتَنَكَّرَ مَعْرُوفُهَا وَأَدْبَرَتْ حَذَّاءَ فَهِيَ تَحْفِزُ بِالْفَنَاءِ سُكَّانَهَا 26
وَتَحْدُو بِالْمَوْتِ جِيرَانَهَا 27
وَقَدْ أَمَرَّ مِنْهَا مَا كَانَ حُلْواً 28
وَكَدِرَ مِنْهَا مَا كَانَ صَفْواً 28
فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلّا سَمَلَةٌ كَسَمَلَةِ الإِدَاوَةِ أَوْ جُرْعَةٌ كَجُرْعَةِ الْمَقْلَةِ 29
لَوْ تَمَزَّزَهَا الصَّدْيَانُ لَمْ يَنْقَعْ فَأَزْمِعُوا عِبَادَ اللَّهِ الرَّحِيلَ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ الْمَقْدُورِ عَلَى أَهْلِهَا الزَّوَالُ وَلا يَغْلِبَنَّكُمْ فِيهَا الْأَمَلُ وَلا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمْ فِيهَا الْأَمَدُ 30
فَوَاللَّهِ لَوْ حَنَنْتُمْ حَنِينَ الْوُلَّهِ الْعِجَالِ 31
وَدَعَوْتُمْ بِهَدِيلِ الْحَمَامِ 31
وَجَأَرْتُمْ جُؤَارَ مُتَبَتِّلِي الرُّهْبَانِ وَخَرَجْتُمْ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ الْتِمَاسَ الْقُرْبَةِ إِلَيْهِ فِي ارْتِفَاعِ دَرَجَةٍ عِنْدَهُ أَوْ غُفْرَانِ سَيِّئَةٍ أَحْصَتْهَا كُتُبُهُ وَحَفِظَتْهَا رُسُلُهُ 31
لَكَانَ قَلِيلاً فِيمَا أَرْجُو لَكُمْ مِنْ ثَوَابِهِ وَأَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ عِقَابِهِ 32
وَتَاللَّهِ لَوِ انْمَاثَتْ قُلُوبُكُمُ انْمِيَاثاً وَسَالَتْ عُيُونُكُمْ مِنْ رَغْبَةٍ إِلَيْهِ أَوْ رَهْبَةٍ مِنْهُ دَماً ثُمَّ عُمِّرْتُمْ فِي الدُّنْيَا مَا الدُّنْيَا بَاقِيَةٌ مَا جَزَتْ أَعْمَالُكُمْ عَنْكُمْ وَلَوْ لَمْ تُبْقُوا شَيْئاً مِنْ جُهْدِكُمْ أَنْعُمَهُ عَلَيْكُمُ الْعِظَامَ وَهُدَاهُ إِيَّاكُمْ لِلْإِيمَانِ 33
وَمِنْ تَمَامِ الأُضْحِيَّةِ اسْتِشْرَافُ أُذُنِهَا وَسَلامَةُ عَيْنِهَا فَإِذَا سَلِمَتِ الأُذُنُ 34
وَالْعَيْنُ سَلِمَتِ الأُضْحِيَّةُ وَتَمَّتْ وَلَوْ كَانَتْ عَضْبَاءَ الْقَرْنِ تَجُرُّ رِجْلَهَا إِلَى الْمَنْسَكِ 34
ص: 413
ومنها: في ذكر يوم النحر وصفة الأضحية 34
وَمِنْ تَمَامِ الأُضْحِيَّةِ اسْتِشْرَافُ أُذُنِهَا وَسَلامَةُ عَيْنِهَا 36
فَإِذَا سَلِمَتِ الأُذُنُ وَالْعَيْنُ سَلِمَتِ الأُضْحِيَّةُ 37
وَتَمَّتْ وَلَوْ كَانَتْ عَضْبَاءَ الْقَرْنِ تَجُرُّ رِجْلَهَا إِلَى الْمَنْسَكِ 42
تكملة 43
الخطبة (53) - ومن كلام له عليه السلام في وصف بيعته بالخلافة
( 48 - 52 )
ومن كلام له عليه السلام في وصف بيعته بالخلافة 48
وَقَدْ أَرْسَلَهَا رَاعِيهَا وَخُلِعَتْ مَثَانِيهَا حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُمْ قَاتِلِيَّ أَوْ بَعْضُهُمْ قَاتِلُ بَعْضٍ لَدَيَّ وَقَدْ قَلَّبْتُ هَذَا الْأَمْرَ بَطْنَهُ وَظَهْرَهُ حَتَّى مَنَعَنِي النَّوْمَ فَمَا وَجَدْتُنِي يَسَعُنِي إِلّا قِتَالُهُمْ أَوِ الْجُحُودُ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ9 فَكَانَتْ مُعَالَجَةُ الْقِتَالِ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ مُعَالَجَةِ الْعِقَابِ 49
فَتَدَاكُّوا عَلَيَّ تَدَاكَّ الإِبِلِ الْهِيمِ يَوْمَ وِرْدِهَا وَمَوْتَاتُ الدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ مَوْتَاتِ الْآخِرَةِ 51
الخطبة (54) - ومن كلام له عليه السلام وقد استبطأ أصحابه إذنه لهم في القتال بصفين
( 53 - 64 )
ومن كلام له عليه السلام وقد استبطأ أصحابه إذنه لهم في القتال بصفين 53
أَمَّا قَوْلُكُمْ أَ كُلَّ ذَلِكَ كَرَاهِيَةَ الْمَوْتِ فَوَاللَّهِ مَا أُبَالِي دَخَلْتُ إِلَى الْمَوْتِ أَوْ خَرَجَ 55
الْمَوْتُ إِلَيَّ 55
ص: 414
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ شَكّاً فِي أَهْلِ الشَّامِ فَوَاللَّهِ مَا دَفَعْتُ الْحَرْبَ يَوْماً إِلّا وَأَنَا أَطْمَعُ أَنْ تَلْحَقَ بِي طَائِفَةٌ فَتَهْتَدِيَ بِي 56
وَتَعْشُوَ إِلَى ضَوْئِي 61
وَذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَهَا عَلَى ضَلالِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَبُوءُ بِآثَامِهَا 62
الخطبة (55) - ومن كلام له عليه السلام
( 65 96 )
وَلَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى اللَّه عليه وآله نَقْتُلُ آبَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا وَإِخْوَانَنَا وَأَعْمَامَنَا 72
مَا يَزِيدُنَا ذَلِكَ إِلّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً وَمُضِيّاً عَلَى اللَّقَمِ وَصَبْراً عَلَى مَضَضِ الْأَلَمِ وَجِدّاً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا وَالْآخَرُ مِنْ عَدُوِّنَا يَتَصَاوَلانِ 76
تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ 77
يَتَخَالَسَانِ 77
أَنْفُسَهُمَا أَيُّهُمَا يَسْقِي صَاحِبَهُ كَأْسَ الْمَنُونِ 77
فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا 79
وَمَرَّةً لِعَدُوِّنَا مِنَّا 83
فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ صِدْقَنَا 83
أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ 85
وَأَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصْرَ 85
حَتَّى اسْتَقَرَّ الإِسْلامُ مُلْقِياً جِرَانَهُ وَمُتَبَوِّئاً أَوْطَانَهُ 89
وَلَعَمْرِي لَوْ كُنَّا نَأْتِي مَا أَتَيْتُمْ مَا قَامَ لِلدِّينِ عَمُودٌ وَلا اخْضَرَّ لِلْإِيمَانِ عُودٌ 93
ص: 415
وَايْمُ اللَّهِ لَتَحْتَلِبُنَّهَا دَماً وَلَتُتْبِعُنَّهَا نَدَماً 96
الخطبة (56) - ومن كلام له عليه السلام لأصحابه
( 97 - 139 )
و من كلام له عليه السلام لأصحابه: أَمَّا إِنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي رَجُلٌ 97
رَحْبُ الْبُلْعُومِ 98
مُنْدَحِقُ الْبَطْنِ 99
يَأْكُلُ مَا يَجِدُ 100
وَيَطْلُبُ مَا لا يَجِدُ 101
فَاقْتُلُوهُ وَلَنْ تَقْتُلُوهُ 102
أَلا وَإِنَّهُ سَيَأْمُرُكُمْ بِسَبِّي وَالْبَرَاءَةِ مِنِّي 103
فَأَمَّا السَّبُّ فَسُبُّونِي فَإِنَّهُ لِي زَكَاةٌ وَلَكُمْ نَجَاةٌ 117
وَأَمَّا الْبَرَاءَةُ فَلا تَتَبَرَّءُوا مِنِّي 120
فَإِنِّي وُلِدْتُ عَلَى الْفِطْرَةِ 131
وَسَبَقْتُ إِلَى الإِيمَانِ 132
وَالْهِجْرَةِ 139
الخطبة (57) - ومن كلام له عليه السلام كلّم به الخوارج
( 140 - 150 )
و من كلام له عليه السلام كلم به الخوارج 140
ص: 416
أَصَابَكُمْ حَاصِبٌ 141
وَلا بَقِيَ مِنْكُمْ آبِرٌ 141
أَ بَعْدَ إِيمَانِي بِاللَّهِ وَجِهَادِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلّىّ اللَّه عليه وآله أَشْهَدُ عَلَى نَفْسِي بِالْكُفْرِ لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ 143
فَأُوبُوا شَرَّ مَآبٍ 146
وَارْجِعُوا عَلَى أَثَرِ الْأَعْقَابِ 146
أَمَا إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي ذُلّاً شَامِلاً وَسَيْفاً قَاطِعاً 146
وَأَثَرَةً يَتَّخِذُهَا الظَّالِمُونَ فِيكُمْ سُنَّةً 147
قال الشريف قوله عليه السلام : «ولا بقي منكم آبر» يروى على ثلاثة أوجه أحدها أن يكون كما ذكرناه آبر بالراء من قولهم للذي يأبر النخل أي يصلحه. ويروى آثر وهو الذي يأثر الحديث ويرويه أي يحكيه وهو أصح الوجوه عندي كأنه عليه السلام قال لا بقي منكم مخبر. ويروى آبز بالزاي المعجمة وهو الواثب والهالك أيضا يقال له آبز 150
الخطبة (58) قال عليه السلام لما عزم على حرب الخوارج وقيل له
( 151 - 184 )
إن القوم قد عبروا جسر النهروان 151
لما عزم على حرب الخوارج 151
تكملة في معنى الغلو والتفويض 160
وأمّا التفويض 167
الثاني 170
ص: 417
الثالث 174
الرابع 175
الخامس 177
السادس 177
و قيل له إن القوم عبروا جسر النهروان 178
مَصَارِعُهُمْ 178
دُونَ النُّطْفَةِ 178
وَاللَّهِ لا يُفْلِتُ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ 178
وَلا يَهْلِكُ مِنْكُمْ عَشَرَةٌ 179
الخطبة (59) وقال عليه السلام لما قتل الخوارج فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم
( 185 - 202 )
قال عليه السلام لما قتل الخوارج فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم 185
كَلَّا وَاللَّهِ إِنَّهُمْ نُطَفٌ فِي أَصْلابِ الرِّجَالِ 186
وَقَرَارَاتِ النِّسَاءِ 186
كُلَّمَا نَجَمَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ 186
حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُمْ لُصُوصاً سَلّابِينَ 190
تكملة 190
احداها: المحكمة 190
ص: 418
الثانية: البيهسية 191
الثالثة: الازارقة 191
الرابعه: النجدات 192
الخامسة: الاباضية 193
السادسة: العجاردة 194
السابعة: الثعالبة 196
الخطبة (60): وقال عليه السلام في الخوارج
( 203 - 207 )
وقال عليه السلام في الخوارج: لا تُقْتُلُوا الْخَوَارِجَ بَعْدِي فَلَيْسَ مَنْ طَلَبَ الْحَقَّ فَأَخْطَأَهُ كَمَنْ طَلَبَ الْبَاطِلَ فَأَدْرَكَهُ (يعني معاوية وأصحابه) 203
الخطبة (61): ومن كلام له عليه السلام لمّا خوّف من الغيلة
( 208 - 233 )
ومن كلام له عليه السلام لمّا خوّف من الغيلة 208
وَإِنَّ عَلَيَّ مِنَ اللَّهِ جُنَّةً حَصِينَةً 214
فَإِذَا جَاءَ يَوْمِي انْفَرَجَتْ عَنِّي وَأَسْلَمَتْنِي فَحِينَئِذٍ لا يَطِيشُ السَّهْمُ وَلا يَبْرَأُ الْكَلْمُ 215
تذييل 216
ص: 419
الخطبة (62): ومن خطبة له عليه السلام
( 234 - 245 )
أَلا إِنَّ الدُّنْيَا دَارٌ لا يُسْلَمُ مِنْهَا إِلّا فِيهَا 234
وَلا يُنْجَى بِشَيْ ءٍ كَانَ لَهَا 236
ابْتُلِيَ النَّاسُ بِهَا فِتْنَةً 237
فَمَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لَهَا أُخْرِجُوا مِنْهُ 238
وَحُوسِبُوا عَلَيْهِ 239
وَمَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لِغَيْرِهَا قَدِمُوا عَلَيْهِ وَأَقَامُوا فِيهِ 241
فَإِنَّهَا عِنْدَ ذَوِي الْعُقُولِ كَفَيْ ءِ الظِّلالِ 243
بَيْنَا تَرَاهُ سَابِغاً حَتَّى قَلَصَ وَزَائِداً حَتَّى نَقَصَ 244
الخطبة (63): ومن خطبة له عليه السلام
( 246 - 286 )
فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ 247
وَبَادِرُوا آجَالَكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ 247
وَابْتَاعُوا مَا يَبْقَى لَكُمْ بِمَا يَزُولُ عَنْكُمْ 248
وَتَرَحَّلُوا فَقَدْ جُدَّ بِكُمْ 249
وَاسْتَعِدُّوا لِلْمَوْتِ فَقَدْ أَظَلَّكُمْ 249
وَكُونُوا قَوْماً صِيحَ بِهِمْ فَانْتَبَهُوا 251
وَعَلِمُوا أَنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ لَهُمْ بِدَارٍ فَاسْتَبْدَلُوا 252
ص: 420
فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً وَلَمْ يَتْرُكْكُمْ سُدًى وَمَا بَيْنَ أَحَدِكُمْ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ إِلّا الْمَوْتُ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ 253
وَإِنَّ غَايَةً تَنْقُصُهَا اللَّحْظَةُ وَتَهْدِمُهَا السَّاعَةُ لَجَدِيرَةٌ بِقِصَرِ الْمُدَّةِ وَإِنَّ غَائِباً يَحْدُوهُ الْجَدِيدَانِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ لَحَرِيٌّ بِسُرْعَةِ الْأَوْبَةِ 254
وَإِنَّ قَادِماً يَقْدُمُ بِالْفَوْزِ أَوِ الشِّقْوَةِ لَمُسْتَحِقٌّ لِأَفْضَلِ الْعُدَّةِ 255
فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحْرُزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً فَاتَّقَى عَبْدٌ رَبَّهُ 256
نَصَحَ نَفْسَهُ 259
وَقَدَّمَ تَوْبَتَهُ 259
وقت التوبة 260
صحّة التوبة 261
عدم رجوع العبد إلى العمل الذي تاب عنه ثانياً لأنّه يكون كالمستهزئ باللَّه 264
وَغَلَبَ شَهْوَتَهُ 265
للقوّة الشهويّة (لهذه القوّة) مصاديق كثيرة 265
فَإِنَّ أَجَلَهُ مَسْتُورٌ عَنْهُ 273
وَأَمَلَهُ خَادِعٌ لَهُ 274
وَالشَّيْطَانُ مُوَكَّلٌ بِهِ 275
يُزَيِّنُ لَهُ الْمَعْصِيَةَ لِيَرْكَبَهَا 277
وَيُمَنِّيهِ التَّوْبَةَ لِيُسَوِّفَهَا 281
إِذَا هَجَمَتْ مَنِيَّتُهُ عَلَيْهِ أَغْفَلَ مَا يَكُونُ عَنْهَا 283
فَيَا لَهَا حَسْرَةً عَلَى كُلِّ ذِي غَفْلَةٍ أَنْ يَكُونَ عُمُرُهُ عَلَيْهِ حُجَّةً 284
ص: 421
وَأَنْ تُؤَدِّيَهُ أَيَّامُهُ إِلَى الشِّقْوَةِ 284
نَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ لا تُبْطِرُهُ نِعْمَةٌ 284
وَلا تُقَصِّرُ بِهِ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ غَايَةٌ 285
وَلا تَحُلُّ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ نَدَامَةٌ وَلا كَآبَةٌ 285
الخطبة (64): ومن خطبة له عليه السلام
( 287 - 308 )
الْحَمْدُ للَّهِ ِ الَّذِي لَمْ تَسْبِقْ لَهُ حَالٌ حَالاً فَيَكُونَ أَوَّلاً قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِراً 287
وَيَكُونَ ظَاهِراً قَبْلَ أَنْ يَكُونَ بَاطِناً 288
كُلُّ مُسَمًّى بِالْوَحْدَةِ غَيْرُهُ قَلِيلٌ 290
وَكُلُّ عَزِيزٍ غَيْرُهُ ذَلِيلٌ 292
وَكُلُّ قَوِيٍّ غَيْرُهُ ضَعِيفٌ 293
وَكُلُّ مَالِكٍ غَيْرُهُ مَمْلُوكٌ 294
وَكُلُّ عَالِمٍ غَيْرُهُ مُتَعَلِّمٌ 295
وَكُلُّ قَادِرٍ غَيْرُهُ يَقْدِرُ وَيَعْجَزُ 297
وَكُلُّ سَمِيعٍ غَيْرُهُ يَصَمُّ عَنْ لَطِيفِ الْأَصْوَاتِ وَيُصِمُّهُ كَبِيرُهَا وَيَذْهَبُ عَنْهُ مَا 300
بَعُدَ مِنْهَا 300
وَكُلُّ بَصِيرٍ غَيْرُهُ يَعْمَى عَنْ خَفِيِّ الْأَلْوَانِ وَلَطِيفِ الْأَجْسَامِ 301
وَكُلُّ ظَاهِرٍ غَيْرُهُ بَاطِنٌ وَكُلُّ بَاطِنٍ غَيْرُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ 302
لَمْ يَخْلُقْ مَا خَلَقَهُ لِتَشْدِيدِ سُلْطَانٍ 303
وَلا تَخَوُّفٍ مِنْ عَوَاقِبِ زَمَانٍ 303
ص: 422
وَلا اسْتِعَانَةٍ عَلَى نِدٍّ مُثَاوِرٍ 303
وَلا شَرِيكٍ مُكَاثِرٍ 304
وَلا ضِدٍّ مُنَافِرٍ 304
وَلَكِنْ خَلائِقُ مَرْبُوبُونَ وَعِبَادٌ دَاخِرُونَ 305
لَمْ يَحْلُلْ فِي الْأَشْيَاءِ فَيُقَالَ هُوَ كَائِنٌ وَلَمْ يَنْأَ عَنْهَا فَيُقَالَ هُوَ مِنْهَا بَائِنٌ 305
لَمْ يَؤُدْهُ خَلْقُ مَا ابْتَدَأَ 305
وَلا تَدْبِيرُ مَا ذَرَأَ 306
وَلا وَقَفَ بِهِ عَجْزٌ عَمَّا خَلَقَ 307
وَلا وَلَجَتْ عَلَيْهِ شُبْهَةٌ فِيمَا قَضَى وَقَدَّرَ بَلْ قَضَاءٌ مُتْقَنٌ وَعِلْمٌ مُحْكَمٌ وَأَمْرٌ 307
مُبْرَمٌ 307
الْمَأْمُولُ مَعَ النِّقَمِ الْمَرْهُوبُ مَعَ النِّعَمِ 308
الخطبة (65): ومن كلام له عليه السلام كان يقوله لأصحابه في بعض أيّام صفين
( 309 - 395 )
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ اسْتَشْعِرُوا الْخَشْيَةَ 315
وَتَجَلْبَبُوا السَّكِينَةَ 317
وَعَضُّوا عَلَى النَّوَاجِذِ 318
فَإِنَّهُ أَنْبَى لِلسُّيُوفِ عَنِ الْهَامِ 318
وَأَكْمِلُوا اللّأْمَةَ 318
وَالْحَظُوا الْخَزْرَ 318
وَاطْعُنُوا الشَّزْرَ 319
ص: 423
وَصِلُوا السُّيُوفَ بِالْخُطَا 319
وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ بِعَيْنِ اللَّهِ وَمَعَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّه عَلَيه وَآلِه 321
فَعَاوِدُوا الْكَرَّ وَاسْتَحْيُوا مِنَ الْفَرِّ 322
فَإِنَّهُ عَارٌ فِي الْأَعْقَابِ 323
وَنَارٌ يَوْمَ الْحِسَابِ 324
وَطِيبُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ نَفْساً 325
وَامْشُوا إِلَى الْمَوْتِ مَشْياً سُجُحاً 326
وَعَلَيْكُمْ بِهَذَا السَّوَادِ الْأَعْظَمِ 327
وَالرِّوَاقِ الْمُطَنَّبِ 327
فَاضْرِبُوا ثَبَجَهُ 331
فَإِنَّ الشَّيْطَانَ 331
كَامِنٌ 331
فِي كِسْرِهِ 331
وَقَدْ قَدَّمَ لِلْوَثْبَةِ يَداً وَأَخَّرَ لِلنُّكُوصِ رِجْلاً 332
فَصَمْداً صَمْداً حَتَّى يَنْجَلِيَ لَكُمْ عَمُودُ الْحَقِّ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ 332
تذييل 334
المصادر 396
المحتويات 412
ص: 424
سرشناسه:موسوی آل طیب، سیدمحمدکاظم، 1331-
عنوان قراردادی:نهج البلاغه. شرح
Nhjol-Balaghah. Commantries
عنوان و نام پديدآور:مصباح السعاده فی شرح النهج البلاغه[علی بن ابی طالب(ع)]/ مولف سيدمحمدكاظم الموسوی آل طيب.
مشخصات نشر:قم: . دارالتفسیر، 1440ق.= 1397.
مشخصات ظاهری:8ج
شابک:ج.6 978-964-535-716-8 :
وضعیت فهرست نویسی:فیپا
يادداشت:عربی.
يادداشت:ج.6 (چاپ اول: 1442 ق = 1399) (فیپا).
موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- خطبه ها
موضوع:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- *Public speaking
موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- کلمات قصار
موضوع:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- Quotations
موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق . نهج البلاغه -- نقد و تفسیر
موضوع:Ali ibn Abi-talib, Imam I. Nahjol - Balaghah -- Criticism and interpretation
شناسه افزوده:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق . نهج البلاغه. شرح
شناسه افزوده:Ali ibn Abi-talib, Imam I Commantries.. Nahjol - Balaghah
رده بندی کنگره:BP38/02/م83 1397
رده بندی دیویی:297/9515
شماره کتابشناسی ملی:5402095
اطلاعات رکورد کتابشناسی:فیپا
ص: 1
ص: 2
مصباح السعادة فی شرح نهج البلاغة الجزء السابع
السید محمد کاظم الموسوی ال طیب
ص: 3
ص: 4
بسم الرحمن الرحیم
فَهَلاّ احْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وَصَّى بِأَنْ يُحْسَنَ إِلَى مُحْسِنِهِمْ وَيُتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ؟ قَالُوا: وَمَا فِي هَذَا مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ عليه السلام: لَوْ كَانَت الإِمَارَةُ فِيهِمْ لَمْ تَكُنِ الْوَصِيَّةُ بِهِمْ، ثُمَّ قَالَ عليه السلام: فَمَا ذَا قَالَتْ قُرَيْشٌ؟ قَالُوا:احْتَجَّتْ بِأَنَّهَا شَجَرَةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه و آله فَقَالَ عليه السلام: احْتَجُّوا بِالشَّجَرَةِ وَأَضَاعُوا الثَّمَرَةَ.
وفي خبر مرفوع قال: لمّا رفع أميرالمؤمنين عليه السلام يده من غسل رسول اللّه صلى الله عليه و آله أتته أنباء السقيفة فقال: ما قالت الأنصار - إلخ(1).
عن ابن عفير عن أبي عون، عن عبداللّه بن الرحمن الأنصاري، أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لمّا قبض اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة، فقالوا له: إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قد قبض. فقال لابنه قيس: إنّي لا أستطيع أن أسمع الناس كلاماً لمرضي، ولكن تلقّ منّي قولي
ص: 5
فأسمعهم. فكان سعد يتكلّم، ويحفظ ابنه قوله فيرفع صوته لكي يسمع قومه. فكان ممّا قال بعد أن حمد اللّه وأثنى عليه: يا معشر الأنصار إنّ لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لبث في قومه بضع عشرة سنة يدعوهم إلى عبادة الرحمن، وخلع الأوثان فما آمن به من قومه إلاّ قليل، واللّه ما كانوا يقدرون أن يمنعوا النبيّ صلى الله عليه و آله، ولا يعرّفوا دينه، ولا يدفعوا عن أنفسهم حتّى أراد اللّه تعالى لكم الفضيلة، فساق إليكم الكرامة، وخصّكم بالنعمة، ورزقكم الإيمان به وبرسوله، والمنع له ولأصحابه، والإعزاز لدينه والجهاد لأعدائه. فكنتم أشدّ الناس على من تخلّف عنه منكم، وأثقلهم على عدوّه من غيركم. حتّى استقاموا لأمر اللّه تعالى طوعاً وكرها، وأعطى البعيد المقادة صاغراً داحراً حتّى اثخن اللّه تعالى لنبيّه صلى الله عليه و آله بكم الأرض، ودانت بأسيافكم له العرب.
ثمّ توفّاه اللّه تعالى وهو راض عنكم قرير العين بكم، فشدّوا أيديكم بهذا الأمر.فانّكم أحقّ الناس وأولاهم به. فأجابوه جميعاً أن قد وفّقت في الرأي، وأصبت في القول وكفى بعد ذلك ما رأيت بتوليتك هذا الأمر فأنت مقنع، ولصالح المؤمنين رضى.
فأتى الخبر إلى أبي بكر ففزع أشدّ الفزع وقام ومعه عمر فخرجا مسرعين إلى سقيفة بني ساعدة، فلقيا أبا عبيدة بن الجرّاح، فانطلقوا جميعاً إليها. فأراد عمر أن يبدأ بالكلام، وقال: خشيت أن يقصر أبو بكر عن بعض الكلام، فلمّا تجهّز للكلام قال له أبو بكر: على رسلك فستكفي الكلام. فتشهّد وقال: انّ اللّه تعالى بعث محمّداً بالهدى ودين الحق، فدعا إلى الإسلام، فأخذ اللّه بنواصينا وقلوبنا إلى ما دعا إليه.فكنّا معشر المهاجرين أوّل الناس إسلاماً، والناس لنا فيه تبع ونحن عشيرة النبيّ،
ص: 6
وأوسط العرب أنساباً ليس قبيلة إلاّ ولقريش فيها ولادة وأنتم أيضاً واللّه الّذين آووا ونصروا، وأنتم وزراؤنا في الدين، ووزراء النبيّ وإخواننا في كتاب اللّه، وشركاؤنا في دينه، وفي ما كنّا في سرّاء وضرّاء، واللّه ما كنّا في خير قطّ إلاّ كنتم معنا فيه، فأنتم أحبّ الناس إلينا، وأحقّ الناس أن لا تحسدوا إخوانكم المهاجرين، وأنتم المؤثرون على أنفسهم حين الخصاصة، واللّه ما زلتم تؤثرون إخوانكم من المهاجرين، وأنتم أحقّ الناس ألاّ يكون هذا الأمر واختلافه على أيديكم، وأبعد ألاّ تحسدوا إخوانكم على خير ساقه اللّه تعالى إليهم، وإنّما أدعوكم إلى أبي عبيدة أو عمر، وكلاهما قد رضيته لكم ولهذا الأمر، وكلاهما له أهل، فقال عمر وأبو عبيدة: ما ينبغي لأحد من الناس أن يكون فوقك يا أبا بكر أنت صاحب الغار ثاني اثنين، وأمرك النبيّ بالصلاة، فأنت أحقّ الناس بهذا الأمر.
فقال الأنصار: واللّه ما نحسدكم على خير ساقه اللّه إليكم وانّا كما وصفت، ولا أحد أحبّ إلينا منكم، ولكنّا نشفق ممّا بعد اليوم، ونحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منّا ومنكم. فلو جعلتم اليوم رجلاً منّا، ورجلاً منكم بايعنا ورضينا، على أنّه إذا هلك أحدهما اخترنا مكانه كان ذلك أجدر أن يعدل في أُمّة محمّد، وأن يكون بعضنا يتّبع بعضاً فيشفق القرشي أن يزيغ فيقبض عليه الأنصاريّ ويشفق الأنصاريّ أن يزيغ فيقبض عليه القرشي.
فقال أبو بكر: انّ اللّه بعث محمّداً رسولاً إلى خلقه ليوحّدوه، وهم إذ ذاك يعبدون آلهة شتّى، فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم. فخصّ اللّه تعالى المهاجرين الأوّلين بتصديقه، والصبر معه على الشدّة من قومهم. فلم يستوحشوا من قلّة عددهم، واجتماع قومهم عليهم. فهم أوّل من عبد اللّه في الأرض، وأوّل
ص: 7
من آمن باللّه ورسوله، وهم أولياؤه وعشيرته، وأحقّ الناس بالأمر بعده لا ينازعهم فيه إلاّ ظالم.
فقام الحبّاب بن المنذر فقال: يا معشر الأنصار املكوا على أيديكم. فإنّما الناس في فيئكم وظلالكم ولن يجير مجير على خلافكم، ولن يصدر الناس إلاّ عن رأيكم. أنتم أهل العزّ والثروة، واولو العدد والنجدة، وإنّما ينظر الناس ما تصنعون. فلا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم. أنتم أهل الإيواء، وإليكم كانت الهجرة، ولكم في السابقين الأوّلين مثل ما لهم، وأنتم أصحاب الدار والايمان من قبلهم، واللّه ما عبدوا اللّه علانية إلاّ في بلادكم، ولا جمعت الصلاة إلاّ في مساجدكم ولا دانت العرب للإسلام إلاّ بأسيافكم. فأنتم أعظم الناس نصيباً في هذا الأمر، وإن أبى القوم فمنّا أمير، ومنهم أمير.
فقام عمر فقال: هيهات واللّه لا ترضى العرب أن تؤمّركم ونبيّها من غيركم ولكنّ العرب لا ينبغي أن تولّي هذا الأمر إلاّ من كانت النبوّة فيهم ، واولو الأمر منهم، لنا بذلك على من خالفنا من العرب الحجّة الظاهرة، والسلطان المبين. من ذا ينازعنا سلطان محمّد وميراثه، ونحن أولياؤه وعشيرته إلاّ متعد لباطل أو متجانف لإثم أو متورّط في هلكة.
فقام الحباب بن المنذر، وقال: يا معشر الأنصار املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر. فإن أبوا عليكم ما سألتم، فأجلوهم عن بلادكم، وولّوا عليكم وعليهم من أردتم، فأنتم واللّه أولى بهذا الأمر منهم، فإنّه دان لهذا الأمر من لم يكن يدين بأسلافنا. أما واللّه إن شئتم لنعيدنها جذعة واللّه لا يردّ عليّ أحد ما أقول إلاّ حطمت أنفه بالسيف.
ص: 8
قال عمر: فلمّا كان الحباب هو الّذي تكلّم لم يكن لي معه كلام لأنّه كان بيني وبينه كلام في حياة النبيّ صلى الله عليه و آله فنهاني عنه. فحلفت ألاّ أكلّمه كلمة تسوءه أبداً.
ثمّ قام أبو عبيدة فقال: يا معشر الأنصار أنتم أوّل من نصر وآوى، فلا تكونوا أوّل من يغيّر ويبدّل، وإنّ بشير بن سعد لمّا رأى ما اتّفق عليه قومه من تأمير سعد بن عبادة قام حسداً لسعد - وكان بشير من سادات الخزرج - فقال: يا معشر الخزرج أما واللّه لئن كنّا أولي الفضيلة في جهاد المشركين، والسابقة في الدين ما أردنا غير رضى ربّنا، وطاعة نبيّنا، وما ينبغي أن نستطيل بذلك على الناس وما نبتغي به عرضاً من الدنيا. فإنّ اللّه تعالى وليّ النعمة والمنّة علينا بذلك، ومحمّد رجل من قريش، وقومه أحقّ بميراثه، وتولّى سلطانه، وأيم اللّه لا يراني أنازعهم هذا الأمر أبداً فاتّقوا اللّه، ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم قام أبو بكر على الأنصارودعاهم إلى الجماعة ونهاهم عن الفرقة، وقال إنّي ناصح لكم في أحد هذين الرجلين أبي عبيدة أو عمر فبايعوا من شئتم منهما.
فقال عمر: معاذ اللّه أن يكون ذلك وأنت بين أظهرنا أنت أحقّنا بهذا الأمر، وأقدمنا صحبة، وأفضل المهاجرين، وثاني اثنين، وخليفته على الصلاة والصلاة أفضل دين الإسلام، فمن ذا ينبغي أن يتقدّمك ويتولّى هذا الأمر عليك؟ ابسط يدك أبايعك. فلمّا ذهبا يبايعانه سبقهما إليه بشير الأنصاريّ فبايعه. فناداه الحباب بن المنذر: يا بشير بن سعد عققت عقاق ما اضطرك إلى ما صنعت حسدت ابن عمّك على الإمارة؟ قال: لا. ولكنّي كرهت أن أنازع قوماً حقا لهم. فلمّا رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد وهو من سادات الخزرج وماتطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة، قال بعضهم لبعض - وفيهم أسيد بن حضير - لئن ولّيتموها سعداً عليكم مرّة
ص: 9
واحدة لا زالت لهم بذلك عليكم الفضيلة، ولا جعلوا لكم نصيباً فيها أبداً. فقوموا فبايعوا أبا بكر، فقاموا إليه فبايعوه.
فقام الحباب بن المنذر إلى سيفه فأخذه، فبادروا إليه فأخذوا سيفه منه، فجعل يضرب بثوبه، وجوههم حتّى فرغوا من البيعة. فقال: فعلتموها يا معشر الأنصار أما واللّه لكأنّي بأبنائكم على أبواب أبنائهم قد وقفوا يسألونهم بأكفّهم ولا يسقون الماء.
قال أبو بكر: أمنّا تخاف يا حبّاب؟ قال: ليس منك أخاف، ولكنّ ممّن يجيء بعدك. قال أبو بكر: فإذا كان كذلك فالأمر إليك، وإلى أصحابك ليس لنا عليكم طاعة.
قال الحباب: هيهات إذا ذهبت أنا وأنت جاءنا بعدك من يسومنا الضيم.
فقال سعد بن عبادة: أما واللّه لو أنّ بي ما أقدر به على النهوض لسمعتم منّي في أقطارها زئيرا يخرجك يا أبا بكر وأصحابك، ولالحقنّك بقوم كنت فيهم تابعاً غير متبوع خاملاً غير عزيز، فبايعه الناس جميعاً حتّى كادوا يطئون سعداً فقال سعد: قتلتموني فقيل اقتلوه قتله اللّه.
فقال سعد: احملوني من هذا المكان. فحملوه حتّى أدخلوه داره، وترك أيّاماً. ثمّ بعث إليه أبو بكر أن أقبل فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك. فقال: أما واللّه حتّى أرميكم بكلّ سهم في كنانتي، وأخضب منكم سناني ورمحي، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي، وأقاتلكم بمن معي من أهلي وعشيرتي، ولا واللّه لو أنّ الجنّ اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتّى اعرض على ربّي وأعلم حسابي. فلمّا أتي بذلك أبو بكر من قوله قال عمر : لا تدعه حتّى يبايعك.
ص: 10
فقال لهم بشير بن سعد: إنّه قد لجّ وأبى، وليس يبايعك حتّى يقتل وليس بمقتول حتّى يقتل معه ولده وأهل بيته وعشيرته، ولن تقتلوهم حتّى تقتلوا الخزرج ولن تقتلوا الخزرج حتّى تقتلوا الأوس، فلا تفسدوا على أنفسكم أمراً قد استقام لكم فاتركوه وليس تركه بضارّكم، وإنّما هو رجل واحد فتركوه وقبلوا مشورة بشير واستنصحوه لما بدا لهم منه فكان سعد لا يصلّي بصلاتهم، ولا يجمّع بجمعتهم، ولا يفيض بإفاضتهم، ولو يجد عليهم أعواناً لصال بهم، ولو يبايعه أحد على قتالهم لقاتلهم، فلم يزل كذلك حتّى توفّي أبو بكر وولي عمر، فخرج سعد إلى الشام فمات بها ولم يبايع لأحد(1).
ورواه الطبري عن أبي مخنف، وفيه، فقال ناس من أصحاب سعد: اتّقوا سعداً لا تطئوه فقال عمر: اقتلوه قتله اللّه. ثمّ قام على رأسه فقال: لقد هممت أن أطأك حتّى تندر عضوك. فأخذ سعد بلحية عمر فقال عمر: واللّه لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة. فقال أبو بكر لعمر: مهلا يا عمر. الرفق هنا أبلغ، فأعرض عنه عمر(2).
وقال الكلبي: بعث عمر رجلاً إلى الشام، وقال له: ادع سعداً إلى البيعة، واحمل له بكلّ ما قدرت عليه. فإن أبى فاستعن اللّه عليه.
فقدم الرجل الشام. فلقي سعداً بحوران(3) في حائط. فدعاه إلى البيعة فقال: لا أبايع قريشاً أبداً. قال: فإنّي اقاتلك. قال: وإن قاتلتني. قال: أفخارج أنت عمّا
ص: 11
دخلت فيه الامّة. قال: أمّا من البيعة فانا فخارج، فرماه بسهم فقتله(1).
ومات سعد بحوران فجأة لسنة من خلافة عمر، ويقال: إنّه امتنع من البيعة لأبي بكر. فوجّه إليه رجلاً ليأخذ عليه البيعة، وهو بحوران. فأباها. فرماه فقتله، وفيه يروي هذا الشعر الذي ينتحله الجن.
قتلنا سيّد الخزرج سعد بن عبادة *** ورميناه بسهمين فلم نخط فؤاده(2)
وفي (سقيفة الجوهري) قال الراوي: وكثر الناس على أبي بكر، فبايعه معظم المسلمين في ذلك اليوم، واجتمعت بنو هاشم إلى بيت عليّ بن أبي طالب، ومعهم الزبير، وكان يعد نفسه رجلاً من بني هاشم، كان علي يقول: ما زال الزبير منّا أهل البيت حتّى نشأ بنوه فصرفوه عنّا.
واجتمعت بنو اميّة إلى عثمان بن عفّان، واجتمعت بنو زهرة إلى سعد وعبدالرحمن فأقبل عمر إليهم وأبو عبيدة فقال: ما لي أراكم ملتاثين. قوموا فبايعوا أبا بكر، فقد بايع له الناس، وبايعه الأنصار. فقام عثمان ومن معه، وقام سعد وعبدالرحمن ومن معهما فبايعوا أبا بكر.
وذهب عمر ومعه عصابة إلى بيت فاطمة منهم اسيد بن حضير وسلمة بن أسلم، فقال لهم: انطلقوا فبايعوا، فأبوا عليه، وخرج إليهم الزبير بسيفه، فقال عمر: عليكم الكلب، فوثب عليه سلمة بن أسلم، فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار، ثمّ انطلقوا به وبعليّ ومعه بنو هاشم، وعليّ يقول: أنا عبد اللّه وأخو رسول اللّه صلى الله عليه و آله، حتّى انتهوا به إلى أبي بكر، فقيل له:
بايع فقال: أنا أحقّ بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم
ص: 12
هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول اللّه، فأعطوكم المقادة، وسلّموا إليكم الامارة، وأنا احتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، فانصفونا إن كنتم تخافون اللّه من أنفسكم، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم، وإلاّ فبؤوا بالظلم وأنتم تعلمون.
فقال عمر: إنّك لست متروكاً حتّى تبايع، فقال له عليّ: احلب يا عمر حلباً لك شطره، اشدد له اليوم أمره ليردّ عليك غداً، ألا واللّه لا أقبل قولك ولا أبايعه، فقال له أبو بكر: فان لم تبايعني لم أكرهك، فقال له أبو عبيدة: يا أبا الحسن، انك حديث السن، وهؤلاء مشيخة قريش قومك، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور، ولا أرى أبا بكر الا أقوى على هذا الأمر منك، واشد احتمالاً له، واضطلاعاً به، فسلّم له الأمر وارض به، فانّك إن تعش ويطل عمرك فأنت لهذا الأمر خليق وبه حقيق في فضلك وقرابتك وسابقتك وجهادك.
فقال عليّ: يا معشر المهاجرين، اللّه اللّه، لا تخرجوا سلطان محمّد عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه، فو اللّه يا معشر المهاجرين لنحن - أهل البيت - أحق بهذا الأمر منكم، أما كان منّا القارئ لكتاب اللّه، الفقيه في دين اللّه، العالم بالسنّة، المضطلع بأمر الرعية، واللّه إنه لفينا، فلا تتّبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعدا.
قال بشير بن سعد: لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا عليّ قبل بيعتهم لأبي بكر، ما اختلف عليك اثنان، ولكنّهم قد بايعوا.
وانصرف عليّ إلى منزله، ولم يبايع، ولزم بيته حتّى ماتت فاطمة فبايع(1).
ص: 13
وقال ابن أبي الحديد: سئل شيعي بأنّه لم سكت علي عليه السلام عن المطالبة بحقّه فقال: خاف أن تقتله الجنّ معرّضا بقصّة سعد انّ الجنّ قتلته لأنّه لم يبايع(1).
وقال العلاّمة الاميني رحمه الله: ثمّ لم يجمعهم مع القوم إلاّ الترعيد والترعيب ومحاشد الرجال وبروق الصوارم وكان من حشدهم اللهام رجال من الجنّ رموا سعد بن عبادة أمير الخزرج(2).
جاء رجل إلى عمر فقال له: هل لك في فلان يقول لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً فغضب عمر قال ابن عبّاس فقدمنا المدينة فجلس عمر على المنبر فلمّا سكت المؤذّنون قام - إلى أن قال: - ثمّ إنّه بلغني ان قائلاً منكم يقول واللّه لو مات عمر بايعت فلاناً فلا يغترنّ امرؤ أن يقول إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت الا وانّها قد كانت كذلك ولكنّ اللّه وقى شرّها وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر من بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا وانّه قد كان من خبرنا حين توفّي اللّه نبيّه صلى الله عليه و آله انّ الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف عنا علي والزبير ومن معهما واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت لأبي بكر يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار فانطلقنا نريدهم فلمّا دنونا منهم لقينا رجلان منهم فقالا أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار فقالا لا؛ عليكم أن لا تقربوهم اقضوا أمركم فقلت واللّه لنأتينّهم فانطلقنا حتّى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم فقلت من هذا؟ قالوا: هذا سعد بن
ص: 14
عبادة فقلت: ما له؟ قالوا: يوعك، فلمّا جلسنا قليلاً تشهد خطيبهم - إلى أن قال: - فلمّا سكت أردت أن أتكلّم وكنت زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر فلمّا أردت أن أتكلّم قال أبو بكر على رسلك فكرهت أن أغضبه فتكلّم أبو بكر فكان هو أحلم منّي وأوقر واللّه ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري الا قال في بديهته مثلها أو أفضل حتّى سكت فقال ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري الا قال في بديهته مثلها أو أفضل حتّى سكت فقال ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ولم يعرف هذا الأمر إلاّ لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسباً وداراً وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيّهما شئتم فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجرّاح وهو جالس بيننا فقال قائل الأنصار: منّا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتّى فرقت من الاختلاف فقلت ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثمّ بايعته الأنصار ثمّ قال عمر وأنا واللّه ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر خشينا ان فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلاً منهم بعدنا فإمّا بايعناهم على ما لا نرضى وإمّا نخالفهم فيكون فساد فمن بايع رجلاً على غير مشورة من المسلمين فلا تبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا(1).
قد عرفت انّ هذا كان قول الحباب بن المنذر الأنصاري، وغيره من الأنصار بعد تكلّم أبي بكر بأنّهم من قريش، وقريش قوم النبيّ فهم أحقّ فقالت الأنصار: لو
ص: 15
جعلتم اليوم رجلاً منّا، ورجلاً منكم كان ذلك أجدر أن يعدل في أمّة محمّد صلى الله عليه و آله(1).
وفي الطبري - بعد ذكر تكلّم سعد بن عبادة للأنصار وقولهم له - : «نولّيك هذا الأمر فانّك فينا مقنع ولصالح المؤمنين» ثمّ انّهم ترادّوا الكلام بينهم فقالوا: فان أبت مهاجرة قريش فقالوا: نحن المهاجرون وصحابة النبي الأوّلون وعشيرته وأولياؤه فعلام تنازعوننا هذا الأمر بعده فقالت طائفة منهم: فانّا نقول «إذن منّا أمير ومنكم أمير، ولن نرضى بدون هذا الأمر أبداً» فقال سعد بن عبادة حين سمعها، هذا أوّل الوهن(2).
عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبيّ صلى الله عليه و آله: «إنّ عيبتي التي آوي إليها أهل بيتي، وإنّ الأنصار كرشي، فاعفوا عن مسيئهم وأقبلوا من محسنهم(3).
عن أنس بن مالك قال: مرّ أبو بكر والعبّاس بمجلس من الأنصار في مرض رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهم يبكون، فقالا: ما يبكيكم؟ قال: ذكرنا محاسن رسول اللّه صلى الله عليه و آله
فدخلا على النبيّ وأخبراه بذلك فخرج وقد عصب على رأسه حاشية برده، فصعد المنبر ولم يصعده بعد ذلك اليوم فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال: اوصيكم بالانصار فانّهم كرشي(4) وعيبتي وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم(5).
ص: 16
وخطب الحجّاج أهل الكوفة فقال: يا أهل العراق إنّي أردت الحج، وقد استخلفت عليكم محمّداً (ولدي) وما كنتم له بأهل، وأوصيته فيكم بخلاف ما أوصى به النبي صلى الله عليه و آله في الأنصار، فإنّه أوصى فيهم أن يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم وأنا أوصيته أن لا يقبل من محسنكم ولا يتجاوز عن مسيئكم، ألا وإنّكم قائلون بعدي مقالة لا يمنعكم من إظهارها إلاّ خوفي، تقولون: لا أحسن اللّه له الصحابة، وإنّي اعجّل الجواب. فلا أحسن اللّه عليكم الخلافة ثمّ نزل(1).
وفي السير: إنّ المنصور لمّا وجّه موسى بن عيسى بمحاربة محمّد بن عبداللّه الحسني بالمدينة قال له: فإذا ظفرت به، فلا تخيفنّ أهل المدينة، وعمّهم بالعفو، فانّهم الأصل والعشيرة، وجيران قبر النبي، فهذه وصيّتي إيّاك لا كما أوصى يزيد بن معاوية، مسلم بن عقبة حين وجّهه إلى المدينة، فأمره أن يقتل من ظفر به إلى ثنية الوداع، وأن يبحها ثلاثة أيّام، ففعل، فلمّا بلغ يزيد ما فعل تمثّل بقول ابن الزبعري في يوم أُحد حين قال:
ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الأسل(2)
ثمّ الغريب أنّ أبا بكر وعمر وأبا عبيدة ومن ساعدهم من الأنصار لأغراض شخصيّة كبشير بن سعد الخزرجي، وأسيد بن حضير الأوسي وقد كان النبيّ صلى الله عليه و آله أمر بإخراجهما مع الثلاثة في جيش أُسامة، ولعن المتخلّف عنه كما رواه الجوهري(3)، والشهرستاني في الملل(4)، وكان قومهما استنكفوا من فعلهما فتزعم
ص: 17
الأوس أنّ أوّل من بايع أبا بكر بشير الخزرجي، وتزعم الخزرج أنّ أوّل من بايعه أسيد الأوسي كما صرّح بذلك محمّد بن إسحاق صاحب المغازي(1) فنسب كلّ منهما السبقة في بيعة أبي بكر إلى خصمه اطنبوا في الاتيان بحجّة في قبال الأنصار. فليأتوا بطائل، ولم يستطيعوا الاتيان بهذه الحجّة المختصرة التي بيّنها أميرالمؤمنين عليه السلام من وصيّة النبيّ صلى الله عليه و آله بهم فانّها جملة قصيرة تحسم مادّة شغبهم.
ولقد أراد عمرو بن العاص مع دهائه ردّ الأنصار فقال: «إن كانوا سمعوا قول النبيّ: الأئمّة من قريش ثمّ ادّعوها لقد هلكوا وأهلكوا، وإن كانوا لم يسمعوها فما هم كالمهاجرين» فأجابه النعمان بن عجلان الأنصاري بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله إن كان قال: «إنّ الأئمّة من قريش» فقد قال أيضاً: «لو سلك الناس شعبا، وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار» واللّه ما أخرجناكم من الأمر إذ قلنا: منّا أمير ومنكم أمير(2).
وكيف كانوا يقدرون على الاتيان بمثلها حجّة قاطعة، ولم يفهموا وجه دلالتها حتّى بيّنها عليه السلام لهم، وأين اولئك الأغبياء عن مقام الخلافة الالهيّة.
ولا تستوحش من تسميتهم الأغبياء، ولم يكن أبو بكر متفطناً لمفاسد تصدّيه لهذا الأمر حتّى بيّن الحباب بن المنذر بعضها الراجع إلى عشيرته.
فقال لهم بعد بيعتهم لأبي بكر: فعلتموها يا معشر الأنصار أما واللّه لكأنّي بأبنائكم على أبواب أبنائهم قد وقفوا يسألونهم بأكفّهم، ولا يسقون الماء، ولم يذكر الحباب مفاسده في الدين بصيرورة بني أميّة الشجرة الملعونة لاعبين بالدين،
ص: 18
فقال لحباب أمنّا تخاف، كما لم يتفطّن بأنّ عمله يصير سبباً قهريّاً لتسلّط أعداء النبيّ صلى الله عليه و آله على أُمّته واضمحلالهم لشريعته، واستيصالهم لعترته، وانتقامهم من أنصاره كما مرّ من قول يزيد، فيقول لحباب «إذا كان كذلك، فالأمر إليك، وإلى أصحابك» حتّى نبّهه الحباب بأنّه أمر محال(1).
ومثله في عدم فهم المراد ما في (العقد) أنّ رسولاً من اليمامة ورد على الحجّاج، فقال له: هل وراءك من غيث؟ قال: نعم سمعت الروّاد يدعون إلى الماء، وسمعت قائلاً يقول: هلمّ ظعنكم إلى محلّة تطفأ فيها النيران، وتشتكي فيها النساء، وتنافس فيها المعزى.
قال الشعبي: فلم يدر الحجّاج ما قال، فقال له: تبّاً لك إنّما تحدّث أهل الشام؟ فأفهمهم، قال: أصلح اللّه الأمير اخصب الناس، فكثر التمر والسمن والزبد واللبن، فلا توقد نار يختبز بها وأمّا تشكّي النساء فإنّ المرأة تظل تربق بهمها وتمخض لبنها فتبيت ولها أنين من عضدها، وأمّا تنافس المعزى، فانّها ترى من أنواع الثمر والشجر ونور النبات ما يشبع بطونها ولا يشبع عيونها فتبيت وقد امتلأت أكراشها، ولها من الكظّة جرّة، فتبقى الجرّة حتّى تستنزل الدرة(2).
بل كان يوصيهم في سائر الناس قالوا كما في (العقد): كان عمرو بن سعيد
ص: 19
الأشدق خلّفه أبوه غلاماً فدخل على معاوية فقال له: إلى من أوصى بك أبوك؟ قال: انّ أبي أوصى إليّ ولم يوص بي. فقال له: وبم أوصى إليك، قال: أن لا يفقد إخوانه منه إلاّ وجهه.
وقال زياد بن ظبيان لابنه عبيداللّه: ألا أوصي بك الأمير زياداً؟ قال: يا أبه إذا لم يكن للحيّ إلاّ وصيّة الميّت، فالحي هو الميّت(1).
وقال الشاعر:
إنّي إذا ما القوم كانوا انجيه *** واضطرب القوم اضطرب الأرشية
هناك أوصيني ولا توصي بيه(2)
مع انّ المقصود الأصلي من الشجرة هو الثمرة.
وقال العبّاس: - لما أتاه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة باشارة المغيرة عليهم أن يذهبوا إليه ، ويجعلوا له نصيباً في الأمر حتّى يحطّ من قدر أميرالمؤمنين عليه السلام - لأبي بكر في جوابه : «وأمّا قولك إنّ النبيّ منّا ومنكم، فإنّه كان من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها»(3).
وقد وقع مثل ذلك التشبيه في قوله سبحانه: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ
ص: 20
رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّه ُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»(1).
عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قول اللّه: «مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ» الآية قال: الشجرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله أصلها نسبه ثابت في بني هاشم وفرع الشجرة عليّ بن أبي طالب عليه السلام وغصن الشجرة فاطمة عليهاالسلام وثمرتها الأئمّة من ولد عليّ وفاطمة عليهماالسلام وشيعتهم ورقها وإنّ المؤمن من شيعتنا ليموت فتسقط من الشجرة ورقة وإنّ المؤمن ليولد فتورق الشجرة ورقة قلت: أرأيت قوله: «تُؤتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا»(2) قال: يعني بذلك ما يفتون به الأئمّة شيعتهم في كلّ حجّ وعمرة من الحلال والحرام(3).
عن سلام بن المستنير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول اللّه تعالى: «كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا» فقال: الشجرة رسول اللّه نسبه ثابت في بني هاشم وفرع الشجرة عليّ وعنصر الشجرة فاطمة عليهاالسلام وأغصانها الأئمّة وورقها الشيعة وإنّ الرجل منهم ليموت فتسقط منها ورقة وإنّ المولود منهم ليولد فتورق الشجرة ورقة قال: قلت له: جعلت فداك قوله تعالى: «تُؤتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا»(4) قال: هو ما يخرج من الإمام من الحلال والحرام في كلّ سنة إلى شيعته(5).
وعن عمرو بن حريث قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه: «كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ
ص: 21
أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ»(1) قال: فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله أصلها وأميرالمؤمنين عليه السلام فرعها والأئمّة من ذريّتهما أغصانها وعلم الأئمّة ثمرتها وشيعتهم المؤمنون ورقها هل فيها فضل(2).
قال: قلت: لا واللّه قال: واللّه إن المؤمن ليولد فتورق ورقة فيها وإن المؤمن ليموت فتسقط ورقة منها(3).
وعن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قول اللّه تعالى: «كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا» فقال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: أنا أصلها وعليّ فرعها والائمّة أغصانها وعلمنا ثمرها وشيعتنا ورقها يا أبا حمزة هل ترى فيها فضلاً؟ قال: قلت: لا واللّه؛ لا أرى فيها قال: فقال: يا أبا حمزة واللّه إنّ المولود ليولد من شيعتنا فتورق ورقة منها ويموت فتسقط ورقة منها(4).
عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ: «كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ» قال: النبيّ والأئمّة هم الأصل الثابت والفرع الولاية لمن
ص: 22
دخل فيها(1).
وعن جابر الجعفي قال: سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ: «كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا» قال: أمّا الشجرة فرسول اللّه صلى الله عليه و آله وفرعها عليّ عليه السلام وغصن الشجرة فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وثمرها أولادها عليهم السلام وورقها شيعتنا الحديث(2).
وعن عمر بن سالم صاحب السابري قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن هذه الآية أصلها ثابت وفرعها في السماء قال: أصلها رسول اللّه صلى الله عليه و آله وفرعها أميرالمؤمنين عليه السلام والحسن والحسين عليهماالسلام ثمرها وتسعة من ولد الحسين عليهم السلام أغصانها والشيعة ورقها الحديث(3).
وعن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلام في قول اللّه: «ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ» قال: يعني النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة من بعده هم الأصل الثابت والفرع الولاية لمن دخل فيها(4).
قال الراوي: قال: وبايع جماعة الأنصار ومن حضر من غيرهم، وعلي بن أبي طالب مشغول بجهاز رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلما فرغ من ذلك وصلى على النبي صلى الله عليه و آله والناس يصلون عليه من بايع أبا بكر ومن لم يبايع جلس في المسجد فاجتمع عليه بنو هاشم ومعهم الزبير بن العوام واجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان وبنوزهرة إلى عبد الرحمن بن عوف فكانوا في المسجد كلهم مجتمعين إذ أقبل أبو بكر
ص: 23
ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح فقالوا: ما لنا نراكم حلقا شتى؟ قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته الأنصار والناس فقام عثمان وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما فبايعوا وانصرف علي وبنو هاشم إلى منزل علي عليه السلام ومعهم الزبير قال: فذهب إليهم عمر في جماعة ممّن بايع فيهم أسيد بن حصين وسلمة بن سلامة فألفوهم مجتمعين فقالوا لهم: بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس فوثب الزبير إلى سيفه فقال عمر: عليكم بالكلب العقور فاكفونا شره فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده فأخذه عمر فضرب به الأرض فكسره وأحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم ومضوا بجماعتهم إلى أبي بكر فلما حضروا قالوا: بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس وايم اللّه لئن أبيتم ذلك لنحاكمنكم بالسيف فلمّا رأى ذلك بنو هاشم أقبل رجل فجعل يبايع حتّى لم يبق ممّن حضر إلا علي بن أبي طالب فقالوا له: بايع أبا بكر فقال علي عليه السلام: أنا أحق بهذا الأمر منه وأنتم أولى بالبيعة لي أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من الرسول وتأخذونه منا أهل البيت غصبا ألستم زعمتم للأنصار أنّكم أولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأعطوكم المقادة وسلموا لكم الإمارة وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار أنا أولى برسول اللّه حيا وميتا وأنا وصيه ووزيره ومستودع سره وعلمه وأنا الصديق الأكبر والفاروق الأعظم أول من آمن به وصدقه وأحسنكم بلاء في جهاد المشركين وأعرفكم بالكتاب والسنة وأفقهكم في الدين وأعلمكم بعواقب الأمور وأذربكم لسانا(1) وأثبتكم جنانا فعلام تنازعونا هذا الأمر أنصفونا إن كنتم تخافون اللّه من أنفسكم وأعرفوا لنا الأمر مثل ما عرفته لكم الأنصار وإلاّ فبوءوا
ص: 24
بالظلم والعدوان وأنتم تعلمون.
فقال عمر: يا علي أما لك بأهل بيتك أسوة؟
فقال علي عليه السلام: سلوهم عن ذلك فابتدر القوم الذين بايعوا من بني هاشم فقالوا: واللّه ما بيعتنا لكم بحجّة على علي ومعاذ اللّه أن نقول إنا نوازيه في الهجرة وحسن الجهاد والمحل من رسول اللّه صلى الله عليه و آله.
فقال عمر: إنك لست متروكا حتى تبايع طوعا أو كرها.
فقال علي عليه السلام: احلب حلبا لك شطره اشدد له اليوم ليرد عليك غدا إذا واللّه لا أقبل قولك ولا أحفل بمقامك ولا أبايع.
فقال أبو بكر: مهلا يا أبا الحسن ما نشك فيك ولا نكرهك.
فقام أبو عبيدة إلى علي عليه السلام فقال: يا ابن عم لسنا ندفع قرابتك ولا سابقتك ولا علمك ولا نصرتك ولكنّك حدث السن - وكان لعلي عليه السلام يومئذ ثلاث وثلاثون سنة وأبو بكر شيخ من مشايخ قومك - وهو أحمل لثقل هذا الأمر وقد مضى الأمر بما فيه فسلم له فإن عمرك اللّه يسلموا هذا الأمر إليك ولا يختلف فيك اثنان بعد هذا إلا وأنت به خليق وله حقيق ولا تبعث الفتنة في أوان الفتنة فقد عرفت ما في قلوب العرب وغيرهم عليك.
فقال أميرالمؤنين عليه السلام: يا معاشر المهاجرين والأنصار اللّه اللّه لا تنسوا عهد نبيكم إليكم في أمري ولا تخرجوا سلطان محمّد من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم ولا تدفعوا أهله عن حقّه ومقامه في الناس فو اللّه معاشر الجمع إن اللّه قضى وحكم ونبيه أعلم وأنتم تعلمون بأنّا أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم أما كان القارئ منكم لكتاب اللّه، الفقيه في دين اللّه، المضطلع بأمر الرعية؟ واللّه إنه لفينا لا
ص: 25
فيكم فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعدا وتفسدوا قديمكم بشر من حديثكم.فقال بشير بن سعد الأنصاري الذي وطأ الأرض لأبي بكر وقالت جماعة من الأنصار: يا أبا الحسن لو كان هذا الأمر سمعته منك الأنصار قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلف فيك اثنان.
فقال علي عليه السلام: يا هؤاء كنت أدع رسول اللّه مسجى لا أواريه وأخرج أنازع في سلطانه واللّه ما خفت أحدا يسمو له وينازعنا أهل البيت فيه ويستحل ما استحللتموه ولا علمت أن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ترك يوم غدير خم لأحد حجّة ولا لقائل مقالا فأنشد اللّه رجلا سمع النبي يوم غدير خم يقول: من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله أن يشهد الآن بما سمع.
قال زيد بن أرقم فشهد اثنا عشر رجلا بدريا بذلك وكنت ممّن سمع القول من رسول اللّه صلى الله عليه و آله فكتمت الشهادة يومئذ فدعا علي علي فذهب بصري.
قال وكثر الكلام في هذا المعنى وارتفع الصوت وخشي عمر أن يصغي الناس إلى قول علي عليه السلام ففسح المجلس وقال: إن اللّه يقلب القلوب ولا تزال يا أبا الحسن ترغب عن قول الجماعة فانصرفوا يومهم ذلك(1).
وعن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبداللّه جعفر بن محمّد الصادق: جعلت فداك هل كان أحد في أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنكر على أبي بكر فعله وجلوسه مجلس رسول اللّه صلى الله عليه و آله؟ قال: نعم كان الذي أنكر على أبي بكر اثنا عشر رجلاً، من المهاجرين خالد بن سعيد بن العاص وكان من بني أميّة وسلمان الفارسي وأبو ذرّ
ص: 26
الغفاري والمقداد بن الأسود وعمّار بن ياسر وبريدة الأسلمي ومن الأنصار أبو الهيثم بن التيهان وسهل وعثمان ابنا حنيف وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبي بن كعب وأبو أيّوب الأنصاري(1).
ص: 27
بسم الله الرحمن الرحیم
وَقَدْ أَرَدْتُ تَوْلِيَةَ مِصْرَ هَاشِمَ بْنَ عُتْبَةَ وَلَوْ وَلَّيْتُهُ إِيَّاهَا لَمَّا خَلَّى لَهُمُ الْعَرْصَةَ وَلا أَنْهَزَهُمُ الْفُرْصَةَ بِلا ذَمٍّ لِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَلَقَدْ كَانَ إِلَيَّ حَبِيباً وَكَانَ لِي رَبِيباً.
هو محمّد بن عبداللّه بن عثمان، وهو محمّد بن أبي بكر بن أبي قحافة، وأُمّه أسماء بنت عميس، ولد في حجّة الوداع (سنة 10 ه) بذي الحليفة، في وقت كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد تهيّأ مع جميع أصحابه لأداء حجّة الوداع(1).
قال في الاستيعاب: محمّد بن أبي بكر، أُمّه أسماء بنت عميس الخثعميّة، ولد عام حجّة الوداع في عقب ذي القعدة بذي الحليفة أو بالشجرة في حين توجّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى حجّته، ذكر الواقدي، قال: حدّثنا عمر بن أبي عاتكة، عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه أنّ عائشة سمّت محمّد بن أبي بكر وكنّته أبا القاسم ثمّ نقل عن ابن عمير الليثي: ان محمّد بن أبي بكر قد سمّي ابنه القاسم، فكان يكنّى بأبي القاسم، ثمّ كان في حجر عليّ بن أبي طالب، إذ تزوّج أُمّه أسماء بنت عميس،
ص: 28
وكان على الرجّالة يوم الجمل، وشهد معه صفّين، ثمّ ولاّه مصر، فقتل بها، قتله معاوية بن خديج صبراً، وذلك في سنة ثمان وثلاثين.
وقيل: قتله معاوية بن خديج في المعركة، ثمّ أحرق في جوف الحمار بعد ويقال: إنّه أتى به عمرو بن العاص فقتله صبراً.
وكان عليّ بن أبي طالب يثنى على محمّد بن أبي بكر ويفضّله، لأنّه كانت له عبادة واجتهاد، وكان ممّن حضر قتل عثمان. وقيل: إنّه شارك في دمه، وقد نفى جماعة من أهل العلم والخبر أنّه شارك في دمه إلى آخر ما قال(1).
عن الكلبي أنّ محمّد بن حذيفة هو الذي حرّض المصريين على قتل عثمان وندبهم إليه، وكان حينئذٍ بمصر، فلمّا ساروا إلى عثمان وحصروه وثب هو بمصر على عامل عثمان عليها، وهو عبداللّه بن سعد بن أبي سرح(2) فطرده عنها وصلّى بالناس، فخرج ابن أبي سرح من مصر ونزل على تخوم أرض مصر ممّا يلي فلسطين، وانتظر ما يكون من أمر عثمان، فلمّا بلغ إليه خبر قتله وبيعة الناس
ص: 29
لأميرالمؤمنين عليه السلام لحق بمعاوية(1).
وقال ابن الأثير: وفي هذه السنة في صفر بعث عليّ عليه السلام قيس بن سعد أميراً على مصر وكان صاحب راية الأنصار مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وكان من ذوي الرأي والبأس فقال له سر إلى مصر فقد ولّيتكها واخرج إلى رحلك وأجمع إليك ثقاتك ومن أحببت أن يصحبك حتّى تأتيها ومعك جند فإن ذلك أرعب لعدوك وأعز لوليك وأحسن إلى المحسن واشتدّ على المريب وأرفق بالعامة والخاصة فإنّ الرفق يمن فقال قيس: يا أميرالمؤمنين قد فهمت ما ذكرت، فأما الجند فاني ادعه لك فاذا احتجت إليهم كانوا قريباً منك، وإن أردت بعثهم إلى وجه من وجوهك كانوا لك عدّة ولكنّي أسير إلى مصر بنفسي وأهل بيتي، وأمّا ما أوصيتني به من الرفق والاحسان فاللّه هو المستعان على ذلك.
فخرج قيس حتّى دخل مصر في سبعة من أصحابه على الوجه الذي تقدّم ذكره فصعد المنبر فجلس عليه وأمر بكتاب أميرالمؤمنين معه يقرأ على الناس فيه:من عبداللّه عليّ أميرالمؤمنين إلى من بلغه كتابي من المسلمين، سلام عليكم فانّي أحمد اللّه إليكم الذي لا إله إلاّ هو، أمّا بعد فانّ اللّه بحسن صنعه وقدره وتدبيره اختار الاسلام ديناً لنفسه وملائكته ورسله، وبعث أنبيائه إلى عباده، فكان ممّا أكرم اللّه عزّ وجلّ به هذه الامة وخصهم به من الفضل أن بعث محمّداً صلّى اللّه عليه وآله إليهم فعلمهم الكتاب والحكمة والسنّة والفرائض، وأدّبهم لكيما يهتدوا وأجمعهم لكيلا يتفرّقوا، وزكاهم لكيما يتطهّروا فلمّا قضى من ذلك ما عليه قبضه اللّه إليه، فعليه صلوات اللّه وسلامه ورحمته ورضوانه.
ص: 30
ثمّ إنّ المسلمين من بعده استخلفوا أميرين منهم صالحين(1) أحييا السيرة ولم يعدوا لسنّة، ثمّ توفّيا فولى بعدهما من أحدث أحداثاً فوجدت الامّة عليه مقالاً فقالوا ثمّ نقموا عليه فغيروا ثمّ جاءوني فبايعوني وأنا أستهدى اللّه للهدى وأستعينه على التقوى، ألا وان لكم علينا العمل بكتاب اللّه وسنّة رسوله والقيام بحقّه والنصح لكم بالغيب واللّه المستعان وحسبنا اللّه ونعم الوكيل.
وقد بعث لكم قيس بن سعد الأنصاري أميراً فوازروه وأعينوه على الحق، وقد أمرته بالاحسان إلى محسنكم والشدّة على مريبكم والرفق بعوامكم وخواصكم وهو ممّن أرضى هديه وأرجو صلاحه ونصحه، نسأل اللّه لنا ولكم عملاً زاكياً وثواباً جزيلاً ورحمة اللّه وبركاته، وكتب عبيداللّه بن أبي رافع في صفر سنة ست وثلاثين.
قال: فلمّا فرغ من قراءة الكتاب ثمّ قام قيس خطيباً فحمد اللّه وأثنى عليه وقال:
الحمد للّه الذي جاء بالحق وأمات الباطل وكبّ الظالمين أيّها الناس إنّا قد بايعنا خير من نعلم بعد نبيّنا قوموا أيّها الناس فبايعوه على كتاب اللّه وسنّة رسوله فان نحن لم نعمل لكم بذلك فلا بيعة لنا عليكم.
فقام الناس فبايعوا واستقامت له مصر وبعث عليها عماله إلاّ قرية منها يقال لها خربتا فيها ناس قد أعظموا قتل عثمان عليهم وبها رجل من بني كنانة اسمه يزيد بن الحارث فبعث إلى قيس يدعو إلى الطلب بدم عثمان وكان مسلمة بن مخلد قد أظهر الطلب أيضاً بدم عثمان فأرسل إليه قيس ويحك أعليّ تثب فواللّه ما أحب أن
ص: 31
لي ملك الشام إلى مصر وأني قتلتك فبعث إليه مسلمة إنّي كاف عنك مادمت وأنت والي مصر وبعث قيس وكان حازماً إلى أهل خربتا إنّي لا أكرهكم على البيعة وانّي كاف عنكم فهادنهم وجبي الخراج ليس أحد ينازعه وخرج أميرالمؤمنين إلى الجمل ورجع وهو بمكانه فكان أثقل خلق اللّه على معاوية مخافة أن يقبل عليّ عليه السلامفي أهل العراق وقيس في أهل مصر فيقع بينهما معاوية فكتب معاوية إلى قيس:
سلام عليك، أمّا بعد فانّكم نقمتم على عثمان ضربة بسوط أو شتيمة رجل أو تسيير آخر واستعمال فتي وقد علمتم أن دمه لا يحلّ لكم فقد ركبتم عظيماً وجئتم أمراً إدّا فتب إلى اللّه يا قيس فإنّك من المجلبين على عثمان فأمّا صاحبك فإنّا استقينا أنّه الذي أغرى [به] الناس وحملهم حتّى قتلوه وأنّه لم يسلم من دمه عظم قومك فان استطعت يا قيس أن تكون ممّن يطالب بدم عثمان فافعل وتابعنا على أمرنا ولك سلطان العراقيين إذا ظهرت ما بقيت ولمن أحببت من أهلك سلطان الحجاز مادام لي سلطان وسلني ما شئت فإنّي أعطيك واكتب إليّ برأيك؛ فلمّا جاءه الكتاب أحبّ أن يدافعه ولا يبدي له أمره ولا يتعجل إلى حربه فكتب إليه أمّا بعد فقد فهمت ما ذكرته من قتلة عثمان فذلك شيء لم أقاربه وذكرت أنّ صاحبي هو الذي أغري به حتّى قتلوه وهذا ممّا لم أطلع عليه وذكرت أن عظم عشيرتي لم تسلم [من دم عثمان]، فأوّل الناس كان فيه قياماً عشيرتي وأمّا ما عرضته من متابعتك فهذا أمر لي فيه نظر وفكرة وليس هذا ممّا يسرع إليه وأنا كاف عنك وليس يأتيك من قبلي شيء تكرهه حتّى ترى ونرى إن شاء اللّه تعالى.
ص: 32
فلمّا قرأ معاوية كتابه رآه مقارباً مباعداً فكتب إليه:
أمّا بعد فقد قرأت كتابك فلم أرك تدنو فأعدك سليما ولا متباعداً فأعدك حرباً وليس مثلي يصانع المخادع وينخدع للمكايد ومعه عدد الرجال وبيده [أعنة الخيل]، والسلام.
وفي الغارات: أمّا بعد فقد قرأت كتابك فلم أرك تدنوا فأعدك سلما ولم أرك تتباعد فأعدك حرباً أنت هاهنا كجمل جرور وليس مثلي من يصانع بالخدائع ولا يختدع بالمكايد ومعه عدد الرجال وأعنة الخيل فإن قبلت الذي عرضت عليك فلك ما أعطيتك وإن أنت لم تفعل ملأت عليك مصر خيلاً ورجلاً والسلام.
فلمّا رأى قيس كتابه ورأى أنّه لا يفيد معه المدافعة والمماطلة أظهر له ما في نفسه فكتب إليه :
أمّا بعد فالعجب من اغترارك بي وطمعك في استسقاطك إيّاي أتسومني الخروج عن طاعة أولى الناس بالإمارة وأقولهم بالحق وأهداهم سبيلاً وأقربهم من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسيلة وتأمرني بالدخول في طاعتك كطاعة أبعد الناس من هذا الأمر وأقولهم بالزور وأضلّهم سبيلاً وأبعدهم من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسيلة ولد ضالين مضلين طاغوت من طواغيت إبليس! وأمّا قولك إنّي مالئ عليك مصر خيلاً ورجالاً فواللّه إن لم أشغلك بنفسك حتّى تكون أهمّ إليك إنّك لذو جد والسلام(1).
فلمّا رأى معاوية كتابه أيس منه وثقل عليه مكانه ولم تنجح حيله فيه فكاده من قبل عليّ عليه السلام فقال لأهل الشام لا تسبوا قيس بن سعد ولا تدعوا إلى غزوة فإنّه لنا شيعة قد تأتينا كتبه ونصيحته سرّاً ألا ترون ما يفعل بإخوانكم الذين عنده من
ص: 33
أهل خربتا يجري عليهم أعطياتهم وأرزاقهم ويحسن إليهم وافتعل كتاباً عن قيس إليه بالطلب بدم عثمان والدخول معه في ذلك وقرأه على أهل الشام:
إلى الأمير معاوية بن أبي سفيان من قيس بن سعد أمّا بعد فإن قتل عثمان كان حدثاً في الاسلام عظيماً وقد نظرت لنفسي وديني لم أر يسعني مظاهرة قوم قتلوا إمامهم مسلما محرما برا تقيا ونستغفر اللّه لذنوبنا ونسأله العصمة لديننا ألا وإنّي قد ألقيت إليك بالسلم وأجبتك إلى قتال قتلة إمام الهدى المظلوم فعول علي فيما أحببت من الأموال والرجال أعجله إليك إن شاء اللّه تعالى والسلام عليك.
فبلغ ذلك عليّاً أبلغه ذلك محمّد بن أبي بكر ومحمّد بن جعفر بن أبي طالب وأعلمته عيونه بالشام فأعظمه وأكبره فدعا ابنيه وعبداللّه بن جعفر فأعلمهم ذلك فقال عبداللّه بن جعفر يا أميرالمؤمنين دع ما يريبك إلى ما لا يريبك اعزل قيساً عن مصر فقال عليّ إنّي واللّه ما أصدق بهذا عنه فقال عبداللّه اعزله فان كان هذا حقا لا يعتزل لك فبينا هم كذلك إذ جاءهم كتاب من قيس فيه:
بسم اللّه الرحمن الرحيم أمّا بعد فانّي أخبر أميرالمؤمنين أكرمه اللّه أن قبلي رجالاً معتزلين سألوني أن أكفّ عنهم وأن أدعهم على حالهم حتّى يستقيم أمر الناس فنرى ويرون وقد رأيت أن أكفّ عنهم وألا أعجل وأن أتألفهم فيما بين ذلك لعلّ اللّه أن يقبل بقلوبهم ويفرقهم عن ضلالتهم إن شاء اللّه والسلام.
فقال ابن جعفر: ما أخوفني أن يكون ذلك ممالأة منه فمره بقتالهم.
فكتب عليه السلام إليه: بسم اللّه الرحمن الرحيم أمّا بعد فسر إلى القوم الذين ذكرت فان دخلوا فيما دخل فيه المسلمون وإلاّ فناجزهم(1) والسلام.
ص: 34
فلمّا قرأ الكتاب كتب جوابه :
أمّا بعد فقد عجبت لأمرك تأمرني بقتال قوم كافين عنك مفرغيك لعدوك ومتى حاددناهم ساعدوا عليك عدوك فأطعني يا أميرالمؤمنين واكفف عنهم فانّ الرأي تركهم، والسلام.
فلمّا قرأ عليّ الكتاب قال ابن جعفر: يا أميرالمؤمنين ابعث محمّد بن أبي بكر على مصر واعزل قيساً فقد بلغني أن قيساً يقول إن سلطاناً لا يستقيم إلاّ بقتل مسلمة بن خالد لسلطان سوء.
وكان ابن جعفر أخا محمّد بن أبي بكر لأمّه فبعث علي عليه السلام محمّد بن أبي بكر إلى مصر وقيل بعث الأشتر النخعي فمات بالطريق فبعث محمّداً فقدم محمّد على قيس بمصر فقال له قيس ما بال أميرالمؤمنين؟ ما غيره؟ أدخل أحد بيني وبينه؟ قال: لا وهذا السلطان سلطانك وكان بينهما نسب، كان قيس متزوجاً «قريبة» بنت أبي قحافة أخت أبي بكر، فكان قيس زوج عمّة محمّد قال: لا واللّه لا أقيم وخرج منها مقبلاً إلى المدينة وهو غضبان لعزله فجاءه حسان بن ثابت وكان عثمانيّاً يشمت به فقال له قتلت عثمان ونزعك علي عليه السلام فبقي عليك الإثم ولم يحسن لك الشكر فقال له قيس: يا أعمى القلب والبصر واللّه لو أُلْقِيَ بين رهطي ورهطك حرباً لضربت عنقك! أخرج عنّي! ثمّ أخاف مروان بن الحكم قيساً بالمدينة فخرج منها هو وسهل بن حنيف إلى علي فشهدا معه صفين فكتب معاوية إلى مروان يتغيظ عليه ويقول له لو أمددت علياً بمائة ألف مقاتل لكان أيسر عندي من قيس بن سعد في رأيه ومكانه.
فلمّا قدم قيس على علي وأخبره الخبر علم أنّه كان يقاسي أموراً عظاماً من
ص: 35
المكايدة وجاءهم خبر قتل محمّد بن أبي بكر فعظم محل قيس عنده وأطاعه في الأمر كلّه(1).
والحق في المقام كما يظهر من بعض التواريخ ان عزله عليه السلام قيساً عن الامارة لم يكن باختيار منه بل اجبروه عليه كما اجبروه على قبوله التحكيم(2) وإلاّ فهو عليه السلام كان أجل قدراً وأعظم شأناً من أن لا يعلم حقيقة الحال هذا.
قال إبراهيم وكان عهد علي عليه السلام إلى محمّد بن أبي بكر:
هذا ما عهد عبداللّه علي أميرالمؤنين إلى محمّد بن أبي بكر حين ولاه مصر أمره بتقوى اللّه في السر والعلانية وخوف اللّه في المغيب والمشهد وأمَرَه باللين للمسلم وبالغلظة على الفاجر وبالعدل على أهل الذمة وبالإنصاف للمظلوم وبالشدة على الظالم وبالعفو عن الناس وبالإحسان ما استطاع واللّه يجزي المحسنين وأمره أن يدعو من قبله إلى الطاعة والجماعة فإن لهم في ذلك من العافية وعظيم المثوبة ما لا يقدرون قدره ولا يعرفون كنهه.
وأمره أن يجبي خراج الأرض على ما كانت تجبى عليه من قبل ولا ينتقص ولا يبتدع ثم يقسمه بين أهله كما كانوا يقسمونه عليه من قبل وأمره أن يلين لهم جناحه وأن يساوي بينهم في مجلسه ووجهه وليكن القريب والبعيد عنده في الحق سواء وأمره أن يحكم بين الناس بالحق وأن يقوم بالقسط ولا يتبع الهوى ولا يخاف في اللّه لومة لائم فإن اللّه مع من اتقاه وآثر طاعته على ما سواه والسلام .قال إبراهيم: ثم إن محمّد بن أبي بكر قام خطيبا فحمد اللّه وأثنى عليه وقال:
ص: 36
أمّا بعد فالحمد للّه الذي هدانا وإيّاكم لما اختلف فيه من الحق وبصرنا وإيّاكم كثيرا ممّا عمي عنه الجاهلون ألا إن أميرالمؤنين ولاّني أموركم وعهد إلي بما سمعتم وأوصاني بكثير منه مشافهة ولن آلوكم جهدا ما استطعت وما توفيقي إلاّ باللّه عليه توكلت وإليه أنيب فإن يكن ما ترون من آثاري وأعمالي للّه طاعة وتقوى فاحمدوا اللّه على ما كان من ذلك فإنه هو الهادي له (إليه خ ل) وإن رأيتم من ذلك عملا بغير حق فادفعوه إلي وعاتبوني عليه فإني بذلك أسعد وأنتم بذلك جديرون وفقنا اللّه وإياكم لصالح العمل(1).
أقول: ولأميرالمؤمنين عليه السلام كتاب آخر مبسوط إلى محمّد وإلى مصر ورواه إبراهيم نرويه إن شاء اللّه في باب الكتب إن ساعدنا التوفيق والمجال.
ثمّ قال إبراهيم: فلم يلبث محمّد بن أبي بكر شهرا كاملا حتّى بعث إلى أولئك المعتزلين الذين كان قيس بن سعد موادعا لهم فقال: يا هؤاء أما أن تدخلوا في طاعتنا وأما أن تخرجوا من بلادنا فبعثوا إليه أنا لا نفعل فدعنا حتّى ننظر إلى ما يصير إليه أمر الناس فلا تعجل علينا فأبى عليهم فامتنعوا منه وأخذوا حذرهم ثمّ كانت وقعة صفين وهم لمحمّد هائبون فلمّا أتاهم خبر معاوية وأهل الشام ثمّ صار الأمر إلى الحكومة وأن عليا وأهل العراق قد قفلوا (رجعوا خ ل) عن معاوية والشام إلى عراقهم اجترءوا على محمد بن أبي بكر وأظهروا المنابذة له فلمّا رأى محمّد ذلك بعث إليهم ابن جمهان البلوي ومعه يزيد بن الحارث الكناني فقاتلاهم فقتلوهما.
ثمّ بعث إليهم رجلا من كلب فقتلوه أيضا، وخرج معاوية بن خديج من
ص: 37
السكاسك يدعو إلى الطلب بدم عثمان فأجابه القوم وناس كثير آخرون وفسدت مصر على محمّد بن أبي بكر فبلغ عليا توثبهم عليه فقال: ما أرى لمصر إلاّ أحد الرجلين صاحبنا الذي عزلناه بالأمس يعني قيس بن سعد بن عبادة أو مالك بن الحارث الأشتر وكان علي حين رجع عن صفين رد الأشتر إلى عمله بالجزيرة وقال لقيس بن سعد: أقم أنت معي على شرطتي حتى نفرغ من أمر هذه الحكومة ثم اخرج إلى آذربيجان فكان قيس مقيما على شرطته فلمّا انقضى أمر الحكومة كتب إلى الأشتر وهو يومئذٍ بنصيبين وطلبه إليه وبعثه إلى مصر ومات قبل الوصول إليه(1).
بتفصيل تطلع عليه في باب الكتب أيضاً إن شاء اللّه .
وأمّا كيفيّة قتل محمّد بن أبي بكر:
قال في الكامل: في هذه السنة (سنة ثمان وثلاثين) قتل محمّد بن أبي بكر بمصر وهو عامل علي عليها(2).
وقال: وكان أهل الشام ينتظرون بعد صفين أمر الحكمين فلمّا تفرّقا بايع أهل الشام معاوية بالخلافة ولم يزدد إلاّ قوّة واختلف الناس بالعراق على عليّ عليه السلام فما كان لمعاوية همّ إلاّ مصر وكان يهاب أهلها لقربهم منه وشدّتهم على من كان على رأي عثمان وكان يرجو أنّه إذا ظهر عليه ظهر على حرب عليّ عليه السلام لعظم خراجها فدعا معاوية عمرو بن العاص وحبيب بن مسلمة وبسر بن أبي أرطاة والضحّاك بن قيس وعبدالرحمن بن خالد وأبا الأعور السلمي وشرحبيل بن السمط الكندي فقال لهم: أتدرون لِمَ جمعتكم؟ فانّي جمعتكم لأمر لي مهم! فقالوا لم يطلع اللّه على
ص: 38
الغيب أحداً وما نعلم ما تريد فقال عمرو بن العاص دعوتنا لتسألنا عن رأينا في مصر فان كنت جمعتنا لذلك فاعزم واصبر فنعم الرأي رأيت في افتتاحها فان فيه عزك وعز أصحابك وكبت عدوك وذل أهل الشقاق عليك فقال معاوية أهمك بابن العاص وما أهمك وذلك أن عمرا كان صالح معاوية على قتال علي عليه السلام على أن له مصر طعمة ما بقي.
وأقبل معاوية على أصحابه وقال: أصاب أبو عبداللّه فما ترون؟ فقالوا: ما نرى إلاّ ما رأى عمرو قال: فكيف أصنع؟ فان عمرو لم يفسر كيف أصنع فقال عمرو: أرى أن تبعث جيشاً كثيفاً عليهم رجل حازم صابر صارم تأمنه وتثق به فيأتي مصر فانّه سيأتيه من (كان على مثل رأينا فيظاهره على عدوّنا فان اجتمع جندك ومن بها على رأينا رجوت ان) ينصرك اللّه.
قال معاوية: أرى أن نكاتب من بها من شيعتنا فنمنيهم ونأمرهم بالثبات ونكاتب من بها من عدوّنا فندعوهم إلى صلحنا ونمنيهم شكرنا ونخوفهم حربنا فان كان ما أردنا بغير قتال فذاك الذي أردناه وإلاّ كان حربهم من بعد ذلك إنّك يابن العاص امرؤ بورك لك في الشدّة والعجلة وأنا بورك لي في التؤدة.
قال عمرو: افعل ما ترى فما أرى أمرنا يصير إلا إلى الحرب(1).
فكتب معاوية إلى مسلمة بن مخلد ومعاوية بن خديج السكوني وكانا قد خالفا عليّاً يشكرهما على ذلك ويحثّهما على الطلب بدم عثمان ويعدهما المواساة في سلطانه وبعثه مع مولاه سبيع.
فلمّا وقفا عليه أجاب مسلمة بن مخلّد الأنصاري عن نفسه وعن ابن خديج أمّا
ص: 39
بعد فإنّ الأمر الذي بذلنا له أنفسنا واتبعنا به أمر اللّه أمر نرجو به ثواب ربّنا والنصرعلى من خالفنا وتعجيل النقمة على من سعى على إمامنا، وأمّا ما ذكرت من المواساة في سلطانك فتاللّه إن ذلك أمر ما له نهضنا ولا إيّاه أردنا فعجل إلينا بخيلك ورجلك فان عدوّنا قد أصبحوا لنا هائبين فان يأتنا مدد يفتح اللّه عليك والسلام.
فجاءه الكتاب وهو بفلسطين فدعا اولئك النفر وقال لهم: ما ترون؟ قالوا: نرى أن تبعث جنداً.
فأمر عمرو بن العاص ليتجهّر إليها وبعث معه ستّة آلاف رجل ووصّاه بالتؤدة وترك العجلة وسار عمرو فنزل أداني مصر فاجتمعت إليه العثمانيّة فأقام بهم وكتب إلى محمّد بن أبي بكر:
أمّا بعد فتنحّ عنّي بدمك يابن أبي بكر فانّي لا أحبّ أن يصيبك منّى ظفر إن الناس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك وهم مسلموك فأخرج منها إنّي لك من الناصحين وبعث معه كتاب معاوية إليه(1) فيه:
أما بعد فإن غب الظلم والبغي عظيم الوبال وإن سفك الدم الحرام لا يسلم صاحبه من النقمة في الدنيا والتبعة الموبقة في الآخرة وما نعلم أحدا كان أعظم على عثمان بغيا ولا أسوأ له عيبا ولا أشد عليه خلافا منك سعيت عليه في الساعين وساعدت عليه مع المساعدين وسفكت دمه مع السافكين ثم تظن أني نائم عنك فتأتي بلده فتأمن فيها وجل أهلها أنصاري يرون رأيي ويرفعون قولي (ويرفضون قولك) و(يرقبوون خ ل) عليك وقد بعثت إليك قوما حناقا عليك يستسفكون دمك ويتقربون إلى اللّه عز وجل بجهادك وقد أعطوا اللّه عهدا ليقتلنك
ص: 40
ولو لم يكن منهم إليك ما قالوا لقتلك اللّه بأيديهم أو بأيدي غيرهم من أوليائه وأنا أحذرك وأنذرك فإن اللّه مقيد منك ومقتص لوليه وخليفته بظلمك له وبغيك عليه ووقيعتك فيه وعداونك يوم الدار عليه تطعن بمشاقصك فيما بين أحشائه وأوداجه ومع هذا فإني أكره قتلك ولا أحب أن أتولى ذلك منك ولن يسلمك اللّه من النقمة أين كنت أبدا فتنح وانج بنفسك والسلام.
قال: فطوى محمد بن أبي بكر كتابيهما وبعث بهما إلى علي عليه السلام وكتب إليه:
أما بعد يا أميرالمؤنين فإن العاصي ابن العاص قد نزل أداني مصر واجتمع إليه من أهل البلد من كان يرى رأيهم وهو في جيش جرار وقد رأيت ممّن قبلي بعض الفشل فإن كان لك في أرض مصر حاجة فامددني بالأموال والرجال والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته.
قال فكتب إليه علي عليه السلام: أما بعد فقد أتاني رسولك بكتابك تذكر أن ابن العاص قد نزل أداني مصر في جيش جرار وأن من كان على مثل رأيه قد خرج إليه وخروج من كان يرى رأيه خير لك من إقامته عندك وذكرت أنك قد رأيت ممن قبلك فشلا فلا تفشل وإن فشلوا حصن قريتك واضمم إليك شيعتك وأول الحرس في عسكرك واندب إلى القوم كنانة بن بشر المعروف بالنصيحة والتجربة والبأس وأنا نادب إليك الناس على الصعب والذلول فاصبر لعدوك وامض على بصيرتك وقاتلهم على نيتك وجاهدهم محتسبا للّه سبحانه وإن كانت فئتك أقل الفئتين فإن اللّه تعالى يعين القليل ويخذل الكثير وقد قرأت كتابي الفاجرين المتحابين على المعصية والمتلائمين على الضلالة والمرتبئين (المرتشيين) على الحكومة والمتكبرين على أهل الدين الذين استمتعوا بخلاقهم كما استمتع الذين من قبلهم
ص: 41
بخلاقهم فلا يضرنك إرعادهما وإبراقهما وأجبهما إن كنت لم تجبهما بما هما أهله فإنك تجد مقالا ما شئت والسلام.
فكتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية جواب كتابه:
أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر من أمر عثمان أمرا لا أعتذر إليك منه وتأمرني بالتنحي عنك كأنك لي ناصح وتخوفني بالحرب كأنك علي شفيق وأنا أرجو أن تكون الدائرة عليكم وأن يهلككم اللّه في الوقعة وأن ينزل بكم الذل وأن تولوا الدبر فإن يكن لكم الأمر في الدنيا فكم وكم لعمري من ظالم قد نصرتم وكم من مؤن قد قتلتم ومثلتم به وإلى اللّه المصير وإليه ترد الأمور وهو أرحم الراحمين واللّه المستعان على ما تصفون.
وكتب محمد بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص جواب كتابه:
أما بعد فقد فهمت كتابك وعلمت ما ذكرت وزعمت أنك تكره (لا تحب) أن يصيبني منك ظفر فأشهد باللّه إنك لمن المبطلين وزعمت أنك ناصح لي وأقسم أنك عندي ظنين وزعمت أن أهل البلد قد رفضوني وندموا على اتباعي فأولئك حزبك وحزب الشيطان الرجيم وحسبنا اللّه رب العالمين وتوكلت على اللّه العزيز الرحيم رب العرش العظيم(1).
قال إبراهيم: فحدثنا محمّد بن عبداللّه عن المدائني قال: فأقبل عمرو بن العاص يقصد قصد مصر فقام محمد بن أبي بكر في الناس فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال:
أما بعد يا معشر المؤنين فإن القوم الذين كانوا ينتهكون الحرمة ويغشون
ص: 42
أرض الضلالة ويستطيلون بالجبرية قد نصبوا لكم العداوة وساروا إليكم بالجنود فمن أراد الجنة والمغفرة فليخرج إلى هؤاء القوم فليجاهدهم في اللّه انتدبوا رحمكم اللّه مع كنانة بن بشر.
ثم ندب معه نحو ألفي رجل وتخلف محمد في ألفين واستقبل عمرو بن العاص كنانة وهو على مقدمة محمد فلما دنا عمرو من كنانة سرح إليه الكتائب كتيبة بعد كتيبة فلم تأته من كتائب الشام كتيبة إلا شد عليها بمن معه فيضربها حتى يلحقها بعمرو ففعل ذلك مرارا فلما رأى عمرو ذلك بعث إلى معاوية بن حديج الكندي فأتاه في مثل الدهم(1).
فلما رأى كنانة ذلك الجيش نزل عن فرسه ونزل معه أصحابه فضاربهم بسيفه وهو يقول: «وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّه ِ كِتاباً مُؤجَّلاً»(2).
فلم يزل يضاربهم بالسيف حتى استشهد رحمه اللّه.
قال إبراهيم: حدّثنا محمّد بن عبداللّه عن المدائني، عن محمد بن يوسف أن عمرو بن العاص لما قتل كنانة أقبل نحو محمّد بن أبي بكر وقد تفرق عنه أصحابه فخرج محمّد متمهلا فمضى في طريقه حتى انتهى إلى خربة(3) فآوى إليها وجاء عمرو بن العاص حتى دخل الفسطاط وخرج معاوية بن حديج في طلب محمّد حتى انتهى إلى علوج(4) على قارعة الطريق فسألهم هل مرّ بهم أحد ينكرونه؟ قالوا: لا قال أحدهم: إني دخلت تلك الخربة فإذا أنا برجل جالس قال ابن حديج:
ص: 43
هو هو ورب الكعبة فانطلقوا يركضون حتى دخلوا على محمّد فاستخرجوه وقد كاد يموت عطشا فأقبلوا به نحو الفسطاط.
قال ووثب أخوه عبد الرحمن بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص وكان في جنده فقال: لا واللّه لا يقتل أخي صبرا ابعث إلى معاوية بن حديج فانهه فأرسل عمرو بن العاص أن ائتني بمحمّد فقال معاوية: أقتلتم كنانة بن بشر ابن عمي وأخلي عن محمد هيهات «أَ كُفّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ» فقال محمد: اسقوني قطرة من الماء فقال له معاوية بن حديج: لا سقاني اللّه إن سقيتك قطرة أبدا إنكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتّى قتلتموه صائما محرما فسقاه اللّه من الرحيق المختوم واللّه لأقتلنك يا ابن أبي بكر وأنت ظمآن ويسقيك اللّه من الحميم والغسلين.
فقال له محمد: يا ابن اليهودية النساجة ليس ذلك اليوم إليك ولا إلى عثمان إنمّا ذلك إلى اللّه يسقي أولياءه ويظمئ أعداءه وهم أنت وقرناؤ ومن تولاك وتوليته واللّه لو كان سيفي في يدي ما بلغتم مني ما بلغتم.
فقال له معاوية بن حديج: أتدري ما أصنع بك أدخلك جوف هذا الحمار الميت ثم أحرقه عليك بالنار.
قال: إن فعلتم ذاك بي فطالما فعلتم ذاك بأولياء اللّه وايم اللّه إني لأرجو أن يجعل اللّه هذه النار التي تخوفني بها بردا وسلاما كما جعلها اللّه على إبراهيم خليله وأن يجعلها عليك وعلى أوليائك كما جعلها على نمرود وأوليائه وإني لأرجو أن يحرقك اللّه وإمامك معاوية وهذا وأشار إلى عمرو بن العاص بنار تلظى كلما خبت زادها اللّه عليكم سعيرا.
ص: 44
فقال له معاوية بن حديج: إني لا أقتلك ظلما إنما أقتلك بعثمان بن عفان.
قال محمد: وما أنت وعثمان رجل عمل بالجور وبدل حكم اللّه والقرآن وقد قال اللّه عز وجل: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّه ُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ»(1) «فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ»(2) «فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ»(3) فنقمنا(4) عليه أشياء عملها فأردنا أن يخلع من الخلافة علنا فلم يفعل فقتله من قتله من الناس.
فغضب معاوية بن حديج فقدمه فضرب عنقه ثم ألقاه في جوف حمار وأحرقه بالنار.
فلمّا بلغ ذلك عائشة جزعت عليه جزعا شديدا وقنتت في دبر كل صلاة تدعو على معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ومعاوية بن حديج وقبضت عيال محمّد أخيها وولده إليها فكان القاسم بن محمد من عيالها(5).
وعن محمّد بن عبداللّه بن شدّاد قال: حَلَفَتْ عَائِشَةُ أَنْ لا تَأْكُلَ شِوَاءً أَبَداً بَعْدَ قَتْلِ مُحَمَّدٍ فَلَمْ تَأْكُلْ شِوَاءً حَتَّى لَحِقَتْ بِاللّه ِ وَمَا عَثَرَتْ قَطُّ إِلاّ قَالَتْ تَعَسَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ خَدِيجٍ(6).
قال وكان ابن خديج ملعوناً خبيثاً يسبّ عليّ بن أبي طالب(7).
قال إبراهيم: وحدثني محمد بن عبداللّه، عن المدائني، عن الحارث بن كعب بن عبداللّه بن قعين، عن حبيب بن عبداللّه قال: واللّه إنّي لعند علي جالس إذ جاءه
ص: 45
عبداللّه بن معين وكعب بن عبداللّه من قبل محمد بن أبي بكر يستصرخانه قبل الوقعة فقام علي فنادى في الناس الصلاة جامعة فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وذكر رسول اللّه صلى الله عليه و آله فصلى عليه ثم قال:
أما بعد فهذا صريخ(1) محمد بن أبي بكر وإخوانكم من أهل مصر قد سار إليهم ابن النابغة عدو اللّه وعدو من والاه وولي من عادى اللّه فلا يكونن أهل الضلال إلى
باطلهم والركون إلى سبيل الطاغوت أشدّ اجتماعا على باطلهم وضلالتهم منكم على حقكم فكأنّكم بهم وقد بدءوكم وإخوانكم بالغزو فاعجلوا إليهم بالمواساة والنصر عباد اللّه إن مصر أعظم من الشام وخير أهلا فلا تغلبوا على مصر فإن بقاء مصر في أيديكم عز لكم وكبت لعدوكم اخرجوا إلى الجرعة(2).
لنتوافى هناك كلنا غدا إن شاء اللّه.
قال: فلمّا كان الغد خرج يمشى فنزلها بكرة فأقام بها حتّى انتصف النهار فلم يوافه مائة رجل فرجع فلمّا كان العشي بعث إلى الأشراف فجمعهم فدخلوا عليه القصر وهو كئيب حزين.
فقال: الحمد للّه على ما قضى من أمر وقدر من فعل وابتلاني بكم أيها الفرقة التي لا تطيع إذا أمرتها ولا تجيب إذا دعوتها لا أبا لغيركم ما ذا تنتظرون بنصركم والجهاد على حقكم الموت خير من الذل في هذه الدنيا لغير الحق واللّه إن جاءني الموت وليأتيني لتجدنني لصحبتكم جدا قال ألا دين يجمعكم ألا حميّة تغضبكم ألا تسمعون بعدوكم ينتقص بلادكم ويشن الغارة عليكم أوليس عجبا أن معاوية يدعو الجفاة الطغام الظلمة فيتبعونه على غير عطاء ولا معونة ويجيبونه في السنة
ص: 46
المرة والمرتين والثلاث إلى أي وجه شاء ثمّ أنا أدعوكم وأنتم أولو النهى وبقية الناس تختلفون وتفترقون عني وتعصونني وتخالفون علي.
فقام إليه مالك بن كعب الأرحبي فقال: يا أميرالمؤنين اندب الناس معي فإنّه لا عطر بعد عروس(1) وإن الأجر لا يأتي إلاّ بالكرة ثمّ التفت إلى الناس وقال: اتقوا اللّه وأجيبوا دعوة إمامكم وانصروا دعوته وقاتلوا عدوكم إنا نسير إليهم يا أميرالمؤنين فأمر علي سعدا مولاه أن ينادي ألا سيروا مع مالك بن كعب إلى مصر وكان وجها مكروها فلم يجتمعوا إليه شهرا فلمّا اجتمع له منهم ما اجتمع خرج بهم مالك بن كعب فعسكر بظاهر الكوفة وخرج معه علي فنظر فإذا جميع من خرج نحو من ألفين فقال علي سيروا واللّه ما أنتم ما إخالكم تدركون القوم حتى ينقضي أمرهم.
فخرج مالك بهم وسار خمس ليال وقدم الحجاج بن غزية الأنصاري على علي وقدم عليه عبد الرحمن بن المسيب الفزاري من الشام فأما الفزاري فكان عينا لعلي عليه السلام لا ينام وأما الأنصاري فكان مع محمد بن أبي بكر فحدّثه الأنصاري بما عاين وشاهد وأخبره بهلاك محمّد وأخبره الفزاري أنه لم يخرج من الشام حتّى قدمت البشرى من قبل عمرو بن العاص يتبع بعضها بعضا بفتح مصر وقتل محمد بن أبي بكر وحتى أذن معاوية بقتله على المنبر.
وقال: يا أميرالمؤنين ما رأيت يوما قط سرورا مثل سرور رأيته بالشام حين أتاهم قتل محمد بن أبي بكر فقال علي: أما إن حزننا على قتله على قدر سرورهم
ص: 47
به لا بل يزيد أضعافا.
قال: وحزن علي عليه السلام على محمد بن أبي بكر حتّى رئي ذلك فيه وتبين في وجهه وقام في الناس خطيبا فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال:
ألا وإن مصر قد افتتحها الفجرة أولياء الجور والظلم الذين صدّوا عن سبيل اللّه وبغوا الإسلام عوجا ألا وإن محمّد بن أبي بكر قد استشهد رحمة اللّه عليه وعند اللّه
نحتسبه أما واللّه لقد كان ما علمت ينتظر القضاء ويعمل للجزاء ويبغض شكل الفاجر ويحب سمت المؤن إني واللّه لا ألوم نفسي على تقصير ولا عجز وإني بمقاساة الحرب لجد بصير إني لأقدم على الحرب وأعرف وجه الحزم وأقوم بالرأي المصيب فأستصرخكم معلنا وأناديكم مستغيثا فلا تسمعون لي قولا ولا تطيعون لي أمرا حتّى تصير الأمور إلى عواقب المساءة وأنتم القوم لا يدرك بكم الثأر ولا تنقض بكم الأوتار دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ بضع وخمسين ليلة فجرجرتم(1) علي جرجرة الجمل الأسر(2) وتثاقلتم إلى الأرض تثاقل من لا نية له في الجهاد ولا رأي له في الاكتساب للأجر ثم خرج إلي منكم جنيد متذائب ضعيف كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون فأف لكم ثم نزل فدخل رحله.
هو هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص بن أهيب بن زهرة بن عبد مناف الزهري الشجاع المشهور المعروف بالمرقال بن أخي سعد بن أبي وقاص.
ص: 48
قال الدولابيّ: لقّب بالمرقال لأنّه كان يرقل في الحرب أي يسعى ويسرع من الأرقال وهو ضرب من العدو(1).
وفي أعيان الشيعة وفي كتاب لباب الآداب: أمد عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقّاص في حرب القادسيّة بجيش عليه هاشم بن عتبة المرقال فوصلهم والعسكران متواقفان المسلمون ورستم فوقف هاشم مقابل موكب منهم ثمّ أخذ سهماً فوضعه في قوسه ورماهم فوقع سهمه في أذن فرسه فخلها فضحك وقال: واسوأتاه من رمية رجل كلّ من ترى ينتظره أين ترون كان سهمي بالغاً لو لم يصب أذن الفرس قالوا: العتيق وهو نهر خلف ذلك الموكب فنزل عن فرسه ثمّ سار يضربهم بسيفه حتّى أوصلهم العتيق ثمّ رجع إلى موقفه... وقد حضر اليرموك وفقئت عينه بها وهو الذي افتتح جلولاء وكانت جلولاء تسمّى فتح الفتوح... وشهد صفين مع عليّ وكانت معه الراية وهو على الرجّالة(2).
قتل هو وعمّار بن ياسر في تلك الموقعة سنة 38.
قال في الاستيعاب: أسلم هاشم بن عتبة يوم الفتح، يعرف بالمرقال، وكان من الفضلاء الخيار، وكان من الأبطال البهم(3)، فقئت عينه يوم اليرموك وافتتح جلولا الذي يقال له فتح الفتوح وكان سبب الفتح على المسلمين في القادسيّة - وساق الكلام إلى أن قال - : ثمّ شهد هاشم مع عليّ عليه السلام الجمل، وشهد صفّين، وأبلى فيها بلاء [حسنا] مذكورا، وبيده كانت راية عليّ على الرجّالة يوم صفّين، ويومئذٍ قتل، وهو القائل يومئذٍ:
ص: 49
أعور يبغي أهله محلا *** قد عالج الحياة حتّى ملا
لابدّ أن يفل أو يفلا
وقطعت رجله يومئذٍ، فجعل يقاتل من دنا منه، وهو بارك ويقول:
الفحل يحمى شوله معقولا
وقاتل حتّى قتل، وفيه يقول أبو الطفيل عامر بن واثلة:
يا هاشم الخير جزيت الجنّة *** قاتلت في اللّه عدوّ السنّة
أفلح بما فزت به من منّه(1)
وفي حالاته: قال أبُو سلمة: فَمَضَى فِي عِصَابَةٍ مِنَ الْقُرَّاءِ فَقَاتَلَ قِتَالاً شَدِيداً هُوَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى رَأَى بَعْضَ مَا يُسَرُّونَ بِهِ إِذْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فَتًى شَابٌّ وَشَدَّ يَضْرِبُ بِسَيْفِهِ وَيَلْعَنُ وَيَشْتِمُ وَيُكْثِرُ الْكَلامَ فَقَالَ لَهُ هَاشِمٌ إِنَّ هَذَا الْكَلامَ بَعْدَهُ الْخِصَامُ وَإِنَّ هَذَا الْقِتَالَ بَعْدَهُ الْحِسَابُ فَاتَّقِ اللّه َ فَإِنَّكَ رَاجِعٌ إِلَى رَبِّكَ فَسَائِلُكَ عَنْ هَذَا الْمَوْقِفِ وَمَا أَرَدْتَ بِهِ قَالَ فَإِنِّي أُقَاتِلُكُمْ لأَنَّ صَاحِبَكُمْ لا يُصَلِّي كَمَا ذُكِرَ لِي وَأَنَّكُمْ لا تُصَلُّونَ وَأُقَاتِلُكُمْ لأَنَّ صَاحِبَكُمْ قَتَلَ خَلِيفَتَنَا وَأَنْتُمْ وَازَرْتُمُوهُ عَلَى قَتْلِهِ فَقَالَ لَهُ هَاشِمٌ وَمَا أَنْتَ وَابْنَ عَفَّانَ إِنَّمَا قَتَلَهُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ وَقُرَّاءُ النَّاسِ حِينَ أَحْدَثَ أَحْدَاثاً وَخَالَفَ حُكْمَ الْكِتَابِ وَأَصْحَابُ مُحَمَّدٍ هُمْ أَصْحَابُ الدِّينِ وَأَوْلَى بِالنَّظَرِ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا أَظُنُّ أَنَّ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلا أَمْرَ هَذَا الدِّينِ عَنَاكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ قَطُّ قَالَ الْفَتَى أَجَلْ وَاللّه ِ لا أَكْذِبُ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَضُرُّ وَلا يَنْفَعُ وَيَشِينُ وَلا يَزِينُ فَقَالَ لَهُ هَاشِمٌ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لا عِلْمَ لَكَ بِهِ فَخَلِّهِ وَأَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ قَالَ أَظُنُّكَ وَاللّه ِ قَدْ نَصَحْتَنِي فَقَالَ لَهُ هَاشِمٌ وَأَمَّا قَوْلُكَ فَإِنَّ صَاحِبَنَا لا يُصَلِّي فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ صَلَّى للّه ِِ مَعَ رَسُولِهِ صلى الله عليه و آله
ص: 50
وَأَفْقَهُهُ فِي دِينِ اللّه ِ وَأَوْلاهُ بِرَسُولِ اللّه ِ وَأَمَّا مَنْ تَرَى مَعَهُ فَكُلُّهُمْ قَارِئُ الْكِتَابِ لا يَنَامُ اللَّيْلَ تَهَجُّداً فَلا يَغْرُرْكَ عَنْ دِينِكَ الْأَشْقِيَاءُ الْمَغْرُورُونَ قَالَ الْفَتَى يَا عَبْدَ اللّه ِ إِنِّي لأَظُنُّكَ امْرَأً صَالِحاً أَخْبِرْنِي هَلْ تَجِدُ لِي مِنْ تَوْبَةٍ قَالَ نَعَمْ تُبْ إِلَى اللّه ِ يَتُبْ عَلَيْكَ قَالَ: فَذَهَبَ الْفَتَى رَاجِعاً فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ خَدَعَكَ الْعِرَاقِيُّ قَالَ: لا وَلَكِنْ نَصَحَنِي(1).
وفي (صفّين نصر): ولمّا سقط هاشم من طعنة شقّت بطنه رفع رأسه فاذا هو بعبيداللّه بن عمر بن الخطّاب قتيلاً إلى جانبه، فجثا حتّى دنا منه فعضّ على ثديه حتّى تبيّنت فيه أنيابه، ثمّ مات وهو على صدر عبيداللّه (2).
ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ هَاشِمٍ اللِّوَاءَ فَأُسِرَ أَسْراً فَأُتِيَ بِمُعَاوِيَةَ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَالَ: يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ هَذَا الْمُخْتَالُ بْنُ الْمِرْقَالِ فَدُونَكَ الضَّبَّ اللاّحِظَ(3) فَإِنَّ الْعَصَا مِنَ الْعُصَيَّةِ وَإِنَّمَا تَلِدُ الْحَيَّةُ حَيَّةً وَجَزَاءُ السَّيِّئَةِ سَيِّئَةٌ فَقَالَ لَهُ ابْنُ هَاشِمٍ: مَا أَنَا بِأَوَّلِ رَجُلٍ خَذَلَهُ قَوْمُهُ وَأَدْرَكَهُ يَوْمُهُ قَالَ مُعَاوِيَةُ: تِلْكَ ضَغَائِنُ صِفِّينَ وَمَا جَنَى عَلَيْكَ أَبُوكَ فَقَالَ عَمْرٌو: يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ أَمْكِنِّي مِنْهُ فَأُشْخِبَ أَوْدَاجَهُ عَلَى أَثْبَاجِهِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ هَاشِمٍ: أَفَلا كَانَ هَذَا يَا ابْنَ الْعَاصِ حِينَ أَدْعُوكَ إِلَى الْبِرَازِ وَقَدِ ابْتَلَّتْ أَقْدَامُ الرِّجَالِ مِنْ نَقْعِ الْجِرْيَالِ(4) إِذْ تَضَايَقَتْ بِكَ الْمَسَالِكُ وَأَشْرَفْتَ فِيهَا عَلَى
ص: 51
الْمَهَالِكِ وَايْمُ اللّه ِ لَوْلا مَكَانُكَ مِنْهُ لَنَشَبَتْ لَكَ مِنِّي خَافِيَةٌ أَرْمِيكَ مِنْ خِلالِهَا بِأَحَدَّ مِنْ وَقْعِ الْأَثَافِيِّ فَإِنَّكَ لا تَزَالُ تُكْثِرُ فِي دَهْشِكَ وَتَخْبِطُ فِي مَرْسِكَ تَخَبُّطَ الْعَشْوَاءِ فِي اللَّيْلَةِ الْحَنْدَسِ الظَّلْمَاءِ قَالَ: فَأَعْجَبَ مُعَاوِيَةَ مَا سَمِعَ مِنْ كَلامِ ابْنِ هَاشِمٍ فَأَمَرَ بِهِ إِلَى السِّجْنِ(1).
وفي صفين: كان عليّ عليه السلام قال لهاشم - كهيئة المازح - : أبا هاشم، أما تخشى من نفسك أن تكون أعور جباناً؟ فقال: ستعلم يا أميرالمؤمنين، واللّه لألفنّ بين جماجم القوم لفّ رجل ينوي الآخرة...(2)
وفيه: مرّ عليّ عليه السلام يوم صفّين على هاشم وعلى عصابة من أسلم من القراء اصيبوا معه فقال:
جزى اللّه خيراً عصبة أسلمية *** صباح الوجوه صرّعوا حول هاشم(3)
روى عنه انّه قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول: يظهر المسلمون على جزيرة العرب، ويظهر المسلمون على فارس، ويظهر المسلمون على الروم، ويظهر المسلمون على الأعور الدجّال(4).
وقال المرزباني: لمّا جاء قتل عثمان إلى أهل الكوفة قال هاشم لأبي موسى الأشعريّ وهو يومئذٍ أمير الكوفة من قبل عثمان: تعال يا أبا موسى بايع لخير هذه الأمّة عليّ عليه السلام فقال أبو موسى: لا تعجل؛ فوضع هاشم احدى يديه على الأخرى وقال: هذه لعليّ وهذه لي وقد بايعت عليّاً وأنشد:
أبايع غير مكترث عليّا *** ولا أخشى أميرا أشعريّا
ص: 52
أبايعه وأعلم أن سأرضي *** بذاك اللّه حقاً والنبيا(1)
وقال لأميرالمؤمنين عليه السلام: واللّه ما أحبّ أنّ لي ما في الأرض ممّا أقلّت وما تحت السماء ممّا أظلّت وأنّي واليت عدوّاً لك أو عاديت وليّاً لك(2).
في تاريخ الطبري عن أبي مخنف: أن أهل الشام لمّا انصرفوا من صفّين كانوا ينتظرون ما يأتي به الحكمان، فلمّا انصرفا وتفرّقا وبايع أهل الشام معاوية بالخلافة فلم يزدد معاوية إلاّ قوّة، واختلف أهل العراق على علي عليه السلام، فما كان لمعاوية همٌّ إلاّ مصر، وقد كان لأهلها هائبا لقربهم منه وشدتهم على من كان على رأي عثمان، وقد كان علم أن بها قوما قد ساءهم قتل عثمان وخالفوا عليا عليه السلام، مع أنّه كان يرجو أن يكون إذا ظهر عليها على حرب علي عليه السلام لعظم خراجها، فدعا من كان معه من قريش: عمرو بن العاص وحبيب بن مسلمة وبسر بن أرطاة والضحاك بن قيس وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، ومن غيرهم: أبا الأعور السلمي وحمزة بن مالك الهمداني وشرحبيل الكندي، فقال: أتدرون لِمَ دعوتكم؟ فقال عمرو: أهمّك أمر هذه البلاد الكثير خراجها والكثير عددها، فاعزم واقدم، ونعم الرأي رأيت.
فقال معاوية: رأيتم كيف صنع اللّه بكم؟ جاءكم عدوّكم وهم لا يرون إلاّ أنّهم سيقيضون بيضتكم ويخرّبون بلادكم.
فكتب عند ذلك معاوية إلى مسلمة بن مخلد الأنصاري وإلى معاوية بن حديج
ص: 53
الكندي - وكانا خالفا عليّاً عليه السلام - : فاصبروا وصابروا عدوّكما، وادعوا المدبر هداكما وكأنّ الجيش قد أظل عليكما، فانقشع كلّ ما تكرهان وكان كلّ ما تهويان - إلى أن قال في جواب مسلمة لمعاوية - عجّل علينا خيلك ورجلك فإنّ عدوّنا قد كان علينا حرباً وكنّا فيهم قليلاً، فقد أصبحوا لنا هائبين وأصبحنا لهم مقرنين، فإن يأتنا اللّه بمدد من قبلك يفتح اللّه عليكم - إلى أن قال - فبعث معاوية عمراً في ستّةآلاف رجل فخرج يسير حتّى نزل أدنى أرض مصر، فاجتمعت العثمانيّة إليه فأقام بهم وكتب إلى محمّد بن أبي بكر: تنحّ عنّي بدمك يابن أبي بكر فإنّي لا أحبّ أن يصيبك منّي ظفر، إنّ الناس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك ورفض أمرك وندموا على اتباعك، فهم مسلّموك لو قد التقت حلقتا البطان فاخرج منها فإنّي لك من الناصحين.
وبعث عمرو كتابه مع كتاب معاوية إلى محمّد، وفي كتاب معاوية: إنّ غب البغي والظلم عظيم الوبال، وإنّ سفك الدم الحرام لا يسلم صاحبه من النقمة في الدنيا ومن التبعة الموبقة في الآخرة، وإنّا لا نعلم أحداً كان على عثمان أعظم بغياً ولا أسوأ له عيباً ولا أشدّ خلافاً عليه منك، سعيت عليه في الساعين وسفكت دمه في السافكين، ثمّ تظنّ أنّي عنّك نائم أو ناس لك، حتّى تؤمّر فتأمر على بلاد أنت فيها جاري وجلّ أهلها أنصاري، يرون رأيي ويرقبون قولي ويستصرخوني عليك وقد بعث إليك أقواماً خناقاً عليك، يستسقون دمك وقد أعطوا اللّه عهداً ليمثلنّ بك، ولو
لم يكن منهم إليك ما عدا قتلك ما حذّرتك ولا أنذرتك ولا أحببت أن يقتلوك بظملك وقطيعتك وعدوك على عثمان، يوم تطعن بمشاقصك بين خششائه وأوداجه، ولكن كره أن امثّل بقرشي، ولن يسلمّك اللّه من القصاص أبداً أينما كنت
ص: 54
فطوى محمّد بن أبي بكر كتابيهما وبعث بهما إلى عليّ عليه السلام وكتب معهما: إنّ ابن العاص قد نزل أدنى أرض مصر في لجب من جيش خرب، وإنّ من كان بها على مثل رأيه خرج إليه، وقد رأيت ممّن قبلي بعض الفشل، فإن كان لك في أرض مصر حاجة فأمدني بالرجال والأموال.
فكتب إليه عليّ عليه السلام: جاءني كتابك تذكر أنّ ابن العاص نزل بأدنى أرض مصر، وأنّ من كان بها على مثل رأيه خرج إليه، وخروج من يرى رأيه إليه خير لك من إقامتهم عندك، وذكرت أنّك قد رأيت في بعض ممّن قبلك فشلا، فلا تفشل وإن فشلوا، حصّن قريتك واضمم إليك شيعتك، واندب إلى القوم كنانة بن بشر المعروف بالنصيحة والنجدة والبأس، فإنّي نادب إليك الناس على الصعب والذلول، فاصبر لعدوّك وامض على بصيرتك، وقاتلهم على نيّتك وجاهدهم صابراً محتسباً، وإن كانت فئتك أقل الفئتين فإنّ اللّه قد يعزّ القليل ويخذل الكثير.
وقد قرأت كتاب الفاجر ابن الفاجر معاوية والفاجر ابن الكافر عمرو، المتحابّين في عمل المعصية والمتوافقين المرتشين في الحكومة، المنكرين في الدنيا «فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاَقِهِمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ بِخَلاَقِهِمْ»فلا يهلك إرعادهما وإبراهقما وأجبهما، إن كنت لم تجبهما بما هما أهله فإنّك تجد مقالاً ما شئت(1).
وفي تاريخ الطبري: فكتب محمّد بن أبي بكر إلى معاوية جواب كتابه: أتاني كتابك تذكّرني من أمر عثمان أمراً لا أعتذر إليك منه، وتأمرني بالتنحّي عنك كأنّك لي ناصح، وتخوّفني المثلة كأنّك شفيق، وأنا أرجو أن تكون لي الدائرة عليكم فأجتاحكم في الوقعة، وأن تؤتوا النصر ويكن لكم الأمر في الدنيا، فكم لعمري
ص: 55
من ظالم قد نصرتم، وكم من مؤمن قد قتلتم ومثّلتم به، وإلى اللّه مصيركم ومصيرهم، وإلى اللّه مرد الأمور وهو أرحم الراحمين وهو المستعان على ما تصفون.
وكتب إلى عمرو: زعمت أنك تكره أن يصيبني منك ظفر، وأشهد أنّك من المبطلين، وتزعم انّك لي نصيح، واقسم أنّك عندي ظنين، وتزعم أنّ أهل البلد قد رفضوا رأيي وندموا على اتباعي، فأولئك لك وللشيطان الرجيم أولياء، وحسبنا اللّه ربّ العالمين.
فأقبل عمرو حتّى قصد مصر، فقام محمّد في الناس فقال: معاشر المسلمين والمؤمنين، إنّ القوم الذين كانوا ينتهكون الحرمة وينعشون الضلال، ويشبّون نار الفتنة ويتسلّطون بالجبريّة، قد نصبوا لكم العداوة وساروا إليكم بالجنود. عباد اللّه،فمن أراد الجنّة والمغفرة فليخرج إلى هؤلاء القوم فليجاهدهم.
فلمّا دنا عمرو من كنانة سرّح الكتائب كتيبة بعد كتيبة، فجعل كنانة لا تأتيه كتيبة إلاّ شدّ عليها بمن معه حتّى يقربها بعمرو، فعل ذلك مراراً، فلمّا رأى عمرو ذلك بعث إلى معاوية بن حديج فأتاه في مثل الدهم، فأحاط بكنانة وأصحابه واجتمع أهل الشام عليهم من كلّ جانب، فلمّا رأى ذلك كنانة نزل عن فرسه ونزل أصحابه وكنانة يقول: «وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّه ِ كِتَاباً مُؤجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الاْخِرَةِ نُؤتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ»(1) فضاربهم بسيفه حتّى استشهد.
وأقبل عمرو نحو محمّد وقد تفرّق عنه أصحابه - لمّا بلغهم قتل كنانة - حتّى بقى
ص: 56
وما معه أحد من أصحابه، فلمّا رأى ذلك خرج يمشي في الطريق حتّى انتهى إلى خربة في ناحية الطريق فأوى إليها، وجاء عمرو حتّى دخل الفسطاط، وخرج معاوية بن حديج في طلب محمّد حتّى انتهى إلى علوج في قارعة الطريق، فسألهم: هل مرّ بكم أحد تنكرونه فقال أحدهم: إنّي دخلت تلك الخربة فإذا أنا برجل فيها جالس. فقال ابن حديج: هو وربّ الكعبة. فانطلقوا يركضون حتّى دخلوا عليه فاستخرجوه وقد كاد يموت عطشا، فأقبلوا به نحو فسطاط مصر، ووثب أخوه عبد الرحمن بن أبي بكر إلى عمرو - وكان في جنده - فقال: أتقتل أخي صبرا ابعث إلى ابن حديج فانهه. فبعث إليه عمرو يأمره أن يأتيه بمحمّد، فقال معاوية: قتلتم كنانة وأخلّي أنا عن محمد هيهات «أَ كُفّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ» قال لهم محمد: اسقوني. فقال ابن حديج: لا سقاه اللّه إن سقاك قطرة أبدا، إنّكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتّى قتلتموه صائما محرما، فتلقاه اللّه بالرحيق المختوم، واللّه لأقتلنك يا ابن أبي بكر فيسقيك اللّه الحميم والغسّاق.
فقال له محمد: يا ابن اليهودية النساجة ليس ذلك اليوم إليك ولا إلى من ذكرت، إنمّا ذلك إلى اللّه عزّ وجلّ، يسقي أولياءه ويظمئ أعداءه أنت وضرباؤ ومن تولاه، أما واللّه لو كان سيفي في يدي ما بلغتم منّي هذا.
فقال له معاوية بن حديج: أتدري ما أصنع بك؟ أدخلك في جوف حمار ثمّ أحرقه عليك بالنار.
فقال له محمّد: إن فعلتم ذاك بي فطالما فعل ذلك بأولياء اللّه، وإني لأرجو هذه النار التي تحرقني بها أن يجعلها اللّه عليّ بردا وسلاما كما جعلها على خليله إبراهيم عليه السلام، وأن يجعلها عليك وعلى أوليائك كما جعلها على نمرود وأوليائه، إن
ص: 57
اللّه يحرقك ومن ذكرته قبل - يعني: عثمان - وإمامك - يعني: معاوية - وهذا - وأشار إلى عمرو - بنار تلظى عليكم كلّما خبت زادها اللّه عليكم سعيرا.
قال له ابن حديج: إني إنّما أقتلك بعثمان.
قال له محمد: وما أنت وعثمان إنّ عثمان عمل بالجور ونبذ حكم القرآن وقد قال تعالى: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّه ُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ»(1) نقمنا عليه ذلك، وحسنت أنت ونظراؤك له ذلك، فقد برّأنا اللّه تعالى من ذنبه، وأنت شريكه في إثمه وعظم ذنبه وجاعلك على مثاله.
فغضب ابن حديج فقدمه فقتله، ثم ألقاه في جيفة حمار وأحرقه بالنار(2).
قال إبراهيم: حدّثني عبداللّه بن محمّد بن عثمان، عن علي بن محمد بن أبي سيف، عن أصحابه أن عليا عليه السلام لمّا أجاب محمّد بن أبي بكر بهذا الجواب كان ينظر فيه (في الجواب) ويتعلمه ويقضي به فلمّا ظهر عليه وقتل أخذ عمرو بن العاص كتبه أجمع فبعث بها إلى معاوية بن أبي سفيان وكان معاوية ينظر في هذا الكتاب ويعجبه فقال الوليد بن عقبة وهو عند معاوية لمّا رأى إعجاب معاوية به: مُر بهذه الأحاديث أن تحرق فقال له معاوية: مه يا ابن أبي معيط إنّه لا رأي لك فقال له الوليد: إنه لا رأي لك أفمن الرأي أن يعلم الناس أن أحاديث أبي تراب عندك تتعلم منها وتقضي بقضائه فعلام تقاتله فقال معاوية ويحك أتأمرني أن أحرق علما مثل هذا واللّه ما سمعت بعلم أجمع منه ولا أحكم ولا أوضح(3).
ص: 58
إنّ هاشماً وإن كان قتل في صفّين سنة (37) وقتل محمّد بن أبي بكر في مصر كان في سنة (38) إلاّ أنّ توليته عليه السلام لمحمّد كان قبل صفّين بعد عزل قيس بن سعد بن عبادة عنها، وأراد عليه السلام تولية هاشم فطلب منه عليه السلام ابن أخيه عبداللّه بن جعفر - أخو محمّد لأُمّه - تولية محمّد.
قال ابن دريد: عرصة الدار: ما لا بناء فيه(1) ومثله الجوهري، وفي (الأساس): قال النضر: لو جلست في بيت من بيوت الدار كنت جالساً في العرصة، بعد ألاّ تكون في العلو(2) وكيف كان، فعدم تخلية العرصة كناية عن عدم اعطائهم المهلة.
يعني: لا يعطيهم فرصة يغتنمونها، هذا، وأنّ الطبري والمدائني رويا بدل «ولا أنهزمهم الفرصة»: «ولمّا قتل إلاّ وسيفه في يده».
روى عن المدائني أنّ عبداللّه بن عبّاس قدم من البصرة على عليّ عليه السلام فعزاه عن محمّد بن أبي بكر.
وروى المدائني أنّ عليّاً قال: رحم اللّه محمّداً كان غلاماً حدثاً، لقد كنت أردت
ص: 59
أن أولي المرقال هاشم بن عتبة مصر، فإنّه واللّه لو وليها لما خلى لابن العاص وأعوانه العرصة، ولا قتل إلاّ سيفه في يده، بلا ذم لمحمّد، فلقد أجهد نفسه فقضى ما عليه.
وقال المدائني: وقيل لعليّ عليه السلام: لقد جزعت على محمّد بن أبي بكر جزعاً شديداً يا أميرالمؤمنين فقال: وما يمنعني! إنّه كان لي ريبباً، وكان لبني أخاً، وكنت له والداً، أعده ولدا(1) .
وقد وردت في مدحه روايات:
منها: عن حمزة بن محمّد الطيّار، قال: ذكرنا محمّد بن أبي بكر عند أبي عبداللّه عليه السلام فقال أبو عبداللّه عليه السلام: رحمه اللّه وصلّى عليه، قال لأميرالمؤمنين عليه السلام يوماً من الأيّام ابسط يدك أبايعك! فقال عليه السلام: أوما فعلت؟ قال: بلى، فبسط يده، فقال أشهد أنّك إمام مفترض طاعتك وأنّ أبي في النار.
فقال أبو عبداللّه عليه السلام: كان إنجابه (النجابة) من قبل أُمّه أسماء بنت عميس رحمة اللّه عليها لا من قبل أبيه(2).
ومنها: عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام أنّ محمّد بن أبي بكر بايع عليّاً عليه السلام على البراءة من أبيه(3).
ومنها: عن ميسر بن عبدالعزيز، عن أبي جعفر عليه السلام قال: بابع محمّد بن أبي بكر على البراءة من الثاني(4).
ص: 60
ومنها: عن شعيب، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: ما من أهل بيت إلاّ ومنهم نجيب من أنفسهم، وأنجب النجباء من أهل بيت سوء منهم محمّد بن أبي بكر(1).
أُمّ محمّد بن أبي بكر أسماء بنت عميس بن النعمان بن كعب بن مالك بن قحافة بن خثعم كانت تحت جعفر بن أبي طالب وهاجرت معه إلى الحبشة فولدت له هناك عبداللّه بن جعفر الجواد ثم قتل عنها يوم مؤة فخلف عليها أبو بكر فأولدها محمّدا ثمّ مات عنها فخلف عليها علي بن أبي طالب وكان محمّد ربيبه وخريجه وجاريا عنده مجرى أولاده رضع الولاء والتشيع مذ زمن الصبا فنشأ عليه فلم يكن يعرف له أبا غير علي ولا يعتقد لأحد فضيلة غيره حتى قال علي عليه السلام محمّد ابني من صلب أبي بكر وكان يكنى أبا القاسم في قول ابن قتيبة(2) وقال غيره بل كان يكنى أبا عبد الرحمن(3).
اشترك مع الإمام في حرب الجمل ضدّ أخته عائشة وضد طلحة والزبير ولما انجلت المعركة عن هزيمة أصحاب الجمل دخل على أخته عائشة فسلّم عليها فلم تكلّمه.
فقال لها: أنشدك اللّه أتذكرين يوم حدّثتني عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: الحق لن يزال مع عليّ وعليّ مع الحق ولن يختلفا ولن يفترقا؟ قالت: نعم(4).
وكان محمدّ من زهّاد قريش ونساكها وكان ممّن أعان يوم الدار وامّا انّه باشر
ص: 61
قتل عثمان أم لا فقد اختلف فيه؛ ومن ولده قاسم بن محمّد فقيه الحجاز ومن ولد القاسم عبد الرحمن بن القاسم بن محمد وهو أيضاً كان من فضلاء قريش تكنّى أبا محمّد ومن القاسم أمّ فروة تزوّجها الباقر عليه السلام وقد تولّد منها الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام وهذا ممّا قد كفى لها فخراً فإمامنا الصادق ينسب من قبل أُمّه إلى محمّد بن أبي بكر وإلى أُمّ فروة أشار الرضي أبو الحسن رحمه الله بقوله:
يفاخرنا قوم بمن لم يلدهم *** بتيم إذا عد السوابق أو عدي
وينسون من لو قدموه لقدموا *** عذار جواد في الجياد مقلد
فتى هاشم بعد النبيّ وباعها *** لمرمي علا أو نيل مجد وسؤد
ولولا علي ما علوا سرواتها *** ولا جعجعوا فيها بمرعى ومورد
أخذنا عليكم بالنبيّ وفاطم *** طلاع المساعي من مقام ومقعد
وطلنا بسبطي أحمد ووصيه *** رقاب الورى من متهمين ومنجد
وحزنا عتيقا وهو غاية فخركم *** بمولد بنت القاسم بن محمّد
فجد نبي ثم جد خليفة *** فما بعد جدّينا عليّ وأحمد(1)
وما افتخرت بعد النبي بغيره *** يد صفقت يوم البياع على يد(2)
قوله:
ولولا علي ما علوا سرواتها
البيت - ينظر فيه إلى قول المأمون في أبيات يمدح فيها عليّاً - أوّلها:
الأم على حبي الوصي أبا الحسن *** وذلك عندي من أعاجيب ذا الزمن
ص: 62
والبيت المنظور إليه منها قوله:
ولولاه ما عدت لهاشم إمرة *** وكان مدى الأيام يعصى ويمتهن(1)
ولأجل هذا أي حبّ محمّد بن أبي بكر لعليّ وأولاده صار مغضوباً عند العامّة فانّك تراهم يسمون معاوية بسبب أخته أمّ حبيبة خال المؤمنين ولا يسمّون محمّداً بذلك مع انّه كان أخاً لعايشة بنت أبي بكر وليس هذا إلاّ لنصب معاوية عداوته لأميرالمؤمنين وسبّه إيّاه وكون محمّد رضى الله عنه من خواص أصحابه ومن شعره رحمه الله في هذا الباب:
يا أبانا قد وجدنا ما صلح *** خاب من أنت أبوه وافتضح
إنّما أخرجنا منك الذي *** أخرج الدر من الماء الملح
أنسيب العهد في خمّ وما *** قاله المبعوث فيه وشرح
فيك وصى أحمد في يومها *** أم لمن أبواب خير قد فتح
أم بارث قد تقمصت بها *** بعد ما يحتجّ عجلك وكشح
وسألك المصطفى عمّا جرى *** من قضاياكم ومن تلك القبح
ثمّ عن فاطمة وارثها *** من روى فيه ومن فيه فضح
ما ترى عذرك في الحشر غدا *** یا لك الويل إذ الحقّ اتّضح
فعليك الخزي من ربّ السما *** كلّما ناح حمام وصدح
يا بني الزهراء أنتم عدتي *** وبكم في الحشر ميزاني رجح
وإذا صحّ ولائي بكم *** لا أبالي أي كلب قد نبح(2)
ص: 63
وفي المروج لما وصل محمّد إلى مصر بعد قيس كتب إلى معاوية - بعد ذكر بعث اللّه تعالى لنبيّه صلى الله عليه و آله - :
فكان أول من أجاب وأناب وآمن وصدق وأسلم وسلم أخوه وابن عمه عليّ بن أبي طالب، صدقه بالغيب المكتوم، وآثره على كل حميم، ووقاه بنفسه في كل هول، وحارب من حاربه، وسالم من سلمه، فلم يبرح مبتذلاً لنفسه في ساعات الليل والنهار والخوف والجوع والخضوع حتّى برز سابقاً لا نظير له فيمن اتبعه، ولا مقارب له في فعله، وقد رأيتك تساميه وأنت أنت، وهو هو، أصدق الناس نية، وأطيب الناس ذرية، وخير الناس زوجة، وأفضل الناس ابن عم وأخوه الشاري بنفسه يوم مؤة، وعمّه سيد الشهداء يوم أحد، وأبوه الذاب عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعن حوزته، وأنت اللعين بن اللعين لم تزل أنت وأبوك تبغيان لرسول اللّه صلى الله عليه و آله الغوائل، وتجهدان في إطفاء نوره اللّه، تجمعان عليه الجموع، وتبذلان فيه المال، وتؤلّبان عليه القبائل، وعلى ذلك مات أبوك، وعليه خلفته، والشهيد عليك من تدنى ويلجأ إليك من بقية الأحزاب ورؤساء النفاق، والشاهد لعلي مع فضله المبين القديم أنصاره، الذين معه وهم الذين ذكروا بفضلهم، وأثنى عليهم من المهاجرين والأنصار، فكيف يا لك الويل تعدل نفسك بعلي وهو وارث رسول اللّه صلى الله عليه و آلهووصيه وأبو ولده، وأوّل الناس له اتباعا، وأقربهم به عهدا، يخبره بسره، ويطلعه على أمره، وأنت عدوه وابن عدوه، فتمتع في دنياك ما استطعت بباطلك، وليمددك ابن العاص في غوايتك فكان أجلك قد انقضى - إلى أن قال - : فكتب إليه معاوية:
من معاوية بن صخر، إلى الزاري على أبيه محمّد بن أبي بكر أمّا بعد: فقد أتاني كتابك ولأبيك فيه تعنيف، ذكرت فيه فضل ابن أبي طالب، وقديم سوابقه، وقرابته
ص: 64
إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومواساته إيّاه في كلّ هول وخوف، فقد كنا وأبوك فينا نعرف فضل ابن أبي طالب وحقّه لازماً لنا مبروراً علينا، فلمّا قبض اللّه نبيّه صلى الله عليه و آله كان أبوك وفاروقه أوّل من ابتزه حقّه، وخالفه على أمره، على ذلك اتّفقا واتّسقا، ثمّ إنّهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما، وتلكأ عليهما، فهمّا به الهموم، وأرادا به العظيم، ثمّ إنّه بايع لهما وسلّم لهما، وأقاما لا يشركانه في أمرهما، ولا يطلعانه على سرّهما، حتّى قبضا، ثمّ قام ثالثهما عثمان فهدي بهديهما وسار بسيرهما، فعبته أنت وصاحبك - إلى أن قال - : وقس شبرك بفترك، تقصر عن توازي أو تساوي من يزن الجبال بحلمه، أبوك مهد مهاده، وبنى لملكه وساده، فان يك ما نحن فيه صواباً فأبوك استبدّ به ونحن شركاؤه ولولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب، ولسلّمنا إليه، ولكنّا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا فأخذنا بمثله، فعب أباك بما بدا لك أو دع ذلك(1).
ص: 65
بسم الرحمن الرحیم
كَمْ أُدَارِيكُمْ كَمَا تُدَارَى الْبِكَارُ الْعَمِدَةُ وَالثِّيَابُ الْمُتَدَاعِيَةُ كُلَّمَا حِيصَتْ مِنْ جَانِبٍ تَهَتَّكَتْ مِنْ آخَرَ كُلَّمَا أَطَلَّ عَلَيْكُمْ مَنْسِرٌ مِنْ مَنَاسِرِ أَهْلِ الشَّامِ أَغْلَقَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بَابَهُ وَانْجَحَرَ انْجِحَارَ الضَّبَّةِ فِي جُحْرِهَا وَالضَّبُعِ فِي وِجَارِهَا الذَّلِيلُ وَاللّه ِ مَنْ نَصَرْتُمُوهُ وَمَنْ رُمِيَ بِكُمْ فَقَدْ رُمِيَ بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ إِنَّكُمْ وَاللّه ِ لَكَثِيرٌ فِي الْبَاحَاتِ قَلِيلٌ تَحْتَ الرَّايَاتِ وَإِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ وَيُقِيمُ أَوَدَكُمْ وَلَكِنِّي لا أَرَى إِصْلاحَكُمْ بِإِفْسَادِ نَفْسِي أَضْرَعَ اللّه ُ خُدُودَكُمْ وَأَتْعَسَ جُدُودَكُمْ لا تَعْرِفُونَ الْحَقَّ كَمَعْرِفَتِكُمُ الْبَاطِلَ وَلا تُبْطِلُونَ الْبَاطِلَ كَإِبْطَالِكُمُ الْحَقَّ
روى اليعقوبي: أنّ معاوية وجّه النعمان بن بشير فأغار على مالك بن كعب الأرحبي، وكان عامل عليّ عليه السلام على مسلحة عن التمر، فندب عليّ عليه السلام الناس فقال: يا أهل الكوفة انتدبوا إلى أخيكم مالك بن كعب، فإنّ النعمان بن بشير قد نزل به في جمع ليس بكثير لعلّ اللّه أن يقطع من الظالمن طرفا. فأبطؤوا ولم يخرجوا فصعد المنبر فتكلّم كلاماً خفيّاً لم يسمع، فظنّ الناس أنّه عليه السلام يدعو اللّه، ثمّ رفع صوته فقال: أمّا بعد، يا أهل الكوفة، أكلّما أقبل منسر من مناسر أهل الشام أغلق كلّ امرى ء منكم بابه، وانجحر في بيته انجحار الضب والضبع الذليل في وجاره افّ
ص: 66
لكم لقد لقيت منكم برحا، يوماً أناجيكم ويوماً أناديكم، فلا إخوان عند النجاء ولا أحرار عند النداء.
ثمّ دخل بيته فقام عديّ بن حاتم وقال للناس: هذا واللّه الخذلان القبيح(1).
وروى الطبري مسنداً عن شيخ من بني فزارة قال: بعث معاوية النعمان بن بشير في ألفين فأتوا عين التمر - إلى أن قال - : فانتهيت إلى عليّ عليه السلام على المنبر، وقد سبقني بالتشهّد وهو يقول: يا أهل الكوفة كلّما سمعتم بمنسر من مناسر أهل الشام أظلكم الجحر كلّ امرى ء منكم في بيته وأغلق بابه، انجحار الضب في جحره والضبع في وجارها، المغرور من غررتموه ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب، لا أحرار عند النداء ولا إخوان ثقة عند النجاء، ماذا منيت به منكم عمى لا تبصرون وبكم لا تنطقون وصمّ لا تستمعون إنّا للّه وإنّا إليه راجعون(2).
لكنّ المستندين خاليان من صدر العنوان إلى «تهتكت من آخر».
بالكسر: جمع البكر، بالفتح: الفتي من الإبل.
أي المنفضخ داخل سنامها من الركوب وظاهره صحيح، خصّ عليه السلام من الإبل البكار المريضة لأن مداراتها أشدّ من مداراة المسنّة المريضة، وقد شبّههم عليه السلام في موضع آخر بالآبال من حيث آخر فقال: يا أشباه الإبل غاب عنها رعاؤها، كلّما
ص: 67
اجتمعت من جانب تفرّقت من جانب(1).
أي: ثباب تدعو كلّ قطعة منها الأخرى إلى الخرق.
أي خيطت.
أي تخرقت.
أي: من جانب آخر.
لمّا خاف نصر بن سيّار عامل مروان بن محمّد على خراسان خروج أبي مسلم كتب إلى مروان يستنصره، فأبطأ فأعاد عليه:
والثوب إن أنهج فيه البلى *** أعيي على ذي الحيلة الصانع
كنّا نداريها فقد مزّقت ***واتسع الخرق على الراقع(2).
ص: 68
بالمهملة أي أشرف.
بالكسر: قطعة من الجيش يمرّ قدام الجيش الكثير، قاله الجوهري(1).
وقال ابن دريد: المنسر: ما بين الأربعين إلى الخمسين من الخيل(2).
في (الأغاني) وقعة ذي قار: أقبلت الأعاجم يسيرون على تعبيد، فلمّا رأتهم بنو قيس بن ثعلبة انصرفوا فلحقوا بالحي، فاستخفوا فسمّي حيّ بن قيس بن ثعلبة: خفيا(3).
بتقديم الجيم أي اختفى.
بتقديم الجيم ثقبتها في الأرض التي تأوى إليها.
ص: 69
بالكسر والفتح سرب الضبع في الأرض.
خرج الياس بن مضر منتجعاً ومعه أهله وماله، فدخلت بين إبله أرنب فنفرت الإبل، فخرج عمرو بن الياس في طلبها فأدركها، فسمّاه أبوه: مدركة، وخرجت ليلى خلف ابنها مهرولة فقال لها إلياس: إلى أين تخندفين فسمّيت: خندف، وخرج عامر في طلب الأرنب فصادها وطبخها، فقال له أبوها: أنت طابخة، ورأى عميرا قد انقمع في المظلّة فهو يخرج رأسه منه، فقال له: أنت قمعة(1).
خاتمة: روى الدميري عن ر الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله كَانَ فِي مَحْفِلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ قَدْ صَادَ ضَبّاً وَجَعَلَهُ فِي كُمِّهِ لِيَذْهَبَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ فَرَأَى جَمَاعَةً محتفين بالنبي صلى الله عليه و آله فَقَالَ: عَلَى مَنْ هَؤلاءِ الْجَمَاعَةُ؟ فَقَالُوا: عَلَى هَذَا الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَأَتَاهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ مَا اشْتَمَلَتِ النِّسَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَكْذَبَ مِنْكَ فَلَوْلا أَنْ يُسَمِّيَنِيَ الْعَرَبُ عَجُولاً لَقَتَلْتُكَ وَسَرَرْتُ النَّاسَ بِقَتْلِكَ أَجْمَعِينَ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللّه ِ دَعْنِي أَقْتُلْهُ فَقَالَ صلى الله عليه و آله: لا أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْحَلِيمَ كَادَ أَنْ يَكُونَ نَبِيّاً ثُمَّ أَقْبَلَ الْأَعْرَابِيُّ عَلَى رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله فَقَالَ: وَاللاّتِ وَالْعُزَّى لا آمَنْتُ بِكَ حَتّى يُؤمِنَ بِكَ هَذَا الضَّبُّ وَأَخْرَجَ الضَّبَّ مِنْ كُمِّهِ فَطَرَحَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله فَقَالَ: إِنْ آمَنَ بِكَ آمَنْتُ بِكَ فَقَالَ صلى الله عليه و آله: يَا ضَبُّ فَكَلَّمَهُ الضَّبُّ بِلِسَانٍ طَلْقٍ فَصِيحٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ يَفْهَمُهُ الْقَوْمُ جَمِيعاً لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَسُولَ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَقَالَ صلى الله عليه و آله: مَنْ تَعْبُدُ؟ قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ عَرْشُهُ وَفِي الْأَرْضِ سُلْطَانُهُ وَفِي الْبَحْرِ سَبِيلُهُ وَفِي الْجَنَّةِ رَحْمَتُهُ وَفِي النَّارِ عَذَابُهُ
ص: 70
فَقَالَ صلى الله عليه و آله: فَمَنْ أَنَا يَا ضَبُّ؟ قَالَ: أَنْتَ رَسُولُ اللّه ِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ صَدَّقَكَ وَقَدْ خَابَ مَنْ كَذَّبَكَ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاّ اللّه ُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللّه ِ حَقّاً وَاللّه ِ لَقَدْ أَتَيْتُكَ وَمَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ هُوَ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْكَ وَوَاللّه ِ لأَنْتَ السَّاعَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَمِنْ وُلْدِي فَقَدْ آمَنَ بِكَ شَعْرِي وَبَشَرِي وَدَاخِلِي وَخَارِجِي وَسِرِّي وَعَلانِيَتِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّه صلى الله عليه و آله: الْحَمْدُ للّه ِِ الَّذِي هَدَاكَ إِلَى هَذَا الَّذِي يَعْلُو وَلا يُعْلَى عَلَيْهِ - الخبر - (1).
قال الحجّاج يوماً لجلسائه: ما حرّض عليّ أحد في خروج ابن الأشعث عليّ كما حرض أبو كلدة، فإنّه نزل عن سرجه في وسط عسكر ابن الأشعث ثمّ نزع سراويله فوضعه وسلح فوقه والناس ينظرون إليه، فقالوا له: ويلك أجننت؟ ما هذا الفعل؟ قال: كلّكم قد فعلتم مثل هذا إلاّ أنّكم سترتموه وأظهرته، فشتموه وحملوا عليّ، فما أنساهم وهو يقدمهم ويقول:
نحن جلبنا الخيل من زرنجا *** مالك يا حجاج منّا منجى
لتبعجنّ بالسيوف بعجا *** أو لنفرقن بذاك أحجى
فلقد كاد أهل الشام يومئذٍ يتضعضعون(2).
ص: 71
قال ابن أبي الحديد: نظيره قول عويف القوافي:
ألستم أقلّ الناس عند لوائهم *** وأكثرهم عند الذبيحة والقدر(1).
رأى عمرو بن العاص معاوية يوماً فضحك وقال مِمَ تضحك يا أميرالمؤمنين أضحك اللّه سنك؟ قال: أضحك من حضور ذهنك عند إبدائك سوءتك يوم ابن أبي طالب واللّه لقد وجدته منانا كريماً ولو شاء أن يقتلك لقتلك فقال عمرو: يا أميرالمؤمنين أما واللّه إنّي لعن يمينك حين دعاك إلى البراز فأحولت عيناك وانفتح سحرك وبدا منك ما أكره ذكره لك فمن نفسك فاضحك أو فدع(2).
وخرج مغيرة بن سعيد العجلي في ثلاثين رجلا ظهر الكوفة فعطعطوا(3) وخالد بن عبداللّه القسري أمير العراق يخطب على المنبر فعرق واضطرب وتحير وجعل يقول أطعموني ماء فهجاه ابن نوفل فقال:
أ خالد لا جزاك اللّه خيرا *** وأيري في حر أمك من أمير
تروم الفخر في أعراب قسر *** كأنك من سراة بني جرير
جرير من ذوي يمن أصيل *** كريم الأصل ذو خطر كبير
وأمك علجة وأبوك وغد *** وما الأذناب عدل للصدور
وكنت لدى المغيرة عبد سوء *** تبول من المخافة للزئير
لأعلاج ثمانية وشيخ كبير *** السن ليس بذي ضرير
ص: 72
صرخت من المخافة أطعموني *** شرابا ثم بلت على السرير(1)
قلت: وقال الفرزدق:
يستيقظون إلى نهاق حميرهم *** وتنام أعينهم عين الأوتار(2)
وقال ابن حرثان في أميّة بن خالد بن عبداللّه بن اسيد:
إذا صوت العصفور طار فؤاده *** وليث حديد الناب عند الثرائد(3)
وقال ثابت قطنة في من فرّ عن يزيد بن المهلب حتّى قتل:
عصافير تنزو في الفساد وفي الوغى *** إذا راعها روع جماميح بروق(4)
فأنتم على الأدنى أسود مخيفة(5) *** وأنتم على الأعداء خزان سملق(6)
ويروي أنّ أسديّاً وهذليا تفاخرا فرضيا برجل فقال: إنّي ما أقضي بينكما إلاّ أن تجعلا لي عقداً وثيقاً: ألاّ تشتماني ولا تضرباني، فإنّي لست في بلاد قومي. ففعلا، فقال: أمّا أنت يا أخا بني أسد فكيف تفاخر العرب وأنت تعلم أنّه ليس حي أحبّ إلى الجيش (الخلس) ولا أبغض إلى الضيف ولا أقلّ تحت الرايات منكم وأمّا أنت يا أخا هذيل فكيف تكلّم الناس وفيكم خلال ثلاث: كان منكم دليل الحبشة على الكعبة، ومنكم خولة ذات النحيين، وسألتم النبيّ صلى الله عليه و آله أن يحلّ لكم الزنا ولكن إن
ص: 73
أردتما بيتي (بني) مضر فعليكما بهذين الحيين من تميم وقيس، قوما في غير حفظ اللّه (1).
هذا ووصف النبيّ صلى الله عليه و آله - كما في الخبر - الأنصار بضد ما وصف عليه السلام أهل الكوفة، فقال لهم: إنّكم لتكثرون عند الفزع، وتقلّون عند الطمع(2).
قالوا: كان عمرو من بعده - إلى زياد- إذا أخذوا العصاة نزعوا عمائمهم وأقاموهم للناس، وأمّا زياد فيضربهم بالسياط، فجاء بعده مصعب فحلق مع الضرب بالسياط، فجاء بعده بشر بن مروان فكان يصلب تحت الإبطين ويضرب الأكف بالمسامير، فأخرج بشر إلى الريّ فكتب إليهم يتشوّقونه، فأجابهم:
لولا مخافة بشر أو عقوبته *** أو أن يرى شأنئي كفي بمسمار
إذا لعطّلت ثغري ثم زرتكم *** إنّ المحب المعنّى جدّ زوار
فلما جاء الحجاج قال: كل هذا لعب. فقتل العصاة بالسيف(3).
فلمّا ولي في سنة (75) العراق دخل الكوفة قبل البصرة فخطبهم وتهددهم، ثمّ قال: ما كانت الولاة تفعل بالعصاة قبلي، فقالوا: كانت تضرب وتحبس. فقال: ولكن ليس لهم عندي إلاّ السيف، إنّ المسلمين لو لم يغزوا المشركين لغزاهم المشركون، ولو ساغت المعصية لأهلها ما قوتل عدو ولا جبي فيء.
ص: 74
ثم جلس لتوجيه الناس فقال: قد أجلّتكم ثلاثا وأقسم باللّه لا يتخلّف أحد من أصحاب المهلب بعدها ولا من أهل الثغور إلاّ قتلته.
ثم قال لصاحب حرسه ولصاحب شرطته: إذا مضت ثلاثة أيام فاتّخذا سيوفكما.
فجاءه عمير بن ضابئ البرجميّ بابنه فقال: إنّ هذا أنفع لكم منّي ،و هو أشدّ بني تميم أبدانا وأجمعهم سلاحا وأربطهم جأشا، وأنا شيخ كبير عليل، واستشهد جلساءه، فقال الحجاج: عذرك لواضح، وإنّ ضعفك لبيّن ولكنّي أكره أن يجترئ بك الناس عليّ وبعد فأنت ابن ضابئ صاحب عثمان، ثمّ أمر به فقتل، فاحتمل الناس وإنّ أحدهم ليتبع بزاده وسلاحه، وأتى الحجّاج البصرة فكان عليهم أشدّ الحاحا، وقد كان أتاهم خبره بالكوفة، فتحمّل الناس قبل قدومه فأتاه رجل من بني يشكر وقد كان شيخاً كبيراً أعور، وكان يجعل على عينه العوراء صوفة، فكان يلقّب ذا الكرسفة، فقال للحجّاج: إنّ بي فتقاً وقد عذرني بشر بن مروان، وقد رددت العطاء، فقال: إنّك عندي لصادق، ثمّ أمر به فضربت عنقه، ففي ذلك قال الشاعر:
لقد ضرب الحجاج بالمصر ضربة *** تقرقر منها بطن كل عريف
وعن ابن البئر قال: إنّا لنتغدّى مع الحجّاج إذ جاءه رجل من بني سليم برجل يقوده، فقال له: إن هذا لعاص. فقال: أنشدك اللّه في دمي فو اللّه ما قبضت ديوانا قط ولا شهدت عسكرا، وإني لحائك أخذت من تحت الحف. فقال الحجّاج: اضربوا عنقه. فلما أحس بالسيف سجد فلحقه السيف وهو ساجد، فأمسكنا عن الطعام فأقبل علينا فقال: ما لي صفرت أيديكم واصفرت وجوهكم وحدّ نظركم
ص: 75
من قتل رجل واحد(1).
في الإرشاد قال عليه السلام: وما كنت متحريا صلاحكم بفساد نفسي ولكن سيسلّط عليكم بعدي سلطان صعب لا يوقر كبيركم ولا يرحم صغيركم ولا يكرم عالمكم ولا يقسم الفيء بالسوية بينكم وليضربنكم وليذلنكم ويجمّرنّكم في المغازي ويقطعن سبيلكم وليحجبنكم على بابه حتى يأكل قويّكم ضعيفكم ثمّ لا يبعد اللّه إلاّ من ظلم منكم ولقل ما أدبر شيء ثم أقبل وإني لأظنكم في فترة وما علي إلاّ النصح لكم(2).
وعن فرقد البجلي قال: سمعت عليّاً عليه السلام يقول: يا معشر أهل الكوفة، واللّه لقد ضربتكم بالدرة التي أعظ بها السفهاء فما أراكم تنتهون، ولقد ضربتكم بالسياط التي أقيم بها الحدود فما أراكم ترعوون، فما بقي إلاّ سيفي وإنّي لأعلم الذي يقومكم بإذن اللّه، ولكنّي لا أحب أن آتي ذلك منكم(3).
وعن الأصبغ بن نباتة قال: أتى ابن عمرو ولد أبي بكر وسعد بن أبي وقّاص إلى عليّ عليه السلام وطلبوا منه التفضيل لهم، فصعد المنبر وقال في خطبته: فلا يقولنّ رجال غمرتهم الدنيا - إلى أن قال - : وَقَدْ عَاتَبْتُكُمْ بِدِرَّتِيَ الَّتِي أُعَاتِبُ بِهَا أَهْلِي فَلَمْ تُبَالُوا، وَضَرَبْتُكُمْ بِسَوْطِيَ الَّذِي أُقِيمُ بِهِ حُدُودَ رَبِّي فَلَمْ تَرْعَوُوا، أَتُرِيدُونَ أَنْ
ص: 76
أَضْرِبَكُمْ بِسَيْفِي، أَمَا إِنِّي أَعْلَمُ الَّذِي تُرِيدُونَ وَيُقِيمُ أَوَدَكُمْ، وَلَكِنْ لا أَشْتَرِي صَلاحَكُمْ بِفَسَادِ نَفْسِي، بَلْ يُسَلِّطُ اللّه ُ عَلَيْكُمْ قَوْماً فَيَنْتَقِمُ لِي مِنْكُمْ، فَلا دُنْيَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا وَلا آخِرَةَ صِرْتُمْ إِلَيْهَا، فَبُعْداً وَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ(1).
وعن زيد بن عليّ قال: قال عليّ عليه السلام: إِنِّي دَعَوْتُكُمْ إِلَى الْحَقِّ فَتَوَلَّيْتُمْ عَنِّي، وَضَرَبْتُكُمْ بِالدِّرَّةِ فَأَعْيَيْتُمُونِي، أَمَا إِنَّهُ سَيَلِيكُمْ بَعْدِي وُلاةٌ لَا يَرْضَوْنَ مِنْكُمْ بِذَلِكَ حَتَّى يُعَذِّبُونَكُمْ بِالسِّيَاطِ وَالْحَدِيدِ، فَأَمَّا أَنَا فَلا أُعَذِّبُكُمْ بِهِمَا، إِنَّهُ مَنْ عَذَّبَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا عَذَّبَهُ اللّه ُ فِي الآْخِرَةِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَكُمْ صَاحِبُ الْيَمَنِ حَتَّى يَحُلَّ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، فَيَأْخُذَ الْعُمَّالَ وَعُمَّالَ الْعُمَّالِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ، وَيَقُومُ عِنْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْت - الخبر -(2)
أذلّ اللّه .
الخد يمين الوجه وشماله.
أي أهلك اللّه حظوظكم.
ص: 77
هذا الكلام لا قيمة له ولا يعادله كلام، فإنّ أهل الدنيا يكونون في كلّ عصر كذلك، ولهذه العلّة يتقدّم أهل الباطل ويتأخّر أهل الحق، ففرعون كان يقول للناس: « أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى »(1)، فقبلوا منه، وقال لهم موسى: إنّي رسول ربكم، وأراهم تسع آيات بيّنات فلم يقبلوا منه، والثلاثة المتقدّمون على أميرالمؤمنين عليه السلام جاءوا بتلك البدع المذكورة في مطاعنهم، ولم ينكروا عليهم.
وأمّا إنكارهم على ثالثهم أخيراً فإنّما كان لأنّه خصّ الأموال والولايات بأقاربه وبني أميّة، وإلاّ فلو كان فعل أضعاف ما فعل، وكان يشرك الناس معهم فيهما لما أنكروا عليه أصلاً، كما أنّهم اليوم مع تواتر تلك الشنائع التي يتورّع عنها الفجّار والكفّار يقبلون إمامته.
وأمّا أميرالمؤمنين عليه السلام فمع كونه مظهر كلّ فضيلة كالنبيّ صلى الله عليه و آله حتّى إنّه لم ير أحد منه لفظة أو لحظة على خلاف الشريعة في حياة النبيّ صلى الله عليه و آله وفي أيّام الثلاثة وفي أيّامه عليه السلام، وكيف وهو نفس النبيّ صلى الله عليه و آله بنصّ القرآن، ورأوا منه عليه السلام آيات بيّنات، لاسيّما في الجمل في قصّة كلاب الحوأب وفي صفّين في قصّة عمّار، وفي النهروان في قصّة ذي الثدية فكانوا يعاملون معه عليه السلام تلك المعاملة، فذاك خوارجهم وهذا دواخلهم(2).
ص: 78
بسم الله الرحمن الرحیم
مَلَكَتْنِي عَيْنِي وَأَنَا جَالِسٌ فَسَنَحَ لِي رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللّه ِ مَا ذَا لَقِيتُ مِنْ أُمَّتِكَ مِنَ الْأَوَدِ وَاللَّدَدِ فَقَالَ ادْعُ عَلَيْهِمْ فَقُلْتُ أَبْدَلَنِي اللّه ُ بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ وَأَبْدَلَهُمْ بِي شَرّاً لَهُمْ مِنِّي.
روي هذا الكلام بطرق مختلفة، فروى عن الحسن عليه السلام قال: أتيت أبي فقال لي: أرقت الليلة ثمّ ملكتني عيني، فسنح لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقلت له: ماذا لقيت من أُمّتك من الأود واللد، فقال صلى الله عليه و آله: ادع عليهم، فقلت: اللهم أبدلني خيراً لي منهم، وأبدلهم بي شرّاً لهم منّي، ثمّ خرج إلى الصلاة فاعترضه ابن ملجم(1).
وروى عمّار الدهنيّ عن أبي صالح الحنفيّ قال: سمعت عليّاً عليه السلام يقول: رأيت النبيّ صلى الله عليه و آله في منامي، فشكوت إليه ما لقيت من أمُته من الأود واللدد وبكيت، فقال: لا تبك يا عليّ والتفت، فالتفت فإذا رجلان مصفّدان وإذا جلاميد ترضخ بها رؤوسهما، قال: فغدوت إليه من الغد - كما كنت أغدو إليه في كلّ يوم - حتّى إذا
ص: 79
كنت في الجزّارين لقيت الناس يقولون: قتل أميرالمؤمنين(1).
وعن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن الحرث بن سعيد، عن عليّ عليه السلام قال: رأيت النبيّ صلى الله عليه و آله في النوم، فشكوت إليه ما لقيت من امّته من الأود واللدد، فقال: انظر، فإذا عمرو بن العاص ومعاوية معلّقين منكسين، تشدخ رؤوسهما بالصخر(2).
وقال الحسن عليه السلام - صبيحة التي قتل فيها عليّ عليه السلام - : حدّثني أبي البارحة في هذا المسجد فقال: يا بنيّ إنّي صلّيت البارحة ما رزق اللّه ثمّ نمت نومة، فرأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فشكوت إليه ما أنا فيه من مخالفة أصحابي، وقلّة رغبتهم في الجهاد، فقال لي: ادع اللّه أن يريحك منهم، فدعوت اللّه. وقال الحسن عليه السلام صبيحة تلك الليلة: أيّها الناس إنّه قتل فيكم الليلة رجل كان النبيّ صلى الله عليه و آله يبعثه فيكتنفه جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فلا ينثني يفتح اللّه تعالى له، ما ترك إلاّ ثلاثمائة درهم(3).
وعن أبي عبدالرحمن السلمي عن الحسن عليه السلام: خرجت أنا وأبي نصلّي في هذا المسجد، فقال: يا بنيّ إنّي بت الليلة أوقظ أهلي لأنّها ليلة الجمعة صبيحة قدر تسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، فملكتني عيناي فسنح لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقلت: ماذا لقيت من أمّتك من الأود واللدد، فقال لي: ادع عليهم، فقلت: اللهم أبدلني بهم من هو خير لي منهم، وأبدلهم بي من هو شرّ لهم منّي، وجاء ابن النباح فآذنه بالصلاة فخرج، وخرجت خلفه فاعتوره الرجلان، فأمّا أحدهما فوقعت ضربته في الطاق، وأمّا الآخر فأثبتها في رأسه(4).
ص: 80
وأمّا مقتله عليه السلام: لمّا قتل عليّ عليه السلام أهل النهروان كان بالكوفة زهاء ألفين من الخوارج، ممّن لم يخرج مع عبداللّه بن وهب وقوم ممّن استأمن إلى أبي أيّوب، فتجمّعوا وأمّروا عليهم رجلاً وهم بالنخيلة، فدعاهم ورفق بهم فأبوا، فعاودهم فأبوا، فخرجت طائفة منهم نحو مكّة فوجّه معاوية من يقيم للناس حجّهم، فناوشه هؤلاء الخوارج فبلغ ذلك معاوية، فوجّه بسر بن أرطاة - أحد بني عامر بن لؤي - فتوافقوا وتراضوا بعد الحرب بأن يصلّي بالناس رجل من بني شيبة لئلاّ يفوت الناس الحجّ، فلمّا انقضى قالت الخوارج: إنّ عليّاً ومعاوية قد أفسدا أمر الأُمّة، فلو قتلناهما لعاد الأمر إلى حقّه. وقال رجل من أشجع: ما عمرو دونهما، وإنّه لأصل هذا الفساد، فقال عبدالرحمن بن ملجم: أنا أقتل عليّاً، فقالوا: وكيف لك به؟ قال: اغتاله، فقال الحجّاج بن عبداللّه الصريميّ - وهو البرك - : أنا أقتل معاوية، وقال زادويه - مولى بني العنبر بن عمرو بن تميم - : وأنا أقتل عمرا. فأجمع رأيهم على أن يكون قتلهم في ليلة واحدة، فجعلوا تلك الليلة ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان، فخرج كلّ واحد منهم إلى ناحية، فأتى ابن ملجم الكوفة فأخفى نفسه، وتزوّج امرأة يقال لها: قطام بنت علقمة - من تيم الرباب - وكانت ترى رأي الخوارج.
والأحاديث تختلف وإنّما يؤثر صحيحها، وفي بعضها: أنّها قالت: لا أقنع منك إلاّ بصداق اسمّيه لك، وهو ثلاثة آلاف درهم وعبد وأمة وأن تقتل عليّاً، فقال لها: لك ما سألت، فكيف لي به قالت: تروم ذلك غيلة، وفي ذلك يقول:
ثلاثة آلاف و عبد و قسينة *** وضرب عليّ بالحسام المصمم
فلا مهر أغلى من عليّ وإن غلا ***ولا فتك إلاّ دون فتك ابن ملجم
ص: 81
وذكروا أنّ القاصد لمعاوية: يزيد بن ملجم، وإلى عمرو: آخر من بني ملجم، وأنّ أباهم نهاهم فلمّا عصوه قال: استعدّوا للموت. وأن أُمّهم حضتهم على ذلك والخبر الصحيح ما ذكرت أوّل.
فأقام ابن ملجم فيقال: إنّ قطام لامته وقالت: ألا تمضي لما قصدت لشدّ ما أحببت أهلك، قال: إنّي وعدت صاحبيّ وقتا بعينه. وكان هنالك رجل من أشجع يقال له: شبيب، فواطأه عبدالرحمن.
ويروي أنّ الأشعث نظر إلى عبدالرحمن متقلّداً سيفاً في بني كندة، فقال له: أرني سيفك، فأراه فرأى سيفاً جديداً، فقال: ما تقلّدك السيف وليس بأوان حرب، فقال: أردت أن أنحر به جزور القرية، فركب الأشعث بغلته وأتى عليّاً عليه السلام فخبره وقال له: قد عرفت بسالة ابن ملجم وفتكه، فقال: ما قتلني بعد فخلوا عنه.
ويروي أنّ عليّاً عليه السلام كان يخطب مرّة ويذكر أصحابه وابن ملجم تلقاء المنبر، فسمع وهو يقول: لأريحنّهم منك، فلمّا انصرف عليّ عليه السلام إلى بيته اتي به ملببا فأشرف عليهم فقال: ما تريدون فخبّروه بما سمعوا، فقال عليه السلام: ما قتلني بعد فخلّوا عنه.
ويروي أنّ عليّاً عليه السلام كان يتمثّل إذا رآه ببيت عمرو بن معديكرب في قيس بن مكشوح - واسم المكشوح هبيرة، ضرب على كشحه فسمّي مكشوحاً - :
اريد حباءه ويريد قتلي *** عذيرك من خليلك من مراد
فينتفي من ذلك حتّى أكثر عليه فقال له المرادي: إن قضي شيء كان.
فقيل لعليّ عليه السلام: كأنّك قد عرفته وعرفت ما يريد بك، أفلا تقتله؟ فقال: كيف أقتل قاتلي فلمّا كان ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان خرج ابن ملجم وشبيب
ص: 82
الأشجعي فاعتورا الباب الذي يدخل منه عليّ عليه السلام وكان مغلسا ويوقظ الناس للصلاة فخرج كما كان يفعل فضربه شبيب فأخطأه وأصاب سيفه الباب، وضربه ابن ملجم على صلعته، فقال عليّ عليه السلام: فزت وربّ الكعبة شأنكم بالرجل.
فيروي أنّ بعض من كان بالمسجد من الأنصار قال: سمعت كلمة عليّ عليه السلام ورأيت بريق السيف، فأمّا ابن ملجم فحمل على الناس بسيفه، فأفرجوا له وتلقّاه المغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبدالمطلب بقطيفة فرمى بها عليه، واحتمله فضرب به الأرض - وكان ايدا - فقعد على صدره، وأمّا شبيب فانتزع السيف منه رجل من حضرموت وصرعه وقعد على صدره، وكثر الناس فجعلوا يصيحون: عليكم صاحب السيف، فخاف الحضرمي أن يكبّوا عليه ولا يسمعوا عذره، فرمى بالسيف وانسل شبيب بالناس(1).
ويروى أنّ ابن ملجم بات تلك الليلة عند الأشعث، وأنّ حجر بن عدي سمع الأشعث يقول له: فضحك الصبح، فلمّا قالوا: قتل أميرالمؤمنين عليه السلام، قال حجرللأشعث: أنت قتلته يا أعور.
ويروى أنّ الذي سمع ذاك أخو الأشعث - عفيف بن قيس - وأنّه قال لأخيه: عن أمرك كان هذا يا أعور(2).
أي غلبتني فحصل لي النوم.
ص: 83
أي ظهر لي.
وكما شكا إليه عليه السلام في ليلة قتله، شكا إليه صلى الله عليه و آله عند دفن زوجته سيّدة النساء، فقال له - بعد السلام عليه - : وستنبّك ابنتك بتظافر أمّتك على هضمها، فأحفها السؤال واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثّه سيبلا، وستقول: ويحكم اللّه «وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ»(1) - إلى أن قال - : ولولا غلبة المسؤولين لجعلت المقام واللبث لزاماً معكوفاً، ولأعولت أعوال الثكلى على جليل الرزية فبعين اللّه تدفن ابنتك سرّاً، وتهضم حقّها وتمنع ارثها، ولم يتباعد العهد ولم يخلق منك الذكر، وإلى اللّه يا رسول اللّه المشتكى، وفيك يا رسول اللّه أحسن العزاء...(2)
وكذلك شكا الحسين عليه السلام إلى جدّه لمّا دعوه إلى بيعة يزيد على ما روى محمّد بن أبي طالب الموسوي فقال: خرج في الليل إلى قبر جدّه فقال: السلام عليك يا رسول اللّه، أنا الحسين بن فاطمة فرخك وابن فرختك وسبطك الذي خلّفتني في أُمّتك، فاشهد عليهم إنّهم قد خذلوني وضيّعوني ولم يحفظوني، وهذه شكواي إليك حتّى ألقاك. إلى آخر ما ذكر(3).
ص: 84
فَقَالَ: ادْعُ عَلَيْهِمْ - فَقُلْتُ أَبْدَلَنِي اللّه ُ بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ - وَأَبْدَلَهُمْ بِي شَرّاً لَهُمْ مِنِّي هو كقوله تعالى: «... فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ...»(1). «وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا...»(2).
وفي (عكبرية المفيد) في جواب أبي ليث الحاجب عن هذه الجملة سأل عليه السلام التخلية بين الأشرار من خلقه وبين القوم الظالمين عقوبة لهم وامتهانا، وسأله أيضاً أن لا يعصمهم من فتنة الظالمين بما قدّمت أيديهم، ممّا يستحقّون به من العذاب المهين.
ونظير ذلك قوله تعالى: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ...»(3)، وقوله تعالى: «... أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤزُّهُمْ أَزّاً»(4)، وقوله تعالى: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا»(5) ولم يرد بذلك البعثة التي هي الرسل ولا الأمر بذلك، وإنّما أراد التخلية والتمكين وترك الحيلولة بينهم وبين المذكورين، وهذا بيّن(6).
انّ جابراً قال: إِنَّ الْحَكَمَ بْنَ الْعَاصِ عَمَّ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ كَانَ يَسْتَهْزِئُ مِنْ رَسُولِ اللّه ِ بِخُطْوَتِهِ فِي مِشْيَتِهِ وَيَسْخَرُ مِنْهُ وَكَانَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يَمشي يَوْماً وَالْحَكَمُ خَلْفَهُ يُحَرِّكُ كَتِفَيْهِ وَيَكْسِرُ يَدَيْهِ خَلْفَ رَسُولِ اللّه ِ اسْتِهْزَاءً مِنْهُ بِمِشْيَتِهِ صلى الله عليه و آله فَأَشَارَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آلهبِيَدِهِ وَقَالَ هَكَذَا فَكُنْ فَبَقِيَ الْحَكَمُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ مِنْ تَحْرِيكِ أَكْتَافِهِوَتَكَسُّرِ يَدَيْهِ ثُمَّ نَفَاهُ عَنِ الْمَدِينَةِ وَلَعَنَهُ فَكَانَ مَطْرُوداً إِلَى أَيَّامِ عُثْمَانَ فَرَدَّهُ إِلَى
ص: 85
الْمَدِينَةِ وَأَكرَمَه(1).
انّ ابن مسعود قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَصَلَّى فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَنَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَبُو جَهْلٍ نَحَرُوا جَزُوراً فِي نَاحِيَةِ مَكَّةَ فَبَعَثُوا وَجَاءُوا بِسَلاهَا(2) فَطَرَحُوهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ عليهاالسلام فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ وَبِعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ وَوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَبِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ قَالَ عَبْدُاللّه ِ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ قَتْلَى فِي قَلِيبِ بَدْرٍ(3).
انَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله لَمَّا نَادَى بِالْمُشْرِكِينَ وَاسْتَعَانُوا عَلَيْهِ دَعَا اللّه َ أَنْ يُجْدِبَ بِلادَهُمْ فَقَالَ اللَّهُمَّ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ فَأَمْسَكَ الْمَطَرَ عَنْهُمْ حَتَّى مَاتَ الشَّجَرُ وَذَهَبَ الثَّمَرُ وَفَنِيَ الْمَوَاشِي... فَلَمَّا أَصَابَ مُضَرَ الْبَأْسُ الشَّدِيدُ عَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِفَضْلِهِ عَلَيْهِمْ فَدَعَا اللّه َ بِالْمَطَرِ لَهُمْ(4).
وقَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله لَمَّا مَرَّ بِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَالوَليد بن عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَهُمَا فِي حَائِط يَشْرَبَانِ وَيُغَنِّيَانِ فِي حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حِينَ قُتِلَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله اللَّهُمَّ الْعَنْهُمَا وَارْكُسْهُمَا فِي الْفِتْنَةِ رَكْساً وَدُعَّهُمَا إِلَى النَّارِ دَعّاً(5).
أَخَذَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله كَفّاً مِنْ حَصًى فَرَمَى بِهِ فِي وُجُوهِ قُرَيْشٍ وَقَالَ شَاهَتِ الْوُجُوهُ فَبَعَثَ اللّه ُ رِيَاحاً تَضْرِبُ وُجُوهَ قُرَيْشٍ فَكَانَتِ الْهَزِيمَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله
ص: 86
اللَّهُمَّ لا يُفْلِتَنَّ فِرْعَوْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُون(1) وقتل فيمن قتل.
1 - قال عليه السلام: وَإِنِّي وَاللّه ِ لأَظُنُّ أَنَّ هَؤلاءِ الْقَوْمَ سَيُدَالُونَ مِنْكُمْ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ... أَللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلْتُهُمْ وَمَلُّونِي، وَسَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِي(2).
2 - وقال عليه السلام: فَيَا عَجَباً عَجَباً، وَاللّه ِ يُمِيتُ الْقَلْبَ ، وَيَجْلِبُ الْهَمَّ، اجْتِمَاع هَؤلاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ، وَتَفَرُّقكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً... يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلا رِجَالَ، حُلُومُ الْأَطْفَالِ، وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ، لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكُمْ(3).
3 - وقال عليه السلام: أَيُّهَا النَّاسُ الْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمْ ، الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤهُمْ كَلامُكُمْ يُوهِي الصُّمَّ الصِّلابَ، وَفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الْأَعْدَاءَ. تَقُولُونَ فِي الْمَجَالِسِ كَيْتَ وَكَيْتَ، فَإِذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ حِيدِي حَيَاد(4).
4 - وقال عليه السلام: كَمْ أُدَارِيكُمْ كَمَا تُدَارَى الْبِكَارُ الْعَمِدَةُ ، وَالثِّيَابُ الْمُتَدَاعِيَةُ، كُلَّمَا حِيصَتْ مِنْ جَانِبٍ، تَهَتَّكَتْ مِنْ آخَر(5).
5 - وقال عليه السلام: أَيُّهَا الْقَوْمُ الشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُمْ الْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤهُمْ الْمُبْتَلَى بِهِمْ أُمَرَاؤهُمْ... يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ مُنِيتُ مِنْكُمْ بِثَلاثٍ وَاثْنَتَيْنِ صُمٌّ ذَوُو أَسْمَاعٍوَبُكْمٌ ذَوُو كَلامٍ وَعُمْيٌ ذَوُو أَبْصَارٍ لا أَحْرَارُ صِدْقٍ عِنْدَ اللِّقَاء(6).
ص: 87
6 - وقال عليه السلام: ما بالكم أمخرسون أنتم... ما بالكم لا سدّدتم لرشد ولا هديتم لقصد(1).
7 - وقال عليه السلام: أريد أن أداري بكم وأنتم دائي كناقش الشوكة بالشوكة وهو يعلم أنّ ضلعها معها اللهمّ قد ملّت أطبّاء هذا الداء الدويّ(2).
8 - وقال عليه السلام: وكأنّي أنظر إليكم تكشّون كشيش الضباب لا تأخذون حقّاً ولا تمنعون ضيما(3).
9 - وقال عليه السلام: أفّ لكم لقد لقيت منكم برحا، يوماً أناديكم ويوماً أناجيكم، فلا أحرار صدق عند النداء ولا إخوان ثقة عند النجاء(4).
10 - وقال عليه السلام: أيّتها النفوس المختلفة والقلوب المتشتّتة، الشاهدة أبدانهم، والغائبة عنهم عقولهم، أظأركم على الحقّ وأنتم تنفرون عنه نفور المعز من وعوعة الأسد(5).
تذييلات:
وفيها روايات كثيرة وأبسطها ما رواه المجلسي رحمه الله في البحار قال: رَأَيْنَا فِيبَعْضِ الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ رِوَايَةً فِي كَيْفِيَّةِ شَهَادَتِهِ عليه السلام أَوْرَدْنَا مِنْهُ شَيْئاً مِمَّا يُنَاسِبُ كِتَابَنَا
ص: 88
هَذَا عَلَى وَجْهِ الاخْتِصَارِ.
قَالَ: رَوَى أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللّه ِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَكْرِيُّ، عَنْ لُوطِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَشْيَاخِهِ وَأَسْلافِهِ قَالُوا: لَمَّا تُوُفِّيَ عُثْمَانُ وَبَايَعَ النَّاسُ أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ عليه السلامكَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ حَبِيبُ بْنُ الْمُنْتَجَبِ وَالِياً عَلَى بَعْضِ أَطْرَافِ الْيَمَنِ مِنْ قِبَلِ عُثْمَانَ فَأَقَرَّهُ عَلِيٌّ عليه السلام عَلَى عَمَلِهِ وَكَتَبَ إِلَيْهِ كِتَاباً يَقُولُ فِيهِ: بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مِنْ عَبْدِ اللّه ِ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى حَبِيبِ بْنِ الْمُنْتَجَبِ سَلامٌ عَلَيْكَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَحْمَدُ اللّه َ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ وَأُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ وَبَعْدُ فَإِنِّي وَلَّيْتُكَ مَا كُنْتَ عَلَيْهِ لِمَنْ كَانَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْسِكْ عَلَى عَمَلِكَ وَإِنِّي أُوصِيكَ بِالْعَدْلِ فِي رَعِيَّتِكَ وَالاْءِحْسَانِ إِلَى أَهْلِ مَمْلَكَتِكَ وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ وُلِّيَ عَلَى رِقَابِ عَشَرَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمْ حَشَرَهُ اللّه ُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَدَاهُ مَغْلُولَتَانِ إِلَى عُنُقِهِ لا يَفُكُّهَا إِلاّ عَدْلُهُ فِي دَارِ الدُّنْيَا فَإِذَا وَرَدَ عَلَيْكَ كِتَابِي هَذَا فَاقْرَأْهُ عَلَى مَنْ قِبَلَكَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ وَخُذْ لِيَ الْبَيْعَةَ عَلَى مَنْ حَضَرَكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا بَايَعَ الْقَوْمُ مِثْلَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَامْكُثْ فِي عَمَلِكَ وَأَنْفِذْ إِلَيَّ مِنْهُمْ عَشَرَةً يَكُونُونَ مِنْ عُقَلائِهِمْ وَفُصَحَائِهِمْ وَثِقَاتِهِمْ مِمَّنْ يَكُونُ أَشَدَّهُمْ عَوْناً مِنْ أَهْلِ الْفَهْمِ وَالشَّجَاعَةِ عَارِفِينَ بِاللّه ِ عَالِمِينَ بِأَدْيَانِهِمْ وَمَا لَهُمْ وَمَا عَلَيْهِمْ وَأَجْوَدَهُمْ رَأْياً وَعَلَيْكَ وَعَلَيْهِمُ السَّلامُ(1).
وَطَوَى الْكِتَابَ وَخَتَمَهُ وَأَرْسَلَهُ مَعَ أَعْرَابِيٍّ فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ قَبَّلَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ وَرَأْسِهِ فَلَمَّا قَرَأَهُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللّه َ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ثُمَّ قَالَ:
أَيُّهَا النَّاسُ اعْلَمُوا أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قَضَى نَحْبَهُ وَقَدْ بَايَعَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِهِ الْعَبْدَ
ص: 89
الصَّالِحَ وَالاْءِمَامَ النَّاصِحَ أَخَا رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله وَخَلِيفَتَهُ وَهُوَ أَحَقُّ بِالْخِلافَةِ وَهُوَ أَخُو رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله وَابْنُ عَمِّهِ وَكَاشِفُ الْكَرْبِ عَنْ وَجْهِهِ وَزَوْجُ ابْنَتِهِ وَوَصِيُّهُ وَأَبُو سِبْطَيْهِ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام فَمَا تَقُولُونَ فِي بَيْعَتِهِ وَالدُّخُولِ فِي طَاعَتِهِ؟
قَالَ: فَضَجَّ النَّاسُ بِالْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ وَقَالُوا: سَمْعاً وَطَاعَةً وَحُبّاً وَكَرَامَةً للّه ِِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَخِي رَسُولِهِ، فَأَخَذَ لَهُ عليه السلام الْبَيْعَةَ عَلَيْهِمْ عَامَّةً، فَلَمَّا بَايَعُوا قَالَ لَهُمْ:
أُرِيدُ مِنْكُمْ عَشَرَةً مِنْ رُؤسَائِكُمْ وَشُجْعَانِكُمْ أُنْفِذُهُمْ إِلَيْهِ كَمَا أَمَرَنِي بِهِ، فَقَالُوا: سَمْعاً وَطَاعَةً فَاخْتَارَ مِنْهُمْ مِائَةً، ثُمَّ مِنَ الْمِائَةِ سَبْعِينَ، ثُمَّ مِنَ السَّبْعِينَ ثَلاثِينَ، ثُمَّ مِنَ الثَّلاثِينَ عَشَرَةً فِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ الْمُرَادِيُّ لَعَنَهُ اللّه ُ وَخَرَجُوا مِنْ سَاعَتِهِمْ فَلَمَّا أَتَوْهُ عليه السلامسَلَّمُواعَلَيْهِ وَهَنَّئُوهُ بِالْخِلافَةِ فَرَدَّ عَلَيْهِمُ السَّلامَ وَرَحَّبَ بِهِمْ فَتَقَدَّمَ ابْنُ مُلْجَمٍ وَقَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الاْءِمَامُ الْعَادِلُ وَالْبَدْرُ التَّمَامُ وَاللَّيْثُ الْهُمَامُ وَالْبَطَلُ الضِّرْغَامُ وَالْفَارِسُ الْقَمْقَامُ وَمَنْ فَضَّلَهُ اللّه ُ عَلَى سَائِرِ الْأَنَامِ صَلَّى اللّه ُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ الْكِرَامِ أَشْهَدُ أَنَّكَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ صِدْقاً وَحَقّاً وَأَنَّكَ وَصِيُّ رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آلهوَالْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِهِ وَوَارِثُ عِلْمِهِ لَعَنَ اللّه ُ مَنْ جَحَدَ حَقَّكَ وَمَقَامَكَ أَصْبَحْتَ أَمِيرَهَا وَعَمِيدَهَا لَقَدِ اشْتَهَرَ بَيْنَ الْبَرِيَّةِ عَدْلُكَ وَهَطَلَتْ(1) شَآبِيبُ فَضْلِكَ وَسَحَائِبُ رَحْمَتِكَ وَرَأْفَتِكَ عَلَيْهِمْ وَلَقَدْ أَنْهَضَنَا الْأَمِيرُ إِلَيْكَ فَسُرِرْنَا بِالْقُدُومِ عَلَيْكَ فَبُورِكْتَ بِهَذِهِ الطَّلْعَةِ الْمَرْضِيَّةِ وَهُنِّئْتَ بِالْخِلافَةِ فِي الرَّعِيَّةِ.
فَفَتَحَ أَمِيرُلْمُؤمِنِينَ عليه السلامعَيْنَيْهِ فِي وَجْهِهِ وَنَظَرَ إِلَى الْوَفْدِ فَقَرَّبَهُمْ وَأَدْنَاهُمْ، فَلَمَّا جَلَسُوا دَفَعُوا إِلَيْهِ الْكِتَابَ فَفَضَّهُ وَقَرَأَهُ وَسُرَّ بِمَا فِيهِ فَأَمَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحُلَّةٍ يَمَانِيَّةٍ وَرِدَاءٍ عَدَنَيَّةٍ وَفَرَسٍ عَرَبِيَّةٍ وَأَمَرَ أَنْ يُفْتَقَدُوا وَيُكْرِمُوا فَلَمَّا نَهَضُوا قَامَ ابنُ
ص: 90
مُلْجَمٍ وَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْشَدَ:
أَنْتَ الْمُهَيْمِنُ وَالْمُهَذَّبُ ذُو النَّدَى *** وَابْنُ الضَّرَاغِمِ فِي الطِّرَازِ الْأَوَّلِ
اللّه ُ خَصَّكَ يَا وَصِيَّ مُحَمَّدٍ *** وَحَبَاكَ فَضْلاً فِي الْكِتَابِ الْمُنْزَلِ
وَحَبَاكَ بِالزَّهْرَاءِ بِنْتِ مُحَمَّدٍ *** حُورِيَّةٍ بِنْتِ النَّبِيِّ الْمُرْسَلِ
ثُمَّ قَالَ: يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ ارْمِ بِنَا حَيْثُ شِئْتَ لِتَرَى مِنَّا مَا يَسُرُّكَ فَوَ اللّه ِ مَا فِينَا إِلاّ كُلُّ بَطَلٍ أَهْيَسَ(1) وَحَازِمٍ أَكْيَسَ وَشُجَاعٍ أَشْوَسَ(2) وَرِثْنَا ذَلِكَ عَنِ الآْبَاءِ وَالْأَجْدَادِ وَكَذَلِكَ نُورِثُهُ صَالِحَ الْأَوْلادِ.
قَالَ: فَاسْتَحْسَنَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام كَلامَهُ مِنْ بَيْنِ الْوَفْدِ فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمُكَ يَا غُلامُ؟ قَالَ: اسْمِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ابْنُ مَنْ؟ قَالَ: ابْنُ مُلْجَمٍ الْمُرَادِيِّ، قَالَ لَهُ: أَمُرَادِيٌّ أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ، فَقَالَ عليه السلام: إِنَّا للّه ِِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّه ِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
قَالَ: وَجَعَلَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلاميُكَرِّرُ النَّظَرَ إِلَيْهِ وَيَضْرِبُ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى وَيَسْتَرْجِعُ ثُمَّ قَالَ لَهُ: وَيْحَكَ أَمُرَادِيٌّ أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَعِنْدَهَا تَمَثَّلَ عليه السلام يَقُولُ:
أَنَا أَنْصَحُكَ مِنِّي بِالْوَدَادِ *** مُكَاشَفَةً وَأَنْتَ مِنَ الْأَعَادِي
أُرِيدُ حَيَاتَهُ وَيُرِيدُ قَتْلِي *** عَذِيرَكَ مِنْ خَلِيلِكَ مِنْ مُرَادٍ
قَالَ الْأَصْبَغُ بْنُ نُبَاتَةَ: لَمَّا دَخَلَ الْوَفْدُ إِلَى أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلام بَايَعُوهُ وَبَايَعَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ فَلَمَّا أَدْبَرَ عَنْهُ دَعَاهُ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام ثَانِياً فَتَوَثَّقَ مِنْهُ بِالْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ أَنْ لا
ص: 91
يَغْدِرَ وَلا يَنْكُثَ فَفَعَلَ ثُمَّ سَارَ عَنْهُ، ثُمَّ اسْتَدْعَاهُ ثَالِثاً ثُمَّ تَوَثَّقَ مِنْهُ فَقَالَ ابْنُ مُلْجَمٍ: يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ مَا رَأَيْتُكَ فَعَلْتَ هَذَا بِأَحَدٍ غَيْرِي؟ فَقَالَ عليه السلام: امْضِ لِشَأْنِكَ فَمَا أَرَاكَ تَفِي بِمَا بَايَعْتَ عَلَيْهِ.
فَقَالَ لَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ: كَأَنَّكَ تَكْرَهُ وُفُودِي عَلَيْكَ لَمَّا سَمِعْتَهُ مِنِ اسْمِي وَإِنِّي وَاللّه ِ لأُحِبُّ الاْءِقَامَةَ مَعَكَ وَالْجِهَادَ بَيْنَ يَدَيْكَ وَإِنَّ قَلْبِي مُحِبٌّ لَكَ وَإِنِّي وَاللّه ِ أُوَالِي وَلِيَّكَ وَأُعَادِي عَدُوَّكَ.
قَالَ: فَتَبَسَّمَ عليه السلام وَقَالَ لَهُ: بِاللّه ِ يَا أَخَا مُرَادٍ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ تَصْدُقُنِي فِيهِ؟ قَالَ: إِي وَعَيْشِكَ يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ فَقَالَ لَهُ: هَلْ كَانَ لَكَ دَايَةٌ يَهُودِيَّةٌ فَكَانَتْ إِذَا بَكَيْتَ تَضْرِبُكَ وَتَلْطِمُ جَبِينَكَ وَتَقُولُ لَكَ: اسْكُتْ فَإِنَّكَ أَشْقَى مِنْ عَاقِرِ نَاقَةِ صَالِحٍ وَإِنَّكَ سَتَجْنِي فِي كِبَرِكَ جِنَايَةً عَظِيمَةً يَغْضَبُ اللّه ُ بِهَا عَلَيْكَ وَيَكُونُ مَصِيرُكَ إِلَى النَّارِ؟ فَقَالَ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ وَلَكِنَّكَ وَاللّه ِ يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ فَقَالَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام: وَاللّه ِ مَا كَذَبْتُ وَلا كُذِبْتُ وَلَقَدْ نَطَقْتُ حَقّاً وَقُلْتُ صِدْقاً وَأَنْتَ وَاللّه ِ قَاتِلِي لا مَحَالَةَ وَسَتَخْضِبُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ وَلَقَدْ قَرُبَ وَقْتُكَ وَحَانَ زَمَانُكَ فَقَالَ ابْنُ مُلْجَمٍ: وَاللّه ِ يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ إِنَّكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَلَكِنْ إِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ مِنِّي فَسَيِّرْنِي إِلَى مَكَانٍ تَكُونُ دِيَارُكَ مِنْ دِيَارِي بَعِيدَةً، فَقَالَ عليه السلام: كُنْ مَعَ أَصْحَابِكَ حَتَّى آذَنَ لَكُمْ بِالرُّجُوعِ إِلَى بِلادِكُمْ ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالنُّزُولِ فِي بَنِي تَمِيمٍ فَأَقَامُوا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْيَمَنِ فَلَمَّا عَزَمُوا عَلَى الْخُرُوجِ مَرِضَ ابْنُ مُلْجَمٍ مَرَضاً شَدِيداً فَذَهَبُوا وَتَرَكُوهُ فَلَمَّا بَرَأَ أَتَى أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ عليه السلام وَكَانَ لا يُفَارِقُهُ لَيْلاً وَلا نَهَاراً وَيُسَارِعُ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ وَكَانَ عليه السلاميُكْرِمُهُ وَيَدْعُوهُ إِلَى مَنْزِلِهِ وَيُقَرِّبُهُ وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ: أَنْتَ قَاتِلِي
ص: 92
وَيُكَرِّرُ عَلَيْهِ الشِّعْرَ.
أُرِيدُ حَيَاتَهُ وَيُرِيدُ قَتْلِي *** عَذِيرَكَ مِنْ خَلِيلِكَ مِنْ مُرَادٍ
فَيَقُولُ لَهُ يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ: إِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ مِنِّي فَاقْتُلْنِي فَيَقُولُ: إِنَّهُ لا يَحِلُّ ذَلِكَ أَنْ أَقْتُلَ رَجُلاً قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ بِي شَيْئاً.
وَفِي خَبَرٍ آخَرَ قَالَ: إِذَا قَتَلْتُكَ فَمَنْ يَقْتُلُنِي؟ قَالَ: فَسَمِعَتِ الشِّيعَةُ ذَلِكَ فَوَثَبَ مَالِكٌ الْأَشْتَرُ وَالْحَارِثُ بْنُ الْأَعْوَرِ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الشِّيعَةِ فَجَرَّدُوا سُيُوفَهُمْ وَقَالُوا: يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ مَنْ هَذَا الْكَلْبُ الَّذِي تُخَاطِبُهُ بِمِثْلِ هَذَا الْخِطَابِ مِرَاراً وَأَنْتَ إِمَامُنَا وَوَلِيُّنَا وَابْنُ عَمِّ نَبِيِّنَا فَمُرْنَا بِقَتْلِهِ فَقَالَ لَهُمُ: اغْمِدُوا سُيُوفَكُمْ بَارَكَ اللّه ُ فِيكُمْ وَلا تَشُقُّوا عَصَا هَذِهِ الْأُمَّةِ أَتَرَوْنَ أَنِّي أَقْتُلُ رَجُلاً لَمْ يَصْنَعْ بِي شَيْئاً.
فَلَمَّا انْصَرَفَ عليه السلام إِلَى مَنْزِلِهِ اجْتَمَعَتِ الشِّيعَةُ وَأَخْبَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً بِمَا سَمِعُوا وَقَالُوا: إِنَّ أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ عليه السلام يُغَلِّسُ إِلَى الْجَامِعِ وَقَدْ سَمِعْتُمْ خِطَابَهُ لِهَذَا الْمُرَادِيِّ وَهُوَ مَا يَقُولُ إِلاّ حَقّاً وَقَدْ عَلِمْتُمْ عَدْلَهُ وَإِشْفَاقَهُ عَلَيْنَا وَنَخَافُ أَنْ يَغْتَالَهُ هَذَا الْمُرَادِيُّ فَتَعَالَوْا نَفْتَرِعْ عَلَى أَنْ تَحُوطَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنَّا قَبِيلَةٌ.
فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ عَلَى أَهْلِ الْكِنَاسِ، فَتَقَلَّدُوا سُيُوفَهُمْ وَأَقْبَلُوا فِي لَيْلَتِهِمْ إِلَى الْجَامِعِ، فَلَمَّا خَرَجَ عليه السلام رَآهُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ؟ فَأَخْبَرُوهُ فَدَعَا لَهُمْ وَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً، وَقَالَ: جِئْتُمْ تَحْفَظُونِي مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ أَمْ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ؟ قَالُوا: مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، قَالَ: مَا يَكُونُ شَيْءٌ فِي السَّمَاءِ إِلاّ هُوَ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَكُونُ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ إِلاّ هُوَ فِي السَّمَاءِ ثُمَّ تَلا:
«قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاّ ما كَتَبَ اللّه ُ لَنا» ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا مَنَازِلَهُمْ وَلا يَعُودُوا لِمِثْلِهَا ثُمَّ إِنَّهُ صَعِدَ الْمِأْذَنَةَ وَكَانَ إِذَا تَنَحْنَحَ يَقُولُ السَّامِعُ مَا أَشْبَهَهُ بِصَوْتِ رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله
ص: 93
فَتَأَهَّبَ النَّاسُ لِصَلاةِ الْفَجْرِ وَكَانَ إِذَا أَذَّنَ يَصِلُ صَوْتُهُ إِلَى نَوَاحِي الْكُوفَةِ كُلِّهَا ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى وَكَانَتْ هَذِهِ عَادَتَهُ.
قَالَ: وَأَقَامَ ابْنُ مُلْجَمٍ بِالْكُوفَةِ إِلَى أَنْ خَرَجَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام إِلَى غَزَاةِ النَّهْرَوَانِ فَخَرَجَ ابْنُ مُلْجَمٍ مَعَهُ وَقَاتَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ قِتَالاً شَدِيداً فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْكُوفَةِ وَقَدْ فَتَحَ اللّه ُ عَلَى يَدَيْهِ قَالَ ابْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللّه ُ: يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَتَقَدَّمَكَ إِلَى الْمِصْرِ لأُبَشِّرَ أَهْلَهُ بِمَا فَتَحَ اللّه ُ عَلَيْكَ مِنَ النَّصْرِ؟ فَقَالَ لَهُ: مَا تَرْجُو بِذَلِكَ؟ قَالَ: الثَّوَابَ مِنَ اللّه ِ وَالشُّكْرَ مِنَ النَّاسِ وَأَفْرَحُ الْأَوْلِيَاءَ وَأُكْمِدُ الْأَعْدَاءَ، فَقَالَ لَهُ: شَأْنَكَ.
ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِخَلْعَةٍ سَنِيَّةٍ وَعِمَامَتَيْنِ وَفَرَسَيْنِ وَسَيْفَيْنِ وَرُمْحَيْنِ فَسَارَ ابْنُ مُلْجَمٍ وَدَخَلَ الْكُوفَةَ وَجَعَلَ يَخْتَرِقُ أَزِقَّتَهَا وَشَوَارِعَهَا، وَهُوَ يُبَشِّرُ النَّاسَ بِمَا فَتَحَ اللّه ُ عَلَى أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلام وَقَدْ دَخَلَهُ الْعُجْبُ فِي نَفْسِهِ فَانْتَهَى بِهِ الطَّرِيقُ إِلَى مَحَلَّةِ بَنِي تَمِيمٍ. فَمَرَّ عَلَى دَارٍ تُعْرَفُ بِالْقَبِيلَةِ وَهِيَ أَعْلَى دَارٍ بِهَا وَكَانَتْ لِقَطَامِ بِنْتِ سُخَيْنَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ تَيْمٍ اللاّتِ وَكَانَتْ مَوْصُوفَةً بِالْحُسْنِ وَالْجَمَالِ وَالْبَهَاءِ وَالْكَمَالِ، فَلَمَّا سَمِعَتْ كَلامَهُ بَعَثَتْ إِلَيْهِ وَسَأَلَتْهُ النُّزُولَ عِنْدَهَا سَاعَةً لِتَسْأَلَهُ عَنْ أَهْلِهَا، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْ مَنْزِلِهَا وَأَرَادَ النُّزُولَ عَنْ فَرَسِهِ خَرَجَتْ إِلَيْهِ ثُمَّ كَشَفَتْ لَهُ عَنْ وَجْهِهَا وَأَظْهَرَتْ لَهُ مَحَاسِنَهَا.
فَلَمَّا رَآهَا أَعْجَبَتْهُ وَهَوَاهَا مِنْ وَقْتِهِ فَنَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ وَدَخَلَ إِلَيْهَا وَجَلَسَ فِي دِهْلِيزِ الدَّارِ وَقَدْ أَخَذَتْ بِمَجَامِعِ قَلْبِهِ فَبَسَطَتْ لَهُ بِسَاطاً وَوَضَعَتْ لَهُ مُتَّكَأً وَأَمَرَتْ خَادِمَهَا أَنْ تَنْزِعَ أَخْفَافَهُ وَأَمَرَتْ لَهُ بِمَاءٍ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ طَعَاماً فَأَكَلَ وَشَرِبَ، وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِ تُرَوِّحُهُ مِنَ الْحَرِّ فَجَعَلَ لا يَمَلُّ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهَا وَهِيَ مَعَ
ص: 94
ذَلِكَ مُتَبَسِّمَةٌ فِي وَجْهِهِ سَافِرَةٌ لَهُ عَنْ نِقَابِهَا بَارِزَةٌ لَهُ عَنْ جَمِيعِ مَحَاسِنِهَا مَا ظَهَرَ مِنْها وَمَا بَطَنَ.
فَقَالَ لَهَا: أَيَّتُهَا الْكَرِيمَةُ لَقَدْ فَعَلْتِ الْيَوْمَ بِي مَا وَجَبَ بِهِ بَلْ بِبَعْضِهِ عَلَى مَدْحِكِ وَشُكْرِكِ دَهْرِي كُلَّهُ فَهَلْ مِنْ حَاجَةٍ أَتَشَرَّفُ بِهَا وَأَسْعَى فِي قَضَائِهَا؟
قَالَ: فَسَأَلَتْهُ عَنِ الْحَرْبِ وَمَنْ قُتِلَ فِيهِ فَجَعَلَ يُخْبِرُهَا وَيَقُولُ فُلانٌ قَتَلَهُ الْحَسَنُ وَفُلانٌ قَتَلَهُ الْحُسَيْنُ إِلَى أَنْ بَلَغَ قَوْمَهَا وَعَشِيرَتَهَا، وَكَانَتْ قَطَامِ لَعَنَهَا اللّه ُ عَلَى رَأْيِ الْخَوَارِجِ وَقَدْ قَتَلَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام فِي هَذَا الْحَرْبِ مِنْ قَوْمِهَا جَمَاعَةً كَثِيرَةً مِنْهُمْ أَبُوهَا وَأَخُوهَا وَعَمُّهَا، فَلَمَّا سَمِعَتْ مِنْهُ ذَلِكَ صَرَخَتْ بَاكِيَةً ثُمَّ لَطَمَتْ خَدَّهَا وَقَامَتْ مِنْ عِنْدِهِ وَدَخَلَتِ الْبَيْتَ وَهِيَ تَنْدُبُهُمْ طَوِيلاً.
قَالَ: فَنَدِمَ ابْنُ مُلْجَمٍ فَلَمَّا خَرَجَتْ إِلَيْهِ قَالَتْ: يَعِزُّ عَلَيَّ فِرَاقُهُمْ مَنْ لِي بَعْدَهُمْ أَفَلا نَاصِرٌ يَنْصُرُنِي وَيَأْخُذُ لِي بِثَأْرِي وَيَكْشِفُ عَنْ عَارِي فَكُنْتُ أَهَبُ لَهُ نَفْسِي وَأُمَكِّنُهُ مِنْهَا وَمِنْ مَالِي وَجَمَالِي، فَرَقَّ لَهَا ابْنُ مُلْجَمٍ وَقَالَ لَهَا: غَضِّي صَوْتَكِ وَارْفُقِي بِنَفْسِكَ فَإِنَّكِ تُعْطَيْنَ مُرَادَكِ.
قَالَ: فَسَكَتَتْ مِنْ بُكَائِهَا وَطَمِعَتْ فِي قَوْلِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ بِكَلامِهَا وَهِيَ كَاشِفَةٌ عَنْ صَدْرِهَا، وَمُسْبِلَةٌ شَعْرَهَا، فَلَمَّا تَمَكَّنَ هَوَاهَا مِنْ قَلْبِهِ مَالَ إِلَيْهَا بِكُلِّيَّتِهِ ثُمَّ جَذَبَهَا إِلَيْهِ وَقَالَ لَهَا: كَانَ أَبُوكِ صَدِيقاً لِي وَقَدْ خَطَبْتُكِ مِنْهُ فَأَنْعَمَ لِي بِذَلِكِ فَسَبَقَ إِلَيْهِ الْمَوْتُ فَزَوِّجِينِي نَفْسَكِ لآِخُذَ لَكِ بِثَأْرِكِ.
قَالَ: فَفَرِحَتْ بِكَلامِهِ وَقَالَتْ قَدْ خَطَبَنِي الْأَشْرَافُ مِنْ قَوْمِي وَسَادَاتُ عَشِيرَتِي فَمَا أَنْعَمْتُ إِلاّ لِمَنْ يَأْخُذُ لِي بِثَأْرِي وَلَمَّا سَمِعْتُ عَنْكَ أَنَّكَ تُقَاوِمُ الْأَقْرَانَ وَتَقْتُلُ الشُّجْعَانَ فَأَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ لِي بَعْلاً وَأَكُونَ لَكَ أَهْلاً.
ص: 95
فَقَالَ لَهَا: فَأَنَا وَاللّه ِ كُفْوٌ كَرِيمٌ فَاقْتَرِحِي عَلَيَّ مَا شِئْتِ مِنْ مَالٍ وَفِعَالٍ.
فَقَالَتْ لَهُ: إِنْ قَدَّمْتَ عَلَيَّ الْعَطِيَّةَ وَالشَّرْطَ فَهَا أَنَا بَيْنَ يَدَيْكَ فَتَحْكُمُ كَيْفَ شِئْتَ.
فَقَالَ لَهَا: وَمَا الْعَطِيَّةُ وَالشَّرْطُ؟
فَقَالَتْ لَهُ: أَمَّا الْعَطِيَّةُ فَثَلاثَةُ آلافِ دِينَارٍ وَعَبْدٌ وَقَيْنَةٌ(1).
فَقَالَ: هَذَا أَنَا مَلِيٌّ بِهِ، فَمَا الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ؟
قَالَتْ: نَمْ عَلَى فِرَاشَكَ حَتَّى أَعُودَ إِلَيْكَ(2).
ثُمَّ إِنَّهَا دَخَلَتْ خِدْرَهَا فَلَبِسَتْ أَفْخَرَ ثِيَابِهَا وَلَبِسَتْ قَمِيصاً رَقِيقاً يُرِي صَدْرَهَا وَحُلِيَّهَا وَزَادَتْ فِي الْحُلِيِّ وَالطِّيبِ وَخَرَجَتْ فِي مُعَصْفَرِهَا فَجَعَلَتْ تُبَاشِرُهُ بِمَحَاسِنِهَا لَيَرَى حُسْنَهَا وَجَمَالَهَا، وَأَرْخَتْ عَشَرَةَ ذَوَائِبَ مِنْ شَعْرِهَا مَنْظُومَةٍ بِالدُّرِّ وَالْجَوْهَرِ.
فَلَمَّا وَصلت (دَخَلَتُ خ ل) إِلَيْهِ أَرْخَتْ لِثَامَهَا عَنْ وَجْهِهَا وَرَفَعَتْ مُعَصْفَرَهَا(3) وَكَشَفَتْ عَنْ صَدْرِهَا وَأَعْكَانِهَا(4) وَقَالَتْ: إِنْ قَدَّمْتَ عَلَيَّ الشَّرْطَ الْمَشْرُوطَ ظَفِرْتَ بِهَا جَمِيعِهَا وَأَنْتَ مَسْرُورٌ مَغْبُوطٌ.
قَالَ: فَمَدَّ ابْنُ مُلْجَمٍ عَيْنَيْهِ إِلَيْهَا فَحَارَ عَقْلُهُ وَهَوَى لِحِينِهِ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ سَاعَةً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: يَا مُنْيَةَ النَّفْسِ مَا شَرْطُكِ فَاذْكُرِيهِ لِي فَإِنِّي سَأَفْعَلُهُ وَلَوْ كَانَ دُونَهُ قَطْعُ الْقِفَارِ وَخَوْضُ الْبِحَارِ وَقَطْعُ الرُّءُوسِ وَاخْتِلاسُ النُّفُوسِ، قَالَتْ لَهُ الْمَلْعُونَةُ: شَرْطِي عَلَيْكَ أَنْ تَقْتُلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلامبِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ بِهَذَا السَّيْفِ فِي مَفْرَقِ رَأْسِهِ
ص: 96
يَأْخُذُ مِنْهُ مَا يَأْخُذُ وَيَبْقَى مَا يَبْقَى.
فَلَمَّا سَمِعَ ابْنُ مُلْجَمٍ كَلامَهَا اسْتَرْجَعَ وَرَجَعَ إِلَى عَقْلِهِ وَأَغَاظَهُ وَأَقْلَقَهُ ثُمَّ صَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: وَيْحَكِ مَا هَذَا الَّذِي وَاجَهْتِنِي بِهِ بِئْسَ مَا حَدَّثَتْكِ بِهِ نَفْسُكِ مِنَ الْمَحَالِ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ يَسِيلُ عَرَقاً وَهُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي أَمْرِهِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهَا وَقَالَ لَهَا:
وَيْلَكِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى قَتْلِ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْمُجَابِ الدُّعَاءِ الْمَنْصُورِ مِنَ السَّمَاءِ، وَالْأَرْضُ تَرْجِفُ مِنْ هَيْبَتِهِ، وَالْمَلائِكَةُ تُسْرِعُ إِلَى خِدْمَتِهِ.
يَا وَيْلَكِ وَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى قَتْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ مُؤيَّدٌ مِنَ السَّمَاءِ، وَالْمَلائِكَةُ تَحُوطُهُ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، وَلَقَدْ كَانَ فِي أَيَّامِ رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله إِذَا قَاتَلَ يَكُونُ جَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِهِ وَمَلَكُ الْمَوْتِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَنْ هُوَ هَكَذَا لا طَاقَةَ لأَحَدٍ بِقَتْلِهِ وَلا سَبِيلَ لِمَخْلُوقٍ عَلَى اغْتِيَالِهِ.
وَمَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَعَزَّنِي وَأَكْرَمَنِي وَأَحَبَّنِي وَرَفَعَنِي وَآثَرَنِي عَلَى غَيْرِي، فَلا يَكُونُ ذَلِكَ جَزَاؤهُ مِنِّي أَبَداً، فَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ قَتَلْتُهُ لَكِ شَرَّ قِتْلَةٍ وَلَوْ كَانَ أَفْرَسَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَأَمَّا أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ فَلا سَبِيلَ لِي عَلَيْهِ.
قَالَ: فَصَبَرَتْ عَنْهُ حَتَّى سَكَنَ غَيْظُهُ وَدَخَلَتْ مَعَهُ فِي الْمُلاعَبَةِ (المداعبة خ ل) وَالْمُلاطَفَةِ وَعَلِمَتْ أَنَّهُ قَدْ نَسِيَ ذَلِكَ الْقَوْلَ، ثُمَّ قَالَتْ: يَا هَذَا مَا يَمْنَعُكَ مِنْ قَتْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَتَرْغَبُ فِي هَذَا الْمَالِ وَتَتَنَعَّمُ بِهَذَا الْجَمَالِ وَمَا أَنْتَ بِأَعَفَّ وَأَزْهَدَ مِنَ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ وَقَتَلَهُمْ وَكَانُوا مِنَ الصَّوَّامِينَ وَالْقَوَّامِينَ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ وَقَدْ قَتَلَ الْمُسْلِمِينَ ظُلْماً وَعُدْوَاناً اعْتَزَلُوهُ وَحَارَبُوهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ قَتَلَ الْمُسْلِمِينَ وَحَكَمَ بِغَيْرِ حُكْمِ اللّه ِ وَخَلَعَ نَفْسَهُ مِنَ الْخِلافَةِ وَإِمْرَةِ الْمُؤمِنِينَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَوْمِي عَلَى ذَلِكَ
ص: 97
اعْتَزَلُوهُ فَقَتَلَهُمْ بِغَيْرِ حُجَّةٍ لَهُ عَلَيْهِمْ.
فَقَالَ لَهَا ابْنُ مُلْجَمٍ: يَا هَذِهِ كُفِّي عَنِّي فَقَدْ أَفْسَدْتِ عَلَيَّ دِينِي وَأَدْخَلْتِ الشَّكَّ فِي قَلْبِي وَمَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكِ وَقَدْ عَزَمْتُ عَلَى رَأْيٍ ثُمَّ أَنْشَدَ
ثَلاثَةُ آلافٍ وَعَبْدٌ وَقَيْنَة *** وَضَرْبُ عَلِيٍّ بِالْحُسَامِ الْمُصَمِّمِ
فَلا مَهْرَ أَغْلَى مِنْ عَلِيٍّ وَإِنْ غَلا *** وَلا فَتْكَ(1) إِلاّ دُونَ فَتْكِ ابْنِ مُلْجَمٍ
فَأَقْسَمْتُ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ وَمَنْ أَتَى *** إِلَيْهِ جِهَاراً مِنْ مُحِلٍّ وَمُحْرِمٍ
لَقَدْ أَفْسَدَتْ عَقْلِي قَطَامِ وَإِنَّنِي *** لَمِنْهَا عَلَى شَكٍّ عَظِيمٍ مُذَمَّمٍ
لَقَتْلُ عَلِيٍّ خَيْرِ مَنْ وَطِئَ الثَّرَى *** أَخِي الْعِلْمِ الْهَادِي النَّبِيِّ الْمُكَرَّمِ
ثُمَّ أَمْسَكَ سَاعَةً وَقَالَ:
فَلَمْ أَرَ مَهْراً سَاقَهُ ذُو سَمَاحَةٍ *** كَمَهْرِ قَطَامِ مِنْ فَصِيحٍ وَأَعْجَمَ
ثَلاثَةُ آلافٍ وَعَبْدٌ وَقَيْنَةٌ *** وَضَرْبُ عَلِيٍّ بِالْحُسَامِ الْمُصَمِّمِ
فَلا مَهْرَ أَغْلَى مِنْ عَلِيٍّ وَإِنْ غَلا *** وَلا فَتْكَ إِلاّ دُونَ فَتْكِ ابْنِ مُلْجَمٍ
فَأَقْسَمَ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ وَمَنْ أَتَى *** إِلَيْهِ جِهَاراً مِنْ مُحِلٍّ وَمُحْرِمٍ
لَقَدْ خَابَ مَنْ يَسْعَى بِقَتْلِ إِمَامِهِ *** وَوَيْلٌ لَهُ مِنْ حَرِّ نَارِ جَهَنَّمَ
إِلَى آخِرِ مَا أَنْشَدَ مِنَ الْأَبْيَاتِ ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَجِّلِينِي لَيْلَتِي هَذِهِ حَتَّى أَنْظُرَ فِي أَمْرِي وَآتِيكِ غَداً بِمَا يَقْوَى عَلَيْهِ عَزْمِي(2).
فَلَمَّا هَمَّ بِالْخُرُوجِ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ وَضَمَّتْهُ إِلَى صَدْرِهَا وَقَبَّلَتْ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَأَمَرَتْهُ
ص: 98
بِالاسْتِعْجَالِ فِي أَمْرِهَا وَسَايَرَتْهُ إِلَى بَابِ الدَّارِ وَهِيَ تُشَجِّعُهُ وَأَنْشَدَتْ لَهُ أَبْيَاتاً، فَخَرَجَ الْمَلْعُونُ مِنْ عِنْدِهَا وَقَدْ سَلَبَتْ فُؤادَهُ وَأَذْهَبَتْ رُقَادَهُ وَرَشَادَهُ فَبَاتَ لَيْلَتَهُ قَلَقاً مُتَفَكِّراً فَمَرَّةً يُعَاتِبُ نَفْسَهُ وَمَرَّةً يُفَكِّرُ فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ.
فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ السَّحَرِ أَتَاهُ طَارِقٌ فَطَرَقَ الْبَابَ فَلَمَّا فَتَحَهُ إِذَا بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي عَمِّهِ عَلَى نَجِيبٍ وَإِذَا هُوَ رَسُولٌ مِنْ إِخْوَتِهِ إِلَيْهِ يُعَزُّونَهُ فِي أَبِيهِ وَعَمِّهِ وَيُعَرِّفُونَهُ أَنَّهُ خَلَفَ مَالاً جَزِيلاً وَأَنَّهُمْ دَعَوْهُ سَرِيعاً لِيَحُوزَ ذَلِكَ الْمَالَ.
فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ بَقِيَ مُتَحَيِّراً فِي أَمْرِهِ إِذْ جَاءَهُ مَا يَشْغَلُهُ عَمَّا عَظُمَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ قَطَامِ فَلَمْ يَزَلْ مُفَكِّراً فِي أَمْرِهِ حَتَّى عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ، وكان له أخوان لأبيه وأُمّه وأُمه كانت من زبيد يقال لها: عدنية وهي ابنة أبي علي بن ماشوج وكان أبوه مراديا، وكانوا يسكنون عجران صنعاء.
فلما وصل إلى النجف ذكر قطام ومنزلتها في قلبه ورجع إليها فلما طرق الباب اطلعت عليه وقالت من الطارق! فعرفته على حالة السفر فنزلت إليه وسلمت عليه وسألته عن حاله فأخبرها بخبره ووعدها بقضاء حاجتها إذا رجع من سفره وتملكها جميع ما يجيء به من المال، فعدلت عنه مغضبة فدنا منها وقبلها وودعها وحلف لها أنه يبلغها مأمولها في جميع ما سألته.
فخرج وجاء إلى أميرالمؤنين عليه السلاموأخبره بما جاءوا إليه لأجله وسأله أن يكتب إلى ابن المنتجب كتابا ليعينه على استخلاص حقه فأمر كاتبه فكتب له ما أراد ثمّ أعطاه فرسا من جياد خيله فخرج وسار سيرا حثيثا حتى وصل إلى بعض أودية اليمن، فأظلم عليه الليل فبات في بعضها، فلمّا مضى من الليل نصفه إذا هو بزعقة عظيمة من صدر الوادي ودخان يفور ونار مضرمة فانزعج لذلك وتغير لونه
ص: 99
و نظر إلى صدر الوادي وإذا بالدخان قد أقبل كالجبل العظيم وهو واقع عليه والنار تخرج من جوانبه فخر مغشيا عليه فلما أفاق وإذا بهاتف يسمع صوته ولا يرى شخصه وهو يقول:
اسمع وع القول يا ابن ملجم *** إنك في أمر مهول معظم
تضمر قتل الفارس المكرم *** أكرم من طاف ولبى وأحرم
ذاك علي ذو التقاء الأقدم *** فارجع إلى اللّه لكيلا تندم
فلما سمع توهّم أنّه من طوارق الجنّ وإذا بالهاتف يقول:
يا شقي بن الشقي أما ما أضمرت من قتل الزاهد العابد العادل الراكع الساجد إمام الهدى وعلم التقى والعروة الوثقى فإنا علمنا بما تريد أن تفعله بأميرالمؤنين ونحن من الجن الذين أسلمنا على يديه ونحن نازلون بهذا الوادي فإنّا لا ندعك تبيت فيه فإنّك ميشوم على نفسك ثمّ جعلوا يرمونه بقطع الجنادل فصعد فوق شاهق فبات بقية ليله.
فلمّا أصبح سار ليلاً ونهاراً حتّى وصل إلى اليمن وأقام عندهم شهرين وقلبه على حر الجمر من أجل قطام ثمّ إنّه أخذ الذي أصابه من المال والمتاع والأثاث والجواهر وخرج.
فبينا هو في بعض الطريق إذا خرجت عليه حرامية فسايرهم وسايروه فلمّا قربوا من الكوفة حاربوه وأخذوا جميع ما كان معه ونجا بنفسه وفرسه وقليل من الذهب على وسطه وما كان تحته فهرب على وجهه حتّى كاد أن يهلك عطشا.
وأقبل سائرا في الفلاة مهموماً جائعاً عطشاناً فلاح له شبح فقصده فإذا بيوت من أبيات الحرب فقصد منها بيتا فنزل عندهم واستسقاهم شربة ماء فسقوه وطلب
ص: 100
لبنا فأتوه به فنام ساعة.
فلمّا استيقظ أتاه رجلان وقدما إليه طعاما فأكل وأكلا معه وجعلا يسألانه عن الطريق فأخبرهما ثمّ قالا له ممّن الرجل؟ قال: من بني مراد، قالا: أين تقصد؟
قال: الكوفة، فقالا له: كأنّك من أصحاب أبي تراب؟ قال نعم فاحمرت أعينهما غيظا وعزما على قتله ليلاً وأسرّا ذلك ونهضا فتبيّن له ما عزما عليه وندم على كلامه.
فبينما هو متحيّر إذ أقبل كلبهم ونام قريبا منهم فأقبل اللعين يمسح بيده على الكلب ويشفق عليه ويقول: مرحبا بكلب قوم أكرموني فاستحسنا ذلك وسألاه ما اسمك؟ قال: عبد الرحمن بن ملجم، فقالا له: ما أردت بصنعك هذا في كلبنا؟ فقال: أكرمته لأجلكم حيث أكرمتموني فوجب عليّ شكركم وكان هذا منه خديعة ومكرا فقالا: اللّه أكبر الآن واللّه وجب حقّك علينا ونحن نكشف لك عمّا في ضمائرنا.
نحن قوم نرى رأي الخوارج وقد قتل أعمامنا وأخوالنا وأهالينا كما علمت، فلمّا أخبرتنا أنك من أصحابه عزمنا على قتلك في هذه الليلة فلمّا رأينا صنعك هذا بكلبنا صفحنا عنك ونحن الآن نطلعك على ما قد عزمنا عليه فسألهما عن أسمائهما؟ فقال أحدهما: أنا البرك بن عبداللّه التميمي وهذا عبداللّه بن عثمان العنبري صهري(1).
وقد نظرنا إلى ما نحن عليه في مذهبنا فرأينا أن فساد الأرض والأمة كلّها من ثلاثة نفر أبو «أبي ظ» تراب ومعاوية وعمرو بن العاص فأمّا أبو تراب فإنّه قتل
ص: 101
رجالنا كما رأيت وافتكرنا أيضا في الرجلين معاوية وابن العاص وقد وليا علينا هذا الظالم الغشوم بسر بن أرطاة يطرقنا في كلّ وقت ويأخذ أموالنا وقد عزمنا على قتل هؤاء الثلاثة فإذا قتلناهم توطأت الأرض وأقعد الناس لهم إماما يرضونه.
فلمّا سمع ابن ملجم كلامهما صفق بإحدى يديه على الأخرى وقال: والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة وتردّى بالعظمة إنّي لثالثكما وإنّي مرافقكما على رأيكما وأنا أكفيكما أمر عليّ بن أبي طالب.
فنظرا إليه متعجّبين من كلامه قال: واللّه ما أقول لكما إلاّ حقّا، ثم ذكر لهما قصّته فلمّا سمعا كلامه عرفا صحّته وقالا إنّ قطام من قومنا وأهلها كانوا من عشيرتنا فنحن نحمد اللّه على اتّفاقنا فهذا لا يتمّ إلاّ بالأيمان المغلظة فنركب الآن مطايانا ونأتي الكعبة ونتعاقد عندها على الوفاء فلما أصبحوا وركبوا حضر عندهم بعض قومهم فأشاروا عليهم وقالوا لا تفعلوا ذلك فما منكم أحد إلا ويندم ندامة عظيمة، فلم يقبلوا وساروا جميعا حتّى أتوا البيت وتعاهدوا عنده.
فقال البرك: أنا لعمرو بن العاص، وقال العنبري: أنا لمعاوية وقال ابن ملجم لعنه اللّه: أنا لعليّ، فتحالفوا على ذلك بالأيمان المغلّظة ودخلوا المدينة وحلفوا عند قبرالنبيّ صلى الله عليه و آله على ذلك ثمّ افترقوا وقد عينوا يوما معلوما يقتلون فيه الجميع، ثمّ سار كلّ منهم على طريقه.
فأمّا البرك فأتى مصر ودخل الجامع وأقام فيه أيّاما، فخرج عمرو بن العاص ذات يوم إلى الجامع وجلس فيه بعد صلاته فجاء البرك إليه وسلّم عليه ثمّ حادثة في فنون الأخبار وطرف الكلام والأشعار، فشعف به عمرو بن العاص وقرّبه
ص: 102
وأدناه وصار يأكل معه على مائدة واحدة، فأقام إلى الليلة التي تواعدوا فيها فخرج إلى نيل مصر وجلس مفكرا فلمّا غربت الشمس أتى الجامع وجلس فيه.
فلمّا كان وقت الإفطار افتقده عمرو بن العاص فلم يره فقال لولده: ما فعل صاحبنا وأين مضى فإنّي لا أراه فبعثه إليه يدعوه فقال قل له: إن هذه الليلة ليس كالليالي وقد أحببت أن أقيم ليلتي هذه في الجامع رغبة فيما عند اللّه وأحبّ أن أشرك الأمير في ذلك.
فلمّا رجع إليه وأخبره بذلك سرّه سرورا عظيما وبعث إليه مائدة فأكل وبات ليلته ينتظر قدوم عمرو، وكان هو الذي يصلّي بهم فلمّا كان عند طلوع الفجر أقبل المؤّن إلى باب عمرو وأذّن وقال: الصلاة يرحمك اللّه الصلاة.
فانتبه فأتي بالماء وتوضّأ وتطيّب وذهب ليخرج إلى الصلاة فزلق فوقع على جنبه فاعتوره عرق النسا فأشغلته (فشغلته خ ل) عن الخروج، فقال: قدّموا خارجة بن تميم القاضي يصلّي بالناس، فأتى القاضي ودخل المحراب في غلس فجاء البرك فوقف خلفه وسيفه تحت ثيابه وهو لا يشك أنه عمرو فأمهله حتى سجد وجلس من سجوده فسل سيفه ونادى: لا حكم إلا للّه ولا طاعة لمن عصى اللّه ثمّ ضربه بالسيف على أمّ رأسه فقضى نحبه لوقته فبادر الناس وقبضوا عليه وأخذوا سيفه من يده وأوجعوه ضرباً شديداً وقالوا له: يا عدوّ اللّه قتلت رجلا مسلما ساجدا في محرابه؟ فقال: يا حمير أهل مصر إنّه يستحق القتل قالوا بما ذا ويلك؟ قال: لسعيه في الفتنة لأنّه الداهية الدهماء الذي أثار الفتنة ونبذها وقوّاهاوزيّن لمعاوية محاربة عليّ.
فقالوا له: يا ويلك من تعني؟ قال: الطاغي الباغي الكافر الزنديق عمرو بن
ص: 103
العاص الذي شقّ عصا المسلمين وهتك حرمة الدين، قالوا: لقد خاب ظنّك وطاش سهمك إنّ الذي قتلته ما هو إنّما هو خارجة، فقال يا قوم المعذرة إلى اللّه وإليكم فو اللّه ما أردت خارجة وإنّما أردت قتل عمرو.
فأوثقوه كتافا وأتوا به إلى عمرو، فلمّا رآه قال أليس هذا هو صاحبنا الحجازي؟ قالوا له: نعم، قال: ما باله؟ قالوا: إنه قد قتل خارجة فدهش عمرو لذلك وقال: إنا للّه وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم.
ثمّ التفت إليه وقال: يا هذا لِمَ فعلت ذلك؟ فقال له: واللّه يا فاسق ما طلبت غيرك ولا أردت سواك، قال: ولم ذلك؟ قال: إنّا ثلاثة تعاهدنا بمكّة على قتلك وقتل عليّ بن أبي طالب و(قتل خ ل) معاوية في هذه الليلة فإن صدقا صاحباي فقد قتل عليّ بالكوفة ومعاوية بالشام وأما أنت فقد سلمت، فقال عمرو: يا غلام احبسه حتّى نكتب إلى معاوية، فحبسه حتّى أمره معاوية بقتله فقتله(1).
وأمّا عبداللّه العنبري فقصد دمشق واستخبر عن معاوية فأرشد إليه فجعل يتردّد إلى داره فلا يتمكّن من الدخول إليه إلى أن أذن معاوية يوماً للناس إذنا عاما فدخل إليه مع الناس وسلّم عليه وحادثه ساعة وذكر له ملوك بني قحطان ومن له كلام مصيب حتّى ذكر له بني عمّه وهم أوّل ملوك قحطان وشيئا من أخبارهم فلمّا تفرّقوا بقي عنده مع خواصّ أصحابه وكان فصيحاً خبيراً بأنساب العرب وأشعارهم.
فأحبه معاوية حبّاً شديداً فقال: قد أذنت لك في كلّ وقت نجلس فيه أن تدخل علينا من غير مانع ولا دافع فكان يتردّد إليه إلى ليلة تسع عشرة وكان قد عرف
ص: 104
المكان الذي يصلّي فيه معاوية.
فلمّا أذن المؤن للفجر وأتى معاوية المسجد ودخل محرابه ثار إليه بالسيف وضربه فراغ عنه فأراد ضرب عنقه فانصاع عنه(1) فوقع السيف في أليته وكانت ضربته ضربة جبان، فقال معاوية: لا يفوتنكم الرجل فاستخلف بعض أصحابه للصلاة ونهض إلى داره.
وأما العنبري فأخذه الناس وأوثقوه وأتوا به إلى معاوية وكان مغشيّاً عليه فلمّا أفاق قال له: ويلك يا لكع لقد خاب ظنّي فيك ما الذي حملك على هذا؟ فقال له: دعني من كلامك اعلم أنّنا ثلاثة تحالفنا على قتلك وقتل عمرو بن العاص وعليّ بن أبي طالب فإن صدقا صاحباي فقد قتل عليّ وعمرو، وأمّا أنت فقد روغ أجلك كروغك الثعلب(2).
فقال له معاوية: على رغم أنفك فأمر به إلى الحبس فأتاه الساعدي وكان طبيبا فلما نظر إليه قال له: اختر إحدى الخصلتين: إما أن أحمي حديدة فأضعها موضع السيف، وإمّا أن أسقيك شربة تقطع منك الولد وتبرء منها لأن ضربتك مسمومة فقال معاوية: أمّا النار فلا صبر لي عليها، وأمّا انقطاع الولد فإنّ في يزيد وعبداللّه ما تقرّ به عيني، فسقاه الشربة فبرأ ولم يولد له بعدها(3).
وَأَمَّا ابْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللّه ُ فَإِنَّهُ سَارَ حَتَّى دَخَلَ الْكُوفَةَ وَاجْتَازَ عَلَى الْجَامِعِ وَكَانَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام جَالِساً عَلَى بَابِ كِنْدَةَ فَلَمْ يَدْخُلْهُ وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَكَانَ إِلَى
ص: 105
جَانِبِهِ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عليهماالسلام وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَى ابْنِ مُلْجَمٍ وَعُبُورِهِ قَالُوا: أَلا تَرَى إِلَى ابْنِ مُلْجَمٍ عَبَرَ وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْكَ؟ قَالَ عليه السلام: دَعُوهُ فَإِنَّ لَهُ شَأْناً مِنَ الشَّأْنِ، وَاللّه ِ لَيَخْضِبَنَّ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى لِحْيَتِهِ وَهَامَتِهِ ثُمَّ قَالَ عليه السلام:
مَا مِنَ الْمَوْتِ لإِنْسَانٍ نَجَاءٌ *** كُلُّ امْرِئٍ لا بُدَّ يَأْتِيهِ الْفَنَاءُ
تَبَارَكَ اللّه ُ وَسُبْحَانَهُ *** لِكُلِّ شَيْءٍ مُدَّةٌ وَانْتِهَاءٌ
يَقْدِرُ الاْءِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ *** أَمْراً وَيَأْتِيهِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ
لا تَأْمَنَنَّ الدَّهْرُ فِي أَهْلِهِ *** لِكُلِّ عَيْشٍ آخِرٌ وَانْقِضَاءٌ
بَيْنَا تَرَى الاْءِنْسَانَ فِي غِبْطَةٍ *** يُمْسِي وَقَدْ حَلَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ
ثُمَّ جَعَلَ يُطِيلُ النَّظَرَ إِلَيْهِ حَتَّى غَابَ عَنْ عَيْنِهِ وَأَطْرَقَ إِلَى الْأَرْضِ يَقُولُ: إِنَّا للّه ِِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّه ِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
قَالَ: وَسَارَ ابْنُ مُلْجَمٍ حَتَّى وَصَلَ إِلَى دَارِ قَطَامِ وَكَانَ قَدْ أَيِسَتْ مِنْ رُجُوعِهِ إِلَيْهَا، وَعَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى بَنِي عَمِّهَا وَعَشِيرَتِهَا وَشَرَطَتْ عَلَيْهِمْ قَتْلَ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلامفَلَمْ يُقْدِمْ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا طَرَقَ الْبَابَ قَالَتْ مَنِ الطَّارِقُ؟ قَالَ:أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَفَرِحَتْ قَطَامِ بِهِ وَخَرَجَتْ إِلَيْهِ وَاعْتَنَقَتْهُ وَأَدْخَلَتْهُ دَارَهَا وَفَرَشَتْ لَهُ فُرُشَ الدِّيبَاجِ وَأَحْضَرَتْ لَهُ الطَّعَامَ وَالْمُدَامَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ حَتَّى سَكِرَ وَسَأَلَتْهُ عَنْ حَالِهِ فَحَدَّثَهَا بِجَمِيعِ مَا جَرَى لَهُ فِي طَرِيقِهِ.
ثُمَّ أَمَرَتْهُ بِالاغْتِسَالِ وَتَغْيِيرِ ثِيَابِهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ وَأَمَرَتْ جَارِيَةً لَهَا فَفَرَشَتِ الدَّارَ بِأَنْوَاعِ الْفُرُشِ وَأَحْضَرَتْ لَهُ شَرَاباً وَجَوَارِيَ فَشَرِبَ مَعَ الجوار وَهُنَّ يَلْعَبْنَ بِالْعِيدَانِ وَالْمَزَامِيرِ وَالْمَعَازِفِ(1) وَالدُّفُوفِ فَلَمَّا أَخَذَ الشَّرَابَ منه أَقْبَلَ عَلَيْهَا وَقَالَ: مَا بَالُكِ لا
ص: 106
تُجَالِسِينِي وَلا تُحَادِثِينِي يَا قُرَّةَ عَيْنِي وَلا تُمَازِحِينِي، فَقَالَتْ لَهُ: بَلَى سَمْعاً وَطَاعَةً.
ثُمَّ إِنَّهَا نَهَضَتْ وَدَخَلَتْ إِلَى خِدْرِهَا وَلَبِسَتْ أَفْخَرَ ثِيَابِهَا وَتَزَيَّنَتْ وَتَطَيَّبَتْ وَخَرَجَتْ إِلَيْهِ وَقَدْ كَشَفَتْ لَهُ عَنْ رَأْسِهَا وَصَدْرِهَا وَنُهُودِهَا(1) وَأَبْرَزَتْ لَهُ عَنْ فَخِذَيْهَا وَهِيَ فِي طَاقٍ غِلالَةٍ(2) رُومِيٍّ يَبِينُ لَهُ مِنْهَا جَمِيعُ جَسَدِهَا وَهِيَ تَتَبَخْتَرُ فِي مِشْيَتِهَاوَالجوار حَوْلَهَا يَلْعَبْنَ.
فَقَامَ الْمَلْعُونُ وَاعْتَنَقَهَا وَتَرَشَّفَهَا(3) وَحَمَلَهَا حَتَّى أَجْلَسَهَا مَجْلِسَهَا وَقَدْ بُهِتَ وَتَحَيَّرَ وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ فَضَرَبَتْ بِيَدِهَا عَلَى زِرِّ قَمِيصِهَا فَحَلَّتْهُ وَكَانَ فِي حِلَقِهَا عِقْدُ جَوْهَرٍ لَيْسَتْ لَهُ قِيمَةٌ فَلَمَّا أَرَادَ مُجَامَعَتَهَا لَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِمَ تُمَانِعِينِّي عَنْ نَفْسِكِ وَأَنَا وَأَنْتِ عَلَى الْعَهْدِ الَّذِي عَاهَدْتُكِ عَلَيْهِ مِنْ قَتْلِ عَلِيٍّ وَلَوْ أَحْبَبْتِ لَقَتَلْتُ مَعَهُ شِبْلَيْهِ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ.
ثُمَّ ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى هِمْيَانِهِ فَحَلَّهُ مِنْ وَسَطِهِ وَرَمَاهُ إِلَيْهَا وَقَالَ خُذِيهِ فَإِنَّ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثَةِ آلافِ دِينَارٍ وَعَبْدٍ وَقَيْنَةٍ.
فَقَالَتْ لَهُ: وَاللّه ِ لا أُمَكِّنُكَ مِنْ نَفْسِي حَتَّى تَحْلِفَ لِي بِالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ أَنَّكَ تَقْتُلُهُ فَحَمَلَتْهُ الْقَسَاوَةُ عَلَى ذَلِكَ وَبَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ وَتَحَكَّمَ الشَّيْطَانُ فِيهِ بِالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ وَلَوْ قَطَعُوهُ إِرْباً إِرْباً.
فَمَالَتْ إِلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ وَقَبَّلَتْهُ وَقَبَّلَهَا فَأَرَادَ وَطْأَهَا فَمَانَعَتْهُ وَبَاتَ عِنْدَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِنْ غَيْرِ نِكَاحٍ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ تَزَوَّجَ بِهَا سِرّاً وَطَابَ قَلْبُهُ فَلَمَّا أَفَاقَ مِنْ سُكْرَتِهِ
ص: 107
نَدِمَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ وَعَاتَبَ نَفْسَهُ وَلَعَنَهَا فَلَمْ تَزَلْ ترَادَعهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ وَتَعِدُهُ بِوِصَالِهَا فَلَمَّا دَنَتِ اللَّيْلَةُ الْمَوْعُودَةُ مَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا لِيُضَاجِعَهَا وَيُجَامِعَهَا فَأَبَتْ عَلَيْهِ وَقَالَتْ مَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلاّ أَنْ تَفِيَ بِوَعْدِكَ وَكَانَ الْمَلْعُونُ اعْتَلَّ عِلَّةً شَدِيدَةً فَبَرَأَ مِنْهَا، وَكَانَتِ الْمَلْعُونَةُ لا تُمَكِّنُهُ مِنْ نَفْسِهَا مَخَافَةَ أَنْ تَبْرُدَ نَارُهُ فَيُخِلَّ بِقَضَاءِ حَاجَتِهَا.
فَقَالَ لَهَا: يَا قَطَامِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ أَقْتُلُ لَكِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَخَذَ سَيْفَهُ وَمَضَى بِهِ إِلَى الصَّيْقَلِ فَأَجَادَ صِقَالَهُ وَجَاءَ بِهِ إِلَيْهَا فَقَالَتْ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْمَلَ فِيهِ سَمّاً قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِالسَّمِّ لَوْ وَقَعَ عَلَى جَبَلٍ لَهَدَّهُ، فَقَالَتْ: دَعْنِي أَعْمَلُ فِيهِ السَّمَّ فَإِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ عَلِيّاً لَطَاشَ عَقْلُكَ وَارْتَعَشَتْ يَدَاكَ وَرُبَّمَا ضَرَبْتَهُ ضَرْبَةً لا تَعْمَلُ فِيهِ شَيْئاً، فَإِذَا كَانَ مَسْمُوماً فَإِنْ لَمْ تَعْمَلِ الضَّرْبَةُ عَمِلَ السَّمُّ.
فَقَالَ لَهَا: يَا وَيْلَكِ أَتُخَوِّفِينِي مِنْ عَلِيٍّ فَوَ اللّه ِ لا أَرْهَبُ عَلِيّاً وَلا غَيْرَهُ، فَقَالَتْ لَهُ: دَعْنِي مِنْ قَوْلِكَ هَذَا وَإِنَّ عَلِيّاً لَيْسَ كَمَنْ لاقَيْتَ مِنَ الشُّجْعَانِ فَأَطْرَتْ(1) فِي مَدْحِهِ وَذَكَرَتْ شَجَاعَتَهُ وَكَانَ غَرَضُهَا أَنْ يَحْمِلَ الْمَلْعُونَ عَلَى الْغَضَبِ وَيُحَرِّضَهُ عَلَى الْأَمْرِ فَأَخَذَتِ السَّيْفَ وَأَنْفَذَتْهُ إِلَى الصَّيْقَلِ فَسَقَاهُ السَّمَّ وَرَدَّهُ إِلَى غِمْدِهِ.
وَكَانَ ابْنُ مُلْجَمٍ قَدْ خَرَجَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَمْشِي فِي أَزِقَّةِ الْكُوفَةِ فَلَقِيَهُ صَدِيقٌ لَهُ وَهُوَ عَبْدُ اللّه ِ بْنُ جَابِرٍ الْحَارِثِيُّ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَهَنَّأَهُ بِزِوَاجِ قَطَامِ، ثُمَّ تَحَادَثَا سَاعَةً فَحَدَّثَهُ بِحَدِيثِهِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ فَسُّرَ بِذَلِكَ سُرُوراً عَظِيماً فَقَالَ لَهُ أَنَا أُعَاوِنُكَ.
فَقَالَ ابْنُ مُلْجَمٍ: دَعْنِي مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ عَلِيّاً أَرْوَغُ مِنَ الثَّعْلَبِ وَأَشَدُّ مِنَ الْأَسَدِ.
ثُمَّ مَضَى ابْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللّه ُ يَدُورُ فِي شَوَارِعِ الْكُوفَةِ، فَاجْتَازَ عَلَى
ص: 108
أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلاموَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَ مِيثَمٍ التَّمَّارِ فَخَطَفَ عَنْهُ كَيْلا يَرَاهُ فَفَطَنَ بِهِ فَبَعَثَ خَلْفَهُ رَسُولاً فَلَمَّا أَتَاهُ وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَتَضَرَّعَ لَدَيْهِ.
فَقَالَ عليه السلام لَهُ: مَا تَعْمَلُ هَاهُنَا؟ قَالَ: أَطُوفُ فِي أَسْوَاقِ الْكُوفَةِ وَأَنْظُرُ إِلَيْهَا،فَقَالَ عليه السلام: عَلَيْكَ بِالْمَسَاجِدِ فَإِنَّهَا خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْبِقَاعِ كُلِّهَا وَشَرُّهَا الْأَسْوَاقُ مَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّه ِ فِيهَا ثُمَّ حَادَثَهُ سَاعَةً وَانْصَرَفَ.
فَلَمَّا وَلَّى جَعَلَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام يُطِيلُ النَّظَرَ إِلَيْهِ وَيَقُولُ يَا لَكَ مِنْ عَدُوٍّ لِي مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ قَالَ عليه السلام:
أُرِيدُ حَيَاتَهُ وَيُرِيدُ قَتْلِي *** وَيَأْبَى اللّه ُ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ
ثُمَّ قَالَ عليه السلام: يَا مِيثَمُ هَذَا وَاللّه ِ قَاتِلِي لا مَحَالَةَ أَخْبَرَنِي بِهِ حَبِيبِي رَسُولُ اللّه صلى الله عليه و آله، فَقَالَ مِيثَمٌ: يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ فَلِمَ لا تَقْتُلُهُ أَنْتَ قَبْلَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: يَا مِيثَمُ لا يَحِلُّ الْقِصَاصُ قَبْلَ الْفِعْلِ، فَقَالَ مِيثَمٌ: يَا مَوْلايَ إِذَا لَمْ تَقْتُلْهُ فَاطْرُدْهُ، فَقَالَ: يَا مِيثَمُ لَوْلا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللّه ِ «يَمْحُوااللّه ُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ»(1) وَأَيْضاً أَنَّهُ بَعْدَ مَا جَنَى جِنَايَةً فَيُؤخَذُ بِهَا وَلا يَجُوزُ أَنْ يُعَاقَبَ قَبْلَ الْفِعْلِ، فَقَالَ مِيثَمٌ: جَعَلَ اللّه ُ يَوْمَنَا قَبْلَ يَوْمِكَ وَلا أَرَانَا اللّه ُ فِيكَ سُوءاً أَبَداً وَمَتَى يَكُونُ ذَلِكَ يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ؟فَقَالَ عليه السلام:إِنَّ اللّه َ تَفَرَّدَ بِخَمْسَةِ أَشْيَاءَ لا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: «إِنَّ اللّه َ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ»(2) الآْيَةَ.
يَا مِيثَمُ هَذِهِ خَمْسَةٌ لا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إِلاّ اللّه ُ تَعَالَى وَمَا اطَّلَعَ عَلَيْهَا نَبِيٌّ وَلا وَصِيٌّ وَلا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ يَا مِيثَمُ لا حَذَرَ مِنْ قَدَرٍ يَا مِيثَمُ إِذَا جَاءَ الْقَضَاءُ فَلا مَفَرَّ فَرَجَعَ ابْنُ مُلْجَمٍ وَدَخَلَ عَلَى قَطَامِ لَعَنَهُمَا اللّه ُ وَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ لَيْلَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ
ص: 109
رَمَضَانَ(1).
قَالَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّه ِ عَلَيْهِ لَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ قَدَّمَت إِلَيْهِ عِنْدَ إِفْطَارِهِ طَبَقاً فِيهِ قُرْصَانِ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ وَقَصْعَةٌ فِيهَا لَبَنٌ وَمِلْحٌ جَرِيشٌ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ أَقْبَلَ عَلَى فَطُورِهِ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ وَتَأَمَّلَهُ حَرَّكَ رَأْسَهُ وَبَكَى بُكَاءً شَدِيداً عَالِياً وَقَالَ يَا بُنَيَّةِ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ بِنْتاً تَسُوءُ أَبَاهَا كَمَا قَدْ أَسَأْتِ أَنْتِ إِلَيَّ، قَالَتْ: وَمَا ذَا يَا أَبَاه؟ قَالَ: يَا بُنَيَّةِ أَتُقَدِّمِينَ إِلَى أَبِيكِ إِدَامَيْنِ فِي فَرْدِ طَبَقٍ وَاحِدٍ أَتُرِيدِينَ أَنْ يَطُولَ وُقُوفِي غَداً بَيْنَ يَدَيِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتْبَعَ أَخِي وَابْنَ عَمِّي رَسُولَ اللّه صلى الله عليه و آله مَا قُدِّمَ إِلَيْهِ إِدَامَانِ فِي طَبَقٍ وَاحِدٍ إِلَى أَنْ قَبَضَهُ اللّه ُ.
يَا بُنَيَّةِ مَا مِنْ رَجُلٍ طَابَ مَطْعَمُهُ وَمَشْرَبُهُ وَمَلْبَسُهُ إِلاّ طَالَ وُقُوفُهُ بَيْنَ يَدَيِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَا بُنَيَّةِ إِنَّ الدُّنْيَا فِي حَلالِهَا حِسَابٌ وَفِي حَرَامِهَا عِقَابٌ.
وَقَدْ أَخْبَرَنِي حَبِيبِي رَسُولُ اللّه صلى الله عليه و آله أَنَّ جَبْرَئِيلَ عليه السلام نَزَلَ إِلَيْهِ وَمَعَهُ مَفَاتِيحُ كُنُوزِ
الْأَرْضِ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اللّه (السَّلامُ) يُقْرِئُكَ السَّلامَ وَيَقُولُ لَكَ إِنْ شِئْتَ صَيَّرْتَ مَعَكَ جِبَالَ تِهَامَةَ ذَهَباً وَفِضَّةً وَخُذْ هَذِهِ مَفَاتِيحَ كُنُوزِ الْأَرْضِ وَلا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ حَظِّكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ: يَا جَبْرَئِيلُ وَمَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: الْمَوْتُ فَقَالَ: إِذاً لا حَاجَةَ لِي فِي الدُّنْيَا دَعْنِي أَجُوعُ يَوْماً وَأَشْبَعُ يَوْماً، فَالْيَوْمَ الَّذِي أَجُوعُ فِيهِ أَتَضَرَّعُ إِلَى رَبِّي وَأَسْأَلُهُ، وَالْيَوْمَ الَّذِي أَشْبَعُ فِيهِ أَشْكُرُ رَبِّي وَأَحْمَدُهُ فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ: وُفِّقْتَ لِكُلِّ خَيْرٍ.
ثُمَّ قَالَ عليه السلام: يَا بُنَيَّةِ الدُّنْيَا دَارُ غُرُورٍ وَدَارُ هَوَانٍ فَمَنْ قَدَّمَ شَيْئاً وَجَدَهُ يَا بُنَيَّةِ وَاللّه ِ
ص: 110
لا آكُلُ شَيْئاً حَتَّى تَرْفَعِينَ أَحَدَ الاْءِدَامَيْنِ فَلَمَّا رَفَعَتْهُ تَقَدَّمَ إِلَى الطَّعَامِ فَأَكَلَ قُرْصاً وَاحِداً بِالْمِلْحِ الْجَرِيشِ.
ثُمَّ حَمِدَ اللّه َ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَامَ إِلَى صَلاتِهِ فَصَلَّى وَلَمْ يَزَلْ رَاكِعاً وَسَاجِداً وَمُبْتَهِلاً وَمُتَضَرِّعاً إِلَى اللّه ِ سُبْحَانَهُ وَيُكْثِرُ الدُّخُولَ وَالْخُرُوجَ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ قَلَقٌ يَتَمَلْمَلُ ثُمَّ قَرَأَ سُورَةَ يس حَتَّى خَتَمَهَا.
ثُمَّ رَقَدَ هُنَيْئَةً وَانْتَبَهَ مَرْعُوباً وَجَعَلَ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِثَوْبِهِ وَنَهَضَ قَائِماً عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي لِقَائِكَ وَيُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّه ِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، ثُمَّ صَلَّى حَتَّى ذَهَبَ بَعْضُ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَلَسَ لِلتَّعْقِيبِ، ثُمَّ نَامَتْ عَيْنَاهُ وَهُوَ جَالِسٌ، ثُمَّ انْتَبَهَ مِنْ نَوْمَتِهِ مَرْعُوباً.
قَالَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ كَأَنِّي بِهِ وَقَدْ جَمَعَ أَوْلادَهُ وَأَهْلَهُ وَقَالَ لَهُمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ تَفْقِدُونِي إِنِّي رَأَيْتُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ رُؤيَا هَالَتْنِي وَأُرِيدُ أَنْ أَقُصَّهَا عَلَيْكُمْ قَالُوا وَمَا هِيَ؟ قَالَ إِنِّي رَأَيْتُ السَّاعَةَ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه و آله فِي مَنَامِي وَهُوَ يَقُولُ لِي: يَا أَبَا الْحَسَنِ إِنَّكَ قَادِمٌ إِلَيْنَا عَنْ قَرِيبٍ يَجِيءُ إِلَيْكَ أَشْقَاهَا فَيَخْضِبُ شَيْبَتَكَ مِنْ دَمِ رَأْسِكَ وَأَنَا وَاللّه ِ مُشْتَاقٌ إِلَيْكَ وَإِنَّكَ عِنْدَنَا فِي الْعَشْرِ الآْخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَهَلُمَّ إِلَيْنَا فَمَا عِنْدَنَا خَيْرٌ لَكَ وَأَبْقَى.
قَالَ: فَلَمَّا سَمِعُوا كَلامَهُ ضَجُّوا بِالْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ وَأَبْدَوُا الْعَوِيلَ فَأَقْسَمَ عَلَيْهِمْ بِالسُّكُوتِ فَسَكَتُوا ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيهِمْ يُوصِيهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ بِالْخَيْرِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الشَّرِّ.
قَالَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ: وَلَمْ يَزَلْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ قَائِماً وَقَاعِداً وَرَاكِعاً وَسَاجِداً ثُمَّ يَخْرُجُ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ يَقْلِبُ طَرْفَهُ فِي السَّمَاءِ وَيَنْظُرُ فِي الْكَوَاكِبِ وَهُوَ يَقُولُ وَاللّه ِ مَا كَذَبْتُ وَلا كُذِبْتُ وَإِنَّهَا اللَّيْلَةُ الَّتِي وُعِدْتُ بِهَا.
ص: 111
ثُمَّ يَعُودُ إِلَى مُصَلاّهُ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي فِي الْمَوْتِ وَيُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ إِنّا للّه ِِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّه ِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ وَيَسْتَغْفِرُ اللّه َ كَثِيراً.
قَالَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ قَلَقاً مُتَمَلْمِلاً كَثِيرَ الذِّكْرِ وَالاسْتِغْفَارِ أَرِقْتُ مَعَهُ لَيْلَتِي وَقُلْتُ يَا أَبَتَاهْ مَا لِي أَرَاكَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ لا تَذُوقُ طَعْمَ الرُّقَادِ قَالَ يَا بُنَيَّةِ إِنَّ أَبَاكِ قَتَلَ الْأَبْطَالَ وَخَاضَ الْأَهْوَالَ وَمَا دَخَلَ الْخَوْفُ لَهُ جوف [جَوْفاً(1)] وَمَا دَخَلَ فِي قَلْبِي رُعْبٌ أَكْثَرُ مِمَّا دَخَلَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ ثُمَّ قَالَ إِنّا للّه ِِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فَقُلْتُ يَا أَبَاهْ مَا لَكَ تَنْعَى نَفْسَكَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ قَالَ: يَا بُنَيَّةِ قَدْ قَرُبَ الْأَجَلُ وَانْقَطَعَ الْأَمَلُ.
قَالَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ: فَبَكَيْتُ، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّةِ لا تَبْكِينَ فَإِنِّي لَمْ أَقُلْ ذَلِكَ إِلاّ بِمَا عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ثُمَّ إِنَّهُ نَعَسَ وَطَوَى سَاعَةً ثُمَّ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ، وَقَالَ: يَا بُنَيَّةِ إِذَا قَرُبَ وَقْتُ الْأَذَانِ فَأَعْلِمِينِي ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوَّلَ اللَّيْلِ مِنَ الصَّلاةِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَى اللّه ِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
قَالَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ فَجَعَلْتُ أَرْقُبُ وَقْتَ الْأَذَانِ فَلَمَّا لاحَ الْوَقْتُ أَتَيْتُهُ وَمَعِي إِنَاءٌ فِيهِ مَاءٌ ثُمَّ أَيْقَظْتُهُ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ وَقَامَ وَلَبِسَ ثِيَابَهُ وَفَتَحَ بَابَهُ ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الدَّارِ وَكَانَ فِي الدَّارِ إِوَزٌّ قَدْ أُهْدِيَ إِلَى أَخِي الْحُسَيْنِ عليه السلامفَلَمَّا نَزَلَ خَرَجْنَ وَرَاءَهُ وَرَفْرَفْنَ وَصِحْنَ فِي وَجْهِهِ وَكَانَ قَبْلَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ لَمْ يَصِحْنَ فَقَالَ عليه السلام لا إِلَهَ إِلاّ اللّه ُ.
صَوَارِخُ تَتْبَعُهَا نَوَائِحُ *** وَفِي غَدَاةِ غَدٍ يَظْهَرُ الْقَضَاءُ
فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَاهْ هَكَذَا تَتَطَيَّرُ؟ فَقَالَ يَا بُنَيَّةِ مَا مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ مَنْ يَتَطَيَّرُ وَلا يُتَطَيَّرُ بِهِ وَلَكِنْ قَوْلٌ جَرَى عَلَى لِسَانِي ثُمَّ قَالَ يَا بُنَيَّةِ بِحَقِّي عَلَيْكِ إِلاّ مَا أَطْلَقْتِيهِ فَقَدْ
ص: 112
حَبَسْتِ مَا لَيْسَ لَهُ لِسَانٌ وَلا يَقْدِرُ عَلَى الْكَلامِ إِذَا جَاعَ أَوْ عَطِشَ فَأَطْعِمِيهِ وَاسْقِيهِ وَإِلاّ خَلِّي سَبِيلَهُ يَأْكُلْ مِنْ حَشَائِشِ الْأَرْضِ فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الْبَابِ فَعَالَجَهُ لِيَفْتَحَهُ فَتَعَلَّقَ الْبَابُ بِمِئْزَرِهِ فَانْحَلَّ مِئْزَرُهُ حَتَّى سَقَطَ فَأَخَذَهُ وَشَدَّهُ وَهُوَ يَقُولُ
اشْدُدْ حَيَازِيمَكَ لِلْمَوْتِ فَإِنَّ الْمَوْتَ لاقِيكَا *** وَلا تَجْزَعْ مِنَ الْمَوْتِ إِذَا حَلَّ بِنَادِيكَا
وَلا تَغْتَرَّ بِالدَّهْرِ وَإِنْ كَانَ يُؤاتِيكَا *** كَمَا أَضْحَكَكَ الدَّهْرُ كَذَاكَ الدَّهْرُ يُبْكِيكَا
ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي الْمَوْتِ اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي فِي لِقَائِكَ.
قَالَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ: وَكُنْتُ أَمْشِي خَلْفَهُ فَلَمَّا سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ، قُلْتُ: وَا غَوْثَاهْ يَا أَبَتَاهْ أَرَاك تَنْعَى نَفْسَكَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ، قَالَ: يَا بُنَيَّةِ مَا هُوَ بِنَعَاءٍ وَلَكِنَّهَا دَلالاتٌ وَعَلامَاتٌ لِلْمَوْتِ تَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضاً فَأَمْسِكِي عَنِ الْجَوَابِ ثُمَّ فَتَحَ الْبَابَ وَخَرَجَ.
قَالَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ: فَجِئْتُ إِلَى أَخِي الْحَسَنِ عليه السلام فَقُلْتُ يَا أَخِي قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِ أَبِيكِ اللَّيْلَةَ كَذَا وَكَذَا وَهُوَ قَدْ خَرَجَ فِي هَذَا اللَّيْلِ الْغَلَسَ فَالْحَقْهُ فَقَامَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلام وَتَبِعَهُ فَلَحِقَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الْجَامِعَ فَقَالَ يَا أَبَاهْ مَا أَخْرَجَكَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ اللَّيْلِ ثُلُثُهُ.
فَقَالَ: يَا حَبِيبِي وَيَا قُرَّةَ عَيْنِي خَرَجَت لِرُؤيَا رَأَيْتُهَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ أَهَالَتْنِي وَأَزْعَجَتْنِي وَأَقْلَقَتْنِي، فَقَالَ لَهُ: خَيْراً رَأَيْتَ وَخَيْراً يَكُونُ فَقَصَّهَا عَلَيَّ، فَقَالَ عليه السلام: يَا بُنَيَّ رَأَيْتُ كَأَنَّ جَبْرَئِيلَ عليه السلام قَدْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ فَتَنَاوَلَ مِنْهُ حَجَرَيْنِ وَمَضَى بِهِمَا إِلَى الْكَعْبَةِ وَتَرَكَهُمَا عَلَى ظَهْرِهَا وَضَرَبَ أَحَدَهُمَا عَلَى الآْخَرِ
ص: 113
فَصَارَتْ كَالرَّمِيمِ، ثُمَّ ذَرَّهُمَا(1) فِي الرِّيحِ فَمَا بَقِيَ بِمَكَّةَ وَلا بِالْمَدِينَةِ بَيْتٌ إِلاّ وَدَخَلَهُ مِنْ ذَلِكَ الرَّمَادِ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَتِ وَمَا تَأْوِيلُهَا؟
فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنْ صَدَقَتْ رُؤيَايَ فَإِنَّ أَبَاكَ مَقْتُولٌ وَلا يَبْقَى بِمَكَّةَ حِينَئِذٍ وَلا بِالْمَدِينَةِ بَيْتٌ إِلاّ وَيَدْخُلُهُ مِنْ ذَلِكَ غَمٌّ وَمُصِيبَةٌ مِنْ أَجْلِي فَقَالَ الْحَسَنُ عليه السلام وَهَلْ تَدْرِي مَتَى يَكُونُ ذَلِكَ يَا أَبَتِ؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّ اللّه َ يَقُولُ: «وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ»(2).
وَلَكِنْ عَهِدَ إِلَيَّ حَبِيبِي رَسُولُ اللّه صلى الله عليه و آله أَنَّهُ يَكُونُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ يَقْتُلُنِي ابْنُ مُلْجَمٍ الْمُرَادِيُّ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَتَاهْ إِذَا عَلِمْتَ مِنْهُ ذَلِكَ فَاقْتُلْهُ، قَالَ: يَا بُنَيَّ لا يَجُوزُ الْقِصَاصُ إِلاّ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَالْجِنَايَةُ لَمْ تَحْصُلْ مِنْهُ، يَا بُنَيَّ لَوِ اجْتَمَعَ الثَّقَلانِ الاْءِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَدْفَعُوا ذَلِكَ لَما قَدَرُوا، يَا بُنَيَّ ارْجِعْ إِلَى فِرَاشِكَ فَقَالَ الْحَسَنُ عليه السلام يَا أَبَتَاهْ أُرِيدُ أَمْضِي مَعَكَ إِلَى مَوْضِعِ صَلاتِكَ.
فَقَالَ لَهُ: أَقْسَمْتُ بِحَقِّي عَلَيْكَ إِلاّ مَا رَجَعْتَ إِلَى فِرَاشِكَ لِئَلاّ يَتَنَغَّصَ عَلَيْكَ نَوْمُكَ وَلا تَعْصِنِي فِي ذَلِكَ، قَالَ فَرَجَعَ الْحَسَنُ عليه السلام فَوَجَدَ أُخْتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ قَائِمَةً خَلْفَ الْبَابِ تَنْتَظِرُهُ فَدَخَلَ فَأَخْبَرَهَا بِذَلِكَ وَجَلَسَا يَتَحَادَثَانِ وَهُمَا مَحْزُونَانِ حَتَّى غَلَبَ عَلَيْهِمَا النُّعَاسُ فَقَامَا وَدَخَلا إِلَى فِرَاشِهِمَا وَنَامَا.
قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ وَغَيْرُهُ: وَسَارَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلامحَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْقَنَادِيلُ قَدْ خَمَدَ ضَوْؤهَا فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ وتمّ وِرْدَهُ وَعَقَّبَ سَاعَةً ثُمَّ إِنَّهُ قَامَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِثُمَّ عَلا الْمِئْذَنَةَ وَوَضَعَ سَبَّابَتَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَتَنَحْنَحَ، ثُمَّ أَذَّنَ وَكَانَ عليه السلام إِذَا أَذَّنَ لَمْ يَبْقَ فِي
ص: 114
بَلْدَةِ الْكُوفَةِ بَيْتٌ إِلاّ اخْتَرَقَهُ صَوْتُهُ(1).
قَالَ الرَّاوِي: وَأَمَّا ابْنُ مُلْجَمٍ فَبَاتَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ يُفَكِّرُ فِي نَفْسِهِ وَلا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ فَتَارَةً يُعَاتِبُ نَفْسَهُ وَيُوَبِّخُهَا وَيَخَافُ مِنْ عُقْبَى فِعْلِهِ فَيَهِمّ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ وَتَارَةً يَذْكُرُ قَطَامِ لَعَنَهَا اللّه ُ وَحُسْنَهَا وَجَمَالَهَا وَكَثْرَةَ مَالِهَا فَتَمِيلُ نَفْسُهُ إِلَيْهَا فَبَقِيَ عَامَّةَ لَيْلِهِ يَتَقَلَّبُ عَلَى فِرَاشِهِ وَهُوَ يَتَرَنَّمُ بِشِعْرِهِ ذَلِكَ إِذَا أَتَتْهُ الْمَلْعُونَةُ وَنَامَتْ مَعَهُ فِي فِرَاشِهِ وَقَالَتْ لَهُ يَا هَذَا، مَنْ يَكُونُ عَلَى هَذَا الْعَزْمِ يَرْقُدُ؟
فَقَالَ لَهَا: وَاللّه ِ إِنِّي أَقْتُلُهُ لَكِ السَّاعَةَ فَقَالَتِ اقْتُلْهُ وَارْجِعْ إِلَيَّ قَرِيرَ الْعَيْنِ مَسْرُوراً وَافْعَلْ مَا تُرِيدُ فَإِنِّي مُنْتَظِرَةٌ لَكَ فَقَالَ لَهَا بَلْ أَقْتُلُهُ وَأَرْجِعُ إِلَيْكِ سَخِينَ الْعَيْنِ مَحْزُوناً مَنْحُوساً مَحْسُوراً فَقَالَتْ أَعُوذُ بِاللّه ِ مِنْ تَطَيُّرِكَ الْوَحْشَ.
قَالَ: فَوَثَبَ الْمَلْعُونُ كَأَنَّهُ الْفَحْلُ مِنَ الاْءِبِلِ قَالَ هَلُمِّي إِلَيَّ بِالسَّيْفِ، ثُمَّ إِنَّهُ اتَّزَرَ بِمِئْزَرٍ وَاتَّشَحَ(2) بِإِزَارٍ وَجَعَلَ السَّيْفَ تَحْتَ الاْءِزَارِ مِن بَطْنِهِ، وَقَالَ: افْتَحِي لِي الْبَابَ فَفِي هَذِهِ السَّاعَةَ أَقْتُلُ لَكِ عَلِيّاً، فَقَامَتْ فَرْحَةً مَسْرُورَةً وَقَبَّلَتْ صَدْرَهُ وَبَقِيَ يُقَبِّلُهَا وَيَتَرَشَّفُهَا سَاعَةً ثُمَّ رَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا فَقَالَتْ لَهُ: هَذَا عَلِيٌّ أَقْبَلَ إِلَى الْجَامِعِ وَأَذَّنَ فَقُمْ إِلَيْهِ فَاقْتُلْهُ ثُمَّ عُدْ إِلَيَّ فَهَا أَنَا مُنْتَظِرَةٌ رُجُوعَكَ، فَخَرَجَ مِنَ الْبَابِ وَهِيَ خَلْفَهُ تُحَرِّضُهُ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ:
أَقُولُ إِذَا مَا حَيَّةٌ أَعْيَتِ الرُّقَّا *** وَكَانَ ذُعَافُ(3) الْمَوْتِ مِنْهُ شَرَابُهَا
رَسَسْنَا إِلَيْهَا فِي الظَّلامِ ابْنَ مُلْجَمٍ *** هُمَامٌ إِذَا مَا الْحَرْبُ شَبَّ لَهَا بِهَا
فَخُذْهَا عَلِيُّ فَوْقَ رَأْسِكَ ضَرْبَةً *** بِكَفٍّ سَعِيدٍ سَوْفَ يَلْقَى ثَوَابَهَا
ص: 115
قَالَ الرَّاوِي: فَالْتَفَتَ إِلَيْهَا وَقَالَ لَهَا أَفْسَدْتِ وَاللّه ِ الشِّعْرَ فِي هَذَا الْبَيْتِ الآْخِرِ، قَالَتْ: وَلِمَ ذَاكَ قَالَ لَهَا هَلاّ قُلْتُ:
بِكَفٍّ شَقِيٍّ سَوْفَ يَلْقَى عِقَابَهَا.
قَالَ مُصَنِّفُ هَذَا الْكِتَابِ قَدَّسَ اللّه رُوحَهُ: هَذَا الْخَبَرُ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ إِنَّا كَتَبْنَاهُ كَمَا وَجَدْنَاهُ، وَالرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ بَاتَ فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ رَجُلانِ أَحَدُهُمَا شَبِيبُ بْنُ بحيرة (بَجَرَةَ) وَالآْخَرُ وَرْدَانُ بْنُ مُجَالِدٍ يُسَاعِدَانِهِ عَلَى قَتْلِ عَلِيّ عليه السلام، فَلَمَّا أَذَّنَ عليه السلامَنَزَلَ مِنَ الْمِئْذَنَةِ وَجَعَلَ يُسَبِّحُ اللّه َ وَيُقَدِّسُهُ وَيُكَبِّرُهُ وَيُكْثِرُ مِنَ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله.
قَالَ الرَّاوِي: وَكَانَ مِنْ كَرَمِ أَخْلاقِهِ عليه السلام أَنَّهُ يَتَفَقَّدُ النَّائِمِينَ فِي الْمَسْجِدِ وَيَقُولُ لِلنَّائِمِ الصَّلاةَ يَرْحَمُكَ اللّه ُ الصَّلاةَ قُمْ إِلَى الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَيْكَ ثُمَّ يَتْلُو عليه السلام: «إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ»(1).
فَفَعَلَ ذَلِكَ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ عَلَى مَجَارِي عَادَتِهِ مَعَ النَّائِمِينَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ إِلَى الْمَلْعُونِ فَرَآهُ نَائِماً عَلَى وَجْهِهِ قَالَ لَهُ: يَا هَذَا قُمْ مِنْ نَوْمِكَ هَذَا فَإِنَّهَا نَوْمَةٌ يَمْقُتُهَا اللّه ُ وَهِيَ نَوْمَةُ الشَّيْطَانِ وَنَوْمَةُ أَهْلِ النَّارِ، بَلْ نَمْ عَلَى يَمِينِكَ فَإِنَّهَا نَوْمَةُ الْعُلَمَاءِ أَوْ عَلَى يَسَارِكَ فَإِنَّهَا نَوْمَةُ الْحُكَمَاءِ وَلا تَنَمْ عَلَى ظَهْرِكَ فَإِنَّهَا نَوْمَةُ الْأَنْبِيَاءِ.
قَالَ: فَتَحَرَّكَ الْمَلْعُونُ كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَقُومَ وَهُوَ مِنْ مَكَانِهِ لا يَبْرَحْ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام: لَقَدْ هَمَمْتَ بِشَيْءٍ «تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا»(2) وَلَوْ شِئْتَ لأَنْبَأْتُكَ بِمَا تَحْتَ ثِيَابِكَ، ثُمَّ تَرَكَهُ وَعَدَلَ عَنْهُ إِلَى مِحْرَابِهِ وَقَامَ قَائِماً يُصَلِّي وَكَانَ عليه السلام يُطِيلُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فِي الصَّلاةِ كَعَادَتِهِ فِي
ص: 116
الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ حَاضِراً قَلْبُهُ.
فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِ فَنَهَضَ الْمَلْعُونُ مُسْرِعاً وَأَقْبَلَ يَمْشِي حَتَّى وَقَفَ بِإِزَاءِ الْأُسْطُوَانَةِ الَّتِي كَانَ الاْءِمَامُ عليه السلام يُصَلِّي عَلَيْهَا فَأَمْهَلَهُ حَتَّى صَلَّى الرَّكْعَةَ الْأُولَى وَرَكَعَ وَسَجَدَ السَّجْدَةَ الْأُولَى مِنْهَا وَرَفَعَ رَأْسَهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَخَذَ السَّيْفَ وَهَزَّهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ الْمُكَرَّمِ الشَّرِيفِ فَوَقَعَتِ الضَّرْبَةُ عَلَى الضَّرْبَةِ الَّتِي ضَرَبَهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدَ وُدٍّ الْعَامِرِيُّ ثُمَّ أَخَذَتِ الضَّرْبَةُ إِلَى مَفْرَقِ رَأْسِهِ إِلَى مَوْضِعِ السُّجُودِ.
فَلَمَّا أَحَسَّ الاْءِمَامُ بِالضَّرْبِ لَمْ يَتَأَوَّهْ وَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ وَوَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ قَائِلاً: بِسْمِ اللّه ِ وَبِاللّه ِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللّه ِ، ثُمَّ صَاحَ وَقَالَ قَتَلَنِي ابْنُ مُلْجَمٍ قَتَلَنِي اللَّعِينُ ابْنُ الْيَهُودِيَّةِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ أَيُّهَا النَّاسُ لا يَفُوتَنَّكُمْ ابْنُ مُلْجَمٍ وَسَارَ السَّمُّ فِي رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ وَثَارَ جَمِيعُ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ فِي طَلَبِ الْمَلْعُونِ وَمَاجُوا بِالسِّلاحِ فَمَا كُنْتُ أَرَى إِلاّ صَفْقَ الْأَيْدِي عَلَى الْهَامَاتِ وَعُلُوِّ الصَّرْخَاتِ.
وَكَانَ ابْنُ مُلْجَمٍ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً خَائِفاً مَرْعُوباً، ثُمَّ وَلَّى هَارِباً وَخَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَأَحَاطَ النَّاسُ بِأَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلام وَهُوَ فِي مِحْرَابِهِ يَشُدُّ الضَّرْبَةَ وَيَأْخُذُ التُّرَابَ وَيَضَعُهُ عَلَيْهَا ثُمَّ تَلا قَوْلَهُ تَعَالَى: «مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى»(1) ثُمَّ قَالَ عليه السلام: جَاءَ أَمْرُ اللّه ِ وَصَدَقَ رَسُولُ اللّه صلى الله عليه و آله ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا ضَرَبَهُ الْمَلْعُونُ ارْتَجَّتِ الْأَرْضُ وَمَاجَتِ الْبِحَارُ وَالسَّمَاوَاتِ وَاصْطَفَقَتْ أَبْوَابُ الْجَامِعِ.
قَالَ: وَضَرَبَهُ اللَّعِينُ شَبِيبُ بْنِ بُجْرَةَ، فَأَخْطَأَهُ وَوَقَعَتِ الضَّرْبَةُ فِي الطَّاقِ.
قَالَ الرَّاوِي: فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ الضَّجَّةَ ثَارَ إِلَيْهِ كُلُّ مَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ وَصَارُوا يَدُورُونَ وَلا يَدْرُونَ أَيْنَ يَذْهَبُونَ مِنْ شِدَّةِ الصَّدْمَةِ وَالدَّهْشَةِ، ثُمَّ أَحَاطُوا
ص: 117
بِأَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلاموَهُوَ يَشُدُّ رَأْسَهُ بِمِئْزَرِهِ وَالدَّمُ يَجْرِي عَلَى وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ وَقَدْ خُضِبَتْ بِدِمَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا مَا وَعَدَ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللّه ُ وَرَسُولُهُ.
قَالَ الرَّاوِي: فَاصْطَفَقَتْ أَبْوَابُ الْجَامِعِ وَضَجَّتِ الْمَلائِكَةُ فِي السَّمَاءِ بِالدُّعَاءِ وَهَبَّتْ رِيحٌ عَاصِفٌ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ، وَنَادَى جَبْرَئِيلُ عليه السلامبَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ كُلُّ مُسْتَيْقِظٍ: تَهَدَّمَتْ وَاللّه ِ أَرْكَانُ الْهُدَى، وَانْطَمَسَتْ وَاللّه ِ نُجُومُ السَّمَاءِ، وَأَعْلامُ التُّقَى وَانْفَصَمَتْ وَاللّه ِ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى، قُتِلَ ابْنُ عَمِّ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى قُتِلَ الْوَصِيُّ الْمُجْتَبَى قُتِلَ عَلِيٌّ الْمُرْتَضَى، قُتِلَ وَاللّه ِ سَيِّدُ الْأَوْصِيَاءِ قَتَلَهُ أَشْقَى الْأَشْقِيَاءِ(1).
قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ نَعْيَ جَبْرَئِيلَ فَلَطَمَتْ عَلَى وَجْهِهَا وَخَدِّهَا وَشَقَّتْ جَيْبَهَا وَصَاحَتْ وَا أَبَتَاهْ وَا عَلِيَّاهْ وَا مُحَمَّدَاهْ وَا سَيِّدَاهْ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ إِلَى أَخَوَيْهَا الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عليهماالسلام فَأَيْقَظَتْهُمَا وَقَالَتْ لَهُمَا لَقَدْ قُتِلَ أَبُوكُمَا، فَقَامَا يَبْكِيَانِ فَقَالَ لَهَا الْحَسَنُ عليه السلاميَا أُخْتَاهْ كُفِّي عَنِ الْبُكَاءِ حَتَّى نَعْرِفَ صِحَّةَ الْخَبَرِ كَيْلا تُشْمِتَ الْأَعْدَاءُ.
فَخَرَجَا فَإِذَا النَّاسُ يَنُوحُونَ وَيُنَادُونَ وَا إِمَامَاهْ وَا أَمِيرُالْمُؤمِنِينَاهْ قُتِلَ وَاللّه ِ إِمَامٌ عَابِدٌ مُجَاهِدٌ لَمْ يَسْجُدْ لِصَنَمٍ كَانَ أَشْبَهَ النَّاسِ بِرَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله.
فَلَمَّا سَمِعَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عليهماالسلامصَرْخَاتِ النَّاسِ نَادَيَا وَا أَبَتَاهْ وَا عَلِيَّاهْ لَيْتَ الْمَوْتَ أَعْدَمَنَا الْحَيَاةَ، فَلَمَّا وَصَلا الْجَامِعَ وَدَخَلا وَجَدَا أَبَا جَعْدَةَ بْنَ هُبَيْرَةَ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ وَهُمْ يَجْتَهِدُونَ أَنْ يُقِيمُوا الاْءِمَامَ فِي الْمِحْرَابِ لِيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَلَمْ يُطِقْ عَلَى النُّهُوضِ وَتَأَخَّرَ عَنِ الصَّفِّ وَتَقَدَّمَ الْحَسَنُ عليه السلام فَصَلَّى بِالنَّاسِ وَأَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام يُصَلِّي إِيمَاءً مِنْ جُلُوسٍ وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَكَرِيمُهُ
ص: 118
الشَّرِيفُ يَمِيلُ تَارَةً وَيَسْكُنُ أُخْرَى وَالْحَسَنُ عليه السلاميُنَادِي وَا انْقِطَاعَ ظَهْرَاهُ يَعِزُّ وَاللّه ِ عَلَيَّ أَنْ أَرَاكَ هَكَذَا.
فَفَتَحَ عَيْنَهُ وَقَالَ: يَا بُنَيَّ لا جَزَعَ عَلَى أَبِيكَ بَعْدَ الْيَوْمِ، هَذَا جَدُّكَ مُحَمَّدٌ الْمُصْطَفَى وَجَدَّتُكَ خَدِيجَةُ الْكُبْرَى وَأُمُّكَ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ وَالْحُورُ الْعِينُ مُحْدِقُونَ مُنْتَظِرُونَ قُدُومَ أَبِيكَ، فَطِبْ نَفْساً وَقَرَّ عَيْناً وَكُفَّ عَنِ الْبُكَاءِ فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ قَدِ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ.
قَالَ: ثُمَّ إِنَّ الْخَبَرَ شَاعَ فِي جَوَانِبِ الْكُوفَةِ وَانْحَشَرَ النَّاسُ حَتَّى الْمُخَدَّرَاتُ خَرَجْنَ مِنْ خِدْرِهِنَّ إِلَى الْجَامِعِ يَنْظُرْنَ إِلَى أميرالمؤمنين عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام فَدَخَلَ النَّاسُ الْجَامِعَ فَوَجَدُوا الْحَسَنَ وَرَأْسُ أَبِيهِ فِي حَجْرِهِ وَقَدْ غَسَلَ الدَّمَ عَنْهُ وَشَدَّ الضَّرْبَةَ وَهِيَ بَعْدَهَا تَشْخُبُ دَماً وَوَجْهُهُ قَدْ زَادَ بَيَاضاً بِصُفْرَةٍ وَهُوَ يَرْمُقُ السَّمَاءَ بِطَرْفِهِ وَلِسَانُهُ يُسَبِّحُ اللّه َ وَيُوَحِّدُهُ وَهُوَ يَقُولُ: أَسْأَلُكَ يَا رَبِّ الرَّفِيعَ الْأَعْلَى، فَأَخَذَ الْحَسَنُ عليه السلامرَأْسَهُ فِي حَجْرِهِ فَوَجَدَهُ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ فَعِنْدَهَا بَكَى بُكَاءً شَدِيداً وَجَعَلَ يُقَبِّلُ وَجْهَ أَبِيهِ وَمَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَمَوْضِعَ سُجُودِهِ فَسَقَطَ مِنْ دُمُوعِهِ قَطَرَاتٌ عَلَى وَجْهِ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلامفَفَتَحَ عَيْنَيْهِ فَرَآهُ بَاكِياً فَقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ يَا حُسْنُ مَا هَذَا الْبُكَاءُ يَا بُنَيَّ لا رَوْعَ عَلَى أَبِيكَ بَعْدَ الْيَوْمِ هَذَا جَدُّكَ مُحَمَّدٌ الْمُصْطَفَى وَخَدِيجَةُ وَفَاطِمَةُ وَالْحُورُ الْعِينِ مُحْدِقُونَ مُنْتَظِرُونَ قُدُومَ أَبِيكَ فَطِبْ نَفْساً وَقَرَّ عَيْناً وَاكْفُفْ عَنِ الْبُكَاءِ فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ قَدِ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ.
يَا بُنَيَّ أَتَجْزَعُ عَلَى أَبِيكَ وَغَداً تُقْتَلُ بَعْدِي مَسْمُوماً مَظْلُوماً وَيُقْتَلُ أَخُوكَ بِالسَّيْفِ هَكَذَا وَتَلْحَقَانِ بِجَدِّكُمَا وَأَبِيكُمَا وَأُمِّكُمَا فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ عليه السلام: يَا أَبَتَاهْ مَا تُعَرِّفُنَا مَنْ قَتَلَكَ وَمَنْ فَعَلَ بِكَ هَذَا.
ص: 119
قَالَ: قَتَلَنِي ابْنُ الْيَهُودِيَّةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ الْمُرَادِيُّ، فَقَالَ: يَا أَبَاهْ مِنْ أَيِّ طَرِيقٍ مَضَى؟ قَالَ: لا يَمْضِي أَحَدٌ فِي طَلَبِهِ فَإِنَّهُ سَيُطْلِعُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ إِلَى بَابِ كِنْدَةَ.
قَالَ: وَلَمْ يَزَلِ السَّمُّ يَسْرِي فِي رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ، ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً وَالنَّاسُ يَنْتَظِرُونَ قُدُومَ الْمَلْعُونِ مِنْ بَابِ كِنْدَةَ، فَاشْتَغَلَ النَّاسُ بِالنَّظَرِ إِلَى الْبَابِ وَيَرْتَقِبُونَ قُدُومَ الْمَلْعُونِ وَقَدْ غَصَّ الْمَسْجِدُ بِالْعَالَمِ مَا بَيْنَ بَاكٍ وَمَحْزُونٍ فَمَا كَانَ إِلاّ سَاعَةً وَإِذَا بِالصَّيْحَةِ قَدِ ارْتَفَعَتْ وَزُمْرَةٍ مِنَ النَّاسِ وَقَدْ جَاءُوا بِعَدُوِّ اللّه ِ ابْنِ مُلْجَمٍ مَكْتُوفاً وَهَذَا يَلْعَنُهُ وَهَذَا يَضْرِبُهُ.
قَالَ: فَوَقَعَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَأَقْبَلُوا بِاللَّعِينِ مَكْتُوفاً وَهَذَا يَلْعَنُهُ وَهَذَا يَضْرِبُهُ وَهُمْ يَنْهَشُونَ لَحْمَهُ بِأَسْنَانِهِمْ وَيَقُولُونَ لَهُ: يَا عَدُوَّ اللّه ِ مَا فَعَلْتَ أَهْلَكْتَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَقَتَلْتَ خَيْرَ النَّاسِ وَإِنَّهُ لَصَامِتٌ وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: حُذَيْفَةُ النَّخَعِيُّ بِيَدِهِ سَيْفٌ مَشْهُورٌ وَهُوَ يَرُدُّ النَّاسَ عَنْ قَتْلِهِ وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا قَاتِلُ الاْءِمَامِ عَلِيٍّ عليه السلامحَتَّى أَدْخَلُوهُ الْمَسْجِدَ(1).
قَالَ الشَّعْبِيُّ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَعَيْنَاهُ قَدْ طَارَتَا فِي أُمِّ رَأْسِهِ كَأَنَّهُمَا قِطْعَتَا عَلَقٍ وَقَدْ وَقَعَتْ فِي وَجْهِهِ ضَرْبَةٌ قَدْ هُشِمَتْ وَجْهُهُ وَأَنْفُهُ وَالدَّمُ يَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ وَعَلَى صَدْرِهِ وَهُوَ يَنْظُرُ يَمِيناً وَشِمَالاً وَعَيْنَاهُ قَدْ طَارَتَا فِي أُمِّ رَأْسِهِ وَهُوَ أَسْمَرُ اللَّوْنِ حَسَنُ الْوَجْهِ وَفِي وَجْهِهِ أَثَرُ السُّجُودِ وَكَانَ عَلَى رَأْسِهِ شَعْرٌ أَسْوَدُ مَنْشُوراً (منثورا) عَلَى وَجْهِهِ كَأَنَّهُ الشَّيْطَانُ الرَّجِيمُ، فَلَمَّا حَاذَانِي سَمِعْتُهُ يَتَرَنَّمُ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ:
أَقُولُ لِنَفْسِي بَعْدَ مَا كُنْتُ أَنْهَاهَا ***وَقَدْ كُنْتُ أَسْنَاهَا وَكُنْتُ أَكِيدُهَا
ص: 120
أَيَا نَفْسُ كُفِّي عَنْ طِلابِكِ وَاصْبِرِي *** وَلا تَطْلُبِي هَمّاً عَلَيْكِ يَبِيدُهَا
فَمَا قَبِلْتِ نُصْحِي وَقَدْ كُنْتُ نَاصِحاً *** كَنُصْحِ وَلُودٍ غَابَ عَنْهَا وَلِيدُهَا
فَمَا طَلَبْتِ إِلاّ عَنَائِي وَشِقْوَتِي *** فَيَا طُولَ مُكْثِي فِي الْجَحِيمِ بَعِيدُهَا
فَلَمَّا جَاءُوا بِهِ أَوْقَفُوهُ بَيْنَ يَدَيْ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلام فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ عليه السلام قَالَ لَهُ: يَا وَيْلَكَ يَا لَعِينُ يَا عَدُوَّ اللّه ِ أَنْتَ قَاتِلُ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ وَإِمَامَ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا جَزَاؤهُ مِنْكَ حَيْثُ آوَاكَ وَقَرَّبَكَ وَأَدْنَاكَ وَآثَرَكَ عَلَى غَيْرِكَ، وَهَلْ كَانَ بِئْسَ الاْءِمَامُ لَكَ حَتَّى جَازَيْتَهُ هَذَا الْجَزَاءَ يَا شَقِيُّ.
قَالَ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ بَلْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ فَانْكَبَّ الْحَسَنُ عليه السلام عَلَى أَبِيهِ يُقَبِّلُهُ وَقَالَ لَهُ:
هَذَا قَاتِلُكَ يَا أَبَاهُ قَدْ أَمْكَنَ اللّه ُ مِنْهُ فَلَمْ يُجِبْهُ عليه السلام وَكَانَ نَائِماً فَكَرِهَ أَنْ يُوقِظَهُ مِنْ نَوْمِهِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى ابْنِ مُلْجَمٍ وَقَالَ لَهُ يَا عَدُوَّ اللّه ِ هَذَا كَانَ جَزَاؤهُ مِنْكَ بَوَّأَكَ وَأَدْنَاكَ وَقَرَّبَكَ وَحَبَاكَ وَفَضَّلَكَ عَلَى غَيْرِكَ هَلْ كَانَ بِئْسَ الاْءِمَامُ لَكَ حَتَّى جَازَيْتَهُ بِهَذَا الْجَزَاءِ يَا شَقِيَّ الْأَشْقِيَاءِ.
فَقَالَ لَهُ الْمَلْعُونُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ «أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النّارِ» فَعِنْدَ ذَلِكَ ضَجَّتِ النَّاسُ بِالْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ فَأَمَرَهُمُ الْحَسَنُ عليه السلام بِالسُّكُوتِ.
ثُمَّ الْتَفَتَ الْحَسَنُ عليه السلامإِلَى الَّذِي جَاءَ بِهِ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللّه ُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ ظَفِرْتَ بِعَدُوِّ اللّه ِ وَأَيْنَ لَقِيتَهُ؟ فَقَالَ: يَا مَوْلايَ إِنَّ حَدِيثِي مَعَهُ لَعَجِيبٌ.
وَذَلِكَ أَنِّي كُنْتُ الْبَارِحَةَ نَائِماً فِي دَارِي وَزَوْجَتِي إِلَى جَانِبِي وَهِيَ مِنْ غَطَفَانَ وَأَنَا رَاقِدٌ وَهِيَ مُسْتَيْقِظَةٌ إِذْ سَمِعَتْ هِيَ الزَّعَقَةَ وَنَاعِياً يَنْعَى أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ عليه السلام وَهُوَ يَقُولُ:
تَهَدَّمَتْ وَاللّه ِ أَرْكَانُ الْهُدَى وَانْطَمَسَتْ وَاللّه ِ أَعْلامُ التُّقَى قُتِلَ ابْنُ عَمِّ مُحَمَّدٍ
ص: 121
الْمُصْطَفَى قُتِلَ عَلِيٌّ الْمُرْتَضَى قَتَلَهُ أَشْقَى الْأَشْقِيَاءِ، فَأَيْقَظَتْنِي وَقَالَتْ لِي أَنْتَ نَائِمٌ وَقَدْ قُتِلَ إِمَامُكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
فَانْتَبَهَتُ مِنْ كَلامِهَا فَزِعاً مَرْعُوباً وَقُلْتُ لَهَا: يَا وَيْلَكِ مَا هَذَا الْكَلامُ رَضَّ اللّه ُ فَاكِ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَلْقَى فِي سَمْعِكِ هَذَا أَوْ حُلُمٌ أُلْقِيَ عَلَيْكِ، يَا وَيْلَكِ إِنَّ أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ لَيْسَ لأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللّه ِ تَعَالَى قِبَلَهُ تَبِعَةٌ وَلا ظُلامَةٌ وَإِنَّهُ لِلْيَتِيمِ كَالْأَبِ الرَّحِيمِ وَلِلأَرْمَلَةِ كَالزَّوْجِ الْعَطُوفِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى قَتْلِ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ وَهُوَ الْأَسَدُ الضِّرْغَامُ وَالْبَطَلُ الْهُمَامُ وَالْفَارِسُ الْقَمْقَامُ.
فَأَكْثَرَتْ عَلَيَّ وَقَالَتْ: إِنِّي سَمِعْتُ مَا لَمْ تَسْمَعْ وَعَلِمْتُ مَا لَمْ تَعْلَمْ، فَقُلْتُ لَهَا: وَمَا سَمِعْتِ؟ فَأَخْبَرْتِنِي بِالصَّوْتِ فَقَالَتْ لِي: سَمِعْتُ نَاعِياً يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ: تَهَدَّمَتْ وَاللّه ِ أَرْكَانُ الْهُدَى وَانْطَمَسَتْ وَاللّه ِ أَعْلامُ التُّقَى قُتِلَ ابْنُ عَمِّ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى قُتِلَ عَلِيٌّ الْمُرْتَضَى قَتَلَهُ أَشْقَى الْأَشْقِيَاءِ.
ثُمَّ قَالَتْ: مَا أَظُنُّ بَيْتاً فِي الْكُوفَةِ إِلاّ وَقَدْ دَخَلَهُ هَذَا الصَّوْتُ.
قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا وَهِيَ فِي مُرَاجَعَةِ الْكَلامِ وَإِذَا بِصَيْحَةٍ عَظِيمَةٍ وَجَلَبَةٍ وَضَجَّةٍ عَظِيمَةٍ وَقَائِلٌ يَقُولُ: قُتِلَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ.
فَحَسَّ قَلْبِي بِالشَّرِّ فَمَدَدْتُ يَدِي إِلَى سَيْفِي وَسَلَلْتُهُ مِنْ غِمْدِهِ وَأَخَذْتُهُ وَنَزَلْتُ مُسْرِعاً وَفَتَحْتُ بَابَ دَارِي وَخَرَجْتُ فَلَمَّا صِرْتُ فِي وَسَطِ الْجَادَّةِ فَنَظَرْتُ يَمِيناً وَشِمَالاً وَإِذَا بِعَدُوِّ اللّه ِ يَجُولُ فِيهَا يَطْلُبُ مَهْرَباً فَلَمْ يَجِدْ وَإِذَا قَدِ انْسَدَّتِ الطُّرُقَاتِ فِي وَجْهِهِ فَلَمَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ رَابَنِي أَمْرُهُ فَنَادَيْتُهُ:
يَا وَيْلَكَ مَنْ أَنْتَ وَمَا تُرِيدُ لا أُمَّ لَكَ فِي وَسَطِ هَذَا الدَّرْبِ تَمُرُّ وَتَجِيءُ فَتَسَمَّى بِغَيْرِ اسْمِهِ وَانْتَمَى إِلَى غَيْرِ كُنْيَتِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ قَالَ مِنْ مَنْزِلِي قُلْتُ:
ص: 122
وَإِلَى أَيْنَ تُرِيدُ تَمْضِي فِي هَذَا الْوَقْتِ؟ قَالَ: إِلَى الْحِيرَةِ، فَقُلْتُ: وَلِمَ لا تَقْعُدُ حَتَّى تُصَلِّيَ مَعَ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلام صَلاةَ الْغَدَاةِ وَتَمْضِيَ فِي حَاجَتِكَ؟ فَقَالَ: أَخْشَى أَنْ أَقْعُدَ لِلصَّلاةِ فَتَفُوتَنِي حَاجَتِي فَقُلْتُ: يَا وَيْلَكَ إِنِّي سَمِعْتُ صَيْحَةً وَقَائِلاً يَقُولُ قُتِلَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ ذَلِكَ خَبَرٌ؟ قَالَ: لا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ فَقُلْتُ لَهُ: وَلِمَ لا تَمْضِي مَعِي حَتَّى تُحَقِّقَ الْخَبَرَ وَتَمْضِيَ فِي حَاجَتِكَ؟ فَقَالَ: أَنَا مَاضٍ فِي حَاجَتِي وَهِيَ أَهُمُّ مِنْ ذَلِكَ.
فَلَمَّا قَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ الْقَوْلِ قُلْتُ يَا لُكَعَ الرِّجَالِ حَاجَتُكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنَ التَّجَسُّسِ لأَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلام وَإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا وَاللّه ِ يَا لُكَعُ مَا لَكَ عِنْدَ اللّه ِ مِنْ خَلاقٍ وَحَمَلْتُ عَلَيْهِ بِسَيْفِي وَهَمَمْتُ أَنْ أَعْلُوَ بِهِ فَرَاغَ عَنِّي.
فَبَيْنَمَا أَنَا أُخَاطِبُهُ وَهُوَ يُخَاطِبُنِي إِذْ هَبَّتْ رِيحٌ فَكَشَفَتْ إِزَارَهُ وَإِذَا بِسَيْفِهِ يَلْمَعُ تَحْتَ الاْءِزَارِ كَأَنَّهُ مِرْآةٌ مَصْقُولَةٌ، فَلَمَّا رَأَيْتُ بَرِيقَهُ تَحْتَ ثِيَابِهِ قُلْتُ: يَا وَيْلَكَ مَا هَذَا السَّيْفُ الْمَشْهُورُ تَحْتَ ثِيَابِكَ لَعَلَّكَ أَنْتَ قَاتِلُ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ فَأَرَادَ أَنْ يَقُولَ لا فَأَنْطَقَ اللّه ُ لِسَانَهُ بِالْحَقِّ فَقَالَ نَعَمْ.
فَرَفَعْتُ سَيْفِي وَضَرَبْتُهُ فَرَفَعَ هُوَ سَيْفَهُ وَهَمَّ أَنْ يَعْلُوَنِي بِهِ فَانْحَرَفَتْ عَنْهُ فَضَرَبْتُهُ عَلَى سَاقَيْهِ فَأَوْقَفْتُهُ وَوَقَعَ لِحِينِهِ وَوَقَعْتُ عَلَيْهِ وَصَرَخْتُ صَرْخَةً شَدِيدَةً وَأَرَدْتُ آخُذُ سَيْفَهُ فَمَانَعَنِي عَنْهُ، فَخَرَجَ أَهْلُ الْحِيرَةِ فَأَعَانُونِي عَلَيْهِ حَتَّى أَوْثَقْتُهُ كِتَافاً وَجِئْتُكَ بِهِ فَهَا هُوَ بَيْنَ يَدَيْكَ جَعَلَنِيَ اللّه ُ فِدَاكَ فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ(1).
فَقَالَ الْحَسَنُ عليه السلام: الْحَمْدُ للّه ِِ الَّذِي نَصَرَ وَلِيَّهُ وَخَذَلَ عَدُوَّهُ ثُمَّ انْكَبَّ الْحَسَنُ عليه السلام عَلَى أَبِيهِ يُقَبِّلُهُ وَقَالَ لَهُ: يَا أَبَاهْ هَذَا عَدُوُّ اللّه ِ وَعَدُوُّكَ قَدْ أَمْكَنَ اللّه ُ مِنْهُ فَلَمْ يُجِبْهُ وَكَانَ
ص: 123
نَائِماً فَكَرِهَ أَنْ يُوقِظَهُ مِنْ نَوْمِهِ فَرَقَدَ سَاعَةً ثُمَّ فَتَحَ عليه السلام عَيْنَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ ارْفُقُوا بِي يَا مَلائِكَةَ رَبِّي.
فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ عليه السلام: هَذَا عَدُوُّ اللّه ِ وَعَدُوُّكَ ابْنُ مُلْجَمٍ قَدْ أَمْكَنَ اللّه ُ مِنْهُ وَقَدْ حَضَرَبَيْنَ يَدَيْكَ قَالَ: فَفَتَحَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ إِلَيْهِ وَهُوَ مَكْتُوفٌ وَسَيْفُهُ مُعَلَّقٌ فِي عُنُقِهِ فَقَالَ لَهُ بِضَعْفٍ وَانْكِسَارِ صَوْتٍ وَرَأْفَةٍ وَرَحْمَةٍ: يَا هَذَا لَقَدْ جِئْتَ عَظِيماً وَارْتَكَبْتَ أَمْراً عَظِيماً وَخَطْباً جَسِيماً أَبِئْسَ الاْءِمَامُ كُنْتُ لَكَ حَتَّى جَازَيْتَنِي بِهَذَا الْجَزَاءِ؟ أَلَمْ أَكُنْ شَفِيقاً عَلَيْكَ وَآثَرْتُكَ عَلَى غَيْرِكَ وَأَحْسَنْتُ إِلَيْكَ وَزِدْتُ فِي إِعْطَائِكَ؟ أَلَمْ يَكُنْ يُقَالُ لِي فِيكَ كَذَا وَكَذَا فَخَلَّيْتُ لَكَ السَّبِيلَ وَمَنَحْتُكَ عَطَائِي؟ وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّكَ قَاتِلِي لا مَحَالَةَ وَلَكِنْ رَجَوْتُ بِذَلِكَ الاسْتِظْهَارَ مِنَ اللّه ِ تَعَالَى عَلَيْكَ يَا لُكَعُ وَعَلَّ أَنْ تَرْجِعَ عَنْ غَيِّكَ فَغَلَبَتْ عَلَيْكَ الشَّقَاوَةُ فَقَتَلْتَنِي يَا أَشْقَى الْأَشْقِيَاءِ.
قَالَ: فَدَمَعَتْ عَيْنَا ابْنِ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللّه ُ تَعَالَى وَقَالَ يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النّارِ، قَالَ لَهُ: صَدَقْتَ، ثُمَّ الْتَفَتَ عليه السلام إِلَى وَلَدِهِ الْحَسَنِ عليه السلام وَقَالَ لَهُ: ارْفُقْ يَا وَلَدِي بِأَسِيرِكَ وَارْحَمْهُ وَأَحْسِنْ إِلَيْهِ وَأَشْفِقْ عَلَيْهِ أَلا تَرَى إِلَى عَيْنَيْهِ قَدْ طَارَتَا فِي أُمِّ رَأْسِهِ وَقَلْبُهُ يَرْجُفُ خَوْفاً وَرُعْباً وَفَزَعاً.
فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ عليه السلام: يَا أَبَاهْ قَدْ قَتَلَكَ هَذَا اللَّعِينُ الْفَاجِرُ وَأَفْجَعَنَا فِيكَ وَأَنْتَ تَأْمُرُنَا بِالرِّفْقِ بِهِ فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ يَا بُنَيَّ نَحْنُ أَهْلُ بَيْتٍ لا نَزْدَادُ عَلَى الْمُذْنِبِ إِلَيْنَا إِلاّ كَرَماً وَعَفْواً وَالرَّحْمَةُ وَالشَّفَقَةُ مِنْ شِيمَتِنَا لا مِنْ عَدُوّنا.
بِحَقِّي عَلَيْكَ فَأَطْعِمْهُ يَا بُنَيَّ مِمَّا تَأْكُلُهُ وَاسْقِهِ مِمَّا تَشْرَبُ وَلا تُقَيِّدْ لَهُ قَدَماً وَلاتَغُلَّ لَهُ يَداً فَإِنْ أَنَا مِتُّ فَاقْتَصَّ مِنْهُ بِأَنْ تَقْتُلَهُ وَتَضْرِبَهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً وَتُحْرِقَهُ بِالنَّارِ وَلا تُمَثِّلَ بِالرَّجُلِ فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكَ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه و آله يَقُولُ: إِيَّاكُمْ وَالْمُثْلَةَ وَلَوْ
ص: 124
بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَإِنْ أَنَا عِشْتُ فَأَنَا أَوْلَى بِالْعَفْوِ عَنْهُ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَفْعَلُ بِهِ فَإِنْ عَفَوْتُ فَنَحْنُ أَهْلُ بَيْتٍ لا نَزْدَادُ عَلَى الْمُذْنِبِ إِلَيْنَا إِلاّ عَفْواً وَكَرَماً.
قال مخنف بن حنيف: إني واللّه ليلة تسع عشرة في الجامع في رجال نصلي قريبا من السدة التي يدخل منها أميرالمؤنين عليه السلام فبينا نحن نصلي إذ دخل أميرالمؤنين عليه السلام من السدة وهو ينادي الصلاة ثم صعد المئذنة فأذن ثم نزل فعبر على قوم نيام في المسجد فناداهم الصلاة ثم قصد المحراب.
فما أدري دخل في الصلاة أم لا إذ سمعت قائلا يقول: الحكم للّه لا لك يا علي، قال: فسمعت عند ذلك أميرالمؤنين عليه السلام يقول: لا يفوتنكم الرجل، قال فشد الناس عليه وأنا معهم وإذا هو وردان بن مجالد، وأما ابن ملجم لعنه اللّه فإنه هرب من ساعته ودخل الكوفة ورأينا أميرالمؤنين عليه السلام مجروحا في رأسه(1).
قال محمد ابن الحنفية رضى الله عنه: ثم إن أبي عليه السلامقال: احملوني إلى موضع مصلاي في منزلي قال فحملناه إليه وهو مدنف والناس حوله وهم في أمر (أسر) عظيم باكين محزونين قد أشرفوا على الهلاك من شدة البكاء والنحيب.
ثمّ التفت إليه الحسين عليه السلام وهو يبكي فقال له: يا أبتاه من لنا بعدك لا كيومك إلا يوم رسول اللّه صلى الله عليه و آله من أجلك تعلمت البكاء، يعز واللّه علي أن أراك هكذا فناداه عليه السلام فقال: يا حسين يا أبا عبداللّه ادن مني، فدنا منه وقد قرحت أجفان عينيه من البكاء فمسح الدموع من عينيه ووضع يده على قلبه وقال له: يا بني ربط اللّه قلبك بالصبر و أجزل لك ولإخوتك عظيم الأجر، فسكن روعتك واهدأ من بكائك فإن اللّه قد آجرك على عظيم مصابك ثم أدخل عليه السلام إلى حجرته وجلس في محرابه.
ص: 125
قال الراوي: وأقبلت زينب وأم كلثوم حتى جلستا معه على فراشه وأقبلتا تندبانه وتقولان: يا أبتاه من للصغير حتى يكبر، ومن للكبير بين الملأ، يا أبتاه حزننا عليك طويل وعبرتنا لا ترقأ(1).
قال: فضج الناس من وراء الحجرة بالبكاء والنحيب وفاضت دموع أميرالمؤنين عليه السلام عند ذلك وجعل يقلب طرفه وينظر إلى أهل بيته وأولاده، ثم دعا الحسن والحسين عليهماالسلام وجعل يحضنهما ويقبلهما.
ثمّ أغمي عليه ساعة طويلة وأفاق وكذلك كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يغمى عليه ساعة طويلة ويفيق أخرى لأنه صلى الله عليه و آله كان مسموما فلمّا أفاق ناوله الحسن عليه السلام قعبا من لبن فشرب منه قليلا ثم نحاه عن فيه وقال احملوه إلى أسيركم.
ثم قال للحسن عليه السلام: بحقي عليك يا بني إلا ما طيبتم مطعمه ومشربه وارفقوا به إلى حين موتي وتطعمه مما تأكل وتسقيه مما تشرب حتى تكون أكرم منه، فعند ذلك حملوا إليه اللبن وأخبروه بما قال أميرالمؤنين عليه السلامفي حقه فأخذ اللعين وشربه.
قال: ولمّا حمل أميرالمؤنين عليه السلام إلى منزله جاءوا باللعين مكتوفا إلى بيت من بيوت القصر فحبسوه فيه فقالت له أم كلثوم وهي تبكي: يا ويلك أما أبي فإنه لا بأس عليه وإن اللّه مخزيك في الدنيا والآخرة وإن مصيرك إلى النار خالدا فيها، فقال لها ابن ملجم لعنه اللّه: ابكي إن كنت باكية فو اللّه لقد اشتريت سيفي هذا بألف
وسممته بألف، ولو كانت ضربتي هذه لجميع أهل الكوفة ما نجا منهم أحد.
وفي ذلك يقول الفرزدق:
ص: 126
فلا غرو للأشراف إن ظفرت بها *** ذئاب الأعادي من فصيح وأعجم
فحربة وحشي سقت حمزة الردى *** وحتف علي من حسام ابن ملجم
قال محمد ابن الحنفية رضي اللّه عنه: وبتنا ليلة عشرين من شهر رمضان مع أبي وقد نزل السم إلى قدميه وكان يصلي تلك الليلة من جلوس ولم يزل يوصينا بوصاياه ويعزينا عن نفسه ويخبرنا بأمره وتبيانه إلى حين طلوع الفجر(1).
فلمّا أصبح استأذن الناس عليه فأذن لهم بالدخول فدخلوا عليه وأقبلوا يسلمون عليه وهو يرد عليهم السلام.
ثم قال: أيها الناس اسألوني قبل أن تفقدوني وخففوا سؤلكم لمصيبة إمامكم.
قال: فبكى الناس عند ذلك بكاء شديدا وأشفقوا أن يسألوه تخفيفا عنه فقام إليه حجر بن عدي الطائي وقال:
فيا أسفي على المولى التقي *** أبو الأطهار حيدرة الزكي
قتله كافر حنث زنيم *** لعين فاسق نغل(2) شقي
فيلعن ربنا من حاد عنكم *** ويبرأ منكم لعنا وبي
لأنكم بيوم الحشر ذخري *** وأنتم عترة الهادي النبي
فلمّا بصر به وسمع شعره قال له: كيف لي بك إذا دعيت إلى البراءة مني فما
ص: 127
عساك أن تقول؟ فقال: واللّه يا أميرالمؤنين لو قطعت بالسيف إربا إربا وأضرم لي النار وألقيت فيها لأثرت ذلك على البراءة منك، فقال: وفقت لكل خير يا حجر جزاك اللّه خيرا عن أهل بيت نبيك(1).
عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ: لَمَّا ضَرَبَ ابْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللّه ُ أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام غَدَوْنَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَا وَالْحَارِثُ(2) وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ وَجَمَاعَةٌ مَعَنَا فَقَعَدْنَا عَلَى الْبَابِ فَسَمِعْنَا الْبُكَاءَ فَبَكَيْنَا فَخَرَجَ إِلَيْنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلام فَقَالَ: يَقُولُ لَكُمْ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام انْصَرِفُوا إِلَى مَنَازِلِكُمْ فَانْصَرَفَ الْقَوْمُ غَيْرِي فَاشْتَدَّ الْبُكَاءُ مِنْ مَنْزِلِهِ فَبَكَيْتُ وَخَرَجَ الْحَسَنُ عليه السلام وَقَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ انْصَرِفُوا؟ فَقُلْتُ: لا وَاللّه ِ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله لا يُتَابِعُنِي نَفْسِي وَلا يَحْمِلُنِي رِجْلِي ان أَنْصَرِفَ حَتَّى أَرَى أَمِيرَالْمُؤمِنِين عليه السلام قَالَ: فَبَكَيْتُ (فَتَلَبَّثْ) وَدَخَلَ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ فَقَالَ لِي ادْخُلْ فَدَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلام فَإِذَا هُوَ مُسْتَنِدٌ مَعْصُوبُ الرَّأْسِ بِعِمَامَةٍ صَفْرَاءَ قَدْ نَزِفَ(3) وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ مَا أَدْرِي وَجْهُهُ أَصْفَرُ أَوِ الْعِمَامَةُ فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ فَقَبَّلْتُهُ وَبَكَيْتُ فَقَالَ لِي لا تَبْكِ يَا أَصْبَغُ فَإِنَّهَا وَاللّه ِ الْجَنَّةُ فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي أَعْلَمُ وَاللّه ِ أَنَّكَ تَصِيرُ إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّمَا أَبْكِي لِفِقْدَانِي إِيَّاكَ يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ جُعِلْتُ فِدَاكَ حَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله فَإِنِّي أَرَاكَ لا أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثاً بَعْدَ يَوْمِي هَذَا أَبَداً قَالَ نَعَمْ يَا أَصْبَغُ دَعَانِي رَسُولُ اللّه صلى الله عليه و آله يَوْماً فَقَالَ لِي يَا عَلِيُّ انْطَلِقْ حَتَّى تَأْتِيَ مَسْجِدِي ثُمَّ تَصْعَدَ على مِنْبَرِي ثُمَّ تَدْعُوَ النَّاسَ إِلَيْكَ فَتَحْمَدَ اللّه َ تَعَالَى وَتُثْنِيَ عَلَيْهِ وَتُصَلِّيَ عَلَيَّ صَلاةً كَثِيرَةً ثُمَّ تَقُولَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللّه ِ إِلَيْكُمْ وَهُوَ
ص: 128
يَقُولُ لَكُمْ ألا إِنَّ لَعْنَةَ اللّه ِ وَلَعْنَةَ مَلائِكَتِهِ الْمُقَرَّبِينَ وَأَنْبِيَائِهِ الْمُرْسَلِينَ وَلَعْنَتِي عَلَى مَنِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ(1) أَوِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ أَوْ ظَلَمَ أَجِيراً أَجْرَهُ فَأَتَيْتُ مَسْجِدَهُ وَصَعِدْتُ مِنْبَرَهُ فَلَمَّا رَأَتْنِي قُرَيْشٌ وَمَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَقْبَلُوا نَحْوِي فَحَمِدْتُ اللّه َ وَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ وَصَلَّيْتُ عَلَى رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله صَلاةً كَثِيرَةً ثُمَّ قُلْتُ أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللّه ِ إِلَيْكُمْ وَهُوَ يَقُولُ لَكُمْ أَلا إِنَّ لَعْنَةَ اللّه ِ وَلَعْنَةَ مَلائِكَتِهِ الْمُقَرَّبِينَ وَأَنْبِيَائِهِ الْمُرْسَلِينَ وَلَعْنَتِي إِلَى مَنِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ أَوْ ظَلَمَ أَجِيراً أَجْرَهُ قَالَ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ إِلاّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَإِنَّهُ قَالَ قَدْ أَبْلَغْتَ يَا أَبَا الْحَسَنِ وَلَكِنَّكَ جِئْتَ بِكَلامٍ غَيْرِ مُفَسَّرٍ فَقُلْتُ أُبْلِغُ ذَلِكَ رَسُولَ اللّه ِ فَرَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آلهفَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَى مَسْجِدِي حَتَّى تَصْعَدَ على مِنْبَرِي فَاحْمَدِ اللّه َ وَأَثْنِ عَلَيْهِ وَصَلِّ عَلَيَّ ثُمَّ قُلْ أَيُّهَا النَّاسُ مَا كُنَّا لِنَجِيئَكُمْ بِشَيْءٍ إِلاّ وَعِنْدَنَا تَأْوِيلُهُ وَتَفْسِيرُهُ أَلا وَإِنِّي أَنَا أَبُوكُمْ أَلا وَإِنِّي أَنَا مَوْلاكُمْ أَلا وَإِنِّي أَنَا أَجِيرُكُمْ(2).
قال المجلسي رحمه الله: إنّما وصفه بكونه أجيراً لأنّ النبيّ والإمام لما وجب لهما بإزاءتبليغهما رسالات ربّهما إطاعتهما ومودتهما فكأنّهما أجيران كما قال تعالى: «قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(3) ويحتمل أن يكون المعنى من يستحقّ الأجر من اللّه بسببكم(4).
ثم قال عليه السلام: هل من شربة من لبن فأتوه بلبن في قعب فأخذه وشربه كله فذكر الملعون ابن ملجم وأنه لم يخلف له شيئا فقال عليه السلام: وَكانَ أَمْرُ اللّه ِ قَدَراً مَقْدُوراً اعلمواأني شربت الجميع ولم أبق لأسيركم شيئا من هذا ألا وإنه آخر رزقي من الدنيا
ص: 129
فباللّه عليك يا بني إلا ما أسقيته مثل ما شربت فحمل إليه ذلك فشربه(1).
قال محمد بن الحنفية رضي اللّه عنه: لما كانت ليلة إحدى وعشرين وأظلم الليل وهي الليلة الثانية من الكائنة، جمع أبي أولاده وأهل بيته وودعهم، ثم قال لهم: اللّه خليفتي عليكم وهو حسبي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وأوصاهم الجميع منهم بلزوم الإيمان والأديان والأحكام التي أوصاه بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله.
فمن ذلك ما نقل عنه عليه السلامأنه أوصى به الحسن والحسين عليهماالسلام لما ضربه الملعون ابن ملجم وهي هذه: أوصيكما بتقوى اللّه، إلى آخر ما يأتي في الكتاب برواية السيّد في باب المختار من وصاياه إن شاء اللّه.
قال: ثم تزايد ولوج السم في جسده الشريف حتى نظرنا إلى قدميه وقد احمرتا جميعا، فكبر ذلك علينا وأيسنا منه ثم أصبح ثقيلا فدخل الناس عليه فأمرهم ونهاهم وأوصاهم ثم عرضنا عليه المأكول والمشروب فأبى أن يشرب فنظرنا إلى شفتيه وهما يختلجان بذكر اللّه تعالى، وجعل جبينه يرشح عرقا وهو يمسحه بيده.
قلت: يا أبت أراك تمسح جبينك، فقال: يا بني إني سمعت جدك رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول: إن المؤن إذا نزل به الموت ودنت وفاته عرق جبينه وصار كاللؤؤالرطب وسكن أنينه.
ثم قال: يا أبا عبداللّه ويا عون، ثم نادى أولاده كلهم بأسمائهم صغيرا وكبيرا، واحدا بعد واحد وجعل يودعهم ويقول: اللّه خليفتي عليكم أستودعكم اللّه، وهم يبكون.
ص: 130
فقال له الحسن عليه السلام: يا أبة ما دعاك إلى هذا، فقال له: يا بني إني رأيت جدك رسول اللّه صلى الله عليه و آله في منامي قبل هذه الكائنة بليلة فشكوت إليه ما أنا فيه من التذلل والأذى من هذه الأمة، فقال لي: ادع عليهم فقلت: اللهم أبدلهم بي شرا منّي وأبدلني بهم خيرا منهم، فقال لي قد استجاب اللّه دعاك سينقلك إلينا بعد ثلاث، وقد مضت الثلاث.
يا أبا محمد أوصيك ويا أبا عبد اللّه خيرا فأنتما مني وأنا منكما، ثمّ التفت إلى أولاده الذين من غيرفاطمة عليهاالسلام وأوصاهم أن لا يخالفوا أولاد فاطمة يعني الحسن والحسين عليهماالسلام.
ثمّ قال: أحسن اللّه لكم العزاء ألا وإنّي منصرف عنكم وراحل في ليلتي هذه ولاحق بحبيبي محمد صلى الله عليه و آله كما وعدني فإذا أنا مت يا أبا محمد فغسلني وكفني وحنطني ببقية حنوط جدك رسول اللّه صلى الله عليه و آله فإنه من كافور الجنة جاء به جبرئيل عليه السلام إليه، ثم ضعني على سريري ولا يتقدم أحد منكم مقدم السرير واحملوا مؤره واتبعوا مقدّمه فأي موضع وضع المقدم فضعوا المؤر فحيث قام سريري فهو موضع قبري.
ثمّ تقدّم يا أبا محمّد وصلّ عليَّ يا بنيّ يا حسن وكبّر عليَّ سبعا واعلم أنَّه لا يحلّ ذلك على أحد غيري إلاّ على رجل يخرج في آخر الزمان اسمه القائم المهدي ومن ولد أخيك الحسين يقيم اعوجاج الحق.
فإذا أنت صلّيت عليَّ يا حسن فنحّ السرير عن موضعه ثمّ اكشف التراب عنه فترى قبرا محفورا ولحدا مثقوبا وساجة منقوبة فأضجعني فيها، فإذا أردت الخروج من قبري فافتقدني فإنك لا تجدني وإني لاحق بجدك رسول اللّه صلى الله عليه و آله.
ص: 131
واعلم يا بنيّ ما من نبيّ يموت وإن كان مدفونا بالمشرق ويموت وصيه بالمغرب إلاّ ويجمع اللّه عزّ وجلّ بين روحيهما وجسديهما ثم يفترقان فيرجع كل واحد منهما إلى موضع قبره وإلى موضعه الذي حط فيه.
ثم أشرج اللحد باللبن وأهل التراب علي ثم غيب قبري، وكان غرضه عليه السلامبذلك لئلا يعلم بموضع قبره أحد من بني أمية فإنهم لو علموا بموضع قبره لحفروه وأخرجوه وأحرقوه كما فعلوا بزيد بن علي بن الحسين عليه السلام.
ثمّ يا بنيّ بعد ذلك إذا أصبح الصباح أخرجوا تابوتا إلى ظهر الكوفة على ناقة وأمر بمن يسيرها بما عليها كأنها تريد المدينة بحيث يخفى على العامة موضع قبري الذي تضعني فيه، وكأنّي بكم وقد خرجت عليكم الفتن من هاهنا وهاهنا فعليكم بالصبر فهو محمود العاقبة(1).
ثمّ قال: يا أبا محمد ويا أبا عبد اللّه كأني بكما وقد خرجت عليكما من بعدي الفتن من هاهنا فاصبرا حَتّى يَحْكُمَ اللّه ُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ.
ثمّ قال: يا أبا عبداللّه أنت شهيد هذه الأمّة فعليك بتقوى اللّه والصبر على بلائه، ثم أغمي عليه ساعة وأفاق وقال: هذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعمي حمزة وأخي جعفر وأصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوكلهم يقولون عجل قدومك علينا فإنا إليك مشتاقون.
ثمّ أدار عينيه في أهل بيته كلّهم وقال أستودعكم اللّه جميعا سددكم اللّه جميعا، حفظكم اللّه جميعا خليفتي عليكم اللّه وكفى باللّه خليفة.
ص: 132
ثمّ قال: وعليكم السلام يا رسل ربي ثمّ قال: «لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ إِنَّ اللّه َ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ» وعرق جبينه وهو يذكر اللّه كثيرا وما زال يذكر اللّه كثيرا ويتشهد الشهادتين، ثمّ استقبل القبلة وغمض عينيه ومد رجليه ويديه وقال: أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
ثم قضى نحبه عليه السلام وكانت وفاته في ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان وكانت ليلة الجمعة سنة أربعين من الهجرة.
قال: فعند ذلك صرخت زينب بنت علي عليه السلام وأم كلثوم وجميع نسائه وقد شقوا الجيوب ولطموا الخدود وارتفعت الصيحة في القصر فعلم أهل الكوفة أن أميرالمؤنين عليه السلامقد قبض، فأقبل النساء والرجال يهرعون أفواجا أفواجا وصاحوا صيحة عظيمة فارتجت الكوفة بأهلها وكثر البكاء والنحيب وكثر الضجيج بالكوفة وقبائلها ودورها وجميع أقطارها، فكان ذلك كيوم مات فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله.
فلمّا أظلم الليل تغيّر أفق السماء وارتجت الأرض وجميع من عليها بكوه وكنا نسمع جلبة وتسبيحا في الهواء فعلمنا أنها من أصوات الملائكة فلم يزل كذلك إلى أن طلع الفجر ثم ارتفعت الأصوات وسمعنا هاتفا بصوت يسمعه الحاضرون ولا يرون شخصه يقول:
بنفسي ومالي ثم أهلي وأسرتي *** فداء لمن أضحى قتيل ابن ملجم
عليّ رقي فوق الخلائق في الوغى *** فهدّت به أركان بيت المحرم
عليّ أميرالمؤنين ومن بكت *** لمقتله البطحاء وأكناف زمزم
ص: 133
يكاد الصفا والمشعران كلاهما *** يهدّا وبان النقص في ماء زمزم
وأصبحت الشمس المنير ضياؤا *** لقتل علي لونها لون دلهم(1)
وظل له أفق السماء كآبة*** كشقة ثوب لونها لون عندم(2)
وناحت عليه الجن إذ فجعت به*** حنينا كثكلى نوحها بترنم
وأضحى التقى والخير والحلم والنهى*** وبات العلي في قبره المتهدّم
لفقد علي خير من وطئ الحصى*** أخا العالم الهادي النبي المعظّم
قال محمّد بن الحنفية: ثمّ أخذنا في جهازه ليلا وكان الحسن عليه السلام يغسله والحسين عليه السلام يصب الماء عليه وكان عليه السلام لا يحتاج إلى من يقلبه بل كان يتقلب كما يريد الغاسل يمينا وشمالا، وكانت رائحته أطيب من رائحة المسك والعنبر، ثمّ نادى الحسن عليه السلام بأخته زينب وأم كلثوم وقال: يا أختاه هلمّي بحنوط جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فبادرت زينب مسرعة حتى أتته به.
قال الراوي: فلمّا فتحته فاحت الدار وجميع الكوفة وشوارعها لشدة رائحة ذلك الطيب، ثمّ لفوه بخمسة أثواب كما أمر عليه السلام ثم وضعوه على السرير وتقدم الحسن والحسين عليهماالسلام إلى السرير من مؤره وإذا مقدّمه قد ارتفع ولا يرى حامله، وكان حاملاه من مقدمه جبرئيل وميكائيل فما مر بشيء على وجه الأرض إلا انحنى له ساجدا وخرج السرير من مايل باب كندة فحملا مؤره وسارا يتبعان مقدمه.
قال ابن الحنفية رضي اللّه عنه: واللّه لقد نظرت إلى السرير وإنه ليمر بالحيطان والنخل فتنحني له خشوعا ومضى مستقيما إلى النجف إلى موضع قبره الآن.
ص: 134
قال: وضجت الكوفة بالبكاء والنحيب وخرجن النساء يتبعنه لاطمات حاسرات فمنعهم «كذا» الحسن عليه السلام ونهاهم عن البكاء والعويل وردهن إلى أماكنهن، والحسين عليه السلاميقول: لا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم إِنّا للّه ِِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ يا أباه وا انقطاع ظهراه من أجلك تعلمت البكاء إلى اللّه المشتكى.
فلمّا انتهيا إلى قبره وإذا مقدم السرير قد وضع فوضع الحسن عليه السلام مؤره، ثمّ قام الحسن عليه السلام وصلى عليه والجماعة خلفه فكبر سبعا كما أمره به أبوه عليه السلام، ثم زحزحنا سريره وكشفنا التراب وإذا نحن بقبر محفور ولحد مشقوق وساجة منقورة مكتوب عليها:
هذا ما ادخره له جده نوح النبي(1) للعبد الصالح الطاهر المطهر فلما أرادوا نزوله سمعوا هاتفا يقول: أنزلوه إلى التربة الطاهرة فقد اشتاق الحبيب إلى الحبيب، فدهش الناس عند ذلك وتحيروا وألحد أميرالمؤنين عليه السلام قبل طلوع الفجر وانصرف الناس ورجع أولاد أميرالمؤمنين وشيعتهم إلى الكوفة ولم يشعر بهم أحد من الناس.
فلمّا طلع الصباح وبزغت الشمس اخرجوا تابوتاً من دار أميرالمؤمنين وأتوا به إلى المصلّى بظاهر الكوفة، ثمّ تقدّم الحسن وصلّى عليه ورفعه على ناقة وسيرها مع بعض العبيد(2).
عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلام
ص: 135
فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ فَحَلَّ عَنْ جِرَاحَتِهِ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ مَا جَرَحَكَ هَذَا بِشَيْءٍ وَمَا بِكَ مِنْ بَأْسٍ فَقَالَ لِي يَا حَبِيبُ أَنَا وَاللّه ِ مُفَارِقُكُمْ السَّاعَةَ قَالَ فَبَكَيْتُ عِنْدَ ذَلِكَ وَبَكَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ وَكَانَتْ قَاعِدَةً عِنْدَهُ فَقَالَ لَهَا مَا يُبْكِيكِ يَا بُنَيَّةِ فَقَالَتْ ذَكَرْتَ يَا أَبَتِ إِنَّكَ تُفَارِقُنَا السَّاعَةَ فَبَكَيْتُ فَقَالَ لَهَا يَا بُنَيَّةِ لا تَبْكِينَ فَوَ اللّه ِ لَوْ تَرَيْنَ مَا يَرَى أَبُوكِ مَا بَكَيْتِ قَالَ حَبِيبٌ فَقُلْتُ لَهُ وَمَا الَّذِي تَرَى يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ فَقَالَ يَا حَبِيبُ أَرَى مَلائِكَةَ السَّمَاءِ [وَالأرضين] وَالنَّبِيِّينَ بَعْضَهُمْ فِي أَثَرِ بَعْضٍ وُقُوفاً إِلَى أَنْ يَتَلَقَّوْنِي وَهَذَا أَخِي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّه صلى الله عليه و آله جَالِسٌ عِنْدِي يَقُولُ أقْدِمْ فَإِنَّ أَمَامَكَ خَيْرٌ لَكَ مِمَّا أَنْتَ فِيهِ قَالَ فَمَا خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ عليه السلام فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ وَأَصْبَحَ الْحَسَن عليه السلامع قَامَ خَطِيباً عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللّه َ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ نَزَلَ الْقُرْآنُ وَفِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ رُفِعَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَفِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ قُتِلَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَفِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ مَاتَ أَبِي أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام وَاللّه ِ لا يَسْبِقُ أَبِي أَحَدٌ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَوْصِيَاءِ إِلَى الْجَنَّةِ وَلا مَنْ يَكُونُ بَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللّه صلى الله عليه و آله لَيَبْعَثُهُ فِي السَّرِيَّةِ فَيُقَاتِلُ جَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِهِ وَمَا تَرَكَ صَفْرَاءَ وَلا بَيْضَاءَ إِلاّ سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَضَلَتْ مِنْ عَطَائِهِ كَانَ يَجْمَعُهَا لِيَشْتَرِيَ بِهَا خَادِماً لأَهْلِهِ(1).
روى البرسي في مشارق الأنوار عن محدثي أهل الكوفة أن أميرالمؤنين عليه السلام لما حمله الحسن والحسين عليهماالسلام على سريره إلى مكان البئر المختلف فيه إلى نجف الكوفة وجدوا فارسا يتضوع منه رائحة المسك فسلم عليهما.
ثمّ قال للحسن عليه السلام: أنت الحسن بن علي رضيع الوحي والتنزيل وفطيم العلم والشرف الجليل خليفة أميرالمؤنين وسيد الوصيين؟ قال: نعم قال: وهذا الحسين
ص: 136
بن أميرالمؤنين وسيد الوصيين سبط الرحمة ورضيع العصمة وربيب الحكمة ووالد الأئمة؟ قال: نعم قال: سلماه إلي وامضيا في دعة اللّه.
فقال له الحسن عليه السلام: إنه أوصى إلينا أن لا نسلم إلا إلى أحد رجلين جبرئيل أو الخضر فمن أنت منهما؟ فكشف النقاب فإذا هو أميرالمؤنين عليه السلام، ثمّ قال للحسن عليه السلام: يا أبا محمّد إنّه لا تموت نفس إلاّ ويشهدها(1) أفما يشهد جسده.
قال البرسي: وروي عن الحسن بن علي عليه السلامأن أميرالمؤنين قال للحسن والحسين عليه السلام: إذا وضعتماني في الضريح فصليا ركعتين قبل أن تهيلا علي التراب وانظرا ما يكون، فلمّا وضعاه في الضريح المقدس فعلا ما أمرا به ونظرا وإذا الضريح مغطى بثوب من سندس فكشف الحسن عليه السلام مما يلي وجه أميرالمؤنين فوجد رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوآدم وإبراهيم عليهماالسلام يتحدّثون مع أميرالمؤنين عليه السلام، وكشف الحسين مما يلي رجليه فوجد الزهراء وحواء ومريم وآسية عليهن السلام ينحن على أميرالمؤنين عليه السلام ويندبنه.
قال المجلسي رحمه الله: ولم أر هذين الخبرين إلاّ من طريق البرسي ولا أعتمد على ما يتفرد بنقله ولا أردهما لورود الأخبار الكثيرة الدالة على ظهورهم بعد موتهم في أجسادهم المثالية(2).
وفي الإرشاد: فكانت إمامة أميرالمؤنين عليه السلام بعد النبيّ صلى الله عليه و آله ثلاثين سنة منهاأربع وعشرون سنة وأشهر ممنوعا من التصرّف على أحكامها مستعملا للتقيّة والمداراة ومنها خمس سنين وأشهر ممتحنا بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين ومضطهدا بفتن الضالين كما كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثلاث عشرةسنة
ص: 137
من نبوّته ممنوعا من أحكامها خائفا ومحبوسا وهاربا ومطرودا لا يتمكّن من جهاد الكافرين ولا يستطيع دفعا عن المؤنين ثمّ هاجر وأقام بعد الهجرة عشر سنين مجاهدا للمشركين ممتحنا بالمنافقين إلى أن قبضه اللّه تعالى إليه وأسكنه جنات النعيم.
وكانت وفاة أميرالمؤنين عليه السلام قبيل الفجر من ليلة الجمعة ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة(1).
قالت سودة بن «بنت ظ» عمارة الهمدانيّة ونعم ما قالت:
صلّى الاله على روح تضمّنها *** قبر فأصبح فيه العدل مدفونا
قد حالف الحقّ لا يبغى به بدلا *** فصار بالحقّ والايمان مقرونا(2)
وفي الحديث: فلمّا كان من الغد وأصبح الحسن عليه السلام قام خطيبا على المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال:
أيّها الناس في هذه الليلة نزل القرآن وفي هذه الليلة رفع عيسى ابن مريم عليه السلام
وفي هذه الليلة قتل يوشع بن نون وفي هذه الليلة مات أبي أميرا لمؤنين عليه السلام واللّه لا يسبق أبي أحد كان قبله من الأوصياء إلى الجنة ولا من يكون بعده وإن كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليبعثه في السرية فيقاتل جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره وما ترك صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه كان يجمعها ليشتري بها خادما لأهله(3).
ص: 138
وعن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: إن السماء والأرض لتبكي على المؤن إذا مات أربعين صباحا وإنها لتبكى على العالم إذا مات أربعين شهرا وإن السماء والأرض ليبكيان على الرسول أربعين سنة وإن السماء والأرض ليبكيان عليك يا علي إذا قتلت أربعين سنة(1).
قال ابن عبّاس: لقد قتل أميرالمؤمنين على الأرض بالكوفة فامطرت السماء ثلاثة أيّام دما(2).
أبو حمزة عن الصادق عليه السلام وقد روى أيضاً عن سعيد بن المسيّب أنّه لمّا قبض أميرالمؤمنين عليه السلام لم يرفع من وجه الأرض حجر إلاّ وجد تحته دم عبيط(3).
أربعين الخطيب وتاريخ النسوي أنه سأل عبد الملك بن مروان الزهري ما كانت علامة يوم قتل علي؟ قال: ما رفع حصاة من بيت المقدس إلا كان تحتها دم عبيط، ولمّا ضرب عليه السلام في المسجد سمع صوت(4) للّه الحكم لا لك يا علي ولا لأصحابك، فلمّا توفّي سمع في داره: «أَ فَمَنْ يُلْقى فِي النّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ»(5) الآية، ثمّ هتف هاتف آخر مات رسول اللّه ومات أبوكم(6).
وَفِي أَخْبَارِ الطَّالِبِيِّينَ أَنَّ الرُّومَ أَسَرُوا قَوْماً مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأُتِيَ بِهِمْ إِلَى الْمَلِكِ فَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْكُفْرَ فَأَبَوْا فَأَمَرَ بِإِلْقَائِهِمْ فِي الزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ وَأَطْلَقَ مِنْهُمْ رَجُلاً يُخْبِرُ
ص: 139
بِحَالِهِمْ فَبَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ إِذْ سَمِعَ وَقْعَ حَوَافِرِ الْخَيْلِ فَوَقَفَ فَنَظَرَ إِلَى أَصْحَابِهِ الَّذِينَ أُلْقُوا فِي الزَّيْتِ فَقَالَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا قَدْ كَانَ ذَلِكَ فَنَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ فِي شُهَدَاءِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام قَدِ اسْتُشْهِدَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَصَلُّوا عَلَيْهِ فَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ وَنَحْنُ رَاجِعُونَ إِلَى مَصَارِعِنَا(1).
عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: إِنَّ عَاقِرَ نَاقَةِ صَالِحٍ كَانَ أَزْرَقَ ابْنَ بَغِيٍّ، وَإِنَّ قَاتِلَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا عليه السلام ابْنُ بَغِيٍّ وَإِنَّ قَاتِلَ عَلِيٍّ عليه السلام ابْنُ بَغِيٍّ وَكَانَتْ مُرَادُ تَقُولُ مَا نَعْرِفُ لَهُ فِينَا أَباً وَلا نَسَباً وَإِنَّ قَاتِلَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام ابْنُ بَغِيٍّ، وَإِنَّهُ لَمْ يَقْتُلِ الْأَنْبِيَاءَ وَلا أَوْلادَ الْأَنْبِيَاءِ إِلاّ أَوْلادُ الْبَغَايَا(2).
وفي البحار في ذيل الرواية السالفة التي قدّمناها في كيفيّة شهادته عليه السلام عن لوط بن يحيى:
قال الراوي: ثمّ إنّه لمّا رجع أولاد أميرالمؤنين عليه السلام وأصحابه إلى الكوفة واجتمعوا لقتل اللعين عدو اللّه ابن ملجم فقال عبداللّه بن جعفر: اقطعوا يديه ورجليه ولسانه واقتلوه بعد ذلك، وقال ابن الحنفية رضي اللّه عنه: اجعلوه غرضا للنشاب وأحرقوه بالنار، وقال آخر: اصلبوه حيا حتى يموت فقال الحسن عليه السلام: أنا ممتثل فيه ما أمرني به أميرالمؤنين عليه السلام أضربه ضربة بالسيف حتى يموت فيها وأحرقه بالنار بعد ذلك.
ص: 140
قال: فأمر الحسن عليه السلام أن يأتوه به فجاءوا به مكتوفا حتى أدخلوه إلى الموضع الذي ضرب فيه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام والناس يلعنونه ويوبخونه وهو ساكت لا يتكلم، فقال الحسن عليه السلام: يا عدو اللّه قتلت أميرالمؤنين عليه السلام، وإمام المسلمين وأعظمت الفساد في الدين.
فقال لهما: يا حسن ويا حسين ما تريدان تصنعان بي؟ قالا له نريد قتلك كما قتلت سيدنا ومولانا، فقال لهما: اصنعا ما شئتما أن تصنعا ولا تعنّفا من استزلّه الشيطان فصدّه عن السبيل، ولقد زجرت نفسي فلم تنزجر ونهيتها فلم تنته فدعها تذوق وبال أمرها ولها عذاب شديد ثم بكى.
فقال له: يا ويلك ما هذه الرقة أين كانت حين وضعت قدمك وركبت خطيئتك، فقال ابن ملجم لعنه اللّه: «اسْتَحْوَذَ
عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللّه ِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ»(1).
ولقد انقضى التوبيخ والمعايرة وإنما قتلت أباك وحصلت بين يديك فاصنع ما شئت وخذ بحقك مني كيف شئت ثم برك على ركبتيه وقال: يا ابن رسول اللّه الحمد للّه الذي أجرى قتلي على يديك، فرقّ له الحسن عليه السلام لأنّ قلبه كان رحيما صلى اللّه عليه، فقام الحسن عليه السلام وأخذ السيف بيده وجرّده من غمده وندّبه «ونزته خ ل» حتّى لاح الموت في حدّه ثمّ ضربه ضربة أدار بها عنقه فاشتدّ زحام الناس عليه وعلت أصواتهم فلم يتمكّن من فتح باعه فارتفع السيف إلى باعه «رأسه» فأبرأه فانقلب عدو اللّه على قفاه يحور في دمه.
فقام الحسين عليه السلام إلى أخيه وقال: يا أخي أليس الأب واحدا والأم واحدة ولي
ص: 141
نصيب في هذه الضربة ولي في قتله حق فدعني أضربه ضربة أشفي بها بعض ما أجده، فناوله الحسن عليه السلام السيف فأخذه وهزه وضربه على الضربة التي ضربه الحسن عليه السلام فبلغ إلى طرف أنفه وقطع جانبه الآخر وابتدره الناس بعد ذلك بأسيافهم فقطعوه إربا إربا، وعجل اللّه بروحه إلى النار وبئس القرار ثم جمعوا جثته وأخرجوه من المسجد وجمعوا له حطبا وأحرقوه بالنار(1).
وفي المناقب استوهبت ام الهيثم بنت الأسود النخعيّة جيفته للتولّى احراقها فوهبا لها فاحرقتها بالنار(2) .
وفي المناقب استوهبت امّ الهيثم بنت الأسود النخعيّة جيفته لتتولّى احراقها فوهبها لها فاحرقتها بالنار(3).
وقيل: طرحوه في حفرة وطموه بالتراب وهو يعوي كعوي الكلاب في حفرته إلى يوم القيامة.
وأقبلوا إلى قطام الملعونة الفاسقة الفاجرة وأخذوها فقطعوها بالسيف إربا إربا ونهبوا دارها ثم أخذوها وأخرجوها إلى ظاهر الكوفة فأحرقوها بالنار وعجل اللّه بروحها إلى النار وغضب الجبار.
وأمّا الرجلان اللذان تحالفا معه فأحدهما قتله معاوية بن أبي سفيان بالشام والآخر قتله عمرو بن العاص بمصر لا رضي اللّه عنهما.
وأما الرجلان(4) اللذان كانا مع ابن ملجم بالجامع يساعدانه على قتل علي عليه السلام
ص: 142
فقتلا من ليلتهما لعنهما اللّه وحشرهما محشر المنافقين الظالمين في جهنم خالدين مع السالفين(1).
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْروٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الرَّفَّاءِ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: كُنْتُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَرَأَيْتُ النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ حَوْلَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقُلْتُ مَا هَذَا؟ قَالُوا: رَاهِبٌ أَسْلَمَ فَأَشْرَفْتُ عَلَيْهِ وَإِذَا بِشَيْخٍ كَبِيرٍ عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ وَقَلَنْسُوَةُ صُوفٍ عَظِيمِ الْخِلْقَةِ وَهُوَ قَاعِدٌ بِحِذَاءِ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: كُنْتُ قَاعِداً فِي صَوْمَعَةٍ فَأَشْرَفْتُ مِنْهَا وَإِذَا بِطَائِرٍ كَالنَّسْرِ قَدْ سَقَطَ عَلَى صَخْرَةٍ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ فَتَقَيَّأَ فَرَمَى بِرُبُعِ إِنْسَانٍ، ثُمَّ طَارَ فَتَفَقَّدْتُهُ فَعَادَ فَتَقَيَّأَ فَرَمَى بِرُبُعِ إِنْسَانٍ، ثُمَّ طَارَ فَجَاءَ فَتَقَيَّأَ بِرُبُعِ إِنْسَانٍ ثُمَّ طَارَ فَجَاءَ فَتَقَيَّأَ بِرُبُعِ إِنْسَانٍ ثُمَّ طَارَ فَدَنَتِ الْأَرْبَاعُ فَقَامَ رَجُلاً وَهُوَ قَائِمٌ وَأَنَا أَتَعَجَّبُ مِنْهُ، ثُمَّ انْحَدَرَ الطَّيْرُ فَضَرَبَهُ وَأَخَذَ رُبُعَهُ فَطَارَ، ثُمَّ رَجَعَ فَأَخَذَ رُبُعَهُ فَطَارَ، ثُمَّ رَجَعَ فَأَخَذَ رُبُعَهُ فَطَارَ، ثُمَّ انْحَدَرَ الطَّيْرُ فَأَخَذَ الرُّبُعَ الآْخَرَ فَطَارَ، فَبَقِيتُ أَتَفَكَّرُ وَتَحَسَّرْتُ أَلاّ أَكُونَ لَحِقْتُهُ وَسَأَلْتُهُ مَنْ هُوَ فَبَقِيتُ أَتَفَقَّدُ الصَّخْرَةَ حَتَّى رَأَيْتُ الطَّيْرَ قَدْ أَقْبَلَ فَتَقَيَّأَ بِرُبُعِ إِنْسَانٍ فَنَزَلْتُ فَقُمْتُ بِإِزَائِهِ، فَلَمْ أَزَلْ حَتَّى تَقَيَّأَ بِالرُّبُعِ الرَّابِعِ، ثُمَّ طَارَ فَالْتَأَمَ رَجُلاً فَقَامَ قَائِماً فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَسَأَلْتُ فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَسَكَتَ عَنِّي فَقُلْتُ بِحَقِّ مَنْ خَلَقَكَ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا ابْنُ مُلْجَمٍ، قُلْتُ لَهُ وَأَيّ شيءٍ عَمِلْتَ؟ قَالَ: قَتَلْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام فَوُكِّلَ بِي هَذَا الطَّيْرُ يَقْتُلُنِي كُلَّ يَوْمٍ قَتْلَةً فَهُوَ بينا يُخْبِرُنِي إِذِ انْقَضَّ الطَّائِرُ فَأَخَذَ رُبُعَهُ وَطَارَ فَسَأَلْتُ عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام فَقَالُوا: هُوَ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله وَوَصيِّهِ فَأَسْلَمْتُ(2)
ص: 143
فنقول: إنّه كان في بعض الأزمان بين المخالفين اختلاف في موضع قبره الشريف عليه السلام فذهب جماعة منهم إلى أنّه دفن في رحبة مسجد الكوفة وقيل: إنّه دفن في قصر الإمارة، وقيل: إنّه أخرجه الحسن عليه السلام معه إلى المدينة ودفنه بالبقيع وكان بعض جهلة الشيعة يزورونه بمشهد في الكرخ.
وقد اجتمعت الشيعة على أنه عليه السلام مدفون بالغري في الموضع المعروف عند الخاص والعام وهو عندهم من المتواترات رووه خلفا عن سلف إلى أئمة الدين صلوات اللّه عليهم أجمعين وكان السبب في هذا الاختلاف إخفاء قبره عليه السلام خوفا من الخوارج والمنافقين وكان لا يعرف ذلك إلا خاص الخاص من الشيعة إلى أن ورد الصادق عليه السلامالحيرة في زمن السفاح فأظهره لشيعته ومن هذا اليوم إلى الآن يزوره كافة الشيعة في هذا المكان(1).
ولا حاجة لنا إلى ذكر ما ورد في تعيين موضع القبر الشريف من الأخبار المرويّة عن الأئمّة الأطهار، وإنّما الأنسب ذكر كيفيّة بناء المرقد الشريف والقبّة المباركة زادهااللّه شرفا، فأقول: روى عن الصادق عليه السلام إذا ركب نوح في السفينة أتت إلى مكان البيت وطاف له اسبوعاً، فأوحى اللّه إليه أن أنزل عن السفينة واخرج عظام آدم وجسده وادخله في السفينة، فنزل نوح وكان الماء إلى ركبته فأخرج تابوتاً فيه جسد آدم فأوقعه في السفينة، ولمّا وصلت السفينة إلى مسجد الكوفة فاستقرّ هناك فأنزل نوح جسده من السفينة فدفنه في النجف وجعل نوح
ص: 144
لنفسه قبراً في أمامه وصيّر صندوقاً لعليّ يدفن فيه في أمام صدره(1).
وفي كتاب رياض الجنّة تأليف بعض أصحابنا قدّس اللّه روحه: مشهد النجف على ساكنه ألف تحيّة وتحف واقع على طرف القبلة من الكوفة بنصف فرسخ.
وأوّل من بنا القبر الشريف هارون العبّاسي على ما ستطلع عليه، ثمّ بعد مائة وثمانين سنة ونيّفا بنا عضدالدولة الديلمي القبّة الشريفة، ثمّ زاد الملوك على ذلك يوماً فيوما إلى أن صار بلدة صغيرة جاور الناس فيها.
ولمّا وصل دورة السلطنة إلى السلطان نادر أمر بتذهيب القبّة المباركة وبناء الأيوان والمنارتين وتذهيبها وصرف على ذلك خمسين ألف تومان نادريّ وصرفت زوجته گوهر شاد امّ ابنيه امام قلي وميرزا نصر اللّه ميرزا مائة ألف ربعيّة على تعمير الصحن المقدّس وبناء جدرانه بالكاشيّ وصرفت امّ سلطان وساير زوجاته عشرين ألف تومان نادري على بناء المسجد الواقع في ظهر الرأس الشريف وأرسلن إلى الروضات المطهّرة عشرين حمل بعير من الفرش والبساط، وكان الفراغ من جميع ذلك في سنة سبع وخمسين ومائة بعد الألف، وقيل في تاريخ تمام المنارة الشماليّة «تعالى شأنه اللّه أكبر» وفي تمام المنارة الجنوبيّة «تكرر أربعاً اللّه أكبر» أراد أربعة اللّه أكبر ثمّ صار نوبة السلطنة إلى السلطان علي مراد خان زند في سنة سبع وتسعين ومائة وألف بعث جمعاً من حذقة المهندسين بواحد من ثقاته إلى تعمير ما خرب من جدران البقعة الشريفة وتجديد كواشي الجدران والطاقات وتنقية بئر الصحن المقدّس وساير آبار المشهد واصلاحمجرى مياهها وأهدى إلى المشاهد المشرّفة ولاسيّما مشهد أميرالمؤمنين بالفرش
ص: 145
النفيسة والقناديل المرصّعة بالدرر والجواهر وأعطى الخدّام والمجاورين هناك عطايا عظيمة وصلات جزيلة.
ثمّ أمر بصنعة صندوق من الخاتم يوضع فوق القبر الشريف وتوفّي قبل تمامه ثمّ اشتغل به حذقة الصانعين بأمر جعفر خان، وتوفّي ولم يتمّ، وأتمّه لطفعلي خان ابن جعفر خان وكان مدّة الاشتغال بصنعته ست سنين.
ثمّ بنا الضريح المقدّس المفضّض السلطان آقا محمّد خان قدّس اللّه روحه، وكان آصف الدولة الهندي أراد أن يجري نهراً إلى المشهد من الفرات من جنب جسر المسيّب على أربعة وعشرين فرسخاً فلم يتيسّر.
ثمّ عزم الحاج محمّد عليّ البغدادي إلى نهر من سمت ذي الكفل وصرف مصارف كثيرة عليه ولم يمكن(1) .
أقول : وللّه الحمد والمنّة فقد جرى النهر في زمان اشتغالنا بالتحصيل في المشهد بسعي السيّد الفاضل الجليل العالم العلاّمة الزاهد الورع الحاج سيّد أسد اللّه الاصفهاني قدّس اللّه سرّه ونوّر ضريحه من تحت الأرض منتهياً إلى البحر، وأرّخ بعضهم جريان الماء بقوله: جاء ماء الغري شكر اللّه مساعي المتصدّين لبناء المشاهد المشرّفة والساعين في تعمير البقاع المتبرّكة وحشرهم مع مواليهم الطاهرين(2).
وعن سيّد السند نعمة اللّه الجزائري في مقامات النجاة أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام مدفون بالغري ويقال له الغريان أيضاً وهما قبرا مالك وعقيل نديمي جذيمة الأبرش سمّيا غريين لأنّ النعمان بن المنذر كان يغريهما بدم من يقتله إذا خرج في
ص: 146
يوم بأسه(1) وقيل: كان ينادم النعمان رجلان من العرب خالد بن مفضل وعمرو بن مسعود الأسديّان فشرب معهما ليلة فرجفاه الكلام فغضب وأمر بأن يجعلا في تابوتين ويدفنا بظهر الكوفة، فلمّا أصبح سأل عنهما فأخبره بصنيعه فندم وركب حتّى وقف عليهما وأمر ببناء الغريّين وجعل لنفسه كلّ سنة يوم نعم ويوم بؤس وكان يضع سريره بينهما.
فاذا كان يوم نعمه فأوّل من يطلع عليه يؤتيه مائة من الابل، وإذا كان يوم بؤسه فأوّل من يطلع يؤتيه رأس ظربان وهي دويبة منتنة الريح وأمر بقتله فقتل ويغري به الغريّان(2).
وبقي هذا حاله إلى وقوع قضيّة الطائي وشريك نديم النعمان، وقد مضى ذكر تلك القضيّة منّا في شرح الخطبة الحادية والأربعين فتذكّر(3).
فمن هذه ما عن ارشاد الديلمي عند الاستدلال على كونه مدفوناً بالغري قال: والدليل الواضح والبرهان اللايح على ذلك من وجوه:
الأوّل: تواتر أخبار الأئمّة يرويه خلف عن سلف.
الثاني: اجماع الشيعة والاجماع حجّة.
الثالث : ما حصل عنده من الأسرار والآيات وظهور المعجزات كقيام الزمن وردّ بصر الأعمى وغيرها(4).
ص: 147
فمنها: ما روي عن عبد اللّه بن حازم قال خرجنا يوما مع الرشيد من الكوفة فصرنا إلى ناحية الغريين فرأينا ظباء فأرسلنا عليها الصقور والكلاب فجاولتها ساعة ثمّ لجأت الظباء إلى أكمة(1) فتراجعت الصقور والكلاب عنها، فتعجب الرشيد من ذلك، ثمّ إن الظباء هبطت من الأكمة فسقطت الطيور والكلاب عنها فرجعت الظباء إلى الأكمة فتراجعت الصقور والكلاب عنها مرة ثانية، ثمّ فعلت ذلك مرة أخرى.
فقال الرشيد: اركضوا إلى الكوفة فأتوني بأكبرها سنا، فأتي بشيخ من بني أسد فقال الرشيد: أخبرني ما هذه الأكمة؟ فقال: حدثني أبي عن آبائه أنهم كانوا يقولون: إنّ هذه الأكمة قبر علي بن أبي طالب عليه السلام جعله اللّه حرما لا يأوي إليه شيء إلاّ آمن.
فنزل هارون ودعا بماء وتوضأ وصلى عند الأكمة وجعل يدعو ويبكي ويتمرّغ عليها بوجهه وأمر أن يبنى قبة بأربعة أبواب فبني، وبقي إلى أيام السلطان عضد الدولة رحمه اللّه فجاء فأقام في ذلك الطريق قريبا من سنة هو وعساكره فبعث فأتي بالصناع والأستادية من الأطراف وخرب تلك العمارة وصرف أموالا كثيرة جزيلة وعمر عمارة جليلة حسنة وهي العمارة التي كانت قبل عمارة اليوم.
ومنها: ما حكي عن جماعة خرجوا بليل مختفين إلى الغري لزيارة أميرالمؤنين عليه السلام قالوا: فلمّا وصلنا إلى القبر الشريف وكان يومئذ قبرا حوله حجارة ولا بناء عنده، وذلك بعد أن أظهره الرشيد وقبل أن يعمره، فبينا نحن عنده بعضنا يقرأ وبعضنا يصلّي وبعضنا يزور وإذا نحن بأسد مقبل نحونا، فلمّا قرب منّا
ص: 148
قدر رمح قال: بعضنا لبعض: ابعدوا عن القبر لننظر ما يصنع، فتباعدنا عن القبر الشريف فجاء الأسد فجعل يمرغ ذراعيه على القبر، فمضى رجل منّا فشاهده فعاد فأعلمنا فزال الرعب عنّا فجئنا بأجمعنا فشاهدناه يمرغ ذراعه على القبر وفيه جراح فلم يزل يمرغه ساعة، ثمّ نزح عن القبر فمضى، فعدنا إلى ما كنّا عليه من الزيارة والصلاة وقراءة القرآن(1).
قال المجلسي: ولقد شاع وذاع في زماننا من شفاء المرضى ومعافاة أصحاب البلوى وصحة العميان والزمنى أكثر من أن يحصى ولقد أخبرني جماعة كثيرة من الثقات أن عند محاصرة الروم لعنهم اللّه المشهد الشريف في سنة أربع وثلاثين وألف من الهجرة وتحصين أهله بالبلد وإغلاق الأبواب عليهم والتعرض لدفعهم مع قلة عددهم وعدتهم وكثرة المحاصرين وقوتهم وشوكتهم جلسوا زمانا طويلا ولم يظفروا بهم وكانوا يرمون بالبنادق الصغار والكبار عليهم شبه الأمطار ولم يقع على أحد منهم وكانت الصبيان في السكك ينتظرون وقوعها ليلعبوا بها حتى أنهم يروون أن بندقا كبيرا دخل في كم جارية رفعت يدها لحاجة على بعض السطوح وسقط من ذيلها ولم يصبها ويروى عن بعض الصلحاء الأفاضل من أهل المشهد أنه رأى في تلك الأيام أميرالمؤنين عليه السلام في المنام وفي يده عليه السلام سواد فسأله عن ذلك فقال عليه السلاملكثرة دفع الرصاص عنكم والغرائب التي ينقلونها في تلك الواقعة كثيرة(2).
فأمّا التي اشتهرت بين أهل المشهد بحيث لا ينكره أحد منهم:
ص: 149
فمنها: قصّة الدهن وهو أن خازن الروضة المقدّسة المولى الصالح البارع التقي مولانا محمود(1) قدس اللّه روحه كان هو المتوجه لإصلاح العسكر الذي كانوا في البلد وكانوا محتاجين إلى مشاعل كثيرة لمحافظة أطراف الحصار فلما ضاق الأمر ولم يبق في السوق ولا في البيوت شيء من الدهن أعطاهم من الحياض التي كانوا يصبون فيها الدهن لإسراج الروضة وحواليها فبعد إتمام جميع ما في الحياض ويأسهم عن حصوله من مكان آخر رجعوا إليها فوجدوها مترعة من الدهن فأخذوا منها وكفاهم إلى انقضاء وطرهم(2).
ومنها: أنهم كانوا يرون في الليالي في رءوس الجدران وأطراف العمارات والمنارات نورا ساطعا بينا حتى أن الإنسان إذا كان يرفع يده إلى السماء كان يرى أنامله كالشموع المشتعلة ولقد سمعت من بعض الأشارف الثقات من غير أهل المشهد أنه قال كنت ذات ليلة نائما في بعض سطوح المشهد الشريف فانتبهت في بعض الليل فرأيت النور ساطعا من الروضة المقدسة ومن أطراف جميع جدران البلد فعجبت من ذلك ومسحت يدي على عيني فنظرت فرأيت مثل ذلك فأيقظت رجلا كان نائما بجنبي فأخبرني بمثل ما رأيت وبقي هكذا زمانا طويلا ثم ارتفع وسمعت أيضا من بعض الثقات قال كنت نائما في بعض الليالي على بعض سطوح البلد الشريف فانتبهت فرأيت كوكبا نزل من السماء بحذاء القبة السامية حتى وصل إليها وطاف حولها مرارا بحيث أراه يغيب من جانب ويطلع من آخر ثم صعد إلى السماء(3).
ص: 150
ومن الأمور المشهورة التي وقعت قريبا من زماننا أن جماعة من صلحاء أهل البحرين أتوا لزيارة الحسين صلوات اللّه وسلامه عليه لإدراك بعض الزيارات المخصوصة فأبطئوا ولم يصلوا إليه ووصلوا في ذلك اليوم إلى الغري وكان يوم مطر وطين وكان مولانا محمود رحمه اللّه أغلق أبواب الروضة المقدسة لذلك فأتوه وسألوه أن يفتح لهم فأبى واعتذر منهم وقال زوروا من وراء الشباك فأتوا الباب وتضرعوا وتمرغوا في التراب وقالوا قد حرمنا من زيارة ولدك فلا تحرمنا زيارتك فإنا من شيعتك وقد أتيناك من شقة بعيدة فبينا هم في ذلك إذ سقطت الأقفال وفتحت الأبواب ودخلوا وزاروا وهذا مشهور بين أهل المشهد وبين أهل البحرين غاية الاشتهار(1).
ومنها: ما تواترت به الأخبار ونظموها في الأشعار وشاع في جميع الأصقاع والأقطار واشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار وكان بالقرب من تاريخ الكتابة في سنة اثنين وسبعين بعد الألف من الهجرة وكانت كيفية تلك الواقعة على ما سمعته من الثقات أنه كان في المشهد الغروي عجوز تسمى بمريم وكانت معروفة بالعبادة والتقوى فمرضت مرضا شديدا وامتد بها حتى صارت مقعدة مزمنة وبقيت كذلك قريبا من سنتين بحيث اشتهر أمرها وكونها مزمنة في الغري ثم إنها لتسع ليال خلون من رجب تضرعت لدفع ضرها إلى اللّه تعالى واستشفعت بمولانا أميرالمؤنين صلوات اللّه وسلامه عليه وشكت إليه عليه السلامفي ذلك ونامت فرأت في منامها ثلاث نسوة دخلن إليها وإحداهن كالقمر ليلة البدر نورا وصفاء وقلن لها لا تخافي ولا تحزني فإن فرجك في ليلة الثاني عشر من الشهر المبارك فانتبهت
ص: 151
فرحا وقصت رؤاها على من حضرها وكانت تنتظر ليلة ثاني عشر رجب فمرت بها ولم تر شيئا ثم ترقبت ليلة ثاني عشر شعبان فلم تر أيضا شيئا فلما كانت ليلة تاسع من شهر رمضان رأت في منامها تلك النسوة بأعيانهن وهن يبشرنها فقلن لها إذا كانت ليلة الثاني عشر من هذا الشهر فامضي إلى روضة أميرالمؤنين صلوات اللّه عليه وأرسلي إلى فلانة وفلانة وفلانة وسمين نسوة معروفات عليه وهن باقيات إلى حين هذا التحرير واذهبي بمن معك إليها فلما أصبحت قصت رؤاهاوبقيت مسرورة مستبشرة بذلك إلى أن دخلت تلك الليلة فأمرت بغسل ثيابها وتطهير جسدها وأرسلت إلى تلك النسوة دعتهن فأجبن وذهبن بها محمولة لأنها كانت لا تقدر على المشي فلما مضى قريب من ربع الليل خرجت واحدة منهن واعتذرت منها وبقيت معها اثنتان وانصرف منهن جميع من حضر الروضة المقدّسة وغلقت الأبواب ولم يبق في الرواق غيرهن فلما كان وقت السحر أرادت صاحبتاها أكل السحور أو شرب التتن فاستحيتا من الضريح المقدس فتركتاها عند الشباك المقابل للضريح المقدس في جانب القبلة وذهبتا إلى الباب الذي في جهة خلفه عليه السلام يفتح إلى الصحن وخلفه الشباك فدخلتا هناك وأغلقتا الباب لحاجتهما فلما رجعتا إليها بعد قضاء وطرهما لم تجداها في الموضع الذي تركتاها ملقاة فيه فتحيرتا فمضتا يمينا وشمالا فإذا بها تمشي في نهاية الصحة والاعتدال فسألتاها عن حالها وما جرى عليها فأخبرتهما أنكما لما انصرفتما عني رأيت تلك النسوة اللاتي رأيتهن في المنام أقبلن وحملنني وأدخلنني داخل القبة المنورة وأنا لا أعلم كيف دخلت ومن أين دخلت فلما قربت من الضريح المقدس سمعت صوتا من القبر يقول حركن المرأة الصالحة وطفن بها ثلاث مرات فطفن بي
ص: 152
ثلاث مرات حول القبر ثم سمعت صوتا آخر أخرجن الصالحة من باب الفرج فأخرجنني من الجانب الغربي الذي يكون خلف من يصلي بين البابين بحذاء الرأس وخلف الباب شباك يمنع الاستطراق ولم يكن الباب معروفا قبل ذلك بهذا الاسم قالت فالآن مضين عني وجئتماني وأنا لا أرى بي شيئا مما كان من المرض والألم والضعف وأنا في غاية الصحة والقوة فلما كان آخر الليل جاء خازن الحضرة الشريفة وفتح الأبواب فرآهن تمشين بحيث لا يتميز واحدة منهن وإني سمعت من المولى الصالح التقي مولانا محمد طاهر(1) الذي بيده مفاتيح الروضة المقدسة ومن جماعة كثيرة من الصلحاء الذين كانوا حاضرين في تلك الليلة في الحضرة الشريفة أنهم رأوها في أول الليلة محمولة عند دخولها وفي آخر الليل سائرة أحسن ما يكون عند خروجها(2).
قال المجلسي: وجدت في بعض مؤلّفات أصحابنا، عَنْ زَيْدٍ النَّسَّاجِ قَالَ: كَانَ لِي جَارٌ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ عَلَيْهِ آثَارُ النُّسُكِ وَالصَّلاحِ وَكَانَ يَدْخُلُ إِلَى بَيْتِهِ وَيَعْتَزِلُ عَنِ النَّاسِ وَلا يَخْرُجُ إِلاّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ زَيْدٌ النَّسَّاجُ: فَمَضَيْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى زِيَارَةِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ فَدَخَلْتُ إِلَى مَشْهَدِهِ وَإِذَا أَنَا بِالشَّيْخِ الَّذِي هُوَ جَارِي قَدْ أَخَذَ مِنَ الْبِئْرِ مَاءً وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَغْتَسِلَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ وَالزِّيَارَةِ فَلَمَّا نَزَعَ ثِيَابَهُ وَإِذَا فِي ظَهْرِهِ ضَرْبَةٌ عَظِيمَةٌ فَتْحَتُهَا أَكْثَرُ مِنْ شِبْرٍ وَهِيَ تَسِيلُ قَيْحاً وَمِدَّةً فَاشْمَأزَّ قَلْبِي مِنْهَا
ص: 153
فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ فَرَآنِي فَخَجِلَ فَقَالَ لِي: أَنْتَ زَيْدٌ النَّسَّاجُ فَقُلْتُ: نَعَمْ فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ عَاوِنِّي عَلَى غُسْلِي فَقُلْتُ: لا وَاللّه ِ لا أُعَاوِنُكَ حَتَّى تُخْبِرَنِي بِقِصَّةِ هَذِهِ الضَّرْبَةِ الَّتِي بَيْنَ كَتِفَيْكَ وَمِنْ كَفِّ مَنْ خَرَجَتْ وَأَيُّ شَيْءٍ كَانَ سَبَبَهَا فَقَالَ لِي: يَا زَيْدُ أُخْبِرُكَ بِهَا بِشَرْطِ أَنْ لا تُحَدِّثَ بِهَا أَحَداً مِنَ النَّاسِ إِلاّ بَعْدَ مَوْتِي فَقُلْتُ: لَكَ ذَلِكَ فَقَالَ: عَاوِنِّي عَلَى غُسْلِي فَإِذَا لَبِسْتُ أَطْمَارِي(1) حَدَّثْتُكَ بِقِصَّتِي قَالَ زَيْدٌ: فَسَاعَدْتُهُ فَاغْتَسَلَ وَلَبِسَ ثِيَابَهُ وَجَلَسَ فِي الشَّمْسِ وَجَلَسْتُ إِلَى جَانِبِهِ وَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْنِي يَرْحَمُكَ اللّه ُ فَقَالَ لِي: اعْلَمْ أَنَّا كُنَّا عَشَرَةَ أَنْفُسٍ قَدْ تَوَاخَيْنَا عَلَى الْبَاطِلِ وَتَوَافَقْنَا عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ وَارْتِكَابِ الآْثَامِ وَكَانَتْ بَيْنَنَا نَوْبَةٌ نُدِيرُهَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ عَلَى وَاحِدٍ مِنَّا لِيَصْنَعَ لَنَا طَعَاماً نَفِيساً وَخَمْراً عَتِيقاً وَغَيْرَ ذَلِكَ فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ التَّاسِعَةُ وَكُنَّا قَدْ تَعَشَّيْنَا عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَشَرِبْنَا الْخَمْرَ ثُمَّ تَفَرَّقْنَا وَجِئْتُ إِلَى مَنْزِلِي وَنِمْتُ أَيْقَظَتْنِي زَوْجَتِي وَقَالَتْ لِي: إِنَّ اللَّيْلَةَ الآْتِيَةَ نَوْبَتُهَا عَلَيْكَ وَلا عِنْدَنَا فِي الْبَيْتِ حَبَّةٌ مِنَ الْحِنْطَةِ قَالَ: فَانْتَبَهْتُ وَقَدْ طَارَ السُّكْرُ مِنْ رَأْسِي وَقُلْتُ: كَيْفَ أَعْمَلُ وَمَا الْحِيلَةُ وَإِلَى أَيْنَ أَتَوَجَّهُ فَقَالَتْ لِي زَوْجَتِي: اللَّيْلَةُ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ وَلا يَخْلُو مَشْهَدُ مَوْلانَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام مِنْ زُوَّارٍ يَأْتُونَ إِلَيْهِ يَزُورُونَهُ فَقُمْ وَامْضِ وَاكْمُنْ عَلَى الطَّرِيقِ فَلا بُدَّ أَنْ تَرَى أَحَداً فَتَأْخُذَ ثِيَابَهُ فَتَبِيعَهَا وَتَشْتَرِيَ شَيْئاً مِنَ الطَّعَامِ لِتَتِمَّ مُرُوءَتُكَ عِنْدَ أَصْحَابِكَ وَتُكَافِئَهُمْ عَلَى صَنِيعِهِمْ قَالَ: فَقُمْتُ وَأَخَذْتُ سَيْفِي وَحَجَفَتِي(2) وَمَضَيْتُ مُبَادِراً وَكَمَنْتُ فِي الْخَنْدَقِ الَّذِي فِي ظَهْرِ الْكُوفَةِ وَكَانَتْ لَيْلَةً مُظْلِمَةً ذَاتَ رَعْدٍ وَبَرْقٍ فَأَبْرَقَتْ بَرْقَةٌ فَإِذَا أَنَا بِشَخْصَيْنِ مُقْبِلَيْنِ مِنْ نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ فَلَمَّا قَرُبَا مِنِّي بَرَقَتْ
ص: 154
بَرْقَةٌ أُخْرَى فَإِذَا هُمَا امْرَأَتَانِ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: فِي مِثْلِ هَذِهِ السَّاعَةِ أَتَانِي امْرَأَتَانِ فَفَرِحْتُ وَوَثَبْتُ إِلَيْهِمَا وَقُلْتُ لَهُمَا: انْزِعَا الْحُلِيَّ الَّذِي عَلَيْكُمَا سَرِيعاً فَطَرَحَاهُ فَأَبْرَقَتِ السَّمَاءُ بَرْقَةً أُخْرَى فَإِذَا إِحْدَاهُمَا عَجُوزٌ وَالْأُخْرَى شَابَّةٌ مِنْ أَحْسَنِ النِّسَاءِ وَجْهاً كَأَنَّهَا ظَبْيَةُ قَنَّاصٍ أَوْ دُرَّةُ غَوَّاصٍ فَوَسْوَسَ لِيَ الشَّيْطَانُ عَلَى أَنْ أَفْعَلَ بِهَا الْقَبِيحَ وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مِثْلُ هَذِهِ الشَّابَّةِ الَّتِي لا يُوجَدُ مِثْلُهَا حَصَلَتْ عِنْدِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَأُخَلِّيهَا فَرَاوَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَقَالَتِ الْعَجُوزُ: يَا هَذَا أَنْتَ فِي حِلٍّ مِمَّا أَخَذْتَهُ مِنَّا مِنَ الثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ فَخَلِّنَا نَمْضِي إِلَى أَهْلِنَا فَوَ اللّه ِ إِنَّهَا بِنْتٌ يَتِيمَةٌ مِنْ أُمِّهَا وَأَبِيهَا وَأَنَا خَالَتُهَا وَفِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ تُزَفُّ إِلَى بَعْلِهَا وَإِنَّهَا قَالَتْ لِي: يَا خَالَةُ إِنَّ اللَّيْلَةَ الْقَابِلَةَ أُزَفُّ إِلَى ابْنِ عَمِّي وَأَنَا وَاللّه ِ رَاغِبَةٌ فِي زِيَارَةِ سَيِّدِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام وَإِنِّي إِذَا مَضَيْتُ عِنْدَ بِعْلِي رُبَّمَا لا يَأْذَنُ لِي بِزِيَارَتِهِ فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ اللَّيْلَةُ الْجُمُعَةَ خَرَجْتُ بِهَا لأُزَوِّرَهَا مَوْلاهَا وَسَيِّدَهَا أَمِيرَا لْمُؤمِنِينَ عليه السلام فَبِاللّه ِ عَلَيْكَ لا تَهْتِكْ سِتْرَهَاوَلا تَفُضَّ خَتْمَهَا وَلا تَفْضَحْهَا بَيْنَ قَوْمِهَا فَقُلْتُ لَهَا: إِلَيْكِ عَنِّي وَضَرَبْتُهَا وَجَعَلْتُ أَدُورُ حَوْلَ الصَّبِيَّةِ وَهِيَ تَلُوذُ بِالْعَجُوزِ وَهِيَ عُرْيَانَةٌ مَا عَلَيْهَا غَيْرُ السِّرْوَالِ وَهِيَ فِي تِلْكَ الْحَالِ تَعْقِدُ تِكَّتَهَا وَتُوثِقُهَا عَقْداً فَدَفَعْتُ الْعَجُوزَ عَنِ الْجَارِيَةِ وَصَرَعْتُهَا إِلَى الْأَرْضِ وَجَلَسْتُ عَلَى صَدْرِهَا وَمَسَكْتُ يَدَيْهَا بِيَدٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلْتُ أُحِلَّ عَقْدَ التِّكَّةِ بِالْيَدِ الْأُخْرَى وَهِيَ تَضْطَرِبُ تَحْتِي كَالسَّمَكَةِ فِي يَدِ الصَّيَّادِ وَهِيَ تَقُولُ الْمُسْتَغَاثُ بِكَ يَا اللّه ُ الْمُسْتَغَاثُ بِكَ يَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَلِّصْنِي مِنْ يَدِ هَذَا الظَّالِمِ قَالَ: فَوَ اللّه ِ مَا اسْتَتَمَّ كَلامَهَا إِلاّ وَحَسِسْتُ حَافِرَ فَرَسٍ خَلْفِي فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا فَارِسٌ وَاحِدٌ وَأَنَا أَقْوَى مِنْهُ وَكَانَتْ لِي قُوَّةٌ زَائِدَةٌ وَكُنْتُ لا أَهَابُ الرِّجَالَ قَلِيلاً أَوْ كَثِيراً فَلَمَّا دَنَا مِنِّي فَإِذَا عَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ وَتَحْتَهُ فَرَسٌ أَشْهَبُ تَفُوحُ مِنْهُ رَائِحَةُ الْمِسْكِ فَقَالَ لِي: يَا
ص: 155
وَيْلَكَ خَلِّ الْمَرْأَةَ فَقُلْتُ لَهُ: اذْهَبْ لِشَأْنِكَ فَأَنْتَ نَجَوْتَ(1) وَتُرِيدُ تُنْجِي غَيْرَكَ قَالَ: فَغَضِبَ مِنْ قَوْلِي وَنَقَفَنِي بِذُبَالِ سَيْفِهِ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ فَوَقَعْتُ مَغْشِيّاً عَلَيَّ لا أَدْرِي أَنَا فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي غَيْرِهَا وَانْعَقَدَ لِسَانِي وَذَهَبَتْ قُوَّتِي لَكِنِّي أَسْمَعُ الصَّوْتَ وَأَعِي الْكَلامَ فَقَالَ لَهُمَا: قُومَا الْبَسَا ثِيَابَكُمَا وَخُذَا حُلِيَّكُمَا وَانْصَرِفَا لِشَأْنِكُمَا فَقَالَتِ الْعَجُوزُ: فَمَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكَ اللّه ُ وَقَدْ مَنَّ اللّه ُ عَلَيْنَا بِكَ وَإِنِّي أُرِيدُ مِنْكَ أَنْ تُوصِلَنَا إِلَى زِيَارَةِ سَيِّدِنَا وَمَوْلانَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام قَالَ:فَتَبَسَّمَ فِي وُجُوهِهِمَا وَقَالَ لَهُمَا: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ارْجِعَا إِلَى أَهْلِكُمَا فَقَدْ قَبِلْتُ زِيَارَتَكُمَا قَالَ: فَقَامَتِ الْعَجُوزُ وَالصَّبِيَّةُ وَقَبَّلَتَا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَانْصَرَفَتَا فِي سُرُورٍ وَعَافِيَةٍ قَالَ الرَّجُلُ: فَأَفَقْتُ مِنْ غَشْوَتِي وَانْطَلَقَ لِسَانِي فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي أَنَا تَائِبٌ إِلَى اللّه ِ عَلَى يَدِكَ وَإِنِّي لا عُدْتُ أَدْخُلُ فِي مَعْصِيَتِهِ أَبَداً فَقَالَ: إِنْ تُبْتَ تَابَ اللّه ُ عَلَيْكَ فَقُلْتُ لَهُ: تُبْتُ وَاللّه ُ عَلَى مَا أَقُولُ شَهِيدٌ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي إِنْ تَرَكْتَنِي وَفِيَّ هَذِهِ الضَّرْبَةُ هَلَكْتُ بِلا شَكٍّ قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيَّ وَأَخَذَ بِيَدِهِ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى الضَّرْبَةِ وَمَسَحَ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ عَلَيْهَا فَالْتَحَمَتْ بِقُدْرَةِ اللّه ِ تَعَالَى قَالَ زَيْدٌ النَّسَّاجُ: فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ الْتَحَمَتْ وَهَذِهِ حَالُهَا فَقَالَ لِي: وَاللّه ِ إِنَّهَا كَانَتْ ضَرْبَةً مَهُولَةً أَعْظَمَ مِمَّا تَرَاهَا الآْنَ وَلَكِنَّهَا بَقِيَتْ مَوْعِظَةً لِمَنْ يَسْمَعُ وَيَرَى(2)
عن أبي الحسن عليّ بن الحسن بن الحجّاج من حفظه قال: كنا جلوسا في مجلس أبي عبداللّه محمّد بن عمران بن الحجّاج وفيه جماعة من أهل الكوفة من المشايخ وفيمن حضر العباس بن أحمد العباسي وكانوا قد حضروا عند ابن عمي يهنئونه بالسلامة لأنه حضر وقت سقوط سقيفة سيدي أبي عبد اللّه الحسين بن
ص: 156
علي عليه السلام في ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين ومائتين فبينا هم قعود يتحدثون إذ حضر إسماعيل بن عيسى العباسي فلما نظرت الجماعة إليه أحجمت عما كانت فيه وأطال إسماعيل الجلوس فلما نظر إليهم قال: يا أصحابنا أعزكم اللّه لعلي قطعت حديثكم بمجيئي قال أبو الحسن علي بن يحيى السليماني: وكان شيخ الجماعة ومقدما فيهم لا واللّه يا أبا عبد اللّه أعزك اللّه أمسكنا بحال من الأحوال فقال لهم: يا أصحابنا اعلموا أن اللّه عز وجل سائلي عما أقول لكم وما أعتقده من المذهب حتى حلف بعتق جواريه ومماليكه وحبس دوابه أنه لا يعتقد إلا ولاية علي بن أبي طالب عليه السلاموالسادات من الأئمة عليهم السلام وعدهم واحدا واحدا وساق الحديث فانبسط إليه أصحابنا وسألهم وسألوه ثمّ قال لهم: رجعنا يوم الجمعة من الصلاة من المسجد الجامع مع عمي داود فلما كان قبل منزلنا وقبل منزله وقد خلا الطريق قال لنا: أينما كنتم قبل أن تغرب الشمس فصيروا إلي ولا يكونن أحد منكم على حال فيتخلف وكان مطاعا لأنه كان جمرة بني هاشم فصرنا إليه آخر النهار وهو جالس ينتظرنا فقال: صيحوا بفلان وفلان من الفعلة فجاءه رجلان معهما آلتهما والتفت إلينا فقال: اجتمعوا كلكم فاركبوا في وقتكم هذا وخذوا معكم الجمل يعني غلاما كان له أسود يعرف بالجمل وكان لو حمل هذا الغلام على سِكْر دجلة لسكرها من شدته وبأسه وامضوا إلى هذا القبر الذي قد افتتن به الناس ويقولون إنه قبر علي حتى تنبشوه وتجيئوني بأقصى ما فيه فمضينا إلى الموضع فقلنا دونكم وما أمر به فحفر الحفارون وهم يقولون لا حول ولا قوة إلا باللّه في أنفسهم ونحن في ناحية حتى نزلوا خمسة أذرع فلما بلغوا إلى الصلابة قال الحفارون: قد بلغنا إلى موضع صلب وليس نقوى بنقره فأنزلوا الحبشي فأخذ المنقار فضرب ضربة فسمعنا طنينا
ص: 157
شديدا في البر ثم ضرب ثانية فسمعنا طنينا أشد من ذلك ثم ضرب الثالثة فسمعنا طنينا أشد مما تقدم ثم صاح الغلام صيحة فقمنا وأشرفنا عليه وقلنا للذين كانوا معه سلوه ما باله فلم يجبهم وهو يستغيث فشدوه وأخرجوه بالحبل فإذا على يده من أطراف أصابعه إلى مرفقه دم وهو يستغيث لا يكلمنا ولا يحير جوابا فحملناه على البغل ورجعنا طائرين فلم يزل لحم الغلام ينتشر من عضده وجسمه وسائر شقه الأيمن حتى انتهينا إلى عمي فقال: أيّ شيء وراءكم فقلنا: ماترى، وحدثناه بالصورة فالتفت إلى القبلة فتاب عما هو عليه ورجع عن المذهب فتولى وتبرأ وركب بعد ذلك في الليل إلى علي بن مصعب بن جابر فسأله أن يعمل على القبر صندوقا ولم يخبره بشيء مما جرى ووجه من طم الموضع وعمر الصندوق عليه ومات الغلام الأسود من وقته قال أبو الحسن بن الحجّاج: رأينا هذا الصندوق الذي هذا الصندوق الذي هذا حديثه لطيفا(1).
وما ظهر منه عليه السلام من هذا القبيل فوق حدّ الاحصاء ولا حاجة إلى الاطالة، فسبحان من آثرأولياءه بالكرامات الظاهرة والمعجزات القاهرة، وخصّهم بالمناقب السنيّة والمآثر الرفيعة.
«لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ»(2).
ولشيخنا البهائي قدّس اللّه روحه في مدح حرم الغري سلام اللّه على مشرّفه:
في ذا الحرم الأقدس بيت معمور *** في خدمته ملائك العرش حضور
فيه القبس الذي ابن عمران رأى *** فيه النور تجلّى للطور(3)
ص: 158
وقال أيضاً:
هذا الحرم الأقدس قد لاح لديك *** فاسجد متخشّعاً وعفّر خدّيك
ذا طور سنين فاغضض الطرف به *** هذا حرم العزّة فاخلع نعليك(1)
وقال أيضاً:
هذا النبأ العظيم ما فيه خلاف *** هذا الملايك السماوات مطاف
هذا حرم اللّه لمن حجّ وطاف *** من حلّ به فهو من النار معاف(2)
ص: 159
بسم الله الرحمن الرحیم
أَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ فَإِنَّمَا أَنْتُمْ كَالْمَرْأَةِ الْحَامِلِ حَمَلَتْ فَلَمَّا أَتَمَّتْ أَمْلَصَتْ وَمَاتَ قَيِّمُهَا وَطَالَ تَأَيُّمُهَا وَوَرِثَهَا أَبْعَدُهَا. أَمَا وَاللّه ِ مَا أَتَيْتُكُمُ اخْتِيَاراً وَلَكِنْ جِئْتُ إِلَيْكُمْ سَوْقاً وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَقُولُونَ عَلِيٌّ يَكْذِبُ قَاتَلَكُمُ اللّه ُ تَعَالَى فَعَلَى مَنْ أَكْذِبُ أَعَلَى اللّه ِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ أَمْ عَلَى نَبِيِّهِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ كَلاّ وَاللّه ِ لَكِنَّهَا لَهْجَةٌ غِبْتُمْ عَنْهَا وَلَمْ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا وَيْلُ أُمِّهِ كَيْلاً بِغَيْرِ ثَمَنٍ لَوْ كَانَ لَهُ وِعَاءٌ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ.
رواه (الإرشاد) مع اختلاف وزيادات فقال: قال عليه السلام: يا أهل الكوفة أنتم كأمّ مجالد حملت فأملصت فمات قيّمها وطال تأيّمها وورثها أبعدها والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إن من ورائكم للأعور الأدبر(1) جهنم الدنيا لا يبقي ولا يذر ومن بعده النهاس الفراس(2) الجموع المنوع ثم ليتوارثنكم من بني أمية عدّة ما الآخر بأرأف بكم من الأوّل ما خلا رجلا واحدا(3) بلاء قضاه اللّه على هذه الأمّة لا محالة كائن
ص: 160
يقتلون خياركم ويستعبدون أراذلكم ويستخرجون كنوزكم وذخائركم من جوف حجالكم نقمة بما ضيعتم من أموركم وصلاح أنفسكم ودينكم.
يا أهل الكوفة أخبركم بما يكون قبل أن يكون لتكونوا منه على حذر ولتنذروا به من اتعظ واعتبر كأني بكم تقولون إن عليا يكذب كما قالت قريش لنبيها وسيدها نبي الرحمة محمد بن عبد اللّه صلى الله عليه و آله حبيب اللّه فيا ويلكم أفعلى من أكذب أعلى اللّه فأنا أول من عبده ووحده أم على رسوله فأنا أول من آمن به وصدقه ونصره كلا واللّه ولكنها لهجة خدعة كنتم عنها أغنياء والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتعلمن نبأه بعد حين وذلك إذا صيركم إليها جهلكم ولا ينفعكم عندها علمكم(1).
قال الفيروزآبادي: العراق من عبادان إلى موصل طولا، ومن القادسيّة إلى حلوان عرضا، سمّيت بها لتواشج عراق النخل، والشجر فيها...(2)
وعن الأصمعي: أنّها معرّبة إيران شهر(3)، وقيل معرّبة إيراف بالفاء ومعناه مغيض الماء لأنّ دجلة والفرات وتامّرا تنصب من نواحي أرمينيّة وبند، من الروم إلى العراق، وبها يقرّ قرارها، وقيل: العراق بمعنى الاستواء، قال: «سياق من ليس له عراق» أي: استواء. والعراق مستوية خالية من جبال تعلو، وأودية تنخفض(4).
وقيل: إنّها بمعنى الشاطئ، والعراق على شاطئ دجلة والفرات(5). وقيل من
ص: 161
عراق المزادة لكون العراق بين الريف والبر(1).
في ما فعلتم في صفين من الحرب حتّى ظهرت لكم آثار الغلبة، ثمّ انخذلتم بخدعة العدو. ثمّ اختلافكم، وخروج فرقة منكم على وليّكم، وإقراركم بالخسف في غارات العدو على بلادكم حتّى صاروا مستولين على بلادكم مضافاً إلى استقلالهم في بلادهم.
أيّام حملها.
أي اسقطت.
بقاؤها بلا قيّم بموت زوجها.
حين موتها لعدم زوج وولد لها. ولمّا أراد معاوية أن يبعث جنداً لأخذ مصر
ص: 162
خطب أهل الشام، وقال: رأيتم كيف صنع اللّه لكم في حربكم هذه على عدوّكم ولقد جاءوكم وهم لا يشكّون أنّهم يستأصلون بيضتكم، ويجوزون بلادكم ما كانوا يرون إلا أنكم في أيديهم، فردهم اللّه بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفاكم مئونتهم، وحاكمتموهم إلى اللّه فحكم لكم عليهم. ثم جمع كلمتنا، وأصلح ذات بيننا، وجعلهم أعداء متفرقين يشهد بعضهم على بعض بالكفر، ويسفك بعضهم دم بعض(1).
وقد أخذ ابن كوجك الورّاق أو أبوه معنى كلامه عليه السلام: «أنتم كالمرأة الحامل» مع أدنى تصرّف، فقال:
وما ذات بعل مات عنها فجاءة *** وقد وجدت حملا دوين الترائب
بأرض نأت عن والديها كليهم *** تعاورها الورّاث من كلّ جانب
فلمّا استبان الحمل منها تنهنهوا*** تراث أبيه الميّت دون الأقارب
قليلاً وقد دبّوا دبيب العقارب *** فجائت بمولود غلام فحوزت
فلمّا غدا للمال ربّا ونافست *** لإعجابها فيه عيون الكواعب
وأصبح مأمولاً يخاف ويرتجى *** جميل المحيا ذا عذار وشارب
اتيح له عبل الذراعين محدر *** جريء على أقرانه غير هائب
فلم يبق منه غير عظم مجزّر *** وجمجمة ليست بذات ذوائب
بأوجع منّي يوم ولّت حدوجهم *** يؤمّ بها الحادون وادي غباغب(2)
هذا، وكان ابن هرمة جالساً على دكان من بني زريق وقال بيتا ثمّ انقطع عليه الرويّ، وبيته:
ص: 163
فإنّك وأطّراحك وصل سعدى *** لاخرى في مودتها نكوب
فمرّت عليه جارية مليحة كان يستحسنها أبدا، ويكلّمها إذا مرّت به فرآها قد ورم وجهها واذناها، فسألها عن خبرها، فقالت: استعار لي أهلي حليّاً لأروح إلى عرس، فثقبوا اذني لألبسه، فورم وجهي واذناي كما ترى.
فردّوه ولم أشهد العرس، فاطّرد لابن هرمة الرويّ فقال:
كثاقبة لحلي مستعار *** باذنيها فشأنهما الثقوب
فردّد حليّ جارتها إليها *** وقد بقيت باذنيها ندوب(1)
فاضطرّ عليه السلام لأمر معاوية أن يأتي من البصرة إلى الكوفة، ولولاه لرجع.
قال ابن أبي الحديد: كان عليه السلام كثيرا ما يخبر عن الملاحم، والكائنات ويومئ إلى أمور أخبره بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيقول المنافقون من أصحابه: يكذب كما كان المنافقون الأولون في حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقولون عنه يكذب.
وإذا تأمّلت أحواله في خلافته كلّها وجدتها هي مختصرة من أحوال النبيّ صلى الله عليه و آله في حياته كأنّها نسخة منتسخة منها في حربه وسلمه، وسيرته وأخلاقه، وكثرة
ص: 164
شكايته من المنافقين(1).
روى (صاحب الغارات) عن الأعمش عن رجاله قال: خطب علي عليه السلامفقال: «واللّه لو أمرتكم فجمعتم من خياركم مئة ثمّ لو شئت لحدّثتكم من غدوة إلى أن تغيب الشمس لا أخبرتكم إلاّ حقّا ثمّ لتخرجن فلتزعمن أني أكذب الناس وأفجرهم».
وروى هو وغيره أنّه عليه السلام قال: «إنّ أمرنا صعب مستصعب لا يحمله إلاّ ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد امتحن اللّه قلبه للإيمان»(2).
وروى المدائني في كتاب صفين قال: خطب عليّ عليه السلام بعد النهروان فذكر طرفا من الملاحم قال: إذا كثرت فيكم الأخلاط، واستولت الأنباط، دنا خراب العراق. ذاك إذا بنيت مدينة ذات أثل وأنهار، فإذا غلت فيها الأسعار، وشيد فيها البنيان، وحكم فيها الفساق، واشتد البلاء، وتفاخر الغوغاء، دنا خسوف البيداء، وطاب الهرب والجلاء، وستكون قبل الجلاء أمور يشيب منها الصغير، ويعطب الكبير، ويخرس الفصيح ويبهت اللبيب، يعاجلون بالسيف صلتا، وقد كانوا قبل ذلك في غضارة من عيشهم يمرحون، فيا لها من مصيبة حينئذ من البلاء العقيم، والبكاء الطويل، والويل والعويل، وشدة الصريخ، ذلك أمر اللّه وهو كائن وفناء سريع.
فيا ابن خيرة الآباء متى تنتظر أبشر بنصر قريب من رب رحيم ألا فويل للمتكبّرين عند حصاد الحاصدين، وقتل الفاسقين، عصاة ذي العرش العظيم فبأبيوأمي من عدة قليلة أسماؤم في الأرض مجهولة قد دنا حينئذ ظهورهم ولو شئت
ص: 165
لأخبرتكم بما يأتي، ويكون من حوادث دهركم، ونوائب زمانكم، وبلايا أيّامكم، وغمرات ساعاتكم، ولكنه أفضيه إلى من أفضيه إليه مخافة عليكم، ونظرا لكم، علما منّي بما هو كائن وما يكون من البلاء الشامل.
ذلك عند تمرّد الأشرار، وطاعة أولي الخسار ذاك أوان الحتف والدمار ذاك أدبار أمركم، وانقطاع أصلكم، وتشتت ألفتكم، وإنّما يكون ذلك عند ظهور العصيان، وانتشار الفسوق حيث يكون الضرب بالسيف أهون على المؤمنين من اكتساب درهم حلال، حين لا تنال المعيشة إلاّ بمعصية اللّه في سمائه، حين تسكرون من غير شراب، وتحلفون من غير اضطرار، وتظلمون من غير منفعة، وتكذبون من غير إحراج، تتفكهون بالفسوق، وتبادرون بالمعصية.
قولكم البهتان، وحديثكم الزور، وأعمالكم الغرور، فعند ذلك لا تأمنون البيات.
فيا له من بيات ما أشدّ ظلمته، ومن صائح ما أفظع صوته، ذلك بيات لا ينمي صاحبه، فعند ذلك تقتلون، وبأنواع البلاء تضربون، وبالسيف تحصدون، وإلى النار تصيرون، ويعضكم البلاء كما يعض الغارب القتب(1).
يا عجبا كلّ العجب بين جمادى ورجب، من جميع أشتات، وحصد نبات، ومن أصوات بعدها أصوات.
ثم قال: سبق القضاء سبق القضاء، قال رجل من أهل البصرة لرجل من أهل الكوفة إلى جانبه: أشهد أنّه كاذب على اللّه ورسوله.
قال الكوفي: وما يدريك؟ قال: فو اللّه ما نزل عليه السلام عن المنبر حتّى فلج الرجل
ص: 166
فحمل إلى منزله في شق محمل فمات من ليلته(1).
وروى المدائني أيضاً: أنّ عليّاً عليه السلام خطب فذكر الملاحم فقال: سلوني قبل أن تفقدوني، أما واللّه لتشغرنّ الفتنة الصمّاء برجلها، وتطافي خطامها، يا لها من فتنة شبّت نارها بالحطب الجزل، مقبلة من شرق الأرض، رافعة ذيلها، داعية ويلها، بدجلة أو حولها، ذاك إذا استدار الفلك، قلتم مات أو هلك، بأيّ واد سلك. فقال قوم تحت منبره: للّه أبوه ما أفصحه كاذبا(2).
وروى المدائني أيضا قال: خطب علي عليه السلام فقال: لو كسرت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم وما من آية في كتاب اللّه أنزلت في سهل أو جبل إلا وأنا عالم متى أنزلت وفيمن أنزلت فقال رجل من القعود تحت منبره: يا للّه وللدعوى الكاذبة وقال آخر إلى جانبه: أشهد أنك أنت اللّه رب العالمين.
قال المدائني: فانظر إلى هذا التناقض والتباين فيه(3).
وروى صاحب (الغارات) عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِاللّه ِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: سَمعتُ عليّاً عليه السلام يَقول على المنبر: مَا أَحَدٌ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي إِلاّ وَقَدْ أَنْزَلَ اللّه ُ فِيهِ قُرْآناً. فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يا أميرالمؤمنن فَمَا أَنْزَلَ اللّه ُ تَعَالَى فِيكَ - يريد تكذيبه - فَقَامَ النَّاسُ يلكزونه في صدره وجنبه. فَقَالَ: دَعُوهُ، أَتَقْرَأُ سُورَةَ هُودٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قالَ أقرأت قوله سبحانه: «أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ»(4).
ص: 167
قال: نعم، قال: صاحب البيّنة محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والتالي الشاهد أنا(1).
وقال المفيد: رَوَى عَبْدُالْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: حَدَّثَنِي مزرع بْنُ عَبْدِاللّه ِ قَالَ: سَمِعْتُ عليّاً عليه السلام يَقُولُ: أم واللّه لَيُقْبِلَنَّ جَيْشٌ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْبَيْدَاءِ(2) خُسِفَ بِهِمْ. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ لَتُحَدِّثُنِي بِالْغَيْبِ؟ قَالَ: احْفَظْ مَا أَقُولُ لَكَ. وَاللّه ِ لَيَكُونَنَّ مَا أَخْبَرَنِي بِهِ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام وَلَيُؤخَذَنَّ رَجُلٌ فَلَيُقْتَلَنَّ وَلَيُصَلَّبَنَّ بَيْنَ شُرْفَتَيْنِ مِنْ شُرَفِ هَذَا الْمَسْجِدِ. قُلْتُ: إِنَّكَ لَتُحَدِّثُنِي بِالْغَيْبِ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: فَمَا أَتَتْ عَلَيْنَا جُمُعَةٌ حَتَّى أُخِذَ مزرع فَقُتِلَ وَصُلِبَ بَيْنَ الشُّرْفَتَيْنِ قَالَ وَقَدْ كَانَ حَدَّثَنِي بِثَالِثَةٍ فَنَسِيتُهَا(3).
وعن الطبراني في (أوسطه) وأبي نعيم في (دلائله) عن زاذان، أنّ عليّاً حدّث بحديث فكذّبه رجل، فقال له عليّ عليه السلام: ادعو عليك إن كنت كاذباً، قال: ادع، فدعا عليه، فلم يبرح حتّى ذهب بصره(4).
ثمّ انّ (ابن أبي الحديد) لم يفد كون أحواله عليه السلام مختصرة من أحوال النبيّ صلى الله عليه و آله بزمان خلافته عليه السلام بل كان كذلك في خلافته، وفي أيّام الثلاثة.
فعاملوه عليه السلام في أيّامهم معاملتهم النبيّ صلى الله عليه و آله في أوّل أمره، وعاملوه في خلافته عليه السلام معاملتهم النبيّ صلى الله عليه و آله بعد اقتداره حتّى أنّهم كما حجروا النبيّ صلى الله عليه و آله عن
ص: 168
الوصيّة، اضطروه عليه السلام إلى أن يخفي قبره مدّة(1).
ثمّ كونه عليه السلام أوّل من آمن باللّه، وصدق رسوله من البديهيّات، كادّعاء النبيّ صلى الله عليه و آله النبوّة، ومع ذلك شكك اخواننا فيه كما شككوا في يوم الغدير مع كونه من المتواترات كما التزموا في دينهم بالمتناقضات.
عن سلمان رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: أوّلكم وارداً على الحوض أوّلكم اسلاماً عليّ بن أبي طالب(2).
عن ابن عبّاس (قال): إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال: إنّ أوّل من صلّى معي عليّ(3).
قال عليّ عليه السلام: أنا عبداللّه وأخو رسول اللّه وأنا الصدّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كاذب مفتر، ولقد صلّيت مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله قبل الناس بسبع سنين وأنا أوّل من صلّى معه(4).
ومن خطبة للإمام الحسن السبط عليه السلام في مجلس معاوية: أنشدكم اللّه هل تعلمون أنّه أوّل الناس إيمانا(5).
عن أنس قال: نبّئ النبيّ صلى الله عليه و آله يوم الاثنين وأسلم عليّ يوم الثلاثاء(6)
عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَقُولُ: كُفُّوا عَنْ ذِكْرِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه و آله يَقُولُ: فِي عَلِيٍّ ثَلاثُ خِصَالٍ
ص: 169
وَدِدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ فَوَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ كُنْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَنَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله إِذْ ضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله عَلَى كَتِفِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ أَنْتَ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ إِسْلاماً وَأَنْتَ أَوَّلُ الْمُؤمِنِينَ إِيمَاناً وَأَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى(1).
عن عليّ عليه السلام: لقد صلّيت قبل أن يصلّي الناس سبعاً(2).
قال المأمون: يا اسحاق! أيّ الأعمال كانت أفضل يوم بَعث اللّه رسوله؟ قلت: الإخلاص بالشهادة.
قال: أليس السبق إلى الإسلام؟ قلت: نعم، قال: أقرأ ذلك في كتاب اللّه تعالى يقول: «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ» إنّما عنى من سبق إلى الإسلام، فهل علمت أحداً سبق عليّاً إلى الإسلام؟ قلت: إنّ عليّاً أسلم وهو حديث السن لا يجوز عليه الحكم، وأبوبكر أسلم وهو مستكمل يجوز عليه الحكم، قال: أخبرني أيّهما أسلم قبل؟ ثمّ أناظرك من بعده في الحداثة والكمال. قلت: عليّ أسلم قبل أبي بكر على هذه الشريطة. فقال: نعم، فأخبرني عن إسلام عليّ حين أسلم لا يخلو من أن يكون رسول اللّه صلى الله عليه و آله دعاه إلى الإسلام أو يكون إلهاماً من اللّه؟ قال: فاطرقت. فقال لي: يا إسحاق، لا تقل إلهاماً فتُقدّمه على رسول اللّه صلى الله عليه و آله، لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يعرف الإسلام حتّى أتاه جبريل عن اللّه تعالى. قلت: أجل، بل دعاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى الإسلام. قال: يا إسحاق، فهل يخلو رسول اللّه صلى الله عليه و آله حين دعاه إلى الإسلام من أن يكون دعاه بأمر اللّه أو تكلّف ذلك من نفسه؟ قال: فأطرقت.
ص: 170
فقال: يا إسحاق، لا تنسب رسول اللّه إلى التكلّف، فإنّ اللّه يقول: «وما أنا من المتكلّفين» قلت: أجل، بل دعاه بأمر اللّه. قال: فهل من صفة الجبّار جلّ ذكره أن يُكلّف رسله دعاء من لا يجوز عليه حُكم؟ قلت: أعوذ باللّه! فقال: أفتراه في قياس قولك يا إسحاق؟ إنّ عليّاً أسلم صبيّاً لا يجوز عليه الحكم قد تكلّف رسول اللّه صلى الله عليه و آلهمن دعاء الصبيان ما لا يطيقون، فهل يدعوهم الساعة ويرتدون بعد ساعة، فلا يجب عليهم في ارتدادهم شيء ولا يجوز عليهم حكم الرسول عليه السلام؟ أترى هذا جائزاً عندك أن تنسبه إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله؟! قلت: أعوذ باللّه - الحديث -(1) .
وقال أبو جعفر الإسكافي المعتزلي المتوفى 240 في رسالته: قد روى الناس كافة إفتخار عليّ عليه السلام بالسبق إلى الاسلام، وإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله استنبئ يوم الاثنين وأسلم عليّ يوم الثلاثاء وإنّه كان يقول: صلّيت قبل الناس سبع سنين وإنّها ما زال يقول: أنا أوّل من أسلم ويفتخر بذلك ويفتخر به أولياؤه ومادحوه وشيعته في عصره وبعد وفاته والأمر في ذلك أشهر من كلّ شهير، وقد قدمنا منه طرفاً وما علمنا أحداً من الناس فيما خلا استخفّ بإسلام عليّ عليه السلام ولا تهاون به، ولا زعم أنّه أسلم إسلام حدث غرير وطفل صغير، ومن العجب أن يكون مثل العبّاس وحمزة ينتظران أبا طالب وفعله ليصدوا عن رأيه، ثمّ يخالفه عليّ ابنه لغير رغبة ولا رهبة...(2)
قال تعالى: «وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً»(3).
وقال تعالى: «إِنِّي عَبْدُ اللّه ِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً»(4).
ص: 171
قال النبيّ صلى الله عليه و آله يوم الدار: وقد جمع بني عبد المطلب خاصة فيها للإنذار من يؤزرني على هذا الأمر يكن أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي فقام إليه أميرالمؤنين علي عليه السلام من بين جماعتهم وهو أصغرهم يومئذ سنا فقال أنا أؤزرك يا رسول اللّه فقال له النبي صلى الله عليه و آله اجلس فأنت أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي(1).
أي: إذا وقع ما أخبرتكم به تعلمون صدقي.
روى الصدوق مسنداً عن هرثمة بن مسلم قال: غزونا مع علي بن أبي طالب عليه السلامصفّين فلمّا انصرفنا نزل كربلاء فصلى بها الغداة ثمّ رفع إليه من تربتها فشمّها ثم قال: واها لك أيتها التربة ليحشرنّ منك قوم يدخلون الجنّة بغير حساب.
فلمّا رجعت أخبرت زوجتي وكانت شيعة لعلي عليه السلام فقالت: إنّ أميرالمؤمنين عليه السلام لم يقل إلاّ حقّاً.
فلمّا قدم الحسين عليه السلامكنت في البعث الذين بعثهم عبيداللّه بن زياد فلما رأيت المنزل والشجر ذكرت الحديث. فجلست على بعيري، ثمّ صرت إلى الحسين عليه السلام فسلّمت عليه فأخبرته بما سمعت من أبيه في ذلك المنزل الذي نزل به الحسين عليه السلام فقال: معنا أنت أو علينا؟ فقلت: لا معك ولا عليك خلّفت صبية أخاف عليهم عبيداللّه بن زياد فقال: فامض حيث لا ترى لنا مقتلا، ولا تسمع لنا صوتا فو الذي
ص: 172
نفس الحسين بيده لا يسمع اليوم واعيتنا أحد فلا يعيننا إلاّ أكبّه اللّه لوجهه في جهنم(1).
وقد أخبر عليه السلام بالنساء العاريات اللاتي ظهرن في عصرنا.
روى الأصبغ عن أميرالمؤمنين عليه السلام في آخر الزمان واقتراب الساعة وهو شرّ الأزمنة نسوة كاشفات عاريات، متبرّجات (خارجت) من الدين، داخلات في الفتن، مائلات إلى الشهوات، مسرعات إلى اللذات، مستحلاّت للمحرّمات، في جهنّم خالدات(2).
ص: 173
بسم الله الرحمن الرحیم
اللَّهُمَّ دَاحِيَ الْمَدْحُوَّاتِ وَدَاعِمَ الْمَسْمُوكَاتِ وَجَابِلَ الْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَتِهَا شَقِيِّهَا وَسَعِيدِهَا اجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ وَنَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ الْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ وَالْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ وَالْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ وَالدَّافِعِ جَيْشَاتِ الْأَبَاطِيلِ وَالدَّامِغِ صَوْلاتِ الْأَضَالِيلِ كَمَا حُمِّلَ فَاضْطَلَعَ قَائِماً بِأَمْرِكَ مُسْتَوْفِزاً فِي مَرْضَاتِكَ غَيْرَ نَاكِلٍ عَنْ قُدُمٍ وَلا وَاهٍ فِي عَزْمٍ وَاعِياً لِوَحْيِكَ حَافِظاً لِعَهْدِكَ مَاضِياً عَلَى نَفَاذِ أَمْرِكَ حَتَّى أَوْرَى قَبَسَ الْقَابِسِ وَأَضَاءَ الطَّرِيقَ لِلْخَابِطِ وَهُدِيَتْ بِهِ الْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ الْفِتَنِ وَالاْثَامِ وَأَقَامَ بِمُوضِحَاتِ الْأَعْلامِ وَنَيِّرَاتِ الْأَحْكَامِ فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ وَخَازِنُ عِلْمِكَ الْمَخْزُونِ وَشَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ وَبَعِيثُكَ بِالْحَقِّ وَرَسُولُكَ إِلَى الْخَلْقِ اللَّهُمَّ افْسَحْ لَهُ مَفْسَحاً فِي ظِلِّكَ وَاجْزِهِ مُضَاعَفَاتِ الْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ اللَّهُمَّ وَأَعْلِ عَلَى بِنَاءِ الْبَانِينَ بِنَاءَهُ وَأَكْرِمْ لَدَيْكَ مَنْزِلَتَهُ وَأَتْمِمْ لَهُ نُورَهُ وَاجْزِهِ مِنِ ابْتِعَاثِكَ لَهُ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ مَرْضِيَّ الْمَقَالَةِ ذَا مَنْطِقٍ عَدْلٍ وَخُطَّةٍ فَصْلٍ اللَّهُمَّ اجْمَعْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي بَرْدِ الْعَيْشِ
ص: 174
وَقَرَارِ النِّعْمَةِ وَمُنَى الشَّهَوَاتِ وَأَهْوَاءِ اللَّذَّاتِ وَرَخَاءِ الدَّعَةِ وَمُنْتَهَى الطُّمَأْنِينَةِ وَتُحَفِ الْكَرَامَةِ
عن أبي سلام الكندي قال: كان عليّ عليه السلام يعلّمنا الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله(1) هكذا.
قد روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله نفسه تعليم الصلاة عليه صلّى اللّه عليه وآله أيضاً.
روى الخطيب في إسماعيل بن زكريا مسنداً عنه من الأعمش ومسعر ابن كلام ومالك بن مغول، كلّهم عن الحكم بن عتيبة عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجر عن النبيّ صلى الله عليه و آله في الصلاة عليه: اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم، إنّك حميد مجيد. اللهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم، إنّك حميد مجيد(2).
وروى في يوسف بن نفس عن عليّ عليه السلام قال: قالوا: يا رسول اللّه كيف نصلّي عليك؟ قال: قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم، إنّك حميد مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد(3).
وروى في الحسين بن نصر باسناده عنه باسناده عن بريدة الخزاعي، قال: قلنا:
ص: 175
يا رسول اللّه قد علمنا كيف السلام عليك، فكيف الصلاة عليك، قال: قولوا: اللهمّ اجعل صلاتك ورحمتك على محمّد وآل محمّد كما جعلتها على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد(1).
وروى ابن المغيرة عن أبي الحسن عليه السلام قال: ومن سرّ آل محمّد عليهم السلام في الصلاة على النبيّ وآله: اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد في الأوّلين، وصلّ على محمّد وآل محمّد في الآخرين، وصلّ على محمّد وآل محمّد في الملأ الأعلى، وصلّ على محمّد وآل محمّد في المرسلين. اللهمّ اعط محمّداً الوسيلة والشرف والفضيلة، والدرجة الكبيرة. اللهمّ إنّي آمنت بمحمّد صلّى اللّه عليه وآله ولم أره - الحديث(2).
قوله عليه السلام: «اللهمّ داحي المدحوات» مأخوذ من قوله تعالى: «وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا»(3).
وقال تعالى: «وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ»(4).
وقال تعالى: «وَاللّه ُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطاً»(5).
وقال تعالى : «الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً»(6).
ص: 176
وفي حديث عليّ عليه السلام: اللهمّ داحي المدحوّات المدحوّات: الأرضون. وروي: المدحيّات(1).
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم: سمّيت مكّة أمّ القرى لأنّها أوّل بقعة خلقها اللّه من الأرض لقوله: «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً»(2).
سأل الشامي أميرالمؤمنين عليه السلام: لِمَ سمّيت مكّة أمّ القرى؟ قال عليه السلام: لأنّ الأرض دحيت من تحتها.
وسأل عن أوّل بقعة بسطت من الأرض أيّام الطوفان؟ فقال له: موضع الكعبة وكانت زبرجدة خضراء(3).
بيان: لعلّ المراد بأيّام الطوفان أيّام تموج الماء واضطرابه قبل خلق الأرض(4).
سُئل أميرالمؤمنين عليه السلام لِمَ سمّيت مكّة؟ قال: لأنّ اللّه مكّ الأرض من تحتها أي دحاها(5).
عن ابن سنان عن الرضا عليه السلام علّة وضع البيت وسط الأرض أنّه الموضع الذي من تحته دُحيت الأرض الحديث(6).
عن أبي حمزة الثمالي قال: قال أبو جعفر عليه السلام: إنّ اللّه خلق البيت قبل الأرض ثمّخلق اللّه الأرض من بعده فدحاها من تحته(7).
ص: 177
أي رافع.
أي: المرتفعات، والمراد بالمسموكات: السماوات، كما أنّ المراد بالمدحوّات: الأرضون، قال تعالى: «أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا»(1).
والمراد بدعمها: رفعها بقوى هي كالعماد، قال تعالى: «... رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا...»(2).
وقال تعالى : «إِنَّ اللّه َ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً»(3).
قال تعالى: «فِطْرَةَاللّه ِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّه ِ»(4).
وقال تعالى: «فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ»(5).
وقال تعالى: «قَالُوا لَنْ نُؤثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا»(6).
وقال تعالى: «وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»(7).
وقال تعالى: «قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ»(8).
ص: 178
وقال تعالى: «إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ»(1).
عن النبيّ صلى الله عليه و آله: كلّ مولود يولد على الفطرة حتّى يكون أبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه(2).
قال تعالى: «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا»(3).
وقال تعالى: «إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً»(4).
زاد الحسن بن عرفة في روايته على شقيّها وسعيدها: «وغويّها ورشيدها»(5).
اجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ وَنَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ قال تعالى: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِالْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا»(6).
وقال تعالى: «فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى»(7).
قال تعالى: «الْحَمْدُ للّه ِِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً»(8).
وقال تعالى: «وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ»(9).
ص: 179
ظاهر كون العبوديّة جهة لاستحقاق الرحمة واعلم انّ معرفة حقيقة العبوديّة اضيق مجالاً وارفع منالاً وأبعد غوراً وقد كشف الإمام الناطق ذو الزمام السابق أبو عبداللّه جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام عن حقيقتها فقال عليه السلام : العبوديّة جوهرة كنهها الربوبيّة فما فقد من العبوديّة وجد في الربوبيّة وما خفى عن الربوبيّة اصيب في العبوديّة، قال اللّه عزّ وجلّ: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الاْفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ»(1) أي موجود في غيبتك وفي حضرتك وتفسير العبوديّة بذل الكل (الكلّيّة) وسبب ذلك منع النفس عمّا تهوى وحملها على ما تكره ومفتاح ذلك ترك الراحة وحبّ العزلة وطريقه الافتقار إلى اللّه قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: اعبد اللّه كأنّك تراه فان لم تكن تره فانّه يراك وحروف العبد ثلاثة ع ب د فالعين علم باللّه والباء بونه عمّن سواه والدال دنوّه من اللّه بلا كيف ولا حجاب(2).
واصول المعاملات تقع على أربعة أوجه معاملة اللّه ومعاملة النفس ومعاملة الخلق ومعاملة الدنيا وكلّ وجه منها منقسم على سبعة أركان امّا أصول معاملة اللّه فسبعة أشياء: أداء حقّه وحفظ حدّه وشكر عطائه والرضا بقضائه والصبر على بلائه وتعظيم حرمته والشوق إليه. وأُصول معاملة النفس سبعة: الجهد والخوف وحمل الأذى والرياضة وطلب الصدق والاخلاص واخراجها من محبوبها وربطها في الفقر. وأُصول معاملة الخلق سبعة: الحلم والعفو والتواضع والسخاء والشفقة والنصح والعدل والانصاف. وأُصول معاملة الدنيا سبعة: الرضا بالدون والإيثار بالموجود وترك طلب المفقود والكثرة واختيار الزهد ومعرفة آفاتها
ص: 180
ورفض شهواتها مع رفض الرياسة فاذا حصلت هذه الخصال بحقّها في نفسها فهو من خاصّة اللّه وعباده المتّقين وأوليائه حقّا(1).
قال الصادق عليه السلام: وحروف العبد ثلاثة: العين، والباء والدال، فالعين علمه باللّه تعالى، والباء بونه عمّا سواة، والدال دنوه من اللّه بلا كيف ولا حجاب(2).
يعي أنّ العبد لا يكون كامل العبوديّة إلاّ إذا كان عارفاً باللّه سبحانه قريباً منه بالقرب المعنوي وبايناً من الخلق بأن يكون فيهم ولا يكون منهم، وذلك مستلزم لاستغراقه في طاعة معبوده إذ لولاه لما حصل التقرّب ولا يتحصّل معنى العبوديّة. ومن هنا قيل: إنّ حقيقة العبوديّة عنوان ثلاثة أشياء: أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوّله اللّه إليه ملكا لأنّ العبيد لا يكون لهم ملك يرون المال مال اللّه يضعونه حيث أمرهم اللّه، ولا يدبّر العبد لنفسه تدبيرا، ويكون جملة اشتغاله فيما أمره اللّه تعالى به ونهاه عنه، فإذا لم ير العبد لنفسه فيما خوّله اللّه تعالى ملكا هان عليه الإنفاق وإذا فوض العبد نفسه على مدبّرها هانت عليه مصائب الدنيا وإذا اشتغل العبد بما أمره اللّه تعالى ونهاه لا يتفرّغ منهما إلى المراء والمباهاة مع الناس.
فإذا أكرم اللّه العبد بهذه الثلاث هانت عليه الدنيا ولا يطلب الدنيا تكاثرا وتفاخراً ولا يطلب عند الناس عزّا وعلوّا ولا يدع أيامّه باطلة(3).
فيكون تاركاً لدنياه وفارغاً لطاعة مولاه، فاذا وصل العبد إلى هذا المقام انكشفت له الحجابات الغيبيّة وأدركته الألطاف الربّانيّة، وتحصّل له معنى العبوديّة«وهي ظ» جوهرة كنهها الربوبيّة، ويصير مظهراً لصفات الكمال ومصدراً لنعوت الجلال.
ص: 181
وإلى هذا المعنى ينظر الحديث القدسي: إنّ عبدي ليتقرّب إليّ بالنافلة حتّى احبّه فاذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته(1).
ولمّا كان هذا المعنى غاية الكمال وصف اللّه سبحانه جملة من أوليائه المقرّبين في كتابه المجيد بذلك فقال: سُبْحَانَ
الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ»(2) وقال: «عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا»(3) وقال: نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ»(4) إلى غير هذا.
في بعض مناجاة أميرالمؤمنين عليه السلام لربّه: كفى بي عزّاً أن تكون لي ربّاً وكفى بي فخراً أن أكون لك عبداً(5).
من الأنبياء عليهم السلام.
قال تعالى: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ»(1).
وقال تعالى: «مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللّه ِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ»(2).
من البلايا، قال تعالى: «وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ»(3).
وقال تعالى: «فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ»(1).
وقال تعالى: «لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ»(2).
وقال تعالى: «وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً»(3).
دمغ، أي: شجّ حتّى بلغت الشجّة الدماغ.
وفي رواية ابن عرفة: «هيشات الأضاليل»(4). هاش هيشا، أي: تحرّك وماج، وهو أقرب لفظا.
عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام، عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال: إنّ اللّه اختار من الأنبياء أربعة للسيف إبراهيم وداود وموسى وأنا(5).
وكيف يكون واهياً في عزم وهو أشرف أولي العزم من الرسل، وطلب منه قريش أن يصرف عن عزمه، ويملّكوه عليهم، فقال: لو قدروا أن يجعلوا الشمس
ص: 184
في يميني والقمر في يساري ما صرفت عن عزمي(1).
لا كادم عليه السلام، حيث قال تعالى فيه: «وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً»(2).
حتّى قال: أوّل ربا أضعه من ربا الجاهليّة ربا عمّي العبّاس، وأوّل دم أبطله دم ابن عمّي ربيعة(3).
ولمّا استشفع قريش إليه في ترك قطع يد مخزوميّة سرقت بأسامة لكونه حبّه، قال له: أتشفع في حدّ من حدود اللّه لا شفاعة في حدّ(4).
في ما أتي به من السنن، وفي باب صيام ثلاثة أيّام روى عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال: عرضت عليّ أعمال أُمّتي فوجدت في أكثرها خللا ونقصاناً، فجعلت في كلّ فريضة مثليها نافلة، ليكون من أتى بذلك قد حصلت له الفريضة، لأنّ اللّه تعالى يستحيي أن يعمل له العبد عملاً فلا يقبل منه الثلث، ففرض اللّه تعالى الصلاة في كلّ
ص: 185
يوم وليلة سبع عشرة ركعة، وسنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أربعاً وثلاثين ركعة، وفرض اللّه صيام شهر رمضان في كلّ سنة، وسنّ النبيّ صلى الله عليه و آله صيام ستّين يوماً في السنة...(1) ومراده من صوم ستّين: صوم شعبان، وصيام ثلاثة في كلّ عشرة أشهر أخرى.
قال تعالى فيه: «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى»(2).
كان صلى الله عليه و آله مشتهراً بمحمّد الأمين، ولمّا تشاحّت قريش في وضع الحجر عند بنائهم البيت، وكان عبدالدار، وعدي من قريش ملئوا جفنة دما وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم وتعاقدوا على الموت فسمّوا: لعقة الدم، ومكثوا أربع ليال على ذلك في التصدّي لوضع الحجر، فأصلح بينهم أبو أميّة بن المغيرة بحكميّة أوّل داخل، فكان النبيّ أوّل داخل، فلمّا رأوه قالوا: قد رضينا بك يا محمّد الأمين، فأمر بثوب فبسط ووضع الحجر، ثمّ أمر كلّ فخذ أن يأخذ جانباً، فرفعوه وأخذه النبيّ صلى الله عليه و آله ووضعه(3).
قال تعالى: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاَتِ رَبِّهِم»(4).
ص: 186
عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: مِنْ مَخْزُونِ عِلْمِ اللّه ِ الاْءِتْمَامُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ حَرَمِ اللّه ِ عزّ وجلّ وَحَرَمِ رَسُولِهِ صلى الله عليه و آله وَحَرَمِ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلام وَحَرَمِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهماالسلام(1).
روى سدير قال: سمعت حمران بن أعين يسأل عن أبي جعفر عليه السلام ويقول أرأيت قوله: «عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً»، فقال له أبو جعفر عليه السلام: «إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً» وكان واللّه محمّد ممّن ارتضى وأما قوله: «عالِمُ الْغَيْبِ» فإن اللّه تبارك وتعالى عالم بما غاب عن خلقه ممّا يقدر من شيء ويقضيه في علمه فذلك يا حمران علم موقوف عنده إليه فيه المشية فيقضيه إذا أراد ويبدو له فيه فلا يمضيه، فأمّا العلم الذي يقدره اللّه ويمضيه فهو العلم الذي انتهى إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثم إلينا(2).
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: إِنَّ للّه ِِ عِلْمَيْنِ عِلْمٌ مَكْنُونٌ مَخْزُونٌ لا يَعْلَمُهُ إِلاّ هُوَ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ الْبَدَاءُ وَعِلْمٌ عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ وَرُسُلَهُ وَأَنْبِيَاءَهُ فَنَحْنُ نَعْلَمُهُ(3).
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: إِنَّ للّه ِِ عِلْماً عَامّاً وَعِلْماً خَاصّاً فَأَمَّا الْخَاصُّ فَالَّذِي لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَأَمَّا عِلْمُهُ الْعَامُّ الَّذِي اطَّلَعَتْ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَالْأَنْبِيَاءُ الْمُرْسَلُونَ فَقَدْ دَفَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ إِلَيْنَا ثُمَّ قَالَ: أَمَا تَقْرَأُ: «عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا
ص: 187
تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ»(1).(2)
عَنْ ضُرَيْسٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ صلى الله عليه و آله قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ للّه ِِ عِلْمَيْنِ عِلْمٌ مَبْذُولٌ وَعِلْمٌ مَكْفُوفٌ فَأَمَّا الْمَبْذُولُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ يَعْلَمُهُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّسُلُ إِلاّ وَنَحْنُ نَعْلَمُهُ وَأَمَّا الْمَكْفُوفُ فَهُوَ الَّذِي عِنْدَهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ إِذَا خَرَجَ نَفَذَ(3).
عن أبي بصير قال: قَالَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام: إِنَّ للّه ِِ عِلْمَيْنِ عِلْمٌ عِنْدَهُ لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ وَعِلْمٌ نَبَذَهُ إِلَى مَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ فَمَا نَبَذَهُ إِلَى مَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ فَقَدِ انْتَهَى إِلَيْنَا(4).
عن فضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن للّه علما لا يعلمه غيره وعلما قد أعلمه ملائكته وأنبياءه ورسله فنحن نعلمه ثم أشار بيده إلى صدره(5).
أي: يوم القيامة قال تعالى: «وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤلاَءِ»(6).
وقال تعالى : «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً»(7).
ص: 188
وقال تعالى : «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤلاَءِشَهِيداً»(1).
قال الطبرسي في تفسير هذه الآية إنّ اللّه يستشهد يوم القيامة كلّ نبيّ على امّته فيشهد لهم وعليهم ويستشهد نبيّنا على امّته(2).
وقال تعالى : «لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ»(3).
وقال تعالى : «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً»(4).
وقال تعالى : «إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ»(5).
وفي الأخبار ما يدلّ على أنّ حجّة كلّ زمان شهيد على أهل ذلك الزمان ونبيّنا صلّى اللّه عليه وآله شهيد على الشهداء(6).
عن زر بن حبيش، عن أميرالمؤمنين عليه السلام قال: الأوصياء هم أصحاب الصراط وقوفاً عليه، لا يدخل الجنة إلاّ من عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار إلاّ من أنكرهم وأنكروه، لأنّهم عرفاء اللّه عزّ وجلّ عرفهم عليهم عند أخذ المواثيق عليهم، ووصفهم في كتابه فقال جلّ وعزّ: «وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاً بِسِيماهُمْ»(7)
وهم الشهداء على أوليائهم، والنبي صلى الله عليه و آله الشهيد عليهم، أخذ لهم مواثيق العبادبالطاعة، وأخذ للنّبيّ صلى الله عليه و آله الميثاق بالطاعة، فجرت نبوّته عليهم، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ: «فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤلاءِ شَهِيداً»(8).(9)
ص: 189
عن أبي معمّر السعدي قال: قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام في صفة يوم القيامة يجتمعون في موطن يستنطق فيه جميع الخلق فلا يتكلّم أحد إلاّ من أذن له الرحمن وقال صوابا، فيقام الرسل فيسأل(1).
وعن سماعة قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ: «فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤلاءِ شَهِيداً» قال: نزلت في أُمّة محمّد صلى الله عليه و آله خاصّة في كلّ قرن منهم إمام منّا شاهد عليهم ومحمّد صلى الله عليه و آله شاهد علينا(2).
قال المجلسي: يمكن أن يكون المراد تخصيص الشاهد والمشهود عليهم جميعاً بهذه الأُمّة فيكون المراد بكلّ أمّة في الآية كلّ قرن من تلك الامة واحد من الأئمّة عليهم السلام شاهداً على من في عصرهم من هذه الأُمّة وعلى جميع من مضى من الأُمم، والأوّل أظهر لفظاً والثاني معناً وإن كان بحسب اللفظ يحتاج إلى تكلّفات(3).
يدلّ على الوجه الأوّل ما عن أبي جعفر عليه السلام في تفسير الآية الثانية (وكذلك جعلناكم امّة...) قال: منّا شهيد على كلّ زمان عليّ بن أبي طالب في زمانه والحسن في زمانه والحسين في زمانه وكلّ من يدعو منّا إلى أمر اللّه (4).
وعلى الثاني ما عن بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول اللّه تبارك وتعالى: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً»(5) قال: نحن أُمّة الوسط ونحن شهداء اللّه على
ص: 190
خلقه وحجّته في أرضه(1).
وما عن سليم بن قيس، عن أميرالمؤمنين عليه السلام قال: إنّ اللّه طهّرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه وحجّته في أرضه وجعلنا مع القرآن وجعل القرآن معنا لا نفارقه ولا يفارقنا(2).
وعلى هذا فمعنى كونهم شهيداً أنّهم عليهم السلام يشهدون على الأنبياء أنّ اللّه أرسلهم ويشهدون للأنبياء أنّهم بلغوا رسالات ربّهم ويشهدون لمن أجابهم وأطاعهم باجابته واطاعته وعلى من خالفهم وعصاهم بمخالفته وعصيانه ويشهدون على محمّد أنّ اللّه أرسله ويشهدون له أنّه بلغ ما أمر بتبليغه وعلى أُمّته ولهم كذلك ويشهد رسول اللّه عليهم بما حملهم من أمر الخلافة ولهم بما أدّوا ما حملوا ولمن أجاب بما أجاب ولمن عصى بالعصيان هذا.
وغير خفيّ على الفطن العارف أنّ الشهادة لما كانت مشروطة بالعلم واليقين ومن ذلك أنّ رسول اللّه أرى للشاهد الشمس وقال على مثل هذا فاشهد أودع(3)، فاللازم من كونهم صلوات اللّه عليهم شهداء على الناس أن يكونوا عالمين بأعمال الناس غير غائبين عنها، ويستفاد ذلك من الأخبار وهي على قسمين:
أحدهما: ما دلّت على أنّه سبحانه أعطى الإمام عموداً من نور يرى فيه أعمال الخلايق كرؤية الشخص في المرآت وأنّ الدنيا بأسرها وما فيها عند الإمام كالدرهم في يد أحدكم يقلّبه كيف شاء .
ص: 191
فمن ذلك ما عن معاوية بن حكيم عن أبي داود المسترق عن محمّد بن مروان عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: إنّ الإمام يسمع الصوت في بطن أُمّه فاذا بلغ أربعة أشهر كتب على عضده الأيمن: «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ»(1) فاذا وضعته أُمّه سطع له نور ما بين السماء والأرض فاذا درج رفع له عمود من نور يرى ما بين المشرق والمغرب(2).
وما عن يونس بن ظبيان عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: إنّ الإمام يسمع في بطن أُمّه فإذا وُلد خُطّ على منكبه خطّ ثمّ قال هكذا بيده وذلك قول اللّه تبارك وتعالى: «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»(3) فإذا قام بالأمر جعل اللّه له في كلّ قرية عموداً من نور يبصر به ما يعمل أهلها فيها(4).
وعن محمّد بن الفضيل عن بعض رجاله عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: الإمام يسمع في بطن أُمّه فاذا سقط إلى الأرض نصب له عمود في بلاده وهو يرى ما في غيرها(5) .
وعن محمّد بن مروان قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: إنّ الإمام يسمع في بطن أُمّه فاذا ولد خط بين كتفيه: «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ»(6)فإذا صار الأمر إليه جعل اللّه له عموداً من نور يبصر به ما يعمل به أهل كلّ بلدة(7).
ص: 192
وعن إسحاق القمّي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما قدر الإمام؟ قال: يسمع في بطن أُمّه فإذا وصل إلى الأرض كان على منكبه الأيمن مكتوباً: «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»(1) ثمّ يبعث أيضاً له عموداً من نور من تحت بطنان العرش إلى الأرض يرى فيه أعمال الخلايق كلّها، ثمّ ينشعب له عمود آخر من عند اللّه إلى اذن الإمام كلّما احتاج إلى مزيد افرغ فيه افراغا(2).
والعمود الآخر ما اشير إليه في رواية صالح بن سهل عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: كنت جالساً عنده فقال لي ابتداء منه: يا صالح بن سهل إنّ اللّه جعل بينه وبين الرسول رسولاً ولم يجعل بينه وبين الإمام رسولاً، قال: قلت: وكيف ذاك؟ قال: جعل بينه وبين الإمام عموداً من نور ينظر اللّه به إلى الإمام وينظر الإمام به إليه
فإذا أراد علم شيء نظر في ذلك النور فعرفه(3).
قال المحدّث المجلسي: نظر اللّه تعالى إليه كناية عن إفاضاته عليه ونظره إليه تعالى كناية عن غاية عرفانه(4).
والقسم الثاني من الأخبار ما دلّت على عرض أعمال العباد على النبيّ صلى الله عليه و آله وعلى الأئمّة عليهم السلام وإلى ذلك اشير في الكتاب العزيز:
قال تعالى: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّه ُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»(5).
عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: ما من مؤمن يموت أو
ص: 193
كافر يوضع في قبره حتّى يعرض عمله على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعلى أميرالمؤمنين عليه السلام
وهلمّ جرّا إلى آخر ما فرض اللّه طاعته فذلك قوله: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّه ُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤمِنُونَ»(1) (2)
وعنه عليه السلام: إنّ أعمال العباد يعرض على رسول اللّه كلّ صباح أبرارها وفجّارها فاحذروا فليستحي أحدكم أن يعرض على نبيّه العمل القبيح(3).
وعن معلّى بن خنيس عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه تعالى: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّه ُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤمِنُونَ»(4) قال: هو رسول اللّه والأئمّة تعرض عليهم أعمال العباد كلّ خميس(5).
وعن محمّد بن مسلم وزرارة قالا: سألنا أبا عبداللّه عليه السلام عن الأعمال تعرض على رسول اللّه؟ قال: ما فيه شكّ، ثمّ تلا هذه الآية: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّه ُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤمِنُونَ»(6) قال: إنّ للّه شهداء في أرضه(7).
وعن ابن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأصحابه: حياتي خير لكم ومماتي خير لكم، قالوا: أمّا حياتك يا رسول اللّه فقد عرفناه، فما في وفاتك؟ قال: أمّا حياتي فانّ اللّه يقول: «وَمَا كَانَ اللّه
ص: 194
ُلِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّه ُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ»(1)، وأمّا وفاتي فتعرض عليّ أعمالكم فأستغفر لكم(2).
وعن داود الرقي قال: دخلت على أبي عبداللّه عليه السلام فقال: يا داود أعمالكم عرضت عليّ يوم الخميس فرأيت لك فيها شيئاً فرحني وذلك صلتك لابن عمّك أما أنّه سيمحق أجله ولا ينقص رزقك، قال داود: وكان لي ابن عمّ ناصب كثير العيال محتاج، فلمّا خرجت إلى مكّة أمرت له بصلة، فلمّا دخلت على أبي عبداللّه عليه السلام أخبرني بهذا(3).
وقد تحصّل ممّا ذكرنا كلّه اطّلاع النبيّ واطّلاع الأئمّة على جميع أفعال الناس وأعمالهم من خير أو شرّ وأنّه لا تفاوت في ذلك بين حالتي الموت والحياة.
قال تعالى : «إِنَّاأَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ»(4).
وقال تعالى : «إِنَّاأَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ»(5).
وقال تعالى : «تِلْكَ آيَاتُ اللّه ِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ»(6).
وقال تعالى : «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ»(7).
ص: 195
وقال تعالى : «مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللّه ِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ»(1).
وقال تعالى : «يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ»(2).
وقال تعالى : «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً»(3).
وقال تعالى : «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ»(4).
وقال تعالى : «قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّه ِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»(5).
قال الصادق عليه السلام في قوله تعالى: «وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا»(6) برسول اللّه صلى الله عليه و آله أنقذوا(7).
قال تعالى : «وَمَا اَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً»(8).
الظل إمّا استعارة للجود والافضال.
قال تعالى : «وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى *
ص: 196
وَلَلآْخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى»(1).
ويحتمل أن يكون المراد معناه الحقيقي كما في قال تعالى : «وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ»(2).
قال في مجمع البيان: أي دائم لا تنسخه الشمس فهو باق لا يزول، وقد ورد في الخبر أنّ في الجنّة شجرة يسير الراكب في ظلّها مائة سنة لا يقطعها، وروى أيضاً أنّ أوقات الجنّة كغدوات الصيف لا يكون فيها حرّ ولا برد(3).
قال تعالى : «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ»(4).
قال تعالى : «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»(5).
وقال تعالى : «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّه ِ الاْءِسْلاَمُ»(6).
وقال تعالى : «يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللّه ِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللّه ُ مُتِمُّ نُورِهِ»(7).
وروى عن النبيّ صلى الله عليه و آله: إنّما مثلي ومثل الأنبياء قبلي كرجل بنى داراً فأكملها
ص: 197
وأحسنها إلاّ موضع لبنة، فجعل الناس يدخلونها ويعجبون بها، ويقولون: هلاّ وضعت هذه اللبنة. فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيّين(1).
قال تعالى : «عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً»(2).
وقال تعالى : «وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً»(3).
في الدعاء: «وابعثه المقام المحمود»(4).
وعنه صلى الله عليه و آله: لواء الحمد بيدي يوم القيامة(5).
الأصل فيه قوله تعالى : «يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللّه ُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»(6).
قال الطبرسي: يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم على الصراط يوم القيامة وهو دليلهم إلى الجنّة ويريد بالنور الضياء الذي يرونه ويمرّون فيه عن قتادة، وقيل نورهم هداهم عن الضحّاك قال قتادة: إنّ المؤمن يضيء له نور كما بين عدن
ص: 198
إلى صنعا ودون ذلك حتّى أنّ المؤمنين من لا يضيء له نوره إلاّ موضع قدميه(1).
قال الشارح المعتزلي: قد روى أنّه يطفى ساير الأنوار إلاّ نور محمّد، ثمّ يعطى المخلصون من أصحابه أنواراً يسيرة يبصرون بها مواطئ الأقدام فيدعون اللّه بزيادة تلك الأنوار وإتمامها، ثمّ إنّ اللّه يتمّ نور محمّد فيستطيل حتّى يملأ الآفاق فذلك إتمام نوره(2).
عن غيره، يقال: هذه خطّة بني فلان، إذا كانت محدودة، والمراد: اجعل له امتيازاً عن باقي الأنبياء.
عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن أميرالمؤنين عليهم السلام قال: إنّ يهوديّاً كان له على رسول اللّه دنانير فتقاضاه فقال له: يا يهودي ما عندي ما أعطيك قال: فإني لا أفارقك يا محمّد حتّى تقضيني فقال: إذاً أجلس معك فجلس معه حتّى صلّى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة وكان أصحاب رسول اللّه يتهدّدونه ويتواعدونه فنظر رسول اللّه صلى الله عليه و آله إليهم فقال: ما الذي تصنعون به؟ فقالوا: يا رسول اللّه يهودي يحبسك؟ فقال صلى الله عليه و آله: لم يبعثني ربّي عزّ وجلّ بأن أظلم معاهدا ولا غيره فلمّا علا النهار قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله وشطر مالي في سبيل اللّه أما واللّه ما فعلت بك الذي فعلت إلاّ لأنظر إلى نعتك في التوراة فإنّي قرأت في التوراة محمّد بن عبداللّه
ص: 199
مولده بمكّة ومهاجره بطيبة وليس بفظّ ولا غليظ ولا سخاب ولا متزين [مترين]بالفحش ولا قول الخنى(1).
وقال تعالى : «فَأَثَابَهُمُ اللّه ُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ»(2).
وقال تعالى : «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ»(3).
وقال تعالى : «أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ اَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً»(4).
قال تعالى : «يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ...»(5).
وقال تعالى : «... كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ
ص: 200
آمِنِينَ * لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»(1).
وقال تعالى : «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الاْخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ» - إلى قوله - : «وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ* وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤلُؤ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(2).
أي: الراحة، قال تعالى: «جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤلُؤً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَقَالُوا الْحَمْدُ للّه ِِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ»(3).
بلا اضطراب كما يحصل للناس في هذا العالم.
ص: 201
منه تعالى للمقرّبين منه، وعن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلامقال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: يا علي سألت ربي فيك خمس خصال فأعطاني أمّا أوّلها فسألت ربي أن أكون أول من تنشق عنه الأرض وأنفض التراب عن رأسي وأنت معي فأعطاني وأما الثانية فسألت ربي أن يقفني عند كفة الميزان وأنت معي فأعطاني وأما الثالثة فسألت ربي أن يجعلك في القيامة صاحب لوائي فأعطاني وأما الرابعة فسألت ربي أن يسقي أمتي من حوضي بيدك فأعطاني وأما الخامسة فسألت ربي أن يجعلك قائد أمتي إلى الجنة فأعطاني فالحمد للّه الذي من علي بذلك(1).
ورواه الخطيب في (أحمد بن غالب) مع اختلاف، وفي خبره: وأعطاني أنّك وليّ المؤمنين من بعدي(2).
وله عليه السلام دعاء آخر في الصلاة عليه صلى الله عليه و آله وهو: الحمد للّه رب العالمين وصلى اللّه على سيد (أطيب خ ل) المرسلين محمد بن عبد اللّه المنتجب الفائق الرائق اللهم فخص محمدا صلى اللّه عليه وآله بالذكر المحمود والحوض المورود اللهم آت محمدا صلواتك عليه وآله الوسيلة والرفعة والفضيلة واجعل في المصطفين محبته وفي العليين درجته وفي المقربين كرامته اللهم أعط محمدا صلواتك عليه وآله من كل كرامة أفضل تلك الكرامة ومن كل نعيم أوسع ذلك النعيم ومن كل عطائك أجزل [عطائك] ذلك العطاء ومن كل يسر أنضر ذلك اليسر ومن كل قسم أوفر ذلك
ص: 202
القسم حتى لا تكون أحد من خلقك أقرب منه مجلسا ولا أرفع منه عندك ذكرا ومنزلة ولا أعظم عليك حقا ولا أقرب وسيلة من محمد صلواتك عليه وآله إمام الخير وقائده والداعي إليه والبركة على جميع العباد والبلاد ورحمة للعالمين اللهم اجمع بيننا وبين محمد وآل محمد صلواتك عليه وآله في برد العيش وتروّح الروح وقرار النعمة وشهوة الأنفس ومنى الشهوات ونعم اللذات ورجاء الفضيلة وشهود الطمأنينة وسؤد الكرامة وقرة العين ونضرة النعيم وبهجة لا تشبه بهجات الدنيا نشهد أنه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة والنصيحة واجتهد للأمة وأوذي في جنبك وجاهد في سبيلك وعبدك حتى أتاه اليقين فصل اللهم عليه وآله الطيبين اللهم رب البلد الحرام ورب الركن والمقام ورب المشعر الحرام ورب الحل والإحرام بلغ روح محمد صلواتك عليه وآله عنا السلام اللهم صل على ملائكتك المقربين وعلى أنبيائك ورسلك أجمعين وصل اللهم على الحفظة الكرام الكاتبين وعلى أهل طاعتك من أهل السماوات السبع وأهل الأرضين السبع من المؤنين أجمعين(1).
وفي سحر البلاغة: في الصلاة عليه صلى الله عليه و آله صلى اللّه على خير مبعوث وأفضل وارث وموروث وخير مولود دعا إلى خير معبود بشير الرحمة والثواب ومدبر السطوة والعقاب ناسخ كل ملة مشروعة وفاسخ كل نحلة متبوعة جاء بأمته من الظلمات إلى النور وأوفى بهم إلى الظل بعد الحرور قد أفرد بالزعامة وحده وختم بأن لا نبي بعده أرسله اللّه قمرا منيرا وقدرا مبيرا(2).
ص: 203
الأوّل: الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله ممّا أمر اللّه تعالى به وحثّ عليه بقوله: «إِنَّ اللّه َ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً»(1).
عن الكاظم عليه السلام أنّه سئل ما معنى صلاة اللّه وملائكته وصلاة المؤمنين؟ قال: صلاة اللّه رحمة من اللّه وصلاة ملائكته تزكية منهم له وصلاة المؤمنين دعاء منهم له(2).
والصلاة وإن كانت من اللّه الرحمة فالمراد بها هنا هو الاعتناء باظهار شرفه ورفع شأنه، ومن هنا قال بعضهم تشريف اللّه محمّداً بقوله: «إِنَّ اللّه َ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ» أبلغ من تشريف آدم بالسجود له والتسليم، قيل المراد به الانقياد كما في قوله: «فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً»(3).(4)
وقيل هو قولهم: السلام عليك أيّها النبيّ قاله الزمخشري(5) والقاضي(6) في تفسيرهما وذكره الشيخ في تبيانه(7) وهو الحقّ لقضيّة العطف ولأنّه المتبادر إلى الفهم عرفاً ولرواية كعب الآتية وغيرها إذا تقرّر ذلك فهنا فوائد:
الأولى: ذهب أصحابنا والشافعي وأحمد إلى وجوب الصلاة على النبيّ في
ص: 204
الصلاة خلافاً لمالك وأبي حنيفة عن عايشة قالت: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول: لا تقبل صلاة إلاّ بطهور وبالصلاة عليّ(1)، وكذا عن أنس عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال: إذا صلّى أحدكم فليبدأ بحمد اللّه ثمّ ليصلّ عليّ(2).
ومن طرقنا ما رواه أبو بصير وغيره عن الصادق عليه السلام قال: من صلّى ولم يصلّ على النبيّ وتركه متعمّداً فلا صلاة له(3)، حتّى أنّ الشيخ جعلها ركناً في الصلاة فان عنى الوجوب والبطلان بتركها عمداً فهو صحيح وإن عنى تفسير الركن بأنّه ما يبطل الصلاة بتركه عمداً وسهواً فلا(4).
الثانية : هل تجب الصلاة على النبيّ في غير الصلاة أم لا، ذهب الكرخي إلى وجوبها في العمر مرّة، وقال الطحاوي: كلّما ذكر، واختاره الزمخشري، ونقل عن ابن بابويه من أصحابنا، وقال بعضهم: في كلّ مجلس مرّة، والمختار الوجوب كلّما ذكر لدلالة ذلك على التنوية(5) برفع شأنه والشكر لاحسانه المأمور بها، ولأنّه لولاه لكان كذكر بعضنا بعضا وهو منهيّ عنه في آية النور(6).
وأشار بها إلى قوله سبحانه: «لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً»(7) ولما روى عنه صلى الله عليه و آله: من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ فدخل النار فأبعده اللّه (8)، والوعيد أمارة الوجوب.
ص: 205
وروى أنّه قيل له: يا رسول اللّه أرأيت قول اللّه إنّ اللّه وملائكته يصلّون على النبيّ؟ فقال: هذا من العلم المكنون ولولا أنّكم سألتموني عنه ما أخبرتكم به إنّ اللّه عزّ وجلّ وكّل بي ملكين فلا أذكر عند مسلم فيصلّي عليّ إلاّ قال له ذلك الملكان غفر اللّه لك، وقال اللّه وملائكته: ولا أذكر عند مسلم فلا يصلّي عليّ إلاّ قال له الملكان: لا غفر اللّه لك وقال اللّه وملائكته: آمين(1).
ومثل ذلك في إفادة الوعيد ما رواه الصدوق باسناده عن محمّد بن هارون عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: إذا صلّى أحدكم ولم يصلّ على النبيّ خطئ به طريق الجنّة(2).
وقال النبيّ صلى الله عليه و آله: من ذكرت عنده فنسي الصلاة عليّ خطئ به طريق الجنّة(3).
قال المجلسي رحمه الله: وأمّا عند عدم ذكره صلوات اللّه عليه فيستحبّ استحباباً مؤكّداً، لتظافر الروايات أنّ الصلاة عليه وآله تهدم الذنوب وتوجب اجابة الدعاء المقرون بها(4).
الثالثة: روى كعب بن عجرة قال: لمّا نزلت الآية قلنا: يا رسول اللّه هذا السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟ فقال: قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك على محمّد وآل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد(5)، وعلى
ص: 206
هذا الحديث سؤال مشهور بين العلماء ذكرناه في نضد القواعد وذكرنا ما قيل في أجوبته من أراده وقف عليها هناك(1).
قال الخوئي رحمه الله: ولا يحضرني كتاب نضد القواعد حتّى نقف على ما ذكره ولعلّ المراد بالسؤال المشهور ما ذكروه من أنّ التشبيه يقتضي أن يكون المشبّه به أقوى من المشبّه فيلزم أن يكون التشبيه الواقع فيه من باب إلحاق الناقص بالكامل، واجيب تارة بأنّ التشبيه لبيان حال من يعرف بمن لا يعرف، وثانية بأنّ التشبيه في أصل الصلاة لا في قدر الصلاة، وثالثة بأنّ معناه: اجعل لمحمّد صلاة بمقدار الصلاة لإبراهيم وآله وفي آل إبراهيم خلايق لا يحصون من الأنبياء وليس في اللّه نبيّ فطلب إلحاق جملة فيها نبيّ واحد بما فيه الأنبياء، وربّما اجيب بأجوبة اخر ولا حاجة إليها والأظهر الأوسط(2).
الرابعة: دلّ حديث كعب المذكور على مشروعيّة الصلاة على الآل تبعاً له صلّى اللّه عليه وآله، وعليه اجماع المسلمين، وهل يجوز عليهم لا تبعاً بل افراداً كقولنا:
اللهمّ صلّ على آل محمّد بل الواحد منهم لا غير أم لا؟ قال أصحابنا: بجواز ذلك لوجوه:
الأوّل: قوله تعالى مخاطباً للمؤمنين كافّة: «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ»(3) وهو نصّ في الباب.
الثاني: قوله تعالى: «الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للّه ِِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ»(4).
ص: 207
ولا ريب أنّ أهل البيت أصيبوا بأعظم المصائب الذي من جملتها اغتصابهم مقام امامتهم.
وهذا الدليل لعلّه مأخوذ من العلاّمة قدّس اللّه روحه وقد حكى في لؤلؤة البحرين أنّه قدّس اللّه سرّه ناظر أهل الخلاف في مجلس سلطان محمّد خدا بنده أنار اللّه برهانه وبعد إتمام المناظرة وبيان حقّيّة مذهب الإماميّة الاثنى عشريّة خطب قدّس اللّه لطفه خطبة بليغة مشتملة على حمد اللّه والصلاة على رسوله والأئمّة عليهم السلام.
فلمّا سمع ذلك السيّد الموصلي الذي هو من جملة المنكوبين بالمناظرة قال ما الدليل على جواز توجيه الصلاة على غير الأنبياء؟ فقرأ الشيخ العلاّمة في جوابه بلا انقطاع الكلام: الذين إذا أصابتهم مصيبة، الآية فقال الموصلي بطريق المكابرة:ما المصيبة التي أصابت إليهم حتّى أنّهم يستوجبون بها الصلاة؟ فقال الشيخ: من أشنع المصائب وأشدّها أن حصل من ذراريهم مثلك الذي ترجّح المنافقين الجهّال المستوجبين اللعنة والنكال على آل رسول المتعال، فاستضحك الحاضرون وتعجّبوا من بداهة آية اللّه في العالمين وقد أنشد بعض:
إذ العلويّ تابع ناصبيّا *** بمذهبه فما هو من أبيه
وكان الكلب خيراً منه قطعا *** لأنّ الكلب طبع أبيه فيه(1)
الثالث : أنّه لمّا أتى أبو اوفى بزكاته قال النبيّ صلى الله عليه و آله: اللهمّ صلّ على أبي أوفى وآل أبي أوفى(2)، فيجوز على أهل البيت بطريق أولى.
الخامسة: مذهب علمائنا أجمع أنّه يجب الصلاة على محمّد في التشهدين، وبه
ص: 208
قال بعض الشافعيّة، وفي إحدى الروايتين عن أحمد، وقال الشافعي بالاستحباب(1)
لنا روایة کعب و قد تقدمت فی کیفیة الصلاة علیه و اذا کانت الصلاة علیه واجبة کانت کیفیتها ایضا واجبة.
وروی کعب ان النبی صلی الله علیه واله وسلم کان یقول ذلک فی صلاته و قال:صلوا کما رایتمونی اصلی.(2)
وعن جابر الجعفی عن الباقر علیه السلام عن ابن مسعود الانصاری قال:قال رسول الله صلی الله علیه واله وسلم:من صلی صلاة ولم یصل فیها علی وعلی الی واهل بیتی لم یقبل منه.(3)
السادسة:الال الذین یجب الصلاة علیهم فی الصلاة ویستحب فی غیرها هم الائمة المعصومن،لاطباق الاصحاب علی انهم هم الال ولان الامر بذلک مشعر بغیة التعظیم المطلق الذی لا یستوجبه الا المعصوم، واما فاطمة علیهاالسلام فتدخل ایضا لانها بضعة منه.(4)
الثانی:
قال المجلسی رحمه الله:اختلف العلماء فی انه هل ینفعهم الصلاة شیئا ام لیس الا
ص: 209
لانتفاعنا،فذهب الاکثر الی انهم صلوات الله علیهم لم یبق لهم کمال منتظر،بل حصل لهم جمیع الخصال السنیة والکمالات البشریة ولا یتصور للبشر اکثر ما منحهم الله تعالی،فلا یزیدهم صلواتنا علیهم شیئا بل یصل نفعها الینا وانما امرنا بذلک لاظهار حبهم وولا هم بل هی انشاء لاظهار الاخلاص والولاء لنا ولیس الغرض طلب شيء لهم ویتر تب علیه ان یفیض الله علینا بسبب هذا الاظهار فیوض ومواهبه وعطایاه، کما انه اذا کان لاحد محبوب یحبه حبا شدیدا وقد اعطاه کلما یمکن فاذا کان لرجل حاجة عندالمحب یتقرب الیه بالثناء علی محبوبه و طلب شیء له تقربا الیه باظهار حبه وتصویبه فی اکرامه و انه مستحق لما اعطاه حقیق بما اولاه.
و هذا الکلام عندی مدخول،بل یمکن توجیهه بوجوه بوجوه اخر لکل منها شواهد من الاخبار.
الاول:ان تکون الصلاة سببا لمزید قربهم وکمالاته،ولم یدل دلیل علی عدم ترقیهم الی ما لا یتناهی من الدرجات العلی فی الاخرة والاولی، وکثیر من الاخبار یدل علی خلافه،کما ورد فی کثیر من اخبار التفویض انه اذا اراد سبحانه ان یفیض شیئا علی امام العصر یفیضه اولا علی رسول الله صلی الله علیه واله وسلم ثم علی امام امام حتی ینتهی الی امام الزمان، لئلا یکون اخرهم اعلم من اولهم وکما ان بیننا وبین موالینا صلوات الله علیهم من ارباب العصمة والطهارة درجات غیر متناهیة لا یمکن لاحدنا و ان عرج علی معارج القرب و الکمال ان یصلی الی ادنی منازلهم، فکذا بینهم علیهم السلام وبین جناب الالوهیة وساحة الربوبیة معارج غیرمتناهیة کلما صعدوا باجنحة الرفعة والکمال علی منازل الغرب و الجلال لاتنتهی تلک
ص: 210
المعارج، ويعدون أنفسهم في جنب ساحة القدس مثل الذرة أو دونها.
وقد أفيض على وجه وجيه في استغفار النبي والأئمة صلوات الله عليهم يناسب هذا الوجه، وهو انهم صلوات الله عليهم لما كانوا دائما في الترقي في مدارج المعرفة والقرب والكمال، ففي كل آن تحصل لهم معرفة جديدة وقرب جلیل وكمال عتيد عدوا أنفسهم مقصرين في المرتبة السابقة في المعرفة والقرب والطاعة، فكانوا يستغفرون منها، وهكذا إلى ما لا نهاية لها، وقد ورد في الروايات الكثيرة أن أشرف علومنا علم ما يحدث بالليل والنهار آنا فانا، وساعة فساعة.
ويؤيده ما روي في تأويل قوله سبحانه: «وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ»(1) أن أهل الجنة في كل يوم جمعة يجتمعون في موضع يتجلى لهم الرب تبارك وتعالى بأنوار جلاله، فيرجع المؤمن بسبعين ضعفا مما في يديه فيتضاعف نوره وضياؤه، وهذا كناية عن تضاعف قربه ومعرفته.
الثاني: أن تكون سببا لزيادة المثوبات الأخروية وإن لم تصر سببا لمزيد قربهم وكمالهم، وكيف يمنع ذلك عنهم وقد ورد في الأخبار الكثيرة وصول آثار الصدقات الجارية والأولاد والمصحف، وتعليم العلوم والعبادات إلى أموات المؤمنين والمؤمنات، وأي دليل دل على استثنائهم عن تلك الفضائل والمثوبات، بل هم آباء هذه الأمة المرحومة والأمة عبيدهم وببركتهم فازوا بالسعادات، ونجوا من الهلكات، وكلما صدر عن الأمة من خير وسعادة وطاعة يصل إليهم نفعها و برکتها ولا منقصة لهم في ذلك مع أن جميع ذلك من آثار مساعيهم الجميلة وأياديهم الجليلة.
ص: 211
الثالث: أن تصير سببة لأمور تنسب إليهم من رواج دينهم وكثرة أمتهم واستيلاء قائمهم و تعظيمهم وذكرهم في الملأ الأعلى بالجميل وبالتفخيم والتبجيل، وقد ورد في بعض الأخبار في معنى السلام عليهم أن المراد سلامتهم وسلامة دينهم و شیعتهم في زمن القائم علیه السلام.(1)
الثالث:
في فضيلة الصلاة وثوابها، والأخبار في ذلك كثيرة لا تحصى.
فمنها: ما عن أمير المؤمنین علیه السلام قال: اَلصَّلاَةُ عَلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّي اَللَّهُ عليه واله وسَلَّم أمْحَقُ لِلْخَطَايَا مِنَ الماءِ لِلنَّارِ والسَّلامُ عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ أفْضَلُ مِن عِتْقِ رَقَبَاتٍ وَحُبُّ رَسولِ اللَّهِ صلي اَللَّهُ عَلَيْهِ واله وسَلم أَفْضَلُ مِنْ مُهَجِ اَلْأَنْفُسِ مِنْ مهجِ الانفسِ أو قال ضَرْبِ السُّيُوفِ في سبيل اللّه.(2)
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إِذَا ذُكِرَ اَلنَّبِيُّ صلي الله عليه واله وسلم فَأَكْثِرُوا اَلصَّلاَةَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّي اللَّه عليه واله وسلم صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اَللَّهُ عَلَيهِ أَلفَ صَلاةٍ في أَلفِ صَفٍ مِنَ المَلائِكَةِ وَلَم يَبقَ شَيءٌ مِمّا خَلَقَهُ اَللَّهُ إِلاَّ صُلِّيَ عَلَى اَلْعَبْدِ لِصَلاَةِ اللَّهِ عَلَيهِ وصلاةِ مَلاَئِكِيهِ فَمَنْ لَمْ يَرْغَبْ في هذا فَهُوَ جاهِلٌ مَغْرُورٌ قَدْ بَرِئَ اَللَّهُ مِنهُ وَ رَسُولُهُ وَأَهلُ بَيتِهِ .(3)
وقال أبو عبد الله علیه السلام: یا اسحاق بن فروخ من صلى على محمد و آل محمد عشرا صلى الله عليه وملائكته ألفا، أما تسمع قول الله عز وجل: «هُوَ الَّذي يُصَلِّي عَلَيكُم وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وكَانَ بِالْمُومِنِينَ رَحِيماً»(4).(5)
ص: 212
وعن محمد بن مسلم عن أحدهما علیها السلام قال: مَا فِي الْمِيزَانِ شَيْءٌ أَثْقَلُ مِنَ الصَّلاةِ على مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَإنَّ الرَّجُلَ لَتُوضَعُ أَعْمَالُهُ فِي الْمِيزَانِ فَتَمِيلُ بِهِ وَ فَيَخْرُجُ صَلِي اَللَّهُ عَلَيْهِ واله وسَلم اَلصَّلاَةَ عَلَيْهِ فَيَضَعُهَا فِي مِيزَانِهِ فَيَرْجَحُ بِهِ.(1)
وعن أبي البختري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه صلي الله عليه واله وسلم قال: قال رسول الله صلي الله عليه واله وسلم: أَنَا عِنْدَ الْمِيزانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ ثَقُلَت سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ جِئْتُ بِالصَّلاَةِ عَلَيَّ حَتَّى أُثَقِّلَ بِهَا حَسَناتِه.(2)
عن عبد السلام بين نعيم قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: إنّي دَخَلتُ البَيتَ وَلَم يَضُرَّني شَيءٌ مِنَ اَلدُّعَاءِ إِلاَّ اَلصَّلاَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَالِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا خَرَجْتَ بِهِ.(3)
وعن الحارث الأعو قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام: كل دعاء محجوب عن السماء حتى يصلي على محمد و آله.(4)
وعن هشام بن سالم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لَا يُزَالُ الدُّعَاءُ مَحْجُوبًا حَتَّى يُصَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلَ مُحَمَّدٌ.(5)
وعن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن رَجُلاً دَخَلَ اَلْمَسْجِدَ فَصَلي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سأل اللَّه عَزَّ وَجِلٌ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّي اللَّه عليه واله وسلم عَجَّلَ اَلْعَبْدُ رَبَّهُ وَجَاءَ آخَرُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَثْنَى عَلَى
ص: 213
اَللَّهَ عَزَّ وَجَلٌ وَصَلَّى عَلَى النَّبي وآله فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَالِهِ وَسَلَّمَ سَلْ تُعْطَ.(1)
وعن أبي عَبْدِ اللّهِ عليه السَّلاَمُ قَالَ مَن دَعا ولَم يَذكُرِ النَّبيَّ صلى الله عليهِ وسلم رفرَفَ اَلدُّعَاءُ عَلَى رَأْسِهِ فَإِذَا ذَكَرَ اَلنَّبِيَّ صلي الله عليه واله وسلم رُفِعَ اَلدُّعَاء.(2)
وعن النبي صلي الله عليه واله وسلم: صلوا علي فات الصلاة علي زكاة لكم.(3)
وعن الصباح بن سيابة عن أبي عبد الله علیه السلام قال: أَلاَ أُعَلِّمُكَ شَيْئاً يَقِي اَللَّهُ بِهِ وَجْهَكَ مِنْ حُرٍ قال قلت بلى قال قُل بَعدَ الفَجرِ اللّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ مائَةَ مَرَّةٍ يَقِي اللَّهُ بِها وَجهَك مِن حَرِّ جَهَنَّمَ.(4)
وعن محمد بن أبي عمير عن أخبره عن أبي عبد الله علیه السلام قال: وجدت في بعض الكتب: من صلى على محمد و آل محمد كتب الله له مائة حسنة، ومن قال صلى الله على محمد وأهل بيته كتب الله له ألف حسنة.(5)
وعن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضاعلیه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه واله وسلم: من صلى علي يوم الجمعة مائة صلاة قضى الله له ستين حاجة ثلاثون للدنيا وثلاثون للآخرة.(6)
وعن النبي صلي الله عليه واله وسلم: إذا كان يوم الخميس بعث الله ملائكة معهم صحف من فضة وأقلام من ذهب يكتبون يوم الخميس وليلة الجمعة أكثر الناس على صلاة .(7)
ص: 214
وَ عَنْ أَبِي الْغَيرَةِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ مَنْ قَالَ فِي دُبُرِ صَلاَةِ اَلصُّبْحِ وصَلاَةِ اَلْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَثني رِجلَيهِ أَو يُكَلِّمَ أحَداً إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا صلّوا عليه وسَلِّموا تسليماً اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ ذُرِّيَّتِهِ قَضَى اَللَّهُ لَهُ مِائَةَ حَاجَةٍ سَبْعِينَ فِي الدُّنْيَا وَثَلَاثِينَ فِي الأَخِرَةِ قَالَ قُلتُ لَهُ مَا مَعني صَلاة اَللَّهِ وصلاَةِ مَلاَئِكَتِهِ وصَلاَةِ اَلْمُؤْمِنِينَ قَالَ صَلاَةُ اَللَّهِ رَحْمَةٌ مِنَ اَللَّهِ وصلاَةُ مَلاَئِكَتِهِ تزَكِّيهِ مِنْهُمْ لَهُ وصلاَة الْمُؤْمِنِينَ دُعَاءٌ مِنْهُمْ لَهُ وَمِنْ سِرِّ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السَّلاَمُ فِي اَلصَّلاَةِ عَلَى النَّبيِّ وآله اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلَ مُحَمَّدٍ فِي الْأَوَّلِينَ وَصَلِّ على مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ فِي الآخِرِينَ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ فِي اَلْمَلَإِ اَلْأَعْلَى وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ فِي الْمُرْسَلِينَ اللَّهُمَّ أعطِ مُحَمَّداً الوَسيلَةَ وَالشَّرَفَ وَالفَضيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الْكَبِيرَةَ اللّهُمَّ إنِّي آمَنتُ بِمُحَمَّدٍ وَلَم أرَهُ فَلا تَحْرِمْني يَومَ القِيامَةِ رُؤيَتَهُ وَارْزُقْني صُحْبَتَهُ وَتَوَفَّني على مِلَّتِهِ واسقِني مِن حَوضِهِ مَشرَباً رَوِيّاً سائِغاً هنيئاً لا أظمَأُ بعدهُ أَبْدَأُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ اَللّهُمَّ كَما آمَنتُ بِمُحَمَّدٍ وَلَم أَرَهُ فَعَرِّفني في الجِنانِ وَجهَهُ اللّهُمَّ بَلِّغْ روحَ مُحَمَّدٍ صلي اللّه عليه والِه وسَلِّم عَنِّي تَحَنِيَةً كَثِير وسَلاماً فَإنَّ مَن صَلَّى عَلى النَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ والِهِ وسَلَّم بِهَذِهِ الصَّلَوَاتِ هُدِمَتْ ذُنُوبُهُ ومُحِيَتْ خَطَايَاهُ وَدَامَ سُرُورِهِ واسْتُجِيبَ دُعاؤُهُ وَأُعطِيَ أَمَلَهُ وَبُسِطَ لَهُ في رِزْقِهِ وأُعْين عَلَى عَدُوِّهِ وهِيَ لَهُ سَبَبُ أنواعِ الخَيرِ ويُجعَلُ مِن رُفَقَاءِ نَبِيِّهِ في الجِنانِ الأعلى يَقولُهُنَّ ثَلاثَ مَرَّاتٍ غُدْوَةً وَثَلاث وَ ثَلاَثُ مَرَّاتٍ عَشِيَّةٌ.(1)
وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله الصادق علیه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه واله وسلم يوم لعلي علیه السلام: ألا أبشرك ؟ فقال بلى بأبي أنت وأمي فإنك لم تزل مبشرا بكل خير
ص: 215
فقال أخبرني جبرئیل آنفا بالعجب فقال له علي علیه السلام وما الذي أخبرك يا رسول الله فقال أخبرني أن الرجل من أمتي إذا صلى علي وأتبع بالصلاة علي أهل بيتي فتحت له أبواب السماء و صلت عليه الملائكة سبعين صلاة وإن كان مذنبا خطاء[و إنه لمذنب خطاء]ثم تتحات عنه الذنوب كما يتحات الورق من الشجر ويقول الله تبارك وتعالى لبيك يا عبدي وسعديك ويقول الله لملائكته يا ملائكتي أنتم تصلون عليه سبعين صلاة وأنا أصلي عليه سبعمائة صلاة وإذا صلى علي ولم يتبع بالصلاة علي أهل بيتي كان بينها وبين السماء سبعون حجابا ويقول الله جل جلاله لا لبيك ولا سعديك يا ملائكتي لا تصعدوا دعاءه إلا أن يلحق بنبيه عترته فلا زال محجوبا حتى يلحق بي أهل بیتی.(1)
وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله علیه السلام قال: من قال في يوم مائة مرة رب صل على محمد وأهل بيته، قضى الله له مائة حاجة ثلاثون منها للدنيا، وسبعون منها للآخرة.(2)
وعن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله علیه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه واله وسلم: ارفعوا
أصواتكم بالصلاة علي فانها يذهب بالنفاق.(3)
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى علي في كتابه لم يزل الملائكة تصلي عليه مادام ذلك مكتوبا إلى يوم القيامة.(4)
ص: 216
وعن النبي صلي الله عليه واله وسلم: من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له مادام اسمي في ذلك الكتاب.(1)
وقال رسول الله صلي الله عليه واله وسلم: من صلى علي ألف مرة لا يعذبه الله في النار أبدأ، وقال:من صلى علي مرة فتح الله عليه بابا من العافية، وقال: من صلى علي مرة لم يبق من ذنوبه ذره.(2)
وعن جعفر، عن أبيه علیها السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه واله وسلم: من صلى علي يوم الجمعة
إيمانا واحتسابا استأنف العمل.(3)
وروي عن عبدالله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أولى الناس في يوم القيامة أكثرهم علي صلاة.(4)
وقال النبي صلي الله عليه واله وسلم في الوصية: يا علي من صلى علي كل يوم أو كل ليلة وجبت له شفاعتي ولو كان من أهل الكبائر.(5)
عن أنس بن مالك قال رسول الله صلي الله عليه واله وسلم: إن أقربكم مني يوم القيامة في كل موطن أكثركم علي صلاة في دار الدنيا، ومن صلى علي يوم الجمعة أو في ليلة الجمعة مائة مرة قضى الله له مائة حاجة سبعين من حوائج الآخرة وثلاثين من حوائج الدنيا، ثم يوكل الله تعالی له بكل صلاة ملكا يدخل علي في قبري كما يدخل
ص: 217
أحدكم الهدايا و يخبرني من صلى علي باسمه ونسبه إلى عشيرته فاثبته عندي في صحيفة بيضاء.(1)
وعن النبي صلي الله عليه واله وسلم: أكثروا الصلاة علي فان الله وكل بي ملكا عند قبري فإذا صلی على رجل من أمتي قال ذلك الملك: يا محمد ان فلان بن فلان صلى عليك الساعة.(2)
عن الرضاعلیه السلام: من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه فليكثر من الصلاة على محمد و آله فانها تهدم الذنوب هدما.(3)
وعن النبي صلي الله عليه واله وسلم: من سره أن يلقى الله غدا راضيا فليكثر الصلاة علي.(4)
وقال النبي صلي الله عليه واله وسلم: من قال: صلى الله على محمد و آل محمد أعطاه الله أجر اثنين وسبعين شهيدا وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.(5)
روى عن أنس بن مالك عن النبي صلي الله عليه واله وسلم: ما من أحد يذكرني ثم صلى علي إلا غفر الله له ذنوبه وإن كان أكثر من رمل عالج.(6)
وقال صلوات الله عليه و آله: من صلى علي يوم الجمعة مائة مرة غفر الله له خطيئته ثمانين سنة .(7)
ص: 218
وقال صلي الله عليه واله وسلم: من صلى علي مرة خلق الله تعالى يوم القيامة على رأسه نورا، وعلى يمينه نورا، وعلى شماله نورا، وعلى فوقه نورا، وعلى ظهره نورا، وعلى تحته نورا، وفي جميع أعضائه نورا.(1)
وقال صلي الله عليه واله وسلم: لن يلج النار من صلى علي.(2)
وقال صلي الله عليه واله وسلم: الصلاة على نور على الصراط، ومن كان له على الصراط من النور لم
يكن من أهل النار .(3)
وفي رواية عبدالرحمن بن عون أنه قال: جائني جبرئيل وقال: إنه لا يصلي عليك أحد إلا ويصلي عليه سبعون ألف ملك ومن صلی علیه سبعون ألف ملك كان من أهل الجنة.(4)
عن أنس، عن النبي صلي الله عليه واله وسلم قال: من صلى علي ألف مرة لم يمت حتى يبشربالجنة.(5)
وروي عن أنس قال: قال رسول الله صلي الله عليه واله وسلم: من صلى علي وعلى آلي تعظيما لحقي خلق من ذلك القول ملك يرى له جناح بالمشرق وجناح بالمغرب ورجلاه مغموستان في الأرض السفلى وعنقه ملتو تحت العرش فيقول الله عز وجل صل على عبدي كما صلي على النبي فهو يصلي عليه إلى يوم القيامة.(6)
ص: 219
وعن النبي صلي الله عليه واله وسلم: لا تصلوا علي الصلاة البتراء، فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: تقول: اللهم صل على محمد و تمسكون بل قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.(1)
إلى غير هذه من الأخبار المتجاوزة عن حد الاحصاء.
والحمد لله الذي جعل صلاتنا عليه و آله و ما خصنا به من ولايتهم طيبا لخلقنا و طهارة لأنفسنا و تزكية لنا وكفارة لذنوبنا، وله الشكر على ما آثرنا بذلك وخصصنا به دون غيرنا كثيرا كثيرا.
ص: 220
بسم الله الرحمن الرحیم
قَالُوا اَخْذُ مَرْوَانَ بْنَ اَلْحَكَمِ أَسِيراً يَومَ الْجَمَلِ فَاسْتَشْفَعَ الحَسَنَ وَالحُسَينَ عَليها السَّلاَمُ إلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَكُلَّمَا فِيهِ فَخَلَّى سَبِيلَهُ فَقَالاَ لَهُ يُبَايِعُكَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أُولَمُ يُبَايِعُنِي بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ لاَ حَاجَةَ لِي في بَيعَتِهِ إنَّها كَفٌ يَهُودِيَّةٌ لَوْ بَايَعَنِي بِكَفِّهِ دَر بِسُبَّتِهِ أمَا إِنَّ لَهُ إِمْرَةً كَلَعْقَةِ الكَلبِ أنفَهُ وَهُوَ أَبُو الأكْبُشِ الأربَعَةِ وَسَتَلقى الأُمَّةُ مِنهُ ومِن وُلْدِهِ يَوْماً يَوْماً أحْمَرَ
اعلم أن مروان الملعون هو ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ابن عبد مناف، وكان أبوه الحكم لعنه الله عم عثمان بن عفان وقد طرده رسول الله صلي الله عليه واله وسلم ونفاه عن المدينة مع ابنه مروان، وكان مروان يومئذ طفلا فلم يزالا بالطائف حتى ولی عثمان فرده إلى المدينة مع ولده.(1)
وقال ابن حجر العسقلاني: هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي وكنيته أبو عبد الملك وهو ابن عم عثمان
ص: 221
وكاتبه في خلافته؛ يقال ولد بعد الهجرة بسنتين وقيل بأربع وقال بن شاهين مات النبي صلي الله عليه واله وسلم وهو بن ثمان سنین فیکون مولده بعد الهجرة بسنتين قال: وسمعت ابن أبي داود يقول ولد عام أحد يعني سنة ثلاث، إلى آخر ما قال في مولدها.(1)
قال: وقصة إسلام أبيه ثابتة في الفتح لو ثبت أن في ذلك السنة مولده لكان حينئذ مميزا فيكون من شرط القسم الأول لكن لم أر من جزم بصحبته فكأنه لم يكن حينئذ مميزا ومن بعد الفتح أخرج أبوه إلى الطائف وهو معه فلم يثبت له أزيد من الرؤية ،(2)وأطال الكلام بما لا فائدة فيه إلى أن قال: وكان مع أبيه بالطائف إلى أن أذن عثمان للحكم في الرجوع إلى المدينة فرجع مع أبيه ثم كان من أسباب قتل عثمان ثم شهد الجمل مع عائشة ثم صفين مع معاوية ثم ولي إمرة المدينة لمعاوية ثم لم يزل بها إلى أن أخرجهم بن الزبير في أوائل إمرة يزيد بن معاوية فكان ذلك من أسباب وقعة الحرة وبقي بالشام إلى أن مات معاوية بن یزید بن معاوية فبايعه بعض أهل الشام في قصة طويلة ثم كانت الوقعة بينه وبين الضحاك بن قيس وكان أميرا لابن الزبير فانتصر مروان وقتل الضحاك واستوثق له ملك الشام ثم توجه إلى مصر فاستولى عليها ثم بغته (نعته) الموت فعهد إلى ولده عبد الملك فكانت مدته في الخلافة قدر نصف سنة ومات في شهر رمضان سنة خمس وستين.(3)
واختلف في السبب الموجب لنفي رسول الله صلي الله عليه واله وسلم فقيل انه كان يتحيل ويستخفي ويتسمع (يسمع) ما يسره رسول الله صلي الله عليه واله وسلم إلى أكابر الصحابة في مشركي قریش و سائر الكفار والمنافقين ويفشي ذلك عنه حتى ظهر ذلك عنه.
ص: 222
وقيل كان يتجسس على رسول الله صلي الله عليه واله وسلم وهو عند نسائه ويسترق السمع ويصغي إلى ما يجري هناك مما لا يجوز الاطلاع عليه ثم يحدث به المنافقين على طريق الاستهزاء.
وقيل كان يحكيه في بعض مشیته وبعض حرکاته فقد قيل إن النبي صلي الله عليه واله وسلم كان إذا مشي يتكفأ وكان الحكم بن أبي العاص يحكيه وكان شانئا له مبغضا حاسدا فالتفت رسول الله صلي الله عليه واله وسلم يوما فرآه يمشي خلفه يحكيه في مشيته فقال له كذلك فلتكن یا حکم فكان الحكم مختلجا يرتعش من يومئذ.(1)
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص : ان رسول الله صلي الله عليه واله وسلم قال: يدخل عليكم رجل العين، قال: وكنت قد رأيت أبي يلبس ثيابه ليقبل إلى رسول الله فلم أزل مشفقا أن يكون أول من يدخل، فدخل الحكم بن أبي العاص.(2)
أبان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: خرج رسول الله صلي الله عليه واله وسلم من حجرته ومروان وأبوه يستمعان إلى حديثه فقال له الوزغ ابن الوزغ قال أبو عبد الله علیه السلام: فمن يومئذ يرون أن الوزغ يسمع الحديث.(3)
وقال البلاذري: إن الحكم بن أبي العاص كان جارا لرسول الله في الجاهلية وكان أشد جيرانه أذى له في الإسلام وكان قدومه المدينة بعد فتح مكة وكان مغموصا عليه في دينه فكان يمر خلف رسول الله فيغمز به و يحكيه ويخلج بأنفه وفمه وإذا صلی قام خلفه فأشار بأصابعه فبقي على تخليجه وأصابته خبلة واطلع على رسول الله ذات يوم وهو في بعض حجر نسائه فعرفه وخرج إليه بعنزة (عصا)
ص: 223
وقال: من عذيري من هذا الوزغة اللعين، ثم قال: لا يساکنني ولا ولده فغربهم جميعا إلى الطائف فلما قبض رسول الله كلم عثمان أبا بكر فيهم وسأله ردهم فأبی ذلك وقال: ما كنت لاوي طرداء رسول الله صلي الله عليه واله وسلم ثم لما استخلف عمر کلمه فيهم فقال مثل قول أبي بكر. انتهى.(1)
فلما استخلف عثمان أدخلهم المدينة وقد دخلها الحكم وهو علیه فزر خلق ويسوق تیسا والناس ينظرون إليه وإلى سوء حاله وحال من معه حتى دخل دار الخلافة ثم خرج وعليه جبة خز و طیلسان.(2)
وقد كان رده أحد الأسباب التي أوجبت النقمة على عثمان كما أن إعطاؤه صدقات قضاعة التي بلغت ثلاثمائة ألف درهم هبة(3)من الأسباب التي أوجبت نقمة الناس على عثمان.
توفي الحكم في خلافة عثمان قبل قتله بشهور.(4)
وأبان عن زرارة قال: سمعت أبا جعفرعلیه السلام يقول: لما ولد مروان عرضوا به الرسول الله صلي الله عليه واله وسلم أن يدعو له فأرسلوا به إلى عائشة ليدعو له فلما قربته منه قال: أخرجوا علي الوزغ ابن الوزغ. قال زرارة ولا أعلم إلا أنه قال ولعنه.(5)
وعن عبد الرحمن بن عوف قال: كان لا يولد لأحد مولود إلا أتي به النبي صلي الله عليه واله وسلم فدعا له فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال: هو الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون.(6)
ص: 224
وفي حديث عائشة قالت لمروان: إن الله (النبي) لعن أباك وأنت فضض من لعنة الله أي قطعة وطائفة منها، ورواه بعضهم فظاظة من لعنة الله بظائين من الفظيظة وهو ماء الكرش.
وقال الزمخشري: افتظظت الكرش اعتصرت مائها كأنها عصارة من لعنة الله .(1)
وعن محمد بن زیاد قال: لما بايع معاوية لابنه يزيد قال مروان: ستة أبي بكر وعمر. فقال عبدالرحمن بن أبي بكر: سنة هرقل وقيصر. فقال له مروان: أنت الذي أنزل الله فيك:«وَالَّذي قالَ لِوالِدَيَّ أُفٍ لَكُما»، فبلغ ذلك عائشة فقالت: كذب والله ما هو به ولكن النبي صلي الله عليه واله وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه .(2)
وقال ابن أبي الحديد: كان مروان مجاهرا بالالحاد هو وأبوه وهما الطريدان اللعينان. كان أبوه عدو النبي صلي الله عليه واله وسلم يحكيه في مشيه، ويغمز عليه عينه، ويدلع لسانه، ويهکم به، ويتهانف عليه هذا وهو في قبضته و تحت يده، وهو يعلم أنه قادر على قتله أي وقت شاء. فهل يكون هذه إلا من شانئ شديد البغضة حتى أفضى أمره إلى أن طرده النبي صلي الله عليه واله وسلم وسيره إلى الطائف وأما مروان ابنه فأخبث عقيدة وأعظم الحادا وكفرا.(3)
وفي الاستيعاب في هند بن أبي هالة عن هند قال: مر النبي صلي الله عليه واله وسلم بأبي مروان فجعل يغمزه. فالتفت فقال: «اللهم اجعل به وزغا».
الوزغ: الارتعاش فرجف مكانه.(4)
ص: 225
وروى المدائني خبرا طويلا في محاجة ابن عباس في مجلس معاوية مع مروان وغيره - إلى أن قال : فقال مروان: یا ابن عباس إنك لتصرف أنيابك وتوري نارك كأنك ترجو الغلبة و تؤمل العافية ولولا حلم أمير المؤمنین عنکم لنا ولكم بأقصر أنامله فأوردكم منهلا بعيدا صدره ولعمري لئن سطا بكم ليأخذن بعض حقه منكم ولئن عفا عن جرائركم فقديماما نسب إلى ذلك فقال ابن عباس وإنك لتقول ذلك يا عدو الله وطريد رسول الله والمباح دمه والداخل بين عثمان ورعيته بما حملهم على قطع أوداجه ورکوب أثباجه أما والله لو طلب معاوية ثاره الأخذك به ولو نظر في أمر عثمان لو جدك أوله وآخره.(1)
وقال الحسن علیه السلام لمروان في مجلس معاوية: وما زادك الله يا مروان بما خوفك إلا طغيانا كبيرا وصدق الله وصدق رسوله يقول الله تعالى: «وَالشَّجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ فِي الْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا»(2)
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ انْهَ قَالَ : قَالَ مَرْوَانُ بْنُ الحکم یوما للحسین بْنِ علی علیه السَّلَامُ : لَولَا فخرکم بِفَاطِمَةَ بِمَا کنتم تَفْتَخِرُونَ عَلَيْنَا فَوَثْبَ الحسین علیه السُّلَّامَ وَكَانَ علیه السُّلَّامَ شدید الْقَبْضَةِ فَقَبْضٍ عَلَى حَلْقِهِ فَعَصْرِهِ وَ لَوَى عِمَامَتُهُ عَلَى عُنْقِهِ حَتَّى غِشِّيٍّ عَلَيْهِ ثُمَّ تَرْكُهُ وَأَقْبَلَ الحسین علیه السُّلَّامَ جُمَّاعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالٍ: أَنَشَدَكُمْ بالله إِلَّا صدقتموني إِنَّ صَدَقَةَ أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ فِي الْأَرْضِ حبیبن کانا أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ مِنِّي وَ مِنْ أَحْيِ أَوْ عَلَى ظَهَرَ الْأَرْضُ ابْنِ بِنْتَ نَبِيِّ غَيْرِي وَ غَيْرُ أَخِي قَالُوا لَا قَالَ وَ إِنِّي لَا أَعْلَمُ أَنَّ فِي الْأَرْضِ مَلْعُونُ بْنِ ملعوني غَيْرَ هَذَا وَ أَبِيهِ طَرِيدُ رَسُولِ اللَّهِ صُلِّيَ اللَّهُ عَلَيْهِ واله وَ سَلَّمَ
ص: 226
وَاللهُ مَا بَيْنَ جَابَرْسُ وَجَابَلْقُ أَحَدَّهُمَا بِبَابِ الْمَشْرِقِ وَالْأُخَرِ بِبَابِ الْمَغْرِبِ رَجُلَانِ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامُ أُعْدَى لِلَهَّ وَلِرَسُولِهِ وَلََأَهَّلَ بَيْتُهُ مِنْكَ وَمِنْ أَبِيكَ إِذْ کان وَعَلَاَمَةَ قَوْلِيَّ فِيكَ أَنَّكَ إِذَا غَضِبَتْ سَقَطُ رداؤک عَنْ منکبك قَالَ فُوُ اللهِ مَا قَامَ مروَانِ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى غَضَبٍ فَاِنْتَقَضَ وَسَقَطَ رداؤه عَنْ عَاتِقِهِ .(1)
وذكر هشام الكلبي عن محمد بن إسحاق قال: بعث مروان - وكان واليا على المدينة - رسولا إلى الحسن علیه السلام فقال له: يقول لك مروان: أبوك الذي فرق الجماعة، وقتل عثمان، وأباد العلماء والزهاد - يعني الخوارج - وأنت تفخر بغيرك. فإذا قيل لك: من أبوك تقول: خالي الفرس. فجاء الرسول إلى الحسن علیه السلام فقال له: أتيتك برسالة متن يخاف سطوته، ويحذر سیفه. فإن كرهت لم أبلغك إياها ووقيتك بنفسي.
فقال الحسن علیه السلام: لا بل تؤديها، ونستعين عليه بالله. فأذاها فقال علیه السلام له: تقول المروان: إن كنت صادقا فالله يجزيك بصدقك، وإن كنت كاذبا فالله أشد نقمة. فخرج الرسول من عنده. فلقيه الحسين علیه السلام فقال: من أين أقبلت؟ فقال: من عند اخیک الحسن علیه السلام .فقال:وما تصنع؟ قال: أتيت برسالة من عند مروان. فقال: وما هي؟ فامتنع الرسول من أدائها. فقال: لتخبرني أو لأقتلك.
فسمع الحسن علیه السلام فخرج، وقال لأخيه: خل عن الرجل. فقال: لا والله حتى أسمعها فأعادها الرسول عليه. فقال له الحسین علیه السلام: قل له يقول لك الحسين بن علي وابن فاطمة: «یابن الزرقاء الداعية إلى نفسها بسوق ذي المجاز، وصاحبة
ص: 227
الراية بسوق عكاظ، ويا ابن طريد الرسول ولعينه اعرف من أنت، ومن أبوك، ومن أمك)).
فجاء الرسول إلى مروان فأعاد عليه ما قالا. فقال للرسول: ارجع إلى الحسن وقل له: أشهدك أنك ابن الرسول، وقل للحسين: أشهد أنك ابن علي بن أبي طالب.
فقال الحسين علیه السلام للرسول: قل لمروان كلاهما لي رغما لك. قال الأصمعي: أما قول الحسين علیه السلام: «يابن الداعية إلى نفسها» فذكر ابن إسحاق أن أم مروان اسمها امية وكانت من البغايا في الجاهلية، وكانت لها راية مثل راية البيطار تعرف بها، وكانت تسمى أم حنبل (حبتل) الزرقاء، وكان مروان لا يعرف له أب وإنما نسب الی الحکم کما نسب عمرو الی العاص.
وأما قوله يابن طريد الرسول: يشير إلى الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس أسلم يوم الفتح، وسكن المدينة، وكان ينقل أخبار النبي علیه السلام إلى الكفار من الأعراب، وغيرهم، ويتجسس عليه.
قال الشعبي: وما أسلم إلا لهذا، ورآه النبي صلي الله عليه واله وسلم يوما وهو يمشي ويتخلج في مشيته يحاكي النبي صلي الله عليه واله وسلم. فقال له كذلك. فما زال يمشي كأنه يقع على وجهه ونفاه إلى الطائف، ولعنه. فلما توفي النبي صلي الله عليه واله وسلم كلم عثمان أبا بكر أن يرده لأنه كان عمه. فقال أبو بكر: هيهات شيء فعله النبي صلي الله عليه واله وسلم: والله لا اخالفه أبدا. فلما ولی عمر بعده كلمه فيه، فقال: والله لا كان هذا أبدا. فلما ولی عثمان بعده رده في اليوم الذي تولى فيه، وقربه وأدناه، ودفع له مالا عظيما، ورفع منزلته. فقام المسلمون على عثمان، وأنكروا عليه، وهو أول ما أنكروا عليه. فامتنع جماعة من الصحابة من الصلاة خلف عثمان لذلك. ثم توفي الحكم في خلافته.
ص: 228
فصلی علیه ومشي خلفه. فشق ذلك على المسلمين، وقالوا ما كفاك ما فعلت حتى تصلي على منافق ملعون لعنه النبي صلي الله عليه واله وسلم ونفاه، فخلعوه وقتلوه.
وأعطى عثمان ابنه مروان خمس غنائم أفريقية خمسمائة ألف دينار، ولما بلغ ذلك عائشة أرسلت إلى عثمان: أما كفاك أنك رددت المنافق حتى تعطيه أموال المسلمين و تصلي عليه و تشیعه، وبهذا السبب قالت: اقتلوا نعثلا قتله الله فقد کفر، وكان مروان يشتم عليا علیه السلام يوم الجمعة على المنبر، وكان الحسن علیه السلام يقعد في حجرة النبي صلي الله عليه واله وسلم، حتى يفرغ ثم يخرج فيصلي خلفه.(1)
وفي الصحاح: خيط باطل: هو الذي يقال له لعاب الشمس، ومخاط الشيطان وكان مروان يلقب بذلك لأنه كان طويلا مضطربا.(2)
ولما قتل عبد الملك عمرو بن سعيد الأشدق قالت أخته:
غدرتم بعمرو یا بني خيط باطل *** وكلكم يبني البيوت على غدر(3)
وفي تاريخ الطبري - بعد ذكر أن الوليد رخص للحسين علیه السلام في الانصراف لما دعاه لبيعة يزيد - قال مروان للوليد: احبس الرجل، ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه. فوثب عند ذلك الحسين علیه السلام فقال: یابن الزرقاء أنت تقتلني أم هو - إلى أن قال : فقال مروان للوليد: عصيتني. فقال له الوليد: اخترت لي التي فيها هلاك دینی. والله إني لأظت أمرأ يحاسب بدم الحسين علیه السلام الخفيف الميزان عند الله يوم القيامة. فقال له مروان: فإذا كان هذا رأيك فقد أصبت في ما صنعت - يقول له هذا وهو غير حامد له على رأيه.(4)
ص: 229
واستأذن إسماعيل بن يسار النسائي على الغمر بن یزید بن عبد الملك يوما.
فحجبه ساعة ثم أذن له. فدخل يبكي، فقال له الغمر: مالك تبكي؟ فقال: وكيف لا أبكي وأنا على مروانیتي ومروانية أبي احجب عنك.
فجعل الغمر يعتذر إليه. وهو يبكي. فما سكت حتى وصله الغمر بجملة لها قدر. ثم خرج من عنده فلحقه رجل: فقال له: ويلك يا إسماعيل أي مروانية كانت لك أو الأبيك؟ قال: بغضنا إياهم فامرأته طالق إن لم تكن امه تلعن مروان و آله كل يوم مكان التسبيح، وإن لم يكن أبوه حضره الموت فقيل له قل: لا إله إلا الله. فقال: لعن الله مروان. تقربا بذلك إلى الله تعالى وإبدا له من التوحيد، وإقامة له مقامه.(1)
وزعم أهل اليمامة وعكل وغيرهم أن ثلاثة نفر أبو حفصة جد مروان بن أبي حفصة الشاعر، ورجل من تميم، ورجل من سليم أتوا مروان فباعوا أنفسهم منه من مجاعة نالتهم، فاستعدى أهل بيوتاتهم عليهم فأقر السلمي أنه من العرب وأنه إنما أتی مروان فباعه نفسه. فدس إليه مروان من قتله. فلما رأى ذلك الآخران ثبتا على أنهما موليان لمروان.(2)
دخل علي علي علیه السلام عائشة بعد أن بعث ابن عباس إليها يأمرها بالخروج إلى المدينة، ومعه الحسن والحسين علیهما السلام وباقي أولاده، وأولاد إخوته، وفتيان أهله من بني هاشم، وغيرهم من شيعته فلما بصرت به النسوان صحن في وجهه، وقلن: یا
ص: 230
قاتل الأحبة. فقال علیه السلام: لو كنت قاتل الأحبة لقتلت من في هذا البيت - وأشار إلى بيت من البيوت قد اختفي فيه مروان، وعبدالله بن الزبير، وعبدالله بن عامر، وغيرهم - فضرب من كان معه بأيديهم إلى قوائم سيوفهم لما علموا من في البيت مخافة أن يخرجوا منه فيغتالوهم - إلى أن قال - : فسألته عائشة أن يؤمن ابن اختها عبدالله بن الزبير فآمنه، و تكلم الحسن والحسين علیهما السلام في مروان فآمنه.(1)
ولكن روی (الخرائج): أن ابن عباس استشفع له، فروى عن رجل من مراد قال: كنت واقفا على رأس أمير المؤمنين علیه السلام يوم البصرة إذ أتاه ابن عباس بعد القتال فقال إن لي حاجة. فقال علیه السلام ما أعرفني بالحاجة التي جئت فيها تطلب الأمان لابن الحكم قال ما جئت إلا لتؤمنه قال قد آمنته ولكن اذهب وجئني به ولا تجئني به إلا رديفا فإنه أذل له. فجاء به ابن عباس مردفا خلفه كأنه قرد.(2)
قال الواقدي: ولما فرغ أمير المؤمنين علیه السلام من أهل الجمل جاءه قوم من فتیان قريش يسألونه الأمان وأن يقبل منهم البيعة فاستشفعوا إليه بعبد الله بن العباس فشفعه وأمر لهم في الدخول عليه فلما مثلوا بين يديه قال لهم: ويلكم يا معشر قریش علام تقاتلونني على أن حكمت فیکم بغیر عدل أو قسمت بینکم بغير سوية أو استأثرت عليكم أو لبعدي عن رسول الله صلی الله علیه واله وسلم أو لقلة بلاء مني في الإسلام؟ فقالوا: يا أمير المؤمنین نحن إخوة يوسف علیه السلام فاعف عنا واستغفر لنا فنظر إلى أحدهم فقال له: من أنت؟ قال أنا مساحق بن مخرمة معترف بالزلة مقر بالخطيئة تائب من ذنبي فقال علیه السلام: قد صفحت عنکم وايم الله أن فيكم من لا أبالي أبا يعني بكفه أم بأسته ولئن بايعني لينكثن وتقدم إليه مروان بن الحكم وهو متكئ على
ص: 231
رجل فقال علیه السلام: أيك جراحة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين وما أراني لما بي إلا میتا فتبسم أمير المؤمنين علیه السلام وقال: لا والله ما أنت لما بك میت و ستلقى هذه الأمة منك ومن ولدك يوما أحمر.(1)
وظاهر خبر أبي مخنف عدم استشفاع أحد فيه، وفي جمع آخر معه
وروى أبو مخنف و المسعودي عن هاشم بن البريد عن عبد الله بن مخارق عن هاشم بن مساحق القرشي قال: حدثني أبي أنه لما انهزم الناس يوم الجمل اجتمع معه طائفة من قريش فيهم مروان بن الحكم فقال بعضهم لبعض والله لقد ظلمنا هذا الرجل يعنون أمير المؤمنين علیه السلام ونكثنا بيعته من غير حدث والله لقد ظهر علينا فما رأينا قط أكرم سيرة منه ولا أحسن عفوا بعد رسول الله صلی الله علیه واله وسلم؛ فقوموا (تعالوا) حتى ندخل عليه ونعتذر إليه مما صنعناه قال فصرنا إلى بابه فاستأذناه فأذن لنا فلما مثلنا بين يديه جعل متکلمنا يتكلم.
فقال علیه السلام: أنصتوا أكفكم إنما أنا بشر مثلكم فإن قلت حقا فصدقوني وإن قلت باطلا فردوا علي أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله صلی الله علیه واله وسلم لما قبض كنت أنا أولى الناس به وبالناس من بعده قلنا اللهم نعم قال فعدلتم عني و بایعتم أبا بكر فأمسكت ولم أحب أن أشق عصا المسلمين وأفرق بين جماعتهم ثم إن أبا بكر جعلها لعمر من بعده فكففت ولم أهج الناس وقد علمت أني كنت أولى الناس بالله وبرسوله وبمقامه فصبرت حتى قتل عمر وجعلني سادس ستة فكففت ولم أحب أن أفرق بين المسلمين ثم بایعتم عثمان فطعنتم عليه فقتلتموه وأنا جالس في بيتي فأتيتموني و بایعتموني كما بایعتم أبا بكر وعمر فما بالكم وفيتم لهما ولم تفوالي؟
ص: 232
وما الذي منعكم من نكث بيعتهما ودعاكم إلى نكث بيعتي فقلنا له کن یا أمير المؤمنین کالعبد الصالح يوسف إذ قال: «لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ»(1) فقال علیه السلام: لا تثريب عليكم اليوم وإن فيكم رجلا لو با یعني بيده لنكث بأسته يعني مروان بن الحكم.(2)
هذا، وكما أطلق علیه السلام مروان بعد أسره مع عداوته تلك، أطلق الولید بن عقبة مع کونه مثل مروان في العداوة له.
حکی أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: أتى علي علیه السلام بالوليد بن عقبة يوم الجمل أسيرا، فقال لما رآه:
هنيدة قد حللت بدار قوم *** هم الأعداء والأكباد سود
هم إن يظفروا بي يقتلوني *** وإن أظفر فليس لهم جلود
فقال الوليد: أنشدك الله يا أمير المؤمنين في دمي، فخلى عنه.(3)
بايع الناس بعد عثمان عليا علیه السلام إلا ثلاثة من قریش: مروان وسعيد بن العاص و الوليد بن عقبة - وكان لسان القوم - فقال الوليد لها علیه السلام: يا هذا إنك قد وترتنا جميعا. أما أنا فقتلت أبي صبر يوم بدر، وأنا سعيد فقتلت أباه يوم بدر، وأما مروان فشتمت أباه، وعبت على عثمان حین ضمه إليه - إلى أن قال : فقال الوليد: تبايعنا على أن تضع عنا ما أصبنا، وتعفى لنا عما في أيدينا، وتقتل قتلة صاحبنا.
ص: 233
فغضب علي علیه السلام وقال: أما ما ذكرت من وتري إياكم، فالحق و تركم، وأما وضعي عنكم ما أصبتم فليس لي أن أضيع حق الله ، وأما إعفائي عما في أيديكم فما كان الله وللمسلمين فالعدل يسعكم، وأما قتلي قتلة عثمان فلو لزمني قتلهم اليوم لزمني قتالهم غدا، ولكن لكم أن أحملكم على كتاب الله، وسنة نبيه، فمن ضاق عليه الحق فالباطل عليه أضيق، وإن شئتم فالحقوابملاحقكم. فقال مروان: بل نبايعك، ونقيم معك فترى ونرى.(1)
أي: با سته. في خبر (الخرائج) المتقدم: «قال أمير المؤمنين علیه السلام تبايع؟ قال: نعم وفي النفس ما فيها قال: الله أعلم بما في القلوب.
فلما بسط يده ليبايعه أخذكفه عن كف مروان فنترها وقال: لا حاجة لي فيها،إنها كف يهودية لوبايعني بيده عشرين مرة لنكث باسته»(2)
وقد عرفت من خبر أبي مخنف: وإن الله إن فيكم رجلا لو بايعني بيده لنكث باسته»(3)
ومن خبر الواقدي: «و ایم الله إن فيكم من لا ابالي بايعني بكفه أو باسته، ولئن با يعني لینکثن»(4)
قال ابن أبي الحديد: كان الغادر من العرب إذا عزم على الغدر بعد عهده حبق استهزاء .(5)
ص: 234
قال علیه السلام ذلك لأنه يعرف ضميره، وكيف كان يفي ببيعته، وقد كان كتب إلى معاوية، ويعلى بن منبة قبل قتل عثمان «وإني خائف إن قتل - يعني عثمان - أن تكون - أي الخلافة - من بني أمية بمناط الثريا إن لم نصر کرصيف الأساس المحكم ولئن وهي عمود البيت لتتداعين جدرانه والذي عيب عليه إطعامكما الشام واليمن ولا شك أنكما تابعاه إن لم تحذرا وأما أنا فمساعف كل مستشير ومعين كل مستصرخ ومجيب كل داع أتوقع الفرصة فأثب وثبة الفهد أبصر غفلة مقتنصة».(1)
وكتب إلى معاوية بعد قتل عثمان - مشيرة إليها علیه السلام وأصحابه - ولقد طويت أديمهم على نغل يحلم منه الجلد كذبت نفس الظان بنا ترك المظلمة، وحب الهجوع إلا تهويمة الراكب العجل - إلى أن قال - : وكتابي إليك وأنا كحرباء السبسب في الهجير ترقب عين الغزالة.(2)هذا.
وقال الأخطل وكان شاعرا نصرانيا، ومن المنقطعين إلى بني أمية في بشر بن مروان:
فلا تجعلني يابن مروان کامرئ *** غلت في هوى آل الزبير مراجله
يبايع بالكف التي قد عرفتها *** وفي قلبه ناموسه وغوائله(3)
ص: 235
قال ابن أبي الحديد: وروى هذه الخبر من طرق كثيرة ورويت فيه زيادة هكذا:
«ويحمل راية ضلالة بعد ما يشيب صدغاه، وإن له إمرة كلعقة الكلب أنفه»(1)
وقال الشاعر في امارة مروان، وقد عرفت أنه كان يلقب بخيط الباطل:
لحا الله قوما أمروا خيط باطل *** على الناس يعطي من يشاء ويمنع(2)
وقد وقعت إمارته كما أخبرعلیه السلام قال المسعودي: أراد مروان بعد موت یزید أن يلحق بابن الزبير فمنعه من ذلك عبیدالله بن زياد عند لحاقه بالشام وقال له: إنك شیخ بني عبد مناف - إلى أن قال-: قال عمرو بن سعيد الأشدق لمروان أدعوا الناس إليك، وآخذها لك على أن يكون لي من بعدك.
فقال مروان: بل بعد خالد بن یزید بن معاوية فرضي الأشدق بذلك، ودعا الناس إلى بيعة مروان فأجابوا، وكانت أيامه تسعة أشهر وأيام قلائل(3) - وقيل ثمانية أشهر(4) ؛ وقيل ستة أشهر وقيل أربعة أشهر وعشرة أيام(5) - واختلف في سبب وفاته فمنهم من رأى أنه مات مطعونا، ومنهم من رأى أنه مات حتف أنفه، ومنهم من رأى أن فاختة بنت أبي هاشم بن عتبة - أم خالد بن يزيد - هي التي قتلته، وذلك أن مروان حين أخذ البيعة لنفسه ولخالد بن يزيد بعده، وعمرو بن سعید بعد خالد؛ ثم بدا له في ذلك فجعلها لابنه عبد الملك بعده ثم لابنه عبد العزيز، ودخل عليه خالد بن يزيد فكلمه وأغلظ له؛ فغضب من ذلك، وقال: أتكلمني يابن الرطبة
ص: 236
- وكان مروان قد تزوج بامه فاختة ليذله بذلك ويضع منه - فدخل خالد على امه فقبح لها تزوجها بمروان، وشكا إليها ما نزل به منه فقالت: لا يعيبك بعدها، فمنهم من رأى أنها وضعت على نفسه وسادة، وقعدت فوقها مع جواريها حتى مات، ومنهم من رأى أنها أعدت له لبنا مسموما فلما دخل عليها ناولته إياه فشربه فلما استقر في جوفه وقع يجود بنفسه، وأمسك لسانه فحضره عبد الملك وغيره من ولده، فجعل مروان يشير إلى ام خالد برأسه - يخبرهم أنها قتلته - وام خالد تقول: بأبي أنت حتى عند النزع لم تشتغل عتي انه يوصيكم بي.(1)
فقد عرفت أن إمرته كانت تسعة أشهر أو ثمانية أشهر.
هذا، وكان ابن همام حين حصر ابن مطيع في القصر فتدلی منه مع ناس تدلوا أيضا فقال:
لما رأيت القصر أغلق بابه*** وتعلقت همدان بالأسباب
ورأيت أفواه الأزقة حولنا*** ملئت بكل هراوة وذياب
ورأيت أصحاب الدقيق كأنهم*** حول البيوت ثعالب الأسراب
أيقنت أن إمارة ابن مضارب *** لم تبق منها قيس أثر ذباب(2)
ومما قيل في قصر المدة قول ابن عباس في مدة امارة عائشة في الجمل.
قال ابن عباس لها - بعد هزيمتها - إن أمير المؤمنين يأمرك أن ترجعي إلى بلدك الذي خرجت منه. قالت: رحم الله أمير المؤمنين إنما كان عمر بن الخطاب فقال لها
ص: 237
بل علي بن أبي طالب فقالت: أبيت أبيت فقال لها: ما كان آباؤك إلا فواق ناقة بكيئة ثم صرت ما تحلين، ولا تمرين ولا تأمرين، ولا تنهين فبكت حتى علا نشيجها.(1)
في إعلام الوری عن ابن مرهب - بعد ذکر ورود مروان على معاوية، و ترکه حاجة له - فورد ابنه عبد الملك إلى معاوية فكلمه فلما أدبر عبد الملك قال (معاوية الابن عباس وكان عنده): أنشدك الله يابن عباس أما تعلم أن النبي صلی الله علیه واله وسلم ذكر هذا فقال: أبو الجبابرة الأربعة قال ابن عباس: اللهم نعم.(2)
وقال مصعب الزبيري: زعموا أن عبد الملك بن مروان رأى في منامه أنه بال في المحراب أربع مرات فدت من سأل سعيب بن المسيب - وكان يعتبر الرؤيا - فقال: يملك من صلبه أربعة فكان آخرهم هشام .(3)
وقال ابن أبي الحديد: فسروا الأكبش الأربعة بني عبد الملك الوليد، و سلیمان، ويزيد، وهشام ولم يل الخلافة من بني أمية، ولا من غيرهم أربعة إخوة إلا هؤلاء ويجوز عندي أن یرید علیه السلام ولد مروان لصلبه عبد الملك وعبد العزيز وبشر و محمد وكانواكباشا أبطالأ أنجاد ولي عبد الملك الخلافة، وولي بشر العراق، وولي محمد الجزيرة، وولي عبد العزيز مصر ولكل منهم آثار مشهورة.(4)
وكان لمروان ولد آخر أحمق، معاوية بن مروان، وهو الذي قال للطحان:
ص: 238
أرأيت إن قام حمارك وحرك رأسه ليصوت جلجله ما علمك فقال: ومن له بمثل عقل الأمير.(1)
والأظهر ما عليه الأكثر من كون المراد بني عبد الملك الأربعة الذين ولو الخلافة، وكيف كان فمروان كان أبا عشرة.(2)
هذا، وولي الخلافة في الأخوين المسترشد، والمقتفي ابنا المستظهر، والهادي والرشید ابنا المهدي، والواثق والمتوكل ابنا المعتصم، وفي الاخوة الثلاثة، الأمين والمأمون والمعتصم بنو هارون، والمكتفي والمقتدر والقاهر بنو المعتضد، والراضي والمتقي والمطيع بنو المقتدر، وأما أربعة إخوة فليس إلا الوليد و سلیمان، ويزيد وهشام بنو عبد الملك.(3)
وكما أخبرعلیه السلام بهؤلاء الأكبش الأربعة أخبرعلیه السلام أن كبشأ آخر -وهو ابن الزبير-يستحل حرمة الكعبة.
قال عبد الله بن سليم والمذري بن المشمعل الأسديان: سمعنا ابن الزبير وهو يقول للحسين علیه السلام يوم التروية بين الحجر والباب: إن شئت أن تقيم أقمت. فولیت هذا الأمر فآزرناك، وساعدناك، ونصحنا لك، وبايعناك. فقال علیه السلام: «إن أبي حدثني أن بها كبشأ يستحل حرمتها فما أحب أن أكون ذلك الكبش»(4) ؛ ويأتي خبر النبي صلی الله علیه واله وسلم في ولد أبي العاص جد مروان كعثمان.
ص: 239
وفي خبر الخرائج المتقدم - بعد قوله علیه السلام في مروان: لو بايعني بيده عشرين مرة النكث باسته - ثم قال علیه السلام: هيه يا ابن الحكم خفت على رأسك أن تقع في هذه المعمعة كلا والله حتى يخرج من صلبك فلان، وفلان يسومون هذه الامة خسفا، ويسقونهم كأسا مصبرة.(1)
وقال ابن أبي الحديد «وفي الاستيعاب» نظر علي علیه السلام يوما إلى مروان فقال له: ويل لك وويل لأمة محمد منك ومن بنيك، اذا شاب صدغاك»(2) والموجود في (الاستیعاب) «ويلك وویل امة محمد منك، ومن بنيك إذا ساءت در عك»(3)
ويقال لمروان وولده: بنو الزرقاء - وزرقاء بنت موهب جدة مروان لأبیه کانت من ذوات الرايات في البغاء - قال ابن الأشعث - لما أجمع أهل العراق على خلع عبد الملك بدير الجماجم - إن بني مروان يعيرون بالزرقاء والله ما لهم نسب أصح منه إلا أن بني أبي العاص أعلاج من أهل صفورية.(4)
قال مروان لمعاوية لما عزله عن الامارة: رويدا رويدا، فقد بلغ بنو الحكم وبنو بنیه نیفا وعشرين، وإنما هي أيام قلائل حتى يكملوا أربعين ثم يعلم امرؤ ما يكون منهم حينئذ ثم هم للجزاء بالحسني والسوء بالمرصاد.
قال أبو الفرج: هذا رمز إلى قول النبي صلی الله علیه واله وسلم: «إذا بلغ بنو أبي العاص أربعين رجلا اتخذوا مال الله دولا وعباد الله خولا» فكان بنو أبي العاص یذکرون أنهم سیلون
ص: 240
أمر الأمة إذا بلغوا هذه العدة. فغضب معاوية وقال: یابن الوزغ لست هناك، فقال مروان: هو ما قلت لك، وإني الآن لأبو عشرة، وأخو عشرة، وعم عشرة، وقد کاد ولد أبي أن يكملوا العدة - يعني أربعين - ولو قد بلغوها لعلمت أين تقع مني. فانخذل معاوية.
وقال الأحنف لمعاوية: ما رأيت لك سقطة مثلها ما هذا الخضوع لمروان وأي شيء يكون منه ومن بني أبيه إذا بلغوا أربعين وما الذي تخشاه منهم فقال: إن الحكم بن أبي العاص كان أحد من قدم مع أم حبيبة لما زفت إلى النبي صلی الله علیه واله وسلم وهو يتولى نقلها إليه، فجعل النبي صلی الله علیه واله وسلم يحد النظر إليه قيل له: لقد أحددت النظر إلى الحكم. فقال: «ذاك رجل إذا بلغ بنو أبيه ثلاثين أو أربعين ملكوا الأمر من بعدي» فوالله لقد تلقاها مروان من عين صافية.
فقال له الأحنف: رویدا لا يسمع هذا منك أحد. فإنك تضع من قدرك وقدر ولدك بعدك، وإن يقض الله أمرا یكن. فقال له معاوية: اكتمها علي. فقد لعمرك صدقت ونصحت.(1)
اشتکی عمرو بن عثمان فكان العواد يدخلون عليه فيخرجون، ويتخلف عنده مروان فيطيل فأنكرت ذلك رملة بنت معاوية امرأة عمرو فخرقت كوة فاستمعت على مروان فاذا هو يقول: ما أخذ هؤلاء – يعني حرب بن امية-الخلافة إلا باسم أبيك فما يمنعك أن تنهض بحقك فلنحن أكثر منهم رجالا منا فلان، ومنهم فلان - وعدد فضول رجال أبي العاص على رجال بني حرب - فلما برأعمرو تجهز للحج، و تجهزت رملة في جهازه. فلما خرج عمرو خرجت رملة إلى أبيها بالشام
ص: 241
فأخبرته وقالت له: ما زال يعد فضل رجال أبي العاص على بني حرب حتى عد ابني عثمان وخالدا ابني عمرو فتمنيت أنهما ماتا فکتب معاوية إلى مروان:
أو اضع رجل فوق اخرى يعدنا *** عديد الحصى ما أن تزال تكاثر
وامكم تزجي توأما لبعلها *** وام أخیکم نزرة الولد عاقر
اشهد يا مروان أني سمعت النبي صلی الله علیه واله وسلم يقول: «إذا بلغ ولد الحكم ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله دولا، ودين الله دخلا، وعباد الله خولا» فكتب إليه مروان: أما بعد یا معاوية فإنی أبو عشرة، وأخو عشرة، وعم عشرة.(1)
ثم الخبر عن النبي صلی الله علیه واله وسلم ورد تارة في الحكم أبي مروان كما عرفته من معاوية على رواية مصعب الزبيري، واخرى في أبي العاص جده كما عرفت من خبر أبي الفرج الأصبهاني، والثاني يشمل عثمان أيضا، وقد استند إليه أبوذر في قباله، وقد شهد له أيضا الدراية.
ولقد لقيت الامة منه، ومن ولده يوما أحمر كما قال علیه السلام فكان مروان وابنه عبد الملك سببا لغلبة مسلم بن عقبة يوم الحرة على أهل المدينة، وفعله تلك الشنائع التي لم تكن بعد واقعة الطف أشنع منها، فكتب مسلم بن عقبة إلى يزيد يشكره ويشكر ابنه.(2)
ولما حضر ابنه عبد الملك الوفاة قال لابنه الوليد: لا تعصر على عينيك كالأمة الوكساء إذا أدليتني في حفرتي اخرج إلى الناس، والبس لهم جلد النمر، واقعد على المنبر، وادع الناس إلى بيعتك، فمن مال بوجهه عنك فقل له بالسيف كذا. فلما
ص: 242
توفي دعا الوليد إلى البيعة فلم يختلف عليه أحد، وكان أول ما ظهر من أمره أن أمر بهدم كل دار من دار أبيه إلى قبره فهدمت من ساعتها وسويت بالأرض لئلا يعرج بسرير عبد الملك يمينا وشمالا.(1)
ولقى النبي صلی الله علیه واله وسلم من أبيه الحكم ما لقي من محاكاته له في مشيته و تجسسه أخباره لأعدائه حتى ألجأه إلى نفيه إلى الطائف، ولقي الناس منه فكان يثبطهم عن الإسلام.
ففي (العقد) قال مروان الحويطب بن عبد العلای - وكان كبيرا مستا - تأخر إسلامك أيها الشيخ حتی سبقك الأحداث.
فقال: الله المستعان، والله لقد هممت بالإسلام غير مرة كل ذلك يعوقني عنه أبوك وينهاني ويقول: تضع من قدرك تترك دين آبائك لدين محدث، وتصير تابعا.(2)
ولقى الناس من ولد ابنه الأربعة ما لقوا لاسيما الأول منهم الوليد کان جباراعنيدا والأخير هشام كان فظا غليظا شحيحا.
قال المسعودي: كان هشام بن عبد الملك أحول خشنا فظا غليظا يجمع الأموال، ويعتر الأرض، ويستجيد الخيل، وأقام الحبلة فاجتمع له فيها من خیله وخیل غيره أربعة آلاف فرس، ولم يعرف ذلك في جاهلية ولا في إسلام لأحد من الناس وسلك الناس جميعا في أيامه مذهبه ومنعوا ما في أيديهم فقل الإفضال وانقطع الرفد، ولم ير زمان أصعب من زمانه (3)وعرض يوم الجند بحمص فمر به
ص: 243
رجل من أهل حمص وهو على فرس نفور فقال له هشام: ما حملك على أن تربط فرسا نفورا فقال الحمصي: لا والرحمن الرحيم ما هو بنفور ولكنه أبصر حولتك فظن أنه عين غزوان البيطار - وكان غزوان نصرانيا ببلاد حمص كأنه هشام في حولته وكشفته - فقال له هشام: تن فعليك وعلى فرسك لعنة الله.(1)
ولقد أخبرعلیه السلام به بالخصوص ففي إخباره علیه السلام عنه: «و الذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إن من ورائكم الأعور الأدبر، جهنم الدنيا لا تبقي ولا تذر»(2)
وكان كما قال علیه السلام: حريصا على جمع أموال الناس فكان يأخذ ضياع الناس وعقارهم ونفائسهم وقد عرفت كونه أعور أحول.
وأخبر علیه السلام بالوليد بن یزید ابن ثالثهم ففي الارشاد بعد ما مر «ومن بعده النهاس الفراس»(3)أمانهاسيته، فقالوا: إن ابن عائشة القرشي غناه:
إني رأيت صبيحة النحر*** حورا نفین عزيمة الصبر
مثل الكواكب في مطالعها *** عند العشاء أطفن بالبدر
وخرجت أبغي الأجر محتسبا *** فرجعت موقورا من الوزر
فقال له الوليد: أحسنت والله يا أميري أعد بحق عبد شمس فأعاد فجعل يتخطى من أب إلى أب، ويأمره بالاعادة حتى بلغ نفسه فقال: أعد بحياتي: فأعاد فقام الوليد إليه فأكب عليه، ولم يبق عضوا من أعضائه إلا قبله وأهوى إلى أيره فجعل ابن عائشة يضم ذكره بين فخذيه فقال له الوليد: والله لا زلت حتى أقبله فقبل رأسه وقال: واطرباه واطرباه ونزع ثيابه فالقاها على ابن عائشة وبقي مجردا
ص: 244
إلى أن أتوه بثياب غيرها ودعا له بألف دينار وحمله على بغلة وقال: اركبها على بساطي وانصرف فقد تركتني على أحر من جمر الغضى.(1)
وأما فراسیته: كان الوليد مغرى بالخيل وحبها، وجمعها وإقامة الحلبة وكان السندي فرسه جواد زمانه وكان يسابق به في أيام هشام وكان يقصر عن فرس هشام المعروف بالزائد، وأجرى الخيل بالرصافة، وأقام الحلبة، وهي يومئذ ألف قارح، ووقف بها ينتظر الرائد ومعه سعید بن عمرو بن سعید بن العاص، وكان له فيها جواد يقال له الوضاح (المصباح)، وخشي الوليد أن تسبق فرس سعيد، فركض فرسه حتى ساوى الوضاح فقذف بنفسه عليه، ودخل سابقا فكان الوليد أول من فعل ذلك.(2)
ولقد أخبرعلیه السلام بعمر بن عبد العزيز منهم وكونه من بين ولد مروان أخف وطأة فقال علیه السلام في خطبته: «ثم ليتوارثنكم من بني أمية عدة ما الآخر بأرأف بكم من الأول ما خلا رجلا واحدا»(3)
هذا، وأخبرعلیه السلام عمر بن سعد بقتله ابنه الحسین علیه السلام.
قال ابن سیرین: قال علي علیه السلام العمر بن سعد: «كيف أنت إذا قمت مقاما تخير فيه بين الجنة والنار فتختار النار»(4)
أشارعلیه السلام إلى تخییر ابن زیاد له بين رده کتاب عهده على الري أو خروجه إلى قتال الحسین علیه السلام وقتله، فاختار الثاني وقال في ذلك:
ص: 245
أ أترك ملك الري والري رغبتي (منيتي) *** أم أرجع مذموما بقتل حسین
وفي قتله النار التي ليس دونها *** حجاب وملك الري قرة عيني(1)
هذا ونقل ابن أبي الحديد عند قوله علیه السلام: «أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلغوم» عن الإسكافي أن رأس الحسين علیه السلام لما وصل إلى المدينة كان مروان أميرها، فحمل الرأس على يديه، وقال:
یا حبذا بردك في اليدين*** وحمزة تجري على الخدين
كأنما بت بمسجدين
ثم رمى بالرأس نحو قبر النبي صلی الله علیه واله وسلم؛ وقال: يا محمد يوم بيوم بدر.
ثم قال ابن أبي الحديد: مروان لم يكن أمير المدينة يومئذ بل كان أميرها عمرو بن سعيد بن العاص، ولم يحمل إليه الرأس، وإنما كتب إليه عبيد الله بن زیاد يبشره بقتل الحسین علیه السلام فقرأ كتابه على المنبر، وأنشد الرجز المذكور وأومأ إلى القبر: يوم بيوم بدر فأنكر عليه قوله قوم من الأنصار. ذكر ذلك أبو عبيدة في كتاب المثالب.(2)
قال التستري علیه السلام: رد إبن أبي الحديد وهم، فإن مراد الاسكافي لم يكن بعد القتل من کوفة من ابن زیاد بل بعد ذلك بارسال يزيد من الشام قال كاتب الواقدي: إن رأس الحسين علیه السلام دفن بالمدينة عند أمه.(3)
ص: 246
وذكر الشعبي أن مروان كان بالمدينة فأخذ الرأس و ترکه بین یدیه و تناول أرنبة أنفه وقال: «يا حبذا الرجز - والله لكأني أنظر إلى أيام عثمان ...»(1)
وإخبار ابن زیاد کتابة عمرو بن سعيد والي المدينة بقتل الحسين علیه السلام لم ينحصر نقله بأبي عبيدة بل ذكره الطبري وغيره .(2)
ص: 247
بسم الله الرحمن الرحیم
لَقَدْ عَلِمْتُم أنّي أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِن غَيْرِي وواللَّهِ لا سَلِمْنَ مَا سَلِمتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ ولَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلاَّ عَلَى خَاصِّهِ اِلْتِمَاساً لاجْرِ ذَلِكَ وَ فَضْلِهِ وَ زُهْداً فِيمَا تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَ زِبْرِجِهِ
قال المحدث المجلسي: في هذا الكلام دلالة على أن خلافة غيره جور مطلقا وأن التسليم على التقدير المفروض وهو سلامة أمور المسلمين وإن لم يتحقق الفرض لرعاية مصالح الاسلام والتقنية انتهى.(1)
قال علیه السلام لهم بعد أن بايع عبد الرحمن والحاضرون عثمان و تلکا هوعلیه السلام عن البيعة: إن لنا حقا إن نعطه نأخذه وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السري.
ثم قال لهم: أنشدكم الله فيكم أحد آخی رسول الله صلی الله علیه واله وسلم بينه وبين نفسه حيث آخي بين بعض المسلمين وبعض غيري؟ فقالوا: لا فقال: أفيكم أحد قال له رسول الله صلی الله علیه واله وسلم: من کنت مولاه فهذا مولاه غيري؟ فقالوا: لا فقال: أفيكم أحد قال له
ص: 248
رسول الله صلی الله علیه واله وسلم: أنت منی بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي غيري؟ قالوا: لا قال: أفيكم من اؤتمن على سورة براءة وقال له رسول الله صلی الله علیه واله وسلم: إنه لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل متي غيري؟ قالوا: لا قال: ألا تعلمون أن أصحاب رسول الله صلی الله علیه واله وسلم فروا عنه في ماقط الحرب في غير موطن وما فررت قط قالوا: بلى قال: ألا تعلمون أني أول الناس إسلاما؟ قالوا: بلى قال: فأينا أقرب إلى رسول الله صلی الله علیه واله وسلم نسبا؟ قالوا: أنت فقطع عليه عبد الرحمن بن عوف کلامه وقال: يا علي قد أبی الناس إلا على عثمان فلا تجعلين على نفسك سبيلا ثم قال: يا أبا طلحة ما الذي أمرك به عمر؟ قال: أن أقتل من شق عصا الجماعة فقال عبد الرحمن لعلي: بایع اذن وإلا كنت متبعا غير سبيل المؤمنين وأنفذنا فيك ما أمرنا به فقال لقد: علمتم أني أحق بها من غيري والله لأسلمن...
الفصل إلى آخره ثم مد يده فبايع.(1)
حيث أقروا بمقاماته، ومقالات النبي صلی الله علیه واله وسلم فيه من كونه کنفسه أولى بهم من أنفسهم، وأنه من النبي صلی الله علیه واله وسلم بمنزلة هارون من موسى وغير ذلك مما مر في مناشداته إلا انهم لم يكونوا يريدون العمل بالحق ولا فهم من هو أحق ولذا قطع ابن عوف كلامه علیه السلام وقال له: إن الناس - ومراده ابن أبي السرح الذي نزل القرآن بكفره،(2)
ص: 249
والوليد بن عقبة (1) الذي نزل القرآن بفسقه ونظراءهما - أبوا إلا عثمان لأنهم نظروا
ص: 250
الأنفسهم في دنياهم، ولم يكن لهم شغل بالدين، وهدده أيضا بأمر عمر بقتله علیه السلام إن أراد شق عصا الجماعة أي جماعة الكفر والنفاق وأنه علیه السلام إن لم يقبل ذلك كان متبعا غير سبيل المؤمنين: أي بالجبت والطاغوت.
قال ابن أبي الحديد: هذا الكلام يدل على أنه علیه السلام لم يكن يذهب إلى أن خلافة عثمان كانت تتضمن جورا على المسلمين والإسلام، وإنما تتضمن جورا عليه
ص: 251
خاصة، وأنها وقعت على جهة مخالفة الأولى لا على جهة الفساد الكلي.(1)
ما ذكره من الدلالة غريب فإن معنی کلامه علیه السلام أن باقي الستة الذين عينهم عمر لم يكن عليهم جور لأنهم لا حق لهم في الخلافة ولا استحقاق وعمر ذكرهم بغير حق، وإنما الجور عليه علیه السلام خاصة حيث غصب حقه.
وأما قوله: «لم يكن جورا على الإسلام» فمضحك. إذ مر أبو سفيان أيام عثمان على قبر حمزة فضربه برجله وقال له: يا أبا عمارة قم فانظر أن الدين - الذي كنت تضربنا عليه بالسيف - في يد شباننا يلعبون به(2)وسمعوا ليلة بيعته هاتفا يقول: «يا ناعي الإسلام قم فانعه»(3)
وأما قوله علیه السلام: «ما سلمت أمور المسلمين» فمعناه ما كانت صورة الإسلام على الظاهر محفوظة، وإلا فكيف كانت بيعة عثمان صحيحة وقد أكرهوه على البيعة وأرادوا قتله، وكيف كانت صحيحة وقد تضمنت تلك المفاسد الجليلة من ركوب بني أمية أعداء الدين رقاب الأمة، وأخذ الخلافة بنقض العهد وسل السيف.
وكيف كانت صحيحة وجميع من بايعه من أهل الشورى وغيرهم من المهاجرين والأنصار والتابعين على إباحة قتله فضلا عن وجوب خلعه.
وكيف كانت صحيحة وكل فقرة مما قررها علیه السلام عليهم قبل هذا الكلام من مناشداته الواردة في الروايات دالة على بطلان خلافة الأولين فضلا عن عثمان.(4)
وروي عن أبي الطفيل قال: كنت على الباب يوم الشورى فارتفعت الأصوات
ص: 252
بينهم، فسمعت عليا علیه السلام يقول: بايع الناس أبابكر، وأنا والله أولى بالأمر منه وأحق به منه فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفارا أو يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف ثم بايع أبو بكر لعمر وأنا أولى بالأمر منه فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفارا ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان - الخبر -(1)
ومما ذكر يظهر لك ما في مغالطة ابن أبي الحديد في قوله: «فإن قلت: فهلا سلم إلى معاوية وإلى أصحاب الجمل وأغضى على اغتصاب حقه حفظا للإسلام من الفتنة. قلت: إن الجور الداخل عليه من أصحاب الجمل ومن معاوية وأهل الشام لم يكن مقصورا عليه خاصة بل كان يعم الإسلام والمسلمين جميعا لأنهم لم يكونوا عنده ممن يصلح لرئاسة الأمة و تحمل أعباء الخلافة»(2)
فائه أي فرق بین عثمان ومعاوية، بل كانت أمور المسلمين في زمان معاوية أقرب إلى الصلاح منها في زمان عثمان، لأن معاوية إنما كان ظالما جائرا، ولم يكن مفسدا بخلاف عثمان، ولذا انتقضت عليه الأمور حتى أجهز عليه عمله.
ثم ننشدهم بالله ان الزبير وطلحة، وهما عندهم من حواري النبي صلی الله علیه واله وسلم؛ ومن العشرة المبشرة وممن توفي النبي صلی الله علیه واله وسلم، وهو عنهم راض، ولهما سوابق في أيام النبي صلی الله علیه واله وسلم أي نقص كان لهما عن عثمان بل عن أبي بكر وعمر سوى أنهم نالوها وهما لم ينالاها و الكلام في الاستحقاق لا الاتفاق.(3)
ولما قال عمر لأهل الشورى: أكلكم يطمع بعدي في الخلافة قال له الزبير:
ص: 253
«وما الذي يبعدنا منها وليتها أنت فقمت بها، ولسنا دونك في قريش ولا في السابقة ولا في القرابة».(1)
وإنما الفارق أنه علیه السلام يوم السقيفة ويوم الشوری کان وحده في مقابل سلطنة مستقرة هددوه في الأول بالإحراق والقتل، وفي الثاني بضرب العنق كما أمرهم عمر، ووكل أبا طلحة بذلك لو تخلف متخلف عن دستوره في البيعة لمن ينتخبه ابن عوف، وهو عثمان.
وأما أهل الجمل وأهل الشام فبالعكس كان هوعلیه السلام ذا سلطنة قاهرة أراد الأولون نكثها، والأخيرون التخلف عنها، وكان علیه السلام مكلفا بعدم تخليتهم بعد قدرته.(2)
فقال علیه السلام: «لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها»(3)
وقال علیه السلام أيضا في ذلك: «لم يسعني إلا القتال أو الجحود بما أنزل على محمد صلی الله علیه و آله وسلم»(4)
وقد أبادعلیه السلام الأولين في يوم واحد، وأراد استیصال الآخرين إلا أن الأقدار منعت عن ذلك بامتحان الله تعالى لعباده، سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد الستة الله تبديلا.
ص: 254
وكما قيل: ان ما ذكره الشارح المعتزلي من التفرقة بين المتخلفين الثلاثة وبين الناكثين والقاسطین بکون جور الأولين مقصورا عليه خاصة وجور الآخرين عاما له وللاسلام والمسلمين، فضعيف جدا كضعف توهمه صلاحية الأولين عنده علیه السلام الرياسة العامة وعدم صلاحية الآخرين لها.
أما أولا فلمنع انحصار جور الأولين فيه خاصة ألم يبعث الأول خالد بن الوليد لعنه الله إلى مالك بن نويرة فقتله وأصحابه وزنی امرئته بمجرد امساكه عن الزكاة ومنع بضعة الرسول من فدك أليس جورا بينا وظلما فاحشا فضلا عن سایر ما صدر عنه؟
أو لم يأمر الثاني باحراق بيت الصديقة ومنعها حقها وأعطى عايشة وحفصة عشرة آلاف درهم في كل سنة وظلم المسلمين في بيت مالهم؟
أولا تنظر إلى الثالث كيف أخرج أبي ذر إلى الربذة وكسر ضلع عبدالله بن المسعود وحمل بني أبي معيط على رقاب الناس وأتلف مال المسلمين وظلمهم في حقهم وقام معه بنو أمية «أبيه» يخضمون مال الله خضم الابل نبتة الربيع؟ ولو لم يكن منهم جور إلا في حقه علیه السلام الكفي في بطلان خلافتهم إذ الجائر لا يكون إماما لقوله تعالى:«لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»(1)
وأما ثانية فلمنع صلاحية الأولين عندها للرياسة، وكيف يتوهم ذلك مع تصريحه في الخطبة الشقشقية وغيرها مما مرت ويأتي بعد ذلك ببطلان خلافتهم واغتصابهم حقه فضلا عما حققنا سابقا في غير موضع فساد خلافتهم وبطلان دعواهم لها.
ص: 255
فان قلت: فلم أمسك عنهم ونهض إلى معاوية وأصحاب الجمل؟
قلت: قد بینا جواب ذلك فيما سبق وقلنا إن إمساكه النكير على الأولين لعدم وجود ناصر ومعين له يومئذ ينصره ويحمي له فأمسك عنهم تقية وحقنا لدمه بخلاف يوم الجمل، وصفين كما مر تفصيلا في تنبيهات كلامه السابع والثلاثين، وبالجملة لا ريب في بطلان خلافة الجميع وكون الكل جائرا ظالما في حقه وفي حق المسلمين، غاية الأمر أن معاوية وأصحاب الجمل هتكوا حرمة الإسلام بالمرة وأعلنوا بعداوته علیه السلام و شهر وا سيوفهم عليه، والأولين لم يبلغوا هذه المثابة.
وبهذا كله ظهر فساد ما توهمه أخيرا ونسبه إليها علیه السلام من عدم ذهابه إلى بطلان خلافة عثمان أصلا ورأسا وإنما كان يذهب إلى أنها متضمنة للجور عليه خاصة فافهم جيدا.(1)
ص: 256
بسم الله الرحمن الرحیم
أَ وَلَمَ يُنْهَ بَنِي أُمَيَّةَ عِلْمُهَا بِي عَنْ قَرْفِي أو مَا وَزَعَ الجُهَّالَ سَابِقَتِي عَن تُهَمَتِي ولَمَا وَعَظَهُمُ اللَّهُ بِهِ أَبْلَغُ مِن لِسَانِي أَنَا حَجِيجُ الْمَارِقِينَ وخَصِيمُ النَّاكِثِينَ الْمُرْتَابِينَ وعَلَى كِتَابِ اَللَّهِ تُعْرَضُ اَلْأَمْثَالُ وَ بِمَا فِي اَلصُّدُورِ تُجَازِي اَلْعِبَادَ
أن عثمان صعد يوم الجمعة المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، فقام رجل، فقال له:أقم کتاب الله، فقال عثمان: اجلس، فجلس حتى قام ثلاثا، فأمر به عثمان فأجلس (فجلس)، فتحاثوا بالحصباء حتى ما ترى السماء، وسقط عثمان عن المنبر، وحمل فأدخل داره مغشيا عليه، ودخل علي عليه السلام عليه وهو مغشي عليه، وبنو أمية حوله، فأقبلت بنو أمية بمنطق واحد، فقالوا: يا علي أهلكتنا و صنعت هذا الصنيع به أما والله لئن بلغت الذي تريد لتمر عليك الدنيا، فقام علي عليه السلام مغضبا.(1)
ص: 257
قال علي بن الحسين عليه السلام: قال لي مروان: ما كان في القوم أدفع عن صاحبنا من صاحبكم. قلت: فما بالكم تسبونه على المنابر؟ قال: إنه لا يستقيم لنا الأمر إلا بذلك.(1)
ذكروا أن رجلا من همدان يقال له برد قدم على معاوية، فسمع عمرا يقع في علي عليه السلام، فقال له: يا عمرو، إن أشياخنا سمعوا النبي صلی الله علیه و آله وسلم يقول: «من کنت مولاه فعلي مولاه» فحق ذلك أم باطل؟ فقال عمرو: حق، وأنا أزيدك أنه ليس أحد من صحابة النبي صلی الله علیه و آله وسلم له مناقب مثل مناقب علي. ففزع الفتي، فقال عمرو: إنه أفسدها بأمره في عثمان، فقال برد: هل أمر أو قتل؟ قال: لا، ولكته آوی ومنع. قال: فهل بايعه الناس عليها؟ قال: نعم. قال: فما أخرجك من بيعته؟ قال: اتهامي إياه في عثمان. قال له: وأنت أيضا قد اتهمت؟ قال: صدقت، وفيها خرجت إلى فلسطين. فرجع الفتى إلى قومه فقال: إنا أتينا قوما أخذنا الحجة عليهم من أفواههم، علي على الحق فاتبعوه.(2)
وقال ابن أبي الحديد في شرح قوله عليه السلام: «أو لم ينه بني أمية علمها بي...»: علمهم بمنزلته في الدين التي لا منزلة أعلى منها، وما نطق به الكتاب الصادق من طهارته وطهارة بنيه وزوجته، في قوله تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيَذْهَبُ عَنْكُمِ الرِّجْسَ
ص: 258
أهْلُ الْبَيْتِ وَيَطْهَرُكُمْ تَطْهِيرَا»(1)؛ وقول النبي صلی الله علیه و آله وسلم له: «أنت متي بمنزلة هارون من موسی» وترادف الأقوال والأفعال من النبي صلی الله علیه و آله وسلم في أمره التي يضطر معها الحاضرون لها والشاهدون إياها إلى أن مثله عليه السلام لا يجوز أن يسعى في إراقة دم أمير مسلم لم يحدث حدثا يستوجب به إحلال دمه.(2)
قال التستري رحمه الله: غاية ما يستفاد من كلامه عليه السلام أنه لم يشارك في دم عثمان دون ما ذكره من عدم إحلال دمه، وعدم مشاركته عليه السلام أعم من عدم إحلال دمه ولو لم يكن حلال الدم كيف آوى قتلته كما مر من كلام عمرو وكيف لم يعلمه عليه السلام حلال الدم وقد روی نصر بن مزاحم: أن معاوية بعث إلى حبيب بن مسلمة الفهري، وشرحبيل بن السمط ومعن بن يزيد السلمي، فدخلوا على عليه السلام - إلى أن قال-: فقال شرحبيل ومعن لعلي عليه السلام: أتشهد أن عثمان قتل مظلوما فقال لهما: إني لا أقول ذلك. قالا: فمن لم يشهد أن عثمان قتل مظلوما فنحن براء منه. ثم قاما فانصرفا فقال علي عليه السلام: «وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ»(3).(4)
وروی نصر أيضا أن عمرو بن العاص قال لعقار: ما ترى في قتل عثمان؟ قال: فتح لكم باب كل سوء. أكنت فيمن قتله؟ قال: كنت فيمن (مع من) قتله وأنا اليوم أقاتل معهم. قال عمرو: فلم قتلتموه؟ قال عمار: أراد أن يغير ديننا فقتلناه فقال عمرو: ألا تسمعون قد اعترف بقتل عثمان. قال عمار: وقد قالها قبلك فرعون إذ
ص: 259
قال لقومه:.. ألا تستمعون... الخبر.(1)
وروی نصر أيضا: أن عمارا قام بصقين فقال: امضوا معي عباد الله إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه، الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله، إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان، الآمرون بالإحسان. فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم ولو درس هذا الدين لم قتلتموه؟ فقلنا: لإحداثه. فقالوا: إنه ما أحدث شيئا. وذلك لأنه مكنهم من الدنيا فهم يأكلونها ويرعونها ولا يبالون انهدت عليهم الجبال. والله ما أظنهم يطلبون دمه إنهم ليعلمون أنه لظالم ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمروها، وعلموا لو أن صاحب الحق لزمهم الحال بينهم وبين ما يأكلون ويرعون فيه منها ولم يكن للقوم سابقة في الإسلام يستحقون بها الطاعة والولاية فخدعوا أتباعهم بأن قالوا: قتل إمامنا مظلوما.
ليكونوا بذلك جبابرة وملوکا...(2)
وعن الزهري: خرج في سنة (31) محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة - وأبوه خال معاوية - مع عبدالله بن سعد، فأظهرا عیب عثمان، وأن دم عثمان حلال، وقالا: استعمل (يعني عثمان) عبد الله بن سعد وهو رجل كان النبي صلی الله علیه و آله وسلم أباح دمه ونزل القرآن بكفره.(3)
وكان محمد بن أبي حذيفة يقول: لقد تركنا خلفنا الجهاد حقا فيقال له: وأي جهاد؟ فيقول: جهاد عثمان، فعل كذا وكذا.(4)
ص: 260
وروى الطبري: أن من كان بالمدينة من الصحابة كتبوا إلى من بالثغور: أن دین محمدصلی الله علیه و آله وسلم قد أفسد من خلفكم وترك، فهلموا فأقيموا دین محمدصلی الله علیه و آله وسلم فأقبلوا من كل أفق حتى قتلوه.(1)
وروى الطبري أيضا عن أبي کرب عامل عثمان علی بیت ماله: أنه دفن بین المغرب والعتمة. وأنه لم يشهد جنازته إلا مروان و ثلاثة من مواليه وابنته، فرفعت صوتها تندبة، فأخذ الناس الحجارة وقالوا: نعثل وكادت ترجم.(2)
وروى الطبري أيضا: أنه نبذ ثلاثة أيام لا يدفن، وأنهم لم يغسلوه ودفنوه في حش کوکب (3) مقبرة اليهود، وأن معاوية أمر الناس في سلطنته بدفن موتاهم حوله حتى اتصل بمقابر المسلمين.(4)
وبالجملة المعلوم عدم تصديه عليه السلام لقتله، ولا أمره به. وأما رضاه به فأمر واضح، ولذا لم ينه عنه، وقد أقر بذلك عبيد الله بن عمر مع أنه أراد القصاص منه بهر مزان ففر منه إلى معاوية، فروی نصر بن مزاحم: أن عبيد الله بن عمر لما قدم الشام أرسل معاوية إلى عمرو بن العاص فقال: إن الله قد أحيا لك عمر بالشام بقدوم عبید الله، وقد رأيت أن أقيمه خطيبا فيشهد على علي بقتل عثمان.
فقال: الرأي ما رأيت. فبعث إليه فأتي، فقال له معاوية: يا ابن أخ، إن لك اسم أبيك، فانظر بملء عينيك، وتكلم بكل فيك، فأنت المأمون المصدق فاشتم علياء
ص: 261
وأشهد عليه أنه قتل عثمان. فقال: يا أمير المؤمنين أما شتمه فإنه علي بن أبي طالب، وأته فاطمة بنت أسد بن هاشم فما عسى أن أقول في حسبه. وأما بأسه فهو الشجاع المطرق. وأما أيامه فما قد عرفت. ولكني ملزمه دم عثمان. فقال عمرو: إذا والله قد نكأت القرحة. فلما خرج عبيد الله قال معاوية: أما والله لولا قتله الهرمزان، ومخافة على على نفسه ما أتانا أبدا، ألم تر إلى تقريظه عليا فقال عمرو: یا معاوية إن لم تغلب فاخلب.(1)فخرج حديثه إلى عبيد الله، فلما قام خطيبا تكلم بحاجته، حتى إذا أتى إلى أمر علي عليه السلام أمسك، فقال له معاوية: يابن أخ إنك بين عي أو خيانة فقال:كرهت أن أقطع الشهادة على رجل لم يقتل عثمان، وعرفت أن الناس محتملوها عتي فتركتها فهجره معاوية و استخف بحقه وفسقه.
فقال عبيد الله:
معاوي لم أخرص بخطبة خاطب *** ولم أك عيا في لؤي بن غالب
ولكنني زاولت ن فسا أبية *** على قذف شیخ بالعراقين غائب
وقذفي عليا بابن عفان جهرة *** يجدع بالشحنا أنوف الأقارب
فأما انتقافي أشهد اليوم وثبة *** فلست لكم فيها ابن حرب بصاحب
ولكنه قد قرب القوم جهده *** ودبوا حواليه دبيب العقارب
فما قال أحسنتم ولا قد أسأتم*** وأطرق إطراق الشجاع المواثب(2)
ولم لم يكن مباح الدم عنده عليه السلام كيف طلب بدم الهرمزان - وهرمزان رجل عجمي من عرض المسلمين - من عبيد الله بن عمر في زمان عثمان مع أمان
ص: 262
السلطان له، فخاف منه عبيد الله ففر من المدينة إلى كوفان،(1) ولما بايعه الناس فر إلى الشام عند معاوية، فكيف لم يطلب بدم عثمان في زمان سلطنته وهو عندهم أحد الخلفاء الراشدين.
وروی نصر : ومکث علي عليه السلام- يعني في أول الأمر - يومين لا يرسل إلى معاوية ولا يأتيه من قبل معاوية أحد وجاء عبيد الله بن عمر فدخل على علي عليه السلام في عسکره فقال عليه السلام له: أنت قاتل الهرمزان، وقد كان أبوك فرض له في الديوان، وأدخله في الإسلام فقال له ابن عمر: الحمد لله الذي جعلك تطلبني بدم الهرمزان وأطلبك بدم عثمان بن عفان فقال له علي: لا عليك سيجمعني وإياك الحرب غدا.(2)
ومما يحسم مادة الشغب أنه عليه السلام آوى قاتليه، وكانوا من خواصه.
فَقَالَ نَصْرٌ: خَرَجَ قُرَّاءُ أهْلِ الْعِرَاقِيِّ وَقُرَّاءِ أهْلِ الشَّامِ، فَعَسْكَرُوا فِي نَاحِيَةِ فَصَّيْنِ فِي ثَلَاثِينَ ألْفًا، وَ عَسْكَرُ عَلِيُّ عَلَيْهِ السُّلَّامَ عَلَى الْمَاءِ، وعسکر مُعَاوِيَةَ فُؤق ذَلِكَ، وَمَشَتِ الْقُرَّاءُ فِي مَا بَيْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السُّلَّامَ وَ مُعَاوِيَةٌ، وَفِيهُمْ عبیدَة السَّلْمَانِيَّ، وَعَلْقَمَةَ بْن قِيسَ النُّخُعِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بْن عَتَبَةٍ، وَعُمَّارَ بْن عَبْدِ الْقَيْسِ - وقد كان في بعض تلك السواحل فانصرفوا من عسكر علي عليه السلام- فَدَخَلُوا عَلَى مُعَاوِيَةٍ فَقَالُوا: مَا الَّذِي تَطَلُّبٍ ؟ قَالَ: أَطَلَبَ بِدَمِ عُثْمَانٍ.قَالُوا: مِمَّنْ تَطَلُّبٍ بِدَمِ عُثْمَانٍ ؟ قَالٌ أَطَلَبَهُ مِنْ عَلِيِّ قَالُوا: أَوَلِي قَتْلُهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ، هُوَ قَتْلُهُ وَ آوِي قَاتِلِيهِ. فَاِنْصَرَفُوا مِنْ عِنْدَهُ فَدَخَلُوا عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السُّلَّامَ وَقَالُوا: إِنَّ مُعَاوِيَةَ زَعْمِ اِنْكِ قَتَلَتْ عُثْمَانٌ.قَالَ: اللَّهُمُّ كَذِبٍ فِي مَا قَالٍ، لَمْ أَقْتُلْهُ.فَرَجَعُوا إِلَى مُعَاوِيَةٍ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ لَمْ يَكْنِ قَتْلُهُ بِيَدِهِ فَقَدْ أَمْرٌ
ص: 263
وَمَالَا.فَرَجَعُوا إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السُّلَّامَ وَقَالُوا: يَزْعَمُ أَنَّكَ إِنَّ لَمْ تَكْنِ قَتَلَتْ بِيَدِكَ فَقَدْ أَمَرَّتْ وَمَالَاتٍ عَلَى قَتْلِهِ.فَقَالَ: اللَّهُمُّ كَذِبٍ فِي مَا قَالٍ.فَرَجَعُوا إِلَى مُعَاوِيَةٍ فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ عَلِيًّا يَزْعَمُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ.فَقَالَ مُعَاوِيَةٌ: إِنَّ كَانَ صَادِقَا فليمکنا مِنْ قَتَلَتْهُ، فَإِنَّهُمْ فِي عسکره وَ جنډه وَأَصْحَابَهُ وَعَضُدَهُ.فَرَجَعُوا إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السُّلَّامَ قَالُوا: إِنَّ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: إِنَّ كَنَّتْ صَادَقَا فَاِدْفَعْ إِلَيْنَا قَتَلَتْهُ أَوْ أَمْكَنَا بَيْنَهُمْ.فَقَالَ لَهُمْ عَلَى عَلَيْهِ السُّلَّامَ: تَأْوَلُ الْقَوْمُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ وَ وَقَّعَتِ الْفِرْقَةُ، وَقَتَلُوهُ فِي سُلْطَانِهِ وَ لَيْسَ عَلَى ضَرْبِهِمْ قَوَّدَ ...(1)
وإنما جعل معاوية وباقي بني أمية نسبة قتل عثمان إليه سببا لإمامتهم عند أهل الشام الذين قيل في وصفهم: «جفاة طغام عبيد أقزام(2) ولم يكونوا في الحقيقة من فرق الإسلام كالخوارج لبغضهم أهل بیت نبيهم صلی الله علیه واله وسلم، وبغضهم بغضه، ولتركهم مودة قرباه...« قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَی »(3)
وأما أهل الحجاز وأهل العراق - وفيهم كان المهاجرون والأنصار - فكانوا يعلمون أنه لم يكن قاتله، وأنه لو كان قاتله لم يكن ذلك طعنا فيه، لأن عثمان کان يستحق القتل.
فقال الفضل بن عباس في أبياته التي يرد فيها على الولید بن عقبة في قوله:
ألا إن خير الناس بعد ثلاثة*** قتيل التجيبي الذي جاء من مصر
إلى آخر أبياته كما في (الطبري):
ألا إن خير الناس بعد محمد *** وصية النبي المصطفي عند ذي الذكر
ص: 264
وأول من صلى وصنو نبيه *** وأول من أردى الغواة لدى بدر
فلو رأت الأنصار ظلم ابن عمكم *** لكانوا من ظلمه حاضري النصر
کفي ذاك عيبا أن يشيروا بقتله *** وأن يسلموه للأحابیش من مصر(1)
وفي قوله عليه السلام: «تأول القوم عليه القرآن» أي: أنهم رأوا أن حكم القران قتل مثله، ولم يقل: إنهم أخطأوا، إشارة إلى صحة عقيدتهم في إباحة قتله.
وفي كتاب نافع إلى ابن الزبير:
لئن کان عثمان قتل مظلوما لقد كفر قاتلوه و خاذلوه، ولئن كان قاتلوه مهتدین ۔ وإنهم لمهتدون - لقد كفر من يتولاه وينصره ويعضده. ولقد علمت أن أباك وطلحة وعليا كانوا أشد الناس عليه في أمره من بين قاتل و خاذل، وأنت تتولى أباك وطلحة وعثمان.(2)
وقال الإسكافي في نقضه على الجاحظ: إن الوليد بن عقبة قال لعلي عليه السلام بعد بيعة الناس له: نبايعك على أن تقتل قتلة عثمان. فقال علي عليه السلام: لو لزمني قتلهم اليوم قتلتهم (لقتلتهم) أمس.(3)
وروی نصر: خرج أبو أمامة الباهلي و أبو الدرداء، فدخلا على معاوية فقالا له: علام تقاتل هذا الرجل فو الله لهو أقدم منك سلما وأحق بهذا الأمر وأقرب من النبي صلی الله علیه واله وسلم فقال: أقاتله على دم عثمان، وإنه آوي قتلته فقولا له: فليقدنا من قتلته، فأنا أول من يبايعه (بايعه) من أهل الشام. فانطلقا إلى علي عليه السلام فأخبراه بقول معاوية، فقال: هم الذين ترون. فخرج عشرون ألفا وأكثرهم مسربلون في الحديد
ص: 265
لا يرى منهم إلا الحدق، فقالوا: كلنا قتله، فإن شاءوا فلیر و موا ذلك منا.(1)
وروی نصر أيضا بعد ذکر خروج أمير المؤمنین علیه السلام إلى النخيلة ليخرج إلى الشام: ألبس منبر دمشق قميص عثمان مختضبا بالدم، وحول المنبر سبعون ألف شيخ يبكون حوله، لا تجف دموعهم على عثمان، فخطبهم معاوية وقال: يا أهل الشام، قد كنتم تكذبونني في علي، وقد استبان لکم أمره، والله ما قتل خليفتكم غيره، وهو أمر بقتله وألب الناس عليه، و آوی قتلته، وهم جنده وأنصاره وأعوانه، وقد خرج بهم قاصدا بلادكم لإبادتكم. يا أهل الشام، الله الله في دم عثمان فأنا ولي عثمان وأحق الناس بطلب دمه، وقد جعل الله لولي المظلوم سلطانا فانصروا خليفتكم، فقد صنع القوم به ما تعلمون، قتلوه ظلما وبغيا، وقد أمر الله تعالى بقتال الفئة الباغية حتى تفيء.فأعطوه الطاعة وانقاد واله.(2)
وروی نصر أيضا بعد ذکر مشورة معاوية مع عمرو بن العاص في أمر جرير البجلي الذي بعثه أمير المؤمنین علیه السلام لأخذ البيعة من معاوية: قال عمرو بن العاص المعاوية: إن رأس أهل الشام شرحبيل بن السمط الكندي، وهو عدو لجرير الذي ارسل إليك، فأرسل إليه، ووطن له ثقاتك فليفشوا في الناس أن عليا قتل عثمان، وليكونوا أهل الرضا عند شرحبيل، فإنها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحب، وإن تعلق بقلب شرحبیل شيء لم يخرجه شيء أبدا (وإن تعلقت بقلب شرحبيل لم تخرج منه بشيء أبدا).
فكتب معاوية إلى شرحبيل: «أن جریرا قدم علينا من عند علي بأمر فظيع،
ص: 266
فأقدم». ودعا معاوية يزيد بن أسيد (أسد) و بسر بن أرطاة، وعمرو بن سفیان، ومخارق بن الحارث، وحمزة بن مالك، وحابس بن سعد الطائي - وهؤلاء رؤساء قحطان واليمن، وكانوا ثقات معاوية وخاصته - وبني عم شرحبيل، فأمرهم أن يلقوه ويخبروه أن عليا قتل عثمان - إلى أن قال : فلما قدم شرحبيل قال له معاوية: إن جریرا يدعونا إلى بيعة علي، وعلي خير الناس لولا أنه قتل عثمان، وقد حبست نفسي عليك، وإنما أنا رجل من أهل الشام أرضي ما رضوا، وأكره ما کرهوا. فقال له شرحبيل: اخرج فانظر. فخرج فلقيه هؤلاء النفر الموطئون له، فكلهم أخبره أن(يخبره بأن)عليا قتل عثمان. فخرج مغضبا إلى معاوية وقال له: أبي الناس إلا أن عليا قتل عثمان، فوالله لئن بايعت له لنخرجتك من الشام أو النقتلك.
قال معاوية: ما كنت لأخالف عليكم، ما أنا إلا رجل من أهل الشام. قال: فرد هذا الرجل إلى صاحبه إذن. فعرف معاوية أن شرحبیل (قد) نفذت بصيرته في حرب أهل العراق، وأن الشام كلها مع شرحبيل.(1)
«ولما وعظهم الله به» في عقوبة التهمة.
«أبلغ من لساني» في بيان شناعتها، قال تعالى:«وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا»(2)
والمراد بما وعظهم الله به الآيات الناهية عن الظن والرادعة عن الغيبة
ص: 267
والمحذرة من ايذاء المؤمنين مثل قوله تعالى: «يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثمٌ وَلا تَجَسَّسوا وَلا يَغتَب بَعضُكُم بَعضاً أَيُحِبَّ أحَدُكُم أن يَأكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهتُوهُ»(1) وقوله تعالى: «وَالَّذِينَ يُؤذونَ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِناتِ بِغَيرِ ما اكتَسَبوا فَقَدِ احتَمَلُوا بُهْتَاناً وإِثماً مُبيناً»(2) وقوله تعالى: «وَلا تَقِفَ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عَلْمٌ»(3) وقوله تعالى: «وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغَنِّي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا»(4)؛ إلى غير ذلك وهو كثير في القرآن.
في بيان خطأهم و بطلان أمورهم، قال ابن أبي الحديد: كان علي علیه السلام يكثر من قوله: أنا حجيج المارقين.(5)
وروي عنه علیه السلام أيضا أنه يقول: أنا أول من يجثو بين يدي الله تعالى يوم القيامة للخصومة.(6)
وروي عن النبي صلی الله علیه واله وسلم مثل ذلك مرفوعا.(7)
وإلى تلك المخاصمة اشيرت في قوله تعالى: «هذانِ خَصْمَانِ اِخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ اَلْحَمِيمُ *
ص: 268
يَصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطونِهِمْ وَالْجَلُودِ * وَلِهِمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ.»(1)
وعن النضر بن مالك قال: قلت للحسين بن علي بن أبي طالب علیهما السلام : يا أبا عبد الله حدثني عن قول الله عز وجل: «هذانِ خَصْمَانِ اِخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ»(2)
قال: نحن وبنو امية اختصمنا في الله عز وجل قلنا صدق الله وقالوا كذب الله فنحن وإياهم الخصمان يوم القيامة.(3)
وعن مسلم والبخاري في حديث في قوله تعالى: «هذانِ خَصْمَانِ اِخْتَصَمُوا » نزلت في علي وحمزة وعبيدة بن الحارث الذين بارزوا المشركين يوم بدر عتبة وشيبة ابنا ربيعة والولید بن عتبة.(4)
ومن تفسير علي بن إبراهيم في معنى الآية قال: قال يعني الصادق علیه السلام نحن وبنو امية نحن قلنا صدق الله ورسوله، وقال بنو امية كذب الله ورسوله فالذين كفروا يعني بني أمية قطعت لهم ثياب من نار إلى قوله حديد قال: تغشاهم [تشويهم] النار - كالثوب للانسان فتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سر ته - و تتقلص شفته العليا - حتى تبلغ وسط رأسه ولهم مقامع من حديد قال: الأعمدة التي يضربون بها ضربا بتلك الأعمدة .(5)
ومن تفسير الثعلبي في تفسير قوله تعالى: «ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ»(6) قال: روی خلف بن خليفة عن أبي هاشم عن أبي سعيد الخدري
ص: 269
قال: كنا نقول ربنا واحد و نبینا واحد و دیننا واحد فما هذه الخصومة، فلما كان يوم صقين و شد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا: نعم هو هذا.(1)
«وخصيم المرتابين» في إمامتي، روى أبو نعيم: أن النبي صلی الله علیه واله وسلم قال له: يا علي، أخصمك بالنبوة، ولا نبي بعدي، و تخصم الناس بسبع لا يحاجك فيه أحد من قریش، أنت أولهم إيمانا، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسوية، وأعد لهم في الرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند الله مزية.(2)
وعن الرضا عن آبائه علیه السلام قال: قال النبي صلی الله علیه واله وسلم لعلي علیه السلام: أنت خير البشر ولا يشك فيه إلا كافر.(3)
وعن الاعمش عن عطاء قال: سألت عائشة عن علي بن أبي طالب علیه السلام فقالت:ذاك [ذلك] خير البشر ولا يشك فيه إلا كافر.(4)
وعن منصور عن ربعي عن حذيفة أنه سئل عن علي علیه السلام فقال: ذاك [ذلك] خيرالبشر ولا يشك فيه إلا منافق.(5)
وعن حذيفة بن اليماني عن النبي صلی الله علیه واله وسلم أنه قال: علي بن أبي طالب خير البشر ومن أبى فقد كفرة.(6)
وعن جابر بن عبد الله قال: علي خير البشر فمن أبى فقد كفر الخبر .(7)
ص: 270
عن الصادق علیه السلام: خطب النبي صلی الله علیه واله وسلم بمنى فقال: أيها الناس ما جاءکم عني يوافق
کتاب الله فأنا قلته، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله.(1)
وعنه علیه السلام: قال النبي صلی الله علیه واله وسلم: إن على كل حق حقیقة، وعلى كل صواب نورا، فما
وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه.(2)
وعن عمر بن قيس عن أبي جعفر علیه السلام قال : سمعته يقول: إن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئا يحتاج إليه الأمة إلا أنزله في كتابه وبينه لرسوله صلی الله علیه واله وسلم وجعل لكل شيء حدا وجعل عليه دليلا يدل عليه وجعل على من تعدى ذلك الحد حدا.(3)
وعن أبي عبد الله علیه السلام: إن الله تعالى أنزل في القرآن تبيان كل شيء حتى - والله -ما ترك الله شيئا يحتاج إليه العباد، حتى لا يستطيع عبد يقول: لو كان هذا أنزل في القرآن إلا وقد أنزله الله فيه.(4)
وعن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر علیه السلام: إذا حدثتكم بشيء فسألوني من كتاب الله ثم قال في بعض حديثه: إن رسول الله صلی الله علیه واله وسلم نهی عن القيل والقال وفساد المال وكثرة السؤال الحديث بطوله.(5)
وعن المعلی بن خنیس قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله لكن لا تبلغه عقول الرجال.(6)
ص: 271
وعن حماد عن أبي عبد الله علیه السلام قال: سمعته يقول: ما من شيء إلا وفيه كتاب أو سنة.(1)
وعن سماعة عن أبي الحسن موسى علیه السلام قال: قلت له أكل شيء في كتاب الله وسنة نبيه صلی الله علیه واله وسلم أو تقولون فيه؟ قال: بل كل شيء في كتاب الله وسنة نبيه صلی الله علیه واله وسلم.(2)
ويريد نحو قوله تعالى: «هذانِ خَصْمَانِ اِخْتَصَمُوا»(3) الآية وقوله تعالى:«أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ»(4)
روی من طريق العامة عن ابن عباس في قوله: «أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات» قال: علي وحمزة وعبيدة كالمفسدين في الأرض عتبة و شيبة والوليد بن عتبة أم نجعل المتقين هؤلاء علي وأصحابه کالفجار عتبة و أصحابه، وقوله:«أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ»(5) قال ابن عباس: فالذين آمنوا بنو هاشم وبنو عبد المطلب، والذين اجترحوا السينات بنو عبد شمس.(6)
وقال بعضهم لما كان في أقواله وأفعاله علیه السلام ما يشبه الأمر بالقتل أو فعله فأوقع في نفوس الجهال شبهة القتل نحو ما روي عنه علیه السلام الله قتله وأنا معه وكتخلفه عن الخروج يوم قتل عثمان حسبما تقدم في شرح کلامه التاسع والعشرين فقال علیه السلام: ينبغي أن يعرض ذلك على كتاب الله فان دل على كون شيء من ذلك قتلا فيحكم
ص: 272
به وإلا فلا ولن يدل عليه أبدا.(1)
قال المحدث العلامة المجلسي: ويحتمل أن يراد بالأمثال الحجج أو الأحاديث كما ذكر في القاموس أي ما احتج به في مخاصمة المارقين و المرتابین وما يحتجون به في مخاصمتي ينبغي عرضها على كتاب الله حتى يظهر صحتهما وفسادهما، أو ما يسندون إلي في أمر عثمان وما يروى في أمري وأمر عثمان يعرض على كتاب الله.(2)
روي عن رسول الله صلی الله علیه واله وسلم أنه قال: إنما الأعمال بالنيات .(3)
قال رسول الله صلی الله علیه واله وسلم: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم ونياتكم.(4)
قال عمار لعبيدالله بن عمر: بعت دينك من عدو الإسلام وابن عدوه، قال: لا، ولكن أطلب بدم عثمان. فقال له عمار: أشهد على علمي فيك انك لا تطلب بشيء من فعلك وجه الله، وأنك إن لم تقتل اليوم تمت غدا، فانظر إذا أعطي الناس على قدر نياتهم ما نيتك.(5)
تاریخ الخطيب روى الأعمش عن عدي عن زر عن عبيد الله عن علي علیه السلام قال
ص: 273
رسول الله صلی الله علیه واله وسلم: من لم يقل علي خير البشر فقد کفر.(1)
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلی الله علیه واله وسلم: من فضل أحدا من أصحابي علي علي فقد كفر.(2)
وعن محمد الباقرعلیه السلام أنه سئل جابر بن عبدالله الأنصاري عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: ذاك والله أميرالمؤمنين وبوار الكافرين وقاتل القاسطين والناكثين والمارقين فإني سمعت رسول الله صلی الله علیه واله وسلم يقول: علي بعدي خير البشر فمن شك فيه فقد كفر.(3)
ص: 274
بسم الله الرحمن الرحیم
رَحِمَ اللَّهُ امراً سَمِعَ حُكْماً فَوُعِي وَدُعِي إلى رَشادٍ قَدنا وَأخَذَ بِحُجْزَةِ هَادٍ فَنَجَا رَاقَبَ رَبَّهُ وَ خافَ ذَنبَهُ قَدَّمَ خَالِصاً وعَمِلَ صَالِحاً اكْتَسَبَ مَذْخُوراً واجْتَنَبَ مَحْذُوراً رَمَى غَرَضاً وأحرَزَ عِوَضاً كابَرَ هَواهُ وَ كَذَّبَ مُناهُ جَعَلَ الصَّبْرَ مَطِيَّةَ نَجاتِهِ وَالتَّقوى عُدَّةَ وَفَاتِهِ رَكِبَ الطَّريقَةَ الغَرَّاءَ ولَزِمَ المَحَجَّةَ البَيْضاءَ اغْتَنَمَ المَهَلَ وَبَادَرَ الأَجَلَ وُرودٌ مِنَ العَمَلِ.
کل فقرظ من الخطبة وهي عشرون درة يتيمة وجوهرة غالية، روى (روضة الكافي) في خطبة فيها بعض هذه الفقرات مسندة عن أبي جعفر علیه السلام قال: خطب أمير المؤمنین علیه السلام فقال:
اَلْحَمْدُ لِي الخَافِضُ الرَّافِعُ الضَّارُّ النَّافِعُ اَلْجَوَادُ الوَاسِعِ إِلَى أَنْ قَالَ أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّ الدُّنيا لَيْسَتْ لَكُمْ بِدَارٍ ولا قَرَارٍ إِنَّمَا أَنْتُمْ فيهَا كَرَكْبٍ عَرَّسُوا فَاِنّا خَوَّ ثُمَّ اِشْتَقَلُوا فَغَدَوْا وَرَاحُوا دَخَلُوا خِفَافاً وَرَّاحُوا خِفَافاً لَم يَجِدوا عَنْ مُضِيٍ نُزوعاً وَلا إِلَى مَا تَرَكُوا رُجُوعاً جَدَّ بِهِمْ فَجِدُّوا وَرَكِنُوا إِلَى الدُّنْيَا مَا اسْتَعِدُّوا حَتَّى إِذَا أُخِذَ بِكَظَمِهِم
ص: 275
وَ خَلَصُوا إِلَى دَارٍ قؤم جَفَّتْ أَقْلامُهُمْ لَم يَبقَ مِنْ أَكْثَرِهِمْ خَبَرٌ ولا اثِرٌ أقَلُّ فِي الدُّنيا لَبَثُهُم وعَجِّلٌ إلى الأَخِرَةِ بَعثُهُمْ فَأصْبَحْتُمْ حُلُولاً في دِيَارِهِم ظاعِنِينَ عَلَى آثَارِهِمْ وَالْمَطَايَا بِكُمْ تَسِيرُ سَيْراً ما فيهِ أينَ وَلا تَفتيرُ نَهارِكُم بِانفُسِكُم دَءُوبِ وَلِيلِكُمْ بِأَرْوَاحِكُمْ ذَهُوبٌ فَاصْبَحْتُمْ تَحْكُونَ مِنْ حَالِهِمْ حَالاً وَتَحتَدونَ مِن مَسلَكِهِم مِثالاً فَلا تُعزّنَّكُم الحَياةِ الدُّنْيَا فَإِنَّمَا أَنْتُمْ فِيهَا سَفْرٌ حُلُولٌ المُؤتُ بِكُم نُزُولٌ تَنَضَّلُ فِيكُمْ مَنَايَاهُ وَتُمضِي بِأخْبارِكُم مَطاياهُ إلى دارِ الثَّوابِ والعِقابِ والْجَزَاءِ والْحِسَابِ فَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأً راقَبَ رَبَّهُ تَنَكَّبَ ذَبَّهُ وَكابِرَ هَواهُ وكَذَّبَ مُنَاهُ امْرَأً زَمَّ نَفْسَهُ مِنَ التَّقْوَى بِزِمَام وَألجَمَها مِن خَشيَةِ رَبِّها بِلِجامٍ فَقَادَهَا إلَى الطَّاعَةِ بِزِمَامِهَا وَقَدَعَهَا عَنِ المَعْصِيَةِ بِلِجَامِها رَافِعاً إلَى الْمَعادِ طَرْفُهُ مُتَوَقِّعاً فِي كُلِّ أَوَانِي حَتْفُهُ دَائِمَ الْفِكْرِ طَوِيلَ اَلسَّهَرِ عَزُوفاً عَنِ الدُّنْيَا أَمَّا كَدُوحاً لآِخِرَتِهِ مُتَحَافِظاً اِمْرَأً جَعَلَ اَلصَّبْرَ مَطِيَّةَ تُجاتِهِ وَالتَّقوى عُدَّةَ وَفاتِهِ ودَوَاءَ أجْوَائِهِ فَاعْتَبَرَ وقَاسٌ وَتَرَكَ الدُّنيا والنَّاسُ يَتَعَلَّمُ لِلتَّفَقُّهِ والسَّدَادِ وقَدْ و قَر قَلْبِهِ ذكَرَ الْمَعَادِ وطَوي مِهادِهِ وَ هَجَرَ وِسَادَهُ مُنْتَصِباً عَلَى أَطْرَافِهِ دَاخِلاً فِي أَعْطَافِهِ خَاشِعاً لِلَّهِ عَزَّ وَجِلٌ يُرَاوِحُ بَيْنَ الوَجهِ والكَفَّينَ خُشُوعٌ في السِّرِّ لِرَبِّهِ لَدَمْعُهُ صَبِيبٌ وَلَقَّبُهُ وَجيبٌ شَدِيدَةٌ أَسْبَالُهُ تر تَعُدُ مِنْ خُؤفِ اَلل عَزَّ وَ جَل أَوْصالِهُ قَد عَظُمَت فيما عِندَ اللَّهِ رَغبَتُهُ وَاشتَدَّت مِنهُ رَهْبَتُهُ رَاضِياً بِالْكَفَافِ مِن أَمْرِهِ يُظْهِرُ دُونَ مَا يَكْتُمُ ويَكْتُفِي بِأَقَلَّ مِمَّا يَعْلَمُ أُولَئِكَ وَدَائِعُ اَللَّهِ فِي بِلاَدٍ وَ المَدْفُوعُ بِهِمْ عَنْ عِبَادِهِ لَوْ أَقْسم أَحَدُهُمْ عَلَى اَللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ لَأَبَرَّهُ أَوْ دَعا عَلَى أَحَدٍ نَصَرَهُ اَللَّهُ يَسْمَعُ إِذَا نَاجَاهُ وَ يَسْتَجِيبُ لَهُ إذا دَعاهُ جَعَلَ اللَّهُ العاقِبَةَ لِلتَّقْوَى والْجَنَّةَ لِأهْلِهَا مَأْوِي دُعَاؤُهُمْ فِيهَا أَخَسُّ اَلدُّعَاءِ سُبْحَانَكَ اَللَّهُمَّ .(1)
ص: 276
أي: سمع حكمة من العلوم فحفظها وجعل أذنه وعاء لها، قال تعالى:«فَبَشِّرْ عِبَادِ*الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ»(1)
قال تعالى:«قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ»(2)
وقال تعالى: «وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ»(3)
وقال تعالى:«وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ»(4)
وقال تعالى:«قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا*يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ۖ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا»(5)
وذم تعالی قوم فقال تعالى:«وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا»(6)
الهادي في كلامه علیه السلام وإن كان مطلقة إلا أن الأظهر أن المراد به الأئمة الذين
ص: 277
یهدون بالحق وبه يعدلون، فيكون المراد بالأخذ بحجزتهم المتمسكين بحبل الولاية والمقتبسين من أنوارها، ويدل عليه ما ورد في تفسير قوله تعالى:« إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ ۖ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»(1)، بطرق كثيرة أن الهادي هو أمير المؤمنين وولده المعصومون سلام الله عليهم أجمعين.
فمنها: عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علیه السلام قال:قال أمير المؤمنين علیه السلام: فينا نزلت هذه الآية: «اِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ ۖ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»فقال رسول الله صلی الله علیه واله وسلم: أنا المنذر وأنت الهادي يا علي، فما الهادي و النجاة والسعادة إلى يوم القيامة.(2)
ومنها: عن برید بن معاوية، عن أبي جعفر علیه السلام في قول الله:«ِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ ۖ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» فقال: قال رسول الله صلی الله علیه واله وسلم: أنا المنذر - وفي كل زمان إمام منا ۔ يهديهم إلى ما جاء به نبي الله صلی الله علیه واله وسلم، والهداة من بعده علي، ثم الأوصياء من بعده واحد بعد واحد، أما والله ما ذهبت منا ولا زالت فينا إلى الساعة، رسول الله المنذر، وبعلي يهتدي المهتدون.(3)
وقال تعالى:«أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ»(4)
روی أن الصادق علیه السلام كان كثيرا ما يقول:
علم المحجة واضح لمریده *** وأرى القلوب عن المحجة في عمي
ص: 278
ولقد عجبت لهالك ونجاته ***موجودة ولقد عجبت لمن نجا(1)
قال تعالى:«إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا»(2)
وقال تعالى: «أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ»(3)
قال النبي صلی الله علیه واله وسلم: يا أبا ذر اعبد الله كأنك تراه، فان كنت لا تراه فائه (عز وجل)
يراك.(4)
اعلم ان حقيقة المراقبة أنها حالة للنفس يثمرها نوع من المعرفة، وتثمر أعمالا في الجوارح والقلب: أما الحالة فهي مراعاة القلب للرقيب و اشتغاله به، وأما العلم المثمر لها فهو العلم بأن الله تعالی مطلع على الضمائر والسرائر قائم على كل نفس بما كسبت وأن سر القلوب مكشوف له كظاهر البشرة للخلق بل هو أشد فهذه المعرفة إذا استولت على القلب ولم يبق فيها شبهة فلابد أن تجذبه إلى مراعات الرقيب والموقنون بهذه المعرفة فمنهم الصديقون ومراقبتهم التعظيم والإجلال واستغراق القلب بملاحظة ذلك الجلال والانكسار تحت الهيبة والعظمة بحيث لا يبقى فيه متسع للالتفات إلى الغير أصلا. وهي مراقبة مقصورة على القلب. أما الجوارح فإنها تتعطل عن التلقت إلى المباحات فضلا عن المحظورات، وإذا تحركت بالطاعة كانت کالمستعمل لها فلا تصلح لغيرها ولا يحتاج إلى تدبير في
ص: 279
ضبطها على سنن السداد، ومن نال هذه الرتبة فقد يغفل عن الخلق حتى لا يبصرهم ولا يسمع أقوالهم. ومثل هذا بمن يحضر في خدمة ملك عظیم فإن بعضهم قد لا يحس بما يجري في حضرة الملك من استغراقه بهيبته، وبمن يشغله أمر مهم يفكر فيه.
وروى: أن يحیی بن زکریا علیه السلام مر بامرأة فدفعها على وجهها. فقيل له: لم فعلت؟ فقال: ما ظننتها إلا جدارا.
الثانية مراقبة الورعين من أصحاب اليمين وهم قوم غلب بعض اطلاع الله تعالى على قلوبهم ولكن لم تدهشهم ملاحظة الجلال بل بقيت قلوبهم على الاعتدال متسعة للتلقت إلى الأقوال والأعمال إلا أنها مع مدارستها للعمل لا تخلو عن المراقبة، وقد غلب الحياء من الله على قلوبهم فلا يقدمون ولا يجمحون إلا عن تثبت فيمتنعون عن كل أمر فاضح في القيامة إذ يرون الله تعالی مشاهدا الأعمالهم في الدنيا كما يرونه في القيامة. ومن كان في هذه الدرجة فيحتاج أن يراقب جميع حركاته وسكناته ولحظاته وجميع اختیاراته ويرصد کل خاطر پسنح له فإن كان إلهي يعجل مقتضاه وإن كانت شيطانيا بادر إلى قمعه و استحيا من ربه ولام نفسه على اتباع هواه فيه وإن شك فيه توقف إلى أن يظهر له بنور الله سبحانه من أي جانب هو كما قال علیه السلام: الهوى شريك العمي. ومن التوفيق التوقف عند الحيرة ولا يهمل شيئا من أعماله وخواطره وإن قل ليسلم من مناقشة الحساب. فقد قال الرسول صلی الله علیه واله وسلم: الرجل ليسئل عن كحل عينيه وعن فتلة الطين بإصبعه وعن لمسه ثوب أخيه.(1)
ص: 280
عن داود الرقي عن أبي عبدالله علیه السلام في قول الله عز وجل: «وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ»قَالَ مِنْ عِلْمِ اَللَّهِ يَرَاهُ وَ يَسْمَعُ مَا يَقُولُ وَ يَعْلَمُ مَا يَعْلَمُهُ مِنْ خَيْرٍ او شَرٍ فيحجرة عَنِ الفَبيحِ مِنَ الاعْمَالِ فَذَلِكَ الَّذِي خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ونَهِيَ النَّفْسِ عَنِ الهُوَي.(1)
وعن الصادق علیه السلام: من أشد ما افترض الله على عباده، ذكره على كل حال، ليس سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر فقط، ولكن إذا ورد عليك شيء من أمر الله أخذت به، وإذا ورد عليك شيء نهى الله عنه تركته.(2)
وَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جعقر علیه السَّلَامُ يَقُولُ : الْعَبْدُ بَيْنَ ثلاتة بَلَاءٍ وَ قَضَاءٍ وَ نِعْمَةٍ فَعَلَيْهِ فِي الْبَلَاءُ مِنَ اللَّهِ الصَّبْرُ فَرِيضَةً عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ مِنَ اللَّهِ التَّسْلِيمُ فَرِيضَةً وَ عَلَيْهِ فِي النِّعْمَةِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلِ الشُّكْرُ فَرِيضَةً.(3)
الخوف: توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة، وأن الطمع توقع محبوب عن أمارة مظنونة، أو معلومة. وإذا علق كل منها بالذوات كما نقول: خفت زیدا، وطمعت فيه فمعناه توقع مكروه أو محبوب يقع من جهته، وإلا فالذوات لا يتعلق بها خوف ولا طمع.
قال بعض العلماء: اعلم أن خوف الخائفين من الله تعالى قد یکون لأمور
ص: 281
مكروهة لذاتها، وقد يكون لأمور مكروهة لأدائها إلى ما هو مكروه لذاته.
أما القسم الأول: فمثل أن يتمثل في نفوسهم ما هو المكروه لذاته کسکرات الموت وشدته، أو سؤال القبر أو عذابه، أو هول الموقف بين يدي الله تعالى، والحياء من كشف الستر، والسؤال عن كل صغيرة وكبيرة، أو الخوف من المرور على الصراط وحدته، أو من النار وأهوالها وأغلالها، أو من حرمان الجنة، أو من نقصان الدرجات فيها، أو خوف الحجاب من الله تعالى، وكل هذه الأسباب مكروهة في أنفسها، ويختلف حال السالكين إلى الله فيها، وأعلاها رتبة خوف الفراق والحجاب عن الله عز وجل، وهو خوف العارفين. وما قبل ذلك فهو خوف العابدين والصلحاء والزاهدين.
وأما القسم الثاني: فأقسامه كثيرة كخوف الموت قبل التوبة، أو خوف نقض التوبة، أو خوف الانحراف عن القصد في عبادة الله، أو خوف استيلاء القوى الشهوانية بحسب مجرى العادة في استعمال الشهوات المألوفة، أو خوف تبعات النفس عنده، أو خوف سوء الخاتمة أو خوف سبق الشقاوة في علم الله. وكل هذه ونحوها مخاوف عباد الله الصالحين، وأغلبها على قلوب المتقین خوف الخاتمة فان الأمر فيه خطر (مخطر)... قال بعض أرباب القلوب: إذا سكن الخوف القلب أحرق الشهوة، وطرد عن الغفلة .(1)
قال تعالى: «قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ»(2)
وقال تعالى: «إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا»(3)
ص: 282
وقال تعالى: «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ﴿40﴾فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴿41﴾»(1)
وقال تعالى: «وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴿46﴾»(2)
عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قال إبليس لعنة الله عليه الجنوده إذا استمکنت من ابن آدم في ثلاث لم أبال ما عمل فإنه غير مقبول منه: إذا استكثر عمله ونسي ذنبه ودخله العجب.(3)
قال الصادق علیه السلام: العمل الخالص الذي لا تريد أن يمدحك عليه أحد إلا الله(4)وهذا هو معنى الاخلاص قال تعالى: «وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»(5)
وللقوم في تعريف الاخلاص عبارات فقيل: هو تصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين حتى عن ملاحظة النفس فلا يشهد غير الله، وقيل: هو تنزيه العمل عن أن يكون لغير الله فيه نصيب، وقيل: هو إخراج الخلق عن معاملة الحق، وقيل : هو ستر العمل من الخلايق و تصفيته من العلايق، وقيل: إنه لا يريد عامله علیه عوضا في الدارين وهذه درجة رفيعة وإليها أشار أميرالمؤمنين وسيد الموحدين بقوله:
ص: 283
«ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك(1)»(2)
قال تعالى: «هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»(3)
وقال تعالى: «فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ»(4)
وقال تعالى: «وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»(5)
وقال تعالى: «إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ»(6)
وقال تعالى: «قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ»(7)
وقال تعالى: «قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي»(8)
وقال تعالى: «إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ»(9)
وقال تعالى: «إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴿40﴾ أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ ﴿41﴾فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ ﴿42﴾فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴿43﴾عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴿44﴾يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ﴿45﴾بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ﴿46﴾لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ ﴿47﴾وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ ﴿48﴾كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ﴿49﴾»(10)
عن أبي الحسن الرضاعلیه السلام: أن أميرالمؤمنين علیه السلام كان يقول: طوبى لمن أخلص
ص: 284
الله العبادة والدعاء ولم يشغل قلبه بما ترى عيناه ولم ينس ذكر الله بما تسمع أذناه ولم يحزن صدره بما أعطي غيره.(1)
وَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجِلَ:«لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا»(2)، قَالَ : لَيْسَ يَعْنِي أَكْثَرَ عَمَلًا وَ لکن أَصْوَبَكُمْ عَمَلًا وَ إِنَّمَا الإصابه خَشِيَهُ اللَّهِ وَ النِّيَّةُ الصَّادِقَةُ وَ الْحَسَنَةُ ثُمَّ قَالَ الْإِبْقَاءُ عَلَى الْعَمَلِ حَتَّى يَخْلُصَ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَلِ وَ الْعَمَلُ الْخَالِصُ الَّذِي لَا تُرِيدُ أَنْ یمحمدک عَلَيْهِ أَحَدُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ والنبیة أَفْضَلُ مِنَ الْعَمَلِ أَلَا وَ إِنَّ النِّيَّةَ هِيَ الْعَمَلُ ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ عزو جَلَّ : «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ »(3)يعني على نيته.(4)
*وَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیه السَّلَامُ قَالَ : مَا أَخْلَصَ الْعَبْدُ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ عزو جَلَّ أَرْبَعِينَ يَوْماً أَوْ قَالَ مَا أَجْمَلَ عَبْدُ ذِكْرَ اللَّهِ عزو جَلَّ أَرْبَعِينَ يَوْماً إِلَّا زَهَّدَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ فِي الدُّنْيَا وَ بَصَّرَهُ دَاءَهَا وَ دَوَاءَهَا فَأَثْبَتَ الْحِكْمَةَ فِي قَلْبِهِ وَ أَنْطَقَ بِهَا لِسَانَهُ _ الْخَبَرَ _.(5)
وعن أبي عبد الله علیه السلام في قول الله تعالى: «حَنِيفًا مُسْلِمًا»(6)، قال : خالصا مخلصا لا يشوبه شيء.(7)
وقال محمد بن علي علیه السلام: أفضل العبادة الإخلاص .(8)
ص: 285
وعن الرضا، عن آبائه علیهم السلام قال: قال أمير المؤمنین علیه السلام: الدنيا كلها جهل إلا مواضع العلم والعلم كله حجة إلا ما عمل به و العمل كله رياء إلا ما كان مخلصا والإخلاص على خطر حتى ينظر العبد بما يختم له.(1)
وعن علي بن سالم قال: سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول: قال الله عز وجل: أنا خير شريك من أشرك معي غيري في عمل عمله لم أقبله إلا ما كان لي خالصا.(2)
قال تعالى: «فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا»(3)
وقال تعالى: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ»(4)
وقال تعالى: «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ»(5)
وقال تعالى: «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»(6)
وقال تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً»(7)
ص: 286
وقال تعالى: «وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَی»(1)
وقال تعالى: «إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ»(2)
وقال تعالى: «وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ»(3)
وقال تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا»(4)
قال تعالى: «مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ»(5)
وقال تعالى: «وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(6)
وقال تعالى: «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»(7)
وقال تعالى :«وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ»(8)
وقال تعالى: «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا »(9)
وقال تعالى: «إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا»(10)
ص: 287
وقال تعالى: «وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ»(1)
وقال تعالى: «وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ﴿31﴾الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ»(2)
وقال تعالى: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴿31﴾»(3)
قال ابن أبي الحديد: رمی غرضا أي: قصد الحق كمن يرمي غرضا يقصده، لا من يرمي في عمياء لا يقصد شیئا بعينه.(4)
قال التستري رحمه الله: بل كلامه علیه السلام استعارة في تشبیه من استبق إلى الخيرات واستحق الجئات بمن رمي في وقت الرماية، وأصاب الهدف واستحق العوض الذي جعلوه لمصيب الهدف. فالغرض الهدف الذي يرمي فيه وهو مفعول به، وابن أبي الحديد توهمه مفعولا له.(5)
وقال تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴿38﴾»(6)
وقال تعالى: «وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا»(7)
وقال تعالى: «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ﴿10﴾أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴿11﴾»(8)
ص: 288
وقال تعالى:«ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴿32﴾جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴿33﴾وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴿34﴾الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ﴿35﴾»(1)
قال تعالى: «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ﴿40﴾فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴿41﴾»(2)
وقال تعالى: «فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى»(3)
وقال تعالى: «وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ»(4)
وقال تعالى: «وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّه»(5)
وقال تعالى: «قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ»(6)
وقال تعالى: «فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا»(7)
عن الصادق علیه السلام قال : قال أمير المؤمنين علیه السلام: أشجع الناس من غلب هواه.(8)
وعن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلی الله علیه واله وسلم: إن أخوف ما أخاف على أمتی
ص: 289
الهوى وطول الأمل أما الهوى فانه يصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة.(1)
وعن الصادق علیه السلام قال: إني لأرجو النجاة لهذه الأمة لمن عرف حقنا منهم إلا لأحد ثلاثة صاحب سلطان جائر وصاحب هوى والفاسق المعلن.(2)
وعن أبي محمد الوابشي قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: احذروا أهواء كم كما تحذرون أعداءكم فليس شيء أعدى للرجال من اتباع أهوائهم وحصائد ألسنتهم.(3)
وَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ یزید ، عَنِ الصَّادِقِ ، عَنْ آبَائِهِ علیهم السَّلَامُ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللَّهِ علیه واله وَ سَلِّمْ فِي حَدِيثِ الْمَنَاهِي قَالَ : مَنْ عَرَضَتْ لَهُ الْفَاحِشَةُ أَوْ شَهْوَةُ فَاجْتَنَبَهَا مَخَافَةَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ وَ أَمْنَهُ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ وَ أَنْجَزَ لَهُ مَا وَعَدَهُ فِي كِتَابِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ أَلَا وَ مَنْ عَرَضَتْ لَهُ دُنْيَا وَ آخِرَةُ فَاخْتَارَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ لَيْسَتْ لَهُ حَسَنَةُ يَتَّقِي بِهَا النَّارَ وَ مَنِ اخْتَارَ الأخرة وَتْرَكَ الدُّنْيَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَ غَفَرَ لَهُ مَسَاوِيَ عَمَلِهِ.(4)
وَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ الصَّادِقِ علیه السَّلَامُ فَقُلْتُ : الملائكه أَفْضَلُ أَمْ بَنُو آدَمَ فَقَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیه السَّلَامُ إِنَّ اللَّهَ رکب فِي الْمَلَائِكَةِ عَقْلًا بِلَا شَهْوَةٍ وَ رَكَّبَ فِي البَهائِمِ شَهْوَةً بِلا عَقْلٍ ورَكَّبَ في بَني آدَمَ كِلْتَيْهِمَا فَمَن غَلَبَ عَقْلُهُ شَهْوَتَهُ فَهُوَ خَيْرٌ مِنَ المَلائِكَةِ ومَن غَلَبَ شَهْوَتُهُ عَقَلَهُ
ص: 290
فَهُوَ شَرُّ مِنَ الْبَهَائِمِ.(1)
وعن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه واله وسلم:
طوبی لمن ترك شهوة حاضرة لموعود لم يره.(2)
وَعن أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرعَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عليه واله وسلم يَقُولُ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ وَعِزَّتي وَجَلالي وَعَظَمَتِي وَكِبرِيائِي وَنُورِي وعَلْؤِي وارْتِفَاعِ مَكَانِي لا يُؤْثِرُ عَبْدٌ هَواهُ علَى هَوايَ إِلاَّ شَتَّتُّ عَلَيهِ أَمْرِهُ ولَبَسْتُ عَلَيْهِ دُنْياهُ وشَغَلْتُ قَلْبَهُ بِهَا وَلَم أُؤتِهِ مِنها إلاّ ما قَدَّرتُ لَهُ وَعِزَّتي وَجَلالِي وَعَظَمَتِي وَنُورِي وَعُلُوِّي وارْتِفَاعِ مَكاني لا يُؤْثِرُ عَبْدٌ هَوَايَ عَلَى هَوَاهُ إِلاَّ اِسْتَحْفَظْتُهُ مَلائِكَتي وَ كَفَّلْتُ السَّماواتِ وَالأرَضينَ رِزْقَهُ وَكُنْتُ لَهُ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَةِ كُلِّ تَاجِرٍ وَ أَتَتْهُ الدُّنْيَا وَ هِيَ رَاغِمَةُ.(3)
وكان علیه السلام يقول:
لاتدع النفس وهواها *** فإن هواهافي رداها
وترك النفس وما تهوى أذاها *** وكف النفس عما تهوي دواها(4)
الأن تصديق المني سبب الهلاك. قال تعالى:«يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ﴿13﴾يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ
ص: 291
مَعَكُمْ»(1)
وفي قوله تعالى: «لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ﴿118﴾وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا ﴿119﴾يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴿120﴾أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا ﴿121﴾»(2)
قال الطبرسي في تفسير قوله: «ولأمنينهم» يعني أمنيتهم طول البقاء في الدنيا فيؤثرون بذلك الدنيا ونعيمها على الآخرة وقيل معناه أقول لهم ليس وراءكم بعث ولا نشر ولا جنة ولا نار ولا ثواب ولا عقاب فافعلوا ما شئتم عن الكلبي وقيل معناه أمنينهم بالأهواء الباطلة الداعية إلى المعصية وأزين لهم شهوات الدنيا وزهراتها وأدعو كلا منهم إلى نوع يميل طبعه إليه فأصده بذلك عن الطاعة وألقيه في المعصية.(3)
عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: من تعلق قلبه بالدنيا تعلق قلبه بثلاث خصال: هم لا يفنی؛ وأمل لا يدرك؛ ورجاء لا ينال.(4)
وعن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي علیه السلام قال: من أطال أمله سیاء عمله.(5)
ص: 292
قال تعالى: «فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ»(1)
وقال تعالى: «وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا»(2)
وقال تعالى: «وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ»(3)
وقال تعالى: «وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ»(4)
وقال تعالى: «فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ»(5)
وقال تعالى: «اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ»(6)
وقال تعالى: «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ»(7)
وقال تعالى: «وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(8)
وقال تعالى: «وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ»(9)
وقال تعالى: «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا»(10)
وقال تعالى: «رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا»(11)
وقال تعالى: «وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ»(12)
وقال تعالى: «الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»(13)
وقال تعالى: «وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(14)
ص: 293
وقال تعالى: «أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا»(1)
وقال تعالى: «وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَني إِسْرائيلَ بِما صَبَرُوا»(2)
وقال تعالى: «وَ اصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرينَ»(3)
وقال تعالى: «إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ»(4)
وقال تعالى: «وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرينَ [155]الَّذينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ [156]أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [157]»(5)
قد قال النبي صلی الله علیه واله وسلم: الصبر نصف الإيمان وقال صلی الله علیه واله وسلم: من اقل ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر ومن أعطي حظه منهما لم يبال ما فاته من قيام الليل وصيام النهار الحديث.(6)
وقال صلی الله علیه واله وسلم: الصبر كنز من كنوز الجنة.(7)
وقال صلی الله علیه واله وسلم: أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس.(8)
عن الباقرعلیه السلام قال: الجنة محفوفة بالمكاره والصبر، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة، وجهنم محفوفة باللذات والشهوات، فمن أعطى نفسه لذتها وشهوتها دخل النار.(9)
وعن أبي عبد الله صلى الله عليه وسلم قال:إِذَا دَخَلَ الْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ کانت الصَّلَاةُ عَنْ يَمِينِهِ والزكاه عَنْ يَسَارِهِ وَ الْبِرُّ مُطِلُّ عَلَيْهِ وینتحى الصَّبْرُ ناحیة فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ الْمَلَكَانِ
ص: 294
اللَّذَانِ یلیان مُسَاءَلَتَهُ قَالَ الصَّبْرُ لِلصَّلَاةِ والزکاة وَ الْبِرِّ دونکم صاحبکم فَانٍ عَجَزْتُمْ عَنْهُ فانا دُونَهُ .(1)
وَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السَّلَامُ : لَمَّا حَضَرَتْ أَبِي عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ علیه السَّلَامُ الْوَفَاةُ ضَمَّنِي إِلَى صَدْرِهِ وَ قَالَ يَا بُنَيَّ أُوصِيكَ بِمَا أَوْصَانِي بِهِ أَبِي حین خضرته الوفاه وَ بِمَا ذَكَرَ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَاهُ بِهِ يَا بُنَيَّ اصْبِرْ عَلَى الْحَقِّ وَ إِنْ كَانَ مُرّاً.(2)
وممن يونس بن يعقوب قال: أمرني أبو عبد الله علیه السلام أن آتي المفضل وأعزيه باسماعيل وقال أقري المفضل السلام وقل له إنا قد أصبنا باسماعيل فصبرنا فاصبر كما صبرنا إنا أردنا أمرأ وأراد الله أمرا فسلمنا لأمر الله عز و جل.(3)
عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ علیه السَّلَامُ قَالَ : لَا يَذُوقُ الْمَرْءِ مِنْ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ حَتَّى يَكُونَ فِيهِ ثَلَاثُ خِصَالِ الْفِقْهِ فِي الدِّينِ وَ الصَّبْرُ عَلَى الْمَصَائِبِ وَ حُسْنِ التَّقْدِيرِ فِي الْمَعَاشِ.(4)
عَنْ داؤد بَنِي فَوْقَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامُ قَالَ : أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ مَا خَلَقْتُ خَلْقاً هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ إِنِّي أَنَّما أَبْتَلِيهِ لِمَا هُوَ خیر لَهُ وَ أَزْوِي عَنْهُ لِمَا هُوَ خَيْرُ لَهُ وَ أُعْطِيهِ لِمَا هُوَ خَيْرُ لَهُ وَ أَنَا أَعْلَمُ بِمَا يَصْلُحُ عَلَيْهِ حَالٍ عبدی الْمُؤْمِنِ فلیرض بِقَضَائِي وليشکر نعماني وَ لْيَصْبِرْ عَلَى بَلَائِي أَ كَتَبْتُ فِي الصِّدِّيقِينَ إِذَا عَمِلَ بِرِضَايَ وَ أَطَاعَ لِأَمْرِي.(5)
ص: 295
وعن أبي عبد الله علیه السلام قال: ان العبد المؤمن ليكون له عند الله الدرجة لا يبلغها بعمله فيبتليه الله في جسده أو يصاب بماله أو يصاب في ولده فان هو صبر بلغه الله إياها.(1)
عن الصادق علیه السلام: نحن صبر وشيعتنا أصبر ما لأنا صبرنا بعلم و شیعتنا صبروا على ما لا يعلمون.(2)
وَ عَنْ آدَمَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي عِمْرَانَ الْهِلَالِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیه السَّلَامُ يَقُولُ : كَمْ مِنْ صَبْرِ سَاعَةٍ قَدْ أَوْرَثَتْ فَرَحاً طَوِيلًا وَ كَمْ مِنْ لَذَّةِ سَاعَةٍ قَدْ أَوْرَثَتْ حُزْناً طَوِيلًا.(3)
وَ عَنِ ابْنِ مسکان عَنْ أَبِي عبدالله علیه السَّلَامُ قَالَ : اصْبِرُوا عَلَى الْمَصَائِبِ.(4)
وَ عَنْ الرضاعلیه السَّلَامُ قَالَ : إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نادی مُنَادٍ أَيْنَ الصَّابِرُونَ فَيَقُومُ فِئَامٍ مِنَ النَّاسِ ثُمَّ يُنَادِي أَيْنَ المتصبرون فَيَقُومُ فِئَامٍ مِنَ النَّاسِ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ مَا الصَّابِرُونَ وَ مَا المتصبرون قَالَ الصَّابِرُونَ عَلَى أَدَاءِ الْفَرَائِضِ والمتصبرون عَلَى اجْتِنَابِ الْمَحَارِمِ.(5)
وَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامُ قَالَ : الصَّبْرُ مِنَ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ فَإِذَا ذَهَبَ الراس ذَهَبَ الْجَسَدُ کذلك إِذَا ذَهَبَ الصَّبْرُ ذَهَبَ الْإِيمَانُ .(6)
ص: 296
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بالصبر يتوقع الفرج.(1)
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: النصر في الصبر.(2)
وقال الأشعث بن قیس: دخلت على أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام فوجدته قد أثر فيه صبره على العبادة الشديدة ليلا ونهارا فقلت: يا أميرالمؤمنين: إلى كم تصبر على مكابدة هذه الشدة فما زادني إلا أن قال: اصبر على مضض الإدلاج في السحر *** وفي الروح إلى الطاعات في البكر
إني رأيت وفي الأيام تجربة *** للصبر عاقبة محمودة الأثر
وقل من جد في أمر يؤمله *** واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر(3)
وعن أبي عبد الله علیه السلام: إن الله تعالى أنعم على قوم فلم یشکروا فصارت عليهم وبالا، و ابتلي قوم بالمصائب فصبروا، فصارت عليهم نعمة.(4)
وعن أبي عبد الله علیه السلام: من ابتلى من المؤمنين ببلاء فصبر عليه، كان له مثل أجرألف شهيد.(5)
وَ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامُ قَالَ : إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَقُومُ عُنُقُ مِنَ النَّاسِ فَيَأْتُونَ بَابَ الْجَنَّةِ فَيَضْرِبُونَهُ فَقَالَ لَهُمْ مَنْ أَنْتُمْ فَيَقُولُونَ نَحْنُ أَهْلُ الصَّبْرِ فیقال لَهُمْ عَلَى مَا صَبَرْتُمْ فَيَقُولُونَ کنا تَصْبِرَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَ تَصْبِرُ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ صَدَقُوا أَدْخِلُوهُمُ الْجَنَّةَ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجِلَ:«إِنَّما يُوَفَّ
ص: 297
الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ»(1).(2)
وعمرو بن شمر اَلْيَمَانِيُّ يَرْفَعُ اَلْحَدِيثَ إِلَى عَلِيٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسَلَّمَ الصَّبْرَ ثَلاثَةٌ صَبْرٌ عِندَ الْمُصِيبَةِ وصَبْرٌ عَلَى الطَّاعَةِ وَصَبْرٌ عَنِ المَعصِيَةِ فَمَنْ صَبَرَ عَلَى اَلْمُصِيبَةِ حَتَّى يَرُدَّهَا بِحُسْنِ عَزَائِهَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ثَلَاثَمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ إِلَى الدَّرَجَةِ کما بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَ مَنْ صَبَرَ عَلَى الطَّاعَةِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ سِتَّمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ إِلَى الدَّرَجَةِ کما بَيْنَ تُخُومِ الْأَرْضِ إِلَى الْعَرْشِ وَ مَنْ صَبَرَ عَنِ المعصیة كَتَبَ اللَّهُ لَهُ تِسْعَمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ إِلَى الدَّرَجَةِ کما بَيْنَ تُخُومِ الْأَرْضِ إِلَى مُنْتَهَى الْعَرْشِ.(3)
وَعَنِ عُثْمَانَ بْنِ عِيسِيٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ اصْبِرُوا عَلَى الدُّنْيَا فَإِنَّمَا هِيَ سَاعَةٌ فَما مَضى مِنهُ فَلا تَجِدُ لَهُ أَلَماً وَلا سُرُوراً وَما لَم يَجِئْ فَلا تَدْرِي مَا هُوَ وَانِماً هِيَ سَاعَتُكَ اَلَّتِي أَنْتَ فِيهَا فَاصْبِرْ فِيهَا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ واصْبِرْ فِيهَا عَن مَعْصِيَةِ اللَّهِ.(4)
وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَيَأْتِي عَلَى اَلنَّاسِ زَمَانٌ لا يُنَالُ الْمُلْكُ فِيهِ إِلاَّ بِالْقَتْلِ والتَّجْبِيرِ ولا الغِنَى إِلاَّ بِالغَصبِ وَالبُخلِ وَلا الْمَحَبَّةُ إِلاَّ بِاسْتِخْرَاجِ الدِّينِ وَاتِّبَاعِ الهَوَى فَمَن أَدرَكَ ذَلِكَ اَلزَّمَانِ فَصَبَرَ عَلَى اَلْفَقْرِ وهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْغِنَى وصَبَرَ عَلَى الْبِغْضَةِ وهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْمَحَبَّةِ وصَبَرَ عَلَى الذُّلِّ وَهُوَ يَقْدِرُ
ص: 298
عَلِيٍ اَلْعِزَّ اتَّاهُ اَللَّهُ ثَوَابَ خَمْسِينَ صِدِّيقاً مِمَّنْ صَدَّقَ بِي.(1)
قال تعالى: «وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى»(2)
بملاحظة أن الزاد لما كان هو الطعام الذي يتخذ للسفر ليتقوى به الطبيعة على الحركات الحسية وكانت تقوى الله مما تقوى به النفس على الوصول إلى حظيرة القدس حسن الاستعارة به عنها لما بين المعنيين من كمال المشابهة و تمامها.
قال بعض العارفين: ليس السفر من الدنيا أهون من السفر في الدنيا وهذا لابد له من زاد وكذلك ذلك بل يزداد، فات زاد الدنيا يخلصك عن عذاب منقطع موهوم وزاد الآخرة ينجيك من عذاب مقطوع معلوم، زاد الدنيا يوصلك إلى متاع الغرور وزاد الآخرة يبلغك دار السرور، زاد الدنيا سبب حظوظ النفس وزاد الآخرة سبب الوصول إلى عتبة الجلال و القدس.(3)
وقال تعالى: «إِنَّ الَّذينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ»(4)
وقال تعالى: «نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ وَ لَكُمْ فيها ما تَشْتَهي أَنْفُسُكُمْ وَ لَكُمْ فيها ما تَدَّعُونَ [31]نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحيمٍ [32]»(5)
ص: 299
الغرة في الجبهة : بیاض فوق الدرهم، ورجل أغر صبيح أو سيد في قومه.(1)
قال تعالى: «فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَ اتَّقى [5]وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى [6]فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى [7]»(2)
المحجة: جادة الطريق.(3)
قال تعالى: «وَ أَنَّ هذا صراطي مُسْتَقيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبيلِهِ »(4)
وقال تعالى: «وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا »(5)
وقال تعالى: « لَكُمْ في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»(6)
وقال تعالى: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُوني يُحْبِبْكُمُ اللهُ»(7)
وعن الثمالي، عن أبي عبد الله علیه السلام: هذا صراط علي مستقيم، قال: هو والله علي علیه السلام والله الصراط والميزان.(8)
وعن عبد الله بن سليمان قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام قوله: «قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ
ص: 300
مِنْ رَبِّكُمْ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبيناً»(1)قال: البرهان محمدصلی الله علیه واله وسلم والنور علي علیه السلام قال: قلت: له «صراط مستقیما» قال: الصراط المستقيم علي علیه السلام.(2)
عن الصادق علیه السلام: كان أبي يقول: إذا هممت بخير فبادر فإنك لا تدري ما يحدث.(3)
وعن أبي عبد الله علیه السلام: إذا هم أحدكم بخير أو صلة فان عن يمينه وشماله شیطانین فليبادر لا يكفاه عن ذلك.(4)
قال زین العابدین وسید الساجدین علیه السلام في دعاء مكارم الأخلاق من الصحيفة: اللهم صل على محمد و آل محمد ونبهني لذكرك في أوقات الغفلة واستعملني بطاعتك في أيام المهلة وانهج لي إلى محبتك سبيلا سهلة.(5)
وإنما عبر عنها بأيام المهلة لأن العناية الأزلية لما كانت مقتضية لسوق الناقص إلى كماله فاقتضت العناية عدم معاجلة العباد بالعقوبة والسخط والأخذ بالذنوب والمعصية في هذه الحياة الدنيا ليرجعوا إلى التوبة ويراجعوا الانابة فكأنه تعالی أمهلهم مدة حياتهم في الدنيا وأنظر هم طول بقائهم فيها وجعلهم في النظرة والمهلة.(6)
ص: 301
وقال النبي صلی الله علیه واله وسلم: يا أبا ذر اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك و صحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك.(1)
وفي خبر أبي ذر قال: قال رسول الله صلی الله علیه واله وسلم: على العاقل أن يكون له ساعات ساعة يناجي فيها ربه عز وجل وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يتفكر فيما صنع الله عز وجل إليه وساعة يخلو فيها بحظ نفسه من الحلال.(2)
قال تعالى: «وَ أَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَني إِلى أَجَلٍ قَريبٍ فَأَصَّدَّقَ وَ أَكُنْ مِنَ الصَّالِحينَ [10] وَ لَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَ اللهُ خَبيرٌ بِما تَعْمَلُونَ [11]»(3)
وقال تعالى: « وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذالِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [19]»(4)
عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: إن الله ثقل الخير على أهل الدنيا كثقله في موازينهم يوم القيامة وإن الله خف الشر على أهل الدنيا كخقته في موازينهم يوم القيامة.(5)
ص: 302
بسم الله الرحمن الرحیم
إنَّ بَنِي أُميَّة ليفوقوننِي تُرَاثَ مُحَمَّدٍ صلَّي اللَّهُ عَلَيه و آله تَفْوِيقاً واللَّهِ لَئِنْ بَقِيتُ لَهُمْ لَأَنْفُضَنَّهُمْ نَفْضَ اللَّحَّامِ الوذَامَ التَّرِبَةَ وَ یروى التُّرَابِ الوذمة وَ هُوَ عَلَى الْقَلْبِ .
قوله علیه السلام: ليفوقونني أي يعطونني من المال قليلا قليلا كفواق الناقة وهو الحلبة الواحدة من لبنها.
و الوذام: جمع وذمة وهي الحزة من الكرش أو الكبد تقع في التراب فتنفض.
روى أبو الفرج باسناد رفعه إلى الحارث بن حبیش قال: بعثني سعيد بن العاص -وهو يوم أمير الكوفة من قبل عثمان - بهدايا إلى المدينة، وبعث معي هدية إلى علي علیه السلام وكتب إليه: إني لم أبعث إلى أحد أكثر مما بعثت به إليك إلا إلى الخليفة. فلما أتيت علياعلیه السلام وقرأكتابه، قال: «لشد ما تحظر علي بنو امية تراث محمد صلی الله عليه و آله و سلم أما والله لئن وليتها لأفضنها نفض القضاب التراب الوذمة».
قال أبو الفرج: وهذا خطأ، إنما هو «الوذام التربية».(1)
ص: 303
وقد حدثني بذلك أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن أبي زيد عمر بن شبة، بإسناد ذكره في الكتاب: أن سعید بن العاص حيث كان أمير الكوفة بعث مع ابن أبي عائشة مولاه إلى علي علیه السلام بصلة، فقال علي: «والله لا يزال غلام من غلمان بني أمية يبعث إلينا مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه و آله وسلم بمثل قوت الأرملة، والله لئن بقيت لأنفضنها نفض القضاب الوذام التربة»(1).
ثم إن سعید بن العاص هو سعيد بن العاص بن سعید بن العاص بن أمية القرشي الأموي أبو عثمان؛ وأمه أم كلثوم بنت عبدالله بن أبي قيس بن عمرو العامرية ولم يكن للعاص ولد غير سعيد المذكور وكان له يوم مات النبي صلى الله عليه و آله وسلم تسع سنين وقتل أبوه يوم بدر قتله علي علیه السلام(2)استعمله عثمان على الكوفة، ثم عزله عثمان وولي عليها الوليد بن عقبة، فمكث مدة، فشكاه أهل الكوفة فعزله ورد سعيدا، فرده أهل الكوفة، وكتبوا إلى عثمان: لا حاجة لنا في سعيدك ولا في وليدك.
وكان في سعيد تجبر وغلظ وشدة سلطان، فلما اجتمع الناس على معاوية، واستوثق له الأمر ولاه المدينة(3)إلى آخر ما قالوا فيه.
وكان لسعيد بن العاص سبعة بنين: عمرو بن سعيد الأشدق، ومحمد، وعبد الله، ويحيى، وعثمان، وعتبة[عنبسة]، وأبان، وتوقي سعيد بن العاص هذا في خلافة معاوية سنة تسع وخمسين .(4)
ص: 304
جلس المهدي للمظالم، فتقدم إليه رجل من آل الزبير، فذكر ضيعة اصطفاها عن أبيه بعض ملوك بني أمية، الوليد أم سليمان، فأمر أبا عبيد الله أن يخرج ذکرها من الديوان العتيق، ففعل، فقرأ ذكرها على المهدي. فقال المهدي: يا زبيري، هذا عمر بن عبد العزيز، وهو منکم معشر قريش لم يرد ردها. قال: وكل أفعال عمر ترضى قال: وأي أفعاله لا ترضى قال: منها أنه كان يفرض للسقط (1) من بني أمية في خرقة في الشرف من العطاء، ويفرض للشيخ من بني هاشم في ستين. قال يا معاوية، أكذلك كان يفعل عمر؟ قال: نعم، قال: اردد على الزبيري ضيعته.(2)
روی یاقوت الحموي عن جبیر بن مطعم قال: لما قسم النبي صلی الله عليه وآله وسلم سهم ذوي القربي من خيبر على بني هاشم وبني المطلب، مشيت أنا وعثمان إلى النبي صلی الله عليه وآله وسلم فقلنا: هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ينكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله به منهم، أرأيت إخواننا (إخوتنا) من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة. فقال: إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام، إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد. ثم شبك النبي صلی الله عليه وآله وسلم يديه إحداهما بالأخرى.(3)
وقال الحموي: كان بعد مناف أربعة بنين: هاشم، والمطلب، وعبد شمس أبو أمية، ونوفل. وكان جبير من نوفل، وعثمان من عبد شمس.(4)
ص: 305
قال التستري رحمه الله: وكما أن بني هاشم وبني عبدالمطلب لم يفارقا في جاهلية ولا إسلام، كما قال النبي صلی الله عليه وآله وسلم، كذلك بنو عبد شمس وبنو نوفل لم يفارقا فيها كما هو مرمی کلامه.(1)
هذا، وعن ثمامة قال: عرض المأمون يوما للرضاعلیه السلام بالامتنان عليه بأن ولاه العهد، فقال علیه السلام له: إن من أخذ بالنبي صلی الله عليه وآله وسلم لتحقيق أن يعطی به.(2)
وفي وصية المأمون للمعتصم: وصلاة بني عمك من ولد أميرالمؤمنين علي علیه السلام فلا تغفلها في كل سنة عند محلها، فإن حقوقهم تجب من وجوه شتی.(3)
مراده علیه السلام أخذه من بني أمية بعد عثمان ما أنهبهم من مال الله تعالی.
قال الزمخشري: «ما أقام عنده إلا فواق ناقة وفيقة ناقة» أي: قليلا وذلك أن الناقة تحلب في اليوم خمس مرات أو ست مرات، فما اجتمع من الحلبتين فهو فيقة.(4)
والحاصل أن المقصود من هذا الكلام وأمثاله هو اثبات مظلوميته ومظلومية
ص: 306
أهل بيته علیهم السلام من جميع الجهات فان هذا المورد وأمثاله كله من شؤون غصب الخلافة بعد النبي صلی الله عليه وآله وسلم وهذا مما لا شك فيه .
قال صاحب الكامل البهائي(1)أن أمية كان غلاما روميا لعبد الشمس فلما ألقاه کیسا فطنا أعتقه و تباه فقيل: امية بن عبد الشمس كما كانوا يقولون قبل نزول الآية: زيد بن محمد، ولذا روى عن الصادقين علیه السلام في قوله تعالى:«الم [1]غُلِبَتِ الرُّومُ [2]»(2)أنهم بنو أمية(3)ومن هنا يظهر نسب عثمان ومعاوية وحسبهما وأنهما لا يصلحان للخلافة لقوله
صلی الله عليه وآله وسلم: «الائمة من قریش(4)»(5)
وقال مؤلف كتاب إلزام النواصب: امية لم يكن من صلب عبد شمس وإنما هو من الروم فاستلحقه عبد شمس فنسب إليه فبنوا امية كلهم ليس من صميم قریش وإنما هم يلحقون بهم ويصدق ذلك قول أمير المؤمنین علیه السلام: إن بني أمية لصاق وليسوا صحيحي النسب إلى عبد مناف ولم يستطيع معاوية إنكار ذلك.(6)
ص: 307
عن جويرية بن أسماء قال: أغلط أبو بكر يوما لأبي سفيان فقال أبو قحافة له:يا أبا بكر؛ لأبي سفيان تقول هذه المقالة؟
قال: يا أبت إن الله رفع بالاسلام بيوتا ووضع، فكان بيتي فيما رفع؛ وبيت أبي سفيان فيما وضع الله.(1)
عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم يقول: أول من يبدل ستتي رجل من بني أمية.(2)
وقال رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم: إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلا وتشريدا،وإن أشد قومنا لنا بغض بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم.(3)
وعن علي علیه السلام قال: لكل أمة آفة و آفة هذه الأمة بنو أمية.(4)
قال المقريزي: فإني كثيرا ما كنت أتعجب من تطاول بني أمية إلى الخلافة مع بعدهم من جذم(5)رسول الله وقرب بني هاشم وأقول: كيف حدثتهم أنفسهم بذلك وأين بنو أمية وبنو مروان بن الحكم طريد رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم ولعينه من هذا الحديث مع تحكم العدواوة بين بني أمية وبني هاشم في أيام جاهليتهما، ثم شدة عداوة بني أمية لرسول الله صلی الله عليه وآله وسلم وبمبالغتهم في أذاه، و تماديهم على تكذيبه فيما جاء به منذ بعثه الله عز وجل بالهدى ودين الحق إلى أن فتح مكة شرفها الله تعالى، فدخل من
ص: 308
دخل منهم في الإسلام كما هو معروف مشهور، وأردد قول القائل:
كم من بعيد الدار نال مراده *** و آخر داني الدار وهو بعيد
فلعمري، لا بعد أبعد ما كان بين بني أمية وبين هذا الأمر إذ ليس لبني أمية سبب إلى الخلافة ولا بينهم وبينها نسب إلا أن يقولوا: (إنا من قریش) فيساوون في هذا الاسم قریش الظواهر، لأن قوله صلی الله عليه وآله وسلم: (الأمة من قریش) واقع على كل قرشي.
ومع ذلك فأسباب الخلافة معروفة، وما يدعيه كل جيل معلوم، وإلى كل ذلك قد ذهب الناس، فمنهم من ادعاها لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه باجتماع القرابة والسابقة والوصية بزعمهم.
فان كان الأمر كذلك فليس لبني أمية في شيء من ذلك دعوى عند أحد من أهل القبلة. وإن كانت إنما تنال الخلافة بالوراثة، وتستحق بالقرابة، و تستوجب بحق العصبة، فليس لبني أمية في ذلك متعلق عند أحد من المسلمين.(1)
قال معاوية: فإني والله ما وليتها بمحبة علمتها منكم ولا مسرة بولايتي، ولكني جالدتكم بسيفي هذا مجالدة.(2)
قال الجاحظ: استوى معاوية على الملك، وعلى جماعة المسلمين من الأنصار والمهاجرين في العام الذي سموه عام الجماعة وما كان عام جماعة، بل كان عام فرقة وقهر وجبرية وغلبة، والعام الذي تحلت فيه الامامة ملك كسرویا، والخلافة
ص: 309
غصبا وقيصريا .(1)
دخل على معاوية سعد بن مالك (سعد بن أبي وقاص) فقال: السلام عليك أيها الملك فغضب معاوية.(2)
عن سعید بن جمهان قال: قلت لسفينة: إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم،قال: كذب بنو الزرقاء، بل هم ملوك من أشر الملوك، وأول الملوك معاوية.(3)
وكان سعيد بن المسيب يقول: إن معاوية أول من أعاد هذا الامر(4)ملكاه(5).
وكان معاوية يجلس على السرير، والناس تحته، واستصفى أموال الناس، فأخذها لنفسه.(6)
فَقَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَا لِي أَرَاكَ كَئِيباً حَزِيناً قَالَ يَا جِبْرِيلُ إِنِّي رَأَيْتُ بَنِي أُمَيَّةَ في لَيْلَتِي هَذِهِ يَصْعَدُونَ مِنْبَرِي مِن بَعْدِي وَيُضِلُّونَ النَّاسَ عَنِّي الصِّرَاطَ القَهقَرَى فَقالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ نَبِيّاً إِنَّ هَذَا شَيْءٌ مَا اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ فَعَرَجَ إلى السَّمَاءِ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ نَزَلَ عَلَيهِ بِأَيٍ مِنَ الْقُرْآنِ يُؤيِسُهُ بِها قال: « أَ فَرَأَيْتَ إِنْ
ص: 310
مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ [205] ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ [206]ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ [207]»(1)وأنزَلَ عَلَيهِ: « إِنَّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ [1]وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْر [2] لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [3]»(2)جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِنَبِيِّهِ صلی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ خیرا مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ملک بَنِي امیة.(3)
وفي مفتحح الصحيفة الكاملة السجادية على صاحبها ألف سلام و تحية عن الصادق علیه السلام قال:*إن أبي حدثني، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام أن رسول الله صلی الله عليه و آله أخذته وهو على منبره. فرأى في منامه رجالا ینزون على منبره نز والقردة دون الناس على أعقابهم القهقري. فاستوى رسول الله صلى الله علیه و آله جالسا والحزن يعرف في وجهه. فأتاه جبريل عليه السلام بهذه الآية«وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن و هم ما يزيدهم إلا طغيانا كبير»(4)؛ يعني بني أمية.
قَالَ : يا جِبْرِيلَ أَعْلَى عَهْدِي يَكُونُونَ فِي زمني ؟ قَالَ : لَا ، ولکن تَدُورُ رحی الْإِسْلَامِ مِنْ مهاجرك فَتَلْبَثَ بِذَلِكَ عَشْراً ، ثُمَّ تَدُورُ رَحًى الْإِسْلَامُ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةً وَ ثَلَاثِينَ مِنَ مهاجرك فَتَلْبَثَ بِذَلِكَ خَمْساً ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ رحی ضَلَالَةٍ هِيَ قَائِمَةُ عَلَى قُطْبِهَا ، ثُمَّ مُلْكِ الْفَرَاعِنَةِ.
قَالَ : وَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ« إِنَّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ [1]وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْر [2]لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ»(5)تملكها بنو امیة ليس فيها ليلة القدر.(6)
ص: 311
وفي مجمع البيان في تفسير قوله تعالى: «وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ»(1)قال: هي كلمة الشرك والكفر وقيل : كل كلام في معصية الله کشجرة خبيثة غير زاكية وهي شجرة الحنظل وقيل: انها شجرة هذه صفتها وهو أنه لا قرار لها في الأرض، وروى أبو الجارود عن أبي جعفرعليه السلام أن هذا مثل بني أمية.(2)
وفيه أيضا في تفسير قوله: « أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَ بِئْسَ الْقَرَارُ»(3)
قال: سأل رجل أمیرالمؤمنین عليه السلام عن هذه الآية؟ فقال: هما الأفجران من قریش بنو أمية وبنو المغيرة، فأما بنو أمية فمتعوا إلى حين وأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر.(4)
وفي تفسير علي بن إبراهيم في قوله تعالى: «الَّذينَ يَتَّخِذُونَ الْکافِرينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنينَ أَ يَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَميعاً»(5) قال: نزلت في بني أمية حيث خالفوهم على أن لا يردوا الأمر في بني هاشم.(6)
وفي قوله: « وَ لَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَ نَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنينَ»(7)قال: نزلت في بني أمية ثم قال: «بَلْ بَدا لَهُمْ ما کانُوا
ص: 312
يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ»(1)قال: من عداوة أمير المؤمنين عليه السلام «بَلْ بَدا لَهُمْ ما کانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ»(2).(3)
وفي قوله تعالى: «إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذينَ کَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ»(4)
عن أبي جعفرعليه السلام قال: نزلت في بني أمية فهم شر خلق الله هم الذين كفروا في باطن القرآن فهم لا يؤمنون.(5)
وعن أبي جعفرعليه السلام أيضا في قوله: «وكذلك حق كلمه تيك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار»(6)يعني بني أمية.(7)
ومن تفسير الثعلبي في قوله تعالى : فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وقطعوا أرحامكم»(8)نزلت في بني أمية وبني هاشم.(9)
وَ عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْلِ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تعالی : « اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ کمشکاۃ » فاطمه عَلَيْهَا السَّلَامُ « فِيها مِصْباحُ » الْحَسَنُ « الْمِصْباحُ فِي زجاجۃ » الحسین « الزُّجاجَةُ كَانَهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌ» فَاطَّمُهُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌ بَيْنَ نِسَاءِ أَهْلِ الدُّنْيَا « یوقد مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ » ، إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ « زیتونة لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ » لَا يَهُودِيَّةٍ وَ لَا نَصْرَانِيَّةٍ « يَكادُ زَيْتُها يُضِي ءَ » يکاد الْعِلْمُ يَنْفَجِرُ
ص: 313
بها«وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارُ نُورُ عَلى نُورٍ »إِمَامُ مِنْهَا بَعْدَ إِمَامٍ«يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ»يَهْدِي اللَّهُ لِلْأَمَةِ مَنْ يَشاءُ «وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ » قِلَّةُ : « أَوْ کظلمات » قَالَ : الْأَوَّلُ وَ صَاحِبَهُ « يَغْشاهُ مَوْجُ » الثَّالِثُ « مِنْ فَوْقِهِ مَوْجُ ظُلُمَاتُ » الثَّانِي « بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ » معاويه وَ بَنِي أُمَيَّةَ « إِذا أَخْرَجَ يَدِهِ » المومن فِي ظُلْمَةِ فِتْنَتِهِمْ « كَمْ يَكَدْ یراها وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً » إِمَاماً مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ « فَما لَهُ مِنْ نُورٍ » إِمَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.(1)
هذا، والآيات والروايات في هذا المعنى كثيرة وفيما ذكرناه كفاية لمن اهتدی أو ألقى السمع وهو شهيد.
ص: 314
بسم الله الرحمن الرحیم
*اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي فَإِنْ عُدْتُ فَعُدْ عَلَيَّ بِالْمَغْفِرَةِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا وَ أیت مِنْ نَفْسِي وَ لَمْ تَجِدْ لَهُ وَفَاءُ عندی اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا تَقَرَّبْتُ بِهِ إِلَيْكَ بِلِسَانِي ثُمَّ خَالَفَهُ قَلْبِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي رَمَزَاتِ الْأَلْحَاظِ وَ سَقَطَاتِ الْأَلْفَاظِ وَ شَهَوَاتِ الْجَنَانِ وَ هَفَوَاتِ اللِّسَانِ.
قال تعالى :«يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَميعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللَّهُ وَ نَسُوهُ وَ اللَّهُ عَلي کُلِّ شَيْ ءٍ شَهيدٌ»(1)
عَنْ عَلِيٍّ بَيْنَ النُّعْمَانِ يَرْفَعُهُ قَالَ : كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا صَعِدَ الصَّفَا اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي كُلَّ ذَنْبٍ أَذْنَبْتُهُ قَطُّ (2) فَإِنْ عُدْتُ فَعُدْ علی
ص: 315
بِالْمَغْفِرَةِ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرحیم اللَّهُمَّ افْعَلْ بِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْعَلْ بِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ ترحمنی وَ إِنْ تُعَذِّبْنِي فانت غَنِيُّ عَنْ عَذَابِي وَ أَنَا مُحْتَاجُ إِلَى رَحْمَتِكَ فَيَا مَنْ أَنَا مُحْتَاجُ إِلَى رَحْمَتِهِ ارحمنی اللَّهُمَّ لَا تَفْعَلْ بِي مَا أَنَا أَهْلُهُ فَإِنَّك إِنْ تَفْعَلْ بِي ما أَنَا أَهْلُهُ تُعَذِّبْنِي ولَمْ تَظْلِمْنِي أَصْبَحْتُ أتَّقِي عَدْلَك وَلا أَخافُ جَورَكَ فَيا مَن هُوَ عَدْلٌ لا يَجورُ ارحَمني.(1)
ونقل ابن أبي الحديد من أدعية الصحيفة خمسة: الأول: «يا من يرحم من لا يرحمه العباد والثاني: «اللهم يا من برحمته يستغيث المذنبون» والثالث: «ياذا الملك المتأبد بالخلود» و الرابع: «اللهم إني أعوذ بك من هيجان الحرص» والخامس: «الحمد لله بكل ما حمده أدني ملائكته إليه» ثم قال: إنها من دعاء أمير المؤمنين عليه السلام، وكان يدعو بها علي بن الحسين عليه السلام في أدعية الصحيفة.(2)
قال التستري رحمه الله: إن كلمات عترته عليه السلام وعلومهم وإن كانت من كلماته عليه السلام وعلومه، إلا أن أدعية الصحيفة السجادية من إنشاء السجاد نفسه، وعليه أطبقت الإمامية سلفا وخلفا، وإنما نقل كل من البحراني والنوري صحيفة في أدعيته عليه السلام بالأسانيد -كما إن علي بن طاوس عقد في (مهجه) باب لدعواته عليه السلام كذلك.(3)
ص: 316
قال تعالى:«الَّذينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ميثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِکَ هُمُ الْخاسِرُونَ»(1)
وقال تعالى: «وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ کانَ مَسْؤُلاً»(2)
وقال تعالى: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ»(3)
قال الطبرسي في تفسير هذه الآية: قال ابن عباس: الوعد من العهد، وقال المفسرون: العهد الذي يجب الوفاء به والوعد هو الذي يحسن فعله وعاهد الله ليفعلته فائه يصير واجبا عليه، ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها، هذانهي منه سبحانه عن حنث الأيمان وهو أن ينقضها بمخالفة موجبها وارتكاب ما يخالف عقدها، وقوله: بعد توكيدها أي بعد عقدها و ابرامها وتوثيقها باسم الله تعالی وقيل: بعد تشدیدها و تغليظها بالعزم والعقد على اليمين بخلاف لغو اليمين.(4)
وقال تعالى:«وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ»(5)
ص: 317
قال تعالى: «فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا»(1)
وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ»(2)
قال الشاعر:
غاض الوفاء وفاض الغدر واتسعت *** مسافة الخلف بين القول والعمل(3)
قال تعالى: «يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ»(4)
بالفتح أي القلب؛ ولا يخلو قلب من شهوة أمور غير مشروعة.
عن أبي محمد الوابشي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: احذروا أهواء كم كما تحذرون أعداءكم فليس شيء أعدى للرجال من اتباع أهوائهم وحصائد ألسنتهم.(1)
عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: كان أبو عبد الله عليه السلام يقول: لا تدع النفس و هواها، فإن هواها في رادها وترك النفس وما تهوى أذاها وكف النفس عما تهوی دواها.(2)
قال النبي صلی الله علیه واله وسلم: طوبى لمن أنفق فضلات ماله وأمسك فضلات لسانه.(3)
وأن رسول الله صلی الله علیه واله وسلم قال: إن مقعد ملكيك على ثنيتك لسانك قلمهما وريقك مدادهما وأنت تجري فيما لا يعنيك فلا تستحي من الله ولا منهما.(4)
وَعَن أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلي اللَّهُ عليه واله وسلم يُعَذِّبُ اَللَّهُ اَللِّسَانَ بِعَذَابٍ لاَ يُعَذِّبُ بِهِ شَيئاً مِنَ الجَوارِحِ فيقول أَيْ رَبِّ عَذَّبْتَنِي بِعَذابٍ لَمْ تُعَذِّبْ بِهِ شَيئاً فَيُقَالُ لَهُ خَرَجَتْ مِنْكَ كَلِمَةٌ فَبَلَغَت مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبِهَا فسفک بِهَا الدَّمُ الْحَرَامُ وَ انْتُهِبَ بِهَا الْمَالُ الْحَرَامُ وَ انتهک بِهَا الْفَرْجُ الْحَرَامُ وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي لأعذبنک بِعَذَابٍ لَا
ص: 319
أعذت به شیئا من جوارحک.(1)
ومن غریب ما وقع لأبي يوسف يعقوب المعروف بابن السكيت، وكان من أكابر علماء العربية و عظماء الشيعة، وهو من أصحاب الجواد و الهادي عليه السلام، أنه قال في التحذير من عثرات اللسان:
يصاب الفتى من عثرة بلسانه***وليس يصاب المرء من عثرة الرجل
فعثرته في القول تذهب رأسه *** وعثرته في الرجل تبرأ عن مهل
فاتفق أن المتوكل العباسي ألزمه تأدیب ولديه المعتر و المؤيد، فقال له يوما:أيما أحب إليك ابناي هذان أم الحسن والحسين؟ فقال: والله إن قنبرا خادم علي خير منك ومن ابنيك، فقال المتوكل لأتراكه سلوا لسانه من قفاه ففعلوا فمات رحمه الله، وذلك لخمس خلون من رجب سنة أربع وأربعين ومائتين.(2)
وَعَن أبي حَمزَةَ عَن عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ إِنَّ لِسَانَ ابْنِ آدَمَ يُشْرِفُ عَلَى جَمِيعِ جَوَارِحِهِ كُلَّ صَبَاحٍ فَيَقُولُ كَيْفَ أَصَبْتُمْ فَيَقُولُونَ بِخَيْرٍ إِنْ تَرَكْتَنَا ويَقُولُونَ اللَّهَ اللَّهَ فِينَا وَيُنَاشِدُونَهُ وَيَقولونَ إنَّمَا نُثابُ وَنُعَاقِبُ بِك.(3)
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : كَانَ بالمدینة رَجُلُ بَطَّالُ يُضْحِكُ أَ لِ المدینة مِنْ كَلَامِهِ فَقَالَ يَؤُمُّ لَهُمْ : قَدْ أعیاني هَذَا الرَّجُلِ يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَمَا يضحكه مِنِّي شئ وَ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ أحتال فِي أَنْ أُضْحِكَهُ قَالَ :فمرعلي بْنُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ذَاتَ يَوْمٍ وَمَعَهُ مُؤْلِيَانِ لَهُ فَجَاءَ ذَلِكَ اَلْبَطَّالُ حَتَّى اِنْتَزَعَ رِدَاءَهُ مِنْ ظَهْرِ واتبَعَه المُؤْليان
ص: 320
فاسترجا الرداء منه والقياه عليه وهو ممختب لا يرفع طرفه من الأرض ثم قال الموليیه: ما هذا؟ فقالا له: رجل بطال يضحک أهل المدینة ویستطعم منهم بذلك قال: فقولا له: يا ويحك إن لله يؤما یخسر فيه البطالون.(1)
ص: 321
بسم الله الرحمن الرحیم
ثم أقبل عليه السلام على الناس فقال:
أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَ تَعَلُّمَ النُّجُومِ إِلَّا مَا يَهْتَدِي بِهِ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ فانها تَدْعُو إِلَى الْكِهَانَةِ وَ الْمُنَجِّمُ کالكاهن وَ الْكَاهِنُ كالساجر والساجر کالكافر وَ الْكَافِرُ فِي النَّارِ سِيرُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ.
مستند هذا الكلام روی مختلفاء منها: قال ابن أبي الحديد:
روی ابن دیزیل قال: عزم علي عليه السلام على الخروج من الكوفة إلى الحرورية،(1)
ص: 322
وكان في أصحابه منجم، فقال له: يا أمير المؤمنين لا تسر في هذه الساعة، وسر على ثلاث ساعات مضين من النهار، فإنك إن سرت في هذه الساعة أصابك وأصحابك أذي وضر شديد، وإن سرت في الساعة التي أمرتك بها ظفرت بمطلوبك وظهرت وأصبت ما طلبت. فقال له علي عليه السلام: أتدري ما في بطن فرسي هذه أذكر هو أم أنثى؟ قال: إن حسبت علمت فقال علي عليه السلام: من صدقك بهذا فقد كذب بالقرآن قال الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ»(1)الآية.
ثم قال عليه السلام: إن محمدا صلی الله علیه واله وسلم ما كان يدعي علم ما ادعیت علمه، أتزعم أنك تهدي إلى الساعة التي يصيب النفع من سار فيها وتصرف عن الساعة التي يحيق السوء بمن سار فيها فمن صدقك بهذا فقد استغني عن الاستعانة بالله جل ذكره في صرف المكروه عنه وينبغي للموقن بأمرك أن يوليك الحمد دون الله جل جلاله لأنك بزعمك هديته إلى الساعة التي يصيب النفع من سار فيها وصرفته عن الساعة التي يحيق السوء بمن سار فيها فمن آمن بك في هذا لم آمن عليه أن يكون من اتخذ من دون الله ضدا وندا، اللهم لا طير إلا طيرك ولا ضر إلا ضرك ولا إله غيرك ثم قال نخالف ونسير في الساعة التي نهيتنا عنها.
ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس إياكم والتعلم للنجوم إلا ما يهتدی به في ظلمات البر والبحر إنما المنجم کالكاهن والكاهن کالكافر والكافر في النار أما والله لئن بلغني أنك تعمل بالنجوم لأخلدنك السجن أبدا ما بقيت ولأحر منك العطاء ما كان لي من سلطان ثم سار في الساعة التي نهاه عنها المنجم فظفر بأهل النهر
ص: 323
وظهر عليهم ثم قال لو سرنا في الساعة التي أمرنا بها المنجم لقال الناس سار في الساعة التي أمر بها المنجم فظفر وظهر أما إنه ما كان لمحمد صلی الله علیه واله وسلم منجم ولا لنا من بعده حتى فتح الله علينا بلاد کسری وقيصر أيها الناس توكلوا على الله وثقوا به فإنه يكفي ممن سواه.(1)
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَوْفِ بُنِّيِّ الْأحْمَرِ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السُّلَّامَ المسیر إِلَى النَّهْرَوَانُ أَتَاهُ مَنْجَمٌ فَقَالٌ لَهُ يَا أَميرُ المؤمنین لَا تَسُرْ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ وَ سِرٌّ فِي ثَلاث سَاعَاتٍ يَمْضِينَ مِنَ النَّهَارِ فَقَالَ أَميرُ المؤمنین عَلَيْهِ السُّلَّامَ وَلَمْ ذَاكَ قَالٍ لِأَنَّكَ إِنَّ سُرْتُ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ أصابک وَأَصَابَ أصحابک أَذِي وَ ضَرُّ شيدید وَإِنْ سُرْتُ فِي السَّاعَةِ الَّتِي أمْرتک ظَفِرَتْ وَظَهَرَتْ وَأَصَبْتُ كُلُّ مَا طَلَبَتْ قَالٌ لَهُ أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السُّلَّامَ تَدْرِي مَا فِي بَطْنٍ هُوَ الدَّابَّةِ أَذْكُرُ أَمْ أُنْثَى قَالَ : إِنْ حَسَبْتُ عَلِمْتُ قَالَ لَهُ أَمِيرُ المؤمنین عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ صدقک عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَقَدْ کذب بِالْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «إإِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»(2)مَا کان مُحَمَّدِ صلی اللَّهِ علیه واله وَ سَلَّمَ يَدَّعِي مَا ادَّعَيْتَ أَ تَزْعُمُ أَنَّكَ تَهْدِي إِلَى السَّاعَةِ الَّتِي مَنْ سَارَ فِيهَا صُرِفَ عَنْهُ السُّوءُ وَ السَّاعَةِ الَّتِي مَنْ سَارَ فِيهَا حَاقَ بِهِ الضُّرُّ مَنْ صَدَّقَكَ بِهَذَا استغنی بِقَوْلِكَ عَنِ الِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلٍ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ وَ أُحْوِجَ إِلَى الرَّغْبَةِ إِلَيْكَ فِي دَفْعِ الْمَكْرُوهِ عَنْهُ وَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُولِيَكَ الْحَمْدَ دُونَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلٍ فَمَنْ آمَنَ لَكَ بِهَذَا فَقَدِ اتَّخَذَكَ مِنْ دُونِ اللَّهِ نِدّاً وَ ضِدّاً ثُمَّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : اللَّهُمَّ لَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ وَ لَا ضَيْرَ إِلَّا ضَيْرُكَ وَ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ وَ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ
ص: 324
بَلْ نُكَذِّبُكَ وَ نُخَالِفُكَ وَ نَسِيرُ فِي اَلسَّاعَةِ اَلَّتِي نَهَيْتَ عَنْهَا.(1)
وَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ (2) قَالَ : اسْتَقْبَلَ أَمِيرُ المؤمنین عَلَيْهِ السَّلَامُ دِهْقَانَ مِنْ دَهَاقِينُ الْفَرَسِ فَقَالَ لَهُ بَعْدَ التَّهْنِئَةِ : یا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ تتاحست النُّجُومِ الطالعات وَتَتَاحَسَتِ السُّعُودُ بِالنُّحُوسِ وَإِذَا كانَ مِثلُ هذا الْيَوْمِ وَجَبَ عَلَى التَّحْكيمِ الاخْتِفَاءُ ويَؤُمُّكَ هذَا يَؤُمُّ صَعْبٌ قَدِ انْقَلَبَ فِيهِ كَوْكَبَانِ وانْقَدَحَ مِن بُرْجِكَ النَّيرانُ ولَيسَ الحَرْبُ لَكَ بِمَكانٍ
ص: 325
فَقَالَ أَمِيرُ المومنین عَلَيْهِ السَّلَامُ : وَيْحَكَ يَا وَفْقاً الْمُنْبِئِ بالأثار المحذر مِنِ الْأَقْدَارِ ؟ مَا قُصَّهُ صَاحِبُ اَلْمِيزَانِ ؟ وَقَصَتْ صَاحِبُ السَّرَطَانِ ؟ وَ كَمْ المطالع مِنَ الْأَسَدِ ؟ وَ السَّاعَاتِ مِنْ المحرکات ؟ وَ كَمْ بَيْنَ السَّرَارِيِّ والدراري ؟ قَالَ: أَنَظَرٌ وَأَوْمَأَ بِيدُهُ إِلَى کمه وَأَخْرَجَ مِنْهُ أُسْطُرْلَاَبًا يَنْظُرُ فِيهِ فَتَبْسِمُ عَلَيْهِ السُّلَّامَ فَقَالَ: أَتَدْرِي مَا حَدَثَ البَارِحَةَ وَقَعَ بَيْتٌ بِالصِّينِ وَانْفَرَجَ بُرْجُ مَاجِينَ سَقَطَ سُورُ سَرَانْدِيبَ وانْهَزَمَ بِطرِيقُ الرُّومِ بِأُمْنِيَّةٍ وفَقِد دَيَّانُ الْيَهُودُ بأیْلَة وَهَاجَ النَّمْلُ بَوَادي النَّمْلِ وَ هَلَكُ مَلِكِ إفْرِيقِيَّةِ أکْنت عَالَمًا بِهَذَا قَالٍ لَا يَا أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالِ الْبَارِحَةِ سَعِدَ سَبْعُونَ أَلْفِ عَالَمَ وَوَلَدَ فِي كُلُّ عَالَمِ سَبْعُونَ ألْفًا وَاللَّيْلَةَ یموت مِثْلُهُمْ وَهَذَا مِنْهُمْ وَأَوْمَأَ بِيدُهُ إِلَى سَعْدِ بْن مُسْعِدَةٍ الْحَارِثِيُّ وَكَانَ جَاسُوساً لِلْخَوَارِجِ فِي عَسْكَرِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السلام فَظَنَّ اَلْمَلْعُونُ أَنَّهُ يَقُولُ خُذُوهُ فَاخُذْ بِنَفْسِهِ فَمَاتَ فَخَرَّ اَلدِّهْقَانُ سَاجِداً فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَلَم أُرْوِكَ مِنْ عَيْنِ اَلتَّوْفِيقِ؟
قَالَ : بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : أَنَا وَ صَاحِبِي لَا شَرْقِيُّ وَ لَا غَرْبِيَّ ( وَ أَصْحَابِي لَا شرقيون وَ لَا غَرْبِيُّونَ ) نَحْنُ ناشِئَةَ الْقُطْبُ وَ أَعْلَامُ الفلک أَمَّا قَوْلُكَ انقدح مِنْ برجک النِّيرَانِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ تَحْكُمُ بِهِ لِي لَا عَلَى أمَّا نورُهُ وَضياؤُهُ فَعِندي وَأمَّا حَريقُهُ وَلَهبُهُ فَذَهَبَ عَنِّي فَهَذِهِ مَسْأَلُهُ عَمِيقَةُ اَلْحَسَبِهَا إِنْ كُنْتَ حَاسِبا.(1)
وَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ قَالَ : كُنْتُ کثیرا اسایر أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا سَارَ إِلَى وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ فَلَمَّا قَصْدٍ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ وَ صِرْنَا بِالْمَدَائِنِ وَ کنت يؤمئذ مسايرا لَهُ إِذْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ قؤم مِنْ أَهْلِ الْمَدَائِنِ مِنْ دهاقينهم مَعَهُمْ بَرَاذِينَ قَدْ جَاءُوا بِهَا هَدِيَّةً إِلَيْهِ فقبلها وكَانَ فِيمَنْ تَلَقَّاهُ دِهْقَانٌ مِن دَهاقينِ اَلْمَدَائِنِ يَدَّعِي سَرْسَفِيلَ وَكَانَتِ اَلْفُرْسُ تَحْكُمُ
ص: 326
بِرَأْيِهِ فِيمَا مَضَى وَتَرْجِعُ إِلَى قَولِهِ فِيمَا سلف فَلَمَّا بَصُرَ بِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِين لِتَرْجِعَ عَمَّا قَصَدْتُ قَالَ وَ لِمَ ذَاكَ يَا دِهْقَانَ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تتا حَسَبَ النُّجُومِ الطَّوَالِعَ فنحس أَصْحَابِ السُّعُودِ وَ سَعْدُ أَصْحابُ النُّحُوسِ وَ لَزِمَ الْحَكِيمِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الاستخفاء ( الاختفاء ) وَ الْجُلُوسِ وَانٍ يؤمک هَذَا يَؤُمُّ مُمِيتُ قَدْ اقْتَرَنَ فِيهِ کوکبان قِتَالَانِ وَ شَرَّفَ فِيهِ بَهْرَامَ فِي بُرْجِ الْمِيزَانِ واتقدحت مِنْ برجک النیران وَ لَيْسَ الْحَرْبِ لَكَ بِمَكَانٍ.
فَتَبَسَّمَ أَمِيرُ المومنین عَلَيْهِ السَّلَامَ ثُمَّ قَالَ : أَيُّهَا الدِّهْقَانِ الْمُنْبِئِ بِالْأَخْبَارِ والمحذر مِنِ الْأَقْدَارِ مَا نَزَلَ الْبَارِحَةَ فِي آخَرَ الْمِيزَانِ وَ أَيُّ نَجْمٍ حَلَّ فِي السَّرَطَانِ قَالَ سَأَنْظُرُ ذلک وَ اسْتَخْرَجَ مِنْ کمه أسطرلابا وتقويما قَالَ لَهُ أَمِيرُ المؤمنین عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْتَ مَسِيرِ الْجَارِيَاتِ ؟ قَالَ : لَا.
قَالَ فَأَنْتَ تَقْضِي عَلَى اَلثَّابِتَاتِ؟ قَالَ : لَا قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ طُولِ الْأَسَدِ وَ تَبَاعُدُهُ مِنْ المطالع وَ الْمُرَاجِعَ وَ مَا الزُّهَرَةِ مِنْ التوابع وَ الْجَوَامِعِ قَالَ لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ.
قَالَ: فَمَا بَيْنَ السَّرَارِيِّ إِلَى الدَّرَارِيِّ؟ وَمَا بَيْنَ السَّاعَاتِ إِلَى الْمُعْجِزَاتِ (الْفَجْرَاتُ)؟ وَكُم قَدرُ شُعاعِ الْمُبَدِّرَاتِ (الْمَدَارَاتُ)؟ وَكَمْ تَحَصُّلِ الْفَجْرِ فِي الْغُدُوَّاتِ؟ قَالَ لاَ عِلْمَ لِي بِذَلِكَ.
قَالَ فَهَلْ عَلِمْتَ يَا دَهْقا أَنَّ الملك الْيَوْمَ انْتَقَلَ مِن بَيْتٍ إلى بَيْتٍ بِالصِّينِ وانْقَلَبَ وَ مَاجِينَ واحْتَرَقَ دُورٌ بِالزِّنْجِ وطَفَحَ جُبُّ سَرانديبَ وَتَهدُمُ حِصنَ الأندُلُسِ وَهاجَ نَملَ الشّيح(1)(السيح خ ل) وأنهزم مراق الْهِنْدِيِّ وَ فَقْدُ دیان الْيَهُودِ
ص: 327
بِأَيلَةَ وهُدِمَ بِطريقُ الرّومِ بِرُومِيَّةَ وَعَمِّيَ راهِبُ عَمورِيَّةَ وسَقَطَتْ شُرُفَاتُ اَلْقُسْطَنْطِينِيَّةِ أَ فَعَالِمٌ أَنْتَ بِهَذِهِ الْحَوَادِثِ ومَا الَّذِي أَحْدَثَهَا شَرْقِيُّهَا أَوْ غَرْبِيُّهَا مِنَ اَلْفَلَكِ قَالَ لاَ عِلْمَ لِي بِذَلِك.
قَالَ وَ بِأَيِّ الكواکب تَقْضِي فِي أَعْلَى الْقُطْبُ وبأیها تنحس مِنْ تنحس قَالَ لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ قَالَ فَهَلْ عَلِمْتَ أَنَّهُ سَعْدُ الْيَوْمَ اثْنَانِ وَ سَبْعُونَ عَالِماً فِي کل عَالِمُ سَبْعُونَ عَالِماً مِنْهُمْ فِي الْبَرِّ وَ مِنْهُمْ فِي الْبَحْرِ وَ بَعْضٍ فِي الْجِبَالِ وَ بَعْضٍ فِي الغِيَاضِ وَ بَعْضٍ فِي الْعُمْرَانِ وَ مَا الَّذِي أسعدهم ؟ قَالَ : لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ.
قال: یا دهقان أظنك حكمت على اقتران المشتري و زحل لما استنارا لك في الغسق وظهر تلالو شعاع المريخ وتشريقه في السحر وقد سار فاتصل جرمه بجرم تربيع القمر وذلك دليل على استحقاق ألف ألف من البشر کلهم يولدون اليوم والليلة ويموت مثلهم وأشار بيده إلى جاسوس في عسکر لمعاوية قال ويموت هذا فانه منهم فلما قال ذلك ظن الرجل أنه قال خذوه فاخذوه شيء بقلبه وتكسرت نفسه في صدره فمات لوقته فقال علیه السلام یا دهقان ألم أرك غير التقدير في غاية التصوير قال بلى يا أمير المؤمنين قال يا دهقان أنا مخبرك أني وصحبی هؤلاء لا شرقیون ولا غربیون إنما نحن ناشئة القطب وما زعمت أن البارحة انقدح من برجي النيران فقد كان يجب أن تحکم معه لي لأن نوره وضياءه عندي فلهبه ذاهب عني يا دهقان هذه قضيه عيص فاحسبها وولدها إن كنت عالما بالأكوار والأدوار قال لو علمت ذلك لعلمت أنک تحصي عقود القصب في هذه الأجمة.
وَ مَضَى أَمِيرُ المؤمنین علیه السَّلَامُ فَهُزِمَ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ وَ قَتْلُهُمْ وَ عَادَ بِالْغَنِيمَةِ وَ الظُّفُرِ فَقَالَ
ص: 328
الدِّهْقَانِ : لَيْسَ هَذَا الْعِلْمِ بِمَا فِي أَيْدِي أَهْلِ زَمَانِنَا هَذَا عِلْمُ مَادَّتَهُ مِنَ السَّمَاءِ.(1)
ومما هو مستنده غير ما مر ما روي عن عكرمة عن ابن عباس وعن الشعبي عن أبي أراكة ان أمير المومنین علیه السلام لما انصرف من الأنبار أو الكوفة لقتال الخوارج بالنهروان كان معه مسافر بن عوف بن الأحمر وكان ينظر في النجوم فقال العلي علیه السلام: لا تسر في هذه الساعة وسر في ثلاث ساعات من النهار.
قال: ولم؟
قال : لأنك إن سرت الساعة أصابك ومن معك بلاء وشدة، وإن سرت في الساعة الثالثة ظفرت.
فقال علیه السلام: الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون، قال الله تعالى لنبيه: «قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ»(2)
وسمعت رسول الله صلی الله علیه واله وسلم يقول: من صدق منجما أو كاهن كأنما كذب ما أنزل على محمد _وفي رواية فقد کفر_وسمعته يقول: إنما أخاف على أمتي اثنين التصديق بالنجوم و التكذيب بالقدر.
إلى أن قال: من صدقك بهذا القول كذب بالقرآن، قال الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ»(3)، وما كان محمد يدعي ما ادعیت علمه، فمن صدقك في قولك كان کمن اتخذ من دون الله اندادا، اللهم لا طائر إلا طائرك ولا خير إلا من عندك ولا إله غيرك.
ص: 329
ثم قال: یابن الأحمر نكدبك ونخالفك ونسير في الساعة التي نهيت عنها، ثم أقبل على الناس وقال: إياكم وتعلم النجوم إلا ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ، المنجم کافر والكافر في النار، یابن الأحمر والله لئن بلغني انك بعدها تنظر في النجوم و تعمل فيها لأجلدك جلد المفتري، والأخلدنك في الحبس ما بقيت وبقيت، ولأحرمنك العطاء ما عشت وكان لي سلطان.
ثم سارعلیه السلام في الساعة التي نهاه عن السير فيها فظفر بالخوارج و آبادهم.
ثم قال: فتحنا بلاد کسری و قیصر و تبع وحمير وجميع البلدان بغیر قول منجم، أيها الناس تولوا على الله واتقوه واعتمدوا عليه، ألا ترون أنه لو سرنا في الساعة التي أشار إليها المنجم لقال الناس إنما ظفرنا بقول المنجم، فثقوا بالله واعلموا أن هذه النجوم مصابیح جعلت زينة، ورجوما للشياطين، ويهتدي بها في ظلمات البر والبحر، والمنجمون أضداد الرسل يكذبون بما جاءوا به من عند الله لا يرجعون إلى قرآن ولا شرع، إنما يتسترون بالإسلام ظاهرا ويستهزؤن بالنبيين باطنا، فهم الذين قال الله فيهم:«وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ»(1)
وفي رواية: ان ابن أحمر قال له علیه السلام: لا تسر في هذه الساعة. قال علیه السلام: ولم؟ قال: لأن القمر في العقرب. فقال علیه السلام: قمرنا أو قمرهم.(2)
وروى في مسيره علیه السلام إلى النهروان: أتاه مسافر بن عفيف الأزدي، فقال: لا تسر في هذه الساعة، فقال له: ولم؟ أتدري ما في بطن هذه الفرس؟ قال: إن نظرت علمت، فقال علیه السلام: إن من صدقك في هذا القول يكذب بكتاب الله، لأن الله يقول في کتابه:«إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا
ص: 330
تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ»(1)
وتكلم في ذلك بكلام كثير وقال: لئن بلغني انك تنظر في النجوم لأخلدتك في الحبس مادام لی سلطان، فوالله ما كان محمد بمنجم ولاكاهن.(2)
قول المصنف: (ومن كلام له علیه السلام قاله لبعض أصحابه) قد عرفت من رواية سبط ابن الجوزي انه كان مسافر بن عوف بن أحمر، ومقتضی رواية المبرد الآتية انه كان عفيف بن قیس، فلابد أن أحدهما تصحيف.
قد عرفت من رواية الصدوق ورواية (تذكرة سبط ابن الجوزي): أن ذلك كان في مسيره علیه السلام إلى خوارج النهروان.
وروی (کامل المبرد) انه كان في مسيره علیه السلام إلى خوارج النخيلة، فقال: لما أراد علي المسير إلى خوارج النخيلة بعد النهروان، وكانوا قد فارقوا عبد الله بن وهب ولجئوا وأقاموا بالكوفة معتزلين ثم ندموا على فراق اخوانهم فسارعلیه السلام إليهم، فقال له عفيف بن قيس: لا تخرج في هذه الساعة فاتها ساعة نحس لعدوك عليك. فقال علیه السلام له: توكلت على الله وحده وعصيت رأي كل متكن أنت تزعم انك تعرف وقت الظفر من وقت الخذلان،«إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ۚ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ
ص: 331
آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»(1)
ثم سار إليهم فطحنهم جميعا ولم يفلت منهم إلا خمسة المستورد من سعد بن زید مناة و ابن جوين الطائي وفروة بن شريك الأشجعي، وهم الذين ذكرهم الحسن البصري، فقال: دعاهم إلى دين الله فجعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا، فسار إليهم أبو الحسن فطحنهم طحنا، وفيهم يقول عمران بن حطان:
اني أدين بما دان الشراة به*** يوم النخيلة عند الجوسق الخرب
وقال الحميري يعارض هذا المذهب:
اني أدين بما دان الوصي به *** يوم النخيلة من قتل المحلينا
وبالذي دان يوم النهروان به *** وشارکت کفه كقي بصفينا
تلك الدماء معا يا رب في عنقي *** ومثلها فاسقني آمين آمينا(2)
عَنْ هِشَامِ الْخَفَّافِ قَالَ : قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامُ : كَيْفَ بصرک بِالنُّجُومِ ؟ قَالَ : قِلَّةُ : مَا خَلَّفْتُ بِالْعِرَاقِ أَبْصَرَ بِالنُّجُومِ مِنِّي فَقَالَ : كَيْفَ دَوَرَانُ الفلک عِنْدَكُمْ ؟ قَالَ : فاخذت قلنسوتی عَنْ رأسی فادرتها قَالَ : فَقَالَ : إِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا تَقُولُ فَمَا بَالُ بَنَاتِ النَّعْشِ وَ الْجَدْيِ وَ الْفَرْقَدَيْنِ لَا يُرَوْنَ يَدُورُونَ یوما مِنَ الدَّهْرِ فِي الْقِبْلَةِ قَالَ : قِلَّةُ : هَذَا وَ اللَّهِ شئء لَا أَعْرِفُهُ وَ لَا سَمِعْتُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ الْحِسَابِ یذکره فَقَالَ
ص: 332
لِي: كَمِ السكينه مِنَ الزَّهْرَةِ جُزْءًا فِي ضُؤِئهَا قَالَ: قُلْتُ: هَذَا وَاللهَ نَجْمٍ مَا سَمِعَتْ بِهِ وَلَا سَمِعَتْ أحَدَا مِنَ النَّاسِ يذکره فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ فَأَسْقَطْتُمْ نَجْماً بِأَسْرِهِ فعلی مَا تَحْسُبُونَ ثُمَّ قَالَ : فَكَمِ الزُّهَرَةُ مِنَ الْقَمَرِ جُزْءاً فِي ضؤئه قَالَ : قُلت هذا شَيْء لاَ يعلَمُه إلاَّ اَللَّهُ عزّ وجل قَالَ فَكَمِ الْقَمَرُ جُزْءاً مِنَ اَلشَّمْسِ فِي ضَوْئِهَا قَالَ قُلْتُ مَا أَعْرِفُ هَذَا قَالَ صَدَقْتَ ثُمَّ قَالَ مَا بَالُ اَلْعَسْكَرَيْنِ(1) يَلْتَقِيَانِ فِي هَذَا حاسِبٌ وَفِي هَذَا حَاسِبٌ فَيَحْسُبُ هَذَا لِصاحِبِهِ بِالظَّفَرِ ويَحْسُبُ هَذا لِصَاحِبِهِ بِالظَّفرِثِم يَلْتَقِيانِ فَيَهْزِمُ أَحَدُهُمَا اَلْآخَرَ فَأَيْنَ كَانَت اَلنُّحُوسِ قَالَ قُلْتُ لاَ وَاللَّهِ مَا أغله ذلِكَ قال فَقال صَدَقْتَ إنَّ أَصْلَ الحِسابِ حَقٌ وَلكِن لا يَعلَمُ ذلِكَ إلاَّ مَن عَلِمَ مَواليدَ الخَلقِ كُلِّهم.(2)
في السير : لما حاصر المعتصم عمورية قال المنجمون له: انا نجد في كتبنا ان هذه المدينة لا تفتح إلا في وقت ادراك التين والعنب، وبيننا وبين ذلك الوقت أشهر، ويمنعك من المقام البرد والثلج، فأبی أن ينصرف، واكب عليها حتى فتحها، فأبطل ما قالوا.(3)
ص: 333
وفي ذلك يقول أبو تمام:
السيف أصدق أنباء من الكتب *** في حده الحد بين الجد واللعب
یا یوم وقعة عمورية انصرفت *** عنك المني معسولة الحلب
وقال أيضا:
أين الرواية بل (أو) أين النجوم وما *** صاغوه من زخرف فيها ومن كذب(1)
خالف خالد بن محمد الشعراني المعروف بأبي يزيد واجتمع له نحو عشرة آلافي فارس وراجل، فكتب المقتدر إلى بدر الحمامي في انفاذ جيش إليه، فكتب بدر إليه قبل انفاذ الجيش يرغبه في الطاعة وخوفه وبال المعصية، فأجابه في طالعي كوكب بيباني لابد أن يبلغني غاية ما اريد، فأنفذ بدر جيشأ إليه وأخذ أسيرا فقيل فيه:
يا أبا يزيد قائل البهتان *** لا تغترر بالكوكب البيباني
واعلم بأن القتل غاية جاهل *** باع الهدی بالغي والعصيان(2)
في حرب عبد الملك ومصعب كان مع عبد الملك منجم، وقد التقى مقدمة مصعب، وعليها إبراهيم بن الأشتر، ومقدمة عبد الملك، وعليها أخوه محمد بن مروان، فأشار المنجم علی عبدالملك ألا يحارب له خيل في ذلك اليوم فإنه منحوس، ولیكن حربه بعد ثلاث أيام، فبعث عبد الملك إلى أخيه ألا يقاتل في ذاك
ص: 334
اليوم، فقال أخوه: انا لا التفت إلى زخاریف منجمك، وقاتل و ظفر.(1)
ولما اعتل الواثق علته التي مات فيها وسقي بطنه أمر بإحضار المنجمين، فأحضروا فيهم الحسن بن الفضل، والفضل بن إسحاق الهاشمي، وإسماعيل بن نوبخت، و محمد بن موسی الخوارزمي المجوسي القطر بلي، وسند صاحب محمد بن الهيثم، وعامة من ينظر في النجوم، فنظروا في علته ونجمه ومولده، فقالوا يعيش دهرا طويلا وقدروا له خمسين سنة مستقبلة، فلم يلبث إلا عشرة أيام حتى مات.
وعولج بالا قعاد في التنور مسخنا، فوجد لذلك خفة، فأمرهم بزيادة الاسخان في الغد وقعد فيه أكثر، فحمي عليه، فأخرج وصير في محفة، فضربت بوجهه، فعلموا انه مات.(2)
قال تعالى: «أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ»(3)
وقال تعالى: «قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ»(4)
وقال تعالى: «وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ»(5)
وقال تعالى: «وما كان الله ليطلعكم على الغيب»(6)
وقال تعالى: «قُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ»(7)
ص: 335
وقال تعالى: «وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ»(1)
وقال تعالى: «قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»(2)
وقال تعالى: «عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ»(3)
وقال تعالى: «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ»(4)
وقال تعالى: «قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ»(5)
وقال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ»(6)
وقال تعالى: «إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»(7)
وقال تعالى: «وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ»(8)
وقال تعالى: «وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا»(9)
وقال تعالى: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِنْ رَسُولٍ»(10)
ويمكن حمل الكلام على وجه آخر وهو أن قول المنجم بأن صرف السوء ونزول الضر تابع للساعة سواء قال بأن الأوضاع العلوية مؤثرة تامة في السفليات ولا يجوز تخلف الآثار عنها أو قال بأنها مؤثرات ناقصة ولكن باقي المؤثرات
ص: 336
أمور لا يتطرق إليها التغير أو قال بأنها علامات تدل على وقوع الحوادث حتما فهو مخالف لما ثبت في الدين من أنه سبحانه يمحو ما يشاء ويثبت وأنه يقبض ويبسط ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ولم يفرغ من الأمر وهو تعالی كل يوم في شأن والظاهر من أحوال المنجمين السابقين وكلماتهم جلهم بل كلهم أنهم لا يقولون بالتخلف وقوعا أو إمكانآ فيكون تصديقهم مخالفا لتصديق القرآن وما علم من الدين والايمان من هذا الوجه، ولو كان منهم من يقول بجواز التخلف ووقوعه بقدرة الله و اختياره وأنه تزول نحوسة الساعات بالتوكل والدعاء والتوسل والتصدق وينقلب السعد نحسا والنحس سعدا وبأن الحوادث لا يعلم وقوعها إلا إذا علم أن الله سبحانه لم تتعلق حکمته بتبديل أحكامها كان كلامها علیه السلام مخصوصا بمن لم يكن كذلك فالمراد بقوله صرف عنه السوء وحاق به الضر أي حتما.(1)
والقرآن يقول: «وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»(2)
وفي سنة 284 کان المنجمون يوعدون الناس بغرق أكثر الأقاليم وأن اقلیم بابل لا يسلم منه إلا اليسير وأن ذلك يكون بكثرة الأمطار وزيادة المياه في الأنهار والعيون والآبار فقحط الناس فيها فلم يروا فيها من المطر إلا اليسير وغارت المياه في الأنهار والعيون والآبار حتى احتاج الناس إلى الاستسقاء
ص: 337
فاستسقوا ببغداد مرات.(1)
وفي الجزري: كان المنجمون قديما وحديثا حكموا في سنة 582 تجتمع الكواكب الخمسة في برج الميزان ويحدث باقترانها رياح شديدة، فلم يكن لذلك صحة ولم يهب من الرياح شيء حتى أن الغلات، الحنطة والشعير تأخر نجازها لعدم هواء يذري به الفلاحون.(2)
ونقله القفطي وقال: قالوا باجتماع الكواكب السبعة وفي رأسهم أبو الفضل الخازمي، وزاد أن الشعراء أكثروا في ذمهم، ومنها قول الواسطي:
قل لأبي الفضل قول معترف *** مضى جمادي وجاءنا رجب
وما جرى زعزع کما حكموا *** ولا بدا كوكب له ذنب
کلا ولا اظلمت ذكاء ولا *** أبدت أذى من ورائها الشهب
فارم بتقويمك الفرات والاسطر *** لاب خير من صفرة الخشب
فليبطل المدعون ما وصفوا *** في كتبهم ولتحرق الكتب(3)
وقتل أبو طالب السميري وزیر محمود السلجوقي في سنة 516 وكان برز مع السلطان ليسير إلى همدان، فدخل الحمام وكان المنجمون يأخذون له الطالع ليخرج، فقالوا هذا وقت جيد وان تأخر يفت طالع السعد، فأسرع وركب وأراد أن يأكل طعاما فمنعوه لأجل الطالع، فخرج وخرج بين يديه الرجالة والخيالة وهو في موكب عظيم، فاجتاز في منفذ ضيق فيه حظائر الشوك، فتقدم أصحابه لضيق الموضع، فوثب عليه باطني وضربه بسكين فوقعت في البغلة وهرب و تبعه الغلمان
ص: 338
فخلا الموضع فظهر آخر وضربه بسكين في خاصرته وجذبه عن البغلة وضربه عدة ضربات، وعاد أصحاب الوزير وقد ذبح مثل الشاة، فحمل قتيلا وبه نیف وثلاثون جراحة وانتهب ماله وأخذ السلطان خزانته، وكانت زوجته قد خرجت في هذا اليوم في موكب كبير في نحو مائة جارية وجمع من الخدم والجميع بمراكب الذهب، فلما سمعن بقتله عدن حافيات حاسرات وقد تبدلن بالعز هوانا و بالمسرة أحزانا، فسبحان من لا يزول ملكه، وكان ظالما كثير المصادرة للناس سيئ السيرة.(1)
عَنْ هِشَامِ بْن الْحُكْمِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ علیه السُّلَّامَ فِي حَديثٍ: أَنَّ زندیقَا قَالٌ لَهُ: مَا تَقَوُّلٍ فِي عِلْمِ النُّجُومِ ؟ قَالَ: هُوَ عِلمٌ قَلَّتُ مَنافِعُهُ وَكَثُرَت مَضَارُّهُ لا يُدْفَعُ بِهِ الْمَقدورُ وَلا يُتَّقَى بِهِ المَحْذورُ إن خَبَّرَ المُنَجِّمُ بِالبَلاءِ لَمْ يَتَجَهَّ التَّحَرُّزِ مِنَ القَضاءِ وَإن خَبَّرَ هُوَ بِخَيْرٍ لَم يَسْتَطِعْ تَعجيلَهُ وإن حَدَثَ بِهِ سوءٌ لَم يُمكِنهُ صَرفُهُ وَالمُنَجِّمُ يُضادُّ اللَّه فِي عِلْمِهِ بِزَعْمِهِ أَنَّهُ يَرُدُّ قَضَاءَ اللَّهِ مِمَّنْ خَلْقِهِ .(2)
وعن (استخارات ابن طاوس)، عن كتاب محمد بن علي بن محمد مما يدعو الصادق علیه السلام:*اَللَّهُمَّ إِنَّكَ خَلَقْتَ أَقْوَاماً يَلْجَئُونَ إِلَى مَطَالِعِ النُّجومِ الأَوقاتِ حَرَكَاتُهُمْ وَ سُكونِهِم وَتَصَرُّفِهِم وَ عَقْدِهِمْ وَخَلَقْتَنِي أَبْرَأُ إِلَيكَ مِنَ اللَّجا إلَيها وَمَن طَلَبَ
ص: 339
الاخْتِياراتِ بِها وأَتَيَقَّنُ أنَّك لَم تُطْلِعْ أَحَداً عَلَى غَيْبِكَ فِي مَوَاقِعِهَا ولَمْ تُسَهِّلْ لَهُ السَّبِيلَ إلى تَحْصيلِ أَفاعِيلِها وَانكَ قَادِرٌ عَلَى نَقْلِهَا فِي مَدَارَاتِهَا فِي مَسِيرِهَا عَنِ السُّعُودِ الْعَامَّةِ والْخَاصَّةِ إِلى النُّحُوسِ وَ مِنَ اَلنُّحُوسِ الشَّامِلَةِ وَ الْمُفْرَدَةِ إِلَى السُّعُودِ الآنک تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَ تُثْبِتُ وَ عِنْدَكَ أُمُّ الْكِتَابِ ولانها خَلْقُ مِنْ خَلْقِكَ وَ صَنْعَةُ مِنْ صَنِيعِكَ وَ مَا أَسْعَدَتْ مَنِ اعْتَمَدَ عَلَى مَخْلُوقٍ مِثْلِهِ وَ اسْتَمَدَّ الاختیار لِنَفْسِهِ وَهْمُ أولئک ، وَ لَا أَشْقَيْتَ مَنِ اعْتَمَدَ عَلَى الْخَالِقِ الَّذِي أَنْتَ.(1)
هذا، وخرج عروة الصعاليك وأصحابه إلى خيبر يمتارون منها، فعشروا خوفا من وباء خيبر، وأبي عروة أن يعشر -والتعشير نهاق الحمير ، وكانوا إذا خافوا وباء مدينة أرادوا دخولها وقفوا على بابها وعشروا كالحمير - فدخلوا وامتاروا ورجعوا، فلما بلغوا إلى روضة الأجداد ماتوا إلا عروة فقال:
وقالوا أحب وانهق لا تضرك خيبر***وذلك من دين اليهود ولوع
العمري لئن عشرت من خشية الردى*** نهاق الحمير انني لجزوع
فلا وألت تلك النفوس ولا أتت *** على روضة الأجداد وهي جميع(2)
وقال أمية بن أبي الصلت و جمع آخر:
عبادك يخطئون وأنت رب ***بکفيك المنايا والحتوم(3)
ص: 340
ولا انثني من (عن) طيرة عن مريرة *** إذا الأخطب الداعي على الدوح صرصرا(1)،(2)
لا يعلم المرء ماتصحبه إلا *** کواذب مما يخبر الفال
والفال والزجر والكهان کلهم *** مضللون ودون الغيب أقفال(3)
اني بأحكام النجوم مكذب *** المدعيها لائم ومؤنب
الغيب يعلمه المهين وحده *** وعن الخلائق أجمعين مغيب
الله يعطي وهو يمنع قادرا *** فمن المنجم ويحه والكوكب(4)
لست أدري ولا المنجم يدري *** ما يريد القضاء بالانسان
غير اني أقول قول محق *** وأرى الغيب فيه مثل العيان
ان من كان محسنا قابلته *** بجمیل عواقب الإحسان(5)
يا من يقدر أن الدهر ينصره *** بكوكب عاجز، بالله فانتصر
لا تشركن برب العرش تجهله *** کواكبا كلها تجري على قدر
عطارد زهرة والشمس مع زحل *** کالمشتري الفرد والمريخ كالقمر(6)
ولقد غدوت وكنت لا *** أغدو على واق وحاتم(7)
فاذا الاشائم كالایامن *** والأيامن كالأشائم
وكذاك لاخير ولا شر *** على أحد بدائم(8)
ص: 341
عن أبي الحصين قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: سئل رسول الله صلی الله علیه واله وسلم عن الساعة؟ فقال: عند ایمان بالنجوم و تکذیب بالقدر(1)«و المقصود ان الايمان بالنجوم متضمن للتكذيب بالقدر».
وعن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه واله وسلم: أربعة لا
تزال في أمتي إلى يوم القيامة: الفخر بالأحساب (2)والطعن في الأنساب(3)والاستسقاء بالنجوم(4)والنياحة(5):(6).
وعن الحسين بن علي علیه السلام قال : نهى رسول الله صلی الله علیه واله وسلم عن خصال إلى أن قال: وعن
النظر في النجوم.(7)
وعن نصر بن قابوس قال: سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول: المنجم ملعون والكاهن ملعون والساحر ملعون المغنية ملعونة ومن آواها وأكل كسبها ملعون وقال علیه السلام: المنجم کالكاهن والكاهن كالساحر والساحر کالكافر والكافر في النار.(8)
ص: 342
قال الشارح البحراني: الذي يلوح من سر نهي الحكمة النبوية عن تعلم النجوم أمران: الأول: اشتغال متعلمها بها واعتماد كثير من الخلق السامعين لأحكامها فيما يرجون ويخافون عليه فيما يسنده إلى الكواكب والأوقات والاشتغال بالفزع إليه وإلى ملاحظة الكواكب عن الفزع إلى الله والغفلة عن الرجوع إليه فيما يهم من الأحوال وقد علمت أن ذلك يضاد مطلوب الشارع إذ كان غرضه ليس إلا دوام التفات الخلق إلى الله وتذكرهم لمعبودهم بدوام حاجتهم إليه.
الثاني: أن الأحكام النجومية اخبارات عن امور سیکون وهي تشبه الاطلاع على الأمور الغيبية وأكثر الخلق من العوام والنساء والصبيان لا يتميزون بينها وبين علم الغيب والإخبار به فكان تعلم تلك الأحكام والحكم بها سببا لضلال كثير من الخلق وموهنا لاعتقاداتهم في المعجزات أو الإخبار عن الكائنات منها وكذلك في عظمة بارئهم ویشککهم في عموم الآيات الدالة على اختصاص علم الغيب بالله سبحانه، وكان هذين الوجهين هما المقتضیان لتحريم الكهانة والسحر والعزائم ونحوهما.(1)
وكان بکرکر من نواحي العقص ضيعة نفيسة لعلي بن يحيى المنجم، وقصر جليل فيه خزانة كتبه عظيمة يسميها خزانة الحكمة، يقصدها الناس من كل بلد، فيقيمون فيها، ويتعلمون منها صنوف العلم، والنفقة في ذلك من ماله، فقدم أبو معشر المنجم من خراسان يريد الحج، وهو إذ ذاك لا يحسن كبير شيء من النجوم، فوصفت له الخزانة، فمضى إليها، فلما رآها هاله أمرها، فأقام بها، وأضرب عن الحج، وتعلم فيها علم النجوم، وأغرق فيه حتى ألحد، وكان ذلك آخر عهده بالحج
ص: 343
وبالدين والإسلام.(1)
قال تعالى: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ»(2)
وقال تعالى: «وَعَلَامَاتٍ ۚ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»(3)
وقال تعالى: «لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ»(4)
قال الطبرسي: لأن من النجوم ما يكون بين يدي الانسان ومنها ما يكون خلفه ومنها ما يكون عن يمينه ومنها ما يكون عن يساره ويهتدي بها في الأسفار وفي البلاد وفي القبلة وأوقات الليل وإلى الطرق في مسالك البراري والبحار (5)، وقيل أراد الاهتداء به في القبلة، قال ابن عباس: سألت رسول الله صلی الله علیه واله وسلم به عن قوله تعالى: «وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» فقال: الجدي علامة قبلتكم وبه تهتدون في بركم وبحركم.(6)
وهذه الرواية موافقة لما رواه الصدوق مرسلا قال: قال رجل للصادق علیه السلام: أنا أكون في السفر ولا أهتدي إلى القبلة بالليل؟ قال: أتعرف الكوكب الذي يقال له جدي؟ قلت: نعم، قال: اجعله على يمينك وإذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك .(7)
وروى أيضأ محمد بن مسلم عن أحدهما علیهم السلام قال: سألته عن القبلة؟ قال: ضع
ص: 344
الجدي في قفاك وصل (1)هذا.
ولا ينحصر جواز تعلمها فيما ذكر بل ربما يجوز التعلم لما يترتب عليها من الأحكام الشرعية المتعلقة بها في أبواب العبادات والمعاملات بل قد يجب لوجوب الحكم المرتب عليها فيجب معرفتها من باب المقدمة مثلا لوجوب معرفة الأوقات الخمسة للصلاة ومعرفة الحول المضروبة للزكاة واتبان الحج والعمرة في الأشهر المعلومات وضبط عدد الحولين لرضاع الحاملات و تعيين أيام العدة للمتوفى عنها زوجها وللحامل و سایر المطلقات، والعلم بما ضربت للدين المؤجل من الأوقات كما اشير إلى ذلك في غير واحدة من الآيات.
قال تعالى: «أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ»(2)
وقال تعالى: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ»(3)
وقال تعالى: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»(4)
قال المجلسي رحمه الله: هي عمل يوجب طاعة بعض الجان له بحيث يأتيه بالأخبار الغائبة وهو قريب من السحر قيل قد كان في العرب کهنه کشق وسطیح وغيرهما فمنهم من يزعم أن له تابعا من الجن ورئيا يلقي إليه الأخبار ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات و أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو
ص: 345
فعله أو حاله وهذا يخصونه باسم العراف كالذي يدعي معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحوهما ودعوة علم النجوم إلى الكهانة إما لأنه ينجر أمر المنجم إلى الرغبة في تعلم الكهانة والتكسب به أو ادعاء ما يدعيه الكاهن .(1)
کان سواد بن قارب الدوسي أو السدوسي يتكهن في الجاهلية، ثم أسلم، وقال له عمر يوما :ما فعلت کهانتك يا سواد؟ فغضب وقال: ما کتا نحن وأنت يا عمر من جهلنا، وكفرنا شر منه، فمالك تعيرني بشيء تبت منه.(2)
وفي النهاية: الكاهن: الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدعي معرفة الأسرار، وقد كان في العرب کهنه کشق وسطیح، فمنهم من يزعم أن له تابعة من الجن يلقي إليه الأخبار، ومنهم من يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو حاله أو فعله، وهذا يخصونه باسم العراف كالذي يدعي معرفة الشيء المسروق و مكان الضالة ونحوهما، وكان يقال لقريظة و النضير الكاهنان وهما قبيلا اليهود بالمدينة، وهم أهل كتاب وفهم وعلم، والعرب تسمى كل من يتعاطی علما دقيقا كاهنا، ومنهم من كان يسمى المنجم والطبيب کاهنا(3).
هذا وفي سنن أبي داود: کان اسامة أسود و زيد أبيض، وروي عن عائشة قالت: دخلت على النبي صلی الله علیه واله وسلم مسرورا وقال: ألم تر أن مجززا المدلجی رأی زیدا وأسامة قد غطيا رأسيهما بقطيفة وبدت أقدامهما، فقال: ان هذه الأقدام بعضها من بعض (4).
ص: 346
ذکر محمد بن علي العبدي الخراساني أن القاهر قال له: أنت علامة بأخبار بني العباس، فأخبرني عن المنصور. فقال: كان أول خليفة قرب المنجمين، وعمل بأحكام النجوم، وكان معه نوبخت المجوسي المنجم، وأسلم على يديه، وهو أبو هؤلاء النوبختية، وكان معه إبراهيم الفزاري المنجم صاحب القصيدة في النجوم، وغير ذلك من علوم النجوم وهيئة الفلك، وكان معه علي بن عيسى الاسطرلابي المنجم - إلى أن قال : ثم أفضى الأمر إلى المأمون، فكان في بدء أمره لما غلب عليه الفضل بن سهل وغيره يستعمل النظر في النجوم وقضاياها، وينقاد إلى موجباتها، ويذهب مذاهب من سلف من ملوك ساسان کاردشیر بن بابك، واجتهد في قراءة الكتب القديمة، وأمعن في درسها، وواظب على قراءتها، وبلغ درایتها، فلما كان من الفضل بن سهل ما اشتهر، وقدم العراق، انصرف عن ذلك كله، وأظهر القول بالتوحيد، والوعد والوعيد، وجالس المتكلمين وقرب إليه كثيرا من الجدليين والمناظرین (النظارين)، كأبي الهذيل، والنظام، وغيرهما، وألزم مجلسه الفقهاء، وأهل المعرفة من الأدباء.(1)
كان سطيح الكاهن - وهو من غسان - يدرج سائر جسده كما يدرج الثوب الأعظم فيه، إلا جمجمة الرأس، وكانت إذا لمست باليد يلين عظمها، وكان شق الكاهن - وكان من ربيعة - في عصره، وكذلك كان سمقلة وزوبعة الكاهنان في
ص: 347
عصر واحد (1)وقالوا: يقال لقريظة والنضير الكاهنان.(2)
وفي (تشريف علي بن طاوس) نقلا من (مجموع محمد بن الحسين المرزبان) بعد ذکر ان طريفة بنت الخير من أهل ردمان زوجة عمران بن عامر أخي عمرو بن عامر رأت في منامها أن مأرب يخرب بالغرق، فأتى عليهم السيل العرم - قال: وطريفة هذه لما حضرتها الوفاة تفلت في فم سطیح، فانتقلت کهانتها فيه، وقبرها بأصل عقبة الجحفة.(3)
ومثلا لكاهن العائف والزاجر، وفي (اللباب): اللهبي بالكسر فالسكون نسبة إلى لهب بطن من الأزد، يعرفون بالعيافة وجودة الزجر، وفيهم يقول کثیر:
تيممت لهبا ابتغي العلم عندهم *** وقد رد علم العائفين إلى لهب(4)
وفي الاستیعاب: روينا من وجوه ان عمر كان يرمي الجمرة، فأتاه حجر، فوقع على صلعته، فأدماه و ثمة رجل من بني لهب، فقال الرجل: لا يحج بعدها فقتل عمر بعد رجوعه (5).
في سنة (35) كثر الطعن على عثمان، وظهر عليه النكير الأشياء ذكروها من فعله، ومن ذلك فعل الوليد بن عقبة عامله على الكوفة في المسجد، كان بلغه عن رجل من اليهود من ساكني قرية من قرى الكوفة مما يلي جسر بابل يقال له
ص: 348
زرارة، يعمل أنواعا من الشعبدة والسحر يعرف ببطروني، فأحضره، فأراه في المسجد ضربا من التخاييل - وهو أن أظهر له فيلا عظيما على فرس في صحن المسجد - ثم صار اليهودي ناقة يمشي على جبل، ثم أراه صورة حمار دخل من فيه، ثم خرج من دبره، ثم ضرب عنق رجل، ففرق بين جسده ورأسه، ثم أمر السيف عليه، فقام الرجل - وكان جماعة من أهل الكوفة حضورا منهم جندب بن کعب الأزدي، فجعل يستعيذ بالله من فعل الشيطان، ومن عمل يبعد من الرحمن، وعلم أن ذلك ضرب من التخييل والسحر، فاخترط سیفه، وضرب به اليهودي ضربة أدار رأسه إلى ناحية من بدنه، وقال: جاء الحق وزهق الباطل، أن الباطل كان زهوقا، وقال ان كنت صادقا فأحي نفسك. فأنكر الوليد عليه ذلك، وأراد أن يقيده به، فمنعه الأزد، فحبسه، وأراد قتله غيلة، ونظر السجان إلى قيامه ليلة إلى الصبح، فأطلقه، فقال له: تقتل بي. قال: ليس ذلك بكثير في مرضاة الله، والدفع عن ولي من أولياء الله، فلما أصبح الوليد وقد استعد لقتله لم يجده، فسأل السجان، فأخبره بهر به، فضرب عنق السجان، وصلبه بالكناسة(1).
وروي في خبر آخر: أن الساحر يريهم أنه يدخل في فم الحمار ويخرج من دبره، ويدخل في است الحمار ويخرج من فيه، ويريهم انه يضرب رأس نفسه، فيرمي به، ثم يشتد، فيأخذه، ثم يعيده مكانه-الخبر.(2)
ص: 349
قال تعالى: «وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ»(1)
وقال تعالى: «فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ»(2)
وقال تعالى: «وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ»(3)
وقال تعالى: «فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ»(4)
وقال تعالى: «فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ»(5)
وقال تعالى: «أَسِحْرٌ هَٰذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ»(6)
قال المجلسي رحمه الله: والسحر على ما قیل كلام أو كتابة أو رقية أو أقسام وعزايم ونحوها يحدث بسبها ضرر على الغير، ومنه عقد الرجل عن زوجته والقاء البغضاء بين الناس، ومنه استخدام الملائكة والجن واستنزال الشياطين في كشف الغابات وعلاج المصاب واستحضارهم وتلبسهم ببدن صبي أو امرئة وكشف الغايبات على لسانه انتهى.
والظاهر أنه لا يختص بالضرر (7)بل ربما يفعل لعبا أو لإبداء أمر غريب.(8)
قال المجلسي رحمه الله: وقال صاحب العين (9)السحر عمل يقرب إلى الشياطين ومن السحر الأخذة التي تأخذ العين حتى تظن أن الأمر كما ترى وليس الأمر كما ترى
ص: 350
فالسحر عمل خفي لخفاء سببه يصور الشيء بخلاف صورته و يقلبه عن جنسه في الظاهر ولا يقلبه عن جنسه في الحقيقة ألا ترى إلى قوله تعالى: «يخيل إليه من خبرهم انها تسعی»(1).(2)
وعن التبيان قيل في معنى السحر أربعة أقوال:
احدها: أنه خدع ومخاريق و تمويهات لا حقيقة يخيل إلى المسحور أنها حقيقة.
والثاني: أنه أخذ بالعين على وجه الحيلة.
والثالث أنه قلب الحيوان من صورة إلى صورة وإنشاء الأجسام على وجه الاختراع فيمكن الساحر أن يقلب الانسان حمارا وينشي أجساما.
والرابع: أنه ضرب من خدمة الجن.
وأقرب الأقوال الأول لأن كل شيء خرج عن العادة الجارية فانه سحر لا يجوز أن يأتي من الساحر، ومن جوز شیئا من هذا فقد كفر لأنه لا يمكن معذلك العلم بصحة المعجزات الدالة على النبوات لأنه أجاز مثله على جهة الحيلة والسحر.(3)
وفي الرياض: السحر عرف تارة بكلام أو كتابة يحدث بسببه ضرر على من عمل له في بدنه أو عقله ومنه عقد الرجل عن حليلته وإلقاء البغضاء بينهما فقد قال الله تعالى: «فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ»(4).(5)
ص: 351
الإمام الصادق علیه السلام: قال رسول الله صلی الله علیه واله وسلم: من مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذاب
يصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله.(1)
وروى الحسن البصري عن جندب أن النبي صلی الله علیه واله وسلم قال: حد الساحر ضربة بالسيف.(2)
وعن إسحاق بن عمار ان عليا علیه السلام كان يقول: من تعلم شيئا من السحر كان آخرعهده بربه وحده القتل إلا أن يتوب.(3)
وعن إسماعيل بن مسلم السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه علیه السلام قال:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللَّهِ علیه واله وَ سَلَّمَ : أَجْرُ المسلمین یقتل وَ سَاحِرُ الْكُفَّارِ لَا يُقْتَلُ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ لِمَ لَا يُقْتَلُ سَاحِرُ الْكُفَّارِ قَالَ لِأَنَّ الْكُفْرَ أَعْظَمُ مِنَ السِّحْرِ وَ لَا ن السِّحْرَ وَ الشِّرْكَ مَقْرُونَانِ.
وروي أن توبة الساحر أن يحل ولا يعقد.(4)
وقال تعالى: «فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ»(1)
وقال تعالى: «فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ»(2)
وقال تعالى: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ»(3)
وقال تعالى: «وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ»(4)
وقال تعالى: «وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا»(5)
وقال تعالى: «وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ»(6)
وقال تعالى: «فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا»(7)
وقال تعالى: «فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ»(8)
وقال تعالى: «مَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ»(9)
وقال تعالى: «لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ»(10)
وقال تعالى: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا»(11)
فينتج المقدمات الثلاث كون المنجم من النار.
ثم لا خلاف أن الاعتقاد بأنها مؤثرات کفر، وهو الذي يشير إليه كلامه علیه السلام، وأما بأنها علامات فخلافي، فالمرتضى في (مسائله السلارية) على انكاره، فقال: ان جریان عادة الله بأن يفعل أفعالا مخصوصة عند طلوع کوکب أو غروبه، أو اتصاله
ص: 353
أو مفارقته، وإن كان جائزا، لكن لا طريق إلى العلم بثبوته، ومن أين لنا أن الله تعالى قد اجرى العادة بأن يكون زحل أو المريخ إذا كان في درجة الطالع كان نحسا، وان المشتري إذا كان كذلك كان سعدا، فان عولوا على التجربة، فلا نسلم صحة التجربة، وقد رأينا خطأكم فيها أكثر من صوابكم، فهلا نسبتم الصحة إذا اتفقت إلى الاتفاق الذي يقع في المخمن والمرجم، فإذا قلتم سبب الخطأ زلل دخل عليه في أخذ الطالع أو تسيير الكواكب، قلنا: ولم لا كانت سبب اصابتهم التخمین.(1)
وقلت لبعض من كان مشغولا بالنجوم:ها هنا شيء قريب في بطلان النجوم، لو فرضنا طريقا يمشي فيه الناس ليلا ونهارا، وفي محجته آبار متقاربة، وبين بعضها وبعضها طريق يحتاج سالكه إلى تأمل، حتى يتخلص من السقوط في تلك الآبار، هل يجوز أن يكون سلامة من يمشي فيه من العميان کالبصراء فقال: لا. قلت: إذا كان هذا محالا فأحيلوا نظيره، فان مثال البصراء هم الذين يعرفون أحكام النجوم من السعد والنحس، ومثال العميان من لا يعرفها، ومثال الطريق الذي فيه الآبار الزمان الذي يمضي عليه الخلق، ومثال آباره محنه، ولو صح النجوم وجب أن تكون سلامة المنجمين أكثر، وقد علمنا أن الحال فيهم غير متفاوتة.(2)
إلى أن قال: من أدل الدليل على بطلان النجوم ان من جملة معجزات الأنبياء علیهم السلام الأخبار عن الغيوب، ولو كان العلم بما يحدث طريقا نجوميا لم يكن معجزا، وقد أجمع المسلمون قديما وحديثا على تكذيب المنجمين، وفي
ص: 354
الروايات عن النبي صلی الله علیه واله وسلم في ذلك ما لا يحصى، وكذلك عن علماء أهل بيته و خیار أصحابه، فأما اصابتهم في الكسوفات فلها أصول صحيحة في الحساب، وليس كذلك ما يدعونه من تأثيرات الكواكب في الخير والشر والنفع والضر.(1)
وابن طاوس علی اثباته صنف فيه كتاب (فرج المهموم في معرفة نهج الحلال في علم النجوم) نقل فيه مقدار من محاجة الصادق علیه السلام لمنجم هندي كما في الرسالة الأهليلجية، وان الهندي قال له: في علم أهل بلاده بالنجوم أن ملوك الهند لا يتخذون إلا الخصيان لأن لكل منهم منجما، فإذا أصبح أتى باب الملك، فقاس الشمس وحسب، فأخبره بما كان في يومه ذاك، وما حدث في ليلته التي كان فيها، فإن كانت امرأة من نسائه قارفت شيئا أخبره به. وان في الهند قوما بمنزلة الخناقين عندكم يقتلون الناس بلا سلاح ولا خنق من النجوم. فقال علیه السلامله: أخبرني من وضع هذا العلم الدقيق؟ قال: الحكماء.(2)
إلى أن قال ابن طاوس بعد ذكر الخبر بطوله: انظر إلى أنه علیه السلام ما أبطل هذا العلم بالكلية، بل جعل الطريق إليه تعریف الله أنبياءه بالوحي، وأصحاب النجوم على اختلاف طبقاتهم اتفقوا على ان هذا العلم من إدريس علیه السلام.(3)
وفي المنتخب من طريق أصحابنا في دعاء كل يوم من رجب «ومعلم إدريس عدد النجوم والحساب والسنين والشهور والأيام».(4)
وفي الجامع الصغير ليونس بن عبدالرحمن باسناده: قلت لأبي عبدالله علیه السلام :
ص: 355
أخبرني عن علم النحوم؟ فقال: هو علم الأنبياء.(1)
وفي كتاب التجمل من أصول أصحابنا عن أبي جعفر علیه السلام: علم نبؤة نوح بالنجوم.(2)
وروى القمي في قوله تعالى: «فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ»(3)آن آزر کان منجما النمرود، فقال له: أني أرى في حساب النجوم انه يجيء في هذا الزمان رجل ينسخ هذا الدين. فقال له: أفولد؟ قال: لا. قال: فينبغي أن يفرق بين الرجال والنساء، ففرق وحملت أم إبراهيم بإبراهيم ولم يبن حملها.(4)
وفي عرائس الثعلبي: ان فرعون رأى في منامه آن نارا قد أقبلت من بیت المقدس، حتى اشتملت على بيوت مصرفا حرقتها وأحرقت القبط، وتركت بني إسرائيل، فدعا فرعون السحرة والكهنة والمعتمرين والمنجمين، وسألهم عن رؤیاه، فقالوا: يولد في بني إسرائيل غلام يسلبك ملكك، ويغلبك على سلطانك.(5)
وفي كتاب نبؤة ابن بابویه: قدم على مریم وفد من علماء المجوس زائرین معظمين لأمر ابنها وقالوا: انا ننظر في النجوم، فلما ولد ابنك طلع بمولده نجم لا يفارقه حتى يرفعه إلى السماء.(6)
ونقل ما في الطبري في مولد النبي صلی الله علیه واله وسلم من ان علماء کسری تسكعوا بعلمهم، فلا
ص: 356
يمضي لساحر سحره، ولا لكاهن کهانته، ولا يستقيم لمنجم علم نجومه.(1)
ونقل ما فيه - في ظهور المسلمين على الفرس - بأن رستم لما أمره یزدجرد بالخروج من ساباط بعث إلى أخيه ان السمكة قد کدرت، والنعائم قد حبست، وحسنت الزهرة، واعتدل الميزان، وذهب بهرام، ولا أرى هؤلاء القوم إلا سيظهرون علينا.(2)
ونقل عن كتاب أوصياء علي بن محمد بن زياد الصيمري في مولد الصاحب علیه السلام: انه كان بقم منجمم يهودي موصوف بالحذق، فأحضره أحمد بن إسحاق وقال له: قد ولد مولود في وقت كذا، فخذ الطالع واعمل ميلادا. فأخذ الطالع وعمل عملا له، فقال لأحمد: لا يكون مثل هذا المولد إلا لنبي أو وصي نبي، وان النظر فيه يدلني على انه يملك الدنيا شرقا وغربا، وبرا وبحرا، وسهلا وجبلا،حتى لا يبقى على وجه الأرض أحد إلا دان له. وقال: انه بنفسه طلب ذلك من قدامة بن الأحنف البصري المنجم، فقال مثل ذلك.(3)
ونقل قول المفيد في مقالاته: أما الأحكام على الكائنات بدلالتها، والكلام على مدلول حركاتها، فإن العقل لا يمنع منه، ولسنا ندفع أن يكون تعالى أعلمه بعض أنبيائه، وجعله علما له على صدقه، غير انا لا نقطع عليه، ولا نعتقد استمراره في الناس إلى هذه الغاية، فأما ما نجده من أحكام المنجمين في هذا الوقت، وإصابة بعضهم فيه، فإنه لا ينكر أن يكون ذلك بضرب من التجربة، وبدلیل عادة،
ص: 357
وقد تختلف أحيانا، ويخطئ المعتمد عليه كثيرا، ولا تصح إصابته فيه أبدا، لأنه ليس بجار مجری دلائل العقول، ولا براهين الكتاب، وأخبار النبي صلی الله علیه واله وسلم، وهذا مذهب جمهور متکلمي أهل العدل، وإليه ذهب بنو نوبخت من الإمامية، وأبو القاسم وأبو علي من المعتزلة.(1)
ثم نقل كلام المرتضی ورد عليه، ثم نقل خبر الكليني في روضته عن الصادق علیه السلام انه قال لابن سبابة: ضل علماء النجوم، فمنهم من يصيب، ومنهم من يخطئ.(2)
ونقل خبر الروضة أيضأ عنه علیه السلام: ما يعلم النجوم إلا أهل بيت من العرب، وأهل بيت في الهند(3)،وحدثني أن الذين في الهند من أولاد وصي إدريس. ونقل مثله عن أصل ابن أبي عمير.(4)
ونقل خبر أصل معاوية بن حكيم عن الصادق علیه السلام: ان في السماء أربعة نجوم ما يعرفها إلا أهل بيت من العرب، وأهل بيت من الهند، يعرفون منها نجما واحدا، فلذلك قام حسابهم.(5)
ونقل عن أصل عبدالله بن القاسم وكتاب أبي القاسم النيسابوري قال علیه السلام لرجل يماني: أخبرني كم لضوء القمر على ضوء الزهرة؟(6)
ص: 358
وخبر نوادر الحكمة: قال الرضا علیه السلام الحسن بن سهل: كم لنور الشمس على نور القمر فضل (درجة)(1) وخبر دلائل النعماني وواحدة ابن جمهور: ان الفضل بن سهل سأل الرضاعلیه السلام عن تقدم الليل والنهار من جهة الحساب؟ فقال علیه السلام له: ألستم تقولون ان طالع الدنيا السرطان الخبر.(2)
ونقل خبر دلائل الحميري: ان الصادق علیه السلام قال لبياع السابری: تعد الطوالع؟ قال نعم فقال كم تسقي الشمس من نورها القمر. فقال: هذا شيء لم أسمعه. فقال: وكم تسقي الزهرة الشمس من نورها - إلى أن قال - ليس يعلم النجوم إلا أهل بیت من قريش، وأهل بيت من الهند.(3)
ونقل خبر أصل التجمل: ان محمدا وهارون ابني أبي سهل كتبا إلى الصادق علیه السلام: إن أبانا وجدنا كانا ينظران في النجوم، فهل يحل النظر فيه؟ قال: نعم. وروى عنهما خبرا آخر مثله مع زيادة.(4)
وعن الصادق علیه السلام «في يوم نحس مستمر» ان القمر كان منحوس بزحل .(5)
ونقل عن ربيع الزمخشري قال ابن عباس: النجوم علم عجز عنه الناس،ووددت أني علمته.(6)
ونقل من كان منجما من الإمامية كالنوبختية وغيرهم، ونقل عن الفقيه خبره
ص: 359
قال ابن أبي عمير : كنت أنظر في النجوم، وأعرف الطالع، فيدخلني من ذلك شيء، فشكوت إلى الكاظم علیه السلام فقال: إذا وقع في نفسك شيء فتصدق على أول مسکین، ثم امض، فإن الله يدفع عنك.
ورواه عن كتاب التجمل وفيه: فشكوت إلى أبي عبد الله علیه السلام.(1)
ثم قال ابن طاوس: لو لم يكن في الشيعة عارف بالنجوم إلا محمد بن أبي عميرلكان حجة في صحتها.(2)
قال التستري: لم يعلم کون ابن أبي عمير فيه هو ابن أبي عمير المعروف، لأن ذاك يروي عن ابن اذينة، ولم يلق الصادق علیه السلام، وهذا روى عنه ابن اذينة وروی عنه علیه السلام.(3)
ونقل رواية الكشي: أن الكاظم علیه السلام لما مات وقف عليه أبو خالد السجستاني،ثم نظر في نجومه، فعلم أنه قد مات، فخالف أصحابه .(4)
وقال في مجموع عتيق: أن بوران بنت الحسن بن سهل برعت في النجوم، فعثرت يوما بقطع على المعتصم سبه الخشب - إلى أن قال: - فخلا المعتصم ذلك اليوم بالحسن، فأشار عليه أن ينتقل من المجلس السقفي إلى مجلس أزجي لا يوجد فيه وزن درهم من الخشب - إلى أن قال: - فجاء خادم، ومعه المشط والمسواك، فقال الحسن للخادم: امتشط بالمشط، واستك بالمسواك. فقال : كيف أتناول الة الخليفة. فقال له المعتصم: ويلك امتثل قوله، ففعل، فسقطت ثناياه،
ص: 360
ورفع ميتا، ونقله عن وزراء ابن عبدوس .(1)
ونقل أيضا عنه: أن يحيى البرمكي قال: لا يكون هلاك بيتهم إلا بسبب ابنه جعفر، وانه کتب رقعة، وأعطاها إسماعيل بن صبیح کاتبه، وقال له: اكتب فيها «إذا دخلت سنة 187 فكان هارون أوقع بهم تلك السنة».(2)
وانه رأى في النوم أن صائحا يصيح على جانب من الجسر:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا *** أنيس ولم يسمر بمكة سامر
فأجابه هو من الجانب الآخر:
بلی نحن كنا أهلها فأبادنا *** صروف الليالي والجدود العواثر
فانتبه، فلجأ إلى أخذ الطالع، فوقف على انه لابد من انقضاء مدتهم، كان يحكي ذلك لأبي موسى بن صير الوصيف، فما أتم كلامه حتى دخل عليه مسرور الخادم برأس جعفر.(3)
ونقل عن أخبار وزراء عبد الرحمن بن المبارك: ان جعفر البرمكي لماعزم على الانتقال إلى قصره الذي بناه جمع المنجمين لاختيار وقت ينتقل فيه، فاختاروا له وقت من الليل، فلما حضر الوقت خرج على حمار إليه، والطرق خالية، والناس ساکنون، فلما وصل إلى سوق یحیی رأى رجلا ينشد:
يدبر بالنجوم وليس يدري *** ورب النجم يفعل ما يريد
فاستوحش وقال للرجل: ما أردت؟ بهذا قال: شيء عرض لي وجرى على لسانی.(4)
ص: 361
ونقل خبر العيون: أن المأمون لما عزم على عقد عهد للرضا علیه السلام قال بعضهم:لأعرفن ما في نفس المأمون، أيحب اتمام الأمر أم لا فكتبت إليه عزم ذو الرئاستين على عقد العهد، والطالع السرطان، وهذا يدل على نكبة المعقود له. فكتب إلي أن وقف أحد على ما عرفتنيه، أو رجع الفضل عن عزمه، علمت انك سببه، فضاقت علي الدنيا، ثم بلغني أن الفضل قد تنبه، ورجع عن عزمه - وكان حسن العلم بالنجوم - فركبت إليه، فقلت له: أتعلم في السماء نجما أسعد من المشتري - الخبر .(1)
وقال: روی محمد بن خالد البرقي في قصص أنبيائه: أن يوشعا لما انتهى إلى البلقاء لما فتح مدائن الشام، فجعلوا يخرجون يقاتلونه، فلا يقتل منهم رجل، فسأل يوشع عن ذلك، فقيل ان في مدينته امرأة منجم تستقبل الشمس بفرجها، ثم تحسب، فتعرض عليها الخيل، فلا تخرج رجلا حضر أجله. فصلی یوشع رکعتین ودعا ربه أن يؤخر الشمس، فاضطرب عليها الحساب، فدخلت في دين يوشع.(2)
ونقل عن نشوار التنوخي حکایات عن (اصابات أبي علي الجبائي): منها: أن ابنه أبا هاشم لما اعتل قلقت اخته، فقيل لها: أليس حكم أبوه انه يعيش نیفا وسبعين سنة شمسية؟ فقالت: بلى ولكن قال ان أفلت من السنة السادسة والأربعين، فمات في تلك العلة.(3)
ومنها: انه اجتاز بدار في «عسکر مکرم»(4) ، فسمع فيها صيحة ولادة، فقال: أن
ص: 362
صح ما يقول المنجمون فهذا المولود ذو عاهة، ففحص فإذا المولود أحنف.(1)
ومنها: انه في عسکر مکرم أخذ طالع مولود بعض غلمانه، فقال: ان صح التنجيم يموت الولد بعد خمسة عشر يوما، فمات كذلك.(2)
ونقل حکایات عن اصابات أبي معشر: منها: أنه ضربه المستعين أسواطأ لأنه أصاب في شيء، وأخبر به قبل وقته، فكان يقول: أصبت فعوقبت .(3)
ومنها: انه قال: أخذت طالع المعتر والمستعين، فحكمت على المستعين بالخلع والقتل، وللمعتز بالخلافة بعد فتنة وحروب، فكان كما قال.(4)
ومنها: ان الموفق قال له ولمنجم آخر: خذ الطالع في شيء قد أضمرته، فقالا تسألنا عن حمل غير انسي. فقال : هو كذلك فما هو. ففكرا طويلا فقالا: حمل بقرة. قال: هو كذلك فما تلد قالا: ثورا. قال: فما صفته قال أبو معشر: أسود في جبهته بیاض - وقال الآخر أسود في ذنبه بیاض - فقال الموفق: احضروا البقرة، فأحضرت وذبحت فأخرج منه ثور أبيض طرف أنفه، وقد التفت ذنبه فصار على وجهه.(5)
ومنها : أن الموفق قال له ولرفيقه: أي شيء في كمي فقال رفيقه - بعد ما أخذ الزائجة - شيء من الفاكهة، وقال هو شيء من الحيوان. فقال الموفق لرفيقه أصبت، ولأبي معشر أخطأت - ورمی تفاحة من يده - فعاود أبو معشر الزائجة، ثم سعی نحو التفاحة، فأخذها وكسرها، فإذا هي تنثر دودا، فقال: أنا أبو فلان.(6)
ص: 363
وعن ربيع الزمخشري: ان امرأة افتقدت خاتمة، فقال أبو معشر: خاتم أخذه الله، فوجدته في أثناء ورق المصحف.(1)
وعن بصائر التوحيدي: قال أبو معشر : حضرت أنا و سلمة والزبادي والهاشمي عند الموفق - وكان الزبادي استاد أهل زمانه في النجوم - فأضمر الموفق شيئا فقال كل منهم شيئا، فقال لهم: أخطأت، ثم قال، هات ما عندك. قلت: أضمرت الله عز وجل. فقال لي: أحسنت والله اني لك هذا قلت: الرأس يرى فعله، ولا يرى نفسه، كان في رابع درجة من الفلك، ولا أعرف له مثلا إلا الله عز وجل، فهو فوق كل ذي سلطان، وليس فوقه شيء.(2)
وعن أسرار أبي سعيد شاذان: قال أبو معشر: نزلت في خان ببعض قرى الري، فصعدت إلى سطح الخان، وأخذت الارتفاع، فاذا الطالع لمسيرهم الثور وفيه المريخ، والقمر في الأسد، فقلت للقافلة: الله الله في أنفسكم لا ترحلوا، فأبوا وذهبوا، فعاد جماعة منهم مجروحین قد قطع عليهم الطريق على فرسخين، فلما رأوني أخذوا الحجارة والعصا، وقالوا: يا ساحر یا کافر أنت قتلتنا وقطعت علينا الطريق، وتناولوني ضربة، فما خلصت منهم إلا بعد جهد، وعاهدت الله ألا أكلم أحد من السوقة في شيء من هذا العلم .(3)
وعن تاریخ محمد بن عبد الملك الهمداني أنه كتب إلى أبي معشر بصورة مولد صاحب الزنج قبل خروجه، فقال: ان كان هذا الولد صحيحا، فائه الرجل الذي ذكر
ص: 364
في كتاب الدول، وسيكون من أمر هذا الفتى شيء عظيم من اقدامه على الدماء واخراب المدن.(1)
وعنه: أن صاحب الزنج كان يقول في الليلة التي انقضى أمره: ان مضت هذه الليلة بقيت لأربع عشرة سنة أخرى غير الماضية، كان يقول ذلك من طريق النجوم التي علمها من أبي معشر.(2)
وفي الأسرار: انه على تقدمه في هذه الصناعة كان يصيبه الصرع عند امتلاء القمر في كل شهر مرة.(3)
وعن البصائر: قال يحيى بن أبي منصور: دخلت أنا وجماعة من المنجمين على المأمون، وعنده انسان قد تنبأ ونحن لا نعلم - إلى أن قال: - فقال كل من حضر غيري: كل ما يدعيه صحيح، وله حجة زهرية وعطاردية، فقلت أنا: هو في طلب تصحيح الذي يطلبه، لا ينتظم الذي قالوا، إنما هو ضرب من التزويق والخداع، فقال: الله درك ثم قال : وهذا الرجل يزعم أنه نبي. فقلت: أفمعه شيء يحتج به؟ فقال: نعم معي خاتم ذو فصين ألبسه، فلا يتغير منه شيء، ويلبسه غيري، فيضحك ولا يتمالك حتى ينزعه، ومعي قلم آخذه، فأكتب به، ويأخذه غيري، فلا تنطلق اصبعه. فقلت: هذه الزهرة وعطارد زور عمله بهما، فأمره المأمون أن يفعل ماکان فعل، ففعل، فعلم انه علاج من الطلسمات، فما زال به المأمون حتى تبرأ من دعوى النبوة، ووصف الحيلة التي احتالها في الخاتم والقلم، وكان أعلم الناس
ص: 365
بالنجوم. قال أبو معشر: وهو الذي عمل طلاسم الخنافس في ديور كثيرة. (1)
وعن أسرار أبي معشر: ان فتى من ولد يعقوب بن فرازون النصراني قال لقاسم بن عبدالله وهو ابن ست عشرة سنة - وأبوه متعطل - انك تتقلد الوزارة، فاكتب لي خطا بکذا، وصار كما قال.(2)
وعن نشوار التنوخي: أن أباه حول مولد نفسه في السنة التي مات فيها، فقال النا: هذه سنة قطع على مذهب المنجمين، وقال إذا كان العصر لسبع بقين من الشهر فهي ساعة قطع، فمات كما قال.(3)
وعنه: قال غلام زحل لأبي يوسف اليزيدي - في اليوم الذي عزم فيه الركوب إلى الابلة ليستم فيه على أخيه أبي عبدالله اليزيدي - أيها الأستاذ لا تركب في هذا اليوم، فان تحویله يوجب عليك قطعة بالحديد. فقال: يا فاعل إنما أركب إلى أخي، فممن أخاف، وخرج، فعاد غلام زحل، فأخرج جميع ما كان له في دار أبي يوسف، وقال: هذه الدار بعد ساعة تنهب، ومضى اليزيدي إلى أخيه، فقتله في ذلك اليوم.(4)
وعنه: أن أباه قال: ان اليزيدي لما أنفذه برسالة إلى ابن بویه خرج بطالع، فقالوا اله: بالطريق لص يعرف بالكرخي مستفحل الأمر إلى أن قال: - وجعلت أفكر في الطالع الذي خرجت، والناس قد أبرزوا إلى الشط، وأنا في جملتهم، وهم يفرغون السفن - إلى أن قال: - حين رآني رئيسهم انكب علي يقبل يدي وقال: أنا الصبي
ص: 366
الذي ربيت في دارك.(1)
وعن کتاب جليس المعافي بن زکریا: ان عبدالله بن محمد بن عبدالله بن طاهر كان ذات ليلة عند أهله فقال: مولدي في السرطان، وطالع السنة السرطان، القمر یکسف الليلة في السرطان، فلما انكسف من القمر ثلثه، قال: ما تقولون في رجل قاعد عندكم يقضي ويمضي، وقد ذهب ثلث عمره، فلما انكسف من القمر ثلثاه عمد إلى جواريه، فأعتق منهن من أحب، وإلى ضياعه فوقف منها ما وقف، فلما انقضى من الثلث الثالث دقيقتان قال لهم: إذا استغرق القمر فامضوا إلى أخي عبيد الله، ثم قام فاغتسل ولبس أكفانه واضطجع، فلما استغرق القمر في الانكساف فاضت نفسه، فانطلقوا إلى أخيه ليعلموه، فإذا هو في طيارة قد سبقهم، فقال لهم: مات أخي؟ قالوا: نعم. فقال: لهم ما زلت آخذ الطالع حتى استغرق الخسوف فعلمت أنه قد قبض وقال:
کسف البدر والأمير جميعا *** فانجلى البدر والأمير عمید
عاود البدر نوره فتجلی *** ونور الأمير ليس يعود(2)
وعن مجموع عتیق: ان الصاحب قال لبدر بن حسنویه يوما انه يموت بعد مائة وثلاثة أيام ويجلس الشاهنشاه له في العزاء سبعة أيام، ويستوزر أبا العباس الضبي، فصار كما قال.(3)
وعن کتاب ملح الحسين بن خالويه: أن ملك الهند الذي كتب إلى عمر بن
ص: 367
عبدالعزيز «من ملك الأملاك الذي في مربطه ألف فیل، و تحته بنات ألف ملك، وله تهران يجيئان له باللؤلؤ والعنبر والكافور» كانت أمه راعية، فأدركها الطلق قبل طلوع الشمس، فمر بها منجم هندي، فقال: ان لم يولد هذا المولود حتى يطلق قرن الشمس ملك الهند. فجمعت المرأة عباءة كانت معها، واستنفرت بها، فلما ذر قرن الشمس قذفت بعباءتها، فولد وبلغ ما قال المنجم.(1)
وعن تاريخ الحاكم النيسابوري: ان سابور ذا الأكتاف مات أبوه هرمز، وهو جنين، وأعلمه المنجمون، انه يولد له ذكر يملك الأرض، فوضع التاج على بطن أمه، وكتب عنه إلى ملوك الآفاق وهو جنين.(2)
وعن خط الشيخ: قال بعضهم حكم المنجمون في سنة 170 ان في ليلة واحدة يموت ملك عظيم، ويقوم ملك کریم، ويولد ملك حكيم، فمات الهادي، وقام الرشيد، وولد المأمون.(3)
وعن تذييل صدقة بن حسن: انه كان لقماج صاحب بلخ منجم يعرف بالعماد، فأخبره ان خراسان تخرب، ويهلك أهلها في العام القابل من قوم بغزنة مما وراء النهر، فصار كما قال، وملك الغز خراسان، وفعلوا بهم كما فعل التتر بعد.(4)
وعن تاريخ الحاكم: ان هارون لما خرج من بغداد ودخل الري، جمع المنجمين، وسألهم النظر في خروجه، فقالوا تهلك بخراسان بقرية يقال لها سناباذ، فسألهم عنها، فقالوا من قرى بيهق، فتنحى عن الطريق، ولم يدخل بيهق، ثم خرج من نيسابور إلى طوس، ونزل قرية حميد الطوسي، فسأل عن اسمها فقيل سناباد،
ص: 368
ومرض، فعلم انها تربته.(1)
ونقل ما في اكمال الصدوق في يوذاسف ان أباه جمع المنجمين لتقویم میلاده، فقالوا: يبلغ من الشرف ما لا يبلغه أحد، وانه بعد دعاهم، فقال أحدهم: سیکون هذا إماما.(2)
وعن نشوار التنوخي: ان المعتصم سايره يوما الزيات وابن أبي دؤاد إلى رحبة الجسر، فجعل يضحك ولا شيء يضحکه، فسأله ابن أبي داؤاد فقال: أما إذ سألتماني کان منجم أيام فتنة ابن شكلة يقعد على الطريق، فركبت يوما حمارا متنكرا لبعض شأنی، فرأيت ذلك المنجم، فتطلعت إليه نفسي أن أسأله عن أمر إبراهيم هل يتم له شيء أو يغلب المأمون، فقلت لغلامي: اعظه در همین وقلت له خذ الطالع، ثم قال لي: أنت هاشمي؟ قلت: نعم. قال: فهذا الطالع الأسد، وانه يوجب لك الخلافة، وأنت تفتح الآفاق، وتزيل الممالك، ويعظم جيشك، وتبني بلادا عظيمة - وقص على جميع ما أنا فيه الآن - فقلت له: فهذا السعود، فهل علي من النحوس؟ قال: لا ولكنك إذا ملكت فارقت وطنك، وكثرت أسفارك. قلت: فهل غير هذا؟ قال: نعم، ما شيء أنحس عليك من شيء واحد يكون المتولون عليك في أيام ملكك أصولهم دنية سفلة، فيغلبون عليك، ويكونون أكابر مملكتك. ولما بلغت الرحبة وقعت عيني على موضعه بالطريق، فذكرته، و تأملتكما حولي، وأنتما أكبر أهل مملکتي، وأحدكما ابن زيات، والآخر ابن قیار، وأخذني الضحك إذ ترأس
ص: 369
في دولتي أولاد السفل، فانكسروا، وودا انهما لم يسألها عن ضحكه.(1)
وقال: وفي حديث ملوك الفرس ان کسری قال لولده شیرویه: وأما أنت خاصة فان المنجمين قضوا في تولدك انك مزر علينا، وناقض ما أبرمنا، ووجدنا قرمسا ملك الهند كتب إلينا في سنة 36 من ملكنا - إلى أن قال: - وجدناه قد وقع على كتابه إليك بالهندية «اكتم ما فيه» فأمرنا أن يصرف لكل واحد ما بعث إليه من هدية وكتاب، واحتبسنا ما كتبه إليك من أجل التوقيع الذي كان فيه، ودعونا بکاتب هندي، وأمرناه بفض خاتم الكتاب وقراءته، فكان فيه ابشر وقر عينا، فائك متوج في ماه آذار ويوم آذار.(2)
ونقل عن الطبري: ان المنجمين كانوا قد قالوا لأبي مسلم تقتل في الروم، فكان قتله في رومية المدائن.(3)
وعن نشوار التنوخي: ان منجما كان يعبر الرؤياصاح على بابویه -وكان يصيد السمك - فأدخله وقال له: رأيت ليلة كأني جالس أبول، فخرج من ذكري نار عظيمة كالعود، ثم تشعبت يمنة ويسرة، واماما وخلفاء، حتى ملأت الدنيا. فقال له الرجل: لا أفسرها لك بأقل من ألف درهم. فسخر منه وقال له: ويلك نحن فقراء نصطاد سمكا لنأكله، ولكن نعطيك سمكة من أكبر هذه الأسماك - وكان قد صاد مقدار من السمك - فقبل وقال لبویه یکون لك أولاد، ويفترقون في الدنيا، فيملكون، ويعظم سلطانهم قدر ما احتوت النار من الأرض - فصفعوه وقالوا سخرت بنا، وأخذت السمكة حراما، وقال له بويه أنا صياد فقير، وأولادي هؤلاء
ص: 370
-وأشار إلى علي والحسن وأحمد - أي شيء يكون منهم.(1)
وقال: ذكر الزمخشري ان المنصور لما أراد السفر إلى عبد الله بن معاوية الطالبي سأل نوبخت عما يؤول إليه أمره، فقال له: تصير ملك العرب، وينالك في وجهك هذا مكروه، فأخذه سليمان بن حبيب المهلبي، فحبسه.(2)
ونقل عن كتاب المنجمين لمحمود بن الفضل: أن الربيع قال للمنصور: زعم ما شاء الله المنجم أن الذي يحج بالناس في هذه السنة يموت في طريقه، فحج المنصور فمات بذات عرق.(3)
قال التستري رحمه الله: أن كلا من المرتضی وابن طاوس أفرط فيما قال: اما المرتضی فحمله ما تقل من صواب المنجمين فيما اخبروا على الاتفاق غیر صحيح، لأن في أخبارهم ذکر خصوصيات لا يمكن كونها اتفاقا، وانما يمكن حمل مثل أخبارهم بأن المريض الفلاني يموت أو يصح، أو المرأة الفلانية تلد غلام أو جارية، أو في اليوم المعين ينزل المطر أو لا ينزل، وما من هذا القبيل على الاتفاق دون نظير كل ما مر، وكيف يمكن انکار الأمر المتواتر ولو كان إجماليا، فائه وإن لم يكن ما نقل عن كل من المنجمين ثابتا، إلا أن المجموع لا يمكن انکاره، فيمكن أن يجمع من اصاباتهم مجلدات ضخمة، وأما خطؤهم فمن نقص علمهم، لا من عدم صحته رأسا.(4)
وفي أخبار حكماء القفطي: للحسن بن الخصيب كتاب في أحكام النجوم حكم فيه بأحكام لم يصح منها شيء، ومنها انه قال: إذا نزل زحل في دقائق من أول
ص: 371
درجة من الجوزاء يموت ملك مصر في ذاك الأوان. ورأيت هذا في عمري مرتين ولم يصح شيء منها.(1)
وفيه: انه لما قال أبو الفضل الخازمي انه لما اجتمعت الكواكب السبعة في برج الميزان في سنة 582 يحدث هواء شديد يهلك العامر، ووافقه منجموا الأقطار سوی شرف الدولة العسقلاني، فقال: وجدت في اقتران الكواكب والمكافاة ما يدفع ضرر بعضها عن بعض، وشرط أن يكون تلك الليلة التي أنذروا بوقوع الهواء فيها لا يهب فيها نسیم. قال: وعمل الناس السراديب في البلاد السهلية والمغائر في الجبلية، فلما كان الموعد لم يهب نسيم.(2)
كما أن الأخبار أيضا متواترة إجمالا بصحة أصلها، ونقص علم المنجمين، وأما ما قاله من انه لو كانت النجوم تدل على الاصابة لكان المنجمون سالمين فغير صحيح، فعدم سلامتهم لا تدل على عدم اصابتهم، بل على عدم نفع الحذر من الخلاص عن القضاء والقدر، فالحسن بن سهل أراد العمل بعلمه في دفع النحس عن أخيه الفضل، فلم يتيسر له.
فروى العيون عن ياسر الخادم قال: ورد على الفضل کتاب من أخيه الحسن بن سهل إني نظرت في تحويل هذه السنة في حساب النجوم فوجدت أنك تذوق في شهر كذا يوم الأربعاء حر الحديد وحر النار وأرى أنك تدخل أنت والرضا وأمير المؤمنين الحمام في هذا اليوم و تحتجم وتصب الدم على بدنك ليزول نحسه عنك فكتب الفضل بذلك إلى المأمون وسأله أن يدخل الحمام معه وسأل أبا الحسن الرضا ذلك وكتب المأمون إلى الرضا ذلك وسأله فكتب إليه الرضا لست بداخل
ص: 372
الحمام غدا ولا أرى لك يا أمير المؤمنين أن تدخل الحمام غدا ولا أرى للفضل أن يدخل الحمام غدا فأعاد إليه الرقعة مرتين فكتب إليه أبو الحسن الرضا علیه السلام لست بداخل الحمام غدا فإني رأيت رسول الله صلی الله علیه واله وسلم في هذه الليلة في النوم يقول لي يا علي لا تدخل الحمام غدا فكتب إليه المأمون يقول: صدقت يا سيدي وصدق رسول الله صلی الله علیه واله وسلم وأنا لست بداخل غدا الحمام و الفضل فهو أعلم وما يفعل.
قال ياسر: فلما أمسينا وغابت الشمس قال لنا الرضاعلیه السلام قولوا: نعوذ بالله من شر ما ينزل في هذه الليلة فأقبلنا نقول ذلك فلما صلى الرضاعلیه السلام الصبح قال لنا: قولوا نعوذ بالله من شر ما ينزل في هذا اليوم فما زلنا نقول ذلك فلما كان قريبا من طلوع الشمس قال الرضا علیه السلام: اصعد السطح وأصغ هل تسمع شيئا فلما صعدت سمعت الصيحة والنحيب وكثرة ذلك وإذا بالمأمون قد دخل من الباب الذي كان من داره إلى دار أبي الحسن الرضاعلیه السلام وهو يقول: آجرك الله يا أبا الحسن بالفضل كان دخل الحمام فدخل عليه قوم بالسيوف وقتلوه.(1)
وكان المأمون لا يقيم برقة العراق لأنه سمع من النجوم أن موته بالرقة، فمات برقة الروم، فقال فيه أبو سعيد المخزومي كما في المروج - ومر أن أباه يتحامى عن بیهق فمات بطوس -:
هل رأيت النجوم أغنت عن المأ *** مون شيئا وملکه المانوس
خلفوه بعرصتي طرسوس *** مثل ماخلفوا أباه بطوس(2)
وهل كان منع نمرود وفرعون عن وصول الرجال إلى النساء لما سمعا من
ص: 373
المنجمين بولادة شخص يكون هلاكهما على يده مغنيا لهما شيئا.
وكذلك منع ابرویز من ولادة يزدجرد، فسمع من المنجمين آن به ينقرض ملكهم ما أفاده شيئا.
قال هشام بن محمد: ولد لكسری ابرویز ثمانية عشر ولدا ذكرا أكبرهم شهریار وكانت شیرین تبنته، فقال المنجمون لکسری: سیولد لبعض ولدك غلام یکون خراب هذا المجلس وذهاب هذا الملك على يديه، وعلامته نقص في بعض بدنه، فحصر ولده لذلك عن النساء، فمكثوا حينا لا يصلون إلى امرأة حتى شكا ذلك شهریار إلى شیرین، وبعث إليها يشكو الشبق، ويسألها أن تدخل عليه امرأة وإلا قتل نفسه، فأرسلت إليه اني لا أصل إلى ادخال النساء عليك إلا أن تكون امرأة لا يؤبه بها ولا يجمل بك أن تمتها فقال لها: لست أبالي ما كانت بعد أن تكون امرأة. فأرسلت إليه بجارية كانت تحجمها وكانت فيما يزعمون من بنات أشرافهم، إلا أن شیرین کانت غضبت عليها في بعض الأمور، فأسلمتها في الحجامين، فلما أدخلتها على شهریار وثب عليها، فحملت یزدجرد، فأمرت بها شیرین، فقصرت حتى ولدت وكتمت أمر الولد خمس سنین. ثم انها رأت من کسری رقة للصبيان حين كبر، فقالت له: هل يسرك أيها الملك أن ترى ولدا لبعض بنيك على ما كان في ذلك من المكروه. فقال: لا أبالي. فأمرت يزدجرد، فطيب وحلي، فأدخلته عليه وقالت له: هذا يزدجرد بن شهریار. فدعا به، فأجلسه في حجره، وقبله، وعطف عليه، وأحبه حبا شديدا، وجعل يبيته معه، فبينا هو يلعب ذات يوم بين يديه إذ ذكر ما قيل، فدعا به، فعراه من ثيابه، واستقبله واستدبره، فاستبان النقص في أحد ورکیه، فاستشاط غضبا واحتمله ليجلد به الأرض، فتعلقت به شیرین وناشدته الله
ص: 374
أن لا يقتله، وقالت له: ان يكن أمر قد حضر في هذا الملك فليس له مرد، فقال: ان هذا هو المشئوم الذي اخبرت عنه، فأخرجيه، فلا انظر إليه، فأمرت به، فحمل إلى سجستان
وقال آخرون بل كان بالسواد عن ظؤرته في قرية يقال لها خمانية، ووثبت فارس علی کسری، فقتلته، وساعدها على ذلك ابنه شیرویه ابن مريم الرومية، وكان ملکه 38 سنة.(1)
وكان مروان الحمار أراد دفع القضاء عنه بالنجوم فلم يتيسر له.
ففي أخبار طوال الدينوري: لما هرب مروان من عساكر أبي مسلم طلبته الخيل، فحال بينها وبينه الليل، فعبر مروان النيل في سفينة، فصار في الجانب الغربي -وكان منجما- فقال لغلامه: آني أن سلمت هذه الليلة رددت خیل خراسان على أعقابها، فقتل في تلك الليلة في النوم.(2)
وكان المنصور جمع عنده المنجمين لدفع القضاء عنه، فلم يتيسر له.
قال الفضل بن الربيع: کنت مع المنصور في السفر الذي مات فيه، فنزل منزلا، فبعث إلي وهو في قبة ووجهه إلى الحائط، فقال: ألم أنهك أن تدع العامة يدخلوا هذه المنازل، فيكتبوا فيها ما لا خير فيه. قلت: وما هو؟ قال: أما ترى على الحائط مکتوبا:
أبا جعفر حانت وفاتك وانقضت *** سنوك وأمر الله لابد نازل
أباجعفر هل كاهن أو منجم *** يرد قضاء الله أم أنت جاهل
ص: 375
فقلت: والله ما أرى على الحائط شيئا وانه لنقي أبيض، قال: فاذن نفسي نعيت الی.(1)
ومر أن جعفر البرمكي أمر المنجمين لاختيار وقت له لانتقاله إلى قصر له بناه،فانتقل إليه في ذاك الوقت، فسمع من ينشد:
يدبر بالنجوم وليس يدري *** ورب النجم يفعل ما يريد(2)
وقال الأصمعي: وجه إلي الرشيد في ليلة قتل جعفر البرمكي، فقال: قلت شعرا فاسمعه:
لو أن جعفرا أهاب أسباب الردى *** لنجا بمهجته طمر ملجم
ولكان من حذر المنون بحيث لا *** يسمو إليه به العقاب القشعم
لكنه لما تقارب وقته *** لم يدفع الحدثان عنه منجم(3)
وقال منجم ليحیی بن تمیم صاحب افريقية: آن علیه قطعا في يوم الأضحی من سنة 509 فلا يركب إلى المصلی، فلم يخرج وأخرج أولاده وأهل دولته، فلما انقضت الصلاة حضروا عنده للسلام عليه وانصرفوا إلى الطعام، فقام ليحضر معهم فلم يمش غير ثلاث خطی حتى وقع میتا.(4)
وفيه: كان المنجمون يقولون لسعد الدولة المعروف بالطواشي: انك تموت مترديا، حتى انه ولی بیروت وأرضها مفروشة بالبلاط، فقلعه خوفا أن يزلق به فرسه، فأنفذه أمير الجيوش لحرب الفرنج، فانهزم فردی به فرسه فسقط ميتا ولم
ص: 376
ينفعه الحذر مع القدر، كان ذلك في سنة496.(1)
وأما ابن طاوس فزعمه أن اصاباتهم مفيدة، فرد علی المرتضى في قوله بأنه لو كانوا مصيبين كانوا سالمين من الآفات، بأنه ليس كل من عرف علما عمل بعلمه، وخلص نفسه من الردی.
وأورد عليه نقضأ لو أن قائلا قال لك: لو كان العقل موجودا مع الموصوفین به لكان السالمون به من الآفات أضعاف الهالكين مما ليس لها عقول، ونحن نرى الآفات على الفريقين على المناسبة.(2)
فيقال له: إنما الناس لم يعملوا بعلمهم في أمر الدين، وأما فيما كان راجعا إلى دنیاهم فيتهالكون عليه وإنما الجواب الصحيح للمرتضی ما قلنا، ونزيد ان اصابة الآفات لأهل النجوم ولغيرهم على السواء قد يكون لعدم فهم المنجم لقصر علمه،كما عرفت في علة الواثق وقضية الوزير السلجوقي، وقد يكون لكون ما فهمه من النجوم مجملا لا يصل معه إلى المراد، كما في تنحي هارون عن دخول بیهق لئلا يرد في سناباد، و محل قتل أبي مسلم بالروم والرومية، وموت المأمون برقة الروم ورقة العراق.(3)
وكان الفضل بن سهل كثيرا ما يقول في أيام المأمون:
لئن نجوت أو نجت ركائبي *** من غلاب ومن لفيف غالب
اني لنجاء من الكرائب
ولا يدري من غالب، ولا يذهب إلا إلى قريش، حتى دخل عليه غالب الرومي
ص: 377
صاحب ركاب المأمون، فقتله، فقال له الفضل: لك مائة ألف دينار. فقال: ليس بأوان تملق، ولا رشوة، وقتله.(1)
وكان في قابوس بن وشمکیر عسف وشدة، فسئمه عسكره، فتغيروا عليه، وحسنوا لابنه منوجهر حتى قبض عليه، وقالوا له: إن لم تقبض عليه قتلناه، وإذا قتلناه فلان منك على نفوسنا، فنحتاج أن نلحقك، فوثب عليه، وقبض عليه، وسجنه في القلعة، ومنعه ما يتدثر به في شدة البرد، فجعل يصيح: أعطوني ولو جل دابة
حتى هلك. وكان حكم على نفسه في النجوم أن منيته على يد ولده، فأبعد ابنه دارا لما كان يراه من عقوقه، وقرب ابنه منوجهر الذي أخذه لما رأى من طاعته له.(2)
ولغلام زحل جمع آخر في صوابهم وخطئهم، ففي أخبار حكماء القفطي:
اجتمع يوما الضميري والنوشنجاني والعروضي والمقدسي وغلام زحل عند أبي سليمان المنطقي، وكل واحد منهم أمام في شأنه وفرد في صناعته، فذكروا علم التجامة وقالوا: هي من العلوم التي لا تجدي، فقالوا وأطالوا، فقال غلام زحل: آن صحتها وبطلانها متعلقان بآثار الفلك، وقد يقتضي شكل الفلك في زمان ألا يصح منها شيء، وان غيص على دقائقها، وبلغ إلى أعماقها، وقد يزول ذلك الشكل، فيجيء زمان لا يبطل منها شيء فيه، وان قورب في الاستدلال، وقد يتحول هذا الشكل في وقت آخر إلى أن يكثر الصواب فيها أو الخطأ ويبقى زمنا.
قال: ومتى وقف الأمر على هذا الحد لم يثبت على قول قضاء ولا وثق بجواب، فقال أبو سليمان المنطقي: هذا أحسن ما يمكن أن يقال في الباب واسم غلام زحل عبيد الله بن الحسن .(3)
ص: 378
كما أن ما نقل ابن طاوس عن المرتضى انه قال: مما أفحم به القائلون بصحة الأحكام ولم يحصل عنه منهم جواب أنهم إن قيل لهم في شيء بعينه خذوا الطالع واحكموا هل يؤخذ أو يترك فإن حكموا بالأخذ أو بالترك وفعل خلاف ماحكموا به فقد أخطئوا وقد أعضلتهم هذه المسألة والتعريف فالجواب إن هذه المسألة إنما تلزم من يقول إن النجوم علة موجبة فأما من يقول إنها ليست بفاعل مختار بل وراءها فاعل مختار قادر على خراب الفلك إذا شاء وعلى أن يمحو ما يثبت ويثبت ما محا فإنه لا يلزمهم لأنهم يمكنهم أن يقولوا إن النجوم وإن دلت على فعل فإن الله فاعل مختار قادر على الترك والفعل لا يطلع على ما يريده تعالی أحدا.(1)
ليس يصح جوابه، فان المرتضی إنما قال العبد يقدر على خلاف ما أخبروا به، وهو قال إن الله قادر على خلاف ما أخبروا، كما لا يصح سؤال المرتضی فلم یعلم أصابة المنجم إلا بعد وقوع ما أخبر به کموارد اتفقت الموافقة، وأما إذا لم تقع موافقة فيحمل على خطئهم في الحساب، فإنه لا ريب أن خطأهم أكثر من صوابهم، ولو فرض اصابته فالناس لا يقدرون على خلافه.(2)
وفي كتاب النظامي العروضي المترجم بچهار مقاله في الحكاية الثانية من العشر التي نقلها في اصابات المنجمين: ان محمود الغزنوي كان في غزنین جالسا على سطح قصره الذي كان في بستانه الذي كان له ألف شجر، وكان للقصر أربعة أبواب، فقال لأبي ريحان البيروني: احكم من النجوم اني أخرج من أي باب من هذه الأبواب، واكتب ذلك في رقعة، واجعلها تحت فراشي، فأخذ أبو ریحان
ص: 379
الأسطرلاب، وأخذ الارتفاع، و تفكر ساعة، ثم كتب شيئا، وجعله تحت فراش السلطان، فأمر السلطان بإحضار الفعلة، واحداث باب خامس، ففعلوا، وخرج منه، ثم طلب ورقة أبي ريحان، فرأى أنه كتب: ان السلطان لا يخرج من هذه الأبواب، بل من باب آخر يحدثه. فغضب لاصابته، لأنه أراد أخذ الخطأ عليه، فحكم أن يرموه من سطح القصر إلى الأرض ففعلوا.
وكان قنص هناك مشدود على الجدار، فوقع فيه، فخرقه، ووصل إلى الأرض هينا بحيث لم يصله جرح، فلما رأى ذلك السلطان طلبه وقال: هل علمت باسقاطك من القصر؟ قال: نعم. قال: حجتك، فقال: يا غلام ایتني بالتقويم، فأخرج تحويله منه، فرأى أنه كتب في أحكام ذلك اليوم انه يهوی به من موضع مرتفع ولكنه يسلم، فغضب محمود ثانية لإصابته وأمر بحبسه.(1)
ومن إصاباتهم: ذکر أبو سهل بن نوبخت أمرني المنصور لما أراد بناء بغداد بأخذ الطالع، ففعلت، فإذا الطالع في الشمس وهي في القوس، فخبرته بما تدل النجوم عليه من طول بقائها، وكثرة عمارتها، وفقر الناس إلى ما فيها. ثم قلت: وأخبرك خلة أخرى أسرك بها. قال: وما هي؟ قلت: نجد في أدلة النجوم انه لا يموت بها خليفة أبدا حتف أنفه، فتبسم، قال: ولذلك يقول عمارة بن عقیل:
قضى ربها ألا يموت خليفة *** بها انه ما شاء في خلقه يقضي
قال: والمنصور مات وهو حاج، و المهدي بماسبذان، والهادي بعيساباد قرية أو محلة بالجانب الشرقي من بغداد، و الرشید بطوس، وقتل الأمين بالجانب الشرقي، ومات المأمون بالبذندون، ومات المعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر وباقي
ص: 380
الخلفاء بسامراء، ثم انتقل الخلفاء إلى التاج من شرقي بغداد، وتعطلت مدينة المنصور منهم.(1)
قال التستري رحمه الله: وأخطأ أبو سهل و المنصور في السرور بعدم موت خليفة فيها، فان لفظه کان سرورا، ومعناه كان حزنا، لأن معناه أن خلفاءها يموتون غرباء بعيدين عن دار ملكهم.(2)
قال الشاعر:
لا يمنعك من بغاء الخير تعقاد التمائم *** ان الاشائم کالأيامن والأيامن کالأشائم(3)
عَنْ عَبْدِ اَلْمَلِكِ بْنِ أعْيَنَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِاَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِنِّي قَدِ ابْتُلِيتُ بِهَذَا الْعِلْمِ فَأُرِيدُ الْحَاجَةَ فَإِذَا نَظَرْتُ إِلَى الطَّالِعِ ورَأَيْتُ الطَّالِعَ الشَّرَّ جَلَستُ وَلَم أَذْهَبْ فِيهَا وإِذَا رَأَيْتُ الطَّالِعَ الْخَيْرَ ذَهَبْتُ فِي الْحاجَةِ فَقالَ لي تَفَضَّي؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: أَخَرْقُ كُتُبَكَ.(4)
وفي تاريخ الطبري: نادي علي علیه السلام بالرحيل إلى الخوارج، وخرج، فعبر الجسر، فصلى ركعتين بالقنطرة، ثم نزل دير عبد الرحمن، ثم دير أبي موسى، ثم أخذ على قرية شاهي، ثم على دباها، ثم على شاطئ الفرات، فلقيه في مسيره ذلك
ص: 381
منجم أشار عليه بسیر وقت من النهار وقال له: ان سرت في غير ذلك الوقت لقيت أنت وأصحابك ضرا شديدا، فخالفه وسار في الوقت الذي نهاه، فلما فرغ من النهر قال: لو سرنا في الساعة التي أمرنا بها المنجم لقال الجهال سار في تلك الساعة فظفر.(1)
وفيه: لما أراد علي علیه السلام المسير إلى أهل النهر من الأنبار قدم قیس بن سعد بن عبادة، وأمره أن يأتي المدائن فينزلها حتى يأمره بأمره، ثم جاء مقبلا ووافاه قیس وسعد بن مسعود الثقفي بالنهر - إلى أن قال بعد ذکر اتمامهم علیه السلام الحجة عليهم: - تنادوا لا تكلموهم، فعبأ على الناس، فجعل على ميمنته حجر بن عدي، وعلى میسر ته شبث أو معقل بن قیس الرياحي، وعلى الخيل أبا أيوب الأنصاري، وعلى الرجالة أبا قتادة الأنصاري، وعلى أهل المدينة قیس بن سعد بن عبادة، وعبأت الخوارج، فجعلوا على ميمنتهم زید بن حصين الطائي، وعلی میسر تهم شریح بن أو في العبسي، وعلى خيلهم حمرة بن سنان الأسدي، وعلى الرجالة حرقوص بن زهير السعدي - إلى أن قال: - فوالله ما لبثوهم أن أناموهم.(2)
هذا، ومر امرؤ القيس في مسيره إلى بني أسد ليثأر بأبيه بتبالة(3)، وبها صنم للعرب تعظمه يقال له ذو الخلصة، فاستقسم عنده بقداحه - وهي ثلاثة الآمر والناهي والمتربص - ثم أجالها ، فخرج الناهي، ثم أجالها فخرج الناهي، ثم أجالا فخرج الناهي، فجمعها، وكسرها، وضرب بها وجه الصنم، وقال له: مصصت بظر
ص: 382
أمك لو أبوك قتل ما عقتني، ثم خرج فظفر ببني أسد.(1)
وكتبوا من خطئهم ما في التقريب: فتح المعتصم عمورية، وكان المنجمون أجمعوا على أنها لا تفتح في تلك الغزاة، قال أبو تمام:
أين الرواية أو أين النجوم وما *** صاغوه من زخرف فيها ومن كذب(2)
ومن صوابهم ما في حكماء القفطي: حکی ابن نصر الكاتب أن بعضهم خاطر مخرج الضمير المنجم على دنانير في إخراج ما خبأ له، فخرج الضمير الزايجة ولم يزل يقول خبأت جوهرا من جواهر الأرض لا طعم له ولا رائحة. ثم قال: وهو حجر، ثم رمى عمامته عن رأسه ومضى إلى السوق على تلك الحال وعاد وقال خبأت مسنا مثل هذا - ورمی من يده قطعة من مسن - وأخذ الدنانير قلنا لم عدوت مکشوف الرأس قال: دلني کوکب على لون وكوكب آخر على لون غيره و تقابلت الدلالتان فلم تعلق احداهما بالأخرى، ولم أدر إذا ما امتزجا ما اللون الذي يخرج بينهما، وعمی قلبي من الفكر، فكشفت رأسي وعدوت إلى الصباغ وقلت له: إذا مزجت اللون الفلاني باللون الفلاني أي شيء يخرج بينهما قال مسني فقلت هو مسن زجرا و تخمینا، فخرج الحدس صحيحا.(3)
وفي الصحاح: والمسن حجر يحدد به.(4)
وما فيه قال الحسن بن رافع الكاتب: جلست في بعض الدكاكين الشارعة على طريق أحمد بن طولون قبل أن يدخل مصر بساعة، والناس مجتمعون لتأمله عند
ص: 383
دخوله، وجلس معي شاب مکفوف ينسب إلى قبيل صاحب الملاحم المعروف بالمكفوف الملاحمي، فسأله رجل عما يجده في كتبهم له، فقال: هذا رجل صفته كذا وكذا، ويتقلد وولده قريبا من أربعين سنة. فما تم كلامه حتى مر بنا ابن طولون، وكان كما ذكر لم يغادر شيئا منه. واتفق أن نظر بعض المنجمين في مصر طالع الدخول في الاسطرلاب، فكان ثلاث عشرة درجة من برج العقرب، فقال بعض من له يد في الحكم النجومي: هذا طالع من قامت به دولة بني العباس، فان صدق الحكم يملك هذا البلد ويملکه قوم من نسله قرآنین، وهو قريب من أربعين سنة، فعجب الحاضرون من اتفاق القولين في ذلك. وكان الأمر كما قيل، فإنه ملك وولده وولد ولده ثمانية وثلاثين سنة.(1)
ويشهد بصحة هذا العلم في الجملة وعلى أن له أصلا الأخبار والاعتبار.
أما الأخبار فهي كثيرة لا تحصى.
منها روايتا الاحتجاج و البحار السالفتان.
ومنها عن معلی بن خنیس قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن النجوم أحق هي؟ قال: نعم إن الله عز وجل بعث المشتري إلى الأرض في صورة رجل فأخذ رجلا من العجم فعلمه النجوم حتى ظن أنه قد بلغ، ثم قال له: انظر أين المشتري، فقال: ما أراه في الفلك وما أدري أين هو، قال: فنحاه وأخذ بيد رجل من الهند فعلمه حتى ظن أنه قد بلغ، وقال: انظر إلى المشتري أين هو فقال: إن حسابي ليدل على أنك أنت المشتري، وقال فشهق شهقة فمات وورث علمه أهله فالعلم هناك .(2)
ص: 384
ومنها: ما في كتاب النجوم عَنِ الرَّيَّانِ بنِ الصَّلتِ وذَكَرَ اجْتِمَاعَ العُلَماءِ بِحَضْرَةِ المَأمونِ وَظُهُورِ حُجَّتِهِ عَلَى جيع الْعُلَمَاءِ وحُضُورُ الصَّبَّاحِ بْنِ نَصْرٍ الهِنْدِيَّ عِندَ مَوْلانَا الرَّضَاعَلَيْهِ السَّلامُ وَسُؤَالَهُ عَنْ مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا سُؤَالُهُ عَنْ عِلْمِ اَلنُّجُومِ فَقَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مَا هَذَا لَفْظُهُ:
هُوَ عِلْمٌ فِي أَصْلِ صَحِيحِ ذَكَرُوا أَنَّ أَوَّلَ مِنْ تَكَلُّمٍ فِي النُّجُومِ إِدْریس وکان ذُو القرنین بِهَا مَاهِرَا وَأَصْلُ هَذَا الْعِلْمِ مِنْ عِنْدَ اللهِ عِزِّ وَجَلٍّ وَيُقَالُ إِنَّ اللهَ بَعْثِ النَّجْمِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ المشتري فِي صُورَةِ رَجُلِ فَاتِيِّ بَلَدِ الْعَجَمِ فَعِلْمِهِمْ فِي حَديثُ طَوِيلُ فَلَمْ يَسْتَكْمِلُوا ذَلِكَ فأتْی بَلَدَ الهنډ فَعَلِمَ رَجُلَا مِنْهُمْ فَمِنْ هُنَاكَ صَارَ عِلْمُ النُّجُومِ بِهَا وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ هُوَ عِلْمٌ مِنْ عِلْمِ اَلْأَنْبِيَاءِ خُصُّوا بِهَا لأسباب شَتي فَلَمْ يَسْتَدْرِكِ الْمُنَجِّمُونَ اَلدَّقِيقَةَ فِيهَا فَشَابُوا اَلْحَقَّ بِالْكَذِب.
هذا آخر لفظ مولانا علي بن موسی الرضا علیه السلام في هذه الرواية الجليلة الأسناد وقوله علیه السلام حجة على العباد، وقوله علیه السلام ذكروا ويقال فان عادته (عادتهم علیه السلام ) عند التقنية من المخالفين والعامة يقول نحو هذا الكلام وتارة يقول كان أبي يقول وتارة روي عن رسول الله صلی الله علیه واله وسلم.(1)
وَمِنْهَا: فِي كِتَابِ النُّجُومِ أَيْضًا وَجَادَّةً فِي كِتَابِ عَتِيقِ عَنْ عَطَاءِ قَالَ: قِيلَ لعلی بْن أَبِي طَالِبُ علیه السُّلَّامَ: هَلْ كَانَ لِلنُّجُومِ أَصْلٌ ؟ قَالَ: نِعْمَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَالٌ لَهُ قَوْمٌ: إِنَّا لَا نُومِنُ بِكَ حَتَّى تَعَلُّمِنَا بَدْءَ الْخَلْقِ وَآجَالِهِ فَأَوْحَى اللهُ عِزُّ وَجَلٌّ إِلَى غَمَامَةٍ فامطرتهم وَاِسْتَنْقَعَ حَوْلَ الْجَبَلِ مَاءَ صَافٍ ثُمَّ أَوْحَى اللهُ عِزِّ وَجَلٍّ إِلَى الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ أَنَّ تَجَرِيَّ فِي ذَلِكَ الْمَاءِ ثُمَّ أَوْحَى اللهُ عِزِّ وَجَلٍّ إِلَى ذَلِكَ النَّبِيِّ أَنَّ
ص: 385
يَرْتَقِي هُوَ وُقُومُهُ عَلَى اَلْجَبَلِ فار تَقُوا اَلْجَبَلَ فَقَامُوا عَلَى اَلمَاءِ حَتَّى عَرَفُوا بَدَهَ اَلخَلْقِ وآجالَهُ بِمَجَارِي اَلشَّمْسِ والْقَمَرِ وسَاعَاتِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ وكَانَ أَحَدُهُمْ يَعْلَمُ مَتَى يَمُوتُ وُمْتى يَمْرَضُ مَن ذا الَّذي يُولَدُ لَهُ وَمَن ذَا الَّذي لا يُولَدُ لَهُ فَتَقواكِلُكَ بُرْهَةٌ وَ دَهْرُهُم.
ثُمَّ إ دَاؤُد عليْهِ السَّلامُ قَاتِلُهُمْ عَلَى اَلْكُفْرِ فَاخْرُجُوا إِلَى دَاؤُدٍ فِي الْقِتَالِ مَن لَم يَحضُر أجَلُهُ وَمَن حَضَرَهُ أجَلُهُ خَلَّفُوهُ
فِي بُيُوتِهِمْ فَكَانَ يُقْتَلُ مِنْ أصْحَابِ دَاؤُد عليهِ السَّلامُ وَلا يُقْتَلُ مِن هَؤُلاءِ أَحَدٌ قَالَ دَاوَدَعَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ رَبِّ أُقَاتِلُ عَلَى طَاعَتِكَ وَيُقَاتِلُ هَؤُلاءِ عَلَى مَعْصِيَتِكَ يُقْتَلُ أَصْحَابِي ولا يُقْتَلُ مِن هَؤُلاءِ أَحَدٌ فَأَوْحَى اللَّهُ عز و جل أنِّي كُنْتُ قَد عَلَّمْتُهُم بَدءَ الخَلْقِ وَآجَالَهُ وإنَّما أَخْرَجُوا اِلَيْكَ مَنْ لَمْ يَحضُر أَجَلُهُ ومَنْ حَضَرَ أَجَلُهُ خَلَّفُوهُ فِي بُيُوتِهِمْ فَمِنْ ثَمَّ يُقْتَلُ مِنْ أَصْحَابِك ولا يُقْتَلُ مِنْهُمْ أَحَدٌ قالَ دَاؤُدٌ عَلَيهِ السَّلامُ عَلَى مَاذَا عَلَّمْتُهُم؟
قَالَ تَعَالَى: عَلَى مجاري الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ وَسَاعَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.
قَالَ: فَدَعَا اللهُ عِزِّ وَجَلٍّ فَحَبَسَ الشَّمْسَ عَلَيْهُمْ فَزَادَ فِي النَّهَارِ وَاِخْتَلَطَتِ الزِّيَادَةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَمْ يَعْرُفُوا قَدْرَ الزِّيَادَةِ فَاِخْتَلَطَ حِسَابُهُمْ.
قَالَ عَلِيُّ علیه السُّلَّامَ: فَمَنْ ثُمَّ كَرْهُ النَّظَرِ فِي عِلْمِ النُّجُومِ.
ورواه فيه أيضا عن الدر المنثور، نعم زاد فيه أن النبي المذكور كان يوشع بن نون.(1)
ومنها: ما رواه یونس بن عبد الرحمن قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام جعلت فداك أخبرني عن علم النجوم ما هو؟ قال علیه السلام: هو علم من علم الأنبياء، قال: فقلت: كان
ص: 386
علي بن أبي طالب علیه السلام يعلمه؟ فقال: كان أعلم الناس به.(1)
والأخبار في هذا المعنى كثيرة لا نطيل بذكرها.
وأما الاعتبار فهو إنا قد سمعنا تظافرا بل تواترا وحصل لنا العلم وجدانا بأن من المنجمين من حصل له العلم بجملة من الحوادث الاستقبالية في موارد شتی من طريق النجوم و حكموا فيه فكان حكمه مطابقا للواقع ولا بأس بالاشارة إلى بعض تلك الموارد تأیید او استظهارا.(2)
فمنها: دلالة النجوم على نبؤة نوح ففي كتاب التجمل باسناده عن جمیل، عن زرارة، عن أبي جعفر علیه السلام عمن ذكره قال: قد كان علم نبؤة نوح بالنجوم .(3)
ومنها: دلالتها على إبراهيم ففي كتاب التجمل:أَنَّ آزَرَ أَباً(4) إبْراهِيمَ عَلَيهِ السَّلاَمُ كَانَ مُنَجِّماً لِنُمرودَ وَلَم يَكُن يَصدُرُ إِلاَّ عَن أمرِهِ فَنَظَرَ لَيلَةً في النُّجومِ فَأَصْبَحَ وَهُوَ يَقُولُ لِنُمْرُودَ لَقَدْ رَأَيْتُ عَجَبٌ قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ رَأَيْتُ مَوْلُوداً يُولَدُ فِي زَمَانِنَا يَكُونُ هَلاَكَتا عَلَى يَدِيهِ وَلَا يَلْبَثُ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى يَخْمُلُ بِهِ قَالَ: فَتُعْجِبُ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: هَلْ حَمَلَتْ بِهِ النِّسَاءُ ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَحَجَبَ النِّسَاءُ عَنِ اَلرِّجَالِ فَلَمْ يَدَعِ اِمْرَأَةً إِلَّا جَعَلَهَا فِي الْمَدِينَةِ لَا يَخْلُصُ إِلَيْهَا بَعْلُهَا.
ص: 387
قال : ووَقَعَ ازْرِ على أهْلِهِ فَعَلِقَت بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَظَنَّ أَنَّهُ صَاحِبُهُ فَأَرْسَلَ إِلَى قَوَابِلِ ذَلِكَ اَلْمزْمَانِ وَ كُن أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْجَنِينِ ولا يَكُونُ فِي الرَّحِمِ شَيءٌ إِلاَّ عَرَفْنَهُ وعَلِمْنَ بِهِ فَنَظَرْنَ فَالزَم اللَّهُ عز و جل ما في الرَّحِمِ إلى اَلظَّهْرِ فَقُلْنَ مَا نَرَى فِي بَطْنِهَا شَيْئاً قَالَ وَكَانَ فِيمَا أُوتِيَ مِنَ الْعِلْمِ أَنَّهُ سَيُحْرَقُ بالنارولم يُؤْتَ عِلْمَ أَنَّ اَللَّهَ تَعَالَي سَيُنْجِيهِ مِنْهَا .(1)
قال المجلسي رحمه الله: وقد روي هذا الحديث علي بن إبراهيم في كتاب تفسير القرآن بأبسط من هذه الرواية ورواه أيضا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في الجزء الأول من تاريخه، ورواه أيضأ سعيد بن هبة الله الراوندي في كتاب قصص الأنبياء، ورواه الثعلبي في تفسيره وغيره من العلماء.(2)
ومنها: دلالتها على نبؤة موسی علیه السلام وكتب التواریخ مشحونة بذلك فمن ذلك ما رواه الثعلبي في كتاب العرائس والمجالس قال: إن فرعون رأى في منامه أن نارا قد أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصرفأ حرقتها وأحرقت القبط و ترکت بني إسرائيل فدعا فرعون السحرة والكهنة والمعبرين والمنجمین وسألهم عن رؤياه فقالوا له: إنه يولد في بني إسرائيل غلام يسلبك ملكك ويغلبك علی سلطانك ويخرجك وقومك من أرضك ويذل دينك وقد أظلك زمانه الذي يولد فيه.(3)
ومنها: دلالتها على نبوة عيسی علیه السلام ففي كتاب النبوة لابن بابویه في باب سياقه حدیث عیسی ابن مریم علیه السلام فقال ما هذا لفظه: وقدم عليها وفد من عظماء المجوس
ص: 388
زائرین معظمين لأمر ابنها وقالوا إنا قوم ننظر في النجوم فلما ولد ابنك طلع بمولوده نجم من نجوم الملك فنظرنا فيه فإذا ملكه ملك نبوة لا يزول عنه ولا يفارقه حتى يرفعه إلى السماء فيجاور ربه عز وجل ما كانت الدنيا مكانها ثم يصير إلى ملك هو أطول وأبقى مما كان فيه فخرجنا من قبل المشرق حتی رفعنا إلى هذا المكان فوجدنا النجم متطلعا عليه من فوقه فبذلك عرفنا موضعه وقد أهدينا له هدية جعلناها له قربانا لم يقرب مثله لأحد قط وذلك أنا وجدنا هذا القربان يشبه أمره وهو الذهب والمر واللبان لأن الذهب سيد المتاع كله وكذلك ابنك هو سيد الناس ما كان حيا ولأن المر جبار الجراحات وكذلك ابنك يبرئ الله به الجراحات والأمراض والجنون والعاهات كلها ولأن اللبان يبلغ دخانه السماء ولن يبلغها دخان شيء غيره وكذلك ابنك يرفعه الله عز وجل إلى السماء وليس يرفع من أهل زمانه غيره.(1)
ومنها: دلالتها على النبي صلی الله علیه واله وسلم ففي كتاب دلائل النبوة: جمع أبي القاسم الحسين بن محمد السكوني باسناده عن حسان بن ثابت قال: إني والله لغلام يفعاء[ ليفقه ] إبن سبع أو ثمان سنين أعقل كل ما سمعت إذ سمعت يهوديا وهو على أكمة يثرب يصرخ يا معشر اليهود، فلما اجتمعوا قالوا: ويلك ما لك؟ قال: طلع نجم أحمد الذي يبعث به الليلة.
قال: ووجدت كتابا عندنا الآن اسمه كتاب اليد الصيني عمله کشینا ملك الهند يذكر فيه تفصیل دلالة النجوم على نبؤة نبينا محمد صلی الله علیه واله وسلم.(2)
ص: 389
ومنها: موارد متفرقة ذكر السيد بن طاوس رحمه الله في رسالته التي دونها في النجوم وذكر جماعة من العلماء المعتنين بهذا العلم العارفین به تأييدا لصحته(1)
قال المجلسي: والسيد الجليل النبيل علي بن طاووس رحمه الله لأنس قليل له بهذا العلم عمل في ذلك رسالة وبالغ في الإنكار على من اعتقد أن النجوم ذوات إرادة أو فاعلة أو مؤثرة واستدل على ذلك بدلائل كثيرة وأيده بكلام جم غفير من الأفاضل إلا أنه أنكر على السيد الأجل المرتضی رحمه الله في تحريمه وذهب إلى أنه من العلوم المباحات وأن النجوم علامات ودلالات على الحادثات لكن يجوز للقادر الحكيم أن يغيرها بالبر والصدقة والدعاء وغير ذلك من الأسباب والدواعي على وفق إرادته وحكمته وجوز تعليم علم النجوم و تعلمه والنظر فيه والعمل به إذا لم يعتقد أنها مؤثرة وحمل أخبار النهي والذم على ما إذا اعتقدت ذلك ثم ذكررحمه الله تأييد الصحة هذا العلم أسماء جماعة من الشيعة كانوا عارفين به .(2)
وممن اشتهر بعلم النجوم من المنسوبين إلى مذهب الإمامية الفضل بن سهل وزير المأمون فروی محمد بن عبدوس الجهشیاري وغيره ما معناه أنه لما وقع بين الأمين والمأمون ما وقع واضطربت خراسان وطلب جند المأمون أرزاقهم وتوجه علي بن عیسی بن ماهان من العراق لحرب المأمون وصعد المأمون إلى منظرة للخوف على نفسه من جنده ومعه الفضل وقد ضاق عليه مجال التدبير وعزم على مفارقة ما هو فيه أخذ الفضل طالعه ورفع أسطرلابه فقال له ما تنزل هذه المنزلة إلا خليفة غالبا لأخيك الأمين فلا تعجل وما زال يسكنه ويثبته حتی ورد عليهم في تلك الساعة رأس ابن ماهان وقد قتله طاهر وثبت ملکه وزال ما
ص: 390
كان يخافه وظفر بالأمان.
وروی خبرا آخر مثل ذلك.(1)
ثم قال: ومن كان عالما بالنجوم من المنسوبين إلى الشيعة الحسن بن سهل ثم ذكر ما أخرجنا من العيون في أبواب تاريخ الرضا علیه السلام من حديث الحمام وقتل الفضل فيه .(2)
والرواية في العيون بسنده عن ياسر الخادم يذكر فيها خروج الرضا علیه السلام والمأمون وذي الرياستين من مرو إلى المدينة وفيها:
وخَرَجَ المَأْمونُ وخَرَجْنَا مَعَ الرِّضَا عليهِ السَّلامُ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ وَ نَحْنُ فِي بَعْضِ اَلْمَنَازِلِ وَرَدَ عَلَى ذِي الرئاستَيْنِ كِتَابٍ مِنْ أَخِيهِ اَلْحَسَنِ بْنِ سَهْلٍ أَنِّي نَظَرْتُ فِي تَحْوِيلِ هَذِهِ اَلسَّنَةِ فِي حِسَابِ اَلنُّجُومِ وَ وَجَدْتُ فِيهِ أَنَّكَ تَذُوقُ في شَهْرِ كَذَا يَؤُمُّ الأربِعاءَ حَرَّ الحَدِيدِ وَ حَرَّ النَّارِ وأَرى أن تَدخُلَ أنتَ وَالرِّضا وَأَميرُ المُؤْمِنِينَ الحَمَّامَ في هَذا اليَومِ فَتَحتَجِمَ فيهِ وَتَصُبَّ اَلدَّمُ عَلَى بَدَنِكَ لِيَزُولَ نَحْسُهُ عَنْكَ.
فَبَعَثَ الْفَضْلُ إِلَى الْمَأْمُونِ وَكُتُبٍ إِلَيْهِ بِذَلِكَ وَسَأَلَهُ أَنْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ مَعَهُ وَيَسْأَلُ أَبَا الْحُسْنِ علیه السُّلَّامَ أَيْضًا ذَلِكَ فَكَتَبَ الْمَأْمُونُ إِلَى الرِّضَا علیه السُّلَّامَ رُقْعَةً فِي ذَلِكَ وَسَأَلَهُ فَكَتَبٍّ إِلَيْهِ أَبُو الْحُسْنِ علیه السُّلَّامَ لَسْتَ بِدَاخِلٍ غَدَا الْحَمَامُ وَلَا أَرَى لَكَ يَا أَميرُ المؤمنین أَنَّ تَدْخُلُ الْحَمَامُ غَدَا وَلَا أَرَى لِلْفَضْلِ أَنْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ غَدَا فَأُعَادُ إِلَيْهِ الرُّقْعَةَ مَرَّتَيْنِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَم السِّتُّ بِدَاخِلٍ غَدا اَلْحَمَّامَ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَالِه وسلمَ فِي اَلنُّؤْمِ فِي هَذِهِ اَللَّيْلَةِ يَقُولُ لِي يَا عَلِيُّ لاَ تَدْخُلِ اَلْحَمَّامَ غَداً فَلاَ أَرَى لَكَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَلا
ص: 391
لِلْفَضْلِ أَنَّ تَدْخُلَا الْحَمَامُ غَدَا فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْمَأْمُونَ صَدَّقَتْ يَا سَيِّدِي وَصَدَّقَ رَسُولُ اللهِ لَسْتَ بِدَاخِلٍ غَدَا الْحَمَامُ وَالْفَضْلُ وَ أعْلَمُ مَا يَفْعَلُهُ.
قَالَ يَاسِرٌ: فَلَمَّا أَمْسِيِّنَا وَغَابَتِ الشَّمْسُ فَقَالٌ لَنَا الرِّضَا علیه السُّلَّامَ قُولُوا نَعُوذُ بالله مِنْ شَرٍّ مَا يُنْزِلُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَأَقْبَلُنَا تَقُولُ كَذَلِكَ فَلَمَّا الرِّضَا علیه السُّلَّامَ الصُّبْحَ قَالٌ لَنَا قُولُوا نَعُوذُ بالله مِنْ شَرٍّ مَا يُنْزِلُ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَمَا زَلِّنَا نَقُولُ ذَلِكَ.
فَلَمَّا كَانَ قَرِيبَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَالَ الرِّضَا علیه السُّلَّامَ اِصْعَدِ السَّطْحَ فَاِسْتَمَعَ هَلْ تَسَمُّعُ شَيْئًا فَلَمَّا صَعِدَتْ سَمِعَتِ الصَّيْحَةُ «الضجة خ ل» وَالنَّحِيبُ وَكُثْرُ ذَلِكَ فَإذاً بِالْمَأْمُونِ قَدْ دَخَلَ مِنَ الْبَابِ الَّذِي كَانَ إِلَى دَارِهِ مِنْ دَارٍ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ يَا سَيِّدِي يَا أَبَا اَلْحَسَنِ آجَرَكَ اَللَّهُ فِي اَلْفَضْلِ وَ كان دَخَلَ الْحَمَّامَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ قُؤم بِالسُّيُوفِ فَقَتَلُوهُ وأُخِذَ مَن دَخَلَ عَلَيهِ في الْحَمَّامِ وكَانُوا ثَلاثَةَ نَفَرٍ أحَدُهم ابْنُ خَالَةِ الْفَضلِ ذُو القُلَمَيْنِ قالَ وَاجْتَمَع الْقُوَّادِ والجُنْدِ ومَن كانَ مِن رِجَالِ ذِي الرِّئَاسَتَيْنِ عَلَى بَابِ اَلْمَأْمُونِ فَقَالُوا اغْتالَهُ وَقَتَلَهُ فَلَنَطْبَنَّ بِدَمِهِ.
فَقَالَ اَلْمَأْمُونُ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَا سَيِّدِي تَرَى أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِم وَتُفَرِّقَهُم قالَ ياسِرٌ فَرَكِبَ الرِّضا عليهِ السَّلاَمُ وَقَالٌ لِي اِرْكَبْ فَلَمَّا خَرَّجَنَا مِنَ الْبَابِ نَظَرَ الرِّضَا علیه السُّلَّامَ إِلَيْهِمْ وَقَدِ اِجْتَمَعُوا وَجَاءُوا بِالنِّيَرَانِ لِيُحْرِقُوا الْبَابَ فَصَاحٍ بِهُمْ وَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ تُفَرِّقُوا، فَتُفَرِّقُوا.
قَالَ يَاسِرٌ: فَاِقْبَلِ النَّاسَ وَاللهَ يُقْعِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضِ وَمَا أَشَارَ إِلَى أحَدٍ إِلَّا رَكَضَ وَمَرَّ وَلَمْ يَقِفْ بِهِ.(1)
ثم قال السيد: رأيت في كتاب الوزراء جمع عبد الرحمن بن المبارك أنه ذكر
ص: 392
محمد بن سعيد أنه وجد علی کتاب من کتب ذي الرئاستين بخطه هذه السنة الفلانية التي تكون فيها النكبة وإلى الله نرغب في دفعها وإن صح من حساب الفلك شيء فالأمر واقع فيها لا محالة ونسأل الله تعالى أن يختم لنا بخير بمنه وكان يعمل لذي الرئاستين تقويم في كل سنة فيوقع عليه هذا يوم يصلح لكذا ويجنب في هذا اليوم كذا فلما كان في السنة التي قتل فيها عرض عليه اليوم (التقويم) فجعل يوقع فيه ما يصلح حتى انتهى إلى اليوم الذي قتل فيه فقال أف لهذا اليوم ما أشره علي ورمی بالتقويم.
وروي عن أخت الفضل قالت: دخل الفضل إلى أنه في الليلة التي قتل في صبيحتها فقعد إلى جانبها وأقبل يعظها و يعزيها عن نفسه ويذكرها حوادث الدهر وتقضي أمور العباد ثم قبل صدرها و ثديها وودعها وداع المفارق ثم قام فخرج وهو قلق منزعج لما دله عليه الحساب فجعل ينتقل من موضع إلى موضع ومن مجلس إلى مجلس و امتنع عليه النوم فلما كان في السحر قام إلى الحمام وقدر أن يجعل غمه وحرارته وكربه هو الذي دلت عليه النجوم وقدمت له بغلة فركبها وكان الحمام في آخر البستان فکبت به البغلة فسره ذلك وقدر أنها هي النكبة التي كان يتخوفها ثم مشى إلى الحمام ولم يزل حتى دخل الحمام فاغتسل فيه فقتل.(1)
قال: ومن المذكورين بعلم النجوم بوران بنت الحسن بن سهل وجدت في مجموع عتيق أن بوران كانت في المنزلة العليا بأصناف العلم لا سيما في النجوم فإنها برعت فيه وبلغت أقصى نهايته وكانت ترفع الأصطرلاب كل وقت و تنظر إلى مولد المعتصم فعثرت يوما يقطع عليه سببه الخشب.
ص: 393
فقالت لوالدها الحسن: انصرف إلى أمير المؤمنين وعرفه أن الجارية فلانة قد نظرت إلى المولد ورفعت الأصطرلاب فدل الحساب والله أعلم أن قطعا يلحق أمير المؤمنين من خشب في الساعة الفلانية من يوم بعينه.
قال الحسن: يا قرة العين يا سيدة الحرائر إن أميرالمؤمنين قد تغير علينا وربما أصغى إلى شيخك بخلاف ما يقتضيه وجه المشورة والنصيحة قالت يا أبت وما عليك من نصيحة إمامك لأنه خطر بروح لا عوض منها فإن قبلها وإلا كنت قد أديت المفروض عليك.
قال: فانصرف الحسن إلى المعتصم وعرفه ما قالت بوران قال المعتصم أيها الحسن أحسن الله جزاءها وجزاءك انصرف إليها وخصها عني بالسلام و اسألها ثانيا واحضر عندي اليوم الذي عينت عليه ولازمني حتى ينصرم اليوم ويذهب فلست أشاركك في هذه المشورة والتدبير أحدا من البشر.
قال: فلما كان صباح ذلك اليوم دخل عليه الحسن فأمر المعتصم حتى خرج كل من في المجلس وخلا إليه وأشار عليه أن ينتقل عن المجلس السقفي إلى مجلس ابن أرخى لا يوجد فيه وزن درهم واحد من الخشب.
وما زال الحسن يحدثه والمعتصم يمازحه وينشطه حتى أظهر النهار وضربت نوبة الصلاة فقام المعتصم ليتوضأ فقال الحسن لا تخرج أمير المؤمنين عن هذا المجلس ويكون الوضوء والصلاة وكل ما تريده فيه حتى ينصرم اليوم.
فجاء خادم ومعه المشط والسواك فقال الحسن للخادم امتشط بالمشط واستك بالسواك فامتنع وقال كيف أتناول الة أمير المؤمنين قال المعتصم ويلك امتثل قول الحسن ولا تخالف ففعل فسقطت ثناياه وانتفخ دماغه وخر مغشيا عليه ورفع ميتا
ص: 394
وقام الحسن ليخرج فاستدعاه المعتصم واحتضنه ولم يفارقه حتى قبل عينيه ورد على بوران أملاكا وضياعا وكان ابن الزيات حلها عنها (سلبها منها) وذكر مثله برواية أخرى.(1)
وروي من كتاب الوزراء لمحمد بن عبدوس عن إسماعيل بن صبيح قال : كنت أكتب يوما بين يدي يحیی بن خالد البرمكي فدخل عليه جعفر بن يحيى فلما رآه صاح و أعرض بوجهه عنه وقطب وكره رؤيته فلما انصرف قلت له: أطال الله بقائك تفعل هذا بابنك وحاله عند أمير المؤمنین حالة لا يقدم عليه ولدا ولا وليا فقال إليك عني أيها الرجل فو الله لا يكون هلاك أهل هذا البيت إلا بسببه.
فلما كان بعد مدة من ذلك دخل عليه أيضا جعفر وأنا بحضرته ففعل مثل ما فعل الأول وأكدت عليه القول فقال أدن مني الدواة فأدنيتها وكتب کلمات يسيرة في رقعة وختمها ودفعها إلي وقال: ليكن عندك فإذا دخلت سنة سبع وثمانين ومائة ومضى فانظر فيها فلما كان في صفر أوقع الرشید بهم فنظرت في الرقعة فكان الوقت الذي ذكره قال إسماعيل وكان يحيى أعلم الناس بالنجوم.(2)
وروي أيضا عن محمد بن عبدوس من كتاب الوزراء عن موسى بن نصر الوصيف عن أبيه قال: غدوت إلى يحیی بن خالد في آخر أمرهم أرید عیادته من علة كان يجدها فوجدت في دهلیزه بغلا مسرجا فدخلت إليه فكان يأنس بي ويفضي إلي بسته فوجدته مفكرا مهموما ورايته مستخليا مشتغلا بحساب النجوم وهو ينظر فيه فقلت له: إني لما رأیت بغلا مسرجا سرني لأني قدرت انصراف العلة
ص: 395
وإن عزمك الركوب ثم قد غمني ما أراه من همك قال: فقال لي: إن لهذا البغل قصة إني رأيت البارحة في النوم كأني راكبه حتى وافیت رأس الجسر من الجانب الأيسر فوقفت فإذا صائح يصيح من الجانب الآخر:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا *** أنيس ولم يسمر بمكة سامر
قال: فضربت يدي على قربوس السرج وقلت:
بلی نحن كنا أهلها فأبادنا *** صروف الليالي والجدود العواثر
ثم انتبهت فلجأت إلى أخذ الطالع فأخذته وضربت الأمر ظهر البطن فوقفت على أنه لا بد من انقضاء مدتنا وزوال أمرنا قال فما كان يكاد يفرغ من كلامه حتى دخل عليه مسرور الخادم بخوان مغطاة وفيها رأس جعفر بن يحيى وقال له يقول لك أمير المؤمنین کیف رأيت نقمة الله في الفاجر فقال له يحيي قل له یا أمير المؤمنين أری أنك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك.(1)
وممن ظهر منه العمل على النجوم البرامكة ذكر عبد الرحمن بن المبارك أن جعفرا لما عزم على الانتقال إلى قصره الذي بناه وجمع المنجمين لاختيار وقت ينتقل فيه فاختاروا له وقتا من الليل فلما حضر الوقت خرج على حمار من الموضع الذي ينزله إلى قصره والطرق خالية والناس ساکنون فلما وصل إلى سوق يحيى رأى رجلا يقول:
يدبر بالنجوم وليس يدري *** ورب النجم يفعل ما يريد
فاستوحش ووقف ودعا بالرجل فقال له أعد علي ما قلت فأعاده فقال ما أردت بهذا؟ قال والله ما أردت به معنی من المعاني لكنه عرض لي وجاء على
ص: 396
لساني فأمر له بدنانير.(1)
ثم ذكر إصابات كثيرة من المنجمين نقلا من كتبهم ونقل من كتاب ربيع الأبرار أن رجلا أدخل إصبعيه في حلقتي مقراض وقال للمنجم: أي شيء ترى في يدي؟ فقال: خاتمي حديد.(2)
وقال: فقدت في دار بعض الرؤساء مشربة فضة فوجه إلى ابن ماهان يسأله فقال المشربة سرقت نفسهافضحكت منه واغتاظ وقال هل في الدار جارية اسمها فضة أخذت الفضة فكان كما قال .(3)
وقال: سعي بمنجم فأمر بصلبه فقيل له هل رأيت هذا في نجومك؟ فقال: رأيت ارتفاعا ولكن لم أعلم أنه فوق خشبة.(4)
وقال: ومن الملوك المشهورين بعلم النجوم و تقریب أهله المأمون وذكر محمد بن إسحاق أنه كان سبب نقل كتب النجوم وأمثالها من بلاد الروم ونشرها بين المسلمين .(5)
وذكر المسعودي في حديث وفاة المأمون قال: فأمرنا بإحضار جماعة من أهل الموضع فسألهم ما تفسير التديون فقالوا تفسيره مد رجليك فلما سمع المأمون بذلك اضطرب و تطير بهذا الاسم وقال سلوهم ما اسم هذا الموضع بالعربية قالوا اسمه بالعربية الرقة وكان فيما عمل من مولد المأمون أنه يموت بالرقة فلما سمع اسم الرقة عرف أنه الموضع الذي ذكر في مولده وأنه لا يموت إلا بالرقة فمات به
ص: 397
كما اقتضت دلالة النجوم.(1)
قال الخوئی: فقد بان وظهر منه ومما قدمنا أن الاصابة في النجوم غير عزيزة وإن كان الخطاء فيها كثيرا أيضا إلا أن وقوع الخطاء لا يدل على بطلانها من أصلها وسر کثرة الخطاء هو ما أشرنا إليه سابقا من عسر الضبط والاحاطة بأقطارها.(2)
وإليه الاشارة في خبر عبد الرحمن بن السيابة قال: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ علیه السُّلَّامَ جَعَلَتْ لَكَ الْفِدَاءُ إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ إِنَّ النُّجُومَ لَا يَحُلُّ النَّظَرُ فِيهَا وَهِي تُعْجِبُنِي فَإِنَّ كانت تَضُرُّ بدینی فَلَا حَاجَةٌ لِي فِي شَيْءٍ يَضُرُّ بِدِينِيٍّ وَإِنَّ كانت لَا تَضُرْ بدینی فُوَ اللهِ إنْي لِأَشْتَهِيهَا وَأَشْتَهِي النَّظَرَ فِيهَا فَقَالَ: لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ لَا تَضُرْ بدینک ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ
تَنظُرونَ في شَيءٍ مِنها كَثِيرُهُ لا يُدرَكُ وَقَليلُهُ لا يُنتَفَعُ بِهِ.(3)
وفي خبر هشام قال : قَالٌ لِي أَبُو عَبْدَاللَّهِ علیه السُّلَّامَ: كَيْفَ بَصَرِكَ بِالنُّجُومِ؟ قَالَ: قُلْتُ: مَا خَلْفُ بِالْعِرَاقِ أَبَصَرٌ بِالنُّجُومِ منِّي فَقَالَ كَيْفَ دَوَرَانُ اَلْفَلَكِ عِنْدَكُمْ قَالَ فَاخَذْتُ قَلَنْسُوَتِي عَنْ رَأْسِي فَأَدَرْتُهَا قَالَ فَقَالَ إِنْ كَانَ اَلْأَمْرُ عَلَى مَا تَقُولُ فَمَا بَالُ بَنَاتِ النَّعْشِ وَالْجَدِي وَالْفَرْقَدَيْنِ لا يُرَوْنَ يَدُورُونَ يَوْماً مِنَ اَلدَّهْرِ فِي اَلْقِبْلَةِ قَالَ قُلْتُ هَذَا وَاللَّهِ شَيْءٍ لا أَعْرِفُهُ ولا سَمِعْتُ أحَداً مِن أَهْلِ اَلْحِسَابِ يَذْكُرُهُ فَقَالَ لِي كَمِ اَلسُّكَيْنَةُ بَيْنَ اَلزُّهَرَةِ جُزْءاً فِي ضُؤْئِهَا قَال: قُلْتُ هَذَا واللَّهِ نَجْمٌ مَا سَمِعْتُ بِهِ ولا سَمِعْتُ أَحَداً مِنَ اَلنَّاسِ يَذْكُرُهُ فَقَالَ سُبْحَانَ اَللَّهِ فأسقطتم نَجْماً بِأَسْرِهِ فَعَلَى مَا تَحْسبون ثم قال فَكَمِ اَلزُّهَرَةُ مِنَ اَلْقَمَرِ جُزْءَأً فِي ضُؤْئِهِ قَالَ قُلْتُ هَذَا شَيْءٌ لاَ
ص: 398
يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ : فَكَمِ الْقَمَرُ جُزْءاً مِنَ الشَّمْسِ فِي ضؤئها قَالَ : قِلَّةُ : مَا أَعْرِفُ هَذَا قَالَ : صَدَقْتَ ثُمَّ قَالَ : مَا بَالُ العسکرين يَلْتَقِيَانِ فِي هَذَا حَاسِبُ وَفِيُّ هَذَا حَاسِبُ فیحسب هَذَا لِصَاحِبِهِ بِالظَّفَرِ وَ يَحْسُبُ هَذَا لِصَاحِبِهِ بِالظَّفَرِ ثُمَّ يَلْتَقِيَانِ فَيَهْزِمُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فاین کانت النُّحُوسُ قَالَ : فَقُلْتُ : لَا وَ اللَّهِ مَا أَعْلَمُ ذَلِكَ قَالَ : فَقَالَ : صَدَقْتَ إِنَّ أَصْلَ الْحِسَابِ حَقُّ وَ لَكِنْ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ عَلِمَ مَوَالِيدَ الْخَلْقِ کلهم.(1)
عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامُ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلُ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ أَبُو عَبْدُ اللَّهِ علیه السَّلَامِ فَقَالَ لَهُ مَرْحَباً يَا سَعْدُ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ بِهَذَا الِاسْمِ سَمَّتْنِي أُمِّي وَ مَا أَقَلَّ مَنْ يَعْرِفُنِي بِهِ فَقَالَ أَبُو عَبْدُ اللَّهِ علیه السَّلَامَ صَدَقَةُ ياسعد المؤلی فَقَالَ الرَّجُلُ جُعِلْتُ فِدَاكَ بِهَذَا کنت أَلْقَتْ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامُ لَا خَيْرَ فِي اللَّقَبِ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ :«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»(2)ما صناعتک یا سعد؟ فقال: جعلت فداك إنا أهل بيت ننظر في النجوم لا يقال إن بالیمن أحدا أعلم بالنجوم منا فقال أبو عبد الله علیه السلام كم ضؤ المشتري على ضوء القمر درجه قال الیماني لا أدري قال أبو عبد الله علیه السلام صدقت کم ضؤء المشتري على ضؤء عطاردرجة فقال اليماني لا أدري فقال له أبو عبد الله علیه السلام صدقت فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الإبل فقال الیماني لا أدري فقال له أبو عبد الله علیه السلام صدقت فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت البقر فقال اليماني لا أدري فقال له أبو عبد الله علیه السلام صدقت فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت
ص: 399
الْكِلَابُ فَقَالَ الْيَمَانِيُّ لَا أَدْرِي فَقَالَ لَهُ أَبُو عبدالله علیه السَّلَامَ صَدَقَةُ فِي قولک لَا أَدْرِي فَمَا زُحَلُ عِندَکّم فّی النَّجْمِ فَقَالَ الیمانی نَجْمٍ نَحْسُ فَقَالَ أَبُو عبدالله علیه السَّلَامُ لَا تَقُلْ هَذَا فانه نَجْمٍ امبرالمومنین صَلَوَاتُ اللَّهِ علیه فَهُوَ نَجْمٍ الاوصیاء علیهم السَّلَامَ وَ هُوَ النَّجْمِ الثَّاقِبِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ الْيَمَانِيِّ فَمَا مَعْنَى الثَّاقِبِ فَقَالَ إِنْ مَطْلَعَهُ فِي السَّمَاءُ السَّابِعَةِ فَإِنَّهُ ثَقَبَ بضؤئه حَتَّى أَضَاءَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَمِنْ ثُمَّ سَمَّاهُ اللَّهُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ.(1)
إلى هنا انتهى الجزء السابع وأسأل الله أن يوفقني بمنه لاتمام هذا الشرح انه سميع الدعاء قريب مجيب.
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
وَ صَلی اللهُ عَلی سَیِدَنَا مُحَمَّدٌ وَ عَلی اُلْهُ الطَیِبینَ الطاهِرینَ
وَ اللَّعْنَ الدَّائِمِ عُلی أَعْدَائِهِمْ اُجمَعّینَ اِلی یَومِ الّدینَ
ص: 400
القران الکریم
1- الاحتجاج على اهل اللجاج: ابو منصور احمد بن علی بن ابی طالب طبرسی،2مجلد، مترجم: بهراد جعفری، دار الكتب الاسلامية، طهران 1387 ش.
2 - احقال الحق: الشهيد نور الله التستري، (المتوفی 1019).
3 - احیاء العلوم: أبو حامد محمد الغزالي، (المتوفی 505ق)، دار المعرفة، بیروت،4 مجلد.
4 - الأخبار الطوال: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفی 276ق)، القاهرة، الأولى 1960م.
5- اخبار العلماء باخبار الحكماء: القفطی، جمال الدين، (المتوفی 646ق).
6- الاختصاص: محمد بن محمد المفيد، (المتوفی 413ق)، مصحح: علی اکبر غفاری ومحمود حرمی زرندی، المؤتمر العالمي للالفية الشيخ المفيد، قم، الأولى 1413ق.
7 - ارشاد القلوب الى الصواب للدیلمی: حسن بن محمد دیلمی، (المتوفی 861ق)، 2مجلد، الشريف الرضی، قم، الأولى 1412 ق.
8- اساس البلاغة: محمود بن عمر زمخشری، (المتوفی 583ق)، 1 مجلد، دار صادر،بیروت، الأولى 1979م.
ص: 401
9- الاستیعاب: ابن عبد البر، القرن الخامس، تحقیق: علي محمد البجاوی، بیروت، دارالجيل، الأولى 1412ق، 1992م.
10 - اسد الغابة: ابن الأثير، (المتوفی 630ق)، دار الكتاب العربی بیروت، لبنان،توضیحات: نشر اسماعیلیان، طهران.
11 - الاصابة: أحمد بن علي بن حجر العسقلانی، (المتوفی 852ق): تحقيق: عادل أحمد، 8 مجلد، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1415ق 1995م.
12 - اعلام الوری باعلام الهدی (ط القديمة): فضل بن حسن طبرسی، (المتوفی 548ق)، 1 مجلد، اسلامية، تهران، الثالثة 1390ق.
13 - أعيان الشيعة: السيد محسن الأمين، (المتوفی 1371ق)، 10 مجلد، تحقیق: حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، بیروت، لبنان.
14 - الأغاني: ابن الفرج الاصفهاني، (المتوفى 356)، 25 جلد، دار إحياء التراث العربي.
15- اقبال الأعمال (ط - القديمة): علي بن موسی ابن طاووس، (المتوفی 664ق)، 2مجلد، دار الكتب الاسلامية، طهران، الثانية 1409ق.
16 - الكامل في التاريخ: ابن الأثير، (المتوفی 630ق)، 12 مجلد، دار صادر للطباعة والنشر، بیروت، 1386ق - 1966م.
17 - الزام النواصب بامامة علي بن أبي طالب علیه السلام: الشيخ مفلح بن الحسن الصميري البحراني (ابن صلاح البحراني)، (المتوفى ق 9)، الأولى 1420.
18 - الأمالي (للصدوق): محمد بن علی بن بابویه، (المتوفی 381ق)، الأعلمی بیروت،الخامسة 1400 ق - 1362ش.
ص: 402
19 - الأمالي (للطوسي): محمد بن الحسن طوسی، (المتوفي 460ق)، 1 مجلد، دارالثقافه، قم، الأولى 1414ق. 20 - الأمالي (للمرتضی): علی بن حسین، علم الهدی، (المتوفي 436ق)، 2 مجلد،مصحح: محمد ابوالفضل، ابراهيم، دار الفكر العربی، قاهره، الأولى 1988م.
21- الأمالي (للمفيد): محمد بن محمد، مفید، (المتوفی 413ق)، 1 مجلد، مصحح:حسین استاد ولی و علی اکبر غفاری، مؤتمر الشيخ المفيد، قم، الأولى 1413 ق.
22 - الامامة والسياسة: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفی 276ق)، تحقيق: الزيني، مؤسسةالحلبي وشركاه للنشر والتوزيع.
23 - أنساب الأشراف: أحمد بن يحيى بن جابر البلاذری، (المتوفی 279ق)، تحقيق:سهیل زکار، ریاض، زرکلی، 13 مجلد، دار الفکر للطباعة والنشر والتوزيع، بیروت،الأولى.
24- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار: محمد باقر بن محمد تقی مجلسی، (المتوفی 1110 ق)، 111 مجلد، دار احياء التراث العربی، الثانية 1403ق.
25- البرهان في تفسير القرآن: سید هاشم بن سليمان بحرانی، (المتوفی 1107ق)، 5مجلد، مصحح: قسم الدراسات الاسلامية لمؤسسة البعثة، مؤسسة البعثة، قم، الأولى 1374ش.
26- بصائر الدرجات في فضائل آل محمد صلی الله علیه واله وسلم: محمد بن حسن صفار، (المتوفی 290ق)، مصحح: محسن بن عباسعلی کوچه باغی، مکتبة آية الله المرعشی النجفی،قم، الثانية 1404 ق.
27 - البصائر والذخائر: ابو حيان التوحيدي، 9 مجلد.
ص: 403
28 - بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: محمد تقي الشيخ الشوشتري، (المتوفی 1415ق - 1374ش)،مؤسسة نشر أمير كبير، الأولى 1376 شمسی.
29 - تاج العروس من جواهر القاموس : محمد مرتضی حسینی زبیدی، (المتوی1205 ق)، تحقيق: على هلالی و سیری علی، 20 مجلد، دار الفکر، بیروت، الأولى 1414ق.
30- تاریخ بغداد: الخطيب البغدادي، (المتوفی 463 ق)، تحقيق: مصطفی عبدالقادرعطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1417ق - 1997 م.
31 - تاریخ الخلفاء: جلال الدين السيوطي، (المتوفی 911ق)، مطابع معتوق اخوان،بيروت.
32- تاريخ الطبری: محمد بن جرير الطبري، 1 مجلد، (المتوفی 310ق)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بیروت. 33 - تاريخ الطبری: ابو جعفر محمد بن جریر الطبری، (المتوفی 310ق)، تحقيق: محمد ابوالفضل إبراهيم، 11 مجلد، بیروت، دار التراث، الثانية 1387ق 1967م.
34- تاريخ مدينة دمشق: ابن عساکر، (المتوفی 571 ق)، 70 مجلد، تحقیق: علي شيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بیروت، مطبعة دار الفكر للطباعة والنشروالتوزيع، بیروت، چاپ 1415ق.
35- تاريخ اليعقوبي: أحمد بن أبي يعقوب المعروف بالیعقوبی، (المتوفی بعد 292)،بیروت، دار صادر، بی تا. 36 - تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: على الاسترآبادي، (المتوفي 940ق)، مصحح: حسین استاد ولي، مؤسسة النشر الاسلامی، قم، الأولى 1409ق.
ص: 404
37 - التبيان في تفسير القرآن: طوسي، محمد بن الحسن، (المتوفی 460ق)، 10 مجلد،دار إحياء التراث العربی، لبنان، بیروت، الأول.
38 - التذكرة الحمدونية: ابن حمدون، (المتوفی 562 ق) 10 مجلد، تحقیق: احسان عباس، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت، الأولى 1996م.
39 - تذكرة الخواص: سبط ابن جوزی، (المتوفی 654ق)، 1 مجلد، منشورات الشريف الرضی، قم، 1418ق 1376ش.
40- تسلية المجالس وزينة المجالس: حسین موسوي، محمد بن ابی طالب (المتوفیق10)، 2 مجلد، مؤسسة المعارف الاسلامية، قم، الأول 1418 ق.
41- التشريف بالمنن في التعريف بالفتن: ابن طاووس، علی بن موسی، (المتوفى664ق)، مؤسسة صاحب الأمر عجل الله فرجه، قم، الأولى 1416ق.
42- تفسير الكبير منهج الصادقین: فتح الله بن شكر الله (المتوفی 988ق)، 10 مجلد،کتابفروشی اسلامیه، ایران، تهران، الأولى.
43 - تعريب كمل البهائي : عماد الدين الطبري، 2 مجلد، المكتبة الحيدرية.
44 - تفسير الثعلبي (الكشف والبيان عن تفسير القرآن): الثعلبی، (المتوفی 427ق)، تحقيق: أبي محمد بن عاشور، 5 مجلد، دار احیاء التراث العربی، بیروت، الأولى1422 ق 2002م.
45 - تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور: جلال الدين السيوطي، (المتوفی 911ق)، 6 مجلد، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت.
46 - تفسير الصافي: محمد بن شاه مرتضی فیض کاشاني، (المتوفی 1091 ق)، مكتبة الصدر، طهران، الثانية 1415ق.
ص: 405
47 - تفسير العياشي: محمد بن مسعود العياشي، (المتوفی 320ق)، 2 مجلد، مصحح:السيد هاشم رسولی المحلاتی، المطبعة العلمية، طهران، الأولى 1380 ق.
48- تفسیر فرات الكوفي: فرات بن ابراهیم کوفي، (المتوفی 307ق)، 1 مجلد، مصحح:محمد کاظم، مؤسسة الطبع والنشر في وزارة الارشاد الاسلامي، طهران، الأولى 1410ق.
49 - تفسير القمي: علي بن ابراهيم القمي، (المتوفي القرن 3 الهجري)، مصحح: السيد طيب موسوى الجزائري، 2 مجلد، دار الكتاب، قم، الثالثة 1404ق.
50 - تفسير الكشاف: زمخشری، محمود بن عمر، (المتوفی 538 ق)، 4 مجلد، دار الكتاب العربي، لبنان، بیروت، الثالثة 1407.
51 - التفسير المنسوب الى الامام الحسن العسكري علیه السلام: الشهادة 260 ق)،1 مجلد، مصحح: مدرسة الإمام المهدي علیه السلام، قم، الأولى 1409ق.
52 - تفسير نور الثقلين عبد علي بن جمعة الحويزي، (المتوفی 1112 ق)، 5 مجلدات، اسماعیلیان، قم، الرابعة 1415ق.
53 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورام: ورام بن ابی فراس،مسعود بن عیسی، (المتوفي 605ق)، 2 مجلد، مكتبة الفقيه، قم، الأولى 1410 ق.
54 - تهذیب الأحکام: محمد بن الحسن، طوسی، (المتوفی 460ق)، 10 مجلد، مصحح:حسن الموسوی خرسان، دار الكتب الاسلامية، تهران، الرابعة 1407 ق.
55 - تهذيب التهذيب : ابن حجر، (المتوفی 852ق)، 12 مجلد، دار الفكر، لبنان، بیروت،الأولى 1404ق / 1984م.
56 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: محمد بن على الصدوق، ابن بابویه، (المتوفی381ق)، دار الشريف الرضي للنشر، قم، الثانية 1406 ق.
ص: 406
57- جامع الأخبار (للشعیری): محمد بن محمد شعیری، (المتوفى القرن 6)، مطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، الأولى.
58 - الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبی): القرطبي، (المتوفی 671ق)، تحقيق:مصطفى السقا، 20 مجلد، دار احیاء التراث العربی، بیروت، 1405ق 1985م.
59 - الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي: المعافي بن زکریا، 1 مجلد.
60- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة: محمد بن محمد المفيد، (المتوفی 413ق)، تحقيق: علی میر شریفی، المؤتمر للشيخ المفيد، قم، الأولى 1413ق.
61- جمهرة اللغة: أبوكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي، (المتوفی 321ق)، 3 مجلد،دار العلم للملايين، بیروت، الأولى 1987م.
62- حاشية محيي الدین شیخ زاده على تفسير القاضي البيضاوي: شیخ زاده، محمد بن مصطفى، (المتوفی 950ق)، 8 مجلد، دار الكتب العلمية، لبنان، بیروت، الأولى 1419ق.
63- حلية الأولياء: أبو نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني، (المتوفی 430ق)، 10 مجلد،السعادة، بجوار محافظة مصر، 1394 ق 1974م.
64- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: أبو نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني، (المتوفی 430ق)، السعادة، بجوار محافظة مصر، 1394ق 1974م.
65 - حياة الحيوان الكبرى : كمال الدین دمیری، (المتوفی 808ق)، 2 مجلد، دار ومكتبةالهلال، بیروت.
66- الخرائج والجرائح: سعيد بن هبة الله، قطب الدين الراوندي، (المتوفی 573 ق)،المصحح والناشر: مؤسسة الامام المهدي علیه السلام، 3 مجلد، قم، الأولى 1409ق.
ص: 407
67 - خصائص الأئمة عليهم السلام (خصائص أمیرالمؤمنین عليه السلام): محمد بن حسین، الشريف الرضي، (المتوفی 406ق)، 1 مجلد، مصحح: محمد هادي الأميني، منشورات العتبة الرضوية، مشهد، الأولى 1406 ق. 68- خصائص اميرالمؤمنين عليه السلام: النسائي (المتوفی 303ق)، تحقيق: محمد هادی الأميني، مكتبة نينوى الحديثة، طهران.
69- الخصال: محمد بن علي بن بابویه، (المتوفی 381ق)، مصحح: علی اکبر الغفاري،مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الأولى 1362ش.
70- دعائم الاسلام وذكر الحلال والحرام: نعمان بن محمد مغربی، ابن حيون، (المتوفی 362ق)، 2 مجلد، مصحح: الفيضي، آصف، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الثانية1385 ق.
71 - الدعوات للراوندي، سلوة الحزين: سعید بن هبة الله، قطب الدين الراوندي، (المتوفی 573 ق)، 1 مجلد، انتشارات مدرسة الإمام المهدي عليه السلام، قم، الأولى 1407ق.
72 - دلائل الامامة (ط - الحديثة ): الطبري الآملي، محمد بن جریر بن رستم، (المتوفی قرن 5)، 1 مجلد، بعثت، ایران، قم 1413 ق.
73 - ديوان الشريف الرضي: الشريف الرضي، محمد بن حسین، (المتوفی 406ق)،2 مجلد، دار الجبل، بیروت، لبنان، الأول 1415 ق.
74 - ذخائر العقبي: أحمد بن عبدالله الطبري، (المتوفى 194 ق)، مكتبة القدسي، القاهرة 1356.
75 - ربيع الأبرار ونصوص الأخبار: الزمخشری، (المتوفی 538 ق)، تحقيق: عبدالأميرمهنا، 5 مجلد، مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت، الأولى 1412 ق 1992م.
ص: 408
76 - رجال الطوسی: محمد بن حسن الطوسی، (المتوفی 460ق) مصحح: جواد قیومی اصفهانی، 1 مجلد: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجامعة المدرسین بقم المقدسة،قم، الثانية 1373ش.
77 - رجال العلامة الحلي: العلامة الحلي، حسن بن يوسف بن مطهر ، (المتوفی 726ق)،دار الذخائر، النجف الأشرف، الثانية 1411ق.
78 - رجال الكشي - اختيار معرفة الرجال: محمد بن عمر الكشي، (المتوفى النصف الأول من القرن 4ق)، 1 مجلد، مصحح: محمد حسن الطوسي، حسن المصطفوي،مؤسسه النشر لجامعة مشهد، الأولى 1409ق.
79 - رجال الكشی (مع تعليقات میرداماد الاسترآبادی): محمد بن عمر کشی، (المتوفی النصف الأول من القرن الرابع)، 2 مجلد، مصحح: رجائی، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1363ش.
80 - الرجال لابن داود: حسن بن علی بن داود حتى (حي 707ق)، مصحح: محمد صادق بحر العلوم، 1 مجلد، الجامعة طهران، الأولى 1342ق.
81 - الرسائل: عمرو بن بحر الشهير بالجاحظ، (المتوفی 255ق)، 4 مجلد، مکتبة الخانجي، القاهرة 1384 ق / 1964م.
82 - روضة الواعظين وبصيرة المتعظين: محمد بن أحمد، فتال النيشابوري، (المتوفی508 ق)، 2 مجلد، النشر الرضي، قم، الأولى 1375ش.
83 - رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين عليه السلام: سید علیخان بن احمد،الكبير المدني، (المتوفی 1120 ق)، 7 مجلد، مصحح: محسن الحسيني الأميني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الأولى 1409ق.
ص: 409
84- ریاض المسائل: السيد علي الطباطبائي، (المتوفی 1231ق)، 16 مجلد، الأولى،رمضان المبارك 1412ق، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.
85 - سفينة البحار: القمي، عباس، (المتوفی 1359 ق)، 8 مجلد، اسوة، قم، الأول 1414ق.
86- السقيفة وفدك: الجوهري، (المتوفی 323ق)، شركة الكتبي للطباعة والنشر،بیروت، لبنان، الثانية 1413ق 1993م.
87 - سنن ابن ماجة: محمد بن يزيد القزوینی، (المتوفی 273)، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقی، 2 مجلد، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
88 - سنن أبي داود: سليمان بن الأشعث السجستاني، (المتوفی 275ق)، 2 مجلد،تحقيق: سعيد محمد اللحام، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الأولى 1410ق - 1990م.
89- سنن الترمذی: الترمذي، (المتوفی 279)، تحقيق: عبدالرحمان محمد، 5 مجلد، دارالفكر للطباعة والتوزيع، بیروت، الثانية 1403ق 1983م.
90 - السنن الكبری: احمد بن الحسين البيهقی، (المتوفی 458ق)، 10 مجلد.
91 - السيرة النبوية: ابن هشام الحميري، (المتوفی 218ق)، 1 مجلد، تحقیق: محمد محي الدين عبد الحميد، مكتبة محمد علي صبيح وأولاده، القاهرة، 1383ق -1963م.
92 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب: ابن العماد الحنبلي، (المتوفی 1089 ق)، 8مجلد، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
ص: 410
93 - شرح احقاق الحق: السيد المرعشي، 33 مجلد، تعليق: السيد شهاب الدين المرعشي النجفی، تصحیح: السيد إبراهيم الميانجی، منشورات مكتبة اية الله العظمى المرعشی النجفي، قم.
94 - شرح الكافي - الأصول والروضة: المولى صالح المازندراني، (المتوفی 1081 ق)،12 مجلد، المكتبة الاسلامية، طهران، الأولی، 1382ق.
95 - شرح نهج البلاغة (ابن میثم): میثم بن علي بن میثم البحراني، (قرن 7)،5 مجلد، مکتبة نشر الكتاب، الثانية 1362 ش.
96 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: عبد الحميد بن هبة الله، ابن أبي الحديد،(المتوفی 656ق)، مصحح: محمد ابوالفضل، ابراهیم، مكتبة آية الله المرعشي النجفي،قم، الأولى 1404ق.
97 - الصحاح: الجوهري، (المتوفی 393ق)، 6 مجلد، تحقيق: احمد عبد الغفور العطار،دار العلم للملايين، بيروت، الرابعة 1407 ق - 1981م.
98 - صحيح البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري، (المتوفی 256ق)، 8 مجلد، دارالفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1401 ق - 1981م.
99 - صحیح مسلم: مسلم النيسابوري، (المتوفی 261ق)، 1 مجلد، دار الفکر، بیروت.
100 - الصحيفة السجادية: امام علی بن الحسين عليه السلام، (الشهادة 94 یا 95ق)، مكتبة نشرالهادي، قم، الأولى 1376ق.
101 - صلة تاريخ الطبري: عريب بن سعد القرطبي، (المتوفی 369 ق)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بیروت، لبنان.
102 - الصواعق المحرقة: أحمد بن حجر، (المتوفی 974ق)، مكتبة القاهرة، الثانية 1385ق/1965م.
ص: 411
103 - الطبقات الکبری: ابن سعد، (المتوفی 230)، 8 مجلد، دار صادر، بیروت.
104 - العقد الفريد: شهاب الدين احمد المعروف بابن عبد ربه الأندلسي، (المتوفى 238ق)، 8 مجلد، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1404ق.
105 - علل الشرایع: محمد بن علي بن بابویه، (المتوفی 381ق)، 2 مجلد مكتبة الداوري،قم الأولى 1385ش. 106 - عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب امام الأبرار: ابن البطريق، (المتوفی600ق)، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، جمادي الأولى 1407 ق.
107 - عوالی اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية: محمد بن زین الدین، ابن ابي جمهور، (المتوفی: زنده در سال 901ق)، 4 مجلد، مصحح: مجتبي العراقي، دار سید الشهداء للنشر، قم، الأولى 1405ق.
108 - العين: الخليل الفراهيدي، (المتوفی 175 ق)، 8 مجلد، مؤسسة دار الهجرة، الثانية 1410ق.
109 - عيون الأخبار: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفی 276ق)، 3 مجلد، منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية، بيروت، الثالثة 1414ق - 2003م.
110 - عيون أخبار الرضاعليه السلام : محمد بن علي بن بابویه، (المتوفی 381ق)، مصحح: مهدي اللاجوردي، 2 مجلد، جهان، طهران، الأولى 1378ق.
111 - الغارات (ط - القديمة ): ابراهیم ثقفی، (المتوفی 283ق)، 2 مجلد، دار الكتاب الاسلامي، قم، الأول 1410 ق.
ص: 412
112 - الغارات (ط - الحديثة ): ابراهیم ثقفی، (المتوفی 283 ق)، تحقيق: جلال الدين حسینی ارموی، طهران، انجمن آثار ملی، 1353ش.
113 - الغدير: الشيخ الأميني، (المتوفی 1392 ق)، 11 مجلد، دار الكتاب العربی، بیروت،الثالثة 1387ق 1967م.
114 - فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب: علي بن موسی، ابن طاووس، (المتوفی 664ق)، 1 مجلد، مصحح: حامد خفاف، مؤسسه آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1409ق.
115 - الفتن: نعیم بن حماد المروزي، (المتوفی 288ق)، دار الفكر، لبنان، بیروت، 1414ق /1993م.
116 - فرائد السمطين: الجويني، ابراهيم بن محمد، (المتوفی 730ق)، مؤسسة المحمودي.
117 - فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في النجف: ابن طاووس، عبدالکریم بن أحمد، (المتوفی 693ق)، 1 مجلد، منشورات الرضي، إيران،قم، الأولي.
118 - فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم: ابن طاووس، علي بن موسی، (المتوفی 664ق)، 1 مجلد، دار الذخائر، قم 1368ق.
119 - الفضائل: ابن شاذان القمي، ابو الفضل شاذان بن جبرئیل، (المتوفی حدود 600ق)،رضي، قم، الثاني 1363ش.
120 - فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام: احمد بن محمد، ابن عقدة الكوفي، (المتوفی 332ق)، 1مجلد، دلیلنا، ایران، قم، الأولى 1424 ق.
121 - القاموس المحيط : الفيروزآبادي، (المتوفی 817ق)، 4 مجلد.
ص: 413
122 - قرب الاسناد (طبعة الحديثة ): عبدالله بن جعفر الحميري، نیمه دوم قرن 3ق)،المصحح والناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1413ق.
123 - قصص الأنبياء (للراوندی): سعيد بن هبة الله، قطب الدين الراوندي، (المتوفي 573ق)، مصحح:غلامرضا العرفانیان اليزدي، مرکز پژوهش های اسلامی، مشهد،الأولى 1409.
124- الكافي: (ط. اسلامية) محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني، (المتوفی 329ق)،مصحح: علی اکبر الغفاري ومحمد الآخوندي، 8 جلد، دار الكتب الاسلامية، طهران، الرابعة 1407ق.
125 - الكامل: عبدالله بن عدي الجرجانی، (المتوفی 365 ق)، تحقيق: یحیی مختارغزاوى، 7 مجلد، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الثالثة، محرم 1409 ق 1988م.
126- الكامل في اللغة والأدب: محمد بن يزيد المبرد، (المتوفی 285ق)، محقق: محمد ابوالفضل ابراهيم، 4 مجلد، دار الفكر العربي، قاهرة، الثالثة 1417ق.
127 - كتاب سليم بن قيس: سليم بن قيس الهلالي، (المتوفی 76ق)، مصحح: انصاری زنجانی، محمد خوئینی، 2 مجلد، الهادی، قم، الاولى 1405ق.
128 - کشف الغمة في معرفة الأئمة (ط. القديمة)، يوسف: علی بن عیسی الاربلي، (المتوفی: 692ق)، مصحح: سید هاشم الرسولي المحلاتي، بني هاشمي، 2 مجلد،تبریز، الأولى 1381ق.
129 - کشف المحجة لثمرة المهجة: السيد بن طاووس، (المتوفی 664ق)، المطبعةالحيدرية، النجف الأشرف، 1370ق 1950م.
130 - الكشكول للبهائی: محمد بن حسين العاملي، (المتوفی 1031ش)، المترجم، کریم فیضي، نشر العلم، 1387ش.
ص: 414
131 - كمال الدین و تمام النعمة: محمد بن علي بن بابویه، (المتوفی 381ق)، مصحح:على اكبر الغفاري، 2 مجلد، الإسلامية، طهران، الثانية 1395ق.
132 - کنز العرفان في فقه القرآن: المقداد السيوري، (المتوفی826ق)، 2 مجلد، المكتبةالرضوية، طهران، 1343ش /1384ق.
133 - کنز العمال: المتقي الهندي، (المتوفی 975ق) 16 مجلد، مؤسسة الرسالة، بیروت،1409ق 1989م.
134 - کنز الفوائد: محمد بن على الكراجکی، (المتوفی 449 ق)، 2 مجلد، مصحح: عبدالله نعمه، دار الذخائر، قم، الأولى 1410 ق.
135 - اللباب في تهذيب الأنساب: ابن الأثير، (المتوفی 630ق)، دار صادر، بیروت.
136- لسان العرب : محمد بن المكرم، ابن منظور، (المتوفی 711ق)، 15 مجلد، مصحح:جمال الدين، الميردامادي، دار الفکر للطباعة والنشر والتوزيع، بیروت، الثالثة1414 ق.
137 - مجالس المؤمنين : الشهيد نور الله التستري، (المتوفی 1019 ق)، 2 مجلد، کتاب فروشی اسلامیه، تهران.
138 - مجمع الأمثال: الميداني، (المتوفی 518 ق)، 2 مجلد، المعاونية الثقافية للآستانة الرضوية المقدسة، آذر 1366 ش.
139 - مجمع البيان في تفسير القرآن: فضل بن حسن الطبرسی، (المتوفی 548ق)، 10مجلد، ناصر خسرو، طهران، الثالثة 1372.
140- المحاسن: احمد بن محمد بن خالد البرقي، (المتوفی 276ق یا 280ق)،2مجلد، مصحح: جلال الدين، المحدث، دار الكتب الاسلامية، قم، الثانية 1371ق.
ص: 415
141- مرآة العقول في شرح اخبار آل الرسول: محمد باقر بن محمد تقي المجلسي،(المتوفی 1110ق)، 26 مجلد، مصحح: السيد هاشم الرسولي المحلاتي، دار الكتب الاسلامية، طهران، الثانية 1404ق.
142 - مروج الذهب ومعادن الجوهر: المسعودي، (المتوفی 346ق)، منشورات دارالهجره، قم 1404ق - 1363 ش - 1984م.
143- المسائل العكبرية: المفيد، محمد بن محمد، (المتوفی 413ق)، المؤتمر العالمي الألفية الشيخ المفيد، قم، الأول 1413 ق.
144 - المستدرك: الحاكم النيسابوري، (المتوفی 405ق)، 4 مجلد.
145- مستطرفات السرائر: ابن إدريس الحلي، (المتوفی 598 ق)، مؤسسة النشرالاسلامي بقم المشرفة.
146 - المستطرف في كل فن مستظرف: الابشیھی، (المتوفی 850ق)، 2 مجلد، دارومكتبة الهلال، بيروت. 147 - مسكن الفؤاد عند فقد الأحبة والأولاد: زين الدين على شهيد الثاني (المتوفي 966ق)، 1 مجلد، قم، بصیرتی، بی تا، الأولى.
148- مسند أحمد: أحمد بن حنبل، (المتوفی 241ق)، 6 مجلد، دار صادر، بیروت.
149- مشكاة الأنوار في غرر الأخبار: علی بن حسن طبرسی، (المتوفی 600ق)، 1مجلد، المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف، الثانية 1385 ق - 1344ش.
150 - مصباح الشريعة: منسوب به امام صادق عليه السلام (م 168 ق)، الأعلمی، بیروت، الأولى 1400ق.
ص: 416
151- مصباح الشريعة (ترجمة المصطفوی): منسوب به امام صادق عليه السلام: (م 148 ق)، 1مجلد، انجمن اسلامی حکمت و فلسفه ایران، طهران، 1360ش.
152- المصباح المنير: أحمد بن محمد الفيومي، (المتوفی 770ق)، 2 مجلد، مؤسسة دارالهجرة، قم، الثانية 1414ق.
153- معارج اليقين في أصول الدين: الشيخ محمد السبزواري، (المتوفیق 7)، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم، الأولى 1410ق.
154- المعارف: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفی 276 ق)، تحقيق: دكتور ثروت عكاشه، دارالمعارف بمصر، مطابع دار المعارف بمصر، الثانية 1969م.
155- معاني الأخبار: محمد بن علي بن بابویه، (المتوفی 381ق)، مصحح: علی اکبرالغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، الأولى، قم 1403ق.
156- المعتبر: المحقق الحلي، (المتوفی 676ق)، 2 مجلد، مؤسسة سيد الشهداء عليه السلام، قم.
157- معجم الأدباء: ياقوت الحموي، (المتوفی 626ق)، 20 مجلد، دار الغرب الاسلامی،بیروت، الأولى 1414 ق 1993م.
158- معجم البلدان: الحموي، (المتوفی 626ق)، 1 مجلد، دار احیاء التراث العربی،بيروت - لبنان، 1399 ق - 1979م.
159- مقاتل الطالبيين: ابو الفرج الاصفهانی، (المتوفی 356ق)، تحقيق: سيد أحمد صقر،بیروت، دار المعرفة، بی تا.
160- المقنعة: المفید، محمد بن محمد، (المتوفی 413 ق)، 1 مجلد، قم، الأول 1413ق.
161 - مکاتیب الرسول صلی الله علیه واله وسلم: علي الأحمدي الميانجي، (المتوفی 1421 ق)، 3 مجلد،
دار الحدیث، قم، الأولى 1419ق.
ص: 417
162- مكارم الأخلاق: حسن بن فضل، الطبرسي، (المتوفی قرن 6)، الشريف الرضي، قم،الرابعة 1412 ق - 1370ش.
163- الملل والنحل: الشهرستاني، (المتوفی 548)، تحقيق: محمد سید کیلانی، 2 مجلد،دار المعرفة، بیروت، لبنان.
164 - المناقب: الموفق الخوارزمی، (المتوفی 568 ق)، تحقيق: الشيخ مالك محمودی،مؤسسة سيد الشهداء عليهم السلام، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، ربیع الثانی 1414ق.
165- مناقب آل أبي طالب عليه السلام: محمد بن علی بن شهر آشوب المازندراني، (المتوفی558ق)، 4 مجلد، العلامة، قم، الأولى 1379ش.
166- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك: ابن الجوزی، (المتوفی 597 ق)، 2 مجلد، دارالكتب العلمية، بيروت، لبنان، الأولى 1412 ق 1992م.
167- من لا يحضره الفقيه: محمد بن علي بن بابویه، (المتوفی 381ق)، مصحح: علي اکبرالغفاری، 4 مجلد، مؤسسة النشر الإسلامي، الثانية، قم 1413 ق.
168- منهاج البراعة: الميرزا حبیب الله الهاشمي الخوئی، (المتوفی 1324ق)،22مجلد، مصحح: علي العاشور، دار احیاء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، بیروت، الأولى 1429 ق - 2008م.
169- المؤمن: حسین بن سعيد الكوفي الأهوازي، (المتوفی قرن سوم، 1 مجلد، مؤسسة الامام المهدي عليه السلام، قم، 1404ق.
170 - النزاع والتخاصم: المقريزي، (المتوفی 845ق)، تحقيق: السيد علي عاشور.
ص: 418
171 - نسب قریش: مصعب الزبيري، (المتوفی 236ق)، 1 مجلد، دار المعارف، القاهرة،الثالثة.
172 - نظم درر السمطين: الشيخ محمد الزرندی، (المتوفی 750ق) الأولى 1377ق1958م.
173 - النكت والعيون تفسير الماوردي: الماوردي، علي بن محمد، (المتوفی 450ق)، 6 مجلد، دار الكتب العلمية، لبنان، بیروت، الأول.
174- نور البراهين: السيد نعمة الله الجزائري، (المتوفی 1112ق)، 2 مجلد، تحقیق: السيد مهدي الرجائي، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الأولى 1417ق.
175- النهاية في غريب الحديث والأثر: مبارك بن محمد، ابن الأثير الجزري، (المتوفي606ق)، 5 مجلد، مصحح: محمود محمد الطناحي، اسماعیلیان، قم، الرابعة 1367ش.
176 - نهج البلاغة (فيض الإسلام): حاج سید علینقی فیض الاسلام، انتشارات فيض الاسلام، چاپ مکرر، چاپخانه احمدی.
177 - وسائل الشيعة: محمد بن حسن، شیخ حر العاملي، (المتوفی 1104ق)، مصحح:مؤسسة آل البيت عليهم السلام، 30 مجلد، الأولى 1409 ق.
178 - وقعة صفين: نصر بن مزاحم المنقري، (المتوفی 212ق)، 1 مجلد: مصحح:عبدالسلام محمد، هارون، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، الأولى 1404ق.
179 - يتيمة الدهر: عبد الملك الثعالبي النيسابوري، (المتوفی 429ق)، دار الكتب العلمية،بیروت، لبنان، الأولى 1403ق - 1983م.
ص: 419
الخطبة (16): ومن كلام له عليه السلام في معنى الأنصار: قالوا: لما انتهت إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنباء السقيفة بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه واله وسلم قال عليه السلام: ماقالت الأنصار؟ قالوا: قالت: منا أمير ومنكم أمير قال عليه السلام
(27-5)
ومن كلام له عليه السلام في معنى الأنصار: قالوا: لما انتهت إلى أمير المؤمنین عليه السلام أنباء السقيفة بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه واله وسلم...5
قال عليه السلام: ما قالت الأنصار؟ قالوا: قالت: منا أمير ومنكم أمير...15
قال عليه السلام:فَهَلَّا احْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ بأثر رَسُولُ اللَّهِ صَلی اللَّهِ عَلیهِ وَ الهِ وَ سَلَّمَ وَصَّى بِأَنْ یُحَسِنَّ إِلَى مُحْسِنِهِمْ وَ تَجَاوَزْ عَنْ مَسیّئَهِم...16
قَالُوا وَمَا فِي هَذَا مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهُمْ ؟...19
فَقَالَ عَلَيْهَا السَّلَامُ : لَؤ کانَ الْإِمَامَةِ فِيهِمْ لَمْ تَكُنِ الْوَصِيَّةُ بِهِمْ...19
ثُمَّ قَالَ عَلِيُّهُ السُّلَّامَ: فَمَا ذَا قَالَتْ قُرَيْشٌ ؟ قَالُوا: اِحْتَجَّتْ بِأَنَّهَا شَجَرَةُ الرَّسُولِ صلی اللهَ علیه وَالِهٌ وَسُلَّمٌ...20
فَقَالَ عَلِيُّهُ السُّلَّامَ: اِحْتَجُّوا بِالشَّجَرَةِ وَأَضَاعُوا الثَّمَرَةَ...20
ص: 420
الخطبة (67): ومن كلام له عليه السلام لما قلد محمد بن أبي بكر مصر فملكت عليه فقتل
( 28–65 )
نسب محمد بن أبي بكر وحالاته ...28
هاشم بن عتبة وحالاته...48
ومن كلام له عليه السلام لما قلد محمد بن أبي بكر مصر فملكت عليه فقتل...53
وَقَدْ أَرَدْتُ تُؤَلِيَةّ مِصْرَ هَاشِمَ بْن عَتَبَةٍ...59
وَ لَوْ وَ لَیتِه إِيَّاهَا لِمَا خُلِّيَ لَهُمُ الْعَرْصَةَ...59
وَلَا أَنَهِزُّ هُمِ الْفُرْصَةُ...59
بِلَا ذَمٍّ لِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَلَقَدْ كَانَ إِلَىَّ حَبِيباً وَ كَانَ لِي رَبِیّبَا...59
الخطبة (68): ومن كلام له عليه السلام في توبيخ بعض أصحابه
(78-69)
کَم أَدَارَ یَکُم کَما تَداریُ الْبِكَارُ...67
الْعُمْدَةِ...67
وَ الثِّيَابِ المُتُداعِیَةً...68
کُلَما حیصَت...68
مِنْ جَانِبِ تَهتَکت...68
مِنْ آخَرَ...68
ص: 421
كُلَّمَا أَطَلَّ...69
عَلَيْكُمْ مَنْسَرُ...69
مِنْ مَنَاسِرِ أَهْلِ الشَّامِ أَغْلَقَ كُلُّ رَجُلٍ مِنکُمْ بَابَهُ...69
وَ اِنْجَحَرَ...69
اَلنَّجْحَارُ اَلضَّبَّةُ فِي جُحْرِهَا...69
وَ الضُّبُعُ فِي وِجَارِهَا...70
الذَّلِيلُ وَ اللَّهِ مَنْ نَصَرْتُمُوهُ وَ مَنْ رَمْيِ بکم فَقَدْ رَمْيِ بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ...71
إِنَّكُمْ وَ اللَّهِ لَكَثِيرُ فِي الْبَاحَاتِ قَلِيلُ تَحْتَ الرَّايَاتِ...72
وإنِّي لعالِمٌ بِما يُصْلِحُكُم وَيُقيمُ وَ اُوَدُكُمْ...74
وَلَكِنِّي لا أَرى إِصْلاحَكُم بِافسادِ نَفْسِي...76
أَضْرَعَ اَللَّهُ...77
خُدُودِكُمْ...77
وَ اِتَّعَسْ جُدُودَكُمْ...77
لا تَعْرِفُونَ الحَقَّ كَمَعَرِ فَتكُم الباطِلِ وَلا تُبْطِلُونَ الْبَاطِلَ كَإِبْطَالِكُمُ الحَقَّ...78
الخطبة (69): وقال عليه السلام في سحرة اليوم الذي ضرب فيه
(159-79)
قال الشريف: يعني بالأود الاعوجاج وباللدد الخصام وهذا من أفصح الكلام...79
ص: 422
مَلَكَتْنِي عَيْنِي...83
وَأنَا جالِسٌ فَسَنَحَ لِي...84
رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَالِه وسلمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا ذَا لَقِيتُ مِن أُمَّتِك مِنَ الأَوَدِ واللَّدِي...84
فَقَال ادْعُ عَلَيْهِمْ فَقُلْ أَبْدَلَنِي اللَّهُ بِهِم خَيْراً مِنهُم وأبدَلَهُم بي شَرّاً لَهُم مِنّي...85
تذمر الإمام عليه السلام من تفرق أصحابه...87
تذییلات:...88
الأول في كيفية شهاد ته عليه السلام...88
تسلی هم و تسکین فؤاد في أحوال قاتله وكيفية قتله...140
التذييل الثاني في موضع قبره الشريف والاشارة إلى من بناه...144
التذييل الثالث في ذكر نبذ من المعجزات منه ومن قبره الشريف بعد وفاته...147
الخطبة (70): ومن خطبة له عليه السلام في ذم أهل العراق وفيها يوبخهم على ترك القتال والنصر يكاد يتم ثم تكذيبهم له...160
(173-160)
أَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ اَلْعِرَاقِ...161
فَإِنَّمَا أَنْتُمْ...162
كَالْمَرْأَةِ اَلْحَامِلِ حَمَلَتْ فَلَمَّا أَتَمَّتْ...162
أَمْلَصَتْ...162
ص: 423
وماتِ قَيِّمِها وِطالُ تَأيُّمِها...162
وُوَرِثَهَا أَبْعَدُهَا...162
أَمَّا واللَّهِ ما أتَيْتُكُم اختِيارَ وَلَكِن جِئْتُ إِلَيكُمْ سَوْقاً...164
وقَدْ بَلَغَنِي أنَّكُمْ تَقُولُونَ عَلِيٌ يَكْذِبُ قَاتَلَكُمُ اَللَّهُ تعالي فِعْلِي مَنْ أَكْذِبُ اِعْلَي...164
اللَّهُ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ أَمْ عَلَى نبیه فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ ...164
كلاَّ واللَّهِ لَكِنَّهَا لَهْجَةٌ عِبْتُم عَنها وَلَمْ تَكُونُوا مِن أهلِها وَيْلَ اُمِّهِ كَيْلاً بِغَيرِ ثَمَنٍ...172
لَو كانَ لَهُ وِعاءٌ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ...172
الخطبة (71): ومن خطبة له عليه السلام علم فيها الناس الصلاة على النبي صلی الله علیه واله وسلم و فیهابیان صفات الله سبحانه وصفة النبي والدعاء له
(174 - 220)
ومن خطبة له عليه السلام علم فيها الناس...175
الصلاة على النبي صلی الله علیه واله وسلم...175
اَللَّهُمَّ دَاحِيَ اَلْمَدْحَؤَاتِ...176
وَ دَاعِمَ...178
اَلْمَسْمُوكَاتُ...178
وَجَابِلُ اَلْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَتِهَا...178
شَقِيُّهَا وَ سَعِيدُهَا...179
ص: 424
اِجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ وَ نَوَامِيَ بَرَكَاتُكَ عَلَيَّ مُحَمَّدٌ عَبْدُكَ...179
وَ رَسُولُكَ...182
الْخَاتَمُ لِمَا سَبَقَ...183
وَ الْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ...183
وَ الْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ...183
وَ الدَّافِعِ جَيْشَاتِ الْأَبَاطِيلِ...183
وَالدَّامِغُ...184
صُؤُلاَتُ اَلْأَضَالِيلِ...184
كَمَا حَمِّلَ فَاضْطَلَعَ قَائِماً بِأَمْرِكَ مُسْتَوْفِزاً فِي مَرْضَاتِكَ غَيْرَنَاكِلٍ عَنْ قُدُمٍ وَلاَ وَاهٍ فِي عَزْمٍ...184
وَاعِياً لِوَحْيِكَ حَافِظاً لِعَهْدِكَ...185
مَاضِياً عَلَى تَفَّاذِ أَمْرِكَ...185
وَ أَقَامَ بِمُوضِحَاتِ اَلْأَعْلاَمِ وَنِيرَاتِ اَلْأَحْكَامِ...185
فَهُوَ أَمِينُكَ اَلْمَأْمُونُ...186
وَ خَازِنُ عِلْمِكَ اَلْمَخْزُونِ...186
وَ شَهِيدُكَ يَوْمَ اَلدِّينِ...188
وَ بَعِيثُكَ بِالْحَقِّ...195
وَ رَسُولُكَ إِلَى الْخَلْقِ...196
ص: 425
اللَّهُمَّ افْسَحْ لَهُ مَفْسَحاً فِي ظِلُّكَ...196
وَ اجْزِهِ مُضَاعَفَاتِ الْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ...197
اللَّهُمَّ وَ أَعْلِ عَلَى بِنَاءِ الْبَانِينَ بِنَاءَهُ ...197
وَأكرِم لَدَيكَ مَنزِلَتَهُ...198
وَ أَتْمِمْ لَهُ نُورَهُ...198
والْجَزَّهُ مِنِ ابْتِعَاثِك لَهُ مَقْبُولَ الشَّهادَةِ مَرضِيَّ المَقالَةِ ذا مَنطِقٍ عَدلٍ وَ خَطَّةٍ فَصَل...199
اللَّهُمَّ اجْمَعْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُ فِي بَرْدِ الْعَيْشِ وَ قَرَارِ النِّعْمَةِ...200
وَ مِنِي الشَّهَواتِ وَأَهْوَاءِ اللَّذَّاتِ...200
وَرَخَاءُ اَلدَّعَةِ...201
وَمُنتَهى الطُّمَأنينَةِ...201
وَ تُحَفُّ اَلْكَرَامَةُ...202
تَنْبِيهَاتٌ...204
الخطبة (72): و من كلام له عليه السلام قاله لمروان بن الحكم بالبصرة
(247-221)
قَالُوا أُخِذَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ...221
أَسِيراً يَوْمَ الْجَمَلِ فَاسْتَشْفَعَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ إِلَى أَمِيرِ المؤمنین عليه السلام فَكَلَّمَاهُ فِيهِ فخلی سَبِيلَهُ...230
فَقَالَا لَهُ يُبَايِعُكَ يَا أَمِيرَ المؤمنین قَالَ عَلَيْهَا السَّلَامُ : أَوْلَمَ يبا يَعْنِي بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانُ...233
ص: 426
لاَ حَاجَةَ لِي فِي بَيْعتِه إِنَّهَا كَفٌ يَهُودِيُّهُ لَوْ بَايَعَنِي بِكَفِّهِ لَغَدَرَ بِسُبَّتِهِ...234
أَمَا إِنَّ لَهُ إِمْرَةً...236
كَلَعْقَةِ اَلْكَلْبِ أَنْفُهُ...237
وَ هُوَ أَبُو الْأَكْبُشِ الْأَرْبَعَةِ...238
وَ سَتَلْقَى الأمه مِنْهُ وَ مِنْ وُلْدِهِ يَوْماً احْمَرَّ...240
الخطبة (73): ومن خطبة له عليه السلام لما عزموا على بيعة عثمان
(259-248)
ومن كلام عليه السلام لما عزموا على بيعة عثمان...248
لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقَّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي...249
وَ وَ اللَّهِ لَأُسَلِّمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ المسلمین وَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرُ إِلَّا عَلَىَّ خَاصَّةً...251
الخطبة (76): ومن كلام له عليه السلام لما بلغه اتهام بني أمية له بالمشاركة في دم عثمان
(257 – 274)
و من كلام له عليه السلام لما بلغه اتهام بني أمية له بالمشاركة في دم عثمان...257
أَ وَ لَمْ يَنْهَ بَنِي أُمَيَّةَ عِلْمُهَا بِي عَنْ قُرْفِي...258
أَ وَمَا وَزَعَ اَلْجُهَّالَ سَابِقَتِي عَنْ تُهَمَتِي...258
وَ لَمَا وَعَظَهُمُ اللَّهُ بِهِ أَبْلَغُ مِنْ لِسانِي...267
ص: 427
أَنَا حَجِيجُ الْمَارِقِينَ وَ خَصِيمُ الناکثین الْمُرْتَابِينَ...268
وَ عَلَيَّ كِتَابُ اَللَّهِ تُغْرَضُ الْأَمْثالَ...271
وَ بِمَا فِي الصُّدُورِ تجازی الْعِبَادِ...273
الخطبة (75): ومن خطبة له عليه السلام في الحث على العمل الصالح
(275 - 302)
ومن خطبة له عليه السلام...275
رَحِمَ اَللَّهُ اِمْرَأً سَمِعَ حُكْماً فَوُعِيَ...277
وَ دَعَى إِلَى رَشَادٍ فَدَنَا...277
وَ أَخَذَ بِحُجْزَةِ هَادٍ فَنَجَا...277
رَاقَبَ رَبَّهُ...279
وَخافَ ذَنبَهُ...281
قَدَّمَ خَالِصاً...283
وَعَمَلَ صالِحاً...286
اِكْتَسَبَ مَذْخُوراً...287
اِجْتَنِبْ مَحْذُوراً...287
رُمِيَ غَرَضاً وَ اُحْرُزْ عِوَضاً...288
كَابَرَ هَوَاهُ...289
ص: 428
وَ كَذَّبَ مُنَاهُ...291
جَعَلَ اَلصَّبْرَ مَطِيَّةَ نَجَاتِهِ...293
وَالتَّقوى عُدَّةُ وَفاتِهِ...299
رَكِبَ اَلطَّرِيقَةَ اَلْغَرَّاءُ...300
وَ لَزِمَ اَلْمَحَجَّةَ اَلْبَيْضَاءَ...300
اِغْتَنَمَ اَلْمَهَلَ...301
وَبَادِرُ اَلْأَجَلِ...302
وَ تَزَوَّدْ مِنَ اَلْعَمَلِ...302
الخطبة (76): ومن كلام له عليه السلام وذلك حين منعه سعید بن العاص حقه
(303 - 314)
انَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَيُفُوقُونَنِي...305
تُرَاثَ مُحَمَّدٍ صلی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ تَفْوِيقاً...305
لَأَنْفُضُهُمْ نَفْضَ اَللَّحَّامِ اَلْوِذَامَ اَلتَّرِبَةَ...306
وقوله عليه السلام: (ليفوقونني) أي: يعطونني من المال قليلا قليلا كفواق الناقة، وهو الحلبة الواحدة من لبنها...306
تذنيبان...307
الأول: في بيان نسب بني أمية...307
ص: 429
أحاديث أهل السنة وبنو أمية...308
وأما معاوية...309
الثاني: في ذكر بعض ما ورد من الآيات والأخبار في لعن بني أمية وكفرهم وإلحادهم...310
الخطبة (77): من كلمات كان عليه السلام يدعو بها
(315 -321)
من كلمات كان عليه السلام يدعو بها :اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي فَإِنْ عُدْتُ فَعُدْ...315
عَلَيَّ بِالْمَغْفِرَةِ...315
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا وأیت مِنْ نَفْسِي وَ لَمْ تَجِدْ لَهُ وَفَاءً عِنْدِي...317
اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي مَا تَقَرَّبْتُ بِهِ إِلَيْكَ بِلِسَانِي ثُمَّ خَالَفَهُ قَلْبِي...318
اللَّهُمُّ اِغْفِرْ لِي رَمْزَاتُ الْأَلْحَاظِ...318
وَسَقْطَاتُ الْأَلْفَاظِ...318
وَشَهْوَاتُ الْجِنَّانِ...319
وَ هَفْوَاتُ اللِّسَانِ...319
ص: 430
الخطبة (78): ومن كلام له عليه السلام قاله لبعض أصحابه لما عزم على المسير إلى الخوارج، وقد قال له إن سرت يا أمير المؤمنين، في هذا الوقت،خشيت ألا تظفر بمرادك، من طريق علم النجوم فقال عليه السلام
(322 - 400)
ومن كلام له عليه السلام قاله لبعض أصحابه...331
لما عزم على المسير إلى الخوارج...331
و قد قال له إن سرت يا أمير المؤمنين، في هذا الوقت، خشيت ألا تظفر بمرادك، من طریق علم النجوم...332
فقال عليه السلام:أَتَزْعَّمُ اِنَّكَ تَهْدِي إِلَى السَّاعَةِ الَّتِي مِنْ سَارِّ فِيهَا صِرْفُ عَنْهُ السُّوءَ...33
وَ تَخَوُّفٌ مِنَ السَّاعَةِ الَّتِي مِنْ سَارٍّ فِيهَا حَاقَّ بِهِ الضَّرُّ...334
فَمَنْ صَدَّقَكَ بِهَذَا فَقَدْ كَذَّبَ الْقُرْآنُ...335
واسْتُغنِيَ عَنِ الإسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ في نَيْلِ المَحبوبِ وَدَفْعِ المَكرُوهِ...337
وتَبْتَغِي فِي قَوْلِكَ لِلْعَامِلِ بِأَمْرِكَ أَنْ يُوليك الْحَمْدَ دُونَ رَبِّهِ لانَّكَ بِزَعْمِكَ أَنْتَ هَدَيْتَهُ إِلَى السَّاعَةِ الَّتي نالَ فيها النَّفعَ وأَمِنِ الضُّرَّ...339
*ثم أقبل عليه السلام الناس فقال: أَيُّهَا اَلنَّاسُ اَيَّاكُمْ وَ تَعَلَّمِ النُّجُومِ...342
إِلَّا مَا يُهْتَدَى بِهِ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٌ...344
فَإِنَّهَا تَدْعُو إِلَى اَلْكِهَانَةِ...345
وَ اَلْمُنَجِّمُ...347
ص: 431
كَالْكَاهِنِ...347
وَ اَلْكَاهِنُ كَالسَّاحِرِ...348
وَ اَلسَّاحِرُ كَالْكَافِرِ...350
وَالكافِرُ في النَّارِ...352
سِيرُوا عَلَى اِسْمِ اَللَّهِ...381
المصادر...401
المحتويات...420
ص: 432
سرشناسه:موسوی آل طیب، سیدمحمدکاظم، 1331-
عنوان قراردادی:نهج البلاغه. شرح
Nhjol-Balaghah. Commantries
عنوان و نام پديدآور:مصباح السعاده فی شرح النهج البلاغه[علی بن ابی طالب(ع)]/ مولف سيدمحمدكاظم الموسوی آل طيب.
مشخصات نشر:قم: . دارالتفسیر، 1440ق.= 1397.
مشخصات ظاهری:8ج
شابک:ج.6 978-964-535-716-8 :
وضعیت فهرست نویسی:فیپا
يادداشت:عربی.
يادداشت:ج.6 (چاپ اول: 1442 ق = 1399) (فیپا).
موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- خطبه ها
موضوع:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- *Public speaking
موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- کلمات قصار
موضوع:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- Quotations
موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق . نهج البلاغه -- نقد و تفسیر
موضوع:Ali ibn Abi-talib, Imam I. Nahjol - Balaghah -- Criticism and interpretation
شناسه افزوده:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق . نهج البلاغه. شرح
شناسه افزوده:Ali ibn Abi-talib, Imam I Commantries.. Nahjol - Balaghah
رده بندی کنگره:BP38/02/م83 1397
رده بندی دیویی:297/9515
شماره کتابشناسی ملی:5402095
اطلاعات رکورد کتابشناسی:فیپا
ص: 1
ص: 2
مصباح السعادة في شرح نهج البلاغة
الجزء الثامن
السيّد محمّد كاظم الموسوي آل طيّب
ص: 3
شناسنامه
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحیم
مَعَاشِرَ النَّاسِ إِنَّ النِّسَاءَ نَوَاقِصُ الإِيمَانِ نَوَاقِصُ الْحُظُوظِ نَوَاقِصُ الْعُقُولِ فَأَمَّا نُقْصَانُ إِيمَانِهِنَّ فَقُعُودُهُنَّ عَنِ الصَّلاةِ وَ الصِّيَامِ فِي أَيَّامِ حَيْضِهِنَّ وَ أَمَّا نُقْصَانُ عُقُولِهِنَّ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ كَشَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ وَ أَمَّا نُقْصَانُ حُظُوظِهِنَّ فَمَوَارِيثُهُنَّ عَلَى الْأَنْصَافِ مِنْ مَوَارِيثِ الرِّجَالِ فَاتَّقُوا شِرَارَ النِّسَاءِ وَ كُونُوا مِنْ خِيَارِهِنَّ عَلَى حَذَرٍ وَ لا تُطِيعُوهُنَّ فِي الْمَعْرُوفِ حَتَّى لا يَطْمَعْنَ فِي الْمُنْكَرِ
قال تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساء»(1).
في تفسير علي بن إبراهيم أنها خلقت من أسفل أضلاعه(2).
وروى ابو بصير عن الباقر عليه السلام حديثا فى خلق آدم وحوا وفيه: فَلِمَ سُمِّيَتْ حَوَّاءُ حَوَّاءَ قَالَ: لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعِ حَيٍّ يَعْنِي ضِلْعَ آدَمَ(3).
وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: سُمِّيَتْ حَوَّاءُ حَوَّاءَ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ حَيٍّ
ص: 5
قَالَ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها(1).
وفى خبر ابن سلام انه سئل النبى عن آدم لم سمى آدم؟ قال صلى الله عليه و آله: لأنّه خلق من طين الارض واديمها - والحديث طويل إلى أن قال - فاخبرنى عن آدم خلق من حواء او خلقت حوا من آدم - إلى أن قال - فمن اين خلقت؟ قال ص: من الطينة التى فضلت عن ضلعه الايسر(2).
ثم إنّ كلامه عليه السلام وإن كان في مطلق النّساء إلاّ أن الباعث له عليه عمل عائشة، وقال ابن أبي الحديد: هذا الفصل كلّه رمز إلى عائشة(3).
فهو نظير قوله تعالى: «ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللّه ِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ»(4) فهو في عمومه مثل لمطلق الكفّار لكنّه خصوصا رمز إلى عائشة وصاحبتها بنت صاحب أبيها كما اعترف به الزمخشري(5) ورواه صحيح مسلم(6).
ص: 6
ونواقص القيمة في دمائهن فدية الرجل ألف دينار ودية المرأة خمسمائة دينار.
وقال عليه السلام: «و لا تهيجوا النساء بأذى وإن شتمن أعراضكم وسببن امراءكم، فإنّهن ضعيفات القوى والأنفس والعقول، وإن كنّا لنؤمر بالكفّ عنهنّ وإن كنّ لمشركات، وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالقهر أو الهراوة فيعيّر بها هو وعقبه من بعده»(1).
وكذلك أيّام نفاسهن.
كما لا يجوز لهن فيها دخول المساجد ولا قراءة العزائم ولهما دخل في كمال الإيمان، كما لا يجوز الاستمتاع منهن من حيث أمر اللّه فيها ولا يقع الطلاق بهن فيها.
وهنّ وإن يقضين شهر رمضان إلاّ أنّهن يحرمن فضل الشهر، وأمّا الصلاة فلا قضاء أيضا لها، وقد سمّى اللّه تعالى الصلاة إيمانا في قوله جل وعلا: «وَما كانَ اللّه ُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ»(2) قال المسلمون بعد تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة فهل كانت صلواتنا الأولية بلا ثمرة.
وفي كلامه عليه السلام دلالة على كون الأعمال اجزاء الايمان.
ص: 7
ويشهد به ما عن أبي الصّباح الكناني عن أبي جعفر عليه السلام قال: قيل لأمير المؤمنين عليه السلام: من شهد أن لا إله إلا اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان مؤمنا؟ قال: فأين فرايض اللّه؟ قال: وسمعته يقول: لو كان الايمان كلاما لم ينزل فيه صوم ولا صلاة ولا حلال ولا حرام(1).
وقال الباقر عليه السلام: إنّ الحيض للنساء نجاسة رماهن اللّه تعالى بها وقد كنّ في زمن نوح عليه السلام إنّما تحيض المرأة في السنة حيضة حتى خرج نسوة من مجانّهنّ وكنّ سبعمائة فانطلقن فلبسن المعصفرات وتحلّين وتعطّرن ثم خرجن فتفرّقن في البلاد، فجلسن مع الرجال وشهدن الأعياد معهم وجلسن في صفوفهم. فرماهنّ اللّه تعالى عند ذلك بالحيض وكسر شهوتهن، وكان غيرهن من النساء اللواتي لم يفعلن مثل ما فعلن يحضن في كلّ سنة حيضة، فامتزج القوم فحضن بنات هؤلاء وهؤلاء في كل شهر حيضة، فكثر أولاد اللاتي يحضن في كلّ شهر حيضة لاستقامة الحيض، وقلّ أولاد اللاّتي يحضن في السنة حيضة لفساد الدم، فكثر نسل هؤلاء وقل نسل اولئك(2).
هذا، وروى أنّ الصادق عليه السلام سئل عن قوله تعالى: «لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ»(3) فقال: اللاّئي لا يحضن ولا يحدثن(4).
وسئل الصادق عليه السلام عن المشوّهين في خلقهم فقال: هم الذين يأتي آباؤهم
ص: 8
نساءهم في الطمث(1).
وروي: إنّ المرأة إذا اشتبه عليها دم الحيض ودم القرحة فربّما كانت قرحة في الفرج فعليها أن تستلقي على قفاها، فَإِنْ خَرَجَ الدَّمُ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ فَهُوَ مِنَ الْحَيْضِ وَإِنْ خَرَجَ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ فَهُوَ مِنَ الْقَرْحَة(2).
وروي: أنّ المرأة إذا افتضّها زوجها ولم يرق دمها ولا تدري دم الحيض هو أم دم العذرة، فعليها أن تدخل قطنة فإن خرجت القطنة مطوقة بالدم فهو من العذرة وان خرجت منغمسة فهو من الحيض(3).
قال تعالى: «فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ»(4).
روى عن تفسير العسكري عليه السلام عن آبائه عن أميرالمؤمنين عليهم السلام في تفسير هذه الآية قال: عدلت امرئتان في الشهادة برجل واحد فاذا كان رجلان أو رجل
ص: 9
وامرئتان أقاموا الشّهادة قضى بشهادتهم.
قال عليه السلام وجاءت امرئة إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقالت: ما بال الامرئتين برجل في
الشهادة وفي الميراث؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إنّ ذلك قضاء من ملك عدل حكيم لا يجور ولا يحيف أيّتها المرأة لأنكنّ ناقصات الدّين والعقل إنّ احداكنّ تقعد نصف دهرها لا تصلّي بحيضة، وأنكنّ تكثرن اللعن وتكفرن العشير تمكث إحدا كنّ عند الرّجل عشر سنين فصاعدا يحسن إليها وينعم عليها فاذا ضاقت يده يوما أو ساعة خاصمته وقالت: ما رأيت منك خيرا قطّ(1).
وعن محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القميّ قال مرّ رسول اللّه صلى الله عليه و آلهعلى نسوة فوقف عليهنّ ثمّ قال صلى الله عليه و آله: يا معاشر النساء ما رأيت نواقص عقول ودين أذهب بعقول ذوى الألباب منكنّ إنى رأيت أنكنّ أكثر أهل النّار (عذابا) يوم القيامة فتقرّبن إلى اللّه ما استطعتنّ، فقالت امرأة منهنّ: يا رسول اللّه ما نقصان ديننا وعقولنا؟
فقال: أما نقصان دينكنّ فالحيض الذي يصيبكنّ فتمكث إحداكنّ ما شاء اللّه لا تصلّي ولا تصوم، وأمّا نقصان عقولكنّ فشهادتكنّ إنّما شهادة المرأة نصف شهادة الرّجل(2).
وروى: أنّ رسول صلى الله عليه و آله كان يخطب يوم عيد فالتفت إلى صفوف النساء فقال: معاشر النساء تصدّقن فإنّى رأيتكنّ أكثر أهل النار عددا. فقالت واحدة منهنّ: ولم يا رسول اللّه فقال صلى الله عليه و آله: لأنكنّ تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، وتمكث إحد يكنّ
ص: 10
شطر عمرها لا تصوم ولا تصلّى(1).
وقال وهب بن منبه: قد عاقب اللّه النساء بعشر خصال: بشدة النفاس والحيض وجعل ميراث إثنتين ميراث رجل وشهادتهما بشهادة رجل واحد، وجعلها ناقصة الدين والعقل لا تصلي أيام حيضها ولا يسلم عليها وليس عليها جمعة ولا جماعة ولا يكون منهن نبيّ، ولا يسافرن إلا بوليّ(2).
وفى كون شهادة اثنتين منهن كشهادة واحد منهم في الأموال، وفي غيرها تفصيل، قال المفيد: لا تقبل شهادة النساء في الطلاق والنكاح والحدود وفي الهلال، وتقبل شهادة امرأتين مسلمتين مستورتين فيما لا يراه الرجال كالعذرة وعيوب النساء والحيض والنفاس والولادة والاستهلال والرضاع، وإذا لم يوجد على ذلك إلاّ شهادة امرأة واحدة مأمونة قبلت، وتقبل شهادة امرأة واحدة في ربع الوصية لا في جميعها(3).
وعن الصادق عليه السلام: يجوز في حد الزنا ثلاثة رجال وامرأتان، ولا يجوز إذا كان رجلان وأربع نسوة(4)، ولا يجوز شهادتهن في الرّجم(5).
وَأَمَّا نُقْصَانُ حُظُوظِهِنَّ فَمَوَارِيثُهُنَّ عَلَى الْأَنْصَافِ مِنْ مَوَارِيثِ الرِّجَالِ
قال تعالى: «يُوصِيكُمُ اللّه ُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْن»(6).
ص: 11
أنّ ابن أبي العوجاء قال للصادق عليه السلام: ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهما واحدا ويأخذ الرجل سهمين فقال عليه السلام: إنّ المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا عليها معقلة إنّما ذلك على الرجال وَلِذَلِكَ جَعَلَ لِلْمَرْأَةِ سَهْماً وَاحِداً وَلِلرَّجُلِ سَهْمَيْنِ(1).
وروى: ان الفهفكي سأل العسكري عليه السلام عن ذلك، فأجابه بما أجاب الصادق عليه السلام
ابن أبي العوجاء، وكان إسحاق النخعي حاضرا فتخيّل في نفسه ان هذه مسألة ابن أبي العوجاء، فقال عليه السلام لاسحق: نعم هذه مسألة ابن أبي العوجاء والجواب واحد وأوّلنا وآخرنا في العلم سواء(2).
وعن الصّدوق باسناده عن محمّد بن سنان أنّ الرّضا عليه السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله: علّة إعطاء النساء نصف ما يعطى الرّجال من الميراث لأنّ المرأة إذا تزوجّت اخذت والرّجل يعطى فلذلك وفرّ على الرّجال، وعلّة اخرى في اعطاء الذكر مثلى ما تعطى الانثي لأنّ الانثى في عيال الذكر إن احتاجت وعليه أن يعولها وعليه نفقتها، وليس على المرأة أن تعول الرّجل ولا تؤخذ بنفقته إن احتاج فوّفر على الرّجال لذلك وذلك قول اللّه عزّ وجل: «الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّه ُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ»(3).(4)
وعنه أيضا باسناده عن عبداللّه بن سنان قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: لأيّ علّة
ص: 12
صار الميراث للذكر مثل حظّ الانثيين؟ قال: لما جعله اللّه لها من الصّداق(1).
وباسناده عن عليّ بن سالم عن أبيه قال سألت أبا عبداللّه عليه السلام فقلت له: كيف صار الميراث للذكر مثل حظّ الانثيين؟ فقال، لأنّ الحبات التي أكل آدم وحوّاء في الجنّة كانت ثمانية عشر حبّة أكل آدم منها اثنتى عشرة حبّة وأكلت حوّاء ستّا فلذلك صار الميراث للذكر مثل حظّ الانثيين(2).
هذا، واما كون ارث الاخت من الام مثل ارث الاخ منها وكون ارث الخالة مثل ارث الخال، فلأن الأصل فيهما المرأة الام والاخت.
وأما استواء الام مع الأب في اجتماعهما مع الولد بدون اخوة، فلأن المناط فيهما الابوّة والامومة لا الذّكورة والانوثة وهما في الحق سواء.
هذا، وورد أن لبن الجارية أيضا دون لبن الغلام وزنا، فنقل ابن طاوس في تشريفه عن مجموع المرزبان قال شريح القاضي: كنت أقضي لعمر بن الخطّاب، فأتاني يوما رجل، فقال: يا أبا اميّة إنّ رجلا أودعني امرأتين إحداهما حرّة مهيرة والاخرى سريّة، فجعلتهما في دار وأصبحت اليوم وقد ولدتا غلاما وجارية، وكلتاهما تدّعي الغلام وتنتفي من الجارية، فاقض بينهما بقضائك فلم يدر شريح كيف يحكم بينهما، فجمع عمر الصحابة وسألهم فلم يدروا، فأتوه عليه السلاموهو في حائط له وقصّوا عليه ذلك، فأخذ عليه السلام من الأرض شيئا وقال: الحكم فيه أهون من هذا، فأحضر المرأتين وأحضر قدحا ودفعه إلى احداهما وقال لها احلبي فيه، فحلبت ثم وزن القدح ودفعه إلى الاخرى وقال لها احلبي فيه فحلبت ثم وزنه،فكان أحد اللبنين أخف، فقال لصاحبة الخفيف خذي ابنتك ولصاحبة الثقيل خذي
ص: 13
ابنك، وقال عليه السلام لعمر: إنّ اللّه تعالى حطّ المرأة عن الرجل فجعل عقلها وميراثها دون عقله وميراثه، وكذلك لبنها دون لبنه. فقال له عمر: لقد أرادك الحق يا أبا الحسن ولكن قومك أبوا. فقال عليه السلام له: خفّض عليك أبا حفص «إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً»(1).(2)
وكذلك قيمتها نصف قيمته، فدية المرأة نصف دية الرجل.
كان ابن عباس يقول: مثل المرأة السوء: كان قبلكم رجل صالح له امرأة سوء، فعرض له رجل فقال: إنّي رسول من اللّه إليك أنّه قد جعل لك ثلاث دعوات، فسل ما شئت من دنيا وآخرة، ثم نهض فرجع الرجل إلى منزله فقالت له امرأته: مالي أراك مفكّرا محزونا، فأخبرها فقالت: أ لست امرأتك وفي صحبتك وبناتك مني؟ فاجعل لي دعوة، فأبى فأقبل عليه ولده وقلن امّنا، فلم يزلن به حتى قال لك دعوة، فقالت اللّهم اجعلني أحسن الناس وجها فصارت كذلك، فجعلت توطى ء فراشها وهو يعظها فلا تتعظ، فغضب يوما فقال: اللّهم اجعلها خنزيرة، فتحوّلت كذلك، فلمّا رأين بناته ما نزل بأمهن بكين وضربن على وجوههن ونتفن شعورهن، فرقّ لهن فقال: اللّهم اعدها كما كانت أو لا، فذهبت دعواته الثلاث فيها(3).
وكان اسم تلك المرأة بسوس(4).وقال الواقدي: دخلت يوما على المهدي، فدعا بمحبرته ودفتره فكتب
ص: 14
عنّي أشياء حدّثته بها، ثم نهض وقال: كن مكانك حتى أعود إليك. ودخل إلى دار الحرم ثم خرج متنكّرا ممتلئا غيظا. قلت: خرجت على خلاف حال دخولك. فقال: دخلت على الخيزران، فوثبت عليّ ومدّت يدها إليّ وخرقت ثوبي وقالت: يا قشّاش أيّ خير رأيت منك وإنّما اشتريتها من نخّاس ورأت مني ما رأت وعقدت لابنيها ولاية العهد. فقلت: قال النبي صلّى اللّه عليه وآله «إنّهنّ يغلبن الكرام ويغلبهنّ اللئام» وقال: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى» وقد خلقت المرأة من ضلع أعوج إن قوّمته كسرته. وحدثته في هذا الباب بكل ما حضرني، فسكن غضبه وأسفر وجهه وأمر لي بألفي دينار وانصرفت، فلمّا دخلت منزلي وافاني رسول الخيزران وقال: تقرأ عليك ستي السّلام وتقول لك يا عم قد سمعت جميع ما كلّمت به الخليفة فأحسن اللّه جزاك، وهذه ألفا دينار إلاّ عشرة دنانير لم أحب أن اساوي صلة الخليفة، ووجهت إليّ بأثواب(1).
قال عمر بن أبي ربيعة:
لا تأمنن الدهر انثى بعدها
بعد الّذي أعطتك من أيمانها
ما لا يطيق من العهود ثبير
فإذا وذلك كان ظلّ سحابة
نفحت به في المعصرات دبور(2)
ص: 15
وقال الطائي:
فلا تحسبن هندا لها الغدر وحدها
سجية نفس كلّ غانية هند(1)
وقال الأعشى:
أَرَى سَفَهًا بِالْمَرْءِ تَعْلِيقُ قَلْبِهِ
بِغَانِيَةٍ خَوْدٍ مَتَى يَدْنُ تَبْعُدِ(2)
وفي الخبر عن الصادق عليه السلام قال لامرأة سعد: هنيئا لك يا خنساء، فلو لم يعطك اللّه شيئا إلاّ ابنتك ام الحسين لقد أعطاك اللّه خيرا كثيرا، إنّما مثل المرأة الصالحة في النساء كمثل الغراب الأعصم - وهو الأبيض في إحدى الرجلين - في الغربان(3).
وعن جابر بن عبداللّه الانصارى قال: كنّا جلوسا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال فتذاكرنا النساء وفضل بعضهنّ على بعض فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ألا أخبركم بخير نسائكم؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه فأخبرنا، قال: إنّ من خير نسائكم الولود الودود السّتيرة العفيفة العزيزة في أهلها الذليلة مع بعلها المتبرّجة
مع زوجها الحصان مع غيره التي تسمع قوله وتطيع أمره وإذا خلا بها بذلت له ما أراد منها ولم تبذل له تبذّل الرّجل(4).
قال وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ألا اخبركم بشرّ نسائكم؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه فأخبرنا؛قال: من شرّ نسائكم الذليلة في أهلها العزيزة مع بعلها العقيم الحقود التي لا تتوّرع عن قبيح المتبرّجة إذا غاب عنها زوجها الحصان معه إذا حضر التي لا تسمع قوله ولا تطيع أمره فاذا خلابها تمنّعت تمنّع الصّعبة عند ركوبها
ص: 16
ولا تقبل له عذرا و لا تغفر له ذنبا(1).
قال العلاّمة المجلسي: وترك طاعتهنّ في المعروف إما بالعدول إلى فرد آخر منه أو فعله على وجه يظهر أنّه ليس لطاعتهنّ بل لكونه معروفا أو ترك بعض المستحبات ويكون الترك حينئذ مستحبّا كما ورد تركها في بعض الأحوال كمال الحلال(2)، هذا.
وقد ورد الحثّ على ترك طاعتهنّ في غير واحد من الأخبار.
عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: مَنْ أَطَاعَ امْرَأَتَهُ أَكَبَّهُ اللّه ُ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ قِيلَ وَمَا تِلْكَ الطَّاعَةُ قَالَ تَطْلُبُ مِنْهُ الذَّهَابَ إِلَى الْحَمَّامَاتِ وَالْعُرُسَاتِ وَالْعِيدَاتِ وَالنِّيَاحَاتِ وَالثِّيَابَ الرِّقَاقَ(3).
وعن أبي جعفر عليه السلام: لا تشاوروهن في النجوى ولا تطيعوهن في ذي قرابة، ان المرأة إذا كبرت ذهب خير شطريها وبقي شرّها ذهب جمالها واحتد لسانها وعقم رحمها، وان الرجل إذا كبر ذهب شرّ شطريه وبقي خيرهما ثبت عقله واستحكم رأيه وقل جهله(4).
وقال أميرالمؤمنين عليه السلام: كل امرى ء تدبّره امرأة فهو ملعون(5).
ص: 17
وقال عليه السلام: في خلافهن البركة(1).
وكان النبي صلّى اللّه عليه وآله إذا أراد الحرب دعا نساءه فاستشارهن ثم خالفهن(2).
وفي بعض الرّوايات العاميّة قال أميرالمؤمنين عليه السلام لا تطيعوا النساء على حال ولا تأمنوهنّ على مال، ولا تذروهنّ لتدبير العيال، فانّهنّ إن تركن وما يرون أوردن المهالك، وأذلن الممالك، لا دين لهنّ عند لذّتهنّ، ولا ورع لهنّ عند شهوتهنّ، ينسين الخير ويحفظن الشّر، يتهافتن بالبهتان ويتمارين للطغيان يتصدّين للشّيطان(3).
ومن طريق العامة أيضا قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله شاوروهنّ خالفوهنّ(4).
وقال ابن أبي الحديد: لمّا نزل علي البصرة كتبت عائشة إلى زيد بن صوحان العبدي: أما بعد، فأقم في بيتك وخذّل الناس عن علي. فكتب إليها زيد: إنّ اللّه أمرك بأمر وأمرنا بأمر، أمرك أن تقرّي في بيتك وأمرنا أن نجاهد، وقد أتاني كتابك فأمرتني أن أصنع خلاف ما أمرني اللّه فأكون قد صنعت ما أمرك اللّه به وصنعت ما أمرني اللّه به، فأمرك عندي غير مطاع وكتابك غير مجاب والسّلام(5).
هذا، وفي السير ان خالد بن يزيد بن معاوية قال لامرأته رملة بنت الزبير:
ص: 18
فإن تسلمي اسلم (نسلم) وإن تتنصّري
يخط (تعلّق) رجال بين أعينهم صلبا(1)
وفي وصيته عليه السلام لابنه: واياك ومشاورة النساء، فإنّ رأيهن إلى أفن وعزمهن إلى وهن، واكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إيّاهن، فإنّ شدّة الحجاب أبقى عليهن، وليس خروجهن بأشدّ من إدخالك من لا يوثق به عليهن، و إن استطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل، ولا تملّك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها، فإنّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، ولا تعد بكرامتها نفسها ولا تطمعها في أن تشفع لغيرها، وإيّاك والتغاير في غير موضع غيرة، فإنّ ذلك يدعو الصحيحة إلى السقم والبريئة إلى الريب(2).
وقَالَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام: إِيَّاكَ وَمُشَاوَرَةَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَنْ جَرَّبْتَ بِكَمَالِ عَقْل(3).
هذا، وفي (الأغانى) مات عكرمة وكثيّر عزة في يوم واحد، فأخرجت جنازتاهما فما تخلفت امرأة بالمدينة ولا رجل عن جنازتيهما، وقيل مات اليوم اشعر الناس وأعلم الناس، وغلب النساء على جنازة كثيّر يبكينه ويذكرن عزّة في ندبتهنّ له، فقال أبو جعفر محمد بن علي: أفرجوا لي عن جنازة كثيّر لأرفعها، وجعل يضربهن بكمه ويقول تنحّين يا صواحبات يوسف. فانتدبت له امرأة منهنّ فقالت: يا ابن رسول اللّه لقد صدقت إنّا لصواحبات يوسف وقد كنّا له خيرا منكم له. فقال أبو جعفر عليه السلام لبعض مواليه: احتفظ بها حتى تجيئني بها إذا انصرفنا، فلما
ص: 19
انصرف اتي بتلك المرأة كأنّها شرارة النار، فقال لها: أنت القائلة إنّكّنّ ليوسف خير منّا. قالت: نعم أ تؤمنني غضبك يا ابن رسول اللّه؟ قال: أنت آمنة فأبيني. قالت: نحن يا ابن رسول اللّه دعوناه إلى اللّذات من المطعم والمشرب والتمتّع والتنعّم وأنتم معاشر الرجال القيتموه في الجبّ وبعتموه بأبخس الأثمان وحبستموه في السّجن فأيّنا كان أرأف فقال: للّه درك ولن تغالب امرأة إلاّ غلبت. ثم قال لها: ألك
بعل قالت: لي من الرجال من أنا بعله. فقال: صدقت مثلك من تملك بعلها ولا يملكها(1).
وروي أنّه عليه السلام كان جالسا في أصحابه فمرّت بهم امرأة جميلة، فرمقها القوم بأبصارهم فقال عليه السلام: إن أبصار هذه الفحول طوامح، وإنّ ذلك سبب هبابها، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلامس أهله فإنّما هي امرأة كامرأة(2).
وقال عليه السلام وأمّا فلانة فأدركها رأي النساء وضغن غلا في صدرها كمرجل القين، ولو دعيت لتنال من غيري ما أتت إليّ لم تفعل(3).
هذا، وفي حديث علي عليه السلام: «خير النساء الحارقة» وفي رواية «كذبتكم الحارقة» الحارقة المرأة الضيّقة الفرج، وقيل التي تغلبها شهوتها حتى تحرق أنيابها بعضا على بعض أي تحكها، يقول عليكم بها، ومنه حديثه الآخر «وجدتها حارقة طارقة فائقة»(4).
هذا، وعن الفضيل قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: شيء يقوله الناس، ان أكثر أهل النار
ص: 20
يوم القيامة النساء. قال: وأنّى ذلك وقد يتزوج الرجل في الآخرة ألفا من نساء الدّنيا في قصر من درة واحدة(1).
وروى عمار الساباطي عنه عليه السلام: أكثر أهل الجنة: المستضعفين من النساء، علم اللّه تعالى ضعفهن فرحمهن(2).
وقال الصادق عليه السلام: الحياء عشرة أجزاء تسعة في النساء وواحدة في الرجال، فاذا خفضت المرأة ذهب جزء من حياها، وإذا تزوجت ذهب جزء، وإذا افترعت ذهب جزء، وإذا ولدت ذهب جزء وبقي لها خمسة، فاذا فجرت ذهب حياؤها كلّه وإن عفّت بقي لها خمسة أجزاء(3).
وقال الصادق عليه السلام «الخيّرات الحسان» من نساء أهل الدّنيا وهن أجمل من الحور العين(4).
ينبغي لنا أن نذكر هنا شطرا من أوصاف النساء وأخبارهن وبعض مكايدهنّ من طريق الأخبار وغيرها، والمقصود بذلك التحذير عنهنّ والتنبيه على كيدهنّ، حيث وصفه اللّه سبحانه في كتابه العزيز بالعظمة مع أنّه جعل كيد الشيطان ضعيفا حيث قال: «إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ»(5) وقال: «إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً»(6).
ص: 21
في الحديث أنّه لما خلقت المرأة نظر إليها إبليس فقال أنت سؤلى وموضع سرّى ونصف جندى وسهمى الذي ارمى به فلا اخطى وإذا اختصمت هى وزوجها في البيت قام في كلّ زاوية من زوايا البيت شيطان يصفق ويقول فرّح اللّه من فرّحنى حتّى إذا اصطلحا خرجوا عميا يتعادون يقولون: أذهب اللّه نور من ذهب بنورنا(1).
عَنْ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام شَكَا إِلَى اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ مَا يَلْقَى مِنْ سُوءِ خُلُقِ سَارَةَ فَأَوْحَى اللّه ُ تَعَالَى إِلَيْهِ إِنَّمَا مَثَلُ الْمَرْأَةِ مَثَلُ الضِّلْعِ الْمُعْوَجِ إِنْ أَقَمْتَهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ اسْتَمْتَعْتَ بِه(2).
وفي حديث إبليس مع يحيى بن ذكريا على نبيّنا وعليهما السّلام قال أى إبليس: يا نبيّ اللّه فأوّل ما اصيد به المؤمن من قبل النّساء «إلى أن قال» يا نبيّ اللّه إنّ أرجى الأشياء عندى وأدعمه لظهرى وأقرّه لعينى النّساء، فانّها حبالتي ومصائدي وسهمى الذي به لا اخطى بأبي هنّ لو لم يكن هنّ ما اطقت اضلال أدنى آدميّ، قرّت عيني بهنّ أظفر بمقراتي (بمغزاتي) وبهنّ أوقع في المهالك إذا اغتممت ليست على النّساك والعبّاد والعلماء غلبوني بعد ما ارسلت عليهم الجيوش فانهزموا وبعد ما ركبت وقهرت ذكرت النّساء طابت وسكنت غضبي واطمأنّ كظمى وانكشف غيظى وسلمت كأبتي وقرّت عيني واشتدّ ازري، ولولاهنّ من نسل آدم لسجدتهنّ فهنّ سيّداتي وعلى عنقي سكناهنّ وعلىّ تمماهنّ (تمامهن) ما اشتهت امرأة من حبالتي حاجة إلاّ كنت أسعى برأسي دون
ص: 22
رجلي في اسعافها بحاجتها، لأنّهنّ رجائي وظهري وعصمتي وسندي وثقتي وغوثي، الحديث(1).النّسخة كانت سقيمة جدّا فأثبتّه كما وجدت.
ومن أسباب الدّنيا والميل إليها النّساء وإطاعتهنّ.
روى أنّ رجلا من بني إسرائيل رأى في المنام انّه خير ثلاث دعوات
مستجابات بأن يصرفها حيث شاء، فشاور امرأته في محلّ الصّرف فرأت أن يصرف واحدة منها في حسنها وجمالها ليزيد حسن المعاشرة بينهما فصرفها في ذلك فصارت جميلة فيما بين بني اسرائيل فاشتهرت فاشتهر أمرها إلى أن غصبها ملك ظالم فدعا الرّجل غيرة بأن يصيرها اللّه تعالى على صورة كلب فصارت كلبا أسود وجاءت إلى باب زوجها وتضرّعت إليه مدّة حتّى رقّ قلبه فدعا بأن يصيّرها اللّه على صورتها الأولى، فضاعت الدّعوات الثلاث فيها وهي كما كانت بشوم مشاورة المرأة(2).
وحكى أنّ خسرو الملك أتى إليه رجل بسمكة كبيرة فأمر له بأربعة آلاف درهم فقالت شيرين فكيف تصنع إذا احتقر من اعطيته شيئا من حشمك وقال: أعطاني ما أعطى الصّياد أو أقلّ، فقال خسرو الملك إنّ الرّجوع عن الهبة قبيح خصوصا من الملوك فقالت شيرين: التّدبير أن تدعوه وتقول له هذه السّمكة ذكر أو انثى، فان قال ذكر فتقول له إنّما أردت انثى، وإن قال انثى فتقول له إنّما أردت ذكرا
فاستدعاه فسأله عن ذلك فقال: أيّها الملك إنّها خنثى لا ذكر ولا انثى، فاستحسن جوابه وأمر له بأربعة آلاف درهم اخرى، فلمّا تسلّم الصيّاد ثمانية آلاف درهم من الخزّان ورجع سقط منها في الطريق درهم فاشتغل بأخذ الدّرهم الساقط
ص: 23
فقالت شيرين للملك: انظر إلى خسّته وغلبة حرصه، فاستدعاه وسأله عن غرضه في اشتغاله بأخذه فقال أيّها الملك: كان عليه اسمك وحكمك فخفت أن يطأه أحد برجله غافلا عنه، فاستحسن أيضا جوابه وأمر له بأربعة آلاف درهم اخرى وذهب الصّياد باثنى عشر ألف درهم(1).
وفي موضع آخر منه أنّ كلّ فتنة وقعت في العالم فانّما جاءت من قبلهنّ وذلك:
إنّ الفتنة الاولى وهى اكل آدم من الشّجرة واخراجه إلى الأرض إنّما جاء من قبل حوّا، لأنّ آدم لمّا لم يقبل وساوس الشيطان وسوس إلى حوّاء فجاءت إلى آدم وكلّمته في أمر الأكل من الشّجرة حتى حملته عليه.
وأمّا الفتنة الأخيرة التي نشأ منها خراب العالم وهي غصب خلافة
أميرالمؤمنين عليه السلام واستظهارهم واتّفاقهم على عداوته فانّما جاء من قبل عايشة وعداوتها وحسدها لفاطمة عليهاالسلام بسبب أن النّبيّ صلى الله عليه و آله كان يظهر المحبّة لها ولولديها فغارت من هذا عايشة وأضمرت العداوة لها ثمّ أظهرتها فتخطت تلك العداوة من النّساء إلى الرّجال فبغض عليا عليه السلامأبو بكر وعمر ففعلا ما فعلا وفعلت عايشة بعدهما ما فعلت(2).
وشهادة أميرالمؤمنين عليه السلام بسبب قطام وسمّ جعدة للحسن بن عليّ عليهما السّلام غير خفيّ.
وروى عن جعفر بن محمّد الصّادق عليهما السّلام أنّه قال: كان في بني اسرائيل رجل صالح وكان له مع اللّه معاملة حسنة وكان له زوجة وكان ظنينا بها وكانت من أجمل أهل زمانها مفرطة في الجمال والحسن، وكان يقفل عليها الباب فنظرت
ص: 24
يوما شابّا فهوته وهواها فعمل لها مفتاحا على باب دارها وكان يخرج ويدخل ليلا ونهارا متى شاء وزوجها لم يشعر بذلك.
فبقيا على ذلك زمانا طويلا فقال لها زوجها يوما وكان أعبد بني اسرائيل وأزهدهم: إنّك قد تغيرت علىّ ولم أعلم ما سببه وقد توسوس قلبي علىّ وكان قد أخذها بكرا، ثمّ قال واشتهى منك أنك تحلفى لي أنّك لم تعرفي رجلا غيري، وكان لبني اسرائيل جبل يقسمون به ويتحاكمون عنده وكان الجبل خارج المدينة عنده نهر جار وكان لا يحلف أحد عنده كاذبا إلاّ هلك، فقالت له ويطيب قلبك إذا حلفت لك عند الجبل؟ قال: نعم، قالت: متى شئت فعلت.
فلمّا خرج العابد لقضاء حاجته دخل عليها الشّاب فأخبرته بما جرى لها مع زوجها وأنّها تريد أن تحلف له عند الجبل وقالت ما يمكنني أن أحلف كاذبة ولا أقول لزوجي فبهت الشّاب وتحيّر وقال فما تصنعين؟ فقالت بكّر غدا والبس ثوب مكار وخذ حمارا واجلس على باب المدينة فاذا خرجنا فأنا أدعه يكترى منك الحمار فاذا اكتراه منك بادر واحملنى وارفعنى فوق الحمار حتّى احلف له وأنا صادقة أنّه ما مسّنى أحد غيرك وغير هذا المكاري، فقال: حبّا وكرامة.
وأنّه لمّا جاء زوجها قال لها قومي إلى الجبل لتحلفي به قالت مالي طاقة بالمشي فقال: اخرجي فان وجدت مكاريّا اكتريت لك فقامت ولم تلبس لباسها فلمّا خرج العابد وزوجته رأت الشّاب ينتظرها فصاحت به يا مكاري اكترى «كذا» حمارك بنصف درهم إلى الجبل قال: نعم.
ثمّ تقدّم ورفعها على الحمار وساروا حتّى وصلوا إلى الجبل فقالت للشّاب: انزلني عن الحمار حتّى أصعد الجبل، فلمّا تقدّم الشّاب إليها القت بنفسها إلى
ص: 25
الأرض فانكشفت عورتها فشتمت الشاب فقال: واللّه مالى ذنب.
ثمّ مدّت يدها إلى الجبل وحلفت له أنه لم يمسّها أحد ولا نظر إنسان مثل نظرك إلىّ مذ عرفتك غيرك وهذا المكاري، فاضطرب الجبل اضطرابا شديدا وزال عن مكانه وانكرت بنو اسرائيل فذلك قوله تعالى: «وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ»(1).(2)
وكان في الهند رجل شجاع غيور وله امرأة جميلة فاتفق انّه سافر عنها، فجلست يوما على قصرها فرأت برهمن من براهمة الهند شابّا فحصل بينهما عشق ووصال وكان يأتي اليها متى ما أراد، فخرجت يوما إلى بيت جارها وأتى ذلك الشّاب إلى منزلها فلم يجدها فخرج في طلبها فلمّا دخلت أخذ الشّاب الهندي سوطا كان معه وضربها.
وكان في تلك الحالة أتى زوجها من السّفر فقال لها برهمن: هذا زوجك أتى فكيف الحيلة؟ فقالت: اضربني بهذا السّوط فاذا دخل زوجي وسألك فقل إنّ هذه المرأة فيها صرع أتى اليها بعد سفرك وطلبوني لاعوذبها بالأسماء وأقرء عليها وأضربها حتّى يخرج منها الجنّ، فتكدّرت على زوجها عيشه وخرج الشّاب الهندي وبعد هذا صارت كلما اشتهت وصال الشّاب الهندي صرعت نفسها ومضى زوجها يلتمس من الهندي والهندي يمنّ عليه ويأخذ منه حقّ الجعالة حتّى يأتي إلى منزله لأجل أن يعوّذها ممّا عنده فصار الرّجل الغيور...(3).
وفي حكمة آل داود امرأة السّوء مثل شرك الصّياد لا ينجو منها إلاّ من رضى
ص: 26
اللّه عنه والمرأة السّوء غلّ يلقيه اللّه في عنق من يشاء(1).
وقال داود عليه السلام المرأة السّوء الحمل الثّقيل على الشّيخ الكبير، والمرأة الصّالحة كالتّاج المرصع بالذهب كلّما رآها قرّت عينه(2).
قال أبو سعيد الشحام: صحبت ابن سيرين عشرين سنة، فقال لي يوما: يا أبا سعيد إن تزوجت فلا تتزوج امرأة تنظر في يدها، ولكن تزوج امرأة تنظر في يدك(3).
ونظر ابو هريرة إلى عائشة بنت طلحة؛ فقال: سبحان اللّه! ما احسن ما غذاك اهلك! واللّه ما رأيت وجها أحسن منك، إلا وجه معاوية على منبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وأله وسلم(4)؛ (و كان معاوية قبيح المنظر)(5) وهى صفة المرئة السوء قال النبى صلى الله عليه و آله: اياكم وخضراء الدمن (6)؛ اراد الجارية التى ربيت فى المنبت السوء.
وفي حكمة سليمان بن داود عليهما السلام: المرأة العاقلة تبني بيتها والسفيهة تهدمه(7).
وقال: الجمال كاذب والحسن مخلف، وإنما تستحق المدح المرأة الموافقة(8).وقد روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وأله وسلم انه قال: يا عكاف (عكاف بن وداعة الهلالى)، ألك امرأة؟ قال: لا. قال: فأنت إذاً من إخوان الشياطين، إن
ص: 27
كنت من رهبان النصارى فالحق بهم، وإن كنت منا فانكح فإن من سنتنا النكاح(1).
وقال صلى الله عليه و آله «أوصيكم بالنساء فإنهن عندكم عوان» يعني أسيرات(2).
وعن مولينا أميرالمؤمنين عليه السلام في قوله تعالى: «رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً» قال عليه السلام: المرأة الحسناء الصّالحة «وَفِي الاْخِرَةِ حَسَنَةً» حوريّة من حور العين «وَقِنا عَذابَ النَّارِ»(3) امرئة السّوء(4).
قال بعضهم.
لقد كنت محتاجا إلى موت زوجتي
ولكن قرين السّوء باق معمّر
فيا ليتها صارت إلى القبر عاجلا
وعذّبها فيه نكير ومنكر(5)
وفي حكمة داود عليه الصلاة والسلام: وجدت في الرجال واحداً في ألف ولم أجد واحدة في جميع النساء. وقيل: إن عيسى عليه الصلاة والسلام لقي إبليس يسوق أربعة أحمرة عليها أحمال فسأله فقال: أحمل تجارة وأطلب مشترين فقال: ما أحدها قال: الحمور قال: من يشتريه. قال: السلاطين. قال: فما الثاني قال: الحسد. قال: فمن يشتريه قال: العلماء قال: فما الثالث قال: الخيانة قال: فمن يشتريها قال: التجار. قال: فما الرابع قال: الكيد؛ قال: فمن يشتريه قال: النساء. وقال حكيم: النساء شر كلهن وشر ما فيهن قلة الاستغناء عنهن. وقالت الحكماء:لا تثق بامرأة ولا تغتر بمال وإن كثر. وقال: النساء حبائل الشيطان(6).
واما صفة المرئة الحسناء:
ص: 28
قال تعالى: «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساء»(1).
وقال تعالى: «وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُم»(2).
وقال تعالى: «وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساء»(3).
قال النبى صلى الله عليه و آله: تزوجوا الولود الودود، فاني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة(4).
وَقَالَ صلى الله عليه و آله: سَوْدَاءُ وَلُودٌ خَيْرٌ مِنْ حَسْنَاءَ عَقِيمٍ(5).
وقال صلى الله عليه و آله: أحسن النساء بركة أحسنهن وجهاً وأرخصهن مهراً(6).
وعَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ قَالَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام تَزَوَّجُوا سَمْرَاءَ عَيْنَاءَ عَجْزَاءَ مَرْبُوعَةً(7) فَإِنْ كَرِهْتَهَا فَعَلَيَّ مَهْرُهَا(8).
وعَنْ عَبْدِاللّه ِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِذَوَاتِالْأَوْرَاكِ(9) فَإِنَّهُنَّ أَنْجَبُ(10).
وعَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللّه ِ قَالَ: قَالَ لِيَ الرِّضَا عليه السلام إِذَا نَكَحْتَ فَانْكِحْ عَجْزَاءَ(11).و قد مر معناها.
هذا من حيث الجسد واما من سائر الجهات فقد روى ابو حَمْزَةَ قَالَ سَمِعْتُ
ص: 29
جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللّه ِ يَقُولُ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آلهفَقَالَ: إِنَّ خَيْرَ نِسَائِكُمُ الْوَلُودُ الْوَدُودُ الْعَفِيفَةُ الْعَزِيزَةُ فِي أَهْلِهَا الذَّلِيلَةُ مَعَ بَعْلِهَا الْمُتَبَرِّجَةُ مَعَ زَوْجِهَا الْحَصَانُ عَلَى غَيْرِهِ الَّتِي تَسْمَعُ قَوْلَهُ وَتُطِيعُ أَمْرَهُ وَإِذَا خَلاَ بِهَا بَذَلَتْ لَهُ مَا يُرِيدُ مِنْهَا وَلَمْ تَبَذَّلْ(1) كَتَبَذُّلِ الرَّجُلِ(2).
ثم قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أَ لاَ أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِ نِسَائِكُمْ الذَّلِيلَةُ فِي أَهْلِهَا الْعَزِيزَةُ مَعَ بَعْلِهَا الْعَقِيمُ الْحَقُودُ الَّتِي لاَ تَوَرَّعُ مِنْ قَبِيحٍ الْمُتَبَرِّجَةُ إِذَا غَابَ عَنْهَا بَعْلُهَا الْحَصَانُ مَعَهُ إِذَا حَضَرَ لاَ تَسْمَعُ قَوْلَهُ وَلاَ تُطِيعُ أَمْرَهُ وَإِذَا خَلاَ بِهَا بَعْلُهَا تَمَنَّعَتْ مِنْهُ كَمَا تَمَنَّعُ الصَّعْبَةُ عَنْ رُكُوبِهَا لاَ تَقْبَلُ مِنْهُ عُذْراً وَلاَ تَغْفِرُ لَهُ ذَنْباً(3).
وعن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: إن خير نسائكم التي إذا خلت مع زوجها خلعت له درع الحياء، وإذا خلت مع غيره لبست معه درع الحياء(4).
ولما أراد نوح بن مريم قاضي مروان أن يزوج ابنته استشار جاراً له مجوسياً فقال: سبحان اللّه الناس يستفتونك وأنت تستفتيني. قال: لا بد أن تشير علي. قال: إن رئيسنا كسرى كان يختار المال ورئيس الروم قيصر كان يختار الجمال ورئيس العرب كان يختار الحسب ورئيسكم محمد كان يختار الدين فانظر لنفسك بمن تقتدي (5).
ص: 30
وحيث انجرّ الكلام إلى هذا المقام فينبغي أن نختمه بحديث المتكلّمة بالقرآن تذكرة للعاقلين وتنبيها للغافلين وإشارة إلى أنّ الأخبار المطلقة في مذمّة النّساء محمولة على الأفراد الغالبة وإلاّ ففيها من لا يوجد مثلها في الرّجال زهدا وورعا وصلاحا.
قال عبداللّه بن المبارك: خرجت حاجّا إلى بيت اللّه الحرام فبينما أنا في بعض الطريق فاذا أنا بسواد يلوح فاذا هى عجوز فقلت: السّلام عليك، فقالت: «سَلامٌ
قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ»(1)، فقلت لها: يرحمك اللّه ما تصنعين في هذا المكان؟ قالت: «مَنْ يُضْلِلِ اللّه ُ فَلا هادِيَ لَهُ»(2)، فعلمت أنّها ضالّة عن الطريق فقلت لها: أين تريدين؟ قالت: «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى»(3)، فعلمت أنّها قضت حجّها وتريد بيت المقدّس.
فقلت لها: أنت منذ كم في هذا الموضع؟ فقالت: «ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا»(4)، قلت: ما أرى معك طعاما تأكلين قالت: «هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ»(5)، قلت: فبأيّ شيء
تتوضين؟ قالت: «فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً»(6) قلت: إنّ معي طعاما فهل تأكلين؟ قالت: «ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ»(7)، قلت: ليس هذا شهر رمضان قالت:«فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ»(8)، قلت: قد ابيح لنا الأفطار في السّفر قالت: «وَأَنْ
تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ»(9)؛ قلت: فلم لا تتكلّمين مثل كلامي؟ قالت: «ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْل
ص: 31
ٍإِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ عتيد»(1)، قلت: من أىّ النّاس أنت؟ قالت: «وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤلاً»(2)، قلت: قد أخطأت فاجعلني في حلّ، قالت: «لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّه ُ لَكُمْ»(3)، قلت: فهل لك أن أحملك على ناقتي فتدركي القافلة؟ قالت: «وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّه ُ»(4)؛ فأنخت ناقتي: فقالت: «قُلْ لِلْمُؤمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ»(5)، فغضضت بصرى عنها فلمّا أرادت أن تركب نفرت الناقة فمزقت ثيابها فقالت: «وَما أَصابَكُمْ
مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ»(6)، فقلت لها: اصبرى حتّى أعقلها، قالت: «فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ»(7)؛ فشددت لها الناقلة فقلت: اركبي، فركبت فقالت: «سُبْحانَ
الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ»(8)، قال: فأخذت بزمام
الناقة وجعلت أسعى واصيح، فقالت: «وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ»(9)، فجعلت أمشى رويدا وأترنّم بالشعر فقالت: «فَاقْرَؤا ما تَيَسَّرَ مِنَالْقُرْآنِ»(10)، فقلت لها: لقد اوتيت خَيْراً كَثِيراً، قالت: «وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ»(11)؛ فلما مشيت بها قليلا قلت: أ لك زوج؟ قالت: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤكُمْ»(12)، فسرت حتى أدركت القافلة فقلت لهاهذه القافلة فمن لك فيها؟ قالت: «الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا»(13)، فعلمت أنّ
ص: 32
لها أولادا قلت: وما شأنهم في الحجّ قالت: «وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»(1)، فعلمت أنهم أولاد الرّكب فقصدت بها القباب والعماريات. وقلت: هذه القباب فمن لك فيها؟ قالت: «وَاتَّخَذَ اللّه ُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً»(2) «وَكَلَّمَ اللّه ُ مُوسى تَكْلِيماً»(3) «يا
يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ»(4)، فناديت يا إبراهيم يا موسى يا يحيى فاذا بشبان كأنهم الدنانير قد أقبلوا. فلما استقرّ بهم الجلوس قالت: «فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ»(5)، فمضى أحدهم واشترى طعاما فقدّموه فقالت: «كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ»(6) فقلت الآن طعامكم حرام علىّ حتى تخبروني بأمرها فقالوا: إنّها امنّا ولها منذ أربعين سنة لا تتكلّم إلاّ بالقرآن مخافة أن تزلّ فيسخط عليها الرّحمن(7).
خطب عَمْرو بن حجر إِلَى عَوْف بن محلم الشَّيْبَانِيّ ابْنَته أم إِيَاس فقبل ذَلِك مِنْهُ أَبوهَا وأنكحه إِيَّاهَا فَلَمَّا كَانَ بِنَاؤه بهَا خلت بهَا أمهَا فَقَالَت أى بنية إِنَّك فَارَقت بَيْتك الَّذِي مِنْهُ خرجت وعشك الَّذِي فِيهِ درجت إِلَى رجل لم تعرفيه وقرين لمتألفيه فكوني لَهُ أمة يكن لَك عبدا واحفظى لَهُ خِصَالاً عشرا تكن لَك ذخْرا أما الأولى وَالثَّانيِة فالخشوع لَهُ بالقناعة وَحسن السّمع لَهُ وَالطَّاعَة وَأما الثَّالِثَة وَالرَّابِعَة فالتفقد لمواضع عَيْنَيْهِ وَأَنْفه فَلاَ تقع عينه مِنْك على قَبِيح وَلاَ يشم إِلاَّ أطيب ريح وَأما الْخَامِسَة وَالسَّادِسَة فالتفقد لوقت مَنَامه وَطَعَامه فَإِن حرارة الْجُوع ملهبةوتنغيص النّوم مغضبة وَأما السَّابِعَة وَالثَّامِنَة فالإحتفاظ بِمَالِه والإرعاء على حشمه
ص: 33
وَعِيَاله وملاك الْأَمر فِي المَال حسن التَّقْدِير وَفِي الْعِيَال حسن التَّدْبِير وَأما التَّاسِعَة والعاشرة فَلاَ تعصن لَهُ أمرا وَلاَ تفشن لَهُ سرا فَإنَّك إِن خَالَفت أمره أوغرت صَدره وَإِن أفشيت سره لم تأمني غدره ثمَّ إياك والفرح بَين يَدَيْهِ إِن كَانَ مهموما والكآبة
بَين يَدَيْهِ إِن كَانَ فَرحا(1).
قال ابن ابى الحديد في شرح هذا الكلام له عليه السلام: وهذا الفصل كلّه رمز إلى عايشة ولا يختلف أصحابنا في انّها أخطات فيما فعلت(2).
قال كلّ من صنّف في السير والأخبار إنّ عايشة كانت من أشدّ النّاس على عثمان حتّى أنّها اخرجت ثوبا من ثياب رسول اللّه صلى الله عليه و آلهفنصبته في منزلها وكان تقول للدّاخلين إليها هذا ثوب رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يبل وعثمان قد أبلى سنّته.
قالوا أول من سمّى عثمان نعثلا عايشة والنعثل الكثير شعر اللحية والجسد، وكانت تقول اقتلوا نعثلا قتل اللّه نعثلا.
وروى المدائني في كتاب الجمل قال: لما قتل عثمان كانت عايشة بمكّة وبلغ قتله إليها وهي بشراف فلم تشك في أن طلحة هو صاحب الأمر وقالت بعدا لنعثل وسحقا ايه ذا الاصبع ايه أبا شبل ايه يابن عمّ(3) لكأنّى انظر إلى اصبعه وهو يبايع له
ص: 34
حثوا الابل ودعدعتها(1) ثمّ قال وقال أبو مخنف: إنّ عايشة لما بلغها قتل عثمان وهي بمكّة أقبلت مسرعة وهي تقول ايه ذا الاصبع للّه أبوك أما أنّهم وجدوا طلحة لها كفوا(2).
فلما انتهت إلى شراف استقبلها عبيد بن أبي سلمة الليثي فقالت له: ما عندك؟
قال: قتل عثمان قالت: ثمّ ما ذا؟ قال: ثمّ حارت بهم الامور إلى خير محار بايعوا عليا، فقالت: لوددت أن السّماء انطبقت على الأرض إن تمّ هذا ويحك انظر ما ذا تقول قال: هو ما قلت لك يا امّ المؤمنين فولولت، فقال لها: ما شأنك يا أمّ المؤمنين واللّه ما أعرف بين لابتيها أحدا أولى بها منه ولا أحقّ ولا أرى له نظيرا
في جميع حالاته، فلما ذا تكرهين ولايته؟ قال: فما ردّت عليه جوابا(3).
وقال عبيدة بن أبي سلمة في هذا المعنى أبياتا منها قوله:
فمنك البداء ومنك الغير
ومنك الرياح ومنك المطر
وأنت أمرت بقتل الامام
وقاتله عندنا من أمر(4)
قال أبو مخنف: وقد روى من طرق مختلفة أنّ عايشة لما بلغها قتل عثمان وهي بمكة قالت: أبعده اللّه ذلك بما قدمت يداه وما اللّه بظلاّم للعبيد.
قال: وقد روى قيس بن أبي حازم أنّه حجّ في العام الذي قتل فيه عثمان وكان معه عايشة لما بلغتها قتله فتحمل إلى المدينة قال فسمعها تقول في بعض الطريق:
ص: 35
ايه ذا لاصبع وإذا ذكرت عثمان قالت: أبعده اللّه حتّى أتتها خبر بيعة عليّ فقالت: لوددت أن هذه وقعت على هذه، ثمّ أمرت بردّ ركائبها إلى مكة فردّت معها ورأيتها في مسيرها إلى مكّة تخاطب نفسها كأنها تخاطب أحدا: قتلوا ابن عفّان مظلوما.
فقلت لها: يا امّ المؤمنين ألم اسمعك آنفا تقول أبعده اللّه وقد كنت قبل أشدّ النّاس عليه وأقبحهم فيه قولا فقالت: لقد كان ذلك ولكنى نظرت في أمره فرأيتهم استتابوه حتى تركوه كالفضة البيضاء أتوه صائما محرما في شهر حرام فقتلوه.
ثم قال: قال أبو مخنف جاءت عايشة إلى أمّ سلمة تخادعها على الخروج
للطلب بدم عثمان، فقالت لها: يا بنت أبى اميّة أنت أوّل مهاجرة في أزواج رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأنت كبيرة امّهات المؤمنين وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آلهيقسم لنا من بيتك وكان جبرئيل أكثر ما يكون في منزلك فقالت: امّ سّلمة: لأمرٍما قلت هذه المقالة؟ فقالت عايشة: إنّ عبداللّه أخبرنى أنّ القوم استتابوا عثمان فلما تاب قتلوه صائما في شهر
حرام وقد عزمت الخروج إلى البصرة ومعي الزّبير وطلحة فاخرجى معنا لعلّ اللّه أن يصلح هذا الأمر على أيدينا وبنا.
فقالت انا امّ سلمة إنّك كنت بالأمس تحرضين على عثمان وتقول فيه أخبث القول وما كان أسمعه عندك إلاّ نعثلا وإنك لتعرفين منزلة عليّ بن أبي طالب عليه السلام كانت عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله فاذكرك؟ قالت: نعم.
قالت: أ تذكرين يوم أقبل عليه السلام ونحن معه حتّى إذا هبط من قديد ذات الشمال
خلا بعليّ عليه السلام يناجيه فأطال فأردت أن تهجمين عليهما فنهيتك فعصيتني فهجمت عليهما فما لبثت أن رجعت باكية فقلت: ما شأنك؟ فقلت: إنّى هجمت عليهما وهما
ص: 36
يتناجيان، فقلت لعليّ: ليس لي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إلاّ يوم من تسعة أيّام أ فما تدعني يابن أبي طالب ويومي فأقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله علىّ
وهو غضبان محمّر الوجه فقال:
أرجعى وراءك واللّه لا يبغضه أحد من أهل بيتى ولا من غيرهم من النّاس الاّ هو خارج من الايمان، فرجعت نادمة ساقطة.
فقالت عايشة: نعم اذكر ذلك.
قالت واذكرك أيضا كنت أنا وأنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وأنت تغسلين رأسه وانا احيس له حيسا(1) وكان الحيس يعجبه فرفع صلى الله عليه و آله رأسه وقال: ليت شعرى أيتكنّ صاحب «صاحبة ظ» الجمل الاذنب(2) تنبحها كلاب الحوئب فتكون ناكبة عن الصراط فرفعت يدي من الحيس فقلت أعوذ باللّه وبرسوله صلّى اللّه عليه وآله من ذلك، ثمّ ضرب على ظهرك وقال صلى الله عليه و آلهإياك أن تكونيها، ثمّ قال: يا بنت أبي اميّة إياك أن تكونيها، يا حميراء أما أنّي فقد أنذرتك.
قالت عايشة؟ نعم اذكر هذا.
قالت واذكرك أيضا كنت أنا وأنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في سفر له وكان عليّ يتعاهد نعلي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فيخصفها ويتعاهد أثوابه فيغسلها، فبقيت له نعل يومئذ يخصفها وقعد في ظلّ سمرة(3) وجاء أبوك ومعه عمر فاستأذنا عليه فقمنا إلى الحجاب ودخلا يحادثاه فيما أرادا، ثمّ قالا: يا رسول اللّه
ص: 37
إنا لا ندرى قدر ما تصحبنا فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ليكون بعدك لنا مفزعا، فقال لهما: أما أنّى أرى مكانه ولو فعلت لتفرّقتم عنه كما تفرّقت بنو اسرائيل عن هارون بن عمران، فسكتا ثمّ خرجا، فلما خرجنا إلى رسول اللّه قلت له: وكنت أجره عليه منّا من كنت يا رسول اللّه مستخلفا عليهم؟ فقال عليه السلام: خاصف النّعل،
فنزلنا ولم نر أحدا إلاّ عليا، فقلت: يا رسول اللّه ما نرى إلاّ عليّا، فقال: هو ذاك.
فقالت عايشة: نعم اذكر ذلك.
فقالت فأىّ خروج تخرجين بعد هذا؟ فقال: إنّما أخرج للاصلاح بين النّاس وأرجو فيه الأجر إن شاء اللّه، فقالت: أنت ورأيك فانصرفت عايشة عنها فكتبت أمّ سلمة ما قالت وقيل لها إلى علي(1).
وروى هشام بن محمد الكلبي في كتاب الجمل أن أم سلمة كتبت إلى علي عليه السلام
من مكة أما بعد فإن طلحة والزبير وأشياعهم أشياع الضلالة يريدون أن يخرجوا بعائشة إلى البصرة ومعهم عبداللّه بن عامر بن كريز ويذكرون أن عثمان قتل مظلوما وأنهم يطلبون بدمه واللّه كافيهم بحوله وقوته ولو لا ما نهانا اللّه عنه من
الخروج وأمرنا به من لزوم البيت لم أدع الخروج إليك والنصرة لك ولكني باعثة نحوك ابني عدل نفسي عمر بن أبي سلمة فاستوص به يا أميرالمؤمنين خيرا.
قال فلما قدم عمر على علي عليه السلام أكرمه ولم يزل مقيما معه حتى شهد مشاهده كلها ووجهه أميرا على البحرين وقال لابن عم له بلغني أن عمر يقول الشعر فابعث إلي من شعره فبعث إليه بأبيات له أولها:
جزتك أميرالمؤمنين قرابة
رفعت بها ذكري جزاء موفرا
ص: 38
فعجب علي عليه السلام من شعره واستحسنه(1).
ومن الكلام المشهور الذي قيل إن أم سلمة رحمها اللّه كتبت به إلى عائشة إنك جنة بين رسول اللّه صلى الله عليه و آله وبين أمته وإن الحجاب دونك لمضروب على حرمته وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه وسكن عقيراك فلا تصحريها لو أذكرتك قولة من رسول اللّه صلى الله عليه و آله تعرفينها لنهشت بها نهش الرقشاء المطرقة ما كنت قائلة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله لو لقيك ناصة قلوص قعودك من منهل إلى منهل قد تركت عهيداه وهتكت ستره إن عمود الدين لا يقوم بالنساء وصدعه لا يرأب بهن حماديات النساء خفض الأصوات وخفر الأعراض اجعلي قاعدة البيت قبرك حتى تلقينه وأنت على ذلك.
فقالت عائشة ما أعرفني بنصحك وأقبلني لوعظك وليس الأمر حيث تذهبين ما أنا بعمية عن رأيك فإن أقم ففي غير حرج وإن أخرج ففي إصلاح بين فئتين من المسلمين.
وقد ذكر هذا الحديث أبو محمد عبداللّه بن مسلم بن قتيبة في كتابه المصنف في غريب الحديث في باب أم سلمة على ما أورده عليك قال لما أرادت عائشة الخروج إلى البصرة أتتها أم سلمة فقالت لها إنك سدة بين محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوبين أمته وحجابك مضروب على حرمته قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه وسكن عقيراك فلا تصحريها اللّه من وراء هذه الأمة لو أراد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يعهد إليك عهدا علت علت بل قد نهاك عن الفرطة في البلاد إن عمود الإسلام لا يثأب بالنساء إن مال ولا يرأب بهن إن صدع حماديات النساء غض الأطراف وخفر
ص: 39
الأعراض وقصر الوهازة ما كنت قائلة لو أن رسول اللّه صلى الله عليه و آله عارضك بعد الفلوات ناصة قلوصا من منهل إلى آخر إن بعين اللّه مهواك وعلى رسوله تردين وقد وجهت سدافته ويروى سجافته وتركت عهيداه لو سرت مسيرك هذا ثم قيل لي ادخلي الفردوس لاستحييت أن ألقى محمدا صلى الله عليه و آله هاتكة حجابا وقد ضربه علي اجعلي حصنك بيتك ووقاعة الستر قبرك حتى تلقينه وأنت على تلك أطوع ما تكونين للّه بالرقبة وأنصر ما تكون للدين ما حلت عنه لو ذكرتك قولا تعرفينه لنهشت به نهش الرقشاء المطرقة(1).
ص: 40
ثمّ قال: قال أبو مخنف: وارسلت إلى حفصة تسألها الخروج والمسير فبلغ ذلك عبداللّه بن عمر فأتى اخته فعزم عليها فأقامت وحطت الرّحال بعد ما همّت.
ص: 41
قال: وكتب الأشتر من المدينة إلى عايشة وهي بمكة: أمّا بعد فانّك ظعينة رسول اللّه وقد أمرك أن تقري في بيتك فان فعلت فهو خير لك، فان أبيت إلاّ أن تأخذ منسئتك(1) وتلقى جلبابك وتبدي للنّاس شعيراتك قاتلتك حتّى أردّك إلى بيتك والموضع الذى يرضاه لك ربك.
فكتبت إليه في الجواب أما بعد فانّك أوّل العرب شبّ الفتنة ودعا إلى الفرقة وخالفت الأئمة وقد علمت أنّك لن تعجز اللّه حتّى يصيبك منه بنقمة ينتصر بها منك للخليفة المظلوم، وقد جائنى كتابك وفهمت ما فيه وسيكفينّك وكلّ من أصبح مماثلا لك في ضلالك وغيك إنشاء اللّه (2).
لما عزمت عائشة على الخروج إلى البصرة طلبوا لها بعيرا أيدا يحمل هودجها فجاءهم يعلى بن أمية ببعيره المسمى عسكرا وكان عظيم الخلق شديدا فلما رأته أعجبها وأنشأ الجمال يحدثها بقوته وشدته ويقول في أثناء كلامه عسكر فلما سمعت هذه اللفظة استرجعت وقالت ردوه لا حاجة لي فيه وذكرت حيث سئلت أن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذكر لها هذا الاسم ونهاها عن ركوبه وأمرت أن يطلب لها غيره فلم يوجد لها ما يشبهه فغير لها بجلال غير جلاله وقيل لها قد أصبنا لك أعظم منه خلقا وأشد قوة وأتيت به فرضيت(3).
قال ابو مخنف: لما انتهت عايشة في مسيرها إلى الحوئب وهو ماء لبني عامر ابن صعصعة نبحتها الكلاب حتّى نفرت صعاب إبلها فقال قائل من أصحابها ألا ترون ما أكثر كلاب الحوئب وما أشد نباحها، فأمسكت زمام بعيرها وقالت: وإنّها
ص: 42
لكلاب الحوئب ردّوني ردّوني فانّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول، وذكرت الخبر، فقال قائل. يرحمك اللّه فقد جزنا ماء الحوئب فقالت فهل من شاهد؟ فلفّقوا لها خمسين أعرابيّا جعلوا لهم جعلا فحلفوا أنّ هذا ليس بماء الحوئب فسارت لوجهها(1).
قال ابن ابى الحديد: لما انتهت عائشة وطلحة والزبير إلى حفر(2) أبي موسى قريبا من البصرة أرسل عثمان بن حنيف و هو يومئذ عامل علي عليه السلام على البصرة إلى القوم أبا الأسود الدؤلي يعلم له (لهم) علمهم فجاء حتى دخل على عائشة فسألها عن مسيرها فقالت أطلب بدم عثمان قال إنه ليس بالبصرة من قتلة عثمان أحد قالت صدقت ولكنهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة وجئت أستنهض أهل البصرة لقتاله أ نغضب لكم من سوط عثمان ولا نغضب لعثمان من سيوفكم فقال لها ما أنت من السوط والسيف إنما أنت حبيس رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمرك أن تقري في بيتك وتتلي كتاب ربك وليس على النساء قتال ولا لهن الطلب بالدماء وإن عليا لأولى بعثمان منك وأمس رحما فإنهما ابنا عبد مناف فقالت لست بمنصرفة حتى أمضي لما قدمت له أ فتظن يا أبا الأسود أن أحدا يقدم على قتالي قال أما واللّه لتقاتلن قتالا أهونه الشديد.
ثم قام فأتى الزبير فقال يا أبا عبداللّه عهد الناس بك وأنت يوم بويع أبو بكر آخذ بقائم سيفك تقول لا أحد أولى بهذا الأمر من ابن أبي طالب وأين هذا المقام من ذاك فذكر له دم عثمان قال أنت وصاحبك وليتماه فيما بلغنا قال فانطلق إلى
ص: 43
طلحة فاسمع ما يقول فذهب إلى طلحة فوجده سادرا في غيه مصرا على الحرب والفتنة فرجع إلى عثمان بن حنيف فقال إنها الحرب فتأهب لها.
لما نزل علي عليه السلام بالبصرة كتبت عائشة إلى زيد بن صوحان العبدي من عائشة بنت أبي بكر الصديق زوج النبي صلى الله عليه و آلهإلى ابنها الخالص زيد بن صوحان أما بعد فأقم في بيتك وخذل الناس عن علي وليبلغني عنك ما أحب فإنك أوثق أهلي عندي والسلام.
فكتب إليها من زيد بن صوحان إلى عائشة بنت أبي بكر أما بعد فإن اللّه أمرك بأمر وأمرنا بأمر أمرك أن تقري في بيتك وأمرنا أن نجاهد وقد أتاني كتابك فأمرتني أن أصنع خلاف ما أمرني اللّه فأكون قد صنعت ما أمرك اللّه به وصنعت ما أمرني اللّه به فأمرك عندي غير مطاع وكتابك غير مجاب والسلام(1).
ص: 44
أَيُّهَا النَّاسُ الزَّهَادَةُ قِصَرُ الْأَمَلِ وَالشُّكْرُ عِنْدَ النِّعَمِ وَالوَرَعُ عِنْدَ الْمَحَارِمِ فَإِنْ عَزَبَ ذَلِكَ عَنْكُمْ فَلاَ يَغْلِبِ الْحَرَامُ صَبْرَكُمْ - وَلاَ تَنْسَوْا عِنْدَ النِّعَمِ شُكْرَكُمْ فَقَدْ أَعْذَرَ اللّه ُ إِلَيْكُمْ بِحُجَجٍ مُسْفِرَةٍ ظَاهِرَةٍ وَكُتُبٍ بَارِزَةِ الْعُذْرِ وَاضِحَةٍ.
قَالَ الصادق عليه السلام: الزُّهْدُ كُلُّهُ فِي كَلِمَتَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ اللّه ُ تَعَالَى: «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ»(1) فَمَنْ لَمْ يَأْسَ عَلَى الْمَاضِي وَلَمْ يَفْرَحْ بِالاْتِي فَهُوَ الزَّاهِدُ(2).
من زهد في الدّنيا هان عليه الإنفاق ممّا أنعم اللّه عليه من المال شكرا.
قال الصادق عليه السلام إنّ اللّه أنعم على قوم بالمواهب فلم يشكروا فصارت عليهم وبالا، وابتلى قوما بالمصائب فصبروا فصارت عليهم نعمة(3).
ص: 45
وعَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ كَأَجْرِ الصَّائِمِ الْمُحْتَسِبِ وَالْمُعَافَى الشَّاكِرُ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ كَأَجْرِ الْمُبْتَلَى الصَّابِرِ وَالْمُعْطَى الشَّاكِرُ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ كَأَجْرِ الْمَحْرُومِ الْقَانِعِ(1).
وعن ابى عبداللّه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: مَا فَتَحَ اللّه ُ عَلَى عَبْدٍ بَابَ شُكْرٍ فَخَزَنَ عَنْهُ بَابَ الزِّيَادَةِ(2).
وعَنْ عُبَيْدِاللّه ِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللّه ِ عليه السلام يَقُولُ: ثَلاَثٌ لاَ يَضُرُّ مَعَهُنَّ
شَيْءٌ: الدُّعَاءُ عِنْدَ الْكَرْبِ وَالاِسْتِغْفَارُ عِنْدَ الذَّنْبِ وَالشُّكْرُ عِنْدَ النِّعْمَةِ(3).
وعَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: مَنْ أُعْطِيَ الشُّكْرَ أُعْطِيَ الزِّيَادَةَ يَقُولُ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ:
«لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُم»(4).(5)
وعَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: مَا أَنْعَمَ اللّه ُ عَلَى عَبْدٍ مِنْ نِعْمَةٍ فَعَرَفَهَا بِقَلْبِهِ وَحَمِدَ اللّه َ ظَاهِراً بِلِسَانِهِ فَتَمَّ كَلاَمُهُ حَتَّى يُؤمَرَ لَهُ بِالْمَزِيدِ(6).
وعَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللّه ِ عليه السلام يَقُولُ: شُكْرُ كُلِّ نِعْمَةٍ وَإِنْ عَظُمَتْ أَنْ تَحْمَدَ اللّه َ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا (ان يحمد اللّه عزّ وجلّ عليها خ ل)(7).
وعن ابى مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: مَنْ قَالَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ إِذَا أَصْبَحَ: «الْحَمْدُ
ص: 46
للّه ِِ رَبِّ الْعالَمِينَ» فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ وَمَنْ قَالَهَا إِذَا أَمْسَى فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ لَيْلَتِهِ(1).
سُئِلَ الصَّادِقُ عليه السلام عَنِ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا قَالَ الَّذِي يَتْرُكُ حَلاَلَهَا مَخَافَةَ حِسَابِهِ وَيَتْرُكُ حَرَامَهَا مَخَافَةَ عَذَابِهِ(2).
وعَنْ أَبِي الْحَسَنِ الثَّالِثِ عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام قَالَ: قَالَ الصَّادِقُ عليه السلام: عَلَيْكُمْ بِالْوَرَعِ فَإِنَّهُ الدِّينُ الَّذِي نُلاَزِمُهُ وَنَدِينُ اللّه َ بِهِ وَنُرِيدُهُ مِمَّنْ يُوَالِينَا لاَ تُتْعِبُونَا بِالشَّفَاعَةِ(3).
وفي حديث أبي ذر قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: يا أبا ذر من لم يأت يوم القيامة بثلاث فقد خسر، قلت: و ما الثلاث فداك أبي وامّي؟ قال: ورع يحجزه عمّا حرّم اللّه عزّ وجلّ عليه، وحلم يردّ به جهل السّفيه، وخلق يدارى به النّاس(4).
لأنّه ورد عَنْ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أَنَّ قَوْماً يَجِيئُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُمْ مِنَ الْحَسَنَاتِ أَمْثَالُ الْجِبَالِ فَيَجْعَلُهَا اللّه ُ هَباءً مَنْثُوراً ثُمَّ يُؤمَرُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ فَقَالَ سَلْمَانُ: صِفْهُمْ يَا رَسُولَ اللّه ِ فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ قَدْ كَانُوا يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَأْخُذُونَ أُهْبَةً مِنَ اللَّيْلِ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا عُرِضَ لَهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْحَرَامِ وَثَبُوا عَلَيْهِ(5).
ص: 47
فإنّ شكر المنعم واجب عقلي. وقال تعالى: «وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ(1)».
أي: مشرقة مضيئة قال تعالى: «لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّه ِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ(2)».
إلى نبيّنا صلّى اللّه عليه وآله وإلى أنبياء قبله.
الاولى: ينبغي أن نشير الى بعض ما ورد في فضيلة صفة الزهادة وذمّ نقيضها أعنى الرغبة من الآيات والأخبار ونردف ذلك بذكر اقسام الزّهد.
فأقول قال سبحانه: «فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللّه ِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلاَّ الصَّابِرُونَ(3). فنسب الزّهد إلى العلماء ووصف أهله بالعلم، وهو غاية المدح والثناء.
وقال تعالى: «وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى»(4).
ص: 48
وقال تعالى: «مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الاْخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الاْخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ»(1).
وأما الاخبار في باب ذم الدّنيا والزّهد فيها عن الهيثم بن واقد الحريرى عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: من زهد في الدّنيا أثبت اللّه الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه وبصّره عيوب الدّنيا دائها ودوائها وأخرجه من الدّنيا سالما إلى دار السّلام(2).
وعن حفص بن غياث عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: سمعته يقول جعل الخير كلّه في بيت وجعل مفتاحه الزّهد في الدّنيا.
ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: لاَ يَجِدُ الرَّجُلُ حَلاَوَةَ الاْءِيمَانِ فِي قَلْبِهِ حَتَّى لاَ يُبَالِيَ مَنْ أَكَلَ الدُّنْيَا(3).
وعن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام إنّ من أعون الأخلاق على الدّين الزّهد في الدّنيا(4).
وعن عليّ بن هاشم بن البريد عن أبيه أنّ رجلا سأل عليّ بن الحسين عليهما السّلام عن الزّهد فقال: عشرة أشياء فأعلى درجة الزّهد أدنى درجة الورع، وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين، وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرّضا ألا وإنّ الزّهد في آية من كتاب اللّه عزّ وجلّ: «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ»(5).(6)
ص: 49
وعن سفيان بن عيينة قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام وهو يقول: كلّ قلب فيه شكّ أو شرك فهو ساقط، وإنّما أرادوا بالزّهد في الدّنيا لتفرغ قلوبهم في الآخرة(1).
وعن محمّد بن مسلم عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلامإنّ علامة الرّاغب في ثواب الآخرة زهده في عاجل زهرة الدّنيا، أما إنّ زهد الزّاهد في هذه الدّنيا لا ينقصه ممّا قسم اللّه عزّ وجلّ له فيها وإن زهد، وإنّ حرص الحريص على عاجل زهرة الحياة الدّنيا لا يزيده فيها وإن حرص، فالمغبون من حرّم حظّه من الآخرة(2).
وعَنْ عَبْدِاللّه ِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وَهُوَ مَحْزُونٌ فَأَتَاهُ مَلَكٌ وَمَعَهُ مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ هَذِهِ مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ الْأَرْضِ يَقُولُ لَكَ رَبُّكَ افْتَحْ وَخُذْ مِنْهَا مَا شِئْتَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُنْقَصَ شَيْئاً عِنْدِي فَقَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لاَ دَارَ لَهُ وَلَهَا يَجْمَعُ مَنْ لاَ عَقْلَ لَهُ فَقَالَ الْمَلِكُ وَالَّذِي بَعَثَكَ
بِالْحَقِّ نَبِيّاً لَقَدْ سَمِعْتُ هَذَا الْكَلاَمَ مِنْ مَلَكٍ يَقُولُهُ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ حِينَ أُعْطِيتُ الْمَفَاتِيحَ(3).
وعَنْ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ سَمِعْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آلهيَقُولُ يَا عَلِيُّ إِنَّ اللّه َ تَعَالَى زَيَّنَكَ بِزِينَةٍ لَمْ يُزَيِّنِ الْعِبَادَ بِزِينَةٍ هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْهَا زَهَّدَكَ فِيهَا وَبَغَّضَهَا إِلَيْكَ وَحَبَّبَ إِلَيْكَ الْفُقَرَاءَ فَرَضِيتَ بِهِمْ أَتْبَاعاً وَرَضُوا بِكَ إِمَاما(4).
ص: 50
وَسَأَلَهُ - أميرالمؤمنين عليه السلام - أَعْرَابِيٌّ شَيْئاً فَأَمَرَ لَهُ بِأَلْفٍ فَقَالَ الْوَكِيلُ: مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ؟ فَقَالَ: كِلاَهُمَا عِنْدِي حَجَرَانِ فَأَعْطِ الْأَعْرَابِيَّ أَنْفَعَهُمَا لَهُ(1).
وعَنْ عَبْدِاللّه ِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: إِذَا أَرَادَ اللّه ُ بِعَبْدٍ خَيْراً زَهَّدَهُ فِي الدُّنْيَا وَفَقَّهَهُ فِي الدِّينِ وَبَصَّرَهُ عُيُوبَهَا وَمَنْ أُوتِيَهُنَّ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ وَقَالَ لَمْ يَطْلُبْ أَحَدٌ الْحَقَّ بِبَابٍ أَفْضَلَ مِنَ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ ضِدٌّ لِمَا طَلَبَ أَعْدَاءُ الْحَقِّ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ مِمَّا ذَا؟ قَالَ مِنَ الرَّغْبَةِ فِيهَا وَقَالَ أَ لاَ مِنْ صَبَّارٍ كَرِيمٍ فَإِنَّمَا هِيَ أَيَّامٌ قَلاَئِلُ أَلاَ إِنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تَجِدُوا طَعْمَ الاْءِيمَانِ حَتَّى تَزْهَدُوا فِي الدُّنْيَا.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللّه ِ عليه السلام يَقُولُ إِذَا تَخَلَّى الْمُؤمِنُ مِنَ الدُّنْيَا سَمَا وَوَجَدَ حَلاَوَةَ حُبِّ اللّه ِ وَكَانَ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا كَأَنَّهُ قَدْ خُولِطَ(2) وَإِنَّمَا خَالَطَ الْقَوْمَ حَلاَوَةُ حُبِّ اللّه ِ فَلَمْ يَشْتَغِلُوا بِغَيْرِهِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ الْقَلْبَ إِذَا صَفَا ضَاقَتْ بِهِ الْأَرْضُ حَتَّى يَسْمُوَ(3).
وعَنِ الزُّهْرِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ عِنْدَ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ مَا مِنْ عَمَلٍ بَعْدَ مَعْرِفَةِ اللّه ِ جَلَّ وَعَزَّ وَمَعْرِفَةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه و آله أَفْضَلَ مِنْ بُغْضِ الدُّنْيَا وَإِنَّ لِذَلِكَ لَشُعَباً كَثِيرَةً(4) وَلِلْمَعَاصِي شُعَباً فَأَوَّلُ مَا عُصِيَ اللّه ُ بِهِ الْكِبْرُ وَهِيَ مَعْصِيَةُ إِبْلِيسَ حِينَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ وَالْحِرْصُ وَهِيَ مَعْصِيَةُ آدَمَ وَحَوَّاءَ حِينَ قَالَ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا: «فَكُلا مِنْ حَيْثُ
ص: 51
شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ»(1) فَأَخَذَا مَا لاَ حَاجَةَ بِهِمَا إِلَيْهِ فَدَخَلَ ذَلِكَ(2) عَلَى ذُرِّيَّتِهِمَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَذَلِكَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا يَطْلُبُ ابْنُ آدَمَ مَا لاَ حَاجَةَ بِهِ إِلَيْهِ ثُمَّ الْحَسَدُ وَهِيَ مَعْصِيَةُ ابْنِ آدَمَ حَيْثُ حَسَدَ أَخَاهُ فَقَتَلَهُ فَتَشَعَّبَ مِنْ ذَلِكَ حُبُّ النِّسَاءِ وَحُبُّ الدُّنْيَا وَحُبُّ الرِّئَاسَةِ وَحُبُّ الرَّاحَةِ وَحُبُّ الْكَلاَمِ وَحُبُّ الْعُلُوِّ وَالثَّرْوَةِ فَصِرْنَ سَبْعَ خِصَالٍ فَاجْتَمَعْنَ كُلُّهُنَّ فِي حُبِّ الدُّنْيَا فَقَالَ الْأَنْبِيَاءُ وَالْعُلَمَاءُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ وَالدُّنْيَا دُنْيَاءَانِ دُنْيَا بَلاَغٌ(3) وَدُنْيَا مَلْعُونَةٌ(4).
وعَنِ الْوَشَّاءِ قَالَ سَمِعْتُ الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ص - لِلْحَوَارِيِّينَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنَ الدُّنْيَا كَمَا لاَ يَأْسَى أَهْلُ الدُّنْيَا عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنْ دِينِهِمْ إِذَا أَصَابُوا دُنْيَاهُمْ(5).
وعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الْحَذَّاءِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام حَدِّثْنِي بِمَا أَنْتَفِعُ بِهِ فَقَالَ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ أَكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ لَمْ يُكْثِرْ إِنْسَانٌ ذِكْرَ الْمَوْتِ إِلاَّ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا(6).
وعَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: مَا أَقْبَحَ بِالْمُؤمِنِ أَنْ تَكُونَ لَهُ رَغْبَةٌ تُذِلُّهُ(7).
وَقَالَ أميرالمؤمنين عليه السلام الزَّاهِدُونَ فِي الدُّنْيَا مُلُوكُ الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ وَمَنْ لَمْيَزْهَدْ فِي الدُّنْيَا وَرَغِبَ فِيهَا فَهُوَ فَقِيرُ الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ وَمَنْ زَهِدَ فِيهَا مَلَكَهَا
ص: 52
وَمَنْ رَغِبَ فِيهَا مَلَكَتْه(1).
وعَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: قِيلَ لِأَمِيرِ الْمُؤمِنِينَ عليه السلام مَا الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا قَالَ تَنَكُّبُ(2) حَرَامِهَا(3).
وعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ سَمِعْتُ أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ صلى الله عليه و آله يَقُولُ الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا قَصْرُ أَمَلٍ وَشُكْرُ كُلِّ نِعْمَةٍ وَالْوَرَعُ عَمَّا حَرَّمَ اللّه ُ عَلَيْكَ(4).
وعَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام لَيْسَ الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا بِإِضَاعَةِ الْمَالِ وَلاَ بِتَحْرِيمِ الْحَلاَلِ بَلِ الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا أَنْ لاَ تَكُونَ بِمَا فِي يَدِكَ أَوْثَقَ مِنْكَ بِمَا فِي يَدِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ(5).
وعَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ النَّخَعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عليه السلام عِنْدَ قَبْرٍ وَهُوَ يَقُولُ إِنَّ شَيْئاً هَذَا آخِرُهُ لَحَقِيقٌ أَنْ يُزْهَدَ فِي أَوَّلِهِ وَإِنَّ شَيْئاً هَذَا أَوَّلُهُ لَحَقِيقٌ أَنْ يُخَافَ آخِرُهُ(6).
وعَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ النَّاصِرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ الرِّضَا عَنْ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: سُئِلَ الصَّادِقُ عليه السلام عَنِ الزَّاهِدِ فِي الدُّنْيَا قَالَ الَّذِي يَتْرُكُ حَلاَلَهَا مَخَافَةَ حِسَابِهِ وَيَتْرُكُ حَرَامَهَا مَخَافَةَ عِقَابِهِ(7).
الى غير ما في هذا المعنى من الرّوايات، اذا عرفت ذلك فلنذكر اقسام الزّهد.
ص: 53
اعلم انّ الزهد ينقسم على ما ذكره أبو حامد الغزالى، تارة بالنظر الى نفسه، واخرى بالنّظر الى المرغوب فيه، وثالثة بالنّظر الى المرغوب عنه.
اما الاول فهو انّه يتفاوت بحسب الشدّة والضّعف والكمال والنقصان على مراتب ثلاث:
المرتبة الاولى وهى السّفلى أن يزهد في الدّنيا وهو لها راغب والقلب اليها مايل ونفسه لها مشتهية ولكنّه يجاهدها ويكفّها وهذا يسمّى المتزّهد.
المرتبة الثّانية ترك الدّنيا طوعا لاستحقاره إيّاها بالاضافة إلى ما طمع فيه كالذي يترك درهما لأجل درهمين فانّه لا يشقّ عليه ذلك وإن كان يحتاج إلى انتظار قليل ولكن هذا الزّاهد لا محالة يرى زهده ويلتفت إليه، ويكون معجبا بنفسه وبزهده ويظن في نفسه أنّه ترك شيئا له قدر لما هو أعظم قدرا منه.
المرتبة الثالثة وهي العليا الزّهد طوعا والزّهد في الزهد بأن لا يرى زهده إذ لا يرى أنّه ترك شيئا لمعرفته بأنّ الدنيا لا شيء كمن ترك قذرة (خزفة) وأخذ جوهرة فلا يرى ذلك معاوضة ولا يرى نفسه تاركا شيئا إذا لدنيا بالنّسبة الى الآخرة أخسّ من قذرة (خزفة) بالنّسبة إلى الجوهرة فهذا هو الكمال في الزّهد وسببه كمال المعرفة(1).
واما الثاني فهو أنّه ينقسم بالنّسبة إلى المرغوب فيه أيضا على ثلاث مراتب.
المرتبة الاولى أن يكون المرغوب فيه النّجاة من النّار ومن ساير الآلام كعذاب القبر وطول الحساب وخطر الصراط و ساير ما بين يدي الانسان من الأهوال على ما وردت في الأخبار.
ص: 54
المرتبة الثانية أن يكون المرغوب فيه اللذائذ الموعودة والنعم الموجودة في الجنّة من الحور والقصور والأنهار والأثمار وساير ما أعدّت للمتقين وهذا زهد الراجين فانّهم لم يتركوا الدنيا قناعة بالعدم وخلاصا من الألم وإنّما تركوها رغبة في وجود دائم وطمعا في نعمة غير منقطعة.
المرتبة الثالثة أن لا يكون له رغبة إلاّ في اللّه وفي لقائه فلا يكون له توجّه إلى الآلام ليقصد الخلاص منها، ولا التفات إلى النعم ليقصد الفوز بها، بل هو مستغرق الهمّ باللّه وهو الذي أصبح وهمّه هم واحد، وهو الموحّد الحقيقي الذي لا يطلب غير اللّه إذ طلب غيره سبحانه لا يخلو من شرك خفيّ.
وهذه المرتبة مختصّة بالتّأمين في المحبة والكاملين في مقام الرّضا، وليس غرضهم إلاّ تحصيل الرّضوان ولا لهم نظر إلى الحور والقصور وساير اللذائذ الموجودة في الجنان لأنّ لذايذ الجنّة كلّها عندهم بالنسبة إلى لذّة الاستغراق والفناء مثل لذّة اللعب بالعصفور والاستيلاء عليه بالنّسبة إلى لذّة الملك والاستيلاء
على أطراف الأرض ورقاب الخلق، والطالبون لنعيم الجنة عند أهل المعرفة والكمال كالصبىّ الطالب للّعب بالعصفور التارك للذّة السّلطنة والملك من حيث قصوره عن ادراك هذه اللذة وإلى هذه أشير في قوله تعالى: «وَعَدَ اللّه ُ الْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللّه ِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»(1)؛ اى الرّضوان من اللّه اكبر من
جميع ما في الجنات من اللذات وهو الفوز العظيم اذ هو غاية كلّ لذّة ومنتهى كلّ سعادة يستحقر دونه كلّ بهجة(2).
ص: 55
واما الثالث أعنى الانقسام بالنّسبة إلى المرغوب عنه فنقول: إنّ الأقسام بالنّسبة إلى ذلك كثيرة غير محصورة إلاّ أنّ هناك مجامع محيطة بها إجمالا وهى أيضا متفاوتة المراتب بعضها أجمل وبعضها أشرح لآحاد الأقسام وأقرب إلى التفصيل.
أمّا الاجمال في الدّرجة الأولى فهو كلّ ما سوى اللّه فينبغى أن يزهد فيه حتّى يزهد في نفسه أيضا.
وأمّا الاجمال في الدّرجة الثّانية فهو أن يزهد في كلّ صفة للنّفس فيها تمتع وشهوة، وهذا يتناول جميع مقتضيات الطبع من الشهوة والغضب والكبر والرّياسة والمال والجاه وغيرها.
وأمّا الاجمال في الدّرجة الثّالثة فهو أن يزهد في المال والجاه وأسبابهما إذ إليهما ترجع جميع حظوظ النّفس.
وأما الاجمال في الدّرجة الرّابعة فهو أن يزهد في العلم والقدرة والدّينار والدرهم والجاه إذ الأموال وإن كثرت أصنافها فيجمعها الدّينار والدرهم، والجاه وإن كثرت أسبابه فيرجع الى العلم والقدرة وأعنى به كلّ علم وقدرة يتعلّق بملك القلوب فانّ المقصود بالجاه ملك القلوب والقدرة والاستيلاء عليها مع الشّعور بذلك كما أنّ المقصود بالمال ملك الأعيان والقدرة عليها، فان جاوزنا عن هذا التفصيل الاجمالي إلى شرح وتفصيل أبلغ من ذلك يكاد يخرج ما فيه الزّهد عن الحصر، وقد ذكر اللّه تعالى في آية واحدة سبعة منها فقال: «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْل
ص: 56
ِالْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللّه ُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ»(1).
ثمّ ردّها في آية اخرى إلى خمسة فقال عزّ وجلّ: «أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ
وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ»(2).
ثمّ ردّها في موضع آخر الى اثنين فقال تعالى:: «وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ»(3).
ثمّ ردّ الكلّ الى واحد فقال: «وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى»(4).
فالهوى لفظ جامع لجميع حظوظ النّفس في الدّنيا فينبغي أن يكون الزّهد فيه(5)، فأعلى مراتب الزهد بالنّسبة إلى المرغوب عنه هو الزّهد عن ما سوى اللّه، وبعدها الزّهد عن حظوظ النّفس وأدناها الزّهد عن المحرمات الشّرعيّة، واللّه ولىّ التّوفيق.
الثانية اعلم ان الزهد وان كان ترك الدنيا قد اخذ فى ماهيته وانه عبارة عن اعراض الدنيا وما فيها والاقبال الى الآخرة وما اعد فيها الا ان هذا المعنى لا يفسر
بما توهمه بعض من لا خبرة له من ان الزاهد يجب عليه ترك الاستفادة من النعم الالهية مطلقا وذلك لان هذا المعنى لا يساعده العقل والنقل والمهم لنا فى هذا الشرح النقل الذى هو فى الحقيقة يويد العقل.فمنها: قال اللّه تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّه ُ لَكُمْ
ص: 57
وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللّه َ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين؛ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّه ُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللّه َ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤمِنُون»(1).
وقال تعالى: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّه ِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْق»(2).
وقال تعالى: «وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللّه ُ الدَّارَ الاْخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا»(3).
وغيرها من الآيات التى قد دلت بمنطوقها على حلية الاكل والشرب وغيرهما من النعم الالهية وقد وردت به الاخبار ايضا.
منها: ما عن تَفْسِيرِ النُّعْمَانِيِّ عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام قَالَ: إِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا
حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمُ النِّسَاءَ وَالاْءِفْطَارَ بِالنَّهَارِ وَالنَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَأَخْبَرَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله - فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَ تَرْغَبُونَ عَنِ النِّسَاءِ إِنِّي آتِي النِّسَاءَ وَآكُلُ بِالنَّهَارِ وَأَنَامُ بِاللَّيْلِ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي وَأَنْزَلَ اللّه ُ «لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّه ُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللّه َ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّه ُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللّه َ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤمِنُونَ»(4).(5)
ومنها: عَنْ سُكَيْنٍ النَّخَعِيِّ وَكَانَ تَعَبَّدَ وَتَرَكَ النِّسَاءَ وَالطِّيبَ وَالطَّعَامَ فَكَتَبَ إِلَى أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَمَّا قَوْلُكَ فِي النِّسَاءِ فَقَدْ عَلِمْتَ مَا كَانَ لِرَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله مِنَ النِّسَاءِ وَأَمَّا قَوْلُكَ فِي الطَّعَامِ فَكَانَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آلهيَأْكُلُ اللَّحْمَوَالْعَسَلَ(6).
ومنها: عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ هِلاَلٍ الشَّامِيِّ مَوْلَى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ لَهُ
ص: 58
جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا أَعْجَبَ إِلَى النَّاسِ مَنْ يَأْكُلُ الْجَشِبَ وَيَلْبَسُ الْخَشِنَ وَيَتَخَشَّعُ فَقَالَ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ يُوسُفَ عليه السلام نَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ كَانَ يَلْبَسُ أَقْبِيَةَ الدِّيبَاجِ مَزْرُورَةً بِالذَّهَبِ وَيَجْلِسُ فِي مَجَالِسِ آلِ فِرْعَوْنَ - إلى أن قال - إِنَّ اللّه َ لاَ يُحَرِّمُ طَعَاماً وَلاَ شَرَاباً مِنْ حَلاَلٍ وَإِنَّمَا حَرَّمَ الْحَرَامَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَقَدْ قَالَ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّه ِ
الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ»(1).(2)
وعَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ قَالَ سَمِعْتُ الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام يَلْبَسُ ثَوْبَيْنِ فِي الصَّيْفِ يُشْتَرَيَانِ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ(3).
وعَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: لَبِسَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله السَّاجَ وَالطَّاقَ وَالْخَمَائِصَ(4).
ولبس على عليه السلاممع زهده ذاك حلة قيمتها الف دينار وكان النبى صلى الله عليه و آلهكساه اياه(5).
نعم كان يقتصر غالبا باقل ما يكفيه فانه وجد رضى اللّه فى ذلك فان الانسان فى الدنيا عابر سبيل يكفيه البلغة وما يسد جوعته ويستر عورته وكذلك كان سليمان نبيا زاهدا وكذا يوسف كان نبيا زاهدا وكان ذوالقرنين زاهدا تقيا مع ما كان لهم من الملك فان ذلك كان منهم للّه وفى اللّه فلا يلهيهم عن اللّه وكانوا زهادا
عن غير اللّه انتهى.
ص: 59
مَا أَصِفُ مِنْ دَارٍ أَوَّلُهَا عَنَاءٌ وَآخِرُهَا فَنَاءٌ - فِي حَلاَلِهَا حِسَابٌ وَفِي حَرَامِهَا عِقَابٌ - مَنِ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ - وَمَنِ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ وَمَنْ سَاعَاهَا فَاتَتْهُ - وَمَنْ قَعَدَ عَنْهَا وَاتَتْهُ وَمَنْ أَبْصَرَ بِهَا بَصَّرَتْهُ - وَمَنْ أَبْصَرَ إِلَيْهَا أَعْمَتْهُ.
أقول: وإذا تأمّل المتأمّل قوله عليه السلام: «من أبصر بها بصّرته» وجد تحته من المعنى العجيب، والغرض البعيد، ما لا تبلغ غايته ولا يدرك غوره، ولا سيّما إذا قرن إليه قوله: «و من أبصر إليها أعمته» فانّه يجد الفرق بين أبصر بها وأبصر إليها، واضحا نيّرا، وعجيبا باهرا».
روى المبرد: قال رجل لعليّ عليه السلام - وهو في خطبته - صف لنا الدّنيا، فقال عليه السلام«ما
أصف من دار أوّلها عناء، وآخرها فناء، في حلالها حساب وفي حرامها عقاب، من صحّ فيها أمن، ومن مرض فيها ندم، ومن استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن(1).
وروى المسعودى: «دخل رجل على عليّ عليه السلام فقال: كيف أصبحت قال: أصبحت ضعيفا، آكل رزقي وأنتظر أجلى» قال: وما تقول في الدّنيا قال: «و ما أقول في دار أوّلها غمّ، وآخرها موت، من استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن،
ص: 60
حلالها حساب وحرامها عقاب» قال: فأيّ الخلق أنعم؟ قال: «أجساد تحت التّراب قد أمنت العقاب، وهي منتظرة الثواب» (1).
وروى ابن طلحة: قال عليّ عليه السلاميوما - وأحدق الناس به -: أحذّركم الدّنيا فانّها منزل قلعة وليست بدار نجعة، هانت على ربّها، فخلط خيرها بشرّها، وحلوها بمرّها، لم يصفها لأوليائه ولم يضربها على أعدائه، وهي دار ممرّ لا دار مستقرّ، فيها رجلان: رجل باع نفسه فأوبقها، ورجل ابتاع نفسه فأعتقها، إن اعذوذب منها جانبا فحلا، أمرّ منها جانب فأوبى، أوّلها عناء، وآخرها فناء، من استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن، من ساعاها فاتته، ومن قعد عنها أتته ومن أبصر بها بصّرته، ومن أبصر إليها أعمته، فالإنسان فيها غرض المنايا، مع كلّ جرعة شرق ومع كلّ أكلة غصص، لا ينال منها نعمة إلاّ بفراق أخرى(2).
أي: التعب، وأوّلها عناء حيث أنّ الإنسان لابدّ أن يكدّ ويجهد في أوّل عمره حتّى يؤمّن معاشه بمشقّات كثيرة قال تعالى: «لَقَدْ خَلَقْنَا الاْءِنْسانَ فِي كَبَد»(3) ومن لطائف الاشعار قول ابى الحسن التهامى يرثى ابنه:
طبعت على كدر وانت تريدها
صفوا من الأقذار والأكدار
ومكلّف الأيّام ضدّ طباعها
متطلّب في الماء جذوة نار(4)
ص: 61
«وآخرها فناء» حيث أنّه بعد تحصيل الأموال والعلائق يتركها ويرحل إلى
الآخرة، قال تعالى: «وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ...(1) وقال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُون»(2).
وقال تعالى: «كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَه»(3).
وقال تعالى: «كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالاْءِكْرام»(4).
قال الرضى رحمه اللّه تعالى:
وأولنا العناء إذا طلعنا
إلى الدنيا وآخرنا الذهاب(5)
وعن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال: إنّي جالس في تلك الليلة التي قتل ابي في صبيحتها وعمّتي زينب تمرّضني إذ اعتزل أبي أصحابه في خباء له وعنده جون مولى أبي ذرّ وهو يعالج سيفه ويصلحه، وأبي يقول:
يا دهر افّ لك من خليل
كم لك بالإشراق والأصيل
من صاحب أو طالب قتيل
والدّهر لا يقنع بالبديل
وإنّما الأمر إلى الجليل
وكلّ حيّ سالك السّبيل
فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى فهمتها، فعرفت ما أراد، فخنقتني عبرتي، فرددت دمعي، ولزمت السّكوت، فعلمت أنّ البلاء قد نزل، فامّا عمّتي فإنّها سمعت ما سمعت - وهي امرأة - وفي النساء الرقّة والجزع، فلم تملك نفسها أن وثبت تجرّثوبها، وإنّها لحاسرة حتّى انتهت إليه فقالت: «وا ثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة،
ص: 62
اليوم ماتت فاطمة امّي، وعليّ أبي، وحسن أخي، يا خليفة الماضين وثمال الباقين» فنظر إليها أبي عليه السلام فقال: يا اخيّة لا يذهب حلمك الشيطان، قالت: «بأبي أنت وأمّي استقتلت، نفسي فداك» فردّ غصّته وترقرقت عيناه وقال: لو ترك القطا ليلا لنام. قالت: يا ويلتى أ فتغتصب نفسك اغتصابا فذلك أقرح لقلبي، وأشدّ على نفسي، فلطمت وجهها وأهوت إلى جيبها و شقّته وخرّت مغشيا عليها فقام إليها أبي فصبّ على وجهها الماء وقال لها: يا اخيّة اتّقي اللّه وتعزّي بعزاء اللّه، واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون، وأنّ أهل السماء لا يبقون، وأنّ كلّ شيء هالك إلاّ وجه اللّه، الذي خلق الأرض بقدرته، ويبعث الخلق فيعودون، وهو فرد وحده، أبي خير منّي، وامّي خير مني، وأخي خير منّي، ولي ولهم ولكلّ مسلم برسول اللّه صلّى اللّه
عليه وآله اسوة حسنة(1).
قال سبحانه: «اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُون»(2).
وقال تعالى: «إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ»(3).
وقال تعالى: «وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئا وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ»(4).
وقال تعالى: «يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي
ص: 63
السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللّه ُ إِنَّ اللّه َ لَطِيفٌ خَبِير»(1).
وقال تعالى: «وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبا»(2).
وقال تعالى: «وَوَجَدَ اللّه َ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللّه ُ سَرِيعُ الْحِسابِ»(3).
قال الطبرسى لا يشغله حساب عن حساب فيحاسب الجميع على أفعالهم في حالة واحدة وسئل أميرالمؤمنين عليه السلام كيف يحاسبهم في حالة واحدة؟ فقال: كما يرزقهم في حالة واحدة(4).
وورد في الخبر أنه تعالى يحاسب الخلائق كلهم في مقدار لمح البصر(5).
واعلم أنّ الحساب في القيامة مما يجب أن يؤمن به وأما أنّ المحاسب عليه والمسئول عنه ما ذا فقد اختلف فيه الأخبار فبعضها كالآيات واردة على نحو العموم أو الاطلاق وبعضها مخصوصة أو مقيّدة.
ففى النبوىّ المعروف بين الخاصّة والعامّة عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ حَوْلَهُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ - لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ وَعَنْ مَالِهِ مِمَّا كَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ حُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللّه ِ وَمَا آيَةُ حُبِّكُمْ مِنْ بَعْدِكَ قَالَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام وَهُوَ إِلَى جَنْبِهِ فَقَالَ آيَةُ حُبِّنَا مِنْبَعْدِي حُبُّ هَذَا(6).
ص: 64
وعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَبَّاسِ الصَّوْلِيِّ قَالَ: كُنَّا يَوْماً بَيْنَ يَدَيْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا عليه السلام فَقَالَ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا نَعِيمٌ حَقِيقِيٌّ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِمَّنْ حَضَرَهُ فَيَقُولُ
اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ «ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ»(1) أَ مَا هَذَا النَّعِيمُ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ الْمَاءُ الْبَارِدُ فَقَالَ لَهُ الرِّضَا عليه السلام وَعَلاَ صَوْتُهُ كَذَا فَسَّرْتُمُوهُ أَنْتُمْ وَجَعَلْتُمُوهُ عَلَى ضُرُوبٍ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ الْمَاءُ الْبَارِدُ وَقَالَ غَيْرُهُمْ هُوَ الطَّعَامُ الطَّيِّبُ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ طِيبُ النَّوْمِ (هو النوم الطيب) وَلَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلامأَنَّ أَقْوَالَكُمْ هَذِهِ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ فِي قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ «ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ»(2) فَغَضِبَ عليه السلام وَقَالَ إِنَّ اللّه َ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَسْأَلُ عِبَادَهُ عَمَّا تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِهِ وَلاَ يَمُنُّ بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَالاِمْتِنَانُ بِالاْءِنْعَامِ مُسْتَقْبَحٌ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ فَكَيْفَ يُضَافُ إِلَى الْخَالِقِ عَزَّ وَجَلَّ مَا لاَ يَرْضَى لِلْمَخْلُوقِينَ بِهِ (ما لا يرضى المخلوق به) وَلَكِنَّ النَّعِيمَ حُبُّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَمُوَالاتُنَا يَسْأَلُ اللّه ُ عَنْهُ بَعْدَ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا وَفَى بِذَلِكَ أَدَّاهُ إِلَى نَعِيمِ الْجَنَّةِ الَّتِي لاَ تَزُولُ وَلَقَدْ حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَلِيٍّ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: يَا عَلِيُّ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ بَعْدَ مَوْتِهِ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللّه ُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللّه ِ وَأَنَّكَ وَلِيُّ الْمُؤمِنِينَ بِمَا جَعَلَهُ اللّه ُ وَجَعَلْتُهُ لَكَ فَمَنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَكَانَ يَعْتَقِدُهُ صَارَ إِلَى النَّعِيمِ الَّذِي لاَ زَوَالَ لَهُ الْخَبَرَ(3).
وعن على بن الحسين عليهما السلام: اعْلَمُوا عِبَادَ اللّه ِ أَنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ لاَ تُنْصَبُ لَهُمُ الْمَوَازِينُ وَلاَ تُنْشَرُ لَهُمُ الدَّوَاوِينُ وَإِنَّمَا يُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً وَإِنَّمَا تُنْصَبُ
ص: 65
الْمَوَازِينُ وَتُنْشَرُ الدَّوَاوِينُ لِأَهْلِ الاْءِسْلاَم(1).
وعَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَأْمُرُ اللّه ُ تَعَالَى مُنَادِياً فَيُنَادِي أَيْنَ الْفُقَرَاءُ فَيَقُومُ عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ فَيُؤمَرُ بِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَأْتُونَ بَابَ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ قَبْلَ الْحِسَابِ فَيَقُولُونَ مَا أَعْطَوْنَا شَيْئاً فَيُحَاسِبُونَا عَلَيْهِ فَيَقُولُ اللّه ُ تَعَالَى صَدَقُوا عِبَادِي مَا أَفْقَرْتُكُمْ هَوَاناً بِكُمْ وَلَكِنِ ادَّخَرْتُ هَذَا لَكُمْ لِهَذَا الْيَوْمِ فَيَقُولُ لَهُمُ انْظُرُوا وَتَصَفَّحُوا وُجُوهَ النَّاسِ فَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفاً فَخُذُوا بِيَدِهِ وَأَدْخِلُوهُ الْجَنَّةَ(2).
وعن النّبيّ صلى الله عليه و آله يدخل الفقراء الجنّة قبل الأغنياء بنصف يوم ومقداره خمسمائة عام(3).
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام قَالَ: إِذَا جَمَعَ اللّه ُ الْأَوَّلِينَ وَالاْخِرِينَ قَامَ مُنَادٍ يُنَادِي بِصَوْتٍ يَسْمَعُ النَّاسُ فَيَقُولُ أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ فِي اللّه ِ قَالَ فَيَقُومُ عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ لَهُمُ اذْهَبُوا إِلَى الْجَنَّةِ بِغَيْرِ حِسَاب(4)، هذا.
وقال تعالى: «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً * وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُورا»(5).
فِي الْحَدِيثِ عن النبى صلى الله عليه و آله: ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ حَاسَبَهُ اللّه ُ حِساباً يَسِيراً وَأَدْخَلَهُ اللّه ُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ. قَالُوا: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللّه ِ؟ قَالَ: تُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ، وَتَصِلُ مَنْ
ص: 66
قَطَعَكَ، وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ(1).
وعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليه السلام قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ
وَقَفَ عَبْدَانِ مُؤمِنَانِ لِلْحِسَابِ كِلاَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَقِيرٌ فِي الدُّنْيَا وَغَنِيٌّ فِي الدُّنْيَا فَيَقُولُ الْفَقِيرُ يَا رَبِّ عَلَى مَا أُوقَفُ فَوَ عِزَّتِكَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّكَ لَمْ تُوَلِّنِي وِلاَيَةً فَأَعْدِلَ فِيهَا أَوْ أَجُورَ وَلَمْ تَرْزُقْنِي مَالاً فَأُؤدِّيَ مِنْهُ حَقّاً أَوْ أَمْنَعَ وَلاَ كَانَ رِزْقِي يَأْتِينِي مِنْهَا إِلاَّ كَفَافاً عَلَى مَا عَلِمْتَ وَقَدَّرْتَ لِي فَيَقُولُ اللّه ُ جَلَّ جَلاَلُهُ صَدَقَ عَبْدِي خَلُّوا عَنْهُ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ وَيَبْقَى الاْخَرُ حَتَّى يَسِيلَ مِنْهُ مِنَ الْعَرَقِ مَا لَوْ شَرِبَهُ أَرْبَعُونَ بَعِيراً لَكَفَاهَا ثُمَّ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ لَهُ الْفَقِيرُ مَا حَبَسَكَ فَيَقُولُ طُولُ الْحِسَابِ مَا زَالَ الشَّيْءُ يَجِيئُنِي بَعْدَ الشَّيْءِ يَغْفِرُ لِي ثُمَّ أُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ آخَرَ حَتَّى تَغَمَّدَنِيَ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ بِرَحْمَتِهِ وَأَلْحَقَنِي بِالتَّائِبِينَ فَمَنْ أَنْتَ فَيَقُولُ أَنَا الْفَقِيرُ الَّذِي كُنْتُ مَعَكَ آنِفاً فَيَقُولُ لَقَدْ غَيَّرَكَ النَّعِيمُ بَعْدِي(2).
وقال المحدّث المجلسي: إنّ المعلوم من الآيات والأخبار أنّ الحساب والسّؤال حقّ وأما الخصوصيّة في المسئول والمسئول عنه والمحاسب والمحاسب عليه فغير معلومة.
فذهب جمع إلى أنّ السّؤال من جميع النّعم والأموال الدّنيوية، ويدلّ عليه الأخبار الخاصيّة والعاميّة الدّالة على أنّ في حلالها حسابا وفي حرامها عقابا، والمستفاد من طائفة من الرّوايات أنّ المؤمن لا حساب عليه، وفي بعضها أنّه لاحساب في المأكول والملبوس والمنكوح، ويستفاد من بعض الأخبار أنّ قوما
ص: 67
يدخلون الجنّة بغير حساب كما مرّ في رواية جامع الأخبار ومن بعضها أنّ بعض الأعمال الصّالحة يوجب دخول صاحبه على الجنة بلا حساب، فهذه مخصوصة لعمومات أدلّة الحساب.
ويمكن الجمع بين الرّوايات بوجهين.
أحدهما حمل الأخبار النّافية للحساب على انتفائه في حقّ المؤمن والأخبار المثبتة على ثبوته فى حقّ غير المؤمن.
والثاني حمل الأخبار الاولة على عدمه في الامور الضّرورية مثل الثلاثة السّابقة وحمل الأخبار الثّانية على وجوده في غير الامور الضّرورية كالاسراف والتّبذير والصّرف في المحرّمات والكسب من غير الوجوه المشروعة أو زايدا على قدر الحاجة الموجب تحصيله لتضييع العمر وتفويت الزّمان فافهم(1).
عن جنادة بن اميّة قال: دخلت على الحسن عليه السلامفي مرضه الذي توفي فيه - بين يديه طست يقذف عليه الدّم ويخرج كبده قطعة، قطعة، من السمّ الذي سقاه معاوية، فقلت: مالك لا تعالج نفسك، فقال: بماذا أعالج الموت قلت: انّا للّه وإنّا إليه
راجعون ثمّ التفت إليّ فقال: واللّه لقد عهد الينا النبي صلّى اللّه عليه وآله أنّ هذا الأمر يملكه اثنا عشر من ولد علي وفاطمة عليهاالسلام: ما منّا إلاّ مسموم أو مقتول، ثمّ رفع الطست وبكى، فقلت له: عظني يا ابن رسول اللّه قال: نعم، استعدّ لسفرك، وحصّل
ص: 68
زادك، قبل حلول أجلك، واعلم أنّك إنّما تطلب الدّنيا، والموت يطلبك، ولا تحمل همّ يومك الذي لم يأتك على يومك الذي أنت فيه، واعلم أنّك لا تكسب من المال شيئا فوق قوتك إلاّ كنت فيه خازنا لغيرك، واعلم أنّ الدّنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب، وفي شبهاتها عتاب، فأنزل الدّنيا منك بمنزلة الميتة خذ منها ما يكفيك، فإن كان ذلك حلالا كنت قد زهدت فيها، وإن كان حراما لم يكن فيه وزر، فأخذت كما أخذت من الميتة وإن كان العتاب فإنّ العتاب يسير، واعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا، وإذا أردت عزّا بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فاخرج من ذلّ معصية اللّه إلى عزّ طاعته(1).
وإلى هذا الوصف وسابقه نظر الشّاعر في قوله:
الدّهر يومان فيوم مضى
عنك بما فيه ويوم جديد
حلال يوميك حساب وفي
حرام يوميك عقاب شديد
تجمع ما يأكله وارث
وأنت في القبر وحيد فريد
انّى لغيري واعظ تارك
نفسى وقولى من فعالى بعيد
حلاوة الدّنيا ولذّاتها
تكلّف العاقل ما لا يريد(2)
وقال ابوذر: «صاحب الدّرهم يوم القيامة أخفّ حسابا من صاحب الدّرهمين»(3).
ص: 69
قال سبحانه وتعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَاولادكم فتنة»(1).
وقال تعالى: «وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللّه َ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللّه َ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ»(2).
وقال تعالى: «إِنَّ الاْءِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى»(3).
وقال تعالى: «وَلَوْ بَسَطَ اللّه ُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ...»(4).
ولبعضهم:
فمن يحمد الدّنيا لحسن بلائها
فسوف لعمري عن قليل يلومها
إذا أقبلت كانت على المرء فتنة
وان أدبرت كانت كثيرا همومها(5)
وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله مُؤمِنٌ فَقِيرٌ شَدِيدُ الْحَاجَةِ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَكَانَ مُلاَزِماً لِرَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عِنْدَ مَوَاقِيتِ الصَّلاَةِ كُلِّهَا لاَ يَفْقِدُهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَكَانَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يَرِقُّ لَهُ وَيَنْظُرُ إِلَى حَاجَتِهِ وَغُرْبَتِهِ فَيَقُولُ يَا سَعْدُ لَوْ قَدْ جَاءَنِي شَيْءٌ لَأَغْنَيْتُكَ قَالَ فَأَبْطَأَ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آلهفَاشْتَدَّ غَمُّ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله لِسَعْدٍ فَعَلِمَ اللّه ُ سُبْحَانَهُ مَا دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللّه ِ مِنْ
غَمِّهِ لِسَعْدٍ فَأَهْبَطَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلَ عليه السلام وَمَعَهُ دِرْهَمَانِ فَقَالَ لَهُ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللّه َ قَدْ عَلِمَ مَا قَدْ دَخَلَكَ مِنَ الْغَمِّ لِسَعْدٍ أَ فَتُحِبُّ أَنْ تُغْنِيَهُ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ لَهُ فَهَاكَ هَذَيْنِ الدِّرْهَمَيْنِ
ص: 70
فَأَعْطِهِمَا إِيَّاهُ وَمُرْهُ أَنْ يَتَّجِرَ بِهِمَا قَالَ فَأَخَذَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ثُمَّ خَرَجَ إِلَى صَلاَةِ الظُّهْرِ وَسَعْدٌ قَائِمٌ عَلَى بَابِ حُجُرَاتِ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آلهيَنْتَظِرُهُ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله قَالَ يَا سَعْدُ أَ تُحْسِنُ التِّجَارَةَ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ وَاللّه ِ مَا أَصْبَحْتُ أَمْلِكُ مَالاً أَتَّجِرُ بِهِ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله الدِّرْهَمَيْنِ وَقَالَ لَهُ اتَّجِرْ بِهِمَا وَتَصَرَّفْ لِرِزْقِ اللّه ِ فَأَخَذَهُمَا سَعْدٌ وَمَضَى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله حَتَّى صَلَّى مَعَهُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله: قُمْ فَاطْلُبِ الرِّزْقَ فَقَدْ كُنْتُ بِحَالِكَ مُغْتَمّاً يَا سَعْدُ قَالَ فَأَقْبَلَ سَعْدٌ لاَ يَشْتَرِي بِدِرْهَمٍ شَيْئاً إِلاَّ بَاعَهُ بِدِرْهَمَيْنِ وَلاَ يَشْتَرِي شَيْئاً بِدِرْهَمَيْنِ إِلاَّ بَاعَهُ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فَأَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى سَعْدٍ فَكَثُرَ مَتَاعُهُ وَمَالُهُ وَعَظُمَتْ تِجَارَتُهُ فَاتَّخَذَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مَوْضِعاً وَجَلَسَ فِيهِ فَجَمَعَ تِجَارَتَهُ إِلَيْهِ وَكَانَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله إِذَا أَقَامَ بِلاَلٌ لِلصَّلاَةِ يَخْرُجُ وَسَعْدٌ مَشْغُولٌ بِالدُّنْيَا
لَمْ يَتَطَهَّرْ وَلَمْ يَتَهَيَّأْ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ قَبْلَ أَنْ يَتَشَاغَلَ بِالدُّنْيَا فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله يَقُولُ يَا سَعْدُ شَغَلَتْكَ الدُّنْيَا عَنِ الصَّلاَةِ فَكَانَ يَقُولُ مَا أَصْنَعُ أُضَيِّعُ مَالِي هَذَا رَجُلٌ قَدْ بِعْتُهُ فَأُرِيدُ أَنْ أَسْتَوْفِيَ مِنْهُ وَهَذَا رَجُلٌ قَدِ اشْتَرَيْتُ مِنْهُ فَأُرِيدُ أَنْ أُوفِيَهُ قَالَ فَدَخَلَ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله مِنْ أَمْرِ سَعْدٍ غَمٌّ أَشَدُّ مِنْ غَمِّهِ بِفَقْرِهِ فَهَبَطَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلامفَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللّه َ قَدْ عَلِمَ غَمَّكَ بِسَعْدٍ فَأَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ حَالُهُ الْأُولَى أَوْ حَالُهُ هَذِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله
يَا جَبْرَئِيلُ بَلْ حَالُهُ الْأُولَى قَدْ أَذْهَبَتْ دُنْيَاهُ بِآخِرَتِهِ فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام إِنَّ حُبَّ الدُّنْيَا وَالْأَمْوَالِ فِتْنَةٌ وَمَشْغَلَةٌ عَنِ الاْخِرَةِ قُلْ لِسَعْدٍ يَرُدُّ عَلَيْكَ الدِّرْهَمَيْنِ اللَّذَيْنِ دَفَعْتَهُمَا إِلَيْهِ فَإِنَّ أَمْرَهُ سَيَصِيرُ إِلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا أَوَّلاً قَالَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله
فَمَرَّ بِسَعْدٍ فَقَالَ لَهُ يَا سَعْدُ أَ مَا تُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ الدِّرْهَمَيْنِ اللَّذَيْنِ أَعْطَيْتُكَهُمَا فَقَالَ سَعْدٌ بَلَى وَمِائَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ لَسْتُ أُرِيدُ مِنْكَ يَا سَعْدُ إِلاَّ الدِّرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُ سَعْدٌ دِرْهَمَيْنِ قَالَ فَأَدْبَرَتِ الدُّنْيَا عَلَى سَعْدٍ حَتَّى ذَهَبَ مَا كَانَ جَمَعَ وَعَادَ إِلَى حَالِهِ الَّتِي
ص: 71
كَانَ عَلَيْهَا(1).
وعَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مُوسِرٌ إِلَى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله نَقِيُّ الثَّوْبِ فَجَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فَجَاءَ رَجُلٌ مُعْسِرٌ دَرِنُ الثَّوْبِ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِ الْمُوسِرِ فَقَبَضَ الْمُوسِرُ ثِيَابَهُ مِنْ تَحْتِ فَخِذَيْهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أَ خِفْتَ أَنْ يَمَسَّكَ مِنْ فَقْرِهِ شَيْءٌ قَالَ لاَ قَالَ فَخِفْتَ أَنْ يُصِيبَهُ مِنْ غِنَاكَ شَيْءٌ قَالَ لاَ قَالَ فَخِفْتَ أَنْ يُوَسِّخَ ثِيَابَكَ قَالَ لاَ قَالَ فَمَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّه ِ إِنَّ لِي قَرِيناً يُزَيِّنُ لِي كُلَّ قَبِيحٍ وَيُقَبِّحُ لِي كُلَّ حَسَنٍ وَقَدْ جَعَلْتُ لَهُ نِصْفَ مَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله لِلْمُعْسِرِ أَ تَقْبَلُ قَالَ لاَ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ وَلِمَ قَالَ أَخَافُ أَنْ يَدْخُلَنِي مَا دَخَلَكَ(2).
وعن ابى عبداللّه عليه السلام ما كان من ولد آدم مؤمن إلاّ فقيرا، ولا كافر إلاّ غنيّا حتى جاء إبراهيم عليه السلامفقال: رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا...(3) فصيّر اللّه في هؤلاء أموالا وحاجة وفي هؤلاء أموالا وحاجة(4).
وعن ابى عبداللّه عليه السلام لولا إلحاح المؤمن على اللّه في طلب الرزق، لنقلهم من الحال التي هم فيها إلى حال أضيق منها(5).
حتى قالوا: «الفقر الموت الأحمر».
ص: 72
وقال النّبيّ صلى الله عليه و آله الفقر أشدّ من القتل، وقال أوحى اللّه إلى إبراهيم فقال يا إبراهيم خلقتك وابتليتك بنار نمرود فلو ابتليتك بالفقر ورفعت عنك الصبر فما تصنع؟ قال إبراهيم: يا ربّ الفقر إلىّ أشدّ من نار نمرود قال اللّه تعالى: فبعزّتى وجلالي ما
خلقت في السّماء والأرض أشدّ من الفقر الحديث(1).
وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: فِي التَّوْرَاةِ الْفَقْرُ الْمَوْتُ الْأَكْبَر (2).
وقال النبى صلى الله عليه و آله: لو لا رحمة ربّي عَلَى فقراء امّتي كاد الفقر أن يكون كفرا(3).
ولشدّته دعا سيد العابدين وزين السّاجدين سلام اللّه عليه وعلى آبائه الطاهرين أن يصرفه اللّه عنه ولا يبتليه به حيث قال: اللهمّ لا طاقة لي بالجهد ولا
صبر لي على البلاء ولا قوّة لي على الفقر فلا تحظر علىّ رزقي ولا تكلني إلى خلقك بل تفرّد بحاجتي وتولّ كفايتى وانظر الىّ وانظر لي في جميع اموري فانّك إن وكلتني إلى نفسى عجزت عنها ولم اقم ما فيه مصلحتها وإن وكلتني إلى خلقك تجهمونى وإن ألجأتني إلى قرابتي حرموني وإن أعطوا اعطوا قليلا نكدا ومنّوا علىّ طويلا وذمّوا كثيرا فبفضلك اللهمّ فأغنني وبعظمتك فانعشنى، وبسعتك فابسط يدي وبما عندك فاكفني(4).
هذا، ونظير قوله عليه السلام في ذكر المفتونيّة والمحزونيّة: أنّ موسى بن عيسى العباسي كان أمير الكوفة فقال لأبي شيبة القاضي: مالك لا تأتيني فقال: ان أتيتك فقرّبتني
ص: 73
فتنتني، وإن باعدتني أحزنتني وليس عندي ما أخافك عليه ولا عندك ما أرجوه(1).
وعلّلهما الشّارح البحراني بأنّ أقوى أسباب هذا الفوات أنّ تحصيلها أكثر ما يكون بمنازعة أهلها عليها ومجاذبتهم(2) إيّاها وقد علمت ثوران الشّهوة والغضب والحرص عند المجاذبة للشيء وقوّة منع الانسان له؛ وتجاذب الخلق للشيء وعزّته عندهم سبب لتفويت بعضهم له على بعض، والقعود عنها وتركها وإن كان الغرض منهما المواتاة سبب لمواتاتها كما يفعله أهل الزّهد الظاهري المشوب بالرّياء الذي ترك الدّنيا للدّنيا، فانّ الزّهد الظاهري أيضا مطلوب الشّارع إذ كان
وسيلة إلى الزهد الحقيقي كما قال الرّسول صلى الله عليه و آله: الرّيا قنطرة الاخلاص(3).
قال الخوئى: والأظهر عندي غير هذا المعنى وهو أن يكون المراد بفواتها في حقّ السّاعين لها عدم بقائها في حقّهم لسرعة زوالها وفنائها فيصبحون مع شدّة رغبتهم إليها وطلبهم إياها وأيديهم عارية من حطامها خالية من زبرجها وزخرفها لحلول الموت ونزول الفوت.
ويحتمل إرادة فواتهما عنهم في حال الحياة فيكون كلامه عليه السلاممحمولا على الغالب فانّ أكثر النّاس وأغلبهم مع كونهم تابعين للدّنيا راغبين عن الآخرة لا يقعالدّنيا في أيديهم وإن خلعوا عن أعينهم الكرى وطال لهم السّهر، وهذا بخلاف
ص: 74
التّاركين لها والزّاهدين فيها زهدا حقيقيا، فانّ الدّنيا مطيعة لهم مقبلة إليهم وهم
معرضون عنها غير ناظرين إليها.
ألا ترى إلى قول أميرالمؤمنين عليه السلام: «يا دنيا إليك عنّي أبي تعرّضت أم إلىّ تشوقت لا حان حينك هيهات غريّ غيرى لا حاجة لى فيك قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة فيها(1)»(2).
وروى المفضّل عن الصادق عليه السلامقال: قال النبي صلّى اللّه عليه وآله: أوحى اللّه تعالى إلى الدّنيا أن أتعبي من خدمك واخدمي من رفضك(3).
وفي رواية اخرى قال صلى الله عليه و آله: الزّاهد في الدّنيا يريح قلبه وبدنه، والرّاغب فيها يتعب قلبه وبدنه(4).
وفي (الحلية): قال حاتم الأصمّ: مثل الدّنيا كمثل ظلّك، إن طلبته تباعد، وإن تركته تتابع(5).
ان الدنيا لا تحصل بالسعى وانما بالتقدير والنصيب كما قال الشاعر:
جرى قلم القضاء بما يكون
فسيّان التحرك والسكون(6)
وهذا غالبّى، لا دائمى. (و من قعد عنها) اى عن الدنيا (و اتته) اى اتته الدنيا،فليس حصولها بالسعى، وان كان للسعى مدخلا، ولذا نرى:
كم عاقل عاقل اعيت مذاهبه
وجاهل تلقاه مرزوقا
ص: 75
هذا الذى ترك الانسان يذعن ان
هناك من خلق الاشياء تدقيقا
الباء في «بها» للسّببيّة أي: من أبصر بسبب تغيّرات الدّنيا واعتبر بعبرها بصّرته الدّنيا وجعلته بصيرا.
«و من أبصر إليها أعمته» أي: من كان نظره إليها فقط ولتحصيلها تجعله أعمى فلا يرى عيوبها ومهلكاتها، قال تعالى: «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ
مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ...»(1).
وقال تعالى: «وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى»(2).
قَالَ اللّه ُ لِدَاوُدَ يَا دَاوُدُ احْذَرِ الْقُلُوبَ الْمُعَلَّقَةَ بِشَهَوَاتِ الدُّنْيَا عُقُولُهَا مَحْجُوبَةٌ عَنِّي(3).
وقال أميرالمؤمنين عليه السلام: لحبّ الدّنيا صمت الاسماع عن سماع الحكمة وعميت القلوب عن نور البصيرة(4).
أقول: وإذا تأمّل المتأمّل قوله عليه السلام «من أبصر بها بصّرته» وجد تحته من المعنى العجيب، والغرض البعيد، ما لا تبلغ غايته ولا يدرك غوره، ولا سيّما إذا قرن إليه
ص: 76
قوله: «و من أبصر إليها أعمته».
فانّه يكون في معنى قوله تعالى: قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ
وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها...(1)، ويكون في مفاد قولهم: انّ أولياء اللّه نظروا إلى باطن الدّنيا فاستوحشوا منها فنجوا، وإنّ أهل الدّنيا نظروا إلى ظاهر الدّنيا فأنسوا بها وهلكوا»(2).
فانّه يجد الفرق بين أبصر بها وأبصر إليها، واضحا، نيّرا، وعجيبا، باهرا».
فإنّ لكلّ حرف جرّ معنى، قال بشّار في حمّاد عجرد أبياتا منها:
ادع غيري إلى عبادة الاثنين
فانّي بواحد مشغول
فأشاع حمّاد أبياته وجعل المصراع الأخير: «فانّي عن واحد مشغول»
فما زالت الأبيات تدور في أيدي النّاس، حتّى انتهت إلى بشّار فاضطرب منها وجزع، وقال: أشاع ابن الزّانية بدمي، و اللّه ما قلت إلاّ: «فانّي بواحد مشغول»؛ فغيّرها حتى شهر في الناس(3).
وذكر أعرابيّ رجلا، فقال: كان واللّه إذا نزلت به الحوائج قام إليها ثمّ قام بها ولم تقعد به علاّت النفوس(4).
وعن الأصمعي: قال أعرابيّ لرجل: ويحك إنّ فلانا وإن ضحك إليك فإنّه يضحك منك(5).
ص: 77
العجيبة تسمى «الغراء» وفيها نعوت اللّه جل شأنه، ثم الوصية بتقواه ثم التنفير من الدنيا، ثم ما يلحق من دخول القيامة، ثم تنبيه الخلق إلى ما هم فيه من الأعراض، ثم فضله عليه السلام في التذكير.
الْحَمْدُ للّه ِِ الَّذِي عَلاَ بِحَوْلِهِ وَدَنَا بِطَوْلِهِ - مَانِحِ كُلِّ غَنِيمَةٍ وَفَضْلٍ وَكَاشِفِ كُلِّ عَظِيمَةٍ وَأَزْلٍ - أَحْمَدُهُ عَلَى عَوَاطِفِ كَرَمِهِ وَسَوَابِغِ نِعَمِهِ - وَأُومِنُ بِهِ أَوَّلاً بَادِياً وَأَسْتَهْدِيهِ قَرِيباً هَادِياً - وَأَسْتَعِينُهُ قَاهِراً قَادِراً وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ كَافِياً نَاصِراً - وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ - أَرْسَلَهُ لاِءِنْفَاذِ أَمْرِهِ وَإِنْهَاءِ عُذْرِهِ وَتَقْدِيمِ نُذُرِهِ.
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللّه ِ بِتَقْوَى اللّه ِ الَّذِي ضَرَبَ لَكُمُ الْأَمْثَالَ - وَوَقَّتَ لَكُمُ الاْجَالَ
وَأَلْبَسَكُمُ الرِّيَاشَ وَأَرْفَعَ لَكُمُ الْمَعَاشَ - وَأَحَاطَ بِكُمُ الاْءِحْصَاءَ وَأَرْصَدَ لَكُمُ
ص: 78
الْجَزَاءَ - وَآثَرَكُمْ بِالنِّعَمِ السَّوَابِغِ وَالرِّفَدِ الرَّوَافِغِ - وَأَنْذَرَكُمْ بِالْحُجَجِ الْبَوَالِغِ فَأَحْصَاكُمْ عَدَداً - وَوَظَّفَ لَكُمْ مُدَداً فِي قَرَارِ خِبْرَةٍ وَدَارِ عِبْرَةٍ - أَنْتُمْ مُخْتَبَرُونَ فِيهَا وَمُحَاسَبُونَ عَلَيْهَا
فَإِنَّ الدُّنْيَا رَنِقٌ مَشْرَبُهَا رَدِغٌ مَشْرَعُهَا - يُونِقُ مَنْظَرُهَا وَيُوبِقُ مَخْبَرُهَا - غُرُورٌ حَائِلٌ وَضَوْءٌ آفِلٌ وَظِلٌّ زَائِلٌ وَسِنَادٌ مَائِلٌ - حَتَّى إِذَا أَنِسَ نَافِرُهَا وَاطْمَأَنَّ نَاكِرُهَا - قَمَصَتْ بِأَرْجُلِهَا وَقَنَصَتْ بِأَحْبُلِهَا - وَأَقْصَدَتْ بِأَسْهُمِهَا وَأَعْلَقَتِ الْمَرْءَ أَوْهَاقَ الْمَنِيَّةِ - قَائِدَةً لَهُ إِلَى ضَنْكِ الْمَضْجَعِ وَوَحْشَةِ الْمَرْجِعِ - وَمُعَايَنَةِ الْمَحَلِّ وَثَوَابِ الْعَمَلِ -. وَكَذَلِكَ الْخَلَفُ بِعَقْبِ السَّلَفِ - لاَ تُقْلِعُ الْمَنِيَّةُ اخْتِرَاماً - وَلاَ يَرْعَوِي الْبَاقُونَ اجْتِرَاماً يَحْتَذُونَ مِثَالاً - وَيَمْضُونَ أَرْسَالاً إِلَى غَايَةِ الاِنْتِهَاءِ وَصَيُّورِ الْفَنَاءِ.
حَتَّى إِذَا تَصَرَّمَتِ الْأُمُورُ - وَتَقَضَّتِ الدُّهُورُ وَأَزِفَ النُّشُورُ - أَخْرَجَهُمْ مِنْ ضَرَائِحِ الْقُبُورِ وَأَوْكَارِ الطُّيُورِ - وَأَوْجِرَةِ السِّبَاعِ وَمَطَارِحِ الْمَهَالِكِ سِرَاعاً إِلَى أَمْرِهِ - مُهْطِعِينَ إِلَى مَعَادِهِ رَعِيلاً صُمُوتاً قِيَاماً صُفُوفاً - يَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي - عَلَيْهِمْ لَبُوسُ الاِسْتِكَانَةِ وَضَرَعُ الاِسْتِسْلاَمِ وَالذِّلَّةِ - قَدْ ضَلَّتِ الْحِيَلُ وَانْقَطَعَ الْأَمَلُ وَهَوَتِ الْأَفْئِدَةُ كَاظِمَةً - وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ مُهَيْنِمَةً - وَأَلْجَمَ الْعَرَقُ وَعَظُمَ الشَّفَقُ وَأُرْعِدَتِ الْأَسْمَاعُ - لِزَبْرَةِ الدَّاعِي إِلَى فَصْلِ الْخِطَابِ وَمُقَايَضَةِ الْجَزَاءِ - وَنَكَالِ الْعِقَابِ وَنَوَالِ الثَّوَابِ.
ص: 79
عِبَادٌ مَخْلُوقُونَ اقْتِدَاراً وَمَرْبُوبُونَ اقْتِسَاراً - وَمَقْبُوضُونَ احْتِضَاراً وَمُضَمَّنُونَ أَجْدَاثاً وَكَائِنُونَ رُفَاتاً - وَمَبْعُوثُونَ أَفْرَاداً وَمَدِينُونَ جَزَاءً وَمُمَيَّزُونَ حِسَاباً - قَدْ أُمْهِلُوا فِي طَلَبِ الْمَخْرَجِ وَهُدُوا سَبِيلَ الْمَنْهَجِ - وَعُمِّرُوا مَهَلَ الْمُسْتَعْتِبِ وَكُشِفَتْ عَنْهُمْ سُدَفُ الرِّيَبِ - وَخُلُّوا لِمِضْمَارِ الْجِيَادِ وَرَوِيَّةِ الاِرْتِيَادِ - وَأَنَاةِ الْمُقْتَبِسِ الْمُرْتَادِ فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ وَمُضْطَرَبِ الْمَهَلِ.
فَيَا لَهَا أَمْثَالاً صَائِبَةً وَمَوَاعِظَ شَافِيَةً - لَوْ صَادَفَتْ قُلُوباً زَاكِيَةً وَأَسْمَاعاً وَاعِيَةً - وَآرَاءً عَازِمَةً وَأَلْبَاباً حَازِمَةً - فَاتَّقُوا اللّه َ تَقِيَّةَ مَنْ سَمِعَ فَخَشَعَ وَاقْتَرَفَ فَاعْتَرَفَ - وَوَجِلَ فَعَمِلَ وَحَاذَرَ فَبَادَرَ وَأَيْقَنَ فَأَحْسَنَ وَعُبِّرَ فَاعْتَبَرَ - وَحُذِّرَ فَحَذِرَ وَزُجِرَ فَازْدَجَرَ وَأَجَابَ فَأَنَابَ وَرَاجَعَ فَتَابَ - وَاقْتَدى فَاحْتَذَى وَأُرِيَ فَرَأَى فَأَسْرَعَ طَالِباً وَنَجَا هَارِباً - فَأَفَادَ ذَخِيرَةً وَأَطَابَ سَرِيرَةً وَعَمَّرَ مَعَاداً - وَاسْتَظْهَرَ زَاداً لِيَوْمِ رَحِيلِهِ وَوَجْهِ سَبِيلِهِ وَحَالِ حَاجَتِهِ - وَمَوْطِنِ فَاقَتِهِ وَقَدَّمَ أَمَامَهُ لِدَارِ مُقَامِهِ - فَاتَّقُوا اللّه َ عِبَادَ اللّه ِ جِهَةَ مَا خَلَقَكُمْ لَهُ - وَاحْذَرُوا مِنْهُ كُنْهَ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ - وَاسْتَحِقُّوا مِنْهُ مَا أَعَدَّ لَكُمْ بِالتَّنَجُّزِ لِصِدْقِ مِيعَادِهِ - وَالْحَذَرِ مِنْ هَوْلِ مَعَادِهِ.
ومنها: جَعَلَ لَكُمْ أَسْمَاعاً لِتَعِيَ مَا عَنَاهَا - وَأَبْصَاراً لِتَجْلُوَ عَنْ عَشَاهَا وَأَشْلاَءً
ص: 80
جَامِعَةً لِأَعْضَائِهَا - مُلاَئِمَةً لِأَحْنَائِهَا فِي تَرْكِيبِ صُوَرِهَا وَمُدَدِ عُمُرِهَا - بِأَبْدَانٍ قَائِمَةٍ بِأَرْفَاقِهَا وَقُلُوبٍ رَائِدَةٍ لِأَرْزَاقِهَا - فِي مُجَلِّلاَتِ نِعَمِهِ وَمُوجِبَاتِ مِنَنِهِ وَحَوَاجِزِ عَافِيَتِهِ - وَقَدَّرَ لَكُمْ أَعْمَاراً سَتَرَهَا عَنْكُمْ - وَخَلَّفَ لَكُمْ عِبَراً مِنْ آثَارِ الْمَاضِينَ قَبْلَكُمْ - مِنْ مُسْتَمْتَعِ خَلاَقِهِمْ وَمُسْتَفْسَحِ خَنَاقِهِمْ - أَرْهَقَتْهُمُ الْمَنَايَا دُونَ الاْمَالِ وَشَذَّبَهُمْ عَنْهَا تَخَرُّمُ الاْجَالِ - لَمْ يَمْهَدُوا فِي سَلاَمَةِ الْأَبْدَانِ - وَلَمْ يَعْتَبِرُوا فِي أُنُفِ الْأَوَانِ فَهَلْ يَنْتَظِرُ أَهْلُ بَضَاضَةِ الشَّبَابِ إِلاَّ حَوَانِيَ الْهَرَمِ - وَأَهْلُ غَضَارَةِ الصِّحَّةِ إِلاَّ نَوَازِلَ السَّقَمِ - وَأَهْلُ مُدَّةِ الْبَقَاءِ إِلاَّ آوِنَةَ الْفَنَاءِ مَعَ قُرْبِ الزِّيَالِ - وَأُزُوفِ الاِنْتِقَالِ وَعَلَزِ الْقَلَقِ وَأَلَمِ الْمَضَضِ وَغُصَصِ الْجَرَضِ - وَتَلَفُّتِ الاِسْتِغَاثَةِ بِنُصْرَةِ الْحَفَدَةِ وَالْأَقْرِبَاءِ - وَالْأَعِزَّةِ وَالْقُرَنَاءِ فَهَلْ دَفَعَتِ الْأَقَارِبُ - أَوْ نَفَعَتِ النَّوَاحِبُ وَقَدْ غُودِرَ فِي مَحَلَّةِ الْأَمْوَاتِ رَهِيناً - وَفِي ضِيقِ الْمَضْجَعِ وَحِيداً قَدْ هَتَكَتِ الْهَوَامُّ جِلْدَتَهُ - وَأَبْلَتِ النَّوَاهِكُ جِدَّتَهُ وَعَفَتِ الْعَوَاصِفُ آثَارَهُ - وَمَحَا الْحَدَثَانُ مَعَالِمَهُ وَصَارَتِ الْأَجْسَادُ شَحِبَةً بَعْدَ بَضَّتِهَا - وَالْعِظَامُ نَخِرَةً بَعْدَ قُوَّتِهَا - وَالْأَرْوَاحُ مُرْتَهَنَةً بِثِقَلِ أَعْبَائِهَا - مُوقِنَةً بِغَيْبِ أَنْبَائِهَا لاَ تُسْتَزَادُ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهَا - وَلاَ تُسْتَعْتَبُ مِنْ سَيِّئِ زَلَلِهَا أَ وَلَسْتُمْ أَبْنَاءَ الْقَوْمِ وَالاْبَاءَ وَإِخْوَانَهُمْ وَالْأَقْرِبَاءَ - تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ وَتَرْكَبُونَ قِدَّتَهُمْ وَتَطَئُونَ جَادَّتَهُمْ - فَالْقُلُوبُ قَاسِيَةٌ عَنْ حَظِّهَا لاَهِيَةٌ عَنْ رُشْدِهَا - سَالِكَةٌ فِي غَيْرِ مِضْمَارِهَا كَأَنَّ الْمَعْنِيَّ سِوَاهَا - وَكَأَنَّ الرُّشْدَ فِي إِحْرَازِ دُنْيَاهَا.
وَاعْلَمُوا أَنَّ مَجَازَكُمْ عَلَى الصِّرَاطِ وَمَزَالِقِ دَحْضِهِ - وَأَهَاوِيلِ زَلَلِهِ وَتَارَاتِ
ص: 81
أَهْوَالِهِ - فَاتَّقُوا اللّه َ عِبَادَ اللّه ِ - تَقِيَّةَ ذِي لُبٍّ شَغَلَ التَّفَكُّرُ قَلْبَهُ - وَأَنْصَبَ الْخَوْفُ بَدَنَهُ وَأَسْهَرَ التَّهَجُّدُ غِرَارَ نَوْمِهِ - وَأَظْمَأَ الرَّجَاءُ هَوَاجِرَ يَوْمِهِ وَظَلَفَ الزُّهْدُ شَهَوَاتِهِ - وَأَوْجَفَ الذِّكْرُ بِلِسَانِهِ وَقَدَّمَ الْخَوْفَ لِأَمَانِهِ - وَتَنَكَّبَ الْمَخَالِجَ عَنْ وَضَحِ السَّبِيلِ - وَسَلَكَ أَقْصَدَ الْمَسَالِكِ إِلَى النَّهْجِ الْمَطْلُوبِ - وَلَمْ تَفْتِلْهُ فَاتِلاَتُ الْغُرُورِ - وَلَمْ تَعْمَ عَلَيْهِ مُشْتَبِهَاتُ الْأُمُورِ - ظَافِراً بِفَرْحَةِ الْبُشْرَى وَرَاحَةِ النُّعْمَى - فِي أَنْعَمِ نَوْمِهِ وَآمَنِ يَوْمِهِ - وَقَدْ عَبَرَ مَعْبَرَ الْعَاجِلَةِ حَمِيداً وَقَدَّمَ زَادَ الاْجِلَةِ سَعِيداً - وَبَادَرَ مِنْ وَجَلٍ وَأَكْمَشَ فِي مَهَلٍ وَرَغِبَ فِي طَلَبٍ - وَذَهَبَ عَنْ هَرَبٍ وَرَاقَبَ فِي يَوْمِهِ غَدَهُ - وَنَظَرَ قُدُماً أَمَامَهُ - فَكَفَى بِالْجَنَّةِ ثَوَاباً وَنَوَالاً وَكَفَى بِالنَّارِ عِقَاباً وَوَبَالاً - وَكَفَى بِاللّه ِ مُنْتَقِماً وَنَصِيراً - وَكَفَى بِالْكِتَابِ حَجِيجاً وَخَصِيماً.
أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللّه ِ الَّذِي أَعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ وَاحْتَجَّ بِمَا نَهَجَ - وَحَذَّرَكُمْ عَدُوّاً نَفَذَ فِي الصُّدُورِ خَفِيّاً - وَنَفَثَ فِي الاْذَانِ نَجِيّاً فَأَضَلَّ وَأَرْدَى وَوَعَدَ فَمَنَّى - وَزَيَّنَ سَيِّئَاتِ الْجَرَائِمِ وَهَوَّنَ مُوبِقَاتِ الْعَظَائِمِ - حَتَّى إِذَا اسْتَدْرَجَ قَرِينَتَهُ وَاسْتَغْلَقَ رَهِينَتَهُ - أَنْكَرَ مَا زَيَّنَ وَاسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ وَحَذَّرَ مَا أَمَّنَ.
أَمْ هَذَا الَّذِي أَنْشَأَهُ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْحَامِ وَشُغُفِ الْأَسْتَارِ - نُطْفَةً دِهَاقاً وَعَلَقَةً مِحَاقاً - وَجَنِيناً وَرَاضِعاً وَوَلِيداً وَيَافِعاً - ثُمَّ مَنَحَهُ قَلْباً حَافِظاً وَلِسَاناً لاَفِظاً وَبَصَراً
ص: 82
لاَحِظاً - لِيَفْهَمَ مُعْتَبِراً وَيُقَصِّرَ مُزْدَجِراً - حَتَّى إِذَا قَامَ اعْتِدَالُهُ وَاسْتَوَى مِثَالُهُ -
نَفَرَ مُسْتَكْبِراً وَخَبَطَ سَادِراً مَاتِحاً فِي غَرْبِ هَوَاهُ - كَادِحاً سَعْياً لِدُنْيَاهُ فِي لَذَّاتِ طَرَبِهِ وَبَدَوَاتِ أَرَبِهِ - ثُمَّ لاَ يَحْتَسِبُ رَزِيَّةً وَلاَ يَخْشَعُ تَقِيَّةً - فَمَاتَ فِي فِتْنَتِهِ غَرِيراً وَعَاشَ فِي هَفْوَتِهِ يَسِيراً - لَمْ يُفِدْ عِوَضاً وَلَمْ يَقْضِ مُفْتَرَضاً - دَهِمَتْهُ فَجَعَاتُ الْمَنِيَّةِ فِي غُبَّرِ جِمَاحِهِ وَسَنَنِ مِرَاحِهِ - فَظَلَّ سَادِراً وَبَاتَ سَاهِراً فِي غَمَرَاتِ الاْلاَمِ - وَطَوَارِقِ الْأَوْجَاعِ وَالْأَسْقَامِ بَيْنَ أَخٍ شَقِيقٍ وَوَالِدٍ شَفِيقٍ - وَدَاعِيَةٍ بِالْوَيْلِ جَزَعاً وَلاَدِمَةٍ لِلصَّدْرِ قَلَقاً - وَالْمَرْءُ فِي سَكْرَةٍ مُلْهِثَةٍ وَغَمْرَةٍ كَارِثَةٍ - وَأَنَّةٍ مُوجِعَةٍ وَجَذْبَةٍ مُكْرِبَةٍ وَسَوْقَةٍ مُتْعِبَةٍ - ثُمَّ أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ مُبْلِساً وَجُذِبَ مُنْقَاداً سَلِساً - ثُمَّ أُلْقِيَ عَلَى الْأَعْوَادِ رَجِيعَ وَصَبٍ وَنِضْوَ سَقَمٍ - تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ الْوِلْدَانِ وَحَشَدَةُ الاْءِخْوَانِ إِلَى دَارِ غُرْبَتِهِ - وَمُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ وَمُفْرَدِ وَحْشَتِهِ - حَتَّى إِذَا انْصَرَفَ الْمُشَيِّعُ وَرَجَعَ الْمُتَفَجِّعُ - أُقْعِدَ فِي حُفْرَتِهِ نَجِيّاً لِبَهْتَةِ السُّؤالِ وَعَثْرَةِ الاِمْتِحَانِ - وَأَعْظَمُ مَا هُنَالِكَ بَلِيَّةً نُزُولُ الْحَمِيمِ - وَتَصْلِيَةُ الْجَحِيمِ وَفَوْرَاتُ السَّعِيرِ - وَسَوْرَاتُ الزَّفِيرِ لاَ فَتْرَةٌ مُرِيحَةٌ - وَلاَ دَعَةٌ مُزِيحَةٌ وَلاَ قُوَّةٌ حَاجِزَةٌ وَلاَ مَوْتَةٌ نَاجِزَةٌ وَلاَ سِنَةٌ مُسَلِّيَةٌ - بَيْنَ أَطْوَارِ الْمَوْتَاتِ وَعَذَابِ السَّاعَاتِ - إِنَّا بِاللّه ِ عَائِذُونَ عِبَادَ اللّه ِ أَيْن الَّذِينَ عُمِّرُوا فَنَعِمُوا وَعُلِّمُوا فَفَهِمُوا - وَأُنْظِرُوا فَلَهَوْا وَسُلِّمُوا فَنَسُوا - أُمْهِلُوا طَوِيلاً وَمُنِحُوا جَمِيلاً - وَحُذِّرُوا أَلِيماً وَوُعِدُوا جَسِيماً - احْذَرُوا الذُّنُوبَ الْمُوَرِّطَةَ وَالْعُيُوبَ الْمُسْخِطَةَ - أُولِي الْأَبْصَارِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْعَافِيَةِ وَالْمَتَاعِ - هَلْ مِنْ مَنَاصٍ أَوْ خَلاَصٍ - أَوْ مَعَاذٍ أَوْ مَلاَذٍ أَوْ فِرَارٍ أَوْ مَحَارٍ أَمْ لاَ - فَأَنَّى تُؤفَكُونَ أَمْ أَيْنَ تُصْرَفُونَ أَمْ بِمَا ذَا تَغْتَرُّونَ - وَإِنَّمَا حَظُّ أَحَدِكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ذَاتِ الطُّوْلِ وَالْعَرْضِ - قِيدُ قَدِّهِ مُتَعَفِّراً عَلَى
ص: 83
خَدِّهِ - الآنَ عِبَادَ اللّه ِ وَالْخِنَاقُ مُهْمَلٌ وَالرُّوحُ مُرْسَلٌ - فِي فَيْنَةِ الاْءِرْشَادِ وَرَاحَةِ الْأَجْسَادِ وَبَاحَةِ الاِحْتِشَادِ - وَمَهَلِ الْبَقِيَّةِ وَأُنُفِ الْمَشِيَّةِ وَإِنْظَارِ التَّوْبَةِ - وَانْفِسَاحِ الْحَوْبَةِ قَبْلَ الضَّنْكِ وَالْمَضِيقِ - وَالرَّوْعِ وَالزُّهُوقِ وَقَبْلَ قُدُومِ الْغَائِبِ الْمُنْتَظَرِ - وَإِخْذَةِ الْعَزِيزِ الْمُقْتَدِرِ.
قال الشريف - وفي الخبر أنه عليه السلام لما خطب بهذه الخطبة - اقشعرت لها الجلود وبكت العيون ورجفت القلوب - ومن الناس من يسمي هذه الخطبة الغراء.
عن ابن عبّاس: قال: خطب أميرالمؤمنين عليه السلام فقال: «الحمد للّه الذي لا يحويه مكان، ولا يحدّه زمان، علا بطوله، ودنا بحوله، سابق كلّ غنيمة وفضل، وكاشف كلّ عظيمة وأزل، أحمده على جود كرمه، وسبوغ نعمه، وأستعينه على بلوغ رضاه، والرّضا بما قضاه، وأؤمن به إيمانا، وأتوكّل عليه إيقانا، وأشهد أن لا إله إلاّ اللّه
الذي رفع السماء فبناها، وسطح الأرض فطحاها أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها. وَالْجِبالَ أَرْساها(1) لا يئوده خلق، وهو العلي العظيم أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللّه ِ، فَإِنَّ التَّقْوَى أَفْضَلُ كَنْزٍ، وَأَحْرَزُ حِرْزٍ، وَأَعَزُّ عِزٍّ، فِيهَا نَجَاةُ كُلِّ هَارِبٍ، وَدَرَكُ كُلِّ طَالِبٍ، وَظَفَرُ كُلِّ غَالِبٍ، وَأَحُثُّكُمْ عَلَى طَاعَةِ اللّه ِ، فَإِنَّهَا كَهْفُ الْعَابِدِينَ، وَفَوْزُ الْفَائِزِينَ، وَأَمَانُ الْمُتَّقِينَ.
وَاعْلَمُوا - أَيُّهَا النَّاسُ - أَنَّكُمْ سَيَّارَةٌ، قَدْ حَدَا بِكُمُ الْحَادِي، وَحَدَا لِخَرَابِ الدُّنْيَا حَادِي، وَنَادَاكم لِلْمَوْتِ مُنَادِي، فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا، وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّه ِ الْغَرُورُ.
ص: 84
أَلاَ وَإِنَّ الدُّنْيَا دَارٌ غَرَّارَةٌ خَدَّاعَةٌ، تَنْكِحُ فِي كُلِّ يَوْمٍ بَعْلاً، وَتَقْتُلُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ أَهْلاً، وَتُفَرِّقُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ شَمْلاً، فَكَمْ مِنْ مُنَافِسٍ فِيهَا، وَرَاكِنٍ إِلَيْهَا مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، قَدْ قَذَفَتْهُمْ فِي الْهَاوِيَةِ، وَدَمَّرَتْهُمْ تَدْمِيراً، وَتَبَّرَتْهُمْ تَتْبِيراً، وَأَصْلَتْهُمْ سَعِيراً.
أَيْنَ مَنْ جَمَعَ فَأَوْعَى، وَشَدَّ فَأَوْكَى، وَمَنَعَ فَأَكْدَى بَلَى أَيْنَ مَنْ عَسْكَرَ الْعَسَاكِرَ، وَدَسْكَرَ الدَّسَاكِرَ(1)، وَرَكِبَ الْمَنَابِرَ، أَيْنَ مَنْ بَنَى الدُّورَ، وَشَرَّفَ الْقُصُورَ، وَجَمْهَرَ
الْأُلُوفَ قَدْ تَدَاوَلَتْهُمْ أَيَّامُهَا، ابْتَعَلَتْهُمْ أَعْوَامُهَا، فَصَارُوا أَمْوَاتاً، وَفِي الْقُبُورِ رُفَاتاً، قَدْ نَسُوا مَا خَلَّفُوا، وَوَقَفُوا عَلَى مَا أَسْلَفُوا، ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّه ِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ، أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ.
وَكَأَنِّي بِهَا وَقَدْ أَشْرَقَتْ بِطَلاَئِعِهَا، وَعَسْكَرَتْ بِفَظَائِعِهَا، فَأَصْبَحَ الْمَرْءُ بَعْدَ صِحَّتِهِ مَرِيضاً، وَبَعْدَ سَلاَمَتِهِ نَقِيضاً، يُعَالِجُ كَرْباً، وَيُقَاسِي تَعَباً، فِي حَشْرَجَةِ السِّبَاقِ، وَتَتَابُعِ الْفُوَاقِ، وَتَرَدُّدِ الْأَنِينِ، وَالْذُّهُولِ عَلَى الْبَنَاتِ وَالْبَنِينَ، وَالْمَرْءُ قَدِ اشْتَمَلَ عَلَيْهِ شُغُلٌ شَاغِلٌ، وَهَوْلٌ هَائِلٌ، قَدِ اعْتُقِلَ مِنْهُ اللِّسَانُ، وَتَرَدَّدَ مِنْهُ الْبَنَانُ، فَأَصَابَ مَكْرُوهاً، وَفَارَقَ الدُّنْيَا مَسْلُوباً، لاَ يَمْلِكُونَ لَهُ نَفْعاً، وَلاَ لِمَا حَلَّ بِهِ دَفْعاً، يَقُولُ اللّه ُ (عَزَّ وَجَلَّ) فِي كِتَابِهِ: «فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ»(2).
ثُمَّ مِنْ دُونِ ذَلِكَ أَهْوَالُ الْقِيَامَةِ، وَيَوْمُ الْحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ، يَوْمَ تُنْصَبُ الْمَوَازِينُ، وَتُنْشَرُ الدَّوَاوِينُ، بِإِحْصَاءِ كُلِّ صَغِيرَةٍ، وَإِعْلاَنِ كُلِّ كَبِيرَةٍ، يَقُولُ اللّه ُ فِي كِتَابِهِ: «وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً»(3).
ص: 85
ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، الاْنَ الاْنَ مِنْ قَبْلِ النَّدَمِ، وَمِنْ قَبْلِ «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللّه َ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ»(1)، فَيَرُدُّ الْجَلِيلُ (جَلَّ ثَنَاؤهُ): «بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ»(2)، فَوَ اللّه ِ مَا سَأَلَ الرُّجُوعَ إِلاَّ لِيَعْمَلَ صَالِحاً(3).
قال ابن أبي الحديد بعد ذكر نكات في ألفاظ العنوان ومعانيها: «و هذه اللّطائف والدقائق من معجزاته عليه السلام»(4).
وعن ابن عجلان عن جعفر بن محمّد عن ابيه عن جدّه انّ عليّا شيّع جنازة فلمّا وضعت فى لحدها عجّ اهلها وبكوا فقال ما تبكون اما واللّه لو عاينوا ما عاين ميّتهم لاذهلتهم معاينتهم عن ميّتهم وانّ له فيهم لعودة ثمّ عودة حتّى لا يبقى منهم
احد ثم قام فقال اوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه...(5)
أي: بقوّته، قال ابن ميثم: وقد أثنى عليه السلام على اللّه تعالى في هذا الفصل باعتبارات أربعة من نعوت جلاله، الأوّل: كونه عليّا، وإذ ليس المراد به العلوّ المكانيّ لتقدّسه
عن الجسميّة كما سبق، فالمراد العلوّ المعقول له باعتبار كونه مبدأ كلّ موجود ومرجعه، فهو العليّ المطلق الّذي لا أعلى منه في وجود وكمال رتبة وشرف، كما
ص: 86
سبق بيانه، ولمّا عرفت أنّ معنى الدّنوّ إلى كلّ موجود صدر عن قدرته وقوّته، لا جرم جعل للحوقه له مبدأ هو حوله(1).
أي: بمنّه، قال ابن ميثم: لمّا عرفت أنّ معنى الدنوّ والقرب في حقّه تعالى ليس مكانيّا أيضا، كان اعتبارا تحدّثه عقولنا له تعالى من قرب إفاضة نعمه على قوابلها، وقربه من إبصار البصائر في صورة نعمة نعمة منها، ولذلك جعل طوله مبدأ لدنوّه(2).
قال تعالى: «وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللّه ِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُون»(3).
وقال تعالى: «أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْض»(4).
اى معطى.
قال تعالى: «وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللّه ِ مَغانِمُ كَثِيرَة»(5).
ص: 87
وقال تعالى: «وَعَدَكُمُاللّه ُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَالنَّاسِ عَنْكُمْ»(1).
قال تعالى: «وَيُؤتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَه»(2).
وقال تعالى: «ما يَفْتَحِ اللّه ُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِه»(3).
أي: ضيق، قال ابن ميثم: (مانح) و(كاشف) إشارة إلى كلّ نعمة صدرت عنه تعالى على قابلها، فمبدؤه جوده ورحمته، سواء كانت وجوديّة كالصّحّة والمال والعقل وغيرها، أو عدمية كدفع البأساء والضرّاء، وإليه الإشارة بقوله تعالى: «وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللّه ِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ * ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ...»(4)، وقوله تعالى: «أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ...»(5).(6)
قال التسترى: وكلامه عليه السلام من الأوّل إلى هنا في ثنائه عليه تعالى باعتبارات
بيّنها عليه السلام من حوله تعالى وطوله، وما نحيته وكاشفيته، نظير قوله تعالى: «سَبِّحِ اسْمَ
ص: 88
رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى * فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى»(1)، فأمر - تعالى - بوجوب تسبيحه والثناء عليه باعتبارات بيّنها من خلقه فتسويته، وتقديره فهدايته، وإخراجه المرعى.
قال تعالى: «أَ لَمْ تَرَوْا أَنَّ اللّه َ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً...»(2).
قال الطبرسي: النعمة الظاهرة ما لا يمكنكم جحده من خلقكم وإحيائكم
وإقداركم وخلق الشّهوة فيكم وغيرها من ضروب النعم، والباطنة ما لا يعرفها إلاّ من أمعن النظر فيها.
وعن ابن عباس الباطنة مصالح الدين والدنيا مما يعلمه اللّه وغاب عن العباد علمه.
وعنه قال سألت النبي صلى الله عليه و آله عنه فقال: يابن عباس أمّا ما ظهر فالاسلام وما سوّى اللّه من خلقك وما أفاض عليك من الرزق، وأماما بطن فستر مساوي عملك ولم يفضحك به يابن عباس إنّ اللّه تعالى يقول ثلاثة جعلتهنّ للمؤمن ولم تكن له: صلاة المؤمنين عليه من بعد انقطاع عمله، وجعلت له ثلث ماله يكفر خطاياه، والثالثة سترت مساوي عمله فلم افضحه بشيء منه ولو أبديتها عليه لنبذه أهله فمن سواهم.
وقيل الظاهرة تخفيف الشرائع والباطنة الشفاعة وقيل الظاهرة نعم الدنيا
ص: 89
والباطنة نعم الآخرة وقيل الظاهرة ظهور الاسلام والنصر على الأعداء والباطنة الامداد بالملائكة وقيل الظاهرة نعم الجوارح والباطنة نعم القلب(1).
وقال الرازي: الظاهرة هي ما في الأعضاء من السّلامة، والباطنة ما في القوى فانّ العضو ظاهر وفيه قوّة باطنة ألا ترى أنّ العين والاذن شحم وغضروف ظاهر واللسان والأنف لحم وعظم ظاهر وفي كلّ واحد معنى باطن من الابصار والسمع والذوق والشمّ وكذلك كلّ عضو وقد تبطل القوّة ويبقى العضو قائما(2).
والكلّ لا بأس به إذ الجميع من نعم اللّه على عباده، وفي تفسير أهل البيت عليهم السلام
النعمة الظاهرة الرّسالة، والنعمة الباطنة الولاية قال الباقر عليه السلام: النعمة الظاهرة النبي صلى الله عليه و آله وما جاء به النبي من معرفة اللّه عز وجل وتوحيده وأما النعمة الباطنة ولايتنا أهل البيت وعقد مودتنا(3).
قال ابن ميثم: قوله عليه السلام (أحمده) الى قوله (نعمه) تنبيه للسامعين على مبدأ استحقاقه لاعتبار الحمد، وهو كرمه، قال بعض الفضلاء:«الكريم هو الذي إذا قدر عفا، وإذا وعد وفا، وإذا أعطى زاد على منتهى الرجاء، ولا يبالي كم أعطى ولا لمن أعطى، وإن رفع إلى غيره حاجة لا يرضى، وإذا جفا عاتب وما استقصى، ولا يضيع من لاذ به والتجأ، ويغنيه عن الوسائل والشفعاء. فمن اجتمعت له هذه الاعتبارات حقيقة من غير تكلّف فهو الكريم المطلق، وليس ذلك إلاّ اللّه تعالى»، والأجمع الأمنع في رسم هذا الاعتبار يعود إلى فيضان الخير عنه من غير بخل ومنع وتعويق على كلّ من يقدر أن يقبله بقدر ما يقبله، وعواطف كرمه هي نعمه
ص: 90
وآثاره الخيريّة التي تعود على عباده مرّة بعد أخرى، ونعمه السابغة التي لا قصور فيها عن قبول قابلها(1).
قال تعالى: «وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّه َ غَنِيٌّ حَمِيد»(2).
أي: ظاهرا؛ بمعنى أنّه يجب الايمان به تعالى لكونه أوّلا ومبدأ لجميع الأشياء، ولكونه تعالى ظاهرا جليّا بآثاره وخلائقه عند جميع العقلاء.
والاستهداء من البعيد ولو كان هاديا أو القريب غير الهادي بلا ثمر، ولا يجمعهما حقيقة غيره تعالى فيجب الاستهداء منه.
قال تعالى: «إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللّه َ يَهْدِي مَنْ يَشاء»(3).
قال ابن ميثم: استعانته طلب المعونة منه على ما ينبغي من طاعته، وسلوك سبيله، والقاهر هو الّذي لا يجري في ملكه بخلاف حكمه، بل كلّ موجود مسخّر
ص: 91
تحت حكمه وقدرته، وحقير في قبضته، والقادر هو الّذي إذا شاء فعل وإذا لم يشأ لم يفعل، وإن لم يلزم أنّه لا يشاء فلا يفعل كما سبق بيانه، وظاهر أنّه باعتبار هذين
الوصفين مبدأ للاستعانة(1).
قال ابن ميثم: التوكّل - كما علمت - يعود إلى اعتماد الانسان في ما يرجو أو يخاف على غيره، والكافي اعتبار كونه معطيا لكلّ قابل من خلقه ما يكفي استحقاقه من منفعة، ودفع مضرّة، والنّاصر هو اعتبار إعطائه النّصر لعباده على أعدائهم بإفاضة هدايته وقوّته، وظاهر أنّه تعالى باعتبار هذين الوصفين مبدأ لتوكّل عباده عليه، وإلقاء مقاليد أمورهم إليه(2).
قال التسترى: ولذا قال نوح عليه السلام لقومه:... «يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي
وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللّه ِ فَعَلَى اللّه ِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ»(3).
ومثله قال الحسين عليه السلام يوم الطفّ لأهل الكوفة، كما رواه أبو مخنف(4).
وكما تقدّم التوكّل عبارة عن الوكول والاعتماد فيما يخاف ويرجى على الغير فلا بدّ من اتصاف المعتمد عليه بالكفاية والنصرة ليكفى المعتمد فيما رجاه وينصره فيما يخاف.
وإليه يرجع ما روى مرفوعا إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وهو أنّه جاء جبرئيل
ص: 92
إليه فقال له: يا جبرئيل وما التّوكّل؟ قال: العلم بأنّ المخلوق لا يضرّ ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع واستعمال الياس من النّاس، فاذا كان العبد كذلك لم يعتمد على أحد سوى اللّه ولم يرج ولم يخف سوى اللّه، ولم يطمع على أحد سوى اللّه (1) وقال سبحانه:
«وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّه ِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللّه َ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللّه ُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً»(2).
يعني من يفوّض أمره إليه سبحانه ووثق بحسن تدبيره فهو كافيه يكفيه أمر الدّنيا والآخرة أنّه يبلغ أمره وما أراده من قضاياه وتدابيره على ما أراده ولا يقدر
أحد على منعه ممّا أراده، لارادّ لقضائه ولا مبدّل لحكمه، وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ التّوكل من شئونات الايمان ومن فروع المعرفة، ولذلك وصف سبحانه المؤمنين بذلك حيث قال:
«إِنَّمَا الْمُؤمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللّه ُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أُولئِكَ هُمُ الْمُؤمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ»(3).
وقال تعالى: «وَلَيَنْصُرَنَّاللّه ُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللّه َ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ»(1).
وقال تعالى: «إِنْيَنْصُرْكُمُ اللّه ُ فَلا غالِبَ لَكُمْ»(2).
وقال تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللّه َ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُم»(3). وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
قال تعالى: «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ - لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرام»»(4).
وقال تعالى: «فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى»(5).
وقال تعالى: «تَبَارَكَالَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً»(6).
وقال تعالى: «هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ»(7).
قال تعالى: «وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُل»(8).
وقال تعالى: «وما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللّه ِ وَخاتَمَ النَّبِيِّين»(9).
وقال تعالى: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ...»(10).
ص: 94
وقال تعالى: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون»(1).
واما قوله عليه السلام «لانفاذ امره» ففيه اشعار بان النبى صلى الله عليه و آله لا يقول ولا يعمل الا باذن اللّه قال اللّه تعالى: «وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى»(2).
«و إنهاء» أي: إبلاغ «عذره» قال تعالى: «وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى(3)».
ومقتبس من قوله تعالى: فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْرا(4).
قال تعالى: «قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ(5)»..
وقال تعالى: «تَكادُتَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها. أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللّه ُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ...(6)».
وعن ابن أمّ مكتوم قال: خرج النبيّ صلى الله عليه و آلهعد ما ارتفعت الشمس وناس عند الحجرات، فقال: يا أهل الحجرات سعّرت النار، وجاءت الفتن كقطع الليل، ولوتعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا(7).
ص: 95
قال تعالى: «وَاتَّقُوا اللّه َ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُون»(1).
قال تعالى: «وَلَقَدْ
ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ؛
قُرْآناًعَرَبِيًّاغَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ»(2).
والأمثال التي ضربها لهم فيه كثيرة منها قوله تعالى بعد الآية السّابقة:
«ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ للّه ِِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ»(3).
ومنها قوله تعالى: «إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الاْياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»(4).
ونحوه قوله تعالى: «وَاضْرِبْ
لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللّه ُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً»(5).
ونحوهما قوله سبحانه: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ
ص: 96
بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الاْخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ»(1).
ومنها قوله تعالى: «مَثَلُ
الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّه ِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ»(2).
ومنها قوله تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّه ِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ»(3).
ومنها قوله تعالى: «لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّه ِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»(4).
ومنها قوله تعالى: «مَثَلُ
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّه ِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ
سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللّه ُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ...»(5).
ومنها قوله تعالى: «أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ * تُؤتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللّه ُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ»(6).وفي تفسير أهل البيت عليهم السلام عن مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرَ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ: «كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ * تُؤتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ
ص: 97
رَبِّها»(1) قَالَ أَمَّا الشَّجَرَةُ فَرَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وَفَرْعُهَا عَلِيٌّ عليه السلام وَغُصْنُ الشَّجَرَةِ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وَثَمَرُهَا أَوْلاَدُهَا عليه السلام وَوَرَقُهَا شِيعَتُنَا ثُمَّ قَالَ عليه السلام إِنَّ الْمُؤمِنَ مِنْ شِيعَتِنَا لَيَمُوتُ فَيَسْقُطُ مِنَ الشَّجَرَةِ وَرَقَةٌ وَإِنَّ الْمَوْلُودَ مِنْ شِيعَتِنَا لَيُولَدُ فَتُورِقُ الشَّجَرَةُ وَرَقَةً(2).
وعلى هذا فالمراد بقوله سبحانه: تؤتى أكلها كلّ حين ما يفتى به الأئمة من آل محمّد شيعتهم في الحلال والحرام(3).
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: كلمة خبيثة كشجرة خبيثة، إنّ هذا مثل بني اميّة(4).
ومنها قوله تعالى: «مَثَلُهُمْ
كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّه ُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ * أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللّه ُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ * يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا»(5).
قال تعالى: «وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلايَسْتَقْدِمُون»(6).
ص: 98
عَنْ حُمْرَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللّه ِ «ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ»(1) قَالَ: الْمُسَمَّى مَا سُمِّيَ لِمَلَكِ الْمَوْتِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَهُوَ الَّذِي قَالَ اللّه ُ «إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ(2)» وَهُوَ الَّذِي سُمِّيَ لِمَلَكِ الْمَوْتِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَالاْخَرُ لَهُ فِيهِ الْمَشِيئَةُ إِنْ شَاءَ قَدَّمَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهُ(3).
وقال تعالى: «ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُون»(4).
عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالَى«ثُمَّ قَضىأَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ» فَقَالَ إِنَّهُمَا أَجَلاَنِ أَجَلٌ مَحْتُومٌ وَأَجَلٌ مَوْقُوفٌ فَقَالَ لَهُ حُمْرَانُ مَا الْمَحْتُومُ قَالَ الَّذِي للّه ِِ فِيهِ الْمَشِيئَةُ قَالَ حُمْرَانُ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ أَجَلُ السُّفْيَانِيِّ مِنَ الْمَوْقُوفِ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام لاَ وَاللّه ِ إِنَّهُ لَمِنَ الْمَحْتُومِ(5).
وعَنْ حُمْرَانَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِاللّه ِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّه ِ «ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ» قَالَ فَقَالَ هُمَا أَجَلاَنِ أَجَلٌ مَوْقُوفٌ يَصْنَعُ اللّه ُ مَا يَشَاءُ وَأَجَلٌ مَحْتُوم(6).
وعَنْ سَالِمِ بْنِ مُكْرَمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: مَرَّ يَهُودِيٌّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقَالَ السَّامُ عَلَيْكَ فَقَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَلَيْكَ فَقَالَ أَصْحَابُهُ إِنَّمَا سَلَّمَ عَلَيْكَ بِالْمَوْتِ قَالَ الْمَوْتُعَلَيْكَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وَكَذَلِكَ رَدَدْتُ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إِنَّ هَذَا الْيَهُودِيَّ يَعَضُّهُ أَسْوَدُ فِي قَفَاهُ فَيَقْتُلُهُ قَالَ فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ فَاحْتَطَبَ حَطَباً كَثِيراً فَاحْتَمَلَهُ ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنِ انْصَرَفَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ضَعْهُ فَوَضَعَ الْحَطَبَ فَإِذَا أَسْوَدُ فِي جَوْفِ الْحَطَبِ
ص: 99
عَاضٌّ عَلَى عُودٍ فَقَالَ يَا يَهُودِيُّ مَا عَمِلْتَ الْيَوْمَ قَالَ مَا عَمِلْتُ عَمَلاً إِلاَّ حَطَبِي هَذَا احْتَمَلْتُهُ فَجِئْتُ بِهِ وَكَانَ مَعِي كَعْكَتَانِ(1) فَأَكَلْتُ وَاحِدَةً وَتَصَدَّقْتُ بِوَاحِدَةٍ عَلَى مِسْكِينٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله بِهَا دَفَعَ اللّه ُ عَنْه(2).
قال تعالى: «يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً...»(3).
عيش رفيع، أي: واسع طيّب، قال تعالى: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا(4).
وقال تعالى: «وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ»(5).
وقال تعالى: «وَجَعَلْنالَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ»(6).
قال تعالى: «وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدا»(7).
ص: 100
وقال تعالى: «لَقَدْأَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا»(1).
وقال تعالى: «قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَت»(2).
وقال تعالى: «وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ»(3).
وقال تعالى: «وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيد»(4).
وقال تعالى: «أَحْصاهُاللّه ُ وَنَسُوه»(5).
وقال تعالى: «وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها»(6).
قال تعالى: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ»(7).
وقال تعالى: «وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ
مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ»(8).وقال تعالى: «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ
جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُون»(9).
ص: 101
أي: الكوامل، قال تعالى: «وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً...»(1).
وقال تعالى: «وَلَقَدْكَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ - وَرَزَقْناهُمْ مِنَ
الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلا»(2).
اى عطايا واسعة.
قال تعالى: «كُلاًّ نُمِدُّ هؤلاءِ وَهَؤلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُورا»(3).
العقول والرّسل والفطرة التي فطرهم عليها.
قال تعالى: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَ فَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ»(4).
وقال تعالى: «لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّه ِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل»(5).
ص: 102
وقال تعالى: «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة»(1).
قال تعالى: «إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا»(2).
وقال تعالى: «أَحْصاهُ اللّه ُ وَنَسُوه»(3).
قال تعالى: «وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّه ِ رِزْقُها»(4).
وقال تعالى: «إِنَّ اللّه َ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين»(5).
وقال تعالى: «وَجَعَلْنالَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِين»(6).
وقال هود عليه السلاملقومه عاد كما حكى تعالى عنه: «وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ* أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ»(7).
«في قرار خبرة» - بالكسر - والمراد دار الدّنيا التي هي دار امتحان.قال تعالى: «وَبَلَوْناهُمْبِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون»(8).
ص: 103
«و دار عبرة» يعتبر الناس بحوادثها.
قال تعالى: «فَاعْتَبِرُوايا أُولِي الْأَبْصار»(1).
وقال تعالى: «إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى»(2).
وقال تعالى: «لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْباب»(3).
كما اعتبر الذين تمنّوا مكان قارون بما وقع له من الخسف به وبماله(4).
قال تعالى: «الم * أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللّه ُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِين»(5).
قال تعالى: «وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِين»(6).
اى: كدر
ص: 104
الرّدغ - بالتحريك - : الوحل الشديد، والمشرع الشريعة أي: مورد الشاربة.
من عادة الدنيا أن تغمرك وتخيل إليك أنها تحبّك، وتلازمك ثم تفارقك بغتة، وتلازم عدوك، وفي الانجيل أن عيسى عليه السلام رأى من مكاشفاته الدنيا على صورة عجوز، فقال لها كم أعداد أزواجك فقالت أكثر من أن يحصى، فقال عيسى: فارقوك أم طلقوك فقالت: بل قتلت الجميع.
فقال عيسى: عجبا ممن يخطبك ويطلبك، ومن سحر الدنيا أنها تزين ظاهرها، وتخفي بلاءها ومحنها فيغتر بظاهرها الجاهل، مثال عجوزة شوهاء(1) تلبس ثيابا
فاخرة، فاذا كشف صاحبها قناعها ندم على ما انفق عليها(2).
في الحديث: ان الدنيا تأتي يوم القيامة على صورة عجوزة شوهاء فوهاء فلا يمر عليها أحد إلا وهو يقول لها: نعوذ باللّه منك، فيقول اللّه لعباده: هذه الدنيا التي عصيتموني بسببها، وسفكتم الدماء بسببها وقطعتم الأرحام(3)، ومثل صاحب الدنيا في اللذة التي يجدها من الدنيا كمثل من يتناول طعاما لذيذا طيبا يفسد به معدته، ثم قاء، وقذف ما في معدته فبطلت لذته وبقيت تبعته(4).
ص: 105
اى: يعجب.
أي: يهلك، والمخبر خلاف المنظر.
قال أميرالمؤمنين عليه السلام: فَإِنَّمَا مَثَلُ الدُّنْيَا مَثَلُ الْحَيَّةِ لَيِّنٌ مَسُّهَا قَاتِلٌ سَمُّهَا(1).
«غرور حائل» من (حال عن العهد): انقلب، قال تعالى: «إِنَّ وَعْدَ اللّه ِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّه ِ الْغَرُورُ»(2).
وقال تعالى: «وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ»(3).
«و ضوء آفل» أي: زائل. «و ظلّ زائل» في الديوان:
ومن يذق الدّنيا فانّي طعمتها
وسيق إلينا عذبها وعذابها
فلم أرها إلاّ غرورا وباطلا
كما لاح في أرض الفلاة سرابها(4)
ص: 106
عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِاللّه ِ بْنِ سَيَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: اللَّهُمَّ وَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ أَبَدا(1).
قال تعالى: «وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللّه ُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً»(2).
قال تعالى: «ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ»(3).
الثّواب هنا مثله في قوله تعالى: «هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ»(1) في كونه بمعناه الأصلي من مطلق الجزاء.
قال تعالى: «يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤنَ»(2).
وقال تعالى: «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ»(3).
أي: يقتدي الخلف بالسلف، قال تعالى: «تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ...»(4).
أي: متتابعة وقطيعا قطيعا.
«إلى غاية الانتهاء» في الرجوع إليه قال تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ»(5).
ص: 108
«و صيّور الفناء» أي: ما يصير إليه قال تعالى: «كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ * وَيَبْقى وَجْهُ
رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالاْءِكْرامِ(1).
قال تعالى: «أَزِفَتِ الاْزِفَة»(2).
وقال تعالى: «يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ * كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِر»(3).
فيجتمع الخلائق كلّهم الأوّلون والآخرون قال تعالى: «قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالاْخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ»(4) فهي يوم الجمع ذلك «يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن(5)».
وبوجه آخر، ذلك «يوم الفصل(6)» لأنّ الدّنيا دار مغالطة واشتباه يتشابك فيها الحقّ والباطل ويتعانق فيها الوجود و العدم والخير والشرّ والنور والظلمة وفي الآخرة يتقابل المتخاصمان ويتفرّق المتخالفان، «ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرّقون(7)».
وفيها يتميّز المتشابهان، ليميز الخبيث من الطيّب، وينفصل الخصمان، «ليحقّالحقّ ويبطل الباطل(8)»، «ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حىّ عن بيّنة(9)».
ص: 109
ولا منافاة بين هذا الفصل وذلك الجمع بل هذا يوجب ذلك، «هذا يوم الفصل جمعناكم والأوّلين(1)»، والحشر أيضا بمعنى الجمع، «وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً»(2) إذا عرفت ذلك فاعلم ان اللّه سبحانه وتعالى قال: «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللّه ُ * ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ»(3).
قال الطبرسيّ في تفسير الصور: وهو قرن ينفخ فيه إسرافيل ووجه الحكمة في ذلك أنها علامة جعلها اللّه ليعلم بها العقلا آخر أمرهم في دار التكليف ثمّ تجديد الخلق فشبه ذلك بما يتعارفونه من بوق الرحيل والنزول ولا يتصوّره النفوس بأحسن من هذه الطريقة، وقوله: فصعق من في السموات ومن في الأرض، أى يموت من شدّة تلك الصّيحة التي تخرج من الصّور جميع من السموات والأرض يقال: صعق فلان إذا مات بحال هائلة شبيهة بالصيحة العظيمة(4).
واختلف في المستثنى بقول إلاّ من شاء اللّه، وفي المجمع روى مرفوعا هم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت(5) وفي رواية أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله سأل جبرئيل عن هذه الآية من ذا الذي لم يشاء اللّه أن يصعقهم؟ قال: همالشهداء متقلّدون أسيافهم حول العرش(6).
ص: 110
وقوله تعالى: ثمّ نفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون(1)، أراد النفخة الثانية ويسمّى النفخة الاولى بنفخة الصعق، والثانية بنفخة البعث أى ثمّ نفخ فيه نفخة اخرى فاذا هم قائمون من قبورهم يقلّبون أبصارهم في الجوانب، وقال الطبرسي أى ينتظرون ما يفعل بهم وما يؤمرون به(2).
وعَنْ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام قَالَ: سُئِلَ عَنِ النَّفْخَتَيْنِ كَمْ بَيْنَهُمَا قَالَ: مَا شَاءَ اللّه ُ، فَقِيلَ لَهُ فَأَخْبِرْنِي يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه ِ كَيْفَ يُنْفَخُ فِيهِ فَقَالَ: أَمَّا النَّفْخَةُ الْأُولَى فَإِنَّ اللّه َ يَأْمُرُ إِسْرَافِيلَ فَيَهْبِطُ إِلَى الْأَرْضِ وَمَعَهُ الصُّورُ - وَلِلصُّورِ رَأْسٌ وَاحِدٌ وَطَرَفَانِ وَبَيْنَ طَرَفِ كُلِّ رَأْسٍ مِنْهُمَا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ - قَالَ: فَإِذَا رَأَتِ الْمَلاَئِكَةُ إِسْرَافِيلَ وَقَدْ هَبَطَ إِلَى الدُّنْيَا وَمَعَهُ الصُّورُ قَالُوا: قَدْ أَذِنَ اللّه ُ فِي مَوْتِ أَهْلِ الْأَرْضِ وَفِي مَوْتِ أَهْلِ السَّمَاءِ، قَالَ: فَيَهْبِطُ إِسْرَافِيلُ بِحَظِيرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَيَسْتَقْبِلُ الْكَعْبَةَ فَإِذَا رَأَوْهُ أَهْلُ الْأَرْضِ قَالُوا: قَدْ أَذِنَ اللّه ُ فِي مَوْتِ أَهْلِ الْأَرْضِ، قَالَ: فَيَنْفُخُ فِيهِ نَفْخَةً - فَيَخْرُجُ الصَّوْتُ مِنَ الطَّرَفِ الَّذِي يَلِي أَهْلَ الْأَرْضِ - فَلاَ يَبْقَى فِي الْأَرْضِ ذُو رُوحٍ إِلاَّ صَعِقَ وَمَاتَ، وَيَخْرُجُ الصَّوْتُ مِنَ الطَّرَفِ الَّذِي يَلِي أَهْلَ السَّمَاوَاتِ فَلاَ يَبْقَى فِي السَّمَاوَاتِ ذُو رُوحٍ - إِلاَّ صَعِقَ وَمَاتَ إِلاَّ إِسْرَافِيلُ فَيَمْكُثُونَ فِي ذَلِكَ مَا شَاءَ اللّه ُ - قَالَ: فَيَقُولُ اللّه ُ لاِءِسْرَافِيلَ: يَا إِسْرَافِيلُ مُتْ فَيَمُوتُ إِسْرَافِيلُ فَيَمْكُثُونَ فِي ذَلِكَ مَا شَاءَ اللّه ُ - ثُمَّ يَأْمُرُ اللّه ُ السَّمَاوَاتِ فَتَمُورُ وَيَأْمُرُ الْجِبَالَ فَتَسِيرُ - وَهُوَ قَوْلُهُ: «يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً * وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً»(3) يَعْنِي تَبْسُطُوَتُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ - يَعْنِي بِأَرْضٍ لَمْ تُكْسَبْ عَلَيْهَا الذُّنُوبُ بَارِزَةً - لَيْسَ
ص: 111
عَلَيْهَا جِبَالٌ وَلاَ نَبَاتٌ كَمَا دَحَاهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ - وَيُعِيدُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ - كَمَا كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ مُسْتَقِلاًّ بِعَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ يُنَادِي الْجَبَّارُ جَلَّ جَلاَلُهُ بِصَوْتٍ مِنْ قِبَلِهِ جَهُورِيٍّ - يَسْمَعُ أَقْطَارُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ «لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ!» فَلاَ يُجِيبُهُ مُجِيبٌ - فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْجَبَّارُ مُجِيباً لِنَفْسِهِ «للّه ِِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ»(1) وَأَنَا قَهَرْتُ الْخَلاَئِقَ كُلَّهُمْ وَأَمَتُّهُمْ - إِنِّي أَنَا اللّه ُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا وَحْدِي لاَ شَرِيكَ لِي وَلاَ وَزِيرَ لِي - وَأَنَا خَلَقْتُ خَلْقِي بِيَدِي وَأَنَا أَمَتُّهُمْ بِمَشِيَّتِي - وَأَنَا أُحْيِيهِمْ بِقُدْرَتِى» قَالَ: فَيَنْفُخُ الْجَبَّارُ نَفْخَةً فِي الصُّورِ - فَيَخْرُجُ الصَّوْتُ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ الَّذِي يَلِي السَّمَاوَاتِ - فَلاَ يَبْقَى فِي السَّمَاوَاتِ أَحَدٌ إِلاَّ حَيِيَ - وَقَامَ كَمَا كَانَ وَيَعُودُ حَمَلَةُ الْعَرْشِ وَتُحْضَرُ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ وَتُحْشَرُ الْخَلاَئِقُ لِلْحِسَابِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام يَبْكِي عِنْدَ ذَلِكَ بُكَاءً شَدِيدا(2).
قال الخوئى: فان قلت إذا فنت الأجساد وانعدمت الأجسام فما الفائدة في خطاب لمن الملك؟
قلنا: ما يصدر عن الحكيم العليم لا بدّ وأن يكون متضمّنا للحكمة والمصلحة وإن كانت مختفية عندنا، ويمكن أن يكون فيه اللطف بالنّسبة إلى المكلّفين من حيث إنّ المخبر الصّادق إذا أخبرهم بوقوع ذلك الخطاب يوجب ذلك حقارة الدّنيا في نظرهم وعدم اغترارهم بملكها وسلطنتها ويوجب زيادة علمهم بقدرة اللّه وعزّته وبتفرّده في تدبير العالم، تعالى علوا كبيرا هذا(3).
ص: 112
وعن جميل بن دراج عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: وأتى جبرئيل رسول اللّه وأخذ بيده وأخرجه إلى البقيع فانتهى به إلى قبر فصوت بصاحبه فقال: قم باذن اللّه فخرج منه رجل أبيض الرّأس واللحية يمسح التّراب عن وجهه وهو يقول: الحمد للّه واللّه أكبر، فقال جبرئيل: عد باذن اللّه تعالى، ثمّ انتهى به إلى قبر آخر فقال: قم باذن اللّه،
فخرج منه رجل مسوّد الوجه وهو يقول: يا حسرتاه يا ثبوراه، ثمّ قال له جبرئيل: عد إلى ما كنت فيه باذن اللّه تعالى، فقال: يا محمّد هكذا يحشرون يوم القيامة، فالمؤمنون يقولون هذا القول وهؤلاء يقولون ما ترى(1).
وعن ابى المغراء قال حدثنى يعقوب الأحمر قال: دخلنا على أبي عبداللّه عليه السلامنعزّيه باسماعيل فترحّم عليه ثمّ قال: إنّ اللّه تعالى نعى إلى نبيّه نفسه فقال: إنك ميّت وإنّهم ميّتون، وكلّ نفس ذائقة الموت ثمّ أنشأ عليه السلاميحدّث فقال: إنه يموت أهل الأرض حتّى لا يبقى أحد، ثمّ يموت أهل السماء حتّى لا يبقى أحد إلاّ ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل.
قال: فيجيء ملك الموت حتّى يقف بين يدي اللّه تعالى فيقول له، من بقى؟و هو أعلم، فيقول: يا ربّ لم يبق إلاّ ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل فيقال له قل لجبرئيل وميكائيل فليموتا فتقول الملائكة عند ذلك يا ربّ رسوليك وأمينيك، فيقول تعالى: إنّى قضيت على كلّ نفس فيها الرّوح الموت.
ثمّ يجيء ملك الموت حتّى يقف بين يدي اللّه عزّ وجلّ فيقول له: من بقى؟ وهو أعلم، فيقول: يا ربّ لم يبق إلاّ ملك الموت وحملة العرش، فيقول: قل لحملة العرش فليموتوا، ثمّ يجيء كئيبا حزينا لا يرفع طرفه فيقول له من بقى؟ وهو أعلم،
ص: 113
فيقول: يا ربّ لم يبق إلاّ ملك الموت، فيقول له: مت يا ملك الموت، فيموت.
ثمّ يأخذ الأرض بيمينه والسّماوات بيمينه(1) فيقول: أين الذين كانوا يدعون معى شريكا؟ أين الذين يجعلون معى الها آخر(2)؟
وفي الأنوار أيضا إنّ النّفخة الأولى هي الّتى للهلاك تأتي النّاس بغتة وهم فى أسواقهم وطلب معايشهم فاذا سمعوا صوت الصّور تقطعت قلوبهم وأكبادهم من شدّته فيموتوا دفعة واحدة، فيبقى الجبّار جلّ جلاله فيأمر ريحا عاصفة فتقلع الجبال من أماكنها وتلقيها في البحار وتغور مياه البحار وكلّما في الأرض وتسطح الأرض كلّها للحساب فلا يبقى جبل ولا شجر ولا بحر ولا وهدة ولا تلعة فتكون أرضا بيضاء حتّى أنّه روى لو وضعت بيضة في المشرق رؤيت من المغرب، فيبقى سبحانه على هذا الحال مقدار أربعين سنة.
فاذا أراد أن يبعث الخلق قال مولينا الصّادق عليه السلام أمطر السّماء على الأرض أربعين صباحا فاجتمعت الأوصال ونبتت اللحوم ويأمر اللّه تعالى ريحا حتّى تجمع التّراب الذي كان لحما واختلط بعضه ببعض وتفرّق في البرارى والبحار وفي بطون السّباع فتجمعه تلك الريح في القبر.
فعند ذلك يجيء إسرافيل وصوره معه ويأمره بالنفخة الثانية، وينفخ فيه النفخة الثّانية فاذا نفخ تركّبت اللّحوم والأعضاء وأعيدت الأرواح إلى أبدانها وانشقّت القبور فخرج النّاس خائفين من تلك الصّيحة ينفضون التّراب عن رؤوسهم،
ص: 114
فيجيء إلى كلّ واحد ملكان عند خروجه من القبر يقبض كلّ واحد منهما عضدا منه فيقولان له: أجب ربّ العزّة، فيتحيّر من لقائهما ويأخذه الخوف والفزع حتّى أنّه في تلك الساعة يبيض شعر رأسه وبدنه بعد ما كان أسود.
وعند ذلك يكثر في الأرض الزلزال حتّى يخرج ما فيها من الأثقال ويشيب كلّ الأطفال وتضع كلّ ذات حمل حملها و ترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب اللّه شديد(1).
الضريح الشَقُّ في وسط القبر. واللحْدُ في الجانب(2).
قال تعالى: «وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللّه ُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُون»(3).
وقال تعالى: «ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون»(4).
وقال تعالى: «يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّه ُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا»(5).
وقال تعالى: «يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّه ُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُم»(6).
وقال تعالى: «قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤنَّ بِما عَمِلْتُمْ»(7).
وقال تعالى: «وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَت»(8).
عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ: شَهِدْتُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ(9) يَسْأَلُ أَبَا
ص: 115
عَبْدِاللّه ِ عليه السلام عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى - كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ مَا ذَنْبُ الْغَيْرِ؟ قَالَ وَيْحَكَ هِيَ هِيَ وَهِيَ غَيْرُهَا قَالَ فَمَثِّلْ لِي ذَلِكَ شَيْئاً مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا قَالَ نَعَمْ أَ رَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَخَذَ لَبِنَةً فَكَسَرَهَا ثُمَّ رَدَّهَا فِي مَلْبَنِهَا فَهِيَ هِيَ وَهِيَ غَيْرُهَا(1).
وعَنْ رِبْعِيِّ بْنِ خِرَاشٍ عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: لاَ يُؤمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤمِنَ بِأَرْبَعَةٍ حَتَّى يَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللّه ُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللّه ِ بَعَثَنِي بِالْحَقِّ وَحَتَّى يُؤمِنَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَحَتَّى يُؤمِنَ بِالْقَدَرِ(2).
وعَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: كَانَ فِيمَا وَعَظَ بِهِ لُقْمَانُ عليه السلام ابْنَهُ أَنْ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنْ تَكُ فِي شَكٍّ مِنْ الْمَوْتِ فَارْفَعْ عَنْ نَفْسِكَ النَّوْمِ وَلَنْ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ وَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِنْ الْبَعْثَ فَادْفَعْ عَنْ نَفْسِكَ الاِنْتِبَاهِ وَلَنْ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ فَإِنَّكَ إِذَا فَكَّرْتَ عَلِمْتَ أَنَّ نَفْسَكَ بِيَدِ غَيْرُكَ وَإِنَّمَا النَّوْمُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا الْيَقَظَةُ بَعْدَ النَّوْمِ بِمَنْزِلَةِ الْبَعْثَ بَعْدَ الْمَوْتِ(3).
وعَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام قَالَ: عَجِبْتُ لِلْمُتَكَبِّرِ الْفَخُورِ
ص: 116
كَانَ أَمْسِ نُطْفَةً وَهُوَ غَداً جِيفَةٌ وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ لِعَامِرِ دَارِ الْفَنَاءِ وَيَتْرُكُ دَارَ الْبَقَاءِ(1).
وعن أبي معمر عن علي عليه السلام في قوله: «الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ»(2) يقول: يوقنون أنهم مبعوثون والظن منهم يقين(3).
وعَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: تَنَوَّقُوا(4) فِي الْأَكْفَانِ فَإِنَّكُمْ تُبْعَثُونَ بِهَا(5).
وَرُوِيَ عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام عَنِ الْمَيِّتِ هَلْ يَبْلَى جَسَدُهُ فَقَالَ نَعَمْ حَتَّى لاَ يَبْقَى لَحْمٌ وَلاَ عَظْمٌ إِلاَّ طِينَتُهُ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا فَإِنَّهَا لاَ تَبْلَى تَبْقَى فِي الْقَبْرِ مُسْتَدِيرَةً حَتَّى يُخْلَقَ مِنْهَا كَمَا خُلِقَ أَوَّلَ مَرَّةٍ(6).
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله: «يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنَّ الرَّائِدَ لاَ يَكْذِبُ أَهْلَهُ. وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبِيّاً، لَتَمُوتُنَّ كَمَا تَنَامُونَ، وَلَتُبْعَثُنَّ كَمَا تَسْتَيْقِظُونَ، وَمَا بَعْدَ الْمَوْتِ دَارٌ إِلاَّ جَنَّةٌ أَوْ نَارٌ.
وخلق جميع الخلق وبعثهم على اللّه عزّ وجلّ كخلق نفس واحدة وبعثها، قالتعالى: «ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ»(7).(8)
ص: 117
قال أَبو يوسف: وسمعت أَبا عمرو يقول: الوَكْرُ العُشُّ حيثما كان في جبل أَو شجر(1).
والاخراج من أوكار الطيور، كأموات المجوس الّذين يدعونها للاغربة وكأغلب قتلى الحروب فانّ أجسادهم لسباع الطّيور وسباع الوحوش.
الوجار: سرب الثعلب والضبّع وما أشبههما وربّما استعير لغيرهما(2)... لتصديق كلامه عليه السلام له من كونه سربا لعموم السّباع لا خصوص الضّبع
يعمّ كلامه عليه السلام من طرح من جبل أو في بئر أو غرق في بحر
قال تعالى: «وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ»(3).
قال تعالى: «يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ»(1).
اهطع إذا مدّ عنقه وصوّب رأسه واهطع في عدوه اذا أسرع(2).
قال تعالى: «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عسر»(3).
وهو اليوم الذى اشار اليه سبحانه بقوله: «يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللّه َ بِقَلْبٍ سَلِيم»(4).
الرّعيل الجماعة من الخيل والرّجال قال:
«ثم التمشّي في الرّعيل الأول»(5).
لتصديق كلامه صلَّى اللّه عليه وآله له من مجيئه لجمع الإنسان أيضا.
ص: 119
والظّاهر أنّ الصّموت جمع الصّامت كالسجود جمع السّاجد قال تعالى: «لا
تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»(1).
وقال تعالى: «لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً»(2).
قال تعالى: «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللّه ُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ»(3) قياماً في كلامه عليه السلامكقيام في الآية جمع قائم.
وقال تعالى: «يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ»(4) أي بنو آدم على أحد التّفاسير «وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً»(5) وقال تعالى في سورة النبأ أيضا: «يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً»(6).
روى في المجمع عن النّبيّ صلى الله عليه و آله أنّه سئل عن هذه الآية فقال: يحشر عشرة أصناف من امّتي أشتاتا قد ميّزهم اللّه من المسلمين وبدّل صورهم فبعضهم على صورة القردة، وبعضهم على صورة الخنازير، وبعضهم منكسون أرجلهم من فوق ووجوههم من تحت ثمّ يسحبون عليها، وبعضهم عمى يتردّدون، وبعضهم صمّ بكم لا يعقلون، وبعضهم يمضغون ألسنتهم يسيل القيح من أفواههم لعابا يتقذّرهم أهلالجمع، وبعضهم مقطّعة أيديهم وأرجلهم، وبعضهم مصلّبون على جذوع من النّار،
ص: 120
وبعضهم أشدّ نتنا من الجيف، وبعضهم يلبسون جبابا سابغة من قطران لازقة بجلودهم.
فأمّا الذين على صورة القردة فالقتاة من النّاس، وأمّا الذين على صورة الخنازير فأهل السّحت، وأمّا المنكسون على رؤوسهم فآكلة الرّبا، والعمى الجائرون في الحكم، والصمّ البكم المعجبون بأعمالهم، والذين يمضغون ألسنتهم العلماء والقضاة الذين خالف أعمالهم أقوالهم، والمقطّعة أيديهم وأرجلهم الذين يؤذون الجيران، والمصلّبون على جذوع من نار فالسّعاة بالنّاس إلى السلطان، والذين هم أشدّ نتنا من الجيف فالذين يتمتّعون بالشّهوات واللذات ويمنعون حقّ اللّه في أموالهم، والذين هم يلبسون الجباب فأهل الفخر والخيلاء(1).
قال تعالى: «يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ»(2).
قال تعالى: «وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ»(3).
قال الطبرسي: وإنّما قال من مكان قريب لأنّه يسمعه الخلايق كلّهم على حدّ
ص: 121
واحد فلا يخفى على أحد قريب ولا بعيد فكأنّهم نودوا من مكان يقرب منهم(1).
واللبوس: ما يلبس.
قال اللّه عزوجل: (وعلمناه صنعة لبوس لكم)(2).
وقال آخر:
البس لكل عيشة لبوسها
إمّا نعيمها وإمّا بؤسها(3)
ضرع - بفتحتين - الضّعف.
قال تعالى: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً(4).
قال الطبرسي: أى خضعت وذلت خضوع الأسير في يد من قهره والمراد خضع أرباب الوجوه واستسلموا الحكم للحيّ الذي لم يمت ولا يموت، وإنّما اسند الفعل إلى الوجوه لأنّ أثر الذّلّ يظهر عليها، وقيل المراد بالوجوه الرّؤساء و القادة والملوك أى يذلّون وينسلخون عن ملكهم وعزّهم(5).
وقال تعالى: «يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَالْأَجْداث»(6).
ص: 122
وقال تعالى: «خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ»(1).
أى يخرجون من القبور مسرعين كأنّهم يسعون إلى علم نصب لهم خاضعة أبصارهم لا يستطيعون النّظر من هول ذلك اليوم وتغشيهم المذلّة.
قال تعالى: «وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ»(2).
وقال تعالى: «يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ»(3).
وقال تعالى: «وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ»(4).
قال تعالى: «مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ»(5).
قال الطبرسي: مهطعين أى مسرعين وقيل يريد دائمي النظر إلى ما يرون لا يطرفون مقنعي رؤوسهم أى رافعي رؤوسهم إلى السّماء حتّى لا يرى الرّجل مكانقدمه من شدّة رفع الرأس وذلك من هول يوم القيامة وقال مؤرج (مورخ): معناه
ص: 123
ناكسي رؤوسهم بلغة قريش لا يرتد إليهم طرفهم أى لا يرجع إليهم أعينهم ولا يطبقونها ولا يغمضونها وإنّما هو نظر دائم وأفئدتهم هواء أى قلوبهم خالية من كلّ شيء فزعا وخوفا وقيل خالية من كلّ سرور وطمع في الخير لشدّة ما يرون من الأهوال كالهواء الذي بين السّماء والأرض وقيل معناه وأفئدتهم زائلة عن مواضعها قد ارتفعت إلى حلوقهم لا تخرج ولا تعود إلى أماكنها بمنزلة الشيء الذاهب في جهات مختلفة المتردّد في الهواء وقيل معناه خالية عن عقولهم(1) وكظم الغيظ اجترعه.
وقال تعالى: «إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِين»(2).
مهينمة بتقديم النون على الميم والهينمة الصّوت الخفيّ(3).
قال تعالى: «وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً»(4).
قال في مجمع البيان: أى خضعت الأصوات بالسّكون لعظمة الرّحمن، والهمس هو صوت الاقدام أى لا تسمع من صوت الاقدام أى لا تسمع من صوت أقدامهم إلاّ صوتا خفيّا كما يسمع من أخفاف الابل عند سيرها وقيل الهمس إخفاء الكلام وقيل معناه إنّ الأصوات العالية بالأمر والنّهى في الدّنيا ينخفض ويذلّ أصحابها فلا يسمع منهم إلاّ الهمس(5).
ص: 124
عن الصّادق عليه السلام في حديث إنّ الغنى ليوقف للحساب ويسيل منه العرق حتّى لو شرب منه أربعون بعيرا لاصدرها(1).
قال ابن ابى الحديد: في الحديث إن العرق ليجري منهم حتى إن منهم من يبلغ ركبتيه ومنهم من يبلغ صدره ومنهم من يبلغ عنقه ومنهم من يلجمه وهم أعظمهم مشقة.
وقال لي قائل: ما أرى لقوله عليه السلام المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة كثير فائدة لأن طول العنق جدا ليس مما يرغب في مثله فذكرت له الخبر الوارد في العرق وقلت إذا كان الإنسان شديد طول العنق كان عن إلجام العرق أبعد (2).
قال المحقق التسترى: ما ذكره في غاية الركاكة فانّ المراد بكون المؤذّنين أطول النّاس أعناقا يومئذ كونهم أرفع درجة من باقي النّاس لا طول عنقهم الظاهر وفي الفارسيّة يكنّون عن الجبابرة بقولهم (گردن كشان) ولا يريدون طول أعناقهم بل يطلقونه على كلّ جبار وإن كان أقصر النّاس عنقا بل وان لم يكن له عنق أصلا(3).
قال تعالى: «يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً»(4).
وقال تعالى: «يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ
ص: 125
حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللّه ِ شَدِيدٌ»(1).
وَأُرْعِدَتِ الْأَسْمَاعُ لِزَبْرَةِ الدَّاعِي إِلَى فَصْلِ الْخِطَابِ وَمُقَايَضَةِ الْجَزَاءِ
قال تعالى: «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ * قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ * فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»(2).
وقال تعالى: «وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ»(3).
قال الطبرسي في تفسيره: قيل إنّه يناد المناد من صخرة بيت المقدّس أيتها العظام البالية والأوصال المنقطعة واللحوم المتمزّقة قومي لفصل القضاء وما أعدّ اللّه لكم من الجزاء وقيل إنّ المنادى هو إسرافيل يقول يا معشر الخلائق قوموا للحساب(4).
قال تعالى: «يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ»(5).
عَنْ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام يُحَدِّثُ فِي مَسْجِدِ
ص: 126
رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام يُحَدِّثُ النَّاسَ
قَالَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بَعَثَ اللّه ُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى النَّاسَ مِنْ حُفَرِهِمْ عُزْلاً بُهْماً جُرْداً مُرْداً فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ(1) يَسُوقُهُمُ النُّورُ وَتَجْمَعُهُمُ الظُّلْمَةُ حَتَّى يَقِفُوا عَلَى عَقَبَةِ الْمَحْشَرِ فَيَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَيَزْدَحِمُونَ دُونَهَا فَيُمْنَعُونَ مِنَ الْمُضِيِّ فَتَشْتَدُّ أَنْفَاسُهُمْ وَيَكْثُرُ عَرَقُهُمْ وَتَضِيقُ بِهِمْ أُمُورُهُمْ وَيَشْتَدُّ ضَجِيجُهُمْ(2) وَتَرْتَفِعُ أَصْوَاتُهُمْ قَالَ وَهُوَ أَوَّلُ هَوْلٍ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ فَيُشْرِفُ الْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ فِي ظِلاَلٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ(3) فَيَأْمُرُ مَلَكاً مِنَ الْمَلاَئِكَةِ فَيُنَادِي فِيهِمْ يَا مَعْشَرَ الْخَلاَئِقِ أَنْصِتُوا وَاسْتَمِعُوا مُنَادِيَ الْجَبَّارِ قَالَ فَيَسْمَعُ آخِرُهُمْ كَمَا يَسْمَعُ أَوَّلُهُمْ قَالَ فَتَنْكَسِرُ أَصْوَاتُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَتَخْشَعُ أَبْصَارُهُمْ وَتَضْطَرِبُ فَرَائِصُهُمْ(4) وَتَفْزَعُ قُلُوبُهُ
ص: 127
مْوَيَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ إِلَى نَاحِيَةِ الصَّوْتِ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ(1) قَالَ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْكَافِرُ «هذا يَوْمٌ عَسِرٌ»(2) قَالَ: فَيُشْرِفُ الْجَبَّارُ عَزَّ وَجَلَّ الْحَكَمُ الْعَدْلُ عَلَيْهِمْ فَيَقُولُ أَنَا اللّه ُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا الْحَكَمُ الْعَدْلُ الَّذِي لاَ يَجُورُ الْيَوْمَ أَحْكُمُ بَيْنَكُمْ بِعَدْلِي وَقِسْطِي لاَ يُظْلَمُ الْيَوْمَ عِنْدِي أَحَدٌ الْيَوْمَ آخُذُ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ بِحَقِّهِ وَلِصَاحِبِ الْمَظْلِمَةِ بِالْمَظْلِمَةِ بِالْقِصَاصِ مِنَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ وَأُثِيبُ عَلَى الْهِبَاتِ(3) وَلاَ يَجُوزُ هَذِهِ الْعَقَبَةَ الْيَوْمَ عِنْدِي ظَالِمٌ وَلِأَحَدٍ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ إِلاَّ مَظْلِمَةً يَهَبُهَا صَاحِبُهَا وَأُثِيبُهُ عَلَيْهَا وَآخُذُ لَهُ بِهَا عِنْدَ الْحِسَابِ فَتَلاَزَمُوا أَيُّهَا الْخَلاَئِقُ وَاطْلُبُوا مَظَالِمَكُمْ عِنْدَ مَنْ ظَلَمَكُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَأَنَا شَاهِدٌ لَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِي شَهِيداً قَالَ فَيَتَعَارَفُونَ وَيَتَلاَزَمُونَ فَلاَ يَبْقَى أَحَدٌ لَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مَظْلِمَةٌ أَوْ حَقٌّ إِلاَّ لَزِمَهُ بِهَا قَالَ فَيَمْكُثُونَ مَا شَاءَ اللّه ُ فَيَشْتَدُّ حَالُهُمْ وَيَكْثُرُ عَرَقُهُمْ(4) وَيَشْتَدُّ غَمُّهُمْ وَتَرْتَفِعُ أَصْوَاتُهُمْ بِضَجِيجٍ شَدِيدٍ فَيَتَمَنَّوْنَ الْمَخْلَصَ مِنْهُ بِتَرْكِ مَظَالِمِهِمْ لِأَهْلِهَا قَالَ وَيَطَّلِعُ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى جَهْدِهِمْ(5) فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ عِنْدِ اللّه ِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَسْمَعُ آخِرُهُمْ كَمَا يَسْمَعُ أَوَّلُهُمْ يَا مَعْشَرَ الْخَلاَئِقِ أَنْصِتُوا لِدَاعِي اللّه ِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَاسْمَعُوا إِنَّ اللّه َ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ [لَكُمْ ]أَنَا الْوَهَّابُ إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَوَاهَبُوا فَتَوَاهَبُوا وَإِنْ لَمْ تَوَاهَبُوا أَخَذْتُ لَكُمْ بِمَظَالِمِكُمْ قَالَ فَيَفْرَحُونَ بِذَلِكَ لِشِدَّةِ جَهْدِهِمْ وَضِيقِ مَسْلَكِهِمْ وَتَزَاحُمِهِمْ قَالَ فَيَهَبُ بَعْضُهُمْ
ص: 128
مَظَالِمَهُمْ رَجَاءَ أَنْ يَتَخَلَّصُوا مِمَّا هُمْ فِيهِ وَيَبْقَى بَعْضُهُمْ فَيَقُولُ يَا رَبِّ مَظَالِمُنَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ نَهَبَهَا قَالَ فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ تِلْقَاءِ الْعَرْشِ أَيْنَ رِضْوَانُ خَازِنُ الْجِنَانِ جِنَانِ الْفِرْدَوْسِ قَالَ فَيَأْمُرُهُ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُطْلِعَ(1) مِنَ الْفِرْدَوْسِ قَصْراً مِنْ فِضَّةٍ بِمَا فِيهِ مِنَ الْأَبْنِيَةِ (من الآنية خ ل) وَالْخَدَمِ قَالَ فَيُطْلِعُهُ عَلَيْهِمْ فِي حِفَافَةِ الْقَصْرِ الْوَصَائِفُ وَالْخَدَمُ(2) قَالَ فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ عِنْدِ اللّه ِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَا مَعْشَرَ الْخَلاَئِقِ ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ فَانْظُرُوا إِلَى هَذَا الْقَصْرِ قَالَ فَيَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ فَكُلُّهُمْ يَتَمَنَّاهُ قَالَ فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ عِنْدِ اللّه ِ تَعَالَى يَا مَعْشَرَ الْخَلاَئِقِ هَذَا لِكُلِّ مَنْ عَفَا عَنْ مُؤمِنٍ قَالَ فَيَعْفُونَ كُلُّهُمْ إِلاَّ الْقَلِيلَ قَالَ فَيَقُولُ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَجُوزُ إِلَى جَنَّتِيَ الْيَوْمَ ظَالِمٌ وَلاَ يَجُوزُ إِلَى نَارِيَ الْيَوْمَ ظَالِمٌ وَلِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ حَتَّى يَأْخُذَهَا مِنْهُ عِنْدَ الْحِسَابِ أَيُّهَا الْخَلاَئِقُ اسْتَعِدُّوا لِلْحِسَابِ قَالَ ثُمَّ يُخَلَّى سَبِيلُهُمْ فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى الْعَقَبَةِ يَكْرُدُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً(3) حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى الْعَرْصَةِ وَالْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ(4) قَدْ نُشِرَتِ الدَّوَاوِينُ وَنُصِبَتِ الْمَوَازِينُ وَأُحْضِرَ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ وَهُمُ الْأَئِمَّةُ يَشْهَدُ كُلُّ إِمَامٍ عَلَى أَهْلِ عَالَمِهِ بِأَنَّهُ قَدْ قَامَ فِيهِمْ بِأَمْرِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ وَدَعَاهُمْ إِلَى سَبِيلِ اللّه ِ قَالَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه ِ إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ الْمُؤمِنِ عِنْدَ الرَّجُلِ الْكَافِرِ مَظْلِمَةٌ أَيَّ شَيْءٍ يَأْخُذُ مِنَ الْكَافِرِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ قَالَ فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام يُطْرَحُ عَنِ الْمُسْلِمِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ بِقَدْرِ مَا لَهُ عَلَى الْكَافِرِ فَيُعَذَّبُ الْكَافِرُ بِهَا مَعَ عَذَابِهِ بِكُفْرِهِ عَذَاباً بِقَدْرِ مَا لِلْمُسْلِمِ قِبَلَهُ مِنْ مَظْلِمَةٍ قَالَ فَقَالَ لَهُ الْقُرَشِيُّ فَإِذَا
ص: 129
كَانَتِ الْمَظْلِمَةُ لِلْمُسْلِمِ عِنْدَ مُسْلِمٍ كَيْفَ تُؤخَذُ مَظْلِمَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِ قَالَ يُؤخَذُ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ مِنْ حَسَنَاتِهِ بِقَدْرِ حَقِّ الْمَظْلُومِ فَتُزَادُ عَلَى حَسَنَاتِ الْمَظْلُومِ قَالَ فَقَالَ لَهُ الْقُرَشِيُّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلظَّالِمِ حَسَنَاتٌ قَالَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلظَّالِمِ حَسَنَاتٌ فَإِنَّ لِلْمَظْلُومِ سَيِّئَاتٍ يُؤخَذُ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِ فَتُزَادُ عَلَى سَيِّئَاتِ الظَّالِمِ(1).
قال تعالى: «وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ»(2).
وقال تعالى: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الاْءِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ»(3).
وقال تعالى: «خَلَقَ الاْءِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّار»(4).
وقال تعالى: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الاْءِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللّه ُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ»(5).
وقال تعالى: «وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئا»(6).
قال تعالى: «وَللّه ِِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْبِالْغُدُوِّ وَالاْصالِ»(7).
ص: 130
وقال تعالى: «قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ»(1).
وقال تعالى: «قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللّه ُ قُلْ أَ فَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا»(2).
وقال تعالى: «وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً»(3).
وقال تعالى: «وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ»(4).
وقال تعالى: «يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ؛ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً»(5).
وروى عن أحد أصحاب أبي منصور المتطبّب قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ وَعَبْدُاللّه ِ بْنُ الْمُقَفَّعِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ تَرَوْنَ هَذَا الْخَلْقَ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى مَوْضِعِ الطَّوَافِ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ أُوجِبُ لَهُ اسْمَ الاْءِنْسَانِيَّةِ إِلاَّ ذَلِكَ الشَّيْخَ الْجَالِسَ يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عليه السلام فَأَمَّا الْبَاقُونَ فَرَعَاعٌ وَبَهَائِمُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ وَكَيْفَأَوْجَبْتَ هَذَا الاِسْمَ لِهَذَا الشَّيْخِ دُونَ هَؤلاَءِ قَالَ لِأَنِّي رَأَيْتُ عِنْدَهُ مَا لَمْ أَرَ عِنْدَهُمْفَقَالَ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ مَا بُدٌّ مِنِ اخْتِبَارِ مَا قُلْتَ فِيهِ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْمُقَفَّعِ لاَ تَفْعَل
ص: 131
فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْكَ مَا فِي يَدِكَ فَقَالَ لَيْسَ ذَا رَأْيَكَ وَلَكِنَّكَ تَخَافُ أَنْ يَضْعُفَ رَأْيُكَ عِنْدِي فِي إِحْلاَلِكَ إِيَّاهُ الْمَحَلَّ الَّذِي وَصَفْتَ فَقَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ أَمَّا إِذَا تَوَهَّمْتَ عَلَيَّ هَذَا فَقُمْ إِلَيْهِ وَتَحَفَّظْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الزَّلَلِ وَلاَ تَثْنِ عِنَانَكَ إِلَى اسْتِرْسَالٍ يُسْلِمْكَ إِلَى عِقَالٍ وَسِمْهُ مَا لَكَ أَوْ عَلَيْكَ(1) قَالَ فَقَامَ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ وَبَقِيتُ أَنَا وَابْنُ الْمُقَفَّعِ فَرَجَعَ إِلَيْنَا فَقَالَ يَا ابْنَ الْمُقَفَّعِ مَا هَذَا بِبَشَرٍ وَإِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا رُوحَانِيٌّ يَتَجَسَّدُ إِذَا شَاءَ ظَاهِراً وَيَتَرَوَّحُ إِذَا شَاءَ بَاطِناً فَهُوَ هَذَا فَقَالَ لَهُ وَكَيْفَ ذَاكَ فَقَالَ جَلَسْتُ إِلَيْهِ فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ غَيْرِي ابْتَدَأَنِي فَقَالَ إِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ عَلَى مَا يَقُولُ هَؤلاَءِ وَهُوَ عَلَى مَا يَقُولُونَ يَعْنِي أَهْلَ الطَّوَافِ فَقَدْ سَلِمُوا وَعَطِبْتُمْ وَإِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ عَلَى مَا تَقُولُونَ وَلَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ فَقَدِ اسْتَوَيْتُمْ أَنْتُمْ وَهُمْ فَقُلْتُ لَهُ يَرْحَمُكَ اللّه ُ وَأَيَّ شَيْءٍ نَقُولُ وَأَيَّ شَيْءٍ يَقُولُونَ مَا قَوْلِي وَقَوْلُهُمْ إِلاَّ وَاحِداً قَالَ فَكَيْفَ يَكُونُ قَوْلُكَ وَقَوْلُهُمْ وَاحِداً وَهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ لَهُمْ مَعَاداً وَثَوَاباً وَعِقَاباً وَيَدِينُونَ بِأَنَّ لِلسَّمَاءِ إِلَهاً وَأَنَّهَا عُمْرَانٌ وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ السَّمَاءَ خَرَابٌ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ قَالَ فَاغْتَنَمْتُهَا مِنْهُ فَقُلْتُ لَهُ مَا مَنَعَهُ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ أَنْ يَظْهَرَ لِخَلْقِهِ وَيَدْعُوَهُمْ إِلَى عِبَادَتِهِ حَتَّى لاَ يَخْتَلِفَ مِنْهُمُ اثْنَانِ وَلِمَ احْتَجَبَ عَنْهُمْ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ وَلَوْ بَاشَرَهُمْ بِنَفْسِهِ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الاْءِيمَانِ بِهِ فَقَالَ لِي وَيْلَكَ وَكَيْفَ احْتَجَبَ عَنْكَ مَنْ أَرَاكَ قُدْرَتَهُ فِي
ص: 132
نَفْسِكَ نُشُوءَكَ وَلَمْ تَكُنْ وَكِبَرَكَ بَعْدَ صِغَرِكَ وَقُوَّتَكَ بَعْدَ ضَعْفِكَ وَضَعْفَكَ بَعْدَ قُوَّتِكَ وَسُقْمَكَ بَعْدَ صِحَّتِكَ وَصِحَّتَكَ بَعْدَ سُقْمِكَ وَرِضَاكَ بَعْدَ غَضَبِكَ وَغَضَبَكَ بَعْدَ رِضَاكَ وَحُزْنَكَ بَعْدَ فَرَحِكَ وَفَرَحَكَ بَعْدَ حُزْنِكَ وَحُبَّكَ بَعْدَ بُغْضِكَ وَبُغْضَكَ بَعْدَ حُبِّكَ وَعَزْمَكَ بَعْدَ إِبَائِكَ وَإِبَاءَكَ بَعْدَ عَزْمِكَ وَشَهْوَتَكَ بَعْدَ كَرَاهَتِكَ وَكَرَاهَتَكَ بَعْدَ شَهْوَتِكَ وَرَغْبَتَكَ بَعْدَ رَهْبَتِكَ وَرَهْبَتَكَ بَعْدَ رَغْبَتِكَ وَرَجَاءَكَ بَعْدَ يَأْسِكَ وَيَأْسَكَ بَعْدَ رَجَائِكَ وَخَاطِرَكَ بِمَا لَمْ يَكُنْ فِي وَهْمِكَ وَعُزُوبَ مَا أَنْتَ مُعْتَقِدُهُ عَنْ ذِهْنِكَ وَمَا زَالَ يَعُدُّ عَلَيَّ قُدْرَتَهُ الَّتِي هِيَ فِي نَفْسِيَ الَّتِي لاَ أَدْفَعُهَا حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ(1).
قال تعالى: «اللّه ُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»(2).
وقال تعالى: «فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ»(3).
وقال تعالى: «وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ
ص: 133
لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تعملون»(1).
وقال تعالى: «وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّه ِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وهو اسرع الحاسبين»(2).
وقال تعالى: «قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ»(3).
وقال تعالى: «قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»(4).
وقال تعالى: «كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ * وَقِيلَ مَنْ راقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ»(5).
قال تعالى: «فَبَعَثَ اللّه ُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَ عَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ»(6).
وقال تعالى: «مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى»(7).
عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ الْقَزْوِينِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عليه السلام فَقُلْتُ لِأَيِّ عِلَّةٍ
ص: 134
يُولَدُ الاْءِنْسَانُ هَاهُنَا وَيَمُوتُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ لِأَنَّ اللّه َ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا خَلَقَ خَلْقَهُ خَلَقَهُمْ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ فَمَرْجِعُ كُلِّ إِنْسَانٍ إِلَى تُرْبَتِهِ(1)؛ قال تعالى: «أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً * أَحْياءً وَأَمْواتاً»(2).
ورُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ هَرْثَمَةَ قَالَ: دَعَانِي الْمُتَوَكِّلُ فَقَالَ اخْتَرْ ثَلاَثَمِائَةِ رَجُلٍ مِمَّنْ تُرِيدُ وَاخْرُجُوا إِلَى الْكُوفَةِ فَخَلِّفُوا أَثْقَالَكُمْ فِيهَا وَاخْرُجُوا عَلَى طَرِيقِ الْبَادِيَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَحْضِرُوا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الرِّضَا عليه السلام إِلَى عِنْدِي مُكَرَّماً مُعَظَّماً مُبَجَّلاً.
قَالَ فَفَعَلْتُ وَخَرَجْنَا وَكَانَ فِي أَصْحَابِي قَائِدٌ مِنَ الشُّرَاةِ(3) وَكَانَ لِي كَاتِبٌ يَتَشَيَّعُ وَأَنَا عَلَى مَذْهَبِ الْحَشْوِيَّةِ(4) وَكَانَ ذَلِكَ الشَّارِي يُنَاظِرُ ذَلِكَ الْكَاتِبَ وَكُنْتُ أَسْتَرِيحُ إِلَى مُنَاظَرَتِهِمَا لِقَطْعِ الطَّرِيقِ.
فَلَمَّا صِرْنَا إِلَى وَسَطِ الطَّرِيقِ(5) قَالَ الشَّارِي لِلْكَاتِبِ أَ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبِكُمْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْأَرْضِ بُقْعَةٌ إِلاَّ وَهِيَ قَبْرٌ أَوْ سَتَكُونُ قَبْراً.فَانْظُرْ إِلَى هَذِهِ الْبَرِّيَّةِ(6) أَيْنَ مَنْ يَمُوتُ فِيهَا حَتَّى يَمْلَأَهَا اللّه ُ قُبُوراً كَمَا تَزْعُمُونَ
ص: 135
قَالَ فَقُلْتُ لِلْكَاتِبِ أَ هَذَا مِنْ قَوْلِكُمْ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ صَدَقَ أَيْنَ مَنْ يَمُوتُ فِي هَذِهِ الْبَرِّيَّةِ الْعَظِيمَةِ حَتَّى تَمْتَلِئَ قُبُوراً وَتَضَاحَكْنَا سَاعَةً (من كلام الشيعى) إِذِ انْخَذَلَ الْكَاتِبُ فِي أَيْدِينَا.
قَالَ وَسِرْنَا حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ فَقَصَدْتُ بَابَ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الرِّضَا عليه السلام فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ (عليه) فَقَرَأَ كِتَابَ الْمُتَوَكِّلِ فَقَالَ انْزِلُوا وَلَيْسَ مِنْ جِهَتِي خِلاَفٌ.
قَالَ فَلَمَّا صِرْتُ إِلَيْهِ مِنَ الْغَدِ وَكُنَّا فِي تَمُّوزَ أَشَدَّ مَا يَكُونُ مِنَ الْحَرِّ فَإِذَا بَيْنَ يَدَيْهِ خَيَّاطٌ وَهُوَ يَقْطَعُ مِنْ ثِيَابٍ غِلاَظٍ خَفَاتِينَ(1) لَهُ وَلِغِلْمَانِهِ ثُمَّ قَالَ لِلْخَيَّاطِ اجْمَعْ عَلَيْهَا جَمَاعَةً مِنَ الْخَيَّاطِينَ وَاعْمِدْ عَلَى الْفَرَاغِ مِنْهَا يَوْمَكَ هَذَا وَبَكِّرْ بِهَا إِلَيَّ فِي هَذَا الْوَقْتِ ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ وَقَالَ يَا يَحْيَى اقْضُوا وَطَرَكُمْ(2) مِنَ الْمَدِينَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَاعْمَلْ
عَلَى الرَّحِيلِ غَداً فِي هَذَا الْوَقْتِ.
قَالَ فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَأَنَا أَتَعَجَّبُ مِنْهُ مِنَ الْخَفَاتِينِ وَأَقُولُ فِي نَفْسِي نَحْنُ فِي تَمُّوزَ وَحَرِّ الْحِجَازِ وَإِنَّمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْعِرَاقِ مَسِيرَةُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ(3) فَمَا يَصْنَعُ بِهَذِهِ الثِّيَابِ ثُمَّ قُلْتُ فِي نَفْسِي هَذَا رَجُلٌ لَمْ يُسَافِرْ وَهُوَ يُقَدِّرُ أَنَّ كُلَّ سَفَرٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى هَذِهِ الثِّيَابِ وَأَتَعَجَّبُ مِنَ الرَّافِضَةِ حَيْثُ يَقُولُونَ بِإِمَامَةِ هَذَا مَعَ فَهْمِهِ هَذَا.
فَعُدْتُ إِلَيْهِ فِي الْغَدِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِذَا الثِّيَابُ قَدْ أُحْضِرَتْ فَقَالَ لِغِلْمَانِهِ ادْخُلُوا وَخُذُوا لَنَا مَعَكُمْ لَبَابِيدَ وَبَرَانِسَ(4) ثُمَّ قَالَ ارْحَلْ يَا يَحْيَى فَقُلْتُ فِي نَفْسِي وَهَذَا
ص: 136
أَعْجَبُ مِنَ الْأَوَّلِ أَ يَخَافُ أَنْ يَلْحَقَنَا الشِّتَاءُ فِي الطَّرِيقِ حَتَّى أَخَذَ مَعَهُ اللَّبَابِيدَ وَالْبَرَانِسَ.
فَخَرَجْتُ وَأَنَا أَسْتَصْغِرُ فَهْمَهُ فَسِرْنَا حَتَّى وَصَلْنَا إِلَى مَوْضِعِ(1) الْمُنَاظَرَةِ فِي الْقُبُورِ
ارْتَفَعَتْ سَحَابَةٌ وَاسْوَدَّتْ وَأَرْعَدَتْ وَأَبْرَقَتْ حَتَّى إِذَا صَارَتْ عَلَى رُءُوسِنَا أَرْسَلَتْ عَلَيْنَا بَرَداً(2) مِثْلَ الصُّخُورِ وَقَدْ شَدَّ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غِلْمَانِهِ الْخَفَاتِينَ وَلَبِسُوا اللَّبَابِيدَ وَالْبَرَانِسَ وَقَالَ لِغِلْمَانِهِ ادْفَعُوا إِلَى يَحْيَى لُبَّادَةً وَإِلَى الْكَاتِبِ بُرْنُساً وَتَجَمَّعْنَا وَالْبَرْدُ يَأْخُذُنَا حَتَّى قَتَلَ مِنْ أَصْحَابِي ثَمَانِينَ رَجُلاً وَزَالَتْ وَرَجَعَ الْحَرُّ كَمَا كَانَ.
فَقَالَ لِي يَا يَحْيَى انْزِلْ أَنْتَ وَمَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِكَ لِيُدْفَنَ مَنْ قَدْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِكَ ثُمَّ قَالَ عليه السلام: فَهَكَذَا يَمْلَأُ اللّه ُ هَذِهِ الْبَرِّيَّةَ قُبُوراً.
قَالَ يَحْيَى فَرَمَيْتُ بِنَفْسِي عَنْ دَابَّتِي وَعَدَوْتُ إِلَيْهِ فَقَبَّلْتُ رِكَابَهُ وَرِجْلَهُ وَقُلْتُ أَنَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللّه ُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّكُمْ خُلَفَاءُ اللّه ِ فِي أَرْضِهِ وَقَدْ كُنْتُ كَافِراً وَإِنَّنِي الاْنَ قَدْ أَسْلَمْتُ عَلَى يَدَيْكَ يَا مَوْلاَيَ قَالَ يَحْيَى وَتَشَيَّعْتُ وَلَزِمْتُ خِدْمَتَهُ (حديثه) إِلَى أَنْ مَضَى(3).
من كلّ شيء(1).
قال تعالى: «يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ، كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِر»(2).
وقال تعالى: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ»(3). قال في مجمع البيان: أى جئتمونا وحدانا لا مال لكم ولا خول ولا ولد ولا حشم وقيل واحدا واحدا عليحده وقيل كلّ واحد منكم منفردا من شريكه في الغيّ وشفيقه كما خلقناكم أوّل مرّة أى خلقناكم في بطون امّهاتكم لا ناصر لكم ولا معين وقيل معناه ما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: تحشرون حفاتا عراتا عزلا، والعزل هم الغلف(4).
وروى إنّ عايشة قالت لرسول اللّه صلى الله عليه و آله حين سمعت ذلك: واسوأتاه ينظر بعضهم إلى سوءة بعض من الرّجال والنّساء قال: صلّى اللّه عليه وآله: لكلّ امرء منهم يومئذ شأن يغنيه ويشغل بعضهم عن بعض(5).
وقال تعالى: «وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً»(6).
وقال تعالى: «وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً»(7).
ص: 138
أى مجزيّون بأعمالهم جزاء إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّا.
قال تعالى: «فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ»(1).
وقال تعالى: «يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ»(2).
وقال تعالى: «يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللّه ُ إِنَّ اللّه َ لَطِيفٌ خَبِير»(3).
وقال تعالى: «وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ»(4).
وقال تعالى: «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ»(5).
وقال تعالى: «لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ»(6).
وقال تعالى: «لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى»(7).
وقال تعالى: «الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ»(8).وقال تعالى: «لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُون»(9).
وقال تعالى: «هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُون»(10).
ص: 139
وقال تعالى: «جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُون»(1).
أى في حساب يعني بتميّز المؤمن من المجرم والتقيّ من الشّقيّ والجيّد من الرّديّ في يوم الحساب ومقام المحاسبة كما قال سبحانه: «وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ»(2) أي اعتزلوا من أهل الجنّة وكونوا فرقة على حدة.
وقال تعالى: «وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير»(3).
فى الحديث أنّه إذا جمع اللّه الخلق يوم القيامة بقوا قياما على أقدامهم حتّى يلجمهم العرق فينادون يا ربّنا حاسبنا ولو إلى النار فيبعث اللّه رياحا فتضرب بينهم وينادى مناد: وامتازوا اليوم أيّها المجرمون، فتميّز بينهم فصار المجرمون إلى النار ومن كان فى قلبه ايمان صار إلى الجنّة(4).
وقال تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللّه ِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّه ِ الْغَرُورُ»(5).
وقال تعالى: «وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلاتَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُون»(6).
ص: 140
وقال تعالى: «لِيَمِيزَ اللّه ُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّب»(1).
قال تعالى: «أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ»(2).
وقال تعالى: «أَ يَحْسَبُ الاْءِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً»(3).
قال تعالى: «إِنَّا خَلَقْنَا الاْءِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً»(4).
وقال تعالى: «وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها * فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها»(5) بالرسول الباطن وهو العقل كما ذكّرها بالرسول الظاهر.
قال تعالى: «أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّه ِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ»(6).
وفي الخبر أنّ قوله تعالى: «أَ وَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ...»(7) خطاب
ص: 141
لابن ثماني عشرة سنة(1).
وعَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ لَتَطْلُعُ وَمَعَهَا أَرْبَعَةُ أَمْلاَكٍ مَلَكٌ يُنَادِي يَا صَاحِبَ الْخَيْرِ أَتِمَّ وَأَبْشِرْ وَمَلَكٌ يُنَادِي يَا صَاحِبَ الشَّرِّ انْزِعْ وَأَقْصِرالخ(2).
قال النبيّ صلَّى اللّه عليه وآله للنّاس في حجّة الوداع، ما من شيء يقرّبكم من الجنّة إلاّ أمرتكم به وما من شيء يقرّبكم من النّار إلاّ نهيتكم عنه(3).
وقال تعالى: «لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ»(4).
قال تعالى: «فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللّه ِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ»(5).
وَقَالَ صلى الله عليه و آله: الدُّنْيَا مَزْرَعَةُ الاْخِرَة(6).
قال تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه َ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللّه َإِنَّ اللّه َ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ»(7).
ص: 142
وقال تعالى: «وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللّه َ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ * لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ»(1).
وقال تعالى: «وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون»(2).
وفى الحديث: تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَة(3).
وقال عليه السلام لكليب الجرمي وَقَدْ أَرْسَلَهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ لَمَّا قَرُبَ عليه السلاممِنْهَا لِيَعْلَمَ لَهُمْ مِنْهُ حَقِيقَةَ حَالِهِ مَعَ أَصْحَابِ الْجَمَلِ لِتَزُولَ الشُّبْهَةُ مِنْ نُفُوسِهِمْ فَبَيَّنَ لَهُ عليه السلام مِنْ أَمْرِهِ مَعَهُمْ مَا عَلِمَ بِهِ أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ ثُمَّ قَالَ لَهُ بَايِعْ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ قَوْمٍ وَلاَ أُحْدِثُ حَدَثاً حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ عليه السلام أَ رَأَيْتَ لَوْ أَنَّ الَّذِينَ وَرَاءَكَ بَعَثُوكَ رَائِداً تَبْتَغِي لَهُمْ مَسَاقِطَ الْغَيْثِ فَرَجَعْتَ إِلَيْهِمْ وَأَخْبَرْتَهُمْ عَنِ الْكَلاَءِ وَالْمَاءِ فَخَالَفُوا إِلَى الْمَعَاطِشِ وَالْمَجَادِبِ مَا كُنْتَ صَانِعاً؟ قَالَ كُنْتُ تَارِكَهُمْ وَمُخَالِفَهُمْ فَقَالَ عليه السلام: فَامْدُدْ إِذاً يَدَكَ فَقَالَ الرَّجُلُ فَوَاللّه ِ مَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَمْتَنِعَ عِنْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَي(4).
قال تعالى: «وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤخِّرَ اللّه ُ نَفْساً إِذاجاءَ أَجَلُها وَاللّه ُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ»(5).
ص: 143
الأمثال الصّائبة للانسان والدّنيا على أنحاء منها من حيث فنائها كقوله تعالى: «فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْس»(1).
ومنها من حيث عدم ثبات من يستندون اليه من أهل الدّنيا كقوله تعالى: «مَثَلُ
الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّه ِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ»(2).
ومنها من حيث عجز من يعتمدون عليه كقوله تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّه ِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ»(3).
من أمراض الأخلاق الرّذيلة قال تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤمِنِين»(4).
ص: 144
وقال تعالى: «هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ»(1).
قال تعالى: «يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ. إِلاَّ مَنْ أَتَى اللّه َ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»(2).
وقال تعالى: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها * وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها»(3).
وقال تعالى: «لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها»(4).
وقال تعالى: «وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْر»(5).
وقال تعالى: «بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا»(6).
وقال تعالى: «فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللّه ِ»(7).
سَأَلَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام ابْنَهُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ فَقَالَ يَا بُنَيَّ: مَا الْحَزْمُ قَالَ أَنْ تَنْتَظِرَ فُرْصَتَكَ وَتُعَاجِلَ مَا أَمْكَنَك(1).
وفي الحديث: الحزم بضاعة والتّواني اضاعة(2).
وفيه: الظفر بالحزم والحزم باجالة الرّأى والرأى بتحصين الأسرار(3).
قال بعض شرّاح الحديث أشار إلى أسباب الظفر القريب والمتوسّط والبعيد فالحزم أن تقدم العمل للحوادث الممكنة قبل وقوعها بما هو أبعد عن الغرور وأقرب إلى السّلامة، وهو السبب الأقرب للظفر بالمطالب والمتوسط هو إجالة الرّأى وإعماله في تحصيل الوجه الأحزم وهو سبب أقرب للحزم، والأبعد هو اسرار ما يطلب وهو سبب أقرب للرّأى الصّالح إذ قلّ ما يتمّ رأى ويظفر بمطلوب مع ظهور إرادته(4)، هذا.
وفي الحديث: الحزم في القلب والرّحمة والغلظ في الكبد، والحياء في الرّية(5).
قال تعالى: «وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً»(6).
وفي الخبر: المؤمن أشدّ من الجبل لا يستقل عن دينه(7)، وقال الحسين عليه السلام لو لم
ص: 146
يكن لي ملجأ في الدّنيا ولا ناصر لما بايعت يزيد(1) وحضر للجهاد في سبيل الحقّ مع تلك العدّة القليلة.
قال تعالى: «الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللّه ُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ»(2).
قال تعالى: «وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ...»(3).
وقال تعالى: «وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعا»(4).
وقال تعالى: «أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّه ِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُون»(5).
قال تعالى: «وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللّه َ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ...»(6).
ص: 147
لمّا حاصر النبيّ صلَّى اللّه عليه وآله بني قريظة قالوا ابعث لنا أبا لبابة نستشيره في أمرنا فقال صلَّى اللّه عليه وآله له ائت حلفاءك فأتاهم فقالوا له ما ترى أ ننزل
على حكمه فقال نعم واعلموا انّ حكمه فيكم - وأشار الى حلقه - أي الذّبح ثمّ ندم فقال خنت اللّه ورسوله ونزل من حصنهم ولم يرجع اليه صلَّى اللّه عليه وآله ومرّ الى المسجد وشدّ في عنقه حبلا ثمّ شدّه الى الاسطوانة الّتي تسمّى اسطوانة التّوبة وقال لا أحلّه حتى أموت أو يتوب اللّه عليّ فبلغ ذلك النبيّ صلَّى اللّه عليه وآله
فقال انّا لو أتانا لاستغفرنا اللّه له وامّا اذ قصد الى ربّه فاللّه أولى به وكان يصوم النهار ويأكل باللّيل ما يمسك رمقه فكانت بنته تأتيه بعشائه وتحلّه عند قضاء الحاجة فلّما كان بعد ذلك والنبيّ صلَّى اللّه عليه وآله في بيت امّ سلمة نزلت توبته
«وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّه ُ أَنْ يَتُوبَ
عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّه َ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(1)، فقال صلى الله عليه و آله: لها قد تاب اللّه عليه فقالت أَفَأُوذِنُهُ فقال لتفعلنّ فأخرجت رأسها من الحجرة فقالت ابشر يا أبا لبابة قد تاب اللّه عليك فقال الحمد للّه فوثب المسلمون يحلّونه فقال لا واللّه حتّى يحلّني صلَّى اللّه عليه وآله
فجاء صلَّى اللّه عليه وآله فقال تاب اللّه عليك لو ولدت من امّك يومك هذا لكفاك فقال ا فاتصدّق به بمالي كلّه قال لا قال فبثلثيه قال لا قال فبنصفه قال لا قال فثلثه؟ فقال نعم(2).
ص: 148
قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ
أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ * أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ»(1).
وقال تعالى: «فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّه ُ جَمِيعاً»(2).
قال تعالى: «فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى»(3).
«و عبّر فاعتبر» أي: رأى اسباب العبرة فاعتبر بها.
قال تعالى: «لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْباب»(4).
وقال تعالى:: «وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً»(5).
وقال تعالى: «إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى»(6).
وقال تعالى: «يُقَلِّبُ اللّه ُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصار(7).
وقال تعالى: فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصار»(8).
ص: 149
قال تعالى: «وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى»(1).
قال تعالى: «وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَر»(2).
وقال تعالى في سورة القمر كراراً: «وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ»(3).
قال تعالى: «يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللّه ِ وَآمِنُوا بِه»(4).
وقال تعالى: «وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَه»(5).
وقال تعالى: «إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيب»(6).
وقال تعالى: «وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللّه ِ لَهُمُ الْبُشْرى»(7).
قال تعالى: «وَتُوبُوا إِلَى اللّه ِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»(8).
ص: 150
وقال تعالى: «فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّه َ يَتُوبُ عَلَيْهِ»(1).
وقال تعالى: «ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللّه َ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»(2).
وقال تعالى: «أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّه َ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِه»(3).
قال تعالى: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّه َ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّه ُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّه ُ غَفُورٌ رَحِيم»(4).
وقال تعالى: «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّه ِ أُسْوَةٌ حَسَنَة»(5).
وقال تعالى: «قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَه»(6).
وقال تعالى: «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللّه»(7).
قال تعالى: «هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ، وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً، وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّمَنْ يُنِيب»(8).
قال تعالى: «وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللّه ِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً
ص: 151
وَاسْتَغْفِرُوا اللّه َ إِنَّ اللّه َ غَفُورٌ رَحِيم»(1).
وقال تعالى: «وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ»(2).
وقال تعالى: «أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُون»(3).
وقال تعالى: «إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَبا»(4).
قال تعالى: «وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُون»(5).
قال تعالى: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها»(6).
قال تعالى: «وَإِنَّ الدَّارَ الاْخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوان»(7).
عن أميرالمؤمنين عليه السلام مَا مِنْ يَوْمٍ يَمُرُّ عَلَى ابْنِ آدَمَ إِلاَّ قَالَ لَهُ ذَلِكَ الْيَوْمُ أَنَا يَوْمٌجَدِيدٌ وَأَنَا عَلَيْكَ شَهِيدٌ فَقُلْ فِيَّ خَيْراً وَاعْمَلْ فِيَّ خَيْراً أَشْهَدْ لَكَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنَّكَ
ص: 152
لَنْ تَرَانِي بَعْدَ هَذَا أَبَداً(1).
قال تعالى: «وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِين»(2).
قال تعالى: «أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُون»(3).
وقال تعالى: «أَ يَحْسَبُ الاْءِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدى»(4).
وقال تعالى: «وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاْءِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ»(5).
وقال تعالى: «وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللّه َ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»(6).
وقال تعالى: «ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُون»(7).
وقال تعالى: «وَمَنْ يَعْصِ اللّه َ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِين»(1).
وقال تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه َ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه ِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا»(2).
وقال تعالى: «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ»(3).
وقال تعالى: «كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ»(4).
قال تعالى: «وَعْدَ اللّه ِ لا يُخْلِفُ اللّه ُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُون»(5).
وقال تعالى: «وَعْدَ اللّه ِ لا يُخْلِفُ اللّه ُ الْمِيعادَ»(6).
وقال تعالى: «وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّه ِ قِيلا»(7).
وقال تعالى: «وَعَدَ اللّه ُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيم»(8).
وقال تعالى: «لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ
ص: 154
فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللّه ِ وَاللّه ُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ»(1).
وقال تعالى: «وَعَدَ اللّه ُ الْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها - وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللّه ِ أَكْبَر»(2).
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ مَا خَلَقَ اللّه ُ خَلْقاً إِلاَّ جَعَلَ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مَنْزِلاً - وَفِي النَّارِ مَنْزِلاً - فَإِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ نَادَى مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ أَشْرِفُوا - فَيُشْرِفُونَ عَلَى أَهْلِ النَّارِ وَتُرْفَعُ لَهُمْ مَنَازِلُهُمْ فِيهَا - ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ هَذِهِ مَنَازِلُكُمُ - الَّتِي لَوْ عَصَيْتُمُ اللّه َ لَدَخَلْتُمُوهَا يَعْنِي النَّارَ قَالَ فَلَوْ أَنَّ أَحَداً مَاتَ فَرَحاً - لَمَاتَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَرَحاً - لِمَا صُرِفَ عَنْهُمْ مِنَ الْعَذَابِ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ يَا أَهْلَ النَّارِ ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ فَيَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ فَيَنْظُرُونَ مَنَازِلَهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَمَا فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ - فَيُقَالُ لَهُمْ هَذِهِ مَنَازِلُكُمُ - الَّتِي لَوْ أَطَعْتُمْ رَبَّكُمْ لَدَخَلْتُمُوهَا - قَالَ فَلَوْ أَنَّ أَحَداً مَاتَ حُزْناً - لَمَاتَ أَهْلُ النَّارِ حُزْناً - فَيُورَثُ هَؤلاَءِ مَنَازِلَ هَؤلاَءِ - وَيُورَثُ هَؤلاَءِ مَنَازِلَ هَؤلاَءِ - وَذَلِكَ قَوْلُ اللّه ِ أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ(3).
وقال تعالى: «أَلا إِنَّ للّه ِِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللّه ِ حَق»(1).
كانّا نرى أن لا نشور وأنّنا
سدى مالنا بعد الممات مصائر
ألا لا ولكنّا نغرّ نفوسنا
وتشغلنا اللذّات عمّا نحاذر
وكيف يلذّ العيش من هو موقن
بموقف عدل حين تبلى السرائر(2)
قال تعالى: «وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ»(3).
وقال تعالى: «وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ»(4).
وقال تعالى: «فَبَشِّرْ عِبادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللّه ُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ»(5).
عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ(6).
وَمِمَّا أَجَابَ الرضا عليه السلام بِحَضْرَةِ الْمَأْمُونِ لِصَبَّاحِ بْنِ نَصْرٍ الْهِنْدِيِّ وَعِمْرَانَ الصَّابِي عَنْ مَسَائِلِهِمَا قَالَ عِمْرَانُ: الْعَيْنُ نُورٌ مُرَكَّبَةٌ أَمِ الرُّوحُ تُبْصِرُ الْأَشْيَاءَ مِنْ مَنْظَرِهَا قَالَ عليه السلام الْعَيْنٌ شَحْمَةٌ وَهُوَ الْبَيَاضُ وَالسَّوَادُ وَالنَّظَرُ لِلرُّوحِ دَلِيلُهُ أَنَّكَ تَنْظُرُ فِيهِ فَتَرَى صُورَتَكَ فِي وَسَطِهِ وَالاْءِنْسَانُ لاَ يَرَى صُورَتَهُ إِلاَّ فِي مَاءٍ أَوْ مِرْآةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ صَبَّاحٌ فَإِذَا عَمِيَتِ الْعَيْنُ كَيْفَ صَارَتِ الرُّوحُ قَائِمَةً وَالنَّظَرُ ذَاهِبٌ قَالَ عليه السلام كَالشَّمْسِ طَالِعَةً يَغْشَاهَا الظَّلاَمُ قَالَ أَيْنَ تَذْهَبُ الرُّوحُ قَالَ أَيْنَ يَذْهَبُ الضَّوْءُ الطَّالِعُ مِنَ الْكُوَّةِ فِي الْبَيْتِ إِذَا سُدَّتِ الْكُوَّةُ قَالَ أَوْضِحْ لِي ذَلِكَ قَالَ عليه السلام الرُّوحُ مَسْكَنُهَا فِي الدِّمَاغِ وَشُعَاعُهَا مُنْبَثٌّ فِي الْجَسَدِ بِمَنْزِلَةِ الشَّمْسِ دَارَتُهَا فِي السَّمَاءِ وَشُعَاعُهَا مُنْبَسِطٌ عَلَى الْأَرْضِ فَإِذَا غَابَتِ الدَّائِرَةُ فَلاَ شَمْسَ وَإِذَا قُطِعَ الرَّأْسُ فَلاَ رُوح(1).
فانّ غرض السّائل أنّ المدرك هو العضو أمّ الرّوح تبصر الأشياء وهذا منظره، فاختار عليه السلام الثاني وعلله بأنّ العضو مثل ساير الأجسام الصقيلة يري فيها الوجه كالماء والمرآة فكما أنّها ليست مدركة لما ينطبع فيها فكذا العين وغيرها من المشاعر هذا.
وقد اشير إلى منافع السمع والبصر وبعض حكمهما في حديث المفضل المعروف عن الصادق عليه السلام حيث قال:
انْظُرِ الاْنَ يَا مُفَضَّلُ إِلَى هَذِهِ الْحَوَاسِّ الخمس الَّتِي خُصَّ بِهَا الاْءِنْسَانُ فِي خَلْقِهِ وَشُرِّفَ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ كَيْفَ جُعِلَتِ الْعَيْنَانِ فِي الرَّأْسِ كَالْمَصَابِيحِ فَوْقَ الْمَنَارَةِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ مُطَالَعَةِ الْأَشْيَاءِ وَلَمْ تُجْعَلْ فِي الْأَعْضَاءِ الَّتِي تَحْتَهُنَّ كَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَتَعْتَرِضَهَا الاْفَاتُ وَيُصِيبَهَا مِنْ مُبَاشَرَةِ الْعَمَلِ وَالْحَرَكَةِ مَا يُعَلِّلُهَا وَيُؤثِّرُ فِيهَا وَيَنْقُصُ
ص: 157
مِنْهَا وَلاَ فِي الْأَعْضَاءِ الَّتِي وَسَطَ الْبَدَنِ كَالْبَطْنِ وَالظَّهْرِ فَيَعْسُرَ تَقَلُّبُهَا وَاطِّلاَعُهَا نَحْوَ الْأَشْيَاءِ.
فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ مَوْضِعٌ كَانَ الرَّأْسُ أَسْنَى الْمَوَاضِعِ لِلْحَوَاسِّ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّوْمَعَةِ لَهَا فَجَعَلَ الْحَوَاسَّ خَمْساً تَلْقَى خَمْساً لِكَيْ لاَ يَفُوتَهَا شَيْءٌ مِنَ الْمَحْسُوسَاتِ فَخَلَقَ الْبَصَرَ لِيُدْرِكَ الْأَلْوَانَ فَلَوْ كَانَتِ الْأَلْوَانُ وَلَمْ يَكُنْ بَصَرٌ يُدْرِكُهَا لَمْ تَكُنْ فِيهَا مَنْفَعَةٌ وَخَلَقَ السَّمْعَ لِيُدْرِكَ الْأَصْوَاتَ فَلَوْ كَانَتِ الْأَصْوَاتُ وَلَمْ يَكُنْ سَمْعٌ يُدْرِكُهَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِرْبٌ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحَوَاسِّ ثُمَّ هَذَا يَرْجِعُ مُتَكَافِياً فَلَوْ كَانَ بَصَرٌ وَلَمْ تَكُنِ الْأَلْوَانُ لَمَا كَانَ لِلْبَصَرِ مَعْنًى وَلَوْ كَانَ سَمْعٌ وَلَمْ تَكُنْ أَصْوَاتٌ لَمْ يَكُنْ لِلسَّمْعِ مَوْضِعٌ.
فَانْظُرْ كَيْفَ قَدَّرَ بَعْضَهَا يَلْقَى بَعْضاً فَجَعَلَ لِكُلِّ حَاسَّةٍ مَحْسُوساً يَعْمَلُ فِيهِ وَلِكُلِّ مَحْسُوسٍ حَاسَّةً تُدْرِكُهُ وَمَعَ هَذَا فَقَدْ جُعِلَتْ أَشْيَاءُ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ الْحَوَاسِّ وَالْمَحْسُوسَاتِ لاَ تَتِمُّ الْحَوَاسُّ إِلاَّ بِهَا كَمِثْلِ الضِّيَاءِ وَالْهَوَاءِ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ضِيَاءٌ يُظْهِرُ اللَّوْنَ لِلْبَصَرِ لَمْ يَكُنِ الْبَصَرُ يُدْرِكُ اللَّوْنَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَوَاءٌ يُؤدِّي الصَّوْتَ إِلَى السَّمْعِ لَمْ يَكُنِ السَّمْعُ يُدْرِكُ الصَّوْتَ فَهَلْ يَخْفَى عَلَى مَنْ صَحَّ نَظَرُهُ وَأَعْمَلَ فِكْرَهُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الَّذِي وَصَفْتُ مِنْ تَهْيِئَةِ الْحَوَاسِّ وَالْمَحْسُوسَاتِ بَعْضُهَا يَلْقَى بَعْضاً وَتَهْيِئَةِ أَشْيَاءَ أُخَرَ بِهَا تَتِمُّ الْحَوَاسُّ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِعَمَلٍ وَتَقْدِيرٍ مِنْ لَطِيفٍ خَبِيرٍ
فَكِّرْ يَا مُفَضَّلُ فِيمَنْ عَدِمَ الْبَصَرَ مِنَ النَّاسِ وَمَا يَنَالُهُ مِنَ الْخَلَلِ فِي أُمُورِهِ فَإِنَّهُ لاَ يَعْرِفُ مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ وَلاَ يُبْصِرُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَلاَ يَفْرُقُ بَيْنَ الْأَلْوَانِ وَبَيْنَ الْمَنْظَرِ الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ وَلاَ يَرَى حُفْرَةً إِنْ هَجَمَ عَلَيْهَا وَلاَ عَدُوّاً إِنْ أَهْوَى إِلَيْهِ بِسَيْفٍ وَلاَ يَكُونُ لَهُ سَبِيلٌ إِلَى أَنْ يَعْمَلَ شَيْئاً مِنْ هَذِهِ الصِّنَاعَاتِ مِثْلِ الْكِتَابَةِ وَالتِّجَارَةِ
ص: 158
وَالصِّيَاغَةِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ لاَ نَفَاذُ ذِهْنِهِ لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْحَجَرِ الْمُلْقَى وَكَذَلِكَ مَنْ عَدِمَ السَّمْعَ يَخْتَلُّ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ فَإِنَّهُ يَفْقِدُ رَوْحَ الْمُخَاطَبَةِ وَالْمُحَاوَرَةِ وَيَعْدَمُ لَذَّةَ الْأَصْوَاتِ وَاللُّحُونِ الْمُشْجِيَةِ وَالْمُطْرِبَةِ وَتَعْظُمُ الْمَئُونَةُ عَلَى النَّاسِ فِي مُحَاوَرَتِهِ حَتَّى يَتَبَرَّمُوا بِهِ وَلاَ يَسْمَعُ شَيْئاً مِنْ أَخْبَارِ النَّاسِ وَأَحَادِيثِهِمْ حَتَّى يَكُونَ كَالْغَائِبِ وَهُوَ شَاهِدٌ أَوْ كَالْمَيِّتِ وَهُوَ حَي(1).
قال تعالى: «وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئا»(2).
وقال تعالى: «فَلْيَنْظُرِ الاْءِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِق»(3).
وقال تعالى: «أَ لَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِين»(4).
وقال تعالى: «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَة»(5).
قَالَ الْمُفَضَّلُ للصادق عليه السلام صِفْ لى نُشُوءَ الْأَبْدَانِ وَنُمُوَّهَا حَالاً بَعْدَ حَالٍ حَتَّى تَبْلُغَ التَّمَامَ وَالْكَمَالَ قَالَ عليه السلامأَوَّلُ ذَلِكَ تَصْوِيرُ الْجَنِينِ فِي الرَّحِمِ حَيْثُ لاَ تَرَاهُ عَيْنٌ وَلاَ تَنَالُهُ يَدٌ وَيُدَبِّرُهُ حَتَّى يَخْرُجَ سَوِيّاً مُسْتَوْفِياً جَمِيعَ مَا فِيهِ قِوَامُهُ وَصَلاَحُهُ مِنَ الْأَحْشَاءِ وَالْجَوَارِحِ وَالْعَوَامِلِ إِلَى مَا فِي تَرْكِيبِ أَعْضَائِهِ مِنَ الْعِظَامِ وَاللَّحْمِ وَالشَّحْمِ وَالْعَصَبِ وَالْمُخِّ وَالْعُرُوقِ وَالْغَضَارِيفِ(6) فَإِذَا خَرَجَ إِلَى الْعَالَمِ تَرَاهُ كَيْفَيَنْمُو بِجَمِيعِ أَعْضَائِهِ وَهُوَ ثَابِتٌ عَلَى شَكْلٍ وَهَيْئَةٍ لاَ تَتَزَايَدُ وَلاَ تَنْقُصُ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ
ص: 159
أَشُدَّهُ إِنْ مُدَّ فِي عُمُرِهِ أَوْ يَسْتَوْفِيَ مُدَّتَهُ قَبْلَ ذَلِكَ هَلْ هَذَا إِلاَّ مِنْ لَطِيفِ التَّدْبِيرِ وَالْحِكْمَة(1).
قال تعالى: «لَقَدْ خَلَقْنَا الاْءِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم»(2).
وقال تعالى: «أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ»(3).
قال الصادق عليه السلام فكّر يا مفضّل في أعضاء البدن أجمع وتدبير كلّ منها للمآرب، فاليدان للعلاج، والرّجلان للسعيّ، وكذلك جميع الأعضاء إذا ما تأمّلتها وأعملت فكرك فيها وجدت كلّ شيء منها قد قدّر لشيء على صواب وحكمة(4).
قال تعالى: «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى»(5).
وقال تعالى: «ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُون»(6).
وقال تعالى: «وَلَنْ يُؤخِّرَ اللّه ُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها»(7).
وقال تعالى: «إِنَّ أَجَلَ اللّه ِ إِذا جاءَ لا يُؤخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(8).
ص: 160
قال الصادق عليه السلام فَكِّرْ يَا مُفَضَّلُ فِي وُصُولِ الْغِذَاءِ إِلَى الْبَدَنِ وَمَا فِيهِ مِنَ التَّدْبِيرِ فَإِنَّ الطَّعَامَ يَصِيرُ إِلَى الْمَعِدَةِ فَتَطْبُخُهُ وَتَبْعَثُ بِصَفْوِهِ إِلَى الْكَبِدِ فِي عُرُوقٍ دِقَاقٍ وَاشِجَةٍ(1) بَيْنَهُمَا قَدْ جُعِلَتْ كَالْمُصَفِّي لِلْغِذَاءِ لِكَيْلاَ يَصِلَ إِلَى الْكَبِدِ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَنْكَاهَا(2) وَذَلِكَ أَنَّ الْكَبِدَ رَقِيقَةٌ لاَ تَحْتَمِلُ الْعُنْفَ ثُمَّ إِنَّ الْكَبِدَ تَقْبَلُهُ فَيَسْتَحِيلُ بِلُطْفِ التَّدْبِيرِ دَماً وَيُنْفِذُهُ إِلَى الْبَدَنِ كُلِّهِ فِي مَجَارِي مُهَيَّأَةٍ لِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَجَارِي الَّتِي تُهَيَّأُ لِلْمَاءِ لِيَطَّرِدَ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا وَيَنْفُذَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ مِنَ الْخَبَثِ وَالْفُضُولِ إِلَى مَفَايِضَ(3) قَدْ أُعِدَّتْ لِذَلِكَ فَمَا كَانَ مِنْهُ مِنْ جِنْسِ الْمِرَّةِ الصَّفْرَاءِ جَرَى إِلَى الْمَرَارَةِ وَمَا كَانَ مِنْ جِنْسِ السَّوْدَاءِ جَرَى إِلَى الطِّحَالِ وَمَا كَانَ مِنَ الْبِلَّةِ وَالرُّطُوبَةِ جَرَى إِلَى الْمَثَانَةِ فَتَأَمَّلْ حِكْمَةَ التَّدْبِيرِ فِي تَرْكِيبِ الْبَدَنِ وَوَضْعِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ مِنْهُ مَوَاضِعَهَا وَإِعْدَادِ هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ فِيهِ لِتَحْمِلَ تِلْكَ الْفُضُولَ لِئَلاَّ تَنْتَشِرَ فِي الْبَدَنِ فَتُسْقِمَهُ وَتَنْهَكَهُ فَتَبَارَكَ مَنْ أَحْسَنَ التَّقْدِيرَ وَأَحْكَمَ التَّدْبِير(4).
عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام: انَّ مَنْزِلَةَ الْقَلْبِ مِنَ الْجَسَدِ بِمَنْزِلَةِ الاْءِمَامِ مِنَ النَّاسِ الْوَاجِبِ الطَّاعَةِ عَلَيْهِمْ أَ لاَ تَرَى أَنَّ جَمِيعَ جَوَارِحِ الْجَسَدِ شُرَطٌ لِلْقَلْبِ وَتَرَاجِمَةٌ لَهُ مُؤدِّيَةٌ
ص: 161
عَنْهُ الْأُذُنَانِ وَالْعَيْنَانِ وَالْأَنْفُ وَالْفَمُ وَالْيَدَانِ وَالرِّجْلاَنِ وَالْفَرْجُ فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا هَمَّ بِالنَّظَرِ فَتَحَ الرَّجُلُ عَيْنَيْهِ وَإِذَا هَمَّ بِالاسْتِمَاعِ حَرَّكَ أُذُنَيْهِ وَفَتَحَ مَسَامِعَهُ فَسَمِعَ وَإِذَا هَمَّ الْقَلْبُ بِالشَّمِّ اسْتَنْشَقَ بِأَنْفِهِ فَأَدَّى تِلْكَ الرَّائِحَةَ إِلَى الْقَلْبِ وَإِذَا هَمَّ بِالنُّطْقِ تَكَلَّمَ بِاللِّسَانِ وَإِذَا هَمَّ بِالْبَطْشِ عَمِلَتِ الْيَدَانِ وَإِذَا هَمَّ بِالْحَرَكَةِ سَعَتِ الرِّجْلاَنِ وَإِذَا هَمَّ بِالشَّهْوَةِ تَحَرَّكَ الذَّكَرُ فَهَذِهِ كُلُّهَا مُؤدِّيَةٌ عَنِ الْقَلْب(1).
وعن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الطَّالَقَانِيُّ عن الْحَسَن بْن عَلِيٍّ الْعَدَوِيُّ عن عَبَّاد بْن صُهَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ الرَّبِيعِ صَاحِبِ الْمَنْصُورِ قَالَ: حَضَرَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ عليه السلام مَجْلِسَ الْمَنْصُورِ يَوْماً وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنَ الْهِنْدِ يَقْرَأُ كُتُبَ الطِّبِّ فَجَعَلَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ الصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عليه السلام يُنْصِتُ لِقِرَاءَتِهِ فَلَمَّا فَرَغَ الْهِنْدِيُّ قَالَ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِاللّه ِ أَ تُرِيدُ مِمَّا مَعِي شَيْئاً؟ قَالَ عليه السلام: لاَ؛ فَإِنَّ مَا مَعِي خَيْرٌ مِمَّا مَعَكَ قَالَ وَمَا هُوَ؟ قَالَ عليه السلام: أُدَاوِي الْحَارَّ بِالْبَارِدِ وَالْبَارِدَ بِالْحَارِّ وَالرَّطْبَ بِالْيَابِسِ وَالْيَابِسَ بِالرَّطْبِ وَأَرُدُّ الْأَمْرَ كُلَّهُ إِلَى اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَسْتَعْمِلُ مَا قَالَهُ رَسُولُهُ صلى الله عليه و آله وَأَعْلَمُ أَنَّ الْمَعِدَةَ بَيْتُ الدَّاءِ وَالْحِمْيَةَ هِيَ الدَّوَاءُ وَأُعَوِّدُ الْبَدَنَ مَا اعْتَادَ فَقَالَ الْهِنْدِيُّ وَهَلِ الطِّبُّ إِلاَّ هَذَا؟ فَقَالَ الصَّادِقُ عليه السلام أَ فَتَرَانِي عَنْ كُتُبِ الطِّبِّ أَخَذْتُ قَالَ نَعَمْ قَالَ عليه السلام: لاَ وَاللّه ِ مَا أَخَذْتُ إِلاَّ عَنِ اللّه ِ سُبْحَانَهُ فَأَخْبِرْنِي أَنَا أَعْلَمُ بِالطِّبِّ أَمْ أَنْتَ فَقَالَ الْهِنْدِيُّ بَلْ أَنَا قَالَ الصَّادِقُ عليه السلام فَأَسْأَلُكَ شَيْئاً؟ قَالَ: سَلْ. قَالَ عليه السلام أَخْبِرْنِي يَا هِنْدِيُّ لِمَ كَانَ فِي الرَّأْسِ شُئُونٌ(2) قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام فَلِمَ جُعِلَ الشَّعْرُ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقِهِ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ خَلَتِ الْجَبْهَةُ مِنَ الشَّعْرِ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ
ص: 162
كَانَ لَهَا تَخْطِيطٌ وَأَسَارِيرُ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ كَانَ الْحَاجِبَانِ مِنْ فَوْقِ الْعَيْنَيْنِ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ جُعِلَتِ الْعَيْنَانِ كَاللَّوْزَتَيْنِ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ جُعِلَ الْأَنْفُ فِيمَا بَيْنَهُمَا؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ وَلِمَ كَانَ ثَقْبُ الْأَنْفِ فِي أَسْفَلِهِ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ جُعِلَتِ الشَّفَةُ وَالشَّارِبُ مِنْ فَوْقِ الْفَمِ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ احْتَدَّ السِّنُّ وَعَرُضَ الضِّرْسُ وَطَالَ النَّابُ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ جُعِلَتِ اللِّحْيَةُ لِلرِّجَالِ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ خَلَتِ الْكَفَّانِ مِنَ الشَّعْرِ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ خَلاَ الظُّفُرُ وَالشَّعْرُ مِنَ الْحَيَاةِ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ كَانَ الْقَلْبُ كَحَبِّ الصَّنَوْبَرِ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ كَانَتِ الرِّئَةُ قِطْعَتَيْنِ وَجُعِلَ حَرَكَتُهَا فِي مَوْضِعِهَا؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ كَانَتِ الْكَبِدُ حَدْبَاءَ ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ كَانَتِ الْكُلْيَةُ كَحَبِّ اللُّوبِيَا؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ جُعِلَ طَيُّ الرُّكْبَتَيْنِ إِلَى خَلْفٍ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام:فَلِمَ تَخَصَّرَتِ الْقَدَمَانِ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ فَقَالَ الصَّادِقُ عليه السلام: لَكِنِّي أَعْلَمُ قَالَ فَأَجِبْ فَقَالَ الصَّادِقُ عليه السلام كَانَ فِي الرَّأْسِ شُئُونٌ لِأَنَّهُ الْمُجَوَّفُ إِذَا كَانَ بِلاَ فَصْلٍ أَسْرَعَ إِلَيْهِ الصُّدَاعُ فَإِذَا جُعِلَ ذَا فُصُولٍ كَانَ الصُّدَاعُ مِنْهُ أَبْعَدَ وَجُعِلَ الشَّعْرُ مِنْ فَوْقِهِ لِيُوصَلَ بِوُصُولِهِ الْأَدْهَانُ إِلَى الدِّمَاغِ(1) وَيَخْرُجَ بِأَطْرَافِهِ الْبُخَار مِنْهُ وَيَرُدَّ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ الْوَارِدَيْنِ عَلَيْهِ وَخَلَتِ الْجَبْهَةُ مِنَ الشَّعْرِ لِأَنَّهَا مَصَبُّ النُّورِ إِلَى الْعَيْنَيْنِ وَجُعِلَ فِيهَا التَّخْطِيطُ وَالْأَسَارِيرُ(2) لِيُحْتَبَسَ الْعَرَقُ الْوَارِدُ مِنَ الرَّأْسِ عَنِ الْعَيْنِ قَدْرَ مَا يُمِيطُهُ الاْءِنْسَانُ عَنْ نَفْسِهِ كَالْأَنْهَارِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي تَحْبِسُ الْمِيَاهَ وَجُعِلَ الْحَاجِبَانِ
ص: 163
مِنْ فَوْقِ الْعَيْنَيْنِ لِيَرِدَ عَلَيْهِمَا مِنَ النُّورِ قَدْرَ الْكِفَايَةِ أَ لاَ تَرَى يَا هِنْدِيُّ أَنَّ مَنْ غَلَبَهُ النُّورُ جَعَلَ يَدَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ لِيَرُدَّ عَلَيْهِمَا قَدْرَ كِفَايَتِهِمَا مِنْهُ وَجُعِلَ الْأَنْفُ فِيمَا بَيْنَهُمَا لِيَقْسِمَ النُّورَ قِسْمَيْنِ إِلَى كُلِّ عَيْنٍ سَوَاءً وَكَانَتِ الْعَيْنُ كَاللَّوْزَةِ لِيَجْرِيَ فِيهَا الْمِيلُ بِالدَّوَاءِ وَيَخْرُجَ مِنْهَا الدَّاءُ وَلَوْ كَانَتْ مُرَبَّعَةً أَوْ مُدَوَّرَةً مَا جَرَى فِيهَا الْمِيلُ وَمَا وَصَلَ إِلَيْهَا دَوَاءٌ وَلاَ خَرَجَ مِنْهَا دَاءٌ وَجُعِلَ ثَقْبُ الْأَنْفِ فِي أَسْفَلِهِ لِتَنْزِلَ مِنْهُ الْأَدْوَاءُ الْمُنْحَدِرَةُ مِنَ الدِّمَاغِ وَيَصْعَدَ فِيهِ الْأَرَايِيحُ إِلَى الْمَشَامِّ وَلَوْ كَانَ عَلَى أَعْلاَهُ لَمَا أُنْزِلَ دَاءٌ وَلاَ وَجَدَ رَائِحَةً وَجُعِلَ الشَّارِبُ وَالشَّفَةُ فَوْقَ الْفَمِ لِيُحْتَبَسَ مَا يَنْزِلُ مِنَ الدِّمَاغِ عَنِ الْفَمِ لِئَلاَّ يَتَنَغَّصَ عَلَى الاْءِنْسَانِ طَعَامُهُ(1) وَشَرَابُهُ فَيُمِيطَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَجُعِلَتِ اللِّحْيَةُ لِلرِّجَالِ لِيُسْتَغْنَى بِهَا عَنِ الْكَشْفِ فِي الْمَنْظَرِ(2) وَيُعْلَمَ بِهَا الذَّكَرُ مِنَ الْأُنْثَى وَجُعِلَ السِّنُّ حَادّاً لِأَنَّ بِهِ يَقَعُ الْمَضْغُ وَجُعِلَ الضِّرْسُ عَرِيضاً لِأَنَّ بِهِ يَقَعُ الطَّحْنُ وَالْمَضْغُ وَكَانَ النَّابُ طَوِيلاً لِيَسْنِدَ الْأَضْرَاسُ(3) وَالْأَسْنَانُ كَالْأُسْطُوَانَةِ فِي الْبِنَاءِ وَخَلاَ الْكَفَّانِ مِنَ الشَّعْرِ لِأَنَّ بِهِمَا يَقَعُ اللَّمْسُ فَلَوْ كَانَ فِيهِمَا شَعْرٌ مَا دَرَى الاْءِنْسَانُ مَا يُقَابِلُهُ وَيَلْمِسُهُ وَخَلاَ الشَّعْرُ وَالظُّفُرُ مِنَ الْحَيَاةِ لِأَنَّ طُولَهُمَا سَمْجٌ(4) وَقَصَّهُمَا حَسَنٌ فَلَوْ كَانَ فِيهِمَا حَيَاةٌ لآَلَمَ الاْءِنْسَانَ بِقَصِّهِمَا وَكَانَ الْقَلْبُ كَحَبِّ الصَّنَوْبَرِ لِأَنَّهُ مُنَكَّسٌ فَجُعِلَ
ص: 164
رَأْسُهُ دَقِيقاً لِيَدْخُلَ فِي الرِّئَةِ فَتَرَوَّحَ عَنْهُ بِبَرْدِهَا لِئَلاَّ يَشِيطَ الدِّمَاغُ بِحَرِّهِ(1) وَجُعِلَتِ الرِّئَةُ قِطْعَتَيْنِ لِيَدْخُلَ بَيْنَ مَضَاغِطِهَا فَيَتَرَوَّحَ عَنْهُ بِحَرَكَتِهَا وَكَانَ الْكَبِدُ حَدْبَاءَ لِيَثْقُلَ الْمَعِدَةُ وَيَقَعَ جَمِيعُهَا عَلَيْهَا فَيَعْصِرَهَا لِيَخْرُجَ مَا فِيهَا مِنَ الْبُخَارِ وَجُعِلَتِ الْكُلْيَةُ كَحَبِّ اللُّوبِيَا لِأَنَّ عَلَيْهَا مَصَبَّ الْمَنِيِّ نُقْطَةً بَعْدَ نُقْطَةٍ فَلَوْ كَانَتْ مُرَبَّعَةً أَوْ مُدَوَّرَةً احْتُبِسَتِ النُّقْطَةُ(2) الْأُولَى إِلَى الثَّانِيَةِ فَلاَ يَلْتَذُّ بِخُرُوجِهَا الْحَيُّ إِذِ الْمَنِيُّ يَنْزِلُ مِنْ قَفَارِ الظَّهْرِ إِلَى الْكُلْيَةِ فَهِيَ كَالدُّودَةِ تَنْقَبِضُ وَتَنْبَسِطُ تَرْمِيهِ أَوَّلاً فَأَوَّلاً إِلَى الْمَثَانَةِ كَالْبُنْدُقَةِ مِنَ الْقَوْسِ وَجُعِلَ طَيُّ الرُّكْبَةِ إِلَى خَلْفٍ لِأَنَّ الاْءِنْسَانَ يَمْشِي إِلَى بَيْنِ يَدَيْهِ فَيَعْتَدِلُ الْحَرَكَاتُ وَلَوْ لاَ ذَلِكَ لَسَقَطَ فِي الْمَشْيِ(3) وَجُعِلَتِ الْقَدَمُ مُخَصَّرَةً لِأَنَّ الْمَشْيَ إِذَا وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ جَمِيعُهُ ثَقُلَ كَثِقْلِ حَجَرِ الرَّحَى فَإِذَا كَانَ عَلَى حَرْفِهِ رَفَعَهُ الصَّبِيُّ وَإِذَا وَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ صَعُبَ نَقْلُهُ عَلَى الرَّجُلِ فَقَالَ لَهُ الْهِنْدِيُّ مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا الْعِلْمُ فَقَالَ عليه السلام أَخَذْتُهُ عَنْ آبَائِي عليهم السلام عَنْ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَنْ جَبْرَئِيلَ عليه السلام عَنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ جَلَّ جَلاَلُهُ الَّذِي خَلَقَ الْأَجْسَادَ وَالْأَرْوَاحَ فَقَالَ الْهِنْدِيُّ صَدَقْتَ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللّه ُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللّه ِ وَعَبْدُهُ وَأَنَّكَ أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِكَ(4).
ص: 165
قال تعالى: «أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى»(1).
وقال تعالى: «وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللّه»(2).
وقال تعالى: «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّه ِ لا تُحْصُوها»(3).
قال الصادق عليه السلام اعْتَبِرِ يَا مُفَضَّلُ بِعِظَمِ النِّعْمَةِ عَلَى الاْءِنْسَانِ فِي مَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ وَتَسْهِيلِ خُرُوجِ الْأَذَى أَ لَيْسَ مِنْ حُسْنِ التَّقْدِيرِ فِي بِنَاءِ الدَّارِ أَنْ يَكُونَ الْخَلاَءُ فِي أَسْتَرِ مَوْضِعٍ مِنْهَا فَكَذَا جَعَلَ اللّه ُ سُبْحَانَهُ الْمَنْفَذَ الْمُهَيَّأَ لِلْخَلاَءِ مِنَ الاْءِنْسَانِ فِي أَسْتَرِ مَوْضِعٍ مِنْهُ فَلَمْ يَجْعَلْهُ بَارِزاً مِنْ خَلْفِهِ وَلاَ ناشزا [نَاشِراً] مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ بَلْ هُوَ مُغَيَّبٌ فِي مَوْضِعٍ غَامِضٍ مِنَ الْبَدَنِ مَسْتُورٌ مَحْجُوبٌ يَلْتَقِي عَلَيْهِ الْفَخِذَانِ وَتَحْجُبُهُ الْأَلْيَتَانِ بِمَا عَلَيْهِمَا مِنَ اللَّحْمِ فَتُوَارِيَانِهِ فَإِذَا احْتَاجَ الاْءِنْسَانُ إِلَى الْخَلاَءِ وَجَلَسَ تِلْكَ الْجِلْسَةَ أَلْفَى ذَلِكَ الْمَنْفَذُ مِنْهُ مُنْصَبّاً مُهَيَّأً لاِنْحِدَارِ الثُّفْلِ فَتَبَارَكَ مَنْ تَظَاهَرَتْ آلاَؤهُ وَلاَ تُحْصَى نَعْمَاؤه(4).
قال تعالى: «لَقَدْ مَنَّ اللّه ُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ»(5).
ص: 166
وقال تعالى: «كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللّه ُ عَلَيْكُم»(1).
عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: إِنَّ اللّه َ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ إِنِّي تَطَوَّلْتُ عَلَى عِبَادِي بِثَلاَثٍ أَلْقَيْتُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ بَعْدَ الرُّوحِ وَلَوْ لاَ ذَلِكَ مَا دَفَنَ حَمِيمٌ حَمِيماً وَأَلْقَيْتُ عَلَيْهِمُ السَّلْوَةَ بَعْدَ الْمُصِيبَةِ وَلَوْ لاَ ذَلِكَ لَمْ يَتَهَنَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِعَيْشِهِ وَخَلَقْتُ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَسَلَّطْتُهَا عَلَى الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَلَوْ لاَ ذَلِكَ لَكَنَزَهُمَا مُلُوكُهُمْ كَمَا يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ(2).
وفي خبر آخر منّ عليهم بالسّتر ولولاه لما دفن كثير من الناس ولألقوهم على المزابل(3).
عن ابى جعفر عليه السلام: إذا نظرت إلى مبتلى تقول في نفسك من دون أن تسمعه: الحمد للّه الذي عافاني ممّا ابتلاك به ولو شاء لفعل بي ذلك(4).
وقيل: انّ يوسف عليه السلاملو كان سأل ربّه العافية من المصريّات بدون سجن لعافاه ولكنّه قال «رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ»(5)، فصرف عنه كيدهن بما سأل(6).
ص: 167
قال تعالى: «وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَه»(1).
وقال تعالى: «وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتاب»(2).
وقال تعالى: «وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللّه َ عَلِيمٌ خَبِير»(3).
وقال تعالى: «وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّه ِ كِتاباً مُؤجَّلا»(4).
هذا أيضا من أعظم ما أنعم اللّه تعالى به على خلقه إذ في إظهار مدّة العمر عليهم مفاسد لا تحصى كما أنّ في إخفائها منافع جاوزت حدّ الاستقصاء كما أشار إليها سادس الأئمة وصادق الامّة أبو عبداللّه جعفر بن محمّد سلام اللّه عليهما و على آبائهما وأولادهما الطيّبين الطاهرين حيث قال في حديث المفضّل: تَأَمَّلِ الاْنَ يَا
مُفَضَّلُ مَا سُتِرَ عَنِ الاْءِنْسَانِ عِلْمُهُ مِنْ مُدَّةِ حَيَاتِهِ فَإِنَّهُ لَوْ عَرَفَ مِقْدَارَ عُمُرِهِ وَكَانَ قَصِيرَ الْعُمُرِ لَمْ يَتَهَنَّأْ بِالْعَيْشِ مَعَ تَرَقُّبِ الْمَوْتِ وَتَوَقُّعِهِ لِوَقْتٍ قَدْ عَرَفَهُ بَلْ كَانَ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَدْ فَنِيَ مَالُهُ أَوْ قَارَبَ الْفَنَاءَ فَقَدِ اسْتَشْعَرَ الْفَقْرَ وَالْوَجَلَ مِنْ فَنَاءِ مَالِهِ وَخَوْفِ الْفَقْرِ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَدْخُلُ عَلَى الاْءِنْسَانِ مِنْ فَنَاءِ الْعُمُرِ أَعْظَمُ مِمَّا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ فَنَاءِ الْمَالِ لِأَنَّ مَنْ يَقِلُّ مَالُهُ يَأْمُلُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مِنْهُ فَيَسْكُنُ إِلَى ذَلِكَ وَمَنْ أَيْقَنَ بِفَنَاءِ الْعُمُرِ اسْتَحْكَمَ عَلَيْهِ الْيَأْسُ، وَإِنْ كَانَ طَوِيلَ الْعُمُرِ ثُمَّ عَرَفَ ذَلِكَ وَثِقَ بِالْبَقَاءِ وَانْهَمَكَ فِي اللَّذَّاتِ وَالْمَعَاصِي وَعَمِلَ عَلَى أَنَّهُ يَبْلُغُ مِنْ ذَلِكَ شَهْوَتَهُ ثُمَّ يَتُوبُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَهَذَا مَذْهَبٌ لاَ يَرْضَاهُ اللّه ُ مِنْ عِبَادِهِ وَلاَ يَقْبَلُهُ أَ لاَ تَرَى لَوْ أَنَّ عَبْداًلَكَ عَمِلَ عَلَى أَنَّهُ يُسْخِطُكَ سَنَةً وَيُرْضِيكَ يَوْماً أَوْ شَهْراً لَمْ تَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَمْ يَحُلَّ
ص: 168
عِنْدَكَ مَحَلَّ الْعَبْدِ الصَّالِحِ دُونَ أَنْ يُضْمِرَ طَاعَتَكَ وَنُصْحَكَ فِي كُلِّ الْأُمُورِ وَفِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ عَلَى تَصَرُّفِ الْحَالاتِ فَإِنْ قُلْتَ أَ وَلَيْسَ قَدْ يُقِيمُ الاْءِنْسَانُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ حِيناً ثُمَّ يَتُوبُ فَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ يَكُونُ مِنَ الاْءِنْسَانِ لِغَلَبَةِ الشَّهَوَاتِ لَهُ وَتَرْكِهِ مُخَالَفَتَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَدِّرَهَا فِي نَفْسِهِ وَيَبْنِيَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ فَيَصْفَحُ اللّه ُ عَنْهُ وَيَتَفَضَّلُ عَلَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ فَأَمَّا مَنْ قَدَّرَ أَمْرَهُ عَلَى أَنْ يَعْصِيَ مَا بَدَا لَهُ ثُمَّ يَتُوبَ آخِرَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يُحَاوِلُ خَدِيعَةَ مَنْ لاَ يُخَادَعُ بِأَنْ يَتَسَلَّفَ(1) التَّلَذُّذَ فِي الْعَاجِلِ وَيَعِدَ وَيُمَنِّيَ نَفْسَهُ التَّوْبَةَ فِي الاْجِلِ وَلِأَنَّهُ لاَ يَفِي بِمَا يَعِدُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ النُزُوعَ مِنَ التَّرَفُّهِ وَالتَّلَذُّذِ وَمُعَانَاةَ(2) التَّوْبَةِ وَلاَ سِيَّمَا عِنْدَ الْكِبَرِ وَضَعْفِ الْبَدَنِ أَمْرٌ صَعْبٌ وَلاَ يُؤمَنُ عَلَى الاْءِنْسَانِ مَعَ مُدَافَعَتِهِ بِالتَّوْبَةِ أَنْ يُرْهِقَهُ الْمَوْتُ فَيَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا غَيْرَ تَائِبٍ كَمَا قَدْ يَكُونُ عَلَى الْوَاحِدِ دَيْنٌ إِلَى أَجَلٍ وَقَدْ يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ فَلاَ يَزَالُ يُدَافِعُ بِذَلِكَ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ وَقَدْ نفذ [نَفِدَ] الْمَالُ فَيَبْقَى الدَّيْنُ قَائِماً عَلَيْهِ فَكَانَ خَيْرَ الْأَشْيَاءِ لِلاْءِنْسَانِ أَنْ يُسْتَرَ عَنْهُ مَبْلَغُ عُمُرِهِ فَيَكُونَ طُولَ عُمُرِهِ يَتَرَقَّبُ الْمَوْتَ فَيَتْرُكَ الْمَعَاصِيَ وَيُؤثِرَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ فَإِنْ قُلْتَ وَهَا هُوَ الاْنَ قَدْ سُتِرَ عَنْهُ مِقْدَارُ حَيَاتِهِ وَصَارَ يَتَرَقَّبُ الْمَوْتَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ يُقَارِفُ الْفَوَاحِشَ وَيَنْتَهِكُ الْمَحَارِمَ(3) قُلْنَا إِنَّ وَجْهَ التَّدْبِيرِ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الاْءِنْسَانُ مَعَ ذَلِكَ لاَ يَرْعَوِي(4) وَلاَ يَنْصَرِفُ عَنِ الْمَسَاوِئِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ مَرَحِهِ وَمِنْ قَسَاوَةِ قَلْبِهِ لاَ مِنْ خَطَإٍ فِي التَّدْبِيرِكَمَا أَنَّ الطَّبِيبَ قَدْ يَصِفُ لِلْمَرِيضِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَرِيضُ مُخَالِفاً لِقَوْلِ الطَّبِيبِ
ص: 169
لاَ يَعْمَلُ بِمَا يَأْمُرُهُ وَلاَ يَنْتَهِي عَمَّا يَنْهَاهُ عَنْهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِصِفَتِهِ وَلَمْ تَكُنِ الاْءِسَاءَةُ فِي ذَلِكَ لِلطَّبِيبِ بَلْ لِلْمَرِيضِ حَيْثُ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ وَلَئِنْ كَانَ الاْءِنْسَانُ مَعَ تَرَقُّبِهِ لِلْمَوْتِ كُلَّ سَاعَةٍ لاَ يَمْتَنِعُ عَنِ الْمَعَاصِي فَإِنَّهُ لَوْ وَثِقَ بِطُولِ الْبَقَاءِ كَانَ أَحْرَى بِأَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْكَبَائِرِ الْفَظِيعَةِ فَتَرَقُّبُ الْمَوْتِ عَلَى كُلِّ حَالٍ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الثِّقَةِ بِالْبَقَاءِ ثُمَّ إِنَّ تَرَقُّبَ الْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ صِنْفٌ مِنَ النَّاسِ يَلْهَوْنَ عَنْهُ وَلاَ يَتَّعِظُونَ بِهِ فَقَدْ يَتَّعِظُ بِهِ صِنْفٌ آخَرُ مِنْهُمْ وَيَنْزِعُونَ عَنِ الْمَعَاصِي وَيُؤثِرُونَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ وَيَجُودُونَ بِالْأَمْوَالِ وَالْعَقَائِلِ(1) النَّفِيسَةِ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْعَدْلِ أَنْ يُحْرَمَ هَؤلاَءِ الاِنْتِفَاعَ بِهَذِهِ الْخَصْلَةِ لِتَضْيِيعِ أُولَئِكَ حَظَّهُمْ مِنْهَا(2).
وبالجملة فقد وضح واتضح كلّ الوضوح أنّ ستر مدد الأعمار عن الخلق من جلايل النعم وأعظم ما منّ اللّه سبحانه به عليهم.
قال تعالى بعد ذكر طوفان نوح: «وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر»(3).
وقال تعالى: «فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلاْخِرِين»(4).
وقال تعالى: «إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى»(5).
وقال تعالى: «لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْباب»(6).
ص: 170
وقال تعالى: «فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصار»(1).
قال تعالى فى فرعون وقومه: «كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ * كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ * فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِين»(2).
وقال تعالى: «وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْيا»(3).
وقال تعالى: «وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها»(4).
قال تعالى: «وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيب»(5).
تخرّمهم ريب المنون فلم تكن
لتنفعهم جنّاتهم والحدائق
ولا حملتهم حين ولّوا بجمعهم
نجائبهم والصّافنات السّوابق
وزاحوا عن الأموال صفرا وخلّفوا
ذخائرهم بالرّغم منهم وفارقوا(6)
ص: 171
قال النبيّ صلى الله عليه و آله: يَا أَبَا ذَرٍّ، اغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ: صِحَّتَكَ قَبْلَ سُقْمِك؛ الخبر(1).
قال أبو عبداللّه ع: إن آدم لما أكل من الشجرة - ذكر أنه ما نهاه اللّه عنها - فندم فذهب ليتنحى من الشجرة - فأخذت الشجرة برأسه فجرته إليها، وقالت له: أ فلا كان فرارك من قبل أن تأكل مني(2).
عن جعفر البرمكي أنّ السّفّاح نظر في المرآة، وكان من أجمل النّاس وجها فقال: اللّهم إنّي لا أقول كما قال سليمان بن عبد الملك: (أنا الملك الشابّ) ولكنّي
أقول: (اللّهم عمّرني طويلا في طاعتك ممتّعا بالعافية) فما استتمّ كلامه حتّى سمع غلاما يقول لآخر: (الأجل بيني وبينك شهران وخمسة أيام) فتطيّر فما مضت الأيام حتّى أخذته الحمّى حتّى مات بعد شهرين وخمسة أيّام توفّي وهو ابن ثلاث وثلاثين(3).
ص: 172
قال النبيّ صلى الله عليه و آله: يَا أَبَا ذَرٍّ، اغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ - الخبر(1).
وهل تنتظر أن يأتيك: جبرئيل ويقول لك: - يأتيك في السّاعة الفلانيّةعزرائيل.
مَعَ قُرْبِ الزِّيَالِ وَأُزُوفِ الاِنْتِقَالِ وَعَلَزِ الْقَلَقِ وَأَلَمِ الْمَضَضِ وَغُصَصِ الْجَرَضِ
لقي عبيد بن الأبرص النعمان في يوم بؤسه - وكان يقتل كلّ من لقيه ذاك اليوم - فقال له: هلاّ كان ذا لغيرك، أنشدني فربّما أعجبني شعرك قال: (حال الحريض دون القريض) قال انشدني: (اقفر من أهله ملحوب) فقال:
أقفر من أهله عبيد
فاليوم لا يبدي ولا يعيد
فقتله ولطّخ بدمه الغريّين وكان بناهما على نديميه له(2).
عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ قَالَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ صلى الله عليه و آله إِنَّ ابْنَ آدَمَ إِذَا كَانَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الاْخِرَةِ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ وَعَمَلُهُ فَيَلْتَفِتُ إِلَى مَالِهِ فَيَقُولُ وَاللّه ِ إِنِّي كُنْتُ عَلَيْكَ حَرِيصاً شَحِيحاً فَمَا لِي عِنْدَكَ فَيَقُولُ خُذْ مِنِّي كَفَنَكَ قَالَ فَيَلْتَفِتُ إِلَى وَلَدِهِ فَيَقُولُ وَاللّه ِ إِنِّي كُنْتُ لَكُمْ مُحِبّاً وَإِنِّي كُنْتُ عَلَيْكُمْ مُحَامِياً فَمَا ذَا لِي
ص: 173
عِنْدَكُمْ فَيَقُولُونَ نُؤدِّيكَ إِلَى حُفْرَتِكَ نُوَارِيكَ فِيهَا قَالَ فَيَلْتَفِتُ إِلَى عَمَلِهِ فَيَقُولُ وَاللّه ِ
إِنِّي كُنْتُ فِيكَ لَزَاهِداً وَإِنْ كُنْتَ عَلَيَّ لَثَقِيلاً فَمَا ذَا عِنْدَكَ فَيَقُولُ أَنَا قَرِينُكَ فِي قَبْرِكَ وَيَوْمِ نَشْرِكَ حَتَّى أُعْرَضَ أَنَا وَأَنْتَ عَلَى رَبِّك(1).
أحاطت به آفاته وهمومه
وأبلس لما أعجزته المعاذر
فليس له من كربة الموت فارج
وليس له مما يحاذر ناصر
وقد جشأت خوف المنية نفسه
تردّدها دون اللّهاة الحناجر(2)
قالوا: احتضر رجل فصاحت ابنته ففتح عينيه، وهو يكيد بنفسه فقال:
عزاء لا أبا لك إنّ شيئا
تولّى ليس يرجعه الحنين(3)
ما رؤي أحد وفّي من الإعظام والإجلال بعد موته، ما وفّيه الصاحب، فانّه لمّا جهّز ووضع في تابوته واخرج على أكتاف حامليه للصلاة عليه، قام الناس، بأجمعهم فقبّلوا الأرض بين يديه، وخرّقوا ثيابهم ولطموا وجوههم وبلغوا فيالنحيب عليه جهدهم(4).
فَمَا صَرَفَتْ كَفَّ الْمَنِيَّةِ إِذْ أَتَتْ
مُبَادِرَةً تَهْوِي إِلَيْهِ الذَّخَائِرُ
وَلاَ دَفَعَتْ عَنْهُ الْحُصُونُ الَّتِي بَنَى
وَحَفَّ بِهَا أَنْهَارَهَا وَالدَّسَاكِرُ(5)
ص: 174
وَلاَ قَارَعَتْ عَنْهُ الْمَنِيَّةَ خَبْلُهُوَلاَ طَمِعَتْ فِي الذَّبِّ عَنْهُ الْعَسَاكِر(1)
قال تعالى: «وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ»(2).
وَأَضْحَوْا رَمِيماً فِي التُّرَابِ وَأَقْفَرَتْ
مَجَالِسُ مِنْهُمْ عُطِّلَتْ وَمَقَاصِرُ
وَحَلُّوا بِدَارٍ لاَ تَزَاوُرَ بَيْنَهُمْ
وَأَنَّى لِسُكَّانِ الْقُبُورِ التَّزَاوُرُ
فَمَا إِنْ تَرَى إِلاَّ جُثًى قَدْ ثَوَوْا بِهَا
مُسَنَّمَةً تَسْفِي عَلَيْهَا الْأَعَاصِر(3)
قال تعالى: «كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ»(4) أى محبوس بعمله حتّى يعامل بما يستحقّه ويجازي بما عمله إن عمل طاعة اثيب وإن عمل معصية عوقب.
وقال تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ»(5) قال الطبرسيّ: أى مرهونة بعملها محبوسة به مطالبة بما كسبته من طاعة أو معصية، فالرّهن أخذ الشيء بأمر على أن لا يرد إلاّ بالخروج منه فكذلك هؤلاء الضّلال قد اخذوا برهن لافكاك له، والكسب هو كلّ ما يجتلب به نفع أو يدفع به ضرر ويدخل فيه الفعل والا يفعل.
ص: 175
ثمّ استثنى سبحانه أصحاب اليمين فقال: إلاّ أصحاب اليمين، وهم الذينيعطون كتبهم بأيمانهم قال الباقر عليه السلام: نحن وشيعتنا أصحاب اليمين(1).
أى متيقّنة بالأخبار الغيبية التي أخبر بها الرّسل وأنبأ بها الكتب من أخبار القيامة من البرزخ والبعث والحساب والكتاب والجنّة والنّار وساير ما كانت غايبة عنه مختفية له حتّى رآها بحسّ العين فحصل له اليقين بعد ما كانت منها في ريب وظنّ، كما قال تعالى: «وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللّه ِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ»(2).
وقال سبحانه حكاية عن الكفّار والمجرمين: «قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ»(3) أى كنّا نكذّب يوم الجزاء حتّى جاءنا العلم اليقين بأن عاينّاه.
وقال سبحانه في حقّ المتّقين: «الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالاْخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ»(4).
قال الطبرسي وإنّما خصّهم بالأيقان بالآخرة وإن كان الايمان بالغيب قد شملها لما كان من كفر المشركين بها وجحدهم ايّاها في نحو ما حكى عنهم في قوله:
ص: 176
«وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا»(1).
فكان في تخصيصهم بذلك مدح عظيم(2).
قال متمّم بن نويرة في أخيه مالك:
فلمّا تفرقنا كأنّي ومالكا
لطول اجتماع لم نبت ليلة معا(3)
وفي الديوان:
أمرّ على رسم القريب كأنّما
أمرّ على رسم امرئ ما أناسبه(4)
أى لا يطلب منها زيادة في العمل الصّالح ولا يطلب منها التّوبة من العمل القبيح كما كان يطلب ذلك منها في الدّنيا وذلك لأنّ التّكليف والعمل إنّما هو في الدّنيا والآخرة دار الجزاء لا تكليف فيها كما قال تعالى:
«فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ»(5) أى لا يخرجون من النّار ولا يطلب منهم الاعتاب والاعتذار لما قلناه من أنّ التكليف قد زال، وقال تعالى: «فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ»(6).
وكما أنّهم لا يطلب منهم التّوبة والمعذرة فكذلك لا ينفعهم الاعتذار والانابة كما قال سبحانه: «فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ»(7) أى إن يطلبوا إزالة اللوم والعقوبة ويسألوا رضا اللّه عنهم فليس لهم طريق إلى
ص: 177
الاعتاب ولا لهم نجاة من العقاب.
بلى أوردته(1) بعد عزّ ومنعة موارد سوء ما لهنّ مصادر
فلمّا رأى أن لا نجاة وأنّههو الموت لا ينجيه منه الموازر(2)
تندّم لو يغنيه طول ندامةعليه وأبكته الذّنوب الكبائر(3)
وقال تعالى: «وَقالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ»(4).
وإنّما الاستزادة والاستعتاب قبل الموت، فكلّ يوم ملك ينادي الأحياء: يا صاحب الخير أتمّ وأبشر، ويا صاحب الشرّ انزع وأقصر(5).
الذين وصفنا حالهم وشرحنا مالهم (و الآباء وإخوانهم والأقرباء) وأمثالهم.
فهم في بطون الأرض بعد ظهورها
خلت دورهم منهم وأقوت عراصهموساقتهم نحو المنايا المقادر
وخلّوا عن الدّنيا وما جمعوا لهاوضمّنهم تحت التراب الحفاير(8)،(9)
فلكم اليوم بالقوم اعتبار، وسوف تحلّون مثلهم دار البوار، فالبدار البدار
فلكم اليوم بالقوم اعتبار، وسوف تحلّون مثلهم دار البوار، فالبدار البدار
ص: 178
والحذار الحذار من الدّنيا ومكايدها وما نصبت لكم من مصايدها، وتجلّى لكم من زينتها واستشرف لكم من فتنتها(1).
وفي دون ما عاينت من فجعاتها
إلى رفضها داع وبالزّهد آمر
فجدّ ولا تغفل فعيشك زائل
وأنت إلى دار المنيّة صائر(2)
قال الأمير الميكالي:
وكيف يلذّ طعم العيش نفس
غدات أترابها تحت التّراب(3)
فهل يحرص عليها لبيب، أو يسرّ بلذّتها أريب، وهو على ثقة من فنائها وغير طامع في بقائها، أم كيف تنام عين من يخشى البيات أو تسكن نفس من يتوقّع الممات(4).
تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ وَتَرْكَبُونَ قِدَّتَهُمْ وَتَطَئُونَ جَادَّتَهُمْ فَالْقُلُوبُ قَاسِيَةٌ عَنْ حَظِّهَا لاَهِيَةٌ عَنْ رُشْدِهَا
قال تعالى: «وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا
وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُون»(5).
وقال تعالى: «وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍمِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُون»(6).
وقال تعالى: «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ
ص: 179
مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّه ِ وَمَا اللّه ُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون»(1).
وقال تعالى: «لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا»(2).
قال تعالى: «فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّين»(3).
فيا عاقلا راحلا ولبيبا جاهلا ومتيقظا غافلا ما هذه الحيرة والسبيل واضح والمشير ناصح، والصّواب لائح، عقلت فاغفلت وأعرفت فأنكرت، وعلمت فامهلت «فاهملت ظ» هذا هو الدّاء الذي عزّ دواؤه، والمرض الذي لا يرجى شفاؤه إلى كم ذا التشاغل بالتّجاير والأرباح إلى كم ذا التّهوّر بالسّرور والأفراح، وحتّام التّغرير بالسّلامة في مراكب النّياح، كيف تتهنّأ بحياتك وهي مطيّتك إلى مماتك أم كيف تسيغ طعامك وأنت منتظر حمامك(4).(5)
ولم تتزوّد للرّحيل وقد دنا
وأنت على حال وشيكا مسافر(6)
ص: 180
تخرّب ما يبقى وتعمر فانياولا ذاك موفور ولا ذاك عامر
وهل لك إن وافاك حتفك بغتةولم تكتسب خيراً لدى اللّه عاذر
أ ترضى بأن تفنى الحياة وتنقضيودينك منقوص ومالك وافر
فيا ويح نفسى كم أسوّف توبتيوعمرى فان والرّدى(1) لي ناظر
وكلّ الذي أسلفت في الصّحف مثبتيجازي عليه عادل الحكم قاهر(2)
مليك عزيز لا يردّ قضاؤهعليم حكيم نافذ الأمر قادر
عنى كلّ ذى عزّ بعزّة وجههفكلّ عزيز للمهيمن(3) صاغر
لقد خشعت واستسلمت وتضاءلتلعزّة ذى العرش الملوك الجبابر(4)
عَنْ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللّه ِ يَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آلهمَرَّ بِنَا ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ فِي نَادِينَا وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ وَذَلِكَ حِينَ رَجَعَ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَوَقَفَ عَلَيْنَا فَسَلَّمَ فَرَدَدْنَا عليه السلام ثُمَّ قَالَ مَا لِي أَرَى حُبَّ الدُّنْيَا قَدْ غَلَبَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ حَتَّى كَأَنَّ الْمَوْتَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا عَلَى غَيْرِهِمْ كُتِبَ وَكَأَنَّ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا عَلَى غَيْرِهِمْ وَجَبَ وَحَتَّى كَأَنْ لَمْ يَسْمَعُوا وَيَرَوْا مِنْ خَبَرِ الْأَمْوَاتِ قَبْلَهُمْ سَبِيلُهُمْ سَبِيلُ قَوْمٍ سَفْرٍ(5) عَمَّا قَلِيلٍ إِلَيْهِمْ رَاجِعُونَ بُيُوتُهُمْ أَجْدَاثُهُمْ وَيَأْكُلُونَ تُرَاثَهُمْ
ص: 181
فَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُخَلَّدُونَ بَعْدَهُمْ(1) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ [أَ] مَا يَتَّعِظُ آخِرُهُمْ بِأَوَّلِهِمْ لَقَدْ جَهِلُوا وَنَسُوا كُلَّ وَاعِظٍ فِي كِتَابِ اللّه ِ وَآمَنُوا شَرَّ كُلِّ عَاقِبَةِ سُوءٍ وَلَمْ يَخَافُوا نُزُولَ فَادِحَةٍ(2) وَبَوَائِقَ حَادِثَة(3).
وَشَيَّعَ عَلِيٌّ عليه السلام جِنَازَةً فَسَمِعَ رَجُلاً يَضْحَكُ فَقَالَ عليه السلام كَأَنَّ الْمَوْتَ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا كُتِبَ وَكَأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا وَجَبَ وَكَأَنَّ الَّذِي نَرَى مِنَ الْأَمْوَاتِ سَفْرٌ عَمَّا قَلِيلٍ إِلَيْنَا رَاجِعُون(4).
في النّبوي قال صلى الله عليه و آله: ثلاث مواطن لا يذكر أحد أحدا: عند الميزان حتّى يعلم أيخفّ ميزانه أو يثقل، وعند تطاير الصّحف حتّى يعلم أيقع كتابه في يمينه أم شماله أم من وراء ظهره، وعند الصّراط إذا وضع بين ظهر جهنّم حتّى يجوز(5).
قال الشيخ - رضي اللّه عنه -: اعتقادنا في الصراط أنّه حق، وأنّه جسر جهنّم،
ص: 182
وأنّ عليه ممرّ جميع الخلق.
قال تعالى: «وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا»(1).
والصراط في وجه آخر اسم حجج اللّه، فمن عرفهم في الدنيا وأطاعهم أعطاه اللّه جوازا على الصراط الذي هو جسر جهنّم يوم القيامة.
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ: «يَا عَلِيُّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَقْعُدُ أَنَا وَأَنْتَ وَجَبْرَئِيلُ عَلَى الصِّرَاطِ، فَلاَ يَجُوزُ عَلَى الصِّرَاطِ إِلاَّ مَنْ كَانَتْ مَعَهُ بَرَاءَةٌ بِوَلاَيَتِكَ»(2).
وعَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِاللّه ِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللّه ُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَنُصِبَ الصِّرَاطُ عَلَى جَهَنَّمَ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ إِلاَّ مَنْ مَعَهُ جَوَازٌ فِيهِ وَلاَيَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب(3).
عن قيس بن حازم قال: قال ابوبكر: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول: لا يجوز أحد الصراط إلا من كتب له على عليه السلام الجواز(4).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله قَالَ: أَتَانِي جَبْرَئِيلُ عليه السلام فَقَالَ أُبَشِّرُكَ يَا مُحَمَّدُ بِمَا تَجُوزُ عَلَى الصِّرَاطِ قَالَ قُلْتُ بَلَى قَالَ تَجُوزُ بِنُورِ اللّه ِ وَيَجُوزُ عَلِيٌّ بِنُورِكَ وَنُورُكَ مِنْ نُورِ اللّه ِ وَتَجُوزُ أُمَّتُكَ بِنُورِ عَلِيٍّ وَنُورُ عَلِيٍّ مِنْ نُورِكَ «وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللّه ُ لَه [مَعَ عَلِيٍ] نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ»(5).(6)
ص: 183
وعَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ عليه السلام عَنْ آبَائِهِ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ عليه السلام: يَا عَلِيُّ مَا ثَبَتَ حُبُّكَ فِي قَلْبِ امْرِئٍ مُؤمِنٍ فَزَلَّتْ بِهِ قَدَمُهُ عَلَى الصِّرَاطِ إِلاَّ ثَبَتَتْ لَهُ قَدَمٌ حَتَّى يُدْخِلَهُ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ بِحُبِّكَ الْجَنَّةَ(1).
وعَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: أَثْبَتُكُمْ قَدَماً عَلَى الصِّرَاطِ أَشَدُّكُمْ حُبّاً لِأَهْلِ بَيْتِي(2).
وقال المفيد «ره»: الصراط بمعنى الطريق ولذلك يقال على ولاية أميرالمؤمنين والأئمة من ذريتهم عليهم السلام: الصراط، لكونها طريق النجاة(3).
اعلم ان الصراط بهذين المعنيين مما اشير إليه في غير واحد من الأخبار، ففي تفسير قوله تعالى: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ»(4) عن الصّادق عليه السلام يعني أرشدنا للزوم الطريق المؤدِّي إلى محبّتك والمبلّغ إلى جنّتك و المانع من أن نتّبع أهوائنا فنعطب أو أن نأخذ بآرائنا فنهلك(5).
وعَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِاللّه ِ عليه السلام عَنِ الصِّرَاطِ فَقَالَ هُوَ الطَّرِيقُ إِلَى مَعْرِفَةِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمَا صِرَاطَانِ صِرَاطٌ فِي الدُّنْيَا وَصِرَاطٌ فِي الاْخِرَةِ وَأَمَّا الصِّرَاطُ الَّذِي فِي الدُّنْيَا فَهُوَ الاْءِمَامُ الْمُفْتَرَضُ الطَّاعَةِ مَنْ عَرَفَهُ فِي الدُّنْيَا وَاقْتَدَى بِهُدَاهُ مَرَّ عَلَى الصِّرَاطِ الَّذِي هُوَ جِسْرُ جَهَنَّمَ فِي الاْخِرَةِ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فِي الدُّنْيَا
ص: 184
زَلَّتْ قَدَمُهُ عَنِ الصِّرَاطِ فِي الاْخِرَةِ فَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ(1).وعَنْ سَيِّدِ الْعَابِدِينَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام قَالَ: نَحْنُ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيم(2).
وعَنْ جَعْفَرِ [حَفْصِ] بْنِ غِيَاثٍ قَالَ وَصَفَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام الصِّرَاطَ فَقَالَ: أَلْفُ سَنَةٍ صُعُودٌ وَأَلْفُ سَنَةٍ هُبُوطٌ وَأَلْفُ سَنَةٍ حُدَالٌ(3).(4)
وعَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الصِّرَاطِ فَقَالَ هُوَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ مِثْلَ الْبَرْقِ - وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ مِثْلَ عَدْوِ الْفَرَسِ - وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ مَاشِياً وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ حَبْواً(5) وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ مُتَعَلِّقاً - فَتَأْخُذُ النَّارُ مِنْهُ شَيْئاً وَتَتْرُكُ مِنْهُ شَيْئا(6).
وعَنْ [جَابِرٍ عَنْ] أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الاْيَةُ «وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الاْءِنْسان»(7) سُئِلَ رَسُولُ اللّه ِ ص، فَقَالَ بِذَلِكَ أَخْبَرَنِي الرُّوحُ الْأَمِينُ أَنَّ اللّه َ لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ - إِذَا أَبْرَزَ الْخَلاَئِقَ وَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالاْخِرِينَ - أُتِيَ بِجَهَنَّمَ تُقَادُ بِأَلْفِ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ مِائَةُ أَلْفِ مَلَكٍ مِنَ الْغِلاَظِ الشِّدَادِ، لَهَا هَدَّةٌ وَغَضَبٌ وَزَفِيرٌ وَشَهِيقٌ وَإِنَّهَا لَتَزْفِرُ الزَّفْرَةَ - فَلَوْلاَ أَنَّ اللّه َ أَخَّرَهُمْ لِلْحِسَابِ لَأَهْلَكَتِ الْجَمِيعَ. ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا عُنُقٌ - فَيُحِيطُ بِالْخَلاَئِقِ الْبَرِّ مِنْهُمْ وَالْفَاجِرِ - فَمَا خَلَقَ اللّه ُ عَبْداً مِنْ عِبَادِ اللّه ِ مَلَكاً - وَلاَ نَبِيّاً إِلاَّ يُنَادِي نَفْسِي نَفْسِي - وَأَنْتَ يَا نَبِيَّ اللّه ِ تُنَادِي أُمَّتِي أُمَّتِي ثُمَّ يُوضَعُ عَلَيْهَا
ص: 185
الصِّرَاطُ أَدَقَّ مِنْ حَدِّ السَّيْفِ، عَلَيْهَا ثَلاَثُ قَنَاطِرَ فَأَمَّا وَاحِدَةٌ فَعَلَيْهَا الْأَمَانَةُوَالرَّحِمُ، وَالثَّانِيَةُ فَعَلَيْهَا الصَّلاَةُ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَعَلَيْهَا عَدْلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ -فَيُكَلَّفُونَ بِالْمَمَرِّ عَلَيْهَا فَيَحْبِسُهُمُ الرَّحِمُ وَالْأَمَانَةُ - فَإِنْ نَجَوْا مِنْهُمَا حَبَسَتْهُمُ الصَّلاَةُ فَإِنْ نَجَوْا مِنْهَا كَانَ الْمُنْتَهَى إِلَى رَبِّ الْعَالَمَينَ(1) وَهُوَ قَوْلُهُ «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ»(2)، وَالنَّاسُ عَلَى الصِّرَاطِ فَمُتَعَلِّقٌ بِيَدٍ وَتَزُولُ قَدَمٌ وَمُسْتَمْسِكٌ بِقَدَمٍ - وَالْمَلاَئِكَةُ حَوْلَهَا يُنَادُونَ يَا حَلِيمُ اعْفُ - وَاصْفَحْ وَعُدْ بِفَضْلِكَ وَسَلِّمْ وَسَلِّمْ، وَالنَّاسُ يَتَهَافَتُونَ فِي النَّارِ كَالْفَرَاشِ فِيهَا - فَإِذَا نَجَا نَاجٍ بِرَحْمَةِ اللّه ِ مَرَّ بِهَا فَقَالَ الْحَمْدُ للّه ِِ - وَبِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ وَتَزْكُو الْحَسَنَاتُ - وَالْحَمْدُ للّه ِِ الَّذِي نَجَّانِي مِنْكِ بَعْدَ الْيَأْسِ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ(3).
وعن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: إذا كان يوم القيامة أمر اللّه مالكا أن يسعر النّيران السّبع وأمر رضوان أن يزخرف الجنان الثّمان ويقول: يا ميكائيل مدّ الصّراط على متن جهنّم ويقول: يا جبرائيل انصب ميزان العدل تحت العرش وينادى يا محمّد: قرّب امّتك للحساب.
ثمّ يأمر اللّه تعالى أن يعقد على الصّراط سبع قناطر طول كلّ قنطرة سبع عشر
ص: 186
ألف فرسخ، وعلى كلّ قنطرة سبعون ألف ملك قيام فيسألون هذه الامّة نسائهم ورجالهم على القنطرة الأولى عن ولاية أميرالمؤمنين عليه السلام وحبّ أهل بيت محمّد صلّى اللّه عليه وآله فمن أتى به جاز على القنطرة الأولى كالبرق الخاطف ومن لميحبّ أهل بيت نبيّه صلّى اللّه عليه وآله سقط على أمّ رأسه على قعر جهنّم ولو كان معه من أعمال البرّ عمل سبعين صدّيقا.
وعلى القنطرة الثّانية فيسألون عن الصّلاة، وعلى الثّالثة يسألون عن الزكاة، وعلى الرّابعة عن الصيام، وعلى الخامسة عن الحجّ، وعلى السّادسة عن الجهاد، وعلى السّابعة عن العدل فمن أتى بشيء من ذلك جاز على الصّراط كالبرق الخاطف ومن لم يأت عذّب وذلك قوله تعالى وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤلُونَ يعنى معاشر الملائكة قفوهم يعنى العباد على القنطرة الأولى انّهم مسئولون عن ولاية عليّ عليه السلام وحبّ أهل البيت عليهم السلام(1).
وعَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ»(2) قَالَ قَنْطَرَةٌ عَلَى الصِّرَاطِ لاَ يَجُوزُهَا عَبْدٌ بِمَظْلِمَةٍ(3).
وعن أبي محمّد العسكري عليه السلام في قوله تعالى: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ»(4).
قال: أدم لنا توفيقك الذي به أطعناك في ماضي أيّامنا حتّى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا، والصّراط المستقيم هو صراطان: صراط في الدّنيا، وصراط في الآخرة فأمّا الصّراط المستقيم في الدنيا فهو ما قصر عن الغلوّ وارتفع عن التقصير
ص: 187
واستقام فلم يعدل إلى شيء من الباطل وأمّا الطريق الآخر فهو طريق المؤمنين إلى الجنّة الذي هو مستقيم لا يعدلون عن الجنّة إلى النّار ولا إلى غير النّار سوى الجنّة(1).
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: يَوْماً يَا أَنَسُ أَسْبِغِ الْوُضُوءَ تَمُرَّ عَلَى الصِّرَاطِ مَرَّ السَّحَاب(2).
وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ عليه السلام قَالَ: لَمَّا كَلَّمَ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عليه السلام قَالَ مُوسَى: إِلَهِي فَمَا جَزَاءُ مَنْ تَلاَ حِكْمَتَكَ سِرّاً وَجَهْراً قَالَ يَا مُوسَى يَمُرُّ عَلَى الصِّرَاطِ كَالْبَرْق(3).
قال تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ، إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيم»(4).
قال تعالى: «يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه»(5).
ص: 188
عَنْ أَنَسٍ قَالَ رَسُولُ اللّه ِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى «فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ»(1) إِنَّ فَوْقَ الصِّرَاطِ عَقَبَةً كَئُوداً طُولُهَا ثَلاَثَةُ آلاَفِ عَامٍ أَلْفُ عَامٍ هُبُوطٌ وَأَلْفُ عَامٍ شَوْكٌ وَحَسَكٌ وَعَقَارِبُ وَحَيَّاتٌ وَأَلْفُ عَامٍ صُعُودٌ أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقْطَعُ تِلْكَ الْعَقَبَةَ وَثَانِي مَنْ يَقْطَعُ تِلْكَ الْعَقَبَةَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ بَعْدَ كَلاَمٍ لاَ يَقْطَعُهَا فِي غَيْرِ مَشَقَّةٍ إِلاَّ مُحَمَّدٌوَأَهْلُ بَيْتِهِ الْخَبَرَ(2).
قال ابن ابى الحديد: تارات أهواله كقولك دفعات أهواله وانّما جعل أهواله تارات لأنّ الامور الهائلة اذا استمرّت لم تكن في الازعاج والتّرويع كما يكون اذا طرأت تارة وسكنت تارةً(3).
قال التسترى: ما ذكره عبث وانّما المرام انّ أهواله تتجّدد تارة هذا الهول واخرى ذاك الهول كما قال عليه السلام في كلام آخر له فانّ امامكم عقبة كؤدا ومنازل مخوفة مهولة(4).
وقال الصدوق: متى انتهى الإنسان إلى عقبة اسمها فرض، وكان قد قصّر في ذلك الفرض، حبس عندها وطولب بحق اللّه فيها فإن خرج منه بعمل صالح قدّمه (عمله) أو برحمة تداركه، نجا منها إلى عقبة اخرى. فلا يزال يدفع من عقبة إلى عقبة، ويحبس عند كل عقبة، فيسأل عمّا قصر فيه من معنى اسمها(5) - الى أن قال - ومنها المرصاد وهو قوله تعالى: «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ»(6) يقول تعالى وعزّتي
ص: 189
وجلالي لا يجوزني ظلم ظالم(1).
الآيات الدالة على لزوم التفكر كثيرةفمنها: «كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّه ُ لَكُمُ الاْياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُون»(2).
ومنها: «كَذلِكَ نُفَصِّلُ الاْياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون»(3).
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: لاَ عِبَادَةَ مِثْلُ التَّفَكُّرِ(4).
وقَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: فِكْرَةُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ وَلاَ يَنَالُ مَنْزِلَةَ التَّفَكُّرِ إِلاَّ مَنْ قَدْ خَصَّهُ اللّه ُ بِنُورِ الْمَعْرِفَةِ وَالتَّوْحِيد(5).
وعَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ كَانَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ: نَبِّهْ بِالتَّفَكُّرِ قَلْبَكَ وَجَافِ عَنِ اللَّيْلِ جَنْبَكَ وَاتَّقِ اللّه َ رَبَّكَ(6).
وعَنْ رِبْعِيٍّ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ صلى الله عليه و آله: إِنَّ التَّفَكُّرَ يَدْعُو إِلَى الْبِرِّ وَالْعَمَلِ بِهِ(7).
وعَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ إِدْمَانُ التَّفَكُّرِ فِي اللّه ِ وَفِي قُدْرَتِهِ(8).
وَقَالَ الرضا عليه السلام: لَيْسَتِ الْعِبَادَةُ كَثْرَةَ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّمَا الْعِبَادَةُ كَثْرَةُ التَّفَكُّرِ
ص: 190
فِي أَمْرِ اللّه ِ(1).
عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام مَنْ عَرَفَ اللّه َ خَافَ اللّه َ وَمَنْ خَافَ اللّه َسَخَتْ نَفْسُهُ عَنِ الدُّنْيَا(2).
وعن الامام موسى بن جعفر عليه السلام انه قَالَ: قَالَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): إِنَّ الْمُؤمِنَ لاَ يُصْبِحُ إِلاَّ خَائِفاً وَإِنْ كَانَ مُحْسِناً، وَلاَ يُمْسِي إِلاَّ خَائِفاً وَإِنْ كَانَ مُحْسِناً، لِأَنَّهُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: بَيْنَ وَقْتٍ قَدْ مَضَى لاَ يَدْرِي مَا اللّه ُ صَانِعٌ بِهِ، وَبَيْنَ أَجَلٍ قَدِ اقْتَرَبَ لاَ يَدْرِي مَا يُصِيبُهُ مِنَ الْهَلَكَاتِ(3).
وَروى مَرَّ الْحَسَنُ بن على عليه السلام بِشَابٍّ يَضْحَكُ فَقَالَ عليه السلام: هَلْ مَرَرْتَ عَلَى الصِّرَاطِ؟ قَالَ لاَ؛ قَالَ عليه السلام: وَهَلْ تَدْرِي فِي الْجَنَّةِ تَصِيرُ أَمْ إِلَى النَّارِ؟ قَالَ لاَ قَالَ عليه السلام: فَمَا هَذَا الضَّحِكُ؟ قَالَ فَمَا رُئِيَ هَذَا الضَّاحِكُ بَعْدُ ضَاحِكاً(4).
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إِذَا اقْشَعَرَّ قَلْبُ الْمُؤمِنِ مِنْ خَشْيَةِ اللّه ِ تَحَاتَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا تَتَحَاتُّ مِنَ الشَّجَرِ وَرَقُهَا(5).
ص: 191
قال تعالى: «وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُودا»(1).
وقال تعالى: «كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُون»(2).
وقال تعالى: «تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُون»(3).
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ جَاءَ جَبْرَئِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ صلى الله عليه و آله عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ وَأَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ الرَّجُلِ قِيَامُهُ بِاللَّيْلِ وَعِزُّهُ اسْتِغْنَاؤهُ عَنِ النَّاسِ(4).
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله فِي وَصِيَّتِهِ لِعَلِيٍّ عليه السلام يَا عَلِيُّ عَلَيْكَ بِصَلاَةِ اللَّيْلِ وَعَلَيْكَ بِصَلاَةِ اللَّيْلِ وَعَلَيْكَ بِصَلاَةِ اللَّيْل(5).
وعن أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ كَانَ فِيمَا أَوْصَى بِهِ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَلِيّاً يَا عَلِيُّ ثَلاَثٌ فَرَحَاتٌ لِلْمُؤمِنِ لُقَى الاْءِخْوَانِ وَالاْءِفْطَارُ مِنَ الصِّيَامِ وَالتَّهَجُّدُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ(6).
وعَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِّ قَالَ: بَيْنَا أَنَا وَنَوْفٌ نَائِمَيْنِ فِي رَحْبَةِ الْقَصْرِ إِذْ نَحْنُ بِأَمِيرالْمُؤمِنِينَ عليه السلام فِي بَقِيَّةٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاضِعاً يَدَهُ عَلَى الْحَائِطِ شِبْهَ الْوَالِهِ وَهُوَ يَقُولُ
ص: 192
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَى آخِرِ الاْيَةِ قَالَ ثُمَّ جَعَلَ يَقْرَأُ هَذِهِ الاْيَاتِ وَيَمُرُّ شِبْهَ الطَّائِرِ عَقْلُهُ فَقَالَ أَ رَاقِدٌ يَا حَبَّةُ أَمْ رَامِقٌ قُلْتُ رَامِقٌ هَذَا أَنْتَ تَعْمَلُ هَذَا الْعَمَلَ فَكَيْفَ نَحْنُ قَالَ فَأَرْخَى عَيْنَيْهِ فَبَكَى ثُمَّ قَالَ لِي يَا حَبَّةُ إِنَّ للّه ِِ مَوْقِفاً وَلَنَا بَيْنَ يَدَيْهِ مَوْقِفٌ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِنَا يَا حَبَّةُ إِنَّ اللّه َ أَقْرَبُ إِلَيْكَ وَإِلَيَّ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ يَا حَبَّةُ إِنَّهُ لَنْ يَحْجُبَنِي وَلاَ إِيَّاكَ عَنِ اللّه ِ شَيْءٌ.قَالَ ثُمَّ قَالَ أَ رَاقِدٌ أَنْتَ يَا نَوْفُ قَالَ لاَ يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ مَا أَنَا بِرَاقِدٍ وَلَقَدْ أَطَلْتُ بُكَائِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَقَالَ يَا نَوْفُ إِنْ طَالَ بُكَاؤكَ فِي هَذَا اللَّيْلِ مَخَافَةً مِنَ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ قَرَّتْ عَيْنَاكَ غَداً بَيْنَ يَدَيِ اللّه ِ عَزَّ وَجَل الحديث(1).
وعن أَبى يَعْلَى فِي الْمُسْنَدِ عن اميرالمومنين عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: مَا تَرَكْتُ صَلاَةَ اللَّيْلِمُنْذُ سَمِعْتُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلاَةُ اللَّيْلِ نُورٌ فَقَالَ ابْنُ الْكَوَّاءِ وَلاَ لَيْلَةَ الْهَرِيرِ قَالَ وَلاَ لَيْلَةَ الْهَرِيرِ(2).
وَمِنْ صِفَاتِه عليه السلامفِي لَيْلِهِ مَا ذَكَرَهُ نَوْفٌ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ: أَنَّهُ عليه السلاممَا فُرِشَ لَهُ فِرَاشٌ فِي لَيْلٍ قَطُّ - إلى أن قال - أَشْهَدُ لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ وَقَدْ أَرْخَى اللَّيْلُ سُدُولَهُ وَغَارَتْ نُجُومُهُ وَهُوَ قَابِضٌ بِيَدِهِ عَلَى لِحْيَتِهِ يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّلِيمِ وَيَبْكِي بُكَاءَ الْحَزِينِ(3).
وعن سُلَيْمَان بْن الْمُغِيرَةِ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ سَأَلْتُ أُمَّ سَعِيدٍ عَنْ صَلاَةِ عَلِيٍّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَقَالَتْ رَمَضَانُ وَشَوَّالٌ سَوَاءٌ يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ(4).
ص: 193
وعَنْ جَابِرِ بْن عَبْدِاللّه ِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يَقُولُ مَا اتَّخَذَ اللّه ُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً إِلاَّ لاِءِطْعَامِهِ الطَّعَامَ وَصَلاَتِهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ(1).
وقَالَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام لاَ تَدَعْ قِيَامَ اللَّيْلِ فَإِنَّ الْمَغْبُونَ مَنْ غُبِنَ قِيَامَ اللَّيْلِ(2).
وعن المفيد في المقنعة قال: روى أنّ صلاة اللّيل تدرّ الرّزق وتحسّنالوجه وترضى الرّبّ وتنفي السّيئات(3).
وَقَالَ النبى صلى الله عليه و آله: إِذَا قَامَ الْعَبْدُ مِنْ لَذِيذِ مَضْجَعِهِ وَالنُّعَاسِ فِي عَيْنَيْهِ لِيُرْضِيَ رَبَّهُ جَلَّ وَعَزَّ لِصَلاَةِ لَيْلِهِ بَاهَى اللّه ُ تَعَالَى بِهِ مَلاَئِكَتَهُ فَقَالَ أَ مَا تَرَوْنَ عَبْدِي هَذَا قَدْ قَامَ مِنْ لَذِيذِ مَضْجَعِهِ إِلَى صَلاَةٍ لَمْ أَفْرِضْهَا عَلَيْهِ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ(4).
وعن الصادق عليه السلام قَالَ: كَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ وَيَجُوعُ بِالنَّهَار(5).
وعَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: إِنَّ الْبُيُوتَ الَّتِي يُصَلَّى فِيهَا بِاللَّيْلِ بِتِلاَوَةِ الْقُرْآنِ(6) تُضِيءُ لِأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا يُضِيءُ نُجُومُ السَّمَاءِ لِأَهْلِ الْأَرْضِ(7).
وعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليه السلام قَالَ: «الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا»(8) وَثَمَانُ
ص: 194
رَكَعَاتٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ وَالْوَتْرُ زِينَةُ الاْخِرَة(1).
قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّه ِ أُولئِكَيَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّه»(2).
اعلم انّ ذكر اللّه عزّ وجلّ على أقسام:
الاول: أن يذكره تعالى عند إرادة المعصية الّتي يريد ارتكابها فيتركها له الثاني: ذكره عند الطاعة فيسهل عليه مشقّة العبادة
الثالث: ذكره عند الرّفاهية والنّعمة فيذكره ويؤدّي شكره
الرابع: ذكره عند الابتلاء والمحنة فيتضرّع له لصرف البلاء والصّبر عليه
الخامس: ذكره بالقلب بأن يتفكّر في صفاته الجلالية ونعوته الجماليّة وغيرها من العلوم ومعارف الحقّة السادس: الذكر باللّسان بأن يسبّح له ويقدّسه ويمجّده ويشتغل بذكر فضائل أهل البيت وتعليم القرآن وتدريس العلوم الشّرعيّة وأنحائها.
وكلّ ذلك ممّا ورد الحثّ عليه في الأخبار والآيات قال سبحانه: «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّه ُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالاْصالِ * رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ
ص: 195
تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّه ِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ»(1).
وقال تعالى: «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ»(2).
وقال تعالى: «وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا»(3).
وقال تعالى: «وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرا»(4).
وقال تعالى: «وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلا»(5).
وقال تعالى: «وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالاْصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ»(6).
قال الطبرسيّ رحمه الله: هو عام في الأذكار وقراءة القرآن والدّعاء والتّسبيح والتهليل والتحميد وتضرّعا وخيفة أي متضرّعا وخايفا، ودون الجهر من القول، أى ومتكلّما كلاما دون الجهر، لأنّ الاخفاء أدخل في الاخلاص وأبعد من الرّيا وأقرب إلى القبول(7).
وعَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ الَّتِي لَمْ تُغَيَّرْ أَنَّ مُوسَى عليه السلام سَأَلَ رَبَّهُ فَقَالَ يَا رَبِّ أَ قَرِيبٌ أَنْتَ مِنِّي فَأُنَاجِيَكَ أَمْ بَعِيدٌ فَأُنَادِيَكَ فَأَوْحَى اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ يَا مُوسَى أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي فَقَالَ مُوسَى فَمَنْ فِي سِتْرِكَ يَوْمَ لاَ سِتْرَ إِلاَّ سِتْرُكَ فَقَالَ الَّذِينَ يَذْكُرُونَنِي فَأَذْكُرُهُمْ وَيَتَحَابُّونَ فِيَّ فَأُحِبُّهُمْ
ص: 196
فَأُولَئِكَ الَّذِينَ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أُصِيبَ أَهْلَ الْأَرْضِ بِسُوءٍ ذَكَرْتُهُمْ فَدَفَعْتُ عَنْهُمْ بِهِمْ(1).
وعَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ الَّتِي لَمْ تُغَيَّرْ أَنَّ
مُوسَى سَأَلَ رَبَّهُ فَقَالَ إِلَهِي إِنَّهُ يَأْتِي عَلَيَّ مَجَالِسُ أُعِزُّكَ وَأُجِلُّكَ أَنْ أَذْكُرَكَ فِيهَا فَقَالَ يَا مُوسَى إِنَّ ذِكْرِي حَسَنٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ(2).
وعن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال لا يزال المؤمن في صلاة ما كانفي ذكر اللّه إن كان قائما أو جالسا(3).
وعَنْ دَاوُدَ بْنِ سِرْحَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ اللّه ِ أَحَبَّهُ اللّه ُ وَمَنْ ذَكَرَ اللّه َ كَثِيراً كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ(4).
وعن النّبيّ صلى الله عليه و آله: مَا قَعَدَ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ يَذْكُرُونَ اللّه َ إِلاَّ قَعَدَ مَعَهُمْ عِدَّةٌ مِنَ الْمَلاَئِكَة(5).
وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: الصَّوَاعِقُ تُصِيبُ الْمُؤمِنَ وَغَيْرَ الْمُؤمِنِ وَلاَ تُصِيبُ الذَّاكِرَ(6).
وقَالَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام الذَّاكِرُ للّه ِِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْغَافِلِينَ كَالْمُقَاتِلِ فِي الْمُحَارِبِينَ(7).
وَقَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: أَبْخَلُ النَّاسِ فَرَجُلٌ يَمُرُّ بِمُسْلِمٍ فَلاَ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَأَكْسَلُ
ص: 197
النَّاسِ عَبْدٌ صَحِيحٌ فَارِغٌ لاَ يَذْكُرُ اللّه َ بِشَفَةٍ وَلاَ بِلِسَان(1).
وعَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: أَوْحَى اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى مُوسَى عليه السلام يَا مُوسَى عليه السلام لاَ تَفْرَحْ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَلاَ تَدَعْ ذِكْرِي عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْمَالِ تُنْسِي الذُّنُوبَ وَإِنَّ تَرْكَ ذِكْرِي يُقْسِي الْقُلُوبَ(2).
وروى أبو بصير عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: ما اجتمع قوم في مجلس لم يذكروا اللّه ولم يذكرونا إلاّ كان ذلك المجلس عليهم حسرة يوم القيامة، ثمّ قال: قال أبوجعفر عليه السلام إنّ ذكرنا من ذكر اللّه وذكر عدوّنا من ذكر الشّيطان(3).
وروى الحسن بن ابى الحسن الدّيلمي عن النبيّ صلى الله عليه و آلهأنّ الملائكة يمرّون على حلق الذّكر فيقومون على رؤوسهم ويبكون لبكائهم ويؤمّنون لدعائهم، فاذا صعدوا إلى السّماء يقول اللّه تعالى: يا ملائكتي أين كنتم؟ وهو أعلم، فيقولون: يا ربّنا إنّا حضرنا مجلسا من مجالس الذكر فرأينا أقواما يسبّحونك ويمجّدونك ويقدّسونك ويخافون نارك، فيقول اللّه سبحانه: يا ملائكتي أذودها عنهم واشهدكم أنّي قد غفرت لهم وأمنتهم ممّا يخافون، فيقولون: ربّنا إنّ فيهم فلانا وإنّه لم يذكرك
فيقول تعالى: قد غفرت له بمجالسته لهم، الحديث(4).
وعن النبى صلى الله عليه و آله: من ذكر اللّه في السّوق مخلصا عند غفلة النّاس وشغلهم بما هم فيه كتب اللّه له ألف حسنة ويغفر اللّه له يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر(5).
ص: 198
وعن أبي عبداللّه عليه السلام قال: إنّ موسى عليه السلام انطلق ينظر إلى اعمال العبّاد فأتى رجلا من أعبد النّاس فلمّا أمسى حرّك الرّجل شجرة إلى جنبه فاذا فيه رمّانتان قال فقال: يا عبداللّه من أنت؟ إنّك عبد صالح أنا ههنا منذ ما شاء اللّه ما أجد في هذه الشّجرة إلاّ رمّانة واحدة ولولا أنّك عبد صالح ما وجدت رمّانتين قال أنا رجل أسكن أرض موسى بن عمران.
قال: فلمّا أصبح قال تعلم أحدا أعبد منك؟ قال: نعم فلان الفلاني، قال: فانطلق إليه فاذا هو أعبد منه كثيرا فلمّا أمسى أوتي برغيفين وماء فقال: يا عبداللّه من أنت؟ إنّك عبد صالح أنا ههنا منذ ما شاء اللّه وما اوتى إلاّ برغيف واحد ولولا أنّك
عبد صالح ما اوتيت برغيفين قال أنا رجل أسكن أرض موسى بن عمران.ثمّ قال موسى: هل تعلم أحدا أعبد منك؟ قال: نعم فلان الحداد في مدينة كذا وكذا، قال: فأتاه فنظر إلى رجل ليس بصاحب العبادة بل إنّما هو ذاكر للّه تعالى وإذا دخل وقت الصّلاة قام فصلّى فلمّا أمسى نظر إلى غلّته فوجدها قد اضعفت قال يا عبداللّه من أنت؟ إنّك عبد صالح أنا ههنا منذ ما شاء اللّه غلّتي قريب بعضها
من بعض واللّيلة قد اضعفت فمن أنت؟ قال: أنا رجل أسكن في أرض موسى بن عمران.
قال: فأخذ ثلث غلّته فتصدّق بها، وثلثا أعطى مولى له، وثلثا اشترى له طعاما فأكل هو وموسى، قال: فتبسّم موسى عليه السلام فقال: من أىّ شيء تبسّمت؟ قال: دلّني نبيّ بني إسرائيل على فلان فوجدته من أعبد الخلق فدلّني على فلان فوجدته أعبد منه فدلّني فلان عليك وزعم أنّك أعبد منه ولست أراك شبه القوم.
قال: أنا رجل مملوك أليس تراني ذاكراً للّه ِِ تعالى أ وليس تراني اصلّى الصّلاة
ص: 199
لوقتها وإن أقبلت إلى الصّلاة أضررت بغلّة مولاى وأضررت بعمل النّاس أ تريد أن تأتى بلادك؟ قال: نعم.
قال فمرّت به سحابة فقال الحدّاد: يا سحابة تعالى، قال: فجاءت، قال: اين تريدين؟ فقالت: اريد كذا وكذا، قال: انصرفي ثمّ مرّت به اخرى قال: يا سحابة تعالى فجاءت فقال: اين تريدين؟ فقالت اريد ارض كذا وكذا، قال: انصرفي ثمّ مرّت به اخرى قال: يا سحابة تعالى فجاءته فقال اين تريدين؟ قالت أريد أرض موسى بن عمران قال: تعالى واحملي هذا حمل رفيق وضعيه في أرض موسى بن عمران وضعا رفيقا.
قال فلمّا بلغ موسى عليه السلام بلاده قال: يا ربّ بما بلّغت هذا ما أرى؟ قال تعالى: إنّ عبدي هذا يصبر على بلائي ويرضى بقضائي، ويشكر على نعمائي(1).
وفي تفسير الامام العسكري عليه السلام قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: الا فاذكروا يا امّة محمّد محمّدا وآله عند نوائبكم وشدائدكم لينصرنّ اللّه بهم ملائكتكم على الشّياطين الّذين يقصدونكم، فانّ كلّ واحد منكم معه ملك عن يمينه يكتب حسناته وملك عن يساره يكتب سيئاته، ومعه شيطانان من عند إبليس يغويانه.
فاذا وسوسا في قلبه ذكر اللّه وقال: لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم وصلّى اللّه على محمّد وآله حبس (خنس) الشّيطانان ثمّ صارا إلى إبليس فشكواه وقالا له: قد أعيانا أمره فامددنا بالمردة ولا يزال يمدّهما حتّى يمدّهما بألف مارد فيأتونه فكلّما راموه ذكر اللّه وصلّى على محمّد وآله الطّيّبين لم يجدوا عليه طريقا
ولا منفذا.
ص: 200
قالوا لابليس ليس له غيرك تباشره بجنودك فتغلبه فتغويه فيقصده إبليس بجنوده، فيقول اللّه تبارك وتعالى للملائكة: هذا إبليس قد قصد عبدي فلانا، أو أمتي فلانة بجنوده ألا فقاتلوه، فيقاتلوه بازاء كلّ شيطان رجيم منهم مأئة ألف ملك وهم على افراس من نار بأيديهم سيوف من نار ورماح من نار وقسىّ ونشاشيب(1) وسكاكين وأسلحتهم من نار.
فلا يزالون يجرحونهم ويقتلونهم بها ويأسرون إبليس فيضعون عليه تلك الأسلحة فيقول: يا ربّ وعدك وعدك قد أجّلتني إلى يوم الوقت المعلوم، فيقول اللّه تبارك وتعالى للملائكة: وعدته أن لا اميته ولم أعده أن لا اسلّط عليه السّلاح والعذاب والآلام اشتقوا منه ضربا بأسلحتكم فانّي لا اميته فيسخنونه بالجراحاتثمّ يدعونه، فلا يزال سخين العين(2) على نفسه وأولاده المقتولين المقتّلين(3) ولا يندمل شيء من جراحاته، إلاّ بسماعه أصوات المشركين بكفرهم فان بقى هذا المؤمن على طاعة اللّه وذكره والصّلاة على محمّد وآله بقى إبليس على تلك الجراحات، فان زال العبد عن ذلك وانهمك في مخالفة اللّه عزّ وجلّ ومعاصيه اندملت جراحات إبليس ثمّ قوى على ذلك العبد حتّى يلجمه ويسرج على ظهره ويركبه ثمّ ينزل عنه ويركب ظهره شيطانا من شياطينه ويقول لأصحابه أما تذكرون ما أصابنا من شأن هذا ذلّ وانقاد لنا الآن حتّى صار يركبه هذا ثمّ قال
ص: 201
رسول اللّه صلى الله عليه و آله فان أردتم أن تديموا على إبليس سخنة عينه وألم جراحاته فداوموا على طاعة اللّه وذكره والصّلاة على محمّد وآله، وإن زلتم عن ذلك كنتم اسراء إبليس فيركب أقفيتكم(1) بعض مردته(2).
روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال: كان داود النبى عليه السلام يَعُودُهُ النَّاسُ وَيَظُنُّونَ أَنَّهُ مَرِيضٌ وَمَا بِهِ مِنْ مَرَضٍ إِلاَّ خَوْفَ اللّه ِ وَالْحَيَاءَ مِنْهُ(3).
وكان مقام الخوف غالبا على يحيى، ومقام الرجاء على عيسى - على نبيّناوعليهما الصلاة والسلام - وهما ابنا خالة، حتّى نقل أنّ يوما من الأيّام التقيا، وكان يحيى باكيا وعيسى مبسّما، فقال يحيى لعيسى: «أ أمنت من مكر اللّه حتّى تضحك» وقال عيسى في جوابه: «أ أيست من رحمة اللّه حتّى تبكى»(4)
وَمِنْ زُهْدِ ابى عبداللّه الحسين عليه السلام أَنَّهُ قِيلَ لَهُ مَا أَعْظَمَ خَوْفَكَ مِنْ رَبِّكَ فَقَالَ لاَ يَأْمَنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ مَنْ خَافَ اللّه َ فِي الدُّنْيَا(5).
قال تعالى: «وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ، وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ
ص: 202
عَنْ سَبِيلِه»(1).
قال تعالى: «يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ يُنادُونَهُمْ أَ لَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللّه ِ وَغَرَّكُمْ بِاللّه ِ الْغَرُور»(2).
وقال تعالى: «فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّه ِ الْغَرُور»(3).
في الصحاح: «عمى عليه الأمر إذا التبس(4) ومنه قوله تعالى: «فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ»(5).
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللّه ُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِياؤكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الاْخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيم»(6).
ص: 203
وقال تعالى: «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ»(1).
وقال تعالى: «يَوْمَ تَرَى الْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِم بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهار»(2).
اشارة الى قوله تعالى: «فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيم»(3).
قال تعالى: «يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي»(4).
وقال تعالى: «وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُون»(5).
وقال تعالى: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ * لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ»(6).
وقال تعالى: «يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِين»(7).
ص: 204
قال تعالى: وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّه ُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى(1).
قال تعالى: «وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ * قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللّه ُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُوم * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيم»(2).
قال تعالى: «إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً»(3).
وقال تعالى: «وَالَّذِينَ يُؤتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ * أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ»(4).
قال تعالى: «فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى * وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى»(5).
وقال تعالى: «إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً»(6).
وقال تعالى: «وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ»(7).
ص: 205
وقال تعالى: «وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى»(1).
قال المحقّق الطوسي في أوصاف الأشراف فى تفسير الرهبة: «هو تألّم النفس من العقاب بسبب ارتكاب المنهيّات والتقصير في الطاعات، كما في أكثر الخلق.وقد يحصل بمعرفة عظمة الحقّ ومشاهدة هيبته كما في الأنبياء والأولياء»(2).
وفرّق بعض العارفين بين الخوف والرهبة فقال: «الخوف هو توقّع الوعيد، وهو سوط اللّه يقوّم به الشاردين عن بابه و يسيّر بهم على صراطه حتّى يستقيم به أمر من كان مغلوبا على رشده، ومن علامته قصر الأمل، وطول البكاء. والرهبة: هي انصباب إلى وجهة الهرب بل هي الهرب.
رهب وهرب: مثل جبذ وجذب، فصاحبها يهرب أبدا لتوقّع العقوبة. ومن علاماتها: حركة القلب إلى الانقباض من داخل وهربه وانزعاجه عن انبساطه حتّى أنّه يكاد أن يبلغ الرهابة في الباطن مع ظهور الكمد (3) و الكآبة على الظاهر» انتهى(4).
قال تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه َ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللّه َ إِنَّ اللّه َ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ»(5).
ص: 206
عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: اسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله حَارِثَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ النُّعْمَانِ الْأَنْصَارِيَّ فَقَالَ لَهُ كَيْفَ أَنْتَ يَا حَارِثَةَ بْنَ مَالِكٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّه ِ مُؤمِنٌ حَقّاً فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ فَمَا حَقِيقَةُ قَوْلِكَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّه ِ عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا فَأَسْهَرَتْ لَيْلِي وَأَظْمَأَتْ هَوَاجِرِي وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي - [وَ] قَدْ وُضِعَ لِلْحِسَابِ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِي الْجَنَّةِ وَكَأَنِّي أَسْمَعُ عُوَاءَ (1) أَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَبْدٌ نَوَّرَ اللّه ُ قَلْبَهُ أَبْصَرْتَ فَاثْبُتْ فَقَالَ يَارَسُولَ اللّه ِ ادْعُ اللّه َ لِي أَنْ يَرْزُقَنِي الشَّهَادَةَ مَعَكَ فَقَالَ - اللَّهُمَّ ارْزُقْ حَارِثَةَ الشَّهَادَةَ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلاَّ أَيَّاماً حَتَّى بَعَثَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله سَرِيَّةً - فَبَعَثَهُ فِيهَا فَقَاتَلَ فَقَتَلَ تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً ثُمَّ قُتِلَ.
وَفِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: اسْتُشْهِدَ مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بَعْدَ تِسْعَةِ نَفَرٍ وَكَانَ هُوَ الْعَاشِرَ(2).
قال تعالى: «وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ - ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللّه ِ»(3).
وقال تعالى: «مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً»(4).
وقال تعالى: «فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُون»(5).
ص: 207
وفي قصّة يوم الطفّ لمّا زحف عمر بن سعد قال له الحرّ: أ مقاتل أنت هذا الرّجل؟ قال أي واللّه قتالا أيسره أن تسقط الرءوس وتطيح الأيدي قال أ فما لكم في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضى؟ قال لو كان الأمر اليّ لفعلت و لكن أميرك قد أبى ذلك، قال فأقبل حتّى وقف من الناس موقفا ومعه رجل يقال له قرّة بن قيس، فقال: يا قرّة هل سقيت فرسك اليوم قال لا قال أ ما تريد أن تسقيه؟ فقلت له: لم أسقه وأنا منطلق فأسقيه، فو اللّه لو أنّه اطّلعني على الّذي يريد لخرجت معه فأخذ يدنو من الحسين قليلا قليلا فقال له رجل من قومه يقال له المهاجر بنأوس ما تريد أ تريد أن تحمل فسكت وأخذه مثل العرواء فقال له المهاجر: واللّه إنّ أمرك لمريب واللّه ما رأيت منك في موقف قطّ مثل شيء أراه الآن ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك فما هذا الّذي أرى منك قال انّي واللّه اخيّر نفسي بين الجنّة والنار وو اللّه لا أختار على الجنّة شيئا ولو قطّعت وحرّقت ثمّ ضرب فرسه والحق بالحسين عليه السلام (1).
قال تعالى: «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُون » (2).
وقال تعالى: «أُولئِكَ جَزاؤهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِين»(3).
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام قَالَ: قَالَ
ص: 208
رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفاً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا يَسْكُنُهَا مِنْ أُمَّتِي مَنْ أَطَابَ الْكَلاَمَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَفْشَى السَّلاَمَ وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَام (1).
وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه ِ شَوِّقْنِي فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّ مِنْ أَدْنَى نَعِيمِ الْجَنَّةِ يُوجَدُ رِيحُهَا مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ مِنْ مَسَافَةِ الدُّنْيَا - وَإِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً - لَوْ نَزَلَ بِهِ أَهْلُ الثَّقَلَيْنِ الْجِنُّ وَالاْءِنْسُ -لَوَسِعَهُمْ طَعَاماً وَشَرَاباً - وَلاَ يَنْقُصُ مِمَّا عِنْدَهُ شَيْءٌ - وَإِنَّ أَيْسَرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَيُرْفَعُ لَهُ ثَلاَثُ حَدَائِقَ - فَإِذَا دَخَلَ أَدْنَاهُنَّ رَأَى فِيهَا مِنَ الْأَزْوَاجِ - وَالْخَدَمِ وَالْأَنْهَارِ وَالْأَثْمَارِ مَا شَاءَ اللّه ُ - مِمَّا يَمْلَأُ عَيْنَهُ قُرَّةً وَقَلْبَهُ مَسَرَّةً - فَإِذَا شَكَرَ اللّه َ وَحَمِدَهُ قِيلَ لَهُ - ارْفَعْ رَأْسَكَ إِلَى الْحَدِيقَةِ الثَّانِيَةِ - فَفِيهَا مَا لَيْسَ فِي الْأُخْرَى - فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَعْطِنِي هَذِهِ فَيَقُولُ اللّه ُ تَعَالَى إِنْ أَعْطَيْتُكَ إِيَّاهَا سَأَلْتَنِي غَيْرَهَا - فَيَقُولُ رَبِّ هَذِهِ هَذِهِ فَإِذَا هُوَ دَخَلَهَا شَكَرَ اللّه َ وَحَمِدَهُ - قَالَ فَيُقَالُ افْتَحُوا لَهُ بَابَ الْجَنَّةِ وَيُقَالُ لَهُ ارْفَعْ رَأْسَكَ - فَإِذَا قَدْ فُتِحَ لَهُ بَابٌ مِنَ الْخُلْدِ - وَيَرَى أَضْعَافَ مَا كَانَ فِيمَا قَبْلُ - فَيَقُولُ عِنْدَ تَضَاعُفِ مَسَرَّاتِهِ رَبِّ لَكَ الْحَمْدُ الَّذِي لاَ يُحْصَى إِذْ مَنَنْتَ عَلَيَّ بِالْجِنَانِ وَنَجَّيْتَنِي مِنَ النِّيرَانِ قَالَ أَبُو بَصِيرٍ فَبَكَيْتُ - قُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ زِدْنِي - قَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهَراً - فِي حَافَتِهِ جَوَارٍ نَابِتَاتٌ - إِذَا مَرَّ الْمُؤمِنُ بِجَارِيَةٍ أَعْجَبَتْهُ قَلَعَهَا - وَأَنْبَتَ اللّه ُ مَكَانَهَا أُخْرَى - قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ زِدْنِي - قَالَ الْمُؤمِنُ يُزَوَّجُ ثَمَانَمِائَةِ عَذْرَاءَ - وَأَرْبَعَةَ آلاَفِ ثَيِّبٍ وَزَوْجَتَيْنِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ - قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ ثَمَانُمِائَةِ عَذْرَاءَ قَالَ: نَعَمْ - مَا يَفْرِشُ [يَفْتَرِشُ يَفْتَرِسُ] فِيهِنَّ شَيْئاً - إِلاَّ
ص: 209
وَجَدَهَا كَذَلِكَ - قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خُلِقْنَ الْحُورُ الْعِينُ قَالَ: مِنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ النُّورَانِيَّةِ - وَيُرَى مُخُّ سَاقَيْهَا مِنْ وَرَاءِ سَبْعِينَ حُلَّةً - كَبِدُهَا مِرْآتُهُ وَكَبِدُهُ مِرْآتُهَا، قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَ لَهُنَّ كَلاَمٌ يُكَلِّمْنَ بِهِ أَهْلَ الْجَنَّةِ قَالَ نَعَمْ كَلاَمٌ يَتَكَلَّمْنَ بِهِ لَمْ يَسْمَعِ الْخَلاَئِقُ بِمِثْلِهِ، قُلْتُ مَا هُوَ قَالَ يَقُلْنَ نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلاَ نَمُوتُ - وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلاَ نَبْأَسُ وَنَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلاَ نَظْعَنُ - وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلاَ نَسْخَطُ طُوبَى لِمَنْ خُلِقَ لَنَا - وَطُوبَى لِمَنْ خُلِقْنَا لَهُ - نَحْنُ اللَّوَاتِي لَوْ أَنَّ قَرْنَ إِحْدَانَا عُلِّقَ فِي جَوِّ السَّمَاءِ - لَأَغْشَى نُورُهُ الْأَبْصَار(1).
قال تعالى: «فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَة»(2).
وقال تعالى: «تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُون»(3).
وقال تعالى: «كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذاب»(4).
وقال تعالى: «كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيق» (5).
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ قُلْتُ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه ِ خَوِّفْنِي فَإِنَّ قَلْبِي قَدْ قَسَا - فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ اسْتَعِدَّ لِلْحَيَاةِ الطَّوِيلَةِ فَإِنَّ جَبْرَائِيلَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وَهُوَ قَاطِبٌ وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يَجِيءُ وَهُوَ مُبْتَسِمٌ - فَقَالَ رَسُولُ اللّه ِ ص: يَا
ص: 210
جَبْرَئِيلُ جِئْتَنِي الْيَوْمَ قَاطِباً فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ وُضِعَتْ مَنَافِخُ النَّارِ، فَقَالَ: وَمَا مَنَافِخُ النَّارِ يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللّه َ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِالنَّارِ فَنُفِخَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ - وَنُفِخَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى احْمَرَّتْ - ثُمَّ نُفِخَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ، فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ - لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الضَّرِيعِ قَطَرَتْ فِي شَرَابِ أَهْلِ الدُّنْيَا - لَمَاتَ أَهْلُهَا مِنْ نَتْنِهَا - وَلَوْ أَنَّ حَلْقَةً مِنَ السِّلْسِلَةِ الَّتِي طُولُهَا سَبْعُونَ ذِراعاً وُضِعَتْ عَلَى الدُّنْيَا لَذَابَتِ الدُّنْيَا مِنْ حَرِّهَا، وَلَوْ أَنَّ سِرْبَالاً مِنْ سَرَابِيلِ أَهْلِ النَّارِ عُلِّقَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ - لَمَاتَ أَهْلُ الْأَرْضِ مِنْ رِيحِهِ وَوَهَجِهِ، فَبَكَى رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آلهوَبَكَىجَبْرَئِيلُ فَبَعَثَ اللّه ُ إِلَيْهِمَا مَلَكاً فَقَالَ لَهُمَا:
إِنَّ رَبَّكُمَا يُقْرِئُكُمَا السَّلاَمَ - وَيَقُولُ قَدْ آمَنْتُكُمَا أَنْ تُذْنِبَا ذَنْباً أُعَذِّبُكُمَا عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام: فَمَا رَأَى رَسُولُ اللّه ِ ص جَبْرَئِيلَ مُبْتَسِماً بَعْدَ ذَلِك(1).
وعَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ عليه السلام قَالَ: إِنَّ أَهْلَ النَّارِ يَتَعَاوَوْنَ فِيهَا كَمَا يَتَعَاوَى الْكِلاَبُ وَالذِّئَابُ مِمَّا يَلْقَوْنَ مِنْ أَلَمِ [أَلِيمِ] الْعَذَابِ مَا ظَنُّكَ يَا عَمْرُو بِقَوْمٍ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا عِطَاشٍ فِيهَا جِيَاعٍ كَلِيلَةٍ أَبْصَارُهُمْ صُمٍّ بُكْمٍ عُمْيٍ مُسْوَدَّةٍ وُجُوهُهُمْ خَاسِئِينَ فِيهَا نَادِمِينَ مَغْضُوبٍ عَلَيْهِمْ فَلاَ يُرْحَمُونَ وَمِنَ الْعَذَابِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ وَفِي النَّارِ يُسْجَرُونَ وَمِنَ الْحَمِيمِ يَشْرَبُونَ وَمِنَ الزَّقُّومِ يَأْكُلُونَ وَبِكَلاَئِبِ النَّارِ يُحْطَمُونَ وَبِالْمَقَامِعِ يُضْرَبُونَ وَالْمَلاَئِكَةُ الْغِلاَظُ الشِّدَادُ لاَ يَرْحَمُونَ وَهُمْ [فَهُمْ] فِي النَّارِ يُسْحَبُونَ عَلى
وُجُوهِهِمْ وَمَعَ الشَّيَاطِينِ يُقَرَّنُونَ وَفِي الْأَنْكَالِ وَالْأَغْلاَلِ يُصَفَّدُونَ إِنْ دَعَوْا لَمْ
ص: 211
يُسْتَجَبْ لَهُمْ وَإِنْ سَأَلُوا حَاجَةً لَمْ تُقْضَ لَهُمْ هَذِهِ حَالُ مَنْ دَخَلَ النَّارَ(1).
«و كفى باللّه منتقما» من المجرمين «و نصيرا» للمؤمنين قال تعالى: «وَللّه ِِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ...»(2).
وقال تعالى: «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»(3).
وقال تعالى: «إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَما ذلِكَ عَلَى اللّه ِ بِعَزِيزٍ»(4).
وقال تعالى: «يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُون»(5).
وقال تعالى: «وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّه َ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِير»(6).
وقال تعالى: «وَكَفى بِاللّه ِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللّه ِ نَصِيراً»(7).
وقال تعالى: «وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً»(8).
وقال تعالى: «لَوْ أَنْزَلْناهذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّه»(1).
عن سعد الخفاف عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: يا سعد تعلّموا القرآن فانّ القرآن يأتي يوم القيامة في أحسن صورة نظر إليها الخلق «إلى أن قال» حتّى ينتهى إلى ربّ العزّة فيناديه تبارك وتعالى يا حجّتي في الأرض وكلامي الصّادق النّاطقارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفّع كيف رأيت عبادي؟ فيقول: يا ربّ منهم من صاننى وحافظ عليّ، و منهم من ضيّعني واستخفّ بي وكذب بي وأنا حجّتك علىجميع خلقك، فيقول اللّه عزّ وجلّ: وعزّتي وجلالي وارتفاع مكاني لاثيبنّ اليوم عليك أحسن الثّواب، ولأعاقبنّ عليك اليوم أليم العقاب الحديث(2).
وعَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي أَحْسَنِ مَنْظُورٍ إِلَيْهِ صُورَةً إِلَى أَنْ قَالَ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى رَبِّ الْعِزَّةِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ أَظْمَأْتُ هَوَاجِرَهُ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَهُ فِي دَارِ الدُّنْيَا وَفُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ لَمْ أُظْمِ هَوَاجِرَهُ وَلَمْ أُسْهِرْ لَيْلَهُ فَيَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ عَلَى مَنَازِلِهِمْ فَيَقُومُ فَيَتَّبِعُونَهُ فَيَقُولُ لِلْمُؤمِنِ اقْرَأْ وَارْقَهْ قَالَ فَيَقْرَأُ وَيَرْقَى حَتَّى يَبْلُغَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَنْزِلَتَهُ الَّتِي هِيَ لَهُ فَيَنْزِلَهَا(3).
ص: 213
قال تعالى: «وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ»(1).
وقال تعالى: «يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالاْءِنْسِ أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا»(2).
وقال تعالى: «أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ»(3).
وقال تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِين»(4).
وقال تعالى: «وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الاْزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِر»(5).
وقال تعالى: «وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذاب»(6).
وقال تعالى: «إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْء»(7).
وقال تعالى: «قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُون»(8).
وقال تعالى: «إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيد»(9).
قال تعالى: «وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ، وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ
ص: 214
عَنْ سَبِيلِهِ»(1).
وقال تعالى: «قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَة»(2).
وقال تعالى: «لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّه ِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل»(3).
وقال تعالى: «وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُون»(4).
قال سيدنا وامامنا الكاظم عليه السلام إِنَّ للّه ِِ عَلَى النَّاسِ حُجَّتَيْنِ حُجَّةً ظَاهِرَةً وَحُجَّةً بَاطِنَةً فَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَالْأَئِمَّةُ عليه السلام وَأَمَّا الْبَاطِنَةُ فَالْعُقُول(5).
قال تعالى: «يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى»(6).
وقال تعالى: «يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُم»(7).
وقال تعالى: «وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ»(8).
وقال تعالى: «إِنَّ الشَّيْطانَ لِلاْءِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِين»(9).
وقال تعالى: «إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا»(10).
ص: 215
وقال تعالى: «أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِين»(1).
وقال تعالى: «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّالْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاس ...»(2).
قال تعالى: «وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُم»(3).
وقال تعالى: «وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِين»(4).
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللّه ِ عليه السلام يَقُولُ إِنَّ الْعَبْدَ يُوقَظُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنَ اللَّيْلِ فَإِنْ لَمْ يَقُمْ أَتَاهُ الشَّيْطَانُ فَبَالَ فِي أُذُنِه(5).
وعَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ قَالَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام قَالَ اللّه ُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمُوسَى عليه السلام يَا مُوسَى: مَا دُمْتَ لاَ تَرَى الشَّيْطَانَ مَيِّتاً فَلاَ تَأْمَنْ مَكْرَه(6).
وعَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ النَّخَعِيِّ الْقَاضِي قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللّه ِ الصَّادِقَ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عليه السلام يَقُولُ جَاءَ إِبْلِيسُ إِلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عليه السلام وَهُوَ يُنَاجِي رَبَّهُ فَقَالَ لَهُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مَا تَرْجُو مِنْهُ وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالِ يُنَاجِي رَبَّهُ فَقَالَ أَرْجُو مِنْهُ مَا رَجَوْتُ
ص: 216
مِنْ أَبِيهِ آدَم(1).
وفي الخبر: أتى عيسى عليه السلام وقد اضطجع وجعل تحت رأسه لبنة فقال: أ تطمع فيّ وليس لي شيء من علائق الدنيا تخدعني به. فقال: بلى ما دام لك علاقة بهذه اللّبنة أطمع فيك، فأخذها ورماها(2).
«فأضلّ وأردى» أي: أهلك «و وعد فمنى» لَعَنَهُ اللّه
قال تعالى: «وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً * وَلَأُضِلَّنَّهُم»(3).
وقال تعالى: «وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللّه ِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً * أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصا»(4).
وقال تعالى: «وَكانَ الشَّيْطانُ لِلاْءِنْسانِ خَذُولا»(5).
وقال تعالى: «قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْض»(1).
وقال تعالى: «وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُون»(2).
أي: مهلكات الذنوب العظيمة قال تعالى حكاية عن ابليس: «وَلآَمُرَنَّهُمْفَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّه»(3).
أي: أدنى على التدريج صاحبه الذي كان قرينه.
قال تعالى: «وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِين»(4).
وقال تعالى: «وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً»(5).
أي: صارت الرهينة غلقة عنده لا يقدر صاحبها على فكّها، أي: في حالالاحتضار وما بعده.
ص: 218
قال تعالى: «وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللّه َ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ»(1).
وقال تعالى: «وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَالنَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللّه َ وَاللّه ُ شَدِيدُ الْعِقاب»(2).
قال الطبرسي: أى اذكر اذ زيّن الشّيطان للمشركين أعمالهم أي أحسنها في نفوسهم وذلك أنّ إبليس حسّن لقريش مسيرهم إلى بدر لقتال النّبيّ صلى الله عليه و آله، وقال: لا يغلبكم أحد من النّاس لكثرة عددكم وقوّتكم وإنّى مع ذلك جار لكم أي ناصر لكم ودافع عنكم السّوء، وإنّي عاقد لكم عقد الامان من عدوّكم، فلمّا التقت الفرقتان نكص على عقبيه، أي رجع القهقرى منهزماً ورائه، وقال: إنّي بريء منكم، أي رجعت عمّا ضمنت لكم من الأمان والسّلامة لأنى أرى من الملائكة الذين جاءوا لنصر المسلمين ما لا ترون، وكان إبليس يعرف الملائكة وهم كانوا يعرفونه، إنّي أخاف اللّه، أي أخاف عذاب اللّه على أيدى من أراهم، واللّه شديد العقاب، لا يطاق عقابه(3).
وقال تعالى: «كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلاْءِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ
ص: 219
إِنِّي أَخافُ اللّه َ رَبَّ الْعالَمِينَ * فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِين»(1).
أي مثل المنافقين في إغراء اليهود أي بني النّضير للقتال كمثل الشّيطان في إغرائه للانسان، فانّه أبدا يدعو الانسان إلى الكفر ثمّ يتبرّء منه وقت الحاجة مخافة أن يشاركه في العذاب ويقول: إنّي أخاف اللّه رب العالمين، ولا ينفعه ذلك كما قال: فكان عاقبتهما أي الدّاعى والمدعوّ من الشّيطان ومن أغواه، أنّهمامعذّبان في النّار.
قال ابن عبّاس: إنّ المراد بالانسان في هذه الآية هو عابد بني إسرائيل قال: إنه كان في بنى اسرائيل عابد اسمه برصيصا عبداللّه زمانا من الدّهر حتّى كان يؤتى بالمجانين يداويهم ويعوّذهم فيبرءون على يده، وأنّه أتي بامرأة في شرف قد جنّت وكان لها اخوة فأتوه بها فكانت عنده فلم يزل به الشّيطان يزيّن له حتّى وقع عليها فحملت، فلمّا استبان حملها قتلها ودفنها، فلمّا فعل ذلك ذهب الشّيطان حتّى لقى أحد إخوتها فأخبره بالذي فعل الرّاهب وأنّه دفنها في مكان كذا.
ثمّ أتى بقيّة إخوتها رجلا رجلا فذكر ذلك له فجعل الرّجل يلقى أخاه فيقول واللّه لقد أتانى آت فذكر لي شيئا يكبر عليّ ذكره، فذكر بعضهم لبعض حتّى بلغ ذلك ملكهم فصار الملك والنّاس، فاستنزلوه فأقرّ لهم بالّذي فعل فأمر الملك به فصلب، فلمّا رفع على خشبته تمثّل له الشّيطان فقال: أنا الّذي ألقيتك في هذا فهل أنت مطيعي فيما أقول اخلّصك ممّا أنت فيه؟ قال: نعم، قال: اسجد لي سجدة واحدة، فقال: كيف أسجد لك وأنا على هذه الحالة؟ فقال: اكتفي منك بالايماء،
ص: 220
فأومى له بالسّجود فكفر باللّه وقتل الرّجل، فهو قوله: كمثل الشّيطان إذ قال للانسان اكفر(1).
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ قَالُوا وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللّه ِ قَالَ وَإِيَّايَ إِلاَّ أَنَّ اللّه َ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلاَ يَأْمُرُنِي إِلاَّ بِخَيْرٍ(2).
قال تعالى: «هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ - فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَع»(3).
وقال تعالى: «هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاء»(4).
وقال تعالى: «يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللّه ُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُون»(5).
عن الباقر عليه السلام قال: ظلمة البطن وظلمة الرّحم وظلمة المشيمة؛ وقيل ظلمة الليل أو ظلمة صلب الرجل وظلمة الرحم وظلمة البطن(6).
ص: 221
قيل: ويروى (دفاقا) وهو الأنسب لفظا. قال تعالى: «فَلْيَنْظُرِ الاْءِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ»(1)، وإلاّ فالدّهاق أيضا يأتي بمعناه، ففي (الصحاح): (أدهقت الماء أفرغته إفراغا شديدا)(2) كما يأتي بمعنى الإمتلاء، كما في قوله تعالى: «وَكَأْساًدِهاقاً»(3) وحيث انّ المراد نطفة في الرّحم، فالدّهاق بمعنى الإمتلاء أنسب معنى لأنّ فيه تجتمع نطفة الرّجل والمرأة قال تعالى: «إِنَّا خَلَقْنَا الاْءِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍأَمْشاجٍ(4)». وقال عزّ وجلّ: «يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ»(5).
قال تعالى: «خَلَقَ الاْءِنْسانَ مِنْ نُطْفَة...»(6).
وقال تعالى: «أَ لَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى * ثُمَّ كانَ عَلَقَة»(7).
وقال تعالى: «فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَة »(8).
وقال تعالى: «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ»(9).
وقال تعالى: «خَلَقَ الاْءِنْسانَ مِنْ عَلَق»(10).
الجنين: الولد ما دام في البطن، والجمع الأجنّة قال تعالى: «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الاْءِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ
ص: 222
الْأَرْضِ وَإِذ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى»(1).عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللّه ِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: إِذَا وَقَعَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ صَارَ وَجْهُهُ قِبَلَ ظَهْرِ أُمِّهِ إِنْ كَانَ ذَكَراً وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى صَارَوَجْهُهَا قِبَلَ بَطْنِ أُمِّهَا وَيَدَاهُ عَلَى وَجْنَتَيْهِ وَذَقَنُهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَهَيْئَةِ الْحَزِينِ الْمَهْمُومِ فَهُوَ كَالْمَصْرُورِ مَنُوطٌ بِمِعَاءٍ مِنْ سُرَّتِهِ إِلَى سُرَّةِ أُمِّهِ فَبِتِلْكَ السُّرَّةِ يَغْتَذِي مِنْ طَعَامِ أُمِّهِ وَشَرَابِهَا إِلَى الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ لِوِلاَدَتِهِ فَيَبْعَثُ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ مَلَكاً فَيَكْتُبُ عَلَى جَبْهَتِهِ شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ مُؤمِنٌ أَوْ كَافِرٌ غَنِيٌّ أَوْ فَقِيرٌ وَيَكْتُبُ أَجَلَهُ وَرِزْقَهُ وَسُقْمَهُ وَصِحَّتَهُ فَإِذَا انْقَطَعَ الرِّزْقُ الْمُقَدَّرُ لَهُ مِنْ سُرَّةِ أُمِّهِ زَجَرَهُ الْمَلَكُ زَجْرَةً فَانْقَلَبَ فَزِعاً مِنَ الزَّجْرَةِ وَصَارَ رَأْسُهُ قِبَلَ الْمَخْرَجِ فَإِذَا وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ دُفِعَ إِلَى هَوْلٍ عَظِيمٍ وَعَذَابٍ أَلِيمٍ إِنْ أَصَابَتْهُ رِيحٌ أَوْ مَسَّتْهُ يَدٌ وَجَدَ لِذَلِكَ مِنَ الْأَلَمِ مَا يَجِدُ الْمَسْلُوخُ عَنْهُ جِلْدُهُ يَجُوعُ فَلاَ يَقْدِرُ عَلَى الاِسْتِطْعَامِ وَيَعْطَشُ فَلاَ يَقْدِرُ عَلَى الاِسْتِسْقَاءِ وَيَتَوَجَّعُ فَلاَ يَقْدِرُ عَلَى الاِسْتِغَاثَةِ فَيُوَكِّلُ اللّه ُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِرَحْمَتِهِ وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِ وَالْمَحَبَّةِ لَهُ أُمَّهُ فَتَقِيهِ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ بِنَفْسِهَا وَتَكَادُ تَفْدِيهِ بِرُوحِهَا وَتَصِيرُ مِنَ التَّعَطُّفِ عَلَيْهِ بِحَالٍ لاَ تُبَالِي أَنْ تَجُوعَ إِذَا شَبِعَ وَتَعْطَشَ إِذَا رَوِيَ وَتَعْرَى إِذَا كُسِيَ وَجَعَلَ اللّه ُ تَعَالَى ذِكْرُهُ رِزْقَهُ فِي ثَدْيَيْ أُمِّهِ فِي إِحْدَاهُمَا شَرَابُهُ وَفِي الْأُخْرَى طَعَامُهُ حَتَّى إِذَا رَضَعَ آتَاهُ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ يَوْمٍ بِمَا قَدَّرَ لَهُ فِيهِ مِنْ رِزْقٍ فَإِذَا أَدْرَكَ فَهَّمَهُ الْأَهْلَ وَالْمَالَ وَالشَّرَهَ وَالْحِرْصَ ثُمَّ هُوَ مَعَ ذَلِكَ يُعْرَضُ لِلاْفَاتِ وَالْعَاهَاتِ وَالْبَلِيَّاتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْمَلاَئِكَةُ تَهْدِيهِ وَتُرْشِدُهُ وَالشَّيَاطِينُ تُضِلُّهُ وَتُغْوِيهِ فَهُوَ هَالِكٌ إِلاَّ أَنْ يُنْجِيَهُ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ ذَكَرَ اللّه ُ تَعَالَى ذِكْرُهُ نِسْبَةَ الاْءِنْسَانِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ وَلَقَدْ
ص: 223
خَلَقْنَا الاْءِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللّه ُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِاللّه ِ الْأَنْصَارِيُّ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللّه ِ هَذِهِ حَالُنَا فَكَيْفَ حَالُكَ وَحَالُ الْأَوْصِيَاءِ بَعْدَكَ فِي الْوِلاَدَةِ فَسَكَتَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آلهمَلِيّاً ثُمَّ قَالَ يَا جَابِرُ لَقَدْسَأَلْتَ عَنْ أَمْرٍ جَسِيمٍ لاَ يَحْتَمِلُهُ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَوْصِيَاءَ مَخْلُوقُونَ مِنْ نُورِ عَظَمَةِ اللّه ِ جَلَّ ثَنَاؤهُ يُودِعُ اللّه ُ أَنْوَارَهُمْ أَصْلاَباً طَيِّبَةً وَأَرْحَاماً طَاهِرَةً يَحْفَظُهَا بِمَلاَئِكَتِهِ وَيُرَبِّيهَا بِحِكْمَتِهِ وَيَغْذُوهَا بِعِلْمِهِ فَأَمْرُهُمْ يَجِلُّ عَنْ أَنْ يُوصَفَ وَأَحْوَالُهُمْ تَدِقُّ عَنْ أَنْ تُعْلَمَ لِأَنَّهُمْ نُجُومُ اللّه ِ فِي أَرْضِهِ وَأَعْلاَمُهُ فِي بَرِيَّتِهِ وَخُلَفَاؤهُ عَلَى عِبَادِهِ وَأَنْوَارُهُ فِي بِلاَدِهِ وَحُجَجُهُ عَلَى خَلْقِهِ يَا جَابِرُ هَذَا مِنْ مَكْنُونِ الْعِلْمِ وَمَخْزُونِهِ فَاكْتُمْهُ إِلاَّ مِنْ أَهْلِهِ (1).
وعن الصادق عليه السلام نَبْدَأُ يَا مُفَضَّلُ بِذِكْرِ خَلْقِ الاْءِنْسَانِ فَاعْتَبِرْ بِهِ فَأَوَّلُ ذَلِكَ مَا يُدَبَّرُ بِهِ الْجَنِينُ فِي الرَّحِمِ وَهُوَ مَحْجُوبٌ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ظُلْمَةِ الْبَطْنِ وَظُلْمَةِ الرَّحِمِ وَظُلْمَةِ الْمَشِيمَةِ (2) حَيْثُ لاَ حِيلَةَ عِنْدَهُ فِي طَلَبِ غِذَاءٍ وَلاَ دَفْعِ أَذًى وَلاَ اسْتِجْلاَبِ مَنْفَعَةٍ وَلاَ دَفْعِ مَضَرَّةٍ فَإِنَّهُ يَجْرِي إِلَيْهِ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ مَا يَغْذُوهُ الْمَاءُ وَالنَّبَاتُ فَلاَ يَزَالُ ذَلِكَ غِذَاؤهُ حَتَّى إِذَا كَمَلَ خَلْقُهُ وَاسْتَحْكَمَ بَدَنُهُ وَقَوِيَ أَدِيمُهُ(3) عَلَى مُبَاشَرَةِ الْهَوَاءِ وَبَصَرُهُ عَلَى مُلاَقَاةِ الضِّيَاءِ هَاجَ الطَّلْقُ(4) بِأُمِّهِ فَأَزْعَجَهُ أَشَدَّ إِزْعَاجٍ وَأَعْنَفَهُ
ص: 224
حَتَّى يُولَدَ فَإِذَا وُلِدَ صَرَفَ ذَلِكَ الدَّمَ الَّذِي كَانَ يَغْذُوهُ مِنْ دَمِ أُمِّهِ إِلَى ثَدْيِهَا وَانْقَلَبَ الطَّعْمُ وَاللَّوْنُ إِلَى ضَرْبٍ آخَرَ مِنَ الْغِذَاءِ وَهُوَ أَشَدُّ مُوَافَقَةً لِلْمَوْلُودِ مِنَ الدَّمِ فَيُوَافِيهِ فِي وَقْتِ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ فَحِينَ يُولَدُ قَدْ تَلَمَّظَ (1) وَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ طَلَباً لِلرِّضَاعِ فَهُوَ يَجِدُ ثَدْيَ أُمِّهِ كَالاْءِدَاوَتَيْنِ (2) الْمُعَلَّقَتَيْنِ لِحَاجَتِهِ فَلاَ يَزَالُ يَتَغَذَّى بِاللَّبَنِ مَا دَامَ رَطْبَ الْبَدَنِرَقِيقَ الْأَمْعَاءِ لَيِّنَ الْأَعْضَاءِ حَتَّى إِذَا يُحَرِّكُ وَاحْتَاجَ إِلَى غِذَاءٍ فِيهِ صَلاَبَةٌ لِيَشْتَدَّ وَيَقْوَى بَدَنُهُ طَلَعَتْ لَهُ الطَّوَاحِنُ مِنَ الْأَسْنَانِ وَالْأَضْرَاسِ (3) لِيَمْضَغَ بِهَا الطَّعَامَ فَيَلِينَ عَلَيْهِ وَيَسْهُلَ لَهُ إِسَاغَتُهُ فَلاَ يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُدْرِكَ فَإِذَا أَدْرَكَ وَكَانَ ذَكَراً طَلَعَ الشَّعْرُ فِي وَجْهِهِ فَكَانَ ذَلِكَ عَلاَمَةَ الذَّكَرِ وَعِزَّ الرَّجُلِ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ مِنْ جد [حَدِّ] الصَّبَا وَشَبَهِ النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى يَبْقَى وَجْهُهَا نَقِيّاً مِنَ الشَّعْرِ لِتَبْقَى لَهَا الْبَهْجَةُ وَالنَّضَارَةُ الَّتِي تُحَرِّكُ الرَّجُلَ لِمَا فِيهِ دَوَامُ النَّسْلِ وَبَقَاؤهُ؛ الحديث(4).
أقلّ مدّة الحمل وهو ستّة أشهر - إذا أتمّت الرّضاعة حولين - وأكثرها - وهو تسعة أشهر - إذا لم تتمّ واقتصر على أحد وعشرين شهرا
قال تعالى: «ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ للّه ِِ وَقاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً» (1). وقال تعالى: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الاْءِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللّه ُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ»(2).
«قال ابن الأعرابي: يقال للصبي إذا ولد: رضيع وطفل ثم فطيم ثم دارج ثمّ حفر ثمّ يافع ثم شرخ ثم مطبخ ثم كوكب (أيضا) ما دام في الرحم فهو جنين وإذا ولد فهو وليد وما دام لم يستتمّ سبعة أيّام فهو صديغ لأنّه لا يشتدّ صدغه إلى تمام السبّعة وما دام يرضع فهو رضيع ثم إذا قطع عنه اللّبن فهو فطيم ثمّ إذا غلظ وذهبت عنه ترارة الرّضاع فهو جحوش»(3) والمفهوم منه أنّ الوليد في أوّل التولّد مع أنّ كلامه عليه السلامدال على أنّه بعد الرّضاع.
قال فى المعارج: ما دام الانسان فى الرّحم، فهو جنين: فاذا ولد فهو وليد، فما دام يرضع فهو رضيع. فاذا قطع عنه اللَّبن فهو قطيع وفطيم. ثم اذا دبّ ونمى، فهو دارج. فاذا بلغ طوله خمسة اشبار فهو خماسىّ. فاذا سقطت رواضعه، فهو مثغور.
ص: 226
فاذا بلغ الحلم، فهو يافع ومراهق(1).
قال في «سرّ الأدب» في ترتيب أحوال الإنسان: هو ما دام في الرحم جنين، فإذا ولد فوليد، ثمّ ما دام يرضع فرضيع، ثمّ إذا قطع منه اللبن فهو فطيم، ثمّ إذا دبّ
ونمى فهو دارج، فإذا بلغ طوله خمسة أشبار فهو خماسيّ، فإذا سقطت رواضعه فهو مثغور، فإذا نبتت أسنانه بعد السقوط فهو مثّغر، فإذا تجاوز العشر أو جاوزها فهو مترعرع وناشيء، فإذا كاد يبلغ الحلم أو بلغه فهو يافع ومراهق، فإذا احتلمو اجتمعت قوّته فهو حرور، واسمه في جميع هذه الأحوال غلام، فإذا اخضرّ شاربه قيل: قد بقل وجهه، فإذا صار ذا فتاء فهو فتى وشارخ، فإذا اجتمعت لحيته وبلغ غاية شبابه فهو مجتمع، ثمّ ما دام بين الثلاثين والأربعين فهو شابّ، ثمّ هو كهل إلى أن يستوفي الستّين، وقيل: إذا جاوز أربعا وثلاثين إلى إحدى وخمسين، فإذا جاوزها فهو شيخ(2).
قال تعالى: «أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْن»(3).
قال تعالى: «يُقَلِّبُ اللّه ُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ»(4).
ص: 227
وقال تعالى: «وَاللّه ُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»(1).
قال تعالى: «وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ(2)»..
حَتَّى إِذَا قَامَ اعْتِدَالُهُ وَاسْتَوَى مِثَالُهُ نَفَرَ مُسْتَكْبِراً وَخَبَطَ سَادِراً
قال تعالى: «يا أَيُّهَا الاْءِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَك»(3).
وقال تعالى: «لَقَدْ خَلَقْنَا الاْءِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم»(4).
في الخبر في تفسير قوله تعالى: «أَ وَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ»(5) إنّه توبيخ لابن ثماني عشر سنة(6).
وقال تعالى: «أَ وَلَمْ يَرَ الاْءِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيم»(7).
وقال تعالى: «وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها»(8).
ص: 228
وقال تعالى: «يَسْمَعُ آياتِ اللّه ِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها»(1).
وقال تعالى: «قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ»(2).
وقال تعالى: «إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلاَّ اللّه ُ يَسْتَكْبِرُون»(3).
وقال تعالى: «لَوَّوْا رُؤسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُون»(4).
وقال تعالى: «وَكانَ الاْءِنْسانُ كَفُورا»(5).
قال تعالى: «أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواه»(6).
قال تعالى: «وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ»(7).
قيل لأبي طمحان القيني، وكان فاسقا: ما أدنى ذنوبك قال: ليلة الدّير نزلت بديرانيّة فأكلت عندها طفيشلا بلحم خنزير وشربت من خمرها وزنيت بها وسرقت كساها ثمّ انصرفت عنها - والطفيشل: نوع من المرق(8).
واجتمع يحيى بن زياد ومطيع بن اياس وجمع، فشربوا أيّاما تباعا، فقال لهم يحيى ليلة وهم سكارى: ويحكم ما صلّينا منذ ثلاثة أيّام، فقوموا بنا حتّى نصلّي،
ص: 229
فقالوا: نعم، فقام مطيع فأذّن وأقام، ثمّ قال: من يتقدّم فتدافعوا ذلك، فقال مطيع للمغنيّة: تقدّمي فصلّي بنا. فتقدّمت تصلّي بهم، عليها غلالة رقيقة مطيّبة بلا سراويل، فلمّا سجدت بان هنها، فوثب مطيع وهي ساجدة، فكشف عنه وقبّله، فقطعوا صلاتهم وضحكوا وعادوا إلى مشربهم(1).
قال أبو الطّمحان:
الا علّلاني قبل نوح النّوائح
وقبل نشوز النفس بين الجوانح
وقبل غد يا لهف نفسي على غد
إذا راح أصحابي ولست برائح (2)
قال تعالى: «وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللّه ِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُون»(3).
قال تعالى: «أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّه ِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُون»(4).
ص: 230
الاصل فيه قوله تعالى: «قُتِلَ الاْءِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ * كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَه»(1).
قال تعالى: «قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ»(2).
وقال تعالى: «أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَة»(3).
قال أبو ذؤيب:
وإذا المنية أنشبت أظفارها
ألفيت كل تميمة لا تنفع (4)
قال تعالى: «وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيد»(5).
وقال تعالى: «فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُون»(6).
وقال تعالى: «كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ * وَقِيلَ مَنْ راقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساق»(7).
ص: 231
قال أميرالمؤمنين عليه السلام إِنَّ لِلْمَوْتِ لَغَمَرَاتٍ هِيَ أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَةٍ أَوْ تَعْتَدِلَ عَلَى عُقُولِ أَهْلِ الدُّنْيَا(1).
وَقَالَ الصَّادِقُ عليه السلام: إِنَّ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ أَلْفَ عَقَبَةٍ أَهْوَنُهَا وَأَيْسَرُهَا الْمَوْتُ(2).
وعن النبى صلى الله عليه و آله: لسكرة من سكرات الموت اشد من ثلاثمائة ضربة بالسّيف(3).
عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام يَا مُفَضَّلُ إِيَّاكَ وَالذُّنُوبَ وَحَذِّرْهَا شِيعَتَنَا فَوَ اللّه ِ مَا هِيَ إِلَى أَحَدٍ أَسْرَعَ مِنْهَا إِلَيْكُمْ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَتُصِيبُهُ الْمَعَرَّةُ مِنَ السُّلْطَانِ وَمَا ذَاكَ إِلاَّ بِذُنُوبِهِ وَإِنَّهُ لَيُصِيبُهُ السُّقْمُ وَمَا ذَاكَ إِلاَّ بِذُنُوبِهِ وَإِنَّهُ لَيُحْبَسُ عَنْهُ الرِّزْقُ وَمَا هُوَ إِلاَّ بِذُنُوبِهِ وَإِنَّهُ لَيُشَدَّدُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَمَا هُوَ إِلاَّ بِذُنُوبِهِ حَتَّى يَقُولَ مَنْ حَضَرَهُ لَقَدْ غُمَّ بِالْمَوْت؛ الحديث(4).
مات ابن لأرطأة بن سهية فجزع عليه حتّى كاد عقله يذهب، فأقام على قبره، وضرب بيته عنده لا يفارقه حولا وقال:
هل أنت ابن سلمى إن نظرتك رائح
مع الرّكب أو غاد غداة معي (5)
وعن أبي عبيدة، أنّ ارطأة كان يجيء الى قبر ابنه عشيّا فيقول: هل أنت رائح معي يا ابن سلمى ثمّ ينصرف، فيغدو عليه، ويقول له مثل ذلك حولا، ثمّ تمثّل قول لبيد:
ص: 232
الى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر (1)
قال تعالى: «وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّه ِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُون»(2).
هذا كلّه تشريح لحال أهل الميّت فانّه، إذا يئس عنه الطّبيب وابلى الحبيب فهنالك خفّ عنه عوّاده وأسلمه أهله وأولاده، فشقّت جيوبها نساؤه، ولطمت صدورها اماؤه، واعول لفقده جيرانه، وتوجّع لرزيّته إخوانه، وغضّوا بأيديهم عينيه، ومدّوا عند خروج نفسه يديه ورجليه.
فكم موجع يبكي عليه تفجّعا
ومستنجدا صبرا وما هو صابر
ومسترجع داع له اللّه مخلصا
يعدّد منه خير ما هو ذاكر
وكم شامت مستبشر بوفاته
وعما قليل كالّذي صار صائر(3)
عن عَلِيّ بن ابراهيم عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِاللّه ِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: إِنَّ الْمَيِّتَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْثَقَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ وَلَوْ لاَ ذَلِكَ مَا اسْتَقَرَّ(4).
ص: 233
عن النبي صلى الله عليه و آله قال: إن المؤمن إذا حضر (احتضر) أتته الملائكة بحريرة فيها مسك وضبائر ريحان فتسل روحه كما تسل الشعرة من العجين ويقال أيتها النفس الطيبة أخرجي راضية مرضيا عنك إلى روح اللّه وكرامته فإذا خرجت روحهوضعت على ذلك المسك والريحان وطويت عليها الحريرة وذهب به إلى عليين وان الكافر إذا حضر (احتضر) أتته الملائكة بمسح فيه جمر فتنزع روحه انتزاعا شديدا ويقال أيتها النفس الخبيثة أخرجي ساخطة مسخوطا عليك إلى هوان اللّه وعذابه فإذا خرجت روحه وضعت على تلك الجمرة فان لها نشيشا ويطوى عليها المسح ويذهب به إلى سجين(1).
قال تعالى: «وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّه ِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ»(2).
قال الطّبرسي: أي في شدايد الموت عند النّزع والملائكة الذين يقبضون الأرواح باسطو أيديهم لقبض أرواحهم يقولون أخرجوا أنفسكم من أجسادكم عند معاينة الموت ازهاقا لهم وتغليظا عليهم وإن كان إخراجها من فعل غيرهم(3).
وقال الشّارح البحراني: اعلم أنّ تلك الجذبة يعود إلى ما يجده الميّت حال النّزع وهو عبارة عن ألم ينزل بنفس الرّوح يستغرق جميع أجزائه المنتشرة في
ص: 234
أعماق البدن وليس هو كساير ما يجده الرّوح المختصّ ببعض الأعضاء كعضو شاكته شوكة ونحوها، لاختصاص ذلك بموضع واحد فألم النّزع يهجم على نفس الرّوح ويستغرق جميع أجزائه وهو المجذوب من كلّ عرق وعصب وجزء من الأجزاء ومن أصل كلّ شعرة وبشرة ولا تسألنّ عن بدن يجذب منه كلّ عرق من عروقه، وقد يمثّل ذلك بشجرة شوك كانت داخل البدن ثمّ جذبت منه فهي الجذبة المكربة، و لمّا كان موت كلّ عضو عقيب الأمراض التي ربّما طالت تدريجا فتلك هى السّوقة المتعبة (1).
روى السيّد السّند السيّد نعمة اللّه الجزائري أنّ الخليل عليه السلام قال لملك الموت يوما: يا ملك الموت احبّ أن أراك على الصّورة التّي تقبض فيها روح المؤمن، فقال: يا إبراهيم اعرض عنّي بوجهك حتّى أتصوّر على تلك الصّورة، فلمّا رآه إبراهيم عليه السلام رأى صورة شابّ حسن الوجه أبيض اللون تعلوه الأنوار في أحسن ما يتخيّل من الهيئة فقال: يا إبراهيم في هذه الصّورة اقبض روح المؤمن فقال عليه السلام: يا ملك الموت لو لم يلق المؤمن إلاّ لقائك لكفاه راحة.
ثمّ قال عليه السلام: اريد أن أراك على الصّفة التي تقبض فيها روح الكافر، فقال: يا إبراهيم لا تقدر، فقال: أحبّ ذلك، فقال: أعرض بوجهك فأعرض بوجهه ثمّ قال: انظر فنظر إليه فاذا هو أسود كاللّيل المظلم وقامته كالنّخلة الطّويلة والنار والدّخان
يخرجان من منخريه (و فمه) إلى عنان السّماء.
فلمّا نظر إليه غشي على إبراهيم عليه السلام فرجع ملك الموت إلى حالته فلمّا أفاق الخليل عليه السلام قال: يا ملك الموت لو لم يكن للكافر هول من الموت إلاّ رؤيتك لكفته
ص: 235
عن ساير الأهوال.
فاذا أتى إلى المؤمن سلّ روحه سلاّ رقيقا لطيفا حتّى أنّه يحصل له الرّاحة من ذلك السّلّ لما يشاهده من مكانه في الجنّة وإن كان كافرا أتى إليه بحديدة محميّةبنار جهنّم فأدخلها في حلقومه وجذب روحه بها يخيل إليه أنّ أطباق السّماوات والأرض قد وقعت عليه وطبقته حتّى يخرج زبدة على فمه كالبعير(1).
ويدلّ عليه ما عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ إِنَّ آيَةَ الْمُؤمِنِ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ يَبْيَاضُّ وَجْهُهُ أَشَدَّ مِنْ بَيَاضِ لَوْنِهِ وَيَرْشَحُ جَبِينُهُ وَيَسِيلُ مِنْ عَيْنَيْهِ كَهَيْئَةِ الدُّمُوعِ فَيَكُونُ ذَلِكَ خُرُوجَ نَفْسِهِ وَإِنَّ الْكَافِرَ تَخْرُجُ نَفْسُهُ سَلاًّ مِنْ شِدْقِهِ(2) كَزَبَدِ الْبَعِيرِ أَوْ كَمَا تَخْرُجُ نَفْسُ الْبَعِير(3).
وعن عمّار بن مروان قال: حدّثني من سمع أبا عبداللّه عليه السلام يقول: منكم واللّه يقبل، ولكم واللّه يغفر إنّه ليس بين أحدكم وبين أن يغتبط ويرى السّرور وقرّة العين إلاّ أن تبلغ نفسه ههنا وأومى بيده إلى حلقه.
ثمّ قال عليه السلام: إنّه إذا كان ذلك واحتضر حضره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وعليّ عليه السلام وجبرئيل وملك الموت فيدنو منه عليّ عليه السلام فيقول: يا رسول اللّه إنّ هذا كان يحبّنا أهل البيت فأحبّه، ويقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله: يا جبرئيل إنّ هذا يحبّ اللّه ورسوله وأهل بيت رسوله فأحبّه، ويقول جبرئيل عليه السلام: يا ملك الموت إنَّ هذا يحبّ اللّه ورسوله وأهل بيت رسوله فأحبّه وارفق به.
فيدنو منه ملك الموت فيقول: يا عبداللّه أخذت فكاك رقبتك أخذت أمان
ص: 236
براتك تمسّكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدّنيا؟ قال: فيوفّقه اللّه عزّ وجلّ فيقول: نعم، فيقول: وما ذاك؟ فيقول: ولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام فيقول: صدقت أمّا الذي كنت تحذره فقد آمنك اللّه منه، وأمّا الذي كنت ترجوه فقد أدركته ابشر بالسّلفالصّالح مرافقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وعليّ وفاطمة عليهم السلام.
ثمّ يسلّ نفسه سلاّ رفيقا، ثمّ ينزل بكفنه من الجنّة وحنوطه من الجنّة بمسك أذفر فيكفن بذلك الكفن ويحنط بذلك الحنوط، ثمّ يكسى حلّة صفراء من حلل الجنّة.
فاذا وضع في قبره فتح له باب من أبواب الجنّة يدخل عليه من روحها وريحانها، ثمّ يفتح له عن أمامه مسيرة شهر وعن يمينه وعن يساره، ثمّ يقال له: نم نومة العروس على فراشها ابشر بروح وريحان وجنّة نعيم وربّ غير غضبان.
ثمّ يزور آل محمّد سلام اللّه عليهم في جنان رضوى فيأكل معهم من طعامهم، ويشرب معهم من شرابهم، ويتحدّث معهم في مجالسهم حتّى يقوم قائمنا فاذا قام قائمنا بعثهم اللّه تعالى فأقبلوا معه يلبّون زمرا زمرا وعند ذلك يرتاب المبطلون ويضمحلّ المحلّون (1) وقليل ما يكونون هلكت المحاضرون ونجا المقرّون «المقربون خ» من أجل ذلك قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلامأنت أخي وميعاد ما بيني وبينك وادي السّلام.
قال عليه السلام وإذا احتضر الكافر حضره رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعليّ عليه السلام وجبرئيل وملك الموت فيدنو منه عليّ عليه السلام فيقول: يا رسول اللّه إنّ هذا كان يبغضنا أهل البيت فأبغضه ويقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: يا جبرئيل إنّ هذا كان يبغض اللّه
ص: 237
ورسوله وأهل بيت رسوله فأبغضه، فيقول جبرئيل عليه السلام: يا ملك الموت إنّ هذا كان يبغض اللّه ورسوله وأهل بيت رسوله فأبغضه واعنف عليه.
فيدنو منه ملك الموت فيقول: يا عبداللّه أخذت فكاك رهانك وأمان براتك؟تمسّكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدّنيا؟ فيقول: لا، فيقول: ابشر يا عدوّ اللّه بسخط اللّه عزّ وجلّ وعذابه والنّار، أمّا الذي كنت تحذر فقد نزل بك. ثمّ يسلّ نفسه سلا عنيفا ثمّ يوكّل بروحه ثلاثمأة شيطان كلّهم يبزق في وجهه ويتأذى بروحه فاذا وضع في قبره فتح له باب من أبواب النّار فيدخل عليه من قيحها ولهبها (1).
وعَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللّه ِ عليه السلام عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَقَالَ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ ارْفُقْ بِصَاحِبِي فَإِنَّهُ مُؤمِنٌ فَقَالَ أَبْشِرْ يَا مُحَمَّدُ فَإِنِّي بِكُلِّ مُؤمِنٍ رَفِيقٌ وَاعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ أَنِّي أَقْبِضُ رُوحَ ابْنِ آدَمَ فَيَجْزَعُ أَهْلُهُ فَأَقُومُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ دَارِهِمْ فَأَقُولُ مَا هَذَا الْجَزَعُ فَوَ اللّه ِ مَا تَعَجَّلْنَاهُ قَبْلَ أَجَلِهِ وَمَا كَانَ لَنَا فِي قَبْضِهِ مِنْ ذَنْبٍ فَإِنْ تَحْتَسِبُوا وَتَصْبِرُوا تُؤجَرُوا وَإِنْ تَجْزَعُوا تَأْثَمُوا وَتُوزَرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ لَنَا فِيكُمْ عَوْدَةً ثُمَّ عَوْدَةً فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ إِنَّهُ لَيْسَ فِي شَرْقِهَا وَلاَ فِي غَرْبِهَا أَهْلُ بَيْتِ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ وَأَنَا أَتَصَفَّحُهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ وَلَأَنَا أَعْلَمُ بِصَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ مِنْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَلَوْ أَرَدْتُ قَبْضَ رُوحِ بَعُوضَةٍ مَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا حَتَّى يَأْمُرَنِي رَبِّي بِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله إِنَّمَا يَتَصَفَّحُهُمْ فِي مَوَاقِيتِ الصَّلاَةِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُوَاظِبُ عَلَيْهَا عِنْدَ مَوَاقِيتِهَا لَقَّنَهُ شَهَادَةَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللّه ُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وَنَحَّى عَنْهُ مَلَكُ الْمَوْتِ إِبْلِيسَ(2).
ص: 238
عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: إِنَّ الْمَيِّتَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْثَقَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ وَلَوْ لاَ ذَلِكَ مَا اسْتَقَرَّ (1).
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَقِيلَ مَنْ راقٍ» قَالَ ذَاكَ قَوْلُ ابْنِ آدَمَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ هَلْ مِنْ طَبِيبٍ هَلْ مِنْ دَافِعٍ قَالَ «وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ» يَعْنِي فِرَاقَ الْأَهْلِ وَالْأَحِبَّةِ عِنْدَ ذَلِكَ قَالَ «وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ» قَالَ الْتَفَّتِ الدُّنْيَا بِالاْخِرَةِ قَالَ: «إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ»(2) إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ يَوْمَئِذٍ الْمَصِيرُ(3).
وعن أبي اليقظان عمّار الأسدي عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: لو أنّ مؤمنا أقسم على ربّه أن لا يميته ما أماته أبدا، ولكن إذا كان ذلك أو إذا حضر أجله بعثه اللّه عزّ وجلّ إليه ريحين: ريحا يقال لها المنسية وريحا يقال المسخية، فأمّا المنسية فانّها تنسيه أهله وماله، وأمّا المسخية فانّها تسخي نفسه عن الدّنيا حتّى يختار ما عند اللّه (4).
وعن أبي خديجة عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: ما من أحد يحضره الموت إلاّ وكّل به إبليس من شياطينه من يأمره بالكفر ويشكّكه في دينه حتّى تخرج نفسه، فمن كان مؤمنا لم يقدر عليه فاذا حضرتم موتاكم فلقّنوهم شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه حتّى يموت (5).
ص: 239
وفي رواية أخرى قال عليه السلام: فلقّنه كلمات الفرج والشّهادتين ويسمّى له الاقرار بالأئمة عليهم السلام واحدا بعد واحد حتّى يتقطع عنه الكلام(1).
وعن سدير قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: جعلت فداك يابن رسول اللّه هل يكرهالمؤمن على قبض روحه؟ قال عليه السلام: لا واللّه إنّه إذا أتاه ملك الموت لقبض روحه جزع عند ذلك فيقول له ملك الموت: يا وليّ اللّه لا تجزع فو الّذي بعث محمّدا صلّى اللّه عليه وآله لأنا أبرّ بك وأشفق عليك من والد رحيم لو حضرك، افتح عينيك فانظر قال: ويمثّل له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وأميرالمؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريّتهم عليهم السلام فيقال له: هذا رسول اللّه وأميرالمؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام رفقاؤك، قال: فيفتح عينيه فينادى روحه(2) مناد من قبل ربّ العزّة فيقول: «يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ»(3) إِلى محمّد وأهل بيته «ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً»(4) بالولاية «مَرْضِيَّةً»(5) بالثّواب «فَادْخُلِي فِي عِبادِي»(6) يعني محمّداً وأهل بيته «وَادْخُلِي جَنَّتِي»(7) فما شيء أحبّ إليه من استلال روحه(8).
ص: 240
وعن عليّ بن عقبة عن أبيه قال: قال لي أبو عبداللّه عليه السلام: يا عقبة لا يقبل اللّه من العباد يوم القيامة إلاّ هذا الأمر الذي أنتم عليه، وما بين أحدكم وبين أن يرى ماتقرّ به عينه إلاّ أن تبلغ نفسه إلى هذه، ثمّ أهوى بيده إلى الوريد، ثمّ اتّكى.وكان معي المعلّى فغمزني أن أسأله فقلت: يابن رسول اللّه فاذا بلغت نفسه هذه أيّ شيء يرى؟ فقلت له بضعة عشر مرّة: أيّ شيء يرى، فقال في كلّها: يرى، لا يزيد عليها، ثمّ جلس في آخرها فقال: يا عقبة، فقلت: لبيّك وسعديك، فقال: أبيت إلاّ أن تعلم؟ فقلت: نعم يابن رسول اللّه إنّما ديني مع دينك فاذا ذهب دينيكان ذلك كيف لي بك يا بن رسول اللّه كلّ ساعة وبكيت، فرقّ لي فقال: يراهما واللّه، فقلت: بأبي وأمّي من هما؟ قال: ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوعلي عليه السلام يا عقبة لن تموت نفس مؤمنة أبدا حتّى تراهما قلت: فاذا نظر إليهما المؤمن أ يرجع إلى الدّنيا؟ فقال: لا، يمضى أمامه اذا نظر اليهما مضى أمامه فقلت له: يقولان شيئا؟ قال: نعم يدخلان جميعا على المؤمن، فيجلس رسول اللّه صلى الله عليه و آله عند رأسه وعليّ عليه السلام عند رجليه فيكبّ عليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيقول: يا وليّ اللّه ابشر أنا رسول اللّه إنّي «أنا خ ل» خير لك ممّا تركت من الدّنيا.
ثمّ ينهض رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيقوم عليّ عليه السلام حتّى يكبّ عليه فيقول: يا وليّ اللّه ابشر أنا عليّ بن أبي طالب الذي كنت تحبّه أنا لأنفعنك، ثمّ قال عليه السلام: إنّ هذا في كتاب اللّه عزّ وجل، فقلت: أين جعلني اللّه فداك هذا من كتاب اللّه؟ قال: قول اللّه عزّ وجلّ ههنا: «الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الاْخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللّه ِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»(1).(2)
ص: 241
وعن أبي بصير قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام إذا حيل بينه وبين الكلام أتاه رسول اللّه ومن شاء اللّه فجلس رسول اللّه عن يمينه والآخر عن يساره فيقول له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: أمّا ما كنت ترجو فهو ذا أمامك، وأمّا ما كنت تخاف منه فقد أمنت منه.
ثمّ يفتح له باب إلى الجنّة فيقول هذا منزلك من الجنّة فان شئت رددناك إلى الدّنيا ولك فيها ذهب وفضّة، فيقول: لا حاجة لي في الدّنيا فعند ذلك يبيض لونه ويرشح جبينه وتقلص شفتاه وتنتشر منخراه وتدمع عينه اليسرى فأىّ هذه العلامات رأيت فاكتف بها، فاذا خرجت النفس من الجسد فيعرض عليها كما عرض عليه وهي في الجسد فتختار الآخرة الحديث(1).
اعلم ان الأخبار في رؤية النّبيّ والأئمّة صلوات اللّه عليه وعليهم كثيرة كادت تبلغ حدّ التواتر، ويأتي بعضها بعد ذلك، وبتلك الأخبار يطيب نفوسنا ويسكن قلوبنا إلى الموت، وبها أيضا يعلم أنّ كراهة المؤمن للموت على ما في الحديث القدسي من قول اللّه سبحانه: ما تردّدت في شيء أنا فاعله كتردّدي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مسائته (2) إنّما هي قبل الاستبشار برؤيتهم عليهم السلام، وأمّا بعد معاينتهم فليس شيء أحبّ إليه من الموت كما عرفت في الرّوايات.
ويدلّ عليه صريحا ما عن عبد الصّمد بن بشير عن بعض أصحابه عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قلت: أصلحك اللّه من أحبّ لقاء اللّه أحبّ اللّه لقاءه؟ ومن أبغض
ص: 242
لقاء اللّه أبغض اللّه لقاءه! قال عليه السلام: نعم، قلت: فو اللّه إنّا لنكره الموت، فقال عليه السلام: ليس ذلك حيث تذهب إنّما ذلك عند المعاينة إذا رأى ما يحبّ فليس شيء أحبّ إليه من أن يتقدّم واللّه تعالى يحبّ لقاءه وهو يحبّ لقاء اللّه حينئذ وإذا رأى ما يكرهفليس شيء أبغض إليه من لقاء اللّه واللّه يبغض لقاءه(1).
وعن يحيى بن سابور قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: في الميّت تدمع عيناه عند الموت فقال عليه السلام: ذلك عند معاينة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فيرى ما يسرّه، ثمّ قال عليه السلام: أما ترى الرّجل يرى ما يسرّه وما يحبّ فتدمع عينه لذلك ويضحك(2).
لما انصرف المامون من غزاته، نزل على عين البديدون، المعروفة بالقشيرة، فوقف على العين ومنبع الماء، فأعجبه بَرْدُ مائها وصفاؤه وبياضه وطيب حسن الموضع وكثرة الخضرة، فأمر بقطع خشب طوال وأمر به فبسط على العين كالجسر، وجعل فوقه كالأزج من الخشب وورق الشجر، وجلس تحت الكنيسة التي قد عقدت له والماء تحته، وطرح في الماء درهم صحيح فقرأ كتابته وهو في قرار الماء لصفاء الماء، ولم يقدر أحد يدخل يده في الماء من شدة بَرْده. فبينا هو كذلك إذا لاحت سمكة نحو الذراع كأنها سبيكة فضة، فجعل لمن يخرجها سَبْقاً، فبدر بعض الفراشين فأخذها وصعد، فلما صارت على حرف العين أو على الخشب الذي عليه المأمون اضطربت وأفلتت من يد الفراش فوقعت في الماء كالحجر، فنضح من الماء على صدر المأمون ونحره وترْقوَتِه فبلَّت ثوبه، ثم انحدر
ص: 243
الفراش ثانية فأخذها ووضعها بين يدي المأمون في منديل تضطرب، فقال المأمون: تُقلى الساعة، ثم أخذته رعدة من ساعته، فلم يقدر يتحرك من مكانه، فغطي باللحف والدواويج، وهو يرتعد كالسعفة، ويصيح البرد البرد، ثم حول إلىالمضرب، ودثر، وأوقدت النيران حوله، وهو يصيح: البرد البرد، ثم أتي بالسمكة وقد فرغ من قليها فلم يقدر على الذوق منها، وشغله ما هو فيه عن تناول شيء منها، ولما اشتد به الأمر سأل المعتصم بختيشوع وابن ماسويه في ذلك الوقت عن المأمون وهو في سكرات الموت، وما الذي يدل عليه علم الطب من أمره؟ وهل يمكن برؤه وشفاؤه؟ فتقدم ابن ماسويه، فأخذ إحدى يديه وبختيشوع الاخرى، وأخذ المجسة من كلتا يديه، فوجدا نبضه خارجاً عن الاعتدال، مُنذراً بالفناء والانحلال، والتزقت أيديهما ببشرته لِعَرَقٍ كان يظهر منه من سائر جسده، كالزيت، أو كلعاب بعض الأفاعي، فأخبر المعتصم بذلك، فسألهما عن ذلك، فأنكرا معرفته، وأنهما لم يجداه في شيء من الكتب، وأنه دال على انحلال الجسد، وأفاق المأمون من غشيته، وفتح عينيه من رقدته، فأمر بإحضار أناس من الروم، فسألهم عن اسم الموضع والعين، فأحضر له عدة من الأسارى والأدلة، وقيل لهم: فسروا هذا الاسم القشيرة، فقيل له تفسيره مُدّ رجليك، فلما سمعها اضطرب من هذا الفأل وتطيَّر به، وقال: سَلوهم ما اسم الموضع بالعربية، فقالوا: الرقة، وكان فيما عمل من مولد المأمون أنه يموت بالموضع المعروف بالرقة، وكان المأمون كثيراً ما يحيد عن المقام بمدينة الرقة فرَقاً من الموت فلما سمع هذا من الروم علم أنه الموضع الذي وُعِد فيه فيما تقدم من مولده، وأن فيه وفاته، وقيل: إن اسم البديدون تفسيره مُدَّ رجليك، واللّه أعلم بكيفية ذلك، فأحضر المأمون الأطباء حوله يؤمل خلاصه
ص: 244
مما هو فيه، فلما ثقل قال: أخرجوني أشرفُ على عسكري ، وانظر إلى رجالي، وأ تبين ملكي، وذلك في الليل، فأخرج فأشرف على الخيم والجيش وانتشاره وكثرته وما قد أوقد من النيران، فقال: يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه، ثم رُدَّ إلى مرقده وأجْلَسَ المعتصم رَجلاً يشهده لما ثقل، فرفع الرجل صوته ليقولها، فقال له ابن ماسويه: لا تَصِحْ فو اللّه ما يفرق بين ربه وبين ماني في هذا الوقت، ففتح المأمون عينيه من ساعته، وبهما من العظم والكبر والاحمرار ما لم يُرَ مثله قط، وأقبل يحاول البطش بيديه بابن ماسويه، ورام مخاطبته، فعجز عن ذلك، فرمى بطرفه نحو السماء، وقد امتلأت عيناه دموعاً، فانطلق لسانه من ساعته ، وقال: يا من لا يموت ارحم من يموت، وقضى من ساعته(1).
وقال اميرالمومنين عليه السلام:
وَفِي قَبْضِ كَفِّ الطِّفْلِ عِنْدَ وُلُودِهِ
دَلِيلٌ عَلَى الْحِرْصِ الْمُرَكَّبِ فِي الْحَيِ
وَفِي بَسْطِهَا عِنْدَ الْمَمَاتِ مَوَاعِظُ
أَلاَ فَانْظُرُونِي قَدْ خَرَجْتُ بِلاَ شَيْءٍ (2)
فقد ورد في الرّوايات أن الرّوح بعد خروجه من الجسد يكون مُظِلَّةٌ على الجسد وأنّه ليرى ما يفعل به(3).
وفي رواية اصبغ بن نباتة أنّها تناشد الغاسل وتقول له عند تغسيله: باللّه عليك يا عبداللّه رفقا بالبدن الضّعيف فو اللّه ما خرجت من عرق إلاّ انقطع، ولا من عضو
ص: 245
إلاّ انصدع، فو اللّه لو سمع الغاسل ذلك القول لما غسل ميّتا أبدا(1).
وَقَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فَوَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ يَرَوْنَ مَكَانَهُ وَيَسْمَعُونَ كَلاَمَهُ لَذَهَلُوا عَنْ مَيِّتِهِمْ وَليبكوا [لَبَكَوْا ]عَلَى نُفُوسِهِمْ حَتَّى حُمِلَ الْمَيِّتُ عَلَى نَعْشِهِوَتُرَفْرِفُ رُوحُهُ فَوْقَ النَّعْشِ وَهُوَ يُنَادِي يَا أَهْلِي وَيَا وُلْدِي لاَ تَلْعَبَنَّ بِكُمُ الدُّنْيَا كَمَا لَعِبَتْ بِي(2).
وفي عدّة روايات الأمر باجادة الأكفان والمغالات في أثمانها معلّلا بأنّ الموتى يبعثون بها وبأنّهم يتباهون بأكفانهم(3).
انَّ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عليه السلام كُفِّنَ فِي حِبَرَةٍ اسْتُعْمِلَتْ لَهُ بِأَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ كُلُّهُ (4).
وعن يونس بن يعقوب عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام قال: سمعته يقول: إنّي كفنت أبي في ثوبين شطويين(5) كان يحرم فيهما وقميص من قمصه وعمامة كانت لعليّ بن الحسين عليهما السّلام وفي برد اشتريته بأربعين دينارا، ولو كان اليوم ساوى أربعمائة دينار(6).
لمّا دخل المنصور آخر منزل نزله من طريق مكة، نظر في صدر البيت الّذي نزل فيه فإذا مكتوب فيه:
أبا جعفر حانت وفاتك وانقضت
سنوك وأمر اللّه لابدّ واقع
ص: 246
أبا جعفر هل كاهن أو منجّم
لك اليوم من حرّ المنية مانع
فدعا بالمتولّي لإصلاح المنازل فقال له: ألم آمرك ألاّ يدخل المنزل أحد من الدّعار قال: واللّه ما دخله أحد منذ فرغ منه فقال، اقرأ ما على صدر البيت مكتوبا،قال: ما أرى شيئا فدعا برئيس الحجبة فقال: اقرأ ما على صدر البيت، قال: ما أرىشيئا. فالتفت إلى حاجبه فقال: اقرأ لي آية من كتاب اللّه فتلا: «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ»(1) فأمر بفكيّه فوجئا، وقال له ما وجدت شيئا تقرأه غير هذه الآية فأمر بالرّحيل عن ذلك المنزل تطيّرا وركب فرسا فلمّا كان في الوادي الّذي يقال له سقر - وكان آخر منزل بطريق مكّة - كبا به الفرس فدقّ ظهره ومات فدفن ببئر ميمون(2).
قال الرّبيع لما قضى المنصور، أمرت بالخيم فضربت وبالفساطيط فهيّئت، وعمدت إلى المنصور فألبسته الطويلة والدّرّاعة وسندته وألقيت في وجهه كلّة رقيقة يرى منها شخصه ولا يفهم أمره وأدنيت أهله من الكلّة، حيث لا يعلم بخبره ويرى شخصه، فوقفت بالموضع الذي أو همتهم أنّه يخاطبني ثمّ خرجت فقلت: إنّ الخليفة مفيق ويقول أحبّ أن تجدّدوا بيعة المهدي فلم يبق أحد إلاّ بايع ثمّ دخلت وخرجت مشقوق الجيب لاطما رأسي، فقال بعض من حضر ويلي عليك ابن شاة - يريد الربيع لأنّ أمّه ماتت في رضاعه فارضعته شاة - فبلغ المهدي ما فعلت، فقال: يا عبد ألم يمنعك جلالة الخليفة أن فعلت ما فعلت به(3).
قال محمّد النوفلي دخلنا وهو على سريره في أكفانه مكشوف الوجه فحملناه
ص: 247
حتّى أتينا به مكّة ثلاثة أميال فكأنّي أنظر إليه أدنو من قائمة سريره نحمله فتحرّكت الرّيح فتطير شعر صدغيه وذلك أنّه قد وفّر شعره للحلق حتى أتينا به حفرته(1).
المراد بالأعواد: الجنازة. وذو الأعواد رجل من العرب كان قد أسنّ وهو الذي قرعت له العصا وكانت العرب تتحاكم إليه وكان يحمل في محفّة فسمّي ذا الأعواد لذلك، وصار مثلا، قال الأسود بن يعفر:
ولقد علمت خلاف ما نبّأتني
انّ السبيل سبيل ذي الأعواد (2)
فإن كان مؤمنا خرج روحه يمشى بين يدي القوم قدما وتلقاه أرواح المؤمنين ويبشّرونه بما أعدّ اللّه له جلّ ثناؤه من النّعيم.
وإن كان عدوّا للّه سبحانه فهو كما ورد عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللّه ِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: إِذَا حُمِلَ عَدُوُّ اللّه ِ إِلَى قَبْرِهِ نَادَى حَمَلَتَهُ أَ لاَ تَسْمَعُونَ يَا إِخْوَتَاهْ أَنِّي أَشْكُو إِلَيْكُمْ مَا وَقَعَ فِيهِ أَخُوكُمُ الشَّقِيُّ أَنَّ عَدُوَّ اللّه ِ خَدَعَنِي(3)
فَأَوْرَدَنِي ثُمَّ لَمْ يُصْدِرْنِي وَأَقْسَمَ لِي أَنَّهُ نَاصِحٌ لِي فَغَشَّنِي وَأَشْكُو إِلَيْكُمْ دُنْيَا غَرَّتْنِي حَتَّى إِذَا اطْمَأْنَنْتُ إِلَيْهَا صَرَعَتْنِي وَأَشْكُو إِلَيْكُمْ أَخِلاَّءَ الْهَوَى مَنَّوْنِي ثُمَّ تَبَرَّءُوا مِنِّي وَخَذَلُونِي وَأَشْكُو إِلَيْكُمْ أَوْلاَداً حَمَيْتُ عَنْهُمْ وَآثَرْتُهُمْ عَلَى نَفْسِي فَأَكَلُوا مَالِي وَأَسْلَمُونِي وَأَشْكُو إِلَيْكُمْ مَالاً مَنَعْتُ مِنْهُ (مالا ضيعت فيه خ ل) حَقَّ اللّه ِ فَكَانَ وَبَالُهُ
ص: 248
عَلَيَّ وَكَانَ نَفْعُهُ لِغَيْرِي وَأَشْكُو إِلَيْكُمْ دَاراً أَنْفَقْتُ عَلَيْهَا حَرِيبَتِي(1) وَصَارَ سَاكِنُهَا غَيْرِي وَأَشْكُو إِلَيْكُمْ طُولَ الثَّوَاءِ(2) فِي قَبْرِي يُنَادِي أَنَا بَيْتُ الدُّودِ أَنَا بَيْتُ الظُّلْمَةِ وَالْوَحْشَةِ وَالضَّيْقِ يَا إِخْوَتَاهْ فَاحْبِسُونِي مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاحْذَرُوا مِثْلَ مَا لَقِيتُ فَإِنِّي قَدْ بُشِّرْتُ بِالنَّارِ وَبِالذُّلِّ وَالصَّغَارِ وَغَضَبِ الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ وَا حَسْرَتَاهْ عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ وَيَا طُولَ عَوْلَتَاهْ (عويلاه خ ل) فَمَا لِي مِنْ شَفِيعٍ يُطاعُ وَلاَ صَدِيقٍ يَرْحَمُنِي فَلَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً - فَأَكُونَ مِنَ الْمُؤمِنِينَ(3).
وفي رواية إنّ أبا جعفر عليه السلام كان يبكي إذا ذكر هذا الحديث(4).
ثمّ إنّه إذا أتيت بالميّت إلى شفير قبره فأمهله ساعة فانّه يأخذ اهبته للسّؤال كما وردت رواية أبي الحسن موسى عليه السلام(5).
وإذا حضر المؤمنون للصّلاة عليه وشهدوا له بالخير والصّلاح فقد ورد في الخبر انّ اللّه سبحانه يجيز شهادتهم ويكتبه عنده من الأخيار وإن كان في علمه عزّ وجلّ من الأشرار.
قال الصّادق عليه السلام: إذا حضر الميت أربعون رجلا فقالوا: اللّهم إنّا لا نعلم منه إلاّ خيرا، قال اللّه تعالى: قد قبلت شهادتكم له وغفرت له ما علمت ممّا لا تعلمون(6).
ورَوَى مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْبَرْقِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنِ الصَّادِقِ عليه السلام قَالَ كَانَ فِي
ص: 249
بَنِي إِسْرَائِيلَ عَابِدٌ فَأَوْحَى اللّه ُ تَعَالَى إِلَى دَاوُدَ عليه السلام أَنَّهُ مُرَاءٍ قَالَ ثُمَّ إِنَّهُ مَاتَ فَلَمْ يَشْهَدْ جِنَازَتَهُ دَاوُدُ عليه السلام قَالَ فَقَامَ أَرْبَعُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا اللَّهُمَّ إِنَّا لاَ نَعْلَمُ مِنْهُ إِلاَّ خَيْراً وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا فَاغْفِرْ لَهُ قَالَ فَلَمَّا غُسِّلَ أَتَى أَرْبَعُونَ غَيْرُ الْأَرْبَعِينَ الْأَوَّلِ وَقَالُوا اللَّهُمَّ إِنَّا لاَ نَعْلَمُ مِنْهُ إِلاَّ خَيْراً وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا فَاغْفِرْ لَهُ فَلَمَّا وُضِعَ فِي قَبْرِهِقَامَ أَرْبَعُونَ غَيْرُهُمْ فَقَالُوا اللَّهُمَّ إِنَّا لاَ نَعْلَمُ مِنْهُ إِلاَّ خَيْراً وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا فَاغْفِرْ لَهُ قَالَ فَأَوْحَى اللّه ُ تَعَالَى إِلَى دَاوُدَ عليه السلام مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ - فَقَالَ دَاوُدُ بِالَّذِي أَخْبَرْتَنِي مِنْ أَنَّهُ مُرَاءٍ قَالَ فَأَوْحَى اللّه ُ إِلَيْهِ أَنَّهُ شَهِدَ لَهُ قَوْمٌ فَأَجَزْتُ لَهُمْ شَهَادَتَهُمْ وَغَفَرْتُ لَهُ مَا عَلِمْتُ مِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ(1).
عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ قَالَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ صلى الله عليه و آله إِنَّ ابْنَ آدَمَ إِذَا كَانَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الاْخِرَةِ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ وَعَمَلُهُ فَيَلْتَفِتُ إِلَى مَالِهِ فَيَقُولُ وَاللّه ِ إِنِّي كُنْتُ عَلَيْكَ حَرِيصاً شَحِيحاً فَمَا لِي عِنْدَكَ فَيَقُولُ خُذْ مِنِّي كَفَنَكَ قَالَ فَيَلْتَفِتُ إِلَى وَلَدِهِ فَيَقُولُ وَاللّه ِ إِنِّي كُنْتُ لَكُمْ مُحِبّاً وَإِنِّي كُنْتُ عَلَيْكُمْ مُحَامِياً فَمَا ذَا لِي عِنْدَكُمْ فَيَقُولُونَ نُؤدِّيكَ إِلَى حُفْرَتِكَ نُوَارِيكَ فِيهَا - قَالَ فَيَلْتَفِتُ إِلَى عَمَلِهِ فَيَقُولُ وَاللّه ِ إِنِّي كُنْتُ فِيكَ لَزَاهِداً وَإِنْ كُنْتَ عَلَيَّ لَثَقِيلاً فَمَا ذَا عِنْدَكَ فَيَقُولُ أَنَا قَرِينُكَ فِي قَبْرِكَ وَيَوْمِ نَشْرِكَ حَتَّى أُعْرَضَ أَنَا وَأَنْتَ عَلَى رَبِّك الحديث(2).
فَظَلَّ أَحَبُّ الْقَوْمِ كَانَ لِقُرْبِهِ
يَحُثُّ عَلَى تَجْهِيزِهِ وَيُبَادِرُ
ص: 250
وَشَمَّرَ مَنْ قَدْ أَحْضَرُوهُ لِغُسْلِهِ
وَوُجِّهَ لَمَّا فَاظَ لِلْقَبْرِ حَافِرٌ
وَكُفِّنَ فِي ثَوْبَيْنِ فَاجْتَمَعَتْ
لَهُ مُشَيِّعَةُ إِخْوَانِهِ وَالْعَشَائِر(1)
فى دعاء ابى حمزة: وَارْحَمْ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ الْجَدِيدِ غُرْبَتِي(2).
وفي ذلك الدّعاء: وجد عليّ منقولا قد نزلت بك وحيدا في حفرتي(3).
حَتَّى إِذَا انْصَرَفَ الْمُشَيِّعُ وَرَجَعَ الْمُتَفَجِّعُ أُقْعِدَ فِي حُفْرَتِهِ نَجِيّاً لِبَهْتَةِ السُّؤالِ
قَالَ الصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عليه السلام: مَنْ أَنْكَرَ ثَلاَثَةَ أَشْيَاءَ فَلَيْسَ مِنْ شِيعَتِنَا الْمِعْرَاجَ وَالْمُسَاءَلَةَ فِي الْقَبْرِ وَالشَّفَاعَةَ(4).
وفي الحديث إنّ الرّوح يدخل إلى حقويه ويسمع لفظ أيدى القوم من تراب قبره فعند ذلك ينظر يمينا وشمالا فلا يرى إلاّ ظلمات ثلاث: ظلمة الأرض، وظلمة العمل، وظلمة الوحشة فيا لها من داهية عظيمة ورزيّة جسيمة، وأوّل ملك يدخل عليه يسمّى رومان فتان القبور، وفي رواية اصبغ بن نباته يسمّي منبّه.
ص: 251
وعَبْدِاللّه ِ بْنِ سَلاَمٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَنْ أَوَّلِ مَلَكٍ يَدْخُلُ فِي الْقَبْرِ عَلَى الْمَيِّتِ قَبْلَ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّه ِ ص: مَلَكٌ يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ اسْمُهُ رُومَانُ يَدْخُلُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: اكْتُبْ مَا عَمِلْتَ مِنْ حَسَنَةٍ وَسَيِّئَةٍ. فَيَقُولُ: بِأَيِّ شَيْءٍ أَكْتُبُ أَيْنَ قَلَمِي وَدَوَاتِي وَمِدَادِي؟ فَيَقُولُ: رِيقُكَ مِدَادُكَ وَقَلَمُكَ إِصْبَعُكَ. فَيَقُولُ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ أَكْتُبُ وَلَيْسَ مَعِي صَحِيفَةٌ؟ قَالَ: صَحِيفَتُكَ كَفَنُكَ، فَيَكْتُبُ مَاعَمِلَهُ مِنَ الدُّنْيَا خَيْراً، فَإِذَا بَلَغَ سَيِّئَاتِهِ يَسْتَحْيِي مِنْهُ فَيَقُولُ لَهُ الْمَلَكُ: يَا خَاطِئُ أَ مَا تَسْتَحْيِي مِنْ خَالِقِكَ حِينَ عَمِلْتَهُ فِي الدُّنْيَا وَتَسْتَحْيِي الاْنَ، فَيَرْفَعُ الْمَلَكُ الْعَمُودَ لِيَضْرِبَهُ، فَيَقُولُ الْعَبْدُ: ارْفَعْ عَنِّي حَتَّى أَكْتُبَهَا، فَيَكْتُبُ فِيهَا جَمِيعَ حَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ ثُمَّ يَأْمُرُهُ أَنْ تُطْوَى وَتُخْتَمَ فَيَقُولُ: بِأَيِّ شَيْءٍ أَخْتِمُهُ وَلَيْسَ مَعِي خَاتَمٌ؟ فَيَقُولُ: اخْتِمْهُ بِظُفْرِكَ وَعَلِّقْهُ فِي عُنُقِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَ اللّه ُ تَعَالَى: «وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً»(1)»(2).
وفي رواية اخرى أنّه يأتي إلى الميّت فيسمه فان عرف منه خيرا أخبر منكرا ونكيرا حتّى يرفقا به وقت السؤال، وإن عرف منه شرّا أخبرهما حتّى يشدّدا عليه الحال والعذاب(3).
وعَنْ سُوَيْدِ بْنِ عَلْقَمَةَ [غَفَلَةَ] عَنْ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلام قَالَ إِنَّ ابْنَ آدَمَ إِذَا كَانَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا - وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الاْخِرَةِ - مُثِّلَ لَهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَوُلْدُهُ وَعَمَلُهُ - فَيَلْتَفِتُ إِلَى مَالِهِ فَيَقُولُ - وَاللّه ِ إِنِّي كُنْتُ عَلَيْكَ لَحَرِيصاً شَحِيحاً فَمَا عِنْدَكَ
ص: 252
فَيَقُولُ خُذْ مِنِّي كَفَنَكَ، ثُمَّ يَلْتَفِتُ إِلَى وُلْدِهِ فَيَقُولُ - وَاللّه ِ إِنِّي كُنْتُ لَكُمْ لَمُحِبّاً - وَإِنِّي كُنْتُ عَلَيْكُمْ لَمُحَامِياً فَمَا ذَا عِنْدَكُمْ فَيَقُولُونَ نُؤدِّيكَ إِلَى حُفْرَتِكَ وَنُوَارِيكَ فِيهَا، ثُمَّ يَلْتَفِتُ إِلَى عَمَلِهِ فَيَقُولُ - وَاللّه ِ إِنِّي كُنْتُ فِيكَ لَزَاهِداً - وَإِنَّكَ كُنْتَ عَلَيَّ لَثَقِيلاً فَمَا ذَا عِنْدَكَ فَيَقُولُ أَنَا قَرِينُكَ فِي قَبْرِكَ - وَيَوْمِ حَشْرِكَ حَتَّى أُعْرَضَ أَنَا وَأَنْتَ عَلَى رَبِّكَ - فَإِنْ كَانَ للّه ِِ وَلِيّاً أَتَاهُ أَطْيَبُ النَّاسِ رِيحاً - وَأَحْسَنُهُمْ مَنْظَراً وَأَزْيَنُهُمْ رِيَاشاً - فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِرَوْحٍ مِنَ اللّه ِ وَرَيْحَانٍ وَجَنَّةِ نَعِيمٍ - وَقَدْ قَدِمْتَ خَيْرَ مَقْدَمٍ فَيَقُولُ مَنْ أَنْتَفَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ - ارْتَحِلْ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَيَعْرِفُ غَاسِلَهُ وَيُنَاشِدُ حَامِلَهُ أَنْ يُعَجِّلَهُ فَإِذَا أُدْخِلَ قَبْرَهُ أَتَاهُ مَلَكَانِ - وَهُمَا فَتَّانَا الْقَبْرِ يَجُرَّانِ أَشْعَارَهُمَا - وَيَنْحِتَانِ الْأَرْضَ بِأَنْيَابِهِمَا - وَأَصْوَاتُهُمَا كَالرَّعْدِ الْعَاصِفِ - وَأَبْصَارُهُمَا كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ - فَيَقُولاَنِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ وَمَنْ نَبِيُّكَ وَمَا دِينُكَ (من امامك خ ل) فَيَقُولُ: اللّه ُ رَبِّي وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّي وَالاْءِسْلاَمُ دِينِي (و على عليه السلاموالائمة امامى خ ل) فَيَقُولاَنِ ثَبَّتَكَ اللّه ُ بِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى وَهُوَ قَوْلُ اللّه ِ «يُثَبِّتُ اللّه ُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ»(1). فَيَفْسَحَانِ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ - وَيَفْتَحَانِ لَهُ بَاباً إِلَى الْجَنَّةِ وَيَقُولاَنِ لَهُ نَمْ قَرِيرَ الْعَيْنِ نَوْمَ الشَّابِّ النَّاعِمِ - وَهُوَ قَوْلُهُ «أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً»(2).(3) وَإِذَا كَانَ لِرَبِّهِ عَدُوّاً - فَإِنَّهُ يَأْتِيهِ أَقْبَحُ خَلْقِ اللّه ِ رِيَاشاً وَأَنْتَنُهُ رِيحاً - فَيَقُولُ لَهُ مَنْ أَنْتَ فَيَقُولُ لَهُ أَنَا عَمَلُكَ - أَبْشِرْ بِنُزُلٍ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةِ جَحِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَعْرِفُ غَاسِلَهُ وَيُنَاشِدُ حَامِلَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ - فَإِذَا أُدْخِلَ قَبْرَهُ أَتَيَاهُ مفتحيا [مُمْتَحِنَا ]الْقَبْرِ فَأَلْقَيَا أَكْفَانَهُ
ص: 253
- ثُمَّ قَالا لَهُ مَنْ رَبُّكَ وَمَنْ نَبِيُّكَ وَمَا دِينُكَ فَيَقُولُ لاَ أَدْرِي فَيَقُولاَنِ لَهُ لاَ دَرَيْتَ وَلاَ هُدِيتَ - فَيَضْرِبَانِهِ بِمِرْزَبَةٍ(1) ضَرْبَةً مَا خَلَقَ اللّه ُ دَابَّةً - إِلاَّ وَتَذْعَرُ لَهَا مَا خَلاَ الثَّقَلَيْنِ - ثُمَّ يَفْتَحَانِ لَهُ بَاباً إِلَى النَّارِ ثُمَّ يَقُولاَنِ لَهُ نَمْ بِشَرِّ حَالٍ فَهُوَ مِنَ الضِّيقِ مِثْلُ مَا فِيهِ الْقَنَا مِنَ الزُّجِّ(2) حَتَّى إِنَّ دِمَاغَهُ يَخْرُجُ مِمَّا بَيْنَ ظُفُرِهِ وَلَحْمِهِ - وَيُسَلَّطُ عَلَيْهِ حَيَّاتُ الْأَرْضِ وَعَقَارِبُهَا وَهَوَامُّهَا - فَتَنْهَشُهُ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللّه ُ مِنْ قَبْرِهِ وَإِنَّهُ لَيَتَمَنَّى قِيَامَالسَّاعَةِ مِمَّا هُوَ فِيهِ مِنَ الشَّرِّ(3).
و عَنْ بَشِيرٍ الدَّهَّانِ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: يَجِيءُ الْمَلَكَانِ - مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ إِلَى الْمَيِّتِ حِينَ يُدْفَنُ أَصْوَاتُهُمَا كَالرَّعْدِ الْقَاصِفِ وَأَبْصَارُهُمَا كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ يَخُطَّانِ الْأَرْضَ بِأَنْيَابِهِمَا وَيَطَئَانِ فِي شُعُورِهِمَا فَيَسْأَلاَنِ الْمَيِّتَ مَنْ رَبُّكَ وَمَا دِينُكَ قَالَ فَإِذَا كَانَ مُؤمِناً قَالَ اللّه ُ رَبِّي وَدِينِيَ الاْءِسْلاَمُ فَيَقُولاَنِ لَهُ مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي خَرَجَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ فَيَقُولُ أَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله تَسْأَلاَنِي فَيَقُولاَنِ لَهُ تَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللّه ِ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللّه ِ فَيَقُولاَنِ لَهُ نَمْ نَوْمَةً لاَ حُلُمَ فِيهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ تِسْعَةَ أَذْرُعٍ وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَرَى مَقْعَدَهُ فِيهَا وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ كَافِراً دَخَلاَ عَلَيْهِ وَأُقِيمَ الشَّيْطَانُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَيْنَاهُ مِنْ نُحَاسٍ فَيَقُولاَنِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ وَمَا دِينُكَ وَمَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي قَدْ خَرَجَ مِنْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ فَيَقُولُ لاَ أَدْرِي فَيُخَلِّيَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْطَانِ فَيُسَلِّطُ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ تِنِّيناً لَوْ أَنَّ تِنِّيناً(4) وَاحِداً
ص: 254
مِنْهَا نَفَخَ فِي الْأَرْضِ مَا أَنْبَتَتْ شَجَراً أَبَداً وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ وَيَرَى مَقْعَدَهُ فِيهَا(1). وعن النَّبِيِ ص: أَنَّهُ قَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَتَاكَ فَتَّانَا الْقَبْرِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّه ِ مَا فَتَّانَا الْقَبْرِ قَالَ مَلَكَانِ فَظَّانِ غَلِيظَانِ أَصْوَاتُهُمَا كَالرَّعْدِ الْقَاصِفِ وَأَبْصَارُهُمَا كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ يَطَئَانِ فِي أَشْعَارِهِمَا وَيَحْفِرَانِ الْأَرْضَ بِأَنْيَابِهِمَا فَيَسْأَلاَنِكَ قَالَ وَأَنَا عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ قَالَ وَأَنْتَ عَلَى مِثْلِ حَالِكَ هَذِهِ قَالَ إِذَنْ أَكْفِيَهُمَا(2).وفي وصفهما عنه صلى الله عليه و آلهأنّهما ملكان أسودان أرزقان أحدهما منكر والآخر نكير(3). وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: إِنَّ الْمُؤمِنَ إِذَا أُخْرِجَ مِنْ بَيْتِهِ شَيَّعَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى قَبْرِهِ يَزْدَحِمُونَ عَلَيْهِ حَتَّى إِذَا انْتَهَى بِهِ إِلَى قَبْرِهِ قَالَتْ لَهُ الْأَرْضُ مَرْحَباً بِكَ وَأَهْلاً أَمَا وَاللّه ِ لَقَدْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يَمْشِيَ عَلَيَّ مِثْلُكَ لَتَرَيَنَّ مَا أَصْنَعُ بِكَ فَتَوَسَّعُ لَهُ مَدَّ بَصَرِهِ وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ مَلَكَا الْقَبْرِ وَهُمَا قَعِيدَا الْقَبْرِ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ فَيُلْقِيَانِ فِيهِ الرُّوحَ إِلَى حَقْوَيْهِ فَيُقْعِدَانِهِ وَيَسْأَلاَنِهِ فَيَقُولاَنِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ اللّه ُ فَيَقُولاَنِ مَا دِينُكَ فَيَقُولُ الاْءِسْلاَمُ فَيَقُولاَنِ وَمَنْ نَبِيُّكَ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ ص فَيَقُولاَنِ وَمَنْ إِمَامُكَ فَيَقُولُ فُلاَنٌ قَالَ فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ صَدَقَ عَبْدِي افْرُشُوا لَهُ فِي قَبْرِهِ مِنَ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ فِي قَبْرِهِ بَاباً إِلَى الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَأْتِيَنَا وَمَا عِنْدَنَا خَيْرٌ لَهُ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ نَمْ نَوْمَةَ عَرُوسٍ نَمْ نَوْمَةً لاَ حُلُمَ فِيهَا قَالَ وَإِنْ كَانَ كَافِراً
ص: 255
خَرَجَتِ الْمَلاَئِكَةُ تُشَيِّعُهُ إِلَى قَبْرِهِ تَلْعَنُونَهُ حَتَّى إِذَا انْتَهَى بِهِ إِلَى قَبْرِهِ قَالَتْ لَهُ الْأَرْضُ لاَ مَرْحَباً بِكَ وَلاَ أَهْلاً أَمَا وَاللّه ِ لَقَدْ كُنْتُ أُبْغِضُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَيَّ مِثْلُكَ لاَ جَرَمَ لَتَرَيَنَّ مَا أَصْنَعُ بِكَ الْيَوْمَ فَتَضِيقُ عَلَيْهِ حَتَّى تَلْتَقِيَ جَوَانِحُهُ(1) قَالَ ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْهِ مَلَكَا الْقَبْرِ وَهُمَا قَعِيدَا الْقَبْرِ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ قَالَ أَبُو بَصِيرٍ جُعِلْتُ فِدَاكَ يَدْخُلاَنِ عَلَى الْمُؤمِنِ وَالْكَافِرِ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ لاَ قَالَ فَيُقْعِدَانِهِ وَيُلْقِيَانِ فِيهِ الرُّوحَ إِلَى حَقْوَيْهِ فَيَقُولاَنِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ فَيَتَلَجْلَجُ(2) وَيَقُولُ قَدْ سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَيَقُولاَنِ لَهُ لاَ دَرَيْتَ وَيَقُولاَنِ لَهُ مَا دِينُكَ فَيَتَلَجْلَجُ فَيَقُولاَنِ لَهُ لاَ دَرَيْتَ وَيَقُولاَنِ لَهُ مَنْ نَبِيُّكَفَيَقُولُ قَدْ سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَيَقُولاَنِ لَهُ لاَ دَرَيْتَ وَيُسْأَلُ عَنْ إِمَامِ زَمَانِهِ قَالَ فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ كَذَبَ عَبْدِي(3) افْرُشُوا لَهُ فِي قَبْرِهِ مِنَ النَّارِ وَأَلْبِسُوهُ مِنْ ثِيَابِ النَّارِ وَافْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلَى النَّارِ حَتَّى يَأْتِيَنَا وَمَا عِنْدَنَا شَرٌّ لَهُ فَيَضْرِبَانِهِ بِمِرْزَبَةٍ ثَلاَثَ ضَرَبَاتٍ لَيْسَ مِنْهَا ضَرْبَةٌ إِلاَّ يَتَطَايَرُ قَبْرُهُ نَاراً لَوْ ضُرِبَ بِتِلْكَ الْمِرْزَبَةِ جِبَالُ تِهَامَةَ(4) لَكَانَتْ رَمِيماً وَقَالَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام وَيُسَلِّطُ اللّه ُ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ الْحَيَّاتِ تَنْهَشُهُ نَهْشاً وَالشَّيْطَانَ يَغُمُّهُ غَمّاً قَالَ وَيَسْمَعُ عَذَابَهُ مَنْ خَلَقَ اللّه ُ إِلاَّ الْجِنَّ وَالاْءِنْسَ قَالَ وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ(5) وَنَقْضَ أَيْدِيهِمْ وَهُوَ قَوْلُ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ «يُثَبِّتُ اللّه ُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الاْخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّه ُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّه ُ ما يَشاء»(6).(7)
ص: 256
وعَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: إِذَا مَاتَ الْمُؤمِنُ شَيَّعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِلَى قَبْرِهِ فَإِذَا أُدْخِلَ قَبْرَهُ أَتَاهُ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ فَيُقْعِدَانِهِ وَيَقُولاَنِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ وَمَا دِينُكَ وَمَنْ نَبِيُّكَ فَيَقُولُ رَبِّيَ اللّه ُ وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّي وَالاْءِسْلاَمُ دِينِي فَيَفْسَحَانِ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ وَيَأْتِيَانِهِ بِالطَّعَامِ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُدْخِلاَنِ عَلَيْهِ الرَّوْحَ وَالرَّيْحَانَ وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: «فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ» يَعْنِي فِي قَبْرِهِ «وَجَنَّةُ نَعِيمٍ»(1) يَعْنِي فِي الاْخِرَةِ ثُمَّ قَالَ عليه السلام إِذَا مَاتَالْكَافِرُ شَيَّعَهُ سَبْعُونَ أَلْفاً مِنَ الزَّبَانِيَةِ إِلَى قَبْرِهِ وَإِنَّهُ لَيُنَاشِدُ حَامِلِيهِ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ كُلُّشَيْءٍ إِلاَّ الثَّقَلاَنِ وَيَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُؤمِنِينَ وَيَقُولُ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ فَتُجِيبُهُ الزَّبَانِيَةُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ أَنْتَ قَائِلُهَا وَيُنَادِيهِمْ مَلَكٌ لَوْ رُدَّ لَعَادَ لِمَا نُهِيَ عَنْهُ فَإِذَا أُدْخِلَ قَبْرَهُ وَفَارَقَهُ النَّاسُ أَتَاهُ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ فِي أَهْوَلِ صُورَةٍ فَيُقِيمَانِهِ ثُمَّ يَقُولاَنِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ وَمَا دِينُكَ وَمَنْ نَبِيُّكَ فَيَتَلَجْلَجُ لِسَانُهُ وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى الْجَوَابِ فَيَضْرِبَانِهِ ضَرْبَةً مِنْ عَذَابِ اللّه ِ يُذْعَرُ لَهَا كُلُّ شَيْءٍ ثُمَّ يَقُولاَنِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ وَمَا دِينُكَ وَمَنْ نَبِيُّكَ فَيَقُولُ لاَ أَدْرِي فَيَقُولاَنِ لَهُ لاَ دَرَيْتَ وَلاَ هُدِيتَ وَلاَ أَفْلَحْتَ ثُمَّ يَفْتَحَانِ لَهُ بَاباً إِلَى النَّارِ وَيُنْزِلاَنِ إِلَيْهِ الْحَمِيمَ مِنْ جَهَنَّمَ وَذَلِكَ قَوْلُ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ»(2) يَعْنِي فِي الْقَبْرِ «وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ»(3) يَعْنِي فِي الاْخِرَةِ(4).
وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِاللّه ِ عليه السلام عَمَّا يَلْقَى صَاحِبُ الْقَبْرِ فَقَالَ
ص: 257
إِنَّ مَلَكَيْنِ يُقَالُ لَهُمَا مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ يَأْتِيَانِ صَاحِبَ الْقَبْرِ فَيَسْأَلاَنِهِ عَنْ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فَيَقُولاَنِ مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي خَرَجَ فِيكُمْ فَيَقُولُ مَنْ هُوَ فَيَقُولاَنِ الَّذِي كَانَ يَقُولُ إِنَّهُ رَسُولُ اللّه ِ أَ حَقٌّ ذَلِكَ قَالَ فَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّكِّ قَالَ مَا أَدْرِي قَدْ سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَلَسْتُ أَدْرِي أَ حَقٌّ ذَلِكَ أَمْ كَذِبٌ فَيَضْرِبَانِهِ ضَرْبَةً يَسْمَعُهَا أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ إِلاَّ الْمُشْرِكِينَ وَإِذَا كَانَ مُتَيَقِّناً فَإِنَّهُ لاَ يَفْزَعُ فَيَقُولُ أَ عَنْ رَسُولِ اللّه ِ تَسْأَلاَنِي فَيَقُولاَنِ أَ تَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللّه ِ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللّه ِ حَقّاً جَاءَ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ قَالَ فَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُفْسَحُ لَهُ عَنْ قَبْرِهِ ثُمَّ يَقُولاَنِ لَهُ نَمْ نَوْمَةً لَيْسَ فِيهَا حُلُمٌ فِي أَطْيَبِ مَا يَكُونُ النَّائِمُ(1).
وعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْبِلاَدِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى عليه السلام قَالَ: يُقَالُ لِلْمُؤمِنِ فِي قَبْرِهِ مَنْ رَبُّكَ قَالَ فَيَقُولُ اللّه ُ فَيُقَالُ لَهُ مَا دِينُكَ فَيَقُولُ الاْءِسْلاَمُ
فَيُقَالُ لَهُ مَنْ نَبِيُّكَ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ فَيُقَالُ مَنْ إِمَامُكَ فَيَقُولُ فُلاَنٌ فَيُقَالُ كَيْفَ عَلِمْتَ بِذَلِكَ فَيَقُولُ أَمْرٌ هَدَانِي اللّه ُ لَهُ وَثَبَّتَنِي عَلَيْهِ فَيُقَالُ لَهُ نَمْ نَوْمَةً لاَ حُلُمَ فِيهَا نَوْمَةَ الْعَرُوسِ ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ رَوْحِهَا وَرَيْحَانِهَا فَيَقُولُ يَا رَبِّ عَجِّلْ قِيَامَ السَّاعَةِ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي وَيُقَالُ لِلْكَافِرِ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ اللّه ُ فَيُقَالُ مَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله فقَالُ مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ الاْءِسْلاَمُ فَيُقَالُ مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَقُلْتُهُ(2) فَيَضْرِبَانِهِ بِمِرْزَبَةٍ لَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهَا
ص: 258
الثَّقَلاَنِ الاْءِنْسُ وَالْجِنُّ لَمْ يُطِيقُوهَا قَالَ فَيَذُوبُ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ ثُمَّ يُعِيدَانِ فِيهِ الرُّوحَ فَيُوضَعُ قَلْبُهُ بَيْنَ لَوْحَيْنِ مِنْ نَارٍ فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَخِّرْ قِيَامَ السَّاعَةِ(1).
وَقَالَ جَابِرٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إِنِّي كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى الاْءِبِلِ وَالْغَنَمِ وَأَنَا أَرْعَاهَا وَلَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ وَقَدْ رَعَى الْغَنَمَ وَكُنْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَهِيَ مُتَمَكِّنَةٌ فِي الْمَكِينَةِ مَا حَوْلَهَا شَيْءٌ يُهَيِّجُهَا حَتَّى تُذْعَرَ فَتَطِيرُ فَأَقُولُ مَا هَذَا وَأَعْجَبُ حَتَّى حَدَّثَنِي جَبْرَئِيلُ عليه السلام أَنَّ الْكَافِرَ يُضْرَبُ ضَرْبَةً مَا خَلَقَ اللّه ُ شَيْئاً إِلاَّ سَمِعَهَا وَيُذْعَرُ لَهَا إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ فَقُلْتُ ذَلِكَ لِضَرْبَةِ الْكَافِرِ فَنَعُوذُ بِاللّه ِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ(2).
وعَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِذَا دَفَنَ مَيِّتَهُ وَسَوَّىعَلَيْهِ وَانْصَرَفَ عَنْ قَبْرِهِ أَنْ يَتَخَلَّفَ عِنْدَ قَبْرِهِ ثُمَّ يَقُولَ يَا فُلاَنَ بْنَ فُلاَنٍ أَنْتَ عَلَى الْعَهْدِ الَّذِي عَهِدْنَاكَ بِهِ مِنْ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللّه ُ وَأَنَ مُحَمَّداً رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آلهوَأَنَّ عَلِيّاً أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ عليه السلام إِمَامُكَ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ حَتَّى تَأْتِيَ عَلَى آخِرِهِمْ فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ أَحَدُ الْمَلَكَيْنِ لِصَاحِبِهِ قَدْ كُفِينَا الْوُصُولَ إِلَيْهِ وَمَسْأَلَتَنَا إِيَّاهُ فَإِنَّهُ قَدْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ فَيَنْصَرِفَانِ عَنْهُ وَلاَ يَدْخُلاَنِ إِلَيْهِ(3).
وعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَلَّفَ عِنْدَ قَبْرِ الْمَيِّتِ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ بَعْدَ انْصِرَافِ النَّاسِ عَنْهُ وَيَقْبِضَ عَلَى التُّرَابِ بِكَفَّيْهِ وَيُلَقِّنَهُ وَيَرْفَعَ صَوْتَهُ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَفَى الْمَيِّتَ الْمُسَاءَلَةَ فِي قَبْرِهِ(4).
هذا وقال ابن أبي الحديد في قوله عليه السلام «اقعد في حفرته نجيّا» تصريح بعذاب
ص: 259
القبر وقال قاضي القضاة: أنكر المعتزلة أن يكون عذاب القبر دائما، والأقرب في الأخبار أنّه في الأوقات المقارنة للدّفن، والذي أعرفه من مذهب كثير من شيوخنا قبله أنّه يكون بين النفختين(1).
اعلم ان لنا أمرين: سؤال، وعذاب وثواب، فالسؤال إنّما يكون بعد الدفن، ويدلّ عليه كلامه عليه السلام هنا «حتى إذا انصرف المشيّع ورجع المتفجّع اقعد في حفرته نجيّا» وأمّا الثواب والعقاب فيدومان من الدفن الى يوم البعث ففي خبر أبي بكر الحضرمي عن الباقر عليه السلام قال: يفتح للمؤمن باب من الجنّة فما يزال يتحفه من روحها إلى يوم القيامة، ويفتح للكافر باب من النار ولا يزال يتحفه من حرّها إلى يوم القيامة(2)، وأخبارنا دالّة على أنّ السؤال مختصّ بالمؤمن المحض والكافرالمحض، والباقون يهملون إلى يوم القيامة، روى ذلك عن أبي بكر الحضرمي عن الباقر عليه السلام (3) و في آخر عن الصادق عليه السلام لاَ يُسْأَلُ فِي الْقَبْرِ إِلاَّ مَنْ مَحَضَ الاْءِيمَانَ مَحْضاً أَوْ مَحَضَ الْكُفْرَ مَحْضاً وَالاْخَرُونَ يُلْهَوْنَ عَنْهُمْ.(4) ، وفي خبر عن بكير عن الباقر عليه السلام(5)، وفي خبر عن محمّد بن مسلم(6)، وفي آخر عن عبداللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام(7).
قال السيّد الجزايري رحمه اللّه: ويمكن أن يراد بالملهوّ عنهم الذين وردت الأخبار في شأنهم أنّهم يكلّفون يوم القيامة بأن تؤجّج لهم نار فيؤمروا بالدّخول
ص: 260
فيها مثل البله والمجانين ومن كان في فطرات «فترات ظ» الأنبياء والشّيخ الفاني والعجوز الفانية ونحوهم، وهؤلاء لم يمحضوا الايمان وهو ظاهر، ولم يمحضوا الكفر أيضا لقصورهم عن ورود الموردين فيبقون على حالتهم في قبورهم حتّى يمنحهم اللّه سبحانه في القيامة قوّة إدراك التّكاليف والعقل القابل له(1).
فلا بدّ من تقييد المطلقات، روى عن الصادق عليه السلام قال: يسأل الميّت في قبره عن خمس، عن صلاته وزكاته و حجّه وصيامه وولايته إيّانا أهل البيت، فتقول الولاية من جانب القبر للأربع: ما دخل فيكنّ من نقص فعليّ تمامه(2) وعنه عليه السلام أنّ المؤمنإذا دخل في قبره كانت الصلاة عن يمينه والزكاة عن يساره والبرّ مطلّ عليهويتنحّى الصبر ناحية فإذا دخل عليه الملكان قال الصبر للصلاة والزكاة دونكما صاحبكما فإن عجزتما عنه فأنا دونه(3).
وعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام قَالَ: إِنَّ الْأَحْلاَمَ لَمْ تَكُنْ فِيمَا مَضَى فِي أَوَّلِ الْخَلْقِ وَإِنَّمَا حَدَثَتْ فَقُلْتُ وَمَا الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ اللّه َ عَزَّ ذِكْرُهُ بَعَثَ رَسُولاً إِلَى أَهْلِ زَمَانِهِ فَدَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللّه ِ وَطَاعَتِهِ فَقَالُوا إِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ فَمَا لَنَا فَوَ اللّه ِ مَا أَنْتَ بِأَكْثَرِنَا مَالاً وَلاَ بِأَعَزِّنَا عَشِيرَةً فَقَالَ إِنْ أَطَعْتُمُونِي أَدْخَلَكُمُ اللّه ُ الْجَنَّةَ وَإِنْ عَصَيْتُمُونِي أَدْخَلَكُمُ اللّه ُ النَّارَ فَقَالُوا وَمَا الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَوَصَفَ لَهُمْ ذَلِكَ فَقَالُوا مَتَى نَصِيرُ إِلَى ذَلِكَ فَقَالَ إِذَا مِتُّمْ فَقَالُوا لَقَدْ رَأَيْنَا أَمْوَاتَنَا صَارُوا عِظَاماً وَرُفَاتاً فَازْدَادُوا لَهُ تَكْذِيباً وَبِهِ اسْتِخْفَافاً فَأَحْدَثَ اللّه ُ عَزَّ
ص: 261
وَجَلَّ فِيهِمُ الْأَحْلاَمَ فَأَتَوْهُ فَأَخْبَرُوهُ بِمَا رَأَوْا وَمَا أَنْكَرُوا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ اللّه َ عَزَّ وَجَلَّ أَرَادَ أَنْ يَحْتَجَّ عَلَيْكُمْ بِهَذَا هَكَذَا تَكُونُ أَرْوَاحُكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَإِنْ بُلِيَتْ أَبْدَانُكُمْ تَصِيرُ الْأَرْوَاحُ إِلَى عِقَابٍ حَتَّى تُبْعَثَ الْأَبْدَانُ(1)، هذا.
وورد عذاب غير مترتب على السؤال وهو الضغطة،
روى عن أحدهما عليهماالسلام لمّا ماتت رقيّة بنت النبي صلّى اللّه عليه وآله قال: الحقي بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون وأصحابه، وفاطمة عليها السلام على شفير القبر تنحدر دموعها في القبر والنبيّ صلّى اللّه عليه وآله يتلقّاه بثوبه وقال: إنّي لأعرف ضعفها وسألت اللّه تعالى أن يجيرها من ضمّة القبر(2).
وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام أَ يُفْلِتُ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ أَحَدٌ قَالَ فَقَالَنَعُوذُ بِاللّه ِ مِنْهَا مَا أَقَلَّ مَنْ يُفْلِتُ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ إِنَّ رُقَيَّةَ لَمَّا قَتَلَهَا عُثْمَانُ وَقَفَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَلَى قَبْرِهَا فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ وَقَالَ لِلنَّاسِ إِنِّي ذَكَرْتُ هَذِهِ وَمَا لَقِيَتْ فَرَقَقْتُ لَهَا وَاسْتَوْهَبْتُهَا مِنْ ضَمَّةِ الْقَبْرِ قَالَ فَقَالَ اللَّهُمَّ هَبْ لِي رُقَيَّةَ مِنْ ضَمَّةِ الْقَبْرِ فَوَهَبَهَا اللّه ُ لَهُ قَالَ وَإِنَّ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله خَرَجَ فِي جِنَازَةِ سَعْدٍ وَقَدْ شَيَّعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ فَرَفَعَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ مِثْلُ سَعْدٍ يُضَمُّ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّا نُحَدِّثُ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَخِفُّ بِالْبَوْلِ فَقَالَ مَعَاذَ اللّه ِ إِنَّمَا كَانَ مِنْ زَعَارَّةٍ فِي خُلُقِهِ عَلَى أَهْلِهِ قَالَ فَقَالَتْ أُمُّ سَعْدٍ هَنِيئاً لَكَ يَا سَعْدُ قَالَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يَا أُمَّ سَعْدٍ لاَ تَحْتِمِي عَلَى اللّه ِ(3).
ص: 262
وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام يُسْأَلُ وَهُوَ مَضْغُوطٌ (1).
قال المحدّث المجلسي «ره»: يفهم من الأحاديث المعتبرة أنّ ضغطة القبر للبدن الأصلي وأنّها تابعة للسؤال، فمن لا سؤال عنه لا ضغطة له (2).
وعَنْ السَّكُونِيِّ عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: ضَغْطَةُ الْقَبْرِ لِلْمُؤمِنِ كَفَّارَةٌ لِمَا كَانَ مِنْهُ مِنْ تَضْيِيعِ النِّعَمِ(3).
عَنْ يُونُسَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَصْلُوبِ يُعَذَّبُ عَذَابَ الْقَبْرِ قَالَ فَقَالَ: نَعَمْ إِنَّ اللّه َ عَزَّ وَجَلَّ يَأْمُرُ الْهَوَاءَ أَنْ يَضْغَطَهُ(4).
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى سُئِلَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام عَنِ الْمَصْلُوبِ يُصِيبُهُ عَذَابُ الْقَبْرِفَقَالَ عليه السلام: إِنَّ رَبَّ الْأَرْضِ هُوَ رَبُّ الْهَوَاءِ فَيُوحِي اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الْهَوَاءِ فَيَضْغَطُهُضَغْطَةً أَشَدَّ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ(5).
وعَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: مَا مِنْ مَوْضِعِ قَبْرٍ إِلاَّ وَهُوَ يَنْطِقُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنَا بَيْتُ التُّرَابِ أَنَا بَيْتُ الْبَلاَءِ أَنَا بَيْتُ الدُّودِ قَالَ فَإِذَا دَخَلَهُ عَبْدٌ مُؤمِنٌ قَالَ مَرْحَباً وَأَهْلاً أَمَا وَاللّه ِ لَقَدْ كُنْتُ أُحِبُّكَ وَأَنْتَ تَمْشِي عَلَى ظَهْرِي فَكَيْفَ إِذَا دَخَلْتَ بَطْنِي فَسَتَرَى ذَلِكَ قَالَ فَيُفْسَحُ لَهُ مَدَّ الْبَصَرِ وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ قَالَ وَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ رَجُلٌ لَمْ تَرَ عَيْنَاهُ شَيْئاً قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ فَيَقُولُ يَا عَبْدَ اللّه ِ مَا رَأَيْتُ شَيْئاً قَطُّ أَحْسَنَ مِنْكَ فَيَقُولُ أَنَا رَأْيُكَ الْحَسَنُ الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ وَعَمَلُكَ الصَّالِحُ الَّذِي
ص: 263
كُنْتَ تَعْمَلُهُ قَالَ ثُمَّ تُؤخَذُ رُوحُهُ فَتُوضَعُ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ رَأَى مَنْزِلَهُ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ نَمْ قَرِيرَ الْعَيْنِ فَلاَ يَزَالُ نَفْحَةٌ مِنَ الْجَنَّةِ تُصِيبُ جَسَدَهُ يَجِدُ لَذَّتَهَا وَطِيبَهَا حَتَّى يُبْعَثَ قَالَ وَإِذَا دَخَلَ الْكَافِرُ قَالَ لاَ مَرْحَباً بِكَ وَلاَ أَهْلاً أَمَا وَاللّه ِ لَقَدْ كُنْتُ أُبْغِضُكَ وَأَنْتَ تَمْشِي عَلَى ظَهْرِي فَكَيْفَ إِذَا دَخَلْتَ بَطْنِي سَتَرَى ذَلِكَ قَالَ فَتَضُمُّ عَلَيْهِ فَتَجْعَلُهُ رَمِيماً وَيُعَادُ كَمَا كَانَ وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ فَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ثُمَّ قَالَ ثُمَّ إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ رَجُلٌ أَقْبَحُ مَنْ رَأَى قَطُّ قَالَ فَيَقُولُ يَا عَبْدَ اللّه ِ مَنْ أَنْتَ مَا رَأَيْتُ شَيْئاً أَقْبَحَ مِنْكَ قَالَ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ السَّيِّئُ الَّذِي كُنْتَ تَعْمَلُهُ وَرَأْيُكَ الْخَبِيثُ قَالَ ثُمَّ تُؤخَذُ رُوحُهُ فَتُوضَعُ حَيْثُ رَأَى مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ثُمَّ لَمْ تَزَلْ نَفْخَةٌ مِنَ النَّارِ تُصِيبُ جَسَدَهُ فَيَجِدُ أَلَمَهَا وَحَرَّهَا فِي جَسَدِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُ وَيُسَلِّطُ اللّه ُ عَلَى رُوحِهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ تِنِّيناً تَنْهَشُهُ لَيْسَ فِيهَا تِنِّينٌ يَنْفُخُ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ فَتُنْبِتَ شَيْئاً (1).
قال الصدوق رحمه الله: وأكثر ما يكون عذاب القبر من النميمة وسوء الخلق والاستخفاف بالبول وأشدّ ما يكون عذاب القبر على المؤمن مثل اختلاج العين أو شرطة حجام ويكون ذلك كفّارة لما بقي عليه من الذنوب التي لم تكفّرها الهموم والغموم والأمراض وشدّة النزع عند الموت، فإن النبي صلّى اللّه عليه وآله كفّن فاطمة بنت أسد في قميصه وحمل جنازتها على عاتقه ولم يزل تحت جنازتها حتّى أوردها قبرها واضطجع فيه، ثم قام فأخذها على يديه حتّى وضعها في القبر، ثم انكبّ عليها يناجيها طويلا ويقول لها: ابنك ابنك ثمّ خرج وسوّى التراب عليها ثم انكبّ على قبرها وهو يقول: (لا إله إلاّ اللّه اللّهم إنّي استودعها إيّاك) فقال له المسلمون: انا رأيناك صنعت اليوم شيئا لم تصنعه قبل، فقال: اليوم فقدت برّ أبي
ص: 264
طالب إنّها كانت يكون عندها شيء فتؤثرني به على نفسها وولدها وإنّي ذكرت يوم القيامة يوما وحشر الناس عراة فقالت: واسوأتاه فضمنت لها أن يبعثها اللّه كاسية وذكرت ضغطة القبر فقالت: واضغطتاه فضمنت لها أن يكفيها اللّه ذلك فكفّنتها بقميصي واضطجعت في قبرها لذلك وانكببت عليها فلقّنتها ما تسأل عنه، وإنّها سئلت عن ربّها فأجابت، وعن نبيّها فأجابت، وعن إمامها فارتجّ عليها فقلت: ابنك ابنك فقالت: ولدي إمامي فانصرفا عنها وقالا: لا سبيل لنا عليك نومي كما تنام العروس في خدرها ثمّ ماتت موتة ثانية، وتصديق ذلك في كتاب اللّه تعالى: (قالُوا َبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ...»(1).(2)
وفي رواية أبي بصير التي تقدّم صدرها في ذكر حالة الاحتضار عن أبي عبداللّه عليه السلام، فَإِذَا أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ خَرَجَتْ رُوحُهُ تَمْشِي بَيْنَ أَيْدِي الْقَوْمِ قُدُماً وَتَلْقَاهُ أَرْوَاحُ الْمُؤمِنِينَ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَيُبَشِّرُونَهُ بِمَا أَعَدَّ اللّه ُ لَهُجَلَّ ثَنَاؤهُ مِنَ النَّعِيمِ فَإِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ رُدَّ إِلَيْهِ الرُّوحُ إِلَى وَرِكَيْهِ ثُمَّ يُسْأَلُ عَمَّا يَعْلَمُ فَإِذَا جَاءَ بِمَا يَعْلَمُ فُتِحَ لَهُ ذَلِكَ الْبَابُ الَّذِي أَرَاهُ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آلهفَيَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ نُورِهَا وَضَوْئِهَا وَبَرْدِهَا وَطِيبِ رِيحِهَا قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَأَيْنَ ضَغْطَةُ الْقَبْرِ فَقَالَ هَيْهَاتَ مَا عَلَى الْمُؤمِنِينَ مِنْهَا شَيْءٌ وَاللّه ِ إِنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ لَتَفْتَخِرُ عَلَى هَذِهِ فَيَقُولُ وَطِئَ عَلَى ظَهْرِي مُؤمِنٌ وَلَمْ يَطَأْ عَلَى ظَهْرِكِ مُؤمِنٌ وَتَقُولُ لَهُ الْأَرْضُ وَاللّه ِ لَقَدْ كُنْتُ أُحِبُّكَ وَأَنْتَ تَمْشِي عَلَى ظَهْرِي فَأَمَّا إِذَا وُلِّيتُكَ فَسَتَعْلَمُ مَا ذَا أَصْنَعُ بِكَ فَتَفْسَحُ لَهُ مَدَّ بَصَرِهِ(3).
ص: 265
وفي «الحقّ اليقين» بعد ايراده الأخبار الواردة في الضغطة ممّا قدّمنا روايتها وما لم يتقدّم قال: والجمع بين هذه الأخبار في غاية الاشكال إذ لو حملنا المؤمن فيها على المؤمن الكامل فأيّ كامل أكمل من فاطمة بنت أسد ورقيّة ابنة النّبيّ صلى الله عليه و آله وسعد بن معاذ.
اللّهمّ إلاّ أن يحمل ما في فاطمة ورقيّة على الاحتياط والاطمينان وحصول الاضطجاع والدّعاء أو يقال المراد بالمؤمن المعصوم ومن يتلو مرتبة العصمة كسلمان وأبي ذر ونظرائهما، ويمكن حمل أخبار عدم الضغطة للمؤمن على عدم الضّغطة الشّديدة أو حمل أخبار عدم الضّغطة له على ما تكون على وجه الغضب، وما تدلّ عليها على ما تكون على وجه اللطف وليكون قابلا لدخول الجنّة كما أنّ ابتلاءه بمحن الدّنيا وبلاياها كان لذلك. ويمكن أن يقال: إنّها كانت في صدر الاسلام عامّة للمؤمن وغيره، ثمّ اختصّت بغيرهم بشفاعة الرّسول والأئمة صلوات اللّه وسلامه عليه وعليهم(1)، هذا.
بقي الكلام فيما يوجب ارتفاع الضّغطة والأمن من بعض عقوبات البرزخ وهي امور كثيرة.
منها رشّ الماء على القبر؛ فقد روي عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال: يتجافى عنه العذاب ما دام النّدى في التّراب(2).
ومنها الجريدتان؛ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أَ رَأَيْتَ الْمَيِّتَ إِذَا مَاتَ لِمَ تُجْعَلُ مَعَهُ الْجَرِيدَةُ قَالَ يَتَجَافَى عَنْهُ الْعَذَابُ وَالْحِسَابُ مَا دَامَ الْعُودُ رَطْباً قَالَ
ص: 266
وَالْعَذَابُ كُلُّهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ قَدْرَ مَا يُدْخَلُ الْقَبْرَ وَيَرْجِعُ الْقَوْمُ وَإِنَّمَا جُعِلَتِ السَّعَفَتَانِ لِذَلِكَ فَلاَ يُصِيبُهُ عَذَابٌ وَلاَ حِسَابٌ بَعْدَ جُفُوفِهِمَا إِنْ شَاءَ اللّه ُ(1).
ومنها الوفاة ليلة الجمعة أو يومها؛ قال السيّد الجزائري رحمه اللّه قد ورد في الأخبار المعتبرة أنّ من مات من المؤمنين ليلة الجمعة أو يومها أمن من ضغطة القبر، قال «ره» وقد ورد أنّ بعض أعمال البرّ والأدعية المأثورة تدفعها أيضا، وهو ليس ببعيد فانّ رحمة اللّه قريب من المحسنين(2).
ومنها الدّفن في وادي السّلام؛ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: الْغَرِيُّ قِطْعَةٌ مِنَ الْجَبَلِ الَّذِي كَلَّمَ اللّه ُ عَلَيْهِ مُوسى تَكْلِيماً وَقَدَّسَ عَلَيْهِ عِيسَى تَقْدِيساً وَاتَّخَذَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً وَمُحَمَّداً صلى الله عليه و آله حَبِيباً وَجَعَلَهُ لِلنَّبِيِّينَ مَسْكَناً(3).
وَرُوِيَ أَنَّ أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ عليه السلام نَظَرَ إِلَى ظَهْرِ الْكُوفَةِ فَقَالَ مَا أَحْسَنَ مَنْظَرَكِ وَأَطْيَبَقَعْرَكِ اللَّهُمَّ اجْعَلْ قَبْرِي بِهَا(4).
قال: ومن خواصّ تربته اسقاط عذاب القبر وترك محاسبة منكر ونكير من المدفون هناك كما وردت به الأخبار الصّحيحة عن أهل البيت عليهم السلام (5).
ونظير ما رواه عن أميرالمؤمنين عليه السلام ما روى عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلام إِلَى الظَّهْرِ فَوَقَفَ بِوَادِي السَّلاَمِ كَأَنَّهُ مُخَاطِبٌ لِأَقْوَامٍ فَقُمْتُ بِقِيَامِهِ حَتَّى أَعْيَيْتُ ثُمَّ جَلَسْتُ حَتَّى مَلِلْتُ ثُمَّ قُمْتُ حَتَّى نَالَنِي مِثْلُ مَا نَالَنِي أَوَّلاً ثُمَّ
ص: 267
جَلَسْتُ حَتَّى مَلِلْتُ ثُمَّ قُمْتُ وَجَمَعْتُ رِدَائِي فَقُلْتُ يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ إِنِّي قَدْ أَشْفَقْتُ
عَلَيْكَ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ فَرَاحَةَ سَاعَةٍ ثُمَّ طَرَحْتُ الرِّدَاءَ لِيَجْلِسَ عَلَيْهِ فَقَالَ لِي يَا حَبَّةُ إِنْ هُوَ إِلاَّ مُحَادَثَةُ مُؤمِنٍ أَوْ مُؤانَسَتُهُ قَالَ قُلْتُ يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ وَإِنَّهُمْ لَكَذَلِكَ قَالَ نَعَمْ
وَلَوْ كُشِفَ لَكَ لَرَأَيْتَهُمْ حَلَقاً حَلَقاً مُحْتَبِينَ يَتَحَادَثُونَ فَقُلْتُ أَجْسَامٌ أَمْ أَرْوَاحٌ فَقَالَ أَرْوَاحٌ وَمَا مِنْ مُؤمِنٍ يَمُوتُ فِي بُقْعَةٍ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ إِلاَّ قِيلَ لِرُوحِهِ الْحَقِي بِوَادِي السَّلاَمِ وَإِنَّهَا لَبُقْعَةٌ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ(1).
والمستفاد من هذه الرّواية وكثير من الأخبار المعتبرة أنّها جنّة الدّنيا وأنّ أرواح المؤمنين فيها كما أنّ أرواح الكفّار في بئر البرهوت.
فقد روي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ إِنَّ أَخِي بِبَغْدَادَ وَأَخَافُ أَنْ يَمُوتَ بِهَا فَقَالَ مَا تُبَالِي حَيْثُمَا مَاتَ أَمَا إِنَّهُ لاَ يَبْقَى مُؤمِنٌ فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا إِلاَّ حَشَرَ اللّه ُ رُوحَهُ إِلَى وَادِي السَّلاَمِ قُلْتُ لَهُ وَأَيْنَ وَادِيالسَّلاَمِ قَالَ ظَهْرُ الْكُوفَةِ أَمَا إِنِّي كَأَنِّي بِهِمْ حَلَقٌ حَلَقٌ قُعُودٌ يَتَحَدَّثُونَ (2).
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ لَهُ قَالَ قَالَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام شَرُّ بِئْرٍ فِي النَّارِ بَرَهُوتُ(3) الَّذِي فِيهِ أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ(4).
وعَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: شَرُّ مَاءٍ عَلَى وَجْهِ
ص: 268
الْأَرْضِ مَاءُ بَرَهُوتَ وَهُوَ وَادٍ بِحَضْرَمَوْتَ يَرِدُ عَلَيْهِ هَامُ(1) الْكُفَّار(2).
والأخبار في هذا المعنى كثيرة ولا حاجة إلى ذكرها نعم في المقام خبر يستلذّ النّفس ويسرّ القلب به وهو ما رُوِيَ عَنِ الْقَاضِي ابْنِ زَيْدٍ الْهَمْدَانِيِّ الْكُوفِيِّ وَكَانَ رَجُلاً صَالِحاً مُتَعَبِّداً قَالَ: كُنْتُ فِي جَامِعِ الْكُوفَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَكَانَتْ لَيْلَةٌ مُمْطِرَةٌ فَدَقَّ بَابَ مُسْلِمٍ جَمَاعَةٌ فَفُتِحَ لَهُمْ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعَهُمْ جَنَازَةً فَأَدْخَلُوهَا وَجَعَلُوهَا عَلَى الصُّفَّةِ الَّتِي تُجَاهَ بَابَ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ رض ثُمَّ إِنَّ أَحَدَهُمْ نَعَسَ فَنَامَ فَرَأَى فِي مَنَامِهِ قَائِلاً يَقُولُ لِلاْخَرِ مَا نُبْصِرُهُ حَتَّى نَبْصُرَ هَلْ لَنَا مَعَهُ حِسَابٌ أَمْ لاَ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِ الْمَيِّتِ وَقَالَ لِصَاحِبِهِ بَلْ لَنَا مَعَهُ حِسَابٌ وَيَنْبَغِي إذ تأخذه [أَنْ نَأْخُذَهُ] مِنْهُ مُعَجَّلاً قَبْلَ أَنْ يَتَعَدَّى الرُّصَافَةَ فَمَا يَبْقَى لَنَا مَعَهُ طَرِيقٌ فَانْتَبَهَ وَحَكَى لَهُمُ الْمَنَامَ قَالَ فَأَخَذُوا وَمَضَوْا بِهِ فِي الْحَالِ إِلَى الْمَشْهَدِ الشَّرِيفِ.
إِذَا مُتُّ فَادْفِنِّي إِلَى جَنْبِ حَيْدَرٍ
أَبِي شَبَّرَ أَكْرِمْ بِهِ وَشَبِيرٍ
فَلَسْتُ أَخَافُ النَّارَ عِنْدَ جِوَارِهِ
وَلاَ أَتَّقِي مِنْ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ
ص: 269
فَعَارٌ عَلَى حَامِي الْحِمَى فَهُوَ فِي الْحِمَى
إِذَا ضَاعَ فِي الْمَرْعَى عِقَالُ بَعِيرٍ(1)
العثرة: الزلّة.
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام يَعِظُ النَّاسَ وَيُزَهِّدُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَيُرَغِّبُهُمْ فِي أَعْمَالِ الاْخِرَةِ بِهَذَا الْكَلاَمِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وَحُفِظَ عَنْهُ وَكُتِبَ كَانَ يَقُولُ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللّه َ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، فَتَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّه ُ نَفْسَهُ وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ الْغَافِلَ وَلَيْسَ بِمَغْفُولٍ عَنْهُ.
يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّ أَجَلَكَ أَسْرَعُ شَيْءٍ إِلَيْكَ قَدْ أَقْبَلَ نَحْوَكَ حَثِيثاً يَطْلُبُكَ وَيُوشِكُ أَنْ يُدْرِكَكَ وَكَأَنْ قَدْ أَوْفَيْتَ أَجَلَكَ وَقَبَضَ الْمَلَكُ رُوحَكَ وَصِرْتَ إِلَى قَبْرِكَ وَحِيداً فَرَدَّ إِلَيْكَ فِيهِ رُوحَكَ وَاقْتَحَمَ عَلَيْكَ فِيهِ مَلَكَانِ - نَاكِرٌ وَنَكِيرٌ لِمُسَاءَلَتِكَ وَشَدِيدِ امْتِحَانِكَ أَلاَ وَإِنَّ أَوَّلَ مَا يَسْأَلاَنِكَ عَنْ رَبِّكَ الَّذِي كُنْتَ تَعْبُدُهُ وَعَنْ نَبِيِّكَ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكَ وعَنْ دِينِكَ الَّذِي كُنْتَ تَدِينُ بِهِ وَعَنْ كِتَابِكَ الَّذِي كُنْتَ تَتْلُوهُ وَعَنْ إِمَامِكَ الَّذِي كُنْتَ تَتَوَلاَّهُ ثُمَّ عَنْ عُمُرِكَ فِيمَا كُنْتَ أَفْنَيْتَهُ وَمَالِكَ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبْتَهُ وَفِيمَا أَنْتَ أَنْفَقْتَهُ فَخُذْ حِذْرَكَ وَانْظُرْ لِنَفْسِكَ وَأَعِدَّ الْجَوَابَ قَبْلَ الاِمْتِحَانِ وَالْمُسَاءَلَةِ وَالاِخْتِبَارِ فَإِنْ تَكُ مُؤمِناً عَارِفاً بِدِينِكَ مُتَّبِعاً لِلصَّادِقِينَ مُوَالِياً لِأَوْلِيَاءِ اللّه ِ لَقَّاكَ اللّه ُ حُجَّتَكَ وَأَنْطَقَ
ص: 270
لِسَانَكَ بِالصَّوَابِ وَأَحْسَنْتَ الْجَوَابَ وَبُشِّرْتَ بِالرِّضْوَانِ وَالْجَنَّةِ مِنَ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ وَاسْتَقْبَلَتْكَ الْمَلاَئِكَةُ بِالرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ تَلَجْلَجَ لِسَانُكَ وَدَحَضَتْ حُجَّتُكَ وَعَيِيتَ عَنِ الْجَوَابِ وَبُشِّرْتَ بِالنَّارِ وَاسْتَقْبَلَتْكَ مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ بِنُزُلٍ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةِ جَحِيم الحديث(1).
قال الصدوق رحمه اللّه في رسالة العقائد: اعتقادنا في المساءلة في القبر أنها حق لا بد منها فمن أجاب بالصواب فإذا بروح وريحان في قبره، بجنة نعيم في الآخرة ومن لم يأت بالصواب فله نزل من حميم في قبره، وتصلية جحيم في الآخرة(2).
قال تعالى: «وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ * هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ»(3).
وقال تعالى: «لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً * إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً»(4).
قال بعض المفسّرين: إنّ الغسّاق عين في جهنّم يسيل إليها سمّ كلّ ذات حمة من حيّة وعقرب، وقيل هو ما يسيل من دموعهم يسقونه من الحميم، وقيل هو القيح الذي يسيل منهم يجمع ويسقونه، وقيل إنّ الحميم الماء الحارّ الذي انتهتحرارته والغسّاق الماء البارد الذي انتهت برودته فهذا يحرق ببرده وذاك يحرق بحرّه(5).
ص: 271
وقال الطّريحي: الحميم الماء الحارّ الشّديد الحرارة يسقى منه أهل النار أو يصبّ على أبدانهم(1)، وعن ابن عبّاس لو سقطت منه نقطة على جبال الدّنيا لأذابتها(2)، وكيف كان فقوله عليه السلام مأخوذ من الآية الشّريفة قال سبحانه: «وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيم»(3).
وقال تعالى: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ * عامِلَةٌ ناصِبَةٌ * تَصْلى ناراً حامِيَة» (4).
وقال تعالى: «فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً * وَيَصْلى سَعِيرا»(5).
وقال تعالى: «اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُون»(6).
قال تعالى: «وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ * تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللّه ُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ * وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ* فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِير»(7).
قال تعالى: «وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً * إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ
ص: 272
سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً * وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً»(1).
وقال تعالى: «فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيق»(2).
قال تعالى: «إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِين»(3).
قال تعالى: «وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَ وَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ * فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِير»(1).
قال تعالى: «وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى * ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى»(2).
ولما ألبس امرؤ القيس حلّة مسمومة وأشرف على الموت، قال:
فلو أنّها نفس تموت جميعة
ولكنّها نفس تساقط أنفسا(3)
«و عذاب السّاعات» أي: ساعة بعد ساعة بلا انقطاع.
«إنّا باللّه عائذون» قال تعالى: «وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَإِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً * إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاما»(4).
قال تعالى، في حقّ آل فرعون: «كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ
ص: 274
كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ * كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ * فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ»(1).
ونعم ما قيل:
أين الوجوه التي كانت منعمة
من دونها تضرب الأستار والكِللُ
قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا
فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا
وطالما عمروا دوراً لتحصنهم
ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا
وطالما كنزوا الأموال وادخروا
فخلفوها على الأعداء وارتحلوا
أضحت مَنازِلُهم قفْراً مُعَطلة
وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا(2)
وفي ديوان الأعشى:
ألم تروا إرما وعادا
أودى بها الليل والنهار
بادوا فلمّا ان تادوا
قفّى على آثارهم قدار
وقبلهم غالت المنايا
طسما ولم ينجها الحذار
وحلّ بالحي من جديس
يوم من الشرّ مستطار
وأهل غمدان جمعوا
للدّهر ما يجمع الخيار
فصبّحتهم من الدواهي
جائحة عقبها الدّمار
وقد غنوا في ظلال ملك
مؤيّد عقلهم جفار
وأهل جوّ أتت عليهم
فأفسدت عيشهم فباروا
ومرّ دهر على وبار
فهلكت جهرة وبار(3)
ص: 275
لا يبعد كون (ففهموا) محرّف (فوهموا) لأنّه عليه السلامفي مقام الذّم قال تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ»(1).
قال تعالى: «ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ»(2).
وقال تعالى: «وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا»(3).
وقال تعالى: «لا يُؤمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ * فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ»(4).
وقال تعالى: «أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ * كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ»(5).
قال تعالى: «وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللّه َ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ»(6).
ص: 276
وقال تعالى: «فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا»(1).
وقال تعالى: «وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا»(2).
وقال تعالى: «فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا»(3).
عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: إِنَّ اللّه َ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَهْبَطَ مَلَكاً إِلَى الْأَرْضِ فَلَبِثَ فِيهَا دَهْراً طَوِيلاً ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ فَقِيلَ لَهُ مَا رَأَيْتَ فَقَالَ رَأَيْتُ عَجَائِبَ كَثِيرَةً وَأَعْجَبُ مَا رَأَيْتُ أَنِّي رَأَيْتُ عَبْداً مُتَقَلِّباً فِي نِعْمَتِكَ يَأْكُلُ رِزْقَكَ وَيَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ فَعَجِبْتُ مِنْ جُرْأَتِهِ عَلَيْكَ وَمِنْ حِلْمِكَ عَنْهُ فَقَالَ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَ فَمِنْ حِلْمِي عَجِبْتَ قَالَ نَعَمْ يَا رَبِّ قَالَ قَدْ أَمْهَلْتُهُ أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ لاَ يَضْرِبُ عَلَيْهِ عِرْقٌ وَلاَ يُرِيدُ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئاً إِلاَّ نَالَهُ وَلاَ يَتَغَيَّرُ عَلَيْهِ فِيهَا مَطْعَمٌ وَلاَ مَشْرَبٌ(4).
وقال تعالى: «فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً»(5).
وقال تعالى: «وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ * وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً»(6).
«و منحوا جميلا» أي: اعطوا، وقال تعالى في قارون: «وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما
ص: 277
إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ...»(1).
وفي الوليد بن المغيرة: «ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً»(2).
وفي القرون الماضية: «أَ لَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ»(3).
«و حذّروا أليما» أي: عذابا اليما، والأليم بمعنى المؤلم كما يأتي السميع بمعنى المسمع، وقال تعالى: «إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها
نَذِيرٌ»(4).
وقال تعالى: «فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَة»(5).
وقال تعالى: «وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ * قالُوا أَ وَلَمْ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ»(6).
وقال تعالى: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللّه َ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ»(7).
ص: 278
«و وعدوا جسيما» أي: ثوابا جسيما، قال تعالى حاكيا عن مؤمن آل فرعون في ما قال لقومه: «مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ»(1).
وقال تعالى: «وَعَدَ اللّه ُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيم»(2).
وقال تعالى: «وَعَدَ اللّه ُ الْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهار»(3).
قال تعالى: «كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللّه ِ فَأَخَذَهُمُ اللّه ُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللّه َ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ»(4).
وقال تعالى: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللّه ُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّه ُ شَدِيدُ الْعِقاب»(5).
وقال تعالى: «وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ»(6).
وقال تعالى: «وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ * قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ
ص: 279
وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ * وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ * إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ»(1).
قال تعالى: «فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ * ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللّه َ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ»(2).
وقال تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ * كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُون * تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْسَخِطَ اللّه ُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ * وَلَوْ كانُوا يُؤمِنُونَ بِاللّه ِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُون»(3).
وقال تعالى: «كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُون»(4).
ص: 280
قال ابن ميثم: خصّ أولي المتاع، لأنّ أهل الاستمتاع بالدّنيا هم المجذوبون عنها من جهة اشتغالهم بمتاعها عن سلوك سبيل اللّه (1).
قال التسترى: بل خصّهم لأنّهم بالمتاع يتمكّنون من الإنفاق في سبيل اللّه حتّى يستحقّوا الدرجات الرفيعة قال تعالى: «تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ
رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ»(2). فكما أنّ كونهم أولي الأبصار والأسماع والعافية أنسب بتوجّههم لتحصيل الآخرة كذلك كونهم أولي المتاع، فإنّ الكلّ على مساق واحد وممّا ذكرنا يظهر لك ما في قول (الخوئى) أيضا خصّ أولي المتاع بما منّ بهعليهم من المتاع والاموال والأولاد الموجبة للإعراض عن العقبى والرغبة إلى الدّنيا...(3) فإنّه وإن كانت علائق الدنيا من المال والولد موجبة لنسيان الآخرة، كما قال تعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَة»(4) إلاّ أنّه في مقام آخر، وحينئذ
فكلامه عليه السلام هنا نظير ما ورد: (اغتنموا خمسا قبل خمس: وعدّ منها الغنى قبل الفقر(5).
قال تعالى: «فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الاْءِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلاَّ لا وَزَرَ * إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّؤا الاْءِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّر»(1).
قال تعالى: «يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ * كَلاَّ إِنَّها لَظى * نَزَّاعَةً لِلشَّوى * تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعى»(2).
قال تعالى: «قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللّه ُ يَبْدَؤا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤفَكُونَ(3)».
وقال تعالى: «اللّه ُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللّه َ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ»(4).
وقال تعالى: «ذلِكُمُ اللّه ُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤفَكُونَ * كَذلِكَ يُؤفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللّه ِ يَجْحَدُونَ»(5).
ص: 282
وقال تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّه ِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللّه ِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤفَكُونَ»(1).
وقال تعالى: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللّه ُ فَأَنَّى يُؤفَكُونَ»(2).
قال تعالى: «فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُون»(3).
وقال تعالى: «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّه ِ أَنَّى يُصْرَفُونَ»(4).
وقال تعالى: «ذلِكُمُ اللّه ُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُون»(5).
قال تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللّه ِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ
بِاللّه ِ الْغَرُورُ»(6).
وقال تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللّه ِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّه ِ الْغَرُورُ»(7).
وقال تعالى: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ
ص: 283
يَكُونُ حُطاماً وَفِي الاْخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللّه ِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ»(1).
وقال تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُور»(2).
قال تعالى: «وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ(3)».
قال المسعودي: بنى الزبير داره بالبصرة وهي المعروفة في هذا الوقت - وهوسنة (332) - تنزلها التجّار وأرباب الأموال وأصحاب الجهات من البحرين وغيرهم، وابتنى أيضا دورا بمصر والكوفة والإسكندرية، وبلغ ماله بعد وفاته خمسين ألف دينار وخلّف ألف فرس وألف عبد وألف أمة وخططا بحيث ذكرنا من الأمصار.
وكذلك طلحة ابتنى داره بالكوفة المشهورة به هذا الوقت بدار الطلحيين وكان غلّته من العراق كلّ يوم ألف دينار، وقيل: أكثر، وبناحية سراة أكثر، وشيّد داره بالمدينة وبناها بالآجر والجصّ والسّاج. وكذلك عبد الرحمن بن عوف، ابتنى داره ووسّعها، وكان على مربطه مائة فرس وله ألف بعير وعشرة آلاف من الغنم وبلغ بعده ربع ثمن ماله أربعة وثمانين ألفا. و ذكر سعيد ابن المسيب أنّ زيد بن ثابت حين مات خلّف من الذهب والفضّة ما كان يكسر بالفئوس، غير ما خلّف من
ص: 284
الأموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار، وخلّف يعلى بن امية خمسمائة ألف دينار وديونا على النّاس وعقارات وغير ذلك من التركة ما قيمته مائة ألف دينار(1).
عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَدْفِنَ الْمَيِّتَ فَلْيَكُنْ أَعْقَلُ مَنْ يَنْزِلُ فِي قَبْرِهِ عِنْدَ رَأْسِهِ وَلْيَكْشِفْ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ حَتَّى يُفْضِيَ بِهِ إِلَى الْأَرْضِ وَيُدْنِي فَمَهُ إِلَى سَمْعِهِ وَيَقُولُ اسْمَعْ افْهَمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ اللّه ُ رَبُّكَ وَمُحَمَّدٌ نَبِيُّكَ وَالاْءِسْلاَمُ دِينُكَ وَفُلاَنٌ إِمَامُكَ اسْمَعْ وَافْهَمْ وَأَعِدْهَا عَلَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ هَذَا التَّلْقِينَ(2).
قال تعالى: «كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ * وَقِيلَ مَنْ راقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساق»(3).
فيكون المراد: جدّوا في ساعات يمكنكم فيها تحصيل خصب لئلاّ تقعوا في جدب ولا معنى لأن يقال: اعملوا في أوقات يمكنكم فيها إرشاد غيركم.
قال تعالى: «وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ»(1).
وقال تعالى: «أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَالْمُحْسِنِينَ»(2).
قال تعالى: «إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً»(3).
وقال تعالى: «ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآبا»(4).
قال تعالى: «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّه ِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّه ُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللّه ُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ
ص: 286
يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الاْنَ...»(1).
قال تعالى: «حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ * لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ»(2).
قال تعالى: «وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ»(3).وقال تعالى: «وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّه ِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ»(4).
قال تعالى: «قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ»(5). عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: الْمَوْتَ الْمَوْتَ أَلاَ وَلاَ بُدَّ مِنَ الْمَوْتِ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ بِالرَّوْحِ وَالرَّاحَةِ وَالْكَرَّةِ الْمُبَارَكَةِ إِلَى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ لِأَهْلِ دَارِ الْخُلُودِ الَّذِينَ كَانَ لَهَا سَعْيُهُمْ وَفِيهَا رَغْبَتُهُمْ وَجَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ بِالشِّقْوَةِ وَالنَّدَامَةِ
ص: 287
وَبِالْكَرَّةِ الْخَاسِرَةِ إِلَى نَارٍ حَامِيَةٍ لِأَهْلِ دَارِ الْغُرُورِ الَّذِينَ كَانَ لَهَا سَعْيُهُمْ وَفِيهَا رَغْبَتُهُمْ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ إِذَا اسْتَحَقَّتْ وَلاَيَةُ اللّه ِ وَالسَّعَادَةُ جَاءَ الْأَجَلُ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ وَذَهَبَ الْأَمَلُ وَرَاءَ الظَّهْرِ وَإِذَا اسْتَحَقَّتْ وَلاَيَةُ الشَّيْطَانِ وَالشَّقَاوَةُ جَاءَ الْأَمَلُ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ وَذَهَبَ الْأَجَلُ وَرَاءَ الظَّهْرِ قَالَ وَسُئِلَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أَيُّ الْمُؤمِنِينَ أَكْيَسُ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ ذِكْراً لِلْمَوْتِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ اسْتِعْدَاداً(1).
وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: أَخْبَرَنِي جَبْرَئِيلُ عليه السلام أَنَّ مَلَكاً مِنْ مَلاَئِكَةِ اللّه ِ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ فَتُعُتِّبَ عَلَيْهِ فَأُهْبِطَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ فَأَتَى إِدْرِيسَ عليه السلام فَقَالَ إِنَّ لَكَ مِنَ اللّه ِ مَنْزِلَةً فَاشْفَعْ لِي عِنْدَ رَبِّكَ فَصَلَّىثَلاَثَ لَيَالٍ لاَ يَفْتُرُ وَصَامَ أَيَّامَهَا لاَ يُفْطِرُ ثُمَّ طَلَبَ إِلَى اللّه ِ تَعَالَى فِي السَّحَرِ فِي الْمَلَكِ فَقَالَ الْمَلَكُ إِنَّكَ قَدْ أُعْطِيتَ سُؤلَكَ وَقَدْ أُطْلِقَ لِي جَنَاحِي وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُكَافِيَكَ فَاطْلُبْ إِلَيَّ حَاجَةً فَقَالَ تُرِينِي مَلَكَ الْمَوْتِ لَعَلِّي آنَسُ بِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ يَهْنِئُنِي مَعَ ذِكْرِهِ شَيْءٌ فَبَسَطَ جَنَاحَهُ ثُمَّ قَالَ ارْكَبْ فَصَعِدَ بِهِ يَطْلُبُ مَلَكَ الْمَوْتِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَقِيلَ لَهُ اصْعَدْ فَاسْتَقْبَلَهُ بَيْنَ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ فَقَالَ الْمَلَكُ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ مَا لِي أَرَاكَ قَاطِباً(2) قَالَ الْعَجَبُ إِنِّي تَحْتَ ظِلِّ الْعَرْشِ حَيْثُ أُمِرْتُ أَنْ أَقْبِضَ رُوحَ آدَمِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ فَسَمِعَ إِدْرِيسُ عليه السلام فَامْتَعَضَ(3) فَخَرَّ مِنْ جَنَاحِ الْمَلَكِ فَقُبِضَ رُوحُهُ مَكَانَهُ وَقَالَ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا»(4).(5)
ص: 288
وعَنْ جَابِر الجعفى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ لَحْظَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ قَالَ عليه السلام: أَ مَا رَأَيْتَ النَّاسَ يَكُونُونَ جُلُوساً فَتَعْتَرِيهِمُ السَّكْتَةُ فَمَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَتِلْكَ لَحْظَةُ مَلَكِ الْمَوْتِ حَيْثُ يَلْحَظُهُمْ(1).
وعَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِ شَعْرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ وَمَلَكُ الْمَوْتِ يَتَصَفَّحُهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ(2).
الأصل فيه قوله تعالى: «وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ * كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّهافَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ»(3).
قال الشريف - وفي الخبر أنه عليه السلام لما خطب بهذه الخطبة - اقشعرت لها الجلود وبكت العيون ورجفت القلوب - ومن الناس من يسمي هذه الخطبة الغراء
قال ابن ابى الحديد: قال شيخنا أبو عثمان رحمه اللّه تعالى حدثني ثمامة قال سمعت جعفر بن يحيى وكان من أبلغ الناس وأفصحهم يقول الكتابة (بضم خ ل) ضم اللفظة إلى أختها أ لم تسمعوا قول شاعر لشاعر وقد تفاخرا أنا أشعر منك لأني أقول البيت وأخاه وأنت تقول البيت وابن عمه ثم قال وناهيك حسنا بقول علي بن أبي طالب عليه السلام هل من مناص أو خلاص أو معاذ أو ملاذ أو فرار أو محار.
قال أبو عثمان وكان جعفر يعجب أيضا بقول علي عليه السلام أين من جد واجتهد
ص: 289
وجمع واحتشد وبنى فشيد وفرش فمهد (و مهد خ ل) وزخرف فنجد قال أ لا ترى أن كل لفظة منها آخذة بعنق قرينتها جاذبة إياها إلى نفسها دالة عليها بذاتها قال أبو عثمان فكان جعفر يسميه فصيح قريش. واعلم أننا لا يتخالجنا الشك في أنه عليه السلام أفصح من كل ناطق بلغة العرب من الأولين والآخرين إلا من كلام اللّه سبحانه وكلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله وذلك لأن فضيلة الخطيب والكاتب في خطابته وكتابته تعتمد على أمرين هما مفردات الألفاظ ومركباتها.
أما المفردات فأن تكون سهلة سلسة غير وحشية ولا معقدة وألفاظه عليه السلام كلها كذلك فأما المركبات فحسن المعنى وسرعة وصوله إلى الأفهام واشتماله على الصفات التي باعتبارها فضل بعض الكلام على بعض وتلك الصفات هي الصناعة التي سماها المتأخرون البديع من المقابلة والمطابقة وحسن التقسيم ورد آخرالكلام على صدره والترصيع و التسهيم والتوشيح والمماثلة والاستعارة ولطافة استعمال المجاز والموازنة والتكافؤ والتسميط والمشاكلة.
ولا شبهة أن هذه الصفات كلها موجودة في خطبه وكتبه مبثوثة متفرقة في فرش كلامه عليه السلام وليس يوجد هذان الأمران في كلام أحد غيره فإن كان قد تعملها وأفكر فيها وأعمل رويته في رصفها (فى صنعها خ ل) ونثرها فلقد أتى بالعجب العجاب ووجب أن يكون إمام الناس كلهم في ذلك لأنه ابتكره ولم يعرف من قبله وإن كان اقتضبها ابتداء وفاضت على لسانه مرتجلة وجاش بها طبعه بديهة من غير روية ولا اعتمال فأعجب وأعجب.
وعلى كلا الأمرين فلقد جاء مجليا والفصحاء تنقطع أنفاسهم على أثره وبحق ما قال معاوية لمحقن الضبي لما قال له جئتك من عند أعيا الناس يا ابن اللخناء أ
ص: 290
لعلي تقول هذا؟ وهل سن الفصاحة لقريش غيره؟.
واعلم أن تكلف الاستدلال على أن الشمس مضيئة يتعب وصاحبه منسوب إلى السفه وليس جاحد الأمور المعلومة علما ضروريا بأشد سفها ممن رام الاستدلال بالأدلة النظرية عليها(1).
ص: 291
عَجَباً لاِبْنِ النَّابِغَةِ يَزْعُمُ لِأَهْلِ الشَّامِ أَنَّ فِيَّ دُعَابَةً - وَأَنِّي امْرُؤ تِلْعَابَةٌ أُعَافِسُ وَأُمَارِسُ - لَقَدْ قَالَ بَاطِلاً وَنَطَقَ آثِماً - أَمَا وَشَرُّ الْقَوْلِ الْكَذِبُ إِنَّهُ لَيَقُولُ فَيَكْذِبُ وَيَعِدُ فَيُخْلِفُ - وَيَسْأَلُ فَيُلْحِفُ وَيُسْأَلُ فَيَبْخَلُ وَيَخُونُ الْعَهْدَ وَيَقْطَعُ الاْءِلَّ - فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْحَرْبِ فَأَيُّ زَاجِرٍ وَآمِرٍ هُوَ - مَا لَمْ تَأْخُذِ السُّيُوفُ مَآخِذَهَا - فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَانَ أَكْبَرُ مَكِيدَتِهِ أَنْ يَمْنَحَ الْقَرْمَ سَبَّتَهُ - أَمَا وَاللّه ِ إِنِّي لَيَمْنَعُنِي مِنَ اللَّعِبِ ذِكْرُ الْمَوْتِ - وَإِنَّهُ لَيَمْنَعُهُ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ نِسْيَانُ الاْخِرَةِ - إِنَّهُ لَمْ يُبَايِعْ مُعَاوِيَةَ حَتَّى شَرَطَ لَهُ أَنْ يُؤتِيَهُ أَتِيَّةً - وَيَرْضَخَ لَهُ عَلَى تَرْكِ الدِّينِ رَضِيخَة.
قال عليّ عليه السلام: عجبا لابن النابغة، يزعم اني تلعابة، أعافس وامارس، أما وشر القول الكذب، انه يسأل فيلحف، ويسأل فيبخل، فاذا احمر البأس وحمي الوطيس وأخذت السيوف مآخذها من هام الرجال لم يكن له همّ إلا غرقة ثيابه، ويمنح الناس استه فضه اللّه وترحه(1).
ص: 292
عن الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: قال عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ: كَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَقُولُ: إِنَّ فِي عَلِيٍّ دُعَابَةً. فَبَلَغَ ذَلِكَ أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) فَقَالَ: زَعَمَ ابْنُ النَّابِغَةِ أَنِّي تَلْعَابَةٌ (1)، مَزَّاحَةٌ ذُو دُعَابَةٍ (2)، أُعَافِسُ وَأُمَارِسُ(3)، هَيْهَاتَ يَمْنَعُ مِنَ الْعِفَاسِ وَالْمِرَاسِ ذِكْرُ الْمَوْتِ وَخَوْفُ الْبَعْثِ وَالْحِسَابِ، وَمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ، فَفِي هَذَا لَهُ وَاعِظٌ وَزَاجِرٌ، أَمَا وَشَرُّ الْقَوْلِ الْكَذِبُ، إِنَّهُ لَيُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ وَيَعِدُ فَيُخْلِفُ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْبَأْسِ فَأَيُّ زَاجِرٍ وَآمِرٍ هُوَ! مَا لَمْ تَأْخُذِ السُّيُوفُ هَامَ الرِّجَالِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَعْظَمُ مَكِيدَتِهِ فِي نَفْسِهِ أَنْ يَمْنَحَ الْقَوْمَ اسْتَهُ(4).
اعلم أنّ عمرو بن العاص اللّعين ابن اللّعين لمّا كان عدوّا لأمير المؤمنين سلام اللّه عليه، معلناً بعداوته كما كان أبوه العاص بن وائل عدواً لرسول اللّه صلى الله عليه و آلهلا جرم كان همّة اللّعين مصروفة في الكذب والافتراء عليه عليه السلاموكان يروم بذلك أن يعيبه عند النّاس ويسقط محلّته عليه السلاممن القلوب ومن جملة ما افترى عليه كذبا أنّه قال لأهل الشّام: إنّما أخّرنا علياً لأنّ فيه هزلا لا جدّ معه، فنسبه عليه السلام إلى الدّعابة وكثرة المزاح كما نسبه عليه السلام إلى ذلك عمر بن الخطاب وهذه النسبة من عمرو سيّئة من سيّئات عمر.
فأراد عليه السلام بكلامه ذلك دفع هذه النسبة واثبات أنه افتراء وبهتان في حقه وذكر أوّلا ما قاله ابن العاص ثمّ اتبعه بردّه فقال:
ص: 293
في ذكر نسب عمرو بن العاص اللّعين ابن اللّعين عليه لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين أبد الأبدين وبيان بعض حالاته الدالة على كفره وشقاوته مع الاشارة إلى ما صدر عنه في صفين من كشف سوئته.
اعلم أنّ العاص بن وائل أباه كان من المستهزئين برسول اللّه صلى الله عليه و آلهالمعالنين له بالعداوة والأذى، و فيه وفي أصحابه نزل قوله تعالى: «إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ»(1).
وكان يلقّب في الاسلام بالأبتر لأنّه قال لقريش: سيموت هذا الأبتر غدا فينقطع ذكره، يعني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم ويشتمه ويضع في طريقه الحجارة، لأنّه صلى الله عليه و آله كان يخرج من منزله ليلا فيطوف بالكعبة فكان يجعل الحجارة في طريقه ليعثر بها، وهو أحد القوم الذين خرجوا إلى زينب ابنة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما خرجت من مكة مهاجرة إلى المدينة فروّعوها وقرعوا هودجها بكعوب الرّماح حتى اجهضت جنينا ميتا من أبي العاص بن الرّبيع بعلها، فلمّا بلغ ذلك رسول اللّه نازل منه وشقّ عليه مشقّة شديدة ولعنهم، روى ذلك الواقدي(2).
روى ابن هشام ان خباب بن الأرت - صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله فبينا بمكة يعمل السيوف، وكان قد باع من العاص بن وائل سيوفا عملها له، حتى كان له عليه مال، فجاءه يتقاضاه، فقال له: يا خباب، أليس يزعم محمد صاحبكم هذا الذي أنت على دينه أن في الجنة ما ابتغى أهلها من ذهب، أو فضة، أو ثياب، أو خدم ! قال خباب: بلى، قال: فانظرني إلى يوم القيامة يا خباب حتى أرجع إلى تلك الدارفأقضيك هنالك حقك، فواللّه لا تكون أنت وصاحبك يا خباب آثر عند اللّه منى،
ص: 294
ولا أعظم حظا من ذلك. فأنزل اللّه تعالى فيه: «أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ» - إلى قوله تعالى: - «وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً»(1).(2)
وروي الواقدى وغيره من أهل الحديث أنّ عمرو بن العاص هجا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله هجا كثيرا كان يعلمه صبيان مكة فينشدونه ويصيحون برسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا مرّ بهم رافعين أصواتهم بذلك الهجاء فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو يصلّي بالحجر: اللهمّ إنّ عمرو بن العاص هجانى ولست بشاعر فالعنه بعدد ما هجاني (3).
وروى أهل الحديث أنّ النّضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط وعمرو بن العاص عمدوا إلى سلا(4) جمل فرفعوه بينهم و وضعوا على رأس رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو ساجد بفناء الكعبة فسال عليه فصبر ولم يرفع رأسه وبكى في سجوده ودعا عليهم فجاءت ابنته فاطمة عليها السلام وهي باكية فاحتضنت ذلك السلا فرفعته عنه فألقته وقامت على رأسه تبكى فرفع رأسه صلى الله عليه و آله وقال: اللهم عليك بقريش قالها ثلاثا، ثمّ قال صلى اللّه عليه وآله رافعا صوته: إنّي مظلوم فانتصر، قالها ثلاثا، ثمّ قال فدخل منزله وذلك بعد وفات عمّه أبي طالب بشهرين و لشدّة عداوة عمرو بن العاص رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أرسله أهل مكّة إلى النّجاشي ليزهده في الدّين وليطرد عن بلاده مهاجرة حبشة وليقتل جعفر بن أبي طالب عنده إن أمكنهقتله، فكان منه في أمر جعفر هناك ما هو مذكور مشهور في السّير(5).
ص: 295
فاما النابغة قال الزمخشرى: كانت النّابغة أمّ عمرو بن العاص أمة لرجل من عنزة فسبيت فاشتراها عبداللّه بن جدعان التّيمي بمكة فكانت بغيّا، ثمّ اعتقها فوقع
عليها أبو لهب بن عبد المطلب واميّة بن خلف الجهمي وهشام بن المغيرة المخزومي وأبو سفيان بن الحرب والعاص بن وائل السهمى في طهر واحد فولدت عمرا فادّعاه كلّهم فحكمت امّه فيه فقالت: هو من العاص ابن وائل، وذلك لأنّ العاص بن وائل ينفق عليها كثيرا، قالوا: وكان أشبه بأبي سفيان(1).
اختصم أبو سفيان والعاص في عمرو يوم ولادته، فقيل لتحكم امّه، فقالت: هو من العاص. فقال أبو سفيان: أما اني لا أشك أني وضعته في رحمها، فأبت إلاّ العاص.
وفي ذلك يقول حسّان في هجو عمرو:
أبوك أبو سفيان لا شك قد بدت
لنا فيك منه بيّنات الدلائل(2)
ففاخر به أما فخرت ولا تكن
تفاخر بالعاص الهجين ابن وائل
وان الّتي في ذاك يا عمرو حكمت
فقالت رجاء عند ذاك لنائل
من العاص عمرو تخبر الناس كلما
تجمعت الأقوام عند المحافل(3)
وفي (مفاخرات الزبير بن بكار): اجتمع عند معاوية عمرو بن العاص، والوليد ابن عقبة، وعتبة بن أبي سفيان، والمغيرة، وقد بلغهم عن الحسن عليه السلام قوارص (4) - إلىأن قال - فقال الحسن عليه السلام لعمرو: وأما أنت يا ابن العاص فإن امّك وضعتك مجهولا
ص: 296
من عهر وسفاح، فتحاكم فيك أربعة من قريش، فغلب عليك جزارها ألأمهم حسبا، وأخسهم منصبا، ثم قال أبوك فقال: اني شانئ محمّد الأبتر فأنزل اللّه فيه ما أنزل، وقاتلت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في جميع المشاهد، وهجوته، وآذيته بمكة، وكدته كيدك كله، وكنت من أشد الناس له تكذيبا وعداوة، ثم خرجت تريد النجاشي مع أصحاب السفينة لتأتي بجعفر وأصحابه إلى أهل مكة، فلما اخطأك ما رجوت، ورجعك اللّه خائبا جعلت حدّك على صاحبك عمارة بن الوليد، فوشيت به إلى النجاشي لما ارتكب من حليلتك، ففضحك اللّه وفضح صاحبك، فأنت عدوّ بني هاشم في الجاهلية والإسلام، ثم انّك تعلم وكل هولاء الرهط يعلمون انك هجوت النبيّ صلّى اللّه عليه وآله بسبعين بيتا من الشعر، فقال النبيّ: اني لا أقول الشعر ولا ينبغي لي، اللهم العنه بكل حرف الف لعنة، فعليك اذن من اللّه ما لا يحصى من اللعن.
وأما ما ذكرت من أمر عثمان فأنت سعرت عليه الدنيا نارا، ثم لحقت بفلسطين، فلما أتاك قتله قلت: أنا أبو عبداللّه إذا نكأت قرحة أدميتها، ثم حبست نفسك على معاوية، وبعت دينك بدنياه.
إلى أن قال: أ لست القائل في بني هاشم لما خرجت إلى النجاشي:
تقول ابنتي أين هذا الرحيل
وما الستر مني بمستنكر
فقلت ذريني فاني امرؤ
اريد النجاشي في جعفر
لأكويه عنده كية
اقيم بها نخوة الأصعر
وشانئ أحمد من بينهم
وأقولهم فيه بالمنكر(1)
ص: 297
وفي حديث طويل قال الحسن عليه السلام مخاطبا لابن العاص: وأما أنت يا عمرو بن العاص الشّاني اللّعين الأبتر فانما أنت كلب أوّل أمرك امّك لبغية أنّك ولدت على فراش مشترك فتحاكمت فيك رجال قريش منهم أبو سفيان بن حرب والوليد بن المغيرة وعثمان بن الحارث والنّضر بن الحارث بن كلدة والعاص بن وائل كلّهم يزعم أنّك ابنه فغلبهم عليك من بين قريش ألأمهم حسبا وأخبثهم منصبا وأعظمهم بغية ثمّ قمت خطيبا وقلت أنا شانئ محمّد، وقال العاص ابن وائل: إن محمّدا رجل أبتر لا ولد له فلو قد مات انقطع ذكره فأنزل اللّه تبارك وتعالى: «إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ»(1).
وكانت امّك تمشي إلى عبد قيس يطلب البغة تأتيهم في دورهم وفي رحالهم وبطون أوديتهم، ثم كنت في كلّ مشهد يشهده رسول اللّه صلى الله عليه و آله من عدوّه أشدّهم له عداوة وأشدّهم له تكذيبا، الحديث(2).
وفي (تذكرة سبط ابن الجوزى): قال أهل السير: لما سلّم الحسن عليه السلامالأمر إلى معاوية أقام يتجهّز إلى المدينة، فاجتمع إلى معاوية رهط من أشياعه منهم عمرو بن العاص، والوليد بن عقبة أخو عثمان لامه - وكان عليّ عليه السلام قد جلده في الخمر - وعتبة بن أبي سفيان وقالوا: نريد أن نحضر الحسن لنخجله، فنهاهم معاوية وقال: انه السن بني هاشم، فألحّوا عليه، فأرسل إليه، فلما حضر شرعوا فتناولوا عليّا والحسن ساكت، فلما فرغوا قال: ان الّذي أشرتم إليه قد صلى القبلتين، وبايعالبيعتين وأنتم مشركون، وبما أنزل على نبيه كافرون(3) - إلى أن قال - ثم التفت إلى
ص: 298
عمرو فقال: أما أنت يا ابن النابغة فادعاك خمسة من قريش، غلب عليك ألأمهم وفيه نزل: «إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ»(1)، وولدت على فراش مشترك، وكنت عدوّ اللّه وعدوّ رسوله وعدوّ المسلمين، وكنت أضرّ عليهم من كل مشرك، وأنت القائل:
ولا أنثنى عن بني هاشم
بما استطعت في الغيب والمحضر
وعن عائب اللات لا انثنى
ولو لا رضي اللات لم تمطر(2)
إلى أن قال: أما قول الحسن عليه السلام لعمرو «ولدت على فراش مشترك»، فذكر الكلبي في (المثالب) ان النابغة أم عمرو كانت من البغايا أصحاب الرايات بمكة، فوقع عليها العاص بن وائل في عدة من قريش منهم أبو لهب، وامية بن خلف، وهشام بن المغيرة، وأبو سفيان في طهر واحد، فلما حملت بعمرو تكلموا فيه، فلما وضعته اختصم فيه الخمسة الّذين ذكرناهم كل واحد يزعم أنه ولده، وألّب عليه العاص وأبو سفيان كل واحد يقول: واللّه انه مني، فحكما النابغة، فاختارت العاص، فقالت هو منه، فقيل لها: ما حملك على هذا وأبو سفيان اشرف من العاص فقالت: هو كما قلتم الا أنه رجل شحيح، والعاص جواد ينفق على بناتي(3).
وفيه - في كتابة كتاب التحكيم وانكار عمرو بن العاص كتابة «هذا ما قاضى عليه أميرالمؤمنين علىّ» لعدم كونه أميرهم فلا يكتب الا اسمه واسم أبيه، قال عليّ عليه السلام: اللّه اكبر، اني لكاتب يوم الحديبية للنبيّ صلّى اللّه عليه وآله حين قالوا:لست برسول اللّه، فاكتب اسمك واسم أبيك، فكتبته. فقال عمرو: سبحان اللّه أ تشبهنا بالكفار. فقال له عليّ: يا ابن النابغة ومتى لم تكن للفاسقين وليا،
ص: 299
وللمسلمين عدوا، وهل تشبه إلاّ امك الّتي دفعت بك. فقام عمرو وقال: لا يجمع بيني وبينك مجلس بعد اليوم. فقال عليّ: ان اللّه قد طهر مجلسي منك ومن أشباهك(1).
أي: مزاح. قال ابن أبي الحديد اصل ذلك كلمة قالها عمر، فتلقفها حتى جعلها أعداؤه عليه السلام طعنا عليه.
قال ابن عباس: كنت عند عمر، فتنفس نفسا عاليا حتى ظننت أن اضلاعه قد انفرجت، فقلت له: ما أخرج هذا النفس منك إلاّ همّ شديد. قال: أي واللّه يا ابن عباس، اني فكرت، فلم أدر فيمن أجعل هذا الأمر بعدي. ثم قال: لعلّك ترى صاحبك لها أهلا. قلت: وما يمنعه من ذلك مع جهاده وسابقته وقرابته وعلمه. قال: صدقت ولكنه امرؤ فيه دعابة - إلى أن قال - ان أحراهم أن يحملهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم لصاحبك، واللّه لئن وليها ليحملنهم على المحجة البيضاء والصراط المستقيم (2).
وممّا يشهد أيضا أن الأصل في الكلمة عمر ما في (العقد) - في قصة الشورى - قال المغيرة: اني لعند عمر إذ أتاه آت، فقال له: هل لك في نفر من أصحاب النبيّ يزعمون أن الّذي فعل أبو بكر في نفسه وفيك لم يكن له، وانه كان بغير مشورة ولاتآمر - إلى أن قال - فقال عمر: أما واللّه لو لا دعابة في عليّ ما شككت في ولايته، وان نزلت على رغم أنف قريش(3).
ص: 300
ولم يكن رمي عمر له عليه السلام منحصرا بالدعابة، فرماه بالعجب والتهم، ففي موفقيات ابن بكار عن ابن عباس قال: قال لي عمر: ان صاحبكم ان ولي هذا الأمر أخشى عجبه بنفسه أن يذهب به فليتني اراكم بعدي. قلت: ان صاحبنا من قد علمت أنه ما غيّر ولا بدّل ولا أسخط النبيّ صلّى اللّه عليه وآله أيام صحبته له. فقطع عليّ الكلام وقال: و لا في ابنة ابي جهل لما أراد أن يخطبها على فاطمة.
فقلت له: صاحبنا لم يعزم على سخط النبيّ، ولكن الخواطر لا يقدر أحد على دفعها عن نفسه، وربما كانت من الفقيه في دين اللّه العالم بأمر اللّه. فقال: يا ابن عباس من ظن أنه يرد بحوركم فيغوص فيها معكم حتى يبلغ قعرها فقد ظن عجزا(1).
ورماه بالرياء والحرص، فعن (أمالي محمّد بن حبيب) عن ابن عباس قال: دخلت يوما على عمر فقال: لقد أجهد هذا الرجل نفسه في العبادة حتى نحلته رياء. قلت: من هو قال: هذا ابن عمك عليّ. قلت: وما تقصد بالرياء. قال: يرشح نفسه بين الناس للخلافة. قلت: وما يصنع بالترشيح قد رشحه لها النبيّ صلّى اللّه عليه وآله فصرفت عنه. قال: انه كان شابا حدثا، فاستصغرت العرب سنه وقد كمل الآن، ألم تعلم أن اللّه لم يبعث نبيّا إلاّ بعد الأربعين. قلت: أما أهل الحجى والنهى فانهم ما زالوا يعدونه كاملا منذ رفع اللّه منار الاسلام ولكنهم يعدونه محروما.فقال: أما انه سيليها بعد هياط ومياط (2) ثم تزل فيها قدمه، ولا يقضي منها أربه،
ص: 301
ولتكونن شاهدا ذلك، ثم يتبين الصبح لذي عينين، وتعلم العرب صحة رأي المهاجرين الاولين الّذين صرفوها عنه بادى ء بدء، فليتني أراكم بعدي أن الحرص محرمة - الخبر(1).
ورماه بالكبر والاجحاف والغل والحقد، فروى الطبري عن ابن عباس - في قصة شعر زهير في بني سنان - قال: قال لي عمر: أ تدري ما منع الناس عنكم قلت: لا أدري. قال: لكني أدري، كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة فتجحفوا الناس جحفا، فنظرت قريش لأنفسها فاختارت ووفقت فأصابت. قال: فقلت له أ تميط عني غضبك. قال: قل ما تشاء. قال: أما قولك: «ان قريشا كرهت» فان اللّه تعالى قال: «ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللّه ُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ»(2)، واما قولك: «انا كنا نجحف بالخلافة» فلو كنا جحفنا بالخلافة جحفنا بالقرابة، ولكنا قوم أخلاقنا مشتقة من خلق النبيّ الّذي قال تعالى فيه: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ»(3)، وقال له: «وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤمِنِينَ»(4)، و اما قولك: «ان قريشا اختارت» فان اللّه تعالى يقول: «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ»(5)، وقد علمت أن اللّه تعالى اختار من خلقه لذلك من اختار، فلو نظرت قريش من حيثنظر اللّه لها لوفقت وأصابت. فقال: أبت قلوبكم يا بني هاشم إلاّ غشّا في أمر قريشلا يزول، وحقدا عليها لا يحول. فقلت: مهلا لا تنسب قلوب بني هاشم إلى الغش، فان قلوبهم من قلب رسول اللّه الّذي طهره وزكاه، وهم أهل البيت الّذين قال
ص: 302
تعالى: «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَ»(1).
وأما قولك: «حقدا» فكيف لا يحقد من غصب شيئه ويراه في يد غيره.
فقال: بلغني انك لا تزال تقول اخذ هذا الأمر منا حسدا وظلما. فقلت: أما قولك حسدا فقد حسد ابليس آدم فأخرجه من الجنة فنحن بنو آدم المحسود، وأما قولك ظلما فأنت تعلم صاحب الحق من هو(2).
ومن المضحك أن ابن أبي الحديد قال بعد نقل ذاك الخبر: ان الأصل في كلام عمرو ابن العاص وان كان كلام عمر، الا ان عمر لم يرد عيبه عليه السلام كما اراده عمرو، فان عمر لما كان شديد الغلظة وعر الجانب خشن اللمس دائم العبوس كان يعتقد أن ذلك هو الفضيلة وان خلافه نقص، ألا ترى أنه قال في آخر الخبر: ان أحراهم ان وليها ان يحملهم على كتاب اللّه هو - إلخ (3).
فهل ارادة العيب أي شيء هو، وأما قوله في آخر الخبر فمن اجراء اللّه تعالى كلمة الحق على لسانه على رغم أنفه، واتماما للحجة على اتباعه. وكان صدر منه من قبيل ذلك كثيرا، ومنه ما عن موفقيات ابن بكار: كان ابن عباس يماشي في سكة من سكك المدينة عمر، فقال له يا ابن عباس ما أرى صاحبك الا مظلوما. قال: فقلت في نفسي: لا يسبقني بها فقلت: فاردد إليه ظلامته، فانتزع يده من يدي ومضى يهمهم ساعة ثم وقف فلحقته، فقال: يا ابن عباس ما أظن منعهم الا أنه استصغره قومه. فقلت في نفسي: هذه شر من الاولى، فقلت: واللّه ما استصغره اللّه ورسوله حين أمراه أن يأخذ براءة من صاحبك، فأعرض عني واسرع(4).
ص: 303
فهل ترى كلمات عمرو فيه هذه وباقي كلماته بل وجميع كلمات معاوية فيه عليه السلام - ومنها كتابه إلى الحسن بعد أبيه عليه السلام: اني اليوم كأبي بكر بعد النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وأنت كأبيك بعده، وما دام الكبير لا يرجع الأمر إلى الصغير (1) - الا مأخوذة من كلمات عمر، فهل كلمات عمر وعمرو ومعاوية فيه عليه السلام الا كأنها عن قلب واحد.
وإذا كانت كلمات عمر فيه عليه السلام هذه لاغرو أن يسنّ معاوية وباقي بني امية سبّه عليه السلام، وإذا قال عمر فيه انه أسخط النبيّ بخطبة ابنة أبي جهل لاغرو أن يقول المغيرة ان النبيّ لم ينكح عليّا ابنته حبا له، ولكنه أراد أن يكافى ء بذلك احسان أبي طالب إليه(2).
قال ابن ابى الحديد: وأنت إذا تأمّلت حال علي عليه السلام فى أيّام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وجدته بعيدا عن أن ينسب إلى الدّعابة والمزاح لأنّه لم ينقل عنه شيء من ذلك أصلا لا في الشّيعة ولا في كتب المحدّثين، وكذلك إذا تأمّلت حاله في أيام أبي بكر وعمر لم تجد في كتب السيرة حديثا واحدا يمكن أن يتعلّق به متعلّق في دعابته ومزاحه إلى أن قال:
ولعمر اللّه لقد كان أبعد من ذلك وأىّ وقت كان يتّسع لعليّ عليه السلام حتّى يكون فيه على هذه الصّفات، فان أزمانه كلّها في العبادة والذكر والصّلاة والفتاوى والعلم واختلاف النّاس إليه في الأحكام وتفسير القرآن، ونهاره كلّه أو معظمه مشغول بالصّوم، وليله كلّه أو معظمه مشغول بالصّلاة، هذا في أيّام سلمه فأمّا أيّام حربه فالسّيف الشّهير والنشّاب الطّرير وركوب الخيل وقود الجيش ومباشرة الحروب.
ولقد صدق عليه السلام في قوله إنّه ليمنعني من اللّعب ذكر الموت ولكن الرّجل الشريف
ص: 304
النبيل الذي لايستطيع أعداؤه أن يذكروا له عيبا أو يعدوا عليه وصمة لا بدّ أن يحتالوا ويبذلوا جهدهم في تحصيل أمر ما وإن ضعف يجعلون عذرا له في دمه ويتوسلون به على أتباعهم في تحسينهم لهم مفارقته والانحراف عنه، وما زال المشركون والمنافقون يصنعون لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الموضوعات وينسبون إليه ما قد برأه اللّه عنه من العيوب والمطاعن في حياته وبعد وفاته إلى زماننا هذا، وما يزيده اللّه سبحانه إلاّ رفعة وعلوّا.
فغير منكر أن يعيب عليا عليه السلام عمرو بن العاص وأمثاله من أعدائه بما إذا تأمّله المتأمّل علم أنّهم باعتمادهم وتعلّقهم به قد اجتهدوا في مدحه والثناء عليه لأنهم لو وجدوا غيره عيبا لذكروه (1).
وكما أخذ عمرو كلمة الدعابة من عمر كذلك اخذ جملة كونه عليه السلامحريصا على الملك منه، فقال في مجلس معاوية للحسن عليه السلام - كما عن مفاخرات ابن بكار - انكم يا بني عبد المطلب لم يكن اللّه ليعطيكم الملك على قتلكم الخلفاء، واستحلالكم ما حرّم اللّه من الدماء، وحرصكم على الملك(2)، هذا.
ونقل ابن أبي الحديد بمناسبة قول عمرو «ان فيه دعابة» جملة ممّا ورد من طريقهم في مزاحات النبيّ صلّى اللّه عليه و آله المباحة وقال: انها من الأحاديث الصحاح والآثار المستفيضة، لكن ليس الأمر كما ذكر، ففيها الغث كما سترى.
فقال: روى الناس قاطبة ان النبيّ قال: اني أمزح ولا أقول الا حقا.
وفي خبر أنّه صلّى اللّه عليه وآله قال لامرأة من الأنصار: الحقي زوجك، فان
ص: 305
في عينه بياضا، فسعت نحوه مرعوبة فقال لها: ما دهاك فأخبرته فقال لها: نعم ان في عيني بياضا لا لسوء.
وأتت عجوز من الأنصار إليه عليه السلام، فسألته ان يدعو اللّه تعالى لها بالجنة، فقال لها: ان الجنة لا تدخلها العجّز، فصاحت فتبسم صلّى اللّه عليه وآله وقال: «إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً * فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً»(1).
وفي الخبر: ان امرأة استحملته فقال: إنّا حاملوك على ولد الناقة، فجعلت تقول: يا رسول اللّه وما أصنع بولد الناقة، وهل يستطيع أن يحملني، وهو يتبسم ويقول: لا أحملك إلاّ عليه، حتى قال لها أخيرا: وهل تلد الابل الا النوق.
وفي الخبر انه صلّى اللّه عليه وآله مرّ ببلال، فضربه برجله وقال أ نائمة أم عمرو، فقام بلال، فضرب بيده إلى مذاكيره، فقال له: ما بالك قال: ظننت اني تحولت امرأة، قيل: فلم يمزح النبيّ بعده.
وفي الخبر: ان صقرا كان لصبي من الأنصار، فطار من يده، فبكى الغلام، فكان النبيّ صلّى اللّه عليه وآله يمر به فيقول: يا أبا عمرو ما فعل الصقر والغلام يبكي،
وكان يمازح ابني بنته مزاحا مشهورا، وكان يأخذ الحسين عليه السلام، فيجعله على بطنه وهو نائم على ظهره ويقول له «حزقة حزقة، ترق عين بقة».
وفي (الصحيح): مر صلّى اللّه عليه وآله على أصحاب الدركله(2) - لعبة للحبش -وهم يلعبون ويرقصون، فقال: خذوا يا بني أرفدة - جنس من الحبش يرقصون -
ص: 306
حتى يعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة.
وفي الخبر: انه سابق عائشة فسبقته، ثم سابقها فسبقها، فقال: هذه بتلك.
وان أصحاب الزفافة - وهم الراقصون - كانوا يقمعون(1) على باب حجرة عائشة، فتخرج إليهم مستمعة ومبصرة، فيخرج هو من ورائها مستترا بها(2).
ولكن لا يدرون ما يضعون لتلك المرأة، يضعون لها ما فيه ابطال النبوة، فان النبيّ صلّى اللّه عليه وآله الّذي لم يكن يؤمى بعينه فكان حكم بهدر دم عبداللّه بن
أبي سرح بعد فتح مكة وجاء به عثمان إليه وطلب منه مرارا الامان، فسكت مدة حتى يقتله أصحابه، ولم يتفطنوا لذلك حتى قال لهم ذلك، فقالوا: كنا ننتظر ايماءك بعينك، فقال: ما كان لنبيّ الايماء(3) - وفي احد لما استكرهوه على الخروج عن المدينة وكان رأيه الوقوف فيها، فخرج ثم ندموا، فقالوا له: استكر هناك فان شئت فارجع، فقال لهم: ما ينبغي لنبيّ إذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل(4)، ومن قال تعالى فيه: «لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ»(5)، وجعل تعالى لاحترامه التخيير له في نسائه بأن تكون من اختارت نفسها تكون بائنة منه، وجعل تعالى لاحترامه ان امرأة قالت له اعوذ باللّه منك تكون محرمة عليه، كيف يسابق عائشة، وكيف يستتر بها لمشاهدة الرقاصين،وقد قال تعالى في وصف أهل الايمان: «وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً»(6)؛ هل يصير
ص: 307
وضع مثل هذه الأحاديث لامّهم سببا لرفع قوله تعالى فيها وفي صاحبتها: «إِنْ تَتُوبا إِلَى اللّه ِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّه َ»(1).
ثم ان ابن أبي الحديد نقل شطرا من مزاحات الصحابة والتابعين، ثم قال: وروى عن جماعة منهم اللعب بالنرد والشطرنج، ومنهم من روى عنه شرب النبيذ، وسماع الغناء المطرب، فأما أميرالمؤمنين عليه السلام فإذا نظرت إلى كتب الحديث والسير لم تجد أحدا من خلق اللّه عدوّا ولا صديقا روى عنه شيئا من هذا الفن لا قولا ولا فعلا، ولم يكن وقار أتمّ من وقاره، وما هزل قط ولا لعب، ولا فارق الحق والناموس الديني سرّا ولا جهرا، ولكنه خلق على سجية لطيفة، وأخلاق سهلة، ووجه طلق، وقول حسن، وبشر ظاهر، وذلك من فضائله عليه السلام الّتي اختصه اللّه بمزيتها، وانما كانت غلظته فعلا لا قولا(2).
ولكن وان كان أميرالمؤمنين عليه السلام كما قال نفسه في وصف المؤمن: «بشره في وجهه وحزنه في قلبه»(3) إلا أنه لا بد أن يكون له مزاح لطيف كالنبيّ صلّى اللّه عليه وآله، حتى يقول عمر كرارا فيه «لولا دعابة فيه»(4) فيأخذه منه عمرو ويزيد على قول عمر «انه تلعابة وانه يعافس ويمارس».
ومما روي عنه عليه السلام في ذلك انه دفع الراية إلى هاشم المرقال - وكان عليه درعان - وقال له كهيئة المازح: أبا هاشم أما تخشى من نفسك أن تكون أعور جبانا. فقال له هاشم: ستعلم يا أميرالمؤمنين واللّه لا لفّنّ بين جماجم القوم لفّ
ص: 308
رجل ينوي الآخرة(1).
وروى الشيخ أن امرأة تقدمت إلى شريح وقالت له: لي احليل ولي فرج، تزوجني ابن عم لي وأخدمني خادمة، فوطئتها فأولدتها، فأخبر شريح أميرالمؤمنين عليه السلام بذلك، فأحضر زوجها وقال له: هذه امرأتك وابنة عمّك قال: نعم. قال: قد أخدمتها خادمة فوطئتها فأولدتها قال: نعم. قال: ثم وطأتها بعد ذلك قال: نعم. فقال له: لأنت أجرأ من خاصي الأسد(2).
ورووا ان بعض من يأنس إليه عليه السلام دعاه إلى حلواء عملها يوم نوروز، فأكل وقال: لم عملت هذا فقال: لأنه يوم نوروز، فضحك وقال: نوروزا لنا في كل يوم ان استطعتم (3).
عن معمّر بن خلاد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام فقلت جعلت فداك الرّجل يكون مع القوم فيجري بينهم كلام يمزحون ويضحكون، فقال، لا بأس ما لم يكن، فظننت أنه عنى الفحش ثمّ قال: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آلهكان يأتيه الأعرابي فيأتي إليه الهدية ثمّ يقول مكانه أعطنا ثمن هديتنا فيضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وكان إذا اغتمّ يقول ما فعل الأعرابي ليته أتانا(4).
وعن إبراهيم بن مهزم عمّن ذكره عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام قال: كان يحيى بن زكريّا يبكي ولا يضحك، وكان عيسى بن مريم يضحك ويبكي، وكان الّذي يصنع
ص: 309
عيسى عليه السلام أفضل من الّذي كان يصنع يحيى عليه السلام (1).
وعن الفضل بن أبي قرة عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قال: ما من مؤمن إلاّ وفيه دعابة، قلت: وما الدّعابة؟ قال: المزاح(2).
وعن يونس بن الشيباني قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام: كيف مداعبة بعضكم بعضا؟ قلت: قليل قال: فلا تفعلوا فانّ المداعبة من حسن الخلق وإنّك لتدخل بها السّرور على أخيك، ولقد كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يداعب الرّجل يريد أن يسرّه(3).
ويستفاد من هذه الرّواية استحبابها لشمول أدلّة استحباب حسن الخلق وإدخال السّرور في قلب المؤمن عليها.
وعن الصّدوق عن محمّد بن عليّ الرّضا عن آبائه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام إنكم لن تسعوا النّاس بأموالكم فسعوهم بطلاقة الوجه وحسن اللّقاء فاني سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوها بأخلاقكم(4).
وجاء في الخبر أن يحيى عليه السلام لقي عيسى عليه السلام وعيسى متبسّم فقال يحيى: ما لي أراك لاهيا كأنّك آمن فقال أراك عابسا كأنّك آيس فقال: لا نبرح حتى ينزل علينا الوحى فأوحى اللّه إليهما أحبّكما إلىّ الطّلق البسّام أحسنكم ظنّا بي(5).
ص: 310
ورأى نعيمان يبيع أعرابي عكّة عسل(1) فاشتراها منه فجاءها إلى بيت عايشةفي يومها، وقال خذوها فظنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آلهأنّه أهداها إليه ومضى نعيمان فنزل الأعرابيّ على الباب فلما طال قعوده نادى يا هؤلاء إمّا أن تعطونا ثمن العسل أو تردّوه علينا، فعلم رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالقصة وأعطى الأعرابي الثمن وقال صلى الله عليه و آلهلنعيمان: ما حملك على ما فعلت؟ قال: رأيتك يا رسول اللّه تحبّ العسل ورأيت العكّة مع الأعرابي، فضحك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولم ينكر(2).
وروى أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يأكل تمرا مع علي عليه السلام وكان يضع النوى قدّام علي عليه السلام فلمّا فرغا قال: يا علي هذا النوى كلّه أمامك انّك لأكول، فقال يا رسول اللّه الأكول الّذي يأكل التمر ونواه يعني به النبي صلى الله عليه و آله لأنّه لم يكن عنده نوى التمر(3).
وروى أنه صلى الله عليه و آله أتته امرئة في حاجة لزوجها فقال لها: ومن زوجك؟ قالت: فلان فقال صلى الله عليه و آله: الّذي في عينه بياض فقالت: لا، فقال: بلى فانصرفت عجلا إلى زوجها وجعلت تتأمّل عينه فقال لها: ما شأنك؟ فقالت: أخبرني رسول اللّه صلى الله عليه و آله إنّ في عينك بياضا، فقال: أما ترين بياض عيني أكثر من سواده؟
قال: واستدبر صلّى اللّه عليه وآله رجلا من ورائه وأخذ بعضده وقال من يشترى هذا العبد يعني أنه عبداللّه.
وقال: قال صلّى اللّه عليه وآله لرجل: لا تنس ياذا الاذنين.
ورأى جملا يمشي وعليه حنطة فقال عليه السلام: تمشي الهريسة.
ص: 311
وجاء أعرابيّ فقال: يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بلغنا أنّ الدّجال يأتي بالثريد وقد هلكوا جميعا جوعا أفترى بأبي أنت وأمّي أن أكفّ عن ثريده تعفّفا؟ فضحك رسولاللّه صلى الله عليه و آله ثمّ قال: بل يغنيك اللّه بما يغني به المؤمنين.
وقبّل جد خالد القسري خدّ امرئة فشكت إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وآله فارسل إليه فاعترف وقال: إن شائت أن تقتصّ فلتقتصّ فانّ من دينك القصاص فتبسّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وأصحابه وقال: أ ولا تعود؟ فقال: لا واللّه يا رسول
اللّه فعفى صلّى اللّه عليه وآله.
وقال رجل: احملني يا رسول اللّه، فقال صلى الله عليه و آله أنا حاملوك على ولد ناقة فقال: ما أصنع بولد ناقة؟ قال صلّى اللّه عليه وآله: وهل يلد الابل إلاّ النّوق؟(1).
وَقَالَ صلى الله عليه و آله الْمُؤمِنُ دَعِبٌ لَعِبٌ وَالْمُنَافِقُ قَطِبٌ غَضِبٌ(2).
أي: كثير اللعب
أصل العفس دلك الاديم في الدباغ، ثم كثر ذلك حتى قالوا «تعافس القوم» إذا اعتلجوا في صراع ونحوه، وعافس الرجل أهله معافسة وعفاسا(3).
ص: 312
وأمارس فيه مرست الشيء إذا دلكته.
لأنّه يعرفه عليه السلام كل عدوّ وولي بضد ما قال، ويعلم كل من سمع ذلك أنه من خطأ المقال، فلا تأثير لتهمته وقالوا في المعنى:
ما ضرّ وائل تغلب اهجوتها
أم بلت حيث تناطح البحران(1)
ما يضير البحر امسي زاخرا
ان رمى فيه غلام بحجر(2)
ما ابالي انب بالحزن تيس
ام لحاني بظهر غيب لئيم(3)
قال تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه َ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»(4).
وقال تعالى «في صفة المؤمنين: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً»(5).
وقال تعالى: «فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللّه َ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُون»(6)
وقال تعالى: «وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُون»(7).
ص: 313
وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: إيّاكم والكذب فانَّ الكذب يهدى إلى الفجور والفجور يهدي إلى النّار(1).
وفيه عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: المؤمن إذا كذب من غير عذر لعنه سبعون ألف ملك وخرج من قلبه نتن حتّى يبلغ العرش فيلعنه حملة العرش وكتب اللّه عليه بتلك الكذبة سبعين زنية أهونها كمن يزني مع أمّه(2).
وقال صلى الله عليه و آله رأيت كأنّ رجلا جاءني فقال لي قم فقمت معه فإذا أنا برجلين أحدهما قائم والآخر جالس بيد القائم كلَّوبّ من حديد يلقمه في شدق الجالس فيجذبه حتّى يبلغ كاهله ثمّ يجذبه فيلقمه الجانب الآخر فيمدّه فإذا مدّه رجع الآخر كما كان فقلت للَّذى أقامنى ما هذا؟ فقال هذا رجل كذّاب يعذّب في قبره إلى يوم القيامة (3).
وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك به مصدق وأنت له به كاذب(4).
وعن أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: إِنَّ لاِءِبْلِيسَ كُحْلاً وَلَعُوقاً وَسَعُوطاً فَكُحْلُهُ النُّعَاسُ وَلَعُوقُهُ الْكَذِبُ وَسَعُوطُهُ الْكِبْرُ (5).
وعَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يَكُونُ الْمُؤمِنُ جَبَاناً؟ قَالَ نَعَمْ؛ قِيلَ وَيَكُونُ بَخِيلاً؟ قَالَ نَعَمْ. قِيلَ وَيَكُونُ كَذَّاباً؟ قَالَ لا(6).
ص: 314
وقال موسى عليه السلام: يا ربّ أيّ عبادك خير عملا؟ قال: من لا يكذب لسانه ولايفجر قلبه ولا يزني فرجه(1).
وقال العسكري عليه السلام: جعلت الخبائث كلّها في بيت وجعل مفتاحها الكذب(2).
وعن أبي عبداللّه عليه السلام قال: إنّ اللّه عزّ وجلّ جعل للشّر أقفالا وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب واشر من الشراب الكذب(3).
وعن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنّ أوّل من يكذّب الكذّاب اللّه عزّ وجلّ ثمّ الملكان اللّذان معه ثمّ هو يعلم أنه كاذب(4).
وعن عبد الرّحمن بن أبي ليلى عن أبيه عمّن ذكره عن أبي جعفر عليه السلام قال: الكذب هو خرّاب الإيمان(5).
وعن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: إنّ مما أعان اللّه به على الكذّابين النسيان(6).(7)
وعن محسن بن طريف عن أبيه عمّن ذكره عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قال عيسى بن مريم عليه السلام: من كثر كذبه ذهب بهاؤه (8).
ص: 315
وكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ صلى الله عليه و آله يَقُولُ لِوُلْدِهِ اتَّقُوا الْكَذِبَ الصَّغِيرَ مِنْهُ وَالْكَبِيرَ فِي كُلِّ جِدٍّ وَهَزْلٍ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَذَبَ فِي الصَّغِيرِ اجْتَرَى عَلَى الْكَبِير(1).
وعَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ قَالَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام لاَ يَجِدُ عَبْدٌ طَعْمَ الاْءِيمَانِ حَتَّى يَتْرُكَ الْكَذِبَ هَزْلَهُ وَجِدَّهُ(2).
ومن اقسامه الكذب على اللّه ورسوله والأئمّة.
قال تعالى: «فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللّه ِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ»(3).
ومن هذا القسم الأخبار الموضوعة والأحاديث المجعولة في زمن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وبعده في زمن بني اميّة و بني العبّاس لعنهم اللّه.
قال أميرالمؤمنين عليه السلام قد كذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في عهده حتّى قام خطيبا فقال: أيّها النّاس قد كثرت علىّ الكذّابة فمن كذب علىّ متعمّدا فليتبوّء مقعده من النار(4)، هذا.
وأوّل من فتح باب هذا الكذب بعد النبيّ هم المتخلّفون الثلاثة حيث إنّهم قالوا إنّ النبيّ مات ولم يوص في الخلافة بشيء فاغتصبوا بذلك الخلافة ورووا حديثا مجعولا من النبيّ صلى الله عليه و آله فنهبوا حقّ فاطمة سلام اللّه عليها وغصبوا فدك ولحقهم التابعون وحذوا حذوهم.
ومن عجيب ما روى أنّ علم الهدى قدس سره وقع بينه وبين علماء العامّة مناظرة
ص: 316
فانجرّ الكلام إلى الأخبار التي وضعوها في فضايل مشايخهم قال رحمه الله: إنّ هذه الأخبار كلّها موضوعة فقالوا من يقدر أن يكذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله؟ فقال لهم: قد ورد في الرواية عنه أنه صلّى اللّه عليه وآله قال في حياته:ستكثر علىّ الكذّابة بعد موتى فمن كذب علىّ متعمّدا فليتبوء مقعده من النّار(1)، فهذا الحديث إمّا صدق أو كذب وعلى التّقديرين يثبت المطلوب.
ومن أكاذيبه انه خطب الناس بالشام فقال: بعثني النبيّ في جيش فيه أبو بكر وعمر، فظننت أنه انما بعثني لكرامتي عليه، فلما قدمت عليه قلت أي الناس أحب إليك قال: عائشة. فقلت: من الرجال فقال: أبوها - وعليّ يطعن على أبي بكر وعمر وعثمان - وقد سمعت النبيّ يقول: ان اللّه ضرب بالحق على لسان عمر وقلبه.
وقال في عثمان: ان الملائكة تستحيي من عثمان.
وقد سمعت عليّا باذني والا فصمتا يروي على عهد عمر أن النبيّ نظر إلى أبي بكر وعمر مقبلين فقال: يا عليّ هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأوّلين والآخرين، ما خلا النبيين منهم والمرسلين، ولا تحدثهما بذلك فيهلكا.
فبلغ كلامه وخطبته عليّا عليه السلام فقام فقال: العجب لطغاة أهل الشام حيث يقبلون قول عمرو ويصدقونه، وقد بلغ من قلة ورعه أن يكذب على النبيّ، وقد لعنه النبيّ
ص: 317
ولعن صاحبه الّذي يدعو إليه في غير موطن، وذلك أنه هجاه بقصيدة سبعين بيت، فقال النبيّ: اللهم اني لا أقول الشعر فالعنه انت وملائكتك بكل بيت لعنة تترى على عقبه إلى يوم القيامة، ثم لما مات إبراهيم ابن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله قام فقال: انمحمّدا قد صار أبتر لا عقب له واني لأشنأ الناس له، فأنزل اللّه فيه: «إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ»(1)، يعنى هو الأبتر من الايمان ومن كل خير، ما لقيت هذه الامة من كذابيها ومنافقيها، ولكأني بالقراء الضعفة المتهجدين رووا حديثه وصدقوه فيه واحتجوا علينا أهل البيت بكذبه.
إلى أن قال: والّذي فلق الحبة وبرأ النسمة انه ليعلم أنه قد كذب عليّ يقينا، وانه لم يسمعه مني سرا ولا جهرا، اللهم العن عمروا والعن معاوية بصدّهما عن سبيلك وكذبهما على نبيك (2).
قال التسترى رحمه الله: ولم يصدق من حديثه الا قوله بعثني النبيّ في جيش فيه أبو بكر وعمر، فانه عليه السلام بعثه أميرا عليهما، واما باقيه فكذب محض حتى في قوله «فظننت انه انما بعثني لكرامتي عليه»، فانه علم انه عليه السلام أمّره عليهما ليفهم الناس عدم كرامتهما عليه، كما أنه امر عليهما مولاه زيد بن حارثة وابن مولاه اسامة بن زيد ليعلم الناس ذلك، فطعناهما واتباعهما في تأميرهما حتى خطب النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وقال: طعنتم في امارتهما وهما أهل لذلك، وكذبه في حديثه كما قيل في أبي حازم:
حديث أبي حازم كله
كقول الفواخت جاء الرطب
ص: 318
وهنّ وان كنّ يشبهنه
وروى: دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله المسجد وفيه عمرو ابن العاصوالحكم بن أبي العاص قال عمرو: يا أبا الأبتر وكان الرّجل في الجاهليّة إذا لميكن له ولد سمّى ابتر ثمّ قال عمرو: إنّي لأشنأ محمّدا أي ابغضه فأنزل اللّه على رسوله صلى اللّه عليه وآله: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ إلى قوله: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ اي مبغضك عمرو بن العاص لا دين له ولا حسب(3).
وبما ذكر كلّه ظهر كفر ابن العاص اللّعين وكفر أبيه كما ظهر عداوته لأمير المؤمنين عليه السلام وبغضه وهو ليس ببعيد من أولاد الزنا ولنعم ما قال الشّاعر:
بحبّ علي تزول الشّكوك
وتزكوا النّفوس وتصفو النجار
ومهما رأيت محبّا له
فثمّ الذّكاء (الزكاة) وثمّ الفخار
ومهما رأيت عدوّا له
ففي أصله نسب مستعار
فلا تعذلوه على فعله
فحيطان دار أبيه قصار(4)
وكذبه عليه عليه السلام نظير كذب عمرو بن معديكرب على خالد النهدي، قال المبرد: كانت الاشراف بالكوفة يخرجون إلى ظاهرها يتناشدون الأشعار ويتحدثون ويتذاكرون أيام الناس، فوقف عمرو بن معديكرب إلى جانب خالد بن الصقعب النهدي - وهو لا يعرفه - فأقبل عليه يحدثه ويقول: أغرت على بني نهد، فخرجوا إلي مسترعفين بخالد بن الصقعب يقدمهم، فطعنته فوقع وضربته بالصمصامة حتى
ص: 319
فاضت نفسه. فقال له خالد: يا أبا ثور أنا لمقتولك الّذي تحدث. فقال: اللهم غفرا اسمع انما نتحدث بمثل هذا وأشباهه لترهب هذه المعدية - الخبر(1).
الا أن عمروا ذاك خجل وعمروا هذا لم ينفعل، وعمرو ذاك تحدث بما حدث لارهاب المعدية، وعمرو ذا حدث بما حدث لتحميق الشامية.هذا، وممن كان مشهورا بالكذب عليّ بن الجهم الشاعر الناصبي، حتى قال المتوكل: انه أكذب خلق اللّه، حفظت عليه انه أخبرني انه أقام بخراسان ثلاثين سنة، ثم مضت مدة ونسي ما أخبرني به، فأخبرني انه أقام بالثغور ثلاثين سنة، ثم مضت مدة نسي الحكايتين، فأخبرني انه أقام بالجبل ثلاثين سنة، ثم مضت مدة، فأخبرني أنه أقام بمصر والشام ثلاثين سنة - إلى أن قال - فيجب أن يكون عمره على ما قال على التقليل مائة وخمسين سنة، وانما يضاهي خمسين سنة فليت شعري أي فائدة له في هذا الكذب وما قصده(2).
وكان عليّ بن الجهم في الوقاحة كعمرو بن العاص، فكما لم يستحي عمرو في كذبه عليه عليه السلام في حضوره لم يستحي ابن الجهم في كذبه على الصولي، ففي الأغاني قال ابن المدبر لابراهيم الصولي: ان عليّ بن الجهم - وكان عند الصولي - يزعم أن هذين البيتين له:
واذا جزى اللّه امرأ بفعاله
فجرى أخا لي ماجدا سمحا
ناديته عن كربة فكأنما
اطلعت عن ليل به صبحا
فقال: كذب، هذان لي في محمّد بن عبد الملك الزيات. فقال له ابن الجهم: ألم أنهك ان تنتحل شعري، فغضب الصولي و جعل يقول له بيده سوءة عليك سوءة لك
ص: 320
ما أوقحك - وهو لا يخجل - ثم التقينا بعد مدة فقال: ارأيت كيف أخزيت إبراهيم الصولي، فجعلت اعجب من صلابة وجهه(1).
قال تعالى: «وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللّه َ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبار»(2).
عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللّه ِ عليه السلامسَّلاَمُ يَقُولُ: «عِدَةُ الْمُؤمِنِ أَخَاهُ نَذْرٌ لاَكَفَّارَةَ لَهُ؛ فَمَنْ أَخْلَفَ فَبِخُلْفِ اللّه ِ بَدَأَ؛ وَلِمَقْتِهِ تَعَرَّضَ، وَذلِكَ قَوْلُهُ: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّه ِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ»(3).(4)
قال رسول اللّه صلى اللّه وآله سلم: أربع من كنّ فيه كان منافقا ومن كانت فيه خلَّة منهنّ كان فيه خلَّة من النّفاق حتّى يدعها إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر(5).
وروت العامة عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: «ثلاث من كنّ فيه فهو منافق وإن صام وصلَّى وزعم أنّه مسلم إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان»(6).
ومن أمثالهم في من يخلف الوعد «مواعيد عرقوب»(7)، قالوا: كان عرقوب رجلا من العماليق، فأتاه أخ له يسأله شيئا، فقال له عرقوب: إذا اطلع نخلي، فلما اطلع نخله أتاه، فقال: إذا أبلح، فلما أبلح أتاه، فقال: إذا أزهى، فلما أزهى أتاه،
ص: 321
فقال: إذا أرطب، فلما أرطب أتاه، فقال: إذا صار تمرا، فلما صار تمرا جده (أخذه)من الليل ولم يعطه شيئا(1).
وقالوا: قدم صديق لدعبل من الحج، فوعده أن يهدي له نعلا، فأبطأت عليه، فكتب إليه:
وعدت النعل ثم صدفت عنها
كأنك تبتغي شتما وقذفا
فان لم تهدلي نعلا فكنها
إذا أعجمت بعد النون حرفا(2)
أي أنت نغل بجعل عينها غينا، والنغل فاسد النسب.
ووعد رجل الأعمش فأخلفه، فلما جاءه قال له: مرحبا يا أبا المنذر. قيل له: ما هذا كنيته قال: علمت لكن كنيّته بكنية مسيلمة أي الكذاب(3).
والخلف بالضم الاسم من الخلاف(4)، وكان أهل الجاهلية يقولون: «أخلفت النجوم» إذا أمحلت فلم يكن فيها مطر(5)، و الخلف في المستقبل كالكذب في الماضي(6).
ولبديع الهمداني في وصف شيخ كان يخلف وعده: ما أشبه وعد الشيخ في الخلاف، الا بشجر الخلاف، خضرة في العين، ولا ثمرة في البين، فما ينفع الوعد، ولا انجاز من بعد، ومثل الوعد مثل الرعد ليس له خطر أن لم يتله مطر(7).
ص: 322
الالحاف الالحاح كان معاوية ولي عبد الرحمن بن ام الحكم اخته الكوفة، فأساء السيرة بها، فقدم قادم منها إلى المدينة، فسألته امرأة عبد الرحمن عنه فقال: تركته يسأل الحافا، وينفق اسرافا(1).
قال تعالى في وصف فقراء المؤمنين: «لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّه ِ - لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ - يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ - تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافا»(2) وقال الباقر عليه السلام لمحمد بن مسلم الثقفي: لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا، ولو يعلم المعطي ما في العطية مارد أحد أحدا(3).
وقال الصادق عليه السلام لأبي بصير الاسدي: جَاءَتْ فَخِذٌ(4) مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْهِمُ السَّلاَمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللّه ِ لَنَا إِلَيْكَ حَاجَةٌ فَقَالَ هَاتُوا حَاجَتَكُمْ قَالُوا إِنَّهَا حَاجَةٌ عَظِيمَةٌ فَقَالَ هَاتُوهَا مَا هِيَ قَالُوا تَضْمَنُ لَنَا عَلَى رَبِّكَ الْجَنَّةَ قَالَ فَنَكَسَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله رَأْسَهُ ثُمَّ نَكَتَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ أَفْعَلُ ذَلِكَ بِكُمْ عَلَى أَنْ لاَ تَسْأَلُوا أَحَداً شَيْئاً قَالَ فَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَكُونُ فِي السَّفَرِ فَيَسْقُطُ سَوْطُهُ فَيَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ لاِءِنْسَانٍ نَاوِلْنِيهِ فِرَاراً مِنَ الْمَسْأَلَةِ فَيَنْزِلُ فَيَأْخُذُهُ وَيَكُونُ عَلَى الْمَائِدَةِ فَيَكُونُ بَعْضُ الْجُلَسَاءِ أَقْرَبَ إِلَى الْمَاءِ مِنْهُ فَلاَ يَقُولُ نَاوِلْنِي حَتَّى يَقُومُ فَيَشْرَبُ(5).
ص: 323
قال تعالى: «وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ»(1).
وقال تعالى: «وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ»(2).
وقال تعالى: «وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى»(3).
وقال تعالى: «تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّه ِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ»(4).
وقال تعالى: «وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللّه ُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَللّه ِِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللّه ُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ»(5).
وقال تعالى: «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّه ِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ»(6).
قال النبيّ صلّى اللّه عليه وآله: وأي داء أدوى من البخل(7)، ولو يعلم الناس مافي الرد مارد أحد أحدا(8).
وَقَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ
ص: 324
يَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ وَيَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَهُمْ(1).
وَقَالَ صلى الله عليه و آله: ثَلاَثٌ مُهْلِكَاتٌ الشَّيْخُ الزَّانِي وَالْبَخِيلُ الْمَنَّانُ وَالْمُعِيلُ الْمُخْتَال(2).
عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: الْمُوبِقَاتُ ثَلاَثٌ شُحٌّ مُطَاعٌ وَهَوًى مُتَّبَعٌ وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ(3).
وقال النبى صلى الله عليه و آله: إِنَّ الْبَخِيلَ بَعِيدٌ مِنَ اللّه ِ بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ بَعِيدٌ مِنَ الْجَنَّةِ قَرِيبٌ مِنَ النَّار(4).
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله: الْجَاهِلُ السَّخِيُّ أَحَبُّ إِلَى اللّه ِ مِنَ الْعَابِدِ الْبَخِيلِ(5).
وفي الحديث لا يجتمع الشح والإيمان في قلب رجل مسلم(6).
وقال النبى صلى الله عليه و آله: يقول قائلكم: الشحيح اعذر من الظالم، وأي ظلم أظلم عند اللّه من الشح؟(7)
وعن مسعدة بن صدقة عن جعفر عن آبائه عليهم السلام أنّ أميرالمؤمنين عليه السلامسمع رجلا يقول: إنّ الشحيح أعذر من الظالم، فقال له: كذبت إنّ الظالم قد يتوب ويستغفر ويردّ الظلامة على أهلها، والشّحيح إذا شحّ منع الزكاة والصّدقة وصلة الرّحم وقرى الضيف والنفقة في سبيل اللّه وأبواب البرّ، وحرام على الجنّة أن يدخلها شحيح(8).
ص: 325
وَقَالَ النبى صلى الله عليه و آله لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَخِيلٌ وَلاَ خَبٌّ وَلاَ خَائِنٌ وَلاَ سَيِّئُ الْمَلَكَةِ وَلاَ خبال (ختار خ ل؛ جبار خ ل) مُخْتَالٌ وَلاَ مَنَّانٌ (هماز خ ل)(1).
وقال النبى صلى الله عليه و آله: البخل شجرة تنبت في النّار فلا يلج النّار إلاَّ بخيل(2).
وقال النبى صلى الله عليه و آله: خلق اللّه البخل من مقته وجعل رأسه راسخا في أصل شجرة الزّقّوم ودلَّى بعض أغصانها إلى الدّنيا فمن تعلَّق بغصن منها أدخله النّار ألا إنّ البخل من الكفر والكفر في النّار(3).
وعن عبد الأعلى بن أعين عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: إنّ البخيل من كسب مالا من غير حلّه وأنفقه في غير حقه (4).
وعن إسماعيل بن جابر عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ: «وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ»(5) أ هو سوى الزّكاة؟ فقال: هو الرّجل يؤتيه اللّه الثروة من المال فيخرج منه الألف والألفين والثلاثة والأقلّ والأكثر فيصل به رحمه ويحمل به الكلّ عن قومه(6).
وقال النبى صلى الله عليه و آله: «لا ينبغى للمؤمن أن يكون بخيلا ولا جبانا»(7).
وقال النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله: خَصْلَتَانِ لاَ تَجْتَمِعَانِ فِي مُؤمِنٍ الْبُخْلُ وَسُوءُ الْخُلُقِ (8).
ص: 326
وقال النبى صلى الله عليه و آله: اللَّهمّ إنّى أعوذ بك من البخل (1).
وروي ان النبى صلى الله عليه و آله كان يطوف بالبيت، فإذا رجل متعلق بأستار الكعبة وهو يقول: بحرمة هذا البيت إلا غفرت لي ذنبي ! قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: وما ذنبك؟ صفه لي. قال: هو أعظم من أن أصفه لك. قال: ويحك ! ذنبك أعظم أم الأرضون؟ قال بل ذنبي يا رسول اللّه. قال صلى الله عليه و آله: ويحك ! ذنبك أعظم أم الجبال؟ قال: بل ذنبي يا رسول اللّه. قال صلى الله عليه و آله: فذنبك أعظم أم البحار؟ قال: بل ذنبي يا رسول اللّه قال صلى الله عليه و آله: فذنبك أعظم أم السماوات؟ قال: بل ذنبي يا رسول اللّه. قال: ذنبك أعظم أم العرش؟
قال: بل ذنبي يا رسول اللّه. قال: ذنبك أعظم أم اللّه؟ قال: بل اللّه أعظم وأعلى وأجل. قال: ويحك ! فصف لي ذنبك. قال: يا رسول اللّه إني رجل ذو ثروة من المال، وإن السائل ليأتيني ليسألني فكأنما يستقبلني بشعلة من النار. فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: إليك عني ! لا تحرقني بنارك!
فوالذي بعثني بالهداية والكرامة، لو قمت بين الركن والمقام، ثم صليت ألفي ألف عام، وبكيت حتى تجري من دموعك الأنهار وتسقى بها الأشجار ثم مت وأنت لئيم، لأكبك اللّه في النار ! ويحك ! أما علمت أن اللّه يقول: «وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ»(2) «وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(3)؟ !(4).
وهي رذيلة داخلة تحت الفجور، ويقابلها الوفاء قال سبحانه:
ص: 327
«وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللّه ِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّه َ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً * وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً»(1).
أخذ من النبيّ صلّى اللّه عليه وآله عمرو راية، وعهد معه ألا يقاتل بها مسلما، فخان وقاتل مع من كان نفس النبيّ صلّى اللّه عليه وآله.
وفي (كنايات الجرجانى): يسمّون سورة المائدة سورة الأخيار، وقولهم فلان لا يقرأ سورة الأخيار، يعني لا يفي بالعهد، قال جرير:
ان البعيث وعبد آل مقاعس
لا يقرءان سورة الاخيار(2)
«و يقطع الالّ» أي: القرابة والرحم، قال حسان:
لعمرك ان إلكّ من قريش
كإلّ السقب من رأل النعام(3)
قال نصر: لما عبأ معاوية خيله، وعقد الألوية، وأمّر الامراء، وكتّب الكتائب، قال عمرو بن العاص له: اعصب هذا الأمر برأسي، وأرسل إلى ابي الأعور يقولوا له: ان لعمرو رأيا وتجربة ليسا لي ولك، وقد وليته أعنة الخيل ففعل - إلى أن قال - فقال عمرو لابنيه عبداللّه ومحمّد: قَدّما لي هذه الدرع، وأخرا عني هذه الحسر،
ص: 328
وأقصا الصف قص الشارب، فان هؤلاء قد جاءوا بخطة بلغت السماء، فمشي ابناه براياتهما وعدلا الصفوف، وسار بينهما عمرو حتى عدل الصفوف وأحسن الصف ثانية، ثم حمل قيسا وكلبا وكنانة على الخيول، ورجل سائر الناس، وقعد على منبره، وأحاط به أهل اليمن وقال: لا يقربن أحد هذا المنبر إلاّ قتلتموه كائنا من كان(1).
وقال: ان الحسن عليه السلام لما سلم الأمر إلى معاوية أشخص عبداللّه بن هاشم المرقال إليه أسيرا، فأدخل عليه وعنده عمرو بن العاص، فقال عمرو لمعاوية: هذا المحتال ابن المرقال، فدونك الضب المضب، فان العصا من العصية، و انما تلد الحية حية، وجزاء سيئة سيئة مثلها، أمكني منه فأشخب أو داجه على أثباجه. فقال له ابن المرقال: فهلا كانت هذه الشجاعة منك يا بن العاص أيّام صفين حين ندعوك إلى النزال، وقد ابتلت أقدام الرجال من نقيع الجريال - أي الدم - وقد تضايقت بك المسالك، وأشرفت فيها على المهالك، وايم اللّه لو لا مكانك من معاوية انشبت لك مني حافية، أرميك من خلالها أحد من وقع الأثافي، فانك لا تزال تكثر في هوسك، وتخبط في دهسك، وتنشب في مرسك، خبط العشواء في الليلة الخندس الظلماء. فأعجب معاوية ما سمع من كلامه، فكف عن قتله وبعث به إلى السجن(2).
ورواه (المروج) وفيه: قال لعمرو: أفلا كان هذا منك إذ تحيد عن القتال، ونحن ندعوك إلى النزال، وأنت تلوذ بشمال النطاف وعقائق الرصاف، كالامةالسوداء والنعجة القوداء لا تدفع يد لامس. فقال له عمرو: لا أحسبك منفلتا
ص: 329
من مخالب معاوية. فقال له ابن المرقال: أما واللّه يا ابن العاص انك لبطر في الرخاء، جبان عند اللقاء، غشوم إذا وليت، هيابة إذا لقيت، تهدر كما يهدر العوذ المنكوس المقيد بين مجرى الشول، لا يستعجل في المدة، ولا يرتجي في الشدة - إلخ(1).
هذا، ولابن ميادة في ايوب بن سلمة ابن اخته:
ظللنا وقوفا عند باب ابن اختنا
وظلّ عن المعروف والمجد في شغل
صفا صلد عند الندى ونعامة
إذا الحرب أبدت عن نواجذها العصل(2)
ولبعضهم في الحجاج:
أسد عليّ وفي الحروب نعامة
فتخاء تنفر من صفير الصافر
هلا برزت إلى غزالة في الوغى
بل كان قلبك في جناحي طائر(3)
وقال قرواش في رجلين:
ضبعا مجاهرة وليثا هدنة
وثعيلبا خمر إذا ما اظلما(4)
ولبعضهم:
أفي السلم اعيار جفاء وغلظة
وفي الحرب أمثال النساء العوارك(5)
ص: 330
«فإذا كان» أي: وجد «ذلك» أي: أخذ السيوف مآخذها «كان أكبر مكيدته ان يمنح» أي: يعطي، والصواب: (القوم)؛ (سبته) بالفتح أي: دبره.
وَبَرَزَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام وَدَعَا مُعَاوِيَةَ قَالَ أَسْأَلُكَ أَنْ تَحْقِنَ الدِّمَاءَ وَتَبْرُزَ إِلَيَّ وَأَبْرُزَ إِلَيْكَ فَيَكُونَ الْأَمْرُ لِمَنْ غَلَبَ فَبُهِتَ مُعَاوِيَةُ وَلَمْ يَنْطِقْ بِحَرْفٍ فَحَمَلَ أَمِيرالْمُؤمِنِينَ عليه السلام عَلَى الْمَيْمَنَةِ فَأَزَالَهَا ثُمَّ حَمَلَ عَلَى الْمَيْسَرَةِ فَطَحَنَهَا ثُمَّ حَمَلَ عَلَى الْقَلْبِ وَقَتَلَ مِنْهُمْ جَمَاعَةً وَأَنْشَدَ:
فَهَلْ لَكَ فِي أَبِي حَسَنٍ عَلِيٍّ
لَعَلَّ اللّه َ يُمْكِنُ مِنْ قَفَاكَا
دَعَاكَ إِلَى الْبِرَازِ فَكَعْتَ عَنْهُ(1)
وَلَوْ بَارَزْتَهُ تَرِبَتْ يَدَاكَا
فَانْصَرَفَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام ثُمَّ بَرَزَ مُتَنَكِّراً فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مُرْتَجِزاً:
يَا قَادَةَ الْكُوفَةِ مِنْ أَهْلِ الْفِتَنِ
يَا قَاتِلِي عُثْمَانَ ذَاكَ الْمُؤتَمَنُ
كَفَى بِهَذَا حَزَناً مَعَ الْحَزَنِ
أَضْرِبُكُمْ وَلاَ أَرَى أَبَا الْحَسَنِ
فَتَنَاكَلَ(2) عَنْهُ عَلِيٌّ عليه السلام حَتَّى تَبِعَهُ عَمْرٌو ثُمَّ ارْتَجَزَ:
أَنَا الْغُلاَمُ الْقُرَشِيُّ الْمُؤتَمَنُ
الْمَاجِدُ الْأَبْيَضُ لَيْثٌ كَالشَّطَنِ(3)
يَرْضَى بِهِ السَّادَةُ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ
مِنْ سَاكِنِي نَجْدٍ وَمِنْ أَهْلِ عَدَنٍ
أَبُو الْحُسَيْنِ فَاعْلَمَنْ أَبُو الْحَسَنِ
فَوَلَّى عَمْرٌو هَارِباً فَطَعَنَهُ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ فَوَقَعَتْ فِي ذَيْلِ دِرْعِهِ فَاسْتَلْقَى عَلَى قَفَاهُ وَأَبْدَى عَوْرَتَهُ فَصَفَحَ عَنْهُ اسْتِحْيَاءً وَتَكَرُّماً فَقَالَ مُعَاوِيَةُ:
ص: 331
الْحَمْدُ للّه ِِ الَّذِي عَافَاكَ
وَاحْمَدْ اسْتَكَ الَّذِي وَقَاكَ
قَالَ أَبُو نُوَاسٍ:
فَلاَ خَيْرَ فِي دَفْعِ الرَّدَى بِمَذَلَّةٍ
كَمَا رَدَّهَا يَوْماً بِسَوْأَتِهِ عَمْرٌو.
وَبَرَزَ عَلِيٌّ عليه السلام وَدَعَا مُعَاوِيَةَ فَنَكَلَ عَنْهُ فَخَرَجَ بُسْرُ بْنُ أَرْطَاةَ يَطْمَعُ فِي عَلِيٍّ فَضَرَبَهُ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام فَاسْتَلْقَى عَلَى قَفَاهُ وَكَشَفَ عَنْ عَوْرَتِهِ فَانْصَرَفَ عَنْهُ عَلِيٌّ فَقَالَ وَيْلَكُمْ يَا أَهْلَ الشَّامِ أَمَا تَسْتَحْيُونَ مِنْ مُعَامَلَةِ الْمَخَانِيثِ لَقَدْ عَلَّمَكُمْ رَأْسُ الْمَخَانِيثِ عَمْرٌو لَقَدْ رَوَى هَذِهِ السِّيرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِي كَشْفِ الْأَسْتَارِ «فى كشف الاستاه» وَسْطَ عَرْصَةِ الْحُرُوبِ(1).
قال المدائني: رأى عمرو بن العاص يوما معاوية يضحك، فقال له: مم تضحك قال: من حضور ذهنك عند إبدائك سوأتك يوم ابن أبي طالب، أما واللّه لقد وافقته منانا كريما، ولو شاء أن يقتلك لقتلك. فقال له عمرو: أما واللّه واني لعن يمينك حين دعاك عليّ إلى البراز، فاحولت عيناك، وربا سحرك، وبدا منك ما أكره ذكره لك، فمن نفسك فاضحك أودع(2).
وعن الْوَلِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ اسْتَضْحَكَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ لَهُعَمْرٌو: مَا أَضْحَكَكَ يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ، أَدَامَ اللّه ُ سُرُورَكَ قَالَ: ذَكَرْتُ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ وَقَدْ غَشِيَكَ بِسَيْفِهِ فَاتَّقَيْتَهُ وَوَلَّيْتَ.
فَقَالَ: أَ تُشْمِتُ بِي يَا مُعَاوِيَةُ، وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا يَوْمٌ دَعَاكَ إِلَى الْبِرَازِ فَالْتَمَعَ
ص: 332
لَوْنُكَ، وَأَطَّتْ(1) أَضْلاَعُكَ، وَانْتَفَخَ مِنْخَرُكَ، وَاللّه ِ لَوْ بَارَزْتَهُ لَأَوْجَعَ قَذَالَكَ(2)، وَأَيْتَمَ عِيَالَكَ، وَبَزَّكَ سُلْطَانَكَ، وَأَنْشَأَ عَمْرٌو يَقُولُ:
مُعَاوِيَ لاَ تُشْمِتْ بِفَارِسِ بُهْمَةٍ(3)
لَقِيَ فَارِساً لاَ تَعْتَلِيهِ الْفَوَارِسُ
مُعَاوِيَ لَوْ أَبْصَرْتَ فِي الْحَرْبِ مُقْبِلاً
أَبَا حُسْنٍ يَهْوِي دَهَتْكَ الْوَسَاوِسُ
وَأَيْقَنْتَ أَنَّ الْمَوْتَ حَقٌّ وَأَنَّهُ
لِنَفْسِكَ إِنْ لَمْ تُمْعِنِ الرَّكْضَ خَالِسٌ
دَعَاكَ فَصَمَّتْ دُونَهُ الْأُذُنُ أَذْرُعاً
وَنَفْسُكَ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيْهَا الْأَمَالِسُ(4)
أَ تُشْمِتُ بِي إِذْ نَالَنِي حَدُّ رُمْحِهِ
وَعَضَّضَنِي نَابٌ مِنَ الْحَرْبِ نَاهِسٌ
فَأَيُّ امْرِئٍ لاَقَاهُ لَمْ يَلْقَ شِلْوَهُ
بِمُعْتَرَكٍ تُسْفَى عَلَيْهِ الرَّوَامِسُ(5)
أَبَى اللّه ُ إِلاَّ أَنَّهُ لَيْثُ غَابَةٍ
أَبُو أَشْبُلٍ تُهْدَى إِلَيْهِ الْفَرَائِسُ
فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ فَأَرْهِجْ عَجَاجَةً
وَإِلاَّ فَتِلْكَ التُّرَّهَاتُ الْبَسَابِسُ(6)
فَقَالَ مُعَاوِيَةَ: مَهْلاً يَا أَبَا عَبْدِاللّه ِ، وَلاَ كُلَّ هَذَا. قَالَ: أَنْتَ اسْتَدْعَيْتَهُ(7).
وروى الواقدي قال قال معاوية يوما بعد استقرار الخلافة له لعمرو بن العاص: يا أبا عبداللّه لا أراك إلا ويغلبني الضحك قال بما ذا قال أذكر يوم حمل عليك أبوتراب في صفين فأزريت نفسك فرقا من شبا سنانه وكشفت سوأتك له فقال عمرو أنا منك أشد ضحكا إني لأذكر يوم دعاك إلى البراز فانتفخ سحرك وربا لسانك في
ص: 333
فمك وغصصت بريقك وارتعدت فرائصك وبدا منك ما أكره ذكره لك فقال معاوية لم يكن هذا كله وكيف يكون ودوني عك والأشعريون قال إنك لتعلم أن الذي وصفت دون ما أصابك وقد نزل ذلك بك ودونك عك والأشعريون فكيف كانت حالك لو جمعكما مأقط (1) الحرب فقال يا أبا عبداللّه خض بنا الهزل إلى الجد إن الجبن والفرار من علي لا عار على أحد فيهما(2).
وحمل عمرو بن العاص معلما وهو يقول:
شدّوا علي شكتي لا تنكشف
بعد طليح والزبير فاتلف
يوم لهمدان ويوم للصدف
وفي تميم نحوه لا تنحرف
أضربها بالسيف حتى تنصرف
إذا مشيت مشية العوذ الصلف
ومثلها لحمير او تنحرف
والربعيون لهم يوم عصف
فاعترضه عليّ عليه السلام وهو يقول:
قد علمت ذات القرون الميل
والخصر والأنامل الطفيل
اني بنصل السيف خنشليل
احمي وادمي أوّل الرعيل
بصارم ليس بذي فلول
ثم طعنه فصرعه، واتقاه عمرو برجله، فبدت عورته، فصرف عليّ وجهه عنه و ارتث، فقال القوم له عليه السلام: أفلت الرجل. قال: وهل تدرون من هو قالوا: لا. قال:فانه عمرو بن العاص تلقاني بعورته، فصرفت وجهي عنه.
ورجع عمرو إلى معاوية فقال له: ما صنعت قال: لقيني عليّ فصرعني. قال: أحمد اللّه وعورتك، أما واللّه ان لو عرفته ما اقحمت عليه. وقال:
ص: 334
ألا للّه من هفوات عمرو
يعاتبني على تركى برازي
فقد لاقى أبا حسن عليّا
فآب الوائلي مآب خازي
فلو لم يبد عورته للاقى
به ليثا يذلل كل نازي
له كفّ كأن براحتيها
منايا القوم يخطف خطف بازي
فان تكن المنية اخطأته
فقد غني بها أهل الحجازي(1)
إلى أن قال بعد ذكر حض معاوية لبسر بن ارطاة برازه إليه عليه السلام: فبرز وانه عليه السلام لما قاربه طعنه وهو دارع فألقاه على الأرض، فقصد بسر أن يكشف عورته ليستدفع باسته، فانصرف عنه، فقال له الأشتر: هذا عدوّ اللّه بسر. فقال له: دعه عليه لعنة اللّه
أبعد أن فعلها، فقال الأشتر:
اكلّ يوم رجل شاغره
وعورة وسط العجاج ظاهره
تبرزها طعنة كف واتره
عمرو وبسر رميا بالفاقره
وقال النضر بن الحارث:
أفي كل يوم فارس تندبونه
له عورة وسط العجاجة باديه
يكف بها عنه على سنانه
ويضحك منها في الخلاء معاويه
بدت امس بن عمرو فقنع راسه
وعورة بسر مثلها حذو حاذيه
فقولا لعمرو وابن ارطاة ابصرا
سبيلكما لا تلقيا الليث ثانيه
ولا تحمدا إلا الحيا وخصيكما
هما كانتا واللّه للنفس واقيه
فلولاهما لم تنجوا من سنانه
وتلك بما فيها من العود ناهيه
مَتَى تَلْقَيَا الْخَيْلَ الْمَشِيخَةَ صُحْبَةً
وَفِيهَا عَلِيٌّ فَاتْرُكَا الْخَيْلَ نَاحِيَةً
ص: 335
وَكُونَا بَعِيداً حَيْثُ لاَ يَبْلُغُ الْقَنَا
نُحُورَكُمَا إِنَّ التَّجَارِبَ كَافِيَةٌ(1)
وعن عبد الرحمن بن حاطب قال: كان عمرو بن العاص عدوا للحارث بن نضر الخثعمي وكان من أصحاب علي عليه السلامو كان علي عليه السلام قد تهيبته فرسان الشام وملأ قلوبهم بشجاعته وامتنع كل منهم من الإقدام عليه وكان عمرو قلما جلس مجلسا إلا ذكر فيه الحارث بن نضر الخثعمي وعابه فقال الحارث:
ليس عمرو بتارك ذكره الحارث
بالسوء أو يلاقي عليا
واضع السيف فوق منكبه الأيمن
لا يحسب الفوارس شيا
ليت عمرا يلقاه في حومة النقع
وقد أمست السيوف عصيا
حيث يدعو للحرب حامية القوم
إذا كان بالبراز مليا
فالقه إن أردت مكرمة الدهر
أو الموت كل ذاك عليا.
فشاعت هذه الأبيات حتى بلغت عمرا فأقسم باللّه ليلقين عليا ولو مات ألف موتة فلما اختلطت الصفوف لقيه فحمل عليه برمحه فتقدم علي عليه السلام وهو مخترط سيفا معتقل رمحا فلما رهقه همز فرسه ليعلو عليه فألقى عمرو نفسه عن فرسه إلى الأرض شاغرا برجليه كاشفا عورته فانصرف عنه لافتا وجهه مستدبرا له فعد الناس ذلك من مكارمه وسؤدده وضرب بها المثل (2).
قال نصر وحدثني محمد بن إسحاق قال: اجتمع عند معاوية في بعض ليالي صفين عمرو بن العاص وعتبة بن أبي سفيان والوليد بن عقبة ومروان بن الحكم وعبداللّه بن عامر وابن طلحة الطلحات الخزاعي فقال عتبة إن أمرنا وأمر علي بن أبي طالب لعجب ما فينا إلا موتور مجتاح.
ص: 336
أما أنا فقتل جدي عتبة بن ربيعة وأخي حنظلة وشرك في دم عمي شيبة يوم بدر. وأما أنت يا وليد فقتل أباك صبرا وأما أنت يا ابن عامر فصرع أباك وسلب عمك.
وأما أنت يا ابن طلحة فقتل أباك يوم الجمل وأيتم إخوتك وأما أنت يا مروان فكما قال الشاعر:
وأفلتهن علباء جريضا
ولو أدركنه صفر الوطاب(1)
فقال معاوية هذا الإقرار فأين الغير؟(2) قال مروان وأي غير تريد قال أريد أن تشجروه بالرماح قال واللّه يا معاوية ما أراك إلا هاذيا أو هازئا وما أرانا إلا ثقلنا عليك فقال ابن عقبة:
يقول لنا معاوية بن حرب
أ ما فيكم لواتركم طلوب
يشد على أبي حسن علي
بأسمر لا تهجنه الكعوب
فيهتك مجمع اللبات منه
ونقع الحرب مطرد يئوب
فقلت له أ تلعب يا ابن هند
كأنك بيننا رجل غريب
أ تغرينا بحية بطن واد
إذا نهشت فليس لها طبيب
وما ضبع يدب ببطن واد
أتيح له به أسد مهيب
بأضعف حيلة منا إذا ما
لقيناه ولقياه عجيب
سوى عمرو وقته خصيتاه
وكان لقلبه منه وجيب
كأن القوم لما عاينوه
خلال النقع ليس لهم قلوب
ص: 337
لعمر أبي معاوية بن حرب
وما ظني ستلحقه العيوب
لقد ناداه في الهيجا علي
فأسمعه ولكن لا يجيب
فغضب عمرو وقال إن كان الوليد صادقا فليلق عليا أو فليقف حيث يسمع صوته.
وقال عمرو:
يذكرني الوليد دعا علي
ونطق المرء يملؤه الوعيد
متى تذكر مشاهده قريش
يطر من خوفه القلب الشديد
فأما في اللقاء فأين منه
معاوية بن حرب والوليد
وعيرني الوليد لقاء ليث
إذا ما شد هابته الأسود
لقيت ولست أجهله عليا
وقد بلت من العلق اللبود
فأطعنه ويطعني خلاسا
وما ذا بعد طعنته أريد
فرمها منه يا ابن أبي معيط
وأنت الفارس البطل النجيد
وأقسم لو سمعت ندا علي
لطار القلب وانتفخ الوريد
ولو لاقيته شقت جيوب
عليك ولطمت فيك الخدود(1)
هذا، وأخذ عبداللّه بن علي أسيرا من أصحاب مروان ابن محمّد، فأمر بضرب عنقه، فلما رفع السياف السيف ضرط الشامي، فنفرت دابة عبداللّه، فضحك وقال للشامي: اذهب فأنت عتيق استك.
فقال الشامي: هذا واللّه الادبار، كنا ندفع الموت بأسنتنا، فصرنا ندفعه اليوم بأستاهنا(2).
ص: 338
قال التسترى: لم يدر عبداللّه بن عليّ يقول له كنتم من أول يوم تدفعون الموت بأستاهكم، فلو كان عمرو لم يكشف عورته لكان عليه السلام قتله، ولو كان قتل لم يكن من يكيد لكم رفع المصاحف لما انهزمتم، فالأصل في امركم سبة عمرو(1).
قَالَ الصَّادِقُ عليه السلام: ذِكْرُ الْمَوْتِ يُمِيتُ الشَّهَوَاتِ فِي النَّفْسِ وَيَقْطَعُ مَنَابِتَ الْغَفْلَةِ وَيُقَوِّي الْقَلْبَ بِمَوَاعِدِ اللّه ِ تَعَالَى وَيُرِقُّ الطَّبْعَ وَيَكْسِرُ أَعْلاَمَ الْهَوَى وَيُطْفِئُ نَارَ الْحِرْصِ وَيُحَقِّرُ الدُّنْيَا وَهُوَ مَعْنَى مَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله فِكْرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ وَذَلِكَ عِنْدَ مَا تَحُلُّ أَطْنَابَ خِيَامِ الدُّنْيَا وَتَشُدُّهَا بِالاْخِرَةِ وَلاَ يَسْكُنُ نُزُولُ الرَّحْمَةِ عِنْدَ ذِكْرِ الْمَوْتِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَمَنْ لاَ يَعْتَبِرُ بِالْمَوْتِ وَقِلَّةِ حِيلَتِهِ وَكَثْرَةِ عَجْزِهِ وَطُولِ مُقَامِهِ فِي الْقَبْرِ وَتَحَيُّرِهِ فِي الْقِيَامَةِ فَلاَ خَيْرَ فِيه قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله: اذْكُرُوا هَادِمَ اللَّذَّاتِ قِيلَ وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فَقَالَ صلى الله عليه و آله الْمَوْتُ فَمَا ذَكَرَهُ عَبْدٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ فِي سَعَةٍ إِلاَّ ضَاقَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَلاَ فِي شِدَّةٍ إِلاَّ اتَّسَعَتْ عَلَيْه(2).
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله أَفْضَلُ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا ذِكْرُ الْمَوْتِ وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ ذِكْرُ الْمَوْتِوَأَفْضَلُ التَّفَكُّرِ ذِكْرُ الْمَوْتِ فَمَنْ أَثْقَلَهُ ذِكْرُ الْمَوْتِ وَجَدَ قَبْرَهُ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ(3).
وعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام حَدِّثْنِي مَا أَنْتَفِعُ بِهِ فَقَالَ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ
ص: 339
أَكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ لَمْ يُكْثِرْ ذِكْرَهُ إِنْسَانٌ إِلاَّ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا(1).
سُئِلَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أَيُّ الْمُؤمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ صلى الله عليه و آله: أَكْثَرُهُمْ ذِكْراً لِلْمَوْتِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ اسْتِعْدَاداً (2).
قال اميرالمومنين عليه السلام فى وصيته لابنه حسن عليه السلام: يَا بُنَيَّ أَكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَذِكْرِ مَا تَهْجُمُ عَلَيْهِ وَتُفْضِي بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَكَ وَقَدْ أَخَذْتَ مِنْهُ حِذْرَكَ (3)، وَشَدَدْتَ لَهُ أَزْرَك(4).
روى نصر: أن ذا الكلاع الحميري من أصحاب معاوية أراد ان يجمع بين عمار وعمرو بن العاص، لأنه سمع من عمرو في امارة عمر أن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله حدثه ان أهل الشام وأهل العراق يلتقيان، وفي إحدى الكتيبتين الحق وإمام الهدى ومعه عمار(5) - إلى أن قال - قال عمرو لعمار: فعلام تقاتلنا أو لسنا نعبد الها واحدا فقال له عمار: أمرني النبيّ ان اقاتل الناكثين وقذ فعلت، وأمرني ان اقاتلالقاسطين فأنتم هم، واما المارقين فما أدري أدركهم أم لا، أ لست تعلم أيها الأبتر ان النبيّ قال لعليّ «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه»، وانا مولى اللّه ورسوله وعلي بعده وليس لك مولى. قال عمرو له: لم تشتمني ولست أشتمك. قال: وبم تشتمني، أ تستطيع ان تقول اني عصيت اللّه
ص: 340
ورسوله يوما؟(1).
إلى أن قال: فقال له عمرو: فما تقول في قتل عثمان قال: فتح لكم باب كل سوء. قال عمرو: فعليّ قتله. قال عمار: بل اللّه رب عليّ قتله وعليّ معه. قال: أ كنت
في من قتله قال: كنت مع من قتله، وأنا اليوم أقاتل معهم. قال عمرو: فلم قتلتموه قال: أراد أن يغير ديننا فقتلناه. فقال عمرو: ألا تسمعون قد اعترف بقتل عثمان؟ فقال عمار: قد قال فرعون من قبلك لقومه: «أَ لا تَسْتَمِعُونَ»(2).(3)
وذكروا أن رجلا من همدان يقال له برد قدم على معاوية، فسمع عمرو بن العاص يقع في عليّ عليه السلام، فقال له: يا عمرو ان أشياخنا سمعوا النبيّ صلّى اللّه عليه وآله يقول «من كنت مولاه فعليّ مولاه» فحق ذلك أم باطل فقال عمرو: حق وانا أزيدك انه ليس أحد من صحابة النبيّ له مناقب مثل مناقب عليّ. ففزع الفتى، فقال عمرو: لكنه أفسدها بأمره في عثمان. قال: هل أمر أو قتل قال: لا ولكنه آوى ومنع. قال: فهل بايعه الناس عليها قال: نعم. قال: فما أخرجك منها قال: اتهامي اياه في عثمان. قال له: وأنت أيضا قد اتهمت. قال: صدقت فيها خرجت إلى فلسطين. فرجع الفتى إلى قومه فقال: انا اتينا قوما أخذنا الحجة عليهم منأفواههم، عليّ على الحق فاتبعوه(4).
إِنَّهُ لَمْ يُبَايِعْ مُعَاوِيَةَ حَتَّى شَرَطَ لَهُ أَنْ يُؤتِيَهُ أَتِيَّةً وَيَرْضَخَ لَهُ عَلَى تَرْكِ الدِّينِ رَضِيخَة
طلب معاوية من عمرو أن يسوي صفوف أهل الشام، فقال له عمرو: على ان
ص: 341
لي حكمي ان قتل ابن أبي طالب واستوسقت لك البلاد. فقال: أليس حكمك في مصر قال: وهل مصر تكون عوضا عن الجنة، وقتل ابن أبي طالب ثمن لعذاب النار. فقال له معاوية: لك حكمك ان قتل رويدا لا يسمع أهل الشام كلامك(1).
وَفِي كِتَابِ يَتِيمَةِ الدَّهْرِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ غَيَّرَ الْخَاتَمَ مِنْ يَمِينِهِ إِلَى شِمَالِهِ فَاقْتَدَى الْعَامَّةُ بِهِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا(2) وَذَكَرَ غَيْرُ الثَّعْلَبِيِّ فِي ذَلِكَ شِعْراً:
سَنَّ التَّخَتُّمَ فِي الْيَمِينِ مُحَمَّدٌ
لِلْقَائِلِينَ بِدَعْوَةِ الاْءِخْلاَصِ
وَسَعَى ابْنُ هِنْدٍ فِي إِزَالَةِ رَسْمِهِ
وَأَعَانَهُ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْعَاص(3)
وحضرت الأنصار - ومعهم النعمان بن بشير - باب معاوية فقال حاجبه سعد له الأنصار بالباب. فقال عمرو بن العاص: ما هذا اللقب الّذي جعلوه نسبا، أرددهم إلى نسبهم. فقال له معاوية: ان علينا في ذلك شناعة. قال: وما في ذلك، انما هي كلمة مكان كلمة. فقال معاوية لحاجبه: أخرج فناد من كان بالباب من ولد عمرو بن عامر فليدخل، فخرج فنادى، فدخل من كان هناك منهم سوى الأنصار، فقال له: أخرج فناد من كان هناك من الأوس والخزرج فليدخل، فخرج فنادى، فوثبالنعمان وأنشأ يقول:
يا سعد لا تعد الدعاء فما لنا نسب
نجيب به سوى الأنصار
نسب تخيره الإله لنا
اثقل به نسبا على الكفار
فقال معاوية لعمرو: قد كنّا لأغنياء عن هذا(4).
هذا، ونظير كلامه عليه السلام في عمرو كلام ابن عباس فيه، قال المدائني: قام عمرو في
ص: 342
موسم من مواسم العرب، فأطرى معاوية وبني امية وذكر مشاهده بصفين، فأقبل ابن عباس عليه وقد اجتمعت قريش، فقال له: انك ابتعت دينك من معاوية، وأعطيته ما بيدك، ومنّاك ما بيد غيرك، وكان الّذي أخذ منك أكثر من الّذي أعطاك، والّذي أخذت منه دون الّذي أعطيته، وكلّ راض بما أخذ وأعطى، فلمّا صارت مصر في يدك كدرها عليك بالعزل والتنغيص حتى لو كانت نفسك في يدك ألقيتها، وذكرت مشاهدك بصفين، فو اللّه ما ثقلت علينا وطأتك، ولقد كشفت فيها عورتك، وان كنت فيها الطويل اللسان قصير السنان آخر الخيل إذا أقبلت، وأولها إذا أدبرت، لك يدان يد لا تبسطها إلى خير، واخرى لا تقبضها عن شر، ولسان غرور ذو وجهين وجه موحش، ووجه مونس، ولعمري ان من باع دينه بدنيا غيره لحري أن يطول عليها ندمه، لك لسان وفيك خطل، ولك رأي وفيك نكد، ولك قدر وفيك حسد، وأصغر عيب فيك أعظم عيب في غيرك(1).
وذكروا أنه جعل لرجل ألف درهم على أن يسأل عمرو بن العاص عن أمه وهوعلى المنبر، فسأله فقال: أمي سلمى بنت حرملة تلقّب النابغة من بنى عنزة، ثم أحد بنى جلان، أصابتها رماح العرب، فبيعت بعكاظ، فاشتراها الفاكه من المغيرة، ثم اشتراها منه عبداللّه بن جدعان، ثم صارت إلى العاص بن وائل، فولدت له، فأنجبت، فإن كان جعل لك شيء فخذه (2).
قال اليعقوبى: لما حضرت عمرا الوفاة قال لابنه: لود أبوك أنه كان مات في
ص: 343
غزاة ذات السلاسل. إني قد دخلت في أمور لا أدري ما حجتي عند اللّه فيها. ثم نظر إلى ماله فرأى كثرته، فقال: يا ليته كان بعرى، يا ليتني مت قبل هذا اليوم بثلاثين سنة، أصلحت لمعاوية دنياه، وأفسدت ديني، آثرت دنياي وتركت آخرتي، عمى على رشدي حتى حضرني أجلي، كأني بمعاوية قد حوى مالي وأساء فيكم خلافتي؛(1) ومات في يوم الفطر سنة ثلاث وأربعين. وقيل سنة اثنتين وأربعين. وقيل سنة ثمان وأربعين. وقيل سنة إحدى وخمسين. والأول أصحّ؛ وكان له يوم مات تسعون سنة(2).
هذا، ونظير كلامه عليه السلام في ابن النابغة كلام أحمد بن أبي طاهر البغدادي في ابن مكرم صاحب أبي العيناء «هو العاق لأبيه، والمنتفي من أخيه، والقاذف لامه، والقاطع لرحمه، المهتوك الحرمة، الوضيع الهمة، الضيق الصدر، القريب القعر، السريع إلى الصديق، البطيء عن الحقوق، المشهور بالزناء، المعروف بالبغاء، العاكف على ذنبه، الصادف عن ربّه، الوضيع في خلائفه، العاتي على خالقه، الدائم البطنة، القليل الفطنة، النظف الدين والجيب، الدنس العرض والثوب، عدوّه آمنمن غائلته، وصديقه خائف من بائقته، جهله جهل الصبيان، وضعفه ضعف النسوان، سهل الريح، ثقيل الروح، خفيف العقل والوزن. خبيث الفرج والبطن، جليسه بين نتن واذى، وقذر وبذي، من استخف به اكرمه، ومن وصله صرمه، غث الخلقة، رث الهيئة، وسخ المروءة، يحلف ليحنث، ويعهد لينكث، ويعد ليخلف، ويحدّث ليكذب، ان تكلم ملأ الأسماع عيا، والأنف نتنا، وان سكت قرى العيون قبحا، والقلوب مقتا، اسناده عن المخنّثين، وبلاغته في ذم الصالحين، وطرفه قذف
ص: 344
المحصنات، وسعيه في كسب السيئات، وخلوته لاقتراف السوءات، وتمني الشهوات»(1).
وكلام أعرابي لشخص «أنت واللّه ممن إذا سأل ألحف، وإذا سئل سوّف، وإذا حدّث حلف، وإذا وعد أخلف، تنظر نظر حسود، وتعرض اعراض حقود»(2).
وعكسه قول النظام في عبد الوهاب الثقفي: هو واللّه أحلى من أمن بعد خوف، وبرء بعد سقم، وخصب بعد جدب، وغنى بعد فقر، ومن طاعة المحبوب، وفرج المكروب، ومن الوصال الدائم، مع الشباب الناعم(3).
ص: 345
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللّه ُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ الْأَوَّلُ لاَ شَيْءَ قَبْلَهُ وَالاْخِرُ لاَ غَايَةَ لَهُ لاَ تَقَعُ الْأَوْهَامُ لَهُ عَلَى صِفَةٍ وَلاَ تُعْقَدُ الْقُلُوبُ مِنْهُ عَلَى كَيْفِيَّةٍ وَلاَ تَنَالُهُ التَّجْزِئَةُ وَالتَّبْعِيضُ وَلاَ تُحِيطُ بِهِ الْأَبْصَارُ وَالْقُلُوبُ.
ومنها:
فَاتَّعِظُوا عِبَادَ اللّه ِ بِالْعِبَرِ النَّوَافِعِ وَاعْتَبِرُوا بِالاْيِ السَّوَاطِعِ وَازْدَجِرُوا بِالنُّذُرِ الْبَوَالِغِ وَانْتَفِعُوا بِالذِّكْرِ وَالْمَوَاعِظِ فَكَأَنْ قَدْ عَلِقَتْكُمْ مَخَالِبُ الْمَنِيَّةِ وَانْقَطَعَتْ مِنْكُمْ عَلاَئِقُ الْأُمْنِيَّةِ وَدَهَمَتْكُمْ مُفْظِعَاتُ الْأُمُورِ وَالسِّيَاقَةُ إِلَى الْوِرْدِ الْمَوْرُودِ وَكُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ سَائِقٌ يَسُوقُهَا إِلَى مَحْشَرِهَا وَشَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا.
ومنها في صفة الجنة
دَرَجَاتٌ مُتَفَاضِلاَتٌ وَمَنَازِلُ مُتَفَاوِتَاتٌ لاَ يَنْقَطِعُ نَعِيمُهَا وَلاَ يَظْعَنُ مُقِيمُهَا وَلاَ يَهْرَمُ خَالِدُهَا وَلاَ يَبْأَسُ سَاكِنُهَا.
ص: 346
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللّه ُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُقال تعالى: «لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللّه ُ لَفَسَدَتا»(1).
وقال تعالى: «وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُو»(2).
عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله في خبر يقول تعالى: فمن لقيني منكم يشهد ألاّ إله إلاّ أنا، وأنّ محمّدا عبدي ورسولي أدخلته الجنّة برحمتي(3).
عَنْ مَيْمُونٍ الْبَانِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللّه ِ عليه السلام وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْأَوَّلِ وَالاْخِرِ فَقَالَ الْأَوَّلُ لاَ عَنْ أَوَّلٍ قَبْلَهُ وَلاَ عَنْ بَدْءٍ سَبَقَهُ وَالاْخِرُ لاَ عَنْ نِهَايَةٍ كَمَا يُعْقَلُ مِنْ صِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ وَلَكِنْ قَدِيمٌ أَوَّلٌ آخِرٌ لَمْ يَزَلْ وَلاَ يَزُولُ بِلاَ بَدْءٍ وَلاَ نِهَايَةٍ لاَ يَقَعُ عَلَيْهِ الْحُدُوثُ وَلاَ يَحُولُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ(4).
في حديث الزنديق مع الصادق عليه السلام: قال الزنديق: فإنّا لم نجد موهوما إلاّ مخلوقا. قال أبو عبداللّه عليه السلام: لو كان ذلك كما تقول لكان التّوحيد عنّا مرتفعا، لأنّا لم نكلّف أن نعتقد غير موهوم، ولكنّا نقول: كلّ موهوم بالحواسّ مدرك، فما تجده الحواسّ وتمثّله فهو مخلوق، ولا بدّ من إثبات صانع الأشياء خارج من الجهتين
ص: 347
المذمومتين: إحداهما: النفي، إذا كان النّفي هو الإبطال والعدم، والجهة الثانية : التشبيه، إذا كان التشبيه من صفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف، فلم يكن بدّ من إثبات الصانع لوجود المصنوعين والاضطرار منهم إليه(1).
هو ردّ على المشبّهة حيث قالوا: كلّ ما لم تعقد القلوب منه على كيفيّة، ولم ترجع فيه إلى إثبات هيئة لم نعقل منه شيئا. فردّ عليه السلام عليهم: أنّه واحد بلا كيفيّة، وأنّ القلوب تعرفه بلا إحاطة(2).
عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: تَكَلَّمُوا(3) فِي خَلْقِ اللّه ِ وَلاَ تَتَكَلَّمُوا فِي اللّه ِ فَإِنَّ الْكَلاَمَ فِي اللّه ِ لاَ يَزْدَادُ صَاحِبَهُ إِلاَّ تَحَيُّراً. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ حَرِيزٍ تَكَلَّمُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَتَكَلَّمُوا فِي ذَاتِ اللّه ِ(4).
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالتَّفَكُّرَ فِي اللّه ِ وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَنْظُرُوا إِلَى عَظَمَتِهِ فَانْظُرُوا إِلَى عَظِيمِ خَلْقِهِ(5).
وقال الصادق عليه السلام: من نظر في اللّه كيف هو هلك(6).
ص: 348
وما ورد من مثل... «يَدُ اللّه ِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ...»(1) و... «بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُكَيْفَ يَشاءُ...»(2) فكنايات واستعارات.
قَالَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ الصادق عليه السلام: يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ أَكَلَ قَلْبَكَ طَائِرٌ لَمْ يُشْبِعْهُ وَبَصَرُكَ لَوْ وُضِعَ عَلَيْهِ خَرْقُ إِبْرَةٍ لَغَطَّاهُ تُرِيدُ أَنْ تَعْرِفَ بِهِمَا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنْ كُنْتَ صَادِقاً فَهَذِهِ الشَّمْسُ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللّه ِ فَإِنْ قَدَرْتَ أَنْ تَمْلَأَ عَيْنَيْكَ مِنْهَا فَهُوَ كَمَا تَقُولُ(3).
هذا، ويناسب كلامه عليه السلام - في هذه الخطبة - قول الهادي عليه السلام: إلهي تاهت أوهام المتوهّمين وقصر طرف الطارفين، وتلاشت أوصاف الواصفين، واضمحلّت أقاويل المبطلين عن الدّرك لعجيب شأنك، أو الوقوع بالبلوغ إلى علوّك، فأنت في المكان الّذي لا يتناهى، ولم تقع عليك عيون بإشارة ولا عبارة، هيهات ثمّ هيهات، يا أوّلي يا وحداني يا فرداني، شمخت في العلوّ بعزّ الكبر، وارتفعت من وراء كلّ غورة ونهاية بجبروت الفخر(4).
ص: 349
ومنها
قال تعالى: «قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا للّه ِِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ»(1).
وقال تعالى: «قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّه ِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّه ُ يُؤيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ)(2).
وقال تعالى: «هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللّه ِ فَأَتاهُمُ اللّه ُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ»(3).
وقال تعالى: «يُقَلِّبُ اللّه ُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ»(4).
الآي: جمع الآية، والأصل في الآية: الأوية بفتحتين ومعناها العلامة - قال تعالى في فرعون: «فَأَراهُ الاْيَةَ الْكُبْرى * فَكَذَّبَ وَعَصى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى * فَحَشَرَ فَنادى * فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى * فَأَخَذَهُ اللّه ُ نَكالَ الاْخِرَةِ وَالْأُولى * إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى * أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها * رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها *
ص: 350
وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها * أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها * وَالْجِبالَ أَرْساها * مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ»(1).وقال تعالى: «وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لآَياتٍ لِقَوْمٍ يُؤمِنُون»(2).
وقال تعالى: «وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون»(3).
وقال تعالى: «وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُون»(4).
وقال تعالى: «وَما تُغْنِي الاْياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤمِنُونَ»(1).
وقال تعالى: «كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ»(2).
وقال تعالى: «كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ»(3).
وقال تعالى: «وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ»(4).
وقال تعالى: «وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ»(5).
وقال تعالى: «وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللّه َ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ»(6).
وفي سورة القمر بعد ذكر كلّ من قوم نوح وعاد وثمود: فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ(7).
وبعد ذكر قوم لوط: «وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ»(8).
وقال تعالى: «وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الاْزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِر»(9).
وقال تعالى: «فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى»(10).
قال تعالى: «وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي
ص: 352
هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤمِنِينَ»(1).
وفي الآثار: سل الأرض فقل لها من شقّ أنهارك وغرس أشجارك وجنى ثمارك فإن لم تجبك حوارا، أجابتك اعتبارا(2).
المخلب للسّباع بمنزلة الظّفر للإنسان والمنيّة: الموت، قال الهذلي:
وإذا المنيّة انشبت اظفارها
الفيت كلّ تميمة لا تنفع(3)
قال تعالى: «أَيْنَماَ تكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَة»(4).
وقال تعالى: «قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُم»(5).
الامنية واحدة الأمانيّ، تقول: منه تمنّيت الشيء، قال تعالى: «وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ»(6).
أي: فاجأتكم الامور المفظعة، وفي المصباح: فظع الأمر وأفظع: جاوز الحدّ في القبح(7).
ص: 353
قال تعالى: «وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ»(1).
قال تعالى: «وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا»(2).
وقال تعالى: «فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُود»(3).
وقال تعالى: «وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ»(4).
وقال تعالى في فرعون: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ * وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ»(5).
عن ثوير بن أبي فاختة قال: سمعت عليّ بن الحسين عليه السلام يحدّث في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله، قال: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام يُحَدِّثُ النَّاسَ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بَعَثَ اللّه ُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى النَّاسَ مِنْ حُفَرِهِمْ عُزْلاً بُهْماً جُرْداً مُرْداً فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يَسُوقُهُمُ النُّورُ وَتَجْمَعُهُمُ الظُّلْمَةُ حَتَّى يَقِفُوا عَلَى عَقَبَةِ الْمَحْشَرِ فَيَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَيَزْدَحِمُونَ دُونَهَا - الحديث(1).
قال تعالى: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الاْءِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ»(2).
وقال تعالى: «وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ»(3).
وقال تعالى: حَتَّى إِذا ما جاؤها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ(4).
قال تعالى: «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ
ص: 355
مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ...»(1).
قال تعالى: «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الاْخِرِينَ * عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ * وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤلُؤ الْمَكْنُونِ * جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ * لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً * إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً * وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَماءٍ مَسْكُوبٍ * وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ * إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً * فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً * عُرُباً أَتْراباً * لِأَصْحابِ الْيَمِينِ»(2).
وقال تعالى: «يَرْفَعِ اللّه ُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ»(3).
وقال تعالى: «هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللّه ِ وَاللّه ُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ»(4).
وقال تعالى: «أُولئِكَ هُمُ الْمُؤمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ» (5).
ص: 356
وقال تعالى: «وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى»(1).
قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام: عَلَيْكَ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّ اللّه َ خَلَقَ الْجَنَّةَ بِيَدِهِ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ وَجَعَلَ مِلاَطَهَا الْمِسْكَ وَتُرَابَهَا الزَّعْفَرَانَ وَحَصْبَاءَهَا اللُّؤلُؤ وَجَعَلَ دَرَجَاتِهَا عَلَى قَدْرِ آيَاتِ الْقُرْآنِ فَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ قَالَ لَهُ اقْرَأ وَارْق(2).
قال تعالى: «إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللّه ِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّه ِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقاهُمُ اللّه ُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً * مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً * وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً * وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا * قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً * عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤلُؤً مَنْثُوراً * وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً * عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً * إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ
ص: 357
سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً»(1).
فقد روى شيخنا الصدوق - رحمه اللّه - بإسناده عن النبيّ صلى الله عليه و آله - قال: - «إنّ (سور) الجنّة لبنة من ذهب ولبنة من فضّة ولبنة من ياقوت، وملاطها المسك الأذفر، وشرفها الياقوت الاحمر والأخضر والأصفر... وأبوابها مختلفة: باب الرحمة من ياقوتة حمراء...، وأمّا الصبر فباب صغير [له] مصراع واحد من ياقوتة حمراء لا حلق له.
وأمّا باب الشكر، فإنّه من ياقوتة بيضاء لها مصراعان، مسيرة ما بينهما خمسمائة عام، له ضجيج وحنين، يقول: «اللهم جئني بأهلى» -... ينطقه ذو الجلال والإكرام - وأمّا باب البلاء... من ياقوتة صفراء [له] مصراع واحد ما أقلّ من يدخل فيه (منه)...فأمّا الباب الأعظم، فيدخل منه العباد الصالحون - وهم أهل الزهد والورع، الراغبون إلى اللّه عزّ وجلّ، المستأنسون به - فإذا دخلوا الجنّة يسيرون على نهرين في ماء صاف (مصاف) في سفن الياقوت، مجاديفها(2) اللؤلؤ، فيها ملائكة من نور عليهم ثياب خضر شديد الخضرة... يسيرون على حافتي ذلك النهر... واسم ذلك النهر جنّة المأوى...و جنّة عدن هي وسط الجنان... وسورها ياقوت أحمر، وحصباها اللؤلؤ...»(3).
وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ: «يَوْمَ
ص: 358
نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً»(1) فَقَالَ يَا عَلِيُّ إِنَّ الْوَفْدَ لاَ يَكُونُونَ إِلاَّ رُكْبَاناً أُولَئِكَ رِجَالٌ اتَّقَوُا اللّه َ فَأَحَبَّهُمُ اللّه ُ وَاخْتَصَّهُمْ وَرَضِيَ أَعْمَالَهُمْ فَسَمَّاهُمُ الْمُتَّقِينَ ثُمَّقَالَ لَهُ يَا عَلِيُّ أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُمْ لَيَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَسْتَقْبِلُهُمْ بِنُوقٍ مِنْ نُوقِ الْعِزِّ عَلَيْهَا رَحَائِلُ الذَّهَبِ مُكَلَّلَةً بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ(2) وَجَلاَئِلُهَا الاْءِسْتَبْرَقُ وَالسُّنْدُسُ وَخُطُمُهَا جُدُلُ الْأُرْجُوَانِ تَطِيرُ بِهِمْ إِلَى الْمَحْشَرِ(3) مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَلْفُ مَلَكٍ مِنْ قُدَّامِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ يَزُفُّونَهُمْ زَفّاً حَتَّى(4) يَنْتَهُوا بِهِمْ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ الْأَعْظَمِ وَعَلَى بَابِ الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِنَّ الْوَرَقَةَ مِنْهَا لَيَسْتَظِلُّ تَحْتَهَا أَلْفُ رَجُلٍ مِنَ النَّاسِ وَعَنْ يَمِينِ الشَّجَرَةِ عَيْنٌ مُطَهِّرَةٌ مُزَكِّيَةٌ قَالَ فَيُسْقَوْنَ مِنْهَا شَرْبَةً فَيُطَهِّرُ اللّه ُ بِهَا قُلُوبَهُمْ مِنَ الْحَسَدِ وَيُسْقِطُ مِنْ أَبْشَارِهِمُ الشَّعْرَ(5) وَذَلِكَ قَوْلُ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً»(6) مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ الْمُطَهِّرَةِ قَالَ ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلَى عَيْنٍ أُخْرَى عَنْ يَسَارِ الشَّجَرَةِ فَيَغْتَسِلُونَ فِيهَا وَهِيَ عَيْنُ الْحَيَاةِ فَلاَ يَمُوتُونَ أَبَداً قَالَ ثُمَّ يُوقَفُ بِهِمْ قُدَّامَ الْعَرْشِ(7) وَقَدْ سَلِمُوا مِنَ الاْفَاتِ وَالْأَسْقَامِ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ أَبَداً قَالَ فَيَقُولُ الْجَبَّارُ جَلَّ ذِكْرُهُ لِلْمَلاَئِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُمْ
ص: 359
احْشُرُوا أَوْلِيَائِي إِلَى الْجَنَّةِ وَلاَ تُوقِفُوهُمْ مَعَ الْخَلاَئِقِ فَقَدْ سَبَقَ رِضَايَ عَنْهُمْ وَوَجَبَتْ رَحْمَتِي لَهُمْ وَكَيْفَ أُرِيدُ أَنْ أُوقِفَهُمْ مَعَ أَصْحَابِ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ قَالَفَتَسُوقُهُمُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى الْجَنَّة الحديث(1).
وعَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله قَالَ: لَوْ عَلِمْتُمْ مَا لَكُمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَزِدْتُمْ للّه ِِ تَعَالَى شُكْراً إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْهُ غَفَرَ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ لِأُمَّتِي الذُّنُوبَ كُلَّهَا سِرَّهَا وَعَلاَنِيَتَهَا وَرَفَعَ لَكُمْ أَلْفَيْ أَلْفِ دَرَجَةٍ وَبَنَى لَكُمْ خَمْسِينَ مَدِينَةً قَالَ:
وَأَعْطَاكُمُ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ بِكُلِّ شَعْرَةٍ عَلَى أَبْدَانِكُمْ قُبَّةً فِي الْفِرْدَوْسِ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ فِي أَعْلاَهَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ بَيْتٍ مِنَ النُّورِ وَفِي أَسْفَلِهَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ بَيْتٍ فِي كُلِّ بَيْتٍ أَلْفُ سَرِيرٍ عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ حَوْرَاءُ يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفُ مَلَكٍ مَعَ كُلِّ مَلَكٍ هَدِيَّةٌ وَأَعْطَاكُمُ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ الْيَوْمَ الرَّابِعَ فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ سَبْعِينَ أَلْفَ قَصْرٍ فِي كُلِّ قَصْرٍ سَبْعُونَ أَلْفَ بَيْتٍ فِي كُلِّ بَيْتِ خَمْسُونَ أَلْفَ سَرِيرٍ - إلى أن قال - وَأَعْطَاكُمُ اللّه ُ الْيَوْمَ الْخَامِسَ فِي جَنَّةِ الْمَأْوَى أَلْفَ أَلْفِ مَدِينَةٍ - إلى أن قال - وَأَعْطَاكُمُ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ الْيَوْمَ السَّادِسَ فِي دَارِ السَّلاَمِ مِائَةَ أَلْفِ مَدِينَةٍ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ مِائَةُ أَلْفِ دَارٍ - إلى أن قال - وَأَعْطَاكُمُ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ الْيَوْمَ السَّابِعَ فِي جَنَّةِ النَّعِيمِ ثَوَابَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ شَهِيدٍ وَأَرْبَعِينَ أَلْفَ صِدِّيقٍ - إلى أن قال - وَيَوْمَ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ جَعَلَ اللّه ُ لَكُمْ فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ مِائَةَ أَلْفِ مَدِينَة الحديث بطوله(2).
وغرضنا من نقل الحديث ان للجنة مقامات وقد ذكر صلى الله عليه و آله منها جنة الخلد؛ وجنة المأوى؛ ودار السلام؛ وجنة النعيم؛ ولا شك ان الجنة وفى الحقيقة واحدة لا ثانى
ص: 360
لها والمذكورات هى مراتبها ومقاماتها وقد صرح القرآن بها ايضا ونحن نذكرها توضيحا للمقام؛ فمن الاول: قوله تعالى: أَ ذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُون(1).ومن الثانى: قوله تعالى: «وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى»(2).
ومن الثالث: قوله تعالى: «لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُون»(3).
وقوله تعالى: «وَاللّه ُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلام»(4).
ومن الرابع: «فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيم»(5).
وقوله تعالى: «أَ يَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيم»(6).
وقوله تعالى: «وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيم»(7).
فهذه هى الجنات المذكورة فى الرواية وليست المقامات منحصرة فيها.
جنات عدن: قال اللّه تعالى: «وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ»(8).
جنات عاليات: قال تعالى: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ * لِسَعْيِها راضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ»(9).
رضوان: قال تعالى: «فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٍ مِنَ اللّه ِ أَكْبَر»(10).
ص: 361
وجاء في الخبر أن أهل الجنة ليرون أهل عليين كما يرى النجم في أفق السماء(1).
وفي الحديث: إنّ في الجنّة مائة درجة بين كل درجتين منها مثل ما بين السماء والأرض وأعلى درجة منها الفردوس وعليها يكون العرش وهي أوسط شيء في الجنّة ومنها تفجر أنهار الجنّة فإذا سألتم اللّه فاسألوه الفردوس (2).
وفي بعض الرّوايات إنّ اقلّ ما يعطي المؤمن فيها ما يقابل الدّنيا وأشرف المنازل وأرفع المراتب هو مرتبة الرّضوان كما قال سبحانه: «وَعَدَ اللّه ُ الْمُؤمِنِينَ
وَالْمُؤمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللّه ِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»(3).
أى رضاء اللّه عنهم ومحبّته أيّاهم أكبر من كلّ لذّات الجنّة، وهذه اللّذة لا يدركها كلّ أحد وإنما هى مختصّة بالأولياء التّامين في مقام المحبّة الكاملين في العبودية(4).
وفي زيارة الجامعة الكبيرة: السَّلامُ عَلَى الدُّعَاةِ إِلَى اللّه ِ وَ الأْدِلاَّءِ عَلَى مَرْضَاةِ اللّه ِ وَالْمُسْتَقِرِّينَ فِي أَمْرِ اللّه ِ وَالتَّامِّينَ فِي مَحَبَّةِ اللّه ِ وَالْمُخْلِصِينَ فِي تَوْحِيدِ اللّه ِ وَالْمُظْهِرِينَ لِأَمْرِ اللّه ِ وَنَهْيِهِ وَعِبَادِهِ الْمُكْرَمِينَ الَّذِينَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ وَرَحْمَةُ اللّه ِ وَبَرَكَاتُه(5).
وفي رواية زرارة الواردة في ثواب البكاء على الحسين عليه السلام عن الصّادق عليه السلام
ص: 362
وَمَا مِنْ عَبْدٍ يُحْشَرُ إِلاَّ وَعَيْنَاهُ بَاكِيَةٌ إِلاَّ الْبَاكِينَ عَلَى جَدِّيَ الْحُسَيْنِ عليه السلامفَإِنَّهُ يُحْشَرُ وَعَيْنُهُ قَرِيرَةٌ وَالْبِشَارَةُ تِلْقَاهُ وَالسُّرُورُ بَيِّنٌ عَلَى وَجْهِهِ وَالْخَلْقُ فِي الْفَزَعِ وَهُمْآمِنُونَ وَالْخَلْقُ يُعْرَضُونَ وَهُمْ حُدَّاثُ الْحُسَيْنِ عليه السلام تَحْتَ الْعَرْشِ وَفِي ظِلِّ الْعَرْشِ لاَ يَخَافُونَ سُوءَ يَوْمِ الْحِسَابِ يُقَالُ لَهُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَيَأْبَوْنَ وَيَخْتَارُونَ مَجْلِسَهُ وَحَدِيثَهُ وَإِنَّ الْحُورَ لَتُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنَّا قَدِ اشْتَقْنَاكُمْ مَعَ الْوِلْدَانِ الْمُخَلَّدِينَ فَمَا يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ إِلَيْهِمْ لِمَا يَرَوْنَ فِي مَجْلِسِهِمْ مِنَ السُّرُورِ وَالْكَرَامَة الحديث(1).
قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ»(2).
واستشهد أيضا بقوله تعالى «إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ»(3)؛ «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها...»(4).
وقال تعالى: «وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَماءٍ مَسْكُوبٍ * وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَة»(5).
عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يُحْيَوْنَ فَلاَ يَمُوتُونَ أَبَداً
ص: 363
وَيَسْتَيْقِظُونَ فَلاَ يَنَامُونَ أَبَداً وَيَسْتَغْنُونَ فَلاَ يَفْتَقِرُونَ أَبَداً وَيَفْرَحُونَ فَلاَ يَحْزَنُونَ أَبَداً وَيَضْحَكُونَ فَلاَ يَبْكُونَ أَبَداً وَيُكْرَمُونَ فَلاَ يُهَانُونَ أَبَداً وَيَفْكَهُونَ وَلاَ يُقَطِّبُونَ أَبَداً وَيُحْبَرُونَ وَيُسَرُّونَ أَبَداً وَيَأْكُلُونَ فَلاَ يَجُوعُونَ أَبَداً وَيَرْوُونَ فَلاَ يَظْمَئُونَ أَبَداً وَيَكْسُونَ فَلاَ يَعْرُونَ أَبَداً وَيَرْكَبُونَ وَيَتَزَاوَرُونَ أَبَداً يُسَلِّمُ عَلَيْهِمُ الْوِلْدَانُ الْمُخَلَّدُونَ أَبَداً بِأَيْدِيهِمْ أَبَارِيقُ الْفِضَّةِ وَآنِيَةُ الذَّهَبِ أَبَداً مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ أَبَداً عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ أَبَداً تَأْتِيهِمُ التَّحِيَّةُ وَالتَّسْلِيمُ مِنَ اللّه ِ أَبَداً نَسْأَلُ اللّه َ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(1).
في (الصحاح): ظعن أي: سار...(2)
قال تعالى: «الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ»(3).
وقال تعالى: «وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ»(4).
وقال تعالى: «قُلْ أَ ذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً * لَهُمْ فِيها ما يَشاؤنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤلاً»(5).
وقال تعالى: لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها الآية(6).
ص: 364
وقال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِنُزُلاً * خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً»(1) قال في مجمع البيان: أى دائمين فيها لا يطلبون عن تلك الجنّات تحوّلا إلى موضع آخر لطيبتها وحصول مرادهم فيها(2).
قال ابن أبي الحديد: وعلى قوله عليه السلام اتّفاق أهل الملّة إلاّ ما يحكى عن أبي الهذيل انّ حركات أهل الجنّة تنتهي إلى سكون دائم وزعم بعضهم أنّه لم يقل بانقطاع النَّعيم، لكن بانقطاع الحركة مع دوام النّعيم، حمله على ذلك، إنّه لمّا استدل على أنّ الحركة الماضية يستحيل ألاّ يكون لها أوّل، عورض بالحركات المستقبلة لأهل الجنّة والنّار فالتزم أنّها متناهية...(3).
قال الشّهرستاني: انفرد أبو الهذيل عن أصحابه بعشر قواعد - إلى أن قال - الخامسة: أنّ حركات أهل الخالدين تنقطع وإنّهم يصيرون إلى سكون دائم خمودا، وتجتمع اللّذات في ذلك السّكون لأهل الجنّة وتجتمع الآلام في ذلك السّكون لأهل النّار وهذا قريب من مذهب جهم، إذ حكم بفناء الجنّة والنّار وإنّما التزم أبو الهذيل هذا المذهب لأنّه لمّا ألزم في مسألة حدوث العالم، انّ الحوادث التي لا أوّل لها كالحوادث التي لا آخر لها إذ كلّ واحدة لا تنتهي قال: إنّي لا أقول بحركات لا تتناهى بل يصيرون إلى سكون دائم وكأنّه ظنّ أنّ ما لزمه في الحركة لا يلزمه في السّكون(4).
ص: 365
عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ عليه السلام قَالَ قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام بَصُرَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله امْرَأَةً عَجُوزاً دَرْدَاءَ(1) فَقَالَ أَمَا إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَجُوزٌ دَرْدَاءُ فَبَكَتْ فَقَالَ صلى الله عليه و آله لَهَا مَا يُبْكِيكِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّه ِ إِنِّي دَرْدَاءُ فَضَحِكَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وَقَالَ لاَ تَدْخُلِينَ الْجَنَّةَ عَلَى حَالِكِ (2).
وَبِهَذَا الاْءِسْنَادِ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام نَظَرَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله إِلَى امْرَأَةٍ رَمْصَاءِ الْعَيْنَيْنِ(3) فَقَالَ أَمَا إِنَّهُ لاَ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَمْصَاءُ الْعَيْنَيْنِ فَبَكَتْ وَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّه ِ وَإِنِّي لَفِي النَّارِ فَقَالَ لاَ وَلَكِنْ لاَ تَدْخُلِينَ الْجَنَّةَ عَلَى مِثْلِ صُورَتِكِ هَذِهِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَعْوَرُ وَلاَ أَعْمَى عَلَى هَذَا الْمَعْنَى (4).
وقالت عجوز للنّبيّ صلَّى اللّه عليه وآله: ادع لي بالجنّة فقال صلَّى اللّه عليه وآله: إنّ الجنّة لا تدخلها العجز، فبكت فضحك وقال لها: أما سمعت قوله تعالى: «إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً * فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً»(5).
وقال صلَّى اللّه عليه وآله للعجوز الأشجعية: يا أشجعيّة لا تدخل العجوز الجنّة؛ فرآها بلال باكية، فوصفها للنبي صلَّى اللّه عليه وآله فقال: والأسود كذلك. فجلسا يبكيان فرآهما العبّاس فذكرهما له، فقال: والشّيخ كذلك، ثمّ دعاهم و طيّب قلوبهم، وقال: ينشئهم اللّه كأحسن ما كانوا، وذكر أنّهم يدخلون الجنّة شبّانا
ص: 366
منوّرين وقال: إنّ أهل الجنّة جرد مرد مكحّلون(1).
وعن إسحاق بن حمّاد بن زيد في قصّة مجادله المأمون مع فقهاء العامّة في إمامة أميرالمؤمنين عليه السلام: (فقال آخر منهم فقد جاء انّ النبيّ صلَّى اللّه عليه وآله قال: أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة، قال المأمون: هذا الحديث محال لأنّه لا يكون في الجنّة كهل، قال ويروى، أنّ أشجعيّة كانت عند النبيّ صلَّى اللّه عليه وآله فقال: لا يدخل الجنّة عجوز فبكت، فقال لها النبيّ صلّى اللّه عليه وآله: إنّ اللّه تعالى يقول: «إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً»(2).(3)
قال التسترى: وضعوا الخبر لهما في قبال قول النبيّ صلّى اللّه عليه وآله في المتواتر «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة»(4)، واللّه يفضح الجاعل ويخزي الواضع(5).
عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ مُكَحَّلِينَ مُكَلَّلِينَ مُطَوَّقِينَ مُسَوَّرِينَ مُخَتَّمِينَ نَاعِمِينَ مَحْبُورِينَ مُكَرَّمِينَ يُعْطَى أَحَدُهُمْ قُوَّةَ مِائَةِ رَجُلٍ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالشَّهْوَةِ وَالْجِمَاعِ - إلى أن قال - قَدْ أَلْبَسَ اللّه ُ وُجُوهَهُمُ النُّورَ وَأَجْسَادَهُمُ الْحَرِيرَ بِيضَ الْأَلْوَانِ صُفْرَ الْحُلِيِّ خُضْرَ الثِّيَابِ(6).
ص: 367
يبأس - بالفتح - وماضيه بالكسر، وفي (الصحاح): بئس الرّجل، يبئس بؤساوبئيسا اشتدّت حاجته فهو بائس (1).
قال تعالى: «لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً»(2).
وقال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللّه ُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِياؤكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الاْخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ»(3).
واستشهد له أيضا بقوله تعالى: «وَقالُوا الْحَمْدُ للّه ِِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ»(4).
الى هنا انتهى الجزء الثامن وأسأل اللّه ان يوفقنى بمنه لاتمام هذا الشرح انه سميع الدعاء قريب مجيب.
ص: 368
1 - الاحتجاج على اهل اللجاج: ابو منصور احمد بن على بن ابى طالب طبرسى، 2 مجلد، مترجم: بهراد جعفرى، دار الكتب الاسلامية، طهران 1387 ش.
2 - احقال الحق: الشهيد نور اللّه التستري، (المتوفى 1019).
3 - احياء العلوم: أبو حامد محمّد الغزالي، (المتوفى 505ق)، دار المعرفة، بيروت، 4 مجلد.
4 - الاختصاص: محمد بن محمد المفيد، (المتوفى 413ق)، مصحح: على اكبر غفارى ومحمود حرمى زرندى، المؤتمر العالمى للالفية الشيخ المفيد، قم، الأولى 1413ق.
5 - ارشاد القلوب الى الصواب للديلمى: حسن بن محمد ديلمى، (المتوفى 841ق)، 2 مجلد، الشريف الرضى، قم، الأولى 1412ق.
6 - الاستيعاب: ابن عبدالبر، القرن الخامس، تحقيق: علي محمّد البجاوى، بيروت، دار الجيل، الأولى 1412ق، 1992م.
7 - اسد الغابة: ابن الأثير، (المتوفّى 630ق)، دار الكتاب العربي بيروت، لبنان، توضيحات: نشر إسماعيليان، طهران.
ص: 369
8 - اعتقادات الامامية (للصدوق) محمد بن على بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مؤتمر الشيخ المفيد، قم، الثانية 1414ق.
9 - اعلام الدين فى صفات المؤمنين: حسن بن محمد ديلمى، (المتوفى 841ق)، 1 مجلد، الناشر والمصحح: مؤسسة آل البيت:، قم، الأولى 1408ق.
10 - اعلام الورى باعلام الهدى (ط القديمة): فضل بن حسن طبرسى، (المتوفى 548ق)، 1 مجلد، اسلامية، طهران، الثالثة 1390ق.
11 - الأغاني: ابن الفرج الاصفهاني، (المتوفّى 356)، 25 جلد، دار إحياء التراث العربي.
12 - الأمالي (للصدوق): محمد بن على بن بابويه، (المتوفى 381ق)، الأعلمى بيروت، الخامسة 1400ق - 1362ش.
13 - الأمالي (للطوسي): محمد بن الحسن طوسى، (المتوفى 460ق)، 1 مجلد، دار الثقافه، قم، الأولى 1414ق.
14 - الأمالي (للمرتضى): على بن حسين، علم الهدى، (المتوفى 436ق)، 2 مجلد، مصحح: محمد ابوالفضل، ابراهيم، دار الفكر العربى، قاهره، الأولى 1988م.
15 - الامامة والسياسة: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفّى 276ق)، تحقيق: الزيني، مؤسّسة الحلبى وشركاه للنشر والتوزيع.
16 - الأنوار النعمانيّة: السيّد نعمة اللّه بن عبداللّه الجزائرى، (المتوفى 1112ق)، 4 مجلد، دار القارى، بيروت، الأولى 1429ق.
17 - أوصاف الأشراف: نصير الدين طوسي، محمّد بن محمّد (المتوفى 672ق)، نشر وزارت فرهنگ وارشاد اسلامى، طهران، الثالثة 1373ش.
18 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار: محمّد باقر بن محمّد تقى مجلسى، (المتوفى 1110ق)، 111 مجلد، دار احياء التراث العربي، الثانية 1403ق.
ص: 370
19 - البداية والنهاية: ابن كثير، (المتوفى 774م)، 21 مجلد (20 مجلد و1 مجلد فهارس)، دار هجر للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 1418ق / 1997م.
20 - بصائر الدرجات في فضائل آل محمد عليهم السلام: محمد بن حسن صفار، (المتوفى 290ق)، مصحح: محسن بن عباسعلي كوچه باغي، مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، قم، الثانية 1404ق.
21 - البلد الأمين والدرع الحصين: الكفعمي، إبراهيم بن علي العاملي، (المتوفى 905ق)، 1 مجلد، مؤسسّة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 1418ق.
22 - بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: محمّد تقي الشيخ الشوشتري، (المتوفى 1415ق - 1374ش)، مؤسّسة نشر أمير كبير، الأولى 1376 شمسى.
23 - البيان والتبيين: الجاحظ،
(المتوفى 255ق)، المكتبة التجاريّة الكبرى لصاحبها مصطفى محمّد، مصر، الأولى 1345ق 1926م.
24 - تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي، (المتوفى 463ق)، تحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1417ق - 1997 م.
25 - تاريخ الطبرى: ابو جعفر محمد بن جرير الطبرى، (المتوفى 310ق)، تحقيق: محمّد ابوالفضل إبراهيم، 11 مجلد، بيروت، دار التراث، الثانية 1387ق 1967م.
26 - تاريخ مدينة دمشق: ابن عساكر، (المتوفى 571ق)، 70 مجلد، تحقيق: علي شيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، مطبعة دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، چاپ 1415ق.
27 - تاريخ اليعقوبى: أحمد بن أبى يعقوب المعروف باليعقوبى، (المتوفى بعد 292)، بيروت، دار صادر، بى تا.
28 - التبيان في تفسير القرآن: طوسي، محمّد بن الحسن، (المتوفى 460ق)، 10 مجلد، دار إحياء التراث العربي، لبنان، بيروت، الأوّل.
ص: 371
29 - تحف العقول: حسن بن علي، ابن شعبة الحرّاني، (المتوفى قرن 4)، 1 مجلد، مصحح: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الثانية 1404ق - 1363ش.
30 - التذكرة الحمدونيّة: ابن حمدون، (المتوفى 562ق) 10 مجلد، تحقيق: احسان عبّاس، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت، الأولى 1996م.
31 - تذكرة الخواص: سبط ابن جوزى، (المتوفى 654ق)، 1 مجلد، منشورات الشريف الرضى، قم، 1418ق 1376ش.
32 - ترتيب اصلاح المنمطق: ابن سكيت، يعقوب بن اسحاق، (المتوفى 246ق)، مجمع البحوث الاسلامية، ايران، مشهد.
33 - تسلية المجالس وزينة المجالس: حسينى موسوى، محمد بن أبي طالب، (المتوفى قرن10)، 2 مجلد، مؤسسة المعارف الاسلامية، ايران، قم، الاول 1418ق.
34 - التشريف بالمنن في التعريف بالفتن: ابن طاووس، عليّ بن موسى، (المتوفى 664ق)، مؤسسة صاحب الأمر عجّل اللّه فرجه، قم، الأولى 1416ق.
35 - تفسير التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور: ابن عاشور، محمّد طاهر، 30 مجلد، مؤسسة التاريخ العربي.
36 - تفسير الثعالبي المسمّى بالجواهر الحسان في تفسير القرآن: ثعالبي، عبدالرحمن بن محمّد، (المتوفى 875ق)، 5 مجلد، دار إحياء التراث العربي، لبنان، بيروت، 1418ق.
37 - تفسير جوامع الجامع: فضل بن حسن الطبرسي، (المتوفى 548ق)، 4 مجلد، حوزه علميه قم، مركز مديريت، ايران، قم، الأوّل 1412ق.
38 - تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور: جلال الدين السيوطي، (المتوفى 911ق)، 6 مجلد، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت.
ص: 372
39 - تفسير الرازي: فخر الرازي، (المتوفى 606ق)، 32 مجلد، دار إحياء التراث العربي، لبنان، بيروت، الثالثة 1420ق.
40 - تفسير العياشي: محمّد بن مسعود العياشي، (المتوفى 320ق)، 2 مجلد، مصحح: السيّد هاشم رسولى المحلاّتى، المطبعة العلمية، طهران، الأولى 1380 ق.
41 - تفسير فرات الكوفي: فرات بن ابراهيم كوفي، (المتوفى 307ق)، 1 مجلد، مصحح: محمد كاظم، مؤسسة الطبع والنشر في وزارة الارشاد الاسلامي، طهران، الأولى 1410ق.
42 - تفسير القرآن العظيم: ابن أبي حاتم، (المتوفى 327ق)، 13 مجلد، مكتبة نزار مصطفى، عربستان، رياض، الثالثة 1419ق.
43 - تفسير القمي: علي بن ابراهيم القمي، (المتوفى القرن 3 الهجري)، مصحح: السيّد طيّب موسوى الجزائري، 2 مجلد، دار الكتاب، قم، الثالثة 1404ق.
44 - التفسير المنسوب الى الامام الحسن العسكري عليه السلام: الشهادة 260 ق)، 1 مجلد، مصحح: مدرسة الإمام المهدي7، قم، الأولى 1409ق.
45 - تفسير نور الثقلين عبد علي بن جمعة الحويزي، (المتوفى 1112ق)، 5 مجلدات، اسماعيليان، قم، الرابعة 1415ق.
46 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام: ورام بن أبي فراس، مسعود بن عيسى، (المتوفى 605ق)، 2 مجلد، مكتبة الفقيه، قم، الأولى 1410ق.
47 - التوحيد (للصدوق): محمّد بن علي، ابن بابويه، (المتوفى 381ق)، 1 مجلد، مصحح: هاشم الحسيني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الأولى 1398ق.
48 - التوحيد المفضل: مفضل بن عمر، (المتوفى 148ق)، 1 مجلد، داورى، ايران، قم، بى تا.
ص: 373
49 - تهذيب الأحكام: محمد بن الحسن، طوسى، (المتوفى 460ق)، 10 مجلد، مصحح: حسن الموسوى خرسان، دار الكتب الاسلامية، طهران، الرابعة 1407ق.
50 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: محمد بن علي الصدوق، ابن بابويه، (المتوفى 381ق)، دار الشريف الرضي للنشر، قم، الثانية 1406ق.
51 - جامع الأخبار (للشعيرى): محمد بن محمد شعيرى، (المتوفى القرن 6)، مطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، الأولى.
52 - جامع السعادات: ملا محمد مهدي النراقي، (المتوفى 1209ق)، 3 مجلد، دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الأشرف.
53 - جمهرة اللغة: أبوكر محمّد بن الحسن بن دريد الأزدي، (المتوفى 321ق)، 3 مجلد، دار العلم للملايين، بيروت، الأولى 1987م.
54 - حدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة: قطب الدين محمد بن حسين بيهقي كيذري (قرن 6)، قم، الأولى 1375ش.
55 - حق اليقين: علامه مجلسى، انتشارات اسلاميه.
56 - حلية الأولياء: أبو نعيم أحمد بن عبداللّه الاصبهاني، (المتوفى 430ق)، 10 مجلد، السعادة، بجوار محافظة مصر، 1394ق 1974م.
57 - الحيوان: عمرو بن بحر الشهير بالجاحظ، (المتوفى 255ق)، 7 مجلّد، دار الكتب العلميّة، بيروت، الثانية 1424ق.
58 - الخرائج والجرائح: سعيد بن هبة اللّه، قطب الدين الراوندي، (المتوفى 573ق)، المصحح والناشر: مؤسسة الامام المهدي7، 3 مجلد، قم، الأولى 1409ق.
59 - خصائص الأئمّة عليهم السلام (خصائص أميرالمؤمنين عليه السلام): محمد بن حسين، الشريف الرضي، (المتوفى 406ق)، 1 مجلد، مصحح: محمد هادي الأميني، منشورات العتبة الرضويّة، مشهد، الأولى 1406ق.
ص: 374
60 - الخصال: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: على اكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الأولى 1362ش.
61 - دعائم الاسلام وذكر الحلال والحرام: نعمان بن محمد مغربى، ابن حيون، (المتوفى 363ق)، 2 مجلد، مصحح: الفيضي، آصف، مؤسسة آل البيت:، قم، الثانية 1385ق.
62 - ديوان حسان بن ثابت: حسان بن ثابت، (المتوفى 54ق)، 2 مجلد، دار صادر، بيروت 1974م.
63 - ديوان المنسوب إلى أميرالمؤمنين عليه السلام: حسين بن معين الدين ميبدى، (المتوفى 911ق)، 1 مجلد، دار نداء الاسلام للنشر، قم، الأولى 1411ق.
64 - ديوان المنسوب إلى الإمام السجّاد عليه السلام: مجمع جهانى اهل بيت عليهم السلام، ايران، قم، 1436ق.
65 - ديوان الأعشى: ميمون بن قيس، الأعشى (ق 7)، دار الكتب العربي، بيروت، 1414ق.
66 - ديوان امرء القيس: دار الجيل، بيروت، 1409.
67 - ديوان عمر بن أبي ربيعة: ابن أبي ربيعة، عمر بن عبداللّه، دار القلم، لبنان، بيروت، بى تا.
68 - ذم الهوى: ابن جوزي، عبدالرحمن بن علي (المتولد 510ق)، 1 مجلد، دار الجيل، بيروت، 1420ق / 1999م.
69 - ربيع الأبرار ونصوص الأخبار: الزمخشرى، (المتوفى 538ق)، تحقيق: عبدالأمير مهنا، 5 مجلد، مؤسسة الأعلمى للمطبوعات، بيروت، الأولى 1412ق 1992م.
70 - الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية: (ط. الحديثة)، زين الدين بن علي العاملي الشهيد الثاني، (المتوفى 966ق)، 10 مجلد، مصحّح: سيّد محمّد الكلانتر، مكتبة الداوري، قم، الأولى 1410ق.
ص: 375
71 - روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه: محمّد تقى بن مقصود على، المجلسي، (المتوفى 1070ق)، 14 مجلد، مصحح: حسين الموسوي الكرماني وعلى پناه الاشتهاردي، مؤسسة الثقافة الإسلاميّة كوشانبور، قم، الثانية 1406ق.
72 - روضة الواعظين وبصيرة المتعظين: محمّد بن أحمد، فتال النيشابوري، (المتوفى 508ق)، 2 مجلد، النشر الرضي، قم، الأولى 1375ش.
73 - رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين7: سيد عليخان بن احمد، الكبير المدني، (المتوفى 1120ق)، 7 مجلد، مصحح: محسن الحسيني الأميني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الأولى 1409ق.
74 - الرياض النضرة: أبي جعفر أحمد المحب الطبري (المتوفى 694ق)، 4 مجلد، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
75 - الزهد: حسين بن سعيد، كوفى اهوازى، (المتوفى القرن الثالث)، مصحّح: غلامرضا عرفانيان يزدى، 1 مجلد، المطبعة العلميّة، قم، الثانية 1402ق.
76 - زهر الربيع: السيّد نعمة اللّه بن عبداللّه الجزائرى، (المتوفى 1112ق)، 1 مجلد، مؤسسة العالميّة للتجليد، بيروت، الأولى 1421ق.
77 - سفينة البحار: القمي، عبّاس، (المتوفى 1359ق)، 8 مجلد، اسوة، قم، الأوّل 1414ق.
78 - سنن أبي داود: سليمان بن الأشعث السجستاني، (المتوفى 275ق)، 2 مجلد، تحقيق: سعيد محمد اللحام، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الأولى 1410ق - 1990م.
79 - السيرة النبوية: ابن هشام الحميري، (المتوفى 218ق)، 1 مجلد، تحقيق: محمد محي الدين عبدالحميد، مكتبة محمّد علي صبيح وأولاده، القاهرة، 1383ق - 1963م.
ص: 376
80 - شرح كتاب سيبويه: سيرافي، حسن بن عبداللّه.
81 - شرح نهج البلاغة (ابن ميثم): ميثم بن علي بن ميثم البحراني، (قرن 7)، 5 مجلد، مكتبة نشر الكتاب، الثانية 1362 ش.
82 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: عبدالحميد بن هبة اللّه، ابن أبي الحديد، (المتوفى 656ق)، مصحح: محمد ابوالفضل، ابراهيم، مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، قم، الأولى 1404ق.
83 - الشعر والشعراء: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفى 276ق)، دار الحديث، القاهرة، 2 مجلد، 1427ق - 2006م.
84 - الصحاح: الجوهري، (المتوفى 393ق)، 6 مجلد، تحقيق: احمد عبدالغفور العطار، دار العلم للملايين، بيروت، الرابعة 1407ق - 1987م.
85 - صحيح مسلم: مسلم
النيسابوري، (المتوفى 261ق)، 1 مجلد، دار الفكر، بيروت.
86 - الصحيفة السجادية: امام علي بن الحسين7، (الشهادة 94 يا 95ق)، مكتبة نشر الهادي، قم، الأولى 1376ق.
87 - طبائع النساء وما جاء فيها من عجائب واخبار واسرار: ابن عبد ربه، (المتوفى 328 ق)، 1 مجلد، مكتبة القرآن، القاهرة.
88 - الطرائف في معرفة مذهب الطوائف: علي بن موسى، ابن طاووس، 2 مجلد، (المتوفى 664ق)، مصحح: على عاشور، خيام، قم، الأولى 1400ق.
89 - عدّة الداعي ونجاح الساعي: احمد بن محمد، ابن فهد حلي، (المتوفى 841ق)، مصحّح: احمد الموحدي القمي، 1 مجلد، دار الكتب الاسلاميّة، الأولى 1407ق.
90 - العقد الفريد: شهاب الدين احمد المعروف بابن عبد ربه الأندلسى، (المتوفى 328ق)، 8 مجلد، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1404ق.
ص: 377
91 - علل الشرايع: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، 2 مجلّد مكتبة الداوري، قم الأولى 1385ش.
92 - علم اليقين: فيض كاشانى، محمد بن شاه مرتضى، (المتوفى 1091ق)، 2 مجلد، انتشارات بيدار، قم، اول 1418ق.
93 - عوالى اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية: محمد بن زين الدين، ابن ابي جمهور، (المتوفى: زنده در سال 901ق)، 4 مجلد، مصحح: مجتبى العراقي، دار سيد الشهداء للنشر، قم، الأولى 1405ق.
94 - العين: الخليل الفراهيدي، (المتوفى 175ق)، 8 مجلد، مؤسسة دار الهجرة، الثانية 1410ق.
95 - عيون الأخبار: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفى 276ق)، 3 مجلد، منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية، بيروت، الثالثة 1414ق - 2003م.
96 - عيون أخبار الرضا عليه السلام: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: مهدي اللاجوردي، 2 مجلّد، جهان، طهران، الأولى 1378ق.
97 - غرر الحكم: آقاى جمال خوانسارى، محمد بن حسين (المتوفى 1122ق)، 7 مجلد، جامعة طهران، طهران، الرابعة 1366ش.
98 - غريب القرآن: محمد بن عزير السجستاني، (المتوفى 330ق)، 1 مجلد، دار قنيبة، سوريا، الطبعة الأولى 1416ق / 1995م.
99 - الغيبة (للنعماني): ابن ابي زينب، محمد بن ابراهيم، (المتوفى 360ق)، مصحح: على اكبر الغفاري، نشر صدوق، طهران، الأولى 1397ق.
100 - فقه اللغة وسر العربية: عبدالملك الثعالبي النيسابوري، (المتوفى 429ق)، دار الكتاب العربي، بيروت، ل بنان، الثانية 1416ق / 1996م.
ص: 378
101 - الفضائل: ابن شاذان القمي، ابو الفضل شاذان بن جبرئيل، (المتوفى حدود 600ق)، رضي، قم، الثاني 1363ش.
102 - فضائل الأشهر الثلاثة: ابن بابويه، محمد بن علي، (المتوفى 381ق)، 1 مجلد، كتاب فروشى داورى، قم 1396ق.
103 - فضائل الشيعة: ابن بابويه، محمد بن علي، (المتوفى 381ق)، 1 مجلد، اعلمي، طهران، الأولى بى تا.
104 - فقه الرضا عليه السلام: علي بن بابويه القمي، (المتوفى 329ق)، المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام، مشهد المقدسة، الأولى 1406ق.
105 - فلاح السائل ونجاح المسائل: ابن طاووس، علي بن موسى، (المتوفى 664ق)، 1 مجلد، بوستان كتاب، قم، الأولى 1406ق.
106 - قصص الأنبياء (للراوندي): سعيد بن هبة اللّه، قطب الدين الراوندي، (المتوفى 573ق)، مصحح: غلامرضا العرفانيان اليزدي، مركز پژوهش هاى اسلامى، مشهد، الأولى 1409.
107 - الكافى: (ط. اسلاميّة) محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني، (المتوفى 329ق)، مصحح: على اكبر الغفاري ومحمد الآخوندي، 8 جلد، دار الكتب الاسلاميّة، طهران، الرابعة 1407ق.
108 - كامل الزيارات: جعفر بن محمد، ابن قولويه، (المتوفى 367ق)، 1 مجلد، مصحح: عبدالحسين الأميني، دار المرتضويه، نجف الأشرف، الأولى 1356ش.
109 - الكامل فى اللغة والأدب: محمد بن يزيد المبرد، (المتوفى 285ق)، محقق: محمد ابوالفضل ابراهيم، 4 مجلد، دار الفكر العربى، قاهرة، الثالثة 1417ق.
ص: 379
110 - كتاب سليم بن قيس: سليم بن قيس الهلالى، (المتوفى 76ق)، مصحح: انصارى زنجانى، محمد خوئينى، 2 مجلد، الهادى، قم، الاولى 1405ق.
111 - كشف الأسرار في شرح الاستبصار: السيد نعمة اللّه الجزائري، دار الكتاب، 3 مجلد.
112 - كشف الغمّة في معرفة الأئمّة (ط. القديمة)، يوسف: على بن عيسى الاربلي، (المتوفى: 692ق)، مصحّح: سيّد هاشم الرسولي المحلاتي، بني هاشمي، 2 مجلد، تبريز، الأولى 1381ق.
113 - كشف المحجة لثمرة المهجة: السيد بن طاووس، (المتوفى 664ق)، المطبعة الحيدريّة، النجف الأشرف، 1370ق 1950م.
114 - كفاية الأثر في النص على الأئمّة الاثنى عشر:: علي بن محمد، الخزاز الرازي، (المتوفى قرن 4، 1 مجلد، مصحح: عبداللطيف الحسيني الكوهكمري، بيدار، قم، 1401ق.
115 - كنز العمال: المتقى الهندى، (المتوفى 975ق) 16 مجلد، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1409ق 1989م.
116 - كنز الفوائد: محمد بن علي الكراجكى، (المتوفى 449ق)، 2 مجلد، مصحح: عبداللّه نعمه، دار الذخائر، قم، الأولى 1410ق.
117 - لسان العرب: محمّد بن المكرّم، ابن منظور، (المتوفى 711ق)، 15 مجلد، مصحح: جمال الدين، الميردامادي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الثالثة 1414ق.
118 - مجالس ثعلب: احمد بن يحيى المعروف ب-: ثعلبب، (المتوفى 291ق).
119 - مجمع الأمثال: الميدانى، (المتوفى 518ق)، 2 مجلد، المعاونية الثقافية للآستانة الرضوية المقدسة، آذر 1366ش.
ص: 380
120 - مجمع البحرين: فخرالدين بن محمد، الطريحي، (المتوفى 1085ق)، 6 مجلد، مصحح: احمد الحسيني الاشكوري، المرتضوي، طهران، الثالثة 1375ش.
121 - مجمع البيان فى تفسير القرآن: فضل بن حسن الطبرسى، (المتوفى 548ق)، 10 مجلد، ناصر خسرو، طهران، الثالثة 1372.
122 - المحاسن: احمد بن محمد بن خالد البرقي، (المتوفى 274ق يا 280ق)، 2 مجلد، مصحح: جلال الدين، المحدث، دار الكتب الاسلامية، قم، الثانية 1371ق.
123 - محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء: ابو القاسم الحصين بن محمد المعروف بالراغب الاصفهاني، (المتوفى 502ق)، 2 مجلد، دار الارقم، بيروت، الأولى 1420ق.
124 - المحجة البيضاء في تهذيب الاحياء: الفيض الكاشاني، (المتوفى 1091ق)، 8 مجلد، تحقيق: علي اكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الثالثة.
125 - مرآة العقول في شرح اخبار آل الرسول: محمّد باقر بن محمد تقى المجلسي، (المتوفى 1110ق)، 26 مجلد، مصحح: السيّد هاشم الرسولي المحلاتي، دار الكتب الاسلامية، طهران، الثانية 1404ق.
126 - مروج الذهب ومعادن الجوهر: المسعودي، (المتوفى 346ق)، منشورات دار الهجره، قم 1404ق - 1363ش - 1984م.
127 - المستطرف في كلّ فن مستظرف: الابشيهي، (المتوفى 850ق)، 2 مجلد، دار ومكتبة الهلال، بيروت.
128 - مشكاة الأنوار في غرر الأخبار: على بن حسن طبرسى، (المتوفى 600ق)، 1 مجلد، المكتبة الحيدريّة، النجف الأشرف، الثانية 1385ق - 1344ش.
ص: 381
129 - مصباح الشريعة: منسوب به امام صادق7 (م 148ق)، الأعلمى، بيروت، الأولى 1400ق.
130 - مصباح المتهجّد: محمّد بن الحسن الطوسي، (المتوفى 460ق)، 2 مجلد، مؤسسة فقه الشيعة، بيروت، الأولى 1411ق.
131 - المصباح المنير: أحمد بن محمّد الفيومي، (المتوفى 770ق)، 2 مجلد، مؤسسة دار الهجرة، قم، الثانية 1414ق.
132 - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: محمّد بن طلحة الشافعي، (المتوفى 652ق)، تحقيق: ماجد أحمد العطيّة.
133 - معارج نهج البلاغة: علي بن زيد البيهقي، (قرن 6)، 1 مجلد، نشر كتابخانه عمومى آية اللّه مرعشي نجفي، قم، اول 1367ش.
134 - معانى الأخبار: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: على اكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، الأولى، قم 1403ق.
135 - معجم الأدباء: ياقوت الحموى، (المتوفى 626ق)، 20 مجلد، دار الغرب الاسلامى، بيروت، الأولى 1414 ق 1993م.
136 - مفتاح السعادة في شرح نهج البلاغة: السيّد محمّد تقي النقوي القايني الخراساني، معاصر، 7 مجلد، مكتبة المصطفوى، طهران.
137 - مقاتل الطالبيين: ابو الفرج الاصفهانى، (المتوفى 356ق)، تحقيق: سيد أحمد صقر، بيروت، دار المعرفة، بى تا.
138 - مقامات بديع الزمان: الهمداني
وابوالفضل احمد بن حسين بن يحيى بن سعيد (358 - 398ق).
139 - المقنعة: المفيد، محمّد بن محمّد، (المتوفى 413ق)، 1 مجلد، قم، الأوّل 1413ق.
ص: 382
140 - مكارم الأخلاق: حسن بن فضل، الطبرسي، (المتوفى قرن 6)، الشريف الرضي، قم، الرابعة 1412ق - 1370ش.
141 - الملل والنحل: الشهرستانى،
(المتوفى 548)، تحقيق: محمد سيد كيلانى، 2 مجلد، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
142 - مناقب آل أبي طالب عليهم السلام:
محمّد بن على بن شهر آشوب المازندراني، (المتوفى 588ق)، 4 مجلد، العلاّمة، قم، الأولى 1379ش.
143 - من لا يحضره الفقيه: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: علي اكبر الغفارى، 4 مجلد، مؤسسة النشر الإسلامي، الثانية، قم 1413ق.
144 - منهاج البراعة: الميرزا حبيب اللّه الهاشمي الخوئي، (المتوفى 1324ق)، 22 مجلد، مصحح: علي العاشور، دار احياء التراث العربى للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الأولى 1429ق - 2008 م.
145 - منهاج الولاية في شرح نهج البلاغة: ملا عبدالباقي صوفي تبريزي، (قرن 11)، 2 مجلد، طهران، الأولى 1378.
146 - نفحات الرحمن في تفسير القرآن: محمد نهاوندى، (المتوفى 1371ق)، 6 مجلد، مؤسسة البعثة، ايران، قم، الأولى 1386ش.
147 - النوادر للراوندي: فضل اللّه بن علي، راوندي كاشاني، (المتوفى 570ق)، 1 مجلد، دار الكتاب، ايران، قم، بى تا، الأولى.
148 - النهاية في غريب الحديث والأثر: مبارك بن محمد، ابن الأثير الجزري، (المتوفى 606ق)، 5 مجلد، مصحح: محمود محمد الطناحي، اسماعيليان، قم، الرابعة 1367ش.
ص: 383
149 - نهج البلاغة (فيض الإسلام): حاج سيد علينقى فيض الاسلام، انتشارات فيض الاسلام، چاپ مكرر، چاپخانه احمدى.
150 - نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة: محمّد باقر محمودى، معاصر، 8 مجلد، سازمان چاپ وانتشارات وزارت فرهنگ وارشاد اسلامى، طهران، الأولى 1376ش.
151 - الوافي: محمد محسن بن شاه مرتضى، الفيض الكاشاني، (المتوفى 1091ق)، 26 مجلد، مكتبة الإمام اميرالمؤمنين عليه السلام، اصفهان، الأولى 1406ق.
152 - وسائل الشيعة: محمد بن حسن، شيخ حر العاملي، (المتوفى 1104ق)، مصحح: مؤسسه آل البيت:، 30 مجلد، الأولى 1409ق.
153 - وقعة صفين: نصر بن مزاحم المنقري، (المتوفى 212ق)، 1 مجلد: مصحح: عبدالسلام محمد، هارون، مكتبة آية اللّه المرعشى النجفى، الأولى 1404ق.
154 - يتيمة الدهر: عبدالملك الثعالبي النيسابوري، (المتوفى 429ق)، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، الأولى 1403ق - 1983م.
ص: 384
الخطبة (79): ومن خطبة له عليه السلام بعد فراغِهِ من حرب الجمل في ذم النساء
( 5 - 44)
فى كيفية خلق المرئة··· 5
ومن خطبة له عليه السلام: بعد فراغه من حرب جمل في ذم النساء··· 6
مَعَاشِرَ النَّاسِ إِنَّ النِّسَاءَ نَوَاقِصُ الاْءِيمَانِ نَوَاقِصُ الْحُظُوظِ نَوَاقِصُ الْعُقُولِ··· 7
فَأَمَّا نُقْصَانُ إِيمَانِهِنَّ فَقُعُودُهُنَّ عَنِ الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ أَيَّامَ حَيْضِهِنَّ··· 7
وَأَمَّا نُقْصَانُ عُقُولِهِنَّ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ كَشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ··· 9
فَاتَّقُوا شِرَارَ النِّسَاءِ··· 14
وَكُونُوا مِنْ خِيَارِهِنَّ عَلَى حَذَرٍ··· 15
وَلاَ تُطِيعُوهُنَّ فِي الْمَعْرُوفِ حَتَّى لاَ يَطْمَعْنَ فِي الْمُنْكَر··· 17
تنبيه ظريف··· 21
تنبيه··· 34
الخطبة (80): ومن كلامٍ له عليه السلام
( 45 - 59)
أَيُّهَا النَّاسُ الزَّهَادَةُ قِصَرُ الْأَمَلِ··· 45
وَالشُّكْرُ عِنْدَ النِّعَمِ··· 45
وَالوَرَعُ عِنْدَ الْمَحَارِمِ··· 47
ص: 385
فَإِنْ عَزَبَ ذَلِكَ عَنْكُمْ فَلاَ يَغْلِبِ الْحَرَامُ صَبْرَكُمْ··· 47
وَلاَ تَنْسَوْا عِنْدَ النِّعَمِ شُكْرَكُمْ··· 48
فَقَدْ أَعْذَرَ اللّه ُ إِلَيْكُمْ بِحُجَجٍ مُسْفِرَةٍ ظَاهِرَةٍ··· 48
وَكُتُبٍ بَارِزَةِ الْعُذْرِ وَاضِحَة··· 48
تبصرتان··· 48
الخطبة (81) ومن كلام له عليه السلام في صفة الدّنيا
( 60 - 77)
مَا أَصِفُ مِنْ دَارٍ أَوَّلُهَا عَنَاءٌ وَآخِرُهَا فَنَاءٌ··· 61
فِي حَلاَلِهَا حِسَابٌ··· 63
وَفِي حَرَامِهَا عِقَابٌ··· 68
مَنِ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ··· 70
وَمَنِ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ··· 72
وَمَنْ سَاعَاهَا فَاتَتْهُ وَمَنْ قَعَدَ عَنْهَا وَاتَتْهُ··· 74
وَمَنْ أَبْصَرَ بِهَا بَصَّرَتْهُ وَمَنْ أَبْصَرَ إِلَيْهَا أَعْمَتْهُ··· 76
الخطبة (82) ومن خطبة له عليه السلام وهي الخطبة العجيبة
( 78 - 291)
تسمى «الغراء» وفيها نعوت اللّه جل شأنه، ثم الوصية··· 78
بتقواه ثم التنفير من الدنيا، ثم ما يلحق من دخول··· 78
القيامة، ثم تنبيه الخلق إلى ما هم فيه من الأعراض، ثم··· 78
فضله عليه السلام في التذكير.··· 78
ص: 386
صفته جل شأنه··· 78
الوصية بالتقوى··· 78
التنفير من الدنيا··· 79
بعد الموت البعث··· 79
تنبيه الخلق··· 80
فضل التذكير··· 80
التذكير بضروب النعم··· 80
التحذير من هول الصراط··· 81
الوصية بالتقوى··· 82
ومنها في صفة خلق الإنسان··· 82
ومن خطبة له عليه السلام وهي الخطبة العجيبة··· 84
الْحَمْدُ للّه ِِ الَّذِي عَلاَ بِحَوْلِهِ··· 86
وَدَنَا بِطَوْلِهِ··· 87
مَانِحِ··· 87
كُلِّ غَنِيمَةٍ··· 87
وَفَضْلٍ··· 88
وَكَاشِفِ كُلِّ بَلِيَّةٍ وَأَزْلٍ··· 88
وَسَوَابِغِ نِعَمِهِ··· 89
أَحْمَدُهُ عَلَى عَوَاطِفِ كَرَمِهِ··· 91
وَأُومِنُ بِهِ أَوَّلاً بَادِياً··· 91
وَأَسْتَهْدِيهِ قَرِيباً هَادِياً··· 91
وَأَسْتَعِينُهُ قَادِراً قَاهِراً··· 91
ص: 387
وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ كَافِياً نَاصِراً··· 92
ناصرا··· 93
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ··· 94
أَرْسَلَهُ لاِءِنْفَاذِ أَمْرِهِ··· 94
وَإِنْهَاءِ عُذْرِهِ··· 95
وَتَقْدِيمِ نُذُرِه··· 95
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللّه ِ بِتَقْوَى اللّه ِ··· 96
الَّذِي ضَرَبَ الْأَمْثَالَ··· 96
وَوَقَّتَ لَكُمُ الاْجَالَ··· 98
وَأَلْبَسَكُمُ الرِّيَاشَ··· 100
وَأَرْفَعَ لَكُمُ الْمَعَاشَ··· 100
وَأَحَاطَ بِكم الاْءِحْصَاءِ··· 100
وَأَرْصَدَ لَكُمُ الْجَزَاءَ··· 101
وَآثَرَكُمْ بِالنِّعَمِ السَّوَابِغِ··· 102
وَالرِّفَدِ الرَّوَافِغِ··· 102
وَأَنْذَرَكُمْ بِالْحُجَجِ الْبَوَالِغِ··· 102
فَأَحْصَاكُمْ عَدَداً··· 103
وَوَظَّفَ لَكُمْ مُدَداً··· 103
فِي قَرَارِ خِبْرَةٍ وَدَارِ عِبْرَةٍ··· 103
أَنْتُمْ مُخْتَبَرُونَ فِيهَا··· 104
وَمُحَاسَبُونَ عَلَيْهَا··· 104
فَإِنَّ الدُّنْيَا رَنِقٌ مَشْرَبُهَا··· 104
ص: 388
رَدِغٌ مَشْرَعُهَا··· 105
يُونِقُ مَنْظَرُهَا··· 106
وَيُوبِقُ مَخْبَرُهَا··· 106
غُرُورٌ حَائِلٌ··· 106
وَضَوْءٌ آفِلٌ وَظِلٌّ زَائِلٌ وَسِنَادٌ مَائِلٌ··· 106
حَتَّى إِذَا أَنِسَ نَافِرُهَا وَاطْمَأَنَّ نَاكِرُهَا··· 107
قَمَصَتْ بِأَرْجُلِهَا وَقَنَصَتْ بِأَحْبُلِهَا وَأَقْصَدَتْ بِأَسْهُمِهَا وَأَعْلَقَتِ الْمَرْءَ أَوْهَاقَ الْمَنِيَّةِ··· 107
قَائِدَةً لَهُ إِلَى ضَنْكِ الْمَضْجَعِ وَوَحْشَةِ الْمَرْجِعِ··· 107
وَمُعَايَنَةِ الْمَحَلِّ··· 107
وَثَوَابِ الْعَمَلِ··· 108
وَكَذَلِكَ الْخَلَفُ بِعَقْبِ السَّلَفِ··· 108
لاَ تُقْلِعُ الْمَنِيَّةُ اخْتِرَاماً وَلاَ يَرْعَوِي الْبَاقُونَ اجْتِرَاماً يَحْتَذُونَ مِثَالاً··· 108
وَيَمْضُونَ أَرْسَالاً إِلَى غَايَةِ الاِنْتِهَاءِ··· 108
وَصَيُّورِ الْفَنَاء··· 109
حَتَّى إِذَا تَصَرَّمَتِ الْأُمُورُ وَتَقَضَّتِ الدُّهُورُ وَأَزِفَ النُّشُورُ··· 109
أَخْرَجَهُمْ مِنْ ضَرَائِحِ الْقُبُورِ··· 115
وَأَوْكَارِ الطُّيُورِ··· 118
وَأَوْجِرَةِ السِّبَاعِ··· 118
وَمَطَارِحِ الْمَهَالِك··· 118
سِرَاعاً إِلَى أَمْرِهِ··· 118
مُهْطِعِينَ··· 119
إِلَى مَعَادِهِ··· 119
ص: 389
رَعِيلاً صُمُوتاً··· 119
قِيَاماً صُفُوفاً··· 120
يَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ··· 121
وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي··· 121
عَلَيْهِمْ لَبُوسُ الاِسْتِكَانَةِ··· 122
وَضَرَعُ الاِسْتِسْلاَمِ وَالذِّلَّةِ··· 122
قَدْ ضَلَّتِ الْحِيَلُ وَانْقَطَعَ الْأَمَلُ··· 123
وَهَوَتِ الْأَفْئِدَةُ كَاظِمَةً··· 123
وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ مُهَيْنِمَةً··· 124
وَأَلْجَمَ الْعَرَقُ··· 125
وَعَظُمَ الشَّفَقُ··· 125
وَأُرْعِدَتِ الْأَسْمَاعُ لِزَبْرَةِ الدَّاعِي إِلَى فَصْلِ الْخِطَابِ وَمُقَايَضَةِ الْجَزَاءِ··· 126
وَنَكَالِ الْعِقَابِ وَنَوَالِ الثَّوَابِ··· 126
عِبَادٌ مَخْلُوقُونَ اقْتِدَاراً··· 130
وَمَرْبُوبُونَ اقْتِسَاراً··· 130
وَمَقْبُوضُونَ احْتِضَاراً··· 133
وَمُضَمَّنُونَ أَجْدَاثاً··· 134
وَكَائِنُونَ رُفَاتاً··· 137
وَمَبْعُوثُونَ أَفْرَاداً··· 138
وَمَدِينُونَ جَزَاءً··· 139
وَمُمَيَّزُونَ حِسَاباً··· 140
قَدْ أُمْهِلُوا فِي طَلَبِ الْمَخْرَجِ··· 141
ص: 390
وَهُدُوا سَبِيلَ الْمَنْهَجِ··· 141
وَعُمِّرُوا مَهَلَ الْمُسْتَعْتِبِ··· 141
وَكُشِفَتْ عَنْهُمْ سُدَفُ الرِّيَبِ··· 142
وَخُلُّوا لِمِضْمَارِ الْجِيَادِ··· 142
وَرَوِيَّةِ الاِرْتِيَادِ··· 142
وَأَنَاةِ الْمُقْتَبِسِ الْمُرْتَادِ فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ وَمُضْطَرَبِ الْمَهَلِ··· 143
فَيَا لَهَا أَمْثَالاً صَائِبَةً··· 144
وَمَوَاعِظَ شَافِيَةً··· 144
لَوْ صَادَفَتْ قُلُوباً زَاكِيَةً··· 145
وَأَسْمَاعاً وَاعِيَةً··· 145
وَآرَاءً عَازِمَةً··· 146
وَأَلْبَاباً حَازِمَةً··· 147
فَاتَّقُوا اللّه َ تَقِيَّةَ مَنْ سَمِعَ فَخَشَعَ··· 147
وَاقْتَرَفَ فَاعْتَرَفَ··· 147
وَوَجِلَ فَعَمِلَ وَحَاذَرَ فَبَادَرَ··· 149
وَأَيْقَنَ فَأَحْسَنَ··· 149
وَعُبِّرَ فَاعْتَبَرَ··· 149
وَحُذِّرَ فَحَذِرَ··· 150
وَزُجِرَ فَازْدَجَرَ··· 150
وَأَجَابَ فَأَنَابَ··· 150
وَرَاجَعَ فَتَابَ··· 150
وَاقْتَدَى فَاحْتَذَى··· 151
ص: 391
وَأُرِيَ فَرَأَى··· 151
فَأَسْرَعَ طَالِباً··· 151
وَنَجَا هَارِباً فَأَفَادَ ذَخِيرَةً··· 152
وَأَطَابَ سَرِيرَةً··· 152
وَعَمَّرَ مَعَاداً··· 152
وَاسْتَظْهَرَ زَاداً لِيَوْمِ رَحِيلِهِ وَوَجْهِ سَبِيلِهِ وَحَالِ حَاجَتِهِ وَمَوْطِنِ فَاقَتِهِ··· 152
وَقَدَّمَ أَمَامَهُ لِدَارِ مُقَامِهِ··· 153
فَاتَّقُوا اللّه َ عِبَادَ اللّه ِ جِهَةَ مَا خَلَقَكُمْ لَهُ··· 153
وَاحْذَرُوا مِنْهُ كُنْهَ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ··· 153
وَاسْتَحِقُّوا مِنْهُ مَا أَعَدَّ لَكُمْ بِالتَّنَجُّزِ لِصِدْقِ مِيعَادِهِ··· 154
وَالْحَذَرِ مِنْ هَوْلِ مَعَادِهِ··· 155
ومنها: جَعَلَ لَكُمْ أَسْمَاعاً لِتَعِيَ مَا عَنَاهَا··· 156
وَأَبْصَاراً لِتَجْلُوَ عَنْ عَشَاهَا··· 156
وَأَشْلاَءً جَامِعَةً لِأَعْضَائِهَا مُلاَئِمَةً لِأَحْنَائِهَا··· 159
فِي تَرْكِيبِ صُوَرِهَا··· 160
وَمُدَدِ عُمُرِهَا··· 160
بِأَبْدَانٍ قَائِمَةٍ بِأَرْفَاقِهَا··· 161
وَقُلُوبٍ رَائِدَةٍ لِأَرْزَاقِهَا··· 161
فِي مُجَلِّلاَتِ نِعَمِهِ··· 166
وَمُوجِبَاتِ مِنَنِهِ··· 166
وَحَوَاجِزِ عَافِيَتِهِ··· 167
وَقَدَّرَ لَكُمْ أَعْمَاراً سَتَرَهَا عَنْكُمْ··· 168
ص: 392
وَخَلَّفَ لَكُمْ عِبَراً مِنْ آثَارِ الْمَاضِينَ قَبْلَكُمْ··· 170
مِنْ مُسْتَمْتَعِ خَلاَقِهِمْ وَمُسْتَفْسَحِ خَنَاقِهِمْ··· 171
أَرْهَقَتْهُمُ الْمَنَايَا دُونَ الاْمَالِ وَشَذَّبَهُمْ عَنْهَا تَخَرُّمُ الاْجَالِ··· 171
لَمْ يَمْهَدُوا فِي سَلاَمَةِ الْأَبْدَانِ··· 172
وَلَمْ يَعْتَبِرُوا فِي أُنُفِ الْأَوَانِ··· 172
فَهَلْ يَنْتَظِرُ أَهْلُ بَضَاضَةِ الشَّبَابِ إِلاَّ حَوَانِيَ الْهَرَمِ··· 172
وَأَهْلُ غَضَارَةِ الصِّحَّةِ إِلاَّ نَوَازِلَ السَّقَمِ وَأَهْلُ مُدَّةِ الْبَقَاءِ إِلاَّ آوِنَةَ الْفَنَاءِ··· 173
مَعَ قُرْبِ الزِّيَالِ وَأُزُوفِ الاِنْتِقَالِ وَعَلَزِ الْقَلَقِ وَأَلَمِ الْمَضَضِ وَغُصَصِ··· 173
الْجَرَضِ··· 173
وَتَلَفُّتِ الاِسْتِغَاثَةِ بِنُصْرَةِ الْحَفَدَةِ وَالْأَقْرِبَاءِ وَالْأَعِزَّةِ وَالْقُرَنَاءِ··· 173
فَهَلْ دَفَعَتِ الْأَقَارِبُ أَوْ نَفَعَتِ النَّوَاحِبُ··· 174
وَقَدْ غُودِرَ فِي مَحَلَّةِ الْأَمْوَاتِ رَهِيناً وَفِي ضِيقِ الْمَضْجَعِ وَحِيداً··· 175
وَالْأَرْوَاحُ مُرْتَهَنَةً بِثِقَلِ أَعْبَائِهَا··· 175
مُوقِنَةً بِغَيْبِ أَنْبَائِهَا··· 176
لاَ تُسْتَزَادُ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهَا وَلاَ تُسْتَعْتَبُ مِنْ سَيِّئِ زَلَلِهَا··· 177
أَ وَلَسْتُمْ أَبْنَاءَ الْقَوْمِ وَالاْبَاءَ وَإِخْوَانَهُمْ وَالْأَقْرِبَاءَ··· 178
تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ وَتَرْكَبُونَ قِدَّتَهُمْ وَتَطَئُونَ جَادَّتَهُمْ فَالْقُلُوبُ قَاسِيَةٌ عَنْ··· 179
حَظِّهَا لاَهِيَةٌ عَنْ رُشْدِهَا··· 179
سَالِكَةٌ فِي غَيْرِ مِضْمَارِهَا··· 180
كَأَنَّ الْمَعْنِيَّ سِوَاهَا وَكَأَنَّ الرُّشْدَ فِي إِحْرَازِ دُنْيَاهَا··· 180
وَاعْلَمُوا أَنَّ مَجَازَكُمْ عَلَى الصِّرَاطِ وَمَزَالِقِ دَحْضِهِ··· 182
وَأَهَاوِيلِ زَلَلِه··· 188
ص: 393
وَتَارَاتِ أَهْوَالِهِ··· 188
فَاتَّقُوا اللّه َ عِبَادَ اللّه ِ تَقِيَّةَ ذِي لُبٍّ شَغَلَ التَّفَكُّرُ قَلْبَهُ··· 190
وَأَنْصَبَ الْخَوْفُ بَدَنَهُ··· 191
وَأَسْهَرَ التَّهَجُّدُ غِرَارَ نَوْمِهِ··· 192
وَأَظْمَأَ الرَّجَاءُ هَوَاجِرَ يَوْمِهِ··· 195
وَأَوْجَفَ الذِّكْرُ بِلِسَانِهِ··· 195
وَقَدَّمَ الْخَوْفَ لِأَمَانِهِ··· 202
وَتَنَكَّبَ الْمَخَالِجَ عَنْ وَضَحِ السَّبِيلِ··· 202
وَسَلَكَ أَقْصَدَ الْمَسَالِكِ إِلَى النَّهْجِ الْمَطْلُوبِ وَلَمْ تَفْتِلْهُ فَاتِلاَتُ الْغُرُورِ··· 203
وَلَمْ تَعْمَ عَلَيْهِ مُشْتَبِهَاتُ الْأُمُورِ··· 203
ظَافِراً بِفَرْحَةِ الْبُشْرَى··· 203
وَرَاحَةِ النُّعْمَى··· 204
فِي أَنْعَمِ نَوْمِهِ وَآمَنِ يَوْمِهِ··· 204
وَقَدْ عَبَرَ مَعْبَرَ الْعَاجِلَةِ حَمِيداً وَقَدَّمَ زَادَ الاْجِلَةِ سَعِيداً··· 205
وَبَادَرَ مِنْ وَجَلٍ··· 205
وَأَكْمَشَ فِي مَهَلٍ وَرَغِبَ فِي طَلَبٍ وَذَهَبَ عَنْ هَرَبٍ··· 205
وَرَاقَبَ فِي يَوْمِهِ غَدَهُ··· 206
وَنَظَرَ قُدُماً أَمَامَهُ··· 207
فَكَفَى بِالْجَنَّةِ ثَوَاباً وَنَوَالاً··· 207
وَكَفَى بِالنَّارِ عِقَاباً وَوَبَالاً··· 210
وَكَفَى بِاللّه ِ مُنْتَقِماً وَنَصِيراً··· 212
وَكَفَى بِالْكِتَابِ حَجِيجاً وَخَصِيماً··· 212
ص: 394
أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللّه ِ الَّذِي أَعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ··· 214
وَاحْتَجَّ بِمَا نَهَجَ··· 214
وَحَذَّرَكُمْ عَدُوّاً نَفَذَ فِي الصُّدُورِ خَفِيّاً··· 215
وَنَفَثَ فِي الاْذَانِ نَجِيّاً··· 216
فَأَضَلَّ وَأَرْدَى وَوَعَدَ فَمَنَّى··· 217
وَزَيَّنَ سَيِّئَاتِ الْجَرَائِمِ··· 217
وَهَوَّنَ مُوبِقَاتِ الْعَظَائِمِ··· 218
حَتَّى إِذَا اسْتَدْرَجَ قَرِينَتَهُ··· 218
وَاسْتَغْلَقَ رَهِينَتَهُ··· 218
أَنْكَرَ مَا زَيَّنَ وَاسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ وَحَذَّرَ مَا أَمَّنَ··· 219
أَمْ هَذَا الَّذِي أَنْشَأَهُ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْحَام··· 221
وَشُغُفِ الْأَسْتَارِ··· 221
نُطْفَةً دِهَاقاً وَعَلَقَةً مِحَاقاً··· 222
وَجَنِيناً··· 222
وَرَاضِعاً··· 225
وَوَلِيداً وَيَافِعاً··· 226
ثُمَّ مَنَحَهُ قَلْباً حَافِظاً وَلِسَاناً لاَفِظاً وَبَصَراً لاَحِظاً··· 227
لِيَفْهَمَ مُعْتَبِراً··· 227
وَيُقَصِّرَ مُزْدَجِراً··· 228
حَتَّى إِذَا قَامَ اعْتِدَالُهُ وَاسْتَوَى مِثَالُهُ نَفَرَ مُسْتَكْبِراً وَخَبَطَ سَادِراً··· 228
مَاتِحاً فِي غَرْبِ هَوَاهُ··· 229
كَادِحاً سَعْياً لِدُنْيَاهُ فِي لَذَّاتِ طَرَبِهِ··· 229
ص: 395
وَبَدَوَاتِ أَرَبِهِ··· 230
ثُمَّ لاَ يَحْتَسِبُ رَزِيَّةً··· 230
وَلاَ يَخْشَعُ تَقِيَّةً··· 230
وَلَمْ يَقْضِ مُفْتَرَضاً··· 231
دَهِمَتْهُ فَجَعَاتُ الْمَنِيَّةِ فِي غُبَّرِ جِمَاحِهِ وَسَنَنِ مِرَاحِهِ··· 231
فَظَلَّ سَادِراً وَبَاتَ سَاهِراً فِي غَمَرَاتِ الاْلاَمِ وَطَوَارِقِ الْأَوْجَاعِ وَالْأَسْقَامِ··· 231
بَيْنَ أَخٍ شَقِيقٍ وَوَالِدٍ شَفِيقٍ··· 232
وَدَاعِيَةٍ بِالْوَيْلِ جَزَعاً وَلاَدِمَةٍ لِلصَّدْرِ قَلَقاً··· 233
وَالْمَرْءُ فِي سَكْرَةٍ مُلْهِثَةٍ وَغَمْرَةٍ كَارِثَةٍ··· 233
وَأَنَّةٍ مُوجِعَةٍ وَجَذْبَةٍ مُكْرِبَةٍ··· 234
وَسَوْقَةٍ مُتْعِبَةٍ··· 239
ثُمَّ أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ مُبْلِساً وَجُذِبَ مُنْقَاداً سَلِساً··· 245
ثُمَّ أُلْقِيَ عَلَى الْأَعْوَادِ رَجِيعَ وَصَبٍ وَنِضْوَ سَقَمٍ··· 248
تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ الْوِلْدَانِ وَحَشَدَةُ الاْءِخْوَانِ··· 250
إِلَى دَارِ غُرْبَتِهِ··· 251
وَمُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ وَمُفْرَدِ وَحْشَتِهِ··· 251
حَتَّى إِذَا انْصَرَفَ الْمُشَيِّعُ وَرَجَعَ الْمُتَفَجِّعُ أُقْعِدَ فِي حُفْرَتِهِ نَجِيّاً لِبَهْتَةِ··· 251
السُّؤالِ··· 251
وَعَثْرَةِ الاِمْتِحَانِ··· 270
وَأَعْظَمُ مَا هُنَالِكَ بَلِيَّةً نُزُولُ الْحَمِيمِ وَتَصْلِيَةُ الْجَحِيمِ··· 271
وَفَوْرَاتُ السَّعِيرِ··· 272
وَسَوْرَاتُ الزَّفِير··· 272
ص: 396
لاَ فَتْرَةٌ مُرِيحَةٌ وَلاَ دَعَةٌ مُزِيحَةٌ··· 273
وَلاَ قُوَّةٌ حَاجِزَةٌ··· 273
وَلاَ مَوْتَةٌ نَاجِزَةٌ··· 273
وَلاَ سِنَةٌ مُسَلِّيَةٌ··· 274
بَيْنَ أَطْوَارِ الْمَوْتَاتِ··· 274
وَعَذَابِ السَّاعَاتِ إِنَّا بِاللّه ِ عَائِذُونَ··· 274
عِبَادَ اللّه ِ أَيْنَ الَّذِينَ عُمِّرُوا فَنَعِمُوا··· 274
وَعُلِّمُوا فَفَهِمُوا··· 276
وَأُنْظِرُوا فَلَهَوْا··· 276
وَسُلِّمُوا فَنَسُوا··· 276
أُمْهِلُوا طَوِيلاً··· 277
وَمُنِحُوا جَمِيلاً··· 277
وَحُذِّرُوا أَلِيماً··· 278
وَوُعِدُوا جَسِيماً··· 279
احْذَرُوا الذُّنُوبَ الْمُوَرِّطَةَ··· 279
وَالْعُيُوبَ الْمُسْخِطَةَ··· 280
أُولِي الْأَبْصَارِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْعَافِيَةِ وَالْمَتَاعِ··· 281
هَلْ مِنْ مَنَاصٍ أَوْ خَلاَصٍ··· 281
أَوْ مَعَاذٍ أَوْ مَلاَذٍ أَوْ فِرَارٍ أَوْ مَحَارٍ··· 282
أَمْ لاَ··· 282
فَأَنَّى تُؤفَكُونَ··· 282
أَمْ أَيْنَ تُصْرَفُونَ··· 283
ص: 397
أَمْ بِمَا ذَا تَغْتَرُّونَ··· 283
وَإِنَّمَا حَظُّ أَحَدِكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ذَاتِ الطُّوْلِ وَالْعَرْضِ··· 284
قِيدُ قَدِّهِ مُتَعَفِّراً عَلَى خَدِّهِ··· 285
الاْنَ عِبَادَ اللّه ِ وَالْخِنَاقُ مُهْمَلٌ··· 285
وَالرُّوحُ مُرْسَلٌ فِي فَيْنَةِ الاْءِرْشَادِ··· 285
وَرَاحَةِ الْأَجْسَادِ··· 286
وَبَاحَةِ الاِحْتِشَادِ وَمَهَلِ الْبَقِيَّةِ وَأُنُفِ الْمَشِيَّةِ··· 286
وَإِنْظَارِ التَّوْبَةِ··· 286
وَانْفِسَاحِ الْحَوْبَةِ قَبْلَ الضَّنْكِ وَالْمَضِيقِ··· 287
وَالرَّوْعِ وَالزُّهُوقِ··· 287
وَقَبْلَ قُدُومِ الْغَائِبِ الْمُنْتَظَرِ··· 287
وَإِخْذَةِ الْعَزِيزِ الْمُقْتَدِرِ··· 289
الخطبة (83) ومن كلام له عليه السلام في ذكر عمرو بن العاص
( 292 - 345)
ومن كلام له عليه السلام في ذكر عمرو بن العاص··· 292
عَجَباً لاِبْنِ النَّابِغَةِ··· 294
يَزْعُمُ لِأَهْلِ الشَّامِ أَنَّ فِيَّ دُعَابَةً··· 300
وَأَنِّي امْرُؤ تِلْعَابَةٌ··· 312
أُعَافِسُ··· 312
وَأُمَارِسُ··· 313
لَقَدْ قَالَ بَاطِلاً وَنَطَقَ آثِماً··· 313
ص: 398
أَمَا وَشَرُّ الْقَوْلِ الْكَذِبُ··· 313
إِنَّهُ لَيَقُولُ فَيَكْذِبُ··· 317
وَيَعِدُ فَيُخْلِفُ··· 321
وَيَسْأَلُ فَيُلْحِفُ··· 323
وَيُسْأَلُ فَيَبْخَلُ··· 324
وَيَخُونُ الْعَهْدَ··· 327
وَيَقْطَعُ الاْءِلَّ··· 328
فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْحَرْبِ فَأَيُّ زَاجِرٍ وَآمِرٍ هُوَ مَا لَمْ تَأْخُذِ السُّيُوفُ مآخِذَهَا··· 328
فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَانَ أَكْبَرُ مَكِيدَتِهِ أَنْ يَمْنَحَ الْقَرْمَ سَبَّتَهُ··· 331
أَمَا وَاللّه ِ إِنِّي لَيَمْنَعُنِي مِنَ اللَّعِبِ ذِكْرُ الْمَوْتِ··· 339
وَإِنَّهُ لَيَمْنَعُهُ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ نِسْيَانُ الاْخِرَة··· 340
إِنَّهُ لَمْ يُبَايِعْ مُعَاوِيَةَ حَتَّى شَرَطَ لَهُ أَنْ يُؤتِيَهُ أَتِيَّةً وَيَرْضَخَ لَهُ عَلَى تَرْكِ··· 341
الدِّينِ رَضِيخَة··· 341
الخطبة (84): ومن خطبة له عليه السلام
( 346 - 368)
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللّه ُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ··· 347
الْأَوَّلُ لاَ شَيْءَ قَبْلَهُ وَالاْخِرُ لاَ غَايَةَ لَهُ··· 347
لاَ تَقَعُ الْأَوْهَامُ لَهُ عَلَى صِفَةٍ··· 347
وَلاَ تَعْقِدُ الْقُلُوبُ مِنْهُ عَلَى كَيْفِيَّةٍ··· 348
وَلاَ تَنَالُهُ التَّجْزِئَةُ وَالتَّبْعِيضُ··· 349
وَلاَ تُحِيطُ بِهِ الْأَبْصَارُ وَالْقُلُوبُ··· 349
ص: 399
ومنها··· 350
فَاتَّعِظُوا عِبَادَ اللّه ِ بِالْعِبَرِ النَّوَافِعِ··· 350
وَاعْتَبِرُوا بِالاْيِ السَّوَاطِعِ··· 350
وَازْدَجِرُوا بِالنُّذُرِ الْبَوَالِغِ··· 351
وَانْتَفِعُوا بِالذِّكْرِ وَالْمَوَاعِظِ··· 352
فَكَأَنْ قَدْ عَلِقَتْكُمْ مَخَالِبُ الْمَنِيَّةِ··· 353
وَانْقَطَعَتْ مِنْكُمْ عَلاَئِقُ الْأُمْنِيَّةِ··· 353
وَدَهَمَتْكُمْ مُفْظِعَاتُ الْأُمُورِ.··· 353
وَالسِّيَاقَةُ إِلَى الْوِرْدِ الْمَوْرُودِ··· 354
وَكُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ··· 354
سَائِقٌ يَسُوقُهَا إِلَى مَحْشَرِهَا··· 354
وَشَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا··· 355
ومنها في صفة الجنة··· 355
دَرَجَاتٌ مُتَفَاضِلاَتٌ··· 356
وَمَنَازِلُ مُتَفَاوِتَاتٌ··· 357
لاَ يَنْقَطِعُ نَعِيمُهَا··· 363
وَلاَ يَظْعَنُ مُقِيمُهَا··· 364
وَلاَ يَهْرَمُ خَالِدُهَا··· 366
وَلاَ يَبْأَسُ سَاكِنُهَا··· 368
المصادر··· 369
المحتويات··· 3851
ص: 400