عنوان و نام پديدآور:مناقب آل ابی طالب/ تالیف رشید الدین ابی عبد الله محمد بن علی بن شهر آشوب. تحقیق علی السید جمال اشرف الحسینی.
مشخصات نشر:قم: المکتبه الحیدریه، 1432ق = 1390.
مشخصات ظاهری:12ج
وضعیت فهرست نویسی:در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)
يادداشت:ج.9. (چاپ اول)
شماره کتابشناسی ملی:2481606
ص: 1
ص: 1
مناقب آل أبي طالب
تأليف الإمام الحافظ
رشيد الدين أبي عبد اللّه محمد بن علي بن شهرآشوب
ابن أبي نصر بن أبي الجيش السروي المازندراني
المتوفى سنة 588 ه
الجزء الحادي عشر
تحقيق السيد علي السيد جمال أشرف الحسيني
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
ص: 7
ص: 8
الحمد للّه فاطر السماوات ، خالق النور والظلمات ، عالم السرّ والخفيّات ، منزل الآيات والدلالات ، موضّح الأدلّة والبيّنات ، مسبغ النعم والبركات ، مفيض الرحمة والخيرات ، رافع الأبرار في الدرجات ، خافض الفجّار في الدركات ، مجيب المضطرّ في الكربات ، سامع الأصوات في الخلوات ، هادي الحيران في الفلوات ، منير السماوات الزاهرات ، مزيّن الأرض بالجاريات ، مرسل الرياح الذاريات ، مجري الفلك في الزاخرات ، مزجي السحاب الهاطلات ، مسيّر الجبال الراسيات ، باعث الرسل بالبشارات ، قاضي الحاجات ، كافي المهمّات ، قابل الطاعات ، المانّ على عباده برفع الدرجات ، بقوله تعالى : « وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَْرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ » .
ص: 9
زين العابدين عليه السلام في قوله تعالى : « وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا » نحن عنينا بها(1) .
وفي خبر : إنّ قوله تعالى : « هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ » ، فدعوة إبراهيم وإسماعيل لآل محمد صلى الله عليه و آله(2) ، فإنّه لمن لزم الحرم من قريش حتى جاء النبي صلى الله عليه و آله ، ثمّ اتّبعه وآمن به .
وأمّا قوله تعالى : « وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً » النبي يكون على آل محمد صلى الله عليه و آله شهيدا ، ويكونون شهداء على الناس بعده(3) .
وكذلك قوله : « وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ » ، إلى قوله : « شَهِيدٌ » ، فلمّا توفّي النبي صلى الله عليه و آله صاروا شهداء على الناس ، لأنّهم منه(4) .
عبد اللّه بن الحسين عن زين العابدين عليه السلام في قوله تعالى : « لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ » قال : نحن هم .
محمد بن سالم عن زيد بن علي عليه السلام ، وأبو الجارود وأبو الصباح الكناني
ص: 10
عن الصادق عليه السلام ، وأبو حمزة عن السجّاد عليه السلام في قوله تعالى : « ثُمَّ اهْتَدى » ،إلينا أهل البيت(1) .
أبو حمزة الثمالي : سئل علي بن الحسين عليهماالسلام عن قوله تعالى : « وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها » ، قال : ما يقول الناس فيها قبلكم بالعراق ؟ قال : يقولون : إنّها مكّة .
قال : وهل رأيت السوق أكثر منه بمكّة ؟ قال : فما هو ؟
قال : إنّما عنى به الرجال ، قال : وأين ذلك في كتاب اللّه ؟
قال : أو ما تسمع إلى قوله - عزّ وجلّ - : « وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ
أَمْرِ رَبِّها » ، وقال : « وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ » ، وقال : « وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ » ، أفنسأل القرية أو الرجال أو العير ؟ قال : من هم ؟
قال : نحن هم ، وقال : « سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيّاماً آمِنِينَ » أي آمنين من الزيغ(2) .
الصادق عليه السلام في قوله تعالى : « ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا » ، نزلت في حقّنا(3) ، وحقّ ذرّياتنا خاصّة .
ص: 11
وفي رواية عنه وعن أبيه عليهماالسلام : هي لنا خاصّة ، وإيّانا عنى(1) .
وفي رواية الجارود عن الباقر عليه السلام : هم آل محمد عليهم السلام(2) .
زيد بن علي عليهماالسلام قال : نحن أولئك .
أبان بن الصلت : سأل المأمون العلماء عن معنى هذه الآية ، فقالت : أراد بذلك الأمّة كلّها ، فقال للرضا عليه السلام : ما تقول يا أبا الحسن عليه السلام ؟ قال : أقول : أراد اللّه بذلك العترة الطاهرة لا غيرهم(3) .
زياد بن المنذر عن الباقر عليه السلام : هذه لآل محمد صلى الله عليه و آله وشيعتهم(4) .
جابر عنه عليه السلام قال : خير أهل بيتٍ ، يعني أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله(5) .
وقال محمد بن منصور : أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله خير أهل بيت أخرج للناس .
زياد بن المنذر عن الباقر عليه السلام : أمّا الظالم لنفسه منّا فمن عمل عملاً صالحا وآخر سيّئا ، وأمّا المقتصد فهو المتعبّد المجتهد ، وأمّا السابق بالخيرات فعلي والحسن والحسين عليهم السلام ، ومن قتل من آل محمد صلى الله عليه و آلهشهيدا(6) .
وفي رواية سالم عنه عليه السلام : السابق بالخيرات الإمام ، والمقتصد العارف بالإمام ، والظالم لنفسه من لا يعرف الإمام(7) .
ص: 12
أبو حمزة عن الباقر عليه السلام : « كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ » قال : نحن هم(1) .
أبو الجارود عن الباقر عليه السلام : « وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ » قال : آل محمد(2) .
أبو حازم في خبر : قال رجل لزين العابدين عليه السلام : تعرف الصلاة ! فحملت عليه ، فقال عليه السلام : مهلاً يا أبا حازم ، فإنّ العلماء هم الحلماء الرحماء .
ثمّ واجه السائل ، فقال : نعم أعرفها ، فسأله عن أفعالها وتروكها وفرائضها ونوافلها ، حتى بلغ قوله : ما افتتاحها ؟ قال : التكبير .
قال : ما برهانها ؟ قال : القراءة .
قال : ما خشوعها ؟ قال : النظر إلى موضع السجود .
قال : ما تحريمها ؟ قال : التكبير .
قال : ما تحليلها ؟ قال : التسليم .
قال : ما جوهرها ؟ قال : التسبيح .
ص: 13
قال : ما شعارها ؟ قال : التعقيب .
قال : ما تمامها ؟ قال : الصلاة على محمد وآل محمد .
قال : ما سبب قبولها ؟ قال : ولايتنا والبراءة من أعدائنا .
قال : ما تركت لأحد حجّة ، ثمّ نهض يقول : « اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ » ، وتوارى .
الكافي : انّه استقرض زين العابدين عليه السلام من مولى له عشرة آلاف درهم ، فطلب الرجل وثيقة ! قال : فنتف له من ردائه هدبة(1) ، فقال : هذه الوثيقة .
فكأنّ الرجل كره ذلك ، فقال عليه السلام : أنا أولى بالوفاء أم حاجب ؟ فقال : أنت أولى بذلك منه ، قال : فكيف صار حاجب بن زرارة يرهن قوسا ، وإنّما هي خشبة على مائة درهم حمالة ، وهو كافر فيفي ، وأنا لا أفي بهدبة رداء .
قال : فأخذها الرجل منه وأعطاه الدراهم ، وجعل الهدبة في حُقّ ، فسهّل اللّه - عزّ وجلّ - له المال ، فحمله إلى الرجل ، ثمّ قال : خذ قد أحضرت لك مالك ، فهات وثيقتي ، فقال له : جعلت فداك ضيّعتها ، قال : إذا لا تأخذ مالك منّي ، [ ليس ] مثلي [ من ] يستخفّ بذمّته .
ص: 14
قال : فأخرج الرجل الحُقّ ، فإذا فيه الهدبة ، فأعطاها علي بنالحسين عليهماالسلام ، وأعطاه علي بن الحسين عليهماالسلام الدراهم ، وأخذ الهدبة(1) .
ما ثبت أنّ الإمام يجب أن يكون منصوصا عليه ، فكلّ من قال بذلك فقطع على إمامته .
وإذا ثبت أنّ الإمام لابدّ أن يكون معصوما يقطع على أنّ الإمام بعد الحسين ابنه علي عليهماالسلام ، لأنّ كلّ من ادّعيت إمامته بعده من بني أميّة والخوارج اتّفقوا على نفي القطع على عصمته .
وأمّا الكيسانية ،- وإن قالوا بالنصّ ، فلم يقولوا بالنصّ صريحا .
وميزان علي بن الحسين زين العابدين في الحساب : إمام المؤمنين أجمعين ، لاستوائهما في أربعمائة وثمانية وسبعين .
ووجدنا ولد علي بن الحسين عليهماالسلام اليوم على حداثة عصره وقرب
ص: 15
ميلاده أكثر عددا من قبائل الجاهلية ، وعمائر(1) القديمة(2) ، حتى طبقواالأرض ، وملؤوا البلاد ، وبلغوا الأطراف ، وعلمنا أنّ ذلك من دلائله .
قال القاضي بن قادوس المصري(3) :
أنت الإمام الآمر العادل الذي
جنب البراق لجدّه جبريل(4)
الفاضل الأطراف لم ير فيهم
إلاّ إمام طاهر وبتول
أنتم خزائن غامضات علومه
وإليكم التحريم والتحليل
فعلى الملائك أن تؤدّي وحيه
بأمانة وعليكم التأويل(5)
* * *
ولبعض النصارى :
عديّ وتيم لا أحاول ذكرها
بسوء ولكنّي محبّ لهاشم
وهل تعتريني في علي ورهطه
إذا لم أخف في اللّه لومة لائم
يقولون ما بال النصارى وحبّهم
وأهل التقى من معرب وأعاجم
فقلت لهم إنّي لأحسب حبّهم
طواه إلهي في صدور البهائم
* * *
ص: 16
ص: 17
ص: 18
حلية الأولياء ، ووسيلة الملاّ ، وفضائل أبي السعادات ، بالإسناد عن ابن شهاب الزهري قال : شهدت علي بن الحسين عليهماالسلام يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام ، فأثقله حديدا ، ووكّل به حفّاظا في عدّة وجمع ، فاستأذنتهم في التسليم عليه والتوديع له ، فأذنوا .
فدخلت عليه والأقياد في رجليه ، والغلّ في يديه ، فبكيت وقلت : وددت أنّي مكانك وأنت سالم ، فقال : يا زهري ، أو تظنّ هذا بما ترى عليّ وفي عنقي يكربني ؟ أما لو شئت ما كان ، فإنّه - وإن بلغ بك ومن أمثالك - ليذكّرني عذاب اللّه .
ثمّ أخرج يديه من الغلّ ، ورجليه من القيد ، ثمّ قال : يا زهري ، لا جزت معهم على ذا منزلتين من المدينة .
فما لبثنا إلاّ أربع ليال حتى قدم الموكّلون به يطلبونه بالمدينة ، فما وجدوه ، فكنت فيمن سألهم عنه ، فقال لي بعضهم : إنّا نراه متبوعا ، إنّه لنازل ونحن حوله لا ننام نرصده ، إذ أصبحنا فما وجدنا بين محمله إلاّ حديده .
فقدمت بعد ذلك على عبد الملك ، فسألني عن علي بن الحسين عليهماالسلام ، فأخبرته ، فقال : إنّه قد جاءني في يوم فقده الأعوان ، فدخل عليّ ، فقال :
ص: 19
ما أنا وأنت ؟ فقلت : أقم عندي ، فقال : لا أحبّ ، ثمّ خرج ، فواللّه لقد امتلأ ثوبي منه خيفة .
قال الزهري فقلت : ليس علي بن الحسين عليهماالسلام حيث تظنّ ، إنّه مشغول بنفسه ، فقال : حبّذا شغل مثله ، فنعم ما شغل به(1) .
أبو الفضل الشيباني في أماليه ، وأبو إسحاق العدل الطبري في مناقبه عليه السلام عن حبّابة الوالبية ، قالت :
دخلت على علي بن الحسين عليهماالسلام ، وكان بوجهي وضح ، فوضع يده عليه فذهب(2) .
قالت : ثمّ قال : يا حبّابة ، ما على ملّة إبراهيم غيرنا وغير شيعتنا ، وسائر الناس منهم براء(3) .
حلية الأولياء بالإسناد عن أبي حمزة الثمالي قال : كنت عند علي بن الحسين عليهماالسلام ، فإذا عصافير يطرن حوله ويصرخن ، فقال : يا أبا حمزة ، هل تدري ما تقول هذه العصافير ؟ فقلت : لا .
ص: 20
قال : فإنّها تقدّس ربّها - عزّ وجلّ - وتسأله قوت يومها(1) .
وفي رواية أصحابنا : ثمّ قال : يا أبا حمزة « عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ » سببا(2) .
المنهال بن عمرو - في خبر - قال : حججت فلقيت علي بن الحسين عليهماالسلام ، فقال : ما فعل حرملة بن كاهل ؟ قلت : تركته حيّا بالكوفة .
فرفع يديه ، ثمّ قال : اللّهم أذقه حرّ الحديد ، اللّهم أذقه حرّ النار .
فتوجّهت نحو المختار ، فإذا بقوم يركضون ويقولون : البشارة - أيّها الأمير - قد أخذ حرملة ، وقد كان توارى عنه ، فأمر بقطع يديه ورجليه ، وحرقه بالنار(3) .
قالوا : وكان المختار كاتَبَ علي بن الحسين عليهماالسلام يريده أن يبايع له ، وبعث إليه بمال ، فأبى أن يقبله وأن يجيبه(4) .
جابر عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالى : « هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ
ص: 21
تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً » ، فقال : يا جابر(1) : هم بنو أميّة ويوشك أن لا تحسّمنهم أحد يرجى ولا يخشى ، فقلت : رحمك اللّه وإنّ ذلك لكائن ؟ فقال : ما أسرعه ! سمعت علي بن الحسين عليهماالسلام يقول : انّه قد رأى أسبابه .
كافي الكليني : أبو حمزة الثمالي قال : دخلت على علي بن الحسين عليهماالسلام ، فاحتبست في الدار ساعة ، ثمّ دخلت البيت وهو يلقط شيئا ، وأدخل يده من وراء الستر فناوله من كان في البيت .
فقلت : جعلت فداك ، هذا الذي أراك تلتقط أيّ شيء هو ؟ قال : فضلة من زغب(2) الملائكة ، فقلت : جعلت فداك ، وإنّهم ليأتونكم ؟ فقال : يا أبا حمزة ، إنّهم ليزاحمونا على متّكاتنا(3) .
أبو عبد اللّه بن عباس في المقتضب : عن سعيد بن المسيّب - في خبر طويل - عن أمّ سليم صاحبة الحصى :
ص: 22
قال لي : يا أمّ سليم ، ائتيني بحصاة ، فدفعت إليه الحصاة من الأرض ، فأخذها ، فجعلها كهيئة الدقيق السحيق ، ثمّ عجنها فجعلها ياقوتة حمراء .ثمّ قالت بعد كلام : ثمّ ناداني : يا أمّ سليم ، قلت : لبّيك ، قال : ارجعي ، فرجعت ، فإذا هو واقف في صرحة داره وسطا ، فمدّ يده اليمنى ، فانخرقت الدور والحيطان وسكك المدينة ، وغابت يده عنّي .
ثمّ قال : خذي يا أمّ سليم ، فناولني - واللّه - كيسا فيه دنانير وقرط من ذهب وفصوص كانت لي من جزع في حُقّ لي في منزلي ، فإذا الحقّ حقّي(1) .
كتاب الأنوار : إنّ إبليس تصوّر لعلي بن الحسين عليهماالسلام ، وهو قائم يصلّي في صورة أفعى ، له عشرة رؤوس محدّدة الأنياب ، متقلّبة الأعين بحمرة ، فطلع عليه من جوف الأرض من موضع سجوده ، ثمّ تطاول [ في ] محرابه ، فلم يفزعه ذلك ، ولم يكسره طرفه إليه ، فانقضّ على رؤوس أصابعه يكدمها(2) بأنيابه ، وينفخ عليها من نار جوفه ، وهو لا يكسر طرفه إليه ، ولا يحوّل قدميه عن مقامه ، ولا يختلجه شكّ ولا وهم في صلاته ولا قراءته .
فلم يلبث إبليس حتى انقضّ إليه شهاب محرق من السماء ، فلمّا أحسّ به صرخ وقام إلى جانب علي بن الحسين عليهماالسلام في صورته الأولى ،
ص: 23
ثمّ قال : يا علي ! أنت سيّد العابدين كما سمّيت ، وأنا إبليس ، واللّه لقد رأيت عبادة النبيّين من عهد أبيك آدم وإليك ، فما رأيت مثلك ولا مثلعبادتك ، ثمّ تركه وولّى وهو في صلاته لا يشغله كلامه حتى قضى صلاته على تمامها(1) .
اختيار الرجال عن الطوسي ، والمسترشد عن ابن جرير بالإسناد عن علي بن زيد عن الزهري أيضا : قيل لسعيد بن المسيّب : لِم تركت الصلاة على زين العابدين عليه السلام ، وقلت : أصلّي ركعتين في المسجد أحبّ إليّ من أن أصلّي على الرجل الصالح في البيت الصالح ؟
فقال : لأنّه أخبرني عن أبيه عن جدّه عن النبي صلى الله عليه و آله عن جبرئيل عن اللّه - تعالى - أنّه قال : ما من عبد من عبادي آمن بي وصدّق بك ، وصلّى في مسجدك ركعتين على خلاء من الناس ، إلاّ غفرت له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، فلم أر شيئا أفضل منه ، وانثال الناس على جنازته ، فقلت : إن أدركت الركعتين يوما من الدهر فاليوم .
فوثبت لأصلّي ، فجاء تكبير من السماء ، فأجابه تكبير من الأرض ، فأجابه تكبير السماء ، فأجابه تكبير من الأرض ، ففزعت وسقطت على وجهي ، وكبّر من في السماء سبعا ، ومن في الأرض سبعا ، وصلّى على
ص: 24
علي بن الحسين عليهماالسلام ، ودخل الناس المسجد فلم أدرك ركعتين ، ولا الصلاة على علي بن الحسين عليهماالسلام ، إنّ هذا لهو الخسران المبين .ثمّ بكى وقال : ما أردت إلاّ الخير ، ليتني صلّيت عليه(1) .
كتاب الكليني : موسى بن جعفر عن الباقر عليهم السلام قال : إنّ حبّابة الوالبية دعا لها علي بن الحسين عليهماالسلام فردّ اللّه عليها شبابها ، وأشار إليها بإصبعه فحاضها لوقتها ، ولها - يومئذٍ - مائة سنة وثلاث عشرة سنة(2) .
ص: 25
كتاب الأنوار : أنّه عليه السلام كان قائما يصلّي حتى وقف ابنه محمد عليه السلام - وهو طفل - إلى بئر في داره بالمدينة بعيدة القعر ، فسقط فيها ، فنظرت إليه أمّه ، فصرخت وأقبلت نحو البئر تضرب بنفسها حذاء البئر وتستغيث وتقول : يا ابن رسول اللّه ، غرق ولدك محمد ، وهو لا ينثني عن صلاته ، وهو يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر .
ص: 26
فلمّا طال عليها ذلك قالت - حزنا على ولدها - : ما أقسى قلوبكم يا آل بيت رسول اللّه (1) !!! فأقبل على صلاته ، ولم يخرج عنها إلاّ عن كمالهاوإتمامها .
ثمّ أقبل عليها وجلس على أرجاء البئر ، ومدّ يده إلى قعرها ، وكانت لا تنال إلاّ برشاء طويل ، فأخرج ابنه محمدا عليهماالسلام على يديه يناغي ويضحك ، لم يبتلّ له ثوب ولا جسد بالماء ، فقال : هاك يا ضعيفة اليقين باللّه ! فضحكت لسلامة ولدها ، وبكت لقوله : يا ضعيفة اليقين باللّه ، فقال : لا تثريب عليك اليوم ، لو علمت أنّي كنت بين يدي جبّار لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عنّي ، أفمن يرى راحما بعده(2) .
ص: 27
الفتّال النيسابوري في روضة الواعظين - في خبر طويل - عن سعيد بن جبير ، قال أبو خالد الكابلي :
أتيت علي بن الحسين عليهماالسلام على أن أسأله هل عندك سلاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله؟ فلمّا بصرني قال: يا أبا خالد، أتريد أن أريك سلاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله؟
قلت : واللّه - يا ابن رسول اللّه - ما أتيت إلاّ لأسألك عن ذلك ، ولقد أخبرتني بما في نفسي ، قال : نعم .
فدعا بحقّ كبير وسفط ، فأخرج لي خاتم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ أخرج لي
درعه وقال : هذا درع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأخرج إليّ سيفه ، فقال : هذا - واللّه - ذو الفقار ، وأخرج عمامته وقال : هذه السحاب ، وأخرج رايته وقال : هذه العقاب ، وأخرج قضيبه وقال : هذا السكب ، وأخرج نعليه وقال : هذان نعلا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأخرج رداءه وقال : هذا كان يرتدي به رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويخطب أصحابه فيه يوم الجمعة ، وأخرج لي شيئا كثيرا ، قلت : حسبي جعلني اللّه فداك(1) .
العامري في الشيصبان ، وأبو علي الطبرسي في إعلام الورى : عبد اللّه بن سليمان الحضرمي في خبر طويل :
ص: 28
إنّ غانم ابن أمّ غانم دخل المدينة - ومعه أمّه - وسأل : هل تحسّون رجلاً من بني هاشم اسمه علي ؟ قالوا : نعم هو ذاك .
قال : فدلّوني على علي بن عبد اللّه بن عباس ، فقلت له : معي حصاة ختم عليها علي والحسن والحسين عليهم السلام ، وسمعت أنّه يختم عليه رجل اسمه علي ، فقال علي بن عبد اللّه بن عباس : يا عدوّ اللّه كذبت على علي بن أبي طالب وعلى الحسن والحسين عليهم السلام ، وصار بنو هاشم يضربونني حتى أرجع عن مقالتي ، ثمّ سلبوا منّى الحصاة .
فرأيت في ليلتي في منامي الحسين عليه السلام ، وهو يقول لي : هاك الحصاة - يا غانم - وامض الى ابني فهو صاحبك ، فانتبهت والحصاة في يدي .
فأتيت علي بن الحسين عليهماالسلام ، فختمها وقال لي : إنّ في أمرك لعبرة فلاتخبر به أحدا .
فقال في ذلك غانم ابن أمّ غانم :
أتيت عليّا أبتغي الحقّ عنده
وعند علي عبرة لا أحاول
فشدّ(1) وثاقي ثمّ قال لي اصطبر
كأنّي مخبول عراني خابل
فقلت لحاك اللّه واللّه لم أكن
لأكذب في قولي الذي أنا قائل
وخلّى سبيلي بعد ضنك فأصبحت
مخلاة(2) نفسي وسربي سائل
ص: 29
وقلت وخير القول ما كان صادقا
ولا يستوي في الدين حقّ وباطل
ولا يستوي من كان بالحقّ عالما
كآخر يمسي وهو للحقّ جاهل
وأنت الإمام الحقّ يعرف فضله
وإن قصرت عنه النهى والفضائل
وأنت وصيّ الأوصياء محمد
أبوك ومن نيطت إليه الوسائل(1)
* * *
كتاب الإرشاد ، الزهري : قال سعيد بن المسيّب : كان الناس لا يخرجون من مكّة حتى يخرج علي بن الحسين عليهماالسلام ، فخرج وخرجت معه ، فنزل في بعض المنازل ، فصلّى ركعتين ، سبّح في سجوده ، فلم يبق شجرولا مدر إلاّ سبّحوا معه ، ففزعت منه ، فرفع رأسه ، فقال : يا سعيد ، أفزعت ؟ قلت : نعم يا ابن رسول اللّه ، قال : هذا التسبيح الأعظم(2) .
وفي رواية سعيد بن المسيّب : كان القرّاء لا يحجّون حتى يحجّ زين العابدين عليه السلام ، وكان يتّخذ لهم السويق الحلو والحامض ، ويمنع نفسه .
فسبق يوما إلى الرحل فألفيته وهو ساجد ، فوالذي نفس سعيد بيده ، لقد رأيت الشجر والمدر والرحل والراحلة يردّون عليه مثل كلامه .
ص: 30
وذكر فصاحة الصحيفة الكاملة عند بليغ في البصرة ، فقال : خذوا عنّي حتى أملي عليكم ، وأخذ القلم وأطرق رأسه ، فما رفعه حتى مات .
حلية أبي نعيم ، وفضائل أبي السعادات : روى أبو حمزة الثمالي ومنذر الثوري عن علي بن الحسين عليهماالسلام قال :
خرجت حتى انتهيت إلى هذا الحائط ، فاتّكيت عليه ، فإذا رجل عليه ثوبان أبيضان ينظر في تجاه وجهي ، ثمّ قال : يا علي بن الحسين ، ما لي أراك كئيبا حزينا ؟! على الدنيا حزنك فرزقُ اللّه حاضر للبرّ والفاجر ، قلت : ما على هذا حزني ، وإنّه لكما تقول .قال : فعلى الآخرة ؟ فهو وعد صادق يحكم فيه ملك قاهر ، فعلى مَ حزنك ؟ قال : قلت : الخوف من فتنة ابن الزبير .
قال : ثمّ ضحك وقال : يا علي بن الحسين ، هل رأيت أحدا توكّل على اللّه فلم يكفه ؟ قلت : لا ، قال : يا علي بن الحسين ، هل رأيت أحدا خاف اللّه فلم ينجه ؟ قلت : لا ، قال : يا علي بن الحسين ، هل رأيت أحدا سأل اللّه فلم يعطه ؟ قلت : لا .
ثمّ نظرت فإذا ليس قدّامي أحد ، وكان الخضر(1) .
ص: 31
إبراهيم بن أدهم وفتح الموصلي ، قال كلّ واحد منهما : كنت أسيح في البادية مع القافلة ، فعرضت لي حاجة ، فتنحّيت عن القافلة ، فإذا أنا بصبي يمشي ! فقلت : سبحان اللّه ! بادية بيداء وصبي يمشي !
فدنوت منه ، وسلّمت عليه ، فردّ عليّ السلام ، فقلت له : إلى أين ؟ قال : أريد بيت ربّي ، فقلت : حبيبي ، إنّك صغير ليس عليك فرض ولا سنّة ، فقال : يا شيخ ، ما رأيت من هو أصغر سنّا منّي مات ؟
فقلت : أين الزاد والراحلة ؟ فقال : زادي تقواي ، وراحلتي رجلاي ، وقصدي مولاي .
فقلت : ما أرى شيئا من الطعام معك ! فقال : يا شيخ ، هل يستحسن أن يدعوك إنسان إلى دعوة ، فتحمل من بيتك الطعام ؟ قلت : لا ، قال :الذي دعاني إلى بيته هو يطعمني ويسقيني .
فقلت : ارفع رجلك حتى تدرك ، فقال : عليّ الجهاد وعليه الإبلاغ ، أما سمعت قوله تعالى : « وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللّهَ لَمَعَ الُْمحْسِنِينَ » ؟
قال : فبينا نحن كذلك ، إذ أقبل شابّ حسن الوجه عليه ثياب بيض حسنة ، فعانق الصبي وسلّم عليه ، فأقبلت على الشابّ وقلت له : أسألك بالذي حسّن خلقك من هذا الصبي ؟ فقال : أما تعرفه ! هذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .
ص: 32
فتركت الشابّ ، وأقبلت على الصبي ، فقلت : أسألك بآبائك من هذا الشابّ ؟ فقال : أما تعرفه ؟ هذا أخي الخضر ، يأتينا كلّ يوم فيسلّم علينا .
فقلت : أسألك بحقّ آبائك لما أخبرتني بما تجوز المفاوز بلا زاد ؟ قال : بلى أجوز بزاد ، وزادي فيها أربعة أشياء .
قلت : وما هي ؟
قال : أرى الدنيا كلّها بحذافيرها مملكة اللّه ، وأرى الخلق كلّهم عبيد اللّه وإمائه وعياله ، وأرى الأسباب والأرزاق بيد اللّه ، وأرى قضاء اللّه نافذا في كلّ أرض اللّه ، فقلت : نعم الزاد زادك - يا زين العابدين - وأنت تجوز بها مفاوز الآخرة ، فكيف مفاوز الدنيا .
في كتاب الكشّي : قال القاسم بن عوف في حديثه : قال زين العابدين عليه السلام : وإيّاك أن تشدّ راحلة برحلها ، فإنّ هاهنا مطلب العلم حتى يمضي لكم بعد موتي سبع حجج ، ثمّ يبعث لكم غلاما من ولد فاطمة عليهاالسلام تنبت الحكمة في صدره كما ينبت المطر الزرع .
قال : فلمّا مضى علي بن الحسين عليهماالسلام حسبنا الأيّام والجمع والشهور والسنين ، فما زادت يوما ولا نقصت حتى تكلّم محمد الباقر عليه السلام(1) .
ص: 33
وفي حديث أبي حمزة الثمالي أنّه دخل عبد اللّه بن عمر على زين العابدين عليه السلام وقال : يا ابن الحسين ، أنت الذي تقول : إنّ يونس بن متّى إنّما لقى من الحوت ما لقى ، لأنّه عرضت عليه ولاية جدّي فتوقّف عندها ؟ قال : بلى ثكلتك أمّك ، قال : فأرني آية ذلك إن كنت من الصادقين !
فأمر بشدّ عينيه بعصابة ، وعيني بعصابة ، ثمّ أمر بعد ساعة بفتح أعيننا ، فإذا نحن على شاطى ء البحر تضرب أمواجه ، فقال ابن عمر : يا سيّدي دمي في رقبتك ، اللّه اللّه في نفسي ، فقال : هيه وأريه إن كنت من الصادقين !
ثمّ قال : يا أيّتها الحوت ! قال : فأطلع الحوت رأسه من البحر مثل الجبل العظيم وهو يقول : لبّيك لبّيك يا وليّ اللّه ، فقال : من أنت ؟ قال : أناحوت يونس يا سيّدي ، قال : انبئنا بالخبر .
قال : يا سيّدي إنّ اللّه - تعالى - لم يبعث نبيّا من آدم إلى أن صار جدّك محمد صلى الله عليه و آله إلاّ وقد عرض عليه ولايتكم أهل البيت ، فمن قبلها من الأنبياء سلم وتخلّص ، ومن توقّف عنها وتتعتع في حملها لقى ما لقى آدم من المعصية ، وما لقى نوح من الغرق ، وما لقى إبراهيم من النار ، وما لقى يوسف من الجبّ ، وما لقى أيّوب من البلاء ، وما لقى داود من الخطيئة ، إلى أن بعث اللّه يونس ، فأوحى اللّه إليه : أن يا يونس تولّ أمير المؤمنين عليّا والأئمّة الراشدين من صلبه عليهم السلام ، - في كلام له - .
قال : فكيف أتولّى من لم أره ولم أعرفه ، وذهب مغتاظا ، فأوحى اللّه
ص: 34
- تعالى - إليّ أن التقمي يونس ولا توهني له عظما ، فمكث في بطني أربعين صباحا يطوف معي البحار في ظلمات ثلاث(1) ينادي : أنّه « أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ » ، قد قبلت ولاية علي بن أبي طالب والأئمّة الراشدين من ولده عليهم السلام ، فلمّا آمن بولايتكم أمرني ربّي فقذفته على ساحل البحر .
فقال زين العابدين عليه السلام : ارجع أيّها الحوت إلى وكرك ، واستوى الماء .
بصائر الدرجات : سماعة عن أبي بصير عن عبد العزيز قال : خرجتمع علي بن الحسين عليهماالسلام إلى مكّة ، فلمّا دخلنا(2) الأبواء كان على راحلته ، وكنت أمشي ، فوافى غنما ، فإذا نعجة قد تخلّفت عن الغنم ، وهي تثغو ثغاء(3) شديدا وتلتفت ، وإذا سخلة خلفها تثغو وتشتدّ في طلبها ، فلمّا قامت الراحلة ثغت النعجة ، فتبعتها السخلة .
فقال علي بن الحسين عليهماالسلام : يا عبد العزيز ، أتدري ما قالت النعجة ؟ قلت : لا - واللّه - ما أدري ، قال : فإنّها قالت : الحقني بالغنم ، فإنّ أختها عام أوّل تخلّفت في هذا الموضع ، فأكلها الذئب(4) .
ص: 35
الكافي وعلل الشرائع : قال أبان بن تغلب : لمّا هدم الحجّاج الكعبة فرّق الناس ترابها ، فلمّا جاءوا إلى بنائها ، وأرادوا أن يبنوها ، خرجت عليهم حيّة ، فمنعت الناس البناء حتى انهزموا .
فأتوا الحجّاج فأخبروه ، فخاف أن يكون قد منع بناؤها ، فصعد المنبر وقال : أنشد اللّه عبدا عنده خبر ما ابتلينا به لمّا أخبرنا به .
قال : فقام شيخ فقال : إن يكن عند أحد علم ، فعند رجل رأيته جاء إلى الكعبة وأخذ مقدارها ثمّ مضى ، فقال الحجّاج : من هو ؟ قال : علي بن الحسين عليهماالسلام ، قال : معدن ذلك .
فبعث إلى علي بن الحسين عليهماالسلام ، فأتاه فأخبره بما كان من منع اللّه إيّاهالبناء .
فقال له علي بن الحسين عليهماالسلام : يا حجّاج ، عمدت إلى بناء إبراهيم وإسماعيل وألقيته في الطريق ، وانتهبه الناس ، كأنّك ترى أنّه تراث لك ، اصعد المنبر ، فأنشد الناس أن لا يبقي أحد منهم أخذ منه شيئا إلاّ ردّه ، قال : ففعل فردّوه .
فلمّا رأى جميع التراب ، أتى علي بن الحسين عليهماالسلام ، فوضع الأساس وأمرهم أن يحفروا .
قال : فتغيّبت عنهم الحيّة ، وحفروا حتى انتهى إلى موضع القواعد ، فقال لهم علي بن الحسين عليهماالسلام : تنحّوا ، فتنحّوا ، فدنا منها فغطّاها بثوبه ، ثمّ بكى ، ثمّ غطّاها بالتراب ، ثمّ دعا الفعلة فقال : ضعوا بناءكم ، فوضعوا البناء .
ص: 36
فلمّا ارتفعت حيطانه أمر بالتراب ، فألقي في جوفه ، فلذلك صار البيت مرتفعا يصعد إليه بالدرج(1) .
وروي : أنّه استسقى عبّاد البصرة مثل : أيّوب السجستاني ، وصالح المزي ، وعتبة العلاّم ، وحبيب القادسي ، ومالك بن دينار ، وأبو صالح الأعمى ، وجعفر بن سليمان ، وثابت البناني ، ورابعة ، وسعدانة ، وانصرفواخائبين .
فإذا هم بفتى قد أقبل وقد أكربته أحزانه ، وأقلقته أشجانه ، فطاف بالكعبة أشواطا ، ثمّ أقبل علينا وحيّانا واحدا واحدا ، فقلنا : لبّيك يا شابّ ، فقال : أما فيكم أحد يجيبه الرحمن ؟
فقلنا : يا فتى علينا الدعاء وعليه الإجابة .
قال : ابعدوا عن الكعبة ، فلو كان فيكم أحد يجيبه الرحمن لأجابه .
ثمّ أتى الكعبة ، فخرّ ساجدا ، فسمعته يقول في سجوده : سيّدي بحبّك لي إلاّ أسقيتهم الغيث ، فما استتمّ الكلام حتى أتاهم الغيث كأفواه القرب ، ثمّ ولّى عنّا قائلاً :
من عرف الربّ فلم تغنه
معرفة الربّ فهذا شقي
ص: 37
ما ضرّ في الطاعة ما ناله
في طاعة اللّه وماذا لقي
ما يصنع العبد بعزّ الغنى
والعزّ كلّ العزّ للمتّقي
* * *
فسئل عنه ، فقالوا : هذا زين العابدين عليهماالسلام(1) .
أمالي أبو جعفر الطوسي : قال : خرج علي بن الحسين عليهماالسلام إلى مكّة حاجّا حتى انتهى إلى بين مكّة والمدينة ، فإذا هو برجل يقطع الطريق .قال : فقال لعلي عليه السلام : انزل ، قال : تريد ماذا ؟ قال : أريد أن أقتلك وآخذ ما معك ، قال : فأنا أقاسمك ما معي وأحلّلك .
قال : فقال اللّص : لا ، قال : فدع معي ما أتبلّغ به ، فأبى ، قال : فأين ربّك ؟ قال : نائم .
قال : فإذا أسدان مقبلان بين يديه ، فأخذ هذا برأسه ، وهذا برجليه ، قال : زعمت أنّ ربّك عنك نائم(2) ؟
يونس الحرّ عن الفتال ، والقلادة عن أبي حاتم ، والوسيلة عن الملاّ بالإسناد : روى جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه السلام قال :
ص: 38
بينا علي بن الحسين¨ عليهماالسلام مع أصحابه إذ أقبل ظبي من الصحراء حتى قام حذاه ، وتبغّم(1) وحمحم ، فقال بعض القوم : ما شأن هذا يا ابن رسول اللّه ؟ فقال : إنّ هذه الظبية تزعم أنّ فلانا القرشي أخذ خشفا لها ، وأنّها لم ترضعه من أمس .
فبعث علي بن الحسين عليهماالسلام إلى الرجل أن أرسل إليّ الخشف ، فبعث به ، فلمّا رأته حمحمت وأرضعته ، ثمّ كلّمها علي بن الحسين عليهماالسلام بكلام مثل كلامها ، فحمحمت ، ثمّ انصرفت واتّبعها الخشف .
فقالوا له : يا ابن رسول اللّه ، ماذا قلت لها ؟ قال : قلت لها : قد وهبتكخشفك ، فدعت لكم وجزّتكم خيرا(2) .
وفي كتاب الوسيلة هذا بالإسناد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : كان علي بن الحسين عليهماالسلام مع أصحابه في طريق مكّة ، فمرّ به ثعلب ، وهم يعدون خلفه ، فقال علي بن الحسين عليهماالسلام : هل لكم أن تعطوني موثقا من اللّه - تعالى - لا تروّعون هذا الثعلب حتى أدعوه فيجيء ؟ قالوا : نعم .
فنادى : يا ثعلب تعال ، فأقبل الثعلب إليه ، ووقف بين يديه ، فناوله عراقا(3) ، فأخذه وولّى ليأكله .
ص: 39
فعاد ناداه ، فقال : هلمّ صافحني ، فجاء ، فتكلّم رجل منهم في وجهه ، فانصرف ، فقال : من فيكم كلّمه ؟ فقال رجل : أنا ، واستغفر(1) .
أبو عبد اللّه عليه السلام قال : لمّا كانت الليلة التي وعدها علي بن الحسين عليهماالسلام ، قال لمحمد عليه السلام ابنه : يا بنيّ أبغني(2) وضوءا ، قال أبي : فجئته بوضوء ، فقال : لا أبغي هذا ، فإنّ فيه شيئا ميّتا .فخرجت ، فجئت بالمصباح ، فإذا فيه فأرة ميّتة ، فجئته بوضوء غيره .
قال : يا بنيّ ، هذه الليلة التي وعدتها ، فأوصى بناقته أن تحضر - يقال لها « عصام » - ويقام لها علف ، فجعل لها ذلك ، فتوفّي فيها رحمة اللّه عليه وصلواته .
فلمّا دفن لم تلبث أن خرجت حتى أتت القبر ، فضربت بجرانها(3) القبر ، ورغت(4) وهملت عيناها .
فأتي محمد بن علي عليهماالسلام فقيل : إنّ الناقة قد خرجت إلى القبر ، فأتاها فقال : مه ، قومي الآن بارك اللّه فيك ، فثارت حتى دخلت موضعها .
ص: 40
ثمّ لم تلبث أن خرجت حتى أتت القبر ، فضربت بجرانها القبر ، ورغت وهملت عيناها .
فأتي محمد بن علي عليهماالسلام ، فقيل له : إنّ الناقة قد خرجت إلى القبر ، فأتاها فقال : مه ، الآن قومي بارك اللّه فيك ، فلم تفعل ، فقال : دعوها ، فإنّها مودّعة ، فلم تلبث إلاّ ثلاثة أيّام حتى نفقت .
وإنّه كان يخرج عليها إلى مكّة ، فيعلّق السوط بالرحل ، فما يقرعها قرعة حتى يدخل المدينة(1) .
وروي أنّه حجّ عليها أربعين حجّة(2) .
حمّاد بن حبيب الكوفي العطّار قال : انقطعت عن القافلة عند زبالة ، فلمّا أن انجنى الليل أويت إلى شجرة عالية ، فلمّا أن اختطّ الظلام إذا أنا بشابّ قد أقبل ، عليه أطمار بيض ، تفوح منه رائحة المسك ، فأخفيت نفسي ما استطعت ، فتهيّأ للصلاة ، ثمّ وثب قائما وهو يقول : يا من حاز كلّ شيء [ ملكوتا وقهر كلّ شيء ] جبروتا ألج قلبي فرح الإقبال وألحقني بميدان المطيعين لك ، ثمّ دخل في الصلاة .
ص: 41
فلمّا رأيته وقد هدأت أعضاؤه ، وسكنت حركاته ، قمت إلى الموضع الذي تهيّأ فيه إلى الصلاة ، فإذا أنا بعين تنبع ، فتهيّأت للصلاة ، ثمّ قمت خلفه ، فإذا بمحراب كأنّه مثّل في ذلك الوقت ، فرأيته كلّ ما مرّ بالآية التي فيها الوعد والوعيد يردّدها بانتحاب وحنين .
فلمّا أن تقشّع الظلام وثب قائما وهو يقول : يا من قصده الضالّون فأصابوه مرشدا ، وأمّه الخائفون فوجدوه معقلاً ، ولجأ إليه العائذون فوجدوه موئلاً ، متى راحة من نصب لغيرك بدنه ، ومتى فرح من قصد سواك بنيّته ، إلهي قد انقشع الظلام ولم أقض من حياض مناجاتك صدرا ، صلّ على محمد وآله ، وافعل بي أولى الأمرين بك يا أرحم الراحمين .
فخفت أن يفوتني شخصه ، وأن يخفى عليّ أمره ، فتعلّقت به ، فقلت :بالذي أسقط عنك ملاك التعب ، ومنحك شدّة لذيذ الرهب ، إلاّ ما لحقتني منك جناح رحمة ، وكنف رقّة ، فإنّي ضالّ ، فقال : لو صدق توكّلك ما كنت ضالاًّ ، ولكن اتّبعني واقفُ أثري .
فلمّا أن صار تحت الشجرة أخذ بيدي ، وتخيّل لي الأرض تميد من تحت قدمي ، فلمّا انفجر عمود الصبح قال لي : ابشر فهذه مكّة ، فسمعت الضجّة ورأيت الحجّة .
فقلت له : بالذي ترجوه يوم الآزفة يوم الفاقة ، من أنت ؟ قال : إذا أقسمت ، فأنا علي بن الحسين بن علي أبي طالب عليهم السلام(1) .
ص: 42
كتاب المقتل : قال أحمد بن حنبل : كان سبب مرض زين العابدين عليه السلام في كربلاء أنّه كان ألبس درعا ، ففضل عنه ، فأخذ الفضلة بيده ومزّقه(1) .
عبد اللّه بن عطاء التميمي ، قال : كنت مع علي بن الحسين عليهماالسلام في المسجد ، فمرّ عمر بن عبد العزيز، وعليه نعلان شراكهما فضّة، وكان من أهجن الناس، وهو شابّ، فنظر إليه علي بن الحسين عليهماالسلام، فقال: يا عبد اللّه بن عطاء ، أترى هذا المترف ؟ إنّه لن يموت حتى يلي الناس ، قلت : إنا للّه ، هذا الفاسق ؟
قال : نعم ، لا يلبث عليهم إلاّ يسيرا حتى يموت ، فإذا هو مات لعنهأهل السماء ، واستغفر له أهل الأرض(2) .
الروضة : سأل ليث الخزاعي سعيد بن المسيب عن إنهاب المدينة ، قال : نعم ، شدّوا الخيل إلى أساطين مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ورأيت الخيل حول القبر ، وانتهب المدينة ثلاثا ، فكنت أنا وعلي بن الحسين عليه السلام نأتي قبر النبي صلى الله عليه و آله ، فيتكلّم علي بن الحسين عليهماالسلام بكلام لم أقف عليه ، فيحال ما بيننا وبين القوم ، ونصلّي ونرى القوم وهم لا يروننا .
ص: 43
وقام رجل عليه حلل خضر على فرس محذوف(1) أشهب ، بيده حربة مع علي بن الحسين عليهماالسلام ، فكان إذا أومى ء الرجل إلى حرم رسول اللّه صلى الله عليه و آله يشير ذلك الفارس بالحربة نحوه ، فيموت قبل أن يصيبه .
فلمّا أن كفّوا عن النهب دخل علي بن الحسين عليهماالسلام على النساء ، فلم يترك قرطا في أذن صبي، ولا حليّا على امرأة ولا ثوبا ، إلاّ أخرجه إلى الفارس(2).
فقال له الفارس(3) : يا ابن رسول اللّه ، إنّي ملك من الملائكة من شيعتك وشيعة أبيك ، لمّا أن ظهر القوم بالمدينة استأذنت ربّي في نصرتكم آل محمد صلى الله عليه و آله ، فأذن لي ، لأن أذخرها يدا عند اللّه - تبارك وتعالى - وعند رسوله وعندكم أهل البيت إلى يوم القيامة .
وأصيب الحسين عليه السلام وعليه دين ، بضعة وسبعون ألف دينار ، فاهتمّ علي بن الحسين عليهماالسلام بدين أبيه ، حتى امتنع من الطعام والشراب والنوم في أكثر أيّامه ولياليه ، فأتاه آتٍ في المنام ، فقال : لا تهتمّ بدين أبيك فقد قضاه اللّه عنه بمال « بجنس » ، فقال علي عليه السلام : واللّه ما أعرف في أموال أبي مال يقال له « بجنس » ، فلمّا كان من الليلة الثانية رأى مثل ذلك .
فسأل عنه أهله ، فقالت له امرأة من أهله : كان لأبيك عبد رومي يقال له : « بجنس » استنبط له عينا بذي خشب ، فسأل عن ذلك فأخبر به .
فما مضت بعد ذلك إلاّ أيام قلائل حتى أرسل الوليد بن عتبة بن أبي سفيان إلى علي بن الحسين عليهماالسلام يقول له : انّه قد ذكرت لي عين لأبيك بذيخشب تعرف ب-« بجنس » ، فإذا أحببت بيعها ابتعتها منك ، قال علي بن الحسين عليهماالسلام : خذها بدين الحسين عليه السلام ، وذكره له ، قال : قد أخذتها ،
فاستثنى منها سقي ليلة السبت لسكينة(1)(2) .
ص: 45
وكان زين العابدين عليه السلام يدعو في كلّ يوم أن يريه اللّه قاتل أبيه مقتولاً ، فلمّا قتل المختار قتلة الحسين عليه السلام بعث برأس عبيد اللّه بن زياد ورأس عمر بن سعد مع رسول من قبله إلى زين العابدين عليه السلام ، وقال لرسوله : إنّه يصلّي من الليل ، وإذا أصبح وصلّى صلاة الغداة هجع ، ثمّ يقوم ، فيستاك ويؤتى بغذائه ، فإذا أتيت بابه فاسأل عنه ، فإذا قيل لك : إنّ المائدة بين يديه ، فاستاذن عليه وضع الرأسين على مائدته ، وقل له : المختار يقرأ عليك السلام ويقول لك : يا ابن رسول اللّه ، قد بلغك اللّه ثارك .
ففعل الرسول ذلك ، فلمّا رأى زين العابدين عليه السلام الرأسين على مائدته
خرّ ساجدا وقال : الحمد اللّه الذي أجاب دعوتي ، وبلغني ثأري من قتلةأبي ، ودعا للمختار وجزّاه خيرا(1) .
رجل من بني حنيفة ، قال : كنت مع عمّي فدخل على علي بن الحسين عليهماالسلام ، فرأى بين يديه صحائف ينظر فيها ، فقال عمّي : أيّ شيء هذه الصحائف ؟ قال : هذه ديوان شيعتنا .
ص: 46
ثمّ قال : إنّ اللّه خلقنا من عليّين ، وخلق شيعتنا من طين من أسفل ذلك ، وخلق عدوّنا من سجّين ، وخلق أولياؤهم من أسفل ذلك(1) .
بشير النبّال ويحيى بن أمّ الطويل ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كنت خلف أبي ، وهو على بغلته ، فنفرت فإذا رجل في عنقه سلسلة ، ورجل يتبعه ، فقال : يا علي بن الحسين ، اسقني ، فقال الرجل : لا تسقه ، لا سقاه اللّه ، وكان أوّل ملك في الشام(2) .
وروى نحو ذلك إدريس بن عبد اللّه وعلي بن المغيرة ومالك بن عطيّة وأبو حمزة الثمالي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال :بينا أنا وأبي متوجّهين إلى مكّة ، وأبي قد تقدّمني في موضع يقال له : « ضجنان » ، وذكر الخبر بعينه(3) .
أبو جعفر عليه السلام : خدم أبو خالد الكابلي علي بن الحسين عليهماالسلام دهرا من عمره ، ثمّ إنّه أراد أن ينصرف إلى أهله ، فأتى علي بن الحسين عليهماالسلام ،
ص: 47
وشكى إليه شدّة شوقه إلى والديه ، فقال : يا أبا خالد ، يقدم غدا رجل من أهل الشام له قدر ومال كثير ، وقد أصاب بنتا له عارض من أهل الأرض ، ويريدون أن يطلبوا معالجا يعالجها ، فإذا أنت سمعت قدومه فأته ، وقل له : أنا أعالجها لك على أن اشترط لك أنّي أعالجها على ديّتها عشرة آلاف(1) ، فلا تطمئنّ إليهم ، وسيعطونك ما تطلب منهم .
فلمّا أصبحوا قدم الرجل ومن معه ، وكان من عظماء أهل الشام في المال والمقدرة ، فقال : أما من معالج يعالج بنت هذا الرجل ؟
فقال له أبو خالد : أنا أعالجها على عشرة آلاف درهم ، فإن أنتم وفيتم وفيت على أن لا يعود إليها أبدا ، فشرطوا أن يعطوه عشرة آلاف .
فأقبل إلى علي بن الحسين عليهماالسلام ، فأخبره الخبر ، فقال : إنّى أعلم أنّهم سيغدرون بك ، ولا يفون لك ، انطلق - يا أبا خالد - فخذ بأذن الجاريةاليسرى ، ثمّ قل : يا خبيث يقول لك علي بن الحسين اخرج من هذه الجارية ولا تعد .
ففعل أبو خالد ما أمره ، فخرج منها ، فأفاقت الجارية ، وطلب أبو خالد الذي شرطوا له فلم يعطوه ، فرجع مغتمّا كئيبا ، فقال له علي بن الحسين عليهماالسلام : ما لي أراك كئيبا يا أبا خالد ؟ ألم أقل لك : إنّهم يغدرون بك ؟ دعهم فإنّهم سيعودون إليك ، فإذا لقوك ، فقل : لست أعالجها حتى تضعوا المال على يدي علي بن الحسين عليهماالسلام ، فإنّه لي ولكم ثقة .
ص: 48
[ فأصيبت الجارية ، وعادوا إليه ، وقال ما أمره به ، فرضوا ] ووضعوا المال على يدي علي بن الحسين عليهماالسلام ، فرجع أبو خالد إلى الجارية ، فأخذ بأذنها اليسرى ، ثمّ قال : يا خبيث ، يقول لك علي بن الحسين : اخرج من هذه الجارية ، ولا تعرض لها إلاّ بسبيل خير ، فإنّك إن عدت أحرقتك ب- « نارُ اللّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَْفْئِدَةِ » ، فخرج منها ، ودفع المال إلى أبي خالد ، فخرج إلى بلاده(1) .
محمد بن علي الحلبي قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : لمّا أتي بعلي بن الحسين عليهماالسلام إلى يزيد بن معاوية ، ومن تبعهم ، جعلوهم في بيت ، فقال بعضهم : إنّما جعلنا في هذا البيت ليقع علينا .فقال مواظب لحرس : انظروا إلى هؤلاء يخافون أن يقع عليهم البيت ! وإنّما يخرجون غدا فيقتلون ، فأخبره عليه السلام [ بلغة ]قومه بمقاله .
وفي رواية : إنّه بشّرهم بإطلاقهم غدا(2) .
الزهري : جاء رجل إلى علي بن الحسين عليهماالسلام فقال : ما خبرك ؟
ص: 49
فقال : خبري - يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله - أنّي أصبحت وعليّ أربعمائة دينار لا قضاء عندي لها ، ولي عيال ليس لي ما أعود به إليهم .
فبكى علي بن الحسين عليهماالسلام بكاء شديدا ، فقيل : ما يبكيك يا ابن رسول اللّه ؟ فقال : وهل يعدّ البكاء إلاّ للمصائب والمحن الكبار ؟ فقالوا : كذلك .
قال : فأيّة محنة ومصيبة أعظم على حرّ مؤمن أن يرى بأخيه المؤمن خلّة ولا يمكنه سدّها ، ويشاهده على فاقة فلا يطيق دفعها ؟
فلمّا تفرّقوا أتاه الشاكي وقال : يا ابن رسول اللّه ، بلغني عن فلان أنّه قال : عجبا لهؤلاء يدّعون أنّ السماء والأرض وكلّ شيء يطيعهم ، وأنّ اللّه لا يردّهم عن شيء من طلباتهم ، ثمّ يعترفون بالعجز عن صلاح خواصّ إخوانهم ، يا ابن رسول اللّه ، ذلك أغلظ عليّ من محنتي .
فقال عليه السلام : فقد أذن اللّه في فرجك يا فلان ، احمل له فطوري وسحوري ،فحمل قرصين ، فقال : خذهما فليس عندنا غيرهما ، فإنّ اللّه يكشف عنك بهما ، وينيلك خيرا واسعا بهما .
فدخل الرجل السوق مع الوسوسة ، فمرّ بسمّاك قد بارت عليه سمكته ، وقد أراحت ، فقال : خذ سمكة بائرة بقرصة يابسة ، ثمّ مرّ برجل معه ملح قليل مزهود فيه ، فناداه : اعطني قرصتك المزهودة وخذ ملحي المزهود ، ففعل ، فجاء الرجل بالسمكة والملح ، فقال : أصلح هذه بهذا .
فلمّا شقّ بطن السمكة وجد فيه لؤلؤتين فاخرتين ، فحمد اللّه عليهما ، فبينا هو في سروره ذلك إذ قرع بابه ، فنظر من على الباب ، فإذا هو
ص: 50
صاحب السمكة والملح يقولان : جهدنا أن نأكل القرص فلم تعمل فيه أسناننا ، فأخذ القرصين منهما .
فلمّا استقرّ بعد انصرافهما عنه قرع بابه ، فإذا هو رسول علي بن الحسين عليهماالسلام قد دخل ، فقال : إنّه يقول لك : إنّ اللّه قد أتاك بالفرج فاردد طعامنا ، فإنّه لا يأكله غيرنا .
وباع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم وحسنت حاله .
فقال بعض المخالفين : ما أشدّ هذا التفاوت ! بينا هو لا يقدر أن يسدّ منه فاقة إذ أغناه هذا الغنى العظيم ، فقال عليه السلام : هكذا قالت قريش للنبي صلى الله عليه و آله : كيف يمضي إلى بيت المقدس ، ويشاهد ما فيه من آثار الأنبياء من مكّة ، ويرجع إليها في ليلة واحدة ، وهو لا يقدر أن يبلغ من مكّة إلى المدينة إلاّ في إثنى عشر يوما ، وذلك حين هاجر منها .ثمّ قال : جهلوا - واللّه - أمر اللّه وأمر أوليائه مع أنّ المراتب الرفيعة لا تنال إلاّ بالتسليم للّه ، وترك الاقتراح عليه ، والرضى بما يريده بهم(1) . . الخبر .
معرفة الرجال عن الكشي عن أبي بصير : كان أبو خالد الكابلي يخدم محمد بن الحنفية دهرا ، فقال له : جعلت فداك ، إنّ لي خدمة ومودّة
ص: 51
وانقطاعا ، فأسألك بحرمة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام إلاّ ما أخبرتني : أنت الإمام الذي فرض اللّه طاعته على خلقه ؟ قال : الإمام علي بن الحسين عليهماالسلام عليّ وعلى كلّ مسلم .
فجاء أبو خالد إلى علي بن الحسين عليهماالسلام ، فلمّا دخل عليه قال : مرحبا يا كنكر ، ما كنت لنا بزائر ، ما بدا لك فينا ؟
فخرّ أبو خالد ساجدا شاكرا للّه ممّا سمع منه ، فقال : الحمد اللّه الذي لم يمتني حتى عرفت إمامي ، فقال له علي عليه السلام : وكيف عرفت إمامك ؟ قال : لا - واللّه - ما عرفني بهذا الأمر(1) إلاّ أبي وأمّي ، ثمّ قصّ عليه حديث ابن الحنفية(2) .
نوادر الحكمة : عن محمد بن أحمد بن يحيى بالإسناد عن جابر ، وعن الباقر عليه السلام أنّه جرى بينه وبين محمد بن الحنفية منازعة [ في الإمامة ] ، فقال : يا محمد ، اتّق اللّه ولا تدّع ما ليس لك بحقّ ، « إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ » يا عمّ ، إنّ أبي أوصى إليّ قبل أن يتوجّه إلى العراق ، فانطلق بنا إلى الحجر الأسود ، فمن شهد له بالإمامة كان هو الإمام .
ص: 52
فانطلقا حتى أتيا الحجر الأسود ، فناداه محمد فلم يجبه ، فقال علي عليه السلام : أما إنّك لو كنت وصيّا وإماما لأجابك ، فقال له محمد : فادع أنت يا ابن أخي واسأله .
فدعا اللّه - تعالى - علي عليه السلام بما أراد ، ثمّ قال : أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الناس أجمعين لمّا أخبرتنا بلسان عربي مبين : مَن الوصي والإمام بعد الحسين ؟
فتحرّك الحجر حتى كاد أن يزول من موضعه ، ثمّ أنطقه اللّه بلسان عربي مبين ، فقال : اللّهم إنّ الوصيّة والإمامة بعد الحسين لعلي بن الحسين بن فاطمة بنت رسول اللّه عليهم السلام .
فانصرف محمد وهو يتولّى علي بن الحسين(1) عليهماالسلام .المبرد في الكامل : قال أبو خالد الكابلي لمحمد بن الحنفية : أتخاطب ابن أخيك بما لا يخاطبك بمثله ، فقال : إنّه حاكمني إلى الحجر الأسود ، وزعم أنّه ينطقه ، فصرت معه إلى الحجر ، فسمعت الحجر يقول : سلّم الأمر إلى ابن أخيك ، فإنّه أحقّ به منك ، فصار أبو خالد إماميّا(2) .
قال الحميري :
عجبت ولكن صروف الزمان
وأمر أبي خالد ذي البيان
ومن ردّه الأمر لا ينثني
إلى الطيّب الطهر نور الجنان
ص: 53
علي وما كان من عمّه
بردّ الأمانة عطف العيان
وتحكيمه حجرا أسودا
وما كان من نطقه المستبان
بتسليم عمّ بغير امتراء
إلى ابن أخ منطقا باللسان
شهدت بذلك حقّا كما
شهدت بتصديق آي القرآن
علي إمامي ولا أمتري
وخلّيت قولي بكان وكان
* * *
وقال المؤلّف :
بعد النبي أئمّة لمعاشر
وأئمّتي من بعده أولاده
إن كان قد شرفت به أصحابه
فبنوه ما شرفوا وهم أكباده
* * *
ص: 54
ص: 55
ص: 56
زرارة بن أعين : سمع سائلاً في جوف الليل يقول : أين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الآخرة ؟
فهتف به هاتف من ناحية البقيع يسمع صوته ولا يرى شخصه : ذلك علي بن الحسين عليهماالسلام(1) .
حلية الأولياء ، وفضائل الصحابة : كان علي بن الحسين عليهماالسلام إذا فرغ من وضوء الصلاة ، وصار بين وضوئه وصلاته ، أخذته رعدة ونفضة ، فقيل له في ذلك ، فقال : ويحكم أتدرون إلى من أقوم ؟ ومن أريد أناجي(2) ؟
ص: 57
وفي كتبنا : أنّه كان إذا توضّأ اصفرّ لونه ، فقيل له في ذلك ، فقال :أتدرون من أتأهّب للقيام بين يديه(1) ؟
طاووس الفقيه : رأيت في الحجر زين العابدين عليه السلام يصلّي ويدعو : عبيدك ببابك ، أسيرك بفنائك ، مسكينك بفنائك ، سائلك بفنائك ، يشكو إليك ما لا يخفى عليك .
وفي خبر : لا تردّني عن بابك(2) .
وأتت فاطمة بنت علي بن أبي طالب عليهم السلام إلى جابر بن عبد اللّه ، فقالت له : يا صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّ لنا عليكم حقوقا ، ومن حقّنا عليكم إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهادا أن تذكّروه اللّه ، وتدعوه إلى البقيا على نفسه ، وهذا علي بن الحسين عليهماالسلام بقيّة أبيه الحسين عليه السلام قد انخرم أنفه ، ونقبت جبهته وركبتاه وراحتان ، أذاب نفسه في العبادة .
فأتى جابر إلى بابه واستأذن، فلمّا دخل عليه وجده في محرابه قد انضبته(3) العبادة . فنهض علي عليه السلام ، فسأله عن حاله سؤالاً خفيّا(4) أجلسه بجنبه .
ص: 58
ثمّ أقبل جابر يقول : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أما علمت أنّ اللّه خلقالجنّة لكم ولمن أحبّكم ، وخلق النار لمن أبغضكم وعاداكم ، فما هذا الجهد الذي كلّفته نفسك ؟!
فقال له علي بن الحسين عليهماالسلام : يا صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أما علمت أنّ جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد غفر اللّه ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، فلم يدع الاجتهاد ، وتعبّد هو - بأبى وأمّي - حتى انتفخ الساق وورم القدم ، وقيل له : أتفعل هذا وقد غفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر ؟ قال : أفلا أكون عبدا شكورا ؟
فلمّا نظر إليه جابر - وليس يغني فيه قول - قال : يا ابن رسول اللّه ، البقيا على نفسك ، فإنّك من أسرة بهم يستدفع البلاء ، وتستكشف اللأواء ، وبهم تستمسك السماء ، فقال : يا جابر ، لا أزال على منهاج أبويّ مؤتسيا بهما حتى ألقاهما .
فأقبل جابر على من حضر ، فقال لهم : ما أرى من أولاد الأنبياء مثل علي بن الحسين عليهماالسلام إلاّ يوسف بن يعقوب عليهماالسلام ، واللّه لذرّية علي بن الحسين عليهماالسلام أفضل من ذرّية يوسف عليه السلام(1) .
الصادق عليه السلام : ولقد دخل أبو جعفر على أبيه عليهماالسلام ، فإذا هو قد بلغ من
ص: 59
العبادة ما لم يبلغه أحد ، وقد اصفرّ لونه من السهر ، ورمضت عيناه من البكاء ، ودبرت جبهته من السجود ، وورمت قدماه من القيام في الصلاة .
قال : فقال أبو جعفر : فلم أملك حين رأيته بتلك الحال من البكاء ، فبكيت رحمة له ، وإذا هو يفكّر ، فالتفت إليّ بعد هنيئة من دخولي ، فقال : يا بنيّ ، اعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي عليه السلام ، فأعطيته ، فقرأ فيها يسيرا ، ثمّ تركها من يده تضجّرا ، وقال : من يقوي على عبادة علي بن أبي طالب عليهماالسلام(1) ؟!
إذا قام في الصلاة تغيّر لونه ، فإذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفضّ(1) عرقا(2) .
الباقر عليه السلام : كان علي بن الحسين عليهماالسلام يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة ،وكانت الريح تميله بمنزلة السنبلة(3) ، وكانت له خمسمائة نخلة ، وكان يصلّي عند كلّ نخلة ركعتين .
وكان إذا قام في صلاته غشى لونه لون آخر ، وكان قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل ، كانت أعضاؤه ترتعد من خشية اللّه ، وكان يصلّي صلاة مودّع يرى أنّه لا يصلّي بعدها أبدا(4) .
وروي أنّه كان إذا قام إلى الصلاة تغيّر لونه ، وأصابته رعدة ، وحال أمره ، فربما سأله عن حاله من لا يعرف أمره في ذلك ، فيقول : إنّي أريد الوقوف بين يدي ملك عظيم(5) .
وكان إذا وقف في الصلاة لم يشغل بغيرها ، ولم يسمع شيئا لشغله بالصلاة(6) .
وسقط بعض ولده في بعض الليالي ، فانكسرت يده ، فصاح أهل الدار ، وأتاهم الجيران ، وجيء بالمجبّر ، وجبّر الصبي ، وهو يصيح من الألم ، وكلّ ذلك لا يسمعه ، فلمّا أصبح رأى الصبي يده مربوطة إلى عنقه ،
ص: 61
فقال : ما هذا ؟ فأخبروه(1) .
ووقع حريق في بيت هو فيه ساجد ، فجعلوا يقولون : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ! النار النار ، فما رفع رأسه حتى أطفيت .
فقيل له بعد قعوده : ما الذي ألهاك عنها ؟ قال : ألهتني عنها النار الكبرى .
الباقر عليه السلام : ولقد كان سقط منه كلّ سنة سبع ثفنات من مواضع سجوده وكان يجمعها ، فلمّا مات دفنت معه(2) .
الأصمعي : كنت أطوف حول الكعبة ليلة فإذا شابّ ظريف الشمائل ، وعليه ذؤابتان ، وهو متعلّق بأستار الكعبة ويقول : نامت العيون ، وعلت النجوم ، وأنت الملك الحيّ القيّوم ، غلّقت الملوك أبوابها ، وأقامت عليها حرّاسها ، وبابك مفتوح للسائلين ، جئتك لتنظر إليّ برحمتك يا أرحم الراحمين .
ثمّ أنشأ يقول :
يا من يجيب دعا المضطرّ في الظلم
يا كاشف الضرّ والبلوى مع السقم
قد نام وفدك حول البيت قاطبة
وأنت وحدك يا قيّوم لم تنم
ص: 62
أدعوك ربّ دعاء قد أمرت به
فارحم بكائي بحقّ البيت والحرم
إن كان عفوك لا يرجوه ذو سرف
فمن يجود على العاصين بالنعم
* * *
قال : فاقتفيته ، فإذا هو زين العابدين عليه السلام .
طاوس الفقيه : رأيته يطوف من العشاء إلى [ ال-]-سحر ويتعبّد ، فلمّا لم ير أحدا رمق السماء بطرفه وقال : إلهي غارت نجوم سماواتك ، وهجعت عيون أنامك ، وأبوابك مفتّحات للسائلين ، جئتك لتغفر لي وترحمني وتريني وجه جدّي محمد صلى الله عليه و آله في عرصات القيامة .
ثمّ بكى وقال : وعزّتك وجلالك ، ما أردت بمعصيتي مخالفتك ، وما عصيتك إذ عصيتك وأنا بك شاكّ ، ولا بنكالك جاهل ، ولا لعقوبتك متعرّض ، ولكن سوّلت لي نفسي ، وأعانني على ذلك سترك المرخى به عليّ ، فأنا الآن من عذابك من يستنقذني ، وبحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عنّي ، فوا سوأتاه غدا من الوقوف بين يديك ، إذا قيل للمخفّين : جوزوا ، وللمثقلين : حطّوا ، أَمَع المخفّين أجوز ، أم مع المثقلين أحطّ ؟ ويلي كلّما طال عمري كثرت خطاياي ولم أتب ، أما آن لي أن استحي من ربّي ؟ ثمّ بكى .
ثمّ أنشأ يقول :
أتحرقني بالنار يا غاية المنى
فأين رجائي ثمّ أين محبّتي
أتيت بأعمال قباح رديّة
وما في الورى خلق جنى كجنايتي
* * *
ص: 63
ثمّ بكى وقال : سبحانك ! تُعصى كأنّك لا ترى ، وتحلم كأنّك لم تعص ، تتودّد إلى خلقك بحسن الصنيع كأنّ بك الحاجة إليهم ، وأنت يا سيّدي الغني عنهم .ثمّ خرّ إلى الأرض ساجدا ، فدنوت منه وشلت رأسه ووضعته على ركبتي ، وبكيت حتى جرت دموعي على خدّه ، فاستوى جالسا وقال : من ذا الذي أشغلني عن ذكر ربّي ؟
فقلت : أنا طاوس ، يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ما هذا الجزع والفزع ؟ ونحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا ، ونحن عاصون جافون ، أبوك الحسين بن علي ، وأمّك فاطمة الزهراء ، وجدّك رسول اللّه عليهم السلام .
قال : والتفت إليّ وقال : هيهات هيهات ، يا طاوس ، دع عنّي حديث أبي وأمّي وجدّي ، خلق اللّه الجنّة لمن أطاعه وأحسن ، ولو كان حبشيّا ، وخلق النار لمن عصاه ، ولو كان سيّدا قرشيّا ، أما سمعت قوله تعالى : « فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ » ؟ واللّه لا ينفعك غدا إلاّ تقدمة تقدّمها من عمل صالح .
قال ابن حماد :
وراهب أهل البيت كان ولم يزل
يلقّب بالسجّاد حتى تعبّد
يقضي بطول الصوم طول نهاره
منيبا ويفني ليله بتهجّد
فأين به من علمه ووفائه
وأين به من نسكه وتعبّده
* * *
ص: 64
وكفاك في زهده الصحيفة الكاملة والندب المروية عنه عليه السلام :
فمنها : ما روى الزهري : يا نفس ، حتى مَ إلى الحياة سكونك ، وإلىالدنيا ركونك ؟ ما اعتبرت بمن مضى في أسلافك ، ومن وارته الأرض من الإفك ، ومن فجعت به من إخوانك ؟ !
فهم في بطون الأرض بعد ظهورها
محاسنها فيها بوالي دواثر
خلت دورهم منهم وأقوت عراصهم
وساقتهم نحو المنايا المقادر
وخلّوا عن الدنيا وما جمعوا لها
وضمّتهم تحت التراب الحفائر(1)
* * *
ومنها : ما روي عن الصادق عليه السلام : حتى متى تعدني الدنيا فتخلف ، وأئتمنها فتخون ، وأستنصحها فتغشّ ، لا تحدث جديدة إلاّ تخلق مثلها ، ولا تجمع شملاً إلاّ بتفريق بين ، حتى كأنّها غيرى ، أو محتجبة تغار على الآلاف ، وتحسد أهل النعم .
فقد آذنتني بانقطاع وفرقة
وأومض لي من كلّ أفق بروقها(2)
ص: 65
ومنها : ما روى سفيان بن عيينة : أين السلف الماضون ، والأهل والأقربون ، والأنبياء والمرسلون ؟ طحنتهم - واللّه - المنون ، وتوالت عليهم السنون ، وفقدتهم العيون ، وإنّا إليهم لصائرون ، و« إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِراجِعُونَ » .
إذا كان هذا نهج من كان قبلنا
فإنّا على آثارهم نتلاحق
فكن عالما أن سوف تدرك من مضى
ولو عصمتك الراسيات الشواهق
فما هذه دار المقامة فاعلمن
ولو عمّر الإنسان ما ذرّ شارق(1)
* * *
ص: 66
وممّا جاء في صدقته عليه السلام :
ما روي في الحلية ، وشرف النبي صلى الله عليه و آله ، والأغاني عن محمد بن إسحاق بالإسناد عن الثمالي ، وعن الباقر عليه السلام : أنّه كان علي بن الحسين عليهماالسلام يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدّق به(1) .
قال أبو حمزة الثمالي وسفيان الثوري : كان عليه السلام يقول : إنّ صدقة السرّ تطفى ء غضب الربّ(2) .
الحلية ، والأغاني عن محمد بن إسحاق : أنّه كان ناس من أهل المدينة
ص: 67
يعيشون لا يدرون [ من ] أين معاشهم ، فلمّا مات علي بن الحسين عليهماالسلام فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل(1) .
وفي رواية أحمد بن حنبل عن معمر عن شيبة بن نعامة : أنّه كان يقّوت مائة أهل بيت(2) .
وقيل : كان في كلّ بيت جماعة من الناس(3) .
الحلية ، قال : إنّ عائشة(4) سمعت أهل المدينة يقولون : ما فقدنا صدقة السرّ حتى مات علي بن الحسين عليهماالسلام(5) .
وفي رواية محمد بن إسحاق : أنّه كان في المدينة كذا وكذا بيتا يأتيهم رزقهم وما يحتاجون إليه لا يدرون من أين يأتيهم ، فلمّا مات زين العابدين عليه السلام فقدوا ذلك(6) ، فصرخوا صرخة واحدة .
وفي خبر عن أبي جعفر عليه السلام : أنّه كان يخرج في الليلة الظلماء ، فيحمل الجراب على ظهره حتى يأتي بابا فيقرعه ، ثمّ يناول من كان يخرج إليه ،
ص: 68
وكان يغطّي وجهه إذا ناول فقيرا لئلاّ يعرفه(1) . . الخبر .
وفي خبر : أنّه كان إذا جنّ الليل وهدأت العيون قام إلى منزله ، فجمع ما يبقى فيه من قوت أهله ، وجعله في جراب ، ورمى به على عاتقه ، وخرج إلى دور الفقراء ، وهو متلثّم ، ويفرّق عليهم ، وكثيرا ما كانوا قياما على أبوابهم ينتظرونه ، فإذا رأوه تباشروا به ، وقالوا : جاء صاحب الجراب(2) .
أبو جعفر في علل الشرائع : سفيان بن عيينة : رأى الزهري علي بن الحسين عليهماالسلام في ليلة باردة مطيرة ، وعلى ظهره دقيق وحطب ، وهو يمشي ، فقال له : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ما هذا ؟
قال : أريد سفرا أعدّ له زادا أحمله إلى موضع حريز ، فقال الزهري : فهذا غلامي يحمله عنك ، فأبى ، فقال : فأحمله عنك ، فإنّي أرفعك عن حمله .
فقال علي بن الحسين عليهماالسلام : لكنّي لا أرفع نفسي عمّا ينجيني في سفري ، ويحسن ورودي على ما أرد عليه ، سألتك باللّه لمّا مضيت في حاجتك وتركتني ، فانصرفت عنه .
فلمّا كان بعد أيّام قال له : يا ابن رسول اللّه ، لست أرى لذلك السفر
ص: 69
الذي ذكرته أثرا ؟ قال : بلى - يا زهري - ليس ما ظننت ، ولكنّه الموت ،وله كنت استعدّ(1) .
حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام : أنّه كان يعول مائة بيت من فقراء المدينة ، وكان يعجبه أن يحضر طعامه اليتامى والأضراء والزمنى والمساكين الذين لا حيلة لهم ، وكان يناولهم بيده ، ومن كان منهم له عيال حمله إلى عياله من طعامه . وكان لا يأكل طعاما حتى يبدأ فيتصدّق به(2) .
الحلية : قال الطائي : إنّ علي بن الحسين عليهماالسلام كان إذا ناول الصدقة قبّلها ثمّ ناولها(3) .
شوف العروس : عن أبي عبد اللّه الدامغاني : أنّه كان علي بن الحسين عليهماالسلام يتصدّق بالسكر واللوز ، فسئل عن ذلك ؛ فقرأ قوله تعالى : « لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ » ، وكان عليه السلام يحبّه .
ص: 70
الصادق عليه السلام : أنّه كان علي بن الحسين عليهماالسلام يعجب بالعنب ، فدخل منهإلى المدينة شيء حسن ، فاشترت منه أمّ ولده شيئا ، وأتت به عند إفطاره ، فأعجبه ، فقبل أن يمدّ يده وقف بالباب سائل ، فقال لها : احمليه إليه ، قالت : يا مولاي بعضه يكفيه ! قال : لا واللّه ، وأرسله إليه كلّه .
فاشترت له من غد ، وأتت به ، فوقف السائل ، ففعل مثل ذلك ، فأرسلت فاشترت له ، وأتت به في الليلة الثالثة ، ولم يأت سائل ، فأكل وقال : ما فاتنا منه شيء ، والحمد للّه (1) .
الحلية : قال عمرو بن ثابت : لمّا مات علي بن الحسين عليهماالسلام فغسّلوهجعلوا ينظرون إلى آثار سواد في ظهره ، وقالوا : ما هذا ؟ فقيل : كان يحمل جرب الدقيق ليلاً على ظهره يعطي فقراء أهل المدينة(1) .
وفي روايات أصحابنا : أنّه لمّا وضع على المغتسل نظروا إلى ظهره وعليه مثل ركب الإبل ممّا كان يحمل على ظهره إلى منازل الفقراء(2) .
وكان عليه السلام إذا انقضى الشتاء تصدّق بكسوته ، وإذا انقضى الصيف تصدّق بكسوته ، وكان يلبس من خزّ اللباس(3) ، فقيل له : تعطيها من لا يعرف قيمتها ، ولا يليق به لباسها ! فلو بعتها فتصدّقت بثمنها ، فقال : إنّي أكره أن أبيع ثوبا صلّيت فيه(4) .
قال السوسي :
عليّ الساجد للمنّان
معفّر الجبهة والأذنان
علي السجود تالي القرآن
* * *
ص: 72
وممّا جاء في صومه وحجّه عليه السلام :
روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أنّه كان علي بن الحسين عليهماالسلام إذا كان اليوم الذي يصوم فيه ، يأمر بشاة فتذبح ، وتقطّع أعضاؤها وتطبخ ، فإذا كان عند المساء أكبّ على القدور حتى يجد ريح المرقة(1) ، وهو صائم ، ثمّ يقول : هاتوا القصاع ، اغرفوا لآل فلان ، حتى يأتي إلى آخر القدور ، ثمّ يؤتى بخبز وتمر ، فيكون بذلك عشاؤه(2) .
معتب : عن الصادق عليه السلام قال : كان علي بن الحسين عليهماالسلام شديد الاجتهاد في العبادة ، نهاره صائم ، وليله قائم ، فأضرّ ذلك بجسمه ، فقلت له : يا أبه كم هذا الدؤب ؟ فقال : أتحبّب إلى ربّي لعلّه يزلفني .
ص: 73
فقال : لولا خوف القصاص لفعلت(1) .
وفي رواية : من القصاص ، وردّ يده عنها(2) .
وقال عبد اللّه بن المبارك : حججت بعض السنين إلى مكّة ، فبينما أنا سائر في عرض الحاجّ ، وإذا صبي سباعي أو ثماني ، وهو يسير ناحية من الحاجّ بلا زاد وراحلة ، فتقدّمت إليه ، وسلّمت عليه ، وقلت له : مع من قطعت البرّ ؟ قال : مع البارّ ، فكبر في عيني .
فقلت : يا ولدي أين زادك وراحلتك ؟ فقال : زادي تقواي ، وراحلتي رجلاي ، وقصدي مولاي ، فعظم في نفسي .
فقلت : يا ولدي ممّن تكن ؟ قال : مطّلبي .
فقلت : أبن لي ؟ فقال : هاشمي .
فقلت : أبن لي ؟ فقال : علوي فاطمي .
فقلت : يا سيّدي هل قلت شيئا من الشعر ؟ فقال : نعم ، فقلت : أنشدني شيئا من شعرك ، فأنشد :
لنحن على الحوض ذوّاده
نذوق ونسقي ورّاده
وما فاز من فاز إلاّ بنا
وما خاب من حبّنا زاده
ص: 75
ومن سرّنا نال منّا السرور
ومن ساءنا ساء ميلاده
ومن كان غاصبنا حقّنا
فيوم القيامة ميعاده
* * *
ثمّ غاب عن عيني إلى أن أتيت مكّة ، فقضيت حجّتي ورجعت ، فأتيت الأبطح فإذا بحلقة مستديرة ، فأطلعت لأنظر من بها ، فإذا هو صاحبي ، فسألت عنه ، فقيل : هذا زين العابدين عليه السلام .
وروي له عليه السلام :
نحن بنو المصطفى ذو غصص
يجرعها في الأنام كاظمنا
عظيمة في الأنام محنتنا
أوّلنا مبتلى وآخرنا
يفرح هذا الورى بعيدهم
ونحن أعيادنا مآتمنا
والناس في الأمن والسرور وما
يأمن طول الزمان خائفنا
وما خصصنا به من الشرف
الطائل بين الأنام آفتنا
يحكم فينا والحكم فيه لنا
جاحدنا حقّنا وغاصبنا(1)
* * *
ص: 76
قال بشّار(1) :
أقول لسجّاد عليه جلالة
غدا أريحيا عاشقا للمكارم
من الفاطميّين الدعاة إلى الهدى
جهارا ومن يهديك مثل ابن فاطم
سراج لعين المستضيء وتارة
يكون ظلاما للعدوّ المزاحم
* * *
وقال الحميري :
فذكر النبيّ وذكر الوصيّ
وذكر المطهّر ذي المسجد
عظام الحلوم حسان الوجوه
وشمّ العرانين والمنجد
ومن دنس الرجس قد طهّروا
فما ضلّ من بهم يهتدي
هم حجج اللّه في خلقه
عليهم هدى كلّ مسترشد
بهم أحييت سنن المرسلين
على الرغم من أنف الحسد
فمن لم يصلّ عليهم يخب
إذا لقى اللّه بالمرصد
* * *
وقال السوسي :
بكم يا بني الزهراء تمّت صلاتنا
ولولاكم كانت خداجا بها بتر(2)
بكم يكشف البلوى ويستدفع الأذى
كما بأبيكم كان يستنزل القطر
ص: 77
ص: 78
ص: 79
ص: 80
شتم بعضهم زين العابدين عليه السلام فقصده غلمانه ، فقال : دعوه ، فإنّ ما خفى منّا أكثر ممّا قالوا .
ثمّ قال له : ألك حاجة يا رجل ؟
فخجل الرجل ، فأعطاه ثوبه ، وأمر له بألف درهم ، فانصرف الرجل صارخا : أشهد أنّك ابن رسول اللّه .
ونال منه الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، فلم يكلّمه ، ثمّ أتى منزله وصرخ به ، فخرج الحسن متوثّبا للشرّ .
فقال عليه السلام : يا أخي ، إن كنت قلت ما فيّ فأستغفر اللّه منه ، وإن كنت قلت ما ليس فيّ يغفر اللّه لك ، فقبّل الحسن ما بين عينيه وقال : بلى قلت ما ليس فيك ، وأنا أحقّ به(1) .
ص: 81
وشتمه آخر ، فقال : يا فتى ، إنّ بين أيدينا عقبة كؤودا ، فإن جزت منها فلا أبالي بما تقول ، وإن أتحيّر فيها ، فأنا شرّ ممّا تقول .
ابن جعدية قال : سبّه رجل فسكت عنه ، فقال : إيّاك أعني ، فقال : وعنك أغضي(1) .
ودعا عليه السلام مملوكه مرّتين فلم يجبه ، ثمّ أجابه في الثالثة ، فقال له : يا بنيّ ، أما سمعت صوتي ؟ قال : بلى ، قال : فما بالك لم تجبني ؟ قال : أمنتك ، فقال : الحمد اللّه الذي جعل مملوكي آمنا منّي(2) .
وكانت جارية له تسكب عليه الماء ، فنعست فسقط الإبريق من يدها فشجّه ، فرفع رأسه إليها ، فقالت : إنّ اللّه - تعالى - يقول : « وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ » قال : قد كظمت غيظي .
ص: 82
قالت : « وَالْعافِينَ عَنِ النّاسِ » ، قال : عفى اللّه عنك .
قالت : « وَاللّهُ يُحِبُّ الُْمحْسِنِينَ » ، قال : فاذهبي ، فأنت حرّة لوجه اللّه (1) .
وكسرت جارية له قصعة فيها طعام ، فاصفرّ وجهها ، فقال : اذهبي فأنت حرّة لوجه اللّه .
وكان إذا دخل عليه شهر رمضان يكتب على غلمانه ذنوبهم ، حتى إذا كان آخر ليلة دعاهم ، ثمّ أظهر الكتاب وقال : يا فلان فعلت كذا ، ولم أوذيك ، فيقرّون أجمع .
فيقوم وسطهم ، ويقول لهم : ارفعوا أصواتكم وقولوا : يا علي بن الحسين ، ربّك قد أحصى عليك ما عملت كما أحصيت علينا ، ولديه « كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ » « لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً » ، فاذكر ذلّ مقامك بين يدي ربّك الذي لا يظلم مثقال ذرّة ، وكفى باللّه شهيدا ، فاعف واصفح يعف عنك المليك ، لقوله تعالى : « وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَكُمْ » ، ويبكي وينوح(2) .
ص: 83
وكان بطّال يضحك الناس ، فنزع رداه من رقبته ، ثمّ مضى ، فلم يلتفت إليه ، فاتّبعوه وأخذوا الرداء منه ، فجاؤوا به فطرحوه عليه .
فقال لهم : من هذا ؟ قالوا : رجل بطّال يضحك أهل المدينة ، فقال : قولوا له : إنّ للّه يوما يخسر فيه المبطلون(1) .
وقيل : إنّ مولى لعلي بن الحسين عليه السلام يتولّى عمارة ضيعة له ، فجاء ليطلعها ، فأصاب فيها فسادا وتضييعا كثيرا غاظه من ذلك ما رآه وغمّه ، فقرع المولى بسوط كان في يده ، فأصاب وندم على ذلك !!
فلمّا انصرف إلى منزله أرسل في طلب المولى ، فأتاه ، فوجده عاريا والسوط بين يديه ، فظنّ أنّه يريد عقوبته ، فاشتدّ خوفه ، فأخذ علي بن الحسين عليهماالسلام السوط ومدّ يده إليه ، وقال : يا هذا ، قد كان منّي إليك ما لم يتقدّم منّي مثله ، وكانت هفوة وزلّة !! فدونك السوط واقتصّ منّي ، فقال المولى : يا مولاي ، واللّه إن ظننت إلاّ أنّك تريد عقوبتي ، وأنا مستحقّ للعقوبة ، فكيف أقتصّ منك ؟
قال : معاذ اللّه ، أنت في حلّ وسعة ، فكرّر ذلك عليه مرارا ، والمولى كلّ ذلك يتعاظم قوله ويحلّله .
ص: 84
فلمّا لم يره يقتصّ له قال : أما إذا أبيت ، فالضيعة صدقة عليك ، وأعطاه إيّاها(1)(2) .
وانتهى عليه السلام إلى قوم يغتابونه ، فوقف عليهم ، فقال لهم : إن كنتم صادقين ، فغفر اللّه لي ، وإن كنتم كاذبين ، فغفر اللّه لكم(3) .
قال ابن الحجّاج :
ابن من ينتهي إذ افتخر الناس
له افتخار عبد مناف
ابن طه وهل أتى والحواميم
ونون وسورة الأعراف
* * *
ص: 85
وممّا جاء في علمه عليه السلام :
حلية أبي نعيم ، وتاريخ النسائي : روى عن أبي حازم وسفيان بن عيينة والزهري قال كلّ واحد منهم: ما رأيت هاشميّا أفضل من زين العابدين عليه السلام،
ولا أفقه منه(1) .
قال : فثمّ دار العمل ؟ قال : لا ، قال : فللّه في الأرض معاذ غير هذا البيت ؟قال : لا ، قال : فلِم تشغل الناس عن الطواف ؟ ثمّ مضى .
قال الحسن : ما دخل مسامعي مثل هذه الكلمات من أحد قطّ ، أتعرفون هذا الرجل ؟ قالوا : هذا زين العابدين عليه السلام ، فقال الحسن : « ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ »(1) .
وقال عليه السلام في قوله تعالى : « يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ » لولا هذه الآية لأخبرتكم بما هو كائن إلى يوم القيامة .
موسى بن أبي القاسم البجلي بإسناد له : إنّ زين العابدين عليه السلام قال : إنّا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وبحقيقة النفاق ، وإنّ شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم(2) .
ولقيه عليه السلام عباد البصري في طريق مكّة ، فقال : تركت الجهاد وصعوبته
ص: 87
وأقبلت على الحاجّ ولينه ، و« إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤمِنِينَ أَنْفُسَهُمْوَأَمْوالَهُمْ » الآية ؟!
فقال عليه السلام : اقرأ ما بعدها : « التّائِبُونَ الْعابِدُونَ » إلى آخرها ، ثمّ قال : إذا ظهر هؤلاء لم نؤثر على الجهاد شيئا(1) .
وكان الزهري عاملاً لبني أميّة ، فعاقب رجلاً فمات الرجل في العقوبة ، فخرج هائما وتوحّش ودخل إلى غار ، فطال مقامه تسع سنين .
قال : وحجّ علي بن الحسين عليهماالسلام ، فأتاه الزهري ، فقال له علي بن الحسين عليهماالسلام : إنّي أخاف عليك من ذنبك ، فابعث بديّة مسلّمة إلى أهله ، واخرج إلى أهلك ، ومعالم دينك ، فقال له : فرّجت عنّي يا سيّدي ، « اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ » رسالاته .
ورجع إلى بيته ، ولزم علي بن الحسين عليهماالسلام ، وكان يعدّ من أصحابه ، ولذلك قال له بعض بني مروان : يا زهري ، ما فعل نبيّك ؟ - يعني علي بن الحسين عليهماالسلام(2) - .
ص: 88
رجل كان له ثلاثة أعبد ، اسم كلّ واحد منهم « ميمون » ، فلمّا حضرته الوفاة قال :
ميمون حرّ ، وميمون عبد ، ولميمون مائة دينار ، مَن الحرّ ؟ ومَن العبد ؟ ولمَن المائة الدينار ؟
المعتق مَن هو أقدم صحبة عند الرجل ، ويقترع الباقيان ، فأيّهما وقعت القرعة في سهمه فهو عبد للذي صار حرّا ، ويبقي الثالث مدبرا ، لا حرّ ولا مملوك ، ويدفع إليه المائة الدينار ، بالمأثور عن زين العابدين عليه السلام .
وروي أنّ شاميا سأله عن بدء الوضوء، فقال: قال اللّه - تعالى - لملائكته : « إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً » الآية ، فخافوا غضب ربّهم ، فجعلوا يطوفون حول العرش - كلّ يوم ثلاث ساعات من النهار - يتضرّعون .
قال : فأمرهم أن يأتوا نهرا جاريا - يقال له « الحيوان » - تحت العرش ، فتوضّؤا . . الخبر .
ص: 89
علي بن الحسين عليهماالسلام : كان آدم عليه السلام لمّا أراد أن يغشى حوّاء عليهاالسلام خرج بها من الحرم ، ثمّ كانا يغتسلان ، ويرجعان إلى الحرم(1) .
تفسير علي بن هاشم القمّي : قال سعيد بن المسيب : سألت علي بن الحسين عليهماالسلام عن رجل ضرب امرأة حاملة برجله فطرحت ما في بطنها ميّتا ؟
فقال عليه السلام : إذا كان نطفة فعليه عشرين دينارا ، وهي التي وقعت في الرحم ، واستقرّت فيه أربعين يوما ، وإن طرحته وهو علقة ، فإنّ عليه أربعين دينارا ، وهي التي وقعت في الرحم ، واستقرّت فيه ثمانين يوما ، وإن طرحته مضغة ، فإنّ عليه ستّين دينارا ، وهي التي إذا وقعت في الرحم استقرّت فيه مائة وعشرين يوما ، وإن طرحته وهو نسمة مخلّقة ، له لحم وعظم ، مرتل(2) الجوارح ، وقد نفخ فيه روح الحياة والبقاء ، فإنّ عليه ديّة كاملة(3) .
ص: 90
ابن بابويه في هداية المتعلّمين : أنّ الزهري سأل زين العابدين عليه السلامعن الصوم ، فقال : أربعين وجها .
ثمّ فصّله كما هو المعلوم(1) .
وسأل أبو حمزة الثمالي زين العابدين عليه السلام : لأيّ علّة صار الطواف سبعة أشواط ؟
قال : لأنّ اللّه - تعالى - قال للملائكة : « إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً » ، فردّوا على اللّه وقالوا : « أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ » ؟
قال اللّه تعالى : « إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ » ، وكان لا يحجبهم عن نفسه ، فحجبهم اللّه عن نفسه سبعة آلاف عام ، فرحمهم ، فتاب عليهم ، وجعل لهم البيت المعمور الذي في السماء الرابعة ، وجعله مثابة للملائكة ، ووضع البيت الحرام تحت البيت المعمور ، فجعله مثابة للناس وأمنا ، فصار الطواف سبعة أشواط لكلّ ألف سنة شوطا واحدا(2) .
ص: 91
العقد : كتب ملك الروم إلى عبد الملك : أكلت لحم الجمل الذي هرب عليه أبوك من المدينة ؟! لأغزونّك بجنود مائة ألف ، ومائة ألف ، ومائة ألف .
فكتب عبد الملك إلى الحجّاج أن يبعث إلى زين العابدين عليه السلام ويتوعّده ، ويكتب إليه ما يقول ، ففعل .
فقال علي بن الحسين عليهماالسلام : إنّ للّه لوحا محفوظا يلحظه في كلّ يوم ثلاثمائة لحظة ، ليس منها لحظة إلاّ يحيي فيها ويميت ، ويعزّ ويذلّ ، ويفعل ما يشاء ، وإنّي لأرجو أن يكفيك منها لحظة واحدة .
فكتب بها الحجّاج إلى عبد الملك ، فكتب عبد الملك بذلك إلى ملك الروم ، فلمّا قرأه قال : ما خرج هذا إلاّ من كلام النبوّة(1) .
وقلّ ما يوجد كتاب زهد وموعظة لم يذكر فيه : قال علي بن الحسين عليهماالسلام ، أو : قال زين العابدين عليه السلام .
وقد روى عنه الطبري ، وابن البيع ، وأحمد ، وأبو داود ، وصاحب الحلية ، والأغاني ، وقوت القلوب ، وشرف المصطفى صلى الله عليه و آله ، وأسباب نزول
ص: 92
القرآن ، والفائق ، والترهيب ، عن الزهري ، وسفيان بن عيينة ، ونافع ، والأوزاعي ، ومقاتل ، والواقدي ، ومحمد بن إسحاق .
أنشد أبو علي السروي :
ثمّ الأئمّة من أولاده زهر
متوّجون بتيجان الهدى حُنفا
من جالس بكمال العلم مشتهر
وقائم بغرار(1) السيف قد زحفا
مطهّرون كرام كلّهم علمك
مثل ما قيل كشّافون لا كشفا
* * *
ص: 93
وممّا جاء في تواضعه عليه السلام :
الفسوي في التاريخ : قال نافع بن جبير لعلي بن الحسين عليهماالسلام : إنّك تجالس أقواما دونا ، فقال له : إنّي أجالس من أنتفع بمجالسته في ديني(1) .
محاسن البرقي ، وكافي الكليني : أُخبر عبد الملك أنّ علي بن الحسين عليهماالسلام أعتق خادمة له ثمّ تزوّجها .
فكتب إليه : قد علمت أنّه كان في أكفائك من قريش من تمجّد به الصهر ، وتستحبّه في الولد ، فلا لنفسك نظرت ، ولا على ولدك أبقيت ؟
فأجابه عليه السلام : ليس فوق رسول اللّه صلى الله عليه و آله مرتقى في مجد ، ولا مستزادا في
كرم ، وإنّما كانت ملك يميني خرجت منّي ، أراد اللّه - عزّ وجلّ - بأمر التمست ثوابه ، ثمّ نكحتُها على سنّته ، ومن كان زكيّا في دين اللّه فليس يخلّ به شيئا من أمره ، وقد رفع اللّه بالإسلام الخسيسة ، وتمّ به النقيصة ، وأذهب به اللؤم ، فلا لؤم على امرئ مسلم ، إنّما اللؤم لؤم الجاهلية .
فقال سليمان : يا أمير المؤمنين ، لشدّ ما فخر عليك ابنُ الحسين ! فقال : يا بنيّ ، لا تقل ذلك ، فإنّها ألسن بني هاشم التي تفلق الصخر ، وتغرف من بحر(1) .
وفي العقد : أنّه قال زين العابدين عليه السلام : وهذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله تزوّج أمته ، وامرأة عبده .
فقال عبد الملك : إنّ علي بن الحسين عليهماالسلام يشرف من حيث يضع(2) الناس(3) .
ص: 95
وذكر أنّه كان عبد الملك يقول : إنّه [ قد ] تزوّج بأمّه ، وذلك أنّه عليه السلام كانت ربّته ، فكان يسمّيها أمّي .
وقال سفيان الثوري : ذكر لعلي بن الحسين عليهماالسلام فضله ، فقال : حسبنا أن نكون من صالحي قومنا(1) !!! .
وكان عليه السلام يمرّ على المدرة في وسط الطريق ، فينزل عن دابّته حتى ينحّيها بيده عن الطريق(1) .
أبو عبد اللّه عليه السلام : كان علي بن الحسين عليهماالسلام يمشي مشية كأنّ على رأسه الطير لا يسبق يمينه شماله(2) .
سفيان بن عيينة : قال : ما رؤي علي بن الحسين عليهماالسلام قطّ جائزا بيديه فخذيه وهو يمشي(3) .
عبد اللّه بن مسكان عن علي بن الحسين عليهماالسلام : أنّه كان يدعو خدمه كلّ شهر ويقول : إنّي قد كبرت ولا أقدر على النساء ، فمن أراد منكنّ التزويج زوّجتها ، أو البيع بعتها ، أو العتق أعتقتها .
فإذا قالت إحداهنّ : لا ، قال : اللهمّ اشهد ، حتى يقول ثلاثا ، وإن سكتت واحدة منهنّ قال لنسائه : سلوها ما تريد ، وعمل على مرادها .
ص: 98
قال ابن رزيك :
أئمّة حقّ لو يسيرون في الدجى
بلا قمر لاستصبحوا بالمناسب
بهم تبلغ الآمال من كلّ آمل
بهم تقبل التوبات من كلّ تائب
* * *
ص: 99
ص: 100
ص: 101
ص: 102
تاريخ الطبري : قال الواقدي : كان هشام بن إسماعيل يؤذّي علي بن الحسين عليهماالسلام في إمارته ، فلمّا عزل ، أمر به الوليد أن يوقف للناس ، فقال : ما أخاف إلاّ من علي بن الحسين عليهماالسلام ، وقد وقف عند دار مروان .
وكان علي عليه السلام قد تقدّم إلى خاصّته ألاّ يعرض له أحد منكم بكلمة ، فلمّا مرّ ناداه هشام : « اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ » رسالاته .
وزاد ابن فيّاض في الرواية في كتابه : أنّ زين العابدين عليه السلام أنفذ إليه وقال: انظر إلى ما أعجزك من مال تؤخذ به ، فعندنا ما يسعك ، فطب نفسا منّا ، ومن كلّ من يطيعنا ، فنادى هشام : « اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ »رسالاته(1) .
كافي الكليني ونزهة الأبصار : عن أبي مهدي : أنّ علي بن الحسين عليهماالسلام
مرّ على المجذومين ، وهو راكب حمار ، وهم يتغدّون ، فدعوه إلى الغداء ،
ص: 103
فقال : إنّي صائم ، ولولا أنّي صائم لفعلت .
فلمّا صار إلى منزله أمر بطعام فصنع ، وأمر أن يتنوّقوا(1) فيه ، ثمّ دعاهم فتغدّوا عنده ، وتغدّى معهم(2) .
وفي رواية : أنّه تنزّه عن ذلك ، لأنّه كان كسرا من الصدقة ، لكونه حراما عليه .
الحلية : عاد علي بن الحسين عليهماالسلام محمد بن أسامة بن زيد في مرضه ، فجعل يبكي ، فقال علي عليه السلام : ما شأنك ؟ قال : عليّ دين .
قال : كم هو ؟ قال : خمسة عشر ألف دينار .
قال : فهو عليّ(3) .
وقد روينا ذلك في باب الحسين عليه السلام مع أبيه .
الكافي : عيسى بن عبد اللّه قال : احتضر عبد اللّه ، فاجتمع غرماؤه ،
ص: 104
فطالبوه بدين لهم ، فقال : لا مال عندي أعطيكم ، ولكن ارضوا بمن شئتممن ابني عمّي ، علي بن الحسين عليهماالسلام وعبد اللّه بن جعفر .
فقال الغرماء : عبد اللّه بن جعفر مليء مطول !!! وعلي بن الحسين عليهماالسلام رجل لا مال له ! صدوق ، فهو أحبّ(1) إلينا .
فأرسل إليه فأخبره الخبر ، فقال عليه السلام : أضمن لكم المال إلى غلّة ، ولم تكن له غلّة - تجمّلاً(2) - .
قال : فقال القوم : قد رضينا وضمنه .
فلمّا أتت الغلّة أتاح اللّه له المال فأوفاه(3) .
الحلية : قال سعيد بن مرجانة : عمد علي بن الحسين عليهماالسلام إلى عبد له كان عبد اللّه بن جعفر أعطاه به عشرة آلاف درهم - أو ألف دينار - فأعتقه(4) .
ص: 105
وخرج زين العابدين عليه السلام وعليه مطرف(1) خزّ ، فتعرّض له سائل ،فتعلّق بالمطرف ، فمضى وتركه(2) .
قال ابن الحجّاج :
أنت الإمام الذي لولا ولايته
ما صحّ في العدل والتوحيد معتقدي
وأنت أنت مكان النور من بصري
يا سيّدي ومحلّ الروح من جسدي
أعيذ قلبك من واش يغلظه
بقل هو اللّه لم يولد ولم يلد
* * *
ص: 106
وممّا جاء في صبره عليه السلام
أنهي إلى علي بن الحسين عليهماالسلام أنّ مسرفا(1) استعمل على المدينة ، وأنّه يتوعّده [ بسوء ] ، وكان يقول عليه السلام : لم أر مثل المقدّم(2) في الدعاء ، لأنّ العبد ليست تحضره الإجابة في كلّ وقت ، فجعل يكثر من الدعاء لما اتّصل به عن المسرف .
وكان من دعائه :
ربّ كم من نعمة أنعمتَ بها عليّ قلّ لك عندها شكري ، وكم من بليّة ابتليتني بها قلّ لك عندها صبري ، وكم من معصية أتيتها ، فسترتها ولم تفضحني ، فيا مَن قلّ عند نعمته شكري فلم يحرمني ، ويا مَن قلّ عند بليّته صبري فلم يخذلني ، ويا مَن رآني على المعاصي فلم يفضحني ، يا ذا المعروف الذي لا ينقضي أبدا ، ويا ذا النعماء التي لا تحصى أمدا
ص: 107
صلّ على محمد وآل محمد ، وبك ادفع في نحره ، وبك أستعيذ من شرّه(1) .
فلمّا قدم المسرف المدينة اعتنقه ، وقبّل رأسه ، وجعل يسأل عن حاله وحال أهله ، وسأل عن حوائجه ، وأمر أن تقدّم دابّته ، وعزم عليه أن يركبها ، فركب وانصرف إلى أهله .
الحلية : قال إبراهيم بن سعد : سمع علي بن الحسين عليهماالسلام واعية في بيته ، وعنده جماعة ، فنهض إلى منزله ، ثمّ رجع إلى مجلسه ، فقيل له : أمن حدث كانت الواعية ؟
قال : نعم ، فعزّوه ، وتعجّبوا من صبره .
فقال : إنّا أهل بيت نطيع اللّه - عزّ وجلّ - فيما يحبّ ، ونحمده فيما نكره(2) .
وفيها : قال العتبي : قال علي بن الحسين عليهماالسلام - وكان من أفضل بني هاشم - لابنه : يا بنيّ ، اصبر على النوائب ، ولا تتعرّض للحقوق ، ولا تجب أخاك إلى الأمر الذي مضرّته عليك أكثر من منفعته له(3) .
ص: 108
محاسن البرقي : بلغ عبد الملك أنّ سيف رسول اللّه صلى الله عليه و آله عند زين العابدين عليه السلام ، فبعث يستوهبه منه ، ويسأله الحاجة ، فأبى عليه .
فكتب إليه عبد الملك يهدّده ، وأنّه يقطع رزقه من بيت المال .
فأجابه عليه السلام : أمّا بعد : فإنّ اللّه ضمن للمتّقين المخرج من حيث يكرهون ، والرزق من حيث لا يحتسبون ، وقال - جلّ ذكره - : « إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوّانٍ كَفُورٍ » ، فانظر أيّنا أولى بهذه الآية(1) ؟
وكان عليه السلام سريره سروره ، بساطه نشاطه ، صديقه(2) تصديقه ، صيابته صيانته ، وسادته سجّادته ، إزاره مزاره ، لحافه إلحافه ، منامه قيامه ، هجوعه خضوعه ، رقوده سجوده ، تجارته زيارته ، سوقه شوقه ، ريحه روحه ، حرفته حرقته ، صناعته طاعته ، بزّته عزّته ، سلاحه صلاحه ، فرسه فراشه ، أعياده استعداده ، بضاعته مجاعته ، أمنيّته منيّته ، رضاه لقاه .
قال الناشي :
وأئمّة من أهل بيت محمد
حفظوا الشرائع والحديث المسندا
علموا المنايا والبلايا والذي
جهل الورى والمنتهى والمبتدا
ص: 109
خزّان علم اللّه مَن برشادهم
دلّ الإله على هداه وأرشدا
وهُم الصراط المستقيم ومنهج
منه إلى ربّ المعالي يهتدى
حجج إذا همّ العدوّ بكتمها
أمر المهيمن قلبه أن يشهدا
* * *
ص: 110
وممّا جاء في حزنه وبكائه عليه السلام :
الصادق عليه السلام : بكى علي بن الحسين عليهماالسلام عشرين سنة ، وما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى ، حتى قال مولى له : جعلت فداك ، يا بن رسول اللّه ، إنّي أخاف أن « تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ » .
« قالَ : إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ » ، إنّي لم أذكر مصرع بني فاطمة إلاّ خنقتني العبرة(1) .
وفي رواية : أما آن لحزنك أن ينقضي ؟
فقال له : ويحك ، إنّ يعقوب النبي كان له إثنا عشر ابنا ، فغيّب اللّه واحدا منهم ، فابيضّت عيناه من كثرة بكائه عليه ، واحدودب ظهره من الغمّ ، وكان ابنه حيّا في الدنيا ، وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمّي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي ، فكيف ينقضي حزني(2) ؟
ص: 111
وقد ذكر في الحلية نحوه(1) .
وقيل : إنّه بكى حتى خيف على عينيه .
وكان إذا أخذ إناءا يشرب ماءا بكى حتى يملأها دمعا ، فقيل له في ذلك ، فقال : وكيف لا أبكي ؟ وقد منع أبي من الماء الذي كان مطلقا للسباع والوحوش ؟
وقيل له : إنّك لتبكي دهرك فلو قتلت نفسك لما زدت على هذا ، فقال : نفسي قتلتها وعليها أبكي .
الأصمعي : كنت بالبادية ، وإذا أنا بشابّ منعزل عنهم في أطمار رثّة !! وعليه سيماء الهيبة ، فقلت : لو شكوت إلى هؤلاء حالك لأصلحوا بعض شأنك ، فأنشأ يقول :
لباسي للدنيا التجمّل والصبر
ولبسي للأخرى البشاشة والبشر
ص: 112
إذا اعتراني أمر لجأت إلى العرا
لأنّي من القوم الذين لهم فخر
ألم تر أنّ العرف قد مات أهله
وأنّ الندى والجود ضمّهما قبر
على العرف والجود السلام فما بقي
من العرف إلاّ الرسم في الناس والذكر
وقائلة لمّا رأتني مسهّدا
كان الحشي منّي يلذعها الجمر
أباطن داء لو حوى منك ظاهرا
لقلت الذي بي ضاق عن وسعه الصدر
تغيّر أحوال وفقد أحبّة
وموت ذوي الأفضال قالت كذا الدهر
* * *
فتعرّفته ، فإذا هو علي بن الحسين عليهماالسلام ، فقلت : أبى أن يكون هذا الفرخ إلاّ من ذلك العشّ .
ص: 113
ص: 114
ص: 115
ص: 116
علل الشرائع عن القمّي : ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه و آله : إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ : أين زين العابدين ؟ وكأنّي أنظر إلى ولدي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام يخطو في(1) الصفوف(2) .
وفي حلية الأولياء : كان الزهري إذا ذكر علي بن الحسين عليهماالسلام يبكي ويقول : زين العابدين(3) .
جابر الجعفي : قال الباقر عليه السلام : إنّ علي بن الحسين عليهماالسلام ما ذكر للّه نعمة عليه إلاّ سجد ، ولا قرأ آية من كتاب اللّه فيها سجدة إلاّ سجد ، ولا دفع اللّه عنه شرّا يخشاه أو كيد كائد إلاّ سجد ، ولا فرغ من صلاته مفروضة إلاّ سجد ، ولا وفّق لإصلاح بين إثنين إلاّ سجد ، وكان كثير السجود في جميع مواضع سجوده ، فسمّي السجّاد لذلك(4) .
ص: 117
الباقر عليه السلام : كان أبي في موضع سجوده آثار ناتئة ، فكان يقطعها في السنة مرّتين في كلّ مرّة خمس ثفنات(1) ، فسمّي ذو الثفنات(2) .
المحاضرات عن الراغب ، وابن الجوزي في مناقب عمر بن عبد العزيز : أنّه قال عمر بن عبد العزيز يوما - وقد قام من عنده علي بن الحسين عليهماالسلام - : من أشرف الناس ؟ فقالوا : أنتم ؟
فقال : كلاّ ، فإنّ أشرف الناس هذا القائم من عندي آنفا ، من أحبّ الناس أن يكونوا منه ، ولم يحبّ أن يكون من أحد(3) .
ربيع الأبرار عن الزمخشري : روي عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال : للّه من عباده خيرتان ، فخيرته من العرب قريش ، ومن العجم فارس .
وكان يقول علي بن الحسين عليهماالسلام : أنا ابن الخيرتين ، لأنّ جدّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأمّه بنت يزدجرد الملك(4) .
ص: 118
وأنشأ أبو الأسود :
وإنّ غلاما بين كسرى وهاشم
لأكرم مَن نيطت عليه التمائم(1)
* * *
روضة الواعظين : قال زين العابدين عليه السلام : نحن أئمّة المسلمين ، وحجج اللّه على العالمين ، وسادة المؤمنين ، وقادة الغرّ المحجّلين ، وموالي المؤمنين ،
ونحن أمان أهل الأرض ، كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء ، ونحن الذين بنا يمسك اللّه السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه ، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها ، وبنا ينزل الغيث ، وبنا ينشر الرحمة ، وتخرج بركات أهل الأرض ، ولولا ما في الأرض منّا لساخت بأهلها(2) .
وفي كتاب الأحمر قال الأوزاعي : لمّا أتي بعلي بن الحسين عليهماالسلامورأس أبيه إلى يزيد بالشام ، قال لخطيب بليغ : خذ بيد هذا الغلام !! فائت به إلى المنبر ، وأخبر الناس بسوء رأي أبيه وجدّه ، وفراقهم الحقّ وبغيهم علينا !!
ص: 119
قال : فلم يدع شيئا من المساوئ إلاّ ذكره فيهم .
فلمّا نزل قام علي بن الحسين عليهماالسلام ، فحمد اللّه بمحامد شريفة ، وصلّىعلى النبي صلاة بليغة موجزة ، ثمّ قال :
يا معشر الناس ، فمن عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني ، فأنا أعرّفه نفسي :
أنا ابن مكّة ومنى ، أنا ابن مروة والصفا ، أنا ابن محمد المصطفى ، أنا ابن مَن لا يخفى ، أنا ابن من علا فاستعلى ، فجاز سدرة المنتهى ، وكان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء مثنى مثنى ، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى .
أنا ابن علي المرتضى ، أنا ابن فاطمة الزهرا ، أنا ابن خديجة الكبرى .
أنا ابن المقتول ظلما ، أنا ابن المحزوز الرأس من القفا ، أنا ابن العطشان حتى قضى ، أنا ابن طريح كربلاء ، أنا ابن مسلوب العمامة والرداء ، أنا ابن من بكت عليه ملائكة السماء ، أنا ابن من ناحت عليه الجنّ في الأرض والطير في الهواء ، أنا ابن من رأسه على السنان يهدى ، أنا ابن من حرمه من العرق إلى الشام تسبى .
أيّها الناس ، إنّ اللّه - تعالى - وله الحمد ، ابتلانا أهل البيت ببلاء حسن ، حيث جعل راية الهدى والعدل والتقى فينا ، وجعل راية الضلالة والردى في غيرنا ، فضّلنا أهل البيت بستّ خصال : فضّلنا بالعلم ، والحلم ، والشجاعة ، والسماحة ، والمحبّة ، والمحلّة في قلوب المؤمنين ، وآتانا ما لم يؤت أحدا من العالمين من قبلنا ، فينا مختلف الملائكة وتنزيل الكتب .
ص: 120
قال : فلم يفرغ حتى قال المؤذّن : اللّه أكبر ، فقال علي عليه السلام : اللّه أكبر كبيرا ، فقال المؤذّن : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، فقال علي بن الحسين عليهماالسلام :أشهد بما تشهد به .
فلمّا قال المؤذّن : أشهد أنّ محمدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال علي عليه السلام : يا يزيد ، هذا جدّي أو جدّك ؟ فإن قلت جدّك فقد كذبت ، وإن قلت جدّي فلِمَ قتلت أبي وسبيت حرمه وسبيتني ؟
ثمّ قال : معاشر الناس ، هل فيكم من أبوه وجدّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فعلت الأصوات بالبكاء(1) .
فقام إليه رجل من شيعته يقال له : المنهال بن عمرو الطائي - وفي رواية : مكحول(2) صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله - فقال له : كيف أمسيت يا بن رسول اللّه ؟
فقال : ويحك كيف أمسيت ؟! أمسينا فيكم كهيئة بني إسرائيل في آل فرعون يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم ، وأمست العرب تفتخر على العجم بأنّ محمدا صلى الله عليه و آله منها ، وأمسى آل محمد صلى الله عليه و آله مقهورين مخذولين ، فإلى اللّه نشكو كثرة عدوّنا ، وتفرّق ذات بيننا ، وتظاهر الأعداء علينا(3) .
ص: 121
الحلية ، والأغاني وغيرهما : حجّ هشام بن عبد الملك ، فلم يقدر علىالاستلام من الزحام ، فنصب له منبر وجلس عليه ، وأطاف به أهل الشام .
فبينما هو كذلك ، إذ أقبل علي بن الحسين عليهماالسلام ، وعليه إزار ورداء ، من أحسن الناس وجها ، وأطيبهم رائحة ، بين عينيه سجادة كأنّها ركبة عنز ، فجعل يطوف فإذا بلغ موضع الحجر تنحّى الناس حتى يستلمه هيبة له .
فقال شاميّ : من هذا يا أمير المؤمنين ؟ فقال : لا أعرفه - لئلاّ يرغب فيه أهل الشام - ، فقال الفرزدق - وكان حاضرا - : لكنّي أنا أعرفه ، فقال الشامي : من هو يا أبا فراس ؟
فأنشأ قصيدة ذكر بعضها في الأغاني والحلية والحماسة ، والقصيدة بتمامها هذه :
يا سائلي أين حلّ الجود والكرم
عندي بيان إذا طلاّبه قدموا
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
والبيت يعرفه والحلّ والحرم
هذا ابن خير عباد اللّه كلّهم
هذا التقي النقي الطاهر العلم
هذا الذي أحمد المختار والده
صلّى عليه إلهي ما جرى القلم
لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه
لخرّ يلثم منه ما وطى القدم
هذا عليّ رسول اللّه والده
أمست بنور هداه تهتدي الأمم
هذا الذي عمّه الطيّار جعفر وال-
-مقتول حمزة ليث حبّه قسم
ص: 122
هذا ابن سيدة النسوان فاطمة
وابن الوصيّ الذي في سيفه نقم
إذا رأته قريش قال قائلها
إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
يكاد يمسكه عرفان راحته
ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
وليس قولك من هذا بضائره
العرب تعرف من أنكرت والعجم
ينمى إلى ذروة العزّ التي قصرت
عن نيلها عرب الإسلام والعجم
يغضي حياء ويغضى من مهابته
فما يكلّم إلاّ حين يبتسم
ينجاب نور الدجى(1) عن نور غرّته
كالشمس ينجاب عن إشراقهاالظلم
بكفّه خيزران ريحه عبق(2)من كفّ أروع في عرنينه شمم(3)
ما قال لا قطّ إلاّ في تشهّده
لولا التشهّد كانت لاءه نعم
مشتقّة من رسول اللّه نبعته
طابت عناصره والخيم والشيم(4)
حمّال أثقال أقوام إذا قدحوا
حلوا الشمائل تحلو عنده نعم
إن قال قال بما يهوى جميعهم
وإن تكلّم يوما زانه الكلم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله
بجدّه أنبياء اللّه قد ختموا
اللّه فضّله قدما وشرّفه
جرى بذاك له في لوحه القلم
من جدّه دان فضل الأنبياء له
وفضل أمّته دانت له الأمم
ص: 123
عمّ البريّة بالإحسان وانقشعت
عنها العماية والإملاق والظلم
كلتا يديه غياث عمّ نفعهما
تستوكفان(1) ولا يعروهما عدم
سهل الخليقة لا تخشى بوادره(2)
يزينه خصلتان الحلم والكرم
لا يخلف الوعد ميمونا نقيبته
رحب الفناء أريب حين يعترم(3)
من معشر حبّهم دين وبغضهم
كفر وقربهم منجى ومعتصم
يستدفع السوء والبلوى بحبّهم
ويستزاد به الإحسان والنعم
مقدّم بعد ذكر اللّه ذكرهم
في كلّ فرض ومختوم به الكلم
إن عدّ أهل التقى كانوا أئمّتهم
أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطيع جواد بعد غايتهم
ولا يدانيهم قوم وإن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمة(4) أزمت
والأسد أسد الشرى والبأس محتدم
يأبى لهم إن يحلّ الذمّ ساحتهم
خيم كريم وأيد بالندى هضم
لا يقبض العسر بسطا من أكفّهم
سيّان ذلك إن أثروا وإن عدموا
إنّ القبائل ليست في رقابهم
لأولية هذا أوله نعم
من يعرف اللّه يعرف أوّلية ذا
فالدين من بيت هذا ناله الأمم
بيوتهم في قريش يستضاء بها
في النائبات وعند الحلم إن حلموا
ص: 124
فجدّه من قريش في أزمّتها
محمد وعلي بعده علم
بدر له شاهد والشعب من أحد
والخندقان ويوم الفتح قد علموا
وخيبر وحنين يشهدان له
وفي قريضة يوم صيلم قتم(1)
مواطن قد علت في كلّ نائبة
على الصحابة لم أكتم كما كتموا
* * *
فغضب هشام ومنع جائزته وقال : ألا قلت فينا مثلها ؟
قال : هات جدّا كجدّه ، وأبا كأبيه ، وأُمّا كأمّه ، حتى أقول فيكم مثلها .
فحبسه بعسفان بين مكّة والمدينة ، فبلغ ذلك علي بن الحسين عليهماالسلام ، فبعث إليه بإثني عشر ألف درهم وقال : اعذرنا يا أبا فراس ، فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به .
فردّها وقال : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ما قلت هذا الذي قلت إلاّ غضبا للّه ولرسوله ، وما كنت لأرزأ عليه شيئا .
فردّها إليه وقال : بحقّي عليك لمّا قبلتها ، فقد رأى اللّه مكانك ، وعلم نيّتك ، فقبلها .
فجعل الفرزدق يهجو هشاما وهو في الحبس ، فكان ممّا هجاه به قوله :
أتحبسني بين المدينة والتي
إليها قلوب الناس يهوي منيبها
تقلّب رأسا لم يكن رأس سيد
وعينا له حولاء بادٍ عيوبها
* * *
ص: 125
ص: 127
ص: 128
روى أبو بكر الحضرمي عن الصادق عليه السلام : أنّ الحسين عليه السلام لمّا سار إلى العراق استودع أمّ سلمة الكتب والوصيّة ، فلمّا رجع زين العابدين عليه السلام دفعتها إليه(1) .
ابن الجارود عن الباقر عليه السلام : أنّ الحسين عليه السلام لمّا حضره الذي حضره دعا ابنته فاطمة الكبرى ، فدفع إليها كتابا ملفوفا ووصيّة ظاهرة(2) . . الخبر .
وروي عن الصادق
عليه السلام في فضل زيارته : من زار إماما مفترضا طاعته،
ص: 129
وصلّى أربع ركعات كتب اللّه له حجّة مقبولة وعمرة مبرورة(1) .
قال الزهري : كان بينه وبين محمد بن الحنفية منازعة في صدقات علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فقيل له : لو ركبت إلى الوليد بن عبد الملك ركبة لكفّ عنك من رغب شرّه .
فقال عليه السلام ويحك أفي حرم اللّه أسأل غير اللّه - عزّ وجلّ - ؟ إنّى لآنف أن أسأل الدنيا خالقها ، فكيف أسأل مخلوقا مثلي .
قال الزهري : لا جرم أنّ اللّه - تعالى - ألقى هيبته في قلب الوليد حتى حكم له(2) .
ويروى : أنّ عمر بن علي خاصم علي بن الحسين عليهماالسلام إلى عبد الملك في صدقات النبي صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أنا ابن المصدّق ، وهذا ابن ابن ، فأنا أولى بها منه .
فتمثّل عبد الملك بقول أبي الحقيق :
لا تجعل الباطل حقّا ولا
تلط دون الحقّ بالباطل
ص: 130
قم يا علي بن الحسين ، فقد ولّيتكها ، فقاما .
فلمّا خرجا تناوله عمر وآذاه !! فسكت عنه ولم يردّ عليه شيئا(1) .
فلمّا كان بعد ذلك دخل محمد بن عمر على علي بن الحسين عليهماالسلام ، فسلّم عليه ، وأكبّ عليه يقبّله ، فقال علي عليه السلام : يا ابن عمّ ، لا تمنعني قطيعة أبيك أن أصل رحمك ، فقد زوّجتك ابنتي خديجة ابنة علي .
كتاب النسب عن يحيى بن الحسن : قال يزيد لعلي بن الحسين عليهماالسلام : واعجبا لأبيك سمّى عليّا وعليّا !
فقال عليه السلام : إنّ أبي أحبّ أباه ، فسمّى باسمه مرارا .
تاريخ الطبري ، والبلاذري : إنّ يزيد بن معاوية قال لعلي بن الحسين عليهماالسلام : أتصارع هذا ؟ يعني خالدا ابنه ، قال : وما تصنع بمصارعتي إيّاه ؟ أعطني سكّينا ثمّ أقاتله ، فقال يزيد : « شنشنة أعرفها من أخزم »
هذا من العصا عصية
هل تلد الحيّة إلاّ الحيّة(2)
ص: 131
وفي كتاب الأحمر قال : أشهد أنّك ابن علي بن أبي طالب(1) .
وروي أنّه قال لزينب عليهاالسلام : تكلّمي ، فقالت : هو المتكلّم ، فأنشد السجّاد عليه السلام :
لا تطمعوا أن تهينونا فنكرمكم
وأن نكفّ الأذى عنكم وتؤذونا
واللّه يعلم أنّا لا نحبّكم
ولا نلومكم أن لا تحبّونا
* * *
فقال : صدقت يا غلام ، ولكن أراد أبوك وجدّك أن يكونا أميرين ، والحمد للّه الذي قتلهما وسفك دماهما ، فقال عليه السلام : لم تزل النبوّة والإمرة لآبائي وأجدادي من قبل أن تولد(2) .
قال المدائني : لمّا انتسب السجّاد إلى النبي صلى الله عليه و آله قال يزيد لجلوازه(3) : ادخله في هذا البستان ، واقتله ، وادفنه فيه .
فدخل به إلى البستان ، وجعل يحفر والسجّاد عليه السلام يصلّي ، فلمّا همّ بقتله ضربته يد من الهواء ، فخرّ لوجهه وشهق ودهش .
ص: 132
فرآه خالد بن يزيد وليس لوجهه بقيّة ، فانقلب إلى أبيه وقصّ عليه ، فأمر بدفن الجلواز في الحفرة وإطلاقه .
وموضع حبس زين العابدين عليه السلام هو اليوم مسجد .
وذكر صاحب كتاب البدع ، وصاحب كتاب شرح الأخبار : إنّ عقب الحسين عليه السلام من ابنه علي الأكبر ، وأنّه هو الباقي بعد أبيه ، وأنّ المقتول هو الأصغر منهما ، وعليه يعوّل ، فإنّ علي بن الحسين عليهماالسلام كان يوم كربلاء من أبناء ثلاثين سنة(1) ، وأنّ محمد الباقر عليه السلام ابنه كان - يومئذٍ - من أبناء خمس
عشرة سنة ، وكان لعلي الأصغر عليه السلام المقتول نحو إثنتي عشرة سنة .
وتقول الزيدية : إنّ العقب من الأصغر ، وإنّه كان في يوم كربلاء ابن سبع سنين .
ومنهم من يقول : أربع سنين ، وعلى هذا النسّابون(2) .
وجاء في النكت : إنّ اللّه - تعالى - وضع أشياء على أربعة : العناصر ، والطبائع ، والرياح ، وفصول السنة ، والكتب المنزلة ، ومختار الملائكة ،
ص: 133
ومصطفى الأنبياء ، ومختارات النساء ، ومختار الصحابة ، ومصطفى البيوتات في قوله : « إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ » ، ولفظة « لا إله إلاّ اللّه » .
والسجّاد أربعة أحرف ، وهو رابع الأئمّة .
عن علي بن الحسين عليهماالسلام :
لكم ما تدّعون بغير حقّ
إذا ميز الصحاح من المراض
عرفتم حقّنا فجحدتمونا
كما عرف السواد من البياض
كتاب اللّه شاهدنا عليكم
وقاضينا الإله فنعم قاضي
* * *
قال علم الهدى :
لأنتم آل خير الناس كلّهم
المنهل العذب والمستورد الغدق(1)
وليس للّه دين غير حبّكم
ولا إليه سواكم وحدكم طرق
وإن يكن من رسول اللّه غيركم
سوى الوجوه فأنتم عنده الحدق
رزقتم الشرف الأعلى وقومكم
فيهم غضاب عليكم كيف ما رزقوا
ص: 134
وأنتم في شديدات الورى عصر
وفي سواد الدياجى أنتم الفلق
ما للرسول سوى أولادكم ولد
ولا لنشر له إلاّ بكم عبق(1)
فأنتم في قلوب الناس كلّهم
السمت تقصده والحبل تعتلق
هل يستوي عند ذي عين زبى وربى
أو الصباح على الأوتاد والغسق
ودّي عليه مقيم لا براح له
من الزمان ورهني عندكم علق
وثقت منكم بأن تستوهبوا زللي
عند الحساب وحسبي من به أثق
* * *
وقال آخر :
شفيعي إلى ربّي النبي محمد
لدى الحشر إذ كلّ الصدور تجيش
شعاري ولاء المصطفى ووصيّه
وعترته ما دمت فيه أعيش
* * *
ص: 135
ص: 136
ص: 137
ص: 138
لقبه : زين العابدين ، وسيّد العابدين ، وزين الصالحين ، ووارث علم النبيّين ، ووصيّ الوصيّين ، وخازن وصايا المرسلين ، وإمام المؤمنين ، ومنار القانتين والخاشعين، والمتهجّد، والزاهد، والعابد، والعدل، والبكّاء، والسجّاد، وذو الثفنات ، إمام الأمّة ، وأبو الأئمة ، ومنه تناسل ولد الحسين عليه السلام(1) .
وكنيته : أبو الحسن .
والخاصّ : وأبو محمد .
ويقال : أبو القاسم .
وروي أنّه كنّي ب-« أبي بكر »(2) .
مولده بالمدينة يوم الخميس في النصف من جمادى الآخرة .
ص: 139
ويقال : يوم الخميس لتسع خلون من شعبان سنة ثمان وثلاثين من الهجرة قبل وفاة أمير المؤمنين عليه السلام بسنتين .
وقيل : سنة سبع .
وقيل سنة ستّ .
فبقي مع جدّه أمير المؤمنين عليه السلام أربع سنين ، ومع عمّه الحسن عليه السلامعشر
سنين ، ومع أبيه عليه السلام عشر سنين .
ويقال : مع جدّه سنتين ، ومع عمّه إثنتي عشرة سنة ، ومع أبيه ثلاثا وعشرين سنة(1) .
وأقام بعد أبيه خمسا وثلاثين سنة(2) .
وتوفّي بالمدينة يوم السبت لإحدى عشر ليلة بقيت من المحرّم ، أو لاثنتي عشرة ليلة ، سنة خمس وتسعين من الهجرة(3) .
وله - يومئذٍ - سبع وخمسون سنة .
ويقال : تسع وخمسون .
ويقال : أربع وخمسون .
وكانت إمامته أربعا وثلاثين سنة(4) .
ص: 140
فكان في سنيّ إمامته بقيّة ملك يزيد ، وملك معاوية بن يزيد ، وملكمروان ، وعبد الملك ، وتوفّي في ملك الوليد(1) .
ودفن في البقيع مع عمّه الحسن عليه السلام(2) .
وقال أبو جعفر بن بابويه : سمّه الوليد بن عبد الملك(3) .
بنوه : إثنا عشر من أمّهات الأولاد ، إلاّ إثنين : محمد الباقر عليه السلام ، وعبد اللّه الباهر ، أمّهما أمّ عبد اللّه بنت الحسن بن علي .
وأبو الحسين زيد الشهيد بالكوفة وعمر توأم .
والحسين الأصغر وعبد الرحمن وسليمان توأم .
والحسن والحسين وعبيد اللّه توأم .
ومحمد الأصغر فرد .
وعلي - وهو أصغر ولده - .
وخديجة فرد .
ويقال : لم يكن له بنت .
ويقال له ولد : فاطمة ، وعليه ، وأم كلثوم .
ص: 141
أعقب منهم : محمد الباقر عليه السلام ، وعبد اللّه الباهر ، وزيد بن علي عليهماالسلام ،وعمر بن علي ، وعلي بن علي ، والحسين الأصغر(1) .
وأمّه شهربانويه بنت يزدجر بن شهريار الكسرى ، ويسمّونها أيضا : شاه زنان ، و « جهان بانويه » ، و « سلافة » ، و « خولة » .
وقالوا : شاه زنان بنت شيرويه بن كسرى ابرويز .
ويقال : هي برّة بنت النوشجان(2) ، والصحيح هو الأوّل .
وكان أمير المؤمنين عليه السلام سمّاها مريم .
ويقال : سمّاها فاطمة .
وكانت تدعى « سيدة النساء(3) » .
ومن رجاله من الصحابة : جابر بن عبد اللّه الأنصاري ، وعامر بنوائلة الكناني ، وسعيد بن المسيّب بن حزن ، وكان ربّاه أمير المؤمنين .
قال زين العابدين عليه السلام : سعيد بن المسيّب أعلم الناس بما تقدّم من الآثار - أي في زمانه -(1) .
وسعيد بن جهان الكناني ، مولى أمّ هاني .
ومن التابعين : أبو محمد سعيد بن جبير ، مولى بني أسد ، نزيل مكّة ، وكان يسمّى جهيد العلماء ، ويقرأ القرآن في ركعتين .
قيل : وما على الأرض أحد إلاّ وهو محتاج إلى علمه !!
ومحمد بن جبير بن مطعم ، وأبو خالد الكابلي ، والقاسم بن عوف ، وإسماعيل بن عبد اللّه بن جعفر ، وإبراهيم والحسين ابنا محمد بن الحنفية ، وحبيب بن أبي ثابت ، وأبو يحيى الأسدي ، وأبو حازم الأعرج ، وسلمة بن دينار المدني الأقرن القاصّ .
ومن أصحابه : أبو حمزة الثمالي - بقي إلى أيّام موسى عليه السلام - ، وفرات بن
ص: 143
أحنف - بقي إلى أيّام أبي عبد اللّه عليه السلام - ، وجابر بن محمد بن أبي بكر ، وأيّوب بن الحسن ، وعلي بن رافع ، وأبو محمد القرشي السدي الكوفي ،والضحّاك بن مزاحم الخراساني - أصله من الكوفة - ، وطاوس بن كيسان أبو عبد الرحمن ، وحميد بن موسى الكوفي ، وأبان بن رباح ، وأبو الفضل سدير بن حكيم بن صهيب الصيرفي ، وقيس بن رمانة ، وعبد اللّه البرقي ، والفرزدق الشاعر(1) .
ومن مواليه : شعيب .
قال السوسي :
أحببتكم يا بني الزهراء محتسبا
وحبّ غيري حبّ غير محتسب
لا حاجة لي إلى خلق ولا أرب
إلاّ إليكم وحسبي ذاك من أرب
ما طاب لي مولدي إلاّ بحبّكم
يا طيّبون ولولا ذاك لم يطب
أنتم بنو المصطفى والمرتضى نجب
من كلّ منتجب سمّي بمنتجب
أنتم بنو شاهد النجوى من الغيب
أنتم بنو صاحب الآيات والعجب
أنتم بنو خير من يمشي على قدم
بعد النبي مقال الحقّ لا كذب
* * *
ص: 144
وقال محمد بن حجر :
فروع رسول اللّه أصل غصونها
وأيكتها طوبى وللغرس غارس
عليهم لإجلال النبوّة هيبة
يشار إليهم والرؤوس نواكس
وقد توّجوا بالعلم واستودعوا الهدى
بهم تحسن الدنيا وتزهو المجالس
فأحمد فيهم والوصيّ وسبطه
كرام لما هم أكرمون أشاوس
نجوم وأعلام إذا غاب آفل
أنار لنا نجم فأشرق دامس
ينابيع علم يستفيض بحكمة
هداة إذا ما جاء للعلم قابس
* * *
وقال غيره :
يا بني طه ونون والقلم
حبّكم فرض على كلّ الأمم
من يدانيكم ولولاكم لما
خلق اللوح ولا أجري القلم
أنتم أكرم إن عدّ الورى
أنتم أعلم ماش بقدم
أنتم للدين أعلام إذا
غاب منكم علم لاح علم
فوّض اللّه إليكم أمره
فحكمتم حسب ما كان حكم
وبكم تفخر أملاك العلى
إذ لكم أضحت عبيدا وخدم
ص: 145
ص: 146
ص: 147
ص: 148
ص: 149
ص: 150
الحمد للّه الذي لم يزل سميعا بصيرا عالما قديرا ، بذوات القلوب خبيرا ، أعدّ للكافرين سعيرا ، وللمؤمنين أرائك وسريرا ، وألبسهم بفضله سندسا وحريرا ، وسقاهم من عين يفجّرونها تفجيرا ، ووقاهم شرّ يوم كان شرّه مستطيرا ، وأبدع في السماء سراجا وهّاجا وقمرا منيرا ، تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا .
أبو المضا عن الرضا عليه السلام : قال النبي صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : أنت نجم بني هاشم .
وعنه قال صلى الله عليه و آله : أنت أحد العلامات(1) .
عباية عن علي عليه السلام : مثل أهل بيتي مثل النجوم ، كلّما أفل نجم طلع نجم(2) .
تفسير علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي ، في قوله تعالى : « وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها » : النجوم آل محمد(3) صلى الله عليه و آله .
محمد بن مسلم وجابر الجعفي ، في قوله تعالى : « فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ » : قال الباقر عليه السلام : نحن أهل الذكر(4) .
ص: 152
قال أبو زرعة : صدق اللّه - ولعمري - إنّ أبا جعفر عليه السلام لأكبر العلماء(1) .
قال أبو جعفر الطوسي : سمّى اللّه رسوله : « ذِكرا » ، قوله تعالى : « قَدْأَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً » ، فالذكر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والأئمّة أهله ، وهو المروي عن الباقر والصادق والرضا(2) عليهم السلام .
وقال سلمان الصهري : وذكر القرآن قوله تعالى : « إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ » ، وهم حافظوه وعارفون بمعانيه(3) .
تفسير يوسف القطّان ، ووكيع بن الجرّاح ، وإسماعيل السدي ، وسفيان الثوري : أنّه قال الحارث : سألت أمير المؤمنين عليه السلام عن هذه الآية ؟ قال : واللّه ، إنّا نحن أهل الذكر ، نحن أهل العلم ، نحن معدن التأويل والتنزيل(4) .
أبو الورد عن أبي جعفر عليه السلام : « لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ » ، قال : نحن هم(5) .
بريد بن معاوية العجلي عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى : « وَكَذلِكَ
ص: 153
جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً » ، نحن الأمّة الوسط ، ونحن شهداء اللّه على خلقه وحجّته في أرضه(1) .وفي رواية حمران عن أبيه أعين عنه عليه السلام : إنّما أنزل اللّه : « وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً » يعني عدلاً(2) ، « لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً » ، قال : ولا يكون شهداء على الناس إلاّ الأئمّة والرسل ، فأمّا الأمّة فإنّه غير جائز أن يستشهدها اللّه - تعالى - على الناس وفيهم من لا تجوز شهادته في الدنيا على حزمة بقل(3) .
عمّار الساباطي : سألت أبا عبد اللّه عن قوله تعالى : « أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللّهِ » ، فقال : الذين اتّبعوا رضوان اللّه هم الأئمّة ، وهم - واللّه - يا عمّار درجات للمؤمنين ، وبولايتهم ومعرفتهم إيّانا يضاعف لهم أعمالهم ، وترفع لهم الدرجات العلى(4) .
عطاء بن ثابت ، عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى : « وَيَقُولُ الأَْشْهادُ » ،
ص: 154
قال : نحن الأشهاد(1) .
أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : « وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً » ، قال : نحن الشهود على هذه الأمّة(2) .الباقر عليه السلام في قوله تعالى : « قُلْ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً » ، قال : إيّانا عنى(3) .
قال جابر الأنصاري عن الباقر عليه السلام في قوله : « وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ » ، أي مع آل محمد(1) صلى الله عليه و آله .
أبو حمزة عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى : « يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ » .
قال : قرابة الرسول صلى الله عليه و آله ، وسيّدهم أمير المؤمنين عليه السلام ، أمروا بمودّتهم ، فخالفوا ما أمروا به(2) .
الباقر والصادق عليهماالسلام : في قوله تعالى : « قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ » ، قال : الولاية ، « أَنْ تَقُومُوا لِلّهِ مَثْنى » ، قال : الأئمّة من ذرّيتهما(1) .
الباقر عليه السلام : في قوله تعالى : « وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً » ، قال : النعمة الظاهرة النبي صلى الله عليه و آله ، وما جاء به من معرفته وتوحيده ، وأمّا النعمة الباطنة ولايتنا أهل البيت ، وعقد مودّتنا(2) .
محمد بن مسلم عن الكاظم عليه السلام : الظاهرة الإمام الظاهر ، والباطنة
الإمام الغائب(3) .
تفسير العيّاشي في قوله : « وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لأُِنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ » أن يكون إماما من ولد آل محمد صلى الله عليه و آله ، فهو ينذر بالقرآن كما أنذر به
النبي(4) صلى الله عليه و آله .
ص: 157
وقالوا : الفضل ثلاثة :
فضل اللّه : قوله تعالى : « وَلَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ » .
وفضل النبي صلى الله عليه و آله ، قوله : « بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ » ، قال ابن عباس : الفضل رسول اللّه صلى الله عليه و آله والرحمة أمير المؤمنين عليه السلام(1) .
وفضل الأوصياء : قال أبو جعفر عليه السلام : « أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ماآتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ » ؟
قال : نحن الناس ، ونحن المحسودون ، وفينا نزلت(2) .
وقال : إنّ اللّه - تعالى - أعطى المؤمن البدن الصحيح ، واللسان الفصيح ، والقلب الصريح ، وكلّف كلّ عضو منها طاعة لذاته ، ولنبيّه ، ولخلفائه .
فمن البدن الخدمة له ولهم ، ومن اللسان الشهادة به [ وبهم ] ، ومن القلب الطمأنينة بذكره وبذكرهم .
فمن شهد باللسان ، واطمأنّ بالجنان ، وعمل بالأركان ، أنزله اللّه الجنان .
ص: 158
مسند أبي حنفية : قال الراوي : ما سألت جابر الجعفي قطّ مسألة إلاّ أتى فيها بحديث(1) .
وكان جابر الجعفي إذا روى عنه قال : حدّثني وصيّ الأوصياء ، ووارث علم الأنبياء(2) .
أبو نعيم في الحلية : الحاضر ، الذاكر ، الخاشع ، الصابر ، أبو جعفر محمد بن علي الباقر(3) عليهماالسلام .
وقال غيره : الإمام الباقر ، والنور الباهر ، والقمر الزاهر ، والعلم القاهر ، باقر العلم ، معدن الحلم ، أظهر الدين اظهارا ، وكان للإسلام منارا ، الصادع بالحقّ ، والناطق بالصدق ، وباقر العلم بقرا ، وناثره نثرا ، لم تأخذه في اللّه لومة لائم ، وكان لأمره غير مكاتم ، ولعدوّه مراغم .
قالوا : الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم : يوسف بن يعقوب
ص: 159
بن إسحاق بن إبراهيم ، وكذلك السيّد ابن السيّد ابن السيّد ابن السيّد :محمد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام .
وممّا يدلّ على إمامته تواتر الإماميّة بالنصوص عليه من أبيه وجدّه .
وكذلك الأخبار الواردة من النبي صلى الله عليه و آله على الأئمّة الإثني عشر ، إماما إماما .
ومن قال بذلك قطع على إمامته .
ومنها : اعتبار طريق العصمة ، وغير ذلك(1) .
قال ابن الحجّاج :
إذا غاب بدر الدجى فانظر
إلى ابن النبي أبي جعفر
ترى خلقا منه يزرى به
وبالفرقدين وبالمشتري
إمام ولكن بلا شيعة
ولا بمصلّى ولا منبر
* * *
وقال المغربي :
يا ابن الذي بلسانه وبيانه
هدي الأنام ونزّل التنزيل
عن فضله نطق الكتاب وبشّرت
بقدومه التوراة والإنجيل
لولا انقطاع الوحي بعد محمد
قلنا محمد من أبيه بديل
هو مثله في الفضل إلاّ أنّه
لم يأته برسالة جبريل
ص: 160
وقال آخر :
يا ابن الذين متى استقرّ هواهم
في نفس إنسان هوى شيطانه
فإذا أراد اللّه سرّا للعلي
فهم على رغم العدى خزّانه
* * *
ص: 161
ص: 162
ص: 163
ص: 164
قيل لأبي جعفر عليه السلام : محمد بن مسلم وجع ، فأرسل إليه بشراب مع الغلام ، فقال الغلام : أمرني أن لا أرجع حتى تشربه ، فإذا شربته فائته ، ففكّر محمد فيما قال وهو لا يقدر على النهوض .
فلمّا شرب واستقرّ الشراب في جوفه صار كأنّما أنشط من عقال ، فأتى بابه فاستؤذن عليه ، فصوّت له : صحّ الجسم فادخل .
فدخل وسلّم عليه ، وهو باكٍ ، وقبّل يده ورأسه ، فقال : ما يبكيك يا محمد ؟
قال : على اغترابي ، وبعد المشقّة ، وقلّة المقدرة على المقام عندك والنظر إليك .
فقال : أمّا قلّة المقدرة ، فكذلك جعل اللّه أوليائنا وأهل مودّتنا ، وجعل البلاء إليهم سريعا .
وأمّا ما ذكرت من الاغتراب ، فلك بأبي عبد اللّه عليه السلام أسوة ، بأرض ناء عنّا ، بالفرات صلّى اللّه عليه .
وأمّا ما ذكرت من بعد المشقّة ، فإنّ المؤمن في هذه الدار غريب ، وفي هذا الخلق منكوس حتى يخرج من هذه الدار إلى رحمة اللّه .
ص: 165
وأمّا ما ذكرت من حبّك قربنا والنظر إلينا ، وأنّك لا تقدر على ذلك ، فلك ما في قلبك وجزاؤك عليه(1) .
دلالات الحسن بن علي بن أبي حمزة عن بعض أصحابه عن مبشّر(2) بيّاع الزطّي ، قال : أقمت على باب أبي جعفر عليه السلام فطرقته ، فخرجت إليّ جارية خماسيّة ، فوضعت يدي على يدها وقلت لها : قولي لمولاك : هذا مبشّر بالباب .
فناداني من أقصى الدار : ادخل لا أبا لك .
ثمّ قال لي : أما - واللّه - يا مبشّر ، لو كانت هذه الجدر تحجب أبصارنا كما يحجب عنكم أبصاركم لكنّا وأنتم سواء .
فقلت : جعلت فداك - واللّه - ما أردت إلاّ الازدياد في ذلك إيمانا(3) .
الحسن بن مختار عن أبي بصير ، قال : كنت أقرى ء امرأةً القرآن ،
ص: 166
وأعلّمها إيّاه ، فمازحتها بشيء ، فلمّا قدمت على أبي جعفر عليه السلام قال لي : ياأبا بصير ، أيّ شيء قلت للمرأة ؟ فقلت بيدي هكذا - يعني غطّيت وجهي - فقال : لا تعودنّ إليها(1) .
وفي رواية حفص البختري أنّه قال لأبي بصير : أبلغها السلام ، فقل : أبو جعفر يقرؤك السلام ويقول : زوّجي نفسك من أبي بصير .
قال : فأتيتها فأخبرتها ، فقالت : اللّه ، لقد قال لك أبو جعفر هذا ؟ فحلفتُ لها ، فزوّجت نفسها منّي .
أبو حمزة الثمالي في خبر : لمّا كانت السنة التي حجّ فيها أبو جعفر محمد بن علي عليهماالسلام ، ولقيه هشام بن عبد الملك ، أقبل الناس ينثالون عليه ، فقال عكرمة : من هذا ؟! عليه سيماء زهرة العلم ، لأجربنّه(2) .
فلمّا مثّل بين يديه ارتعدت فرائصه ، وأسقط في يد أبي جعفر عليه السلام ، وقال : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لقد جلست مجالس كثيرة بين يدي ابن عباس وغيره ، فما أدركني ما أدركني آنفا ؟
ص: 167
فقال له أبو جعفر عليه السلام : ويلك يا عبيد أهل الشام ، إنّك بين يدي « بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ »(1) .
حبّابة الوالبية ، قالت : رأيت رجلاً بمكّة - أصيلاً - بالملتزم ، أو بين الباب والحجر ، على صعدة من الأرض ، وقد حزم وسطه على المئزر بعمامة خزّ ، والغزالة(2) تخال على ذلك الجبال كالعمائم على قمم الرجال ، وقد صعّد كفّه وطرفه نحو السماء ويدعو .
فلمّا انثال الناس عليه يستفتونه عن المعضلات ، ويستفتحون أبواب المشكلات ، فلم يرم حتى أفتاهم في ألف مسألة ، ثمّ نهض يريد رحله ، ومناد ينادي بصوت صهل(3) : ألا إنّ هذا النور الأبلج المسرج ، والنسيم الأرج ، والحقّ المرج ، وآخرون يقولون : من هذا ؟
فقيل : [ محمد بن علي (4)] الباقر ، علم العلم ، الناطق عن الفهم ، محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .
وفي رواية أبي بصير : ألا إنّ هذا باقر علم الرسل ، وهذا مبيّن السبل ،
ص: 168
وهذا خير من وشج في أصلاب أصحاب السفينة ، هذا ابن فاطمة الغرّاء العذراء الزهراء عليهاالسلام ، هذا بقيّة اللّه في أرضه ، هذا ناموس الدهر ، هذا ابن محمد وخديجة وعلي وفاطمة عليهم السلام ، هذا منار الدين القائمة .
وفي حديث جابر بن يزيد الجعفي : إنّه لمّا شكت الشيعة إلى زين العابدين عليه السلام ممّا يلقونه من بني أميّة ، دعا الباقر عليه السلام ، وأمره أن يأخذ الخيط الذي نزل به جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه و آله ، ويحرّكه تحريكا .
قال : فمضى إلى المسجد ، فصلّى فيه ركعتين ، ثمّ وضع خدّه على التراب ، وتكلّم بكلمات ، ثمّ رفع رأسه ، فأخرج من كمّه خيطا دقيقا يفوح منه رائحة ، وأعطاني طرفا منه ، فمشيت رويدا ، فقال : قف يا جابر ، فحرّك الخيط تحريكا لينا خفيفا ، ثمّ قال : اخرج فانظر ما حال الناس .
قال : فخرجت من المسجد ، فإذا صياح وصراخ وولولة من كلّ ناحية ، وإذا زلزلة شديدة ، وهدّة ورجفة قد أخربت عامّة دور المدينة ، وهلك تحتها أكثر من ثلاثين ألف إنسان .
ثمّ صعد الباقر عليه السلام المنارة ، فنادى بأعلى صوته : ألا يا أيّها الضالّون المكذّبون .
قال : فظنّ الناس أنّه صوت من السماء ، فخرّوا لوجوههم ، وطارت أفئدتهم ، وهم يقولون في سجودهم : الأمان الأمان ، - وإنّهم يسمعون
ص: 169
الصيحة بالحقّ ولا يرون الشخص - ، ثمّ قرأ : « فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ » .
قال : فلمّا نزل منها وخرجنا من المسجد سألته عن الخيط ، قال : هذا منالبقيّة ، قلت : وما البقيّة يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال : يا جابر ، « بَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ » ، ويضعه جبرئيل عليه السلاملدينا(1) .
المفضّل بن عمر : بينما أبو جعفر عليه السلام بين مكّة والمدينة إذ انتهى إلى جماعة على الطريق ، وإذا رجل بين الحجّاج نفق حماره ، وقد بدّد متاعه ، وهو يبكي .
فلمّا رأى أبا جعفر عليه السلام أقبل إليه ، فقال له : يا ابن رسول اللّه ، نفق حماري ، وبقيت منقطعا ، فادع اللّه - تعالى - أن يحيي لي حماري .
قال : فدعا أبو جعفر عليه السلام فأحيى اللّه له حماره(2) .
أبو بصير : قلت لأبي جعفر عليه السلام لمّا ذهب بصري : أنتم ورثة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال : نعم ، قلت : رسول اللّه صلى الله عليه و آله وارث الأنبياء ؛ علم كلّما علموا ؟
ص: 170
قال : نعم ، قلت : فأنتم تقدرون أن تحيوا الموتى وتبرؤا الأكمه والأبرص ؟ قال : نعم بإذن اللّه .
ثمّ قال : فادن منّي يا أبا محمد ، فمسح على وجهي وعلى عيني ، فأبصرتالأشياء .
قال لي : أتحبّ أن تكون هكذا ، ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة ، أو تعود كما كنت ، ولك الجنّة خالصا ؟ قلت : أعود كما كنت .
فمسح على عيني فعدت كما كنت .
فحدّثت ابن أبي عمير بهذا فقال : أشهد أنّ هذا حقّ كما أنّ النهار حقّ .
وقد رواه محمد بن أبي عمير(1) .
قال أبو بصير للباقر عليه السلام : ما أكثر الحجيج وأعظم الضجيج ، فقال : بل ما أكثر الضجيج وأقلّ الحجيج ! أتحبّ أن تعلم صدق ما أقوله وتراه عيانا ؟ فمسح على عينيه ودعا بدعوات ، فعاد بصيرا ، فقال : انظر يا أبا بصير إلى الحجيج .
قال : فنظرت فإذا أكثر الناس قردة وخنازير ، والمؤمن بينهم كالكوكب اللامع في الظلماء ، فقال أبو بصير : صدقت يا مولاي ، ما أقلّ الحجيج
ص: 171
وأكثر الضجيج ، ثمّ دعا بدعوات ، فعاد ضريرا .
فقال أبو بصير في ذلك ، فقال عليه السلام : ما بخلنا عليك يا أبا بصير ، وإن كان اللّه - تعالى - ما ظلمك ، وإنّما خار لك ، وخشينا فتنة الناس بنا ، وأنيجهلوا فضل اللّه علينا ، ويجعلونا أربابا من دون اللّه ، ونحن له عبيد ، لا نستكبر عن عبادته ، ولا نسأم من طاعته ، ونحن له مسلمون(1) .
أبو عروة : دخلت مع أبي بصير إلى منزل أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام ،، فقال لي : أترى في البيت كوّة قريبة من السقف ؟ قلت : نعم ، وما علمك بها ؟ قال : أرانيها أبو جعفر عليه السلام(2) .
حلية الأولياء : بالإسناد ، قال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام - وسمع عصافير يصحن - قال : أتدري - يا أبا حمزة - ما يقلن ؟ قلت : لا ، قال : يسبّحن ربّي - عزّ وجلّ - ويسألن قوت يومهنّ(3) .
ص: 172
جابر بن يزيد الجعفي ، قال : مررت بمجلس عبد اللّه بن الحسن ، قال : بماذا فضلني محمد بن علي عليهماالسلام ؟ ثمّ أتيت إلى أبي جعفر عليه السلام ، فلمّا بصرني ضحك إليّ ، ثمّ قال : يا جابر ، اقعد ، فإنّه أوّل داخل يدخل عليك في هذاالباب عبد اللّه بن الحسن .
فجعلت أرمق ببصري نحو الباب ، وأنا مصدّق لما قال سيّدي ، إذ أقبل يسحب أذياله ، فقال له : يا عبد اللّه ، أنت الذي تقول : بماذا فضلني محمد بن علي ؟ إنّ محمدا وعليّا ولداه وقد ولداني ؟
ثمّ قال : يا جابر ، احفر حفيرة واملأها حطبا جزلاً ، واضرمها نارا .
قال جابر : ففعلت ، فلمّا أن رأى النار قد صار جمرا أقبل عليه بوجهه ، فقال : إن كنت حيث ترى فادخلها لن تضرّك ، فقطع بالرجل ، فتبسّم في وجهي ، ثمّ قال : يا جابر « فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ » .
أبو حمزة : أنّه ركب أبو جعفر عليه السلام إلى حائط له ، فسأله سليمان بن خالد : هل يعلم الإمام ما في يومه ؟ فقال : يا سليمان ، والذي بعث محمدا بالنبوّة واصطفاه بالرسالة ، إنّه ليعلم ما في يومه ، وما في شهره ، وما في سنته .
ثمّ قال بعد هنيئة : الساعة يستقبلك رجلان قد سرقا سرقة ، قد أضمرا عليها ، فاستقبلنا الرجلان ، فقال أبو جعفر عليه السلام : سرقتما ؟ فحلفا له باللّه أنّهما ما سرقا ، فقال : واللّه لئن أنتما لم تخرجا ما سرقتما لأبعثنّ إلى الموضع الذي
ص: 173
وضعتما فيه سرقتكما ، ولأبعثنّ إلى صاحبكما الذي سرقتما منه حتى يجيء يأخذكما ، ويرفعكما إلى والي المدينة ، ثمّ أمر غلمانه أن يستوثقوا منهما .
قال : فانطلق أنت - يا سليمان - إلى ذلك الجبل ، فاصعد أنت وهؤلاء الغلمان ، فإنّ في قلّة الجبل كهفا ، فادخل أنت فيه بنفسك حتى تستخرج مافيه ، وتدفعه إلى مولاي هذا ، فإنّ فيه سرقة لرجل آخر وسوف يأتي .
فانطلقت واستخرجت عيبتين ، وأتيت بهما أبا جعفر عليه السلام ، فرجعنا إلى المدينة وقد أخذ جماعة بالسرقة .
فقال أبو جعفر عليه السلام : إنّ هؤلاء برآء ، وليسوا هم بسرّاقة عندي .
ثمّ قال للرجل : ما ذهب لك ؟ قال : عيبة فيها كذا وكذا ، فادّعى ما ليس له ، فقال أبو جعفر عليه السلام : لم تكذب ! فقال : أنت أعلم بما ذهب منّي ، فأمر له بالعيبة .
ثمّ قال للوالي : وعندي عيبة أخرى لرجل ، وهو يأتيك إلى أيّام ، وهو رجل من بربر ، فإذا أتاك فارشده إليّ ، فإنّ عيبته عندي ، وأمّا هذان السارقان ، فلست ببارح من هاهنا حتى تقطعهما ، قال أحدهما : واللّه - يا أبا جعفر - لقد قطعتني بحقّ .
ثمّ جاء البربري إلى الوالي بعد ثلاث أيّام ، فأرسله إلى أبي جعفر عليه السلام ، فقال له أبو جعفر عليه السلام : ألا أخبرك بما في عيبتك ؟ فقال البربري : إن أخبرتني علمت أنّك إمام فرض اللّه طاعتك ، فقال أبو جعفر عليه السلام : ألف دينار لك ، وألف دينار لغيرك ، ومن الثياب كذا وكذا ، قال : فما اسم الرجل الذي له ألف دينار ؟ قال : محمد بن عبد الرحمن ، وهو بالباب ينتظرك ،
ص: 174
فقال البربري : آمنت باللّه وحده لا شريك له وبمحمد صلى الله عليه و آله ، وأشهد أنّكم أهل بيت الرحمة الذين أذهب اللّه عنكم الرجس وطهّركم تطهيرا(1) .
قال الصادق عليه السلام : إنّ أبي قال ذات يوم : إنّما بقي من أجلي خمس سنين ، فحسبت فما زاد ولا نقص(2) .
أبو القاسم بن شبل الوكيل بالإسناد عن محمد بن سليمان : إنّ ناصبيا شاميا كان يختلف إلى مجلس أبي جعفر عليه السلام ويقول له : طاعة اللّه في بغضكم ، ولكنّي أراك رجلاً فصيحا ، فكان أبو جعفر عليه السلام يقول : لن تخفى على اللّه خافية .
فمرض الشامي ، فلمّا ثقل قال لوليّه : إذا أنت مددت عليّ الثوب فائت محمد بن علي عليهماالسلام ، وسَله أن يصلّي عليّ .
قال : فلمّا أن كان في بعض الليل ظنّوا أنّه برد ، وسجّوه ، فلمّا أن أصبح الناس خرج وليّه إلى أبي جعفر عليه السلام ، وحكى له ذلك ، فقال أبو جعفر عليه السلام :
ص: 175
كلاّ إنّ بلاد الشام صرد ، والحجاز بلاد حرّ ، ولحمها شديد ، فانطلق فلا تعجلنّ على صاحبكم حتى آتيكم .
قال : ثمّ قام من مجلسه ، فجدّد وضوءا ، ثمّ عاد فصلّى ركعتين ، ثمّ مدّيده تلقاء وجهه ما شاء اللّه ، ثمّ خرّ ساجدا حتى طلعت الشمس ، ثمّ نهض ، فانتهى إلى مجلس الشامي ، فدخل عليه فدعاه فأجابه ، ثمّ أجلسه ، فدعا له بسويق فسقاه ، وقال : املأوا جوفه ، وبردوا صدره بالطعام البارد ، ثمّ انصرف .
وتبعه الشامي ، فقال : أشهد أنّك حجّة اللّه على خلقه ، قال : وما بدا لك ؟ قال : أشهد أنّي عمدت بروحي وعاينت بعيني ، فلم يتفاجأني إلاّ ومناد ينادي : ردّوا إليه روحه ، فقد كنّا سألنا ذلك محمد بن علي عليهماالسلام ، فقال أبو جعفر عليه السلام : أما علمت أنّ اللّه يحبّ العبد ويبغض عمله ، ويبغض العبد ويحبّ عمله ؟
قال : فصار بعد ذلك من أصحاب أبي جعفر(1) عليه السلام .
الثعلبي في نزهة القلوب : روي عن الباقر عليه السلام أنّه قال : أشخصني هشام بن عبد الملك ، فدخلت عليه وبنو أميّة حوله ، فقال لي : ادن يا ترابي ، فقلت : من التراب خلقنا ، وإليه نصير .
ص: 176
فلم يزل يدنيني حتى أجلسني معه ، ثمّ قال : أنت أبو جعفر الذي تقتل بني أميّة ؟ فقلت : لا ، قال : فمن ذاك ؟ فقلت : ابن عمّنا أبو العباس بن محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس .
فنظر إليّ وقال : واللّه ما جرّبت عليك كذبا ، ثمّ قال : ومتى ذاك ؟ قلت : عن سنيّات ، واللّه ما هي ببعيدة . . الخبر .
كتاب المعجزات : إنّ الباقر عليه السلام كان في عمرة اعتمرها ، في الحجر جالسا ، إذ أقبل جانّ حتى دنا من الحجر ، فطاف بالبيت أسبوعا ، ثمّ إنّه أتى المقام فقام على ذنبه ، فصلّى ركعتين - وذلك عند زوال الشمس - ، فبصر به عطاء وأناس من أصحابه ، فأتوا أبا جعفر عليه السلام واستغاثوا إليه .
فقال : انطلقوا إليه ، فقولوا له : يقول لك محمد بن علي : إنّ البيت يحضره أعبد وسودان ، وهذه ساعة خلوته منهم ، وقد قضيت نسكك ، ونحن نتخوّف عليك منهم ، فلو خفّفت وانطلقت .
قال : فكوّم كومة من بطحاء المسجد ، ثمّ وضع ذنبه عليها ، ثمّ مثل في الهواء(1) .
جابر الجعفي ، مرفوعا : لا يزال سلطان بني أميّة حتى يسقط حائط مسجدنا هذا - يعني مسجد الجعفي - ، فكان كما أخبر .
ص: 177
قال الكميت الأسدي : دخلت إليه وعنده رجل من بني مخزوم ، وأنشدته شعري فيهم ، فكلّما أنشدته قصيدة قال : يا غلام بدرة(1) ، فماخرجت من البيت حتى أخرج خمسين ألف درهم ، فقلت : واللّه ، إنّي ما قلت فيكم لعرض الدنيا ، وأبيت ، فقال : يا غلام أعد هذا المال في مكانه .
فلمّا حمل قال له المخزومي : سألتك باللّه عشرة آلاف درهم ، فقلتَ : ليست عندي ، وأعطيت للكميت(2) خمسين ألف درهم ، وإنّى لأعلم أنّك
الصادق البارّ ؟ قال له : قم وادخل فخذ ، فدخل المخزومي فلم يجد شيئا .
فهذا دليل على أنّ الكنوز مغطّية لهم(3) .
معتب ، قال : توجّهت مع أبي عبد اللّه عليه السلام إلى ضيعة ، فلمّا دخلها صلّى ركعتين ، ثمّ قال : إنّى صلّيت مع أبي الفجر ذات يوم ، فجلس أبي يسبّح اللّه .
فبينما هو يسبّح ، إذ أقبل شيخ طوال أبيض الرأس واللحية ، فسلّم على أبي ، وإذا شابّ مقبل في أثره ، فجاء إلى الشيخ ، وسلّم على أبي ، وأخذ بيد الشيخ وقال : قم فإنّك لم تؤمر بهذا .
ص: 178
فلمّا ذهبا من عند أبي قلت : يا أبي ، من هذا الشيخ وهذا الشابّ ؟ فقال : واللّه هذا ملك الموت ، وهذا جبرئيل(1) عليهماالسلام .
جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنّا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وبحقيقة النفاق(2) .
قال : جرى عند أبي عبد اللّه ذكر عمر بن سحنة الكندي ، فزكّوه ، فقال عليه السلام : ما أرى لكم علما بالناس ، إنّي لأكتفي من الرجل بلحظة ، إنّ ذا من أخبث الناس .
قال : وكان عمر بعد ما يدع محرّما للّه إلاّ يركبه(3) .
عبد اللّه بن عطاء المكّي ، قال : اشتقت إلى أبى جعفر عليه السلام وأنا بمكّة ، فقدمت المدينة ، وما أقدمنيها إلاّ شوقا إليه ، فأصابني تلك الليلة مطر وبرد شديد .
فانتهيت إلى بابه نصف الليل ، فقلت : أطرقه هذه الساعة ، أو أنتظر
ص: 179
حتى أصبح ؟ وإنّى لأتفكّر في ذلك إذ سمعته يقول : يا جارية افتحي الباب لابن عطاء ، فقد أصابه في هذه الليلة برد وأذى ، ففتحت الباب فدخلت(1) .
عبد اللّه بن كثير ، قال : نزل أبو جعفر عليه السلام بواد ، فضرب خباه فيه ، ثمّ خرج يمشي إلى نخلة يابسة ، فحمد اللّه عندها ، ثمّ تكلّم بكلام لم أسمع بمثله ، ثمّ قال : أيّتها النخلة أطعمينا ممّا جعل اللّه فيك .
فتساقطت رطب أحمر وأصفر ، فأكل - ومعه أبو أميّة الأنصاري - ، فقال : يا أبا أميّة ، هذه الآية فينا كالآية في مريم إذ هزّت إليها النخلة ، فتساقط عليها « رُطَباً جَنِيًّا »(2) .
عمر بن حنظلة : سألت أبا جعفر عليه السلام أن يعلّمني الإسم الأعظم ، فقال : ادخل البيت ، فوضع أبو جعفر عليه السلام يده على الأرض ، فأظلم البيت ، وارتعدت فرائصي ، فقال : ما تقول ؟ أعلّمك ؟ فقلت : لا ، فرفع يده ، فرجع البيت كما كان(3) .
ص: 180
ويروى : أنّ زيد بن علي لمّا عزم على البيعة قال له أبو جعفر عليه السلام : يا أبا زيد ، إنّ مثل القائم من أهل هذا البيت قبل قيام مهديّهم مثل فرخ نهض من عشّه من غير أن يستوي جناحاه ، فإذا فعل ذلك سقط ، فأخذهالصبيان يتلاعبون به ، فاتّق اللّه في نفسك أن تكون المصلوب غدا بالكناسة ، فكان كما قال(1) .
عبد اللّه بن طلحة ، عن أبي عبد اللّه في خبر : إنّ أبي كان قاعدا في الحجر ومعه رجل يحدّثه ، فإذا هو بوزغ يولول بلسانه ، فقال أبي للرجل : أتدري ما يقول هذا الوزغ ؟ فقال الرجل : لا علم لي بما يقول .
قال : فإنّه يقول : واللّه لئن ذكرت الثالث ، لأسبّنّ عليّا حتى تقوم من هاهنا(2) .
محمد بن مسلم ، قال : كنت مع أبي جعفر بين مكّة والمدينة - وأنا أسير على حمار لي وهو على بغلة له - إذ أقبل ذئب من رأس الجبل حتى انتهى
ص: 181
إلى أبي جعفر عليه السلام ، فحبس البغلة ، ودنا الذئب منه حتى وضع يده على قربوس السرج ، ومدّ عنقه إلى أذنه ، وأدنى أبو جعفر عليه السلام أذنه ساعة ، ثمّ قال له : امض فقد فعلت ، فخرج مهرولاً .
فقلت له : لقد رأيت عجبا ! فقال : وما تدري ما قال ؟ قلت : اللّه ورسوله وابن رسوله أعلم ، قال : إنّه قال : يا ابن رسول اللّه زوجتي في ذلك الجبل ، وقد تعسّر عليها ولادتها ، فادع اللّه يخلّصها ، وأن لا يسلط شيئا من نسلي على أحد من شيعتكم ، فقلت : قد فعلت(1) .
وقد روى الحسن بن علي بن أبي حمزة في الدلالات هذا الخبر عن الصادق عليه السلام وزاد فيها : إنّه عليه السلام مرّ وسكن في ضيعته شهرا ، فلمّا رجع فإذا هو بالذئب وزوجته وجرو عووا في وجه الصادق عليه السلام ، فأجابهم بمثل عوائهم بكلام يشبهه .
ثمّ قال لنا : قد ولد له جرو ذكر ، وكانوا يدعون اللّه لي ولكم بحسن الصحابة ، ودعوت لهم بمثل ما دعوا لي ، وأمرتهم أن لا يؤذوا لي وليّا ولأهل بيتي ، ففعلوا ، وضمنوا لي ذلك(2) .
الحسن بن محمد بإسناده عن أبي بكر الحضرمي ، قال : لمّا حمل
ص: 182
أبو جعفر عليه السلام إلى الشام ، إلى هشام بن عبد الملك ، وصار ببابه ، قال هشام لأصحابه : إذا سكتّ من توبيخ محمد بن علي فلتوبّخوه ! ثمّ أمر أن يؤذن له .
فلمّا دخل عليه أبو جعفر عليه السلام قال بيده : السلام عليكم - فعمّهم جميعابالسلام - ، ثمّ جلس ، فازداد هشام عليه حنقا بتركه السلام بالخلافة ، وجلوسه بغير إذن ، فقال : يا محمد بن علي ، لا يزال الرجل منكم قد شقّ عصا المسلمين ، ودعا إلى نفسه ، وزعم أنّه الإمام سفها وقلّة علم ! وجعل يوبّخه .
فلمّا سكت أقبل القوم عليه - رجل بعد رجل - يوبّخه ، فلمّا سكت القوم ، نهض قائما ، ثمّ قال :
أيّها الناس أين تذهبون؟ وأين يراد بكم؟ بنا هدى اللّه أوّلكم ، وبنا ختم آخركم ، فإن يكن لكم ملك معجّل ، فإنّ لنا ملكا مؤجّلاً ، وليس من بعد ملكنا ملك ، لأنّا أهل العاقبة ، يقول اللّه - عزّ وجلّ - : « وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ » .
فأمر به إلى الحبس ، فلمّا صار في الحبس تكلّم ، فلم يبق في الحبس رجل إلاّ ترشفه وحسن عليه .
فجاء صاحب الحبس إلى هشام ، وأخبره بخبره ، فأمر به ، فحمل على البريد هو وأصحابه ليردّوا إلى المدينة ، وأمر ألاّ تخرج لهم الأسواق ، وحال بينهم وبين الطعام والشراب .
فساروا ثلاثا لا يجدون طعاما ولا شرابا حتى انتهوا إلى مدينة ، فأغلق باب المدينة دونهم ، فشكا أصحابه العطش والجوع .
ص: 183
قال : فصعد جبلاً أشرف عليهم ، فقال بأعلى صوته : يا أهل المدينة الظالم أهلها أنا بقيّة اللّه ، يقول اللّه تعالى : « بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ » .
قال : وكان فيهم شيخ كبير ، فأتاهم فقال : يا قوم هذه - واللّه - دعوةشعيب ، واللّه لئن لم تخرجوا إلى هذا الرجل بالأسواق لتؤخذنّ من فوقكم ، ومن تحت أرجلكم ، فصدّقوني هذه المرّة ، وأطيعوني ، وكذّبوني فيما تستأنفون ، فإنّي ناصح لكم .
قال : فبادروا وأخرجوا إلى أبي جعفر عليه السلام وأصحابه الأسواق(1) .
كافي الكليني : قال سدير الصيرفي : أوصاني أبو جعفر عليه السلام بحوائج له بالمدينة ، فخرجت ، فبينما أنا في فجّ الروحاء(2) على راحلتي إذ إنسان يلوي بثوبه ، قال : فملت إليه - وظننت أنّه عطشان - ، فناولته الإداوة(3) ، فقال : لا حاجة لي بها ، - وناولني كتابا طينه رطب - .
قال : فلمّا نظرت إلى خاتمه ، إذا خاتم أبي جعفر عليه السلام ، فقلت له : متى عهدك بصاحب هذا الكتاب ؟
ص: 184
قال : الساعة ، وإذا في الكتاب أشياء يأمرني بها ، ثمّ التفتّ فإذا ليس عندي أحد .
قال : ثمّ قدم أبو جعفر عليه السلام ، فلقيته ، فقلت : جعلت فداك ، رجل أتاني بكتابك وطينه رطب ؟فقال : يا سدير ، إنّ لنا خدما من الجنّ ، فإذا أردنا السرعة بعثناهم(1) .
محمد بن يحيى بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : كانت أمّي قاعدة عند جدار ، فتصدّع الجدار ، وسمعنا هدّة شديدة ، فقالت بيدها : لا وحقّ المصطفى ما أذن لك في السقوط ، فبقي معلّقا إلى الجوّ حتى جازته ، فتصدّق أبي عنها بمائة دينار(2) .
النعمان بن بشير ، قال : ناول رجل طوال جابر الجعفي كتابا ، فتناوله ووضعه على عينيه ، وإذا هو من محمد بن علي عليهماالسلام إليه ، فقال له : متى عهدك بسيدي ؟
ص: 185
فقال : الساعة ، ففكّ الخاتم ، وأقبل يقرأه ويقبض وجهه حتى أتى على آخره ، وأمسك الكتاب فما رأيته ضاحكا مسرورا حتى وافى الكوفة .
فلمّا وافينا بتُّ ليلتي ، فلمّا أصبحت أتيته إعظاما له ، فوجدته قد خرج عليّ وفي عنقه كعاب قد علّقها ، وقد ركب قصبة وهو يقول :ادخل(1) منصور بن جمهور أميرا غير مأمور
واجتمع عليه الصبيان ، وهو يدور معهم والناس يقولون : جنّ جابر .
فواللّه ما مضت إلاّ أيّام حتى ورد كتاب هشام بن عبد الملك إلى واليه يأمره بقتل جابر ، وإنفاذ رأسه إليه ، فقال لجلسائه : مَن جابر بن يزيد الجعفي ؟ قالوا : أصلحك اللّه ، كان رجل له فضل وعلم فجنّ ، وهو دائر في الرحبة مع الصبيان على القصب يلعب معهم .
قال : فأشرف عليه ، ورآه معهم بينهم ، فقال : الحمد للّه الذي عافاني من قتله ، قال : ثمّ لم تمض إلاّ أيّام حتى دخل منصور بن جمهور ، فصنع ما كان يقول جابر(2) .
محمد بن مسلم ، قال : كنت عنده يوما فرجع زوج ورشان ، وهدلا هديلهما ، فردّ عليهما أبو جعفر عليه السلام كلامهما ساعة ، ثمّ نهضا ، فلمّا صار على الحائط هدل الذكر على الأنثى ساعة ، ثمّ طارا .
ص: 186
فقلت له : جعلت فداك ، ما قال هذا الطائر ؟ فقال : يا ابن مسلم ، كلّ شيء خلقه اللّه من طير أو بهيمة أو شيء فيه روح ، فإنّه أطوع لنا وأسمع من ابن آدم ، إنّ هذا الورشان ظنّ بأنثاه سوءا ، فحلفت له ما فعلت ، فلم يقبل ، فقالت : ترضى بمحمد بن علي عليهماالسلام ؟ فرضيا بي ، فأخبرته أنّه لهاظالم ، فصدّقها(1) .
أبو بصير ، قال : كنت مع أبي جعفر عليه السلام في المسجد إذ دخل عليه أبو الدوانيق وداود بن علي وسليمان بن مجالد حتى قعدوا في جانب المسجد ، فقال لهم : هذا أبو جعفر عليه السلام ، فأقبل إليه داود بن علي وسليمان بن مجالد ، فقال لهما : ما منع جبّاركم أن يأتيني ؟ فعذّروه عنده .
فقال : يا داود ، أما إنّه لا تذهب الأيّام حتى يليها ، ويطأ الرجال عقبه ، ويملك شرقها وغربها ، وتدين له الرجال ، وتذلّ رقابها ، قال : فلها مدّة ؟ قال : نعم ، واللّه ليتلقّفنّها الصبيان منكم كما تتلقّف الكرة(2) .
فانطلقا فأخبرا أبا جعفر بالذي سمعا من محمد بن علي عليه السلام ، فبشّراه بذلك .
فلمّا ولّيا دعا سليمان بن مجالد فقال : يا سليمان بن مجالد ، إنّهم لا يزالون
ص: 187
في فسحة من ملكهم ما لم يصيبوا دما - وأومى ء بيده إلى صدره - فإذا أصابوا ذلك الدم ، فبطنُها خير لهم من ظهرها .
فجاء أبو الدوانيق إليه ، وسأله عن مقالهما ، فصدّقهما . . الخبر .
فكان كما قال(1) .
وفي حديث عاصم الحنّاط عن محمد بن مسلم : أنّه سأل أبا جعفر عليه السلام دلالة ، فقال : يا ابن مسلم ، وقع بينك وبين زميلك بالربذة حتى عيّرك بنا وبحبّنا وبمعرفتنا ؟ قال : إي واللّه جعلت فداك ، لقد كان ذلك ، فمن يخبركم بمثل ذلك ؟
قال : يا ابن مسلم ، إنّ لنا خدما من الجنّ هم شيعة لنا ، أطوع لنا منكم(2) .
أبو بصير ، قال : أطرق أبو جعفر عليه السلام إلى الأرض ينكت فيها مليّا ، ثمّ إنّه رفع رأسه فقال : كيف أنتم - يا قوم - إذا جاءكم رجل ، فدخل عليكم مدينتكم هذه في أربعة آلاف رجل حتى يستعرضكم بسيفه ثلاثة أيّام ،
ص: 188
فيقتل مقاتليكم ، وتلقون منه بلاء لا تقدرون أن تدفعوه بأيديكم ؟ وذلك يكون في قابل ، فخذوا حذركم ، واعلموا أنّه ما قلت لكم كائن لابدّ منه .
فلم يأخذ أحد حذره من أهل المدينة إلاّ بنو هاشم خاصّة .
فلمّا كان من قابل تحمّل أبو جعفر عليه السلام لعياله أجمعين ، وبنو هاشم ،وخرجوا(1) من المدينة ، فكان كما قال(2) .
مشمعل الأسدي عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول لرجل من أهل خراسان : كيف أبوك ؟ قال : صالح ، قال : هلك أبوك بعد ما خرجت وجئت إلى جرجان .
ثمّ قال : ما فعل أخوك ؟ قال : خلفته صالحا ، قال : قد قتله جاره [ يقال له : ] « صالح » يوم كذا وكذا .
فبكى الرجل ثمّ قال : « إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » ممّا أصبت به .
فقال أبو جعفر عليه السلام : اسكت فإنّك لا تدري ما صنع اللّه بهم ، قد صاروا إلى الجنّة ، والجنّة خير لهم ممّا كانوا فيه .
فقال له الرجل : جعلت فداك ، إنّى خلّفت ابني وجعا شديد الوجع ، ولم تسألني عنه كما سألتني عن غيره ؟ قال : قد برأ ، وقد زوّجه عمّه بنته ،
ص: 189
وأنت تقدم وقد ولد له غلام ، واسمه علي - وهو لنا شيعة - ، وأمّا ابنك فليس هو لنا شيعة ، بل هو لنا عدوّ(1) .
عاصم الحنّاط عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سمعته وهو يقول لرجل من أهل إفريقية : ما حال راشد ؟ قال : خلّفته حيّا صالحا يقرؤك السلام ، قال : رحمه اللّه .
قلت : جعلت فداك ، ومات ؟ قال : نعم ، رحمه اللّه .
قلت : ومتى مات ؟ قال : بعد خروجك بيومين(2) .
وفي حديث الحلبي : أنّه دخل أناس على أبي جعفر عليه السلام ، وسألوا علامة ، فأخبرهم بأسمائهم ، وأخبرهم عمّا أرادوا يسألون عنه ، وقال : أردتم أن تسألوا عن هذه الآية من كتاب اللّه : « كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها » ، قالوا : صدقت ، هذه الآية أردنا أن نسألك .
ص: 190
قال : نحن الشجرة التي قال اللّه تعالى : « أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ » ، ونحن نعطي شيعتنا ما نشاء من أمر علمنا(1) .
علي بن أبي حمزة وأبو بصير ، قالا : كان لنا موعدا على أبي جعفر عليه السلام ، فدخلنا عليه أنا وأبو ليلى ، فقال : يا سكينة ، هلمّي بالمصباح ، فأتت بالمصباح ، ثمّ قال : هلمّي بالسفط الذي في موضع كذا وكذا .
قال : فأتته بسفط هندي أو سندي ، ففضّ خاتمه ، ثمّ أخرج منه صحيفة صفراء ، فقال علي : فأخذ يدرجها من أعلاها وينشرها من أسفلها ، حتى إذا بلغ ثلثها - أو ربعها - نظر إليّ - فارتعدت فرائصي حتى خفت على نفسي - .
فلمّا نظر إليّ في تلك الحال وضع يده على صدري ، فقال : أبرأت أنت ؟ قلت : نعم جعلت فداك ، قال : ليس عليك بأس .
ثمّ قال : ادنه ، فدنوت ، فقال لي : ما ترى ؟ قلت : اسمي واسم أبي وأسماء أولادي أعرفهم ، فقال : يا علي ، لولا أنّ لك عندي ما ليس لغيرك ما اطلعتك على هذا ، أما إنّهم سيزدادون على عدد ما هاهنا .
قال علي بن أبي حمزة : فمكثت - واللّه - بعد ذلك عشرين سنة ، ثمّ ولد لي الأولاد بعدد ما رأيت بعيني في تلك الصحيفة(2) . . الخبر .
ص: 191
أبو عيينة وأبو عبد اللّه عليه السلام : إنّ موحّدا أتى الباقر عليه السلام وشكا عن أبيه ، ونصبه وفسقه ، وأنّه أخفى ماله عند موته ، فقال له أبو جعفر عليه السلام : أفتحبّ أن تراه ، وتسأله عن ماله ؟فقال الرجل : نعم ، وإنّى لمحتاج فقير .
فكتب إليه أبو جعفر عليه السلام كتابا بيده في رقّ أبيض ، وختمه بخاتمه .
ثمّ قال : اذهب بهذا الكتاب الليلة إلى البقيع حتى تتوسّط ، ثمّ تنادي : يا درجان .
ففعل ذلك ، فجاءه شخص ، فدفع إليه الكتاب ، فلمّا قرأه قال : أتحبّ أن ترى أباك ؟ فلا تبرح حتى آتيك به ، فإنّه بضجنان .
فانطلق ، فلم يلبث إلاّ قليلاً حتى أتاني رجل أسود في عنقه حبل أسود ، مدلع لسانه يلهث ، وعليه سربال أسود ، فقال لي : هذا أبوك ، ولكن غيّره اللهب ودخان الجحيم وجرع الحميم .
فسألته عن حاله ، قال : إنّي كنت أتوالى بني أميّة ، وكنت أنت تتوالى أهل البيت عليهم السلام ، وكنت أبغضك على ذلك ، واحرمتك مالي ، ودفنته عنك ، فأنا اليوم على ذلك من النادمين ، فانطلق إلى جنّتي ، فاحتفر تحت الزيتونة ، فخذ المال - وهو مائة وخمسون ألفا - ، وادفع إلى محمد بن علي عليهماالسلام خمسين ألفا ، ولك الباقي .
قال : ففعل الرجل كذلك ، فقضى بها أبو جعفر عليه السلام دينا ، وابتاع بها
ص: 192
أرضا ، ثمّ قال : أما إنّه سينفع الميّت الندم على ما فرّط من حبّنا ، وضيّع من حقّنا بما أدخل علينا من الرفق والسرور(1) .
جابر بن يزيد : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله تعالى : « وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ » ، فرفع أبو جعفر عليه السلام بيده وقال : ارفع رأسك ، فرفعت ، فوجدت السقف متفرّقا ، ورمق ناظري في ثلمة حتى رأيت نورا حار عنه بصري .
فقال : هكذا رأى إبراهيم عليه السلام ملكوت السماوات ، وانظر إلى الأرض ، ثمّ ارفع رأسك ، فلمّا رفعته رأيت السقف كما كان .
ثمّ أخذ بيدي وأخرجني من الدار ، وألبسني ثوبا ، وقال : غمّض عينيك ساعة ، ثمّ قال : أنت في الظلمات التي رأى ذو القرنين ، ففتحت عيني فلم أر شيئا .
ثمّ خطا خطىً وقال : أنت على رأس عين الحياة للخضر ، ثمّ خرجنا من ذلك العالم حتى تجاوزنا خمسة ، فقال : هذه ملكوت الأرض .
ثمّ قال : غمّض عينيك ، وأخذ بيدي ، فإذا نحن في الدار التي كنّا فيها ، وخلع عنّي ما كان ألبسنيه .
ص: 193
فقلت : جعلت فداك ، كم ذهب من اليوم ؟ فقال : ثلاث ساعات(1) .
قال ابن حمّاد :
ولاء النبي وآل النبي
عقدي وأمني من مفزعي
ووجّهت وجهي لا أبتغي
سوى السادة الخشّع الركّع
ومالي هداة سوى الطاهرين
بدور الهدى الكمّل اللمّع
بحار النوال بدور الكمال
غيوث الورى الهطّل الهمّع
هم شفعائي إلى ربّهم
وليس سواهم بمستشفع
بهم يرفع اللّه أعمالنا
ولولا الولاية لم ترفع
* * *
وله أيضا :
يا أهل بيت النبي حبّكم
تجارة الفوز للأولى اتّجروا
يا أهل بيت النبي حبّكم
يبلي به ربّنا ويختبر
* * *
ص: 194
ص: 195
ص: 196
محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال : سمعته يقول : إنّا « عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ »(1) .
سماعة بن مهران عن شيخ من أصحابنا عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : جئنا نريد الدخول عليه ، فلمّا صرنا في الدهليز سمعنا قراءة سريانية ، بصوت حزين ، يقرأ ويبكي حتى أبكى بعضنا(2) .
موسى بن أكيل النميري ، قال : جئنا إلى باب دار أبي جعفر عليه السلام نستأذن عليه، فسمعنا صوتا حزينا يقرأ بالعبرانية، فدخلنا عليه، وسألنا عن قاريه؟
ص: 197
فقال : ذكرت مناجاة « إيليا » فبكيت من ذلك(1) .
ويقال : لم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين عليهماالسلام من العلوم ما ظهر منه ، من التفسير والكلام ، والفتيا والأحكام ، والحلال والحرام .
قال محمد بن مسلم : سألته عن ثلاثين ألف حديث(2) .
وقد روى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين ، ورؤساء فقهاء المسلمين .
فمن الصحابة :
نحو : جابر بن عبد اللّه الأنصاري .
ومن التابعين :
نحو : جابر بن يزيد الجعفي ، وكيسان السختاني صاحب الصوفية .
ومن الفقهاء :
نحو : ابن المبارك ، والزهري ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وزياد بن المنذر النهدي .
ومن المصنّفين :
نحو : الطبري ، والبلاذري ، والسلامي ، والخطيب في تواريخهم .
ص: 198
وفي : الموطّأ ، وشرف المصطفى ، والإبانة ، وحلية الأولياء ، وسننأبي
داود ، والألكاني ، ومسندي أبي حنيفة والمروزي ، وترغيب الإصفهاني ، وبسيط الواحدي ، وتفسير النقّاش ، والزمخشري ، ومعرفة أصول الحديث ، ورسالة السمعاني ، فيقولون : قال محمد بن علي عليهماالسلام ، وربما قالوا : قال محمد الباقر عليه السلام .
ولذلك لقّبه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بباقر العلم .
وحديث جابر مشهور معروف رواه فقهاء المدينة والعراق كلّهم .
وقد أخبرني جدّي شهرآشوب والمنتهى ابن كيابكي الحسيني بطرق كثيرة عن سعيد بن المسيّب ، وسليمان الأعمش ، وأبان بن تغلب ، ومحمد بن مسلم ، وزرارة بن أعين ، وأبي خالد الكابلي :
إنّ جابر بن عبد اللّه الأنصاري كان يقعد في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ينادي : يا باقر العلم ، يا باقر العلم ، فكان أهل المدينة يقولون : جابر يهجر ، وكان يقول : واللّه ما أهجر ، ولكنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : إنّك ستدرك رجلاً من أهل بيتي اسمه اسمي ، وشمائله شمائلي ، يبقر العلم بقرا ، فذاك الذي دعاني إلى ما أقول .
قال : فلقي يوما كتّابا فيه الباقر عليه السلام ، فقال : يا غلام أقبل ، فأقبل ، ثمّ قال له : أدبر ، فأدبر ، فقال : شمائل رسول اللّه صلى الله عليه و آله - والذي نفس جابر بيده - ، يا غلام ما اسمك ؟ قال : اسمي محمد ، قال : ابن من ؟ قال : ابن علي بن
ص: 199
الحسين عليهماالسلام ، فقال : يا بنيّ فدتك نفسي ، فإذا أنت الباقر ؟ قال : نعم ،فأبلغني ما حمّلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فأقبل إليه يقبّل رأسه ، وقال : بأبي أنت وأمّي ، أبوك رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقرؤك السلام ، قال : يا جابر على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما قامت السماوات والأرض ، وعليك السلام - يا جابر - بما بلّغت السلام .
قال : فرجع الباقر عليه السلام إلى أبيه - وهو ذعر - ، فأخبره بالخبر ، فقال له : يا بنيّ ، قد فعلها جابر ؟ قال : نعم ، قال : يا بنيّ الزم بيتك .
فكان جابر يأتيه طرفي النهار - وأهل المدينة يلومونه - ، فكان الباقر عليه السلام يأتيه على وجه الكرامة لصحبته من رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
قال : فجلس يحدّثهم عن أبيه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلم يقبلوه ، فحدّثهم عن جابر فصدّقوه ، وكان جابر - واللّه - يأتيه ويتعلّم منه(1) .
الخطيب صاحب التاريخ : قال جابر الأنصاري للباقر عليه السلام : رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمرني أن أقرئك السلام(2) .
أبو السعادات في فضائل الصحابة : إنّ جابر الأنصاري بلّغ سلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى محمد الباقر عليه السلام ، فقال له محمد بن علي عليهماالسلام : اثبت
ص: 200
وصيّتك ، فإنّك راحل إلى ربّك ، فبكى جابر ، فقال له : يا سيّدي ، وما علمك ؟! فهذا عهد عهده إليّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقال له : واللّه - يا جابر - لقدأعطاني اللّه علم ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة .
وأوصى جابر وصاياه(1) ، وأدركته الوفاة(2) .
وفي رواية غيره أنّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا جابر ، يوشك أن تبقي حتى تلقى ولدا لي من الحسين عليه السلام يقال له : « محمد » ، يبقر علم النبيّين بقرا ، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام(3) .
القتيبي في عيون الأخبار : إنّ هشاما قال لزيد بن علي عليه السلام : ما فعل أخوك البقرة ؟!!
فقال زيد : سمّاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله « باقر العلم » وأنت تسمّيه بقرة ؟! لشدّ ما اختلفتما إذا(4) .
قال زيد بن علي :
ثوى باقر العلم في ملحد
إمام الورى طيّب المولد
فمن لي سوى جعفر بعده
إمام الورى الأوحد الأمجد
أبا جعفر الخير أنت الإمام
وأنت المرجّى لبلوى غد
ص: 201
وقال القرطي :
يا باقر العلم لأهل التقى
وخير من لبّى على الأجبل
* * *
حمران بن أعين : قال لي أبو جعفر عليه السلام - وقد قرأت - : « لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ » ، قال : وأنتم قوم عرب ، تكون المعقّبات من بين يديه ؟
قلت : كيف تقرؤها ؟
قال : له معقّبات من خلفه ، ورقيب من بين يديه ، يحفظونه بأمر اللّه (1) .
وبلغنا أنّ الكميت أنشد الباقر عليه السلام :
مَن لقلب متيّم مستهام
فتوجّه الباقر عليه السلام إلى الكعبة ، فقال : اللّهم ارحم الكميت واغفر له - ثلاث مرّات - .
ثمّ قال : يا كميت ، هذه مائة ألف قد جمعتها من أهل بيتي ، فقال الكميت :
ص: 202
لا - واللّه - لا يعلم أحد أنّي آخذ منها حتى يكون اللّه - عزّ وجلّ - الذي يكافيني ، ولكن تكرمني بقميص من قمصك ، فأعطاه(1) .
وسأل رجل ابن عمر عن مسألة فلم يدر بما يجيبه ، فقال : اذهب إلى ذلك الغلام فاسأله ، وأعلمني بما يجيبك ، - وأشار به إلى محمد بن علي الباقر عليه السلام - ، فأتاه وسأله ، فأجابه ، فرجع إلى ابن عمر فأخبره ، فقال ابن عمر : إنّهم أهل بيت مفهّمون(2) .
ووفد عليه عمرو بن عبيد ، فسأله عن قوله تعالى : « أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالأَْرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما »، ما هذا الرتق والفتق ؟
فقال عليه السلام : [ كانت السماء ] رتقا لا تنزل القطر ، وكانت الأرض رتقا لا تخرج النبات ، فلمّا تاب اللّه على آدم أمر الأرض ، فتفجرّت أنهارا ، وأنبتت أشجارا ، وأينعت ثمارا ، وأمر السماء ، فتقطّرت بالغمام ، وأرخت عزاليها ، فكان ذلك فتقها ، فانقطع عمرو(3) .
ص: 203
وقال الأبرش الكلبي لهشام : من هذا الذي احتوشه أهل العراق ويسألونه ؟ قال : هذا نبيّ الكوفة ، وهو يزعم أنّه ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ،وباقر العلم ، ومفسّر القرآن ، فاسأله مسألة لا يعرفها .
فأتاه وقال : يا ابن علي ! قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ؟ قال : نعم ، قال : فإنّي سائلك عن مسائل ، قال : سل فإن كنت مسترشدا فستنتفع بما تسأل عنه ، وإن كنت متعنّتا فتضلّ بما تسأل عنه .
قال : كم الفترة التي كانت بين محمد صلى الله عليه و آله وعيسى عليه السلام ؟
قال : أمّا في قولنا فسبعمائة ، وأمّا في قولك فستّمائة سنة .
قال : فأخبرني عن قوله تعالى : « يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَْرْضُ غَيْرَ الأَْرْضِ » ، ما الذي يأكل الناس ويشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة ؟
قال : يحشر الناس على مثل فرضة(1) الأرض ، فيها أنهار متفجّرة ، يأكلون ويشربون حتى يفرغ من الحساب .
فقال هشام : قل له : ما أشغلهم عن الأكل والشرب يومئذٍ ؟ قال : هم
ص: 204
في النار أشغل ، ولم يشغلوا عن أن قالوا : « أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ » .
قال : فأخبرني عن قول اللّه تعالى : « وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا » ، كان في أيّامه من يسأل عنه ، فيسألهم فأخبروه ؟ فأجاب عن ذلك مثل ما تقدّم من فصل الميثاق من هذا الكتاب .قال : فنهض الأبرش وهو يقول : أنت ابن بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله حقّا ، ثمّ صار إلى هشام ، فقال : دعونا منكم يا بني أميّة ، فإنّ هذا أعلم أهل الأرض بما في السماء والأرض ، فهذا ولد رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
وقد روى الكليني هذه الحكاية عن نافع غلام ابن عمر ، وزاد فيه : أنّه قال له الباقر عليه السلام : ما تقول في أصحاب النهروان ؟ فإن قلت : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قتلهم بحقّ فقد ارتددت ، وإن قلت : إنّه قتلهم باطلاً فقد كفرت .
قال : فولّى من عنده وهو يقول : أنت - واللّه - أعلم الناس حقّا ، فأتى هشاما . . الخبر .
وقال أبو جعفر عليه السلام لعبد اللّه بن عباس : أنشدك اللّه ، هل في حكم اللّه اختلاف ؟ قال : لا ، قال : فما ترى في رجل ضرب أصابعه بالسيف حتى سقطت فذهبت ، فأتى رجل آخر ، فأطار كفّ يده ، فأتى به إليك - وأنت قاض - ، كيف أنت صانع ؟
قال : أقول لهذا القاطع : اعطه دية كفّ ، وأقول لهذا المقطوع : صالحه على ما شئت ، أو أبعث إليهما ذوي عدل .
ص: 205
قال : فقال عليه السلام [ له ] : جاء الاختلاف في حكم اللّه ، ونقضت القول الأوّل ، أبى اللّه أن يحدث خلقه شيئا من الحدود ، وليس تفسيره في الأرض ، اقطع يد قاطع الكفّ أوّلاً ، ثمّ اعطه دية الأصابع ، هذا حكم اللّه (1) .
الحكم بن عيينة(2) : سألته امرأة ، فقالت : إنّ زوجي مات وترك ألف درهم ، ولي عليه مهر خمسمائة درهم ، فأخذت مهري ، وأخذت ميراثي ما بقي ، ثمّ جاء رجل فادّعى عليه ألف درهم ، فشهدت بذلك على زوجي ، فجعل الحكم يحسب نصيبها .
إذ خرج أبو جعفر عليه السلام ، فأخبره بمقالة المرأة ، فقال أبو جعفر عليه السلام : أقرّت بثلث ما في يدها ، ولا ميراث لها - أي بقدر ما يصيبها من حصّته - ولا يلزم الدين كلّه(3) .
أوصى رجل بألف درهم للكعبة ، فجاء الوصي إلى مكّة وسأل ، فدلّوه إلى بني شيبة ، فأتاهم فأخبرهم الخبر ، فقالوا له : برئت ذمّتك ادفعه إلينا .
ص: 206
فقال الناس : سل أبا جعفر عليه السلام ، فسأله فقال عليه السلام : إنّ الكعبة غنيّة عن هذا ، انظر إلى من زار هذا البيت فقطع به ، أو ذهبت نفقته ، أو ضلّت راحلته ، أو عجز أن يرجع إلى أهله ، فادفعها إلى هؤلاء(1) .
أبوالقاسم الطبري الألكائي في شرح حجج أهل السنّة: أنّه قال أبوحنيفة لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام : أجلس ؟ وأبو جعفر قاعد في المسجد ، فقال أبو جعفر عليه السلام : أنت رجل مشهور ، ولا أحبّ أن تجلس إليّ .
قال : فلم يلتفت إلى أبي جعفر عليه السلام ، وجلس ، فقال لأبي جعفر عليه السلام : أنت الإمام ؟ قال : لا ، قال : فإنّ قوما بالكوفة يزعمون أنّك إمام ؟ قال : فما أصنع بهم ؟ قال : تكتب إليهم تخبرهم !
قال : لا يطيعون ، إنّما نستدلّ على من غاب عنّا بمن حضرنا ، قد أمرتُك أن لا تجلس فلم تطعني ، وكذلك لو كتبت إليهم ما أطاعوني ، فلم يقدر أبو حنيفة أن يدخل في الكلام(2) .
علي بن مهزيار عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قيل له : إنّ رجلاً تزوّج بجارية
ص: 207
صغيرة فأرضعتها امرأته ، ثمّ أرضعتها امرأة أخرى ، فقال ابن شبرمة : حرّمت عليه الجارية وامرأتاه .
فقال عليه السلام : أخطأ ابن شبرمة ، حرّمت عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أوّلاً ، فأمّا الأخيرة لم تحرم عليه ، لأنّها أرضعت لبنته(1) .
وجاءت امرأة إلى محمد بن مسلم نصف الليل ، فقالت : لي بنت عروس ضربها الطلق ، فما زالت تطلق حتى ماتت ، والولد يتحرّك في بطنها ، ويذهب ويجيء ، فما أصنع ؟
فقال : يا أمة اللّه ، سئل الباقر عليه السلام عن مثل ذلك ، فقال : يشقّ بطن الميّت ويستخرج الولد ، افعلي مثل ذلك ، يا أمة اللّه ، أنا في ستر ، من وجّهك إليّ ؟ قالت : سألت أبا حنيفة ، فقال : عليك بالثقفي ، فإذا أفتاك فأعلمينيه .
فلمّا أصبح محمد بن مسلم دخل المسجد ، رأى أبا حنيفة يسأل عن أصحابه ، فتنحنح محمد بن مسلم ، فقال : اللّهم غفرا ، دعنا نعيش(2) .
سلام بن المستنير عن أبي جعفر عليه السلام - في خبر طويل يذكر فيه خلق
ص: 208
الولد في بطن أمّه - ، قال : ويبعث اللّه ملكا يقال له : « الزاجر » فيزجره زجرة ، فيفزع الولد منها ، وينقلب ، فتصير رجلاه أسفل البطن ، ليسهّل اللّه - عزّ وجلّ - على المرأة وعلى الولد الخروج ، قال : فإن احتبس ، زجره زجرة أخرى شديدة ، فيفزع منها ، فيسقط إلى الأرض فزعا باكيامن الزجر(1) .
قال كهمس : قال لي جابر الجعفي : دخلت على أبي جعفر عليه السلام ، فقال لي : من أين أنت ؟ فقلت : من أهل الكوفة ، قال : ممّن ؟ قلت : من جعف ، قال : ما أقدمك إلى هاهنا ؟ قلت : طلب العلم ، قال : ممّن ؟ قلت : منك .
قال : إذا سألك أحد : من أين أنت ؟ فقل : من أهل المدينة ، قلت : أيحلّ لي أن أكذب ؟ قال : ليس هذا كذبا ، من كان في مدينة فهو من أهلها حتى يخرج(2) .
وسأله عليه السلام طاوس اليماني : متى هلك ثلث الناس ؟
فقال : يا أبا عبد الرحمن ، لم يمت ثلث الناس قطّ ، يا شيخ أردت أن
ص: 209
تقول : متى هلك ربع الناس ؟ وذلك يوم قتل قابيل هابيل ، كانوا أربعةً : آدم ، وحوّاء ، وهابيل ، وقابيل ، فهلك ربعهم .
قال : فأيّهما كان أبا للناس - القاتل أو المقتول - ؟
قال : لا واحد منهما ، أبوهم شيث(1) .
وسأله عن شيء قليلُه حلال وكثيره حرام - في القرآن - ؟
قال : نهر طالوت « إِلاّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ » .
وعن صلاة مفروضة بغير وضوء ، وصوم لا يحجز عن أكل وشرب ؟
فقال عليه السلام : الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله ، والصوم قوله تعالى : « إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً » .
وعن شيء يزيد وينقص ؟ فقال : القمر .
وعن شيء يزيد ولا ينقص ؟ فقال : البحر .
وعن شيء ينقص ولا يزيد ؟ فقال : العمر .
وعن طائر طار مرّة ولم يطر قبلها ولا بعدها ؟
قال : طور سيناء ، قوله تعالى : « وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ » .
وعن قوم شهدوا بالحقّ وهم كاذبون ؟
قال : المنافقون ، « قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّهِ »(2) .
محمد بن المنكدر : رأيت الباقر عليه السلام وهو متّكى ء على غلامين أسودين ،
ص: 210
فسلّمت عليه ، فردّ عليّ على بهر - وقد تصبّب عرقا - ، فقلت : أصلحك اللّه ، لو جاءك الموت وأنت على هذه الحال في طلب الدنيا ؟!
فخلّى الغلامين من يده وتساند ، وقال : لو جاءني وأنا في طاعة منطاعات اللّه ، أكفّ بها نفسي عنك وعن الناس ، وإنّما كنت أخاف اللّه لو جاءني وأنا على معصية من معاصي اللّه .
فقلت : رحمك اللّه ، أردت أن أعظك فوعظتني(1) .
وكان عبد اللّه بن نافع بن الأزرق يقول : لو عرفت أنّ بين قطريها أحدا تبلغني إليه الإبل يخصمني بأنّ عليّا قتل أهل النهروان وهو غير ظالم ، لَرحلتها إليه ، قيل له : ائت ولده محمد الباقر عليه السلام .
فأتاه فسأله ، فقال عليه السلام بعد كلام : الحمد للّه الذي أكرمنا بنبوّته ، واختصّنا بولايته ، يا معشر أولاد المهاجرين والأنصار ، مَن كان عنده منقبة في أمير المؤمنين عليه السلام فليقم فليحدّث .
فقاموا ونشروا من مناقبه ، فلمّا انتهوا إلى قوله : لأعطينّ الراية . . الخبر ، سأله أبو جعفر عليه السلام عن صحّته ؟ فقال : هو حقّ لا شكّ فيه ، ولكنّ عليّا أحدث الكفر بعد .
ص: 211
فقال أبو جعفر عليه السلام : أخبرني عن اللّه أحبّ علي بن أبي طالب عليهماالسلام يوم أحبّه وهو يعلم أنّه يقتل أهل النهروان أم لم يعلم ؟ إن قلت ، لا ، كفرت ، فقال : قد علم .
قال : فأحبّه على أن يعمل بطاعته ، أو على أن يعمل بمعصيته ؟ قال : على أن يعمل بطاعته ، فقال أبو جعفر عليه السلام : قم مخصوما .
فقام وهو يقول : « حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَْبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَْسْوَدِ » ، « اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ »(1) .
وفي حديث نافع بن الأزرق م أنّه سأل الباقر عليه السلام عن مسائل ، منها : قوله تعالى : « وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ » ، مَن الذي يسأل محمد ؟ وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة .
قال : فقرأ أبو جعفر عليه السلام : « سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً » ، ثمّ ذكر
اجتماعه بالمرسلين والصلاة بهم(2) .
وتكلّم بعض رؤساء الكيسانية مع الباقر عليه السلام في حياة محمد بن الحنفية ، قال له : ويحك ما هذه الحماقة ، أنتم أعلم به أم نحن ؟ قد حدّثني أبي علي بن الحسين عليهماالسلام أنّه شهد موته وغسله وكفنه والصلاة عليه وإنزاله في القبر .
ص: 212
فقال : شبّه على أبيك كما شبّه عيسى بن مريم على اليهود !
فقال له الباقر عليه السلام : أفتجعل هذه الحجّة قضاءا بيننا وبينك ؟
قال : نعم .
قال : أرأيت اليهود الذين شبّه عيسى عليه السلام عليهم كانوا أولياءه أو أعداءه ؟ قال : بل كانوا أعداءه .
قال : فكان أبي عدوّ محمد بن الحنفية فشبّه له ؟ قال : لا ، وانقطع ورجع عمّا كان عليه(1) .
وجاءه رجل من الشام وسأله عن بدو خلق البيت ؟
فقال عليه السلام : إنّ اللّه - تعالى - لمّا قال للملائكة : « إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً » ، فردّوا عليه بقولهم : « أَتَجْعَلُ فِيها » ، وساق الكلام إلى قوله : « وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ » ، فعلموا أنّهم وقعوا في الخطيئة ، فعاذوا بالعرش ، فطافوا حوله سبعة أشواط يسترضون ربّهم - عزّ وجلّ - ، فرضي عنهم وقال لهم : اهبطوا إلى الأرض فابنوا لي بيتا يعوذ به مَن أذنب من عبادي ، ويطوف حوله كما طفتم حول عرشي ، فأرضى عنهم كما رضيت عنكم ، فبنوا هذا البيت .
فقال له الرجل : صدقت يا أبا جعفر ، فما بدو هذا الحجر ؟
ص: 213
قال : إنّ اللّه - تعالى - لمّا أخذ ميثاق بني آدم أجرى نهرا أحلى من العسل وألين من الزبد ، ثمّ أمر القلم فاستمدّ من ذلك النهر ، وكتب إقرارهم ، وما هو كائن إلى يوم القيامة ، ثمّ ألقم ذلك الكتاب هذا الحجر ، فهذا الاستلامالذي ترى إنّما هو بيعة على إقرارهم ، وكان أبي إذا استلم الركن قال : اللّهم أمانتي أدّيتها ، وميثاقي تعاهدته ، ليشهد لي عندك بالوفاء .
فقال الرجل : صدقت يا أبا جعفر ، ثمّ قام .
فلمّا ولّى قال الباقر عليه السلام لابنه الصادق عليه السلام : اردده عليّ ، فتبعه إلى الصفا ، فلم يره ، فقال الباقر عليه السلام : أراه الخضر(1) .
وسأل محمد بن مسلم أبا جعفر عليه السلام : لأيّ شيء صارت الشمس أشدّ حرارة من القمر ؟ فقال : إنّ اللّه - تعالى - خلق الشمس من نور النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا ؛ حتى إذا كانت سبعة أطباق ألبسها لباسا من نار ، فمِن ثمّ كانت أشدّ حرارة ، وخلق القمر من نور النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا ؛ حتى صارت سبعة أطباق ، وألبسها لباسا من ماء ، فمن ثمّ صار القمر أبرد من الشمس(2) .
ص: 214
أبو بكر بن دريد الأزدي بإسناد له ، وعن الحسن بن علي الناصر بن الحسن بن علي بن عمر بن علي ، وعن الحسين بن علي بن جعفر بن موسىبن جعفر عن آبائه ، كلّهم عن الصادق عليه السلام ، قال : لمّا أشخص أبي محمد بن علي عليهماالسلام إلى دمشق سمع الناس يقولون : هذا ابن أبي تراب !
قال : فأسند ظهره إلى جدار القبلة ، ثمّ حمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على النبي صلى الله عليه و آله ، ثمّ قال :
اجتنبوا أهل الشقاق ، وذرّية النفاق ، وحشو النار ، وحصب جهنّم عن البدر الزاهر ، والبحر الزاخر ، والشهاب الثاقب ، وشهاب المؤمنين ، والصراط المستقيم ، « مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ » يلعنوا « كَما » لعن « أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً » .
ثمّ قال بعد كلام : أبصنو رسول اللّه صلى الله عليه و آله تستهزؤون ؟! أم بيعسوب الدين تلمزون ؟! وأيّ سبل بعده تسلكون ؟ وأيّ حزن بعده تدفعون ؟
هيهات ، هيهات ، برز - واللّه - بالسبق ، وفاز بالخصل ، واستوى على الغاية ، وأحرز على الخطاب(1) ، فانحسرت عنه الأبصار ، وخضعت دونه الرقاب ، وقرع الذروة العليا ، فكذب من رام من نفسه السعي ، وأعياه الطلب « وَأَنّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ » ؟
ص: 215
وقال :
أقلّوا عليهم لا أبا لأبيكم
من اللوم أو سدّوا المكان الذي سدّوا
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا
وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدّوا
* * *
فأنّى يسدّ ثلمة أخي رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذ شفعوا(1) ، وشقيقه إذ نسبوا ، ونديده(2) إذ قتلوه ، وذي قرني(3) كنزها إذ فتحوا ، ومصلّي القبلتين إذ تحرّفوا ، والمشهود له بالإيمان إذ كفروا ، والمدعي لنبذ عهد المشركين إذ نكلوا ، والخليفة على المهاد ليلة الحصار إذ جزعوا ، والمستودع الأسرار ساعة الوداع(4) . . إلى آخر كلامه .
الجاحظ في كتاب البيان والتبيين ، قال : قد جمع محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام صلاح حال الدنيا بحذافيرها في كلمتين :
ص: 216
صلاح شأن جميع المعائش والتعاشر ، مل ء مكيال ، ثلثاه فطنة ، وثلث تغافل(1) .
حلية الأولياء : قال عبد اللّه بن عطاء المكّي : ما رأينا العلماء عند أحد أصغر منهم عند أبي جعفر عليه السلام - يعني الباقر عليه السلام - ، ولقد رأيت الحكم بن عيينة مع جلالته وسنّه عنده كأنّه صبيّ بين يدي معلّم يتعلّم منه(2) .
علل الشرائع عن القمّي : القزويني : سئل الباقر عليه السلام عن علّة حسن الخلق وسوئه ؟ فقال : إنّ اللّه - تعالى - أنزل حوراء من الجنّة إلى آدم عليه السلام ، فزوّجها
من أحد بنيه ، وتزوّج الآخر إلى الجانّ ، فولدتا جميعا ، فما كان للناس جمال وحسن الخلق ، فهو من الحوراء ، وما كان فيهم من سوء خلق ، فمن بنت الجانّ ، وأنكر أن يكون بنوه(3) من بناته(4) . رواه ابن بابويه في المقنع(5) .
ص: 217
وسئل عليه السلام : إنّه وجد في جزيرة بيضا كثيرا ، فقال : كلْ ما اختلف طرفاه ، ولا تأكل ما استوى طرفاه(1) .
وسأله محمد بن مسلم : لمَ لا تورث المرأة عمّن يتمتّع بها ؟ قال : لأنّها مستأجرة(2) .
قال : ولم جعل البيّنة في النكاح ؟ قال : من أجل المواريث(3) .
وسأله علي بن محمد بن القاسم العلوي عن آدم عليه السلام حيث حجّ بمَ حلق رأسه ؟ ومَن حلقه ؟
قال : نزل جبرئيل عليه السلام عليه بياقوتة من الجنّة ، فأمرها على رأسه ، فتناثر شعره(4) .
ص: 218
وسأله أبو عبد اللّه القزويني عن غسل الميّت والصلاة عليه وغسل غاسله ؟
قال : يغسّل الميّت لأنّه يخبث ؛ ولتلاقيه الملائكة وهم طاهرون ، فكذلك الغاسل لتلاقيه المؤمنون(1) ، وعلّة الصلاة عليه ليشفع له وليطلباللّه فيه .
وسأله عن علّة الوتيرة ؟
قال : لأنّ اللّه - تعالى - فرض سبع عشرة ركعة ، وأضاف رسول اللّه صلى الله عليه و آله
إليها مثليها ، فصارت إحدى وخمسين(2) .
وسأله عليه السلام أبو بكر الحضرمي عن تكبير صلاة الميّت ؟
فقال عليه السلام : أخذت الخمس مِن الخمس صلوات ، من كلّ صلاة تكبيرة(3) .
ص: 219
أبو جعفر القمّي « في من لا يحضره الفقيه » عن الباقر عليه السلام - في خبر طويل - : كان النساء في زمن نوح إنّما تحيض المرأة في كلّ سنة حيضة ؛ حتى أنّ سبعمائة امرأة جلسن مع الرجال وشهدن الأعياد ، فرماهنّ اللّه بالحيض عند ذلك في كلّ شهر ، فأخرجن من بين الرجال .فتزوّج بنو اللاتي يحضن في كلّ شهر حيضة بنات اللاتي يحضن في كلّ سنة حيضة ؛ فامتزج القوم ، فحضن بنات هؤلاء وهؤلاء في كلّ شهر حيضة ، فكثر أولاد اللاتي يحضن في كلّ شهر - لاستقامة الحيض - وقلّ أولاد اللاتي لا يحضن إلاّ حيضة في السنة - لفساد الدم - ، قال : فكثر نسل هؤلاء وقلّ نسل أولئك(1) .
علل الشرائع عن ابن بابويه : قال الباقر عليه السلام : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله لا يأكل الكليتين - من غير تحريمهما - ، لقربهما من البول(1) .
قال أبو هاشم الجعفري(2) :يا آل أحمد كيف أعدل عنكم
أعن السلامة والنجاة أحول
ذخر الشفاعة جدّكم لكبائري
فيها على أهل الوعيد أصول
شغلي بمدحكم وغيري عنكم
بعدوّكم ومديحه مشغول
* * *
وقال الصاحب :
العدل والتوحيد مذهبي الذي
يزهى به الإيمان والإسلام
وولايتي لمحمد ولآله
ديني وحصن الدين ليس يرام
فهناك حبل اللّه مظفور القوى
وعليه من سرّ القضاء ختام
حيث المبلّغ جبرئيل وصحفه
التنزيل فيه وعلمه الأحكام
والعلم غضّ عندهم بطراوة ال
وحي الوحيّ كأنّه إلهام
* * *
ص: 221
وقال مالك :
إذا طلب الناس علم القرآ
ن كانت قريش عليه عيالا
وإن قيل أين ابن بنت النب-
-ي نلت بذلك فرعا طوالا
نجوم تهلّل للمدلجين
جبال تورث علما جبالا
* * *
ص: 222
ص: 223
ص: 224
المدائني بالإسناد عن جابر الجعفي ، قال :
قال الباقر عليه السلام : نحن ولاة أمر اللّه ، وخزّان علم اللّه ، وورثة وحي اللّه ، وحملة كتاب اللّه ، طاعتنا فريضة ، وحبّنا إيمان ، وبغضنا كفر ، محبّنا في الجنّة ، ومبغضنا في النار(1) .
وقال معروف بن خربوذ : سمعته عليه السلام يقول : إنّ خبرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد امتحن اللّه قلبه للإيمان(2) .
وكان عليه السلام يقول : بليّة الناس علينا عظيمة ، إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا ، وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا(3) .
ص: 225
وقال عليه السلام : نحن أهل بيت الرحمة ، وشجرة النبوة ، ومعدن الحكمة ، وموضع الملائكة ، ومهبط الوحي(1) .
خيثمة ، قال : سمعت الباقر عليه السلام يقول : نحن جنب اللّه ، ونحن حبل اللّه ، ونحن من رحمة اللّه على خلقه ، ونحن الذين بنا يفتح اللّه وبنا يختم اللّه ، نحن
أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، ونحن الهدى ، ونحن العلم المرفوع لأهل الدنيا ، ونحن السابقون ، ونحن الآخرون ، من تمسّك بنا لحق ، ومن تخلّف عنّا غرق ، نحن قادة الغرّ المحجّلين ، ونحن حرم اللّه ، ونحن الطريق والصراط المستقيم إلى اللّه - عزّ وجلّ - ، ونحن من نعم اللّه على خلقه ، ونحن المنهاج ، ونحن معدن النبوّة ، ونحن موضع الرسالة ، ونحن أصول الدين ، وإلينا تختلف الملائكة ، ونحن السراج لمن استضاء بنا ، ونحن السبيل لمن اقتدى بنا ، ونحن الهداة إلى الجنّة ، ونحن عرى الإسلام ، ونحن الجسور ، ونحن القناطر ، من مضى علينا سبق ، ومن تخلّف عنّا محق ، ونحن السنام الأعظم ، ونحن من الذين بنا يصرف اللّه عنكم العذاب ، مَن أبصر بنا وعرفنا وعرف حقّنا وأخذ بأمرنا فهو منّا(2) .
ص: 226
عمرو بن دينار وعبد اللّه بن عبيد بن عمير : قال سفيان : ما لقينا أبا جعفر عليه السلام إلاّ وحمل إلينا النفقة والصلة والكسوة ، فقال : هذه معدّة لكم قبل أن تلقوني(1) .
سليمان بن قرم قال : كان أبو جعفر عليه السلام يجيزنا بالخمسمائة إلى الستّمائة إلى الألف درهم(2) .
وقال له نصراني : أنت بقر ! قال : أنا باقر ، قال : أنت ابن الطبّاخة ! قال : ذاك حرفتها ، قال : أنت ابن السوداء الزنجية البذيّة ، قال : إن كنت صدقت غفر اللّه لها ، وإن كنت كذبت غفر اللّه لك .
قال : فأسلم النصراني .
وقال لكثير : امتدحت عبد الملك ؟ فقال : ما قلت له : يا إمام الهدى ،
ص: 227
وإنّما قلت : يا أسد - والأسد كلب - ، ويا شمس - والشمس جماد - ، ويا بحر - والبحر موات - ، ويا حيّة - والحية دويبة منتنة - ، ويا جبل - وإنّما هوحجر أصم - .
قال : فتبسّم(1) عليه السلام .
وشكا الحسن بن كثير إليه الحاجة ، فقال : بئس الأخ أخا يرعاك غنيّا ويقطعك فقيرا ، ثمّ أمر غلامه فأخرج كيسا فيه سبعمائة درهم ، فقال :استنفق هذه ، فإذا نفدت فاعلمني(1) .
هشام بن معاذ في حديثه ، قال : لمّا دخل المدينة عمر بن عبد العزيز ، قال مناديه : من كانت له مظلمة وظلامة فليحضر ، فأتاه أبو جعفر الباقر عليه السلام ، فلمّا رآه استقبله وأقعده مقعده ، فقال عليه السلام :
إنّما الدنيا سوق من الأسواق يبتاع فيها الناس ما ينفعهم وما يضرّهم ، وكم قوم ابتاعوا ما ضرّهم ، فلم يصبحوا حتى أتاهم الموت ، فخرجوا من الدنيا ملومين لمّا لم يأخذوا ما ينفعهم في الآخرة ، فقسّم ما جمعوا لمن لم يحمدهم ، وصاروا إلى من لا يعذّرهم .
فنحن - واللّه - حقيقون أن ننظر إلى تلك الأعمال التي نتخوّف عليهم منها ، فكفّ عنها واتّق اللّه ، واجعل في نفسك اثنتين : إلى ما تحبّ أن يكون معك - إذا قدمت على ربّك - ، فقدّمه بين يديك ، وانظر إلى ما تكره أن يكون معك - إذا قدمت على ربّك - ، فارمه ورائك ، ولا ترغبنّ في سلعة
ص: 229
بارت على من كان قبلك ، فترجو أن يجوز عنك ، وافتح الأبواب ، وسهّل الحجاب ، وانصف المظلوم ، وردّ الظالم .
ثلاثة من كنّ فيه استكمل الإيمان باللّه : من إذا رضي لم يدخله رضاه فيباطل ، ومن إذا غضب لم يخرجه غضبه من الحقّ ، ومن إذا قدر لم يتناول ما ليس له .
فدعا عمر بداوة وبياض وكتب : « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » هذا ما ردّ عمر بن عبد العزيز ظلامة محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم بفدك(1) .
بكر بن صالح : إنّ عبد اللّه بن المبارك(2) أتى أبا جعفر عليه السلام ، فقال : إنّي رويت عن آبائك عليهم السلام : إنّ كلّ فتح بضلال فهو للإمام ، فقال : نعم ، قلت : جعلت فداك ، فإنّهم أتوا بي من بعض فتوح الضلال ، وقد تخلّصت ممّن ملكوني بسبب ، وقد أتيتك مسترقّا مستعبدا ، قال عليه السلام : قد قبلت .
فلمّا كان وقت خروجه إلى مكّة قال : مذ حججت فتزوّجت ، ومكسبي ممّا يعطف على إخواني لا شيء لي غيره ، فمُرني بأمرك ، فقال عليه السلام : انصرف إلى بلادك وأنت من حجّك وتزويجك وكسبك في حلّ .
ص: 230
ثمّ أتاه بعد ستّ سنين ، وذكر له العبودية التي ألزمها نفسه ، فقال : أنت حرّ لوجه اللّه تعالى ، فقال : اكتب لي به عهدا .
فخرج كتابه : « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » ، هذا كتاب محمد بن عليالهاشمي العلوي لعبد اللّه بن المبارك فتاه ، إنّي أعتقك لوجه اللّه والدار الآخرة ، لا ربّ لك إلاّ اللّه ، وليس عليك سيّد ، وأنت مولاي ، ومولى عقبي من بعدي .
وكتب في المحرّم سنة ثلاث عشرة ومائة ، ووقّع فيه محمد بن علي بخطّ يده ، وختمه بخاتمه(1) .
ويقال : إنّه هاشمي من هاشميّين ، وعلويّ من علويّين ، وفاطمي من فاطميّين ؛ لأنّه أوّل ما اجتمعت له ولادة الحسن والحسين عليهماالسلام .
وكانت أمّه أمّ عبد اللّه بنت الحسن بن علي(2) .
وكان أصدق الناس لهجة ، وأحسنهم بهجة ، وأبذلهم مهجة .
الوشّاء : سمعت الرضا عليه السلام يقول : إنّ لكلّ إمام عهدا في أعناق أوليائه
ص: 231
وشيعته ، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم ، فمَن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا لما رغّبوا فيه ، كانت أئمّته شفعاؤه يوم القيامة(1) .
أبو خالد البرقي في كتاب الشعر والشعراء : إنّ الباقر عليه السلام تمثّل :
وأطرق إطراق الشجاع ولو يرى
مساغا لنابيه الشجاع لصمما
* * *
قال الحميري :
أينهونني عن حبّ آل محمد
وحبّهم ممّا به أتقرّب
وحبّهم مثل الصلاة وإنّه
على الناس من كلّ الصلاة لأوجب
هم أهل بيت أذهب الرجس عنهم
وصفّوا من الأدناس طرّا وطيّبوا
هم أهل بيت ما لمن كان مؤمنا
من الناس عنهم بالولاية مذهب
* * *
وقال الجماني :
يا آل حم الذين بحبّهم
حكم الكتاب منزّلاً تنزيلا
كان المديح حلي الملوك وكنتم
حلل المدائح غرّة وحجولا
ص: 232
بيت إذا عدّ المآثر أهله
عدّوا النبي وثانيا جبريلا
قوم إذا اعتدلوا الحمائل أصبحوا
متقسّمين خليفة ورسولا
نشاؤوا بآيات الكتاب فما انثنوا
حتى صدرن كهولة وكهولا
ثقلان لن يتفرّقا أو يطفيا
بالحوض من ظمأ الصدور غليلا
وخليفتان على الأنام بقوله
الحقّ أصدق من تكلّم قيلا
فأتوا أكفّ الآيسين فأصبحوا
ما يعدلون سوى الكتاب عديلا
* * *
وقال ابن المولى الأنصاري :
رهطه واضح برهط أبي القاسم
رهط اليقين والإيمان
هم ذووالنور والهدى وأولوالأمر
وأهل الفرقان والبرهان
معدن الحقّ والنبوّة والعدل
إذا ما تنازع الخصمان
* * *
وقال عبد المحسن(1) :
فهم عدّتي لوفائي هم
نجاتي هم الفوز للفائزينا
هم مورد الحوض للواردين
هم عروة الدين للواثقينا
هم عون من طلب الصالحات
فكم لمحبّهم مستعينا
ص: 233
هم حجّة اللّه في أرضه
وإن جحدوا الحجّة الجاحدونا
هم عروة الدين للواثقينا
هم الناطقون هم الصادقونا
هم وارثون علوم الرسل
فما بالهم لهم وارثونا
* * *
ص: 234
ص: 235
ص: 236
اسمه : محمد .
وكنيته : أبو جعفر ، لا غير .
ولقبه : باقر العلم ، والشاكر للّه ، والهادي ، والأمين(1) ، والشبيه ، لأنّه كان يشبه رسول اللّه (2) صلى الله عليه و آله .
وكان ربع القامة ، دقيق البشرة ، جعد الشعر ، أسمر ، له خال على خدّه ، وخال أحمر في جسده ، ضامر الكشح ، حسن الصوت ، مطرق الرأس .
أمّه : فاطمة - أمّ عبد اللّه - بنت الحسن عليه السلام ، ويقال : أمّه أم عبده بنت الحسن بن علي عليه السلام(3) .
ص: 237
ولد بالمدينة يوم الثلاثاء ، - وقيل : يوم الجمعة - ، غرّة رجب ، وقيل : الثالث من صفر سنة سبع وخمسين من الهجرة(1) .
وقبض بها في ذي الحجّة ، ويقال : في شهر ربيع الآخر سنة أربع عشرة ومائة . وله يومئذٍ سبع وخمسون سنة مثل عمر أبيه وجدّه(2) .
وأقام مع جدّه الحسين عليه السلام ثلاث سنين ، أو أربع سنين ، ومع أبيه علي عليه السلام أربعا وثلاثين سنة وعشرة أشهر ، أو تسعا وثلاثين سنة ، وبعد أبيه تسع عشرة سنة ، وقيل : ثماني عشرة ، وذلك أيّام(3) إمامته(4) .
وكان في سنيّ إمامته ملك الوليد بن يزيد ، وسليمان ، وعمر بن عبد العزيز ، ويزيد بن عبد الملك ، وهشام(5) - أخوه - ، والوليد بن يزيد ، وإبراهيم - أخوه - ، وفي أوّل ملك إبراهيم قبض(6) .
وقال أبو جعفر بن بابويه : سمّه إبراهيم بن الوليد بن يزيد(7) .
وقبره ببقيع الغرقد(8) .
ص: 238
أولاده سبعة : جعفر عليه السلام الإمام - وكان يكنّى به - ، وعبد اللّه الأفطح منأمّ فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وعبد اللّه وإبراهيم من أمّ حكيم بنت أسد الثقفية ، وعلي وأمّ سلمة وزينب من أمّ ولد .
ويقال : زينب لأمّ ولد أخرى .
ويقال : له ابنة واحدة - وهي أمّ سلمة - .
ومن أصحابه : حمران بن أعين الشيباني ، وإخوته : بكر ، وعبد الملك ، وعبد الرحمن ، ومحمد بن إسماعيل بن بزيغ ، وعبد اللّه بن ميمون القدّاح ،ومحمد بن مروان الكوفي - من ولد أبي الأسود - ، وإسماعيل بن الفضل الهاشمي - من ولد نوفل بن الحارث - ، وأبو هارون المكفوف ، وطريف بن ناصح - بيّاع الأكفان - ، وسعيد بن طريف الإسكاف الدؤلي ، وإسماعيل بن جابر الخثعمي الكوفي ، وعقبة بن بشير الأسدي ، وأسلم المكّي - مولى ابن الحنفية - ، وأبو بصير ليث بن البختري المرادي ، والكميت بن زيد الأسدي ، وناجية بن عمّار الصيداوي ، ومعاذ بن مسلم الفراء النحوي ، وكثير الرجال(1)(2) .
ومن رواة النصّ عليه من أبيه : إسماعيل بن محمد بن عبد اللّه بن علي بن الحسين ، وزيد بن علي عليه السلام ، وعيسى عن جدّه ، والحسين بن أبي العلاء(3) .
ص: 240
ولمّا حضرت زين العابدين عليه السلام الوفاة ، قال : يا محمد ، احمل هذا الصندوق . فلمّا توفّي جاء إخوته يدّعون فيه ، فقال الباقر عليه السلام : واللّه ، ما لكم فيه شيء ، ولو كان لكم شيء لما دفعه إليّ - وكان في الصندوق سلاح رسول اللّه (1) صلى الله عليه و آله - .
والذي يدلّ على إمامته : ما ثبت من وجوب الإمامة ، وكون الإمام معصوما ومنصوصا عليه ، وأنّ الحقّ لا يخرج من بين الأمّة(2) .
وفي النكت : إنّ الأصول خمسة ، والأشباح خمسة ، والصلوات خمس ، والعبادات خمس ، والحمد خمس ، والأصابع خمس ، والأسابيع خمسة ، والحواسّ خمسة ، وعلم التصريف مبنيّ على خمس : زيادة وحذف وتغيير بحركة وسكون وإبدال وإدغام ، والباقر عليه السلام خامس الأئمّة عليهم السلام .
وميزان محمد الباقر في الحساب هو : جواد زاهد معصوم ، لاستوائهما في أربعمائة وستّ وعشرين .
ص: 241
قال أبو نواس :
فهو الذي قدّم اللّه العلي له
أن لا يكون له في فضله ثان
فهو الذي امتحن اللّه القلوب به
عمّا تجمجمن(1) من كفر وإيمان
وإنّ قوما رجوا إبطال حقّكم
أمسوا من اللّه في سخط وعصيان
لن يدفعوا حقّكم إلاّ بدفعهم
ما أنزل اللّه من آي وقرآن
فقلّدوها لأهل البيت إنّهم
صنو النبي وأنتم غير صنوان
* * *
وقال منصور :
وما أخل وصيّ الأوصياء به
محمد بن علي نوره الصدع
ذرّية بعضها من بعضٍ اصطنعت
فالحقّ ما صنعوا والحقّ ما شرعوا
يا ابن الأئمّة من بعد النبي ويا
بن الأوصياء أقرّ الناس أم دفعوا
إنّ الخلافة كانت إرث والدكم
من دون تيم وعفو اللّه متّسع
* * *
وقال أبو هريرة :
أبا جعفر أنت الإمام أحبّه
وأرضى الذي ترضى به وأتابع
أتانا رجال يحملون عليكم
أحاديث قد ضافت بهنّ الأضالع
* * *
وقال الحميري :
وإذا وصلت بحبل آل محمد
حبل المودّة منك فابلغ وازدد
ص: 242
بمطهّر لمطهّرين أبوة
نالوا العلى ومكارم لم تنفد
أهل التقى وذوي النهى وأولي العلى
والناطقين عن الحديث المسند
الصائمين القائمين القانتين
العائفين بني الحجى والسؤدد
الراكعين الساجدين الحامدين
السابقين إلى صلاة المسجد
القانتين الراتقين السابحين
العابدين إلههم بتودّد
الواهبين المانعين القادرين
القاهرين لحاسد المتحسّد
* * *
وله أيضا :
جعلت آل الرسول لي سببا
أرجو نجاتي به من العطب
على مَ ألحى على مودّة من
جعلتهم عدّة لمنقلبي
لو لم أكن قائلاً بحبّهم
أشفقت من بغضهم على نسبي
* * *
وقال ابن حمّاد :
يا آل طه حبّكم لم يزل
فرضا علينا واجبا لازما
من لقي اللّه بلا حبّكم
خلّده اللّه لظى راغما
خاب ولو صلّى على رأسه
وقطّع الدهر معا صائما
من مثلكم واللّه لولاكم
لما برا حوّا ولا آدما
شرّفكم في الخلق حتى لقد
صيّر جبريل لكم خادما
* * *
ص: 243
وله أيضا :
آل النبي الذي ترجى شفاعته
يوم القيامة والنيران تشتعل
يوم الجزاء وما قدّمت من عمل
على محبّة أهل البيت متّكل
هم الشموس بها الأقمار مشرقة
هم البدور منيرات وقد كملوا
هم البحار بها الأمواج طامية
والناس محتاج ماء ما لهم نهل
الأسد إن ركبوا والدرّ إن خطبوا
والشرك قد غلبوا والوحي قد نقلوا
لولاهم لم يكن شمس ولا قمر
ولا سماء ولا سهل ولا جبل
* * *
وقال ابن رزيك :
يا عروة الدين المتين
وبحر علم العارفينا
يا قبلة للأولياء
وكعبة للطائفينا
من أهل بيت لم يزالوا
في البريّة محسنينا
التائبين العابدين
الصائمين القائمينا
العالمين الحافظين
الراكعين الساجدينا
يا من إذا نام الورى
باتوا قياما ساهرينا
* * *
ص: 244
ص: 246
ص: 247
ص: 248
الحمد للّه الذي لم يزل عزيرا ، ولا يزال منيعا ، الرحمن الذي كان لدعاء المضطرّ مجيبا سميعا ، الرحيم الذي ستر على العاصي قولاً قبيحا وفعلاً شنيعا ، أقنى العبد عاصيا كان أو مطيعا ، وبذكره شرّف عباده شريفا كان أو وضيعا ، فنصب لأجلنا محمدا صلى الله عليه و آله شفيعا ، وأعطاه منزلاً رفيعا ، وأنزل عليه كتابا كريما وإماما بديعا ، وأمر بالاعتصام به وبآله فقال : « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً » .
أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام : نحن واللّه الذي قال : « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً »(1) .
أبو الصباح الكناني ، قال : نظر الباقر عليه السلام إلى الصادق عليه السلام فقال :
ص: 249
هذا - واللّه - من الذين قال اللّه : « وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ »(1) ، الآية .
الصادق عليه السلام في قوله : « هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ » : نحن الذين يعلمون ، وعدوّنا الذين لا يعلمون ، وشيعتنا أولوا الألباب(2) .
رواه سعد والنضر بن سويد عن جابر عن أبي جعفر(3) عليه السلام .
عمّار بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله : « إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لأُِولِي النُّهى » ، فقلت : ما معنى ذلك ؟
قال : ما أخبر اللّه - عزّ وجلّ - به رسوله صلى الله عليه و آله ممّا يكون من بعده - يعني
ص: 250
أمر الخلافة - ، وكان ذلك كما أخبر اللّه رسوله صلى الله عليه و آله ، وكما أخبر رسوله صلى الله عليه و آله عليّا عليه السلام ، وكما انتهى إلينا من علي عليه السلام ممّا يكون بعده من الملك .
ثمّ قال - بعد كلام - : نحن الذين انتهى إلينا علم ذلك كلّه ، ونحن قوّام اللّه على خلقه ، وخزنة علم دينه(1) . . الخبر .
يحيى بن عبد اللّه بن الحسن عن الصادق عليه السلام : « وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا » ، الآية ، قال : نحن هم .
أبو حمزة عن الباقر عليه السلام ، وضريس الكناسي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى : « كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ » ، قال : نحن الوجه الذي يؤتى اللّه
منه(2) .
وعن أبي عبد اللّه عليه السلام : في قوله تعالى : « حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِْيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي
ص: 251
قُلُوبِكُمْ » يعني أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ، « وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَوَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ » بغضنا لمن خالف رسول اللّه صلى الله عليه و آله وخالفنا(1) .
تفسير العيّاشي بإسناده عن أبي الصباح الكناني : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : نحن قوم فرض اللّه طاعتنا ، لنا الأنفال ، ولنا صفو المال ، ونحن الراسخون في العلم ، ونحن المحسودون الذين قال اللّه في كتابه : « أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ »(2) .
كتاب ابن عقدة : قال الصادق عليه السلام للحصين بن عبد الرحمن : يا حصين ، لا تستصغر مودّتنا ، فإنّها من الباقيات الصالحات ، قال : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ما أستصغرها ، ولكن أحمد اللّه عليها(3) .
تفسير علي بن إبراهيم : قال الصادق عليه السلام في قوله « إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ
ص: 252
لِلْمُتَوَسِّمِينَ » : نحن المتوسّمون ، والسبيل فينا مقيم ، والسبيل طريق الجنّة(1) .
وروى هذا المعنى بيّاع الزطّي ، وأسباط بن سالم ، وعبد اللّه بن سليمان عن الصادق(2) عليه السلام .
ورواه محمد بن مسلم وجابر عن الباقر عليه السلام .
وسأله داود : هل تعرفون محبّيكم من مبغضيكم ؟ قال : نعم يا داود ، لا يأتينا مَن يبغضنا إلاّ نجد بين عينيه مكتوبا : « كافر » ، ولا من محبّينا إلاّ نجد بين عينيه : « مؤمن » ، وذلك قول اللّه تعالى : « إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ » ، فنحن المتوسّمون يا داود(3) .
قرأ أبو عبد اللّه عليه السلام قوله : « وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً » ، ثمّ أومأ إلى صدره فقال : نحن - واللّه - ذرّية رسول اللّه (4) صلى الله عليه و آله .
أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الموسوي : قال الصادق عليه السلام : نحن - واللّه - الشجرة المنهي عنها .
ص: 253
وبيان مقاله عليه السلام :
إنّه لمّا أمر اللّه الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام ، فسجدت الملائكة والنجموالشجر والحجر والمدر ، فلمّا نظر إبليس أن لا يسجد الأشباح ، وأنّ اللّه نزّهها أن نسجد إلاّ له ، امتنع من السجود ؛ فنودي « أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ » ؟
فالخطاب يدلّ على ماضٍ ؛ لأنّ المعقول يدلّ على أنّ الأرض لم يكن فيها خلق عالٍ ، فيقاس(1) به إبليس في السجود ، فيكون مستأنفا منه العالون على جميع خلقه ، فحسده إبليس .
وسأل آدم عليه السلام : مَن هؤلاء الذين أكرمتهم عليّ ؟ قال : خلق من أجلهم خلقتك ، ولولاهم ما خلقت الجنّ والإنس ، فقال : يا ربّ أفمن ذرّيتي أم من غيرها ، فنودي : بل من ذريّتك .
إنّ المفهوم من اللغة : هم « الكلمة الطيّبة » التي مثّلهم اللّه بها ، ونهى آدم عليه السلام عنها ، ولا يجوز أن تكون الكلمة في نبي للمثل لقوله(2) « فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ » ، جمع شجرة ، كما أنّ الكلام جمع كلمة ، فلمّا أن هبط آدم عليه السلام استوحش ، فألهمه اللّه الكلمات فتلقّاها ، فتاب عليه(3) .
ص: 254
وممّا يدلّ على إمامته : اعتبار العصمة والقطع عليها ، وزيد بن علي لميكن مقطوعا على عصمته ، ولا منصوصا عليه(1) .
ويستدلّ أيضا بأنّ الإمام يجب أن يكون عالما بجميع أحكام الشريعة ، ولا خلاف في أنّ كلّ من يدّعى له الإمامة لم يكن عالما بها ، وثبت من الطريقين المختلفين أنّه منصوص عليه(2) .
واعلم أنّه :
يشتق من اسم الفاعل واسم المفعول ستّة ستّة ، والجهات ستّة ، وعلاّقة الميزان ستّة ، خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام ، وأولوا العزم من الرسل ستّة : آدم(3) ! ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام ، وجبريل سادس أهل العباء ، وقال اللّه تعالى : « وَلا خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سادِسُهُمْ » .
وجعفر الصادق عليه السلام سادس الأئمّة .
ص: 255
جعفر الصادق عليه السلام ميزانه من الحساب : الإمام المطلوب للمؤمنوالمنافق ، لاتّفاقهما في تسع وثمانين وخمسمائة .
قال الحماني :
هم فتية كسيوف الهند طال بهم
على المطاول آباء مناجيد
قوم لماء المعالي في وجوههم
عند التكرّم تصويب وتصعيد
يدعون أحمد إن(1) جدّ الفخار أبا
والعود ينبت في أفنانه العود
والمنعمون إذا ما لم يكن نعم
والرائدون إذا قلّ المواريد
أوفوا من المجد والعلياء في فلك
شمّ قواعدهنّ البأس والجود
سبط الأكفّ إذا شيمت مخايلهم
أسد اللقاء إذا صدّ الصناديد
هم المطاف إذا طافوا بكعبته
فشرّفت بهم منه القواعيد
محسّدون ومن يعقد بحبّهم
حبل المودّة يضحى وهو محسود
* * *
وقال القاضي :
لمثل علاكم ينتهي المجد والفخر
وعند نداكم يخجل الغيث والبحر
وعمر سواكم في الورى مثل يومكم
إذا ما علا قدر ويومكم غمر
ص: 256
ملكتم لا عدوى حكمتم ولا هوى
علمتم ولا دعوى عملتم ولا كبر
أياديكم بيض إذا اسودّ حادث
وأسيافكم حمر وأكنافكم جمر
وذكركم في كلّ شرق ومغرب
على الخلق يتلى مثل ما دينكم شكر
* * *
وقال ابن حمّاد :
صلّى الإله على سلا
لة أحمد أهل الكرم
أولاد فاطم والوصيّ
ونسل خير أب وأم(1)
من كان سلمهم سلم
أو كان حربهم ندم
يرضى الإله إذا رضوا
وبكلّ ما حكموا حكم
أزكى الزكاة ولاؤهم
والمحض منه من النعم
خلق المهيمن نورهم
من قبل أن برأ النسم
من لم يصلهم بالصلاة
فلم يصلّ ولم يصم
اللّه أوجب حقّهم
وعلى العباد به حتم
شرع الهداية إن دجى
ليل الضلالة وادلهمّ
لولاهم ما فاز آدم
بالمتاب ولا رحم
ص: 257
لولا هدايتهم لما
عرف السبيل ولا علم
صلّى الإله عليهم
ما غار نجم أو نجم
* * *
ص: 258
ص: 259
ص: 260
مغيث(1) قال لأبي عبد اللّه عليه السلام - ورآه يضحك في بيته - : جعلت فداك ، لست أدري بأيّهما أنا أشدّ سرورا بجلوسك في بيتي أو بضحكك ؟!
قال : إنّه هدر الحمام الذكر على الأنثى ، فقال : أنت سكني وعرسي ، والجالس على الفراش أحبّ إليّ منك ، فضحكت من قوله(2) .
وهذا المعنى رواه الفضيل بن يسار - في حديث برد الإسكاف - : أنّ الطير قال : يا سكني وعرسي ، ما خلق اللّه خلقا أحبّ إليّ منك(3) ، وما حرصي عليك هذا الحرص إلاّ طمعا أن يرزقني اللّه ولدا منك يحبّون أهل البيت عليهم السلام .
سالم مولى بيّاع الزطّي ، قال : كنّا في حائط لأبي عبد اللّه عليه السلام نتغدّي - أنا ونفر معي - فصاحت العصافير ، فقال : أتدري ما تقول ؟ فقلت : جعلت فداك ، لا - واللّه - ما أدري ما تقول .
ص: 261
فقال : تقول : اللّهم إنّي خلق من خلقك ، لابدّ لنا من رزقك ، اللّهم [ فاطعمنا ] فاسقنا(1) .
داود بن فرقد ، وعبد اللّه بن سنان ، وحفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سمع فاختة تصيح في داره ، فقال : تدرون ما تقول هذه الفاختة؟ قلنا: لا، قال: تقول: فقدتكم فقدتكم، فافقدوها قبل أن تفقدكم(2).
وروى عمر الإصفهاني عنه عليه السلام مثل ذلك في صوت الصلصل(3) .
وروي أنّه عليه السلام قال : يقول الورشان : قدّستم قدّستم(4) .
عبد اللّه بن فرقد ، قال : خرجنا مع أبي عبد اللّه عليه السلام متوجّهين إلى مكّة ، حتى إذا كنّا ب-« سرف » استقبلنا غراب ينعق في وجهه ، فقال : مُت جوعا ، ما تعلم من شيء إلاّ ونحن نعلمه ، إلاّ أنّا أعلم باللّه منك(5) .
ص: 262
كتاب خرق العادات : إنّه دخل عليه عليه السلام قوم من أهل خراسان ، فقال - ابتداءً مِن غير مسألة - : مَن جمع مالاً من مهاوش(1) أذهبه اللّه في نهابر ، فقالوا : جعلنا اللّه فداك ، ما نفهم هذا الكلام ، فقال : از باد آيد بدم شود(2) .
عمّار بن موسى الساباطي ، قال لي عليه السلام : مظ اللّه وكسا ولسحه بساطورا(3) .
قال : فقلت له : ما رأيت نبطيّا أفصح منك بالنبطية ، فقال : يا عمّار ، وبكلّ لسان(4) .
وفي حديث عامر بن علي الجامعي أنّه قال : أتدري ما يقولون على ذبائحهم - يعني اليهود - ؟ قلت : لا .
ص: 263
قال : يقولون : نوح أو دل ادموك يلهزبا يحول عالم أسر قدسوا ومضوا بنواصيهم ونيال استخفضوا(1) .
وعن رجل من أهل دوين : كنت أردت أن أسأله عن بيض ديوك الماء ، فقال : نيابت - يعني البيض - وعانا مينا - يعني ديوك الماء - لا تاحل - يعني لا تأكل -(2) .
المفضّل بن عمر ، قال : كنت أنا وخالد الجواز ونجم الحطيم وسليمان بن خالد على باب الصادق عليه السلام ، فتكلّمنا فيما يتكلّم به أهل الغلوّ .
فخرج علينا الصادق عليه السلام بلا حذاء ولا رداء ، وهو ينتفض ويقول : يا خالد ! يا مفضّل ! يا سليمان ! يا نجم ! لا ، « بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ
بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ »(3) .
وقال صالح بن سهل : كنت أقول في الصادق عليه السلام ما تقول الغلاة ،
ص: 264
فنظر إليّ وقال : ويحك يا صالح ، إنّا - واللّه - عبيد مخلوقون ، لنا ربّ نعبده وإن لم نعبده عذّبنا(1) .
عمر بن يزيد ، قال : كنت عند الصادق عليه السلام -وهو وجع - ، فتفكّرت ما ندري ما يصيبه في مرضه ، ولو سألته عن الإمامة بعده ، قال : فحولّ وجهه إليّ فقال : إنّ الأمر ليس كما تظنّ ، ليس عليّ من وجعي هذا بأس(2) .
وعنه ، قال : قعدت أغمّز رجله - فأردت أن أسأله إلى مَن الأمر بعده - ، فحوّل وجهه إليّ فقال : إذا - واللّه - لا أجيبك(3) .
زياد بن أبي الحلال ، قال : أردت أن أسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عمّا اختلفوا في حديث جابر بن يزيد ، فابتدأني ، فقال : رحم اللّه جابر بن يزيد الجعفي ، فإنّه كان يصدق علينا ، ولعن اللّه المغيرة بن سعيد ، فإنّه كان يكذب علينا(4) .
ص: 265
شهاب بن عبد ربّه ، قال : أتيت أبا عبد اللّه عليه السلام لأسأله مسائل ، فقال : جئت لتسألني عن الجنب يغرف الماء من الجبّ بالكوز فيصيب يده الماء ؟ فقلت : نعم ، فقال : ليس به بأس .ثمّ قال : جئت لتسألني عن الجنب يسهو فيغمس يده في الماء قبل أن يغسلها ؟ قلت : نعم ، قال : إذا لم يكن أصاب يده شيء فليس به بأس .
ثمّ قال : جئت تسألني عن الجنب يغتسل فيقطّر الماء من جسده في الإناء أو ينضح الماء من الأرض فيضمّه في الإناء ؟ قلت : نعم ، قال : ليس بهذا بأس كلّه .
ثمّ قال : خرجت تسألني عن الغدير يكون في جانبه(1) الجيفة ، أيتوضّأ منه أم لا ؟ قلت : نعم ، قال : توضّأ من الجانب الآخر ، إلاّ أن يغلب الماء الريح فينتن(2) .
صفوان بن يحيى : قال جعفر بن محمد بن الأشعث : أتدري ما كان سبب دخولنا في هذا الأمر ؟ إنّ أبا جعفر - يعني أبا الدوانيق - قال لأبي محمد بن الأشعث : يا محمد ، ائتيني رجلاً له عقل يؤدّي عنّي ، فقال له : إنّي أصبته لك ، هذا فلان بن فلان بن مهاجر خالي ، قال : فائتني به .
ص: 266
قال : فأتاه بخاله ، فقال له أبو جعفر : يا ابن مهاجر ، خذ هذا المال فائت المدينة فالق عبد اللّه بن الحسن وجعفر بن محمد وأهل بيتهم ، فقل لهم : إنّي رجل غريب من أهل خراسان ، وبها شيعة من شيعتكم ، وقدوجّهوا إليكم بهذا المال ، فادفع إلى كلّ واحد منهم على هذا الشرط كذا وكذا ، فإذا قبض المال فقل : إنّي رسولٌ وأحبّ أن يكون معي خطوطكم بقبض ما قبضتم منّي ، فأخذ المال ومضى .
فلمّا رجع قال له أبو جعفر : ما وراك ؟ فقال : أتيت القوم وهذه خطوطهم بقبضهم ما خلا جعفر بن محمد عليهماالسلام ، فإنّه أتيته -وهو يصلّي في مسجد الرسول صلى الله عليه و آله - فجلست خلفه ، وقلت : ينصرف فأذكر له ما ذكرت لأصحابه ، فعجّل وانصرف ، فالتفت إليّ فقال : يا هذا ، اتّق اللّه ولا تغرّن أهل بيت محمد صلى الله عليه و آله ، وقل لصاحبك : اتّق اللّه ولا تغرّن(1) أهل بيت محمد صلى الله عليه و آله ، فإنّهم قريبوا العهد بدولة بني مروان ، وكلّهم محتاج ، فقلت : وما ذاك أصلحك اللّه ؟ فقال : ادن منّي ، فدنوت ، فأخبرني بجميع ما جرى بيني وبينك حتى كأنّه كان ثالثنا .
فقال له : يا ابن مهاجر ، اعلم إنّه ليس من أهل بيت نبوّة إلاّ محدّث ، وإنّ جعفر بن محمد عليهماالسلام محدّثنا اليوم .
فكانت هذه الدلالة حتى قلنا بهذه المقالة(2) .
ص: 267
عمّار السجستاني ، قال : دخل عبد اللّه النجاشي على الصادق عليه السلام- وكان زيديا منقطعا إلى عبد اللّه بن الحسن - فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : ما دعاك إلى ما صنعت ، أتذكر يوما مررت على باب قوم ، فسال عليك ميزاب من الدار ، فقلت : إنّه قذر ، فطرحت نفسك في النهر بثيابك - وعليك منشفة - ، فاجتمع عليك الصبيان يضحكون منك ، ويصيحون عليك ؟ قال : فلمّا خرجنا قال : يا عمّار ، هذا صاحبي لا غيره(1) .
عبد اللّه النجاشي ، قال : أصاب جبّة فرو من نضح بول شككت فيه ، فغمزتها في ماء في ليلة باردة ، فلمّا دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام ابتدأني فقال : إنّ البول إذا غسلته بالماء فسد الفراء(2) .
مهزم قال : وقع بيني وبين أمّي كلام ، فأغلظت لها ، فلمّا كان من الغد
ص: 268
صلّيت الغداة وأتيت أبا عبد اللّه عليه السلام ، فدخلت عليه ، فقال لي مبتدءا : يا مهزم ، ما لك ولخالدة ! أغلظت لها البارحة ؟ أما علمت أنّ بطنها منزلاً قد سكنته ، وأنّ حجرها مهدا قد اغترته(1) ، وإنّ ثديها وعاء قد شربته ؟ قلت : بلى ، قال : فلا تغلظ لها(2) .
الحارث بن حصيرة الأزدي ، قال : قدم رجل من أهل الكوفة إلى خراسان ، فدعا الناس إلى ولاية الصادق عليه السلام ، ففرقة أطاعت وأجابت ، وفرقة جحدت وأنكرت ، وفرقة تورّعت ووقفت .
قال : فخرج من كلّ فرقة رجل ، فدخلوا على الصادق عليه السلام ، فقال أحدهم : أصلحك اللّه ، قدم علينا رجل من أهل الكوفة ، فدعا الناس إلى ولايتك وطاعتك ، فأجاب قوم وتورّع قوم ، فقال له : من أيّ الثلاثة أنت ؟ قال : أنا من الفرقة التي ورعوا .
قال : وأين ورعك يوم كذا وكذا مع الجارية ؟! - يعرّض به أنّه كان مع بعض القوم جارية ، فخلا بها ووقع عليها - ، قال : فسكت الرجل(3) .
ص: 269
عبد الرحمن بن كثير ، في خبر طويل : إنّ رجلاً دخل المدينة يسأل عن الإمام ، فدلّوه على عبد اللّه بن الحسن ، فسأله هنيئة ثمّ خرج ، فدلّوه على جعفر بن محمد عليهماالسلام ، فقصده .
فلمّا نظر إليه جعفر عليه السلام قال : يا هذا إنّك كنت مغرى ، فدخلت مدينتناهذه تسأل عن الإمام ، فاستقبلك فئة من ولد الحسن عليه السلام ، فأرشدوك إلى عبد اللّه بن الحسن ، فسألته هنيئة ثمّ خرجت ، فإن شئت أخبرتك عمّا سألته وما ردّ عليك ، ثمّ استقبلك من ولد الحسين عليهماالسلام ، فقالوا لك : يا هذا ، إن رأيت أن تلقى جعفر بن محمد عليهماالسلام فافعل ، فقال : صدقت ، قد كان كما ذكرت ، فقال له : ارجع إلى عبد اللّه بن الحسن فاسأله عن درع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعمامته .
فذهب الرجل فسأله عن درع رسول اللّه صلى الله عليه و آله والعمامة ، فأخذ درعا من كندوج له فلبسها ، فإذا هي سابغة ، فقال : كذا كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يلبس الدرع .
فرجع إلى الصادق عليه السلام فأخبره ، فقال عليه السلام : ما صدق ، ثمّ أخرج خاتما فضرب به الأرض ، فإذا الدرع والعمامة ساقطين من جوف الخاتم ، فلبس أبو عبد اللّه عليه السلام الدرع ، فإذا هي إلى نصف ساقه ، ثمّ تعمّم بالعمامة ، فإذا هي سابغة فنزعها ، ثمّ ردّهما في الفصّ ، ثمّ قال : هكذا كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يلبسها، إنّ هذا ليس ممّا غزل في الأرض ، إنّ خزانة اللّه في «كُن»،
ص: 270
وإنّ خزانة الإمام في خاتمه ، وإنّ اللّه عنده في الدنيا كسكرجة(1) ، وإنّها عند الإمام كصحيفة ، فلو لم يكن الأمر هكذا لم نكن أئمّة ، وكنّا كسائر الناس(2) .
أبو بصير ، قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال : يا أبا محمد ، ما فعل أبو حمزة الثمالي ؟
قلت : خلّفته صالحا .
قال : إذا رجعت إليه فاقرأه منّي السلام واعلمه أنّه يموت يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا ، فكان كما قال(3) .
شهاب بن عبد ربّه : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : كيف بك إذا نعاني إليك محمد بن سليمان ؟
قال : فلا واللّه ما عرفت محمد بن سليمان من هو ، فكنت يوما بالبصرة عند محمد بن سليمان ، وهو والي البصرة ، إذ ألقى إليّ كتابا وقال لي :
ص: 271
يا شهاب ، عظّم اللّه أجرك وأجرنا في إمامك جعفر بن محمد عليهماالسلام .
قال : فذكرت الكلام فخنقتني العبرة(1) .
محمد بن علاء وسعد الإسكاف عن سعد قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام ذات يوم إذ دخل عليه رجل من ولد الأنصار - من أهل الجبل - بهدايا وألطاف ، وكان فيما أهدى إليه جراب فيه قديد وحش ، فنشره أبو عبد اللّه عليه السلام قدّامه ، ثمّ قال : خذ هذا القديد فأطعمه الكلب ، فقال الرجل : ولم ؟ فقال : إنّ القديد ليس بذكيّ ، فقال الرجل : لقد اشتريته من رجل مسلم ، قال : فردّه أبو عبد اللّه عليه السلام في الجراب كما كان .
ثمّ قال للرجل : قم فأدخله البيت فضعه في زاوية البيت ، ففعل ، وقد تكلّم أبو عبد اللّه عليه السلام بكلام لا أعرفه ، ولا أدري ما هو ، فسمع الرجل القديد وهو يقول : يا عبد اللّه ، ليس مثلي يأكله الإمام ، ولا أولاد الأنبياء ، إنّى لست بذكيّ .
فحمل الرجل الجراب حتى مرّ على كلب فألقاه إليه ، فأكله الكلب(2) .
ص: 272
أخطل الكاهلي ، قال أبو عبد اللّه عليه السلام لقرابتي : يا عبد اللّه بن يحيى الكاهلي إذا لقيت السبع فاقرأ في وجهه آية الكرسي وقل له : عزمت عليك بعزيمة اللّه ، وعزيمة محمد صلى الله عليه و آله ، وعزيمة سليمان بن داود ، وعزيمة أمير المؤمنين عليه السلام ، وعزيمة الأئمّة من بعده عليهم السلام ، فإنّه ينصرف عنك .
قال عبد اللّه الكاهلي : فقدمت الكوفة ، فخرجت مع ابن عمّ لي إلىبعض القرى ، فإذا سبع قد اعترض لنا في بعض الطريق ، فقرأت في وجهه ما أمرني به أبو عبد اللّه عليه السلام ، ثمّ قلت : إلاّ تنحّيت عن طريقنا ولا تؤذينا فإنّا لا نؤذيك .
قال : فنظرت إليه ، وقد طأطأ رأسه وأدخل ذنبه بين رجليه ، وتنكّب الطريق راجعا من حيث جاء .
فقال ابن عمّي : ما سمعت كلاما أحسن من كلامك هذا الذي سمعته منك ، فقلت : أيّ شيء سمعت ؟ هذا كلام جعفر بن محمد عليهماالسلام ، فقال : أنا أشهد أنّ جعفر بن محمد عليهماالسلام إمام فرض اللّه طاعته(1) .
سيف بن عميرة عن أبي أسامة الشحّام ، قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : يا زيد ، كم أتى عليك من سنة ؟ قلت : كذا وكذا .
ص: 273
قال : يا أبا أسامة ، جدّد عبادة ، وأحدث توبة .
فبكيت ، فقال لي : ما يبكيك يا زيد ؟ قلت : جعلت فداك ، نعيت إليّ نفسي ! فقال : يا أبا أسامة ، أبشر ، فإنّك معنا ، وأنت من شيعتنا .
ثمّ قال بعد كلام : واللّه ، لكأنّي أنظر إليك وإلى الحارث بن المغيرة البصري في الجنّة في درجة واحدة ، رفيقك ، فأبشر(1) .
شعيب بن ميثم : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : يا شعيب ، أحسن إلى نفسك وصِل قرابتك ، وتعاهد إخوانك ، ولا تستبدّ بالشيء فتقول : ذا لنفسي وعيالي ، إنّ الذي خلقهم هو الذي يرزقهم ، فقلت : نعى - واللّه - إليّ نفسي .
فرجع شعيب ، فواللّه ما لبث إلاّ شهرا حتى مات(2) .
صندل عن سورة بن كليب ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : يا سورة ، كيف حججت العام ؟ قال : استقرضت حجّتي ، واللّه إنّي لأعلم أنّ اللّه سيقضيها
ص: 274
عنّي ، وما كان حجّتي بعد المغفرة إلاّ شوقا إليك وإلى حديثك ، قال : أمّا حجّتك فقد قضاها اللّه ، فأعطيكها من عندي ، ثمّ رفع مصلّى تحته ، فأخرج دنانير ، فعدّ عشرين دينارا ، فقال : هذه حجّتك ، وعدّ عشرين دينارا وقال : هذه معونة لك في حياتك حتى تموت ، قلت : أخبرتني أنّ أجلي قد دنا ! فقال : يا سورة ، أما ترضى أن تكون معنا ؟
فقال صندل : فما لبث إلاّ سبعة أشهر حتى مات(1) .
ابن مسكان عن سليمان بن خالد ، في خبر طويل : إنّه دخل على الصادق عليه السلام آذنه ، وأذن لقوم من أهل البصرة ، فقال عليه السلام : كم عدّتهم ؟ فقال : لا أدري ، فقال : إثنا عشر رجلاً .
فلمّا دخلوا عليه سألوا عن حرب علي عليه السلام وطلحة والزبير وعائشة ؟ قال : وما تريدون بذلك ؟ قالوا : نريد أن نعلم علم ذلك ، قال : إذا تكفرون يا أهل البصرة ، [ قالوا : لا نكفر ] .
فقال : كان علي(2) مؤمنا منذ بعث اللّه نبيه صلى الله عليه و آله إلى أن قبضه إليه ، لم يؤمر عليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله أحدا قطّ ، ولم يكن في سريّة قطّ إلاّ كان أميرها .
ص: 275
وذكر فيه : أنّ طلحة والزبير بايعاه وغدرا به ، وأنّ النبي صلى الله عليه و آله أمره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، فقالوا : [ لأن كان ] هذا عهد من رسول اللّه صلى الله عليه و آله لقد ضلّ القوم جميعا ، فقال عليه السلام : ألم أقل لكم : إنّكم ستكفرون إن أخبرتكم ، أما إنّكم سترجعون إلى أصحابكم من أهل البصرة فتخبرونهم بما أخبرتكم ، فيكفرون أعظم من كفركم ، فكان كما قال(1) .
حسين بن أبي العلاء ، قال : كنت جالسا عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ جاء رجل يشكو امرأته ، فقال : آتيني بها ، فأتاه بها ، فقال : ما لزوجك يشكوك ؟ فقالت : فعل اللّه به وفعل ، قال لها أبو عبد اللّه عليه السلام : أما إنّك إذا ثبتّ على هذا لم تعيشي إلاّ ثلاثة أيّام ، فقالت : واللّه ، ما أبالي أن لا أراه أبدا ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : خذ بيدها فليست تبيت في بيتك أكثر من ثلاثة أيّام .
فلمّا كان اليوم الثالث دخل علينا الرجل ، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : ما فعلت زوجتك ؟ قال : واللّه دفنتها الساعة .
فقلت : جعلت فداك ، ما كان حال هذه المرأة ؟ قال : كانت متعدّية عليه ، فبتر اللّه له عمرها ، وأراحه منها(2) .
ص: 276
أبو بصير : قال موسى بن جعفر عليه السلام : فيما أوصاني به أبي أن قال : يا بنيّ ، إذا أنا متّ فلا يغسّلني أحد غيرك ، فإنّ الإمام لا يغسّله إلاّ إمام ، واعلم أنّ عبد اللّه أخاك سيدعو الناس إلى نفسه ، فدعه ، فإنّ عمره قصير .
فلمّا مضى غسّلته كما أمرني ، وادّعى عبد اللّه الإمامة مكانه ، فكان كما قال أبي عليه السلام ، وما لبث عبد اللّه يسيرا حتى مات(1) .
وروى مثل ذلك الصادق عليه السلام .
وفي حديث علي : إنّه قال الصادق عليه السلام : نعلم أنّك خلّفت في منزلك ثلاثمائة درهم وقلت : إذا رجعت أصرفها ، وأبعث بها إلى محمد بن عبد اللّه الدعبلي .
قال : واللّه ما تركت في بيتي شيئا إلاّ وقد أخبرتني به .
وقال سماعة بن مهران : دخلت على الصادق عليه السلام ، فقال لي مبتدءا : يا سماعة ، ما هذا الذي بينك وبين جمّالك في الطريق ؟ إيّاك أن تكون فاحشا أو صيّاحا .
ص: 277
قال : واللّه لقد كان ذلك ، لأنّه ظلمني ، فنهاني عن مثل ذلك(1) .
معتب ، قال : قرع باب مولاي الصادق عليه السلام ، فخرجت فإذا زيد بن علي عليه السلام ، فقال الصادق عليه السلام لجلسائه : ادخلوا هذا البيت ، وردّوا الباب ، ولا يتكلّم منكم أحد .فلمّا دخل قام إليه فاعتنقا ، وجلسا طويلاً يتشاوران ، ثمّ علا الكلام بينهما ، فقال زيد : دع ذا عنك يا جعفر ! فواللّه ، لئن لم تمدّ يدك حتى أبايعك - أو هذه يدي فبايعني - لأتعبنّك ، ولأكلّفنك ما لا تطيق ، فقد تركت الجهاد ، وأخلدت إلى الخفض ، وأرخيت الستر ، واحتويت على مال الشرق والغرب !! فقال الصادق عليه السلام : يرحمك اللّه يا عمّ ، يغفر لك اللّه يا عمّ ، وزيد يسمعه ويقول : موعدنا « الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ » ! ومضى .
فتكلّم الناس في ذلك ، فقال عليه السلام : مه ، لا تقولوا لعمّي زيد إلاّ خيرا ، رحم اللّه عمّي ، فلو ظفر لوفى .
فلمّا كان في السحر قرع الباب ، ففتحت له الباب ، فدخل يشهق ويبكي ويقول : ارحمني - يا جعفر - يرحمك اللّه ، ارض عنّي - يا جعفر - رضي اللّه عنك ، اغفر لي - يا جعفر - غفر اللّه لك ، فقال الصادق عليه السلام : غفر اللّه لك ورحمك ورضي عنك ، فما الخبر يا عمّ ؟
ص: 278
قال : نمت فرأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله داخلاً عليّ ، وعن يمينه الحسن عليه السلام ، وعن يساره الحسين عليه السلام ، وفاطمة عليهاالسلام خلفه ، وعلي أمامه ، وبيده حربة
تلتهب التهابا - كأنّها نار - وهو يقول : إيها يا زيد ، آذيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله في جعفر ، واللّه لئن لم يرحمك ويغفر لك ويرضى عنك لأرمينّك بهذه الحربة ، فلأضعها بين كتفيك ، ثمّ لأخرجها من صدرك ، فانتبهت فزعا مرعوبا فصرت إليك ، فارحمني يرحمك اللّه .
فقال : رضي اللّه عنك ، وغفر اللّه لك ، أوصني ، فإنّك مقتول مصلوبمحروق بالنار ، فوصّى زيد بعياله وأولاده وقضاء الدين عنه .
أبو بصير : سمعت أبا عبد اللّه يقول - وقد جرى ذكر المعلّى بن خنيس - فقال : يا أبا محمد ، اكتم عليّ ما أقول لك في المعلّى ، قلت : أفعل ، فقال : أما إنّه ما كان ينال درجتنا إلاّ بما كان ينال منه داود بن علي ، قلت : وما الذي يصيبه من داود ؟ قال : يدعو به ، فيأمر به فيضرب عنقه ويصلبه ، وذلك من قابل .
فلمّا كان من قابل ولي داود المدينة ، فدعا المعلّى وسأله عن شيعة أبي عبد اللّه عليه السلام فكتمه ، فقال : أتكتمني ؟ أما إنّك إن كتمتني قتلتك ، فقال المعلّى : بالقتل تهدّدني ؟ واللّه ، لو كانوا تحت قدمي ما رفعت قدمي عنهم ، وإن أنت قتلتني لتسعدني ولتشقينّ .
ص: 279
فلمّا أراد قتله قال المعلّى : أخرجني إلى الناس ، فإنّ لي أشياء كثيرة حتى أشهد بذلك ، فأخرجه إلى السوق .
فلمّا اجتمع الناس قال : أيّها الناس ! اشهدوا أنّ ما تركت من مال عين أو دين أو أمة أو عبد أو دار أو قليل أو كثير فهو لجعفر بن محمد عليهماالسلام ، فقتل(1) .
قال محمد بن محمد الأشعري القمّي في نوادر الحكمة بإسناده عن نباتة الأخمسي ، قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام ، وأنا أريد أن أسأله عن صلاة الليل ونسيت ، فقلت : السلام عليك يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فقال : أجل ، واللّه إنّا ولده ، وما نحن بذي قرابة ، من أتى اللّه بالصلوات الخمس المفروضة لم يسئل عمّا سوى ذلك ، فاكتفيت بذلك(2) .
عروة بن موسى الجعفي : قال عليه السلام يوما ونحن نتحدّث : الساعة انفقأت عين هشام في قبره ، قلنا : ومتى مات ؟ قال : اليوم الثالث ، قال : فحسبنا موته وسألنا عنه ، فكان كذلك(3) .
ص: 280
ابن بابويه القمّي في دلائل الأئمّة ومعجزاتهم : قال أبو بصير : دخلت المدينة وكانت معي جويرية لي فأصبت منها ، ثمّ خرجت إلى الحمّام ، فلقيت أصحابنا الشيعة وهم متوجّهون إلى الصادق عليه السلام ، فخفت أن يسبقوني ويفوتني الدخول عليه ، فمشيت معهم حتى دخلت الدار معهم .
فلمّا مثلت بين يدي أبي عبد اللّه عليه السلام نظر إليّ ثمّ قال : يا أبا بصير ، أماعلمت أنّ بيوت الأنبياء وأولاد الأنبياء لا يدخلها الجنب ؟!
فاستحييت ، وقلت : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّي لقيت أصحابنا ، وخفت أن يفوتني الدخول معهم ، ولن أعود إلى مثلها أبدا(1) .
وفي كتاب الدلالات عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني ، قال أبو بصير : اشتهيت دلالة الإمام ، فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام وأنا جنب ، فقال : يا أبا محمد ، ما كان لك فيما كنت فيه شغل ، تدخل على إمامك وأنت جنب ؟!
فقلت : جعلت فداك ، ما عملته إلاّ عمدا ،
ص: 281
قال : أو لم تؤمن ؟ قلت : « بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي » ، قال : فقم - يا أبا محمد - واغتسل(1) .
مهزم ، قال : كنّا نزولاً بالمدينة ، وكانت جارية لصاحب المنزلتعجبني ، وإنّي أتيت الباب فاستفتحتُ ، ففتحت الجارية ، فغمزت يدها .
فلمّا كان من الغد دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام ، فقال : يا مهزم ، أين أقصى أثرك اليوم ؟
قلت : ما برحت المسجد ، فقال : أما تعلم أنّ أمرنا هذا لا ينال إلاّ بالورع(2) .
في معرفة الرجال : قال عمّار الساباطي : دخل رجل على الصادق عليه السلام ، فقال : ما أقبح بالرجل أن يأتمنه رجل من إخوانه على حرمة من حرمه فيخونه بها(3) .
ص: 282
عبد الرحمن بن سالم عن أبيه ، قال : لمّا قدم أبو عبد اللّه عليه السلام إلى أبي جعفر ، فقال أبو حنيفة لنفر من أصحابه : انطلقوا بنا إلى إمام الرافضة نسأله عن أشياء نحيّره فيها ، فانطلقوا .
فلمّا دخلوا إليه نظر إليه أبو عبد اللّه عليه السلام فقال : أسألك باللّه يا نعمان لما صدقتني عن شيء أسألك عنه ، هل قلت لأصحابك : مرّوا بنا إلى إمام الرافضة فنحيّره ؟ فقال : قد كان ذلك ، قال : فاسأل ما شئت . . القصّة .
أبو العبّاس البقباق : قال تزارى(1) ابن أبي يعفور(2) والمعلّى بن خنيس ، فقال ابن أبي يعفور : الأوصياء علماء أتقياء أبرار ، وقال ابن خنيس : الأوصياء أنبياء .
قال : فدخلا على أبي عبد اللّه عليه السلام ، فلمّا استقرّ مجلسهما قال عليه السلام : أبرأ ممّن قال : إنّا أنبياء(3)(4) .
ص: 283
الشيخ المفيد بإسناده عن داود بن كثير الرقّي قال : كنت جالسا عند أبي عبد اللّه عليه السلام إذ قال لي مبتدئا من قبل نفسه : يا داود ، لقد عرضت عليّ أعمالكم يوم الخميس ، فرأيت فيما عرض عليّ من عملك صلتك لابن عمّك فلان ، فسرّني ذلك ، إنّي علمت صلتك له أسرع لفناء عمره وقطع أجله .
قال داود : وكان لي ابن عمّ ناصبيّا معاندا بلغني عنه وعن عياله سوء
حال ، فصككت له بنفقة قبل خروجي إلى مكّة ، فلمّا صرت إلى المدينة أخبرني أبو عبد اللّه عليه السلام بذلك(1) .
سدير الصيرفي ، قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام ، وقد اجتمع على مالي(2) بيان ، فأحببت دفعه إليه ، وكنت حبست منه دينارا لكي أعلم أقاويل الناس ، فوضعت المال بين يديه ، فقال لي : يا سدير ، خنتنا ولم ترد بخيانتك إيّانا قطيعتنا .
قلت : جعلت فداك ، وما ذلك ؟ قال : أخذت شيئا من حقّنا لتعلم كيف مذهبنا ، قلت : صدقت ، جعلت فداك ، إنّما أردت أن أعلم قول أصحابي !
ص: 284
فقال لي : أما علمت أنّ كلّ ما يحتاج إليه نعلمه ، وعندنا ذلك ، أما سمعت قول اللّه تعالى : « وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ » ؟
اعلم أنّ علم الأنبياء محفوظ في علمنا ، مجتمع عندنا ، وعلمنا من علم الأنبياء ، فأين يذهب بك ؟ قلت : صدقت ، جعلت فداك .
محمد بن محمد بن أبي حمزة في نوادر الحكمة بإسناد له عن أبي بصير قال : دخلت شعيب العقرقوفي على أبي عبد اللّه عليه السلام ، ومعه صرّة فيهادنانير ، فوضعها بين يديه ، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : أزكاة أم صلة ؟ فسكت .
ثمّ قال : [ زكاة وصلة ] ، لا حاجة لنا في الزكاة ، قال : فقبض قبضة فدفعها إليه .
فلمّا خرجت قلت له : كم كانت الزكاة من هذه ؟ قال : بقدر ما أعطاني ، واللّه لم تزد حبّة ولم تنقص حبّة(1) .
شعيب العقرقوفي ، قال : بعث معي رجل بألف درهم وقال : إنّي أحبّ أن أعرف فضل أبي عبد اللّه عليه السلام على أهل بيته ، فقال : خذ خمسة دراهم
ص: 285
مستوقة(1) فاجعلها في الدراهم ، وخذ من الدراهم خمسة فصيّرها في لبنة قميصك ، فإنّك ستعرف ذلك .
قال : فأتيت بها أبا عبد اللّه عليه السلام ، فنثرتها بين يديه ، فأخذ الخمسة ، فقال : خذ خمستك وهات خمستنا(2) .
إبراهيم بن عبد الحميد ، قال : خرجت إلى قبا لأشتري نخلاً ، فلقيته عليه السلام وقد دخل المدينة ، فقال : أين تريد ؟ فقلت : لعلّنا نشتري نخلاً ، فقال : أو أمنتم الجراد ؟ فقلت : لا واللّه لا أشتري نخلة ، فواللّه ما لبثنا إلاّ خمسا حتى
جاء من الجراد ما لم يترك في النخل حملاً(3) .
ابن جمهور القمّي في كتاب الواحدة : إنّ محمد بن عبد اللّه بن الحسن قال لأبي عبد اللّه عليه السلام : واللّه ، إنّي لأعلم منك وأسخى وأشجع !!
فقال له : أمّا ما قلت : أنّك أعلم منّي ، فقد أعتق جدّي وجدّك ألف نسمة من كدّ يده ، فسمّهم لي ، وإن أحببت أن أسمّيهم لك إلى آدم عليه السلام فعلت .
ص: 286
وأمّا ما قلت : أنّك أسخى منّي ، فواللّه ما بتّ ليلة وللّه عليّ حقّ يطالبني به .
وأمّا ما قلت : أنّك أشجع منّي ، فكأنّي أرى رأسك وقد جيء به ووضع على حجر الزنابير يسيل منه الدم إلى موضع كذا وكذا .
قال : فحكي ذلك لأبيه ، فقال : يا بنيّ آجرني اللّه فيك ، إنّ جعفرا عليه السلام أخبرني أنّك صاحب حجر الزنابير(1) .
أبو الفرج الإصفهاني في مقاتل الطالبيين : لمّا بويع محمد بن عبد اللّه بن الحسن على أنّه مهديّ هذه الأمّة جاء أبوه عبد اللّه إلى الصادق عليه السلام- وقد كان ينهاه وزعم أنّه يحسده - ، فضرب الصادق عليه السلام يده على كتف عبد اللّه وقال : إيها ، واللّه ما هي إليك ، ولا إلى ابنك ، وإنّما هي لهذا - يعني السفّاح - ، ثمّ لهذا - يعني المنصور - يقتله على أحجار الزيت ، ثمّ يقتل أخاه بالطفوف ، وقوائم فرسه في الماء .
فتبعه المنصور، فقال: ما قلت يا أبا عبد اللّه؟ فقال: ما سمعته ، وإنّه لكائن.
قال : فحدّثني من سمع المنصور أنّه قال : انصرفت من وقتي فهيّأت أمري ، فكان كما قال(2) .
ص: 287
وروي أنّه لمّا أكبر المنصور أمر ابني عبد اللّه استطلع حالهما منه عليه السلام ، فقال الصادق عليه السلام ما يؤول إليه حالهما ، [ وقال عليه السلام : ] أتلو عليك آية فيها منتهى علمي ، وتلا : « لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَْدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ » ، فخرّ المنصور ساجدا وقال : حسبك أبا عبد اللّه (1) .
ابن كادش العكبري في مقاتل العصابة العلوية كتابة : لمّا بلغ أبا مسلم موت إبراهيم الإمام وجّه بكتبه إلى الحجاز إلى جعفر بن محمد عليه السلام ، وعبد اللّه بن الحسن ، ومحمد بن علي بن الحسين ، يدعو كلّ واحد منهم إلى الخلافة .
فبدأ بجعفر عليه السلام ، فلمّا قرأ الكتاب أحرقه وقال : هذا الجواب ، فأتى عبد اللّه بن الحسن ، فلمّا قرأ الكتاب قال : أنا شيخ ، ولكن ابني محمدا مهديّ هذه الأمّة ، فركب وأتى جعفرا عليه السلام ، فخرج إليه ووضع يده على عنق حماره ، وقال : يا أبا محمد ، ما جاء بك في هذه الساعة ؟ فأخبره ، فقال : لا تفعلوا فإنّ الأمر لم يأت بعد .
فغضب عبد اللّه بن الحسن وقال : لقد علمت خلاف ما تقول ، ولكنّه
ص: 288
يحملك على ذلك الحسد لابني !! فقال : لا - واللّه - ما ذلك يحملني ، ولكن هذا وإخوته وأبناؤه دونك - وضرب بيده على ظهر أبي العبّاس السفّاح - ، ثمّ نهض فاتّبعه عبد الصمد بن علي وأبو جعفر محمد بن علي بن عبد اللّه بن العبّاس ، فقالا له : أتقول ذلك ؟ قال : نعم ، واللّه أقول ذلك وأعلمه(1) .
زكّار بن أبي زكّار الواسطي ، قال : قبّل رجل رأس أبي عبد اللّه عليه السلام ، فمسّ أبو عبد اللّه عليه السلام ثيابه وقال : ما رأيت كاليوم أشدّ بياضا ولا أحسن منها ، فقال : جعلت فداك ، هذه ثياب بلادنا وجئتك منها بخير من هذه ، قال : فقال : يا معتب ، اقبضها منه .
ثمّ خرج الرجل ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : صدق الوصف وقرب الوقت ، هذا صاحب الرايات السود الذي يأتي بها من خراسان .
ثمّ قال : يا معتب ، الحقه فسله ما اسمه ، ثمّ قال : إن كان عبد الرحمن ، فهو - واللّه - هو .
قال : فرجع معتب ، فقال : قال : اسمي عبد الرحمن .
قال : فلمّا ولي ولد العباس نظرت إليه ، فإذا هو عبد الرحمن أبو مسلم(2) .
ص: 289
وفي رامش أفزاي : إنّ أبا مسلم الخلاّل وزير آل محمد صلى الله عليه و آله عرض الخلافة على الصادق عليه السلام قبل وصول الجند إليه ، فأبى ، وأخبره أنّ إبراهيم الإمام لا يصل من الشام إلى العراق ، وهذا الأمر لأخويه الأصغر ثمّ الأكبر ، ويبقى في أولاد أخي(1) الأكبر ، وأنّ أبا مسلم بقي بلا مقصود .
فلمّا أقبلت الرايات كتب أيضا بقوله وأخبره أنّ سبعين ألف مقاتل وصل إلينا فننتظر أمرك ، فقال : إنّ الجواب كما شافهتك .
فكان الأمر كما ذكر ، فبقي إبراهيم الإمام في حبس مروان ، وخطبباسم السفّاح .
وقرأت في بعض التواريخ : لمّا أتى كتاب أبي مسلم(2) الخلاّل إلى الصادق عليه السلام بالليل قرأه ، ثمّ وضعه على المصباح فحرقه ، فقال له الرسول - وظنّ أنّ حرقه له تغطية وستر وصيانة للأمر - : هل من جواب ؟ قال : الجواب ما قد رأيت(3) .
وقال أبو هريرة الأبار ، صاحب الصادق عليه السلام :
ولمّا دعا الداعون مولاي لم يكن
ليثني عليه عزمه بصواب
ولمّا دعوه بالكتاب أجابهم
بحرق الكتاب دون ردّ جواب
وما كان مولاي كمشري ضلالة
ولا ملبسا منها الردى بثواب
ص: 290
ولكنّه للّه في الأرض حجّة
دليل إلى خير وحسن مآب
يا ضيعة الدين ما رأيت جنى
من معدن الوحي والرسالات
كلاّ وربّ الحجيج أنّ لنا
ظهرا ولكنّنا نأبى الضلالات
كيف نعق الورى وأنفسنا
خلقن من أنفس نقيّات
* * *
ص: 291
ص: 292
ص: 293
ص: 294
روى الأعمش ، والربيع ، وابن سنان ، وعلي بن حمزة ، وحسين بن أبي العلاء وأبو المعزا ، وأبو بصير : إنّ داود بن علي بن عبد اللّه بن العبّاس لمّا قتل المعلّى بن خنيس وأخذ ماله قال الصادق عليه السلام : قتلت مولاي وأخذت مالي ؟ أما علمت أنّ الرجل ينام على الثكل ولا ينام على الحرب ؟ أما - واللّه - لأدعونّ اللّه عليك ، فقال له داود : تهدّدنا بدعائك ؟ كالمستهزئ بقوله .
فرجع أبو عبد اللّه عليه السلام إلى داره فلم يزل ليله كلّه قائما وقاعدا ، فبعث إليه داود خمسة من الحرس وقال : ائتوني به ، فإن أبى فائتوني برأسه .
فدخلوا عليه وهو يصلّي فقالوا له : أجب داود ، قال : فإن لم أجب ؟ قالوا : أمرنا بأمر ، قال : فانصرفوا فإنّه خير لكم لدنياكم وآخرتكم .
فأبوا إلاّ خروجه ، فرفع يديه ، فوضعهما على منكبيه ، ثمّ بسطهما ، ثمّ دعا بسبّابته ، فسمعناه يقول : الساعة الساعة ، حتى سمعنا صراخا عاليا(1) ، فقال لهم : إنّ صاحبكم قد مات فانصرفوا .
ص: 295
فسئل ، فقال : بعث إليّ ليضرب عنقي ، فدعوت عليه بالاسم الأعظم ، فبعث اللّه إليه ملكا بحربة ، فطعنه في مذاكيره ، فقتله(1) .
وفي رواية لبانة(2) بنت عبد اللّه بن العبّاس : بات داود تلك الليلة حائرا قد أغمي عليه ، فقمت أفتقده في الليل ، فوجدته مستلقيا على قفاه وثعبان قد انطوى على صدره وجعل فاه على فيه ، فأدخلت يدي في كمّي ، فتناولته ، فعطف فاه إليّ ، فرميت به ، فانساب في ناحية البيت ، وأنبهت داود ، فوجدته حائرا قد احمرّت عيناه ، فكرهت أن أخبره بما كان وجزعت عليه ، ثمّ انصرفت فوجدت ذلك الثعبان كذلك ، ففعلت به مثل الذي في المرّة الأولى ، وحرّكت داود فأصبته ميّتا ، فما رفع جعفر عليه السلام رأسه من السجود حتى سمع الواعية(3) .
قال الربيع الحاجب : أخبرت الصادق عليه السلام بقول المنصور : لأقتلنّك ولأقتلنّ أهلك حتى لا أبقي على الأرض منكم قامة سوط، ولأخربنّ المدينة حتى لا أترك فيها جدارا قائما ، فقال : لا ترع من كلامه ، ودعه في طغيانه .
ص: 296
فلمّا صار بين السترين سمعت المنصور يقول : أدخلوه إليّ سريعا ،فأدخلته عليه ، فقال : مرحبا يا ابن العمّ النسيب ، وبالسيّد القريب ، ثمّ أخذ بيده وأجلسه على سريره ، وأقبل عليه ، ثمّ قال : أتدري لم بعثت إليك ؟ فقال : وأنّى لي علم بالغيب ؟ قال : أرسلت إليك لتفرّق هذه الدنانير في أهلك ، وهي عشرة آلاف دينار ، فقال : ولها غيري ؟ فقال : أقسمت عليك - يا أبا عبد اللّه - لتفرّقها على فقراء أهلك ، ثمّ عانقه بيده ، وأجازه وخلع عليه ، وقال : يا ربيع ، اصحبه قوما يردّونه إلى المدينة .
قال : فلمّا خرج أبو عبد اللّه عليه السلام قلت له : يا أمير المؤمنين ، لقد كنت من أشدّ الناس عليه غيظا ، فما الذي أرضاك عنه ؟! قال : يا ربيع لمّا حضرت الباب رأيت تنّينا عظيما يقرض أنيابه وهو يقول بألسنة الآدميّين : إن أنت أشكت(1) ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لأفصلنّ لحمك من عظمك ، فأفزعني
ذلك وفعلت به ما رأيت .
وفي الترهيب والترغيب عن أبي القاسم الإصفهاني ، والعقد عن ابن عبد ربّه الأندلسي : إنّ المنصور قال - لمّا رآه - : قتلني اللّه إن لم أقتلك .
فقال له : إنّ سليمان أعطي فشكر ، وإنّ أيّوب ابتلي فصبر ، وإنّ يوسف ظلم فغفر ، وأنت على إرث منهم ، وأحقّ بمن تأسّى بهم ، فقال : إليّ يا أبا عبد اللّه ، فأنت القرابة وذو الرحم الواشجة ، السليم الناحية ، القليل الغائلة ، ثمّ صافحه بيمينه ، وعانقه بشماله ، وأمر له بكسوة وجائزة(2) .
ص: 297
وفي خبر آخر عن الربيع : إنّه أجلسه إلى جانبه ، فقال له : ارفعحوائجك ، فأخرج رقاعا لأقوام ، فقال المنصور : ارفع حوائجك في نفسك ، فقال : لا تدعونّي حتى أجيبك ، فقال : ما إلى ذلك من سبيل(1) .
إسحاق وإسماعيل ويونس بنو عمّار : إنّه استحال وجه يونس إلى البياض ، فنظر الصادق عليه السلام إلى جبهته ، فصلّى ركعتين ، ثمّ حمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على النبي وآله ، ثمّ قال : يا اللّه يا اللّه يا اللّه ، يا رحمن يا رحمن يا رحمن ، يا رحيم يا رحيم يا أرحم الراحمين ، يا سميع الدعوات يا معطي الخيرات صلّ على محمد وعلى أهل بيته الطاهرين الطيّبين ، واصرف عنّي شرّ الدنيا وشرّ الآخرة ، وأذهب عنّي ما بي فقد غاضني ذلك وأحزنني .
قال : فواللّه ما خرجنا من المدينة حتى تناثر عن وجهه مثل النخالة وذهب .
قال الحكيم بن مسكين : ورأيت البياض بوجهه ، ثمّ انصرف وليس في وجهه شيء .
أمالي الطوسي بإسناده عن سدير الصيرفي قال : جاءت امرأة إلى أبي
ص: 298
عبد اللّه عليه السلام ، فقالت : جعلت فداك ، إنّ أبي وأمّي وأهل بيتي يتولّونكم ،فقال لها : صدقت ، فما الذي تريدين ؟ قالت : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أصابني وضح في عضدي ، فادع اللّه لي أن يذهب به عنّي .
قال أبو عبد اللّه عليه السلام : اللّهمّ إنّك تبرئ الأكمه والأبرص ، وتحيي العظام وهي رميم ، ألبسها عفوك وعافيتك ما ترى أثر إجابة دعائي .
فقالت المرأة : واللّه قمت وما بي منه لا قليل ولا كثير(1) .
معاوية بن وهب : صدع ابن لرجل من أهل مرو ، فشكا ذلك الى أبي عبد اللّه عليه السلام ، فقال : ادنه منّي .
قال : فمسح على رأسه ، ثمّ قال : « إِنَّ اللّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالأَْرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ » ، فبرأ بإذن اللّه (2) .
الكلوذاني في الأمالي ، وعمر الملاّ في الوسيلة : جاء في حديث الليث بن سعد : أنّه رأى رجلاً جالسا على أبي قبيس وهو يقول : يا ربّ يا ربّ ، حتى انقطع نفسه ، ثمّ قال : يا أرحم الراحمين ، حتى انقطع نفسه ، ثمّ
ص: 299
قال : يا ربّاه يا ربّاه ، حتى انقطع نفسه ، ثمّ قال : يا اللّه يا اللّه ، حتى انقطعنفسه ، ثمّ قال : يا حيّ يا حيّ ، حتى انقطع نفسه ، ثمّ قال : يا رحيم يا رحيم ، حتى انقطع نفسه ، ثمّ قال : يا أرحم الراحمين ، حتى انقطع نفسه - سبع مرّات - ، ثمّ قال : اللّهمّ إنّي أشتهي من هذا العنب فأطعمنيه ، اللّهمّ وإنّ بُرديّ قد خلقا فاكسني .
قال الليث : فواللّه ما استتمّ كلامه حتى نظرت إلى سلّة مملوءة عنبا - وليس على وجه الأرض يومئذٍ عنبة - وبردين مصبوغين ، فقربت منه وأكلت معه ، ولبس البردين ، ثمّ نزلنا فلقي فقيرا فأعطاه برديه الخلقين ، ثمّ انصرف ، فسألت عنه ، فقيل : هذا جعفر الصادق(1) عليه السلام .
هشام بن الحكم ، قال : كان رجل من ملوك أهل الجبل يأتي الصادق عليه السلام في حجّة كلّ سنة ، فينزله أبو عبد اللّه عليه السلام في دار من دوره في المدينة ، وطال حجّه ونزوله ، فأعطى أبا عبد اللّه عليه السلام عشرة آلاف درهم ليشتري له دارا ، وخرج إلى الحجّ .
فلمّا انصرف قال : جعلت فداك اشتريت لي الدار ؟ قال : نعم ، وأتى بصكّ فيه :
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، هذا ما اشترى جعفر بن محمد عليهماالسلام لفلان بن
ص: 300
فلان الجبلي له دار في الفردوس ، حدّها الأوّل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والحدّالثاني أمير المؤمنين عليه السلام ، والحدّ الثالث الحسن بن علي عليهماالسلام ، والحدّ الرابع الحسين بن علي عليهماالسلام .
فلمّا قرأ الرجل ذلك قال : قد رضيت جعلني اللّه فداك .
قال : فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : إنّي أخذت ذلك المال ففرّقته في ولد الحسن والحسين عليهماالسلام ، وأرجو أن يتقبّل اللّه ذلك ويثيبك به الجنّة .
قال : فانصرف الرجل إلى منزله وكان الصكّ معه ، ثمّ اعتلّ علّة الموت ، فلمّا حضرته الوفاة جمع أهله وحلّفهم أن يجعلوا الصكّ معه ، ففعلوا ذلك .
فلمّا أصبح القوم غدوا إلى قبره ، فوجدوا الصكّ على ظهر القبر مكتوب عليه : وفى وليّ اللّه جعفر بن محمد عليهماالسلام(1) .
يحيى بن إبراهيم بن مهاجر ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : فلان يقرأ عليك السلام وفلان وفلان ، فقال : وعليهم السلام ، قلت : يسألونك الدعاء ، فقال : مالهم ؟ قلت : حبسهم أبو جعفر المنصور ، فقال : وما لهم وما له ؟ قلت : استعملهم فحبسهم ، فقال : وما لهم وما له ؟ ألم أنههم ؟ ألم أنههم ؟ [ ألم أنههم ؟ ] ، هم النار ، هم النار ، [ هم النار ] ، ثمّ قال : اللّهم اخدع عنهم سلطانه .
قال : فانصرفنا ، فإذا هم قد أخرجوا(1) .
وفي الدلالات : حنّان ، قال : حبس أبو جعفر عبد الحميد في المطبق(2) زمانا ، وكان صديقا لمحمد بن عبد اللّه ، ثمّ إنّه وافى الموسم .
فلمّا كان يوم عرفة لقيه الصادق عليه السلام في الموقف ، فقال لمحمد بن عبد اللّه : يا محمد ، ما فعل صديقك عبد الحميد ؟ قال : أخذه أبو جعفر فحبس في المطبق زمانا .
قال : فرفع الصادق عليه السلام يده ساعة ، ثمّ التفت إلى محمد بن عبد اللّه وقال : يا محمد بن عبد اللّه ، قد واللّه خلّي سبيل خليلك .
ص: 302
قال محمد : فسألت عبد الحميد : أيّ ساعة خلاّك أبو جعفر ؟ قال : يومعرفة بعد صلاة العصر(1) .
وبلغ الصادق عليه السلام قول الحكيم بن العبّاس الكلبي :
صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة
ولم أر مهديّا على الجذع يصلب
وقستم بعثمان عليّا سفاهة
وعثمان خير من علي وأطيب
* * *
فرفع الصادق عليه السلام يده إلى السماء - وهما يرعشان - فقال : اللّهمّ إن كان عبدك كاذبا فسلّط عليه كلبك .
فبعثه بنو أميّة إلى الكوفة ، فبينما هو يدور في سككها إذ افترسه الأسد ، واتّصل خبره بجعفر عليه السلام ، فخرّ للّه ساجدا ، ثمّ قال : الحمد للّه الذي أنجزنا وعدنا(2) .
قال الحسن بن محمد بن المتجعفر :
فأنت السلالة من هاشم
وأنت المهذّب والأطهر
ومن جدّه في العلى شامخ
ومن فخره الأعظم الأفخر
ص: 303
ومن أهله خير هذا الورى
ومن لهم البيت والمنبر
ومن لهم الزمزم والصفا
ومن لهم الركن والمشعر
ومن شرعوا الدين في العالمين
فأنوارهم أبدا تزهر
ومن لهم الحوض يوم المقام
ومن لهم النشر والمحشر
وأنتم كنوز لأشياعكم
وإنّكم الصفو والجوهر
وإنّكم الغرر الطاهرون
وإنّكم الذهب الأحمر
وسيّد أيّامنا جعفر
وحسبك من سيّد جعفر
* * *
ص: 304
ص: 305
ص: 306
سدير الصيرفي ، قال : كنت مع الصادق عليه السلام في عرفات فرأيت الحجيج وسمعت الضجيج، فتوسّمت وقلت في نفسي : أترى هؤلاء كلّهم على الضلال؟
فناداني الصادق عليه السلام ، فقال : تأمّل ، فتأمّلتهم ، فإذا هم قردة وخنازير(1) .
قال ابن حمّاد :
لمَ لم يسمعوا مقال سدير
وهو في قوله سديد رشيد
كنت مع جعفر لدى عرفات
ولجمع الحجيج عجّ شديد
فتوسّمت ثمّ قلت ترى ضلّ
عن اللّه جمع هذا الجنود
فانثنى سيّدي عليّ وناداني
تأمّل ترى الذي قد تريد
فتأمّلتهم إذا هم خنازير
بلا شكّ كلّهم وقرود
* * *
الحسين بن محمد ، قال : سخط علي بن هبيرة على رفيد ، فعاذ بأبي
ص: 307
عبد اللّه عليه السلام ، فقال له : انصرف إليه واقرأه منّي السلام وقل له : إنّي أجرت عليك مولاك رفيدا فلا تهجه بسوء ، فقال : جعلت فداك ، شاميّ خبيث الرأي ، فقال : اذهب إليه كما أقول لك .
قال : فاستقبلني أعرابي ببعض البوادي ، فقال : أين تذهب ؟ إنّي أرى وجه مقتول ، ثمّ قال لي : اخرج يدك ، ففعلت ، فقال : يد مقتول ، ثمّ قال لي : اخرج لسانك ، ففعلت ، فقال : امض فلا بأس عليك ، فإنّ في لسانك رسالة لو أتيت بها الجبال الرواسي لانقادت لك .
فقال : فجئت فلمّا دخلت عليه أمر بقتلي ، فقلت : أيّها الأمير لم تظفر بي عنوة ، وإنّما جئتك من ذات نفسي ، وها هنا أمر أذكره لك ، ثمّ أنت وشأنك ، فأمر من حضر فخرجوا ، فقلت له : مولاك جعفر بن محمد عليهماالسلام يقرؤك السلام ويقول لك : قد أجرت عليك مولاك رفيدا ، فلا تهجه بسوء ، فقال : اللّه لقد قال لك جعفر عليه السلام هذه المقالة ، وأقرأني السلام ؟ فحلفت ، فردّها عليّ ثلاثا ، ثمّ حلّ كتافي .
ثمّ قال : لا يقنعني منك حتى تفعل بي ما فعلت بك ، قلت : ما تكتف يدي يديك ولا تطيب نفسي ، فقال : واللّه لا يقنعني إلاّ ذاك ، ففعلت كما فعل وأطلقته ، فناولني خاتمه وقال : أمري في يدك ، فدبّر فيها ما شئت(1) .
التمس محمد بن سعيد من الصادق عليه السلام رقعة إلى محمد بن أبي [ حمزة ]
ص: 308
الثمالي(1) في تأخير خراجه ، فقال عليه السلام : قل له : سمعت جعفر بن محمد
عليهماالسلام يقول : من أكرم لنا مواليا فبكرامة اللّه بدأ ، ومن أهانه فلسخط اللّه تعرّض ، ومن أحسن إلى شيعتنا فقد أحسن إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، ومن أحسن إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقد أحسن إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ومن أحسن إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقد أحسن إلى اللّه ، ومن أحسن إلى اللّه كان - واللّه - معنا في الرفيع الأعلى .
قال : فأتيته وذكرته ، فقال : باللّه سمعت هذا الحديث من الصادق عليه السلام ؟ فقلت : نعم ، فقال : اجلس ، ثمّ قال : يا غلام ، ما على محمد بن سعيد من الخراج ؟ قال : ستّون ألف درهم ، قال : امح اسمه من الديوان ، وأعطاني بدرة وجارية وبغلة بسرجها ولجامها .
قال : فأتيت أبا عبد اللّه عليه السلام ، فلمّا نظر إليّ تبسّم ، فقال : يا أبا محمد ، تحدّثني أو أحدّثك ؟ فقلت : يا ابن رسول اللّه ، منك أحسن ، فحدّثني - واللّه - الحديث كأنّه حضر معي .
وأنبأني الطبرسي في إعلام الورى : قال الشقران مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله : خرج العطاء أيّام أبي جعفر وما لي شفيع ، فبقيت على الباب متحيّرا ،
ص: 309
وإذا أنا بجعفر الصادق عليه السلام ، فقمت إليه فقلت له : جعلني اللّه فداك ، أنا مولاك الشقران ، فرحّب بي ، وذكرت له حاجتي ، فنزل ودخل وخرج وأعطاني من كمّه فصبّه في كمّي .
ثمّ قال : يا شقران ، إنّ الحسن من كلّ أحد حسن ، وإنّه منك أحسن ، لمكانك منّا ، وإنّ القبيح من كلّ أحد قبيح ، وإنّه منك أقبح .
وعظه على جهة التعريض ، لأنّه كان يشرب(1) .
محمد بن الفيض عن أبي عبد اللّه عليه السلام . . . قال أبو جعفر الدوانيق للصادق عليه السلام : تدري ما هذا ؟ قال : وما هو ؟ قال : جبل هناك يقطر منه في السنة قطرات فتجمد ، فهو جيّد للبياض يكون في العين يكحل به فيذهب بإذن اللّه .
قال : نعم ، أعرفه ، وإن شئت أخبرتك باسمه وحاله ، هذا جبل كان عليه نبي من أنبياء بني إسرائيل هاربا من قومه ، فعبد اللّه عليه ، فعلم قومه فقتلوه ، فهو يبكي على ذلك النبي ، وهذه القطرات من بكائه له ، ومن الجانب الآخر عين تنبع من ذلك الماء بالليل والنهار ، ولا يوصل إلى تلك العين(2) .
ص: 310
المفضّل بن عمر ، قال : وجّه المنصور إلى حسن بن زيد ، وهو واليه على الحرمين ، أن احرق على جعفر بن محمد عليهماالسلام داره ، فألقى النار في دار أبي عبد اللّه عليه السلام ، فأخذت النار في الباب والدهليز .
فخرج أبو عبد اللّه عليه السلام يتخطّى النار ، ويمشي فيها ، ويقول : أنا ابن أعراق الثرى ، أنا ابن إبراهيم خليل اللّه (1) .
مهزم عن أبي بردة ، قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام قال : ما فعل زيد ؟ قلت : صلب في كناسة بني أسد ، فبكى حتى بكى النساء من خلف الستور .
ثمّ قال : أما - واللّه - لقد بقي لهم عنده طلبة ما أخذوها منه .
فكنت أتفكّر في قوله حتى رأيت جماعة قد أنزلوه يريدون أن يحرقوه ، فقلت : هذه الطلبة التي قال لي(2) .
حدّث إبراهيم عن أبي حمزة عن مأمون الرقّي قال : كنت عند سيّدي
ص: 311
الصادق عليه السلام إذ دخل سهل بن حسن الخراساني ، فسلّم عليه ، ثمّ جلس فقال له : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لكم الرأفة والرحمة ، وأنتم أهل بيت الإمامة ، ما الذي يمنعك أن يكون لك حقّ تقعد عنه ، وأنت تجد من شيعتك مائة ألف يضربون بين يديك بالسيف ؟
فقال له عليه السلام : اجلس يا خراساني ، رعى اللّه حقّك ، ثمّ قال : يا حنفية اسجري التنّّور ، فسجرته حتى صار كالجمرة ، وابيضّ علوه ، ثمّ قال : يا خراساني ، قم فاجلس في التنّور ، فقال الخراساني : يا سيّدي يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لا تعذّبني بالنار ، أقلني أقالك اللّه ، قال : قد أقلتك .
فبينما نحن كذلك ، إذ أقبل هارون المكّي ونعله في سبّابته ، فقال : السلام عليك يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال له الصادق عليه السلام : الق النعل من يدك واجلس في التنّور .
قال : فألقى النعل من سبّابته ، ثمّ جلس في التنّور ، وأقبل الإمام يحدّث الخراساني حديث خراسان حتى كأنّه شاهد لها ، ثمّ قال : قم يا خراساني وانظر ما في التنور .
قال : فقمت إليه فرأيته متربّعا ، فخرج إلينا وسلّم علينا ، فقال له الإمام عليه السلام : كم تجد بخراسان مثل هذا ؟
فقلت : واللّه ، ولا واحدا .
فقال عليه السلام : لا - واللّه - ولا واحدا ، أما إنّا لا نخرج في زمان لا نجد فيه خمسة معاضدين لنا ، نحن أعلم بالوقت .
ص: 312
وحدّث أبو عبد اللّه محمد بن أحمد الديلمي البصري عن محمد بن كثير الكوفي قال : كنت لا أختم صلاتي ولا أستفتحها إلاّ بلعنهما ، فرأيت في منامي طائرا معه تور من الجوهر فيه شيء أحمر شبه الخلوق ، فنزل إلى البيت المحيط برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ أخرج شخصين من الضريح ، فخلّقهما بذلك الخلوق في عوارضهما ، ثمّ ردّهما إلى الضريح ، وعاد مرتفعا ، فسألت من حولي : من هذا الطائر ؟ وما هذا الخلوق ؟ فقال : هذا ملك يجيء في كلّ ليلة جمعة يخلّقهما .
فأزعجني ما رأيت ، فأصبحت لا تطيب نفسي بلعنهما ، فدخلت على الصادق عليه السلام ، فلمّا رآني ضحك وقال : رأيت الطائر ؟ فقلت : نعم يا سيّدي ، فقال : اقرأ : « إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ » ، فإذا رأيت شيئا تكره فاقرأها ، واللّه ما هو ملك موكّل بهما لإكرامهما ، بل هو موكّل بمشارق الأرض ومغاربها ، إذا قتل قتيل ظلما أخذ من دمه فطوّقهما به في رقابهما ، لأنّهما سبب كلّ ظلم مذ كانا .
وحدّثني عمر بن حمزة العلوي الكوفي بالإسناد عن محمد بن ميمون الهلالي قال : مضيت إلى الحيرة إلى جعفر بن محمد عليهماالسلام ثلاثة أيّام ، فما كان لي فيه حيلة لكثرة الناس ، فحيث كان اليوم الرابع رآني فأدناني ، وتفرّق
ص: 313
الناس عنه ، ومضى يريد قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، فتبعته ، فكنت أسمع كلامه ، وأنا معه أمشي .
فحيث صار في بعض الطريق غمزه البول ، فتنحّى عن الطريق ، فحفر الرمل وبال ، ونبش الرمل ، فحفر فخرج ماء فتطهّر للصلاة ، فقام فصلّى ركعتين ، وكان ممّا سمعته يدعو ويقول : اللّهمّ لا تجعلني ممّن تقدّم فمرق ، ولا ممّن تخلّف فمحق ، واجعلني من النمط الأوسط(1) .
محمد بن سنان عن المفضّل بن عمر : إنّ المنصور قد كان همّ بقتل أبي عبد اللّه عليه السلام غير مرّة ، فكان إذا بعث إليه ودعاه ليقتله ، فإذا نظر إليه هابه ولم يقتله ، غير أنّه منع الناس عنه ، ومنعه من القعود للناس ، واستقصى عليه أشدّ الاستقصاء ، حتى أنّه كان يقع لأحدهم مسألة في دينه في نكاح أو طلاق أو غير ذلك ، فلا يكون علم ذلك عندهم ، ولا يصلون إليه ، فيعتزل الرجل وأهله(2) .
فشقّ ذلك على شيعته ، وصعب عليهم حتى ألقى اللّه - عزّ وجلّ - في روع المنصور أن يسأل الصادق عليه السلام ليتحفه بشيء من عنده لا يكون لأحد مثله .
ص: 314
فبعث إليه بمخصرة(1) كانت للنبي صلى الله عليه و آله طولها ذراع ، ففرح بها فرحا شديدا ، وأمر أن تشقّ له أربعة أرباع ، وقسّمها في أربعة مواضع ، ثمّ قال له : ما جزاؤك عندي إلاّ أن أطلق لك ، وتفشي عملك لشيعتك ، ولا أتعرّض لك ولا لهم ، فاقعد غير محتشم ، وافت الناس ، ولا تكن في بلد أنا فيه .
ففشى العلم عن الصادق عليه السلام .
وأجاز [ ني ] في المنتهى الحسن الجرجاني في بصائر الدرجات بثلاثة طرق : إنّه دخل رجل على الصادق عليه السلام ، فلمزه رجل من أصحابنا ، فقال الصادق عليه السلام - وأخذ على شيبته - : إن كنت لا أعرف الرجال إلاّ بما أبلغ عنهم ، فبئست الشيبة شيبتي(2) .
وفيه : قال سليم بن خالد : بينما نحن مع الصادق عليه السلام إذ هو بظبي يقتحب(3) ويحرّك ذنبه ، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : أفعل إن شاء اللّه .
ص: 315
ثمّ أقبل علينا فقال : هل علمتم ما قال الظبي ؟ قلنا : اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله وابن رسوله أعلم .
قال : إنّه أتاني وأخبرني أنّ بعض أهل المدينة نصب شبكة لأنثاه فأخذها ، وله خشفان لم ينهضا ، ولم يقويا للرعي ، فسألني أن أسألهم أن يطلقوها ، وضمن لي أنّها إذا ارتضعت خشفيهما حتى يقويا على النهوض والرعي أن يردّها عليهم ، فاستحلفته على ذلك ، فقال : برئت من ولايتكم أهل البيت إن لم أف ، وأنا فاعل به إن شاء اللّه تعالى .
فقال له أبو عبد اللّه البلخي : هذه سنّة فيكم كسنّة سليمان ، فسكت(1) عليه السلام .
موسى بن سعيد عن أبيه عن أبي بصير قال : اشتقت إلى رؤية الصادق عليه السلام ، فقال لي : يا أبا محمد ، تريد أن تراني ؟ فقلت : نعم .
فمسح بيده على عيني فرأيته ، ثمّ مسح على عيني ، فإذا أنا كما كنت(2) .
قال أبو الصباح الكناني : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّ لنا جارا من همدان يقال له : الجعد بن عبد اللّه ، يسبّ أمير المؤمنين ، أفتأذن لي أن أقتله ؟
ص: 316
قال : إنّ الإسلام قيد الفتك ، ولكن دعه فستكفى بغيرك .
قال : فانصرفت إلى الكوفة ، فصلّيت الفجر في المسجد ، وإذا أنا بقائل يقول : وجد(1) الجعد بن عبد اللّه على فراشه مثل الزقّ المنفوخ ميّتا ، فذهبوا يحملونه إذا لحمه سقط عن عظمه فجمعوه على نطع وإذا تحته أسود ، فدفنوه(2) .
بصائر الدرجات عن سعد القمّي : قال أبو الفضل بن دكين : حدّثني محمد بن راشد عن أبيه عن جدّه قال : سألت جعفر بن محمد عليهماالسلامعلامة ، فقال : سلني ما شئت ، أخبرك إن شاء اللّه ، فقلت : أخا لي بات في هذه المقابر ، فتأمره أن يجيئني ؟
قال : فما كان اسمه ؟ قلت : أحمد ، قال : يا أحمد ، قم بإذن اللّه ، وبإذن جعفر بن محمد ، فقام - واللّه - وهو يقول : [ يا أخي اتبعه ولا تفارقه (3)](4) .
وفيه عن داود الرقّي قال : حجّ رجل من أصحابنا فدخل على أبي
ص: 317
عبد اللّه عليه السلام ، فقال له : فداك أبي وأمّي ، إنّ أهلي توفّيت وبقيت وحيدا ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : أفكنت تحبّها ؟ قال : نعم ، فقال : ارجع إلى منزلك ، فإنّها سترجع إلى المنزل ، وترجع أنت وهي جالسة بإذن اللّه تعالى .
قال : فلمّا رجعت من حجّتي دخلت المنزل ، فوجدتها قاعدة تأكل ، وبين يديها طبق عليه تمر وزبيب(1) .
وفيه عن جميل بن درّاج قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فدخلت عليه امرأة ، فذكرت أنّها تركت ابنها ميّتا مسجّى بالملحفة ، فقال لها : لعلّه لم يمت ، فقومي فاذهبي إلى بيتك ، واغتسلي وصلّي ركعتين ، وادعي اللّه وقولي : يا من وهبه لي ولم يك شيئا جدّد لي هبته ، ثمّ حرّكيه ولا تخبري بذلك أحدا .
فجاءت فحرّكته فإذا هو قد بكى(2) .
علي بن أبي حمزة ، قال : كان لي صديق من كبار بني أميّة ، فقال لي : استأذن لي على أبي عبد اللّه عليه السلام ، فاستأذنت له .
ص: 318
فلمّا دخل سلّم وجلس ثمّ قال : جعلت فداك إنّي كنت في ديوان هؤلاء القوم ، فأصبت من دنياهم مالاً كثيرا ، وأغمضت في مطالبه ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : لولا أنّ بني أميّة وجدوا من يكتب لهم ، ويجبي لهم الفيء ، ويقاتل عنهم ، ويشهد جماعتهم ، لما سلبونا حقّنا ، ولو تركهم الناس وما في أيديهم ما وجدوا شيئا إلاّ ما وقع في أيديهم .
فقال الفتى : جعلت فداك ، فهل لي من مخرج منه ؟ قال : إن قلت لك تفعل ؟ قال : أفعل ، قال : اخرج من جميع ما كسبت في دواوينهم ، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله ، ومن لم تعرف تصدّقت به ، وأنا أضمن لك على اللّه الجنّة ، قال : فأطرق الفتى طويلاً ، فقال : قد فعلت ، جعلت فداك .
قال ابن أبي حمزة : فرجع الفتى إلى الكوفة ، فما ترك شيئا على وجه الأرض إلاّ خرج منه حتى ثيابه التي كانت على بدنه .
قال : فقسّمنا له قسمة ، واشترينا له ثيابا ، وبعثنا له بنفقة .
قال : فما أتى عليه أشهر قلائل حتى مرض ، فكنّا نعوده ، قال : فدخلت عليه يوما وهو في السياق(1) ، ففتح عينيه ، ثمّ قال : يا علي ، وفى [ لي ] - واللّه - صاحبك .
قال : ثمّ مات فولّينا أمره ، فخرجت حتى دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام ، فلمّا نظر إليّ قال : يا علي ، وفينا لصاحبك ، قال : فقلت : صدقت ، جعلت فداك ، هكذا قال لي - واللّه - عند موته(2) .
ص: 319
سليمان بن خالد ، قال : خرجنا مع أبي عبد اللّه عليه السلام فانتهينا إلى نخلة خاوية ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : أيّتها النخلة السامعة المطيعة لربّها ، أطعمينا ممّا جعل اللّه فيك ، فتساقط علينا رطب مختلف ألوانه ، فأكلنا حتى تضلّعنا(1) .
فقال أبو عبد اللّه البلخي : سنّة فيكم كسنّة مريم عليهاالسلام ، فقال : نعم يا أبا عبد اللّه (2) .
داود الرقّي ، قال : خرج أخوان لي يريدان المزار ، فعطش أحدهما عطشا شديدا حتى سقط من الحمار ، وسقط الآخر في يده ، فقام فصلّى ودعا اللّه ومحمدا صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام ، كان يدعو واحدا بعد واحد حتى بلغ إلى آخرهم جعفر بن محمد عليهماالسلام ، فلم يزل يدعوه ويلوذ به ، فإذا هو برجل قد قام عليه وهو يقول : يا هذا ، ما قصّتك ؟ فذكر له حاله ، فناوله قطعة عود وقال : ضع هذا بين شفتيه ، ففعل ذلك ، فإذا هو قد فتح عينيه ، واستوى جالسا ولا عطش به ، فمضى حتى زار القبر .
فلمّا انصرفا إلى الكوفة أتى صاحب الدعاء المدينة ، فدخل على
ص: 320
الصادق عليه السلام ، فقال له : اجلس ، ما حال أخيك ؟ أين العود ؟ فقال : يا سيّدي إنّي لمّا أصبت بأخي اغتممت غمّا شديدا ، فلمّا ردّ اللّه عليه روحه نسيت العود من الفرح ، فقال الصادق عليه السلام : أما إنّه ساعة صرت إلى غمّ أخيك أتاني أخي الخضر ، فبعثت إليك على يديه قطعة عود من شجرة طوبى .
ثمّ التفت إلى خادم له ، فقال له : عليّ بالسفط ، فأتى به ، ففتحه وأخرج منه القطعة العود بعينها ، ثمّ أراها إيّاه حتى عرفها ، ثمّ ردّها إلى السفط .
داود النيلي ، قال : خرجت مع أبي عبد اللّه عليه السلام إلى الحجّ ، فلمّا كان أوان الظهر قال لي : يا داود ، اعدل بنا عن الطريق حتى نأخذ أهبة(1) الصلاة ، فقلت : جعلت فداك ، أو لسنا نحن في أرض قفر لا ماء فيها ؟ فقال لي : ما أنت وذاك ؟!
قال : فسكتّ ، وعدلنا عن الطريق ، فنزلنا في أرض قفر لا ماء فيها ، فركضها برجله ، فنبع لنا عين ماء يسيب كأنّه قطع الثلج ، فتوضّأ وتوضّيت ، ثمّ أدّينا ما علينا من الفرض .
فلمّا هممنا بالمسير التفت ، فإذا بجذع نخل ، فقال لي : يا داود ، أتحبّ أن أطعمك منه رطبا ؟ فقلت : نعم ، قال : فضرب بيده إلى الجذع ، فهزّه فأخضرّ من أسفله إلى أعلاه .
ص: 321
قال : ثمّ اجتذبه الثانية ، فأطعمنا اثنين وثلاثين نوعا من أنواع الرطب ، ثمّ مسح بيده عليه ، فقال : عد نخلاً بإذن اللّه تعالى ، قال : فعاد كسيرته الأُولى(1) .
أمالي أبي الفضل : قال أبو حازم عبد الغفّار بن الحسن : قدم إبراهيم بن أدهم الكوفة ، وأنا معه - وذلك على عهد المنصور - وقدمها جعفر بن محمد العلوي عليه السلام ، فخرج جعفر عليه السلام يريد الرجوع إلى المدينة ، فشيّعه
العلماء وأهل الفضل من أهل الكوفة ، وكان فيمن شيّعة سفيان الثوري وإبراهيم بن أدهم .
فتقدّم المشيّعون له ، فإذا هم بأسد على الطريق ، فقال لهم إبراهيم بن أدهم : قفوا حتى يأتي جعفر عليه السلام ، فننظر ما يصنع .
فجاء جعفر عليه السلام ، فذكروا له الأسد ، فأقبل حتى دنا من الأسد ، فأخذ بأذنه فنحّاه عن الطريق ، ثمّ أقبل عليهم ، فقال : أما إنّ الناس لو أطاعوا اللّه حقّ طاعته لحملوا عليه أثقالهم(2) .
وفي خبر الربيع : أنّه قال المنصور : يا أبا عبد اللّه ، إنّك تعلم الغيب ؟
ص: 322
قال : ومن أخبرك بهذا ؟ قال : هذا الشيخ ، قال : أفحلفه يا أمير المؤمنين ، قال : نعم .
فلمّا بدأ باليمين قال : قل : برئت من حول اللّه وقوّته والتجأت إلى حولي وقوّتي - وفي رواية : قل : أبرأ إلى اللّه من حوله وقوّته وألجأ إلى حولي وقوّتي- إن لم أكن سمعتك تقول هذا القول ، فما أتمّ الكلام حتى دلع لسانه ومات من وقته .
فقال المنصور : ما هذا اليمين ؟ قال جعفر عليه السلام : حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ العبد إذا حلف باليمين الذي ينزّه اللّه فيها وهو كاذب ، امتنع اللّه من عقوبته عليها في عاجلته لما نزّه اللّه .
ثمّ نهض جعفر عليه السلام ، فقال المنصور : ويلك - يا ربيع - اكتمها عن الناس لا يفتنون(1) .
وروي في المعجزات : أنّه استؤذن عليه لوافد ملك الهند ميزان(2) ، فأبى ، فبقي سنة محجوبا ، فشفّع فيه محمد بن سليمان الشيباني وأخوه يزيد ، فأمر الصادق عليه السلام بطيّ الحصر .
فلمّا دخل ميزان الهندي برك على ركبتيه وقال : أصلح اللّه الإمام
ص: 323
حجبتني سنة ، أهكذا أفعال أولاد الأنبياء ؟ فأطرق عليه السلام رأسه ثمّ رفعه وقال : « وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ » .
ثمّ قرأ الكتاب فإذا فيه : أمّا بعد ، فقد هدانا اللّه على يديك وجعلنا من مواليك ، وقد وجّهنا نحوك بجارية ذات حسن وجمال وخطر وبصر مع شيء من الطيب والحلل والحليّ على يدي أميني .
فقال له الإمام عليه السلام : ارجع - يا خائن - إلى من بعثك بهداياه ، قال : أبعد سنة هذا جوابي ؟ قال : هذا جوابك عندي . قال : ولمَ ؟ قال : لخيانتك .
ثمّ أمر بفروته أن تبسط على الأرض ، ثمّ صلّى ركعتين وسجد ، وقال في سجوده : اللّهمّ إنّي أسألك بمعاقد العزّ من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك أن تصلّي على محمد عبدك ورسولك وأمينك في خلقك وأن تنطق فروة هذا الهندي بفعله بلسان عربي مبين .
ثمّ رفع رأسه وقال : أيّها الفرو الطائع لربّ العالمين تكلّم بما تعلم من هذا الهندي ، وصِف لنا ما جنى .
قال : فانبسطت حتى ضاق عليها المكان ، ثمّ قلصت حتى صارت كشاة ، ثمّ قالت : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّ الملك ليستأمنه عليها ، وكان أمينا ، حتى مطر عليهم وابتلّ ثيابهم ، فأنفذ خدّامه إلى شراء شيء لينشف الثياب ، فخرجت الجارية مكشوفة ساقيها فهواها ، وما زال يكايدها حتى باضعها عليّ ، فأسألك أن تجيرني من النار من فساد هذا الزاني .
ص: 324
فجعل ميزان يرتعد ويستعفي ، فقال : لا يعفو عنك إلاّ أن تقرّ بما جنيت ، فأقرّ بجميع ذلك ، فأمره أن يلبس الفروة ، فلمّا لبسها خنق(1) عليه حتى اسودّ عنقه ، فأمرها عليه السلام أن تخلّي عنه ، ثمّ أمره أن يردّها إلى صاحبها .
فلمّا ردّها إليه خوّفها الملك ، فذكرت له ما كان من الفروة ، فضرب عنق ميزان(2) .
وفي كتاب الدلالات بثلاثة طرق عن الحسين بن أبي العلاء وعلي بن حمزة وأبي بصير ، قالوا : دخل رجل من أهل خراسان على أبي عبد اللّه عليه السلام ، فقال له : جعلت فداك ، فلان بن فلان بعث معي بجارية ، وأمرني أن أدفعها إليك ، قال : لا حاجة لي فيها ، وإنّا أهل بيت لا يدخل الدنس بيوتنا ، فقال له الرجل : واللّه - جعلت فداك - لقد أخبرني أنّها مولدة بيته ، وأنّها ربيبته في حجرته ، قال : إنّها قد فسدت عليه ، قال : لا علم لي بهذا ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : ولكنّي أعلم أنّ هذا هكذا(3) .
ص: 325
علي بن إسماعيل عن إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّ لنا أموالاً ، ونحن نعامل الناس ، وأخاف إن حدث حدث أن تفرّق أموالنا ، قال : فقال : اجمع أموالك في كلّ شهر ربيع ، فمات إسحاق في شهر ربيع(1) .
الكافي : إنّ شاميّا سأله مناظرة أصحابه ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : كلامك هذا من كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله أو من عندك ؟ فقال : من كليهما ، فقال : فأنت شريك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ يا يونس ، هذا قد خصم نفسه قبل أن يتكلّم .
وأمر بإدخال بعض المتكلّمين ، فأدخل حمران بن أعين ، ومحمد بن النعمان الأحول ، وهشام بن سالم ، وقيس الماصر ، فأخرج أبو عبد اللّه عليه السلام رأسه من الخيمة فإذا هو ببعير يخبّ(2) ، فقال : هشام وربّ الكعبة ، فإذا هشام بن الحكم قد ورد .
فقال لحمران : كلّم الرجل ، فكلّمه فظهر عليه ، ثمّ أمر الطاقي ، فكلّمه فظهر عليه ، ثمّ أمر ابن سالم فكلّمه فتعارفا ، ثمّ أمر قيسا فكلّمه ، وأبو عبد اللّه عليه السلام يتبسّم من كلامهم ، وقد استخذل الشامي في يده .
ص: 326
ثمّ قال : كلّم هذا الغلام - يعني هشام بن الحكم - .
فقال : يا غلام ، سلني في إمامة هذا ، قال : أربّك أنظر لخلقه أم هم ؟ فقال : بل ربّي أنظر لخلقه ، قال : ففعل بنظره لهم في دينهم ماذا ؟ قال الشامي : كلّفهم وأقام لهم حجّة ودليلاً على ما كلّفهم ، وأزاح في ذلك عللهم ، فقال هشام : فما الدليل الذي نصبه لهم ؟ قال الشامي : هذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : فبعده مَن ؟ قال : الكتاب والسنّة ، قال : فهل ينفعنا اليوم الكتاب والسنّة فيما اختلفنا فيه حتى يرفع عنّا الاختلاف ويمكننا من الاتفاق ؟ قال : نعم ، قال : فلمَ اختلفنا نحن وأنت وجئتنا من الشام تخالفنا ، وتزعم أنّ الرأي طريق الدين ، وأنت مقرّ بأنّ الرأي لا يجمع على القول الواحد المختلفين ؟ فسكت الشامي متفكّرا .
فقال له الصادق عليه السلام : مالك لا تتكلّم ؟ قال : إن قلت : إنّنا ما اختلفنا كابرت ، وإن قلت : إنّ الكتاب والسنّة يرفعان عنّا الاختلاف أبطلت ، لأنّهما يحتملان الوجوه ، ولكن لي عليه مثل ذلك ، قال : سله تجده مليّا .
فقال الشامي لهشام : مَن أنظر للخلق ، ربّهم أم أنفسهم ؟ قال : بل ربّهم ، قال : فهل أقام لهم مَن يجمع كلمتهم ويرفع اختلافهم ؟ قال : في ابتداء الشريعة فرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأمّا بعده فغيره ، قال : ومن غير النبي صلى الله عليه و آله القائم مقامه في حجّته ؟ قال هشام : في وقتنا هذا أم قبله ؟ قال : بل في وقتنا هذا ، قال : هذا الجالس - يعني الصادق عليه السلام - الذي يخبرنا عن السماء وراثة عن أبّ عن جدّ ، قال : فكيف لي أن أعلم ذلك ؟ قال : سله عمّا بدا لك ، قال الشامي : قطعت عذري ؛ فعليّ السؤال .
ص: 327
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : أنا أكفيك المسألة ، يا شامي ، أخبرك عنمسيرك وسفرك ، خرجت يوم كذا ، وكان طريقك كذا ، ومررت على كذا ، ومرّ بك كذا .
فأقبل الشامي يقول : صدقت واللّه ، وحسن اعتقاده(1) .
عمر بن يزيد ، قال : دخل هشام بن الحكم - وكان جهميّا - على أبي عبد اللّه عليه السلام ليناظره - مرارا - ، وكان لا يقدر على التفوّه ، فسأله أبو عبد اللّه عليه السلام مسألة ، وهو يؤجّله .
ثمّ رآه مرّة أخرى بالحيرة ، فهاله منظر أبي عبد اللّه عليه السلام فبقي منسيا ، ووقف أبو عبد اللّه عليه السلام مليّا ينتظر ما يكلّمه ، فلمّا رأى حيرته ضرب بغلته وسار ، فترك هشام مذهبه ، ودان بدين الحقّ(2) .
يونس بن ظبيان ، والمفضّل بن عمر ، وأبو سلمة السرّاج ، والحسين بن ثوير قالوا : كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السلام فقال : عندنا خزائن الأرض
ص: 328
ومفاتيحها ، ولو شئت أن أقول بإحدى رجليّ : أخرجي ما فيك منالذهب ، لأخرجت .
ثمّ قال بإحدى رجليه ، فخطّها في الأرض خطّا ، فانفجرت الأرض ، ثمّ مال بيده فأخرج سبيكة ذهب قدر شبر ، ثمّ قال : انظروا حسنا ، فنظرنا فإذا سبائك كثيرة بعضها على بعض يتلألأ(1) .
معرفة الرجال عن أبي عمرو الكشّي : قال عمّار الساباطي لأبي عبد اللّه عليه السلام : جعلت فداك ، أحبّ أن تخبرني باسم اللّه - عزّ وجلّ - الأعظم ، فقال لي : إنّك لا تقوى على ذلك .
فلمّا ألححت عليه ، قال : فمكانك إذا ، ثمّ قام فدخل البيت هنيئة ، ثمّ صاح بي : ادخل ، فدخلت ، فقال لي : ما ذلك ؟ فقلت : أخبرني به ، جعلت فداك .
قال : فوضع يده على الأرض ، فنظرت إلى البيت يدور بي ، وأخذني أمر عظيم كدت أهلك ، فصحت ، فقلت : جعلت فداك ، حسبي لا أريد ذا(2) .
ص: 329
عبد اللّه بن كثير عن الصادق عليه السلام في خبر : هما - واللّه - أوّل من ظلمنا حقّنا ، وحملا الناس على رقابنا ، وجلسا مجلسا نحن أولى به منهما ، فلا غفر اللّه لهما ذلك الذنب ، كافران ، ومن يتولّهما كافر - يعني عدوّين له - .
وكان معنا في المجلس رجل من أهل خراسان يكنّى بأبي عبد اللّه ، فتغيّر لون الخراساني لمّا أن ذكرهما ، فقال له الصادق عليه السلام : لعلّك ورعت عن بعض ما قلنا ؟ قال : قد كان ذلك يا سيّدي ، قال : فهلاّ كان هذا الورع ليلة نهر بلخ حيث أعطاك فلان بن فلان جاريته لتبيعها ، فلمّا عبرت النهر فجرتَ بها في أصل شجرة كذا وكذا ؟!
قال : قد كان ذلك ، ولقد أتى على هذا الحديث أربعون سنة ، ولقد تبت إلى اللّه منه ، قال : يتوب عليك إن شاء اللّه (1) .
ص: 330
داود الرقّي : بلغ السيّد الحميري أنّه ذكر عند الصادق عليه السلام ، فقال : السيّد كافر ، فأتاه وسأل : يا سيّدي ، أنا كافر مع شدّة حبّي لكم ، ومعاداتي الناس فيكم ؟ قال : وما ينفعك ذاك ، وأنت كافر بحجّة الدهر والزمان ؟
ثمّ أخذ بيده وأدخله بيتا ، فإذا في البيت قبر ، فصلّى ركعتين ، ثمّ ضرب بيده على القبر، فصار القبر قطعا، فخرج شخص من قبره ينفض التراب عن رأسه ولحيته ، فقال له الصادق عليه السلام : من أنت ؟ قال : أنا محمد بن علي المسمّى
بابن الحنفيّة ، فقال : فمن أنا ؟ فقال : جعفر بن محمد حجّة الدهر والزمان .
فخرج السيّد يقول :
تجعفرت باسم اللّه فيمن تجعفرا(1)
* * *
عثمان بن عمر الكوّاء في خبر : إنّ السيّد قال له : اخرج إلى باب الدار ، تصادف غلاما نوبيّا على بغلة شهباء معه حنوط وكفن يدفعها إليك .
ص: 331
قال : فخرجت فإذا بالغلام الموصوف ، فلمّا رآني قال : يا عثمان ، إنّ سيّدي جعفر بن محمد عليهماالسلام يقول لك : ما آن أن ترجع عن كفرك وضلالك ، فإنّ اللّه - عزّ وجلّ - اطّلع عليك فرآك للسيّد خادما فانتجبك ، فخذ في جهازه .
الأغاني : قال عبّاد بن صهيب : كنت عند جعفر بن محمد عليهماالسلام ، فأتاه نعي السيّد ، فدعا له وترحّم عليه ، فقال له رجل : يا ابن رسول اللّه ، وهو يشرب الخمر ويؤمن بالرجعة ؟!
فقال عليه السلام : حدّثني أبي عن جدّي : إنّ محبّي آل محمد صلى الله عليه و آله لا يموتون إلاّ تائبين ، وقد تاب ، ورفع مصلّى كان تحته ، فأخرج كتابا من السيّد يعرّفه أنّه قد تاب ، ويسأله الدعاء(1) .
وفي أخبار السيّد : إنّه ناظر معه مؤمن الطاق في ابن الحنفيّة فغلبه عليه ، فقال :
تركت ابن خولة لا عن قلى
وإنّي لكالكلف الوامق
وإنّي له حافظ في المغيب
أدين بما دان في الصادق
ص: 332
هو الحبر حبر بني هاشم
ونور من الملك الرازق
به ينعش اللّه جمع العباد
ويجري البلاغة في الناطق
أتاني برهانه معلنا
فدنت ولم أك كالمائق
فمن صدّ بعد بيان الهدى
إلى حبتر وأبي حامق
* * *
فقال الطاقي : أحسنت ، الآن أتيت رشدك ، وبلغت أشدّك ، وتبوّأت من الخير موضعا ، ومن الجنّة مقعدا .
وأنشأ السيّد يقول :
تجعفرت باسم اللّه واللّه أكبر
وأيقنت أنّ اللّه يعفو ويغفر
ودنتُ بدين غير ما كنت دائنا
به ونهاني سيّد الناس جعفر
فقلت هب أنّي قد تهوّدت برهة
وإلاّ فديني دين من يتنصّر
فإنّي إلى الرحمن من ذاك تائب
وإنّي قد أسلمت واللّه أكبر
ولست بغال ما حييت وراجع
إلى ما عليه كنت أخفي وأظهر(1)
* * *
وأنشد :
أيا راكبا نحو المدينة جسرة
عذافرة يطوى بها كلّ سبسب(2)
ص: 333
إذا ما هداك اللّه عاينت جعفرا
فقلت وليّ اللّه وابن المهذّب
ألا يا أمين اللّه وابن وليّه
أتوب إلى الرحمن ثمّ تأوبي
إليك من الذنب الذي كنت مبطنا
أجاهد فيه دائبا كلّ مغرب
وأشهد ربّي أنّ قولك حجّة
على الناس طرّا من مطيع ومذنب
بذاك أدين اللّه سرّا وجهرة
ولست وإن عوتبت فيه بمعتب(1)
* * *
وأنشد فيه :
أمدح أبا عبد الإله
فتى البريّة في احتماله
سبط النبي محمد
حبل تفرّع من حباله
تغشى العيون الناظرات
إذا سمون إلى جلاله
عذب الموارد بحره
يروى الخلائف من سجاله
بحر أطلّ على البحور
يمدّهن ندى بلاله
سقت العباد يمينه
وسقى البلاد ندى شماله
يحكي السحاب يمينه
والودق يخرج من خلاله
الأرض ميراث له
والناس طرّا في عياله
يا حجّة اللّه الجليل
وعينه وزعيم آله
وابن الوصيّ المصطفى
وشبيه أحمد في كماله
ص: 334
أنت ابن بنت محمد
حذوا خلقت على مثاله
فضياء نورك نوره
وظلال روحك من ظلاله
فيك الخلاص عن الردى
وبك الهداية من ضلاله
أثني ولست ببالغ
عشر الفريدة من خصاله
* * *
ص: 335
ص: 336
ص: 337
ص: 338
ينقل عنه من العلوم ما لا ينقل عن أحد ، وقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات ، وكانوا أربعة آلاف رجل(1) .
بيان ذلك:
إنّ ابن عقدة مصنّف كتاب الرجال لأبي عبد اللّه عليه السلام عدّدهم فيه .
وكان حفص بن غياث إذا حدّث عنه قال : حدّثني خير الجعافر جعفر بن محمد(2) عليهماالسلام .
وكان علي بن غراب يقول : حدّثني الصادق جعفر بن محمد(3) عليهماالسلام .
حلية أبي نعيم : إنّ جعفر الصادق عليه السلام حدّث عنه من الأئمّة والأعلام :
مالك بن أنس ، وشعبة بن الحجّاج ، وسفيان الثوري ، وابن جريح ، وعبد اللّه بن عمرو ، وروح بن القاسم ، وسفيان بن عيينة ، وسليمان بن بلال ، وإسماعيل بن جعفر ، وحاتم بن إسماعيل ، وعبد العزيز بن المختار ، ووهب بن خالد ، وإبراهيم بن طحّان في آخرين .
ص: 339
قال : وأخرج عنه مسلم في صحيحه محتجّا بحديثه(1) .
وقال غيره : وروى عنه مالك ، والشافعي ، والحسن بن صالح ، وأبو أيّوب السجستاني ، وعمرو بن دينار ، وأحمد بن حنبل .
ص: 340
وقال مالك بن أنس : ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق عليه السلام فضلاً وعلما وعبادة وورعا(1) .
وسئل سيف الدولة عبد الحميد المالكي قاضي الكوفة عن مالك ، فوصفه وقال : وكان جربند(2) جعفر الصادق عليه السلام - أي الربيب - .
وكان مالك كثيرا ما يدّعي سماعه وربّما قال : حدّثني الثقة(3) - يعنيه عليه السلام - .
وجاء أبو حنيفة ليسمع منه ، وخرج أبو عبد اللّه عليه السلام يتوكّأ على عصا ، فقال له أبو حنيفة : يا ابن رسول اللّه ، ما بلغت من السنّ ما تحتاج معه إلى العصا .
قال : هو كذلك ، ولكنّها عصا رسول اللّه صلى الله عليه و آله أردت التبرّك بها .
ص: 341
فوثب أبو حنيفة وقال له : أقبّلها يا ابن رسول اللّه ، فحسر أبو عبد اللّه عليه السلامعن ذراعه وقال له : واللّه ، لقد علمت أنّ هذا بشر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأنّ هذا
من شعره ، فما قبّلته وتقبّل عصا(1) ؟
أبو عبد اللّه المحدّث في رامش أفزاي : إنّ أبا حنيفة من تلامذته ، وإنّ أمّه كانت في حبالة الصادق(2) عليه السلام !
قال : وكان محمد بن الحسن أيضا من تلامذته ، ولأجل ذلك كانت بنو العبّاس لم تحترمهما .
قال : وكان أبو زيد البسطامي - طيفور السقّاء - خدمه وسقاه ثلاث عشرة سنة(3) .
وقال أبو جعفر الطوسي : كان إبراهيم بن أدهم ومالك بن دينار من غلمانه .
ودخل إليه سفيان الثوري يوما ، فسمع منه كلاما أعجبه ، فقال : هذا
ص: 342
- واللّه - يا ابن رسول اللّه الجوهر ، فقال له : بل هذا خير من الجوهر ،وهل الجوهر إلاّ حجر(1) ؟
الترغيب والترهيب عن أبي القاسم الإصفهاني : إنّه دخل عليه سفيان الثوري ، فقال عليه السلام : أنت رجل مطلوب ، وللسلطان علينا عيون ، فاخرج عنّا غير مطرود(2) . . القصّة .
ودخل عليه الحسن بن صالح بن حيّ فقال له : يا ابن رسول اللّه ، ما تقول في قوله تعالى : « أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ » ؟ مَن أولي الأمر الذين أمر اللّه بطاعتهم ؟ قال : العلماء .
فلمّا خرجوا قال الحسن : ما صنعنا شيئا ، ألا سألناه من هؤلاء العلماء ؟ قال : فسألوه ، فقال : الأئمّة منّا أهل البيت(3) .
وقال نوح بن درّاج لابن أبي ليلى : أكنت تاركا قولاً قلته أو قضاء قضيته لقول أحد ؟
ص: 343
قال : لا ، إلاّ رجل واحد ، قلت : من هو ؟ قال : جعفر بن محمد عليهماالسلام(1) .
الحلية : قال عمرو بن المقدام : كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد عليهماالسلام علمت أنّه من سلالة النبيّين(2) .
ولا تخلو كتب أحاديث وحكمة وزهد وموعظة من كلامه ، يقولون : قال جعفر بن محمد الصادق عليهماالسلام ، قال جعفر الصادق عليه السلام .
ذكره النقّاش والثعلبي والقشيري والقزويني في تفاسيرهم .
وذكر في الحلية، والإبانة، وأساب النزول، والترغيب والترهيب، وشرف المصطفى صلى الله عليه و آله ، وفضائل الصحابة ، وفي تاريخ الطبري ، والبلاذري ، والخطيب ، ومسند أبي حنيفة ، واللالكائي ، وقوت القلوب ، ومعرفة علوم الحديث لابن البيع .
وقد روت الأمّة بأسرها عنه دعاء أمّ داود .
ص: 344
العلاء بن سيابة عن الصادق عليه السلام قال : إنّا لنعلم ما في الليل والنهار(1) .
وفي رواية : إنّي لأعلم ما في السماوات ، وما في الأرض ، وما في الجنّة ، وما في النار ، وما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة ، ثمّ سكت .
ثمّ قال : وعلمه في كتاب اللّه أنظر إليه هكذا ، ثمّ بسط كفّه وقال : إنّ اللّه يقول : فيه تبيان كلّ شيء(2)(3) .
وسئل عن محمد بن عبد اللّه بن الحسن ، فقال عليه السلام : ما من نبي ولا وصيّولا ملك إلاّ هو في كتاب عندي - يعني مصحف فاطمة عليهاالسلام - ، واللّه ما لمحمد بن عبد اللّه فيه اسم(1) .
أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : كان سليمان عنده اسم اللّه الأكبر الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى ، ولو كان اليوم لاحتاج إلينا(2) .
صفوان بن يحيى عن بعض رجاله عن الصادق عليه السلام قال : واللّه لقد أعطينا علم الأوّلين والآخرين ، فقال له رجل من أصحابه : جعلت فداك ، أعندكم علم الغيب ؟
فقال له : إنّي لأعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، ويحكم ، وسّعوا صدوركم ، ولتبصر أعينكم ، ولتع قلوبكم ، فنحن حجّة اللّه - تعالى - في خلقه ، ولن يسع ذلك إلاّ صدر كلّ مؤمن قويّ قوّته كقوّة
ص: 346
جبال تهامة بإذن اللّه ، واللّه لو أردت أن أحصي لكم كلّ حصاة عليها لأخبرتكم ، وما من يوم ولا ليلة إلاّ والحصى يلد إيلادا كما يلد هذاالخلق ، وواللّه لتتباغضون بعدي حتى يأكل بعضكم بعضا .
بكير بن أعين ، قال : قبض أبو عبد اللّه عليه السلام على ذراع نفسه ، وقال : يا بكير ، هذا - واللّه - جلد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهذه - واللّه - عروق رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهذا - واللّه - لحمه ، وهذا عظمه ، وإنّي لأعلم ما في السماوات ، وأعلم ما في الأرض ، وأعلم ما في الدنيا ، وأعلم ما في الآخرة .
فرأى تغيّر جماعة ، فقال : يا بكير ، إنّي لأعلم ذلك من كتاب اللّه - تعالى - إذ يقول : « وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ » .
المرشد : أبو يعلى الجعفري ، وأبو الحسين الكوفي ، وأبو جعفر الطوسي : أنّه قال زيد بن علي لسورة بن كليب : يا سورة ، كيف علمتم أنّ صاحبكم على ما تذكرون ؟
قال : كنّا نأتي أخاك محمد بن علي عليهماالسلام ، فنسأله فيقول : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال اللّه ، ثمّ مضى أخوك فأتيناكم آل محمد صلى الله عليه و آله ، وأنت فيمن أتينا فأجبتم عن بعض ، فأتينا ابن أخيك أبا عبد اللّه عليه السلام ، فقال لنا كما قال أبوه ، ولم يترك شيئا ممّا سألنا عنه إلاّ أجابنا فيه بما يقع .
ص: 347
قال : فتبسّم زيد ، ثمّ قال : أما - واللّه - لئن قلت هذا ، فإنّ كتب علي عليه السلام عنده دوننا(1) .
تفسير علي بن إبراهيم : إنّ زنديقا سأل أبا جعفر الأحول عن قوله تعالى : « فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً » ، ثمّ قال : « وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ » ، وبين القولين فرق .
فاستمهل الأحول ، وسأل الصادق عليه السلام ، فقال : أمّا قوله : « فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا » ، فإنّه عنى في النفقة ، وأمّا قوله : « وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا » ، فإنّه عنى في المودّة ، فإنّه لا يقدر أحد أن يعدل بين امرأتين في المودّة .
قال : فرجعت إلى الرجل فأخبرته ، فقال : هذا ما حملته [ الإبل ] من الحجاز(2) .
غرر المرتضى : قيل : إنّ الجعد بن درهم جعل في قارورة ماء وترابا ، فاستحال دودا وهواما ، فقال لأصحابه : أنا خلقت ذلك ، لأنّي كنت سبب كونه .
ص: 348
فبلغ ذلك جعفر بن محمد عليهماالسلام فقال : لِيقُل : كم هي ؟ وكم الذكران منه والإناث - إن كان خلقه - ؟ وكم وزن كلّ وحدة منهنّ ؟ وليأمر الذي سعىإلى هذا الوجه أن يرجع إلى غيره .
فانقطع وهرب(1) .
حلية الأولياء : قال أحمد بن المقدام الرازي : وقع الذباب على المنصور فذبّه عنه ، فعاد فذبّه حتى أضجره .
فدخل جعفر بن محمد عليهماالسلام ، فقال له المنصور : يا أبا عبد اللّه ، لمَ خلق الذباب ؟ قال : ليذلّ به الجبابرة(2) .
ودخل عمرو بن عبيد عليه وقرأ : « إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ » ، وقال : أحبّ أن أعرف الكبائر من كتاب اللّه ، فقال : نعم يا عمرو ، ثمّ فصّله بأنّ الكبائر :
الشرك باللّه : « إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ » .
واليأس : و« لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّهِ » .
ص: 349
وعقوق الوالدين ، لأنّ العاقّ جبّار شقيّ : « وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيًّا » .
وقتل النفس : « وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤمِناً مُتَعَمِّداً » .
وقذف المحصنات : [ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الُْمحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالآْخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (1)] .
وأكل مال اليتيم : « إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى » .
والفرار من الزحف : « وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ » .
وأكل الربا : « الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا » .
والسحر : « وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ » .
والزنا : « وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى » ، « وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً » .
واليمين الغموس : « إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً » .
والغلول : « وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ » .
ومنع الزكاة : « يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ » .
وشهادة الزور وكتمان الشهادة : « وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ » .
وشرب الخمر ، لقوله صلى الله عليه و آله : شارب الخمر كعابد وثن .
وترك الصلاة ، لقوله : من ترك الصلاة متعمّدا فقد برئ من ذمّة اللّه وذمّة رسوله صلى الله عليه و آله .
ونقض العهد وقطيعة الرحم : « الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ » .
ص: 350
وقول الزور والجرأة على اللّه : « أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللّهِ » .
وكفران النعمة : « وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ » .
وبخس الكيل والوزن : « وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ » .
واللّواط : « الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإِْثْمِ » .
والبدعة ، قوله عليه السلام : من تبسّم في وجه مبتدع فقد أعان على هدم دينه .
قال : فخرج عمرو وله صراخ من بكائه ، وهو يقول : هلك من سلب تراثكم ونازعكم في الفضل والعلم(1) .
أبو جعفر بن بابويه في الهداية : قال الصادق عليه السلام : الكبائر سبع ، فينا نزلت ، ومنّا استحلّت :
فأوّلها الشرك باللّه ، وقتل النفس التي حرّم اللّه ، وأكل مال اليتيم ، وعقوق الوالدين ، وقذف المحصنات ، والفرار من الزحف ، وإنكار حقّنا .
فأمّا الشرك باللّه ، فقد أنزل اللّه فيه ما أنزل ، وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله فينا ما قال ، [ فكذّبوا اللّه ] وكذّبوا رسوله صلى الله عليه و آله ، وأشركوا باللّه .
وأمّا قتل النفس التي حرم اللّه ، فقد قتلوا الحسين عليه السلام وأصحابه .
ص: 351
وأمّا أكل مال اليتيم ، فقد ذهبوا بفيئنا الذي جعله لنا ، وأعطوه غيرنا .
وأمّا عقوق الوالدين ، فقد أنزل اللّه في كتابه : « النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤمِنِينَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ » ، فعقّوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ذرّيته ، وعقّوا أمّهم خديجة عليهاالسلام في ذرّيتها .
وأمّا قذف المحصنات ، فقد قذفوا فاطمة عليهاالسلام على منابرهم .
وأمّا الفرار من الزحف ، فقد أعطوا أمير المؤمنين عليه السلام ببيعتهم طائعين غير مكرهين ، ففرّوا عنه وخذلوه .
وأمّا إنكار حقّنا ، فهذا مالنا يتنازعون فيه(1) .
أبو جعفر الطوسي في الأمالي ، وأبو نعيم في الحلية ، وصاحب الروضة بالإسناد والرواية يزيد بعضها على بعض ، عن محمد الصيرفي ، وعن عبد الرحمن بن سالم :
إنّه دخل ابن شبرمة وأبو حنيفة على الصادق عليه السلام ، فقال لأبي حنيفة : اتّق اللّه ولا تقس الدين برأيك ، فإنّ أوّل من قاس إبليس ، إذ أمره اللّه بالسجود ، فقال : « أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ » .
ص: 352
ثمّ قال : هل تحسن أن تقيس رأسك من جسده ؟ قال : لا ، قال : فأخبرني عن الملوحة في العينين ، والمرارة في الأذنين ، والبرودة فيالمنخرين ، والعذوبة في الشفتين ، لأيّ شيء جعل ذلك ؟ قال : لا أدري .
فقال عليه السلام : إنّ اللّه - تعالى - خلق العينين فجعلهما شحمتين ، وجعل الملوحة فيهما منّا على بني آدم ، ولولا ذلك لذابتا ، وجعل المرارة في الأذنين منّا منه على بني آدم ، ولولا ذلك لقحمت الدوابّ ، فأكلت دماغه ، وجعل الماء في المنخرين ليصعد النفس وينزل ، ويجد منه الريح الطيبة والرديّة ، وجعل العذوبة في الشفتين ليجد ابن آدم لذّة مطعمه ومشربه .
ثمّ قال له : أخبرني عن كلمة أوّلها شرك وآخرها إيمان ؟ قال : لا أدري ، قال : لا إله إلاّ اللّه .
ثمّ قال : أيّما أعظم عند اللّه - تعالى - القتل أو الزنا ؟ فقال : بل القتل ، قال : فإنّ اللّه - تعالى - قد رضى في القتل شاهدين ، ولم يرض في الزنا إلاّ أربعة .
ثمّ قال : إنّ الشاهد على الزنا شهد على إثنين ، وفي القتل على واحد ، لأنّ القتل فعل واحد ، والزنا فعلين .
ثمّ قال : أيّما أعظم عند اللّه الصوم أو الصلاة ؟ قال : لا ، بل الصلاة ، قال : فما بال المرأة إذا حاضت تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ ثمّ قال : لأنّها تخرج إلى صلاة فتداومها ، ولا تخرج إلى صوم .
ثمّ قال : المرأة أضعف أم الرجل ؟ قال : المرأة ، قال : فما بال المرأة - وهي ضعيفة - لها سهم واحد ، والرجل - قوي - له سهمان ؟
ص: 353
ثمّ قال : لأنّ الرجل يجبر على الإنفاق على المرأة ، ولا تجبر المرأة على الإنفاق على الرجل .
ثمّ قال : البول أقذر أم المني ؟ قال : البول ، قال : يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني ، وقد أوجب اللّه الغسل من المني دون البول .
ثمّ قال عليه السلام : لأنّ المني اختيار ، ويخرج من جميع الجسد ، ويكون في الأيّام، والبول ضرورة ، ويكون في اليوم مرّات ، وهو مختار ، والآخر متولج.
قال أبو حنيفة : كيف يخرج من جميع الجسد واللّه يقول : « يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ » ؟
قال أبو عبد اللّه عليه السلام : فهل قال : لا يخرج من غير هذين الموضعين ؟
ثمّ قال عليه السلام : لمَ لا تحيض المرأة إذا حبلت ؟ قال : لا أدري ، قال : حبس اللّه الدم فجعله غذاء للولد .
ثمّ قال : أين مقعد الكاتبَين ؟ قال : لا أدري ، قال : مقعدهما على الناجذين ، والفم الدواة ، واللسان القلم ، والريق المداد .
ثمّ قال : لمَ يضع الرجل يده على مقدّم رأسه عند المصيبة ، والمرأة تضعهما على خدّها ؟ قال : لا أدري ، فقال : اقتداء بآدم وحوّاء عليهماالسلامحيث أهبطا من الجنّة ، أما ترى أنّ من شأن الرجل الاكتباب(1) عند المصيبة ، ومن شأن المرأة رفعها رأسها إلى السماء إذا بكت ؟
ص: 354
ثمّ قال : ما ترى في رجل كان له عبد ، فتزوّج وزوّج عبده في ليلة واحدة ، ثمّ سافرا ، وجعلا امرأتهما في بيت واحد ، فسقط البيت عليهم ،فقتل المرأتين وبقى الغلامين ، أيّهما في رأيك المالك ، وأيّهما المملوك ، وأيّهما الوارث وأيّهما الموروث ؟
ثمّ قال : فما ترى في رجل أعمى فقأ عين صحيح ، وأقطع قطع يد رجل كيف يقام عليهما الحدّ ؟
ثمّ قال : فأخبرني عن قول اللّه - تعالى - لموسى وهارون عليهماالسلام حين بعثهما إلى فرعون : « لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى » ، « لعلّ » منك شكّ ؟ قال : نعم ، قال : وكذلك من اللّه شكّ ، إذ قال : لعلّه ؟
ثمّ قال : أخبرني عن قول اللّه : « وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيّاماً آمِنِينَ » ، أيّ موضع هو ؟ قال : هو ما بين مكّة والمدينة ، قال : نشدتكم اللّه ، هل تسيرون بين مكّة والمدينة تأمنون على دمائكم من القتل وعلى أموالكم من السرقة ؟
ثمّ قال : وأخبرني عن قوله : « وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً » ، أيّ موضع هو ؟ قال : ذاك بيت اللّه الحرام ، فقال : نشدتكم باللّه ، هل تعلمون أنّ عبد اللّه بن الزبير وسعيد بن جبير دخلاه فلم يأمنا القتل ؟
قال : فاعفني يا ابن رسول اللّه .
قال : فأنت الذي تقول : « سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللّهُ » ؟ قال : أعوذ باللّه من هذا القول .
ص: 355
قال: إذا سئلت فما تصنع؟ قال: أجيب عن الكتاب أو السنّة أو الاجتهاد.
قال : إذا اجتهدت من رأيك وجب على المسلمين قبوله ؟ قال : نعم .قال : وكذلك وجب قبول ما أنزل اللّه ، فكأنّك قلت : « سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللّهُ »(1) !
وفي حديث محمد بن مسلم : إنّ الصادق عليه السلام قال لأبي حنيفة : أخبرني عن هاتين الركبتين(2) اللتين في يدي حمارك ليس ينبت عليها شعر ؟ قال أبو حنيفة : خلق كخلق أذنيك في جسدك وعينيك .
فقال له : ترى هذا قياسا ؟! إنّ اللّه - تعالى - خلق أذني لأسمع بهما ، وخلق عيني لأبصر بهما ، فهذا لما خلقه في جميع الدوابّ وما ينتفع به .
فانصرف أبو حنيفة معتبا .
فقلت : أخبرني ما هي ؟ قال : إنّ اللّه - تعالى - يقول في كتابه : « لَقَدْ خَلَقْنَا الإِْنْسانَ فِي كَبَدٍ » يعني منتصبا في بطن أمّه ، غذاؤه من غذائها ممّا تأكل وتشرب ، [ تنسمه(3) تنسيما وميثاقه (4)] بين عينيه ، فإذا أذن اللّه - عزّ وجلّ - في ولادته أتاه ملك يقال له « حيوان » ، فزجره زجرة انقلب
ص: 356
ونسي الميثاق ، وخلق جميع البهائم في بطن أمّهاتهنّ منكوسة ، مؤخّره إلى مقدّم أمّه كما يأخذ الإنسان في بطن أمّه ، فهاتان النكتتان السوداوتان اللتان ترى ما بين الدواب هو موضع عيونها في بطن أمّهاتها ، فليسينبت عليها الشعر ، وهو لجميع البهائم ما خلا البعير ، فإنّ عنق البعير طال ، فتقدّم رأسه بين يديه ورجليه(1) .
النهاية : روى المحاملي عن الرفاعي قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل قبل رجلاً يحفر له بئرا عشرة قامات بعشرة دراهم ، فحفر له قامة ثمّ عجز ؟
قال : تقسم عشرة على خمسة وخمسين جزءا ، فما أصاب واحدا فهو للقامة الأولى ، والإثنين للإثنين ، والثلاثة للثلاثة ، وعلى هذا الحساب إلى عشرة(2) .
وروى فيها : أنّه سئل الصادق عليه السلام عن رجل سارق دخل على امرأة
ص: 357
ليسرق متاعها ، فلمّا جمع الثياب نازعته نفسه ، فكابرها على نفسها ، فواقعها ، فتحرّك ابنها ، فقام فقتله بفأس كان معه ، فلمّا فرغ حمل الثياب ، وذهب ليخرج ، فحملت عليه بالفأس فقتلته ، فجاء أهله يطلبون بدمهمن الغد ؟
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : اقض على هذا كما وصفت لك ، قال : تضمن مواليه الذين طلبوا بدمه دية الغلام ، ويضمن السارق فيما ترك أربعة آلاف درهم لمكابرتها على فرجها ، إنّه زان ، وهو في ماله غرامة ، وليس عليها في قتلها إيّاه شيء لأنّه سارق(1) .
وفيها : إنّه سئل عن رجل تزوّج بامرأة ، فلمّا كانت ليلة البناء بها عمدت المرأة إلى رجل صديق لها فأدخلته الحجلة ، فلمّا كان الرجل يباضع أهله ثار الصديق واقتتلا في البيت ، فقتل الزوج الصديق ، وقامت المرأة فضربت الزوج ضربة فقتلته بالصديق ؟
فقال عليه السلام : تضمن المرأة دية الصديق ، وتقتل بالزوج(2) .
ص: 358
وذكر أبو القاسم البغار في مسند أبي حنيفة : قال الحسن بن زياد : سمعت أبا حنيفة وقد سئل مَن أفقه مَن رأيت ؟ قال : جعفر بن محمد عليهماالسلام ، لمّا أقدمه المنصور بعث إليّ فقال : يا أبا حنيفة ، إنّ الناس قد فتنوا بجعفربن محمد ، فهيّأ له من مسائلك الشداد ، فهيّأت له أربعين مسألة .
ثمّ بعث إليّ أبو جعفر ، وهو بالحيرة ، فأتيته ، فدخلت عليه ، وجعفر عليه السلام جالس عن يمينه ، فلمّا بصرت به دخلني من الهيبة لجعفر عليه السلامما لم يدخلني لأبي جعفر ، فسلّمت عليه ، فأومأ إليّ فجلست .
ثمّ التفت إليه ، فقال : يا أبا عبد اللّه ، هذا أبو حنيفة ، قال : نعم ، أعرفه ، ثمّ التفت إليّ ، فقال : يا أبا حنيفة ، الق على أبي عبد اللّه من مسائلك .
فجعلت ألقي عليه فيجيبني ، فيقول : أنتم تقولون كذا ، وأهل المدينة يقولون كذا ، ونحن نقول كذا ، فربما تابعناكم ، وربما تابعناهم ، وربما خالفنا جميعا ، حتى أتيت على الأربعين مسألة ، فما أخلّ منها بشيء .
ثمّ قال أبو حنيفة : أليس إنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس(1) ؟
أبان بن تغلب في خبر : إنّه دخل يماني على الصادق عليه السلام ، فقال له : مرحبا بك يا سعد ، فقال الرجل : بهذا الاسم سمّتني أمّي ، وقلّ من يعرفني به !
ص: 359
فقال : صدقت يا سعد المولى ، فقال : جعلت فداك ، بهذا كنت ألقّب .
فقال : لا خير في اللّقب ، إنّ اللّه يقول : « وَلا تَنابَزُوا بِالأَْلْقابِ » ، ما صناعتك يا سعد ؟ قال : أنا من أهل بيت ننظر في النجوم .
فقال : كم ضوء الشمس على ضوء القمر درجة ؟ قال : لا أدري .قال : فكم ضوء القمر على ضوء الزهرة درجة ؟ قال : لا أدري .
قال : فكم للمشتري من ضوء عطارد ؟ قال : لا أدري .
قال : فما اسم النجوم التي إذا طلعت هاجت البقر ؟ قال : لا أدري .
فقال : يا أخا أهل اليمن ، عندكم علماء ؟ قال : نعم ، إنّ عالمهم ليزجر الطير ، ويقفو الأثر في الساعة الواحدة مسيرة سير الراكب المجدّ .
فقال عليه السلام : إنّ عالم المدينة أعلم من عالم اليمن ، لأنّ عالم المدينة ينتهي إلى حيث لا يقفو الأثر ، ويزجر الطير ، ويعلم ما في اللحظة مسيرة الشمس تقطع(1) إثني عشر برجا وإثني عشر بحرا ، وإثني عشر عالما .
قال : ما ظننت أنّ أحدا يعلم هذا ويدري(2) .
سالم الضرير : إنّ نصرانيا سأل الصادق عليه السلام تفصيل الجسم ، فقال عليه السلام : إنّ اللّه - تعالى - خلق الإنسان على إثني عشر وصلاً ، وعلى مائتين وستّة
ص: 360
وأربعين عظما ، وعلى ثلاثمائة وستّين عرقا ، فالعروق هي التي تسقي الجسد كلّه ، والعظام تمسكها ، واللحم يمسك العظام ، والعصب يمسك اللحم .
وجعل في يديه إثنين وثمانين عظما ، في كلّ يد أحد وأربعون عظما ، منها في كفّه خمسة وثلاثون عظما ، وفي ساعده إثنان ، وفي عضده واحد ،وفي كتفه ثلاثة ، وكذلك في الأخرى .
وفي رجله ثلاثون وأربعون عظما ، منها في قدمه خمسة وثلاثون عظما ، وفي ساقه إثنان ، وفي ركبته ثلاثة ، وفي فخذه واحد ، وفي وركه إثنان ، وكذلك في الأخرى .
وفي صلبه ثماني عشرة فقارة ، وفي كلّ واحد من جنبيه تسعة أضلاع ، وفي عنقه ثمانية ، وفي رأسه ستّة وثلاثون عظما .
وفي فيه ثمانية وعشرون ، وإثنان وثلاثون .
عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال : تزول الشمس في النصف من حزيران على نصف قدم ، وفي النصف من تموز على قدم ونصف ، وفي النصف من آب على قدمين ونصف ، وفي النصف من أيلول على ثلاثة ونصف ، وفي النصف من تشرين الأوّل على خمسة ونصف ، وفي النصف من تشرين الأخير على سبعة ونصف ، وفي النصف من كانون الأوّل على تسعة ونصف ، وفي النصف من كانون الأخير على سبعة ونصف ، وفي النصف من شباط على خمسة ونصف ، وفي النصف من آذار على ثلاثة
ص: 361
ونصف ، وفي النصف من نيسان على قدمين ونصف ، وفي النصف من أيار على قدم ونصف ، وفي النصف من حزيران على نصف قدم(1) .
يونس في حديثه ، قال : سأل ابن أبي العوجاء أبا عبد اللّه عليه السلام : لما اختلف منيات الناس ، فمات بعضهم بالبطن وبعضهم بالسلّ ؟
فقال عليه السلام : لو كانت العلّة واحدة أمن الناس حتى تجيء تلك العلّة بعينها ، فأحبّ اللّه أن لا يؤمن حال .
قال : ولِمَ يميل القلب إلى الخضرة أكثر ممّا يميل إلى غيرها ؟
قال : من قبل أنّ اللّه - تعالى - خلق القلب أخضر ، ومن شأن الشيء أن يميل إلى شكله .
ويروى : إنّه لمّا جاء إلى أبي عبد اللّه عليه السلام قال له : ما اسمك ؟ فلم يجبه ، وأقبل عليه السلام على غيره ، فانكفى راجعا إلى أصحابه ، فقالوا : ما وراك ؟ قال : شرّ ، ابتدأني فسألني عن اسمي ، فإن كنت قلت : عبد الكريم ، فيقول : من هذا الكريم الذي أنت عبده ؟ فإمّا أقرّ بمليك ، وإمّا أظهر منّي ما أكتم ،
ص: 362
فقالوا : انصرف عنّه(1) .
فلمّا انصرف قال عليه السلام وأقبل ابن أبي العوجاء إلى أصحابه محجوجا قدظهر عليه ذلّة الغلبة .
فقال من قال منهم : إنّ هذه للحجّة الدامغة صدق ، إن لم يكن خير يرجى ولا شرّ يتّقى ، فالناس شرع سواء ، وإن لم يكن منقلب إلى ثواب وعقاب فقد هلكنا .
فقال ابن أبي العوجاء لأصحابه : أو ليس بابن الذي نكّل بالخلق ، وأمر بالحلق ، وشوّه عوراتهم ، وفرّق أموالهم ، وحرّم نسائهم ؟
علي بن محمد عن أبيه رفعه ، قال : قال رجل لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّ الشمس تطلع بين قرني الشيطان ؟
قال : نعم ، إنّ إبليس اتّخذ عرشا بين السماء والأرض ، فإذا طلعت الشمس وسجد في ذلك الوقت الناس قال إبليس : إنّ بني آدم يصلّون لي(2).
معاوية بن عمّار : سئل الصادق عليه السلام : لِمَ لا تجوز المكتوبة في جوف الكعبة ؟
ص: 363
قال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يدخلها في حجّ ولا عمرة ، ولكن دخلها في فتح مكّة ، فصلّى فيها ركعتين بين العمودين ، ومعه أسامة(1) .
وسئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن السعي بين الصفا والمروة فريضة أو سنّة ؟ فقال : فريضة .
قيل : قال اللّه : « فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما » ؟
قال : ذاك عمرة القضاء ، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام عن الصفا والمروة ، فتشاغل رجل حتى انقضت الأيّام ، فأعيدت الأصنام ، فجاؤوا إليه فقالوا : يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّ فلانا لم يسع بين الصفا والمروة ، وقد أعيدت الأصنام ، فأنزل اللّه : « فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما » ، أي : وعليهما الأصنام(2) .
امرأة أوصت بثلثها يتصدّق به عنها ويحجّ عنها ويعتق بها ، فلم يسع المال ذلك ؟
ص: 364
فسئل أبو حنيفة وسفيان الثوري ، فقال كلّ واحد منهما : انظر إلى رجل قد حجّ فقطع به فيقوى ، ورجل قد سعى في فكاك رقبة ، فبقي عليهشيء فيعتق ، ويتصدّق بالبقيّة .
فسأل معاوية بن عمّار أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك ، فقال : إبدأ بالحجّ ، فإنّ الحجّ فريضة ، وما بقي فضعه في النوافل .
فبلغ ذلك أبا حنيفة ، فرجع عن مقاله(1) .
وقال بعض الخوارج لهشام بن الحكم : العجم تتزوّج في العرب ؟ قال : نعم .
قال : فالعرب تتزوّج في قريش؟ قال : نعم .
قال : فقريش تتزوّج في بني هاشم ؟ قال : نعم .
فجاء الخارجي إلى الصادق عليه السلام ، فقصّ عليه ، ثمّ قال : أسمعه منك ؟ فقال عليه السلام : نعم ، قد قلت ذاك .
قال الخارجي : فها أنا ذا قد جئتك خاطبا ، فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام : إنّك لكفو في دينك ! وحسبك في قومك ، ولكنّ اللّه - عزّ وجلّ - صاننا عن الصدقات ، وهي أوساخ أيدي الناس ، فنكره أن نشرك فيما فضّلنا اللّه به مَن لم يجعل اللّه له مثل ما جعل لنا .
ص: 365
فقام الخارجي وهو يقول : باللّه ما رأيت رجلاً مثله ، ردّني - واللّه - أقبح ردّ ، وما خرج من قول صاحبه(1) .
وقال عمرو بن المقدام : نادى رجل بأبي جعفر [ المنصور ] : يا أمير المؤمنين ، إنّ هذين الرجلين طرقا أخي ليلاً ، فأخرجاه من منزله ، فلم يرجع إليّ ، فواللّه ما أدري ما صنعا به ، فقالا : يا أمير المؤمنين ، كلّمناه ، ثمّ
رجع إلى منزله .
فتقدّم إلى الصادق عليه السلام ، فقال : يا غلام ، اكتب :
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : كلّ من طرق رجلاً بالليل ، فأخرجه من منزله ، فهو له ضامن إلى أن يقيم البيّنة ، إنّه قد ردّه إلى منزله ، قم - يا غلام - نحّ هذا فاضرب عنقه .
فقال : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ما قتلته ، ولكن أمسكته ، ثمّ جاء هذا فوجأه فقتله .
فقال : أنا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، يا غلام نحّ هذا فاضرب عنق الآخر .
فقال : يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، واللّه ما عذّبته ، ولكن قتلته بضربة واحدة .
فأمر أخاه فضرب عنقه ، ثمّ أمر بالآخر فضرب جنبيه ، وحبسه
ص: 366
في السجن ، ووقع على رأسه يحبس عمره ، ويضرب كلّ سنة خمسين جلدة(1) .
وسئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن أربعة أنفس قتلوا رجلاً ، مملوك وحرّ وحرّة ومكاتب قد أدّى نصف مكاتبته .
فقال : عليهم الديّة ، على الحرّ ربع الديّة ، وعلى الحرّة ربع الديّة ، وعلى المملوك أن يخيّر مولاه ، فإن شاء أدّى عنه ، وإن شاء دفعه برمّته ، لا يغرم أهله شيئا ، والمكاتب في ماله نصف الربع ، وعلى الذي كاتبه نصف الربع ، فذلك الربع ، لأنّه قد أعتق نفسه(2) .
وفي مسائل الخلاف : سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن سبب التياسر في الصلاة لأهل العراق ، فقال : إنّ الحجر الأسود لمّا أنزله اللّه من الجنّة ووضع في موضعه جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه نور الحجر ، فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال ، وعن يسارها ثمانية أميال ، كلّه إثنا عشر ميلاً ،
ص: 367
فإذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن حدّ القبلة ، لقلّة أنصاب الحرم ، وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حدّ القبلة(1) .
علل الشرائع عن أبي جعفر القمّي : الصادق عليه السلام في خبر طويل يذكر فيه حديث المعراج :
قال النبي صلى الله عليه و آله : فنزل الماء من ساق العرش ، فتلقّيته باليمين ، فمن أجل ذلك أوّل الوضوء باليمين(2) .
السكوني : سئل الصادق عليه السلام عن الغائط ، فقال : تصغير لابن آدم لكي لا يتكبّر ، وهو يحمل غائطه معه(3) .
عمرو بن عبيد سأل أبا عبد اللّه عليه السلام : ما بال الرجل إذا أراد الحاجة إنّما ينظر إلى سفليه ، وما يخرج من ثمّ ؟
ص: 368
فقال : إنّه ليس من أحد يريد ذلك إلاّ وكّل اللّه - عزّ وجلّ - ملكا يأخذ بضبعه ليريه ما يخرج منه أحلال أم حرام(1) .
المفضّل بن عمر ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن علّة التسليم في الصلاة ؟
قال : إنّه تحليل الصلاة ، قلت : فالالتفات إلى اليمين ؟ قال : لأنّ الملك الموكّل يكتب الحسنات على اليمين(2) .
وعنه عليه السلام : [ أنّه سئل لأيّ علّة يكبّر المصلّي بعد التسليم ثلاثا يرفع بها يديه ، فقال عليه السلام : ] لمّا فتح اللّه للنبي صلى الله عليه و آله مكّة صلّى مع أصحابه الظهر عند الحجر الأسود ، فلمّا سلّم رفع يديه وكبّر ثلاثا وقال : لا إله إلاّ اللّه وحده وحده أنجز وعده . . الدعاء(3) .
الصادق عليه السلام : إنّما جعل العاهات في أهل الحاجة لئلاّ تستر ، ولو جعلت
ص: 369
في الأغنياء لسترت(1) .
وفي رواية : هم الذين يأتي آباؤهم نساءهم في الطمث(2) .
قال أبو عبد اللّه عليه السلام : إنّ للّه - عزّ وجلّ - ماء عذبا ، فخلق منه أهل طاعته ، وخلق ماء مرّا ، فخلق منه أهل معصيته ، ثمّ أمرهما فاختلطا ، فلولا ذلك ما ولد المؤمن إلاّ مؤمنا ، ولا الكافر إلاّ كافرا(3) .
وحدّث أبو هفان - وابن ماسويه حاضر - : إنّ جعفر بن محمد عليهماالسلام قال : الطبائع أربع : الدم ، وهو عبد ، وربما قتل العبد سيّده ، والريح ، وهو عدوّ إذا سدّدت له بابا أتاك من آخر ، والبلغم ، وهو ملك يدارى ، والمرّة ، وهي الأرض إذا رجفت رجفت بمن عليها .
فقال : أعد عليّ ، فواللّه ما يحسن جالينوس أن يصف هذا الوصف(4) .
ص: 370
وفي خبر الربيع : إنّه قرأ هندي عند المنصور كتب الطبّ - وعنده الصادق عليه السلام - ، فجعل ينصب لقراءته .فلمّا فرغ قال : يا أبا عبد اللّه عليه السلام ، أتريد ممّا معي شيئا ؟ قال : لا ، لأنّ ما معي خير ممّا هو معك ، قال : ما هو ؟!
قال : أداوي الحارّ بالبارد ، والبارد بالحارّ ، والرطب باليابس ، واليابس بالرطب ، وأردّ الأمر كلّه إلى اللّه ، وأستعمل ما قاله رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأعلم أنّ المعدة بيت الأدواء ، وأنّ الحميّة هي الدواء ، وأعود البدن ما اعتاد ، قال : وهل الطبّ إلاّ هذا ؟
قال الصادق عليه السلام : أفتراني عن كتب الطبّ أحدّث(1) ؟ [ قال : نعم ، قال : (2)] لا - واللّه - ما أخذت إلاّ عن اللّه - سبحانه وتعالى - ، فأخبرني : أنا أعلم بالطبّ أم أنت ؟
قال : بل أنا ، قال : فأسألك ، قال : سل ، فسأله عشرين مسألة ، وهو يقول : لا أعلم ، فقال الصادق عليه السلام : لكنّي أعلم .
وهذه أجوبة الصادق عليه السلام :
كان في الرأس شؤون ، لأنّ المجوّف إذا كان بلا فصل أسرع إليه الصدع ، فإذا جعل ذا فصول كان الصدع منه أبعد .
ص: 371
وجعل الشعر من فوقه ، ليصل(1) بأصوله الأدهان إلى الدماغ ، ويخرج بأطرافه البخار منه ، ويردّ الحرّ والبرد الواردين عليه .
وخلت الجبهة من الشعر ، لأنّها مصبّ النور إلى العينين .
وجعل فيها التخطيط والأسارير ، ليحبس العرق الوارد من الرأس عن العين قدر ما يميطه الإنسان عن نفسه ، كالأنهار في الأرض التي تحبس المياه .
وجعل الحاجبان من فوق العينين ليردّا عليهما من النور قدر الكفاية ، ألا ترى - يا هندي - أنّ من غلبه النور جعل يده على عينيه ، ليرد عليهما قدر كفايتهما منه ؟
وجعل الأنف فيما بينهما ليقسّم النور قسمين ، إلى كلّ عين سواء ، وجعلت العين كاللوزة ليجري فيها الميل بالدواء ويخرج منها الداء ، ولو كانت مربّعة أو مدوّرة ما جرى فيها الميل ، ولا وصل إليها دواء ، ولا خرج منها داء .
وجعل ثقب الأنف في أسفله لينزل منه الأدواء المنحدرة من الدماغ ، وتصعد فيه الأراييح إلى المشام ، ولو كان في أعلاه لما نزل داء ، ولا وجد رائحة .
وجعل الشارب والشفة فوق الفم ليحبسان ما ينزل من الدماغ عن الفم ، لئلاّ يتنغّص على الإنسان طعامه وشرابه ، فيميطه عن نفسه .
ص: 372
وجعل اللحية للرجل ليستغني بها عن الكشف في المنظر ، ويعلم بها الذكر من الأنثى .
وجعل السنّ حادّا ، لأنّ بها يقع العضّ ، وجعل الضرس عريضا ، لأنّ به يقع الطحن والمضغ ، وجعل الناب طويلاً ، لتشدّ الأضراس والأسنان كالأسطوانة في البناء .وخلا الكفّان من الشعر ، لأنّ بهما يقع اللمس ، فلو كان فيهما شعر ما درى الإنسان ما يقابله ويلمسه .
وخلا الشعر والظفر من الحياة ، لأنّ طولهما سمج وقصّهما حسن ، فلو كان فيهما حياة لآلم الإنسان لقصّهما .
وكان القلب كحبّ الصنوبر ، لأنّه منكّس ، فجعل رأسه دقيقا ليدخل في الرئة فتروح عنه ببردها ، لئلاّ يشيط الدماغ لحرّه .
وجعلت الرئة قطعتين ليدخل بين مضاغطها الرئة ، فتروح عنه بحركتهما .
وكانت الكبد حدباء لثقل المعدة ، وتقع جميعها عليها فيعصرها فيخرج ما فيها من البخار .
وجعلت الكلية كحبّة اللوبيا ، لأنّ عليها مصبّ المني نقطة بعد نقطة ، فلو كانت مربّعة أو مدوّره لحبست النقطة الأولى إلى الثانية ، فلا يتلذّذ بخروجها الحيّ ، إذ المني ينزل من فقار الظهر ، فهي كالدودة تنقبض وتنبسط ترميه أوّلاً فأوّلاً إلى المثانة كالبندقة من القوس .
وجعل طيّ الركبة إلى خلف ، لأنّ الإنسان يمشي إلى بين يديه ، فتعتدل الحركات ، ولولا ذلك لسقط في المشي .
ص: 373
وجعل القدم متخصّرة ، لأنّ الشيء إذا وقع على الأرض جميعه ثقل ثقلَ حجر الرحا ، فإذا كان على حرف رفعه الصبي ، وإذا وقع على وجهه صعب نقله على الرجل .
فقال الهندي : من أين لك هذا العلم ؟ فقال : أخذته عن آبائي عليهم السلام عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن جبرئيل عليه السلام عن ربّ العالمين الذي خلق الأجساموالأرواح .
فقال الهندي : صدقت ، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعبده ، وأنّك أعلم أهل زمانك(1) .
ومن علل الشرائع تصنيفي القزويني والقمّي : قال رجل للصادق عليه السلام : إنّي لأحزن وأفرح من غير أن أعرف لذلك سببا !
فقال عليه السلام : إنّ ذلك الحزن والفرح يصل إليكم منّا ، لأنّا إذا دخل علينا حزن أو سرور كان ذلك داخلاً عليكم ، لأنّا وإيّاكم من نور اللّه خلقنا ، وطينتنا وطينتكم واحدة ، ولو تركت طينتكم كما أخذت لكنّا وأنتم سواء ، ولكن مزجت طينتكم بطينة أعدائكم ، فلولا ذلك ما أذنبتم ذنبا واحدا(2) .
ص: 374
وسأله عليه السلام أبو عبد الرحمن عن ذلك ، فقال : إنّه ليس من أحد إلاّ ومعه ملك وشيطان ، فإذا كان فرح كان دنوّ الملك منه ، وإذا كان حزن كان دنوّ الشيطان منه ، وذلك قول اللّه - عزّ وجلّ - : « الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً »(1) .
وسأله أبو بصير عن علّة سرعة الفهم وإبطائه ، فقال : أمّا الذي إذا قلت له أوّل الشيء فعرف آخره ، فذلك الذي عجن عقله بالنطفة التي منها خلق من بطن أمّه ، وأمّا الذي إذا قلت له الشيء من أوّله إلى آخره ففهمه ، فذلك الذي ركب فيه العقل في بطن أمّه ، وأمّا الذي تردّد عليه الشيء مرارا فلا يفهمه ، فذاك الذي ركب فيه العقل بعد ما كبر(2) .
كافي الكليني : قال زرارة : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : هل على البغال شيء ؟ فقال : لا ، فقلت : كيف صار على الخيل ولم يصر على البغال ؟
فقال : لأنّ البغال لا تلقح والخيل الإناث ينتجن ، وليس على الخيل الذكورة شيء(1) .
مالك بن أعين عن أبي عبد اللّه عليه السلام في أمة بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه ، فلمّا سمع ذلك منه شريكه وثب على الأمة فافتضّها من يومه .
فقال : يضرب الرجل الذي افتضّها خمسين جلدة ، ويطرح عنه خمسون جلدة لحقّه فيها ، وتغرم الأمة عشر قيمتها لموافقتها إيّاه ، وتستسعى(2) في الباقي(3) .
وشتم رجل النبي صلى الله عليه و آله فسأل الوالي عبد اللّه بن الحسن والحسن بن زيد وغيرهما ، فقالوا : يقطع لسانه ، وقال ربيعة الرازي وأصحابه : يؤدّب .
ص: 376
فقال الصادق عليه السلام : أرأيتم لو ذكر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله ما كان الحكم فيه ؟ قالوا : مثل هذا ، قال : فليس بين النبي صلى الله عليه و آله وبين رجل من أصحابه فرق ؟
فقال الوالي : كيف الحكم ؟ قال : أخبرني أبي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : الناس في إسوة سواء ، من سمع أحدا يذكرني فالواجب عليه أن يقتل من شتمني ، ولا يرفع إلى السلطان ، فالواجب على السلطان إذا رفع إليه أن يقتل من نال منّي .فقال الوالي : أخرجوا الرجل فاقتلوه بحكم أبي عبد اللّه عليه السلام(1) .
ابن جرير بن رستم الطبري عن إسماعيل الطوسي عن أحمد البصري عن أبيه عن أبي حبيش الكوفي قال : حضرت مجلس الصادق عليه السلام ، وعنده جماعة من النصارى ، فقالوا : فضل موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه و آله سواء ، لأنّهم أصحاب الشرائع والكتب .
فقال الصادق عليه السلام : إنّ محمدا صلى الله عليه و آله أفضل منهما وأعلم ، ولقد أعطاه اللّه - تعالى - من العلم ما لم يعط غيره .
فقالوا : آية من كتاب اللّه نزلت في هذا ؟
قال : نعم ، قوله تعالى : « وَكَتَبْنا لَهُ فِي الأَْلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ » ، وقوله
ص: 377
لعيسى : « وَلأُِبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ » ، وقوله للسيّد المصطفى : « وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ » ، وقوله : « لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً » ، فهو - واللّه - أعلم منهما ، ولو حضر موسى وعيسى عليهماالسلام
بحضرتي وسألاني لأجبتهما ، وسألتهما ما أجابا .
التهذيب : قال ابن أبي يعفور : سأل رجل فرّاء(1) الصادق عليه السلام عن الخزّ ؟ قال : لا بأس بالصلاة فيه ، فقال الرجل : [ إنّه ميت ، و ]أنا أعرف الناس به ، فقال الصادق عليه السلام : أنا أعرف به منك ، تقول : إنّه دابّة تخرج من الماء ، وتصاد من الماء ، فإذا فقد الماء مات ، وإنّه دابّة تمشي على أربع - وليس هو [ في ] حدّ الحيتان - فيكون خروجه من الماء ذكاته ، فقال الرجل : إي - واللّه - هكذا أقول .
فقال عليه السلام : إنّ اللّه - تعالى - أحلّه ، وجعل ذكاته موته ، كما أحلّ الحيتان ، وجعل ذكاتها موتها(2) .
أتى الربيع أبا جعفر المنصور ، وهو في الطواف ، فقال : يا أمير المؤمنين ، مات فلان - مولاك - البارحة ، فقطع فلان رأسه بعد موته .
ص: 378
قال : فاستشاط وغضب ، وقال لابن شبرمة وابن أبي ليلى ، وعدّة من القضاة والفقهاء : ما تقولون في هذا ؟ فكلّ قال : ما عندنا في هذا شيء .
فكان يقول : أقتله أم لا ؟ فقالوا : قد دخل جعفر الصادق عليه السلام في السعي ، فقال المنصور للربيع : اذهب إليه وسله عن ذلك .
فقال عليه السلام : فقل له : عليه مائة دينار ، قال : فأبلغه ذلك ، فقالوا له : فأسأله كيف صار عليه مائة دينار .فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : في النطفة عشرون ، وفي العلقة عشرون ، وفي المضغة عشرون ، وفي العظم عشرون ، وفي اللحم عشرون ، ثمّ أنشأه خلقا آخر ، وهذا وهو ميت بمنزلة قبل أن ينفخ الروح في بطن أمّه ، جنين .
قال : فرجع إليه فأخبره بالجواب فأعجبهم ذلك ، فقالوا : ارجع إليه وسله الديّة لمن هي ، لورثته أم لا ؟
فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : ليس لورثته فيها شيء ، لأنّه أتى إليه في بدنه بعد موته ، يحجّ بها عنه ، أو يتصدّق بها عنه ، أو تصير في سبيل من سبل الخير(1) .
كافي الكليني : محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه في رجل قال لامرأته : يا زانية ، أنا زنيت بك .
ص: 379
قال : عليه حدّ واحد لقذفه إيّاها ، وأمّا قوله : أنا زنيت بك فلا حدّ فيه إلاّ أن يشهد على نفسه أربع شهادات بالزنا عند الإمام(1) .
وسئل الصادق عليه السلام : لمَ حرّم اللّه الزنا ؟قال : لما فيه من الفساد ، وذهاب المواريث ، وانقطاع الأنساب ، لا تعلم المرأة في الزنا مَن أحبلها ، ولا المولود يعلم من أبوه ، ولا أرحام موصولة ، ولا قرابة معروفة(2) .
وسئل عليه السلام : لمَ حرّم اللواط ؟
قال : من أجل أنّه لو كان إتيان الغلام حلالاً لاستغنى الرجال عن النساء ، فكان فيه قطع النسل ، وتعطيل الفروج ، وكان في إجازة ذلك فساد كثير(3) .
وسئل عليه السلام : لم حرّم الربا ؟
ص: 380
فقال : هو المصلحة التي علمها اللّه سبحانه ، والفصل بينه وبين البيع ، ولأنّه يدعو إلى العدل ويحضّ عليه ، ولأنّه يدعو إلى مكارم الأخلاق بالإقراض ، وانتظار المعسر(1) .
وفي امتحان الفقهاء : رجل صانع قطع عضو صبي بأمر أبيه ، فإن مات فعليه نصف الديّة ، وإن عاش فعليه الديّة كاملة ، وهذا حجّام قطع حشفة صبي ، وهو يختنه ، فإن مات فعليه نصف الديّة ، ونصف الديّة على أبيه ، لأنّه شاركه في موته ، وإن عاش فعليه الديّة كاملة ، لأنّه قطع النسل ، وبه ورد الأثر عن الصادق عليه السلام .
وفيه : إنّ رجلاً حضرته الوفاة فأوصى : إنّ غلامي يسار - هو ابني - فورّثوه ، وغلامي يسار فاعتقوه ، فهو حرّ ؟
الجواب : يسأل أيّ الغلامين كان يدخل عليهنّ ، فيقول أبوهم : لا يستترنّ منه فإنّما هو ولده ؟
فإن قال أولاده : إنّما أبونا قال : لا يستترنّ منه ، فإنّه نشأ في حجورنا وهو صغير ، فيقال لهم : أفيكم أهل البيت علامة ؟
ص: 381
فإن قالوا : نعم ، نظر ، فإن وجدت تلك العلامة بالصغير فهو أخوهم ، وإن لم توجد فيه يقرع بين الغلامين ، فأيّهما خرج سهمه فهو حرّ(1) ، بالمروي عنه عليه السلام .
وسأل زنديق الصادقَ عليه السلام فقال : ما علّة الغسل من الجنابة ، وإنّما أتى حلالاً وليس في الحلال تدنيس ؟
فقال عليه السلام : لأنّ الجنابة بمنزلة الحيض ، وذلك أنّ النطفة دم لم يستحكم ، ولا يكون الجماع إلاّ بحركة غالبة ، فإذا فرغ تنفّس البدن ، ووجد الرجل من نفسه رائحة كريهة ، فوجب الغسل لذلك ، غسل الجنابة أمانة ائتمن اللّه عليها عبيده ليختبرهم بها(2) .
هاشم الخفّاف قال لأبي عبد اللّه عليه السلام : أنا أبصر بالنجوم في العراق ، فقال عليه السلام : كيف دوران الفلك عندكم ؟ قال : فأخذت قلنسوتي عن رأسي فأدرتها ، فقال : إن كان الأمر على ما تقول ، فما بال بنت النعش والجدي والفرقدين لاتدور يوما من الدهر في القبلة؟ قال: واللّه، هذا شيء لا أعرفه.
ص: 382
فقال عليه السلام : كم السكينة من الزهرة جزءا من الشمس في ضوئها ؟ قال : هذا شيء لا يعلمه إلاّ اللّه - عزّ وجلّ - .
قال : فكم القمر جزءا من الشمس ؟ قال : ما أعرف .
قال عليه السلام : فما بال العسكرين يلتقيان ، في هذا حاسب ، وفي هذا حاسب ، فيحسب هذا لصاحبه بالظفر ، ويحسب هذا لصاحبه بالظفر ، ثمّ يلتقيان فيهزم أحدهما الآخر ؟ فأين كانت النحوس ؟ قال : لا أعلم .
قال عليه السلام : صدقت ، إنّ أصل الحساب حقّ ، ولكن لا يعلم ذلك إلاّ من علم مواليد الخلق كلّهم(1) .
أبو بصير : رأيت رجلاً يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن النجوم ، فلمّا خرج من عنده قلت له : هذا علم له أصل ؟ قال : نعم ، قلت : حدّثني عنه .
قال : أحدّثك عنه بالسعد ، ولا أحدّثك بالنحس ، إنّ اللّه - جلّ اسمه - فرض صلاة الفجر لأوّل ساعة ، فهو فرض ، وهي سعد ، وجعل الظهر لسبع ساعات ، وهو فرض ، وهي سعد ، وجعل العصر لتسع ساعات ، وهو فرض ، وهي سعد ، والمغرب لأوّل ساعة من الليل ، وهو فرض ، وهي سعد ، والعتمة لثلاث ساعات ، وهو فرض ، وهي سعد(2) .
ص: 383
الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : لمّا هبط آدم عليه السلام من الجنّة ظهرت به شامة سوداء في وجهه من قرنه إلى قدمه ، فطال حزنه وبكاؤه على ما ظهر به ، فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال : ما يبكيك يا آدم ؟ قال : لهذه الشامة التي ظهرت بي .
قال : قم - يا آدم - فصلّ ، فهذا وقت الأولى ، فقام فصلّى فانحطّتالشامة إلى عنقه .
فجاءه في الصلاة الثانية ، فقال : يا آدم ، قم فصلّ فهذا وقت الصلاة الثانية ، فقام فصلّى ، فانحطّت الشامة إلى سرّته .
فجاءه في الصلاة الثالثة ، فقال : يا آدم ، قم فصلّ فهذا وقت الصلاة الثالثة ، فقام فصلّى ، فانحطّت الشامة إلى ركبتيه .
فجاءه في الصلاة الرابعة ، فقال : يا آدم ، قم فصلّ فهذا وقت الصلاة الرابعة ، فقام فصلّى ، فانحطّت الشامة إلى رجليه .
فجاءه في الصلاة الخامسة ، فقال : يا آدم ، قم فصلّ فهذا وقت الصلاة الخامسة ، فقام فصلّى فخرج منها ، فحمد اللّه وأثنى عليه .
فقال : يا آدم ، مثل ولدك في هذه الصلاة كمثلك في هذه الشامة ، من صلّى من ولدك في كلّ يوم خمس صلوات خرج من ذنوبه كما خرجت من هذه الشامة(1) .
ص: 384
من لا يحضره الفقيه ، وتهذيب الأحكام : سئل الصادق عليه السلام : لمَ لا يقصّر المغرب ؟
فقال : إنّ اللّه - تعالى - أنزل على نبيّه كلّ صلاة ركعتين ، فأضاف إليها رسول اللّه صلى الله عليه و آله لكلّ صلاة ركعتين في الحضر ، وقصّر فيها في السفر إلاّ المغرب والغداة .فلمّا صلّى المغرب بلغه مولد فاطمة عليهاالسلام ، فأضاف إليها ركعة شكرا للّه ، فلمّا أن ولد الحسن عليه السلام أضاف إليها ركعتين شكرا للّه ، فلمّا أن ولد الحسين عليه السلام أضاف إليها ركعتين ، فقال : « لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُْنْثَيَيْنِ » ، فتركها على حالها في السفر والحضر(1) .
الصادق عليه السلام : كان البراء بن معرور الأنصاري بالمدينة ، وكان النبي صلى الله عليه و آله
بمكّة والمسلمون يصلّون إلى بيت المقدس ، فأوصى إذا دفن أن يجعل وجهه إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فجرت به السنّة ، ونزل به الكتاب(2) .
ص: 385
وسئل الصادق عليه السلام عن علّة تقليب [ النبي صلى الله عليه و آله ] الرداء في الاستسقاء ؟ فقال : علامة بينه وبين أصحابه تحوّل الجدب خصبا(1) .
وسأل زيد الشحّام أبا عبد اللّه عن كيفيّة قوله صلى الله عليه و آله : نيّة المؤمن خير من عمله ؟
قال : لأنّ العمل ربما كان رياء للمخلوقين ، والنيّة خالصة لربّ العالمين ، فيعطي اللّه - عزّ وجلّ - على النيّة ما لا يعطي على العمل(2) .
قال مسمع : قلت لجعفر بن محمد عليهماالسلام : لمَ خلّد أهل الجنّة فيها ، وإنّما كانت أعمارهم قصيرة ، وآثارهم يسيرة ؟ ولم خلّد أهل النار ، وهم كذلك ؟
فقال عليه السلام : لأنّ أهل الجنّة يرون أن يطيعوه أبدا ، وأهل النار يرون أن يعصوه أبدا ، فلذلك صاروا مخلّدين(3) .
ص: 386
الحسن بن الوليد : سئل أبو عبد اللّه عليه السلام : لأيّ علّة يربّع القبر ؟ قال : لعلّة البيت ، لأنّه نزل مربّعا(1) .
سأل زنديق أبا جعفر الأحول : كيف صارت الزكاة من كلّ ألف خمسةوعشرين ؟ فقال : إنّما مثل ذلك مثل الصلوات ثلاث وإثنتان وأربع ، قال : فقبل منه .
قال الأحول : فسألت ذلك أبا عبد اللّه عليه السلام ، فقال : إنّ اللّه - تعالى - خلق الخلق كلّهم صغيرهم وكبيرهم ، وعلم فقيرهم وغنيّهم ، وجعل من كلّ ألف إنسان خمسة وعشرين فقيرا ، ولو علم أنّ ذلك لا يسعهم لزادهم ، لأنّه خالقهم ، وهو أعلم بهم(2) .
وكتب المنصور إلى محمد بن خالد القشيري : أن اجمع فقهاء المدينة ، فسلهم عن علّة الزكاة : لِمَ صارت من المائتين خمسة على وزن سبعة ؟ وليكن فيمن يسأل عبد اللّه بن الحسن وجعفر بن محمد عليهماالسلام ، فإن أجابوا ، وإلاّ فاضرب جعفر بن محمد عليهماالسلام على تضييع علم آبائه خمسين درّة !!!
ص: 387
قال : فجمعهم وسألهم عن ذلك فلم يعرفوا ، قال جعفر بن محمد الصادق عليه السلام:إنّ اللّه فرض الزكاة على الناس، وكان الناس - يومئذٍ - يتعاملون بالأواقي بالذهب والفضّة، فأوجب رسول اللّه صلى الله عليه و آله في كلّ أربعين أوقية أوقية ، فإذا حسبت ذلك وجدت من المائتين خمسة - لا أقلّ ولا أكثر - على وزن سبعة ، وكانت قبل اليوم على وزن ستّة حين كانت الدراهم خمسة دوانيق .
فقال عبد اللّه بن الحسن : من أين لك هذا ؟ قال : قرأته في كتاب أمّك فاطمة عليهاالسلام ، ثمّ انصرف .فبعث إليه القشيري : ابعث إليّ كتاب فاطمة عليهاالسلام ، فقال : إنّي إنّما أخبرتك أنّي قرأته ، ولم أخبرك أنّه عندي ، قال : فجعل القشيري يقول : ما رأيت مثل هذا قطّ(1) .
وفي كتاب الرضا عليه السلام : إنّ علّة الزكاة من أجل قوت الفقراء ، وتحصين أموال الأغنياء(2) .
سأل هشام بن الحكم الصادق عليه السلام عن علّة الصيام ؟ فقال : إنّما فرض الصيام ليسوّي بين الغني والفقير(3) .
ص: 388
وسأله أبان بن تغلب عن استلام الحجر ؟ فقال : إنّ آدم عليه السلام شكا إلى ربّه الوحشة في الأرض ، فنزل جبرئيل عليه السلام بياقوتة من الجنّة كان آدم عليه السلام إذا مرّ بها في الجنّة ضربها برجله ، فلمّا رآها عرفها فبادر فقبّلها ، ثمّ صار الناس يلثمون الحجر(1) .
ص: 389
ص: 390
وقال الصادق عليه السلام : كان موضع الكعبة ربوة من الأرض بيضاء تضييء كما تضييء الشمس والقمر ، حتى قتل ابنا آدم أحدهما صاحبه فاسودّت .
قال : ولمّا نزل آدم عليه السلام رفع اللّه له الأرض كلّها حتى رآها ، ثمّ قال : هذه لك كلّها ، قال : يا ربّ ما هذه الأرض البيضاء المنيرة ؟ قال : حرمي في أرضي وقد جعلت عليك أن تطوف بها كلّ يوم سبعمائة(1) طواف(2) .
ص: 391
زياد السكوني ، سأل الصادق عليه السلام : ما بال البدنة تقلّد النعل وتشعر ؟
فقال : أمّا النعل ، فيعرف أنّها بدنة ، ويعرف صاحبها بنعله ، وأمّا الإشعار ، فإنّه يحرم ظهرها على صاحبها حيث يشعرها ولا يستطيع الشيطان أن يتسنّمها(1) .
وسئل الصادق عليه السلام : ما بال النبي صلى الله عليه و آله حلّ له النساء ، ولم يطف بالبيت
عام الحديبيّة ، وإنّ الحسن بن علي عليهماالسلام مرض بالسقيا(2) ، فخرج علي عليه السلام في طلبه ، فدعا ببدنة فنحرها ، وحلق رأسه وردّه إلى المدينة ، وما حلّ له النساء ؟ فقال : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله مصدودا ، وكان الحسن عليه السلام(3) محصورا(4) .
وسئل عليه السلام : لأيّ علّة أحرم النبي صلى الله عليه و آله من الشجرة ؟ قال : لأنّه أسري به
ص: 392
إلى السماء وصار بحذاء الشجرة ، وكانت الملائكة تأتي البيت المعمور بحذاء المواضع التي هي مواقيت سوى الشجرة ، وكان الموضع الذي بحذاءالشجرة نودي : يا محمد ، قال : لبّيك ، قال : ألم أجدك يتيما فآويت ووجدتك ضالاًّ فهديت ؟ قال النبي صلى الله عليه و آله : الحمد للّه والمنّة لك والملك ، لا شريك لك ، فلذلك أحرم من الشجرة والمواضع كلّها(1) .
قال أبو كهمس : قال لي الصادق عليه السلام : [ يشهد محمد بن مسلم الثقفي عند ابن أبي ليلى فيردّ شهادته ؟ فقلت : نعم ، فقال : ] إذا صرت إلى الكوفة ، فائت ابن أبي ليلى فقل له : أسألك عن ثلاث مسائل ، لا تفتني فيها بالقياس ، ولا تقل : قال أصحابنا ، ثمّ سله عن الرجل يسلّم في الركعتين الأوّلتين من الفريضة ، وعن رجل يصيب ثيابه البول كيف يغسله ، وعن الرجل يرمي الجمار بسبع حصيات فيسقط منه واحدة ، كيف يصنع ؟ فإذا لم يكن عنده فيها شيء ، فقل له : يقول لك جعفر بن محمد عليهماالسلام : ما حملك على أن رددت شهادة رجل أعرف بأحكام اللّه منك ، وأعلم بسيرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله منك ؟!
قال أبو كهمس : ففعلت كما أمرني الصادق عليه السلام ، فلمّا عجز قلت : يقول لك جعفر بن محمد عليهماالسلام : ما حملك أن رددت شهادة رجل أعرف منك
ص: 393
بأحكام اللّه ، وأعرف بسنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله منك ؟ قال : ومن هو ؟ قلت : محمد بن مسلم ، قال : فأرسل إلى محمد بن مسلم فأجاز شهادته(1) .
وسأله أبو حنيفة عن قوله : « وَاللّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ » ، فقال : ما تقول فيها يا أبا حنيفة ؟ فقال : أقول : إنّهم لم يكونوا مشركين ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : قال اللّه تعالى : « انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ » ٔ
فقال : ما تقول فيها يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقال : هؤلاء قوم من أهل القبلة أشركوا من حيث لا يعلمون .
وسأله عبّاد المكّي عن رجل زنى وهو مريض ، فإن أقيم عليه الحدّ خافوا أن يموت ، ما تقول فيه ؟
فقال : هذه المسألة من تلقاء نفسك أو أمرك بها إنسان ؟ فقال : إنّ سفيان الثوري أمرني بها .
فقال عليه السلام : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أتي برجل أحبن(2) قد استسقى ببطنه ،
ص: 394
وبدت عروق فخذيه ، وقد زنى بامرأة مريضة ، فأمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأتي بعرجون فيه مائة شمراخ ، فضربه به ضربة ، وخلّى سبيلهما ، وذلكقوله : « وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ »(1) .
وحكم عليه السلام في امرأة حبلى قتلت ، قال : لا يقتصّ منها حتى تضع .
وقال إسحاق بن عمّار للصادق عليه السلام : كيف صار في الخمر ثمانون ، وفي الزنا مائة ؟ قال : لتضييع النطفة ، ولوضعه إيّاها في غير موضعها(1) .
غياث بن إبراهيم : قال الصادق عليه السلام : إنّ المرأة خلقت من الرجل ، فإنّما همّتها في الرجال ، فاحبسوا نساءكم ، وإنّ الرجل خلق من الأرض ، فإنّما همّته الأرض(2) .
الحسين بن المختار : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن مهر السنّة ؟ قال : خمسمائة ، قلت : لِمَ صار خمسمائة ؟
قال : إنّ اللّه أوجب على نفسه أن لا يحمده مؤمن مائة تحميدة ، ويسبّحه مائة تسبيحة ، ويهلّله مائة تهليلة ، ويكبّره مائة تكبيرة ، ويصلّي على النبي صلى الله عليه و آله مائة مرّة ، ويقول : اللّهمّ زوّجني حورا ، إلاّ زوّجه اللّه ، وجعل ذلك مهرها(3) .
ص: 396
وسئل عليه السلام عن علّة المهر على الرجل ؟ فقال : إنّ اللّه غيور ، جعل فيالنكاح حدودا ، لئلاّ تستباح الفروج إلاّ بشرط مشروط ، وصداق مسمّى ، ورضى بالصداق .
وعنه عليه السلام : لمّا أهبط آدم وحوّاء إلى الدنيا أهبط اللّه معهما الذهب والفضّة ، وجعله مهر حوّاء ، ثمّ « سَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الأَْرْضِ » ، ثمّ قال : هذا الذهب والفضّة من ذلك .
وفي رواية : إنّه قال لآدم عليه السلام : هذه مهور بناتك .
وسأله عروة الخيّاط : لِمَ حرّم على الرجل جارية ابنه وإن كان صغيرا ، ويحلّ له جارية ابنته ؟ قال : لأنّ البنت لا تنكح والابن ينكح ، ولا يدرى لعلّه ينكحها ، ثمّ يخفي ذلك على أبيه(1) .
وسأله جماعة عن علّة تفضيل المرأة على الأخرى في القسمة والنفقة ؟
ص: 397
فأشار عليه السلام إلى أنّ الرجل يستحلّ أربعة ، فليأت ثلاث ليال حيث شاء(1) .
وسئل الصادق عليه السلام عن علّة تحريم الخمر ؟ فقال - في خبر طويل - :
فقال لها إبليس - يعني لحوّاء - : أريد أن تذيقيني من هذا الغرس - يعني النخل والعنب والزيتون والرمّان - ، فقالت له : إنّ آدم عليه السلام عهد أن لا أطعمك شيئا من هذا الغرس ، لأنّه من الجنّة ، ولا ينبغي لك أن تأكل منه ، فقال لها : فاعصري في كفّي منه شيئا ، فأبت عليه ، فقال : ذريني أمصّه ولا آكله ، فأخذت عنقودا من عنب فأعطته فمصّه ولم يأكل منه ، فأوحى اللّه إلى آدم عليه السلام : إنّ العنب قد مصّه عدوّي وعدوّك ، فقد حرّمت عليك من عصيره الخمر(2) .
وعنه عليه السلام : إنّ إبليس عمل لنوح عليه السلام في الكرم ، فأتاه جبرئيل عليه السلام ، فقال : إنّ له حقّا فأعطه ، فأعطاه الثلث ، فلم يرض إبليس ، ثمّ أعطاه النصف فلم يرض ، فطرح عليه جبرئيل عليه السلام نارا ، فأحرقت الثلثين ، وبقي الثلث ، فقال : ما أحرقت ، فهو نصيبه ، وما بقي فهو لك حلال(3) .
ص: 398
وقال أبو عبد اللّه عليه السلام لرجل أصاب غلامين في بطن : أيّهما أكبر ؟ قال : الذي خرج أوّلاً ، فقال عليه السلام : الذي خرج آخرا فهو أكبر ، أما تعلم أنّها حملت ذلك أوّلاً ، وإنّ هذا دخل على ذاك ، لم يمكنه أن يخرج هذا ، فالذييخرج آخرا فهو أكبرهما(1) .
وقال عبد اللّه بن سنان : لأيّ علّة صار عدّة المطلّقة ثلاثة أشهر ، وعدّة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا ؟
قال : لأنّ حرقة المطلّقة تسكن في ثلاثة أشهر ، وحرقة المتوفّى عنها لا تسكن إلاّ بعد أربعة أشهر وعشر(2) .
وسئل عليه السلام : كيف صار الزوج إذا قذف امرأة كانت شهادته أربع شهادات باللّه ، وإذا قذفها أبوها أو غيرهما جلد ؟
فقال عليه السلام : لأنّه إذا قذف الرجل امرأته قيل له : كيف علمت أنّها فاعلة ؟
ص: 399
فإن قال : رأيت ذلك بعيني ، كانت شهادته أربع شهادات باللّه ، وذلك أنّه يجوز للرجل أن يدخل المداخل في الخلوات التي لا يصلح لغيره أن يدخلها ، ولا يشهدها ولد ولا والد في الليل ولا في النهار ، فلذلك صارت شهادته أربع شهادات إذا قال : رأيت بعيني ، وإن قال : لم أعاين ، صارقاذفا وضرب الحدّ ، إلاّ أن يقيم عليها البيّنة ، وغير الزوج إذا قذفها وادّعى أنّه رأى ذلك قيل له : كيف رأيت ذلك ؟ وما أدخلك ذلك المدخل(1) ؟ .. الخبر .
علل الشرائع عن ابن بابويه : قال أبو عبد اللّه عليه السلام في خبر : حرّم الخصيتان ، لأنّهما موضع النكاح ومجرى للنطفة ، وحرّم النخاع ، لأنّه موضع الماء الدافق من كلّ ذكر وأنثى(1) .
هشام بن الحكم ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام ، فقلت : ما العلّة في بطن الراحة لا ينبت فيها الشعر ، وينبت في ظهرها ؟
قال : لعلّتين :
أمّا أحدهما : فإنّ الناس يعلمون أنّ الأرض التي تداس ويكثر عليها المشي لا ينبت فيها نبات ، وأنّ ما لا يداس ينبت ، والكفّ لكثرة ما يلاقي من الأشياء لا ينبت .
والعلّة الأخرى : لأنّها جعلت من الأبواب التي يلاقي بها الأشياء ، فتركت لا ينبت عليها الشعر ، ليجد مسّ اللين والخشن(2) .
قال ابن الحجّاج :
يا سيّدا أروي أحاديثه
رواية المستبصر الحاذق
كأنّني أروي حديث النبي
محمد عن جعفر الصادق
ص: 401
وقال البشنوي :
سليل أئمّة سلكوا كراما
على منهاج جدّهم الرسول
إذا ما مشكل أعيى علينا
أتونا بالبيان وبالدليل
* * *
وقال الزاهي :
قوم سماؤهم السيوف وأرضهم
أعداؤهم ودم السيوف نحورها
يستمطرون من العجاج سحائبا
صوف الحتوف على الرجوف مطيرها
وحنادس الفتن التي إن أظلمت
فشموسها آراؤهم وبدورها
ملكوا الجنان بفضلهم فرياضها
طرّا لهم وخيامها وقصورها
وإذا الذنوب تضاعف فبحبّهم
يعطى الأمان أخا الذنوب غفورها
تلك النجوم الزهر في أبراجها
ومن السنين بهم تتمّ شهورها
* * *
ص: 402
وقال أبو إسماعيل الطغرائي(1) :
نجوم العلى فيكم تطلع
وغايتها نحوكم ترجع
فلا يستقلّ ولا يستقرّ
به لهما دونكم مضجع
* * *
ص: 403
ص: 404
ص: 405
ص: 406
في الأنوار : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : إذا ولد جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام ابني فسمّوه الصادق ، فإنّه ولدي ، يولد منه ولد يقال له : « الكذّاب » ، ويل له من جرأته على اللّه - تعالى - وكذبه على أخيه صاحب الحقّ مهدي أهل بيتي .
فلأجل ذلك(1) سمّي الصادق(2) عليه السلام .
وفي خبر : إذا ولد ابني جعفر بن محمد عليهماالسلام ، فسمّوه الصادق ، فإنّ الخامس من ولده اسمه « جعفر » يدّعي الإمامة افتراء على اللّه وكذبا عليه ، فهو عند اللّه جعفر الكذّاب(3) .
وجعفر الكذّاب هو المعروف بزقّ الخمر(4) .
ص: 407
وأنشأ الصادق عليه السلام يقول :
وفينا يقينا يعدّ الوفاء
وفينا تفرّخ أفراخه
رأيت الوفاء يزين الرجال
كما زيّن العذق شمراخه
* * *
وقال المنصور للصادق عليه السلام : قد استدعاك أبو مسلم لإظهار تربة علي عليه السلام فتوقّفت ، تعلم أم لا ؟ فقال : إنّ في كتاب علي عليه السلام : إنّه يظهر في أيّام عبد اللّه بن جعفر الهاشمي ، ففرح المنصور بذلك .
ثمّ إنّه عليه السلام أظهر التربة ، فأخبر المنصور بذلك ، وهو في الرصافة ، فقال : هذا هو الصادق عليه السلام ، فليزر المؤمن بعد هذا إن شاء اللّه ، فلقّبه ب-« الصادق عليه السلام » .
ويقال : إنّما سمّي صادقا ، لأنّه ما جرّب عليه قطّ زلل ولا تحريفة(1) .
وذكر صاحب الحلية : الإمام الناطق ، ذو الزمام السابق ، أبو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق(2) عليهماالسلام .
وذكر فيها بالإسناد عن أبي الهياج بن بسطام قال : كان جعفر بن محمد عليهماالسلام يطعم حتى لا يبقى لعياله شيء(3) .
ص: 408
أبو جعفر الخثعمي ، قال : أعطاني الصادق عليه السلام صرّة فقال لي : ادفعها إلى رجل من بني هاشم ولا تعلمه أنّي أعطيتك شيئا .
قال : فأتيته ، قال : جزاه اللّه خيرا ما يزال كلّ حين يبعث بها ، فنعيش به إلى قابل ، ولكنّي لا يصلني جعفر بدرهم في كثرة ماله(1) .
التهذيب : لمّا حضر الصادق عليه السلام الوفاة قال : أعطوا الحسن بن علي - وهو الأفطس - سبعين دينارا .
قيل له : أتعطي رجلاً حمل عليك بالشفرة ؟!
فقال : ويحك ، ما تقرأ القرآن : « وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ »(2) ؟
ميراث ، فوقف علينا ساعة ، ثمّ قال : تعالوا إلى المنزل ، فأتيناه ، وأصلحبيننا بأربعمائة درهم ، ودفعها إلينا من عنده حتى يستوثق كلّ واحد منّا .
ثمّ قال : أما إنّها ليست من مالي ، ولكن أبا عبد اللّه عليه السلام أمرني إذا تشاجر رجلان من أصحابنا في شيء أصلح بينهما ، وأفتديهما من ماله ، فهذا مال أبي عبد اللّه عليه السلام(1) .
وفي كتاب الفنون : نام رجل من الحاجّ في المدينة ، فتوهّم أنّ هميانه(2) سرق ، فخرج فرأى جعفر الصادق عليه السلام مصلّيا - ولم يعرفه - ، فتعلّق به وقال له : أنت أخذت همياني ! قال : ما كان فيه ؟ قال : ألف دينار ، قال : فحمله إلى داره ، ووزن له ألف دينار .
وعاد إلى منزله ، ووجد هميانه ، فعاد إلى جعفر عليه السلام معتذرا بالمال ، فأبى قبوله وقال : شيء خرج من يدي لا يعود إليّ .
قال : فسأل الرجل عنه ، فقيل : هذا جعفر الصادق عليه السلام ، قال : لا جرم ، هذا فعال مثله(3) .
ص: 410
ودخل الأشجع السلمي على الصادق عليه السلام فوجده عليلاً ، فجلسوسأل عن علّة مزاجه ، قال له الصادق عليه السلام : عدِّ عن العلّة ، واذكر ما جئت له ، فقال :
ألبسك اللّه منه عافية
في نومك المعترى وفي أرقك
تخرج من جسمك السقام كما
أخرج ذلّ الفعال من عنقك
* * *
فقال : يا غلام أيش معك ؟ قال : أربعمائة ، قال : أعطها للأشجع(1) .
وفي عروس النرماشيري : إنّ سائلاً سأله حاجة ، فأسعفها ، فجعل السائل يشكره ، فقال عليه السلام :
إذا ما طلبت خصال الندى
وقد عضّك الدهر من جهده
فلا تطلبنّ إلى كالح
أصاب اليسارة من كدّه
ولكن عليك بأهل العلى
ومن ورث المجد عن جدّه
فذاك إذا جئته طالبا
تحبّ اليسارة من جدّه(2)
* * *
ص: 411
جعفر بن أبي عائشة ،قال : بعث الصادق عليه السلام غلاما له في حاجة فأبطأ ،فخرج الصادق عليه السلام في أثره ، فوجده نائما ، فجلس عند رأسه يروّحه حتى انتبه .
فلمّا انتبه قال : يا فلان ، واللّه ما ذاك لك ، تنام الليل والنهار ؟ لك الليل ، ولنا منك النهار(1) .
كتاب الروضة : إنّه دخل سفيان الثوري على الصادق عليه السلام فرآه متغيّر اللون ، فسأله عن ذلك ، فقال : كنت نهيت أن يصعدوا فوق البيت ، فدخلت فإذا جارية من جواريّ ممّن تربّي بعض ولدي قد صعدت في سلّم والصبي معها ، فلمّا بصرت بي ارتعدت وتحيّرت ، وسقط الصبي إلى الأرض فمات ، فما تغيّر لوني لموت الصبي ، وإنّما تغيّر لوني لما أدخلت عليها من الرعب .
وكان عليه السلام قال لها : أنت حرّة لوجه اللّه ، لا بأس عليك - مرّتين(2) - .
مالك بن أنس الفقيه ! قال : حججت مع الصادق عليه السلام سنة ، فلمّا استوت به راحلته عند الإحرام كان كلّما همّ بالتلبية انقطع الصوت في حلقه ،
ص: 412
وكاد أن يخرّ من راحلته ، فقلت في ذلك ، فقال : وكيف أجسر أن أقول : لبّيك اللّهمّ لبّيك ، وأخشى أن يقول : لا لبّيك ولا سعديك(1) .
وروي عن الصادق عليه السلام :
تعصي الإله وأنت تظهر حبّه
هذا لعمرك في الفعال بديع
لو كان حبّك صادقا لأطعته
إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع(2)
* * *
وله
عليه السلام :
علم المحجّة واضح لمريده
وأرى القلوب عن المحجّة في عمى
ولقد عجبت لهالك ونجاته
موجودة ولقد عجبت لمن نجا(3)
* * *
تفسير الثعلبي : روى الأصمعي له عليه السلام :
أثامن بالنفس النفيسة ربّها
فليس لها في الخلق كلّهم ثمن
ص: 413
بها يشترى الجنّات إن أنا بعتها
بشيء سواها إنّ ذلكم غبن
إذا ذهبت نفسي بدنيا أصبتها
فقد ذهبت نفسي وقد ذهب الثمن(1)* * *
وقال مالك بن أنس : ما رأت عيني أفضل من جعفر بن محمد عليهماالسلام فضلاً وعلما وورعا .
وكان لا يخلو من إحدى ثلاث خصال : إمّا صائما ، وإمّا قائما ، وإمّا ذاكرا .
وكان من عظماء البلاد ، وأكابر الزهّاد « الذين يخشون ربّهم » .
وكان كثير الحديث ، طيّب المجالسة ، كثير الفوائد ، فإذا قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، اخضرّ مرّة ، واصفرّ أخرى ، حتى لينكره من لا يعرفه(2) .
ويقال : الإمام الصادق ، والعلم الناطق ، بالمكرمات سابق ، وباب السيّئات راتق ، وباب الحسنات فاتق ، لم يكن غيّابا ، ولا سبّابا ،
ص: 414
ولا صخّابا ، ولا طمّاعا ، ولا خدّاعا ، ولا نمّاما ، ولا ذمّاما ، ولا أكولاً ، ولا عجولاً ، ولا ملولاً ، ولا مكثارا ، ولا ثرثارا ، ولا مهذارا ، ولا طعّانا ، ولا لعّانا ، ولا همّازا ، ولا لمّازا ، ولا كنّازا .
وروى سفيان الثوري له عليه السلام :
لا اليسر يطرقنا يوم فيبطرنا
ولا لأزمة دهر نظهر الجزعا
إن سرّنا الدهر لم نبهج لصحّته
أو ساءنا الدهر لم نظهر له الهلعا
مثل النجوم على مضمار أوّلنا
إذا تغيّب نجم آخر طلعا(1)
* * *
ويروى له عليه السلام :
اعمل على مهل فإنّك ميّت
واختر لنفسك أيّها الإنسان
فكأنّما قد كان لم يك إذ مضى
وكأنّما هو كائن قد كان(2)
* * *
الصادق عليه السلام : إنّ عندي سيف رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وإنّ عندي لراية رسول
ص: 415
اللّه صلى الله عليه و آله المغلبة ، [ وإن عندي لخاتم سليمان بن داوود (1)] ، وإنّ عندي الطشت الذي كان موسى عليه السلام يقرّب بها القربان ، وإنّ عندي الاسم الذي كان رسولاللّه
صلى الله عليه و آله إذا وضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشابة ، وإنّ عندي لمثل الذي جاءت به الملائكة ، ومثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل(2) - يعني إنّه كان دلالة على الإمامة - .
وفي رواية الأعمش قال عليه السلام : ألوح موسى عليه السلام عندنا ، وعصى موسى عليه السلام عندنا ، ونحن ورثة النبيّين(3) .
وقال عليه السلام : علمنا غابر مزبور ، ونكت في القلوب ، ونقر في الأسماع ، وإنّ عندنا الجفر الأحمر ، والجفر الأبيض ، ومصحف فاطمة عليهاالسلام ، وإنّ عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج الناس إليه(4) .
وقد ذكرنا معانيه في فصل الإمامة .
ص: 416
ويروى له :
في الأصل كنّا نجوما يستضاء بنا
وللبريّة نحن اليوم برهان
نحن البحور التي فيها لغائصكم
درّ ثمين وياقوت ومرجان
مساكن القدس والفردوس نملكها
ونحن للقدس والفردوس خزّان
من شذّ عنّا فبرهوت مساكنه
ومن أتانا فجنّات وولدان
* * *
محاسن البرقي : قال الصادق عليه السلام لضريس الكناسي : لِمَ سمّاك أبوك ضريسا ؟ قال : كما سمّاك أبوك جعفرا .
قال : إنّما سمّاك أبوك ضريسا بجهل ، لأنّ لإبليس ابنا يقال له : « ضريس » ، وإنّ أبي سمّاني جعفرا بعلم ، على أنّه اسم لنهر في الجنّة(1) ، أما سمعت قول ذي الرمّة :
ابكي الوليد أبا الوليد
أخا الوليد فتى العشيرة
قد كان غيثا في السنين
وجعفرا غدقا وميره
* * *
ص: 417
وقال زيد بن علي عليه السلام : في كلّ زمان رجل منّا أهل البيت يحتجّ اللّه به على خلقه ، وحجّة زماننا ابن أخي جعفر عليه السلام ، لا يضلّ من تبعه ، ولايهتدي من خالفه(1) .
شوف العروس عن الدامغاني : إنّه استقبله عبد اللّه بن المبارك فقال :
أنت يا جعفر فوق المدح والمدح عناء
إنّما الأشراف أرض ولهم أنت سماء
جاز حدّ المدح من قد ولدته الأنبياء
* * *
اللّه أظهر دينه وأعزّه بمحمد
واللّه أكرم بالخلافة جعفر بن محمد(2)
* * *
وقال أبو حنيفة لمؤمن الطاق - بحضرة المهدي لمّا توفّي الصادق عليه السلام - :
ص: 418
قد مات إمامك ، فقال الطاقى : [ أمّا ] إمامك « مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ(1) » ، فضحك المهدي ، وأمر له بعشرة آلاف درهم(2) .
وقال مالك بن أعين الجهني :
وغيّبت عنك فيا ليتني
شهدت الذي كنت لم أشهد
فآسيت(3) في بثّه جعفرا
وشاهدت في لطف العوّد
فإن قيل نفسك قلت الفداءوكفّ المنيّة بالمرصد
عشيّة يدفن فيك الهدىوغرّته من بني أحمد(4)
* * *
وقال آخر :
يا عين بكّي(5) جعفر بن محمد
زين المشاعر كلّها والمسجد(6)
* * *
ص: 419
وقال أبو هريرة الأبار :
أقول وقد راحوا به يحملونه
على كاهل من حامليه وعاتق
أتدرون ماذا تحملون إلى الثرى
ثبير ثوى من رأس علياء شاهق
غداة حثا الحاثّون فوق ضريحه
ترابا وأولى كان فوق المفارق
أيا صادق ابن الصادقين إليةً
بآبائك الأطهار حلفة صادق(1)
* * *
وقال العوني :
عجّ بالمطي على بقيع الغرقد
واقرا التحيّة جعفر بن محمد
وقل ابن بنت محمد ووصيّه
يا نور كلّ هداية لم تجحد
يا صادقا شهد الإله بصدقه
فكفى مهابة ذي الجلال الأمجد
يا ابن الهدى وأبا الهدى أنت الهدى
يا نور حاضر سرّ كلّ موحّد
يا ابن النبي محمد أنت الذي
أوضحت قصد ولاء آل محمد
يا سادس الأنوار يا علم الهدى
ضلّ امرؤ بولائكم لم يهتد
ص: 420
ومن رواة النصّ من أبيه عليه السلام : أبو الصباح الكناني ، وهشام بن سالم ، وجابر بن يزيد ، وطاهر ، وعبد الأعلى مولى سالم(1)(2) .
وقال الصادق عليه السلام : إنّ أبي استودعني ما هنالك ، فلمّا حضرته الوفاة قال لي : ادع شهودا ، فدعوت أربعة من قريش فيهم : نافع مولى عبد اللّه بن عمر ، قال : اكتب : هذا ما أوصى به محمد بن علي إلى جعفر بن محمد ، وأمره أن يكفّنه في برده الذي يصلّي فيه الجمعة ، وأن يعمّمه بعمامته ، وأن يرفع قبره أربع أصابع من الأرض ويربّع ، وأن يحلّ عنه أطماره في دفنه .
ثمّ قال للشهود : انصرفوا رحمكم اللّه .
فقلت له : يا أبه ، ما كان في هذا بأن تشهد عليه ؟ فقال : يا بنيّ ، كرهت أن تغلب ، وأن يقال : لم يوص إليه ، فأردت أن يكون لك الحجّة(3) .
قال العوني :
يا آل أحمد أنتم
سفن النجاة لمن عقل
أنت سماء للسماء
وبهديكم ضرب المثل
* * *
ص: 421
وقال الناشي :
بآل محمد عرف الصواب
وفي أبياتهم نزل الكتاب
وهم حجج الإله على البرايا
بهم وبحكمهم لا يستراب
بقيّة ذي العلى وفروع أصل
بحسن بيانهم وضح الخطاب
وأنوار ترى في كلّ عصر
لإرشاد الورى منها شهاب
ذراري أحمد وبني علي
خليفته وهم لبّ لباب
إذا ما أعوز الطلاّب علم
ولم يوجد فعندهم يصاب
تناهوا في نهاية كلّ مجد
فطهر خلقهم وزكوا وطابوا
وحبّهم صراط مستقيم
ولكن في مسالكه عقاب
* * *
وقال العلوي الكوفي :
هم صفوة اللّه التي ليس مثلها
وما مثلهم في العالمين بديل
خيار خيار الناس من لايحبّهم
فليس له إلاّ الجحيم مقيل
* * *
وقال غيره :
بحمد اللّه أبدأ في المقال
وذكر رسوله في كلّ حال
أصلّي بالنهار وطول ليلي
على آل الرسول ولا أبالي
* * *
وأنشد :
وإذا الرجال توسّلوا بوسيلة
فوسيلتي حبّي لآل محمد
اللّه طهّرهم بفضل نبيّهم
وأبان شيعتهم بطيب المولد
ص: 422
ص: 423
ص: 424
ولد بالمدينة يوم الجمعة عند طلوع الفجر - ويقال : يوم الإثنين - لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث وثمانين ، وقالوا : سنة ستّ وثمانين .
فأقام مع جدّه إثنتي عشرة سنة ، ومع أبيه تسع عشرة سنة ، وبعد أبيه أيّام إمامته أربعا وثلاثين سنة(1) .
وكان في سنيّ إمامته ملك إبراهيم بن الوليد ومروان الحمار ، ثمّ سارت المسودّة من أرض خراسان مع أبي مسلم سنة إثنين وثلاثين ومائة ، وانتزعوا الملك من بني أميّة وقتلوا مروان الحمار ، ثمّ ملك أبو العبّاس السفّاح أربع سنين وستّة أشهر وأيّاما ، ثمّ ملك أخوه أبو جعفر المنصور إحدى وعشرين سنة وأحد عشر شهرا وأيّاما ، وبعد مضيّ سنتين من ملكه قبض في شوّال سنة ثمان وأربعين ومائة ، وقيل : يوم الإثنين النصف من رجب(2) .
ص: 425
وقال أبو جعفر القمّي : سمّه المنصور(1) .
ودفن بالبقيع ، وقد كمل عمره خمسا وخمسين سنة ، ويقال : كان عمره خمسين سنة .
أمّه : فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر(2) .
أولاده عشرة: إسماعيل الأمين وعبداللّه، من فاطمة بنت الحسين الأصغر.
وموسى الإمام عليه السلام ومحمد الديباج وإسحاق ، لأمّ ولد ثلاثتهم .
وعلي العريضي ، لأمّ ولد .
والعبّاس ، لأمّ ولد .
ابنته أسماء « أمّ فروة » التي زوّجها من ابن عمّه الخارج .
ويقال : له ثلاث بنات : أمّ فروة من فاطمة بنت الحسين الأصغر ، وأسماء من أمّ ولد ، وفاطمة من أمّ ولد(3) .
ص: 426
وبابه : محمد بن سنان(1) .
واجتمعت العصابة على تصديق ستّة من فقهائه عليه السلام ، وهم :
جميل بن درّاج ، وعبد اللّه بن مسكان ، وعبد اللّه بن بكير ، وحمّاد بن عيسى ، وحمّاد بن عثمان ، وأبان بن عثمان(2) .
وأصحابه من التابعين نحو :
إسماعيل بن عبد الرحمن الكوفي ، وعبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي عليه السلام مدني .
ومن خواصّ أصحابه :
معاوية بن عمّار مولى بني دهن ، وهو حيّ من بجيلة ، وزيد الشحّام ، وعبد اللّه بن أبي يعفور ، وأبو جعفر محمد بن علي بن النعمان الأحول ، وأبو
ص: 427
الفضل سدير بن حكيم ، وعبد السلام بن عبد الرحمن ، وجابر بن يزيد الجعفي ، وأبو حمزة الثمالي ، وثابت بن دينار ، والمفضّل بن قيس بن رمانة ، والمفضّل بن عمر الجعفي ، ونوفل بن الحرث بن عبد المطّلب ، وميسرة بن عبد العزيز ، وعبد اللّه بن عجلان ، وجابر المكفوف ، وأبو داود المسترق ، وإبراهيم بن مهزم الأسدي ، وبسّام الصيرفي ، وسليمان بن مهران أبو محمد الأسدي مولاهم الأعمش ، وأبو خالد القمّاط ، واسمه يزيد بن ثعلبة بن ميمون ، وأبو بكر الحضرمي ، والحسن بن زياد ، وعبد الرحمن بن عبد العزيز الأنصاري من ولد أبي أمامة ، وسفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي ، وعبد العزيز بن أبي حازم ، وسلمة بن دينار المدني(1) .
ومن مواليه : معتب ، ومسلم ، ومصادف(2) .
وكان عليه السلام ربع القامة ، أزهر الوجه ، حالك الشعر ، جعد ، أشمّ الأنف ، أنزع ، رقيق البشرة ، على خدّه خال أسود ، وعلى جسده خيلان حمرة .
ص: 428
وكان اسمه جعفر عليه السلام .
ويكنّى : أبا عبد اللّه ، وأبا إسماعيل ، والخاصّ : أبو موسى(1) .
قال ابن حمّاد :
ارض الإله وأسخط الشيطانا
تعطى الرضى في الحشر والرضوانا
وامحض ولاك للذين ولاؤهم
فرض على من يقرأ القرآنا
آل النبي محمد خير الورى
وأجلّهم عند الإله مكانا
قوم قوام الدين والدنيا هم
إذ أصبحوا لهما معا أركانا
قوم إذا أصفى هواهم مؤمن
أعطي غدا ممّا يخاف أمانا
قوم يطيع اللّه طائع أمرهم
وإذا عصاه فقد عصى الرحمانا
وهم الصراط المستقيم وحبّهم
يوم المعاد يثقّل الميزانا
واللّه صيّرهم لمحنة خلقه
بين الضلالة والهدى فرقانا
حفظوا الشريعة قائمين بحكمها
ينفون عنها الزور والبهتانا
وأتى القرآن بفضل طاعتهم على
كلّ الأنام فاسمع الآذانا
وتوالت الأخبار أنّ محمدا
بولائهم وبحفظهم وصّانا
* * *
وقال العوني :
ألا إنّ آل نبي الهدى
جرى ذكرهم في قديم الصحف
بني البيت والحجر والمشعرين
والموقف الصدق والمعترف
بني زمزم والصفا والمقام
وآل المعالي وبيت الشرف
ومن للملائك في فضلها
إلى بيت والدهم مختلف
ومن في الولا لموالاتهم
محو الذنوب لمن يقترف
ص: 431
ومن يرتجي منهم شافع
وساق مروّ إذا ما اغترف
ومن لا يقدّس إلاّ امرؤ
تعلّق من حبلهم بالطرف
* * *
وقال الحصكفي :
أئمّة أكرم بهم أئمّة
أسماؤهم مشهودة تطّرد
هم حجج اللّه على عباده
وهم إليه منهج ومقصد
هم بالنهار صوّم لربّهم
وفي الدياجي ركّع وسجّد
* * *
وقال الموسوي :
من معشر وجدوا المكارم طعمة
ورووا من الشرف الأغرّ الأقدم
من قائد أو ذائد أو عامر
أو ماطر أو منعم أو مرغم
وقروا على المجد المشيد همومهم
وتهاونوا بالنائل المتهدّم
غيض الفّ تقابلت شعبانه
في المجد شجر مقوم لمقوم
يتوارثون المكرمات ولادة
من بين جدّ في المكارم أيتم
الطيّبين الطاهرين ومن يكن
لأب إلى حرم النبوّة يعظم
* * *
ص: 432
باب إمامة أبي محمد علي بن الحسين عليهماالسلام
فصل 1 : في المقدّمات
( 7 - 16 )
الحمد للّه فاطر السماوات··· 9
الآيات··· 10
هم الهدى والشهداء··· 10
هم القرى المباركة الآمنة··· 11
هم ورثة الكتاب··· 11
هم الأمّة··· 13
اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ··· 13
ليس مثلي من يستخفّ بذمّته··· 14
الدليل على إمامته عليه السلام··· 15
في الحساب··· 15
كثرة ذرّيّته··· 15
ص: 433
فصل 2 : في معجزاته عليه السلام
( 17 - 54 )
ألقى الحديد وذهب الى عبدالملك قبل الأعوان··· 19
شفاء حبابة الوالبية··· 20
عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ··· 20
استجابة دعائه في حرملة لعنه اللّه ··· 21
بشارته بزوال ملك بني أميّة··· 21
إنّ الملائكة ليزاحمونا على متّكاتنا··· 22
حصاة أمّ سليم وحقّها··· 22
عجز إبليس أن يشغله عن صلاته··· 23
خسر ابن المسيب الصلاة عليه عليه السلام··· 24
أشار الى حبابة الوالبية فردّ عليها شبابها··· 25
وقوع ابنه في البئر وإخراجه سالما··· 26
إخباره الكابلي بما في نفسه وإخراجه سلاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله··· 28
حصاة غانم ابن أمّ غانم··· 28
تسبيح الشجر والمدر معه··· 30
فصاحة الصحيفة الكاملة··· 31
لقاء الخضر معه عليهماالسلام··· 31
سلام الخضر عليه كلّ يوم··· 32
بشارته بولده الباقر عليه السلام··· 33
كلامه مع حوت يونس أمام ابن عمر··· 34
ص: 434
استغاثة النعجة به··· 35
بناؤه الكعبة··· 36
استسقاؤه··· 37
تسليطه السبع على اللّص··· 38
كلامه مع الظبي··· 38
كلامه مع الثعلب··· 39
وضوؤه في الليلة الأخيرة وناقته··· 40
خبر حمّاد الكوفي العطّار وحمله الى مكة··· 41
سبب مرضه عليه السلام في كربلاء··· 43
إخباره بما يكون لعمر بن عبد العزيز··· 43
يرى العدو ولا يرونه وملك يدافع عن حرمه··· 43
رجل يدافع عنه في كربلاء··· 44
قضاؤه دين أبيه··· 45
استجاب اللّه دعاءه فأراه قاتل أبيه قتيلاً··· 46
ديوان الشيعة··· 46
ملك الشام الأوّل يستغيث به··· 47
معالجة الجارية وانصراف الكابلي الى أهله··· 47
كلامه عليه السلام مع الحرس بلغتهم في حبس يزيد··· 49
بركة قرصيه عليه السلام··· 49
نادى الكابلي باسمه الذي سمّته به أمّه··· 51
نطق الحجر الأسود بإمامته··· 52
ص: 435
فصل 3 : في زهده عليه السلام
( 55 - 78 )
عبادته عليه السلام··· 57
الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة··· 57
صفة وضوئه وقيام وتأهّبه للقيام··· 57
دعاؤه في الحجر··· 58
البقيا على نفسك يا ابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله··· 58
بكاء الباقر عليه السلام حين رآه بتلك الحال من البكاء··· 59
كان يسجد على تربة الحسين··· 60
صفة سجوده عليه السلام··· 60
صفة صلاته عليه السلام··· 61
صفة طوافه في البيت الحرام··· 62
بعض الندب المروية عنه عليه السلام··· 65
صدقته عليه السلام··· 67
كان يحمل جراب الصدقة··· 67
صدقة السرّ تطفى ء غضب الربّ··· 67
كان يقّوت فقراء أهل المدينة في الليل··· 67
كان يغطّي وجهه إذا ناول الفقير لئلا يعرفه··· 68
كان يحمل الدقيق والحطب على ظهره الى الفقراء··· 69
يحضر الفقراء طعامه ويناولهم بيده··· 70
يقبّل الصدقة ثم يناولها··· 70
ص: 436
ينفق ممّا يحبّه··· 70
قاسم اللّه ماله مرّتين··· 71
يستقي لضعفة جيرانه بالليل··· 71
أثر الجراب على ظهره··· 72
يتصدّق بكسوة الشتاء والصيف··· 72
صومه وحجّه عليه السلام··· 73
صومه عليه السلام··· 73
يوزع اللحم ويفطر بالخبر والتمر··· 73
يتحبّب الى ربّه بالصيام والقيام··· 73
ما أتوه طعام بنهار ولا فراش بليل··· 74
حجّه عليه السلام··· 74
لم يقرع ناقته بسوط··· 74
لقاء ابن المبارك معه في طريق الحجّ··· 75
من شعره عليه السلام··· 76
فصل 4 : في علمه وحلمه وتواضعه عليه السلام
( 79 - 100 )
حلمه عليه السلام··· 81
شتمه رجل فأعطاه ثوبا وألف درهم··· 81
نال منه الحسن بن الحسن فأتاه الى منزله··· 81
شتمه رجل··· 82
ص: 437
سبّه رجل فسكت··· 82
الحمد اللّه الذي جعل مملوكي آمنا منّي··· 82
اذهبي أنت حرّة لوجه اللّه ··· 82
خافت الجارية فأعتقها··· 83
مع غلمانه في شهر رمضان··· 83
مع الرجل البطّال··· 84
ضرب غلامه بالسوط !! ثم طلب منه الاقتصاص··· 84
مرّ بقوم كان يغتابونه !!··· 85
علمه عليه السلام··· 86
لم يرّ هاشميا أفضل ولا أفقه منه··· 86
كلامه مع الحسن البصري في البيت الحرام··· 86
لولا هذه الآية لأخبرتكم بما هو كائن··· 87
إنّا لنعرف الرجل بحقيقة الإيمان وبحقيقة النفاق··· 87
ردّه على عباد البصري في طريق مكة··· 87
فرّج عن الزهري··· 88
امتحان الفقهاء··· 89
وصية رجل له ثلاثة غلمان كلّ منهم اسمه ميمون··· 89
بدء الوضوء··· 89
غسل آدم وحواء عليهماالسلام··· 90
رجل ضرب امرأة حاملة فطرحت ما في بطنها ميّتا··· 90
أوجه الصوم··· 91
ص: 438
لأيّ علّة صار الطواف سبعة أشواط ؟··· 91
كتاب ملك الروم وجواب زين العابدين عليه السلام··· 92
ذكره في كتب الزهد والموعظة··· 92
مَن روى عنه··· 92
تواضعه عليه السلام··· 94
إنّك تجالس أقواما دونا !··· 94
إذا سافر كتم نفسه أهل الرفقة··· 94
ردّه على عبد الملك حينما عيّره بزواجه من أمته··· 95
أحبّونا حبّ الإسلام··· 96
حسبنا أن نكون من صالحي قومنا··· 97
برّه بأمّه··· 97
ينحي المدرة بيده عن الطريق··· 98
صفة مشيه عليه السلام··· 98
تعامله مع إمائه··· 98
فصل 5 : في كرمه وصبره وبكائه
عليه السلام
( 101 - 114 )
كرمه عليه السلام··· 103
موقفه عليه السلام من هشام الذي كان يؤذيه··· 103
دعوة المجذومين··· 103
ضمانه دين ابن أسامة في مرضه··· 104
ص: 439
ضمانه دين عيسى بن عبد اللّه ··· 104
أعتق عبدا قيمتة عشرة آلاف درهم··· 105
أعطى سائلاً مطرف خزّ··· 106
صبره عليه السلام··· 107
دعاؤه على مسرف··· 107
إنّا أهل بيت نطيع اللّه فيما يحبّ ونحمده فيما نكره··· 108
يا بنيّ اصبر على النوائب··· 108
موقفه من ابتزاز عبد الملك··· 109
بعض خصاله عليه السلام··· 109
حزنه وبكاؤه عليه السلام··· 111
ما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى··· 111
ما شرب الماء إلاّ ملأ الإناء دمعا··· 112
نفسي قتلتها وعليها أبكي··· 112
مع الأصمعي في البادية··· 112
فصل 6 : في سيادته عليه السلام
( 115 - 126 )
زين العابدين··· 117
السجّاد··· 117
ذو الثفنات··· 118
أشرف الناس··· 118
ص: 440
أنا ابن الخيرتين··· 118
لولا ما في الأرض منّا لساخت بأهلها··· 119
خطبته في مجلس يزيد··· 119
قصيدة الفرزدق··· 122
فصل 7 : في المفردات والنصوص عليه
( 127 - 136 )
النصوص عليه··· 129
دفعت له أمّ سلمة وصية الحسين عليه السلام··· 129
دفعت له فاطمة الكبرى وصية الحسين عليه السلام··· 129
ما قاله الصادق عليه السلام في فضل زيارته··· 129
أفي حرم اللّه أسأل غير اللّه ؟··· 130
صلته ابن عمّه··· 130
إنّ أبي أحبّ أباه فسمّى باسمه مرارا··· 131
يزيد يدعوه لمصارعة ابنه··· 131
ردّه على يزيد··· 132
مقتل الجلواز الذي أراد قتله··· 132
عقب الحسين عليه السلام منه··· 133
في النكت··· 133
من شعره عليه السلام··· 134
ص: 441
فصل 8 : في أحواله وتاريخه عليه السلام
( 137 - 146 )
لقبه··· 139
كنيته··· 139
مولده ومدّة عمره وإمامته ومدفنه··· 139
أولاده عليه السلام··· 141
أمّه عليه السلام··· 142
بابه عليه السلام··· 142
رجاله من الصحابة··· 143
رجاله من التابعين··· 143
أصحابه··· 143
مواليه··· 144
باب في إمامة أبي جعفر الباقر
عليهماالسلام
فصل 1 : في المقدّمات
( 149 - 162 )
الآيات··· 151
هم النجم والعلامات··· 151
هم أهل الذكر··· 152
هم الشهداء··· 153
ص: 442
هم جنب اللّه ··· 155
هم الذين أخرجوا من ديارهم··· 155
هم الصادقون··· 156
وَاتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالأَْرْحامَ··· 156
فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الَّثمَراتِ··· 156
أَنْ تَقُومُوا لِلّهِ مَثْنى··· 157
وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً··· 157
هم ينذرون بالقرآن كما أنذر النبي صلى الله عليه و آله··· 157
الفضل ثلاثة··· 158
تكاليف المؤمن فيما أعطاه اللّه ··· 158
ألقابه وصفاته والدليل على إمامته··· 159
ألقابه وصفاته··· 159
ممّا يدلّ على إمامته··· 160
فصل 2 : في آياته عليه السلام
( 163 - 194 )
شفاء محمد بن مسلم من وجعه··· 165
الجدر لا تحجب أبصارنا··· 166
أبو بصير والمرأة التي علّمها القرآن··· 166
مع عكرمة عبيد أهل الشام··· 167
هاتف يهتف بصفاته في البيت الحرام··· 168
ص: 443
خيط الباقر عليه السلام يزلزل المدينة··· 169
دعا عليه السلام فأحيى اللّه الحمار··· 170
ردّ البصر الى أبي بصير··· 170
ردّ بصر أبي بصير في الحجّ··· 171
ردّ بصر أبي بصير في بيته··· 172
عصافير يسبّحن ويسألن قوت يومهن··· 172
مع عبد اللّه بن الحسن··· 173
أخذه السارق وإخباره بما في العيبة··· 173
بقي من أجلي خمس سنين··· 175
ردّ للشامي روحه··· 175
إخباره بمن يقتل بني أميّة··· 176
إطاعة الجنّ له··· 177
علامة سقوط سلطان بني أميّة··· 177
كنوزهم المغطاة··· 178
مع ملك الموت وجبرئيل··· 178
نعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان··· 179
يا جارية افتحي الباب لابن عطاء··· 179
دعا فتساقط عليه رطبا جنيا··· 180
وضع يده على الأرض فأظلم البيت··· 180
أخبر زيدا أنّه المصلوب بالكناسة··· 181
ما يقول الوزغ··· 181
ص: 444
إغاثة الذئب··· 181
خطبته وحبسه في الشام ودعوته بدعوة شعيب··· 182
إنّ لنا خدما من الجنّ··· 184
كرامة أمّه··· 185
جنّ جابر··· 185
تقاضي الطيور عنده··· 186
إخباره بما يكون من حكم بني العباس··· 187
الجنّ أطوع لنا منكم··· 188
ما قلت لكم كائن لابدّ منه··· 188
إخباره الخراساني بما جرى على أهله··· 189
إخباره الإفريقي بموت راشد··· 190
إخباره القوم بما يريدون··· 190
إخباره بما يجري على علي بن أبي حمزة··· 191
أحضر الميت من وادي ضجنان··· 192
أرى جابرا الملكوت··· 193
فصل 3 : في علمه عليه السلام
( 195 - 222 )
إنّا عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ··· 197
يقرأ بالسريانية··· 197
يقرأ بالعبرانية··· 197
ص: 445
ما ظهر منه عليه السلام من العلم··· 198
النبي صلى الله عليه و آله يسلّم عليه عليه السلام ويلقّبه الباقر··· 199
قراءة آية··· 202
إكرامه الكميت··· 202
إنّهم أهل بيت مفهّمون··· 203
معنى الرتق والفتق··· 203
مسائل الأبرش الكلبي··· 204
مسألة مع ابن عباس··· 205
ميراث إمرأة مات عنها زوجها وله غريم··· 206
رجل أوصى بألف درهم للكعبة··· 206
مع أبي حنيفة··· 207
رجل تزوّج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته··· 207
أبو حنيفة يتعلّم من محمد بن مسلم··· 208
كيف يولد الجنين··· 208
مجيء الجعفي للتعلّم··· 209
مسائل طاووس اليماني··· 209
مع ابن المنكدر··· 210
محاججة ابن الأزرق··· 211
محاججة بعض رؤساء الكيسانية··· 212
مسائل الخضر··· 213
لماذا صارت الشمش أشدّ حرارة من القمر ؟··· 214
ص: 446
خطبته عليه السلام في الشام··· 215
جمع الباقر صلاح حال الدنيا في كلمتين··· 216
صفة حضور العلماء عنده··· 217
علّة حسن الخلق وسوئه··· 217
ما يؤكل من البيض··· 218
لمَ لا تورث المرأة عمّن يتمتّع بها ؟··· 218
لم جعل البيّنة في النكاح ؟··· 218
بم حلق آدم عليه السلام رأسه في الحج ؟··· 218
علّة غسل الميّت والصلاة عليه وغسل غاسله··· 219
علّة الوتيرة··· 219
تكبير صلاة الميّت··· 219
علّة حيض النساء كلّ شهر··· 220
علّة طيب الطلاء··· 220
علّة ترك النبي صلى الله عليه و آله أكل الكليتين··· 221
فصل 4 : في معالي أُموره عليه السلام
( 223 - 234 )
طاعتنا فريضة··· 225
خبرنا صعب مستصعب··· 225
بليّة الناس علينا عظيمة··· 225
نحن أهل بيت الرحمة··· 226
ص: 447
وصفهم عليهم السلام ووصف من كان منهم··· 226
ما لقينا الباقر عليه السلام إلاّ وحمل إلينا النفقة··· 227
جوائز الباقر عليه السلام··· 227
حلمه مع النصراني··· 227
عتبه على كثير··· 227
تصحيح شعر الكميت··· 228
عطاؤه للحسن بن كثير··· 229
كلامه مع ابن عبد العزيز وردّ فدك··· 229
كرمه مع من أقرّ له بالرقّية··· 230
إنّه أوّل ما اجتمعت له ولادة الحسن والحسين··· 231
زيارته··· 231
بيت تمثّل به الإمام عليه السلام··· 232
فصل 5 : في أحواله وتاريخه عليه السلام
( 235 - 244 )
اسمه وكنيته ولقبه··· 237
حليته··· 237
أمّه··· 237
ولادته ووفاته ومدفنه وملوك عصره··· 238
أولاده··· 239
بابه··· 239
ص: 448
أصحابه أفقه الأوّلين··· 239
أصحابه··· 240
رواة النصّ عليه··· 240
الدليل على إمامته عليه السلام··· 241
النكت··· 241
في الحساب··· 241
باب إمامة أبي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليهماالسلام
فصل 1 : في المقدّمات
( 247 - 258 )
الآيات··· 249
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ··· 249
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا··· 249
هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ··· 250
إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لأُِولِي النُّهى··· 250
وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا··· 251
كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ··· 251
حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِْيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ··· 251
أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ··· 252
الْباقِياتُ الصّالِحاتُ··· 252
ص: 449
إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ··· 252
لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ··· 253
ممّا يدلّ على إمامته··· 255
النكت··· 255
في الحساب··· 256
فصل 2 : في معرفته باللّغات وإخباره بالغيب
( 259 - 292 )
لغة الحمام··· 261
لغة العصافير··· 261
لغة الفاختة والصلصل والورشان··· 262
لغة الغراب··· 262
لغة أهل خراسان··· 263
لغة النبط وكلّ لسان··· 263
ما يقوله اليهود على ذبائحهم··· 263
لغة أهل دوين··· 264
تكلّموا على الباب فأجابهم··· 264
الردّ على الغلاة··· 264
أردت أن أسأله فأجاب··· 265
أخبرني بجميع ما جرى بيننا حتى كأنّه كان ثالثنا··· 266
أخبر عبد اللّه النجاشي بما جرى له··· 268
ص: 450
ابتدأني فأخبرني بمسألتي··· 268
ما لك ولخالدة ! أغلظت لها البارحة ؟··· 268
أين ورعك يوم كذا وكذا مع الجارية ؟!··· 269
إنّ خزانة الإمام في خاتمه··· 270
أخبر الثمالي بيوم موته··· 271
كيف بك إذا نعاني إليك محمد بن سليمان ؟··· 271
نطق القديد وقال إنّي لست بذكيّ··· 272
ما يقال للسبع لينصرف··· 273
إخبار زيد بموته وأنّه من أهل الجنّة··· 273
إخبار شعيب بموته··· 274
إخبار سورة بدنو أجله وأنّه من أهل الجنّة··· 274
ألم أقل لكم إنّكم ستكفرون إن أخبرتكم··· 275
ليست تبيت في بيتك أكثر من ثلاثة أيّام··· 276
دعه فإنّ عمره قصير··· 277
ما تركت في بيتي شيئا إلاّ وقد أخبرتني به··· 277
ما هذا الذي بينك وبين جمّالك في الطريق ؟··· 277
لا تقولوا لعمّي زيد إلاّ خيرا··· 278
شهادة المعلى بن خنيس··· 279
أردت أن أسأله عن صلاة الليل ونسيت··· 280
الساعة انفقأت عين هشام في قبره··· 280
إنّ بيوت أولاد الأنبياء لا يدخلها الجنب !··· 281
ص: 451
تدخل على إمامك وأنت جنب ؟!··· 281
أما تعلم أنّ أمرنا هذا لا ينال إلاّ بالورع··· 282
ما أقبح بالرجل أن يؤتمن فيخون··· 282
فضيحة أبي حنيفة··· 283
أبرأ ممّن قال إنّا أنبياء··· 283
عرض عليّ من عملك صلتك لابن عمّك··· 284
أخذت شيئا من حقّنا لتعلم كيف مذهبنا··· 284
ردّ الزكاة وقبل الصلة··· 285
خذ خمستك وهات خمستنا··· 285
أو أمنتم الجراد ؟··· 286
أخبرني أنّك صاحب حجر الزنابير··· 286
انصرفت من وقتي فهيّأت أمري··· 287
إخباره المنصور بحال ابني عبد اللّه ··· 288
واللّه أقول ذلك وأعلمه··· 288
أخبار صاحب الرايات السود··· 289
فصل 3 : في استجابة دعواته عليه السلام
( 293 - 304 )
دعاؤه على داود بن علي قاتل المعلى··· 295
دعاؤه على المنصور العباسي··· 296
شفاء يونس من البياض بدعائه··· 298
ص: 452
شفاء موالية من الوضح بدعائه··· 298
شفاء مصدوع بدعائه··· 299
اللّهمّ إنّي أشتهي العنب فأطعمنيه··· 299
وفى وليّ اللّه جعفر بن محمد عليهماالسلام··· 300
هاتف من بطنان العرش··· 301
اللّهم اخدع عنهم سلطانه··· 302
قد واللّه خلّي سبيل خليلك··· 302
دعاؤه على الحكيم بن العباس··· 303
فصل 4 : في خرق العادات له عليه السلام
( 305 - 336 )
تأمّلتهم فإذا هم قردة وخنازير··· 307
في لسانك رسالة لو أتيت بها الجبال الرواسي لانقادت لك··· 307
حدّثني واللّه الحديث كأنّه حضر معي··· 308
وعظه على جهة التعريض لأنّه كان يشرب··· 309
أعرف الجبل وإن شئت أخبرتك باسمه وحاله··· 310
أنا ابن أعراق الثرى . .··· 311
لقد بقي لهم عند زيد طلبة ما أخذوها منه··· 311
الق النعل من يدك واجلس في التنّور··· 311
إنّهما سبب كلّ ظلم مذ كانا··· 313
نبش الرمل فحفر فخرج ماء فتطهّر للصلاة··· 313
ص: 453
سبب إفشاء علم الصادق عليه السلام··· 314
معرفته بالرجال··· 315
شكوى الظبي عنده··· 315
ردّ بصر أبي بصير··· 316
دعه فستكفى بغيرك··· 316
قم بإذن اللّه وبإذن جعفر بن محمد··· 317
ترجع أنت وهي جالسة بإذن اللّه تعالى··· 317
لا تخبري بذلك أحدا··· 318
وفينا لصاحبك··· 318
أيّتها النخلة أطعمينا··· 320
بعثت إليك على يدي الخضر قطعة عود من شجرة طوبى··· 320
أنبع الماء في الأرض القفر وهزّ الجذع فأطعمنا الرطب··· 321
أخذ بأذن الأسد فنحّاه عن الطريق··· 322
اكتمها عن الناس لا يفتنون··· 322
خيانة ميزان الهندي··· 323
إنّا أهل بيت لا يدخل الدنس بيوتنا··· 325
اجمع أموالك في كلّ شهر ربيع··· 326
مناظرة الشامي أصحاب الصادق عليه السلام··· 326
هشام بن الحكم يدين بدين الحقّ··· 328
عندنا خزائن الأرض ومفاتيحها··· 328
أحبّ أن تخبرني باسم اللّه الأعظم··· 329
ص: 454
هلاّ كان هذا الورع ليلة نهر بلخ··· 330
أخبار السيّد الحميري··· 331
أخرج ابن الحنفية من القبر فشهد له بالإمامة··· 331
ما آن أن ترجع عن كفرك وضلالك··· 331
إنّ محبّي آل محمد لا يموتون إلاّ تائبين··· 332
مناظرة مؤمن الطاق والسيّد في ابن الحنفية··· 332
فصل 5 : في علمه عليه السلام
( 337 - 404 )
كثرة الرواة عنه··· 339
أئمة المذاهب عيال عليه··· 341
مالك بن أنس··· 341
أبو حنيفة··· 341
محمد بن الحسن وطيفور السقّاء··· 342
ابن أدهم وابن دينار··· 342
سفيان الثوري··· 342
الحسن بن صالح··· 343
ابن أبي ليلى··· 343
عمرو بن المقدام··· 344
كثرة الكتب التي نقلت عنه··· 344
رواة دعاء أمّ داود··· 344
ص: 455
أعلم ما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة··· 345
إنّي أتكلّم على سبعين وجها··· 345
للصلاة أربعة آلاف حدّ··· 345
عنده أسماء الأنبياء والأوصياء والملوك··· 346
إحتياج سليمان لهم··· 346
لقد أعطينا علم الأوّلين والآخرين··· 346
إنّي لأعلم ما في . . الدنيا والآخرة··· 347
إنّ كتب علي عليه السلام عنده··· 347
هذا ما حملته من الحجاز··· 348
جواب من زعم أنّه خلق دودا وهواما··· 348
خلق اللّه الذباب ليذلّ به الجبابرة··· 349
الكبائر من كتاب اللّه ··· 349
الكبائر سبع وقد استحلّت منّا··· 351
مناظرات مع أبي حنيفة في بطلان القياس··· 352
أجير عجز عن إتمام العمل··· 357
رجل سرق وزنا وقتل ثم قتل··· 357
زوج قتل صديق زوجته فقتلته الزوجة··· 358
مسائل أبي حنيفة في مجلس المنصور··· 359
مع سعد اليماني المنجم··· 359
تفصيل الجسم··· 360
زوال الشمس على الشهور الرومية··· 361
ص: 456
علّة اختلاف منيات الناس وميل القلب الى الخضرة··· 362
ظهور ذلّة الغلبة على ابن أبي العوجاء··· 362
إنّ الشمس تطلع بين قرني الشيطان··· 363
لِمَ لا تجوز المكتوبة في جوف الكعبة ؟··· 363
السعي بين الصفا والمروة فريضة أو سنّة ؟··· 364
امرأة أوصت بثلثها فلم يسع المال ذلك··· 364
ردّني أقبح ردّ وما خرج من قول صاحبه··· 365
رجوع المنصور اليه عليه السلام في كشف جريمة وقعت··· 366
أربعة أنفس قتلوا رجلاً··· 367
علّة التياسر في الصلاة لأهل العراق··· 367
علّة أوّل الوضوء باليمين··· 368
علّة الغائط··· 368
علّة نظر من أراد الحاجة الى ما يخرج منه··· 368
علّة التسليم في الصلاة··· 369
علّة التكبير بعد التسليم··· 369
علّة جعل العاهات في أهل الحاجة··· 369
علّة خروج المؤمن من الكافر وبالعكس··· 370
الطبائع أربع··· 370
علل ما خلق في الإنسان من الجوارح والأعضاء··· 371
علّة حزن الإنسان وفرحه من غير سبب··· 374
علّة سرعة الفهم وإبطائه··· 375
ص: 457
علّة الحبّ تقع فيه القملة··· 375
علّة سقوط الزكاة عن البغال··· 376
أمة بين شريكين··· 376
حكم من شتم النبي صلى الله عليه و آله··· 376
الصادق عليه السلام أعلم من موسى وعيسى عليهماالسلام··· 377
حكم الفراء··· 378
حكم من قطع رأسه بعد الموت··· 378
من قال لامرأته يا زانية··· 379
علّة تحريم الزنا··· 380
علّة تحريم اللواط··· 380
علّة تحريم الربا··· 380
رجل صانع قطع عضو صبي بأمر أبيه··· 381
أوصى الى غلامين له كلّ اسمه يسار··· 381
علّة غسل الجنابة··· 382
لا يعلم الحساب إلاّ من علم مواليد الخلق كلّهم··· 382
ساعات السعد··· 383
علّة فرض الصلوات الخمس··· 384
لمَ لا يقصر صلاة المغرب في السفر··· 385
علّة توجيه الميت الى القبلة في القبر··· 385
علّة تحويل الرداء في الاستسقاء··· 386
علّة كون نيّة المؤمن خير من عمله··· 386
ص: 458
علّة خلود أهل الجنّة في الجنّة وأهل النار في النار··· 386
علّة تربيع القبر··· 387
علّة الزكاة والنصاب··· 387
علّة الصيام··· 388
علّة استلام الحجر وتقبيله··· 389
ابتداء البيت والحرم··· 391
علّة تقليد البدنة··· 392
المصدود والمحصور في الحجّ··· 392
علّة إحرام النبي صلى الله عليه و آله من الشجرة··· 392
دفاع الإمام عليه السلام عن محمد بن مسلم··· 393
مع أبي حنيفة··· 394
رجل زنى وهو مريض··· 394
حكم المرأة الحبلى إذا قتلت··· 395
علّة قطع يد السارق اليمنى ورجله اليسرى··· 395
علّة زيادة الحدّ في الزنا على الخمر··· 396
علّة أنّ النساء همّتهن في الرجال··· 396
لمَ صار مهر السنّة خمسمائة··· 396
لم صار المهر على الرجل··· 397
لِمَ حرّم على الرجل جارية ابنه··· 397
علّة تفضيل المرأة على الأخرى في القسمة والنفقة··· 397
علّة تحريم الخمر··· 398
ص: 459
تحديد الأكبر في التوأم··· 399
علّة عدّة المطلّقة وعدّة المتوفى عنها زوجها··· 399
علّة قبول أربع شهادات من الزوج إذا قذف زوجته··· 399
حكم السمك الطافي··· 400
بيان الفرق بين الذكي والميت··· 400
علّة تحريم الخصية والنخاع··· 401
علّة عدم نبات الشعر في راحة اليد··· 401
فصل 6 : في معالي أُموره عليه السلام
( 405 - 422 )
علّة تسميته ب-« الصادق »··· 407
كان يطعم حتى لا يبقى لعياله شيء··· 408
تصدّقه بالسرّ··· 409
أعطى من حمل عليه بالشفرة··· 409
كان يأمر أن يصلح بين أصحابه ويفتديهم من ماله··· 409
كان إذا أعطى لا يرجع بعطائه··· 410
عطاؤه للأشجع··· 411
اطلب الحاجة من أهل العلى··· 411
رفقه بغلمانه··· 412
خوفه من اللّه ··· 412
من شعره عليه السلام··· 413
ص: 460
مالك بن أنس يصف الإمام عليه السلام··· 414
قيل فيه··· 414
من شعره عليه السلام··· 415
نحن ورثة الأنبياء··· 415
عندنا جميع ما يحتاج الناس إليه··· 416
من شعره عليه السلام··· 417
معنى اسم جعفر··· 417
قول زيد فيه عليه السلام··· 418
قول ابن المبارك فيه عليه السلام··· 418
بين أبي حنيفة ومؤمن الطاق عند وفاة الصادق عليه السلام··· 418
شعر في رثائه عليه السلام··· 419
من رواة النصّ عليه··· 421
وصية الباقر له عليهماالسلام··· 421
فصل 7 : في تواريخه وأحواله عليه السلام
( 423 - 432 )
ولادته وشهادته وملوك عصره··· 425
موضع قبره ومدّة عمره عليه السلام··· 426
أمّه··· 426
أولاده··· 426
بابه··· 427
ص: 461
أصحابه والرواة عنه··· 427
أصحابه من التابعين··· 427
من خواصّ أصحابه··· 427
مواليه··· 428
حليته··· 428
زيارته··· 429
اسمه وكنيته··· 430
ألقابه··· 430
نسبة الجعفرية اليه··· 430
مسجده··· 430
في الحساب··· 430
الفهرست··· 433
ص: 462