بسم الله الرحمن الرحيم

أبو طالب مؤمن الحجاز

الشيخ محمد نجاح الطائيالطبعة الاولى: 1442هج ق_ 1400 هج ش _2021 م

حقوق الطبع محفوظة للدار _ المطبوع: 1000نسخة

0-143-343-600-978

في هذا الكتاب 700 مصدر ومرجع علمي

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

وطغاة قريش تزداد حصارا لهم وحقدا عليهم طالبة منهم ترك النبي والالتحاق بجبهة ابي لهب .

وعلى قدر صمود هذه الشخصية الراقية في حب النبي (صلی الله علیه و اله ) والاعتقاد به والاخلاص له كانت جبهة النواصب تزداد بغضا لابي طالب كرها لصموده وحنقا على حراسته للنبوة ومناصرتها لتحقيق أهدافها المرسومة .

فلم يتمكن النواصب من سماع اسمه بل ارادوا له النسيان ولترجمته الهوان ولمصيره الخسران حقدا على دينه السليم ونسبه لمولى الموحدين .

الباب الاول : في نسب اباد النبي وحياتهم وأهدافهم .

وكيف عاشوا مؤمنين متقين عابدين فخدموا الحجيج وأطعموهم وحرسوهم ومكنوهم من اداء فريضة الحج والعودة الى أهلهم سالمين .

وفي الفصل الثاني من اباب يتناول عبادة عبد المطلب في غار حراء سيرا منه على منهج الاباء وتحريمه للمسكر وتسمية قريش لعبد المطلب بابراهيم الثاني .

وتناول الفصل البراهين على ايمان اجداد النبي (صلی الله علیه و اله ) وآبائه .الفصل الثالث بحث في ايمان ابي طالب وخدمته للرسول وبلغ اعتقاد عبد المطلب وابي طالب بالنبي انهما كانا ينزلان المطر بالنبي يوم كان طفلا وصبيا .

بينما كانت رجال مكة تدعو الاصنام لنزول الغيث وتتوسل بها وهذا الفرق بين الاثنين .

وان أعمال وأقوال ووصية ابي طالب تبين اسلامه وايمانه الاصيل بالنبي والاسلام .

ص: 4

ويتحدث الكتاب عن الحصار الظالم لبني هاشم في شعب ابي طالب وقطعهم للطعام والمعاملة معهم فلا زواج ولا بيع ولا شراء مع بني هاشم .

وكيف استطاع النبي (صلی الله علیه و اله )وابو طالب والامام علي (علیه السلام) أن يعبروا هذه المرحلة الصعبة بسلام عبر الحكمة والصبر وحسن العمل .

ففشلت قريش مرة اخرى في مسعاها وخابت ظنونها وفشلت مكائدها .

ويبين البحث زمن اسلام ابي طالب في اول البعثة وانه لم يكن في حياته كافرا قط بل هو مثل اجداده السالفين فقد كانوا صالحين عابدين محسنين .

والباب الثاني يبين سيرة الكافرين والمنافقين في محاربتهم الاسلام والنبي(صلی الله علیه و اله ) وسعيهم الحثيث للقضاء عليه واجتثاث عروقه ومحو تراثه وايجاد المصاعب له .فحاول علماء النواصب اختلاق الاكاذيب في كفر اجداد النبي وآبائه وابي طالب للاسائة اليه .

وفي نفس الوقت جعلوا طغاة مكة مسلمين ومن الصحابة المقدسين من كفرهم يقتل ومن أساء اليهم يُسجن .

محمد نجاح الطائي

ص: 5

كذبة الكفار : ان النبي دخل في الحروب الجاهلية الفاسدة بينما رؤوس الصحابة لم يدخلوا فيها بسبب أهدافها الباطلة .

وهذا طبقا للمنهج اليهودي في الاساءة للانبياء والاحسان الى أحبار اليهود الفاسدين الاشرار .

ومن الروايات الكاذبة : عرفت كنانة بأنَّ نصرها يأتي في أيام حضور النبي ((صلی الله علیه و اله ))الحرب إلى جانبها , وتهزم في غيابه فقالوا : يا ابن مطعم الطيروساقي الحجيج لا تغب عنَّا , فإنَّا نَرى مع حضورك الظفر والغلبة.

قال ((صلی الله علیه و اله )) : فاجتنبوا الظلم والعدوان والقطيعة والبهتان فإني لا أغيب عنكم.

فقالوا : ذاك لك , فلم يزل يحضر حتى فتح عليهم ((1)).

ولكن القول الأقوى يبقى إلى جانب امتناع بني هاشم من المشاركة في حرب الفجار إذ قال أبو طالب :

هذا ظلم وعدوان وقطيعة رحم واستحلال للأشهر الحرم ولا أحضره , ولا أحد من أهلي فلم يُقتَل احد من بني هاشم في تلك المعركة في

ص: 8

حين قتل من بني أسد حزام بن خويلد (أبو حكيم) , وخويلد بن أسد (أبو خديجة) ((1)).

اذن لقد امتنع بنو هاشم بقيادة رئيسهم أبي طالب من حضور حرب الفجار الظالمة ومن هؤلاء النبي محمد (صلی الله علیه و اله ) فكيف كذب الامويون بحضور النبي في حرب فاسدة الاهداف .

وللتستر على ابن جدعان وحرب بن أمية فقد جاء : وقال عبدالله بن جدعان التيميوحرب بن أمية : لا نحضر أمراً تغيَّب عنه بنو هاشم ((2)).

والظاهر أنَّ الحزب القرشي اختلق قضية مشاركة النبي ((صلی الله علیه و اله )) في حرب الفجار لتشويه سمعته , في حين أنكر حضور حرب بن أمية فيها!

مثلما وصموا رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) بأكل القرابين المذبوحة للأصنام قبل الإسلام ونزَّهوا آخرين عنها.

ولا يوجد سبب عقلائي يدعو أبا طالب زعيم بني هاشم ورسول الله ((صلی الله علیه و اله ))للمشاركة في حروب قبلية لاناقة لهم فيها ولا جمل , خاصة وانها حرب فاجرة يمقتها الله تعالى.

ص: 9

والمشهور لدى معظم المؤرخين وأصحاب السير أنَّ حرب الفجار الأخيرة قد وقعت وكان عمر النبي ((صلی الله علیه و اله ))عشرين سنة.

إلاّ أننا نجد الزهري يقول : إنّه ((صلی الله علیه و اله )) ولد بعد عام الفيل بثلاثين سنة وبين الفجار والفيل اربعون سنة مخالفاً بذلك المشهور» ((1)) .

أي أن عمره(صلی الله علیه و اله ) كان عشر سنوات وهو عمر لايؤهله للاشتراك في الحروب أبداً .

ومن عادة الظالمين المشاركة في كل حرب عقيمة وفي كل فتنة تؤدي الى قتل الابرياء وهذه عادة الامويين المعروفة منذ زمن أمية وحرب وصخر وابي سفيان ومعاوية ويزيد ومروان واولاده .

وكانت لقريش دار الندوة تعقد فيه اجتماعاتها في ذلك الحين. وكان أبو طالب سيد قريش أعظم وأشرف من ابن جدعان الموصوف في التاريخ بالصعلوك والشرير ((1)).

قال الزبير بن عبد المطلب لاهالى حلف الفضول :

حَلَفتُ لنعقد حلفاً علينا _ وإن كنّا جميعاً أهل دار نسميه الفضول إذا عقدنا _ يعزّ به الغريب لدى الجوار ((2)).فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلاّ قاموا معه , وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته , فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول , وعقد في بيت أبي طالب بدليل أنَّ اخته البيضاء هي التي أحضرت لهم جفنة من طيب فغمسوا أيديهم فيها ((3)).

وهو دار عبد المطلب سابقا.

ص: 12

واصبح منهجهما معروفا للناس في الحجاز فيسيرون على مشروعهما المعروف عنهما .

لكن النواصب حاولوا ذكر النبي (صلی الله علیه و اله ) وأبي طالب في المواطن السيئة لتشويه صورتهما

وخلطها بشخصيات المشركين من بني أمية والوليد بن المغيرة وابي جهل وعبد الله بن جدعان .

وحاول الامويون في زمن حكمهم ادراج الفاجرين الفاسدين في حلف الفضول الطيب لتحسين صورهم .

لكن فشلت مؤامراتهم لان النصوص الصحيحة دونتهم في حرب الفجار وذكرتهم مع جماعة لعقة الدم الظالمين :

فانقسموا الى حزبين حزب لعقة الدم وحزب الفضول : الحزب يتكون من قبائل بني عبد الدار وبني عدي وبني سهموبني مخزوم وبني أمية , اتفقوا على الحرب حتى الموت ((1)) .

ص: 14

بن كلاب بن مُرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر , وإلى فهر تسمى قريش وفوق فهر لا يقال له قرشي بل كناني ((1)).

وعن هشام بن محمد الكلبي صاحب النسب : أمّ الرسول ((صلی الله علیه و اله )) آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مُرَّة , وأُمّها بَرّه بنت عبدالعزى بن عثمان بن عبدالدار بن قصى بن كلاب , و امها امّ حبيب بنت أسد بن عبدالعزى بن قصى بن كلاب وأمّها برّة بنت عوف بن عبيد بنعويج ((2)). وينتسب النبي ((صلی الله علیه و اله )) إلى إسماعيل بن إبراهيم (علیه السلام) .

وقال هشام بن محمد الكلبي : كتبت للنبي ((صلی الله علیه و اله )) خمسمائة أم فما وجدت فيهنَّ سفاحاً , ولا شيئاً مما كان من أمر الجاهلية ((3)).

واوجب الأمر أن يكون الأنبياء والأوصياء جميعاً أفضل الناس نسباً وشرفاً و لأجل ذلك ساد الناس محمدٌ ((صلی الله علیه و اله )) ثم علي (علیه السلام) ثم أبناء علي من أهل البيت (عليهم السلام). وآخرهم المهدي (علیه السلام) الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

ص: 17

قال رسول ((صلی الله علیه و اله )) : ما افترق الناس فرقتين إلاّ جعلني اللهُ في خيرهما فأخرجت من بين أبوي فلم يصبني شيء من عهر الجاهلية وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأمي , فأنا خيركم نسباً وخيركم أبا ((1)).

والدليل القرآني على طهارة نسب النبي ((صلی الله علیه و اله )) وايمان أجداده قوله تعالى :(الذي يَرَاك حِينَ تَقُومُ وتَقَلُّبَكَ في السَّاجِدِينَ) ((2)) فهي تدل باتفاق المفسرين على كون آبائه من الساجدين الطاهرين المطهرين.

وقد سار عبدالمطلب على خطى آبائه فحرَّم نساء الآباء على الأبناء ((3)).

وقال رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) : قال لي جبريل : قلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد أحداً أفضل من محمد , وقلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم ((4)).

وذكر ابن سعد في طبقاته (الجزء الأول) نسب النبي وآبائه وأُمهاته بشكل جيد وموسع ((5)).

ص: 18

«يا معشر قريش إنكم جيران الله سبحانه , وأهل بيته , وإنه يأتيكم في هذا الموسم زُوّارُ الله وحُجَّاج بيته , وهم ضيف الله سبحانه , وأحق الضَّيف بالكرامة ضَيْفُه فأجْمَعُوا لهم ما تصنعون لهم به طعاماً أيامهم هذه التي لا بد لهم من الإقامة بها , فإنه _ والله _ لو كان مالي يسعلذلك ما كلَّفْتُكُمُوهُ». فيخرجون لذلك خرجاً من أموالهم كل امرئ بقدر ما عنده فيُصنع به للحجاج طعامٌ حتى يصدروا منها ((1)).

وأول من أطعم الثريد للحجاج بمكة وإنما كان اسمه عَمراً فما سمي هاشماً إلاّ بِهَشْمه الخبز بمكة لقومه فقال شاعر من قريش :

عَمْرو الذي هَشَم الثريد لقومه***قوم بمكة مُسْنِتِينَ عِجَافِ

سُنَّت إليه الرحلتان كلاهما***سَفَرُ الشتاءِ ورِحلةُ الايلاف ((2))

وكان هاشم بعد أبيه على الزعامة والسقاية والرفادة , فكان يعمل الطعام للحجاج يأكل منه من لم يكن له سعة ولا زاد , وتسمى الرفادة.

ثم ولي الزعامة والسقاية والرفادة بعده أخوه المطلب بن عبدمناف ثم تولاها بعده شيبة ابن هاشم المسمى بعبد المطلب ((3)).

وكان هاشم أول من سنَّ الرحلتين لقريش : رحلتي الشتاء والصيف.

ص: 20

عذب , فكبَّر عبدالمطلب وكبَّر أصحابه ثم نزل فشرب وشرب أصحابه واستقوا حتى ملئوا أسقيتهم , ثم دعا القبائل من قريش قائلاً : هلم إلى الماء فقد سقانا الله فاشربوا واستقوا فجاءوا فشربوا واستقوا ثم قالوا : والله قُضي لك علينا يا عبد المطلب , والله لا نخاصمك في زمزم أبداً ان الذي سقاك الماء بهذه الفلاة هو الذي سقاك زمزم فارجع إلى سقايتك راشداً ((1)). وورث أبو طالب الرئاسة والسقاية والرفادة من أبيه عبد المطلب.

وكان عبد المطلب قد عثر على أسياف وغزالين من الذهب في زمزم فجعل الأسياف باباً للكعبة

وضرب في الباب الغزالين من ذهب فكان أول ذهب حليت به الكعبة ((2)).

وجاء ايضاً ان أول من بنى الكعبة هو آدم(علیه السلام) بمعونة حواء بعدما قال لهما الله تعالى : ابنيا لي بيتاً فخط لهما جبرئيل أساسه ثم حجّه نوح (علیه السلام) ((1)).

ثم رفع إبراهيم القواعد «وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل , ربنا تقبل منا إنك أنت السميع البصير» ((2)) فكانت غير مسقفة ((3)).

وطولها ثلاثون ذراعاً وعرضها اثنان وعشرون ذراعاً , وكانت فوق القامة وبنى بنو عبد المدان الحارثي كعبة نجران مضاهاة للكعبة ((4)).وقد زار البيت الحرام كل الأنبياء الذين جاءوا بعد إبراهيم (علیه السلام) ((5)).

وكان إبراهيم

(علیه السلام) عبرانياً وإسماعيل عربياً إذ تكلم وكتب بها ((6)).

واولى الله تعالى البيت الحرام اهمية خاصة فقالوا : ما زلنا نسمع أن إسافاً ونائلة رجل وامرأة من جرهم زنيا في الكعبة فمسخهما الله تعالى حجرين ((7)).

ص: 23

أهتم أجداد النبي (صلی الله علیه و اله ) بالكعبة فعبد المطلب أول من جعل باب الكعبة ذهباً ((1))عندما عثر على غزالين وأسياف في بئر زمزم وهما من الذهب الخالص كانت جرهم قد دفنتها مع نفائس. وكان عبد المطلب رئيس قريش ومكة ((2)) .

فورث منه ذلك أبو طالب ومن الطبيعي أنْ تكون قضية بناء الكعبة بيده.وبعدما حقَّقت موضوع بناء الكعبة وجدت الكتب المعنيّة بهذا الأمر تهتم بما يلى .

1 _ تدوين مناقب طغاة قريش في هذا الأمر وعلى رأسهم الوليد بن المغيرة في قضية بناء الكعب بابرازه بمظهر المشرف والآمر بالبناء كذبا .2 _ تدوين منقبة مزيفة لابي لهب في قضية الأموال الطاهرة التي يجب إنفاقها في البناء , مع محو كامل لاسم أبي طالب زعيم قريش والنبي ((صلی الله علیه و اله )) في هذا الموضوع .

3 _ محاولة رواة وعلماء الحزب القرشي النيل من رسول الله(صلی الله علیه و اله ) بحجة سقوط ردائه وتعرّيه في الكعبة وهي قضية موضوعة .

4_ سلب فضيلة النبي في بناء الكعبة و فضيلته (صلی الله علیه و اله ) في قضية الحجر الأسود بتصويرهم حدوث ذلك صدفة بقولهم من دخل الكعبة اولاً فهو الحاكم في حل قضية الحجر الأسود.

فأدركت عمق الهجمة على رسول الله(صلی الله علیه و اله ) وعلى عمه أبي طالب.

ص: 24

فهل كان الأمر كذلك؟ أم أن رجال الحزب القرشي السابقون واللاحقون طمسوا الحقائق وغيّبوا الوقائع لصالح رجال الحزب؟

5 _ وكان الوليد بن المغيرة المخزومي (والد خالد) من الطغاة المعاندين للإسلام والمستهزئين برسول الله (صلی الله علیه و اله ) فقال تعالى لرسوله في حقه :

«إنّأ كفيناك المستهزئين» ((1)).

ونزلت في حق أبي لهب سورة قرآنية كاملة عليه لا يوفقهما الله تعالى لبناء الكعبة.

6 _ ولما حفر الناس حتى انتهوا إلى قواعد إبراهيم قلعوا منها حجراً فوثبالحجر ورجع مكانه فأمسكوا , وخرج عليهم ثعبان فحال بينهم وبين البناء» ((2)). فكانت هذه الحية تشرف على جدار الكعبة ولا يدنو منها احد إلا كشّت وفتحت فاهها , فكانوا يهابونها .

7 _ وأدخل رجل من قريش عتلة بين حجرين منها ليقلع به أحدهما , فلما تحرّك الحجر انتقضت مكّة بأسرها ((3)).

أي أنَّ الكعبة ترفض رجال الكفر والبغي واموال الربا والظلم وتريد أشخاصاً طاهرين مثل النبي (صلی الله علیه و اله ) وأبي طالب.

الصحيح في الموضوع :

ص: 25

1 _ هناك ثعبان عظيم منع الناس من بناء الكعبة ولم يذكر علماء الإنصاف السبب الحقيقي في القضاء على هذا الثعبان لماذا؟!.

2 _ وكان أمر الكعبة بيد عبد المطلب بن هاشم ولما مات جعل أمرها بيد ابنه الزبير إضافة إلى أمر الحكومة واوصى إلى أبي طالب برسول الله (صلی الله علیه و اله ) وسقاية زمزم قائلاً : خلّفت في أيديكم الشرف العظيم الذي تطأون به رقاب العرب ((1)).وابو طالب هو الذي دعا إلى بناء الكعبة كما بناها جده إبراهيم (علیه السلام) ((2)) . وكان العرب يعظمون الكعبة فلا يدخلونها بحذاء ((3)) وواضح على نداءات بناء الكعبة وبنودها اللمسات الهاشمية.

3 _ وبنيت الكعبة بإشراف رسول الله (صلی الله علیه و اله ) وبإشارة منه ولولا رسول الله (صلی الله علیه و اله ) لما أقدموا على هدم وبناء البيت إذ أراد تعالى إكرام رسوله محمداً (صلی الله علیه و اله ) بتجديد بناء البيت كما فعل آدم وإبراهيم (علیه السلام) فتصدّع جدار الكعبة في زمنه (صلی الله علیه و اله ) وعمره خمس وثلاثون سنة .

ص: 26

وقبل ذلك بخمس سنين انشق جدار الكعبة لفاطمة بنت أسد الحامل المقرب بعلي بن أبي طالب (علیه السلام) فدخلت في جوف الكعبة ووضعت علياً (علیه السلام) .

4 _ قال أبو طالب : إنّ هذا لا يصلح أن ينفق فيه إلاّ من طيّب المكاسب فلا تُدخلوا فيه مالاً من ظلم ولا عدوان , ليس فيه مهر بغي ومال ربا وظلم , فأحضروا ما لم يشكّوا فيه من طيّب أموالهم ورفعوا أيديهم إلى السماء.فجاء طائر فاختطف الثعبان حتى ذهب» ((1)).

إذن لولا يد رسول الله (صلی الله علیه و اله ) وأبي طالب لما استجاب الله تعالى دعاءهم ولَدَحرهم مع طاغيتهم الوليد بن المغيرة.

5 _ ولما اختلفوا في قضية بناء الكعبة قسَّم رسول الله (صلی الله علیه و اله ) مهام البناء بين قبائل قريش فكان شِق الباب لبني عبد مناف وزهرة , وكان ما بين الركن الأسود والركن اليماني لبني مخزوم وقبائل من قريش انضموا إليهم , وكان ظهر الكعبة لبني جمح وسهم , وكان شق الحجر لبني عبد الدار بن قصي وبني أسد وبني عدي بن كعب ((2)).

ولما سمح لهم الله تعالى بالمشاركة في البناء عملوا جميعاً في بناء الكعبة لنيل ذلك الشرف العظيم , والعز الدائم.

فنلاحظ بأن ابا طالب هو الذي دعا الى بناء الكعبة وهو توفيق الهي عظيم.

ص: 27

وكان النبي محمد(صلی الله علیه و اله ) هو الذي اشرف على وضع الحجر الاسود وحل مشكلة القبائل فكانا يعملان جنبا الى جنب ووهبهما الباري فضيلة كبيرة

وبقيت الاوضاع متشنجة بين الجانبين خمسة أيام واوشكت الحرب ان تقع بينهم لأجل الحجر الأسود الذي أُنزل من الجنّة وكان أشدُّ بياضاً من اللبن فسوَّدته خطايا الناس.

قال اليعقوبي : فأقبل رسول الله(صلی الله علیه و اله ) وكانت قريش تسمِّيه الأمين , فلما رأوه مقبلاً قالوا : رضينا بحكم محمد بن عبد الله. فبسط رسول الله (صلی الله علیه و اله ) رداءه ثم وضع الحجر الأسود في وسطه وقال : لتحمل كل قبيلة بجانب من جوانب الرداء ثم ارفعوا جميعاً ففعلوا ذلك... ولما بلغ الموضع أخذه رسول الله(صلی الله علیه و اله ) ووضعه بموضعه الذي هو به وسقفوها ولم يكن لها قبل ذلك سقف ((1)).

بعدما اختلف رؤساء القبائل فيمن يحمل الحجر الاسود ويضعه مكانه وصلوا الى طريق مسدود يؤدي الى الحرب عندها قالوا : نقبل بتحكيم محمد بانه الصادق الامين .

فبعثوا اليه ولما جاء وقبل التحكيم وقيادة الامة في هذا الموضوع اقترح وضع الحجر الاسود على ردائه ويحمل رؤساء القبائل اطراف الرداء وتكلل عمله بالنجاح والتوفيق .فاصبح مطبوعا في هذ القرشيين ان محمدا (صلی الله علیه و اله ) (صلی الله علیه و اله ) عندهالقدرة على حل المشاكل الكبرى وابعاد الناس عن الحروب والصراعات والفتن .

ص: 29

وكان ابو طالب يرى ذلك فازداد يقينه يوميا بأن محمدا(صلی الله علیه و اله ) زعيم الامة ونبي البشرية ويجب الانضواء تحت رئاسته .

إذن طلبت قريش من رسول الله (صلی الله علیه و اله ) التحكيم فيما بينها لمعرفتها بعقله الوافر وانه الصادق الامين. فقلب أعداء الرسول(صلی الله علیه و اله ) القضية بان قريش طلبت تحكيم أول داخل عليها في المسجد ايّاً كان من الناس! ((1))

فقال رجل قرشي : ياعجباً لقوم أهل شرف وعقول وسن وأموال عمدوا الى اصغرهم سِنَّاً واقلّهم مالاً فرأسوه عليهم في مكرمتهم وحرزهم كأنهم خدم له , أما والله ليفوتنهم سبقاً وليقسمن بينهم حظوظاً وجدوداً ((2)) .

ولم يكن رسول الله (صلی الله علیه و اله ) اقلهم مالاً فهو زوج خديجة ومالها تحت يديه وانما ذلك من كذب الحزب القرشي .

لقد كانت اللمسات والاعمال الهاشمية المحمدية واضحة في قضية بناء الكعبة منها : أمر الكعبة ورثه بنو عبد المطلب من ابيهم :رسول الله (صلی الله علیه و اله ) وأبو طالب أول من أمرا ببناء الكعبة بعد الاجازة الإلهية بذلك.

: وضع الحجر الأسود كان بيد رسول الله(صلی الله علیه و اله )

: صفة الأموال المصروفة حنيفية اسلامية من حيث كونها طاهرة من السرقة والربا والظلم. وقد جاء بان أبا طالب هو الذي اصلح زمزم بعد وفاة عبد

ص: 30

المطلب ((1)) لان زمزم مختصة بعبد المطلب واصبحت من مختصات أبي طالب من بعده.وكان أبو طالب زعيم قريش لذلك قال القرشيون له :

انت سيدنا وافضلنا في انفسنا ((2)).

وقالوا بنيت الكعبة بعد عام الفيل بخمس وثلاثين سنة اي قبل البعثة النبوية بخمس سنين حيث كان عمره(صلی الله علیه و اله ) خمساً وثلاثين سنة ((3)).وتعرضت الكعبة للحريق ايضاً مرّة قبل الإسلام ومرّة في زمن يزيد واخرى في زمن عبد الملك بن مروان.

فتركها عبد الله بن الزبير هكذا لتأليب الناس على بني أمية ((4)).

ص: 31

ولم يتمكن الحجاج من بناء الكعبة لخوف الناس من حية فيها ولما وضع علي بن الحسين(علیه السلام) اساس الكعبة تمكّن الناس من اكمال البناء ((1)).

اى تكررت قضية الثعبان مرتين .

لقد كانت الكعبة قبلة للموحدين ومركزا مهماً للمسلمين والكافرين فقد سعى القرشيون واعوانهم في طريق سلب رسول الله (صلی الله علیه و اله ) وأبي طالب شرف بناء الكعبة .

تحرك الامويون لتحريف بناء الكعبة لسلب ابي طالب فضله في البناء و في هذا الطريق حاولوا اعطاء شرف بناء الكعبة لأعتى طاغية في ذلك الزمان ألاوهو الوليد بن المغيرة المخزومي المنتسب لحلف لعقة الدم.

كيف لا وهو احد المستهزئين بالنبي(صلی الله علیه و اله ) من الذين نزل في ذمهم القرآن الكريم :

(إنّا كفيناك المستهزئين) ((2))ومن المحاربين لله تعالى ودينه المبين! فقالوا بان أول من سعى لهدم الكعبة وبنائها هو الوليد بن المغيرة المخزومي.

في حين لم يكن الوليد الا حداداً بسيطاً في المهنة والجاه والشرف!

ثم انتقموا من الكعبة واظهروا منزلتها عندهم بهذه الصورة :

احرق يزيد بن معاوية الكعبة وهدمها بالمنجنيق ((3)).

ص: 32

: احرق عبد الملك بن مروان الأموي الكعبة وهدمها بالمنجنيق. ((1))

حاول يزيد بن الوليد بن عبد الملك شرب الخمر فوق سقف الكعبة فخوّفه المحيطون به.

والإرفاد : الإعانة والإعطاء ، والاتفاد : الكسب .

والاسترفاد : الاستعانة ، والترفد : التعاون .والرفادة : شيء كانت قريش تترافد به في الجاهلية ، فيخرج كل إنسان مالا بقدر طاقته فيجمعون من ذلك مالا عظيما أيام الموسم فيشترون به للحجاج الجزر ( الإبل ) والطعام ، والزبيب للنبيذ ، فلا يزالون يطعمون الناس حتى تنفض أيام مواسم الحج ، وكانت الرفادة والسقاية لبني هاشم ، والسدانة واللواء لبني عبد الدار ، وكان أول من قام بالرفادة هاشم بن عبد مناف ، وسمى هاشما لهشمه الثريد ((1)) .وجاء : الرفادة . الضيافة وورود المدعو على الداعي . والرفد بكسر الراء : الهبة والعطية .

وقال الامام السجاد (علیه السلام) : ونعمتك أكثر من أن تحصى بأسرها ، وإحسانك أكثر من أن تشكر على أقله ، وقد قصر بي السكوت عن تحميدك ، وفههني ( 20 ) الامساك عن تمجيدك ، وقصاراي الإقرار بالحسور ، لا رغبة يا إلهي بل عجزا ، فها أنا ذا أؤمك ( 21 ) بالوفادة وأسألك حسن الرفادة ( 22 ) ((2)) .

الباب من الوافي أيضا : روى الكلينيّ بإسناده إلى رفاعة ، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) قال : كان عبد المطَّلب يفرش له بفناء الكعبة لا يفرش لأحد غيره وكان له ولد يقومون على رأسه فيمنعون من دنى منه فجاء رسول اللَّه (صلی الله علیه و اله )وهو طفل يدرج حتّى جلس على فخذيه فأهوى بعضهم إليه لينحّيه عنه ، فقال له عبد المطَّلب : دع ابني فإنّ الملك قد أتاه ، ( الوافي ص 159 ج 2 ) .

وأمّا هاشم : ففي السيرة لابن هشام نقلا عن ابن إسحاق ( ص 135 ج 1 ) ولى الرّفادة والسقاية - يعني بعد أن توفّي أبوه عبد مناف - وذلك أنّ عبد شمس كان رجلا سفارا ، قلَّما يقيم بمكَّة وكان مقلَّا ذا ولد ( كان لعبد مناف بنون خمسة وهم : عبد شمس ، وهاشم ، والمطَّلب ، ونوفل ، وأبو عمرو عبيد ) وكان هاشم موسرا ، فكان - فيما يزعمون - إذا حضر الحاج قام في قريش فقال : « يا معشر قريش إنّكم جيران اللَّه وأهل بيته وإنّه يأتيكم في هذا الموسم زوّار اللَّه وحجّاج بيته وهم ضيف اللَّه ، وأحقّ الضّيف بالكرامة ضيفه فاجمعوا لهم ما تصنعون لهم به طعاما أيّامهم هذه الَّتي لا بدّ لهم من الإقامة بها فإنّه واللَّه لو كان مالي يسع لذلك ما كلَّفتكموه » فيخرجون لذلك خرجا من أموالهم ، كلّ امرئ بقدرما عنده فيصنع به للحجّاج طعاما حتّى يصدروا منها .

قال : وكان هاشم فيما يزعمون أوّل من سنّ الرّحلتين لقريش رحلتي الشتاء والصيف ، وأوّل من أطعم الثريد بمكَّة ، وإنّما كان اسمه عمرا ، فما سمّي هاشما إلَّا بهشمه الخبز بمكَّة لقومه ، فقال شاعر من قريش أو من بعض العرب ( قيل هو عبد اللَّه بن الزّبعري ، وقيل هو مطرود بن كعب ) :

ص: 36

عمرو الَّذي هشم الثريد لقومه

قوم بمكَّة مسنتين عجاف

سنّت إليه الرّحلتان كلاهما

سفر الشتاء ورحلة الأصياف .

وتبنى بنو أسد العوامَ القبطي ((1)) , والد الزبير وتزوج صفية بنت عبد المطلب , مما يبين تسامح القرشيين في قضية الزواج مع الغرباء والعبيد المحررين .

وتبنى الأسود الكندي حليفه المقداد بن عمرو .

وتبنى العاص

بن وائل عمراً ((2)). وقد ولد في مؤسسة ابن جدعان الفاسدة شأنه شأن باقي رجال السقيفة .

وتنافس الرجال على تبني اللقطاء مثل عمرو بن العاص و طلحة بن عبد الله و زياد بن أبيه تنافساً حاداً ((3)).وتسببت التجارة الصيفية إلى الشام والشتوية إلى اليمن والحبشة ورحلاتهم إلى بلاد كسرى في زيادة اطلاع القرشيين على الأُمم والحضارات الاخرى , وسعة افقهم واطلاعهم على المهارات اللازمة في السياسة والادارة والحرب والاقتصاد وغيرها.

وزيارة الناس لبيت الله الحرام من بلاد ومدن مختلفة اكسبتهم معارفَ كثيرة وأموالاً عظيمة.وتسببت هذه الأُمور واستقلال مكة في اكتساب القرشيين مهارة ادارة أنفسهم ومدينتهم والاعتداد بأنفسهم.

ص: 38

ودعمت قبائل قريش الفاسدين الظالمين ليصبحوا قادة مكة ويسير الناس على منهجهم وقد قال الامام علي (علیه السلام) : الناس على دين ملوكها .

فدعم الفاسقون

الوليد بن المغيرة وابا سفيان وابا جهل وابا لهب .وفي كل الازمان والاماكن يفعل الاشرار هذا الامر في صناعة قيادات فاسدة لتسير الامة على مشروعها .

لقد ساعد الفاجرون على رفع ودعم القيادات الفاسدة لتقف أمام الامام علي ع وتعزله عن الزعامة .

فخاف عبد المطلب العالم بالدين والأمور الاجتماعية والسياسية في مكّة من حسد قريش لاجتماع النبوة والخلافة في بني هاشم .

ويقصد عبدالمطلب حسدهم للنبوة العظيمة والوصاية الجليلة , وقد قال ملك اليمن ابن ذي يزن نفس الكلام لعبد المطلب.

وبعد موت عبد المطلب حصل أبو طالب على منصب رئاسة قريش ونافسه حرب بن امية دون جدارة فلم يتمكّن من تحقيق اغراضه .

وفي زمن رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) ورسالته استمرت تلك المنزلة الاجتماعية لأبي طالب لجدارته وأخلاقة , فاستطاع بها الدفاع عن رسول الله ((صلی الله علیه و اله )).

وبعد استمراره في الدفاع عن ابن أخيه في تبليغه الدين الجديد وحطّه من آلهة قريش استنكر زعماء قريش زعامته وحاصروه في شعبه مع قومه.وفي أثناء تلك الفترة ظهرت القيادة الجديدة لقريش والمتمثّلة في أبي سفيان وأبي جهل وعتبة بن ربيعة والوليد بن المغيرة المخزومى وعبد الله بن جدعان.

واستمر هذا المنحى في المنافسة على الزعامة فنافس أبو جهل المخزومي وأبو سفيان وعتبة وشيبة والأمويون محمداً ((صلی الله علیه و اله ))ونافس أبو بكر التيمي وعمر العدوي وأبو عبيدة الفهري وعثمان الأموي علياً (علیه السلام) !

فسار أبو بكر التيمي على خطى ابن جدعان التيمي , وسار خالد بن الوليد المخزومي على خطى الوليد المخزومي , وسار أبو سفيان وعثمان ومعاوية الأمويون على خطى أميَّة وحرب بن أمية.

ص: 40

ولكن ابن جدعان الصعلوك والوليد الحداد لم تكن عندهما المكانة القبلية والاعتبارية والشخصية والاجتماعية والنسبية التي كانت عند أبي طالب فبقي هو السيّد والزعيم الأول في مكّة مثل أبيه عبد المطلب.

وخلعت قريش زعامته قبل حصار بني هاشم في الشعب عندما تيقّنوا باسلامه فهو مثل مؤمن بني فرعون الذي ذكره الله تعالى في كتابه قائلاً :

وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه» ((1)).«ولما عرفت قريش بحقيقة قصّة أبي طالب دسّت هي ايضا مجموعة من دهاتها جواسيسا في صفوف المسلمين مدعين الإسلام فحاولوا قتل رسول الله ((صلی الله علیه و اله ))مراراً فلم ينجحوا وأفلحوا أخيراً , وهم الذين سيطروا على خلافة المسلمين بالتعاون مع زعماء قريش أبي سفيان ومعاوية وعكرمة بن أبي جهل وحكيم بن حزام.

وكان الحزب القرشي الماكر قد أرسل شياطين متعددين إلى صفوف المسلمين افتضح أمرهم لاحقاًمثل عمرو بن العاص وخالد بن الوليد .

ص: 41

وظاهر الأمر ان عبد مناف , وهاشم , وعبدالمطلب , وعبدالله , وأباطالب وسائر أجداد رسول الله ((صلی الله علیه و اله ))قد عبدوا الله عزَّ وجلَّ في غار حراء , وأصبح ذلك الغار مقدساً مطهراً يستحق نزول القرآن الكريم فيه ((1)).

وكان رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) يجاور بحراء في كل سنة شهراً , (وهو غار صغير في جبل النور الواقع في شمال غربي مكّة) فيذكر الله تعالى ويزكّي نفسه من الكبروالرياء والحسد والعجب وحبّ الدّنيا. ويتفكر في خلق الله عزّ وجلّ.

وكان علي (علیه السلام) معه كالتابع والتلميذ ((2)) يطعم في ذلك الشهر من جاءه من المساكين , فإذا قضى جواره من حراء كان أول ما يبدأ به إذا انصرف أن يأتي باب الكعبة قبل أن يدخل بيته فيطوف به سبعاً أو ما شاء الله من ذلك , ثم يرجع إلى بيته حتى جاءت السنة التي أكرمه الله تعالى فيها بالرسالة , فجاور في حراء في شهر رمضان ومعه أهله خديجة وعلي بن أبي طالب (علیه السلام) وخادم لهم فجاءه جبرئيل بالرسالة : اقرأ ((3)).

وكان علي(علیه السلام) يعبد الله تعالى في حراء مع رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) ((4)).

ص: 43

قال محمد بن اسحاق : فصدع رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) بأمر الله تعالى , وبادى قومه بالإسلام , فلما فعل ذلك لم يبعد منه قومه , ولم يردوا عليه بعض الرد فيما بلغني حتى ذكر آلهتهم وعابها , فلما فعل ذلك ناكروه , وأجمعوا على خلافه وعداوتهإلاّ من عصم الله تعالى منهم بالاسلام , وهم قليل مستخفون ((1)).

واسمه شيبة بن هاشم وله عشرة أبناء , وهو الذي سجد له الفيل الأعظم وعليه قصة أصحاب الفيل , وبرز نور النبوة في أسارير عبدالمطلب , وببركته (صلی الله علیه و اله ) دفع الله تعالى شرَّ إبرهة الحبشي , وأرسل عليهم طيراً أبابيل , وببركته (صلی الله علیه و اله ) أمر عبدالمطلب أولاده بترك الظلم والبغي , وحثهم على مكارم الأخلاق , ونهاهم عن دنيات الأمور.وكان شاباً شجاعاً لم يفر من مكة بفرار قريش بل بقي فيها قائلاً : والله لا أخرُج من حرم الله أَبتغي العزَّ في غيره فجلس عند البيت قائلاً : اللهم إنَّ المرءَ يمنعُ رَحْله فامنَعْ حلالك ((1))

فلم يزل ثابتاً في الحرم حتى أهلك الله تعالى الفيل واصحابه فرجعت قريش وقد عَظُمَ فيهم لصبره , وتعظيمه محارِمَ الله تعالى , فأُتي عبدُ المطلب في منامِه في الحجر فقيل له : إحفر زمزم ((2)).

وكانت عين زمزم قد نبعت عند قدوم إسماعيل وأُمه هاجر إلى مكة بدعاء النبي إبراهيم (علیه السلام) الذي قال :

(ربَّنا إنِّي أسكَنتُ من ذُرِّيتي بِوَاد غَيرِ ذِي زَرع عِندَ بيتِكَ المحرَّم) ((3)) فنبعت عين زمزم من فحص إسماعيل (علیه السلام) برجله فيها , فنبت الشجر واستقرت جرهم هناك ((4)).

ص: 45

وبعد موت عبدالله أهتم عبدالمطلب بحفيده محمد ((صلی الله علیه و اله )) اهتماماً خاصاً , لإيمانه بالله تعالى والآخرة والأنبياء أولا وكونه حفيده ثانياً , وثالثاً انه صبيٌ يتيمالأبوين. ولمعرفته وإيمانه بنبوته ((صلی الله علیه و اله )).

وقبل موته عهد عبدالمطلب بمحمد ((صلی الله علیه و اله )) إلى أفضل أبنائه (أبي طالب) فكان عند حسن ظنه وسار أبو طالب على خطى عبدالمطلب في الأهتمام بالدين الإلهي والوصايا الابوية والرحم , فاعتنى برسول الله ((صلی الله علیه و اله ))عناية خاصة وفائقة.

وسمّت قريش عبد المطلب بإبراهيم الثاني ((1)).

فتزوجته آمنةبنت وهب بن عبد مناف بن زهرة فجامعها , فحملت برسول الله ((صلی الله علیه و اله )) ((1)).

ومات عبدالله بن عبدالمطلب في المدينة المنورة في ظروف مشكوكة , وأعتقد بأنَّ يهود المدينة المتربصين بخروج النبي ((صلی الله علیه و اله ))والعارفين بنور عبدالله هم الذين قتلوه. وكان الكثير من الأحبار والكُهان والكفار يرغبون في قتله ((2)).

ابن عساكر : وكانت حليمة السعدية (مرضعة النبي ((صلی الله علیه و اله )) يوم ذهبت برضيعها ((صلی الله علیه و اله )) إلى سوق عكاظ نادى أحد الكهان : يا أهل عكاظ اقتلوا هذا الغلام , فإن له ملكاً , فزاغت به أُمّه التي ترضعه , فأنجاه الله تعالى ((3)).

ومات عبدالله و عمره 27 سنة وماتت آمنة و عمرها 30 سنة في منطقة الأبواء بين مكة والمدينة , وكان عمر النبي ((صلی الله علیه و اله )) ست سنين.

والأدلة تشير إلى أنَّ الكهان والأحبار والقساوسة قد أشاروا إلى قرب ظهور النبي محمد ((صلی الله علیه و اله )) إذ قال سطيح لمعشر قريش :

يا معشر قريش لقد أكثرتم الاختلاف , وزادت قلوبكم بالإرتجاف بذيتم بألسنتكم على آل عبدمناف تكذبونه فيما نطق , وتلومونه إذا صدق , وقد

ص: 47

أرسلتم إليَّ تسألوني عن الحال الظاهر, وعن أمر النبي الطاهر صاحب البرهان وقاصم الأوثان ومذل الكّهان , وأيم الله ما فرحنا بظهوره لان الكهانة عند ولادته تزول , فأتوني بأُمهاتكم ونسائكم لترون العجب العجاب.

ولما جاءوه بالنساء قال : وحق الحرمين لقد تركتم من نسائكم اثنتين الواحدة منهن الحامل بالمولود الهادي إلى الرشاد محمد والأخرى ستحمل عن قريب وتلد غلاماً أميناً يدعى أمير المؤمنين وسيد الوصيين وانطلق أبو طالب إلى منزله وأتى بزوجته فاطمة بنت أسد , وآمنة زوجة أخيه عبدالله , فلما وصلتا بجمع الناس من النساء صاح سطيح بأعلى صوته وجعل يبكي ويقول :

يا ذوي الشرف هذه والله الحاملة بالنبي المختار رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) (أي آمنة) هذه سيدة نساء العرب والعجم وهي الحامل بأفضل الأُمم , مبيد كل وثن وصنم , ياويح العرب منه.

وهذه والله فاطمة بنت أسد أم الإمام الذي يكسر الاصنام , وهو الأمير الذي ليس في عقله طيش , قاتل الشجعان , ومبيد الأقران ((1)).

لقد دخل الخير والسرور إلى جزيرة العرب مع حمل آمنة بنت وهب برسول الله ((صلی الله علیه و اله ))إذ جاء :لما حملت آمنة بنت وهب برسول الله ((صلی الله علیه و اله ))اخضرت لهم الأرض , وحملت لهم الاشجار , وأتاهم الوفد من كل مكان فأخصب أهل مكة

ص: 48

خصباً عظيماً , فسمّيت السنة التي حمل فيها برسول الله ((صلی الله علیه و اله )) سنة الفتح والإستيفآء والإبتهاج , ولم تبق كاهنة إلاّ حجبت عن صاحبها ((1)).

وانتزع علم الكهنة وبطل سحر السحرة , ولم يبق سرير لملك من الملوك إلاّ أصبح منكوساً ((2)).

وانتقل نور النبوة من عبدمناف إلى هاشم , ومن هاشم إلى عبدالمطلب , ومن عبدالمطلب إلى عبدالله فسعت النساء للزواج منه إذ قالت له قتيلة بنت نوفل من بني أسد بن عبدالعزى بن قصي بن كلاب (أخت ورقة بن نوفل) عند الكعبة وهي تنظر إلى وجهه : لك مثل الإبل التي نحرت عنك وَقْع عليَّ الآن.

فرفض ذلك وتزوج آمنة بنت وهب سيِّد بني زهرة نسباً وشرفاً وهي يومئذ

أفضل امرأة في قريش نسباً وموضعاً ((3)).

وطلبت فاطمة بنت مُرٍّ ذلك من عبدالله فأبى , وطلبت منه ذلك كاهنة يهودية ((4)). فرفض أيضاً.وكان ورقة بن نوفل قد تنصر واتبع الكتب , فعرف أنه كان في هذه الأمة نبي , فأخبر أرحامه ومعارفه بذلك ((5))

.

ص: 49

ومن الطبيعي أن تكون آمنة بنت وهب قد اطلعت على خبر النبي الموعود , وانه ابن عبدالله بن عبدالمطلب , وشاهدت النور بين عينيه.

وعندما حملت به جيء لها في المنام فقيل لها : إنك حملت بسيِّد هذه الأمة , فإذا وقع على الأرض فقولي :

أُعِيذه بالواحد من شرِّ كل حاسد , ثم سميه محمداً , ثم خرج منها نورٌ رأت به قصور بصرى من أرض الشام ((1)).

فولدته مقطوع السرّة , مكحولاً , نظيفاً , مختوناً , (قال رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) : كي لا يرى أحد سوأتي عند الختان) ساجداً لله تعالى رافعاً إصبعيه كالمتضرع المبتهل , قائلاً : الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً ) ((2)).وقد استبعد ابن كثير (الأموي الهوى) ولادة رسول الله مختوناً مسروراً (أي مقطوع السرة) دون دليل علمي! رغم تأكيد ذلك من قبل ابن عساكر وأبي نعيم وعلي بن محمد المدائني والحلبي والكثير من العلماء والحفاظ ((3)).

ص: 50

وهذا هو ديدن النواصب لا يقبلون الكرامات للانبياء ويقبلوها لصغار الصحابة المحاربين للامام علي والناصبين له العداء .

وفي ليلة ولادة رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) ارتج إيوان كسرى , وسقط_ت منه أرب_ع عشرة شرافة ((1)), وخمدت نار فارس , ولم تخمد قبل ذلك بألف عام , وغاصت بحيرة ساوة , ورأى الموبذان قاضي الفرس في منامه إبلاً صعاباً تقود خيلاً عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها ((2)) .فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك , واجتمع بالموبذان _ عالم الفرس _ فقص عليه الموبذان أيضاً ما رأى , فقال كسرى : أي شيء يكون هذا ؟

فقال الموبذان وكان عالماً : يكون حدث من جهة العرب.

فكتب كسرى إلى النعمان بن المنذر أما بعد فوجِّه إليَّ برجل عالم فوجَّه إليه بعبد المسيح بن عمرو. فأخبره كسرى بما كان.

ص: 51

فقال عبدالمسيح : علم ذلك عند خالي في مشارف الشام يقال له سطيح , فأرسله كسرى إليه وقد أشرف على الموت فقال : رفع سطيح رأسه قائلاً لعبد المسيح :

بعثك ملك ساسان لارتجاس الإيوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان وذكرها , يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات , وكل ما هو آت آت , ثم قضى سطيح الغساني مكانه ((1)).واسم رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) محمد وأحمد والحاشِرُ والخاتِمُ والعاقِبُ ونبي الرحمة والماحي , وكنيته أبو القاسم , وقال ((صلی الله علیه و اله )) : لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي ((2)).

المتفق بين المسلمين أن رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) ولد في عام الفيل بعد خمسين يوماً على وصول الفيل إلى مكة في محرم.

والمشهور عند أهل البيت أنَّ النبي ((صلی الله علیه و اله ))ولد في السابع عشر من شهر ربيع الأول بعد طلوع الفجر ((3)).

ص: 52

وقال الطبرسي والكليني إنه ((صلی الله علیه و اله )) ولد في يوم الجمعة وقال آخرون أنه ولد يوم الاثنين ((1)).وذكر أنَّه ولد سنه اثنتين وأربعين من ملك كسرى أنوشيروان ((2)) وأنه ولد سنة 571 ميلادية ((3)).

ص: 53

و كان حمزة أسن من رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) بأربع سنين ((1)).

ومكان ولادته ((صلی الله علیه و اله ))في شعب أبي طالب في الدار التي صيرتها الخيزران أم الرشيد مسجداً فبقي الناس يصلّون فيه ويتبركون به إلى أنْ هدَّمه الوهابيون , بل جعلوه مربضاً لدوابهم ((2)).وفي ليلة ولادته قال يهودي في يثرب للناس : طَلَعَ الليلة نجم أحمد ((3)).

وقال هشام ابن الكلبي : توفي عبدالله بن عبدالمطلب بعدما أتى على رسول الله ((صلی الله علیه و اله ))ثمانية وعشرون شهراً ((4)).

بينما قال الواقدي : مات أبوه عبدالله ومحمد ((صلی الله علیه و اله )) في بطن أمه تاركاً له خمسة أجمال وجارية حبشية اسمها بركة وكنيتها أم أيمن حاضنة رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) ((5)).

واُتي بالنبي ((صلی الله علیه و اله )) إلى جده عبدالمطلب لينظر إليه وقد بلغه ما قالت اُمّه , فأخذه فوضعه في حجره ثم قال :

ص: 54

الحمد لله الذي أعطاني هذا الغلام الطيب الأردان , قد ساد في المهد على الغلمان. ثم عوَّذه بأركان الكعبة وقال فيه أشعاراً.

وصاح ابليس في أبالسته فاجتمعوا إليه وقالوا : ما أفزعك يا سيدنا؟

فقال لهم : ويلكم لقد أنكرت السماء والأرض منذ الليلة , لقد حدث في الأرض حدث عظيم ما حدث مثله , منذ رفع عيسى ابن مريم (علیه السلام) فاخرجوا وانظروا ما هذا الحدث الذي حدث , فافترقوا ثماجتمعوا إليه فقالوا : ما وجدنا شيئاً!

فقال إبليس لعنه الله : أنا لهذا الأمر ثم انغمس في الدنيا فجالها حتى انتهى إلى الحرم فوجد الحرم محفوفاً بالملائكة , فذهب ليدخل فصاحوا به , فرجع.

ثم صار مثل الصر وهو العصفور فدخل من قبل حرى. فقال له جبرائيل : وراك لعنك الله.

فقال له : حرف أسألك عنه يا جبرئيل , ما هذا الحدث الذي حدث منذ الليلة في الأرض؟

فقال له : ولد محمد ((صلی الله علیه و اله )).فقال له : هل لي فيه نصيب؟.

قال : لا.

قال : ففي أمته؟

قال : نعم.

ص: 55

قال : رضيت ((1)).

وقال جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) : لما ولد النبي ((صلی الله علیه و اله )) أتى رجل من أهل الكتاب إلى الملأ من قريش وهم مجتمعون : هشام بن المغيرة والوليد بن المغيرة وعتبة وشيبة فقال : أولد فيكم الليلة مولود؟.

قالوا : لا وما ذاك؟.قال : لقد ولد فيكم الليلة أو بفلسطين مولود اسمه أحمد به شامة يكون هلاك أهل الكتاب على يديه.

فسألوا فأُخبروا فطلبوه , فقالوا : لقد ولد فينا غلام , فقال : قبل أن أنبئكم أو بعد؟

قالوا : قبل , قال : فانطلقوا معي أنظر إليه.

فأتوا أمّه وهو معهم فأخبرتهم كيف سقط , وما رأت من النور.

قال اليهودي : فأخرجيه , فنظر إليه ونظر إلى الشامة فخرَّ مغشياً عليه فأدخلته أمُّه , فلما أفاق قالوا له : ويلك مالك؟

قال : ذهبت نبوة بني إسرائيل إلى يوم القيامة , هذا والله مبيدهم ففرحت قريش بذلك , فلما رأى فرحهم قال : والله ليسطونَّ بكم سطوة يتحدث بها أهل الشرق وأهل الغرب ((2)).

ص: 56

وفي حينها جاءت فاطمة بنت أسد إلى أبي طالب تبشره بولادة رسول الله ((صلی الله علیه و اله ))فقال لها : أصبري لي سبتاً آتيك بمثله إلاّ النبوة ((1)).

ولما دخل به عبدالمطلب البيت الحرام قال رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) بسم الله وبالله وإذاالبيت يقول : السلام عليكَ يا محمد ورحمة الله وبركاته.

وإذا بهاتف يقول : جاء الحقُ وزهق الباطلُ إن الباطل كان زهوقاً ((2)).

ودخل الكاهن سواد بن قارب مع عبدالمطلب على رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) : فبرق من وجه رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) نور الى عنان السماء.

فعندها انكبَّ سوادُ على النبي ((صلی الله علیه و اله )) قائلاً لعبد المطلب :

اُشهدك على نفسي أنِّي آمنت بهذا الغلام وبما يأتي به من عند ربه , ثم قبَّل وجنات النبي ((صلی الله علیه و اله )) , وبقي عبدالمطلب فرحاً نشيطاً ((3)).

قال هشام ابن الكلبي : كتبت للنبي ((صلی الله علیه و اله )) خمسمائة أمّ فما وجدت فيهنَّ سفاحاً ولا شيئاً مما كان من أمر الجاهلية ((4)).

والنبي ((صلی الله علیه و اله )) ابن الفواطم والعواتِك من سُلَيْم ((5)).

ص: 57

أما أعمامه وعماته فلعبد المطلب عشرة ذكور وست إناث وأسماء بنيه : عبدالله والد النبي ((صلی الله علیه و اله )) والزبير وأبو طالب واسمه عبد مناف والعباس وضِرار وحمزة والمقوِّم وأبو لهب واسمه عبد العزى والحارث والغيداق واسمه حجل ((1)).وعمّات النبي ((صلی الله علیه و اله )) عاتكة والبيضاء وهي أم حكيم وبَرَّة وأميمة وأروى وصفية.

ص: 58

وولد رسول الله (صلی الله علیه و اله ) مختوناً ((1)) , وقال رسول الله(صلی الله علیه و اله ) : من كرامتي أنّي ولدتُ مختوناً ولم ير أحدٌ سوأتي ((2)).

وتكلم رسول الله(صلی الله علیه و اله ) عند ولادته قائلاً : الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلاً , وجلال ربّي الرفيع ((3)).

واشترك في ولادته مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون والحور العين ((4)).

وهذا دليل قاطع على ايمان عبد المطلب برب العالمين وابتعاده عن الشرك بالاصنام ولا يوجد دليل على عبادته للاوثان .

2_وكانت نية عبدالمطلب إدخال رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) الكعبة وطوافه بها وهو الواضح في شعر عبدالمطلب الخالي من ذكر الأصنام والمؤكد لعبادة الرحمن قائلاً :

الحم_دُ لله ال_ذي أعطان_ي***هذا الغلام الطيِّبَ الأردانِ

قد سادَ في المهدِ على الغلمانِ***أعيذهُ بالبيتِ ذي الأركانِ ((1))

وما ذنب عبدالمطلب وأبي طالب إلاّ رحمهم الماسَّة برسول الله ((صلی الله علیه و اله )) حتى يصفهمالمنافقون بالكفر حقدا على أمير المؤمنين علي (علیه السلام) ويصفون ابا سفيان بالاسلام محبة منهم

لمعاوية ويزيد .

ولو دققنا البحث في الموضوع لوجدنا أنَّ الكثير من علماء السنة قد حكموا بإيمان والدي النبي ((صلی الله علیه و اله ))وأجداده.

3_قال اليعقوبي : رفض عبدالمطلب عبادة الأصنام ووحَّد الله عزَّ وجلَّ فكانت قريش تقول : عبدالمطلب إبراهيم الثاني ((2)).

ص: 60

4_ وكان عبد المطلب يصعد غار حراء في شهر رمضان ويطعم المساكين جميع الشهر ((1)).

5_ ذكر ابن الجوزي : ( قال قوم من بني مدلج لعبد المطلب : احتفظ به فإنا لم نر قدماً أشبه بالقدم التي في المقام منه (قدم ابراهيم (علیه السلام)) .

فقال عبد المطلب لأبي طالب : اسمع ما يقول هؤلاء فكان أبو طالب يحتفط به) ((2)).

حديث عبد المطلب وابي طالب يبين ايمانهما العميق بدين ابراهيموتصديقهما للاقوال الواردة في نبوة محمد (صلی الله علیه و اله ) .

6_وقال ابو طالب نقلا عن عبد المطلب :

إنَّ محمداً النبي المبعوث وأمرني أن أستر ذلك لئلا يغري به الأعادي ((3)).

إدَّعت الشيعة الإمامية إيمان آباء النبي ((صلی الله علیه و اله )) إلى آدم بالرغم من أنَّ بعضهم لم يعلن الإسلام لظروف خاصة به ((1)).

فقد أعلن أبو حيان الأندلسي : «ذهبت الرافضة إلى أن آباء النبي ((صلی الله علیه و اله )) كانوا مؤمنين» ((2)).

و حاول غير الإمامية اعلان كفر آباء النبي ((صلی الله علیه و اله ))إلاّ البعض منهم. وتلك الأغلبية سعت بكل الوسائل إلى اثبات ذلك الأمر , وهدفهم من ذلك الحط من منزلتهم , بل انهم حاولوا اثبات كفر أبي طالب الذي سعى بكل الوسائل لدعمالإسلام والمسلمين وضحى بكل ما عنده في هذا السبيل.

وقد صرَّح المسعودي واليعقوبي والسيوطي والرازي بإيمان أبي طالب ((3)).

وقال رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) : لم يزل ينقلني اللهُ من أصلاب الطاهرين إلى ارحام المطهرات , حتى أخرجني في عالمكم , ولم يدنسني بدنس الجاهلية ((4)).

ص: 62

ومن دلائل إيمان أجداد النبي ((صلی الله علیه و اله )) أنَّ عبدالمطلب كان يأمر أولاده بترك الظلم والبغي ويحثهم على مكارم الأخلاق وينهاهم عن دنيئات الأمور , وكان يقول :

لن يخرج من الدنيا ظلوم حتى يُنتقم منه وتصيبه عقوبة إلى أنَّ هلك رجل ظلوم من أهل الشام لم تصبه عقوبة فقيل لعبد المطلب في ذلك فقال : والله إنَّ وراء هذه الدار داراً اخرى يجزى فيها المحسن بإحسانه ويعاقب المسئبإساءته , أي أنَّ العقوبة معدة له في الآخرة.

ورفض عبادة الأصنام ووحَّد اللهَ سبحانه وتعالى وتؤثر عنه سنن جاء القرآن بأكثرها , وجاءت السنة بها , منها الوفاء بالنذر , والمنع من نكاح المحارم , وقطع يد السارق , والنهي عن قتل الموءودة , وتحريم الخمر والزنا , وأن لا يطوف بالبيت عريان ((1)).

وهذا أفضل دليل على إيمان آباء النبي ((صلی الله علیه و اله )) ورد شبهات الكفار والمنافقين.

وجاء في كتاب البحار :

إعتقادنا في آباء النبي ((صلی الله علیه و اله )) وآله انهم مسلمون من آدم إلى أبيه عبدالله , وأن أبا طالب كان مسلماً , وآمنة بنت وهب كانت مسلمة ;

ص: 63

واتفقت الإمامية على أنَّ والدي الرسول ((صلی الله علیه و اله )) وكل أجداده إلى آدم (علیه السلام) كانوا مسلمين , بل كانوا من الصديقين ((1)).

وقال فخر الدين الرازي إنَّ قوله تعالى : (إِنَّما المُشرِكُونَ نَجَسٌ) ((2)) وجب أنْ لا يكون أحد من أجداده ((صلی الله علیه و اله )) مشركاً ((3)).وقال الحلبي : أحيا الله تعالى أبويه فآمنا به ((4))

كما آمن به أجداده وباقي الأنبياء وبشّروا به.

وكانت قريش تستسقي بعبد المطلب فيسقيهم الله تعالى ببركة ذلك النور ((5)).

واعترف الحزب القرشي برفض جماعة قرشية عبادة الأصنام وهم ورقة بن نوفل الاسدي وعبيد الله بن جحش (زوج أُم حبيبة بنت أبي سفيان).

وعثمان بن الحويرث الاسدي وزيد بن عمرو بن نفيل العدوي فتنصر ثلاثة وبقي زيد بن عمرو بن نفيل على الحنيفية ((6)).

ص: 64

لكن الحزب القرشي وأتباعه من العلماء أنكروا إيمان آباء وأجداد النبي ((صلی الله علیه و اله ))حسداً لهم وحقداً عليهم وأدخلوهم جهنّم زيفاً , مثلما أدخلوهم في شعب أبي طالب في مكّة ظلماً !!!

هذه الامور تبين أن عبد المطلب وأبا طالب يعرفان النبي محمدا (صلی الله علیه و اله ) وينتظرانه بمحبة كبيرة لانه عز لهما وفخر للقبيلة والامة .

وان الله تعالى قد أمر بحفظه وصيانته من الحاسدين الكفار ومن المنافقين الاشرار .وسار كل بني هاشم على هذا المنهج الا ابو لهب فقد كان زائغا عن الحق ومنحرفا أخلاقيا ودينيا وأهدافا فانطبقت صفاته مع بني أمية أعداء أهل البيت (علیهم السلام) .

فخالف ابو لهب الامور الدينية والقبلية واصبح محاربا للنبي (صلی الله علیه و اله ) وبني هاشم وحاصرهم في شعب أبي طالب مع الكفار ودعم القوات المشركة في حرب بدر وهذا من الامور النادرة للاشخاص .

لقد تنصل ابو لهب من المنهجية الدينية الفطرية والتبليغية والعصبية القبلية .

ولما كان غار حراء مكاناً مخصصاً لعبادة أجداد وآباء النبي ((صلی الله علیه و اله ))حاول الأمويون سرقة تلك الفضيلة والصاقها بقريش! إذ جاء :كانت قريش إذا دخل رمضان خرج من يريد التحنث منها إلى حراء فيقيم فيه شهراً , ويطعم من يأتيه من المساكين , حتى إذا رأوا هلال شوال , لم يدخل الرجل على أهله حتى يطوف بالبيت اسبوعاً , فكان رسول الله ((صلی الله علیه و اله ))يفعل ذلك ((1)).

والمدهش انهم ادخلوا ورقة بن نوفل الجنّة لانه آمن برسول الله(صلی الله علیه و اله ) قبل البعثة ولم يسلم ((2)) , وادخلوا آباءه وامهاته وأجداده النار رغم ايمانهم به قبل المبعث!

وقد سعى عروة بن الزبير بن العوام لادخال ورقة بن نوفل الجنّة بكل ما أُوتي من قوّة على الكذب لانه اسدي من قبيلته رغم موته على الشرك! ((3))

ص: 67

.بينما كان الكثير من الناس يطوفون نهارا و ليلا عرايا وفي مجمع البيان عند قوله تعالى : { وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً }_الانفال 35 ((1)) عن بعض المفسرين من الطبقة الأولى « ابن عباس » ما يدلّ على أنهم كانوا يطوفون عراة ويصفّرون ويصفّقون . إلخ , فجرت عادة قريش بذلك .

وفي تفسير البرهان عند قوله تعالى { بَراءَةٌ مِنَ ا للهِ وَرَسُولِه ِ} ((2)) عن الكناني عن أبي عبد الله (صلی الله علیه و اله ) ما يدلّ على ابتداعهم لزوم التصدق بثوب طيف فيه , إلى أن قال . . جاءت امرأة وسيمة جميلة للطواف وقيل لها ذلك_ أي لزوم التصدق بالثوب_ فلم تجد عارية ولا كريّ , فطافت عارية فأشرف الناس إليها وجعلت إحدى يديها على القبل وأخرى على الدبر , وقالت شعرا :

اليوم يبدو بعضه أو كلَّه_ فما بدا منه فلا أحلَّه

إلى أن فرغت من طوافها , فخطبها جماعة , فقالت : انّ لي بعلا .الادلة على ايمان أبي طالب لا تحصى لانه ترك في كل قضية وفي كل يوم من أيام حياته بصمة على اسلامه .

وقد أعطى روحه الشريفة للدين , فكان قربانا من قرابين الاسلام , واسلام أبي طالب ضرورة من ضرورات المذهب :

ص: 71

1 _ وقال أبو طالب أنبأنى أبي عبد المطلب بأن محمدا النبي (صلی الله علیه و اله ) المبعوث وأمرنى ان استر ذلك لئلا يغرى به الاعادي ((1)) .

وهذا منهج عبد المطلب وباقي الاجداد في الرسول المنتظر وسار عليه

ابو طالب سيرا نظريا وعمليا فكان ابو طالب خير مصداق للاوفياء والمخلصين والمتقين .

2 _ وقال أبو طالب لعلّي (علیه السلام) : أي بُني ما هذا الدين الذي أنت عليه ؟

فقال (علیه السلام) : يا أبت آمنت برسول الله, وصدقت بما جاء به, وصليت معه لله واتبعته.

فقال أبو طالب له : أما أنّه لم يدعك إلاَّ إلى خير فالزمه ((2)) .

3 _ ولما أظهرت قريش عداوتها, حدب عليه أبوطالب عمه ونصره ومنعه ((3)) . وقال :والله لَنْ يصلوا إليك بجمعهم***حتى أُغَيَّبَ في الترابِ دَفينا((4))

ودَعَوتني وزَعمتَ أنَّك ناصحٌ***وَ لَقدْ صَدَقتَ وكنتَ ثمَّ أَمينا

وعرضتَ ديناً قَدْ عَلمتُ بأنَّهُ***من خَيْرِ أديانِ البريّةِ دينَا ((5)) .

ص: 72

4 _. قول أبى طالب لرسول الله (صلی الله علیه و اله ) : والله لا يخلص اليك أحد بشيء تكرهه ما بقيت ((1)) . بعد تهديد قريش بقتل النبي (صلی الله علیه و اله ).

وقال ابن اسحاق : كان أحب الناس إلى أبي طالب رسول الله (صلی الله علیه و اله ) ((2)) .

وهذا نابع من الاخلاص للدين الاسلامى الحنيف, وليس أمراً عصبياً لذا عارض عمه أبو لهب النبي وحاربه لكفره بالاسلام .

5 _ تصديق النبي محمد (صلی الله علیه و اله )

لاسلامه : وقد ترحم واستغفر النبي (صلی الله علیه و اله )

على أبي طالب بعد موته على المنبر ((3)) .

6 _ تصديق أهل البيت لاسلامه : وقد أجمع أهل البيت (عليهم السلام) على إيمان أبي طالب ((4)) .

ص: 73

وهم الصادقون الذين لا يكذبون بقوله تعالى :

{يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّ_قُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصادقين}.سورة التوبة 9 / 119 . وقال الإمام الصادق (علیه السلام) : الصادقون هم محمد وآل بيته كما جاء فى

الروايات الصحيحة ((1)) .

7 _ تأييد علماء السنة لاسلام ابي طالب :

إنَّ بعض العلماء من أهل السنة صرحوا بإيمان أبي طالب مثل الإسكافي والبلخي والتلمساني والشعراني وسبط ابن الجوزي والقرطبي والسبكي ((2)) .

ص: 74

وقد صرَّح المسعودي واليعقوبي والسيوطي والرازي بإيمان أبي طالب ((1)) أيضا .

وقال

ابن الاثير الجزري الكردي : ما أسلم من أعمام النبي (صلی الله علیه و اله ) غير حمزةوالعباس وأبي طالب عند أهل البيت ((2)) .

8 _ وقال أبو طالب في خطبة زواج النبي محمد (صلی الله علیه و اله ) من خديجة : الحمد لرب هذا البيت الذي جعلنا من زرع ابراهيم وذرية اسماعيل وأنزلنا حرماً آمناً ((3)) .

9 _ تصديق الامام السجاد (علیه السلام) لاسلامه : سُئِل الإمام السجاد (علیه السلام) عن إيمان أبي طالب فقال : واعجبا إنَّ الله نهى رسولَه أن يقر مسلمة على نكاح

ص: 75

كافر. وقد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الاسلام, ولم تزل تحت أبي طالب حتى مات ((1)) .

وهذه التفاتة مهمة من الامام السجاد كشفت الحقيقة للغافلين وفضحت المنافقين القائلين بكفر ابي طالب كقضية كيدية ضد الامام علي (علیه السلام) .

10_ وقال الصادق (علیه السلام) : إنَّ مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف أسرُّوا الإيمانوأظهروا الشرك, فأتاهم الله تعالى أجرهم مرتين ((2)) .

لكن الله تعالى أبطل مؤامرات النواصب والخوارج ضد أبي طالب وافشلها .

ولو سجد الناس وعبدوا ربهم باخلاص وتركوا الظالمين لتغيرت الاوضاع السياسية والدينية والاجتماعية في العالم .

ان مشكلة الكافرين والمنافقين تتمثل في الكذب المستمر فهم يكذبون على أنفسهم وعلى الانبياء والاوصياء فلا يصلون الى الحق ابدا .

11_ وجمع أبو طالب قريشاً قبل موته فقال لهم : لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمّد , وما اتّبعتم أمره , فأطيعوه ترشدوا , فلم يقبلوا منه

ص: 76

قوله , ولمّا مات أبو طالب اشتدّت قريش على النبي (صلی الله علیه و اله )ونالت منه من الأذى ما لم تكن تطمع فيه في حياته ((1)).

و بعد نزول آية ( إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان ) ((2))

قال أبو طالب : يا آلقريش اتّبعوا محمداً (صلی الله علیه و اله ) ترشدوا ; فإنّه لا يأمركم إلاّ بمكارم الأخلاق ((3)) .

وهذه دعوة صريحة من ابي طالب للناس بدخول الاسلام والتدين باخلاق النبي محمد(صلی الله علیه و اله ) .

12_جاء ابو بكر بأبي قحافة إلى رسول الله (صلی الله علیه و اله ) يقوده وهو شيخ أعمى يوم فتح مكة, فقال رسول الله (صلی الله علیه و اله ) : ألا تركت الشيخ في بيته حتى نأتيه؟ قال : أردت أن يؤجره الله تعالى لأني كنت بإسلام أبي طالب أشد فرحاً مني بإسلام أبي, التمس بذلك قرة عينك ((4)) .

ص: 77

وهذه شهادة من ابي بكر باسلام ابي طالب طرحها كقضية مسلمة لا غش فيها .

13_ ذكر ابن الجوزي : ( قال قوم من بني مدلج لعبد المطلب : احتفظ به فإنا لم نر قدماً أشبه بالقدم التي في المقام منه (قدم ابراهيم (علیه السلام)) .فقال عبد المطلب لأبي طالب : اسمع ما يقول هؤلاء فكان أبو طالب يحتفط به) ((1)).

حديث عبد المطلب وابي طالب يبين ايمانهما العميق بدين ابراهيم وتصديقهما للاقوال الواردة في نبوة محمد (صلی الله علیه و اله ), وانهما يؤمنان به قبل البعثة النبوية الشريفة .

وآمن به أبو طالب وخديجة ودافعا عنه وماتا في هذا الطريق. وقال رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) : ما نالت منِّي قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب ((2)).

14_ وجاء : لما تقارب من أبي طالب الموت نظر العباس إليه يحرّك شفتيه , فأصغى إليه باذنه فقال : يا ابن أخي والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها ((3)).

ص: 78

15_ ولقد صحح محمد حسنين هيكل إيمان أبي طالب في طبعة كتابه الأولى (محمد رسول الله) وعاد تحت ضغط المال إلى صفوف ابن كثير الأموي في طبعته الثانية!!فأصبحت قضية تكفير والدي النبي ((صلی الله علیه و اله )) وأجداده , وأبي طالب , وإدخالهم النار ركناً من أركان الحزب القرشي وركنهم الثاني إثبات عدالة الصحابة كافة وإدخالهم الجنة!

16_قال عماد الدين أبو الفداء : أسلم أبو طالب قبل موته ((1))

.

17_ وبعد موت أبي طالب قال النبي (صلی الله علیه و اله ) لعلي(علیه السلام) : اذهب فاغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه ((2))

.

والاستغفار لا يكون الا للمؤمنين بالدليل القرآني :

{ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا اُوْلِي قُرْبَى } (113) _سورة التوبة .

ص: 79

{ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إلا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأ مِنْهُ إنَّ إبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ 114 } سورة التوبة.

{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إبْرَاهِيمَ لأبِيهِ } أي عمَّه {إلا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا

إيَّاهُ } وعد ابراهيم أباه أن يستغفرله كما جاء فى الاية 4 من الممتحنة وعده أن يسلم فاستغفر له :

{فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأ مِنْهُ } فلما أوحى سبحانه الى خليله أن أباك لن يؤمن بل يموت كافراً فانقطع رجاؤه وتبرأ منه .

18_ و جاءت فاطمة بنت أسد إلى أبي طالب تبشره بولادة رسول الله ((صلی الله علیه و اله ))فقال لها : أصبري لي سبتاً آتيك بمثله إلاّ النبوة ((1)).

وهذا يبين اعتقاده بنبوة محمد (صلی الله علیه و اله ) وان عليا وصيه ونفسه وخليفته ووارثه ووزيره الا النبوة .

وبسبب هذا الاعتقاد القديم لابي طالب فقد وافق ابو طالب يوم الدار على نبوة محمد (صلی الله علیه و اله ) وامامة علي(علیه السلام) .

فقال له ابو لهب جملة ليثيره : اطع ابنك فقد أمِّر عليك ((2)) .

ص: 80

فقال ابو طالب له : يا عورة، واللهِ لننصرنّه ثم لنعينَّنه ((1)) .19_ الشعبي عن الامام علي (علیه السلام) :

عن عبد الحميد بن التقي الحسيني , عن الشريف أبي علي الموضح عن محمد بن الحسن العلوي , عن عبد العزيز بن يحيى الجلودي , عن عبد الله بن أبي الصقر عن الشعبي يرفعه عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال : كان والله أبو طالب عبد مناف بن عبد المطلب مؤمنا مسلما يكتم إيمانه مخافة على بني هاشم أن تنابذها قريش , ثم ذكر لعلي (علیه السلام) أبياتا في رثاء أبيه والدعاء له ((2)).

20_ فخَّار بن معد الموسوي في كتاب (الحجة على الذاهب إلى تكفير أبى طالب ) بإسناده إلى ابن بابويه , عن أبيه , عن الحسين بن أحمد المالكي , عن أحمد بن هلال , عن علي بن حسان ,عن عمه عبد الرحمن بن كثير , عن أبي عبد الله (علیه السلام) , في حديث , ان جبرئيل (علیه السلام) نزل على رسول الله ((صلی الله علیه و اله ) ) فقال : يا محمد إن ربك يقرؤك السلام , ويقول لك : ان

ص: 81

أصحاب الكهف أسروا الايمان وأظهروا الشرك , فآتاهم الله أجرهم مرتين , وإن أبا طالب أسر الايمان وأظهر الشرك فآتاه الله أجره مرتين وما خرج من الدنيا حتى أتته البشارة من الله بالجنة ((1)).

21_ وقد برز إيمان أبي طالب بيّنا في تلك القضية الخطيرة المتمثلة في الحصار ((2)).

فقد تحملها وكان على كبر سنه يأكل اوراق الاشجار محبة لمحمد النبي (صلی الله علیه و اله ) وآله ودينه الالهي .

فلم يتزعزع ولم يرتد عن دينه مثلما ارتد الكثير من الصحابة وواصل مشروعه وحزمه الى أن ساهم في اخراج بني هاشم من الحصار ثم سلَّم روحه لرب العالمين .فتعجب الكفار والمنافقون من صموده على خدمة الرسالة المحمدية وانه جبل اشم لا تثنيه العواصف ولا تقلبه الرياح الشديدة بل هو مصمم على النصر والشهادة .

22 _ أسلم أبو طالب سراً و هذا أمرٌ مؤكد , ومما يدل على اسلامه :

قال ابن اسحاق : كان أحب الناس إلى أبي طالب رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) ((3)).

ص: 82

23_ واستدل سبط ابن الجوزي على ايمانه بأنه لو كان أبو علي كافراً لكان شنع عليه معاوية وحزبه والزبيريون وأعوانهم وسائر اعدائه (علیه السلام) مع أنَّه (علیه السلام) كان يذمّهم ويزري عليهم بكفر الآباء والأُمهات ورذالة النسب ((1)).

وصمود بني هاشم وانتصارهم في شعب أبي طالب يشبه صمود النبي ايوب (علیه السلام)وتحمله لمرضه وانتصاره على المشركين.

وفي روضةالواعظين : قال عليّ بن الحسين (علیه السلام) :

سئل أبو طالب : سله , أرسله اللَّه إلينا خاصّة أم إلى النّاس كافّة ؟

فقال أبو طالب للنبي (صلی الله علیه و اله ) : يا ابن أخ , إلى النّاس كافّة أرسلتَ أم إلى قومك خاصّة ؟قال (صلی الله علیه و اله ) : لا , بل إلى النّاس أرسلت كافّة , الأبيض والأسود والعربي والعجمي . والَّذي نفسي بيده , لأدعونّ إلى هذا الأمر الأبيض والأسود ومن على رؤوس الجبال ومن في لجج البحار , ولأدعونّ ألسنة فارس والرّوم ((2))

هذا الحديث النبوي يبين أن الناس يسالون أبا طالب عن المسائل الدينية لاعتقادهم بايمانه الراسخ وانه باب الرسول يجيبهم بالاجوبة منه .

وانه مسلم صادق وعلى علاقة متينة بالنبي الاكرم (صلی الله علیه و اله ) فهو باب النبي المصطفى .

ص: 83

بينما كان ابو لهب والعباس لا يجلسان مع النبي (صلی الله علیه و اله ) في مكة الى حين موت ابي لهب واسلام العباس في فتح مكة .

قالوا : وقد نقل الناس كافة عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : نقلنا من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزكية ، فوجب بهذا أن يكون آباؤهم كلهم منزهين عن الشرك لأنهم لو كانوا عبدة أصنام لما كانوا طاهرين . قالوا : وأما ما ذكر في القرآن من إبراهيم وأبيه آذر وكونه ضالا مشركا فلا يقدح في مذهبنا ، لان آذر كان عم إبراهيم ،فأما أبوء فتارخ بن ناخور ، وسمي العم أبا كما قال :

( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك ) ثم عد فيهم إسماعيل وليس من آبائه ولكنه عمه .

ثم قال : واحتجوا في إسلام الآباء بما روي عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال : يبعث الله عبد المطلب يوم القيامة وعليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك . وروي أن العباس بن عبد المطلب قال لرسول الله صلى الله عليه وآله بالمدينة :

يا رسول الله ما ترجو لأبي طالب ؟

فقال : أرجو له كل خير من الله عز وجل . وروي أن رجلا من رجال الشيعة وهو أبان بن أبي محمود كتب إلى علي بن موسى الرضا عليه السلام : جعلت فداك إني قد شككت في إسلام أبي طالب فكتب إليه : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين ) (1) .

الآية ، وبعدها : إنك إن لم تقر بإيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار .

ص: 85

وقد روي عن محمد بن علي الباقر عليه السلام أنه سئل عما يقوله الناس أن أبا طالب في ضحضاح من نار ، فقال : لو وضع إيمان أبي طالب في كفة ميزانوإيمان هذا الخلق في الكفة الأخرى لرجح إيمانه (1) .

ثم قال : ألم تعلموا أن أمير المؤمنين عليا عليه السلام كان يأمر أن يحج عن عبد الله وآمنة وأبي طالب في حياته ، ثم أوصى في وصيته بالحج عنهم ؟ وقد روي أن أبا بكر جاء بأبي قحافة إلى النبي صلى الله عليه وآله عام الفتح يقوده وهو شيخ كبير أعمى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ألا تركت الشيخ حتى نأتيه ، فقال :

أردت يا رسول الله أن يأجره الله ، أما والذي بعثك بالحق لأنا كنت أشد فرحا بإسلام عمك أبي طالب مني بإسلام أبي ، ألتمس بذلك قرة عينك ، فقال : صدقت (2) .

وجاء :

وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرء منه الآية أنزلت في أبي طالب ، لان رسول الله صلى الله عليه وآله استغفر له بعد موته (3) .

ص: 86

وأيضاً كان إيمان أبي طالب برسول اللّه « صلى الله عليه وآله وسلم » راسخاً بمكان انّه جازف بحياة أبنائه للحيلولة دون تعرض رسول اللّه « صلى الله عليه وآله وسلم » لخطر القتل والاغتيال ولئلا يمسّه

أعداءه بسوء ، فكان يضجع ولده علياً في فراشه كي لا يصيب النبي « صلى الله عليه وآله وسلم » أيُّ مكروه .

تكلم الناس كثيرا حول إسلام أبي طالب عم النبي(صلی الله علیه و اله )، واختلفت فيه الأقوال ، ووضعت فيه الكتب قديما وحديثا ، وأثير هذا الموضوع على صفحات مجلة العربي في العدد 108 و 110 .

واستدل القائلون بإسلامه بما لاقاه في سبيل الرسول الأعظم(صلی الله علیه و اله )من سراة قومه وصناديدهم ، وبأقواله في مدح الرسول شعرا ونثرا . أما القائلون بأنه مات على الشرك فقد استدلوا بروايات تقول : ان هاتين الآيتين نزلتا في شأن أبي طالب .

وحين بلغت في التفسير إلى هنا تتبعت الروايات والأقوال في صفحات الماضي والحاضر حول السبب لنزول الآيتين فخرجت بأن الرواة والمفسرين افترقوا في سبب نزول الآيتين إلى ثلاثة أقوال .

القول الأول :

ان جماعة من المؤمنين قالوا : نستغفر لموتانا المشركين ، كما استغفر إبراهيم ( ع ) لأبيه . فنزلت الآيتان . ذكر هذا القول الطبري والرازي وأبو حيان الأندلسي في تفسير البحر المحيط ، وصاحب تفسير المنار وغيرهم . وهذاالقول أرجح من قول الآخرين ، لأن في الآيتين كلمات تشعر به ، منها قوله تعالى : ( . والَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ولَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى ) فنهي المؤمنين عن الاستغفار لأقربائهم المشركين يشعر بأنهم كانوا يستغفرون لهم ، أو حاولوا ذلك ومنها قوله :

( وما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لأَبِيهِ ) فإنه يحسن جوابا عن قول المؤمنين : كما استغفر إبراهيم لأبيه .

القول الثاني :

ص: 91

ان النبي(صلی الله علیه و اله )أتى قبر أمه ، وبكى عنده ، واستأذن ربه أن يستغفر لها ، فنزلت الآيتان ، ذكر هذا القول الذين نقلنا عنهم القول الأول . وهذا القول

أي ان الآيتين نزلتا حين بكى النبي عند قبر أمه أرجح من القول انهما نزلتا حين وفاة عمه أبي طالب ، لأن أبا طالب مات في مكة عام الحزن ، أي قبل الهجرة بثلاث سنوات ، وسورة التوبة التي جاءت فيها الآيتان نزلت بالمدينة سنة تسع للهجرة أي بعد وفاة أبي طالب بحوالي 12 سنة .

القول الثالث :

ان الآيتين نزلتا في أبي طالب بدعوى ان النبي قال لعمه أبي طالب ، وهو يحتضر : أي عم قل لا إله إلا اللَّه فامتنع . . . فقال النبي : لأستغفرن اللَّه لك ما لم أنه عنك .وردّ هذا القول جماعة من العلماء أولا بأن الآيتين - كما أشرنا - نزلتا بعد وفاة أبي طالب . ثانيا : بأن أبا طالب مات بعد أن اسلم وأخلص في إسلامه ( انظر الغدير للأميني ج 7 ص 369 وما بعدها طبعة سنة 1967 ) .

طبيعة الحال :

ولو صرفنا النظر عن أقوال المفسرين والرواة ، وعللنا عقيدة أبي طالب تعليلا يستمد مقوماته من طبيعة الحال ، لو فعلنا ذلك لجاءت النتيجة ان أبا طالب كان يؤمن بصدق محمد(صلی الله علیه و اله )في جميع أقواله وأفعاله . . . وهذا هو الإسلام بالذات .

نشأ النبي(صلی الله علیه و اله )يتيم الأبوين . . . مات أبوه ، وهو حمل ، وقيل : كان في المهد فكفله جده عبد المطلب ، وماتت أمه : وله من العمر ست سنوات ، وبقي في كنف جده ثماني سنوات ، ولما حضرته الوفاة أو كل الجد أمر

ص: 92

حفيده إلى عمه أبي طالب ، ولم يكن أبو طالب أكبر أولاد عبد المطلب ، ولا أكثرهم مالا ، وانما كان أعظم إخوته قدرا ، وأكرمهم خلقا ، وأنداهم يدا ، فقام أبو طالب برعايته أحسن قيام ، وأحبه حبا شديدا ، وآثره على نفسه وأولاده ، ونظم في مدحه القصائد الطوال والقصار ، وكان يتبرك به ، ويلجأ إليه في الملمات ، لما ظهر على يده من الكرامات . فعن ابن عساكر ان أهل مكة قحطوا ، فخرج أبو طالب ، ومعه محمد ، وهو غلام ،فاستسقى بوجهه ، فأغدقت السماء واختصبت الأرض ، فقال أبو طالب :

وابيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل

قال إسماعيل حقي في « روح البيان » عند تفسير الآية 54 من سورة يوسف : « لقد آسى أبو طالب رسول اللَّه(صلی الله علیه و اله )وذب عنه ما دام حيا » ، فالأصح انه ممن أحياه اللَّه للايمان(1) .

بن عبد المطلب ( رض ) قال : قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله يا بن أخي ما ترجو لأبي طالب عمك من اللهسبحانه فقال أرجو له رحمة الله من ربى وكل خير (1) .

ودورها خرابا وضعافها أربابا وأعظمهم عليه أحوجهم إليه وأبعدهم منه أقربهم عنده قد محضته العرب ودادها وأصغت له فؤادها وأعطته قيادها دونكم يا معشر قريش أين أبيكم كونوا له ولاة ولحزبه حماة والله لا يسلك أحد منكم سبيله الا سعد ولا يأخذ بهديه الأرشد ولو كان لنفسي مدة ولأجلي تأخير لكففت عنه الهزاهز ولدفعت عنه الدواهي وأنشد يخاطب ابنيه عليا وجعفرا (علیه السلام) وإخوته حمزة والعباس :

أوصى بنصر النبي الخير مشهده * عليا ابني وشيخ القوم عباسا

وحمزة الأسد الحامي حنيفته * وجعفرا ان يذودوا دونه الناسا

كونوا فدى لكم أمي وما ولدت * في نصر احمد دون الناس أتراسا

ثم مات ( رض ) .

قال الواقدي توفى أبو طالب (علیه السلام) في النصف من شوال في السنة العاشرة من النبوة وهو ابن بضع وثمانين سنة .

وفى ( المواهب اللدنية ) ابن سبع وثمانين سنة وفى سيرة العمرى مات بعد ما خرج من الحصار بالشعب بثمانية أشهر واحد وعشرين يوما وقال ابن الجوزي مات قبل الهجرة بثلاث سنين .

روى أنه لما مات ( رض ) جاء أمير المؤمنين على (علیه السلام) إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فآذنه بموته فتوجع عظيما وحزن شديدا ثم قال له امض فتول غسله فإذا رفعته على سريره فأعلمني ففعل فاعترضه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو محمول على رؤوس الرجال. فقال (صلی الله علیه و اله ): له وصلتك رحم يا عم وجزيت خيرا لقد ربيت وكفلت صغيرا ونصرت وآزرت كبيرا ثم تبعه إلى حفرته فوقف عليه فقال اما والله لأستغفرن لك ولأشفعن فيك

ص: 95

شفاعة يتعجب لها الثقلان وإنما لم يصل عليه صلى الله عليه وآله لأن صلاة الجنائز لم تكن شرعت بعد ولا صلى رسول الله صلى الله عليه وآله على خديجة وإنما كان تشييع ورقة ودعاء .

وفى الحديث الصحيح المشهور ان جبرئيل(علیه السلام) قال لرسول الله صلى الله عليه وآله ليلة مات أبو طالب : اخرج منها فقد مات ناصرك .

اصبرن يا بني فالصبر أحجى***كل حيٍّ مصيره لشعوب ((1))

فيلتفت رسولُ الله ((صلی الله علیه و اله )) حوله وعن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى إلاّ الشجر والحجارة ((1)).

وعاش رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) صبياً وهو أفضل قومه مروءة وأحسنَهم خلقاً , وأكرمهم مخالطة , وأحسنهم جواراً , وأعظمهم خلقاً , وأصدقهم حديثاً , وأعظمهم أمانةً , وأبعدهم عن الفحش والأخلاق التي تدنِّسُ الرجال تنزهاً وتكرُّماً فأضحى اسمه الأمين ((2)) .

وكان أبوه قد ترك له خمسة من الإبل وحاضنة (أم أيمن) , وترك له عبدالمطلب إبلاً كثيرة.

إن رعي الأغنام بعيداً عن المدن ومشاكلها يمكن الإنسان من عبادة الله تعالى بعيداً عن الناس , والنظر إلى خلق الله سبحانه في سماواته وأرضه. وأن يتربى تربية سليمة بعيدة عن المفاسد الموجودة في المدن.

قال النبي ((صلی الله علیه و اله )) : بُعِث موسى (علیه السلام) وهو راعي غَنَم , وبُعِثَ داود (علیه السلام) وهو راعي غَنَم , وبُعِثْتُ وأنا أرعى غَنَمَ أهلي بأجْيَاد ((1)).

وكذب الحزب القرشي بادعائه محاولة الرسول (صلی الله علیه و اله ) في أيام رعية الغنم دخولبيت فى مكة فيها عرس وطرب فمنعه الله تعالى ((2)) .

و كان أبو طالب يساعده ويخدمه اذ أخذه إلى الشام وعمره (صلی الله علیه و اله ) تسع سنين ((3)).

ولقد جاء في الحديث الصحيح ان أبا طالب كان يحب محمداً ((صلی الله علیه و اله ))أكثر من أبنائه وأنّه لم يفارقه أبداً في سفره وحضره ((4)) في صباه.

ص: 99

وأوصى عبدالمطلب أبا طالب بمحمد ((صلی الله علیه و اله )) , وضرورة حرصه عليه , وحراسته من أهل الكتاب وقريش , فيكون رعيه ((صلی الله علیه و اله )) الغنم لأهله وهو ((صلی الله علیه و اله )) في عمر الشباب وليس في عمر الغلمان.

فلما وصل ركب أبي طالب ورسول الله ((صلی الله علیه و اله )) إلى صومعة الراهب بحيرى نظر الراهب اليه قائلاً : أنت أنت.

ولما نزلوا تحت شجرة عظيمة قليلة الأغصان ليس لها حمل , اهتزت الشجرة وألقت أغصانها على رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) وحملت ثلاثة أنواع فاكهة صيفية وشتوية فتعجب الحضور ((1))

.

وقدم بحيرى طعاماً قليلاً لرسول الله ((صلی الله علیه و اله )) فأكله مع مئة وسبعين رجلاً فشبعوا , فقال بحيرى لأصحاب الركب : إنَّ تحت هذه الشجرة غلاماً لو كنتم تعلمون منه ما أعلم لحملتموه على أعناقكم حتى تردوه إلى وطنه وقد أقبل نور من أمامه ما بين السماء والأرض , وهذه السحابة لاتفارقه , وكثرت أغصان هذه الشجرة وكانت يابسة ((2))

.

وطلب بحيرى من النبي ((صلی الله علیه و اله )) الإجابة عن ثلاثة اسئلة فأجابه رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) : فأقسم عليه في واحدة باللات والعزى فرفض محمد ((صلی الله علیه و اله ))ذلك وأعلن تنفره منهما. فقال بحيرى : هذه واحدة.

وسأله عن نومه ويقظته وغير ذلك فأجابه , فأكب عليه بحيرى يقبل رجليه قائلاً : كأني بك قد قدت الأجناد , وتبعك العرب والعجم , وكسرت اللات والعزى , وتبعك الملوك , بعد أن رمتك العرب بوترها وقطعك الأقارب.

وطلب من عمه أبي طالب ردَّه إلى مكة قائلاً : لم يبق على ظهر الأرض يهودي ولا نصراني ولا صاحب كتاب إلاّ وقد علم بولادة هذا الغلام ولئن

ص: 101

رأوه وعرفوا منه ما قد عرفت أنا منه ليبغينَّه شرّاً , وانه كائن لابن أخيك الرسالة والنبوة ويأتيه الناموس الاكبر الذي أتى موسى وعيسى (عليهما السلام) ((1)).

ثم التقوا بالحبر نسطور في الشام فجلس امامه وتغير لونه من سماع اسمه (محمد) , ولما رأى خاتم النبوة على ظهره أكبَّ عليه يقبِّله ويبكي ثم قال : لو تدري كم عدوّ له في أرضنا لم تكن بالذي تقدمه معك فصرَّح أبو طالب قائلاً: إنَّ ابن آمنة النبيَّ محمداً***عندي بمثل منازل الأولاد

راعيت فيه قرابة موصولة***وحفظت فيه وصية الاجداد ((2))

والتقى أبو مويهب الراهب بأبي طالب ورسول الله ((صلی الله علیه و اله )) في الشام أيضاً فقبَّل ما بين عينيه وقال لأصحاب القافلة : هذا والله نبي آخر الزمان يدعو إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله فإذا رأيتم ذلك فاتَّبعوه , ثم قال : هل ولد لعمه أبي طالب ولد يقال له علي ؟

فقلنا : لا.

فقال : هو أول من يؤمن به , وأنا نجد صفته عندنا بالوصيَّة كما نجد صفة محمد بالنبوة , وإنه سيد العرب وذو قرنيها , يعطي السيف حقه ((3)).

ص: 102

وفي الشام أخبر الرهبان زيد بن عمرو بن نفيل بقرب ظهور النبي ((صلی الله علیه و اله )) , ولما الحَّ في السؤال اغتاله الروم هناك ((1)). ممّا يبين خوف الروم من النبي محمد ((صلی الله علیه و اله )).

وفي الشام أيضاً قال الديراني لبعض عرب الحجاز : سيبعث فيكم وشيكاً نبياسمه محمد , فلما صرنا إلى أهلنا ولد لكل رجل منَّا غلامٌ فسمَّاه محمداً ((2)).

والظاهر ان هؤلاء الثلاثة هم محمد بن سفيان بن مجاشع جد الفرزدق , ومحمد بن أحيحة بن الحلاج , ومحمد بن حمران بن ربيعة ((3)).

ولقد ضم أبو طالب رسولَ الله ((صلی الله علیه و اله )) وعمره ثماني سنين , ولما بلغ تسع سنين خرج به إلى الشام ((4)).

الراوندي : وكان معنا قوم قد وقفت جمالهم ، فمشى إليها محمد صلى الله عليه وآله ومسح عليها فسارت فلما قربنا من بصرى إذا نحن بصومعة قد أقبلت تمشي كما تمشي الدابة السريعة حتى إذا قربت منا ، وقفت فإذا فيها راهب .

ص: 103

وكانت السحابة لا تفارق محمدا صلى الله عليه وآله ساعة واحدة .

وكان الراهب لا يكلم الناس ، ولا يدري ما الركب ، فلما نظر إلى محمد صلى الله عليه وآله عرفه ، فسمعته يقول : إن كان أحد فأنت أنت ، فنزلنا تحت شجرة عظيمة ، قريبة من الراهب [ وكانتيابسة ] قليلة الأغصان ، ليس لها حمل .

فلما نزل تحتها محمد صلى الله عليه وآله اهتزت الشجرة ، وألقت أغصانها على محمد صلى الله عليه وآله وحملت من [ حينها ] ثلاثة ألوان [ من ] الفواكه ، فاكهتان للصيف ، وفاكهة للشتاء .

فتعجب جميع من معنا من ذلك .

فلما رأى الراهب ذلك ، ذهب فأعد طعاما لمحمد صلى الله عليه وآله بقدر ما يكفيه ، ثم جاء وقال : من يتولى أمر هذا الغلام ؟

قلت (ابو طالب ) : أنا . قال : أي شئ تكون منه ؟ .

قلت : عمه . قال : يا هذا له أعمام ، فأي الأعمام أنت ؟ .

قلت : أنا أخو أبيه ، من أب وأم واحدة .

فقال : أشهد أنه هو ، وإلا فلست بحيرى .

ثم قال لي : أتأذن لي أن أقرب هذا الطعام منه ؟ قلت : قربه إليه .

فالتفت إلى محمد صلى الله عليه وآله فقلت : رجل أحب أن يكرمك ، فكل .

قال : هو لي دون أصحابي ؟ فقال بحيري : نعم هو لك خاصة .

فقال محمد صلى الله عليه وآله : إني لا آكل دون هؤلاء .

فقال بحيرى : لم يكن عندي أكثر من هذا .

ص: 104

فقال : أفتأذن يا بحيرى أن يأكلوا معي ؟ فقال : بلى .

فقال : كلوا على اسم الله . فأكل كل واحد [ منها ] حتى شبع وبحيري قائم على رأسه ، وفي كل ساعة يقبل رأسه ويافوخه ويقول : هو ، هو ورب المسيح - والناس لا يفهمون - .

فقال له رجل من الركب : كنا نمر بك ولا تفعل بنا هذا البر ؟

فقال بحيرى : إني أرى ما لا ترون ، وأعلم ما لا تعلمون ، وهذا الغلام ، لو تعلمون منه ما أعلم ، لحملتموه على أعناقكم حتى تردوه إلى وطنه .

ولقد رأيت له - وقد أقبل - نورا أمامه ما بين السماء والأرض .

ولقد رأيت رجالا في أيديهم مراوح الياقوت والزبرجد يروحونه ، وآخرين ينثرون عليه أنواع الفواكه .

ثم هذه السحابة لا تفارقه ، ثم صومعتي مشت إليه كما تمشي الدابة على رجلها وهذه الشجرة لم تزل يابسة قليلة الأغصان ، وقد كثرت أغصانها واهتزت وحملت .

ثم هذه الحياض التي غارت وذهب ماؤها أياما ، منذ الحواريين [ حين ] وردوا على بني إسرائيل فعصوا .

فوجدنا في كتاب شمعون الصفا أنه دعا عليهم فغارت وذهب ماؤها .ثم قال : إذا ما رأيتم قد ظهر في هذه الحياض الماء ، فاعلموا أنه من أجل نبي يخرج في أرض تهامة ، مهاجرة إلى المدينة ،اسمه في قومه " الأمين " وفي

ص: 105

السماء " أحمد " وهو من عترة إسماعيل بن إبراهيم لصلبه ، فوالله إنه لهو ((1)) .

والجواب عن السؤال المطروح في أول الموضوع يتمثّل في أن وصيّة عبد المطلب له كانت تتمثّل في وجوب المحافظة على محمد (صلی الله علیه و اله ) لانه نبي هذه الامة لذلك ترك أبو طالب اولاده وأهتم بمحمد (صلی الله علیه و اله ) .

فاجتمع عند ابي طالب رأي أبيه عبد المطلب ورأي الرهبان ومعجزات محمد (صلی الله علیه و اله ) اليومية بانه رسول الله ونبي الامة وعبادته لربه في داره وفي السفر .

وان النبي قد أخبر عمه بسلام الحجر والشجر عليه بالنبوة بل كان ابو طالب يسمع ذلك وهو في صحبته ليلا نهارا .

فآمن بالنبي محمد (صلی الله علیه و اله ) وكرس ماله ودمه وروحه لخدمته ومساعدته على نشر دينه الاسلام .

وهو الوارد اسمه في التوراة والانجيل .

اولا : قال أبو طالب : انبأنى أبي عبد المطلب بأن محمدا النبي ((صلی الله علیه و اله )) المبعوث وأمرنى ان استر ذلك لئلا يغرى به الاعادى ((1)).

ثانيا : وقال عبد المطلب عن محمد (صلی الله علیه و اله ) : ان المَلِكَ قد أتاه ((2)) .

2 _ بنو مدلج :

وقال بنو مدلج بأن قدم محمد ((صلی الله علیه و اله )) تشابه قدم إبراهيم (علیه السلام) فقال عبد المطلب لابى طالب : اسمع ما يقول هؤلاء فكان أبو طالب يحتفظ به ((3)).

3_ الرهبان : رهبان الشام أخبروه أثناء لقاءهم به وبالنبي (صلی الله علیه و اله ) في الشام أم محمدا هو الرسول الموعود :

واول هؤلاء بحيرى الراهب ((4)).

والتقى أبو مويهب الراهب بأبي طالب ورسول الله ((صلی الله علیه و اله )) في الشام أيضاً فقبَّل ما بين عينيه وقال لأصحاب القافلة : هذا والله نبي آخر

ص: 107

الزمان يدعو إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله فإذا رأيتم ذلك فاتَّبعوه , ثم قال : هل ولد لعمه أبي طالب ولد يقال له علي ؟فقلنا : لا.

فقال : هو أول من يؤمن به , وأنا نجد صفته عندنا بالوصيَّة كما نجد صفة محمد بالنبوة , وإنه سيد العرب وذو قرنيها , يعطي السيف حقه ((1)).

4_ المعاجز النبوية الكثيرة :

في الشام : لما نزلوا تحت شجرة عظيمة قليلة الأغصان ليس لها حمل , اهتزت الشجرة وألقت أغصانها على رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) وحملت ثلاثة أنواع فاكهة صيفية وشتوية فتعجب الحضور ((2))

.

وقدم بحيرى طعاماً قليلاً لرسول الله ((صلی الله علیه و اله )) فأكله مع مئة وسبعين رجلاً فشبعوا , فقال بحيرى لأصحاب الركب : إنَّ تحت هذه الشجرة غلاماً لو كنتم تعلمون منه ما أعلم لحملتموه على أعناقكم حتى تردوه إلى وطنه وقد أقبل نور من أمامه ما بين السماء والأرض , وهذه السحابة لا تفارقه , وكثرت أغصان هذه الشجرة وكانت يابسة ((3))

.

وقد لمس ابو طالب بركة النبي محمد (صلی الله علیه و اله ) في داره اذ كانوا يشبعون اذا حضر الطعامَ معهم محمد (صلی الله علیه و اله ) ولا يشبعون ان كان غائبا !!!

ص: 108

واطلع معظم الناس على كراماته ومعجزاته وكان ابو طالب أكثرالمرافقين والمطلعين على تلك العجائب الالهية .

ومن الطبيعي أن يكون أكثر المتأثرين بها واول المسلمين .

5_ يوم الدار :

يا بني عبد المطّلب ، إنّي قد جئتكم بخيري الدنيا والاخرة ، وقد أمرني الله تعالى أنْ أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤازرُني على أمري هذا ويكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ؟ فأحجم القوم عنها جميعاً . فقلت وأنا أحدثهم سنّاً : يا نبيّ الله ، أكون وزيرك عليه . قال (علیه السلام) : فأخذ برقبتي وقال(صلی الله علیه و اله ) : إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا . فقام القوم يضحكون ويقولون لابي طالب : قد أمرك أنْ تسمع لعلي وتطيع ((1)) .

ص: 109

ص: 110

محمد بن منصور عن جبارة بن مغلس عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال : حدثني من سمع عبد الله بن الحارث - واستكتمني اسمه - عن ابن عباس : عن علي بن أبي طالب قال : لما نزلت هذه الآية : ( وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين )( 214 / الشعراء : 26 ) قال ( لي ) رسول الله (صلی الله علیه و اله ) :

ص: 111

( إني عرفت إن بدأت به قومي رأيت منهم ما أكره فصمت على تلك ؟ حتى أتاني جبرئيل فقال : يا محمد إنك إن لم تفعل ما أمرك به عذبك الله . ( ثم ) قال :فاصنع لنا يا علي رجل شاة على صاع من طعام وأعد لنا عسا من لبن ثم أجمع لي بني عبد المطلب . ففعلت فاجتمعوا وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون - فيهم أعمامه أبو طالب والعباس وحمزة وأبو لهب الكافر الخبيث فقمت إليهم بتلك الجفنة فأخذ رسول الله منها جذبة فشقها بأسنانه ثم أمر بها في نواحيها ثم قال : كلوا باسم الله . فأكل القوم حتى نهلوا عنه ما يرى ( فيه ) إلا اثر أصابعهم ! والله إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها ثم قال رسول الله : أسقهم يا علي فجئت لهم بذلك العس فشربوا حتى نهلوا عنه جميعا وأيم الله إن كان الرجل ( منهم ) ليشرب مثله .فلما أراد رسول الله أن يكلمهم بدره أبو لهب بالكلام فقال : هذا من سحر صاحبكم به فتفرقوا ولم يكلمهم النبي (صلی الله علیه و اله ) . فلما كان الغد قال ( لي النبي ) : يا علي أعد مثل الطعام الأول والشراب ( الأول ) فإن هذا الرجل قد بدرني إلى ما قد سمعت قبل أن أكلم القوم . ففعلت ثم جمعهم رسول الله (صلی الله علیه و اله ) فصنع كما صنع بالأمس فأكلوا حتى نهلوا ثم سقيتهم من ذلك العس فشربوا حتى نهلوا عنه - وأيم الله إن كان أحدهم ليأكل ويشرب مثله - ثم قال رسول الله (صلی الله علیه و اله ) :

يا بني عبد المطلب والله ما أعلم ( أن ) شابا من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به إني قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة فأيكم يكون وزيري على

ص: 112

أمري هذا على أن يكون أخي ووليي وخليفتي فيكم ؟ قال : فأحجم القوم فقلت - [ و ] إني أحدثهم سنا وأحمشهم ساقا وأعظمهم بطنا وأغمضهم عينا : أنا يا رسول الله أكون وزيرك على هذا الامر قال : فأخذ رسول الله (صلی الله علیه و اله ) . بعنقي ثم قال : هذا أخي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ؟ فقامالقوم يتضاحكون منه ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع له وتطيع ! ! ((1)) .

وجاء : جمع رسول الله (صلی الله علیه و اله ) جميع بني عبد المطلب وفيهم أبو طالب

وأبو لهب , وهم يومئذ أربعون رجلا فدعاهم رسول الله (صلی الله علیه و اله ) وخادمه يومئذ علي (علیه السلام) , ورسول الله يومئذ في حجر عمه أبي طالب , فقال :

( أيكم ينتدب أن يكون أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي ) ؟

فسكت القوم حتى أعادها رسول الله (صلی الله علیه و اله ) ثلاث مرات . فقال علي (علیه السلام) : ( أنا يا رسول الله , صلى الله عليك ) . فوضع رسول الله (صلی الله علیه و اله )رأس علي (علیه السلام) في حجره وتفل في فيه وقال : ( اللهم املأ جوفه علما وفهما وحكما ) . ثم قال لأبي طالب :

ص: 113

( يا أبا طالب , اسمع الآن لابنك علي وأطع , فقد جعله الله من نبيه بمنزلة هارون من موسى ) . وآخى بين الناس وآخى بين علي وبين نفسه ((1))

.

فقال البعيدون عن القرآن إن سن ابي بكر أكبر من سن الامام علي (علیه السلام) فهو أحق بالخلافة , واذا كانت القضية جاهلية هكذا فكل رجال قوم النبيسليمان (علیه السلام) الاسن منه أحق بقيادة أمته منه !!! وكذلك قوم موسى وعيسى ‘ .

الكتاب قد كانوا رأوا من رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) مثلما رآه بحيرى في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبي طالب.

فأرادوه فردهم عنه بحيرى وذكَّرهم الله وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته , وأنّهم إن أجمعوا لما أرادوا به لم يخلُصوا إليه.

ولم يزل بهم حتى عرفوا ما قال لهم , وصدَّقوه بما قال فتركوه وانصرفوا عنه ((1)).ينبهر الإنسان ويندهش عند سماعه بهذه المحاولات المختلفة والكثيرة لقتل رسول الله ((صلی الله علیه و اله )).

أريد حياته ويريد قتلي***عذيرك من خليلك من مراد

وقال النبي ((صلی الله علیه و اله )) : ما خلا يهودي بمسلم قط إلاّ هم بقتله ((2)).

واهتم اليهود بعمليات الإغتيال اهتماماً بالغاً إلى درجة قتلهم هارون (علیه السلام) واتهامهم النبي موسى (علیه السلام) بقتله بالسم ((3)).

ص: 115

وكان عبدالمطل_ب بن هاشم من حلماء قريش وحكمائها , مجاب الدعوة , محرِّماً الخمر على نفسه , وهو أول من تحنَّث بحراء , والتحنث تعبد الليالي ذوات العدد , فإذا دخل رمضان صعده وأطعم المساكين , وكان صعوده للتخلي عن الناس والتفكر في جلال الله وعظمته , فيرفع من مائدته للطير والوحوش في رؤوس الجبال , فقالوا له مطعم الطير والفياض , فكان مفزع قريش في النوائب , وملجأهم في الأمور , وشريفهم وسيدهم كمالاً وفعالاً , وعاش مائة وأربعين سنة ((1)).ورفض عبدالمطلب عبادة الأصنام ووحَّد الله تعالى , ويؤثر عنه سنن جاء القرآن بأكثرها منها الوفاء بالنذر , والمنع من نكاح المحارم , وقطع يد السارق , والنهي عن قتل الموءودة , وتحريم الخمر والزنا , وأن لا يطوف بالبيت عريان وكانت قريش تستسقي به ويسمى سيد قريش ((2)).

ولما هجم إبرهة الحبشي على مكة قال عبدالمطلب : لا يصل إلى هدم البيت لأن لهذا البيت ربَّاً يحميه ويحفظه ((3)).

ولما أراد ذبح ابنه عبدالله لنذر نذره لله تعالى ضرب بالقداح وقال : يا ربِّ أنت الملك المحمود , وأنت ربي الملك المعبود , من عندك الطارف والتليد.

ص: 118

وغضب على حرب بن أميَّة لقتله يهودياً جاراً له , فاضطر حرب لارضائه بدفع مائة ناقة دية ذلك اليهودي ((1)).

وبلغت شجاعة وكرم وشرف وهيبة وعفة وعبادة وشهامة بني هاشم حداً لم يبلغه قبله أحد , فأطعموا الفقير وأجاروا الخائف.

إذ أجار عبدالمطلب رجلاً تميمياً خائفاً من حرب بن أمية , ولما دخل التميمي الكعبة لطمه حرب فعدا عليه الزبير بن عبدالمطلب بالسيف , ففر حرب بن أميّة إلى دارعبدالمطلب , فأجاره عبدالمطلب وأكفأ عليه جفنة , وسبعة من بني عبدالمطلب على الباب يريدون قتله , فأخرجه عبدالمطلب واضعاً عليه رداءه دليل الإجارة.ولما افتخر معاوية بن أبي سفيان بحرب بن أميَّة رد عليه عبدالله بن عباس قائلاً : من أكفأ عليه إناءه وأجاره بردائه؟ فسكت معاوية ((2)).

أي ان ضعف حرب الى درجة انه خاف من سبعة من اولاد عبد المطلب أن يقتلوه ولا يستطيع احد أن يحميه منهم لقوته الا أبوهم عبد المطلب فلجأ عنده .لذلك قال رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) : «يُبعث جدي عبدالمطلب في زيِّ الملوكِ وأبهة الاشراف» ((3)).

وقد أخذ عبدالمطلب مبادئ واخلاق دين إبراهيم (علیه السلام) من هاشم الذي أخذها من عبدمناف.

ص: 119

فقال : طيب المولد ((1)) .

الإمام الصادق ( (علیه السلام) ) : من وجد برد حبنا على قلبه فليكثر الدعاء لأمه ، فإنها لم تخن أباه ((2)) .

ابن بكير عن الإمام الصادق ( (علیه السلام) ) : من كان يحبنا وهو في موضع لا يشينه فهو من خالص الله تبارك وتعالى . قلت : جعلت فداك ، وما الموضع الذي لا يشينه ؟ قال :لا يرمى في مولده _ وفي خبر آخر : لم يجعل ولد زنا _ ((3)) .علل الشرائع عن الصحابي أبي أيّوب الأنصاري : اعرضوا حبّ عليّ علىأولادكم ؛ فمن أحبّه فهو منكم ، ومن لم يحبّه فاسألوا أُمّه من أين جاءت به ؛ فإنّي سمعت رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) يقول لعليّ بن أبي طالب (علیه السلام) : لا يحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق ، أو ولد زنية ((4)) ، أو حملته أُمّه وهي طامث ((5)) .

ص: 121

وقال رسول الله (صلی الله علیه و اله ) في عليّ ( (علیه السلام) ) : لا يبغضه إلاّ ثلاثة : لزنية ، أو منافق ، أو مَن حملته أُمُّه في بعض حيضتها ((1)) .

وقال النبي (صلی الله علیه و اله )

في عليّ ( (علیه السلام) ) : والله ، لا يبغضه ويعاديه إلاّ كافر أو منافق أو ولد زانية ((2)) .

وقال النبي ((صلی الله علیه و اله )) : بُوروا ((3))

أولادكم بحبّ عليّ بن أبي طالب ؛ فمن أحبّه فاعلموا أنّه لِرشْده ، ومن أبغضه فاعلموا أنّه لِغيّة ((4))

.وقال

الإمام عليّ ( (علیه السلام) ) : لا يحبّني ثلاثة ، ولد زنا ، ومنافق ، ورجلٌ حملت به أُمّه في بعض حيضها ((5)) .

وقال الامام علي (علیه السلام) : لا يحبّني كافر ، ولا ولد زنا ((6)) .

ص: 122

فقال لهما أبو طالب : إذا تركتما عقيلاً وطالباً فاصنعا ما شئتما.

فأخذ رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) علياً (علیه السلام) فضمه إليه , وأخذ العباس جعفراً فضمه إليه , فلم يزل علي مع رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) حتى بعثه الله تعالى نبياً فاتبعه علي (علیه السلام) وآمن به وصدقه , ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه ((1))».

فكان علي بن أبي طالب (علیه السلام) تلميذاً مخلصاً لرسول الله ((صلی الله علیه و اله )) وسايره في أخلاقه وآدابه وعلمه , وأصبح ختنه ووصيه وخليفته ووزيره.

واضحى منه مثل هارون من موسى (علیه السلام) لا يخالف رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) في نص ولا يعارضه في أمر فقال فيه النبي(صلی الله علیه و اله ) :علي إمام المتقين وقائد الغر المحجّلين يوم القيامة ((2)).

فمنزلة علي (علیه السلام) من رسول الله ((صلی الله علیه و اله ))تختلف عن منزلة سائر الاصحاب في طول مدّة حياة علي (علیه السلام) مع رسول الله ((صلی الله علیه و اله ))والممتدة لثلاثة وثلاثين سنة كان فيها علي (علیه السلام) يعيش في كنف استاذ البشرية محمد ((صلی الله علیه و اله )) ويستقي من علومهحيث قال (صلی الله علیه و اله ) : أنا مدينة العلم وعلي بابها ((3)) ..

ص: 124

ص: 125

ص: 126

وكان الرسول ((صلی الله علیه و اله )) أشرف نسباً وأرفع منزلة من سائر الناس , فهو ابن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف , وأجداده زعماء مكة وسادتها , وعليه تكون خديجة في حاجة للعمل مع رجل مثل النبي محمد ((صلی الله علیه و اله )) كي لا تضيع أموالها أولاً ولتربح ثانياً.

وكان رجال قريش يحسدون الرسولَ ((صلی الله علیه و اله )) على جميع خصاله الحميدة , وما وهبه الله تعالى له من نسب ومنزلة فلقبيلته الحكومة والرفادة والسقاية.

وكان ابو طالب هو الواسطة في شراكة النبي محمد (صلی الله علیه و اله ) مع خديجة .

و ان خديجة طلبت من ابي طالب سيد البطحاء أن يتوسط بينها وبين محمد(صلی الله علیه و اله ) لتعمل معه .

والمرأة الشريفة تطلب العمل مع الرجل الشريف المؤمن العاقل المبترك .وبعد عودتهما من الشام دُهِشت خديجة من كثرة أرباح تجارتها أولاً وتعجبت من حكايات سفرهما (الرسول ((صلی الله علیه و اله ))وميسرة) ثانياً.

فقد قصّ لها غلامها ميسرة حديث بحيرى الراهب , وكرامات رسول الله في الطريق. ووضَّح لها ما شاهده من أخلاقه الباهرة , وآدابه الرفيعة فمالت إليه خديجة في الزواج ((1)).

وكانت خديجة قد سمعت بمعجزة أصحاب الفيل السماوية وبشارة ورقة بن نوفل برسول الله ((صلی الله علیه و اله )) وسمعت قول اليهودي لها ولصواحبها في مكة :إذ جاء يهودي إلى نساء قريش في المسجد فقال :

ص: 128

يا معشر قريش إنَّه يوشك فيكن نبي قرب ظهوره , فأيتكن استطاعت أن تكون فراشاً له فلتفعل , فحصبته النساء وقبحنه وأغلظن له , وأصغت خديجة لقوله , ووقع ذلك في نفسها , فلما أخبرها ميسرة بما رآه من الآيات , وما رأته هي , وما قاله لها ورقة لما حدثته بما حدَّثها به ميسرة , قالت : إن كان ما قاله اليهودي حقاً ما ذاك إلاَّ هذا ((1)).

هالة أخت خديجة عمار بن ياسر , الذي أخبر بدوره رسول الله ((صلی الله علیه و اله ))بخطبة خديجة له ((1)).

فذهب أبو طالب إلى عمها عمرو بن أسد اثر مقتل أبيها في حرب الفجار ((2)) خاطباً لرسول الله ((صلی الله علیه و اله )) ((3))

.وكانت خديجة قد ردَّت الخاطبين القرشيين وغيرهم لها , وعلى رأسهم أبو سفيان , وأبو جهل , وعقبة بن أبي معيط ((4)).

فتمَّت الموافقة على زواج النبي محمد(صلی الله علیه و اله ) من خديجة وهو ابن عبد المطلب ابن هاشم . وحصل الزواج بينهما ((5)).

فحسدت نساء قريش خديجة لزواجها بأفضل وأكمل وأشرف الناس محمد بن عبدالله ((صلی الله علیه و اله )).

ص: 130

وحسد الطغاة رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) لزواجه بسيدة نساء قريش المسماة بالطاهرة والعاقلة الشريفة الغنية العفيفة.

ومن صور حسد طغاة قريش لرسول الله ((صلی الله علیه و اله )) , تصويرهم مبعثه ببطولة ورقة بن نوفل , بمجيء خديجة بزوجها إلى ورقة بن نوفل خائفاً متردداً حائراً! فأخبره ورقة بن نوفل بان ذلك الناموس الأكبر الذي نزل على عيسى (علیه السلام) !

والحقيقة أن النبي ((صلی الله علیه و اله )) كان عارفاً بنبوته منذ طفولته شأنه شأن عيسى (علیه السلام) الذي قال في مهده : (آتاني الكتاب وجعلني نبياً) ((1)).

وكان النبي ((صلی الله علیه و اله )) يعبد الله تعالى في غار حراء انتظاراً لنزول القرآن الكريم , ومن المضحك ادعاء معرفة الكهان والرهبان والملوك بنبوة محمد ((صلی الله علیه و اله )) ولا يعرف هو بذلك!

في الخلق , وإن كان مقلاً في المال , فإن المال رفد جار , وظل زائل , وله في خديجة رغبة.

وقد جئناك لنخطبها إليك برضاها وأمرها , والمهر عليَّ في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله. وله _ وربِّ هذا البيت _ حظ عظيم ودين شائع ورأي كامل ((1)).

لقد بين ابو طالب ايمانه برب العالمين في خطبته قائلا: الحمد لرب هذا البيت , ولم يذكر الاصنام بينما كانوا يذكرونها في كل صغيرة وكبيرة .

وقال ابو طالب واصفا محمدا (صلی الله علیه و اله ) قبل النبوة : ولا عدل له في الخلق.وهذا يبين اعتقاده بافضليته عليه وعلى غيره من البشر بانه نبي الامة ورسول الله وزعيم الانسانية . وهذا يكشف عن انقياده وطاعته لمحمد (صلی الله علیه و اله ) قبل اعلانه النبوة رسميا .

وجمل ابي طالب تدل على سمو مرتبة الرسول ((صلی الله علیه و اله )) على خديجة من الناحية الشخصية , والقبلية , والنسبية , والدينية.

وسفرة النبي الى الشام كانت قد حسنت حاله قليلا وجاء بانه ((صلی الله علیه و اله )) أمهرها عشرين بكرة ((2)).

ص: 132

لكن المهر أعطاه ابو طالب كما أعلن ذلك في خطبته لخديجة .

وأنا أميل إلى هذه الرواية الموافقة لما جاء في القرآن الكريم من كون المهر على الرجال دون النساء في قوله تعالى :

(... وَءَاتَيتم إحداهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تأخُذُوا مِنهُ شيئاً...) ((1))

وقال شعيب (علیه السلام) في قضية مهر ابنته التي تزوجها موسى (علیه السلام) :

(قال إنِّي أُريدُ أن أُنكِحَكَ إِحدى ابنَتَي هاتَينِ عَلَى أَن تأجُرَني ثَمَاني حِجَج فَاءِن أَتمَمت عَشراً فَمِن عِندِك , وما أُرِيدُ أَن أَشُقَّ عَلَيكَ...) ((2))وفي الرواية أمهرها النبي (صلی الله علیه و اله ) خمسمائة درهم ((3)) لذا قال العلامة الحلي : من تزوج على كتاب الله وسنّة نبيّه ولم يسم مهراً فمهرها خمسمائة درهم ((4))

وهو مهر السنّة.

فكانت شريفة عفيفة حصنت فرجها واخلاقها بولاية رب العالمين مما يعني وجود بعض الجواهر الانسانية في سماء الدنيا قد تخلقت باخلاق الانبياء الماضين وفطرة رب العالمين .

فكانت مهيأة للزواج من رسول الله (صلی الله علیه و اله ) وتكوين عائلة صغيرة هي نواة لمجتمع اسلامي كبير وأن تعطي البشرية فاطمة سيدة نساء العالمين (علیهما السلام) .

فقالوا : يا أبا طالب إنَّ ابن اخيك قد سَبَّ ألهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آباءنا , فإما ان تكفه عنَّا وإما أن تخلي بيننا وبينه , فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه فنكفيكه ((1)).

فقال لهم أبو طالب قولا رقيقاً وردّهم ردَّاً جميلاً , فانصرفوا عنه ومضى رسول الله ((صلی الله علیه و اله ))على ما هو عليه يظهر دين الله ويدعو إليه , ثم سرى الأمر بينه وبينهم حتى تباعد الرجال وتضاغنوا. واكثرت قريش ذكر رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) بينها وتذامروا فيه , وحض بعضهم بعضاً عليه , ثم إنهم مشوا إلى أبي طالب مرَّة أخرى , فقالوا :يا أبا طالب إنّ لك سناً وشرفاً ومنزلةً فينا وإنّا قد نهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنَّا. وإنا واللهِ لا نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين.

وفي مرة ثالثة جاءوا إلى أبي طالب فقال بعضهم لبعض :

انطلقوا بنا إلى أبي طالب فنكلّمه فيه فلينصفنا منه , فيأمره فليكف عن شتم آلهتنا وندعه وإلهه.

ص: 135

فبعث إليه أبو طالب , فلما دخل عليه رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) قال : يا ابن أخي هؤلاء مشيخة قومك وسرواتهم , وقد سألوك النصف أن تكف عن شتم آلهتهم , ويدعوك وإلهك.

قال ((صلی الله علیه و اله )) : أي عم أولا أدعوهم إلى ما هو خير لهم منها.

قال : وإلى ما تدعوهم ؟

قال : ادعوهم إلى أن يتكلموا بكلمة تدين لهم بها العرب ويملكون بها العجم.

فقال أبو جهل من بين القوم : ما هي وأبيك لنعْطيكنَّها وعشر أمثالها.

قال ((صلی الله علیه و اله )) : تقول لا إله إلاّ الله.

فنفروا , وقالوا : سلنا غير هذه.

فقال ((صلی الله علیه و اله )) : لو جئتموني بالشمس حتى تضعوها في يدي ما سألتكم غيرها.

فغضبوا وقاموا من عنده غضابى , وقالوا : واللهِ لَنشتُمنَّك وإلهك الذي يأمرك بهذا. فقال الله تعالى عنهم :(وانطلق الملأ منهم ان امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد) ((1))

.ثم ردَّ أبو طالب عرضهم في اعطائه عمارة بن الوليد بن المغيرة ليكون ابناً له ويعطيهم محمداً ((صلی الله علیه و اله ))ليقتلوه .

ص: 136

فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبدمناف ((1)) لأبي طالب : لقد انصفك قومك.

فقال أبو طالب : واللهِ ما أنصفوني ولكنَّك قد أجمعت على خذلاني ومظاهرة القوم عليَّ فاصنع ما بدا لك ((2)).

فحميت الحرب بينهم , ووثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم , ومنع الله تعالى رسوله منهم بعمه أبي طالب.

فكانت فتنة شديدة الزلزال على من اتبع رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) من أهل الإسلام , فافتتن من افتتن وعصم الله تعالى منهم من شاء , فلما فعلوا ذلك بالمسلمين أمرهم رسول الله ((صلی الله علیه و اله ))أن يخرجوا إلى أرض الحبشة ((3)).وبقي رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) في مكة يدعو إلى الله تعالى سراً وجهراً قد منعه الله تعالى بعمه أبي طالب وبمن استجاب لنصرته من عشيرته.

ولما رأت قريش أنهم لا سبيل لهم إليه رموه بالسحر والكهانة والجنون وأنه شاعر. وجعلوا يصدون عنه من خافوا منه أن يسمع قوله فيتبعه.

ص: 137

قال عمرو بن العاص : قد حضرتهم وقد اجتمع اشرافهم يوماً في الحجر , فذكروا رسول الله ((صلی الله علیه و اله ))فقالوا : ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط سَفَّه أحلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا وفرَّق جماعتنا وسبَّ آلهتنا , لقد صبرنا منه على امر عظيم.

فبينما هم كذلك إذ طلع رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) فأقبل يمشي حتى استلم الركن ثم مرَّ بهم طائفاً بالبيت , فلما مرَّ بهم غمزوه ببعض القول , قال : فعرفت ذلك في وجه رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) , ثم مضى فلما مرَّ بهم الثانية غمزوه مثلها , ثم مرَّ بهم الثالثة فغمزوه بمثلها.

فوقف ((صلی الله علیه و اله )) فقال : أتَسمعون يا معشر قريش أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح.

فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إلاّ كأنما على رأسه طائر واقع , وحتى أن أشدهم فيه وطأة , قبل ذلك ليرفأه بأحسن ما يجد من القول حتى إنه ليقول : انصرف يا أبا القاسم راشداً , فوالله ما كنت جهولا ((1)).

واستمر المسلمون في السعي و الإجتهاد لنشر الاسلام إذ قرأ عبدالله بن مسعود القرآن في الكعبة :(بسم الله الرحمن الرحيم , الرحمن علَّم القرآن خلق الإنسان علمه البيان) ((2))

ص: 138

.

فقاموا اليه يضربونه في وجهه , وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله تعالى أن يبلغ ((1)).

ودخل زعماء الحزب القرشي في الإسلام ظاهراً بعد فتح مكّة ونجاحهم في جر جيش المسلمين إلى الهزيمة وتمّ ذلك فتدخل الله تعالى ونصر مجموعة المسلمين الصامدة بقتل علي (علیه السلام) لحامل لواء هوازن فتسبب في فرار الكافرين ((2)).

فنجح المشروع الجاهلي ووصل زعماء الحزب القرشي إلى سدّة الرئاسة والحكومة. وهذا الأمر كان معروفاً في قريش في حينها فلقد أظهر أبو طالب الكفر واسرّ الايمان , قال جعفر الصادق ((صلی الله علیه و اله )) :

إنّ مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف اسرّوا الايمان واظهروا الشرك فأتاهم الله أجرهم مرتين ((3)).

ص: 139

إنما بك الباه فاختر أي نساء قريش شئت فنزوجك عشراً , فقال رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) : فرغت؟

قال : نعم.

فقال رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) : (بسم الله الرحمن الرحيم , حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون... فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) ((1))

فلم يهتم النبي ((صلی الله علیه و اله )) لعروضهم المغرية في الملك والمال والنساء , ولم يخف أعمالهم المخزية بل مضى لأمر الله تعالى , فنصره الله تعالى.

فعاد عتبة إلى قومه فقال لهم : أجابني بشيء والله ما هو بسحر ولا بشعر ولا كهانة , قرأ : (بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم) حتى بلغ (فإن اعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) ((2))

فأمسكت بفيه وناشدته الرحم أن يكف , وقد علمتم أنَّ محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب , فخفت أن ينزل عليكم العذاب ((3)).

وأضاف عتبة : يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي , خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه , فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ عظيم , فإن

ص: 141

تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم , وإن يظهر على العرب فملكه ملككم , وعزه عزكم , وكنتم أسعد الناس به ((1)).

ولكن قريشا استمرت في غيّها وجبروتها في محاربة رسول الله ((صلی الله علیه و اله ))والمسلمين ومناصرة اوثانها والذود عنها , واعتمدوا على محورين في مجابهة الإسلام ; الأول اغراء رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) بحطام الدنيا والثاني اعتماد سياسة العصا الغليظة لتخويف المسلمين.

فلم يهتم النبي ((صلی الله علیه و اله )) لعروضهم المغرية في الملك والمال والنساء ولم يخف اعمالهم المخزية بل مضى لأمر الله تعالى , فنصره اللهُ تعالى.

من كنت مولاه فعلي مولاه . قد اشتمل على لفظ ( من ), وهي موضوعة للعموم, فاقتضى أن كل إنسان كان رسول الله (صلی الله علیه و اله )مولاه كان علي مولاه, واشتمل على لفظة ( المولى ), وهي لفظة مستعملة بإزاء معان متعددة قد ورد القرآن الكريم بها, فتارة تكون بمعنى : الأولى, قال الله تعالى في حق المنافقين : " مأواكم النار هي مولاكم " معناه أولى بكم ( ثم ذكر بعض معانيها إلى أن قال ):

فإن علياً (علیه السلام)منه كذلك, وهذا صريح في تخصيصه لعلي((علیه السلام)) بهذه المنقبة العلية, وجعله كنفسه بالنسبة إلى من دخلت عليهم كلمة ( من ) التي هي للعموم بما لا يجعله لغيره . وليعلم أن هذا الحديث هو من أسرار قوله تعالى : في آية المباهلة : (وأنفسنا وأنفسكم ), والمراد نفس علي (علیه السلام) فلماذا انقسمت الامة فيه قسم يطيعه ويتابعه وقسم يتابع الشيطان وعصبية المذاهب ورؤى الامويين الفاسدين .وكان الامام علي (علیه السلام) ينقل كل ذلك لابيه أبي طالب فيزداد ايمانه واعتقاده برسول الله ورسالته الخالدة ((1)) .

وقال العلماء بأن عليا ع نفس النبي طبقا لاية المباهلة ((2)) .

ص: 143

وقد وقَّع على تلك الصحيفة أربعون رجلاً من وجوه قريش , وختموها بخواتيمهم وذلك في السنة السابعة من البعثة النبوية ((1)).

وكان كاتب الصحيفة منصور بن عكرمة فشلت يده وقُتِل يوم بدر كافراً ((2)).

ولقد اضطرت قريش إلى هذه المقاطعة بحق بني هاشم والمطلب لأجبارهم على تسليم رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) ليقتلوه , إذ أنّ قريشا خافت إقدامها على قتل النبي ((صلی الله علیه و اله ))من رد فعل بني هاشم والمطلب.

فأقام ومعه جميع بني هاشم وبني المطلب ثلاث سنين حتى أنفق رسولُ الله مالَه , وانفق أبو طالب ماله , وانفقت خديجة بنت خويلد مالهاوصاروا إلى حد الضرّ والفاقة.

ووضعت قريش عليهم الرقباء حتى لا يأتيهم أحد بالطعام , فكانوا لا يخرجون من شعب أبي طالب إلاَّ في موسم العمرة في رجب وموسم الحج في ذي الحجة للبيع والشراء , أكلوا فيها الخبط(3) وورق الشجر ((4)) .وتعرض الاطفال لمحنة عظيمة وعلى رأسهم فاطمة بنت محمد ((صلی الله علیه و اله ))التي بقيت في الحصار من عمر اثنين سنة الى خمس سنين .

ص: 145

وعن الحصار ومنع بني هاشم من التعامل مع التجار جاء :

(تحركت قريش لمنع ذلك بشراء بضاعة التجار بأغلى الأثمان , وتهديد المتعامل مع بني هاشم بمصادرة ماله , وعلى رأس أولئك أبو جهل , وأبو لهب , وأبو سفيان ) ((1)).

لقد منع كفار مكة بيع الطعام الى بني هاشم وحصروهم في شعب أبي طالب سنة سبعة للبعثة النبوية .

ولما كان هدف قريش الإجهاز على روح النبي ((صلی الله علیه و اله )) , فقد احتاط

أبو طالب في ذلك بنقله من فراشه ليلاً ووضع أحد أبنائه محله ((2)).

وكان عمر وأبو بكر وعثمان مع المحاصرين لشعب أبي طالب لأنّهم لم يسلموا في ذلك التاريخ , حيث انهم أسلموا بعد رحلة الاسراء والمعراج في السنة الثانية عشرة للبعثة النبوية الشريفة ((3)).ومنع طغاة مكة الماء عن المسلمين في حرب بدر فحاربهم المسلمون وأخذوا منهم عيون بدر ومكنوا الكفار من الشرب منه .

ص: 146

ثمّ إنّه قيل لعلي(علیه السلام) أنّ عثمان قد مُنع الماء فأمر بالروايا ((1)) , فعُكمت ((2))وجاء الناسَ عليّ(علیه السلام) فصاح بهم صيحة انفرجوا.. فدخلت الروايا .

وقيل لطلحة : هذا عثمان قد منع الطعام والشراب , فقال : إمّا تعطيني بنو أمية الحقّ من أنفسها , وإلاّ فلا ((3)).

وبعدما قتلت عائشة وطلحة والزبير عثمان عطشاناً ووضعوه على الزبالة أكلته كلاب المدينة ولم يسمحوا

لاحد في دفنه .وهذه أعمال غير اسلامية ثم ذهبوا الى حرب الجمل يطالبون بدم عثمان من الامام علي(علیه السلام) والمسلمين !!!ولقد استخدم الامويون سلاح الماء ضدَّ الإمام علي(علیه السلام) في معركة صفّين وضدَّ الحسين(علیه السلام) في واقعة كربلاء ((4)).

بينما أوصل الإمام علي(علیه السلام) الماء إلى عثمان يوم حاصروه ((5)).

فلا يمكن لاحد أن يتقدمهما فمن تقدم عليهما هلك .

ولم يصل علي ع خلف ابي بكر وعمر قط .

بينما كذب النواصب ومن غفل قلبه عن أصول الامامة ونسي مقام الامام العالي فقالوا بصلاة علي(علیه السلام) خلف الشيخين الدعيين .

والامام علي (علیه السلام) لا يصلي خلف الفاسقين والادعياء ولا يجوز للشيعي أن يفعل ذلك .

ومن شدة سطوة علي(علیه السلام) كان الكفار يتحاشوه ويبتعدون عنه لقوته الخارقة وقد جربوها مرارا معه في مكة .

وصمود بني هاشم وانتصارهم في شعب أبي طالب يشبه صمود النبي ايوب ((علیه السلام)وانتصاره على المشركين. وقد برز إيمان أبي طالب بيّنا في تلك القضية الخطيرة ((1)).

في عصرهالأول. قال رسول الله((صلی الله علیه و اله )): ما زالت قريش كاعين (منهزمين) عني حتى مات أبو طالب ((1)).

وتبع ذلك موت خديجة زوجته، أول امرأة مسلمة، وأفضل نساء رسول الله ((صلی الله علیه و اله ))إذ توفيت بعد أبي طالب بثلاثة أيام ((2)).

وقد حزن رسول الله ((صلی الله علیه و اله ))لفقدهما حزناً عميقاً احتراماً لخدماتهما الجليلة وتضحياتهما القيمة للاسلام قائلاً: اجتمعت على هذه الأمة مصيبتان، لا أدري بأيهما أنا أشدُّ جزعاً ((3)).

قال ابن اسحاق: فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابا.

فدخل رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه فاطمة(عليها السلام) تغسله وتبكي.ورسول الله ((صلی الله علیه و اله )) يقول: لا تبكي يا بنية فإنَّ الله مانع أباك، ويقول بين ذلك: ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب ((4)).

ص: 150

واهتمت فاطمة بنت أسد زوجة أبي طالب بمحمد ((صلی الله علیه و اله )) واهتمامها نابع من اعتقادها الديني الراسخ بدين إسماعيل وإبراهيم فقال ((صلی الله علیه و اله ))في وصف رعايتها يوم ماتت :

اليوم ماتت أمي , وكفنها بقميصه , ونزل في قبرها , واضطجع فيه , وصنع ما لم يصنعه مع مسلم قبلها , وقال لمن سأله عنها : إنها كانت أمي تجيع أولادها وتطعمني وتشعثهم وتدهنني , وما أحسست باليتم منذ أن التجأت إليها.

ويعني تهديد ابي طالب أن رؤوس ابي جهل وابي سفيان وابي لهب وعتبة بن ربيعة وصفوان بن أمية والعاص السهمي وابنه عمرو ستقطع وارواحهم ستزهق .

فخاف قادة مكة

وشعروا بالخوف وهم يعلمون صدق ابي طالب واستعداده للتضحية بكل شيء لحماية رسول الله (صلی الله علیه و اله ) .

قال رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) : ما زالت قريش كاعين (منهزمين) عني حتى مات أبو طالب ((1)).

ففقد رسول الله ((صلی الله علیه و اله ))بذلك اقوى محام له على تبليغ دينه , واعظم شخصية عاصرت البعثة الإسلامية في مكة , واقوى مضّح في سبيل الإسلام في عصره الأول.

قال رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) : ما زالت قريش كاعين (منهزمين) عني حتى مات أبو طالب ((1)).

وتبع ذلك موت خديجة زوجته , أول امرأة مسلمة , وأفضل نساء رسول الله ((صلی الله علیه و اله ))إذ توفيت بعد أبي طالب بثلاثة أيام ((2)).وقد حزن رسول الله ((صلی الله علیه و اله ))لفقدهما حزناً عميقاً احتراماً لخدماتهما الجليلة وتضحياتهما القيمة للاسلام قائلاً : اجتمعت على هذه الأمة مصيبتان , لا أدري بأيهما أنا أشدُّ جزعاً ((3)).

ص: 154

قال ابن اسحاق : فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابا.

فدخل رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) بيته والتراب على رأسه , فقامت إليه فاطمة (عليها السلام) تغسله وتبكي.

ورسول الله ((صلی الله علیه و اله )) يقول : لا تبكي يا بنية فإنَّ الله مانع أباك , ويقول(صلی الله علیه و اله ) بين ذلك : ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب ((1)).

وأقسم الملأ من قريش باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى على قتل محمد ((صلی الله علیه و اله ))فأقبلت فاطمة (عليها السلام)تبكي حتى دخلت على أبيها ((صلی الله علیه و اله ))فقالت : هؤلاء الملأ من قومك في الحجر قد تعاقدوا على أن لو رأوك قاموا إليك فليس منهم رجل إلاَّ عرف نصيبه من دمك.فقال : يا بنية أريني وضوءاً , فتوضأ ثم دخل عليهم المسجد , فلما رأوه قالوا : هو هذا هذا هو.

فخفضوا أبصارهم وعقروا في مجالسهم فلم يرفعوا إليه أبصارهم ولم يقم منهم رجل , فأقبل رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) حتى قام على رؤوسهم فأخذ قبضة

ص: 155

من تراب فحصبهم بها , وقال : شاهت الوجوه , فما أصاب رجلاً منهم حصاة إلاَّ وقُتِل يوم بدر كافراً ((1)).

ولما عاد الرسول ((صلی الله علیه و اله )) إلى الأرض حدَّث الناس بذلك في الحرم فصدقه المسلمون وكذبه الكافرون كعادتهم وعلى رأسهم طغاة قريش.

وفيها قال أبو طالب شيخ البطحاء للنبي ((صلی الله علیه و اله )) جملته المبينه لايمانه المتين : لا يخلص اليك احد بشيء تكرهه ما بقيت ((1))

.

وفي طول مدة البعثة النبوية كانت وفود قريش تتردد على تلك الدار وتتوسل بأبي طالب لمنع النبي ((صلی الله علیه و اله ))من فضح آلهتها.

فعاشت دار أبي طالب ثلاث عشرة سنة مع البعثة المحمدية تتلألأ نوراً بالاسلام , وتصمد صموداً مذهلا بوجه الكفر.

وفشلت محاولات قريش في إقناع أبي طالب بشكاواها , فابتكروا الحصار الاقتصادي والاجتماعي الذي استمر ثلاث سنوات ففشل أيضاً!

وأعظم تضحية قدمها أبو طالب في ذلك المجال نفسه الزكية إذ مات في داره الصامدة بعد انتهاء الحصار الاقتصادي الظالم عليه وعلى بني هاشم.واحترم الله تعالى تلك الدار الخيرة التي أصبحت مناراً للاسلام ومركزاً للتوحيد الإلهي بعروج النبي ((صلی الله علیه و اله )) منها إلى السماء العليا وهذا تمجيد لها ما فوقه تمجيد , وبركة إلهية غير منكرة ((2))

.

ص: 157

ووفر أبو طالب بسياسته الحضارية سبع سنين للنبى (صلی الله علیه و اله ) يبلغ فيها الاسلام قبل الحصار الاقتصادى في السنة السابعة , وفيها ازداد عدد المسلمين وقويت شوكة الدين قبل يقظة قريش من غفلتها.

وبينما كان جعفر بن أبي طالب يدافع عن الاسلام في الحبشة كان علي بن أبي طالب (علیه السلام) يصحب رسول الله(صلی الله علیه و اله ) مدافعاً عنه في مكة والمدينة ولأجل تلك المسيرة المشهودة لأبي طالب وعائلته حاول الحزب القرشي لاحقاً مهاجمة كل فضيلة تعود لأبي طالب وأولاده! باذلين في هذا السبيل اموالاً طائلة.

وبعد مرور قرون عديدة مع مساعيهم لتكفير ابي طالب وطمس أي ذكر لداره وولده نلاحظ فشل مساعيهم وخيبة آمالهم في هذا الطريق فأصبحوا عبرة للمعتبرين.

ومن الناحية العقائدية أضحت هذه الدار مقرا لنشر عقيدة لا اله الا الله محمد رسول الله.وأصبحت هذه الدار مقراً لقيادة رسول الله(صلی الله علیه و اله ) وقطباً مركزياً لنشر الرسالة المحمدية في ربوع شبة الجزيرة العربية.

وكلما حاول طغاة وعتاة مكة الدفاع عن أوثانهم طرقوا بابها متحدثين مع أبي طالب في مطاليبهم , فيردَّهم أبو طالب زعيم مكة بالأساليب الملائمة لنفوسهم المهدئة لاندفاعهم فيعيدهم الى مجالسهم.

ص: 158

وكانت دار أبي طالب مركزاً لمداولات أمور قريش وبني هاشم يقصدها الأشراف وعامة الناس , وفيها تعقد الاجتماعات المهمة لادارة البلد والامة .

وما ان يبدأ رسول الله(صلی الله علیه و اله ) ثانية بالنيل من اوثانهم والحط من دينهم حتى يجرون ثانية الى دار أبي طالب راجينه الحد من حركة ابن أخيه.

فكانت تلك الدار وسيدها في خدمة الاسلام والمسلمين من بداية البعثة النبوية والى ساعة وفاة أبي طالب فاستحقَّت بجدارة نيل عنوان مقر قيادة البعثة الاسلامية في مكة .

ونال أبو طالب باستحقاق كامل لقب سيد قريش وحامي رسول الله(صلی الله علیه و اله ) فلم تجرؤ قريش على النيل من محمد(صلی الله علیه و اله ) في حياته.

وبعدما مات أبو طالب وفقد رسول الله(صلی الله علیه و اله ) ناصره فرح القرشيون وحزن المسلمون فمرَّت برسول الله(صلی الله علیه و اله ) فترة صعبة وحرجة ردّ فيها اهالي الطائف دعوة النبي (صلی الله علیه و اله ) بحمايتهم له ولدينه , وردّت قبائل العرب رسالته وارشاداته وتعاليمه.

ذكر الثعلبي أيضا في سورة الأنعام في تفسير قوله تعالى : " وهم ينهون عنه وينأون عنه بالاسناد المقدم قال : قال مقاتل : نزلت في أبى طالب , واسمه

عبد مناف , وذلك أن النبي كان عند أبي طالب يدعوه إلى الاسلام فاجتمعت قريش إلى أبى طالب يريدون سوء بالنبي فقال أبو طالب :

والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أغيب في التراب دفينا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة ((1))

* وأبشر وقر بذاك منك عيونا

ودعوتني وزعمت انك ناصحى * ولقد صدقت وكنت قبل أمينا

وعرضت دينا لا محالة انه * من خير أديان البرية دينا

قال الثعلبي : وهذا قول مقاتل والقاسم بن مخيضرة وعطاء بن دينار , واحدى الروايات عن ابن عباس ((2))

.

{وَإنْ يُهْلِكُونَ إلا أنفُسَهُمْ } فى الدنيا والآخرة

{وَمَا يَشْعُرُونَ (26) }.واستمر معظم كفار قريش قبل اسلامهم وبعده في طريقهم المعادي للاسلام حتى زهقت روحهم في هذا الطريق .

{ وَإذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ لأبِيهِ آزَرَ أتَتَّخِذُ أصْنَاماً آلِهَةً إنِّي أرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلال مُبِين 74} سورة الانعام .

ص: 160

: هو عمه والعم يدعى أبا .

{أتَتَّخِذُ أصْنَاماً آلِهَةً } من دون الله تعالى{إنِّي أرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلال مُبِين74 } : الاية تبين أن العم مثل الاب يقوم مقامه في حال غيابه مثلما قام بذلك أبو طالب بعد وفاة جد النبي عبد المطلب .

فكان أبو طالب يحفظ وصية أبيه عبد المطلب في حفظ النبي الموعود محمد (صلی الله علیه و اله ) فيضجعه في سريره نصف الليل خوفا عليه من الاعداء .مفضلا اياه على أولاده .

وكان يتحمل أذى طغاة قريش في سبيل الله تعالى فسلبوه منصب سيد الحجاز لاسلامه وحاربه الكفار وحاصروه اقتصاديا واجتماعيا في شعب أبي طالب فمات بعد خروجه من الشعب مباشرة فكان نعم الاب وفيا مخلصا للدين . بينما استمر العتاة في ظلم النبي (صلی الله علیه و اله ) الذي قال :

ما أُوذي نبيٌّ مثل ما أُوذيت ((1)).كانت هناك محاولات طائشة لقتل النبي في طفولته وصباه لكنها لا ترقى الى المحاولات الكبرة والمنظمة .

وكانت أعظم مؤامرة لقتله قد نظمها قادة مكة بعد موت ابي طالب سيد قريش ومكة .

ص: 161

جاء : «وإجتمعت قريش على قتل رسول الله , وقالوا : ليس له اليوم أحد ينصره , وقد مات أبو طالب , فأجمعوا جميعاً على أن يأتوا من كلّ قبيلة بغلام نهد فيجتمعوا عليه فيضربوه بأسيافهم ضربة رجل واحد , فلا يكون لبني هاشم قوّة بمعاداة جميع قريش.

{وَأنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ } 214 _سورة الشعراء .

ثم تزايدت أعداد بني هاشم فلا يمكن لزعماء مكة من قتل هؤلاء الا ويقتل منهم أمثالهم .

وبعد موت ابي طالب سقطت هذه الثوابت في نظر قريش وتفرط عقد بني هاشم في نظرهم اذ بدأوا يشككون في حماية الكفار من بني هاشم للنبي محمد(صلی الله علیه و اله ) مثل العباس وعقيل وغيرهم .

وعندها بدأوا يفكرون في النيل من النبي ومحاولة قتله ويشجعهم ابو لهب على ذلك .

ولم يفعل رجل من زعماء بني هاشم للاسلام ما فعله أبو طالب وابنه علي (علیه السلام) فالعباس لم يسلم الا مع الطلقاء في فتح مكة شانه شأن ابي سفيان .وابو لهب يدعو لمحاربة النبي (صلی الله علیه و اله ) ليلا ونهارا ويجمع الناس في هذا الطريق ويمنعهم من دخول الاسلام بافتراءاته الكثيرة على النبي والدين .

ولان ابا طالبا كان فدائيا للاسلام ومخلصا للرسول فقد وقع عليه حقد المنافقين وقرروا الافتراء عليه في كل شؤونه لاخماد هويته وطمس ترجمته.

فقال معظم علماء السنة انه كافر عنادا للامام علي(علیهما السلام) وبغضا له رغم قول النبي(صلی الله علیه و اله ) :: يا علي لا يحبك الا مؤمن طاهر المولد ولا يبغضك إلاّ ابن زنا ((1)) .

ص: 163

وقالوا : إن ابا سفيان مسلم رغم اعلانه للكفر في آخر ايامه :

قال ابو سفيان في مجلس عثمان: « اللهم اجعل الأمر أمر الجاهلية, والملك ملك غاصبيَّة, واجعل أوتاد الأرض لبني أميَّة »((1)) .

وقال أبو سفيان في مجلس عثمان وبحضور باقي الأمويين: يا معشر بني أميّة إنّ الخلافة صارت في تيم وعدي حتى طمعت فيها وقد صارت إليكم فتلقّفوها بينكم تلقّف الكرة فوالله ما من جنّة ولا نار ((2)).وقال ابو سفيان: إنّما هو الملك وما أدري ما جنّة ولا نار((3)).

وكرَّر يزيد بن معاوية تلك المقولة أمام رأس الحسين الشهيد ((علیه السلام)) في دمشق قائلا:

ص: 164

ليت أشياخي ببدر شهدوا**جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلّوا واستهلّوا فرحاً******ثم قالوا يايزيد لا تشل

قد قتلنا القرم من ساداتهم****وعدلناه ببدر فاعتدل

لعبت هاشم بالملك فلا****خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف((1))

إن لم أنتقم*من بني أحمد((2)) ما كان فعل((3)).

ان اصرار وتعهد يزيد بالانتقام من آل أحمد (صلی الله علیه و اله ) يبين انه ليس منهم لا في نسب ولا في دين .وخندف وزان زبرج أم مدركة بن الياس أحد أجداد النبىّ واسمها ليلى كما في القاموس, منه . ولقد نسب يزيد نفسه الى نسب اجداد النبي (صلی الله علیه و اله ) كذباً وجده أمية عبد أمه الزرقاء الزانية !!!

قال سفينة مولى رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) : أُم أميّة الزرقاء وكانت في الجاهلية من صواحب الرايات ((4)) .

ص: 165

وكان أميّة ممن اشتهر بالزنا وكذلك كان ابنه حرب ((1)) فهما زانيان ابنا زانيتين , والكفار والنواصب تحب الزنا .

وقال الامام جعفر الصادق (علیه السلام) : سواء على الناصب صلى أم زنا ((2)) .

يا محمّد إلاّ تفعل ما تؤمر يعذّبك ربّك , فاصنع لنا صاعاً من طعام , واجعل عليه رِجل شاة , واملا لنا عسّاً من لبن , ثمّ اجمع لي بني عبد المطّلب حتّى أُبلَّغَهم ما أُمرت به . ففعلت ما أمرني به , ثمّ دعوتهم له , وهم يومئذ أربعون رجلاً , يزيدون رجلاً أو ينقصونه , فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب . فلمّا اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعته , فجئتهم به , فلمّا وضعته , تناول رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) جذبة من اللحم , فشقّها بأسنانه , ثمّ ألقاها في نواحي الصفحة , ثمّ قال :

خذوا باسم الله , فأكل القوم حتّى ما لهم بشيء حاجة , وأيم الله أنْ كان الرجل الواحد منهم ليأكل مثل ما قدمت لجميعهم . ثمّ قال : إسقِ القوم , فجئتهم بذلك العس فشربوا حتّى رووا جميعاً , وأيم الله أنْ كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله . فلمّا أراد رسول الله أن يكلّمهم بدره أبو لهب فقال : سحركم صاحبكم , فتفرّق القوم ولم يكلّمهم رسول الله ((صلی الله علیه و اله )) .فقال في الغد :

يا علي , إنّ هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول , فتفرّق القوم قبل أنْ أُكلّمهم , فأعد لنا من الطعام مثل ما صنعت ثمّ اجمعهم , ففعلت ثمّجمعت , فدعاني بالطعام فقرّبته , ففعل كما فعل بالامس , فأكلوا وشربوا , ثمّ تكلّم رسول الله فقال (صلی الله علیه و اله ) :

يا بني عبد المطّلب , إنّي قد جئتكم بخيري الدنيا والاخرة , وقد أمرني الله تعالى أنْ أدعوكم إليه , فأيّكم يؤازرُني على أمري هذا ويكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ؟

ص: 167

فأحجم القوم عنها جميعاً . فقلت وأنا أحدثهم سنّاً : يا نبيّ الله , أكون وزيرك عليه . قال (علیه السلام) : فأخذ برقبتي وقال(صلی الله علیه و اله ) : إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم , فاسمعوا له وأطيعوا . فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أنْ تسمع لعلي وتطيع ((1)) .ابن سعد في الطبقات الكبرى : ومنهم المؤرخ الشهير أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع المشهور بابن سعد المتوفى سنة 230 هج _ في كتابه الطبقات الكبرى ((2)) :

ص: 168

أخبرنا علي بن محمد عن يزيد بن عياض بن جعدبة الليثي عن نافع عن سالم عن علي قال أمر رسول الله (صلی الله علیه و اله ) خديجة وهو بمكة فاتخذت له طعاما ثم قال لعلي (علیه السلام) ادع لي بني عبد المطلب فدعا أربعين فقال لعلي (علیه السلام) : هلم طعامك قال علي (علیه السلام) :

فأتيتهم بثريدة إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها فأكلوا منها جميعا حتى أمسكوا ثم قال : اسقهم فسقيتهم بإناء هو ري أحدهم فشربوا منه جميعا حتى صدروا فقال أبو لهب : لقد سحركم محمد فتفرقوا ولم يدعهم , فلبثوا أياما ثم صنع لهم مثله ثم أمرني فجمعتهم فطعموا ثم قال (صلی الله علیه و اله ) لهم :

من يؤازرُني على ما أنا عليه ويجيبني على أن يكون أخي وله الجنة ؟ فقلت : أنا يا رسول الله وإني لأحدثهم سنا وأحمشهم ساقا وسكت القوم , ثم قالوا : يا أبا طالب ألا ترى ابنك ؟ ((1))

.قال : دعوه فلن يألو ((2))

ابن عمه خيرا ((3))

ص: 169

ص: 170

.لقد طلب بعض رجال بني هاشم من ابي طالب

التدخل لمنع ابنه عليا (علیه السلام) من التبعية والطاعة للنبي محمد(صلی الله علیه و اله ) .

ص: 171

وهم لا يعلمون بأن ابا طالب هو الاخر ذائب وتابع ومعتقد بالنبي محمد(صلی الله علیه و اله ) .فأجابهم جوابا علميا .

الثعلبي : قال النبي (صلی الله علیه و اله ) : من يؤاخينى ويؤازرنى ويكون ولييِّ ووصيي بعدي وخليفتي, ويقضى دينى ؟ فسكت القوم, وأعاد ذلك ثلاثا, كل ذلك يسكت القوم ويقول علي(علیه السلام) : أنا .

فقال(صلی الله علیه و اله ) : أنت, فقام القوم وهم يقولون لابى طالب :

اطع ابنك فقد أمِّر عليك ((1))

.

وهذا الكتاب العلمي يبين أن التوحيد والنبوة والامامة فرضها النبي في أول يوم للبعثة النبوية الشريفة اذ قال الرسول :

( أيكم ينتدب أن يكون أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي ) ؟

فقال علي (علیه السلام) : ( أنا يا رسول الله . فقال النبي (صلی الله علیه و اله ) : هذا أخي ووارثي ووصيي ووزيري وخليفتي فيكم بعدي .لقد طلب بعض رجال بني هاشم من ابي طالب

التدخل لمنع ابنه عليا (علیه السلام) من التبعية والطاعة للنبي محمد(صلی الله علیه و اله ) .

وهم لا يعلمون بأن ابا طالب هو الاخر ذائب وتابع ومعتقد بالنبي محمد(صلی الله علیه و اله ) .فأجابهم جوابا علميا .

الثعلبي : قال النبي (صلی الله علیه و اله ) : من يؤاخينى ويؤازرنى ويكون ولييِّ ووصيي بعدي وخليفتي, ويقضى دينى ؟ فسكت القوم, وأعاد ذلك ثلاثا, كل ذلك يسكت القوم ويقول علي(علیه السلام) : أنا .

فقال(صلی الله علیه و اله ) : أنت, فقام القوم وهم يقولون لابى طالب :

اطع ابنك فقد أمِّر عليك ((2))

.

وهذا الكتاب العلمي يبين أن التوحيد والنبوة والامامة فرضها النبي في أول يوم للبعثة النبوية الشريفة اذ قال الرسول :

( أيكم ينتدب أن يكون أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي ) ؟

فقال علي (علیه السلام) : ( أنا يا رسول الله . فقال النبي (صلی الله علیه و اله ) : هذا أخي ووارثي ووصيي ووزيري وخليفتي فيكم بعدي .ثم قال أبو لهب لأبي طالب : ( يا أبا طالب ، اسمع الآن لابنك علي وأطع ، فقد جعله الله من نبيه بمنزلة هارون من موسى ) .

النبي (صلی الله علیه و اله ) عرف نفسه رسولا من الله تعالى ثم عرف عليا (علیه السلام) اماما وخليفة للمسلمين .

ص: 172

لقد عرف ابو لهب وباقي العاصين والمناصرون أن النبي محمدا (صلی الله علیه و اله ) أوجب التوحيد والنبوة والامامة .

فوقف ابو لهب واولاده وآخرون في صف المعارضة ووقف ابو طالب وجعفر في صف المؤمنين .

واتهم ابو لهب النبي بالسحر واتهم الامام عليا (علیه السلام) بصغر السن وقال

ابو طالب له : يا عورة، واللهِ لننصرنّه ثم لنعينَّنه ((1))

.

وهذا القول يبين ايمان ابي طالب الرصين واعتقاده الجازم بالاسلام قاله أمام المؤيدين والمعارضين للنبي (صلی الله علیه و اله ) .

واستمر ابو طالب في هذا الاعتقاد والايمان لا ينفك عنه بالمحاصرة الاقتصادية والضغوط الاجتماعية والمحاربة النفسية ومات في هذا الطريق .

ثم أبو طالب .

ثم جعفر وأبو ذر وعمار بن ياسر والمقداد بن عمرو .

وقبل سنة ونصف من الهجرة الى المدينة أي فى السنة الحادية عشرة للبعثة الشريفة أسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبى وقاص وسعيد بن زيد .

ادعى العلماء اسلام أبي بكر بعد سنوات من البعثة النبوية ((1)) أي بعد اسلام أكثر من خمسين رجلاً ((2)) .

وبالضبط بعد رحلة الإسراء والمعراج التي كانت قبل الهجرة بسنة ونصف برواية الواقدي ((3)) .أي أسلم أبو بكر وسن علي (علیه السلام) واحد وعشرون سنة وكان ذلك قبل الهجرة بسنة ونصف ((4))

.

ص: 174

ثم وضع الأمويون فيهم حديثاً كاذبا على لسان النبي بإسم العشرة المبشرة بالجنة , حاشرينهم مع الامام عليً (علیه السلام) ليصدِّق الناس ذلك .

فقد قال له ابو لهب

لابي طالب شيخ الحجاز مستهينا به : اطع ابنك فقد أمِّر عليك ((1))

.

فقال ابو طالب له : يا عورة، واللهِ لننصرنّه ثم لنعينَّنه ((2)) .

هذا القول يفصح عن اسلامه السابق واستعداده لخدمة النبي (صلی الله علیه و اله ) حتى النفس الاخير بكل ما أوتي من قوة .

قال الزبير : وأبو طالب أول من سن القسامة في الجاهلية في دم عمرو بن علقمة ، ثم أثبتتها السنة في الاسلام ، وكانت السقاية في الجاهلية بيد أبي طالب ، ثم سلمها إلى أخيه العباس (1).

و( قال المؤلف ) : ويؤيد كلام السيد أعلى الله مقامه ما ذكره ابن أبي الحديد المعتزلي الشافعي المتوفي سنة 655 ه في كتابه شرح نهج البلاغة( ج 14 ص 83 ) طبع ثاني في المطلوب وهذا نصه :

صنف بعض الطالبيين في هذا العصر كتابا ، في إسلام أبي طالب وبعثه إلي ، وسألني أن أكتب عليه بخطي نظما أو نثرا ، أشهد فيه بصحة ذلك ، وبوثاقة الأدلة عليه ، فتحرجت أن أحكم بذلك حكما قاطعا ، لما عندي من التوقف فيه ، ولم أستجز أن أقعد عن تعظيم أبي طالب فاني أعلم أنه لولاه لما قامت للاسلام دعامة ، وأعلم أن حقه واجب ، على كل مسلم في الدنيا إلى أن تقوم الساعة ، فكتب على ظاهر المجلد هذه الأبيات السبعة :ولولا أبو طالب وابنه * لما مثل الدين شخصا فقاما

فذاك بمكة آوى وحامى * وهذا بيثرب جس الحماما

إلى آخر الأبيات السبعة المتقدمة ، ولفظه يساوي ما تقدم نقله منترجمة السيد العلامة فخار بن معد بلا اختلاف في ألفاظه ، وقال بعد

ذكره الأبيات فوفيت حقه من التعظيم والاجلال ولم أجزم بأمر عندي فيه وقفة .

ص: 177

( قال المؤلف ) لو تأملت قليلا فيما كتبه ابن أبي الحديد في أحوال أبي طالب عليه السلام تراه يتناقض في أقواله ، فتارة يتكلم بما يظهر منه أنه يعترف بايمان أبي طالب عليه السلام ، وتارة يتكلم بما يظهر منه أنه منكر لذلك ، وتارة يصرح بأنه من المتوقفين في إيمان أبي طالب عليه السلام والذي يقوى في نظري أن ابن أبي الحديد لا يظهر عقيدته في الامر المتنازع فيه رعاية لأكثر علماء أهل نحلته حيث أنهم يصرحون بان أبا طالب عليه السلام لم يمت على الايمان برسول الله صلى الله عليه وآله بل مات وهو على دين أشياخه من قريش ( عبد المطلب عليه السلام وأمثاله ) .

وجاء أبو جهل بن هشام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ساجد وبيده حجر يريد أن يرميه به فلما رفع يده لصق الحجر بكفه فلم يستطع ما أراد فقال أبو طالب :

أفيقوا بني غالب ! وانتهوا * عن الغي من بعض ذا المنطق

وإلا فإني إذن خائف * بوائق في داركم تلتقي

تكون لغيركم عبرة * ورب المغارب والمشرق

كما نال من لان من قبلكم * ثمود وعاد وماذا بقي

غداة أتاهم بها صرصر * وناقة ذي العرش قد تستقي

فحل عليهم بها سخطه * من الله في ضربة الأزرق

غداة يعض بعرقوبها * حساما من الهند ذا رونقوأعجب من ذاك في أمركم * عجائب في الحجر الملصق

بكف الذي قام من خبثه * إلى الصابر الصادق المتقي

فأثبته الله في كفه * على رغمه الجائر الأحمق

ص: 178

أحيمق مخزومكم إذ غوى * لغي الغواة ولم يصدق

ديوان أبي طالب ص 13 ، شرح ابن أبي الحديد 3 : 314 .

قال ابن أبي الحديد في شرحه 3 : 314 : قالوا وقد اشتهر عن عبد الله المأمون إنه كان يقول : أسلم أبو طالب والله بقوله :

نصرت الرسول رسول المليك * ببيض تلالا كلمع البروق

أذب وأحمي رسولا الإله * حماية حام عليه شفيق

وما إن أدب لأعدائه * دبيب البكار حذار الفنيق

ولكن أزير لهم ساميا * كما زار ليث بغيل مضيق

وتوجد هذه الأبيات مع بيت زائد في ديوانه ص 24 .

ولسيدنا أبي طالب أبيات كتبها إلى النجاشي بعدما خرج عمرو بن العاص إلى بلاد الحبشة ليكيد جعفر بن أبي طالب وأصحابه عند النجاشي . يحرض النجاشي على إكرام جعفر والاعراض مما يقول عمرو منها :

ألا ليت شعري كيف في الناس جعفر * وعمرو وأعداء النبي الأقارب وهل نال إحسان النجاشي جعفرا * وأصحابه أم عاق عن ذاك شاغب ؟

تعلم أبيت اللعن أنك ماجد * كريم فلا يشقى إليك المجانب

ونعلم أن الله زادك بسطة * وأسباب خير كلها بك لازب

تاريخ ابن كثير 3 : 77 ، شرح ابن أبي الحديد 3 : 314 .قال ابن أبي الحديد في شرحه 3 : 315 : ومن شعره المشهور أيضا قوله يخاطب محمدا ، ويسكن جأشه ، ويأمره بإظهار الدعوة :

لا يمنعنك من حق تقوم به * أيد تصول ولا سلق بأصوات

فإن كفك كفى إن مليت بهم * ودون نفسك نفسي في الملمات

ص: 179

قال ابن هشام : ولما خشي أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه قال قصيدته التي تعوذ فيها بحرم مكة وبمكانه منها ، وتودد فيها أشراف قومه وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في ذلك من شعره أنه غير مسلم رسول الله (صلی الله علیه و اله ) ، ولا تاركه لشئ أبدا ، حتى يهلك دونه فقال أبو طالب :خليلي ما أذني لأول عاذل * بصغواء في حق ولا عند باطل

ولما رأيت القوم لا ود فيهم * وقد قطعوا كل العرى والوسائل

وقد صارحونا بالعداوة والأذى * وقد طاوعوا أمر العدو المزايل

وقد حالفوا قوما علينا أظنة ( 1 ) * يعضون غيظا خلفنا بالأنامل

صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة * وأييض عضب من تراث المقاول .أعوذ برب الناس من كل طاعن * علينا بسوء أو ملح بباطل

ومن كاشح يسعى لنا بمعيبة * ومن ملحق في الدين ما لم نحاول

وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه * وراق ليرقي في حراء ونازل

وبالبيت حق البيت من بطن مكة * وبالله إن الله ليس بغافل

وبالحجر المسود إذ يمسحونه * إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل

كذبتم وبيت الله نترك مكة * ونضعن إلا أمركم في بلابل

كذبتم وبيت الله نبزي محمدا * ولما نطاعن دونه ونناضل

ونسلمه حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائلوينهض قوم بالحديد إليكم * نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل

وحتى نرى ذا الضغن يركب ردعه * من الطعن فعل الأنكب المتحامل وإنا لعمر الله إن جد ما أرى * لنلتبسن أسيافنا بالأماثل

بكفي فتى مثل الشهاب سميدع * أخي ثقة حامي الحقيقة باسل

ص: 180

شهورا وأياما وحولا مجرما * علينا وتأتي حجة بعد قابل

وما ترك قوم - لا أبا لك - سيدا * يحوط الذمار غير ذرب مواكل

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في رحمة وفواضل

بميزان قسط لا يخيس شعيرة * له شاهد من نفسه غير عائل

لقد سفهت أحلام قوم تبدلوا * بني خلف قيضا بنا والغياطل

ونحن الصميم من ذؤابة هاشم * وآل قصي في الخطوب الأوائل

وسهم ومخزوم تمالوا وألبوا * علينا العدا من كل طمل وخامل

فعبد مناف أنتم خير قومكم * فلا تشركوا في أمركم كل واغل

ألم تعلموا أن ابننا لا مكذب * لدينا ولا نعبأ بقول الأباطل ؟

أشم من الشم البهاليل ينتمي * إلى حسب في حومة المجد فاضل

لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد * وأحببته حب الحبيب المواصل

فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها * وزينا لمن والاه رب المشاكل

فأصبح فينا أحمد في أرومة * تقصر عنه سورة المتطاول

حدبت بنفسي دونه وحميته * ودافعت عند بالذرا والكلاكل

فأيده رب العباد بنصره * وأظهر دينا حقه غير باطل

هذه القصيدة ذكر منها ابن هشام في سيرته 1 ص 286 - 298 ، أربعة وتسعين بيتا وقال : هذا ما صح لي من هذه القصيدة .وذكر ابن كثير من اثنين وتسعين بيتا في تاريخه 3 ص 53 - 57 ، وفي رواية ابن هشام ثلاثة أبيات لم توجد في تاريخ ابن كثير وقال : ص 57 قلت : هذه قصيدة عظيمة بليغة جدا لا يستطيع يقولها إلا من نسبت إليه ، وهي أفحل من المعلقات السبع ، وأبلغ في تأدية المعنى فيها جميعا ، وقد أوردها الأموي في مغازيه مطولة بزيادات أخر والله أعلم .

ص: 181

وذكرها أبو هفان العبدي في ديوان أبي طالب ص 2 - 12 في مائة وأحد عشر بيتا ولعلها تمام القصيدة .

وقال ابن أبي الحديد في شرحه 2 : 315 بعد ذكر جملة من شعر أبي طالب : فكل هذه الأشعار قد جاءت مجئ التواتر لأنه إن لم يكن آحادها متواترة فمجموعها يدل على أمر واحد مشترك وهو تصديق محمد صلى الله عليه وآله ومجموعها متواتر كما أن كل واحدة من قتلات علي عليه السلام الفرسان منقولة آحادا ومجموعها متواتر يفيدنا العلم الضروري بشجاعته ، وكذلك القول فيما روي من سخاء حاتم وحلم الأحنف ومعاوية وذكاء إياس وخلاعة أبي نواس وغير ذلك . قالوا : واتركوا هذا كله جانبا ما قولكم في القصيدة اللامية التي شهرتها كشهرة قفا نبك . وإن جاز الشك فيها أو في شئ من أبياتها جاز الشك في قفا نبك وفي بعض أبياتها .

وقال القسطلاني في إرشاد الساري 2 : 227 :

قصيدة جليلة بليغة من بحر الطويل وعدة أبياتها مائة وعشرة أبيات قالها لما تمالا قريش على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونفروا عنه من يريد الاسلام ، وذكر منها في المواهب اللدنية 1 : 48 ، أبياتا فقال : هي أكثر من ثمانين بيتا قال ابن التين : إن في شعر أبي طالب هذا دليلا على أنه كان يعرف نبوة النبي (صلی الله علیه و اله ) قبل أن يبعث لما أخبره به " بحيرا " وغيره من شأنه .

وقال العيني في عمدة القاري 3 : 434 :قصيدة طنانة وهي مائة بيت وعشرة أبيات أولها :

خليلي ما أذني لأول عاذل * بصغواء في حق ولا عند باطل

ص: 182

ذكر منها البغدادي في خزانة الأدب 1 : 252 - 261 اثنين وأربعين بيتا مع شرحها وقال أولها :

خليلي ما أذني لأول عاذل * بصغواء في حل ولا عند باطل

خليلي إن الرأي ليس بشركة * ولا نهنه عند الأمور البلابل

ولما رأيت القوم لا ود عندهم * وقد قطعوا كل العرا والوسائل

وذكر الآلوسي عدة منها في بلوغ الإرب 1 ص 237 وذكر كلمة ابن كثير المذكورة وقال : هي مذكورة مع شرحها في كتاب لب لباب لسان العرب .

وذكر منها السيد زيني دحلان أبياتا في السيرة النبوية هامش الحلبية 1 ص 88 .

فقال : قال الإمام عبد الواحد السفاقسي في شرح البخاري : إن في شعر أبي طالب هذا دليلا على أنه كان يعرف نبوة النبي (صلی الله علیه و اله ) قبل أن يبعث لما أخبره به " بحيرا " الراهب وغيره من شأنه مع ما شاهده من أحواله ومنها الاستسقاء به في صغره ومعرفة أبي طالب بنبوته (صلی الله علیه و اله ) جاءت في كثير من الأخبار زيادة على أخذها من شعره .

قال الأميني : أنا لا أدري كيف تكون الشهادة والاعتراف بالنبوة إن لم يكن منها هذا الأساليب المتنوعة المذكورة في هذه الأشعار ؟ ولو وجد واحد منها في شعر أي أحد أو نثره لأصفق الكل على إسلامه ، لكن جميعها لا يدل على إسلام أبي طالب .

فاعجب واعتبر .

هذه جملة من شعر أبي طالب عليه السلام الطافح من كل شطره الإيمان الخالص ، والاسلام الصحيح قال العلامة الأوحد ابن شهرآشوبالمازندراني في كتابه متشابهات القرآن عند قوله تعالى ( ولينصرن الله من ينصره ) في سورة الحج : إن أشعار أبي طالب الدالة على إيمانه تزيد على ثلاثة آلاف بيت يكاشف فيها من يكاشف النبي صلى الله عليه وآله و يصحح نبوته ثم ذكر جملة ضافية ومما ذكر له قوله في وصيته :

أوصي بنصر نبي الخير أربعة * ابني عليا وشيخ القوم عباسا

ص: 183

وحمزة الأسد الحامي حقيقته * وجعفرا أن تذودا دونه الناسا

كونوا فداء لكم أمي وما ولدت * في نصر أحمد دون الناس أتراسا .

فلمّا طلعت الشمس وحَلَّقت في السماء وأنا أنظر إلى الكعبة, أقبل شابٌّ فرمى ببصره إلى السماء ثم استقبل الكعبة ((1))

.

فأقام مستقبلها, فلم يلبث حتى جاء غلام فقام عن يمينه, قال : فلم يلبث حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما, فركع الشابُّ, فركع الغلام والمرأة, فرفع الشاب فرفع الغلام والمرأة, فخرّ الشاب ساجداً فسجدا معه .

فقلت : ياعبّاس أمر عظيم .فقال : أمر عظيم أتدري مَن هذا ؟

فقلت : لا . قال : هذا محمّد بن عبدالله بن عبدالمطّلب ابن أخي (صلی الله علیه و اله ), أتدري مَن هذا معه ؟

قلت : لا .قال : هذا علي بن أبي طالب بن عبدالمطّلب ابن أخي .أتدري مَن هذه المرأة التي خلفهما ؟

قلت : لا . قال : هذه خديجة بنت خويلد زوجة ابن أخي .وهذا النبي (صلی الله علیه و اله ) حدّثني أنّ ربّك ربّ السماء أمرهم بهذا الذي تراهم عليه وأيْمُ الله ما أعلم على ظهر الأرض كلّها أحداً على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة ((2)) .

وهذه الرواية تثبت أنّ هؤلاء الثلاثة فقط كانوا على دين الإسلام ثم أنذر (صلی الله علیه و اله ) عشيرته فأسلم بعضهم وعلى رأسهم أبو طالب وجعفر بن أبي طالب قبل إسلام الصحابة ((3)) .

ولم يصلِّ الامام علي (علیه السلام) خلف شخص قطّ غير رسول الله (صلی الله علیه و اله ) .

ص: 185

قال تعالى : { وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإحْسَان } اهتدوا بهديهم وتبعوا منهجهم .

{ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ اُمِرْتُ وَأنَا أوَّلُ المُسْلِمِينَ 163}_سورة الانعام .{ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ اُمِرْتُ } من قبل الله تعالى .

أول المسلمين : {وَأنَا أوَّلُ المُسْلِمِينَ } (163) : النبي محمد (صلی الله علیه و اله ) أول من آمن ثم وصيه وخليفته علي (علیه السلام). قال النبي (صلی الله علیه و اله ) اولّكم وروداً عليَّ الحوض اولكم اسلاماً علي بن أبي طالب ((1))

.

ثم خديجة ثم ابو طالب ((2)) .

ثم جعفر وأبو ذر وعمار بن ياسر والمقداد بن عمرو وعبد الله بن مسعود .

في السنة الثالثة من المقاطعة الاجتماعية والإقتصادية أخبر جبرئيل النبي ((صلی الله علیه و اله ))بأن الأرضَة أكلت كل ما في صحيفتهم من ظلم وقطيعة رحم , ولم يبق فيها إلاَّ ما كان اسماً لله تعالى.

فأخبر النبي ((صلی الله علیه و اله )) عمه أبا طالب بذلك , وكان أبو طالب لا يشك في قوله لانه يعتقد بأنه رسول الله (صلی الله علیه و اله ) ولا يكذب ابدا .

فخرج من الشعب إلى الحرم , فاجتمع الملأ من قريش في أعظم تجمع جماهيرى تشهده مكة فقال أبو طالب :

إن ابن أخي أخبرني أنَّ الله أرسل على صحيفتكم الأرضة فأكلت ما فيها من قطيعة رحم وظلم وتركت اسم الله تعالى فأحضروها , فإن كان صادقاً علمتم أنّكم ظالمون لنا قاطعون لأرحامنا وإن كان كاذباً علمنا أنّكم على حق وأنّا على باطل ((1)) .

وذكر اليعقوبي : ان أبا طالب قال لهم :( يا قوم أحضروا صحيفتكم فلعلّنا أن نجد فرجاً وسبباً لصلة الأرحام وترك القطيعة; وأحضروها وهي بخواتيمهم. فقال : هذه صحيفتكم على العهد لم تنكروها. قالوا : نعم. قال : فهل أحدثتم فيها حدثاً ؟

قالوا : اللهمّ لا. قال : فإن محمّداً أعلمني عن ربّه أنّه بعث الأرضة فأكلت كلّ ما فيها إلاّ ذكر الله; أفرأيتُم إن كان صادقاً ماذا تصنعون؟

قالوا : نكفُّ ونُمسِك.

قال : فإن كان كاذباً دفعته إليكم تقتلونه.

ص: 187

قالوا : قد أنصفت وأجملتَ; وفُضّت الصحيفة فإذا الأرضَة قد أكلت كلّ ما فيها إلاّ مواضع اسم الله عزّوجلّ.

فقالوا : ما هذا إلاّ سحر , وما كنّا قطّ أجدّ في تكذيبه منّا ساعتنا هذه. وأسلم يومئذ خلق من الناس عظيم وخرج بنو هاشم من الشّعب وبنو المطّلب فلم يرجعوا إليه ) ((1)) .

هذه المعجزة للارضة الصغيرة من معاجز النبي الكثيرة وهي تدور حول المعجزة الاسلامية الكبرى المتمثلة بالامام علي (علیه السلام) .

ودعا ابو طالب ولده جعفراً إلى الثبات على الاسلام ، وأمره بأن يصل جناح ابن عمه في الصلاة ((2)) .ودعا ابو طالب زوجته فاطمة بنت أسد إلى الإسلام ((3)) .

وأمر حمزة بالثبات على الاسلام ، وأظهر سروره بإسلامه واعتزازه بنصرته للنبي (صلی الله علیه و اله ). .

: يحب الله تعالى صاحب الاخلاق الحسنة

لذا قال سيد البشرية محمد (صلی الله علیه و اله ) : « إنّما بُعِثتُ لأُتمِّم مكارم الأخلاق » ((4))

.

ص: 188

و بعد نزول آية ( إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان ) ((1))

قال أبو طالب : يا آل قريش اتّبعوا محمداً (صلی الله علیه و اله ) ترشدوا ; فإنّه لا يأمركم إلاّ بمكارم الأخلاق ((2)) .

وفي تفسير البرهان _ ذيل الآية : ( إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان ) _ في ضمن رواية عن الصادق ( (علیه السلام) ) : « ليس لله في عباده أمر إلاّ العدل والإحسان » ((3)) .

بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام , إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم أمير المؤمنين ( (علیه السلام)) , وكانت حاملة بأمير المؤمنين ( (علیه السلام)) لتسعة أشهر , وكان يوم التمام , قال : فوقفت بإزاء البيت الحرام , وقد أخذها الطلق , فرمت بطرفها نحو السماء , وقالت : أي رب , إني مؤمنة بك , وبما جاء به من عندك الرسول , وبكل نبي من أنبيائك , وبكل كتاب أنزلته , وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل , وإنه بنى بيتك العتيق , فأسألك بحق هذا البيت ومن بناء , وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلمني ويؤنسني بحديثه , وأنا موقنة أنه إحدى آياتك ودلائلك لما يسرت علي ولادتي .

قال العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب . لما تكلمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء , رأينا البيت قد انفتح من ظهره , ودخلت فاطمة فيه , وغابت عن أبصارنا , ثم عادت الفتحة والتزقت بأذن الله ( تعالى ) , فرمنا أن نفتح الباب ليصل إليها بعض نسائنا , فلم ينفتح الباب , فعلمنا أن ذلك أمر من أمر الله ( تعالى ) , وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام .قال : وأهل مكة يتحدثون بذلك في أفواه السكك , وتتحدث المخدرات في خدورهن .

قال : فلما كان بعد ثلاثة أيام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه , فخرجت فاطمة وعلي ( (علیه السلام)) على يديها , ثم قالت :

معاشر الناس , إن الله ( عز وجل ) اختارني من خلقه , وفضلني على المختارات ممن مضى قبلي , وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنها عبدت الله سرا في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه إلا اضطرارا , ومريم بنت عمران حيث اختارها الله , ويسر عليها ولادة عيسى (علیه السلام) , فهزت الجذع اليابس من

ص: 190

النخلة في فلاة من الأرض حتى تساقط عليها رطبا جنيا , وإن الله ( تعالى ) اختارني وفضلني عليهما , وعلى كل من مضى قبلي من نساء العالمين , لأني ولدت في بيته العتيق , وبقيت فيه ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنة وأوراقها , فلما أردت أن أخرج وولدي على يدي هتف بي هاتف وقال : يا فاطمة , سميه عليا , فأنا العلي الاعلى , وإني خلقته من قدرتي , وعز جلالي , وقسط عدلي , واشتققت اسمه من اسمي , وأدبته بأدبي , وفوضت إليه أمري , ووقفته على غامض علمي , وولد في بيتي , وهو أول من يؤذن فوق بيتي , ويكسر الأصنام ويرميها على وجهها , ويعظمني ويمجدني ويهللني , وهو الامام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمد رسولي , ووصيه , فطوبى لمن أحبه ونصره , والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقه .

قال : فلما رآه أبو طالب سره , وقال علي ( (علیه السلام)) : السلام عليك يا أبه , ورحمة الله وبركاته .

قال : ثم دخل رسول الله (صلی الله علیه و اله ) , فلما دخل اهتز له أمير المؤمنين ( (علیه السلام)) وضحك في وجهه , وقال : السلام عليك , يا رسول الله , ورحمة الله وبركاته .قال : ثم تنحنح بإذن الله ( تعالى ) , وقال : ( بسم الله الرحمن الرحيم * قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون ) إلى آخر الآيات .

فقال رسول الله (صلی الله علیه و اله ) : قد أفلحوا بك , وقرأ تمام الآيات إلى قوله :

( أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) فقال رسول الله (صلی الله علیه و اله ) : أنت والله أميرهم , تميرهم من علومك فيمتارون , وأنت والله دليلهم وبك يهتدون .

ثم قال رسول الله (صلی الله علیه و اله ) لفاطمة : اذهبي إلى عمه حمزة فبشريه به .

ص: 191

فقالت : فإذا خرجت أنا , فمن يرويه ؟ قال : أنا أرويه . فقالت فاطمة : أنت ترويه ؟

قال : نعم , فوضع رسول الله (صلی الله علیه و اله ) لسانه في فيه , فانفجرت منه اثنتا عثرة عينا , قال : فسمي ذلك اليوم يوم التروية , فلما أن رجعت فاطمة بنت أسد رأت نورا قد ارتفع من علي ( (علیه السلام)) إلى عنان السماء .

قال : ثم شدته وقمطته بقماط فبتر القماط , قال : فأخذت فاطمة قماطا جيدا فشدته به فبتر القماط , ثم جعلته في قماطين فبترهما , فجعلته ثلاثة فبترها , فجعلته أربعة أقمطة من رق مصر لصلابته فبترها , فجعلته خمسة أقمطة ديباج لصلابته فبترها كلها , فجعلته ستة من ديباج وواحدا من الادم فتمطى فيها فقطعها كلها بإذن الله , ثم قال بعد ذلك : يا أماه لا تشدي يدي , فإني احتاج إلى أن أبصبص لربي بإصبعي .

قال : فقال أبو طالب عند ذلك : إنه سيكون له شأن ونبأ .

قال : فلما كان من غد دخل رسول الله (صلی الله علیه و اله ) على فاطمة , فلما بصر علي ( (علیه السلام)) برسول الله (صلی الله علیه و اله ) سلم عليه , وضحك في وجهه , وأشار إليه أن خذني إليك واسقني مما سقيتني بالأمس .قال : فأخذه رسول الله (صلی الله علیه و اله ) , فقالت فاطمة : عرفه ورب الكعبة . قال : فلكلام فاطمة , سمي ذلك اليوم يوم عرفة _ يعني أن أمير المؤمنين ( (علیه السلام)) عرف رسول الله (صلی الله علیه و اله ) _ فلما كان اليوم الثالث , وكان العاشر من ذي الحجة , أذن أبو طالب في الناس أذانا جامعا , وقال : هلموا إلى وليمة ابني علي . قال : ونحر ثلاث مائة من الإبل وألف رأس من البقر والغنم , واتخذ وليمة عظيمة , وقال : معاشر الناس , ألا من أراد من طعام علي ولدي

ص: 192

فهلموا وطوفوا بالبيت سبعا , وادخلوا وسلموا على ولدي علي فإن الله شرفه , ولفعل أبي طالب شرف يوم النحر ((1))

.

: لقد سمع ابو طالب ابنه عليا يتكلم في الطفولة فتيقن من نبوة محمد (صلی الله علیه و اله ) وخلافة مولى الموحدين علي (علیه السلام).

وكان قد آمن بدين النبي محمد (صلی الله علیه و اله ) في ايامه الاولى مع أبيه عبد المطلب حين قال له سيولد من عبد الله نبي البشرية المرتقب .

ثم دخل ابو طالب في المرحلة الثاني : المتمثلة في حياة ابي طالب مع محمد وفي داره مباشرة .

والتي عايش فيها رسول الله وشاهد وسمع المعجزات الالهية له من قرب , فتيقن من نبوته ورسالته السماوية وكمال سماته وصفاته واختلافه عن باقي البشرية بانه من العالين .

وشتم آلهتنا, فدعا أبو طالب رسول الله (صلی الله علیه و اله )وقال : يا بن أخي هؤلاء قومك يسألونك, فقال : ماذا يسألونني ؟

قالوا : دعنا وآلهتنا ندعك وإلهك.

فقال (صلی الله علیه و اله ) : أتعطونني كلمة واحدة تملكون بها العرب والعجم ؟

فقال له أبو جهل : لله أبوك نعطيك ذلك وعشر أمثالها.

فقال (صلی الله علیه و اله ): قولوا : لا إله إلا الله.

فقاموا وقالوا : " أجعل الآلهة إلها واحدا " فنزلت هذه الآيات .وروي أن النبي (صلی الله علیه و اله )استعبر ثم قال : يا عم والله لو وضعت الشمس في يميني والقمر في شمالي ما تركت هذا القول حتى أنفذه أو اقتل دونه, فقال له أبو طالب : امض لأمرك فوالله لا أخذلك أبدا ((1)) .

وقال البيضاوي : " وانطلق الملا منهم " أي وانطلق أشراف قريش من مجلس أبي طالب بعدما بكتهم رسول الله (صلی الله علیه و اله )" أن امشوا واصبروا " واثبتوا " على آلهتكم " على عبادتها " إن هذا لشئ يراد " إن هذا الامر لشئ من ريب الزمان يراد بنا فلا مرد له, أو إن هذا الرأي الذي يدعيه من التوحيد أو يقصده من الرياسة والترفع على العرب والعجم لشئ يتمنى أو

ص: 194

يريده كل أحد, أو إن دينكم يطلب ليؤخذ منكم " ما سمعنا بهذا " بالذي يقوله " في الملة الآخرة " في الملة التي أدركنا عليه آباءنا, أو في ملة عيسى التي هو آخر الملل, فإن النصارى يثلثون, ويجوز أن يكون حالا من هذا, أي ما سمعنا من أهل الكتاب ولا الكهان بالتوحيد كائنا في الملة المترقبة " إن هذا إلا اختلاق " كذب اختلقه " أم عندهم خزائن رحمة ربك " بل أعندهم خزائن رحمته وفي تصرفهم حتى يتخيروا للنبوة من شاؤوا " أم لهم ملك السماوات " أي ليس لهم مدخل في أمر هذا العالم الجسماني الذي هو جزء يسير من خزائنه, فمنأين لهم أن يتصرفوا فيها ؟ " فليرتقوا في الأسباب " أي إن كان لهم ذلك فليصعدوا في المعارج التي يتوصل بها إلى العرش حتى يستووا عليه ويدبروا أمر العالم فينزلوا الوحي إلى من يستصوبونه, والسبب في الأصل : هو الوصلة, وقيل : المراد بالأسباب السماوات لأنها أسباب الحوادث السفلية " جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب " أي هم جند ما من الكفار المتحزبين على الرسل, مهزوم مكسور عما قريب, فمن أين لهم التدابير الإلهية ؟ أو فلا تكترث

بما يقولون ((1)) .

ص: 195

عن جابر, عن أبي جعفر (علیه السلام) قال : أقبل أبو جهل بن هشام ومعه فوج من قريش فدخلوا على أبي طالب (علیه السلام) فقالوا : إن ابن أخيك قد آذانا وآذى آلهتنا فادعه ومره فليكف عن آلهتنا ونكف عن إلهه .

قال : فبعث أبو طالب إلى رسول الله (صلی الله علیه و اله )فدعاه فلما دخل النبي (صلی الله علیه و اله )لم ير في البيت إلا مشركا فقال : السلام على من اتبع الهدى ثمَّ جلس فخبره أبو طالب بما جاؤوا له .

فقال(صلی الله علیه و اله ) أو هل لهم في كلمة خير لهم من هذا يسودون ( من السيادة ) بها العرب ويطأون أعناقهم ؟فقال أبو جهل : نعم وما هذه الكلمة ؟ قال : تقولون : لا إله إلا الله, قال فوضعوا أصابعهم في آذانهم وخرجوا هرابا وهم يقولون : ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق فأنزل الله في قولهم : { ص والقرآن ذي الذكر.. إلى قوله إلا اختلاق }سورة ص7.

محمد الطائي

ص: 196

الرفادة والسقاية لبني هاشم. 34

هاشم مسؤول الضيافة والسقاية للحجاج. 35

تبني العبيد لتقوية القبائل وصناعة الزعماء 37

بداية المنافسة على الملك.. 39

الفصل الثاني : 42

ايمان أجداد وآباء النبي.. 42

العبادة في حِراء 42

تحريم عبد المطلب وابي طالب للمسكر. 44

عبد الله بن عبدالمطلب وآمنة. 46

البراهين على ايمان أجداد النبي.. 59

إيمان آباء النبي.. 61

وصية عبد المطلب لابي طالب بحفظ النبي الموعود محمد. 65

اعتقاد والدي النبي بدين الحنفية. 66

الفصل الثالث : 68

ايمان ابي طالب وخدمته للرسول. 68

عبد المطلب وابو طالب ينزلان المطر بالنبي.. 68

لماذا أوصى عبد المطلب الى أبي طالب ؟. 69

الادلة على ايمان عبد المطلب.. 70

رأي الزيدية والمعتزلة في اسلام ابي طالب.. 84

الشواهد على اسلام ابي طالب لا تحصى : 87

وصية ابي طالب لابنائه تبين اسلامه. 88

شيخ السيرة ابن اسحاق يبين اسلام ابي طالب.. 89

وابن حجر يكفره بغضا للامام علي.. 89

رأي ابن شهر آشوب.. 90

ص: 198

رأي محمد جواد مغنية. 90

علي خان المدني : البلخي والاسكافي أعتقدوا باسلام ابي طالب.. 93

الكلبي : وصية ابي طالب لقريش بالدفاع عن الاسلام. 94

عشق أبي طالب لمحمد النبي ص... 96

صبا الصادق الامين. 97

رعي النبي لغنم أهله. 98

رهبان الشام والمعاجز أخبرت أبا طالب أن. 100

محمدا ص نبي الامة. 100

المخبرون لابي طالب أن محمدا هو النبي.. 106

بحيرى يحذر ابا طالب من قتل اليهود للنبي.. 114

النبي القائد يرفض العروض الدنيوية. 116

ايمان عبد المطلب وشمائله الحضارية. 117

ابو طالب وابنه يدعون الى الشرف والعفة. 120

خدمة أبي طالب للنبي في صباه وتبليغه للاسلام. 123

النبي شريك في تجارة خديجة. 127

ابو طالب يخطب خديجة للنبي ص... 129

خطبة ابي طالب الرائعة في مراسم زواج النبي من خديجة. 131

خديجة جوهرة مكة قبل الاسلام. 133

قادة مكة الكافرين يشكون النبي.. 134

اعلان أبي طالب حالة الطوارىء للدفاع عن الاسلام والنبي.. 140

علي يسمع الحجر والشجر كالرسول. 142

ص: 199

صحيفة المقاطعة ضد النبي وأبي طالب وقبيلته. 144

لم يعمل النبي وعلي أجيرين قط.. 147

أعمال أبي طالب أثناء الحصار. 148

عام حزن النبي بموت ابي طالب وخديجة. 149

اهتمام أبي طالب وزوجته بنت أسد بالنبي.. 151

أبو طالب هدد زعماء قريش بالقتل إن قُتِل محمد. 152

عام حزن النبي بموت أبي طالب وخديجة. 153

أبو طالب وداره في خدمة الرسول والمسلمين. 156

موت أبي طالب دفع قريش للتفكير في قتل الرسول. 159

حركة أبي طالب حمت الرسول عشر سنين لنشر الاسلام. 162

أعلان ابي طالب اسلامه الرسمي في يوم الدار. 166

أبو طالب ثالث المسلمين. 173

متى أسلم أبو طالب.. 175

الزبير بن عبد المطلب : ابو طالب حامي.. 176

الرسول وكافله. 176

أول صلاة جماعة. 184

الاخبار الالهي بأكل الارضة لصحيفة المقاطعة. 186

ولادة مولى الموحدين علي في الكعبة في ظل. 189

فرح ابي طالب.. 189

الكفار يوسطون ابا طالب للنبي ص... 193

محتويات الكتاب.. 197

ص: 200