مصباح السعادة في شرح النهج البلاغة المجلد 8

هویة الکتاب

بطاقة تعريف:الموسوي آل طيب، السيد محمدكاظم، 1331-

عنوان العقد:نهج البلاغة. وصف

Nhjol-Balaghah. Commantries

عنوان واسم المؤلف: مصباح السعادة في شرح النهج البلاغة المجلد 8 [علي بن أبي طالب (علیه السلام)]/ مولف السيد محمدكاظم الموسوي آل طيب.

تفاصيل المنشور: قم: دارالتفسیر، 1440ق.= 1397.

مواصفات المظهر:8ج

ISBN:ج.6 978-964-535-716-8 :

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة: عربي.

ملاحظة:ج.6 (چاپ اول: 1442 ق = 1399) (فیپا).

عنوان:علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق -- خطب

عنوان:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- *Public speaking

عنوان:علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق. -- کلمات قصار

عنوان:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- Quotations

عنوان:علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل از هجرت - 40ق . نهج البلاغة -- النقد والتعليق

عنوان:Ali ibn Abi-talib, Imam I. Nahjol - Balaghah -- Criticism and interpretation

المعرف المضاف: علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق . نهج البلاغة. وصف

المعرف المضاف:Ali ibn Abi-talib, Imam I Commantries.. Nahjol - Balaghah

ترتيب الكونجرس: BP38/02/م83 1397

تصنيف ديوي: 297/9515

رقم الببليوغرافيا الوطنية:5402095

معلومات التسجيلة الببليوغرافية: FIPA

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

الخطبة (79): ومن خطبة له عليه السلام بعد فراغِهِ من حرب الجمل في ذم النساء:

اشارة

مَعَاشِرَ النَّاسِ إِنَّ النِّسَاءَ نَوَاقِصُ الإِيمَانِ نَوَاقِصُ الْحُظُوظِ نَوَاقِصُ الْعُقُولِ فَأَمَّا نُقْصَانُ إِيمَانِهِنَّ فَقُعُودُهُنَّ عَنِ الصَّلاةِ وَ الصِّيَامِ فِي أَيَّامِ حَيْضِهِنَّ وَ أَمَّا نُقْصَانُ عُقُولِهِنَّ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ كَشَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ وَ أَمَّا نُقْصَانُ حُظُوظِهِنَّ فَمَوَارِيثُهُنَّ عَلَى الْأَنْصَافِ مِنْ مَوَارِيثِ الرِّجَالِ فَاتَّقُوا شِرَارَ النِّسَاءِ وَ كُونُوا مِنْ خِيَارِهِنَّ عَلَى حَذَرٍ وَ لا تُطِيعُوهُنَّ فِي الْمَعْرُوفِ حَتَّى لا يَطْمَعْنَ فِي الْمُنْكَرِ

فى كيفية خلق المرئة

قال تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساء»(1).

في تفسير علي بن إبراهيم أنها خلقت من أسفل أضلاعه(2).

وروى ابو بصير عن الباقر عليه السلام حديثا فى خلق آدم وحوا وفيه: فَلِمَ سُمِّيَتْ حَوَّاءُ حَوَّاءَ قَالَ: لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعِ حَيٍّ يَعْنِي ضِلْعَ آدَمَ(3).

وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: سُمِّيَتْ حَوَّاءُ حَوَّاءَ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ حَيٍّ

ص: 5


1- .النساء: 1.
2- . تفسير القمي: 1/130؛ بحار الأنوار: 11/99.
3- . الاحتجاج: 2/328؛ بحار الأنوار: 11/100، ح3.

قَالَ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها(1).

وفى خبر ابن سلام انه سئل النبى عن آدم لم سمى آدم؟ قال صلى الله عليه و آله: لأنّه خلق من طين الارض واديمها - والحديث طويل إلى أن قال - فاخبرنى عن آدم خلق من حواء او خلقت حوا من آدم - إلى أن قال - فمن اين خلقت؟ قال ص: من الطينة التى فضلت عن ضلعه الايسر(2).

ومن خطبة له عليه السلام: بعد فراغه من حرب جمل في ذم النساء

ثم إنّ كلامه عليه السلام وإن كان في مطلق النّساء إلاّ أن الباعث له عليه عمل عائشة، وقال ابن أبي الحديد: هذا الفصل كلّه رمز إلى عائشة(3).

فهو نظير قوله تعالى: «ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللّه ِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ»(4) فهو في عمومه مثل لمطلق الكفّار لكنّه خصوصا رمز إلى عائشة وصاحبتها بنت صاحب أبيها كما اعترف به الزمخشري(5) ورواه صحيح مسلم(6).

ص: 6


1- . علل الشرايع: 1/16، ح1؛ بحار الأنوار: 11/100، ح5.
2- . علل الشرايع: 1/471، ح33؛ بحار الأنوار: 11/101، ح6.
3- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/214.
4- . التحريم: 10.
5- . الكشاف: 4/566.
6- . صحيح مسلم: 4/188.

مَعَاشِرَ النَّاسِ إِنَّ النِّسَاءَ نَوَاقِصُ الاْءِيمَانِ نَوَاقِصُ الْحُظُوظِ نَوَاقِصُ الْعُقُولِ

ونواقص القيمة في دمائهن فدية الرجل ألف دينار ودية المرأة خمسمائة دينار.

وقال عليه السلام: «و لا تهيجوا النساء بأذى وإن شتمن أعراضكم وسببن امراءكم، فإنّهن ضعيفات القوى والأنفس والعقول، وإن كنّا لنؤمر بالكفّ عنهنّ وإن كنّ لمشركات، وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالقهر أو الهراوة فيعيّر بها هو وعقبه من بعده»(1).

فَأَمَّا نُقْصَانُ إِيمَانِهِنَّ فَقُعُودُهُنَّ عَنِ الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ أَيَّامَ حَيْضِهِنَّ

وكذلك أيّام نفاسهن.

كما لا يجوز لهن فيها دخول المساجد ولا قراءة العزائم ولهما دخل في كمال الإيمان، كما لا يجوز الاستمتاع منهن من حيث أمر اللّه فيها ولا يقع الطلاق بهن فيها.

وهنّ وإن يقضين شهر رمضان إلاّ أنّهن يحرمن فضل الشهر، وأمّا الصلاة فلا قضاء أيضا لها، وقد سمّى اللّه تعالى الصلاة إيمانا في قوله جل وعلا: «وَما كانَ اللّه ُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ»(2) قال المسلمون بعد تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة فهل كانت صلواتنا الأولية بلا ثمرة.

وفي كلامه عليه السلام دلالة على كون الأعمال اجزاء الايمان.

ص: 7


1- . نهج البلاغة فيض الاسلام: 14/858 (و من وصية له عليه السلام).
2- . البقرة: 143.

ويشهد به ما عن أبي الصّباح الكناني عن أبي جعفر عليه السلام قال: قيل لأمير المؤمنين عليه السلام: من شهد أن لا إله إلا اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان مؤمنا؟ قال: فأين فرايض اللّه؟ قال: وسمعته يقول: لو كان الايمان كلاما لم ينزل فيه صوم ولا صلاة ولا حلال ولا حرام(1).

وقال الباقر عليه السلام: إنّ الحيض للنساء نجاسة رماهن اللّه تعالى بها وقد كنّ في زمن نوح عليه السلام إنّما تحيض المرأة في السنة حيضة حتى خرج نسوة من مجانّهنّ وكنّ سبعمائة فانطلقن فلبسن المعصفرات وتحلّين وتعطّرن ثم خرجن فتفرّقن في البلاد، فجلسن مع الرجال وشهدن الأعياد معهم وجلسن في صفوفهم. فرماهنّ اللّه تعالى عند ذلك بالحيض وكسر شهوتهن، وكان غيرهن من النساء اللواتي لم يفعلن مثل ما فعلن يحضن في كلّ سنة حيضة، فامتزج القوم فحضن بنات هؤلاء وهؤلاء في كل شهر حيضة، فكثر أولاد اللاتي يحضن في كلّ شهر حيضة لاستقامة الحيض، وقلّ أولاد اللاّتي يحضن في السنة حيضة لفساد الدم، فكثر نسل هؤلاء وقل نسل اولئك(2).

هذا، وروى أنّ الصادق عليه السلام سئل عن قوله تعالى: «لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ»(3) فقال: اللاّئي لا يحضن ولا يحدثن(4).

وسئل الصادق عليه السلام عن المشوّهين في خلقهم فقال: هم الذين يأتي آباؤهم

ص: 8


1- . الكافي: 2/33، ح2؛ بحار الأنوار: 66/19، ح2.
2- . من لا يحضره الفقيه: 1/88، ح193؛ بحار الأنوار: 11/326، ح47.
3- . النساء: 57.
4- . تفسير العياشى: 1/164، ح11؛ بحار الأنوار: 8/139، ح52.

نساءهم في الطمث(1).

وروي: إنّ المرأة إذا اشتبه عليها دم الحيض ودم القرحة فربّما كانت قرحة في الفرج فعليها أن تستلقي على قفاها، فَإِنْ خَرَجَ الدَّمُ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ فَهُوَ مِنَ الْحَيْضِ وَإِنْ خَرَجَ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ فَهُوَ مِنَ الْقَرْحَة(2).

وروي: أنّ المرأة إذا افتضّها زوجها ولم يرق دمها ولا تدري دم الحيض هو أم دم العذرة، فعليها أن تدخل قطنة فإن خرجت القطنة مطوقة بالدم فهو من العذرة وان خرجت منغمسة فهو من الحيض(3).

وَأَمَّا نُقْصَانُ عُقُولِهِنَّ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ كَشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ

قال تعالى: «فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ»(4).

روى عن تفسير العسكري عليه السلام عن آبائه عن أميرالمؤمنين عليهم السلام في تفسير هذه الآية قال: عدلت امرئتان في الشهادة برجل واحد فاذا كان رجلان أو رجل

ص: 9


1- . من لا يحضره الفقيه: 1/96، ح202؛ بحار الأنوار: 78/86، ح6.
2- . تهذيب الاحكام: 1/385، ح8؛ بحار الأنوار: 78/97. قال المجلسى: هكذا وجدنا في النسخ المعتبرة ونقله المحقق في المعتبر عن التهذيب وروى الكليني هذا الحديث بعينه الكافي: 3/94، ح3 إلى قوله فإن خرج من الجانب الأيمن فهو من الحيض وإن خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة وبه أفتى ابن الجنيد. وفي نسخ التهذيب التي كانت عند ابن طاوس ره كما في الكافي ولذا طرح بعض الأصحاب هذه الرواية ولم يعملوا بها لضعفها واختلافها ومخالفتها للاعتبار لاحتمال كون القرحة في كل من الجانبين ولا يخلو من قوة بحار الأنوار: 78/97.
3- . فقه الرضا عليه السلام 194؛ بحار الأنوار: 78/93.
4- . البقرة: 282.

وامرئتان أقاموا الشّهادة قضى بشهادتهم.

قال عليه السلام وجاءت امرئة إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقالت: ما بال الامرئتين برجل في

الشهادة وفي الميراث؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إنّ ذلك قضاء من ملك عدل حكيم لا يجور ولا يحيف أيّتها المرأة لأنكنّ ناقصات الدّين والعقل إنّ احداكنّ تقعد نصف دهرها لا تصلّي بحيضة، وأنكنّ تكثرن اللعن وتكفرن العشير تمكث إحدا كنّ عند الرّجل عشر سنين فصاعدا يحسن إليها وينعم عليها فاذا ضاقت يده يوما أو ساعة خاصمته وقالت: ما رأيت منك خيرا قطّ(1).

وعن محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القميّ قال مرّ رسول اللّه صلى الله عليه و آلهعلى نسوة فوقف عليهنّ ثمّ قال صلى الله عليه و آله: يا معاشر النساء ما رأيت نواقص عقول ودين أذهب بعقول ذوى الألباب منكنّ إنى رأيت أنكنّ أكثر أهل النّار (عذابا) يوم القيامة فتقرّبن إلى اللّه ما استطعتنّ، فقالت امرأة منهنّ: يا رسول اللّه ما نقصان ديننا وعقولنا؟

فقال: أما نقصان دينكنّ فالحيض الذي يصيبكنّ فتمكث إحداكنّ ما شاء اللّه لا تصلّي ولا تصوم، وأمّا نقصان عقولكنّ فشهادتكنّ إنّما شهادة المرأة نصف شهادة الرّجل(2).

وروى: أنّ رسول صلى الله عليه و آله كان يخطب يوم عيد فالتفت إلى صفوف النساء فقال: معاشر النساء تصدّقن فإنّى رأيتكنّ أكثر أهل النار عددا. فقالت واحدة منهنّ: ولم يا رسول اللّه فقال صلى الله عليه و آله: لأنكنّ تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، وتمكث إحد يكنّ

ص: 10


1- . وسائل الشيعة: 27/272، ح33756 - 5.
2- . من لا يحضره الفقيه: 3/391، ح4375؛ وسائل الشيعة: 20/25، ح24936 - 3.

شطر عمرها لا تصوم ولا تصلّى(1).

وقال وهب بن منبه: قد عاقب اللّه النساء بعشر خصال: بشدة النفاس والحيض وجعل ميراث إثنتين ميراث رجل وشهادتهما بشهادة رجل واحد، وجعلها ناقصة الدين والعقل لا تصلي أيام حيضها ولا يسلم عليها وليس عليها جمعة ولا جماعة ولا يكون منهن نبيّ، ولا يسافرن إلا بوليّ(2).

وفى كون شهادة اثنتين منهن كشهادة واحد منهم في الأموال، وفي غيرها تفصيل، قال المفيد: لا تقبل شهادة النساء في الطلاق والنكاح والحدود وفي الهلال، وتقبل شهادة امرأتين مسلمتين مستورتين فيما لا يراه الرجال كالعذرة وعيوب النساء والحيض والنفاس والولادة والاستهلال والرضاع، وإذا لم يوجد على ذلك إلاّ شهادة امرأة واحدة مأمونة قبلت، وتقبل شهادة امرأة واحدة في ربع الوصية لا في جميعها(3).

وعن الصادق عليه السلام: يجوز في حد الزنا ثلاثة رجال وامرأتان، ولا يجوز إذا كان رجلان وأربع نسوة(4)، ولا يجوز شهادتهن في الرّجم(5).

وَأَمَّا نُقْصَانُ حُظُوظِهِنَّ فَمَوَارِيثُهُنَّ عَلَى الْأَنْصَافِ مِنْ مَوَارِيثِ الرِّجَالِ

قال تعالى: «يُوصِيكُمُ اللّه ُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْن»(6).

ص: 11


1- . شرح نهج البلاغة ابن ميثم: 2/225.
2- . محاضرات الادباء ومحاورات الشعراء والبلغاء: 2/239.
3- . المقنعة: 727.
4- . الكافي: 7/390، ح3؛ وسائل الشيعة: 27/351، ح33911 - 3.
5- . روضة المتقين: 6/141.
6- . النساء: 11.

أنّ ابن أبي العوجاء قال للصادق عليه السلام: ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهما واحدا ويأخذ الرجل سهمين فقال عليه السلام: إنّ المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا عليها معقلة إنّما ذلك على الرجال وَلِذَلِكَ جَعَلَ لِلْمَرْأَةِ سَهْماً وَاحِداً وَلِلرَّجُلِ سَهْمَيْنِ(1).

وروى: ان الفهفكي سأل العسكري عليه السلام عن ذلك، فأجابه بما أجاب الصادق عليه السلام

ابن أبي العوجاء، وكان إسحاق النخعي حاضرا فتخيّل في نفسه ان هذه مسألة ابن أبي العوجاء، فقال عليه السلام لاسحق: نعم هذه مسألة ابن أبي العوجاء والجواب واحد وأوّلنا وآخرنا في العلم سواء(2).

وعن الصّدوق باسناده عن محمّد بن سنان أنّ الرّضا عليه السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله: علّة إعطاء النساء نصف ما يعطى الرّجال من الميراث لأنّ المرأة إذا تزوجّت اخذت والرّجل يعطى فلذلك وفرّ على الرّجال، وعلّة اخرى في اعطاء الذكر مثلى ما تعطى الانثي لأنّ الانثى في عيال الذكر إن احتاجت وعليه أن يعولها وعليه نفقتها، وليس على المرأة أن تعول الرّجل ولا تؤخذ بنفقته إن احتاج فوّفر على الرّجال لذلك وذلك قول اللّه عزّ وجل: «الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّه ُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ»(3).(4)

وعنه أيضا باسناده عن عبداللّه بن سنان قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: لأيّ علّة

ص: 12


1- . الكافي: 7/85، ح3 ومرآة العقول: 23/130، ح3.
2- . الكافي: 7/85، ح2؛ اعلام الورى باعلام الهدى ط - القديمة: 374؛ بحار الأنوار: 50/255، ح11.
3- . النساء: 34.
4- . علل الشرايع: 2/570، ح1؛ بحار الأنوار: 101/326، ح1.

صار الميراث للذكر مثل حظّ الانثيين؟ قال: لما جعله اللّه لها من الصّداق(1).

وباسناده عن عليّ بن سالم عن أبيه قال سألت أبا عبداللّه عليه السلام فقلت له: كيف صار الميراث للذكر مثل حظّ الانثيين؟ فقال، لأنّ الحبات التي أكل آدم وحوّاء في الجنّة كانت ثمانية عشر حبّة أكل آدم منها اثنتى عشرة حبّة وأكلت حوّاء ستّا فلذلك صار الميراث للذكر مثل حظّ الانثيين(2).

هذا، واما كون ارث الاخت من الام مثل ارث الاخ منها وكون ارث الخالة مثل ارث الخال، فلأن الأصل فيهما المرأة الام والاخت.

وأما استواء الام مع الأب في اجتماعهما مع الولد بدون اخوة، فلأن المناط فيهما الابوّة والامومة لا الذّكورة والانوثة وهما في الحق سواء.

هذا، وورد أن لبن الجارية أيضا دون لبن الغلام وزنا، فنقل ابن طاوس في تشريفه عن مجموع المرزبان قال شريح القاضي: كنت أقضي لعمر بن الخطّاب، فأتاني يوما رجل، فقال: يا أبا اميّة إنّ رجلا أودعني امرأتين إحداهما حرّة مهيرة والاخرى سريّة، فجعلتهما في دار وأصبحت اليوم وقد ولدتا غلاما وجارية، وكلتاهما تدّعي الغلام وتنتفي من الجارية، فاقض بينهما بقضائك فلم يدر شريح كيف يحكم بينهما، فجمع عمر الصحابة وسألهم فلم يدروا، فأتوه عليه السلاموهو في حائط له وقصّوا عليه ذلك، فأخذ عليه السلام من الأرض شيئا وقال: الحكم فيه أهون من هذا، فأحضر المرأتين وأحضر قدحا ودفعه إلى احداهما وقال لها احلبي فيه، فحلبت ثم وزن القدح ودفعه إلى الاخرى وقال لها احلبي فيه فحلبت ثم وزنه،فكان أحد اللبنين أخف، فقال لصاحبة الخفيف خذي ابنتك ولصاحبة الثقيل خذي

ص: 13


1- . من لا يحضره الفقيه: 4/350، ح5756؛ بحار الأنوار: 101/327، ح2.
2- . من لا يحضره الفقيه: 4/351، ح5758؛ بحار الأنوار: 101/327، ح5.

ابنك، وقال عليه السلام لعمر: إنّ اللّه تعالى حطّ المرأة عن الرجل فجعل عقلها وميراثها دون عقله وميراثه، وكذلك لبنها دون لبنه. فقال له عمر: لقد أرادك الحق يا أبا الحسن ولكن قومك أبوا. فقال عليه السلام له: خفّض عليك أبا حفص «إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً»(1).(2)

وكذلك قيمتها نصف قيمته، فدية المرأة نصف دية الرجل.

فَاتَّقُوا شِرَارَ النِّسَاءِ

كان ابن عباس يقول: مثل المرأة السوء: كان قبلكم رجل صالح له امرأة سوء، فعرض له رجل فقال: إنّي رسول من اللّه إليك أنّه قد جعل لك ثلاث دعوات، فسل ما شئت من دنيا وآخرة، ثم نهض فرجع الرجل إلى منزله فقالت له امرأته: مالي أراك مفكّرا محزونا، فأخبرها فقالت: أ لست امرأتك وفي صحبتك وبناتك مني؟ فاجعل لي دعوة، فأبى فأقبل عليه ولده وقلن امّنا، فلم يزلن به حتى قال لك دعوة، فقالت اللّهم اجعلني أحسن الناس وجها فصارت كذلك، فجعلت توطى ء فراشها وهو يعظها فلا تتعظ، فغضب يوما فقال: اللّهم اجعلها خنزيرة، فتحوّلت كذلك، فلمّا رأين بناته ما نزل بأمهن بكين وضربن على وجوههن ونتفن شعورهن، فرقّ لهن فقال: اللّهم اعدها كما كانت أو لا، فذهبت دعواته الثلاث فيها(3).

وكان اسم تلك المرأة بسوس(4).وقال الواقدي: دخلت يوما على المهدي، فدعا بمحبرته ودفتره فكتب

ص: 14


1- . النبأ: 17.
2- . التشريف بالمنن فى التعريف بالفتن المعروف بالملاحم والفتن: 356 - 357.
3- . عيون الاخبار لابن قتيبة: 4/114.
4- . تفسير القرآن العظيم: 5/1618.

عنّي أشياء حدّثته بها، ثم نهض وقال: كن مكانك حتى أعود إليك. ودخل إلى دار الحرم ثم خرج متنكّرا ممتلئا غيظا. قلت: خرجت على خلاف حال دخولك. فقال: دخلت على الخيزران، فوثبت عليّ ومدّت يدها إليّ وخرقت ثوبي وقالت: يا قشّاش أيّ خير رأيت منك وإنّما اشتريتها من نخّاس ورأت مني ما رأت وعقدت لابنيها ولاية العهد. فقلت: قال النبي صلّى اللّه عليه وآله «إنّهنّ يغلبن الكرام ويغلبهنّ اللئام» وقال: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى» وقد خلقت المرأة من ضلع أعوج إن قوّمته كسرته. وحدثته في هذا الباب بكل ما حضرني، فسكن غضبه وأسفر وجهه وأمر لي بألفي دينار وانصرفت، فلمّا دخلت منزلي وافاني رسول الخيزران وقال: تقرأ عليك ستي السّلام وتقول لك يا عم قد سمعت جميع ما كلّمت به الخليفة فأحسن اللّه جزاك، وهذه ألفا دينار إلاّ عشرة دنانير لم أحب أن اساوي صلة الخليفة، ووجهت إليّ بأثواب(1).

وَكُونُوا مِنْ خِيَارِهِنَّ عَلَى حَذَرٍ

قال عمر بن أبي ربيعة:

لا تأمنن الدهر انثى بعدها

بعد الّذي أعطتك من أيمانها

ما لا يطيق من العهود ثبير

فإذا وذلك كان ظلّ سحابة

نفحت به في المعصرات دبور(2)

ص: 15


1- . تاريخ بغداد: 14/431.
2- . ديوان عمر بن ابى ربيعة: 80، ش 140.

وقال الطائي:

فلا تحسبن هندا لها الغدر وحدها

سجية نفس كلّ غانية هند(1)

وقال الأعشى:

أَرَى سَفَهًا بِالْمَرْءِ تَعْلِيقُ قَلْبِهِ

بِغَانِيَةٍ خَوْدٍ مَتَى يَدْنُ تَبْعُدِ(2)

وفي الخبر عن الصادق عليه السلام قال لامرأة سعد: هنيئا لك يا خنساء، فلو لم يعطك اللّه شيئا إلاّ ابنتك ام الحسين لقد أعطاك اللّه خيرا كثيرا، إنّما مثل المرأة الصالحة في النساء كمثل الغراب الأعصم - وهو الأبيض في إحدى الرجلين - في الغربان(3).

وعن جابر بن عبداللّه الانصارى قال: كنّا جلوسا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال فتذاكرنا النساء وفضل بعضهنّ على بعض فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ألا أخبركم بخير نسائكم؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه فأخبرنا، قال: إنّ من خير نسائكم الولود الودود السّتيرة العفيفة العزيزة في أهلها الذليلة مع بعلها المتبرّجة

مع زوجها الحصان مع غيره التي تسمع قوله وتطيع أمره وإذا خلا بها بذلت له ما أراد منها ولم تبذل له تبذّل الرّجل(4).

قال وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ألا اخبركم بشرّ نسائكم؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه فأخبرنا؛قال: من شرّ نسائكم الذليلة في أهلها العزيزة مع بعلها العقيم الحقود التي لا تتوّرع عن قبيح المتبرّجة إذا غاب عنها زوجها الحصان معه إذا حضر التي لا تسمع قوله ولا تطيع أمره فاذا خلابها تمنّعت تمنّع الصّعبة عند ركوبها

ص: 16


1- . اعيان الشيعة: 19/444.
2- . ذم الهوى لابن الجوزى: 1/645.
3- . الكافي: 5/515، ح2؛ وسائل الشيعة 20/40، ح24978 - 9.
4- . من لا يحضره الفقيه: 3/389، ح4367؛ بحار الأنوار: 100/235، ح20.

ولا تقبل له عذرا و لا تغفر له ذنبا(1).

وَلاَ تُطِيعُوهُنَّ فِي الْمَعْرُوفِ حَتَّى لاَ يَطْمَعْنَ فِي الْمُنْكَر

قال العلاّمة المجلسي: وترك طاعتهنّ في المعروف إما بالعدول إلى فرد آخر منه أو فعله على وجه يظهر أنّه ليس لطاعتهنّ بل لكونه معروفا أو ترك بعض المستحبات ويكون الترك حينئذ مستحبّا كما ورد تركها في بعض الأحوال كمال الحلال(2)، هذا.

وقد ورد الحثّ على ترك طاعتهنّ في غير واحد من الأخبار.

عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: مَنْ أَطَاعَ امْرَأَتَهُ أَكَبَّهُ اللّه ُ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ قِيلَ وَمَا تِلْكَ الطَّاعَةُ قَالَ تَطْلُبُ مِنْهُ الذَّهَابَ إِلَى الْحَمَّامَاتِ وَالْعُرُسَاتِ وَالْعِيدَاتِ وَالنِّيَاحَاتِ وَالثِّيَابَ الرِّقَاقَ(3).

وعن أبي جعفر عليه السلام: لا تشاوروهن في النجوى ولا تطيعوهن في ذي قرابة، ان المرأة إذا كبرت ذهب خير شطريها وبقي شرّها ذهب جمالها واحتد لسانها وعقم رحمها، وان الرجل إذا كبر ذهب شرّ شطريه وبقي خيرهما ثبت عقله واستحكم رأيه وقل جهله(4).

وقال أميرالمؤمنين عليه السلام: كل امرى ء تدبّره امرأة فهو ملعون(5).

ص: 17


1- . من لا يحضره الفقيه: 3/391، ح4376؛ بحار الأنوار: 100/235، ح20.
2- . بحار الأنوار: 32/248.
3- . الكافي: 5/517، ح3؛ بحار الأنوار: 100/242، ح9.
4- . من لا يحضره الفقيه: 3/468، ح4621؛ بحار الأنوار: 100/227، ح24.
5- . الكافي: 5/518، ح10؛ بحار الأنوار: 100/228، ح25.

وقال عليه السلام: في خلافهن البركة(1).

وكان النبي صلّى اللّه عليه وآله إذا أراد الحرب دعا نساءه فاستشارهن ثم خالفهن(2).

وفي بعض الرّوايات العاميّة قال أميرالمؤمنين عليه السلام لا تطيعوا النساء على حال ولا تأمنوهنّ على مال، ولا تذروهنّ لتدبير العيال، فانّهنّ إن تركن وما يرون أوردن المهالك، وأذلن الممالك، لا دين لهنّ عند لذّتهنّ، ولا ورع لهنّ عند شهوتهنّ، ينسين الخير ويحفظن الشّر، يتهافتن بالبهتان ويتمارين للطغيان يتصدّين للشّيطان(3).

ومن طريق العامة أيضا قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله شاوروهنّ خالفوهنّ(4).

وقال ابن أبي الحديد: لمّا نزل علي البصرة كتبت عائشة إلى زيد بن صوحان العبدي: أما بعد، فأقم في بيتك وخذّل الناس عن علي. فكتب إليها زيد: إنّ اللّه أمرك بأمر وأمرنا بأمر، أمرك أن تقرّي في بيتك وأمرنا أن نجاهد، وقد أتاني كتابك فأمرتني أن أصنع خلاف ما أمرني اللّه فأكون قد صنعت ما أمرك اللّه به وصنعت ما أمرني اللّه به، فأمرك عندي غير مطاع وكتابك غير مجاب والسّلام(5).

هذا، وفي السير ان خالد بن يزيد بن معاوية قال لامرأته رملة بنت الزبير:

ص: 18


1- . من لا يحضره الفقيه: 3/468، ح4623؛ بحار الأنوار: 100/228، ح26.
2- . من لا يحضره الفقيه: 3/468، ح4624؛ بحار الأنوار: 100/227، ح21.
3- . من لا يحضره الفقيه: 3/554، ح4900؛ بحار الأنوار: 100/223، ح1؛ منهاج البراعة: 5/307.
4- . عوالى اللئالى: 1/289، ح148؛ بحار الأنوار: 74/165.
5- . شرح نهج البلاغة لابن ابى الحديد: 6/226؛ بحار الأنوار: 32/140.

فإن تسلمي اسلم (نسلم) وإن تتنصّري

يخط (تعلّق) رجال بين أعينهم صلبا(1)

وفي وصيته عليه السلام لابنه: واياك ومشاورة النساء، فإنّ رأيهن إلى أفن وعزمهن إلى وهن، واكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إيّاهن، فإنّ شدّة الحجاب أبقى عليهن، وليس خروجهن بأشدّ من إدخالك من لا يوثق به عليهن، و إن استطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل، ولا تملّك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها، فإنّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، ولا تعد بكرامتها نفسها ولا تطمعها في أن تشفع لغيرها، وإيّاك والتغاير في غير موضع غيرة، فإنّ ذلك يدعو الصحيحة إلى السقم والبريئة إلى الريب(2).

وقَالَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام: إِيَّاكَ وَمُشَاوَرَةَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَنْ جَرَّبْتَ بِكَمَالِ عَقْل(3).

هذا، وفي (الأغانى) مات عكرمة وكثيّر عزة في يوم واحد، فأخرجت جنازتاهما فما تخلفت امرأة بالمدينة ولا رجل عن جنازتيهما، وقيل مات اليوم اشعر الناس وأعلم الناس، وغلب النساء على جنازة كثيّر يبكينه ويذكرن عزّة في ندبتهنّ له، فقال أبو جعفر محمد بن علي: أفرجوا لي عن جنازة كثيّر لأرفعها، وجعل يضربهن بكمه ويقول تنحّين يا صواحبات يوسف. فانتدبت له امرأة منهنّ فقالت: يا ابن رسول اللّه لقد صدقت إنّا لصواحبات يوسف وقد كنّا له خيرا منكم له. فقال أبو جعفر عليه السلام لبعض مواليه: احتفظ بها حتى تجيئني بها إذا انصرفنا، فلما

ص: 19


1- . الاغانى: 17/217.
2- . نهج البلاغة فيض الاسلام: 938 - 939، كتاب 31، ش 62.
3- . بحار الأنوار: 100/253، ح56.

انصرف اتي بتلك المرأة كأنّها شرارة النار، فقال لها: أنت القائلة إنّكّنّ ليوسف خير منّا. قالت: نعم أ تؤمنني غضبك يا ابن رسول اللّه؟ قال: أنت آمنة فأبيني. قالت: نحن يا ابن رسول اللّه دعوناه إلى اللّذات من المطعم والمشرب والتمتّع والتنعّم وأنتم معاشر الرجال القيتموه في الجبّ وبعتموه بأبخس الأثمان وحبستموه في السّجن فأيّنا كان أرأف فقال: للّه درك ولن تغالب امرأة إلاّ غلبت. ثم قال لها: ألك

بعل قالت: لي من الرجال من أنا بعله. فقال: صدقت مثلك من تملك بعلها ولا يملكها(1).

وروي أنّه عليه السلام كان جالسا في أصحابه فمرّت بهم امرأة جميلة، فرمقها القوم بأبصارهم فقال عليه السلام: إن أبصار هذه الفحول طوامح، وإنّ ذلك سبب هبابها، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلامس أهله فإنّما هي امرأة كامرأة(2).

وقال عليه السلام وأمّا فلانة فأدركها رأي النساء وضغن غلا في صدرها كمرجل القين، ولو دعيت لتنال من غيري ما أتت إليّ لم تفعل(3).

هذا، وفي حديث علي عليه السلام: «خير النساء الحارقة» وفي رواية «كذبتكم الحارقة» الحارقة المرأة الضيّقة الفرج، وقيل التي تغلبها شهوتها حتى تحرق أنيابها بعضا على بعض أي تحكها، يقول عليكم بها، ومنه حديثه الآخر «وجدتها حارقة طارقة فائقة»(4).

هذا، وعن الفضيل قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: شيء يقوله الناس، ان أكثر أهل النار

ص: 20


1- . الأغاني: 9/28.
2- . نهج البلاغة فيض الاسلام: 1283، الحكمة 412.
3- . نهج البلاغة فيض الاسلام: 487، خ155.
4- . النهاية: 1/371.

يوم القيامة النساء. قال: وأنّى ذلك وقد يتزوج الرجل في الآخرة ألفا من نساء الدّنيا في قصر من درة واحدة(1).

وروى عمار الساباطي عنه عليه السلام: أكثر أهل الجنة: المستضعفين من النساء، علم اللّه تعالى ضعفهن فرحمهن(2).

وقال الصادق عليه السلام: الحياء عشرة أجزاء تسعة في النساء وواحدة في الرجال، فاذا خفضت المرأة ذهب جزء من حياها، وإذا تزوجت ذهب جزء، وإذا افترعت ذهب جزء، وإذا ولدت ذهب جزء وبقي لها خمسة، فاذا فجرت ذهب حياؤها كلّه وإن عفّت بقي لها خمسة أجزاء(3).

وقال الصادق عليه السلام «الخيّرات الحسان» من نساء أهل الدّنيا وهن أجمل من الحور العين(4).

تنبيه ظريف

ينبغي لنا أن نذكر هنا شطرا من أوصاف النساء وأخبارهن وبعض مكايدهنّ من طريق الأخبار وغيرها، والمقصود بذلك التحذير عنهنّ والتنبيه على كيدهنّ، حيث وصفه اللّه سبحانه في كتابه العزيز بالعظمة مع أنّه جعل كيد الشيطان ضعيفا حيث قال: «إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ»(5) وقال: «إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً»(6).

ص: 21


1- . من لا يحضره الفقيه: 3/468، ح4627.
2- . من لا يحضره الفقيه: 3/468، ح4628.
3- . من لا يحضره الفقيه: 3/468، ح4630.
4- . من لا يحضره الفقيه: 3/469، ح4631.
5- . يوسف: 28.
6- . النساء: 76.

في الحديث أنّه لما خلقت المرأة نظر إليها إبليس فقال أنت سؤلى وموضع سرّى ونصف جندى وسهمى الذي ارمى به فلا اخطى وإذا اختصمت هى وزوجها في البيت قام في كلّ زاوية من زوايا البيت شيطان يصفق ويقول فرّح اللّه من فرّحنى حتّى إذا اصطلحا خرجوا عميا يتعادون يقولون: أذهب اللّه نور من ذهب بنورنا(1).

عَنْ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام شَكَا إِلَى اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ مَا يَلْقَى مِنْ سُوءِ خُلُقِ سَارَةَ فَأَوْحَى اللّه ُ تَعَالَى إِلَيْهِ إِنَّمَا مَثَلُ الْمَرْأَةِ مَثَلُ الضِّلْعِ الْمُعْوَجِ إِنْ أَقَمْتَهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ اسْتَمْتَعْتَ بِه(2).

وفي حديث إبليس مع يحيى بن ذكريا على نبيّنا وعليهما السّلام قال أى إبليس: يا نبيّ اللّه فأوّل ما اصيد به المؤمن من قبل النّساء «إلى أن قال» يا نبيّ اللّه إنّ أرجى الأشياء عندى وأدعمه لظهرى وأقرّه لعينى النّساء، فانّها حبالتي ومصائدي وسهمى الذي به لا اخطى بأبي هنّ لو لم يكن هنّ ما اطقت اضلال أدنى آدميّ، قرّت عيني بهنّ أظفر بمقراتي (بمغزاتي) وبهنّ أوقع في المهالك إذا اغتممت ليست على النّساك والعبّاد والعلماء غلبوني بعد ما ارسلت عليهم الجيوش فانهزموا وبعد ما ركبت وقهرت ذكرت النّساء طابت وسكنت غضبي واطمأنّ كظمى وانكشف غيظى وسلمت كأبتي وقرّت عيني واشتدّ ازري، ولولاهنّ من نسل آدم لسجدتهنّ فهنّ سيّداتي وعلى عنقي سكناهنّ وعلىّ تمماهنّ (تمامهن) ما اشتهت امرأة من حبالتي حاجة إلاّ كنت أسعى برأسي دون

ص: 22


1- . زهر الربيع: 1/25؛ الأنوار النعمانية: 4/50.
2- . الكافي: 5/513، ح2؛ بحار الأنوار: 12/116، ح50

رجلي في اسعافها بحاجتها، لأنّهنّ رجائي وظهري وعصمتي وسندي وثقتي وغوثي، الحديث(1).النّسخة كانت سقيمة جدّا فأثبتّه كما وجدت.

ومن أسباب الدّنيا والميل إليها النّساء وإطاعتهنّ.

روى أنّ رجلا من بني إسرائيل رأى في المنام انّه خير ثلاث دعوات

مستجابات بأن يصرفها حيث شاء، فشاور امرأته في محلّ الصّرف فرأت أن يصرف واحدة منها في حسنها وجمالها ليزيد حسن المعاشرة بينهما فصرفها في ذلك فصارت جميلة فيما بين بني اسرائيل فاشتهرت فاشتهر أمرها إلى أن غصبها ملك ظالم فدعا الرّجل غيرة بأن يصيرها اللّه تعالى على صورة كلب فصارت كلبا أسود وجاءت إلى باب زوجها وتضرّعت إليه مدّة حتّى رقّ قلبه فدعا بأن يصيّرها اللّه على صورتها الأولى، فضاعت الدّعوات الثلاث فيها وهي كما كانت بشوم مشاورة المرأة(2).

وحكى أنّ خسرو الملك أتى إليه رجل بسمكة كبيرة فأمر له بأربعة آلاف درهم فقالت شيرين فكيف تصنع إذا احتقر من اعطيته شيئا من حشمك وقال: أعطاني ما أعطى الصّياد أو أقلّ، فقال خسرو الملك إنّ الرّجوع عن الهبة قبيح خصوصا من الملوك فقالت شيرين: التّدبير أن تدعوه وتقول له هذه السّمكة ذكر أو انثى، فان قال ذكر فتقول له إنّما أردت انثى، وإن قال انثى فتقول له إنّما أردت ذكرا

فاستدعاه فسأله عن ذلك فقال: أيّها الملك إنّها خنثى لا ذكر ولا انثى، فاستحسن جوابه وأمر له بأربعة آلاف درهم اخرى، فلمّا تسلّم الصيّاد ثمانية آلاف درهم من الخزّان ورجع سقط منها في الطريق درهم فاشتغل بأخذ الدّرهم الساقط

ص: 23


1- . بحار الأنوار: 60/228.
2- . الأنوار النعمانية: 3/72.

فقالت شيرين للملك: انظر إلى خسّته وغلبة حرصه، فاستدعاه وسأله عن غرضه في اشتغاله بأخذه فقال أيّها الملك: كان عليه اسمك وحكمك فخفت أن يطأه أحد برجله غافلا عنه، فاستحسن أيضا جوابه وأمر له بأربعة آلاف درهم اخرى وذهب الصّياد باثنى عشر ألف درهم(1).

وفي موضع آخر منه أنّ كلّ فتنة وقعت في العالم فانّما جاءت من قبلهنّ وذلك:

إنّ الفتنة الاولى وهى اكل آدم من الشّجرة واخراجه إلى الأرض إنّما جاء من قبل حوّا، لأنّ آدم لمّا لم يقبل وساوس الشيطان وسوس إلى حوّاء فجاءت إلى آدم وكلّمته في أمر الأكل من الشّجرة حتى حملته عليه.

وأمّا الفتنة الأخيرة التي نشأ منها خراب العالم وهي غصب خلافة

أميرالمؤمنين عليه السلام واستظهارهم واتّفاقهم على عداوته فانّما جاء من قبل عايشة وعداوتها وحسدها لفاطمة عليهاالسلام بسبب أن النّبيّ صلى الله عليه و آله كان يظهر المحبّة لها ولولديها فغارت من هذا عايشة وأضمرت العداوة لها ثمّ أظهرتها فتخطت تلك العداوة من النّساء إلى الرّجال فبغض عليا عليه السلامأبو بكر وعمر ففعلا ما فعلا وفعلت عايشة بعدهما ما فعلت(2).

وشهادة أميرالمؤمنين عليه السلام بسبب قطام وسمّ جعدة للحسن بن عليّ عليهما السّلام غير خفيّ.

وروى عن جعفر بن محمّد الصّادق عليهما السّلام أنّه قال: كان في بني اسرائيل رجل صالح وكان له مع اللّه معاملة حسنة وكان له زوجة وكان ظنينا بها وكانت من أجمل أهل زمانها مفرطة في الجمال والحسن، وكان يقفل عليها الباب فنظرت

ص: 24


1- . الأنوار النعمانية: 3/72.
2- . الأنوار النعمانية: 3/63.

يوما شابّا فهوته وهواها فعمل لها مفتاحا على باب دارها وكان يخرج ويدخل ليلا ونهارا متى شاء وزوجها لم يشعر بذلك.

فبقيا على ذلك زمانا طويلا فقال لها زوجها يوما وكان أعبد بني اسرائيل وأزهدهم: إنّك قد تغيرت علىّ ولم أعلم ما سببه وقد توسوس قلبي علىّ وكان قد أخذها بكرا، ثمّ قال واشتهى منك أنك تحلفى لي أنّك لم تعرفي رجلا غيري، وكان لبني اسرائيل جبل يقسمون به ويتحاكمون عنده وكان الجبل خارج المدينة عنده نهر جار وكان لا يحلف أحد عنده كاذبا إلاّ هلك، فقالت له ويطيب قلبك إذا حلفت لك عند الجبل؟ قال: نعم، قالت: متى شئت فعلت.

فلمّا خرج العابد لقضاء حاجته دخل عليها الشّاب فأخبرته بما جرى لها مع زوجها وأنّها تريد أن تحلف له عند الجبل وقالت ما يمكنني أن أحلف كاذبة ولا أقول لزوجي فبهت الشّاب وتحيّر وقال فما تصنعين؟ فقالت بكّر غدا والبس ثوب مكار وخذ حمارا واجلس على باب المدينة فاذا خرجنا فأنا أدعه يكترى منك الحمار فاذا اكتراه منك بادر واحملنى وارفعنى فوق الحمار حتّى احلف له وأنا صادقة أنّه ما مسّنى أحد غيرك وغير هذا المكاري، فقال: حبّا وكرامة.

وأنّه لمّا جاء زوجها قال لها قومي إلى الجبل لتحلفي به قالت مالي طاقة بالمشي فقال: اخرجي فان وجدت مكاريّا اكتريت لك فقامت ولم تلبس لباسها فلمّا خرج العابد وزوجته رأت الشّاب ينتظرها فصاحت به يا مكاري اكترى «كذا» حمارك بنصف درهم إلى الجبل قال: نعم.

ثمّ تقدّم ورفعها على الحمار وساروا حتّى وصلوا إلى الجبل فقالت للشّاب: انزلني عن الحمار حتّى أصعد الجبل، فلمّا تقدّم الشّاب إليها القت بنفسها إلى

ص: 25

الأرض فانكشفت عورتها فشتمت الشاب فقال: واللّه مالى ذنب.

ثمّ مدّت يدها إلى الجبل وحلفت له أنه لم يمسّها أحد ولا نظر إنسان مثل نظرك إلىّ مذ عرفتك غيرك وهذا المكاري، فاضطرب الجبل اضطرابا شديدا وزال عن مكانه وانكرت بنو اسرائيل فذلك قوله تعالى: «وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ»(1).(2)

وكان في الهند رجل شجاع غيور وله امرأة جميلة فاتفق انّه سافر عنها، فجلست يوما على قصرها فرأت برهمن من براهمة الهند شابّا فحصل بينهما عشق ووصال وكان يأتي اليها متى ما أراد، فخرجت يوما إلى بيت جارها وأتى ذلك الشّاب إلى منزلها فلم يجدها فخرج في طلبها فلمّا دخلت أخذ الشّاب الهندي سوطا كان معه وضربها.

وكان في تلك الحالة أتى زوجها من السّفر فقال لها برهمن: هذا زوجك أتى فكيف الحيلة؟ فقالت: اضربني بهذا السّوط فاذا دخل زوجي وسألك فقل إنّ هذه المرأة فيها صرع أتى اليها بعد سفرك وطلبوني لاعوذبها بالأسماء وأقرء عليها وأضربها حتّى يخرج منها الجنّ، فتكدّرت على زوجها عيشه وخرج الشّاب الهندي وبعد هذا صارت كلما اشتهت وصال الشّاب الهندي صرعت نفسها ومضى زوجها يلتمس من الهندي والهندي يمنّ عليه ويأخذ منه حقّ الجعالة حتّى يأتي إلى منزله لأجل أن يعوّذها ممّا عنده فصار الرّجل الغيور...(3).

وفي حكمة آل داود امرأة السّوء مثل شرك الصّياد لا ينجو منها إلاّ من رضى

ص: 26


1- . إبراهيم: 46.
2- . بحار الأنوار: 61/194.
3- . زهر الربيع: 398.

اللّه عنه والمرأة السّوء غلّ يلقيه اللّه في عنق من يشاء(1).

وقال داود عليه السلام المرأة السّوء الحمل الثّقيل على الشّيخ الكبير، والمرأة الصّالحة كالتّاج المرصع بالذهب كلّما رآها قرّت عينه(2).

قال أبو سعيد الشحام: صحبت ابن سيرين عشرين سنة، فقال لي يوما: يا أبا سعيد إن تزوجت فلا تتزوج امرأة تنظر في يدها، ولكن تزوج امرأة تنظر في يدك(3).

ونظر ابو هريرة إلى عائشة بنت طلحة؛ فقال: سبحان اللّه! ما احسن ما غذاك اهلك! واللّه ما رأيت وجها أحسن منك، إلا وجه معاوية على منبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وأله وسلم(4)؛ (و كان معاوية قبيح المنظر)(5) وهى صفة المرئة السوء قال النبى صلى الله عليه و آله: اياكم وخضراء الدمن (6)؛ اراد الجارية التى ربيت فى المنبت السوء.

وفي حكمة سليمان بن داود عليهما السلام: المرأة العاقلة تبني بيتها والسفيهة تهدمه(7).

وقال: الجمال كاذب والحسن مخلف، وإنما تستحق المدح المرأة الموافقة(8).وقد روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وأله وسلم انه قال: يا عكاف (عكاف بن وداعة الهلالى)، ألك امرأة؟ قال: لا. قال: فأنت إذاً من إخوان الشياطين، إن

ص: 27


1- . زهر الربيع: 104.
2- . زهر الربيع: 104.
3- . : العقد الفريد: 7/110.
4- . العقد الفريد: 7/118.
5- . مفتاح السعادة: 6/323.
6- . الكافي: 5/332، ح4؛ بحار الأنوار: 100/232، ح10.
7- . العقد الفريد: 2/419.
8- . نفس المصدر.

كنت من رهبان النصارى فالحق بهم، وإن كنت منا فانكح فإن من سنتنا النكاح(1).

وقال صلى الله عليه و آله «أوصيكم بالنساء فإنهن عندكم عوان» يعني أسيرات(2).

وعن مولينا أميرالمؤمنين عليه السلام في قوله تعالى: «رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً» قال عليه السلام: المرأة الحسناء الصّالحة «وَفِي الاْخِرَةِ حَسَنَةً» حوريّة من حور العين «وَقِنا عَذابَ النَّارِ»(3) امرئة السّوء(4).

قال بعضهم.

لقد كنت محتاجا إلى موت زوجتي

ولكن قرين السّوء باق معمّر

فيا ليتها صارت إلى القبر عاجلا

وعذّبها فيه نكير ومنكر(5)

وفي حكمة داود عليه الصلاة والسلام: وجدت في الرجال واحداً في ألف ولم أجد واحدة في جميع النساء. وقيل: إن عيسى عليه الصلاة والسلام لقي إبليس يسوق أربعة أحمرة عليها أحمال فسأله فقال: أحمل تجارة وأطلب مشترين فقال: ما أحدها قال: الحمور قال: من يشتريه. قال: السلاطين. قال: فما الثاني قال: الحسد. قال: فمن يشتريه قال: العلماء قال: فما الثالث قال: الخيانة قال: فمن يشتريها قال: التجار. قال: فما الرابع قال: الكيد؛ قال: فمن يشتريه قال: النساء. وقال حكيم: النساء شر كلهن وشر ما فيهن قلة الاستغناء عنهن. وقالت الحكماء:لا تثق بامرأة ولا تغتر بمال وإن كثر. وقال: النساء حبائل الشيطان(6).

واما صفة المرئة الحسناء:

ص: 28


1- . نفس المصدر.
2- . نفس المصدر.
3- . البقرة: 201.
4- . زهر الربيع: 204.
5- . زهر الربيع: 104.
6- . المستطرف فى كل فن مستظرف: 2/787.

قال تعالى: «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساء»(1).

وقال تعالى: «وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُم»(2).

وقال تعالى: «وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساء»(3).

قال النبى صلى الله عليه و آله: تزوجوا الولود الودود، فاني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة(4).

وَقَالَ صلى الله عليه و آله: سَوْدَاءُ وَلُودٌ خَيْرٌ مِنْ حَسْنَاءَ عَقِيمٍ(5).

وقال صلى الله عليه و آله: أحسن النساء بركة أحسنهن وجهاً وأرخصهن مهراً(6).

وعَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ قَالَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام تَزَوَّجُوا سَمْرَاءَ عَيْنَاءَ عَجْزَاءَ مَرْبُوعَةً(7) فَإِنْ كَرِهْتَهَا فَعَلَيَّ مَهْرُهَا(8).

وعَنْ عَبْدِاللّه ِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِذَوَاتِالْأَوْرَاكِ(9) فَإِنَّهُنَّ أَنْجَبُ(10).

وعَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللّه ِ قَالَ: قَالَ لِيَ الرِّضَا عليه السلام إِذَا نَكَحْتَ فَانْكِحْ عَجْزَاءَ(11).و قد مر معناها.

هذا من حيث الجسد واما من سائر الجهات فقد روى ابو حَمْزَةَ قَالَ سَمِعْتُ

ص: 29


1- . النساء: 3.
2- . النور: 32.
3- . البقرة: 235.
4- . كنز العمال: 16/302، ح44599.
5- . جامع الاخبار للشعيرى: 101.
6- . المستطرف فى كل فن مستظرف: 2/775.
7- . السمراء ذات منزلة بين البياض والسواد؛ عيناء: العظيم سواد عينها في سعة؛ عجزاء: العظيمة العجز؛ مربوعة: بين الطويلة والقصيرة.
8- . الكافي: 5/335، ح2؛ وسائل الشيعة: 20/56، ح25023 - 1.
9- . الاوراك جمع الورك - بالفتح والكسر وككتف - وهي ما فوق الفخذ.
10- . الكافي: 5/334، ح1؛ وسائل الشيعة: 20/57، ح 25024 - 2.
11- . الكافي: 5/335، ح3 ووسلئل الشيعة: 20/57، ح25025 - 3.

جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللّه ِ يَقُولُ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آلهفَقَالَ: إِنَّ خَيْرَ نِسَائِكُمُ الْوَلُودُ الْوَدُودُ الْعَفِيفَةُ الْعَزِيزَةُ فِي أَهْلِهَا الذَّلِيلَةُ مَعَ بَعْلِهَا الْمُتَبَرِّجَةُ مَعَ زَوْجِهَا الْحَصَانُ عَلَى غَيْرِهِ الَّتِي تَسْمَعُ قَوْلَهُ وَتُطِيعُ أَمْرَهُ وَإِذَا خَلاَ بِهَا بَذَلَتْ لَهُ مَا يُرِيدُ مِنْهَا وَلَمْ تَبَذَّلْ(1) كَتَبَذُّلِ الرَّجُلِ(2).

ثم قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أَ لاَ أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِ نِسَائِكُمْ الذَّلِيلَةُ فِي أَهْلِهَا الْعَزِيزَةُ مَعَ بَعْلِهَا الْعَقِيمُ الْحَقُودُ الَّتِي لاَ تَوَرَّعُ مِنْ قَبِيحٍ الْمُتَبَرِّجَةُ إِذَا غَابَ عَنْهَا بَعْلُهَا الْحَصَانُ مَعَهُ إِذَا حَضَرَ لاَ تَسْمَعُ قَوْلَهُ وَلاَ تُطِيعُ أَمْرَهُ وَإِذَا خَلاَ بِهَا بَعْلُهَا تَمَنَّعَتْ مِنْهُ كَمَا تَمَنَّعُ الصَّعْبَةُ عَنْ رُكُوبِهَا لاَ تَقْبَلُ مِنْهُ عُذْراً وَلاَ تَغْفِرُ لَهُ ذَنْباً(3).

وعن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: إن خير نسائكم التي إذا خلت مع زوجها خلعت له درع الحياء، وإذا خلت مع غيره لبست معه درع الحياء(4).

ولما أراد نوح بن مريم قاضي مروان أن يزوج ابنته استشار جاراً له مجوسياً فقال: سبحان اللّه الناس يستفتونك وأنت تستفتيني. قال: لا بد أن تشير علي. قال: إن رئيسنا كسرى كان يختار المال ورئيس الروم قيصر كان يختار الجمال ورئيس العرب كان يختار الحسب ورئيسكم محمد كان يختار الدين فانظر لنفسك بمن تقتدي (5).

ص: 30


1- . أي لم تظهر الشوق كما يظهر الرجل بل تحفظ نفسها عند اظهار الرغبة. النهاية والتبرج: اظهار الزينة. والحصان - بالفتح - : المرأة العفيفة والتبذل ضد الصيانة.
2- . الكافي: 5/324، ح1؛ وسائل الشيعة: 20/29، ح24942 - 2.
3- . الكافي: 5/325، ح1؛ وسائل الشيعة: 20/33، ح24957 - 1.
4- . الكافي: 5/324، ح2 والوافى: 21/59، ح20803 - 4.
5- . المستطرف فى كل فن مستظرف: 1/140.

وحيث انجرّ الكلام إلى هذا المقام فينبغي أن نختمه بحديث المتكلّمة بالقرآن تذكرة للعاقلين وتنبيها للغافلين وإشارة إلى أنّ الأخبار المطلقة في مذمّة النّساء محمولة على الأفراد الغالبة وإلاّ ففيها من لا يوجد مثلها في الرّجال زهدا وورعا وصلاحا.

قال عبداللّه بن المبارك: خرجت حاجّا إلى بيت اللّه الحرام فبينما أنا في بعض الطريق فاذا أنا بسواد يلوح فاذا هى عجوز فقلت: السّلام عليك، فقالت: «سَلامٌ

قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ»(1)، فقلت لها: يرحمك اللّه ما تصنعين في هذا المكان؟ قالت: «مَنْ يُضْلِلِ اللّه ُ فَلا هادِيَ لَهُ»(2)، فعلمت أنّها ضالّة عن الطريق فقلت لها: أين تريدين؟ قالت: «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى»(3)، فعلمت أنّها قضت حجّها وتريد بيت المقدّس.

فقلت لها: أنت منذ كم في هذا الموضع؟ فقالت: «ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا»(4)، قلت: ما أرى معك طعاما تأكلين قالت: «هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ»(5)، قلت: فبأيّ شيء

تتوضين؟ قالت: «فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً»(6) قلت: إنّ معي طعاما فهل تأكلين؟ قالت: «ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ»(7)، قلت: ليس هذا شهر رمضان قالت:«فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ»(8)، قلت: قد ابيح لنا الأفطار في السّفر قالت: «وَأَنْ

تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ»(9)؛ قلت: فلم لا تتكلّمين مثل كلامي؟ قالت: «ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْل

ص: 31


1- . يس: 58.
2- . الزمر: 23.
3- . الإسراء: 1.
4- . مريم: 10.
5- . الشعراء: 79.
6- . النساء 43.
7- . البقرة: 187.
8- . البقرة: 184.
9- . البقرة: 184.

ٍإِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ عتيد»(1)، قلت: من أىّ النّاس أنت؟ قالت: «وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤلاً»(2)، قلت: قد أخطأت فاجعلني في حلّ، قالت: «لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّه ُ لَكُمْ»(3)، قلت: فهل لك أن أحملك على ناقتي فتدركي القافلة؟ قالت: «وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّه ُ»(4)؛ فأنخت ناقتي: فقالت: «قُلْ لِلْمُؤمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ»(5)، فغضضت بصرى عنها فلمّا أرادت أن تركب نفرت الناقة فمزقت ثيابها فقالت: «وَما أَصابَكُمْ

مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ»(6)، فقلت لها: اصبرى حتّى أعقلها، قالت: «فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ»(7)؛ فشددت لها الناقلة فقلت: اركبي، فركبت فقالت: «سُبْحانَ

الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ»(8)، قال: فأخذت بزمام

الناقة وجعلت أسعى واصيح، فقالت: «وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ»(9)، فجعلت أمشى رويدا وأترنّم بالشعر فقالت: «فَاقْرَؤا ما تَيَسَّرَ مِنَالْقُرْآنِ»(10)، فقلت لها: لقد اوتيت خَيْراً كَثِيراً، قالت: «وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ»(11)؛ فلما مشيت بها قليلا قلت: أ لك زوج؟ قالت: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤكُمْ»(12)، فسرت حتى أدركت القافلة فقلت لهاهذه القافلة فمن لك فيها؟ قالت: «الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا»(13)، فعلمت أنّ

ص: 32


1- . ق: 18.
2- . الإسراء: 36.
3- . يوسف: 92.
4- . البقرة: 197.
5- . النور: 30.
6- . الشورى: 30.
7- . الانبياء: 79.
8- . الزخرف: 14.
9- . لقمان: 19.
10- . المزمل: 20.
11- . البقرة: 269.
12- . المائدة: 101.
13- . الكهف: 46.

لها أولادا قلت: وما شأنهم في الحجّ قالت: «وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»(1)، فعلمت أنهم أولاد الرّكب فقصدت بها القباب والعماريات. وقلت: هذه القباب فمن لك فيها؟ قالت: «وَاتَّخَذَ اللّه ُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً»(2) «وَكَلَّمَ اللّه ُ مُوسى تَكْلِيماً»(3) «يا

يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ»(4)، فناديت يا إبراهيم يا موسى يا يحيى فاذا بشبان كأنهم الدنانير قد أقبلوا. فلما استقرّ بهم الجلوس قالت: «فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ»(5)، فمضى أحدهم واشترى طعاما فقدّموه فقالت: «كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ»(6) فقلت الآن طعامكم حرام علىّ حتى تخبروني بأمرها فقالوا: إنّها امنّا ولها منذ أربعين سنة لا تتكلّم إلاّ بالقرآن مخافة أن تزلّ فيسخط عليها الرّحمن(7).

خطب عَمْرو بن حجر إِلَى عَوْف بن محلم الشَّيْبَانِيّ ابْنَته أم إِيَاس فقبل ذَلِك مِنْهُ أَبوهَا وأنكحه إِيَّاهَا فَلَمَّا كَانَ بِنَاؤه بهَا خلت بهَا أمهَا فَقَالَت أى بنية إِنَّك فَارَقت بَيْتك الَّذِي مِنْهُ خرجت وعشك الَّذِي فِيهِ درجت إِلَى رجل لم تعرفيه وقرين لمتألفيه فكوني لَهُ أمة يكن لَك عبدا واحفظى لَهُ خِصَالاً عشرا تكن لَك ذخْرا أما الأولى وَالثَّانيِة فالخشوع لَهُ بالقناعة وَحسن السّمع لَهُ وَالطَّاعَة وَأما الثَّالِثَة وَالرَّابِعَة فالتفقد لمواضع عَيْنَيْهِ وَأَنْفه فَلاَ تقع عينه مِنْك على قَبِيح وَلاَ يشم إِلاَّ أطيب ريح وَأما الْخَامِسَة وَالسَّادِسَة فالتفقد لوقت مَنَامه وَطَعَامه فَإِن حرارة الْجُوع ملهبةوتنغيص النّوم مغضبة وَأما السَّابِعَة وَالثَّامِنَة فالإحتفاظ بِمَالِه والإرعاء على حشمه

ص: 33


1- . النحل: 16.
2- . النساء: 125.
3- . النساء: 164.
4- . مريم: 12.
5- . الكهف: 19.
6- . الحاقة: 24.
7- . المستطرف فى كل فن مستظرف: 1/106.

وَعِيَاله وملاك الْأَمر فِي المَال حسن التَّقْدِير وَفِي الْعِيَال حسن التَّدْبِير وَأما التَّاسِعَة والعاشرة فَلاَ تعصن لَهُ أمرا وَلاَ تفشن لَهُ سرا فَإنَّك إِن خَالَفت أمره أوغرت صَدره وَإِن أفشيت سره لم تأمني غدره ثمَّ إياك والفرح بَين يَدَيْهِ إِن كَانَ مهموما والكآبة

بَين يَدَيْهِ إِن كَانَ فَرحا(1).

تنبيه

قال ابن ابى الحديد في شرح هذا الكلام له عليه السلام: وهذا الفصل كلّه رمز إلى عايشة ولا يختلف أصحابنا في انّها أخطات فيما فعلت(2).

قال كلّ من صنّف في السير والأخبار إنّ عايشة كانت من أشدّ النّاس على عثمان حتّى أنّها اخرجت ثوبا من ثياب رسول اللّه صلى الله عليه و آلهفنصبته في منزلها وكان تقول للدّاخلين إليها هذا ثوب رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يبل وعثمان قد أبلى سنّته.

قالوا أول من سمّى عثمان نعثلا عايشة والنعثل الكثير شعر اللحية والجسد، وكانت تقول اقتلوا نعثلا قتل اللّه نعثلا.

وروى المدائني في كتاب الجمل قال: لما قتل عثمان كانت عايشة بمكّة وبلغ قتله إليها وهي بشراف فلم تشك في أن طلحة هو صاحب الأمر وقالت بعدا لنعثل وسحقا ايه ذا الاصبع ايه أبا شبل ايه يابن عمّ(3) لكأنّى انظر إلى اصبعه وهو يبايع له

ص: 34


1- . طبائع النساء: 27 - 29 ح1؛ العقد الفريد: 7/89.
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/214.
3- . أراد به طلحة لأنّ طلحة وعايشة كلاهما من بنى تيم ولذلك كانت هواها فى كون الامر بطلحة.

حثوا الابل ودعدعتها(1) ثمّ قال وقال أبو مخنف: إنّ عايشة لما بلغها قتل عثمان وهي بمكّة أقبلت مسرعة وهي تقول ايه ذا الاصبع للّه أبوك أما أنّهم وجدوا طلحة لها كفوا(2).

فلما انتهت إلى شراف استقبلها عبيد بن أبي سلمة الليثي فقالت له: ما عندك؟

قال: قتل عثمان قالت: ثمّ ما ذا؟ قال: ثمّ حارت بهم الامور إلى خير محار بايعوا عليا، فقالت: لوددت أن السّماء انطبقت على الأرض إن تمّ هذا ويحك انظر ما ذا تقول قال: هو ما قلت لك يا امّ المؤمنين فولولت، فقال لها: ما شأنك يا أمّ المؤمنين واللّه ما أعرف بين لابتيها أحدا أولى بها منه ولا أحقّ ولا أرى له نظيرا

في جميع حالاته، فلما ذا تكرهين ولايته؟ قال: فما ردّت عليه جوابا(3).

وقال عبيدة بن أبي سلمة في هذا المعنى أبياتا منها قوله:

فمنك البداء ومنك الغير

ومنك الرياح ومنك المطر

وأنت أمرت بقتل الامام

وقاتله عندنا من أمر(4)

قال أبو مخنف: وقد روى من طرق مختلفة أنّ عايشة لما بلغها قتل عثمان وهي بمكة قالت: أبعده اللّه ذلك بما قدمت يداه وما اللّه بظلاّم للعبيد.

قال: وقد روى قيس بن أبي حازم أنّه حجّ في العام الذي قتل فيه عثمان وكان معه عايشة لما بلغتها قتله فتحمل إلى المدينة قال فسمعها تقول في بعض الطريق:

ص: 35


1- . فى البحار عن ابن ابى الحديد حنوها لابل وذعذعوها قال المجلسى رحمه الله فى تفسيره اى جعلوا اصبعه منحنية للبيعة لابل وذعذعوها اى كسروها وبددوها لهجومهم على البيعة انتهى فعلى ما ذكره رحمه الله حنوها بالنون المهملة وذعذعوها بالذالين المعجمتين من الذعذع.
2- . اى للخلافة.
3- . شرح نهج البلاغة لابن ابى الحديد: 6/215.
4- . مروج الذهب: 6/362 واحقاق الحق: 32/456.

ايه ذا لاصبع وإذا ذكرت عثمان قالت: أبعده اللّه حتّى أتتها خبر بيعة عليّ فقالت: لوددت أن هذه وقعت على هذه، ثمّ أمرت بردّ ركائبها إلى مكة فردّت معها ورأيتها في مسيرها إلى مكّة تخاطب نفسها كأنها تخاطب أحدا: قتلوا ابن عفّان مظلوما.

فقلت لها: يا امّ المؤمنين ألم اسمعك آنفا تقول أبعده اللّه وقد كنت قبل أشدّ النّاس عليه وأقبحهم فيه قولا فقالت: لقد كان ذلك ولكنى نظرت في أمره فرأيتهم استتابوه حتى تركوه كالفضة البيضاء أتوه صائما محرما في شهر حرام فقتلوه.

ثم قال: قال أبو مخنف جاءت عايشة إلى أمّ سلمة تخادعها على الخروج

للطلب بدم عثمان، فقالت لها: يا بنت أبى اميّة أنت أوّل مهاجرة في أزواج رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأنت كبيرة امّهات المؤمنين وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آلهيقسم لنا من بيتك وكان جبرئيل أكثر ما يكون في منزلك فقالت: امّ سّلمة: لأمرٍما قلت هذه المقالة؟ فقالت عايشة: إنّ عبداللّه أخبرنى أنّ القوم استتابوا عثمان فلما تاب قتلوه صائما في شهر

حرام وقد عزمت الخروج إلى البصرة ومعي الزّبير وطلحة فاخرجى معنا لعلّ اللّه أن يصلح هذا الأمر على أيدينا وبنا.

فقالت انا امّ سلمة إنّك كنت بالأمس تحرضين على عثمان وتقول فيه أخبث القول وما كان أسمعه عندك إلاّ نعثلا وإنك لتعرفين منزلة عليّ بن أبي طالب عليه السلام كانت عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله فاذكرك؟ قالت: نعم.

قالت: أ تذكرين يوم أقبل عليه السلام ونحن معه حتّى إذا هبط من قديد ذات الشمال

خلا بعليّ عليه السلام يناجيه فأطال فأردت أن تهجمين عليهما فنهيتك فعصيتني فهجمت عليهما فما لبثت أن رجعت باكية فقلت: ما شأنك؟ فقلت: إنّى هجمت عليهما وهما

ص: 36

يتناجيان، فقلت لعليّ: ليس لي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إلاّ يوم من تسعة أيّام أ فما تدعني يابن أبي طالب ويومي فأقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله علىّ

وهو غضبان محمّر الوجه فقال:

أرجعى وراءك واللّه لا يبغضه أحد من أهل بيتى ولا من غيرهم من النّاس الاّ هو خارج من الايمان، فرجعت نادمة ساقطة.

فقالت عايشة: نعم اذكر ذلك.

قالت واذكرك أيضا كنت أنا وأنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وأنت تغسلين رأسه وانا احيس له حيسا(1) وكان الحيس يعجبه فرفع صلى الله عليه و آله رأسه وقال: ليت شعرى أيتكنّ صاحب «صاحبة ظ» الجمل الاذنب(2) تنبحها كلاب الحوئب فتكون ناكبة عن الصراط فرفعت يدي من الحيس فقلت أعوذ باللّه وبرسوله صلّى اللّه عليه وآله من ذلك، ثمّ ضرب على ظهرك وقال صلى الله عليه و آلهإياك أن تكونيها، ثمّ قال: يا بنت أبي اميّة إياك أن تكونيها، يا حميراء أما أنّي فقد أنذرتك.

قالت عايشة؟ نعم اذكر هذا.

قالت واذكرك أيضا كنت أنا وأنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في سفر له وكان عليّ يتعاهد نعلي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فيخصفها ويتعاهد أثوابه فيغسلها، فبقيت له نعل يومئذ يخصفها وقعد في ظلّ سمرة(3) وجاء أبوك ومعه عمر فاستأذنا عليه فقمنا إلى الحجاب ودخلا يحادثاه فيما أرادا، ثمّ قالا: يا رسول اللّه

ص: 37


1- . الحيس تمر يخلط بسمن وأقط فيعجن شديدا ثمّ يندر منه نواه وربما جعل فيه السويق ق.
2- . فى نسخة ابن ابى الحديد لفظ الاذنب بالذال و النون و لعلّه تصحيف و الصحيح ما فى القاموس قال و الادب الجمل الكثير الشعر و باظهار التضعيف جاء فى الحديث صاحبة الجمل الاديب .
3- . واحد سمر شجر معروف، ق.

إنا لا ندرى قدر ما تصحبنا فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ليكون بعدك لنا مفزعا، فقال لهما: أما أنّى أرى مكانه ولو فعلت لتفرّقتم عنه كما تفرّقت بنو اسرائيل عن هارون بن عمران، فسكتا ثمّ خرجا، فلما خرجنا إلى رسول اللّه قلت له: وكنت أجره عليه منّا من كنت يا رسول اللّه مستخلفا عليهم؟ فقال عليه السلام: خاصف النّعل،

فنزلنا ولم نر أحدا إلاّ عليا، فقلت: يا رسول اللّه ما نرى إلاّ عليّا، فقال: هو ذاك.

فقالت عايشة: نعم اذكر ذلك.

فقالت فأىّ خروج تخرجين بعد هذا؟ فقال: إنّما أخرج للاصلاح بين النّاس وأرجو فيه الأجر إن شاء اللّه، فقالت: أنت ورأيك فانصرفت عايشة عنها فكتبت أمّ سلمة ما قالت وقيل لها إلى علي(1).

وروى هشام بن محمد الكلبي في كتاب الجمل أن أم سلمة كتبت إلى علي عليه السلام

من مكة أما بعد فإن طلحة والزبير وأشياعهم أشياع الضلالة يريدون أن يخرجوا بعائشة إلى البصرة ومعهم عبداللّه بن عامر بن كريز ويذكرون أن عثمان قتل مظلوما وأنهم يطلبون بدمه واللّه كافيهم بحوله وقوته ولو لا ما نهانا اللّه عنه من

الخروج وأمرنا به من لزوم البيت لم أدع الخروج إليك والنصرة لك ولكني باعثة نحوك ابني عدل نفسي عمر بن أبي سلمة فاستوص به يا أميرالمؤمنين خيرا.

قال فلما قدم عمر على علي عليه السلام أكرمه ولم يزل مقيما معه حتى شهد مشاهده كلها ووجهه أميرا على البحرين وقال لابن عم له بلغني أن عمر يقول الشعر فابعث إلي من شعره فبعث إليه بأبيات له أولها:

جزتك أميرالمؤمنين قرابة

رفعت بها ذكري جزاء موفرا

ص: 38


1- . شرح نهج البلاغة لابن ابى الحديد: 6/216.

فعجب علي عليه السلام من شعره واستحسنه(1).

ومن الكلام المشهور الذي قيل إن أم سلمة رحمها اللّه كتبت به إلى عائشة إنك جنة بين رسول اللّه صلى الله عليه و آله وبين أمته وإن الحجاب دونك لمضروب على حرمته وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه وسكن عقيراك فلا تصحريها لو أذكرتك قولة من رسول اللّه صلى الله عليه و آله تعرفينها لنهشت بها نهش الرقشاء المطرقة ما كنت قائلة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله لو لقيك ناصة قلوص قعودك من منهل إلى منهل قد تركت عهيداه وهتكت ستره إن عمود الدين لا يقوم بالنساء وصدعه لا يرأب بهن حماديات النساء خفض الأصوات وخفر الأعراض اجعلي قاعدة البيت قبرك حتى تلقينه وأنت على ذلك.

فقالت عائشة ما أعرفني بنصحك وأقبلني لوعظك وليس الأمر حيث تذهبين ما أنا بعمية عن رأيك فإن أقم ففي غير حرج وإن أخرج ففي إصلاح بين فئتين من المسلمين.

وقد ذكر هذا الحديث أبو محمد عبداللّه بن مسلم بن قتيبة في كتابه المصنف في غريب الحديث في باب أم سلمة على ما أورده عليك قال لما أرادت عائشة الخروج إلى البصرة أتتها أم سلمة فقالت لها إنك سدة بين محمد رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوبين أمته وحجابك مضروب على حرمته قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه وسكن عقيراك فلا تصحريها اللّه من وراء هذه الأمة لو أراد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يعهد إليك عهدا علت علت بل قد نهاك عن الفرطة في البلاد إن عمود الإسلام لا يثأب بالنساء إن مال ولا يرأب بهن إن صدع حماديات النساء غض الأطراف وخفر

ص: 39


1- . شرح نهج البلاغة لابن ابى الحديد: 219/6؛ بحار الأنوار: 32/168، ش 130.

الأعراض وقصر الوهازة ما كنت قائلة لو أن رسول اللّه صلى الله عليه و آله عارضك بعد الفلوات ناصة قلوصا من منهل إلى آخر إن بعين اللّه مهواك وعلى رسوله تردين وقد وجهت سدافته ويروى سجافته وتركت عهيداه لو سرت مسيرك هذا ثم قيل لي ادخلي الفردوس لاستحييت أن ألقى محمدا صلى الله عليه و آله هاتكة حجابا وقد ضربه علي اجعلي حصنك بيتك ووقاعة الستر قبرك حتى تلقينه وأنت على تلك أطوع ما تكونين للّه بالرقبة وأنصر ما تكون للدين ما حلت عنه لو ذكرتك قولا تعرفينه لنهشت به نهش الرقشاء المطرقة(1).

ص: 40


1- . قولها رحمة اللّه عليها إنك سدة بين رسول اللّه صلى الله عليه و آله أي إنك باب بينه وبين أمته في حريمه وحوزته فاستبيح ما حماه فلا تكوني أنت سبب ذلك بالخروج الذي لا يجب عليك لتحوجي الناس إلى أن يفعلوا مثل ذلك. وقولها فلا تندحيه أي لا تفتحيه فتوسعيه بالحركة والخروج يقال ندحت الشيء إذا وسعته ومنه يقال أنا في مندوحة عن كذا أي في سعة. وتريد بقولها قد جمع القرآن ذيلك قول اللّه عز وجل: «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى» الاحزاب: 33. وقولها وسكن عقيراك من عقر الدار وهو أصلها وأهل الحجاز يضمون العين وأهل نجد يفتحونها فكانت عقيرا اسم مبني من ذاك على التصغير ومثله ما جاء مصغرا الثريا والحميا وهي سورة الشراب ولم يسمع بعقيرا إلا في هذا الحديث. وقولها فلا تصحريها أي لا تبرزيها وتباعديها وتجعليها بالصحراء يقال أصحرنا إذا أتينا الصحراء كما يقال أنجدنا إذا أتينا نجدا. وقولها علت علت أي ملت إلى غير الحق والعول الميل والجور قال اللّه عز وجل: «ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا» (النساء: 3) يقال عال يعول إذا جاز. وقولها بل قد نهاك عن الفرطة في البلاد أي عن التقدم والسبق في البلاد لأن الفرطة اسم في الخروج والتقدم مثل غرفة وغرفة يقال في فلان فرطة أي تقدم وسبق يقال فرطته في المال أي سبقته وقولها إن عمود الإسلام لن يثاب بالنساء إن مال أي لا يرد بهن إلى استوائه ثبت إلى كذا أي عدت إليه. وقولها لن يرأب بهن إن صدع أي لا يسد بهن يقال رأبت الصدع ولأمته فانضم. وقولها حماديات النساء هي جمع حمادى ويقال قصاراك أن تفعل ذلك وحماداك كأنها تقول حمدك وغايتك. وقولها غض الأبصار معروف. وقولها وخفر الأعراض الأعراض جماعة العرض وهو الجسد والخفر الحياء أرادت أن محمدة النساء في غض الأبصار وفي التستر للخفر الذي هو الحياء. وقصر الوهازة وهو الخطو تعني بها أن تقل خطوهن. وقولها ناصة قلوصا من منهل إلى آخر أي رافعة لها في السير والنص سير مرفوع ومنه يقال نصصت الحديث إلى فلان إذا رفعته إليه ومنه الحديث كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يسير العنق فإذا وجد فجوة نص تعني زاد في السير. وقولها إن بعين اللّه مهواك تعني مرادك لا يخفى عليه. وقولها وعلى رسول اللّه تردين فتخجلي من فعلك وقد وجهت سدافته أي هتكت الستر لأن السدافة الحجاب والستر وهو اسم مبني من أسدف الليل إذا ستر بظلمته ويجوز أن تكون أرادت وجهت سدافته تعني أزلتها من مكانها الذي أمرت أن تلزميه وجعلتها أمامك. وقولها وتركت عهيداه تعني بالعهيدة التي تعاهده ويعاهدك ويدل على ذلك قولها لو قيل لي ادخلي الفردوس لاستحييت أن ألقى رسول اللّه ص هاتكة حجابا قد ضربه علي. وقولها اجعلي حصنك بيتك ورباعة الستر قبرك فالربع المنزل والرباعة الستر ما وراء الستر تعني اجعلي ما وراء الستر من المنزل قبرك ومعنى ما يروى ووقاعة الستر قبرك هكذا رواه القتيبي وذكر أن معناه ووقاعة الستر موقعه من الأرض إذا أرسلت وفي رواية القتيبي لو ذكرت قولا تعرفينه نهشتني نهش الرقشاء المطرق فذكر أن الرقشاء سميت بذلك للرقش في ظهرها وهي النقط وقال غير القتيبي الرقشاء من الأفاعي التي في لونها سواد وكدورة قال والمطرق المسترخي جفون العين معانى الاخبار: 376. شرح نهج البلاغة لابن ابى الحديد: 6/219؛ بحار الأنوار: 32/154.

ثمّ قال: قال أبو مخنف: وارسلت إلى حفصة تسألها الخروج والمسير فبلغ ذلك عبداللّه بن عمر فأتى اخته فعزم عليها فأقامت وحطت الرّحال بعد ما همّت.

ص: 41

قال: وكتب الأشتر من المدينة إلى عايشة وهي بمكة: أمّا بعد فانّك ظعينة رسول اللّه وقد أمرك أن تقري في بيتك فان فعلت فهو خير لك، فان أبيت إلاّ أن تأخذ منسئتك(1) وتلقى جلبابك وتبدي للنّاس شعيراتك قاتلتك حتّى أردّك إلى بيتك والموضع الذى يرضاه لك ربك.

فكتبت إليه في الجواب أما بعد فانّك أوّل العرب شبّ الفتنة ودعا إلى الفرقة وخالفت الأئمة وقد علمت أنّك لن تعجز اللّه حتّى يصيبك منه بنقمة ينتصر بها منك للخليفة المظلوم، وقد جائنى كتابك وفهمت ما فيه وسيكفينّك وكلّ من أصبح مماثلا لك في ضلالك وغيك إنشاء اللّه (2).

لما عزمت عائشة على الخروج إلى البصرة طلبوا لها بعيرا أيدا يحمل هودجها فجاءهم يعلى بن أمية ببعيره المسمى عسكرا وكان عظيم الخلق شديدا فلما رأته أعجبها وأنشأ الجمال يحدثها بقوته وشدته ويقول في أثناء كلامه عسكر فلما سمعت هذه اللفظة استرجعت وقالت ردوه لا حاجة لي فيه وذكرت حيث سئلت أن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذكر لها هذا الاسم ونهاها عن ركوبه وأمرت أن يطلب لها غيره فلم يوجد لها ما يشبهه فغير لها بجلال غير جلاله وقيل لها قد أصبنا لك أعظم منه خلقا وأشد قوة وأتيت به فرضيت(3).

قال ابو مخنف: لما انتهت عايشة في مسيرها إلى الحوئب وهو ماء لبني عامر ابن صعصعة نبحتها الكلاب حتّى نفرت صعاب إبلها فقال قائل من أصحابها ألا ترون ما أكثر كلاب الحوئب وما أشد نباحها، فأمسكت زمام بعيرها وقالت: وإنّها

ص: 42


1- . منسئتك: عصاك.
2- . شرح نهج البلاغة لابن ابى الحديد: 6/225.
3- . شرح نهج البلاغة لابن ابى الحديد: 6/224.

لكلاب الحوئب ردّوني ردّوني فانّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول، وذكرت الخبر، فقال قائل. يرحمك اللّه فقد جزنا ماء الحوئب فقالت فهل من شاهد؟ فلفّقوا لها خمسين أعرابيّا جعلوا لهم جعلا فحلفوا أنّ هذا ليس بماء الحوئب فسارت لوجهها(1).

قال ابن ابى الحديد: لما انتهت عائشة وطلحة والزبير إلى حفر(2) أبي موسى قريبا من البصرة أرسل عثمان بن حنيف و هو يومئذ عامل علي عليه السلام على البصرة إلى القوم أبا الأسود الدؤلي يعلم له (لهم) علمهم فجاء حتى دخل على عائشة فسألها عن مسيرها فقالت أطلب بدم عثمان قال إنه ليس بالبصرة من قتلة عثمان أحد قالت صدقت ولكنهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة وجئت أستنهض أهل البصرة لقتاله أ نغضب لكم من سوط عثمان ولا نغضب لعثمان من سيوفكم فقال لها ما أنت من السوط والسيف إنما أنت حبيس رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمرك أن تقري في بيتك وتتلي كتاب ربك وليس على النساء قتال ولا لهن الطلب بالدماء وإن عليا لأولى بعثمان منك وأمس رحما فإنهما ابنا عبد مناف فقالت لست بمنصرفة حتى أمضي لما قدمت له أ فتظن يا أبا الأسود أن أحدا يقدم على قتالي قال أما واللّه لتقاتلن قتالا أهونه الشديد.

ثم قام فأتى الزبير فقال يا أبا عبداللّه عهد الناس بك وأنت يوم بويع أبو بكر آخذ بقائم سيفك تقول لا أحد أولى بهذا الأمر من ابن أبي طالب وأين هذا المقام من ذاك فذكر له دم عثمان قال أنت وصاحبك وليتماه فيما بلغنا قال فانطلق إلى

ص: 43


1- . شرح نهج البلاغة لابن ابى الحديد: 6/225.
2- . ضبطه صاحب مراصد الاطلاع بالفتح ثمّ السكون، وقال: على جادّة البصرة إلى مكّة.

طلحة فاسمع ما يقول فذهب إلى طلحة فوجده سادرا في غيه مصرا على الحرب والفتنة فرجع إلى عثمان بن حنيف فقال إنها الحرب فتأهب لها.

لما نزل علي عليه السلام بالبصرة كتبت عائشة إلى زيد بن صوحان العبدي من عائشة بنت أبي بكر الصديق زوج النبي صلى الله عليه و آلهإلى ابنها الخالص زيد بن صوحان أما بعد فأقم في بيتك وخذل الناس عن علي وليبلغني عنك ما أحب فإنك أوثق أهلي عندي والسلام.

فكتب إليها من زيد بن صوحان إلى عائشة بنت أبي بكر أما بعد فإن اللّه أمرك بأمر وأمرنا بأمر أمرك أن تقري في بيتك وأمرنا أن نجاهد وقد أتاني كتابك فأمرتني أن أصنع خلاف ما أمرني اللّه فأكون قد صنعت ما أمرك اللّه به وصنعت ما أمرني اللّه به فأمرك عندي غير مطاع وكتابك غير مجاب والسلام(1).

ص: 44


1- . شرح نهج البلاغة لابن ابى الحديد: 225 - 6/227.

الخطبة (80): ومن كلامٍ له عليه السلام:

اشارة

أَيُّهَا النَّاسُ الزَّهَادَةُ قِصَرُ الْأَمَلِ وَالشُّكْرُ عِنْدَ النِّعَمِ وَالوَرَعُ عِنْدَ الْمَحَارِمِ فَإِنْ عَزَبَ ذَلِكَ عَنْكُمْ فَلاَ يَغْلِبِ الْحَرَامُ صَبْرَكُمْ - وَلاَ تَنْسَوْا عِنْدَ النِّعَمِ شُكْرَكُمْ فَقَدْ أَعْذَرَ اللّه ُ إِلَيْكُمْ بِحُجَجٍ مُسْفِرَةٍ ظَاهِرَةٍ وَكُتُبٍ بَارِزَةِ الْعُذْرِ وَاضِحَةٍ.

أَيُّهَا النَّاسُ الزَّهَادَةُ قِصَرُ الْأَمَلِ

قَالَ الصادق عليه السلام: الزُّهْدُ كُلُّهُ فِي كَلِمَتَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ اللّه ُ تَعَالَى: «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ»(1) فَمَنْ لَمْ يَأْسَ عَلَى الْمَاضِي وَلَمْ يَفْرَحْ بِالاْتِي فَهُوَ الزَّاهِدُ(2).

وَالشُّكْرُ عِنْدَ النِّعَمِ

من زهد في الدّنيا هان عليه الإنفاق ممّا أنعم اللّه عليه من المال شكرا.

قال الصادق عليه السلام إنّ اللّه أنعم على قوم بالمواهب فلم يشكروا فصارت عليهم وبالا، وابتلى قوما بالمصائب فصبروا فصارت عليهم نعمة(3).

ص: 45


1- . الحديد: 23.
2- . بحار الأنوار: 75/70، ح27.
3- . تحف العقول: 359؛ بحار الأنوار: 68/41، ح31.

وعَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ كَأَجْرِ الصَّائِمِ الْمُحْتَسِبِ وَالْمُعَافَى الشَّاكِرُ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ كَأَجْرِ الْمُبْتَلَى الصَّابِرِ وَالْمُعْطَى الشَّاكِرُ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ كَأَجْرِ الْمَحْرُومِ الْقَانِعِ(1).

وعن ابى عبداللّه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: مَا فَتَحَ اللّه ُ عَلَى عَبْدٍ بَابَ شُكْرٍ فَخَزَنَ عَنْهُ بَابَ الزِّيَادَةِ(2).

وعَنْ عُبَيْدِاللّه ِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللّه ِ عليه السلام يَقُولُ: ثَلاَثٌ لاَ يَضُرُّ مَعَهُنَّ

شَيْءٌ: الدُّعَاءُ عِنْدَ الْكَرْبِ وَالاِسْتِغْفَارُ عِنْدَ الذَّنْبِ وَالشُّكْرُ عِنْدَ النِّعْمَةِ(3).

وعَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: مَنْ أُعْطِيَ الشُّكْرَ أُعْطِيَ الزِّيَادَةَ يَقُولُ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ:

«لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُم»(4).(5)

وعَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: مَا أَنْعَمَ اللّه ُ عَلَى عَبْدٍ مِنْ نِعْمَةٍ فَعَرَفَهَا بِقَلْبِهِ وَحَمِدَ اللّه َ ظَاهِراً بِلِسَانِهِ فَتَمَّ كَلاَمُهُ حَتَّى يُؤمَرَ لَهُ بِالْمَزِيدِ(6).

وعَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللّه ِ عليه السلام يَقُولُ: شُكْرُ كُلِّ نِعْمَةٍ وَإِنْ عَظُمَتْ أَنْ تَحْمَدَ اللّه َ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا (ان يحمد اللّه عزّ وجلّ عليها خ ل)(7).

وعن ابى مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: مَنْ قَالَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ إِذَا أَصْبَحَ: «الْحَمْدُ

ص: 46


1- . الكافي: 2/94، ح1؛ بحار الأنوار: 68/22، ح1.
2- . الكافي: 2/94، ح2؛ بحار الأنوار: 68/23، ح2.
3- . الكافي: 2/95، ح7؛ بحار الأنوار: 68/46، ح53.
4- . إبراهيم: 7.
5- . الكافي: 2/95، ح8؛ بحار الأنوار: 68/40، ح27.
6- . الكافي: 2/95، ح9؛ بحار الأنوار: 68/40، ح28.
7- . الكافي: 2/95، ح11؛ بحار الأنوار: 68/41، ح30.

للّه ِِ رَبِّ الْعالَمِينَ» فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ وَمَنْ قَالَهَا إِذَا أَمْسَى فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ لَيْلَتِهِ(1).

وَالوَرَعُ عِنْدَ الْمَحَارِمِ

سُئِلَ الصَّادِقُ عليه السلام عَنِ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا قَالَ الَّذِي يَتْرُكُ حَلاَلَهَا مَخَافَةَ حِسَابِهِ وَيَتْرُكُ حَرَامَهَا مَخَافَةَ عَذَابِهِ(2).

وعَنْ أَبِي الْحَسَنِ الثَّالِثِ عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام قَالَ: قَالَ الصَّادِقُ عليه السلام: عَلَيْكُمْ بِالْوَرَعِ فَإِنَّهُ الدِّينُ الَّذِي نُلاَزِمُهُ وَنَدِينُ اللّه َ بِهِ وَنُرِيدُهُ مِمَّنْ يُوَالِينَا لاَ تُتْعِبُونَا بِالشَّفَاعَةِ(3).

وفي حديث أبي ذر قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: يا أبا ذر من لم يأت يوم القيامة بثلاث فقد خسر، قلت: و ما الثلاث فداك أبي وامّي؟ قال: ورع يحجزه عمّا حرّم اللّه عزّ وجلّ عليه، وحلم يردّ به جهل السّفيه، وخلق يدارى به النّاس(4).

فَإِنْ عَزَبَ ذَلِكَ عَنْكُمْ فَلاَ يَغْلِبِ الْحَرَامُ صَبْرَكُمْ

لأنّه ورد عَنْ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أَنَّ قَوْماً يَجِيئُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُمْ مِنَ الْحَسَنَاتِ أَمْثَالُ الْجِبَالِ فَيَجْعَلُهَا اللّه ُ هَباءً مَنْثُوراً ثُمَّ يُؤمَرُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ فَقَالَ سَلْمَانُ: صِفْهُمْ يَا رَسُولَ اللّه ِ فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ قَدْ كَانُوا يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَأْخُذُونَ أُهْبَةً مِنَ اللَّيْلِ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا عُرِضَ لَهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْحَرَامِ وَثَبُوا عَلَيْهِ(5).

ص: 47


1- . الكافي: 2/503، ح5 وثواب الاعمال: 13؛ بحار الأنوار: 83/254، ح24.
2- . مشكاة الأنوار: 115؛ بحار الأنوار: 67/311، ح6.
3- . الأمالي للطوسي: 281، م 10، ح544 - 82؛ بحار الأنوار: 67/206، ح29.
4- . مكارم الاخلاق: 468؛ بحار الأنوار: 74/87.
5- . ارشاد القلوب: 1/191.

وَلاَ تَنْسَوْا عِنْدَ النِّعَمِ شُكْرَكُمْ

فإنّ شكر المنعم واجب عقلي. وقال تعالى: «وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ(1)».

فَقَدْ أَعْذَرَ اللّه ُ إِلَيْكُمْ بِحُجَجٍ مُسْفِرَةٍ ظَاهِرَةٍ

أي: مشرقة مضيئة قال تعالى: «لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّه ِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ(2)».

وَكُتُبٍ بَارِزَةِ الْعُذْرِ وَاضِحَة

إلى نبيّنا صلّى اللّه عليه وآله وإلى أنبياء قبله.

تبصرتان

الاولى: ينبغي أن نشير الى بعض ما ورد في فضيلة صفة الزهادة وذمّ نقيضها أعنى الرغبة من الآيات والأخبار ونردف ذلك بذكر اقسام الزّهد.

فأقول قال سبحانه: «فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللّه ِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلاَّ الصَّابِرُونَ(3). فنسب الزّهد إلى العلماء ووصف أهله بالعلم، وهو غاية المدح والثناء.

وقال تعالى: «وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى»(4).

ص: 48


1- . إبراهيم: 7.
2- . النساء: 165.
3- . القصص: 79 - 80.
4- . طه: 131.

وقال تعالى: «مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الاْخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الاْخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ»(1).

وأما الاخبار في باب ذم الدّنيا والزّهد فيها عن الهيثم بن واقد الحريرى عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: من زهد في الدّنيا أثبت اللّه الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه وبصّره عيوب الدّنيا دائها ودوائها وأخرجه من الدّنيا سالما إلى دار السّلام(2).

وعن حفص بن غياث عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: سمعته يقول جعل الخير كلّه في بيت وجعل مفتاحه الزّهد في الدّنيا.

ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: لاَ يَجِدُ الرَّجُلُ حَلاَوَةَ الاْءِيمَانِ فِي قَلْبِهِ حَتَّى لاَ يُبَالِيَ مَنْ أَكَلَ الدُّنْيَا(3).

وعن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام إنّ من أعون الأخلاق على الدّين الزّهد في الدّنيا(4).

وعن عليّ بن هاشم بن البريد عن أبيه أنّ رجلا سأل عليّ بن الحسين عليهما السّلام عن الزّهد فقال: عشرة أشياء فأعلى درجة الزّهد أدنى درجة الورع، وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين، وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرّضا ألا وإنّ الزّهد في آية من كتاب اللّه عزّ وجلّ: «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ»(5).(6)

ص: 49


1- . الشورى: 20.
2- . الكافي: 2/128، ح1؛ بحار الأنوار: 70/48، ح19.
3- . الكافي: 2/128، ح2؛ بحار الأنوار: 70/49، ح20.
4- . الكافي: 2/128، ح3؛ بحار الأنوار: 70/50، ح21.
5- . الحديد: 23.
6- . الكافي: 2/128، ح4؛ بحار الأنوار: 70/50، ح22.

وعن سفيان بن عيينة قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام وهو يقول: كلّ قلب فيه شكّ أو شرك فهو ساقط، وإنّما أرادوا بالزّهد في الدّنيا لتفرغ قلوبهم في الآخرة(1).

وعن محمّد بن مسلم عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلامإنّ علامة الرّاغب في ثواب الآخرة زهده في عاجل زهرة الدّنيا، أما إنّ زهد الزّاهد في هذه الدّنيا لا ينقصه ممّا قسم اللّه عزّ وجلّ له فيها وإن زهد، وإنّ حرص الحريص على عاجل زهرة الحياة الدّنيا لا يزيده فيها وإن حرص، فالمغبون من حرّم حظّه من الآخرة(2).

وعَنْ عَبْدِاللّه ِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وَهُوَ مَحْزُونٌ فَأَتَاهُ مَلَكٌ وَمَعَهُ مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ هَذِهِ مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ الْأَرْضِ يَقُولُ لَكَ رَبُّكَ افْتَحْ وَخُذْ مِنْهَا مَا شِئْتَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُنْقَصَ شَيْئاً عِنْدِي فَقَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لاَ دَارَ لَهُ وَلَهَا يَجْمَعُ مَنْ لاَ عَقْلَ لَهُ فَقَالَ الْمَلِكُ وَالَّذِي بَعَثَكَ

بِالْحَقِّ نَبِيّاً لَقَدْ سَمِعْتُ هَذَا الْكَلاَمَ مِنْ مَلَكٍ يَقُولُهُ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ حِينَ أُعْطِيتُ الْمَفَاتِيحَ(3).

وعَنْ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ سَمِعْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آلهيَقُولُ يَا عَلِيُّ إِنَّ اللّه َ تَعَالَى زَيَّنَكَ بِزِينَةٍ لَمْ يُزَيِّنِ الْعِبَادَ بِزِينَةٍ هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْهَا زَهَّدَكَ فِيهَا وَبَغَّضَهَا إِلَيْكَ وَحَبَّبَ إِلَيْكَ الْفُقَرَاءَ فَرَضِيتَ بِهِمْ أَتْبَاعاً وَرَضُوا بِكَ إِمَاما(4).

ص: 50


1- . الكافي: 2/129، ح5؛ بحار الأنوار: 70/52، ح23.
2- . الكافي: 2/129، ح6؛ بحار الأنوار: 70/52، ح24.
3- . الكافي: 2/129، ح8؛ بحار الأنوار: 70/54، ح26.
4- . كشف الغمة ط - القديمة: 1/162؛ بحار الأنوار: 40/330، ح13.

وَسَأَلَهُ - أميرالمؤمنين عليه السلام - أَعْرَابِيٌّ شَيْئاً فَأَمَرَ لَهُ بِأَلْفٍ فَقَالَ الْوَكِيلُ: مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ؟ فَقَالَ: كِلاَهُمَا عِنْدِي حَجَرَانِ فَأَعْطِ الْأَعْرَابِيَّ أَنْفَعَهُمَا لَهُ(1).

وعَنْ عَبْدِاللّه ِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: إِذَا أَرَادَ اللّه ُ بِعَبْدٍ خَيْراً زَهَّدَهُ فِي الدُّنْيَا وَفَقَّهَهُ فِي الدِّينِ وَبَصَّرَهُ عُيُوبَهَا وَمَنْ أُوتِيَهُنَّ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ وَقَالَ لَمْ يَطْلُبْ أَحَدٌ الْحَقَّ بِبَابٍ أَفْضَلَ مِنَ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ ضِدٌّ لِمَا طَلَبَ أَعْدَاءُ الْحَقِّ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ مِمَّا ذَا؟ قَالَ مِنَ الرَّغْبَةِ فِيهَا وَقَالَ أَ لاَ مِنْ صَبَّارٍ كَرِيمٍ فَإِنَّمَا هِيَ أَيَّامٌ قَلاَئِلُ أَلاَ إِنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تَجِدُوا طَعْمَ الاْءِيمَانِ حَتَّى تَزْهَدُوا فِي الدُّنْيَا.

قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللّه ِ عليه السلام يَقُولُ إِذَا تَخَلَّى الْمُؤمِنُ مِنَ الدُّنْيَا سَمَا وَوَجَدَ حَلاَوَةَ حُبِّ اللّه ِ وَكَانَ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا كَأَنَّهُ قَدْ خُولِطَ(2) وَإِنَّمَا خَالَطَ الْقَوْمَ حَلاَوَةُ حُبِّ اللّه ِ فَلَمْ يَشْتَغِلُوا بِغَيْرِهِ.

قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ الْقَلْبَ إِذَا صَفَا ضَاقَتْ بِهِ الْأَرْضُ حَتَّى يَسْمُوَ(3).

وعَنِ الزُّهْرِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ عِنْدَ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ مَا مِنْ عَمَلٍ بَعْدَ مَعْرِفَةِ اللّه ِ جَلَّ وَعَزَّ وَمَعْرِفَةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه و آله أَفْضَلَ مِنْ بُغْضِ الدُّنْيَا وَإِنَّ لِذَلِكَ لَشُعَباً كَثِيرَةً(4) وَلِلْمَعَاصِي شُعَباً فَأَوَّلُ مَا عُصِيَ اللّه ُ بِهِ الْكِبْرُ وَهِيَ مَعْصِيَةُ إِبْلِيسَ حِينَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ وَالْحِرْصُ وَهِيَ مَعْصِيَةُ آدَمَ وَحَوَّاءَ حِينَ قَالَ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا: «فَكُلا مِنْ حَيْثُ

ص: 51


1- . مناقب آل ابى طالب لابن شهر آشوب: 2/118؛ بحار الأنوار: 41/32.
2- . خولط أي أفسد عقله بما خالطه من المفسدة فى.
3- . الكافي: 2/130، ح10؛ بحار الأنوار: 70/55، ح28.
4- . «إن لذلك» أي بغض الدنيا «لشعبا» أي من الصفات الحسنة والاعمال الصالحة وهى ضد شعب المعاصى. آت

شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ»(1) فَأَخَذَا مَا لاَ حَاجَةَ بِهِمَا إِلَيْهِ فَدَخَلَ ذَلِكَ(2) عَلَى ذُرِّيَّتِهِمَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَذَلِكَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا يَطْلُبُ ابْنُ آدَمَ مَا لاَ حَاجَةَ بِهِ إِلَيْهِ ثُمَّ الْحَسَدُ وَهِيَ مَعْصِيَةُ ابْنِ آدَمَ حَيْثُ حَسَدَ أَخَاهُ فَقَتَلَهُ فَتَشَعَّبَ مِنْ ذَلِكَ حُبُّ النِّسَاءِ وَحُبُّ الدُّنْيَا وَحُبُّ الرِّئَاسَةِ وَحُبُّ الرَّاحَةِ وَحُبُّ الْكَلاَمِ وَحُبُّ الْعُلُوِّ وَالثَّرْوَةِ فَصِرْنَ سَبْعَ خِصَالٍ فَاجْتَمَعْنَ كُلُّهُنَّ فِي حُبِّ الدُّنْيَا فَقَالَ الْأَنْبِيَاءُ وَالْعُلَمَاءُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ وَالدُّنْيَا دُنْيَاءَانِ دُنْيَا بَلاَغٌ(3) وَدُنْيَا مَلْعُونَةٌ(4).

وعَنِ الْوَشَّاءِ قَالَ سَمِعْتُ الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ص - لِلْحَوَارِيِّينَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنَ الدُّنْيَا كَمَا لاَ يَأْسَى أَهْلُ الدُّنْيَا عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنْ دِينِهِمْ إِذَا أَصَابُوا دُنْيَاهُمْ(5).

وعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الْحَذَّاءِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام حَدِّثْنِي بِمَا أَنْتَفِعُ بِهِ فَقَالَ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ أَكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ لَمْ يُكْثِرْ إِنْسَانٌ ذِكْرَ الْمَوْتِ إِلاَّ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا(6).

وعَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: مَا أَقْبَحَ بِالْمُؤمِنِ أَنْ تَكُونَ لَهُ رَغْبَةٌ تُذِلُّهُ(7).

وَقَالَ أميرالمؤمنين عليه السلام الزَّاهِدُونَ فِي الدُّنْيَا مُلُوكُ الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ وَمَنْ لَمْيَزْهَدْ فِي الدُّنْيَا وَرَغِبَ فِيهَا فَهُوَ فَقِيرُ الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ وَمَنْ زَهِدَ فِيهَا مَلَكَهَا

ص: 52


1- . البقرة: 35.
2- . أي الحرص. أو أخذ مالا حاجة به. آت.
3- . أي بقدر الضرورة. أو بقدر ما يبلغ به إلى الآخرة ويحصل به مرضات الرب.
4- . الكافي: 2/130، ح11؛ بحار الأنوار: 70/59، ح29.
5- . الزهد: 51، ح137 والكافي: 2/137، ح25؛ بحار الأنوار: 70/80، ح41.
6- . الكافي: 2/131، ح13؛ بحار الأنوار: 70/64، ح31.
7- . الكافي: 2/320، ح1؛ بحار الأنوار: 70/171، ح11.

وَمَنْ رَغِبَ فِيهَا مَلَكَتْه(1).

وعَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: قِيلَ لِأَمِيرِ الْمُؤمِنِينَ عليه السلام مَا الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا قَالَ تَنَكُّبُ(2) حَرَامِهَا(3).

وعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ سَمِعْتُ أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ صلى الله عليه و آله يَقُولُ الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا قَصْرُ أَمَلٍ وَشُكْرُ كُلِّ نِعْمَةٍ وَالْوَرَعُ عَمَّا حَرَّمَ اللّه ُ عَلَيْكَ(4).

وعَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام لَيْسَ الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا بِإِضَاعَةِ الْمَالِ وَلاَ بِتَحْرِيمِ الْحَلاَلِ بَلِ الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا أَنْ لاَ تَكُونَ بِمَا فِي يَدِكَ أَوْثَقَ مِنْكَ بِمَا فِي يَدِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ(5).

وعَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ النَّخَعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عليه السلام عِنْدَ قَبْرٍ وَهُوَ يَقُولُ إِنَّ شَيْئاً هَذَا آخِرُهُ لَحَقِيقٌ أَنْ يُزْهَدَ فِي أَوَّلِهِ وَإِنَّ شَيْئاً هَذَا أَوَّلُهُ لَحَقِيقٌ أَنْ يُخَافَ آخِرُهُ(6).

وعَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ النَّاصِرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ الرِّضَا عَنْ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: سُئِلَ الصَّادِقُ عليه السلام عَنِ الزَّاهِدِ فِي الدُّنْيَا قَالَ الَّذِي يَتْرُكُ حَلاَلَهَا مَخَافَةَ حِسَابِهِ وَيَتْرُكُ حَرَامَهَا مَخَافَةَ عِقَابِهِ(7).

الى غير ما في هذا المعنى من الرّوايات، اذا عرفت ذلك فلنذكر اقسام الزّهد.

ص: 53


1- . إرشاد القلوب للديلمي: 70/20.
2- . تنكبه: تجنّبه واعتزله.
3- . معانى الأخبار: 251 ، ح1؛ بحار الأنوار: 67/310، ح2.
4- . معانى الاخبار: 251، ح2؛ بحار الأنوار: 67/310، ح3.
5- . معانى الاخبار: 251، ح3؛ بحار الأنوار: 67/310، ح4.
6- . معانى الأخبار: 343، ح1؛ بحار الأنوار: 70/103، ح92.
7- . معانى الأخبار: 287، ح1؛ بحار الأنوار: 67/311، ح6.

اعلم انّ الزهد ينقسم على ما ذكره أبو حامد الغزالى، تارة بالنظر الى نفسه، واخرى بالنّظر الى المرغوب فيه، وثالثة بالنّظر الى المرغوب عنه.

اما الاول فهو انّه يتفاوت بحسب الشدّة والضّعف والكمال والنقصان على مراتب ثلاث:

المرتبة الاولى وهى السّفلى أن يزهد في الدّنيا وهو لها راغب والقلب اليها مايل ونفسه لها مشتهية ولكنّه يجاهدها ويكفّها وهذا يسمّى المتزّهد.

المرتبة الثّانية ترك الدّنيا طوعا لاستحقاره إيّاها بالاضافة إلى ما طمع فيه كالذي يترك درهما لأجل درهمين فانّه لا يشقّ عليه ذلك وإن كان يحتاج إلى انتظار قليل ولكن هذا الزّاهد لا محالة يرى زهده ويلتفت إليه، ويكون معجبا بنفسه وبزهده ويظن في نفسه أنّه ترك شيئا له قدر لما هو أعظم قدرا منه.

المرتبة الثالثة وهي العليا الزّهد طوعا والزّهد في الزهد بأن لا يرى زهده إذ لا يرى أنّه ترك شيئا لمعرفته بأنّ الدنيا لا شيء كمن ترك قذرة (خزفة) وأخذ جوهرة فلا يرى ذلك معاوضة ولا يرى نفسه تاركا شيئا إذا لدنيا بالنّسبة الى الآخرة أخسّ من قذرة (خزفة) بالنّسبة إلى الجوهرة فهذا هو الكمال في الزّهد وسببه كمال المعرفة(1).

واما الثاني فهو أنّه ينقسم بالنّسبة إلى المرغوب فيه أيضا على ثلاث مراتب.

المرتبة الاولى أن يكون المرغوب فيه النّجاة من النّار ومن ساير الآلام كعذاب القبر وطول الحساب وخطر الصراط و ساير ما بين يدي الانسان من الأهوال على ما وردت في الأخبار.

ص: 54


1- . إحياء العلوم: 13/122.

المرتبة الثانية أن يكون المرغوب فيه اللذائذ الموعودة والنعم الموجودة في الجنّة من الحور والقصور والأنهار والأثمار وساير ما أعدّت للمتقين وهذا زهد الراجين فانّهم لم يتركوا الدنيا قناعة بالعدم وخلاصا من الألم وإنّما تركوها رغبة في وجود دائم وطمعا في نعمة غير منقطعة.

المرتبة الثالثة أن لا يكون له رغبة إلاّ في اللّه وفي لقائه فلا يكون له توجّه إلى الآلام ليقصد الخلاص منها، ولا التفات إلى النعم ليقصد الفوز بها، بل هو مستغرق الهمّ باللّه وهو الذي أصبح وهمّه هم واحد، وهو الموحّد الحقيقي الذي لا يطلب غير اللّه إذ طلب غيره سبحانه لا يخلو من شرك خفيّ.

وهذه المرتبة مختصّة بالتّأمين في المحبة والكاملين في مقام الرّضا، وليس غرضهم إلاّ تحصيل الرّضوان ولا لهم نظر إلى الحور والقصور وساير اللذائذ الموجودة في الجنان لأنّ لذايذ الجنّة كلّها عندهم بالنسبة إلى لذّة الاستغراق والفناء مثل لذّة اللعب بالعصفور والاستيلاء عليه بالنّسبة إلى لذّة الملك والاستيلاء

على أطراف الأرض ورقاب الخلق، والطالبون لنعيم الجنة عند أهل المعرفة والكمال كالصبىّ الطالب للّعب بالعصفور التارك للذّة السّلطنة والملك من حيث قصوره عن ادراك هذه اللذة وإلى هذه أشير في قوله تعالى: «وَعَدَ اللّه ُ الْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللّه ِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»(1)؛ اى الرّضوان من اللّه اكبر من

جميع ما في الجنات من اللذات وهو الفوز العظيم اذ هو غاية كلّ لذّة ومنتهى كلّ سعادة يستحقر دونه كلّ بهجة(2).

ص: 55


1- . التوبة: 72.
2- . إحياء العلوم: 13/124.

واما الثالث أعنى الانقسام بالنّسبة إلى المرغوب عنه فنقول: إنّ الأقسام بالنّسبة إلى ذلك كثيرة غير محصورة إلاّ أنّ هناك مجامع محيطة بها إجمالا وهى أيضا متفاوتة المراتب بعضها أجمل وبعضها أشرح لآحاد الأقسام وأقرب إلى التفصيل.

أمّا الاجمال في الدّرجة الأولى فهو كلّ ما سوى اللّه فينبغى أن يزهد فيه حتّى يزهد في نفسه أيضا.

وأمّا الاجمال في الدّرجة الثّانية فهو أن يزهد في كلّ صفة للنّفس فيها تمتع وشهوة، وهذا يتناول جميع مقتضيات الطبع من الشهوة والغضب والكبر والرّياسة والمال والجاه وغيرها.

وأمّا الاجمال في الدّرجة الثّالثة فهو أن يزهد في المال والجاه وأسبابهما إذ إليهما ترجع جميع حظوظ النّفس.

وأما الاجمال في الدّرجة الرّابعة فهو أن يزهد في العلم والقدرة والدّينار والدرهم والجاه إذ الأموال وإن كثرت أصنافها فيجمعها الدّينار والدرهم، والجاه وإن كثرت أسبابه فيرجع الى العلم والقدرة وأعنى به كلّ علم وقدرة يتعلّق بملك القلوب فانّ المقصود بالجاه ملك القلوب والقدرة والاستيلاء عليها مع الشّعور بذلك كما أنّ المقصود بالمال ملك الأعيان والقدرة عليها، فان جاوزنا عن هذا التفصيل الاجمالي إلى شرح وتفصيل أبلغ من ذلك يكاد يخرج ما فيه الزّهد عن الحصر، وقد ذكر اللّه تعالى في آية واحدة سبعة منها فقال: «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْل

ص: 56

ِالْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللّه ُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ»(1).

ثمّ ردّها في آية اخرى إلى خمسة فقال عزّ وجلّ: «أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ

وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ»(2).

ثمّ ردّها في موضع آخر الى اثنين فقال تعالى:: «وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ»(3).

ثمّ ردّ الكلّ الى واحد فقال: «وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى»(4).

فالهوى لفظ جامع لجميع حظوظ النّفس في الدّنيا فينبغي أن يكون الزّهد فيه(5)، فأعلى مراتب الزهد بالنّسبة إلى المرغوب عنه هو الزّهد عن ما سوى اللّه، وبعدها الزّهد عن حظوظ النّفس وأدناها الزّهد عن المحرمات الشّرعيّة، واللّه ولىّ التّوفيق.

الثانية اعلم ان الزهد وان كان ترك الدنيا قد اخذ فى ماهيته وانه عبارة عن اعراض الدنيا وما فيها والاقبال الى الآخرة وما اعد فيها الا ان هذا المعنى لا يفسر

بما توهمه بعض من لا خبرة له من ان الزاهد يجب عليه ترك الاستفادة من النعم الالهية مطلقا وذلك لان هذا المعنى لا يساعده العقل والنقل والمهم لنا فى هذا الشرح النقل الذى هو فى الحقيقة يويد العقل.فمنها: قال اللّه تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّه ُ لَكُمْ

ص: 57


1- . آل عمران: 14.
2- . الحديد: 20.
3- . الأنعام: 32.
4- . النازعات: 40.
5- . إحياء العلوم: 13/125.

وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللّه َ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين؛ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّه ُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللّه َ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤمِنُون»(1).

وقال تعالى: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّه ِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْق»(2).

وقال تعالى: «وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللّه ُ الدَّارَ الاْخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا»(3).

وغيرها من الآيات التى قد دلت بمنطوقها على حلية الاكل والشرب وغيرهما من النعم الالهية وقد وردت به الاخبار ايضا.

منها: ما عن تَفْسِيرِ النُّعْمَانِيِّ عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام قَالَ: إِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا

حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمُ النِّسَاءَ وَالاْءِفْطَارَ بِالنَّهَارِ وَالنَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَأَخْبَرَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله - فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَ تَرْغَبُونَ عَنِ النِّسَاءِ إِنِّي آتِي النِّسَاءَ وَآكُلُ بِالنَّهَارِ وَأَنَامُ بِاللَّيْلِ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي وَأَنْزَلَ اللّه ُ «لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّه ُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللّه َ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّه ُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللّه َ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤمِنُونَ»(4).(5)

ومنها: عَنْ سُكَيْنٍ النَّخَعِيِّ وَكَانَ تَعَبَّدَ وَتَرَكَ النِّسَاءَ وَالطِّيبَ وَالطَّعَامَ فَكَتَبَ إِلَى أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَمَّا قَوْلُكَ فِي النِّسَاءِ فَقَدْ عَلِمْتَ مَا كَانَ لِرَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله مِنَ النِّسَاءِ وَأَمَّا قَوْلُكَ فِي الطَّعَامِ فَكَانَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آلهيَأْكُلُ اللَّحْمَوَالْعَسَلَ(6).

ومنها: عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ هِلاَلٍ الشَّامِيِّ مَوْلَى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ لَهُ

ص: 58


1- . المائدة: 87 - 88.
2- . الأعراف: 32.
3- . القصص: 77.
4- . المائدة: 87 - 88.
5- . وسائل الشيعة: 20/21، ح24921 - 9.
6- . الكافي: 5/320، ح4؛ وسائل الشيعة: 20/15، ح24905 - 8.

جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا أَعْجَبَ إِلَى النَّاسِ مَنْ يَأْكُلُ الْجَشِبَ وَيَلْبَسُ الْخَشِنَ وَيَتَخَشَّعُ فَقَالَ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ يُوسُفَ عليه السلام نَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ كَانَ يَلْبَسُ أَقْبِيَةَ الدِّيبَاجِ مَزْرُورَةً بِالذَّهَبِ وَيَجْلِسُ فِي مَجَالِسِ آلِ فِرْعَوْنَ - إلى أن قال - إِنَّ اللّه َ لاَ يُحَرِّمُ طَعَاماً وَلاَ شَرَاباً مِنْ حَلاَلٍ وَإِنَّمَا حَرَّمَ الْحَرَامَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَقَدْ قَالَ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّه ِ

الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ»(1).(2)

وعَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ قَالَ سَمِعْتُ الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام يَلْبَسُ ثَوْبَيْنِ فِي الصَّيْفِ يُشْتَرَيَانِ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ(3).

وعَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: لَبِسَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله السَّاجَ وَالطَّاقَ وَالْخَمَائِصَ(4).

ولبس على عليه السلاممع زهده ذاك حلة قيمتها الف دينار وكان النبى صلى الله عليه و آلهكساه اياه(5).

نعم كان يقتصر غالبا باقل ما يكفيه فانه وجد رضى اللّه فى ذلك فان الانسان فى الدنيا عابر سبيل يكفيه البلغة وما يسد جوعته ويستر عورته وكذلك كان سليمان نبيا زاهدا وكذا يوسف كان نبيا زاهدا وكان ذوالقرنين زاهدا تقيا مع ما كان لهم من الملك فان ذلك كان منهم للّه وفى اللّه فلا يلهيهم عن اللّه وكانوا زهادا

عن غير اللّه انتهى.

ص: 59


1- . الأعراف: 32.
2- . الكافي: 6/453، ح5؛ بحار الأنوار: 76/305، ح19.
3- . الكافي: 6/441، ح5 ومكارم الاخلاق: 107؛ بحار الأنوار: 76/307.
4- . وسائل الشيعة: 5/15، ح5766 - 1.
5- . الكافي: 1/289، ح3.

الخطبة (81) ومن كلام له عليه السلام في صفة الدّنيا:

اشارة

مَا أَصِفُ مِنْ دَارٍ أَوَّلُهَا عَنَاءٌ وَآخِرُهَا فَنَاءٌ - فِي حَلاَلِهَا حِسَابٌ وَفِي حَرَامِهَا عِقَابٌ - مَنِ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ - وَمَنِ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ وَمَنْ سَاعَاهَا فَاتَتْهُ - وَمَنْ قَعَدَ عَنْهَا وَاتَتْهُ وَمَنْ أَبْصَرَ بِهَا بَصَّرَتْهُ - وَمَنْ أَبْصَرَ إِلَيْهَا أَعْمَتْهُ.

أقول: وإذا تأمّل المتأمّل قوله عليه السلام: «من أبصر بها بصّرته» وجد تحته من المعنى العجيب، والغرض البعيد، ما لا تبلغ غايته ولا يدرك غوره، ولا سيّما إذا قرن إليه قوله: «و من أبصر إليها أعمته» فانّه يجد الفرق بين أبصر بها وأبصر إليها، واضحا نيّرا، وعجيبا باهرا».

روى المبرد: قال رجل لعليّ عليه السلام - وهو في خطبته - صف لنا الدّنيا، فقال عليه السلام«ما

أصف من دار أوّلها عناء، وآخرها فناء، في حلالها حساب وفي حرامها عقاب، من صحّ فيها أمن، ومن مرض فيها ندم، ومن استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن(1).

وروى المسعودى: «دخل رجل على عليّ عليه السلام فقال: كيف أصبحت قال: أصبحت ضعيفا، آكل رزقي وأنتظر أجلى» قال: وما تقول في الدّنيا قال: «و ما أقول في دار أوّلها غمّ، وآخرها موت، من استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن،

ص: 60


1- . الكامل للمبرد: 1/125.

حلالها حساب وحرامها عقاب» قال: فأيّ الخلق أنعم؟ قال: «أجساد تحت التّراب قد أمنت العقاب، وهي منتظرة الثواب» (1).

وروى ابن طلحة: قال عليّ عليه السلاميوما - وأحدق الناس به -: أحذّركم الدّنيا فانّها منزل قلعة وليست بدار نجعة، هانت على ربّها، فخلط خيرها بشرّها، وحلوها بمرّها، لم يصفها لأوليائه ولم يضربها على أعدائه، وهي دار ممرّ لا دار مستقرّ، فيها رجلان: رجل باع نفسه فأوبقها، ورجل ابتاع نفسه فأعتقها، إن اعذوذب منها جانبا فحلا، أمرّ منها جانب فأوبى، أوّلها عناء، وآخرها فناء، من استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن، من ساعاها فاتته، ومن قعد عنها أتته ومن أبصر بها بصّرته، ومن أبصر إليها أعمته، فالإنسان فيها غرض المنايا، مع كلّ جرعة شرق ومع كلّ أكلة غصص، لا ينال منها نعمة إلاّ بفراق أخرى(2).

مَا أَصِفُ مِنْ دَارٍ أَوَّلُهَا عَنَاءٌ وَآخِرُهَا فَنَاءٌ

أي: التعب، وأوّلها عناء حيث أنّ الإنسان لابدّ أن يكدّ ويجهد في أوّل عمره حتّى يؤمّن معاشه بمشقّات كثيرة قال تعالى: «لَقَدْ خَلَقْنَا الاْءِنْسانَ فِي كَبَد»(3) ومن لطائف الاشعار قول ابى الحسن التهامى يرثى ابنه:

طبعت على كدر وانت تريدها

صفوا من الأقذار والأكدار

ومكلّف الأيّام ضدّ طباعها

متطلّب في الماء جذوة نار(4)

ص: 61


1- . مروج الذهب: 2/421.
2- . مطالب السؤول فى مناقب آل الرسول صلى الله عليه و آله محمد بن طلحة الشافعى: 176. (المتوفى: 652).
3- . البلد: 4.
4- . الأنوار النعمانيّة: 4/22.

«وآخرها فناء» حيث أنّه بعد تحصيل الأموال والعلائق يتركها ويرحل إلى

الآخرة، قال تعالى: «وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ...(1) وقال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُون»(2).

وقال تعالى: «كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَه»(3).

وقال تعالى: «كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالاْءِكْرام»(4).

قال الرضى رحمه اللّه تعالى:

وأولنا العناء إذا طلعنا

إلى الدنيا وآخرنا الذهاب(5)

وعن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال: إنّي جالس في تلك الليلة التي قتل ابي في صبيحتها وعمّتي زينب تمرّضني إذ اعتزل أبي أصحابه في خباء له وعنده جون مولى أبي ذرّ وهو يعالج سيفه ويصلحه، وأبي يقول:

يا دهر افّ لك من خليل

كم لك بالإشراق والأصيل

من صاحب أو طالب قتيل

والدّهر لا يقنع بالبديل

وإنّما الأمر إلى الجليل

وكلّ حيّ سالك السّبيل

فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى فهمتها، فعرفت ما أراد، فخنقتني عبرتي، فرددت دمعي، ولزمت السّكوت، فعلمت أنّ البلاء قد نزل، فامّا عمّتي فإنّها سمعت ما سمعت - وهي امرأة - وفي النساء الرقّة والجزع، فلم تملك نفسها أن وثبت تجرّثوبها، وإنّها لحاسرة حتّى انتهت إليه فقالت: «وا ثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة،

ص: 62


1- . الأنعام: 94.
2- . العنكبوت: 57.
3- . القصص: 88.
4- . الرحمن: 26 - 27.
5- . شرح نهج البلاغة لابن ابى الحديد: 3/303.

اليوم ماتت فاطمة امّي، وعليّ أبي، وحسن أخي، يا خليفة الماضين وثمال الباقين» فنظر إليها أبي عليه السلام فقال: يا اخيّة لا يذهب حلمك الشيطان، قالت: «بأبي أنت وأمّي استقتلت، نفسي فداك» فردّ غصّته وترقرقت عيناه وقال: لو ترك القطا ليلا لنام. قالت: يا ويلتى أ فتغتصب نفسك اغتصابا فذلك أقرح لقلبي، وأشدّ على نفسي، فلطمت وجهها وأهوت إلى جيبها و شقّته وخرّت مغشيا عليها فقام إليها أبي فصبّ على وجهها الماء وقال لها: يا اخيّة اتّقي اللّه وتعزّي بعزاء اللّه، واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون، وأنّ أهل السماء لا يبقون، وأنّ كلّ شيء هالك إلاّ وجه اللّه، الذي خلق الأرض بقدرته، ويبعث الخلق فيعودون، وهو فرد وحده، أبي خير منّي، وامّي خير مني، وأخي خير منّي، ولي ولهم ولكلّ مسلم برسول اللّه صلّى اللّه

عليه وآله اسوة حسنة(1).

فِي حَلاَلِهَا حِسَابٌ

قال سبحانه: «اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُون»(2).

وقال تعالى: «إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ»(3).

وقال تعالى: «وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئا وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ»(4).

وقال تعالى: «يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي

ص: 63


1- . تاريخ الطبري: 4/318.
2- . الأنبياء: 1.
3- . الغاشية: 25 - 26.
4- . الأنبيا ء 47.

السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللّه ُ إِنَّ اللّه َ لَطِيفٌ خَبِير»(1).

وقال تعالى: «وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبا»(2).

وقال تعالى: «وَوَجَدَ اللّه َ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللّه ُ سَرِيعُ الْحِسابِ»(3).

قال الطبرسى لا يشغله حساب عن حساب فيحاسب الجميع على أفعالهم في حالة واحدة وسئل أميرالمؤمنين عليه السلام كيف يحاسبهم في حالة واحدة؟ فقال: كما يرزقهم في حالة واحدة(4).

وورد في الخبر أنه تعالى يحاسب الخلائق كلهم في مقدار لمح البصر(5).

واعلم أنّ الحساب في القيامة مما يجب أن يؤمن به وأما أنّ المحاسب عليه والمسئول عنه ما ذا فقد اختلف فيه الأخبار فبعضها كالآيات واردة على نحو العموم أو الاطلاق وبعضها مخصوصة أو مقيّدة.

ففى النبوىّ المعروف بين الخاصّة والعامّة عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ حَوْلَهُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ - لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ وَعَنْ مَالِهِ مِمَّا كَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ حُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللّه ِ وَمَا آيَةُ حُبِّكُمْ مِنْ بَعْدِكَ قَالَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام وَهُوَ إِلَى جَنْبِهِ فَقَالَ آيَةُ حُبِّنَا مِنْبَعْدِي حُبُّ هَذَا(6).

ص: 64


1- . لقمان: 16.
2- . الإسراء: 13 - 14.
3- . النور: 39.
4- . تفسير مجمع البيان: 7/230.
5- . تفسير مجمع البيان: 2/531.
6- . بحار الأنوار: 6/379؛ الأمالي للمفيد: 353/ م 42، ح5؛ الأمالي للطوسي: 124/ م 5، ح193 - 6؛ فوائد العراقيين: 49، ح34.

وعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَبَّاسِ الصَّوْلِيِّ قَالَ: كُنَّا يَوْماً بَيْنَ يَدَيْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا عليه السلام فَقَالَ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا نَعِيمٌ حَقِيقِيٌّ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِمَّنْ حَضَرَهُ فَيَقُولُ

اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ «ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ»(1) أَ مَا هَذَا النَّعِيمُ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ الْمَاءُ الْبَارِدُ فَقَالَ لَهُ الرِّضَا عليه السلام وَعَلاَ صَوْتُهُ كَذَا فَسَّرْتُمُوهُ أَنْتُمْ وَجَعَلْتُمُوهُ عَلَى ضُرُوبٍ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ الْمَاءُ الْبَارِدُ وَقَالَ غَيْرُهُمْ هُوَ الطَّعَامُ الطَّيِّبُ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ طِيبُ النَّوْمِ (هو النوم الطيب) وَلَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلامأَنَّ أَقْوَالَكُمْ هَذِهِ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ فِي قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ «ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ»(2) فَغَضِبَ عليه السلام وَقَالَ إِنَّ اللّه َ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَسْأَلُ عِبَادَهُ عَمَّا تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِهِ وَلاَ يَمُنُّ بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَالاِمْتِنَانُ بِالاْءِنْعَامِ مُسْتَقْبَحٌ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ فَكَيْفَ يُضَافُ إِلَى الْخَالِقِ عَزَّ وَجَلَّ مَا لاَ يَرْضَى لِلْمَخْلُوقِينَ بِهِ (ما لا يرضى المخلوق به) وَلَكِنَّ النَّعِيمَ حُبُّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَمُوَالاتُنَا يَسْأَلُ اللّه ُ عَنْهُ بَعْدَ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا وَفَى بِذَلِكَ أَدَّاهُ إِلَى نَعِيمِ الْجَنَّةِ الَّتِي لاَ تَزُولُ وَلَقَدْ حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَلِيٍّ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: يَا عَلِيُّ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ بَعْدَ مَوْتِهِ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللّه ُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللّه ِ وَأَنَّكَ وَلِيُّ الْمُؤمِنِينَ بِمَا جَعَلَهُ اللّه ُ وَجَعَلْتُهُ لَكَ فَمَنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَكَانَ يَعْتَقِدُهُ صَارَ إِلَى النَّعِيمِ الَّذِي لاَ زَوَالَ لَهُ الْخَبَرَ(3).

وعن على بن الحسين عليهما السلام: اعْلَمُوا عِبَادَ اللّه ِ أَنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ لاَ تُنْصَبُ لَهُمُ الْمَوَازِينُ وَلاَ تُنْشَرُ لَهُمُ الدَّوَاوِينُ وَإِنَّمَا يُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً وَإِنَّمَا تُنْصَبُ

ص: 65


1- . التكاثر: 8.
2- . التكاثر: 8.
3- . عيون اخبار الرضا عليه السلام 2/129، ح8؛ بحار الأنوار: 7/272، ح41.

الْمَوَازِينُ وَتُنْشَرُ الدَّوَاوِينُ لِأَهْلِ الاْءِسْلاَم(1).

وعَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَأْمُرُ اللّه ُ تَعَالَى مُنَادِياً فَيُنَادِي أَيْنَ الْفُقَرَاءُ فَيَقُومُ عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ فَيُؤمَرُ بِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَأْتُونَ بَابَ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ قَبْلَ الْحِسَابِ فَيَقُولُونَ مَا أَعْطَوْنَا شَيْئاً فَيُحَاسِبُونَا عَلَيْهِ فَيَقُولُ اللّه ُ تَعَالَى صَدَقُوا عِبَادِي مَا أَفْقَرْتُكُمْ هَوَاناً بِكُمْ وَلَكِنِ ادَّخَرْتُ هَذَا لَكُمْ لِهَذَا الْيَوْمِ فَيَقُولُ لَهُمُ انْظُرُوا وَتَصَفَّحُوا وُجُوهَ النَّاسِ فَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفاً فَخُذُوا بِيَدِهِ وَأَدْخِلُوهُ الْجَنَّةَ(2).

وعن النّبيّ صلى الله عليه و آله يدخل الفقراء الجنّة قبل الأغنياء بنصف يوم ومقداره خمسمائة عام(3).

وعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام قَالَ: إِذَا جَمَعَ اللّه ُ الْأَوَّلِينَ وَالاْخِرِينَ قَامَ مُنَادٍ يُنَادِي بِصَوْتٍ يَسْمَعُ النَّاسُ فَيَقُولُ أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ فِي اللّه ِ قَالَ فَيَقُومُ عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ لَهُمُ اذْهَبُوا إِلَى الْجَنَّةِ بِغَيْرِ حِسَاب(4)، هذا.

وقال تعالى: «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً * وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُورا»(5).

فِي الْحَدِيثِ عن النبى صلى الله عليه و آله: ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ حَاسَبَهُ اللّه ُ حِساباً يَسِيراً وَأَدْخَلَهُ اللّه ُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ. قَالُوا: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللّه ِ؟ قَالَ: تُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ، وَتَصِلُ مَنْ

ص: 66


1- . تحف العقول: 251؛ بحار الأنوار: 250/7، ح8.
2- . جامع الاخبار للشعيرى: 112؛ بحار الأنوار: 69/42، ح47.
3- . ارشاد القلوب للديلمى: 155/1؛ بحار الأنوار: 69/122.
4- . المحاسن: 1/264، ح336 والكافي: 2/126، ح8؛ بحار الأنوار: 66/245، ح19.
5- . الانشقاق: 7 - 9.

قَطَعَكَ، وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ(1).

وعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليه السلام قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ

وَقَفَ عَبْدَانِ مُؤمِنَانِ لِلْحِسَابِ كِلاَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَقِيرٌ فِي الدُّنْيَا وَغَنِيٌّ فِي الدُّنْيَا فَيَقُولُ الْفَقِيرُ يَا رَبِّ عَلَى مَا أُوقَفُ فَوَ عِزَّتِكَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّكَ لَمْ تُوَلِّنِي وِلاَيَةً فَأَعْدِلَ فِيهَا أَوْ أَجُورَ وَلَمْ تَرْزُقْنِي مَالاً فَأُؤدِّيَ مِنْهُ حَقّاً أَوْ أَمْنَعَ وَلاَ كَانَ رِزْقِي يَأْتِينِي مِنْهَا إِلاَّ كَفَافاً عَلَى مَا عَلِمْتَ وَقَدَّرْتَ لِي فَيَقُولُ اللّه ُ جَلَّ جَلاَلُهُ صَدَقَ عَبْدِي خَلُّوا عَنْهُ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ وَيَبْقَى الاْخَرُ حَتَّى يَسِيلَ مِنْهُ مِنَ الْعَرَقِ مَا لَوْ شَرِبَهُ أَرْبَعُونَ بَعِيراً لَكَفَاهَا ثُمَّ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ لَهُ الْفَقِيرُ مَا حَبَسَكَ فَيَقُولُ طُولُ الْحِسَابِ مَا زَالَ الشَّيْءُ يَجِيئُنِي بَعْدَ الشَّيْءِ يَغْفِرُ لِي ثُمَّ أُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ آخَرَ حَتَّى تَغَمَّدَنِيَ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ بِرَحْمَتِهِ وَأَلْحَقَنِي بِالتَّائِبِينَ فَمَنْ أَنْتَ فَيَقُولُ أَنَا الْفَقِيرُ الَّذِي كُنْتُ مَعَكَ آنِفاً فَيَقُولُ لَقَدْ غَيَّرَكَ النَّعِيمُ بَعْدِي(2).

وقال المحدّث المجلسي: إنّ المعلوم من الآيات والأخبار أنّ الحساب والسّؤال حقّ وأما الخصوصيّة في المسئول والمسئول عنه والمحاسب والمحاسب عليه فغير معلومة.

فذهب جمع إلى أنّ السّؤال من جميع النّعم والأموال الدّنيوية، ويدلّ عليه الأخبار الخاصيّة والعاميّة الدّالة على أنّ في حلالها حسابا وفي حرامها عقابا، والمستفاد من طائفة من الرّوايات أنّ المؤمن لا حساب عليه، وفي بعضها أنّه لاحساب في المأكول والملبوس والمنكوح، ويستفاد من بعض الأخبار أنّ قوما

ص: 67


1- . تفسير نور الثقلين: 5/537، ح12؛ بحار الأنوار: 7/96.
2- . الأمالي للصدوق: 360، م 57، ح11؛ بحار الأنوار: 69/35، ح28.

يدخلون الجنّة بغير حساب كما مرّ في رواية جامع الأخبار ومن بعضها أنّ بعض الأعمال الصّالحة يوجب دخول صاحبه على الجنة بلا حساب، فهذه مخصوصة لعمومات أدلّة الحساب.

ويمكن الجمع بين الرّوايات بوجهين.

أحدهما حمل الأخبار النّافية للحساب على انتفائه في حقّ المؤمن والأخبار المثبتة على ثبوته فى حقّ غير المؤمن.

والثاني حمل الأخبار الاولة على عدمه في الامور الضّرورية مثل الثلاثة السّابقة وحمل الأخبار الثّانية على وجوده في غير الامور الضّرورية كالاسراف والتّبذير والصّرف في المحرّمات والكسب من غير الوجوه المشروعة أو زايدا على قدر الحاجة الموجب تحصيله لتضييع العمر وتفويت الزّمان فافهم(1).

وَفِي حَرَامِهَا عِقَابٌ

عن جنادة بن اميّة قال: دخلت على الحسن عليه السلامفي مرضه الذي توفي فيه - بين يديه طست يقذف عليه الدّم ويخرج كبده قطعة، قطعة، من السمّ الذي سقاه معاوية، فقلت: مالك لا تعالج نفسك، فقال: بماذا أعالج الموت قلت: انّا للّه وإنّا إليه

راجعون ثمّ التفت إليّ فقال: واللّه لقد عهد الينا النبي صلّى اللّه عليه وآله أنّ هذا الأمر يملكه اثنا عشر من ولد علي وفاطمة عليهاالسلام: ما منّا إلاّ مسموم أو مقتول، ثمّ رفع الطست وبكى، فقلت له: عظني يا ابن رسول اللّه قال: نعم، استعدّ لسفرك، وحصّل

ص: 68


1- . حق اليقين: 436 - 2/437. محمّد باقر مجلسى (المتوفى: 1110 ق؛ 2 مجلد؛ انتشارات الإسلاميّة).

زادك، قبل حلول أجلك، واعلم أنّك إنّما تطلب الدّنيا، والموت يطلبك، ولا تحمل همّ يومك الذي لم يأتك على يومك الذي أنت فيه، واعلم أنّك لا تكسب من المال شيئا فوق قوتك إلاّ كنت فيه خازنا لغيرك، واعلم أنّ الدّنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب، وفي شبهاتها عتاب، فأنزل الدّنيا منك بمنزلة الميتة خذ منها ما يكفيك، فإن كان ذلك حلالا كنت قد زهدت فيها، وإن كان حراما لم يكن فيه وزر، فأخذت كما أخذت من الميتة وإن كان العتاب فإنّ العتاب يسير، واعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا، وإذا أردت عزّا بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فاخرج من ذلّ معصية اللّه إلى عزّ طاعته(1).

وإلى هذا الوصف وسابقه نظر الشّاعر في قوله:

الدّهر يومان فيوم مضى

عنك بما فيه ويوم جديد

حلال يوميك حساب وفي

حرام يوميك عقاب شديد

تجمع ما يأكله وارث

وأنت في القبر وحيد فريد

انّى لغيري واعظ تارك

نفسى وقولى من فعالى بعيد

حلاوة الدّنيا ولذّاتها

تكلّف العاقل ما لا يريد(2)

وقال ابوذر: «صاحب الدّرهم يوم القيامة أخفّ حسابا من صاحب الدّرهمين»(3).

ص: 69


1- . كفاية الأثر: 226؛ بحار الأنوار: 44/138، ح6.
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/239.
3- . المحجة البيضاء: 308/8.

مَنِ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ

قال سبحانه وتعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَاولادكم فتنة»(1).

وقال تعالى: «وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللّه َ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللّه َ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ»(2).

وقال تعالى: «إِنَّ الاْءِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى»(3).

وقال تعالى: «وَلَوْ بَسَطَ اللّه ُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ...»(4).

ولبعضهم:

فمن يحمد الدّنيا لحسن بلائها

فسوف لعمري عن قليل يلومها

إذا أقبلت كانت على المرء فتنة

وان أدبرت كانت كثيرا همومها(5)

وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله مُؤمِنٌ فَقِيرٌ شَدِيدُ الْحَاجَةِ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَكَانَ مُلاَزِماً لِرَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عِنْدَ مَوَاقِيتِ الصَّلاَةِ كُلِّهَا لاَ يَفْقِدُهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَكَانَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يَرِقُّ لَهُ وَيَنْظُرُ إِلَى حَاجَتِهِ وَغُرْبَتِهِ فَيَقُولُ يَا سَعْدُ لَوْ قَدْ جَاءَنِي شَيْءٌ لَأَغْنَيْتُكَ قَالَ فَأَبْطَأَ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آلهفَاشْتَدَّ غَمُّ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله لِسَعْدٍ فَعَلِمَ اللّه ُ سُبْحَانَهُ مَا دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللّه ِ مِنْ

غَمِّهِ لِسَعْدٍ فَأَهْبَطَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلَ عليه السلام وَمَعَهُ دِرْهَمَانِ فَقَالَ لَهُ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللّه َ قَدْ عَلِمَ مَا قَدْ دَخَلَكَ مِنَ الْغَمِّ لِسَعْدٍ أَ فَتُحِبُّ أَنْ تُغْنِيَهُ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ لَهُ فَهَاكَ هَذَيْنِ الدِّرْهَمَيْنِ

ص: 70


1- . الأنفال: 28.
2- . التوبة: 75 - 77.
3- . العلق: 6 - 7.
4- . الشورى: 27.
5- . مجالس ثعلب: 1/45. (احمد بن يحيى المعروف ب ثعلب؛ المتوفى: 291 ه).

فَأَعْطِهِمَا إِيَّاهُ وَمُرْهُ أَنْ يَتَّجِرَ بِهِمَا قَالَ فَأَخَذَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ثُمَّ خَرَجَ إِلَى صَلاَةِ الظُّهْرِ وَسَعْدٌ قَائِمٌ عَلَى بَابِ حُجُرَاتِ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آلهيَنْتَظِرُهُ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله قَالَ يَا سَعْدُ أَ تُحْسِنُ التِّجَارَةَ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ وَاللّه ِ مَا أَصْبَحْتُ أَمْلِكُ مَالاً أَتَّجِرُ بِهِ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله الدِّرْهَمَيْنِ وَقَالَ لَهُ اتَّجِرْ بِهِمَا وَتَصَرَّفْ لِرِزْقِ اللّه ِ فَأَخَذَهُمَا سَعْدٌ وَمَضَى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله حَتَّى صَلَّى مَعَهُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله: قُمْ فَاطْلُبِ الرِّزْقَ فَقَدْ كُنْتُ بِحَالِكَ مُغْتَمّاً يَا سَعْدُ قَالَ فَأَقْبَلَ سَعْدٌ لاَ يَشْتَرِي بِدِرْهَمٍ شَيْئاً إِلاَّ بَاعَهُ بِدِرْهَمَيْنِ وَلاَ يَشْتَرِي شَيْئاً بِدِرْهَمَيْنِ إِلاَّ بَاعَهُ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فَأَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى سَعْدٍ فَكَثُرَ مَتَاعُهُ وَمَالُهُ وَعَظُمَتْ تِجَارَتُهُ فَاتَّخَذَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مَوْضِعاً وَجَلَسَ فِيهِ فَجَمَعَ تِجَارَتَهُ إِلَيْهِ وَكَانَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله إِذَا أَقَامَ بِلاَلٌ لِلصَّلاَةِ يَخْرُجُ وَسَعْدٌ مَشْغُولٌ بِالدُّنْيَا

لَمْ يَتَطَهَّرْ وَلَمْ يَتَهَيَّأْ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ قَبْلَ أَنْ يَتَشَاغَلَ بِالدُّنْيَا فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله يَقُولُ يَا سَعْدُ شَغَلَتْكَ الدُّنْيَا عَنِ الصَّلاَةِ فَكَانَ يَقُولُ مَا أَصْنَعُ أُضَيِّعُ مَالِي هَذَا رَجُلٌ قَدْ بِعْتُهُ فَأُرِيدُ أَنْ أَسْتَوْفِيَ مِنْهُ وَهَذَا رَجُلٌ قَدِ اشْتَرَيْتُ مِنْهُ فَأُرِيدُ أَنْ أُوفِيَهُ قَالَ فَدَخَلَ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله مِنْ أَمْرِ سَعْدٍ غَمٌّ أَشَدُّ مِنْ غَمِّهِ بِفَقْرِهِ فَهَبَطَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلامفَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللّه َ قَدْ عَلِمَ غَمَّكَ بِسَعْدٍ فَأَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ حَالُهُ الْأُولَى أَوْ حَالُهُ هَذِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله

يَا جَبْرَئِيلُ بَلْ حَالُهُ الْأُولَى قَدْ أَذْهَبَتْ دُنْيَاهُ بِآخِرَتِهِ فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام إِنَّ حُبَّ الدُّنْيَا وَالْأَمْوَالِ فِتْنَةٌ وَمَشْغَلَةٌ عَنِ الاْخِرَةِ قُلْ لِسَعْدٍ يَرُدُّ عَلَيْكَ الدِّرْهَمَيْنِ اللَّذَيْنِ دَفَعْتَهُمَا إِلَيْهِ فَإِنَّ أَمْرَهُ سَيَصِيرُ إِلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا أَوَّلاً قَالَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله

فَمَرَّ بِسَعْدٍ فَقَالَ لَهُ يَا سَعْدُ أَ مَا تُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ الدِّرْهَمَيْنِ اللَّذَيْنِ أَعْطَيْتُكَهُمَا فَقَالَ سَعْدٌ بَلَى وَمِائَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ لَسْتُ أُرِيدُ مِنْكَ يَا سَعْدُ إِلاَّ الدِّرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُ سَعْدٌ دِرْهَمَيْنِ قَالَ فَأَدْبَرَتِ الدُّنْيَا عَلَى سَعْدٍ حَتَّى ذَهَبَ مَا كَانَ جَمَعَ وَعَادَ إِلَى حَالِهِ الَّتِي

ص: 71

كَانَ عَلَيْهَا(1).

وعَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مُوسِرٌ إِلَى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله نَقِيُّ الثَّوْبِ فَجَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فَجَاءَ رَجُلٌ مُعْسِرٌ دَرِنُ الثَّوْبِ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِ الْمُوسِرِ فَقَبَضَ الْمُوسِرُ ثِيَابَهُ مِنْ تَحْتِ فَخِذَيْهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أَ خِفْتَ أَنْ يَمَسَّكَ مِنْ فَقْرِهِ شَيْءٌ قَالَ لاَ قَالَ فَخِفْتَ أَنْ يُصِيبَهُ مِنْ غِنَاكَ شَيْءٌ قَالَ لاَ قَالَ فَخِفْتَ أَنْ يُوَسِّخَ ثِيَابَكَ قَالَ لاَ قَالَ فَمَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّه ِ إِنَّ لِي قَرِيناً يُزَيِّنُ لِي كُلَّ قَبِيحٍ وَيُقَبِّحُ لِي كُلَّ حَسَنٍ وَقَدْ جَعَلْتُ لَهُ نِصْفَ مَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله لِلْمُعْسِرِ أَ تَقْبَلُ قَالَ لاَ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ وَلِمَ قَالَ أَخَافُ أَنْ يَدْخُلَنِي مَا دَخَلَكَ(2).

وعن ابى عبداللّه عليه السلام ما كان من ولد آدم مؤمن إلاّ فقيرا، ولا كافر إلاّ غنيّا حتى جاء إبراهيم عليه السلامفقال: رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا...(3) فصيّر اللّه في هؤلاء أموالا وحاجة وفي هؤلاء أموالا وحاجة(4).

وعن ابى عبداللّه عليه السلام لولا إلحاح المؤمن على اللّه في طلب الرزق، لنقلهم من الحال التي هم فيها إلى حال أضيق منها(5).

وَمَنِ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ

حتى قالوا: «الفقر الموت الأحمر».

ص: 72


1- . الكافي: 5/312، ح38؛ بحار الأنوار: 22/122، ح92.
2- . الكافي: 2/262، ح11؛ بحار الأنوار: 22 /130، ح108.
3- . الممتحنة: 5.
4- . الكافي: 2/262، ح10؛ بحار الأنوار: 69/12، ح12.
5- . الكافي: 2/261، ح5؛ بحار الأنوار: 69/9، ح7.

وقال النّبيّ صلى الله عليه و آله الفقر أشدّ من القتل، وقال أوحى اللّه إلى إبراهيم فقال يا إبراهيم خلقتك وابتليتك بنار نمرود فلو ابتليتك بالفقر ورفعت عنك الصبر فما تصنع؟ قال إبراهيم: يا ربّ الفقر إلىّ أشدّ من نار نمرود قال اللّه تعالى: فبعزّتى وجلالي ما

خلقت في السّماء والأرض أشدّ من الفقر الحديث(1).

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: فِي التَّوْرَاةِ الْفَقْرُ الْمَوْتُ الْأَكْبَر (2).

وقال النبى صلى الله عليه و آله: لو لا رحمة ربّي عَلَى فقراء امّتي كاد الفقر أن يكون كفرا(3).

ولشدّته دعا سيد العابدين وزين السّاجدين سلام اللّه عليه وعلى آبائه الطاهرين أن يصرفه اللّه عنه ولا يبتليه به حيث قال: اللهمّ لا طاقة لي بالجهد ولا

صبر لي على البلاء ولا قوّة لي على الفقر فلا تحظر علىّ رزقي ولا تكلني إلى خلقك بل تفرّد بحاجتي وتولّ كفايتى وانظر الىّ وانظر لي في جميع اموري فانّك إن وكلتني إلى نفسى عجزت عنها ولم اقم ما فيه مصلحتها وإن وكلتني إلى خلقك تجهمونى وإن ألجأتني إلى قرابتي حرموني وإن أعطوا اعطوا قليلا نكدا ومنّوا علىّ طويلا وذمّوا كثيرا فبفضلك اللهمّ فأغنني وبعظمتك فانعشنى، وبسعتك فابسط يدي وبما عندك فاكفني(4).

هذا، ونظير قوله عليه السلام في ذكر المفتونيّة والمحزونيّة: أنّ موسى بن عيسى العباسي كان أمير الكوفة فقال لأبي شيبة القاضي: مالك لا تأتيني فقال: ان أتيتك فقرّبتني

ص: 73


1- . جامع الأخبار للشعيرى: 109؛ بحار الأنوار: 69/47.
2- . المحاسن: 2/601، ح16؛ بحار الأنوار: 13/357، ح62.
3- . جامع الاخبار للشعيرى: 109؛ بحار الأنوار: 69/47.
4- . الصحيفة السجّاديّة: 108/ د 22.

فتنتني، وإن باعدتني أحزنتني وليس عندي ما أخافك عليه ولا عندك ما أرجوه(1).

وَمَنْ سَاعَاهَا فَاتَتْهُ وَمَنْ قَعَدَ عَنْهَا وَاتَتْه

وعلّلهما الشّارح البحراني بأنّ أقوى أسباب هذا الفوات أنّ تحصيلها أكثر ما يكون بمنازعة أهلها عليها ومجاذبتهم(2) إيّاها وقد علمت ثوران الشّهوة والغضب والحرص عند المجاذبة للشيء وقوّة منع الانسان له؛ وتجاذب الخلق للشيء وعزّته عندهم سبب لتفويت بعضهم له على بعض، والقعود عنها وتركها وإن كان الغرض منهما المواتاة سبب لمواتاتها كما يفعله أهل الزّهد الظاهري المشوب بالرّياء الذي ترك الدّنيا للدّنيا، فانّ الزّهد الظاهري أيضا مطلوب الشّارع إذ كان

وسيلة إلى الزهد الحقيقي كما قال الرّسول صلى الله عليه و آله: الرّيا قنطرة الاخلاص(3).

قال الخوئى: والأظهر عندي غير هذا المعنى وهو أن يكون المراد بفواتها في حقّ السّاعين لها عدم بقائها في حقّهم لسرعة زوالها وفنائها فيصبحون مع شدّة رغبتهم إليها وطلبهم إياها وأيديهم عارية من حطامها خالية من زبرجها وزخرفها لحلول الموت ونزول الفوت.

ويحتمل إرادة فواتهما عنهم في حال الحياة فيكون كلامه عليه السلاممحمولا على الغالب فانّ أكثر النّاس وأغلبهم مع كونهم تابعين للدّنيا راغبين عن الآخرة لا يقعالدّنيا في أيديهم وإن خلعوا عن أعينهم الكرى وطال لهم السّهر، وهذا بخلاف

ص: 74


1- . تاريخ بغداد وذيوله الخطيب البغدادى: 110/6 (المتوفى: 463 ق)؛ 14 مجلد؛ دار الكتب العلمية؛ بيروت؛ الاولى 1417 ق.)
2- . تجاذبوا الشيء جذبه كلّ واحد الى نفسه.
3- . شرح نهج البلاغة ابن ميثم: 2/229.

التّاركين لها والزّاهدين فيها زهدا حقيقيا، فانّ الدّنيا مطيعة لهم مقبلة إليهم وهم

معرضون عنها غير ناظرين إليها.

ألا ترى إلى قول أميرالمؤمنين عليه السلام: «يا دنيا إليك عنّي أبي تعرّضت أم إلىّ تشوقت لا حان حينك هيهات غريّ غيرى لا حاجة لى فيك قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة فيها(1)»(2).

وروى المفضّل عن الصادق عليه السلامقال: قال النبي صلّى اللّه عليه وآله: أوحى اللّه تعالى إلى الدّنيا أن أتعبي من خدمك واخدمي من رفضك(3).

وفي رواية اخرى قال صلى الله عليه و آله: الزّاهد في الدّنيا يريح قلبه وبدنه، والرّاغب فيها يتعب قلبه وبدنه(4).

وفي (الحلية): قال حاتم الأصمّ: مثل الدّنيا كمثل ظلّك، إن طلبته تباعد، وإن تركته تتابع(5).

ان الدنيا لا تحصل بالسعى وانما بالتقدير والنصيب كما قال الشاعر:

جرى قلم القضاء بما يكون

فسيّان التحرك والسكون(6)

وهذا غالبّى، لا دائمى. (و من قعد عنها) اى عن الدنيا (و اتته) اى اتته الدنيا،فليس حصولها بالسعى، وان كان للسعى مدخلا، ولذا نرى:

كم عاقل عاقل اعيت مذاهبه

وجاهل تلقاه مرزوقا

ص: 75


1- . نهج البلاغة فيض الاسلام: 1119، الحكمة 74.
2- . منهاج البراعة للخوئى: 5/339.
3- . الأمالي للصدوق: 279/ م 47، ح9؛ بحار الأنوار: 38/99، ح18.
4- . اعلام الدين فى صفات المؤمنين: 343، ح34؛ بحار الأنوار: 74/186.
5- . حلية الأولياء أبو نعيم: 10/49.
6- . إحياء العلوم: 14/5.

هذا الذى ترك الانسان يذعن ان

هناك من خلق الاشياء تدقيقا

وَمَنْ أَبْصَرَ بِهَا بَصَّرَتْهُ وَمَنْ أَبْصَرَ إِلَيْهَا أَعْمَتْهُ

الباء في «بها» للسّببيّة أي: من أبصر بسبب تغيّرات الدّنيا واعتبر بعبرها بصّرته الدّنيا وجعلته بصيرا.

«و من أبصر إليها أعمته» أي: من كان نظره إليها فقط ولتحصيلها تجعله أعمى فلا يرى عيوبها ومهلكاتها، قال تعالى: «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ

مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ...»(1).

وقال تعالى: «وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى»(2).

قَالَ اللّه ُ لِدَاوُدَ يَا دَاوُدُ احْذَرِ الْقُلُوبَ الْمُعَلَّقَةَ بِشَهَوَاتِ الدُّنْيَا عُقُولُهَا مَحْجُوبَةٌ عَنِّي(3).

وقال أميرالمؤمنين عليه السلام: لحبّ الدّنيا صمت الاسماع عن سماع الحكمة وعميت القلوب عن نور البصيرة(4).

أقول: وإذا تأمّل المتأمّل قوله عليه السلام «من أبصر بها بصّرته» وجد تحته من المعنى العجيب، والغرض البعيد، ما لا تبلغ غايته ولا يدرك غوره، ولا سيّما إذا قرن إليه

ص: 76


1- . الأعراف: 175 - 176.
2- . طه: 131.
3- . الإختصاص: 335؛ بحار الأنوار: 14/39، ح19.
4- . غرر الحكم آقا جمال خوانسارى: 5/42، ش 7363.

قوله: «و من أبصر إليها أعمته».

فانّه يكون في معنى قوله تعالى: قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ

وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها...(1)، ويكون في مفاد قولهم: انّ أولياء اللّه نظروا إلى باطن الدّنيا فاستوحشوا منها فنجوا، وإنّ أهل الدّنيا نظروا إلى ظاهر الدّنيا فأنسوا بها وهلكوا»(2).

فانّه يجد الفرق بين أبصر بها وأبصر إليها، واضحا، نيّرا، وعجيبا، باهرا».

فإنّ لكلّ حرف جرّ معنى، قال بشّار في حمّاد عجرد أبياتا منها:

ادع غيري إلى عبادة الاثنين

فانّي بواحد مشغول

فأشاع حمّاد أبياته وجعل المصراع الأخير: «فانّي عن واحد مشغول»

فما زالت الأبيات تدور في أيدي النّاس، حتّى انتهت إلى بشّار فاضطرب منها وجزع، وقال: أشاع ابن الزّانية بدمي، و اللّه ما قلت إلاّ: «فانّي بواحد مشغول»؛ فغيّرها حتى شهر في الناس(3).

وذكر أعرابيّ رجلا، فقال: كان واللّه إذا نزلت به الحوائج قام إليها ثمّ قام بها ولم تقعد به علاّت النفوس(4).

وعن الأصمعي: قال أعرابيّ لرجل: ويحك إنّ فلانا وإن ضحك إليك فإنّه يضحك منك(5).

ص: 77


1- . الأنعام: 104.
2- . بهج الصباغة: 11/424.
3- . الأغاني: 14/468.
4- . عيون الأخبار لابن قتيبة: 3/152.
5- . التذكرة الحمدونية: 5/223، ش 589.

الخطبة (82) ومن خطبة له عليه السلام وهي الخطبة

اشارة

العجيبة تسمى «الغراء» وفيها نعوت اللّه جل شأنه، ثم الوصية بتقواه ثم التنفير من الدنيا، ثم ما يلحق من دخول القيامة، ثم تنبيه الخلق إلى ما هم فيه من الأعراض، ثم فضله عليه السلام في التذكير.

صفته جل شأنه

الْحَمْدُ للّه ِِ الَّذِي عَلاَ بِحَوْلِهِ وَدَنَا بِطَوْلِهِ - مَانِحِ كُلِّ غَنِيمَةٍ وَفَضْلٍ وَكَاشِفِ كُلِّ عَظِيمَةٍ وَأَزْلٍ - أَحْمَدُهُ عَلَى عَوَاطِفِ كَرَمِهِ وَسَوَابِغِ نِعَمِهِ - وَأُومِنُ بِهِ أَوَّلاً بَادِياً وَأَسْتَهْدِيهِ قَرِيباً هَادِياً - وَأَسْتَعِينُهُ قَاهِراً قَادِراً وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ كَافِياً نَاصِراً - وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ - أَرْسَلَهُ لاِءِنْفَاذِ أَمْرِهِ وَإِنْهَاءِ عُذْرِهِ وَتَقْدِيمِ نُذُرِهِ.

الوصية بالتقوى

أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللّه ِ بِتَقْوَى اللّه ِ الَّذِي ضَرَبَ لَكُمُ الْأَمْثَالَ - وَوَقَّتَ لَكُمُ الاْجَالَ

وَأَلْبَسَكُمُ الرِّيَاشَ وَأَرْفَعَ لَكُمُ الْمَعَاشَ - وَأَحَاطَ بِكُمُ الاْءِحْصَاءَ وَأَرْصَدَ لَكُمُ

ص: 78

الْجَزَاءَ - وَآثَرَكُمْ بِالنِّعَمِ السَّوَابِغِ وَالرِّفَدِ الرَّوَافِغِ - وَأَنْذَرَكُمْ بِالْحُجَجِ الْبَوَالِغِ فَأَحْصَاكُمْ عَدَداً - وَوَظَّفَ لَكُمْ مُدَداً فِي قَرَارِ خِبْرَةٍ وَدَارِ عِبْرَةٍ - أَنْتُمْ مُخْتَبَرُونَ فِيهَا وَمُحَاسَبُونَ عَلَيْهَا

التنفير من الدنيا

فَإِنَّ الدُّنْيَا رَنِقٌ مَشْرَبُهَا رَدِغٌ مَشْرَعُهَا - يُونِقُ مَنْظَرُهَا وَيُوبِقُ مَخْبَرُهَا - غُرُورٌ حَائِلٌ وَضَوْءٌ آفِلٌ وَظِلٌّ زَائِلٌ وَسِنَادٌ مَائِلٌ - حَتَّى إِذَا أَنِسَ نَافِرُهَا وَاطْمَأَنَّ نَاكِرُهَا - قَمَصَتْ بِأَرْجُلِهَا وَقَنَصَتْ بِأَحْبُلِهَا - وَأَقْصَدَتْ بِأَسْهُمِهَا وَأَعْلَقَتِ الْمَرْءَ أَوْهَاقَ الْمَنِيَّةِ - قَائِدَةً لَهُ إِلَى ضَنْكِ الْمَضْجَعِ وَوَحْشَةِ الْمَرْجِعِ - وَمُعَايَنَةِ الْمَحَلِّ وَثَوَابِ الْعَمَلِ -. وَكَذَلِكَ الْخَلَفُ بِعَقْبِ السَّلَفِ - لاَ تُقْلِعُ الْمَنِيَّةُ اخْتِرَاماً - وَلاَ يَرْعَوِي الْبَاقُونَ اجْتِرَاماً يَحْتَذُونَ مِثَالاً - وَيَمْضُونَ أَرْسَالاً إِلَى غَايَةِ الاِنْتِهَاءِ وَصَيُّورِ الْفَنَاءِ.

بعد الموت البعث

حَتَّى إِذَا تَصَرَّمَتِ الْأُمُورُ - وَتَقَضَّتِ الدُّهُورُ وَأَزِفَ النُّشُورُ - أَخْرَجَهُمْ مِنْ ضَرَائِحِ الْقُبُورِ وَأَوْكَارِ الطُّيُورِ - وَأَوْجِرَةِ السِّبَاعِ وَمَطَارِحِ الْمَهَالِكِ سِرَاعاً إِلَى أَمْرِهِ - مُهْطِعِينَ إِلَى مَعَادِهِ رَعِيلاً صُمُوتاً قِيَاماً صُفُوفاً - يَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي - عَلَيْهِمْ لَبُوسُ الاِسْتِكَانَةِ وَضَرَعُ الاِسْتِسْلاَمِ وَالذِّلَّةِ - قَدْ ضَلَّتِ الْحِيَلُ وَانْقَطَعَ الْأَمَلُ وَهَوَتِ الْأَفْئِدَةُ كَاظِمَةً - وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ مُهَيْنِمَةً - وَأَلْجَمَ الْعَرَقُ وَعَظُمَ الشَّفَقُ وَأُرْعِدَتِ الْأَسْمَاعُ - لِزَبْرَةِ الدَّاعِي إِلَى فَصْلِ الْخِطَابِ وَمُقَايَضَةِ الْجَزَاءِ - وَنَكَالِ الْعِقَابِ وَنَوَالِ الثَّوَابِ.

ص: 79

تنبيه الخلق

عِبَادٌ مَخْلُوقُونَ اقْتِدَاراً وَمَرْبُوبُونَ اقْتِسَاراً - وَمَقْبُوضُونَ احْتِضَاراً وَمُضَمَّنُونَ أَجْدَاثاً وَكَائِنُونَ رُفَاتاً - وَمَبْعُوثُونَ أَفْرَاداً وَمَدِينُونَ جَزَاءً وَمُمَيَّزُونَ حِسَاباً - قَدْ أُمْهِلُوا فِي طَلَبِ الْمَخْرَجِ وَهُدُوا سَبِيلَ الْمَنْهَجِ - وَعُمِّرُوا مَهَلَ الْمُسْتَعْتِبِ وَكُشِفَتْ عَنْهُمْ سُدَفُ الرِّيَبِ - وَخُلُّوا لِمِضْمَارِ الْجِيَادِ وَرَوِيَّةِ الاِرْتِيَادِ - وَأَنَاةِ الْمُقْتَبِسِ الْمُرْتَادِ فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ وَمُضْطَرَبِ الْمَهَلِ.

فضل التذكير

فَيَا لَهَا أَمْثَالاً صَائِبَةً وَمَوَاعِظَ شَافِيَةً - لَوْ صَادَفَتْ قُلُوباً زَاكِيَةً وَأَسْمَاعاً وَاعِيَةً - وَآرَاءً عَازِمَةً وَأَلْبَاباً حَازِمَةً - فَاتَّقُوا اللّه َ تَقِيَّةَ مَنْ سَمِعَ فَخَشَعَ وَاقْتَرَفَ فَاعْتَرَفَ - وَوَجِلَ فَعَمِلَ وَحَاذَرَ فَبَادَرَ وَأَيْقَنَ فَأَحْسَنَ وَعُبِّرَ فَاعْتَبَرَ - وَحُذِّرَ فَحَذِرَ وَزُجِرَ فَازْدَجَرَ وَأَجَابَ فَأَنَابَ وَرَاجَعَ فَتَابَ - وَاقْتَدى فَاحْتَذَى وَأُرِيَ فَرَأَى فَأَسْرَعَ طَالِباً وَنَجَا هَارِباً - فَأَفَادَ ذَخِيرَةً وَأَطَابَ سَرِيرَةً وَعَمَّرَ مَعَاداً - وَاسْتَظْهَرَ زَاداً لِيَوْمِ رَحِيلِهِ وَوَجْهِ سَبِيلِهِ وَحَالِ حَاجَتِهِ - وَمَوْطِنِ فَاقَتِهِ وَقَدَّمَ أَمَامَهُ لِدَارِ مُقَامِهِ - فَاتَّقُوا اللّه َ عِبَادَ اللّه ِ جِهَةَ مَا خَلَقَكُمْ لَهُ - وَاحْذَرُوا مِنْهُ كُنْهَ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ - وَاسْتَحِقُّوا مِنْهُ مَا أَعَدَّ لَكُمْ بِالتَّنَجُّزِ لِصِدْقِ مِيعَادِهِ - وَالْحَذَرِ مِنْ هَوْلِ مَعَادِهِ.

التذكير بضروب النعم

ومنها: جَعَلَ لَكُمْ أَسْمَاعاً لِتَعِيَ مَا عَنَاهَا - وَأَبْصَاراً لِتَجْلُوَ عَنْ عَشَاهَا وَأَشْلاَءً

ص: 80

جَامِعَةً لِأَعْضَائِهَا - مُلاَئِمَةً لِأَحْنَائِهَا فِي تَرْكِيبِ صُوَرِهَا وَمُدَدِ عُمُرِهَا - بِأَبْدَانٍ قَائِمَةٍ بِأَرْفَاقِهَا وَقُلُوبٍ رَائِدَةٍ لِأَرْزَاقِهَا - فِي مُجَلِّلاَتِ نِعَمِهِ وَمُوجِبَاتِ مِنَنِهِ وَحَوَاجِزِ عَافِيَتِهِ - وَقَدَّرَ لَكُمْ أَعْمَاراً سَتَرَهَا عَنْكُمْ - وَخَلَّفَ لَكُمْ عِبَراً مِنْ آثَارِ الْمَاضِينَ قَبْلَكُمْ - مِنْ مُسْتَمْتَعِ خَلاَقِهِمْ وَمُسْتَفْسَحِ خَنَاقِهِمْ - أَرْهَقَتْهُمُ الْمَنَايَا دُونَ الاْمَالِ وَشَذَّبَهُمْ عَنْهَا تَخَرُّمُ الاْجَالِ - لَمْ يَمْهَدُوا فِي سَلاَمَةِ الْأَبْدَانِ - وَلَمْ يَعْتَبِرُوا فِي أُنُفِ الْأَوَانِ فَهَلْ يَنْتَظِرُ أَهْلُ بَضَاضَةِ الشَّبَابِ إِلاَّ حَوَانِيَ الْهَرَمِ - وَأَهْلُ غَضَارَةِ الصِّحَّةِ إِلاَّ نَوَازِلَ السَّقَمِ - وَأَهْلُ مُدَّةِ الْبَقَاءِ إِلاَّ آوِنَةَ الْفَنَاءِ مَعَ قُرْبِ الزِّيَالِ - وَأُزُوفِ الاِنْتِقَالِ وَعَلَزِ الْقَلَقِ وَأَلَمِ الْمَضَضِ وَغُصَصِ الْجَرَضِ - وَتَلَفُّتِ الاِسْتِغَاثَةِ بِنُصْرَةِ الْحَفَدَةِ وَالْأَقْرِبَاءِ - وَالْأَعِزَّةِ وَالْقُرَنَاءِ فَهَلْ دَفَعَتِ الْأَقَارِبُ - أَوْ نَفَعَتِ النَّوَاحِبُ وَقَدْ غُودِرَ فِي مَحَلَّةِ الْأَمْوَاتِ رَهِيناً - وَفِي ضِيقِ الْمَضْجَعِ وَحِيداً قَدْ هَتَكَتِ الْهَوَامُّ جِلْدَتَهُ - وَأَبْلَتِ النَّوَاهِكُ جِدَّتَهُ وَعَفَتِ الْعَوَاصِفُ آثَارَهُ - وَمَحَا الْحَدَثَانُ مَعَالِمَهُ وَصَارَتِ الْأَجْسَادُ شَحِبَةً بَعْدَ بَضَّتِهَا - وَالْعِظَامُ نَخِرَةً بَعْدَ قُوَّتِهَا - وَالْأَرْوَاحُ مُرْتَهَنَةً بِثِقَلِ أَعْبَائِهَا - مُوقِنَةً بِغَيْبِ أَنْبَائِهَا لاَ تُسْتَزَادُ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهَا - وَلاَ تُسْتَعْتَبُ مِنْ سَيِّئِ زَلَلِهَا أَ وَلَسْتُمْ أَبْنَاءَ الْقَوْمِ وَالاْبَاءَ وَإِخْوَانَهُمْ وَالْأَقْرِبَاءَ - تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ وَتَرْكَبُونَ قِدَّتَهُمْ وَتَطَئُونَ جَادَّتَهُمْ - فَالْقُلُوبُ قَاسِيَةٌ عَنْ حَظِّهَا لاَهِيَةٌ عَنْ رُشْدِهَا - سَالِكَةٌ فِي غَيْرِ مِضْمَارِهَا كَأَنَّ الْمَعْنِيَّ سِوَاهَا - وَكَأَنَّ الرُّشْدَ فِي إِحْرَازِ دُنْيَاهَا.

التحذير من هول الصراط

وَاعْلَمُوا أَنَّ مَجَازَكُمْ عَلَى الصِّرَاطِ وَمَزَالِقِ دَحْضِهِ - وَأَهَاوِيلِ زَلَلِهِ وَتَارَاتِ

ص: 81

أَهْوَالِهِ - فَاتَّقُوا اللّه َ عِبَادَ اللّه ِ - تَقِيَّةَ ذِي لُبٍّ شَغَلَ التَّفَكُّرُ قَلْبَهُ - وَأَنْصَبَ الْخَوْفُ بَدَنَهُ وَأَسْهَرَ التَّهَجُّدُ غِرَارَ نَوْمِهِ - وَأَظْمَأَ الرَّجَاءُ هَوَاجِرَ يَوْمِهِ وَظَلَفَ الزُّهْدُ شَهَوَاتِهِ - وَأَوْجَفَ الذِّكْرُ بِلِسَانِهِ وَقَدَّمَ الْخَوْفَ لِأَمَانِهِ - وَتَنَكَّبَ الْمَخَالِجَ عَنْ وَضَحِ السَّبِيلِ - وَسَلَكَ أَقْصَدَ الْمَسَالِكِ إِلَى النَّهْجِ الْمَطْلُوبِ - وَلَمْ تَفْتِلْهُ فَاتِلاَتُ الْغُرُورِ - وَلَمْ تَعْمَ عَلَيْهِ مُشْتَبِهَاتُ الْأُمُورِ - ظَافِراً بِفَرْحَةِ الْبُشْرَى وَرَاحَةِ النُّعْمَى - فِي أَنْعَمِ نَوْمِهِ وَآمَنِ يَوْمِهِ - وَقَدْ عَبَرَ مَعْبَرَ الْعَاجِلَةِ حَمِيداً وَقَدَّمَ زَادَ الاْجِلَةِ سَعِيداً - وَبَادَرَ مِنْ وَجَلٍ وَأَكْمَشَ فِي مَهَلٍ وَرَغِبَ فِي طَلَبٍ - وَذَهَبَ عَنْ هَرَبٍ وَرَاقَبَ فِي يَوْمِهِ غَدَهُ - وَنَظَرَ قُدُماً أَمَامَهُ - فَكَفَى بِالْجَنَّةِ ثَوَاباً وَنَوَالاً وَكَفَى بِالنَّارِ عِقَاباً وَوَبَالاً - وَكَفَى بِاللّه ِ مُنْتَقِماً وَنَصِيراً - وَكَفَى بِالْكِتَابِ حَجِيجاً وَخَصِيماً.

الوصية بالتقوى

أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللّه ِ الَّذِي أَعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ وَاحْتَجَّ بِمَا نَهَجَ - وَحَذَّرَكُمْ عَدُوّاً نَفَذَ فِي الصُّدُورِ خَفِيّاً - وَنَفَثَ فِي الاْذَانِ نَجِيّاً فَأَضَلَّ وَأَرْدَى وَوَعَدَ فَمَنَّى - وَزَيَّنَ سَيِّئَاتِ الْجَرَائِمِ وَهَوَّنَ مُوبِقَاتِ الْعَظَائِمِ - حَتَّى إِذَا اسْتَدْرَجَ قَرِينَتَهُ وَاسْتَغْلَقَ رَهِينَتَهُ - أَنْكَرَ مَا زَيَّنَ وَاسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ وَحَذَّرَ مَا أَمَّنَ.

ومنها في صفة خلق الإنسان

أَمْ هَذَا الَّذِي أَنْشَأَهُ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْحَامِ وَشُغُفِ الْأَسْتَارِ - نُطْفَةً دِهَاقاً وَعَلَقَةً مِحَاقاً - وَجَنِيناً وَرَاضِعاً وَوَلِيداً وَيَافِعاً - ثُمَّ مَنَحَهُ قَلْباً حَافِظاً وَلِسَاناً لاَفِظاً وَبَصَراً

ص: 82

لاَحِظاً - لِيَفْهَمَ مُعْتَبِراً وَيُقَصِّرَ مُزْدَجِراً - حَتَّى إِذَا قَامَ اعْتِدَالُهُ وَاسْتَوَى مِثَالُهُ -

نَفَرَ مُسْتَكْبِراً وَخَبَطَ سَادِراً مَاتِحاً فِي غَرْبِ هَوَاهُ - كَادِحاً سَعْياً لِدُنْيَاهُ فِي لَذَّاتِ طَرَبِهِ وَبَدَوَاتِ أَرَبِهِ - ثُمَّ لاَ يَحْتَسِبُ رَزِيَّةً وَلاَ يَخْشَعُ تَقِيَّةً - فَمَاتَ فِي فِتْنَتِهِ غَرِيراً وَعَاشَ فِي هَفْوَتِهِ يَسِيراً - لَمْ يُفِدْ عِوَضاً وَلَمْ يَقْضِ مُفْتَرَضاً - دَهِمَتْهُ فَجَعَاتُ الْمَنِيَّةِ فِي غُبَّرِ جِمَاحِهِ وَسَنَنِ مِرَاحِهِ - فَظَلَّ سَادِراً وَبَاتَ سَاهِراً فِي غَمَرَاتِ الاْلاَمِ - وَطَوَارِقِ الْأَوْجَاعِ وَالْأَسْقَامِ بَيْنَ أَخٍ شَقِيقٍ وَوَالِدٍ شَفِيقٍ - وَدَاعِيَةٍ بِالْوَيْلِ جَزَعاً وَلاَدِمَةٍ لِلصَّدْرِ قَلَقاً - وَالْمَرْءُ فِي سَكْرَةٍ مُلْهِثَةٍ وَغَمْرَةٍ كَارِثَةٍ - وَأَنَّةٍ مُوجِعَةٍ وَجَذْبَةٍ مُكْرِبَةٍ وَسَوْقَةٍ مُتْعِبَةٍ - ثُمَّ أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ مُبْلِساً وَجُذِبَ مُنْقَاداً سَلِساً - ثُمَّ أُلْقِيَ عَلَى الْأَعْوَادِ رَجِيعَ وَصَبٍ وَنِضْوَ سَقَمٍ - تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ الْوِلْدَانِ وَحَشَدَةُ الاْءِخْوَانِ إِلَى دَارِ غُرْبَتِهِ - وَمُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ وَمُفْرَدِ وَحْشَتِهِ - حَتَّى إِذَا انْصَرَفَ الْمُشَيِّعُ وَرَجَعَ الْمُتَفَجِّعُ - أُقْعِدَ فِي حُفْرَتِهِ نَجِيّاً لِبَهْتَةِ السُّؤالِ وَعَثْرَةِ الاِمْتِحَانِ - وَأَعْظَمُ مَا هُنَالِكَ بَلِيَّةً نُزُولُ الْحَمِيمِ - وَتَصْلِيَةُ الْجَحِيمِ وَفَوْرَاتُ السَّعِيرِ - وَسَوْرَاتُ الزَّفِيرِ لاَ فَتْرَةٌ مُرِيحَةٌ - وَلاَ دَعَةٌ مُزِيحَةٌ وَلاَ قُوَّةٌ حَاجِزَةٌ وَلاَ مَوْتَةٌ نَاجِزَةٌ وَلاَ سِنَةٌ مُسَلِّيَةٌ - بَيْنَ أَطْوَارِ الْمَوْتَاتِ وَعَذَابِ السَّاعَاتِ - إِنَّا بِاللّه ِ عَائِذُونَ عِبَادَ اللّه ِ أَيْن الَّذِينَ عُمِّرُوا فَنَعِمُوا وَعُلِّمُوا فَفَهِمُوا - وَأُنْظِرُوا فَلَهَوْا وَسُلِّمُوا فَنَسُوا - أُمْهِلُوا طَوِيلاً وَمُنِحُوا جَمِيلاً - وَحُذِّرُوا أَلِيماً وَوُعِدُوا جَسِيماً - احْذَرُوا الذُّنُوبَ الْمُوَرِّطَةَ وَالْعُيُوبَ الْمُسْخِطَةَ - أُولِي الْأَبْصَارِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْعَافِيَةِ وَالْمَتَاعِ - هَلْ مِنْ مَنَاصٍ أَوْ خَلاَصٍ - أَوْ مَعَاذٍ أَوْ مَلاَذٍ أَوْ فِرَارٍ أَوْ مَحَارٍ أَمْ لاَ - فَأَنَّى تُؤفَكُونَ أَمْ أَيْنَ تُصْرَفُونَ أَمْ بِمَا ذَا تَغْتَرُّونَ - وَإِنَّمَا حَظُّ أَحَدِكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ذَاتِ الطُّوْلِ وَالْعَرْضِ - قِيدُ قَدِّهِ مُتَعَفِّراً عَلَى

ص: 83

خَدِّهِ - الآنَ عِبَادَ اللّه ِ وَالْخِنَاقُ مُهْمَلٌ وَالرُّوحُ مُرْسَلٌ - فِي فَيْنَةِ الاْءِرْشَادِ وَرَاحَةِ الْأَجْسَادِ وَبَاحَةِ الاِحْتِشَادِ - وَمَهَلِ الْبَقِيَّةِ وَأُنُفِ الْمَشِيَّةِ وَإِنْظَارِ التَّوْبَةِ - وَانْفِسَاحِ الْحَوْبَةِ قَبْلَ الضَّنْكِ وَالْمَضِيقِ - وَالرَّوْعِ وَالزُّهُوقِ وَقَبْلَ قُدُومِ الْغَائِبِ الْمُنْتَظَرِ - وَإِخْذَةِ الْعَزِيزِ الْمُقْتَدِرِ.

قال الشريف - وفي الخبر أنه عليه السلام لما خطب بهذه الخطبة - اقشعرت لها الجلود وبكت العيون ورجفت القلوب - ومن الناس من يسمي هذه الخطبة الغراء.

ومن خطبة له عليه السلام وهي الخطبة العجيبة

عن ابن عبّاس: قال: خطب أميرالمؤمنين عليه السلام فقال: «الحمد للّه الذي لا يحويه مكان، ولا يحدّه زمان، علا بطوله، ودنا بحوله، سابق كلّ غنيمة وفضل، وكاشف كلّ عظيمة وأزل، أحمده على جود كرمه، وسبوغ نعمه، وأستعينه على بلوغ رضاه، والرّضا بما قضاه، وأؤمن به إيمانا، وأتوكّل عليه إيقانا، وأشهد أن لا إله إلاّ اللّه

الذي رفع السماء فبناها، وسطح الأرض فطحاها أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها. وَالْجِبالَ أَرْساها(1) لا يئوده خلق، وهو العلي العظيم أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللّه ِ، فَإِنَّ التَّقْوَى أَفْضَلُ كَنْزٍ، وَأَحْرَزُ حِرْزٍ، وَأَعَزُّ عِزٍّ، فِيهَا نَجَاةُ كُلِّ هَارِبٍ، وَدَرَكُ كُلِّ طَالِبٍ، وَظَفَرُ كُلِّ غَالِبٍ، وَأَحُثُّكُمْ عَلَى طَاعَةِ اللّه ِ، فَإِنَّهَا كَهْفُ الْعَابِدِينَ، وَفَوْزُ الْفَائِزِينَ، وَأَمَانُ الْمُتَّقِينَ.

وَاعْلَمُوا - أَيُّهَا النَّاسُ - أَنَّكُمْ سَيَّارَةٌ، قَدْ حَدَا بِكُمُ الْحَادِي، وَحَدَا لِخَرَابِ الدُّنْيَا حَادِي، وَنَادَاكم لِلْمَوْتِ مُنَادِي، فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا، وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّه ِ الْغَرُورُ.

ص: 84


1- . النازعات: 31 - 32.

أَلاَ وَإِنَّ الدُّنْيَا دَارٌ غَرَّارَةٌ خَدَّاعَةٌ، تَنْكِحُ فِي كُلِّ يَوْمٍ بَعْلاً، وَتَقْتُلُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ أَهْلاً، وَتُفَرِّقُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ شَمْلاً، فَكَمْ مِنْ مُنَافِسٍ فِيهَا، وَرَاكِنٍ إِلَيْهَا مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، قَدْ قَذَفَتْهُمْ فِي الْهَاوِيَةِ، وَدَمَّرَتْهُمْ تَدْمِيراً، وَتَبَّرَتْهُمْ تَتْبِيراً، وَأَصْلَتْهُمْ سَعِيراً.

أَيْنَ مَنْ جَمَعَ فَأَوْعَى، وَشَدَّ فَأَوْكَى، وَمَنَعَ فَأَكْدَى بَلَى أَيْنَ مَنْ عَسْكَرَ الْعَسَاكِرَ، وَدَسْكَرَ الدَّسَاكِرَ(1)، وَرَكِبَ الْمَنَابِرَ، أَيْنَ مَنْ بَنَى الدُّورَ، وَشَرَّفَ الْقُصُورَ، وَجَمْهَرَ

الْأُلُوفَ قَدْ تَدَاوَلَتْهُمْ أَيَّامُهَا، ابْتَعَلَتْهُمْ أَعْوَامُهَا، فَصَارُوا أَمْوَاتاً، وَفِي الْقُبُورِ رُفَاتاً، قَدْ نَسُوا مَا خَلَّفُوا، وَوَقَفُوا عَلَى مَا أَسْلَفُوا، ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّه ِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ، أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ.

وَكَأَنِّي بِهَا وَقَدْ أَشْرَقَتْ بِطَلاَئِعِهَا، وَعَسْكَرَتْ بِفَظَائِعِهَا، فَأَصْبَحَ الْمَرْءُ بَعْدَ صِحَّتِهِ مَرِيضاً، وَبَعْدَ سَلاَمَتِهِ نَقِيضاً، يُعَالِجُ كَرْباً، وَيُقَاسِي تَعَباً، فِي حَشْرَجَةِ السِّبَاقِ، وَتَتَابُعِ الْفُوَاقِ، وَتَرَدُّدِ الْأَنِينِ، وَالْذُّهُولِ عَلَى الْبَنَاتِ وَالْبَنِينَ، وَالْمَرْءُ قَدِ اشْتَمَلَ عَلَيْهِ شُغُلٌ شَاغِلٌ، وَهَوْلٌ هَائِلٌ، قَدِ اعْتُقِلَ مِنْهُ اللِّسَانُ، وَتَرَدَّدَ مِنْهُ الْبَنَانُ، فَأَصَابَ مَكْرُوهاً، وَفَارَقَ الدُّنْيَا مَسْلُوباً، لاَ يَمْلِكُونَ لَهُ نَفْعاً، وَلاَ لِمَا حَلَّ بِهِ دَفْعاً، يَقُولُ اللّه ُ (عَزَّ وَجَلَّ) فِي كِتَابِهِ: «فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ»(2).

ثُمَّ مِنْ دُونِ ذَلِكَ أَهْوَالُ الْقِيَامَةِ، وَيَوْمُ الْحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ، يَوْمَ تُنْصَبُ الْمَوَازِينُ، وَتُنْشَرُ الدَّوَاوِينُ، بِإِحْصَاءِ كُلِّ صَغِيرَةٍ، وَإِعْلاَنِ كُلِّ كَبِيرَةٍ، يَقُولُ اللّه ُ فِي كِتَابِهِ: «وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً»(3).

ص: 85


1- . الدساكر: جمع دسكرة، وهي بناء شبه القصر حواليه بيوت، تكون للملوك، وقيل: القرية العظيمة.
2- . الواقعة: 86 - 87.
3- . الكهف: 49.

ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، الاْنَ الاْنَ مِنْ قَبْلِ النَّدَمِ، وَمِنْ قَبْلِ «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللّه َ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ»(1)، فَيَرُدُّ الْجَلِيلُ (جَلَّ ثَنَاؤهُ): «بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ»(2)، فَوَ اللّه ِ مَا سَأَلَ الرُّجُوعَ إِلاَّ لِيَعْمَلَ صَالِحاً(3).

قال ابن أبي الحديد بعد ذكر نكات في ألفاظ العنوان ومعانيها: «و هذه اللّطائف والدقائق من معجزاته عليه السلام»(4).

وعن ابن عجلان عن جعفر بن محمّد عن ابيه عن جدّه انّ عليّا شيّع جنازة فلمّا وضعت فى لحدها عجّ اهلها وبكوا فقال ما تبكون اما واللّه لو عاينوا ما عاين ميّتهم لاذهلتهم معاينتهم عن ميّتهم وانّ له فيهم لعودة ثمّ عودة حتّى لا يبقى منهم

احد ثم قام فقال اوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه...(5)

الْحَمْدُ للّه ِ الَّذِي عَلاَ بِحَوْلِهِ

أي: بقوّته، قال ابن ميثم: وقد أثنى عليه السلام على اللّه تعالى في هذا الفصل باعتبارات أربعة من نعوت جلاله، الأوّل: كونه عليّا، وإذ ليس المراد به العلوّ المكانيّ لتقدّسه

عن الجسميّة كما سبق، فالمراد العلوّ المعقول له باعتبار كونه مبدأ كلّ موجود ومرجعه، فهو العليّ المطلق الّذي لا أعلى منه في وجود وكمال رتبة وشرف، كما

ص: 86


1- . الزمر: 56 - 58.
2- . الزمر: 59.
3- . الأمالي للطوسى: 684/ م 38، ح1456 - 9؛ بحار الأنوار: 74/373، ح36.
4- . شرح نهج البلاغة لابن ابى الحديد: 74/243.
5- . حلية الأولياء: 1/77.

سبق بيانه، ولمّا عرفت أنّ معنى الدّنوّ إلى كلّ موجود صدر عن قدرته وقوّته، لا جرم جعل للحوقه له مبدأ هو حوله(1).

وَدَنَا بِطَوْلِهِ

أي: بمنّه، قال ابن ميثم: لمّا عرفت أنّ معنى الدنوّ والقرب في حقّه تعالى ليس مكانيّا أيضا، كان اعتبارا تحدّثه عقولنا له تعالى من قرب إفاضة نعمه على قوابلها، وقربه من إبصار البصائر في صورة نعمة نعمة منها، ولذلك جعل طوله مبدأ لدنوّه(2).

قال تعالى: «وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللّه ِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُون»(3).

وقال تعالى: «أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْض»(4).

مَانِح

اى معطى.

كُلِّ غَنِيمَةٍ

قال تعالى: «وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللّه ِ مَغانِمُ كَثِيرَة»(5).

ص: 87


1- . شرح نهج البلاغة ابن ميثم: 2/231.
2- . شرح نهج البلاغة ابن ميثم: 2/231.
3- . النحل: 53.
4- . النمل: 62.
5- . النساء: 94.

وقال تعالى: «وَعَدَكُمُاللّه ُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَالنَّاسِ عَنْكُمْ»(1).

وَفَضْل

قال تعالى: «وَيُؤتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَه»(2).

وقال تعالى: «ما يَفْتَحِ اللّه ُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِه»(3).

وَكَاشِفِ كُلِّ بَلِيَّةٍ وَأَزْلٍ

أي: ضيق، قال ابن ميثم: (مانح) و(كاشف) إشارة إلى كلّ نعمة صدرت عنه تعالى على قابلها، فمبدؤه جوده ورحمته، سواء كانت وجوديّة كالصّحّة والمال والعقل وغيرها، أو عدمية كدفع البأساء والضرّاء، وإليه الإشارة بقوله تعالى: «وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللّه ِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ * ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ...»(4)، وقوله تعالى: «أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ...»(5).(6)

قال التسترى: وكلامه عليه السلام من الأوّل إلى هنا في ثنائه عليه تعالى باعتبارات

بيّنها عليه السلام من حوله تعالى وطوله، وما نحيته وكاشفيته، نظير قوله تعالى: «سَبِّحِ اسْمَ

ص: 88


1- . الفتح: 20.
2- . هود: 3.
3- . فاطر: 2.
4- . النحل: 53 - 54.
5- . النمل: 62.
6- . شرح نهج البلاغة ابن ميثم: 2/231.

رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى * فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى»(1)، فأمر - تعالى - بوجوب تسبيحه والثناء عليه باعتبارات بيّنها من خلقه فتسويته، وتقديره فهدايته، وإخراجه المرعى.

وَسَوَابِغِ نِعَمِهِ

قال تعالى: «أَ لَمْ تَرَوْا أَنَّ اللّه َ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً...»(2).

قال الطبرسي: النعمة الظاهرة ما لا يمكنكم جحده من خلقكم وإحيائكم

وإقداركم وخلق الشّهوة فيكم وغيرها من ضروب النعم، والباطنة ما لا يعرفها إلاّ من أمعن النظر فيها.

وعن ابن عباس الباطنة مصالح الدين والدنيا مما يعلمه اللّه وغاب عن العباد علمه.

وعنه قال سألت النبي صلى الله عليه و آله عنه فقال: يابن عباس أمّا ما ظهر فالاسلام وما سوّى اللّه من خلقك وما أفاض عليك من الرزق، وأماما بطن فستر مساوي عملك ولم يفضحك به يابن عباس إنّ اللّه تعالى يقول ثلاثة جعلتهنّ للمؤمن ولم تكن له: صلاة المؤمنين عليه من بعد انقطاع عمله، وجعلت له ثلث ماله يكفر خطاياه، والثالثة سترت مساوي عمله فلم افضحه بشيء منه ولو أبديتها عليه لنبذه أهله فمن سواهم.

وقيل الظاهرة تخفيف الشرائع والباطنة الشفاعة وقيل الظاهرة نعم الدنيا

ص: 89


1- . الأعلى: 1 - 5.
2- . لقمان: 20.

والباطنة نعم الآخرة وقيل الظاهرة ظهور الاسلام والنصر على الأعداء والباطنة الامداد بالملائكة وقيل الظاهرة نعم الجوارح والباطنة نعم القلب(1).

وقال الرازي: الظاهرة هي ما في الأعضاء من السّلامة، والباطنة ما في القوى فانّ العضو ظاهر وفيه قوّة باطنة ألا ترى أنّ العين والاذن شحم وغضروف ظاهر واللسان والأنف لحم وعظم ظاهر وفي كلّ واحد معنى باطن من الابصار والسمع والذوق والشمّ وكذلك كلّ عضو وقد تبطل القوّة ويبقى العضو قائما(2).

والكلّ لا بأس به إذ الجميع من نعم اللّه على عباده، وفي تفسير أهل البيت عليهم السلام

النعمة الظاهرة الرّسالة، والنعمة الباطنة الولاية قال الباقر عليه السلام: النعمة الظاهرة النبي صلى الله عليه و آله وما جاء به النبي من معرفة اللّه عز وجل وتوحيده وأما النعمة الباطنة ولايتنا أهل البيت وعقد مودتنا(3).

قال ابن ميثم: قوله عليه السلام (أحمده) الى قوله (نعمه) تنبيه للسامعين على مبدأ استحقاقه لاعتبار الحمد، وهو كرمه، قال بعض الفضلاء:«الكريم هو الذي إذا قدر عفا، وإذا وعد وفا، وإذا أعطى زاد على منتهى الرجاء، ولا يبالي كم أعطى ولا لمن أعطى، وإن رفع إلى غيره حاجة لا يرضى، وإذا جفا عاتب وما استقصى، ولا يضيع من لاذ به والتجأ، ويغنيه عن الوسائل والشفعاء. فمن اجتمعت له هذه الاعتبارات حقيقة من غير تكلّف فهو الكريم المطلق، وليس ذلك إلاّ اللّه تعالى»، والأجمع الأمنع في رسم هذا الاعتبار يعود إلى فيضان الخير عنه من غير بخل ومنع وتعويق على كلّ من يقدر أن يقبله بقدر ما يقبله، وعواطف كرمه هي نعمه

ص: 90


1- . تفسير مجمع البيان: 8/501.
2- . تفسير الرازى: 25/152.
3- . تفسير مجمع البيان: 8/501.

وآثاره الخيريّة التي تعود على عباده مرّة بعد أخرى، ونعمه السابغة التي لا قصور فيها عن قبول قابلها(1).

أَحْمَدُهُ عَلَى عَوَاطِفِ كَرَمِهِ

قال تعالى: «وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّه َ غَنِيٌّ حَمِيد»(2).

وَأُومِنُ بِهِ أَوَّلاً بَادِياً

أي: ظاهرا؛ بمعنى أنّه يجب الايمان به تعالى لكونه أوّلا ومبدأ لجميع الأشياء، ولكونه تعالى ظاهرا جليّا بآثاره وخلائقه عند جميع العقلاء.

وَأَسْتَهْدِيهِ قَرِيباً هَادِياً

والاستهداء من البعيد ولو كان هاديا أو القريب غير الهادي بلا ثمر، ولا يجمعهما حقيقة غيره تعالى فيجب الاستهداء منه.

قال تعالى: «إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللّه َ يَهْدِي مَنْ يَشاء»(3).

وَأَسْتَعِينُهُ قَادِراً قَاهِراً

قال ابن ميثم: استعانته طلب المعونة منه على ما ينبغي من طاعته، وسلوك سبيله، والقاهر هو الّذي لا يجري في ملكه بخلاف حكمه، بل كلّ موجود مسخّر

ص: 91


1- . شرح نهج البلاغة ابن ميثم: 2/231.
2- . لقمان: 12.
3- . القصص: 56.

تحت حكمه وقدرته، وحقير في قبضته، والقادر هو الّذي إذا شاء فعل وإذا لم يشأ لم يفعل، وإن لم يلزم أنّه لا يشاء فلا يفعل كما سبق بيانه، وظاهر أنّه باعتبار هذين

الوصفين مبدأ للاستعانة(1).

وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ كَافِياً نَاصِراً

قال ابن ميثم: التوكّل - كما علمت - يعود إلى اعتماد الانسان في ما يرجو أو يخاف على غيره، والكافي اعتبار كونه معطيا لكلّ قابل من خلقه ما يكفي استحقاقه من منفعة، ودفع مضرّة، والنّاصر هو اعتبار إعطائه النّصر لعباده على أعدائهم بإفاضة هدايته وقوّته، وظاهر أنّه تعالى باعتبار هذين الوصفين مبدأ لتوكّل عباده عليه، وإلقاء مقاليد أمورهم إليه(2).

قال التسترى: ولذا قال نوح عليه السلام لقومه:... «يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي

وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللّه ِ فَعَلَى اللّه ِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ»(3).

ومثله قال الحسين عليه السلام يوم الطفّ لأهل الكوفة، كما رواه أبو مخنف(4).

وكما تقدّم التوكّل عبارة عن الوكول والاعتماد فيما يخاف ويرجى على الغير فلا بدّ من اتصاف المعتمد عليه بالكفاية والنصرة ليكفى المعتمد فيما رجاه وينصره فيما يخاف.

وإليه يرجع ما روى مرفوعا إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وهو أنّه جاء جبرئيل

ص: 92


1- . شرح نهج البلاغة ابن ميثم: 2/232.
2- . شرح نهج البلاغة ابن ميثم: 2/232.
3- . يونس: 71.
4- . تاريخ الطبري: 4/322، سنة 61.

إليه فقال له: يا جبرئيل وما التّوكّل؟ قال: العلم بأنّ المخلوق لا يضرّ ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع واستعمال الياس من النّاس، فاذا كان العبد كذلك لم يعتمد على أحد سوى اللّه ولم يرج ولم يخف سوى اللّه، ولم يطمع على أحد سوى اللّه (1) وقال سبحانه:

«وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّه ِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللّه َ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللّه ُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً»(2).

يعني من يفوّض أمره إليه سبحانه ووثق بحسن تدبيره فهو كافيه يكفيه أمر الدّنيا والآخرة أنّه يبلغ أمره وما أراده من قضاياه وتدابيره على ما أراده ولا يقدر

أحد على منعه ممّا أراده، لارادّ لقضائه ولا مبدّل لحكمه، وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ التّوكل من شئونات الايمان ومن فروع المعرفة، ولذلك وصف سبحانه المؤمنين بذلك حيث قال:

«إِنَّمَا الْمُؤمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللّه ُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أُولئِكَ هُمُ الْمُؤمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ»(3).

ناصرا

وقال تعالى: «إِنَّالَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا»(4).

ص: 93


1- . معاني الأخبار: 261، ح1؛ بحار الأنوار: 66/273، ح19.
2- . الطلاق: 3.
3- . الأنفال: 2 - 4.
4- . غافر: 51.

وقال تعالى: «وَلَيَنْصُرَنَّاللّه ُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللّه َ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ»(1).

وقال تعالى: «إِنْيَنْصُرْكُمُ اللّه ُ فَلا غالِبَ لَكُمْ»(2).

وقال تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللّه َ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُم»(3). وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ

قال تعالى: «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ - لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرام»»(4).

وقال تعالى: «فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى»(5).

وقال تعالى: «تَبَارَكَالَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً»(6).

وقال تعالى: «هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ»(7).

أَرْسَلَهُ لاِءِنْفَاذِ أَمْرِهِ

قال تعالى: «وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُل»(8).

وقال تعالى: «وما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللّه ِ وَخاتَمَ النَّبِيِّين»(9).

وقال تعالى: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ...»(10).

ص: 94


1- . الحج: 40.
2- . آل عمران: 160.
3- . محمد: 7.
4- . الإسراء: 1.
5- . النجم: 10.
6- . الفرقان: 1.
7- . الحديد: 9.
8- . آل عمران: 144.
9- . الأحزاب: 40.
10- . المائدة: 67.

وقال تعالى: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون»(1).

واما قوله عليه السلام «لانفاذ امره» ففيه اشعار بان النبى صلى الله عليه و آله لا يقول ولا يعمل الا باذن اللّه قال اللّه تعالى: «وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى»(2).

وَإِنْهَاءِ عُذْرِهِ

«و إنهاء» أي: إبلاغ «عذره» قال تعالى: «وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى(3)».

ومقتبس من قوله تعالى: فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْرا(4).

وَتَقْدِيمِ نُذُرِه

قال تعالى: «قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ(5)»..

وقال تعالى: «تَكادُتَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها. أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللّه ُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ...(6)».

وعن ابن أمّ مكتوم قال: خرج النبيّ صلى الله عليه و آلهعد ما ارتفعت الشمس وناس عند الحجرات، فقال: يا أهل الحجرات سعّرت النار، وجاءت الفتن كقطع الليل، ولوتعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا(7).

ص: 95


1- . التوبة: 33 / الصف: 9.
2- . النجم: 3 - 4.
3- . طه: 134.
4- . المرسلات: 6.
5- . ق: 28.
6- . الملك: 8 - 9.
7- . اسد الغابة: 4/210.

أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللّه ِ بِتَقْوَى اللّه ِ

قال تعالى: «وَاتَّقُوا اللّه َ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُون»(1).

الَّذِي ضَرَبَ الْأَمْثَالَ

قال تعالى: «وَلَقَدْ

ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ؛

قُرْآناًعَرَبِيًّاغَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ»(2).

والأمثال التي ضربها لهم فيه كثيرة منها قوله تعالى بعد الآية السّابقة:

«ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ للّه ِِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ»(3).

ومنها قوله تعالى: «إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الاْياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»(4).

ونحوه قوله تعالى: «وَاضْرِبْ

لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللّه ُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً»(5).

ونحوهما قوله سبحانه: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ

ص: 96


1- . المائدة: 96؛ المجادلة: 9.
2- . الزمر: 27 - 28.
3- . الزمر: 29.
4- . يونس: 24.
5- . الكهف: 45.

بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الاْخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ»(1).

ومنها قوله تعالى: «مَثَلُ

الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّه ِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ»(2).

ومنها قوله تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّه ِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ»(3).

ومنها قوله تعالى: «لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّه ِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»(4).

ومنها قوله تعالى: «مَثَلُ

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّه ِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ

سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللّه ُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ...»(5).

ومنها قوله تعالى: «أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ * تُؤتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللّه ُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ»(6).وفي تفسير أهل البيت عليهم السلام عن مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرَ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ: «كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ * تُؤتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ

ص: 97


1- . الحديد: 20.
2- . العنكبوت: 41.
3- . الحج: 73.
4- . الحشر: 21.
5- . البقرة: 261.
6- . ابراهيم: 24 - 26.

رَبِّها»(1) قَالَ أَمَّا الشَّجَرَةُ فَرَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وَفَرْعُهَا عَلِيٌّ عليه السلام وَغُصْنُ الشَّجَرَةِ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وَثَمَرُهَا أَوْلاَدُهَا عليه السلام وَوَرَقُهَا شِيعَتُنَا ثُمَّ قَالَ عليه السلام إِنَّ الْمُؤمِنَ مِنْ شِيعَتِنَا لَيَمُوتُ فَيَسْقُطُ مِنَ الشَّجَرَةِ وَرَقَةٌ وَإِنَّ الْمَوْلُودَ مِنْ شِيعَتِنَا لَيُولَدُ فَتُورِقُ الشَّجَرَةُ وَرَقَةً(2).

وعلى هذا فالمراد بقوله سبحانه: تؤتى أكلها كلّ حين ما يفتى به الأئمة من آل محمّد شيعتهم في الحلال والحرام(3).

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: كلمة خبيثة كشجرة خبيثة، إنّ هذا مثل بني اميّة(4).

ومنها قوله تعالى: «مَثَلُهُمْ

كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّه ُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ * أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللّه ُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ * يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا»(5).

وَوَقَّتَ لَكُمُ الاْجَالَ

قال تعالى: «وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلايَسْتَقْدِمُون»(6).

ص: 98


1- . ابراهيم: 24 - 25
2- . معاني الأخبار: 400، ح61؛ بحار الأنوار: 16/363، ح65.
3- . بصائر الدرجات: 1/59، ح3؛ بحار الأنوار: 9/218، ح97.
4- . تفسير مجمع البيان: 6/481.
5- . البقرة: 17 - 20.
6- . الأعراف: 34.

عَنْ حُمْرَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللّه ِ «ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ»(1) قَالَ: الْمُسَمَّى مَا سُمِّيَ لِمَلَكِ الْمَوْتِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَهُوَ الَّذِي قَالَ اللّه ُ «إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ(2)» وَهُوَ الَّذِي سُمِّيَ لِمَلَكِ الْمَوْتِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَالاْخَرُ لَهُ فِيهِ الْمَشِيئَةُ إِنْ شَاءَ قَدَّمَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهُ(3).

وقال تعالى: «ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُون»(4).

عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالَى«ثُمَّ قَضىأَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ» فَقَالَ إِنَّهُمَا أَجَلاَنِ أَجَلٌ مَحْتُومٌ وَأَجَلٌ مَوْقُوفٌ فَقَالَ لَهُ حُمْرَانُ مَا الْمَحْتُومُ قَالَ الَّذِي للّه ِِ فِيهِ الْمَشِيئَةُ قَالَ حُمْرَانُ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ أَجَلُ السُّفْيَانِيِّ مِنَ الْمَوْقُوفِ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام لاَ وَاللّه ِ إِنَّهُ لَمِنَ الْمَحْتُومِ(5).

وعَنْ حُمْرَانَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِاللّه ِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّه ِ «ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ» قَالَ فَقَالَ هُمَا أَجَلاَنِ أَجَلٌ مَوْقُوفٌ يَصْنَعُ اللّه ُ مَا يَشَاءُ وَأَجَلٌ مَحْتُوم(6).

وعَنْ سَالِمِ بْنِ مُكْرَمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: مَرَّ يَهُودِيٌّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقَالَ السَّامُ عَلَيْكَ فَقَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَلَيْكَ فَقَالَ أَصْحَابُهُ إِنَّمَا سَلَّمَ عَلَيْكَ بِالْمَوْتِ قَالَ الْمَوْتُعَلَيْكَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وَكَذَلِكَ رَدَدْتُ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إِنَّ هَذَا الْيَهُودِيَّ يَعَضُّهُ أَسْوَدُ فِي قَفَاهُ فَيَقْتُلُهُ قَالَ فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ فَاحْتَطَبَ حَطَباً كَثِيراً فَاحْتَمَلَهُ ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنِ انْصَرَفَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ضَعْهُ فَوَضَعَ الْحَطَبَ فَإِذَا أَسْوَدُ فِي جَوْفِ الْحَطَبِ

ص: 99


1- . الأنعام: 2.
2- . يونس: 49.
3- . تفسير العياشى: 1/354، ح6؛ بحار الأنوار: 4/116، ح45.
4- . المؤمنون: 43.
5- . الغيبة للنعمانى: 301 ، ح5؛ بحار الأنوار: 249/52، ح133.
6- . تفسير العياشى: 1/354، ح7؛ بحار الأنوار: 4/116، ح46.

عَاضٌّ عَلَى عُودٍ فَقَالَ يَا يَهُودِيُّ مَا عَمِلْتَ الْيَوْمَ قَالَ مَا عَمِلْتُ عَمَلاً إِلاَّ حَطَبِي هَذَا احْتَمَلْتُهُ فَجِئْتُ بِهِ وَكَانَ مَعِي كَعْكَتَانِ(1) فَأَكَلْتُ وَاحِدَةً وَتَصَدَّقْتُ بِوَاحِدَةٍ عَلَى مِسْكِينٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله بِهَا دَفَعَ اللّه ُ عَنْه(2).

وَأَلْبَسَكُمُ الرِّيَاشَ

قال تعالى: «يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً...»(3).

وَأَرْفَعَ لَكُمُ الْمَعَاشَ

عيش رفيع، أي: واسع طيّب، قال تعالى: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا(4).

وقال تعالى: «وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ»(5).

وقال تعالى: «وَجَعَلْنالَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ»(6).

وَأَحَاطَ بِكم الاْءِحْصَاءِ

قال تعالى: «وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدا»(7).

ص: 100


1- . الكعك: خبز يعمل مستديرا من الدقيق والحليب والسكر أو غير ذلك.
2- . الكافي: 4/5، ح3؛ بحار الأنوار: 4/121، ح67.
3- . الأعراف: 26.
4- . الزخرف: 32.
5- . الأعراف: 10.
6- . الحجر: 20.
7- . الجن: 28.

وقال تعالى: «لَقَدْأَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا»(1).

وقال تعالى: «قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَت»(2).

وقال تعالى: «وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ»(3).

وقال تعالى: «وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيد»(4).

وقال تعالى: «أَحْصاهُاللّه ُ وَنَسُوه»(5).

وقال تعالى: «وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها»(6).

وَأَرْصَدَ لَكُمُ الْجَزَاءَ

قال تعالى: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ»(7).

وقال تعالى: «وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ

مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ»(8).وقال تعالى: «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ

جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُون»(9).

ص: 101


1- . مريم: 94.
2- . الرعد: 33.
3- . يونس: 61.
4- . ق: 16.
5- . المجادلة: 6.
6- . الكهف: 49.
7- . الزلزال: 7 - 8.
8- . الانبياء: 47.
9- . النمل: 89 - 90.

وَآثَرَكُمْ بِالنِّعَمِ السَّوَابِغِ

أي: الكوامل، قال تعالى: «وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً...»(1).

وقال تعالى: «وَلَقَدْكَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ - وَرَزَقْناهُمْ مِنَ

الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلا»(2).

وَالرِّفَدِ الرَّوَافِغِ

اى عطايا واسعة.

قال تعالى: «كُلاًّ نُمِدُّ هؤلاءِ وَهَؤلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُورا»(3).

وَأَنْذَرَكُمْ بِالْحُجَجِ الْبَوَالِغِ

العقول والرّسل والفطرة التي فطرهم عليها.

قال تعالى: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَ فَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ»(4).

وقال تعالى: «لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّه ِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل»(5).

ص: 102


1- . لقمان: 20.
2- . الإسراء: 70.
3- . الإسراء: 20.
4- . الأعراف: 172 - 173.
5- . النساء: 165.

وقال تعالى: «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة»(1).

فَأَحْصَاكُمْ عَدَداً

قال تعالى: «إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا»(2).

وقال تعالى: «أَحْصاهُ اللّه ُ وَنَسُوه»(3).

وَوَظَّفَ لَكُمْ مُدَداً

قال تعالى: «وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّه ِ رِزْقُها»(4).

وقال تعالى: «إِنَّ اللّه َ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين»(5).

وقال تعالى: «وَجَعَلْنالَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِين»(6).

وقال هود عليه السلاملقومه عاد كما حكى تعالى عنه: «وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ* أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ»(7).

فِي قَرَارِ خِبْرَةٍ وَدَارِ عِبْرَةٍ

«في قرار خبرة» - بالكسر - والمراد دار الدّنيا التي هي دار امتحان.قال تعالى: «وَبَلَوْناهُمْبِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون»(8).

ص: 103


1- . الأنفال: 42.
2- . مريم: 93 - 94.
3- . المجادلة: 6.
4- . هود: 6.
5- . الذاريات: 58.
6- . الحجر: 20.
7- . الشعراء: 132 - 133.
8- . الاعراف: 168.

«و دار عبرة» يعتبر الناس بحوادثها.

قال تعالى: «فَاعْتَبِرُوايا أُولِي الْأَبْصار»(1).

وقال تعالى: «إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى»(2).

وقال تعالى: «لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْباب»(3).

كما اعتبر الذين تمنّوا مكان قارون بما وقع له من الخسف به وبماله(4).

أَنْتُمْ مُخْتَبَرُونَ فِيهَا

قال تعالى: «الم * أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللّه ُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِين»(5).

وَمُحَاسَبُونَ عَلَيْهَا

قال تعالى: «وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِين»(6).

فَإِنَّ الدُّنْيَا رَنِقٌ مَشْرَبُهَا

اى: كدر

ص: 104


1- . الحشر: 2.
2- . النازعات: 26.
3- . يوسف: 111.
4- . القصص: 82.
5- . العنكبوت: 1 - 3.
6- . الانبياء : 47.

رَدِغٌ مَشْرَعُهَا

الرّدغ - بالتحريك - : الوحل الشديد، والمشرع الشريعة أي: مورد الشاربة.

من عادة الدنيا أن تغمرك وتخيل إليك أنها تحبّك، وتلازمك ثم تفارقك بغتة، وتلازم عدوك، وفي الانجيل أن عيسى عليه السلام رأى من مكاشفاته الدنيا على صورة عجوز، فقال لها كم أعداد أزواجك فقالت أكثر من أن يحصى، فقال عيسى: فارقوك أم طلقوك فقالت: بل قتلت الجميع.

فقال عيسى: عجبا ممن يخطبك ويطلبك، ومن سحر الدنيا أنها تزين ظاهرها، وتخفي بلاءها ومحنها فيغتر بظاهرها الجاهل، مثال عجوزة شوهاء(1) تلبس ثيابا

فاخرة، فاذا كشف صاحبها قناعها ندم على ما انفق عليها(2).

في الحديث: ان الدنيا تأتي يوم القيامة على صورة عجوزة شوهاء فوهاء فلا يمر عليها أحد إلا وهو يقول لها: نعوذ باللّه منك، فيقول اللّه لعباده: هذه الدنيا التي عصيتموني بسببها، وسفكتم الدماء بسببها وقطعتم الأرحام(3)، ومثل صاحب الدنيا في اللذة التي يجدها من الدنيا كمثل من يتناول طعاما لذيذا طيبا يفسد به معدته، ثم قاء، وقذف ما في معدته فبطلت لذته وبقيت تبعته(4).

ص: 105


1- . الشَّوْهاء: المليحة الحسناء؛ وهي من الأضداد. والحقيقة أنها هي التي تَرُوعُ الناظرَ إليها لفرط جَمالها، أو لتناهي قُبْحها الفائق فى غريب الحديث: 2/220. الشَّوْهَاءُ: المرأة الحسنة الرائعة، وهو من الأضداد. يقال للمرأة القبيحة شَوْهَاءُ، والشَّوْهَاءُ: الواسعة الفم والصغيرة الفم (النهاية فى غريب الحدث والاثر: 2/511).
2- . مجموعة ورّام: 1/146؛ بحار الأنوار: 328/14، ح55 وحدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة: 1/387.
3- . مجموعة ورّام: 1/146؛ حدائق الحقائق فى شرح نهج البلاغة: 1/387.
4- . معارج نهج البلاغة على بن زيد البيهقى: 289، ش 1352 و1353 و1354.

يُونِقُ مَنْظَرُهَا

اى: يعجب.

وَيُوبِقُ مَخْبَرُهَا

أي: يهلك، والمخبر خلاف المنظر.

قال أميرالمؤمنين عليه السلام: فَإِنَّمَا مَثَلُ الدُّنْيَا مَثَلُ الْحَيَّةِ لَيِّنٌ مَسُّهَا قَاتِلٌ سَمُّهَا(1).

غُرُورٌ حَائِلٌ

«غرور حائل» من (حال عن العهد): انقلب، قال تعالى: «إِنَّ وَعْدَ اللّه ِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّه ِ الْغَرُورُ»(2).

وقال تعالى: «وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ»(3).

وَضَوْءٌ آفِلٌ وَظِلٌّ زَائِلٌ وَسِنَادٌ مَائِلٌ

«و ضوء آفل» أي: زائل. «و ظلّ زائل» في الديوان:

ومن يذق الدّنيا فانّي طعمتها

وسيق إلينا عذبها وعذابها

فلم أرها إلاّ غرورا وباطلا

كما لاح في أرض الفلاة سرابها(4)

ص: 106


1- . نهج البلاغة فيض الاسلام: 1065، كتاب 68.
2- . لقمان: 33.
3- . آل عمران: 185.
4- . ديوان أميرالمؤمنين عليه السلام: 86.

حَتَّى إِذَا أَنِسَ نَافِرُهَا وَاطْمَأَنَّ نَاكِرُهَا

عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِاللّه ِ بْنِ سَيَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: اللَّهُمَّ وَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ أَبَدا(1).

قَمَصَتْ بِأَرْجُلِهَا وَقَنَصَتْ بِأَحْبُلِهَا وَأَقْصَدَتْ بِأَسْهُمِهَا وَأَعْلَقَتِ الْمَرْءَ أَوْهَاقَ الْمَنِيَّةِ

قال تعالى: «وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللّه ُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً»(2).

قَائِدَةً لَهُ إِلَى ضَنْكِ الْمَضْجَعِ وَوَحْشَةِ الْمَرْجِعِ

قال تعالى: «ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ»(3).

وَمُعَايَنَةِ الْمَحَلّ

قال تعالى: «حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً»(4).

وقال تعالى: «حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً»(5).

ص: 107


1- . تفسير القمي: 2/75؛ بحار الأنوار: 92/352، ح6.
2- . الكهف: 45.
3- . الأنعام: 164.
4- . مريم: 75.
5- . الجن: 24.

وَثَوَابِ الْعَمَلِ

الثّواب هنا مثله في قوله تعالى: «هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ»(1) في كونه بمعناه الأصلي من مطلق الجزاء.

وَكَذَلِكَ الْخَلَفُ بِعَقْبِ السَّلَفِ

قال تعالى: «يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤنَ»(2).

وقال تعالى: «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ»(3).

لاَ تُقْلِعُ الْمَنِيَّةُ اخْتِرَاماً وَلاَ يَرْعَوِي الْبَاقُونَ اجْتِرَاماً يَحْتَذُونَ مِثَالاً

أي: يقتدي الخلف بالسلف، قال تعالى: «تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ...»(4).

وَيَمْضُونَ أَرْسَالاً إِلَى غَايَةِ الاِنْتِهَاءِ

أي: متتابعة وقطيعا قطيعا.

«إلى غاية الانتهاء» في الرجوع إليه قال تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ»(5).

ص: 108


1- . المطففين: 36.
2- . يس: 30.
3- . الانشقاق: 19.
4- . البقرة: 118.
5- . العنكبوت: 57.

وَصَيُّورِ الْفَنَاء

«و صيّور الفناء» أي: ما يصير إليه قال تعالى: «كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ * وَيَبْقى وَجْهُ

رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالاْءِكْرامِ(1).

حَتَّى إِذَا تَصَرَّمَتِ الْأُمُورُ وَتَقَضَّتِ الدُّهُورُ وَأَزِفَ النُّشُورُ

قال تعالى: «أَزِفَتِ الاْزِفَة»(2).

وقال تعالى: «يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ * كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِر»(3).

فيجتمع الخلائق كلّهم الأوّلون والآخرون قال تعالى: «قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالاْخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ»(4) فهي يوم الجمع ذلك «يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن(5)».

وبوجه آخر، ذلك «يوم الفصل(6)» لأنّ الدّنيا دار مغالطة واشتباه يتشابك فيها الحقّ والباطل ويتعانق فيها الوجود و العدم والخير والشرّ والنور والظلمة وفي الآخرة يتقابل المتخاصمان ويتفرّق المتخالفان، «ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرّقون(7)».

وفيها يتميّز المتشابهان، ليميز الخبيث من الطيّب، وينفصل الخصمان، «ليحقّالحقّ ويبطل الباطل(8)»، «ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حىّ عن بيّنة(9)».

ص: 109


1- . الرحمن: 26 - 27.
2- . النجم: 57.
3- . القمر: 7.
4- . الواقعة : 49 - 50.
5- . التغابن: 9.
6- . الدخان: 40.
7- . الروم: 14.
8- . الأنفال: 8.
9- . الانفال: 42.

ولا منافاة بين هذا الفصل وذلك الجمع بل هذا يوجب ذلك، «هذا يوم الفصل جمعناكم والأوّلين(1)»، والحشر أيضا بمعنى الجمع، «وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً»(2) إذا عرفت ذلك فاعلم ان اللّه سبحانه وتعالى قال: «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللّه ُ * ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ»(3).

قال الطبرسيّ في تفسير الصور: وهو قرن ينفخ فيه إسرافيل ووجه الحكمة في ذلك أنها علامة جعلها اللّه ليعلم بها العقلا آخر أمرهم في دار التكليف ثمّ تجديد الخلق فشبه ذلك بما يتعارفونه من بوق الرحيل والنزول ولا يتصوّره النفوس بأحسن من هذه الطريقة، وقوله: فصعق من في السموات ومن في الأرض، أى يموت من شدّة تلك الصّيحة التي تخرج من الصّور جميع من السموات والأرض يقال: صعق فلان إذا مات بحال هائلة شبيهة بالصيحة العظيمة(4).

واختلف في المستثنى بقول إلاّ من شاء اللّه، وفي المجمع روى مرفوعا هم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت(5) وفي رواية أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله سأل جبرئيل عن هذه الآية من ذا الذي لم يشاء اللّه أن يصعقهم؟ قال: همالشهداء متقلّدون أسيافهم حول العرش(6).

ص: 110


1- . المرسلات: 38.
2- . الكهف: 47.
3- . الزمر: 68 - 70.
4- . تفسير مجمع البيان: 792/8.
5- . تفسير مجمع البيان: 8/792.
6- . تفسير مجمع البيان: 8/792.

وقوله تعالى: ثمّ نفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون(1)، أراد النفخة الثانية ويسمّى النفخة الاولى بنفخة الصعق، والثانية بنفخة البعث أى ثمّ نفخ فيه نفخة اخرى فاذا هم قائمون من قبورهم يقلّبون أبصارهم في الجوانب، وقال الطبرسي أى ينتظرون ما يفعل بهم وما يؤمرون به(2).

وعَنْ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام قَالَ: سُئِلَ عَنِ النَّفْخَتَيْنِ كَمْ بَيْنَهُمَا قَالَ: مَا شَاءَ اللّه ُ، فَقِيلَ لَهُ فَأَخْبِرْنِي يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه ِ كَيْفَ يُنْفَخُ فِيهِ فَقَالَ: أَمَّا النَّفْخَةُ الْأُولَى فَإِنَّ اللّه َ يَأْمُرُ إِسْرَافِيلَ فَيَهْبِطُ إِلَى الْأَرْضِ وَمَعَهُ الصُّورُ - وَلِلصُّورِ رَأْسٌ وَاحِدٌ وَطَرَفَانِ وَبَيْنَ طَرَفِ كُلِّ رَأْسٍ مِنْهُمَا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ - قَالَ: فَإِذَا رَأَتِ الْمَلاَئِكَةُ إِسْرَافِيلَ وَقَدْ هَبَطَ إِلَى الدُّنْيَا وَمَعَهُ الصُّورُ قَالُوا: قَدْ أَذِنَ اللّه ُ فِي مَوْتِ أَهْلِ الْأَرْضِ وَفِي مَوْتِ أَهْلِ السَّمَاءِ، قَالَ: فَيَهْبِطُ إِسْرَافِيلُ بِحَظِيرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَيَسْتَقْبِلُ الْكَعْبَةَ فَإِذَا رَأَوْهُ أَهْلُ الْأَرْضِ قَالُوا: قَدْ أَذِنَ اللّه ُ فِي مَوْتِ أَهْلِ الْأَرْضِ، قَالَ: فَيَنْفُخُ فِيهِ نَفْخَةً - فَيَخْرُجُ الصَّوْتُ مِنَ الطَّرَفِ الَّذِي يَلِي أَهْلَ الْأَرْضِ - فَلاَ يَبْقَى فِي الْأَرْضِ ذُو رُوحٍ إِلاَّ صَعِقَ وَمَاتَ، وَيَخْرُجُ الصَّوْتُ مِنَ الطَّرَفِ الَّذِي يَلِي أَهْلَ السَّمَاوَاتِ فَلاَ يَبْقَى فِي السَّمَاوَاتِ ذُو رُوحٍ - إِلاَّ صَعِقَ وَمَاتَ إِلاَّ إِسْرَافِيلُ فَيَمْكُثُونَ فِي ذَلِكَ مَا شَاءَ اللّه ُ - قَالَ: فَيَقُولُ اللّه ُ لاِءِسْرَافِيلَ: يَا إِسْرَافِيلُ مُتْ فَيَمُوتُ إِسْرَافِيلُ فَيَمْكُثُونَ فِي ذَلِكَ مَا شَاءَ اللّه ُ - ثُمَّ يَأْمُرُ اللّه ُ السَّمَاوَاتِ فَتَمُورُ وَيَأْمُرُ الْجِبَالَ فَتَسِيرُ - وَهُوَ قَوْلُهُ: «يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً * وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً»(3) يَعْنِي تَبْسُطُوَتُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ - يَعْنِي بِأَرْضٍ لَمْ تُكْسَبْ عَلَيْهَا الذُّنُوبُ بَارِزَةً - لَيْسَ

ص: 111


1- . الزمر: 68.
2- . تفسير مجمع البيان: 8/792.
3- . الطور: 9 - 10.

عَلَيْهَا جِبَالٌ وَلاَ نَبَاتٌ كَمَا دَحَاهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ - وَيُعِيدُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ - كَمَا كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ مُسْتَقِلاًّ بِعَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ يُنَادِي الْجَبَّارُ جَلَّ جَلاَلُهُ بِصَوْتٍ مِنْ قِبَلِهِ جَهُورِيٍّ - يَسْمَعُ أَقْطَارُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ «لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ!» فَلاَ يُجِيبُهُ مُجِيبٌ - فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْجَبَّارُ مُجِيباً لِنَفْسِهِ «للّه ِِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ»(1) وَأَنَا قَهَرْتُ الْخَلاَئِقَ كُلَّهُمْ وَأَمَتُّهُمْ - إِنِّي أَنَا اللّه ُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا وَحْدِي لاَ شَرِيكَ لِي وَلاَ وَزِيرَ لِي - وَأَنَا خَلَقْتُ خَلْقِي بِيَدِي وَأَنَا أَمَتُّهُمْ بِمَشِيَّتِي - وَأَنَا أُحْيِيهِمْ بِقُدْرَتِى» قَالَ: فَيَنْفُخُ الْجَبَّارُ نَفْخَةً فِي الصُّورِ - فَيَخْرُجُ الصَّوْتُ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ الَّذِي يَلِي السَّمَاوَاتِ - فَلاَ يَبْقَى فِي السَّمَاوَاتِ أَحَدٌ إِلاَّ حَيِيَ - وَقَامَ كَمَا كَانَ وَيَعُودُ حَمَلَةُ الْعَرْشِ وَتُحْضَرُ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ وَتُحْشَرُ الْخَلاَئِقُ لِلْحِسَابِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام يَبْكِي عِنْدَ ذَلِكَ بُكَاءً شَدِيدا(2).

قال الخوئى: فان قلت إذا فنت الأجساد وانعدمت الأجسام فما الفائدة في خطاب لمن الملك؟

قلنا: ما يصدر عن الحكيم العليم لا بدّ وأن يكون متضمّنا للحكمة والمصلحة وإن كانت مختفية عندنا، ويمكن أن يكون فيه اللطف بالنّسبة إلى المكلّفين من حيث إنّ المخبر الصّادق إذا أخبرهم بوقوع ذلك الخطاب يوجب ذلك حقارة الدّنيا في نظرهم وعدم اغترارهم بملكها وسلطنتها ويوجب زيادة علمهم بقدرة اللّه وعزّته وبتفرّده في تدبير العالم، تعالى علوا كبيرا هذا(3).

ص: 112


1- . غافر: 40.
2- . تفسير القمي: 2/252؛ بحار الأنوار: 6/324، ح2.
3- . منهاج البراعة للخوئى: 5/375.

وعن جميل بن دراج عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: وأتى جبرئيل رسول اللّه وأخذ بيده وأخرجه إلى البقيع فانتهى به إلى قبر فصوت بصاحبه فقال: قم باذن اللّه فخرج منه رجل أبيض الرّأس واللحية يمسح التّراب عن وجهه وهو يقول: الحمد للّه واللّه أكبر، فقال جبرئيل: عد باذن اللّه تعالى، ثمّ انتهى به إلى قبر آخر فقال: قم باذن اللّه،

فخرج منه رجل مسوّد الوجه وهو يقول: يا حسرتاه يا ثبوراه، ثمّ قال له جبرئيل: عد إلى ما كنت فيه باذن اللّه تعالى، فقال: يا محمّد هكذا يحشرون يوم القيامة، فالمؤمنون يقولون هذا القول وهؤلاء يقولون ما ترى(1).

وعن ابى المغراء قال حدثنى يعقوب الأحمر قال: دخلنا على أبي عبداللّه عليه السلامنعزّيه باسماعيل فترحّم عليه ثمّ قال: إنّ اللّه تعالى نعى إلى نبيّه نفسه فقال: إنك ميّت وإنّهم ميّتون، وكلّ نفس ذائقة الموت ثمّ أنشأ عليه السلاميحدّث فقال: إنه يموت أهل الأرض حتّى لا يبقى أحد، ثمّ يموت أهل السماء حتّى لا يبقى أحد إلاّ ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل.

قال: فيجيء ملك الموت حتّى يقف بين يدي اللّه تعالى فيقول له، من بقى؟و هو أعلم، فيقول: يا ربّ لم يبق إلاّ ملك الموت وحملة العرش وجبرئيل وميكائيل فيقال له قل لجبرئيل وميكائيل فليموتا فتقول الملائكة عند ذلك يا ربّ رسوليك وأمينيك، فيقول تعالى: إنّى قضيت على كلّ نفس فيها الرّوح الموت.

ثمّ يجيء ملك الموت حتّى يقف بين يدي اللّه عزّ وجلّ فيقول له: من بقى؟ وهو أعلم، فيقول: يا ربّ لم يبق إلاّ ملك الموت وحملة العرش، فيقول: قل لحملة العرش فليموتوا، ثمّ يجيء كئيبا حزينا لا يرفع طرفه فيقول له من بقى؟ وهو أعلم،

ص: 113


1- . تفسير القمي: 2/253؛ بحار الأنوار: 7/39، ح8.

فيقول: يا ربّ لم يبق إلاّ ملك الموت، فيقول له: مت يا ملك الموت، فيموت.

ثمّ يأخذ الأرض بيمينه والسّماوات بيمينه(1) فيقول: أين الذين كانوا يدعون معى شريكا؟ أين الذين يجعلون معى الها آخر(2)؟

وفي الأنوار أيضا إنّ النّفخة الأولى هي الّتى للهلاك تأتي النّاس بغتة وهم فى أسواقهم وطلب معايشهم فاذا سمعوا صوت الصّور تقطعت قلوبهم وأكبادهم من شدّته فيموتوا دفعة واحدة، فيبقى الجبّار جلّ جلاله فيأمر ريحا عاصفة فتقلع الجبال من أماكنها وتلقيها في البحار وتغور مياه البحار وكلّما في الأرض وتسطح الأرض كلّها للحساب فلا يبقى جبل ولا شجر ولا بحر ولا وهدة ولا تلعة فتكون أرضا بيضاء حتّى أنّه روى لو وضعت بيضة في المشرق رؤيت من المغرب، فيبقى سبحانه على هذا الحال مقدار أربعين سنة.

فاذا أراد أن يبعث الخلق قال مولينا الصّادق عليه السلام أمطر السّماء على الأرض أربعين صباحا فاجتمعت الأوصال ونبتت اللحوم ويأمر اللّه تعالى ريحا حتّى تجمع التّراب الذي كان لحما واختلط بعضه ببعض وتفرّق في البرارى والبحار وفي بطون السّباع فتجمعه تلك الريح في القبر.

فعند ذلك يجيء إسرافيل وصوره معه ويأمره بالنفخة الثانية، وينفخ فيه النفخة الثّانية فاذا نفخ تركّبت اللّحوم والأعضاء وأعيدت الأرواح إلى أبدانها وانشقّت القبور فخرج النّاس خائفين من تلك الصّيحة ينفضون التّراب عن رؤوسهم،

ص: 114


1- . إشارة إلى قوله تعالى: «وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ»الزمر: 66.
2- . الكافي: 3/256، ح25؛ بحار الأنوار: 6/329، ح14.

فيجيء إلى كلّ واحد ملكان عند خروجه من القبر يقبض كلّ واحد منهما عضدا منه فيقولان له: أجب ربّ العزّة، فيتحيّر من لقائهما ويأخذه الخوف والفزع حتّى أنّه في تلك الساعة يبيض شعر رأسه وبدنه بعد ما كان أسود.

وعند ذلك يكثر في الأرض الزلزال حتّى يخرج ما فيها من الأثقال ويشيب كلّ الأطفال وتضع كلّ ذات حمل حملها و ترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب اللّه شديد(1).

أَخْرَجَهُمْ مِنْ ضَرَائِحِ الْقُبُورِ

الضريح الشَقُّ في وسط القبر. واللحْدُ في الجانب(2).

قال تعالى: «وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللّه ُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُون»(3).

وقال تعالى: «ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون»(4).

وقال تعالى: «يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّه ُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا»(5).

وقال تعالى: «يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّه ُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُم»(6).

وقال تعالى: «قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤنَّ بِما عَمِلْتُمْ»(7).

وقال تعالى: «وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَت»(8).

عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ: شَهِدْتُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ(9) يَسْأَلُ أَبَا

ص: 115


1- . الأنوار النعمانيّة: 4/176.
2- . الصحاح فى اللغة: ضرح 1/408.
3- . الأنعام: 36. يب
4- . البقرة: 56.
5- . المجادلة: 6.
6- . المجادلة: 18.
7- . التغابن: 7.
8- . الانفطار: 4 - 5.
9- . عبد الكريم بن أبي العوجاء هذا من تلامذة الحسن البصري وقد انحرف عن التوحيد وحبسه محمّد بن سليمان عامل الكوفة من جهة المنصور وهو خال معن بن زائدة فكثر شفعاؤه بمدينة السلام وألحوا على المنصور حتّى كتب إلى محمّد بالكف عنه وقبل أن يجيء الكتاب إلى محمّد بن سليمان بعث عليه وأمر بضرب عنقه فلما أيقن أنّه مقتول قال أما واللّه لئن قتلتموني لقد وضعت أربعة آلاف حديث احرم فيها الحلال واحل بها الحرام ولقد فطرتكم في يوم صومكم وصومتكم في يوم فطركم ثمّ ضربت عنقه الاحتجاج: 2/354، التعليقة 3.

عَبْدِاللّه ِ عليه السلام عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى - كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ مَا ذَنْبُ الْغَيْرِ؟ قَالَ وَيْحَكَ هِيَ هِيَ وَهِيَ غَيْرُهَا قَالَ فَمَثِّلْ لِي ذَلِكَ شَيْئاً مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا قَالَ نَعَمْ أَ رَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَخَذَ لَبِنَةً فَكَسَرَهَا ثُمَّ رَدَّهَا فِي مَلْبَنِهَا فَهِيَ هِيَ وَهِيَ غَيْرُهَا(1).

وعَنْ رِبْعِيِّ بْنِ خِرَاشٍ عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: لاَ يُؤمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤمِنَ بِأَرْبَعَةٍ حَتَّى يَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللّه ُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللّه ِ بَعَثَنِي بِالْحَقِّ وَحَتَّى يُؤمِنَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَحَتَّى يُؤمِنَ بِالْقَدَرِ(2).

وعَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: كَانَ فِيمَا وَعَظَ بِهِ لُقْمَانُ عليه السلام ابْنَهُ أَنْ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنْ تَكُ فِي شَكٍّ مِنْ الْمَوْتِ فَارْفَعْ عَنْ نَفْسِكَ النَّوْمِ وَلَنْ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ وَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِنْ الْبَعْثَ فَادْفَعْ عَنْ نَفْسِكَ الاِنْتِبَاهِ وَلَنْ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ فَإِنَّكَ إِذَا فَكَّرْتَ عَلِمْتَ أَنَّ نَفْسَكَ بِيَدِ غَيْرُكَ وَإِنَّمَا النَّوْمُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا الْيَقَظَةُ بَعْدَ النَّوْمِ بِمَنْزِلَةِ الْبَعْثَ بَعْدَ الْمَوْتِ(3).

وعَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام قَالَ: عَجِبْتُ لِلْمُتَكَبِّرِ الْفَخُورِ

ص: 116


1- . الاحتجاج: 2/354؛ بحار الأنوار: 7/38، ح6.
2- . الخصال: 1/198، ح8؛ بحار الأنوار: 5/87، ح2.
3- . قصص الأنبياء للراوندي: 190، ح239؛ بحار الأنوار: 7/42، ح13.

كَانَ أَمْسِ نُطْفَةً وَهُوَ غَداً جِيفَةٌ وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ لِعَامِرِ دَارِ الْفَنَاءِ وَيَتْرُكُ دَارَ الْبَقَاءِ(1).

وعن أبي معمر عن علي عليه السلام في قوله: «الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ»(2) يقول: يوقنون أنهم مبعوثون والظن منهم يقين(3).

وعَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: تَنَوَّقُوا(4) فِي الْأَكْفَانِ فَإِنَّكُمْ تُبْعَثُونَ بِهَا(5).

وَرُوِيَ عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام عَنِ الْمَيِّتِ هَلْ يَبْلَى جَسَدُهُ فَقَالَ نَعَمْ حَتَّى لاَ يَبْقَى لَحْمٌ وَلاَ عَظْمٌ إِلاَّ طِينَتُهُ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا فَإِنَّهَا لاَ تَبْلَى تَبْقَى فِي الْقَبْرِ مُسْتَدِيرَةً حَتَّى يُخْلَقَ مِنْهَا كَمَا خُلِقَ أَوَّلَ مَرَّةٍ(6).

وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله: «يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنَّ الرَّائِدَ لاَ يَكْذِبُ أَهْلَهُ. وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبِيّاً، لَتَمُوتُنَّ كَمَا تَنَامُونَ، وَلَتُبْعَثُنَّ كَمَا تَسْتَيْقِظُونَ، وَمَا بَعْدَ الْمَوْتِ دَارٌ إِلاَّ جَنَّةٌ أَوْ نَارٌ.

وخلق جميع الخلق وبعثهم على اللّه عزّ وجلّ كخلق نفس واحدة وبعثها، قالتعالى: «ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ»(7).(8)

ص: 117


1- . المحاسن: 1/242، ح230 بحار الأنوار: 7/42/ ح14.
2- . البقرة: 46.
3- . تفسير العياشى: 1/44، ح42؛ بحار الأنوار: 7/42، ح16.
4- . «تنوّقوا» أي بالغوا، يقال: تنوّق فلان في منطقه وملبسه واموره، إذا تجوّد وبالغ، وتنيّق لغة. راجع: لسان العرب، ج 10، ص363؛ القاموس المحيط، ج 2، ص1228 نوق.
5- . الكافي: 3/149، ح6؛ بحار الأنوار: 7/43، ح20.
6- . من لا يحضره الفقيه: 1/191، ح580؛ بحار الأنوار: 7/43، ح21.
7- . لقمان: 28.
8- . اعتقادات الامامية للصدوق: 64؛ بحار الأنوار: 47/7، ح31.

وَأَوْكَارِ الطُّيُور

قال أَبو يوسف: وسمعت أَبا عمرو يقول: الوَكْرُ العُشُّ حيثما كان في جبل أَو شجر(1).

والاخراج من أوكار الطيور، كأموات المجوس الّذين يدعونها للاغربة وكأغلب قتلى الحروب فانّ أجسادهم لسباع الطّيور وسباع الوحوش.

وَأَوْجِرَةِ السِّبَاعِ

الوجار: سرب الثعلب والضبّع وما أشبههما وربّما استعير لغيرهما(2)... لتصديق كلامه عليه السلام له من كونه سربا لعموم السّباع لا خصوص الضّبع

وَمَطَارِحِ الْمَهَالِك

يعمّ كلامه عليه السلام من طرح من جبل أو في بئر أو غرق في بحر

قال تعالى: «وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ»(3).

سِرَاعاً إِلَى أَمْرِهِ

قال تعالى: «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُون»(4).

وقال تعالى: «يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِير»(5)

ص: 118


1- . لسان العرب: 5/293.
2- . جمهرة اللغة: 1/309.
3- . لقمان: 34.
4- . يس: 51.
5- . ق: 44.

قال تعالى: «يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ»(1).

مُهْطِعِينَ

اهطع إذا مدّ عنقه وصوّب رأسه واهطع في عدوه اذا أسرع(2).

قال تعالى: «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عسر»(3).

إِلَى مَعَادِهِ

وهو اليوم الذى اشار اليه سبحانه بقوله: «يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللّه َ بِقَلْبٍ سَلِيم»(4).

رَعِيلاً صُمُوتاً

الرّعيل الجماعة من الخيل والرّجال قال:

«ثم التمشّي في الرّعيل الأول»(5).

لتصديق كلامه صلَّى اللّه عليه وآله له من مجيئه لجمع الإنسان أيضا.

ص: 119


1- . المعارج: 43 - 44.
2- . النهاية: 5/266.
3- . القمر: 6 - 8.
4- . الشعراء: 88 - 89.
5- . جمهرة اللغة: 2/771.

والظّاهر أنّ الصّموت جمع الصّامت كالسجود جمع السّاجد قال تعالى: «لا

تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»(1).

وقال تعالى: «لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً»(2).

قِيَاماً صُفُوفاً

قال تعالى: «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللّه ُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ»(3) قياماً في كلامه عليه السلامكقيام في الآية جمع قائم.

وقال تعالى: «يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ»(4) أي بنو آدم على أحد التّفاسير «وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً»(5) وقال تعالى في سورة النبأ أيضا: «يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً»(6).

روى في المجمع عن النّبيّ صلى الله عليه و آله أنّه سئل عن هذه الآية فقال: يحشر عشرة أصناف من امّتي أشتاتا قد ميّزهم اللّه من المسلمين وبدّل صورهم فبعضهم على صورة القردة، وبعضهم على صورة الخنازير، وبعضهم منكسون أرجلهم من فوق ووجوههم من تحت ثمّ يسحبون عليها، وبعضهم عمى يتردّدون، وبعضهم صمّ بكم لا يعقلون، وبعضهم يمضغون ألسنتهم يسيل القيح من أفواههم لعابا يتقذّرهم أهلالجمع، وبعضهم مقطّعة أيديهم وأرجلهم، وبعضهم مصلّبون على جذوع من النّار،

ص: 120


1- . التحريم: 7.
2- . النبأ: 37.
3- . الزمر: 68.
4- . النبأ: 38.
5- . النبأ: 38.
6- . النبأ: 18.

وبعضهم أشدّ نتنا من الجيف، وبعضهم يلبسون جبابا سابغة من قطران لازقة بجلودهم.

فأمّا الذين على صورة القردة فالقتاة من النّاس، وأمّا الذين على صورة الخنازير فأهل السّحت، وأمّا المنكسون على رؤوسهم فآكلة الرّبا، والعمى الجائرون في الحكم، والصمّ البكم المعجبون بأعمالهم، والذين يمضغون ألسنتهم العلماء والقضاة الذين خالف أعمالهم أقوالهم، والمقطّعة أيديهم وأرجلهم الذين يؤذون الجيران، والمصلّبون على جذوع من نار فالسّعاة بالنّاس إلى السلطان، والذين هم أشدّ نتنا من الجيف فالذين يتمتّعون بالشّهوات واللذات ويمنعون حقّ اللّه في أموالهم، والذين هم يلبسون الجباب فأهل الفخر والخيلاء(1).

يَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ

قال تعالى: «يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ»(2).

وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي

قال تعالى: «وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ»(3).

قال الطبرسي: وإنّما قال من مكان قريب لأنّه يسمعه الخلايق كلّهم على حدّ

ص: 121


1- . تفسير مجمع البيان: 10/642؛ بحار الأنوار: 7/89.
2- . الحاقة: 18.
3- . ق: 41 - 42.

واحد فلا يخفى على أحد قريب ولا بعيد فكأنّهم نودوا من مكان يقرب منهم(1).

عَلَيْهِمْ لَبُوسُ الاِسْتِكَانَةِ

واللبوس: ما يلبس.

قال اللّه عزوجل: (وعلمناه صنعة لبوس لكم)(2).

وقال آخر:

البس لكل عيشة لبوسها

إمّا نعيمها وإمّا بؤسها(3)

وَضَرَعُ الاِسْتِسْلاَمِ وَالذِّلَّةِ

ضرع - بفتحتين - الضّعف.

قال تعالى: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً(4).

قال الطبرسي: أى خضعت وذلت خضوع الأسير في يد من قهره والمراد خضع أرباب الوجوه واستسلموا الحكم للحيّ الذي لم يمت ولا يموت، وإنّما اسند الفعل إلى الوجوه لأنّ أثر الذّلّ يظهر عليها، وقيل المراد بالوجوه الرّؤساء و القادة والملوك أى يذلّون وينسلخون عن ملكهم وعزّهم(5).

وقال تعالى: «يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَالْأَجْداث»(6).

ص: 122


1- . تفسير مجمع البيان: 9/226.
2- . الأنبياء: 80.
3- . ترتيب اصلاح المنطق: 1/331.
4- . طه: 111.
5- . تفسير مجمع البيان: 7/51.
6- . القمر: 6 - 7.

وقال تعالى: «خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ»(1).

أى يخرجون من القبور مسرعين كأنّهم يسعون إلى علم نصب لهم خاضعة أبصارهم لا يستطيعون النّظر من هول ذلك اليوم وتغشيهم المذلّة.

قَدْ ضَلَّتِ الْحِيَلُ وَانْقَطَعَ الْأَمَلُ

قال تعالى: «وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ»(2).

وقال تعالى: «يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ»(3).

وقال تعالى: «وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ»(4).

وَهَوَتِ الْأَفْئِدَةُ كَاظِمَةً

قال تعالى: «مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ»(5).

قال الطبرسي: مهطعين أى مسرعين وقيل يريد دائمي النظر إلى ما يرون لا يطرفون مقنعي رؤوسهم أى رافعي رؤوسهم إلى السّماء حتّى لا يرى الرّجل مكانقدمه من شدّة رفع الرأس وذلك من هول يوم القيامة وقال مؤرج (مورخ): معناه

ص: 123


1- . المعارج: 44.
2- . الملك: 10 - 11.
3- . المعارج: 11 - 14.
4- . الزمر: 47.
5- . ابراهيم: 43.

ناكسي رؤوسهم بلغة قريش لا يرتد إليهم طرفهم أى لا يرجع إليهم أعينهم ولا يطبقونها ولا يغمضونها وإنّما هو نظر دائم وأفئدتهم هواء أى قلوبهم خالية من كلّ شيء فزعا وخوفا وقيل خالية من كلّ سرور وطمع في الخير لشدّة ما يرون من الأهوال كالهواء الذي بين السّماء والأرض وقيل معناه وأفئدتهم زائلة عن مواضعها قد ارتفعت إلى حلوقهم لا تخرج ولا تعود إلى أماكنها بمنزلة الشيء الذاهب في جهات مختلفة المتردّد في الهواء وقيل معناه خالية عن عقولهم(1) وكظم الغيظ اجترعه.

وقال تعالى: «إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِين»(2).

وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ مُهَيْنِمَةً

مهينمة بتقديم النون على الميم والهينمة الصّوت الخفيّ(3).

قال تعالى: «وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً»(4).

قال في مجمع البيان: أى خضعت الأصوات بالسّكون لعظمة الرّحمن، والهمس هو صوت الاقدام أى لا تسمع من صوت الاقدام أى لا تسمع من صوت أقدامهم إلاّ صوتا خفيّا كما يسمع من أخفاف الابل عند سيرها وقيل الهمس إخفاء الكلام وقيل معناه إنّ الأصوات العالية بالأمر والنّهى في الدّنيا ينخفض ويذلّ أصحابها فلا يسمع منهم إلاّ الهمس(5).

ص: 124


1- . تفسير مجمع البيان: 6/493.
2- . غافر: 18.
3- . العين: 4/60.
4- . طه: 108.
5- . تفسير مجمع البيان: 7/50.

وَأَلْجَمَ الْعَرَقُ

عن الصّادق عليه السلام في حديث إنّ الغنى ليوقف للحساب ويسيل منه العرق حتّى لو شرب منه أربعون بعيرا لاصدرها(1).

قال ابن ابى الحديد: في الحديث إن العرق ليجري منهم حتى إن منهم من يبلغ ركبتيه ومنهم من يبلغ صدره ومنهم من يبلغ عنقه ومنهم من يلجمه وهم أعظمهم مشقة.

وقال لي قائل: ما أرى لقوله عليه السلام المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة كثير فائدة لأن طول العنق جدا ليس مما يرغب في مثله فذكرت له الخبر الوارد في العرق وقلت إذا كان الإنسان شديد طول العنق كان عن إلجام العرق أبعد (2).

قال المحقق التسترى: ما ذكره في غاية الركاكة فانّ المراد بكون المؤذّنين أطول النّاس أعناقا يومئذ كونهم أرفع درجة من باقي النّاس لا طول عنقهم الظاهر وفي الفارسيّة يكنّون عن الجبابرة بقولهم (گردن كشان) ولا يريدون طول أعناقهم بل يطلقونه على كلّ جبار وإن كان أقصر النّاس عنقا بل وان لم يكن له عنق أصلا(3).

وَعَظُمَ الشَّفَقُ

قال تعالى: «يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً»(4).

وقال تعالى: «يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ

ص: 125


1- . عدّة الداعى: 116.
2- . شرح نهج البلاغة لابن ابى الحديد: 6/251.
3- . بهج الصباغة: 12/248.
4- . المزمل: 17.

حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللّه ِ شَدِيدٌ»(1).

وَأُرْعِدَتِ الْأَسْمَاعُ لِزَبْرَةِ الدَّاعِي إِلَى فَصْلِ الْخِطَابِ وَمُقَايَضَةِ الْجَزَاءِ

قال تعالى: «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ * قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ * فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»(2).

وقال تعالى: «وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ»(3).

قال الطبرسي في تفسيره: قيل إنّه يناد المناد من صخرة بيت المقدّس أيتها العظام البالية والأوصال المنقطعة واللحوم المتمزّقة قومي لفصل القضاء وما أعدّ اللّه لكم من الجزاء وقيل إنّ المنادى هو إسرافيل يقول يا معشر الخلائق قوموا للحساب(4).

وَنَكَالِ الْعِقَابِ وَنَوَالِ الثَّوَابِ

قال تعالى: «يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ»(5).

عَنْ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام يُحَدِّثُ فِي مَسْجِدِ

ص: 126


1- . الحج: 2.
2- . يس: 51 - 54.
3- . ق : 41.
4- . تفسير مجمع البيان: 226/9.
5- . الزلزال: 6 - 8.

رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام يُحَدِّثُ النَّاسَ

قَالَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بَعَثَ اللّه ُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى النَّاسَ مِنْ حُفَرِهِمْ عُزْلاً بُهْماً جُرْداً مُرْداً فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ(1) يَسُوقُهُمُ النُّورُ وَتَجْمَعُهُمُ الظُّلْمَةُ حَتَّى يَقِفُوا عَلَى عَقَبَةِ الْمَحْشَرِ فَيَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَيَزْدَحِمُونَ دُونَهَا فَيُمْنَعُونَ مِنَ الْمُضِيِّ فَتَشْتَدُّ أَنْفَاسُهُمْ وَيَكْثُرُ عَرَقُهُمْ وَتَضِيقُ بِهِمْ أُمُورُهُمْ وَيَشْتَدُّ ضَجِيجُهُمْ(2) وَتَرْتَفِعُ أَصْوَاتُهُمْ قَالَ وَهُوَ أَوَّلُ هَوْلٍ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ فَيُشْرِفُ الْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ فِي ظِلاَلٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ(3) فَيَأْمُرُ مَلَكاً مِنَ الْمَلاَئِكَةِ فَيُنَادِي فِيهِمْ يَا مَعْشَرَ الْخَلاَئِقِ أَنْصِتُوا وَاسْتَمِعُوا مُنَادِيَ الْجَبَّارِ قَالَ فَيَسْمَعُ آخِرُهُمْ كَمَا يَسْمَعُ أَوَّلُهُمْ قَالَ فَتَنْكَسِرُ أَصْوَاتُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَتَخْشَعُ أَبْصَارُهُمْ وَتَضْطَرِبُ فَرَائِصُهُمْ(4) وَتَفْزَعُ قُلُوبُهُ

ص: 127


1- . عزلا: لا سلاح لهم - بضم العين وسكون الزاى - جمع أعزل وكذلك أخواته، «بهما» أي ليس معهم شيء وقيل: يعنى أصحاء لا آفة بهم ولا عاهة وليس بشيء، «جردا» لا ثياب لهم، «مردا» ليس لهم لحية وهذه كلها كناية عن تجردهم عما يباينهم ويغطيهم ويخفى حقائقهم ممّا كان معهم في الدنيا، «يسوقهم النور» أي نور الايمان والشرع فانه سبب ترقيهم طورا بعد طور وفي بعض النسخ [بالنار] أى نار التكاليف فان التكليف بالنسبة إلى بعض المكلفين نار وبالإضافة إلى آخرين نور «يجمعهم الظلمة» أي ما يمنعهم من تمام النور والايقان فانه سبب تباينهم الموجب لكثرتهم التي يتفرع عليها الجمعية ويحتمل أن يكون المراد كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا اظلم عليهم قاموا والمعنيان متقاربان الوافى: 25/652.
2- . أي صياحهم واصواتهم.
3- . يمكن أن يكون إشراف اللّه تعالى كناية عن توجهه إلى محاسبتهم فالاشراف في حقه مجاز وفي الملائكة حقيقة. آت
4- . أي أوداج أعناقهم، قال الفيروزآبادي: الفريص: أوداج العنق والفريصة واحدته واللحمة بين الجنب والكتف التي لا تزال ترعد.

مْوَيَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ إِلَى نَاحِيَةِ الصَّوْتِ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ(1) قَالَ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْكَافِرُ «هذا يَوْمٌ عَسِرٌ»(2) قَالَ: فَيُشْرِفُ الْجَبَّارُ عَزَّ وَجَلَّ الْحَكَمُ الْعَدْلُ عَلَيْهِمْ فَيَقُولُ أَنَا اللّه ُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا الْحَكَمُ الْعَدْلُ الَّذِي لاَ يَجُورُ الْيَوْمَ أَحْكُمُ بَيْنَكُمْ بِعَدْلِي وَقِسْطِي لاَ يُظْلَمُ الْيَوْمَ عِنْدِي أَحَدٌ الْيَوْمَ آخُذُ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ بِحَقِّهِ وَلِصَاحِبِ الْمَظْلِمَةِ بِالْمَظْلِمَةِ بِالْقِصَاصِ مِنَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ وَأُثِيبُ عَلَى الْهِبَاتِ(3) وَلاَ يَجُوزُ هَذِهِ الْعَقَبَةَ الْيَوْمَ عِنْدِي ظَالِمٌ وَلِأَحَدٍ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ إِلاَّ مَظْلِمَةً يَهَبُهَا صَاحِبُهَا وَأُثِيبُهُ عَلَيْهَا وَآخُذُ لَهُ بِهَا عِنْدَ الْحِسَابِ فَتَلاَزَمُوا أَيُّهَا الْخَلاَئِقُ وَاطْلُبُوا مَظَالِمَكُمْ عِنْدَ مَنْ ظَلَمَكُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَأَنَا شَاهِدٌ لَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِي شَهِيداً قَالَ فَيَتَعَارَفُونَ وَيَتَلاَزَمُونَ فَلاَ يَبْقَى أَحَدٌ لَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مَظْلِمَةٌ أَوْ حَقٌّ إِلاَّ لَزِمَهُ بِهَا قَالَ فَيَمْكُثُونَ مَا شَاءَ اللّه ُ فَيَشْتَدُّ حَالُهُمْ وَيَكْثُرُ عَرَقُهُمْ(4) وَيَشْتَدُّ غَمُّهُمْ وَتَرْتَفِعُ أَصْوَاتُهُمْ بِضَجِيجٍ شَدِيدٍ فَيَتَمَنَّوْنَ الْمَخْلَصَ مِنْهُ بِتَرْكِ مَظَالِمِهِمْ لِأَهْلِهَا قَالَ وَيَطَّلِعُ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى جَهْدِهِمْ(5) فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ عِنْدِ اللّه ِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَسْمَعُ آخِرُهُمْ كَمَا يَسْمَعُ أَوَّلُهُمْ يَا مَعْشَرَ الْخَلاَئِقِ أَنْصِتُوا لِدَاعِي اللّه ِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَاسْمَعُوا إِنَّ اللّه َ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ [لَكُمْ ]أَنَا الْوَهَّابُ إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَوَاهَبُوا فَتَوَاهَبُوا وَإِنْ لَمْ تَوَاهَبُوا أَخَذْتُ لَكُمْ بِمَظَالِمِكُمْ قَالَ فَيَفْرَحُونَ بِذَلِكَ لِشِدَّةِ جَهْدِهِمْ وَضِيقِ مَسْلَكِهِمْ وَتَزَاحُمِهِمْ قَالَ فَيَهَبُ بَعْضُهُمْ

ص: 128


1- . أي يمدون اعناقهم لسماع صوته. مهطعين أي مسرعين. واهطع: إذا مد عنقه.
2- . القمر: 8.
3- . أي هبات المظالم وإبراء الذمم. فى
4- . لما رأوا من شغل ذممهم بالمظالم وترددهم في إبراء خصمائهم من مظالمهم أو أخذهم بها لجهلهم. فى
5- . يعني أنهم يطلعون وقتئذ على اطلاع اللّه على مشقتهم وإلاّ فان اللّه سبحانه لم يزل مطلعا على السرائر والعلن. فى

مَظَالِمَهُمْ رَجَاءَ أَنْ يَتَخَلَّصُوا مِمَّا هُمْ فِيهِ وَيَبْقَى بَعْضُهُمْ فَيَقُولُ يَا رَبِّ مَظَالِمُنَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ نَهَبَهَا قَالَ فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ تِلْقَاءِ الْعَرْشِ أَيْنَ رِضْوَانُ خَازِنُ الْجِنَانِ جِنَانِ الْفِرْدَوْسِ قَالَ فَيَأْمُرُهُ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُطْلِعَ(1) مِنَ الْفِرْدَوْسِ قَصْراً مِنْ فِضَّةٍ بِمَا فِيهِ مِنَ الْأَبْنِيَةِ (من الآنية خ ل) وَالْخَدَمِ قَالَ فَيُطْلِعُهُ عَلَيْهِمْ فِي حِفَافَةِ الْقَصْرِ الْوَصَائِفُ وَالْخَدَمُ(2) قَالَ فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ عِنْدِ اللّه ِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَا مَعْشَرَ الْخَلاَئِقِ ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ فَانْظُرُوا إِلَى هَذَا الْقَصْرِ قَالَ فَيَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ فَكُلُّهُمْ يَتَمَنَّاهُ قَالَ فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ عِنْدِ اللّه ِ تَعَالَى يَا مَعْشَرَ الْخَلاَئِقِ هَذَا لِكُلِّ مَنْ عَفَا عَنْ مُؤمِنٍ قَالَ فَيَعْفُونَ كُلُّهُمْ إِلاَّ الْقَلِيلَ قَالَ فَيَقُولُ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَجُوزُ إِلَى جَنَّتِيَ الْيَوْمَ ظَالِمٌ وَلاَ يَجُوزُ إِلَى نَارِيَ الْيَوْمَ ظَالِمٌ وَلِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ حَتَّى يَأْخُذَهَا مِنْهُ عِنْدَ الْحِسَابِ أَيُّهَا الْخَلاَئِقُ اسْتَعِدُّوا لِلْحِسَابِ قَالَ ثُمَّ يُخَلَّى سَبِيلُهُمْ فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى الْعَقَبَةِ يَكْرُدُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً(3) حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى الْعَرْصَةِ وَالْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ(4) قَدْ نُشِرَتِ الدَّوَاوِينُ وَنُصِبَتِ الْمَوَازِينُ وَأُحْضِرَ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ وَهُمُ الْأَئِمَّةُ يَشْهَدُ كُلُّ إِمَامٍ عَلَى أَهْلِ عَالَمِهِ بِأَنَّهُ قَدْ قَامَ فِيهِمْ بِأَمْرِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ وَدَعَاهُمْ إِلَى سَبِيلِ اللّه ِ قَالَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه ِ إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ الْمُؤمِنِ عِنْدَ الرَّجُلِ الْكَافِرِ مَظْلِمَةٌ أَيَّ شَيْءٍ يَأْخُذُ مِنَ الْكَافِرِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ قَالَ فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام يُطْرَحُ عَنِ الْمُسْلِمِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ بِقَدْرِ مَا لَهُ عَلَى الْكَافِرِ فَيُعَذَّبُ الْكَافِرُ بِهَا مَعَ عَذَابِهِ بِكُفْرِهِ عَذَاباً بِقَدْرِ مَا لِلْمُسْلِمِ قِبَلَهُ مِنْ مَظْلِمَةٍ قَالَ فَقَالَ لَهُ الْقُرَشِيُّ فَإِذَا

ص: 129


1- . من باب الافعال أي يظهره لهم.
2- . «حفافة القصر» أي جوانبه. والوصائف والخدم من باب عطف أحد المترادفين على الآخر والخدم أعم من الأثاث. فى
3- . الكرد: الطرد والدفع.
4- . أي مستولى على العرش يأتي أمره من قبل العرش. آت

كَانَتِ الْمَظْلِمَةُ لِلْمُسْلِمِ عِنْدَ مُسْلِمٍ كَيْفَ تُؤخَذُ مَظْلِمَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِ قَالَ يُؤخَذُ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ مِنْ حَسَنَاتِهِ بِقَدْرِ حَقِّ الْمَظْلُومِ فَتُزَادُ عَلَى حَسَنَاتِ الْمَظْلُومِ قَالَ فَقَالَ لَهُ الْقُرَشِيُّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلظَّالِمِ حَسَنَاتٌ قَالَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلظَّالِمِ حَسَنَاتٌ فَإِنَّ لِلْمَظْلُومِ سَيِّئَاتٍ يُؤخَذُ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِ فَتُزَادُ عَلَى سَيِّئَاتِ الظَّالِمِ(1).

عِبَادٌ مَخْلُوقُونَ اقْتِدَاراً

قال تعالى: «وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ»(2).

وقال تعالى: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الاْءِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ»(3).

وقال تعالى: «خَلَقَ الاْءِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّار»(4).

وقال تعالى: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الاْءِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللّه ُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ»(5).

وقال تعالى: «وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئا»(6).

وَمَرْبُوبُونَ اقْتِسَاراً

قال تعالى: «وَللّه ِِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْبِالْغُدُوِّ وَالاْصالِ»(7).

ص: 130


1- . الكافي: 8/104، ح79.
2- . الروم: 20.
3- . العلق: 1 - 2.
4- . الرحمن: 14.
5- . المؤمنون: 12 - 14.
6- . مريم: 9.
7- . الرعد: 15.

وقال تعالى: «قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ»(1).

وقال تعالى: «قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللّه ُ قُلْ أَ فَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا»(2).

وقال تعالى: «وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً»(3).

وقال تعالى: «وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ»(4).

وقال تعالى: «يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ؛ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً»(5).

وروى عن أحد أصحاب أبي منصور المتطبّب قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ وَعَبْدُاللّه ِ بْنُ الْمُقَفَّعِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ تَرَوْنَ هَذَا الْخَلْقَ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى مَوْضِعِ الطَّوَافِ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ أُوجِبُ لَهُ اسْمَ الاْءِنْسَانِيَّةِ إِلاَّ ذَلِكَ الشَّيْخَ الْجَالِسَ يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عليه السلام فَأَمَّا الْبَاقُونَ فَرَعَاعٌ وَبَهَائِمُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ وَكَيْفَأَوْجَبْتَ هَذَا الاِسْمَ لِهَذَا الشَّيْخِ دُونَ هَؤلاَءِ قَالَ لِأَنِّي رَأَيْتُ عِنْدَهُ مَا لَمْ أَرَ عِنْدَهُمْفَقَالَ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ مَا بُدٌّ مِنِ اخْتِبَارِ مَا قُلْتَ فِيهِ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْمُقَفَّعِ لاَ تَفْعَل

ص: 131


1- . آل عمران: 26 - 27.
2- . الرعد: 16.
3- . الفرقان: 3.
4- . آل عمران: 83.
5- . الشورى: 49 - 50.

فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْكَ مَا فِي يَدِكَ فَقَالَ لَيْسَ ذَا رَأْيَكَ وَلَكِنَّكَ تَخَافُ أَنْ يَضْعُفَ رَأْيُكَ عِنْدِي فِي إِحْلاَلِكَ إِيَّاهُ الْمَحَلَّ الَّذِي وَصَفْتَ فَقَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ أَمَّا إِذَا تَوَهَّمْتَ عَلَيَّ هَذَا فَقُمْ إِلَيْهِ وَتَحَفَّظْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الزَّلَلِ وَلاَ تَثْنِ عِنَانَكَ إِلَى اسْتِرْسَالٍ يُسْلِمْكَ إِلَى عِقَالٍ وَسِمْهُ مَا لَكَ أَوْ عَلَيْكَ(1) قَالَ فَقَامَ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ وَبَقِيتُ أَنَا وَابْنُ الْمُقَفَّعِ فَرَجَعَ إِلَيْنَا فَقَالَ يَا ابْنَ الْمُقَفَّعِ مَا هَذَا بِبَشَرٍ وَإِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا رُوحَانِيٌّ يَتَجَسَّدُ إِذَا شَاءَ ظَاهِراً وَيَتَرَوَّحُ إِذَا شَاءَ بَاطِناً فَهُوَ هَذَا فَقَالَ لَهُ وَكَيْفَ ذَاكَ فَقَالَ جَلَسْتُ إِلَيْهِ فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ غَيْرِي ابْتَدَأَنِي فَقَالَ إِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ عَلَى مَا يَقُولُ هَؤلاَءِ وَهُوَ عَلَى مَا يَقُولُونَ يَعْنِي أَهْلَ الطَّوَافِ فَقَدْ سَلِمُوا وَعَطِبْتُمْ وَإِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ عَلَى مَا تَقُولُونَ وَلَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ فَقَدِ اسْتَوَيْتُمْ أَنْتُمْ وَهُمْ فَقُلْتُ لَهُ يَرْحَمُكَ اللّه ُ وَأَيَّ شَيْءٍ نَقُولُ وَأَيَّ شَيْءٍ يَقُولُونَ مَا قَوْلِي وَقَوْلُهُمْ إِلاَّ وَاحِداً قَالَ فَكَيْفَ يَكُونُ قَوْلُكَ وَقَوْلُهُمْ وَاحِداً وَهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ لَهُمْ مَعَاداً وَثَوَاباً وَعِقَاباً وَيَدِينُونَ بِأَنَّ لِلسَّمَاءِ إِلَهاً وَأَنَّهَا عُمْرَانٌ وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ السَّمَاءَ خَرَابٌ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ قَالَ فَاغْتَنَمْتُهَا مِنْهُ فَقُلْتُ لَهُ مَا مَنَعَهُ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ أَنْ يَظْهَرَ لِخَلْقِهِ وَيَدْعُوَهُمْ إِلَى عِبَادَتِهِ حَتَّى لاَ يَخْتَلِفَ مِنْهُمُ اثْنَانِ وَلِمَ احْتَجَبَ عَنْهُمْ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ وَلَوْ بَاشَرَهُمْ بِنَفْسِهِ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الاْءِيمَانِ بِهِ فَقَالَ لِي وَيْلَكَ وَكَيْفَ احْتَجَبَ عَنْكَ مَنْ أَرَاكَ قُدْرَتَهُ فِي

ص: 132


1- . «لا تثن» فعل نهى من الثنى بمعنى العطف، والاسترسال بمعنى التنازل والانقياد للخصم، ويسلمك مجزوما من باب التفعيل جواب النهى، أي لا تعطف ولا ترخ عنانك الى قبول ما يلقى إليك فانّك ان فعلت ذلك يعقلك في مقام الجدال بما قبلت منه. وسمه عطف على لا تثن، وهو فعل أمر من وسم يسم سمة بمعنى جعل العلامة، والضمير راجع الى الكلام وهو غير مذكور لفظا، وقوله: «ما لك أو عليك» بدل عن الضمير، أي أعلم كلامك علامة وميّز ما فيه نفعك أو ضررك في مقام المجادلة والمحاجة حقّ التمييز حتّى تتكلم بما فيه نفعك وتسكت عما فيه ضررك.

نَفْسِكَ نُشُوءَكَ وَلَمْ تَكُنْ وَكِبَرَكَ بَعْدَ صِغَرِكَ وَقُوَّتَكَ بَعْدَ ضَعْفِكَ وَضَعْفَكَ بَعْدَ قُوَّتِكَ وَسُقْمَكَ بَعْدَ صِحَّتِكَ وَصِحَّتَكَ بَعْدَ سُقْمِكَ وَرِضَاكَ بَعْدَ غَضَبِكَ وَغَضَبَكَ بَعْدَ رِضَاكَ وَحُزْنَكَ بَعْدَ فَرَحِكَ وَفَرَحَكَ بَعْدَ حُزْنِكَ وَحُبَّكَ بَعْدَ بُغْضِكَ وَبُغْضَكَ بَعْدَ حُبِّكَ وَعَزْمَكَ بَعْدَ إِبَائِكَ وَإِبَاءَكَ بَعْدَ عَزْمِكَ وَشَهْوَتَكَ بَعْدَ كَرَاهَتِكَ وَكَرَاهَتَكَ بَعْدَ شَهْوَتِكَ وَرَغْبَتَكَ بَعْدَ رَهْبَتِكَ وَرَهْبَتَكَ بَعْدَ رَغْبَتِكَ وَرَجَاءَكَ بَعْدَ يَأْسِكَ وَيَأْسَكَ بَعْدَ رَجَائِكَ وَخَاطِرَكَ بِمَا لَمْ يَكُنْ فِي وَهْمِكَ وَعُزُوبَ مَا أَنْتَ مُعْتَقِدُهُ عَنْ ذِهْنِكَ وَمَا زَالَ يَعُدُّ عَلَيَّ قُدْرَتَهُ الَّتِي هِيَ فِي نَفْسِيَ الَّتِي لاَ أَدْفَعُهَا حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ(1).

وَمَقْبُوضُونَ احْتِضَاراً

قال تعالى: «اللّه ُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»(2).

وقال تعالى: «فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ»(3).

وقال تعالى: «وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ

ص: 133


1- . التوحيد للصدوق: 126؛ بحار الأنوار: 3/42، ح18.
2- . الزمر: 42.
3- . الواقعة: 82 - 86.

لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تعملون»(1).

وقال تعالى: «وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّه ِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وهو اسرع الحاسبين»(2).

وقال تعالى: «قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ»(3).

وقال تعالى: «قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»(4).

وقال تعالى: «كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ * وَقِيلَ مَنْ راقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ»(5).

وَمُضَمَّنُونَ أَجْدَاثاً

قال تعالى: «فَبَعَثَ اللّه ُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَ عَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ»(6).

وقال تعالى: «مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى»(7).

عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ الْقَزْوِينِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عليه السلام فَقُلْتُ لِأَيِّ عِلَّةٍ

ص: 134


1- . الانعام: 60.
2- . الانعام: 61 - 62.
3- . السجدة: 11.
4- . الجمعة: 8.
5- . القيامة: 26 - 30.
6- . المائدة: 31.
7- . طه: 55.

يُولَدُ الاْءِنْسَانُ هَاهُنَا وَيَمُوتُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ لِأَنَّ اللّه َ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا خَلَقَ خَلْقَهُ خَلَقَهُمْ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ فَمَرْجِعُ كُلِّ إِنْسَانٍ إِلَى تُرْبَتِهِ(1)؛ قال تعالى: «أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً * أَحْياءً وَأَمْواتاً»(2).

ورُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ هَرْثَمَةَ قَالَ: دَعَانِي الْمُتَوَكِّلُ فَقَالَ اخْتَرْ ثَلاَثَمِائَةِ رَجُلٍ مِمَّنْ تُرِيدُ وَاخْرُجُوا إِلَى الْكُوفَةِ فَخَلِّفُوا أَثْقَالَكُمْ فِيهَا وَاخْرُجُوا عَلَى طَرِيقِ الْبَادِيَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَحْضِرُوا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الرِّضَا عليه السلام إِلَى عِنْدِي مُكَرَّماً مُعَظَّماً مُبَجَّلاً.

قَالَ فَفَعَلْتُ وَخَرَجْنَا وَكَانَ فِي أَصْحَابِي قَائِدٌ مِنَ الشُّرَاةِ(3) وَكَانَ لِي كَاتِبٌ يَتَشَيَّعُ وَأَنَا عَلَى مَذْهَبِ الْحَشْوِيَّةِ(4) وَكَانَ ذَلِكَ الشَّارِي يُنَاظِرُ ذَلِكَ الْكَاتِبَ وَكُنْتُ أَسْتَرِيحُ إِلَى مُنَاظَرَتِهِمَا لِقَطْعِ الطَّرِيقِ.

فَلَمَّا صِرْنَا إِلَى وَسَطِ الطَّرِيقِ(5) قَالَ الشَّارِي لِلْكَاتِبِ أَ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبِكُمْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْأَرْضِ بُقْعَةٌ إِلاَّ وَهِيَ قَبْرٌ أَوْ سَتَكُونُ قَبْراً.فَانْظُرْ إِلَى هَذِهِ الْبَرِّيَّةِ(6) أَيْنَ مَنْ يَمُوتُ فِيهَا حَتَّى يَمْلَأَهَا اللّه ُ قُبُوراً كَمَا تَزْعُمُونَ

ص: 135


1- . علل الشرايع: 1/308، ح1؛ بحار الأنوار: 57/358، ح45.
2- . المرسلات: 25 - 26.
3- . الشراة، جمع شار: وهم الخوارج الذين خرجوا عن طاعة الامام، وانما لزمهم هذا اللقب لانهم زعموا أنهم شروا دنياهم بالآخرة أي باعوا، أو شروا أنفسهم بالجنة لانهم فارقوا أئمة الجور. قاله الطريحى في المجمع: 1/245.
4- . الحشوية: طائفة من أصحاب الحديث تمسكوا بالظاهر. لقبوا بهذا اللقب لاحتمالهم كل حشو روى من الأحاديث المختلفة المتناقضة، راجع معجم الفرق الإسلامية: 97، فرق الشيعة: 34.
5- . «فلما انتصفنا المسافة» اثبات الهداة: 4/432.
6- . البرية: الصحراء جمعها برارى.

قَالَ فَقُلْتُ لِلْكَاتِبِ أَ هَذَا مِنْ قَوْلِكُمْ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ صَدَقَ أَيْنَ مَنْ يَمُوتُ فِي هَذِهِ الْبَرِّيَّةِ الْعَظِيمَةِ حَتَّى تَمْتَلِئَ قُبُوراً وَتَضَاحَكْنَا سَاعَةً (من كلام الشيعى) إِذِ انْخَذَلَ الْكَاتِبُ فِي أَيْدِينَا.

قَالَ وَسِرْنَا حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ فَقَصَدْتُ بَابَ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الرِّضَا عليه السلام فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ (عليه) فَقَرَأَ كِتَابَ الْمُتَوَكِّلِ فَقَالَ انْزِلُوا وَلَيْسَ مِنْ جِهَتِي خِلاَفٌ.

قَالَ فَلَمَّا صِرْتُ إِلَيْهِ مِنَ الْغَدِ وَكُنَّا فِي تَمُّوزَ أَشَدَّ مَا يَكُونُ مِنَ الْحَرِّ فَإِذَا بَيْنَ يَدَيْهِ خَيَّاطٌ وَهُوَ يَقْطَعُ مِنْ ثِيَابٍ غِلاَظٍ خَفَاتِينَ(1) لَهُ وَلِغِلْمَانِهِ ثُمَّ قَالَ لِلْخَيَّاطِ اجْمَعْ عَلَيْهَا جَمَاعَةً مِنَ الْخَيَّاطِينَ وَاعْمِدْ عَلَى الْفَرَاغِ مِنْهَا يَوْمَكَ هَذَا وَبَكِّرْ بِهَا إِلَيَّ فِي هَذَا الْوَقْتِ ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ وَقَالَ يَا يَحْيَى اقْضُوا وَطَرَكُمْ(2) مِنَ الْمَدِينَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَاعْمَلْ

عَلَى الرَّحِيلِ غَداً فِي هَذَا الْوَقْتِ.

قَالَ فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَأَنَا أَتَعَجَّبُ مِنْهُ مِنَ الْخَفَاتِينِ وَأَقُولُ فِي نَفْسِي نَحْنُ فِي تَمُّوزَ وَحَرِّ الْحِجَازِ وَإِنَّمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْعِرَاقِ مَسِيرَةُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ(3) فَمَا يَصْنَعُ بِهَذِهِ الثِّيَابِ ثُمَّ قُلْتُ فِي نَفْسِي هَذَا رَجُلٌ لَمْ يُسَافِرْ وَهُوَ يُقَدِّرُ أَنَّ كُلَّ سَفَرٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى هَذِهِ الثِّيَابِ وَأَتَعَجَّبُ مِنَ الرَّافِضَةِ حَيْثُ يَقُولُونَ بِإِمَامَةِ هَذَا مَعَ فَهْمِهِ هَذَا.

فَعُدْتُ إِلَيْهِ فِي الْغَدِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِذَا الثِّيَابُ قَدْ أُحْضِرَتْ فَقَالَ لِغِلْمَانِهِ ادْخُلُوا وَخُذُوا لَنَا مَعَكُمْ لَبَابِيدَ وَبَرَانِسَ(4) ثُمَّ قَالَ ارْحَلْ يَا يَحْيَى فَقُلْتُ فِي نَفْسِي وَهَذَا

ص: 136


1- . الخفتان: ضرب من الثياب، والكلمة من الدخيل.
2- . الوطر: الحاجة والبغية جمعها أوطار.
3- . «عشرين يوما» ه.
4- . اللبادة: هنة من صوف تلبس على الرأس. أو هي القباء من اللبد، وقيل: ما يلبس للمطر. والبرنس: كل ثوب رأسه منه ملزوق به من دراعة أو جبة أو ممطر أو غيره.

أَعْجَبُ مِنَ الْأَوَّلِ أَ يَخَافُ أَنْ يَلْحَقَنَا الشِّتَاءُ فِي الطَّرِيقِ حَتَّى أَخَذَ مَعَهُ اللَّبَابِيدَ وَالْبَرَانِسَ.

فَخَرَجْتُ وَأَنَا أَسْتَصْغِرُ فَهْمَهُ فَسِرْنَا حَتَّى وَصَلْنَا إِلَى مَوْضِعِ(1) الْمُنَاظَرَةِ فِي الْقُبُورِ

ارْتَفَعَتْ سَحَابَةٌ وَاسْوَدَّتْ وَأَرْعَدَتْ وَأَبْرَقَتْ حَتَّى إِذَا صَارَتْ عَلَى رُءُوسِنَا أَرْسَلَتْ عَلَيْنَا بَرَداً(2) مِثْلَ الصُّخُورِ وَقَدْ شَدَّ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غِلْمَانِهِ الْخَفَاتِينَ وَلَبِسُوا اللَّبَابِيدَ وَالْبَرَانِسَ وَقَالَ لِغِلْمَانِهِ ادْفَعُوا إِلَى يَحْيَى لُبَّادَةً وَإِلَى الْكَاتِبِ بُرْنُساً وَتَجَمَّعْنَا وَالْبَرْدُ يَأْخُذُنَا حَتَّى قَتَلَ مِنْ أَصْحَابِي ثَمَانِينَ رَجُلاً وَزَالَتْ وَرَجَعَ الْحَرُّ كَمَا كَانَ.

فَقَالَ لِي يَا يَحْيَى انْزِلْ أَنْتَ وَمَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِكَ لِيُدْفَنَ مَنْ قَدْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِكَ ثُمَّ قَالَ عليه السلام: فَهَكَذَا يَمْلَأُ اللّه ُ هَذِهِ الْبَرِّيَّةَ قُبُوراً.

قَالَ يَحْيَى فَرَمَيْتُ بِنَفْسِي عَنْ دَابَّتِي وَعَدَوْتُ إِلَيْهِ فَقَبَّلْتُ رِكَابَهُ وَرِجْلَهُ وَقُلْتُ أَنَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللّه ُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّكُمْ خُلَفَاءُ اللّه ِ فِي أَرْضِهِ وَقَدْ كُنْتُ كَافِراً وَإِنَّنِي الاْنَ قَدْ أَسْلَمْتُ عَلَى يَدَيْكَ يَا مَوْلاَيَ قَالَ يَحْيَى وَتَشَيَّعْتُ وَلَزِمْتُ خِدْمَتَهُ (حديثه) إِلَى أَنْ مَضَى(3).

وَكَائِنُونَ رُفَاتاً

الرّفات: الحطام قال تعالى: «أَ إِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً...»(4).(5)

وفي غريب القرآن: رفاتا وفتاتا واحد ويقال الرّفات: ما تناثر وبلى

ص: 137


1- . حتى وصلنا ذلك الموضع الذي وقعت» البحار: 2/466.
2- . البرد: ماء الغمام يتجمد في الهواء البارد ويسقط على الأرض حبوبا.
3- . الخرائج والحرائح: 1/393، ح2؛ بحار الأنوار: 50/142، ح27.
4- . الإسراء: 49.
5- . الصحاح: 249/1.

من كلّ شيء(1).

وَمَبْعُوثُونَ أَفْرَاداً

قال تعالى: «يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ، كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِر»(2).

وقال تعالى: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ»(3). قال في مجمع البيان: أى جئتمونا وحدانا لا مال لكم ولا خول ولا ولد ولا حشم وقيل واحدا واحدا عليحده وقيل كلّ واحد منكم منفردا من شريكه في الغيّ وشفيقه كما خلقناكم أوّل مرّة أى خلقناكم في بطون امّهاتكم لا ناصر لكم ولا معين وقيل معناه ما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: تحشرون حفاتا عراتا عزلا، والعزل هم الغلف(4).

وروى إنّ عايشة قالت لرسول اللّه صلى الله عليه و آله حين سمعت ذلك: واسوأتاه ينظر بعضهم إلى سوءة بعض من الرّجال والنّساء قال: صلّى اللّه عليه وآله: لكلّ امرء منهم يومئذ شأن يغنيه ويشغل بعضهم عن بعض(5).

وقال تعالى: «وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً»(6).

وقال تعالى: «وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً»(7).

ص: 138


1- . غريب القرآن للسجستانى: 1/244.
2- . القمر: 7.
3- . الانعام: 94.
4- . مجمع البيان: 521/4.
5- . مجمع البيان: 521/4؛ بحار الأنوار: 69/7.
6- . مريم: 95.
7- . مريم: 80.

وَمَدِينُونَ جَزَاءً

أى مجزيّون بأعمالهم جزاء إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّا.

قال تعالى: «فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ»(1).

وقال تعالى: «يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ»(2).

وقال تعالى: «يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللّه ُ إِنَّ اللّه َ لَطِيفٌ خَبِير»(3).

وقال تعالى: «وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ»(4).

وقال تعالى: «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ»(5).

وقال تعالى: «لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ»(6).

وقال تعالى: «لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى»(7).

وقال تعالى: «الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ»(8).وقال تعالى: «لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُون»(9).

وقال تعالى: «هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُون»(10).

ص: 139


1- . الواقعة: 85 - 86.
2- . الزلزال: 6 - 8.
3- . لقمان: 16.
4- . الانبياء: 47.
5- . الانعام: 160.
6- . الجاثية: 14.
7- . طه: 15.
8- . غافر: 17.
9- . التحريم: 7.
10- . الاعراف: 147.

وقال تعالى: «جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُون»(1).

وَمُمَيَّزُونَ حِسَاباً

أى في حساب يعني بتميّز المؤمن من المجرم والتقيّ من الشّقيّ والجيّد من الرّديّ في يوم الحساب ومقام المحاسبة كما قال سبحانه: «وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ»(2) أي اعتزلوا من أهل الجنّة وكونوا فرقة على حدة.

وقال تعالى: «وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير»(3).

فى الحديث أنّه إذا جمع اللّه الخلق يوم القيامة بقوا قياما على أقدامهم حتّى يلجمهم العرق فينادون يا ربّنا حاسبنا ولو إلى النار فيبعث اللّه رياحا فتضرب بينهم وينادى مناد: وامتازوا اليوم أيّها المجرمون، فتميّز بينهم فصار المجرمون إلى النار ومن كان فى قلبه ايمان صار إلى الجنّة(4).

وقال تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللّه ِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّه ِ الْغَرُورُ»(5).

وقال تعالى: «وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلاتَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُون»(6).

ص: 140


1- . الواقعة: 24.
2- . يس: 59.
3- . الشورى: 7.
4- . تفسير القمي: 2/216؛ بحار الأنوار: 7/103، ح14.
5- . لقمان: 33.
6- . البقرة: 123.

وقال تعالى: «لِيَمِيزَ اللّه ُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّب»(1).

قَدْ أُمْهِلُوا فِي طَلَبِ الْمَخْرَجِ

قال تعالى: «أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ»(2).

وقال تعالى: «أَ يَحْسَبُ الاْءِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً»(3).

وَهُدُوا سَبِيلَ الْمَنْهَجِ

قال تعالى: «إِنَّا خَلَقْنَا الاْءِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً»(4).

وقال تعالى: «وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها * فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها»(5) بالرسول الباطن وهو العقل كما ذكّرها بالرسول الظاهر.

وَعُمِّرُوا مَهَلَ الْمُسْتَعْتِبِ

قال تعالى: «أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّه ِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ»(6).

وفي الخبر أنّ قوله تعالى: «أَ وَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ...»(7) خطاب

ص: 141


1- . الانفال: 37.
2- . المؤمنون: 115.
3- . القيامة: 36.
4- . الدهر: 2 - 3.
5- . الشمس: 7 - 8.
6- . الحديد: 16.
7- . فاطر: 37.

لابن ثماني عشرة سنة(1).

وعَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ لَتَطْلُعُ وَمَعَهَا أَرْبَعَةُ أَمْلاَكٍ مَلَكٌ يُنَادِي يَا صَاحِبَ الْخَيْرِ أَتِمَّ وَأَبْشِرْ وَمَلَكٌ يُنَادِي يَا صَاحِبَ الشَّرِّ انْزِعْ وَأَقْصِرالخ(2).

وَكُشِفَتْ عَنْهُمْ سُدَفُ الرِّيَبِ

قال النبيّ صلَّى اللّه عليه وآله للنّاس في حجّة الوداع، ما من شيء يقرّبكم من الجنّة إلاّ أمرتكم به وما من شيء يقرّبكم من النّار إلاّ نهيتكم عنه(3).

وقال تعالى: «لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ»(4).

وَخُلُّوا لِمِضْمَارِ الْجِيَادِ

قال تعالى: «فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللّه ِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ»(5).

وَقَالَ صلى الله عليه و آله: الدُّنْيَا مَزْرَعَةُ الاْخِرَة(6).

وَرَوِيَّةِ الاِرْتِيَاد

قال تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه َ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللّه َإِنَّ اللّه َ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ»(7).

ص: 142


1- . مجمع البيان: 641/8.
2- . الكافي: 42/2، ح1.
3- . تحف العقول: 40؛ بحار الأنوار: 74/143، ح34.
4- . البقرة: 262.
5- . المائدة: 48.
6- . عوالى اللئالى: 267/1، ح66.
7- . الحشر: 18.

وقال تعالى: «وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللّه َ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ * لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ»(1).

وقال تعالى: «وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون»(2).

وفى الحديث: تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَة(3).

وقال عليه السلام لكليب الجرمي وَقَدْ أَرْسَلَهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ لَمَّا قَرُبَ عليه السلاممِنْهَا لِيَعْلَمَ لَهُمْ مِنْهُ حَقِيقَةَ حَالِهِ مَعَ أَصْحَابِ الْجَمَلِ لِتَزُولَ الشُّبْهَةُ مِنْ نُفُوسِهِمْ فَبَيَّنَ لَهُ عليه السلام مِنْ أَمْرِهِ مَعَهُمْ مَا عَلِمَ بِهِ أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ ثُمَّ قَالَ لَهُ بَايِعْ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ قَوْمٍ وَلاَ أُحْدِثُ حَدَثاً حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ عليه السلام أَ رَأَيْتَ لَوْ أَنَّ الَّذِينَ وَرَاءَكَ بَعَثُوكَ رَائِداً تَبْتَغِي لَهُمْ مَسَاقِطَ الْغَيْثِ فَرَجَعْتَ إِلَيْهِمْ وَأَخْبَرْتَهُمْ عَنِ الْكَلاَءِ وَالْمَاءِ فَخَالَفُوا إِلَى الْمَعَاطِشِ وَالْمَجَادِبِ مَا كُنْتَ صَانِعاً؟ قَالَ كُنْتُ تَارِكَهُمْ وَمُخَالِفَهُمْ فَقَالَ عليه السلام: فَامْدُدْ إِذاً يَدَكَ فَقَالَ الرَّجُلُ فَوَاللّه ِ مَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَمْتَنِعَ عِنْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَي(4).

وَأَنَاةِ الْمُقْتَبِسِ الْمُرْتَادِ فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ وَمُضْطَرَبِ الْمَهَلِ

قال تعالى: «وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤخِّرَ اللّه ُ نَفْساً إِذاجاءَ أَجَلُها وَاللّه ُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ»(5).

ص: 143


1- . الحشر: 19 - 20.
2- . النحل: 44.
3- . بحار الأنوار: 66/293.
4- . شرح نهج البلاغة لابن ابى الحديد: 9/299.
5- . المنافقون: 10 - 11.

فَيَا لَهَا أَمْثَالاً صَائِبَةً

الأمثال الصّائبة للانسان والدّنيا على أنحاء منها من حيث فنائها كقوله تعالى: «فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْس»(1).

ومنها من حيث عدم ثبات من يستندون اليه من أهل الدّنيا كقوله تعالى: «مَثَلُ

الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّه ِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ»(2).

ومنها من حيث عجز من يعتمدون عليه كقوله تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّه ِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ»(3).

وَمَوَاعِظَ شَافِيَةً

من أمراض الأخلاق الرّذيلة قال تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤمِنِين»(4).

ص: 144


1- . يونس: 23 - 24.
2- . العنكبوت: 41.
3- . الحج: 72.
4- . يونس: 57.

وقال تعالى: «هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ»(1).

لَوْ صَادَفَتْ قُلُوباً زَاكِيَةً

قال تعالى: «يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ. إِلاَّ مَنْ أَتَى اللّه َ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»(2).

وقال تعالى: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها * وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها»(3).

وقال تعالى: «لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها»(4).

وقال تعالى: «وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْر»(5).

وقال تعالى: «بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا»(6).

وقال تعالى: «فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللّه ِ»(7).

وَأَسْمَاعاً وَاعِيَةً

قال تعالى: «وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَة»(8).

وقال تعالى: «وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ»(9).

وقال تعالى: «وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها»(10).

وقال تعالى: «وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا»(11).

ص: 145


1- . آل عمران: 138.
2- . الشعراء: 89.
3- . الشمس: 9 - 10.
4- . الاعراف: 179.
5- . فصلت: 5.
6- . المؤمنون: 63.
7- . الزمر: 22.
8- . الحاقة: 12.
9- . الانفال: 21.
10- . الاعراف: 179.
11- . الاعراف: 198.

وَآرَاءً عَازِمَةً

سَأَلَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام ابْنَهُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ فَقَالَ يَا بُنَيَّ: مَا الْحَزْمُ قَالَ أَنْ تَنْتَظِرَ فُرْصَتَكَ وَتُعَاجِلَ مَا أَمْكَنَك(1).

وفي الحديث: الحزم بضاعة والتّواني اضاعة(2).

وفيه: الظفر بالحزم والحزم باجالة الرّأى والرأى بتحصين الأسرار(3).

قال بعض شرّاح الحديث أشار إلى أسباب الظفر القريب والمتوسّط والبعيد فالحزم أن تقدم العمل للحوادث الممكنة قبل وقوعها بما هو أبعد عن الغرور وأقرب إلى السّلامة، وهو السبب الأقرب للظفر بالمطالب والمتوسط هو إجالة الرّأى وإعماله في تحصيل الوجه الأحزم وهو سبب أقرب للحزم، والأبعد هو اسرار ما يطلب وهو سبب أقرب للرّأى الصّالح إذ قلّ ما يتمّ رأى ويظفر بمطلوب مع ظهور إرادته(4)، هذا.

وفي الحديث: الحزم في القلب والرّحمة والغلظ في الكبد، والحياء في الرّية(5).

قال تعالى: «وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً»(6).

وفي الخبر: المؤمن أشدّ من الجبل لا يستقل عن دينه(7)، وقال الحسين عليه السلام لو لم

ص: 146


1- . معانى الأخبار: 401؛ بحار الأنوار: 75/101، ح1.
2- . مجمع البحرين: 6/39؛ مستدرك الوسائل: 12/66، ح13527.
3- . نهج البلاغة فيض الاسلام: 1110، الحكمة 45 ومجمع البحرين: 6/39.
4- . مجمع البحرين: 6/39.
5- . مجمع البحرين: 6/40.
6- . طه: 115.
7- . تفسير العياشى: 2/301، ح111؛ بحار الأنوار: 37/165، ح41.

يكن لي ملجأ في الدّنيا ولا ناصر لما بايعت يزيد(1) وحضر للجهاد في سبيل الحقّ مع تلك العدّة القليلة.

وَأَلْبَاباً حَازِمَةً

قال تعالى: «الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللّه ُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ»(2).

فَاتَّقُوا اللّه َ تَقِيَّةَ مَنْ سَمِعَ فَخَشَعَ

قال تعالى: «وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ...»(3).

وقال تعالى: «وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعا»(4).

وقال تعالى: «أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّه ِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُون»(5).

وَاقْتَرَفَ فَاعْتَرَفَ

قال تعالى: «وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللّه َ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ...»(6).

ص: 147


1- . تسلية المجالس: 2/158؛ بحار الأنوار: 44/329.
2- . الزمر: 18.
3- . المائدة: 83.
4- . الإسراء: 109.
5- . الحديد: 16.
6- . آل عمران: 135.

لمّا حاصر النبيّ صلَّى اللّه عليه وآله بني قريظة قالوا ابعث لنا أبا لبابة نستشيره في أمرنا فقال صلَّى اللّه عليه وآله له ائت حلفاءك فأتاهم فقالوا له ما ترى أ ننزل

على حكمه فقال نعم واعلموا انّ حكمه فيكم - وأشار الى حلقه - أي الذّبح ثمّ ندم فقال خنت اللّه ورسوله ونزل من حصنهم ولم يرجع اليه صلَّى اللّه عليه وآله ومرّ الى المسجد وشدّ في عنقه حبلا ثمّ شدّه الى الاسطوانة الّتي تسمّى اسطوانة التّوبة وقال لا أحلّه حتى أموت أو يتوب اللّه عليّ فبلغ ذلك النبيّ صلَّى اللّه عليه وآله

فقال انّا لو أتانا لاستغفرنا اللّه له وامّا اذ قصد الى ربّه فاللّه أولى به وكان يصوم النهار ويأكل باللّيل ما يمسك رمقه فكانت بنته تأتيه بعشائه وتحلّه عند قضاء الحاجة فلّما كان بعد ذلك والنبيّ صلَّى اللّه عليه وآله في بيت امّ سلمة نزلت توبته

«وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّه ُ أَنْ يَتُوبَ

عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّه َ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(1)، فقال صلى الله عليه و آله: لها قد تاب اللّه عليه فقالت أَفَأُوذِنُهُ فقال لتفعلنّ فأخرجت رأسها من الحجرة فقالت ابشر يا أبا لبابة قد تاب اللّه عليك فقال الحمد للّه فوثب المسلمون يحلّونه فقال لا واللّه حتّى يحلّني صلَّى اللّه عليه وآله

فجاء صلَّى اللّه عليه وآله فقال تاب اللّه عليك لو ولدت من امّك يومك هذا لكفاك فقال ا فاتصدّق به بمالي كلّه قال لا قال فبثلثيه قال لا قال فبنصفه قال لا قال فثلثه؟ فقال نعم(2).

ص: 148


1- . التوبة: 102.
2- . تفسير القمي: 1/303؛ بحار الأنوار: 22/93، ح46.

وَوَجِلَ فَعَمِلَ وَحَاذَرَ فَبَادَرَ

قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ

أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ * أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ»(1).

وقال تعالى: «فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّه ُ جَمِيعاً»(2).

وَأَيْقَنَ فَأَحْسَنَ

قال تعالى: «فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى»(3).

وَعُبِّرَ فَاعْتَبَرَ

«و عبّر فاعتبر» أي: رأى اسباب العبرة فاعتبر بها.

قال تعالى: «لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْباب»(4).

وقال تعالى:: «وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً»(5).

وقال تعالى: «إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى»(6).

وقال تعالى: «يُقَلِّبُ اللّه ُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصار(7).

وقال تعالى: فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصار»(8).

ص: 149


1- . المؤمنون: 57 - 61.
2- . البقرة: 148.
3- . الليل: 5 - 7.
4- . يوسف: 111.
5- . المؤمنون: 21.
6- . النازعات: 26.
7- . النور: 44.
8- . الحشر: 2.

وَحُذِّرَ فَحَذِرَ

قال تعالى: «وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى»(1).

وَزُجِرَ فَازْدَجَرَ

قال تعالى: «وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَر»(2).

وقال تعالى في سورة القمر كراراً: «وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ»(3).

وَأَجَابَ فَأَنَابَ

قال تعالى: «يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللّه ِ وَآمِنُوا بِه»(4).

وقال تعالى: «وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَه»(5).

وقال تعالى: «إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيب»(6).

وقال تعالى: «وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللّه ِ لَهُمُ الْبُشْرى»(7).

وَرَاجَعَ فَتَابَ

قال تعالى: «وَتُوبُوا إِلَى اللّه ِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»(8).

ص: 150


1- . النازعات: 40 - 41.
2- . القمر: 4.
3- . القمر: 17 و...
4- . الاحقاف: 31.
5- . الزمر: 54.
6- . هود: 75.
7- . الزمر: 17.
8- . النور: 31.

وقال تعالى: «فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّه َ يَتُوبُ عَلَيْهِ»(1).

وقال تعالى: «ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللّه َ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»(2).

وقال تعالى: «أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّه َ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِه»(3).

وَاقْتَدَى فَاحْتَذَى

قال تعالى: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّه َ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّه ُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّه ُ غَفُورٌ رَحِيم»(4).

وقال تعالى: «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّه ِ أُسْوَةٌ حَسَنَة»(5).

وقال تعالى: «قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَه»(6).

وقال تعالى: «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللّه»(7).

وَأُرِيَ فَرَأَى

قال تعالى: «هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ، وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً، وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّمَنْ يُنِيب»(8).

فَأَسْرَعَ طَالِباً

قال تعالى: «وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللّه ِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً

ص: 151


1- . المائدة: 39.
2- . التوبة: 118.
3- . التوبة: 104.
4- . آل عمران: 31.
5- . الاحزاب: 21.
6- . الممتحنة: 4.
7- . الممتحنة: 6.
8- . المؤمن: 13.

وَاسْتَغْفِرُوا اللّه َ إِنَّ اللّه َ غَفُورٌ رَحِيم»(1).

وقال تعالى: «وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ»(2).

وقال تعالى: «أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُون»(3).

وقال تعالى: «إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَبا»(4).

وَنَجَا هَارِباً فَأَفَادَ ذَخِيرَةً

قال تعالى: «وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُون»(5).

وَأَطَابَ سَرِيرَةً

قال تعالى: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها»(6).

وَعَمَّرَ مَعَاداً

قال تعالى: «وَإِنَّ الدَّارَ الاْخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوان»(7).

وَاسْتَظْهَرَ زَاداً لِيَوْمِ رَحِيلِهِ وَوَجْهِ سَبِيلِهِ وَحَالِ حَاجَتِهِ وَمَوْطِنِ فَاقَتِهِ

عن أميرالمؤمنين عليه السلام مَا مِنْ يَوْمٍ يَمُرُّ عَلَى ابْنِ آدَمَ إِلاَّ قَالَ لَهُ ذَلِكَ الْيَوْمُ أَنَا يَوْمٌجَدِيدٌ وَأَنَا عَلَيْكَ شَهِيدٌ فَقُلْ فِيَّ خَيْراً وَاعْمَلْ فِيَّ خَيْراً أَشْهَدْ لَكَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنَّكَ

ص: 152


1- . المزمل: 20.
2- . آل عمران: 114.
3- . المؤمنون: 61.
4- . الانبياء: 90.
5- . فصلت: 18.
6- . الشمس: 9.
7- . العنكبوت: 64.

لَنْ تَرَانِي بَعْدَ هَذَا أَبَداً(1).

وَقَدَّمَ أَمَامَهُ لِدَارِ مُقَامِهِ

قال تعالى: «وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِين»(2).

فَاتَّقُوا اللّه َ عِبَادَ اللّه ِ جِهَةَ مَا خَلَقَكُمْ لَهُ

قال تعالى: «أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُون»(3).

وقال تعالى: «أَ يَحْسَبُ الاْءِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدى»(4).

وقال تعالى: «وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاْءِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ»(5).

وقال تعالى: «وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللّه َ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»(6).

وقال تعالى: «ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُون»(7).

وَاحْذَرُوا مِنْهُ كُنْهَ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ

قال تعالى: «وَيُحَذِّرُكُمُ اللّه ُ نَفْسَه»(8).

وقال تعالى: «وَإِيَّايَ فَارْهَبُون»(9).

ص: 153


1- . من لا يحضره الفقيه: 4/397، ح5849؛ بحار الأنوار: 74/379، ح3.
2- . المنافقون: 10.
3- . المؤمنون: 115.
4- . القيامة: 36.
5- . الذاريات: 56.
6- . البينة: 5.
7- . الذاريات: 57.
8- . آل عمران: 28.
9- . البقرة: 40.

وقال تعالى: «وَمَنْ يَعْصِ اللّه َ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِين»(1).

وقال تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه َ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه ِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا»(2).

وقال تعالى: «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ»(3).

وقال تعالى: «كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ»(4).

وَاسْتَحِقُّوا مِنْهُ مَا أَعَدَّ لَكُمْ بِالتَّنَجُّزِ لِصِدْقِ مِيعَادِهِ

قال تعالى: «وَعْدَ اللّه ِ لا يُخْلِفُ اللّه ُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُون»(5).

وقال تعالى: «وَعْدَ اللّه ِ لا يُخْلِفُ اللّه ُ الْمِيعادَ»(6).

وقال تعالى: «وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّه ِ قِيلا»(7).

وقال تعالى: «وَعَدَ اللّه ُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيم»(8).

وقال تعالى: «لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ

ص: 154


1- . النساء: 14.
2- . آل عمران: 102 - 103.
3- . النور: 63.
4- . التكاثر: 5 - 8.
5- . الروم: 6.
6- . الزمر: 20.
7- . النساء: 122.
8- . المائدة: 9.

فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللّه ِ وَاللّه ُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ»(1).

وقال تعالى: «وَعَدَ اللّه ُ الْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها - وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللّه ِ أَكْبَر»(2).

عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ مَا خَلَقَ اللّه ُ خَلْقاً إِلاَّ جَعَلَ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مَنْزِلاً - وَفِي النَّارِ مَنْزِلاً - فَإِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ نَادَى مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ أَشْرِفُوا - فَيُشْرِفُونَ عَلَى أَهْلِ النَّارِ وَتُرْفَعُ لَهُمْ مَنَازِلُهُمْ فِيهَا - ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ هَذِهِ مَنَازِلُكُمُ - الَّتِي لَوْ عَصَيْتُمُ اللّه َ لَدَخَلْتُمُوهَا يَعْنِي النَّارَ قَالَ فَلَوْ أَنَّ أَحَداً مَاتَ فَرَحاً - لَمَاتَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَرَحاً - لِمَا صُرِفَ عَنْهُمْ مِنَ الْعَذَابِ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ يَا أَهْلَ النَّارِ ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ فَيَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ فَيَنْظُرُونَ مَنَازِلَهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَمَا فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ - فَيُقَالُ لَهُمْ هَذِهِ مَنَازِلُكُمُ - الَّتِي لَوْ أَطَعْتُمْ رَبَّكُمْ لَدَخَلْتُمُوهَا - قَالَ فَلَوْ أَنَّ أَحَداً مَاتَ حُزْناً - لَمَاتَ أَهْلُ النَّارِ حُزْناً - فَيُورَثُ هَؤلاَءِ مَنَازِلَ هَؤلاَءِ - وَيُورَثُ هَؤلاَءِ مَنَازِلَ هَؤلاَءِ - وَذَلِكَ قَوْلُ اللّه ِ أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ(3).

وَالْحَذَرِ مِنْ هَوْلِ مَعَادِهِ

قال تعالى: «وَعَدَ اللّه ُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها»(4).

وقال تعالى: «وَلَنْ يُخْلِفَ اللّه ُ وَعْدَه»(5).

ص: 155


1- . آل عمران: 15.
2- . التوبة: 72.
3- . تفسير القمي: 2/89؛ بحار الأنوار: 8/287، ح19.
4- . التوبة: 68.
5- . الحج: 47.

وقال تعالى: «أَلا إِنَّ للّه ِِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللّه ِ حَق»(1).

كانّا نرى أن لا نشور وأنّنا

سدى مالنا بعد الممات مصائر

ألا لا ولكنّا نغرّ نفوسنا

وتشغلنا اللذّات عمّا نحاذر

وكيف يلذّ العيش من هو موقن

بموقف عدل حين تبلى السرائر(2)

ومنها: جَعَلَ لَكُمْ أَسْمَاعاً لِتَعِيَ مَا عَنَاهَا

قال تعالى: «وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ»(3).

وقال تعالى: «وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ»(4).

وقال تعالى: «فَبَشِّرْ عِبادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللّه ُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ»(5).

عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ(6).

وَأَبْصَاراً لِتَجْلُوَ عَنْ عَشَاهَا

قال تعالى: «وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون»(7).

وقال تعالى: «وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ»(8).

ص: 156


1- . يونس: 55.
2- . البداية والنهاية ابن كثير: 12/498.
3- . المؤمنون: 78.
4- . الحاقة: 12.
5- . الزمر: 17 - 18.
6- . الزهد: 10، ح19؛ بحار الأنوار: 290/68، ح58.
7- . النحل: 78.
8- . السجدة: 9.

وَمِمَّا أَجَابَ الرضا عليه السلام بِحَضْرَةِ الْمَأْمُونِ لِصَبَّاحِ بْنِ نَصْرٍ الْهِنْدِيِّ وَعِمْرَانَ الصَّابِي عَنْ مَسَائِلِهِمَا قَالَ عِمْرَانُ: الْعَيْنُ نُورٌ مُرَكَّبَةٌ أَمِ الرُّوحُ تُبْصِرُ الْأَشْيَاءَ مِنْ مَنْظَرِهَا قَالَ عليه السلام الْعَيْنٌ شَحْمَةٌ وَهُوَ الْبَيَاضُ وَالسَّوَادُ وَالنَّظَرُ لِلرُّوحِ دَلِيلُهُ أَنَّكَ تَنْظُرُ فِيهِ فَتَرَى صُورَتَكَ فِي وَسَطِهِ وَالاْءِنْسَانُ لاَ يَرَى صُورَتَهُ إِلاَّ فِي مَاءٍ أَوْ مِرْآةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ صَبَّاحٌ فَإِذَا عَمِيَتِ الْعَيْنُ كَيْفَ صَارَتِ الرُّوحُ قَائِمَةً وَالنَّظَرُ ذَاهِبٌ قَالَ عليه السلام كَالشَّمْسِ طَالِعَةً يَغْشَاهَا الظَّلاَمُ قَالَ أَيْنَ تَذْهَبُ الرُّوحُ قَالَ أَيْنَ يَذْهَبُ الضَّوْءُ الطَّالِعُ مِنَ الْكُوَّةِ فِي الْبَيْتِ إِذَا سُدَّتِ الْكُوَّةُ قَالَ أَوْضِحْ لِي ذَلِكَ قَالَ عليه السلام الرُّوحُ مَسْكَنُهَا فِي الدِّمَاغِ وَشُعَاعُهَا مُنْبَثٌّ فِي الْجَسَدِ بِمَنْزِلَةِ الشَّمْسِ دَارَتُهَا فِي السَّمَاءِ وَشُعَاعُهَا مُنْبَسِطٌ عَلَى الْأَرْضِ فَإِذَا غَابَتِ الدَّائِرَةُ فَلاَ شَمْسَ وَإِذَا قُطِعَ الرَّأْسُ فَلاَ رُوح(1).

فانّ غرض السّائل أنّ المدرك هو العضو أمّ الرّوح تبصر الأشياء وهذا منظره، فاختار عليه السلام الثاني وعلله بأنّ العضو مثل ساير الأجسام الصقيلة يري فيها الوجه كالماء والمرآة فكما أنّها ليست مدركة لما ينطبع فيها فكذا العين وغيرها من المشاعر هذا.

وقد اشير إلى منافع السمع والبصر وبعض حكمهما في حديث المفضل المعروف عن الصادق عليه السلام حيث قال:

انْظُرِ الاْنَ يَا مُفَضَّلُ إِلَى هَذِهِ الْحَوَاسِّ الخمس الَّتِي خُصَّ بِهَا الاْءِنْسَانُ فِي خَلْقِهِ وَشُرِّفَ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ كَيْفَ جُعِلَتِ الْعَيْنَانِ فِي الرَّأْسِ كَالْمَصَابِيحِ فَوْقَ الْمَنَارَةِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ مُطَالَعَةِ الْأَشْيَاءِ وَلَمْ تُجْعَلْ فِي الْأَعْضَاءِ الَّتِي تَحْتَهُنَّ كَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَتَعْتَرِضَهَا الاْفَاتُ وَيُصِيبَهَا مِنْ مُبَاشَرَةِ الْعَمَلِ وَالْحَرَكَةِ مَا يُعَلِّلُهَا وَيُؤثِّرُ فِيهَا وَيَنْقُصُ

ص: 157


1- . مناقب آل أبي طالب عليهم السلام ابن شهر آشوب: 4/353؛ بحار الأنوار: 6/111، ح6.

مِنْهَا وَلاَ فِي الْأَعْضَاءِ الَّتِي وَسَطَ الْبَدَنِ كَالْبَطْنِ وَالظَّهْرِ فَيَعْسُرَ تَقَلُّبُهَا وَاطِّلاَعُهَا نَحْوَ الْأَشْيَاءِ.

فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ مَوْضِعٌ كَانَ الرَّأْسُ أَسْنَى الْمَوَاضِعِ لِلْحَوَاسِّ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّوْمَعَةِ لَهَا فَجَعَلَ الْحَوَاسَّ خَمْساً تَلْقَى خَمْساً لِكَيْ لاَ يَفُوتَهَا شَيْءٌ مِنَ الْمَحْسُوسَاتِ فَخَلَقَ الْبَصَرَ لِيُدْرِكَ الْأَلْوَانَ فَلَوْ كَانَتِ الْأَلْوَانُ وَلَمْ يَكُنْ بَصَرٌ يُدْرِكُهَا لَمْ تَكُنْ فِيهَا مَنْفَعَةٌ وَخَلَقَ السَّمْعَ لِيُدْرِكَ الْأَصْوَاتَ فَلَوْ كَانَتِ الْأَصْوَاتُ وَلَمْ يَكُنْ سَمْعٌ يُدْرِكُهَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِرْبٌ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحَوَاسِّ ثُمَّ هَذَا يَرْجِعُ مُتَكَافِياً فَلَوْ كَانَ بَصَرٌ وَلَمْ تَكُنِ الْأَلْوَانُ لَمَا كَانَ لِلْبَصَرِ مَعْنًى وَلَوْ كَانَ سَمْعٌ وَلَمْ تَكُنْ أَصْوَاتٌ لَمْ يَكُنْ لِلسَّمْعِ مَوْضِعٌ.

فَانْظُرْ كَيْفَ قَدَّرَ بَعْضَهَا يَلْقَى بَعْضاً فَجَعَلَ لِكُلِّ حَاسَّةٍ مَحْسُوساً يَعْمَلُ فِيهِ وَلِكُلِّ مَحْسُوسٍ حَاسَّةً تُدْرِكُهُ وَمَعَ هَذَا فَقَدْ جُعِلَتْ أَشْيَاءُ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ الْحَوَاسِّ وَالْمَحْسُوسَاتِ لاَ تَتِمُّ الْحَوَاسُّ إِلاَّ بِهَا كَمِثْلِ الضِّيَاءِ وَالْهَوَاءِ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ضِيَاءٌ يُظْهِرُ اللَّوْنَ لِلْبَصَرِ لَمْ يَكُنِ الْبَصَرُ يُدْرِكُ اللَّوْنَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَوَاءٌ يُؤدِّي الصَّوْتَ إِلَى السَّمْعِ لَمْ يَكُنِ السَّمْعُ يُدْرِكُ الصَّوْتَ فَهَلْ يَخْفَى عَلَى مَنْ صَحَّ نَظَرُهُ وَأَعْمَلَ فِكْرَهُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الَّذِي وَصَفْتُ مِنْ تَهْيِئَةِ الْحَوَاسِّ وَالْمَحْسُوسَاتِ بَعْضُهَا يَلْقَى بَعْضاً وَتَهْيِئَةِ أَشْيَاءَ أُخَرَ بِهَا تَتِمُّ الْحَوَاسُّ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِعَمَلٍ وَتَقْدِيرٍ مِنْ لَطِيفٍ خَبِيرٍ

فَكِّرْ يَا مُفَضَّلُ فِيمَنْ عَدِمَ الْبَصَرَ مِنَ النَّاسِ وَمَا يَنَالُهُ مِنَ الْخَلَلِ فِي أُمُورِهِ فَإِنَّهُ لاَ يَعْرِفُ مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ وَلاَ يُبْصِرُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَلاَ يَفْرُقُ بَيْنَ الْأَلْوَانِ وَبَيْنَ الْمَنْظَرِ الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ وَلاَ يَرَى حُفْرَةً إِنْ هَجَمَ عَلَيْهَا وَلاَ عَدُوّاً إِنْ أَهْوَى إِلَيْهِ بِسَيْفٍ وَلاَ يَكُونُ لَهُ سَبِيلٌ إِلَى أَنْ يَعْمَلَ شَيْئاً مِنْ هَذِهِ الصِّنَاعَاتِ مِثْلِ الْكِتَابَةِ وَالتِّجَارَةِ

ص: 158

وَالصِّيَاغَةِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ لاَ نَفَاذُ ذِهْنِهِ لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْحَجَرِ الْمُلْقَى وَكَذَلِكَ مَنْ عَدِمَ السَّمْعَ يَخْتَلُّ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ فَإِنَّهُ يَفْقِدُ رَوْحَ الْمُخَاطَبَةِ وَالْمُحَاوَرَةِ وَيَعْدَمُ لَذَّةَ الْأَصْوَاتِ وَاللُّحُونِ الْمُشْجِيَةِ وَالْمُطْرِبَةِ وَتَعْظُمُ الْمَئُونَةُ عَلَى النَّاسِ فِي مُحَاوَرَتِهِ حَتَّى يَتَبَرَّمُوا بِهِ وَلاَ يَسْمَعُ شَيْئاً مِنْ أَخْبَارِ النَّاسِ وَأَحَادِيثِهِمْ حَتَّى يَكُونَ كَالْغَائِبِ وَهُوَ شَاهِدٌ أَوْ كَالْمَيِّتِ وَهُوَ حَي(1).

وَأَشْلاَءً جَامِعَةً لِأَعْضَائِهَا مُلاَئِمَةً لِأَحْنَائِهَا

قال تعالى: «وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئا»(2).

وقال تعالى: «فَلْيَنْظُرِ الاْءِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِق»(3).

وقال تعالى: «أَ لَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِين»(4).

وقال تعالى: «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَة»(5).

قَالَ الْمُفَضَّلُ للصادق عليه السلام صِفْ لى نُشُوءَ الْأَبْدَانِ وَنُمُوَّهَا حَالاً بَعْدَ حَالٍ حَتَّى تَبْلُغَ التَّمَامَ وَالْكَمَالَ قَالَ عليه السلامأَوَّلُ ذَلِكَ تَصْوِيرُ الْجَنِينِ فِي الرَّحِمِ حَيْثُ لاَ تَرَاهُ عَيْنٌ وَلاَ تَنَالُهُ يَدٌ وَيُدَبِّرُهُ حَتَّى يَخْرُجَ سَوِيّاً مُسْتَوْفِياً جَمِيعَ مَا فِيهِ قِوَامُهُ وَصَلاَحُهُ مِنَ الْأَحْشَاءِ وَالْجَوَارِحِ وَالْعَوَامِلِ إِلَى مَا فِي تَرْكِيبِ أَعْضَائِهِ مِنَ الْعِظَامِ وَاللَّحْمِ وَالشَّحْمِ وَالْعَصَبِ وَالْمُخِّ وَالْعُرُوقِ وَالْغَضَارِيفِ(6) فَإِذَا خَرَجَ إِلَى الْعَالَمِ تَرَاهُ كَيْفَيَنْمُو بِجَمِيعِ أَعْضَائِهِ وَهُوَ ثَابِتٌ عَلَى شَكْلٍ وَهَيْئَةٍ لاَ تَتَزَايَدُ وَلاَ تَنْقُصُ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ

ص: 159


1- . توحيد المفضل: 58؛ بحار الأنوار: 3/69.
2- . مريم: 9.
3- . الطارق: 6 - 7.
4- . المرسلات: 20.
5- . غافر: 67.
6- . الغضاريف: جمع غضروف وهو كل عظم رخص لين.

أَشُدَّهُ إِنْ مُدَّ فِي عُمُرِهِ أَوْ يَسْتَوْفِيَ مُدَّتَهُ قَبْلَ ذَلِكَ هَلْ هَذَا إِلاَّ مِنْ لَطِيفِ التَّدْبِيرِ وَالْحِكْمَة(1).

فِي تَرْكِيبِ صُوَرِهَا

قال تعالى: «لَقَدْ خَلَقْنَا الاْءِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم»(2).

وقال تعالى: «أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ»(3).

قال الصادق عليه السلام فكّر يا مفضّل في أعضاء البدن أجمع وتدبير كلّ منها للمآرب، فاليدان للعلاج، والرّجلان للسعيّ، وكذلك جميع الأعضاء إذا ما تأمّلتها وأعملت فكرك فيها وجدت كلّ شيء منها قد قدّر لشيء على صواب وحكمة(4).

وَمُدَدِ عُمُرِهَا

قال تعالى: «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى»(5).

وقال تعالى: «ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُون»(6).

وقال تعالى: «وَلَنْ يُؤخِّرَ اللّه ُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها»(7).

وقال تعالى: «إِنَّ أَجَلَ اللّه ِ إِذا جاءَ لا يُؤخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(8).

ص: 160


1- . توحيد المفضل: 58؛ بحار الأنوار: 3/68.
2- . تين: 4.
3- . البلد: 8 - 9.
4- . توحيد المفضل: 54؛ بحار الأنوار: 3/67.
5- . الانعام: 2.
6- . المؤمنون: 43.
7- . المنافقون: 11.
8- . نوح: 4.

بِأَبْدَانٍ قَائِمَةٍ بِأَرْفَاقِهَا

قال الصادق عليه السلام فَكِّرْ يَا مُفَضَّلُ فِي وُصُولِ الْغِذَاءِ إِلَى الْبَدَنِ وَمَا فِيهِ مِنَ التَّدْبِيرِ فَإِنَّ الطَّعَامَ يَصِيرُ إِلَى الْمَعِدَةِ فَتَطْبُخُهُ وَتَبْعَثُ بِصَفْوِهِ إِلَى الْكَبِدِ فِي عُرُوقٍ دِقَاقٍ وَاشِجَةٍ(1) بَيْنَهُمَا قَدْ جُعِلَتْ كَالْمُصَفِّي لِلْغِذَاءِ لِكَيْلاَ يَصِلَ إِلَى الْكَبِدِ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَنْكَاهَا(2) وَذَلِكَ أَنَّ الْكَبِدَ رَقِيقَةٌ لاَ تَحْتَمِلُ الْعُنْفَ ثُمَّ إِنَّ الْكَبِدَ تَقْبَلُهُ فَيَسْتَحِيلُ بِلُطْفِ التَّدْبِيرِ دَماً وَيُنْفِذُهُ إِلَى الْبَدَنِ كُلِّهِ فِي مَجَارِي مُهَيَّأَةٍ لِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَجَارِي الَّتِي تُهَيَّأُ لِلْمَاءِ لِيَطَّرِدَ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا وَيَنْفُذَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ مِنَ الْخَبَثِ وَالْفُضُولِ إِلَى مَفَايِضَ(3) قَدْ أُعِدَّتْ لِذَلِكَ فَمَا كَانَ مِنْهُ مِنْ جِنْسِ الْمِرَّةِ الصَّفْرَاءِ جَرَى إِلَى الْمَرَارَةِ وَمَا كَانَ مِنْ جِنْسِ السَّوْدَاءِ جَرَى إِلَى الطِّحَالِ وَمَا كَانَ مِنَ الْبِلَّةِ وَالرُّطُوبَةِ جَرَى إِلَى الْمَثَانَةِ فَتَأَمَّلْ حِكْمَةَ التَّدْبِيرِ فِي تَرْكِيبِ الْبَدَنِ وَوَضْعِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ مِنْهُ مَوَاضِعَهَا وَإِعْدَادِ هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ فِيهِ لِتَحْمِلَ تِلْكَ الْفُضُولَ لِئَلاَّ تَنْتَشِرَ فِي الْبَدَنِ فَتُسْقِمَهُ وَتَنْهَكَهُ فَتَبَارَكَ مَنْ أَحْسَنَ التَّقْدِيرَ وَأَحْكَمَ التَّدْبِير(4).

وَقُلُوبٍ رَائِدَةٍ لِأَرْزَاقِهَا

عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام: انَّ مَنْزِلَةَ الْقَلْبِ مِنَ الْجَسَدِ بِمَنْزِلَةِ الاْءِمَامِ مِنَ النَّاسِ الْوَاجِبِ الطَّاعَةِ عَلَيْهِمْ أَ لاَ تَرَى أَنَّ جَمِيعَ جَوَارِحِ الْجَسَدِ شُرَطٌ لِلْقَلْبِ وَتَرَاجِمَةٌ لَهُ مُؤدِّيَةٌ

ص: 161


1- . الواشجة: مؤنث الواشج اسم فاعل بمعنى المشتبك، يقال: وشجت العروق والاغصان إذا اشتبكت. والمراد بالواشجة هنا الموصلة او الواصلة.
2- . نكأ القرحة قشرها قبل ان تبرأ فندبت.
3- . المفايض: المجارى، مأخوذة من فاض الماء، وفي بعض النسخ بالغين من غاض الماء غيضا، أي نضب وذهب في الأرض.
4- . توحيد المفضل: 56؛ بحار الأنوار: 58/321.

عَنْهُ الْأُذُنَانِ وَالْعَيْنَانِ وَالْأَنْفُ وَالْفَمُ وَالْيَدَانِ وَالرِّجْلاَنِ وَالْفَرْجُ فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا هَمَّ بِالنَّظَرِ فَتَحَ الرَّجُلُ عَيْنَيْهِ وَإِذَا هَمَّ بِالاسْتِمَاعِ حَرَّكَ أُذُنَيْهِ وَفَتَحَ مَسَامِعَهُ فَسَمِعَ وَإِذَا هَمَّ الْقَلْبُ بِالشَّمِّ اسْتَنْشَقَ بِأَنْفِهِ فَأَدَّى تِلْكَ الرَّائِحَةَ إِلَى الْقَلْبِ وَإِذَا هَمَّ بِالنُّطْقِ تَكَلَّمَ بِاللِّسَانِ وَإِذَا هَمَّ بِالْبَطْشِ عَمِلَتِ الْيَدَانِ وَإِذَا هَمَّ بِالْحَرَكَةِ سَعَتِ الرِّجْلاَنِ وَإِذَا هَمَّ بِالشَّهْوَةِ تَحَرَّكَ الذَّكَرُ فَهَذِهِ كُلُّهَا مُؤدِّيَةٌ عَنِ الْقَلْب(1).

وعن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الطَّالَقَانِيُّ عن الْحَسَن بْن عَلِيٍّ الْعَدَوِيُّ عن عَبَّاد بْن صُهَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ الرَّبِيعِ صَاحِبِ الْمَنْصُورِ قَالَ: حَضَرَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ عليه السلام مَجْلِسَ الْمَنْصُورِ يَوْماً وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنَ الْهِنْدِ يَقْرَأُ كُتُبَ الطِّبِّ فَجَعَلَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ الصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عليه السلام يُنْصِتُ لِقِرَاءَتِهِ فَلَمَّا فَرَغَ الْهِنْدِيُّ قَالَ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِاللّه ِ أَ تُرِيدُ مِمَّا مَعِي شَيْئاً؟ قَالَ عليه السلام: لاَ؛ فَإِنَّ مَا مَعِي خَيْرٌ مِمَّا مَعَكَ قَالَ وَمَا هُوَ؟ قَالَ عليه السلام: أُدَاوِي الْحَارَّ بِالْبَارِدِ وَالْبَارِدَ بِالْحَارِّ وَالرَّطْبَ بِالْيَابِسِ وَالْيَابِسَ بِالرَّطْبِ وَأَرُدُّ الْأَمْرَ كُلَّهُ إِلَى اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَسْتَعْمِلُ مَا قَالَهُ رَسُولُهُ صلى الله عليه و آله وَأَعْلَمُ أَنَّ الْمَعِدَةَ بَيْتُ الدَّاءِ وَالْحِمْيَةَ هِيَ الدَّوَاءُ وَأُعَوِّدُ الْبَدَنَ مَا اعْتَادَ فَقَالَ الْهِنْدِيُّ وَهَلِ الطِّبُّ إِلاَّ هَذَا؟ فَقَالَ الصَّادِقُ عليه السلام أَ فَتَرَانِي عَنْ كُتُبِ الطِّبِّ أَخَذْتُ قَالَ نَعَمْ قَالَ عليه السلام: لاَ وَاللّه ِ مَا أَخَذْتُ إِلاَّ عَنِ اللّه ِ سُبْحَانَهُ فَأَخْبِرْنِي أَنَا أَعْلَمُ بِالطِّبِّ أَمْ أَنْتَ فَقَالَ الْهِنْدِيُّ بَلْ أَنَا قَالَ الصَّادِقُ عليه السلام فَأَسْأَلُكَ شَيْئاً؟ قَالَ: سَلْ. قَالَ عليه السلام أَخْبِرْنِي يَا هِنْدِيُّ لِمَ كَانَ فِي الرَّأْسِ شُئُونٌ(2) قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام فَلِمَ جُعِلَ الشَّعْرُ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقِهِ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ خَلَتِ الْجَبْهَةُ مِنَ الشَّعْرِ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ

ص: 162


1- . علل الشرايع: 1/109، ح8 وبحار الأنوار 58/249، ح2.
2- . الشئون: ملتقى قبائل الرأس.

كَانَ لَهَا تَخْطِيطٌ وَأَسَارِيرُ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ كَانَ الْحَاجِبَانِ مِنْ فَوْقِ الْعَيْنَيْنِ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ جُعِلَتِ الْعَيْنَانِ كَاللَّوْزَتَيْنِ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ جُعِلَ الْأَنْفُ فِيمَا بَيْنَهُمَا؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ وَلِمَ كَانَ ثَقْبُ الْأَنْفِ فِي أَسْفَلِهِ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ جُعِلَتِ الشَّفَةُ وَالشَّارِبُ مِنْ فَوْقِ الْفَمِ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ احْتَدَّ السِّنُّ وَعَرُضَ الضِّرْسُ وَطَالَ النَّابُ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ جُعِلَتِ اللِّحْيَةُ لِلرِّجَالِ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ خَلَتِ الْكَفَّانِ مِنَ الشَّعْرِ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ خَلاَ الظُّفُرُ وَالشَّعْرُ مِنَ الْحَيَاةِ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ كَانَ الْقَلْبُ كَحَبِّ الصَّنَوْبَرِ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ كَانَتِ الرِّئَةُ قِطْعَتَيْنِ وَجُعِلَ حَرَكَتُهَا فِي مَوْضِعِهَا؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ كَانَتِ الْكَبِدُ حَدْبَاءَ ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ كَانَتِ الْكُلْيَةُ كَحَبِّ اللُّوبِيَا؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام: فَلِمَ جُعِلَ طَيُّ الرُّكْبَتَيْنِ إِلَى خَلْفٍ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ قَالَ عليه السلام:فَلِمَ تَخَصَّرَتِ الْقَدَمَانِ؟ قَالَ لاَ أَعْلَمُ فَقَالَ الصَّادِقُ عليه السلام: لَكِنِّي أَعْلَمُ قَالَ فَأَجِبْ فَقَالَ الصَّادِقُ عليه السلام كَانَ فِي الرَّأْسِ شُئُونٌ لِأَنَّهُ الْمُجَوَّفُ إِذَا كَانَ بِلاَ فَصْلٍ أَسْرَعَ إِلَيْهِ الصُّدَاعُ فَإِذَا جُعِلَ ذَا فُصُولٍ كَانَ الصُّدَاعُ مِنْهُ أَبْعَدَ وَجُعِلَ الشَّعْرُ مِنْ فَوْقِهِ لِيُوصَلَ بِوُصُولِهِ الْأَدْهَانُ إِلَى الدِّمَاغِ(1) وَيَخْرُجَ بِأَطْرَافِهِ الْبُخَار مِنْهُ وَيَرُدَّ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ الْوَارِدَيْنِ عَلَيْهِ وَخَلَتِ الْجَبْهَةُ مِنَ الشَّعْرِ لِأَنَّهَا مَصَبُّ النُّورِ إِلَى الْعَيْنَيْنِ وَجُعِلَ فِيهَا التَّخْطِيطُ وَالْأَسَارِيرُ(2) لِيُحْتَبَسَ الْعَرَقُ الْوَارِدُ مِنَ الرَّأْسِ عَنِ الْعَيْنِ قَدْرَ مَا يُمِيطُهُ الاْءِنْسَانُ عَنْ نَفْسِهِ كَالْأَنْهَارِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي تَحْبِسُ الْمِيَاهَ وَجُعِلَ الْحَاجِبَانِ

ص: 163


1- . أي بسبب وصول الشعر الى الدماغ تصل إليه الادهان. وقال العلاّمة المجلسيّ بعد هذا البيان: لعل كان بدله «بأصوله» لمقابلة قوله: «باطرافه».
2- . الأسارير جمع السرر واحد اسرار الكف والجبهة وهي خطوطها.

مِنْ فَوْقِ الْعَيْنَيْنِ لِيَرِدَ عَلَيْهِمَا مِنَ النُّورِ قَدْرَ الْكِفَايَةِ أَ لاَ تَرَى يَا هِنْدِيُّ أَنَّ مَنْ غَلَبَهُ النُّورُ جَعَلَ يَدَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ لِيَرُدَّ عَلَيْهِمَا قَدْرَ كِفَايَتِهِمَا مِنْهُ وَجُعِلَ الْأَنْفُ فِيمَا بَيْنَهُمَا لِيَقْسِمَ النُّورَ قِسْمَيْنِ إِلَى كُلِّ عَيْنٍ سَوَاءً وَكَانَتِ الْعَيْنُ كَاللَّوْزَةِ لِيَجْرِيَ فِيهَا الْمِيلُ بِالدَّوَاءِ وَيَخْرُجَ مِنْهَا الدَّاءُ وَلَوْ كَانَتْ مُرَبَّعَةً أَوْ مُدَوَّرَةً مَا جَرَى فِيهَا الْمِيلُ وَمَا وَصَلَ إِلَيْهَا دَوَاءٌ وَلاَ خَرَجَ مِنْهَا دَاءٌ وَجُعِلَ ثَقْبُ الْأَنْفِ فِي أَسْفَلِهِ لِتَنْزِلَ مِنْهُ الْأَدْوَاءُ الْمُنْحَدِرَةُ مِنَ الدِّمَاغِ وَيَصْعَدَ فِيهِ الْأَرَايِيحُ إِلَى الْمَشَامِّ وَلَوْ كَانَ عَلَى أَعْلاَهُ لَمَا أُنْزِلَ دَاءٌ وَلاَ وَجَدَ رَائِحَةً وَجُعِلَ الشَّارِبُ وَالشَّفَةُ فَوْقَ الْفَمِ لِيُحْتَبَسَ مَا يَنْزِلُ مِنَ الدِّمَاغِ عَنِ الْفَمِ لِئَلاَّ يَتَنَغَّصَ عَلَى الاْءِنْسَانِ طَعَامُهُ(1) وَشَرَابُهُ فَيُمِيطَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَجُعِلَتِ اللِّحْيَةُ لِلرِّجَالِ لِيُسْتَغْنَى بِهَا عَنِ الْكَشْفِ فِي الْمَنْظَرِ(2) وَيُعْلَمَ بِهَا الذَّكَرُ مِنَ الْأُنْثَى وَجُعِلَ السِّنُّ حَادّاً لِأَنَّ بِهِ يَقَعُ الْمَضْغُ وَجُعِلَ الضِّرْسُ عَرِيضاً لِأَنَّ بِهِ يَقَعُ الطَّحْنُ وَالْمَضْغُ وَكَانَ النَّابُ طَوِيلاً لِيَسْنِدَ الْأَضْرَاسُ(3) وَالْأَسْنَانُ كَالْأُسْطُوَانَةِ فِي الْبِنَاءِ وَخَلاَ الْكَفَّانِ مِنَ الشَّعْرِ لِأَنَّ بِهِمَا يَقَعُ اللَّمْسُ فَلَوْ كَانَ فِيهِمَا شَعْرٌ مَا دَرَى الاْءِنْسَانُ مَا يُقَابِلُهُ وَيَلْمِسُهُ وَخَلاَ الشَّعْرُ وَالظُّفُرُ مِنَ الْحَيَاةِ لِأَنَّ طُولَهُمَا سَمْجٌ(4) وَقَصَّهُمَا حَسَنٌ فَلَوْ كَانَ فِيهِمَا حَيَاةٌ لآَلَمَ الاْءِنْسَانَ بِقَصِّهِمَا وَكَانَ الْقَلْبُ كَحَبِّ الصَّنَوْبَرِ لِأَنَّهُ مُنَكَّسٌ فَجُعِلَ

ص: 164


1- . أي لئلا يتكدر على الإنسان طعامه و شرابه.
2- . «فى المنظر» متعلق بقوله «يستغنى» أي ليستغنى في النظر بسبب اللحية عن كشف العورة لاستعلام كونه ذكرا أو أنثى. البحار: 10/208.
3- . قال العلاّمة المجلسيّ رحمه الله لعل ذلك لكونه طويلا يمنع وقوع الأسنان بعضها على بعض في بعض الأحوال كما أن الأسطوانة تمنع وقوع السقف، أو لكونه أقوى وأثبت من سائر الأسنان فيحفظ سائرها بالالتصاق به. وفي بعض النسخ «ليشتد الأضراس».
4- . في نسخة «لان طولهما وسخ» وفي العلل «لان طولهما وسخ يقبح».

رَأْسُهُ دَقِيقاً لِيَدْخُلَ فِي الرِّئَةِ فَتَرَوَّحَ عَنْهُ بِبَرْدِهَا لِئَلاَّ يَشِيطَ الدِّمَاغُ بِحَرِّهِ(1) وَجُعِلَتِ الرِّئَةُ قِطْعَتَيْنِ لِيَدْخُلَ بَيْنَ مَضَاغِطِهَا فَيَتَرَوَّحَ عَنْهُ بِحَرَكَتِهَا وَكَانَ الْكَبِدُ حَدْبَاءَ لِيَثْقُلَ الْمَعِدَةُ وَيَقَعَ جَمِيعُهَا عَلَيْهَا فَيَعْصِرَهَا لِيَخْرُجَ مَا فِيهَا مِنَ الْبُخَارِ وَجُعِلَتِ الْكُلْيَةُ كَحَبِّ اللُّوبِيَا لِأَنَّ عَلَيْهَا مَصَبَّ الْمَنِيِّ نُقْطَةً بَعْدَ نُقْطَةٍ فَلَوْ كَانَتْ مُرَبَّعَةً أَوْ مُدَوَّرَةً احْتُبِسَتِ النُّقْطَةُ(2) الْأُولَى إِلَى الثَّانِيَةِ فَلاَ يَلْتَذُّ بِخُرُوجِهَا الْحَيُّ إِذِ الْمَنِيُّ يَنْزِلُ مِنْ قَفَارِ الظَّهْرِ إِلَى الْكُلْيَةِ فَهِيَ كَالدُّودَةِ تَنْقَبِضُ وَتَنْبَسِطُ تَرْمِيهِ أَوَّلاً فَأَوَّلاً إِلَى الْمَثَانَةِ كَالْبُنْدُقَةِ مِنَ الْقَوْسِ وَجُعِلَ طَيُّ الرُّكْبَةِ إِلَى خَلْفٍ لِأَنَّ الاْءِنْسَانَ يَمْشِي إِلَى بَيْنِ يَدَيْهِ فَيَعْتَدِلُ الْحَرَكَاتُ وَلَوْ لاَ ذَلِكَ لَسَقَطَ فِي الْمَشْيِ(3) وَجُعِلَتِ الْقَدَمُ مُخَصَّرَةً لِأَنَّ الْمَشْيَ إِذَا وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ جَمِيعُهُ ثَقُلَ كَثِقْلِ حَجَرِ الرَّحَى فَإِذَا كَانَ عَلَى حَرْفِهِ رَفَعَهُ الصَّبِيُّ وَإِذَا وَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ صَعُبَ نَقْلُهُ عَلَى الرَّجُلِ فَقَالَ لَهُ الْهِنْدِيُّ مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا الْعِلْمُ فَقَالَ عليه السلام أَخَذْتُهُ عَنْ آبَائِي عليهم السلام عَنْ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَنْ جَبْرَئِيلَ عليه السلام عَنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ جَلَّ جَلاَلُهُ الَّذِي خَلَقَ الْأَجْسَادَ وَالْأَرْوَاحَ فَقَالَ الْهِنْدِيُّ صَدَقْتَ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللّه ُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللّه ِ وَعَبْدُهُ وَأَنَّكَ أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِكَ(4).

ص: 165


1- . في القاموس: شاط السمن إذا نضج حتّى يحترق.
2- . في بعض النسخ «احتبست النطفة».
3- . لعل المعنى أن الإنسان يميل في المشى الى قدامه بأعالى بدنه وانما ينحنى أعاليه الى هذه الجهة كحالة الركوع مثلا، فلو كان طى الركبة من قدامه أيضا لكان يقع على وجهه، فجعلت الاعالى مائلة الى القدام والاسافل مائلة الى الخلف لتعتدل الحركات فلا يقع في المشى ولا في الركوع وأمثالهما، فقوله: «يمشى الى ما بين يديه» أي مائلا ما بين يديه البحار: 10/208.
4- . الخصال: 2/511، ح3؛ بحار الأنوار: 58/307، ح18.

فِي مُجَلِّلاَتِ نِعَمِهِ

قال تعالى: «أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى»(1).

وقال تعالى: «وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللّه»(2).

وقال تعالى: «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّه ِ لا تُحْصُوها»(3).

قال الصادق عليه السلام اعْتَبِرِ يَا مُفَضَّلُ بِعِظَمِ النِّعْمَةِ عَلَى الاْءِنْسَانِ فِي مَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ وَتَسْهِيلِ خُرُوجِ الْأَذَى أَ لَيْسَ مِنْ حُسْنِ التَّقْدِيرِ فِي بِنَاءِ الدَّارِ أَنْ يَكُونَ الْخَلاَءُ فِي أَسْتَرِ مَوْضِعٍ مِنْهَا فَكَذَا جَعَلَ اللّه ُ سُبْحَانَهُ الْمَنْفَذَ الْمُهَيَّأَ لِلْخَلاَءِ مِنَ الاْءِنْسَانِ فِي أَسْتَرِ مَوْضِعٍ مِنْهُ فَلَمْ يَجْعَلْهُ بَارِزاً مِنْ خَلْفِهِ وَلاَ ناشزا [نَاشِراً] مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ بَلْ هُوَ مُغَيَّبٌ فِي مَوْضِعٍ غَامِضٍ مِنَ الْبَدَنِ مَسْتُورٌ مَحْجُوبٌ يَلْتَقِي عَلَيْهِ الْفَخِذَانِ وَتَحْجُبُهُ الْأَلْيَتَانِ بِمَا عَلَيْهِمَا مِنَ اللَّحْمِ فَتُوَارِيَانِهِ فَإِذَا احْتَاجَ الاْءِنْسَانُ إِلَى الْخَلاَءِ وَجَلَسَ تِلْكَ الْجِلْسَةَ أَلْفَى ذَلِكَ الْمَنْفَذُ مِنْهُ مُنْصَبّاً مُهَيَّأً لاِنْحِدَارِ الثُّفْلِ فَتَبَارَكَ مَنْ تَظَاهَرَتْ آلاَؤهُ وَلاَ تُحْصَى نَعْمَاؤه(4).

وَمُوجِبَاتِ مِنَنِهِ

قال تعالى: «لَقَدْ مَنَّ اللّه ُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ»(5).

ص: 166


1- . طه: 50.
2- . النحل: 53.
3- . النحل: 18.
4- . توحيد المفضل: 70؛ بحار الأنوار: 58/327.
5- . آل عمران: 164.

وقال تعالى: «كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللّه ُ عَلَيْكُم»(1).

عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: إِنَّ اللّه َ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ إِنِّي تَطَوَّلْتُ عَلَى عِبَادِي بِثَلاَثٍ أَلْقَيْتُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ بَعْدَ الرُّوحِ وَلَوْ لاَ ذَلِكَ مَا دَفَنَ حَمِيمٌ حَمِيماً وَأَلْقَيْتُ عَلَيْهِمُ السَّلْوَةَ بَعْدَ الْمُصِيبَةِ وَلَوْ لاَ ذَلِكَ لَمْ يَتَهَنَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِعَيْشِهِ وَخَلَقْتُ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَسَلَّطْتُهَا عَلَى الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَلَوْ لاَ ذَلِكَ لَكَنَزَهُمَا مُلُوكُهُمْ كَمَا يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ(2).

وفي خبر آخر منّ عليهم بالسّتر ولولاه لما دفن كثير من الناس ولألقوهم على المزابل(3).

وَحَوَاجِزِ عَافِيَتِهِ

عن ابى جعفر عليه السلام: إذا نظرت إلى مبتلى تقول في نفسك من دون أن تسمعه: الحمد للّه الذي عافاني ممّا ابتلاك به ولو شاء لفعل بي ذلك(4).

وقيل: انّ يوسف عليه السلاملو كان سأل ربّه العافية من المصريّات بدون سجن لعافاه ولكنّه قال «رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ»(5)، فصرف عنه كيدهن بما سأل(6).

ص: 167


1- . النساء: 94.
2- . الخصال: 1/112، ح87؛ وسائل الشيعة 3/279، ح3648 - 4.
3- . بهج الصباغة: 11/152.
4- . الكافي: 2/97، ح20؛ بحار الأنوار: 68/34، ح15.
5- . يوسف: 33.
6- . نفحات الرحمن فى تفسير القرآن: 3/392.

وَقَدَّرَ لَكُمْ أَعْمَاراً سَتَرَهَا عَنْكُمْ

قال تعالى: «وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَه»(1).

وقال تعالى: «وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتاب»(2).

وقال تعالى: «وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللّه َ عَلِيمٌ خَبِير»(3).

وقال تعالى: «وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّه ِ كِتاباً مُؤجَّلا»(4).

هذا أيضا من أعظم ما أنعم اللّه تعالى به على خلقه إذ في إظهار مدّة العمر عليهم مفاسد لا تحصى كما أنّ في إخفائها منافع جاوزت حدّ الاستقصاء كما أشار إليها سادس الأئمة وصادق الامّة أبو عبداللّه جعفر بن محمّد سلام اللّه عليهما و على آبائهما وأولادهما الطيّبين الطاهرين حيث قال في حديث المفضّل: تَأَمَّلِ الاْنَ يَا

مُفَضَّلُ مَا سُتِرَ عَنِ الاْءِنْسَانِ عِلْمُهُ مِنْ مُدَّةِ حَيَاتِهِ فَإِنَّهُ لَوْ عَرَفَ مِقْدَارَ عُمُرِهِ وَكَانَ قَصِيرَ الْعُمُرِ لَمْ يَتَهَنَّأْ بِالْعَيْشِ مَعَ تَرَقُّبِ الْمَوْتِ وَتَوَقُّعِهِ لِوَقْتٍ قَدْ عَرَفَهُ بَلْ كَانَ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَدْ فَنِيَ مَالُهُ أَوْ قَارَبَ الْفَنَاءَ فَقَدِ اسْتَشْعَرَ الْفَقْرَ وَالْوَجَلَ مِنْ فَنَاءِ مَالِهِ وَخَوْفِ الْفَقْرِ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَدْخُلُ عَلَى الاْءِنْسَانِ مِنْ فَنَاءِ الْعُمُرِ أَعْظَمُ مِمَّا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ فَنَاءِ الْمَالِ لِأَنَّ مَنْ يَقِلُّ مَالُهُ يَأْمُلُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مِنْهُ فَيَسْكُنُ إِلَى ذَلِكَ وَمَنْ أَيْقَنَ بِفَنَاءِ الْعُمُرِ اسْتَحْكَمَ عَلَيْهِ الْيَأْسُ، وَإِنْ كَانَ طَوِيلَ الْعُمُرِ ثُمَّ عَرَفَ ذَلِكَ وَثِقَ بِالْبَقَاءِ وَانْهَمَكَ فِي اللَّذَّاتِ وَالْمَعَاصِي وَعَمِلَ عَلَى أَنَّهُ يَبْلُغُ مِنْ ذَلِكَ شَهْوَتَهُ ثُمَّ يَتُوبُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَهَذَا مَذْهَبٌ لاَ يَرْضَاهُ اللّه ُ مِنْ عِبَادِهِ وَلاَ يَقْبَلُهُ أَ لاَ تَرَى لَوْ أَنَّ عَبْداًلَكَ عَمِلَ عَلَى أَنَّهُ يُسْخِطُكَ سَنَةً وَيُرْضِيكَ يَوْماً أَوْ شَهْراً لَمْ تَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَمْ يَحُلَّ

ص: 168


1- . الانعام: 2.
2- . فاطر: 11.
3- . لقمان: 34.
4- . آل عمران: 145.

عِنْدَكَ مَحَلَّ الْعَبْدِ الصَّالِحِ دُونَ أَنْ يُضْمِرَ طَاعَتَكَ وَنُصْحَكَ فِي كُلِّ الْأُمُورِ وَفِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ عَلَى تَصَرُّفِ الْحَالاتِ فَإِنْ قُلْتَ أَ وَلَيْسَ قَدْ يُقِيمُ الاْءِنْسَانُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ حِيناً ثُمَّ يَتُوبُ فَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ يَكُونُ مِنَ الاْءِنْسَانِ لِغَلَبَةِ الشَّهَوَاتِ لَهُ وَتَرْكِهِ مُخَالَفَتَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَدِّرَهَا فِي نَفْسِهِ وَيَبْنِيَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ فَيَصْفَحُ اللّه ُ عَنْهُ وَيَتَفَضَّلُ عَلَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ فَأَمَّا مَنْ قَدَّرَ أَمْرَهُ عَلَى أَنْ يَعْصِيَ مَا بَدَا لَهُ ثُمَّ يَتُوبَ آخِرَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يُحَاوِلُ خَدِيعَةَ مَنْ لاَ يُخَادَعُ بِأَنْ يَتَسَلَّفَ(1) التَّلَذُّذَ فِي الْعَاجِلِ وَيَعِدَ وَيُمَنِّيَ نَفْسَهُ التَّوْبَةَ فِي الاْجِلِ وَلِأَنَّهُ لاَ يَفِي بِمَا يَعِدُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ النُزُوعَ مِنَ التَّرَفُّهِ وَالتَّلَذُّذِ وَمُعَانَاةَ(2) التَّوْبَةِ وَلاَ سِيَّمَا عِنْدَ الْكِبَرِ وَضَعْفِ الْبَدَنِ أَمْرٌ صَعْبٌ وَلاَ يُؤمَنُ عَلَى الاْءِنْسَانِ مَعَ مُدَافَعَتِهِ بِالتَّوْبَةِ أَنْ يُرْهِقَهُ الْمَوْتُ فَيَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا غَيْرَ تَائِبٍ كَمَا قَدْ يَكُونُ عَلَى الْوَاحِدِ دَيْنٌ إِلَى أَجَلٍ وَقَدْ يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ فَلاَ يَزَالُ يُدَافِعُ بِذَلِكَ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ وَقَدْ نفذ [نَفِدَ] الْمَالُ فَيَبْقَى الدَّيْنُ قَائِماً عَلَيْهِ فَكَانَ خَيْرَ الْأَشْيَاءِ لِلاْءِنْسَانِ أَنْ يُسْتَرَ عَنْهُ مَبْلَغُ عُمُرِهِ فَيَكُونَ طُولَ عُمُرِهِ يَتَرَقَّبُ الْمَوْتَ فَيَتْرُكَ الْمَعَاصِيَ وَيُؤثِرَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ فَإِنْ قُلْتَ وَهَا هُوَ الاْنَ قَدْ سُتِرَ عَنْهُ مِقْدَارُ حَيَاتِهِ وَصَارَ يَتَرَقَّبُ الْمَوْتَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ يُقَارِفُ الْفَوَاحِشَ وَيَنْتَهِكُ الْمَحَارِمَ(3) قُلْنَا إِنَّ وَجْهَ التَّدْبِيرِ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الاْءِنْسَانُ مَعَ ذَلِكَ لاَ يَرْعَوِي(4) وَلاَ يَنْصَرِفُ عَنِ الْمَسَاوِئِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ مَرَحِهِ وَمِنْ قَسَاوَةِ قَلْبِهِ لاَ مِنْ خَطَإٍ فِي التَّدْبِيرِكَمَا أَنَّ الطَّبِيبَ قَدْ يَصِفُ لِلْمَرِيضِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَرِيضُ مُخَالِفاً لِقَوْلِ الطَّبِيبِ

ص: 169


1- . التسلف: الاقتراض كأنّه يجرى معاملة مع ربّه، بان يتصرف في اللذات عاجلا ويعد ربّه في عوضها التوبة ليؤدي إليه آجلا.. وفي بعض النسخ يستسلف وهو طلب وبيع الشيء سلفا.
2- . المعاناة: مقاساة العناء و المشقة.
3- . المحارم جمع محرم وهو الحرام.
4- . الارعواء: الكف عن الشيء، او الندم على الشيء والانصراف عنه وتركه.

لاَ يَعْمَلُ بِمَا يَأْمُرُهُ وَلاَ يَنْتَهِي عَمَّا يَنْهَاهُ عَنْهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِصِفَتِهِ وَلَمْ تَكُنِ الاْءِسَاءَةُ فِي ذَلِكَ لِلطَّبِيبِ بَلْ لِلْمَرِيضِ حَيْثُ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ وَلَئِنْ كَانَ الاْءِنْسَانُ مَعَ تَرَقُّبِهِ لِلْمَوْتِ كُلَّ سَاعَةٍ لاَ يَمْتَنِعُ عَنِ الْمَعَاصِي فَإِنَّهُ لَوْ وَثِقَ بِطُولِ الْبَقَاءِ كَانَ أَحْرَى بِأَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْكَبَائِرِ الْفَظِيعَةِ فَتَرَقُّبُ الْمَوْتِ عَلَى كُلِّ حَالٍ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الثِّقَةِ بِالْبَقَاءِ ثُمَّ إِنَّ تَرَقُّبَ الْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ صِنْفٌ مِنَ النَّاسِ يَلْهَوْنَ عَنْهُ وَلاَ يَتَّعِظُونَ بِهِ فَقَدْ يَتَّعِظُ بِهِ صِنْفٌ آخَرُ مِنْهُمْ وَيَنْزِعُونَ عَنِ الْمَعَاصِي وَيُؤثِرُونَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ وَيَجُودُونَ بِالْأَمْوَالِ وَالْعَقَائِلِ(1) النَّفِيسَةِ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْعَدْلِ أَنْ يُحْرَمَ هَؤلاَءِ الاِنْتِفَاعَ بِهَذِهِ الْخَصْلَةِ لِتَضْيِيعِ أُولَئِكَ حَظَّهُمْ مِنْهَا(2).

وبالجملة فقد وضح واتضح كلّ الوضوح أنّ ستر مدد الأعمار عن الخلق من جلايل النعم وأعظم ما منّ اللّه سبحانه به عليهم.

وَخَلَّفَ لَكُمْ عِبَراً مِنْ آثَارِ الْمَاضِينَ قَبْلَكُمْ

قال تعالى بعد ذكر طوفان نوح: «وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر»(3).

وقال تعالى: «فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلاْخِرِين»(4).

وقال تعالى: «إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى»(5).

وقال تعالى: «لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْباب»(6).

ص: 170


1- . العقائل جمع عقيلة والعقيلة من الإبل هي الكريمة، والعقيلة من كل شيء هي اكرمه.
2- . توحيد المفضل: 82؛ بحار الأنوار: 3/83.
3- . القمر: 15.
4- . الزخرف: 56.
5- . النازعات: 26.
6- . يوسف: 111.

وقال تعالى: «فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصار»(1).

مِنْ مُسْتَمْتَعِ خَلاَقِهِمْ وَمُسْتَفْسَحِ خَنَاقِهِمْ

قال تعالى فى فرعون وقومه: «كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ * كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ * فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِين»(2).

وقال تعالى: «وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْيا»(3).

وقال تعالى: «وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها»(4).

أَرْهَقَتْهُمُ الْمَنَايَا دُونَ الاْمَالِ وَشَذَّبَهُمْ عَنْهَا تَخَرُّمُ الاْجَالِ

قال تعالى: «وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيب»(5).

تخرّمهم ريب المنون فلم تكن

لتنفعهم جنّاتهم والحدائق

ولا حملتهم حين ولّوا بجمعهم

نجائبهم والصّافنات السّوابق

وزاحوا عن الأموال صفرا وخلّفوا

ذخائرهم بالرّغم منهم وفارقوا(6)

ص: 171


1- . الحشر: 2.
2- . الدخان: 25 - 29.
3- . مريم: 74.
4- . القصص: 58.
5- . سبأ: 54.
6- . الديوان المنسوب إلى الامام السجاد عليه السلام 139 - 140.

لَمْ يَمْهَدُوا فِي سَلاَمَةِ الْأَبْدَانِ

قال النبيّ صلى الله عليه و آله: يَا أَبَا ذَرٍّ، اغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ: صِحَّتَكَ قَبْلَ سُقْمِك؛ الخبر(1).

وَلَمْ يَعْتَبِرُوا فِي أُنُفِ الْأَوَانِ

قال أبو عبداللّه ع: إن آدم لما أكل من الشجرة - ذكر أنه ما نهاه اللّه عنها - فندم فذهب ليتنحى من الشجرة - فأخذت الشجرة برأسه فجرته إليها، وقالت له: أ فلا كان فرارك من قبل أن تأكل مني(2).

فَهَلْ يَنْتَظِرُ أَهْلُ بَضَاضَةِ الشَّبَابِ إِلاَّ حَوَانِيَ الْهَرَمِ

عن جعفر البرمكي أنّ السّفّاح نظر في المرآة، وكان من أجمل النّاس وجها فقال: اللّهم إنّي لا أقول كما قال سليمان بن عبد الملك: (أنا الملك الشابّ) ولكنّي

أقول: (اللّهم عمّرني طويلا في طاعتك ممتّعا بالعافية) فما استتمّ كلامه حتّى سمع غلاما يقول لآخر: (الأجل بيني وبينك شهران وخمسة أيام) فتطيّر فما مضت الأيام حتّى أخذته الحمّى حتّى مات بعد شهرين وخمسة أيّام توفّي وهو ابن ثلاث وثلاثين(3).

ص: 172


1- . الأمالي للطوسي: 526، م 19، ح1162 - 1؛ بحار الأنوار: 74/75، ح3.
2- . تفسير العياشى: 2/11، ح11؛ بحار الأنوار: 11/189، ح45.
3- . تاريخ بغداد الخطيب البغدادى: 11/236، 3282. (تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي (المتوفى: 463 ق)؛ 16 مجلد؛ دار الغرب الاسلامي؛ بيروت؛ الطبعة الاولى 1422 ق/2002 م.)

وَأَهْلُ غَضَارَةِ الصِّحَّةِ إِلاَّ نَوَازِلَ السَّقَمِ وَأَهْلُ مُدَّةِ الْبَقَاءِ إِلاَّ آوِنَةَ الْفَنَاءِ

قال النبيّ صلى الله عليه و آله: يَا أَبَا ذَرٍّ، اغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ - الخبر(1).

وهل تنتظر أن يأتيك: جبرئيل ويقول لك: - يأتيك في السّاعة الفلانيّةعزرائيل.

مَعَ قُرْبِ الزِّيَالِ وَأُزُوفِ الاِنْتِقَالِ وَعَلَزِ الْقَلَقِ وَأَلَمِ الْمَضَضِ وَغُصَصِ الْجَرَضِ

لقي عبيد بن الأبرص النعمان في يوم بؤسه - وكان يقتل كلّ من لقيه ذاك اليوم - فقال له: هلاّ كان ذا لغيرك، أنشدني فربّما أعجبني شعرك قال: (حال الحريض دون القريض) قال انشدني: (اقفر من أهله ملحوب) فقال:

أقفر من أهله عبيد

فاليوم لا يبدي ولا يعيد

فقتله ولطّخ بدمه الغريّين وكان بناهما على نديميه له(2).

وَتَلَفُّتِ الاِسْتِغَاثَةِ بِنُصْرَةِ الْحَفَدَةِ وَالْأَقْرِبَاءِ وَالْأَعِزَّةِ وَالْقُرَنَاءِ

عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ قَالَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ صلى الله عليه و آله إِنَّ ابْنَ آدَمَ إِذَا كَانَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الاْخِرَةِ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ وَعَمَلُهُ فَيَلْتَفِتُ إِلَى مَالِهِ فَيَقُولُ وَاللّه ِ إِنِّي كُنْتُ عَلَيْكَ حَرِيصاً شَحِيحاً فَمَا لِي عِنْدَكَ فَيَقُولُ خُذْ مِنِّي كَفَنَكَ قَالَ فَيَلْتَفِتُ إِلَى وَلَدِهِ فَيَقُولُ وَاللّه ِ إِنِّي كُنْتُ لَكُمْ مُحِبّاً وَإِنِّي كُنْتُ عَلَيْكُمْ مُحَامِياً فَمَا ذَا لِي

ص: 173


1- . الأمالي للطوسي: 526، 19، ح1162 - 1؛ بحار الأنوار: 74/75، ح3.
2- . الشعر والشعراء لابن قتيبة: 260 - 259/1.

عِنْدَكُمْ فَيَقُولُونَ نُؤدِّيكَ إِلَى حُفْرَتِكَ نُوَارِيكَ فِيهَا قَالَ فَيَلْتَفِتُ إِلَى عَمَلِهِ فَيَقُولُ وَاللّه ِ

إِنِّي كُنْتُ فِيكَ لَزَاهِداً وَإِنْ كُنْتَ عَلَيَّ لَثَقِيلاً فَمَا ذَا عِنْدَكَ فَيَقُولُ أَنَا قَرِينُكَ فِي قَبْرِكَ وَيَوْمِ نَشْرِكَ حَتَّى أُعْرَضَ أَنَا وَأَنْتَ عَلَى رَبِّك(1).

أحاطت به آفاته وهمومه

وأبلس لما أعجزته المعاذر

فليس له من كربة الموت فارج

وليس له مما يحاذر ناصر

وقد جشأت خوف المنية نفسه

تردّدها دون اللّهاة الحناجر(2)

فَهَلْ دَفَعَتِ الْأَقَارِبُ أَوْ نَفَعَتِ النَّوَاحِبُ

قالوا: احتضر رجل فصاحت ابنته ففتح عينيه، وهو يكيد بنفسه فقال:

عزاء لا أبا لك إنّ شيئا

تولّى ليس يرجعه الحنين(3)

ما رؤي أحد وفّي من الإعظام والإجلال بعد موته، ما وفّيه الصاحب، فانّه لمّا جهّز ووضع في تابوته واخرج على أكتاف حامليه للصلاة عليه، قام الناس، بأجمعهم فقبّلوا الأرض بين يديه، وخرّقوا ثيابهم ولطموا وجوههم وبلغوا فيالنحيب عليه جهدهم(4).

فَمَا صَرَفَتْ كَفَّ الْمَنِيَّةِ إِذْ أَتَتْ

مُبَادِرَةً تَهْوِي إِلَيْهِ الذَّخَائِرُ

وَلاَ دَفَعَتْ عَنْهُ الْحُصُونُ الَّتِي بَنَى

وَحَفَّ بِهَا أَنْهَارَهَا وَالدَّسَاكِرُ(5)

ص: 174


1- . الكافي: 231/3، ح1 والبرهان فى تفسير القرآن: 301/3، ح5729.
2- . الديوان المنسوب الى الامام السجاد عليه السلام: 100.
3- . البيان والتبيين للجاحظ: 3/308.
4- . معجم الادباء: 2/703.
5- . الدسكرة: القرية والصومعة.

وَلاَ قَارَعَتْ عَنْهُ الْمَنِيَّةَ خَبْلُهُوَلاَ طَمِعَتْ فِي الذَّبِّ عَنْهُ الْعَسَاكِر(1)

وَقَدْ غُودِرَ فِي مَحَلَّةِ الْأَمْوَاتِ رَهِيناً وَفِي ضِيقِ الْمَضْجَعِ وَحِيداً

قال تعالى: «وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ»(2).

وَأَضْحَوْا رَمِيماً فِي التُّرَابِ وَأَقْفَرَتْ

مَجَالِسُ مِنْهُمْ عُطِّلَتْ وَمَقَاصِرُ

وَحَلُّوا بِدَارٍ لاَ تَزَاوُرَ بَيْنَهُمْ

وَأَنَّى لِسُكَّانِ الْقُبُورِ التَّزَاوُرُ

فَمَا إِنْ تَرَى إِلاَّ جُثًى قَدْ ثَوَوْا بِهَا

مُسَنَّمَةً تَسْفِي عَلَيْهَا الْأَعَاصِر(3)

وَالْأَرْوَاحُ مُرْتَهَنَةً بِثِقَلِ أَعْبَائِهَا

قال تعالى: «كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ»(4) أى محبوس بعمله حتّى يعامل بما يستحقّه ويجازي بما عمله إن عمل طاعة اثيب وإن عمل معصية عوقب.

وقال تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ»(5) قال الطبرسيّ: أى مرهونة بعملها محبوسة به مطالبة بما كسبته من طاعة أو معصية، فالرّهن أخذ الشيء بأمر على أن لا يرد إلاّ بالخروج منه فكذلك هؤلاء الضّلال قد اخذوا برهن لافكاك له، والكسب هو كلّ ما يجتلب به نفع أو يدفع به ضرر ويدخل فيه الفعل والا يفعل.

ص: 175


1- . الديوان المنسوب الى الإمام السجاد عليه السلام. 97.
2- . الأنعام: 94.
3- . الديوان المنسوب الى الامام السجاد عليه السلام: 96 - 97.
4- . الطور: 21.
5- . المدثر: 38 - 39.

ثمّ استثنى سبحانه أصحاب اليمين فقال: إلاّ أصحاب اليمين، وهم الذينيعطون كتبهم بأيمانهم قال الباقر عليه السلام: نحن وشيعتنا أصحاب اليمين(1).

مُوقِنَةً بِغَيْبِ أَنْبَائِهَا

أى متيقّنة بالأخبار الغيبية التي أخبر بها الرّسل وأنبأ بها الكتب من أخبار القيامة من البرزخ والبعث والحساب والكتاب والجنّة والنّار وساير ما كانت غايبة عنه مختفية له حتّى رآها بحسّ العين فحصل له اليقين بعد ما كانت منها في ريب وظنّ، كما قال تعالى: «وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللّه ِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ»(2).

وقال سبحانه حكاية عن الكفّار والمجرمين: «قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ»(3) أى كنّا نكذّب يوم الجزاء حتّى جاءنا العلم اليقين بأن عاينّاه.

وقال سبحانه في حقّ المتّقين: «الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالاْخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ»(4).

قال الطبرسي وإنّما خصّهم بالأيقان بالآخرة وإن كان الايمان بالغيب قد شملها لما كان من كفر المشركين بها وجحدهم ايّاها في نحو ما حكى عنهم في قوله:

ص: 176


1- . تفسير مجمع البيان: 10/591.
2- . الجاثية: 32.
3- . المدثر : 43 - 47.
4- . البقرة: 3 - 4.

«وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا»(1).

فكان في تخصيصهم بذلك مدح عظيم(2).

قال متمّم بن نويرة في أخيه مالك:

فلمّا تفرقنا كأنّي ومالكا

لطول اجتماع لم نبت ليلة معا(3)

وفي الديوان:

أمرّ على رسم القريب كأنّما

أمرّ على رسم امرئ ما أناسبه(4)

لاَ تُسْتَزَادُ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهَا وَلاَ تُسْتَعْتَبُ مِنْ سَيِّئِ زَلَلِهَا

أى لا يطلب منها زيادة في العمل الصّالح ولا يطلب منها التّوبة من العمل القبيح كما كان يطلب ذلك منها في الدّنيا وذلك لأنّ التّكليف والعمل إنّما هو في الدّنيا والآخرة دار الجزاء لا تكليف فيها كما قال تعالى:

«فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ»(5) أى لا يخرجون من النّار ولا يطلب منهم الاعتاب والاعتذار لما قلناه من أنّ التكليف قد زال، وقال تعالى: «فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ»(6).

وكما أنّهم لا يطلب منهم التّوبة والمعذرة فكذلك لا ينفعهم الاعتذار والانابة كما قال سبحانه: «فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ»(7) أى إن يطلبوا إزالة اللوم والعقوبة ويسألوا رضا اللّه عنهم فليس لهم طريق إلى

ص: 177


1- . الجاثية : 24.
2- . تفسير مجمع البيان: 1/124.
3- . لسان العرب: 12/564.
4- . ديوان أميرالمؤمنين عليه السلام: 79.
5- . الجاثية: 35.
6- . الروم: 57.
7- . فصلت: 24.

الاعتاب ولا لهم نجاة من العقاب.

بلى أوردته(1) بعد عزّ ومنعة موارد سوء ما لهنّ مصادر

فلمّا رأى أن لا نجاة وأنّههو الموت لا ينجيه منه الموازر(2)

تندّم لو يغنيه طول ندامةعليه وأبكته الذّنوب الكبائر(3)

وقال تعالى: «وَقالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ»(4).

وإنّما الاستزادة والاستعتاب قبل الموت، فكلّ يوم ملك ينادي الأحياء: يا صاحب الخير أتمّ وأبشر، ويا صاحب الشرّ انزع وأقصر(5).

أَ وَلَسْتُمْ أَبْنَاءَ الْقَوْمِ وَالاْبَاءَ وَإِخْوَانَهُمْ وَالْأَقْرِبَاءَ

الذين وصفنا حالهم وشرحنا مالهم (و الآباء وإخوانهم والأقرباء) وأمثالهم.

فهم في بطون الأرض بعد ظهورها

محاسنهم فيها بوال(6) دواثر(7)

خلت دورهم منهم وأقوت عراصهموساقتهم نحو المنايا المقادر

وخلّوا عن الدّنيا وما جمعوا لهاوضمّنهم تحت التراب الحفاير(8)،(9)

فلكم اليوم بالقوم اعتبار، وسوف تحلّون مثلهم دار البوار، فالبدار البدار

فلكم اليوم بالقوم اعتبار، وسوف تحلّون مثلهم دار البوار، فالبدار البدار

ص: 178


1- . أى أوردته الدّنيا.
2- . الموازر: الناصر.
3- . الديوان المنسوب الى الإمام السجّاد عليه السلام: 99.
4- . المؤمنون: 100.
5- . الكافي: 4/42، ح1؛ بحار الأنوار: 55/143، ح2.
6- . جمع بالية.
7- . من الدثور وهو الدروس.
8- . لعلّه جمع الحفر وهو القبر.
9- . مناقب آل ابى طالب عليه السلام: 4/152.

والحذار الحذار من الدّنيا ومكايدها وما نصبت لكم من مصايدها، وتجلّى لكم من زينتها واستشرف لكم من فتنتها(1).

وفي دون ما عاينت من فجعاتها

إلى رفضها داع وبالزّهد آمر

فجدّ ولا تغفل فعيشك زائل

وأنت إلى دار المنيّة صائر(2)

قال الأمير الميكالي:

وكيف يلذّ طعم العيش نفس

غدات أترابها تحت التّراب(3)

فهل يحرص عليها لبيب، أو يسرّ بلذّتها أريب، وهو على ثقة من فنائها وغير طامع في بقائها، أم كيف تنام عين من يخشى البيات أو تسكن نفس من يتوقّع الممات(4).

تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ وَتَرْكَبُونَ قِدَّتَهُمْ وَتَطَئُونَ جَادَّتَهُمْ فَالْقُلُوبُ قَاسِيَةٌ عَنْ حَظِّهَا لاَهِيَةٌ عَنْ رُشْدِهَا

قال تعالى: «وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا

وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُون»(5).

وقال تعالى: «وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍمِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُون»(6).

وقال تعالى: «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ

ص: 179


1- . مقامات بديع الزمان الهمذانى: 1/111.
2- . روضة الواعظين: 2/425.
3- . يتيمة الدهر الثعالبى: 4/439.
4- . مقامات بديع الزمان الهمذانى: 1/111.
5- . الزخرف: 23.
6- . المؤمنون: 62 - 63.

مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّه ِ وَمَا اللّه ُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون»(1).

وقال تعالى: «لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا»(2).

سَالِكَةٌ فِي غَيْرِ مِضْمَارِهَا

قال تعالى: «فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّين»(3).

كَأَنَّ الْمَعْنِيَّ سِوَاهَا وَكَأَنَّ الرُّشْدَ فِي إِحْرَازِ دُنْيَاهَا

فيا عاقلا راحلا ولبيبا جاهلا ومتيقظا غافلا ما هذه الحيرة والسبيل واضح والمشير ناصح، والصّواب لائح، عقلت فاغفلت وأعرفت فأنكرت، وعلمت فامهلت «فاهملت ظ» هذا هو الدّاء الذي عزّ دواؤه، والمرض الذي لا يرجى شفاؤه إلى كم ذا التشاغل بالتّجاير والأرباح إلى كم ذا التّهوّر بالسّرور والأفراح، وحتّام التّغرير بالسّلامة في مراكب النّياح، كيف تتهنّأ بحياتك وهي مطيّتك إلى مماتك أم كيف تسيغ طعامك وأنت منتظر حمامك(4).(5)

ولم تتزوّد للرّحيل وقد دنا

وأنت على حال وشيكا مسافر(6)

ص: 180


1- . البقرة: 74.
2- . الانبياء: 3.
3- . المدثر: 40 - 46.
4- . الحمام: الموت.
5- . نهج السعادة فى مستدرك نهج البلاغة: 1/65 - 68 ومنهاج البراعة: 5/412.
6- . الوشيك: السريع.

تخرّب ما يبقى وتعمر فانياولا ذاك موفور ولا ذاك عامر

وهل لك إن وافاك حتفك بغتةولم تكتسب خيراً لدى اللّه عاذر

أ ترضى بأن تفنى الحياة وتنقضيودينك منقوص ومالك وافر

فيا ويح نفسى كم أسوّف توبتيوعمرى فان والرّدى(1) لي ناظر

وكلّ الذي أسلفت في الصّحف مثبتيجازي عليه عادل الحكم قاهر(2)

مليك عزيز لا يردّ قضاؤهعليم حكيم نافذ الأمر قادر

عنى كلّ ذى عزّ بعزّة وجههفكلّ عزيز للمهيمن(3) صاغر

لقد خشعت واستسلمت وتضاءلتلعزّة ذى العرش الملوك الجبابر(4)

عَنْ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللّه ِ يَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آلهمَرَّ بِنَا ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ فِي نَادِينَا وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ وَذَلِكَ حِينَ رَجَعَ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَوَقَفَ عَلَيْنَا فَسَلَّمَ فَرَدَدْنَا عليه السلام ثُمَّ قَالَ مَا لِي أَرَى حُبَّ الدُّنْيَا قَدْ غَلَبَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ حَتَّى كَأَنَّ الْمَوْتَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا عَلَى غَيْرِهِمْ كُتِبَ وَكَأَنَّ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا عَلَى غَيْرِهِمْ وَجَبَ وَحَتَّى كَأَنْ لَمْ يَسْمَعُوا وَيَرَوْا مِنْ خَبَرِ الْأَمْوَاتِ قَبْلَهُمْ سَبِيلُهُمْ سَبِيلُ قَوْمٍ سَفْرٍ(5) عَمَّا قَلِيلٍ إِلَيْهِمْ رَاجِعُونَ بُيُوتُهُمْ أَجْدَاثُهُمْ وَيَأْكُلُونَ تُرَاثَهُمْ

ص: 181


1- . الردى: الهلاك.
2- . البلد الامين: 322؛ بحار الأنوار: 46/87.
3- . المهيمن: القائم على خلقه بأعمالهم وآجالهم وأرزاقهم أو الشاهد والرقيب والحافظ والصاغر الذليل وتضائلت أى صارت ضئيلا أى حقيرا ذليلا.
4- . روضة الواعظين ط - القديمة: 2/452؛ بحار الأنوار: 46/84.
5- . السفر جمع مسافر فيحتمل ارجاع الضمير في قوله: «سبيلهم» إلى الاحياء وفي قوله: «إليهم» إلى الأموات أي هؤلاء الاحياء مسافرون يقطعون منازل أعمارهم من السنين والشهور حتّى يلحقوا بهؤلاء الأموات ويحتمل العكس في إرجاع الضميرين فالمراد أن سبيل هؤلاء الأموات عند هؤلاء الاحياء لعدم اتعاظهم بموتهم وعدم مبالاتهم كانوا ذهبوا إلى سفر وعن قريب يرجعون إليهم ويؤيده ما في النهج والتفسير: وكان الذي نرى من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون. مرآة العقول: 26/41.

فَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُخَلَّدُونَ بَعْدَهُمْ(1) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ [أَ] مَا يَتَّعِظُ آخِرُهُمْ بِأَوَّلِهِمْ لَقَدْ جَهِلُوا وَنَسُوا كُلَّ وَاعِظٍ فِي كِتَابِ اللّه ِ وَآمَنُوا شَرَّ كُلِّ عَاقِبَةِ سُوءٍ وَلَمْ يَخَافُوا نُزُولَ فَادِحَةٍ(2) وَبَوَائِقَ حَادِثَة(3).

وَشَيَّعَ عَلِيٌّ عليه السلام جِنَازَةً فَسَمِعَ رَجُلاً يَضْحَكُ فَقَالَ عليه السلام كَأَنَّ الْمَوْتَ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا كُتِبَ وَكَأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا وَجَبَ وَكَأَنَّ الَّذِي نَرَى مِنَ الْأَمْوَاتِ سَفْرٌ عَمَّا قَلِيلٍ إِلَيْنَا رَاجِعُون(4).

وَاعْلَمُوا أَنَّ مَجَازَكُمْ عَلَى الصِّرَاطِ وَمَزَالِقِ دَحْضِهِ

في النّبوي قال صلى الله عليه و آله: ثلاث مواطن لا يذكر أحد أحدا: عند الميزان حتّى يعلم أيخفّ ميزانه أو يثقل، وعند تطاير الصّحف حتّى يعلم أيقع كتابه في يمينه أم شماله أم من وراء ظهره، وعند الصّراط إذا وضع بين ظهر جهنّم حتّى يجوز(5).

قال الشيخ - رضي اللّه عنه -: اعتقادنا في الصراط أنّه حق، وأنّه جسر جهنّم،

ص: 182


1- . الاجداث جمع الجدث وهو القبر أي يرون أن بيوت هؤلاء الأموات أجداثهم ومع ذلك يأكلون تراثهم او يرون أن تراث هؤلاء قد زالت عنهم وبقى في أيديهم ومع ذلك لا يتعظون ويظنون أنهم مخلدون بعدهم. والتراث: ما يخلفه الرجل لورثته. والظاهر أنّه وقع في نسخ الكتاب تصحيف والأظهر ما في النهج نبوئهم اجداثهم ونأكل تراثهم وفي التفسير: تنزلهم أجداثهم. آت: 26/42.
2- . الفادحة: النازلة والبلية يثقل حملها.
3- . الكافي: 8/168، ح190؛ بحار الأنوار: 74/131، ح42.
4- . خصائص الائمّة: 99؛ بحار الأنوار: 6/136، ح38.
5- . تفسير الثعالبى: 4/163.

وأنّ عليه ممرّ جميع الخلق.

قال تعالى: «وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا»(1).

والصراط في وجه آخر اسم حجج اللّه، فمن عرفهم في الدنيا وأطاعهم أعطاه اللّه جوازا على الصراط الذي هو جسر جهنّم يوم القيامة.

وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ: «يَا عَلِيُّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَقْعُدُ أَنَا وَأَنْتَ وَجَبْرَئِيلُ عَلَى الصِّرَاطِ، فَلاَ يَجُوزُ عَلَى الصِّرَاطِ إِلاَّ مَنْ كَانَتْ مَعَهُ بَرَاءَةٌ بِوَلاَيَتِكَ»(2).

وعَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِاللّه ِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللّه ُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَنُصِبَ الصِّرَاطُ عَلَى جَهَنَّمَ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ إِلاَّ مَنْ مَعَهُ جَوَازٌ فِيهِ وَلاَيَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب(3).

عن قيس بن حازم قال: قال ابوبكر: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول: لا يجوز أحد الصراط إلا من كتب له على عليه السلام الجواز(4).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله قَالَ: أَتَانِي جَبْرَئِيلُ عليه السلام فَقَالَ أُبَشِّرُكَ يَا مُحَمَّدُ بِمَا تَجُوزُ عَلَى الصِّرَاطِ قَالَ قُلْتُ بَلَى قَالَ تَجُوزُ بِنُورِ اللّه ِ وَيَجُوزُ عَلِيٌّ بِنُورِكَ وَنُورُكَ مِنْ نُورِ اللّه ِ وَتَجُوزُ أُمَّتُكَ بِنُورِ عَلِيٍّ وَنُورُ عَلِيٍّ مِنْ نُورِكَ «وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللّه ُ لَه [مَعَ عَلِيٍ] نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ»(5).(6)

ص: 183


1- . مريم: 71.
2- . اعتقادات الإماميّة للصدوق: 70؛ بحار الأنوار: 8/70، ح19.
3- . الأمالي للطوسى: 290، م 11 ، ح564 - 11؛ بحار الأنوار: 39/196، ح6.
4- . الرياض النضرة المحب الطبرى: 3/137.
5- . النور: 40.
6- . تفسير فرات الكوفي: 287؛ بحار الأنوار: 8/69، ح14.

وعَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ عليه السلام عَنْ آبَائِهِ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله لِعَلِيٍّ عليه السلام: يَا عَلِيُّ مَا ثَبَتَ حُبُّكَ فِي قَلْبِ امْرِئٍ مُؤمِنٍ فَزَلَّتْ بِهِ قَدَمُهُ عَلَى الصِّرَاطِ إِلاَّ ثَبَتَتْ لَهُ قَدَمٌ حَتَّى يُدْخِلَهُ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ بِحُبِّكَ الْجَنَّةَ(1).

وعَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: أَثْبَتُكُمْ قَدَماً عَلَى الصِّرَاطِ أَشَدُّكُمْ حُبّاً لِأَهْلِ بَيْتِي(2).

وقال المفيد «ره»: الصراط بمعنى الطريق ولذلك يقال على ولاية أميرالمؤمنين والأئمة من ذريتهم عليهم السلام: الصراط، لكونها طريق النجاة(3).

اعلم ان الصراط بهذين المعنيين مما اشير إليه في غير واحد من الأخبار، ففي تفسير قوله تعالى: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ»(4) عن الصّادق عليه السلام يعني أرشدنا للزوم الطريق المؤدِّي إلى محبّتك والمبلّغ إلى جنّتك و المانع من أن نتّبع أهوائنا فنعطب أو أن نأخذ بآرائنا فنهلك(5).

وعَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِاللّه ِ عليه السلام عَنِ الصِّرَاطِ فَقَالَ هُوَ الطَّرِيقُ إِلَى مَعْرِفَةِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمَا صِرَاطَانِ صِرَاطٌ فِي الدُّنْيَا وَصِرَاطٌ فِي الاْخِرَةِ وَأَمَّا الصِّرَاطُ الَّذِي فِي الدُّنْيَا فَهُوَ الاْءِمَامُ الْمُفْتَرَضُ الطَّاعَةِ مَنْ عَرَفَهُ فِي الدُّنْيَا وَاقْتَدَى بِهُدَاهُ مَرَّ عَلَى الصِّرَاطِ الَّذِي هُوَ جِسْرُ جَهَنَّمَ فِي الاْخِرَةِ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فِي الدُّنْيَا

ص: 184


1- . الأمالي للصدوق: 583، م 85، ح28؛ بحار الأنوار: 8/69، ح17.
2- . فضائل الشيعة: 6، ح3؛ بحار الأنوار: 8/69، ح16.
3- . منهاج البراعة للخوئي: 6/14.
4- . الفاتحة: 6.
5- . معاني الأخبار: 33، ح4؛ بحار الأنوار: 24/9، ح1 وتفسير الامام المنسوب الى الإمام الحسن العسكري عليه السلام: 44، ح20.

زَلَّتْ قَدَمُهُ عَنِ الصِّرَاطِ فِي الاْخِرَةِ فَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ(1).وعَنْ سَيِّدِ الْعَابِدِينَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام قَالَ: نَحْنُ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيم(2).

وعَنْ جَعْفَرِ [حَفْصِ] بْنِ غِيَاثٍ قَالَ وَصَفَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام الصِّرَاطَ فَقَالَ: أَلْفُ سَنَةٍ صُعُودٌ وَأَلْفُ سَنَةٍ هُبُوطٌ وَأَلْفُ سَنَةٍ حُدَالٌ(3).(4)

وعَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الصِّرَاطِ فَقَالَ هُوَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ مِثْلَ الْبَرْقِ - وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ مِثْلَ عَدْوِ الْفَرَسِ - وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ مَاشِياً وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ حَبْواً(5) وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ مُتَعَلِّقاً - فَتَأْخُذُ النَّارُ مِنْهُ شَيْئاً وَتَتْرُكُ مِنْهُ شَيْئا(6).

وعَنْ [جَابِرٍ عَنْ] أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الاْيَةُ «وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الاْءِنْسان»(7) سُئِلَ رَسُولُ اللّه ِ ص، فَقَالَ بِذَلِكَ أَخْبَرَنِي الرُّوحُ الْأَمِينُ أَنَّ اللّه َ لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ - إِذَا أَبْرَزَ الْخَلاَئِقَ وَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالاْخِرِينَ - أُتِيَ بِجَهَنَّمَ تُقَادُ بِأَلْفِ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ مِائَةُ أَلْفِ مَلَكٍ مِنَ الْغِلاَظِ الشِّدَادِ، لَهَا هَدَّةٌ وَغَضَبٌ وَزَفِيرٌ وَشَهِيقٌ وَإِنَّهَا لَتَزْفِرُ الزَّفْرَةَ - فَلَوْلاَ أَنَّ اللّه َ أَخَّرَهُمْ لِلْحِسَابِ لَأَهْلَكَتِ الْجَمِيعَ. ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا عُنُقٌ - فَيُحِيطُ بِالْخَلاَئِقِ الْبَرِّ مِنْهُمْ وَالْفَاجِرِ - فَمَا خَلَقَ اللّه ُ عَبْداً مِنْ عِبَادِ اللّه ِ مَلَكاً - وَلاَ نَبِيّاً إِلاَّ يُنَادِي نَفْسِي نَفْسِي - وَأَنْتَ يَا نَبِيَّ اللّه ِ تُنَادِي أُمَّتِي أُمَّتِي ثُمَّ يُوضَعُ عَلَيْهَا

ص: 185


1- . معاني الأخبار: 32، ح1؛ بحار الأنوار: 24/11، ح3.
2- .معانى الأخبار: 35، ح5؛ بحار الأنوار: 24/12، ح5.
3- . الْحُدَالُ بِضَمِّ الْحَاءِ كُلُّ شَيْءٍ أَمْلَس.
4- . تفسير القمي: 1/29؛ بحار الأنوار: 82/52.
5- . حبا الصبى يحبو إذا مشى على أربع.
6- . تفسير القمي: 1/29؛ بحار الأنوار: 8/64، ح1.
7- . الفجر: 23.

الصِّرَاطُ أَدَقَّ مِنْ حَدِّ السَّيْفِ، عَلَيْهَا ثَلاَثُ قَنَاطِرَ فَأَمَّا وَاحِدَةٌ فَعَلَيْهَا الْأَمَانَةُوَالرَّحِمُ، وَالثَّانِيَةُ فَعَلَيْهَا الصَّلاَةُ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَعَلَيْهَا عَدْلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ -فَيُكَلَّفُونَ بِالْمَمَرِّ عَلَيْهَا فَيَحْبِسُهُمُ الرَّحِمُ وَالْأَمَانَةُ - فَإِنْ نَجَوْا مِنْهُمَا حَبَسَتْهُمُ الصَّلاَةُ فَإِنْ نَجَوْا مِنْهَا كَانَ الْمُنْتَهَى إِلَى رَبِّ الْعَالَمَينَ(1) وَهُوَ قَوْلُهُ «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ»(2)، وَالنَّاسُ عَلَى الصِّرَاطِ فَمُتَعَلِّقٌ بِيَدٍ وَتَزُولُ قَدَمٌ وَمُسْتَمْسِكٌ بِقَدَمٍ - وَالْمَلاَئِكَةُ حَوْلَهَا يُنَادُونَ يَا حَلِيمُ اعْفُ - وَاصْفَحْ وَعُدْ بِفَضْلِكَ وَسَلِّمْ وَسَلِّمْ، وَالنَّاسُ يَتَهَافَتُونَ فِي النَّارِ كَالْفَرَاشِ فِيهَا - فَإِذَا نَجَا نَاجٍ بِرَحْمَةِ اللّه ِ مَرَّ بِهَا فَقَالَ الْحَمْدُ للّه ِِ - وَبِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ وَتَزْكُو الْحَسَنَاتُ - وَالْحَمْدُ للّه ِِ الَّذِي نَجَّانِي مِنْكِ بَعْدَ الْيَأْسِ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ(3).

وعن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: إذا كان يوم القيامة أمر اللّه مالكا أن يسعر النّيران السّبع وأمر رضوان أن يزخرف الجنان الثّمان ويقول: يا ميكائيل مدّ الصّراط على متن جهنّم ويقول: يا جبرائيل انصب ميزان العدل تحت العرش وينادى يا محمّد: قرّب امّتك للحساب.

ثمّ يأمر اللّه تعالى أن يعقد على الصّراط سبع قناطر طول كلّ قنطرة سبع عشر

ص: 186


1- . يعنى عدالة ربّ العالمين قال المحدّث المجلسى فى كتاب حق اليقين بعد رواية هذا الحديث: يمكن أن يكون الامانة في الاموال والعدل فى المظالم الآخر، أو يكون الامانة فى حق اللّه والعدل فى حق الناس، ولا يبعد أن يكون المراد بالرّحم رحم آل محمد وبالامانة عدم الخيانة في عهدهم وبيعتهم، ولذلك قدّمت على الصلاة، ثمّ قال: ولم يذكر عقبة الولاية فى هذه الرواية وهى من أعظم العقبات ويمكن أن يقال انّ هذه العقبات بالنسبة الى المؤمنين وأما المشركون والمنافقون فيكون جهنم في أول الصراط أو يدخلونها قبل الصراط، انتهى كلامه رفع مقامه.
2- . الفجر: 14.
3- . تفسير القمي: 2/421؛ بحار الأنوار: 8/65، ح2.

ألف فرسخ، وعلى كلّ قنطرة سبعون ألف ملك قيام فيسألون هذه الامّة نسائهم ورجالهم على القنطرة الأولى عن ولاية أميرالمؤمنين عليه السلام وحبّ أهل بيت محمّد صلّى اللّه عليه وآله فمن أتى به جاز على القنطرة الأولى كالبرق الخاطف ومن لميحبّ أهل بيت نبيّه صلّى اللّه عليه وآله سقط على أمّ رأسه على قعر جهنّم ولو كان معه من أعمال البرّ عمل سبعين صدّيقا.

وعلى القنطرة الثّانية فيسألون عن الصّلاة، وعلى الثّالثة يسألون عن الزكاة، وعلى الرّابعة عن الصيام، وعلى الخامسة عن الحجّ، وعلى السّادسة عن الجهاد، وعلى السّابعة عن العدل فمن أتى بشيء من ذلك جاز على الصّراط كالبرق الخاطف ومن لم يأت عذّب وذلك قوله تعالى وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤلُونَ يعنى معاشر الملائكة قفوهم يعنى العباد على القنطرة الأولى انّهم مسئولون عن ولاية عليّ عليه السلام وحبّ أهل البيت عليهم السلام(1).

وعَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ»(2) قَالَ قَنْطَرَةٌ عَلَى الصِّرَاطِ لاَ يَجُوزُهَا عَبْدٌ بِمَظْلِمَةٍ(3).

وعن أبي محمّد العسكري عليه السلام في قوله تعالى: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ»(4).

قال: أدم لنا توفيقك الذي به أطعناك في ماضي أيّامنا حتّى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا، والصّراط المستقيم هو صراطان: صراط في الدّنيا، وصراط في الآخرة فأمّا الصّراط المستقيم في الدنيا فهو ما قصر عن الغلوّ وارتفع عن التقصير

ص: 187


1- . مناقب آل ابى طالب عليهم السلام: 8/152؛ منهاج البراعة للخوئى: 6/16.
2- . الفجر: 14.
3- . الكافي: 2/331، ح2؛ بحار الأنوار: 72/323، ح54.
4- . الفاتحة: 6.

واستقام فلم يعدل إلى شيء من الباطل وأمّا الطريق الآخر فهو طريق المؤمنين إلى الجنّة الذي هو مستقيم لا يعدلون عن الجنّة إلى النّار ولا إلى غير النّار سوى الجنّة(1).

وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: يَوْماً يَا أَنَسُ أَسْبِغِ الْوُضُوءَ تَمُرَّ عَلَى الصِّرَاطِ مَرَّ السَّحَاب(2).

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ عليه السلام قَالَ: لَمَّا كَلَّمَ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عليه السلام قَالَ مُوسَى: إِلَهِي فَمَا جَزَاءُ مَنْ تَلاَ حِكْمَتَكَ سِرّاً وَجَهْراً قَالَ يَا مُوسَى يَمُرُّ عَلَى الصِّرَاطِ كَالْبَرْق(3).

وَأَهَاوِيلِ زَلَلِه

قال تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ، إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيم»(4).

وَتَارَاتِ أَهْوَالِهِ

قال تعالى: «يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه»(5).

ص: 188


1- . التفسير المنسوب الى الامام الحسن العسكرى عليه السلام: 44؛ معانى الأخبار: 33، ح4؛ بحارالأنوار: 24/9، ح1.
2- . الخصال: 1/181، ح246؛ بحار الأنوار: 73/4، ح8.
3- . فضائل الاشهر الثلاثة: 88، ح68؛ بحار الأنوار: 66/412، ح131.
4- . الحج: 1.
5- . عبس: 34 - 37.

عَنْ أَنَسٍ قَالَ رَسُولُ اللّه ِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى «فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ»(1) إِنَّ فَوْقَ الصِّرَاطِ عَقَبَةً كَئُوداً طُولُهَا ثَلاَثَةُ آلاَفِ عَامٍ أَلْفُ عَامٍ هُبُوطٌ وَأَلْفُ عَامٍ شَوْكٌ وَحَسَكٌ وَعَقَارِبُ وَحَيَّاتٌ وَأَلْفُ عَامٍ صُعُودٌ أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقْطَعُ تِلْكَ الْعَقَبَةَ وَثَانِي مَنْ يَقْطَعُ تِلْكَ الْعَقَبَةَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ بَعْدَ كَلاَمٍ لاَ يَقْطَعُهَا فِي غَيْرِ مَشَقَّةٍ إِلاَّ مُحَمَّدٌوَأَهْلُ بَيْتِهِ الْخَبَرَ(2).

قال ابن ابى الحديد: تارات أهواله كقولك دفعات أهواله وانّما جعل أهواله تارات لأنّ الامور الهائلة اذا استمرّت لم تكن في الازعاج والتّرويع كما يكون اذا طرأت تارة وسكنت تارةً(3).

قال التسترى: ما ذكره عبث وانّما المرام انّ أهواله تتجّدد تارة هذا الهول واخرى ذاك الهول كما قال عليه السلام في كلام آخر له فانّ امامكم عقبة كؤدا ومنازل مخوفة مهولة(4).

وقال الصدوق: متى انتهى الإنسان إلى عقبة اسمها فرض، وكان قد قصّر في ذلك الفرض، حبس عندها وطولب بحق اللّه فيها فإن خرج منه بعمل صالح قدّمه (عمله) أو برحمة تداركه، نجا منها إلى عقبة اخرى. فلا يزال يدفع من عقبة إلى عقبة، ويحبس عند كل عقبة، فيسأل عمّا قصر فيه من معنى اسمها(5) - الى أن قال - ومنها المرصاد وهو قوله تعالى: «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ»(6) يقول تعالى وعزّتي

ص: 189


1- . البلد: 11.
2- . مناقب آل ابى طالب عليه السلام: 2/155؛ بحار الأنوار: 8/66، ح7.
3- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/266.
4- . بهج الصباغة: 12/250.
5- . اعتقادات الإماميّة للصدوق: 71.
6- . الفجر: 14.

وجلالي لا يجوزني ظلم ظالم(1).

فَاتَّقُوا اللّه َ عِبَادَ اللّه ِ تَقِيَّةَ ذِي لُبٍّ شَغَلَ التَّفَكُّرُ قَلْبَهُ

الآيات الدالة على لزوم التفكر كثيرةفمنها: «كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّه ُ لَكُمُ الاْياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُون»(2).

ومنها: «كَذلِكَ نُفَصِّلُ الاْياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون»(3).

قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: لاَ عِبَادَةَ مِثْلُ التَّفَكُّرِ(4).

وقَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: فِكْرَةُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ وَلاَ يَنَالُ مَنْزِلَةَ التَّفَكُّرِ إِلاَّ مَنْ قَدْ خَصَّهُ اللّه ُ بِنُورِ الْمَعْرِفَةِ وَالتَّوْحِيد(5).

وعَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ كَانَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ: نَبِّهْ بِالتَّفَكُّرِ قَلْبَكَ وَجَافِ عَنِ اللَّيْلِ جَنْبَكَ وَاتَّقِ اللّه َ رَبَّكَ(6).

وعَنْ رِبْعِيٍّ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ صلى الله عليه و آله: إِنَّ التَّفَكُّرَ يَدْعُو إِلَى الْبِرِّ وَالْعَمَلِ بِهِ(7).

وعَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ إِدْمَانُ التَّفَكُّرِ فِي اللّه ِ وَفِي قُدْرَتِهِ(8).

وَقَالَ الرضا عليه السلام: لَيْسَتِ الْعِبَادَةُ كَثْرَةَ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّمَا الْعِبَادَةُ كَثْرَةُ التَّفَكُّرِ

ص: 190


1- . نفس المصدر: 72.
2- . البقرة: 219 و266.
3- . يونس: 24.
4- . من لا يحضره الفقيه: 4/372؛ بحار الأنوار: 2/22، ح66.
5- . مصباح الشريعة: 114؛ بحار الأنوار: 68/326.
6- . الكافي: 2/54، ح1؛ بحار الأنوار: 68/318، ح1.
7- . الكافي: 2/55، ح5؛ بحار الأنوار: 68/322، ح5.
8- . الكافي: 2/55، ح3؛ بحار الأنوار: 68/321، ح3.

فِي أَمْرِ اللّه ِ(1).

وَأَنْصَبَ الْخَوْفُ بَدَنَهُ

عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام مَنْ عَرَفَ اللّه َ خَافَ اللّه َ وَمَنْ خَافَ اللّه َسَخَتْ نَفْسُهُ عَنِ الدُّنْيَا(2).

وعن الامام موسى بن جعفر عليه السلام انه قَالَ: قَالَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): إِنَّ الْمُؤمِنَ لاَ يُصْبِحُ إِلاَّ خَائِفاً وَإِنْ كَانَ مُحْسِناً، وَلاَ يُمْسِي إِلاَّ خَائِفاً وَإِنْ كَانَ مُحْسِناً، لِأَنَّهُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: بَيْنَ وَقْتٍ قَدْ مَضَى لاَ يَدْرِي مَا اللّه ُ صَانِعٌ بِهِ، وَبَيْنَ أَجَلٍ قَدِ اقْتَرَبَ لاَ يَدْرِي مَا يُصِيبُهُ مِنَ الْهَلَكَاتِ(3).

وَروى مَرَّ الْحَسَنُ بن على عليه السلام بِشَابٍّ يَضْحَكُ فَقَالَ عليه السلام: هَلْ مَرَرْتَ عَلَى الصِّرَاطِ؟ قَالَ لاَ؛ قَالَ عليه السلام: وَهَلْ تَدْرِي فِي الْجَنَّةِ تَصِيرُ أَمْ إِلَى النَّارِ؟ قَالَ لاَ قَالَ عليه السلام: فَمَا هَذَا الضَّحِكُ؟ قَالَ فَمَا رُئِيَ هَذَا الضَّاحِكُ بَعْدُ ضَاحِكاً(4).

وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إِذَا اقْشَعَرَّ قَلْبُ الْمُؤمِنِ مِنْ خَشْيَةِ اللّه ِ تَحَاتَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا تَتَحَاتُّ مِنَ الشَّجَرِ وَرَقُهَا(5).

ص: 191


1- . تحف العقول: 442؛ بحار الأنوار: 68/325، ح17.
2- . الكافي: 2/68، ح4؛ بحار الأنوار: 67/357، ح3.
3- . الأمالي للطوسى: 208، م8 ، ح357 - 7؛ بحار الأنوار: 67/382، ح34.
4- . جامع الأخبار للشعيري: 98.
5- . جامع الأخبار للشعيري: 98؛ بحار الأنوار: 67/394.

وَأَسْهَرَ التَّهَجُّدُ غِرَارَ نَوْمِهِ

قال تعالى: «وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُودا»(1).

وقال تعالى: «كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُون»(2).

وقال تعالى: «تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُون»(3).

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ جَاءَ جَبْرَئِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ صلى الله عليه و آله عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ وَأَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ الرَّجُلِ قِيَامُهُ بِاللَّيْلِ وَعِزُّهُ اسْتِغْنَاؤهُ عَنِ النَّاسِ(4).

وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله فِي وَصِيَّتِهِ لِعَلِيٍّ عليه السلام يَا عَلِيُّ عَلَيْكَ بِصَلاَةِ اللَّيْلِ وَعَلَيْكَ بِصَلاَةِ اللَّيْلِ وَعَلَيْكَ بِصَلاَةِ اللَّيْل(5).

وعن أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ كَانَ فِيمَا أَوْصَى بِهِ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَلِيّاً يَا عَلِيُّ ثَلاَثٌ فَرَحَاتٌ لِلْمُؤمِنِ لُقَى الاْءِخْوَانِ وَالاْءِفْطَارُ مِنَ الصِّيَامِ وَالتَّهَجُّدُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ(6).

وعَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِّ قَالَ: بَيْنَا أَنَا وَنَوْفٌ نَائِمَيْنِ فِي رَحْبَةِ الْقَصْرِ إِذْ نَحْنُ بِأَمِيرالْمُؤمِنِينَ عليه السلام فِي بَقِيَّةٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاضِعاً يَدَهُ عَلَى الْحَائِطِ شِبْهَ الْوَالِهِ وَهُوَ يَقُولُ

ص: 192


1- . الإسراء: 79.
2- . الذاريات: 17 - 18.
3- . السجدة: 16 - 17.
4- . الأمالي للصدوق: 233، م 41، ح5؛ بحار الأنوار: 72/105، ح2.
5- . من لا يحضره الفقيه: 1/484، ح1399؛ بحار الأنوار: 84/162، ح54.
6- . الخصال: 1/125، ح121؛ بحار الأنوار: 71/352، ح22.

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَى آخِرِ الاْيَةِ قَالَ ثُمَّ جَعَلَ يَقْرَأُ هَذِهِ الاْيَاتِ وَيَمُرُّ شِبْهَ الطَّائِرِ عَقْلُهُ فَقَالَ أَ رَاقِدٌ يَا حَبَّةُ أَمْ رَامِقٌ قُلْتُ رَامِقٌ هَذَا أَنْتَ تَعْمَلُ هَذَا الْعَمَلَ فَكَيْفَ نَحْنُ قَالَ فَأَرْخَى عَيْنَيْهِ فَبَكَى ثُمَّ قَالَ لِي يَا حَبَّةُ إِنَّ للّه ِِ مَوْقِفاً وَلَنَا بَيْنَ يَدَيْهِ مَوْقِفٌ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِنَا يَا حَبَّةُ إِنَّ اللّه َ أَقْرَبُ إِلَيْكَ وَإِلَيَّ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ يَا حَبَّةُ إِنَّهُ لَنْ يَحْجُبَنِي وَلاَ إِيَّاكَ عَنِ اللّه ِ شَيْءٌ.قَالَ ثُمَّ قَالَ أَ رَاقِدٌ أَنْتَ يَا نَوْفُ قَالَ لاَ يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ مَا أَنَا بِرَاقِدٍ وَلَقَدْ أَطَلْتُ بُكَائِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَقَالَ يَا نَوْفُ إِنْ طَالَ بُكَاؤكَ فِي هَذَا اللَّيْلِ مَخَافَةً مِنَ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ قَرَّتْ عَيْنَاكَ غَداً بَيْنَ يَدَيِ اللّه ِ عَزَّ وَجَل الحديث(1).

وعن أَبى يَعْلَى فِي الْمُسْنَدِ عن اميرالمومنين عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: مَا تَرَكْتُ صَلاَةَ اللَّيْلِمُنْذُ سَمِعْتُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلاَةُ اللَّيْلِ نُورٌ فَقَالَ ابْنُ الْكَوَّاءِ وَلاَ لَيْلَةَ الْهَرِيرِ قَالَ وَلاَ لَيْلَةَ الْهَرِيرِ(2).

وَمِنْ صِفَاتِه عليه السلامفِي لَيْلِهِ مَا ذَكَرَهُ نَوْفٌ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ: أَنَّهُ عليه السلاممَا فُرِشَ لَهُ فِرَاشٌ فِي لَيْلٍ قَطُّ - إلى أن قال - أَشْهَدُ لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ وَقَدْ أَرْخَى اللَّيْلُ سُدُولَهُ وَغَارَتْ نُجُومُهُ وَهُوَ قَابِضٌ بِيَدِهِ عَلَى لِحْيَتِهِ يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّلِيمِ وَيَبْكِي بُكَاءَ الْحَزِينِ(3).

وعن سُلَيْمَان بْن الْمُغِيرَةِ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ سَأَلْتُ أُمَّ سَعِيدٍ عَنْ صَلاَةِ عَلِيٍّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَقَالَتْ رَمَضَانُ وَشَوَّالٌ سَوَاءٌ يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ(4).

ص: 193


1- . فلاح السائل: 266؛ بحار الأنوار: 84/201، ح9.
2- . مناقب آل ابى طالب عليه السلام: 2/123؛ بحار الأنوار: 41/17، ح14.
3- . فلاح السائل: 267؛ بحار الأنوار: 84/202، ح9.
4- . مناقب آل ابى طالب عليه السلام: 2/123؛ بحار الأنوار: 41/17، ح14.

وعَنْ جَابِرِ بْن عَبْدِاللّه ِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يَقُولُ مَا اتَّخَذَ اللّه ُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً إِلاَّ لاِءِطْعَامِهِ الطَّعَامَ وَصَلاَتِهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ(1).

وقَالَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام لاَ تَدَعْ قِيَامَ اللَّيْلِ فَإِنَّ الْمَغْبُونَ مَنْ غُبِنَ قِيَامَ اللَّيْلِ(2).

وعن المفيد في المقنعة قال: روى أنّ صلاة اللّيل تدرّ الرّزق وتحسّنالوجه وترضى الرّبّ وتنفي السّيئات(3).

وَقَالَ النبى صلى الله عليه و آله: إِذَا قَامَ الْعَبْدُ مِنْ لَذِيذِ مَضْجَعِهِ وَالنُّعَاسِ فِي عَيْنَيْهِ لِيُرْضِيَ رَبَّهُ جَلَّ وَعَزَّ لِصَلاَةِ لَيْلِهِ بَاهَى اللّه ُ تَعَالَى بِهِ مَلاَئِكَتَهُ فَقَالَ أَ مَا تَرَوْنَ عَبْدِي هَذَا قَدْ قَامَ مِنْ لَذِيذِ مَضْجَعِهِ إِلَى صَلاَةٍ لَمْ أَفْرِضْهَا عَلَيْهِ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ(4).

وعن الصادق عليه السلام قَالَ: كَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ وَيَجُوعُ بِالنَّهَار(5).

وعَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: إِنَّ الْبُيُوتَ الَّتِي يُصَلَّى فِيهَا بِاللَّيْلِ بِتِلاَوَةِ الْقُرْآنِ(6) تُضِيءُ لِأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا يُضِيءُ نُجُومُ السَّمَاءِ لِأَهْلِ الْأَرْضِ(7).

وعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليه السلام قَالَ: «الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا»(8) وَثَمَانُ

ص: 194


1- . علل الشرايع: 1/35، ح4؛ بحار الأنوار: 12/4، ح10.
2- . معاني الأخبار: 342، ح1؛ بحار الأنوار: 80/127، ح77.
3- . وسائل الشيعة: 8/157، ح10296 - 35.
4- . اعلام الدين فى صفات المؤمنين: 262؛ بحار الأنوار: 84/156، ح40.
5- . ثواب الأعمال: 41؛ بحار الأنوار: 84/153، ح31.
6- . يحتمل أن يكون الباء للسببية أي لسبب ما يتلى في الصلاة من القرآن، وأن يكون للملابسة أي متلبسة بتلاوة القرآن، فيشمل ما يقرأ فيها وما يقرأ بعدها أو قبلها. مراد.
7- . ثواب الأعمال: 42؛ بحار الأنوار: 84/154، ح32.
8- . الكهف: 46.

رَكَعَاتٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ وَالْوَتْرُ زِينَةُ الاْخِرَة(1).

وَأَظْمَأَ الرَّجَاءُ هَوَاجِرَ يَوْمِهِ

قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّه ِ أُولئِكَيَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّه»(2).

وَأَوْجَفَ الذِّكْرُ بِلِسَانِهِ

اعلم انّ ذكر اللّه عزّ وجلّ على أقسام:

الاول: أن يذكره تعالى عند إرادة المعصية الّتي يريد ارتكابها فيتركها له الثاني: ذكره عند الطاعة فيسهل عليه مشقّة العبادة

الثالث: ذكره عند الرّفاهية والنّعمة فيذكره ويؤدّي شكره

الرابع: ذكره عند الابتلاء والمحنة فيتضرّع له لصرف البلاء والصّبر عليه

الخامس: ذكره بالقلب بأن يتفكّر في صفاته الجلالية ونعوته الجماليّة وغيرها من العلوم ومعارف الحقّة السادس: الذكر باللّسان بأن يسبّح له ويقدّسه ويمجّده ويشتغل بذكر فضائل أهل البيت وتعليم القرآن وتدريس العلوم الشّرعيّة وأنحائها.

وكلّ ذلك ممّا ورد الحثّ عليه في الأخبار والآيات قال سبحانه: «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّه ُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالاْصالِ * رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ

ص: 195


1- . معانى الاخبار: 324، ح1؛ بحار الأنوار: 150/84، ح26.
2- . البقرة: 218.

تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّه ِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ»(1).

وقال تعالى: «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ»(2).

وقال تعالى: «وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا»(3).

وقال تعالى: «وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرا»(4).

وقال تعالى: «وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلا»(5).

وقال تعالى: «وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالاْصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ»(6).

قال الطبرسيّ رحمه الله: هو عام في الأذكار وقراءة القرآن والدّعاء والتّسبيح والتهليل والتحميد وتضرّعا وخيفة أي متضرّعا وخايفا، ودون الجهر من القول، أى ومتكلّما كلاما دون الجهر، لأنّ الاخفاء أدخل في الاخلاص وأبعد من الرّيا وأقرب إلى القبول(7).

وعَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ الَّتِي لَمْ تُغَيَّرْ أَنَّ مُوسَى عليه السلام سَأَلَ رَبَّهُ فَقَالَ يَا رَبِّ أَ قَرِيبٌ أَنْتَ مِنِّي فَأُنَاجِيَكَ أَمْ بَعِيدٌ فَأُنَادِيَكَ فَأَوْحَى اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ يَا مُوسَى أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي فَقَالَ مُوسَى فَمَنْ فِي سِتْرِكَ يَوْمَ لاَ سِتْرَ إِلاَّ سِتْرُكَ فَقَالَ الَّذِينَ يَذْكُرُونَنِي فَأَذْكُرُهُمْ وَيَتَحَابُّونَ فِيَّ فَأُحِبُّهُمْ

ص: 196


1- . النور: 36 - 37.
2- . البقرة: 152.
3- . المزمل: 8.
4- . آل عمران: 41.
5- . الانسان: 25.
6- . الاعراف: 205.
7- . تفسير جوامع الجامع: 1/493.

فَأُولَئِكَ الَّذِينَ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أُصِيبَ أَهْلَ الْأَرْضِ بِسُوءٍ ذَكَرْتُهُمْ فَدَفَعْتُ عَنْهُمْ بِهِمْ(1).

وعَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ الَّتِي لَمْ تُغَيَّرْ أَنَّ

مُوسَى سَأَلَ رَبَّهُ فَقَالَ إِلَهِي إِنَّهُ يَأْتِي عَلَيَّ مَجَالِسُ أُعِزُّكَ وَأُجِلُّكَ أَنْ أَذْكُرَكَ فِيهَا فَقَالَ يَا مُوسَى إِنَّ ذِكْرِي حَسَنٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ(2).

وعن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال لا يزال المؤمن في صلاة ما كانفي ذكر اللّه إن كان قائما أو جالسا(3).

وعَنْ دَاوُدَ بْنِ سِرْحَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ اللّه ِ أَحَبَّهُ اللّه ُ وَمَنْ ذَكَرَ اللّه َ كَثِيراً كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ(4).

وعن النّبيّ صلى الله عليه و آله: مَا قَعَدَ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ يَذْكُرُونَ اللّه َ إِلاَّ قَعَدَ مَعَهُمْ عِدَّةٌ مِنَ الْمَلاَئِكَة(5).

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: الصَّوَاعِقُ تُصِيبُ الْمُؤمِنَ وَغَيْرَ الْمُؤمِنِ وَلاَ تُصِيبُ الذَّاكِرَ(6).

وقَالَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام الذَّاكِرُ للّه ِِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْغَافِلِينَ كَالْمُقَاتِلِ فِي الْمُحَارِبِينَ(7).

وَقَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: أَبْخَلُ النَّاسِ فَرَجُلٌ يَمُرُّ بِمُسْلِمٍ فَلاَ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَأَكْسَلُ

ص: 197


1- . الكافي: 2/496، ح4؛ بحار الأنوار: 342/20، ح13.
2- . الكافي: 2/497، ح8؛ بحار الأنوار: 13/343، ح21.
3- . تفسير العياشي: 1/211؛ بحار الأنوار: 90/159، ح34.
4- . وسائل الشيعة: 7/154، ح8985 - 1.
5- . مكارم الاخلاق: 312؛ بحار الأنوار: 90/162.
6- . كشف الغمة: 2/132؛ بحار الأنوار: 75/186، ح18.
7- . الكافي: 2/502، ح1؛ وسائل الشيعة: 7/165، ح9019 - 1.

النَّاسِ عَبْدٌ صَحِيحٌ فَارِغٌ لاَ يَذْكُرُ اللّه َ بِشَفَةٍ وَلاَ بِلِسَان(1).

وعَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: أَوْحَى اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى مُوسَى عليه السلام يَا مُوسَى عليه السلام لاَ تَفْرَحْ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَلاَ تَدَعْ ذِكْرِي عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْمَالِ تُنْسِي الذُّنُوبَ وَإِنَّ تَرْكَ ذِكْرِي يُقْسِي الْقُلُوبَ(2).

وروى أبو بصير عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: ما اجتمع قوم في مجلس لم يذكروا اللّه ولم يذكرونا إلاّ كان ذلك المجلس عليهم حسرة يوم القيامة، ثمّ قال: قال أبوجعفر عليه السلام إنّ ذكرنا من ذكر اللّه وذكر عدوّنا من ذكر الشّيطان(3).

وروى الحسن بن ابى الحسن الدّيلمي عن النبيّ صلى الله عليه و آلهأنّ الملائكة يمرّون على حلق الذّكر فيقومون على رؤوسهم ويبكون لبكائهم ويؤمّنون لدعائهم، فاذا صعدوا إلى السّماء يقول اللّه تعالى: يا ملائكتي أين كنتم؟ وهو أعلم، فيقولون: يا ربّنا إنّا حضرنا مجلسا من مجالس الذكر فرأينا أقواما يسبّحونك ويمجّدونك ويقدّسونك ويخافون نارك، فيقول اللّه سبحانه: يا ملائكتي أذودها عنهم واشهدكم أنّي قد غفرت لهم وأمنتهم ممّا يخافون، فيقولون: ربّنا إنّ فيهم فلانا وإنّه لم يذكرك

فيقول تعالى: قد غفرت له بمجالسته لهم، الحديث(4).

وعن النبى صلى الله عليه و آله: من ذكر اللّه في السّوق مخلصا عند غفلة النّاس وشغلهم بما هم فيه كتب اللّه له ألف حسنة ويغفر اللّه له يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر(5).

ص: 198


1- . مجموعة ورام: 2/237؛ بحار الأنوار: 90/302.
2- . الكافي: 2/497، ح7؛ بحار الأنوار: 70/142، ح19.
3- . وسائل الشيعة: 7/153، ح8981 - 3؛ بحار الأنوار: 72/468، ح20.
4- . عدّة الداعي: 256؛ بحار الأنوار: 72/468، ح20.
5- . عدّة الداعي: 257؛ بحار الأنوار: 100/102، ح47.

وعن أبي عبداللّه عليه السلام قال: إنّ موسى عليه السلام انطلق ينظر إلى اعمال العبّاد فأتى رجلا من أعبد النّاس فلمّا أمسى حرّك الرّجل شجرة إلى جنبه فاذا فيه رمّانتان قال فقال: يا عبداللّه من أنت؟ إنّك عبد صالح أنا ههنا منذ ما شاء اللّه ما أجد في هذه الشّجرة إلاّ رمّانة واحدة ولولا أنّك عبد صالح ما وجدت رمّانتين قال أنا رجل أسكن أرض موسى بن عمران.

قال: فلمّا أصبح قال تعلم أحدا أعبد منك؟ قال: نعم فلان الفلاني، قال: فانطلق إليه فاذا هو أعبد منه كثيرا فلمّا أمسى أوتي برغيفين وماء فقال: يا عبداللّه من أنت؟ إنّك عبد صالح أنا ههنا منذ ما شاء اللّه وما اوتى إلاّ برغيف واحد ولولا أنّك

عبد صالح ما اوتيت برغيفين قال أنا رجل أسكن أرض موسى بن عمران.ثمّ قال موسى: هل تعلم أحدا أعبد منك؟ قال: نعم فلان الحداد في مدينة كذا وكذا، قال: فأتاه فنظر إلى رجل ليس بصاحب العبادة بل إنّما هو ذاكر للّه تعالى وإذا دخل وقت الصّلاة قام فصلّى فلمّا أمسى نظر إلى غلّته فوجدها قد اضعفت قال يا عبداللّه من أنت؟ إنّك عبد صالح أنا ههنا منذ ما شاء اللّه غلّتي قريب بعضها

من بعض واللّيلة قد اضعفت فمن أنت؟ قال: أنا رجل أسكن في أرض موسى بن عمران.

قال: فأخذ ثلث غلّته فتصدّق بها، وثلثا أعطى مولى له، وثلثا اشترى له طعاما فأكل هو وموسى، قال: فتبسّم موسى عليه السلام فقال: من أىّ شيء تبسّمت؟ قال: دلّني نبيّ بني إسرائيل على فلان فوجدته من أعبد الخلق فدلّني على فلان فوجدته أعبد منه فدلّني فلان عليك وزعم أنّك أعبد منه ولست أراك شبه القوم.

قال: أنا رجل مملوك أليس تراني ذاكراً للّه ِِ تعالى أ وليس تراني اصلّى الصّلاة

ص: 199

لوقتها وإن أقبلت إلى الصّلاة أضررت بغلّة مولاى وأضررت بعمل النّاس أ تريد أن تأتى بلادك؟ قال: نعم.

قال فمرّت به سحابة فقال الحدّاد: يا سحابة تعالى، قال: فجاءت، قال: اين تريدين؟ فقالت: اريد كذا وكذا، قال: انصرفي ثمّ مرّت به اخرى قال: يا سحابة تعالى فجاءت فقال: اين تريدين؟ فقالت اريد ارض كذا وكذا، قال: انصرفي ثمّ مرّت به اخرى قال: يا سحابة تعالى فجاءته فقال اين تريدين؟ قالت أريد أرض موسى بن عمران قال: تعالى واحملي هذا حمل رفيق وضعيه في أرض موسى بن عمران وضعا رفيقا.

قال فلمّا بلغ موسى عليه السلام بلاده قال: يا ربّ بما بلّغت هذا ما أرى؟ قال تعالى: إنّ عبدي هذا يصبر على بلائي ويرضى بقضائي، ويشكر على نعمائي(1).

وفي تفسير الامام العسكري عليه السلام قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: الا فاذكروا يا امّة محمّد محمّدا وآله عند نوائبكم وشدائدكم لينصرنّ اللّه بهم ملائكتكم على الشّياطين الّذين يقصدونكم، فانّ كلّ واحد منكم معه ملك عن يمينه يكتب حسناته وملك عن يساره يكتب سيئاته، ومعه شيطانان من عند إبليس يغويانه.

فاذا وسوسا في قلبه ذكر اللّه وقال: لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم وصلّى اللّه على محمّد وآله حبس (خنس) الشّيطانان ثمّ صارا إلى إبليس فشكواه وقالا له: قد أعيانا أمره فامددنا بالمردة ولا يزال يمدّهما حتّى يمدّهما بألف مارد فيأتونه فكلّما راموه ذكر اللّه وصلّى على محمّد وآله الطّيّبين لم يجدوا عليه طريقا

ولا منفذا.

ص: 200


1- . عدّة الداعي: 250؛ بحار الأنوار: 71/145، ح6.

قالوا لابليس ليس له غيرك تباشره بجنودك فتغلبه فتغويه فيقصده إبليس بجنوده، فيقول اللّه تبارك وتعالى للملائكة: هذا إبليس قد قصد عبدي فلانا، أو أمتي فلانة بجنوده ألا فقاتلوه، فيقاتلوه بازاء كلّ شيطان رجيم منهم مأئة ألف ملك وهم على افراس من نار بأيديهم سيوف من نار ورماح من نار وقسىّ ونشاشيب(1) وسكاكين وأسلحتهم من نار.

فلا يزالون يجرحونهم ويقتلونهم بها ويأسرون إبليس فيضعون عليه تلك الأسلحة فيقول: يا ربّ وعدك وعدك قد أجّلتني إلى يوم الوقت المعلوم، فيقول اللّه تبارك وتعالى للملائكة: وعدته أن لا اميته ولم أعده أن لا اسلّط عليه السّلاح والعذاب والآلام اشتقوا منه ضربا بأسلحتكم فانّي لا اميته فيسخنونه بالجراحاتثمّ يدعونه، فلا يزال سخين العين(2) على نفسه وأولاده المقتولين المقتّلين(3) ولا يندمل شيء من جراحاته، إلاّ بسماعه أصوات المشركين بكفرهم فان بقى هذا المؤمن على طاعة اللّه وذكره والصّلاة على محمّد وآله بقى إبليس على تلك الجراحات، فان زال العبد عن ذلك وانهمك في مخالفة اللّه عزّ وجلّ ومعاصيه اندملت جراحات إبليس ثمّ قوى على ذلك العبد حتّى يلجمه ويسرج على ظهره ويركبه ثمّ ينزل عنه ويركب ظهره شيطانا من شياطينه ويقول لأصحابه أما تذكرون ما أصابنا من شأن هذا ذلّ وانقاد لنا الآن حتّى صار يركبه هذا ثمّ قال

ص: 201


1- . جمع النشائب بالضم والتشديد وهو النبل.
2- . اى باكى العين.
3- . المقتلين على بناء المفعول من باب الإفعال أي المعرضين للقتل أو التفعيل تأكيدا لبيان كثرة مقتوليهم. قال الجوهري أقتلت فلانا عرضته للقتل وقتلوا تقتيلا شدد للكثرة بحار الأنوار: 60/272.

رسول اللّه صلى الله عليه و آله فان أردتم أن تديموا على إبليس سخنة عينه وألم جراحاته فداوموا على طاعة اللّه وذكره والصّلاة على محمّد وآله، وإن زلتم عن ذلك كنتم اسراء إبليس فيركب أقفيتكم(1) بعض مردته(2).

وَقَدَّمَ الْخَوْفَ لِأَمَانِهِ

روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال: كان داود النبى عليه السلام يَعُودُهُ النَّاسُ وَيَظُنُّونَ أَنَّهُ مَرِيضٌ وَمَا بِهِ مِنْ مَرَضٍ إِلاَّ خَوْفَ اللّه ِ وَالْحَيَاءَ مِنْهُ(3).

وكان مقام الخوف غالبا على يحيى، ومقام الرجاء على عيسى - على نبيّناوعليهما الصلاة والسلام - وهما ابنا خالة، حتّى نقل أنّ يوما من الأيّام التقيا، وكان يحيى باكيا وعيسى مبسّما، فقال يحيى لعيسى: «أ أمنت من مكر اللّه حتّى تضحك» وقال عيسى في جوابه: «أ أيست من رحمة اللّه حتّى تبكى»(4)

وَمِنْ زُهْدِ ابى عبداللّه الحسين عليه السلام أَنَّهُ قِيلَ لَهُ مَا أَعْظَمَ خَوْفَكَ مِنْ رَبِّكَ فَقَالَ لاَ يَأْمَنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ مَنْ خَافَ اللّه َ فِي الدُّنْيَا(5).

وَتَنَكَّبَ الْمَخَالِجَ عَنْ وَضَحِ السَّبِيلِ

قال تعالى: «وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ، وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ

ص: 202


1- . اى اعناقكم.
2- . التفسير المنسوب الى الامام الحسن العسكرى عليه السلام: 396/270؛ بحار الأنوار: 60/271، ح158.
3- . مشكاة الأنوار: 118.
4- . منهاج الولاية فى شرح نهج البلاغة: 2/1094.
5- . مناقب آل ابى طالب عليه السلام: 2/69؛ بحار الأنوار: 44/192، ح5.

عَنْ سَبِيلِه»(1).

وَسَلَكَ أَقْصَدَ الْمَسَالِكِ إِلَى النَّهْجِ الْمَطْلُوبِ وَلَمْ تَفْتِلْهُ فَاتِلاَتُ الْغُرُورِ

قال تعالى: «يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ يُنادُونَهُمْ أَ لَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللّه ِ وَغَرَّكُمْ بِاللّه ِ الْغَرُور»(2).

وقال تعالى: «فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّه ِ الْغَرُور»(3).

وَلَمْ تَعْمَ عَلَيْهِ مُشْتَبِهَاتُ الْأُمُورِ

في الصحاح: «عمى عليه الأمر إذا التبس(4) ومنه قوله تعالى: «فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ»(5).

ظَافِراً بِفَرْحَةِ الْبُشْرَى

قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللّه ُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِياؤكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الاْخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيم»(6).

ص: 203


1- . الأنعام: 153.
2- . الحديد: 13 - 14.
3- . فاطر: 5.
4- . الصحاح عما: 6/2439.
5- . القصص: 66.
6- . فصلت: 30 - 32.

وقال تعالى: «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ»(1).

وقال تعالى: «يَوْمَ تَرَى الْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِم بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهار»(2).

وَرَاحَةِ النُّعْمَى

اشارة الى قوله تعالى: «فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيم»(3).

فِي أَنْعَمِ نَوْمِهِ وَآمَنِ يَوْمِهِ

قال تعالى: «يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي»(4).

وقال تعالى: «وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُون»(5).

وقال تعالى: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ * لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ»(6).

وقال تعالى: «يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِين»(7).

ص: 204


1- . البقرة: 25.
2- . الحديد: 12.
3- . الواقعة: 88 - 89.
4- . الفجر: 27 - 30.
5- . النمل: 89.
6- . الحجر: 45 - 48.
7- . الدخان: 55.

وَقَدْ عَبَرَ مَعْبَرَ الْعَاجِلَةِ حَمِيداً وَقَدَّمَ زَادَ الاْجِلَةِ سَعِيداً

قال تعالى: وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّه ُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى(1).

قال تعالى: «وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ * قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللّه ُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُوم * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيم»(2).

وَبَادَرَ مِنْ وَجَلٍ

قال تعالى: «إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً»(3).

وقال تعالى: «وَالَّذِينَ يُؤتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ * أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ»(4).

وَأَكْمَشَ فِي مَهَلٍ وَرَغِبَ فِي طَلَبٍ وَذَهَبَ عَنْ هَرَبٍ

قال تعالى: «فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى * وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى»(5).

وقال تعالى: «إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً»(6).

وقال تعالى: «وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ»(7).

ص: 205


1- . البقرة: 197.
2- . الطور: 25 - 28.
3- . الأنبياء: 90.
4- . المؤمنون: 60 - 61.
5- . الليل: 5 - 11.
6- . الانبياء: 90.
7- . الرحمن: 46.

وقال تعالى: «وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى»(1).

قال المحقّق الطوسي في أوصاف الأشراف فى تفسير الرهبة: «هو تألّم النفس من العقاب بسبب ارتكاب المنهيّات والتقصير في الطاعات، كما في أكثر الخلق.وقد يحصل بمعرفة عظمة الحقّ ومشاهدة هيبته كما في الأنبياء والأولياء»(2).

وفرّق بعض العارفين بين الخوف والرهبة فقال: «الخوف هو توقّع الوعيد، وهو سوط اللّه يقوّم به الشاردين عن بابه و يسيّر بهم على صراطه حتّى يستقيم به أمر من كان مغلوبا على رشده، ومن علامته قصر الأمل، وطول البكاء. والرهبة: هي انصباب إلى وجهة الهرب بل هي الهرب.

رهب وهرب: مثل جبذ وجذب، فصاحبها يهرب أبدا لتوقّع العقوبة. ومن علاماتها: حركة القلب إلى الانقباض من داخل وهربه وانزعاجه عن انبساطه حتّى أنّه يكاد أن يبلغ الرهابة في الباطن مع ظهور الكمد (3) و الكآبة على الظاهر» انتهى(4).

وَرَاقَبَ فِي يَوْمِهِ غَدَهُ

قال تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه َ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللّه َ إِنَّ اللّه َ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ»(5).

ص: 206


1- . النازعات: 40 - 41.
2- . أوصاف الأشراف: 25، اعلم أنّ الكتاب فارسي فالمؤلّف ترجم قول الطوسي قدس سره باللغة العربيّة، مجمع البحرين: 1/24.
3- . الكمد تغير اللون وذهاب صفاته والحزن الشديد.
4- . رياض السالكين: 2/127.
5- . الحشر: 18.

وَنَظَرَ قُدُماً أَمَامَهُ

عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: اسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله حَارِثَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ النُّعْمَانِ الْأَنْصَارِيَّ فَقَالَ لَهُ كَيْفَ أَنْتَ يَا حَارِثَةَ بْنَ مَالِكٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّه ِ مُؤمِنٌ حَقّاً فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ فَمَا حَقِيقَةُ قَوْلِكَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّه ِ عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا فَأَسْهَرَتْ لَيْلِي وَأَظْمَأَتْ هَوَاجِرِي وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي - [وَ] قَدْ وُضِعَ لِلْحِسَابِ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِي الْجَنَّةِ وَكَأَنِّي أَسْمَعُ عُوَاءَ (1) أَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَبْدٌ نَوَّرَ اللّه ُ قَلْبَهُ أَبْصَرْتَ فَاثْبُتْ فَقَالَ يَارَسُولَ اللّه ِ ادْعُ اللّه َ لِي أَنْ يَرْزُقَنِي الشَّهَادَةَ مَعَكَ فَقَالَ - اللَّهُمَّ ارْزُقْ حَارِثَةَ الشَّهَادَةَ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلاَّ أَيَّاماً حَتَّى بَعَثَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله سَرِيَّةً - فَبَعَثَهُ فِيهَا فَقَاتَلَ فَقَتَلَ تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً ثُمَّ قُتِلَ.

وَفِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: اسْتُشْهِدَ مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بَعْدَ تِسْعَةِ نَفَرٍ وَكَانَ هُوَ الْعَاشِرَ(2).

فَكَفَى بِالْجَنَّةِ ثَوَاباً وَنَوَالاً

قال تعالى: «وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ - ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللّه ِ»(3).

وقال تعالى: «مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً»(4).

وقال تعالى: «فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُون»(5).

ص: 207


1- . العواء. الصياح وكأنّه بالذئب والكلب اخص.
2- . الكافي: 2/54، ح3؛ بحار الأنوار: 22/126، ح98.
3- . آل عمران: 195.
4- . الكهف: 31.
5- . السجدة: 17.

وفي قصّة يوم الطفّ لمّا زحف عمر بن سعد قال له الحرّ: أ مقاتل أنت هذا الرّجل؟ قال أي واللّه قتالا أيسره أن تسقط الرءوس وتطيح الأيدي قال أ فما لكم في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضى؟ قال لو كان الأمر اليّ لفعلت و لكن أميرك قد أبى ذلك، قال فأقبل حتّى وقف من الناس موقفا ومعه رجل يقال له قرّة بن قيس، فقال: يا قرّة هل سقيت فرسك اليوم قال لا قال أ ما تريد أن تسقيه؟ فقلت له: لم أسقه وأنا منطلق فأسقيه، فو اللّه لو أنّه اطّلعني على الّذي يريد لخرجت معه فأخذ يدنو من الحسين قليلا قليلا فقال له رجل من قومه يقال له المهاجر بنأوس ما تريد أ تريد أن تحمل فسكت وأخذه مثل العرواء فقال له المهاجر: واللّه إنّ أمرك لمريب واللّه ما رأيت منك في موقف قطّ مثل شيء أراه الآن ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك فما هذا الّذي أرى منك قال انّي واللّه اخيّر نفسي بين الجنّة والنار وو اللّه لا أختار على الجنّة شيئا ولو قطّعت وحرّقت ثمّ ضرب فرسه والحق بالحسين عليه السلام (1).

قال تعالى: «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُون » (2).

وقال تعالى: «أُولئِكَ جَزاؤهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِين»(3).

عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام قَالَ: قَالَ

ص: 208


1- . تاريخ الطبري: 5/427، سنة 61.
2- . البقرة: 25.
3- . آل عمران: 136.

رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفاً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا يَسْكُنُهَا مِنْ أُمَّتِي مَنْ أَطَابَ الْكَلاَمَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَفْشَى السَّلاَمَ وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَام (1).

وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه ِ شَوِّقْنِي فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّ مِنْ أَدْنَى نَعِيمِ الْجَنَّةِ يُوجَدُ رِيحُهَا مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ مِنْ مَسَافَةِ الدُّنْيَا - وَإِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً - لَوْ نَزَلَ بِهِ أَهْلُ الثَّقَلَيْنِ الْجِنُّ وَالاْءِنْسُ -لَوَسِعَهُمْ طَعَاماً وَشَرَاباً - وَلاَ يَنْقُصُ مِمَّا عِنْدَهُ شَيْءٌ - وَإِنَّ أَيْسَرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَيُرْفَعُ لَهُ ثَلاَثُ حَدَائِقَ - فَإِذَا دَخَلَ أَدْنَاهُنَّ رَأَى فِيهَا مِنَ الْأَزْوَاجِ - وَالْخَدَمِ وَالْأَنْهَارِ وَالْأَثْمَارِ مَا شَاءَ اللّه ُ - مِمَّا يَمْلَأُ عَيْنَهُ قُرَّةً وَقَلْبَهُ مَسَرَّةً - فَإِذَا شَكَرَ اللّه َ وَحَمِدَهُ قِيلَ لَهُ - ارْفَعْ رَأْسَكَ إِلَى الْحَدِيقَةِ الثَّانِيَةِ - فَفِيهَا مَا لَيْسَ فِي الْأُخْرَى - فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَعْطِنِي هَذِهِ فَيَقُولُ اللّه ُ تَعَالَى إِنْ أَعْطَيْتُكَ إِيَّاهَا سَأَلْتَنِي غَيْرَهَا - فَيَقُولُ رَبِّ هَذِهِ هَذِهِ فَإِذَا هُوَ دَخَلَهَا شَكَرَ اللّه َ وَحَمِدَهُ - قَالَ فَيُقَالُ افْتَحُوا لَهُ بَابَ الْجَنَّةِ وَيُقَالُ لَهُ ارْفَعْ رَأْسَكَ - فَإِذَا قَدْ فُتِحَ لَهُ بَابٌ مِنَ الْخُلْدِ - وَيَرَى أَضْعَافَ مَا كَانَ فِيمَا قَبْلُ - فَيَقُولُ عِنْدَ تَضَاعُفِ مَسَرَّاتِهِ رَبِّ لَكَ الْحَمْدُ الَّذِي لاَ يُحْصَى إِذْ مَنَنْتَ عَلَيَّ بِالْجِنَانِ وَنَجَّيْتَنِي مِنَ النِّيرَانِ قَالَ أَبُو بَصِيرٍ فَبَكَيْتُ - قُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ زِدْنِي - قَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهَراً - فِي حَافَتِهِ جَوَارٍ نَابِتَاتٌ - إِذَا مَرَّ الْمُؤمِنُ بِجَارِيَةٍ أَعْجَبَتْهُ قَلَعَهَا - وَأَنْبَتَ اللّه ُ مَكَانَهَا أُخْرَى - قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ زِدْنِي - قَالَ الْمُؤمِنُ يُزَوَّجُ ثَمَانَمِائَةِ عَذْرَاءَ - وَأَرْبَعَةَ آلاَفِ ثَيِّبٍ وَزَوْجَتَيْنِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ - قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ ثَمَانُمِائَةِ عَذْرَاءَ قَالَ: نَعَمْ - مَا يَفْرِشُ [يَفْتَرِشُ يَفْتَرِسُ] فِيهِنَّ شَيْئاً - إِلاَّ

ص: 209


1- . الأمالي للصدوق: 328، م 53، ح5؛ بحار الأنوار: 66/369، ح9.

وَجَدَهَا كَذَلِكَ - قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خُلِقْنَ الْحُورُ الْعِينُ قَالَ: مِنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ النُّورَانِيَّةِ - وَيُرَى مُخُّ سَاقَيْهَا مِنْ وَرَاءِ سَبْعِينَ حُلَّةً - كَبِدُهَا مِرْآتُهُ وَكَبِدُهُ مِرْآتُهَا، قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَ لَهُنَّ كَلاَمٌ يُكَلِّمْنَ بِهِ أَهْلَ الْجَنَّةِ قَالَ نَعَمْ كَلاَمٌ يَتَكَلَّمْنَ بِهِ لَمْ يَسْمَعِ الْخَلاَئِقُ بِمِثْلِهِ، قُلْتُ مَا هُوَ قَالَ يَقُلْنَ نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلاَ نَمُوتُ - وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلاَ نَبْأَسُ وَنَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلاَ نَظْعَنُ - وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلاَ نَسْخَطُ طُوبَى لِمَنْ خُلِقَ لَنَا - وَطُوبَى لِمَنْ خُلِقْنَا لَهُ - نَحْنُ اللَّوَاتِي لَوْ أَنَّ قَرْنَ إِحْدَانَا عُلِّقَ فِي جَوِّ السَّمَاءِ - لَأَغْشَى نُورُهُ الْأَبْصَار(1).

وَكَفَى بِالنَّارِ عِقَاباً وَوَبَالاً

قال تعالى: «فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَة»(2).

وقال تعالى: «تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُون»(3).

وقال تعالى: «كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذاب»(4).

وقال تعالى: «كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيق» (5).

عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ قُلْتُ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه ِ خَوِّفْنِي فَإِنَّ قَلْبِي قَدْ قَسَا - فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ اسْتَعِدَّ لِلْحَيَاةِ الطَّوِيلَةِ فَإِنَّ جَبْرَائِيلَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وَهُوَ قَاطِبٌ وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يَجِيءُ وَهُوَ مُبْتَسِمٌ - فَقَالَ رَسُولُ اللّه ِ ص: يَا

ص: 210


1- . تفسير القمي: 2/82؛ بحار الأنوار: 8/120، ح11.
2- . البقرة: 24.
3- . المومنون: 104.
4- . النساء: 56.
5- . الحج: 22.

جَبْرَئِيلُ جِئْتَنِي الْيَوْمَ قَاطِباً فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ وُضِعَتْ مَنَافِخُ النَّارِ، فَقَالَ: وَمَا مَنَافِخُ النَّارِ يَا جَبْرَئِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللّه َ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِالنَّارِ فَنُفِخَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ - وَنُفِخَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى احْمَرَّتْ - ثُمَّ نُفِخَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ، فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ - لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الضَّرِيعِ قَطَرَتْ فِي شَرَابِ أَهْلِ الدُّنْيَا - لَمَاتَ أَهْلُهَا مِنْ نَتْنِهَا - وَلَوْ أَنَّ حَلْقَةً مِنَ السِّلْسِلَةِ الَّتِي طُولُهَا سَبْعُونَ ذِراعاً وُضِعَتْ عَلَى الدُّنْيَا لَذَابَتِ الدُّنْيَا مِنْ حَرِّهَا، وَلَوْ أَنَّ سِرْبَالاً مِنْ سَرَابِيلِ أَهْلِ النَّارِ عُلِّقَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ - لَمَاتَ أَهْلُ الْأَرْضِ مِنْ رِيحِهِ وَوَهَجِهِ، فَبَكَى رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آلهوَبَكَىجَبْرَئِيلُ فَبَعَثَ اللّه ُ إِلَيْهِمَا مَلَكاً فَقَالَ لَهُمَا:

إِنَّ رَبَّكُمَا يُقْرِئُكُمَا السَّلاَمَ - وَيَقُولُ قَدْ آمَنْتُكُمَا أَنْ تُذْنِبَا ذَنْباً أُعَذِّبُكُمَا عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام: فَمَا رَأَى رَسُولُ اللّه ِ ص جَبْرَئِيلَ مُبْتَسِماً بَعْدَ ذَلِك(1).

وعَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ عليه السلام قَالَ: إِنَّ أَهْلَ النَّارِ يَتَعَاوَوْنَ فِيهَا كَمَا يَتَعَاوَى الْكِلاَبُ وَالذِّئَابُ مِمَّا يَلْقَوْنَ مِنْ أَلَمِ [أَلِيمِ] الْعَذَابِ مَا ظَنُّكَ يَا عَمْرُو بِقَوْمٍ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا عِطَاشٍ فِيهَا جِيَاعٍ كَلِيلَةٍ أَبْصَارُهُمْ صُمٍّ بُكْمٍ عُمْيٍ مُسْوَدَّةٍ وُجُوهُهُمْ خَاسِئِينَ فِيهَا نَادِمِينَ مَغْضُوبٍ عَلَيْهِمْ فَلاَ يُرْحَمُونَ وَمِنَ الْعَذَابِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ وَفِي النَّارِ يُسْجَرُونَ وَمِنَ الْحَمِيمِ يَشْرَبُونَ وَمِنَ الزَّقُّومِ يَأْكُلُونَ وَبِكَلاَئِبِ النَّارِ يُحْطَمُونَ وَبِالْمَقَامِعِ يُضْرَبُونَ وَالْمَلاَئِكَةُ الْغِلاَظُ الشِّدَادُ لاَ يَرْحَمُونَ وَهُمْ [فَهُمْ] فِي النَّارِ يُسْحَبُونَ عَلى

وُجُوهِهِمْ وَمَعَ الشَّيَاطِينِ يُقَرَّنُونَ وَفِي الْأَنْكَالِ وَالْأَغْلاَلِ يُصَفَّدُونَ إِنْ دَعَوْا لَمْ

ص: 211


1- . تفسير القمي: 2/81؛ بحار الأنوار: 8/280، ح1.

يُسْتَجَبْ لَهُمْ وَإِنْ سَأَلُوا حَاجَةً لَمْ تُقْضَ لَهُمْ هَذِهِ حَالُ مَنْ دَخَلَ النَّارَ(1).

وَكَفَى بِاللّه ِ مُنْتَقِماً وَنَصِيراً

«و كفى باللّه منتقما» من المجرمين «و نصيرا» للمؤمنين قال تعالى: «وَللّه ِِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ...»(2).

وقال تعالى: «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»(3).

وقال تعالى: «إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَما ذلِكَ عَلَى اللّه ِ بِعَزِيزٍ»(4).

وقال تعالى: «يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُون»(5).

وقال تعالى: «وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّه َ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِير»(6).

وقال تعالى: «وَكَفى بِاللّه ِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللّه ِ نَصِيراً»(7).

وقال تعالى: «وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً»(8).

وَكَفَى بِالْكِتَابِ حَجِيجاً وَخَصِيماً

قال تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا»(9).

و قال تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، آمِنُوا بِاللّه ِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِه»(10).

ص: 212


1- . الأمالي للصدوق: 557، م 82، ح14؛ بحار الأنوار: 8/281، ح3.
2- . الفتح: 4.
3- . يس: 82.
4- . ابراهيم: 19 - 20.
5- . الدخان: 16.
6- . الانفال: 40.
7- . النساء: 45.
8- . الفرقان: 31.
9- . النساء: 47.
10- . النساء: 136.

وقال تعالى: «لَوْ أَنْزَلْناهذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّه»(1).

عن سعد الخفاف عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: يا سعد تعلّموا القرآن فانّ القرآن يأتي يوم القيامة في أحسن صورة نظر إليها الخلق «إلى أن قال» حتّى ينتهى إلى ربّ العزّة فيناديه تبارك وتعالى يا حجّتي في الأرض وكلامي الصّادق النّاطقارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفّع كيف رأيت عبادي؟ فيقول: يا ربّ منهم من صاننى وحافظ عليّ، و منهم من ضيّعني واستخفّ بي وكذب بي وأنا حجّتك علىجميع خلقك، فيقول اللّه عزّ وجلّ: وعزّتي وجلالي وارتفاع مكاني لاثيبنّ اليوم عليك أحسن الثّواب، ولأعاقبنّ عليك اليوم أليم العقاب الحديث(2).

وعَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي أَحْسَنِ مَنْظُورٍ إِلَيْهِ صُورَةً إِلَى أَنْ قَالَ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى رَبِّ الْعِزَّةِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ أَظْمَأْتُ هَوَاجِرَهُ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَهُ فِي دَارِ الدُّنْيَا وَفُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ لَمْ أُظْمِ هَوَاجِرَهُ وَلَمْ أُسْهِرْ لَيْلَهُ فَيَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ عَلَى مَنَازِلِهِمْ فَيَقُومُ فَيَتَّبِعُونَهُ فَيَقُولُ لِلْمُؤمِنِ اقْرَأْ وَارْقَهْ قَالَ فَيَقْرَأُ وَيَرْقَى حَتَّى يَبْلُغَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَنْزِلَتَهُ الَّتِي هِيَ لَهُ فَيَنْزِلَهَا(3).

ص: 213


1- . الحشر: 21.
2- . الكافي: 2/596، ح1؛ بحار الأنوار: 7/319، ح16.
3- . الكافي: 2/601، ح11؛ وسائل الشيعة: 6/166، ح7637 - 2.

أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللّه ِ الَّذِي أَعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ

قال تعالى: «وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ»(1).

وقال تعالى: «يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالاْءِنْسِ أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا»(2).

وقال تعالى: «أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ»(3).

وقال تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِين»(4).

وقال تعالى: «وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الاْزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِر»(5).

وقال تعالى: «وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذاب»(6).

وقال تعالى: «إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْء»(7).

وقال تعالى: «قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُون»(8).

وقال تعالى: «إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيد»(9).

وَاحْتَجَّ بِمَا نَهَجَ

قال تعالى: «وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ، وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ

ص: 214


1- . فاطر: 24.
2- . الانعام: 130.
3- . نوح: 1.
4- . الحج: 49.
5- . غافر: 18.
6- . ابراهيم: 44.
7- . النباء: 40.
8- . الانبياء: 45.
9- . سبأ: 46.

عَنْ سَبِيلِهِ»(1).

وقال تعالى: «قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَة»(2).

وقال تعالى: «لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّه ِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل»(3).

وقال تعالى: «وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُون»(4).

قال سيدنا وامامنا الكاظم عليه السلام إِنَّ للّه ِِ عَلَى النَّاسِ حُجَّتَيْنِ حُجَّةً ظَاهِرَةً وَحُجَّةً بَاطِنَةً فَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَالْأَئِمَّةُ عليه السلام وَأَمَّا الْبَاطِنَةُ فَالْعُقُول(5).

وَحَذَّرَكُمْ عَدُوّاً نَفَذَ فِي الصُّدُورِ خَفِيّاً

قال تعالى: «يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى»(6).

وقال تعالى: «يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُم»(7).

وقال تعالى: «وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ»(8).

وقال تعالى: «إِنَّ الشَّيْطانَ لِلاْءِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِين»(9).

وقال تعالى: «إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا»(10).

ص: 215


1- . الانعام: 153.
2- . الانعام: 149.
3- . النساء: 165.
4- . القصص: 59.
5- . الكافي: 1/16، ح12؛ بحار الأنوار: 1/137.
6- . طه: 117.
7- . الاعراف: 27.
8- . البقرة: 208.
9- . يوسف: 5.
10- . فاطر: 6.

وقال تعالى: «أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِين»(1).

وقال تعالى: «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّالْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاس ...»(2).

وَنَفَثَ فِي الاْذَانِ نَجِيّاً

قال تعالى: «وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُم»(3).

وقال تعالى: «وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِين»(4).

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللّه ِ عليه السلام يَقُولُ إِنَّ الْعَبْدَ يُوقَظُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنَ اللَّيْلِ فَإِنْ لَمْ يَقُمْ أَتَاهُ الشَّيْطَانُ فَبَالَ فِي أُذُنِه(5).

وعَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ قَالَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام قَالَ اللّه ُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمُوسَى عليه السلام يَا مُوسَى: مَا دُمْتَ لاَ تَرَى الشَّيْطَانَ مَيِّتاً فَلاَ تَأْمَنْ مَكْرَه(6).

وعَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ النَّخَعِيِّ الْقَاضِي قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللّه ِ الصَّادِقَ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عليه السلام يَقُولُ جَاءَ إِبْلِيسُ إِلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عليه السلام وَهُوَ يُنَاجِي رَبَّهُ فَقَالَ لَهُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مَا تَرْجُو مِنْهُ وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالِ يُنَاجِي رَبَّهُ فَقَالَ أَرْجُو مِنْهُ مَا رَجَوْتُ

ص: 216


1- . يس: 60.
2- . الناس: 1 - 5.
3- . الانعام: 121.
4- . الانعام: 112.
5- . الكافي: 3/446، ح18؛ بحار الأنوار: 80/115، ح33.
6- . الخصال: 1/217، ح41؛ بحار الأنوار: 13/344، ح26.

مِنْ أَبِيهِ آدَم(1).

وفي الخبر: أتى عيسى عليه السلام وقد اضطجع وجعل تحت رأسه لبنة فقال: أ تطمع فيّ وليس لي شيء من علائق الدنيا تخدعني به. فقال: بلى ما دام لك علاقة بهذه اللّبنة أطمع فيك، فأخذها ورماها(2).

فَأَضَلَّ وَأَرْدَى وَوَعَدَ فَمَنَّى

«فأضلّ وأردى» أي: أهلك «و وعد فمنى» لَعَنَهُ اللّه

قال تعالى: «وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً * وَلَأُضِلَّنَّهُم»(3).

وقال تعالى: «وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللّه ِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً * أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصا»(4).

وقال تعالى: «وَكانَ الشَّيْطانُ لِلاْءِنْسانِ خَذُولا»(5).

وَزَيَّنَ سَيِّئَاتِ الْجَرَائِمِ

قال تعالى: «تَاللّه ِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُم»(6).

وقال تعالى: «وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ»(7).

ص: 217


1- . الأمالي للصدوق: 666، م 95، ح2؛ بحار الأنوار: 13/338، ح14.
2- . بهج الصباغة: 14/351.
3- . النساء: 118 - 119.
4- . النساء: 119 - 121.
5- . الفرقان: 29.
6- . النحل: 63.
7- . الانعام: 43.

وقال تعالى: «قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْض»(1).

وقال تعالى: «وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُون»(2).

وَهَوَّنَ مُوبِقَاتِ الْعَظَائِمِ

أي: مهلكات الذنوب العظيمة قال تعالى حكاية عن ابليس: «وَلآَمُرَنَّهُمْفَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّه»(3).

حَتَّى إِذَا اسْتَدْرَجَ قَرِينَتَهُ

أي: أدنى على التدريج صاحبه الذي كان قرينه.

قال تعالى: «وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِين»(4).

وقال تعالى: «وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً»(5).

وَاسْتَغْلَقَ رَهِينَتَهُ

أي: صارت الرهينة غلقة عنده لا يقدر صاحبها على فكّها، أي: في حالالاحتضار وما بعده.

ص: 218


1- . الحجر: 39.
2- . النمل: 24.
3- . النساء: 119.
4- . الزخرف: 36.
5- . النساء: 38.

أَنْكَرَ مَا زَيَّنَ وَاسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ وَحَذَّرَ مَا أَمَّنَ

قال تعالى: «وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللّه َ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ»(1).

وقال تعالى: «وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَالنَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللّه َ وَاللّه ُ شَدِيدُ الْعِقاب»(2).

قال الطبرسي: أى اذكر اذ زيّن الشّيطان للمشركين أعمالهم أي أحسنها في نفوسهم وذلك أنّ إبليس حسّن لقريش مسيرهم إلى بدر لقتال النّبيّ صلى الله عليه و آله، وقال: لا يغلبكم أحد من النّاس لكثرة عددكم وقوّتكم وإنّى مع ذلك جار لكم أي ناصر لكم ودافع عنكم السّوء، وإنّي عاقد لكم عقد الامان من عدوّكم، فلمّا التقت الفرقتان نكص على عقبيه، أي رجع القهقرى منهزماً ورائه، وقال: إنّي بريء منكم، أي رجعت عمّا ضمنت لكم من الأمان والسّلامة لأنى أرى من الملائكة الذين جاءوا لنصر المسلمين ما لا ترون، وكان إبليس يعرف الملائكة وهم كانوا يعرفونه، إنّي أخاف اللّه، أي أخاف عذاب اللّه على أيدى من أراهم، واللّه شديد العقاب، لا يطاق عقابه(3).

وقال تعالى: «كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلاْءِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ

ص: 219


1- . ابراهيم: 22.
2- . الانفال: 48.
3- . مجمع البيان: 4/843.

إِنِّي أَخافُ اللّه َ رَبَّ الْعالَمِينَ * فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِين»(1).

أي مثل المنافقين في إغراء اليهود أي بني النّضير للقتال كمثل الشّيطان في إغرائه للانسان، فانّه أبدا يدعو الانسان إلى الكفر ثمّ يتبرّء منه وقت الحاجة مخافة أن يشاركه في العذاب ويقول: إنّي أخاف اللّه رب العالمين، ولا ينفعه ذلك كما قال: فكان عاقبتهما أي الدّاعى والمدعوّ من الشّيطان ومن أغواه، أنّهمامعذّبان في النّار.

قال ابن عبّاس: إنّ المراد بالانسان في هذه الآية هو عابد بني إسرائيل قال: إنه كان في بنى اسرائيل عابد اسمه برصيصا عبداللّه زمانا من الدّهر حتّى كان يؤتى بالمجانين يداويهم ويعوّذهم فيبرءون على يده، وأنّه أتي بامرأة في شرف قد جنّت وكان لها اخوة فأتوه بها فكانت عنده فلم يزل به الشّيطان يزيّن له حتّى وقع عليها فحملت، فلمّا استبان حملها قتلها ودفنها، فلمّا فعل ذلك ذهب الشّيطان حتّى لقى أحد إخوتها فأخبره بالذي فعل الرّاهب وأنّه دفنها في مكان كذا.

ثمّ أتى بقيّة إخوتها رجلا رجلا فذكر ذلك له فجعل الرّجل يلقى أخاه فيقول واللّه لقد أتانى آت فذكر لي شيئا يكبر عليّ ذكره، فذكر بعضهم لبعض حتّى بلغ ذلك ملكهم فصار الملك والنّاس، فاستنزلوه فأقرّ لهم بالّذي فعل فأمر الملك به فصلب، فلمّا رفع على خشبته تمثّل له الشّيطان فقال: أنا الّذي ألقيتك في هذا فهل أنت مطيعي فيما أقول اخلّصك ممّا أنت فيه؟ قال: نعم، قال: اسجد لي سجدة واحدة، فقال: كيف أسجد لك وأنا على هذه الحالة؟ فقال: اكتفي منك بالايماء،

ص: 220


1- . الحشر: 16 - 17.

فأومى له بالسّجود فكفر باللّه وقتل الرّجل، فهو قوله: كمثل الشّيطان إذ قال للانسان اكفر(1).

وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ قَالُوا وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللّه ِ قَالَ وَإِيَّايَ إِلاَّ أَنَّ اللّه َ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلاَ يَأْمُرُنِي إِلاَّ بِخَيْرٍ(2).

أَمْ هَذَا الَّذِي أَنْشَأَهُ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْحَام

قال تعالى: «هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ - فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَع»(3).

وقال تعالى: «هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاء»(4).

وقال تعالى: «يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللّه ُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُون»(5).

وَشُغُفِ الْأَسْتَارِ

عن الباقر عليه السلام قال: ظلمة البطن وظلمة الرّحم وظلمة المشيمة؛ وقيل ظلمة الليل أو ظلمة صلب الرجل وظلمة الرحم وظلمة البطن(6).

ص: 221


1- . جمع البيان: 9/397.
2- . بحار الأنوار: 60/298.
3- . الأنعام: 98.
4- . آل عمران: 6.
5- . الزمر: 6.
6- . مجمع البيان: 8/766.

نُطْفَةً دِهَاقاً وَعَلَقَةً مِحَاقاً

قيل: ويروى (دفاقا) وهو الأنسب لفظا. قال تعالى: «فَلْيَنْظُرِ الاْءِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ»(1)، وإلاّ فالدّهاق أيضا يأتي بمعناه، ففي (الصحاح): (أدهقت الماء أفرغته إفراغا شديدا)(2) كما يأتي بمعنى الإمتلاء، كما في قوله تعالى: «وَكَأْساًدِهاقاً»(3) وحيث انّ المراد نطفة في الرّحم، فالدّهاق بمعنى الإمتلاء أنسب معنى لأنّ فيه تجتمع نطفة الرّجل والمرأة قال تعالى: «إِنَّا خَلَقْنَا الاْءِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍأَمْشاجٍ(4)». وقال عزّ وجلّ: «يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ»(5).

قال تعالى: «خَلَقَ الاْءِنْسانَ مِنْ نُطْفَة...»(6).

وقال تعالى: «أَ لَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى * ثُمَّ كانَ عَلَقَة»(7).

وقال تعالى: «فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَة »(8).

وقال تعالى: «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ»(9).

وقال تعالى: «خَلَقَ الاْءِنْسانَ مِنْ عَلَق»(10).

وَجَنِيناً

الجنين: الولد ما دام في البطن، والجمع الأجنّة قال تعالى: «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الاْءِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ

ص: 222


1- . الطارق: 5 - 6.
2- . الصحاح دهق: 4/1478.
3- . النباء: 24.
4- . الدهر: 2.
5- . الطارق: 7.
6- . النحل: 4.
7- . القيامة: 37 - 38.
8- . الحج: 5.
9- . غافر: 67.
10- . العلق: 2.

الْأَرْضِ وَإِذ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى»(1).عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللّه ِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: إِذَا وَقَعَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ صَارَ وَجْهُهُ قِبَلَ ظَهْرِ أُمِّهِ إِنْ كَانَ ذَكَراً وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى صَارَوَجْهُهَا قِبَلَ بَطْنِ أُمِّهَا وَيَدَاهُ عَلَى وَجْنَتَيْهِ وَذَقَنُهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَهَيْئَةِ الْحَزِينِ الْمَهْمُومِ فَهُوَ كَالْمَصْرُورِ مَنُوطٌ بِمِعَاءٍ مِنْ سُرَّتِهِ إِلَى سُرَّةِ أُمِّهِ فَبِتِلْكَ السُّرَّةِ يَغْتَذِي مِنْ طَعَامِ أُمِّهِ وَشَرَابِهَا إِلَى الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ لِوِلاَدَتِهِ فَيَبْعَثُ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ مَلَكاً فَيَكْتُبُ عَلَى جَبْهَتِهِ شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ مُؤمِنٌ أَوْ كَافِرٌ غَنِيٌّ أَوْ فَقِيرٌ وَيَكْتُبُ أَجَلَهُ وَرِزْقَهُ وَسُقْمَهُ وَصِحَّتَهُ فَإِذَا انْقَطَعَ الرِّزْقُ الْمُقَدَّرُ لَهُ مِنْ سُرَّةِ أُمِّهِ زَجَرَهُ الْمَلَكُ زَجْرَةً فَانْقَلَبَ فَزِعاً مِنَ الزَّجْرَةِ وَصَارَ رَأْسُهُ قِبَلَ الْمَخْرَجِ فَإِذَا وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ دُفِعَ إِلَى هَوْلٍ عَظِيمٍ وَعَذَابٍ أَلِيمٍ إِنْ أَصَابَتْهُ رِيحٌ أَوْ مَسَّتْهُ يَدٌ وَجَدَ لِذَلِكَ مِنَ الْأَلَمِ مَا يَجِدُ الْمَسْلُوخُ عَنْهُ جِلْدُهُ يَجُوعُ فَلاَ يَقْدِرُ عَلَى الاِسْتِطْعَامِ وَيَعْطَشُ فَلاَ يَقْدِرُ عَلَى الاِسْتِسْقَاءِ وَيَتَوَجَّعُ فَلاَ يَقْدِرُ عَلَى الاِسْتِغَاثَةِ فَيُوَكِّلُ اللّه ُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِرَحْمَتِهِ وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِ وَالْمَحَبَّةِ لَهُ أُمَّهُ فَتَقِيهِ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ بِنَفْسِهَا وَتَكَادُ تَفْدِيهِ بِرُوحِهَا وَتَصِيرُ مِنَ التَّعَطُّفِ عَلَيْهِ بِحَالٍ لاَ تُبَالِي أَنْ تَجُوعَ إِذَا شَبِعَ وَتَعْطَشَ إِذَا رَوِيَ وَتَعْرَى إِذَا كُسِيَ وَجَعَلَ اللّه ُ تَعَالَى ذِكْرُهُ رِزْقَهُ فِي ثَدْيَيْ أُمِّهِ فِي إِحْدَاهُمَا شَرَابُهُ وَفِي الْأُخْرَى طَعَامُهُ حَتَّى إِذَا رَضَعَ آتَاهُ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ يَوْمٍ بِمَا قَدَّرَ لَهُ فِيهِ مِنْ رِزْقٍ فَإِذَا أَدْرَكَ فَهَّمَهُ الْأَهْلَ وَالْمَالَ وَالشَّرَهَ وَالْحِرْصَ ثُمَّ هُوَ مَعَ ذَلِكَ يُعْرَضُ لِلاْفَاتِ وَالْعَاهَاتِ وَالْبَلِيَّاتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْمَلاَئِكَةُ تَهْدِيهِ وَتُرْشِدُهُ وَالشَّيَاطِينُ تُضِلُّهُ وَتُغْوِيهِ فَهُوَ هَالِكٌ إِلاَّ أَنْ يُنْجِيَهُ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ ذَكَرَ اللّه ُ تَعَالَى ذِكْرُهُ نِسْبَةَ الاْءِنْسَانِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ وَلَقَدْ

ص: 223


1- . النجم: 32.

خَلَقْنَا الاْءِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللّه ُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِاللّه ِ الْأَنْصَارِيُّ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللّه ِ هَذِهِ حَالُنَا فَكَيْفَ حَالُكَ وَحَالُ الْأَوْصِيَاءِ بَعْدَكَ فِي الْوِلاَدَةِ فَسَكَتَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آلهمَلِيّاً ثُمَّ قَالَ يَا جَابِرُ لَقَدْسَأَلْتَ عَنْ أَمْرٍ جَسِيمٍ لاَ يَحْتَمِلُهُ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَوْصِيَاءَ مَخْلُوقُونَ مِنْ نُورِ عَظَمَةِ اللّه ِ جَلَّ ثَنَاؤهُ يُودِعُ اللّه ُ أَنْوَارَهُمْ أَصْلاَباً طَيِّبَةً وَأَرْحَاماً طَاهِرَةً يَحْفَظُهَا بِمَلاَئِكَتِهِ وَيُرَبِّيهَا بِحِكْمَتِهِ وَيَغْذُوهَا بِعِلْمِهِ فَأَمْرُهُمْ يَجِلُّ عَنْ أَنْ يُوصَفَ وَأَحْوَالُهُمْ تَدِقُّ عَنْ أَنْ تُعْلَمَ لِأَنَّهُمْ نُجُومُ اللّه ِ فِي أَرْضِهِ وَأَعْلاَمُهُ فِي بَرِيَّتِهِ وَخُلَفَاؤهُ عَلَى عِبَادِهِ وَأَنْوَارُهُ فِي بِلاَدِهِ وَحُجَجُهُ عَلَى خَلْقِهِ يَا جَابِرُ هَذَا مِنْ مَكْنُونِ الْعِلْمِ وَمَخْزُونِهِ فَاكْتُمْهُ إِلاَّ مِنْ أَهْلِهِ (1).

وعن الصادق عليه السلام نَبْدَأُ يَا مُفَضَّلُ بِذِكْرِ خَلْقِ الاْءِنْسَانِ فَاعْتَبِرْ بِهِ فَأَوَّلُ ذَلِكَ مَا يُدَبَّرُ بِهِ الْجَنِينُ فِي الرَّحِمِ وَهُوَ مَحْجُوبٌ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ظُلْمَةِ الْبَطْنِ وَظُلْمَةِ الرَّحِمِ وَظُلْمَةِ الْمَشِيمَةِ (2) حَيْثُ لاَ حِيلَةَ عِنْدَهُ فِي طَلَبِ غِذَاءٍ وَلاَ دَفْعِ أَذًى وَلاَ اسْتِجْلاَبِ مَنْفَعَةٍ وَلاَ دَفْعِ مَضَرَّةٍ فَإِنَّهُ يَجْرِي إِلَيْهِ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ مَا يَغْذُوهُ الْمَاءُ وَالنَّبَاتُ فَلاَ يَزَالُ ذَلِكَ غِذَاؤهُ حَتَّى إِذَا كَمَلَ خَلْقُهُ وَاسْتَحْكَمَ بَدَنُهُ وَقَوِيَ أَدِيمُهُ(3) عَلَى مُبَاشَرَةِ الْهَوَاءِ وَبَصَرُهُ عَلَى مُلاَقَاةِ الضِّيَاءِ هَاجَ الطَّلْقُ(4) بِأُمِّهِ فَأَزْعَجَهُ أَشَدَّ إِزْعَاجٍ وَأَعْنَفَهُ

ص: 224


1- . من لا يحضره الفقيه: 4/413، ح5901؛ بحار الأنوار: 57/352، ح36.
2- . المشيمة: غشاء ولد الإنسان يخرج معه عند الولادة، جمعه مشيم ومشايم.
3- . الاديم: الجلد المدبوغ.
4- . الطلق «بسكون الثانى» وجع الولادة.

حَتَّى يُولَدَ فَإِذَا وُلِدَ صَرَفَ ذَلِكَ الدَّمَ الَّذِي كَانَ يَغْذُوهُ مِنْ دَمِ أُمِّهِ إِلَى ثَدْيِهَا وَانْقَلَبَ الطَّعْمُ وَاللَّوْنُ إِلَى ضَرْبٍ آخَرَ مِنَ الْغِذَاءِ وَهُوَ أَشَدُّ مُوَافَقَةً لِلْمَوْلُودِ مِنَ الدَّمِ فَيُوَافِيهِ فِي وَقْتِ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ فَحِينَ يُولَدُ قَدْ تَلَمَّظَ (1) وَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ طَلَباً لِلرِّضَاعِ فَهُوَ يَجِدُ ثَدْيَ أُمِّهِ كَالاْءِدَاوَتَيْنِ (2) الْمُعَلَّقَتَيْنِ لِحَاجَتِهِ فَلاَ يَزَالُ يَتَغَذَّى بِاللَّبَنِ مَا دَامَ رَطْبَ الْبَدَنِرَقِيقَ الْأَمْعَاءِ لَيِّنَ الْأَعْضَاءِ حَتَّى إِذَا يُحَرِّكُ وَاحْتَاجَ إِلَى غِذَاءٍ فِيهِ صَلاَبَةٌ لِيَشْتَدَّ وَيَقْوَى بَدَنُهُ طَلَعَتْ لَهُ الطَّوَاحِنُ مِنَ الْأَسْنَانِ وَالْأَضْرَاسِ (3) لِيَمْضَغَ بِهَا الطَّعَامَ فَيَلِينَ عَلَيْهِ وَيَسْهُلَ لَهُ إِسَاغَتُهُ فَلاَ يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُدْرِكَ فَإِذَا أَدْرَكَ وَكَانَ ذَكَراً طَلَعَ الشَّعْرُ فِي وَجْهِهِ فَكَانَ ذَلِكَ عَلاَمَةَ الذَّكَرِ وَعِزَّ الرَّجُلِ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ مِنْ جد [حَدِّ] الصَّبَا وَشَبَهِ النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى يَبْقَى وَجْهُهَا نَقِيّاً مِنَ الشَّعْرِ لِتَبْقَى لَهَا الْبَهْجَةُ وَالنَّضَارَةُ الَّتِي تُحَرِّكُ الرَّجُلَ لِمَا فِيهِ دَوَامُ النَّسْلِ وَبَقَاؤهُ؛ الحديث(4).

وَرَاضِعاً

قال تعالى: «وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»(5).

وقال تعالى: «وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً»(6). ويستفاد من الجمع بين الآيتين

ص: 225


1- . تلمظ: إذا أخرج لسانه فمسح به شفتيه.
2- . الاداوة: - بكسر ففتح - إناء صغير من جلد يتخذ للماء، جمعه أداوى.
3- . الطواحن: هي الأضراس، وتطلق الأضراس غالبا على المآخير والأسنان على المقاديم، كما هو الظاهر هنا، وان لم يفرق اللغويون بينهما.
4- . توحيد المفضل: 48؛ بحار الأنوار: 57/377، ح98.
5- . البقرة: 238.
6- . الاحقاف: 15.

أقلّ مدّة الحمل وهو ستّة أشهر - إذا أتمّت الرّضاعة حولين - وأكثرها - وهو تسعة أشهر - إذا لم تتمّ واقتصر على أحد وعشرين شهرا

وَوَلِيداً وَيَافِعاً

قال تعالى: «ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ للّه ِِ وَقاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً» (1). وقال تعالى: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الاْءِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللّه ُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ»(2).

«قال ابن الأعرابي: يقال للصبي إذا ولد: رضيع وطفل ثم فطيم ثم دارج ثمّ حفر ثمّ يافع ثم شرخ ثم مطبخ ثم كوكب (أيضا) ما دام في الرحم فهو جنين وإذا ولد فهو وليد وما دام لم يستتمّ سبعة أيّام فهو صديغ لأنّه لا يشتدّ صدغه إلى تمام السبّعة وما دام يرضع فهو رضيع ثم إذا قطع عنه اللّبن فهو فطيم ثمّ إذا غلظ وذهبت عنه ترارة الرّضاع فهو جحوش»(3) والمفهوم منه أنّ الوليد في أوّل التولّد مع أنّ كلامه عليه السلامدال على أنّه بعد الرّضاع.

قال فى المعارج: ما دام الانسان فى الرّحم، فهو جنين: فاذا ولد فهو وليد، فما دام يرضع فهو رضيع. فاذا قطع عنه اللَّبن فهو قطيع وفطيم. ثم اذا دبّ ونمى، فهو دارج. فاذا بلغ طوله خمسة اشبار فهو خماسىّ. فاذا سقطت رواضعه، فهو مثغور.

ص: 226


1- . نوح: 13 - 14.
2- . المؤمنون: 12 - 14.
3- . فقه اللغة الثعالبى: 124.

فاذا بلغ الحلم، فهو يافع ومراهق(1).

قال في «سرّ الأدب» في ترتيب أحوال الإنسان: هو ما دام في الرحم جنين، فإذا ولد فوليد، ثمّ ما دام يرضع فرضيع، ثمّ إذا قطع منه اللبن فهو فطيم، ثمّ إذا دبّ

ونمى فهو دارج، فإذا بلغ طوله خمسة أشبار فهو خماسيّ، فإذا سقطت رواضعه فهو مثغور، فإذا نبتت أسنانه بعد السقوط فهو مثّغر، فإذا تجاوز العشر أو جاوزها فهو مترعرع وناشيء، فإذا كاد يبلغ الحلم أو بلغه فهو يافع ومراهق، فإذا احتلمو اجتمعت قوّته فهو حرور، واسمه في جميع هذه الأحوال غلام، فإذا اخضرّ شاربه قيل: قد بقل وجهه، فإذا صار ذا فتاء فهو فتى وشارخ، فإذا اجتمعت لحيته وبلغ غاية شبابه فهو مجتمع، ثمّ ما دام بين الثلاثين والأربعين فهو شابّ، ثمّ هو كهل إلى أن يستوفي الستّين، وقيل: إذا جاوز أربعا وثلاثين إلى إحدى وخمسين، فإذا جاوزها فهو شيخ(2).

ثُمَّ مَنَحَهُ قَلْباً حَافِظاً وَلِسَاناً لاَفِظاً وَبَصَراً لاَحِظاً

قال تعالى: «أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْن»(3).

لِيَفْهَمَ مُعْتَبِراً

قال تعالى: «يُقَلِّبُ اللّه ُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ»(4).

ص: 227


1- . معارج نهج البلاغة عليّ بن زيد البيهقي: 161.
2- . بحار الأنوار: 57/351.
3- . البلد: 8 - 10.
4- . النور: 44.

وقال تعالى: «وَاللّه ُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»(1).

وَيُقَصِّرَ مُزْدَجِراً

قال تعالى: «وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ(2)»..

حَتَّى إِذَا قَامَ اعْتِدَالُهُ وَاسْتَوَى مِثَالُهُ نَفَرَ مُسْتَكْبِراً وَخَبَطَ سَادِراً

قال تعالى: «يا أَيُّهَا الاْءِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَك»(3).

وقال تعالى: «لَقَدْ خَلَقْنَا الاْءِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم»(4).

في الخبر في تفسير قوله تعالى: «أَ وَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ»(5) إنّه توبيخ لابن ثماني عشر سنة(6).

وقال تعالى: «أَ وَلَمْ يَرَ الاْءِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيم»(7).

وقال تعالى: «وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها»(8).

ص: 228


1- . النحل: 78.
2- . القمر: 4.
3- . الانفطار: 6 - 7.
4- . التين: 4.
5- . فاطر: 37.
6- . تفسير مجمع البيان: 8/641.
7- . يس: 77 - 79.
8- . لقمان: 7.

وقال تعالى: «يَسْمَعُ آياتِ اللّه ِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها»(1).

وقال تعالى: «قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ»(2).

وقال تعالى: «إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلاَّ اللّه ُ يَسْتَكْبِرُون»(3).

وقال تعالى: «لَوَّوْا رُؤسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُون»(4).

وقال تعالى: «وَكانَ الاْءِنْسانُ كَفُورا»(5).

مَاتِحاً فِي غَرْبِ هَوَاهُ

قال تعالى: «أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواه»(6).

كَادِحاً سَعْياً لِدُنْيَاهُ فِي لَذَّاتِ طَرَبِهِ

قال تعالى: «وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ»(7).

قيل لأبي طمحان القيني، وكان فاسقا: ما أدنى ذنوبك قال: ليلة الدّير نزلت بديرانيّة فأكلت عندها طفيشلا بلحم خنزير وشربت من خمرها وزنيت بها وسرقت كساها ثمّ انصرفت عنها - والطفيشل: نوع من المرق(8).

واجتمع يحيى بن زياد ومطيع بن اياس وجمع، فشربوا أيّاما تباعا، فقال لهم يحيى ليلة وهم سكارى: ويحكم ما صلّينا منذ ثلاثة أيّام، فقوموا بنا حتّى نصلّي،

ص: 229


1- . الجاثية: 8.
2- . النحل: 22.
3- . الصافات: 35.
4- . المنافقون: 5.
5- . الإسراء: 67.
6- . الجاثية: 23.
7- . القصص: 58.
8- . الاغانى: 13/7.

فقالوا: نعم، فقام مطيع فأذّن وأقام، ثمّ قال: من يتقدّم فتدافعوا ذلك، فقال مطيع للمغنيّة: تقدّمي فصلّي بنا. فتقدّمت تصلّي بهم، عليها غلالة رقيقة مطيّبة بلا سراويل، فلمّا سجدت بان هنها، فوثب مطيع وهي ساجدة، فكشف عنه وقبّله، فقطعوا صلاتهم وضحكوا وعادوا إلى مشربهم(1).

وَبَدَوَاتِ أَرَبِهِ

قال أبو الطّمحان:

الا علّلاني قبل نوح النّوائح

وقبل نشوز النفس بين الجوانح

وقبل غد يا لهف نفسي على غد

إذا راح أصحابي ولست برائح (2)

ثُمَّ لاَ يَحْتَسِبُ رَزِيَّةً

قال تعالى: «وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللّه ِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُون»(3).

وَلاَ يَخْشَعُ تَقِيَّةً

قال تعالى: «أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّه ِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُون»(4).

ص: 230


1- . الاغانى: 13/218.
2- . الأغاني: 13/10.
3- . الزمر: 47.
4- . الحديد: 16.

وَلَمْ يَقْضِ مُفْتَرَضاً

الاصل فيه قوله تعالى: «قُتِلَ الاْءِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ * كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَه»(1).

دَهِمَتْهُ فَجَعَاتُ الْمَنِيَّةِ فِي غُبَّرِ جِمَاحِهِ وَسَنَنِ مِرَاحِهِ

قال تعالى: «قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ»(2).

وقال تعالى: «أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَة»(3).

فَظَلَّ سَادِراً وَبَاتَ سَاهِراً فِي غَمَرَاتِ الاْلاَمِ وَطَوَارِقِ الْأَوْجَاعِ وَالْأَسْقَامِ

قال أبو ذؤيب:

وإذا المنية أنشبت أظفارها

ألفيت كل تميمة لا تنفع (4)

قال تعالى: «وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيد»(5).

وقال تعالى: «فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُون»(6).

وقال تعالى: «كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ * وَقِيلَ مَنْ راقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساق»(7).

ص: 231


1- . عبس: 17 - 23.
2- . الجمعة: 8.
3- . النساء: 78.
4- . كنز الفوائد: 1/64.
5- . ق: 19.
6- . الواقعة: 83 - 85.
7- . القيامة: 26 - 30.

قال أميرالمؤمنين عليه السلام إِنَّ لِلْمَوْتِ لَغَمَرَاتٍ هِيَ أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَةٍ أَوْ تَعْتَدِلَ عَلَى عُقُولِ أَهْلِ الدُّنْيَا(1).

وَقَالَ الصَّادِقُ عليه السلام: إِنَّ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ أَلْفَ عَقَبَةٍ أَهْوَنُهَا وَأَيْسَرُهَا الْمَوْتُ(2).

وعن النبى صلى الله عليه و آله: لسكرة من سكرات الموت اشد من ثلاثمائة ضربة بالسّيف(3).

عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام يَا مُفَضَّلُ إِيَّاكَ وَالذُّنُوبَ وَحَذِّرْهَا شِيعَتَنَا فَوَ اللّه ِ مَا هِيَ إِلَى أَحَدٍ أَسْرَعَ مِنْهَا إِلَيْكُمْ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَتُصِيبُهُ الْمَعَرَّةُ مِنَ السُّلْطَانِ وَمَا ذَاكَ إِلاَّ بِذُنُوبِهِ وَإِنَّهُ لَيُصِيبُهُ السُّقْمُ وَمَا ذَاكَ إِلاَّ بِذُنُوبِهِ وَإِنَّهُ لَيُحْبَسُ عَنْهُ الرِّزْقُ وَمَا هُوَ إِلاَّ بِذُنُوبِهِ وَإِنَّهُ لَيُشَدَّدُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَمَا هُوَ إِلاَّ بِذُنُوبِهِ حَتَّى يَقُولَ مَنْ حَضَرَهُ لَقَدْ غُمَّ بِالْمَوْت؛ الحديث(4).

بَيْنَ أَخٍ شَقِيقٍ وَوَالِدٍ شَفِيقٍ

مات ابن لأرطأة بن سهية فجزع عليه حتّى كاد عقله يذهب، فأقام على قبره، وضرب بيته عنده لا يفارقه حولا وقال:

هل أنت ابن سلمى إن نظرتك رائح

مع الرّكب أو غاد غداة معي (5)

وعن أبي عبيدة، أنّ ارطأة كان يجيء الى قبر ابنه عشيّا فيقول: هل أنت رائح معي يا ابن سلمى ثمّ ينصرف، فيغدو عليه، ويقول له مثل ذلك حولا، ثمّ تمثّل قول لبيد:

ص: 232


1- . نهج البلاغة فيض الاسلام: 702، خ 212.
2- . من لا يحضره الفقيه: 1/134، ح359.
3- . إحياء العلوم: 5/1128 ومفتاح السعادة: 6/524.
4- . علل الشرايع: 1/297، ح1؛ بحار الأنوار: 6/157، ح15.
5- . الأغاني: 13/29.

الى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما

ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر (1)

وَدَاعِيَةٍ بِالْوَيْلِ جَزَعاً وَلاَدِمَةٍ لِلصَّدْرِ قَلَقاً

قال تعالى: «وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّه ِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُون»(2).

هذا كلّه تشريح لحال أهل الميّت فانّه، إذا يئس عنه الطّبيب وابلى الحبيب فهنالك خفّ عنه عوّاده وأسلمه أهله وأولاده، فشقّت جيوبها نساؤه، ولطمت صدورها اماؤه، واعول لفقده جيرانه، وتوجّع لرزيّته إخوانه، وغضّوا بأيديهم عينيه، ومدّوا عند خروج نفسه يديه ورجليه.

فكم موجع يبكي عليه تفجّعا

ومستنجدا صبرا وما هو صابر

ومسترجع داع له اللّه مخلصا

يعدّد منه خير ما هو ذاكر

وكم شامت مستبشر بوفاته

وعما قليل كالّذي صار صائر(3)

وَالْمَرْءُ فِي سَكْرَةٍ مُلْهِثَةٍ وَغَمْرَةٍ كَارِثَةٍ

عن عَلِيّ بن ابراهيم عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِاللّه ِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: إِنَّ الْمَيِّتَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْثَقَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ وَلَوْ لاَ ذَلِكَ مَا اسْتَقَرَّ(4).

ص: 233


1- . الأغاني: 13/30.
2- . الأنعام: 93.
3- . البلد الأمين: 322.
4- . الكافي: 3/250، ح2؛ بحار الأنوار: 6/166، ح37.

عن النبي صلى الله عليه و آله قال: إن المؤمن إذا حضر (احتضر) أتته الملائكة بحريرة فيها مسك وضبائر ريحان فتسل روحه كما تسل الشعرة من العجين ويقال أيتها النفس الطيبة أخرجي راضية مرضيا عنك إلى روح اللّه وكرامته فإذا خرجت روحهوضعت على ذلك المسك والريحان وطويت عليها الحريرة وذهب به إلى عليين وان الكافر إذا حضر (احتضر) أتته الملائكة بمسح فيه جمر فتنزع روحه انتزاعا شديدا ويقال أيتها النفس الخبيثة أخرجي ساخطة مسخوطا عليك إلى هوان اللّه وعذابه فإذا خرجت روحه وضعت على تلك الجمرة فان لها نشيشا ويطوى عليها المسح ويذهب به إلى سجين(1).

وَأَنَّةٍ مُوجِعَةٍ وَجَذْبَةٍ مُكْرِبَةٍ

قال تعالى: «وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّه ِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ»(2).

قال الطّبرسي: أي في شدايد الموت عند النّزع والملائكة الذين يقبضون الأرواح باسطو أيديهم لقبض أرواحهم يقولون أخرجوا أنفسكم من أجسادكم عند معاينة الموت ازهاقا لهم وتغليظا عليهم وإن كان إخراجها من فعل غيرهم(3).

وقال الشّارح البحراني: اعلم أنّ تلك الجذبة يعود إلى ما يجده الميّت حال النّزع وهو عبارة عن ألم ينزل بنفس الرّوح يستغرق جميع أجزائه المنتشرة في

ص: 234


1- . الدر المنثور: 6/167.
2- . الانعام: 92 - 93.
3- . مجمع البيان: 4/519.

أعماق البدن وليس هو كساير ما يجده الرّوح المختصّ ببعض الأعضاء كعضو شاكته شوكة ونحوها، لاختصاص ذلك بموضع واحد فألم النّزع يهجم على نفس الرّوح ويستغرق جميع أجزائه وهو المجذوب من كلّ عرق وعصب وجزء من الأجزاء ومن أصل كلّ شعرة وبشرة ولا تسألنّ عن بدن يجذب منه كلّ عرق من عروقه، وقد يمثّل ذلك بشجرة شوك كانت داخل البدن ثمّ جذبت منه فهي الجذبة المكربة، و لمّا كان موت كلّ عضو عقيب الأمراض التي ربّما طالت تدريجا فتلك هى السّوقة المتعبة (1).

روى السيّد السّند السيّد نعمة اللّه الجزائري أنّ الخليل عليه السلام قال لملك الموت يوما: يا ملك الموت احبّ أن أراك على الصّورة التّي تقبض فيها روح المؤمن، فقال: يا إبراهيم اعرض عنّي بوجهك حتّى أتصوّر على تلك الصّورة، فلمّا رآه إبراهيم عليه السلام رأى صورة شابّ حسن الوجه أبيض اللون تعلوه الأنوار في أحسن ما يتخيّل من الهيئة فقال: يا إبراهيم في هذه الصّورة اقبض روح المؤمن فقال عليه السلام: يا ملك الموت لو لم يلق المؤمن إلاّ لقائك لكفاه راحة.

ثمّ قال عليه السلام: اريد أن أراك على الصّفة التي تقبض فيها روح الكافر، فقال: يا إبراهيم لا تقدر، فقال: أحبّ ذلك، فقال: أعرض بوجهك فأعرض بوجهه ثمّ قال: انظر فنظر إليه فاذا هو أسود كاللّيل المظلم وقامته كالنّخلة الطّويلة والنار والدّخان

يخرجان من منخريه (و فمه) إلى عنان السّماء.

فلمّا نظر إليه غشي على إبراهيم عليه السلام فرجع ملك الموت إلى حالته فلمّا أفاق الخليل عليه السلام قال: يا ملك الموت لو لم يكن للكافر هول من الموت إلاّ رؤيتك لكفته

ص: 235


1- . شرح نهج البلاغة لابن ميثم: 2/264.

عن ساير الأهوال.

فاذا أتى إلى المؤمن سلّ روحه سلاّ رقيقا لطيفا حتّى أنّه يحصل له الرّاحة من ذلك السّلّ لما يشاهده من مكانه في الجنّة وإن كان كافرا أتى إليه بحديدة محميّةبنار جهنّم فأدخلها في حلقومه وجذب روحه بها يخيل إليه أنّ أطباق السّماوات والأرض قد وقعت عليه وطبقته حتّى يخرج زبدة على فمه كالبعير(1).

ويدلّ عليه ما عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ إِنَّ آيَةَ الْمُؤمِنِ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ يَبْيَاضُّ وَجْهُهُ أَشَدَّ مِنْ بَيَاضِ لَوْنِهِ وَيَرْشَحُ جَبِينُهُ وَيَسِيلُ مِنْ عَيْنَيْهِ كَهَيْئَةِ الدُّمُوعِ فَيَكُونُ ذَلِكَ خُرُوجَ نَفْسِهِ وَإِنَّ الْكَافِرَ تَخْرُجُ نَفْسُهُ سَلاًّ مِنْ شِدْقِهِ(2) كَزَبَدِ الْبَعِيرِ أَوْ كَمَا تَخْرُجُ نَفْسُ الْبَعِير(3).

وعن عمّار بن مروان قال: حدّثني من سمع أبا عبداللّه عليه السلام يقول: منكم واللّه يقبل، ولكم واللّه يغفر إنّه ليس بين أحدكم وبين أن يغتبط ويرى السّرور وقرّة العين إلاّ أن تبلغ نفسه ههنا وأومى بيده إلى حلقه.

ثمّ قال عليه السلام: إنّه إذا كان ذلك واحتضر حضره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وعليّ عليه السلام وجبرئيل وملك الموت فيدنو منه عليّ عليه السلام فيقول: يا رسول اللّه إنّ هذا كان يحبّنا أهل البيت فأحبّه، ويقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله: يا جبرئيل إنّ هذا يحبّ اللّه ورسوله وأهل بيت رسوله فأحبّه، ويقول جبرئيل عليه السلام: يا ملك الموت إنَّ هذا يحبّ اللّه ورسوله وأهل بيت رسوله فأحبّه وارفق به.

فيدنو منه ملك الموت فيقول: يا عبداللّه أخذت فكاك رقبتك أخذت أمان

ص: 236


1- . الأنوار النعمانيّة: 4/152.
2- . جانب الفم.
3- . الكافي: 3/134، ح11؛ بحار الأنوار: 6/165، ح34.

براتك تمسّكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدّنيا؟ قال: فيوفّقه اللّه عزّ وجلّ فيقول: نعم، فيقول: وما ذاك؟ فيقول: ولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام فيقول: صدقت أمّا الذي كنت تحذره فقد آمنك اللّه منه، وأمّا الذي كنت ترجوه فقد أدركته ابشر بالسّلفالصّالح مرافقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وعليّ وفاطمة عليهم السلام.

ثمّ يسلّ نفسه سلاّ رفيقا، ثمّ ينزل بكفنه من الجنّة وحنوطه من الجنّة بمسك أذفر فيكفن بذلك الكفن ويحنط بذلك الحنوط، ثمّ يكسى حلّة صفراء من حلل الجنّة.

فاذا وضع في قبره فتح له باب من أبواب الجنّة يدخل عليه من روحها وريحانها، ثمّ يفتح له عن أمامه مسيرة شهر وعن يمينه وعن يساره، ثمّ يقال له: نم نومة العروس على فراشها ابشر بروح وريحان وجنّة نعيم وربّ غير غضبان.

ثمّ يزور آل محمّد سلام اللّه عليهم في جنان رضوى فيأكل معهم من طعامهم، ويشرب معهم من شرابهم، ويتحدّث معهم في مجالسهم حتّى يقوم قائمنا فاذا قام قائمنا بعثهم اللّه تعالى فأقبلوا معه يلبّون زمرا زمرا وعند ذلك يرتاب المبطلون ويضمحلّ المحلّون (1) وقليل ما يكونون هلكت المحاضرون ونجا المقرّون «المقربون خ» من أجل ذلك قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلامأنت أخي وميعاد ما بيني وبينك وادي السّلام.

قال عليه السلام وإذا احتضر الكافر حضره رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعليّ عليه السلام وجبرئيل وملك الموت فيدنو منه عليّ عليه السلام فيقول: يا رسول اللّه إنّ هذا كان يبغضنا أهل البيت فأبغضه ويقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: يا جبرئيل إنّ هذا كان يبغض اللّه

ص: 237


1- . رجل محل أي منتهك لا يرى للحرام حرمة.

ورسوله وأهل بيت رسوله فأبغضه، فيقول جبرئيل عليه السلام: يا ملك الموت إنّ هذا كان يبغض اللّه ورسوله وأهل بيت رسوله فأبغضه واعنف عليه.

فيدنو منه ملك الموت فيقول: يا عبداللّه أخذت فكاك رهانك وأمان براتك؟تمسّكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدّنيا؟ فيقول: لا، فيقول: ابشر يا عدوّ اللّه بسخط اللّه عزّ وجلّ وعذابه والنّار، أمّا الذي كنت تحذر فقد نزل بك. ثمّ يسلّ نفسه سلا عنيفا ثمّ يوكّل بروحه ثلاثمأة شيطان كلّهم يبزق في وجهه ويتأذى بروحه فاذا وضع في قبره فتح له باب من أبواب النّار فيدخل عليه من قيحها ولهبها (1).

وعَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللّه ِ عليه السلام عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَقَالَ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ ارْفُقْ بِصَاحِبِي فَإِنَّهُ مُؤمِنٌ فَقَالَ أَبْشِرْ يَا مُحَمَّدُ فَإِنِّي بِكُلِّ مُؤمِنٍ رَفِيقٌ وَاعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ أَنِّي أَقْبِضُ رُوحَ ابْنِ آدَمَ فَيَجْزَعُ أَهْلُهُ فَأَقُومُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ دَارِهِمْ فَأَقُولُ مَا هَذَا الْجَزَعُ فَوَ اللّه ِ مَا تَعَجَّلْنَاهُ قَبْلَ أَجَلِهِ وَمَا كَانَ لَنَا فِي قَبْضِهِ مِنْ ذَنْبٍ فَإِنْ تَحْتَسِبُوا وَتَصْبِرُوا تُؤجَرُوا وَإِنْ تَجْزَعُوا تَأْثَمُوا وَتُوزَرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ لَنَا فِيكُمْ عَوْدَةً ثُمَّ عَوْدَةً فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ إِنَّهُ لَيْسَ فِي شَرْقِهَا وَلاَ فِي غَرْبِهَا أَهْلُ بَيْتِ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ وَأَنَا أَتَصَفَّحُهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ وَلَأَنَا أَعْلَمُ بِصَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ مِنْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَلَوْ أَرَدْتُ قَبْضَ رُوحِ بَعُوضَةٍ مَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا حَتَّى يَأْمُرَنِي رَبِّي بِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله إِنَّمَا يَتَصَفَّحُهُمْ فِي مَوَاقِيتِ الصَّلاَةِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُوَاظِبُ عَلَيْهَا عِنْدَ مَوَاقِيتِهَا لَقَّنَهُ شَهَادَةَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللّه ُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وَنَحَّى عَنْهُ مَلَكُ الْمَوْتِ إِبْلِيسَ(2).

ص: 238


1- . الكافي: 3/131، ح4؛ بحار الأنوار: 6/197، ح51.
2- . الكافي: 3/136/ ح2؛ بحار الأنوار: 6/169، ح44.

وَسَوْقَةٍ مُتْعِبَةٍ

عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: إِنَّ الْمَيِّتَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْثَقَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ وَلَوْ لاَ ذَلِكَ مَا اسْتَقَرَّ (1).

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَقِيلَ مَنْ راقٍ» قَالَ ذَاكَ قَوْلُ ابْنِ آدَمَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ هَلْ مِنْ طَبِيبٍ هَلْ مِنْ دَافِعٍ قَالَ «وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ» يَعْنِي فِرَاقَ الْأَهْلِ وَالْأَحِبَّةِ عِنْدَ ذَلِكَ قَالَ «وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ» قَالَ الْتَفَّتِ الدُّنْيَا بِالاْخِرَةِ قَالَ: «إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ»(2) إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ يَوْمَئِذٍ الْمَصِيرُ(3).

وعن أبي اليقظان عمّار الأسدي عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: لو أنّ مؤمنا أقسم على ربّه أن لا يميته ما أماته أبدا، ولكن إذا كان ذلك أو إذا حضر أجله بعثه اللّه عزّ وجلّ إليه ريحين: ريحا يقال لها المنسية وريحا يقال المسخية، فأمّا المنسية فانّها تنسيه أهله وماله، وأمّا المسخية فانّها تسخي نفسه عن الدّنيا حتّى يختار ما عند اللّه (4).

وعن أبي خديجة عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: ما من أحد يحضره الموت إلاّ وكّل به إبليس من شياطينه من يأمره بالكفر ويشكّكه في دينه حتّى تخرج نفسه، فمن كان مؤمنا لم يقدر عليه فاذا حضرتم موتاكم فلقّنوهم شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه حتّى يموت (5).

ص: 239


1- . الكافي: 3/250، ح2؛ بحار الأنوار: 6/166، ح37.
2- . القيامة: 27 - 30.
3- . الأمالي للصدوق: 307، م 51، ح1؛ بحار الأنوار: 6/159، ح20.
4- . الكافي: 3/127، ح1؛ بحار الأنوار: 6/153، ح7.
5- . الكافي: 3/123، ح6 ومن لا يحضره الفقيه: 1/133، ح350.

وفي رواية أخرى قال عليه السلام: فلقّنه كلمات الفرج والشّهادتين ويسمّى له الاقرار بالأئمة عليهم السلام واحدا بعد واحد حتّى يتقطع عنه الكلام(1).

وعن سدير قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام: جعلت فداك يابن رسول اللّه هل يكرهالمؤمن على قبض روحه؟ قال عليه السلام: لا واللّه إنّه إذا أتاه ملك الموت لقبض روحه جزع عند ذلك فيقول له ملك الموت: يا وليّ اللّه لا تجزع فو الّذي بعث محمّدا صلّى اللّه عليه وآله لأنا أبرّ بك وأشفق عليك من والد رحيم لو حضرك، افتح عينيك فانظر قال: ويمثّل له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وأميرالمؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريّتهم عليهم السلام فيقال له: هذا رسول اللّه وأميرالمؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام رفقاؤك، قال: فيفتح عينيه فينادى روحه(2) مناد من قبل ربّ العزّة فيقول: «يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ»(3) إِلى محمّد وأهل بيته «ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً»(4) بالولاية «مَرْضِيَّةً»(5) بالثّواب «فَادْخُلِي فِي عِبادِي»(6) يعني محمّداً وأهل بيته «وَادْخُلِي جَنَّتِي»(7) فما شيء أحبّ إليه من استلال روحه(8).

ص: 240


1- . الكافي: 3/124، ح6؛ بحار الأنوار: 60/258، ح129.
2- . المراد بالروح هنا ما يشير إليه الإنسان بقوله: أنا، أعنى النفس الناطقة وقد تحير العقلاء في حقيقتها والمستفاد من الاخبار عن الأئمّة عليهم السلام انها شبح مثالى على صورة البدن وكذلك عرفها المتألهون بمجاهداتهم وحقّقها المحقّقون بمشاهداتهم فهي ليست بجسماني محض ولا بعقلانى صرف بل برزخ بين الامرين ومتوسط بين النشأتين من عالم الملكوت. وللأنبياء والأولياء صلوات اللّه عليهم روح آخر فوق ذلك هي عقلائية صرفة وجبروتية محضة الوافى: 14/244.
3- . الفجر: 27.
4- . الفجر: 28.
5- . الفجر: 28.
6- . الفجر: 29.
7- . الفجر: 30.
8- . الكافي: 3/127، ح2؛ بحار الأنوار: 6/196، ح49.

وعن عليّ بن عقبة عن أبيه قال: قال لي أبو عبداللّه عليه السلام: يا عقبة لا يقبل اللّه من العباد يوم القيامة إلاّ هذا الأمر الذي أنتم عليه، وما بين أحدكم وبين أن يرى ماتقرّ به عينه إلاّ أن تبلغ نفسه إلى هذه، ثمّ أهوى بيده إلى الوريد، ثمّ اتّكى.وكان معي المعلّى فغمزني أن أسأله فقلت: يابن رسول اللّه فاذا بلغت نفسه هذه أيّ شيء يرى؟ فقلت له بضعة عشر مرّة: أيّ شيء يرى، فقال في كلّها: يرى، لا يزيد عليها، ثمّ جلس في آخرها فقال: يا عقبة، فقلت: لبيّك وسعديك، فقال: أبيت إلاّ أن تعلم؟ فقلت: نعم يابن رسول اللّه إنّما ديني مع دينك فاذا ذهب دينيكان ذلك كيف لي بك يا بن رسول اللّه كلّ ساعة وبكيت، فرقّ لي فقال: يراهما واللّه، فقلت: بأبي وأمّي من هما؟ قال: ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوعلي عليه السلام يا عقبة لن تموت نفس مؤمنة أبدا حتّى تراهما قلت: فاذا نظر إليهما المؤمن أ يرجع إلى الدّنيا؟ فقال: لا، يمضى أمامه اذا نظر اليهما مضى أمامه فقلت له: يقولان شيئا؟ قال: نعم يدخلان جميعا على المؤمن، فيجلس رسول اللّه صلى الله عليه و آله عند رأسه وعليّ عليه السلام عند رجليه فيكبّ عليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيقول: يا وليّ اللّه ابشر أنا رسول اللّه إنّي «أنا خ ل» خير لك ممّا تركت من الدّنيا.

ثمّ ينهض رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيقوم عليّ عليه السلام حتّى يكبّ عليه فيقول: يا وليّ اللّه ابشر أنا عليّ بن أبي طالب الذي كنت تحبّه أنا لأنفعنك، ثمّ قال عليه السلام: إنّ هذا في كتاب اللّه عزّ وجل، فقلت: أين جعلني اللّه فداك هذا من كتاب اللّه؟ قال: قول اللّه عزّ وجلّ ههنا: «الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الاْخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللّه ِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»(1).(2)

ص: 241


1- . يونس: 63 - 64.
2- . الكافي: 3/128، ح1؛ بحار الأنوار: 6/185، ح20.

وعن أبي بصير قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام إذا حيل بينه وبين الكلام أتاه رسول اللّه ومن شاء اللّه فجلس رسول اللّه عن يمينه والآخر عن يساره فيقول له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: أمّا ما كنت ترجو فهو ذا أمامك، وأمّا ما كنت تخاف منه فقد أمنت منه.

ثمّ يفتح له باب إلى الجنّة فيقول هذا منزلك من الجنّة فان شئت رددناك إلى الدّنيا ولك فيها ذهب وفضّة، فيقول: لا حاجة لي في الدّنيا فعند ذلك يبيض لونه ويرشح جبينه وتقلص شفتاه وتنتشر منخراه وتدمع عينه اليسرى فأىّ هذه العلامات رأيت فاكتف بها، فاذا خرجت النفس من الجسد فيعرض عليها كما عرض عليه وهي في الجسد فتختار الآخرة الحديث(1).

اعلم ان الأخبار في رؤية النّبيّ والأئمّة صلوات اللّه عليه وعليهم كثيرة كادت تبلغ حدّ التواتر، ويأتي بعضها بعد ذلك، وبتلك الأخبار يطيب نفوسنا ويسكن قلوبنا إلى الموت، وبها أيضا يعلم أنّ كراهة المؤمن للموت على ما في الحديث القدسي من قول اللّه سبحانه: ما تردّدت في شيء أنا فاعله كتردّدي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مسائته (2) إنّما هي قبل الاستبشار برؤيتهم عليهم السلام، وأمّا بعد معاينتهم فليس شيء أحبّ إليه من الموت كما عرفت في الرّوايات.

ويدلّ عليه صريحا ما عن عبد الصّمد بن بشير عن بعض أصحابه عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قلت: أصلحك اللّه من أحبّ لقاء اللّه أحبّ اللّه لقاءه؟ ومن أبغض

ص: 242


1- . الكافي: 3/129، ح2؛ بحار الأنوار: 6/196، ح50.
2- . مصباح المتهجد: 1/58؛ بحار الأنوار: 83/7، ح7.

لقاء اللّه أبغض اللّه لقاءه! قال عليه السلام: نعم، قلت: فو اللّه إنّا لنكره الموت، فقال عليه السلام: ليس ذلك حيث تذهب إنّما ذلك عند المعاينة إذا رأى ما يحبّ فليس شيء أحبّ إليه من أن يتقدّم واللّه تعالى يحبّ لقاءه وهو يحبّ لقاء اللّه حينئذ وإذا رأى ما يكرهفليس شيء أبغض إليه من لقاء اللّه واللّه يبغض لقاءه(1).

وعن يحيى بن سابور قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: في الميّت تدمع عيناه عند الموت فقال عليه السلام: ذلك عند معاينة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فيرى ما يسرّه، ثمّ قال عليه السلام: أما ترى الرّجل يرى ما يسرّه وما يحبّ فتدمع عينه لذلك ويضحك(2).

لما انصرف المامون من غزاته، نزل على عين البديدون، المعروفة بالقشيرة، فوقف على العين ومنبع الماء، فأعجبه بَرْدُ مائها وصفاؤه وبياضه وطيب حسن الموضع وكثرة الخضرة، فأمر بقطع خشب طوال وأمر به فبسط على العين كالجسر، وجعل فوقه كالأزج من الخشب وورق الشجر، وجلس تحت الكنيسة التي قد عقدت له والماء تحته، وطرح في الماء درهم صحيح فقرأ كتابته وهو في قرار الماء لصفاء الماء، ولم يقدر أحد يدخل يده في الماء من شدة بَرْده. فبينا هو كذلك إذا لاحت سمكة نحو الذراع كأنها سبيكة فضة، فجعل لمن يخرجها سَبْقاً، فبدر بعض الفراشين فأخذها وصعد، فلما صارت على حرف العين أو على الخشب الذي عليه المأمون اضطربت وأفلتت من يد الفراش فوقعت في الماء كالحجر، فنضح من الماء على صدر المأمون ونحره وترْقوَتِه فبلَّت ثوبه، ثم انحدر

ص: 243


1- . الكافي: 3/134، ح12؛ بحار الأنوار: 129/17، ح6.
2- . الكافي: 3/133، ح6؛ بحار الأنوار: 6/182، ح10.

الفراش ثانية فأخذها ووضعها بين يدي المأمون في منديل تضطرب، فقال المأمون: تُقلى الساعة، ثم أخذته رعدة من ساعته، فلم يقدر يتحرك من مكانه، فغطي باللحف والدواويج، وهو يرتعد كالسعفة، ويصيح البرد البرد، ثم حول إلىالمضرب، ودثر، وأوقدت النيران حوله، وهو يصيح: البرد البرد، ثم أتي بالسمكة وقد فرغ من قليها فلم يقدر على الذوق منها، وشغله ما هو فيه عن تناول شيء منها، ولما اشتد به الأمر سأل المعتصم بختيشوع وابن ماسويه في ذلك الوقت عن المأمون وهو في سكرات الموت، وما الذي يدل عليه علم الطب من أمره؟ وهل يمكن برؤه وشفاؤه؟ فتقدم ابن ماسويه، فأخذ إحدى يديه وبختيشوع الاخرى، وأخذ المجسة من كلتا يديه، فوجدا نبضه خارجاً عن الاعتدال، مُنذراً بالفناء والانحلال، والتزقت أيديهما ببشرته لِعَرَقٍ كان يظهر منه من سائر جسده، كالزيت، أو كلعاب بعض الأفاعي، فأخبر المعتصم بذلك، فسألهما عن ذلك، فأنكرا معرفته، وأنهما لم يجداه في شيء من الكتب، وأنه دال على انحلال الجسد، وأفاق المأمون من غشيته، وفتح عينيه من رقدته، فأمر بإحضار أناس من الروم، فسألهم عن اسم الموضع والعين، فأحضر له عدة من الأسارى والأدلة، وقيل لهم: فسروا هذا الاسم القشيرة، فقيل له تفسيره مُدّ رجليك، فلما سمعها اضطرب من هذا الفأل وتطيَّر به، وقال: سَلوهم ما اسم الموضع بالعربية، فقالوا: الرقة، وكان فيما عمل من مولد المأمون أنه يموت بالموضع المعروف بالرقة، وكان المأمون كثيراً ما يحيد عن المقام بمدينة الرقة فرَقاً من الموت فلما سمع هذا من الروم علم أنه الموضع الذي وُعِد فيه فيما تقدم من مولده، وأن فيه وفاته، وقيل: إن اسم البديدون تفسيره مُدَّ رجليك، واللّه أعلم بكيفية ذلك، فأحضر المأمون الأطباء حوله يؤمل خلاصه

ص: 244

مما هو فيه، فلما ثقل قال: أخرجوني أشرفُ على عسكري ، وانظر إلى رجالي، وأ تبين ملكي، وذلك في الليل، فأخرج فأشرف على الخيم والجيش وانتشاره وكثرته وما قد أوقد من النيران، فقال: يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه، ثم رُدَّ إلى مرقده وأجْلَسَ المعتصم رَجلاً يشهده لما ثقل، فرفع الرجل صوته ليقولها، فقال له ابن ماسويه: لا تَصِحْ فو اللّه ما يفرق بين ربه وبين ماني في هذا الوقت، ففتح المأمون عينيه من ساعته، وبهما من العظم والكبر والاحمرار ما لم يُرَ مثله قط، وأقبل يحاول البطش بيديه بابن ماسويه، ورام مخاطبته، فعجز عن ذلك، فرمى بطرفه نحو السماء، وقد امتلأت عيناه دموعاً، فانطلق لسانه من ساعته ، وقال: يا من لا يموت ارحم من يموت، وقضى من ساعته(1).

وقال اميرالمومنين عليه السلام:

وَفِي قَبْضِ كَفِّ الطِّفْلِ عِنْدَ وُلُودِهِ

دَلِيلٌ عَلَى الْحِرْصِ الْمُرَكَّبِ فِي الْحَيِ

وَفِي بَسْطِهَا عِنْدَ الْمَمَاتِ مَوَاعِظُ

أَلاَ فَانْظُرُونِي قَدْ خَرَجْتُ بِلاَ شَيْءٍ (2)

ثُمَّ أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ مُبْلِساً وَجُذِبَ مُنْقَاداً سَلِساً

فقد ورد في الرّوايات أن الرّوح بعد خروجه من الجسد يكون مُظِلَّةٌ على الجسد وأنّه ليرى ما يفعل به(3).

وفي رواية اصبغ بن نباتة أنّها تناشد الغاسل وتقول له عند تغسيله: باللّه عليك يا عبداللّه رفقا بالبدن الضّعيف فو اللّه ما خرجت من عرق إلاّ انقطع، ولا من عضو

ص: 245


1- . مروج الذهب: 3/456.
2- . ديوان اميرالمومنين عليه السلام: 488.
3- . من لا يحضره الفقيه: 1/193، ح592.

إلاّ انصدع، فو اللّه لو سمع الغاسل ذلك القول لما غسل ميّتا أبدا(1).

وَقَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فَوَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ يَرَوْنَ مَكَانَهُ وَيَسْمَعُونَ كَلاَمَهُ لَذَهَلُوا عَنْ مَيِّتِهِمْ وَليبكوا [لَبَكَوْا ]عَلَى نُفُوسِهِمْ حَتَّى حُمِلَ الْمَيِّتُ عَلَى نَعْشِهِوَتُرَفْرِفُ رُوحُهُ فَوْقَ النَّعْشِ وَهُوَ يُنَادِي يَا أَهْلِي وَيَا وُلْدِي لاَ تَلْعَبَنَّ بِكُمُ الدُّنْيَا كَمَا لَعِبَتْ بِي(2).

وفي عدّة روايات الأمر باجادة الأكفان والمغالات في أثمانها معلّلا بأنّ الموتى يبعثون بها وبأنّهم يتباهون بأكفانهم(3).

انَّ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عليه السلام كُفِّنَ فِي حِبَرَةٍ اسْتُعْمِلَتْ لَهُ بِأَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ كُلُّهُ (4).

وعن يونس بن يعقوب عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام قال: سمعته يقول: إنّي كفنت أبي في ثوبين شطويين(5) كان يحرم فيهما وقميص من قمصه وعمامة كانت لعليّ بن الحسين عليهما السّلام وفي برد اشتريته بأربعين دينارا، ولو كان اليوم ساوى أربعمائة دينار(6).

لمّا دخل المنصور آخر منزل نزله من طريق مكة، نظر في صدر البيت الّذي نزل فيه فإذا مكتوب فيه:

أبا جعفر حانت وفاتك وانقضت

سنوك وأمر اللّه لابدّ واقع

ص: 246


1- . الفضائل لابن شاذان: 88؛ بحار الأنوار: 22/377.
2- . جامع الاخبار للشعيرى: 170؛ بحار الأنوار: 6/161، ح28.
3- . وسائل الشيعة: 3/39.
4- . وسائل الشيعة: 3/41، ح2976 - 8.
5- . شطا اسم قرية بناحية مصر تنسب إليها الثياب.
6- . الكافي: 1/476، ح8؛ بحار الأنوار: 47/7، ح19.

أبا جعفر هل كاهن أو منجّم

لك اليوم من حرّ المنية مانع

فدعا بالمتولّي لإصلاح المنازل فقال له: ألم آمرك ألاّ يدخل المنزل أحد من الدّعار قال: واللّه ما دخله أحد منذ فرغ منه فقال، اقرأ ما على صدر البيت مكتوبا،قال: ما أرى شيئا فدعا برئيس الحجبة فقال: اقرأ ما على صدر البيت، قال: ما أرىشيئا. فالتفت إلى حاجبه فقال: اقرأ لي آية من كتاب اللّه فتلا: «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ»(1) فأمر بفكيّه فوجئا، وقال له ما وجدت شيئا تقرأه غير هذه الآية فأمر بالرّحيل عن ذلك المنزل تطيّرا وركب فرسا فلمّا كان في الوادي الّذي يقال له سقر - وكان آخر منزل بطريق مكّة - كبا به الفرس فدقّ ظهره ومات فدفن ببئر ميمون(2).

قال الرّبيع لما قضى المنصور، أمرت بالخيم فضربت وبالفساطيط فهيّئت، وعمدت إلى المنصور فألبسته الطويلة والدّرّاعة وسندته وألقيت في وجهه كلّة رقيقة يرى منها شخصه ولا يفهم أمره وأدنيت أهله من الكلّة، حيث لا يعلم بخبره ويرى شخصه، فوقفت بالموضع الذي أو همتهم أنّه يخاطبني ثمّ خرجت فقلت: إنّ الخليفة مفيق ويقول أحبّ أن تجدّدوا بيعة المهدي فلم يبق أحد إلاّ بايع ثمّ دخلت وخرجت مشقوق الجيب لاطما رأسي، فقال بعض من حضر ويلي عليك ابن شاة - يريد الربيع لأنّ أمّه ماتت في رضاعه فارضعته شاة - فبلغ المهدي ما فعلت، فقال: يا عبد ألم يمنعك جلالة الخليفة أن فعلت ما فعلت به(3).

قال محمّد النوفلي دخلنا وهو على سريره في أكفانه مكشوف الوجه فحملناه

ص: 247


1- . الشعراء: 227.
2- . تاريخ الطبري: 6/345.
3- . تاريخ الطبري: 8/114.

حتّى أتينا به مكّة ثلاثة أميال فكأنّي أنظر إليه أدنو من قائمة سريره نحمله فتحرّكت الرّيح فتطير شعر صدغيه وذلك أنّه قد وفّر شعره للحلق حتى أتينا به حفرته(1).

ثُمَّ أُلْقِيَ عَلَى الْأَعْوَادِ رَجِيعَ وَصَبٍ وَنِضْوَ سَقَمٍ

المراد بالأعواد: الجنازة. وذو الأعواد رجل من العرب كان قد أسنّ وهو الذي قرعت له العصا وكانت العرب تتحاكم إليه وكان يحمل في محفّة فسمّي ذا الأعواد لذلك، وصار مثلا، قال الأسود بن يعفر:

ولقد علمت خلاف ما نبّأتني

انّ السبيل سبيل ذي الأعواد (2)

فإن كان مؤمنا خرج روحه يمشى بين يدي القوم قدما وتلقاه أرواح المؤمنين ويبشّرونه بما أعدّ اللّه له جلّ ثناؤه من النّعيم.

وإن كان عدوّا للّه سبحانه فهو كما ورد عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللّه ِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: إِذَا حُمِلَ عَدُوُّ اللّه ِ إِلَى قَبْرِهِ نَادَى حَمَلَتَهُ أَ لاَ تَسْمَعُونَ يَا إِخْوَتَاهْ أَنِّي أَشْكُو إِلَيْكُمْ مَا وَقَعَ فِيهِ أَخُوكُمُ الشَّقِيُّ أَنَّ عَدُوَّ اللّه ِ خَدَعَنِي(3)

فَأَوْرَدَنِي ثُمَّ لَمْ يُصْدِرْنِي وَأَقْسَمَ لِي أَنَّهُ نَاصِحٌ لِي فَغَشَّنِي وَأَشْكُو إِلَيْكُمْ دُنْيَا غَرَّتْنِي حَتَّى إِذَا اطْمَأْنَنْتُ إِلَيْهَا صَرَعَتْنِي وَأَشْكُو إِلَيْكُمْ أَخِلاَّءَ الْهَوَى مَنَّوْنِي ثُمَّ تَبَرَّءُوا مِنِّي وَخَذَلُونِي وَأَشْكُو إِلَيْكُمْ أَوْلاَداً حَمَيْتُ عَنْهُمْ وَآثَرْتُهُمْ عَلَى نَفْسِي فَأَكَلُوا مَالِي وَأَسْلَمُونِي وَأَشْكُو إِلَيْكُمْ مَالاً مَنَعْتُ مِنْهُ (مالا ضيعت فيه خ ل) حَقَّ اللّه ِ فَكَانَ وَبَالُهُ

ص: 248


1- . تاريخ الطبري: 8/112.
2- . جمهرة اللغة لابن دريد: 2/667.
3- . عدو اللّه يعنى الشيطان. وقوله: «فأوردنى» أي المهالك.

عَلَيَّ وَكَانَ نَفْعُهُ لِغَيْرِي وَأَشْكُو إِلَيْكُمْ دَاراً أَنْفَقْتُ عَلَيْهَا حَرِيبَتِي(1) وَصَارَ سَاكِنُهَا غَيْرِي وَأَشْكُو إِلَيْكُمْ طُولَ الثَّوَاءِ(2) فِي قَبْرِي يُنَادِي أَنَا بَيْتُ الدُّودِ أَنَا بَيْتُ الظُّلْمَةِ وَالْوَحْشَةِ وَالضَّيْقِ يَا إِخْوَتَاهْ فَاحْبِسُونِي مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاحْذَرُوا مِثْلَ مَا لَقِيتُ فَإِنِّي قَدْ بُشِّرْتُ بِالنَّارِ وَبِالذُّلِّ وَالصَّغَارِ وَغَضَبِ الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ وَا حَسْرَتَاهْ عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ وَيَا طُولَ عَوْلَتَاهْ (عويلاه خ ل) فَمَا لِي مِنْ شَفِيعٍ يُطاعُ وَلاَ صَدِيقٍ يَرْحَمُنِي فَلَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً - فَأَكُونَ مِنَ الْمُؤمِنِينَ(3).

وفي رواية إنّ أبا جعفر عليه السلام كان يبكي إذا ذكر هذا الحديث(4).

ثمّ إنّه إذا أتيت بالميّت إلى شفير قبره فأمهله ساعة فانّه يأخذ اهبته للسّؤال كما وردت رواية أبي الحسن موسى عليه السلام(5).

وإذا حضر المؤمنون للصّلاة عليه وشهدوا له بالخير والصّلاح فقد ورد في الخبر انّ اللّه سبحانه يجيز شهادتهم ويكتبه عنده من الأخيار وإن كان في علمه عزّ وجلّ من الأشرار.

قال الصّادق عليه السلام: إذا حضر الميت أربعون رجلا فقالوا: اللّهم إنّا لا نعلم منه إلاّ خيرا، قال اللّه تعالى: قد قبلت شهادتكم له وغفرت له ما علمت ممّا لا تعلمون(6).

ورَوَى مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْبَرْقِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنِ الصَّادِقِ عليه السلام قَالَ كَانَ فِي

ص: 249


1- . حريبة الرجل: ماله الذي يعيش به. الصحاح
2- . طول الثواء اي طول الإقامة.
3- . الكافي: 3/233، ح14؛ بحار الأنوار: 6/258، ح94.
4- . الكافي: 3/234، ح4؛ بحار الأنوار: 6/259، ح95.
5- . الكافي: 3/191، ح2؛ وسائل الشيعة: 3/168، ح3310 - 4.
6- . الكافي: 3/254، ح14.

بَنِي إِسْرَائِيلَ عَابِدٌ فَأَوْحَى اللّه ُ تَعَالَى إِلَى دَاوُدَ عليه السلام أَنَّهُ مُرَاءٍ قَالَ ثُمَّ إِنَّهُ مَاتَ فَلَمْ يَشْهَدْ جِنَازَتَهُ دَاوُدُ عليه السلام قَالَ فَقَامَ أَرْبَعُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا اللَّهُمَّ إِنَّا لاَ نَعْلَمُ مِنْهُ إِلاَّ خَيْراً وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا فَاغْفِرْ لَهُ قَالَ فَلَمَّا غُسِّلَ أَتَى أَرْبَعُونَ غَيْرُ الْأَرْبَعِينَ الْأَوَّلِ وَقَالُوا اللَّهُمَّ إِنَّا لاَ نَعْلَمُ مِنْهُ إِلاَّ خَيْراً وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا فَاغْفِرْ لَهُ فَلَمَّا وُضِعَ فِي قَبْرِهِقَامَ أَرْبَعُونَ غَيْرُهُمْ فَقَالُوا اللَّهُمَّ إِنَّا لاَ نَعْلَمُ مِنْهُ إِلاَّ خَيْراً وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا فَاغْفِرْ لَهُ قَالَ فَأَوْحَى اللّه ُ تَعَالَى إِلَى دَاوُدَ عليه السلام مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ - فَقَالَ دَاوُدُ بِالَّذِي أَخْبَرْتَنِي مِنْ أَنَّهُ مُرَاءٍ قَالَ فَأَوْحَى اللّه ُ إِلَيْهِ أَنَّهُ شَهِدَ لَهُ قَوْمٌ فَأَجَزْتُ لَهُمْ شَهَادَتَهُمْ وَغَفَرْتُ لَهُ مَا عَلِمْتُ مِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ(1).

تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ الْوِلْدَانِ وَحَشَدَةُ الاْءِخْوَانِ

عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ قَالَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ صلى الله عليه و آله إِنَّ ابْنَ آدَمَ إِذَا كَانَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الاْخِرَةِ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ وَعَمَلُهُ فَيَلْتَفِتُ إِلَى مَالِهِ فَيَقُولُ وَاللّه ِ إِنِّي كُنْتُ عَلَيْكَ حَرِيصاً شَحِيحاً فَمَا لِي عِنْدَكَ فَيَقُولُ خُذْ مِنِّي كَفَنَكَ قَالَ فَيَلْتَفِتُ إِلَى وَلَدِهِ فَيَقُولُ وَاللّه ِ إِنِّي كُنْتُ لَكُمْ مُحِبّاً وَإِنِّي كُنْتُ عَلَيْكُمْ مُحَامِياً فَمَا ذَا لِي عِنْدَكُمْ فَيَقُولُونَ نُؤدِّيكَ إِلَى حُفْرَتِكَ نُوَارِيكَ فِيهَا - قَالَ فَيَلْتَفِتُ إِلَى عَمَلِهِ فَيَقُولُ وَاللّه ِ إِنِّي كُنْتُ فِيكَ لَزَاهِداً وَإِنْ كُنْتَ عَلَيَّ لَثَقِيلاً فَمَا ذَا عِنْدَكَ فَيَقُولُ أَنَا قَرِينُكَ فِي قَبْرِكَ وَيَوْمِ نَشْرِكَ حَتَّى أُعْرَضَ أَنَا وَأَنْتَ عَلَى رَبِّك الحديث(2).

فَظَلَّ أَحَبُّ الْقَوْمِ كَانَ لِقُرْبِهِ

يَحُثُّ عَلَى تَجْهِيزِهِ وَيُبَادِرُ

ص: 250


1- . عدّة الداعي: 149؛ بحار الأنوار: 79/60، ح2.
2- . الكافي: 3/231، ح1؛ بحار الأنوار: 6/224، ح26.

وَشَمَّرَ مَنْ قَدْ أَحْضَرُوهُ لِغُسْلِهِ

وَوُجِّهَ لَمَّا فَاظَ لِلْقَبْرِ حَافِرٌ

وَكُفِّنَ فِي ثَوْبَيْنِ فَاجْتَمَعَتْ

لَهُ مُشَيِّعَةُ إِخْوَانِهِ وَالْعَشَائِر(1)

إِلَى دَارِ غُرْبَتِهِ

فى دعاء ابى حمزة: وَارْحَمْ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ الْجَدِيدِ غُرْبَتِي(2).

وَمُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ وَمُفْرَدِ وَحْشَتِهِ

وفي ذلك الدّعاء: وجد عليّ منقولا قد نزلت بك وحيدا في حفرتي(3).

حَتَّى إِذَا انْصَرَفَ الْمُشَيِّعُ وَرَجَعَ الْمُتَفَجِّعُ أُقْعِدَ فِي حُفْرَتِهِ نَجِيّاً لِبَهْتَةِ السُّؤالِ

قَالَ الصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عليه السلام: مَنْ أَنْكَرَ ثَلاَثَةَ أَشْيَاءَ فَلَيْسَ مِنْ شِيعَتِنَا الْمِعْرَاجَ وَالْمُسَاءَلَةَ فِي الْقَبْرِ وَالشَّفَاعَةَ(4).

وفي الحديث إنّ الرّوح يدخل إلى حقويه ويسمع لفظ أيدى القوم من تراب قبره فعند ذلك ينظر يمينا وشمالا فلا يرى إلاّ ظلمات ثلاث: ظلمة الأرض، وظلمة العمل، وظلمة الوحشة فيا لها من داهية عظيمة ورزيّة جسيمة، وأوّل ملك يدخل عليه يسمّى رومان فتان القبور، وفي رواية اصبغ بن نباته يسمّي منبّه.

ص: 251


1- . البلد الامين: 322.
2- . مصباح المتهجد: 2/593؛ بحار الأنوار: 95/90.
3- . نفس المصدر.
4- . الأمالي للصدوق: 294، م 49، ح5؛ بحار الأنوار: 6/223، ح23.

وعَبْدِاللّه ِ بْنِ سَلاَمٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَنْ أَوَّلِ مَلَكٍ يَدْخُلُ فِي الْقَبْرِ عَلَى الْمَيِّتِ قَبْلَ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّه ِ ص: مَلَكٌ يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ اسْمُهُ رُومَانُ يَدْخُلُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: اكْتُبْ مَا عَمِلْتَ مِنْ حَسَنَةٍ وَسَيِّئَةٍ. فَيَقُولُ: بِأَيِّ شَيْءٍ أَكْتُبُ أَيْنَ قَلَمِي وَدَوَاتِي وَمِدَادِي؟ فَيَقُولُ: رِيقُكَ مِدَادُكَ وَقَلَمُكَ إِصْبَعُكَ. فَيَقُولُ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ أَكْتُبُ وَلَيْسَ مَعِي صَحِيفَةٌ؟ قَالَ: صَحِيفَتُكَ كَفَنُكَ، فَيَكْتُبُ مَاعَمِلَهُ مِنَ الدُّنْيَا خَيْراً، فَإِذَا بَلَغَ سَيِّئَاتِهِ يَسْتَحْيِي مِنْهُ فَيَقُولُ لَهُ الْمَلَكُ: يَا خَاطِئُ أَ مَا تَسْتَحْيِي مِنْ خَالِقِكَ حِينَ عَمِلْتَهُ فِي الدُّنْيَا وَتَسْتَحْيِي الاْنَ، فَيَرْفَعُ الْمَلَكُ الْعَمُودَ لِيَضْرِبَهُ، فَيَقُولُ الْعَبْدُ: ارْفَعْ عَنِّي حَتَّى أَكْتُبَهَا، فَيَكْتُبُ فِيهَا جَمِيعَ حَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ ثُمَّ يَأْمُرُهُ أَنْ تُطْوَى وَتُخْتَمَ فَيَقُولُ: بِأَيِّ شَيْءٍ أَخْتِمُهُ وَلَيْسَ مَعِي خَاتَمٌ؟ فَيَقُولُ: اخْتِمْهُ بِظُفْرِكَ وَعَلِّقْهُ فِي عُنُقِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَ اللّه ُ تَعَالَى: «وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً»(1)»(2).

وفي رواية اخرى أنّه يأتي إلى الميّت فيسمه فان عرف منه خيرا أخبر منكرا ونكيرا حتّى يرفقا به وقت السؤال، وإن عرف منه شرّا أخبرهما حتّى يشدّدا عليه الحال والعذاب(3).

وعَنْ سُوَيْدِ بْنِ عَلْقَمَةَ [غَفَلَةَ] عَنْ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلام قَالَ إِنَّ ابْنَ آدَمَ إِذَا كَانَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا - وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الاْخِرَةِ - مُثِّلَ لَهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَوُلْدُهُ وَعَمَلُهُ - فَيَلْتَفِتُ إِلَى مَالِهِ فَيَقُولُ - وَاللّه ِ إِنِّي كُنْتُ عَلَيْكَ لَحَرِيصاً شَحِيحاً فَمَا عِنْدَكَ

ص: 252


1- . الإسراء:13.
2- . بتفاوت فى البحار: 234/56 ومجمع البحرين: 82/3.
3- . رياض السالكين: 66/2.

فَيَقُولُ خُذْ مِنِّي كَفَنَكَ، ثُمَّ يَلْتَفِتُ إِلَى وُلْدِهِ فَيَقُولُ - وَاللّه ِ إِنِّي كُنْتُ لَكُمْ لَمُحِبّاً - وَإِنِّي كُنْتُ عَلَيْكُمْ لَمُحَامِياً فَمَا ذَا عِنْدَكُمْ فَيَقُولُونَ نُؤدِّيكَ إِلَى حُفْرَتِكَ وَنُوَارِيكَ فِيهَا، ثُمَّ يَلْتَفِتُ إِلَى عَمَلِهِ فَيَقُولُ - وَاللّه ِ إِنِّي كُنْتُ فِيكَ لَزَاهِداً - وَإِنَّكَ كُنْتَ عَلَيَّ لَثَقِيلاً فَمَا ذَا عِنْدَكَ فَيَقُولُ أَنَا قَرِينُكَ فِي قَبْرِكَ - وَيَوْمِ حَشْرِكَ حَتَّى أُعْرَضَ أَنَا وَأَنْتَ عَلَى رَبِّكَ - فَإِنْ كَانَ للّه ِِ وَلِيّاً أَتَاهُ أَطْيَبُ النَّاسِ رِيحاً - وَأَحْسَنُهُمْ مَنْظَراً وَأَزْيَنُهُمْ رِيَاشاً - فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِرَوْحٍ مِنَ اللّه ِ وَرَيْحَانٍ وَجَنَّةِ نَعِيمٍ - وَقَدْ قَدِمْتَ خَيْرَ مَقْدَمٍ فَيَقُولُ مَنْ أَنْتَفَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ - ارْتَحِلْ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَيَعْرِفُ غَاسِلَهُ وَيُنَاشِدُ حَامِلَهُ أَنْ يُعَجِّلَهُ فَإِذَا أُدْخِلَ قَبْرَهُ أَتَاهُ مَلَكَانِ - وَهُمَا فَتَّانَا الْقَبْرِ يَجُرَّانِ أَشْعَارَهُمَا - وَيَنْحِتَانِ الْأَرْضَ بِأَنْيَابِهِمَا - وَأَصْوَاتُهُمَا كَالرَّعْدِ الْعَاصِفِ - وَأَبْصَارُهُمَا كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ - فَيَقُولاَنِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ وَمَنْ نَبِيُّكَ وَمَا دِينُكَ (من امامك خ ل) فَيَقُولُ: اللّه ُ رَبِّي وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّي وَالاْءِسْلاَمُ دِينِي (و على عليه السلاموالائمة امامى خ ل) فَيَقُولاَنِ ثَبَّتَكَ اللّه ُ بِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى وَهُوَ قَوْلُ اللّه ِ «يُثَبِّتُ اللّه ُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ»(1). فَيَفْسَحَانِ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ - وَيَفْتَحَانِ لَهُ بَاباً إِلَى الْجَنَّةِ وَيَقُولاَنِ لَهُ نَمْ قَرِيرَ الْعَيْنِ نَوْمَ الشَّابِّ النَّاعِمِ - وَهُوَ قَوْلُهُ «أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً»(2).(3) وَإِذَا كَانَ لِرَبِّهِ عَدُوّاً - فَإِنَّهُ يَأْتِيهِ أَقْبَحُ خَلْقِ اللّه ِ رِيَاشاً وَأَنْتَنُهُ رِيحاً - فَيَقُولُ لَهُ مَنْ أَنْتَ فَيَقُولُ لَهُ أَنَا عَمَلُكَ - أَبْشِرْ بِنُزُلٍ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةِ جَحِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَعْرِفُ غَاسِلَهُ وَيُنَاشِدُ حَامِلَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ - فَإِذَا أُدْخِلَ قَبْرَهُ أَتَيَاهُ مفتحيا [مُمْتَحِنَا ]الْقَبْرِ فَأَلْقَيَا أَكْفَانَهُ

ص: 253


1- . ابراهيم: 27.
2- . الفرقان: 24.
3- . فِي تَفْسِيرِ الصَّافِي إِنَّ الْمَقِيلَ مَكَانٌ يُبَاتُ فِيهِ لِوَقْتٍ يَسِيرٍ فَعَلَى هَذَا هَذِهِ الآْيَةُ تَدُلُّ عَلَى ثَوَابِ اللّه ِ فِي الْبَرْزَخِ لِأَنَّ الْجَنَّةَ لاَ نَوْمَ فِيهَا فَلاَ تَكُونُ مُرَاداً مِنْهَا تفسير الصافى: 10/4.

- ثُمَّ قَالا لَهُ مَنْ رَبُّكَ وَمَنْ نَبِيُّكَ وَمَا دِينُكَ فَيَقُولُ لاَ أَدْرِي فَيَقُولاَنِ لَهُ لاَ دَرَيْتَ وَلاَ هُدِيتَ - فَيَضْرِبَانِهِ بِمِرْزَبَةٍ(1) ضَرْبَةً مَا خَلَقَ اللّه ُ دَابَّةً - إِلاَّ وَتَذْعَرُ لَهَا مَا خَلاَ الثَّقَلَيْنِ - ثُمَّ يَفْتَحَانِ لَهُ بَاباً إِلَى النَّارِ ثُمَّ يَقُولاَنِ لَهُ نَمْ بِشَرِّ حَالٍ فَهُوَ مِنَ الضِّيقِ مِثْلُ مَا فِيهِ الْقَنَا مِنَ الزُّجِّ(2) حَتَّى إِنَّ دِمَاغَهُ يَخْرُجُ مِمَّا بَيْنَ ظُفُرِهِ وَلَحْمِهِ - وَيُسَلَّطُ عَلَيْهِ حَيَّاتُ الْأَرْضِ وَعَقَارِبُهَا وَهَوَامُّهَا - فَتَنْهَشُهُ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللّه ُ مِنْ قَبْرِهِ وَإِنَّهُ لَيَتَمَنَّى قِيَامَالسَّاعَةِ مِمَّا هُوَ فِيهِ مِنَ الشَّرِّ(3).

و عَنْ بَشِيرٍ الدَّهَّانِ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: يَجِيءُ الْمَلَكَانِ - مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ إِلَى الْمَيِّتِ حِينَ يُدْفَنُ أَصْوَاتُهُمَا كَالرَّعْدِ الْقَاصِفِ وَأَبْصَارُهُمَا كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ يَخُطَّانِ الْأَرْضَ بِأَنْيَابِهِمَا وَيَطَئَانِ فِي شُعُورِهِمَا فَيَسْأَلاَنِ الْمَيِّتَ مَنْ رَبُّكَ وَمَا دِينُكَ قَالَ فَإِذَا كَانَ مُؤمِناً قَالَ اللّه ُ رَبِّي وَدِينِيَ الاْءِسْلاَمُ فَيَقُولاَنِ لَهُ مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي خَرَجَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ فَيَقُولُ أَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله تَسْأَلاَنِي فَيَقُولاَنِ لَهُ تَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللّه ِ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللّه ِ فَيَقُولاَنِ لَهُ نَمْ نَوْمَةً لاَ حُلُمَ فِيهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ تِسْعَةَ أَذْرُعٍ وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَرَى مَقْعَدَهُ فِيهَا وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ كَافِراً دَخَلاَ عَلَيْهِ وَأُقِيمَ الشَّيْطَانُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَيْنَاهُ مِنْ نُحَاسٍ فَيَقُولاَنِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ وَمَا دِينُكَ وَمَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي قَدْ خَرَجَ مِنْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ فَيَقُولُ لاَ أَدْرِي فَيُخَلِّيَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْطَانِ فَيُسَلِّطُ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ تِنِّيناً لَوْ أَنَّ تِنِّيناً(4) وَاحِداً

ص: 254


1- . الْمِرْزَبَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَ تَشْدِيدِ الْبَاءِ عُصَيَّةُ حَدِيدٍ.
2- . الزُّجُّ بِالضَّمِّ حَدِيدَةٌ فِي أَسْفَلِ الرُّمْحِ.
3- . تفسير القمي: 1/369؛ بحار الأنوار: 6/224، ح26.
4- . التنين - كسكين - : حية عظيمة.

مِنْهَا نَفَخَ فِي الْأَرْضِ مَا أَنْبَتَتْ شَجَراً أَبَداً وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ وَيَرَى مَقْعَدَهُ فِيهَا(1). وعن النَّبِيِ ص: أَنَّهُ قَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَتَاكَ فَتَّانَا الْقَبْرِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّه ِ مَا فَتَّانَا الْقَبْرِ قَالَ مَلَكَانِ فَظَّانِ غَلِيظَانِ أَصْوَاتُهُمَا كَالرَّعْدِ الْقَاصِفِ وَأَبْصَارُهُمَا كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ يَطَئَانِ فِي أَشْعَارِهِمَا وَيَحْفِرَانِ الْأَرْضَ بِأَنْيَابِهِمَا فَيَسْأَلاَنِكَ قَالَ وَأَنَا عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ قَالَ وَأَنْتَ عَلَى مِثْلِ حَالِكَ هَذِهِ قَالَ إِذَنْ أَكْفِيَهُمَا(2).وفي وصفهما عنه صلى الله عليه و آلهأنّهما ملكان أسودان أرزقان أحدهما منكر والآخر نكير(3). وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: إِنَّ الْمُؤمِنَ إِذَا أُخْرِجَ مِنْ بَيْتِهِ شَيَّعَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى قَبْرِهِ يَزْدَحِمُونَ عَلَيْهِ حَتَّى إِذَا انْتَهَى بِهِ إِلَى قَبْرِهِ قَالَتْ لَهُ الْأَرْضُ مَرْحَباً بِكَ وَأَهْلاً أَمَا وَاللّه ِ لَقَدْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يَمْشِيَ عَلَيَّ مِثْلُكَ لَتَرَيَنَّ مَا أَصْنَعُ بِكَ فَتَوَسَّعُ لَهُ مَدَّ بَصَرِهِ وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ مَلَكَا الْقَبْرِ وَهُمَا قَعِيدَا الْقَبْرِ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ فَيُلْقِيَانِ فِيهِ الرُّوحَ إِلَى حَقْوَيْهِ فَيُقْعِدَانِهِ وَيَسْأَلاَنِهِ فَيَقُولاَنِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ اللّه ُ فَيَقُولاَنِ مَا دِينُكَ فَيَقُولُ الاْءِسْلاَمُ فَيَقُولاَنِ وَمَنْ نَبِيُّكَ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ ص فَيَقُولاَنِ وَمَنْ إِمَامُكَ فَيَقُولُ فُلاَنٌ قَالَ فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ صَدَقَ عَبْدِي افْرُشُوا لَهُ فِي قَبْرِهِ مِنَ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ فِي قَبْرِهِ بَاباً إِلَى الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَأْتِيَنَا وَمَا عِنْدَنَا خَيْرٌ لَهُ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ نَمْ نَوْمَةَ عَرُوسٍ نَمْ نَوْمَةً لاَ حُلُمَ فِيهَا قَالَ وَإِنْ كَانَ كَافِراً

ص: 255


1- . الكافي: 3/236، ح7؛ بحار الأنوار: 6/261، ح103.
2- . الزهد: 89، ح238؛ بحار الأنوار: 6/215، ح5 واحياء العلوم: 16/10.
3- . الاختصاص: 360؛ بحار الأنوار: 6/276.

خَرَجَتِ الْمَلاَئِكَةُ تُشَيِّعُهُ إِلَى قَبْرِهِ تَلْعَنُونَهُ حَتَّى إِذَا انْتَهَى بِهِ إِلَى قَبْرِهِ قَالَتْ لَهُ الْأَرْضُ لاَ مَرْحَباً بِكَ وَلاَ أَهْلاً أَمَا وَاللّه ِ لَقَدْ كُنْتُ أُبْغِضُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَيَّ مِثْلُكَ لاَ جَرَمَ لَتَرَيَنَّ مَا أَصْنَعُ بِكَ الْيَوْمَ فَتَضِيقُ عَلَيْهِ حَتَّى تَلْتَقِيَ جَوَانِحُهُ(1) قَالَ ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْهِ مَلَكَا الْقَبْرِ وَهُمَا قَعِيدَا الْقَبْرِ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ قَالَ أَبُو بَصِيرٍ جُعِلْتُ فِدَاكَ يَدْخُلاَنِ عَلَى الْمُؤمِنِ وَالْكَافِرِ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ لاَ قَالَ فَيُقْعِدَانِهِ وَيُلْقِيَانِ فِيهِ الرُّوحَ إِلَى حَقْوَيْهِ فَيَقُولاَنِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ فَيَتَلَجْلَجُ(2) وَيَقُولُ قَدْ سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَيَقُولاَنِ لَهُ لاَ دَرَيْتَ وَيَقُولاَنِ لَهُ مَا دِينُكَ فَيَتَلَجْلَجُ فَيَقُولاَنِ لَهُ لاَ دَرَيْتَ وَيَقُولاَنِ لَهُ مَنْ نَبِيُّكَفَيَقُولُ قَدْ سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَيَقُولاَنِ لَهُ لاَ دَرَيْتَ وَيُسْأَلُ عَنْ إِمَامِ زَمَانِهِ قَالَ فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ كَذَبَ عَبْدِي(3) افْرُشُوا لَهُ فِي قَبْرِهِ مِنَ النَّارِ وَأَلْبِسُوهُ مِنْ ثِيَابِ النَّارِ وَافْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلَى النَّارِ حَتَّى يَأْتِيَنَا وَمَا عِنْدَنَا شَرٌّ لَهُ فَيَضْرِبَانِهِ بِمِرْزَبَةٍ ثَلاَثَ ضَرَبَاتٍ لَيْسَ مِنْهَا ضَرْبَةٌ إِلاَّ يَتَطَايَرُ قَبْرُهُ نَاراً لَوْ ضُرِبَ بِتِلْكَ الْمِرْزَبَةِ جِبَالُ تِهَامَةَ(4) لَكَانَتْ رَمِيماً وَقَالَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام وَيُسَلِّطُ اللّه ُ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ الْحَيَّاتِ تَنْهَشُهُ نَهْشاً وَالشَّيْطَانَ يَغُمُّهُ غَمّاً قَالَ وَيَسْمَعُ عَذَابَهُ مَنْ خَلَقَ اللّه ُ إِلاَّ الْجِنَّ وَالاْءِنْسَ قَالَ وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ(5) وَنَقْضَ أَيْدِيهِمْ وَهُوَ قَوْلُ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ «يُثَبِّتُ اللّه ُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الاْخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّه ُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّه ُ ما يَشاء»(6).(7)

ص: 256


1- . الجوانح: الاضلاع التي تحت الترائب وهي ممّا يلي الصدر كالضلوع ممّا يلي الظهر. فى
2- . التلجلج: التردد في الكلام.
3- . أي كذب ولم يعتقد ذلك ولم يسمعه بقلبه. فى
4- . تهامة اي مكّة شرفها اللّه تعالى.
5- . الخفق: صوت النعل.
6- . ابراهيم: 27.
7- . الكافي: 3/239، ح12؛ بحار الأنوار: 6/264، ح108.

وعَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: إِذَا مَاتَ الْمُؤمِنُ شَيَّعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِلَى قَبْرِهِ فَإِذَا أُدْخِلَ قَبْرَهُ أَتَاهُ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ فَيُقْعِدَانِهِ وَيَقُولاَنِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ وَمَا دِينُكَ وَمَنْ نَبِيُّكَ فَيَقُولُ رَبِّيَ اللّه ُ وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّي وَالاْءِسْلاَمُ دِينِي فَيَفْسَحَانِ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ وَيَأْتِيَانِهِ بِالطَّعَامِ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُدْخِلاَنِ عَلَيْهِ الرَّوْحَ وَالرَّيْحَانَ وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: «فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ» يَعْنِي فِي قَبْرِهِ «وَجَنَّةُ نَعِيمٍ»(1) يَعْنِي فِي الاْخِرَةِ ثُمَّ قَالَ عليه السلام إِذَا مَاتَالْكَافِرُ شَيَّعَهُ سَبْعُونَ أَلْفاً مِنَ الزَّبَانِيَةِ إِلَى قَبْرِهِ وَإِنَّهُ لَيُنَاشِدُ حَامِلِيهِ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ كُلُّشَيْءٍ إِلاَّ الثَّقَلاَنِ وَيَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُؤمِنِينَ وَيَقُولُ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ فَتُجِيبُهُ الزَّبَانِيَةُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ أَنْتَ قَائِلُهَا وَيُنَادِيهِمْ مَلَكٌ لَوْ رُدَّ لَعَادَ لِمَا نُهِيَ عَنْهُ فَإِذَا أُدْخِلَ قَبْرَهُ وَفَارَقَهُ النَّاسُ أَتَاهُ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ فِي أَهْوَلِ صُورَةٍ فَيُقِيمَانِهِ ثُمَّ يَقُولاَنِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ وَمَا دِينُكَ وَمَنْ نَبِيُّكَ فَيَتَلَجْلَجُ لِسَانُهُ وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى الْجَوَابِ فَيَضْرِبَانِهِ ضَرْبَةً مِنْ عَذَابِ اللّه ِ يُذْعَرُ لَهَا كُلُّ شَيْءٍ ثُمَّ يَقُولاَنِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ وَمَا دِينُكَ وَمَنْ نَبِيُّكَ فَيَقُولُ لاَ أَدْرِي فَيَقُولاَنِ لَهُ لاَ دَرَيْتَ وَلاَ هُدِيتَ وَلاَ أَفْلَحْتَ ثُمَّ يَفْتَحَانِ لَهُ بَاباً إِلَى النَّارِ وَيُنْزِلاَنِ إِلَيْهِ الْحَمِيمَ مِنْ جَهَنَّمَ وَذَلِكَ قَوْلُ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ»(2) يَعْنِي فِي الْقَبْرِ «وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ»(3) يَعْنِي فِي الاْخِرَةِ(4).

وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِاللّه ِ عليه السلام عَمَّا يَلْقَى صَاحِبُ الْقَبْرِ فَقَالَ

ص: 257


1- . الواقعة: 88 - 89.
2- . الواقعة: 92 - 93.
3- . الواقعة: 94.
4- . الأمالي للصدوق: 290، م 12/48؛ بحار الأنوار: 6/222، ح22.

إِنَّ مَلَكَيْنِ يُقَالُ لَهُمَا مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ يَأْتِيَانِ صَاحِبَ الْقَبْرِ فَيَسْأَلاَنِهِ عَنْ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فَيَقُولاَنِ مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي خَرَجَ فِيكُمْ فَيَقُولُ مَنْ هُوَ فَيَقُولاَنِ الَّذِي كَانَ يَقُولُ إِنَّهُ رَسُولُ اللّه ِ أَ حَقٌّ ذَلِكَ قَالَ فَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّكِّ قَالَ مَا أَدْرِي قَدْ سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَلَسْتُ أَدْرِي أَ حَقٌّ ذَلِكَ أَمْ كَذِبٌ فَيَضْرِبَانِهِ ضَرْبَةً يَسْمَعُهَا أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ إِلاَّ الْمُشْرِكِينَ وَإِذَا كَانَ مُتَيَقِّناً فَإِنَّهُ لاَ يَفْزَعُ فَيَقُولُ أَ عَنْ رَسُولِ اللّه ِ تَسْأَلاَنِي فَيَقُولاَنِ أَ تَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللّه ِ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللّه ِ حَقّاً جَاءَ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ قَالَ فَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُفْسَحُ لَهُ عَنْ قَبْرِهِ ثُمَّ يَقُولاَنِ لَهُ نَمْ نَوْمَةً لَيْسَ فِيهَا حُلُمٌ فِي أَطْيَبِ مَا يَكُونُ النَّائِمُ(1).

وعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْبِلاَدِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى عليه السلام قَالَ: يُقَالُ لِلْمُؤمِنِ فِي قَبْرِهِ مَنْ رَبُّكَ قَالَ فَيَقُولُ اللّه ُ فَيُقَالُ لَهُ مَا دِينُكَ فَيَقُولُ الاْءِسْلاَمُ

فَيُقَالُ لَهُ مَنْ نَبِيُّكَ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ فَيُقَالُ مَنْ إِمَامُكَ فَيَقُولُ فُلاَنٌ فَيُقَالُ كَيْفَ عَلِمْتَ بِذَلِكَ فَيَقُولُ أَمْرٌ هَدَانِي اللّه ُ لَهُ وَثَبَّتَنِي عَلَيْهِ فَيُقَالُ لَهُ نَمْ نَوْمَةً لاَ حُلُمَ فِيهَا نَوْمَةَ الْعَرُوسِ ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ رَوْحِهَا وَرَيْحَانِهَا فَيَقُولُ يَا رَبِّ عَجِّلْ قِيَامَ السَّاعَةِ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي وَيُقَالُ لِلْكَافِرِ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ اللّه ُ فَيُقَالُ مَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله فقَالُ مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ الاْءِسْلاَمُ فَيُقَالُ مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَقُلْتُهُ(2) فَيَضْرِبَانِهِ بِمِرْزَبَةٍ لَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهَا

ص: 258


1- . الزهد: 88، ح236؛ بحار الأنوار: 6/221، ح20.
2- . لعل المراد بالكافر في هذا الخبر المنافق لان الحق كان يجرى على لسانه من دون أن يعلق بقلبه منه شيء إذا كان عنده مستودعا لا مستقرا بخلاف الجاحد أصلا فانه كان لا يقر بالحق رأسا ويحتمل أن يكون الجاحد يقر بالحق يومئذ كاذبا وإن لم يقربه في الدنيا فيعم الكفّار جميعا فى

الثَّقَلاَنِ الاْءِنْسُ وَالْجِنُّ لَمْ يُطِيقُوهَا قَالَ فَيَذُوبُ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ ثُمَّ يُعِيدَانِ فِيهِ الرُّوحَ فَيُوضَعُ قَلْبُهُ بَيْنَ لَوْحَيْنِ مِنْ نَارٍ فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَخِّرْ قِيَامَ السَّاعَةِ(1).

وَقَالَ جَابِرٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إِنِّي كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى الاْءِبِلِ وَالْغَنَمِ وَأَنَا أَرْعَاهَا وَلَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ وَقَدْ رَعَى الْغَنَمَ وَكُنْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَهِيَ مُتَمَكِّنَةٌ فِي الْمَكِينَةِ مَا حَوْلَهَا شَيْءٌ يُهَيِّجُهَا حَتَّى تُذْعَرَ فَتَطِيرُ فَأَقُولُ مَا هَذَا وَأَعْجَبُ حَتَّى حَدَّثَنِي جَبْرَئِيلُ عليه السلام أَنَّ الْكَافِرَ يُضْرَبُ ضَرْبَةً مَا خَلَقَ اللّه ُ شَيْئاً إِلاَّ سَمِعَهَا وَيُذْعَرُ لَهَا إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ فَقُلْتُ ذَلِكَ لِضَرْبَةِ الْكَافِرِ فَنَعُوذُ بِاللّه ِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ(2).

وعَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِذَا دَفَنَ مَيِّتَهُ وَسَوَّىعَلَيْهِ وَانْصَرَفَ عَنْ قَبْرِهِ أَنْ يَتَخَلَّفَ عِنْدَ قَبْرِهِ ثُمَّ يَقُولَ يَا فُلاَنَ بْنَ فُلاَنٍ أَنْتَ عَلَى الْعَهْدِ الَّذِي عَهِدْنَاكَ بِهِ مِنْ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللّه ُ وَأَنَ مُحَمَّداً رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آلهوَأَنَّ عَلِيّاً أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ عليه السلام إِمَامُكَ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ حَتَّى تَأْتِيَ عَلَى آخِرِهِمْ فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ أَحَدُ الْمَلَكَيْنِ لِصَاحِبِهِ قَدْ كُفِينَا الْوُصُولَ إِلَيْهِ وَمَسْأَلَتَنَا إِيَّاهُ فَإِنَّهُ قَدْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ فَيَنْصَرِفَانِ عَنْهُ وَلاَ يَدْخُلاَنِ إِلَيْهِ(3).

وعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَلَّفَ عِنْدَ قَبْرِ الْمَيِّتِ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ بَعْدَ انْصِرَافِ النَّاسِ عَنْهُ وَيَقْبِضَ عَلَى التُّرَابِ بِكَفَّيْهِ وَيُلَقِّنَهُ وَيَرْفَعَ صَوْتَهُ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَفَى الْمَيِّتَ الْمُسَاءَلَةَ فِي قَبْرِهِ(4).

هذا وقال ابن أبي الحديد في قوله عليه السلام «اقعد في حفرته نجيّا» تصريح بعذاب

ص: 259


1- . الكافي: 3/238، ح11؛ بحار الأنوار: 6/263، ح107.
2- . الكافي: 3/233، ذ ح 1؛ بحار الأنوار: 6/226، ح28.
3- . تهذيب الاحكام: 1/459، ح1496 - 141؛ وسائل الشيعة: 3/201، ح3404 - 2.
4- . علل الشرايع: 1/308، ح1؛ بحار الأنوار: 9/731، ح18.

القبر وقال قاضي القضاة: أنكر المعتزلة أن يكون عذاب القبر دائما، والأقرب في الأخبار أنّه في الأوقات المقارنة للدّفن، والذي أعرفه من مذهب كثير من شيوخنا قبله أنّه يكون بين النفختين(1).

اعلم ان لنا أمرين: سؤال، وعذاب وثواب، فالسؤال إنّما يكون بعد الدفن، ويدلّ عليه كلامه عليه السلام هنا «حتى إذا انصرف المشيّع ورجع المتفجّع اقعد في حفرته نجيّا» وأمّا الثواب والعقاب فيدومان من الدفن الى يوم البعث ففي خبر أبي بكر الحضرمي عن الباقر عليه السلام قال: يفتح للمؤمن باب من الجنّة فما يزال يتحفه من روحها إلى يوم القيامة، ويفتح للكافر باب من النار ولا يزال يتحفه من حرّها إلى يوم القيامة(2)، وأخبارنا دالّة على أنّ السؤال مختصّ بالمؤمن المحض والكافرالمحض، والباقون يهملون إلى يوم القيامة، روى ذلك عن أبي بكر الحضرمي عن الباقر عليه السلام (3) و في آخر عن الصادق عليه السلام لاَ يُسْأَلُ فِي الْقَبْرِ إِلاَّ مَنْ مَحَضَ الاْءِيمَانَ مَحْضاً أَوْ مَحَضَ الْكُفْرَ مَحْضاً وَالاْخَرُونَ يُلْهَوْنَ عَنْهُمْ.(4) ، وفي خبر عن بكير عن الباقر عليه السلام(5)، وفي خبر عن محمّد بن مسلم(6)، وفي آخر عن عبداللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام(7).

قال السيّد الجزايري رحمه اللّه: ويمكن أن يراد بالملهوّ عنهم الذين وردت الأخبار في شأنهم أنّهم يكلّفون يوم القيامة بأن تؤجّج لهم نار فيؤمروا بالدّخول

ص: 260


1- . شرح نهج البلاغة لابن ابى الحديد: 6/272.
2- . الكافي: 3/237، ح8؛ بحار الأنوار: 6/262، ح104.
3- . الكافي: 3/237، ح8.
4- . الكافي: 3/235، ح1.
5- . الكافي: 3/235، ح3.
6- . الكافي: 3/236، ح4.
7- . الكافي: 3/235، ح2.

فيها مثل البله والمجانين ومن كان في فطرات «فترات ظ» الأنبياء والشّيخ الفاني والعجوز الفانية ونحوهم، وهؤلاء لم يمحضوا الايمان وهو ظاهر، ولم يمحضوا الكفر أيضا لقصورهم عن ورود الموردين فيبقون على حالتهم في قبورهم حتّى يمنحهم اللّه سبحانه في القيامة قوّة إدراك التّكاليف والعقل القابل له(1).

فلا بدّ من تقييد المطلقات، روى عن الصادق عليه السلام قال: يسأل الميّت في قبره عن خمس، عن صلاته وزكاته و حجّه وصيامه وولايته إيّانا أهل البيت، فتقول الولاية من جانب القبر للأربع: ما دخل فيكنّ من نقص فعليّ تمامه(2) وعنه عليه السلام أنّ المؤمنإذا دخل في قبره كانت الصلاة عن يمينه والزكاة عن يساره والبرّ مطلّ عليهويتنحّى الصبر ناحية فإذا دخل عليه الملكان قال الصبر للصلاة والزكاة دونكما صاحبكما فإن عجزتما عنه فأنا دونه(3).

وعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام قَالَ: إِنَّ الْأَحْلاَمَ لَمْ تَكُنْ فِيمَا مَضَى فِي أَوَّلِ الْخَلْقِ وَإِنَّمَا حَدَثَتْ فَقُلْتُ وَمَا الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ اللّه َ عَزَّ ذِكْرُهُ بَعَثَ رَسُولاً إِلَى أَهْلِ زَمَانِهِ فَدَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللّه ِ وَطَاعَتِهِ فَقَالُوا إِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ فَمَا لَنَا فَوَ اللّه ِ مَا أَنْتَ بِأَكْثَرِنَا مَالاً وَلاَ بِأَعَزِّنَا عَشِيرَةً فَقَالَ إِنْ أَطَعْتُمُونِي أَدْخَلَكُمُ اللّه ُ الْجَنَّةَ وَإِنْ عَصَيْتُمُونِي أَدْخَلَكُمُ اللّه ُ النَّارَ فَقَالُوا وَمَا الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَوَصَفَ لَهُمْ ذَلِكَ فَقَالُوا مَتَى نَصِيرُ إِلَى ذَلِكَ فَقَالَ إِذَا مِتُّمْ فَقَالُوا لَقَدْ رَأَيْنَا أَمْوَاتَنَا صَارُوا عِظَاماً وَرُفَاتاً فَازْدَادُوا لَهُ تَكْذِيباً وَبِهِ اسْتِخْفَافاً فَأَحْدَثَ اللّه ُ عَزَّ

ص: 261


1- . الأنوار النعمانية: 4/162.
2- . الكافي: 3/241، ح15 وبحار: 31/659، ح217.
3- . الكافي: 2/90، ح8؛ بحار الأنوار: 8/673، ح5.

وَجَلَّ فِيهِمُ الْأَحْلاَمَ فَأَتَوْهُ فَأَخْبَرُوهُ بِمَا رَأَوْا وَمَا أَنْكَرُوا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ اللّه َ عَزَّ وَجَلَّ أَرَادَ أَنْ يَحْتَجَّ عَلَيْكُمْ بِهَذَا هَكَذَا تَكُونُ أَرْوَاحُكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَإِنْ بُلِيَتْ أَبْدَانُكُمْ تَصِيرُ الْأَرْوَاحُ إِلَى عِقَابٍ حَتَّى تُبْعَثَ الْأَبْدَانُ(1)، هذا.

وورد عذاب غير مترتب على السؤال وهو الضغطة،

روى عن أحدهما عليهماالسلام لمّا ماتت رقيّة بنت النبي صلّى اللّه عليه وآله قال: الحقي بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون وأصحابه، وفاطمة عليها السلام على شفير القبر تنحدر دموعها في القبر والنبيّ صلّى اللّه عليه وآله يتلقّاه بثوبه وقال: إنّي لأعرف ضعفها وسألت اللّه تعالى أن يجيرها من ضمّة القبر(2).

وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام أَ يُفْلِتُ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ أَحَدٌ قَالَ فَقَالَنَعُوذُ بِاللّه ِ مِنْهَا مَا أَقَلَّ مَنْ يُفْلِتُ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ إِنَّ رُقَيَّةَ لَمَّا قَتَلَهَا عُثْمَانُ وَقَفَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَلَى قَبْرِهَا فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ وَقَالَ لِلنَّاسِ إِنِّي ذَكَرْتُ هَذِهِ وَمَا لَقِيَتْ فَرَقَقْتُ لَهَا وَاسْتَوْهَبْتُهَا مِنْ ضَمَّةِ الْقَبْرِ قَالَ فَقَالَ اللَّهُمَّ هَبْ لِي رُقَيَّةَ مِنْ ضَمَّةِ الْقَبْرِ فَوَهَبَهَا اللّه ُ لَهُ قَالَ وَإِنَّ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله خَرَجَ فِي جِنَازَةِ سَعْدٍ وَقَدْ شَيَّعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ فَرَفَعَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ مِثْلُ سَعْدٍ يُضَمُّ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّا نُحَدِّثُ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَخِفُّ بِالْبَوْلِ فَقَالَ مَعَاذَ اللّه ِ إِنَّمَا كَانَ مِنْ زَعَارَّةٍ فِي خُلُقِهِ عَلَى أَهْلِهِ قَالَ فَقَالَتْ أُمُّ سَعْدٍ هَنِيئاً لَكَ يَا سَعْدُ قَالَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يَا أُمَّ سَعْدٍ لاَ تَحْتِمِي عَلَى اللّه ِ(3).

ص: 262


1- . الكافي: 8/90، ح57؛ بحار الأنوار: 4/1484، ح38.
2- . الكافي: 3/241/ ح18؛ بحار الأنوار: 6/266، ح113.
3- . الكافي: 3/236، ح6؛ بحار الأنوار: 6/261، ح102.

وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام يُسْأَلُ وَهُوَ مَضْغُوطٌ (1).

قال المحدّث المجلسي «ره»: يفهم من الأحاديث المعتبرة أنّ ضغطة القبر للبدن الأصلي وأنّها تابعة للسؤال، فمن لا سؤال عنه لا ضغطة له (2).

وعَنْ السَّكُونِيِّ عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: ضَغْطَةُ الْقَبْرِ لِلْمُؤمِنِ كَفَّارَةٌ لِمَا كَانَ مِنْهُ مِنْ تَضْيِيعِ النِّعَمِ(3).

عَنْ يُونُسَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَصْلُوبِ يُعَذَّبُ عَذَابَ الْقَبْرِ قَالَ فَقَالَ: نَعَمْ إِنَّ اللّه َ عَزَّ وَجَلَّ يَأْمُرُ الْهَوَاءَ أَنْ يَضْغَطَهُ(4).

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى سُئِلَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام عَنِ الْمَصْلُوبِ يُصِيبُهُ عَذَابُ الْقَبْرِفَقَالَ عليه السلام: إِنَّ رَبَّ الْأَرْضِ هُوَ رَبُّ الْهَوَاءِ فَيُوحِي اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الْهَوَاءِ فَيَضْغَطُهُضَغْطَةً أَشَدَّ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ(5).

وعَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: مَا مِنْ مَوْضِعِ قَبْرٍ إِلاَّ وَهُوَ يَنْطِقُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنَا بَيْتُ التُّرَابِ أَنَا بَيْتُ الْبَلاَءِ أَنَا بَيْتُ الدُّودِ قَالَ فَإِذَا دَخَلَهُ عَبْدٌ مُؤمِنٌ قَالَ مَرْحَباً وَأَهْلاً أَمَا وَاللّه ِ لَقَدْ كُنْتُ أُحِبُّكَ وَأَنْتَ تَمْشِي عَلَى ظَهْرِي فَكَيْفَ إِذَا دَخَلْتَ بَطْنِي فَسَتَرَى ذَلِكَ قَالَ فَيُفْسَحُ لَهُ مَدَّ الْبَصَرِ وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ قَالَ وَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ رَجُلٌ لَمْ تَرَ عَيْنَاهُ شَيْئاً قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ فَيَقُولُ يَا عَبْدَ اللّه ِ مَا رَأَيْتُ شَيْئاً قَطُّ أَحْسَنَ مِنْكَ فَيَقُولُ أَنَا رَأْيُكَ الْحَسَنُ الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ وَعَمَلُكَ الصَّالِحُ الَّذِي

ص: 263


1- . الكافي: 3/236، ح5؛ بحار الأنوار: 6/260، ح101.
2- . حق اليقين: 2/402.
3- . علل الشرايع: 1/309، ح3؛ بحار الأنوار: 8/650، ح68.
4- . الكافي: 3/241، ح16؛ بحار الأنوار: 6/266، ح112.
5- . الكافي: 3/241، ح17؛ بحار الأنوار: 6/266/ ذ ح 112.

كُنْتَ تَعْمَلُهُ قَالَ ثُمَّ تُؤخَذُ رُوحُهُ فَتُوضَعُ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ رَأَى مَنْزِلَهُ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ نَمْ قَرِيرَ الْعَيْنِ فَلاَ يَزَالُ نَفْحَةٌ مِنَ الْجَنَّةِ تُصِيبُ جَسَدَهُ يَجِدُ لَذَّتَهَا وَطِيبَهَا حَتَّى يُبْعَثَ قَالَ وَإِذَا دَخَلَ الْكَافِرُ قَالَ لاَ مَرْحَباً بِكَ وَلاَ أَهْلاً أَمَا وَاللّه ِ لَقَدْ كُنْتُ أُبْغِضُكَ وَأَنْتَ تَمْشِي عَلَى ظَهْرِي فَكَيْفَ إِذَا دَخَلْتَ بَطْنِي سَتَرَى ذَلِكَ قَالَ فَتَضُمُّ عَلَيْهِ فَتَجْعَلُهُ رَمِيماً وَيُعَادُ كَمَا كَانَ وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ فَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ثُمَّ قَالَ ثُمَّ إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ رَجُلٌ أَقْبَحُ مَنْ رَأَى قَطُّ قَالَ فَيَقُولُ يَا عَبْدَ اللّه ِ مَنْ أَنْتَ مَا رَأَيْتُ شَيْئاً أَقْبَحَ مِنْكَ قَالَ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ السَّيِّئُ الَّذِي كُنْتَ تَعْمَلُهُ وَرَأْيُكَ الْخَبِيثُ قَالَ ثُمَّ تُؤخَذُ رُوحُهُ فَتُوضَعُ حَيْثُ رَأَى مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ثُمَّ لَمْ تَزَلْ نَفْخَةٌ مِنَ النَّارِ تُصِيبُ جَسَدَهُ فَيَجِدُ أَلَمَهَا وَحَرَّهَا فِي جَسَدِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُ وَيُسَلِّطُ اللّه ُ عَلَى رُوحِهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ تِنِّيناً تَنْهَشُهُ لَيْسَ فِيهَا تِنِّينٌ يَنْفُخُ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ فَتُنْبِتَ شَيْئاً (1).

قال الصدوق رحمه الله: وأكثر ما يكون عذاب القبر من النميمة وسوء الخلق والاستخفاف بالبول وأشدّ ما يكون عذاب القبر على المؤمن مثل اختلاج العين أو شرطة حجام ويكون ذلك كفّارة لما بقي عليه من الذنوب التي لم تكفّرها الهموم والغموم والأمراض وشدّة النزع عند الموت، فإن النبي صلّى اللّه عليه وآله كفّن فاطمة بنت أسد في قميصه وحمل جنازتها على عاتقه ولم يزل تحت جنازتها حتّى أوردها قبرها واضطجع فيه، ثم قام فأخذها على يديه حتّى وضعها في القبر، ثم انكبّ عليها يناجيها طويلا ويقول لها: ابنك ابنك ثمّ خرج وسوّى التراب عليها ثم انكبّ على قبرها وهو يقول: (لا إله إلاّ اللّه اللّهم إنّي استودعها إيّاك) فقال له المسلمون: انا رأيناك صنعت اليوم شيئا لم تصنعه قبل، فقال: اليوم فقدت برّ أبي

ص: 264


1- . الكافي: 3/241، ح1 وتفسير نور الثقلين: 3/556، ح129.

طالب إنّها كانت يكون عندها شيء فتؤثرني به على نفسها وولدها وإنّي ذكرت يوم القيامة يوما وحشر الناس عراة فقالت: واسوأتاه فضمنت لها أن يبعثها اللّه كاسية وذكرت ضغطة القبر فقالت: واضغطتاه فضمنت لها أن يكفيها اللّه ذلك فكفّنتها بقميصي واضطجعت في قبرها لذلك وانكببت عليها فلقّنتها ما تسأل عنه، وإنّها سئلت عن ربّها فأجابت، وعن نبيّها فأجابت، وعن إمامها فارتجّ عليها فقلت: ابنك ابنك فقالت: ولدي إمامي فانصرفا عنها وقالا: لا سبيل لنا عليك نومي كما تنام العروس في خدرها ثمّ ماتت موتة ثانية، وتصديق ذلك في كتاب اللّه تعالى: (قالُوا َبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ...»(1).(2)

وفي رواية أبي بصير التي تقدّم صدرها في ذكر حالة الاحتضار عن أبي عبداللّه عليه السلام، فَإِذَا أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ خَرَجَتْ رُوحُهُ تَمْشِي بَيْنَ أَيْدِي الْقَوْمِ قُدُماً وَتَلْقَاهُ أَرْوَاحُ الْمُؤمِنِينَ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَيُبَشِّرُونَهُ بِمَا أَعَدَّ اللّه ُ لَهُجَلَّ ثَنَاؤهُ مِنَ النَّعِيمِ فَإِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ رُدَّ إِلَيْهِ الرُّوحُ إِلَى وَرِكَيْهِ ثُمَّ يُسْأَلُ عَمَّا يَعْلَمُ فَإِذَا جَاءَ بِمَا يَعْلَمُ فُتِحَ لَهُ ذَلِكَ الْبَابُ الَّذِي أَرَاهُ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آلهفَيَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ نُورِهَا وَضَوْئِهَا وَبَرْدِهَا وَطِيبِ رِيحِهَا قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَأَيْنَ ضَغْطَةُ الْقَبْرِ فَقَالَ هَيْهَاتَ مَا عَلَى الْمُؤمِنِينَ مِنْهَا شَيْءٌ وَاللّه ِ إِنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ لَتَفْتَخِرُ عَلَى هَذِهِ فَيَقُولُ وَطِئَ عَلَى ظَهْرِي مُؤمِنٌ وَلَمْ يَطَأْ عَلَى ظَهْرِكِ مُؤمِنٌ وَتَقُولُ لَهُ الْأَرْضُ وَاللّه ِ لَقَدْ كُنْتُ أُحِبُّكَ وَأَنْتَ تَمْشِي عَلَى ظَهْرِي فَأَمَّا إِذَا وُلِّيتُكَ فَسَتَعْلَمُ مَا ذَا أَصْنَعُ بِكَ فَتَفْسَحُ لَهُ مَدَّ بَصَرِهِ(3).

ص: 265


1- . المؤمن: 11.
2- . اعتقادات الامامية للصدوق: 58؛ بحار الأنوار: 6/279.
3- . الكافي: 3/130، ح2؛ بحار الأنوار: 6/197، ح50.

وفي «الحقّ اليقين» بعد ايراده الأخبار الواردة في الضغطة ممّا قدّمنا روايتها وما لم يتقدّم قال: والجمع بين هذه الأخبار في غاية الاشكال إذ لو حملنا المؤمن فيها على المؤمن الكامل فأيّ كامل أكمل من فاطمة بنت أسد ورقيّة ابنة النّبيّ صلى الله عليه و آله وسعد بن معاذ.

اللّهمّ إلاّ أن يحمل ما في فاطمة ورقيّة على الاحتياط والاطمينان وحصول الاضطجاع والدّعاء أو يقال المراد بالمؤمن المعصوم ومن يتلو مرتبة العصمة كسلمان وأبي ذر ونظرائهما، ويمكن حمل أخبار عدم الضغطة للمؤمن على عدم الضّغطة الشّديدة أو حمل أخبار عدم الضّغطة له على ما تكون على وجه الغضب، وما تدلّ عليها على ما تكون على وجه اللطف وليكون قابلا لدخول الجنّة كما أنّ ابتلاءه بمحن الدّنيا وبلاياها كان لذلك. ويمكن أن يقال: إنّها كانت في صدر الاسلام عامّة للمؤمن وغيره، ثمّ اختصّت بغيرهم بشفاعة الرّسول والأئمة صلوات اللّه وسلامه عليه وعليهم(1)، هذا.

بقي الكلام فيما يوجب ارتفاع الضّغطة والأمن من بعض عقوبات البرزخ وهي امور كثيرة.

منها رشّ الماء على القبر؛ فقد روي عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال: يتجافى عنه العذاب ما دام النّدى في التّراب(2).

ومنها الجريدتان؛ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أَ رَأَيْتَ الْمَيِّتَ إِذَا مَاتَ لِمَ تُجْعَلُ مَعَهُ الْجَرِيدَةُ قَالَ يَتَجَافَى عَنْهُ الْعَذَابُ وَالْحِسَابُ مَا دَامَ الْعُودُ رَطْباً قَالَ

ص: 266


1- . حق اليقين: 2/405.
2- . الكافي: 3/200، ح6؛ بحار الأنوار: 9/723، ح10.

وَالْعَذَابُ كُلُّهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ قَدْرَ مَا يُدْخَلُ الْقَبْرَ وَيَرْجِعُ الْقَوْمُ وَإِنَّمَا جُعِلَتِ السَّعَفَتَانِ لِذَلِكَ فَلاَ يُصِيبُهُ عَذَابٌ وَلاَ حِسَابٌ بَعْدَ جُفُوفِهِمَا إِنْ شَاءَ اللّه ُ(1).

ومنها الوفاة ليلة الجمعة أو يومها؛ قال السيّد الجزائري رحمه اللّه قد ورد في الأخبار المعتبرة أنّ من مات من المؤمنين ليلة الجمعة أو يومها أمن من ضغطة القبر، قال «ره» وقد ورد أنّ بعض أعمال البرّ والأدعية المأثورة تدفعها أيضا، وهو ليس ببعيد فانّ رحمة اللّه قريب من المحسنين(2).

ومنها الدّفن في وادي السّلام؛ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: الْغَرِيُّ قِطْعَةٌ مِنَ الْجَبَلِ الَّذِي كَلَّمَ اللّه ُ عَلَيْهِ مُوسى تَكْلِيماً وَقَدَّسَ عَلَيْهِ عِيسَى تَقْدِيساً وَاتَّخَذَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً وَمُحَمَّداً صلى الله عليه و آله حَبِيباً وَجَعَلَهُ لِلنَّبِيِّينَ مَسْكَناً(3).

وَرُوِيَ أَنَّ أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ عليه السلام نَظَرَ إِلَى ظَهْرِ الْكُوفَةِ فَقَالَ مَا أَحْسَنَ مَنْظَرَكِ وَأَطْيَبَقَعْرَكِ اللَّهُمَّ اجْعَلْ قَبْرِي بِهَا(4).

قال: ومن خواصّ تربته اسقاط عذاب القبر وترك محاسبة منكر ونكير من المدفون هناك كما وردت به الأخبار الصّحيحة عن أهل البيت عليهم السلام (5).

ونظير ما رواه عن أميرالمؤمنين عليه السلام ما روى عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلام إِلَى الظَّهْرِ فَوَقَفَ بِوَادِي السَّلاَمِ كَأَنَّهُ مُخَاطِبٌ لِأَقْوَامٍ فَقُمْتُ بِقِيَامِهِ حَتَّى أَعْيَيْتُ ثُمَّ جَلَسْتُ حَتَّى مَلِلْتُ ثُمَّ قُمْتُ حَتَّى نَالَنِي مِثْلُ مَا نَالَنِي أَوَّلاً ثُمَّ

ص: 267


1- . الكافي: 3/162، ح4؛ بحار الأنوار: 6/215، ح3.
2- . الأنوار النعمانية: 4/160.
3- . ارشاد القلوب: 439؛ بحار الأنوار: 232/97، ذ ح 25.
4- . نفس المصدر.
5- . نفس المصدر.

جَلَسْتُ حَتَّى مَلِلْتُ ثُمَّ قُمْتُ وَجَمَعْتُ رِدَائِي فَقُلْتُ يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ إِنِّي قَدْ أَشْفَقْتُ

عَلَيْكَ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ فَرَاحَةَ سَاعَةٍ ثُمَّ طَرَحْتُ الرِّدَاءَ لِيَجْلِسَ عَلَيْهِ فَقَالَ لِي يَا حَبَّةُ إِنْ هُوَ إِلاَّ مُحَادَثَةُ مُؤمِنٍ أَوْ مُؤانَسَتُهُ قَالَ قُلْتُ يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ وَإِنَّهُمْ لَكَذَلِكَ قَالَ نَعَمْ

وَلَوْ كُشِفَ لَكَ لَرَأَيْتَهُمْ حَلَقاً حَلَقاً مُحْتَبِينَ يَتَحَادَثُونَ فَقُلْتُ أَجْسَامٌ أَمْ أَرْوَاحٌ فَقَالَ أَرْوَاحٌ وَمَا مِنْ مُؤمِنٍ يَمُوتُ فِي بُقْعَةٍ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ إِلاَّ قِيلَ لِرُوحِهِ الْحَقِي بِوَادِي السَّلاَمِ وَإِنَّهَا لَبُقْعَةٌ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ(1).

والمستفاد من هذه الرّواية وكثير من الأخبار المعتبرة أنّها جنّة الدّنيا وأنّ أرواح المؤمنين فيها كما أنّ أرواح الكفّار في بئر البرهوت.

فقد روي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ إِنَّ أَخِي بِبَغْدَادَ وَأَخَافُ أَنْ يَمُوتَ بِهَا فَقَالَ مَا تُبَالِي حَيْثُمَا مَاتَ أَمَا إِنَّهُ لاَ يَبْقَى مُؤمِنٌ فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا إِلاَّ حَشَرَ اللّه ُ رُوحَهُ إِلَى وَادِي السَّلاَمِ قُلْتُ لَهُ وَأَيْنَ وَادِيالسَّلاَمِ قَالَ ظَهْرُ الْكُوفَةِ أَمَا إِنِّي كَأَنِّي بِهِمْ حَلَقٌ حَلَقٌ قُعُودٌ يَتَحَدَّثُونَ (2).

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ لَهُ قَالَ قَالَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام شَرُّ بِئْرٍ فِي النَّارِ بَرَهُوتُ(3) الَّذِي فِيهِ أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ(4).

وعَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: شَرُّ مَاءٍ عَلَى وَجْهِ

ص: 268


1- . الكافي: 3/243، ح1؛ بحار الأنوار: 6/267، ح117.
2- . الكافي: 3/243، ح2؛ بحار الأنوار: 6/268، ح118.
3- . برهوت - بفتح الموحدة وضم الهاء - بئر ببلد حضر موت. فى
4- . الكافي: 3/246، ح3؛ بحار الأنوار: 6/289/ ح11.

الْأَرْضِ مَاءُ بَرَهُوتَ وَهُوَ وَادٍ بِحَضْرَمَوْتَ يَرِدُ عَلَيْهِ هَامُ(1) الْكُفَّار(2).

والأخبار في هذا المعنى كثيرة ولا حاجة إلى ذكرها نعم في المقام خبر يستلذّ النّفس ويسرّ القلب به وهو ما رُوِيَ عَنِ الْقَاضِي ابْنِ زَيْدٍ الْهَمْدَانِيِّ الْكُوفِيِّ وَكَانَ رَجُلاً صَالِحاً مُتَعَبِّداً قَالَ: كُنْتُ فِي جَامِعِ الْكُوفَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَكَانَتْ لَيْلَةٌ مُمْطِرَةٌ فَدَقَّ بَابَ مُسْلِمٍ جَمَاعَةٌ فَفُتِحَ لَهُمْ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعَهُمْ جَنَازَةً فَأَدْخَلُوهَا وَجَعَلُوهَا عَلَى الصُّفَّةِ الَّتِي تُجَاهَ بَابَ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ رض ثُمَّ إِنَّ أَحَدَهُمْ نَعَسَ فَنَامَ فَرَأَى فِي مَنَامِهِ قَائِلاً يَقُولُ لِلاْخَرِ مَا نُبْصِرُهُ حَتَّى نَبْصُرَ هَلْ لَنَا مَعَهُ حِسَابٌ أَمْ لاَ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِ الْمَيِّتِ وَقَالَ لِصَاحِبِهِ بَلْ لَنَا مَعَهُ حِسَابٌ وَيَنْبَغِي إذ تأخذه [أَنْ نَأْخُذَهُ] مِنْهُ مُعَجَّلاً قَبْلَ أَنْ يَتَعَدَّى الرُّصَافَةَ فَمَا يَبْقَى لَنَا مَعَهُ طَرِيقٌ فَانْتَبَهَ وَحَكَى لَهُمُ الْمَنَامَ قَالَ فَأَخَذُوا وَمَضَوْا بِهِ فِي الْحَالِ إِلَى الْمَشْهَدِ الشَّرِيفِ.

إِذَا مُتُّ فَادْفِنِّي إِلَى جَنْبِ حَيْدَرٍ

أَبِي شَبَّرَ أَكْرِمْ بِهِ وَشَبِيرٍ

فَلَسْتُ أَخَافُ النَّارَ عِنْدَ جِوَارِهِ

وَلاَ أَتَّقِي مِنْ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ

ص: 269


1- . «هام» جمع هامة وهي الصدى، ورئيس القوم، والصدى الرجل اللطيف الجسد؛ والجسد من الآدمي بعد موته؛ وطائر يخرج من رأس المقتول إذا بلى بزعم الجاهلية وكانوا يزعمون أن عظام الميت تصير هامة فتطير على قبره والمراد بالهامة هنا ارواح الكفّار وابدانهم المثالية. فى
2- . الكافي: 3/246، ح5؛ بحار الأنوار: 6/289، ح12.

فَعَارٌ عَلَى حَامِي الْحِمَى فَهُوَ فِي الْحِمَى

إِذَا ضَاعَ فِي الْمَرْعَى عِقَالُ بَعِيرٍ(1)

وَعَثْرَةِ الاِمْتِحَانِ

العثرة: الزلّة.

عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام يَعِظُ النَّاسَ وَيُزَهِّدُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَيُرَغِّبُهُمْ فِي أَعْمَالِ الاْخِرَةِ بِهَذَا الْكَلاَمِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وَحُفِظَ عَنْهُ وَكُتِبَ كَانَ يَقُولُ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللّه َ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، فَتَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّه ُ نَفْسَهُ وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ الْغَافِلَ وَلَيْسَ بِمَغْفُولٍ عَنْهُ.

يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّ أَجَلَكَ أَسْرَعُ شَيْءٍ إِلَيْكَ قَدْ أَقْبَلَ نَحْوَكَ حَثِيثاً يَطْلُبُكَ وَيُوشِكُ أَنْ يُدْرِكَكَ وَكَأَنْ قَدْ أَوْفَيْتَ أَجَلَكَ وَقَبَضَ الْمَلَكُ رُوحَكَ وَصِرْتَ إِلَى قَبْرِكَ وَحِيداً فَرَدَّ إِلَيْكَ فِيهِ رُوحَكَ وَاقْتَحَمَ عَلَيْكَ فِيهِ مَلَكَانِ - نَاكِرٌ وَنَكِيرٌ لِمُسَاءَلَتِكَ وَشَدِيدِ امْتِحَانِكَ أَلاَ وَإِنَّ أَوَّلَ مَا يَسْأَلاَنِكَ عَنْ رَبِّكَ الَّذِي كُنْتَ تَعْبُدُهُ وَعَنْ نَبِيِّكَ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكَ وعَنْ دِينِكَ الَّذِي كُنْتَ تَدِينُ بِهِ وَعَنْ كِتَابِكَ الَّذِي كُنْتَ تَتْلُوهُ وَعَنْ إِمَامِكَ الَّذِي كُنْتَ تَتَوَلاَّهُ ثُمَّ عَنْ عُمُرِكَ فِيمَا كُنْتَ أَفْنَيْتَهُ وَمَالِكَ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبْتَهُ وَفِيمَا أَنْتَ أَنْفَقْتَهُ فَخُذْ حِذْرَكَ وَانْظُرْ لِنَفْسِكَ وَأَعِدَّ الْجَوَابَ قَبْلَ الاِمْتِحَانِ وَالْمُسَاءَلَةِ وَالاِخْتِبَارِ فَإِنْ تَكُ مُؤمِناً عَارِفاً بِدِينِكَ مُتَّبِعاً لِلصَّادِقِينَ مُوَالِياً لِأَوْلِيَاءِ اللّه ِ لَقَّاكَ اللّه ُ حُجَّتَكَ وَأَنْطَقَ

ص: 270


1- . إرشاد القلوب: 2/439.

لِسَانَكَ بِالصَّوَابِ وَأَحْسَنْتَ الْجَوَابَ وَبُشِّرْتَ بِالرِّضْوَانِ وَالْجَنَّةِ مِنَ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ وَاسْتَقْبَلَتْكَ الْمَلاَئِكَةُ بِالرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ تَلَجْلَجَ لِسَانُكَ وَدَحَضَتْ حُجَّتُكَ وَعَيِيتَ عَنِ الْجَوَابِ وَبُشِّرْتَ بِالنَّارِ وَاسْتَقْبَلَتْكَ مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ بِنُزُلٍ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةِ جَحِيم الحديث(1).

وَأَعْظَمُ مَا هُنَالِكَ بَلِيَّةً نُزُولُ الْحَمِيمِ وَتَصْلِيَةُ الْجَحِيمِ

قال الصدوق رحمه اللّه في رسالة العقائد: اعتقادنا في المساءلة في القبر أنها حق لا بد منها فمن أجاب بالصواب فإذا بروح وريحان في قبره، بجنة نعيم في الآخرة ومن لم يأت بالصواب فله نزل من حميم في قبره، وتصلية جحيم في الآخرة(2).

قال تعالى: «وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ * هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ»(3).

وقال تعالى: «لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً * إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً»(4).

قال بعض المفسّرين: إنّ الغسّاق عين في جهنّم يسيل إليها سمّ كلّ ذات حمة من حيّة وعقرب، وقيل هو ما يسيل من دموعهم يسقونه من الحميم، وقيل هو القيح الذي يسيل منهم يجمع ويسقونه، وقيل إنّ الحميم الماء الحارّ الذي انتهتحرارته والغسّاق الماء البارد الذي انتهت برودته فهذا يحرق ببرده وذاك يحرق بحرّه(5).

ص: 271


1- . الكافي: 8/72، ح29؛ بحار الأنوار: 6/223، ح24.
2- . اعتقادات الامامية للصدوق: 58؛ بحار الأنوار: 6/279.
3- . ص: 55 - 57.
4- . النبأ: 24 - 25.
5- . مجمع البيان: 8/753.

وقال الطّريحي: الحميم الماء الحارّ الشّديد الحرارة يسقى منه أهل النار أو يصبّ على أبدانهم(1)، وعن ابن عبّاس لو سقطت منه نقطة على جبال الدّنيا لأذابتها(2)، وكيف كان فقوله عليه السلام مأخوذ من الآية الشّريفة قال سبحانه: «وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيم»(3).

وقال تعالى: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ * عامِلَةٌ ناصِبَةٌ * تَصْلى ناراً حامِيَة» (4).

وقال تعالى: «فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً * وَيَصْلى سَعِيرا»(5).

وقال تعالى: «اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُون»(6).

وَفَوْرَاتُ السَّعِيرِ

قال تعالى: «وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ * تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللّه ُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ * وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ* فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِير»(7).

وَسَوْرَاتُ الزَّفِير

قال تعالى: «وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً * إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ

ص: 272


1- . مجمع البحرين: 6/50.
2- . الكشاف: 3/150.
3- . الواقعة: 92 - 94.
4- . الغاشية: 2 - 4.
5- . الانشقاق: 11 - 12.
6- . يس: 64.
7- . الملك: 6 - 11.

سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً * وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً»(1).

وقال تعالى: «فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيق»(2).

لاَ فَتْرَةٌ مُرِيحَةٌ وَلاَ دَعَةٌ مُزِيحَةٌ

قال تعالى: «إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِين»(3).

وَلاَ قُوَّةٌ حَاجِزَةٌ

قال تعالى: «يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ * فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِر»(4).

وَلاَ مَوْتَةٌ نَاجِزَةٌ

قال تعالى: «لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا»(5).

وقال تعالى: «وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ»(6).

ص: 273


1- . الفرقان: 11 - 14.
2- . هود: 102.
3- . الزخرف: 74 - 76.
4- . الطارق: 9 - 10.
5- . فاطر: 36.
6- . الزخرف: 77.

وَلاَ سِنَةٌ مُسَلِّيَةٌ

قال تعالى: «وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَ وَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ * فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِير»(1).

بَيْنَ أَطْوَارِ الْمَوْتَاتِ

قال تعالى: «وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى * ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى»(2).

ولما ألبس امرؤ القيس حلّة مسمومة وأشرف على الموت، قال:

فلو أنّها نفس تموت جميعة

ولكنّها نفس تساقط أنفسا(3)

وَعَذَابِ السَّاعَاتِ إِنَّا بِاللّه ِ عَائِذُونَ

«و عذاب السّاعات» أي: ساعة بعد ساعة بلا انقطاع.

«إنّا باللّه عائذون» قال تعالى: «وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَإِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً * إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاما»(4).

عِبَادَ اللّه ِ أَيْنَ الَّذِينَ عُمِّرُوا فَنَعِمُوا

قال تعالى، في حقّ آل فرعون: «كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ

ص: 274


1- . فاطر: 36 - 37.
2- . الأعلى: 11 - 13.
3- . ديوان امرء القيس: 112.
4- . الفرقان: 65 - 66.

كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ * كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ * فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ»(1).

ونعم ما قيل:

أين الوجوه التي كانت منعمة

من دونها تضرب الأستار والكِللُ

قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا

وطالما عمروا دوراً لتحصنهم

ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا

وطالما كنزوا الأموال وادخروا

فخلفوها على الأعداء وارتحلوا

أضحت مَنازِلُهم قفْراً مُعَطلة

وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا(2)

وفي ديوان الأعشى:

ألم تروا إرما وعادا

أودى بها الليل والنهار

بادوا فلمّا ان تادوا

قفّى على آثارهم قدار

وقبلهم غالت المنايا

طسما ولم ينجها الحذار

وحلّ بالحي من جديس

يوم من الشرّ مستطار

وأهل غمدان جمعوا

للدّهر ما يجمع الخيار

فصبّحتهم من الدواهي

جائحة عقبها الدّمار

وقد غنوا في ظلال ملك

مؤيّد عقلهم جفار

وأهل جوّ أتت عليهم

فأفسدت عيشهم فباروا

ومرّ دهر على وبار

فهلكت جهرة وبار(3)

ص: 275


1- . الدخان: 25 - 29.
2- . مروج الذهب: 4/11.
3- . ديوان الاعشى: 81.

وَعُلِّمُوا فَفَهِمُوا

لا يبعد كون (ففهموا) محرّف (فوهموا) لأنّه عليه السلامفي مقام الذّم قال تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ»(1).

وَأُنْظِرُوا فَلَهَوْا

قال تعالى: «ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ»(2).

وقال تعالى: «وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا»(3).

وقال تعالى: «لا يُؤمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ * فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ»(4).

وقال تعالى: «أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ * كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ»(5).

وَسُلِّمُوا فَنَسُوا

قال تعالى: «وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللّه َ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ»(6).

ص: 276


1- . فصلت: 17.
2- . الانبياء: 2 - 3.
3- . الأنعام: 70.
4- . الشعراء: 201 - 203.
5- . التكاثر: 1 - 4.
6- . الحشر: 19.

وقال تعالى: «فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا»(1).

وقال تعالى: «وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا»(2).

وقال تعالى: «فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا»(3).

أُمْهِلُوا طَوِيلاً

عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: إِنَّ اللّه َ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَهْبَطَ مَلَكاً إِلَى الْأَرْضِ فَلَبِثَ فِيهَا دَهْراً طَوِيلاً ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ فَقِيلَ لَهُ مَا رَأَيْتَ فَقَالَ رَأَيْتُ عَجَائِبَ كَثِيرَةً وَأَعْجَبُ مَا رَأَيْتُ أَنِّي رَأَيْتُ عَبْداً مُتَقَلِّباً فِي نِعْمَتِكَ يَأْكُلُ رِزْقَكَ وَيَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ فَعَجِبْتُ مِنْ جُرْأَتِهِ عَلَيْكَ وَمِنْ حِلْمِكَ عَنْهُ فَقَالَ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَ فَمِنْ حِلْمِي عَجِبْتَ قَالَ نَعَمْ يَا رَبِّ قَالَ قَدْ أَمْهَلْتُهُ أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ لاَ يَضْرِبُ عَلَيْهِ عِرْقٌ وَلاَ يُرِيدُ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئاً إِلاَّ نَالَهُ وَلاَ يَتَغَيَّرُ عَلَيْهِ فِيهَا مَطْعَمٌ وَلاَ مَشْرَبٌ(4).

وقال تعالى: «فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً»(5).

وقال تعالى: «وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ * وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً»(6).

وَمُنِحُوا جَمِيلاً

«و منحوا جميلا» أي: اعطوا، وقال تعالى في قارون: «وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما

ص: 277


1- . الأعراف: 51.
2- . الجاثية: 34.
3- . السجدة: 14.
4- . الخصال: 1/41، ح31؛ بحار الأنوار: 70/381، ح1.
5- . الطارق: 17.
6- . المزمل: 11 - 13.

إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ...»(1).

وفي الوليد بن المغيرة: «ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً»(2).

وفي القرون الماضية: «أَ لَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ»(3).

وَحُذِّرُوا أَلِيماً

«و حذّروا أليما» أي: عذابا اليما، والأليم بمعنى المؤلم كما يأتي السميع بمعنى المسمع، وقال تعالى: «إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها

نَذِيرٌ»(4).

وقال تعالى: «فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَة»(5).

وقال تعالى: «وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ * قالُوا أَ وَلَمْ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ»(6).

وقال تعالى: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللّه َ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ»(7).

ص: 278


1- . القصص : 76.
2- . المدثر: 11 - 14.
3- . الانعام: 6.
4- . فاطر: 24.
5- . البقرة: 24.
6- . المؤمن: 49 - 50.
7- . هود: 25 - 26.

وَوُعِدُوا جَسِيماً

«و وعدوا جسيما» أي: ثوابا جسيما، قال تعالى حاكيا عن مؤمن آل فرعون في ما قال لقومه: «مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ»(1).

وقال تعالى: «وَعَدَ اللّه ُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيم»(2).

وقال تعالى: «وَعَدَ اللّه ُ الْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهار»(3).

احْذَرُوا الذُّنُوبَ الْمُوَرِّطَةَ

قال تعالى: «كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللّه ِ فَأَخَذَهُمُ اللّه ُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللّه َ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ»(4).

وقال تعالى: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللّه ُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّه ُ شَدِيدُ الْعِقاب»(5).

وقال تعالى: «وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ»(6).

وقال تعالى: «وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ * قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ

ص: 279


1- . المؤن: 40.
2- . المائدة: 9.
3- . التوبة: 72.
4- . الانفال: 52.
5- . آل عمران: 11.
6- . القمر: 51.

وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ * وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ * إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ»(1).

وَالْعُيُوبَ الْمُسْخِطَةَ

قال تعالى: «فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ * ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللّه َ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ»(2).

وقال تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ * كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُون * تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْسَخِطَ اللّه ُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ * وَلَوْ كانُوا يُؤمِنُونَ بِاللّه ِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُون»(3).

وقال تعالى: «كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُون»(4).

ص: 280


1- . العنكبوت: 31 - 34.
2- . محمد: 27 - 28.
3- . المائدة: 78 - 81.
4- . التوبة: 69.

أُولِي الْأَبْصَارِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْعَافِيَةِ وَالْمَتَاعِ

قال ابن ميثم: خصّ أولي المتاع، لأنّ أهل الاستمتاع بالدّنيا هم المجذوبون عنها من جهة اشتغالهم بمتاعها عن سلوك سبيل اللّه (1).

قال التسترى: بل خصّهم لأنّهم بالمتاع يتمكّنون من الإنفاق في سبيل اللّه حتّى يستحقّوا الدرجات الرفيعة قال تعالى: «تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ

رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ»(2). فكما أنّ كونهم أولي الأبصار والأسماع والعافية أنسب بتوجّههم لتحصيل الآخرة كذلك كونهم أولي المتاع، فإنّ الكلّ على مساق واحد وممّا ذكرنا يظهر لك ما في قول (الخوئى) أيضا خصّ أولي المتاع بما منّ بهعليهم من المتاع والاموال والأولاد الموجبة للإعراض عن العقبى والرغبة إلى الدّنيا...(3) فإنّه وإن كانت علائق الدنيا من المال والولد موجبة لنسيان الآخرة، كما قال تعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَة»(4) إلاّ أنّه في مقام آخر، وحينئذ

فكلامه عليه السلام هنا نظير ما ورد: (اغتنموا خمسا قبل خمس: وعدّ منها الغنى قبل الفقر(5).

هَلْ مِنْ مَنَاصٍ أَوْ خَلاَصٍ

قال تعالى: «وَلاتَ حِينَ مَناص»(6).

ص: 281


1- . شرح نهج البلاغة ابن ميثم: 2/268.
2- . السجدة: 16 - 17.
3- . منهاج البراعة للخوئى: 6/68.
4- . التغابن: 15.
5- . بحار الأنوار: 4/775؛ بهج الصباغة: 11/184.
6- . ص: 3.

أَوْ مَعَاذٍ أَوْ مَلاَذٍ أَوْ فِرَارٍ أَوْ مَحَارٍ

قال تعالى: «فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الاْءِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلاَّ لا وَزَرَ * إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّؤا الاْءِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّر»(1).

أَمْ لاَ

قال تعالى: «يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ * كَلاَّ إِنَّها لَظى * نَزَّاعَةً لِلشَّوى * تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعى»(2).

فَأَنَّى تُؤفَكُونَ

قال تعالى: «قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللّه ُ يَبْدَؤا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤفَكُونَ(3)».

وقال تعالى: «اللّه ُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللّه َ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ»(4).

وقال تعالى: «ذلِكُمُ اللّه ُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤفَكُونَ * كَذلِكَ يُؤفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللّه ِ يَجْحَدُونَ»(5).

ص: 282


1- . القيامة: 7 - 13.
2- . المعارج: 11 - 18.
3- . يونس: 34.
4- . المؤمن: 61.
5- . المؤن: 62 - 63.

وقال تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّه ِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللّه ِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤفَكُونَ»(1).

وقال تعالى: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللّه ُ فَأَنَّى يُؤفَكُونَ»(2).

أَمْ أَيْنَ تُصْرَفُونَ

قال تعالى: «فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُون»(3).

وقال تعالى: «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّه ِ أَنَّى يُصْرَفُونَ»(4).

وقال تعالى: «ذلِكُمُ اللّه ُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُون»(5).

أَمْ بِمَا ذَا تَغْتَرُّونَ

قال تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللّه ِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ

بِاللّه ِ الْغَرُورُ»(6).

وقال تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللّه ِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّه ِ الْغَرُورُ»(7).

وقال تعالى: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ

ص: 283


1- . فاطر: 3.
2- . الزخرف: 87.
3- . يونس: 32.
4- . المؤمن: 69.
5- . الزمر: 6.
6- . فاطر: 5.
7- . لقمان: 33.

يَكُونُ حُطاماً وَفِي الاْخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللّه ِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ»(1).

وقال تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُور»(2).

وَإِنَّمَا حَظُّ أَحَدِكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ذَاتِ الطُّوْلِ وَالْعَرْضِ

قال تعالى: «وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ(3)».

قال المسعودي: بنى الزبير داره بالبصرة وهي المعروفة في هذا الوقت - وهوسنة (332) - تنزلها التجّار وأرباب الأموال وأصحاب الجهات من البحرين وغيرهم، وابتنى أيضا دورا بمصر والكوفة والإسكندرية، وبلغ ماله بعد وفاته خمسين ألف دينار وخلّف ألف فرس وألف عبد وألف أمة وخططا بحيث ذكرنا من الأمصار.

وكذلك طلحة ابتنى داره بالكوفة المشهورة به هذا الوقت بدار الطلحيين وكان غلّته من العراق كلّ يوم ألف دينار، وقيل: أكثر، وبناحية سراة أكثر، وشيّد داره بالمدينة وبناها بالآجر والجصّ والسّاج. وكذلك عبد الرحمن بن عوف، ابتنى داره ووسّعها، وكان على مربطه مائة فرس وله ألف بعير وعشرة آلاف من الغنم وبلغ بعده ربع ثمن ماله أربعة وثمانين ألفا. و ذكر سعيد ابن المسيب أنّ زيد بن ثابت حين مات خلّف من الذهب والفضّة ما كان يكسر بالفئوس، غير ما خلّف من

ص: 284


1- . الحديد: 20.
2- . آل عمران: 185.
3- . الانعام: 94.

الأموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار، وخلّف يعلى بن امية خمسمائة ألف دينار وديونا على النّاس وعقارات وغير ذلك من التركة ما قيمته مائة ألف دينار(1).

قِيدُ قَدِّهِ مُتَعَفِّراً عَلَى خَدِّهِ

عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَدْفِنَ الْمَيِّتَ فَلْيَكُنْ أَعْقَلُ مَنْ يَنْزِلُ فِي قَبْرِهِ عِنْدَ رَأْسِهِ وَلْيَكْشِفْ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ حَتَّى يُفْضِيَ بِهِ إِلَى الْأَرْضِ وَيُدْنِي فَمَهُ إِلَى سَمْعِهِ وَيَقُولُ اسْمَعْ افْهَمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ اللّه ُ رَبُّكَ وَمُحَمَّدٌ نَبِيُّكَ وَالاْءِسْلاَمُ دِينُكَ وَفُلاَنٌ إِمَامُكَ اسْمَعْ وَافْهَمْ وَأَعِدْهَا عَلَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ هَذَا التَّلْقِينَ(2).

الاْنَ عِبَادَ اللّه ِ وَالْخِنَاقُ مُهْمَلٌ

قال تعالى: «كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ * وَقِيلَ مَنْ راقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساق»(3).

وَالرُّوحُ مُرْسَلٌ فِي فَيْنَةِ الاْءِرْشَادِ

الفينات: الساعات، ويقال: لقيته الفينة بعد الفينة أي: الحين بعد الحين، وان شئت قلت: لقيته فينة بعد فينة(4)... ثمّ الصواب (في فينة الارتياد) كما نسبه ابن أبي الحديد إلى رواية(5) فلا مناسبة للإرشاد هنا، بل للارتياد، وارتياد الكلأ طلبه،

ص: 285


1- . مروج الذهب: 2/332.
2- . الكافي: 3/195، ح5 وتهذيب الاحكام: 1/317، ح91.
3- . القيامة: 26 - 30.
4- . الصحاح : فين: 6/2179.
5- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/277.

فيكون المراد: جدّوا في ساعات يمكنكم فيها تحصيل خصب لئلاّ تقعوا في جدب ولا معنى لأن يقال: اعملوا في أوقات يمكنكم فيها إرشاد غيركم.

وَرَاحَةِ الْأَجْسَادِ

قال تعالى: «وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ»(1).

وقال تعالى: «أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَالْمُحْسِنِينَ»(2).

وَبَاحَةِ الاِحْتِشَادِ وَمَهَلِ الْبَقِيَّةِ وَأُنُفِ الْمَشِيَّةِ

قال تعالى: «إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً»(3).

وقال تعالى: «ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآبا»(4).

وَإِنْظَارِ التَّوْبَةِ

قال تعالى: «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّه ِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّه ُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللّه ُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ

ص: 286


1- . الزمر: 55 - 56.
2- . الزمر: 58.
3- . المزمل: 19.
4- . النباء: 39.

يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الاْنَ...»(1).

وَانْفِسَاحِ الْحَوْبَةِ قَبْلَ الضَّنْكِ وَالْمَضِيقِ

قال تعالى: «حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ * لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ»(2).

وَالرَّوْعِ وَالزُّهُوقِ

قال تعالى: «وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ»(3).وقال تعالى: «وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّه ِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ»(4).

وَقَبْلَ قُدُومِ الْغَائِبِ الْمُنْتَظَرِ

قال تعالى: «قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ»(5). عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: الْمَوْتَ الْمَوْتَ أَلاَ وَلاَ بُدَّ مِنَ الْمَوْتِ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ بِالرَّوْحِ وَالرَّاحَةِ وَالْكَرَّةِ الْمُبَارَكَةِ إِلَى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ لِأَهْلِ دَارِ الْخُلُودِ الَّذِينَ كَانَ لَهَا سَعْيُهُمْ وَفِيهَا رَغْبَتُهُمْ وَجَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ بِالشِّقْوَةِ وَالنَّدَامَةِ

ص: 287


1- . النساء: 17 - 18.
2- . المؤمنون: 64 - 65.
3- . سبأ: 51.
4- . الانعام: 93.
5- . السجدة: 11.

وَبِالْكَرَّةِ الْخَاسِرَةِ إِلَى نَارٍ حَامِيَةٍ لِأَهْلِ دَارِ الْغُرُورِ الَّذِينَ كَانَ لَهَا سَعْيُهُمْ وَفِيهَا رَغْبَتُهُمْ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ إِذَا اسْتَحَقَّتْ وَلاَيَةُ اللّه ِ وَالسَّعَادَةُ جَاءَ الْأَجَلُ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ وَذَهَبَ الْأَمَلُ وَرَاءَ الظَّهْرِ وَإِذَا اسْتَحَقَّتْ وَلاَيَةُ الشَّيْطَانِ وَالشَّقَاوَةُ جَاءَ الْأَمَلُ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ وَذَهَبَ الْأَجَلُ وَرَاءَ الظَّهْرِ قَالَ وَسُئِلَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أَيُّ الْمُؤمِنِينَ أَكْيَسُ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ ذِكْراً لِلْمَوْتِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ اسْتِعْدَاداً(1).

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: أَخْبَرَنِي جَبْرَئِيلُ عليه السلام أَنَّ مَلَكاً مِنْ مَلاَئِكَةِ اللّه ِ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ فَتُعُتِّبَ عَلَيْهِ فَأُهْبِطَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ فَأَتَى إِدْرِيسَ عليه السلام فَقَالَ إِنَّ لَكَ مِنَ اللّه ِ مَنْزِلَةً فَاشْفَعْ لِي عِنْدَ رَبِّكَ فَصَلَّىثَلاَثَ لَيَالٍ لاَ يَفْتُرُ وَصَامَ أَيَّامَهَا لاَ يُفْطِرُ ثُمَّ طَلَبَ إِلَى اللّه ِ تَعَالَى فِي السَّحَرِ فِي الْمَلَكِ فَقَالَ الْمَلَكُ إِنَّكَ قَدْ أُعْطِيتَ سُؤلَكَ وَقَدْ أُطْلِقَ لِي جَنَاحِي وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُكَافِيَكَ فَاطْلُبْ إِلَيَّ حَاجَةً فَقَالَ تُرِينِي مَلَكَ الْمَوْتِ لَعَلِّي آنَسُ بِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ يَهْنِئُنِي مَعَ ذِكْرِهِ شَيْءٌ فَبَسَطَ جَنَاحَهُ ثُمَّ قَالَ ارْكَبْ فَصَعِدَ بِهِ يَطْلُبُ مَلَكَ الْمَوْتِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَقِيلَ لَهُ اصْعَدْ فَاسْتَقْبَلَهُ بَيْنَ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ فَقَالَ الْمَلَكُ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ مَا لِي أَرَاكَ قَاطِباً(2) قَالَ الْعَجَبُ إِنِّي تَحْتَ ظِلِّ الْعَرْشِ حَيْثُ أُمِرْتُ أَنْ أَقْبِضَ رُوحَ آدَمِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ فَسَمِعَ إِدْرِيسُ عليه السلام فَامْتَعَضَ(3) فَخَرَّ مِنْ جَنَاحِ الْمَلَكِ فَقُبِضَ رُوحُهُ مَكَانَهُ وَقَالَ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا»(4).(5)

ص: 288


1- . الكافي: 3/258، ح27؛ وسائل الشيعة 2/435، ح2571 - 4.
2- . القطب: العبوس.
3- . معض من الامر - كفرح - : غضب وشق عليه، فهو ماعض ومعض وأمعضه ومعّضه تمعيضا فامتعض. القاموس.
4- . مريم: 57.
5- . الكافي: 3/257، ح26 وتفسير نور الثقلين: 3/349، ح109.

وعَنْ جَابِر الجعفى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ لَحْظَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ قَالَ عليه السلام: أَ مَا رَأَيْتَ النَّاسَ يَكُونُونَ جُلُوساً فَتَعْتَرِيهِمُ السَّكْتَةُ فَمَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَتِلْكَ لَحْظَةُ مَلَكِ الْمَوْتِ حَيْثُ يَلْحَظُهُمْ(1).

وعَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِ شَعْرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ وَمَلَكُ الْمَوْتِ يَتَصَفَّحُهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ(2).

وَإِخْذَةِ الْعَزِيزِ الْمُقْتَدِرِ

الأصل فيه قوله تعالى: «وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ * كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّهافَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ»(3).

قال الشريف - وفي الخبر أنه عليه السلام لما خطب بهذه الخطبة - اقشعرت لها الجلود وبكت العيون ورجفت القلوب - ومن الناس من يسمي هذه الخطبة الغراء

قال ابن ابى الحديد: قال شيخنا أبو عثمان رحمه اللّه تعالى حدثني ثمامة قال سمعت جعفر بن يحيى وكان من أبلغ الناس وأفصحهم يقول الكتابة (بضم خ ل) ضم اللفظة إلى أختها أ لم تسمعوا قول شاعر لشاعر وقد تفاخرا أنا أشعر منك لأني أقول البيت وأخاه وأنت تقول البيت وابن عمه ثم قال وناهيك حسنا بقول علي بن أبي طالب عليه السلام هل من مناص أو خلاص أو معاذ أو ملاذ أو فرار أو محار.

قال أبو عثمان وكان جعفر يعجب أيضا بقول علي عليه السلام أين من جد واجتهد

ص: 289


1- . الكافي: 3/259، ح31؛ بحار الأنوار: 6/143، ح11.
2- . الكافي: 3/256، ح22؛ بحار الأنوار: 6/143، ح10.
3- . القمر: 41 - 42.

وجمع واحتشد وبنى فشيد وفرش فمهد (و مهد خ ل) وزخرف فنجد قال أ لا ترى أن كل لفظة منها آخذة بعنق قرينتها جاذبة إياها إلى نفسها دالة عليها بذاتها قال أبو عثمان فكان جعفر يسميه فصيح قريش. واعلم أننا لا يتخالجنا الشك في أنه عليه السلام أفصح من كل ناطق بلغة العرب من الأولين والآخرين إلا من كلام اللّه سبحانه وكلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله وذلك لأن فضيلة الخطيب والكاتب في خطابته وكتابته تعتمد على أمرين هما مفردات الألفاظ ومركباتها.

أما المفردات فأن تكون سهلة سلسة غير وحشية ولا معقدة وألفاظه عليه السلام كلها كذلك فأما المركبات فحسن المعنى وسرعة وصوله إلى الأفهام واشتماله على الصفات التي باعتبارها فضل بعض الكلام على بعض وتلك الصفات هي الصناعة التي سماها المتأخرون البديع من المقابلة والمطابقة وحسن التقسيم ورد آخرالكلام على صدره والترصيع و التسهيم والتوشيح والمماثلة والاستعارة ولطافة استعمال المجاز والموازنة والتكافؤ والتسميط والمشاكلة.

ولا شبهة أن هذه الصفات كلها موجودة في خطبه وكتبه مبثوثة متفرقة في فرش كلامه عليه السلام وليس يوجد هذان الأمران في كلام أحد غيره فإن كان قد تعملها وأفكر فيها وأعمل رويته في رصفها (فى صنعها خ ل) ونثرها فلقد أتى بالعجب العجاب ووجب أن يكون إمام الناس كلهم في ذلك لأنه ابتكره ولم يعرف من قبله وإن كان اقتضبها ابتداء وفاضت على لسانه مرتجلة وجاش بها طبعه بديهة من غير روية ولا اعتمال فأعجب وأعجب.

وعلى كلا الأمرين فلقد جاء مجليا والفصحاء تنقطع أنفاسهم على أثره وبحق ما قال معاوية لمحقن الضبي لما قال له جئتك من عند أعيا الناس يا ابن اللخناء أ

ص: 290

لعلي تقول هذا؟ وهل سن الفصاحة لقريش غيره؟.

واعلم أن تكلف الاستدلال على أن الشمس مضيئة يتعب وصاحبه منسوب إلى السفه وليس جاحد الأمور المعلومة علما ضروريا بأشد سفها ممن رام الاستدلال بالأدلة النظرية عليها(1).

ص: 291


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/277.

الخطبة (83) ومن كلام له عليه السلام في ذكر عمرو بن العاص:

اشارة

عَجَباً لاِبْنِ النَّابِغَةِ يَزْعُمُ لِأَهْلِ الشَّامِ أَنَّ فِيَّ دُعَابَةً - وَأَنِّي امْرُؤ تِلْعَابَةٌ أُعَافِسُ وَأُمَارِسُ - لَقَدْ قَالَ بَاطِلاً وَنَطَقَ آثِماً - أَمَا وَشَرُّ الْقَوْلِ الْكَذِبُ إِنَّهُ لَيَقُولُ فَيَكْذِبُ وَيَعِدُ فَيُخْلِفُ - وَيَسْأَلُ فَيُلْحِفُ وَيُسْأَلُ فَيَبْخَلُ وَيَخُونُ الْعَهْدَ وَيَقْطَعُ الاْءِلَّ - فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْحَرْبِ فَأَيُّ زَاجِرٍ وَآمِرٍ هُوَ - مَا لَمْ تَأْخُذِ السُّيُوفُ مَآخِذَهَا - فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَانَ أَكْبَرُ مَكِيدَتِهِ أَنْ يَمْنَحَ الْقَرْمَ سَبَّتَهُ - أَمَا وَاللّه ِ إِنِّي لَيَمْنَعُنِي مِنَ اللَّعِبِ ذِكْرُ الْمَوْتِ - وَإِنَّهُ لَيَمْنَعُهُ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ نِسْيَانُ الاْخِرَةِ - إِنَّهُ لَمْ يُبَايِعْ مُعَاوِيَةَ حَتَّى شَرَطَ لَهُ أَنْ يُؤتِيَهُ أَتِيَّةً - وَيَرْضَخَ لَهُ عَلَى تَرْكِ الدِّينِ رَضِيخَة.

ومن كلام له عليه السلام في ذكر عمرو بن العاص

قال عليّ عليه السلام: عجبا لابن النابغة، يزعم اني تلعابة، أعافس وامارس، أما وشر القول الكذب، انه يسأل فيلحف، ويسأل فيبخل، فاذا احمر البأس وحمي الوطيس وأخذت السيوف مآخذها من هام الرجال لم يكن له همّ إلا غرقة ثيابه، ويمنح الناس استه فضه اللّه وترحه(1).

ص: 292


1- . العقد الفريد: 5/88.

عن الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: قال عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ: كَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَقُولُ: إِنَّ فِي عَلِيٍّ دُعَابَةً. فَبَلَغَ ذَلِكَ أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) فَقَالَ: زَعَمَ ابْنُ النَّابِغَةِ أَنِّي تَلْعَابَةٌ (1)، مَزَّاحَةٌ ذُو دُعَابَةٍ (2)، أُعَافِسُ وَأُمَارِسُ(3)، هَيْهَاتَ يَمْنَعُ مِنَ الْعِفَاسِ وَالْمِرَاسِ ذِكْرُ الْمَوْتِ وَخَوْفُ الْبَعْثِ وَالْحِسَابِ، وَمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ، فَفِي هَذَا لَهُ وَاعِظٌ وَزَاجِرٌ، أَمَا وَشَرُّ الْقَوْلِ الْكَذِبُ، إِنَّهُ لَيُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ وَيَعِدُ فَيُخْلِفُ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْبَأْسِ فَأَيُّ زَاجِرٍ وَآمِرٍ هُوَ! مَا لَمْ تَأْخُذِ السُّيُوفُ هَامَ الرِّجَالِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَعْظَمُ مَكِيدَتِهِ فِي نَفْسِهِ أَنْ يَمْنَحَ الْقَوْمَ اسْتَهُ(4).

اعلم أنّ عمرو بن العاص اللّعين ابن اللّعين لمّا كان عدوّا لأمير المؤمنين سلام اللّه عليه، معلناً بعداوته كما كان أبوه العاص بن وائل عدواً لرسول اللّه صلى الله عليه و آلهلا جرم كان همّة اللّعين مصروفة في الكذب والافتراء عليه عليه السلاموكان يروم بذلك أن يعيبه عند النّاس ويسقط محلّته عليه السلاممن القلوب ومن جملة ما افترى عليه كذبا أنّه قال لأهل الشّام: إنّما أخّرنا علياً لأنّ فيه هزلا لا جدّ معه، فنسبه عليه السلام إلى الدّعابة وكثرة المزاح كما نسبه عليه السلام إلى ذلك عمر بن الخطاب وهذه النسبة من عمرو سيّئة من سيّئات عمر.

فأراد عليه السلام بكلامه ذلك دفع هذه النسبة واثبات أنه افتراء وبهتان في حقه وذكر أوّلا ما قاله ابن العاص ثمّ اتبعه بردّه فقال:

ص: 293


1- . التلعابة: كثير اللعب.
2- . الدعابة: المزاح واللعب.
3- . المعافسة: مغازلة النساء، ومعالجة الناس بالمزاح، والممارسة مثلها.
4- . الأمالي للطوسي: 131، م 5، ح208 - 21؛ بحار الأنوار: 33/223، ح511.

عَجَباً لاِبْنِ النَّابِغَةِ

في ذكر نسب عمرو بن العاص اللّعين ابن اللّعين عليه لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين أبد الأبدين وبيان بعض حالاته الدالة على كفره وشقاوته مع الاشارة إلى ما صدر عنه في صفين من كشف سوئته.

اعلم أنّ العاص بن وائل أباه كان من المستهزئين برسول اللّه صلى الله عليه و آلهالمعالنين له بالعداوة والأذى، و فيه وفي أصحابه نزل قوله تعالى: «إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ»(1).

وكان يلقّب في الاسلام بالأبتر لأنّه قال لقريش: سيموت هذا الأبتر غدا فينقطع ذكره، يعني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم ويشتمه ويضع في طريقه الحجارة، لأنّه صلى الله عليه و آله كان يخرج من منزله ليلا فيطوف بالكعبة فكان يجعل الحجارة في طريقه ليعثر بها، وهو أحد القوم الذين خرجوا إلى زينب ابنة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما خرجت من مكة مهاجرة إلى المدينة فروّعوها وقرعوا هودجها بكعوب الرّماح حتى اجهضت جنينا ميتا من أبي العاص بن الرّبيع بعلها، فلمّا بلغ ذلك رسول اللّه نازل منه وشقّ عليه مشقّة شديدة ولعنهم، روى ذلك الواقدي(2).

روى ابن هشام ان خباب بن الأرت - صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله فبينا بمكة يعمل السيوف، وكان قد باع من العاص بن وائل سيوفا عملها له، حتى كان له عليه مال، فجاءه يتقاضاه، فقال له: يا خباب، أليس يزعم محمد صاحبكم هذا الذي أنت على دينه أن في الجنة ما ابتغى أهلها من ذهب، أو فضة، أو ثياب، أو خدم ! قال خباب: بلى، قال: فانظرني إلى يوم القيامة يا خباب حتى أرجع إلى تلك الدارفأقضيك هنالك حقك، فواللّه لا تكون أنت وصاحبك يا خباب آثر عند اللّه منى،

ص: 294


1- . الحجر: 95.
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/282.

ولا أعظم حظا من ذلك. فأنزل اللّه تعالى فيه: «أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ» - إلى قوله تعالى: - «وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً»(1).(2)

وروي الواقدى وغيره من أهل الحديث أنّ عمرو بن العاص هجا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله هجا كثيرا كان يعلمه صبيان مكة فينشدونه ويصيحون برسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا مرّ بهم رافعين أصواتهم بذلك الهجاء فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو يصلّي بالحجر: اللهمّ إنّ عمرو بن العاص هجانى ولست بشاعر فالعنه بعدد ما هجاني (3).

وروى أهل الحديث أنّ النّضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط وعمرو بن العاص عمدوا إلى سلا(4) جمل فرفعوه بينهم و وضعوا على رأس رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو ساجد بفناء الكعبة فسال عليه فصبر ولم يرفع رأسه وبكى في سجوده ودعا عليهم فجاءت ابنته فاطمة عليها السلام وهي باكية فاحتضنت ذلك السلا فرفعته عنه فألقته وقامت على رأسه تبكى فرفع رأسه صلى الله عليه و آله وقال: اللهم عليك بقريش قالها ثلاثا، ثمّ قال صلى اللّه عليه وآله رافعا صوته: إنّي مظلوم فانتصر، قالها ثلاثا، ثمّ قال فدخل منزله وذلك بعد وفات عمّه أبي طالب بشهرين و لشدّة عداوة عمرو بن العاص رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أرسله أهل مكّة إلى النّجاشي ليزهده في الدّين وليطرد عن بلاده مهاجرة حبشة وليقتل جعفر بن أبي طالب عنده إن أمكنهقتله، فكان منه في أمر جعفر هناك ما هو مذكور مشهور في السّير(5).

ص: 295


1- . مريم: 77 - 80.
2- . السيرة النبوية لابن هشام: 1/239.
3- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/282.
4- . السلا المشيمة لغة.
5- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/282.

فاما النابغة قال الزمخشرى: كانت النّابغة أمّ عمرو بن العاص أمة لرجل من عنزة فسبيت فاشتراها عبداللّه بن جدعان التّيمي بمكة فكانت بغيّا، ثمّ اعتقها فوقع

عليها أبو لهب بن عبد المطلب واميّة بن خلف الجهمي وهشام بن المغيرة المخزومي وأبو سفيان بن الحرب والعاص بن وائل السهمى في طهر واحد فولدت عمرا فادّعاه كلّهم فحكمت امّه فيه فقالت: هو من العاص ابن وائل، وذلك لأنّ العاص بن وائل ينفق عليها كثيرا، قالوا: وكان أشبه بأبي سفيان(1).

اختصم أبو سفيان والعاص في عمرو يوم ولادته، فقيل لتحكم امّه، فقالت: هو من العاص. فقال أبو سفيان: أما اني لا أشك أني وضعته في رحمها، فأبت إلاّ العاص.

وفي ذلك يقول حسّان في هجو عمرو:

أبوك أبو سفيان لا شك قد بدت

لنا فيك منه بيّنات الدلائل(2)

ففاخر به أما فخرت ولا تكن

تفاخر بالعاص الهجين ابن وائل

وان الّتي في ذاك يا عمرو حكمت

فقالت رجاء عند ذاك لنائل

من العاص عمرو تخبر الناس كلما

تجمعت الأقوام عند المحافل(3)

وفي (مفاخرات الزبير بن بكار): اجتمع عند معاوية عمرو بن العاص، والوليد ابن عقبة، وعتبة بن أبي سفيان، والمغيرة، وقد بلغهم عن الحسن عليه السلام قوارص (4) - إلىأن قال - فقال الحسن عليه السلام لعمرو: وأما أنت يا ابن العاص فإن امّك وضعتك مجهولا

ص: 296


1- . ربيع الابرار: 6/275؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/283.
2- . الشمائل خ ل.
3- . شرح نهج البلاغة لابن ابى الحديد: 6/284 - 285.
4- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/285.

من عهر وسفاح، فتحاكم فيك أربعة من قريش، فغلب عليك جزارها ألأمهم حسبا، وأخسهم منصبا، ثم قال أبوك فقال: اني شانئ محمّد الأبتر فأنزل اللّه فيه ما أنزل، وقاتلت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في جميع المشاهد، وهجوته، وآذيته بمكة، وكدته كيدك كله، وكنت من أشد الناس له تكذيبا وعداوة، ثم خرجت تريد النجاشي مع أصحاب السفينة لتأتي بجعفر وأصحابه إلى أهل مكة، فلما اخطأك ما رجوت، ورجعك اللّه خائبا جعلت حدّك على صاحبك عمارة بن الوليد، فوشيت به إلى النجاشي لما ارتكب من حليلتك، ففضحك اللّه وفضح صاحبك، فأنت عدوّ بني هاشم في الجاهلية والإسلام، ثم انّك تعلم وكل هولاء الرهط يعلمون انك هجوت النبيّ صلّى اللّه عليه وآله بسبعين بيتا من الشعر، فقال النبيّ: اني لا أقول الشعر ولا ينبغي لي، اللهم العنه بكل حرف الف لعنة، فعليك اذن من اللّه ما لا يحصى من اللعن.

وأما ما ذكرت من أمر عثمان فأنت سعرت عليه الدنيا نارا، ثم لحقت بفلسطين، فلما أتاك قتله قلت: أنا أبو عبداللّه إذا نكأت قرحة أدميتها، ثم حبست نفسك على معاوية، وبعت دينك بدنياه.

إلى أن قال: أ لست القائل في بني هاشم لما خرجت إلى النجاشي:

تقول ابنتي أين هذا الرحيل

وما الستر مني بمستنكر

فقلت ذريني فاني امرؤ

اريد النجاشي في جعفر

لأكويه عنده كية

اقيم بها نخوة الأصعر

وشانئ أحمد من بينهم

وأقولهم فيه بالمنكر(1)

ص: 297


1- . شرح نهج البلاغة لابن ابى الحديد: 6/291 - 292.

وفي حديث طويل قال الحسن عليه السلام مخاطبا لابن العاص: وأما أنت يا عمرو بن العاص الشّاني اللّعين الأبتر فانما أنت كلب أوّل أمرك امّك لبغية أنّك ولدت على فراش مشترك فتحاكمت فيك رجال قريش منهم أبو سفيان بن حرب والوليد بن المغيرة وعثمان بن الحارث والنّضر بن الحارث بن كلدة والعاص بن وائل كلّهم يزعم أنّك ابنه فغلبهم عليك من بين قريش ألأمهم حسبا وأخبثهم منصبا وأعظمهم بغية ثمّ قمت خطيبا وقلت أنا شانئ محمّد، وقال العاص ابن وائل: إن محمّدا رجل أبتر لا ولد له فلو قد مات انقطع ذكره فأنزل اللّه تبارك وتعالى: «إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ»(1).

وكانت امّك تمشي إلى عبد قيس يطلب البغة تأتيهم في دورهم وفي رحالهم وبطون أوديتهم، ثم كنت في كلّ مشهد يشهده رسول اللّه صلى الله عليه و آله من عدوّه أشدّهم له عداوة وأشدّهم له تكذيبا، الحديث(2).

وفي (تذكرة سبط ابن الجوزى): قال أهل السير: لما سلّم الحسن عليه السلامالأمر إلى معاوية أقام يتجهّز إلى المدينة، فاجتمع إلى معاوية رهط من أشياعه منهم عمرو بن العاص، والوليد بن عقبة أخو عثمان لامه - وكان عليّ عليه السلام قد جلده في الخمر - وعتبة بن أبي سفيان وقالوا: نريد أن نحضر الحسن لنخجله، فنهاهم معاوية وقال: انه السن بني هاشم، فألحّوا عليه، فأرسل إليه، فلما حضر شرعوا فتناولوا عليّا والحسن ساكت، فلما فرغوا قال: ان الّذي أشرتم إليه قد صلى القبلتين، وبايعالبيعتين وأنتم مشركون، وبما أنزل على نبيه كافرون(3) - إلى أن قال - ثم التفت إلى

ص: 298


1- . الكوثر: 3.
2- . الاحتجاج: 1/276؛ بحار الأنوار: 4/480.
3- . تذكرة الخواص: 1/182.

عمرو فقال: أما أنت يا ابن النابغة فادعاك خمسة من قريش، غلب عليك ألأمهم وفيه نزل: «إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ»(1)، وولدت على فراش مشترك، وكنت عدوّ اللّه وعدوّ رسوله وعدوّ المسلمين، وكنت أضرّ عليهم من كل مشرك، وأنت القائل:

ولا أنثنى عن بني هاشم

بما استطعت في الغيب والمحضر

وعن عائب اللات لا انثنى

ولو لا رضي اللات لم تمطر(2)

إلى أن قال: أما قول الحسن عليه السلام لعمرو «ولدت على فراش مشترك»، فذكر الكلبي في (المثالب) ان النابغة أم عمرو كانت من البغايا أصحاب الرايات بمكة، فوقع عليها العاص بن وائل في عدة من قريش منهم أبو لهب، وامية بن خلف، وهشام بن المغيرة، وأبو سفيان في طهر واحد، فلما حملت بعمرو تكلموا فيه، فلما وضعته اختصم فيه الخمسة الّذين ذكرناهم كل واحد يزعم أنه ولده، وألّب عليه العاص وأبو سفيان كل واحد يقول: واللّه انه مني، فحكما النابغة، فاختارت العاص، فقالت هو منه، فقيل لها: ما حملك على هذا وأبو سفيان اشرف من العاص فقالت: هو كما قلتم الا أنه رجل شحيح، والعاص جواد ينفق على بناتي(3).

وفيه - في كتابة كتاب التحكيم وانكار عمرو بن العاص كتابة «هذا ما قاضى عليه أميرالمؤمنين علىّ» لعدم كونه أميرهم فلا يكتب الا اسمه واسم أبيه، قال عليّ عليه السلام: اللّه اكبر، اني لكاتب يوم الحديبية للنبيّ صلّى اللّه عليه وآله حين قالوا:لست برسول اللّه، فاكتب اسمك واسم أبيك، فكتبته. فقال عمرو: سبحان اللّه أ تشبهنا بالكفار. فقال له عليّ: يا ابن النابغة ومتى لم تكن للفاسقين وليا،

ص: 299


1- . الكوثر: 3.
2- . تذكرة الخواص: 1/183.
3- . تذكرة الخواص: 1/186.

وللمسلمين عدوا، وهل تشبه إلاّ امك الّتي دفعت بك. فقام عمرو وقال: لا يجمع بيني وبينك مجلس بعد اليوم. فقال عليّ: ان اللّه قد طهر مجلسي منك ومن أشباهك(1).

يَزْعُمُ لِأَهْلِ الشَّامِ أَنَّ فِيَّ دُعَابَةً

أي: مزاح. قال ابن أبي الحديد اصل ذلك كلمة قالها عمر، فتلقفها حتى جعلها أعداؤه عليه السلام طعنا عليه.

قال ابن عباس: كنت عند عمر، فتنفس نفسا عاليا حتى ظننت أن اضلاعه قد انفرجت، فقلت له: ما أخرج هذا النفس منك إلاّ همّ شديد. قال: أي واللّه يا ابن عباس، اني فكرت، فلم أدر فيمن أجعل هذا الأمر بعدي. ثم قال: لعلّك ترى صاحبك لها أهلا. قلت: وما يمنعه من ذلك مع جهاده وسابقته وقرابته وعلمه. قال: صدقت ولكنه امرؤ فيه دعابة - إلى أن قال - ان أحراهم أن يحملهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم لصاحبك، واللّه لئن وليها ليحملنهم على المحجة البيضاء والصراط المستقيم (2).

وممّا يشهد أيضا أن الأصل في الكلمة عمر ما في (العقد) - في قصة الشورى - قال المغيرة: اني لعند عمر إذ أتاه آت، فقال له: هل لك في نفر من أصحاب النبيّ يزعمون أن الّذي فعل أبو بكر في نفسه وفيك لم يكن له، وانه كان بغير مشورة ولاتآمر - إلى أن قال - فقال عمر: أما واللّه لو لا دعابة في عليّ ما شككت في ولايته، وان نزلت على رغم أنف قريش(3).

ص: 300


1- . تذكرة الخواص: 1/94.
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/326.
3- . العقد الفريد: 5/34.

ولم يكن رمي عمر له عليه السلام منحصرا بالدعابة، فرماه بالعجب والتهم، ففي موفقيات ابن بكار عن ابن عباس قال: قال لي عمر: ان صاحبكم ان ولي هذا الأمر أخشى عجبه بنفسه أن يذهب به فليتني اراكم بعدي. قلت: ان صاحبنا من قد علمت أنه ما غيّر ولا بدّل ولا أسخط النبيّ صلّى اللّه عليه وآله أيام صحبته له. فقطع عليّ الكلام وقال: و لا في ابنة ابي جهل لما أراد أن يخطبها على فاطمة.

فقلت له: صاحبنا لم يعزم على سخط النبيّ، ولكن الخواطر لا يقدر أحد على دفعها عن نفسه، وربما كانت من الفقيه في دين اللّه العالم بأمر اللّه. فقال: يا ابن عباس من ظن أنه يرد بحوركم فيغوص فيها معكم حتى يبلغ قعرها فقد ظن عجزا(1).

ورماه بالرياء والحرص، فعن (أمالي محمّد بن حبيب) عن ابن عباس قال: دخلت يوما على عمر فقال: لقد أجهد هذا الرجل نفسه في العبادة حتى نحلته رياء. قلت: من هو قال: هذا ابن عمك عليّ. قلت: وما تقصد بالرياء. قال: يرشح نفسه بين الناس للخلافة. قلت: وما يصنع بالترشيح قد رشحه لها النبيّ صلّى اللّه عليه وآله فصرفت عنه. قال: انه كان شابا حدثا، فاستصغرت العرب سنه وقد كمل الآن، ألم تعلم أن اللّه لم يبعث نبيّا إلاّ بعد الأربعين. قلت: أما أهل الحجى والنهى فانهم ما زالوا يعدونه كاملا منذ رفع اللّه منار الاسلام ولكنهم يعدونه محروما.فقال: أما انه سيليها بعد هياط ومياط (2) ثم تزل فيها قدمه، ولا يقضي منها أربه،

ص: 301


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 12/50.
2- . في اللسان، عن اللحيانى: «الهياط: الإقبال، والمياط الإدبار». وقال غيره: «الهياط: اجتماع الناس للصلح، والمياط: التفرق عن ذلك».

ولتكونن شاهدا ذلك، ثم يتبين الصبح لذي عينين، وتعلم العرب صحة رأي المهاجرين الاولين الّذين صرفوها عنه بادى ء بدء، فليتني أراكم بعدي أن الحرص محرمة - الخبر(1).

ورماه بالكبر والاجحاف والغل والحقد، فروى الطبري عن ابن عباس - في قصة شعر زهير في بني سنان - قال: قال لي عمر: أ تدري ما منع الناس عنكم قلت: لا أدري. قال: لكني أدري، كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة فتجحفوا الناس جحفا، فنظرت قريش لأنفسها فاختارت ووفقت فأصابت. قال: فقلت له أ تميط عني غضبك. قال: قل ما تشاء. قال: أما قولك: «ان قريشا كرهت» فان اللّه تعالى قال: «ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللّه ُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ»(2)، واما قولك: «انا كنا نجحف بالخلافة» فلو كنا جحفنا بالخلافة جحفنا بالقرابة، ولكنا قوم أخلاقنا مشتقة من خلق النبيّ الّذي قال تعالى فيه: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ»(3)، وقال له: «وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤمِنِينَ»(4)، و اما قولك: «ان قريشا اختارت» فان اللّه تعالى يقول: «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ»(5)، وقد علمت أن اللّه تعالى اختار من خلقه لذلك من اختار، فلو نظرت قريش من حيثنظر اللّه لها لوفقت وأصابت. فقال: أبت قلوبكم يا بني هاشم إلاّ غشّا في أمر قريشلا يزول، وحقدا عليها لا يحول. فقلت: مهلا لا تنسب قلوب بني هاشم إلى الغش، فان قلوبهم من قلب رسول اللّه الّذي طهره وزكاه، وهم أهل البيت الّذين قال

ص: 302


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 12/80.
2- . محمّد: 9.
3- . القلم: 4.
4- . الشعراء: 215.
5- . القصص: 68.

تعالى: «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَ»(1).

وأما قولك: «حقدا» فكيف لا يحقد من غصب شيئه ويراه في يد غيره.

فقال: بلغني انك لا تزال تقول اخذ هذا الأمر منا حسدا وظلما. فقلت: أما قولك حسدا فقد حسد ابليس آدم فأخرجه من الجنة فنحن بنو آدم المحسود، وأما قولك ظلما فأنت تعلم صاحب الحق من هو(2).

ومن المضحك أن ابن أبي الحديد قال بعد نقل ذاك الخبر: ان الأصل في كلام عمرو ابن العاص وان كان كلام عمر، الا ان عمر لم يرد عيبه عليه السلام كما اراده عمرو، فان عمر لما كان شديد الغلظة وعر الجانب خشن اللمس دائم العبوس كان يعتقد أن ذلك هو الفضيلة وان خلافه نقص، ألا ترى أنه قال في آخر الخبر: ان أحراهم ان وليها ان يحملهم على كتاب اللّه هو - إلخ (3).

فهل ارادة العيب أي شيء هو، وأما قوله في آخر الخبر فمن اجراء اللّه تعالى كلمة الحق على لسانه على رغم أنفه، واتماما للحجة على اتباعه. وكان صدر منه من قبيل ذلك كثيرا، ومنه ما عن موفقيات ابن بكار: كان ابن عباس يماشي في سكة من سكك المدينة عمر، فقال له يا ابن عباس ما أرى صاحبك الا مظلوما. قال: فقلت في نفسي: لا يسبقني بها فقلت: فاردد إليه ظلامته، فانتزع يده من يدي ومضى يهمهم ساعة ثم وقف فلحقته، فقال: يا ابن عباس ما أظن منعهم الا أنه استصغره قومه. فقلت في نفسي: هذه شر من الاولى، فقلت: واللّه ما استصغره اللّه ورسوله حين أمراه أن يأخذ براءة من صاحبك، فأعرض عني واسرع(4).

ص: 303


1- . الاحزاب: 33.
2- . تاريخ الطبري: 3/289، سنة 23.
3- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/328 - 329.
4- . شرح نهج الباغة لابن أبي الحديد: 6/45.

فهل ترى كلمات عمرو فيه هذه وباقي كلماته بل وجميع كلمات معاوية فيه عليه السلام - ومنها كتابه إلى الحسن بعد أبيه عليه السلام: اني اليوم كأبي بكر بعد النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وأنت كأبيك بعده، وما دام الكبير لا يرجع الأمر إلى الصغير (1) - الا مأخوذة من كلمات عمر، فهل كلمات عمر وعمرو ومعاوية فيه عليه السلام الا كأنها عن قلب واحد.

وإذا كانت كلمات عمر فيه عليه السلام هذه لاغرو أن يسنّ معاوية وباقي بني امية سبّه عليه السلام، وإذا قال عمر فيه انه أسخط النبيّ بخطبة ابنة أبي جهل لاغرو أن يقول المغيرة ان النبيّ لم ينكح عليّا ابنته حبا له، ولكنه أراد أن يكافى ء بذلك احسان أبي طالب إليه(2).

قال ابن ابى الحديد: وأنت إذا تأمّلت حال علي عليه السلام فى أيّام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وجدته بعيدا عن أن ينسب إلى الدّعابة والمزاح لأنّه لم ينقل عنه شيء من ذلك أصلا لا في الشّيعة ولا في كتب المحدّثين، وكذلك إذا تأمّلت حاله في أيام أبي بكر وعمر لم تجد في كتب السيرة حديثا واحدا يمكن أن يتعلّق به متعلّق في دعابته ومزاحه إلى أن قال:

ولعمر اللّه لقد كان أبعد من ذلك وأىّ وقت كان يتّسع لعليّ عليه السلام حتّى يكون فيه على هذه الصّفات، فان أزمانه كلّها في العبادة والذكر والصّلاة والفتاوى والعلم واختلاف النّاس إليه في الأحكام وتفسير القرآن، ونهاره كلّه أو معظمه مشغول بالصّوم، وليله كلّه أو معظمه مشغول بالصّلاة، هذا في أيّام سلمه فأمّا أيّام حربه فالسّيف الشّهير والنشّاب الطّرير وركوب الخيل وقود الجيش ومباشرة الحروب.

ولقد صدق عليه السلام في قوله إنّه ليمنعني من اللّعب ذكر الموت ولكن الرّجل الشريف

ص: 304


1- . مقاتل الطالبيين: 37.
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4/70.

النبيل الذي لايستطيع أعداؤه أن يذكروا له عيبا أو يعدوا عليه وصمة لا بدّ أن يحتالوا ويبذلوا جهدهم في تحصيل أمر ما وإن ضعف يجعلون عذرا له في دمه ويتوسلون به على أتباعهم في تحسينهم لهم مفارقته والانحراف عنه، وما زال المشركون والمنافقون يصنعون لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الموضوعات وينسبون إليه ما قد برأه اللّه عنه من العيوب والمطاعن في حياته وبعد وفاته إلى زماننا هذا، وما يزيده اللّه سبحانه إلاّ رفعة وعلوّا.

فغير منكر أن يعيب عليا عليه السلام عمرو بن العاص وأمثاله من أعدائه بما إذا تأمّله المتأمّل علم أنّهم باعتمادهم وتعلّقهم به قد اجتهدوا في مدحه والثناء عليه لأنهم لو وجدوا غيره عيبا لذكروه (1).

وكما أخذ عمرو كلمة الدعابة من عمر كذلك اخذ جملة كونه عليه السلامحريصا على الملك منه، فقال في مجلس معاوية للحسن عليه السلام - كما عن مفاخرات ابن بكار - انكم يا بني عبد المطلب لم يكن اللّه ليعطيكم الملك على قتلكم الخلفاء، واستحلالكم ما حرّم اللّه من الدماء، وحرصكم على الملك(2)، هذا.

ونقل ابن أبي الحديد بمناسبة قول عمرو «ان فيه دعابة» جملة ممّا ورد من طريقهم في مزاحات النبيّ صلّى اللّه عليه و آله المباحة وقال: انها من الأحاديث الصحاح والآثار المستفيضة، لكن ليس الأمر كما ذكر، ففيها الغث كما سترى.

فقال: روى الناس قاطبة ان النبيّ قال: اني أمزح ولا أقول الا حقا.

وفي خبر أنّه صلّى اللّه عليه وآله قال لامرأة من الأنصار: الحقي زوجك، فان

ص: 305


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/328 - 330.
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 67/28.

في عينه بياضا، فسعت نحوه مرعوبة فقال لها: ما دهاك فأخبرته فقال لها: نعم ان في عيني بياضا لا لسوء.

وأتت عجوز من الأنصار إليه عليه السلام، فسألته ان يدعو اللّه تعالى لها بالجنة، فقال لها: ان الجنة لا تدخلها العجّز، فصاحت فتبسم صلّى اللّه عليه وآله وقال: «إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً * فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً»(1).

وفي الخبر: ان امرأة استحملته فقال: إنّا حاملوك على ولد الناقة، فجعلت تقول: يا رسول اللّه وما أصنع بولد الناقة، وهل يستطيع أن يحملني، وهو يتبسم ويقول: لا أحملك إلاّ عليه، حتى قال لها أخيرا: وهل تلد الابل الا النوق.

وفي الخبر انه صلّى اللّه عليه وآله مرّ ببلال، فضربه برجله وقال أ نائمة أم عمرو، فقام بلال، فضرب بيده إلى مذاكيره، فقال له: ما بالك قال: ظننت اني تحولت امرأة، قيل: فلم يمزح النبيّ بعده.

وفي الخبر: ان صقرا كان لصبي من الأنصار، فطار من يده، فبكى الغلام، فكان النبيّ صلّى اللّه عليه وآله يمر به فيقول: يا أبا عمرو ما فعل الصقر والغلام يبكي،

وكان يمازح ابني بنته مزاحا مشهورا، وكان يأخذ الحسين عليه السلام، فيجعله على بطنه وهو نائم على ظهره ويقول له «حزقة حزقة، ترق عين بقة».

وفي (الصحيح): مر صلّى اللّه عليه وآله على أصحاب الدركله(2) - لعبة للحبش -وهم يلعبون ويرقصون، فقال: خذوا يا بني أرفدة - جنس من الحبش يرقصون -

ص: 306


1- . الواقعة: 35 - 36.
2- . قال أهل اللغة: الدركلة بكسر الدال والكاف لعبة للحبش فيها ترقص وبنو أرفدة جنس من الحبش يرقصون شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/331.

حتى يعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة.

وفي الخبر: انه سابق عائشة فسبقته، ثم سابقها فسبقها، فقال: هذه بتلك.

وان أصحاب الزفافة - وهم الراقصون - كانوا يقمعون(1) على باب حجرة عائشة، فتخرج إليهم مستمعة ومبصرة، فيخرج هو من ورائها مستترا بها(2).

ولكن لا يدرون ما يضعون لتلك المرأة، يضعون لها ما فيه ابطال النبوة، فان النبيّ صلّى اللّه عليه وآله الّذي لم يكن يؤمى بعينه فكان حكم بهدر دم عبداللّه بن

أبي سرح بعد فتح مكة وجاء به عثمان إليه وطلب منه مرارا الامان، فسكت مدة حتى يقتله أصحابه، ولم يتفطنوا لذلك حتى قال لهم ذلك، فقالوا: كنا ننتظر ايماءك بعينك، فقال: ما كان لنبيّ الايماء(3) - وفي احد لما استكرهوه على الخروج عن المدينة وكان رأيه الوقوف فيها، فخرج ثم ندموا، فقالوا له: استكر هناك فان شئت فارجع، فقال لهم: ما ينبغي لنبيّ إذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل(4)، ومن قال تعالى فيه: «لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ»(5)، وجعل تعالى لاحترامه التخيير له في نسائه بأن تكون من اختارت نفسها تكون بائنة منه، وجعل تعالى لاحترامه ان امرأة قالت له اعوذ باللّه منك تكون محرمة عليه، كيف يسابق عائشة، وكيف يستتر بها لمشاهدة الرقاصين،وقد قال تعالى في وصف أهل الايمان: «وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً»(6)؛ هل يصير

ص: 307


1- . يقمعون: يضربون.
2- . شرح نهج البلاغة لابن ابى الحديد: 6/331 - 330.
3- . تاريخ الطبري: 2/335، سنة 8 والسيرة النبوية لابن هشام: 4/867.
4- . تاريخ الطبري: 2/190، سنة 3 والسيرة النبوية لابن هشام: 3/584.
5- . الحجرات: 2.
6- . الفرقان: 72.

وضع مثل هذه الأحاديث لامّهم سببا لرفع قوله تعالى فيها وفي صاحبتها: «إِنْ تَتُوبا إِلَى اللّه ِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّه َ»(1).

ثم ان ابن أبي الحديد نقل شطرا من مزاحات الصحابة والتابعين، ثم قال: وروى عن جماعة منهم اللعب بالنرد والشطرنج، ومنهم من روى عنه شرب النبيذ، وسماع الغناء المطرب، فأما أميرالمؤمنين عليه السلام فإذا نظرت إلى كتب الحديث والسير لم تجد أحدا من خلق اللّه عدوّا ولا صديقا روى عنه شيئا من هذا الفن لا قولا ولا فعلا، ولم يكن وقار أتمّ من وقاره، وما هزل قط ولا لعب، ولا فارق الحق والناموس الديني سرّا ولا جهرا، ولكنه خلق على سجية لطيفة، وأخلاق سهلة، ووجه طلق، وقول حسن، وبشر ظاهر، وذلك من فضائله عليه السلام الّتي اختصه اللّه بمزيتها، وانما كانت غلظته فعلا لا قولا(2).

ولكن وان كان أميرالمؤمنين عليه السلام كما قال نفسه في وصف المؤمن: «بشره في وجهه وحزنه في قلبه»(3) إلا أنه لا بد أن يكون له مزاح لطيف كالنبيّ صلّى اللّه عليه وآله، حتى يقول عمر كرارا فيه «لولا دعابة فيه»(4) فيأخذه منه عمرو ويزيد على قول عمر «انه تلعابة وانه يعافس ويمارس».

ومما روي عنه عليه السلام في ذلك انه دفع الراية إلى هاشم المرقال - وكان عليه درعان - وقال له كهيئة المازح: أبا هاشم أما تخشى من نفسك أن تكون أعور جبانا. فقال له هاشم: ستعلم يا أميرالمؤمنين واللّه لا لفّنّ بين جماجم القوم لفّ

ص: 308


1- . التحريم: 4.
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 66/333.
3- . نهج البلاغة فيض الاسلام: 1243، الحكمة 325.
4- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/186 والنهاية دعب 2/118.

رجل ينوي الآخرة(1).

وروى الشيخ أن امرأة تقدمت إلى شريح وقالت له: لي احليل ولي فرج، تزوجني ابن عم لي وأخدمني خادمة، فوطئتها فأولدتها، فأخبر شريح أميرالمؤمنين عليه السلام بذلك، فأحضر زوجها وقال له: هذه امرأتك وابنة عمّك قال: نعم. قال: قد أخدمتها خادمة فوطئتها فأولدتها قال: نعم. قال: ثم وطأتها بعد ذلك قال: نعم. فقال له: لأنت أجرأ من خاصي الأسد(2).

ورووا ان بعض من يأنس إليه عليه السلام دعاه إلى حلواء عملها يوم نوروز، فأكل وقال: لم عملت هذا فقال: لأنه يوم نوروز، فضحك وقال: نوروزا لنا في كل يوم ان استطعتم (3).

عن معمّر بن خلاد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام فقلت جعلت فداك الرّجل يكون مع القوم فيجري بينهم كلام يمزحون ويضحكون، فقال، لا بأس ما لم يكن، فظننت أنه عنى الفحش ثمّ قال: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آلهكان يأتيه الأعرابي فيأتي إليه الهدية ثمّ يقول مكانه أعطنا ثمن هديتنا فيضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وكان إذا اغتمّ يقول ما فعل الأعرابي ليته أتانا(4).

وعن إبراهيم بن مهزم عمّن ذكره عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام قال: كان يحيى بن زكريّا يبكي ولا يضحك، وكان عيسى بن مريم يضحك ويبكي، وكان الّذي يصنع

ص: 309


1- . وقعة صفين: 326.
2- . تهذيب الأحكام: 9/354، ح1271 - 5؛ دعائم الاسلام: 2/387.
3- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 11/248.
4- . الكافي: 3/663، ح1؛ بحار الأنوار: 16/259، ح45.

عيسى عليه السلام أفضل من الّذي كان يصنع يحيى عليه السلام (1).

وعن الفضل بن أبي قرة عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قال: ما من مؤمن إلاّ وفيه دعابة، قلت: وما الدّعابة؟ قال: المزاح(2).

وعن يونس بن الشيباني قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام: كيف مداعبة بعضكم بعضا؟ قلت: قليل قال: فلا تفعلوا فانّ المداعبة من حسن الخلق وإنّك لتدخل بها السّرور على أخيك، ولقد كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يداعب الرّجل يريد أن يسرّه(3).

ويستفاد من هذه الرّواية استحبابها لشمول أدلّة استحباب حسن الخلق وإدخال السّرور في قلب المؤمن عليها.

وعن الصّدوق عن محمّد بن عليّ الرّضا عن آبائه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام إنكم لن تسعوا النّاس بأموالكم فسعوهم بطلاقة الوجه وحسن اللّقاء فاني سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوها بأخلاقكم(4).

وجاء في الخبر أن يحيى عليه السلام لقي عيسى عليه السلام وعيسى متبسّم فقال يحيى: ما لي أراك لاهيا كأنّك آمن فقال أراك عابسا كأنّك آيس فقال: لا نبرح حتى ينزل علينا الوحى فأوحى اللّه إليهما أحبّكما إلىّ الطّلق البسّام أحسنكم ظنّا بي(5).

ص: 310


1- . الكافي: 2/665، ح20؛ بحار الأنوار: 14/118، ح40.
2- . الكافي: 2/663، ح2؛ بحار الأنوار: 3/760، ح13.
3- . الكافي: 2/663، ح3؛ بحار الأنوار: 16/298.
4- . الأمالي للصدوق: 446، م 68، ح9؛ بحار الأنوار: 68/384، ح22.
5- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/94.

ورأى نعيمان يبيع أعرابي عكّة عسل(1) فاشتراها منه فجاءها إلى بيت عايشةفي يومها، وقال خذوها فظنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آلهأنّه أهداها إليه ومضى نعيمان فنزل الأعرابيّ على الباب فلما طال قعوده نادى يا هؤلاء إمّا أن تعطونا ثمن العسل أو تردّوه علينا، فعلم رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالقصة وأعطى الأعرابي الثمن وقال صلى الله عليه و آلهلنعيمان: ما حملك على ما فعلت؟ قال: رأيتك يا رسول اللّه تحبّ العسل ورأيت العكّة مع الأعرابي، فضحك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولم ينكر(2).

وروى أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يأكل تمرا مع علي عليه السلام وكان يضع النوى قدّام علي عليه السلام فلمّا فرغا قال: يا علي هذا النوى كلّه أمامك انّك لأكول، فقال يا رسول اللّه الأكول الّذي يأكل التمر ونواه يعني به النبي صلى الله عليه و آله لأنّه لم يكن عنده نوى التمر(3).

وروى أنه صلى الله عليه و آله أتته امرئة في حاجة لزوجها فقال لها: ومن زوجك؟ قالت: فلان فقال صلى الله عليه و آله: الّذي في عينه بياض فقالت: لا، فقال: بلى فانصرفت عجلا إلى زوجها وجعلت تتأمّل عينه فقال لها: ما شأنك؟ فقالت: أخبرني رسول اللّه صلى الله عليه و آله إنّ في عينك بياضا، فقال: أما ترين بياض عيني أكثر من سواده؟

قال: واستدبر صلّى اللّه عليه وآله رجلا من ورائه وأخذ بعضده وقال من يشترى هذا العبد يعني أنه عبداللّه.

وقال: قال صلّى اللّه عليه وآله لرجل: لا تنس ياذا الاذنين.

ورأى جملا يمشي وعليه حنطة فقال عليه السلام: تمشي الهريسة.

ص: 311


1- . العكة: زق السمن أو العسل.
2- . مناقب آل ابى طالب عليه السلام: 1/149 وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/332؛ بحار الأنوار: 2/26.
3- . الأنوار النعمانية: 4/71.

وجاء أعرابيّ فقال: يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بلغنا أنّ الدّجال يأتي بالثريد وقد هلكوا جميعا جوعا أفترى بأبي أنت وأمّي أن أكفّ عن ثريده تعفّفا؟ فضحك رسولاللّه صلى الله عليه و آله ثمّ قال: بل يغنيك اللّه بما يغني به المؤمنين.

وقبّل جد خالد القسري خدّ امرئة فشكت إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وآله فارسل إليه فاعترف وقال: إن شائت أن تقتصّ فلتقتصّ فانّ من دينك القصاص فتبسّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وأصحابه وقال: أ ولا تعود؟ فقال: لا واللّه يا رسول

اللّه فعفى صلّى اللّه عليه وآله.

وقال رجل: احملني يا رسول اللّه، فقال صلى الله عليه و آله أنا حاملوك على ولد ناقة فقال: ما أصنع بولد ناقة؟ قال صلّى اللّه عليه وآله: وهل يلد الابل إلاّ النّوق؟(1).

وَقَالَ صلى الله عليه و آله الْمُؤمِنُ دَعِبٌ لَعِبٌ وَالْمُنَافِقُ قَطِبٌ غَضِبٌ(2).

وَأَنِّي امْرُؤ تِلْعَابَةٌ

أي: كثير اللعب

أُعَافِسُ

أصل العفس دلك الاديم في الدباغ، ثم كثر ذلك حتى قالوا «تعافس القوم» إذا اعتلجوا في صراع ونحوه، وعافس الرجل أهله معافسة وعفاسا(3).

ص: 312


1- . مناقب آل ابى طالب عليه السلام: 1/147 - 149؛ بحار الأنوار: 16/294 - 296، ح1؛ كشف الأسرار في شرح الاستبصار: 1/159.
2- . تحف العقول: 49؛ بحار الأنوار: 74/153، ح115.
3- . جمهرة اللغة: 2/839.

وَأُمَارِسُ

وأمارس فيه مرست الشيء إذا دلكته.

لَقَدْ قَالَ بَاطِلاً وَنَطَقَ آثِماً

لأنّه يعرفه عليه السلام كل عدوّ وولي بضد ما قال، ويعلم كل من سمع ذلك أنه من خطأ المقال، فلا تأثير لتهمته وقالوا في المعنى:

ما ضرّ وائل تغلب اهجوتها

أم بلت حيث تناطح البحران(1)

ما يضير البحر امسي زاخرا

ان رمى فيه غلام بحجر(2)

ما ابالي انب بالحزن تيس

ام لحاني بظهر غيب لئيم(3)

أَمَا وَشَرُّ الْقَوْلِ الْكَذِبُ

قال تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه َ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»(4).

وقال تعالى «في صفة المؤمنين: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً»(5).

وقال تعالى: «فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللّه َ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُون»(6)

وقال تعالى: «وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُون»(7).

ص: 313


1- . الشعر والشعراء: 1/229.
2- . البيان والتبيين: 505.
3- . ديوان حسان بن ثابت: 1/40.
4- . التوبة: 119.
5- . الفرقان: 72.
6- . التوبة: 77.
7- . البقرة: 10.

وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: إيّاكم والكذب فانَّ الكذب يهدى إلى الفجور والفجور يهدي إلى النّار(1).

وفيه عن أنس قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: المؤمن إذا كذب من غير عذر لعنه سبعون ألف ملك وخرج من قلبه نتن حتّى يبلغ العرش فيلعنه حملة العرش وكتب اللّه عليه بتلك الكذبة سبعين زنية أهونها كمن يزني مع أمّه(2).

وقال صلى الله عليه و آله رأيت كأنّ رجلا جاءني فقال لي قم فقمت معه فإذا أنا برجلين أحدهما قائم والآخر جالس بيد القائم كلَّوبّ من حديد يلقمه في شدق الجالس فيجذبه حتّى يبلغ كاهله ثمّ يجذبه فيلقمه الجانب الآخر فيمدّه فإذا مدّه رجع الآخر كما كان فقلت للَّذى أقامنى ما هذا؟ فقال هذا رجل كذّاب يعذّب في قبره إلى يوم القيامة (3).

وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك به مصدق وأنت له به كاذب(4).

وعن أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: إِنَّ لاِءِبْلِيسَ كُحْلاً وَلَعُوقاً وَسَعُوطاً فَكُحْلُهُ النُّعَاسُ وَلَعُوقُهُ الْكَذِبُ وَسَعُوطُهُ الْكِبْرُ (5).

وعَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يَكُونُ الْمُؤمِنُ جَبَاناً؟ قَالَ نَعَمْ؛ قِيلَ وَيَكُونُ بَخِيلاً؟ قَالَ نَعَمْ. قِيلَ وَيَكُونُ كَذَّاباً؟ قَالَ لا(6).

ص: 314


1- . جامع الاخبار للشعيرى: 148؛ بحار الأنوار: 69/263، ح48.
2- . جامع الأخبار للشعيرى: 148؛ بحار الأنوار: 69/263، ح48
3- . احياء العلوم: 9/36.
4- . سنن أبي داود: 471/2، ح4971.
5- . معانى الاخبار: 139، ح1؛ بحار الأنوار: 60/242، ح90.
6- . المحاسن: 1/118، ح126؛ بحار الأنوار: 69/262، ح40.

وقال موسى عليه السلام: يا ربّ أيّ عبادك خير عملا؟ قال: من لا يكذب لسانه ولايفجر قلبه ولا يزني فرجه(1).

وقال العسكري عليه السلام: جعلت الخبائث كلّها في بيت وجعل مفتاحها الكذب(2).

وعن أبي عبداللّه عليه السلام قال: إنّ اللّه عزّ وجلّ جعل للشّر أقفالا وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب واشر من الشراب الكذب(3).

وعن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنّ أوّل من يكذّب الكذّاب اللّه عزّ وجلّ ثمّ الملكان اللّذان معه ثمّ هو يعلم أنه كاذب(4).

وعن عبد الرّحمن بن أبي ليلى عن أبيه عمّن ذكره عن أبي جعفر عليه السلام قال: الكذب هو خرّاب الإيمان(5).

وعن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: إنّ مما أعان اللّه به على الكذّابين النسيان(6).(7)

وعن محسن بن طريف عن أبيه عمّن ذكره عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قال عيسى بن مريم عليه السلام: من كثر كذبه ذهب بهاؤه (8).

ص: 315


1- . جامع الأخبار للشعيرى: 148؛ بحار الأنوار: 69/263، ح48.
2- . جامع الاخبار للشعيرى: 148؛ بحار الأنوار: 69/263، ح48.
3- . ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 244؛ بحار الأنوار: 69/262، ح38.
4- . الكافي: 2/339، ح6؛ بحار الأنوار: 69/247، ح9.
5- . الكافي: 2/339، ح4؛ بحار الأنوار: 69/247، ح8.
6- . يعني أن النسيان يصير سبب فضيحتهم وذلك لأنهم ربما قالوا شيئا فنسوا أنهم قالوه فيقولون خلاف ما قالوه أولا فيفتضحون الوافى: 5/931.
7- . الكافي: 2/341، ح15؛ بحار الأنوار: 69/251، ح18.
8- . الكافي: 2/341، ح13؛ بحار الأنوار: 69/250، ح16.

وكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ صلى الله عليه و آله يَقُولُ لِوُلْدِهِ اتَّقُوا الْكَذِبَ الصَّغِيرَ مِنْهُ وَالْكَبِيرَ فِي كُلِّ جِدٍّ وَهَزْلٍ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَذَبَ فِي الصَّغِيرِ اجْتَرَى عَلَى الْكَبِير(1).

وعَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ قَالَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام لاَ يَجِدُ عَبْدٌ طَعْمَ الاْءِيمَانِ حَتَّى يَتْرُكَ الْكَذِبَ هَزْلَهُ وَجِدَّهُ(2).

ومن اقسامه الكذب على اللّه ورسوله والأئمّة.

قال تعالى: «فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللّه ِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ»(3).

ومن هذا القسم الأخبار الموضوعة والأحاديث المجعولة في زمن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وبعده في زمن بني اميّة و بني العبّاس لعنهم اللّه.

قال أميرالمؤمنين عليه السلام قد كذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في عهده حتّى قام خطيبا فقال: أيّها النّاس قد كثرت علىّ الكذّابة فمن كذب علىّ متعمّدا فليتبوّء مقعده من النار(4)، هذا.

وأوّل من فتح باب هذا الكذب بعد النبيّ هم المتخلّفون الثلاثة حيث إنّهم قالوا إنّ النبيّ مات ولم يوص في الخلافة بشيء فاغتصبوا بذلك الخلافة ورووا حديثا مجعولا من النبيّ صلى الله عليه و آله فنهبوا حقّ فاطمة سلام اللّه عليها وغصبوا فدك ولحقهم التابعون وحذوا حذوهم.

ومن عجيب ما روى أنّ علم الهدى قدس سره وقع بينه وبين علماء العامّة مناظرة

ص: 316


1- . الكافي: 2/338، ح2؛ بحار الأنوار: 69/235، ح2.
2- . الكافي: 2/340، ح11؛ بحار الأنوار: 69/249، ح14.
3- . البقرة: 79.
4- . الكافي: 1/62، ح1؛ بحار الأنوار: 2/229، ح13.

فانجرّ الكلام إلى الأخبار التي وضعوها في فضايل مشايخهم قال رحمه الله: إنّ هذه الأخبار كلّها موضوعة فقالوا من يقدر أن يكذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله؟ فقال لهم: قد ورد في الرواية عنه أنه صلّى اللّه عليه وآله قال في حياته:ستكثر علىّ الكذّابة بعد موتى فمن كذب علىّ متعمّدا فليتبوء مقعده من النّار(1)، فهذا الحديث إمّا صدق أو كذب وعلى التّقديرين يثبت المطلوب.

إِنَّهُ لَيَقُولُ فَيَكْذِبُ

ومن أكاذيبه انه خطب الناس بالشام فقال: بعثني النبيّ في جيش فيه أبو بكر وعمر، فظننت أنه انما بعثني لكرامتي عليه، فلما قدمت عليه قلت أي الناس أحب إليك قال: عائشة. فقلت: من الرجال فقال: أبوها - وعليّ يطعن على أبي بكر وعمر وعثمان - وقد سمعت النبيّ يقول: ان اللّه ضرب بالحق على لسان عمر وقلبه.

وقال في عثمان: ان الملائكة تستحيي من عثمان.

وقد سمعت عليّا باذني والا فصمتا يروي على عهد عمر أن النبيّ نظر إلى أبي بكر وعمر مقبلين فقال: يا عليّ هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأوّلين والآخرين، ما خلا النبيين منهم والمرسلين، ولا تحدثهما بذلك فيهلكا.

فبلغ كلامه وخطبته عليّا عليه السلام فقام فقال: العجب لطغاة أهل الشام حيث يقبلون قول عمرو ويصدقونه، وقد بلغ من قلة ورعه أن يكذب على النبيّ، وقد لعنه النبيّ

ص: 317


1- . المحاسن: 1/118، ح127 ومن لا يحضره الفقيه: 3/569، ح4942؛ بحار الأنوار: 117/2، ح17.

ولعن صاحبه الّذي يدعو إليه في غير موطن، وذلك أنه هجاه بقصيدة سبعين بيت، فقال النبيّ: اللهم اني لا أقول الشعر فالعنه انت وملائكتك بكل بيت لعنة تترى على عقبه إلى يوم القيامة، ثم لما مات إبراهيم ابن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله قام فقال: انمحمّدا قد صار أبتر لا عقب له واني لأشنأ الناس له، فأنزل اللّه فيه: «إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ»(1)، يعنى هو الأبتر من الايمان ومن كل خير، ما لقيت هذه الامة من كذابيها ومنافقيها، ولكأني بالقراء الضعفة المتهجدين رووا حديثه وصدقوه فيه واحتجوا علينا أهل البيت بكذبه.

إلى أن قال: والّذي فلق الحبة وبرأ النسمة انه ليعلم أنه قد كذب عليّ يقينا، وانه لم يسمعه مني سرا ولا جهرا، اللهم العن عمروا والعن معاوية بصدّهما عن سبيلك وكذبهما على نبيك (2).

قال التسترى رحمه الله: ولم يصدق من حديثه الا قوله بعثني النبيّ في جيش فيه أبو بكر وعمر، فانه عليه السلام بعثه أميرا عليهما، واما باقيه فكذب محض حتى في قوله «فظننت انه انما بعثني لكرامتي عليه»، فانه علم انه عليه السلام أمّره عليهما ليفهم الناس عدم كرامتهما عليه، كما أنه امر عليهما مولاه زيد بن حارثة وابن مولاه اسامة بن زيد ليعلم الناس ذلك، فطعناهما واتباعهما في تأميرهما حتى خطب النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وقال: طعنتم في امارتهما وهما أهل لذلك، وكذبه في حديثه كما قيل في أبي حازم:

حديث أبي حازم كله

كقول الفواخت جاء الرطب

ص: 318


1- . الكوثر: 3.
2- . كتاب سليم بن قيس: 2/736، ح22؛ بحار الأنوار: 33/224، ح513.

وهنّ وان كنّ يشبهنه

فليس يدانينه في الكذب(1).(2)

وروى: دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله المسجد وفيه عمرو ابن العاصوالحكم بن أبي العاص قال عمرو: يا أبا الأبتر وكان الرّجل في الجاهليّة إذا لميكن له ولد سمّى ابتر ثمّ قال عمرو: إنّي لأشنأ محمّدا أي ابغضه فأنزل اللّه على رسوله صلى اللّه عليه وآله: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ إلى قوله: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ اي مبغضك عمرو بن العاص لا دين له ولا حسب(3).

وبما ذكر كلّه ظهر كفر ابن العاص اللّعين وكفر أبيه كما ظهر عداوته لأمير المؤمنين عليه السلام وبغضه وهو ليس ببعيد من أولاد الزنا ولنعم ما قال الشّاعر:

بحبّ علي تزول الشّكوك

وتزكوا النّفوس وتصفو النجار

ومهما رأيت محبّا له

فثمّ الذّكاء (الزكاة) وثمّ الفخار

ومهما رأيت عدوّا له

ففي أصله نسب مستعار

فلا تعذلوه على فعله

فحيطان دار أبيه قصار(4)

وكذبه عليه عليه السلام نظير كذب عمرو بن معديكرب على خالد النهدي، قال المبرد: كانت الاشراف بالكوفة يخرجون إلى ظاهرها يتناشدون الأشعار ويتحدثون ويتذاكرون أيام الناس، فوقف عمرو بن معديكرب إلى جانب خالد بن الصقعب النهدي - وهو لا يعرفه - فأقبل عليه يحدثه ويقول: أغرت على بني نهد، فخرجوا إلي مسترعفين بخالد بن الصقعب يقدمهم، فطعنته فوقع وضربته بالصمصامة حتى

ص: 319


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 20/196.
2- . بهج الصباغة: 7/536.
3- . تفسير القمي: 2/445؛ بحار الأنوار: 33/163، ح429.
4- . روضة الواعظين: 1/131.

فاضت نفسه. فقال له خالد: يا أبا ثور أنا لمقتولك الّذي تحدث. فقال: اللهم غفرا اسمع انما نتحدث بمثل هذا وأشباهه لترهب هذه المعدية - الخبر(1).

الا أن عمروا ذاك خجل وعمروا هذا لم ينفعل، وعمرو ذاك تحدث بما حدث لارهاب المعدية، وعمرو ذا حدث بما حدث لتحميق الشامية.هذا، وممن كان مشهورا بالكذب عليّ بن الجهم الشاعر الناصبي، حتى قال المتوكل: انه أكذب خلق اللّه، حفظت عليه انه أخبرني انه أقام بخراسان ثلاثين سنة، ثم مضت مدة ونسي ما أخبرني به، فأخبرني انه أقام بالثغور ثلاثين سنة، ثم مضت مدة نسي الحكايتين، فأخبرني انه أقام بالجبل ثلاثين سنة، ثم مضت مدة، فأخبرني أنه أقام بمصر والشام ثلاثين سنة - إلى أن قال - فيجب أن يكون عمره على ما قال على التقليل مائة وخمسين سنة، وانما يضاهي خمسين سنة فليت شعري أي فائدة له في هذا الكذب وما قصده(2).

وكان عليّ بن الجهم في الوقاحة كعمرو بن العاص، فكما لم يستحي عمرو في كذبه عليه عليه السلام في حضوره لم يستحي ابن الجهم في كذبه على الصولي، ففي الأغاني قال ابن المدبر لابراهيم الصولي: ان عليّ بن الجهم - وكان عند الصولي - يزعم أن هذين البيتين له:

واذا جزى اللّه امرأ بفعاله

فجرى أخا لي ماجدا سمحا

ناديته عن كربة فكأنما

اطلعت عن ليل به صبحا

فقال: كذب، هذان لي في محمّد بن عبد الملك الزيات. فقال له ابن الجهم: ألم أنهك ان تنتحل شعري، فغضب الصولي و جعل يقول له بيده سوءة عليك سوءة لك

ص: 320


1- . الأغاني: 15/147.
2- . الأغاني: 10/389.

ما أوقحك - وهو لا يخجل - ثم التقينا بعد مدة فقال: ارأيت كيف أخزيت إبراهيم الصولي، فجعلت اعجب من صلابة وجهه(1).

وَيَعِدُ فَيُخْلِفُ

قال تعالى: «وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللّه َ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبار»(2).

عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللّه ِ عليه السلامسَّلاَمُ يَقُولُ: «عِدَةُ الْمُؤمِنِ أَخَاهُ نَذْرٌ لاَكَفَّارَةَ لَهُ؛ فَمَنْ أَخْلَفَ فَبِخُلْفِ اللّه ِ بَدَأَ؛ وَلِمَقْتِهِ تَعَرَّضَ، وَذلِكَ قَوْلُهُ: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّه ِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ»(3).(4)

قال رسول اللّه صلى اللّه وآله سلم: أربع من كنّ فيه كان منافقا ومن كانت فيه خلَّة منهنّ كان فيه خلَّة من النّفاق حتّى يدعها إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر(5).

وروت العامة عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: «ثلاث من كنّ فيه فهو منافق وإن صام وصلَّى وزعم أنّه مسلم إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان»(6).

ومن أمثالهم في من يخلف الوعد «مواعيد عرقوب»(7)، قالوا: كان عرقوب رجلا من العماليق، فأتاه أخ له يسأله شيئا، فقال له عرقوب: إذا اطلع نخلي، فلما اطلع نخله أتاه، فقال: إذا أبلح، فلما أبلح أتاه، فقال: إذا أزهى، فلما أزهى أتاه،

ص: 321


1- . الأغاني: 10/396.
2- . الاحزاب: 15.
3- . الصف: 2 - 3.
4- . الكافي: 2/364، ح1.
5- . إحياء العلوم: 9/33.
6- . إحياء العلوم: 9/32.
7- . مجمع الأمثال للميدانى: 1/263.

فقال: إذا أرطب، فلما أرطب أتاه، فقال: إذا صار تمرا، فلما صار تمرا جده (أخذه)من الليل ولم يعطه شيئا(1).

وقالوا: قدم صديق لدعبل من الحج، فوعده أن يهدي له نعلا، فأبطأت عليه، فكتب إليه:

وعدت النعل ثم صدفت عنها

كأنك تبتغي شتما وقذفا

فان لم تهدلي نعلا فكنها

إذا أعجمت بعد النون حرفا(2)

أي أنت نغل بجعل عينها غينا، والنغل فاسد النسب.

ووعد رجل الأعمش فأخلفه، فلما جاءه قال له: مرحبا يا أبا المنذر. قيل له: ما هذا كنيته قال: علمت لكن كنيّته بكنية مسيلمة أي الكذاب(3).

والخلف بالضم الاسم من الخلاف(4)، وكان أهل الجاهلية يقولون: «أخلفت النجوم» إذا أمحلت فلم يكن فيها مطر(5)، و الخلف في المستقبل كالكذب في الماضي(6).

ولبديع الهمداني في وصف شيخ كان يخلف وعده: ما أشبه وعد الشيخ في الخلاف، الا بشجر الخلاف، خضرة في العين، ولا ثمرة في البين، فما ينفع الوعد، ولا انجاز من بعد، ومثل الوعد مثل الرعد ليس له خطر أن لم يتله مطر(7).

ص: 322


1- . عيون الأخبار لابن قتيبة: 3/166.
2- . تاريخ بغداد: 8/381.
3- . بهج الصباغة: 7/538.
4- . الصحاح: 4/1355.
5- . الصحاح: 4/1357.
6- . الصحاح: 4/1355.
7- . يتيمة الدهر للثعالبى: 4/309.

وَيَسْأَلُ فَيُلْحِفُ

الالحاف الالحاح كان معاوية ولي عبد الرحمن بن ام الحكم اخته الكوفة، فأساء السيرة بها، فقدم قادم منها إلى المدينة، فسألته امرأة عبد الرحمن عنه فقال: تركته يسأل الحافا، وينفق اسرافا(1).

قال تعالى في وصف فقراء المؤمنين: «لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّه ِ - لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ - يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ - تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافا»(2) وقال الباقر عليه السلام لمحمد بن مسلم الثقفي: لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا، ولو يعلم المعطي ما في العطية مارد أحد أحدا(3).

وقال الصادق عليه السلام لأبي بصير الاسدي: جَاءَتْ فَخِذٌ(4) مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْهِمُ السَّلاَمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللّه ِ لَنَا إِلَيْكَ حَاجَةٌ فَقَالَ هَاتُوا حَاجَتَكُمْ قَالُوا إِنَّهَا حَاجَةٌ عَظِيمَةٌ فَقَالَ هَاتُوهَا مَا هِيَ قَالُوا تَضْمَنُ لَنَا عَلَى رَبِّكَ الْجَنَّةَ قَالَ فَنَكَسَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله رَأْسَهُ ثُمَّ نَكَتَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ أَفْعَلُ ذَلِكَ بِكُمْ عَلَى أَنْ لاَ تَسْأَلُوا أَحَداً شَيْئاً قَالَ فَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَكُونُ فِي السَّفَرِ فَيَسْقُطُ سَوْطُهُ فَيَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ لاِءِنْسَانٍ نَاوِلْنِيهِ فِرَاراً مِنَ الْمَسْأَلَةِ فَيَنْزِلُ فَيَأْخُذُهُ وَيَكُونُ عَلَى الْمَائِدَةِ فَيَكُونُ بَعْضُ الْجُلَسَاءِ أَقْرَبَ إِلَى الْمَاءِ مِنْهُ فَلاَ يَقُولُ نَاوِلْنِي حَتَّى يَقُومُ فَيَشْرَبُ(5).

ص: 323


1- . الأغانى: 14/402.
2- . البقرة: 273.
3- . الكافي: 4/20، ح2؛ بحار الأنوار: 93/157، ح34.
4- . الفخذ: القبيلة.
5- . الكافي: 4/21، ح5؛ بحار الأنوار: 22/129، ح104.

وَيُسْأَلُ فَيَبْخَلُ

قال تعالى: «وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ»(1).

وقال تعالى: «وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ»(2).

وقال تعالى: «وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى»(3).

وقال تعالى: «تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّه ِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ»(4).

وقال تعالى: «وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللّه ُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَللّه ِِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللّه ُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ»(5).

وقال تعالى: «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّه ِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ»(6).

قال النبيّ صلّى اللّه عليه وآله: وأي داء أدوى من البخل(7)، ولو يعلم الناس مافي الرد مارد أحد أحدا(8).

وَقَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله: إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ

ص: 324


1- . الضحى: 10.
2- . المعارج: 24 - 25.
3- . الليل: 8 - 10.
4- . محمد: 38.
5- . آل عمران: 180.
6- . التوبة: 34 - 35.
7- . الكافي: 4/44، ح3؛ بحار الأنوار: 21/193.
8- . بهج الصباغة: 7/539.

يَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ وَيَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَهُمْ(1).

وَقَالَ صلى الله عليه و آله: ثَلاَثٌ مُهْلِكَاتٌ الشَّيْخُ الزَّانِي وَالْبَخِيلُ الْمَنَّانُ وَالْمُعِيلُ الْمُخْتَال(2).

عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: الْمُوبِقَاتُ ثَلاَثٌ شُحٌّ مُطَاعٌ وَهَوًى مُتَّبَعٌ وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ(3).

وقال النبى صلى الله عليه و آله: إِنَّ الْبَخِيلَ بَعِيدٌ مِنَ اللّه ِ بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ بَعِيدٌ مِنَ الْجَنَّةِ قَرِيبٌ مِنَ النَّار(4).

وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله: الْجَاهِلُ السَّخِيُّ أَحَبُّ إِلَى اللّه ِ مِنَ الْعَابِدِ الْبَخِيلِ(5).

وفي الحديث لا يجتمع الشح والإيمان في قلب رجل مسلم(6).

وقال النبى صلى الله عليه و آله: يقول قائلكم: الشحيح اعذر من الظالم، وأي ظلم أظلم عند اللّه من الشح؟(7)

وعن مسعدة بن صدقة عن جعفر عن آبائه عليهم السلام أنّ أميرالمؤمنين عليه السلامسمع رجلا يقول: إنّ الشحيح أعذر من الظالم، فقال له: كذبت إنّ الظالم قد يتوب ويستغفر ويردّ الظلامة على أهلها، والشّحيح إذا شحّ منع الزكاة والصّدقة وصلة الرّحم وقرى الضيف والنفقة في سبيل اللّه وأبواب البرّ، وحرام على الجنّة أن يدخلها شحيح(8).

ص: 325


1- . تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام: 1/171.
2- . مجموعة ورّام: 1/172.
3- . الخصال: 1/84، ح11؛ بحار الأنوار: 70/302، ح11.
4- . مجموعة ورام: 1/171؛ بحار الأنوار: 70/308، ح37.
5- . إرشاد القلوب: 1/136.
6- . تفسير مجمع البيان: 9/393.
7- . كنز العمال: 3/452، ح7407.
8- . الكافي: 4/44، ح1؛ بحار الأنوار: 70/302، ح13.

وَقَالَ النبى صلى الله عليه و آله لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَخِيلٌ وَلاَ خَبٌّ وَلاَ خَائِنٌ وَلاَ سَيِّئُ الْمَلَكَةِ وَلاَ خبال (ختار خ ل؛ جبار خ ل) مُخْتَالٌ وَلاَ مَنَّانٌ (هماز خ ل)(1).

وقال النبى صلى الله عليه و آله: البخل شجرة تنبت في النّار فلا يلج النّار إلاَّ بخيل(2).

وقال النبى صلى الله عليه و آله: خلق اللّه البخل من مقته وجعل رأسه راسخا في أصل شجرة الزّقّوم ودلَّى بعض أغصانها إلى الدّنيا فمن تعلَّق بغصن منها أدخله النّار ألا إنّ البخل من الكفر والكفر في النّار(3).

وعن عبد الأعلى بن أعين عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: إنّ البخيل من كسب مالا من غير حلّه وأنفقه في غير حقه (4).

وعن إسماعيل بن جابر عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ: «وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ»(5) أ هو سوى الزّكاة؟ فقال: هو الرّجل يؤتيه اللّه الثروة من المال فيخرج منه الألف والألفين والثلاثة والأقلّ والأكثر فيصل به رحمه ويحمل به الكلّ عن قومه(6).

وقال النبى صلى الله عليه و آله: «لا ينبغى للمؤمن أن يكون بخيلا ولا جبانا»(7).

وقال النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله: خَصْلَتَانِ لاَ تَجْتَمِعَانِ فِي مُؤمِنٍ الْبُخْلُ وَسُوءُ الْخُلُقِ (8).

ص: 326


1- . مجموعة ورّام: 1/171.
2- . إحياء العلوم: 10/42.
3- . إحياء العلوم: 10/42.
4- . معاني الأخبار: 245، ح2؛ بحار الأنوار: 70/305، ح22.
5- . المعارج: 24 - 25.
6- . الكافي: 3/499، ح10؛ وسائل الشيعة: 48/6، ح11490 - 5.
7- . جامع السعادات: 1/252.
8- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/337؛ اعلام الدين فى صفات المومنين: 131.

وقال النبى صلى الله عليه و آله: اللَّهمّ إنّى أعوذ بك من البخل (1).

وروي ان النبى صلى الله عليه و آله كان يطوف بالبيت، فإذا رجل متعلق بأستار الكعبة وهو يقول: بحرمة هذا البيت إلا غفرت لي ذنبي ! قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: وما ذنبك؟ صفه لي. قال: هو أعظم من أن أصفه لك. قال: ويحك ! ذنبك أعظم أم الأرضون؟ قال بل ذنبي يا رسول اللّه. قال صلى الله عليه و آله: ويحك ! ذنبك أعظم أم الجبال؟ قال: بل ذنبي يا رسول اللّه. قال صلى الله عليه و آله: فذنبك أعظم أم البحار؟ قال: بل ذنبي يا رسول اللّه قال صلى الله عليه و آله: فذنبك أعظم أم السماوات؟ قال: بل ذنبي يا رسول اللّه. قال: ذنبك أعظم أم العرش؟

قال: بل ذنبي يا رسول اللّه. قال: ذنبك أعظم أم اللّه؟ قال: بل اللّه أعظم وأعلى وأجل. قال: ويحك ! فصف لي ذنبك. قال: يا رسول اللّه إني رجل ذو ثروة من المال، وإن السائل ليأتيني ليسألني فكأنما يستقبلني بشعلة من النار. فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: إليك عني ! لا تحرقني بنارك!

فوالذي بعثني بالهداية والكرامة، لو قمت بين الركن والمقام، ثم صليت ألفي ألف عام، وبكيت حتى تجري من دموعك الأنهار وتسقى بها الأشجار ثم مت وأنت لئيم، لأكبك اللّه في النار ! ويحك ! أما علمت أن اللّه يقول: «وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ»(2) «وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(3)؟ !(4).

وَيَخُونُ الْعَهْدَ

وهي رذيلة داخلة تحت الفجور، ويقابلها الوفاء قال سبحانه:

ص: 327


1- . جامع السعادات: 1/252.
2- . محمّد: 38.
3- . الحشر: 9 والتغابن: 16.
4- . إحياء العلوم: 10/43.

«وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللّه ِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّه َ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً * وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً»(1).

أخذ من النبيّ صلّى اللّه عليه وآله عمرو راية، وعهد معه ألا يقاتل بها مسلما، فخان وقاتل مع من كان نفس النبيّ صلّى اللّه عليه وآله.

وفي (كنايات الجرجانى): يسمّون سورة المائدة سورة الأخيار، وقولهم فلان لا يقرأ سورة الأخيار، يعني لا يفي بالعهد، قال جرير:

ان البعيث وعبد آل مقاعس

لا يقرءان سورة الاخيار(2)

وَيَقْطَعُ الاْءِلَّ

«و يقطع الالّ» أي: القرابة والرحم، قال حسان:

لعمرك ان إلكّ من قريش

كإلّ السقب من رأل النعام(3)

فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْحَرْبِ فَأَيُّ زَاجِرٍ وَآمِرٍ هُوَ مَا لَمْ تَأْخُذِ السُّيُوفُ مآخِذَهَا

قال نصر: لما عبأ معاوية خيله، وعقد الألوية، وأمّر الامراء، وكتّب الكتائب، قال عمرو بن العاص له: اعصب هذا الأمر برأسي، وأرسل إلى ابي الأعور يقولوا له: ان لعمرو رأيا وتجربة ليسا لي ولك، وقد وليته أعنة الخيل ففعل - إلى أن قال - فقال عمرو لابنيه عبداللّه ومحمّد: قَدّما لي هذه الدرع، وأخرا عني هذه الحسر،

ص: 328


1- . النحل: 91 - 92.
2- . التحرير والتنوير: 6/69.
3- . الفائق فى غريب الحديث: 3/325.

وأقصا الصف قص الشارب، فان هؤلاء قد جاءوا بخطة بلغت السماء، فمشي ابناه براياتهما وعدلا الصفوف، وسار بينهما عمرو حتى عدل الصفوف وأحسن الصف ثانية، ثم حمل قيسا وكلبا وكنانة على الخيول، ورجل سائر الناس، وقعد على منبره، وأحاط به أهل اليمن وقال: لا يقربن أحد هذا المنبر إلاّ قتلتموه كائنا من كان(1).

وقال: ان الحسن عليه السلام لما سلم الأمر إلى معاوية أشخص عبداللّه بن هاشم المرقال إليه أسيرا، فأدخل عليه وعنده عمرو بن العاص، فقال عمرو لمعاوية: هذا المحتال ابن المرقال، فدونك الضب المضب، فان العصا من العصية، و انما تلد الحية حية، وجزاء سيئة سيئة مثلها، أمكني منه فأشخب أو داجه على أثباجه. فقال له ابن المرقال: فهلا كانت هذه الشجاعة منك يا بن العاص أيّام صفين حين ندعوك إلى النزال، وقد ابتلت أقدام الرجال من نقيع الجريال - أي الدم - وقد تضايقت بك المسالك، وأشرفت فيها على المهالك، وايم اللّه لو لا مكانك من معاوية انشبت لك مني حافية، أرميك من خلالها أحد من وقع الأثافي، فانك لا تزال تكثر في هوسك، وتخبط في دهسك، وتنشب في مرسك، خبط العشواء في الليلة الخندس الظلماء. فأعجب معاوية ما سمع من كلامه، فكف عن قتله وبعث به إلى السجن(2).

ورواه (المروج) وفيه: قال لعمرو: أفلا كان هذا منك إذ تحيد عن القتال، ونحن ندعوك إلى النزال، وأنت تلوذ بشمال النطاف وعقائق الرصاف، كالامةالسوداء والنعجة القوداء لا تدفع يد لامس. فقال له عمرو: لا أحسبك منفلتا

ص: 329


1- . وقعة صفين: 226.
2- . وقعة صفين: 348.

من مخالب معاوية. فقال له ابن المرقال: أما واللّه يا ابن العاص انك لبطر في الرخاء، جبان عند اللقاء، غشوم إذا وليت، هيابة إذا لقيت، تهدر كما يهدر العوذ المنكوس المقيد بين مجرى الشول، لا يستعجل في المدة، ولا يرتجي في الشدة - إلخ(1).

هذا، ولابن ميادة في ايوب بن سلمة ابن اخته:

ظللنا وقوفا عند باب ابن اختنا

وظلّ عن المعروف والمجد في شغل

صفا صلد عند الندى ونعامة

إذا الحرب أبدت عن نواجذها العصل(2)

ولبعضهم في الحجاج:

أسد عليّ وفي الحروب نعامة

فتخاء تنفر من صفير الصافر

هلا برزت إلى غزالة في الوغى

بل كان قلبك في جناحي طائر(3)

وقال قرواش في رجلين:

ضبعا مجاهرة وليثا هدنة

وثعيلبا خمر إذا ما اظلما(4)

ولبعضهم:

أفي السلم اعيار جفاء وغلظة

وفي الحرب أمثال النساء العوارك(5)

ص: 330


1- . مروج الذهب: 3/9.
2- . الأغاني: 2/557.
3- . سفينة البحار: 6/627، قمى؛ عباس؛ نشر اسوه.
4- . الحيوان للجاحظ: 6/518.
5- . شرح كتاب سيبويه: 2/232.

فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَانَ أَكْبَرُ مَكِيدَتِهِ أَنْ يَمْنَحَ الْقَرْمَ سَبَّتَهُ

«فإذا كان» أي: وجد «ذلك» أي: أخذ السيوف مآخذها «كان أكبر مكيدته ان يمنح» أي: يعطي، والصواب: (القوم)؛ (سبته) بالفتح أي: دبره.

وَبَرَزَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام وَدَعَا مُعَاوِيَةَ قَالَ أَسْأَلُكَ أَنْ تَحْقِنَ الدِّمَاءَ وَتَبْرُزَ إِلَيَّ وَأَبْرُزَ إِلَيْكَ فَيَكُونَ الْأَمْرُ لِمَنْ غَلَبَ فَبُهِتَ مُعَاوِيَةُ وَلَمْ يَنْطِقْ بِحَرْفٍ فَحَمَلَ أَمِيرالْمُؤمِنِينَ عليه السلام عَلَى الْمَيْمَنَةِ فَأَزَالَهَا ثُمَّ حَمَلَ عَلَى الْمَيْسَرَةِ فَطَحَنَهَا ثُمَّ حَمَلَ عَلَى الْقَلْبِ وَقَتَلَ مِنْهُمْ جَمَاعَةً وَأَنْشَدَ:

فَهَلْ لَكَ فِي أَبِي حَسَنٍ عَلِيٍّ

لَعَلَّ اللّه َ يُمْكِنُ مِنْ قَفَاكَا

دَعَاكَ إِلَى الْبِرَازِ فَكَعْتَ عَنْهُ(1)

وَلَوْ بَارَزْتَهُ تَرِبَتْ يَدَاكَا

فَانْصَرَفَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام ثُمَّ بَرَزَ مُتَنَكِّراً فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مُرْتَجِزاً:

يَا قَادَةَ الْكُوفَةِ مِنْ أَهْلِ الْفِتَنِ

يَا قَاتِلِي عُثْمَانَ ذَاكَ الْمُؤتَمَنُ

كَفَى بِهَذَا حَزَناً مَعَ الْحَزَنِ

أَضْرِبُكُمْ وَلاَ أَرَى أَبَا الْحَسَنِ

فَتَنَاكَلَ(2) عَنْهُ عَلِيٌّ عليه السلام حَتَّى تَبِعَهُ عَمْرٌو ثُمَّ ارْتَجَزَ:

أَنَا الْغُلاَمُ الْقُرَشِيُّ الْمُؤتَمَنُ

الْمَاجِدُ الْأَبْيَضُ لَيْثٌ كَالشَّطَنِ(3)

يَرْضَى بِهِ السَّادَةُ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ

مِنْ سَاكِنِي نَجْدٍ وَمِنْ أَهْلِ عَدَنٍ

أَبُو الْحُسَيْنِ فَاعْلَمَنْ أَبُو الْحَسَنِ

فَوَلَّى عَمْرٌو هَارِباً فَطَعَنَهُ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ فَوَقَعَتْ فِي ذَيْلِ دِرْعِهِ فَاسْتَلْقَى عَلَى قَفَاهُ وَأَبْدَى عَوْرَتَهُ فَصَفَحَ عَنْهُ اسْتِحْيَاءً وَتَكَرُّماً فَقَالَ مُعَاوِيَةُ:

ص: 331


1- . كعت عنه: اي جنبت عنه.
2- . أي نكص واظهر الجبن.
3- . الشطن: الحبل المضطرب.

الْحَمْدُ للّه ِِ الَّذِي عَافَاكَ

وَاحْمَدْ اسْتَكَ الَّذِي وَقَاكَ

قَالَ أَبُو نُوَاسٍ:

فَلاَ خَيْرَ فِي دَفْعِ الرَّدَى بِمَذَلَّةٍ

كَمَا رَدَّهَا يَوْماً بِسَوْأَتِهِ عَمْرٌو.

وَبَرَزَ عَلِيٌّ عليه السلام وَدَعَا مُعَاوِيَةَ فَنَكَلَ عَنْهُ فَخَرَجَ بُسْرُ بْنُ أَرْطَاةَ يَطْمَعُ فِي عَلِيٍّ فَضَرَبَهُ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام فَاسْتَلْقَى عَلَى قَفَاهُ وَكَشَفَ عَنْ عَوْرَتِهِ فَانْصَرَفَ عَنْهُ عَلِيٌّ فَقَالَ وَيْلَكُمْ يَا أَهْلَ الشَّامِ أَمَا تَسْتَحْيُونَ مِنْ مُعَامَلَةِ الْمَخَانِيثِ لَقَدْ عَلَّمَكُمْ رَأْسُ الْمَخَانِيثِ عَمْرٌو لَقَدْ رَوَى هَذِهِ السِّيرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِي كَشْفِ الْأَسْتَارِ «فى كشف الاستاه» وَسْطَ عَرْصَةِ الْحُرُوبِ(1).

قال المدائني: رأى عمرو بن العاص يوما معاوية يضحك، فقال له: مم تضحك قال: من حضور ذهنك عند إبدائك سوأتك يوم ابن أبي طالب، أما واللّه لقد وافقته منانا كريما، ولو شاء أن يقتلك لقتلك. فقال له عمرو: أما واللّه واني لعن يمينك حين دعاك عليّ إلى البراز، فاحولت عيناك، وربا سحرك، وبدا منك ما أكره ذكره لك، فمن نفسك فاضحك أودع(2).

وعن الْوَلِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ اسْتَضْحَكَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ لَهُعَمْرٌو: مَا أَضْحَكَكَ يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ، أَدَامَ اللّه ُ سُرُورَكَ قَالَ: ذَكَرْتُ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ وَقَدْ غَشِيَكَ بِسَيْفِهِ فَاتَّقَيْتَهُ وَوَلَّيْتَ.

فَقَالَ: أَ تُشْمِتُ بِي يَا مُعَاوِيَةُ، وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا يَوْمٌ دَعَاكَ إِلَى الْبِرَازِ فَالْتَمَعَ

ص: 332


1- . مناقب آل ابى طالب عليه السلام: 3/177؛ بحار الأنوار: 32/584.
2- . عيون الأخبار لابن قتيبة: 1/262.

لَوْنُكَ، وَأَطَّتْ(1) أَضْلاَعُكَ، وَانْتَفَخَ مِنْخَرُكَ، وَاللّه ِ لَوْ بَارَزْتَهُ لَأَوْجَعَ قَذَالَكَ(2)، وَأَيْتَمَ عِيَالَكَ، وَبَزَّكَ سُلْطَانَكَ، وَأَنْشَأَ عَمْرٌو يَقُولُ:

مُعَاوِيَ لاَ تُشْمِتْ بِفَارِسِ بُهْمَةٍ(3)

لَقِيَ فَارِساً لاَ تَعْتَلِيهِ الْفَوَارِسُ

مُعَاوِيَ لَوْ أَبْصَرْتَ فِي الْحَرْبِ مُقْبِلاً

أَبَا حُسْنٍ يَهْوِي دَهَتْكَ الْوَسَاوِسُ

وَأَيْقَنْتَ أَنَّ الْمَوْتَ حَقٌّ وَأَنَّهُ

لِنَفْسِكَ إِنْ لَمْ تُمْعِنِ الرَّكْضَ خَالِسٌ

دَعَاكَ فَصَمَّتْ دُونَهُ الْأُذُنُ أَذْرُعاً

وَنَفْسُكَ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيْهَا الْأَمَالِسُ(4)

أَ تُشْمِتُ بِي إِذْ نَالَنِي حَدُّ رُمْحِهِ

وَعَضَّضَنِي نَابٌ مِنَ الْحَرْبِ نَاهِسٌ

فَأَيُّ امْرِئٍ لاَقَاهُ لَمْ يَلْقَ شِلْوَهُ

بِمُعْتَرَكٍ تُسْفَى عَلَيْهِ الرَّوَامِسُ(5)

أَبَى اللّه ُ إِلاَّ أَنَّهُ لَيْثُ غَابَةٍ

أَبُو أَشْبُلٍ تُهْدَى إِلَيْهِ الْفَرَائِسُ

فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ فَأَرْهِجْ عَجَاجَةً

وَإِلاَّ فَتِلْكَ التُّرَّهَاتُ الْبَسَابِسُ(6)

فَقَالَ مُعَاوِيَةَ: مَهْلاً يَا أَبَا عَبْدِاللّه ِ، وَلاَ كُلَّ هَذَا. قَالَ: أَنْتَ اسْتَدْعَيْتَهُ(7).

وروى الواقدي قال قال معاوية يوما بعد استقرار الخلافة له لعمرو بن العاص: يا أبا عبداللّه لا أراك إلا ويغلبني الضحك قال بما ذا قال أذكر يوم حمل عليك أبوتراب في صفين فأزريت نفسك فرقا من شبا سنانه وكشفت سوأتك له فقال عمرو أنا منك أشد ضحكا إني لأذكر يوم دعاك إلى البراز فانتفخ سحرك وربا لسانك في

ص: 333


1- . أي صوّتت.
2- . القذال: هو ما بين الأذنين من مؤخّر الرأس.
3- . البهمة: الشجاع الذي يستبهم مأتاه على أقرانه.
4- . الأمالس: جمع إمليس، الفلاة ليس فيها نبات.
5- . الروامس: الرياح التي تغطّي آثار الدّيار بما تثير.
6- . أي الباطل الكذب.
7- . الأمالي للطوسى: 134، م 5، ح217 - 30؛ بحار الأنوار: 3/350، ح394.

فمك وغصصت بريقك وارتعدت فرائصك وبدا منك ما أكره ذكره لك فقال معاوية لم يكن هذا كله وكيف يكون ودوني عك والأشعريون قال إنك لتعلم أن الذي وصفت دون ما أصابك وقد نزل ذلك بك ودونك عك والأشعريون فكيف كانت حالك لو جمعكما مأقط (1) الحرب فقال يا أبا عبداللّه خض بنا الهزل إلى الجد إن الجبن والفرار من علي لا عار على أحد فيهما(2).

وحمل عمرو بن العاص معلما وهو يقول:

شدّوا علي شكتي لا تنكشف

بعد طليح والزبير فاتلف

يوم لهمدان ويوم للصدف

وفي تميم نحوه لا تنحرف

أضربها بالسيف حتى تنصرف

إذا مشيت مشية العوذ الصلف

ومثلها لحمير او تنحرف

والربعيون لهم يوم عصف

فاعترضه عليّ عليه السلام وهو يقول:

قد علمت ذات القرون الميل

والخصر والأنامل الطفيل

اني بنصل السيف خنشليل

احمي وادمي أوّل الرعيل

بصارم ليس بذي فلول

ثم طعنه فصرعه، واتقاه عمرو برجله، فبدت عورته، فصرف عليّ وجهه عنه و ارتث، فقال القوم له عليه السلام: أفلت الرجل. قال: وهل تدرون من هو قالوا: لا. قال:فانه عمرو بن العاص تلقاني بعورته، فصرفت وجهي عنه.

ورجع عمرو إلى معاوية فقال له: ما صنعت قال: لقيني عليّ فصرعني. قال: أحمد اللّه وعورتك، أما واللّه ان لو عرفته ما اقحمت عليه. وقال:

ص: 334


1- . المأقط: موضع القتال.
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/317.

ألا للّه من هفوات عمرو

يعاتبني على تركى برازي

فقد لاقى أبا حسن عليّا

فآب الوائلي مآب خازي

فلو لم يبد عورته للاقى

به ليثا يذلل كل نازي

له كفّ كأن براحتيها

منايا القوم يخطف خطف بازي

فان تكن المنية اخطأته

فقد غني بها أهل الحجازي(1)

إلى أن قال بعد ذكر حض معاوية لبسر بن ارطاة برازه إليه عليه السلام: فبرز وانه عليه السلام لما قاربه طعنه وهو دارع فألقاه على الأرض، فقصد بسر أن يكشف عورته ليستدفع باسته، فانصرف عنه، فقال له الأشتر: هذا عدوّ اللّه بسر. فقال له: دعه عليه لعنة اللّه

أبعد أن فعلها، فقال الأشتر:

اكلّ يوم رجل شاغره

وعورة وسط العجاج ظاهره

تبرزها طعنة كف واتره

عمرو وبسر رميا بالفاقره

وقال النضر بن الحارث:

أفي كل يوم فارس تندبونه

له عورة وسط العجاجة باديه

يكف بها عنه على سنانه

ويضحك منها في الخلاء معاويه

بدت امس بن عمرو فقنع راسه

وعورة بسر مثلها حذو حاذيه

فقولا لعمرو وابن ارطاة ابصرا

سبيلكما لا تلقيا الليث ثانيه

ولا تحمدا إلا الحيا وخصيكما

هما كانتا واللّه للنفس واقيه

فلولاهما لم تنجوا من سنانه

وتلك بما فيها من العود ناهيه

مَتَى تَلْقَيَا الْخَيْلَ الْمَشِيخَةَ صُحْبَةً

وَفِيهَا عَلِيٌّ فَاتْرُكَا الْخَيْلَ نَاحِيَةً

ص: 335


1- . وقعة صفين: 406.

وَكُونَا بَعِيداً حَيْثُ لاَ يَبْلُغُ الْقَنَا

نُحُورَكُمَا إِنَّ التَّجَارِبَ كَافِيَةٌ(1)

وعن عبد الرحمن بن حاطب قال: كان عمرو بن العاص عدوا للحارث بن نضر الخثعمي وكان من أصحاب علي عليه السلامو كان علي عليه السلام قد تهيبته فرسان الشام وملأ قلوبهم بشجاعته وامتنع كل منهم من الإقدام عليه وكان عمرو قلما جلس مجلسا إلا ذكر فيه الحارث بن نضر الخثعمي وعابه فقال الحارث:

ليس عمرو بتارك ذكره الحارث

بالسوء أو يلاقي عليا

واضع السيف فوق منكبه الأيمن

لا يحسب الفوارس شيا

ليت عمرا يلقاه في حومة النقع

وقد أمست السيوف عصيا

حيث يدعو للحرب حامية القوم

إذا كان بالبراز مليا

فالقه إن أردت مكرمة الدهر

أو الموت كل ذاك عليا.

فشاعت هذه الأبيات حتى بلغت عمرا فأقسم باللّه ليلقين عليا ولو مات ألف موتة فلما اختلطت الصفوف لقيه فحمل عليه برمحه فتقدم علي عليه السلام وهو مخترط سيفا معتقل رمحا فلما رهقه همز فرسه ليعلو عليه فألقى عمرو نفسه عن فرسه إلى الأرض شاغرا برجليه كاشفا عورته فانصرف عنه لافتا وجهه مستدبرا له فعد الناس ذلك من مكارمه وسؤدده وضرب بها المثل (2).

قال نصر وحدثني محمد بن إسحاق قال: اجتمع عند معاوية في بعض ليالي صفين عمرو بن العاص وعتبة بن أبي سفيان والوليد بن عقبة ومروان بن الحكم وعبداللّه بن عامر وابن طلحة الطلحات الخزاعي فقال عتبة إن أمرنا وأمر علي بن أبي طالب لعجب ما فينا إلا موتور مجتاح.

ص: 336


1- . وقعة صفين: 461.
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/313.

أما أنا فقتل جدي عتبة بن ربيعة وأخي حنظلة وشرك في دم عمي شيبة يوم بدر. وأما أنت يا وليد فقتل أباك صبرا وأما أنت يا ابن عامر فصرع أباك وسلب عمك.

وأما أنت يا ابن طلحة فقتل أباك يوم الجمل وأيتم إخوتك وأما أنت يا مروان فكما قال الشاعر:

وأفلتهن علباء جريضا

ولو أدركنه صفر الوطاب(1)

فقال معاوية هذا الإقرار فأين الغير؟(2) قال مروان وأي غير تريد قال أريد أن تشجروه بالرماح قال واللّه يا معاوية ما أراك إلا هاذيا أو هازئا وما أرانا إلا ثقلنا عليك فقال ابن عقبة:

يقول لنا معاوية بن حرب

أ ما فيكم لواتركم طلوب

يشد على أبي حسن علي

بأسمر لا تهجنه الكعوب

فيهتك مجمع اللبات منه

ونقع الحرب مطرد يئوب

فقلت له أ تلعب يا ابن هند

كأنك بيننا رجل غريب

أ تغرينا بحية بطن واد

إذا نهشت فليس لها طبيب

وما ضبع يدب ببطن واد

أتيح له به أسد مهيب

بأضعف حيلة منا إذا ما

لقيناه ولقياه عجيب

سوى عمرو وقته خصيتاه

وكان لقلبه منه وجيب

كأن القوم لما عاينوه

خلال النقع ليس لهم قلوب

ص: 337


1- . لامرئ القيس، ديوانه 138، وعلباء قاتل والد امرئ القيس، والجريض: الذي يؤخذ بريقه. وصفر وطابه، كناية عن القتل.
2- . الغير: جمع غيور، والغيرة: المحبة.

لعمر أبي معاوية بن حرب

وما ظني ستلحقه العيوب

لقد ناداه في الهيجا علي

فأسمعه ولكن لا يجيب

فغضب عمرو وقال إن كان الوليد صادقا فليلق عليا أو فليقف حيث يسمع صوته.

وقال عمرو:

يذكرني الوليد دعا علي

ونطق المرء يملؤه الوعيد

متى تذكر مشاهده قريش

يطر من خوفه القلب الشديد

فأما في اللقاء فأين منه

معاوية بن حرب والوليد

وعيرني الوليد لقاء ليث

إذا ما شد هابته الأسود

لقيت ولست أجهله عليا

وقد بلت من العلق اللبود

فأطعنه ويطعني خلاسا

وما ذا بعد طعنته أريد

فرمها منه يا ابن أبي معيط

وأنت الفارس البطل النجيد

وأقسم لو سمعت ندا علي

لطار القلب وانتفخ الوريد

ولو لاقيته شقت جيوب

عليك ولطمت فيك الخدود(1)

هذا، وأخذ عبداللّه بن علي أسيرا من أصحاب مروان ابن محمّد، فأمر بضرب عنقه، فلما رفع السياف السيف ضرط الشامي، فنفرت دابة عبداللّه، فضحك وقال للشامي: اذهب فأنت عتيق استك.

فقال الشامي: هذا واللّه الادبار، كنا ندفع الموت بأسنتنا، فصرنا ندفعه اليوم بأستاهنا(2).

ص: 338


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/314.
2- . عيون الأخبار لابن قتيبة: 1/174.

قال التسترى: لم يدر عبداللّه بن عليّ يقول له كنتم من أول يوم تدفعون الموت بأستاهكم، فلو كان عمرو لم يكشف عورته لكان عليه السلام قتله، ولو كان قتل لم يكن من يكيد لكم رفع المصاحف لما انهزمتم، فالأصل في امركم سبة عمرو(1).

أَمَا وَاللّه ِ إِنِّي لَيَمْنَعُنِي مِنَ اللَّعِبِ ذِكْرُ الْمَوْتِ

قَالَ الصَّادِقُ عليه السلام: ذِكْرُ الْمَوْتِ يُمِيتُ الشَّهَوَاتِ فِي النَّفْسِ وَيَقْطَعُ مَنَابِتَ الْغَفْلَةِ وَيُقَوِّي الْقَلْبَ بِمَوَاعِدِ اللّه ِ تَعَالَى وَيُرِقُّ الطَّبْعَ وَيَكْسِرُ أَعْلاَمَ الْهَوَى وَيُطْفِئُ نَارَ الْحِرْصِ وَيُحَقِّرُ الدُّنْيَا وَهُوَ مَعْنَى مَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله فِكْرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ وَذَلِكَ عِنْدَ مَا تَحُلُّ أَطْنَابَ خِيَامِ الدُّنْيَا وَتَشُدُّهَا بِالاْخِرَةِ وَلاَ يَسْكُنُ نُزُولُ الرَّحْمَةِ عِنْدَ ذِكْرِ الْمَوْتِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَمَنْ لاَ يَعْتَبِرُ بِالْمَوْتِ وَقِلَّةِ حِيلَتِهِ وَكَثْرَةِ عَجْزِهِ وَطُولِ مُقَامِهِ فِي الْقَبْرِ وَتَحَيُّرِهِ فِي الْقِيَامَةِ فَلاَ خَيْرَ فِيه قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله: اذْكُرُوا هَادِمَ اللَّذَّاتِ قِيلَ وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فَقَالَ صلى الله عليه و آله الْمَوْتُ فَمَا ذَكَرَهُ عَبْدٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ فِي سَعَةٍ إِلاَّ ضَاقَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَلاَ فِي شِدَّةٍ إِلاَّ اتَّسَعَتْ عَلَيْه(2).

وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله أَفْضَلُ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا ذِكْرُ الْمَوْتِ وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ ذِكْرُ الْمَوْتِوَأَفْضَلُ التَّفَكُّرِ ذِكْرُ الْمَوْتِ فَمَنْ أَثْقَلَهُ ذِكْرُ الْمَوْتِ وَجَدَ قَبْرَهُ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ(3).

وعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام حَدِّثْنِي مَا أَنْتَفِعُ بِهِ فَقَالَ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ

ص: 339


1- . بهج الصباغة: 7/543.
2- . مصباح الشريعة: 171؛ بحار الأنوار: 6/133، ح32.
3- . جامع الاخبار للشعيرى: 165؛ بحار الأنوار: 6/137، ح41.

أَكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ لَمْ يُكْثِرْ ذِكْرَهُ إِنْسَانٌ إِلاَّ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا(1).

سُئِلَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أَيُّ الْمُؤمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ صلى الله عليه و آله: أَكْثَرُهُمْ ذِكْراً لِلْمَوْتِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ اسْتِعْدَاداً (2).

قال اميرالمومنين عليه السلام فى وصيته لابنه حسن عليه السلام: يَا بُنَيَّ أَكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَذِكْرِ مَا تَهْجُمُ عَلَيْهِ وَتُفْضِي بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَكَ وَقَدْ أَخَذْتَ مِنْهُ حِذْرَكَ (3)، وَشَدَدْتَ لَهُ أَزْرَك(4).

وَإِنَّهُ لَيَمْنَعُهُ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ نِسْيَانُ الاْخِرَة

روى نصر: أن ذا الكلاع الحميري من أصحاب معاوية أراد ان يجمع بين عمار وعمرو بن العاص، لأنه سمع من عمرو في امارة عمر أن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله حدثه ان أهل الشام وأهل العراق يلتقيان، وفي إحدى الكتيبتين الحق وإمام الهدى ومعه عمار(5) - إلى أن قال - قال عمرو لعمار: فعلام تقاتلنا أو لسنا نعبد الها واحدا فقال له عمار: أمرني النبيّ ان اقاتل الناكثين وقذ فعلت، وأمرني ان اقاتلالقاسطين فأنتم هم، واما المارقين فما أدري أدركهم أم لا، أ لست تعلم أيها الأبتر ان النبيّ قال لعليّ «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه»، وانا مولى اللّه ورسوله وعلي بعده وليس لك مولى. قال عمرو له: لم تشتمني ولست أشتمك. قال: وبم تشتمني، أ تستطيع ان تقول اني عصيت اللّه

ص: 340


1- . الكافي: 3/255، ح18.
2- . الزهد: 78، ح211؛ بحار الأنوار: 68/267، ح13.
3- . الحذر - بالكسر - الاحتراز والاحتراس. والأرز - بالفتح - : القوّة.
4- . كشف المحجة لثمرة المهجة: 229.
5- . وقعة صفين: 333.

ورسوله يوما؟(1).

إلى أن قال: فقال له عمرو: فما تقول في قتل عثمان قال: فتح لكم باب كل سوء. قال عمرو: فعليّ قتله. قال عمار: بل اللّه رب عليّ قتله وعليّ معه. قال: أ كنت

في من قتله قال: كنت مع من قتله، وأنا اليوم أقاتل معهم. قال عمرو: فلم قتلتموه قال: أراد أن يغير ديننا فقتلناه. فقال عمرو: ألا تسمعون قد اعترف بقتل عثمان؟ فقال عمار: قد قال فرعون من قبلك لقومه: «أَ لا تَسْتَمِعُونَ»(2).(3)

وذكروا أن رجلا من همدان يقال له برد قدم على معاوية، فسمع عمرو بن العاص يقع في عليّ عليه السلام، فقال له: يا عمرو ان أشياخنا سمعوا النبيّ صلّى اللّه عليه وآله يقول «من كنت مولاه فعليّ مولاه» فحق ذلك أم باطل فقال عمرو: حق وانا أزيدك انه ليس أحد من صحابة النبيّ له مناقب مثل مناقب عليّ. ففزع الفتى، فقال عمرو: لكنه أفسدها بأمره في عثمان. قال: هل أمر أو قتل قال: لا ولكنه آوى ومنع. قال: فهل بايعه الناس عليها قال: نعم. قال: فما أخرجك منها قال: اتهامي اياه في عثمان. قال له: وأنت أيضا قد اتهمت. قال: صدقت فيها خرجت إلى فلسطين. فرجع الفتى إلى قومه فقال: انا اتينا قوما أخذنا الحجة عليهم منأفواههم، عليّ على الحق فاتبعوه(4).

إِنَّهُ لَمْ يُبَايِعْ مُعَاوِيَةَ حَتَّى شَرَطَ لَهُ أَنْ يُؤتِيَهُ أَتِيَّةً وَيَرْضَخَ لَهُ عَلَى تَرْكِ الدِّينِ رَضِيخَة

طلب معاوية من عمرو أن يسوي صفوف أهل الشام، فقال له عمرو: على ان

ص: 341


1- . وقعة صفين: 338.
2- . الشعراء: 25.
3- . وقعة صفين: 338.
4- . الامامة والسياسة تحقيق الزينى: 1/97.

لي حكمي ان قتل ابن أبي طالب واستوسقت لك البلاد. فقال: أليس حكمك في مصر قال: وهل مصر تكون عوضا عن الجنة، وقتل ابن أبي طالب ثمن لعذاب النار. فقال له معاوية: لك حكمك ان قتل رويدا لا يسمع أهل الشام كلامك(1).

وَفِي كِتَابِ يَتِيمَةِ الدَّهْرِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ غَيَّرَ الْخَاتَمَ مِنْ يَمِينِهِ إِلَى شِمَالِهِ فَاقْتَدَى الْعَامَّةُ بِهِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا(2) وَذَكَرَ غَيْرُ الثَّعْلَبِيِّ فِي ذَلِكَ شِعْراً:

سَنَّ التَّخَتُّمَ فِي الْيَمِينِ مُحَمَّدٌ

لِلْقَائِلِينَ بِدَعْوَةِ الاْءِخْلاَصِ

وَسَعَى ابْنُ هِنْدٍ فِي إِزَالَةِ رَسْمِهِ

وَأَعَانَهُ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْعَاص(3)

وحضرت الأنصار - ومعهم النعمان بن بشير - باب معاوية فقال حاجبه سعد له الأنصار بالباب. فقال عمرو بن العاص: ما هذا اللقب الّذي جعلوه نسبا، أرددهم إلى نسبهم. فقال له معاوية: ان علينا في ذلك شناعة. قال: وما في ذلك، انما هي كلمة مكان كلمة. فقال معاوية لحاجبه: أخرج فناد من كان بالباب من ولد عمرو بن عامر فليدخل، فخرج فنادى، فدخل من كان هناك منهم سوى الأنصار، فقال له: أخرج فناد من كان هناك من الأوس والخزرج فليدخل، فخرج فنادى، فوثبالنعمان وأنشأ يقول:

يا سعد لا تعد الدعاء فما لنا نسب

نجيب به سوى الأنصار

نسب تخيره الإله لنا

اثقل به نسبا على الكفار

فقال معاوية لعمرو: قد كنّا لأغنياء عن هذا(4).

هذا، ونظير كلامه عليه السلام في عمرو كلام ابن عباس فيه، قال المدائني: قام عمرو في

ص: 342


1- . وقعة صفين: 237.
2- . يتيمة الدهر للثعالبى: 4/77.
3- . الطرائف: 2/532.
4- . الأغاني: 16/301.

موسم من مواسم العرب، فأطرى معاوية وبني امية وذكر مشاهده بصفين، فأقبل ابن عباس عليه وقد اجتمعت قريش، فقال له: انك ابتعت دينك من معاوية، وأعطيته ما بيدك، ومنّاك ما بيد غيرك، وكان الّذي أخذ منك أكثر من الّذي أعطاك، والّذي أخذت منه دون الّذي أعطيته، وكلّ راض بما أخذ وأعطى، فلمّا صارت مصر في يدك كدرها عليك بالعزل والتنغيص حتى لو كانت نفسك في يدك ألقيتها، وذكرت مشاهدك بصفين، فو اللّه ما ثقلت علينا وطأتك، ولقد كشفت فيها عورتك، وان كنت فيها الطويل اللسان قصير السنان آخر الخيل إذا أقبلت، وأولها إذا أدبرت، لك يدان يد لا تبسطها إلى خير، واخرى لا تقبضها عن شر، ولسان غرور ذو وجهين وجه موحش، ووجه مونس، ولعمري ان من باع دينه بدنيا غيره لحري أن يطول عليها ندمه، لك لسان وفيك خطل، ولك رأي وفيك نكد، ولك قدر وفيك حسد، وأصغر عيب فيك أعظم عيب في غيرك(1).

وذكروا أنه جعل لرجل ألف درهم على أن يسأل عمرو بن العاص عن أمه وهوعلى المنبر، فسأله فقال: أمي سلمى بنت حرملة تلقّب النابغة من بنى عنزة، ثم أحد بنى جلان، أصابتها رماح العرب، فبيعت بعكاظ، فاشتراها الفاكه من المغيرة، ثم اشتراها منه عبداللّه بن جدعان، ثم صارت إلى العاص بن وائل، فولدت له، فأنجبت، فإن كان جعل لك شيء فخذه (2).

قال اليعقوبى: لما حضرت عمرا الوفاة قال لابنه: لود أبوك أنه كان مات في

ص: 343


1- . العقد الفريد: 4/97؛ البيان والتبيين للجاحظ: 362.
2- . الاستيعاب: 3/1184.

غزاة ذات السلاسل. إني قد دخلت في أمور لا أدري ما حجتي عند اللّه فيها. ثم نظر إلى ماله فرأى كثرته، فقال: يا ليته كان بعرى، يا ليتني مت قبل هذا اليوم بثلاثين سنة، أصلحت لمعاوية دنياه، وأفسدت ديني، آثرت دنياي وتركت آخرتي، عمى على رشدي حتى حضرني أجلي، كأني بمعاوية قد حوى مالي وأساء فيكم خلافتي؛(1) ومات في يوم الفطر سنة ثلاث وأربعين. وقيل سنة اثنتين وأربعين. وقيل سنة ثمان وأربعين. وقيل سنة إحدى وخمسين. والأول أصحّ؛ وكان له يوم مات تسعون سنة(2).

هذا، ونظير كلامه عليه السلام في ابن النابغة كلام أحمد بن أبي طاهر البغدادي في ابن مكرم صاحب أبي العيناء «هو العاق لأبيه، والمنتفي من أخيه، والقاذف لامه، والقاطع لرحمه، المهتوك الحرمة، الوضيع الهمة، الضيق الصدر، القريب القعر، السريع إلى الصديق، البطيء عن الحقوق، المشهور بالزناء، المعروف بالبغاء، العاكف على ذنبه، الصادف عن ربّه، الوضيع في خلائفه، العاتي على خالقه، الدائم البطنة، القليل الفطنة، النظف الدين والجيب، الدنس العرض والثوب، عدوّه آمنمن غائلته، وصديقه خائف من بائقته، جهله جهل الصبيان، وضعفه ضعف النسوان، سهل الريح، ثقيل الروح، خفيف العقل والوزن. خبيث الفرج والبطن، جليسه بين نتن واذى، وقذر وبذي، من استخف به اكرمه، ومن وصله صرمه، غث الخلقة، رث الهيئة، وسخ المروءة، يحلف ليحنث، ويعهد لينكث، ويعد ليخلف، ويحدّث ليكذب، ان تكلم ملأ الأسماع عيا، والأنف نتنا، وان سكت قرى العيون قبحا، والقلوب مقتا، اسناده عن المخنّثين، وبلاغته في ذم الصالحين، وطرفه قذف

ص: 344


1- . تاريخ اليعقوبي: 2/222.
2- . الاستيعاب: 3/1188.

المحصنات، وسعيه في كسب السيئات، وخلوته لاقتراف السوءات، وتمني الشهوات»(1).

وكلام أعرابي لشخص «أنت واللّه ممن إذا سأل ألحف، وإذا سئل سوّف، وإذا حدّث حلف، وإذا وعد أخلف، تنظر نظر حسود، وتعرض اعراض حقود»(2).

وعكسه قول النظام في عبد الوهاب الثقفي: هو واللّه أحلى من أمن بعد خوف، وبرء بعد سقم، وخصب بعد جدب، وغنى بعد فقر، ومن طاعة المحبوب، وفرج المكروب، ومن الوصال الدائم، مع الشباب الناعم(3).

ص: 345


1- . بهج الصباغة: 7/547.
2- . العقد الفريد: 4/40.
3- . زهر الآداب وثمر الالباب الحصرى القيروانى: 2/538. (4 مجلد ميباشد).

الخطبة (84): ومن خطبة له عليه السلام:

اشارة

وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللّه ُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ الْأَوَّلُ لاَ شَيْءَ قَبْلَهُ وَالاْخِرُ لاَ غَايَةَ لَهُ لاَ تَقَعُ الْأَوْهَامُ لَهُ عَلَى صِفَةٍ وَلاَ تُعْقَدُ الْقُلُوبُ مِنْهُ عَلَى كَيْفِيَّةٍ وَلاَ تَنَالُهُ التَّجْزِئَةُ وَالتَّبْعِيضُ وَلاَ تُحِيطُ بِهِ الْأَبْصَارُ وَالْقُلُوبُ.

ومنها:

فَاتَّعِظُوا عِبَادَ اللّه ِ بِالْعِبَرِ النَّوَافِعِ وَاعْتَبِرُوا بِالاْيِ السَّوَاطِعِ وَازْدَجِرُوا بِالنُّذُرِ الْبَوَالِغِ وَانْتَفِعُوا بِالذِّكْرِ وَالْمَوَاعِظِ فَكَأَنْ قَدْ عَلِقَتْكُمْ مَخَالِبُ الْمَنِيَّةِ وَانْقَطَعَتْ مِنْكُمْ عَلاَئِقُ الْأُمْنِيَّةِ وَدَهَمَتْكُمْ مُفْظِعَاتُ الْأُمُورِ وَالسِّيَاقَةُ إِلَى الْوِرْدِ الْمَوْرُودِ وَكُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ سَائِقٌ يَسُوقُهَا إِلَى مَحْشَرِهَا وَشَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا.

ومنها في صفة الجنة

دَرَجَاتٌ مُتَفَاضِلاَتٌ وَمَنَازِلُ مُتَفَاوِتَاتٌ لاَ يَنْقَطِعُ نَعِيمُهَا وَلاَ يَظْعَنُ مُقِيمُهَا وَلاَ يَهْرَمُ خَالِدُهَا وَلاَ يَبْأَسُ سَاكِنُهَا.

ص: 346

وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللّه ُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُقال تعالى: «لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللّه ُ لَفَسَدَتا»(1).

وقال تعالى: «وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُو»(2).

عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله في خبر يقول تعالى: فمن لقيني منكم يشهد ألاّ إله إلاّ أنا، وأنّ محمّدا عبدي ورسولي أدخلته الجنّة برحمتي(3).

الْأَوَّلُ لاَ شَيْءَ قَبْلَهُ وَالاْخِرُ لاَ غَايَةَ لَهُ

عَنْ مَيْمُونٍ الْبَانِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللّه ِ عليه السلام وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْأَوَّلِ وَالاْخِرِ فَقَالَ الْأَوَّلُ لاَ عَنْ أَوَّلٍ قَبْلَهُ وَلاَ عَنْ بَدْءٍ سَبَقَهُ وَالاْخِرُ لاَ عَنْ نِهَايَةٍ كَمَا يُعْقَلُ مِنْ صِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ وَلَكِنْ قَدِيمٌ أَوَّلٌ آخِرٌ لَمْ يَزَلْ وَلاَ يَزُولُ بِلاَ بَدْءٍ وَلاَ نِهَايَةٍ لاَ يَقَعُ عَلَيْهِ الْحُدُوثُ وَلاَ يَحُولُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ(4).

لاَ تَقَعُ الْأَوْهَامُ لَهُ عَلَى صِفَةٍ

في حديث الزنديق مع الصادق عليه السلام: قال الزنديق: فإنّا لم نجد موهوما إلاّ مخلوقا. قال أبو عبداللّه عليه السلام: لو كان ذلك كما تقول لكان التّوحيد عنّا مرتفعا، لأنّا لم نكلّف أن نعتقد غير موهوم، ولكنّا نقول: كلّ موهوم بالحواسّ مدرك، فما تجده الحواسّ وتمثّله فهو مخلوق، ولا بدّ من إثبات صانع الأشياء خارج من الجهتين

ص: 347


1- . الانبياء: 22.
2- . البقرة: 163.
3- . ثواب الاعمال: 10؛ بحار الأنوار: 3/12، ح24.
4- . الكافي: 1/116، ح6؛ بحار الأنوار: 3/284، ح2.

المذمومتين: إحداهما: النفي، إذا كان النّفي هو الإبطال والعدم، والجهة الثانية : التشبيه، إذا كان التشبيه من صفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف، فلم يكن بدّ من إثبات الصانع لوجود المصنوعين والاضطرار منهم إليه(1).

وَلاَ تَعْقِدُ الْقُلُوبُ مِنْهُ عَلَى كَيْفِيَّةٍ

هو ردّ على المشبّهة حيث قالوا: كلّ ما لم تعقد القلوب منه على كيفيّة، ولم ترجع فيه إلى إثبات هيئة لم نعقل منه شيئا. فردّ عليه السلام عليهم: أنّه واحد بلا كيفيّة، وأنّ القلوب تعرفه بلا إحاطة(2).

عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: تَكَلَّمُوا(3) فِي خَلْقِ اللّه ِ وَلاَ تَتَكَلَّمُوا فِي اللّه ِ فَإِنَّ الْكَلاَمَ فِي اللّه ِ لاَ يَزْدَادُ صَاحِبَهُ إِلاَّ تَحَيُّراً. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ حَرِيزٍ تَكَلَّمُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَتَكَلَّمُوا فِي ذَاتِ اللّه ِ(4).

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالتَّفَكُّرَ فِي اللّه ِ وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَنْظُرُوا إِلَى عَظَمَتِهِ فَانْظُرُوا إِلَى عَظِيمِ خَلْقِهِ(5).

وقال الصادق عليه السلام: من نظر في اللّه كيف هو هلك(6).

ص: 348


1- . التوحيد للصدوق: 245، ح1؛ بحار الأنوار: 10/196، ح3.
2- . الكافي: 1/137، ح1.
3- . قوله: «تكلموا في خلق اللّه» هو امر اباحة والنهى في لا تتكلموا للتحريم، وقوله عليه السلام: «فان الكلام في اللّه» أي في كنه ذاته وصفاته وكيفيتهما. آت
4- . الكافي: 1/92، ح1.
5- . الكافي: 1/93، ح7.
6- . الكافي: 1/93، ح5؛ بحار الأنوار: 3/264، ح24.

وَلاَ تَنَالُهُ التَّجْزِئَةُ وَالتَّبْعِيضُ

وما ورد من مثل... «يَدُ اللّه ِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ...»(1) و... «بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُكَيْفَ يَشاءُ...»(2) فكنايات واستعارات.

وَلاَ تُحِيطُ بِهِ الْأَبْصَارُ وَالْقُلُوبُ

قَالَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ الصادق عليه السلام: يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ أَكَلَ قَلْبَكَ طَائِرٌ لَمْ يُشْبِعْهُ وَبَصَرُكَ لَوْ وُضِعَ عَلَيْهِ خَرْقُ إِبْرَةٍ لَغَطَّاهُ تُرِيدُ أَنْ تَعْرِفَ بِهِمَا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنْ كُنْتَ صَادِقاً فَهَذِهِ الشَّمْسُ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللّه ِ فَإِنْ قَدَرْتَ أَنْ تَمْلَأَ عَيْنَيْكَ مِنْهَا فَهُوَ كَمَا تَقُولُ(3).

هذا، ويناسب كلامه عليه السلام - في هذه الخطبة - قول الهادي عليه السلام: إلهي تاهت أوهام المتوهّمين وقصر طرف الطارفين، وتلاشت أوصاف الواصفين، واضمحلّت أقاويل المبطلين عن الدّرك لعجيب شأنك، أو الوقوع بالبلوغ إلى علوّك، فأنت في المكان الّذي لا يتناهى، ولم تقع عليك عيون بإشارة ولا عبارة، هيهات ثمّ هيهات، يا أوّلي يا وحداني يا فرداني، شمخت في العلوّ بعزّ الكبر، وارتفعت من وراء كلّ غورة ونهاية بجبروت الفخر(4).

ص: 349


1- . الفتح: 10.
2- . المائدة: 64.
3- . الكافي: 1/93، ح8 والتوحيد للصدوق: 455، ح5.
4- . التوحيد للصدوق: 66، ح19؛ بحار الأنوار: 91/179، ح3.

ومنها

فَاتَّعِظُوا عِبَادَ اللّه ِ بِالْعِبَرِ النَّوَافِعِ

قال تعالى: «قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا للّه ِِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ»(1).

وقال تعالى: «قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّه ِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّه ُ يُؤيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ)(2).

وقال تعالى: «هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللّه ِ فَأَتاهُمُ اللّه ُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ»(3).

وقال تعالى: «يُقَلِّبُ اللّه ُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ»(4).

وَاعْتَبِرُوا بِالاْيِ السَّوَاطِعِ

الآي: جمع الآية، والأصل في الآية: الأوية بفتحتين ومعناها العلامة - قال تعالى في فرعون: «فَأَراهُ الاْيَةَ الْكُبْرى * فَكَذَّبَ وَعَصى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى * فَحَشَرَ فَنادى * فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى * فَأَخَذَهُ اللّه ُ نَكالَ الاْخِرَةِ وَالْأُولى * إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى * أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها * رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها *

ص: 350


1- . سبأ: 46.
2- . آل عمران: 13.
3- . الحشر: 2.
4- . النور: 44.

وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها * أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها * وَالْجِبالَ أَرْساها * مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ»(1).وقال تعالى: «وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لآَياتٍ لِقَوْمٍ يُؤمِنُون»(2).

وقال تعالى: «وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون»(3).

وقال تعالى: «وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُون»(4).

وَازْدَجِرُوا بِالنُّذُرِ الْبَوَالِغِ

قال تعالى: «وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ»(5).

وقال تعالى: «هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى»(6).

ص: 351


1- . النازعات: 20 - 33.
2- . الانعام: 99.
3- . الرعد: 3 - 4.
4- . الذاريات: 20 - 21.
5- . القمر: 4 - 5.
6- . النجم: 56.

وقال تعالى: «وَما تُغْنِي الاْياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤمِنُونَ»(1).

وقال تعالى: «كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ»(2).

وقال تعالى: «كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ»(3).

وقال تعالى: «وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ»(4).

وقال تعالى: «وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ»(5).

وقال تعالى: «وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللّه َ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ»(6).

وفي سورة القمر بعد ذكر كلّ من قوم نوح وعاد وثمود: فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ(7).

وبعد ذكر قوم لوط: «وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ»(8).

وقال تعالى: «وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الاْزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِر»(9).

وقال تعالى: «فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى»(10).

وَانْتَفِعُوا بِالذِّكْرِ وَالْمَوَاعِظِ

قال تعالى: «وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي

ص: 352


1- . يونس: 101.
2- . القمر: 23.
3- . القمر: 33.
4- . القمر: 36.
5- . القمر: 41.
6- . الاحقاف: 21.
7- . القمر: 16 و21 و30.
8- . القمر: 37 - 39.
9- . غافر: 18.
10- . الليل: 14.

هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤمِنِينَ»(1).

وفي الآثار: سل الأرض فقل لها من شقّ أنهارك وغرس أشجارك وجنى ثمارك فإن لم تجبك حوارا، أجابتك اعتبارا(2).

فَكَأَنْ قَدْ عَلِقَتْكُمْ مَخَالِبُ الْمَنِيَّةِ

المخلب للسّباع بمنزلة الظّفر للإنسان والمنيّة: الموت، قال الهذلي:

وإذا المنيّة انشبت اظفارها

الفيت كلّ تميمة لا تنفع(3)

قال تعالى: «أَيْنَماَ تكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَة»(4).

وقال تعالى: «قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُم»(5).

وَانْقَطَعَتْ مِنْكُمْ عَلاَئِقُ الْأُمْنِيَّةِ

الامنية واحدة الأمانيّ، تقول: منه تمنّيت الشيء، قال تعالى: «وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ»(6).

وَدَهَمَتْكُمْ مُفْظِعَاتُ الْأُمُورِ.

أي: فاجأتكم الامور المفظعة، وفي المصباح: فظع الأمر وأفظع: جاوز الحدّ في القبح(7).

ص: 353


1- . هود: 120.
2- . الأمالي للمرتضى: 1/30؛ بحار الأنوار: 5/269.
3- . كنز الفوائد: 1/64.
4- . النساء: 78.
5- . الجمعة: 8.
6- . سبأ: 54.
7- . المصباح المنير: 2/478.

قال تعالى: «وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ»(1).

وَالسِّيَاقَةُ إِلَى الْوِرْدِ الْمَوْرُودِ

قال تعالى: «وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا»(2).

وقال تعالى: «فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُود»(3).

وقال تعالى: «وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ»(4).

وقال تعالى في فرعون: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ * وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ»(5).

وَكُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ

هكذا في النسخ، ولعلّ الأصل: وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (6)، كما هو لفظ الآية.

سَائِقٌ يَسُوقُهَا إِلَى مَحْشَرِهَا

قال تعالى: «إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ»(7).

ص: 354


1- . ق: 19.
2- . مريم: 71.
3- . هود: 98.
4- . الزمر: 71.
5- . هود: 98 - 99.
6- . ق: 21.
7- . القيامة: 30.

عن ثوير بن أبي فاختة قال: سمعت عليّ بن الحسين عليه السلام يحدّث في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله، قال: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام يُحَدِّثُ النَّاسَ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بَعَثَ اللّه ُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى النَّاسَ مِنْ حُفَرِهِمْ عُزْلاً بُهْماً جُرْداً مُرْداً فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يَسُوقُهُمُ النُّورُ وَتَجْمَعُهُمُ الظُّلْمَةُ حَتَّى يَقِفُوا عَلَى عَقَبَةِ الْمَحْشَرِ فَيَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَيَزْدَحِمُونَ دُونَهَا - الحديث(1).

وَشَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا

قال تعالى: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الاْءِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ»(2).

وقال تعالى: «وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ»(3).

وقال تعالى: حَتَّى إِذا ما جاؤها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ(4).

ومنها في صفة الجنة

قال تعالى: «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ

ص: 355


1- . الكافي: 8/104، ح79؛ بحار الأنوار: 7/268، ح35.
2- . ق: 16 - 18.
3- . الزمر: 69 - 70.
4- . فصلت: 20.

مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ...»(1).

دَرَجَاتٌ مُتَفَاضِلاَتٌ

قال تعالى: «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الاْخِرِينَ * عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ * وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤلُؤ الْمَكْنُونِ * جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ * لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً * إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً * وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَماءٍ مَسْكُوبٍ * وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ * إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً * فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً * عُرُباً أَتْراباً * لِأَصْحابِ الْيَمِينِ»(2).

وقال تعالى: «يَرْفَعِ اللّه ُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ»(3).

وقال تعالى: «هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللّه ِ وَاللّه ُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ»(4).

وقال تعالى: «أُولئِكَ هُمُ الْمُؤمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ» (5).

ص: 356


1- . محمد: 15.
2- . الواقعة: 10 - 38.
3- . المجادلة: 11.
4- . آل عمران: 163.
5- . الانفال: 4.

وقال تعالى: «وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى»(1).

قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام: عَلَيْكَ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّ اللّه َ خَلَقَ الْجَنَّةَ بِيَدِهِ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ وَجَعَلَ مِلاَطَهَا الْمِسْكَ وَتُرَابَهَا الزَّعْفَرَانَ وَحَصْبَاءَهَا اللُّؤلُؤ وَجَعَلَ دَرَجَاتِهَا عَلَى قَدْرِ آيَاتِ الْقُرْآنِ فَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ قَالَ لَهُ اقْرَأ وَارْق(2).

وَمَنَازِلُ مُتَفَاوِتَاتٌ

قال تعالى: «إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللّه ِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّه ِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقاهُمُ اللّه ُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً * مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً * وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً * وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا * قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً * عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤلُؤً مَنْثُوراً * وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً * عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً * إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ

ص: 357


1- . طه: 75.
2- . تفسير القمي: 259 - 260؛ بحار الأنوار: 8/133، ح39.

سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً»(1).

فقد روى شيخنا الصدوق - رحمه اللّه - بإسناده عن النبيّ صلى الله عليه و آله - قال: - «إنّ (سور) الجنّة لبنة من ذهب ولبنة من فضّة ولبنة من ياقوت، وملاطها المسك الأذفر، وشرفها الياقوت الاحمر والأخضر والأصفر... وأبوابها مختلفة: باب الرحمة من ياقوتة حمراء...، وأمّا الصبر فباب صغير [له] مصراع واحد من ياقوتة حمراء لا حلق له.

وأمّا باب الشكر، فإنّه من ياقوتة بيضاء لها مصراعان، مسيرة ما بينهما خمسمائة عام، له ضجيج وحنين، يقول: «اللهم جئني بأهلى» -... ينطقه ذو الجلال والإكرام - وأمّا باب البلاء... من ياقوتة صفراء [له] مصراع واحد ما أقلّ من يدخل فيه (منه)...فأمّا الباب الأعظم، فيدخل منه العباد الصالحون - وهم أهل الزهد والورع، الراغبون إلى اللّه عزّ وجلّ، المستأنسون به - فإذا دخلوا الجنّة يسيرون على نهرين في ماء صاف (مصاف) في سفن الياقوت، مجاديفها(2) اللؤلؤ، فيها ملائكة من نور عليهم ثياب خضر شديد الخضرة... يسيرون على حافتي ذلك النهر... واسم ذلك النهر جنّة المأوى...و جنّة عدن هي وسط الجنان... وسورها ياقوت أحمر، وحصباها اللؤلؤ...»(3).

وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ: «يَوْمَ

ص: 358


1- . الدهر: 5 - 22.
2- . كتب على الهامش: «المجداف - بالجيم والدال المهملة -: الجناح». وفي المصدر: مجاذيفها - بالذال. وهو ما يجذف - أي يدفع - به السفينة.
3- . علم اليقين: 2/1240 - 1241؛ الأمالي للصدوق: 213/ م 38، ح1؛ بحار الأنوار: 8/116، ح1.

نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً»(1) فَقَالَ يَا عَلِيُّ إِنَّ الْوَفْدَ لاَ يَكُونُونَ إِلاَّ رُكْبَاناً أُولَئِكَ رِجَالٌ اتَّقَوُا اللّه َ فَأَحَبَّهُمُ اللّه ُ وَاخْتَصَّهُمْ وَرَضِيَ أَعْمَالَهُمْ فَسَمَّاهُمُ الْمُتَّقِينَ ثُمَّقَالَ لَهُ يَا عَلِيُّ أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُمْ لَيَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَسْتَقْبِلُهُمْ بِنُوقٍ مِنْ نُوقِ الْعِزِّ عَلَيْهَا رَحَائِلُ الذَّهَبِ مُكَلَّلَةً بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ(2) وَجَلاَئِلُهَا الاْءِسْتَبْرَقُ وَالسُّنْدُسُ وَخُطُمُهَا جُدُلُ الْأُرْجُوَانِ تَطِيرُ بِهِمْ إِلَى الْمَحْشَرِ(3) مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَلْفُ مَلَكٍ مِنْ قُدَّامِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ يَزُفُّونَهُمْ زَفّاً حَتَّى(4) يَنْتَهُوا بِهِمْ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ الْأَعْظَمِ وَعَلَى بَابِ الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِنَّ الْوَرَقَةَ مِنْهَا لَيَسْتَظِلُّ تَحْتَهَا أَلْفُ رَجُلٍ مِنَ النَّاسِ وَعَنْ يَمِينِ الشَّجَرَةِ عَيْنٌ مُطَهِّرَةٌ مُزَكِّيَةٌ قَالَ فَيُسْقَوْنَ مِنْهَا شَرْبَةً فَيُطَهِّرُ اللّه ُ بِهَا قُلُوبَهُمْ مِنَ الْحَسَدِ وَيُسْقِطُ مِنْ أَبْشَارِهِمُ الشَّعْرَ(5) وَذَلِكَ قَوْلُ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً»(6) مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ الْمُطَهِّرَةِ قَالَ ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلَى عَيْنٍ أُخْرَى عَنْ يَسَارِ الشَّجَرَةِ فَيَغْتَسِلُونَ فِيهَا وَهِيَ عَيْنُ الْحَيَاةِ فَلاَ يَمُوتُونَ أَبَداً قَالَ ثُمَّ يُوقَفُ بِهِمْ قُدَّامَ الْعَرْشِ(7) وَقَدْ سَلِمُوا مِنَ الاْفَاتِ وَالْأَسْقَامِ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ أَبَداً قَالَ فَيَقُولُ الْجَبَّارُ جَلَّ ذِكْرُهُ لِلْمَلاَئِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُمْ

ص: 359


1- . مريم: 85.
2- . «مكللة» أي محفوفة، مزينة. وقوله: «جلائلها» كذا في جميع النسخ التي بأيدينا وفي تفسير على بن إبراهيم «جلالها» وهو- بالكسر-: جمع جل- بالضم- وهو للدابّة كالثوب للإنسان تصان به جمعه جلال وأجلال.
3- . استبرق : الديباج الغليظ والسندس الديباج الرقيق، والخطم: اللجام: والجذل - بالكسر والفتح - : اصل الشجرة يقطع وقد يجعل العود جذلا. والارجوان معرب ارغوان.
4- . أي يذهبون بهم على غاية الكرامة كما يزف العروس زوجها، أو يسرعون بهم. آت
5- . جمع بشرة.
6- . الإنسان: 21.
7- . ظاهره أنهم يردون اولا باب الجنة ثمّ إلى الموقف ثمّ يرجعون إلى الجنة. آت

احْشُرُوا أَوْلِيَائِي إِلَى الْجَنَّةِ وَلاَ تُوقِفُوهُمْ مَعَ الْخَلاَئِقِ فَقَدْ سَبَقَ رِضَايَ عَنْهُمْ وَوَجَبَتْ رَحْمَتِي لَهُمْ وَكَيْفَ أُرِيدُ أَنْ أُوقِفَهُمْ مَعَ أَصْحَابِ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ قَالَفَتَسُوقُهُمُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى الْجَنَّة الحديث(1).

وعَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله قَالَ: لَوْ عَلِمْتُمْ مَا لَكُمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَزِدْتُمْ للّه ِِ تَعَالَى شُكْراً إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْهُ غَفَرَ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ لِأُمَّتِي الذُّنُوبَ كُلَّهَا سِرَّهَا وَعَلاَنِيَتَهَا وَرَفَعَ لَكُمْ أَلْفَيْ أَلْفِ دَرَجَةٍ وَبَنَى لَكُمْ خَمْسِينَ مَدِينَةً قَالَ:

وَأَعْطَاكُمُ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ بِكُلِّ شَعْرَةٍ عَلَى أَبْدَانِكُمْ قُبَّةً فِي الْفِرْدَوْسِ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ فِي أَعْلاَهَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ بَيْتٍ مِنَ النُّورِ وَفِي أَسْفَلِهَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ بَيْتٍ فِي كُلِّ بَيْتٍ أَلْفُ سَرِيرٍ عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ حَوْرَاءُ يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفُ مَلَكٍ مَعَ كُلِّ مَلَكٍ هَدِيَّةٌ وَأَعْطَاكُمُ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ الْيَوْمَ الرَّابِعَ فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ سَبْعِينَ أَلْفَ قَصْرٍ فِي كُلِّ قَصْرٍ سَبْعُونَ أَلْفَ بَيْتٍ فِي كُلِّ بَيْتِ خَمْسُونَ أَلْفَ سَرِيرٍ - إلى أن قال - وَأَعْطَاكُمُ اللّه ُ الْيَوْمَ الْخَامِسَ فِي جَنَّةِ الْمَأْوَى أَلْفَ أَلْفِ مَدِينَةٍ - إلى أن قال - وَأَعْطَاكُمُ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ الْيَوْمَ السَّادِسَ فِي دَارِ السَّلاَمِ مِائَةَ أَلْفِ مَدِينَةٍ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ مِائَةُ أَلْفِ دَارٍ - إلى أن قال - وَأَعْطَاكُمُ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ الْيَوْمَ السَّابِعَ فِي جَنَّةِ النَّعِيمِ ثَوَابَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ شَهِيدٍ وَأَرْبَعِينَ أَلْفَ صِدِّيقٍ - إلى أن قال - وَيَوْمَ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ جَعَلَ اللّه ُ لَكُمْ فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ مِائَةَ أَلْفِ مَدِينَة الحديث بطوله(2).

وغرضنا من نقل الحديث ان للجنة مقامات وقد ذكر صلى الله عليه و آله منها جنة الخلد؛ وجنة المأوى؛ ودار السلام؛ وجنة النعيم؛ ولا شك ان الجنة وفى الحقيقة واحدة لا ثانى

ص: 360


1- . الكافي: 8/95، ح69؛ بحار الأنوار: 8/157، ح98.
2- . فضائل الاشهر الثلاثة: 81، ح63؛ بحار الأنوار: 8/183، ح147.

لها والمذكورات هى مراتبها ومقاماتها وقد صرح القرآن بها ايضا ونحن نذكرها توضيحا للمقام؛ فمن الاول: قوله تعالى: أَ ذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُون(1).ومن الثانى: قوله تعالى: «وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى»(2).

ومن الثالث: قوله تعالى: «لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُون»(3).

وقوله تعالى: «وَاللّه ُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلام»(4).

ومن الرابع: «فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيم»(5).

وقوله تعالى: «أَ يَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيم»(6).

وقوله تعالى: «وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيم»(7).

فهذه هى الجنات المذكورة فى الرواية وليست المقامات منحصرة فيها.

جنات عدن: قال اللّه تعالى: «وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ»(8).

جنات عاليات: قال تعالى: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ * لِسَعْيِها راضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ»(9).

رضوان: قال تعالى: «فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٍ مِنَ اللّه ِ أَكْبَر»(10).

ص: 361


1- . الفرقان: 15.
2- . النجم: 13 - 15.
3- . الانعام: 127.
4- . يونس: 25.
5- . الواقعة: 88 - 89.
6- . المعارج: 38.
7- . المائدة: 65.
8- . التوبة: 72.
9- . الغاشية: 8 - 10.
10- . التوبة: 72.

وجاء في الخبر أن أهل الجنة ليرون أهل عليين كما يرى النجم في أفق السماء(1).

وفي الحديث: إنّ في الجنّة مائة درجة بين كل درجتين منها مثل ما بين السماء والأرض وأعلى درجة منها الفردوس وعليها يكون العرش وهي أوسط شيء في الجنّة ومنها تفجر أنهار الجنّة فإذا سألتم اللّه فاسألوه الفردوس (2).

وفي بعض الرّوايات إنّ اقلّ ما يعطي المؤمن فيها ما يقابل الدّنيا وأشرف المنازل وأرفع المراتب هو مرتبة الرّضوان كما قال سبحانه: «وَعَدَ اللّه ُ الْمُؤمِنِينَ

وَالْمُؤمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللّه ِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»(3).

أى رضاء اللّه عنهم ومحبّته أيّاهم أكبر من كلّ لذّات الجنّة، وهذه اللّذة لا يدركها كلّ أحد وإنما هى مختصّة بالأولياء التّامين في مقام المحبّة الكاملين في العبودية(4).

وفي زيارة الجامعة الكبيرة: السَّلامُ عَلَى الدُّعَاةِ إِلَى اللّه ِ وَ الأْدِلاَّءِ عَلَى مَرْضَاةِ اللّه ِ وَالْمُسْتَقِرِّينَ فِي أَمْرِ اللّه ِ وَالتَّامِّينَ فِي مَحَبَّةِ اللّه ِ وَالْمُخْلِصِينَ فِي تَوْحِيدِ اللّه ِ وَالْمُظْهِرِينَ لِأَمْرِ اللّه ِ وَنَهْيِهِ وَعِبَادِهِ الْمُكْرَمِينَ الَّذِينَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ وَرَحْمَةُ اللّه ِ وَبَرَكَاتُه(5).

وفي رواية زرارة الواردة في ثواب البكاء على الحسين عليه السلام عن الصّادق عليه السلام

ص: 362


1- . التبيان فى تفسير القرآن: 37/3 وتفسير مجمع البيان: 2/875.
2- . رياض السالكين: 6/70؛ مجمع البيان: 8/467.
3- . التوبة: 72.
4- . منهاج البراعة للخوئى: 6/120.
5- . من لا يحضره الفقيه: 2/610؛ بحار الأنوار: 99/128.

وَمَا مِنْ عَبْدٍ يُحْشَرُ إِلاَّ وَعَيْنَاهُ بَاكِيَةٌ إِلاَّ الْبَاكِينَ عَلَى جَدِّيَ الْحُسَيْنِ عليه السلامفَإِنَّهُ يُحْشَرُ وَعَيْنُهُ قَرِيرَةٌ وَالْبِشَارَةُ تِلْقَاهُ وَالسُّرُورُ بَيِّنٌ عَلَى وَجْهِهِ وَالْخَلْقُ فِي الْفَزَعِ وَهُمْآمِنُونَ وَالْخَلْقُ يُعْرَضُونَ وَهُمْ حُدَّاثُ الْحُسَيْنِ عليه السلام تَحْتَ الْعَرْشِ وَفِي ظِلِّ الْعَرْشِ لاَ يَخَافُونَ سُوءَ يَوْمِ الْحِسَابِ يُقَالُ لَهُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَيَأْبَوْنَ وَيَخْتَارُونَ مَجْلِسَهُ وَحَدِيثَهُ وَإِنَّ الْحُورَ لَتُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنَّا قَدِ اشْتَقْنَاكُمْ مَعَ الْوِلْدَانِ الْمُخَلَّدِينَ فَمَا يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ إِلَيْهِمْ لِمَا يَرَوْنَ فِي مَجْلِسِهِمْ مِنَ السُّرُورِ وَالْكَرَامَة الحديث(1).

لاَ يَنْقَطِعُ نَعِيمُهَا

قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ»(2).

واستشهد أيضا بقوله تعالى «إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ»(3)؛ «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها...»(4).

وقال تعالى: «وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَماءٍ مَسْكُوبٍ * وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَة»(5).

عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يُحْيَوْنَ فَلاَ يَمُوتُونَ أَبَداً

ص: 363


1- . كامل الزيارات: 81؛ بحار الأنوار: 45/207، ح13.
2- . الانبياء: 101 - 103.
3- . ص: 54.
4- . الرعد: 35.
5- . الواقعة: 27 - 33.

وَيَسْتَيْقِظُونَ فَلاَ يَنَامُونَ أَبَداً وَيَسْتَغْنُونَ فَلاَ يَفْتَقِرُونَ أَبَداً وَيَفْرَحُونَ فَلاَ يَحْزَنُونَ أَبَداً وَيَضْحَكُونَ فَلاَ يَبْكُونَ أَبَداً وَيُكْرَمُونَ فَلاَ يُهَانُونَ أَبَداً وَيَفْكَهُونَ وَلاَ يُقَطِّبُونَ أَبَداً وَيُحْبَرُونَ وَيُسَرُّونَ أَبَداً وَيَأْكُلُونَ فَلاَ يَجُوعُونَ أَبَداً وَيَرْوُونَ فَلاَ يَظْمَئُونَ أَبَداً وَيَكْسُونَ فَلاَ يَعْرُونَ أَبَداً وَيَرْكَبُونَ وَيَتَزَاوَرُونَ أَبَداً يُسَلِّمُ عَلَيْهِمُ الْوِلْدَانُ الْمُخَلَّدُونَ أَبَداً بِأَيْدِيهِمْ أَبَارِيقُ الْفِضَّةِ وَآنِيَةُ الذَّهَبِ أَبَداً مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ أَبَداً عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ أَبَداً تَأْتِيهِمُ التَّحِيَّةُ وَالتَّسْلِيمُ مِنَ اللّه ِ أَبَداً نَسْأَلُ اللّه َ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(1).

وَلاَ يَظْعَنُ مُقِيمُهَا

في (الصحاح): ظعن أي: سار...(2)

قال تعالى: «الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ»(3).

وقال تعالى: «وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ»(4).

وقال تعالى: «قُلْ أَ ذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً * لَهُمْ فِيها ما يَشاؤنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤلاً»(5).

وقال تعالى: لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها الآية(6).

ص: 364


1- . الاختصاص: 358؛ بحار الأنوار: 8/220، ح215.
2- . الصحاح الجوهرى: 6/2159 (ظعن).
3- . المومنون: 11.
4- . هود: 108.
5- . الفرقان: 15 - 16.
6- . آل عمران: 15.

وقال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِنُزُلاً * خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً»(1) قال في مجمع البيان: أى دائمين فيها لا يطلبون عن تلك الجنّات تحوّلا إلى موضع آخر لطيبتها وحصول مرادهم فيها(2).

قال ابن أبي الحديد: وعلى قوله عليه السلام اتّفاق أهل الملّة إلاّ ما يحكى عن أبي الهذيل انّ حركات أهل الجنّة تنتهي إلى سكون دائم وزعم بعضهم أنّه لم يقل بانقطاع النَّعيم، لكن بانقطاع الحركة مع دوام النّعيم، حمله على ذلك، إنّه لمّا استدل على أنّ الحركة الماضية يستحيل ألاّ يكون لها أوّل، عورض بالحركات المستقبلة لأهل الجنّة والنّار فالتزم أنّها متناهية...(3).

قال الشّهرستاني: انفرد أبو الهذيل عن أصحابه بعشر قواعد - إلى أن قال - الخامسة: أنّ حركات أهل الخالدين تنقطع وإنّهم يصيرون إلى سكون دائم خمودا، وتجتمع اللّذات في ذلك السّكون لأهل الجنّة وتجتمع الآلام في ذلك السّكون لأهل النّار وهذا قريب من مذهب جهم، إذ حكم بفناء الجنّة والنّار وإنّما التزم أبو الهذيل هذا المذهب لأنّه لمّا ألزم في مسألة حدوث العالم، انّ الحوادث التي لا أوّل لها كالحوادث التي لا آخر لها إذ كلّ واحدة لا تنتهي قال: إنّي لا أقول بحركات لا تتناهى بل يصيرون إلى سكون دائم وكأنّه ظنّ أنّ ما لزمه في الحركة لا يلزمه في السّكون(4).

ص: 365


1- . الكهف : 107 - 108.
2- . تفسير مجمع البيان: 6/769.
3- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/348.
4- . الملل والنحل للشهرستانى: 1/51 - 52.

وَلاَ يَهْرَمُ خَالِدُهَا

عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ عليه السلام قَالَ قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام بَصُرَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله امْرَأَةً عَجُوزاً دَرْدَاءَ(1) فَقَالَ أَمَا إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَجُوزٌ دَرْدَاءُ فَبَكَتْ فَقَالَ صلى الله عليه و آله لَهَا مَا يُبْكِيكِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّه ِ إِنِّي دَرْدَاءُ فَضَحِكَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وَقَالَ لاَ تَدْخُلِينَ الْجَنَّةَ عَلَى حَالِكِ (2).

وَبِهَذَا الاْءِسْنَادِ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام نَظَرَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله إِلَى امْرَأَةٍ رَمْصَاءِ الْعَيْنَيْنِ(3) فَقَالَ أَمَا إِنَّهُ لاَ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَمْصَاءُ الْعَيْنَيْنِ فَبَكَتْ وَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّه ِ وَإِنِّي لَفِي النَّارِ فَقَالَ لاَ وَلَكِنْ لاَ تَدْخُلِينَ الْجَنَّةَ عَلَى مِثْلِ صُورَتِكِ هَذِهِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَعْوَرُ وَلاَ أَعْمَى عَلَى هَذَا الْمَعْنَى (4).

وقالت عجوز للنّبيّ صلَّى اللّه عليه وآله: ادع لي بالجنّة فقال صلَّى اللّه عليه وآله: إنّ الجنّة لا تدخلها العجز، فبكت فضحك وقال لها: أما سمعت قوله تعالى: «إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً * فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً»(5).

وقال صلَّى اللّه عليه وآله للعجوز الأشجعية: يا أشجعيّة لا تدخل العجوز الجنّة؛ فرآها بلال باكية، فوصفها للنبي صلَّى اللّه عليه وآله فقال: والأسود كذلك. فجلسا يبكيان فرآهما العبّاس فذكرهما له، فقال: والشّيخ كذلك، ثمّ دعاهم و طيّب قلوبهم، وقال: ينشئهم اللّه كأحسن ما كانوا، وذكر أنّهم يدخلون الجنّة شبّانا

ص: 366


1- . درداء: التي ذهبت أسنانه.
2- . النوادر للراوندى: 10؛ بحار الأنوار: 16/298، ح3.
3- . رمصت عينه: سأل منها الرمص. والرمص: وسخ أبيض في مجرى الدمع من العين.
4- . النوادر للراوندى: 10؛ بحار الأنوار: 16/299، ح4.
5- . الواقعة: 35 - 36.

منوّرين وقال: إنّ أهل الجنّة جرد مرد مكحّلون(1).

وعن إسحاق بن حمّاد بن زيد في قصّة مجادله المأمون مع فقهاء العامّة في إمامة أميرالمؤمنين عليه السلام: (فقال آخر منهم فقد جاء انّ النبيّ صلَّى اللّه عليه وآله قال: أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة، قال المأمون: هذا الحديث محال لأنّه لا يكون في الجنّة كهل، قال ويروى، أنّ أشجعيّة كانت عند النبيّ صلَّى اللّه عليه وآله فقال: لا يدخل الجنّة عجوز فبكت، فقال لها النبيّ صلّى اللّه عليه وآله: إنّ اللّه تعالى يقول: «إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً»(2).(3)

قال التسترى: وضعوا الخبر لهما في قبال قول النبيّ صلّى اللّه عليه وآله في المتواتر «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة»(4)، واللّه يفضح الجاعل ويخزي الواضع(5).

عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ مُكَحَّلِينَ مُكَلَّلِينَ مُطَوَّقِينَ مُسَوَّرِينَ مُخَتَّمِينَ نَاعِمِينَ مَحْبُورِينَ مُكَرَّمِينَ يُعْطَى أَحَدُهُمْ قُوَّةَ مِائَةِ رَجُلٍ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالشَّهْوَةِ وَالْجِمَاعِ - إلى أن قال - قَدْ أَلْبَسَ اللّه ُ وُجُوهَهُمُ النُّورَ وَأَجْسَادَهُمُ الْحَرِيرَ بِيضَ الْأَلْوَانِ صُفْرَ الْحُلِيِّ خُضْرَ الثِّيَابِ(6).

ص: 367


1- . مناقب آل ابى طالب عليه السلام: 148/1؛ بحار الأنوار: 16/295، ح1.
2- . الواقعة: 35.
3- . عيون اخبار الرضا عليه السلام 2/188؛ بحار الأنوار: 49/193.
4- . تاريخ الطبري مترجم: بلعمي: 4/1116؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 14/131؛ كنز العمال: 11/573، ح32713.
5- . بهج الصباغة: 12/105.
6- . الاختصاص: 358؛ بحار الأنوار: 8/220، ح214.

وَلاَ يَبْأَسُ سَاكِنُهَا

يبأس - بالفتح - وماضيه بالكسر، وفي (الصحاح): بئس الرّجل، يبئس بؤساوبئيسا اشتدّت حاجته فهو بائس (1).

قال تعالى: «لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً»(2).

وقال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللّه ُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِياؤكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الاْخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ»(3).

واستشهد له أيضا بقوله تعالى: «وَقالُوا الْحَمْدُ للّه ِِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ»(4).

الى هنا انتهى الجزء الثامن وأسأل اللّه ان يوفقنى بمنه لاتمام هذا الشرح انه سميع الدعاء قريب مجيب.

ص: 368


1- . الصحاح للجوهرى: 3/907.
2- . الدهر: 13.
3- . فصلت: 30 - 32.
4- . فاطر: 34 - 35.

مصادر الکتاب

1 - الاحتجاج على اهل اللجاج: ابو منصور احمد بن على بن ابى طالب طبرسى، 2 مجلد، مترجم: بهراد جعفرى، دار الكتب الاسلامية، طهران 1387 ش.

2 - احقال الحق: الشهيد نور اللّه التستري، (المتوفى 1019).

3 - احياء العلوم: أبو حامد محمّد الغزالي، (المتوفى 505ق)، دار المعرفة، بيروت، 4 مجلد.

4 - الاختصاص: محمد بن محمد المفيد، (المتوفى 413ق)، مصحح: على اكبر غفارى ومحمود حرمى زرندى، المؤتمر العالمى للالفية الشيخ المفيد، قم، الأولى 1413ق.

5 - ارشاد القلوب الى الصواب للديلمى: حسن بن محمد ديلمى، (المتوفى 841ق)، 2 مجلد، الشريف الرضى، قم، الأولى 1412ق.

6 - الاستيعاب: ابن عبدالبر، القرن الخامس، تحقيق: علي محمّد البجاوى، بيروت، دار الجيل، الأولى 1412ق، 1992م.

7 - اسد الغابة: ابن الأثير، (المتوفّى 630ق)، دار الكتاب العربي بيروت، لبنان، توضيحات: نشر إسماعيليان، طهران.

ص: 369

8 - اعتقادات الامامية (للصدوق) محمد بن على بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مؤتمر الشيخ المفيد، قم، الثانية 1414ق.

9 - اعلام الدين فى صفات المؤمنين: حسن بن محمد ديلمى، (المتوفى 841ق)، 1 مجلد، الناشر والمصحح: مؤسسة آل البيت:، قم، الأولى 1408ق.

10 - اعلام الورى باعلام الهدى (ط القديمة): فضل بن حسن طبرسى، (المتوفى 548ق)، 1 مجلد، اسلامية، طهران، الثالثة 1390ق.

11 - الأغاني: ابن الفرج الاصفهاني، (المتوفّى 356)، 25 جلد، دار إحياء التراث العربي.

12 - الأمالي (للصدوق): محمد بن على بن بابويه، (المتوفى 381ق)، الأعلمى بيروت، الخامسة 1400ق - 1362ش.

13 - الأمالي (للطوسي): محمد بن الحسن طوسى، (المتوفى 460ق)، 1 مجلد، دار الثقافه، قم، الأولى 1414ق.

14 - الأمالي (للمرتضى): على بن حسين، علم الهدى، (المتوفى 436ق)، 2 مجلد، مصحح: محمد ابوالفضل، ابراهيم، دار الفكر العربى، قاهره، الأولى 1988م.

15 - الامامة والسياسة: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفّى 276ق)، تحقيق: الزيني، مؤسّسة الحلبى وشركاه للنشر والتوزيع.

16 - الأنوار النعمانيّة: السيّد نعمة اللّه بن عبداللّه الجزائرى، (المتوفى 1112ق)، 4 مجلد، دار القارى، بيروت، الأولى 1429ق.

17 - أوصاف الأشراف: نصير الدين طوسي، محمّد بن محمّد (المتوفى 672ق)، نشر وزارت فرهنگ وارشاد اسلامى، طهران، الثالثة 1373ش.

18 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار: محمّد باقر بن محمّد تقى مجلسى، (المتوفى 1110ق)، 111 مجلد، دار احياء التراث العربي، الثانية 1403ق.

ص: 370

19 - البداية والنهاية: ابن كثير، (المتوفى 774م)، 21 مجلد (20 مجلد و1 مجلد فهارس)، دار هجر للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 1418ق / 1997م.

20 - بصائر الدرجات في فضائل آل محمد عليهم السلام: محمد بن حسن صفار، (المتوفى 290ق)، مصحح: محسن بن عباسعلي كوچه باغي، مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، قم، الثانية 1404ق.

21 - البلد الأمين والدرع الحصين: الكفعمي، إبراهيم بن علي العاملي، (المتوفى 905ق)، 1 مجلد، مؤسسّة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 1418ق.

22 - بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: محمّد تقي الشيخ الشوشتري، (المتوفى 1415ق - 1374ش)، مؤسّسة نشر أمير كبير، الأولى 1376 شمسى.

23 - البيان والتبيين: الجاحظ،

(المتوفى 255ق)، المكتبة التجاريّة الكبرى لصاحبها مصطفى محمّد، مصر، الأولى 1345ق 1926م.

24 - تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي، (المتوفى 463ق)، تحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1417ق - 1997 م.

25 - تاريخ الطبرى: ابو جعفر محمد بن جرير الطبرى، (المتوفى 310ق)، تحقيق: محمّد ابوالفضل إبراهيم، 11 مجلد، بيروت، دار التراث، الثانية 1387ق 1967م.

26 - تاريخ مدينة دمشق: ابن عساكر، (المتوفى 571ق)، 70 مجلد، تحقيق: علي شيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، مطبعة دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، چاپ 1415ق.

27 - تاريخ اليعقوبى: أحمد بن أبى يعقوب المعروف باليعقوبى، (المتوفى بعد 292)، بيروت، دار صادر، بى تا.

28 - التبيان في تفسير القرآن: طوسي، محمّد بن الحسن، (المتوفى 460ق)، 10 مجلد، دار إحياء التراث العربي، لبنان، بيروت، الأوّل.

ص: 371

29 - تحف العقول: حسن بن علي، ابن شعبة الحرّاني، (المتوفى قرن 4)، 1 مجلد، مصحح: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الثانية 1404ق - 1363ش.

30 - التذكرة الحمدونيّة: ابن حمدون، (المتوفى 562ق) 10 مجلد، تحقيق: احسان عبّاس، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت، الأولى 1996م.

31 - تذكرة الخواص: سبط ابن جوزى، (المتوفى 654ق)، 1 مجلد، منشورات الشريف الرضى، قم، 1418ق 1376ش.

32 - ترتيب اصلاح المنمطق: ابن سكيت، يعقوب بن اسحاق، (المتوفى 246ق)، مجمع البحوث الاسلامية، ايران، مشهد.

33 - تسلية المجالس وزينة المجالس: حسينى موسوى، محمد بن أبي طالب، (المتوفى قرن10)، 2 مجلد، مؤسسة المعارف الاسلامية، ايران، قم، الاول 1418ق.

34 - التشريف بالمنن في التعريف بالفتن: ابن طاووس، عليّ بن موسى، (المتوفى 664ق)، مؤسسة صاحب الأمر عجّل اللّه فرجه، قم، الأولى 1416ق.

35 - تفسير التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور: ابن عاشور، محمّد طاهر، 30 مجلد، مؤسسة التاريخ العربي.

36 - تفسير الثعالبي المسمّى بالجواهر الحسان في تفسير القرآن: ثعالبي، عبدالرحمن بن محمّد، (المتوفى 875ق)، 5 مجلد، دار إحياء التراث العربي، لبنان، بيروت، 1418ق.

37 - تفسير جوامع الجامع: فضل بن حسن الطبرسي، (المتوفى 548ق)، 4 مجلد، حوزه علميه قم، مركز مديريت، ايران، قم، الأوّل 1412ق.

38 - تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور: جلال الدين السيوطي، (المتوفى 911ق)، 6 مجلد، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت.

ص: 372

39 - تفسير الرازي: فخر الرازي، (المتوفى 606ق)، 32 مجلد، دار إحياء التراث العربي، لبنان، بيروت، الثالثة 1420ق.

40 - تفسير العياشي: محمّد بن مسعود العياشي، (المتوفى 320ق)، 2 مجلد، مصحح: السيّد هاشم رسولى المحلاّتى، المطبعة العلمية، طهران، الأولى 1380 ق.

41 - تفسير فرات الكوفي: فرات بن ابراهيم كوفي، (المتوفى 307ق)، 1 مجلد، مصحح: محمد كاظم، مؤسسة الطبع والنشر في وزارة الارشاد الاسلامي، طهران، الأولى 1410ق.

42 - تفسير القرآن العظيم: ابن أبي حاتم، (المتوفى 327ق)، 13 مجلد، مكتبة نزار مصطفى، عربستان، رياض، الثالثة 1419ق.

43 - تفسير القمي: علي بن ابراهيم القمي، (المتوفى القرن 3 الهجري)، مصحح: السيّد طيّب موسوى الجزائري، 2 مجلد، دار الكتاب، قم، الثالثة 1404ق.

44 - التفسير المنسوب الى الامام الحسن العسكري عليه السلام: الشهادة 260 ق)، 1 مجلد، مصحح: مدرسة الإمام المهدي7، قم، الأولى 1409ق.

45 - تفسير نور الثقلين عبد علي بن جمعة الحويزي، (المتوفى 1112ق)، 5 مجلدات، اسماعيليان، قم، الرابعة 1415ق.

46 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام: ورام بن أبي فراس، مسعود بن عيسى، (المتوفى 605ق)، 2 مجلد، مكتبة الفقيه، قم، الأولى 1410ق.

47 - التوحيد (للصدوق): محمّد بن علي، ابن بابويه، (المتوفى 381ق)، 1 مجلد، مصحح: هاشم الحسيني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الأولى 1398ق.

48 - التوحيد المفضل: مفضل بن عمر، (المتوفى 148ق)، 1 مجلد، داورى، ايران، قم، بى تا.

ص: 373

49 - تهذيب الأحكام: محمد بن الحسن، طوسى، (المتوفى 460ق)، 10 مجلد، مصحح: حسن الموسوى خرسان، دار الكتب الاسلامية، طهران، الرابعة 1407ق.

50 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: محمد بن علي الصدوق، ابن بابويه، (المتوفى 381ق)، دار الشريف الرضي للنشر، قم، الثانية 1406ق.

51 - جامع الأخبار (للشعيرى): محمد بن محمد شعيرى، (المتوفى القرن 6)، مطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، الأولى.

52 - جامع السعادات: ملا محمد مهدي النراقي، (المتوفى 1209ق)، 3 مجلد، دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الأشرف.

53 - جمهرة اللغة: أبوكر محمّد بن الحسن بن دريد الأزدي، (المتوفى 321ق)، 3 مجلد، دار العلم للملايين، بيروت، الأولى 1987م.

54 - حدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة: قطب الدين محمد بن حسين بيهقي كيذري (قرن 6)، قم، الأولى 1375ش.

55 - حق اليقين: علامه مجلسى، انتشارات اسلاميه.

56 - حلية الأولياء: أبو نعيم أحمد بن عبداللّه الاصبهاني، (المتوفى 430ق)، 10 مجلد، السعادة، بجوار محافظة مصر، 1394ق 1974م.

57 - الحيوان: عمرو بن بحر الشهير بالجاحظ، (المتوفى 255ق)، 7 مجلّد، دار الكتب العلميّة، بيروت، الثانية 1424ق.

58 - الخرائج والجرائح: سعيد بن هبة اللّه، قطب الدين الراوندي، (المتوفى 573ق)، المصحح والناشر: مؤسسة الامام المهدي7، 3 مجلد، قم، الأولى 1409ق.

59 - خصائص الأئمّة عليهم السلام (خصائص أميرالمؤمنين عليه السلام): محمد بن حسين، الشريف الرضي، (المتوفى 406ق)، 1 مجلد، مصحح: محمد هادي الأميني، منشورات العتبة الرضويّة، مشهد، الأولى 1406ق.

ص: 374

60 - الخصال: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: على اكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الأولى 1362ش.

61 - دعائم الاسلام وذكر الحلال والحرام: نعمان بن محمد مغربى، ابن حيون، (المتوفى 363ق)، 2 مجلد، مصحح: الفيضي، آصف، مؤسسة آل البيت:، قم، الثانية 1385ق.

62 - ديوان حسان بن ثابت: حسان بن ثابت، (المتوفى 54ق)، 2 مجلد، دار صادر، بيروت 1974م.

63 - ديوان المنسوب إلى أميرالمؤمنين عليه السلام: حسين بن معين الدين ميبدى، (المتوفى 911ق)، 1 مجلد، دار نداء الاسلام للنشر، قم، الأولى 1411ق.

64 - ديوان المنسوب إلى الإمام السجّاد عليه السلام: مجمع جهانى اهل بيت عليهم السلام، ايران، قم، 1436ق.

65 - ديوان الأعشى: ميمون بن قيس، الأعشى (ق 7)، دار الكتب العربي، بيروت، 1414ق.

66 - ديوان امرء القيس: دار الجيل، بيروت، 1409.

67 - ديوان عمر بن أبي ربيعة: ابن أبي ربيعة، عمر بن عبداللّه، دار القلم، لبنان، بيروت، بى تا.

68 - ذم الهوى: ابن جوزي، عبدالرحمن بن علي (المتولد 510ق)، 1 مجلد، دار الجيل، بيروت، 1420ق / 1999م.

69 - ربيع الأبرار ونصوص الأخبار: الزمخشرى، (المتوفى 538ق)، تحقيق: عبدالأمير مهنا، 5 مجلد، مؤسسة الأعلمى للمطبوعات، بيروت، الأولى 1412ق 1992م.

70 - الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية: (ط. الحديثة)، زين الدين بن علي العاملي الشهيد الثاني، (المتوفى 966ق)، 10 مجلد، مصحّح: سيّد محمّد الكلانتر، مكتبة الداوري، قم، الأولى 1410ق.

ص: 375

71 - روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه: محمّد تقى بن مقصود على، المجلسي، (المتوفى 1070ق)، 14 مجلد، مصحح: حسين الموسوي الكرماني وعلى پناه الاشتهاردي، مؤسسة الثقافة الإسلاميّة كوشانبور، قم، الثانية 1406ق.

72 - روضة الواعظين وبصيرة المتعظين: محمّد بن أحمد، فتال النيشابوري، (المتوفى 508ق)، 2 مجلد، النشر الرضي، قم، الأولى 1375ش.

73 - رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين7: سيد عليخان بن احمد، الكبير المدني، (المتوفى 1120ق)، 7 مجلد، مصحح: محسن الحسيني الأميني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الأولى 1409ق.

74 - الرياض النضرة: أبي جعفر أحمد المحب الطبري (المتوفى 694ق)، 4 مجلد، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

75 - الزهد: حسين بن سعيد، كوفى اهوازى، (المتوفى القرن الثالث)، مصحّح: غلامرضا عرفانيان يزدى، 1 مجلد، المطبعة العلميّة، قم، الثانية 1402ق.

76 - زهر الربيع: السيّد نعمة اللّه بن عبداللّه الجزائرى، (المتوفى 1112ق)، 1 مجلد، مؤسسة العالميّة للتجليد، بيروت، الأولى 1421ق.

77 - سفينة البحار: القمي، عبّاس، (المتوفى 1359ق)، 8 مجلد، اسوة، قم، الأوّل 1414ق.

78 - سنن أبي داود: سليمان بن الأشعث السجستاني، (المتوفى 275ق)، 2 مجلد، تحقيق: سعيد محمد اللحام، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الأولى 1410ق - 1990م.

79 - السيرة النبوية: ابن هشام الحميري، (المتوفى 218ق)، 1 مجلد، تحقيق: محمد محي الدين عبدالحميد، مكتبة محمّد علي صبيح وأولاده، القاهرة، 1383ق - 1963م.

ص: 376

80 - شرح كتاب سيبويه: سيرافي، حسن بن عبداللّه.

81 - شرح نهج البلاغة (ابن ميثم): ميثم بن علي بن ميثم البحراني، (قرن 7)، 5 مجلد، مكتبة نشر الكتاب، الثانية 1362 ش.

82 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: عبدالحميد بن هبة اللّه، ابن أبي الحديد، (المتوفى 656ق)، مصحح: محمد ابوالفضل، ابراهيم، مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، قم، الأولى 1404ق.

83 - الشعر والشعراء: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفى 276ق)، دار الحديث، القاهرة، 2 مجلد، 1427ق - 2006م.

84 - الصحاح: الجوهري، (المتوفى 393ق)، 6 مجلد، تحقيق: احمد عبدالغفور العطار، دار العلم للملايين، بيروت، الرابعة 1407ق - 1987م.

85 - صحيح مسلم: مسلم

النيسابوري، (المتوفى 261ق)، 1 مجلد، دار الفكر، بيروت.

86 - الصحيفة السجادية: امام علي بن الحسين7، (الشهادة 94 يا 95ق)، مكتبة نشر الهادي، قم، الأولى 1376ق.

87 - طبائع النساء وما جاء فيها من عجائب واخبار واسرار: ابن عبد ربه، (المتوفى 328 ق)، 1 مجلد، مكتبة القرآن، القاهرة.

88 - الطرائف في معرفة مذهب الطوائف: علي بن موسى، ابن طاووس، 2 مجلد، (المتوفى 664ق)، مصحح: على عاشور، خيام، قم، الأولى 1400ق.

89 - عدّة الداعي ونجاح الساعي: احمد بن محمد، ابن فهد حلي، (المتوفى 841ق)، مصحّح: احمد الموحدي القمي، 1 مجلد، دار الكتب الاسلاميّة، الأولى 1407ق.

90 - العقد الفريد: شهاب الدين احمد المعروف بابن عبد ربه الأندلسى، (المتوفى 328ق)، 8 مجلد، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1404ق.

ص: 377

91 - علل الشرايع: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، 2 مجلّد مكتبة الداوري، قم الأولى 1385ش.

92 - علم اليقين: فيض كاشانى، محمد بن شاه مرتضى، (المتوفى 1091ق)، 2 مجلد، انتشارات بيدار، قم، اول 1418ق.

93 - عوالى اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية: محمد بن زين الدين، ابن ابي جمهور، (المتوفى: زنده در سال 901ق)، 4 مجلد، مصحح: مجتبى العراقي، دار سيد الشهداء للنشر، قم، الأولى 1405ق.

94 - العين: الخليل الفراهيدي، (المتوفى 175ق)، 8 مجلد، مؤسسة دار الهجرة، الثانية 1410ق.

95 - عيون الأخبار: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفى 276ق)، 3 مجلد، منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية، بيروت، الثالثة 1414ق - 2003م.

96 - عيون أخبار الرضا عليه السلام: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: مهدي اللاجوردي، 2 مجلّد، جهان، طهران، الأولى 1378ق.

97 - غرر الحكم: آقاى جمال خوانسارى، محمد بن حسين (المتوفى 1122ق)، 7 مجلد، جامعة طهران، طهران، الرابعة 1366ش.

98 - غريب القرآن: محمد بن عزير السجستاني، (المتوفى 330ق)، 1 مجلد، دار قنيبة، سوريا، الطبعة الأولى 1416ق / 1995م.

99 - الغيبة (للنعماني): ابن ابي زينب، محمد بن ابراهيم، (المتوفى 360ق)، مصحح: على اكبر الغفاري، نشر صدوق، طهران، الأولى 1397ق.

100 - فقه اللغة وسر العربية: عبدالملك الثعالبي النيسابوري، (المتوفى 429ق)، دار الكتاب العربي، بيروت، ل بنان، الثانية 1416ق / 1996م.

ص: 378

101 - الفضائل: ابن شاذان القمي، ابو الفضل شاذان بن جبرئيل، (المتوفى حدود 600ق)، رضي، قم، الثاني 1363ش.

102 - فضائل الأشهر الثلاثة: ابن بابويه، محمد بن علي، (المتوفى 381ق)، 1 مجلد، كتاب فروشى داورى، قم 1396ق.

103 - فضائل الشيعة: ابن بابويه، محمد بن علي، (المتوفى 381ق)، 1 مجلد، اعلمي، طهران، الأولى بى تا.

104 - فقه الرضا عليه السلام: علي بن بابويه القمي، (المتوفى 329ق)، المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام، مشهد المقدسة، الأولى 1406ق.

105 - فلاح السائل ونجاح المسائل: ابن طاووس، علي بن موسى، (المتوفى 664ق)، 1 مجلد، بوستان كتاب، قم، الأولى 1406ق.

106 - قصص الأنبياء (للراوندي): سعيد بن هبة اللّه، قطب الدين الراوندي، (المتوفى 573ق)، مصحح: غلامرضا العرفانيان اليزدي، مركز پژوهش هاى اسلامى، مشهد، الأولى 1409.

107 - الكافى: (ط. اسلاميّة) محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني، (المتوفى 329ق)، مصحح: على اكبر الغفاري ومحمد الآخوندي، 8 جلد، دار الكتب الاسلاميّة، طهران، الرابعة 1407ق.

108 - كامل الزيارات: جعفر بن محمد، ابن قولويه، (المتوفى 367ق)، 1 مجلد، مصحح: عبدالحسين الأميني، دار المرتضويه، نجف الأشرف، الأولى 1356ش.

109 - الكامل فى اللغة والأدب: محمد بن يزيد المبرد، (المتوفى 285ق)، محقق: محمد ابوالفضل ابراهيم، 4 مجلد، دار الفكر العربى، قاهرة، الثالثة 1417ق.

ص: 379

110 - كتاب سليم بن قيس: سليم بن قيس الهلالى، (المتوفى 76ق)، مصحح: انصارى زنجانى، محمد خوئينى، 2 مجلد، الهادى، قم، الاولى 1405ق.

111 - كشف الأسرار في شرح الاستبصار: السيد نعمة اللّه الجزائري، دار الكتاب، 3 مجلد.

112 - كشف الغمّة في معرفة الأئمّة (ط. القديمة)، يوسف: على بن عيسى الاربلي، (المتوفى: 692ق)، مصحّح: سيّد هاشم الرسولي المحلاتي، بني هاشمي، 2 مجلد، تبريز، الأولى 1381ق.

113 - كشف المحجة لثمرة المهجة: السيد بن طاووس، (المتوفى 664ق)، المطبعة الحيدريّة، النجف الأشرف، 1370ق 1950م.

114 - كفاية الأثر في النص على الأئمّة الاثنى عشر:: علي بن محمد، الخزاز الرازي، (المتوفى قرن 4، 1 مجلد، مصحح: عبداللطيف الحسيني الكوهكمري، بيدار، قم، 1401ق.

115 - كنز العمال: المتقى الهندى، (المتوفى 975ق) 16 مجلد، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1409ق 1989م.

116 - كنز الفوائد: محمد بن علي الكراجكى، (المتوفى 449ق)، 2 مجلد، مصحح: عبداللّه نعمه، دار الذخائر، قم، الأولى 1410ق.

117 - لسان العرب: محمّد بن المكرّم، ابن منظور، (المتوفى 711ق)، 15 مجلد، مصحح: جمال الدين، الميردامادي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الثالثة 1414ق.

118 - مجالس ثعلب: احمد بن يحيى المعروف ب-: ثعلبب، (المتوفى 291ق).

119 - مجمع الأمثال: الميدانى، (المتوفى 518ق)، 2 مجلد، المعاونية الثقافية للآستانة الرضوية المقدسة، آذر 1366ش.

ص: 380

120 - مجمع البحرين: فخرالدين بن محمد، الطريحي، (المتوفى 1085ق)، 6 مجلد، مصحح: احمد الحسيني الاشكوري، المرتضوي، طهران، الثالثة 1375ش.

121 - مجمع البيان فى تفسير القرآن: فضل بن حسن الطبرسى، (المتوفى 548ق)، 10 مجلد، ناصر خسرو، طهران، الثالثة 1372.

122 - المحاسن: احمد بن محمد بن خالد البرقي، (المتوفى 274ق يا 280ق)، 2 مجلد، مصحح: جلال الدين، المحدث، دار الكتب الاسلامية، قم، الثانية 1371ق.

123 - محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء: ابو القاسم الحصين بن محمد المعروف بالراغب الاصفهاني، (المتوفى 502ق)، 2 مجلد، دار الارقم، بيروت، الأولى 1420ق.

124 - المحجة البيضاء في تهذيب الاحياء: الفيض الكاشاني، (المتوفى 1091ق)، 8 مجلد، تحقيق: علي اكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الثالثة.

125 - مرآة العقول في شرح اخبار آل الرسول: محمّد باقر بن محمد تقى المجلسي، (المتوفى 1110ق)، 26 مجلد، مصحح: السيّد هاشم الرسولي المحلاتي، دار الكتب الاسلامية، طهران، الثانية 1404ق.

126 - مروج الذهب ومعادن الجوهر: المسعودي، (المتوفى 346ق)، منشورات دار الهجره، قم 1404ق - 1363ش - 1984م.

127 - المستطرف في كلّ فن مستظرف: الابشيهي، (المتوفى 850ق)، 2 مجلد، دار ومكتبة الهلال، بيروت.

128 - مشكاة الأنوار في غرر الأخبار: على بن حسن طبرسى، (المتوفى 600ق)، 1 مجلد، المكتبة الحيدريّة، النجف الأشرف، الثانية 1385ق - 1344ش.

ص: 381

129 - مصباح الشريعة: منسوب به امام صادق7 (م 148ق)، الأعلمى، بيروت، الأولى 1400ق.

130 - مصباح المتهجّد: محمّد بن الحسن الطوسي، (المتوفى 460ق)، 2 مجلد، مؤسسة فقه الشيعة، بيروت، الأولى 1411ق.

131 - المصباح المنير: أحمد بن محمّد الفيومي، (المتوفى 770ق)، 2 مجلد، مؤسسة دار الهجرة، قم، الثانية 1414ق.

132 - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: محمّد بن طلحة الشافعي، (المتوفى 652ق)، تحقيق: ماجد أحمد العطيّة.

133 - معارج نهج البلاغة: علي بن زيد البيهقي، (قرن 6)، 1 مجلد، نشر كتابخانه عمومى آية اللّه مرعشي نجفي، قم، اول 1367ش.

134 - معانى الأخبار: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: على اكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، الأولى، قم 1403ق.

135 - معجم الأدباء: ياقوت الحموى، (المتوفى 626ق)، 20 مجلد، دار الغرب الاسلامى، بيروت، الأولى 1414 ق 1993م.

136 - مفتاح السعادة في شرح نهج البلاغة: السيّد محمّد تقي النقوي القايني الخراساني، معاصر، 7 مجلد، مكتبة المصطفوى، طهران.

137 - مقاتل الطالبيين: ابو الفرج الاصفهانى، (المتوفى 356ق)، تحقيق: سيد أحمد صقر، بيروت، دار المعرفة، بى تا.

138 - مقامات بديع الزمان: الهمداني

وابوالفضل احمد بن حسين بن يحيى بن سعيد (358 - 398ق).

139 - المقنعة: المفيد، محمّد بن محمّد، (المتوفى 413ق)، 1 مجلد، قم، الأوّل 1413ق.

ص: 382

140 - مكارم الأخلاق: حسن بن فضل، الطبرسي، (المتوفى قرن 6)، الشريف الرضي، قم، الرابعة 1412ق - 1370ش.

141 - الملل والنحل: الشهرستانى،

(المتوفى 548)، تحقيق: محمد سيد كيلانى، 2 مجلد، دار المعرفة، بيروت، لبنان.

142 - مناقب آل أبي طالب عليهم السلام:

محمّد بن على بن شهر آشوب المازندراني، (المتوفى 588ق)، 4 مجلد، العلاّمة، قم، الأولى 1379ش.

143 - من لا يحضره الفقيه: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: علي اكبر الغفارى، 4 مجلد، مؤسسة النشر الإسلامي، الثانية، قم 1413ق.

144 - منهاج البراعة: الميرزا حبيب اللّه الهاشمي الخوئي، (المتوفى 1324ق)، 22 مجلد، مصحح: علي العاشور، دار احياء التراث العربى للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الأولى 1429ق - 2008 م.

145 - منهاج الولاية في شرح نهج البلاغة: ملا عبدالباقي صوفي تبريزي، (قرن 11)، 2 مجلد، طهران، الأولى 1378.

146 - نفحات الرحمن في تفسير القرآن: محمد نهاوندى، (المتوفى 1371ق)، 6 مجلد، مؤسسة البعثة، ايران، قم، الأولى 1386ش.

147 - النوادر للراوندي: فضل اللّه بن علي، راوندي كاشاني، (المتوفى 570ق)، 1 مجلد، دار الكتاب، ايران، قم، بى تا، الأولى.

148 - النهاية في غريب الحديث والأثر: مبارك بن محمد، ابن الأثير الجزري، (المتوفى 606ق)، 5 مجلد، مصحح: محمود محمد الطناحي، اسماعيليان، قم، الرابعة 1367ش.

ص: 383

149 - نهج البلاغة (فيض الإسلام): حاج سيد علينقى فيض الاسلام، انتشارات فيض الاسلام، چاپ مكرر، چاپخانه احمدى.

150 - نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة: محمّد باقر محمودى، معاصر، 8 مجلد، سازمان چاپ وانتشارات وزارت فرهنگ وارشاد اسلامى، طهران، الأولى 1376ش.

151 - الوافي: محمد محسن بن شاه مرتضى، الفيض الكاشاني، (المتوفى 1091ق)، 26 مجلد، مكتبة الإمام اميرالمؤمنين عليه السلام، اصفهان، الأولى 1406ق.

152 - وسائل الشيعة: محمد بن حسن، شيخ حر العاملي، (المتوفى 1104ق)، مصحح: مؤسسه آل البيت:، 30 مجلد، الأولى 1409ق.

153 - وقعة صفين: نصر بن مزاحم المنقري، (المتوفى 212ق)، 1 مجلد: مصحح: عبدالسلام محمد، هارون، مكتبة آية اللّه المرعشى النجفى، الأولى 1404ق.

154 - يتيمة الدهر: عبدالملك الثعالبي النيسابوري، (المتوفى 429ق)، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، الأولى 1403ق - 1983م.

ص: 384

المحتویات

الخطبة (79): ومن خطبة له عليه السلام بعد فراغِهِ من حرب الجمل في ذم النساء

( 5 - 44)

فى كيفية خلق المرئة··· 5

ومن خطبة له عليه السلام: بعد فراغه من حرب جمل في ذم النساء··· 6

مَعَاشِرَ النَّاسِ إِنَّ النِّسَاءَ نَوَاقِصُ الاْءِيمَانِ نَوَاقِصُ الْحُظُوظِ نَوَاقِصُ الْعُقُولِ··· 7

فَأَمَّا نُقْصَانُ إِيمَانِهِنَّ فَقُعُودُهُنَّ عَنِ الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ أَيَّامَ حَيْضِهِنَّ··· 7

وَأَمَّا نُقْصَانُ عُقُولِهِنَّ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ كَشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ··· 9

فَاتَّقُوا شِرَارَ النِّسَاءِ··· 14

وَكُونُوا مِنْ خِيَارِهِنَّ عَلَى حَذَرٍ··· 15

وَلاَ تُطِيعُوهُنَّ فِي الْمَعْرُوفِ حَتَّى لاَ يَطْمَعْنَ فِي الْمُنْكَر··· 17

تنبيه ظريف··· 21

تنبيه··· 34

الخطبة (80): ومن كلامٍ له عليه السلام

( 45 - 59)

أَيُّهَا النَّاسُ الزَّهَادَةُ قِصَرُ الْأَمَلِ··· 45

وَالشُّكْرُ عِنْدَ النِّعَمِ··· 45

وَالوَرَعُ عِنْدَ الْمَحَارِمِ··· 47

ص: 385

فَإِنْ عَزَبَ ذَلِكَ عَنْكُمْ فَلاَ يَغْلِبِ الْحَرَامُ صَبْرَكُمْ··· 47

وَلاَ تَنْسَوْا عِنْدَ النِّعَمِ شُكْرَكُمْ··· 48

فَقَدْ أَعْذَرَ اللّه ُ إِلَيْكُمْ بِحُجَجٍ مُسْفِرَةٍ ظَاهِرَةٍ··· 48

وَكُتُبٍ بَارِزَةِ الْعُذْرِ وَاضِحَة··· 48

تبصرتان··· 48

الخطبة (81) ومن كلام له عليه السلام في صفة الدّنيا

( 60 - 77)

مَا أَصِفُ مِنْ دَارٍ أَوَّلُهَا عَنَاءٌ وَآخِرُهَا فَنَاءٌ··· 61

فِي حَلاَلِهَا حِسَابٌ··· 63

وَفِي حَرَامِهَا عِقَابٌ··· 68

مَنِ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ··· 70

وَمَنِ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ··· 72

وَمَنْ سَاعَاهَا فَاتَتْهُ وَمَنْ قَعَدَ عَنْهَا وَاتَتْهُ··· 74

وَمَنْ أَبْصَرَ بِهَا بَصَّرَتْهُ وَمَنْ أَبْصَرَ إِلَيْهَا أَعْمَتْهُ··· 76

الخطبة (82) ومن خطبة له عليه السلام وهي الخطبة العجيبة

( 78 - 291)

تسمى «الغراء» وفيها نعوت اللّه جل شأنه، ثم الوصية··· 78

بتقواه ثم التنفير من الدنيا، ثم ما يلحق من دخول··· 78

القيامة، ثم تنبيه الخلق إلى ما هم فيه من الأعراض، ثم··· 78

فضله عليه السلام في التذكير.··· 78

ص: 386

صفته جل شأنه··· 78

الوصية بالتقوى··· 78

التنفير من الدنيا··· 79

بعد الموت البعث··· 79

تنبيه الخلق··· 80

فضل التذكير··· 80

التذكير بضروب النعم··· 80

التحذير من هول الصراط··· 81

الوصية بالتقوى··· 82

ومنها في صفة خلق الإنسان··· 82

ومن خطبة له عليه السلام وهي الخطبة العجيبة··· 84

الْحَمْدُ للّه ِِ الَّذِي عَلاَ بِحَوْلِهِ··· 86

وَدَنَا بِطَوْلِهِ··· 87

مَانِحِ··· 87

كُلِّ غَنِيمَةٍ··· 87

وَفَضْلٍ··· 88

وَكَاشِفِ كُلِّ بَلِيَّةٍ وَأَزْلٍ··· 88

وَسَوَابِغِ نِعَمِهِ··· 89

أَحْمَدُهُ عَلَى عَوَاطِفِ كَرَمِهِ··· 91

وَأُومِنُ بِهِ أَوَّلاً بَادِياً··· 91

وَأَسْتَهْدِيهِ قَرِيباً هَادِياً··· 91

وَأَسْتَعِينُهُ قَادِراً قَاهِراً··· 91

ص: 387

وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ كَافِياً نَاصِراً··· 92

ناصرا··· 93

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ··· 94

أَرْسَلَهُ لاِءِنْفَاذِ أَمْرِهِ··· 94

وَإِنْهَاءِ عُذْرِهِ··· 95

وَتَقْدِيمِ نُذُرِه··· 95

أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللّه ِ بِتَقْوَى اللّه ِ··· 96

الَّذِي ضَرَبَ الْأَمْثَالَ··· 96

وَوَقَّتَ لَكُمُ الاْجَالَ··· 98

وَأَلْبَسَكُمُ الرِّيَاشَ··· 100

وَأَرْفَعَ لَكُمُ الْمَعَاشَ··· 100

وَأَحَاطَ بِكم الاْءِحْصَاءِ··· 100

وَأَرْصَدَ لَكُمُ الْجَزَاءَ··· 101

وَآثَرَكُمْ بِالنِّعَمِ السَّوَابِغِ··· 102

وَالرِّفَدِ الرَّوَافِغِ··· 102

وَأَنْذَرَكُمْ بِالْحُجَجِ الْبَوَالِغِ··· 102

فَأَحْصَاكُمْ عَدَداً··· 103

وَوَظَّفَ لَكُمْ مُدَداً··· 103

فِي قَرَارِ خِبْرَةٍ وَدَارِ عِبْرَةٍ··· 103

أَنْتُمْ مُخْتَبَرُونَ فِيهَا··· 104

وَمُحَاسَبُونَ عَلَيْهَا··· 104

فَإِنَّ الدُّنْيَا رَنِقٌ مَشْرَبُهَا··· 104

ص: 388

رَدِغٌ مَشْرَعُهَا··· 105

يُونِقُ مَنْظَرُهَا··· 106

وَيُوبِقُ مَخْبَرُهَا··· 106

غُرُورٌ حَائِلٌ··· 106

وَضَوْءٌ آفِلٌ وَظِلٌّ زَائِلٌ وَسِنَادٌ مَائِلٌ··· 106

حَتَّى إِذَا أَنِسَ نَافِرُهَا وَاطْمَأَنَّ نَاكِرُهَا··· 107

قَمَصَتْ بِأَرْجُلِهَا وَقَنَصَتْ بِأَحْبُلِهَا وَأَقْصَدَتْ بِأَسْهُمِهَا وَأَعْلَقَتِ الْمَرْءَ أَوْهَاقَ الْمَنِيَّةِ··· 107

قَائِدَةً لَهُ إِلَى ضَنْكِ الْمَضْجَعِ وَوَحْشَةِ الْمَرْجِعِ··· 107

وَمُعَايَنَةِ الْمَحَلِّ··· 107

وَثَوَابِ الْعَمَلِ··· 108

وَكَذَلِكَ الْخَلَفُ بِعَقْبِ السَّلَفِ··· 108

لاَ تُقْلِعُ الْمَنِيَّةُ اخْتِرَاماً وَلاَ يَرْعَوِي الْبَاقُونَ اجْتِرَاماً يَحْتَذُونَ مِثَالاً··· 108

وَيَمْضُونَ أَرْسَالاً إِلَى غَايَةِ الاِنْتِهَاءِ··· 108

وَصَيُّورِ الْفَنَاء··· 109

حَتَّى إِذَا تَصَرَّمَتِ الْأُمُورُ وَتَقَضَّتِ الدُّهُورُ وَأَزِفَ النُّشُورُ··· 109

أَخْرَجَهُمْ مِنْ ضَرَائِحِ الْقُبُورِ··· 115

وَأَوْكَارِ الطُّيُورِ··· 118

وَأَوْجِرَةِ السِّبَاعِ··· 118

وَمَطَارِحِ الْمَهَالِك··· 118

سِرَاعاً إِلَى أَمْرِهِ··· 118

مُهْطِعِينَ··· 119

إِلَى مَعَادِهِ··· 119

ص: 389

رَعِيلاً صُمُوتاً··· 119

قِيَاماً صُفُوفاً··· 120

يَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ··· 121

وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي··· 121

عَلَيْهِمْ لَبُوسُ الاِسْتِكَانَةِ··· 122

وَضَرَعُ الاِسْتِسْلاَمِ وَالذِّلَّةِ··· 122

قَدْ ضَلَّتِ الْحِيَلُ وَانْقَطَعَ الْأَمَلُ··· 123

وَهَوَتِ الْأَفْئِدَةُ كَاظِمَةً··· 123

وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ مُهَيْنِمَةً··· 124

وَأَلْجَمَ الْعَرَقُ··· 125

وَعَظُمَ الشَّفَقُ··· 125

وَأُرْعِدَتِ الْأَسْمَاعُ لِزَبْرَةِ الدَّاعِي إِلَى فَصْلِ الْخِطَابِ وَمُقَايَضَةِ الْجَزَاءِ··· 126

وَنَكَالِ الْعِقَابِ وَنَوَالِ الثَّوَابِ··· 126

عِبَادٌ مَخْلُوقُونَ اقْتِدَاراً··· 130

وَمَرْبُوبُونَ اقْتِسَاراً··· 130

وَمَقْبُوضُونَ احْتِضَاراً··· 133

وَمُضَمَّنُونَ أَجْدَاثاً··· 134

وَكَائِنُونَ رُفَاتاً··· 137

وَمَبْعُوثُونَ أَفْرَاداً··· 138

وَمَدِينُونَ جَزَاءً··· 139

وَمُمَيَّزُونَ حِسَاباً··· 140

قَدْ أُمْهِلُوا فِي طَلَبِ الْمَخْرَجِ··· 141

ص: 390

وَهُدُوا سَبِيلَ الْمَنْهَجِ··· 141

وَعُمِّرُوا مَهَلَ الْمُسْتَعْتِبِ··· 141

وَكُشِفَتْ عَنْهُمْ سُدَفُ الرِّيَبِ··· 142

وَخُلُّوا لِمِضْمَارِ الْجِيَادِ··· 142

وَرَوِيَّةِ الاِرْتِيَادِ··· 142

وَأَنَاةِ الْمُقْتَبِسِ الْمُرْتَادِ فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ وَمُضْطَرَبِ الْمَهَلِ··· 143

فَيَا لَهَا أَمْثَالاً صَائِبَةً··· 144

وَمَوَاعِظَ شَافِيَةً··· 144

لَوْ صَادَفَتْ قُلُوباً زَاكِيَةً··· 145

وَأَسْمَاعاً وَاعِيَةً··· 145

وَآرَاءً عَازِمَةً··· 146

وَأَلْبَاباً حَازِمَةً··· 147

فَاتَّقُوا اللّه َ تَقِيَّةَ مَنْ سَمِعَ فَخَشَعَ··· 147

وَاقْتَرَفَ فَاعْتَرَفَ··· 147

وَوَجِلَ فَعَمِلَ وَحَاذَرَ فَبَادَرَ··· 149

وَأَيْقَنَ فَأَحْسَنَ··· 149

وَعُبِّرَ فَاعْتَبَرَ··· 149

وَحُذِّرَ فَحَذِرَ··· 150

وَزُجِرَ فَازْدَجَرَ··· 150

وَأَجَابَ فَأَنَابَ··· 150

وَرَاجَعَ فَتَابَ··· 150

وَاقْتَدَى فَاحْتَذَى··· 151

ص: 391

وَأُرِيَ فَرَأَى··· 151

فَأَسْرَعَ طَالِباً··· 151

وَنَجَا هَارِباً فَأَفَادَ ذَخِيرَةً··· 152

وَأَطَابَ سَرِيرَةً··· 152

وَعَمَّرَ مَعَاداً··· 152

وَاسْتَظْهَرَ زَاداً لِيَوْمِ رَحِيلِهِ وَوَجْهِ سَبِيلِهِ وَحَالِ حَاجَتِهِ وَمَوْطِنِ فَاقَتِهِ··· 152

وَقَدَّمَ أَمَامَهُ لِدَارِ مُقَامِهِ··· 153

فَاتَّقُوا اللّه َ عِبَادَ اللّه ِ جِهَةَ مَا خَلَقَكُمْ لَهُ··· 153

وَاحْذَرُوا مِنْهُ كُنْهَ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ··· 153

وَاسْتَحِقُّوا مِنْهُ مَا أَعَدَّ لَكُمْ بِالتَّنَجُّزِ لِصِدْقِ مِيعَادِهِ··· 154

وَالْحَذَرِ مِنْ هَوْلِ مَعَادِهِ··· 155

ومنها: جَعَلَ لَكُمْ أَسْمَاعاً لِتَعِيَ مَا عَنَاهَا··· 156

وَأَبْصَاراً لِتَجْلُوَ عَنْ عَشَاهَا··· 156

وَأَشْلاَءً جَامِعَةً لِأَعْضَائِهَا مُلاَئِمَةً لِأَحْنَائِهَا··· 159

فِي تَرْكِيبِ صُوَرِهَا··· 160

وَمُدَدِ عُمُرِهَا··· 160

بِأَبْدَانٍ قَائِمَةٍ بِأَرْفَاقِهَا··· 161

وَقُلُوبٍ رَائِدَةٍ لِأَرْزَاقِهَا··· 161

فِي مُجَلِّلاَتِ نِعَمِهِ··· 166

وَمُوجِبَاتِ مِنَنِهِ··· 166

وَحَوَاجِزِ عَافِيَتِهِ··· 167

وَقَدَّرَ لَكُمْ أَعْمَاراً سَتَرَهَا عَنْكُمْ··· 168

ص: 392

وَخَلَّفَ لَكُمْ عِبَراً مِنْ آثَارِ الْمَاضِينَ قَبْلَكُمْ··· 170

مِنْ مُسْتَمْتَعِ خَلاَقِهِمْ وَمُسْتَفْسَحِ خَنَاقِهِمْ··· 171

أَرْهَقَتْهُمُ الْمَنَايَا دُونَ الاْمَالِ وَشَذَّبَهُمْ عَنْهَا تَخَرُّمُ الاْجَالِ··· 171

لَمْ يَمْهَدُوا فِي سَلاَمَةِ الْأَبْدَانِ··· 172

وَلَمْ يَعْتَبِرُوا فِي أُنُفِ الْأَوَانِ··· 172

فَهَلْ يَنْتَظِرُ أَهْلُ بَضَاضَةِ الشَّبَابِ إِلاَّ حَوَانِيَ الْهَرَمِ··· 172

وَأَهْلُ غَضَارَةِ الصِّحَّةِ إِلاَّ نَوَازِلَ السَّقَمِ وَأَهْلُ مُدَّةِ الْبَقَاءِ إِلاَّ آوِنَةَ الْفَنَاءِ··· 173

مَعَ قُرْبِ الزِّيَالِ وَأُزُوفِ الاِنْتِقَالِ وَعَلَزِ الْقَلَقِ وَأَلَمِ الْمَضَضِ وَغُصَصِ··· 173

الْجَرَضِ··· 173

وَتَلَفُّتِ الاِسْتِغَاثَةِ بِنُصْرَةِ الْحَفَدَةِ وَالْأَقْرِبَاءِ وَالْأَعِزَّةِ وَالْقُرَنَاءِ··· 173

فَهَلْ دَفَعَتِ الْأَقَارِبُ أَوْ نَفَعَتِ النَّوَاحِبُ··· 174

وَقَدْ غُودِرَ فِي مَحَلَّةِ الْأَمْوَاتِ رَهِيناً وَفِي ضِيقِ الْمَضْجَعِ وَحِيداً··· 175

وَالْأَرْوَاحُ مُرْتَهَنَةً بِثِقَلِ أَعْبَائِهَا··· 175

مُوقِنَةً بِغَيْبِ أَنْبَائِهَا··· 176

لاَ تُسْتَزَادُ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهَا وَلاَ تُسْتَعْتَبُ مِنْ سَيِّئِ زَلَلِهَا··· 177

أَ وَلَسْتُمْ أَبْنَاءَ الْقَوْمِ وَالاْبَاءَ وَإِخْوَانَهُمْ وَالْأَقْرِبَاءَ··· 178

تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ وَتَرْكَبُونَ قِدَّتَهُمْ وَتَطَئُونَ جَادَّتَهُمْ فَالْقُلُوبُ قَاسِيَةٌ عَنْ··· 179

حَظِّهَا لاَهِيَةٌ عَنْ رُشْدِهَا··· 179

سَالِكَةٌ فِي غَيْرِ مِضْمَارِهَا··· 180

كَأَنَّ الْمَعْنِيَّ سِوَاهَا وَكَأَنَّ الرُّشْدَ فِي إِحْرَازِ دُنْيَاهَا··· 180

وَاعْلَمُوا أَنَّ مَجَازَكُمْ عَلَى الصِّرَاطِ وَمَزَالِقِ دَحْضِهِ··· 182

وَأَهَاوِيلِ زَلَلِه··· 188

ص: 393

وَتَارَاتِ أَهْوَالِهِ··· 188

فَاتَّقُوا اللّه َ عِبَادَ اللّه ِ تَقِيَّةَ ذِي لُبٍّ شَغَلَ التَّفَكُّرُ قَلْبَهُ··· 190

وَأَنْصَبَ الْخَوْفُ بَدَنَهُ··· 191

وَأَسْهَرَ التَّهَجُّدُ غِرَارَ نَوْمِهِ··· 192

وَأَظْمَأَ الرَّجَاءُ هَوَاجِرَ يَوْمِهِ··· 195

وَأَوْجَفَ الذِّكْرُ بِلِسَانِهِ··· 195

وَقَدَّمَ الْخَوْفَ لِأَمَانِهِ··· 202

وَتَنَكَّبَ الْمَخَالِجَ عَنْ وَضَحِ السَّبِيلِ··· 202

وَسَلَكَ أَقْصَدَ الْمَسَالِكِ إِلَى النَّهْجِ الْمَطْلُوبِ وَلَمْ تَفْتِلْهُ فَاتِلاَتُ الْغُرُورِ··· 203

وَلَمْ تَعْمَ عَلَيْهِ مُشْتَبِهَاتُ الْأُمُورِ··· 203

ظَافِراً بِفَرْحَةِ الْبُشْرَى··· 203

وَرَاحَةِ النُّعْمَى··· 204

فِي أَنْعَمِ نَوْمِهِ وَآمَنِ يَوْمِهِ··· 204

وَقَدْ عَبَرَ مَعْبَرَ الْعَاجِلَةِ حَمِيداً وَقَدَّمَ زَادَ الاْجِلَةِ سَعِيداً··· 205

وَبَادَرَ مِنْ وَجَلٍ··· 205

وَأَكْمَشَ فِي مَهَلٍ وَرَغِبَ فِي طَلَبٍ وَذَهَبَ عَنْ هَرَبٍ··· 205

وَرَاقَبَ فِي يَوْمِهِ غَدَهُ··· 206

وَنَظَرَ قُدُماً أَمَامَهُ··· 207

فَكَفَى بِالْجَنَّةِ ثَوَاباً وَنَوَالاً··· 207

وَكَفَى بِالنَّارِ عِقَاباً وَوَبَالاً··· 210

وَكَفَى بِاللّه ِ مُنْتَقِماً وَنَصِيراً··· 212

وَكَفَى بِالْكِتَابِ حَجِيجاً وَخَصِيماً··· 212

ص: 394

أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللّه ِ الَّذِي أَعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ··· 214

وَاحْتَجَّ بِمَا نَهَجَ··· 214

وَحَذَّرَكُمْ عَدُوّاً نَفَذَ فِي الصُّدُورِ خَفِيّاً··· 215

وَنَفَثَ فِي الاْذَانِ نَجِيّاً··· 216

فَأَضَلَّ وَأَرْدَى وَوَعَدَ فَمَنَّى··· 217

وَزَيَّنَ سَيِّئَاتِ الْجَرَائِمِ··· 217

وَهَوَّنَ مُوبِقَاتِ الْعَظَائِمِ··· 218

حَتَّى إِذَا اسْتَدْرَجَ قَرِينَتَهُ··· 218

وَاسْتَغْلَقَ رَهِينَتَهُ··· 218

أَنْكَرَ مَا زَيَّنَ وَاسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ وَحَذَّرَ مَا أَمَّنَ··· 219

أَمْ هَذَا الَّذِي أَنْشَأَهُ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْحَام··· 221

وَشُغُفِ الْأَسْتَارِ··· 221

نُطْفَةً دِهَاقاً وَعَلَقَةً مِحَاقاً··· 222

وَجَنِيناً··· 222

وَرَاضِعاً··· 225

وَوَلِيداً وَيَافِعاً··· 226

ثُمَّ مَنَحَهُ قَلْباً حَافِظاً وَلِسَاناً لاَفِظاً وَبَصَراً لاَحِظاً··· 227

لِيَفْهَمَ مُعْتَبِراً··· 227

وَيُقَصِّرَ مُزْدَجِراً··· 228

حَتَّى إِذَا قَامَ اعْتِدَالُهُ وَاسْتَوَى مِثَالُهُ نَفَرَ مُسْتَكْبِراً وَخَبَطَ سَادِراً··· 228

مَاتِحاً فِي غَرْبِ هَوَاهُ··· 229

كَادِحاً سَعْياً لِدُنْيَاهُ فِي لَذَّاتِ طَرَبِهِ··· 229

ص: 395

وَبَدَوَاتِ أَرَبِهِ··· 230

ثُمَّ لاَ يَحْتَسِبُ رَزِيَّةً··· 230

وَلاَ يَخْشَعُ تَقِيَّةً··· 230

وَلَمْ يَقْضِ مُفْتَرَضاً··· 231

دَهِمَتْهُ فَجَعَاتُ الْمَنِيَّةِ فِي غُبَّرِ جِمَاحِهِ وَسَنَنِ مِرَاحِهِ··· 231

فَظَلَّ سَادِراً وَبَاتَ سَاهِراً فِي غَمَرَاتِ الاْلاَمِ وَطَوَارِقِ الْأَوْجَاعِ وَالْأَسْقَامِ··· 231

بَيْنَ أَخٍ شَقِيقٍ وَوَالِدٍ شَفِيقٍ··· 232

وَدَاعِيَةٍ بِالْوَيْلِ جَزَعاً وَلاَدِمَةٍ لِلصَّدْرِ قَلَقاً··· 233

وَالْمَرْءُ فِي سَكْرَةٍ مُلْهِثَةٍ وَغَمْرَةٍ كَارِثَةٍ··· 233

وَأَنَّةٍ مُوجِعَةٍ وَجَذْبَةٍ مُكْرِبَةٍ··· 234

وَسَوْقَةٍ مُتْعِبَةٍ··· 239

ثُمَّ أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ مُبْلِساً وَجُذِبَ مُنْقَاداً سَلِساً··· 245

ثُمَّ أُلْقِيَ عَلَى الْأَعْوَادِ رَجِيعَ وَصَبٍ وَنِضْوَ سَقَمٍ··· 248

تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ الْوِلْدَانِ وَحَشَدَةُ الاْءِخْوَانِ··· 250

إِلَى دَارِ غُرْبَتِهِ··· 251

وَمُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ وَمُفْرَدِ وَحْشَتِهِ··· 251

حَتَّى إِذَا انْصَرَفَ الْمُشَيِّعُ وَرَجَعَ الْمُتَفَجِّعُ أُقْعِدَ فِي حُفْرَتِهِ نَجِيّاً لِبَهْتَةِ··· 251

السُّؤالِ··· 251

وَعَثْرَةِ الاِمْتِحَانِ··· 270

وَأَعْظَمُ مَا هُنَالِكَ بَلِيَّةً نُزُولُ الْحَمِيمِ وَتَصْلِيَةُ الْجَحِيمِ··· 271

وَفَوْرَاتُ السَّعِيرِ··· 272

وَسَوْرَاتُ الزَّفِير··· 272

ص: 396

لاَ فَتْرَةٌ مُرِيحَةٌ وَلاَ دَعَةٌ مُزِيحَةٌ··· 273

وَلاَ قُوَّةٌ حَاجِزَةٌ··· 273

وَلاَ مَوْتَةٌ نَاجِزَةٌ··· 273

وَلاَ سِنَةٌ مُسَلِّيَةٌ··· 274

بَيْنَ أَطْوَارِ الْمَوْتَاتِ··· 274

وَعَذَابِ السَّاعَاتِ إِنَّا بِاللّه ِ عَائِذُونَ··· 274

عِبَادَ اللّه ِ أَيْنَ الَّذِينَ عُمِّرُوا فَنَعِمُوا··· 274

وَعُلِّمُوا فَفَهِمُوا··· 276

وَأُنْظِرُوا فَلَهَوْا··· 276

وَسُلِّمُوا فَنَسُوا··· 276

أُمْهِلُوا طَوِيلاً··· 277

وَمُنِحُوا جَمِيلاً··· 277

وَحُذِّرُوا أَلِيماً··· 278

وَوُعِدُوا جَسِيماً··· 279

احْذَرُوا الذُّنُوبَ الْمُوَرِّطَةَ··· 279

وَالْعُيُوبَ الْمُسْخِطَةَ··· 280

أُولِي الْأَبْصَارِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْعَافِيَةِ وَالْمَتَاعِ··· 281

هَلْ مِنْ مَنَاصٍ أَوْ خَلاَصٍ··· 281

أَوْ مَعَاذٍ أَوْ مَلاَذٍ أَوْ فِرَارٍ أَوْ مَحَارٍ··· 282

أَمْ لاَ··· 282

فَأَنَّى تُؤفَكُونَ··· 282

أَمْ أَيْنَ تُصْرَفُونَ··· 283

ص: 397

أَمْ بِمَا ذَا تَغْتَرُّونَ··· 283

وَإِنَّمَا حَظُّ أَحَدِكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ذَاتِ الطُّوْلِ وَالْعَرْضِ··· 284

قِيدُ قَدِّهِ مُتَعَفِّراً عَلَى خَدِّهِ··· 285

الاْنَ عِبَادَ اللّه ِ وَالْخِنَاقُ مُهْمَلٌ··· 285

وَالرُّوحُ مُرْسَلٌ فِي فَيْنَةِ الاْءِرْشَادِ··· 285

وَرَاحَةِ الْأَجْسَادِ··· 286

وَبَاحَةِ الاِحْتِشَادِ وَمَهَلِ الْبَقِيَّةِ وَأُنُفِ الْمَشِيَّةِ··· 286

وَإِنْظَارِ التَّوْبَةِ··· 286

وَانْفِسَاحِ الْحَوْبَةِ قَبْلَ الضَّنْكِ وَالْمَضِيقِ··· 287

وَالرَّوْعِ وَالزُّهُوقِ··· 287

وَقَبْلَ قُدُومِ الْغَائِبِ الْمُنْتَظَرِ··· 287

وَإِخْذَةِ الْعَزِيزِ الْمُقْتَدِرِ··· 289

الخطبة (83) ومن كلام له عليه السلام في ذكر عمرو بن العاص

( 292 - 345)

ومن كلام له عليه السلام في ذكر عمرو بن العاص··· 292

عَجَباً لاِبْنِ النَّابِغَةِ··· 294

يَزْعُمُ لِأَهْلِ الشَّامِ أَنَّ فِيَّ دُعَابَةً··· 300

وَأَنِّي امْرُؤ تِلْعَابَةٌ··· 312

أُعَافِسُ··· 312

وَأُمَارِسُ··· 313

لَقَدْ قَالَ بَاطِلاً وَنَطَقَ آثِماً··· 313

ص: 398

أَمَا وَشَرُّ الْقَوْلِ الْكَذِبُ··· 313

إِنَّهُ لَيَقُولُ فَيَكْذِبُ··· 317

وَيَعِدُ فَيُخْلِفُ··· 321

وَيَسْأَلُ فَيُلْحِفُ··· 323

وَيُسْأَلُ فَيَبْخَلُ··· 324

وَيَخُونُ الْعَهْدَ··· 327

وَيَقْطَعُ الاْءِلَّ··· 328

فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْحَرْبِ فَأَيُّ زَاجِرٍ وَآمِرٍ هُوَ مَا لَمْ تَأْخُذِ السُّيُوفُ مآخِذَهَا··· 328

فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَانَ أَكْبَرُ مَكِيدَتِهِ أَنْ يَمْنَحَ الْقَرْمَ سَبَّتَهُ··· 331

أَمَا وَاللّه ِ إِنِّي لَيَمْنَعُنِي مِنَ اللَّعِبِ ذِكْرُ الْمَوْتِ··· 339

وَإِنَّهُ لَيَمْنَعُهُ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ نِسْيَانُ الاْخِرَة··· 340

إِنَّهُ لَمْ يُبَايِعْ مُعَاوِيَةَ حَتَّى شَرَطَ لَهُ أَنْ يُؤتِيَهُ أَتِيَّةً وَيَرْضَخَ لَهُ عَلَى تَرْكِ··· 341

الدِّينِ رَضِيخَة··· 341

الخطبة (84): ومن خطبة له عليه السلام

( 346 - 368)

وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللّه ُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ··· 347

الْأَوَّلُ لاَ شَيْءَ قَبْلَهُ وَالاْخِرُ لاَ غَايَةَ لَهُ··· 347

لاَ تَقَعُ الْأَوْهَامُ لَهُ عَلَى صِفَةٍ··· 347

وَلاَ تَعْقِدُ الْقُلُوبُ مِنْهُ عَلَى كَيْفِيَّةٍ··· 348

وَلاَ تَنَالُهُ التَّجْزِئَةُ وَالتَّبْعِيضُ··· 349

وَلاَ تُحِيطُ بِهِ الْأَبْصَارُ وَالْقُلُوبُ··· 349

ص: 399

ومنها··· 350

فَاتَّعِظُوا عِبَادَ اللّه ِ بِالْعِبَرِ النَّوَافِعِ··· 350

وَاعْتَبِرُوا بِالاْيِ السَّوَاطِعِ··· 350

وَازْدَجِرُوا بِالنُّذُرِ الْبَوَالِغِ··· 351

وَانْتَفِعُوا بِالذِّكْرِ وَالْمَوَاعِظِ··· 352

فَكَأَنْ قَدْ عَلِقَتْكُمْ مَخَالِبُ الْمَنِيَّةِ··· 353

وَانْقَطَعَتْ مِنْكُمْ عَلاَئِقُ الْأُمْنِيَّةِ··· 353

وَدَهَمَتْكُمْ مُفْظِعَاتُ الْأُمُورِ.··· 353

وَالسِّيَاقَةُ إِلَى الْوِرْدِ الْمَوْرُودِ··· 354

وَكُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ··· 354

سَائِقٌ يَسُوقُهَا إِلَى مَحْشَرِهَا··· 354

وَشَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا··· 355

ومنها في صفة الجنة··· 355

دَرَجَاتٌ مُتَفَاضِلاَتٌ··· 356

وَمَنَازِلُ مُتَفَاوِتَاتٌ··· 357

لاَ يَنْقَطِعُ نَعِيمُهَا··· 363

وَلاَ يَظْعَنُ مُقِيمُهَا··· 364

وَلاَ يَهْرَمُ خَالِدُهَا··· 366

وَلاَ يَبْأَسُ سَاكِنُهَا··· 368

المصادر··· 369

المحتويات··· 3851

ص: 400

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.