عنوان و نام پديدآور:مناقب آل ابی طالب/ تالیف رشید الدین ابی عبد الله محمد بن علی بن شهر آشوب. تحقیق علی السید جمال اشرف الحسینی.
مشخصات نشر:قم: المکتبه الحیدریه، 1432ق = 1390.
مشخصات ظاهری:12ج
وضعیت فهرست نویسی:در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)
يادداشت:ج.9. (چاپ اول)
شماره کتابشناسی ملی:2481606
ص: 1
مناقب آل أبي طالب
تأليف الإمام الحافظ رشيد الدين أبي عبد اللّه محمد بن علي بن شهرآشوب
ابن أبي نصر بن أبي الجيش السروي المازندراني
المتوفى سنة 588 ه
الجزء الرابع
تحقيق السيد علي السيد جمال أشرف الحسيني
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
ص: 7
ص: 8
اجتمعت الأمّة على أن ليس لها تولية رجل بالاختيار والشورى إلاّ بعد أن يجدوا في الكتاب والسنة ما يدلّ على رجل باسمه وفعله ، فإذا وجدوه ولّوه عليهم .
* * *
واجتمعت المعتزلة على أنّ الخصال المستحقّة لصاحبها التعظيم الذهني في علي عليه السلام أوفر ممّا في غيره ، وذلك العلم ، والجهاد ، والزهد ، والجود .
وأمّا الدليل السمعي الذي يوجب كثرة ثوابه وفضله على غيره ، ففي حديث الطير ، وحديث تبوك ، ونحوهما ، ومن افتقر البشر إليه كانت العصمة ثابتة عليه .
ثم أجمع الكلّ على أنّ أفضل الفضائل : السبق إلى الإسلام ، ثم القرابة ، ثم العلم ، ثم الهجرة ، ثم الجهاد ، ثم النفقة في سبيل اللّه ، ثم الزهد والورع ، ثم
رضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عنه يوم مات .
ص: 9
وقد سبق علي عليه السلام الكلّ في ذلك على ما يجيء بيانه إن شاء اللّه .
فأمّا رضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقد تفرّق في عدّة مواضع من هذا الكتاب .
وأمّا القرابة ، فلا يشكّ فيه مسلم ، وإن قالوا : حمزة وجعفر والحسن والحسين عليهم السلام والعباس ، وغيرهم ممّن حرّم اللّه عليهم الصدقة لقرباهم من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فكان علي عليه السلام أخصّهم به بأشياء كثيرة(1) .
وسئل الصادق عليه السلام عن فضيلة خاصة لأمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : فضل الأقربين بالسبق ، وسبق الأبعدين بالقرابة(2) .
قال ديك الجن :
قرابة ونصرة وسابقه
هذي المعالي والصفات الفايقه(3)
* * *
قال الحميري :
ما استبق الناس إلى غاية
إلاّ حوى السبق على سبقه
* * *
وقال ابن حماد :
أمّا أمير
المؤمنين فإنّه
سبق الهداة ولم يكن مسبوقا
اختاره ربّ العلى وأقامه
علما إلى سبل الورى وطريقا(4)(4)
* * *
ص: 10
ثم وجدنا فضائل علي عليه السلام على ثلاثة أنواع :
ما على الصحابة فيما شاركهم فيه .
وما اجتمع فيه وتفرّق في الكلّ .
وما تفرّد به .
قال جابر الأنصاري : كانت لأصحاب النبي صلى الله عليه و آله ثمانية عشر سابقة ، خصّ منها علي عليه السلام بثلاثة عشر ، وشركنا في الخمس(1) .
الفضائل عن العكبري : قال عبد اللّه بن شداد بن الهاد : قال ابن عباس : كان لعلي عليه السلام ثمانية عشر منقبة ، ما كانت لأحد في هذه الأمّة مثلها(2) .
ابن بطّة في الإبانة : عن عبد الرزاق عن أبيه قال : فضل علي بن أبي طالب عليهماالسلام أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله بمائة منقبة ، وشاركهم في مناقبهم(3) .
كتاب أبي بكر بن مردويه : قال نافع بن الأزرق لعبد اللّه بن عمر : إنّي أبغض عليا عليه السلام ، فقال : قال : أبغضك اللّه ، أتبغض رجلاً سابقة من سوابقه خير من الدنيا وما فيها(4) .
ص: 11
قال الحميري :
لئن كان بالسبق للسابقين
مزية فضل على السابقينا
لقد فضّل اللّه آل الرسول
لفضل الرسول على العالمينا
* * *
وقال الحصفكي :
يا بن ياسين وطاسين وحاميم ونونا
يا بن من أنزل فيه السابقون السابقونا
* * *
وقال الحميري :
أين الجهاد وأين فضل قرابة
والعلم بالشبهات والتفصيل
أين التقدّم بالصلاة وكلّهم
للاّت يعبد جهرة ويحول
أين الوصية والقيام بوعده
وبدينه إن غرّك المحصول
أين الجواز بمسجد لا غيره
حينا يمرّ به فأين تحول
هل كان فيهم إن نظرت مناصحا
لأبي الحسين مقاسط وعديل
* * *
ص: 12
ص: 13
ص: 14
استفاضت الرواية : أنّ أول من أسلم علي عليه السلام ، ثم خديجة عليهاالسلام ، ثم جعفر عليه السلام ، ثم زيد ، ثم أبو ذر ، ثم عمرو بن عنبسة السلمي ، ثم خالد بن سعيد بن العاص ، ثم سميّة أمّ عمار ، ثم عبيدة بن الحرث ، ثم حمزة عليه السلام ، ثم خباب بن الأرت ، ثم سلمان ، ثم المقداد ، ثم عمار ، ثم عبد اللّه بن مسعود في جماعة، ثم أبو بكر وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن زيد وصهيب وبلال .
تاريخ الطبري : إنّ عمر أسلم بعد خمسة وأربعين رجلاً ، وإحدى وعشرين إمرأة(1) .
أنساب الصحابة عن الطبري التاريخي والمعارف عن القتيبي : إنّ أول من أسلم خديجة(2) عليهاالسلام ، ثم علي عليه السلام ، ثم زيد ، ثم أبو بكر(3) .
ص: 15
يعقوب الفسوي في التاريخ : قال الحسن بن زيد : كان أبو بكر الرابع في الإسلام(1) .
وقال القرطي : أسلم علي عليه السلام قبل أبي بكر(2) .
واعترف الجاحظ في العثمانية بعد ما كرّ وفرّ : أنّ زيدا وخبابا أسلما قبل أبي بكر(3) .
ولم يقل أحد أنّهما أسلما قبل علي عليه السلام ، وقد شهد أبي بكر لعلي عليه السلام بالسبق إلى الإسلام(4) .
روى أبو زرعة الدمشقي وأبو إسحاق الثعلبي في كتابيهما أنّه قال أبو بكر : يا أسفي على ساعة تقدّمني فيها علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فلو سبقته لكان لي سابقة الإسلام(5) .
معارف القتيبي وفضائل السمعاني ومعرفة الفسوي : قالت معاذة العدوية : سمعت عليا عليه السلام يقول على منبر البصرة : أنا الصديق الأكبر ، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر ، وأسلمت قبل أن يسلم عمرا(6) .
ص: 16
تاريخ الطبري : قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن محمد بن سعد بن أبي وقاص قال : قلت لأبي : أكان أبو بكر أوّلكم إسلاما ؟
فقال : لا ، وقد أسلم قبله أكثر من خمسين رجلاً(1) ، ولكن كان أفضلنا إسلاما(2) .
وقال عثمان لأمير المؤمنين عليه السلام : إنّك إن تربّصت بي فقد تربّصت بمن هو خير منّي ومنك ، قال : ومن هو خير منّي ؟ ! قال : أبو بكر وعمر !!
فقال : كذبت أنا خير منك ومنهما ، عبدت اللّه قبلكم ، وعبدته بعدكم(3) .
فأمّا شعر حسان بأنّ أبا بكر أول من أسلم ، فهو شاعر ، وعناده لعلي عليه السلام ظاهر(4) .
وأمّا رواية أبي هريرة ، فهو من الخاذلين ، وقد ضربه عمر بالدرّة(5)
ص: 17
لكثرة روايته ، وقال : إنّه كذوب(1)(2) .
وأمّا رواية إبراهيم النخعي ، فإنّه ناصبي جدّا ، تخلّف عن الحسين عليه السلام ، وخرج مع ابن الأشعث في جيش عبيد اللّه بن زياد إلى خراسان ، وكان يقول : لا خير إلاّ في النبيذ الصلب(3) .
ص: 18
وأمّا الروايات
في أنّ عليا عليه السلام أول الناس إسلاما ، فقد
صنّف فيه كتب :
منها : ما رواه السدي عن أبي مالك عن ابن عباس في قوله : « وَالسّابِقُونَ السّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ » ، فقال : سابق هذه الأمّة علي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
مالك بن أنس عن أبي صالح عن ابن عباس : إنّها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام ، سبق - واللّه - كلّ أهل الإيمان إلى الإيمان .
ثم قال : « وَالسّابِقُونَ » كذلك يسبق العباد يوم القيامة إلى الجنّة(2) .
ص: 19
كتاب أبي بكر الشيرازي : مالك بن أنس عن سمي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : « وَالسّابِقُونَ الأَْوَّلُونَ » نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام سبق الناس كلّهم بالإيمان ، وصلّى إلى القبلتين ، وبايع البيعتين : بيعة بدر ، وبيعة الرضوان ، وهاجر الهجرتين(1) مع جعفر من مكة إلى الحبشة ، ومن
الحبشة إلى المدينة !
وروي عن جماعة من المفسرين أنّها نزلت في علي(2) عليه السلام .
وقد ذكر في خمسة عشر كتابا فيما نزل في أمير المؤمنين عليه السلام ، بل في أكثر التفاسير : أنّه ما أنزل اللّه - تعالى - في القرآن آية « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » إلاّ وعلي عليه السلام أميرها(3) ، لأنّه أول الناس إسلاما .
ص: 20
النطنزي في الخصائص العلوية بالإسناد عن إبراهيم بن إسماعيل عن المأمون عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن جدّه عن ابن عباس قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول :
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا علي عليه السلام ، أنت أوّل المسلمين إسلاما ، وأوّل
المؤمنين إيمانا(1) .
أبو يوسف الفسوي في المعرفة والتأريخ : روى السدي عن أبي مالك عن ابن عباس قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : علي أول من آمن بي وصدقني(2) .
أبو نعيم في حلية الأولياء ، والنطنزي في الخصائص بالإسناد عن الخدري : أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال لعلي عليه السلام ، وضرب يده بين كتفيه : يا علي عليه السلام ،
ص: 21
سبع خصال لا يحاجّك فيهنّ أحد يوم القيامة :
أنت أول المؤمنين باللّه إيمانا ، وأوفاهم بعهد اللّه ، وأقومهم بأمر اللّه ، وأرأفهم بالرعية ، وأقسمهم بالسوية ، وأعلمهم بالقضية ، وأعظمهم مزيّة يوم القيامة(1) .
أربعين الخطيب بإسناده عن مجاهد عن ابن عباس ، وفضائل أحمد ، وكشف الثعلبي بإسنادهم إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قالا :
قال البني صلى الله عليه و آله : إنّ سبّاق الأمم ثلاثة ، لم يكفروا طرفة عين : علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وصاحب ياسين ، ومؤمن آل فرعون ، فهم الصدّيقون ، وعلي أفضلهم(2) .
فردوس الديلمي : قال أبو بكر : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ » هما من هذه الأمّة(3) .
ص: 22
محمد بن فرات عن الصادق عليه السلام في هذه الآية « ثُلَّةٌ مِنَ الأَْوَّلِينَ » ابن آدم المقتول ، ومؤمن آل فرعون ، « وَقَلِيلٌ مِنَ الآْخِرِينَ » علي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
شرف النبي صلى الله عليه و آله عن الخركوشي أنّه أخذ النبي صلى الله عليه و آله بيد علي عليه السلام ، فقال : ألا إنّ هذا أول من يصافحني يوم القيامة ، وهذا الصدّيق الأكبر ، وهذا فاروق هذه الأمّة ، يفرق بين الحقّ والباطل ، وهذا يعسوب(2) المسلمين ، والمال يعسوب الظالمين(3) .
جامع الترمذي ، وإبانة العكبري ، وتاريخ الخطيب ، والطبري أنّه قال زيد بن أرقم وعليم الكندي : أول من أسلم علي بن أبي طالب عليهماالسلام(4) .
ص: 23
محمد بن سعد في كتاب الطبقات ، وأحمد في المسند : قال ابن عباس : أول من أسلم بعد خديجة علي عليهماالسلام(1) .
تاريخ الطبري ، وأربعين الخوارزمي : قال محمد بن إسحاق : أول ذكر آمن برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وصلّى معه ، وصدّقه بما جاء من عند اللّه علي عليه السلام(2) .
مروان وعبد الرحمن التميمي قالا : مكث الإسلام سبع سنين ليس فيه إلاّ ثلاثة :
رسول اللّه صلى الله عليه و آله وخديجة وعلي(3) عليهماالسلام .
ص: 24
فضائل الصحابة عن العكبري، وأحمد بن حنبل: قال عباد بن عبداللّه: قال علي عليه السلام : أسلمت قبل الناس بسبع سنين(1) .
كتاب ابن مردويه الأصفهاني ، والمظفر السمعاني ، وأمالي سهل بن عبد اللّه المروزي عن أبي ذر وأنس ، واللفظ لأبي ذر : أنّه قال النبي صلى الله عليه و آله :
إنّ الملائكة صلّت عليّ وعلى علي عليه السلام سبع سنين ، قبل أن يسلم بشر(2) .
تاريخ الطبري ، وتفسير الثعلبي أنّه قال محمد بن المنكدر ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وأبو حازم المدني ، ومحمد بن السايب الكلبي ، وقتادة ، ومجاهد ، وابن عباس ، وجابر بن عبد اللّه ، وزيد بن أرقم ، وعمرو بن مرّة ، وشعبة بن الحجاج :
علي عليه السلام أول من أسلم(1) .
وقد روى وجوه الصحابة وخيار التابعين وأكثر المحدّثين ذلك ، منهم :
سلمان ، وأبو ذر ، والمقداد ، وعمار ، وزيد بن صوحان ، وحذيفة ، وأبو الهيثم ، وخزيمة ، وأبو تراب ، والخدري ، وأُبيّ ، وأبو رافع ، وأم سلمة ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو موسى الأشعري ، وأنس بن مالك ، وأبو الطفيل ، وجبير بن مطعم ، وعمرو بن الحمق ، وحبّة العرني ، وجابر الحضرمي ، والحارث الأعور ، وعباية الأسدي ، ومالك بن الحويرث ، وقثم بن العباس ، وسعد بن قيس ، ومالك الأشتر ، وهاشم بن عتبة ، ومحمد بن كعب ، وأبو مجاز ، والشعبي ، والحسن البصري ، وأبو البختري ، والواقدي ، وعبد الرزاق ، ومعمر ، والسدي .
والكتب برواياتهم مشحونة .
ص: 26
وقال أمير المؤمنين عليه السلام :
صدّقته وجميع الناس في بهم
من الضلالة والإشراك والنكد(1)
* * *
قال الحميري :
من فضله أنّه قد كان أوّل من
صلّى وآمن بالرحمن إذ كفروا
سنين سبع وأياما محرّمة
مع النبي على خوف وما شعروا
* * *
وله أيضا :
من كان وحّد قبل كلّ موحّد
يدعو الإله الواحد القهارا
من كان صلّى القبلتين وقومه
مثل النواهق تحمل الأسفارا
* * *
ص: 27
ولقد كان إسلامه عن فطرة ، وإسلامهم عن كفر ، وما يكون عن الكفر لا يصلح للنبوة ، وما يكون من الفطرة يصلح لها ، ولهذا قوله صلى الله عليه و آله : ألا إنّه لا نبي بعدي ، ولو كان لكنته(1) .
ولذلك قال بعضهم وقد سئل : متى أسلم علي عليه السلام ؟ قال : ومتى كفر ؟ إلاّ أ نّه جدّد الإسلام .
تفسير قتادة ، وكتاب الشيرازي : روى ابن جبير عن ابن عباس قال : واللّه ، ما من عبد آمن باللّه إلاّ وقد عبد الصنم - فقال وهو الغفور : « لِمَنْ تابَ » من عبادة الأصنام - إلاّ علي بن أبي طالب ، فإنّه آمن باللّه من غير أن عبد صنما ، فذلك قوله « وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ » يعني المحبّ لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام ، إذ آمن به من غير شرك .
سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس في قوله «الَّذِينَ
ص: 28
آمَنُوا » يا محمد صلى الله عليه و آله ، الذين صدّقوا بالتوحيد ، قال : هو أمير المؤمنين « وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ » أي ولم يخلطوا ، نظيرها « لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ »يعني الشرك ، لقوله « إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ » .
قال ابن عباس : واللّه ، ما من أحد إلاّ أسلم بعد شرك ما خلا أمير المؤمنين عليه السلام « أُولئِكَ لَهُمُ الأَْمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ » يعني عليا(1) .
الكافي : أبو بصير عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام أنّهما قالا : إنّ الناس لمّا كذّبوا برسول اللّه صلى الله عليه و آله همّ اللّه - تبارك وتعالى - بهلاك أهل الأرض ، إلاّ عليا عليه السلام ، فما سواه بقوله « فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ » .
ثم بدا له ، فرحم المؤمنين ، ثم قال لنبيه صلى الله عليه و آله : « وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤمِنِينَ »(2) .
وقد روى المخالف والمؤالف من طرق مختلفة ، منها : عن أبي بصير ومصقلة بن عبد اللّه عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه و آله قال :
لو وزن إيمان علي عليه السلام بإيمان أمّتي - وفي رواية : وإيمان أمّتي - لرجح إيمان علي عليه السلام على إيمان أمّتي إلى يوم القيامة(3) .
ص: 29
وسمع أبو رجاء العطاردي قوما يسبّون عليا عليه السلام فقال : مهلاً ، ويلكم أتسبّون أخا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وابن عمّه، وأول من صدقه وآمن به، وإنّه لمقام علي عليه السلام مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ساعة من نهار خير من أعماركم بأجمعها(1) .
* * *
قال العبدي :
أشهد باللّه لقد قال لنا
محمد والقول منه ما خفى
لو أنّ إيمان جميع الخلق ممّن
سكن الأرض ومن حلّ السما
يجعل في كفّة ميزان لكي
يوفى بإيمان علي ما وفى
* * *
ص: 30
وإنّه مقطوع على باطنه ، لأنّه ولي اللّه بما ثبت في آية التطهير ، وآية المباهلة وغيرهما ، وإسلامهم على الظاهر .
الشيرازي في كتاب النزول : عن مالك بن أنس عن حميد عن أنس بن مالك في قوله « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا » نزلت في علي عليه السلام ، صدّق أول الناس برسول اللّه (1) . . الخبر .
الواحدي في أسباب نزول القرآن في قوله « أَفَمَنْ شَرَحَ اللّهُ صَدْرَهُ لِلإِْسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ » نزلت في حمزة وعلي عليهماالسلام « فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ » أبو لهب وأولاده(2) .
ص: 31
الباقر عليه السلام في قوله «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤمِنِينَ » علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
وعنه عليه السلام في قوله « الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ » نزلت في علي عليه السلام وعثمان بن مظعون وعمار ، وأصحاب لهم(1) .
« وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ » نزلت في علي عليه السلام ، وهو أول مؤمن ، وأول مصلّ(2) .
رواه الفلكي في إبانة ما في التنزيل عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس .
وعنه عليه السلام في قوله « إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ » نزلت في علي عليه السلام ، لأنّه أول من سمع ، والميّت الوليد بن عقبة .
ص: 32
وعنه عليه السلام في قوله « إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ » إنّ المعني بالآية أمير المؤمنين(1) عليه السلام .
الشيرازي في نزول القرآن عن عطا عن ابن عباس ، والواحدي في الأسباب والنزول ، وفي الوسيط أيضا عن ابن ليلى عن حكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، والخطيب في تاريخه عن نوح بن خلف ، وابن بطة في الإبانة ، وأحمد في الفضائل عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، والنطنزي في الخصائص عن أنس ، والقشيري في تفسيره ، والزجاج في معانيه ، والثعلبي في تفسيره ، وأبو نعيم فيما نزل من القرآن في علي عليه السلام عن الكلبي عن أبي صالح ، وعن ابن لهيعة عن عمرو بن دينار عن أبي العالية عن عكرمة ، وعن أبي عبيدة عن يونس عن أبي عمر ، وعن مجاهد كلّهم عن ابن عباس .
وقد روى صاحب الأغاني ، وصاحب تاج التراجم عن ابن جبير وابن عباس وقتادة .
وروي عن الباقر عليه السلام واللفظ له أنّه قال الوليد بن عقبة لعلي عليه السلام : أنا أحدّ منك سنانا ، وأبسط لسانا ، وأملأ حشوا للكتيبة .
ص: 33
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ليس كما قلت يا فاسق .
وفي روايات كثيرة : اسكت ، فإنّما أنت فاسق .
فنزلت الآيات « أَفَمَنْ كانَ مُؤمِناً » علي بن أبي طالب عليهماالسلام « كَمَنْ كانَ فاسِقاً » الوليد « لا يَسْتَوُونَ » .
« وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ » الآية ، أنزلت في علي عليه السلام
« وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا » أنزلت في الوليد(1) .
فأنشأ حسان :
أنزل اللّه والكتاب عزيز
في علي وفي الوليد قرآنا
فتبوّا الوليد من ذاك فسقا
وعلي مبوء إيمانا
ليس من كان مؤمنا عرف اللّه
كمن كان فاسقا خوّانا
سوف يجزى الوليد خزيا ونارا
وعلي لا شكّ يجزى جنانا(2)
* * *
وقال الحميري :
من كان في القرآن سمّي مؤمنا
في عشر آيات جعلن خيارا
* * *
ص: 34
وإنّه عليه السلام بقي بعد النبي صلى الله عليه و آله ثلاثين سنة في خيراته من الأوقاف
والصدقات ، والصيام والصلاة ، والتضرّع والدعوات ، وجهاد البغاة ، وبثّ الخطب والمواعظ ، وبيّن السير والأحكام ، وفرّق العلوم في العالم ، وكلّ ذلك من مزايا إيمانه .
تفسير يوسف بن موسى القطان ووكيع بن الجراح وعطاء الخراساني أنّه قال ابن عباس : « إِنَّمَا الْمُؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا »يعني : لم يشكّوا في إيمانهم ، نزلت في علي وجعفر وحمزة عليهم السلام
«وَجاهَدُوا »الأعداء « فِي سَبِيلِ اللّهِ » في طاعته « بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ »
« أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ » في إيمانهم ، فشهد اللّه لهم بالصدق والوفاء(1) .
قال الضحاك : قال ابن عباس في قوله «إِنَّمَا الْمُؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ
وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ » ذهب علي بن أبي طالب عليهماالسلام بشرفها(2) .
ص: 35
وروي(1) عن النبي صلى الله عليه و آله أنّ رجلين كانا متواخيين ، فمات أحدهما قبل صاحبه ، فصلّى عليه النبي صلى الله عليه و آله ، ثم مات الآخر ، فمثّل الناس بينهما .
فقال عليه السلام : فأين صلاة هذا من صلاته ، وصيامه بعد صيامه ، لما بينهما كما بين السماء والأرض(2) .
* * *
قال الحميري :
بعث النبي فما تلبّث بعده
حتى تخيّف غير يوم واحد
صلّى وزكّى واستسرّ بدينه
من كلّ عمّ مشفق أو والد
حججا يكاتم دينه فإذا خلا
صلّى ومجّد ربّه بمحامد
صلّى ابن تسع وارتدى في برجد(3)
ولداته(4) يسعون بين براجد
* * *
ص: 36
قال ابن البيع في معرفة أصول الحديث : لا أعلم خلافا بين أصحاب التواريخ أنّ علي بن أبي طالب عليهماالسلام أوّل الناس إسلاما ، وإنّما اختلفوا في بلوغه(1) .
فأقول : هذا طعن منهم على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إذ كان قد دعاه إلى الإسلام وقبل منه ، وهو بزعمهم غير مقبول منه ، ولا واجب عليه ، بل إيمانه في صغره من فضائله .
وكان بمنزلة عيسى عليه السلام وهو ابن ساعة ، يقول في المهد : « إِنِّي عَبْدُ اللّهِ آتانِيَ الْكِتابَ » ، وبمنزلة يحيى عليه السلام « وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا » ، والحكم درجة بعد الإسلام(2) .
* * *
ص: 37
قال الحميري :
وصي محمد وأبا بنيه
ووارثه وفارسه الوفيّا
وقد أوتي الهدى والحكم طفلاً
كيحيى يوم أوتيه صبيّا
* * *
وقد رويتم في حكم سليمان عليه السلام وهو صبي ، وفي دانيال ، وصاحب جريح ، وشاهد يوسف ، وصبي الأخدود ، وصبي العجوز ، وصبي مشاطة ابنة فرعون .
وأخذتم الحديث عن عبد اللّه بن عمر ، وأمثاله من الصحابة : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال لوفد : ليؤمكم أقرؤكم ، فقدّموا عمر بن سلمة ، وهو ابن ثمان سنين - قال : وكانت عليّ بردة إذا سجدت انكشفت ، فقالت إمرأة من القوم : واروا سوءة إمامكم - وكان أمير المؤمنين عليه السلام ابن تسع في قول الكلبي(1) .
قال السيد الحميري :
وصدّق ما قال النبي محمد
وكان غلاما حين لم يبلغ العشرا
* * *
ص: 38
وقال الشافعي : حكمنا بإسلامه ، لأنّ أقلّ البلوغ تسع سنين(1) .
وقال مجاهد ومحمد بن إسحاق وزيد بن أسلم وجابر الأنصاري : كان ابن عشر(2) .
بيانه : إنّه عاش بقول العامة ثلاثا وستين سنة ، فعاش مع النبي صلى الله عليه و آله ثلاثا وعشرين سنة ، وبقي بعده تسعا وعشرين سنة وستة أشهر(3) .
وقال بعضهم : ابن إحدى عشرة سنة .
وقال أبو طالب الهاروني : ابن إثنتي عشرة سنة .
وقالوا : ابن ثلاث عشرة سنة(4) .
وقال أبو الطيب الطبري : وجدت في فضائل الصحابة عن أحمد بن حنبل : إنّ قتادة روى أنّ عليا عليه السلام أسلم وله خمس عشرة سنة .
ورواه الفسوي في التاريخ ، وقد روى نحوه عن الحسن البصري .
قال قتادة : أمّا بيته « غلاما ما بلغت أوان حلمي » إنّما قال : قد بلغت(5).
ص: 39
قال الحميري :
فإنّك كنت تعبده غلاما
بعيدا من إساف ومن منات
ولا وثنا عبدت ولا صليبا
ولا عزّى ولم تسجد للات
* * *
وله أيضا :
وعلي أوّل الناس اهتدى
بهدى اللّه وصلّى وادكر
وحّد اللّه ولم يشرك به
وقريش أهل عود وحجر
* * *
وله أيضا :
وصي محمد وأبو بنيه
وأوّل ساجد للّه صلّى
بمكة والبرية أهل شرك
وأوثان لها البدنات تهدى
* * *
وله أيضا :
وصيّ رسول اللّه والأوّل الذي
أناب إلى دار الهدى حين أيفعا(1)
غلاما فصلّى مستسرّا بدينهمخافة أن يبغى عليه فيمنعا
بمكّة إذ كانت قريش وغيرهاتظلّ لأوثان سجودا وركعا
ص: 40
وله أيضا :
هاشمي مهذّب أحمدي
من قريش القرى وأهل الكتاب
خازن الوحي والذي أوتي الحكم
صبيّا طفلاً وفصل الخطاب
كان للّه ثاني إثنين سرّا
وقريش تدين للأنصاب
* * *
وقال العوني :
وغصن رسول اللّه أحكم غرسه
فعلا الغصون نضارة وتماما
واللّه ألبسه المهابة والحجى
وربا به أن يعبد الأصناما
ما زال يغذوه بدين محمد
كهلاً وطفلاً ناشئا وغلاما
* * *
ص: 41
ص: 42
ص: 43
ص: 44
أبو عبيد اللّه المرزباني وأبو نعيم الأصفهاني في كتابيهما فيما نزل من القرآن في علي عليه السلام ، والنطنزي في الخصائص عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، وروى أصحابنا عن الباقر عليه السلام في قوله - تعالى - « وَارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ » نزلت في رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعلي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وهما أوّل من صلّى وركع(1) .
المرزباني عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ »نزلت في علي عليه السلام خاصة ، وهو أوّل مؤمن ، وأوّل مصلّ بعد النبي(2) صلى الله عليه و آله .
ص: 45
تفسير السدي عن قتادة عن عطا عن ابن عباس في قوله « إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ » ، فأوّل من صلّى مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله علي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
تفسير القطان عن وكيع عن سفيان عن السدي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله « يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ » يعني : محمدا صلى الله عليه و آله يدثر بثيابه « قُمْ فَأَنْذِرْ »
أي : فصلّ وادع علي بن أبي طالب عليهماالسلام إلى الصلاة معك « وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ »
ممّا تقول عبدة الأوثان .
تفسير يعقوب بن سفيان قال : حدّثنا أبو بكر الحميدي عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في خبر يذكر فيه كيفية بعثة النبي صلى الله عليه و آله ، ثم قال :
بينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله قائم يصلّي مع خديجة عليهاالسلام ، إذ طلع عليه علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فقال له : ما هذا يا محمد صلى الله عليه و آله ؟
ص: 46
قال : هذا دين اللّه ، فآمن به وصدّقه(1)(2) .
ثم كانا يصلّيان ويركعان ويسجدان ، فأبصرهما أهل مكة ، ففشى الخبر فيهم أنّ محمدا صلى الله عليه و آله قد جنّ ، فنزل «ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ »(3) .
شرف النبي صلى الله عليه و آله عن الخركوشي قال : وجاء جبرئيل عليه السلام بأعلى مكة ، وعلّمه الصلاة ، فانفجرت من الوادي عين حتى توضأ جبرئيل عليه السلام بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وتعلّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله منه الطهارة، ثم أمر به عليا(4) عليه السلام .
تاريخ الطبري ، والبلاذري ، وجامع الترمذي ، وإبانة العكبري ،
ص: 47
وفردوس الديلمي ، وأحاديث أبي بكر بن مالك ، وفضائل الصحابة عن الزعفراني عن يزيد بن هارون عن شعبة عن عمرو بن مرّة عن أبي حمزة عن زيد بن أرقم ، ومسند أحمد عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس قالا :
قال النبي صلى الله عليه و آله : أول من صلّى معي علي عليه السلام(1) .
تاريخ الفسوي قال زيد بن أرقم : أول من صلّى مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله علي عليه السلام(2) .
جامع الترمذي ومسند أبي يعلى الموصلي عن أنس ، وتاريخ الطبري عن جابر قال : بعث النبي صلى الله عليه و آله يوم الإثنين ، وصلّى علي عليه السلام يوم الثلاثاء(3) .
أبو يوسف الفسوي في المعرفة ، وأبو القاسم عبد العزيز بن إسحاق في أخبار أبي رافع من عشرين طريقة عن أبي رافع قال : صلّى النبي صلى الله عليه و آله أوّل يوم الإثنين ، وصلّت خديجة آخر يوم الإثنين ، وصلّى علي عليه السلام
ص: 48
أحمد بن حنبل في مسند العشرة وفي الفضائل أيضا ، والفسوي في المعرفة ، والترمذي في الجامع ، وابن بطة في الإبانة : روى علي بن الجعد عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن حبّة العرني قال :
سمعت عليا عليه السلام يقول : أنا أوّل من صلّى مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله(3) .
ابن حنبل في مسند العشرة وفي فضائل الصحابة أيضا عن سلمة بن كهيل عن حبّة العرني ، في خبر طويل ، أنّه قال علي عليه السلام :
اللّهم لا أعرف أنّ عبدا من هذه الأمّة عبدك قبلي غير نبيك ، ثلاث مرات(4) . . الخبر .
ص: 49
وفي مسند أبي يعلى : ما أعلم أحدا من هذه الأمّة بعد نبيها عبد اللّه غيري(1) . . الخبر .
قال كعب بن زهير :
صهر النبي وخير الناس كلّهم
وكلّ من رامه بالفخر مفخور
صلّى الصلاة مع الأمّي أوّلهم
قبل العباد وربّ الناس مكفور(2)
* * *
وقال أبو الأسود الدؤلي :
وإنّ عليا لكم مفخر
يشبه بالأسد الأسود
أما إنّه ثاني العابدين
بمكة واللّه لم يعبد(3)
* * *
الحسين بن علي عليهماالسلام في قوله « تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً » نزلت في علي بن
ص: 50
أبي طالب عليهماالسلام(1) .
وروى جماعة أنّه نزل فيه : « الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ »(2) .
تفسير القطان : قال ابن مسعود : قال علي عليه السلام : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ما أقول في السجود في الصلاة ؟
فنزل « سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَْعْلَى » .
قال : فما أقول في الركوع ؟
فنزل « فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ » ، فكان أول من قال ذلك .
قال العوني :
علي خير الورى بعد النبي ومن
في الشرق والغرب مضروب به المثل
علي صام وصلّى القبلتين وكم
في الجاهلية قوم ربّهم هبل
ص: 51
وقال الزاهي :
صنو النبي المصطفى والكاشف
الغماء عنه والحسام المخترط
أوّل من صام وصلّى سابقا
إلى المعالي وعلى السبق غبط
* * *
وإنّه عليه السلام صلّى قبل الناس كلّهم سبع سنين وأشهرا مع النبي(1) صلى الله عليه و آله ، وصلّى مع المسلمين أربع عشرة سنة ، وبعد النبي صلى الله عليه و آله ثلاثين سنة .
ابن فياض في شرح الأخبار عن أبي أيوب الأنصاري قال : سمعت النبي صلى الله عليه و آله يقول : لقد صلّت الملائكة عليّ وعلى علي بن أبي طالب عليهماالسلام سبع سنين ، وذلك أنّه لم يؤمن بي ذكر قبله(2) ، وذلك قول اللّه « الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا »(3) .
وفي رواية زياد بن المنذر عن محمد بن علي عن أمير المؤمنين عليه السلام : لقد مكثت الملائكة سنين لا تستغفر إلاّ لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ولي ، وفينا نزلت : « الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤمِنُونَ بِهِ
ص: 52
وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا » الى قوله « الْحَكِيمُ »(1)(2) .
وروى جماعة عن أنس وأبي أيوب ، وروى ابن شيرويه في الفردوس عن جابر قالوا : قال النبي صلى الله عليه و آله : لقد صلّت الملائكة عليّ وعلى علي بن أبي طالب عليهماالسلام سبع سنين قبل الناس ، وذلك أنّه كان يصلّي ولا يصلّي معنا غيرنا(3) .
وفي رواية : لم يصلّ فيها غيري وغيره(4) .
وفي رواية : لم يصلّ معي رجل غيره(5) .
سنن ابن ماجة وتفسير الثعلبي عن عبد اللّه بن أبي رافع عن أبيه : إنّ عليا عليه السلام صلّى مستخفيا مع النبي صلى الله عليه و آله سبع سنين وأشهرا(6) .
ص: 53
تاريخ الطبري وابن ماجة : قال عباد بن عبد اللّه : سمعت عليا عليه السلامقال : أنا عبد اللّه وأخو رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأنا الصدّيق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلاّ كاذب مفتر ، صلّيت مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله سبع سنين(1) .
مسندي أحمد وأبي يعلى : قال حبّة العرني : قال علي عليه السلام : صلّيت قبل أن يصلّي الناس سبعا(2) .
* * *
قال الحميري :
ألم يصلّ علي قبلهم حججا
ووحّد اللّه ربّ الشمس والقمر
وهؤلاء ومن في حزب دينهم
قوم صلاتهم للعود والحجر
* * *
وله أيضا :
وكفاه بأنّه سبق الناس
بفضل الصلاة والتوحيد
حججا قبلهم كوامل سبعا
بركوع لديه أو بسجود
* * *
ص: 54
وله أيضا :
أليس علي كان أوّل مؤمن
وأوّل من صلّى غلاما ووحّدا
فما زال في سرّ يروح ويغتدي
فيرقي بثورا وحراء مصعدا
يصلّي ويدعو ربّه فهما به
مع المصطفى مثنى وإن كان أوحدا
سنين ثلاثا بعد خمس وأشهرا
كوامل صلّى قبل أن يتمردا
* * *
وله أيضا :
ألم يؤت الهدى والناس حيرى
فوحّد ربّه الأحد العليا
وصلّى ثانيا في حال خوف
سنين تجرّمت سبعا أسيّا
* * *
وله أيضا :
وصلّى ولم يشرك سنين وأشهرا
ثمانية من بعد سبع كوامل
* * *
وقال غيره :
أما لا يرون أقام الصلاة
وتوحيده وهم مشركونا
ويشهد أن لا إله سوى
ربّنا أحسن الخالقينا
سنينا كوامل سبعا يبيت
يناجي الإله له مستكينا
بذلك فضّله ربّنا
على أهل فضلكم أجمعينا
* * *
ص: 55
وهو أوّل من صلّى القبلتين(1) ، صلّى إلى بيت المقدس أربع عشرة سنة ، والمحراب الذي كان النبي صلى الله عليه و آله يصلّي ومعه علي عليه السلاموخديجة عليهاالسلاممعروف ، وهو على باب مولد النبي صلى الله عليه و آله في شعب بني هاشم .
وقد روينا عن الشيرازي ما رواه عن ابن عباس في قوله « وَالسّابِقُونَ الأَْوَّلُونَ » نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام ، سبق الناس كلّهم بالإيمان ، وصلّى
القبلتين ، وبايع البيعتين(2) .
قال الحميري :
وصلّى القبلتين وآل تيم
وإخوتها عدي جاحدونا
* * *
وصلّى إلى الكعبة تسعا وثلاثين سنة .
تاريخ الطبري بثلاثة طرق ، وإبانة العكبري من أربعة طرق ، وكتاب المبعث عن محمد بن إسحاق ، والتاريخ عن الفسوي ، وتفسير الثعلبي ، وكتاب الماوردي ، ومسند أبي يعلى الموصلي ويحيى بن معين ، وكتاب أبي
ص: 56
عبد اللّه محمد بن زياد النيسابوري عن عبد اللّه بن أحمد بن حنبل بأسانيدهم عن ابن مسعود ، وعلقمة البجلي وإسماعيل بن إياس بن عفيف عن أبيه عن جدّه أنّ كلّ واحد منهم قال :
رأى عفيف - أخو الأشعث بن قيس الكندي - شابا يصلّي ، ثم جاء غلام فقام عن يمينه ، ثم جاءت إمرأة فقامت خلفهما .
فقال للعباس : هذا أمر عظيم !
قال : ويحك ، هذا محمد صلى الله عليه و آله ، وهذا علي عليه السلام ، وهذه خديجة عليهاالسلام ، إنّ ابن أخي هذا حدّثني أنّ ربّه ربّ السماوات والأرض أمر بهذا الدين ، واللّه ما على ظهر الأرض على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة(1) .
وفي كتاب الفسوي : إنّه كان عفيف يقول بعد إسلامه : لو كنت أسلمت - يومئذٍ - كنت ثانيا مع علي بن أبي طالب عليهماالسلام(2) .
ص: 57
وفي رواية محمد بن إسحاق عن عفيف قال : خرجت من مكة ، إذا أنا بشاب جميل على فرس ، فقال : يا عفيف ، ما رأيت في سفرك هذا ؟
فقصصت عليه ، فقال : لقد صدقك العباس ، واللّه ، إنّ دينه لخير الأديان ، وإنّ أمّته أفضل الأمم .
قلت : فلمن الأمر من بعده ؟ قال : لابن عمّه وختنه على بنته ، يا عفيف ، الويل كلّ الويل لمن يمنعه حقّه .
ابن فياض في شرح الأخبار : عن أبي الجحاف عن رجل : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال في خبر : هجم على رسول اللّه صلى الله عليه و آله - يعني أبا طالب عليه السلام - ونحن ساجدان ، قال : أفعلتماها ؟! ثم أخذ بيدي فقال : انظر كيف تنصره ، وجعل يرغّبني في ذلك ، ويحضّني عليه(1) . . الخبر .
وفي كتاب الشيرازي : إنّ النبي صلى الله عليه و آله لمّا نزل الوحي عليه أتى المسجد الحرام ، وقام يصلّي فيه ، فاجتاز به علي عليه السلام ، وكان ابن تسع سنين ، فناداه : يا علي ، إليّ أقبل ، فأقبل إليه ملبيّا .
قال : إنّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله إليك خاصة ، والى الخلق عامة ، تعال - يا علي - فقف عن يميني وصلّ معي .
فقال : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، حتى أمضي وأستأذن أبا طالب عليه السلام والدي .
ص: 58
قال : اذهب ، فإنّه سيأذن لك(1) .
فانطلق يستأذن في إتباعه ، فقال : يا ولدي ، تعلم أنّ محمدا - واللّه - أمين منذ كان ، إمض وإتبعه ترشد وتفلح وتشهد .
فأتى علي عليه السلام ورسول اللّه صلى الله عليه و آله قائم يصلّي في المسجد ، فقام عن يمينه يصلّي معه ، فاجتاز بهما أبو طالب عليه السلام وهما يصلّيان ، فقال : يا محمد صلى الله عليه و آله ما تصنع ؟ قال : أعبد إله السماوات والأرض ، ومعي أخي علي عليه السلام يعبد ما أعبد ، يا عمّ ، وأنا أدعوك إلى عبادة اللّه الواحد القهار .
فضحك أبو طالب عليه السلام حتى بدت نواجذه ، وأنشأ يقول :
واللّه لن يصلوا إليك بجمعهم
حتى أغيب في التراب دفينا(2)
.. . لأبيات .
تاريخ الطبري وكتاب محمد بن إسحاق : إنّ النبي صلى الله عليه و آله كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة ، وخرج معه علي بن أبي طالب عليهماالسلام
مستخفيا من قومه ، فيصلّيان الصلوات فيها ، فإذا أمسيا رجعا ، فمكثا كذلك زمانا .
ثم روى الثعلبي معهما : إنّ أبا طالب عليه السلام رأى النبي صلى الله عليه و آله وعليا عليه السلام
ص: 59
يصلّيان ، فسأل عن ذلك ، فأخبره النبي صلى الله عليه و آله : إنّ هذا دين اللّه ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا إبراهيم عليه السلام . في كلام له . .
فقال علي عليه السلام : يا أبت آمنت باللّه وبرسوله ، وصدّقته بما جاء به ، وصلّيت معه للّه ، فقال له : أما أنّه لا يدعو إلاّ إلى خير فالزمه(1) .
الصادق عليه السلام قال : أوّل جماعة كانت أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يصلّي وأمير المؤمنين عليه السلام معه ، إذ مرّ أبو طالب عليه السلام به ، وجعفر معه ، فقال : يا بني
صل جناح ابن عمّك ، فلمّا أحسّ به رسول اللّه صلى الله عليه و آله تقدّمهما ، وانصرف أبو طالب عليه السلام مسرورا ، وهو يقول :
إنّ عليا وجعفرا ثقتي
عند ملمّ الزمان والكرب
واللّه لا أخذل النبي ولا
يخذله من بنيّ ذو حسب
اجعلهما عرضة العدى وإذا
اترك ميتا نما إلى حسبي
لا تخذلا وانصرا ابن عمّكما
أخي لأمّي من بينهم وأبي(2)
* * *
قال الحميري :
ألم يك لمّا دعاه الرسول
أصاب النبي ولم يدهش
فصلّى هنيئا له القبلتين
على أنسه غير مستوحش
* * *
ص: 60
ونزل فيه « قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ » .
وقيل : الخاشع في الصلاة من تكون نفسه في المحراب وقلبه عند الملك الوهاب .
ابن عباس والباقر عليه السلام في قوله « وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ » ، والخاشع الذليل في صلاته ، المقبل إليها ، يعني رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام(1) .
أبو المضا صبيح عن الرضا عليه السلام قال النبي صلى الله عليه و آله: في هذه الآية علي عليه السلاممنهم.
وجاء أنّه لم يقدر أحد أن يحكي صلاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلاّ علي عليه السلام ، ولا صلاة علي عليه السلام إلاّ علي بن الحسين عليهماالسلام(2) .
تفسير وكيع والسدي وعطاء أنّه قال ابن عباس : أهدي إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ناقتان عظيمتان سمينتان ، فقال للصحابة : هل فيكم أحد يصلّي ركعتين بقيامهما وركوعهما وسجودهما ووضوئهما وخشوعهما ، لا يهتم
ص: 61
فيهما من أمر الدنيا بشيء ، ولا يحدّث قلبه بفكر الدنيا ، أهدي إليه إحدى هاتين الناقتين ، فقالها مرّة ومرّتين وثلاثة ، لم يجبه أحد من أصحابه .
فقام أمير المؤمنين عليه السلام فقال : أنا - يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله - أصلّي ركعتين أكبر تكبيرة الأولى والى أن أسلم منهما لا أحدّث نفسي بشيء من أمر الدنيا ، فقال : يا علي ، صلّ ، صلّى اللّه عليك .
فكبّر أمير المؤمنين عليه السلام ، ودخل في الصلاة .
فلمّا سلّم من الركعتين هبط جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه و آله فقال : يا محمد صلى الله عليه و آله ، إنّ اللّه يقرئك السلام ويقول لك : اعطه إحدى الناقتين .
فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّي شارطته أن يصلّي ركعتين لا يحدّث فيهما بشيء من الدنيا أعطيه إحدى الناقتين إن صلاهما ، وإنّه جلس في التشهد فتفكّر في نفسه أيّهما يأخذ .
فقال جبرئيل عليه السلام : يا محمد صلى الله عليه و آله ، إنّ اللّه يقرئك السلام ويقول لك : تفكّر أيّهما يأخذها ، أسمنهما وأعظمهما ، فينحرها ويتصدّق بها لوجه اللّه ، فكان تفكّره للّه - عزّ وجلّ - لا لنفسه ولا للدنيا .
فبكى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأعطاه كليهما ، وأنزل اللّه فيه « إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى » لعظة « لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ » عقل « أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ » يعني يستمع أمير المؤمنين عليه السلام بأذنيه إلى من تلاه بلسانه من كلام اللّه « وَهُوَ شَهِيدٌ »
يعني وأمير المؤمنين عليه السلام شاهد القلب للّه في صلاته ، لا يتفكّر فيها بشيء من أمر الدنيا(1) .
ص: 62
قال البرقي :
ومن وحّد اللّه من قبلهم
ومن كان صام وصلّى صميّا
وزكّى بخاتمه في الصلاة
ولم يك طرفة عين عصيّا
لقد فاز من كان مولى لهم
وقد نال خيرا وحظّا سنيّا
وخاب الذي قد يعاديهم
ومن كان في دينه ناصبيّا
* * *
وقال بعض الأعراب :
ألا إنّ خير الناس بعد محمد
علي وإن لام العذول وفنّدا(1)
وإنّ عليا خير من وطأ الحصاسوى المصطفى أعني النبي محمدا
هما أسلما قبل الأنام وصلّياأغارا لعمري في البلاد وانجدا
* * *
وقال غيره :
علي وصي المصطفى وابن عمّه
وأول من صلّى ووحّد فاعلم(2)
* * *
ص: 63
ص: 64
ص: 65
ص: 66
كان للنبي صلى الله عليه و آله بيعة عامّة وبيعة خاصّة :
فالخاصّة : بيعة الجنّ ، ولم يكن للإنس فيها نصيب ، وبيعة الأنصار ، ولم يكن للمهاجرين فيها نصيب ، وبيعة العشيرة إبتداء ، وبيعة الغدير إنتهاء ، وقد تفرّد علي عليه السلام بهما ، وأخذ بطرفيهما .
وأمّا البيعة العامّة : فهي بيعة الشجرة ، وهي شجرة - أو أراك - عند بئر الحديبية ، ويقال لها « بيعة الرضوان » ، لقوله « رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤمِنِينَ » .
والموضع مجهول ، والشجرة مفقودة ، فيقال : إنّها بروحاء ، فلا يدرى أروحاء مكة عند الحمام ، أو روحاء في طريقها ، وقالوا : الشجرة ذهبت السيول بها .
ص: 67
وقد سبق أمير المؤمنين عليه السلام الصحابة كلّهم في هذه البيعة أيضا بأشياء ، منها أنّه كان من السابقين فيها .
ذكر أبو بكر الشيرازي في كتابه عن جابر الأنصاري : إنّ أول من قام للبيعة أمير المؤمنين عليه السلام ، ثم أبو سنان عبد اللّه بن وهب الأسدي ، ثم سلمان الفارسي .
وفي أخبار الليث : إنّ أول من بايع عمار(1) - يعني بعد علي عليه السلام - .
ثم إنّه أولى الناس بهذه الآية ، لأنّ حكم البيعة ما ذكره اللّه - تعالى - « إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالإِْنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ » الآية .
ورووا جميعا عن جابر الأنصاري أنّه قال : بايعنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله
ص: 68
على الموت(1) .
وفي معرفة الفسوي أنّه سئل سلمة : على أيّ شيء كنتم تبايعون تحت الشجرة ؟ قال : على الموت(2) .
وفي أحاديث البصريين عن أحمد : قال أحمد بن يسار : إنّ أهل الحديبية بايعوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله على أن لا يفرّوا(3) .
وقد صحّ أنّه لم يفرّ في موضع قطّ ، ولم يصحّ ذلك لغيره .
ثم إنّ اللّه - تعالى - علّق الرضا في الآية بالمؤمنين .
وكان أصحاب البيعة ألفا وثلاثمائة عن ابن أوفى .
وألفا وأربعمائة عن جابر بن عبد اللّه .
وألفا وخمسمائة عن ابن المسيب .
وألفا وستمائة عن ابن عباس(4) .
ولا شكّ أنّه كان فيهم جماعة من المنافقين ، مثل : جدّ بن قيس ، وعبد اللّه بن أبي سلول .
ص: 69
ثم إنّ اللّه - تعالى - علّق الرضا في الآية بالمؤمنين الموصوفين بأوصاف ، قوله « فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ » ، ولم ينزل السكينة على أبي بكر في آية الغار ، قوله « فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ »(1) .
قال السدي ومجاهد : فأوّل من رضي اللّه عنه ممّن بايعه علي عليه السلام ، فعلم في قلبه الصدق والوفاء .
ثم إنّ حكم البيعة ما ذكره اللّه « وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَْيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً » .
وقال « إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللّهَ فَسَيُؤتِيهِ أَجْراً عَظِيماً »الآية .
وإنّما سمّيت بيعة ، لأنّها عقدت على بيع أنفسهم بالجنة للزومهم في الحرب إلى النصر(2) .
وقال ابن عباس : أخذ النبي صلى الله عليه و آله تحت شجرة السمرة بيعتهم على أن لا يفرّوا ، وليس أحد من الصحابة إلاّ نقض عهدا في الظاهر بفعل أو بقول .
ص: 70
وقد ذمّهم اللّه - تعالى - فقال في يوم الخندق : « وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَْدْبارَ » .
وفي يوم حنين « وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَْرْضُ بِمارَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ».
وفي يوم أحد « إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ » .
وإنهزم أبو بكر وعمر في يوم خيبر بالإجماع ، وعلي عليه السلام في وفائه اتفاق(1) ، فإنّه لم يفرّ قطّ ، وثبت مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى نزل « رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ » ، ولم يقل المؤمنين «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ »
يعني حمزة وجعفر وعبيدة « وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ » يعني عليا عليه السلام(2) .
علي موفي العهد
وما كان بغدّار
* * *
قال السوسي :
ذاك الإمام المرتضى
إن غدر القوم وفى
أو كدر القوم صفا
فهو له مطاول
ص: 71
مونسه في وحدته
صاحبه في شدّته
حقّا مجلّي كربته
والكرب كرب شامل
* * *
ثم إنّ اللّه - تعالى - قال « وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً » يعني فتح خيبر ، وكان على يد علي عليه السلام بالإتفاق .
وقد وجدنا النكث في أكثرهم ، خاصة في الأول والثاني لمّا قصدوا في تلك السنة إلى بلاد خيبر ، فانهزم الشيخان ، ثم انهزموا كلّهم في يوم حنين ، فلم يثبت منهم تحت راية علي عليه السلام إلاّ ثمانية من بني هاشم ذكرهم ابن قتيبة في المعارف(1) .
قال الشيخ المفيد - رحمه اللّه - في الإرشاد ، وهم : العباس بن عبد المطلب
عن يمين رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والفضل بن العباس بن عبد المطلب عن يساره ، وأبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب ممسك بسرجه عند لغد(2) بغلته ، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهماالسلام بين يديه يقاتل بسيفه ، ونوفل بن الحرث بن عبد المطلب ، وربيعة بن الحرث بن عبد المطلب ، وعبد اللّه بن الزبير بن عبد المطلب ، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب بن عبد المطلب حوله(3) .
ص: 72
وقال العباس :
نصرنا رسول اللّه في الحرب تسعة
وقد فرّ من قد فرّ منهم فاقشعوا(1)(2)
* * *
وقال مالك بن عبادة :
لم يواس النبي غير بني هاشم
عند السيوف يوم حنين
هرب الناس غير تسعة رهط
فهم يهتفون بالناس أين(3)
والتاسع : أيمن بن عبيد قتل بين يدي النبي(4) صلى الله عليه و آله .
* * *
قال العوني :
وهل بيعة الرضوان إلاّ أمانة
فأوّل من قد خالف السلفان(5)
* * *
ثم إنّ النبي صلى الله عليه و آله إنّما كان يأخذ البيعة لنفسه ولذرّيّته .
ص: 73
روى الحافظ بن مردويه في كتابه بثلاثة طرق عن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين عن جعفر بن محمد عليهم السلام قال : أشهد لقد حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن الحسين بن علي عليهم السلام قال :
لمّا جاءت الأنصار تبايع رسول اللّه صلى الله عليه و آله على العقبة قال : قم يا علي عليه السلام ، فقال علي عليه السلام : على ما أبايعهم يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟
قال : على أن يطاع اللّه فلا يعصى ، وعلى أن يمنعوا رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوأهل بيته وذرّيّته ممّا يمنعون منه أنفسهم وذراريهم .
ثم إنّه كان الذي كتب الكتاب بينهم(1) .
ذكر أحمد في الفضائل عن حبّة العرني ، وعن ابن عباس ، وعن الزهري : إنّ كاتب الكتاب يوم الحديبية علي بن أبي طالب عليهماالسلام(2) .
وذكر الطبري في تاريخه بإسناده عن البراء بن عازب عن قيس النخعي ، وذكر القطان ، ووكيع ، والثوري ، والسدي ، ومجاهد في تفاسيرهم عن ابن عباس في خبر طويل :
إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : ما كتبت - يا علي عليه السلام - حرفا إلاّ وجبرئيل ينظر إليك
ويفرح ، ويستبشر بك .
ص: 74
وأمّا بيعة العشيرة ، قال النبي صلى الله عليه و آله : بعثت إلى أهل بيتي خاصّة ، والى الناس عامّة(1) .
وقد كان بعد مبعثه بثلاث سنين على ما ذكره الطبري في تاريخه ، والخركوشي في تفسيره ، ومحمد بن إسحاق في كتابه عن أبي مالك عن ابن عباس وعن ابن جبير أنّه :
لمّا نزل قوله : « وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَْقْرَبِينَ » جمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله بني هاشم ، وهم - يومئذٍ - أربعون رجلاً ، وأمر عليا عليه السلام أن ينضج رجل شاة ، وخبز لهم صاعا من طعام ، وجاء بعسّ(2) من لبن ، ثم جعل يدخل إليه عشرة عشرة حتى شبعوا، وإنّ منهم لمن يأكل الجذعة، ويشرب الفرق(3)(4).
وفي رواية مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس أنّه قال : وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم(5) .
ص: 75
وفي رواية البراء بن عازب وابن عباس أنّه بدرهم أبو لهب ، فقال : هذا ما سحركم به الرجل(1) .
ثم قال لهم النبي صلى الله عليه و آله : إنّي بعثت إلى الأسود والأبيض والأحمر ، إنّ اللّه أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ، وإنّي لا أملك لكم من اللّه شيئا إلاّ أن تقولوا : لا إله إلاّ اللّه ، فقال أبو لهب : ألهذا دعوتنا ! ثم تفرّقوا عنه ، فنزلت
« تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ » .
ثم دعاهم دفعة ثانية ، وأطعمهم وسقاهم ، ثم قال لهم : يا بني عبد المطلب ، أطيعوني تكونوا ملوك الأرض وحكّامها ، وما بعث اللّه نبيا إلاّ جعل له وصيّا أخا ووزيرا ، فأيّكم يكون أخي ووزيري ، ووصيّي ، ووارثي ، وقاضي ديني(2) ؟
وفي رواية الطبري عن ابن جبير وابن عباس : فأيّكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ؟ فأحجم القوم(3) .
وفي رواية أبي بكر الشيرازي عن مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس .
وفي مسند العشرة وفضائل الصحابة عن أحمد بإسناده عن ربيعة بن ناجد عن علي عليه السلام : فأيّكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ؟
ص: 76
فلم يقم إليه أحد ، وكان علي عليه السلام أصغر القوم يقول : أنا ، فقال في الثالثة : أجل ، وضرب بيده على يد أمير المؤمنين عليه السلام(1) .
وفي تفسير الخركوشي عن ابن عباس ، وابن جبير ، وأبي مالك ، وفي تفسير الثعلبي عن البراء بن عازب :
فقال علي عليه السلام ، وهو أصغر القوم : أنا يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : أنت ، فلذلك كان وصيّه .
قالوا : فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب عليه السلام : أطع ابنك فقد أمّر عليك(2) .
وفي تاريخ الطبري : فأحجم القوم ، فقال علي عليه السلام : أنا - يا نبي اللّه - أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبته ، ثم قال : هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا .
قال : فقام القوم يضحكون ، فيقولون لأبي طالب عليه السلام : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع(3) !
وفي رواية الحرث بن نوفل وأبي رافع وعباد بن عبد اللّه الأسدي عن
ص: 77
علي عليه السلام : فقلت : أنا يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : أنت ، وأدناني إليه ، وتفل في في ، فقاموا يتضاحكون ويقولون : بئس ما حبا ابن عمّه إذ اتّبعه وصدّقه .
تاريخ الطبري عن ربيعة بن ناجد : إنّ رجلاً قال لعلي عليه السلام : يا أمير المؤمنين ، بم ورثت ابن عمّك دون عمّك ؟
فقال عليه السلام - بعد كلام ذكر فيه حديث الدعوة - : فلم يقم إليه أحد ، فقمت إليه ، وكنت من أصغر القوم ، قال : فقال : اجلس .
ثم قال ذلك ثلاث مرات ، كلّ ذلك أقوم إليه ، فيقول لي : اجلس ، حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي ، قال : فبذلك ورثت ابن عمّي دون عمّي(1) .
وفي حديث أبي رافع أنّه قال أبو بكر للعباس : أنشدك اللّه ، تعلم أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد جمعكم وقال : يا بني عبد المطلب ، إنّه لم يبعث اللّه نبيا إلاّ جعل له من أهله وزيرا وأخا ووصيا ، وخليفة في أهله ، فمن يقم منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووارثي ووصيّي وخليفتي في أهلي ؟ فبايعه علي عليه السلام على ما شرط له(2) .
وإذا صحّت هذه الجملة وجبت إمامته بعد النبي صلى الله عليه و آله بلا فصل .
ص: 78
قال الحميري :
وقيل له أنذر عشيرتك الألى
وهم من شباب أربعين وشيب
فقال لهم إنّي رسول إليكم
ولست أراني عندكم بكذوب
وقد جئتكم من عند ربّ مهيمن
جزيل العطايا للجزيل وهوب
فأيّكم يقفوا مقالي فأمسكوا
فقال ألا من ناطق فمجيبي
ففاز بها منهم علي وسادهم
وما ذاك من عاداته بغريب
* * *
وله أيضا :
أنت أولى الناس بالناس وخير الناس دينا
كنت في الدنيا أخاه يوم يدعو الأقربينا
ليجيبوه إلى اللّه فكانوا أربعينا
بين عمّ وابن عمّ حوله كانوا عرينا
* * *
وله أيضا :
ويوم قال له جبريل قد علموا
أنذر عشيرتك الأدنين إن بصروا
فقام يدعوهم من دون أمّته
فما تخلّف عنه منهم بشر
فمنهم آكل في مجلس جذعا
وشارب مثل عسّ وهو محتفر
ص: 79
فصدّهم عن نواحي قصعة شبعا
فيها من الحبّ صاع فوقه الوذر(1)
فقال يا قوم إنّ اللّه أرسلنيإليكم فأجيبوا اللّه وادكروا
فأيّكم يجتبي قولي ويؤمن بيإنّي نبي رسول فانبرى غدر
فقال تبّا أتدعونا لتلفتناعن ديننا ثم قام القوم فانشمروا
من الذي قال منهم وهو أحدثهمسنّا وخيرهم في الذكر إذ سطروا
آمنت باللّه قد أعطيت نافلةلم يعطها أحد جنّ ولا بشر
وإنّ ما قلته حقّ وإنّهمإن لم تجيبوا فقد خانوا وقد خسروا
ففاز قدما بها واللّه أكرمهفكان سبّاق غايات إذا ابتدروا
* * *
وله أيضا :
أبو حسن غلام من قريش
أبرّهم وأكرمهم نصابا
ص: 80
دعاهم أحمد لمّا أتته
من اللّه النبوة فاستجابا
فأدّبه وعلّمه وأملى
عليه الوحي يكتبه كتابا
فأحصى كلّ ما أملى عليه
وبيّنه له بابا فبابا
* * *
وله أيضا :
لأقدم أمّته الأولين
هدى ولأحدثهم مولدا
دعاه ابن آمنة المصطفى
وكان رشيد الهدى مرشدا
إلى أن يوحّد ربّ السماء
تعالى وجلّ وأن يعبدا
فلبّاه لمّا دعاه إليه
ووحّده مثل ما وحّدا
وأخبره أنّه مرسل
فقال صدقت وما فنّدا
فصلّى الصلاة وصام الصيام
غلاما ووافى الوغى أمردا
فلم ير يوما كأيامه
ولا مثل مشهده مشهدا
* * *
وقال العوني :
تخيّره اللّه من خلقه
فحمّله الذكر وهو الخبير
وأنزل بالسور المحكمات
عليه كتابا مبين منير
وأغشاه نورا وناداه قم
فأنذر وأنت البشير النذير
فلاح الهدى وإضمحل العمى
وولّى الضلال وعيف الغرور
فوصّى عليا فنعم الوصي
ونعم الولي ونعم النصير
* * *
ص: 81
وله أيضا :
إنّ رسول اللّه مصباح الهدى
وحجّة اللّه على كلّ البشر
جاء بقرآن مبين ناطق
بالحقّ من عند مليك مقتدر
فكان من أول من صدّقه
وصيّه وهو بسنّ من صغر
ولم يكن أشرك باللّه ولا
دنّس يوما بسجود لحجر
فذاكم أوّل من آمن باللّه
ومن جاهد فيه وصبر
أوّل من صلّى من القوم ومن
طاف ومن حجّ بنسك واعتمر
* * *
وقال دعبل :
سقيا لبيعة أحمد ووصيّه
أعني الإمام وليّنا المحسودا
أعني الذي نصر النبي محمدا
قبل البرية ناشئا ووليدا
أعني الذي كشف الكروب ولم يكن
في الحرب عند لقائها رعديدا(1)
أعني الموحّد قبل كلّ موحّدلا عابدا وثنا ولا جلمودا(2)
* * *
ص: 82
وقال آخر :
فلمّا دعى المصطفى أهله
إلى اللّه دعاه سرّا رفيقا
ولاطفهم عارضا نفسه
على قومه فجزوه عقوقا
فبايعه دون أصحابه
وكان لحمل أذاه مطيقا
ووحّد من قبلهم سابقا
وكان إلى كلّ فضل سبوقا
* * *
ص: 83
ص: 84
ص: 85
ص: 86
سفيان عن ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس في قوله « وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِْيمانَ » قال : قد يكون مؤمنا ولا يكون عالما ، فواللّه لقد جمع لعلي عليه السلام كلاهما العلم والإيمان .
مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس في قوله « إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ » قال : كان علي عليه السلام يخشى اللّه ويراقبه ، ويعمل بفرائضه ، ويجاهد في سبيله(1) .
الصفواني في الإحن والمحن عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال :
ص: 87
« حم » اسم من أسماء اللّه ، « عسق » علم علي عليه السلام سبق كلّ جماعة ، وتعالى عن كلّ فرقة(1) .
محمد بن مسلم ، وأبو حمزة الثمالي ، وجابر بن يزيد عن الباقر عليه السلام .
وعلي بن فضال ، والفضيل بن يسار ، وأبو بصير عن الصادق عليه السلام .
وأحمد بن محمد الحلبي ، ومحمد بن الفضيل عن الرضا عليه السلام .
وقد روي عن موسى بن جعفر عليهماالسلام ، وعن زيد بن علي ، وعن محمد ابن الحنفية رضى الله عنه ، وعن سلمان الفارسي ، وعن أبي سعيد الخدري ، وعن إسماعيل السدي :
إنّهم قالوا في قوله - تعالى - « قُلْ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ » : هو علي بن أبي طالب(2) عليهماالسلام .
الثعلبي في تفسيره بإسناده عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس ، وروي عن عبد اللّه بن عطاء عن أبي جعفر عليه السلامأنّه قيل لهما : زعموا أنّ الذي عنده علم الكتاب عبد اللّه بن سلام !
ص: 88
قال : ذاك علي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
ثم روى أيضا أنّه سئل سعيد بن جبير « وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ » عبد اللّه بن سلام ؟ قال : لا ، فكيف ! وهذه سورة مكية(2) .
وقد روي عن ابن عباس : لا - واللّه - ما هو إلاّ علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، لقد كان عالما بالتفسير والتأويل ، والناسخ والمنسوخ ، والحلال والحرام(3) .
وروي عن ابن الحنفية رضى الله عنه : علي بن أبي طالب عليهماالسلام « عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ »الأول والآخر(4) . ورواه النطنزي في الخصائص .
ومن المستحيل أنّ اللّه - تعالى - يستشهد بيهودي ، ويجعله ثاني نفسه .
وقوله « قُلْ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ »
موافق لقوله : « كلاّ أنزل في أمير المؤمنين علي عليه السلام » ، وعدد حروف كلّ واحد منهما ثمانمائة وسبعة عشر .
* * *
قال العوني :
ومن عنده علم الكتاب وعلم ما
يكون وما قد كان علما مكتما
ص: 89
وقال أبو مقاتل بن الداعي العلوي :
وإنّ عندك علم الكون أجمعه
ما كان من سالف منه ومؤتنف
* * *
وقال نصر بن المنتصر :
ومن حوى علم الكتاب كلّه
علم الذي يأتي وعلم ما مضى
* * *
وقد ظهر علمه على سائر الصحابة حتى اعترفوا بعلمه وبايعوه .
قال الجاحظ : اجتمعت الأمّة على أنّ الصحابة كانوا يأخذون العلم من أربعة : علي عليه السلام ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت .
وقال : قالت طائفة : وعمر بن الخطاب(1) !!!
ثم أجمعوا على أنّ الأربعة كانوا أقرأ لكتاب اللّه من عمر ، وقال عليه السلام : يؤم بالناس أقرأهم ، فسقط عمر .
ص: 90
ثم أجمعوا على أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : الأئمة من قريش ، فسقط ابن مسعود وزيد .
وبقى علي عليه السلام وابن العباس ، إذ كانا عالمين فقيهين قرشيين ، فأكثرهما سنّا ، وأقدمهما هجرة علي عليه السلام ، فسقط ابن عباس .
وبقي علي عليه السلام أحقّ بالإمامة بالإجماع(1) .
* * *
وكانوا يسألونه ولم يسأل هو أحدا(2) .
* * *
وقال النبي صلى الله عليه و آله : إذا اختلفتم في شيء ، فكونوا مع علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
عبادة بن الصامت : قال عمر : كنّا أمرنا إذا اختلفنا في شيء أن نحكّم عليا عليه السلام(3) .
ولهذا تابعه المذكورون بالعلم من الصحابة نحو : سلمان ، وعمار ، وحذيفة ، وأبو ذر ، وأبي بن كعب ، وجابر الأنصاري ، وابن عباس ، وابن
ص: 91
مسعود ، وزيد بن صوحان ، ولم يتأخّر إلاّ زيد بن ثابت ، وأبو موسى ، ومعاذ ، وعثمان(1) ، وكلّهم معترفون له بالعلم ، مقرّون له بالفضل(2) .
النقاش في تفسيره : قال ابن عباس : علي عليه السلام علم علما علّمه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله علّمه اللّه ، فعلم النبي صلى الله عليه و آله علم اللّه ، وعلم علي عليه السلام من علم النبي صلى الله عليه و آله ، وعلمي من علم علي عليه السلام ، وما علمي وعلم أصحاب محمد صلى الله عليه و آله في علم علي عليه السلام إلاّ كقطرة في سبعة أبحر(3) .
الضحاك عن ابن عباس قال : أعطي علي بن أبي طالب عليهماالسلام تسعة أعشار العلم ، وإنّه لأعلمهم بالعشر الباقي(4) .
ص: 92
أمالي الطوسي : مرّ أمير المؤمنين بملأ فيهم سلمان ، فقال لهم سلمان : قوموا فخذوا بحجزة هذا ، فواللّه لا يخبركم بسرّ نبيّكم غيره(1) .
أمالي ابن بابويه : قال محمد بن المنذر : سمعت أبا أمامة يقول : كان علي عليه السلام إذا قال شيئا لم يشكّ فيه ، وذلك أنّا سمعنا رسول اللّه صلى الله عليه و آلهيقول : خازن سرّي بعدي علي عليه السلام(2) .
قال الحميري :
وعلي خازن الوحي الذي
كان مستودع آيات السور
* * *
يحيى بن معين بإسناده عن عطاء بن أبي رياح أنّه سئل : هل تعلم أحدا بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أعلم من علي عليه السلام ؟
فقال : لا - واللّه - ما أعلمه(3) .
ص: 93
فأمّا قول عمر بن الخطاب في ذلك فكثير .
رواه الخطيب في الأربعين : قال عمر : العلم ستة أسداس ، لعلي عليه السلاممن ذلك خمسة أسداس ، وللناس سدس ، ولقد شاركنا في السدس حتى لهو أعلم به منّا(1) .
عكرمة عن ابن عباس : إنّ عمر بن الخطاب قال له : يا أبا الحسن ، إنّك لتعجل في الحكم والفصل للشيء إذا سئلت عنه !
قال : فأبرز علي عليه السلام كفّه وقال له : كم هذا ؟ فقال عمر : خمسة .
فقال : عجلت يا أبا حفص ، قال : لم يخف عليّ ، فقال علي عليه السلام : أنا أسرع فيما لا يخفى عليّ .
واستعجم عليه شيء ، ونازع عبد الرحمن ، فكتبنا إليه أن يتجشّم بالحضور ، فكتب إليهما : العلم يؤتى ولا يأتي ، فقال عمر : هناك شيخ من بني هاشم ، وإثارة من علم يؤتى إليه ولا يأتي .
فصار إليه ، فوجده متكئا على مسحاة ، فسأله عمّا أراد ، فأعطاه الجواب ، فقال عمر : لقد عدل عنك قومك ، وإنّك لأحقّ به ، فقال عليه السلام : « إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً »(2) .
يونس عن عبيد : قال الحسن : إنّ عمر بن الخطاب قال : اللّهم إنّي
ص: 94
أعوذ بك من عضيهة(1) ليس لها علي عليه السلام عندي حاضرا .
إبانة بن بطة : كان عمر يقول فيما يسأله عن علي عليه السلام ، فيفرج عنه : لا أبقاني اللّه بعدك(2) .
تاريخ البلاذري : لا أبقاني اللّه لمعضلة ليس لها أبو الحسن(3) .
الإبانة والفائق : أعوذ باللّه من معضلة ليس لها أبو حسن(4) .
وقد ظهر رجوعه إلى علي عليه السلام في ثلاث وعشرين مسألة ، حتى قال : لولا علي لهلك عمر(5) .
وقد رواه الخلق ، منهم أبو بكر بن عباس وأبو المظفر السمعاني .
* * *
ص: 95
قال الصاحب :
في مثل فتواك إذ قالوا مجاهرة
لولا علي هلكنا في فتاوينا(1)
* * *
وقال خطيب خوارزم :
إذا عمر تخطّى في جواب
ونبّهه علي بالصواب
يقول بعدله لولا علي
هلكت هلكت في ذاك الجواب
* * *
وقوله في الكلالة : أقول فيها برأي(1) ، فإن أصبت فمن اللّه ، وإن أخطأت فمنّي ومن الشيطان ، الكلالة : ما دون الولد والوالد(2) .
وعن عمر : سؤال السبيع عن الذاريات(3) .
وقوله : لا تتعجبوا من إمام أخطأ ، وإمرأة أصابت ، ناضلت أميركم فنضلته(4)(5) .
ص: 97
ومسألة الحمارية(1) ، وآية الكلالة(2) ، وقضاؤه في الجدّ(3) ، وغير ذلك(4) .
وقد شهد له رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالعلم :
قوله صلى الله عليه و آله : علي عليه السلام عيبة علمي(5) .
وقوله صلى الله عليه و آله : علي عليه السلام أعلمكم علما ، وأقدمكم سلما(6) .
وقوله صلى الله عليه و آله : أعلم أمّتي من بعدي علي بن أبي طالب عليهماالسلام(7) ، رواه علي بن هاشم ، وابن شيرويه الديلمي بإسنادهما إلى سلمان .
النبي صلى الله عليه و آله : أعطى اللّه عليا عليه السلام من الفضل جزءا لو قسم على أهل الأرض لوسعهم(8) .
ص: 98
حلية الأولياء : سئل النبي صلى الله عليه و آله عن علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فقال : قسمت الحكمة عشرة أجزاء ، فأعطي علي عليه السلام تسعة أجزاء ، والناس جزء واحد(1) .
ربيع بن خثيم : ما رأيت رجلاً من يحبّه أشدّ حبّا من علي عليه السلام ، ولا من يبغضه أشدّ بغضا من علي عليه السلام ، ثم التفت فقال : « وَمَنْ يُؤتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً »(2) .
واستدلّ بالحساب ، فقالوا : أعلم الأمّة علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، إتفقا في مائتين وثمانية عشر .
وكذلك قولهم : أعلم الأمّة جمال الأمّة علي بن أبي طالب عليهماالسلام سيد النجباء ، إتفقا في ثلاثمائة وسبعين .
قال ديك الجنّ :
هو الذي سمّي أبا البيان
صدقت قد أصبت بالبيان
وهو أبو العلم الذي لا يعلم
من قوله قولوا ولا تحمحموا
* * *
ص: 99
وقد أجمعوا على أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : أقضاكم علي(1) .
وروينا عن سعيد بن أبي الخصيب وغيره : أنّه قال الصادق عليه السلام لابن أبي ليلى : أتقضي بين الناس يا عبد الرحمن ؟ قال : نعم يا بن رسول اللّه .
قال : بأيّ شيء تقضي ؟ قال : بكتاب اللّه .
قال : فما لم تجد في كتاب اللّه ؟ قال : من سنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وما لم أجده فيهما أخذته عن الصحابة بما اجتمعوا عليه .
قال : فإذا اختلفوا ، فبقول من تأخذ منهم ؟ قال : بقول من أردت ، وأخالف الباقين .
قال : فهل تخالف عليا عليه السلام فيما بلغك أنّه قضى به ؟ قال : ربما خالفته إلى غيره منهم .
قال أبو عبد اللّه عليه السلام : ما تقول يوم القيامة إذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : أي ربّ إنّ هذا بلغه عنّي قول فخالفه ؟ قال : وأين خالفت قوله ، يا بن رسول اللّه ؟
ص: 100
قال : فبلغك أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : أقضاكم علي عليه السلام ؟ قال : نعم .
قال : فإذا خالفت قوله ألم تخالف قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فاصفر وجه ابن أبي ليلى ، وسكت(1) .
الإبانة : قال أبو أمامة : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أعلم بالسنة والقضاء بعدي علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
كتاب الجلاء والشفاء ، والإحن والمحن : قال الصادق عليه السلام : قضى علي عليه السلام بقضية باليمن ، فأتوا النبي صلى الله عليه و آله فقالوا : إنّ عليا عليه السلام ظلمنا !!
فقال صلى الله عليه و آله : إنّ عليا عليه السلام ليس بظالم ، ولم يخلق للظلم ، وإنّ عليا عليه السلاموليّكم بعدي ، والحكم حكمه ، والقول قوله ، لا يردّ حكمه إلاّ كافر ، ولا يرضى به إلاّ مؤمن(2) .
وإذا ثبت ذلك ، فلا ينبغي لهم أن يتحاكموا بعده إلى غير علي عليه السلام ، والقضاء يجمع علوم الدين ، فإذا يكون هو الأعلم فلا يجوز تقديم غيره عليه ، لأنّه يقبح تقديم المفضول على الفاضل .
قال الأصفهاني :
وله يقول محمد أقضاكم
هذا وأعلم يا ذوي الأذهان
إنّي مدينة علمكم وأخي له
باب وثيق الركن مصراعان
فاتوا بيوت العلم من أبوابها
فالبيت لا يؤتى من الحيطان
* * *
ص: 101
وقال العوني :
أمن سواه إذا أتى بقضية
طرف الشكوك وأخرس الحكّاما
فإذا رأى رأيا فخالف رأيه
قوم وإن كدّوا له الأفهاما
نزل الكتاب برأيه فكأنّما
عقد الإله برأيه الأحكاما
* * *
وقال ابن حماد :
عليم بما قد كان أو هو كائن
وما هو دقّ في الشرائع أو جلّ
مسمّى مجلّى في الصحائف كلّها
فسل أهلها واسمع تلاوة من يتلو
ولولا قضاياه التي شاع ذكرها
لعطلت الأحكام والفرض والنفل
* * *
وقال الحميري :
من كان أعلمهم وأقضاهم ومن
جعل الرعية والرعاء سواء
* * *
ص: 102
الباقر وأمير
المؤمنين عليهماالسلام في قوله « وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ » الآية ، وقوله - تعالى - « وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ » : نحن البيوت التي أمر اللّه أن يؤتى من أبوابها ، نحن باب اللّه وبيوته التي نؤتى منه ، فمن تابعنا
وأقرّ بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها ، ومن خالفنا وفضّل علينا غيرنا ، فقد أتى البيوت من ظهورها(1) .
وقال النبي صلى الله عليه و آله بالإجماع : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب .
رواه أحمد من ثمانية طرق ، وإبراهيم الثقفي من سبعة طرق ، وابن بطّة من ستة طرق ، والقاضي الجعاني من خمسة طرق ، وابن شاهين من أربعة طرق ، والخطيب التاريخي من ثلاثة طرق ، ويحيى بن معين من طريقين .
وقد رواه السمعاني ، والقاضي الماوردي ، وأبو منصور السكري ، وأبو الصلت الهروي ، وعبد الرزاق ، وشريك عن ابن عباس ومجاهد وجابر .
ص: 103
وهذا يقتضى وجوب الرجوع إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، لأنّه كنّى عنه بالمدينة ، وأخبر أنّ الوصول إلى علمه من جهة علي عليه السلام خاصّة ، لأنّه جعله كباب المدينة الذي لا يدخل إليها إلاّ منه ، ثم أوجب ذلك الأمر به بقوله : فليأت الباب .
وفيه دليل على عصمته ، لأنّه من ليس بمعصوم يصحّ منه وقوع القبيح ، فإذا وقع كان الإقتداء به قبيحا ، فيؤدي إلى أن يكون صلى الله عليه و آله قد أمر بالقبيح ، وذلك لا يجوز .
ويدلّ أيضا أنّه أعلم الأمّة ، يؤيد ذلك ما قد علمناه من اختلافها ورجوع بعضها إلى بعض وغناؤه عليه السلام عنها .
وأبان ولاية علي عليه السلام وإمامته ، وأنّه لا يصحّ أخذ العلم والحكمة في حياته وبعد وفاته إلاّ من قبله ، وروايته عنه ، كما قال اللّه - تعالى - « وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها » .
وفي الحساب : علي بن أبي طالب باب مدينة الحكمة ، استويا في مائتين وثمانية عشر .
قال البشنوي :
فمدينة العلم التي هو بابها
أضحى قسيم النار يوم مآبه
فعدوّه أشقى البرية في لظى
ووليّه المحبوب يوم حسابه
* * *
ص: 104
وله أيضا :
مدينة العلم ما عن بابها عوض
لطالب العلم إذ ذو العلم مسؤول
* * *
وقال الصاحب :
كان النبي مدينة هو بابها
لو أثبت النصّاب ذات المرسل
* * *
وله أيضا :
باب المدينة لا تبغوا سواه لها
لتدخلوها فخلّوا جانب التيه
* * *
وقال السيد الحميري :
من كان باب مدينة العلم الذي
ذكر النزول وفسّر الأنباء
* * *
وقال ابن حماد :
باب الإله تعالى لم يصل أحد
إليه إلاّ الذي من بابه يلج
* * *
وله أيضا :
هذاالإمام لكم بعدي يسدّدكم
رشدا ويوسعكم علما وآدابا
إنّي مدينة علم اللّه وهو لها
باب فمن رامها فليقصد البابا
* * *
ص: 105
وقال خطيب منبج :
أنا دار الهدى والعلم فيكم
وهذا بابها للداخلينا
أطيعوني بطاعته وكونوا
بحبل ولائه مستمسكينا
* * *
وقال خطيب خوارزم :
إنّ النبي مدينة لعلومه
وعلي الهادي لها كالباب
* * *
أفلا يكون أعلم الناس ، وكان مع النبي صلى الله عليه و آله في البيت والمسجد يكتب وحيه ومسائله ، ويسمع فتاويه ويسأله .
وروي أنّه كان النبي صلى الله عليه و آله إذا نزل عليه الوحي ليلاً لم يصبح حتى يخبر به عليا عليه السلام ، وإذا نزل عليه الوحي نهارا لم يمس حتى يخبر به عليا عليه السلام(1) .
ومن المشهور إنفاقه الدينار قبل مناجاة الرسول(2) .
ص: 106
وسأله عن عشر مسائل فتح له منها ألف باب ، فتح من كلّ باب ألف باب ، وكذلك حين وصّى النبي صلى الله عليه و آله قبل وفاته(1) .
أبو نعيم الحافظ بإسناده عن زيد بن علي عن أبيه عن جدّه عن علي عليه السلام قال : علّمني رسول اللّه صلى الله عليه و آله ألف باب ، يفتح كلّ باب إلى ألف
باب .
وقد روى أبو جعفر بن بابويه هذا الخبر في الخصال من أربع وعشرين طريقة(2) ، وسعد بن عبد اللّه القمّي في بصائر الدرجات من ستة وستين طريقة(3) .
أبو عبد اللّه عليه السلام : كان في ذؤابة سيف النبي صلى الله عليه و آله صحيفة صغيرة هي الأحرف التي يفتح كلّ حرف ألف حرف ، فما خرج منها حرفان حتى الساعة .
وفي رواية : إنّ عليا عليه السلام دفعها إلى الحسن عليه السلام ، فقرأ منها حروفا ، ثم أعطاها الحسين عليه السلام ، فقرأها أيضا ، ثم أعطاها محمدا عليه السلام ، فلم يقدر على أن يفتحها(4) .
ص: 107
قال أبو القاسم البستي : وذلك نحو أن يقول : الربا في كلّ مكيل في العادة ، أيّ موضع كان ، وفي كلّ موزون ، وإذا قال : يحلّ من البيض كلّ ما دقّ أعلاه وغلظ أسفله ، وإذا قال : يحرم من السباع كلّ ذي ناب ، وذي مخلب من الطير ، ويحلّ الباقي ، وكذلك قول الصادق عليه السلام : كلّ ما غلب اللّه عليه من أمره فاللّه أعذر لعبده(1) .
* * *
ص: 108
قال الحميري :
حدّثه في مجلس واحد
ألف حديث معجب حاجب
كلّ حديث من أحاديثه
يفتح ألفا عدّة الحاسب
فتلك وفّت ألف ألف له
فيها جماع المحكم الصائب
* * *
وله أيضا :
وكفاه بألف ألف حديث
قد وعاهنّ من وحي مجيد
قد وعاها في مجلس بمعانيها
وأسبابها ووقت الحدود
* * *
وله أيضا :
علي أمير المؤمنين أخو الهدى
وأفضل ذي نعل ومن كان حافيا
أسرّ إليه أحمد العلم جملة
وكان له دون البرية واعيا
ودونه في مجلس منه واحد
بألف حديث كلّها كان هاديا
وكلّ حديث من أولئك فاتح
له ألف باب فاحتواها كما هيا
* * *
وقال الشريف ابن الرضا :
يا بني أحمد أناديكم اليوم
وأنتم غدا لردّ جوابي
ألف باب أعطيتم ثم أفضى
كلّ باب منها إلى ألف باب
لكم الأمر كلّه واليكم
ولديكم يؤول فصل الخطاب
* * *
ص: 109
أبان بن تغلب والحسين بن معاوية وسليمان الجعفري وإسماعيل بن عبد اللّه بن جعفر ، كلّهم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال :
لمّا حضر رسول اللّه صلى الله عليه و آله الموت دخل عليه علي عليه السلام ، فأدخل رأسه معه ، ثم قال : يا علي ، إذا أنا متّ فغسّلني وكفّني ، ثم أقعدني وسائلني واكتب(1) .
تهذيب الأحكام : فخذ بمجامع كفني وأجلسني ، ثم اسألني عمّا شئت ، فواللّه لا تسألني عن شيء إلاّ أجبتك فيه(2) .
وفي رواية أبي عوانة بإسناده قال علي عليه السلام : ففعلت ، فأنبأني بما هو كائن إلى يوم القيامة(3) .
جميع بن عمير التيمي عن عائشة في خبر أنّها قالت : وسالت نفس رسول اللّه صلى الله عليه و آله في كفّه ، ثم ردّها في فيه(4) .
وبلغني عن الصفواني أنّه قال : حدّثني أبو بكر بن مهرويه بإسناده إلى أم سلمة في خبر :
ص: 110
قالت : كنت عند النبي صلى الله عليه و آله ، فدفع إليّ كتابا ، فقال : من طلب هذا الكتاب منك ممّن يقوم بعدي فادفعيه إليه ، ثم ذكرت قيام أبي بكر وعمر وعثمان ، وأنّهم ما طلبوه .
ثم قالت : فلمّا بويع علي عليه السلام نزل عن المنبر ، ومرّ وقال لي : يا أم سلمة ، هاتي الكتاب الذي دفع إليك رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فقالت : قلت له : أنت صاحبه ؟
فقال : نعم ، فدفعته إليه .
قيل : ما كان في الكتاب ؟
قال : كلّ شيء دون قيام الساعة(1) .
وفي رواية ابن عباس : فلمّا قام علي عليه السلام أتاها وطلب الكتاب ، ففتحه ونظر فيه ، فقال : هذا علم الأبد(2) .
قال أبو عبد اللّه عليه السلام : يمصّون الثماد(3) ، ويدعون النهر الأعظم ، فسئل عن معنى ذلك ، فقال : علم النبيين بأسره أوحاه اللّه إلى محمد صلى الله عليه و آله ، فجعل محمد صلى الله عليه و آله ذلك كلّه عند علي عليه السلام ، وكان عليه السلام يدّعي في العلم دعوى ما سمعت قطّ من أحد(4) .
ص: 111
روى حنش الكناني أنّه سمع عليا عليه السلام يقول : واللّه ، لقد علمت بتبليغ
الرسالات وتصديق(1) العدات ، وتمام(2) الكلمات(3) .
وقوله : إنّ بين جنبيّ لعلما جمّا ، لو أصبت له حملة(4) .
وقوله : لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا(5) .
قال ابن العودي :
ومن ذا يساميه بمجد ولم يزل
يقول سلوني ما يحلّ ويحرم
سلوني ففي جنبيّ علم ورثته
عن المصطفى ما فات منّي به الفم
سلوني عن طرق السماوات إنّني
بها عن سلوك الطرق في الأرض أعلم
ص: 112
ولو كشف اللّه الغطاء لم أزد به
يقينا على ما كنت أدري وأفهم
* * *
وقال الزاهي :
ما زلت بعد رسول اللّه منفردا
بحرا يفيض على الورّاد زاخره
أمواجه العلم والبرهان لجّته
والحلم شطّاه والتقوى جواهره
* * *
وروى ابن أبي البختري من ستة طرق ، وابن المفضل من عشر طرق ، وإبراهيم الثقفي من أربعة عشر طريقا ، منهم : عدي بن حاتم ، والأصبغ بن نباتة ، وعلقمة بن قيس ، ويحيى بن أم الطويل ، وزر بن حبيش ، وعباية بن ربعي ، وعباية بن رفاعة ، وأبو الطفيل :
إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال بحضرة المهاجرين والأنصار ، وأشار إلى صدره : كيف(1) ملى ء علما ، لو وجدت له طالبا ، سلوني قبل أن تفقدوني ، وهذا سفط العلم ، هذا لعاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، هذا ما زقّني به رسول اللّه صلى الله عليه و آله
زقّا ، فاسألوني فإنّ عندي علم الأولين والآخرين ، أما - واللّه - لو ثنيت
ص: 113
لي الوسادة ، ثم أجلست عليها ، لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، حتى ينادي كلّ كتاب بأنّ عليا عليه السلام حكم بحكم(1) اللّه فيّ(2) .
وفي رواية : حتى ينطق اللّه التوراة والإنجيل(3) .
وفي رواية : حتى يزهر كلّ كتاب من هذه الكتب ويقول : يا ربّ ، إنّ عليا قضى بقضائك(4) .
ثم قال : سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لو سألتموني عن آية آية ، في ليلة أنزلت ، أو في نهار أنزلت ، مكّيها ومدنيها ، وسفريّها وحضريّها ، ناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، وتأويلها وتنزيلها ، لأخبرتكم(5) .
وفي غرر الحكم عن الآمدي : سلوني قبل أن تفقدوني ، فإنّي بطرق السماوات أخبر منكم بطرق الأرض(6) .
ص: 114
وفي نهج البلاغة : فوالذي نفسي بيده ، لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة ، ولا عن فئة تهدي مائة وتضلّ مائة ، إلاّ أنبأنكم بناعقها ، وقائدها وسائقها ، ومناخ ركابها ، ومحطّ رحالها ، ومن يقتل من أهلها قتلاً ، ويموت موتا(1) .
وفي رواية : لو شئت أخبرت كلّ واحد منكم بمخرجه ومولجه ، وجميع شأنه لفعلت(2) .
وعن سلمان أنّه قال عليه السلام : عندي علم المنايا والبلايا والوصايا والألباب
وفصل الخطاب ومولد الإسلام ومولد الكفر ، وأنا صاحب الميسم ، وأنا الفاروق الأكبر ، ودولة الدول ، فسلوني عمّا يكون إلى يوم القيامة ، وعمّا كان قبلي وعلى عهدي والى أن يعبد اللّه (3) .
قال ابن المسيب : ما كان في أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله أحد يقول : سلوني ، غير علي بن أبي طالب عليهماالسلام(4) .
وقال ابن شبرمة : ما أحد قال على المنبر : سلوني ، غير علي عليه السلام(5) .
ص: 115
وقال اللّه : « تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ » ، وقال « وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ » ، وقال « وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ » ، فإذا كان ذلك لا يوجد في ظاهره ، فهل يكون موجودا إلاّ في تأويله ، كما قال « وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ » ، وهو الذي عنى عليه السلام : سلوني قبل أن تفقدوني ، ولو كان إنّما عنى به في ظاهره ، فكان في الأمّة كثير يعلم ذلك ولا يخطى ء فيه حرفا ، ولم يكن عليه السلام ليقول من ذلك على رؤوس الأشهاد ما يعلم أنّه لايصحّ من قوله ، وأنّ غيره يساويه فيه ، أو يدّعي على شيء منه معه ، فإذا ثبت أنّه لا نظير له في العلم صحّ أنّه أولى بالإمامة(1) .
وقال العونى :
وكم علوم مقفلات في الورى
قد فتح اللّه به أقفالها
حرّم بعد المصطفى حرامها
كما أحلّ بينهم حلالها
وكم بحمد اللّه من قضية
مشكلة حلّ لهم إشكالها
حتى أقرّت أنفس القوم بأن
لولا الوصي ارتكبت ضلالها
* * *
وله أيضا :
ومن ركب الأعواد يخطب في الورى
وقال سلوني قبل فقدي لأفهما
* * *
ص: 116
وقال ابن حماد :
قلت سلوني قبل فقدي إنّ لي
علما وما فيكم له مستودع
وكذاك لو ثني الوساد حكمت
بالكتب التي فيها الشرائع تشرع
* * *
وله أيضا :
سلوني أيّها الناس
سلوني قبل فقداني
فعندي علم ما كان
وما يأتي وما يانى(1)
شهدنا أنّك العالمفي علمك ربّاني
وقلت الحقّ يا حقّولم تنطق ببهتان
* * *
وله أيضا :
هل سمعتم بقائل قبله
قال سلوني من قبل أن تفقدون
* * *
وله أيضا :
من قال بالبصرة للناس سلوني
من قبل أن أفقد من طرق السماء
* * *
وقال زيد المرزكي :
مدينة العلم علي بابها
وكلّ من حاد عن الباب جهل
أم هل سمعتم قبله من قائل
قال سلوني قبل إدراك الأجل
ص: 117
وقال شاعر آخر :
قال اسألوني قبل فقدي وذا
إبانة عن علمه الباهر
لو شئت أخبرت بمن قد مضى
وما بقي في الزمن الغابر
* * *
ص: 118
ومن عجب أمره في هذا الباب أنّه لا شيء من العلوم إلاّ وأهله يجعلون عليا عليه السلام قدوة ، فصار قوله قبلة في الشريعة .
فمنه سمع القرآن(1) .
ذكر الشيرازي في نزول القرآن وأبو يوسف يعقوب في تفسيره عن ابن عباس في قوله «لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ » كان النبي صلى الله عليه و آله يحرّك شفتيه عند الوحي ليحفظه ، وقيل له : «لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ » يعني بالقرآن « لِتَعْجَلَ بِهِ » من قبل أن يفرغ به من قراءته عليك(2) « إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ »
قال : ضمن اللّه محمدا أن يجمع القرآن بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آلهعلي بن أبي طالب عليهماالسلام .
قال ابن عباس : فجمع اللّه القرآن في قلب علي عليه السلام ، وجمعه علي عليه السلامبعد
موت رسول اللّه صلى الله عليه و آله بستة أشهر .
ص: 119
وفي أخبار ابن أبي رافع : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال في مرضه الذي توفى فيه لعلي عليه السلام : يا علي عليه السلام ، هذا كتاب اللّه خذه إليك ، فجمعه علي عليه السلام في ثوب ، فمضى إلى منزله .
فلمّا قبض النبي صلى الله عليه و آله جلس علي عليه السلام فألّفه كما أنزله اللّه ، وكان به عالما .
وحدّثني أبو العلاء العطار والموفق خطيب خوارزم في كتابيهما بالإسناد عن علي بن رباح : إنّ النبي صلى الله عليه و آله أمر عليا عليه السلام بتأليف القرآن ، فألّفه وكتبه(1) .
جبلة بن سحيم عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : لو ثنيت لي الوسادة ، وعرف لي حقّي لأخرجت مصحفا كتبته وأملاه عليّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
ورويتم أيضا أنّه إنّما أبطأ علي عليه السلام عن بيعة أبي بكر لتأليف القرآن(2) .
أبو نعيم في الحلية ، والخطيب في الأربعين بالإسناد عن السدي عن عبد خير عن علي عليه السلام قال :
لمّا قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله أقسمت - أو حلفت - أن لا أضع ردائي عن ظهري حتى أجمع ما بين اللوحين ، فما وضعت ردائي حتى جمعت القرآن(3) .
وفي أخبار أهل البيت عليهم السلام أنّه آلى أن لا يضع رداءه على عاتقه إلاّ للصلاة حتى يؤلف القرآن ويجمعه(4) ، فانقطع عنهم مدّة إلى أن جمعه ، ثم خرج إليهم به في إزار يحمله ، وهم مجتمعون في المسجد ، فأنكروا
ص: 120
مصيره بعد انقطاع مع إلّيتة(1) ، فقالوا : الأمر ما جاء به أبو الحسن عليه السلام .
فلمّا توسّطهم وضع الكتاب بينهم ، ثم قال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : إنّي مخلّف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا : كتاب اللّه ، وعترتي أهل بيتي ، وهذا الكتاب ، وأنا العترة .
فقام إليه الثاني ، فقال له : إن يكن عندك قرآن فعندنا مثله ، فلا حاجة لنا فيكما ، فحمل عليه السلام الكتاب وعاد بعد أن ألزمهم الحجّة(2) .
ص: 121
وفي خبر طويل عن الصادق عليه السلام : أنّه حمله وولّى راجعا نحو حجرته ، وهو يقول « فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ »(1) .
ولهذا قرأ ابن مسعود : « إنّ عليا جمعه وقرأ به فإذا قرأه فاتبعوا قراءته »(2) .
قال الناشي :
جامع وحي اللّه إذ فرّقه
من رام جمع آية فما ضبط
أشكله لشكله بجهله
فاستعجمت أحرفه حين نقط
* * *
وقال العوني :
لمّا رأى الأمر قبيح المدخل
حرّد في جمع الكتاب المنزل
* * *
وقال الصاحب :
هل مثل جمعك للقرآن تعرفه
نظما ومعنى وتأويلاً وتبيينا
* * *
وقال خطيب منبج :
علي جامع القرآن جمعا
يقصّر عنه جمع الجامعينا
* * *
ص: 122
فأمّا ما روي أنّه جمعه أبو بكر وعمر وعثمان ، فإنّ أبا بكر أقرّ لما التمسوا
منه جمع القرآن ، فقال : كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولا أمرني به ، ذكره البخاري في صحيحه(1) .
وادعى علي عليه السلام أنّ النبي صلى الله عليه و آله أمره بالتأليف .
ثم إنّهم أمروا زيد بن ثابت ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هاشم ، وعبد اللّه بن الزبير بجمعه(2) ، فالقرآن يكون جمع هؤلاء جميعهم .
ومنهم العلماء بالقراءات(3) .
أحمد بن حنبل وابن بطّة وأبو يعلى في مصنفاتهم عن الأعمش عن أبي بكر بن عياش في خبر طويل : أنّه قرأ رجلان ثلاثين آية من الأحقاف ، فاختلفا في قراءاتهما .
فقال ابن مسعود : هذا بخلاف ما أقرأه .
ص: 123
فذهب بهما إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فغضب وعلي عليه السلام عنده ، فقال علي عليه السلام : رسول اللّه صلى الله عليه و آله يأمركم أن تقرأوا كما علمتم(1) .
وهذا دليل على علم علي عليه السلام بوجوه القراءات المختلفة .
وروي أنّ زيدا لمّا قرأ « التابوه » ، قال علي عليه السلام : اكتبه « التابوت(2) » ، فكتبه كذلك .
والقراء السبعة إلى قراءته يرجعون ، فأمّا حمزة والكسائي ، فيعوّلان على قراءة علي عليه السلام وابن مسعود ، وليس مصحفهما مصحف ابن مسعود ، فهما إنّما يرجعان إلى علي عليه السلام ، ويوافقان ابن مسعود فيما يجري مجرى الإعراب .
وقد قال ابن مسعود : ما رأيت أحدا أقرء من علي بن أبي طالب عليهماالسلام
للقرآن(3) .
وأمّا نافع وابن كثير وأبو عمرو ، فمعظم قراءاتهم ترجع إلى ابن عباس ، وابن عباس قرأ على أبي بن كعب وعلي عليه السلام ، والذي قرأه هؤلاء القراء يخالف قراءة أبي ، فهو إذا مأخوذ عن علي عليه السلام .
ص: 124
وأمّا عاصم فقرأ على أبي عبد الرحمن السلمي ، وقال أبو عبد الرحمن : قرأت القرآن كلّه على علي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
فقالوا : أفصح القراءات قراءة عاصم لأنّه أتى بالأصل ، وذلك أنّه يظهر ما أدغمه غيره ، ويحقّق من الهمز ما ليّنه غيره ، ويفتح من الألفات ما أماله غيره .
والعدد الكوفي في القرآن منسوب إلى علي عليه السلام ، وليس في الصحابة من ينسب إليه العدد غيره ، وإنّما كتب عدد ذلك كلّ مصر عن بعض التابعين .
ومنهم المفسّرون : كعبد اللّه بن عباس ، وعبد اللّه بن مسعود ، وأبيّ بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وهم معترفون له بالتقدّم .
تفسير النقاش ، قال ابن عباس : جلّ ما تعلّمت من التفسير من علي بن أبي طالب عليهماالسلام وابن مسعود ، إنّ القرآن أنزل على سبعة أحرف ، ما منها إلاّ وله ظهر وبطن ، وإنّ علي بن أبي طالب عليهماالسلام علم الظاهر والباطن(2) .
ص: 125
فضائل العكبري : قال الشعبي : ما أحد أعلم بكتاب اللّه بعد نبي اللّه صلى الله عليه و آله من علي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
تاريخ البلاذري وحلية الأولياء : وقال علي عليه السلام : واللّه ما نزلت آية إلاّ وقد علمت فيما نزلت ، وأين نزلت ، أبليل نزلت ، أم بنهار نزلت ، في سهل أو جبل ، إنّ ربّي وهب لي قلبا عقولاً ولسانا سؤولاً(2) .
قوت القلوب : قال علي عليه السلام : لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا في تفسير فاتحة الكتاب(3) .
ولمّا وجد المفسّرون قوله لا يأخذون إلاّ به .
سأل ابن الكواء وهو على المنبر : ما « الذّارِياتِ ذَرْواً » ؟ فقال: الرياح .
فقال : وما « فَالْحامِلاتِ وِقْراً » ؟ قال : السحاب .
قال : وما « فَالْجارِياتِ يُسْراً » ؟ قال : الفلك .
قال : فما « فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً » ؟ قال : الملائكة(4) .
ص: 126
فالمفسرون كلّهم على قوله .
وجهلوا تفسير قوله « إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ » ، فقال له رجل : هو أوّل بيت ؟ قال : لا ، قد كان قبله بيوت ، ولكنّه أوّل بيت وضع للناس مباركا فيه الهدى والرحمة والبركة ، وأوّل من بناه إبراهيم عليه السلام ، ثم بناه قوم من العرب من جرهم ، ثم هدم فبنته قريش(1) ، وإنّما استحسن قول ابن عباس فيه لأنّه قد أخذ منه .
أحمد في المسند : لمّا توفي النبي صلى الله عليه و آله كان ابن عباس ابن عشر سنين ، وكان قرأ المحكم - يعني المفصّل(2) - .
قال الصاحب :
هل مثل علمك لو زلّوا وإن وهنوا
وقد هديت كما أصبحت تهدينا
* * *
ومنهم الفقهاء ، وهو أفقههم ، فإنّه ما ظهر عن جميعهم ما ظهر منه .
ص: 127
ثم إنّ جميع فقهاء الأمصار إليه يرجعون ، ومن بحره يغترفون .
أمّا أهل الكوفة وفقهاؤهم : سفيان الثوري ، والحسن بن صالح بن حي ، وشريك بن عبد اللّه ، وابن أبي ليلى ، وهؤلاء يفرّعون المسائل ، ويقولون : هذا قياس قول علي عليه السلام ، ويترجمون الأبواب بذلك(1) .
وأمّا أهل البصرة ، فقهاؤهم : الحسن ، وابن سيرين ، وكلاهما كانا يأخذان عمّن أخذ عن علي عليه السلام ، وابن سيرين يفصح بأنّه أخذ عن الكوفيين ، وعن عبيده السمعاني ، وهو أخصّ الناس بعلي عليه السلام .
وأمّا أهل مكة ، فإنّهم أخذوا عن ابن عباس وعن علي عليه السلام ، وقد أخذ عبد اللّه معظم علمه عنه .
وأمّا أهل المدينة ، فعنه أخذوا .
وقد صنّف الشافعي كتابا مفردا في الدلالة على اتّباع أهل المدينة لعلي عليه السلام وعبد اللّه .
وقال محمد بن الحسن الفقيه : لولا علي بن أبي طالب عليهماالسلام ما علمنا حكم أهل البغي(2) .
ص: 128
ولمحمد بن الحسن كتابا يشتمل على ثلاثمائة مسألة في قتال أهل البغي بناء على فعله .
مسند أبي حنيفة : قال هشام بن الحكم : قال الصادق عليه السلام لأبي حنيفة : من أين أخذت القياس ؟ قال : من قول علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وزيد بن ثابت حين شاهدهما عمر في الجدّ مع الإخوة ، فقال له علي عليه السلام : لو أنّ شجرة انشعب منها غصن ، وانشعب من الغصن غصنان ، أيّما أقرب إلى أحد الغصنين ، أصاحبه الذي يخرج معه أم الشجرة(1) ؟
فقال زيد : لو أنّ جدولاً انبعث فيه ساقية ، فانبعث من الساقية ساقيتان ، أيّما أقرب ، أحد الساقيتين إلى صاحبهما أم الجدول(2) ؟
ومنهم الفرضيون ، وهو أشهرهم فيها .
فضائل أحمد : قال عبد اللّه : إنّ أعلم المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب عليهماالسلام(3) .
ص: 129
قال الشعبي : ما رأيت أفرض من علي عليه السلام ، ولا أحسب منه ، وقد سئل وهو على المنبر يخطب عن رجل مات وترك إمرأة وأبوين وابنتين ، كم نصيب المرأة ؟ فقال عليه السلام : صار ثمنها تسعا ، فلقبت بالمسألة المنبرية(1) .
شرح ذلك :
للأبوين السدسان ، وللبنتين الثلثان ، وللمرأة الثمن ، عالت الفريضة ، فكان لها ثلث من أربعة وعشرين ثمنها ، فلمّا صارت إلى سبعة وعشرين صار ثمنها تسعا ، فإنّ ثلاثة من سبعة وعشرين تسعها ، ويبقى أربعة وعشرون ، للابنتين ستة عشر ، وثمانية للأبوين سواء .
قال هذا على الاستفهام ، أو على قولهم صار ثمنها تسعا ، أو على مذهب نفسه ، أو بيّن كيف يجيء الحكم على مذهب من يقول بالعول ، فبيّن الجواب ، والحساب ، والقسمة ، والنسبة .
ومنه المسألة الدينارية وصورتها(2) .
ص: 130
ومنهم أصحاب الروايات ، نيف وعشرون رجلاً ، منهم : ابن عباس ، وابن مسعود ، وجابر الأنصاري ، وأبو أيوب ، وأبو هريرة ، وأنس(1) ،
ص: 131
وأبو سعيد الخدري ، وأبو رافع ، وغيرهم ، وهو أكثرهم رواية ، وأتقنهم حجّة ، ومأمون الباطن لقوله : علي مع الحقّ(1) .
الترمذي والبلاذري : قيل لعلي عليه السلام : ما بالك أكثر أصحاب النبي صلى الله عليه و آله
حديثا ؟ قال : كنت إذا سألته أنبأني ، وإذا سكتّ عنه ابتدأني(2) .
كتاب ابن مردويه : أنّه قال : كنت إذا سألت أعطيت ، وإذا سكتّ ابتديت(3) .
قال محمد الإسكافي :
حبر عليهم بالذي هو كائن
واليه في علم الرسالة يرجع
أصفاه أحمد من خفي علومه
فهو البطين من العلوم الأنزع
* * *
ص: 132
ص: 134
ص: 135
أبو بكر الشيرازي في كتابه عن مالك عن أنس عن ابن شهاب ، وأبو يوسف يعقوب بن سفيان في تفسيره ، وأحمد بن حنبل وأبو يعلي في مسنديهما ، قال ابن شهاب : أخبرني علي بن الحسين عليهماالسلام : أنّ أباه الحسين بن علي عليهماالسلام أخبره : أنّ علي بن أبي طالب
عليهماالسلام أخبره :
إنّ النبي صلى الله عليه و آله طرقه وفاطمة عليهاالسلام بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : ألا تصلّون ؟ فقلت : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّما أنفسنا بيد اللّه ، فإذا شاء أن يبعثنا - أي يكثر اللطف بنا - .
فانصرف حين قلت ذلك ، ولم يرجع إليّ ، ثم سمعته وهو مولّ يضرب فخذيه يقول : « وَكانَ الإِنْسانُ » يعني علي بن أبي طالب عليهماالسلام « أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً » يعني متكلّما بالحقّ والصدق(1)(2) .
وقال لرأس الجالوت لمّا قال له : لم تلبثوا بعد نبيكم إلاّ ثلاثين سنة حتى ضرب بعضكم وجه بعض بالسيف .
ص: 137
فقال عليه السلام : وأنتم لم تجفّ أقدامكم من ماء البحر حتى قلتم لموسى : « اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ »(1) .
وأرسل إليه أهل البصرة كليبا الجرمي بعد يوم الجمل ليزيل الشبهة عنهم في أمره ، فذكر له ما علم أنّه على الحقّ .
ثم قال له : بايع ، فقال : إنّي رسول القوم ، فلا أحدث حدثا حتى ارجع إليهم ، فقال : أرأيت لو أنّ الذين ولّوك بعثوك رائدا تبتغي لهم مساقط الغيث ، فرجعت إليهم ، فأخبرتهم عن الكلأ والماء ، قال : فامدد إذا يدك .
قال كليب : فواللّه ما استطعت أن أمتنع عند قيام الحجّة عليّ ، فبايعته(2) .
وقوله عليه السلام : أول معرفة اللّه توحيده وأصل توحيده نفي الصفات عنه(3) . . إلى آخر الخبر .
ص: 138
ص: 139
ص: 140
وما أطنب المتكلّمون في الأصول إنّما هو زيادة لتلك الجمل ، وشرح لتلك الأصول ، فالإمامية يرجعون إلى الصادق عليه السلام ، وهو إلى آبائه عليهم السلام ، والمعتزلة والزيدية يرويه لهم القاضي عبد الجبار بن أحمد عن أبي عبد اللّه الحسين البصري ، وأبي إسحاق عباس عن أبي هاشم الجبائي عن أبيه أبي علي عن أبي يعقوب الشحام عن أبي الهذيل العلاف عن أبي عثمان الطويل عن واصل بن عطا عن أبي هاشم عبد اللّه بن محمد بن علي عن أبيه محمد بن الحنفية عنه عليه السلام .
قال الورّاق القمّي :
علي لهذا الناس قد بيّن الذي
هم اختلفوا فيه ولم يتوهّم
علي أعاش الدين وفّاه حقّه
ولولاه ما أفضى إلى عشر درهم
* * *
ص: 141
ومنهم النحاة ، وهو واضع النحو ، لأنّهم يروونه عن الخليل بن أحمد بن عيسى بن عمرو الثقفي عن عبد اللّه بن إسحاق الحضرمي عن أبي عمرو بن العلاء عن ميمون الأفرن عن عنبسة الفيل عن أبي الأسود الدؤلي عنه عليه السلام .
والسبب في ذلك أنّ قريشا كانوا يزوّجون بالأنباط ، فوقع فيما بينهم أولاد ، ففسد لسانهم حتى أن بنتا لخويلد الأسدي كانت متزوّجة بالأنباط ، فقالت : إنّ أبوي مات ، وترك عليّ مال كثير ، فلمّا رأوا فساد لسانها أسّس النحو .
وروي أنّ أعرابيا سمع من سوقي يقرأ : « إنّ اللّه برئ من المشركين ورسوله » ، فشج رأسه ، فخاصمه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال له في ذلك ، فقال : إنّه كفر باللّه في قراءته ، فقال عليه السلام : إنّه لم يتعمد ذلك .
وروي أنّ أبا الأسود كان في بصره سوء ، وله بنيّة تقوده إلى علي عليه السلام ، فقالت : يا أبتاه ، ما أشدّ حرّ الرمضاء ! تريد التعجب ، فنهاها عن مقالتها ، فأخبر أمير المؤمنين عليه السلام بذلك فأسّس .
وروي أنّ أبا الأسود كان يمشي خلف جنازة ، فقال له رجل : من المتوفي ؟
فقال : اللّه ، ثم أخبر عليا عليه السلام بذلك فأسّس .
ص: 142
فعلى أيّ وجه كان وقعه إلى أبى الأسود ، وقال : ما أحسن هذا النحو ، احش له بالمسائل ، فسمّي نحوا(1) .
* * *
قال ابن سلام : كانت الرقعة : الكلام "كلّه" ثلاثة أشياء : اسم ، وفعل ، وحرف جاء لمعنى ، فالاسم : ما أنبأ عن المسمّى ، والفعل : ما أنبأ عن حركة المسمّى ، والحرف : ما أوجد معنى في غيره(2) .
وكتب «علي بن أبو طالب عليهماالسلام» ، فعجزوا عن ذلك ، فقالوا : أبو طالب عليه السلام اسمه كنيته(3) ، وقالوا : هذا تركيب مثل « دراخنا » ، و« حضرموت » .
وقال الزمخشري في الفائق : ترك في حال الجرّ على لفظه في حال الرفع ، لأنّه اشتهر بذلك وعرف ، فجرى مجرى المثل الذي لا يغيّر(4) .
ومنهم الخطباء وهو أخطبهم ، ألا ترى إلى خطبه ، مثل : التوحيد ، والشقشقية، والهداية ، والملاحم ، واللؤلؤة ، والغراء ، والقاصعة ، والافتخار، والأشباح ، والدرّة اليتيمة ، والأقاليم ، والوسيلة ، والطالوتية ، والقصبية ، والنخيلة ، والسلمانية ، والناطقة ، والدامغة ، والفاضحة ، بل إلى نهج البلاغة
ص: 143
عن الشريف الرضي ، وكتاب خطب أمير المؤمنين عليه السلام عن إسماعيل بن مهران السكوني عن زيد بن وهب أيضا .
قال الحميري :
من كان أخطبهم وأنطقهم ومن
قد كان يشفى حوله البرحاء(1)
من كان أنزعهم من الاشراك وللعلم كان البطن منه خفاء
من ذا الذي أمروا إذ اختلفوا بأنيرضوا به في أمرهم قضاء
من قيل لولاه ولولا علمههلكوا وعانوا فتنة صماء
* * *
ومنهم الفصحاء والبلغاء ، وهو أوفرهم حظّا .
قال الرضي : كان أمير المؤمنين عليه السلام مشرع الفصاحة وموردها ، ومنشأ البلاغة ومولدها ، ومنه ظهر مكنونها ، وعنه أخذت قوانينها(2) .
الجاحظ في كتاب الغرّة : كتب إلى معاوية : غرّك عزّك ، فصار قصارى ذلك ذلّك ، فاخش فاحش فعلك فعلّك تهدى بهدى(3)(4) .
وقال عليه السلام : من آمن أمن(5) .
ص: 144
وروى الكلبي عن أبي صالح وأبو جعفر بن بابويه بإسناده عن الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام : أنّه اجتمعت الصحابة ، فتذاكروا أنّ الألف أكثر دخولاً في الكلام ، فارتجل عليه السلام الخطبة المونقة التي أولها :
حمدت من عظمت منّته ، وسبغت نعمته ، وسبقت رحمته ، وتمّت كلمته ، ونفذت مشيّته ، وبلغت قضيته(1) . . إلى آخرها .
ص: 145
ص: 146
ثم ارتجل خطبة أخرى من غير النقط التي أولها : الحمد للّه أهل الحمد ومأواه ، وله أوكد الحمد وأحلاه ، وأسرع الحمد وأسراه ، وأظهر الحمد وأسماه ، وأكرم الحمد وأولاه(1) . . إلى آخرها ، وقد أوردتهما في المخزون المكنون .
ومن كلامه عليه السلام : تخفّفوا تلحقوا ، فإنّما ينتظر بأوّلكم آخركم(2) .
ص: 147
وقوله عليه السلام : ومن يقبض يده عن عشيرته ، فإنّما يقبض عنهم بيد(1) واحدة ، ويقبض منهم عنه أيدٍ كثيرة ، ومن تلن حاشيته يستدم من قومه المودّة(2) .
وقوله عليه السلام : من جهل شيئا عاداه(3) ، مثله « بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ » .
وقوله عليه السلام : المرء مخبو تحت لسانه ، فإذا تكلّم ظهر ، مثله « وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ » .
وقوله عليه السلام : قيمة كلّ إمرئ ما يحسن ، مثله « إِنَّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ
وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ » .
وقوله عليه السلام : القتل يقلّ القتل ، مثله « وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ »(4) .
ومنهم الشعراء وهو أشعرهم .
الجاحظ في كتاب البيان والتبيين ، وفي كتاب فضائل بني هاشم أيضا ، والبلاذري في أنساب الأشراف : إنّ عليا أشعر الصحابة وأفصحهم وأخطبهم وأكتبهم .
ص: 148
تاريخ البلاذري : كان أبو بكر يقول الشعر ، وعمر يقول الشعر ، وعثمان يقول الشعر ، وكان علي أشعر الثلاثة(1) .
ومنهم العروضيون .
ومن داره خرجت العروض ، روي أنّ الخليل بن أحمد أخذ رسم العروض عن رجل من أصحاب محمد الباقر عليه السلام ، أو علي بن الحسين عليهماالسلام ، فوضع لذلك أصولاً .
ومنهم أصحاب العربية وهو أحكمهم .
ابن الحريري البصري في درّة الغواص ، وابن فياض في شرح الأخبار : إنّ الصحابة قد اختلفوا في المؤودة ، فقال لهم علي عليه السلام : إنّها لا تكون مؤودة حتى يأتي عليها التارات السبع ، فقال له عمر : صدقت أطال اللّه بقاك ، أراد بذلك المبينة في قوله « وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِْنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ
مِنْ طِينٍ » الآية ، فأشار أنّه إذا استهل بعد الولادة ثم دفن فقد وئد(2) .
ص: 149
ومنهم الوعاظ ، وليس لأحد من الأمثال والعبر والمواعظ والزواجر ما له ، نحو قوله :
من زرع العدوان حصد الخسران(1) .
من ذكر المنيّة نسي الأمنيّة(2) .
من قعد به العقل قام به الجهل(3) .
يا أهل الغرور ، ما ألهجكم بدار خيرها زهيد ، وشرّها عتيد ، ونعيمها مسلوب، وعزيزها منكوب ، ومسالمها محروم ، ومالكها مملوك ، وتراثها متروك(4) .
وصنف عبد الواحد الآمدي غرر الحكم من كلامه عليه السلام .
ومنهم الفلاسفة وهو أرجحهم .
ص: 150
قال عليه السلام : أنا النقطة ، أنا الخطّ ، أنا الخطّ ، أنا النقطة ، أنا النقطة والخطّ .
فقال جماعة : إنّ القدرة هي الأصل ، والجسم حجابه ، والصورة حجاب الجسم ، لأنّ النقطة هي الأصل ، والخطّ حجابه ومقامه ، والحجاب غير الجسد الناسوتي(1) .
وسئل عليه السلام عن العالم العلوي ، فقال : صور عارية عن المواد ، عالية عن القوّة والاستعداد ، تجلّى لها فأشرقت ، وطالعها فتلألأت ، وألقى في هويّتها مثاله ، فأظهر عنها أفعاله ، وخلق الإنسان ذا نفس ناطقة ، إن زكّاها بالعلم فقد شابهت جواهر أوائل عللها ، وإذا اعتدل مزاجها ، وفارقت الأضداد ، فقد شارك بها السبع الشداد(2) .
أبو علي بن سينا : لم يكن شجاعا فيلسوفا(3) قطّ إلاّ علي عليه السلام .
الشريف الرضي : من سمع كلامه لا يشكّ أنّه كلام من قبع في كسر بيت أو انقطع في سفح جبل ، لا يسمع إلاّ حسّه ، ولا يري إلاّ نفسه ، ولا يكاد يوقن بأنّه كلام من يتغمّس في الحرب مصلتا سيفه ، فيقطّ(4) الرقاب ،
ص: 151
ويجدّل الأبطال ، ويعود به ينطف دما ، ويقطر مهجا ، وهو مع ذلك زاهد الزهاد ، وبدل الأبدال .
وهذه من فضائله العجيبة ، وخصائصة التي جمع بها بين الأضداد(1) .
* * *
قال السوسي :
في كفّه سبب الموت الوفي فمن
عصاه مدّ له من ذلك السبب
في فيه سيف حكاه سيف راحته
سيّان ذاك وذا في الخطب والخطب
لو قال للحي مت لم يحيي من رهب
أو قال للميت عش ما مات من رعب
أو قال لليل كن صبحا لكان ولو
للشمس قال اطلعي بالليل لم تغب
أو مدّ كفّا إلى الدنيا ليقلبها
هانت عليه بلا كدّ ولا تعب
ذاك الإمام الذي جبريل خادمه
إن ناب خطب ينب عنه ولا ينب
وعزرائيل مطواع له فمتى
يقل أمت ذا يمل أو هبه لي يهب
ص: 152
رضوان راض به مولى ومالك
مملوك يطيعانه في منتدب
* * *
ومنهم المهندسون وهو أعلمهم .
حفص بن غالب مرفوعا قال : بينا رجلان جالسان في زمن عمر ، إذ مرّ بهما عبد مقيد ، فقال أحدهما : إن لم يكن في قيده كذا وكذا فامرأته طالق ثلاثا ، وحلف الآخر بخلاف مقاله ، فسئل مولى العبد أن يحلّ قيده حتى يعرف وزنه ، فأبى .
فارتفعا إلى عمر ، فقال لهما : اعتزلا نساءكما .
وبعث إلى علي عليه السلام وسأله عن ذلك ، فدعا بإجّانة(1) ، فأمر الغلام أن يجعل رجله فيها ، ثم أمر أن يصبّ الماء حتى غمر القيد والرجل ، ثم علّم في الإجّانة علامة ، وأمره أن يرفع قيده من رجله ، فنزل الماء من العلامة ، فدعا بالحديد فوضعه في الإجّانة حتى تراجع الماء إلى موضعه ،
ص: 153
ثم أمر أن يوزن الحديد ، فوزن ، فكان وزنه بمثل وزن القيد ، وأخرج القيد فوزن ، فكان مثل ذلك ، فعجب عمر(1) .
التهذيب : قال رجل لأمير المؤمنين عليه السلام : إنّى حلفت أن أزن الفيل ، فقال : لم تحلفون بما لا تطيقون ؟!
فقال : قد ابتليت .
فأمر عليه السلام بقرقور(2) فيه قصب ، فأخرج منه قصب كثير ، ثم علّم صنع الماء بقدر ما عرف صنع الماء قبل أن يخرج القصب ، ثم صيّر الفيل فيه حتى رجع إلى مقداره الذي كان انتهى إليه صنع الماء أولاً ، ثم أمر بوزن القصب الذي أخرج .
فلمّا وزن قال : هذا وزن الفيل(3) .
ومنهم المنجمون ، وهو أكيسهم .
سعيد بن جبير أنّه قال : استقبل أمير المؤمنين عليه السلام دهقان - وفي رواية قيس بن سعد : أنّه مزجان بن شاشوا - استقبله من المدائن إلى جسر بوران ، فقال له :
يا أمير المؤمنين عليه السلام تناحست النجوم الطالعات ، وتناحست السعود بالنحوس ، فإذا كان مثل هذا اليوم وجب على الحكيم الاختفاء ، ويومك هذا يوم صعب ، قد اقترن فيه كوكبان ، وانكفى فيه الميزان ، وانقدح من برجك النيران ، وليس الحرب لك بمكان .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أيّها الدهقان ، المنبئ بالآثار ، المخوّف من الأقدار ، ما كان البارحة صاحب الميزان ، وفي أيّ برج كان صاحب السرطان ، وكم الطالع من الأسد ، والساعات في الحركات ، وكم بين السراري والذراري ، قال : سأنظر إلى الأصطرلاب .
فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام وقال له : ويلك يا دهقان ، أنت مسير الثابتات ؟ أم كيف تقضي على الجاريات ؟ وأين ساعات الأسد من المطالع ؟ وما الزهرة من التوابع والجوامع ؟ وما دور السراري المحركات ؟ وكم قدر شعاع المنيرات ؟ وكم التحصيل بالغدوات ؟ فقال : لا علم لي بذلك يا أمير المؤمنين عليه السلام .
ص: 155
فقال عليه السلام له : يا دهقان ، هل نتج علمك أن انتقل بيت ملك الصين ، واحترقت دور بالزنج ، وخمد بيت نار فارس ، وانهدمت منارة الهند ، وغرقت سرانديب ، وانقض حصن الأندلس ، ونبح بترك الروم بالرومية.
وفي رواية : البارحة وقع بيت بالصين ، وانفرج برج ماجين ، وسقط سور سرانديب ، وانهزم بطريق الروم بأرمينية ، وفقد ديان اليهود بايلة ، وهاج النمل بوادي النمل ، وهلك ملك إفريقية ، أكنت عالما بهذا ؟ قال : لا يا أمير المؤمنين عليه السلام .
وفي رواية : أظنّك حكمت باختلاف المشتري وزحل ، إنّما أنار لك في الشفق ، ولاح لك شعاع المريخ في السحر ، واتصل جرمه بجرم القمر .
ثم قال : البارحة سعد سبعون ألف عالم ، وولد في كلّ عالم سبعون ألفا ، والليلة يموت مثلهم ، وهذا منهم ، وأومى ء بيده إلى سعد بن مسعدة الحارثي ، وكان جاسوسا للخوارج في عسكره ، فظن الملعون أنّه يقول : خذوه ، فأخذ بنفسه فمات .
فخر الدهقان ساجدا ، فلمّا أفاق قال أمير المؤمنين عليه السلام : ألم أروك من عين التوفيق ؟ فقال : بلى .
فقال : أنا وصاحبي لا شرقيون ولا غربيون ، نحن ناشئة القطب ، وأعلام الفلك .
أمّا قولك : انقدح من برجك النيران ، فكان الواجب أن تحكم به لي لا عليّ ، أمّا نوره وضياؤه ، فعندي ، وأمّا حريقه ولهبه ، فذهب عنّي ، وهذه مسألة عميقه احسبها إن كنت حاسبا .
ص: 156
فقال الدهقان : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمدا رسول اللّه ، وأنّك علي ولي اللّه (1) .
ومنهم الحسّاب ، وهو أوفرهم نصيبا .
ابن أبي ليلى : إنّ رجلين تغديا في سفر ، ومع أحدهما خمسة أرغفة ، ومع الآخر ثلاثة ، وواكلهما ثالث ، فأعطاهما ثمانية دراهم عوضا ، فاختصما وارتفعا إلى أمير المؤمنين عليه السلام .
فقال : هذا أمر فيه دناءة ، والخصومة فيه غير جميلة ، والصلح أحسن .
فأبى صاحب الثلاثة إلاّ مرّ القضاء ، فقال عليه السلام : إذا كنت لا ترضى إلاّ بمرّ القضاء ، فاّنّ لك واحدة من ثمانية ، ولصاحبك سبعة ، أليس كان لك ثلاثة أرغفة ولصاحبك خمسة ؟ قال : بلى ، قال : فهذه أربعة وعشرون ثلثا ، أكلت منه ثمانية ، وللضيف ثمانية ، فلمّا أعطاكما الثمانية الدراهم كان لصاحبك سبعة ولك واحدة(2) .
ص: 157
ومنهم أصحاب الكيمياء ، وهو أكثرهم حظّا .
سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن الصنعة ، فقال : هي أخت النبوة ، وعصمة المروّة ، والناس يتكلّمون فيها بالظاهر ، وإنّي لأعلم ظاهرها وباطنها ، هي - واللّه - ما هي إلاّ ماء جامد ، وهواء راكد ، ونار جائلة ، وأرض سائلة .
وسئل في أثناء خطبته : هل الكيمياء يكون ؟ فقال : وهو كائن وسيكون .
فقيل : من أيّ شيء هو ؟ فقال : إنّه من الزئبق الرجراج ، والأسرب(1) والزاج ، والحديد المزعفر ، وزنجار النحاس الأخضر الحبور(2) إلاّ توقف على عابرهن .
فقيل : فهمنا لا يبلغ إلى ذلك ، فقال : اجعلوا البعض أرضا ، واجعلوا البعض ماء ، وافلحوا الأرض بالماء ، وقد تمّ .
فقيل : زدنا يا أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : لا زيادة عليه ، فإنّ الحكماء القدماء ما زادوا عليه كيما يتلاعب به الناس(3) .
* * *
ص: 158
قال ابن رزيك :
علي الذي قد كان ناظر قلبه
يريه عيانا ما وراء العواقب
علي الذي قد كان أفرس من علا
على صهوات الصافنات الشوارب
* * *
ومنهم الأطباء ، وهو أكثرهم فطنة .
أبو عبد اللّه عليه السلام قال :
كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : إذا كان الغلام ملتاث الأدرة(1) ، صغير الذكر ، ساكن النظر ، فهو ممّن يرجى خيره ، ويؤمن شرّه ، وإذا كان الغلام شديد الأدرة ، كبير الذكر ، حادّ النظر ، فهو ممّن لا يرجى خيره ، ولا يؤمن شرّه(2) .
ص: 159
وعنه عليه السلام قال : يعيش الولد لستة أشهر ولسبعة ولتسعة ، ولا يعيش لثمانية أشهر(1) .
وعنه عليه السلام : لبن الجارية وبولها يخرج من مثانة أمّها ، ولبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين(2) .
وعنه عليه السلام : يشبّ الصبي كلّ سنة أربع أصابع بأصابع نفسه(3) .
وسأل رجل أمير المؤمنين عليه السلام عن الولد ما باله تارة يشبه أباه وأمّه ، وتارة يشبه خاله وعمّه ؟
فقال للحسين عليه السلام : أجبه .
فقال عليه السلام : أمّا الولد ، فإنّ الرجل إذا أتى أهله بنفس ساكنة ، وجوارح غير مضطربة ، اعتلجت النطفتان كاعتلاج المتنازعين ، فإن علت نطفة
ص: 160
الرجل نطفة المرأة جاء الولد يشبه أباه ، وإذا علت نطفة المرأة نطفة الرجل شبه أمّه ، وإذا أتاها بنفس منزعجة ، وجوارح مضطربة غير ساكنة ، اضطربت النطفتان ، فسقطتا عن يمنة الرحم ويسرته ، فإن سقطت عن يمنة الرحم سقطت على عروق الأعمام والعمات ، فشبه أعمامه وعمّاته ، وإن سقطت عن يسرة الرحم سقطت على عروق الأخوال والخالات ، فشبه أخواله وخالاته .
فقام الرجل وهو يقول : « اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ » .
وروي أنّه كان الخضر(1) عليه السلام .
وسئل النبي صلى الله عليه و آله : كيف تؤنث المرأة ، وكيف يذكر الرجل ؟
قال : يلتقي الماءان ، فإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثت ، وإن علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت(2) .
ومنهم من تكلّم في علم المعاملة على طريق السوقية ، وهم يعترفون أنّه الأصل في علومهم ، ولا يوجد لغيره إلاّ اليسير .
ص: 161
حتى قال مشايخهم : لو تفرّغ إلى إظهار ما علم من علومنا لأغنى في هذا الباب(1) .
ومن فرط حكمته :
ما روي عن أسامة بن زيد وأبي رافع في خبر : إنّ جبرئيل عليه السلام نزل على النبي صلى الله عليه و آله فقال : يا محمد عليه السلام ، ألا أبشرك بخبيئة لذريّتك ؟ فحدّثه بشأن التوراة ، وقد وجدها رهط من أهل اليمن بين حجرين أسودين ، وسمّاهم له .
فلمّا قدموا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال لهم : كما أنتم حتى أخبركم بأسمائكم وأسماء آبائكم ، وأنتم وجدتم التوراة ، وقد جئتم بها معكم ، فدفعوها له ، وأسلموا .
فوضعها النبي صلى الله عليه و آله عند رأسه ، ثم دعا اللّه باسمه ، فأصحبت عربية ، ففتحها ونظر فيها ، ثم رفعها إلى علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وقال : هذا ذكر لك ولذريّتك من بعدي .
أمير المؤمنين عليه السلام في قوله « وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ » بعث اللّه نبيا أسود لم يقصّ علينا قصّته(2) .
ص: 162
وكتب معاوية إلى أبي أيوب الأنصاري : أمّا بعد : فحاجيتك "بما" لا تنسى شيبا .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أخبره أنّه من قتلة عثمان ، وأنّ من قتل عنده مثل الشيباء ، فإنّ الشيباء لا تنسى قاتل بكرها ، ولا أبا عذرها(1) أبدا(2) .
ومن وفور علمه عليه السلام أنّه عبّر منطق الطير والوحوش والدواب .
زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : علمنا منطق الطير كما علمه سليمان بن داود ، وكلّ دابة في برّ أو بحر(3) .
ص: 163
ابن عباس قال : قال علي عليه السلام : نقيق الديك : اذكروا اللّه يا غافلين .
وصهيل الفرس : اللّهم انصر عبادك المؤمنين على عبادك الكافرين .
ونهيق الحمار : أن يلعن العشارين ، وينهق في عين الشيطان .
ونقيق الضفدع : سبحان ربّي المعبود المسبّح في لحج البحار .
وأنيق القبرة : اللّهم العن مبغضي آل محمد(1) .
قال العبدي :
وعلّمك الذي علم البرايا
وألهمك الذي لا يعلمونا
فزادك في الورى شرفا وعزّا
ومجدا فوق وصف الواصفينا
* * *
وروى سعيد بن طريف عن الصادق عليه السلام ، وروى أبو أمامة الباهلي كلاهما عن النبي صلى الله عليه و آله في خبر طويل ، واللفظ لأبي أمامة :
إنّ الناس دخلوا على النبي صلى الله عليه و آله ، وهنّوه بمولوده ، ثم قام رجل في وسط الناس ، فقال : بأبي أنت وأمّي يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، رأينا من علي عليه السلامعجبا في هذا اليوم ، قال : وما رأيتم ؟
قال : أتيناك لنسلّم عليك ، ونهنّيك بمولودك الحسين عليه السلام ، فحجبنا عنك ، وأعلمنا أنّه هبط عليه مائة ألف ملك وأربعة وعشرون ألف ملك ، فعجبنا من إحصائه وعدّده الملائكة .
ص: 164
فقال النبي صلى الله عليه و آله ، وأقبل بوجهه إليه متبسّما : ما علمك أنّه هبط عليّ مائة وأربعة وعشرون ألف ملك ؟
قال : بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، سمعت مائة ألف لغة وأربعة وعشرين ألف لغة ، فعلمت أنّهم مائة وأربعة وعشرون ألف ملك .
قال صلى الله عليه و آله : زادك اللّه علما وحلما يا أبا الحسن .
الفائق عن الزمخشري : أنّه سئل شريح عن إمرأة طلّقت ، فذكرت أنّها حاضت ثلاث حيضات في شهر واحد ، فقال شريح: إن شهدت ثلاث نسوة من بطانة أهلها أنّها كانت تحيض قبل أن طلّقت في كلّ شهر ، فالقول قولها .
فقال علي عليه السلام : قالون ، أي : أصبت بالرومية ، وهذا إذا اتهمت المرأة(1) .
وروي أنّه قال عليه السلام لابنة يزدجرد : ما اسمك ؟ قالت : جهان بانويه ، فقال : بل ، شهر بانويه ، وأجابها بالعجمية(1) .
وأنّه عليه السلام قد فسّر صوت الناقوس .
ذكره صاحب مصباح الواعظ ، وجمهور أصحابنا عن الحارث الأعور ، وزيد وصعصعة ابني صوحان ، والبراء بن سيرة ، والأصبغ بن نباتة، وجابر بن شرحبيل ، ومحمود بن الكواء ، أنّه قال عليه السلام : يقول :
سبحان اللّه حقّا حقّا ، إنّ المولى صمد يبقى ، يحلم عنّا رفقا رفقا ، لولا حلمه كنّا نشقى ، حقّا حقّا ، صدقا صدقا ، إنّ المولى يسائلنا ، ويوافقنا ويحاسبنا ، يا مولانا لا تهلكنا ، وتداركنا واستخدمنا ، واستخلصنا حلمك عنّا ، قد جرأنا عفوك عنّا ، إنّ الدنيا قد غرّتنا ، واشتغلتنا واستهوتنا ، واستهلتنا واستغوتنا ، يا بن الدنيا جمعا جمعا ، يا بن الدنيا مهلاً مهلاً ، يا بن الدنيا دقّا دقّا ، تفنى الدنيا قرنا قرنا ، ما من يوم يمضي عنّا ، إلاّ يهوى منّا ركنا ، قد ضيّعنا دارا تبقى ، واستوطنّا دارا تفنى ، تفنى الدنيا قرنا قرنا ، كلاّ موتا كلاّ موتا ، كلاّ موتا كلاّ دفنا ، كلاّ فيها موتا كلاّ فناء ، كلاّ فيها موتا ، نقلاً نقلاً ، دفنا دفنا ، يا بن الدنيا مهلاً مهلاً ، زن ما يأتي وزنا وزنا ، لولا
جهلي ما إن كانت ، عندي الدنيا سجنا ، خيرا خيرا ، شرّا شرّا ، شيئا شيئا ،
ص: 166
حزنا حزنا ، ما ذا من ذا ، كم ذا أم ذا ، ترجو تنجو تخشى تردى ، عجّل قبل الموت الوزنا ، ما من يوم يمضي عنّا ، إلاّ أوهى منّا ركنا ، إنّ المولى قد أنذرنا ، إنّا نحشر عزلاً(1) بهما .
قال : ثم انقطع صوت الناقوس ، فسمع الديراني ذلك وأسلم ، وقال : إنّي وجدت في الكتاب أنّ في آخر الأنبياء من يفسّر ما يقول الناقوس(2) .
أجمعوا على أنّ خيرة اللّه من خلقه هم المتّقون ، لقوله « إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ » .
ثم أجمعوا على أنّ خيرة المتّقين الخاشعون ، لقوله « وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ » إلى قوله(3) « مُنِيبٍ » .
ثم أجمعوا على أنّ أعظم الناس خشية العلماء ، لقوله « إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ » .
وأجمعوا على أنّ أعلم الناس أهداهم إلى الحقّ ، وأحقّهم أن يكون متّبعا ، ولا يكون تابعا ، لقوله « أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى » .
ص: 167
وأجمعوا على أنّ أعلم الناس بالعدل أدلّهم عليه ، وأحقّهم أن يكون متّبعا ، ولا يكون تابعا ، لقوله « يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ » .
فدلّ كتاب اللّه ، وسنّة نبيّه ، وإجماع الأمّة على أنّ أفضل هذه الأمّة بعد نبيها علي(1) عليه السلام .
ص: 168
ص: 169
ص: 170
للصحابة الهجرة :
وأوّلها : إلى الشعب(1)، وهو شعب أبي طالب وعبد المطلب عليهماالسلام، والإجماع
أنّهم كانوا بني هاشم ، وقال اللّه - تعالى - فيهم « وَالسّابِقُونَ الأَْوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالأَْنْصارِ »(2) .
وثانيها : هجرة الحبشة .
معرفة الفسوي قال : أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن ننطلق مع جعفر إلى أرض النجاشي ، فخرج في إثنين وثمانين رجلاً(3) .
ص: 171
الواحدي : نزل فيهم « إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ » حين لم يتركوا دينهم ، ولمّا اشتدّ عليهم الأمر صبروا وهاجروا(1) .
ثالثها : للأنصار الأوّلين ، وهم العقبيون بإجماع أهل الأثر ، وكانوا سبعين رجلاً ، وأوّل من بايع فيه أبو الهيثم بن التيهان(2) .
ورابعها : للمهاجرين إلى المدينة ، والسابق فيه : مصعب بن عمير ، وعمار بن ياسر ، وأبو سلمة المخزومي ، وعامر بن ربيعة ، وعبد اللّه بن جحش ، وابن أم مكتوم ، وبلال ، وسعد ، ثم ساروا أرسالاً(3) .
* * *
قال ابن عباس : نزل فيهم « وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الأَْرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ » .
ص: 172
ذكر المؤمنين ، ثم المهاجرين ، ثم المجاهدين ، وفضّل عليهم كلّهم ، فقال : « وَأُولُوا الأَْرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ » .
فعلي عليه السلام سبقهم بالإيمان ، ثم بالهجرة إلى الشعب ، ثم بالجهاد ، ثم سبقهم بعد هذه الثلاثة الرتب بكونه من ذوي الأرحام(1) .
فأمّا أبو بكر، فقد هاجر إلى المدينة إلاّ أنّ لعلي عليه السلام مزايا فيها عليه ، وذلك أنّ النبي صلى الله عليه و آله أخرجه مع نفسه ، أو خرج هو لعلّة ، وترك عليا عليه السلامللمبيت
باذلاً مهجته ، فبذل النفس أعظم من الإتقاء على النفس في الهرب إلى الغار .
وقد روى أبو المفضل الشيباني بإسناده عن مجاهد قال : فخرت عائشة بأبيها ومكانه مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الغار ، فقال عبد اللّه بن شداد بن الهاد : فأين أنت من علي بن أبي طالب عليهماالسلام حيث نام في مكانه ، وهو يرى أنّه يقتل ، فسكتت ولم تحر جوابا(2) .
وشتان بين قوله « وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ » ، وبين قوله « لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنا » .
وكان النبي صلى الله عليه و آله معه يقوّي قلبه ، ولم يكن مع علي عليه السلام ، وهو لم يصبه وجع ، وعلي عليه السلام يرمى بالحجارة ، وهو مختف في الغار ، وعلي عليه السلام ظاهر للكفار .
ص: 173
واستخلفه الرسول صلى الله عليه و آله لردّ الودائع ، لأنّه كان أمينا(1) ، فلمّا أدّاها قام على الكعبة ، فنادى بصوت رفيع : يا أيّها الناس ، هل من صاحب أمانة ؟ هل من صاحب وصيّة ؟ هل من عدة له قبل رسول اللّه (2) صلى الله عليه و آله ؟
فلمّا لم يأت أحد لحق بالنبي صلى الله عليه و آله ، وكان في ذلك دلالة على خلافته
وأمانته وشجاعته .
وحمل نساء الرسول صلى الله عليه و آله خلفه بعد ثلاثة أيام ، وفيهن عائشة ، فله المنّة على أبي بكر بحفظ ولده ، ولعلي عليه السلام المنّة عليه في هجرته .
وعلي عليه السلام ذو الهجرتين ، والشجاع البائت بين أربعمائة سيف ، وإنّما أباته على فراشه ثقة بنجدته ، فكانوا محدقين به إلى طلوع الفجر ليقتلوه ظاهرا ، فيذهب دمه بمشاهدة بني هاشم قاتليه من جميع القبائل(3) .
قال ابن عباس : فكان من بني عبد شمس : عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن
ص: 174
هشام ، وأبو سفيان ، ومن بني نوفل : طعمة بن عبدي ، وجبير بن مطعم ، والحارث بن عمر ، ومن بني عبد الدار : النضر بن الحارث ، ومن بني أسد : أبو البختري ، وزمعة بن الأسود ، وحكيم بن حزام ، ومن مخزوم : أبو جهل ، ومن بني سهم : نبيه ومنبه ابنا الحجاج ، ومن بني جمح : أمية بن خلف ممّن لا يعدّ من قريش .
ووصّى إليه في ماله وأهله وولده ، فأنامه منامه ، وأقامه مقامه ، وهذا دليل على أنّه وصيّه .
تاريخ الخطيب ، والطبري ، وتفسير الثعلبي ، والقزويني في قوله « وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا » ، والقصّة مشهورة :
جاء جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه و آله فقال له : لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه .
فلمّا كانت العتمة اجتمعوا على بابه يرصدونه ، فقال لعلي عليه السلام : نم على فراشي ، واتشح ببردي الحضرمي الأخضر ، وخرج النبي صلى الله عليه و آله .
قالوا : فلمّا دنوا من علي عليه السلام عرفوه ، فقالوا : أين صاحبك ؟ فقال : لا أدري ، أو رقيبا كنت عليه ، أمرتموه بالخروج فخرج(1) .
ص: 175
أبي رافع : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : يا علي عليه السلام ، إنّ اللّه قد أذن لي بالهجرة ، وإنّي آمرك أن تبيت على فراشي ، وإنّ قريشا إذا رأوك لم يعلموا بخروجي .
الطبري ، والخطيب ، والقزويني ، والثعلبي : ونجّا اللّه رسوله
صلى الله عليه و آله من مكرهم ، وكان مكر اللّه - تعالى - بيات علي عليه السلام على فراشه(1) .
عمار وأبو رافع وهند بن أبي هالة : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام وثب وشدّ عليهم بسيفه فانحازوا عنه .
محمد بن سلام في حديث طويل عن أمير المؤمنين عليه السلام : ومضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، واضطجعت في مضجعه أنتظر مجيء القوم إليّ حتى دخلوا عليّ ، فلمّا استوى بي وبهم البيت نهضت إليهم بسيفي ، فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الناس(2) .
فلمّا أصبح عليه السلام امتنع ببأسه ، وله عشرون سنة ، وأقام بمكة وحده مراغما لأهلها حتى أدّى إلى كلّ ذي حقّ حقّه(3) .
محمد الواقدي ، وأبو الفرج النجدي ، وأبو الحسن البكري ، وإسحاق الطبراني :
إنّ عليا عليه السلام لمّا عزم على الهجرة ، قال له العباس : إنّ محمدا صلى الله عليه و آله ما خرج إلاّ خفيّا ، وقد طلبته قريش أشدّ طلب ، وأنت تخرج جهارا في إناث
ص: 176
وهوادج ومال ورجال ونساء ، وتقطع بهم السباسب(1) والشعاب من بين قبائل قريش ؟! ما أرى لك أن تمضي إلاّ في خفارة خزاعة .
فقال علي عليه السلام :
إنّ المنيّة شربة مورودة
لا تنزعن وشدّ للترحيل
إنّ ابن آمنة النبي محمدا
رجل صدوق قال عن جبريل
ارخ الزمام ولاتخف من عائق
فاللّه يرديهم عن التنكيل
إنّي بربّي واثق وبأحمد
وسبيله متلاحق بسبيلي
* * *
قالوا : فكمن مهلع غلام حنظلة بن أبي سفيان في طريقه بالليل ، فلمّا رآه سلّ سيفه ونهض إليه ، فصاح علي عليه السلام صيحة خرّ على وجهه ، وجلّله بسيفه .
فلمّا أصبح توجّه نحو المدينة ، فلمّا شارف « ضجنان » أدركه الطلب بثمانية فوارس ، وقالوا : يا غدر ، أظننت أنّك ناج بالنسوة . . . القصّة .
وكان اللّه - تعالى - قد فرض على الصحابة الهجرة ، وعلى علي عليه السلام المبيت ، ثم الهجرة .
ثم إنّه - تعالى - قد كان امتحنه بمثل ما امتحن به إبراهيم عليه السلام
بإسماعيل عليه السلام ، وعبد المطلب عليه السلام بعبد اللّه عليه السلام .
ثم إنّ التفدية كانت دأبه في الشعب ، فإن كان بات أبو بكر في الغار
ص: 177
ثلاث ليال ، فإنّ عليا عليه السلام بات على فراش النبي صلى الله عليه و آله في الشعب ثلاث سنين(1) ، وفي رواية : أربع سنين .
العكبري في فضائل الصحابة والفنجكردي في سلوة الشيعة : إنّ عليا عليه السلام قال :
وقيت بنفسي خير من وطأ الحصى
ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
محمد لمّا خاف أن يمكروا به
فوقاه ربّي ذو الجلال عن المكر
وبتّ أراعيهم وما يثبتونني
وقد صبرت نفسي على القتل والأسر
وبات رسول اللّه في الغار آمنا
وذلك في حفظ الإله وفي ستر
أردت به نصر الإله تبتلاً
وأضمرته حتى أوسّد في قبري
* * *
وقال الحميري :
ومن ذا الذي قد بات فوق فراشه
وأدنى وساد المصطفى فتوسّدا
ص: 178
وخمّر منه وجهه بلحافه
ليدفع عنه كيد من كان أكيدا
فلمّا بدا صبح يلوح تكشّفت
له قطع من حالك اللون أسودا
ودارت به أحراسهم يطلبونه
وبالأمس ما سبّ النبي وأوعدا
أتوا طاهرا والطيّب الطهر قد مضى
إلى الغار يخشى فيه أن يتورّدا
فهمّوا به أن يقتلوه وقد سطوا
بأيديهم ضربا مقيما ومقعدا
* * *
وله أيضا :
وليلة كاد المشركون محمدا
شرى نفسه للّه إذ بتّ لا تشري
فبات مبيتا لم يكن ليبيته
ضعيف عمود القلب منتفح السحر
* * *
وله أيضا :
باتوا وبات على الفراش ملفّفا
فيرون أنّ محمدا لم يذهب
حتى إذا طلع الشميط كأنّه
في الليل صفحة خدّ أدهم معرب
ص: 179
ثاروا لأحداج الفراش فصادفت
غير الذي طلبت أكفّ الخيّب
فوقاه بادرة الحتوف بنفسه
حذرا عليه من العدو المجلب
حتى تغيب عنهم في مدخل
صلّى الإله عليه من متغيّب
* * *
وله أيضا :
وسرى النبي وخاف أن يسطى به
عند انقطاع مواثق ومعاهد
وأتى النبي فبات فوق فراشه
متدثّرا بدثاره كالراقد
وذكت عيون المشركين ونطقوا
أبيات آل محمد بمراصد
حتى إذا ما الصبح لاح كأنّه
سيف تخرّق عنه غمد الغامد
ثاروا وظنوا أنّهم ظفروا به
فتعاوروه وخاب كيد الكائد
فوقاه بادرة الحتوف بنفسه
ولقد تنوول رأسه بجلامد
* * *
وله أيضا :
وبات على فراش أخيه فردا
يقيه من العتاة الظالمينا
وقد كمنت رجال من قريش
بأسياف يلحن إذا انتضينا
فلمّا أن أضاء الصبح جاءت
عداتهم جميعا مخلفينا
فلمّا أبصروه تجنّبوه
وما زالوا له متجنّبينا
* * *
وقال ابن علوية :
أمن شرى للّه مهجة نفسه
دون النبي عليه ذا تكلان
هل جاد غير أخيه ثم بنفسه
فوق الفراش يغطّ كالنعسان
ص: 180
وقال الصاحب :
هل مثل فعلك في ليل الفراش وقد
فديت بالروح ختّام النبيّبنا
* * *
وقال المرزكي :
ونام على الفراش له فداء
وأنتم في مضاجعكم رقود
* * *
وقال ابن طوطي :
ولمّا سرى الهادي النبي مهاجرا
وقد مكر الأعداء واللّه أمكر
ونام علي في الفراش بنفسه
وبات ربيط الجأش ما كان يذعر
فوافوا بياتا والدجى متقوّض
وقد لاح معروف من الصبح أشقر
فألفوا أبا شبلين شاكي سلاحه
له ظفر من صائك الدم أحمر(1)
فصال علي بالحسام عليهمكما صال في العريس ليث غضنفر(2)
ص: 181
فولّوا سراعا نافرين كأنّماهم حمر من قسور الغاب تنفر
فكان مكان المكر حيدرة الرضامن اللّه لمّا كان بالقوم يمكر
* * *
وقال الزاهي :
بات على فرش النبي آمنا
والليل قد طافت به أحراسه
حتى إذا ما هجم القوم على
مستيقظ ينصله أشماسه
ثار إليهم فتولّوا مزقا
يمنعهم عن قربه حماسه
* * *
وقال الناشي :
وقى النبي بنفس كان يبذلها
دون النبي قرير العين محتسبا
حتى إذا ما أتاه القوم عاجلهم
بقلب ليث يعاف الرشد ما وجبا
فسائلوه عن الهادي فشاجرهم
فخوّفوه فلمّا خافهم وثبا
* * *
وقال ابن دريد الأسدي :
أولم يبت عنه أبو حسن
والمشركون هناك ترصده
متلفّفا ليردّ كيدهم
ومهاد خير الناس ممهده
فوقى النبي ببذل مهجته
وبأعين الكفار منجده
* * *
ص: 182
وقال دعبل :
وهو المقيم على فراش محمد
حتى وقاه كائدا ومكيدا
وهو المقدّم عند حومات الندى
ما ليس ينكر طارفا وتليدا
* * *
وقال مهيار :
وأحقّ بالتمييز عند محمد
من كان منهم منكبيه راقيا
من بات عنه موقيا حوباؤه
حذر العدا فوق الفراش وفاديا
* * *
وقال العبدي :
ما لعلي سوى أخيه
محمد في الورى نظير
فداه إذ أقبلت قريش
عليه في فرشه الأمير
وافاه في خمّ وارتضاه
خليفة بعده وزير
* * *
وقال الأجل المرتضى :
وهو الذي ما كان دين ظاهر
في الناس لولا رمحه وحسامه
وهو الذي لا يقتضى في موقف
أقدامه نكص به إقدامه
ثانيه في كلّ الأمور وحصنه
في الباينات وركنه ودعامه
للّه در بلائه ودفاعه
فاليوم يغشى الدارعين قتامه
وكأنّما أجم العوالي غيله
وكأنّما هو بينه ضرغامه
طلبوا مداه ففاتهم سبقا إلى
أمد يشقّ على الرجال مرامه
ص: 183
وقال العوني :
أبن لي من كان المقدّم في الوغى
بمهجته عن وجه أحمد دافعا
أبن لي من في القوم جدّل مرحبا
وكان لباب الحصن بالكفّ قالعا
ومن باع منهم نفسه واقيا بها
نبي الهدى في الفرش أفديه يافعا
وقد وقفوا طرّا بجنب مبيته
قريش تهزّ المرهفات القواطعا
ومولاي يقظان يرى كلّ فعلهم
فما كان مجزاعا من القوم فازعا
* * *
وقال شاعر آخر :
وليلته في الفرش إذ صمدت له
عصائب لا نالوا عليه انهجامها
فلمّا تراءا ذو الفقار بكفّه
أطار بها خوف الردى وأهامها
وكم كربة عن وجه أحمد لم يزل
يفرّجها قدما وينفي اهتمامها
* * *
كلّما كانت المحنة أغلظ كان الأجر أعظم ، وأدلّ على شدّه الإخلاص ، وقوّة البصيرة ، والفارس يمكنه الكرّ والفرّ ، والروغان والجولان ، والراجل قد ارتبط روحه ، وأوثق نفسه ، وألجج بدنه محتسبا صابرا على مكروه الجراح ، وفراق المحبوب ، فكيف النائم على الفراش بين الثياب والرياش .
ص: 184
نزل قوله « وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ » في علي عليه السلامحين بات على فراش رسول اللّه
صلى الله عليه و آله .
رواه إبراهيم الثقفي ، والفلكي الطوسي بالإسناد عن الحكم عن السدي ، وعن أبي مالك عن ابن عباس ، ورواه أبو المفضل الشيباني بإسناده عن زين العابدين عليه السلام ، وعن الحسن البصري عن أنس ، وعن أبي زيد الأنصاري عن أبي عمرو بن العلاء ، ورواه الثعلبي عن ابن عباس والسدي ومعبد :
أنّها نزلت في علي عليه السلام بين مكة والمدينة لمّا بات علي عليه السلام على فراش رسول اللّه (1) صلى الله عليه و آله .
فضائل الصحابة عن عبد الملك العكبري ، وعن أبي المظفر السمعاني بإسنادهما عن علي بن الحسين عليهماالسلام قال :
أول من شرى نفسه للّه علي بن أبي طالب عليهماالسلام(2) ، كان المشركون
يطلبون رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقام من فراشه ، وانطلق هو وأبو بكر ، واضطجع علي عليه السلام على فراش رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فجاء المشركون فوجدوا عليا عليه السلام ،
ص: 185
ولم يجدوا رسول اللّه (1) صلى الله عليه و آله .
الثعلبي في تفسيره ، وابن عقب في ملحمته ، وأبو السعادات في فضائل العشرة ، والغزالي في الإحياء وفي كيمياء السعادة أيضا برواياتهم عن أبي اليقظان .
وجماعة من أصحابنا ، ومن ينتمي إلينا ، نحو : ابن بابويه ، وابن شاذان ، والكليني ، والطوسي ، وابن عقدة ، والبرقي ، وابن فياض ، والعبدلي ، والصفواني ، والثقفي ، بأسانيدهم عن ابن عباس ، وأبي رافع ، وهند بن أبي هالة أنّه :
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أوحى اللّه إلى جبرئيل وميكائيل عليهماالسلام إنّي آخيت بينكما ، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه ، فأيّكما يؤثر أخاه ؟ فكلاهما كرها الموت .
فأوحى اللّه إليهما : ألا كنتما مثل وليّي علي بن أبي طالب عليهماالسلامآخيت بينه وبين محمد صلى الله عليه و آله نبيّي ، فآثره بالحياة على نفسه ، ثم ظلّ اؤرقه على فراشه يقيه بمهجته ، اهبطا إلى الأرض جميعا فاحفظاه من عدوّه .
فهبط جبرئيل عليه السلام فجلس عند رأسه، وميكائيل عليه السلام عند رجليه، وجعل جبرئيل عليه السلام يقول : بخ بخ ، من مثلك يا بن أبي طالب ! واللّه يباهي به الملائكة ، فأنزل اللّه « وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ »(2) .
ص: 186
قال الشاعر :
يجود بالنفس إذ ضنّ الجواد بها
والجود بالنفس أقصى غاية الجود
* * *
وقال ابن حماد :
باهى به الرحمن أملاك العلى
لمّا انثنى من فرش أحمد يهجع
يا جبرئيل وميكائيل فإنّني
آخيت بينكما وفضلي أوسع
أفإن بدا في واحد أمرى فمن
يفدي أخاه من المنون ويقنع
فتوثّقا كلّ يضنّ بنفسه
قال الإله أنا الأعزّ الأرفع
إنّ الوصي فدى أخاه بنفسه
ولفعله زلفى لديّ وموضع
فلتهبطا ولتمنعا من رامه
أم من له بمكيده يتسرّع
* * *
وقال خطيب خوارزم :
علي في مهاد الموت عار
وأحمد مكنس غار اغتراب
يقول الروح بخ بخ يا علي
فقد عرّضت روحك لانتهاب
* * *
ص: 187
ص: 188
ص: 189
ص: 190
اجتمعت الأمّة ووافق الكتاب والسنة :
أنّ للّه خيرة من خلقه ، وأنّ خيرته من خلقه المتّقون ، قوله « إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ »(1) .
وأنّ خيرته من المتّقين المجاهدون « فَضَّلَ اللّهُ الُْمجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً » .
وأنّ خيرته من المجاهدين السابقون إلى الجهاد ، قوله «لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ » الآية .
وأنّ خيرته من المجاهدين أكثرهم عملاً في الجهاد .
واجتمعت الأمّة على أنّ السابقين إلى الجهاد هم البدريّون ، وأنّ خيرة البدريّين علي عليه السلام .
فلم يزل القرآن يصدّق بعضه بعضا بإجماعهم حتى دلّوا بأنّ عليا عليه السلام خيرة هذه الأمّة بعد نبيها(2) .
* * *
ص: 191
قال العلوي البصري :
ولو يستوي بالنهوض الجلوس
لمّا بيّن اللّه فضل الجهاد
* * *
قوله تعالى : « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَالْمُنافِقِينَ » ، فجاهد النبي صلى الله عليه و آله الكفار في حياته ، وأمر عليا عليه السلام بجهاد المنافقين .
قوله : تقاتل الناكثين ، والقاسطين ، والمارقين(1) ، وحديث خاصف
النعل(2) ، وحديث كلاب الحوأب(3) ، وحديث تقتلك الفئة الباغية(4) ،
ص: 192
وحديث ذي الثدية(1) ، وغير ذلك .
وهذا من صفات الخلفاء ، ولا يعارض ذلك بقتال أهل الردّة ، لأنّ النبي صلى الله عليه و آله كان أمر عليا عليه السلام بقتال هؤلاء بإجماع أهل الأثر ، وحكم المسمّين أهل الردّة لا يخفى على منصف .
المعروفون بالجهاد : علي عليه السلام وحمزة ، وجعفر ، وعبيدة بن الحارث ، والزبير ، وطلحة ! وأبو دجانة ، وسعد بن أبي وقاص !! والبراء بن عازب !! وسعد بن معاذ ، ومحمد بن مسلمة .
وقد اجتمعت الأمّة على أنّ هؤلاء لا يقاسون بعلي عليه السلام في شوكته ، وكثرة جهاده .
فأمّا أبو بكر وعمر ، فقد تصفّحنا كتب المغازي فما وجدنا لهما فيه أثرا البتة(2) .
ص: 193
وقد اجتمعت الأمّة على أنّ عليا عليه السلام كان المجاهد في سبيل اللّه ، والكاشف الكروب عن وجه رسول اللّه صلى الله عليه و آله المقدّم في سائر الغزوات إذا لم يحضر النبي صلى الله عليه و آله ، وإذا حضر فهو تاليه ، وصاحب الراية واللواء معا ، وما كان قطّ تحت لواء جماعة أحد ، ولا فرّ من زحف ، وإنّهما فرّا في غير موضع ، وكانا تحت لواء جماعة(1) .
واستدلّ أصحابنا بقوله « لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ
بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ » أنّ المعني بها أمير المؤمنين عليه السلام ، لأنّه كان جامعا لهذه الخصال بالإتفاق ، ولا قطع على كون غيره جامعا لها ، ولهذا قال الزجاج والفراء : كأنّها مخصوصة بالأنبياء والمرسلين(2) .
ص: 194
وقال الزاهي :
أيجعل سيد الثقلين شبها
لما لا يرتضيه له غلاما
إلى من قطّ لم يهزم شجاعا
ولم يحمل بقبضته حساما
* * *
ابن عباس في قوله « وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَْرْضِ » قال : أسلمت الملائكة في السماوات ، والمؤمنون في الأرض ، وأوّلهم علي عليه السلام إسلاما ، ومع المشركين قتالاً ، وقاتل من بعده المقاتلين ، ومن أسلم كرها(1) .
تفسير عطاء الخراساني قال ابن عباس في قوله « وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ » أي قوّى ظهرك بعلي بن أبي طالب عليهماالسلام(2) .
أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن مجاهد في قوله « هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ » أي قومك بأمير المؤمنين عليه السلام وجعفر وحمزة وعقيل .
وقد روينا نحو ذلك عن الكلبي عن أبي صالح عن أبي هريرة(3) .
ص: 195
كتاب أبي بكر الشيرازي قال ابن عباس « وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ » يعني مكة « وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً » قال : لقد استجاب اللّه لنبيه دعاءه ، وأعطاه علي بن أبي طالب عليهماالسلام
سلطانا ينصره على أعداءه(1) .
العكبري في فضائل الصحابة عن ابن عباس قال : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم فتح مكة متعلّقا بأستار الكعبة ، وهو يقول : اللّهم ابعث إليّ من بني عمّي من يعضدني .
فهبط عليه جبرئيل عليه السلام كالمغضب ، فقال : يا محمد صلى الله عليه و آله ، أوليس قد أيّدك اللّه بسيف من سيوف اللّه مجرّد على أعداء اللّه - يعني بذلك علي بن أبي طالب عليهماالسلام - .
أبو المضا صبيح مولى الرضا عليه السلام عن الرضا عن آبائه عليهم السلام في قوله « لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا » قال : منهم علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
قال الناشي :
أيا ناصر المصطفى أحمد
تعلّمت نصرته من أبيكا
وناصبت نصابه عنوة
فلعنة ربّي على ناصبيكا
ولو آمنوا بنبي الهدى
وباللّه ذي الطول ما ناصبوكا
ص: 196
وقال غيره :
كان يصير له سيف الرشاد انتضى
سلّ على كلّ من عن أمره أعرضا
* * *
قوله « إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ » ، وكان عليه السلام إذا صفّ في القتال كأنّه بنيان مرصوص ، وما قتل المشركين قتله أحد(1) .
سفيان الثوري ، كان علي بن أبي طالب عليهماالسلام كالجبل بين المسلمين والمشركين ، أعزّ اللّه به المسلمين ، وأذلّ به المشركين .
قال العوني :
فلك النجاة وباب للجنان غدا
وملتجى وصراط غير ذي جنف
جنب عزيز يلوذ اللائذون به
حبل متين قويّ محكم الطرف
* * *
ويقال أنّه نزل فيه « وَجاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ »(2) .
ص: 197
أبو جعفر وأبو عبد اللّه عليهماالسلام نزل قوله « وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ »في أمير المؤمنين عليه السلام .
وفي حديث جبير : أنت أوّل من آمن بي ، وأوّل من جاهد معي ، وأوّل من ينشق عنه القبر(1) .
وكان النبي صلى الله عليه و آله إذا خرج من بيته تبعه أحداث المشركين يرمونه بالحجارة حتى أدموا كعبة وعرقوبيه ، وكان علي عليه السلام يحمل عليهم فينهزمون ، فنزل « كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ »(2) .
ولا خلاف أنّ أوّل مبارز في الإسلام علي عليه السلام ، وحمزة ، وأبو عبيدة بن الحارث في يوم بدر .
قال الشعبي : ثم حمل علي عليه السلام على الكتيبة مصمّما وحده(3) .
واجتمعت الأمّة أنّه ما رأى أحد ادّعيت له الإمامة عمل في الجهاد ما عمل علي عليه السلام .
قال اللّه - تعالى - « وَلا يَطَؤنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ » .
ص: 198
ولقد فسّر قوله « وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ » يعني عليا عليه السلام ، لأنّ الكفّار كانوا يسمّونه الموت الأحمر ، سمّوه يوم بدر لعظم بلائه ونكايته .
قال العوني :
من اسمه الموت في القرآن فهل
يسبقه في الحروب من هربا
ومن رأى وحده مبارزة إلاّ
رأى الموت منه والعطبا
* * *
قال المفسّرون : لمّا أسر العباس يوم بدر أقبل المسلمون ، فعيّروه بكفره باللّه وقطيعة الرحم ، وأغلظ علي عليه السلام له القول .
فقال العباس : ما لكم تذكرون مساوينا ولا تذكرون محاسننا ؟! فقال علي عليه السلام : ألكم محاسن ؟
قال : نعم ، إنّا لنعمر المسجد الحرام ، ونحجب الكعبة ، ونستقي الحاج ، ونفكّ العاني .
فأنزل اللّه - تعالى - ردّا على العباس ، ووفاقا لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام « ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللّهِ » الآية .
ثم قال : « إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّهِ » الآية .
ثم قال : « أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ »(1) .
ص: 199
وروى إسماعيل بن خالد عن عامر ، وابن جريح عن عطاء عن ابن عباس ، ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس ، والسدي عن أبي صالح وابن أبي خالد ، وزكريا عن الشعبي أنّه نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب(1) .
الثعلبي والقشيري والجبائي والفلكي في تفاسيرهم ، والواحدي في أسباب نزول القرآن عن الحسن البصري ، وعامر الشعبي ومحمد بن كعب القرطي ، وروينا عن عثمان بن أبي شيبة ، ووكيع بن الجراح ، وشريك القاضي ، ومحمد بن سيرين ، ومقاتل بن سليمان ، والسديري ، وأبي مالك ، ومرّة الهمداني ، وابن عباس :
أنّه افتخر العباس بن عبد المطلب ، فقال : أنا عمّ محمد صلى الله عليه و آله ، وأنا صاحب سقاية الحجيج ، فأنا أفضل من علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
وقال شيبة بن عثمان ، أو طلحة الداري ، أو عثمان : وأنا أعمر بيت اللّه الحرام ، وصاحب حجابته ، فأنا أفضل .
وسمعهما علي عليه السلام ، وهما يذكران ذلك ، فقال : أنا أفضل منكما ، لقد صلّيت قبلكما ستّ سنين .
ص: 200
وفي رواية : سبع سنين ، وأنا أجاهد في سبيل اللّه .
وفي رواية الحسكاني عن أبي بريدة : أنّ عليا عليه السلام قال : استحييت لكلّ ، فقد أوتيت على صغري ما لم تؤتيا ، فقالا : وما أوتيت يا علي عليه السلام ؟ قال : ضربت خراطيمكما بالسيف حتى آمنتما باللّه وبرسوله صلى الله عليه و آله .
فشكا العباس ذلك إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فقال : ما حملك على ما استقبلت به عمّك ؟ فقال : صدمته بالحقّ ، فمن شاء فليغضب ، ومن شاء فليرض(1) ! فنزلت هذه الآية .
قال الناشي :
إذ فاخر العباس عمّ المصطفى
لعلي المختار صهر محمد
بعمارة البيت المعظّم شأنه
وسقاية الحجّاج وسط المسجد
فأتى بها جبريل عن ربّ السما
يقري السلام على النبي المهتدي
أجعلتم سقي الحجيج وما يرى
من ظاهر الأستار فوق الجلمد
كالمؤمنين الضاربي هام العدى
وسط العجاج بساعد لم يرعد
* * *
وقال البشنوي :
يا قاري القرآن مع تأويله
مع كلّ محكمة أتت في حال
أعمارة البيت المحرّم مثله
وسقاية الحجّاج في الأمثال
أم مثلي التيمي أم عدويّهم
هل كان في حال من الأحوال
لا والذي فرض عليّ وداده
ما عندي العلماء كالجهال
ص: 201
وقال خطيب منبج :
وقال جعلتم السقيا كمن لا
يزال مجاهدا لا يستوونا
* * *
وقال القاضي بن قابوس المصري :
يا سيد العالم طرّا
بدوهم والحضر
إن عظّموا سقي الحجيج
فأنت ساقي الكوثر
أنت الإمام المرتضى
وشفيعنا في المحشر
* * *
في بعض التفاسير : أنّه نزل قوله - تعالى - « لا تَجِدُ قَوْماً يُؤمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ » الآية ، في علي عليه السلام ، لأنّه قتل عشيرته مثل عمرو بن عبد ودّ ، والوليد بن عتبة في خلق .
قال أبقراط النصراني :
أما ردّ عمرا يوم سلع بباتر
كأنّ على جنبيه لطخ العنادم
وعادى ابن معدى نحو أحمد خاضعا
كشارب أثل في خطام الغمائم
وعاديت في اللّه القبائل كلّها
ولم تخش في الرحمن لومة لائم
وكنت أحقّ الناس بعد محمد
وليس جهول القوم فضلاً كعالم
ص: 202
ص: 203
ص: 204
المشهور من الصحابة بالنفقة في سبيل اللّه : علي عليه السلام ، وأبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن وطلحة(1) !!!
ولعلي عليه السلام في ذلك فضائل ، لأنّ الجود جودان : نفسي ، ومالي ، قال : «وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ » ، وقال النبي صلى الله عليه و آله : أجود الناس من جاد بنفسه في سبيل اللّه (2) . . الخبر .
فصار قوله « لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا » أليق بعلي عليه السلام ، لأنّه جمع بينهما ولم يجمع لغيره .
وقولهم : إنّ أبا بكر أنفق على النبي صلى الله عليه و آله أربعين ألفا(3) ، فإن صحّ هذا الخبر فليس فيه أنّه كان دينارا أو درهما ، وأربعون ألف درهم هو أربعة آلاف دينار ، ومال خديجة عليهاالسلام أكثر من ماله ، ونفع ذلك للمسلمين عامّة ، وقد شرحت ذلك في كتابي المشهور .
ص: 205
فأمّا قوله « فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى » عموم ، ويعارض بقوله « وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى » بمال خديجة(1) عليهاالسلام ، وروي أنّه نزلت في علي عليه السلام .
وفيه يقول العبدي :
أبوكم هو الصديق آمن واتقى
وأعطى وما أكدى وصدّق بالحسنى
* * *
ص: 206
الضحاك عن ابن عباس نزلت في علي عليه السلام « ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً » الآية .
ابن عباس ، والسدي ، ومجاهد ، والكلبي ، وأبو صالح ، والواحدي ، والطوسي ، والثعلبي ، والطبرسي ، والماوردي ، والقشيري ، والثمالي ، والنقاش ، والفتال ، وعبيد اللّه بن الحسين ، وعلي بن حرب الطائي في تفاسيرهم :
أنّه كان عند علي بن أبي طالب عليهماالسلام أربعة دراهم من الفضّة ، فتصدّق بواحد ليلاً ، وبواحد نهارا ، وبواحد سرّا ، وبواحد علانية ، فنزل « الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ » الآية ، فسمّى كلّ درهم مالاً ، وبشّره بالقبول ، رواه النطنزي في الخصائص(1) .
ص: 207
تفسير النقاش وأسباب النزول : قال الكلبي : فقال له النبي صلى الله عليه و آله : ما حملك على هذا ؟
قال : حملني أن استوجب على اللّه الذي وعدني ، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ألا إنّ ذلك لك ، فأنزل اللّه هذه الآية(1) .
قال الحميري :
وأنفق ماله ليلاً وصبحا
وأسرارا وجهر الجاهرينا
وصدّق ماله لمّا أتاه
الفقير بخاتم المتختمينا
* * *
الضحّاك عن ابن عباس قال : لمّا أنزل اللّه « لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ » الآية ، بعث عبد الرحمن بن عوف بدنانير كثيرة إلى أصحاب الصفة حتى أغناهم ، وبعث علي بن أبي طالب عليهماالسلام في جوف الليل بوسق من تمر ، فكان أحبّ الصدقتين إلى اللّه صدقة علي عليه السلام ، وأنزلت الآية(2) .
ص: 208
وسئل النبي صلى الله عليه و آله : أيّ الصدقة أفضل في سبيل اللّه ؟ فقال : جهد من مقلّ(1) .
تاريخ البلاذري وفضائل أحمد : إنّه كانت غلّة علي عليه السلام أربعين ألف دينار، فجعلها صدقة ، وإنّه باع سيفه ، وقال : لو كان عندي عشاء ما بعته(2).
شريك والليث والكلبي وأبو صالح والضحاك والزجاج ومقاتل بن حنان ومجاهد وقتادة وابن عباس :
كانت الأغنياء يكثرون مناجاة الرسول صلى الله عليه و آله ، فلمّا نزل قوله : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً » انتهوا ، فاستقرض عليه السلام دينارا وتصدّق به ، فناجى النبي صلى الله عليه و آله عشر نجوات ، ثم نسخته الآية التي بعدها .
أمير المؤمنين عليه السلام : كان لي دينار ، فبعته بعشرة دراهم ، فكنت كلّما أردت أن أناجي رسول اللّه صلى الله عليه و آله قدّمت درهما ، فنسختها الآية الأخرى(3) .
ص: 209
الواحدي في أسباب نزول القرآن والوسيط أيضا ، والثعلبي في الكشف والبيان ما رواه علي بن علقمة ومجاهد :
إنّ عليا عليه السلام قال : إنّ في كتاب اللّه لآية ما عمل بها أحد قبلي ، ولا عمل بها أحد بعدي ، ثم تلا هذه الآية(1) .
جامع الترمذي ، وتفسير الثعلبي ، واعتقاد الأشنهي ، عن الأشجعي والثوري وسالم بن أبي حفصة وعلي بن علقمة الأنماري عن علي عليه السلامفي
هذه الآية : فبي خفّف اللّه ذلك عن هذه الأمّة(2) .
وفي مسند الموصلي : فبه خفّف اللّه عن هذه الأمّة(3) .
وزاد أبو القاسم الكوفي في الرواية : إنّ اللّه امتحن الصحابة بهذه الآية ، فتقاعسوا كلّهم عن مناجاة الرسول صلى الله عليه و آله ، فكان الرسول صلى الله عليه و آلهاحتجب في
ص: 210
منزله عن مناجاة أحد إلاّ من تصدّق بصدقة ، فكان معي دينار . . وساق عليه السلام كلامه إلى أن قال :
فكنت أنا سبب التوبة من اللّه على المسلمين حين عملت بالآية ، فنسخت ، ولو لم أعمل بها - حين كان عملي بها سببا للتوبة عليهم - لنزل العذاب عند امتناع الكلّ عن العمل بها(1) .
وقال القاضي الطرثيثي : إنّهم عصوا في ذلك إلاّ علي عليه السلام ، فنسخه عنهم ، يدلّ عليه قوله « فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللّهُ عَلَيْكُمْ » ، ولقد استحقّوا العذاب لقوله « أَأَشْفَقْتُمْ » .
وقال مجاهد : وما كان إلاّ ساعة ، وقال مقاتل بن حبان : كان ذلك عشر ليال ، وكانت الصدقة مفوّضة إليهم غير مقدّرة(2) .
سفيان بإسناده عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله : فيما استطعت تصدّقت .
وروى الثعلبي عن أبي هريرة وابن عمر : أنّه قال عمر بن الخطاب : كان لعلي عليه السلام ثلاث ، لو كان لي واحدة منهن كانت أحبّ إليّ من حمر النعم : تزويجه فاطمة عليهاالسلام ، واعطاؤه الراية يوم خيبر ، وآية النجوى(3) .
* * *
ص: 211
قال الوراق القمّي :
علي الذي ناجاه بالوحي أحمد
فعلّمه أبواب سلم مسلم
* * *
وقال الأصفهاني :
وبألف حرف أيّكم ناجي أخي
فيهن دونكم أخي ناجاني
ولكلّ حرف ألف باب شرحه
عندي بفضل حكومة وبيان
* * *
ص: 212
وأنفق على ثلاث ضيفان(1) من الطعام قوت ثلاث ليال ، فنزلت فيه ثلاثون آية(2) ، ونصّت على عصمته ، وستره ومراده ، وقبول صدقته .
وكفاك من جوده قوله « عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللّهِ » الآية ، وإطعام الأسير خاصّة ، وهو عدوّ في الدين .
قال العوني :
من أطعم المسكين واليتيم
والأسير للّه ثلاثا وطوى
* * *
وحدّث أبو هريرة : أنّه كان في المدينة مجاعة ، ومرّ بي يوم وليلة لم أذق شيئا ، وسألت أبا بكر آية كنت أعرف بتأويلها منه ، ومضيت معه إلى بابه ، وودعني وانصرفت جائعا يومي .
ص: 213
وأصبحت ، وسألت عمر آية كنت أعرف منه بها ، فصنع كما صنع أبو بكر .
جئت في اليوم الثالث إلى علي عليه السلام ، وسألته ما يعلمه فقط ، فلمّا أردت أن أنصرف دعاني إلى بيته ، فأطعمني رغيفين وسمنا .
فلمّا شبعت انصرفت إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا بصر بي ضحك في وجهي ، وقال : أنت تحدّثني أم أحدّثك ؟! ثم قصّ عليّ ما جرى ، وقال لي : جبرئيل عليه السلام عرّفني .
ورؤي أمير المؤمنين عليه السلام حزينا ، فقيل له : ممّ حزنك ؟ قال : لسبع أتت لم يضف الينا ضيف .
تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان ، وعلي بن حرب الطائي ، ومجاهد بأسانيدهم عن ابن عباس وأبي هريرة ، وروى جماعة عن عاصم بن كليب عن أبيه ، واللّفظ له عن أبي هريرة :
إنّه جاء رجل إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فشكا إليه الجوع ، فبعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى أزواجه ، فقلن : ما عندنا إلاّ الماء .
فقال صلى الله عليه و آله : من لهذا الرجل الليلة ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أنا يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
ص: 214
وأتى فاطمة عليهاالسلام وسألها : ما عندك يا بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقالت : ما عندنا إلاّ قوت الصبية ، لكنّا نؤثر به ضيفنا ، فقال علي عليه السلام : يا بنت محمد صلى الله عليه و آله ، نوّمي الصبية ، واطفي المصباح ، وجعلا يمضغان بألسنتهما ، فلمّا فرغ من الأكل أتت فاطمة عليهاالسلام بسراج ، فوجدت الجفنة مملؤة من فضل اللّه .
فلمّا أصبح صلّى مع النبي صلى الله عليه و آله ، فلمّا سلّم النبي صلى الله عليه و آله من صلاته نظر إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وبكى بكاء شديدا ، وقال : يا أمير المؤمنين عليه السلام ، لقد عجب الربّ من فعلكم البارحة ، إقرأ « وَيُؤثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ » أي مجاعة « وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ »يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام « فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ »(1) .
* * *
وقال الحميري :
قائل للنبي إنّي غريب
جائع قد أتيتكم مستجيرا
فبكى المصطفى وقال غريب
لا يكن للغريب عندي ذكورا
من يضيف الغريب قال علي
أنا للضيف فانطلق مأجورا
ابنة العمّ هل من الزاد شيء
فأجابت أراه شيئا يسيرا
كفّ برّ قال اصنعيه فإنّ اللّه
قد يجعل القليل كثيرا
سوف أطفي المصباح كي لا يراني
فاخلّي طعامه موفورا
ص: 215
جاهد يلمظ الأصابع والضيف
يراه إلى الطعام مشيرا
عجبت منكم ملائكة اللّه
وارضيتم اللطيف الخبيرا
ولهم قال يؤثرون على
أنفسهم نال(1) ذاك فضلاً كبيرا
* * *
وله أيضا :
وآثر ضيفه لمّا أتاه
وأهله يتلمّظونا
فسمّاه الإله بما أتاه
من الآثار باسم المفلحينا
* * *
ص: 216
كتاب أبي بكر الشيرازي بإسناده عن مقاتل عن مجاهد عن ابن عباس في قوله « رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ » إلى قوله « بِغَيْرِ حِسابٍ » قال : هو - واللّه - أمير المؤمنين
عليه السلام .
ثم قال بعد كلام : وذلك أنّ النبي صلى الله عليه و آله أعطى عليا عليه السلام يوما ثلاثمائة دينار أهديت إليه .
قال علي عليه السلام : فأخذتها وقلت : واللّه ، لأتصدقنّ الليلة من هذه الدنانير صدقة يقبلها اللّه منّي .
فلمّا صلّيت العشاء الآخرة مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله أخذت مائة دينار وخرجت من المسجد ، فاستقبلتني إمرأة ، فأعطيتها الدنانير ، فأصبح الناس بالغد يقولون : تصدّق علي عليه السلام الليلة بمائة دينار على إمرأة فاجرة ، فاغتممت غمّا شديدا !!
فلمّا صلّيت القابلة صلاة العتمة أخذت مائة دينار ، وخرجت من المسجد ، وقلت : واللّه ، لأتصدّقن الليلة بصدقة يتقبّلها ربّي منّي ، فلقيت رجلاً ، فتصدّقت عليه بدنانير ، فأصبح أهل المدينة يقولون : تصدّق علي عليه السلام البارحة بمائة دينار على رجل سارق ، فاغتممت غمّا شديدا !! وقلت : واللّه ، لأتصدّقن الليلة صدقة يتقبّلها ربّي منّي .
ص: 217
فصلّيت العشاء الآخرة مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثم خرجت من المسجد ، ومعي مائة دينار ، فلقيت رجلاً فأعطيته إياها ، فلمّا أصبحت قال أهل المدينة : تصدّق علي عليه السلام البارحة بمائة دينار على رجل غني ، فاغتممت غمّا شديدا !!
فأتيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فخبّرته ، فقال لي : يا علي ، هذا جبرئيل عليه السلام يقول لك : إنّ اللّه - عزّ وجلّ - قد قبل صدقاتك ، وزكّى عملك ، إنّ المائة دينار التي تصدّقت بها أوّل ليلة وقعت في يدي إمرأة فاسدة ، فرجعت إلى منزلها ، وتابت إلى اللّه - عزّ وجلّ - من الفساد ، وجعلت تلك الدنانير رأس مالها ، وهي في طلب بعل تتزوّج به .
وإنّ الصدقة الثانية وقعت في يدي سارق ، فرجع إلى منزله ، وتاب إلى اللّه من سرقته ، وجعل الدنانير رأس ماله يتّجر بها .
وإنّ الصدقة الثالثة وقعت في يدي رجل غني لم يزكّ ماله منذ سنين ، فرجع إلى منزله ، ووبّخ نفسه ، وقال : شحّا عليك يا نفس ، هذا علي بن أبي طالب عليهماالسلام تصدّق عليّ بمائة دينار ولا مال له ، وأنا قد أوجب اللّه على مالي الزكاة لأعوام كثيرة لم أزكه ، فحسب ماله وزكّاه ، وأخرج زكاة ماله كذا وكذا دينارا .
وأنزل اللّه فيك«رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ »(1) الآية .
ص: 218
أبو الطفيل : رأيت عليا عليه السلام يدعو اليتامى فيطعمهم العسل ، حتى قال بعض أصحابه : لوددت أنّي كنت يتيما(1) .
المعلّى بن خنيس عن الصادق عليه السلام : أنّه عليه السلام أتى ظلّة بني ساعدة في ليلة قد رشت السماء ، ومعه جراب ، فإذا نحن بقوم نيام ، فجعل يدسّ الرغيف والرغيفين حتى أتى على آخره(2) .
قال الحميري :
ومن ذا كان للفقراء كنزا
إذا نزل الشتاء بهم كنينا
* * *
محمد بن الصمّة عن أبيه عن عمّه قال : رأيت في المدينة رجلاً على ظهره قربة ، وفي يده صحفة يقول : اللّهم ولي المؤمنين ، وإله المؤمنين ،
ص: 219
وجار المؤمنين ، اقبل قرباني الليلة ، فما أمسيت أملك سوى ما في صحفتي ، وغير ما يواريني ، فإنّك تعلم أنّي منعته نفسي مع شدّة سغبي في طلب القربة إليك غنما ، اللّهم فلا تخلق وجهي ، ولا تردّ دعوتي ، فأتيته حتى عرفته ، فإذا هو علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فأتى رجلاً فأطعمه .
عبد اللّه بن علي بن الحسين يرفعه : إنّ النبي صلى الله عليه و آله أتى مع جماعة من أصحابه إلى علي عليه السلام ، فلم يجد علي عليه السلام شيئا يقرّبه إليهم ، فخرج ليحصل
لهم شيئا ، فإذا هو بدينار على الأرض ، فتناوله ، وعرّف به فلم يجد له طالبا ، فقوّمه على نفسه ، واشترى به طعاما ، وأتى به إليهم .
وأصاب عوضه ، وجعل ينشد صاحبه فلم يجده ، فأتى به النبي صلى الله عليه و آله ، وأخبره بالخبر ، فقال : يا علي عليه السلام ، إنّه شيء أعطاكه اللّه لمّا اطلع على نيّتك وما أردته ، وليس هو شيء للناس ، ودعا له بخير .
قال الحميري :
فمال إلى أدناهم منه بيّعا
توسّم فيه خير ما يتوسّم
فقال له بعني طعاما فباعه
جميل المحيّا ليس منه التجهّم
فكال له حبّا به ثمّ ردّه
إليه وارزاق العباد تقسّم
فآب برزق ساقه اللّه نحوه
إلى أهله والقوم للجوع رزّم
فلا ذلك الدينار أحمى تبره
يقينا وأمّا الحبّ فاللّه أعلم
ص: 220
أمن زرع أرض كان أم حبّ جنة
حباه به من ناله منه أنعم
وبيّعه جبريل أطهر بيّع
فأيّ أيادي الخير من تلك أعظم
يكلّم جبريل الأمين فإنّه
لأفضل من يمشي ومن يتكلّم
* * *
روت الخاصّة والعامّة ، منهم : ابن شاهين المروي ، وابن شيرويه الديلمي عن الخدري وأبي هريرة :
إنّ عليا عليه السلام أصبح ساغبا ، فسأل فاطمة عليهاالسلام طعاما ، فقالت : ما كانت إلاّ ما أطعمتك ، منذ يومين آثرت به على نفسي وعلى الحسن والحسين عليهماالسلام ، فقال : ألا أعلمتني فأتيتكم بشيء ، فقالت : يا أبا الحسين ، إنّي لأستحي من إلهي أن أكلفك ما لا تقدر عليه .
فخرج واستقرض من النبي صلى الله عليه و آله دينارا ، فخرج يشتري به شيئا ، فاستقبله المقداد قائلاً : ما شاء اللّه ، فناوله علي عليه السلام الدينار ، ثم دخل المسجد ، فوضع رأسه فنام .
فخرج النبي صلى الله عليه و آله فإذا هو به ، فحرّكه وقال : ما صنعت ؟ فأخبره ، فقام وصلّى معه ، فلمّا قضى النبي صلى الله عليه و آله صلاته قال : يا أبا الحسن ، هل عندك شيء نفطر عليه ، فنميل معك ؟ فأطرق لا يجيب جوابا حياء منه ، وكان اللّه أوحى إليه : أن يتعشّى تلك الليلة عند علي عليه السلام .
ص: 221
فانطلقا حتى دخلا على فاطمة عليهاالسلام ، وهي في مصلاها ، وخلفها جفنة تفور دخانا ، فأخرجت فاطمة عليهاالسلام الجفنة ، فوضعتها بين أيديهما ، فسأل علي عليه السلام « أَنّى لَكِ هذا » ؟ قالت : هو من فضل اللّه ورزقه « إِنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ » .
قال : فوضع النبي صلى الله عليه و آله كفّه المبارك بين كتفي علي عليه السلام ، ثم قال : يا علي ، هذا بدل دينارك ، ثم استعبر النبي صلى الله عليه و آله باكى : وقال : الحمد للّه الذي لم يمتني حتى رأيت في ابنتي ما رأى زكريا لمريم عليهماالسلام .
وفي رواية الصادق عليه السلام : أنّه أنزل اللّه فيهم « وَيُؤثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ »(1) .
* * *
قال الحميري :
وحدّثنا عن حارث الأعور الذي
نصدّقه في القول منه وما يروي
بأنّ رسول اللّه نفسي فداؤه
وأهلي ومالي طاوي الحشي يطوي
لجوع أصاب المصطفى فاغتدى إلى
كريمته والناس لاهون في سهو
ص: 222
فصادفها وابني علي وبعلها
وقد أطرقوا من شدّة الجوع كالنضو(1)
فقال لها يا فطم قومي تناوليولم يك فيما قال ينطق بالهزو
هدية ربّي أنّه مترحّمفقامت إلى ما قال تسرع بالخطو
فجاءت عليها اللّه صلّى بجفنةمكومة باللحم جزوا على جزو
فسمّوا وظلّوا يطعمون جميعهمفبخ بخ لهم نفسي الفداء وما أحوي
فقال لها ذاك الطعام هديةمن اللّه جبريل أتاني به يهوي
ولم يك منه طاعما غير مرسلوغير وصي خصّه اللّه بالصفو
* * *
وفي رواية حذيفة : إنّ جعفرا أعطى النبي صلى الله عليه و آله الفرع من العالية والقطيفة ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : لأدفعن هذه القطيفة إلى رجل يحبّ اللّه ورسوله ، ويحبّه اللّه ورسوله ، وأعطاها عليا عليه السلام .
ص: 223
ففصل علي عليه السلام القطيفة سلكا ، فباع بالذهب ، فكان ألف مثقال ، ففرّقه في فقراء المهاجرين كلّها .
فلقيه النبي صلى الله عليه و آله ، ومعه حذيفة وعمار وسلمان وأبو ذر والمقداد ، فسأله النبي صلى الله عليه و آله الغداء ، فقال حياء منه : نعم ، فدخلوا عليه ، فوجدوا الجفنة(1) .
وفي حديث ابن عباس : إنّ المقداد قال له : أنا منذ ثلاثة أيام ما طعمت شيئا ، فخرج أمير المؤمنين عليه السلام وباع درعه بخمسمائة ، ودفع إليه بعضها ، وانصرف متحيّرا .
فناداه أعرابي : اشتر منّي هذه الناقة مؤجلاً ، فاشتراها بمائة درهم ، ومضى الأعرابي ، فاستقبله آخر ، وقال : بعني هذه الناقة بمائة وخمسين درهما ، فباع وصاح : يا حسن ، ويا حسين ، امضيا في طلب الأعرابي ، وهو على الباب .
فرآه النبي صلى الله عليه و آله فقال وهو متبسم : يا علي ، الأعرابي صاحب الناقة جبرئيل ، والمشتري ميكائيل ، يا علي المائة عن الناقة ، والخمسين بالخمس التي دفعتها إلى المقداد ، ثم تلا « وَمَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً »
الآية .
* * *
ص: 224
قال السيد الحميري :
أليس المؤثر المقداد لمّا
أتاه مقويا في المقويينا(1)
بدينار وما يحوي سواهوما كلّ الأفاضل مؤثرينا
* * *
وقال الوراق :
علي غدا يبتاع قوتا لأهله
فبايعه جبريل بيع المحكم
* * *
وسمع أمير المؤمنين عليه السلام أعرابيا يقول وهو آخذ بحلقه الباب : البيت بيتك ، والضيف ضيفك ، ولكلّ ضيف قرى ، فاجعل قراي منك في هذه الليلة المغفرة .
فقال : يا أعرابي ، هو - واللّه - أكرم من أن يردّ ضيفه بلا قرى .
وسمعه الليلة الثانية قائلاً : يا عزيزا في عزّك يعزّ من عزّ عزّك ، أنت أنت ، لا يعلم أحد كيف أنت إلاّ أنت ، أتوجه إليك بك ، وأتوسل بك إليك ، وأسألك بحقّك عليك ، وبحقّك على آل محمد صلى الله عليه و آله أعطني ما لا يملكه غيرك ، واصرف عنّي ما لا يصرفه سواك ، يا أرحم الراحمين .
فقال عليه السلام : هذا اسم اللّه الأعظم بالسريانية .
ص: 225
وسمعه الليلة الثالثة يقول : يا زين السماوات والأرض ، ارزقني أربعة آلاف درهم .
فضرب يده على كتف الأعرابي ، ثم قال : قد سمعت ما طلبت وما سألت ربّك ، فما الذي تصنع بأربعة آلاف درهم ؟ قال : ألف صداق إمرأتي ، وألف أبني به دارا ، وألف أقضي به ديني ، وألف ألتمس به المعاش .
قال : أنصفت يا أعرابي إذا قدمت المدينة ، فسل عن علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
قال : فلمّا أتى الأعرابي المدينة قال للحسين عليه السلام : قل لأبيك : صاحب الضمان بمكة ، فدخل فأخبره ، قال : إي - واللّه - يا حسين ، ايتيني بسلمان .
فلمّا أتاه قال : يا سلمان ، اجمع لي التجار ، فلمّا اجتمعوا قال لهم : اشتروا منّي الحائط الذي غرسه لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيده ، فباعه منهم بإثني عشر ألف درهم ، فدفع إلى الأعرابي أربعة آلاف ، فقال : يا أعرابي ، كم أنفقت في طريقك ؟ قال : ثلاثة عشر درهما ، قال : ادفعوا له ستا وعشرين درهما حتى يصرف الأربعة آلاف حيث سأل ، وصيّر بين يديه الباقي ، فلم يزل يعطي قبضة قبضة حتى لم يبق منها درهم .
فلمّا أتى فاطمة عليهاالسلام ذكر بيع الحائط ، قالت : فأين الثمن ؟
قال : دفعته - واللّه - إلى عيون استحييت منها أن أحوجها إلى ذلّ المسألة ، فأعطيتهم قبل أن يسألوني .
فقالت : لا أفارقك أو يحكم بيني وبينك أبي ، إذ أنا جائعة وابناي جائعان لم يكن لنا في إثني عشر ألف درهم درهم نأكل به الخبز .
ص: 226
فقال : يا فاطمة ، لا تلاحيني وخلّي سبيلي(1) !!!
فهبط جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه و آله فقال : السلام يقرأ عليك السلام
ويقول : بكت ملائكة السماوات للزوم فاطمة عليهاالسلام عليا عليه السلام ، فاذهب إليهما .
فجاء إليهما ، فقال : يا بنتي مالك تلزمين عليا ؟ فقصّت عليه القصّة ، فقال : خلّ سبيله ، فليس على مثل علي عليه السلام تضرب يد .
ثم خرجا من الدار ، فما لبث أن رجع النبي صلى الله عليه و آله فقال : يا فاطمة ، رجع أخي ؟ فقالت : لا ، فأعطاها سبعه دراهم سودا هجرية ، وقال : قولي له يبتاع لكم بها طعاما .
فلمّا أتاها أعطته الدراهم ، فأخذها وقال : بسم اللّه والحمد للّه كثيرا طيّبا من فضل اللّه .
فذهب إلى السوق ، فإذا سائل يقول : من يقرض اللّه الملي الوفي ، فقال : يا أبا الحسن ، أتسمع ما يقول ؟ أقرض اللّه .
ثم مضى ليستقرض من أحد ، فإذا بشيخ معه ناقة ، فقال : يا علي ، ابتع منّي هذه الناقة ، فقال : ليس معي ثمنها ، قال : إنّي أنظرك بثمنها ، فابتاعها بمائة درهم ، ثم اشترى . . . إلى آخر القصّة . .
ص: 227
المخبرة :
أمن طوى يومين لم يطعم ولم
تطعم حليلته ولا الحسنان
فمضى لزوجته ببعض ثيابها
ليبيعه في السوق كالعجلان
يهوى ابتياع جرادق لعياله
من بين ساغبة ومن سغبان(1)
إذ جاءه مقداد يخبر أنّهمذ لم يذق أكلاً له يومان
فهوى إلى ثمن المثال فصبّهمن كفّ أبيض في يدي غرثان(2)
فطرا من الأعراب سابق ناقةحسناء تأجره له معسان
نادى ألا اشترها فقال وكيف ليبشرا البعير وما معي فلسان
قال الفتى ابتعها فإنّك منظرفيما به الكفّان تصطفقان
فبدا له رجل فقال أبائعمنّي بعيرك أنت يا ربّاني
أخبر شراك أهنّ ربحك قال هامائة فقال فهاكها مائتان
وأتى النبي معجبا فأهابهواليه قبل قد انتهى الخبران
نادى أبا حسن أبدء بالذيأقبلت تبيّنيه(3) أم تبدأني
قال الوصي له فانبئني بهإنّي اتجرت فتاح لي ربحان(4)
ربح لآخرتي وربح عاجلوكلاهما لي يا أخي فخران
فأبثّه ما في الضمير وقال هلتدري فداك أحبّتي من ذان
ص: 228
جبريل صاحب بيعها والمشتريميكال طبت وانجح السعيان
والناقة الكوماء كانت ناقةترعى بدار الخلد في بطنان
* * *
وإنّه عليه السلام طلب السائل منه صدقة ، فأعطى خاتما ، فنزلت « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ » .
وفيه يضرب المثل في الصدقات ، يقال في الدعاء : يقبل اللّه منه كما يقبل توبة آدم عليه السلام ، وقربان إبراهيم عليه السلام ، وحجّ المصطفى صلى الله عليه و آله ، وصدقة أمير المؤمنين عليه السلام .
وكان عليه السلام يأخذ من الغنائم لنفسه وفرسه ، ومن سهم ذي القربى ، وينفق جميع ذلك في سبيل اللّه ، وتوفي ولم يترك إلاّ ثمانمائة درهم(1) .
* * *
ص: 229
ص: 230
ص: 231
ص: 232
وصف اللّه - تعالى - أصحاب محمد صلى الله عليه و آله فقال : « وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ » ثبتت هذه الصفة لعلي عليه السلام دون من يدعون له الشدّة على الكفار(1) .
وقال - تعالى - في قصّة طالوت « إِنَّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ » .
واجتمعت الأمّة على أنّ عليا عليه السلام أشدّ من أبي بكر ، واجتمعت أيضا على علمه ، واختلفوا في علم أبي بكر ، وليس المجتمع عليه كالمختلف فيه(2) .
الباقر والرضا عليهماالسلام في قوله « لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ » البأس الشديد علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، وهو لدن رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقاتل معه عدوه(3) .
ص: 233
ويروى أنّه نزل فيه « وَالصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ »(1) .
قال الحيص بيص :
وأنزع من شرك الرجال مبرّأ
بطين من الأحكام جمّ النوافل
سديد مضاء البأس يغني بلاؤه
إذا زحموه بالقنا والقنابل
* * *
علي بن جعد عن شعبة عن قتادة عن الحسين عن ابن عباس : إنّ عبد اللّه بن أبي سلول كان يتنحّى عن النبي صلى الله عليه و آله مع جماعة من المنافقين في ناحية من العسكر ، ليخوضوا في أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله في غزوة حنين .
فلمّا أقبل راجعا إلى المدينة رأى حفالاً ، وهو مسلم ، لطم للحمقاء ، وهو منافق ، فغضب ابن أبي سلول وقال : لو كففتم عن إطعام هؤلاء لتفرّقوا عنه - يعني عن النبي صلى الله عليه و آله - ، واللّه « لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَْعَزُّ مِنْهَا الأَْذَلَّ » يعني نفسه والنبي صلى الله عليه و آله .
فأخبر زيد بن أرقم للنبي صلى الله عليه و آله بمقاله ، فأتى ابن أبي سلول في أشراف الأنصار إلى النبي صلى الله عليه و آله يعذّرونه ، ويكذّبون زيدا ، فاستحيى زيد ، فكفّ
ص: 234
عن إتيان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فنزل : « هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ حَتّى يَنْفَضُّوا وَلِلّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَْعَزُّ مِنْهَا الأَْذَلَّ وَلِلّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤمِنِينَ » يعني القوّة والقدرة لأمير المؤنين عليه السلاموأصحابه على المنافقين .
فأخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيد زيد وعركها ، وقال : أبشر يا صادق ، فقد صدّق اللّه حديثك ، وأكذب صاحبك المنافق(1) ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليه السلام .
عجب لمن يقاس بمن لم يصب محجمة من دم في جاهلية أو إسلام ، مع من علم أنّه قتل في يوم بدر خمسا وثلاثين مبارزا دون الجرحى ، على قول العامّة ، وهم :
[ 1 ] الوليد بن عتبة
[ 2 ] والعاص بن سعيد بن العاص .
ص: 235
[ 3 ] وطعيمة(1) بن عدي بن نوفل .
[ 4 ] وحنظلة بن أبي سفيان .
[ 5 ] ونوفل بن خويلد .
[ 6 ] وزمعة بن الأسود .
[ 7 ] والحارث بن زمعة .
[ 8 ] والنضر بن الحارث بن عبد الدار .
[ 9 ] وعمير بن عثمان بن كعب ، عمّ طلحة .
[ 10 ] [ 11 ] وعثمان ومالك أخوا طلحة .
[ 12 ] ومسعود بن أبي أميّة بن المغيرة .
[ 13 ] وقيس بن الفاكهة بن المغيرة(2) .
[ 14 ] وأبو القيس بن الوليد بن المغيرة .
[ 15 ] وعمرو بن مخزوم .
[ 16 ] والمنذر بن أبي رفاعة .
[ 17 ] ومنبه بن الحجاج السهمي .
[ 18 ] والعاص بن منبه .
[ 19 ] وعلقمة بن كلدة .
[ 20 ] وأبو العاص بن قيس بن عدي .
[ 21 ] ومعاوية بن المغيرة بن أبي العاص .
ص: 236
[ 22 ] ولوذان بن ربيعة .
[ 23 ] وعبد اللّه بن المنذر بن أبي رفاعة .
[ 24 ] ومسعود بن أمية بن المغيرة .
[ 25 ] والحاجب بن السائب بن عويمر .
[ 26 ] وأوس بن المغيرة بن لوذان .
[ 27 ] وزيد بن مليص .
[ 28 ] وعاصم بن أبي عوف .
[ 29 ] وسعيد بن وهب .
[ 30 ] ومعاوية بن عامر بن عبد القيس .
[ 31 ] وعبد اللّه بن جميل بن زهير .
[ 32 ] والسائب بن سعيد بن مالك .
[ 33 ] وأبو الحكم بن الأخنس .
[ 34 ] وهاشم بن أبي أمية(1)(2) .
ويقال : قتل بضعة وأربعين رجلاً(3) .
وقتل عليه السلام في يوم أحد كبش الكتيبة طلحة بن أبي طلحة ، وابنه أبا
ص: 237
سعيد ، واخوته : خالدا ومخلدا وكلدة والمحالس ، وعبد الرحمن بن حميد بن زهرة ، والحكم بن الأخنس بن شريق الثقفي ، والوليد بن أرطأة ، وأميّة بن أبي حذيفة ، وأرطاة بن شرحبيل ، وهشام بن أمية ، ومسافع ، وعمرو بن عبد اللّه الجمحي ، وبشر بن مالك المغافري ، وصواب مولى عبد الدار ، وأبا حذيفة بن المغيرة ، وقاسط بن شريح العبدي ، والمغيرة بن المغيرة ، سوى من قتلهم بعد ما هزمهم(1) .
ولا إشكال في هزيمة عمر وعثمان ، وإنّما الإشكال في أبي بكر ، هل ثبت إلى وقت الفرج أو انهزم(2)(3) .
ص: 238
وقتل عليه السلام في يوم الأحزاب : عمرو بن عبد ودّ وولده ، ونوفل بن عبد اللّه بن المغيرة ، ومنبه بن عثمان العبدري ، وهبيرة بن أبي هبيرة(1) المخزومي ، وهاجت الرياح ، وانهزم الكفار(2) .
وقتل عليه السلام يوم حنين أربعين رجلاً ، وفارسهم أبو جرول ، وإنّه قدّه عظيما بنصفين بضربة في الخوذة والعمامة والجوشن والبدن إلى القربوس ، وقد اختلفوا في اسمه(3) .
ووقف عليه السلام يوم حنين في وسط أربعة وعشرين ألف ضارب سيف إلى أن ظهر المدد من السماء .
وفي غزاة السلسلة قتل السبعة الأشدّاء ، وكان أشدّهم آخرهم ، وهو سعيد بن مالك العجلي(4) .
ص: 239
في بني نضير قتل أحد عشر منهم غرورا(1) .
وفي بني قريظة ضرب أعناق رؤساء اليهود ، مثل حي بن أخطب ، وكعب بن الأشرف(2) .
وفي غزوة بني المصطلق قتل مالكا وابنه(3) .
وفي(4) يوم الفتح قتل فاتك العرب أسد بن غويلم(5) .
وفي غزوة وادي الرمل قتل مبارزيهم(6) .
وبخيبر قتل مرحبا ، وذا الخمار ، وعنكبوتا .
وبالطائف هزم خيل خثعم ، وقتل شهاب بن عيس ، ونافع بن غيلان(7) .
وقتل مهلعا وجناحا وقت الهجرة .
وقتاله لأحداث مكة عند خروج النبي صلى الله عليه و آله من داره إلى المسجد .
ص: 240
ومبيته على فراشه ليلة الهجرة ، وله المقام المشهور في الجمل حتى قطع يد الجمل ، ثم قطع رجليه حتى سقط .
وله ليلة الهرير ثلاثمائة تكبيرة ، أسقط بكلّ تكبيرة عدوا .
وفي رواية : خمسمائة وثلاثة وعشرون ، رواه الأعثم(1) .
وفي رواية : سبعمائة .
الفائق : كانت لعلي عليه السلام ضربتان : إذا تطاول قدّ ، وإذا تقاصر قطّ(2) .
وقالوا : كانت ضرباته أبكار ، إذا اعتلى قدّ ، وإذا اعترض قطّ ، وإذا أتى حصنا هدّ .
وقالوا : كانت ضرباته مبتكرات لا عونا ، يقال : ضربة بكر ، أي قاطعة لا تثنّى ، والعون التي وقعت مختلسة ، فأحوجت إلى المعاودة(3) .
ويقال : أنّه كان يوقعها على شدّة في الشدّة ، لم يسبقه إلى مثلها بطل .
زعمت الفرس أنّ أصول الضرب ستّة ، وكلّها مأخوذة عنه ، وهي : علوية ، وسفلية ، وغلبة ، وماله ، وجاله ، وجرهام .
ص: 241
ولم يكن لدرعه ظهر ، ولا لمركوبه كرّ وفرّ .
وفيما كتب أمير المؤمنين إلى عثمان بن حنيف : لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت عنها ، ولو أمكنت الفرصة من رقابها لسارعت إليها(1) .
وفي الفائق : إنّ عليا عليه السلام حمل على المشركين ، فما زالوا يبقطون - يعني تعادوا - إلى الجبال منهزمين(2) .
وكانت قريش إذا رأوه في الحرب تواصت خوفا منه .
وقد نظر إليه رجل وقد شقّ العسكر ، فقال : علمت بأنّ ملك الموت في الجانب الذي فيه علي عليه السلام(3) .
قال الناشي :
همام ملك الموت إذا بادر في كد
لذاك الموت يقضي حاجة في صورة العبد
ولا يبرح حتى يولج المرهف في الغمد
ولا يقتل إلاّ كلّ ليث باسل نجد
ولا يتبع من ولى من الحر إلى العبد
* * *
ص: 242
وقد سمّاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله كرار غير فرار في حديث خيبر(1) .
* * *
قال الصاحب :
قد كان كرارا فسمّي غيره
في الوقت فرّارا فهل من معدل
* * *
وقال غيره :
نفسي فداء علي من إمام هدى
مجاهدا في سبيل اللّه كرار
* * *
وقال ابن الحجاج :
أنا مولى الكرار يوم حنين
والظبا قد تحكّمت في النحور
أنا مولى لمن به افتتح الإسلام
حصني قريضة والنضير
والذي علّم الأرامل في بدر
على المشركين جزّ الشعور
من مضت ليلة الهرير وقتلاه
جزافا يحصون بالتكبير
* * *
وكان النبي صلى الله عليه و آله يهدّد الكفار به عليه السلام ، وروى أحمد بن حنبل في الفضائل
ص: 243
عن شداد بن الهاد قال : لمّا قدم على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وفد من اليمن لسرح(1) ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : اللّهم لتقيمن الصلاة أو لأبعثن إليكم رجلاً يقتل المقاتلة ، ويسبي الذريّة .
قال : ثم قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : اللّهم أنا أو هذا ، وانتشل بيد علي عليه السلام(2) .
تاريخ الفسوي : قال عبد الرحمن بن عوف : قال النبي صلى الله عليه و آله لأهل الطائف في خبر : والذي نفسي بيده ، لتقيمنّ الصلاة ، ولتؤتنّ الزكاة ، أو لأبعثنّ إليكم رجلاً منّي - أو كنفسي - فليضربنّ أعناق مقاتليكم ، وليسبينّ ذراريكم .
قال : فرأى الناس أنّه عنى أبا بكر وعمر ! فأخذ بيد علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فقال : هذا(3) .
صحيح الترمذي وتاريخ الخطيب وفضائل السمعاني : أنّه قال صلى الله عليه و آلهيوم الحديبية لسهيل بن عمير : يا معشر قريش ، لتنتهنّ أو ليعثنّ اللّه عليكم من يضرب رقابكم على الدين(4) . . . الخبر .
ص: 244
ولذلك فسّر الرضا عليه السلام قوله « وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ » إنّ عليا عليه السلام منهم .
* * *
وقال معاوية يوم صفين : أريد منكم - واللّه - أن تشجروه بالرماح ، فتريحوا العباد والبلاد منه .
قال مروان : واللّه لقد ثقلنا عليك - يا معاوية - إذ كنت تأمرنا بقتل حيّة الوادي والأسد العادي ، ونهض مغضبا .
فأنشأ الوليد بن عقبة :
يقول لنا معاوية بن حرب
أما فيكم لواتركم طلوب
يشدّ على أبي حسن علي
بأسمر لا تهجّنه الكعوب
فقلت له أتلعب يا بن هند
فإنّك بيننا رجل غريب
أتأمرنا بحيّة بطن واد
يتاح لنا به أسد مهيب
كأنّ الخلق لمّا عاينوه
خلال النقع ليس لهم قلوب
* * *
ص: 245
فقال عمرو : واللّه ، ما يعيّر أحد بفراره من علي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
ولمّا نعى بقتل أمير المؤمنين عليه السلام دخل عمرو بن العاص على معاوية مبشّرا ، فقال : إنّ الأسد المفترش ذراعيه بالعراق لاقى شعوبه .
فقال معاوية :
قل للأرانب تربع حيث ماسلكت
وللظباء بلا خوف ولا حذر
* * *
وقال الصاحب :
أسد ولكن الكلاب تعاورته بالنباح
لم يعرفوا لضلالهم فضل الزئير على الضباح
* * *
وقال أبو العلاء السروري :
تخاله أسدا يحمي العرين إذا
يوم الهياج بأبطال الوغى وجفا
يظلّه النصر والرعب اللّذان هما
كانا له عادة إذ سار أو وقفا
شواهد فرضت في الخلق طاعته
برغم كلّ حسود مال وانحرفا
* * *
وقد أسر يزيد بن ركانة أشجع العرب ، وعمرو بن معدي كرب ، حتى فتح اللّه به بلاد العجم ، وقتل بنهاوند(2) .
ص: 246
قال السوسي :
فتى قدّ عمرا حين خندقهم عبر
وساق ابن معدى بالعمامة إذ أسر
* * *
وقال مهيار :
وتفكّروا في أمر عمرو أولاً
وتفكّروا في أمر عمرو ثانيا
أسدان كانا من فرائس صيده
ولقلّما هابا سواه مناديا
* * *
وقال الناشي :
وافى علي وعمرو في وقائعه
حتى إذا ما رآه حار واضطربا
واستعمل الصمت حتى لامه عمر
فقال يؤمي إليه وهو قد رعبا
هذا أحاديثه من عظمها أكلت
كلّ الأحاديث حتى أنّه رهبا
هذا الذي ترك الألباب حائرة
وأبلس العجم بالإقدام والعربا
في كفّه كنت مأسورا فأطلقني
فقد غدوت على شكري له جدبا
* * *
أبو السعادات في فضائل العشرة : روي أنّ عليا عليه السلام كان يحارب رجلاً من المشركين ، فقال المشرك : يا بن أبي طالب ، هبني سيفك ، فرماه إليه .
ص: 247
فقال المشرك : عجبا - يا بن أبي طالب - في مثل هذا الوقت تدفع إليّ سيفك ! فقال : يا هذا ، إنّك مددت يد المسألة إليّ ، وليس من الكرم أن يردّ السائل .
فرمى الكافر نفسه إلى الأرض وقال : هذه سيرة أهل الدين ، فباس قدمه ، وأسلم .
وقال له جبرئيل عليه السلام : لا سيف إلاّ ذو الفقار ، ولا فتى إلاّ علي(1) .
وروى الخلق : أنّ يوم بدر لم يكن عند الرسول صلى الله عليه و آله ماء ، فمرّ علي عليه السلام
يحمل الماء إلى وسط العدو ، وهم على بئر بدر ، فيما بينهم ، وجاء إلى البئر ، ونزل وملأ السطيحة ، ووضعها على رأس البئر ، فسمع حسّا ، وأشار لمن يقصده ، فبرك في البئر ، فلمّا سكن صعد ، فرأى الماء مصبوبا .
ثم نزل ثانيا ، فكان مثل ذلك ، فنزل ثالثا ، وحمل الماء ولم يصعد به ، بل صعد به حاملاً للماء .
فلمّا حمل إلى النبي صلى الله عليه و آله ضحك النبي صلى الله عليه و آله في وجهه وقال : أنت تحدّث أو أنا ، فقال : بل أنت يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله فكلامك أحلى ، فقصّ عليه ، ثم قال له : كان ذلك جبرئيل عليه السلام يجرّب ويري الملائكة ثبات قلبك .
ص: 248
قال ابن رزيك :
ما جرّدت من علي ذا الفقار يد
وأغمده في هامة البطل
لم يقترب يوم حرب للكمي به
إلاّ وقرّب منه مدّة الأجل
كم كربة لأخيه المصطفى فرجت
به وكان رهين الحادث الجلل
* * *
محمد بن أبي السرى التميمي عن أحمد بن الفرج عن النهدي عن وبرة عن ابن عباس قال : لمّا خرج النبي صلى الله عليه و آله إلى بني المصطلق نزل بقرب وادي وعر .
فلمّا كان آخر الليل هبط عليه جبرئيل عليه السلام يخبره أنّ كفارا من الجن قد استبطنوا الوادي يريدون كيده ، فدعا أمير المؤمنين عليه السلام وقال : اذهب إلى هذا الوادي .
فلمّا قارب شفيره أمر أصحابه أن يقفوا بقرب الشفير ، ولا يحدثوا شيئا حتى يأذن لهم .
ثم تقدّم فوقف على شفير الوادي ، وتعوّذ باللّه من أعدائه ، وسمّاه بأحسن أسمائه ، ثم أمر أصحابه أن يقربوا منه ، ثم أمر بالهبوط إلى الوادي ، فاعترضتهم ريح عاصف كاد القوم يقعون على وجوههم لشدّتها ، فصاح : أنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب وصيّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وابن عمّه ، اثبتوا إن شئتم .
ص: 249
وظهر أشخاص مثل الزطّ يخيّل الينا أنّ في أيديهم شعل النار ، وقد اطمأنوا بجنبات الوادي ، فتوغل أمير المؤمنين عليه السلام بطن الوادي ، وهو يتلو القرآن ، ويؤمي بسيفه يمينا وشمالاً ، فما لبث الأشخاص حتى صارت كالدخان الأسود ، وكبّر أمير المؤمنين عليه السلام ، ثم صعد فقال : كفى اللّه كيدهم ، وكفى المسلمين شرّهم ، وسيسبقني بقيتهم إلى النبي صلى الله عليه و آلهفيؤمنوا به .
قال : فلمّا وافى النبي صلى الله عليه و آله قال له : لقد سبقك - يا علي - إليّ من أخافه اللّه بك فأسلم(1) .
وهذا كما رويتم عن ابن مسعود قصّة ليلة الجن(2) ، وتصحّ محاربة الجن بأسماء اللّه تعالى .
قال أبو الفتح محمد السابوري :
وفي الجنّ فضل وفي حرفهم
أعاجيب علم لمستعلم
* * *
وقال أبو الحسن البياضي :
من قاتل الجنّ غير حيدرة
وصاح فيهم بصوته الجهور
فصوته قد علا عزيفهم(3)
إذ قال هات الحسام يا قنبر
فانهزموا ثم مزّقت شيعامنه العفاريت خيفة تذعر
* * *
ص: 250
وقال أبو الحسن الأسود :
من قاتل الجنّ الطغاة فأسلموا
في البئر كرها يا أولي الألباب
من هزّ خيبر هزّة فتساقطت
أبراجها لمّا دحى بالباب
* * *
محمد بن إسحاق عن يحيى بن عبد اللّه بن الحارث عن أبيه عن ابن عباس ، وأبو عمر وعثمان بن أحمد عن محمد بن هارون بإسناده عن ابن عباس في خبر طويل :
أنّه أصاب الناس عطش شديد في الحديبية ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : هل من رجل يمضى مع السقاة إلى بئر ذات العلم ، فيأتينا بالماء ، وأضمن له على اللّه الجنّة .
فذهب جماعة فيهم سلمة بن الأكوع ، فلمّا دنوا من الشجرة والبئر سمعوا حسّا وحركة شديدة ، وقرع طبول ، ورأوا نيرانا تتّقد بغير حطب ، فرجعوا خائفين .
ثم قال : هل من رجل يمضي مع السقاة فيأتينا بالماء ، أضمن له على اللّه الجنّة ، فمضى رجل من بني سليم ، وهو يرتجز :
أمن غريف ظاهر نحو السلم
ينكل من وجهه خير الأمم
من قبل أن يبلغ آبار العلم
فيستقي والليل مبسوط الظلم
ويامن الذمّ وتوبيخ الكلم
ص: 251
وصلوا إلى الحسّ رجعوا وجلين ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : هل من رجل يمضي مع السقاة إلى البئر ذات العلم فيأتينا بالماء ، اضمن له على اللّه الجنّة ، فلم يقم أحد ، واشتد بالناس العطش ، وهم صيام .
ثم قال لعلي عليه السلام : سر مع هؤلاء السقاة حتى ترد بئر ذات العلم ، وتستقي وتعود إن شاء اللّه . فخرج علي عليه السلام قائلاً :
أعوذ بالرحمن أن أميلا
من عزف(1) جنّ أظهروا تأويلا
وأوقدت نيرانها تغويلا(2)وقرعت مع عزفها(3) طبولا
* * *
قال : فداخلنا الرعب ، فالتفت علي عليه السلام إلينا وقال : اتبعوا أثري ، ولا يفزعنّكم ما ترون وتسمعون ، فليس بضائركم إن شاء اللّه ، ثم مضى .
فلمّا دخلنا الشجر ، فإذا بنيران تضطرم بغير حطب ، وأصوات هائلة ، ورؤوس مقطّعة لها ضجّة ، وهو يقول : اتبعوني ولا خوف عليكم ، ولا يلتفت أحد منكم يمينا ولا شمالاً .
فلمّا جاوزنا الشجرة ، ووردنا الماء ، أدلى البراء بن عازب دلوه في البئر ، فاستقى دلوا أو دلوين ، ثم انقطع الدلو ، فوقع في القليب ، والقليب ضيّق مظلم بعيد القعر ، فسمعنا من أسفل القليب قهقهة وضحكا شديدا ، فقال علي عليه السلام : من يرجع إلى عسكرنا فيأتينا بدلو ورشا ؟
ص: 252
فقال أصحابه : لن نستطيع ذلك .
فاتزر بمئزر ، ونزل في القليب ، وما تزداد القهقهة إلاّ علوا ، وجعل ينحدر في مراقي القليب ، إذ زلّت رجله فسقط فيه ، فسمعنا وجبة شديدة ، واضطرابا وغطيطا كغطيط المخنوق ، ثم نادى : اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، أنا عبد اللّه وأخو رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، هلمّوا قربكم ، فأقعمها واصعدها على عنقه شيئا فشيئا ، ومضى بين أيدينا ، فلم نر شيئا ، فسمعنا صوتا يقول :
أيّ فتى ليل أخي روعات
وأيّ سبّاق إلى الغايات
للّه درّ الغرر السادات
من هاشم الهامات والقامات
مثل رسول اللّه ذي الآيات
أو كعلي كاشف الكربات
كذا يكون المرء في الحاجات
* * *
فارتجز أمير المؤمنين عليه السلام :
الليل هول يرهب المهيبا
ويذهل المشجّع اللبيبا
فإنّني أهول منه ذيبا
ولست أخشى الروع والخطوبا
إذا هززت الصارم القضيبا
أبصرت منه عجبا عجيبا
* * *
وانتهى إلى النبي صلى الله عليه و آله وله زجل ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ماذا رأيت في طريقك يا علي ؟ فأخبره الخبر كلّه .
فقال : إنّ الذي رأيته مثل ضربه اللّه لي ولمن حضر معي في وجهي هذا ، قال علي عليه السلام : اشرحه لي يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
ص: 253
فقال صلى الله عليه و آله : أمّا الرؤوس التي رأيتم لها ضجّة ، ولألسنتها لجلجة ، فذلك مثل قوم معي يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ، ولا يقبل اللّه منهم صرفا ولا عدلاً ، ولا يقيم لهم يوم القيامة وزنا .
وأمّا النيران بغير حطب ، ففتنة تكون في أمّتي بعدي ، القائم فيها والقاعد سواء ، لا يقبل اللّه لهم عملاً ، ولا يقيم لهم يوم القيامة وزنا .
وأمّا الهاتف الذي هتف بك ، فذاك سلقعة ، وهو سلقعة بن غراف الذي قتل عدو اللّه مسعرا ، شيطان الأصنام الذي كان يكلّم قريشا منها ، ويشرع في هجائي(1) .
عبد اللّه بن سالم : إنّ النبي صلى الله عليه و آله بعث سعد بن مالك بالروايا يوم الحديبية ، فرجع رعبا من القوم ، ثم بعث عليا عليه السلام فاستسقى ، ثم أقبل بها إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فكبّر ودعا له بخير(2) .
قال العبدي :
من قاتل الجنّ في القليب ترى
من قلع الباب ثم أدحاها
من كان في الحرب فارس بطل
أشدّهم ساعدا وأقواها
* * *
وقال أبو الحسين :
من قاتل الجنّ على الماء ومن
ردّت له الشمس فصلّى وسرى
* * *
ص: 254
وقال العوني :
علي هبط الجبّ
وجنح الليل كالقار
* * *
وقال السروجي :
والبئر لمّا عندها محمد
حلّ وللبئر لهيب قد سعر
وادّلى الوارد منها دلوه
فعاد مقطوعا إلى حيث انحدر
وأظهرت نار فولى هاربا
عنها وفي أعقابه رمى الحجر
فعندها وافى وصي أحمد
صلّى عليه من عفا ومن غفر
ومرّ فيها نازلاً حتى إذا
صار إلى النصف به الحبل انبتر
فطال فيها لبثه ثم ارتقى
لسانه القرآن يقرا والسور
فاغترف الناس وأسقى وسقى
والماء فيه من دم الجان عكر
* * *
أو لفرسان من العرب ، مثل : عنتر العبسي ، وعامر بن الطفيل ، وعمرو بن عبد ودّ ؟
أو لمبارز من الترك ، مثل : افراسياب ، وشبهه ؟
فهو الفارس الذي يفرّق العسكر كفرق الشعر ، ويطويهم كطيّ السجل ، الحرب دأبه ، والجدّ آدابه ، والنصر طبعه ، والعدو غنمه ، جرى ء خطّار ، وجسور هصّار ، ما لسيفه إلاّ الرقاب قراب ، إنّه لو حضر لكفى الحذر .
ويقال له : غالب كلّ غالب علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
وقد رويتم علي كان أشجعه
وأشجع الجمع بالأعداء أثقفه
* * *
وقال السروجي :
فقلت أمّا علي آية خلقت
واللّه أظهرها للناس في رجل
مخيفة بعلي ثم ألحقها
بذي الفقار وفيه قبضة الأجل
ما سلّه ورحاء الحرب دائرة
إلاّ وأغمده في هامة البطل
ما صاح في الجيش صوتا ثم اتبعه
أنا علي تولّى الجيش من جفل
* * *
وقال الزاهي :
هذا الذي أردى الوليد وعتبة
والعامري وذا الخمار ومرحبا
هذا الذي هشمت يداه فوارسا
قسرا ولم يك خائفا مترقّبا
في كلّ منبت شعرة من جسمه
أسد يمدّ إلى الفريسة مخلبا
* * *
ص: 256
وقال دعبل :
سنان محمد في كلّ حرب
إذا نهلت صدور السمهري
وأوّل من يجيب إلى براز
إذا زاغ الكمّي عن الكمّي
مشاهد لم تفلّ سيوف تيم
بهن ولا سيوف بني عدي
* * *
وقال ابن حماد :
ذاك الفتى النجد الذي إذا بدا
بمعرك ألقت له فتيانه
ليث لو الليث الجريء خاله
أطار من هيبته جنانه
ذاك الشجاع إذ بدا بمعرك
تفرّقت من خوفه شجعانه
تبكي الطلا إن ضحكت أسيافه
ويرتوي إن عطشت سنانه
صقر ولكن صيده صيد الوغى
ليث ولكن فرسه فرسانه
ترى سباع البيد تقفوا أثره
لأنّها يوم الوغى ضيفانه
يقرن أرواح الكماة بالردى
كذاك خاضت دونه أقرانه
وكم كمّي قد سقاه في الوغى
وليس تخبو للقرى نيرانه
* * *
ومن قوله :
مجلّي الكرب يوم الحرب
في بدر وفي أحد
إذا الهيجاء هاج لها
بقلب غير مرتعد
ترى الأبطال باطلة
لخوف الفارس الأسد
فأنفسهم مودّعة
لها بتنفس الصعد
ص: 257
وقد خنقوا لخيفته
فلست تحسّ من أحد
فلا صوت بغير البيض
فوق البيض والزرد
سقى عمرا منيّته
وعمرا قاد في الصفد
أمير النحل مولى ال-
خلق غير الواحد الصمد
فلن تلد النسا شبها
له كلاّ ولم تلد
شبيه المصطفى في الفضل
لم ينقص ولم يزد
* * *
وقالت جرهمة الأنصارية :
صهر النبي فذاك اللّه أكرمه
إذ اصطفاه وذاك الصبر مدخر
لا يسلم القرن منه إن ألمّ به
ولا يهاب وإن أعداؤه كثروا
من رام صولته وافت منيّته
لا يدفع الثكل عن أقرانه الحذر
* * *
ص: 258
ص: 259
ص: 260
المعروفون من الصحابة بالورع : علي ، وأبو بكر ، وعمر(1) ، وابن مسعود، وأبو ذر ، وسلمان ، وعمار ، والمقداد ، وعثمان بن مظعون ، وابن عمر !!!
ومعلوم أنّ أبا بكر توفي وعليه لبيت مال المسلمين نيف وأربعون ألف درهم ، وعمر مات وعليه نيف وثمانون ألف درهم(2) ، وعثمان مات وعليه ما لا يحصى كثرة ، وعلي عليه السلام مات ، وما ترك إلاّ سبعمائة درهم فضلاً عن عطائه أعدّها لخادم(3) .
قال السوسي :
من فارق الدنيا وما
أفاد منهما درهما
ولم يكن كغيره
مستأكلا متّهما
* * *
ص: 261
وقد ثبت من زهده أنّه عليه السلام لم يحفل بالدنيا ، ولا الرئاسة فيها دون أن عكف على غسل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وتجهيزه ، وقول أولئك منّا أمير ومنكم أمير(1) إلى أن تقمّصها أبو بكر .
وقال اللّه « إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ » .
وقال - تعالى - « لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا » الآية .
واجتمعت الأمّة على أنّه من فقراء المهاجرين ، وأجمعوا على أنّ أبا بكر كان غنيا(2) .
وكان عليه السلام جلي الصفحة ، نقي الصحيفة ، ناصع الجيب ، تقي الذيل ، عذب المشرب ، عفيف المطلب ، لم يتدنّس بحطام ، ولم يتلبّس بآثام ، وقد شهد
ص: 262
النبي صلى الله عليه و آله بزهده ، قوله : علي لا يزرء من الدنيا ، ولا تزرء الدنيا منه(1) .
أمالي الطوسي في حديث عمار : يا علي ، إنّ اللّه قد زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بزينة أحبّ إلى اللّه منها ، زيّنك بالزهد في الدنيا ، وجعلت لا ترزأ منها شيئا ، ولا ترزأ منك شيئا ، ووهبك حبّ المساكين ، فجعلت ترضى بهم أتباعا ، ويرضون بك(2) إماما .
سفيان بن عيينة عن الزهري عن مجاهد عن ابن عباس : « فَأَمّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا » هو علقمة بن الحارث بن عبد الدار ، « وَأَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ » علي بن أبي طالب عليهماالسلام خاف فانتهى عن المعصية ، ونهى عن الهوى نفسه ، « فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى » - خاصا - لعلي عليه السلام ، ومن كان على منهاجه ، هكذا عامّا(1) .
قتادة عن الحسن عن ابن عباس في قوله « إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً » هو علي بن أبي طالب عليهماالسلام سيد من اتقاه عن ارتكاب الفواحش(2) .
ثم ساق التفسير إلى قوله « جَزاءً مِنْ رَبِّكَ » لأهل بيتك خاصّا لهم ، وللمتّقين عامّا .
تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان عن مجاهد وابن عباس : « إِنَّ
ص: 264
الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ » من اتقى الذنوب علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام « فِي ظِلالٍ » من الشجر ، والخيام من اللؤلؤ ، طول كلّ خيمة مسيرة فرسخ في فرسخ . . .
ثم ساق الحديث إلى قوله « إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الُْمحْسِنِينَ » المطيعين للّه أهل بيت محمد صلى الله عليه و آله في الجنّة(1) .
وجاء في تفسير قوله - تعالى - « إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ » علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
ص: 265
الحلية : قال سالم بن الجعد : رأيت الغنم تبعر في بيت المال في زمن أمير المؤمنين عليهماالسلام [ فيقسّمه (1)] .
وفيها عن الشعبي قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام ينضحه ويصلّي فيه(2) .
وروى أبو عبد اللّه بن حمويه البصري بإسناده عن سالم الجحدري قال : شهدت علي بن أبي طالب عليهماالسلام أُتي بمال عند المساء ، فقال : اقتسموا هذا المال ، فقالوا : قد أمسينا يا أمير المؤمنين ، فأخّره إلى غد ، فقال لهم : تقبّلون(3) لي أن أعيش إلى غد ؟ قالوا : ماذا بأيدينا ، فقال : لا تؤخروه حتى تقسموه(4) .
ويروى أنّه كان يأتي عليه وقت لا يكون عنده قيمة ثلاثة دراهم يشتري بها أزارا ، وما يحتاج إليه ، ثم يقسم كلّ ما في بيت المال على الناس ، ثم يصلّى فيه ويقول : الحمد للّه الذي أخرجني منه كما دخلته(5) .
وروى أبو جعفر الطوسي : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قيل له : أعط هذه
ص: 266
الأموال لمن يخاف عليه من الناس فراره إلى معاوية ، فقال عليه السلام : أتأمروني أن أطلب النصر بالجور ؟! لا واللّه لا أفعل ما طلعت شمس ، وما لاح في السماء نجم ، واللّه لو كان مالهم لي لواسيت بينهم ، وكيف وإنّما هي أموالهم(1) .
وأُتي إليه بمال ، فكوّم كومة من ذهب ، وكومة من فضة ، وقال : يا صفراء اصفري ، يا بيضاء ابيضي ، وغرّي غيري .
هذا جناي وخياره فيه
وكلّ جان يده إلى فيه(2)
* * *
قال العبدي :
وكان يقول يا دنياي غرّي
سواي فلست من أهل الغرور
* * *
وله أيضا :
لم تستمل قلبه الدنيا بزخرفها
بل قال غرّي سواي قول محتقر
* * *
ص: 267
الباقر عليه السلام في خبر : ولقد ولي خمس سنين ، وما وضع آجرة على آجرة ، ولا لبنة على لبنة ، ولا أقطع قطيعا ، ولا أورث بيضا ولا حمرا(1) .
ابن بطة عن سفيان الثوري : إنّ عينا نبعت في بعض ماله ، فبشّر بذلك ، فقال عليه السلام : بشّر الوارث ، وسمّاها عين ينبع(2) .
قال ابن حماد :
لقد نبعت له عين فظلّت
تفور كأنّها عنق البعير
فوافاه البشير بها مغذّا
فقال علي ابشر يا بشيري
فقد صيّرتها وقفا مباحا
لوجه اللّه ذي العزّ القدير
* * *
الفائق عن الزمخشري : إنّ عليا عليه السلام اشترى قميصا ، فقطع ما فضل عن
ص: 268
أصابعه ، ثم قال للرجل : حصّه ، أي خطّ كفافه(1) .
خصال الكمال عن أبي الحسن البلخي : إنّه عليه السلام اجتاز بسوق الكوفة ، فتعلّق به كرسي ، فتخرّق قميصه ، فأخذه بيده ، ثم جاء به إلى الخياطين ، فقال : خيطوا لي ذا بارك اللّه فيكم .
الأشعث العبدي قال : رأيت عليا عليه السلام في الفرات يوم جمعة ، ثم ابتاع قميصا كرابيس بثلاثة دراهم ، فصلّى بالناس الجمعة وما خيط جربانه(2) بعد(3) .
عن شبيكة قال : رأيت عليا عليه السلام يأتزر فوق سترته ، ويرفع إزاره إلى أنصاف ساقيه(4) .
الصادق عليه السلام : كان علي عليه السلام يلبس القميص الزابي ، ثم يمدّ يده فيقطع مع أطراف أصابعه(5) .
وفي حديث عبد اللّه بن الهذيل : كان إذا مدّه بلغ الظفر ، وإذا أرسله كان مع نصف الذراع(6) .
ص: 269
علي بن ربيعة : رأيت عليا عليه السلام يأتزر ، فرأيت عليه ثيابا ، فقلت له في ذلك ، فقال : وأيّ ثوب أستر منه للعورة ، وأنشف للعرق(1) .
وفي فضائل أحمد : رؤي على علي عليه السلام أزار غليظ اشتراه بخمسة دراهم .
ورؤي عليه أزار مرقوع ، فقيل له في ذلك ، فقال : يقتدي به المؤمنون ، ويخشع له القلب ، وتذلّ به النفس ، ويقصد به المبالغ .
وفي رواية : أشبة بشعار الصالحين .
وفي رواية : أحصن لفرجي .
وفي رواية : هذا أبعد لي من الكبر ، وأجدر أن يقتدي به المسلم(2) .
مسند أحمد : أنّه قال الجعدي بن نعجة الخارجي : اتق اللّه - يا علي - إنّك ميت ، قال : بل - واللّه - قتلاً ، ضربة على هذا ، قضاء مقضيّا ، وعهدا معهودا ، « وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى »(3) .
وكان كمّه لا يجاوز أصابعه ، ويقول : ليس للكمّين على اليدين فضل(4) .
ونظر عليه السلام إلى فقير انخرق كمّ ثوبه ، فخرق كمّ قميصه وألقاه إليه .
ص: 270
أمير المؤمنين عليه السلام : ما كان لنا إلاّ إهاب كبش ، أبيت [ عليه ] مع فاطمة عليهاالسلام بالليل ، ويعلف عليها الناضح(1) .
مسند الموصلي : الشعبي عن الحارث عن علي عليه السلام قال : ما كان ليلة أهدت لي فاطمة عليهاالسلام شيء ينام عليه إلاّ جلد كبش(2) ، واشترى عليه السلام ثوبا فأعجبه ، فتصدّق به(3) .
* * *
الغزالي في الإحياء : كان علي بن أبي طالب عليهماالسلام يمتنع من بيت المال حتى يبيع سيفه ، ولا يكون له إلاّ قميص واحد في وقت الغسل لا يجد غيره(4) .
ورأى عقيل بن عبد الرحمن الخولاني عليا عليه السلام جالسا على بردعة(5) حمار مبتلة ، فقال لأهله في ذلك ، فقالت : لا تلومني ، فواللّه ما يرى شيئا ينكره إلاّ أخذه وطرحه في بيت المال(6) .
فضائل أحمد : قال زيد بن محجن : قال علي عليه السلام : من يشتري سيفي هذا ، فواللّه لو كان عندي ثمن أزار ما بعته(7) .
ص: 271
الأصبغ وأبو مسعدة والباقر عليه السلام : أنّه أتى البزازين ، فقال لرجل : بعني ثوبين ، فقال الرجل : يا أمير المؤمنين عندي حاجتك ، فلمّا عرفه مضى عنه .
فوقف على غلام ، فأخذ ثوبين : أحدهما بثلاثة دراهم ، والآخر بدرهمين ، فقال : يا قنبر خذ الذي بثلاثة ، فقال : أنت أولى به ، تصعد المنبر ، وتخطب الناس ، قال : أنت شاب ، ولك شره الشباب ، وأنا استحي من ربّي أن أتفضّل عليك ، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : ألبسوهم ممّا تلبسون ، وأطعموهم ممّا تأكلون .
فلمّا لبس القميص مدّ كمّ القميص ، فأمر بقطعه واتخاذه قلانس للفقراء .
فقال الغلام : هلمّ أكفّه .
قال : دعه كما هو ، فإنّ الأمر أسرع من ذلك .
فجاء أبو الغلام ، فقال : إنّ ابني لم يعرفك ، وهذان درهمان ربحهما ، فقال : ما كنت لأفعل ، قد ماكست وما كسني ، واتفقنا على رضى(1) .
رواه أحمد في الفضائل .
قال أبو أيوب المورياني :
ينشر ديباجا على صحبه
وهم إذا ما نشروا كربسوا
* * *
ص: 272
علي بن أبي عمران قال : خرج ابن للحسن(1) بن علي عليهماالسلاموعلي عليه السلام
في الرحبة ، وعليه قميص خزّ ، وطوق من ذهب ، فقال : ابني هذا ؟! قالوا : نعم .
قال : فدعاه ، فشقّه عليه ، وأخذ الطوق منه ، فجعله قطعا قطعا(2) .
عمرو بن نعجة السكوني قال : أُتي علي عليه السلام بدابة دهقان ليركبها ، فلمّا وضع رجله في الركاب قال : بسم اللّه ، فلمّا وضع يده على القربوس زلّت يده من الصفة ، فقال : أديباج هي ؟ قال : نعم ، فلم يركب(3) .
الإحياء عن الغزالي : أنّه عليه السلام كان له سويق في إناء مختوم يشرب منه ، فقيل له : أتفعل هذا بالعراق مع كثرة طعامه ؟!
فقال : أما أنّي لا أختمه بخلاً به ، ولكنّي أكره أن يجعل فيه ما ليس منه ، وأكره أن يدخل بطني غير طيب(4) .
ص: 273
معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال : كان علي عليه السلام لا يأكل ممّا هنا حتى يؤتى به من ثمّ - يعنى الحجاز(1) - .
الأصبغ بن نباتة : قال علي عليه السلام : دخلت بلادكم بأسمالي هذه ، ورحلتي
وراحلتي ها هي ، فإن أنا خرجت من بلادكم بغير ما دخلت ، فإنّني من الخائنين .
وفي رواية : يا أهل البصرة ، ما تنقمون منّي إنّ هذا لمن غزل أهلي ، وأشار إلى قميصه(2) .
ورآه سويد بن غفلة ، وهو يأكل رغيفا يكسر بركبتيه ، ويلقيه في لبن حازر(3) يجد ريحه من حموضته ، فقلت : ويحك يا فضّه ، أما تتّقون اللّه - تعالى - في هذا الشيخ ، فتنخلون له طعاما لما أرى فيه من النخال .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : بأبي وأمّي من لم ينخل له طعام ، ولم يشبع من خبز البرّ حتى قبضه اللّه (4) .
وقال لعقبة بن علقمة : يا أبا الجنوب ، أدركت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يأكل أيبس من هذا ، ويلبس أخشن من هذا ، فإن أنا لم آخذ به خفت أن
ص: 274
لا ألحق به(1) .
وترصّد غداه عمرو بن حريث ، فأتت فضة بجراب مختوم ، فأخرج منه خبزا متغيرا خشنا ، فقال عمرو : يا فضّة ، لو نخلت هذا الدقيق وطيّبته ، قالت : كنت أفعل فنهاني ، وكنت أضع في جرابه طعاما طيبا ، فختم جرابه .
ثم إنّ أمير المؤمنين فتّه في قصعة ، وصبّ عليه الماء ، ثم ذرّ عليه الملح ، وحسر عن ذراعه .
فلمّا فرغ قال : يا عمرو ، لقد حانت(2) هذه ، ومدّ يده إلى محاسنه ، وخسرت هذه إن أدخلها النار من أجل الطعام ، وهذا يجزيني .
ورآه عدي بن حاتم ، وبين يديه شنة فيها قراح ماء ، وكسرات من خبز شعير وملح ، فقال : إنّي لا أرى لك يا أمير المؤمنين عليه السلام ، لتظلّ نهارك طاويا مجاهدا ، وبالليل ساهرا مكابدا ، ثم يكون هذا فطورك ! فقال عليه السلام :
علّل النفس بالقنوع وإلاّ
طلبت منك فوق ما يكفيها
* * *
خبز السمراء ، وصحفة فيها خطيفة وملبنة(1) ، فقلت : يا أمير المؤمنين عليه السلام يوم عيد وخطيفة ! فقال : إنّما هذا عيد من غفر له(2) .
ابن بطّة في الإبانة عن جندب : إنّ عليا عليه السلام قدم إليه لحم غثّ ، فقيل له : نجعل لك فيه سمنا ؟ فقال عليه السلام : إنّا لا نأكل ادمين جميعا .
واجتمع عنده في يوم عيد أطعمة ، فقال : أجعلها باجا(3) ، وخلط بعضها ببعض ، فصارت كلمته مثلاً .
العرني : وضع خوان من فالوذج بين يديه ، فوجأ بإصبعه حتى بلغ أسفله ، ثم سلّها ولم يأخذ منه شيئا ، وتلمّظ بإصبعه ، وقال : طيب طيب ، وما هو بحرام ، ولكن أكره أن أعوّد نفسي بما لم أعوّدها(4) .
ص: 276
وفي خبر عن الصادق عليه السلام : أنّه مدّ يده إليه ، ثم قبضها ، فقيل له في ذلك ، فقال : ذكرت رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه لم يأكله قطّ ، فكرهت أن آكله(1) .
وفي خبر آخر عن الصادق عليه السلام : أنّه قالوا له : تحرّمه ؟ قال : لا ، ولكن أخشى أن تتوق إليه نفسي ، ثم تلا « أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا »(2) .
الباقر عليه السلام في خبر : كان عليه السلام ليطعم خبز البرّ واللحم ، وينصرف إلى منزله ويأكل خبز الشعير والزيت والخل(3) .
فضائل أحمد : قال علي عليه السلام : ما أصبح بالكوفة أحد إلاّ ناعما ، إنّ أدناهم منزلة ليأكل البرّ ، ويجلس في الظل ، ويشرب من ماء الفرات(4) .
قال الحميري :
وكان طعامه خبزا وزيتا
ويؤثر باللحوم الطارقينا
* * *
ص: 277
وقال الشريف المرتضى :
وإذا الأمور تشابهت وتبهّمت
فجلاؤها وشفاؤها أحكامه
وإذا التفت إلى التقى صادفته
من كلّ برّ وافر أقسامه
فالليل فيه قيامه متهجّدا
يتلو الكتاب وفي النهار صيامه
يعفى الثلاث تعفّفا وتكرّما
حتى يصادف زاده ومقامه
فمضى بريئا لم تشنه ذنوبه
يوما ولا ظفرت به آثامه
* * *
وقال الحيص بيص :
صدوق عن الزاد الشهي فؤاده
رغيب إلى زاد التقى والفضائل
جري إلى قول الصواب لسانه
إذا ما الفتاوى أفحمت بالمسائل
أعيدت له الشمس الأصيل جلالة
وقد حال ثوب الصبح في أرض بابل
* * *
أبو صادق عن علي عليه السلام : أنّه تزوّج ليلى ، فجعلت له حجلة فهتكها ، وقال : حسب آل علي ما هم فيه(1) .
ص: 278
الحسن بن صالح بن حي قال : بلغني أنّ عليا عليه السلام تزوّج إمرأة ، فنجّدت له بيتا ، فأبى أن يدخله .
كلاب بن علي العامري قال : زفّت عمّتي إلى علي عليه السلام على حمار بإكاف(1) ، تحتها قطيفة ، وخلفها قفّة معلّقة .
ابن عباس ومجاهد وقتادة في قوله « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ » الآية : نزلت في علي عليه السلام وأبي ذر وسلمان والمقداد وعثمان بن مظعون وسالم ، أنّهم اتفقوا على أن يصوموا النهار ، ويقوموا الليل ، ولا يناموا على الفراش ، ولا يأكلوا اللحم ، ولا يقربوا النساء والطيب ، ويلبسوا المسوح ، ويرفضوا الدنيا ، ويسيحوا في الأرض ، وهمّ بعضهم أن يجبّ مذاكيره .
فخطب النبي صلى الله عليه و آله وقال : ما بال أقوام حرّموا النساء والطيب والنوم وشهوات الدنيا ! أما أنّي لست آمركم أن تكونوا قسيسين ورهبانا ، فإنّه ليس في ديني ترك اللحم والنساء ، ولا اتخاذ الصوامع ، وإنّ سياحة أمّتي ورهبانيتهم الجهاد(2) . . إلى آخر الخبر .
أبو عبد اللّه عليه السلام : نزلت في علي وبلال وعثمان بن مظعون ، فأمّا علي عليه السلام فإنّه حلف أن لا ينام بالليل أبدا إلاّ ما شاء اللّه ، وأمّا بلال فإنّه حلف أن لا يفطر بالنهار أبدا ، وأمّا عثمان بن مظعون فإنّه حلف أن لا ينكح أبدا(3) .
ص: 279
وقال مهيار :
كلاّ ولا أغنته عفّة نفسه
عن جاعل يرضى سواه حاضر
ولقاؤه شهواته ببصيرة
معصومة عنها بذيل طاهر
* * *
وفيما كتب عليه السلام إلى سهل بن حنيف : أما علمت أنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ، ويسدّ فاقة جوعه بقرصيه ، ولا يأكل الفلذة في حوليه ، إلاّ في سنة أضحيته ، يستشرف الإفطار على أدميه ، ولقد آثر اليتيمة على سبطيه ، ولم تقدروا على ذلك ، فأعينوني بورع واجتهاد .
واللّه ما كنزت من دنياكم تبرا ، ولا ادخرت من غنائمها وفرا ، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا ، ولا ادخرت من أقطارها شبرا ، وما أقتات منها إلاّ كقوت أتان دبرة ، ولهي في عيني أهون من عصفة .
ولقد رقّعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها ، فقال قائل : ألقها فذو الأتن لا ترضى لبراذعها ، فقلت : اغرب عنّي ، فعند الصباح يحمد القوم السرى(1) .
* * *
ص: 280
قال ابن رزيك :
هو الزاهد الموفي على كلّ زاهد
فما قطع الأيام بالشهوات
بإيثاره بالقوت يطوي على الطوى
إذا أمّه المسكين في الأزمات
تقرّب للرحمن إذ كان راكعا
بخاتمه في جملة القربات
* * *
تاريخ الطبري والبلاذري ، إنّ العباس قال لعلي عليه السلام : ما قدّمتك إلى شيء إلاّ تأخرت عنه ! أشرت عليك عند وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله تسأله في من هذا الأمر ؟ فأبيت ، وأشرت عليك بعد وفاته أن تعاجل الأمر ، فأبيت ، وأشرت عليك حين سمّاك عمر في الشورى لا تدخل معهم ، فأبيت ، فما الحيلة(1) ؟!
دخل ابن عباس على أمير المؤمنين عليه السلام وقال : إنّ الحاج قد اجتمعوا ليسمعوا منك ، وهو يخصف نعلاً .
ص: 281
قال : أما - واللّه - إنّها لأحبّ إليّ من إمرتكم هذه ، إلاّ أن أقيم حقّا أو أدفع باطلاً(1) .
وكتب عليه السلام إلى ابن عباس :
أمّا بعد : فلا يكن حظّك في ولايتك ما لا تستفيده ، ولا غيظا تشتفيه ، ولكن إماتة باطل وإحياء حقّ .
وقال عليه السلام : يا دنيا يا دنيا ، أبي تعرضت ! أم إليّ تشوقت ! لا حان حينك ، هيهات غرّي غيري ، لا حاجة لي فيك ، قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة لي فيك(2) .
وله
عليه السلام :
طلّق الدنيا ثلاثا
واتخذ زوجا سواها
إنّها زوجة سوء
لا تبالي من أتاها
* * *
وقال الصاحب :
من كمولانا علي زاهد
طلّق الدنيا ثلاثا ووفى
* * *
ص: 282
وقال ابن رزيك :
ذاك الذي طلّق الدنيا لعمري عن
زهد وقد سفرت عن وجهها الحسن
وأوضح المشكلات الخافيات وقد
دقّت عن الفكر واعتاضت على الفطن
* * *
جمل أنساب الأشراف : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام مرّ على قذر بمزبلة ، وقال : هذا ما بخل به الباخلون(1) .
ويروى أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان في بعض حيطان فدك ، وفي يده مسحاة ، فهجمت عليه إمرأة من أجمل النساء ، فقالت : يا بن أبي طالب ! إن تزوّجتني أغنيك عن هذه المسحاة ، وأدلّك على خزائن الأرض ، ويكون لك الملك ما بقيت ، قال لها : فمن أنت حتى أخطبك من أهلك ؟ قالت : أنا الدنيا ، فقال عليه السلام : ارجعي فاطلبي زوجا غيري ، فلست من شأني ، وأقبل على مسحاته .
وأنشأ :
لقد خاب من غرّته دنيا دنية
وما هي إن غرّت قرونا بباطل
أتتنا على زيّ العروس بثينة
وزينتها في مثل تلك الشمائل
ص: 283
فقلت لها غرّي سواي فإنّني
عزوف عن الدنيا ولست بجاهل
وما أنا والدنيا وإنّ محمدا
رهين بقفر بين تلك الجنادل
وهبها أتتني بالكنوز ودرّها
وأموال قارون وملك القبائل
أليس جميعا للفناء مصيرنا
ويطلب من خزّانها بالطوائل
فغرّي سواي إنّني غير راغب
لما فيك من عزّ وملك ونائل
وقد قنعت نفسي بما قد رزقته
فشأنك يا دنيا وأهل الغوائل
فإنّي أخاف اللّه يوم لقائه
وأخشى عذابا دائما غير زائل
* * *
الباقر عليه السلام : إنّه ما ورد عليه أمران كلاهما للّه رضىً(1) إلاّ أخذ بأشدّهما على بدنه(2) .
وقال معاوية لضرار بن ضمرة : صف لي عليا عليه السلام .
قال : كان - واللّه - صوّاما بالنهار ، قوّاما بالليل ، يحبّ من اللباس أخشنه ، ومن الطعام أجشبه ، وكان يجلس فينا ، ويبتدي إذا سكتنا ، ويجيب إذا سألنا ، يقسم بالسوية ، ويعدل في الرعية ، لا يخاف الضعيف من جوره ، ولا يطمع القوي في ميله .
ص: 284
واللّه لقد رأيته ليلة من الليالي ، وقد أسبل الظلام سدوله ، وغارت نجومه ، وهو يتململ في المحراب تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، ولقد رأيته مسيلاً للدموع على خدّه ، قابضا على لحيته ، يخاطب دنياه فيقول : يا دنيا أبي تشوّقت ! ولي تعرّضت ! لا حان حينك ، فقد أبنتك ثلاثا لا رجعة لي فيك ، فعيشك قصير ، وخطرك يسير ، آهٍ من قلّة الزاد ، وبعد السفر ، ووحشة الطريق(1) .
ابن بطّة في الإبانة ، وأبو بكر بن عياش في الأمالي عن أبي داود عن السبيعي عن عمران بن حصين قال : كنت عند النبي صلى الله عليه و آله وعلي عليه السلامإلى
جنبه ، إذ قرأ النبي صلى الله عليه و آله هذه الآية « أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الأَْرْضِ » .
قال : فارتعد علي عليه السلام ، فضرب النبي صلى الله عليه و آله على كتفيه ، وقال : مالك يا علي ؟ قال : قرأت يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله هذه الآية ، فخشيت أن أبتلي بها ، فأصابني ما رأيت ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا يحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق إلى يوم القيامة(2) .
ص: 285
قال الحميري :
وإنّك قد ذكرت لدى مليك
يذلّ لعزّه المتجبرونا
فخرّ لوجهه صعقا وأبدى
لربّ الناس رهبة راهبينا
وقال لقد ذكرت لدى إلهي
فأبدى ذلّة المتواضعينا
* * *
وقال حسان بن ثابت :
جزى اللّه خيرا والجزاء بكفّه
أبا حسن عنّا ومن كأبي حسن
سبقت قريشا بالذي أنت أهله
فصدرك مشروح وقلبك ممتحن
* * *
ص: 286
ص: 288
الأصبغ عن علي عليه السلام في قوله « وَعِبادُ الرَّحْمنِ » قال : فينا نزلت هذه الآية(1) .
* * *
الصادق عليه السلام : كان أمير المؤمنين عليه السلام يحطب ويستسقي ويكنس ، وكانت فاطمة عليهاالسلام تطحن وتعجن وتخبز(1) .
الإبانة عن ابن بطة والفضائل عن أحمد : أنّه اشترى عليه السلام تمرا بالكوفة ، فحمله في طرف ردائه .
فتبادر الناس إلى حمله ، وقالوا : يا أمير المؤمنين نحن نحمله ، فقال عليه السلام : ربّ العيال أحقّ بحمله(2) .
قوت القلوب عن أبي طالب المكي : كان علي عليه السلام يحمل التمر والملح بيده ، ويقول :
لا ينقص الكامل من كماله
ما جرّ من نفع إلى عياله(3)
* * *
زيد بن علي عليه السلام : أنّه كان يمشي في خمسة حافيا ، ويعلّق نعليه بيده
ص: 290
اليسرى : يوم الفطر ، والنحر ، ويوم الجمعة ، وعند العيادة ، وتشييع الجنازة ، ويقول : إنّها مواضع اللّه ، وأحبّ أن أكون فيها حافيا(1) .
زادان : أنّه عليه السلام كان يمشي في الأسواق وحده ، وهو ذاك ، يرشد الضال ، ويعين الضعيف ، ويمرّ بالبياع والبقال فيفتح عليه القرآن ، ويقرأ « تِلْكَ الدّارُ الآْخِرَةُ نَجْعَلُها »(2) .
الصادق عليه السلام : خرج أمير المؤمنين عليه السلام على أصحابه وهو راكب ، فمشوا معه ، فالتفت إليهم فقال : ألكم حاجة ؟ قالوا : لا ، ولكنّا نحبّ أن نمشي معك .
فقال لهم : انصرفوا وارجعوا ، النعال خلف أعقاب الرجال مفسدة لقلوب النوكى(3) .
وترجّل دهاقين الأنبار له ، وأسندوا بين يديه ، فقال : ما هذا الذي صنعتموه ؟ قالوا : خلق منّا نعظّم به أمراءنا ، فقال : واللّه ما ينتفع بهذا
ص: 291
امراؤكم ، وإنّكم لتشقّون به على أنفسكم ، وتشقون به في آخرتكم ، وما أخسر المشقّة وراءها العقاب ، وما أربح الراحة معها الأمان من النار(1) .
أبو عبد اللّه عليه السلام : افتخر رجلان عند أمير المؤمنين عليه السلام فقال : أتفتخران بأجساد بالية ، وأرواح في النار ، إن لم يكن له عقل ، فإنّ لك خلقا ، وإن لم يكن له تقوى ، فإنّ لك كرما ، وإلاّ فالحمار خير منكما ، ولست بخير من أحد(2) .
الحسن العسكري عليه السلام في خبر طويل : إنّ رجلاً وابنه وردا عليه عليه السلام ، فقام إليهما وأجلسهما في صدر مجلسه ، وجلس بين أيديهما .
ثم أمر بطعام ، فأحضر ، فأكلا منه ، ثم أخذ الإبريق ليصبّ على يد الرجل ، فتمرّغ الرجل في التراب ، فقال : يا أمير المؤمنين ! كيف اللّه يراني وأنت تصبّ على يدي !
قال : اقعد واغسل ، فإنّ اللّه يراني أخاك الذي لا يتميّز منك ، ولا يتفضّل عنك ، ويزيد بذاك في خدمه في الجنّة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا ، وعلى حسب ذلك في مماليكه فيها ، فقعد الرجل وغسل يده .
ص: 292
فلمّا فرغ ناول الإبريق محمد بن الحنفية وقال : يا بني ، لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت على يده ، ولكنّ اللّه يأبى أن يسوّي بين ابن وأبيه إذا جمعهما ، قد صبّ الأب على الأب ، فليصبّ الابن على الابن(1) .
حلية الأولياء ونزهة الأبصار : إنّه مضى علي عليه السلام في حكومة إلى شريح مع يهودي ، فقال : يا يهودي ، الدرع درعي ، ولم أبع ولم أهب ، فقال اليهودي : الدرع لي وفي يدي .
فسأله شريح البينة ، فقال : هذا قنبر والحسين عليه السلام يشهدان لي بذلك ، فقال شريح : شهادة الابن لا تجوز لأبيه ، وشهادة العبد لا تجوز لسيده ، وإنّهما يجرّان إليك .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ويلك يا شريح ، أخطأت من وجوه : أمّا واحدة ، فأنا إمامك تدين اللّه بطاعتي ، وتعلم أنّي لا أقول باطلاً ، فرددت قولي وأبطلت دعواي ، ثم سألتني البينة ، فشهد عبدي وأحد سيدي شباب أهل الجنّة ، فرددت شهادتهما ، ثم ادعيت عليهما أنّهما يجرّان إلى أنفسهما ، أما أنّي لا أرى عقوبتك إلاّ أن تقضي بين اليهود ثلاثة أيام ، أخرجوه .
فأخرجه الى قبا ، فقضى بين اليهود ثلاثا ، ثم انصرف .
ص: 293
فلمّا سمع اليهودي ذلك ، قال : هذا أمير المؤمنين عليه السلام جاء إلى الحاكم ، والحاكم حكم عليه ، فأسلم ، ثم قال : الدرع درعك ، سقط يوم صفين من جمل أورق(1) فأخذته(2) .
وفي الأحكام الشرعية عن الخزاز القمّي : إنّ عليا عليه السلام كان في مسجد الكوفة ، فمرّ به عبد اللّه بن قفل التيمي ، ومعه درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة ، فقال عليه السلام : هذه درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة ، فقال ابن قفل : يا أمير المؤمنين عليه السلام ، اجعل بيني وبينك قاضيا !!
فحكّم شريحا ، فقال علي عليه السلام : هذه درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة ، فالتمس شريحا البينة !! فشهد الحسن بن علي عليهماالسلام بذلك ، فسأل آخر ، فشهد قنبر بذلك ، فقال : هذا مملوك ، ولا أقضي بشهادة المملوك ، فغضب علي عليه السلام ، ثم قال : خذوا الدرع ، فقد قضى بجور ثلاث مرات .
فسأله عن ذلك ، فقال عليه السلام : إنّي لمّا قلت لك : إنّها درع طلحة أخذت غلولاً يوم البصرة ، فقلت : هات على ما قلت بينة ، فقلت : رجل لم يسمع الحديث ، وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : حيث ما وجد غلولاً أخذ بغير بينة .
ص: 294
ثم أتيتك بالحسن عليه السلام فشهد ، فقلت : هذا شاهد ، ولا أقضي بشاهد حتى يكون معه آخر ، وقد قضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بشاهد ويمين ، فهذان إثنتان .
ثم أتيتك بقنبر ، فقلت : هذا مملوك ، ولا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلاً ، فهذه الثالثة .
ثم قال عليه السلام : يا شريح ، إنّ إمام المسلمين يؤتمن في أمورهم على ما هو أعظم من هذا(1) .
الباقر عليه السلام في خبر : أنّه رجع علي عليه السلام إلى داره في وقت القيظ ، فإذا إمرأة
قائمة تقول : إنّ زوجي ظلمني وأخافني ، وتعدّى عليّ ، وحلف ليضربني ، فقال عليه السلام : يا أمة اللّه ، اصبري حتى يبرد النهار ، ثم أذهب معك إن شاء اللّه ، فقالت : يشتدّ غضبه وحرده عليّ .
فطأطأ رأسه ، ثم رفعه وهو يقول : لا واللّه ، أو يؤخذ للمظلوم حقّه غير متعتع ، أين منزلك ؟
فمضى إلى بابه ، فوقف على بابه ، فقال : السلام عليكم ، فخرج شاب ، فقال علي عليه السلام : يا عبد اللّه ، اتق اللّه ، فإنّك قد أخفتها وأخرجتها .
ص: 295
فقال الفتى : وما أنت وذاك ؟! واللّه لأحرقنّها لكلامك .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : آمرك بالمعروف وأنهاك عن المنكر ، تستقبلني بالمنكر وتنكر المعروف ؟!
قال : فأقبل الناس من الطرق ويقولون : سلام عليكم يا أمير المؤمنين ، فسقط الرجل في يديه ، فقال : يا أمير المؤمنين عليه السلام ، أقلني عثرتي ، فواللّه لأكوننّ لها أرضا تطأني ، فأغمد علي عليه السلام سيفه ، وقال : يا أمة اللّه ، ادخلي منزلك ولا تلجئي زوجك إلى مثل هذا وشبهه .
وروى الفنجكردي في سلوة الشيعة له عليه السلام :
ودع التجبّر والتكبّر يا أخي
إنّ التكبّر للعبيد وبيل
واجعل فؤادك للتواضع منزلاً
إنّ التواضع بالشريف جميل
* * *
ص: 296
ص: 297
ص: 298
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن عطاء عن ابن مسعود في قوله « إِنّا جَعَلْنا ما عَلَى الأَْرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً » قال : زينة الأرض الرجال ، وزنية الرجال علي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
حمزة بن عطاء عن أبي جعفر عليه السلام في قوله « هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ » قال : هو علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، يأمر بالعدل ، وهو على صراط مستقيم(2) .
وروى نحوا منه أبو المضا عن الرضا عليه السلام .
فضائل أحمد بن حنبل : قال علي عليه السلام : أحاج الناس يوم القيامة بتسع :
ص: 299
بإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والعدل في الرعية ، والقسم بالسوية ، والجهاد في سبيل اللّه ، وإقامة الحدود ، وأشباهه(1) .
الفائق : إنّه بعث العباس بن عبد المطلب وربيعة بن الحارث ابنيهما الفضل بن عباس وعبد المطلب بن ربيعة يسألانه أن يستعملهما على الصدقات ، فقال علي عليه السلام : واللّه ، لا يستعمل منكم أحد على الصدقة ، فقال له ربيعة : هذا أمرك ، نلت صهر رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلم نحسدك عليه .
فألقي علي عليه السلام رداءه ، ثم اضطجع عليه ، فقال : أنا أبو الحسن القرم ، واللّه لا أريم حتى يرجع اليكما ابناكما بحور ما بعثتما به ، قال صلى الله عليه و آله : إنّ هذه الصدقة أوساخ الناس ، وإنّها لا تحلّ لمحمد صلى الله عليه و آله ولا لآل محمد(2) .
قال الزمخشري : الحور الخيبة(3) .
نزل بالحسن بن علي عليهماالسلام ضيف ، فاستقرض من قنبر رطلاً من العسل الذي جاء من اليمن .
ص: 300
فلمّا قعد علي عليه السلام ليقسمها قال : يا قنبر قد حدث في هذا الزقّ حدث ! قال : صدق فوك ، وأخبره الخبر .
فهم بضرب الحسن عليه السلام !! وقال : ما حملك على أن أخذت منه قبل القسمة ؟ قال : إنّ لنا فيه حقّا ، فإذا أعطيتناه رددناه ، قال : فداك أبوك ، وإن كان لك فيه حقّ فليس لك أن تنتفع بحقّك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم ، لولا أنّي رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقبل ثنيتك لأوجعنك ضربا !!
ثم دفع إلى قنبر درهما وقال : اشتر به أجود عسل تقدر عليه .
قال الراوي : فكأنّي أنظر إلى يدي علي عليه السلام على فم الزقّ ، وقنبر يقلّب العسل فيه ، ثم شدّه ويقول : اللّهم اغفرها للحسن(1) فإنّه لا يعرف(2) .
ص: 301
التهذيب: قال علي بن أبي رافع ، وكان على [ بيت ] مال أمير المؤمنين عليه السلام : أخذت منّي ابنته عقد لؤلؤ عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة أيام في أيام الأضحى ، فرآه عليه السلام عليها فعرفه ، وقال لي : أتخون المسلمين ؟!
فقصصت عليه وقلت : قد ضمنته من مالي . فقال : ردّه من يومك هذا ، وإيّاك أن تعود لمثل هذا ، فتنالك عقوبتي .
ثم قال : لو كانت ابنتي أخذت هذا العقد على غير عارية مضمونة ،
ص: 302
لكانت إذا أوّل هاشمية قطعت يدها على سرقة .
فقالت ابنته في ذلك مقالاً ، فقال : يا بنت علي بن أبي طالب ، لا تذهبنّ بنفسك عن الحقّ ، أكلّ نساء المهاجرين يتزيّن في هذا العيد بمثل هذا ؟!(1) .
عن زاذان : إنّ قنبرا قدم إلى أمير المؤمنين عليه السلام جامات من ذهب وفضّة في الرحبة ، وقال : إنّك لا تترك شيئا إلاّ قسمته ، فخبأت لك هذا ، فسلّ سيفه وقال : ويحك ، لقد أحببت أن تدخل بيتي نارا ؟!
ثم استعرضها بسيفه ، فضربها حتى انتثرت من بين إناء مقطوع بضعة وثلاثين ، وقال : عليّ بالعرفاء ، فجاؤوا ، فقال : هذا بالحصص ، وهو يقول :
هذا جناي وخياره فيه
وكلّ جان يده إلى فيه(1)
* * *
جمل أنساب الأشراف : إنّه أعطته الخادمة في بعض الليالي قطيفة ، فأنكر دفأها ، فقال : ما هذه ؟ قالت الخادمة : هذه من قطف الصدقة ، قال : أصردتمونا بقية ليلتنا(2) .
وقدم عليه عقيل ، فقال للحسن عليه السلام : اكس عمّك ، فكساه قميصا من قميصه ، ورداء من أرديته .
ص: 304
فلمّا حضر العشاء ، فإذا هو خبز وملح ، فقال عقيل : ليس إلاّ ما أرى ! فقال : أو ليس هذا من نعمة اللّه ، فله الحمد كثيرا ، فقال : أعطني ما أقضي به ديني ، وعجّل سراحي حتى أرحل عنك ، قال : فكم دينك يا أبا يزيد ؟ قال : مائة ألف درهم ، قال : واللّه ما هي عندي ، ولا أملكها ، ولكن اصبر حتى يخرج عطاي فأواسيكه ، ولولا أنّه لابد للعيال من شيء لأعطيتك كلّه ، فقال عقيل : بيت المال في يدك وأنت تسوّفني إلى عطائك ؟! وكم عطاؤك ؟ وما عسى يكون ولو أعطيتنيه كلّه ؟! فقال : ما أنا وأنت فيه إلاّ بمنزلة رجل من المسلمين .
وكانا يتكلّمان فوق قصر الإمارة ! مشرفين على صناديق أهل السوق ، فقال له علي عليه السلام : إن أبيت - يا أبا يزيد - ما أقول ، فأنزل إلى بعض هذه الصناديق ، فاكسر أقفاله ، وخذ ما فيه ، فقال : وما في هذه الصناديق ؟ قال : فيها أموال التجار ، قال : أتأمرني أن أكسر صناديق قوم قد توكّلوا على اللّه ، وجعلوا فيها أموالهم ؟! فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أتأمرني أن أفتح بيت المال المسلمين فأعطيك أموالهم ، وقد توكّلوا على اللّه واقفلوا عليها ، وإن شئت أخذت سيفك ، وأخذت سيفي ، وخرجنا جميعا إلى الحيرة ، فإنّ بها تجارا مياسير ، فدخلنا على بعضهم فأخذنا ماله ، فقال : أو سارق جئت ! قال : تسرق من واحد خير من أن تسرق من المسلمين جميعا .
قال له : أفتأذن لي أن أخرج إلى معاوية ؟ فقال له : قد أذنت لك .
قال : فأعنّي على سفري هذا ، قال : يا حسن ، أعط عمّك أربعمائة درهم .
ص: 305
فخرج عقيل وهو يقول :
سيغنيني الذي أغناك عنّي
ويقضي ديننا ربّ قريب(1)
* * *
وذكر عمرو بن العاص : أنّ عقيلاً لمّا سأل عطاءه(2) من بيت المال ، قال له أمير المؤمنين عليه السلام : تقيم إلى يوم الجمعة ، فأقام .
فلمّا صلّى أمير المؤمنين عليه السلام الجمعة قال لعقيل : ما تقول فيمن خان هؤلاء أجمعين ؟ قال : بئس الرجل ذاك ، قال : فأنت تأمرني أن أخون هؤلاء وأعطيك(3) .
ومن خطبة له عليه السلام : ولقد رأيت عقيلاً(4) وقد أملق ، حتى استماحني من برّكم صاعا ، وعاودني في عشر وسق من شعيركم يقضمه جياعه ، وكاد
ص: 306
يطوي ثالث أيامه خامصا ما استطاعه ، ولقد رأيت أطفاله شعث الألوان من صرّهم ، كأنّما اشمأزت وجوههم من قترهم ، فلمّا عاودني في قوله وكرّه أصغيت إليه سمعي ، فغرّه وظنني أوثغ(1) ديني ، وأتبع ما أسره ، أحميت له حديدة لينزجر ، إذ لا يستطيع مسّها ولا يصبر ، ثم أدنيتها من جسمه ، فضجع من ألمه ضجيج دنف يئن من سقمه ، وكاد يسبّني سفها من كظمه ، ولحرقة في لظى أدنى له من عدمه ، فقلت له : ثكلتك الثواكل يا عقيل ، أتئن من أذى ولا أئن من لظى(2) .
وعن أم عثمان - أم ولد علي عليه السلام - قالت : جئت عليا عليه السلام وبين يديه قرنفل مكبوب في الرحبة ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، هب لابنتي من هذا القرنفل قلادة ، فقال : هاك ذا - ونفذ بيده إليّ درهما - فإنّما هذا للمسلمين ، أو لا فاصبري حتى يأتينا حظّنا منه ، فنهب لابنتك قلادة(3) .
ص: 307
وسأله عبد اللّه بن زمعة مالاً ، فقال : إنّ هذا المال ليس لي ولا لك ، وإنّما
هو للمسلمين ، وجلب أسيافهم ، فإن شركتهم في حربهم كان لك مثل حظّهم ، وإلاّ فجناة أيديهم لا تكون لغير أفواههم(1) .
وجاء إليه عاصم بن ميثم ، وهو يقسم مالاً ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّي شيخ كبير مثقل ، قال : واللّه ، ما هو بكدّ يدي ، ولا بتراثي عن والدي ، ولكنّها أمانة أوعيتها(2) قال : رحم اللّه من أعان شيخا كبيرا مثقلاً(3) .
تاريخ الطبري وفضائل أمير المؤمنين عليه السلام عن ابن مردويه : أنّه لمّا أقبل من اليمن تعجّل إلى النبي صلى الله عليه و آله ، واستخلف على جنده الذين معه رجلاً من أصحابه ، فعمد ذلك الرجل فكسا كلّ رجل من القوم حلّة من البزّ الذي كان مع علي عليه السلام .
فلمّا دنى جيشه خرج علي عليه السلام ليتلقّاهم ، فإذا هم عليهم الحلل ، فقال : ويلك ما هذا ؟
ص: 308
قال : كسوتهم ليتجمّلوا إذا قدموا في الناس ، قال : ويلك من قبل أن ينتهي إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟!
قال : فانتزع الحلل من الناس ، وردّها في البزّ ، وأظهر الجيش شكاية لما صنع بهم(1) .
ثم روى عن الخدري أنّه قال : شكا الناس عليا عليه السلام ، فقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله خطيبا ، فقال : أيّها الناس لا تشكو عليا ، فواللّه إنّه لخشن في ذات اللّه (2) .
وسمعت مذاكرة : أنّه دخل عليه عمرو بن العاص ليلة ، وهو في بيت المال ، فطفأ السراج ، وجلس في ضوء القمر ، ولم يستحلّ أن يجلس في الضوء من غير استحقاق .
ومن كلام له فيما ردّه على المسلمين من قطائع عثمان : واللّه لو وجدته قد تزوّج به النساء ، وملك به الإماء لرددته ، فإنّ في العدل سعة ، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق(3) .
ص: 309
ومن كلام له لمّا أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان : دعوني والتمسوا غيري ، فأنّا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان ، لا يقوم لها القلوب ، ولا يثبت عليه العقول ، وإنّ الآفاق قد أغامت ، والمحجّة قد تنكّرت ، واعلموا إنّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ، ولم أصغ إلى قول القائل ، وعتب العاتب(1) .
وفي رواية عن أبي الهيثم بن التيهان وعبد اللّه بن أبي رافع : إنّ طلحة والزبير جاءا إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقالا : ليس كذلك كان يعطينا عمر ، قال : فما كان يعطيكما رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فسكتا .
قال : أليس كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقسم بالسوية بين المسلمين ؟ قالا : نعم ، قال : فسنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله أولى بالإتباع عندكم أم سنّة عمر ؟ قالا : سنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، يا أمير المؤمنين ، لنا سابقة وعناء وقرابة ، قال : سابقتكما أقرب أم سابقتي ؟ قالا : سابقتك ، قال : فقرابتكما أم قرابتي ؟ قالا : قرابتك ، قال : فعناؤكما أعظم من عنائي ؟ قالا : عناؤك ، قال : فواللّه ، ما أنا وأجيري هذا إلاّ بمنزلة واحدة ، وأومى ء بيده إلى الأجير(2) .
ص: 310
كتاب ابن الحاشر بإسناده إلى مالك بن أوس بن الحدثان في خبر طويل : أنّه قام سهل بن حنيف فأخذ بيد عبده ، فقال : يا أمير المؤمنين ، قد أعتقت هذا الغلام ، فأعطاه ثلاثة دنانير مثل ما أعطى سهل بن حنيف(1) .
وسأله عليه السلام بعض مواليه مالاً ، فقال : يخرج عطائي فأقاسمكم ، فقال : لا أكتفي ، وخرج إلى معاوية فوصله ، فكتب إلى أمير المؤمنين عليه السلام يخبره بما أصاب من المال .
فكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام : أمّا بعد : فإنّ ما في يدك من المال قد كان له أهل قبلك ، وهو صائر إلى أهل من بعدك ، فإنّما لك ما مهّدت لنفسك ، فآثر نفسك على أحوج ولدك ، فإنّما أنت جامع لأحد رجلين : أمّا رجل عمل فيه بطاعة اللّه ، فسعد بما شقيت ، وأمّا رجل عمل فيه بمعصية اللّه ، فشقي بما جمعت له ، وليس من هذين أحد بأهل أن تؤثره على نفسك ، ولا تبرد له على ظهرك ، فارج لمن مضى رحمة اللّه ، وثق لمن بقي برزق اللّه (2) .
ص: 311
حكيم بن أوس : كان علي عليه السلام يبعث الينا بزقاق العسل ، فيقسم فينا ، ثم يأمر أن يلعقوه .
وأُتي إليه بأحمال فاكهة ، فأمر ببيعها ، وأن يطرح ثمنها في بيت المال .
سعيد بن المسيب : رأيت عليا عليه السلام بنى للضوالّ مربدا ، فكان يعلفها علفا لا يسمنها ولا يهزلها من بيت المال ، فمن أقام عليها بينة أخذها ، وإلاّ أقرّها على حالها(1) .
عاصم بن ميثم : أنّه أهدي إلى علي عليه السلام سلال خبيص ، له خاصّة ، فدعا بسفرة فنثره عليه .
ثم جلسوا حلقتين يأكلون(2) .
ص: 312
أبو حريز : إنّ المجوس أهدوا إليه يوم النيروز جامات من فضّة فيها سكر ، فقسم السكر بين أصحابه ، وحسبها من جزيتهم .
وبعث إليه دهقان بثوب منسوج بالذهب ، فابتاعه منه عمرو بن حريث بأربعة آلاف درهم إلى العطاء(1) .
الحلية وفضائل أحمد وعاصم بن كليب عن أبيه أنّه قال : أُتي علي عليه السلام بمال من أصفهان ، وكان أهل الكوفة أسباعا ، فقسّمه سبعة أسباع ، فوجد فيه رغيفا ، فكسره بسبعة كسر .
ثم جعل على كلّ جزء كسرة ، ثم دعا أمراء الإسباع ، فأقرع [ بينهم ]
أيّهم [ يعطيه أولاً (2)] .
ص: 313
فضائل أحمد : إنّه رأى حبلاً في بيت المال ، فقال : اعطوه الناس ، فأخذه بعضهم(1) .
مجالس ابن مهدي : إنّه تخاير غلامان في خطّيهما إلى الحسن عليه السلامفقال : انظر ما تقول ، فإنّه حكم ، وكان عليه السلام قوالاً للحقّ ، قواما بالقسط ، إذا رضى لم يقل غير الصدق ، وإن سخط لم يتجاوز جانب الحقّ .
قال مهيار :
بنفسي من كانت مع اللّه نفسه
إذا قلّ يوم الخلق من لم يحارف
أبا حسن إن أنكر القوم فضله
على أنّه واللّه إنكار عارف
إذا ما عزوا دينا فأوّل عابد
وإن أقسموا دنيا فأوّل عائف
وأغرى بك الحسّاد أنّك لم تكن
على صنم فيما رووه بعاكف
أسرّ لمن والاك حبّ موافق
وأبدى لمن عاداك سبّ مخالف
* * *
ص: 314
ص: 315
ص: 316
مختار التمّار عن أبي مطر البصري : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام مرّ بأصحاب التمر ، فإذا هو بجارية تبكي ، فقال : يا جارية ، ما يبكيك ؟ فقالت : بعثني مولاي بدرهم ، فابتعت من هذا تمرا ، فأتيتهم به فلم يرضوه ، فلمّا أتيته به أبى أن يقبله .
فقال : يا عبد اللّه ، إنّها خادم وليس لها أمر ، فاردد إليها درهمها وخذ التمر ، فقام إليه الرجل فلكزه ، فقال الناس : هذا أمير المؤمنين .
فربا الرجل واصفر ، وأخذ التمر وردّ إليها درهمها ، ثم قال : يا أمير المؤمنين ، ارض عنّي ، فقال : ما أرضاني عنك إن أصلحت أمرك(1) .
وفي فضائل أحمد : إذا وفيت الناس حقوقهم(2) .
ودعا عليه السلام غلاما له مرارا فلم يجبه ، فخرج ، فوجده على باب البيت ،
ص: 317
فقال: ما حملك على ترك إجابتي؟ قال: كسلت عن إجابتك وأمنت عقوبتك.
فقال : الحمد للّه الذي جعلني ممّن تأمنه خلقه ، امض فأنت حرّ لوجه
اللّه (1) .
وأنشد الأشجع :
ولست بخائف لأبي حسين
ومن خاف الإله فلن يُخافا(2)
* * *
وقال أبو نؤاس :
قد كنت خفتك ثم آمنني
من أن أخافك خوفك اللاّها
* * *
وقال غيره :
آمنني منه ومن خوفه
خيفته من خشية الباري
* * *
وكان علي عليه السلام في صلاة الصبح ، فقال ابن الكواء من خلفه : « وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ » ، فأنصت علي عليه السلام تعظيما للقرآن حتى فرغ من الآية .
ص: 318
ثم عاد في قراءته ، ثم أعاد ابن الكواء الآية ، فأنصت علي عليه السلامأيضا ، ثم قرأ ، ثم أعاد ابن الكواء ، فأنصت علي عليه السلام .
ثم قال : « فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ » ، ثم أتم وركع(1) .
وبعث أمير المؤمنين عليه السلام إلى لبيد بن العطارد التيمي في كلام بلغه ، فمرّ به أمير المؤمنين عليه السلام في بني أسد ، فقام إليه نعيم بن دجاجة الأسدي فأفلته ، فبعث إليه أمير المؤمنين عليه السلام ، فأتوه به ، وأمر به أن يضرب ، فقال له : نعم ، واللّه إنّ المقام معك لذلّ ، وإنّ فراقك لكفر .
فلمّا سمع ذلك منه قال : قد عفونا عنك ، إنّ اللّه - عزّ وجلّ - يقول « ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ » ، أمّا قولك إنّ المقام معك ، لذلّ فسيئة اكتسبتها ، وأمّا قولك إنّ فراقك لكفر ، فحسنة اكتسبتها ، فهذه بهذه(2) .
مرّت إمرأة جميلة فرمقها القوم بأبصارهم ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام :
ص: 319
إنّ أبصار هذه الفحول طوامح ، وإنّ ذلك سبب هناتها(1) ، فإذا نظر أحدكم إلى إمرأة تعجبه ، فليلمس أهله ، فإنّما هي إمرأة كامرأة .
فقال رجل من الخوارج : قاتله اللّه كافرا ما أفقهه !! فوثب القوم ليقتلوه ، فقال علي عليه السلام : رويدا إنّما هو سبّ بسبّ ، أو عفو عن ذنب(2) .
وجاءه أبو هريرة ، وكان يتكلّم فيه ، واسمعه في اليوم الماضي ، وسأله حوائجه فقضاها ، فعاتبه أصحابه على ذلك ، فقال : إنّي لأستحي أن يغلب جهله علمي ، وذنبه عفوي ، ومسألته جودي .
ومن كلامه : إلى كم أغضي الجفون على القذى ، وأسحب ذيلي على الأذى ، وأقول لعلّ وعسى .
العقد ونزهة الأبصار : قال قنبر : دخلت مع أمير المؤمنين عليه السلام على عثمان ، فأحبّ الخلوة ، فأومى ء إليّ بالتنحي ، فتنحّيت غير بعيد .
ص: 320
فجعل عثمان يعاتبه ، وهو مطرق رأسه ، وأقبل إليه عثمان ، فقال : ما لك لا تقول ، فقال عليه السلام : ليس جوابك إلاّ ما تكره ، وليس لك عندي إلاّ ما تحبّ(1) ، ثم خرج قائلاً :
ولو أنّني جاوبته لأمضّه
نواقد قولي واحتضار جوابي
ولكنّني أغضي على مضض الحشا
ولو شئت إقداما لأنشب نابي
* * *
وأسر مالك الأشتر يوم الجمل مروان بن الحكم ، فعاتبه عليه السلاموأطلقه .
وقالت عائشة يوم الجمل : ملكت فاسجح ، فجهّزها أحسن الجهاز ، وبعث معها بتسعين إمرأة ، أو سبعين(2) .
واستأمنت لعبد اللّه بن الزبير على لسان محمد بن أبي بكر فآمنه ، وآمن معه سائر الناس .
وجى ء بموسى بن طلحة بن عبيد اللّه ، فقال له : قل : استغفر اللّه وأتوب إليه - ثلاث مرات - ، وخلّى سبيله ، وقال : إذهب حيث شئت ، وما وجدت لك في عسكرنا من سلاح أو كراع فخذه ، وإتق اللّه فيما تستقبله من أمرك ، واجلس في بيتك(3) .
ص: 321
ابن بطة العكبري وأبو داود السجستاني عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان علي عليه السلام إذا أخذ أسيرا في حروب الشام أخذ سلاحه ودابته ، واستحلفه أن لا يعين عليه .
ابن بطة بإسناده عن عرفجة عن أبيه قالا : لمّا قتل علي عليه السلامأصحاب النهر جاء بما كان في عسكرهم ، فمن كان يعرف شيئا أخذه حتى بقيت قدر ، ثم رأيتها بعد قد أُخذت .
الطبري : لمّا ضرب علي عليه السلام طلحة العبدري تركه ، فكبّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال لعلي عليه السلام : ما منعك أن تجهز عليه ؟ قال : إنّ ابن عمّي ناشدني اللّه والرحم حين انكشفت عورته ، فاستحييته(1) .
ولمّا أدرك عمرو بن عبد ودّ لم يضربه ، فوقعوا في علي عليه السلام ، فردّ عنه حذيفة ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : مه يا حذيفة ، فإنّ عليا سيذكر سبب وقفته .
ص: 322
ثم إنّه ضربه ، فلمّا جاء سأله النبي صلى الله عليه و آله عن ذلك ، فقال : قد كان شتم أمّي ، وتفل في وجهي ، فخشيت أن أضربه لحظّ نفسي ، فتركته حتى سكن ما بي ، ثم قتلته في اللّه (1) .
وإنّه عليه السلام لمّا امتنع من البيعة جرت من الأسباب ما هو معروف ، فاحتمل وصبر .
وروي أنّه لمّا طالبوه بالبيعة ، قال له الأول : بايع ، قال : فإن لم أفعل ؟! قال : واللّه الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك .
قال : فالتفت علي عليه السلام إلى القبر فقال : « ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي
وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي »(2) .
الجاحظ في البيان والتبيين : إنّ أول خطبة خطبها أمير المؤمنين عليه السلام
ص: 323
قوله : قد مضت أمور لم تكونوا فيها بمحمودي الرأي ، أما لو أشاء أن أقول لقلت، ولكن عفا اللّه عمّا سلف ، سبق الرجلان ، وقام الثالث كالغراب ، همّته بطنه ، يا ويله ، لو قصّ جناحه ، وقطع رأسه ، لكان خيرا له(1) .
وقد روى الكافّة عنه : اللّهم إنّي استعديك على قريش ، فإنّهم ظلموني [ في ] الحجر والمدر(2) .
إبراهيم الثقفي عن عثمان بن أبي شيبة والفضل بن دكين بإسنادهما : قال علي عليه السلام : ما زلت مظلوما منذ قبض اللّه نبيه صلى الله عليه و آله إلى يومي هذا(3) .
وروى إبراهيم بإسناده عن المسيب بن نجية قال : بينما علي عليه السلام يخطب ، وأعرابي يقول : وا مظلمتاه .
فقال عليه السلام : ادن ، فدنا .
فقال : لقد ظلمت عدد المدر والمطر والوبر .
وفي رواية كثير بن اليمان : وما لا يحصى(4) .
ص: 324
أبو نعيم الفضل بن دكين بإسناده عن حريث قال : إنّ عليا عليه السلام لم يقم مرّة على المنبر إلاّ قال في آخر كلامه قبل أن ينزل : ما زلت مظلوما منذ قبض اللّه نبيه(1) صلى الله عليه و آله .
وكان عليه السلام بشره دائم ، وثغره باسم ، غيث لمن رغب ، وغياث لمن وهب ، مآل الآمل ، وثمال الأرامل ، يتعطّف على رعيته ، ويتصرّف على مشيته ، ويكلاه بحجته ، ويكفيه بمهجته .
ونظر علي عليه السلام إلى إمرأة على كتفها قربة ماء ، فأخذ منها القربة ، فحملها إلى موضعها ، وسألها عن حالها ، فقالت : بعث علي بن أبي طالب عليهماالسلام صاحبي إلى بعض الثغور فقتل ، وترك عليّ صبيانا يتامى ، وليس عندي شيء ، فقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة الناس ، فانصرف ، وبات ليلته قلقا .
فلمّا أصبح حمل زنبيلاً فيه طعام ، فقال بعضهم : أعطني أحمله عنك ، فقال : من يحمل وزري عنّي يوم القيامة ؟!
فأتى وقرع الباب ، فقالت : من هذا ؟ قال : أنا ذلك العبد الذي حمل معك القربة ، فافتحي ، فإنّ معي شيئا للصبيان ، فقالت : رضى اللّه عنك ، وحكم بيني وبين علي بن أبي طالب عليهماالسلام!
ص: 325
فدخل ، وقال : إنّي أحببت اكتساب الثواب ، فاختاري بين أن تعجنين وتخبزين ، وبين أن تعلّلين الصبيان لأخبز أنا ، فقالت : أنا بالخبز أبصر ، وعليه أقدر ، ولكن شأنك والصبيان فعلّلهم حتى أفرغ من الخبز .
فعمدت إلى الدقيق فعجنته ، وعمد علي عليه السلام إلى اللحم فطبخه ، وجعل يلقم الصبيان من اللحم والتمر وغيره ، فكلّما ناول الصبيان من ذلك شيئا قال له : يا بني اجعل علي بن أبي طالب عليهماالسلام في حلّ ممّا مرّ في أمرك .
فلمّا اختمر العجين قالت : يا عبد اللّه سجّر التنور ، فبادر لسجره ، فلمّا أشعله ولفح في وجهه جعل يقول : ذق - يا علي - هذا جزاء من ضيّع الأرامل واليتامى .
فرأته إمرأة تعرفه ، فقالت : ويحك ، هذا أمير المؤمنين !
قال : فبادرت المرأة وهي تقول : وا حيائي منك يا أمير المؤمنين ! فقال : بل وا حيائي منك يا أمة اللّه فيما قصرت في أمرك .
قال الناشي :
يا هالكا هلك الرشاد بهلكه
فلقد يئسنا بعده أن يوجدا
هتكت جيوب الصالحات فيابها
أضحى لأجلك مذ نأيت مسودا
* * *
ص: 326
ص: 327
ص: 328
أبو الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله « أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ » الآية ، قال : علي بن أبي طالب - صلوات اللّه عليه - لم يسبقه أحد(1) .
وروي عن ابن عباس قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا أطرق هبنا أن نبتديه بالكلام(2) .
وقيل لأمير المؤمنين عليه السلام : بم غلبت الأقران ؟ قال : بتمكّن هيبتي في قلوبهم(3) .
النطنزي في الخصائص عن سفيان بن عيينة عن شقيق بن سلمة قال :
ص: 329
كان عمر يمشي ، فإلتفت إلى ورائه وعدا ، فسألته عن ذلك ، فقال : ويحك ، أما ترى الهزبر ابن الهزبر ، القثم ابن القثم ، الفلاّق للبهم ، الضارب على هامة من طغى وظلم ، ذا السيفين ورائي .
فقلت : هذا علي بن أبي طالب عليهماالسلام .
فقال : ثكلتك أمّك ، إنّك تحقّره ! بايعنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم أحد أنّ من فرّ منّا فهو ضالّ ، ومن قتل فهو شهيد ، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله يضمن له الجنّة ، فلمّا التقى الجمعان هزمونا ، وهذا كان يحاربهم وحيدا ، حتى انسل نفس رسول اللّه صلى الله عليه و آله وجبرئيل عليه السلام ، ثم قال : عاهدتموه وخالفتموه ، ورمى بقبضة رمل وقال : شاهت الوجوه ، فواللّه ما كان منّا إلاّ وأصابت عينه رملة ، فرجعنا نمسح وجوهنا قائلين : اللّه اللّه يا أبا الحسن ، أقلنا أقالك اللّه ، فالكرّ والفرّ عادة العرب ، فاصفح ، وقلّ ما أراه وحيدا إلاّ خفت منه .
وقال النبي صلى الله عليه و آله من قتل قتيلاً فله سلبه(1) ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يتورّع عن ذلك ، وإنّه لم يتبع منهمزما ، وتأخر عمّن استغاث ، ولم يكن يجهز على جريح .
* * *
ص: 330
قال بعض السادة :
لم يهتك العورة يبغي سلبا
ولا خطا متّبعا لمنهزم
ولا قضى يوما على جريحه
ولا استباح محرما ولا ظلم
* * *
وقال غيره :
إمام لا يراه اللّه يوما
يحيف على اليتيمة واليتيم
ولا ولّى على عقب غداة
الجلاد ولا أجاز على كليم
ولا عرف العبادة مع قريش
لغير الواحد الصمد القديم
* * *
ولمّا أردى عليه السلام عمرا قال عمرو : يا بن عمّ ، إنّ لي إليك حاجة ، لا تكشف سوأة ابن عمّك ، ولا تسلبه سلبه ، فقال : ذاك أهون عليّ .
وفيه يقول عليه السلام :
وعففت عن أثوابه ولو أنّني
كنت المقطّر(1) بزّني أثوابي
* * *
محمد بن إسحاق : قال له عمر : هلاّ سلبت درعه ، فإنّها تساوي ثلاثة آلاف ، وليس للعرب مثلها ؟ قال : إنّي استحييت أن أكشف ابن عمّي(2) .
ص: 331
وروي أنّه جاءت أخت عمرو ، ورأته في سلبه ، فلم تحزن وقالت : إنّما قتله كريم .
وقال عليه السلام : يا قنبر ، لا تعرّ فرائسي ، أراد لا تسلب قتلاي من البغاة .
إنّ الأسود أسود الغاب همّتها
يوم الكريهة في المسلوب لا السلب
* * *
وسأله أعرابي شيئا ، فأمر له بألف ، فقال الوكيل : من ذهب أو فضة ؟ فقال : كلاهما عندي حجران ، فاعط الأعرابي أنفعهما له .
وقال له ابن الزبير : إنّي وجدت في حساب أبي أنّ له على أبيك ثمانين ألف درهم ، فقال له : إنّ أباك صادق ، فقضى ذلك .
ثم جاءه ، فقال : غلطت فيما قلت ، إنّما كان لوالدك على والدي ما ذكرته لك ، فقال : والدك في حلّ ، والذي قبضته منّي هو لك .
له همم لا منتهى لكبارها
وهمّته الصغرى أجلّ من الدهر
له راحة لو أنّ معشار جودها
على البرّ صار البرّ أندى من البحر
* * *
ص: 332
ص: 333
ص: 334
أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن سمعي عن أبي صالح عن أبي هريرة وابن عباس في قوله - تعالى - « فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ » يقول : يا محمد صلى الله عليه و آله ، لا يكذبك علي بن أبي طالب عليهماالسلام بعد ما آمن بالحساب .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام في مقامات كثيرة : أنا باب المقام ، وحجّة الخصام ، ودابة الأرض ، صاحب العصا ، وفاصل القضاء ، وسفينة النجاة ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق(1) .
وقال عليه السلام : أنا شجرة الندى ، وحجاب الورى ، وصاحب الدنيا ، وحجّة الأنبياء ، واللسان المبين ، والحبل المتين ، والنبأ العظيم الذي عنه تعرضون ، وعنه تسألون ، وفيه تختلفون .
وقال عليه السلام : فوعزّتك وجلالك وعلو مكانك في عظمتك وقدرتك ما هبت عدوّا ، ولا تملّقت وليّا ، ولا شكرت على النعماء أحدا سواك .
وفي مناجاته : اللّهم إنّي عبدك ووليّك ، اخترتني وارتضيتني ورفعتني
ص: 335
وكرّمتني بما أورثتني من مقام أصفيائك ، وخلافة أوليائك ، وأغنيتني وأفقرت الناس في دينهم ودنياهم إليّ ، وأعززتني وأذللت العباد إليّ ، وأسكنت قلبي نورك ، ولم تحوجني إلى غيرك ، وأنعمت عليّ ، وأنعمت بي ، ولم تجعل منّة عليّ لأحد سواك ، وأقمتني لإحياء حقّك ، والشهادة على خلقك ، وأن لا أرضى ولا أسخط إلاّ لرضاك وسخطك ، ولا أقول إلاّ حقّا ، ولا أنطق إلاّ صدقا .
فانظر إلى جسارته على الحقّ ، وخذلان جماعة كما تكلّموا بما روي عنهم في حلية الأولياء وغريب الحديث وغيرهما .
ولمّا ضربه ابن ملجم - لعنه اللّه - قال : فزت وربّ الكعبة(1) ، فقد قال اللّه - تعالى - : « قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ » الآية .
أبالموت الذي لابد أنّي(2)
ملاق لا أباك تخوفيني
* * *
ص: 337
ومن صبره ما قال اللّه - تعالى - فيه : «الصّابِرِينَ وَالصّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ
وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَْسْحارِ » .
والدليل على أنّها نزلت فيه أنّه قام الإجماع على صبره مع النبي صلى الله عليه و آله في الشدائد من صغره إلى كبره ، وبعد وفاته .
وقد ذكر اللّه - تعالى - صفة الصابرين في قوله « وَالصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا » ، وهذا صفته بلا شكّ .
مجمع البيان ، وتفسير علي بن إبراهيم ، وابان بن عثمان : أنّه أصاب عليا عليه السلام يوم أحد ستون جراحة(1) .
تفسير القشيري : قال أنس بن مالك : إنّه أُتي رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعلي عليه السلام
وعليه نيف وستون جراحة(2) .
قال أبان : أمر النبي صلى الله عليه و آله أم سليم وأم عطية أن تداوياه ، فقالتا : قد خفنا
ص: 338
عليه ، فدخل النبي صلى الله عليه و آله والمسلمون يعودونه ، وهو قرحة وأخذة ، فجعل النبي صلى الله عليه و آله يمسحه بيده ويقول : إن رجلاً لقي هذا في اللّه لقد أبلى وأعذر ، فكان يلتئم .
فقال علي عليه السلام : الحمد للّه الذي لم أفرّ ، ولم أولّ الدبر .
فشكر اللّه - تعالى - له ذلك في موضعين من القرآن ، وهو قوله - تعالى - « وَسَنَجْزِي الشّاكِرِينَ » ، « وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ »(1) .
سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله : «أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ » يعني بالشاكرين صاحبك علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، والمرتدّين على أعقابهم الذين ارتدوا عنه(2) .
سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود في قوله - تعالى - « إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا » يعني صبر علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام في الدنيا على الطاعات ، وعلى الجوع ، وعلى الفقر ، وصبروا على البلاء للّه في الدنيا « أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ »(3) .
ص: 339
وقال علي بن عبد اللّه بن عباس « وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ » علي ابن أبي طالب عليهماالسلام(1) .
ولمّا نعى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام بحال جعفر في أرض مؤته ، قال : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون .
فأنزل« الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ » الآية .
إنّ البلاء مصيب كلّ شيعته
فاصبر ولا تك عند الهم مقصافا(1)
* * *
قال أبو عبيدة وتغلب : أي استعد جلبابا من العمل الصالح والتقوى يكون لك جنّة من الفقر يوم القيامة .
وقال آخرون : أي فليرفض الدنيا ، وليزهد فيها ، وليصبر على الفقر(2) .
يدلّ عليه قول أمير المؤمنين عليه السلام : وما لي لا أرى منهم سيماء الشيعة ، قيل : وما سيماء الشيعة يا أمير المؤمنين ؟ قال : خمص البطون من الطوى ، يبس الشفاه من الظما ، عمش العيون من البكا(3) .
قال كشاجم :
زعموا أنّ من أحبّ عليا
ظلّ للفقر لابسا جلبابا
كذبوا كم حبّه من فقير
فتردّى من الغنى أثوابا
حرفوا منطق الوصي لمعنى
خالفوا إذ تأوّلوه الصوابا
إنّما قال ارفضوا عنكم
الدنيا إذا كنتم لنا أحبابا
* * *
ص: 341
في مسند أبي يعلى ، واعتقاد الأشنهي ، ومجموع أبي العلاء الهمداني : عن أنس وأبي برزة وأبي رافع ، وفي إبانة ابن بطّة من ثلاثة طرق :
إنّ النبي صلى الله عليه و آله خرج يمشي إلى قبا ، فمرّ بحديقة ، فقال علي عليه السلام : ما أحسن هذه الحديقة !
فقال النبي صلى الله عليه و آله : حديقتك - يا علي - في الجنّة أحسن منها ، حتى مرّ بسبع حدائق على ذلك ، ثم أهوى إليه ، فاعتنقه فبكى ، وبكى علي عليه السلام .
ثم قال علي عليه السلام : ما الذي أبكاك يا رسول اللّه ؟ قال : أبكي لضغائن في صدور قوم لن تبدو لك إلاّ من بعدي .
قال : يا رسول اللّه ، كيف أصنع ؟
قال : تصبر ، فإن لم تصبر تلق جهدا وشدّة ، قال : يا رسول اللّه ، أتخاف فيها هلاك ديني ؟ ، قال : بل فيها حياة دينك(1) .
* * *
وقال الحميري :
وقد كان في يوم الحدائق عبرة
وقول رسول اللّه والعين تدمع
ص: 342
فقال علي ممّ تبكي فقال من
ضغائن قوم شرّهم أتوقّع
عليك وقد يبدونها بعد ميتتي(1)
فماذا هديت اللّه في ذاك يصنع
* * *
وقال العوني :
وقد قال في يوم الحدائق موعزا
إليهم بما في فعلهم هو آت
ستغدر بعدي من قريش عصابة
بعهدك دهرا أعظم الغدرات
سيبدين أسرارا ثوت في صدورهم
قديما من الأضغان والإحنات
سيفتن قوم عندها أيّ فتنة
وأنت سليم غير ذي فتنات
ويوسع غدرا منكم بعهوده
ويملأ غيظا قبل حين مماتي
وتوجد صبّارا شكورا مسلّما
كظوما لغيظ النفس ذا حكمات
* * *
ص: 343
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : ما رأيت منذ بعث اللّه محمدا صلى الله عليه و آله رخاء ، فالحمد
للّه ، ولقد خفت صغيرا ، وجاهدت كبيرا ، أقاتل المشركين ، وأعادي المنافقين ، حتى قبض اللّه نبيه صلى الله عليه و آله ، فكانت الطامة الكبرى ، فلم أزل
محاذرا وجلاً ، أخاف أن يكون ما لا يسعني فيه المقام ، فلم أر - بحمد اللّه - إلاّ خيرا ، حتى مات عمر ، فكانت أشياء ، ففعل اللّه ما شاء اللّه ، ثم أصيب فلان ، فما زلت بعد فيما ترون دائبا ، أضرب بسيفي صبيّا حتى كنت شيخا(1) .
عمرو بن حريث في حديثه : قال أمير المؤمنين عليه السلام : كنت أحسب أنّ الأمراء يظلمون الناس ، فإذا الناس يظلمون الأمراء(2) .
وقال الحميري :
ما زال مذ سلك السبيل محمد
ومضى لغير مذلّة مظلوما
ضامته أمّته وضيمهم له
قد كان أصغر ما يكون عظيما
* * *
أبو الفتح الحفار بإسناده : إنّ عليا عليه السلام قال : ما زلت مظلوما منذ كنت .
ص: 344
قيل له : عرفنا ظلمك في كبرك ، فما ظلمك في صغرك ؟ فذكر أنّ عقيلاً كان به رمد ، فكان لا يذرهما حتى يبدأوا بي(1)(2) .
قال ابن الحجاج :
وقديما كان العقيل تداوى
وسوى ذلك العليل عليل
حين كانت تذرّ عين علي
كلّما إلتاث أو تشكّى عقيل
* * *
ص: 345
ص: 346
ص: 347
ص: 348
الباقر عليه السلام في قوله - تعالى - : « إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ » ، قال : قال : أمير المؤمنين عليه السلام وشيعته « فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ »(1) .
محمد بن عبد اللّه بن الحسن عن آبائه ، والسدي عن أبي مالك عن ابن عباس ، ومحمد الباقر عليه السلام في قوله - تعالى - « وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللّهِ » : واللّه ، لهو علي بن أبي طالب عليهماالسلام(2) .
والسدي وأبو صالح وابن شهاب عن ابن عباس في قوله« وَيُبَشِّرُ الْمُؤمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ » قال : يبشّر محمد صلى الله عليه و آله بالجنّة عليا عليه السلام
ص: 349
وجعفرا وعقيلاً وحمزة وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، « الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ » قال : الطاعات(1) .
قوله : « أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ » علي وحمزة وعبيد بن الحارث ، « كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَْرْضِ » عتبة وشيبة والوليد(2) .
الصادق عليه السلام : إنّه أعتق ألف نسمة من كدّ يده(3) جماعة لا يحصون كثرة .
قال الحميري :
وأعتق ألفا ثم من صلب ماله
أراد بهم وجه الإله وثيبا
* * *
وله أيضا :
وأعتق من يديه ألف نفس
فأضحوا بعد رقّ معتقينا
* * *
ص: 350
وقال له رجل ، ورأى عنده وسق نوى : ما هذا يا أبا الحسن ؟ قال : مائة ألف عذق(1) إن شاء اللّه ، فغرسه فلم يغادر منه نواة واحدة(2) ، فهو من أوقافه .
ووقف مالاً بخيبر ، وبوادي القرى .
ووقف مال أبي نيزر ، والبغيبغة ، وأرباجا ، وأذينه ، ورعدا ، ورزينا ، ورباحا ، على المؤمنين ، وأمر بذلك أكثر ولد فاطمة عليهاالسلام من ذوي الأمانة والصلاح .
وأخرج مائة عين بينبع جعلها للحجيج ، وهو باق إلى يومنا هذا .
وحفر آبارا في طريق مكة والكوفة .
وبنى مسجد الفتح في المدينة ، وعند مقابل قبر حمزة ، وفي الميقات ، وفي الكوفة ، وجامع البصرة ، وفي عبادان ، وغير ذلك .
وكان يصوم النهار ، ويصلّي بالليل ألف ركعة(3) ، وعمر طريق مكة ، وصام مع النبي صلى الله عليه و آله سبع سنين ، وبعده ثلاثين سنة ، وحجّ مع النبي صلى الله عليه و آله
ص: 351
عشر حجج ، وجاهد في أيامه الكفار ، وبعد وفاته البغاة ، وبسط الفتاوى ، وأنشأ العلوم ، وأحيا السنن ، وأمات البدع .
قال بعض السادة :
مفرّق الأحزاب ضرّاب الطلى
مكسّر الأصنام كشّاف الغمم
الزاهد العابد في محرابه
الساجد الراكع في جنح الظلم
صام هجيرا وعلى سائله
جاد بإفطار الصيام ثم تم
* * *
وقال العبدي :
وكم غمرة للموت في اللّه خاضها
ولجّة بحر في الحكوم أقامها
وكم ليلة ليلاء للّه قامها
وكم صبحة مسجورة الحرّ صامها
* * *
ص: 352
أبو يعلى في المسند : أنّه قال : ما تركت صلاة الليل منذ سمعت قول النبي صلى الله عليه و آله : صلاة الليل نور .
فقال ابن الكواء : ولا ليلة الهرير ؟
قال : ولا ليلة الهرير .
إبانة العكبري : سليمان بن المغيرة عن أمّه قالت : سألت أم سعيد سريّة علي صلى الله عليه و آله عن صلاة علي صلى الله عليه و آله في شهر رمضان ، فقالت : رمضان وشوال
سواء ، يحيي الليل كلّه(1) .
النيسابوري في روضة الواعظين : أنّه قال عروة بن الزبير : سمع بعض التابعين أنس بن مالك يقول : نزلت في علي بن أبي طالب عليهماالسلام« أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً » الآية .
ص: 353
قال الرجل : فأتيت عليا عليه السلام وقت المغرب ، فوجدته يصلّي ويقرأ القرآن إلى أن طلع الفجر ، ثم جدّد وضوءه ، وخرج إلى المسجد ، وصلّى بالناس صلاة الفجر ، ثم قعد في التعقيب إلى أن طلعت الشمس ، ثم قصده الناس ، فجعل يقضي بينهم إلى أن قام إلى صلاة الظهر ، فجدّد الوضوء ، ثم صلّى بأصحابه الظهر ، ثم قعد في التعقيب إلى أن صلّى بهم العصر ، ثم كان يحكم بين الناس ويفتيهم إلى أن غابت الشمس(1) .
وفي تفسير القشيري : أنّه كان عليه السلام إذا حضر وقت الصلاة تلوّن وتزلزل ، فقيل له : ما لك ؟!
فيقول : جاء وقت أمانة عرضها اللّه - تعالى - « عَلَى السَّماواتِ وَ الأَْرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها » ، وحملها الإنسان في ضعفه ، فلا أدري أحسن إذا ما حملت أم لا !
عروة بن الزبير قال : تذاكرنا صالح الأعمال ، فقال أبو الدرداء : أعبد الناس علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، سمعته قائلاً بصوت حزين ، ونغمة شجيّة في موضع خال :
ص: 354
إلهي كم من موبقة حلمتها عنّي فقابلتها بنعمتك ، وكم من جريرة تكرّمت عليّ بكشفها بكرمك ، إلهي إن طال في عصيانك عمري ، وعظم في الصحف ذنبي ، فما أنا مؤمّل غير غفرانك ، ولا أنا براج غير رضوانك .
ثم ركع ركعات ، فأخذ في الدعاء والبكاء ، فمن مناجاته :
إلهي ، أفكّر في عفوك فتهون عليّ خطيئتي ، ثم أذكر العظيم من أخذك ، فتعظم عليّ بليّتي .
ثم قال : آه ، إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها وأنت محصيها ، فتقول : خذوه ، فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته ، ولا تنفعه قبيلته ، يرحمه الملأ(1) إذا أذن فيه بالنداء ، آهٍ من نار تنضج الأكباد والكلى ، آهٍ من نار نزاعة(2) للشوى ، آهٍ من غمرة من ملهبات لظى .
ثم أنعم(3) عليه السلام في البكاء ، فلم أسمع له حسّا ، فقلت : غلب عليه النوم ، أوقظه لصلاة الفجر ، فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة ، فحركّته فلم يتحرك ، فقلت : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، مات - واللّه - علي بن أبي طالب .
قال : فأتيت منزله مبادرا أنعاه إليهم ، فقالت فاطمة عليهاالسلام : ما كان من شأنه؟ فأخبرتها ، فقالت : هي - واللّه - الغشية التي تأخذه من خشية اللّه - تعالى - .
ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه ، فأفاق ونظر إليّ ، وأنا أبكي ، فقال :
ص: 355
ممّ بكاؤك يا أبا الدرداء ؟ فكيف ولو رأيتني ودعي بي إلى الحساب ، وأيقن أهل الجرائم بالعذاب ، واحتوشني ملائكة غلاظ ، وزبانية فظاظ ، فوقفت بين يدي الملك الجبار ، قد أسلمتني الأحباء ، ورحمني أهل الدنيا أشدّ رحمة لي بين يدي من لا يخفى عليه خافية(1) .
وأخذ زين العابدين عليه السلام بعض صحف عباداته، فقرأ فيها يسيرا، ثم تركها من يده تضجّرا وقال : من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب عليهماالسلام(2) .
أنس بن مالك قال : لمّا نزلت الآيات الخمس في طس « أَمَّنْ جَعَلَ الأَْرْضَ قَراراً » انتفض علي عليه السلام انتفاض العصفور ، فقال له رسول
اللّه صلى الله عليه و آله : ما لك يا علي ؟ قال : عجبت - يا رسول اللّه - من كفرهم ، وحلم اللّه - تعالى - عنهم .
فمسحه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيده ، ثم قال : أبشر ، فإنّه لا يبغضك مؤمن ، ولا يحبّك منافق ، ولولا أنت لم يعرف حزب اللّه (3) .
ص: 356
صاحب الحلية ، وأحمد في الفضائل عن مجاهد ، وصاحب مسنده العشرة ، وجماعة عن محمد بن الكعب القرطي :
أنّه رأى أمير المؤمنين عليه السلام أثر الجوع في وجه النبي صلى الله عليه و آله ، فأخذ إهابا فحوى وسطه ، وأدخله في عنقه ، وشدّ وسطه بخوص نخل ، وهو شديد الجوع ، فاطلع على رجل يستقي ببكرة .
فقال : هل لك في كلّ دلوة بتمرة ؟
فقال : نعم .
فنزح له حتى امتلأ كفّه ، ثم أرسل الدلو ، فجاء بها إلى النبي(1) صلى الله عليه و آله .
قال الحميري :
حدّثنا وهب وكان إمرؤ
يصدق بالمنطق عن جابر
أنّ عليا عاين المصطفى
ذا الوحي من مقتدر قادر
عاينه من جوعه مطرقا
صلّى عليه اللّه من صابر
وظلّ كالواله ممّا رأى
بصهره ذي النسب الفاخر
يجول إذ مرّ بذي حائط
يسقى بدلو غير مستأجر
قال له ما أنت لي جاعل
بكلّ دلو مترع ظاهر
فقال ما عندي سوى تمرة
بكلّ دلو غير ما غادر
فأترع الدلو إمام الهدى
يسقي به الماء من الخاسر
ص: 357
حتى استقى عشرين دلو على
عشر بقول العالم الخابر
ثم أتى بالتمر يسعى به
إلى أخيه غير مستأثر
فقال ما هذا الذي جئتنا
به هداك اللّه من زائر
فاقتص ما قد كان من أمره
في عاجل الأمر وفي الآخر
فضمّه ثم دعا ربّه
له بخير دائم ماطر
* * *
وله أيضا :
فقام يسعى حتى استقى فملا
كفّيه يسعى به أبو حسن
أدناه منه فقال حين قضى
صلاته اُدن لي فخبّرني
من أين هذا فقصّ قصّته
عليه مستعبرا جوى حزن
فضمّه أحمد كوامقه
يا لك من وامق ومحتضن
فقال ذا للبتول فاطمة
أوثرها مرّة وتؤثرني
وهاك هذا فأنت أوّل من
آثرني ذو العلى وأكرمني
* * *
ص: 358
ص: 359
ص: 360
ولاّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أداء سورة براءة ، وعزل به أبا بكر بإجماع المفسرين ونقلة الأخبار .
رواه الطبري، والبلاذري، والترمذي، والواقدي ، والشعبي ، والسدّي، والثعلبي ، والواحدي ، والقرطي ، والقشيري ، والسمعاني ، وأحمد بن حنبل ، وابن بطّة ، ومحمد بن إسحاق ، وأبو يعلى الموصلي ، والأعمش ، وسماك بن حرب في كتبهم عن عروة بن الزبير ، وأبي هريرة ، وأنس ، وأبي رافع ، وزيد بن نقيع ، وابن عمر ، وابن عباس ، واللفظ له :
إنّه لمّا نزل « بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ » إلى تسع آيات ، أنفذ النبي صلى الله عليه و آله أبا بكر إلى مكة لأدائها ، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال : إنّه لا يؤديها إلاّ أنت أو رجل منك .
فقال النبي صلى الله عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السلام : اركب ناقتي العضباء ، والحق أبا
بكر ، وخذ براءة من يده .
قال : ولمّا رجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه و آله جزع وقال : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّك أهّلتني لأمر طالت الأعناق فيه ، فلمّا توجّهت له رددتني عنه .
فقال صلى الله عليه و آله : الأمين هبط إليّ عن اللّه - تعالى - أنّه لا يؤدي عنك إلاّ أنت
ص: 361
أو رجل منك ، وعلي منّي ، ولا يؤدي عنّي إلاّ علي عليه السلام(1) .
وفي خبر : أنّ عليا عليه السلام قال له : إنّك خطيب وأنا حديث السنّ ، فقال : لابد من أن تذهب بها أو أذهب بها ، قال : أمّا إذا كان كذلك ، فأنا أذهب بها يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : اذهب ، فسوف يثبت اللّه لسانك ويهدي قلبك(2) .
أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال : خطب علي عليه السلام الناس ، فاخترط سيفه وقال : لا يطوفنّ بالبيت عريان ، ولا يحجّنّ البيت مشرك ، ومن كان له مدّة فهو إلى مدّته ، ومن لم يكن له مدّة ، فمدّته أربعة أشهر(3) .
زيادة في مسند الموصلي : ولا يدخل الجنّة إلاّ نفس مؤمنة(4) .
وهذا هو الذي أمر اللّه - تعالى - به إبراهيم حين قال « وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ » ، فكان اللّه - تعالى - أمر إبراهيم
عليه السلام الخليل بالنداء أولاً ، قوله : « وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ » ، وأمر الولي بالنداء آخرا ، قوله « وَأَذانٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ » .
ص: 362
قال السدي ، وأبو مالك ، وابن عباس ، وزين العابدين عليه السلام : الأذان علي بن أبي طالب عليهماالسلام الذي نادى به(1) .
تفسير القشيري : إنّ رجلاً قال لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام : فمن أراد منّا أن يلقى رسول اللّه صلى الله عليه و آله في بعض الأمور بعد انقضاء الأربعة ، فليس له عهد ؟
قال علي عليه السلام : بلى ، إنّ اللّه - تعالى - قال : « وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ »(2) إلى آخر الآية .
وفي الحديث عن الباقرين عليهماالسلام قالا : قام خداش وسعيد - أخو عمرو بن ودّ - فقال : وما يسرنا على أربعة أشهر ، بل برئنا منك ومن ابن عمّك ، فليس بيننا وبين ابن عمّك إلاّ السيف والرمح ، وإن شئت بدأنا بك ، فقال علي عليه السلام : هلمّوا ، ثم قال :« وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ » . . إلى قوله : « إِلى مُدَّتِهِمْ »(3) .
تفسير الثعلبي : قال المشركون : نحن نبرأ من عهدك وعهد ابن عمّك إلاّ من الطعن والضرب ، وطفقوا يقولون : إنّا منعناك أن تبرك(4) .
وفي رواية عن النسابة ابن الصوفي : إنّ النبي
صلى الله عليه و آله قال في خبر طويل : إنّ أخي موسى عليه السلام ناجى ربّه على جبل طور سيناء ، فقال في آخر الكلام :
ص: 363
امض إلى فرعون وقومه القبط ، وأنا معك لا تخف ، فكان جوابه ما ذكره اللّه - تعالى - « إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ » ، وهذا علي عليه السلام قد
أنفذته ليسترجع براءة ويقرأها على أهل مكة ، وقد قتل منهم خلقا عظيما ، فما خاف ولا توقف ولم تأخذه في اللّه لومة لائم(1) .
وفي رواية : فكان أهل الموسم يتلهّفون عليه ، وما فيهم إلاّ من قتل أباه أو أخاه أو حميمه ، فصدّهم اللّه عنه ، وعاد إلى المدينة سالما(2) .
وكان أنفذه أوّل يوم من ذي الحجة سنة تسع من الهجرة ، وأدّاها إلى الناس يوم عرفة ويوم النحر(3) .
* * *
قال الحميري :
من كان أذّن منهم ببراءة
في المشركين فأنذر الكفارا
منكم برأنا أجمعين فأشهر
في الأرض سيروا كلّكم فرارا
* * *
وله أيضا :
من كان أرسله النبي بسورة
في الحجّ كانت فيصلاً وقضاء
* * *
ص: 364
وله أيضا :
براءة حين ردّ بها زريقا
وكان بأن يبلّغها ضنينا
وقال له رسول اللّه أنّى
يؤدي الوحي إلاّ الأقربونا
* * *
وقال ابن حماد :
بعث النبي براءة مع غيره
فأتاه جبريل يخبّ(1) ويوضع
قال ارتجعها وأعطها أولى الورىبأدائها وهو البطين الأنزع
فانظر إلى ذي النص من ربّ العلىيختصّ ربّي من يشاء ويرفع
* * *
وقال ابن أبي الحديد :
ولا كان يوم الغار يهفو جنانه
حذار ولا يوم العريش تسترا
ولا كان معزولاً غداة براءة
ولا عن صلاة أمّ فيها مؤخرا
ولا كان في بعث ابن زيد مؤمرا
عليه فأضحى لابن زيد مؤمرا
* * *
وله أيضا :
ففي براءة أعطيت الأداء لها
لمّا أتيت عليا بالبلاغ وفى
ص: 365
أ لّفت شمل الهدى بالسيف مجتهدا
لولاك لم تك في حال بمؤتلف
* * *
وقال الصاحب بن عباد :
سورة التوبة من وليّها
بينوا الحقّ ومن ذا صرفا
* * *
وله أيضا :
أذكرا أمر براءة
واصدقاني من تلاها
واذكرا من زوّج الز
هراء كيما يتناهى
* * *
وقال ابن علوية الأصفهاني :
أم أيّهم فخر الأنام بخصلة
طالت طوال فروع كلّ عنان
من بعد إذ بعث النبي إلى منى
ببراءة من كان بالخوان
فيها فاتبعه رسولاً ردّه
تعدو به القصوى كالسرحان
كانت لوحي منزل وافى به
الروح الأمين فقصّ عن تبيان
إذ قال لا عنّي يؤدي حجّتي
إلاّ أنا أو لي نسيب دان
* * *
وقال آخر :
وأعلم أصحاب النبي محمد
وأقضاهم من بعد علم وخبرة
براءة أداها إلى أهل مكة
بأمر الذي أعلى السماء بقدرة
* * *
ص: 366
وأمّا قول الجاحظ أنّه كانت عادة العرب في عقد الحلف وحلّ العقد أنّه كان لا يتولّى ذلك إلاّ السيد منهم ، أو رجل من رهطه(1) ، فإنّه أراد أن يذمّه فمدحه .
وأجمع أهل السير وقد ذكره التاريخي : إنّ النبي صلى الله عليه و آله بعث خالدا إلى اليمن يدعوهم إلى الإسلام ، فيهم البراء بن عازب ، فأقام ستة أشهر فلم يجبه أحد ، فساء ذلك على النبي صلى الله عليه و آله ، وأمره أن يعزل(2) خالد .
فلمّا بلغ أمير
المؤمنين عليه السلام القوم صلّى بهم الفجر ، ثم قرأ على القوم كتاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأسلم همدان كلّها في يوم واحد ، وبايع أهل اليمن على الإسلام .
فلمّا بلغ ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله خرّ للّه ساجدا ، وقال : السلام على همدان(3) .
ص: 367
ومن أبيات لأمير المؤمنين عليه السلام في يوم صفين :
ولو أنّ يوما كنت بواب جنة(1)
لقلت لهمدان ادخلوا بسلام(2)
* * *
واستنابه لمّا أنفذه إلى اليمن قاضيا ، على ما أطبق عليه الولي والعدوّ ، على قوله صلى الله عليه و آله وضرب على صدره وقال : اللّهم سدّده ولقّنه فصل الخطاب .
قال : فما شككت في قضاء بين إثنين بعد ذلك اليوم(3) .
رواه أحمد بن حنبل ، وأبو يعلى في مسنديهما ، وابن بطّة في الإبانة من أربعة طرق .
واستنابه حين أنفذه إلى المدنية لمهمّ شرعي ، ذكره أحمد في المسند
ص: 368
والفضائل ، وأبو يعلى في المسند ، وابن بطّة في الإبانة ، والزمخشري في الفائق ، واللفظ لأحمد :
قال علي عليه السلام : كنّا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله في جنازة ، فقال : من يأت المدينة
فلا يدع قبرا إلاّ سوّاه ، ولا صورة إلاّ لطخها ، ولا صنما إلاّ كسره ، فقام رجل فقال : أنا ، ثم هاب أهل المدينة ، فجلس .
فانطلقت ، ثم جئت فقلت : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لم أدع بالمدينة قبرا إلاّ سوّيته ، ولا صورة إلاّ لطختها ، ولا وثنا إلاّ كسرته .
قال : فقال صلى الله عليه و آله : من عاد فصنع شيئا من ذلك فقد كفر بما أنزل اللّه على محمد صلى الله عليه و آله(1) . . الخبر .
واستنابه في ذبح باقي إبله فيما زاد على ثلاثة وستين .
روى إسماعيل البخاري ، وأبو داود السجستاني ، والبلاذري ، وأبو يعلى الموصلي ، وأحمد بن حنبل ، وأبو القاسم الأصفهاني في الترغيب ، واللفظ له :
عن جابر وابن عباس قال : أهدى رسول اللّه صلى الله عليه و آله مائة بدنة ، فقدم
علي عليه السلام من المدينة ، فأشركه في بدنه بالثلث ، فنحر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ستّا
ص: 369
وستّين بدنة ، وأمر عليا عليه السلام فنحر أربعا وثلاثين ، وأمره النبي صلى الله عليه و آله من كلّ جزور ببضعة ، فطبخت فأكلا من اللحم ، وحسيا من المرق(1) .
وفي رواية مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي عليه السلام قال : أمرني رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن أقوم على البدن ، قال : فإذا نحرتها فتصدّق بجلودها وبجلالها(2) وبشحومها(3) .
وفي رواية : أن لا أعطي الجازر منها قال : نحن(4) نعطيه من عندنا(5) .
كافي الكليني : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : نحر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بيده ثلاثا وستّين ، ونحر علي عليه السلام ما غبر(6)(7) .
تهذيب الأحكام : إنّ النبي صلى الله عليه و آله لمّا فرغ من السعي قال : هذا جبرئيل عليه السلام يأمرني بأن آمر من لم يسق هديا أن يحلّ ، ولو استقبلت
ص: 370
من أمري ما استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم ، ولكنّي سقت الهدي .
وكان عليه السلام ساق الهدي ستّا وستّين ، أو أربعا وستّين ، وجاء علي عليه السلام
من اليمن بأربع وثلاثين ، أو ستّ وثلاثين .
وقال لعلي عليه السلام : بما أهللت ؟ قال : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إهلالاً كإهلال النبي صلى الله عليه و آله ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : كن على إحرامك مثلي ، وأنت شريكي في هديي .
فلمّا رمى الجمرة نحر رسول اللّه صلى الله عليه و آله منها ستّا وستّين ، ونحر علي عليه السلام
أربعا وثلاثين(1) .
قال الحميري :
شريك رسول اللّه في البدن التي
حداها هدايا عام حجّ فودّعا
فلم يعد أن وافى الهدي محلّه
دعا بالهدايا مشعرات فصرّعا
بكعبة ستّا بعد ستّين بكرة
هدايا له قد ساقها مائة معا
وفاز علي الخير منه بأنيق
ثلاثين بل زادت على ذاك أربعا
فنحّرها ثم اجتذى من جميعها
جذا ثم ألقى ما اجتذى منه أجمعا
بقدر فأغلاها فلمّا أتت أتى
بها قد تهوّى لحمها وتميّعا
فقال له كل واحس منها ومثل ما
تراني بإذن اللّه أصنع فاصنعا
ولم يطعما خلقا من الناس بضعة
ولا حسوة من ذاك حتى تضلّعا(2)
* * *
ص: 371
واستنابه في التضحّي ، الحاكم بن البيع في معرفة علوم الحديث : حدّثنا أبو نصر سهل الفقيه عن صالح بن محمد بن الحبيب عن علي بن حكيم عن شريك عن أبي الحسناء عن الحكم بن عتيبة عن رزين بن حنيس قال :
كان علي عليه السلام يضحّي بكبشين ، بكبش عن النبي صلى الله عليه و آله ، وبكبش عن نفسه ، وقال : كان أمرني رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن أضحي عنه ، فأنا أضحّي عنه أبدا(1) ، ورواه أحمد في الفضائل .
واستنابه في إصلاح ما أفسده خالد ، وروى البخاري : أنّ النبي صلى الله عليه و آله بعث خالدا في سريّة ، فأغار على حيّ أبي زاهر الأسدي(2) .
وفي رواية الطبري : أنّه أمر بكتفهم ، ثم عرضهم على السيف ، فقتل منهم من قتل ، فأتوا بالكتاب الذي أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمانا له ولقومه إلى النبي صلى الله عليه و آله .
قالوا جميعا : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : اللّهم إنّي أبرأ إليك ممّا صنع خالد(3) .
وفي رواية الخدري : اللّهم إنّي أبرأ من خالد ثلاثا .
ص: 372
ثم قال عليه السلام : أمّا متاعكم فقد ذهب ، فاقتسمه المسلمون ، ولكنّي أردّ عليكم مثل متاعكم .
ثم إنّه قدم على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثلاث رزم(1) من متاع اليمن ، فقال : يا علي عليه السلام فاقض ذمّة اللّه وذمّة رسوله ، ودفع إليه الرزم الثلاث .
فأمر علي عليه السلام بنسخة ما أصيب لهم ، فكتبوا ، فقال : خذوا هذه الرزمة فقوّموها بما أصيب لكم ، فقالوا : سبحان اللّه ، هذا أكبر ممّا أصيب لنا .
فقال : خذوا هذه الثانية ، فاكسوا عيالكم وخدمكم ، ليفرحوا بقدر ما حزنوا .
وخذوا الثالثة بما علمتم ، وما لم تعلموا لترضوا عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فلمّا قدم علي عليه السلام على رسول اللّه صلى الله عليه و آله أخبره بالذي كان منه ، فضحك رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى بدت نواجذه ، وقال : أدّى اللّه عن ذمّتك كما أدّيت عن ذمّتي(2) .
ونحو ذلك روي أيضا في بني جذيمة .
ص: 373
قال الحميري :
من ذا الذي أوصى إليه محمد
يقضي العدات فأنفذ الاقضاء
* * *
وقد ولاّه في ردّ الودائع لمّا هاجر إلى المدينة ، استخلف صلى الله عليه و آلهعليا عليه السلام في أهله وماله ، فأمره أن يؤدي عنه كلّ دين ، وكلّ وديعة ، وأوصى إليه بقضاء ديونه(1) .
الطبري بإسناده له عن عباد عن علي عليه السلام : أنّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من يؤدّي عنّي ديني ، ويقضي عداتي ، ويكون معي في الجنّة ؟ قلت : أنا يا رسول اللّه (2) صلى الله عليه و آله .
فردوس الديلمي : قال سليمان : قال صلى الله عليه و آله : علي بن أبي طالب ينجز عداتي ، ويقضي ديني(3) .
أحمد في الفضائل : عن ابن آدم السلولي وحبشي بن جنادة السلولي : قال النبي صلى الله عليه و آله : علي منّي ، وأنا منه ، ولا يقضي عنّي ديني إلاّ أنا أو علي(4) .
ص: 374
وقوله : يقضي ديني ، وينجز وعدي(1) .
وقوله : أنت قاضي ديني(2) ، في روايات كثيرة .
قتادة : بلغنا أنّ عليا عليه السلام نادى ثلاثة أعوام بالموسم : من كان له على رسول اللّه صلى الله عليه و آله دين ، فليأتنا نقضي عنه(3) .
وروت العامة عن حبشي بن جنادة : أنّه أتى رجل أبا بكر فقال : رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعدني أن يحثو لي ثلاث حثيات(4) من تمر .
فقال : يا علي ، فاحثها له ، فعدّها أبو بكر ، فوجد في كلّ حثية ستيّن تمرة .
فقال : صدق رسول اللّه صلى الله عليه و آله سمعته يقول : يا أبا بكر ، كفّي وكفّ علي في العدد سواء .
ودين النبي صلى الله عليه و آله إنّما كان عداته ، وهي ثمانون ألف درهم فأدّاها(5) .
* * *
ص: 375
قال الحميري :
وأدّيت عنه كلّ عهد وذمّة
وقد كان فيها واثقا بوفائكا
فقلت له أقضي ديونك كلّها
وأقضي بانجاز جميع عداتكا
ثمانين ألفا أو تزيد قضيتها
فأبرأته منها بحسن قضائكا
* * *
وله أيضا :
أدّى ثمانين ألفا عنه كاملة
لا بل يزيد فلم يغرم وقد غنما
يدعو إليها ولا يدعو ببينة
لا بل يصدّق فيها زعم من زعما
حتى يخلّصه منها بذمّته
إنّ الوصي الذي لا يخفر الذمما
* * *
وله أيضا :
قضيت ديونه عنه فكانت
ديون محمد ليست بغرم
ثمانين ألفا باع فيها تلاده
موقرة أرباتها لم تهضم
فما زال يقضي دينه وعداته
ويدعو إليها قائما كلّ موسم
يقول لأهل الدين أهلاً ومرحبا
مقالة لا منّ ولا متجهم
وينشدها حتى يخلص ذمّة
ببذل عطايا ذي ندى متقسم
* * *
وممّا قضى عنه الدين دين اللّه الذي هو أعظم ، وذلك ما كان افترضه
ص: 376
اللّه عليه ، فقبض - صلوات اللّه عليه - قبل أن يقضيه ، وأوصى عليا عليه السلام بقضائه عنه ، وذلك قول اللّه - تعالى - « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَالْمُنافِقِينَ » ، فجاهد الكفار في حياته ، وأمر عليا عليه السلام بجهاد المنافقين بعد وفاته ، فجاهد الناكثين والقاسطين والمارقين ، وقضى بذلك دين رسول اللّه صلى الله عليه و آله الذي كان لربّه عليه .
وإنّه صلى الله عليه و آله جعل طلاق نسائه إليه(1) .
أبو الدرّ علي المرادي ، وصالح مولى التومة عن عائشة : إنّ النبي صلى الله عليه و آله جعل طلاق نسائه إلى علي عليه السلام.
الأصبغ بن نباتة قال : بعث علي عليه السلام يوم الجمل إلى عائشة : ارجعي وإلاّ تكلّمت بكلام تبرين من اللّه ورسوله(2) .
وقال أمير المؤمنين للحسن عليهماالسلام : اذهب إلى فلانة ، فقل لها : قال لك أمير المؤمنين عليه السلام : والذي فلق الحبّة والنوى ، وبرأ النسمة ، لئن لم ترحلي الساعة لأبعثن إليك بما تعلمين .
فلمّا أخبرها الحسن عليه السلام بما قال أمير المؤمنين عليه السلام قامت ، ثم قالت : رحّلوني ، فقالت لها إمرأة من المهالبة : أتاك ابن عباس شيخ بني هاشم حاورتيه ، وخرج من عندك مغضبا ، وأتاك غلام فأقلعت ؟!
ص: 377
قالت : إنّ هذا الغلام ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فمن أراد أن ينظر إلى مقلتي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلينظر إلى هذا الغلام ، وقد بعث إليّ بما علمت .
قالت : فأسألك بحقّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليك إلاّ أخبرتنا بالذي بعث إليك ، قالت : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله جعل طلاق نسائه بيد علي عليه السلام ، فمن طلّقها في الدنيا بانت منه في الآخرة(1) .
وفي رواية : كان النبي صلى الله عليه و آله يقسم نفلاً في أصحابه ، فسألناه أن يعطينا منه شيئا ، وألححنا عليه في ذلك ، فلامنا علي عليه السلام ، فقال : حسبكن ما أضجرتن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فتجهّمناه ، فغضب النبي صلى الله عليه و آله ممّا استقبلنا به عليا عليه السلام .
ثم قال : يا علي ، إنّي قد جعلت طلاقهن إليك ، فمن طلقتها منهن فهي بائنة ، ولم يوقت النبي صلى الله عليه و آله في ذلك وقتا في حياة ولا موت ، فهي تلك الكلمة ، فأخاف أن أبين من رسول اللّه (2) صلى الله عليه و آله .
قال خطيب خوارزم :
علي في النساء له وصي
أمين لم يمانع بالحجاب
* * *
واستنابه في مبيته على فراشه ليلة الغار .
ص: 378
واستنابه في نقل الحرم إلى المدينة بعد ثلاثة أيام .
واستنابه في قتل الصناديد من قريش ، وولاّه عليهم عند هزيمتهم .
واستنابه في خاصّة أمره ، وحفظ سرّه ، مثل حديث مارية لما قرفوها(1)(2) .
واستنابه على المدينة لمّا خرج إلى تبوك .
وولاّه حين بعثه إلى فدك .
وولاّه الخروج إلى بني زهرة .
وولاّه يوم أحد في أخذ الراية ، وكان صاحب راياته دونهم .
وولاّه على نفسه عند وفاته ، وعلى غسله ، وتكفينه ، والصلاة عليه ، ودفنه(3) .
وقد روي عنه عليه السلام : إنّا أهل بيت النبوة والرسالة والإمامة ، وأنّه لا يجوز أن يقبّلنا عند ولادتنا القوابل ، وأنّ الإمام لا يتولّى ولادته وتغميضه وغسله ودفنه إلاّ إمام مثله .
ص: 379
فتولّى ولادته عليه السلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وتولّى وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آلهعلي عليه السلام ، وتولّى أمير المؤمنين عليه السلام ولادة الحسن والحسين عليهماالسلام ، وتولّيا وفاته(1) .
ووصّى إليه أمر الأمّة على ما يأتي بيانه إن شاء اللّه .
وقد استنابه يوم الفتح في أمر عظيم ، فإنّه وقف حتى صعد على كتفيه ، وتعلّق بسطح البيت وصعد ، وكان يقلع الأصنام بحيث يهتزّ حيطان البيت ، ويرمي بها فتنكسر .
ورواه أحمد بن حنبل ، وأبو يعلى الموصلي في مسنديهما ، وأبو بكر الخطيب في تاريخه ، ومحمد بن الصباح الزعفراني في الفضائل ، والخطيب الخوارزمي في أربعينه ، وأبو عبد اللّه النطنزي في الخصائص ، وأبو المضا صبيح مولى الرضا عليه السلام قال :
سمعته يحدّث عن أبيه عن جدّه في قوله - تعالى - « وَرَفَعْناهُ ّمَكاناً عَلِيًّا » قال : نزلت في صعود علي عليه السلام على ظهر النبي صلى الله عليه و آله لقلع الصنم .
أبو بكر الشيرازي في نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين عليه السلام عن قتادة عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال : قال لي جابر بن عبد اللّه :
ص: 380
دخلنا مع النبي صلى الله عليه و آله مكة ، وفي البيت وحوله ثلاثمائة وستّون صنما ، فأمر بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فألقيت كلّها لوجوهها ، وكان على البيت صنم طويل يقال له « هبل » ، فنظر النبي صلى الله عليه و آله إلى علي عليه السلام وقال له : يا علي ، تركب عليّ ؟ أو أركب عليك ؟ لألقي هبل عن ظهر الكعبة ؟
قلت : يا رسول اللّه ، بل تركبني .
فلمّا جلس على ظهري لم أستطع حمله لثقل الرسالة ، قلت : يا رسول اللّه ، بل أركبك .
فضحك ، ونزل وطأطأ لي ظهره ، واستويت عليه ، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لو أردت أن أمسك السماء لأمسكتها بيدي ، فألقيت هبل عن ظهر الكعبة ، فأنزل اللّه - تعالى - « وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً »(1) .
وروى أحمد بن حنبل وأبو بكر الخطيب في كتابيهما بالإسناد عن نعيم بن حكيم المدائني قال : حدّثني أبو مريم عن علي بن أبي طالب عليهماالسلام قال :
انطلق بي رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى الأصنام ، فقال : اجلس ، فجلست إلى جنب الكعبة ، ثم صعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله على منكبي ، ثم قال لي : انهض بي إلى الصنم ، فنهضت به ، فلمّا رأى ضعفي عنه ، قال : اجلس ، فجلست وأنزلته عنّي .
وجلس لي رسول اللّه
صلى الله عليه و آله ثم قال لي : اصعد يا علي ، فصعدت على منكبه ، ثم نهض رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا نهض بي خيل لي أنّي لو شئت نلت
ص: 381
السماء ، وصعدت على الكعبة ، وتنحّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فألقيت صنمهم الأكبر ، صنم قريش ، وكان من نحاس ، موتّدا بأوتاد من حديد إلى الأرض(1) . . الخبر .
وفي رواية الخطيب : فإنّه تخيّل إليّ أنّي لو شئت لنلت أفق السماء(2) .
وحدّثني أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي عن إسماعيل بن أحمد الواعظ عن أبي بكر البيهقي بإسناده عن أبي مريم عن أمير المؤمنين عليه السلام قال :
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : احملني لنطرح الأصنام عن الكعبة ، فلم أطق حمله ، فحملني ، فلو شئت أتناول السماء فعلت(3) .
وفي خبر : واللّه ، لو شئت أن أنال السماء بيدي لنلتها(4) .
وروى القاضي أبو عمر وعثمان بن أحمد عن شيوخ بإسناده عن ابن عباس قال :
قال النبي صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : قم بنا إلى الصنم في أعلى الكعبة لنكسره ، فقاما جميعا ، فلمّا أتياه قال له النبي صلى الله عليه و آله : قم على عاتقي حتى أرفعك عليه ، فأعطاه علي عليه السلام ثوبه ، فوضعه رسول اللّه صلى الله عليه و آله على عاتقه .
ص: 382
ثم رفعه حتى وضعه على البيت ، فأخذ علي عليه السلام الصنم - وهو من نحاس - فرمى به من فوق الكعبة ، فنادى رسول اللّه صلى الله عليه و آله : انزل ، فوثب من أعلى الكعبة كأنّما كان له جناحان(1) .
ويقال : إنّ عمر كان تمنّى ذلك ، فقال صلى الله عليه و آله : إنّ الذي عبده لا يقلعه .
ولمّا صعد أبو بكر المنبر نزل مرقاة ، فلمّا صعد عمر نزل مرقاة ، فلمّا صعد عثمان نزل مرقاة ، فلمّا صعد علي عليه السلام صعد إلى موضع يجلس عليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فسمع من الناس ضوضاء ، فقال : ما هذه الذي أسمعها ؟ قالوا : لصعودك إلى موضع رسول اللّه صلى الله عليه و آله الذي لم يصعده الذي تقدّمك .
فقال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : من قام مقامي ، ولم يعمل بعملي ، أكبّه اللّه في النار ، وأنا - واللّه - العامل بعمله ، الممتثّل قوله ، الحاكم بحكمه ، فلذلك قمت هنا .
ثم ذكر في خطبته : معاشر الناس ، قمت مقام أخي ، وابن عمّي ، لأنّه أعلمني بسرّي وما يكون منّي ، فكأنّه قال :
أنا الذي وضعت قدمي على خاتم النبوة ، فما هذه الأعواد ، أنا من محمد ، ومحمد منّي(2) .
ص: 383
وقال عليه السلام في خطبة الإفتخار : أنا كسرت الأصنام ، أنا رفعت الأعلام ، أنا بنيت الإسلام .
قال ابن نباتة : حتى شدّ به أطناب الإسلام ، وهدّ به أحزاب الأصنام ، فأصبح الإيمان فاشيا بأقياله ، والبهتان متلاشيا بصياله(1) ، ولمقام إبراهيم عليه السلام شرف على كلّ حجر لكونه مقاما لقدم إبراهيم ، فيجب أن يكون قدم علي عليه السلام أكرم من رؤوس أعدائه ، لأنّ مقامه كتف النبوة .
والغالية والمشبهة تقول أكثر من هذا ، كما أنشد شاعرهم .
وقد روي عن أبي نؤاس :
قيل لي قل في علي المرتضى
كلمات تطفى ء نارا موقده
قلت لا يبلغ قولي رجلاً
حار ذو الجهل إلى أن عبده
وعلي واضعا رجلاً له
بمكان وضع اللّه يده
* * *
وأنشد آخر :
قالوا مدحت علي الطهر قلت لهم
كلّ امتداح جميع الأرض معناه
ماذا أقول لمن حطّت له قدم
في موضع وضع الرحمن يمناه
* * *
ص: 384
وقال الشريف المرتضى :
ولنا من البيت المحرّم كلّما
طافت به في موسم أقدامه
وبجدّنا وبصنوه دحيت عن
البيت الحرام وزعزعت أصنامه
وهما علينا أطلعا شمس الهدى
حتى استنار حلاله وحرامه
* * *
وقال مهيار :
فمن آية الباب يوم اليهود
ومن صاحب الجنّ يوم الخسيف
ومن جمع الدين في يوم بدر
وأحد بتفريق تلك الصفوف
وهدم في اللّه أصنامهم
بمرأى عيون عليه عكوف
* * *
وقال أبو الحسن القمّي :
والمرتقي كتف النبي بمكة
في مجمع للمسلمين كثيف
* * *
وقال ابن الحجاج :
جاوز الروم والنصارى
يحانون بمقتل الصلبان
مثل ما كان قد جرى من علي
من إمام الهدى على الأوثان
* * *
وقال العوني :
علي علا ظهر النبي توطيّا
فهل ظهره شيخاكما يطئان
* * *
ص: 385
وله أيضا :
كسرت أصنام أهل الشرك ويلهم
لمّا علوت من الهادي على الكتف
* * *
وله أيضا :
أمير
المؤمنين أبو تراب
بنى الإسلام بالبيض الرقاق
غياث محمد في كلّ كرب
إذا ما الحرب قامت فوق ساق
وجاهد في سبيل اللّه ما إن
يحاني في الجهاد ولا يتاقي
علي كاسر الأصنام لمّا
رقى كتف النبي إلى بساق
* * *
وله أيضا :
ومن ارتقى كتف النبي محمد
وكذلك ابنا فاطم الزهراء
ما شأن عرسهم وكيف تباهلوا
دون الورى كما هو الإملاء
* * *
وله أيضا :
فهذا ويوم الفتح نادى محمد
ألا قم إلى الأصنام حيدر فاقلع
وطأطأ له حتى اعتلى فوق ظهره
فأجلل بهذا من مقام وأرفع
فقال علي لو أشأ نلت عندها
سما اللّه أو رمت النجوم أتت معي
* * *
وقال دعبل :
علي رقى كتف النبي محمد
فهل كسر الأصنام خلق سوى علي
ص: 386
وقال الزاهي :
مكسّر الأصنام في اليوم الذي
أريح عن وجه الهدى عماسه(1)
رقى على الكاهل من خير الورىوالدين مقرون به انباسه(2)
ونكس اللاّت وألقى هبلاًمهشّما يقلبه انتكاسه
وقام مولاي على البيت وقدطهر إذ فارقه انجاسه
* * *
وقال ابن رزيك :
أمّا علي علت رجلاه كاهل
خير الخلق حتى أزال العزّ عن هبل
* * *
وقال القمّي :
علي تعالى منكب النور أحمد
فأهوى إليه بالصليب المهشّم
* * *
وقال خطيب خوارزم :
علي كاسر الأصنام لمّا
علا كتف النبي بلا احتجاب(3)
* * *
ص: 387
وقال المفجع :
رام حمل النبي كي يقلع الأصنام
من سخطها المشول الجثيا(1)
فحباه ثقل النبوة حتىكاد ينآد تحته مثنيا
فارتقى منكب النبي عليصنوه ما أجلّ ذاك رقيّا
فأماط الأوثان عن طابةالكعبة ينقي الأرجاس عنها نقيّا
ولو أنّ الوصي حاول مسّ النجمبالكفّ لم يجده قصيّا
* * *
وقال المرزوقي ، ويقال « للحصفكي » :
يا ربّ بالقدم التي أوطأتها
من قاب قوسين المحل الأعظما
وبحرمة القدم التي جعلت لها
كتف المؤيّد بالرسالة سلّما
اجعلهما ربّي إليك وسيلتي
في يوم حشر أن أزور جهنّما
* * *
وقال السروجي :
رقى على ظهر النبي حيدر
من دون جمع بين بدو وحضر
حتى علا البيت وألقى هبلا
من كعبة اللّه سريعا وانحدر
* * *
وقال الناشئ :
أما علا من خاتم الرسل كاهلاً
وقد كان عبلاً يحمل الظهر كاهله
ولكن رسول اللّه علاّه عامدا
على كتفيه كي تناهى فضائله
ص: 388
وذلك يوم الفتح والبيت قبله
ومن حوله الأصنام والكفر شامله
فشرّفه خير الأنام بحمله
فبورك محمولاً وبورك حامله
فلمّا دحى الأصنام أومى بكفّه
فكادت تنال الأفق منه أنامله
أيعجز عنه من دحى باب خيبر
ويحمله أفراسه ورواحله
* * *
وله أيضا :
أقام دين الإله إذا كسرت
يداه من فتح مكة هبلا
علا على كاهل النبي ولو
رام احتمالاً لأحمد حملا
ولو أراد النجوم لامسها
هنّاه ذو العرش ما به كفلا
* * *
وله أيضا :
وكسّر أصناما لدى فتح مكة
فأورث حقدا كلّ من عبد الوثن
فأبدت له عليا قريش تراتها
فأصبح بعد المصطفى الطهر في محن
يعادونه إذ أخفت الكفر سيفه
وأضحى به الدين الحنيفي قد علن
* * *
وقال خطيب منبج :
ومن نهض النبي به فأضحى
بأصنام البنية مستهينا
دحى باللاّت والعزّى جميعا
على هبل فغادر مستهينا
ولم يسجد له من قبل طوعا
كما كانوا بمكة ساجدينا
أجيب دعاء إبراهيم فيه
فكان لها من المتجنبينا
ص: 389
وقال غيره :
ومن علا ظهر النبي وارتقى
وكسّر الأصنام بالنصر
* * *
وحديث الإرتقاء مثل حديث المعراج سواء ، وقد روي كلّ واحد منهما من وجهين في زمانين مختلفين ، فيدلّ هذا على أنّ كلّ واحد منهما كان مرّتين .
مسند أبو يعلى : أبو مريم قال علي عليه السلام : انطلقت مع رسول اللّه صلى الله عليه و آلهليلاً حتى أتينا الكعبة ، فقال لي : اجلس ، فجلست ، فصعد رسول اللّه صلى الله عليه و آلهعلى منكبي ، ثم نهضت به .
فلمّا رأى ضعفي عنه قال : اجلس ، فجلست ، فنزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وجلس لي وقال : اصعد على منكبي ، ثم صعدت عليه ، ثم نهض بي حتى أنّه ليخيّل إليّ لو شئت نلت أفق السماء ، وصعدت على البيت ، فأتيت صنم قريش ، وهو تمثال رجل من صفر أو نحاس(1) . . الحديث .
وروى إسماعيل بن محمد الكوفي في خبر طويل عن ابن عباس : أنّه كان صنم لخزاعة من فوق الكعبة ، فقال له النبي صلى الله عليه و آله : يا أبا الحسن ، انطلق بنا نلقي هذا الصنم عن البيت .
ص: 390
فانطلقا ليلاً ، فقال له : يا أبا الحسن ، ارق على ظهري ، وكان طول الكعبة أربعين ذراعا ، فحمله رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : انتهيت يا علي ؟ قال : والذي بعثك بالحقّ ، لو هممت أن أمسّ السماء بيدي لمسستها ، واحتمل الصنم ، وجلد به الأرض ، فتقطّع قطعا ، ثم تعلّق بالميزاب ، وتخلّى بنفسه إلى الأرض .
فلمّا سقط ضحك ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : ما يضحك يا علي ، أضحك اللّه سنّك ؟ قال : ضحكت - يا رسول اللّه - تعجبا من أنّي رميت بنفسي من فوق البيت إلى الأرض فما ألمت ، ولا أصابني وجع ، فقال : كيف تألم - يا أبا الحسن - أو يصيبك وجع ، إنّما رفعك محمد صلى الله عليه و آله ، وأنزلك جبرئيل(1) عليه السلام .
وفي أربعين الخوارزمي في خبر طويل : فانطلقت أنا والنبي صلى الله عليه و آله ، وخشينا أن يرانا أحد من قريش أو غيرهم ، فقذفته فتكسّر ، ونزوت من فوق الكعبة(2) .
قال ابن الأسود الكاتب :
أمن سرى معه سواء عندما
مضيا بعون اللّه يبتدران
نحو البنيّة بيته العالي الذي
ما زال يعرف شامخ البنيان
ص: 391
حتى إذا أتيا إليه بسدفة
وهما لما قصدا له وجلان(1)
ويفرّق الكفار عن أركانهوخلا المقام وهوّم الحيان
أهوى ليحمله رآه وصيّهفونى ونى سوّي لألف هدان(2)
إنّ النبوة لم يكن ليقيلهاإلاّ نبي أيّد النهضان
فحنى النبي له مطاه وقال قمفاركب ولا تك عنه بالخشيان
فعلاه وهو له مطيع سامعبأبي المطيع مع المطاع الحاني
ولو أنّه منه يروم بنانهنجما لنال مطالع الدبران
فتناول الصنم الكبير فرجّهمن فوقه ورماه بالكدان(3)
حتى تحطّم منكباه ورأسهووهى القوائم والتقى الطرفان
ونحا بصمّ جلامد أوثانهمفأبادها بالكسر والإيهان
وغدا عليه الكافرون بحسرةوهم بلا صنم ولا أوثان
* * *
وقال الحميري :
وليلة خرجا فيها على وجل
وهما يجوبان دون الكعبة الظلما
حتى إذا انتهيا قال النبي له
إنّا نحاول أن نستنزل الصنما
من فوقها فاعل ظهري ثم قام به
خير البرية ما استحيى وما احتشما
حتى إذا ما استوت رجلاً أبي حسن
أهوى به لقرار الأرض فانحطما
ناداه أحمد أن ثب يا علي لقد
أحسنت بارك ربّي فيك فاقتحما
ص: 392
وله أيضا :
وليلة قاما يمشيان بظلمة
يجوبان جلبابا من الليل غيهبا
إلى صنم كانت خزاعة كلّها
توقّره كي يكسراه ويهربا
فقال اعل ظهري يا علي وحطّه
فقام به خير الأنام مركبا
يغادره فضّا جذاذا وقال ثب
جزاك به ربّى جزاء مؤربا
* * *
فهذه دلالات ظاهرة على أنّه أقرب الناس إليه ، وأخصّهم لديه ، وأنّه ولي عهده ووصيه على أمّته من بعده ، وأنّه صلى الله عليه و آله لم يستنب المشائخ في شيء إلاّ ما روى في أبي بكر أنّه استنابه في الحجّ ، وفي قول عائشة : مروا أبا بكر ليصلّي بالناس(1) ، وكلا الموضعين فيه خلاف(2) .
ص: 393
ولعلي بن أبي طالب عليهماالسلام مزايا ، فإنّه لم يولّ عليه أحد ، وما أخرجه إلى موضع ، ولا تركه في قوم إلاّ ولاّه عليهم ، وكان الشيخان تحت ولاية أسامة وعمرو بن العاص ، وغيرهما(1) .
قال منصور النميري :
من كان ولّى أحمد واليا
على علي فيولّوا عليه
قل لأبي القاسم إنّ الذي
ولّيت لم يترك وما في يديه
* * *
ص: 394
ص: 395
ص: 396
تفسير الثعلبي ، والقشيري ، والواحدي ، والقزويني ، ومعاني الزجاج ، ومسند الموصلي ، وأسباب نزول القرآن عن الواحدي :
إنّه لمّا دخل النبي صلى الله عليه و آله مكة يوم الفتح غلق عثمان بن طلحة العبدي باب البيت ، وصعد السطح ، فطلب النبي صلى الله عليه و آله المفتاح منه ، فقال : لو علمت أنّه رسول اللّه لم أمنعه .
فصعد علي بن أبي طالب عليهماالسلام السطح ، ولوى يده ، وأخذ المفتاح منه ، وفتح الباب ، فدخل النبي صلى الله عليه و آله البيت ، فصلّى فيه ركعتين .
فلمّا خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح ، فنزل « إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤدُّوا الأَْماناتِ إِلى أَهْلِها » ، فأمر النبي صلى الله عليه و آله أن يردّ المفتاح إلى عثمان ، ويعتذر إليه .
فقال له عثمان : يا علي ، أكرهت وأذيت ، ثم جئت برفق ، قال : لقد أنزل اللّه - عزّ وجلّ - في شأنك ، وقرأ عليه الآية ، فأسلم عثمان ، فأقرّه النبي صلى الله عليه و آله في يده(1) .
ص: 397
وفي رواية صاحب النزول : أنّه جاء جبرئيل عليه السلام فقال : ما دام هذا البيت فإنّ المفتاح والسدانة في يد أولاد عثمان ، وهو إلى اليوم في أيديهم(1) .
وفي الصحيحين ، والتاريخين ، والمسندين ، وأكثر التفاسير : إنّ سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هشام أتت النبي صلى الله عليه و آله من مكة مسترفدة ، فأمر صلى الله عليه و آله بني عبد المطلب بإسدانها ، فأعطاها حاطب بن أبي بلتعة عشرة دنانير على أن تحمل كتابا بخبر وفود النبي صلى الله عليه و آله إلى مكة ، وكان صلى الله عليه و آله أسرّ ذلك ليدخل عليهم بغتة .
فأخذت الكتاب ، وأخفته في شعرها وذهبت ، فأتى جبرئيل عليه السلاموقصّ
القصّة على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأنفذ عليا عليه السلام والزبير ومقداد وعمارا وعمر وطلحة وأبا مرثد خلفها ، فأدركوها بروضة خاخ(2) فطالبوها(3) بالكتاب ، فأنكرت ، وما وجدوا معها كتابا .
فهمّوا بالرجوع ، فقال علي عليه السلام : واللّه ما كذبنا ولا كذبنا ، وسلّ سيفه وقال : أخرجي الكتاب وإلاّ - واللّه - لأضربنّ عنقك ، فأخرجته من عقيصتها ، فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام الكتاب ، وجاء إلى النبي صلى الله عليه و آله .
ص: 398
فدعا بحاطب بن أبي بلتعة ، وقال له : ما حملك على ما فعلت ؟ قال : كنت رجلاً عزيزا في أهل مكة - أي غريبا ساكنا بجوارهم - فأحببت أن أتخذ عندهم بكتابي إليهم مودّة ، ليدفعوا عن أهلي بذلك ، فنزل قوله - تعالى - « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ »(1) .
قال السدي ومجاهد في تفسيرهما عن ابن عباس : « لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ » بالكتاب والنصيحة لهم ، « وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ » أيّها المسلمون « مِنَ الْحَقِّ » يعني الرسول والكتاب « يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ » يعني محمدا صلى الله عليه و آله « وَإِيّاكُمْ » يعني وهم أخرجوا أمير المؤمنين عليه السلام« أَنْ تُؤمِنُوا بِاللّهِ رَبِّكُمْ » ، وكان النبي وعلي - صلّى اللّه عليهما - وحاطب ممّن أخرج من مكة .
فخلاّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله لإيمانه « إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي » أيّها المؤمنون « تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ » تخفون إليهم بالكتاب بخبر النبي صلى الله عليه و آله ، وتتّخذون عندهم النصيحة ، « وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ » من إخفاء الكتاب الذي كان معها « وَما أَعْلَنْتُمْ » .
ص: 399
وما قاله أمير المؤمنين عليه السلامللزبير : واللّه ، لا صدّقت المرأة أن ليس معها كتاب ، بل اللّه أصدّق ورسوله ، فأخذه منها ثم قال : « وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ »
عند أهل مكة بالكتاب « فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ » .
وقد اشتهر عنه عليه السلام قوله : أنا فقأت عين الفتنة ، ولم يكن ليفقأها غيري(1) .
وقال الطبري ومجاهد في تاريخهما : جمع عمر بن الخطاب الناس يسألهم من أيّ يوم نكتب ، فقال علي عليه السلام : من يوم هاجر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وترك أرض(2) الشرك(3) .
فكأنّه أشار أن لا تبتدعوا بدعة ، وتؤرخوا كما كانوا يكتبون في زمان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لأنّه لمّا قدم النبي صلى الله عليه و آله المدينة في شهر ربيع الأول أمر
بالتاريخ ، فكانوا يؤرخون بالشهر والشهرين من مقدمه إلى أن تمّت له سنة .
ذكره التاريخي عن ابن شهاب(4) .
ص: 400
ولقد كان يجري سياسته مجرى المعجزات لصعوبته وتعدّده ، وذلك أنّ أصحابه كانوا فرقتين :
أحدهما : على أنّ عثمان قتل مظلوما ، وتتولاّه وتتبرأ من أعدائه .
والأخرى : وهم جمهور الحرب ، وأهل الغنى والبأس ، يعتقدون أنّ عثمان قتل لأحداث أوجبت عليه القتل ، ومنهم من يصرّح بتكفيره .
وكلّ من هاتين الفرقتين يزعم أنّ عليا عليه السلام موافق له على رأيه ، وكان يعلم أنّه متى وافق إحدى الطائفتين باينته الأخرى وأسلمته ، وتولّت عنه وخذلته ، يستعمل في كلامه ما يوافق كلّ واحدة من الطائفتين ، فيقول : واللّه قتل عثمان قتل ولم(1) !
تاريخ الطبري : قال أبو بكر الهذلي : اجتمع أهل همدان والري ونهاوند وقومس وإصفهان ، وتظاهروا على أبي بكر(2) .
ص: 401
فقال طلحة فضلاً ، ثم قال عثمان : تلقيهم في أهل الشام واليمن وأهل الكوفة والبصرة .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إن أشخصت أهل الشام من شامهم سارت الروم إلى ذراريهم ، وإن أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة إلى ذراريهم ، وإن أشخصت من هذين الحرمين إنقضّت العرب عليك من أطرافها وأكنافها حتى يكون ما تدع وراء ظهرك من عيالات العرب أهمّ إليك ممّا بين يديك .
وأمّا ذكرك كثرة العجم ورهبتك من جموعهم ، فإنّا لم نكن نقاتل على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالكثرة ، وإنّما كنّا نقاتل بالنصرة .
وأمّا ما بلغك من اجتماعهم على المسير إلى المسلمين ، فإنّ اللّه لمسيرهم أكره منك لذلك ، وهو أولى بتغيير ما يكره ، وإنّ الأعاجم إذا نظروا إليك قالوا : هذا رجل العرب ، فإن قطعتموه قطعتم العرب ، فكان أشدّ لكلبهم ، فكنت ألّبتهم على نفسك ، وأمدّهم من لم يكن يمدّهم .
ولكنّي أرى أن تقرّ هؤلاء في أمصارهم ، وتكتب إلى أهل البصرة ، فليتفرّقوا على ثلاث فرق ، فلتقم منهم فرقة على ذراريهم حرسا لهم ، ولتقم فرقة في أهل عهدهم لئلا ينفضّوا ، ولتسر فرقة منهم إلى اخوانهم مددا لهم(1) .
* * *
ص: 402
قال أبو بريدة الأسلمي :
كفى بعلي قائدا لذوي النهى
وحرزا من المكروه والحدثان
ونربع إليه إن ألمّت ملمّة
علينا ونرضى قوله ببيان
يبيّن إخفاء النفوس التي لها
من الهلك والوسواس هاجستان
* * *
وروي عن الصادق عليه السلام :
محال وجود النار في بيت ظلمة
وأن يهتدى في ظلّ حيران حائر
فلا تطمعوا في العدل من غير أهله
ولا في هدى من غير أهل البصائر
* * *
تفسير مجاهد وأبو يوسف يعقوب بن أبي سفيان : قال ابن عباس في قوله تعالى : « وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً » :
إنّ دحية الكلبي جاء يوم الجمعة من الشام بالمسيرة ، فنزل عند أحجار الزيت ، ثم ضرب بالطبول ليؤذن الناس بقدومه ، فانفض الناس إليه إلاّ علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام وسلمان وأبو ذر والمقداد وصهيب ، وتركوا النبي صلى الله عليه و آله قائما يخطب على المنبر ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : لقد نظر اللّه يوم الجمعة إلى مسجدي ، فلولا الفئة الذين جلسوا في مسجدي لانضرمت المدينة على أهلها نارا ، وحصبوا بالحجارة كقوم لوط ، ونزل فيهم «رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ »(1) الآية .
ص: 403
تاريخ الطبري : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام نزل بقبا على أم كلثوم بنت هدم وقت الهجرة ليلتين أو ثلاثا ، فرآها تخرج كلّ ليلة نصف الليل إلى طارق ، وتأخذ منه شيئا ، فسألها عن ذلك .
فقالت : هذا سهل بن حنيف ، قد عرف أنّي إمرأة لا أحد لي ، فإذا أمسى غدا على أوثان قومه فكسرها ، ثم جاءني بها وقال : احتطبي بهذا ، فكان أمير المؤمنين عليه السلام يحترمه بعد ذلك(1) .
الحسن الحسيني في كتاب النسب : أنّه رأى أمير المؤمنين علي عليه السلاميوم بدر عقيلاً في قيدٍ(2) ، فصدّ عنه ، فصاح به : يا ابن أم ، علي ، أما - واللّه - لقد رأيت مكاني ، ولكن عمدا تصدّ عنّي ، فأتى علي عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه و آلهوقال : يا رسول اللّه ، هل لك في أبي يزيد مشدودة يداه إلى عنقه بنسعة ، فقال انطلق بنا إليه(3) .
ص: 404
قوت القلوب : قيل لعلي بن أبي طالب عليه السلام : إنّك خالفت فلانا في كذا ! فقال : خيرنا اتبعنا لهذا الدين(1) .
وضافه رجل ، ثم خاصم إليه رجلاً ، فقال : تحوّل عنّا ، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نهانا أن نضيف رجلاً إلاّ وأن يكون خصمه معه(2) .
ص: 405
ونوشه الحارث الأعور ، فقال : قد أجبتك على أن تضمن لي ثلاث خصال : لا تدخل علينا شيئا من خارج ، ولا تدّخر عنّا شيئا في البيت ، ولا تجحف بالعيال(1) .
أبو عبد اللّه : قال أمير المؤمنين عليه السلام لعمر بن الخطاب : ثلاث إن حفظتهن وعلمتهن كفتك ما سواهن ، وإن تركتهن لم ينفعك شيء سواهن ، قال : وما هن يا أبا الحسن ؟
قال : إقامة الحدود على القريب والبعيد ، والحكم بكتاب اللّه في الرضا والسخط ، والقسم بين الناس بالعدل بين الأحمر والأسود ، فقال له عمر : لعمري ، لقد أوجزت وأبلغت(2) .
ص: 406
زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : أقيم عبيد اللّه بن عمر ، وقد شرب الخمر ، فأمر به عمر أن يضرب ، فلم يتقدّم إليه أحد يضربه ، حتى قام علي عليه السلام بنسعة(1) مثنية ، فضربه بها أربعين(2) .
زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : إنّ الوليد بن عقبة حين شهد عليه شرب الخمر ، قال عثمان لعلي عليه السلام : اقض بيني وبين هؤلاء الذين يزعمون أنّه شرب الخمر ، فأمر علي عليه السلام أن يضرب بسوط له شعبتان أربعين جلدة(3) .
وأخذ عليه السلام رجلاً من بني أسد في حدّ ، فاجتمع قومه ليكلّموا فيه ، وطلبوا إلى الحسن عليه السلام أن يصحبهم ، فقال : إئتوه فهو أعلى بكم عينا .
ص: 407
فدخلوا عليه وسألوه ، فقال : لا تسألوني شيئا أملك إلاّ أعطيتكم .
فخرجوا يرون أنّهم قد أنجحوا ، فسألهم الحسن عليه السلام ، فقالوا : أتينا خير مأتي ، وحكوا له قوله ، فقال : ما كنتم فاعلين ، إذا جلد صاحبكم فاصنعوه ، فأخرجه علي عليه السلام فحدّه ، ثم قال : هذا - واللّه - لست أملكه(1) .
تهذيب الأحكام : أنّه أتي أمير المؤمنين عليه السلام بالنجاشي الشاعر ، وقد شرب الخمر في شهر رمضان ، فضربه ثمانين جلدة ، ثم حبسه ليلة ، ثم دعا به من الغد ، فضربه عشرين سوطا .
فقال له : يا أمير المؤمنين ، ضربتني ثمانين جلدة في شرب الخمر ، وهذه العشرين ما هي ؟ قال : هذا لتجرّيك على شرب الخمر في شهر رمضان(2) .
وبلغ معاوية أنّ النجاشي هجاه ، فدسّ(3) قوما شهدوا عليه عند أمير المؤمنين عليه السلام أنّه شرب الخمر ، فأخذه علي عليه السلام فحدّه .
ص: 408
فغضب جماعة على علي عليه السلام في ذلك ، منهم : طارق بن عبد اللّه النهدي ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ما كنّا نرى أنّ أهل المعصية والطاعة ، وأهل الفرقة والجماعة - عند ولاة العقل ومعادن الفضل - سيّان في الجزاء ، حتى ما كان من صنيعك بأخي الحارث - يعني النجاشي - ، فأوغرت صدورنا ، وشتّت أمورنا ، وحملتنا على الجادة التي كنّا نرى أنّ سبيل من ركبها النار .
فقال علي - صلوات اللّه عليه - : « إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ » ، يا أخا بني نهد ، هل هو إلاّ رجل من المسلمين انتهك حرمة من حرم اللّه ، فأقمنا عليه حدّها زكاة له وتطهيرا .
يا أخا بني نهد ، إنّه من أتى حدّا فأقيم كان كفارته .
يا أخا بني نهد ، إنّ اللّه - عزّ وجلّ - يقول في كتابه العظيم : « وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى » .
فخرج طارق والنجاشي معه إلى معاوية ، ويقال : إنّه رجع(1) .
مطر الوراق وابن شهاب الزهري في خبر : أنّه لمّا شهد أبو زينب الأسدي ، وأبو مزرع ، وسعيد بن مالك الأشعري ، وعبد اللّه بن خنيس الأزدي ، وعلقمة بن زيد البكري على الوليد بن عقبة أنّه شرب الخمر أمر عثمان بإقامة الحدّ عليه جهرا ، ونهى سرّا .
ص: 409
فرأى أمير المؤمنين عليه السلام أنّه يدرأ عنه الحدّ قام والحسن عليه السلام معه ليضربه ، فقال : نشدتك اللّه والقرابة ، قال عليه السلام : اسكت - أبا وهب - فإنّما هلكت بنو إسرائيل بتعطيلهم الحدود ، فضربه ، وقال : لتدعوني قريش بعد هذا جلاّدها(1) .
قال الرشيد الوطواط :
المصطفى قال في رهط وفي عدد
لكن واحدة الأكفى أبو الحسن
هذا هو المجد من تبغونه عوجا
إنّ العلى خشن ينقاد للخشن
* * *
وروي أنّه خيّر لرجل فسق بغلام ، إمّا ضربه بالسيف ، أو هدم حائط عليه ، أو الحرق بالنار ، فاختار النار لشدّة عقوبتها ، وسأل النظرة لركعتين .
فلمّا صلّى رفع رأسه إلى السماء وقال : يا ربّ ، إنّي أتيت بفاحشة ، وأتيت إلى وليّك تائبا ، واخترت الإحراق لأتخلّص من نار يوم القيامة .
فبكى علي عليه السلام ، وبكى من حوله ، فقال علي عليه السلام : اذهب فقد غفر اللّه لك .
ص: 410
فقال رجل : يا أمير المؤمنين ، تعطل حدّا من حدود اللّه ، فقال له : ويلك ، إنّ الإمام إذا كان من قبل اللّه ، ثم تاب العبد من ذنب بينه وبين اللّه ، فله أن يغفر له(1) .
أتت إمرأة إلى علي عليه السلام تستعدي على زوجها أنّه أحبل جاريتي ؟ فقال : إنّها وهبتها لي ، فقال علي عليه السلام للرجل : تأتيني بالبينة وإلاّ رجمتك .
فلمّا رأت المرأة أنّه الرجم ليس دونه شيء أقرّت أنّها وهبتها له ، فجلدها علي عليه السلام ، وأجاز له ذلك(2) .
ولمّا حثّ أمير المؤمنين عليه السلام على حرب صفين قام أربد بن ربيعة الفزاري فقال : يا علي ، أتريد أن تقتل أهل الشام كما قتلنا أهل البصرة قتلة الغوغاء(3) ، فقال أبو علافة التميمي :
ص: 411
أعوذ بربّي أن تكون منيّتي
كما مات في سوق البراذين أربد
تغاوره قراؤنا تبعا لهم
إذا رفعت أيد بها وقعت يد
* * *
فجعل أمير المؤمنين عليه السلام ديّته على بيت المال(1) .
قال الصاحب :
من كمولانا علي مفتيا
خضع الكلّ له واعترفا
* * *
وله أيضا :
تولّى أمور الناس لم يستغلّهم
ألا ربما يرتاب من يتقلّد
ولم يك محتاجا إلى علم غيره
إذا احتاج قوم في القضايا تبلّدوا
* * *
فهذه مزايا له فيما شاركهم فيه ، فتجمّع فيه ما تفرّق في سائر الصحابة ، فتبيّن رجحانه على جميعهم ، والتقدّم على الأفضل خطأ .
* * *
قال الصاحب :
تجمّع فيه ما تفرّق في الورى
من الخلق والأخلاق والفضل والعلى
ص: 412
وقال الرشيد وطواط :
لقد تجمع في الهادي أبي الحسن
ما قد تفرّق في الأصحاب من حسن
* * *
ولغيره :
ولم يكن في جميع الناس من حسن
ما كان في الضيغم العادي أبي الحسن
* * *
وقال علي بن هارون :
وهل خصلة من سؤدد لم يكن بها
أبو حسن من بينهم ناهضا قدما
* * *
وقال المنجم :
فما فاتهم منها به سلّموا له
وما شاركوه كان أوفرهم قسما
* * *
كتاب أبو موسى الحامض النحوي : أنّه عرض عباسي للسيد الحميري : إنّ أشعر الناس من قال :
محمد خير من يمشي على قدم
وصاحباه وعثمان بن عفان
* * *
فقال السيد : يا حدث ، [ تسعى ] على أهلك بالعداوة ؟!
فقال : السنة . فقال السيد : هذه حجّة ، أنا أشعر من هذا حيث أقول :
ص: 413
سائل قريشا إن كنت ذا عمه
من كان أثبتهم في الدين أوتادا
من كان أوّلها سلما وأكثرها
علما وأطيبها أهلاً وأولادا
من كان أعدلهم حكما وأقسطهم
فتيا وأصدقهم وعدا وإيعادا
من صدّق اللّه إذ كانت مكذّبة
تدعو مع اللّه أوثانا وأندادا
إن يصدقوك فإن تعدو أبا حسن
إن أنت لم تلق للأبرار حسادا(1)
* * *
وقال ابن حماد :
هو النبأ الأعلى الذي يسأل الورى
غدا عنه إذ يبلو به اللّه من يبلو
فذاك هو الذكر الحكيم وإنّه
هو المثل الأعلى الذي ما له مثل
ص: 414
هو العروة الوثقى هو الجنب إنّما
يفرّط فيه الخاسر العمه العقل
هو القبلة الوسطى يرى الوفد حولها
لها حرم اللّه المهيمن والحل
وآيته الكبرى وحجّته التي
أقيمت على من كان منّا له عقل
هو الباب أعني باب حطّة لم يكن
لخلق إلى الرحمن من غيره وصل
نعم وصراط اللّه ينجو وليّه
ويهلك من زلّت عليه به الرجل(1)
* * *
ص: 415
ص: 416
باب 3 : درجات أمير المؤمنين عليه السلام
فصل 1 : في مقدماتها
( 7 - 12 )
اجتماع الأمّة على أمور كلّها في علي عليه السلام··· 9
الدليل السمعي··· 9
سبق أمير المؤمنين الى أفضل الفضائل··· 9
فضائل أمير المؤمنين على ثلاثة أنواع··· 11
فصل 2 : في المسابقة بالإسلام
( 13 - 42 )
سبقه بالإسلام··· 15
الردّ على من قال بسبق غيره عليه السلام··· 17
الكتب التي روت أنّ عليا عليه السلام أول الناس إسلاما··· 19
الآيات··· 19
السّابِقُونَ السّابِقُونَ··· 19
ص: 417
وَالسّابِقُونَ الأَْوَّلُونَ··· 20
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا··· 20
الروايات··· 21
خصائص النطنزي··· 21
المعرفة والتاريخ للنسوي··· 21
حلية أبي نعيم وخصائص النطنزي··· 21
أربعين الخطيب وفضائل أحمد وكشف الثعلبي··· 22
فردوس الديلمي··· 22
تفسير فرات··· 23
شرف النبي صلى الله عليه و آله للخركوشي··· 23
جامع الترمذي وإبانة العكبري وتاريخ الخطيب والطبري··· 23
طبقات ابن سعد ومسند أحمد··· 24
تاريخ الطبري وأربعين الخوارزمي··· 24
الفضائل للعكبري وأحمد··· 25
ابن مردويه والسمعاني وأمالي المروزي··· 25
تاريخ بغداد والقوامية ومسند الموصلي وخصائص النطنزي··· 25
تاريخ الطبري وتفسير الثعلبي··· 26
الصحابة والتابعون الذين رووا أنّ عليا أوّل من أسلم··· 26
كان إسلامه عليه السلام عن فطرة وإسلامهم عن كفر··· 28
إنّه ما عبد الصنم قطّ··· 28
إنّه لم يلبس إيمانه بظلم··· 28
إنّه لم يكذّب برسول اللّه قطّ··· 29
ص: 418
رجحان إيمان علي عليه السلام على إيمان الأمّة··· 29
ردّ أبو رجاء على من سبّ عليا عليه السلام··· 30
إيمانه في الباطن والظاهر وإسلامهم على الظاهر··· 31
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا نزلت في علي عليه السلام··· 31
أَفَمَنْ شَرَحَ اللّهُ صَدْرَهُ لِلإِْسْلامِ··· 31
لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤمِنِينَ··· 32
الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ··· 32
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ··· 32
إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ··· 32
إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤمِنِينَ··· 33
أَفَمَنْ كانَ مُؤمِناً··· 33
بقي بعد النبي صلى الله عليه و آله يفعل ما يميّز إيمانه··· 35
شهد القرآن له بالصدق والوفاء··· 35
الردّ على من قال أنّ إسلامه عليه السلام كان قبل بلوغه··· 37
قول الحاكم النيسابوري··· 37
سنّه عليه السلام يوم أظهر إسلامه··· 39
فصل 3 : في المسابقة بالصلاة
( 43 - 64 )
الآيات··· 45
وَارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ··· 45
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ··· 45
ص: 419
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ··· 46
يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ··· 46
صلّى فقال أهل مكة إنّه مجنون !··· 46
جبرئيل علّم النبي صلى الله عليه و آله ! والنبي علّم عليا عليه السلام··· 47
إنّه أوّل من صلّى··· 47
نزول بعض الآيات فيه عليه السلام··· 50
صلّى عليه السلام قبل الناس كلّهم سبع سنين··· 52
إنّه عليه السلام أوّل من صلّى القبلتين··· 56
صلّى الى الكعبة تسعا وثلاثين سنة··· 56
قامت به عليه السلام أوّل صلاة جماعة··· 58
خشوعه الصلاة··· 61
صلاته تحكي صلاة النبي صلى الله عليه و آله··· 61
توجّهه في الصلاة··· 61
فصل 4 : في المسابقة بالبيعة
( 65 - 84 )
أنواع البيعة للنبي صلى الله عليه و آله··· 67
بيعة الرضوان··· 68
سبقه عليه السلام في بيعة الرضوان··· 68
إنّه أولى الناس بالآية فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ . .··· 68
بايع وهو سيد المؤمنين··· 69
ص: 420
بايع فصدق ووفى ونزلت عليه السكينة··· 70
بايع ولم ينكث ولم يفرّ··· 70
ثباته عليه السلام يوم خيبر وفرار الشيخين··· 71
نكث الأول والثاني ووفاء أمير المؤمنين··· 72
أخذ النبي صلى الله عليه و آله البيعة لنفسه ولذرّيّته··· 73
أمير المؤمنين كتب الكتاب بينهم··· 74
بيعة العشيرة··· 75
علّة وراثة أمير المؤمنين النبي دون العباس··· 78
فصل 5 : في المسابقة بالعلم
( 85 - 168 )
الآيات··· 87
الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِْيمانَ··· 87
إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ··· 87
حم عسق··· 87
وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ··· 88
وزنه في الحساب··· 89
ظهور علمه على سائر الصحابة واعترافهم بعلمه··· 90
إتّباع علماء الصحابة لأمير المؤمنين··· 91
إقرار ابن عباس بعلمه··· 92
إقرار سلمان بعلمه··· 93
ص: 421
إقرار أبي أمامة بعلمه··· 93
إقرار عطاء بعلمه··· 93
إقرار عمر بعلمه عليه السلام··· 94
اعتراف أبي بكر وعمر بجهلهما··· 96
شهادة النبي صلى الله عليه و آله له عليه السلام بالعلم··· 98
الإستدلال بالحساب··· 99
أقضاكم علي عليه السلام··· 100
إنّه عليه السلام باب مدينة علم النبي صلى الله عليه و آله··· 103
طرق الحديث··· 103
دلالات الحديث··· 104
في الحساب··· 104
فتح له عليه السلام النبي صلى الله عليه و آله أبواب العلم··· 106
العلم الذي أفضاه اليه عليه السلام النبي صلى الله عليه و آله بعد وفاته··· 110
ما كان عنده عليه السلام من العلم··· 111
سلوني قبل أن تفقدوني··· 113
النتيجة··· 116
علي عليه السلام قدوة لأهل العلوم كلّها··· 119
جمع القرآن··· 119
الثلاثة لم يجمعوا القرآن··· 123
القراءات··· 123
رجوع القراء السبعة الى قراءته··· 124
العدد في القرآن··· 125
ص: 422
المفسّرون··· 125
لا يأخذ المفسّرون إلاّ بقوله عليه السلام··· 126
الفقهاء··· 127
رجوع فقهاء الأمصار اليه··· 128
أخذ الفرائض منه عليه السلام··· 129
أصحاب الروايات··· 131
المتكلّمون··· 133
وَكانَ الإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً··· 137
ردّه على رأس الجالوت··· 137
محاججته مع كليب الجرمي··· 138
كلامه عليه السلام في التوحيد··· 138
النحاة··· 142
علّة تأسيس النحو··· 142
الخطباء··· 143
الفصحاء والبلغاء··· 144
خطبته الخالية من الألف··· 145
خطبته الخالية من النقط··· 147
من كلامه عليه السلام··· 147
الشعراء··· 148
أهل العروض··· 149
أصحاب العربية··· 149
الوعاظ··· 150
ص: 423
الفلاسفة··· 150
المهندسون··· 153
وزن القيد بإزاحة الماء··· 153
وزن الفيل بإزاحة الماء··· 154
وضع الكلك وعمل المجداف··· 154
المنجمّون··· 155
خبر الدهقان المنجم مع أمير المؤمنين عليه السلام··· 155
الحسّاب··· 157
خبر حساب ثمن الأرغفة··· 157
أصحاب الكيمياء··· 158
الأطباء··· 159
معرفة ما يرجى من الولد من أعضائه··· 159
من يعيش من المواليد··· 160
مخرج لبن الجارية ولبن الغلام··· 160
نمو الصبي كلّ سنة··· 160
علّة شبه الولد بالأم أو الأب . .··· 160
كيف تؤنث المرأة ويذكّر الرجل··· 161
علم المعاملة على طريق السوقية··· 161
من فرط حكمته عليه السلام··· 162
التوراة عربية عند أمير المؤمنين عليه السلام··· 162
نبي أسود لم يذكر في القرآن··· 162
تفسيره كتاب معاوية الى أبي أيوب··· 163
ص: 424
من وفور علمه عليه السلام··· 163
معرفته لغة الحيوانات··· 163
معرفته لغات الملائكة··· 164
معرفته لغات البشر··· 165
تفسيره صوت الناقوس··· 166
الإستدلال بالأدلة الثلاثة على أفضلية الإمام علي عليه السلام··· 167
فصل 6 : في المسابقة إلى الهجرة
( 169 - 188 )
الهجرة الأولى··· 171
الهجرة الثانية··· 171
الهجرة الثالثة··· 172
الهجرة الرابعة··· 172
مبيت الإمام عليه السلام خير من خروج أبي بكر··· 173
استخلافه عليه السلام لردّ الودائع··· 174
منّته عليه السلام على أبي بكر وعائشة في الهجرة··· 174
ثقة النبي صلى الله عليه و آله بنجدة علي عليه السلام ليلة المبيت··· 174
هجرة أمير المؤمنين عليه السلام الى المدينة··· 175
المبيت أعظم من القتال··· 184
نزول قوله ( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ . . )··· 185
ص: 425
فصل 7 : في المسابقة بالجهاد
( 189 - 202 )
اجتمعت الأمّة أنّ عليا عليه السلام خيرة اللّه ··· 191
علي عليه السلام قاتل المنافقين بأمر النبي صلى الله عليه و آله والأول قتل المسلمين··· 192
علي عليه السلام أفضل المجاهدين والإثنان لم يقاتلا قطّ··· 193
ثبات علي عليه السلام في كلّ قتال وفرارهما··· 194
الآيات النازلة فيه··· 194
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ··· 194
وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَْرْضِ··· 195
وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ··· 195
هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ··· 195
وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً··· 196
لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا··· 196
إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ··· 197
وَجاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ··· 197
وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ··· 198
كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ··· 198
وَلا يَطَؤنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفّارَ··· 198
وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ··· 199
أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ··· 199
لا تَجِدُ قَوْماً يُؤمِنُونَ بِاللّهِ··· 202
ص: 426
فصل 8 : في المسابقة بالسخاء والنفقة في سبيل اللّه
( 203 - 230 )
الآيات··· 207
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ··· 207
لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا··· 208
إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً··· 209
ضيافته عليه السلام··· 213
سورة هل أتى··· 213
إطعام أبي هريرة··· 213
حزنه إذا انقطع عنه الضيف··· 214
أطعم الضيف وبات وأهله جياع··· 214
تصدّقه عليه السلام··· 217
تصدّق على ثلاث فتابوا الى اللّه ··· 217
يطعم اليتامى العسل··· 219
تصدّقه على النيام في ظلّة بني ساعدة··· 219
منع نفسه مع شدّة سغبه طلبا للقربة··· 219
أضاف النبي صلى الله عليه و آله وجماعة فأعطاه اللّه دينارا··· 220
عوض دينار استقرضه وتصدّق به··· 221
عوض التصدّق بثمن القطيفة··· 223
عوض صدقته على المقداد··· 224
صدقته على الأعرابي··· 225
ص: 427
التصدّق بالخاتم··· 229
فيه يضرب المثل في الصدقات··· 229
لم يخلّف إلاّ ثمانمائة درهم··· 229
فصل 9 : في المسابقة بالشجاعة
( 231 - 258 )
الآيات··· 233
كان شديدا على الكفّار دون الأول··· 233
العزّة والقدرة في سورة المنافقين··· 234
لا يقاس الإمام عليه السلام بمن لم يصب محجمة من دم قطّ··· 235
من قتلهم الإمام عليه السلام يوم بدر··· 235
من قتلهم الإمام عليه السلام يوم أحد··· 237
من قتلهم يوم الأحزاب··· 239
من قتلهم يوم حنين··· 239
غزاة السلسلة وبني نضير وبني قريظة وبني المصطلق··· 239
من قتلهم في غزوات ومواقع شتى··· 240
صفة ضرباته عليه السلام··· 241
كرار غير فرار··· 242
كان النبي صلى الله عليه و آله يهدّد الكفار به عليه السلام··· 243
إفتخار الأعداء بشجاعته عليه السلام··· 245
طلب العدو سيفه فرماه اليه··· 247
ص: 428
جبرئيل يجرّب ثبات قلبه ويمدحه··· 248
أمير المؤمنين عليه السلام يقاتل الجن··· 249
مع الجنّ عند بئر ذات العلم في الحديبية··· 251
غالب كلّ غالب··· 255
فصل 10 : في المسابقة بالزهد والقناعة
( 259 - 286 )
إنّه عليه السلام أورع الصحابة··· 261
زهده··· 262
زهد في الدنيا وتكالبوا عليها··· 262
كان من فقراء المهاجرين··· 262
شهادة النبي صلى الله عليه و آله بزهده··· 262
أزهد من في الدنيا··· 263
الآيات··· 264
وَأَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ··· 264
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً··· 264
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ··· 264
إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا··· 265
سيرته في الزهد··· 266
سيرته عليه السلام في بيت المال··· 266
ما وضع لبنة على لبنة··· 268
ص: 429
بشّر الوارث··· 268
ملبسه عليه السلام··· 268
مركبه عليه السلام··· 273
مأكله عليه السلام··· 273
يختم جرابه··· 273
لا يأكل من العراق··· 274
رغيف لم ينخل ولبن حامض··· 274
علّل النفس بالقنوع··· 275
طعامه يوم العيد··· 275
ما جمع إدامين··· 276
اجعلها باجا··· 276
اجتنب الفالوذج تنزّها··· 276
يطعم اللحم ويأكل الخلّ··· 277
رفاه المجتمع في عهده··· 277
سيرته عليه السلام مع بعض أزواجه··· 278
سيرته عليه السلام وزهده في الحكم··· 280
كتابه لابن حنيف··· 280
اعتراض عمّه العباس··· 281
الحكم لإقامة الحقّ ودفع الباطل··· 281
زهده عليه السلام في الدنيا··· 282
ما بخل به الباخلون··· 283
ص: 430
تمثّل الدنيا له وإعراضه عنها··· 283
أخذه بأشدّ الأمرين··· 284
وصف ضرار له أمام معاوية··· 284
الخلافة ابتلاء··· 285
فصل 11 : في المسابقة بالتواضع
( 287 - 296 )
الآيات··· 289
وَعِبادُ الرَّحْمنِ··· 289
الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ··· 289
عمله في البيت··· 290
حمله الطعام الى البيت··· 290
مواضع كان يمشي فيها حافيا··· 290
يمشي في الأسواق وحده··· 291
نهيه عن المشي خلفه··· 291
نهيه عن التفاخر الباطل··· 292
صبّ الماء على يد ضيفه··· 292
ترافع مع يهودي عند شريح القاضي··· 293
ترافع مع التميمي عند شريح··· 294
مشى الى بيت شاب ليصلح بين زوجين··· 295
شعره في التواضع··· 296
ص: 431
فصل 12 : في المسابقة بالعدل والأمانة
( 297 - 314 )
الآيات··· 299
إِنّا جَعَلْنا ما عَلَى الأَْرْضِ زِينَةً··· 299
هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ··· 299
يحاجّ الناس يوم القيام بتسع··· 299
أنا أبو الحسن القرم··· 300
قصّة استقراض العسل من بيت المال··· 300
قصّة عقد الؤلؤ المستعار··· 302
تقسيم الأترج بين الناس··· 303
ما أغفلك عن أمير المؤمنين··· 303
تقسيم أواني الفضّة والذهب··· 304
اجتنابه قطيفة الصدقة··· 304
مع أخيه عقيل عليه السلام··· 304
أم ولد له تطلب منه قرنفلاً··· 307
مع ابن زمعة··· 308
مع عاصم بن ميثم··· 308
أيّها الناس لا تشكو عليا··· 308
اطفأ سراج بيت المال··· 309
استرجاعه قطائع عثمان··· 309
كلامه لمّا أراده الناس للبيعة··· 310
ص: 432
عطاء طلحة والزبير··· 310
عطاء ابن حنيف وعبده··· 311
كتابه الى مولى له أصاب مالاً··· 311
تقسيم زقاق العسل··· 312
بيع أحمال الفاكهة··· 312
علف الضوالّ من بيت المال··· 312
تقسيم هدية الخبيص··· 312
هدية يوم النيروز··· 313
بيع الثوب المنسوج بالذهب··· 313
تقسيم مال أصفهان··· 313
حبل بيت المال··· 314
كان عليه السلام قوالاً للحقّ ، قواما بالقسط··· 314
فصل 13 : في المسابقة بالحلم والشفقة
( 315 - 326 )
لكزه بائع التمر··· 317
أمن غلامه عقوبته فأعتقه··· 317
حلمه في الصلاة عن ابن الكوا··· 318
عفا عن السيئة للحسنة··· 319
سبّ بسبّ أو عفو عن ذنب··· 319
أستحي أن يغلب جهل أبي هريرة علمي··· 320
إلى كم أغضي الجفون على القذى··· 320
ص: 433
مع عثمان··· 320
حلمه وشفقته يوم الجمل··· 321
حلمه عليه السلام مع أسرى حروب الشام··· 322
حلمه عليه السلام مع أصحاب النهر··· 322
حلمه عليه السلام مع طلحة العبدري··· 322
حلمه عليه السلام مع عمرو بن عبد ودّ··· 322
صبره لمّا طالبوه بالبيعة··· 323
عفا اللّه عمّا سلف··· 323
ما زلت مظلوما منذ قبض اللّه نبيه··· 324
بعض صفاته عليه السلام··· 325
مع أرملة شهيد وأيتامه··· 325
فصل 14 : في المسابقة بالهيبة والهمّة
( 327 - 332 )
الآيات··· 329
أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ··· 329
تمكن هيبته في القلوب··· 329
خوف عمر منه إذا رآه وحيدا··· 329
تورعه عن سلب القتيل··· 330
ترك سلب عمرو بن ودّ··· 331
الذهب والفضة عنده حجران··· 332
حلل الوالد وأهدى المال للولد··· 332
ص: 434
فصل 15 : في المسابقة باليقين والصبر
( 333 - 346 )
فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ··· 335
كلامه في جسارته على الحقّ··· 335
عدم مبالاته بالموت··· 336
فزت وربّ الكعبة··· 336
الآيات··· 338
الصّابِرِينَ وَالصّادِقِينَ . .··· 338
وَالصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ··· 338
إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا··· 339
وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ··· 340
الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ··· 340
إن كنت تحبّني فأعدّ للفقر جلبابا··· 340
حديث الحدائق السبع··· 342
كلامه في صبره على المحن··· 344
ما زلت مظلوما منذ كنت··· 344
فصل 16 : في المسابقة بصالح الأعمال
( 347 - 358 )
الآيات··· 349
إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ··· 349
ص: 435
وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ··· 349
وَيُبَشِّرُ الْمُؤمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ··· 349
أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ··· 350
أعتق ألف نسمة من كدّ يده··· 350
أوقافه··· 351
بعض أعماله الصالحة··· 351
عبادته··· 353
صلاة الليل حتى ليلة الهرير··· 353
إحياء الليل طول السنة··· 353
أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً··· 353
تغيّر لونه وقت الصلاة··· 354
مشهد من عبادته ومناجاته··· 354
من يقوى على عبادة علي عليه السلام ؟··· 356
انتفاضه عند سماع القرآن··· 356
عمل ليسدّ جوع النبي صلى الله عليه و آله··· 357
فصل 17 : في الإستنابة والولاية
( 359 - 394 )
أداء سورة براءة··· 361
أذانه في الموسم··· 362
موقف المشركين منه··· 363
تاريخ الأداء··· 364
ص: 436
الردّ على الجاحظ··· 367
بعثه الى اليمن يدعوهم الى الإسلام··· 367
استنابه لمّا أنفذه الى اليمن قاضيا··· 368
استنابه حين أنفذه إلى المدنية لمهمّ شرعي··· 368
استنابه في ذبح باقي إبله··· 369
استنابه في التضحّي··· 372
استنابه في اصلاح ما أفسده خالد··· 372
ولاّه في ردّ الودائع وقضاء الدين··· 374
قضاؤه عليه السلام دين اللّه بعد وفاته صلى الله عليه و آله··· 376
جعل طلاق نسائه اليه··· 377
استنابه في عدّة مواضع أخرى··· 378
ولاّه في عدّة مواضع أخرى··· 379
ولاّه على نفسه عند وفاته . . .··· 379
وصّى اليه أمر الأمّة··· 380
استنابه يوم الفتح في قلع الصنم··· 380
من عبد صنما لا يقلعه··· 383
أنا الذي وضعت قدمي على خاتم النبوة··· 383
خطبة الافتخار··· 384
كلام ابن نباتة··· 384
وجه آخر لحديث الأرتقاء··· 390
مزايا أمير المؤمنين عليه السلام··· 393
ص: 437
فصل 18 : في المسابقة بالحزم وترك المداهنة
( 395 - 416 )
أخذ مفتاح الكعبة يوم الفتح··· 397
أخذ كتاب الخيانة··· 398
أنا فقأت عين الفتنة··· 400
كتابة التاريخ الهجري··· 400
يجري سياسته مجرى المعجزات··· 401
مداراته لمن معه مع تفرّق آرائهم··· 401
حيرة أبي بكر وجواب أمير المؤمنين عليه السلام··· 401
وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها··· 403
علّة إحترام أمير المؤمنين لسهل بن حنيف··· 404
موقفه عليه السلام من أخيه عقيل عليه السلام يوم بدر··· 404
خيرنا اتبعنا لهذا الدين··· 405
موقفه عليه السلام من رجل ضافه ثم خاصم اليه رجلاً··· 405
أجاب عليه السلام دعوة الحارث بثلاث خصال··· 406
إقامته عليه السلام الحجّة على عمر··· 406
أقام الحدود ولم تأخذه في اللّه لومة لائم··· 407
أقام الحدّ على ابن عمر··· 407
أقام الحدّ على الوليد بن عقبة··· 407
أقام الحدّ على رجل من بني أسد··· 407
أقام الحدّ على النجاشي الشاعر··· 408
ص: 438
لتدعوني قريش بعد هذا جلاّدها··· 409
درأ عليه السلام حدّا عن رجل فسق بغلام لتوبته··· 410
حدّ إمرأة اتهمت زوجها··· 411
دفع ديّة رادٍّ عليه قتله الناس··· 411
تجمّع فيه ما تفرّق في الورى··· 412
الفهرست··· 417
ص: 439