الانوار النعمانیه المجلد 2

اشارة

سرشناسه:جزایری، نعمت الله بن عبدالله، ق 1112 - 1050

عنوان قراردادی:[الانوار النعمانیه فی بیان معرفه النشاه الانسانیه]

عنوان و نام پديدآور:الانوار النعمانیه/ تالیف نعمه الله الموسوی الجزائری

مشخصات نشر:بیروت - لبنان - دارالقاریء 1429

مشخصات ظاهری:4ج

عنوان دیگر:الانوار النعمانیه فی بیان معرفه النشاه الانسانیه

موضوع:اسلام -- مسائل متفرقه

موضوع:ادبیات عربی -- مجموعه ها

موضوع:احادیث شیعه -- قرن ق 12

ص :1

ادامة الباب الثاني

الانوار النعمانیه

تالیف نعمه الله الموسوی الجزائری

ص :2

نور في بيان بعض احوال مولانا صاحب الزمان صلوات اللّه عليه

و الكلام هنا يقع في امور:

الاول تحقيق الخلاف بين الشيعة و مخالفيهم في وجوده الان و نقل بعض الدلائل من طريق المخالفين.

إعلم وفقك اللّه تعالى ان اخبار الشيعة التي نقلوها من النبي و الائمة عليهم السّلام في المهدي الذي بشرت به المسلمون في جميع الاعصار تواترت على أنه هو صاحب الزمان ابن مولانا الامام الحسن العسكري عليهما السّلام و اما مخالفونا من جميع فرق الاسلام فقد اجمعوا على وقوع البشارة بالمهدي عليه السّلام و انما خالفوا في وقت ولادته و تعيين امه و ابيه،و اما انكاره مطلقا فلا يمكنهم لتواتر الاخبار من طرقهم في هذا المعنى،من ذلك ما رووه في الجمع بين الصحاح الستة عن ابي سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المهدي مني اجلى الجبهة اقنى الانف يملأ الارض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما يملك سبع سنين و في رواية كتاب المصابيح تسع سنين.

و من ذلك ما رووه في الجمع بين الصحاح الستة ايضا عن ابي اسحاق قال قال علي عليه السّلام و نظر الى ابنه الحسين عليه السّلام و قال ان ابني هذا سيد كما سماه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سيخرج من صلبه رجل باسم نبيكم يشبهه في الخلق يملأ الارض عدلا،و في كتاب كشف المخفي في مناقب المهدي مأة و عشرة احاديث من طرق رجال الاربعة مذاهب تركنا نقلها طلبا للاختصار،و اما الاشارة الى اماكنها فمنها من صحيح البخاري ثلاثة احاديث و من الجمع بين الصحيحين للحميدي حديثان و من الجمع بين الصحاح الستة لرزين بن معاوية العبدي احد عشر حديثا،و من كتاب الحافظ من مسند احمد بن حنبل سبعة احاديث و من تفسير الثعلبي خمسة احاديث،و من غريب الحديث لابن قتيبة الدينوري ستة احاديث و من كتاب الفردوس لابن شيرويه الديلمي اربعة احاديث، و من كتاب الدار قطني في مسند سيدة النساء فاطمة عليها السّلام ستة احاديث و من كتاب الحافظ ايضا في مسند علي بن ابي طالب ثلاثة احاديث و من كتاب المبتدأ للكسائي حديثان،و من كتاب المصابيح لابي محمد الحسين بن مسعود الفرا خمسة احاديث و من كتاب الملاحم لاحمد بن جعفر المناري اربعة و ثلاثون حديثا و من كتاب الخضرمي المعروف بالمطين ثلاثة احاديث و من كتاب الرعاية لاهل الرواية ثلاثة احاديث و منها خبر سطيح برواية الحميدي ايضا و من كتاب الاستيعاب لابي عمر يوسف بن عبد البر النميري حديثان و هذه الاخبار على كثرتها قد تضمنت خلقه و خلقه و ولادته و احواله على التفصيل.

و المخالفون قالوا انا لا ننكر المهدي و انه من اولاد فاطمة عليها السّلام و انه يملأ الارض عدلا و لكن وجوده و ولادته في الزمان المستقبل عند خروج الدجال و اقوى دلائلهم على هذا استبعاد طول

ص:3

عمر الشريف فان بنية الانسان على ما هو المشاهد يأخذها السنّ و يهدمها طول العمر و العناصر لا يبقى تركيبها ازيد من العمر المتعارف،و لا يخفى ان هذا سؤال ركيك لا يحتاج الى الجواب لانه قد تواتر كثير من الاخبار بطول عمر جماعة من الانبياء و غيرهم من المعمرين و هذا الخضر عليه السّلام على طول السنين و اصحاب الكهف لبث ثلثمائة سنين و ازدادوا تسعا و هم احياء كالنيام فهؤلاء المجوفون المحتاجون الى طعام و شراب قد بقوا هذه المدة بغير طعام و لا شراب و بقوا زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله حيث بعث الصحابة على البساط للتسليم عليهم فلم يكلّم احدا من الصحابة الا امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السّلام و اعتذروا عن عدم تكلمهم الصحابة بأنه لم يؤذن ان تكلّم الا نبيا او وصيه كما رواه الثعلبي و غيره من الجمهور.

و من المعمرين علي بن عثمان بن خطاب بن مرة بن مؤيد معمّر المغربي ابو الدنيا قال الصدوق طاب ثراه حدثنا ابو سعيد عبد اللّه بن محمد بن عبد الوهاب بن نصر الشجري قال حدثنا ابو بكر محمد بن الفتح المزكى و ابو الحسن علي بن الحسن حكما الملاشكي ختن ابي بكر قالا لقينا بمكة رجلا من اهل المغرب فدخلنا عليه مع جماعة من اصحاب الحديث ممن كان حضر الموسم في تلك السنة و هي سنة تسع و ثلثمائة،فرأيناه رجلا اسود الرأس و اللحية كأنه ش بال و حوله جماعة من اولاد اولاد اولاده و مشايخ من اهل بلده ذكروا انهم من اقصى بلاد المغرب بقرب باهرق العليا و شهدوا هؤلاء المشايخ انا سمعنا آبائنا حكوا عن آبائهم و اجدادهم انا عهدنا هذا الشيخ المعروف بابي الدنيا معمر و اسمه علي بن عثمان و ذكر انه همداني و ان اصله من صنعاء اليمن فقلنا له انت رأيت علي بن ابي طالب عليه السّلام فمال بيده ففتح عينيه و قد كان وقع حاجباه على عينيه ففتحهما كانهما سراجان و قال رأيته بعيني هاتين و كنت خادما له و كنت معه في وقعت صفين و هذه الشجة من دابة علي عليه السّلام و ارانا اثره على حاجبه الايمن و شهد الجماعة الذين كانوا حوله من المشايخ و من حفدته و اسباطه بطول العمر انهم منذ ولدوا عهدوه على هذه الحالة، قالوا و كذا سمعنا من آبائنا و اجدادنا ثم انا فاتحناه و سايلناه عن قصته و حاله و سبب طول عمره فوجدناه ثابت العقل يفهم ما يقال و يجيب عنه بلبّ و عقل فذكر انه كان له والد قد نظر في كتب الاوايل و قرأها و قد كان وجد فيها ذكر نهر الحيوان و انها تجري في الظلمات و انه من شرب منها طال عمره فحمله الحرص على دخول الظلمات فتحمل و تزود حسب ما قدر انه يكتفي به في مسيره و اخرجني معه و اخرج معنا خادمين و باذلين و عدّة اجمال لبون و روايا و زاد و انا يومئذ ابن ثلاث عشر سنة فسار بنا الى ان وافينا طرف الظلمات ثم دخلنا فسرنا فيها نحو سنة ايام بلياليها و كنّا نميز بين الليل و النهار بأن النهار كان يكون اضوء قليلا و اقلّ ظلمة من الليل فنزلنا بين جبال و اودية و ذكوات و قد كان والدي رحمه اللّه وجد في الكتب التي قرأها ان مجرى نهر الحيوان في ذلك الموضع فأقمنا في تلك البقعة اياما حتى فنى الماء الذي كان معنا و اسقينا جمالنا و لو لا ان

ص:4

جمالنا كانت لبون لهلكنا و تلفنا عطشا،و كان والدي يطوف في تلك البقعة في طلب النهر و يأمرنا ان نوقد نارا ليهتدى اذا اراد الرجوع الينا فمكثنا في تلك البقعة نحوا من خمسة ايام و والدي يطلب النهر فلا يجده،و بعد الاياس عزم على الانصراف حذرا من التلف لفناء الزاد و الماء و الخدم الذين كانوا معنا ضجروا و خشوا التلف على انفسهم،فألحوا على والدي بالخروج من الظلمات، فقمت يوما من الرحل لحاجتي فتباعدت من الرحل قد رمية سهم،فعثرت بنهر ماء ابيض اللون عذبا لذيذا لا بالصغير من الانهار و لا بالكبير يجري جريا لينا فدنوت منه و غرفت منه بيدي غرفتين او ثلاثا فوججدته عذبا باردا لذيذا،فبادرت مسرعا الى الرحل و بشرت الخدم بأني قد وجدت الماء،فحملوا معنا من القرب و الادوات لنملأها،و لم اعلم ان والدي في طلب ذلك النهر و كان سروري بوجود الماء لما كنا عدمنا الماء و فنى ما كان معنا،و كان والدي في ذلك الوقت مشغولا بالطلب فجهدنا فطفنا ساعة هوية على ان نجد النهر فلم نهتد اليه حتى ان الخدم كذبوني و قالوا لي لم تصدق،فلما انصرفنا الى الرحل و انصرف والدي اخبرته بالقصة،فقال لي يا بني الذي اخرجني الى ذلك المكان و تحمل الخطر كان لذلك النهر و لم ارزق انه و رزقته انت،و سوف يطول عمرك حتى تمل الحياة و رحلنا منصرفين و عدنا الى اوطاننا و بلدنا،و عاش والدي بعد ذلك سنينات ثم توفى رحمة اللّه عليه.

فلما بلغ سني قريبا من ثلثين سنة و كان قد اتصل بنا وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله و وفاة الخليفتين من بعده خرجت حاجا فلحقت آخر ايام عثمان،قال فمال قلبي من جماعة اصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله الى علي بن ابي طالب عليه السّلام فأقمت معه اخدمه،و شهدت معه وقايع و في وقعة صفين اصابتني هذه الشجة من دابته،فما زلت مقيما معه الى ان مضى لسبيله عليه السّلام فالحّ عليّ اولاده و حرمه ان اقيم عندهم فلم اقم،و انصرفت الى بلدي و خرجت ايام بني مروان حاجا انصرفت مع اهل بلدي و الى هذه الغاية ما خرجت في سفر الا ان الملوك في بلاد المغرب يبلغهم خبري و طول عمري فيشخصوني الى حضرتهم ليروني و يسألوني عن سبب طول عمري و عما شاهدت،و كنت اتمنى و اشتهي ان احجّ حجة أخرى فحملني هؤلاء حفدتي و اسباطي الذين ترونهم حولي و ذكر انه ق سقطت اسنانه مرتين او ثلاثة،فسألناه ان يحدثنا بما سمعه من امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السّلام فذكر انه لم يكن له حرص و لا همة في العلم في وقت صحبته لعلي بن ابي طالب عليه السّلام و الصحابة ايضا كانوا متوافرين فمن فرط ميلي الى علي عليه السّلام و محبتي له لم اشتغل بشيء سوى خدمته و صحبته،و الذي كنت اتذكره مما كنت سمعته منه قد سعه منمي عالم من الناس ببلاد المغرب و مصر و الحجاز،و قد انقرضوا و تفانوا و هؤلاء اهل بلدي و حفدتي قد دونوه،فاخرجوا الينا النسخة و اخذ يملي علينا من حفظه.

ص:5

حدثنا ابو الحسن علي بن عثمان ابو الدنيا قال حدثني علي بن ابي طالب عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من قرأ قل هو اللّه احد مرة فكأنما قرأ ثلث القرآن،و من قرأها مرتين فكأنما قرأ ثلثي القرآن،و من قرأها ثلاثا فكأنما قرأ القرآن كله،و هذا الرجل ساكن في المغرب و اسم بلده طنجه،و حدّث ابو الدنيا قال حضرت مع علي عليه السّلام الجمل و الصفين فكنت بين الصفين واقفا عن يمينه اذ سقط سوطه من يده فأكببت آخذه و ادفعه اليه و كان لجم دابته حديدا مدمجا،فرفع الفرس رأسه فشجني هذه الشجة التي في صدري فدعاني امير المؤمنين عليه السّلام فتفل فيها و اخذ حفنة (1)من تراب فتركه عليها،فو اللّه ما وجدت لها الما و لا وجعا ثم اقمت معه حتى قتل صلوات اللّه عليه و صحبت الحسن بن علي عليهما السّلام حين ضرب بساباط المدائن،ثم بقيت معه بالمدينة اخدمه و اخدم الحسين عليه السّلام حتى مات الحسن عليه السّلام مسموما،ثم خرجت مع الحسين بن علي عليهما السّلام حتى حضرت كربلاء و قتل عليه السّلام و خرجت هاربا بدابتي(بديني خ)و انا مقيم بالمغرب انتظر خروج المهدي و عيسى بن مريم عليهما السّلام.

قال ابو محمد العلوي رضي اللّه عنه و من عجيب ما رأيت من هذا الشيخ علي بن عثمان و هو يحدث فنظرت الى عنفقته (2)قد احمرت ثم ابيضت،فجعلت انظر الى ذلك لانه لم يكن في رأسه و لا في لحيته و لا في عنفقته بياض،قال فنظر الى نظري الى لحيته و عنفقته فقال ما ترون ان هذا يصيبني اذا جعت،و اذا شبعت رجعت الى سوادها،فدعا بالطعام فأكل اكل شاب فأسوّدت عنفقته شيئا فشيئا حتى رجعت الى سوادها.

قال مؤلف الكتاب رضي اللّه عنه حدثني اوثق مشايخي السيد هاشم الاحسائي في شيراز في مدرسة الامير محمد عن شيخه العادل الثقة الورع الشيخ محمد الحرفوشي اعلى اللّه مقامه في دار المقامة انه دخل يوما مسجدا من مساجد الشام،و كان مسجدا عتيقا مهجورا فرأى رجلا حسن الهيئة في ذلك المسجد فأخذ الشيخ في المطالعة في كتب الحديث،ثم ان ذلك الرجل سأل الشيخ عن احواله و عمّن نقل الحديث فأخبره الشيخ،ثم ان الشيخ سأله عن احواله و عن مشايخه فقال ذلك الرجل انا معمّر ابو الدنيا و اخذت العلم عن علي بن ابي طالب عليه السّلام و عن الائمة الطاهرين عليهم السّلام،و اخذت فنون العلم عن اربابها و سمعت الكتب من مصنفيها،فاستجازه الشيخ في كتب الاحاديث الاصول و غيرها و في كتب العربية و الاصول،فاجازه،و قرأ عليه الشيخ بعض الاخبار في ذلك المسجد توثيقا للاجازة،فمن ثم كان شيخنا الثقة قدس اللّه روحه يقول يقول لي يا بني ان سندي الى المحمدين الثلاثة و غيرهم من اهل الكتب قصير،فاني اروي عن الفاضل

ص:6


1- (1) الحفنة ملا الكف.
2- (2) العنفقة شعيرات بين الشفة الشفلى و الذقن جمع عنافق.

الحرفوشي عن الامام علي بن ابي طالب عليه السّلام،و كذا الى الصادق و الكاظم عليهما السّلام الى آخر الائمة، و كذلك روايتي لكتب الاصول مثل الكافي و التهذيب و من لا يحضره الفقيه و اجزتك ان تروي عني بهذه الاجازة،فنحن نروي الكتب الاربعة عن مصنفيها بهذا الطريق.

و من المعمرين ذات العماد قال الصدوق طاب ثراه اخبرنا محمد بن هارون الزنجاني فيما كتب الي،قال حدثنا معاذ بن المثنى العنبري،قال حدثنا عبد اللّه بن اسما،قال حدثنا جويرية عن سفيان عن منصور عن ابي و ابل،قال ان رجلا يقال له عبد اللّه بن قلابة خرج في طلب إبل له قد شردت،فبينما هو في صحاري عدن في تلك الفوات اذا هو قد وقع على مدينة عليها حصن حول ذلك الحصن قصور كثيرة و اعلام طوال،فلما دنى منها ظنّ ان فيها من يساله عن ابله فلم ير داخلا و لا خارجا فنزل عن ناقته و عقلها و سلّ سيفه و دخل من باب الحصن فاذا هو ببابين عظيمين،لم ير في الدنيا شيئا اعظم منهما و لا اطول و اذا خشبهما من اطيب عود و عليهما نجوم من ياقوت اصفر فاذا هو بمدينة لم ير الراؤن مثلها قطّ،و اذا هو بقصور كل معلق تحته اعمدة من زبرجد و ياقوت،و فوق كل قصر منها غرفة و فوق الغرف غرف مبنية بالذهب و الفضة و اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد،و على كل باب من ابواب تلك القصور مصاريع مثل مصاريع باب المدينة من عود طيب قد نضدت عليه اليواقيت،و قد فرشت تلك القصور باللؤلؤ و بنادق المسك و الزعفران،فلما رأى ذلك و لم ير هناك احدا فزعه ذلك،ثم نظر الى الازقة فاذا في كل زقاق منها اشجار قد اثمرت تحتها انهار تجري فقال هذه الجنة التي وصف اللّه عز و جل لعباده في الدنيا، فالحمد للّه الذي ادخلني الجنة فحمل من لؤلؤها و من بنادق المسك و الزعفران و لم يستطع ان يقلع من زبرجدها و لا من ياقوتها،لانه كان مبنيا في ابوابها و جدرانها و كان اللؤلؤ و بنادق الزعفران منثورا بمنزلة الرمل في تلك القصور و الغرف كلها،فأخذ منها ما ارادوا و خرج حتى اتى ناقته فركبها،ثم سار يقفو اثر ناقته حتى رجع الى اليمن و اظهر ما كان معه و اعلم الناس امره، و باع بعض ذلك اللؤلؤ و كان إصفار و تغير منم طول ما مرّ عليه من الليالي و الايام.

فشاع خبره و بلغ معاوية بن ابي سفيان فأرسل رسولا الى صاحب صنعاء،ثم كتب باشخاصه فشخص حتى قدم على معاوية فخلا به و سأله عما عاين فقص عليه امر المدينة و ما رأى فيها،و عرض عليه ما حمله منه(منها)من اللؤلؤ و بنادق المسك و الزعفران،فقال و اللّه ما اعطى سليمان بن داود مثل هذه المدنية،فبعث معاوية الى كعب الاحبار فدعاه و قال له يا ابا اسحاق هل بلغك ان في الدنيا مدينة مبنية بالذهب و الفضة و عمدها زبرجد و ياقوت،و حصباء قصورها و غرفها اللؤلؤ و انهارها في الازقة تجري تحت الاشجار،قال كعب اما هذه المدينة فصاحبها شداد بن عاد الذي بناها،و اما المدينة فهي إرم ذات العماد و هي التي وصفها اللّه عز و جل في كتابه المنزل على نبيه المرسل محمد صلّى اللّه عليه و آله و ذكر انه لم يخلق مثلها في البلاد،قال معاوية حدثنا بحديثها.

ص:7

قال ان عاد الاولى بعماد قوم كان له ابنان سمى احدهما شديدا و الاخر شدادا فهلك عاد و بقيا و ملكا و تجبرا و اطاعهما الناس في الشرق و الغرب،فمات شديد بقى شداد فملك وحده و لم ينازعه احد و كان مولعا بقراءة الكتب و كان كلما سمع بذكر الجنة و ما فيها من البنيان و الياقوت و الزبرجد و اللؤلؤ رغب ان يفعل مثل ذلك في الدنيا عتوا على اللّه عز و جل،فجعل على صنعتها مأة تحت كل واحد منهم الف من الاعوان،فقال انطلقوا الى اطيب فلاة في الارض و اوسعها فاعملوا لي فيها مدينة من ذهب و فضة و ياقوت و زبرجد و لؤلؤ و اصنعوا تحت تلك المدينة اعمدة من زبرجد و على المدينة قصور و على القصور غرف و فوق الغرف غرف،و اغرسوا تحت القصور في ازقتها اصناف الثمار كلها و ارجوا فيها الانهار حتى تكون تحت اشجارها،فانى اقرأ في الكتاب صفة الجنة و انا احب انا جعل مثلها في الدنيا،قالوا كيف نقدر على ما و صفت لنا من الجواهر و الذهب و الفضة حتى يمكننا ان نبني مدينة كما و صفته،قال شداد لا تعلمون ان ملك الدنيا بيدي،قالوا بلى قال فانطلقوا الى كل معدن من معادن الجواهر و الذهب و الفضة فوكّلوا بها حتى تجمعوا ما تحتاجون اليه و خذوا جميع ما تجدونه في ايدي الناس من الذهب و الفضة.

فكتبوا الى كل ملك في الشرق و الغرب فجعلوا يجمعون انواع الجواهر عشر سنين فبنوا هذه المدينة في مدة ثلثمائة سنة،و عمر شداد تسع مأة سنة،فلما اتوه فاخبروه بفراغهم منها قال انطلقوا فاجلعوا عليها حصنا،و اجعلوا حول الحصن الف قصر عند كل قصر الف علم يكون في كل قصر من تلك القصور وزير من وزرائي،فرجعوا و عملوا ذلك كله له ثم آتوه فأخبروه بالفراغ منها كما امرهم به،فأمر الناس بالتجهيز الى إرم ذات العماد فأقاموا في جهازهم اليها عشر سنين ثم سار الملك يريد إرم ذات العماد فلما كان من المدينة على مسير يوم و ليلة بعث اللّه عز و جل عليه و على جميع من كان معه صيحة من السماء فاهلكتهم جميعا،و ما دخل إرم و لا احد ممن كان معه فهذه صفة إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد،و اني لاجد في الكتب ان رجلا يدخلها و يرى ما فيها ثم يخرج فيحدث بما رأى فلا يصدق و سيدخلها اهل الدين في آخر الزمان.

اقول اذا جاز ان يكون في الارض جنة مغيبة عن الناس لا يهتدى الى مكانها احد من الناس و لا يعلمونها و يتعقدون صحة كونها من طريق الاخبار لا يقبلون من طريق الاخبار كون القائم عليه السّلام الان في غيبته،و اذا جاز ان يعمر شداد بن عاد تسعمائة سنة فكيف لا يجوز ان يعمّر القائم مثلها و اكثر منها.

و من المعمرين عبيد بن شريد الجرهمي قال الصدوق طاب ثراه حدثنا ابو سعيد عبيد اللّه بن محمد بن عبد الوهاب الشجري،قال وجدت في كتاب لاخي ابي الحسن بخطه يقول سمعت بعض اهل العلم ممن قرأ الكتب و سمع الاخبار ان عبيد بن شريد الجرهمي عاش ثلاثمائة و خمسين سنة فادرك النبي صلّى اللّه عليه و آله فأسلم و حسن اسلامه و عمّر بعد ما قبض النبي صلّى اللّه عليه و آله حتى قدم الى

ص:8

معاوية في ايام تغلّبه و ملكه فقال له معاوية اخبرني يا عبيد عما رأيت و سمعت و من ادركت و كيف رأيت الدهر،فقال له اما الدهر فرأيت ليلا يشبه ليلا و نهارا يشبه نهارا و مولودا يولد و ميتا يموت و لم ادرك اهل زمان الا و هم يذمون زمانهم،و ادركت من قد عاش الف(ثلثمائة خ)سنة فحدثني عمن كان قبله قد عاش الف(الفي خ)سنة فأما ما سمعت فأنه حدثني ملك من ملوك حمير انّ بعض ملوك التبابعة ممن دانت له البلاد كان يقال له ذو سرح كان اعطى الملك في عنفوان شبابه و كان حسن السيرة في اهل مملكته مجيبا فيهم مطاعا،فملكهم سبعمائة سنة و كان كثيرا ما يخرج في خاصته الى الصيد و النزهة،فخرج يوما في بعض تنزهه فأتى على حيتين احديهما بيضاء كأنها سبيكة فضة و الاخرى سوداء كأنها حممة و هما تقتتلان و قد غلبت السوداء البيصاء و كادت تأتي على نفسها،فأمر الملك بالسوداء فقتلت و امر بالبيضاء فاحتملت حتى انتهى بها الى عين ماء نقي عليها شجرة فأمر فصب عليها من الماء فسقيت حتى رجع اليها نفسها فافاقت فخلّى سبيلها فانسابت الحية و مضت لسبيلها و مكث الملك يومه في تصيده و نزهته،فلما امسى و رجع الى منزله و جلس على سريره في موضع لا يصل اليه حاجب و لا احد فبينما هو كذلك اذ رأى شابا آخذا بعضادتي الباب و به من الشباب و الجمال شيء لا يوصف فسلم عليه فذعر منه الملك،فقال له من أنت و من اذن لك في الدخول علي في هذا الموضع الذي لا يصل الي فيه حاجب و لا غيره،فقال له الفتى لا ترع ايها الملك اني لست بانسي و لكني فتى من الجن اتيتك لا جازيك ببلائك الحسن الجميل عندي،قال الملك و ما بلائي عندك قال انا الحية التي احييتني في يومك هذا بالاسود الذي قتلته و خلصتني منه كان غلاما لنا تمرد علينا و قد قتل من اهل بيتي عدّة كان اذا خلى بواحد منّا قتله،فقتلت عدوي و احييتني فجئتك لا كافيك ببلائك عندي،و نحن ايها الملك الجن لا الجن،فقال له الملك و ما الفرق بين الجن و الجنّ؟ثم انقطع الحديث من الاصل الذي كتب فلم يكن هناك بتمامه.

الامر الثاني في كيفية تولده عليه السّلام و ما يتبعها من المقدمات رويناه باسانيدنا الى الصدوق طاب ثراه قال حدثنا محمد بن علي بن محمد النوفكي قال حدثنا ابو العباس البغدادي قال حدثنا احمد القمي قال حدثنا محمد الشيباني قال وردت كربلاء سنة ستى و ثمانين و مأتين قال وزرت قبر غريب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثم أتيت الى مشهد الكاظم عليه السّلام فرأيت شيخا قد انحنى صلبه و تقوّس منكباه و هو يقول لاخر معه عند القبر يا ابن اخي لقد نال عمّك شرفا بما حمله السيدان من غوامض الغيوب و شرايف العلوم التي لا لم يحملها الا سلمان و قد اشرف عمك على استكمال المدة و ليس يجد في اهل الولاية رجلا يفضي اليه بسره،قلت يا نفس لا يزال العنا و المشقة ينالان منك و قد قرع سمعي من الشيخ لفظة تدلّ على علم جسيم و اثر عظيم فقلت ايها الشيخ من السيدان؟قال النجمان المغيبان تحت الثرى بسر من رأى،قلت فانا اقسم بالموالاة و شرف محل هذين السيدين من الامامة

ص:9

و الوراثة اني خاتطب علمهما و طالب آثارهما و باذل من نفسي الايمان المؤكدة على حفظ اسرارهما قال ان كنت صادقا فيما تقول فاحضر ما صحبك من الاثار عن نقلة اخبارهم فلما فتش الكتب و تصفح الروايات منها قال صدقت انا بشر بن سليمان النخّاس من ولد ابي ايوب الانصاري احد موالي ابي الحسن و ابي محمد عليهما السّلام و جارهما بسر من رأى قلت فاكرم اخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما.

قال كان مولانا علي العسكري عليه السّلام فقهني في امر الرقيق فكنت لا ابتاع و لا ابيع الا بأذنه فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتى كملت معرفتي فيه فاحسنت الفرق بين الحلال و الحرام فينما اذا ذات ليلة في منزلي بسر من رأى و قد مضى هوى من الليل اذ قرع الباب قارع فعدوت مسرعا فاذا انا بكافور الخادم رسول مولانا علي بن محمد عليه السّلام يدعوني اليه فلبست ثيابي و دخلت عليه فرأيته يحدّث ابنه ابا محمد عليه السّلام و اخته حكيمة من وراء الستر فلما جلست قال يا بشر انك من ولد الانصار و هذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف فانتم ثقاتنا اهل البيت و اني مزكيك و مشرفك بفضيلة تسبق بها سائر الشيعة في الموالاة بها شيء اطلعك عليه و انفذك في تتبع امره و كتب كتابا ملصقا بخط رومي و لغة رومية و طبع خاتمه بها و اخرج شنتقة(ظ)صفراء فيها مائتان و عشرون دينارا فقال خذها و توجه بها الى بغداد و احضر معبر الفرات ضحوة كذا فاذا وصلت الى جانبك زواريق السبايا و برز الجواري منها فسيحدث بهن طوائف المبتاعين من وكلاء قوّاد بني العباس و شرذام من فتيان العراق فاذا رأيت ذلك فاشرف من العبد على المسمى عمر بن يزيد النخاس عامة نهارك الى ان يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا لابسة خزين صفيفين(صففين ظ) تمنع من السفور و لمس المعترض و الانقياد لمن يحاول لمسها او يشغل نظره بتأمل مكاشفها من وراء الستر الرقيق فيضربها النخاس فتصرخ صرخة رومية فاعلم انها تقول و اهتك ستراه فيقول بعض المبتاعين على ثلثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة فتقول بالعربية لو برزت في زي سليمان على مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة فاشفق على مالك فيقول النخاس فما الحيلة و لا بد من بيعك فتقول الجارية و ما العجلة و لا بد من اختيار مبتاع يسكن الى امانته و وفائه،فعند ذلك قم الى عمر بن يزيد النخّاس و قل له ان معي كتابا ملصقا لبعض الاشراف كتبه بلغة رومية و خطّ رومي و وصف فيه كرمه و وفاه و ميله و سخاه فناولها لتتأمل منه اخلاق صاحبه فان مالت اليه و رضيته فانا وكيله في ابتياعها منك.

قال بشر بن سليمان فامتثلت بجميع ما حدّه لي مولاي ابو الحسن عليه السّلام في امر الجارية فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديدا،و قالت لعمر بن يزيد النخاس بعنى من صاحب هذا الكتاب و حلفت انه متى امتنع من بيعها قتلت نفسها فما زلت اشاحه في ثمنها حتى استقر الامر فيه على مقدار ما كان اصحبنيه مولاي من الدنانير في الشنقة(الشنتقة ظ)الصفراء فاستوفاه مني و تسلمت

ص:10

منه الجارية ضاحكة مستبشرة و انصرفت بها الى حجرتي التي كنت آوي اليها ببغداد فما اخذها القرار حتى اخرجت كتاب مولانا من جيبها و هي ثلثمه و تضعه على خدها و تطبقه على جفنها و تمسحه على بدنها فقلت تعجبا منها أ تثلمين كتابا و لا تعرفين صاحبه قالت ايها العاجز الضعيف المعرفة بمحلّ اولاد الانبياء اورعني سمعك و فرّغ لي قلبك انا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم من ولد الحواريين تنسب الى وصي المسيح شمعون انبأك العجب ان جدي قيصر اراد ان يزودجني من ابن اخيه و انا من بنات ثلاث عشرة سنة فجمع في قصره من نسل الحواريين من القسيسين و الاحبار و الرهبان ثلثمائة رجل و من ذوي الاخطار منهم سبعمائة رجل و جمع من امراء الاجناد و قوّاد العساكر و نقباء الجيوش و ملوك العشاير اربعة آلاف و ابرز من ملكه عرشا مصنوعا من اصناف الجواهر الى صحن القصر فرفعه فوق اربعين مرقاة فلما صعده ابن اخيه و احدثت به الصلبان و قامت الاساقفة عكّفا و نشرت اسفار الانجيل تساقطت الصلبان من الاعالي فلصقت بالارض و تقوضت الاعمدة فانهارت الى القرار و خرّ الصاعد من العرش مغشيا عليه فتغيرت الوان الاساقفة و ارتعدت فرائضهم فقال كبيرهم لجدي ايها الملك اعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة على زوال هذا الدين المسيحي و المذهب الملكاني فتطير جدي من ذلك تطيرا شديدا و قال للاساقفة اقيموا هذه الاعمدة و ارفعوا الصلبان و احضروا اخا هذا المدبر العاثر المنكوس جدّه لازوج هذه الصبية منه فيدفع نحوسكم عنه بسعوده فلما فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الاول و تفرق الناس و قام جدي قيصر مغتما فدخل قصره و اغتم و ارخيت الستور فأريت في تلك الليلة كان المسيح و شمعون و عدّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدي و رفعوا به منبرا يباري السماء علوا و ارتفاعا في الموضع الذي كان جدي نصب فيه عرشه فدخل محمد صلّى اللّه عليه و آله مع فتية من بنيه فيقوم اليه المسيح فيعتنقه فيقول يا روح اللّه اني جئتك خاطبا من وصيك شمعون فتاته مليكة لاني هذا و اومئ بيده الى ابي محمد صاحب هذا الكتاب فنظر المسيح الى شمعون فقال له قد اتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال قد فعلت.

فصعد ذلك المنبر و خطب محمد صلّى اللّه عليه و آله و زوجني من ابنه المسيح و شهد بنو محمد و الحواريون فلما استيقظت من نومي اشفقت ان اقص هذه الرؤيا على ابي و جدي مخافة القتل فكنت اسرها في نفسي و لا ابديها لهم و ضرب صدري بمحبة ابي محمد حتى امتنعت من الطعام و الشراب و ضعفت نفسي و دقّ شخصي و مرضت مرضا شديدا فما بقي في مدائن الروم طبيب الا احضره جدي و سأله عن دوائي فلما برح به اليأس قال يا قرة عيني فهل ببالك شهوة فازودها في هذه الدنيا فقلت يا جدي ارى ابواب الفرج عليّ مغلقة فلو كشفت العذاب عن من في سجنك من اسارى المسلمين و فككت عنهم الاغلال و تصدقت عليهم و منيتهم الخلاص رجوت ان يهب المسيح و امه لي عافية و شفاء فلما فعل ذلك تجلدّت في اظهار الصحة في بدني و تناولت يسيرا من

ص:11

الطعام فسر بذلك جدي و اقبل على اكرام الاسارى و اعزازهم فأريت ايضا بعد اربع ليال كان سيدة النساء قد زارتني و معها مريم بنت عمران و الف من وصائف الجنان فتقول لي مريم هذه سيدة نساء ام زوجك ابي محمد فاتعلق بها و ابكى و اشكوا اليها امتناع ابي محمد من زيارتي فقالت سيدة النساء ان ابني ابا محمد لا يزورك و انت مشركة باللّه على دين مذهب النصارى و هذه اختي مريم تبرأ الى اللّه عز و جل من دينك فان ملت الى رضاء اللّه و رضاء المسيح و مريم منك و زيارة ابي محمد اياك فقولي اشهد ان لا الا اللّه و ان ابي محمدا رسول اللّه فلما تكلمت بهذه الكلمة ضمتني سيدة النساء الى صدرها و طيبت نفسي و قالت الان توقعي زيارة ابي محمد فاني منفذته اليك فانتبهت و انا اقول وا شوقاه الى لقاء ابي محمد فرأيت كأني اقول له لك جفوتني يا حبيبي بعد ان شغلت قلبي بجوامع حبك قال ما كان تأخيري منك الا لشركك و قد اسلمت فاني زائرك كل ليلة الى ان يجمع اللّه شملنا في العليان فما قطع عني زيارته بعد ذلك الى هذه الغاية.

قال بشر فقلت و كيف وقعت في الاسارى فقالت اخبرني ابو محمد ليلة من الليالي ان جدّك سيسري جيوشا الى قتال المسلمين يوم كذا و كذا ثم يتبعهم فعليك باللحاق بهم متنكرة في زي الخدم مع عدة من الوصائف من طريق كذا ففعلت فوقع علينا طلايع المسلمين حتى كان من امري ما رأيت و شاهدت و ما شعر بأني ابنة ملك الروم الى هذه الغاية احد سواك و ذلك باطلاعي اياك عليه و قد سألني الشيخ الذي دفعت اليه في سهم الغنيمة عن اسمي فانكرته و قلت نرجس اسم الجواري قلت العجب انك رومية و لسانك عربي قالت بلغ من ولوع جدي بي و حمله اياي على تعليم الاداب ان امر امرأة ترجمان له في الاختلاف اليّ و كانت تقصدني صباحا و مساء و تفيدني العربية حتى استمر عليها لساني و استقام قال بشر فلما انكفأت بها الى سر من رأى دخلت على مولانا ابي الحسن العسكري عليه السّلام قال لها كيف اراك اللّه عز الاسلام و ذلّ النصرانية و شرف اهل بيت محمد صلوات اللّه عليه و آله،قالت اصف لك يا ابن رسول اللّه ما انت اعلم به مني قال فاني احب ان اكرمك فأيما احب اليك عشرة الاف درهم ام بشرى لك فيها شرف الابد،قالت بل البشرى قال فابشري بولد يملك الدنيا شرقا و غربا فيملأ الارض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا قالت ممن قال ممن خطبك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليلة كذا من شهر كذا من سنة بالرومية قالت من المسيح و وصيه قال ممن زوجك المسيح قالت من ابنك ابي محمد قال فهل تعرفينه قالت و هل خلوت ليلة من زيارته اياي منذ الليلة التي اسلمت فيها على يد سيدة النساء امه فقال ابو الحسن عليه السّلام يا كافور ادع لي اختي حكيمة فلما دخلت عليه قال عليه السّلام ها هيه فاعتنقتها طويلا و سألت بها كثيرا فقال مولانا يا بنت رسول اللّه اخرجيها الى منزلك و علميها الفرائض و السنن فانها زوجة محمد و ام القائم عليه السّلام.

ص:12

و بالاسانيد المتكثرة عن حكيمة قالت بعث اليّ ابو محمد بن علي عليهما السّلام فقال يا عمة اجعلي افطارك الليلة عندنا فانها ليلة النصف من شعبان فان اللّه تبارك و تعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة و هو حجبته في ارضه،قالت فقلت له و من امه قال لي نرجس قلت له و اللّه جعلني فداك ما بها اثر فقال هو ما اقول لك قالت فجئت فلما سلّمت و جلست جائت تنزع خفي و قالت لي يا سيدتي كيف امسيت فقلت بل انت سيدتي و سيدة اهلي قالت فانكرت قولي و قالت ما هذا يا عمة؟قالت قلت لها يا بنية ان اللّه تبارك و تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاما سيدا في الدنيا و الاخرة،قالت فخجلت و استحيت فلما ان فرغت من صلاة العشاء الاخرة افطرت و اخذت مضجعي فرقدت فلما ان كان في جوف الليل قمت الى الصلاة ففرغت من صلاتي و هي نائمة ليس لها حادث ثم جلست معقبة ثم اضطجعت ثم انتبهت فزعة و هي راقدة،ثم قامت فصلّت و نامت قالت حكيمة فخرجت اتفقد الفجر فاذا انا بالفجر الاول كذنب السرحان و هي نائمة قالت حكيمة فدخلني الشكوك فصاح بي ابو محمد عليه السّلام من المجلس لا تعلجي يا عمة فهاك الامر قد قرب،قالت فقرئت الم السجدة و يس فبينما انا كذلك اذ انتهبت فزعة فوثبت اليها فقلت اسم اللّه عليك،ثم قلت لها تحسين شيئا؟قالت نعم يا عمة فقلت لها اجمعي نفسك و اجمعي قلبك فهو ما قلت لك.

قالت حكيمة ثم اخذتني فترة و اخذتها فترة فانتبهت بحس سيدي فكشف الثوب عنه فاذا انه به عليه السّلام ساجدا يتقلى الارض بمساجده فضممته عليه السّلام اليّ فاذا انا به نظيف منظف فصاح بي ابو محمد عليه السّلام عليّ اليّ يا عمة فجئت به اليه فوضع يده تحت اليتيه و ظهره و وضع قدمه في صدره ثم دلى(ادلى ظ)لسانه في فيه و امر يده على عينيه و سمعه و مفاصله ثم قال تكلم يا بني فقال اشهد ان لا اله الا اللّه و اشهد ان محمدا رسول اللّه ثم صلى على امير المؤمنين و على الائمة الى ان وقف على ابيه ثم احجم قال ابو محمد عليه السّلام يا عمة اذهبي به الى امه ليسلّم عليها و ائتني به فذهبت به فسلّم و رددته و وضعته عليه السّلام في المجلس ثم قال يا عمة اذا كان يوم السابع فأتينا قالت حكيمة فلما اصبحت جئت لا سلم على ابي محمد عليه السّلام و كشفت الستر لافتقد سيدي فلم اره فقلت له جعلت فداك ما فعل سيدي؟قال يا عمة استودعناه الذي استودعته ام موسى،قالت حكيمة فلما كان يوم السابع جئت و سلّمت و جلست فقال هلمي اليّ ابني،فجئت بسيدي عليه السّلام و هو في الخرقة ففعل به كفعلته الاولى ثم ادلى لسانه في فيه كأنه يغذيه لبنا او عسلا ثم قال تكلّم يا بني فقال عليه السّلام اشهد ان لا اله الا اللّه و ثنى بالصلوة على محمد و علي امير المؤمنين و على الائمة صلوات اللّه عليهم اجمعين حتى وقف على ابيه عليه السّلام ثم تلا هذه الاية بسم اللّه الرحمن الرحيم وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوٰارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هٰامٰانَ وَ جُنُودَهُمٰا مِنْهُمْ مٰا كٰانُوا يَحْذَرُونَ قال موسى فسألت عقبة الخادم عن هذا فقال صدقت حكيمة.

ص:13

و في حديث آخر رواه محمد بن عبد اللّه الطهوري عن حكيمة و ساق الحديث الى ان قالت قال ابو محمد عليه السّلام اذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل لان مثلها مثل ام موسى لم يظهر بها الحبل و لم يعلم بها احد الى وقت ولادتها لان فرعون كان يشقّ بطون الحبالى في طلب موسى عليه السّلام،قالت حكيمة فعدت الى نرجس و اخبرتها بما قال و سألتها عن حالها فقالت يا مولاتي ما أرى بي شيئا من هذا قالت حكيمة فلم ازل ارقبها الى طلوع الفجر حتى اذا طلع الفجر و ثبت فزعة فضممتها الى صدري و سمّيت عليها،فصاح بي ابو محمد عليه السّلام و قال اقرأي عليه انا انزلناه في ليلة القدر،فأقبلت اقرأ عليها و قلت لها ما حلك قالت ظهر الامر الذي اخبرك به مولاي فأقبلت اقرأ عليها كما امرني فاجابني الجنين من بطنها يقرأ مثل ما اقرأ و سلّم علي قالت حكيمة ففزعت لما سمعت فصاح بي ابو محمد عليه السّلام لا تعجبي من امر اللّه ان اللّه عز و جل ينطقنا صغارا بالحكمة و يجعلنا حجة في ارضه كبارا فلم يستتم الكلام حتى غيّبت عني نرجس فلم ارها كأنه ضرب بيني و بينها حجاب فعدوت نحو ابي محمد عليه السّلام و انا صارخة فقال ارجعي يا عمة فانك ستجديها في مكانها قالت فرجعت فلم البث ان كيف الغطاء الذي كان بيني و بينها و اذا انا بها و عليها من اثر النور ما غشيني(غشى بصري ظ)و اذا انا بالصبي عليه السّلام ساجد لوجهه جاث على ركبتيه رافع سبباته نحو السماء و هو يقول اشهد ان لا اله الا اللّه و ان جدي رسول اللّه و ان ابي امير المؤمنين ثم عدّ اماما اماما الى ان بلغ نفسه،فقال اللهم انجز لي وعدي و اتمم لي امري و ثبت و طأتي و املأ الارض بي عدلا و قسطا فصاح بي ابو محمد عليه السّلام فقال يا عمة تناوليه فتناولته و أتيت به نحوه،فلما مثلت بين يدي ابيه و هو على يدي سلّم على ابيه فتناوله الحسن عليه السّلام مني و الطير ترفرف على رأسه،و ناوله لسانه ليشرب منه ثم قال امضي به الى امه لترضعه و رديه اليّ،قالت فناولته امه فارضعته فرددته الى ابي محمد عليه السّلام و الطير ترفرف على رأسه فصاح بطير منها فقال له احمله و احفظه و رده الينا في كل اربعين يوما فتناوله الطير و طار به في جو السماء و اتبعه سائر الطيور فسمعت ابا محمد عليه السّلام يقول استودعك الذي اودعته ام موسى فبكت نرجس فقال اسكتي فان الرضاع محرم عليه الا من ثدييك و سيعاد اليك كما ردّ موسى الى ام موسى،و ذلك قوله عز و جل فَرَدَدْنٰاهُ إِلىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهٰا وَ لاٰ تَحْزَنَ قالت حكيمة قلت فما هذا الطير؟قال هذا روح القدس الموكل بالائمة عليهم السّلام يوفقهم و يسددهم و يزينهم بالعلم.

قالت حكيمة فلما ان كان بعد اربعين يوما ردّ الغلام و وجّه الى ابن اخي عليه السّلام فدعاني و دخلت عليه فاذا انا بصبي متحرك يمشي بين يديه،فقلت سيدي هذا ابن سنتين فتبسم عليه السّلام ثم قال ان اولاد الانبياء و الاوصياء اذا كانوا أئمة ينشأون بخلاف ما ينشؤ غيرهم،و ان الصبي منّا اذا أتى عليه شهر كان كمن أتى عليه سنة و ان الصبي منّا ليتكلم في بطن امه و يقر القرآن و يعبد ربه عز و جل عند الرضاع و تطيعه الملائكة و تنزل عليه بالسلام صباحا و مساء،قالت حكيمة فلم أزل ارى

ص:14

ذلك الصبي في كل اربعين الى ان رأيته رجلا قبل مضي ابي محمد عليه السّلام بأيام قلائل فلم اعرفه، فقلت لابن اخي من هذا الذي تأمرني ان اجلس بين يديه،فقال لي ابن نرجس و هذا خليفتي من بعدي و عن قليل تفقدوني فاسمعي له و اطيعي،قالت حكيمة فمضى ابو محمد عليه السّلام بعد ذلك بأيام قلائل فافترق الناس كما ترى و و اللّه اني لاراه صباحا و مساء،و انه لينبأني عمّا يسألوني عنه فأخبرهم و و اللّه اني لاريد ان اسئله عن الشيء فيبدأني به و أنه ليرد عليّ الامر فيخرج اليّ من جوابه من ساعته من غير مسألة،و قد اخبرني البارحة بمجيئك اليّ و امرني ان اخبرك بالحقّ قال محمد بن عبد اللّه فو اللّه لقد ابخرتني حكيمة بأشياء لم يطلع عليها احد الا اللّه عز و جل فعلمت ان ذلك صدق و عدل من اللّه عز و جل قد اطّلعهم على ما لم يطّلع عليه احدا من خلقه و عن ابي جعفر العمري قال لما ولد السيد عليه السّلام قال ابو محمد عليه السّلام ابعثوا الى ابي عمرو فبعث اليه فصار فقال له اشتر عشرة آلاف رطل خبزا و عشرة آلاف رطل لحما و فرقه و احسبه قال علي بن هاشم و عقّ عنه بكذا و كذا شاة.

و كان مولده عليه السّلام ليلة النصف من شعبان سنة ستة و خمسين و مأتين و تاريخ ولادته بحساب الجمل نور،و كان وكيله عثمان بن سعيد فلما مات عثمان اوصى الى ابنه محمد بن عثمان و اوصى ابو جعفر الى ابي القاسم الحسين بن روح و اوصى ابو القاسم الى ابي الحسن علي بن محمد السيمري رضي اللّه عنهم،فلما حضرت السيمري الوفاة سأل ان يوضي فقال للّه امر هو بالغه، فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد مضي السيمري رضي اللّه عنه،و قال وكيله لعمري ان صاحب هذا الامر ليحضر الموسم كل سنة سرى الناس و يعرفهم و يرونه و لا يعرفونه،و لو اردنا ذكر اسماء الرجال الذي رأوه و الذين خرجت منه عليه السّلام التوقيعات اليهم و ما بيّنه عليه السّلام للشيعة من غوامض العلوم و مغيبات الاسرار لاحتجنا الى تأليف كتاب آخر لكن شيخنا الصدوق طاب ثراه قد ذكر بعض هذا في كتاب اكمال الدين و اتمام النعمة،و يا للّه العجب العجيب كيف كذبنا المخالفون في هذه الدعوى مع اننا ألوف و عضدونا بالاخبار المروية عن طرقهم،و مثل الاخبار السالفة و صدقوا ابا هريرة في رواية اثنى عشر الف حديث تفرد بروايتها عن النبي صلّى اللّه عليه و آله فجعلوها مستندا لامور دينهم و لاصولهم و فروعهم هب اننا كفّار بزعمهم لكن الكفار اذا اجتمع منهم آلاف او اقل فاخبروا بقدوم رجل كنا سمعنا اخباره عن الصادقين لكنا ما علمنا سابقا يوم قدومه فاذا اخبرنا طوائف من الناس بقدومه علمنا علما مستندا الى التواتر ان هذا الخلق الكثير لا يجتمعون على مثل هذا الخبر الا ان يكونوا صادقين فيه،و ذلك انك قد عرفت ان الاسلام كلها قد بشرت بالمهدي لكن الشيعة تقول ان المهدي هو ابن الحسن العسكري عليه السّلام لان العلاقات المنقولة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و عن اهل بيته من كيفية الخلقوا لخلق و غيرها قد وجدت فيه فيكون هو الامام و المخالفون قالوا نحن لا ننكر المهدي من ولد فاطمة و انه امام سيظهر بالسيف لكن نقول انه الى الان لم يتولد

ص:15

و سيولد عند خروج الدجال و نزول عيسى بن مريم عليه السّلام من السماء و الجواب عن هذه الشبهة من وجوه.

اولها انه اذا وجدت العلامات المشار اليها ف ابن الحسن و لم نقطع عليه بأنه المهدي لزم الدليل بدون المدلول فلم تكن تلك العلامة علامة هذا خلف.

و ثانيها ان قولكم يحتمل ان يتولد بعد هذا من يجمع تلك الصفات احتمال مرجوح و ما نقوله نحن ارجح لحصوله بالفعل،و الاحتمال المرجوح لا يجوز لنا اهمال العمل بالدليل الراجح لاجله لانا لو جوزنا ذلك لامتنع العمل بأكثر الادلة المثبتة للاحكام،اذ ما من دليل الا و احتمال تجدد ما يعارضه متطرق اليه مع انه لم يمنع من العمل به وفاقا.

و ثالثها ان اللّه سبحانه لما انزل في التورية على موسى عليه السّلام انه يبعث النبي العربي في آخر الزمان خاتم الانبياء و نعته باوصافه و جعلها علامة و دلالة على اثبات حكم النبوة له،و صار قوم موسى يذكرونه بصفاته و يعلمون انه يبعث و كانوا يتهددون المشركين به و يقولون يظهر نبي نعته كذا و كذا نستعين به على قتالكم،فلما بعث وجدوا العلامات كلها اخبروا بها فانكروه و قالوا ليس هو هذا بل هو غيره و لكنه سيأتي في آخر الزمان،فلما جنحوا الى الاحتمال و اعرضوا عن العمل بالعلامات و الدلائل انزلت الآيات القرآنية ناعية عليهم هذا الجنوح مثبتة لهم اوصاف الكفار المعاندين و لكن يلزم على قول المخالفين ان يكون اليهود معذورين بالاخذ بذلك الاحتمال، و بالجملة فهذه الشبهة ضعيفة جدا و الاجوبة عنها كثيرة.

الامر الثالث في بعض التوقيعات التي وردت من مولانا صاحب الزمان عليه السّلام الى بعض علمائنا،قال شيخنا الطوسي(ر ه)ورد من الناحية المقدسة حرّسه اللّه تعالى و رعاها في ايام بقيت من صفر المظفر سنة عشرين و اربعمائة على الشيخ المفيد ابي عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان (ر ه)ذكر موصله انه تحمله من ناحية متصلة بالحجاز نسخته الاخ السديد و الولي الرشيد الشيخ المفيد ابو عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان ادام اللّه اعزازه من مستودع العهد المأخوذ على العباد،بسم اللّه الرحمن الرحيم اما بعد سلام اللّه عليك ايها الولي الملخص في الدين المخصوص فينا باليقين فانا نحمد اللّه اليك الذي لا اله الا هو و نسأله الصلوة على سيدنا و مولانا و نبينا محمد و آله الطاهرين و نعلمك ادام اللّه توفيقك لنصرة دين الحق و اجزل مثوبتك على نطقك عنّا بالصدق،أنه قد اذن لنا في تشريفك بالمكاتبة و تكليفك فيها ما تؤديه عنّا الى موالينا قبلك أعزهم اللّه بطاعته و كفاهم المهم برعايته لهم و حراسته،فقف ايدك اللّه بعونه على اعدائه المارقين عن دينه على ما نذكره،و اعمل في تأديته الى من تسكن اليه بما نرسمه ان شاء اللّه تعالى،نحن و ان كنا

ص:16

ثاوين (1)بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي ارانا اللّه تعالى لنا من الصلاح و لشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين،فاننا نحيط علما بأنبائكم و لا يعزب عنّا شيء من اخباركم،و معرفتنا بالاذلال الذي اصابكم مذ جنح كثير منكم الى ما كان السلف الصالح عنه شاسعا،و نبذوا العهد المأخوذ منهم وراء ظهوركم كأنهم لا يعلمون،انا غير مهملين لا عانتكم و لا ناسين لذكركم و لو لا ذلك لنزل بكم البلوى و لاصطلمكم (2)الاعداء،فاتقوا اللّه جل جلاله و ظاهروا على انتباشكم (3)من فتنة تونسها قد اطافت عليكم يهلك فيها من حم (4)اجله و يحمي عنها من ادرك امله،و هي امارة لازوف حركتنا و مباثتكم و نهينا و اللّه متم نوره و لو كره المشركون اعتصموا بالتقية من شبّ نار الجاهلية بحششها عصب اموية يهول بها فرقة مهدوية انا زعيم بنجاة من لم يرم منكم فيها المواطن الخفية و سلك في الظعن منها السبل المرضية اذا حلّ جمادي الاولى من سنتكم هذه فاعتبروا بما يحدث فيه و استيقظوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليه،و سيظهر لكم في السماء آية جليّة و من الارض مثلها بالسوية،و يحدث بأرض المشرق ما يحزن و يقلق،و يغلب من بعد على العراق طوائف عن الاسلام فراق فضيق بسوء فعالهم على اهله الارزاق،ثم تتفرج الغمة من بعد بوار طاغوت من الاشرار،ثم يسر بهلاكه المتقون الاخيار،و ينفق لمن يريد الحج من الافاق مما يأملونه على توفير عليه منهم و انفاق،و لنا في تيسير حجهمّ(حجتهم ظ)على الاختيار منهم و الوفاق شأن يظهر على نظام و اتساق فليعمل كل امرء منكم بما يقرب به من محبتنا و ليجتنب ما يدنيه من كراهتنا و سخطنا،فان امرنا بغتة فجأة حين لا تنفعه توبة و لا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة،و اللّه يلهمكم الرشد و يلطف لكم في التوفيق برحمته.

نسخة التوقيع باليد العليا على صاحبها السّلام،هذا كتابنا ايها الاخ الولي و المخلص في و دنا الصفي،و الناصر لنا الوفي،حرسك اللّه بعينه التي لا تنام فاحفظ به و لا تظهر على خطّنا الذي سطرناه بما له ضمنّاه احدا،وادّ ما فيه الى من تسكن اليه و اوص جماعتهم بالعمل عليه ان شاء اللّه و صلّى اللّه على سيدنا محمد و آله الطاهرين،و ورد عليه كتاب آخر من قبله صلوات اللّه عليه يوم الخميس الثالث و العشرين من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة و اربعمائة.

نسخته من عبد اللّه المرابط في سبيله الى ملهم الحق و دليله بسم الرحمن الرحيم سلام عليك ايها الناصر للحق الداعي ليه بكلمة الصدق،فانا نحمد اليك اللّه الذي لا اله الا هو الهنا و اله آبائنا الاولين،و نسأله الصلوة على سيدنا و مولانا محمد خاتم النبيين و على اهل بيته الطاهرين،

ص:17


1- (3) ثوى بالمكان يثوى بالد اذا اقام فيه و منه قوله تعالى: ثٰاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ أي مقيما عندهم.
2- (4) الاصطلام الاستيصال.
3- (5) النوش التناول و لطلب و المشي و الاسراع في النهوض و النووش القوى و التناوش التناول كالانتياش.
4- (6) أي دنا و حضر.

و بعد فانا كنا نظرنا مناجأتك عصمك اللّه بالسبب الذي و هبه لك من اوليائه،و حرسك من كيد اعدائه و شفعنا ذلك الان من مستقر لنا بلصب(بصلت خ)في شمراخ من بهما صرنا اليه آنفا من عماليك الجأنا اليه السبادين من الايمان،و يوشك ان يكون هبوطنا منه الى صحيح من غير بعيد من الدهر و لا تطاول من الزمان،و يأتيك نبأ منا بما يتجدد لنا من حال فتعرف بذلك ما نعتمده من الزلفة الينا بالاعمال،و اللّه موفقك لذلك برحمته و ليكن حرسك اللّه بعينه التي لا تنمام ان تقابل لذلك،ففيه تبل نوس قوم حرثت باطلا لاسترهاب المبطلين و يبتهج لذمارها المؤمنون و يحزن لذلك المجرمون و آية حركتنا من هذه اللوثة الحادثة بالجرم المعظم من رجس منافق مذمم مستحل للدم المحرم،يغمد بكيده اهل الايمان و لم يبلغ بذلك غرضه من الظلم لهم و العدوان لاننا من وراءه حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن تلك الارض و السماء،فلتطمئن بذلك من اوليائنا القلوب و ليتقوا منه بالكفاية منه و ان راعتهم به الخطوب و العاقبة فيه بجميع صنع اللّه سبحانه يكون حميدة لهم بما اجتنبوا المنهي عنه من الذنوب و نحن نعهد اليك ايها الولي المخلص المجاهد فينا الظالمين ايدك اللّه بنصره الذي ايد به السلف من اوليائنا الصالحين انه من اتقى ربه من اخوانك في الدين و اخرج مما عليه الى مستحقيه كان آمنا من الفتنة المضلة و محتنها المظلمة المضلة،و من يبخل منهم بما ارعاه اللّه من نعمته على من امره بصلته فانه يكون خاسرا بذلك لاولاه و اخريه(آخرته خ)و لو ان اشياعنا وفقهم اللّه لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا،و لتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة و صدقها بنا منهم،فما يحبسنا عنهم الا ما يتصل بنا ما نكرهه و لا نؤثره منهم و اللّه المستعان و هو حسبنا و نعم الوكيل و صلواته على سيدنا البشير النذير محمد و آله الطاهرين و سلّم و كتب في غرّة شوال اثتنى عشرة و اربعمائة.

نسخة التوقيع باليد العليا صلوات اللّه تعالى على صاحبها،هذا كتابنا اليك ايها الولي المهلم للحق العلي باملائنا و خطّ ثقتنا فاخفه عن كل احد،و اطوه و اجعل له نسخة تطلع عليها من تسكن الى امانته من اوليائنا شملهم اللّه ببركاته و دعائنا ان شاء اللّه و الحمد للّه و الصلوة على محمد و آله الطاهرين،و التوقيعات التي خرجت منه عليه السّلام كثيرة جدا حتى لو اريد حصرها لجائت كتابا كبير الحجم.

و في توقيعه عليه السّلام الى علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي لما كتب اليه يطلب منه الدعاء بحصول ولد فجاء التوقيع،قد قبل اللّه الدعاء و سيولد لك ولدان فسم احدهما محمدا و الاخر حسينا،فرزقه اللّه سبحانه الولدين كما قال عليه السّلام،و كان الصدوق طاب ثراه يذكر ان جميع ذلك التوقيع عنده بخطّ الامام عليه السّلام و كان يفتخر به،و يقول اني ولدت بدعاء مولانا صاحب الزمان عليه السّلام و له الفخر بذلك.

ص:18

نور في غيبته عليه السّلام

و في بيان السبب فيها و ذكر الجواب عمّا اورد عليها من شبه المخالفين،اعلم ايدك اللّه تعالى بتوفيقه ان الغيبة المشار اليها انما تكون فريبة في الانظار اذا لم يسبق مثلها من حجج اللّه على الخلق،و مثل هذه الغيبة التي قد وقع النزاع فيها بيننا و بين المخالفين لنا من الزيدية و اهل السنة قد وقعت من الانبياء السابقين عليهم السّلام.

فأولهم ادريس و آخرهم محمد صلّى اللّه عليه و آله،اما ادريس عليه السّلام فقد غاب عن شيعته حتى آل الامر الى ان تعذر عليهم القوت،و قتل الجبار من قتل منهم و افقر و اخاف باقيهم ثم ظهر عليه السّلام فوعد شيعته بالفرج و بقيام القائم من ولده و هو نوح عليه السّلام،ثم رفع اللّه عز و جل ادريس عليه السّلام فلم تزل الشيعة يتوقعون قيام نوح عليه السّلام قرنا بعد قرن و خلفا عن سلف صابرين من الطواغيت على العذاب المهين حتى ظهرت نبوة نوح عليه السّلام و اما صالح عليه السّلام فقد غاب عن قومه زمانا،و كان يوم غاب عنهم كهلا فلما رجع اليهم لم يعرفوه من طول المدة و ما ابراهيم عليه السّلام فانّ غيبته تشبه غيبة مولانا القائم عليه السّلام لان اللّه سبحانه غيبّ اثر ابراهيم عليه السّلام في بطن امه حتى حوّله عز و جل بقدرته من بطنها الى ظهرها،ثم اخفى امر ولادته الى وقت بلوغ الكتاب اجله،و ذلك ان منجم نمرود اخبره بأن مولودا يولد في ارضنا فيكون هلاكنا على يديه،و كان فيما اوتي المنجم من العلم انه سيحرق بالنار و لم يكن اوتي ان اللّه تعالى سينجيه،فحجب النساء عن الرجال فلما حملت ام ابراهيم عليه السّلام بعث القوابل اليها فلم يعرفن شيئا من الحمل،فلما ولد ذهبت به امه الى غار ثم ارضعته و جعلت على الباب صخر ثم انصرفت عنه فجعل اللّه عز و جل رزقه في ابهامه فجعل يمصها و يشرب لبنا و جعل يشب في اليوم كما يشب غيره في الجمعة،فجعل يكبر في الغار و يشب حتى قام بأمر اللّه تعالى،و قد غاب غيبة أخرى سار فيها بالبلاد.

و اما غيبة يوسف عليه السّلام فأنها كانت عشرين سنة و كان هو بمصر و يعقوب عليه السّلام بفلسطين و بينهما مسيرة تسعة ايام،فاختلف الاحوال عليه في غيبته حتى أنه روى عن الصادق عليه السّلام أنه قدم اعرابي على يوسف عليه السّلام ليشتري منه طعاما فباعه،فلما فرغ قال له يوسف عليه السّلام اين منزلك قال بموضع كذا و كذا،فقال له اذا مررت بوادي كذا و كذا فقف فناد يا يعقوب فأنه سيخرج اليك رجل عظيم جميل جسيم و سيم،فقل له رايت رجلا بمصر و هو يقرئك السّلام و يقول ان وديعتك عند اللّه عز و جل لن تضيع،قال فمضى الاعرابي حتى انتهى الى الموضع،فقال لغلمانه احفظوا عليّ الابل ثم نادى يا يعقوب فخرج اليه رجل اعمى طويل جميل يتقي الحايط

ص:19

بيده حتى اقبل،فقال له الرجل انت يعقوب،فقال نعم فأبلغه ما قال له يوسف قال فسقط مغشا عليه ثم افاق،فقال له يا اعرابي الك حاجة الى اللّه عز و جل،فقال نعم اني رجل كثير المال و لي بنت عمّ ليس يولد لي منها فأحب ان تدعو اللّه عز و جل أن يرزقني ولدا قال فتوضأ يعقوب عليه السّلام و صلى ركعتين،ثم دعا سبحانه عز و جل فرزق اربعة ابطن او قال ستة في كل بطن ابنان،و كان يعقوب عليه السّلام يعلم ان يوسف حي لن يموت و ان اللّه تعالى ذكره سيظهره له بعد غيبته.

و الدليل عليه انه لما رجع اليه بنوه يبكون قال لهم يا بني ما لكم تبكون و تدعون بالويل و الثبور و ما لي لا ارى فيكم حبيبي يوسف؟قالوا يا ابانا انا ذهبنا نستبق و تركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب و ما انت بمؤمن لنا و لو كنّا صادقين،و هذا قميصه قد اتيناك به،قال القوه اليّ فالقوه على وجهه فخرّ مغشيا عليه،فلما افاق قال لهم يا بني ا لستم تزعمون ان الذئب اكل حبيبي يوسف،قالوا نعم،قال ما لي لا اشمّ ريح لحمه و مالي ارى قميصه صحيحا،هبوا ان القميص انكشف من اسفله أ رأيتم ما كان في منكبيه و عنقه كيف خلص اليه الذئب من غير ان يخرقه؟ان هذا الذئب لمكذوب عليه و ان ابني لمظلوم،بل سولت لكم انفسكم امرا فصبر جميل و اللّه المستعان على ما تصفون و تولى عنهم ليلتهم لا يكلمهم،و اقبل يرثي يوسف عليه السّلام و يقول حبيبي يوسف الذي كنت اوثره على جميع اولادي فاختلس مني حبيبي يوسف الذي كنت ارجوه من بين اولادي فاختلس مني حبيبي الذي كنت اوسدّه يميني و ادثره بشمالي فاختلس مني حبيبي يوسف الذي كنت اونس به وحشتي،واصل به وحدتي فاختلس مني حبيبي يوسف ليت شعري في أي الجبال طرحوك او في أي البحار غرقوك،حبيبي يوسف ليتني كنت معك فيصيبني ما اصابك،و قال الصادق عليه السّلام ان يعقوب عليه السّلام قال لملك الموت اخبرني عن الارواح تقبضها مجتمعة او متفرقة قال فهل قبضت روح يوسف في جملة ما قبضت من الارواح قال لا فعند ذلك قال لبنيه يا بني اذهبوا فتحسسوا (1)من يوسف و أخيه،فحال العارفين في وقتنا هذا بصاحب الزمان عليه السّلام حال يعقوب عليه السّلام في معرفته بيوسف و غيبته،و حال الجاهلين به عليه السّلام و بغيبته و المعاندين في امره حال اخوت يوسف الذين بلغ من جهلهم بأمر يوسف و غيبته ان قالوا لابيهم يعقوب عليه السّلام تاللّه انك لفي ضلالك القديم.

و اما غيبة موسى عليه السّلام فقد روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه لما حضرت يوسف الوفاة جمع شيعته و اهل بيته فحمد اللّه و اثنى عليه،ثم حدثهم شدة تنالهم،يقتل فيها الرجال و تشق فيها بطون الحبالى و تذبح الاطفال حتى يظهر الحق في القائم من ولد لاوى بن يعقوب،و هو رجل اسمر

ص:20


1- (7) تحسس الخبر:سعى في ادراكه.تحسس الشيء.تعرفه و تطلبه بالحاسة تحسس منه:تخبر خبره.

طويل و نعته لهم بنعته فتمسكوا بذلك و وقعت الغيبة و الشدة على بني اسرائيل و هم منتظرون قيام القائم اربعمائة سنة،حتى اذا بشروا بولادته و رأوا علامات ظهوره اشتدت البلوى عليهم و حمل عليهم بالحجارة و الخشب،و طلب الفقيه الذي كانوا يستريحون الى احاديثه فاستتر فواسلهم،و قالوا كنّا مع الشدة نستريح الى حديثك،فخرج بهم الى بعض الصحارى و جلس يحدثهم حديث القائم و نعته و قرب الامر و كانت له فترة فبينا هم كذلك اذا طلع عليهم موسى عليه السّلام و كان في ذلك الوقت حدث السن و خرج من دار فرعون يظهر النزهة فعدل عن موكبه و اقبل اليهم و تحته بغلة و عليه طيلسان خزّ فلما رآه الفقيه عرفه بالنعت فقام اليه و اكبّ على قدمه فقبلها.

ثم قال الحمد للع الذي لم يمتني حتى رأيتك فلما رأى الشيعة ذلك علموا انه صاحبهم فأكبوا على الارض شكرا للّه عز و جل فلم يزدهم على ان قال ارجوا ان يعجل اللّه فرجكم ثم غاب بعد ذلك و خرج الى مدينة مدين،فاقام عند شعيب ما اقام فكانت الغيبة الثانية اشدّ عليهم من الاولى و كانت نيفا و خمسين سنة-،و اشتدت البلوى عليهم و استتر الفقيه فبعثوا اليه بأنه لا صبر لنا على استتارك عنّا فخرج الى بعض الصحاري و استدعاهم،و طيّب نفوسهم و اعلمهم ان اللّه عز و جل اوحلى اليه انه مفرج عنهم بعد اربعين سنة،فقالوا بأجمعهم الحمد للّه عز و جل،فاوحى اللّه اليهم قل لهم قد جعلتها ثلاثين سنة لقولهم الحمد للّه،فقالوا كل نعمة من اللّه فاوحى اللّه اليه قل لهم قد جعلها عشرين سنة فقالوا لا يأتي بالخير الا اللّه فاوحى اللّه اليه قد جعلتها عشرا،فقالوا لا يصرف السوء الا اللّه،فاوحى اللّه اليه قل لهم لا يبرحوا فقد اذنت في فرجهم فبينما هم كذلك اذ طلع موسى عليه السّلام راكبا حمارا،فاراد الفقيه ان يعرّف الشيعة ما يستبصرون به فيه و جاء موسى حتى وقف فسلّم فقال الفقيه ما اسمك فقال موسى قال ابن من قال ابن عمران،قال ابن من قال ابن قاهب بن لاوى بن يعقوب قال بما ذا جئت قال بالرسالة من عند اللّه عز و جل فقام اليه فقبّل يده،ثم جلس بينهم و طيّب نفوسهم و امرهم امره ثم فرقهم و كان بين ذلك لوقت و بين فرجهم بغرق فرعون اربعون سنة،و قال الصادق عليه السّلام في القائم عليه السّلام شبه موسى بن عمران و هو خفاء مولده و غيبته عن قومه،فقال له رجل و كم غاب موسى عن اهله و قومه فقال ثمان و عشرون سنة.

و قال الباقر عليه السّلام في صاحب هذا الامر اربع سنن من اربعة انبياء سنّة من موسى و سنّة من عيسى و سنّة من يوسف و سنّة من محمد صلّى اللّه عليه و آله فاما من موسى عليه السّلام فخائف يترقب و اما من يوسف عليه السّلام فالسجن،و اما من عيسى عليه السّلام فيقال انه مات،و لم يمت،و اما من محمد صلّى اللّه عليه و آله فالسيف،و في رواية أخرى ان سنّى من يوسف عليه السّلام أنه يعرف الناس و الناس لا يعرفونه مثل

ص:21

يوسف عليه السّلام بالنسبة الى اخوته لما وردوا عليه في مصر،و اما غيبة اوصياء موسى عليه السّلام الى زمان المسيح عليه السّلام و ذلك انه ورد في الروايات عن الطاهرين عليهم السّلام ان يوسع بن نون وصي موسى عليه السّلام قام بالامر بعد موته صابرا من طواغيت زمانه على الجهد و البلاء حتى مضى منهم ثلاث طواغيت فقوى بعدهم امره فخرج عليه رجلان من منافقي قوم موسى عليه السّلام بصفرا بنت شعيب امرأة موسى عليه السّلام في مأة الف رجل فقاتلوا يوشع بن نون عليه السّلام فغلبهم،و قتل منهم مقتلة عظيمة و هزم الباقين باذن اللّه و اسر صفرا بنت شعيب،و قال لها قد عفوت عنك في الدنيا الى ان نلقى نبي اللّه موسى عليه السّلام فاشكو ما لقيت منك و من قومك فقالت صفرا وا ويلاه و اللّه لو ابيحت لي الجنة لاستحييت ان ارى فيها رسول اللّه و قد هتكت حجابه عني و خرجت على وصيه بعده.

قول و قد وقع مثل هذا في هذه الامة حذو النعل بالنعل،فان وصي نبي هذه الامة انما استقل بالامر بعد مضى الطواغيت الثلاثة،و لما استقل خرجت عليه اخت صفراء و هي حميراء اخرجها المنافقان الى ان اسرها علي عليه السّلام في حرب البصرة و لكن الفرق بين الامر أتين بأن الاولى ندمت على ما فعلته و الثانية لم تندم.

ثم ان الائمة عليهم السّلام قد استتروا بعد يوشع الى زمان داود عليه السّلام اربعمائة سنة و كانوا احد عشر فكان قوم كل واحد منهم يختلفون اليه و يأخذون منه معالم دينهم حتى انتهى الامر الى آخرهم فغاب عنهم ثم ظهر و بشرهم بداود عليه السّلام و اخبرهم ان داود عليه السّلام هو الذي يأخذ الملك من جالوت و جنوده و يكون فرجهم في ظهوره و كانوا ينتظرونه فلما كان زمان داود عليه السّلام كان له اربع اخوة و لهم اب شيخ كبير و كان داود عليه السّلام من بينهم خامل الذكر و هو اصغرهم فخرجوا الى قتال جالوت مع طالوت،و خلّفوا داود يرعى الغنم تحقيرا لشأنه فلما اشتدت الحرب و اصاب الناس جهد،رجع ابوه و قال لداود احمل الى اخوتك طعاما فخرج داود و القوم متقاربون فمر داود على حجر فناداه يا داود خذني فاقتل بي جالوت فاني خلقت لقتله فأخذه و وضعه في مخلاته التي كانت تكون فيها حجارته التي كان يرمي بها غنمه.

فلما دخل العسكر رآهم يعظمون امر جالوت فقال لهم ما تعظمون من امره فو اللّه لئن عاينته لاقتلنه فأدخلوه على طالوت فقال له يا فتى ما عندك من القوة قال قد كان الاسد يعدو على الشاة من غنمي فأدركه و افكّ لحييه من الشاة و اخلصها من فيه و قد كان اللّه اوحى الى طالوت انه لا يقتل جالوت الا من لبس درعك فملأها فدعا بدرعه فلبسها داود فاستوى عليه فراه ذلك طالوت و من حضره من بني اسرائيل فلما اصبحوا و التقى الناس قال داود اروني جالوت فلما رآه أخذ الحجر فرماه فصكّ بين عينيه و قتله فقال الناس قتل داود جالوت فاجتمعت عليه بنو اسرائيل و انزل اللّه سبحانه عليه الزبور و ليّن له الحديد و امر الجبال

ص:22

و الطيران ان تسبح معه،و اعطاه صوتا لم يسمع بمثله حسنا و اقام في بني اسرائيل نبيا و هكذا يكون سبيل القائم عليه السّلام فان له سيفا مغمدا اذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده و انطقه اللّه عز و جل فناداه السيف اخرج يا و لي اللّه فلا يحل لك ان تقعد عن اعداء اللّه فيخرج فيقتلهم.

ثم ان داود عليه السّلام اراد ان يستخلف سليمان لان اللّه عز و جل اوحى اليه يأمره بذلك فلما اخبر بني اسرائيل ضجّوا من ذلك و قالوا تستخلف علينا حدثا و فينا من هو اكبر منه فدعا اسباط بني اسرائيل و قال لهم قد بلغني مقالتكم فاروني عصيكم فأي عصا اثمرت فصاحبها و لي الامر من بعدي،فقالوا رضينا فقال ليكتب كل واحد منكم اسمه على عصاه فكتبوا،ثم جاء سليمان عليه السّلام فكتب عليها اسمه ثم ادخلت بيتا و اغلق الباب و حرسته رأوس اسباط بني اسرائيل فلما اصبح فتح الباب فاخرج عيصهم و قد اورقت و عصى سليمان قد اثمرت فسلموا ذلك لداود فقال ان هذا خليفتي من بعدي ثم اخفى سليمان بعد ذلك امره و تزوج بامرأة و استتر عن شيعته ما شاء اللّه،ثم ان امرأته قالت له ذات يوم بأبي انت و امي ما اكمل خصالك و اطيب ريحك و لا اعلم لك خصلة اكرهها الا انك في مؤنة ابي فلو دخلت السوق فتعرضت لرزق اللّه رجوت ان لا يخيبك فقال لها سليمان اني و اللّه ما عملت عملا قطّ و لا احسنه فدخل السوق يومه ذلك فرجع و لم يصب شيئا فقال لها ما اصبت شيئا قالت لا عليك ان لم يكن اليوم غدا،فلما كان من الغد خرج الى السوق فجال يومه فلم يقدر على شيء فرجع فأخبرها فقالت يكون غدا ان شاء اللّه تعالى فلما كان اليوم الثالث مضى حتى انتهى الى ساحل البحر فاذا هو بصياد،فقال له هل لك ان اعينك و تعطينا شيئا قال نعم فأعانه فلما فرغ اعطاه الصياد سمكتين فأخذها و حمد اللّه عز و جل ثم انه شقّ بطن احديهما فاذا هو بخاتم في بطنها فأخذه فصيّره في ثوبه و حمد اللّه عز و جل و اصلح السمكتين و جاء بهما الى منزله ففرحت امرأته بذلك فرحا شديدة و قالت له اني اريد ان تدعو والديّ حتى يعلما انك قد كسبت فدعاهما فأكلا معه فلما فرغوا قال لهم هل تعرفوني قالوا لا و اللّه الا انا لم نر خيرا منك قال فاخرج خاتمه فلبسه فخرّ عليه الطير و الريح و غشيه الملك،و حمل الجارية و ابويه الى بلاد اصطخر و اجتمعت عليه الشيعة،و استبشروا به ففرج اللّه عنهم مما كانوا فيه من حيرة غيبته فلما حضرته الوفاة اوصى الى آصف بن برخيا بأمر اللّه تعالى فلم يزل بينهم يختلف اليه الشيعة و يأخذون منه معالم دينهم ثم غيب اللّه تعالى آصف غيبة طال امدها ثم ظهر لهم فبقى بين قومه ما شاء اللّه ثم انه و دعهم فقالوا له اين الملتقى؟قال على الصراط و غاب عنهم ما شاء اللّه فاشتدت البلوى على بني اسرائيل بغيبته و تسلّط عليهم بخت نصّر فجعل يقتل من يظفر به منهم

ص:23

و يطلب من يهرب و يسبى ذراريهم فاصطفى من السبي من اهل بيت يهود اربعة نفر فيهم دانيال،و صاطفى من ولد هارون عزيرا و هم حينئذ صبية صغار فمكثوا في يده و بنو اسرائيل في العذاب المهين و الحجة دانيال عليه السّلام اسير في يد بخت نصّر تسعين سنة فلما عرف فضله و سمع ان بني اسرائيل ينتظرون خروجه و يرجون الفرج في ظهوره،و على يده امر ان يجعل في جبّ عظيم واسع،و يجعل مه الاسد ليأكله فلم يقربه و امر ان لا يطعم و كان اللّه تبارك و تعالى يأتيه بطعامه و شرابه على يدي نبي من انبيائه فكان دانيال يصوم النهار و يفطر بالليل على ما يدلى اليه من الطعام،و اشتدت البلوى على شيعته و قومه المنتظرين لظهوره و شكّ اكثرهم في الدين لطول الامد،فلما تناهى البلا بدانيال عليه السّلام و قومه رأى بخت نصّر في المنام كأن ملائكة السماء هبطت الى الارض افواجا الى الجبّ الذي فيه دانيال مسلّمين عليه يبشرونه بالفرج،فلما اصبح ندم على ما أتى الى دانيال فأمر بأن يخرج من الجب فلما خرج اعتذر اليه ما ارتكب منه ثم فوّض اليه النظر في امور ممالكه و القضاء بين الناس،فظهر من كان مستترا من بني اسرائيل و رفعوا رؤوسهم و اجتمعوا الى دانيال عليه السّلام موقنين بالفرج فلم يلبث الا القليل على تلك الحال،و افضى الامر بعده الى عزير،فكانوا يجتمعون اليه و يأنسون به،و يأخذون منه معالم دينهم فغيّب اللّه عنهم شخصه مأة عام ثم بعثه و غابت الحجج بعده،و اشتدت البلوى على بني اسرائيل حتى ولد يحيى بن زكريا عليها السّلام و ترعرع،فظهر و له تسع سنين،فقام في الناس خطيبا فحمد اللّه و اثنى عليه و ذكرهم بأيام اللّه عز و جل و اخبرهم ان من محن الصالحين انما كانت لذنوب بني اسرائيل و ان العاقبة للمتقين،و وعدهم الفرج بقيام المسيح عليه السّلام بعد نيف و عشرين سنة من هذا القول.

فلما ولد المسيح عليه السّلام اخفي اللّه ولادته،و غيّب شخصه لان مريم عليها السّلام لما حملته انتبذت به مكانا قصيّا (1)ثم ان زكريا عليه السّلام و خالتها اقبلا يقفيان اثرها حتى هجما عليها،و قد وضعت ما في بطنها و هي تقول يا ليتني متّ قبل هذا و كنت نسيا منسيا فاطلق اللّه تعالى ذكره لسانه بعذرها و اظهار حجتها فلما ظهر اشتدت البلوى و الطلب على بني اسرائيل و اكبّ الجبابرة و الطواغيت عليهم حتى كان من امر المسيح عليه السّلام ما قد اخبر اللّه به و استتر شمعون بن حمون و الشيعة،ثم افضى بهم الاستتار الى جزيرة من جزائر البحر،فاقاموا بها ففجر اللّه لهم فيها العيون العذبة، و اخرج لهم من كل الثمرات و جعل لهم فيها الماشية،و بعث اليهم سمكة تدعى القمل لا لحم لها و لا عظم و انما هي جلد و دم،و خرجت من البحر و اوحى اللّه عز و جل الى النحل ان يركبها،فركبتها فأتت بالنحل الى تلك الجزيرة،و نهض النحلة و تعلّق بالشجر،فغرس و بنى و كنز العسل،و لم يكونوا يفقدون شيئا من اخبار المسيح عليه السّلام.

ص:24


1- (8) أي مكانا بعيدا.

و اما المسيح عليه السّلام فقد روى انه كان له غيبات يسبح فيها في الارض فلا يعرف قومه و شيعته خبره،ثم ظهر فأوصى الى شمعون بن حمون عليه السّلام فلما مضى شمعون غابت الحجج بعده و اشتد الطلب و عظمت البلوى و درس الدين،و اميتت الفروض و السنن فذهب الناس يمينا و شمالا لا يعرفون ايا من أي فكانت مأتين و خمسين سنة،و قال الصادق عليه السّلام كان بين عيسى و بين محمد صلوات اللّه عليهما خمسمائة عام،منها مأتين و خمسون عاما ليس فيها نبي و لا عالم ظاهر قلت فما كانوا قال كانوا متمسكين بدين عيسى عليه السّلام و اما النبي صلّى اللّه عليه و آله فغيبته المشهورة قد كانت في الغار،و كل المسلمين اطبقوا على انّغيبته في الغار انما كانت تقية من المشركين و خوفا على نفسه حتى انه لو لم يذهب الى الغار لقتلوه،لانهم قد كانوا مهدّوا له القتل،و سوّل لهم الشيطان و علّمهم لطائف الحيل في قتله،و أخذ معه ابا بكر خوفا منه لئلا يدلّ على الناس عليه كما قالوه في كتبهم.

و روى سعد بن عبد اللّه القمي قال بليت بأشد النواصب منازعة فقال لي يوما ان الصديق فوق الصحابة بسبب سبق الاسلام الا تعلمون ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انما ذهب به ليلة الغار لانه خاف عليه كما خاف على نفسه،و لما علم انه يكون الخليفة في امته و اراد ان يصونه كما يصون صلّى اللّه عليه و آله خاصة نفسه كي لا يختلّ حال الدين من بعده و يكون الاسلام منتظما و قد انام عليا على فراشه،لما كان في علمه انه لو قتل لا يختل الاسلام لقتله لانه يكون من الصحابة من يقوم مقامه لا جرم لم يبال من قتله،فأتى سعد بهذه المسألة مع عدة مسائل،و دخل على مولانا الحسن العسكري عليه السّلام و كان صاحب الزمان عليه السّلام طفلا يلعب بين يديه فأمر الحسن العسكري عليه السّلام ذلك الطفل ان يجيب عن تلك المسائل.

فأجاب حتى انتهى الى هذه المسألة فقال يا سعد من ادعى ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و هو خصمك ذهب بمختار هذه الامة مع نفسه الى الغار فانه خاف عليه كما خاف على نفسه لما علم انه الخليفة من بعده على امته لانه لم يكن من حكم الاختفاء ان يذهب بغيره معه و انما اقام عليا عليه السّلام على مبيته لانه علم انه ان قتل لا يكون من الخلل بقتله ما يكون بقتل ابي بكر،لانه يكون لعلي من يقوم مقامه في الامور لم لم تنتقض عليه بقولك او لستم تقولون ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قال ان الخلافة من بعدي ثلاثون سنة و صيرها موقوفة على اعمار هذه الاربعة ابي بكر و عمر و عثمان و علي فانهم كانوا على مذهبكم خلفاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فان خصمك لم يجد بدا من قوله بلى، ثم قل له فاذا كان الامر كذلك فكما كان ابو بكر الخليفة من بعده كان هذه الثلثة خلفاء امته من بعده،فلم ذهب بخليفة واحد و هو ابو بكر الى الغار و لم يذهب بهذه،فعلى هذا الاساس يكون النبي صلّى اللّه عليه و آله مستخفا بهم دون ابي بكر،فأنه يجب عليه ان يفعل بهم ما فعل بأبي بكر فلما

ص:25

لم يفعل ذلك بهم يكون متهاونا بحقوقهم و تاركا للشفقة عليهم بعد ان كان يجب عليه ان يفعل بهم جميعا على ترتيب خلافتهم كما فعل بأبي بكر الحديث.

و بالجملة فغيبة هؤلاء الانبياء و الاوصياء كما لا تقدح في نبوتهم و وصايتهم،كذلك غيبة مولانا صاحب الزمان عليه السّلام مع قوله صلّى اللّه عليه و آله يجرى في هذه الامة ما جرى في الامم السابقة،حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة،و لم تقع غيبة لوصي في الامة الا به عليه السّلام و قد نقل مخالفونا هذا الحديث و صححوه و كذلك هو عندنا صحيح ايضا،و هو قوله صلّى اللّه عليه و آله من مات و لم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية فاضطروا الى بيان المراد من الامام فيه فاكثرهم قالوا ان المراد به سلاطين العصر و الحكام لانهم المراد بزعمهم من قوله تعالى أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ سواء كانوا فجّارا او كفارا،فمن مات و لم يعرف حاكم عصره الفاسق المتجاهر باللواطة و شرب الخمور و سفك الدماء و انواع الظلم و الجور مات على دين الكفر و الضلال،و نحن نقول لهم ان فائدة معرفة مثل هذا السلطان المأمور بها المؤكدة بانواع التأكيد ما المراد منها،ان كان المراد منها الرجوع اليه في الاحكام الشرعية و العمل بأقواله و افعاله فقد عرفت أنه جاهل فاسق لا يعرف الاحكام و لا يعمل بها و لا يأمر بها بل هو تايه في غيّه يأمر الناس بمثل افعاله كما هو المشاهد من سلاطين عصرنا من الشيعة و اهل السنة،فان من وافقهم على شرب الخمور و نحوها رفعوا درجته و اقبلوا عليه بانواع اللطف و من لم يوافقهم ابعدوه عنهم،و ان كان المراد مجرّد معرفته و كونه فلان بن فلان من غير فائدة تترتب عليها فهذا محال في العقول.

و بعض المخالفين لما تفطن لما قلناه قال المراد من الامام في الحديث هو كتاب اللّه فاضطره الامر الى ان الظاهر من الحديث و من قوله امام زمانه هو التغيّر و التبدّل على ذلك الامام لانه لم يقل من مات و لم يعرف الامام فتحيّر في المراد من الخبر و لقى اللّه سبحانه على تلك الحيرة، و هذا شأن علمائهم و اهل مذهبهم.

و قد نقل لي انّ الفاضل الدواني صاحب حاشية القديم كان يدرّس في الاحاديث فلما وصل الى هذا الحديث قال لتلامذته ما المراد من الامام هنا فقد قالت الشيعة هو المهدي الان و انتم أي شيء تقولون؟فقالوا المراد سلطان العصر،و هو الحاكم كما هو مذهبهم،و سلطان ذلك العصر من سلسلة الصفوية و هو الشاه اسماعيل عليه الرحمة و الرضوان و هو شيعي، و الدواني و تلامذته كانوا من المخالفين،فقال لهم اذن قد اوجب اللّه علينا معرفة هذا السلطان الرافضي و العمل باقواله،و هو بالفعل يأمرنا بترك هذا الدين و الدخول في دين الشيعة فيجب علينا متابعة و قبول قوله،ثم انه غضب من هذا الدين،و الدخول في دين الشيعة فيجب علينا

ص:26

متابعته و قبول قوله،ثم انه غضب من كلامهم و هو ايضا حيران لم يهتد الى المراد من الامام، فقام من مجلس الدرس و حلف أنه لا يعود الى تدريس الحديث فلزم علم الحكمة و مباحثته و مدارسته،و اعتقاد ما يعتقدونه فتاب من الكفر و دخل في الزندقة.

و لما أتى اسماعيل اعلى اللّه مقامه الى شيراز،و كان اكثر علمائها من المخالفين احضرهم و امرهم بلعن المتخلفين الثلثة،فامتنعوا عن اللعن لان التقية لا تجوز عندهم في اللعن و اضرابه، فأمر بقتلهم ثم قيل له ان واحدا من افاضلهم،و هو شمس الدين الخفري صاحب الحاشية على الهيات التجريد قد بقى فأرسل اليه و امره بلعن الثلثة فلعنهم لعنا شنيعا فسلم من القتل و لما خرج من عنده استقبله اهل نحلته،و قالوا كيف ارتددت عن دينك و لعنت ائمتك الثلثة، فاجابهم بالفارسية(يعني از براي دو سه عرب كون برهنه مرد فاضلى همجو من كشته شود) يعني لاجل خاطر هؤلاء الاعراب الثلثة مكشوف الدبر اقتل انا مع ما انا عليه من الفضل و الكمال،و هذا حالهم لانهم يلعنون ائمتهم اذا اعطوا درهما و اقل منه كما شاهدناهم في النجف الاشرف و الحلة و غيرها.

و مما يناسب هذا المقام كلام ذكره علي بن طاووس(ر ه)في بعض كتبه و حاصله انه اجتمع يوما في بغداد مع فضلائها،فانجرّ الكلام بينهما الى ذمر المهدي عليه السّلام و ما يدعيه الامامية من حيوته في هذه المدة الطويلة فشنّع ذلك الفاضل على من يصدّق بوجوده،و يعتقد طول عمره الى ذلك الزمان و انكره انكارا شديدا بليغا.

قال السيد(ر ه)فقلت له انك تعلم انه لو حضر اليوم رجل و ادّعى أنه يمشي على الماء لاجتمع لمشاهدته كل اهل البلد،فاذا مشى على الماء و عاينوه و قضوا تعجبهم منه،ثم جاء في اليوم الثاني آخر و قال انا امشي على الماء ايضا،فشاهدوا مشيه عليه لكان تعجبهم اقل من الاول،فاذا جاء في اليوم الثالث آخر و ادّعى انه يمشي على الماء فربما لا يجتمع للنظر اليه الاّ قليلا ممن شاهد الاولين فاذا مشى سقط التعجب بالكلية،فاذا جاء رابع و قال انا ايضا امشي على الماء كما مشوا فاجتمع عليه جماعة ممن شاهدوا الثلاثة الاول ثم اخذوا ليتعجبوا (يتعجبون خ)منه تعجبا زايدا على تعجبهم من الاول و الثاني و الثالث لتعجب العقلاء من نقص عقولهم و خاطبوهم بما يكرهون،و هذا بعينه حال المهدي عليه السّلام فانكم رويتم ان ادريس حيّ موجود في السماء من زمانه الى الان و رويتم ان الخضر كذلك في الارض حي موجود من زمنه الى الان،و رويتم ان عيسى عليه السّلام حيّ موجوده في السماء،و أنه سيعود الى الارض اذا ظهر المهدي،و يقتدى به،فهذه ثلثة نفر من البشر قد طالت اعمارهم زيادة على المهدي عليه السّلام فكيف لا تتعجبون منهم و يتعجبون من ان يكون لرجل من ذرية النبي صلّى اللّه عليه و آله اسوة بواحد منهم،

ص:27

و تنكرون ان يكون من جملة آياته صلّى اللّه عليه و آله ان يعمّر واحد من عترته و ذريته زيادة على ما هو المتعارف من الاعمار في هذا الزمان و اللّه الهادي،و الحق ان بعض اهل الانصاف منهم قد اعترف بوجوده في ظاهر كلامه.

قال محي الدين الاعرابي (1)في كتاب الفتوحات المكية ان للّه خليفة يخرج من عترة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من ولد فاطمة عليها السّلام،يواطي اسمه اسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جدّه الحسين بن علي صلوات اللّه عليهم يبايع بين الركن و المقام يشبه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الخلق بفتح الخاء.و ينزل عنه في الخلق بضم الخاء اسعد الناس اليه(به)اهل الكوفة يعيش خمسا او سبعا او تسعا،يضع الجزية و يدعو الى اللّه بالسيف،و يرفع المذاهب عن الارض فلا يبقى الا الدين الخالص اعداؤه مقلّدة العلماء اهل الاجتهاد لما يرونه يحكم بخلاف ما ذهب اليه ائمتهم،فيدخلون كرها تحت حكمه خوفا من سيفه يفرح به عامة المسلمين اكثر من خواصهم يبايعوه العارفون من اهل الحقائق عن شهود و كشف بتعريف الهلي،له رجال الهيون يقيمون دعوته و ينصرونه،و لو لا ان السيف بيده لافتى الفقهاء بقتله،و لكن اللّه يظهره بالسيف و الكرم فيطمعون و يخافون و يقبلون حكمه من غير الايمان و يضمرون خلافه،و يعتقدون فيه اذا حكم فيهم بغير مذهب ائمتهم أنه على ضلال في ذلك لانهم يعتقدون ان اهل الاجتهاد و زمانه قد انقطع و ما بقى مجتهد في العالم،و ان اللّه لا يوجد بعد ائمتهم احدا له درجة الاجتهاد،و اما من يدعي التعريف الالهي بالاحكام الشرعية فهو عندهم مجنون فاسد الخيال انتهى.و هو كلام انيق بل ربما لاح منه حسن الاعتقاد،و الرد على اهل الرأي و القياس كأبي حنيفة و اضرابه،و لكنّ الظاهر أنه كان خال من التعصب،و ان كان صاحبه منهم.

و اما شبه المخالفين التي اوردوها،في هذا المقام فهي انواع الاولى قولهم ما الوجه في غيبته على الاستمرار و الدوام،حتى صار ذلك سببا لانكار وجوده،و نفي ولادته و آباؤه عليهم السّلام و ان لم يظهروا الدعاء الى نفوسهم فيما يتعلق بالامامة فقد كانوا ظاهرين يفتون في الاحكام لا يمكن احدا نفي وجودهم و هذه المسألة ربما سأل عنها الشيعة ايضا لكن سؤالهم على وجه الاستفهام و الاستعلام،و سؤال المخالفين عنها على وجه النفي و الانكار،و الجواب عن هذه المسألة بوجوه:

الاول:ما ذكره سيدنا الاجل المرتضى قدس اللّه روحه،حيث قال ان النقل اذا دلّ على وجوب الامامة و انّ كل زمان كلّف فيه المكلفون،الذين يقع منهم القبيح و الحسن و يجوز عليهم

ص:28


1- (9) كذا في النسخ و الظاهر ان الصحيح:العربي.

الطاعة و المعصية لا يخلو من امام لانّ خلوّه من الامام اخلال بتمكينهم،و قادح في حسن تكليفهم.

ثم دلّ العقل على ان ذلك الامام لا بدّ ان يكون معصوما من الخطل مأمونا منه كل قبيح و ثبت ان هذه الصفة التي دلّ العقل على وجوبها،لا توجد الا فيمن يدّعي الامامية امامته و تعرى منها كل من يدعي له الامامة سواه فالكلام في علّة غيبته و سببها واضح بعد ان تقررت امامته لانا اذا علمنا انه الامام دون غيره و رأيناه غائبا عن الابصار علمنا انه لم يغب مع عصمته و تعيّن فرض الامامة فيه و عليه الا لسبب اقتضى ذلك و مصلحة استدعته،ضرورة حملته عليه،و ان لم نعلم وجهه على التفصيل،لان ذلك مما لا يلزم علمه و جرى الكلام في الغيبة و وجهها مجرى العلم بمراد اللّه تعالى،من الآيات المتشابهات في القرآن التي ظاهرها الجبر او التشبيه،فانا نقول اذا علمنا حكم(حكمة خ)اللّه سبحانه و أنه لا يجوز ان يخبر بخلاف ما هو عليه من الصفات،علمنا على الجملة ان لهذه الآيات وجوها صحيحة بخلاف ظاهرها،يطابق مدلولة أدلّة العقل و ان غاب عنّا العلم بذلك مفصلا،فان تكلفنا الجواب عن ذلك و تبرعنا بذكره فهو فضل منّا غير واجب،و كذلك الجواب لمن سأل عن الوجه في ايلام الطفل وجهة المصلحة في رمي الجمار و الطواف بالبيت،و ما اشبه ذلك من العبادات على التفصيل و التعيين، فاذا عوّلنا على حكمة القديم سبحانه و أنه لا يجوز ان يفعل قبيحا فلا بدّ من وجه حسن في جميع ذلك و ان جهلنا بعينه و ليس يجب علينا بيان ذلك الوجه و انه ما هو و في هذا سدّ الباب على مخالفينا في سؤالاتهم و قدع التطويلات عنهم،الا اننا تبرعنا بإيراد الوجه في غيبته عليه السّلام على سبيل الاستظهار و بيان الاقتدار و ان كان ذلك غير واجب علينا في حكم النظر و الاعتبار.

و الذي يدل على هذا الوجه ما رواه عبد اللّه بن الفضل الهاشمي قال سمعت الصادق عليه السّلام يقول ان لصاحب هذا الامر غيبة لا بدّ منها يرتاب فيها كل مبطل،فقلت له فلم جعلت فداك قال الامر لم يؤذن لنا في كشفه لكم،قلت فما وجه الحكمة في غيبته قال وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج اللّه تعالى ذكره،ان وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف الا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة لمّا اتاه الخضر عليه السّلام من خرق السفينة و قتل الغلام و اقامة الجدار لموسى عليه السّلام الى وقت افتراقهما،يا ابن الفضل ان هذا الامر امر من اللّه، و سرّ من سر اللّه و غيب من غيب اللّه،و متى علمنا أنه عز و جل حكيم صدّقنا بأن افعاله كلها حكمة و ان كان وجهها غير منكشف.

الوجه الثاني:ما ذكره سيدنا المرتضى ايضا،و هو أنه انما غاب لخوفه على نفسه و من خاف على نفسه احتاج الى الاستتار فأما لو كان خوفه على ماله او على الاذى على نفسه،

ص:29

لوجب عليه ان يتحمل ذلك لازاحة علّة المكلفين لانه عليه السّلام لو قتل لم يكن له من يخلفه،و يقوم مقامه لان عليه تدور رحى القيامة،و دولة آخر الدول بخلاف آبائه الطاهرين عليهم السّلام،فأنهم لما ظهروا كانوا يعلمون أنهم لو قتلوا كان عندهم من يقوم مقامهم،مع ان خوفه عليه السّلام اكثر و ذلك لان الائمة الماضين من آبائه عليهم السّلام قد اسروا الى شيعتهم ان صاحب السيف هو الثاني عشر منهم،و أنه الذي يملأ الارض عدلا و أن دولته تغلب على كل الدول،و في ظهوره هلاك دول الطغاة،فكانت السلاطين الظلمة يتوفقون عن اتلاف آبائه عليهم السّلام لعلمهم أنهم لا يخرجون بالسيف،و يتشوقون الى حصول الثاني عشر ليقتلوه و يبيدوه.

و لهذا لما دفن مولانا الحسن العسكري عليه السّلام اضطرب السلطان و اصحابه في طلب ولده و كثر التفتيش في المنازل و الدور،و توقفوا عن قسمة ميراثه،و لم يزل الذين و كّلوا بحفظ الجارية التي توهموا عليها لحبل ملازمين لها سنتين و اكثر حتى يتبين لهم بطلان الحبل،فقسّم ميراثه بين أمه و اخيه جعفر،و ادّعت امه وصيته و ثبتت عند القضاة و السلطان على ذلك يطلب اثر ولده فجاء جعفر بعد قسمة الميراث الى السلطان،فقال له اجعل لي مرتبة ابي و اخي و اوصل اليك في كل سنة عشرين الف دينار،فزبره و اسمعه و قال له يا احمق ان السلطان جرّد سيفه و سوطه في الذين زعموا ان اباك و أخاك أئمة ليردهم عن ذلك فلم يقدر عليه فان كنت عند شيعة ابيك و اخيك اماما فلا حاجة بك الى السلطان و ان لم تكن عندهم بتلك المنزلة لم تنلها بالسلطان،و قد كان عليه السّلام مع غيبته عن الناس يظهر لخاصّة مواليه و شيعته،و يخرج منه التوقيعات في فنون المسائل و الاحكام،و بقى على هذا الحال ستين سنة،حتى اشتدّ الامر و كثر الكلب عليه،و التفحص عن خواصه و مواليه فخاف على نفسه و على خواص شيعته،و ذلك في دولة الخليفة المعتضد،فغاب هذه الغيبة الكبرى الى الان نرجو من اللّه ان يوفقنا لتقبيل اعتابه.

روى عن شقيق الحاجب قال بعث الينا المعتضد،و امرنا ان نركب و نحن ثلاثة نفر،و قال الحقوا بسامرّة و اكبسوا دار الحسن بن علي عليهما السّلام،فأنه توفي و من رأيتم في داره فالزموه،فكبسنا الدار فاذا سرداب،فدخلناها و كان بحر فيها و في اقصاه حصير و قد علمنا انه على الماء و فوقه رجل من احسن الناس هيئة،قائم يصلي فلم يلتفت الينا و لا الى شيء من اسبابنا،فسبق احمد بن عبد اللّه ليتخطى،فغرق في الماء و ما زال يضطرب حتى مددت يدي اليه،فخلّصته و اخرجته فغضى عليه،و بقى ساعة،و عاد صاحبي الثاني الى فعل ذلك،فناله مثل ذلك فبقيت مبهوتا فقلت لصاحب البيت المعذرة الى اللّه و اليك فو اللّه ما علمت كيف و الى من نجى و انا تائب الى اللّه،فما التفت الى بشيء مما قلت و انصرفنا الى المعتضد،فقال اكتموه و الا ضربت رقابكم و حاصل هذا الجواب انّ العلّة في غيبته عليه السّلام انما هي الخوف من القتل،و يؤيده ما رواه زرارة

ص:30

بالاحاديث المتكثرة عن الصادقين عليهما السّلام انهما قالا للغلام غيبة قبل قيامه قيل و لم؟قال يخاف على نفسه الذبح.

الوجه الثالث:أنه لو كان ظاهرا لم يسعه الا موافقة الطواغيت بسبب التقية التي سلكها آباؤه عليهم السّلام انتظارا للوقت الذي يأمره اللّه تعالى بالقيام فيه،و لما كان هو الحجة البالغة،و القائم بالسيف لتطهير الارض من الارجاس اقتضت الحكمة البالغة ان لا يكون لاحد عليه سبيل، و يؤيده ما روى عن الباقر و الصادق و الرضا عليهم السّلام لما سألوا عن العلة في الغيبة،فقالوا العلة فيها لئلا يكون لاحد في عنقه بيعة اذا خرج بالسيف و ذلك ان كل واحد من آبائه الطاهرين عليهم السّلام قد وقع في عنقه بيعة لواحد من طواغيت زمانه حتى أنه كان من جملة اعتذار علي عليه السّلام عن القعود عن الخلافة أنه قد اضطر اولا للبيعة مع الثلاثة اوائل تخلّف كل واحد منهم و لما وقعت البيعة في عنقه لم يمكنه نقضها اتقاء على نفسه،لان نقض البيعة عندهم ارتداد.

الرابع أنه قد استفاض في اخبار العامة و الخاصة،انه يجري في هذه الامة ما جرى في الامم السابقة،حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة،فتكون هذه الغيبة لذلك المعنى،و يدل عليه ما رواه حنان بن سدير،عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال ان للقائم منّا غيبة يطول امدها،فقلت و لم ذاك يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟قال لان اللّه عز و جل ابى الا ان يجري فيه سنن الانبياء عليهم السّلام في غيباتهم،و أنه لا بدّ له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم،قال اللّه تبارك و تعالى لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ أي سنن من كان قبلكم،يعني يجري عليكم حالات الامم السابقة،حالة بعد حالة و في وقت بعد وقت.

الخامس ما روى عن الصادق عليه السّلام من ان العلة في الغيبة و تأخر هذا الامر انقضاء الدول الباطلة،حتى لا يقول احد منهم لو ملكت و تمكنت لعدلت و لفعلت الاحسان فمكنهم اللّه سبحانه اولا لان دولة المهدي و آل محمد عليهم السّلام هي آخر الدول و تتصل بالقيامة كما في الاخبار المتواترة فلا يبقى لاحد حجة كلام على اللّه سبحانه.

السادس ما رواه محمد بن ابي عمير عمّن ذكره عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال قلت له ما بال امير المؤمنين عليه السّلام لم يقاتل مخالفيه في الاول؟قال لان(لاية ظ)في كتاب اللّه عز و جل و لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذٰاباً أَلِيماً99، قال قلت ما يعني بتزايلهم،قال ودائع مؤمنون (منين ظ)في اصلاب قوم كافرين،و كذلك القائم عليه السّلام لن يظهر ابدا حتى يخرج ودائع اللّه عز و جل فاذا خرج ظهر على من ظهر من اعداء اللّه عز و جل فقتلهم و الاخبار الواردة بهذا المعنى متكثرة جدا و العلل المروية في الاخبار كثيرة،و لا تنفي بينها لانك قد عرفت ان علل الشرع معرّفة لا مؤثرة.

ص:31

الشبهة الثانية قولهم،اذا كانت العلة في غيبة الامام خوفه من الظالمين و اتقاؤه من المخالفين،و هذه العلة منفية عن اوليائه فيجب ان يكون ظاهرا لهم،او يسقط عنهم التكليف الذي امامته لطف فيه،و قد اجاب الاصحاب رضوان اللّه عليهم عن هذه الشبهة بأمور.

الاول ان غيبته عن اوليائه ليس لعلة الخوف،مثل اعدائه بل لخوف من اشاعتهم خبره، و التحدث منهم بذلك على وجه التشرف بذكره،و الاحتجاج بوجوده،فيؤدى ذلك الى علم اعدائه بمكانه فيعقب علمهم بذلك ما ذكرناه من وقوع الضرر به.

الثاني ان غيبته عن اعدائه للتقية منهم،و غيبته عن اوليائه للتقية عليهم،و الاشفاق من وقوع الضرر بهم،اذ لو ظهر للقائلين بامامته،و شاهده بعض اعدائه،و اذاع خبره طولب اوليائه به اذا فات الطالب بالاستتار اعقب ذلك عظيم المكروه و الضرر باوليائه و هذا معروف بالعادات.

الثالث ان في القائلين بامامته من لا يرجع عن الحق و عن اعتقاد امامته و القول بصحتها على حالة من الاحوال،فأمره اللّه تعالى بالاستتار ليكون المقام على الاقرار بامامته مع الشبهة في ذلك و شدّة المشقة اعظم ثوابا منه على الاقرار بامامته مع المشاهدة له فكانت غيبته عن اوليائه لهذا الوجه،و لم يكن التقية عندهم،و يؤيده قوله تعالى في اول سورة لبقرة الم ذٰلِكَ الْكِتٰابُ لاٰ رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلاٰةَ وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ فان المراد بالغيب على ما وقع في الاخبار المستفيضة هو الامام الغائب عن انظارهم، فقد مدحهم اللّه سبجحانه على هذه الخصلة،و في الحديث ان واحدا من الصحابة قال للنبي صلّى اللّه عليه و آله افضل الناس اصحابك يا رسول الله؟فقال صلّى اللّه عليه و آله لا بل افضل الناس قوم يؤمنون بسواد على بياض لان الحجة تغيب عنهم،و قال عليه السّلام اذا غاب الحجة فالقابض على دينه كالقابض (1)على جمر الغضا لان الايمان في حالة الامتحان و الشدة اكثر ثوابا من غيره كما قال الصادق عليه السّلام و اللّه لتبلبلنّ بلبلة و لتغربلن غربلة و لتساطن سوط القدر فيجعل اعلاكم اسفلكم و اسفلكم اعلاكم.

الرابع و هو الذي عوّل عليه المرتضى قدس اللّه روحه حيث قال اولا انا لا نقطع على أنه لا يظهر لجميع اوليائه فان هذا امر مغيب عنّا و لا يعرف كل منا الا حال نفسه فاذا جوّزنا ظهوره لهم كما جوزنا غيبته عنهم فنقول في علة عنهم ان الامام عليه السّلام عند ظهوره من الغيبة انما يميز شخصه و يعرف عينه بالمعجز الذي يظهر على يديه لان النصوص الدالة على امامته لا تميّز شخصه عن غيره كما ميزّت اشخاص آبائه عليهم السّلام و المعجز انما يعلم دلالته بضرب من الاستدلال

ص:32


1- (10) الغضا شجر من الاثل خشبة من اصلب الخشب و جمرة يبقى زمنا طويلا لا ينطفئ الواحدة منه غضاة.

و الشبهة تدخل في ذلك فلا يمتنع ان يكون كل من لم يظهر له من اوليائه فانّ(ان ظ)المعلوم من حاله أنه متى ظهر له قصّر في النظر في معجزه و لحق بهذا التقصير بن يخاف منه من الاعداء.

الشبهة الثالثة قال المخالفون اذا كان الامام غائبا بحيث لا يصل اليه احد من الخلق و لا يتنفع به فما الفرق بين وجوده و عدمه و هلاّ جاز ان يميته اللّه او يعدمه حتى اذا علم ان الرعية تمكنه و تسلّم له اوجده او احياه كما جاز ان يبيحه الاستتار حتى يعلنم منها التمكين له فيظهره و الجواب عن هذه الشبهة بوجوه،احدها انا لا نقول و لا نقطع على ان الامام عليه السّلام لا يصل اليه احد فهذا امر غير معلوم ان كثيرا من الناس من العامة و الخاصة قدر رآه و انتفع منه نوعا من الانتفاع سواء عرفه وقت الرؤية او لم يعرفه لكن ظهر له بالقرائن المفيدة للقطع بعد الرؤية ان ذلك هو الامام عليه السّلام نقل صاحب كشف الغمة حكاية وقعت في زمانه قال كان في بلاد الحلة شخص يقل له اسماعيل بن الحسن الهرقلي من قرية يقل لها هرقل قال أنه مات في زماني و ما رأيته لكن حكى لي والده شمس الدين قال حكى لي والدي أنه خرج فيه و هو شاب على فخذه الايسر توثة مقدار قبضة الانسان و كانت في كل ربع تنشق و يخرج منها دم و قيح يقطعه المها عن كثير من اشغاله و كان مقيما بهرقل فحضر الى الحلة يوما و دخل الى مجلس السعيد رضي الدين علي بن طاووس رحمة اللّه عليه و شكى اليه ما يجد و قال اريد ان اداويها فاحضر له اطباء الحلة و اراهمل الموضع فقالوا هذه الجراحة فوق العرق الاكحل و علاجها خطر و متى قطعت خيف ان ينقطع العرق فيموت فقال له السيد رضي الدين انا متوجه الى بغداد و ربما كان اطباؤها اعرف و احذق من هؤلاء فاصحبني فاصعد معه فاحضر الاطباء فقالوا كما قال اولئك فضاق صدره فقال له السعيد ان الشرع قد فسح لك في الصلوة في هذه الثياب و عليك الاجتهاد في الاحتراس و لا تغزر بنفسك فاللّه تعالى قد نهى عن ذلك و رسوله.

فقال والدي اذا كان الامر همذا و قد حصلت في بغداد فاتوجه الى زيارة المشهد الشريف بسر من رأى على مشرفه السّلام ثم انحدر الى اهلي فحسن له ذلك فترك ثيابه و نفقته عند السعيد رضي الدين قال زرت المشهد و نزلت السرداب و استغثت باللّه تعالى و بالامام عليه السّلام و قضيت بعض الليل في السرداب و بقيت في المشهد الى الخميس ثم مضيت الى دجلة و اغتسلت و لبست ثوبا نظيفا و ملأت ابريقا كان معي و صعدت اريد المشهد فرأيت اربعة فرسان خارجين من باب السور و كان حول المشهد قوم من الشرفاء قوم يرعون اغنامهم حسبتهم منهم و فيهم شيخ منقب بيده رمح و منهم فارس عليه فرجية ملونة فوق السيف و هو متحنّك فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق و وضع كعب رمحه في الارض و وقف شابان عن يسار الطريق و بقى صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي ثم سلموا عليه فرد عليهم السّلام،فقال له صاحب الفرجية

ص:33

انت غدا تروح الى اهلك فقال له نعم فقال تقدم حتى ابصر ما يوجعك قال فكرهت ملامستهم و قلت اهل البادية ما يكادون يتحرزون من النجاسة و انا قد خرجت من الماء و قميصي مبلول، ثم اني مع ذلك تقدمت اليه فلزمني بيدي و مدني اليه و جعل يلمس جانبي من كتفي الى ان اصابت يده توثة فعصرها بيده فاوجعني ثم استوى في سرج فرسه كما كان فقال لي الشيخ افلحت يا اسماعيل فتعجبت من معرفته باسمي فقلت افلحنا و افلحتم ان شاء اللّه.

قال فقال هذا هو الامام قال فتقدمت و احتضنته و قبّلت فخذه ثم أنه ساق و انا و امشي معه محتضنة فقال ارجع فقلت لا افارقك ابدا فقال المصلحة رجوعك فأعدت عليه مثل القول الاول،فقال الشيخ يا اسماعيل اما تستحي يقول لك الامام مرتين ارجع و تخالفه فجبهني بهذا القول فوقفت و تقدّم خطوات و التفت اليّ و قال اذا وصلت بغداد فلا بد ان يطلبك ابو جعفر يعني الخليفة المستنصر فاذا حضرت عنده و اعطاك شيئا فلا تأخذه و قل لولدنا الرضي ليكتب لك الى علي بن عوض فأنني اوصيه يعيطك الذي تريد ثم سار و اصحابه معه فلم ازل قائما ابصرهم حتى بعدوا و حصل عندي اسف لمفارقته فقعدت على الارض ساعة ثم مشيت الى المشهد فاجتمع القوم حولي و قالوا نرى وجهك متغيرا اوجعك شيء قلت لا قالوا خاصمك احد قلت لا ليس عندي مما تقولون خبر لكن اسألكم هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم فقالوا هم الشرفاء ارباب الغنم فقلت لا بل هو الامام عليه السّلام فقالوا الامام هو الشيخ او صاحب الفرجية الملونة قلت بل صاحب الفرجية فقالوا أريته المرض الذي فيك؟فقلت هو قبضه بيده و اوجعني ثم كشفت رجلي فلم ار ذلك المرض فتداخلني الشكّ من الدهش فاخرجت رجلي الاخرى فلم ار شيئا فانطبق الناس عليّ و مزقوا ثوبي فادخلني القوّام الخزانة،و منعوا الناس عني و لما رجع الى بغداد حضر رضي الدين و الخليفة و احضر الاطباء فلما رأوها قد زالت بالكلية و قد كانوا رأوها سابقا صاح واحد منهم و قال هذا و اللّه عمل المسيح و امثال هذه الكرامات قد وقعت منه عليه السّلام كثيرا.

على ان من جملة منافعه عليه السّلام بالنسبة الى العلماء و المجتهدين ما كان يذهب اليه شيخنا صاحب التفسير الموسوم بنور الثقلين قدس اللّه زكيّ تربته و اعلى في عليّين رتبته و هو ان المسائل الخلافية بين الاصحاب التي لم يعلم القائل بالطرف الاخر منها احتمالا راجحا عنده ان يكون ذلك القول قولا له عليه السّلام اوقع الخلاف في المسألة حتى لا تجتمع علماء الشيعة على الخطاء و حتى يتجرى على موافقة ذلك القول لان المسألة اذا كانت اجماعية يتقاعد المجتهدون اللاحقون عن القول بخلافها و ان اداهم الدليل اليه كما سمعته من بعض المجتهدين من انّ الحديث الصحيح اذا وجد و لم يعلم به قائل من الاصحاب يجب ردّه او تأويله و هذا مذهب

ص:34

جماعة منهم و كأنهم اخذوه من مقبولة عمر بن حنظلة و غيرها مما اشتمل على قوله عليه السّلام خذ بما اشتهر بين اصحابك ففهموا منه كون المراد الاشتهار في الفتوى لكن الظاهر من سياق تلك الاخبار ان المراد به الاشتهار في النقل لان تلك الاحاديث انما وردت في تعارض الخبرين المنقولين عن المعصوم عليه السّلام و حينئذ فالمراد الاخذ بالحديث الذي اشتهر نقله بين الاصحاب و ترجيهه على ما لم يشتهر و لاجل ما نقلناه عنه(ر ه)كان يذهب الى قوة القول الذي لم يعلم قائله و لا نسبه.

و ثانيها ان في انتظار خروجه عليه السّلام كل يوم و ساعة اجر جزيل و ثواب جليل و يؤيده ما رواه العلاء بن سيابه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال من مات منكم على هذا الامر منتظرا له كان كمن ان في فسطاط القائم عليه السّلام و روى عبد الحميد الواسطي عن الباقر عليه السّلام قال قلت له اصلحك اللّه لقد تركنا اسواقنا انتظارا لهذا الامر فقال يا عبد الحميد أ ترى من حبس نفسه على اللّه عزّ و جل لا يجعل اللّه عز و جل له مخرجا رحم اللّه عبدا حبس نفسه علينا رحم اللّه عبدا احيا امرنا قال قلت فان مت قبل ان ادرك القائم قال القائل منكم ان ادركت قائم آل محمد صلوات اللّه عليهم نصرته كالمقارع معه بسيفه لا بل كالشهيد معه و قال الصادق عليه السّلام لعمّار اما و اللّه يا عمّار لا يموت منكم ميّت على الحال التي انتم عليها الا كان افضل عند اللّه عز و جل من كثير ممن شهد بدرا واحدا فابشروا و كان عليه السّلام اذا ذكر اصحابه القائم عليه السّلام و تمنوا لقائه يقول الذي عليكم هو العزم و الانتظار و تنالون به ثواب الشهادة و ان متم على فرشكم،مع انهم لو بقوا الى وقت خروجه لم يعاونه منهم الا الاقل كما وقع للحين عليه السّلام و شيعة ابيه فانهم كاتبوه و لما قدم عليهم اسلموه الى القتل و يا ليتهم كفّوا عن قتاله و معاونة الظالمين عليه و الحال في صاحب الزمان عليه السّلام ذلك الحال بعينه فيكون ثواب الانتظار لهم افضل من ثواب حضورهم معه و هذا احد معاني قوله عليه السّلام نية المؤمن خير من عمله و ذلك انهم بهذه النية بلغوا درجات الشهداء و لو ادركوه لربما لم يدركوها بل يمكن ان يدركوا نقيضها مع انه قد روى في الاخبار عن الصادقين عليهم السّلام ان الشيعة لم تزل تربّى بالاماني فبهذه التنميات من احتمال خروجه هذا اليوم و هذا اليوم و هذا العام يسهل الخطب على الشيعة من ظلم الظالمين لهم و دخولهم في باب التقية من كل وجه.

فلقد رأينا جماعة من اهل الخلاف يفضلون اليهود و النصارى علينا و اذا سافرنا معهم يأخذون العشور منّا و يتركون الكفار من غير ان يفتشوا لهم متاعا و هذا امر عظيم لا يسهله الا احتمال قرب الفرج بخروجه عليه السّلام و لا يخفى ان هذا انما يتم على تقدير وجوده و استتاره اما لو كان ميتا او لم يوجد اصلا فلا انتظار اصلا و الذي يؤيد هذه المقالة من ان ثواب انتظار الفرج خير لهم من ثواب الحضور ما ورد في الروايات عن الصادق عليه السّلام من ان اناسا من الشيعة كانوا

ص:35

يحرصونه على القيام بالسيف و كانوا يقولون ان لك شيعة في العراق لو حملتهم على اطراف الاسنة لمشوا عليها فقال قائل منهم هذا الكلام و هم يمشون فنظر عليه السّلام الى غنيمات ترعى فقال لو كان لنا من الشيعة من يوافقنا في القلب و اللسان على امر الخروج بعدد هذه الاغنام لخرج القائم منّا قال الراوي فعددتها فاذا مجموعها سبعة عشر شاة و مرة أخرى ايضا الحوّا عليه في امر الخروج و في ان الشيعة كثيرون فلا يسعك الجلوس فأمر عليه السّلام بنار فاوقدت(فوقدت)فقال ايكم يدخل هذه النار فتقاعدوا عنها و لم يدخلها احد فقال ان شأن القائم عليه السّلام اذا خرج و الدخول معه مثل الدخول في هذه النار فمن دخل منكم هذه النار قدر على معاونة القائم و الجهاد معه.

و ثالثها ما قاله شيخنا الطبرسي في بعض كتبه من ان الفرق بين وجوده غائبا عن اعدائه للتقية و هو في اثناء تلك الغيبة منتظر ان يمكنوه فيظهر و يتصرف و بين عدمه واضح و هو ان الحجة هناك فيما فات من مصالح العباد لازمة للّه تعالى و هيهنا الحجة لازمة للبشر لانه اذا خيف فغيب شخصه عنهم كان ما يفوتهم من المصلحة عيقب فعل كانوا هم السبب فيه منسوبا اليهم يلزمهم في ذلك الذم و هم المؤاخذون به الملامون عليه و اذا اعدمه اللّه تعالى كان ما يفوت العباد من مصالحهم و يحرمونه من لطفهم و انتفاعهم به منسوبا الى اللّه تعالى لا حجة فيه على العباد و لا لوم يلزمهم.

و رابعها ما قاله المرتضى طاب ثراه من ان شيعته و اوليائه اذا جوّزوا ان يكون الامام بحيث يراهم و يعرفهم و لا يعرفونه كان اردع لهم عن فعل المعاصي بخلاف ما اذا كان ظاهرا و هو في ناحية و هم في ناحية اخرى و ان اطلع عليهم اطلاعا علميا لان العادة جرت بقوة الاطلاع الحسي و شدّة تأثيره و الا فاطلاع اللّه على العباد موجود في سائر احوالهم،و كذلك المعصومين عليهم السّلام كما ورد في تفسير قوله تعالى وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّٰهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ ان المراد بالمؤمنين الائمة عليهم السّلام،و الا فغيرهم من المؤمنين لا يعلم بعمل من غاب عن عينه،و ذلك الاطلاع بما روى ان الملائكة الذين يكتبون اعمال الناس و هم رقيب و عتيد اذا كتبوا اعمال اليوم و ارادوا آخر النهار العروج الى عالم الملكوت يأتون اولا بصحائف الاعمال الى امام العصر فيعرضونها عليه،و يطلّع على تلك الاعمال ثم يعرجون بها،ثم انه عليه السّلام يصلح من اعمال شيعته ما يكون قابلا للاصلاح اما بالاستغفار له او بالشفاعة له عند ربه او بالتفويض اليه و من ثم كانوا عليهم السّلام يطلبون من شيعتهم ان يعملوا اعمالا قابلة للاصلاح،و ذلك كالكتاب الذي فيه غلط فانّ منه ما يكون قابلا للمقابلة و التصحيح و منه ما يكثر غلطه حتى يعطل عن الانتفاع به.

ص:36

و خامسها ما ورد في مكاتبة رواها شيخنا محمد بن يعقوب عن اسحاق بن يعقوب قال سألت محمد بن عثمان العمري و هو وكيل الناحية ان يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل اشكلت عليّ فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان عليه السّلام اما ما سألت عنه ارشدك اللّه و ثبتك من امر المنكرين لي من اهل بيتنا و بني عمّنا:فاعلم انه ليس بين اللّه عز و جل و بين احد قرابة، و من انكرني فليس مني و سبيله سبيل ابن نوح و اما سبيل عمي جعفر و ولده فسبيل اخوة يوسف عليه السّلام الى ان قال عليه السّلام و اما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس اذا غيبها عن الابصار السحاب،و اني امان لاهل الارض كما ان النجوم امان لاهل السماء،فاغلقوا ابواب السؤال عمّا لا يعينكم،و لا تتكلفوا علم ما قد كفيتم و اكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فان ذلك فرجكم،و السّلام عليك يا اسحاق بن يعقوب و على من اتبع الهدى.

الشبهة الرابعة قالوا انه قد وقع الاجماع على أنه لا نبي بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و انتم ايها الشيعة قد زعمتم ان القائم عليه السّلام اذا قام لم يقبل الجزية من اهل الكتاب و انه يقتل من بلغ العشرين و لم يتفقه في الدين،و يأمر بهدم المساجد و المشاهد،و أنه يحكم بحكم داود عليه السّلام لا يسأل عن بيّنة و اشباه ذلك مما ورد في اخباركم،و هذا يكون نسخا للشريعة و ابطالا لاحكامها فقد اتيتم بمعنى النبوة و ان لم تتلفظوا باسمها فما جوابكم؟

و الجواب عنها ما قاله صاحب كتاب اعلام الورى من انا لم نعرف ما تضمنه السؤال من انه عليه السّلام لم يقبل الجزية من اهل الكتاب و انه يقتل من بلغ العشرين و لم يتفقه في الدين فاما هدم المساجد و المشاهد فقد يجوز ان يختص بهدم ما بنى من ذلك على غير تقوى اللّه تعالى و على خلاف ما امر اللّه سبحانه(و هذا ظ)فهذا مشروع فقد فعله النبي صلّى اللّه عليه و آله و اما ما روى منانه يحكم بحكم آل داود و لا يسأل عن بينة فهذا ايضا غير مقطوع به،و ان صحّ فتأويله انه يحكم بعلمه فيما يعلم،و اذا علم الامام عليه السّلام و الحاكم امرا من الامور فعليه ان يحكم بعلمه و لا يسأل البينة و ليس في هذا نسخ الشريعة،على ان هذا الذي ذكروه من ترك قبول الجزية و استماع البينة لو صحّ لم يكن ذلك نسخا للشريعة لان النسخ هو ما تأخر دليله عن الحكم المنسوخ و لم يكن مصاحبا له،فأما اذا اصطحب الدليلان فلا يكون احدهما ناسخا لصاحبه و ان كان يخالفه في الحكم،و لهذا اتفقنا على ان اللّه سبحانه لو قال الزموا السبت الى وقت كذا ثم لا تلزموه ان ذلك لا يكون نسخا لان الدليل الرافع مصاحب للدليل الموجب،و اذا صحت هذه الجملة و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله قد اعلمنا بأن القائم عليه السّلام من ولده يجب اتباعه و قبول احكامه فنحن اذا صرنا الى ما يحكم فينا و ان خالف بعض الاحكام المتقدمة كنّا غير عاملين بالنسخ لان النسخ لا يدخل

ص:37

فيما يصطحب الدليلان،و لهم شبه اخرى واهية رأينا الاعراض عن نقلها هو الاولى لظهور وهنها.

نور اسمي يكشف عن أنه هل يجوز تسميته عليه السّلام باسمه ام لا؟

اعلم أنه قد وقع الخلاف بين اصحابنا رضوان اللّه عليهم في هذه المسألة،فذهب شيخنا المفيد و الشيخ الطبرسي قدس اللّه روحيهما و جماعة من المتأخرين الى تحريم تسميته عليه السّلام باسمه و ذهب جماعة منهم صاحب كشف الغمة و المحقق خاجا نصير الدين الطوسي و من المتأخرين شيخنا البهائي(ر ه)الى الجواز،و انما جاء هذا الاختلاف من اختلاف الاخبار اما الذي يدل على القول الاول فأخبار.

منها ما روى عن محمد بن همّام قال سمعت محمد بن عثمان العمري يقول خرج توقيع بخطّ اعرفه من سماني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة اللّه،و منها ما رواه الصدوق طاب ثراه في الصحيح عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال صاحب هذا الامر رجل لا يسميه باسمه الا كافر، يعني و اللّه اعلم من كان شبيها بالكافر في مخالفة اوامر اللّه و نواهيه اجتراء و معاندة،و هذا كما تقول لا يجترى على هذا الا اسد،و منها ما رواه الريان بن الصلت قال سأل الرضا عليه السّلام عن القائم عليه السّلام فقال لا يرى جسمه و لا يسمى اسمه،و منها ما روي عن الباقر عليه السّلام قال سأل عمر امير المؤمنين عليه السّلام عن القائم(المهدي خ)عليه السّلام فقال يا ابن ابي طالب اخبرني عن المهدي،قال اما اسمه فلا ان حبيبي و خليلي عهد اليّ ان لا احدّث باسمه حتى يبعثه اللّه عز و جل،و هو فيما استودع اللّه عز و جل رسوله صلّى اللّه عليه و آله في علمه،و منها ما روى عن ابي هاشم الجعفري قال سمعت ابا الحسن العسكري عليه السّلام يقول الخلف من بعدي الحسن ابني فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف،قلت و لم جعلني اللّه فداك،قال لانكم لا ترون شخصه و لا يحلّ لكم ذكره باسمه، قلت فكيف نذكره؟قال قولوا الحجة من آل محمد صلوات اللّه عليه و سلامه،و منها ما رواه ابن ابي يعفور قال قال ابو عبد اللّه عليه السّلام الخامس من ولد السابع يغيب عنهم شخصه و لا يحلّ لهم تسميته،و قد روى صفوان بن مهران عنه عليه السّلام مثله،و منها ما روى عن عبد اللّه الصالحي قال سألني اصحابنا بعد مضي ابي محمد عليه السّلام ان اسأل عن الاسم و المكان،فخرج الجواب ان دللتهم على الاسم اذاعوه،و ان عرفوا المكان دلّوا عليه،و منها ان الائمة عليهم السّلام لما عبروا عن اسمه الشريف عبروا عنه بالحروف المقطعة،و هو(م ح م د)و مثل قولهم في التعبير اسمه اسم رسول اللّه،و نحو ذلك من الكتابات.

ص:38

و اما اهل القول الثاني فقد حملوا هذه الاخبار على حالة الخوف كما كان في زمن غيبة الصغرى و قبل ولادته و بعدها،و كون علي عليه السّلام لم يسمه لعمر بن الخطاب يرجع الى حال الخوف عليه ايضا لان الحسين عليه السّلام على ما قاله بعض الاعلام ما قتله الا يوم السقيفة كما تقدم، و استدلوا على الجواز عن ارتفاع الخوف كما في هذه الاعصار بأمور.

الاول ما روى عن علان الرازي قال اخبرني بعض اصحابنا انه لما حملت جارية ابي محمد عليه السّلام قال ستحملين ذكرا و اسمه محمد،و هو القائم من بعدي.

الثاني ما روى عن علي بن احمد الرازي قال خرج بعض اخواني من اهل الري مرتادا بعد مضي ابي محمد عليه السّلام فبينما هو في مسجد الكوفة مغموم مفكر فيما خرج له يبحث حصاء المسجد بيده فظهرت له حصاة مكتوب فيها محمد قال الرجل فنظرت الى الحصاة فاذا فيها كتابة ثابتة مخلوقة غير منقوشة.

الثالث ما رواه العطار قال حدثني الخيزران عن جارية له كان اهداها لابي محمد عليه السّلام، فلما اغار جعفر الكذاب على الدار جائته فارّة من جعفر فتزوج بها قال فحدثتني انها حضرت ولادة السيد عليه السّلام و ان ابا محمد عليه السّلام حدّث ام السيد بما يجري على عياله،فسألته ان يدعو اللّه لها ان يجعل ميتتها قبله فماتت في حياة ابي محمد عليه السّلام و على قبرها لوح مكتوب عليه هذا قبر ام محمد.

الرابع ما رواه العلوي عن ابي غانم الخادم قال ولد لابي محمد عليه السّلام ولد فسماه محمدا فعرضه على اصحابه يوم الثالث،و قال هذا صاحبكم من بعدي و خليفتي عليكم الحديث.

الخامس ان الحسن العسكري عليه السّلام قد كنّى بأبي محمد و ليس له ولد اسمه محمد سوى صاحب الدار عليه السّلام.

و الارجح في النظر هو القول الاول،اما اولا فلتكثر الاخبار الواردة فيه فأنه قد بقى منها اخبار كثيرة لم نذكرها روما للاختصار،و اما ثانيا فلان ظاهر بعضها و صريح البعض الاخر هو امتداد وقت التحريم الى ان يقوم بالسيف،و اما ثالثا فلان هذه الاخبار غير صريحة بل و لا ظاهرة في جواز تسميته عليه السّلام بالنسبة الينا كما لا يخفى و اما كنيته عليه السّلام فلعلها صارت له بمنزلة الاسم العلمي من غير التفات الى الولد،كما في ابي الحسن الاول و ابي الحسن الثاني و الثالث، و لعل الحكمة في النهي عن الاسم خفية علينا كما في وجه الحكمة في علّة الغيبة على ما تقدم في بعض الاخبار.

اذا عرفت هذا فقد قال صاحب كشف الغمة من العجب ان الشيخ الطبرسي و الشيخ المفيد رحمهما اللّه تعالى قالا لا يجوز ذكر اسمه و لا كنيته،ثم يقولان اسمه اسم النبي صلّى اللّه عليه و آله

ص:39

و كنيته كنيته و هما يظنّان انهما لم يذكرا اسمه و لا كنيته و هذا عجيب،و الذي اراه ان المنع كان في وقت الخوف و الطلب له و السؤال عنه،و اما الان فلا و اللّه العالم انتهى،و الظاهر ان تعجبه من الشيخين ليس على ما ينبغي لان ذلك القول منها ليس ذكرا لاسمه بل هو تفهيم و تعليم بطريق الاشارة و الكناية و لا يكون من باب ذكر الاسم في مجاري العرف و العادات.

بقى الكلام في حديث رواه الفريقان عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يبعث اللّه رجلا من اهل بيتي يواطي اسمه اسمي و اسم ابيه اسم ابي يملأ الارض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا،و هذا هو احد الشبه التي اوردها المخالفون لان اسم ابي المهدي عليه السّلام الحسن العسكري و اسم ابي النبي صلّى اللّه عليه و آله عبد اللّه،فلا يكون المهدي هو ابن الحسن العسكري بل يكون غيره،و قد اجاب عن هذا الفاضل الاربلي بما حاصل انه قد ورد في الكلام الفصيح اطلاق لفظ الاب على الجد الاعلى،قال تعالى مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرٰاهِيمَ و قال تعالى حكاية عن يوسف وَ اتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبٰائِي إِبْرٰاهِيمَ وَ إِسْحٰاقَ وَ يَعْقُوبَ و في حديث المعراج قلت من هذا؟قال هذا ابوك ابراهيم،و كذلك ورد ايضا اطلاق الاسم على الكنية و الصفة،روى الصاعدي(الساعدي خ)عن علي عليه السّلام و اللّه ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سمّاه(ني ظ)بأبي تراب و لم يكن له اسم احب اليه منه فاطلق الاسم على الكنية:و قول الشاعر و من وصفك فقد سمّاك للعرب.

و اذا تحققت هذا وضح لك الجواب،و هو ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان له سبطان ابو محمد الحسن و ابو عبد اللّه الحسين،و لما كان الحجة عليه السّلام من ولد ابي عبد اللّه الحسين و كان كنية الحسين عليه السّلام ابا عبد اللّه اطلق النبي صلّى اللّه عليه و آله الاسم على الكنية لاجل المقابلة بالاسم في حق ابيه و اطلق على الجد لفظ الاب،فكأنه قال صلّى اللّه عليه و آله يواطي اسمه اسمي،و هو ظاهر،و كنية جدّه اسم ابي اذ هو ابو عبد اللّه و ابي عبد اللّه لتكون تلك الالفاظ المختصرة جامعة لجميع صفاته،و لاعلام انه من ولد ابي عبد اللّه الحسين عليه السّلام بطريق جامع موجز لا من ولد الحسن عليه السّلام.

نور في بلاد عليه السّلام

و مساكن اولاده الطاهرين حال هذه الغيبة الكبرى ذكر المولى الفاضل الملقب بالرضا علي بن فتح اللّه الكاشاني رحمه اللّه قال روى الشريف الزاهد ابو عبد اللّه محمد بن علي بن الحسين بن عبد اللّه(عبد الرحمن خ)العلوي الحسيني في كتابه باسناده عن الاجل العالم الحافظ حجة الاسلام سعيد بن احمد بن الرضي عن الشيخ الاجل المقري حظير الدين حمزة المسيب بن الحارث،أنه حكى في داري بالظفرية بمدينة السّلام في ثامن عشر شعبان سنة اربع

ص:40

و اربعين و خمسمائة،قال حدثني شيخي العالم ابو القاسم عثمان بن عبد الباقي بن احمد الدمشقي في سابع عشر جمادي الاخرة سنة ثلاث و اربعين و خمسمائة،قال حدثني الاجل العالم الحجة كمال الدين احمد بن محمد بن يحيى الانباري بداره بمدينة السّلام ليلة الخميس عاشر شهر رمضان سنة ثلاث و اربعين و خمسمائة،قال كنّا عند العزيز عون الدين يحيى بن هبيرة في رمضان بالسنة المقدّم ذكرها و نحن على طبقه و عنده جماعة فلما افطر من كان حاضرا و تقوّض اكثر من حضر اردنا الانصراف فأمرنا بالتمسي عنده و كان في مجلسه تلك الليلة شخص لا اعرفه و لم اكن رأيته من قبل و رأيت الوزير يكثر اكرامه و يقرّب مجلسه و يصغي اليه و يسمع قوله دون الحاضرين،فتجاوبنا الحديث و المذاكرة حتى امسينا و اردنا الانصراف فعرفنا بعض اصحاب الوزير ان الغيث ينزل و انه يمنع من يريد الخروج،فاشار الوزير بمبيتنا عنده فأجبنا فتحادثنا فافضى الحديث حتى تحادثنا في الاديان و المذاهب و رجعنا الى دين الاسلام و تفرّق المذاهب فيه فقال الوزير اقل طائفة مذهب الشيعة و ما يمكن ان يكون اكثر منهم في خطتنا هذه و هم الاقل من اهلها،و أخذ يذّم احوالهم و يحمد اللّه على قلتهم في اقاصي الارض فالتفت الشخص الذي كان الوزير ملتفتا اليه مقبلا عليه و مصغيا اليه،فقال ادام اللّه ايامك احدث بما عندي فيما تفاوضتم فيه او اعزب عنه،فصمت الوزير ثم قال قل ما عندك.

فقال خرجت مع والدي سنة اثنتين و عشرين و خمسمائة من مدينتنا و هي المعروف بالناهية (1)و لها الرستاق الذي(التي خ)تعرفه(فها خ)التجار و عدة ضياعها الف و مائتا ضيعة،في كل ضيعة من الخلق ما لا يحصى عددهم الا اللّه تعالى و هم قوم نصارى و جميع الجزائر التي كانت حولهم على دينهم و مسير بلادهم عشرين يوما،و كلّ من في البر من الاعراب و غيرهم نصارى و تتصل بالحبشة و النوبة و كلهم نصارى،و تتصل بالبربر و هم على دينهم فان حدّ هذا كان يملأ كل من في الارض و لم يضف اليهم الافرنج و الروم و غير خفي ما بالشام و العراق و اتفق اننا سرنا في البحر و اوغلنا و تعدينا الجهات التي كنّا نصل اليها و رغبنا في المكاسب و لم نزل على ذلك حتى وصلنا على جزائر عظيمة كثيرة الاشجار مليحة الجدر،فيها المدن الممدودة و الرساتيق،فأول مدينة وصلنا اليها وارسى المركب بها و قد سألنا الناخذا أي شيء هذه الجزيرة؟فقال و اللّه ان هذه جزيرة لم اصل اليها و لم اعرفها و انا و انتم في معرفتها

ص:41


1- (11) الناهية بالنون كذا فيما وقفنا عليه من نسخ الكتاب المطبوعة و المخطوطة و ليس لها بهذا الاسم ذكر في معجم البلدان لياقوت الحمري المتوفى(626)ه و ذكرها العلامة المحدث النوري(ر ه)في الجنة المأوى ص 255 و في كتابه(نجم ثاقب)ص 160(الباهية)بالباء الموحدة و ليس لها ايضا ذكر في معجم البلدان مع كون ياقوت قريب العصر من الوزير ابن هبيرة المتوفى(560)ه الذي وقع ذكر(الناهية)او(الباهية)في مجلسه.

سواء،فلما ارسينا بها و صعد التجّار الى مشرعة تلك الجزيرة و سألنا ما اسمها؟فقيل هي المباركة فسألنا عن سلطانهم و ما اسمه؟فقالوا اسمه الطاهر،فقلنا و اين سرير ملكه،فقيل بالزاهرة و ان بينكم و بينها مسيرة عشرة ليال في البحر و خمسة و عشرين ليلة في البر،و هم قوم مسلمون فقلنا من يقبض زكوة ما في المركب لنشرع في البيع و الابتياع قالوا تحضرون عند نائب السلطان فقلنا و اين اعوانه فقالوا الاعوان له في داره و كل من عليه حقّ يحض عنده فيسلّم اليه فتعجبنا من ذلك فقلنا الا تدلونا عليه؟قالوا بلى و جاء معنا من ادخلنا داره فراينا رجلا صالحا عليه عباة و تحته عباة و هو مفترشها،و بين يديه دواة يكتب فيها من كتاب ينظر اليه فسلّمنا عليه فردّ علينا السّلام و حيّانا،فقال من اين اقبلتم فقلنا من كذا و كذا فقال كلكم مسلمون؟فقلنا لا بل فينا المسلم و اليهودي و النصراني،فقال يزن اليهودي جزيته و النصراني جزيته و يناظر المسلم عن مذهبه،فوزن والدي عن خمسة نفر نصارى عنه و عني و عن ثلاثة نفر كانوا معه،ثم وزن تسعة نفر كانوا يهودا،و قال للمسلمين هاتوا مذاهبكم،فشرعوا معه في مذاهبهم،فقال لستم مسلمين و انما خوارج و اموالكم تحلّ للمسلم المؤمن و ليس بمسلم من لم يؤمن باللّه و رسوله و بالوصي و الاوصياء من ذريته حتى مولانا صاحب الزمان صلوات اللّه عليه و عليهم اجمعين، و ضاقت بهم الارض و لم يبق الا أخذ اموالهم.

ثم قال لنا يا اهل الكتاب لا معارضة لكم فيما معكم حيث اخذت منكم الجزية فلما عرف اولئك ان اموالهم معرضة للنهب سألوا ان يحملهم الى سلطانه فأجاب سؤالهم و تلى لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ، فقال للزبان و هو الدليل و قلنا للنواخذة (1)هؤلاء قوم عاشرناهم و صاروا رفقة و ما نحبّ ان نتخلف عنهم انما نحب ان نكون معهم حتى نعلم ما يستقر حالهم، فقال الزبان و اللّه ما اعلم هذا البحر اين المسير فيه،فأستأجر زبانا و رجالا و قلعنا القلع و سرنا ثلاثة عشر يوما بلياليها حتى كان قبل طلوع الشمس قال الزبان هذه و اللّه اعلام الزاهرة و منارها و جدرها قد بانت،فسرنا حتى تصاحى النهار فقدمنا الى مدينة لم تر العيون احسن منها و لا اخف على القلب و لا ارق من نسيمها و لا اطيب من هواها و لا اعذب من مائها و هي راكبة البحر على جبل من صخر ابيض كأنه لون الفضة و عليها سور الى ما يلي البحر و البر و الانهار منخرقة في وسطها يشرب منها اهل الدور و الاسواق و تأخذ منها الحمامات،و فواضل الانهار ترمى على البحر و مدى الانهار فرسخ و نصف او دونه و تحت ذلك الجبل بساتين المدينة و اشجارها و مزارعها عند العيون،و ثمار تلك الاشجار لا يرى اطيب منها و لا اعذب و يرعى الذئب و النعجة عيانا،و لو قصد قاصد الى تخلية دابته في زرع غيره لما رعته و لا قطعت منه قطعة،

ص:42


1- (12) جمع ناخذا معرب ناخذا.

و لقد شاهدت السباع و الهوام رابضة في جنب تلك المدينة،و بنوا آدم يمرون عليها فلا تؤذيهم، فلما قدمنا المدينة صعدنا فرأينا مدينة عظيمة كثيرة الخلق وسيعة الربعة فيها الاسواق الكثيرة و المعاش(شر خ)العظيم و يرد اليها الخلق من البر و البحر و اهلها على احسن الوجوه قاعدون لا يكون على وجه الارض من الامم و الاديان مثلهم و امانتهم حتى ان المتعيّش بسوق المدينة يرد اليه من يبتاع منه حاجته اما بالوزن او بالذراع فيبايعه ليها ثم يقول يا هذا زن لنفسك و ابتزن لنفسك فهذه صورة مبايعتهم لا يسمع منهم لغو المقال و لا النميمة و لا يسبّ بعضهم بعضا و اذا نادى المؤذن للاذان لا يتخلف منهم مختلف ذكرا كان او انثى الا سعى الى الصلوة، حتى اذا قضيت الصلوة للوقت المفروض رجع كل منهم الى بيته حتى يكون وقت صلاة أخرى فيكون الحال كما كانت.

فلما دخلنا المدينة و ارسينا بمشرعنا امر بحضورنا عند السلطان فحضرنا داره و دخلنا الى بستان في وسطه قبّة من فضة و السلطان في تلك القبة و عنده جماعة،و في باب القبة ساقية تجري،فوافينا القبة و قد اقام المؤذن الصلوة،فل يكن اسرع من امتلاء البستان بالناس و اقيمت الصلوة و صلّى بهم جماعة،فلا و اللّه لم تنظر عيني اخضع للّه منه و لا الين جانبا لرعيته فصلّى من صلّى مأمونا،فلما قضيت الصلوة التفت و قال هؤلاء القادمون؟قلنا نعم و كانت تحيّة الناس له و مخاطبتهم يا ابن صاحب الامر،فقال على خير مقدم فقال انتم تجار ام ضيفان؟فقلنا تجّار فقال من فيكم المسلم و من فيكم اهل الكتاب فعرفناه ذلك،فقال ان للاسلام فرقا و شعبا فمن أي قبيل انتم،و كان معنا شخص يعرف بالمعزي اسمه آذربهان بن احمد الاهوازي يزعم أنه على مذهب الشافعي،فقال انا رجل شافعي قال فمن على مذهبك من الجماعة،قال كلنا الا هذا حسان بن عنب فانه رجل مالكي فقال انت تقول بالاجماع،قال نعم قال اذا تعمل بالقياس،ثم قال باللّه يا شافعي تلوت ما انزل يوم المباهلة،قال نعم قال ما هو قوله تعالى فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ وَ نِسٰاءَنٰا وَ نِسٰاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّٰهِ عَلَى الْكٰاذِبِينَ فقال باللّه عليك من ابناء الرسول و من نسائه و من نفسه؟فأمسك آذربهان،فقال باللّه هل بلغك او اتاك ان غير الرسول و الوصي و البتول و السبطين دخل تحت الكساء؟قال لا فقال و اللّه لم تنزل هذه الاية الا فيهم و لا خصّ بها سواهم ثم قال باللّه عليك هل تلوت قوله تعالى إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً قال نعم قال باللّه عليك من عنى بذلك فأمسك فقال و اللّه ما عنى بها الا اهلها،ثم بسط لسانه و تحدّث بحديث امضى من السهام و اقطع من الحسام،فقطع الشافعي و وافقه عند ذلك فقال عفوا يا ابن صاحب الامر انسب لي نسبك.

ص:43

فقال انا طاهر بن محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السّلام الذي انزل اللّه فيه وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْنٰاهُ فِي إِمٰامٍ مُبِينٍ هو و اللّه الامام المبين،و نحن الذين انزل اللّه في حقنا ذُرِّيَّةً بَعْضُهٰا مِنْ بَعْضٍ وَ اللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، يا شافعي نحن ذرية الرسول نحن اولوا الامر،فخرّ الشافعي مغشيا عليه لما سمع منه ثم افاق و آمن به،و قال الحمد للّه الذي منحني الاسلام و الايمان و نقلني من التقليد الى اليقين،ثم امر لنا باقامة الضيافة فبقينا على ذلك ثمانية ايام و لم يبق في المدينة احد الا جاء الينا و حادثنا،فلما انقضت الايام الثمانية سأله اهل المدينة ان يقوموا لنا بالضيافة ففتح لهم في ذلك فكثرت الاطعمة و الفواكه و عملت لنا الولائم و بقينا في تلك المدينة سنة كاملة،فعلمنا و تحققنا ان تلك المدينة مسيرة شهرين،و بعدها مدينة اسمها الرايقة سلطانها القاسم بن صاحب الامر مسيرة ملكها شهرين و هي على تلك القاعدة و لها دخل عظيم،و بعدها مدينة اسمها الصافية سلطانها ابراهيم بن صاحب الامر و بعدها مدينة اخرى اسمها ظلوم سلطانها عبد الرحمن بن صاحب الامر مسيرة رستاقها و ضياعها شهران،و بعدها مدينة اخرى اسمها عناطيس سلطانها هاشم بن صاحب الامر و هي اعظم دخلا و مسير ملكها اربعة اشهر،فيكون مسيرة هذه المدن الخمس و المملكة مقدار سنة لا يوجد في اهل تلك الخطط الضياع غير المؤمن الشيعي الموحد القائل بالبرائة و الولاية الذي يقيم الصلوة و يؤتي الزكوة و يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر سلاطينهم اولاد امامهم يحكمون بالعدل و به يأمرون،و ليس على وجه الارض مثلهم،و لو جمع اهل الدنيا لكانوا اكثر عددا منهم على اختلاف الاديان و المذاهب و لقد اقمنا عندهم سنة كاملة نترقب ورود صاحب الامر اليهم لانهم زعموا انها سنة وروده،فلم يوفقنا للنظر اليه.

و اما آذربهان و حسان فإنهما اقاما بالزاهرة يرقبان رؤيته،و قد كنا لما استكثرنا هذه المدن و اهلها و دخلها سألنا عنها،فقيل انها عمارة صاحب الامر و استخراجه فلما سمع عون الدين نهض و دخل حجرة لطيفة و قد تقضّى الليل فأمر باحضارنا واحدا واحدا و قال اياكم اعادة ما سمعتم و اجرائه على الفاظكم و تأكد علينا فخرجنا من عنده و لم يعد احد منّا مما سمعه حرفا واحدا حتى هلك،و كنا اذا حضرنا موضعا و اجتمع احدنا بصاحبه قال أ تذكر شهر رمضان؟ فنقول ستر الحلال شرط فهذا ما سمعته و رويته و الحمد للّه رب العالمين،اقول قد وقع في بعض توقيعاته عليه السّلام الى شيخنا المفيد(ر ه)اننا في اليمن بواد يقال له شمروخ و شمريخ(شمر خ)و لعلّ هذا هو اسم المكان الذي يختصّ به عليه السّلام.

ص:44

نور في علامات ظهوره عليه السّلام

اعلم ان من جملتها خروج الدجال فلا بأس بنقل بعض احواله و علامات خروجه لانها علامات ايضا لظهور المهدي عليه السّلام،روى الصدوق قدس اللّه روحه باسناده الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال انه صلّى اللّه عليه و آله صلّى ذات يوم بأصحابه الفجر،ثم قام باصحابه حتى اتى باب دار بالمدينة فطرق الباب،فخرجت اليه امرأة فقالت ما تريد يا ابا القاسم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يا امّ عبد اللّه استأذني لي على عبد اللّه فقالت يا ابا القاسم و ما تصنع بعبد اللّه؟فو اللّه أنه لمجهود في عقله يحدث في ثوبه،و انه ليراودني على الامر العظيم فقال استأذني عليه فقالت أ فلى ذمتك؟قال نعم قالت ادخل فدخل فاذا هو في قطيفة له يهيئم فيها فقالت امه اسكت و اجلس هذا محمد صلّى اللّه عليه و آله قد اتاك،فسكت و جلس فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله ما لها لعنها اللّه لو تركتني لاخبرتكم أ هو هو ثم قال النبي صلّى اللّه عليه و آله ما ترى؟قال ارى حقا و باطلا و ارى عرشا على الماء فقال اشهد ان لا اله الا اللّه و انى(محمد خ)رسول اللّه.

فقال بل تشهد ان لا اللّه و اني رسول اللّه،فما جعلك اللّه بذلك احق مني؟فلما كان في اليوم الثاني صلّى عليه السّلام بأصحابه الفجر ثم نهض و نهضوا القوم معه حتى طرق الباب،فقالت أمه ادخل فدخل فاذا هو في نخلة يغرّد فيها،فقالت له امه اسكت و انزل هذا محمد قد اتاك، فسكت فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله ما لها لعنها اللّه لو تركتني لاخبرتكم أ هو هو فلما كان في اليوم الثالث صلى عليه السّلام باصحابه الفجر ثم نهض و نهض القوم معه حتى أتى ذلك المكان فاذا هو في غنم له ينعق بها،فقالت له امه اسكت و اجلس هذا محمد قد اتاك،فسكت و قد كانت نزلت في ذلك اليوم آيات من سورة الدخان فقرأها عليهم النبي صلّى اللّه عليه و آله في صلاة الغداة،ثم قال أ تشهد ان لا اله الا اللّه و اني رسول اللّه فقال بل تشهد ان لا اله الا اللّه و اني رسول اللّه،و ما جعلك بذلك احق مني؟فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله اني قد خبأت لك خباء فما هو،فقال الدخ الدخ،فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله إخس انك لن تعدوا اجلك و لن تبلغ املك و لن تنال الا ما قدّر لك.

ثم قال لاصحابه ايها الناس ما بعث اللّه نبيا الا انذر قومه الدجال،و ان اللّه عز و جل اخره الى يومكم هذا فما تشابه عليكم من امره فان ربكم ليس بأعور انه يخرج على حمار عرض ما بين اذنيه ميل،يخرج و معه جنة و نار و جبل من خبز و نهر من ماء اكثر اتباعه اليهود و النساء و الاعراب يدخل آفاق الارض كلها الا مكة و لا بيتها و المدينة و لا بيتها.

قال المؤلف عفى اللّه عنه قوله صلّى اللّه عليه و آله لو تركتني لاخبرتكم(آه)يجوز ان يكون اشار لي قوم ام الدجال أ فلى ذمتك،فيكون معناه أ فلى عهد منك بأن لا تخبر احدا بحقيقة هذا الولد و منتهى عاقبة امره،و ما يصدر منه بأن تكون عالمة بمجمل احوال ابنها فلما اعطاها صلّى اللّه عليه و آله ذلك

ص:45

العهد و الذمام او لا منعه من بيان احواله لاصحابه عليه السّلام كما ينبغي،و قول الدجال لعنه اللّه تعالى ارى عرشا على الماء،يجوز ان يراد به السماء فيكون معنى حقا،و يجوز ان يكون اشارة الى قوله تعالى وَ كٰانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمٰاءِ فأسنده الى نفسه لما سيأتي في احواله من ادّعاء الالهية، و اما قوله الدخ الدخ بالدال المهملة و الخاء المعجمة فقال في النهاية داخ يدوخ اذا ذلّ،فالدخ هو الذلّ و حينئذ فيجوز ان يكون معناه أنه صلّى اللّه عليه و آله قال قد خبأت لك شيئا فما هو؟فقال الدجال هو الذلّ يعني تكون امتك تصير ذليلة لي و تتبع امري،فقال له صلّى اللّه عليه و آله إخس لا يطيعك الا من هو مثلك في الشقاوة.

و روى الصدوق طاب ثراه عن ابن سبرة قال خطبنا علي بن ابي طالب عليه السّلام فحمد اللّه و اثنى عليه،ثم قال سلوني ايها الناس قبل ان تفقدوني ثلاثا،فقام اليه صعصعة بن صوحان فقال يا امير المؤمنين متى يخرج الدجال؟فقال له عليه السّلام اقعد فقد سمع اللّه كلامك و علم ما اردت،و اللّه ما المسؤل منه بأعلم من السائل،و لكن لذلك علامات و هنات يتبع بعضها بعضا كحذو النعل بالنعل فان شئت انبأتك بها قال نعم يا امير المؤمنين فقال احفظ فان علامة ذلك اذا أمات الناس الصلوة و اضاعوا الامانة و استحلوا الكذب و اكلوا الربوا،و اخذوا الرشا و شيدوا البنيان،و باعوا الدين بالدنيا و استعملوا الشفهاء و شاوروا النساء و قطعوا الارحام، و اتبعوا الاهواء و استخفوا بالدماء و كان الحلم ضعفا و الظلم فخرا،و كانت الامراء فجرة و الوزراء ظلمة،و العرفاء خونة و القرّاء فسقة و ظهرت شهادة الزور و استعلن الفجور،و قول البهتان و الاثم و الطغيان و حليّت المصاحف و زخرفت المساجد و طوّلت المنارات و اكرم الاشرار و ازدحمت الصفوف و اختلفت القلوب،و نقضت العهود و اقترب الموعود و شارك النساء ازواجهنّ في التجارة حرصا على الدنيا،و علت اصوات الفساق و استمع منهم،و كان زعيم القوم ارذلهم و اتقى الفاجر مخافة شره و صدق الكاذب و اؤتمن الخائن،و اتخذت القنيات و المعازف،و لعن آخر هذه الامة اولها،و ركب ذوات الفروج السروج و تشبه النساء بالرجال و الرجال بالنساء،و شهد الشاهد من غير ان يستشهد،و شهد الاخر قضاء لحق الذمام بغير حق عرفه و تفقه لغير الدين،و آثروا عمل الدنيا على عمل الاخرة،و لبسوا جلود الضان على قلوب الذئاب،و قلوبهم انتن من الجيف و امرّ من الصبر،فعند ذلك الوحأ الوحأ ثم العجل العجل، خير المساكن يومئذ بيت المقدس ليأتين على الناس زمان يتمنى احدهم أنه من سكانه.

فقام اليه الاصبغ بن نباتة فقال يا امير المؤمنين من الدجال؟فقال الا ان الدجال صائد بن الصيد فالشقي من صدقه و السعيد من كذبه،يخرج من بلدة يقال لها اصبهان من قرية تعرف باليهودية،عينه اليمنى ممسوحة و العين الاخرى في جبهته تضيء كأنها كوكب الصبح؟فيها علقة

ص:46

كأنها ممزوجة بالدم،بين عينيه مكتوب كافر يقرأه كل كاتب و امي يخوض البحار و تسير معه الشمس،بين يديه جبل من دخان و اخلفه جبل ابيض يرى الناس انه طعام،يخرج حين يخرج في قحط شديد تحته حمار اقمر خطوة حماره ميل،تطوى له الارض منهلا لا يمرّ بماء الا غار الى يوم القيامة،ينادي باعلى صوته يسمع ما بين الخافقين من الجن و الانس و الشياطين،يقول اليّ اوليائي انا الذي خلق فسوى و قدّر فهدى انا ربكم الاعلى،و كذب عدو اللّه انه اعور يطعم الطعام و يمشي في الاسواق و ان ربكم جلّ و عز ليس بأعور و لا يطعم و لا يمشي و لا يزول الا و ان اكثر اتباعه يومئذ اولاد الزنا و اصحاب الطيالسة الخضر،يقتله اللّه عز و جل بالشام على عقبة تعرف بعقبة افيق لثلاث ساعات من يوم الجمعة على يدي من يصلي المسيح عيسى بن مريم خلفه،الا ان بعد ذلك الطامة الكبرى،قلنا و ما ذلك يا امير المؤمنين؟قال خروج دابة الارض من عند الصفا معها خاتم سليمان و عصى موسى،يضع الخاتم على وجه كل مؤمن فينطبع فيه هذا مؤمن حقا،و يضعه على وجه كل كافر فيكتب فيه كافر حقا حتى ان المؤمن لينادي اليوم ويل لك يا كافر و ان الكافر ينادي طوبى لك يا مؤمن وددت اني اليوم مثلم فأفوز فوزا عظيما،ثم ترفع الدابة رأسها فيراها من بين الخافقين باذن اللّه عز و جل،و ذلك بعد طلوع الشمس من مغربها فعند ذلك ترفع التوبة فلا توبة تقبل و لا عمل يرفع و لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل او كسبت في ايمانها خيرا.

فان قلت قد روى الصدوق طاب ثراه هذا المضمون باسانيد متعددة من انه في زمن المهدي عليه السّلام لا تقبل توبة من لم يتب قبل ظهوره و هذا بظاهره ينافي ما روى في الاخبار المستفيضة من أنه عليه السّلام اذا ظهر ضرب الناس بسيفه و بسوطه حتى يدخلوا في دينه طائعين او كارهين،فيجيء تأويل قوله تعالى هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدىٰ وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، فان ظهور دينه على جميع الاديان انما يكون في زمان المهدي عليه السّلام على ما نطقت به الاخبار،قلت قد كنت كثيرا افكر في تلك الاخبار و اطلب وجه الجمع بينهما حتى وفق اللّه تعالى للوقوف على حديث يجمع بين هذه الاخبار و حاصله ان المهدي عليه السّلام اذا خرج احيا اللّه سبحانه له جماعة ممن محّض الكفر محضا كما سيأتي بيانه،فهؤلاء الاحياء الذين تقدم موتهم و رأوا العذاب عيانا و عذبوا به اضطروا الى الايمان لا يقبل المهدي عليه السّلام منهم توبة،لان توبتهم في هذا الحال مثل توبة فرعون لما ادركه الغرق،فقال عز و جل في جوابه آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ ،فلم يقبل له توبة،و مثل توبة من بلغت روحه الى حلقه و تغرغرت في صدره و رأى مكانه من النار و عاينه فأنه اذا تاب لا يقبل له توبة ايضا،فالمراد بالنفس التي لا ينفعها

ص:47

ايمانها هذه النفس و اما الاحياء الذين يكونون في ظمان ظهوره عليه السّلام و لم يسبق عليهم الموت فلا يقبل عليه السّلام منهم الا القتل او الايمان.

و قال الصادق عليه السّلام خمس قبل قيام القائم،اليماني و السفياني و المنادي ينادي من السماء،و خسف بالبيداء و قتل النفس الزكية،و عن عبد اللّه بن عمر قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا تقوم الساعة حتى يخرج المهدي من ولدي،و لا يخرج المهدي حتى يخرج ستون كذابا كلهم يقول انا نبي،و قال الصادق عليه السّلام لا يخرج القائم حتى يخرج قبله اثنا عشر من بني هاشم كلهم يدعو الى نفسه،و عن محمد بن مسلم قال سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول ان قدّام القائم علامات تكون من اللّه تعالى للمؤمنين،قلت فما هي جعلني اللّه فداك؟قال قول اللّه عز و جل وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ يعني المؤمنين قبل خروج القائم بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوٰالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَرٰاتِ وَ بَشِّرِ الصّٰابِرِينَ قال لنبلونكم بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم،و الجوع بغلاء الاسعار،و نقص من الاموال بفساد التجارات و قلّة الفضل فيها، و نقص الانفس بالموت الذريع و نقص من الثمرات قلة ريع ما يزرع و قلة بركات الثمرات و بشر الصابرين عند ذلك بتعجيل خروج القائم عليه السّلام ثم قال لي يا محمد هذا تأويله و ما يعلم تأويله الا اللّه و الراسخون في العلم.

و قال الصادق عليه السّلام ليس بين قائم آل محمد و بين قتل النفس الزكية الا خمس عشر ليلة، و عن امير المؤمنين عليه السّلام قال بين يدي القائم موت احمر و موت ابيض و جراد في حينه و جراد في غير حينه كالوان الدم،فأما الموت الاحمر فالسيف،و اما الموت الابيض فالطاعون،و عن الباقر عليه السّلام ان من علاماته خسف قرية من قرى الشام تسمى الجابية،و نزول الترك الجزيرة و نزول الروم الرملة،و اختلاف كثير عند ذلك في كل ارض حتى تخرب الشام و يكون سبب خرابها اجتماع ثلاث رايات فيها،راية الاصهب و راية الابقع و راية السفياني،و عن البجلي قال سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن اسم السفياني قال و ما تصنع باسمه اذا ملك كور الشام الخمس،دمشق و حمّص و فلسطين و الاردن و قنسرين فتوقع الفرج،قلت يملك تسعة اشهر قال لا و لكن يملك ثمانية اشهر لا تزيد يوما،و قال امير المؤمنين عليه السّلام يخرج ابن آكلة الاكباد من الوادي اليابس و هو رجل ربعة وحش الوجه ضخم الهامة بوجهه اثر جدرى اذا رايته حسبته اعور اسمه عثمان بن عنبسه و هو من ولد ابي سفيان حتى يأتي ارضا ذات قرار و معين فيستوي على منبرها.

و عن الباقره في قوله إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمٰاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنٰاقُهُمْ لَهٰا خٰاضِعِينَ قال سيفعل اللّه ذلك بهم،قال فقلت من هم؟قال بنو امية و شيعتهم،قلت و ما الاية قال ركود الشمس ما بين زوال الشمس الى وقت العصر،و خروج صدر رجل و وجهه في عين الشمس

ص:48

يعرف بحسبه و نسبه،و ذلك في زمان السفياني و عندها يكون بواره و بوار قومه،و عن محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام قال اذا رأيتم نارا من المشرق كهيئة البردى العظيم تطلع ثلاثة ايام او سبعة الشك من العلى (1)فتوقعوا فرج آل محمد ان اللّه عزيز حكيم.

و عن الصادق عليه السّلام قال خروج السفياني و اليماني و الخراساني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد و ليس فيها راية اهدى من راية اليماني لانه يدعو الى الحق،و سأل رجل ابا الحسن عليه السّلام عن الفرج فقال اذا ركزت رايات قيس بمصر و رايات كندة بخراسان،و قال عليه السّلام سنة الفتح ينشق الفرات حتى تدخل ازقة الكوفة،و قال عليه السّلام يزجر الناس قبل قيام القائم عن معاصيهم بنار تظهر في السماء و حمرة تجلل السماء،و خسف ببغداد،و خسف ببلدة بصرة، و دماء تسفك فيها خراب دورها و فناء يقع في اهلها و شمول اهل الطرق خوف لا يكون لهم معه قرار،و قال ابو جعفر الباقر عليه السّلام آيتان تكون قبل قيام القائم كسوف الشمس في النصف من شهر رمضان و القمر في آخر الشهر،قال فقلت يا ابن رسول اللّه تنكسف الشمس في النصف و القمر في آخر الشهر،فقال عليه السّلام انا اعلم بما قلت انهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم عليه السّلام و ذلك ان الذي جرت به العادة و به قال المنجمون ان خسوف القمر لا يكون الا في الثالث عشر من الشهر او الرابع عشر او الخامس عشر منه لا غير و ذلكعند تقابل الشمس و القمر على هيئة مخصوصة،و ان كسوف الشمس لا يكون الا في السابع و العشرين من الشهر او الثامن و العشرين من الشهر او التاسع و العشرين من الشهر و ذلك عند اقترانهما على هيئة مخصوصة كما سبق،و قال الصادق عليه السّلام ينادي مناد باسم القائم عليه السّلام،قلت خاص او عام،قال بل عام يسمع كل قوم بلسانهم قلت فمن يخالف القائم و قد نودي باسمه؟قال لا يدعهم ابليس حتى ينادي في آخر الليل يشكك الناس.

و قال الثمالي لابي عبد اللّه عليه السّلام كيف يكون النداء قال ينادي مناد من السماء اوّل النهار الا ان الحق في علي و شيعته،ثم ينادي ابليس في آخر النهار الا ان الحق في عثمان و شيعته، و يرتاب عند ذلك المبطلون،و قل الصادق عليه السّلام الصيحة التي في شهر رمضان تكون ليلة الجمعة لثلث و عشرين مضى من شهر رمضان.

و قال عليه السّلام لا يكون هذا الامر حتى يذهب ثلثا الناس فقيل له فاذا ذهب ثلثا الناس فما يبقى؟قل اما ترضون ان تكونوا الثلث الباقي؟و قال الصادق عليه السّلام اذا هدم حائط مسجد الكوفة مما يلي دار عبد اللّه بن مسعود فعند ذلك زوال ملك الروم،و عند زواله خروج القائم عليه السّلام،و من علاماته طلوع نجم بالمشرق يضيء كما يضيء القمر ثم ينعطف حتى يكاد يلتقي

ص:49


1- (13) اسم راو من رواة هذه الرواية.

طرفاه،و عقد الجسر مما يلي الكرخ بمدينة بغداد و اختلاف من العجم و سفك دماء فيما بينهم، و خروج العبيد عن طاعة ساداتهم و قتلهم مواليهم و غلبة العبيد على بلاد السادات،و قد بقى بعض العلامات تركنا ذكرها روما للاختصار.

نور في تعيين وقت ظهوره عليه السّلام

إعلم ان اخبارهم عليهم السّلام قد وردت بعدم تعيين الوقت لمصالح كثيرة،و ذلك ان شيعتهم لم تزل تحيى على هذه الامر و الرجاء له و به سهل عليهم كلّ خطب،فنشأ عليه قوم و مات عليه و آخرون،و لو وقّت و عيّن لانقطع رجاء من علم انه لا يدركه و لفاته ثواب توقع الفرج و انتظاره كما حكيناه سابقان روى شيخنا الكليني(ر ه)في الصحيح عن ابي حمزة الثمالي قال سمعت ابا جعفر عليه السّلام يقول ان اللّه تبارك و تعالى قد كان وقّت هذا الامر في السبعين فلما ان قتل الحسين صلوات اللّه عليه إشتدّ غضب اللّه على اهل الارض فأخره الى اربعين و مأة فحدثناكم فاذعتم الحديث و كشفتم قناع الستر و لم يجعل اللّه له بعد ذلك وقتا و عندنا،و يمحو اللّه ما يشاء و يثبت و عنده ام الكتاب،قال ابو حمزة فحدّثت بذلك ابا عبد اللّه عليه السّلام فقال قد كان ذلك،و عن ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن القائم فقال(قال خ)كذب الوقّاتون انا اهل بيت لا نوقّت.

و عن الفضيل بن يسار عن ابي جعفر عليه السّلام قال قلت لهذا الامر وقت؟فقال كذب الوقّاتون كذب الوقّاتون كذب الوقّاتون ان موسى عليه السّلام لما خرج وافدا الى ربه و اعدهم ثلثين يوما فلما زاد اللّه على ثلثين عشرا قال قومه قد اخلفنا نموسى فصنعوا ما صنعوا فاذا حدثناكم بالحديث فجاء على خلاف ما حدثناكم به فقولوا صدق اللّه توجروا مرتين،و روى عن الحسن بن علي بن يقطين عن اخيه الحسن عن ابيه علي بن يقطين قال قال لي ابو الحسن عليه السّلام الشيعة تربّى بالاماني منذ مأتي سنة،قال و قال يقطين لابنه علي بن يقطين ما بالنا قيل لنا و كان و قيل لكم فلم يكن قال فقال له علي ان الذي قيل لنا و لكم كان من مخرج واحد غير ان امركم حضر فأعطيتم محضه فكان كما قيل لكم،و ان امرنا لم يحضر فعللّنا بالاماني،فلو قيل لنا ان هذا الامر لا يكون الا الى مأتي سنة او ثلثمائة لقست القلوب و لرجع عامّة الناس عن الاسلام و لكن قالوا ما اسرع الامر و اقربه تألفا لقلوب الناس و تقريبا للفرج.

فان قلت ما معنى الحديث الاول و كيف يستقيم ان يكون امر الخروج في السبعين او بعدها قبل ولادة المهدي عليه السّلام مع انه هو القائم الذي يملأها عدلا،قلت معناه و اللّه العالم ان كل واحد من الائمة عليهم السّلام قابل للقيام بأمر السيف،و لو لم يحصل من الخلق ما افضى الى التأخير

ص:50

لكان الحسين عليه السّلام اة من بعده قد قام بالامر و خلفه بالقيام من بعده من الائمة عليهم السّلام حتى ينتهي النوبة الى المهدي عليه السّلام فيكون قائما ايضا لكن بلا تعب و جهاد شديد،و بالجملة فهم عليهم السّلام ليس بينهم تنافس و تنازع في الدولة على حدّ غيرهم من اهل الدنيا،فلا تفاوت بين ان يكون كل واحد منهم هو القائم و لكن للّه عز و جل حكمة هو بالغها و اللّه على ما يشاء قدير.

و الظاهر ان المراد في السبعين ان يكون ابتداؤها من الهجرة،و يؤيده ان خروج الحسين عليه السّلام انما كان في حدود السبعين و استشراف امر ابي الحسن الرضا عليه السّلام انما كان بعد اربعين و مأة بقليل،و قيل ان ابتداء السبعين من الغيبة المهدوية و ذلك انه غاب عليه السّلام و هو ابن تسع سنين و قيل احدى عشر سنة.

اذا تحققت هذا فاعلم انه قد وردت اخبار مجملة و قد نقلها الاصحاب على اجمالها و لم يتعرضوا لبيان معناها و ذلك انها اخبار متشابهة يجب عليما الاذعان لها من باب التسليم،و لما انتهت النوبة الى شيخنا المحقق رئيس المحققين و خاتمة المجتهدين المولى المجلسي صاحب كتاب بحار الانوار ادام اللّه ايام أفاداته،و اجزل في الاخرة مثوباته و سعاداته،توجه الى ايضاحها و تفسيرها،و طبّق بعضها على وقت تعيين ظهور الدولة الصفوية اعلى اللّه منار بنيانها،و شيّد رفيع اركانها،و طبق البعض الاخر على تعيين وقت ظهور مولانا صاحب الزمان عليه الف سلام فلننقل تلك الاخبار على وجهها ثم نذكر ما افاده سلّمه اللّه تعالى من البيان و الايضاح.

الحديث الاول ما رواه الشيخ الاجل المحدث محمد بن ابراهيم النعماني في كتاب الغيبة بسنده الى ابي خالد الكابلي عن الباقر عليه السّلام انه قال كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه ثم يطلبونه فلا يعطونه فاذا رأوا ذلك وضعوا سيفوهم على عواتقهم،فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يقوموا و لا يدفعونها الا الى صاحبكم قتلاهم شهداء،قال أدام اللّه ايامه انه لا يخفى على اهل البصائر انه لم يخرج من المشرق سوى ارباب السلسلة الصفوية و هو الشاه اسماعيل اعلى اللّه مقامه في دار المقامة،و قوله عليه السّلام لا يدفعونها الا الى صاحبكم،المراد به القائم عليه السّلام فيكون في هذا الحديث اشارة الى اتصال دولة الصفوية بدولة المهدي عليه السّلام فهم الذين يسلمون الملك له عند نزوله بلا نزاع و جدال.

الحديث الثاني ما رواه النعماني ايضا في ذلك الكتاب باسناد معتبر الى الصادق عليه السّلام قال بينا امير المؤمنين عليه السّلام يحدّث في الوقايع التي تجري بعده الى ظهور المهدي عليه السّلام فقال له الحسين عليه السّلام يا امير المؤمنين في أي وقت يطهر اللّه الارض من الظالمين فقال عليه السّلام لا يكون هذا حتى تراق دماء كثيرة على الارض بلا حق،ثم انه عليه السّلام فصّل احوال بني امية و بني العباس في حديث طويل اختصره الراوي،فقال امير المؤمنين عليه السّلام اذا قام القائم بخراسان و غلب على ارض

ص:51

كوفان و ملطان،و تعدى جزيرة بني كاوان و قام منّا قائم بجيلان،و اجابته الابر و الديلم، و ظهرت لولدي رايات الترك متفرقات في الاقطار و الحرمات و كانوا بين هنات و هنات اذا خرجت البصرة و قام امير الامرة،فحكى عليه السّلام حكاية طويلة ثم قال اذا جهزت الالوف و صفّت الصفوف و قتل الكبش الخروف هناك يقوم الاخر و يثور الثائر و يهلك الكافر،ثم يقوم القائم المأمول و الامام المجهول له الشرف و الفضل،و هو من ولدك يا حسين لا ابن مثله،يظهر بين الركنين في ذرّ يسير يظهر على الثقلين و لا يترك في الارض الادنين،طوبى لمن ادرك زمانه و لحق اوانه و شهد ايامه.

قال ضاعف اللّه ايام سعادته جزيرة بني كاوان جزيرة حول البصرة،و اهل الابر جماعة في قرب استرآباد و الديلم هم اهل قزوين و ما والاها،و الحرمات الامكنة الشريفة قوله هنات و هنات أي حروب عظيمة و وقايع كثيرة في وقت خراب البصرة،و المراد بالقائم المأمول هو المهدي عليه السّلام،و المراد بالركنين ركنا الكعبة و هو الركن و الحطيم الذي هو محل خروجه عليه السّلام، و قوله ذر يسير المراد به الجماعة القليلة و هم عدد شهداء بدر،و قوله يظهر على الثقلين يعني به أنه عليه السّلام يغلب على الجن و الانس سميّا به لانهما يثقلان الارض بالاستقرار فوقها،او لانهما اشرف المخلوقات السفلية و العرب تسمى الشريف ثقلا لحمله و رزانته،و قيل أنما سميّا به لانهما قد ثقلا بالتكاليف فهما ثقلان بمعنى مثقلان،و قوله الادنين جمع ادنى و هم ارازل الناس و ادناهم و المراد بهم الظالمون و الكافرون،ثم قال سلّمه اللّه تعالى الظاهر ان المراد باهل الخروج من خراسان هم امراء الترك مثل جنكيزخان و هلاكوخان،و المراد بالخوارج من جيلان هو الشاه المؤيد الشاه اسماعيل،و من ثم اضافه عليه السّلام الى نفسه و سمّاه ولده،و المراد بأميرة الامرة اما ذلك السلطان المذكور او غيره من السلاطين الصفوية،و قوله و قتل الكبش الخروف الظاهر انه اشارة الى المرحوم صفي ميرزا فان اباه و هو المرحوم الشاه عباس الاول قد قتله،و قوله يقوم الاخر به المراد به المرحوم الشاه صفي فانه اخذ دمه.

و اول من قتله هو الذي باشر قتل ابيه صفي ميرزا،و قوله عليه السّلام ثم يقوم القائم المأمول اشارة ايضا الى اتصال الدولة الصفوية بالدولة المهدوية على صاحبها السّلام.

الحديث الثالث رواه الشيخ الاجل محمد بن مسعود العياشي و هو من ثقات المحدثين في كتاب التفسير عن ابي لبيد المخزومي عن الباقر عليه السّلام بعد ما ذكر ملك شقاوة بني العباس قال يا ابا لبيد ان في حروف القرآن المقطعة لعلما جما،ان اللّه تعالى انزل الم ذٰلِكَ الْكِتٰابُ، فقام محمد صلّى اللّه عليه و آله حتى ظهر نوره و ثبتت كلمته و ولد يوم ولد،و قد مضى من الالف السابع مأة و ثلث سنين،ثم قال و تبيانه في كتاب اللّه في الحروف المقطعة اذا عددتها من غير تكرار،و ليس من

ص:52

الحروف المقطعة حرف ينقضي الا و قيام قائم من بني هاشم عند انقضائه،ثم قال الالف واحد و اللام ثلاثون،و الميم اربعون و الصاد تسعون فذلك مأو و واحد و ستون،ثم كان بدو خروج الحسين بن علي عليه السّلام الم اللّه،فلما بلغت مدته قام قائم ولد العباس عند المص و يقوم قائمنا عند انقضائها بالر،فافهم ذلك و عه و اكتمه.

قال ذلك المحقق ايده اللّه تعالى قوله عليه السّلام من الالف السابع المراد به في ابتداءه خلق ابينا آدم عليه السّلام ثم قال ايده اللّه تعالى ان في هذا الحديث في غاية الاشكال و قد ذكرنا له وجوها في كتاب بحار الانوار و لنذكر هنا وجها واحدا و لكنه مبني على تمهيد مقجمة،و هي ان المعلوم من كتب الحساب المعتبرة ان حساب ابجد له اصطلاحات مختلفة و مناط حساب هذا الحديث على اصطلاح اهل المغرب و قد كان شائعا بين العرب في الاعصار السابقة،و هو هذا صعفض قرست ثخذ ظغش،فالصاد عندهم ستون و الضاد تسعون و السين ثلثمائة و الظاء ثمانمائة و الغين تسعمائة و الشين الف و باقي الحروف على موافقة المشهور.

اذا عرفت هذه المقدمة فاعلم ان تاريخ ولادة نبينا صلّى اللّه عليه و آله يظهر من جميع فواتح السور و لكن باسقاط الحروف المكررة مثلا الم و الر و حم و غيرها من المكررات لا يؤخذ منه بالحساب الاة احد و كذلك الحروف المبسوطة مثل الف را لا يحسب منه الا ثلثة و كذا لام واو نحو ذلك و حينئذ فالف لام ميم الف لام ميم صاد الف لام را الف لا ميم را كاف ها يا عين صاد طاها طا سين ميم طاسين ياسين صاد حاميم حا ميم عين سين قاف قاف نون،اذا عددت حروفها تكون مأة و ثلثا من وقت خلق ابينا آدم عليه السّلام الى وقت النبي صلّى اللّه عليه و آله يكون على وفق هذا الحديث ستة آلاف سنة و مأة و ثلثون(ثلث سنين ظ)و الاول من كل الف سنة تاريخ،و اول كل سابع من الاف مأة و ثلاث سنين يكون قد مشت،و عدد هذه الحروف ايضا يكون مأة و ثلاثة على ما عرفت،فيكون الم الذي في اول سورة البقرة اشارة الى مبعث نبينا صلّى اللّه عليه و آله،و قوله عليه السّلام و ليس حرف ينقضي الا و قيام القائم من بني هاشم عند انقضائه واضح على هذا،و ذلك اول دولة بني هاشم ابتداؤها من عبد المطلب و من ظهور دولة عبد المطلب الى ظهور دولة نبينا صلّى اللّه عليه و آله احدى و سبعين سنة تقريبا عدد الم بحساب ابجد على ترتيب القرآن بعد الم البقرة و الم آل عمران،و هو اشارة الى خروج الحسين عليه السّلام فانه من ابتداء رواج دولة النبي صلّى اللّه عليه و آله الى وقت خروج الحسين عليه السّلام احدى و سبعون سنة تقريبا،و ايضا بحسب ترتيب سور القرآن المص و هو اشارة الى خروج بني العباس فانهم من بني هاشم ايضا و ان كانوا غير محققين في امر الخروج و بحساب ابجد على طريق المغاربة مأة و واحد و ثلاثون،و من اول بعثة النبي صلّى اللّه عليه و آله الى وقت ظهور دولتهم مأة و واحد و ثلثون و ان كان الى زمان بيعتهم اكثر.

ص:53

و يحتمل ان يكون ابتداء هذا التاريخ من وقت نزول سورة الاعراف فيكون مطابقا لوقت بيعتهم و على حساب المص على طريق المغاربة بينى الحديث المروي في كتاب معاني الاخبار و سنذكره ان شاء اللّه تعالى،و اما كون قيام القائم عليه السّلام مبنيا على حساب الر فالّذي يخطر بخاطري ان الر قد وقع في القرآن في خمسة مواضع و ينبغي ان يحسب كله بقرينة انه عليه السّلام لم يتعرض لبيانه كما تعرض لبيان الم و مجموعه الف و مأة و خمس و خمسون سنة تقريبا من سنة تحرير هذه الرسالة،و هو سنة الف و ثمان و سبعون من الهجرة فيكون قد بقى من وقت خروجه عليه السّلام(سبعة و سبعون ظ)خمس و ستون سنة لما كان مبدأ هذه التواريخ من اوائل البعثة،هذا محصل كلامه سلّمه اللّه تعالى.

اقول ما ذكره ايّده اللّه تعالى و ان كان احتمالا قريبا و التفأل بالخير الا انا لم نتحقق بل و لا نظنّ ارادة هذا المعنى من الخبر بل الحق انه من قبيل الاخبار المتشابهة التي لا يمكن الوصول الى بيان حقيقتها كيف لا و تحت نتوقع الفرج صبحا(صباحا)و مساء،و على ما قاله سلمه اللّه تعالى لا تبلغه اعمارنا على تقدير بلوغها العمر المعتاد فان قضت علينا المنون فانا للّه و انا اليه راجعون،و نرجوا من اللّه سبحانه ان يشرفنا بلقائه انه كريم رحيم.

نور في كيفية رجعته عليه السّلام

و في بيان سيرته و من يرجع في عصره من الانبياء و الاوصياء عليهم السّلام،روى الحسن بن محبوب عن علي بن ابي حمزة عن ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال لا يخرج القائم الا في وتر من السنينسنة احدى او ثلاث او خمس او سبع او تسع،و قال عليه السّلام ينادي باسم القائم في ليلة ثلاث و عشرين من شهر رمضان،و يقوم يوم عاشورا و هو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي عليهما السّلام لكأني به في يوم السبت العاشر من المحرم قائما بين الركن و المقام و جبرئيل بين يديه ينادي بالبيعة له،فتصير اليه شيعته من اطراف الارض تطوي لهم طيا حتى يبايعوه فيملأ اللّه به الارض عدلا كما ملئت جورا و ظلما.

و روى صاحب منتخب البصائر بسند معتبر الى المفضل بن عمر قال سألت سيدي الصادق عليه السّلام هل للمهدي عليه السّلام من وقت موقّت يعلمه الناس؟فقال حاش للّه ان يوقّت ظهوره بوقت يعلمه شيعتنا،قلت يا سيدي و لم ذلك؟قال لانه هو الساعة التي قال اللّه عز و جل و يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّٰاعَةِ قُلْ إِنَّمٰا عِلْمُهٰا عِنْدَ رَبِّي لاٰ يُجَلِّيهٰا لِوَقْتِهٰا إِلاّٰ هُوَ، و هي الساعة التي قال اللّه عز و جل يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّٰاعَةِ أَيّٰانَ مُرْسٰاهٰا و قال وَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّٰاعَةِ و لم يقل عند احد،و قال اِقْتَرَبَتِ السّٰاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ قلت فما معنى ما يروون؟قال يقولون متى

ص:54

ولد متى يظهر شكّا في قضاء اللّه،اولئك الذين خسروا الدنيا و الاخرة،قلت أ فلا نوقت(توقّت خ)فقال يا مفضل ان من وقّت لمهدينا وقتا فقد شارك اللّه في علمه و ادّعى انه اظهر سرّه،قال المفضل يا مولاي و كيف بدو ظهور المهدي؟فقال يا مفضل يظهر بغتة و ينادي باسمه و كنيته و نسبه و يكثر ذلك على المحقّين و المبطلين لتسكن فيهم الحجة على انا قد قصصنا و دللنا عليه و سمّيناه و قلنا سمي جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لئلا يقول الناس ما عرفنا له اسما و لا كنية،قال المفضل يا مولاي فما تأويل قول اللّه عز و جل لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ؟ و قال قٰاتِلُوهُمْ حَتّٰى لاٰ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلّٰهِ قال فو اللّه ليرفع الاختلاف بين اهل الملل و الاديان و يكون الدين كله واحدا،كما قال تعالى وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلاٰمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخٰاسِرِينَ.

قال المفضل فقلت يا مولاي لم سمّى الصابئون؟قال لانهم صبوا الى تعطيل الاديان و الرسل و الملل و الشريعة،قال المفضل ففي أي بقعة يظهر المهدي؟قال لا تراه عين وقت ظهوره إلا رأته كل عين و ذلك انه يغيب آخر يوم من سنة ست و ستين و مأتين و لا تراه عين احد حتى يراه كل احد،ثم يظهر بمكة و و اللّه يا مفضل كأني انظر اليه داخل مكة و عليه بردة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و على رأسه عمامته و في رجليه نعل رسول اللّه المخصوفة،و في يده عصى النبي صلّى اللّه عليه و آله بين يديه عنزا عجافا حتى يصل بها نحو البيت حتى لا يعرفه احد قال المفضل يا سيدي كيف يظهر قال يظهر وحده و يأتي البيت وحده الى الكعبة و يجنّ عليه الليل،و اذا نامت العيون و غسق الليل نزل اليه جبرئيل و ميكائيل و الملائكة صفوفا،فيقول له جبرئيل يا سيدي قولك مقبول و امرك جار فيمسح يده على وجهه و يقول اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي صَدَقَنٰا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشٰاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعٰامِلِينَ، و يقف بين الركن و المقام و يصرخ صرخة يا معشر نقبائي و اهل خاصتي و من خلقهم اللّه لظهوري على وجه الارض ايتوني طائعين،فترد صيحته عليهم و هم على تجايرهم و على فرشهم في شرق الارض و غربها،فيسمعونه في صيحة واحدة في اذن كل رجل فيجيئون نحوه و لا يمضي لهم الا كلمحة بصر حتى يكونوا كلهم بين يديه بين الركن و المقام،فيأمر اللّه عز و جل بنور فيصير عمودا من الارض الى السماء يستضيء به كل مؤمن على وجه الارض،و يدخل عليه نور في جوف بيته فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور و هم لا يعلمون بظهور قائمنا،ثم يصبحون وقوفا بين يديه و هم ثلثمائة و ثلثة عشر رجلا بعدّة اصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم بدر.

قال المفضل فالاثنان و سبعون رجلا الذين قتلوا مع الحسين عليه السّلام يظهرون معه قال نعم يظهرون معه و فيهم الحسين عليه السّلام في اثنى عشر الفا من المؤمنين من شيعة علي عليه السّلام عليه عمامة

ص:55

سوداء يا مفضل سيدنا القائم يسند ظهره الى الحرم و يمدّ يده فترى بيضاء من غير سوء،و يقول هذه يد اللّه ثم يتلو هذه الاية إِنَّ الَّذِينَ يُبٰايِعُونَكَ إِنَّمٰا يُبٰايِعُونَ اللّٰهَ يَدُ اللّٰهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فيكون اول من يقبل يده جبرئيل عليه السّلام ثم يبايعه الملائكة و نجباء الجنّ ثم نقباء المؤمنين،و يصبح الناس بمكة فيقولون قد رأينا الليلة عجبا لم نر مثله و يقول بعضهم لبعض انظروا هل تعرفون احدا ممّن فيقولون لا نعرف احدا منهم الا اربعة من اهل مكة و اربعة من اهل المدينة،و يكون هذا اول طلوع الشمس من ذلك اليوم،فاذا طلعت الشمس و اضائت صاح صائح بالخلائق من عين الشمس بلسان عربي مبين يسمع من في السموات و الارضين يا معشر الخلائق هذا مهدي آل محمد و يسميّه باسم جده رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بايعوه تهتدوا،و لا تخالفوا امره تضلوا،فأول من يقبّل يده الملائكة ثم الجن ثم النقباء فيقولون سمعنا و اطعنا،و لا يبقى ذو اذن الا يسمع ذلك النداء، و يقبل الخلائق من البدو و الحضر و البر و البحر يحذّر بعضهم بعضا ما سمعوه بآذانهم،فاذا دنت الشمس من المغرب صرخ صارخ من مغربها يا معشر الخلائق ظهر بكم مولى الناس من ارض فلسطين و هو عثمان بن عنبسة اموي من ولد يزيد بن معاوية لعنهم اللّه تعالى فبايعوه تهتدوا و لا تخالفوا عليه تضلوا،فيردّ عليه الملائكة و الجن و النقباء قوله و يكذبونه،و يقولون سمعنا و عصينا، و لا يبقى ذو شكّ و لا مرتاب الا ضلّ بالنداء الثاني و المنادي هو الشيطان.

و سيدنا القائم مسند ظهره الى الكعبة و يقول يا معشر الخلائق الا و من اراد ان ينظر الى آدم و شيث فها انا ذا آدم و شيث،الا و من اراد ان ينظر الى نوح و اينه سام فها انا ذا نوح و ابنه سام،الا و من اراد ان ينظر الى ابراهيم و ولده(و ابنه خ)اسماعيل فها انا ذا ابراهيم و اسماعيل،الا و من اراد ان ينظر الى عيسى و شمعون فها انا ذا عيسى و شمعون الا و من اراد ان ينظر الى محمد و امير المؤمنين فها انا ذا محمد و امير المؤمنين،و من اراد ان ينظر الى الحسن و الحسين فها انا ذا الحسن و الحسين،الا و من اراد ان ينظر الى الائمة من ولد الحسين فها انا ذا الائمة اجيبوا مسألتي فاني انبأكم بما نبأتم به او لم تنبأوا به،و من كان يقرأ الكتب و الصحف فليسمع مني،ثم يبتدئ بالصحف التي انزلها اللّه لادم و شيث فتقول امة آدم و شيث هذه و اللّه هي الصحف حقا،و لقد رأينا ما لم نعلمه فيها و ما كان اسقط منها و بدّل و حرّف ثم يقرأ صحف نوح و صحف ابراهيم و التورية و الانجيل و الزبور فيقول اهل التورية و الانجيل و الزبور هذه و اللّه صحف ابراهيم حقا،و ما اسقط و بدّل و حرّف منها،هذه و اللّه التورية الجامعة و الانجيل الكامل،و انها اضعاف ما ترى فيها،ثم يتلوا القرآن فيقول المسلمون هذا و اللّه القرآن و ما حرّف و ما بدّل.

ص:56

ثم تظهر الدابة بين الركن و المقام فيكتب في وجه المؤمن مؤمن و في وجه الكافر كافر،ثم يظهر السفياني و يسير جيشه الى العراق،فيخربه و يخرب الزوراء و يتركهما و يخرب الكوفة و المدينة و تروث بغالهما في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و جيش السفياني يومئذ ثلثمائة الف رجل بعد ان خرب الدنيا،ثم يخرج الى البيدا،يريد مكة و خراب البيت،فلما صاروا بالبيداء عن يسارها صاح بهم صائح يا بيدا بيديهم،فتبلعهم الارض بخيلهم فيبقى اثنان،فينزل ملك فيحوّل وجوههما الى ورائهما و يقول لمبشّر امض الى المهدي و بشرّه بهلاك جيش السفياني و قال للذي اسمه نذير امض الى السفياني فعرفه بظهور المهدي مهدي آل محمد،فيمضي مبشّر الى المهدي فيعرفه بهلاك جيش السفياني و ان الارض التي انفجرت لم تبق من الجيش عقال ناقة، فيمسح المهدي عليه السّلام على وجهه فيستوي و يبايع المهدي و تظهر الملائكة و الجن و يخالط الناس و يسيرون معه و ينزلون ما بين الكوفة و النجف،و يكون عدّة اصحابه ستة و اربعين الفا من الملائكة و مثلها من الجنّ،ثم ينصره و يفتح على يديه.

قال المفضل الجن و الملائكة تظهر للناس في ذلك الزمان؟قال نعم كما يظهر الناس بعضهم لبعض،فقال له المفضل ما يصنع بأهل مكة فقال يدعوهم بالحكمة و الموعظة ثم ينصب عليهم خليفة من اهل بيته و يتوجه الى المدينة،فقال المفضل ما ينصع بالكعبة فقال انه يهدم هذا البيت و يبنيه على بناء ابراهيم و اسماعيل عليهما السّلام،و كذلك يهدم جميع ما بناه الظالمون في كل الاقاليم و كذلك يهدم مسجد الكوفة و يصنعه على الاول فقال المفضل أ يقيم في مكة؟قال لا و لكن ينصب عليهم خليفة من اهل بيته فاذا خرج من مكة قصد اهل مكة الى خليفته فقتلوه، فيرجع المهدي عليه السّلام اليهم و يخوّفهم العقوبات فيتوبون فينصب عليهم خليفة منهم،فاذا خرج من مكة عمدوا اليه ايضا فقتلوه،ثم ان المهدي عليه السّلام يرسل اليهم عساكر من الجنّ و النقباء فمن آمن تركوه و من ابى قتلوه و ما يؤمن به من مأة واحد،فقال له المفضل يا سيدي اين يكون منزل المهدي و محلّ اجتماع المؤمنين معه،فقال ان سرير ملكه يكون بلد الكوفة و مجلسه و موضع حكمه مسجدها،و مكان بين المال و قسمة الغنائم مسجد السهلة،و موضع انفراده و نزاهته النجف الاشرف،فقال له المفضل يكون جميع المؤمنين في الكوفة،فقال بلى و اللّه ما من مؤمن الا و هو اما فيها او في قربها او يكون قلبه مائلا اليها،و يكون قيمة الارض منها قيمة موضع كل شاة الفا درهم،و يكون سعة بلدها ثمانية عشر فرسخا،و تتصل قصورها بأرض كربلا و تكون كربلا ملجأ للمؤمنين.

ثم انه عليه السّلام تنفّس فقال يا مفضل ان بقاع الارض تفاخرت ففخرت الكعبة على بقعة كربلا،فاوحى اللّه عز و جل اليها ان اسكتي يا كعبة و لا تفخري على كربلا فانها البقعة المباركة

ص:57

التي قال اللّه فيها لموسى عليه السّلام إِنِّي أَنَا اللّٰهُ و هي موضع المسيح و امه وقت ولادته،و انها الدالية التي غسل بها رأس الحسين بن علي عليهما السّلام،و هي التي عرج منها محمد صلّى اللّه عليه و آله،و قال المفضل يا سيدي يسير المهدي الى اين قال الى مدينة جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاذا وردها كان له فيها مقام عجيب،يظهر فيه سرور المؤمنين و خزي الكافرين فقال المفضل يا سيدي ما هو ذاك؟ قال يرد الى قبر جده فيقول يا معشر الخلائق هذا قبر جدي فيقولون نعم يا مهدي آل محمد، فيقول و من معه في القبر فيقولون صاحباه(مصاحباه خ)و ضجيعاه ابو بكر و عمر فيقول عليه السّلام و هو اعلم الخلق من ابو بكر و عمر و كيف دفنا من بين الخلق مع جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عسى ان يكون المدفون غيرهما فيقول الناس يا مهدي آل محمد ما هيهنا غيرهما و انهما دفنا معه لانهما خليفتاه و آباء زوجتيه فيقول هل يعرفهما احد فيقولون نعم نحن نعرفهم بالوصف،ثم يقول هل يشكّ احد في دفنهما هنا؟فيقولون لا،فيأمر بعد ثلاثة ايام و يحفر قبورهما و يخرجهما، فيخرجان طريين كصورتهما في الدنيا فيكشف عنهما اكفانهما و يأمر برفعهما على دوحة يابسة نخرة فيصلبهما عليها،فتتحرك الشجرة و تورق و ترفع و يطول فرعها،فيقول المرتابون من اهل ولايتهما هذه و اللّه الشرف حقا و لقد فزنا بمحبتهما و ولايتهما،فينشر خبرهما فكلّ من بقلبه حبّة خردل من محبتهما يحضر المدينة فيفتنون بهما،فينادي مناد المهدي عليه السّلام هذان مصاحبا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فمن احبهما فليكن في معزل و من ابغضهما يكن في معزل فيتجزء الخلق جزئين،موال و معاد،فيعرض على اوليائهما البرائة منهما،فيقولون يا مهدي ما كنّا نبرأ منهما،و ما كنّا نعلم ان لهما عند اللّه هذه الفضيلة فكيف نبرأ منهما و قد رأينا منهما ما رأينا في هذا الوقت من نضارتهما و غضاضتهما و حيوة الشجرة بهما،بلى و اللّه نبرأ منك و ممن آمن بك و ممن لا يؤمن بهما و ممن صلبهما و اخرجهما و فعل ما فعل بهما فيأمر المهدي عليه السّلام ريحا فتجعلهم كأعجاز نخ لخاوية ثم يأمر بانزالهما فينزلان فيحيهما باذن اللّه و يأمر الخلائق بالاجتماع،ثم يقصّ عليهم قصص فعالهم في كل كور و دور حتى يقصّ عليهم قتل هابيل بن آدم و جمع النار لابراهيم و طرح يوسف في الجب و حبس يونس في بطن الحوت،و قتل يحيى و صلب عيسى و عذاب جرجيس و دانيال،و ضرب سلمان الفارسي و إشعال النار على باب امير المؤمنين و فاطمة و الحسنين عليهم السّلام و ارادة احراقهم بها،و ضرب الكبرى فاطمة الزهراء بسوط و رفس بطنها و اسقاطها محسنا،و سمّ الحسن و قتل الحسين عليه السّلام و ذبح اطفاله و بني عمّه و انضاره و سبي ذراري رسول اللّه و اراقة دماء آل محمد،و كل دم مؤمن و كل فرج نكح حراما و كل رباء اكل و كل خبث و فاحشة و ظلم منذ عهد آدم على قيام قائمنا،كل ذلك يعدده عليهما و يلزمها اياه

ص:58

و يعترفان به،ثم يأمر بهما فيقتص منهما في ذلك الوقت مظالم من حضر ثم يصلبهما على الشجرة و يأمر نارا تخرج من الارض تحرقهما و الشجرة ثم يأمر ريحا فتنسفهما في اليم نسفا.

قال المفضل يا سيدي هذا آخر عذابهما؟قال هيهات يا مفضل و اللّه ليردنّ و ليحضرنّ السيد الاكبر محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الصديق الاعظم امير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و الائمة عليهم السّلام و كلّ من محضّ الايمان محضا و كل من محضّ الكفر محضا و ليقتصنّ منهما بجميع المظالم ثم يأمر بهما فيقتلان في كل يوم و ليلة الف قتلة و يردان الى اشد العذاب ثم يسير المهدي الى الكوفة فينزل ما بين الكوفة و النجف في ستة و اربعين الفا من الجنّن ثلثمائة و ثلثة عشر من النقباء،فقال له المفضل يا سيدي فالزوراء التي تكون في بغداد ما يكون حالها في ذلك؟فقال تكون محلّ عذاب اللّه و غضبه و الويل لها من الرايات الصفر و من الرايات التي تسير اليها في كل قريب و بعيد و اللّه لينزلنّ بها من صنوف العذاب ما نزل بسائر الامم المتمردة من اول الدهر الى آخره،و لينزلن بها من العذاب ما لا عين رأت و لا أذن سمعت،و سيأتيها طوفان بالسيوف فالويل لمن اتخذ بها مسكنا و اللّه ان بغداد تعمر في بعض الاوقات حتى ان الرائي يقول هذه هي الدنيا لا غيرها،و يظنّ ان بناتها حور العين و اولادها اولاد الجنّة،و يظن ان لا رزق اللّه الا فيها،و يظهر فيه الكذب على اللّه و الحكم بغير الحق و شهادة الزور و شرب الخمور و الزنا و اكل مال الحرام و سفك الدماء،ثم بعد ذلك يخربها اللّه تعالى بالفتن و على يدي هذه العساكر حتى المارّ عليها لا يرى منها الرسوم بل يقوم هذه ارض بغداد.

ثم يخرج الفتى الصبيح و هو الحسني من نحو الديلم و قزوين فيصيح بصوت له فصيح يا آل محمد اجيبوا الملهوف،فتجيبه كنوز الطالقان كنوز و لا كنوز من ذهب و لا من فضة بلهي رجال كزبر الحديد،لكأني انظر اليهم على البرازين الشهب بأيديهم الحراب يتعاوون شوقا الى الحراب كما تتعاوى الذباب اميرهم رجل من بني تيم يقال له شعيب بن صالح،فيقبل الحسني فيهم و وجهه كدائرة القمر فيأتي على الظلمة و يقتلهم حتى يرد الكوفة و قد جمع بها اكثر اهل الارض فيتصلّ به و باصحابه خبر المهدي،فيقولون يا ابن رسول اللّه من هذا الذي نزل بساحتنا،فيقول الحسني اخرجوا بنا اليه حتى ننظر من هو و ما يريد و هو يعلم و اللّه انه المهدي و انه يعرفه،فيخرج الحسني و بين يديه اربعة آلاف رجل و في اعناقهم المصاحف و عليهم المسوح مقلدين سيوفهم فيقبل الحسني حين ينزل بقرب المهدي عليه السّلام فيقول اسألوا عن هذا الرجل من هو و ما ذا يريد؟فيخرج بعض اصحاب الحسني الى عسكر المهدي فيقول ايها العسكر الحائل من انتم حيّاكم اللّه و من صاحبكم و ما ذا يريد؟فيقول اصحاب المهدي هذا مهدي آل محمد و نحن انصاره من الجن و الانس و الملائكة،ثم يقول الحسني خلّوا بيني و بين هذا فيخرج اليه

ص:59

المهدي فيقفان بين العسكرين،فيقول الحسني ان كنت مهدي آل محمد فأين عصا جدي رسول اللّه و خاتمه و بردته و ردعه و عمامته السحاب،و فرسه و ناقته العضباء و بغلته دلدل و حماره يعفور و نجيبه البراق و تاجه و المصحف الذي جمعه ابي امير المؤمنين بغير تغيير و لا تبديل، فيحضر له السفط الذي فيه جميع ما طلبه.

و قال عليه السّلام ان في السفط تركات جميع النبيين حتى عصى آدم و نوح و تركة هود و صالح و مجمع ابراهيم و صاع يوسف و مكتل شعيب و ميزانه،و عصى موسى و تابوته الذي فيه بقية(مما خ ل)ما ترك آل موسى و آل هارون تحمله الملائكة و درع داود و خاتم سليمان و عصاه و تاجه و رجل عيسى و ميراث النبيين و المرسلين في ذلك السفط،فيأخذ المهدي العصا و ينصبها فوق حجر صلب فتصير شجرة عظيمة يستظل تحتها كل ذلك العسكر فيقول الحسني اللّه اكبر يا ابن رسول اللّه مد يدّك ابايعه فيبايعه الحسني و سائر عسكره الا اربعة آلاف من اهل المصاحف و المسوح المعروفون بالزيدية فيقولون ما هذا الا سحر عظيم فيختلط العسكران،و يقبل المهدي عليه السّلام على هذه الطائفة فيعظهم و يزجرهم الى ثلاثة ايام فلا يزدادون الا بعدا و طغيانا و كفرا، فيأمر المهدي بقتلهم فكأني انظر اليهم قد ذبحوا على مضاجعهم كلهم يتمرغون في دمائهم و تتمرغ المصاحف،فيقبل بعض اصحابه فيأخذ تلك المصاحف فيقول المهدي دعوها تكون عليهم حسرة كما بدّلوها و غيروها و حرفوها و لم يعملوا بما حكم اللّه فيها.

قال المفضل ثم ما ذا يعمل يا سيدي؟قال ثم تثور سراياه الى السفياني الى دمشق فيأخذونه و يذبحونه على الصخرة،ثم يظهر الحسين بن علي عليه السّلام في اثنى عشر الف صدّيق و اثنين و سبعين رجلا من اصحابه الذين قتلوا معه يوم عاشورا فيا لك عندها من كرة زهراء و رجعة بيضاء،ثم يخرج الصديق الاكبر امير المؤمنين و تنصب له القبة البيضار على النجف و تقام اركانها،ركن بالنجف و ركن في هجر و ركن بصنعاء اليمن و ركن بأرض طيبة و ركن بأرض البحرين،كأني انظر الى مصابيحها تشرق في السماء و الارض كأضوء من الشمس و القمر فعندها تبلى السرائر و تذهل كل مرضعة عما ارضعت و ترى الناس سكارى و ما هم بسكارى و لكن عذاب اللّه شديد،ثم يظهر السيد الاجل محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في انصاره و المهاجرين اليه و يحضر مكذبوه و يحضر الشاكون فيه،و يحضر الكافرون القائلون انه ساحر و كاهن و مجنون و معلّم و شاعر و ناطق عن الهوى و من حاربه و قاتله حتى يقتص منهم و يجازون بافعالهم منذ وقت ظهر الى ظهور المهدي اياما اياما و وقتا وقتا و يحق تأويل هذه الاية وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوٰارِثِينَ الاية.

ص:60

قال المفضل ما المراد بفرعون و هامان في الاية؟فقال ابو بكر و عمر قال المفضل قلت يا سيدي و رسول اللّه و امير المؤمنين يكونان مع المهدي؟فقال لا بدّ ان يطاءا الارض أي و اللّه حتى ما وراء جبل قاف و ما في الظلمات و جميع البحور،و يقيم دين اللّه في جميع الاماكن و كأني ارى يا مفضل اننا(معاشر ظ)ايها(أي خ ل)الائمة واقفون عند جدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نشكو اليه ما صنع بنا هذه الامة من بعده من تكذيبنا و سبّنا و اخافتنا بالقتل و الاخراج من حرم اللّه و رسوله و قتلنا و حبسنا،فيبكي النبي صلّى اللّه عليه و آله و يقول قد فعلوا بكم ما فعلوا بجدكم فاوّل من يشكوا اليه فاطمة من ابي بكر و عمر فتقول له انهما اخذا فدك مني بعد ما اقمت البراهين عليهما فلم ينفع و الكتاب الذي كتبته لي على فدك اخذه مني عمر بحضور المهاجرين و الانصار و تفل فيه و مزقه فأتيت الى قبرك شاكية و ابو بكر و عمر بسقيفة بني ساعدة مضوا الى المنافقين و تواطئوا معهم و غصبوا خلافة زوجي فأتوا اليه ليبايعهم فأبى فجمعوا حطبا و وضعوه على باب البيت ليحرقوا اهل البيت فصحت و قلت ما هذه الجرأة على اللّه و على رسوله يا عمر تريد ان تقطع نسل الانبياء فقال عمر اسكتي ليس محمد موجودا حتى ينزل عليه الملائكة بالامر و النهي قولي لعلي يبايع ابا بكر و الا اضرمنا النار في بيتكم،فقلت اشكو الى اللّه كيف فعلوا بنا بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و غصبوا حقنا فصاح عمر دعينا من هذه الحماقات،أ لم تعلمي ان اللّه تعالى لن يجمع النبوة و الامامة لكم،فرفع سوطه و ضربني به فكسر يدي و عصر الباب على بطني فاسقط مني ولدي المحسن فصحت وا ابتاه وا رسول اللّه قد كذّبوا ابنتك و ضربوها بالسوط و اسقطوا منها ولدها المحسن،فاردت يا رسول اللّه ان اكشف القناع عن رأسي و انشر شعري و اشكو الى اللّه فمنعني علي بن ابي طالب و قال ان اباك قد كان بعث رحمة للامة فلا تكوني انت السبب في عذابهم و لا تنشري شعرك و اللّه ان رفعت راسك بالدعاء ليهلكن اللّه ما في الارض و الهوى فرجعت الى البيت و بقيت مريضة من ذلك الضرب صرت شهيدة منه.

ثم يقوم بعدها امير المؤمنين عليه السّلام فيطيل الشكاية و يقول يا رسول اللّه اني حملت الحسنين ليلا الى بيوت المهاجرين و الانصار الذين اخذت لي البيعة منهم مرارا و طلبت منهم النصرة فوعدوني و لما اصبح الصباح لم ار احدا منهم فصار حالي معهم كحال هرون في بني اسرائيل بعد موسى فلما رجع اليه موسى قال له هرون اِبْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كٰادُوا يَقْتُلُونَنِي فصبرت في جنب اللّه على البلاء الذي لم يتحمله غيري من اوصياء الانبياء حتى قتلوني بضربة ابن ملجم،ثم يقوم الحسن عليه السّلام فيقول يا جدّا انه لما اتصل خبر شهادة ابي لمعاوية لعنه اللّه ارسل زيادا و هو ولد زنا مع مأة الف و خمسين الفا من الرجال الى الكوفة ليأخذ عليّ و على اخي الحسين و اهل بيتنا البيعة لمعاوية،و من لم يقبل منا يضرب عنقه و يرسل برأسه الى

ص:61

معاوية فدخلت المسجد و صعدت المنبر وعظت الناس و دعوتهم الى دينك و خوّفتهم عقابك فلم يجبني منهم الا عشرون فرفعت طرفي في السماء و قلت اللّه اشهدها بأني دعوتهم الى دينك و خوّفتهم عقابك فلم يطيعوا اللهم ارسل عليهم البلاء و العذاب،فنزلت و توجهّت الى جانب المدينة فتبعوني و قالوا ان هذا عسكر معاوية قد وصل الى الانبار و غار على اهله و اخذ اموالهم و سبى ذراريهم فامض معنا حتى نجاهده بالسيوف فقلت لهم انه لا وفاء لكم فأرسلت معهم جماعة و قلت لهم انكم اذا بلغتم معاوية نقضتم بيعتي و تضطروني الى الصلح مع معاوية فما صار الا ما اخبرتهم به ثم يقوم الحسين المظلوم عليه السّلام مخضبا بدمه مع جميع الشهداء فينظر النبي صلّى اللّه عليه و آله اليهم فيبكي و يبكي لبكائه اهل السموات و الارض،و تصيح فاطمة عليها السّلام صوتا تزلزل الارض و امير المؤمنين و الحسن في جانب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و فاطمة عليها السّلام في جانب يساره فيحضر حمزة و جعفر و تأتي خديجة و فاطمة بنت اسد و معهما المحسن بن فاطمة و هما(هم ظ)يبكون فبكى الصادق عليه السّلام و قال لا اقر اللّه عينا لا تبكى عند ذكر هذه القصة و بكى المفضل فقال يا سيدي ما ثواب ما يبكي لمصابكم فقال ثوابه لا يحصى ان كان من الشيعة.

فقال له المفضل ثم ما يكون بعد هذا يا سيدي قال ان فاطمة تقوم و تقول يا رب اوف بما وعدتني في امر من ضربني و قتل اولادي فتبكي لاجلها اهل السموات و الارض و لا يبقى احد من ظالمينا و الذين اعانوا علينا و الذين رضوا لهم بافعالهم الا و يقتل في ذلك اليوم الف مرة، فقال له المفضل يا سيدي ان في شيعتك من لا يعتقد انك ترجع مع مواليك و اعدائك فقال يا مفضل اما سمعوا الاحاديث من رسول اللّه و منّا بالرجعة اما سمعوا قوله تعالى وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذٰابِ الْأَدْنىٰ دُونَ الْعَذٰابِ الْأَكْبَرِ فالعذاب الادنى هو وقت خروجنا و العذاب الاكبر هو عذاب القيامة ان جماعة من شيعتنا يقولون معنى الرجعة ان الملك يرجع الى آل محمد فيكون مهديهم سلطانا ويلهم على هذا ما اخذ اللّه منا الملك حتى يرجعه الينا بل فينا ملك النبوة و الامامة و الدنيا و الاخرة دائما،اما سمعوا قوله تعالى وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوٰارِثِينَ.

قال ثم بعد هذا يقوم جدي علي بن الحسين و ابي محمد الباقر فيشكون الى جدهما من فعل الظالمين،ثم اقوم انا اشكو اليه من منصور الدوانيقي و يقوم ابني موسى فيشكو من هارون الرشيد ثم يقوم علي بن موسى الرضا و يشكو من المأمون الملعون،ثم يقوم محمد التقي فيشكو من المأمون و غيره،ثم يقوم علي النقي فيشكو من المتوكل ثم يقوم الحسن العسكري فيشكو من المعتز،فيقوم المهدي و معه ثوب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ملطّخ بالدم كان عليه يوم احد و شجوا رأسه و كسروا ضرسه فيه و الملائكة حافة به فيقول يا جدّ انك و صفتني للناس و عرفتهم اسمي و نسبي

ص:62

و كنيتي فانكروني و لم يطعني منهم احد فقال بعضهم لم يتولد و قال آخرون انه مات و لو كان حيا لما غاب هذه الغيبة الطويلة فصبرت الى ان امرني اللّه بالخروج فخرجت فيقول النبي صلّى اللّه عليه و آله الحمد للّه الذي صدقنا وعده و اورثنا الارض تنبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم اجر العاملين، و يقول و هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدىٰ وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ثم يقرأ إِنّٰا فَتَحْنٰا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللّٰهُ مٰا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ مٰا تَأَخَّرَ وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ يَهْدِيَكَ صِرٰاطاً مُسْتَقِيماً وَ يَنْصُرَكَ اللّٰهُ نَصْراً عَزِيزاً فقال المفضل ما ذنب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الذي غفره اللّه له؟فقال يا مفضل ان النبي صلّى اللّه عليه و آله دعى اللّه ان يحمله ذنوب شيعته و شيعة علي و شيعة الائمة ما تقدّم منها و ما تأخر الى يوم القيامة و ان لا يفضحه بين الانبياء بذنوب الشيعة التي تحملها فأخبره اللّه سبحانه انه غفر له جميع تلك الذنوب التي تحملها، فبكى المفضل و قال يا سيدي هذا الفضل كله من بركاتكم فقال يا مفضل هذا كله انما هو لك و لامثالك من الشيعة فقال يا مفضل لا تخبر بهذا الحديث احدا من الذين يطلبون الرخص في المعاصي و يتركون العبادات لمكان هذه الاخبار فلا تنفعهم شفاعتنا لان اللّه تعالى يقول لاٰ يَشْفَعُونَ إِلاّٰ لِمَنِ ارْتَضىٰ.

فقال له المفضل قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و قرائته لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ اما ظهر و غلب دينه على جميع الاديان فقال يا مفضل لو غلب دينه على الاديان لما بقى في الدنيا دين اليهود و النصارى و المجوس و الصابئين و غيرهم فلا يكون هذا الاّ في زمن المهدي عليه السّلام و كذا يكون تأويل هذه الاية و هي قوله وَ قٰاتِلُوهُمْ حَتّٰى لاٰ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّٰهِ فقال عليه السّلام ان المهدي يرجع الى الكوفة فيمطر اللّه عليهم جرادا من ذهب كما امطره على ايوب عليه السّلام فيسقمه بين اصحابه،و يقسم بينهم كنوز الارض من ذهبها و فضتها فقال له المفضل يا سيدي اذا مات المؤمن و علمه دين من اصحابه ما يفعل معه؟فقال يا مفضل اول ما يظهر المهدي ينادي مناديه من له على مؤمن دين فليتكلم حتى اعطيه دينه فيطعي ديون الشيعة كلها حتى رأس الثوم و حبة الخردل و الحديث طويل.

و روى الصدوق و جعفر بن قولويه و محمد بن ابراهيم النعماني باسانيدهم الى الصادق عليه السّلام قال كأني انظر الى القائم في النجف الكوفة لابس درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله راكب فرسا سودا اغرّ الجبهة فيحركه و يظهر للناس بقدرة اللّه لكل بلدان المهدي يريد بلادهم فينشر علم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عمود من العرش و اجزاؤه من النصر و الظفر فلا يتوجه بذلك العلم الى قوم الا اهلكهم اللّه تعالى فاذا حرّك ذلك العلم لم يبق مؤمن الا صار قلبه كقطع الحديد و اعطاه اللّه قوة اربعين رجلا فيدخل هذا الفرح على المؤمنين و هم في قبورهم فيتزاؤرون في القبور

ص:63

و يبشرون بعضهم بعضا بخروج المهدي و تظهر معه ثلاثة عشر الفا من الملائكة و ثلثمائة عشر ملكا من الذين كانوا مع نوح في السفينة و مع ابراهيم لما القى في النار و مع موسى لما شقّ له البحر و مع عيسى لما رفع الى السماء و الاربعة آلاف ملك الذين نزلوا لنصرة الحسين عليه السّلام فلم يرخص لهم فبقوا عند قبره شعثا غبرا يبكون عليه،و كبيرهم ملك اسمه منصور يستقبلون كلّ من يمضي الى زيارة الحسين عليه السّلام و يشايعون كل من يودعه راجعا و يعودون كلّ من يمرض من زوّاره و يمشون تحت جنازة موتاهم و يستغفرون لهم و هم في الارض ينتظرون خروج المهدي عليه السّلام.

و في الروايات عن الصادقين عليهم السّلام ان اللّه سبحانه خيّر ذا القرنين بين السحاب الذلول أي الخالي من الرعد و الصوت و بين السحاب الصعب و هو ما فيه رعد و برق فاختار الاول و بقى الثاني للمهدي عليه السّلام فيركب عليها و يطوف السموات السبع و الارضين السبع و يسخّر اللّه له الرياح كلها و له من القوة ما لو قبض بيده الشجرة العظيمة لقلعها من اصلها و اذا صاح بين الجبلين صار صخرة رمادا و لا يبقى مكان في الدنيا الا وصل اليه و تظهر له المعادن كلها و اذا توجه الى جهاد بلاد من البلدان وقع الرعب في قلوبهم من مسيرة شهر و يعرف كلّ من يراه انه مؤمن او كافر صالح او فاسق و يحكم بحكم داود سليمان بعلمه الذي علّمه اللّه سبحانه لا يسأل البينة و لا الشهود،و يانما توجّه ظلّله السحاب و ينطق السحاب بلسان فصيح هذا مهدي آل محمد يملأ الارض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا و تطوى الارض له و لاصحابه،و من علاماته ان ليس له ظل على الارض فاذا خرج من مكة نادى مناديه بان لا يحمل احد من العسكر طعاما و لا ماء و معه حجر موسى عليه السّلام فاذا وصل الى المنزل نصبه و انفجرت منه اثنتا عشر عينا فيروى و يشبع من شرب منها فاذا بلغ النجف و سكن فيها انفجر من تلك الصخرة ماء و لبن فيكون هو الغذا عوض الطعام و الشراب.

و في روايات اخرى انه يخرج من تلك الصخرة ماء و طعام و علف لهم و لدوابهم و يخرج عليه السّلام و معه عصا موسى عليه السّلام اذا القاها من يده صارت ثعبانا و يكون ما بين فكيّها مقدار اربعين ذراعا و تلقف في حلقها كلّ ما يأمرها بابتلاعه،و يلبس ثوب ابراهيم الذي اتى به جبرئيل عليه السّلام لما رماه نمرود في النار فصارت عليه بردا و سلاما و هو قميص يوسف عليه السّلام الذي القوه على وجه يعقوب فارتدّ بصيرا و يخرج و هو لابس خاتم سليمان و معه تابوت بني اسرائيل الذي فيه جميع مواريث الانبياء و آثارهم و لم يبق كافر على وجه الارض و لو ان كافرا لجأ الى صخرة او شجرة لنادت الصخرة هذا الكافر عندي فاقتلوه،و يمسح يده على رؤوس المؤمنين فتتضاعف عقولهم و احلامهم و تصير كاملة و يكون المؤمن من القوة ما لو اراد قلع جبل الحديد لقلعه و يطيعهم كل

ص:64

شيء حتى سباع الهوى و تفخر بقاع الارض بعضها على بعض بأن واحدا من اصحاب القائم مشى عليها و ينزع اللّه الخوف و الحزن من قلوب المؤمنين و يلبسها قلوب اعدائهم و ينوّر اللّه سبحانه اسماعهم و ابصارهم حتى اذا كانوا في بلاد المهدي عليه السّلام في بلاد اخرى يكون لهم من السمع و البصر ما يرونه و يشاهدون انواره و يسمعون كلامه و مخاطباته معهم و يتكلمون معه و يدفع اللّه عنهم الضعف و الكسل و البلاء و الامراض و تنزل امطار(قطار خ)السماء بالبركات التي منعت منذ غصبوا خلافة امير المؤمنين عليه السّلام و يرتفع الحقد و البغضاء من بين المخلوقات حتى يرعى الذئب و الشاة و السبع و البقر،و حتى ان المرأة تخرج وحدها من العراق الى الشام و لا تضع رجلها الى فوق الورود و الازهار،مع انها لابسة حليّها و لا يضرها سارق و لا سبع و اوّل ما يظهر يقطع ايدي بني شيبة الذين معهم مفاتيح الكعبة في هذه الاعصار و يعقلها(يعلّقها خ) على الكعبة،و ينادي عليهم هؤلاء بنو شيبة سرّاق الكعبة،و يخرج اولاد قاتلي الحسين عليه السّلام فيقتلهم لانهم رضوا بصنع آبائهم و من رضي بفعل قبيح كان كمن اتاه،و يحيى عائشة و يعذبّها على ايذائها لفاطمة و مارية و يقتل مانع الزكوة و تنّور الارض بنوره،و ترفع الظلمة و لا يحتاج الناس الى الشمس و القمر،و يعمر كل واحد من المؤمنين الف سنة يولد له في كل سنة ذكر، و يبني في ظهر الكوفة مسجدا و يعلّق عليه الف باب،و يجري من عند قبر الحسين عليه السّلام نهرا الى النجف يصبّ ماؤه في بحر النجف،و تبني على ذلك النهر الارحية.

و قال الباقر عليه السّلام كأني انظر الى العجوز و على راسها زنبيل فيه حنطة تمضي لتطحنه من غير كراء،و يستقر هو و عياله في مسجد السهلة و يحزب المساجد المبنيّة و يجعلها عريشا كعريش مسجد موسى عليه السّلام و يهدم شرف المساجد و منارها و يوّسع الجادة حتى يجعلها ستين ذراعا و يهدم كل مسجد بني في الطريق،و يحزب كل روزنة(رازونة خ)و جناح الى الطريق و كذا الميازيب و البيوت التي تشرع الى الجوار،و يأمر اللّه الفلك بابطاء الحركة حتى يكون كل يوم من ايامه مقابل عشرة من هذه الايام و يهدم الكعبة و يبنيها على اساس ابراهيم و اسماعيل عليهما السّلام، و يهدم المسجد الحرام و مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يصنعها على ما كانت عليه في زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله، و يردّ مقام ابراهيم عليه السّلام الى موضعه الاول من موضعه الان الذي وضعه فيه عمر،و يرفع البدع و يقيم السنن و يستغني الشيعة حتى لو انّ الانسان وضع زكوة ماله على عاتقه يحملها ليطلب الفقير لم يجده و لا يقبل من اهل الكتاب جزية و لا يقبل من احد سوى الاسلام و قد يكون الرجل قائما على رأس المهدي عليه السّلام ممتثلا لاوامره و نواهيه،فينظر اليه فيأمر المهدي عليه السّلام بضرب عنقه بسبب انه اضمر في قلبه شيئا قبيحا،و يخرج القرآن الذي الّفه امير المؤمنين عليه السّلام و لم يعمل به الاشقياء،و يرتفع هذا القرآن الى السماء و يعمل بذلك القرآن.

ص:65

و قال امير المؤمنين عليه السّلام كأني انظر الى الشيعة قد بنوا الخيام بمسجد الكوفة و جلسوا يعلّمون القرآن الجديد للناس و اذا بعث المهدي عليه السّلام واليا الى بلاد يقول ان كتابك في كفك فاذا ورد عليك حكم لم تعرف حكم اللّه فيه انظر الى كفّك فان اللّه يكتب لك حكم تلك القضية فيه حتى تعلمه،ثم يرسل عليه السّلام عسكرا الى اسطنبول فاذا وصلوا الى الخليج كتبوا شيئا على اقدامهم و مشوا على الماء فاذا شاهد الروم هذه الحالة منهم تعجبوا و قالوا كيف يكون حال المهدي،فيفتحون اثنى عشر بلادا و سلام الناس على المهدي عليه السّلام في ذلك الوقت،السّلام عليك يا بقية اللّه،و يظهر في مسجد الكوفة عين دهن و عين ماء طهور و عين ماء للشرب،فاذا استقرّ عليه السّلام في الكوفة بعث عساكرا الى الشام لقتل بني امية،فيهزمون الى بلاد الافرنج و يمنعونهم عن الدخول الى بلادهم،و يقولون ما ندخلكم بلدنا الا ان تدخلوا في ديننا و هو دين النصارى فينتصرون و يلبسون الزنّار و يدخلون بلاد الافرنج فاذا وصل عسكر المهدي عليه السّلام الى بلاد الافرنج طلبوا منهم الامان فيقولون لا امان لكم ان تدفعوا الينا بني امية،فيسلّمونهم اليهم فيقتلونهم كلهم و يصنع ما صنع النبي صلّى اللّه عليه و آله من العفو عمّا وقع في زمن الجاهلية و اجراء احكام الاسلام عليهم من حين نبوتّه فكذا المهدي عليه السّلام.

و روى الشيخ قطب الدين باسناده الى الباقر عليه السّلام قال ان الحسين عليه السّلام خطب خطبة قبل مقتله،فقال ان جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اخبرني يوما فقال يا بني ان الناس يحملونك على المسير الى العراق و فيها ارض هل محل ملاقاة الانبياء و اوصيائهم و اسمها عمورا،فتقتل شهيدا و يقتل جماعة من اصحابك و لكن لا يصل اليهم حرّ الحديد،ثم تلا قُلْنٰا يٰا نٰارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاٰماً عَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ فكما ان النار صارت بردا و سلاما على ابراهيم عليه السّلام فكذلك تكون السيوف عليك و على اصحابك بردا و سلاما ثم قال الحسين عليه السّلام و اللّه ان اقتلونا ليكون مرجعنا ذلك الوقت الى النبي صلّى اللّه عليه و آله فتمكث معه في ذلك العالم ما شاء اللّه،فأول من تنشق عنه الارض قبل القيامة انا و يكون خروجي موافقا لخروج امير المؤمنين و القائم عليهما السّلام فينزل عليّ من اللّه تعالى جنود من الملائكة لم تنزل قبل ذلك اليوم و ينزل عليّ جبرئيل و ميكائيل و اسرافيل و جماعة من الملائكة و ينزل محمد و عليّ و انا و اخي و جماعة كثيرة على خيول بلق من نور لم يركبها احد قبلنا،فيدفع النبي صلّى اللّه عليه و آله علمه و سيفه الى القائم عليه السّلام فتمكث ما شاء اللّه،و يظهر اللّه تعالى من مسجد الكوفة عينا من دهن و عينا من ماء و عينا من لبن،فيدفع اليّ امير المؤمنين عليه السّلام سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يرسلني الى المشرق و المغرب فما امر على عدو الا اهرقت دمه،و احرق كل صنم على وجه الارض حتى ابلغ الى الهند و افتح جميع بلدانها.

ص:66

و يحيى اللّه دانيال و يوشع فيأتيان الى امير المؤمنين عليه السّلام فيقولان صدق اللّه و رسوله فيما وعدكم فيبعث امير المؤمنين عليه السّلام معهم سبعين رجلا ليقتلو عساكر البصرة،و يرسل عسكرا الى بلاد الافرنج فيتفح بلدانها،و اقتل انا كل حيوان حرام اللحم و لم يبق على وجه الارض الا طيب حلال اللحم،و اعرض على اليهود و النصارى و سائر اهل الاديان او القتل فمن اسلم قبلت اسلامه و من لم يقبل قتلته بأذن اللّه تعالى،و لم يبق احد من الشيعة الا انزل اللّه سبحانه عليه ملكا يمسح الغبار عن وجهه و يطلعه على مكانه من الجنّة و لا يبقى ذو آفة و بلاء الا عافاه اللّه تعالى ببركة الائمة عليهم السّلام و ينزل اللّه بركات السماء الى الارض حتى ان الشجر ليحمل من الثمار حتى تنكسر اغصانه،و يأكل الشيعة ثمار الشتاء في الصيف و ثمر الصيف في الشتاء كما قال سبحانه وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرىٰ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنٰا عَلَيْهِمْ بَرَكٰاتٍ مِنَ السَّمٰاءِ وَ الْأَرْضِ وَ لٰكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنٰاهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ و يفتح اللّه على الشيعة من كراماته بحيث لا يخفى عليهم خبر حتى ان المؤمن ليخبر اهله في كل ما يصدر منهم.

و في الروايات ان الحسين عليه السّلام اوّل من تنشق عنه الارض و يحكم في الدنيا مدّة طويلة حتى يقع شعر حاجبيه على عينيه،و قد روى في تفسير قوله تعالى ثُمَّ رَدَدْنٰا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ان الحسين عليه السّلام يظهر مع السبعين الذين استشهدوا معه و على رؤوسهم التيجان،و في بعض الروايات انه يخرج مع الحسين عليه السّلام سبعين نبيا كما كانوا مع موسى عليه السّلام و كلهم يبلّغ الناس ان هذا الحسين بن علي عليهما السّلام قد خرج حتى لا يشكّ فيه احد،و حتى يعرفوا انه غير الدجال و غير الشيطان،و في ذلك الوقت يكون القائم عليه السّلام بينهم،فاذا استقر امر الحسين عليه السّلام في قلوب المؤمنين قرب اجل المهدي عليه السّلام و توفى فيتولى الحسين عليه السّلام غسله و كفنه و حنوطه و الصلوة عليه، لان الامام لا يغسله و لا يصلي عليه الا الامام،و في رواية اخرى ان الحسين عليه السّلام يملك الدنيا كلها بعد وفاة المهدي عليه السّلام ثلاثمائة سنة و تسع سنين،فاذا توفى الحسين عليه السّلام ظهر امير المؤمنين عليه السّلام حتى يكون نوبة دولته عليه السّلام.

و في الاخبار الكثيرة عن بريد العجلي انه سأل الصادق عليه السّلام عن قول اللّه تعالى في اسماعيل إِنَّهُ كٰانَ صٰادِقَ الْوَعْدِ ما المراد باسماعيل هذا أ هو ابن ابراهيم،فقال عليه السّلام لا بل هو اسماعيل بن حزقيل بعثه اللّه الى جماعة فكذبوه و سلخوا جلد وجهه و رأسه فبعث اللّه عليهم ملك العذاب و هو سطاطائيل فأتى الى اسماعيل و قال ان اللّه ارسلني اليك بما تأمر في عذابهم،فقال اسماعيل عليه السّلام لا حاجة لي في عذابهم،فأوحى اللّه سبحانه اليه ان كان لك حاجة اليّ فاطلبها،فقال يا ربّ انك اخذت علينا معاشر الانبياء ان نوحدك و نقرّ بنبوة محمد صلّى اللّه عليه و آله و بإمامة الائمة عليهم السّلام،و اخبرت الخلايق بما يفعل الظالمون بولده الحسين و وعدت الحسين

ص:67

عليه السّلام الرجوع الى الدنيا حتى يأخذ ثاره و ينتقم من ظالميه فحاجتي يا رب ان ترجعني في زمانه لاجل اخذ ثاري و اقتل من قتلني،فقبل اللّه حاجته و جعله من الذين يرجعون في زمان الحسين عليه السّلام و في رواية أخرى ان الحسين عليه السّلام يرجع الى الدنيا مع خمسة و سبعين الفا من الرجال.

و روى عاصم بن حميد عن الباقر عليه السّلام قال ان امير المؤمنين عليه السّلام خطب خطبة ذات يوم فحمد اللّه فيها و اثنى عليه بالوحدانية،و قال ان اللّه سبحانه قد تكلم بكلمة فصارت نورا فخلق منه نور النبي و نوري و نور الائمة و تكلّم بكلمة اخرى فصارت روحا فاسكنها في ذلك النور و ذلك النور مع تلك الارواح ركّبها في ابداننا معاشر الائمة،فنحن الروح المصفّاة و نحن الكلمات التامات و نحن حجة اللّه الكاملة على الخلق،فنحن كنّا نورا اخضر حيث لا شمس و لا قمر و لا ليل و لا نهار و لا مخلوق من المخلوقات،و كنا نسبح اللّه و نقدسه قبل خلق الخلق، فأخذ اللّه لنا العهد من ارواح الانبياء على الايمان بنا و على نصرتنا،و هذا معنى قوله سبحانه وَ إِذْ أَخَذَ اللّٰهُ مِيثٰاقَ النَّبِيِّينَ لَمٰا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتٰابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جٰاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمٰا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ فقال عليه السّلام يعني الايمان بمحمد صلّى اللّه عليه و آله و نصرة وصيه،و هذه النصرة صارت قريبة،و قد اخذ اللّه الميثاق منّي و من نبيه لينصر كل منّا صاحبه،فأما انا فقد نصرت النبي صلّى اللّه عليه و آله بالجهاد معه و قتلت اعدائه و اما نصرته لي و كذا نصرة الانبياء عليهم السّلام فلم تحصل بعد،لانهم ماتوا قبل امامتي و بعد هذا سينصروني في زمان رجعتي،و يكون لي ملك ما بين المشرق و المغرب و يخرج اللّه لنصرتي الانبياء من آدم الى محمد يجاهدون معي،و يقتلون بسيوفهم الكفار الاحياء و الكفار الاموات الذين يحييهم اللّه تعالى،و اعجب و كيف لا اعجب من اموات يحييهم اللّه تعالى يرفعون اصواتهم بالتلبية فوجا فوجا لبيك يا داعي اللّه و يتخللون اسواق الكوفة و طرقها، حتى يقتلون الكافرين و الجبارين و الظالمين من الاولين و الاخرين حتى يحصل لنا ما وعدنا اللّه ثم تلا هذه الاية وَعَدَ اللّٰهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضىٰ لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاٰ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً.

قال عليه السّلام يعني يعبدونني و لا يتقون من احد لان لي رجعة بعد رجعة و حيوة بعد حيوة انا صاحب الرجعات و صاحب الصولات و صاحب الانتقامات و صاحب الدولة العجيبة انا حصن الحديد و انا عبد اللّه و اخو رسوله و انا أمين اللّه على علمه و صندوسرة و حجابه و صراطه و ميزانه و كلمته و انا أسماء اللّه الحسنى و امثاله العليا و اياته الكبرى انا صاحب الجنه في جنتهم و اهل النار في نارهم و انا الذى ازواج اهل الجنه و الى مرجع هذا الخلق في القيمه و على حسابهم و انا المؤذن على الاعراف و انا الذي اظهر اخر الزمان في عين الشمس و انا دابه

ص:68

الارض التي ذكرها اللّه في الكتاب اظهر اخر الزمان و معى عصى موسى و خاتم سليمان اضعه في وجه المؤمن و الكافر فتنقش فيه هذا مؤمن حقا و هذا كافر حقا،و انا امير المؤمنين و امام المتقين و لسان المتكلمين و خاتم اوصياء النبيين و وارثهم و خليفت اللّه على العالمين و انا الذي علمنى اللّه علم البلايا و المنايا و علم القضابين الناس و انا الذي سخر لي الرعد و البرق و السحاب الظلمة و النور و الرياح و الجبال و البحار و الشمس و القمر و النجوم ايها الناس إسألوني عن كل شىء و عن الصادق عليه السّلام ان الشيطان لما قال رب انظرني الى يوم يبعثون قال انك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم فيخرج الشيطان مع عساكره و توابعه من يوم خلق آدم الى يوم الوقت المعلوم و هو آخر رجعه يرجعها امير المؤمنين عليه السّلام فقال الراوي لامير المؤمنين عليه السّلام من رجعة؟فقال ان له رجعات و رجعات،و ما من امام في عصر من الاعصار الا يرجع معه المؤمنون في زمانه و الكافرون فيه حتى يستولي اولئك المؤمنون على اولئك الكافرين فينتقمون منهم فاذا جاء الوقت المعلوم ظهر امير المؤمنين عليه السّلام مع اصحابه و ظهر الشيطان مع اصحابه، فيتلاقى العسكران على شطّ الفرات في مكان اسمه الروحا قريب الكوفة،فيقع بينهم حرب لم يقع في الدنيا من اوّلها و آخرها و كأني ارى اصحاب امير المؤمنين عليه السّلام قد رجعوا منهزمين حتى تقع ارجلهم في الفرات فعند ذلك يرسل اللّه سحابة مملوة من الملائكة يتقدمها النبي صلّى اللّه عليه و آله و بيده حربة من نور،فاذا نظر الشيطان اليه ادبر فارّا،فيقول له اصحابه الى اين تفرّ و لك الظفر عليهم فيقول اني أرى ما لا ترون اني اخاف من عقاب رب العالمين،فيصل النبي صلّى اللّه عليه و آله و يضربه ضربة بالحربة بين كتفيه فيهلك بتلك الضربة هو مع جميع عساكره،فعند ذلك يعبد اللّه على الاخلاص و يرتفع الكفر و الشرك،و يملك امير المؤمنين عليه السّلام الدنيا اربعين الف سنة و يولد لكل واحد من شيعته الف ولد من صلبه في كل سنة ولد،و عند ذلك يظهر البستانان عند مسجد الكوفة الذي قال اللّه تعالى مُدْهٰامَّتٰانِ و فيهما من الاتساع ما لا يعمله الا اللّه تعالى.

و قد روى في تفسير قوله وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللّٰهِ تُحْشَرُونَ ان اللّه سبحانه قد قرر لكل احد موتا و قتلا،فان كان قد مات قبل الرجعة قتل فيها،و ان كان قد قتل قبلها رجع حتى يموت فيها،و في الاخبار الكثيرة في تفسير قوله تعالى وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيٰاتِنٰا ان تأيولها في الرجعة،لان في القيامة الكبرى يحشر اللّه الخلائق كلهم لا يغادر صغيرة و لا كبيرة كما في الآيات الاخر،و روى عن الصادق عليه السّلام في تفسير قوله تعالى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ان تأويلها في النواصب و السفياني انه يكون طعامهم في الرجعة العذرة،و في احاديث المعراج يا محمد ان عليا يكون في آخر من قبض روحه من الائمة و هو دابة الارض الذي يكلم الناس.

ص:69

و في الروايات عن الصادق عليه السّلام قال ان امير المؤمنين عليه السّلام يرجع مع ابه الحسين عليه السّلام رجعة،و ترجع معه بنو امية و معاوية و آل معاوية و كلّ من قاتله فيعذبهم بالقتل و غيره،و يرجع اللّه من اهل الكوفة ثلاثين الفا و من سائر الناس سبعين الفا و يتلاقون للحرب مع معاوية و اصحابه بصفين في الموضع الذي كان فيه ذلك الحرب فيقتلون معاوية و اصحابه في ذلك المكان،ثم يحيهم اللّه سبحانه مرة فيعذبهم مع فرعون و آل فرعون اشدّ العذاب،ثم يرجع امير المؤمنين عليه السّلام مرة اخرى مع النبي صلّى اللّه عليه و آله و جميع الانبياء عليهم السّلام فيدفع النبي صلّى اللّه عليه و آله علمه الى امير المؤمنين عليه السّلام و يكون كل الانبياء تحت ذلك العلم،و يكون الائمة عليهم السّلام عمالا له في البلدان و حكاما من تحت يده فيعبد اللّه علانية بدون تقية،و يعطي اللّه نبيه من الملك ما يوازي ملك جميع الدنيا من اولها الى آخرها حتى يكون قد انجز له ما وعده و في الحديث انه اذا قرب قيام القائم يكون في جمادي الاخرة و عشرة ايام من رجب مطر ما رأى الخلائق مثله،فينبت عليه لحوم المؤمنين في قبورهم،كأني انظر اليهم قد اقبلوا من جانب جهينة ينفضون التراب من فوق وجوههم.

و في الرواية انه يقوم مع القائم سبعة و عشرون رجلا منهم خمسة عشر رجلا من قوم موسى الذين كانوا يهدون الناس بالحق و به يعدلون،و سبعة و هم اصحاب الكهف،و يوشع بن نون وصي موسى،و سلمان الفارسي،و ابو دجانة الانصاري و المقداد و مالك الاشتر فيكونون حكاما من جانبه،و روى انه اذا قام القائم بعث اللّه الى كل قبر من قبور المؤمنين ملكا يناديه هذا امامك قد ظهر فان اردت ان تحيى و تلحق به،و ان اردت ان تلقى في النعيم الى يوم القيامة في مكانك،و عن الصادق عليه السّلام ان النبي صلّى اللّه عليه و آله اذا رجع ملك الدنيا خمسين الف سنة و ملكها امير المؤمنين عليه السّلام اربعة و اربعين الف عام،و روى في تفسير قوله تعالى إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرٰادُّكَ إِلىٰ مَعٰادٍ قال و اللّه ما تنقضي الدنيا حتى يرجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و امير المؤمنين عليه السّلام فيلتقيان في النجف و يبنى مسجدا في ظهر الكوفة يعلّق عليه اثنى عشر الف باب،و روى ابن طاووس ان عمر الدنيا مأة الف سنة يكون منها عشرون الف سنة ملك جميع اهل الدنيا و يكون ثمانون الف سنة منها مدّة ملك آل محمد.

و عن الصادق عليه السّلام قال كأني انظر الى سرير من النور و فوقه قبّة من الياقوت الاحمر مزيّنة بأنواع الجواهر و الحسين عليه السّلام جالس فوق ذلك السرير و في حوله تسعون الف قبّة خضراء و المؤمنون يأتون الى السلام عليه فوجا فوجا،فينادي مناد من اللّه تعالى ايها المؤمنون اسألوني حوائجكم فلقد ظلمتم و اوذيتم فيّ،فلا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا و الاخرة الا قضيتها، و يؤتى اليهم بطعامهم و شرابهم من الجنة،و قد ورد في الاخبار الكثيرة ان اللّه تعالى يرجع في

ص:70

دولة المهدي عليه السّلام جماعة من الاخيار و جماعة من الاشرار من محّض الايمان محضا او محض الكفر محضا،و الباقون ملهى عنهم الى يوم القيامة،و قد عرفت ان الآيات دالّة عليه ايضا و الاخبار الدالة على رجوع الحسين و امير المؤمنين عليه السّلام متواترة،و في رجوع سائر الائمة قريبة التواتر،فلقد نقل منها بعض مشايخنا تقريبا من مأتي حديث عن اربعين رجلا من ثقاة المحدثين من خمسين اصلا من الاصول المعتبرة.

و روى السيد بن طاووس في كتاب مصباح الزائر عن الصادق عليه السّلام انه قل من دعا بهذا الدعاء اربعين صباحا كان من انصار القائم عليه السّلام و ان مات قبل ظهوره عليه السّلام احياه اللّه تعالى حتى يجاهد معه،و يكتب له بعدد كل كلمة منه الف حسنة و يمحى عنه الف سئية و هو هذا الدعاء الشريف المبارك بسم اللّه الرحمن الرحيم اللهم ربّ النور العظيم و الكرسي الرفيع و رب البحر المسجور و منزل التورية و الانجيل و الزبور،و رب الظل و الحرور و منزل القرآن العظيم و رب الملائكة المقربين و الانبياء و المرسلين اللهم اني اسألك بوجهك الكريم و بنور وجهك المنير و ملكك القديم يا حي يا قيوم اسألك بإسمك الذي اشرقت به السموات و الارضون و بإسمك الذي يصلح به الاولون و الاخرون يا حي قبل كل حي يا حي بعد كل حي يا حي حين لا حي يا محيي الموتى و مميت الاعداء يا حي لا اله الا انت،اللهم بلّغ مولانا الامام الهادي المهدي القائم بأمرك صلوات اللّه عليه و على آبائه الطاهرين عن جميع المؤمنين و المؤمنات في مشارق الارض و مغاربها و سهلها و جبلها و برّها و بحرها عني و عن والدي من الصلوات زنة عرش اللّه و مداد كلماته و ما احصاه علمه و احاط به كتابه،اللهم اني اجدد له في صبيحة يومي هذا و ما عشت في ايامي ايام حيوتي عهدا و عقدا و بيعة له في عنقي لا احول عنها و لا ازول ابدا،اللهم اجعلني من انصاره و اعوانه و الذابين عنه و المسارعين اليه في قضاء حوائجه و الممتثلين لاوامره و نواهيه و المحامين عنه و السابقين الى ارادته و المستشهدين بين يديه،اللهم ان حال بيني و بينه الموت الذي جعلته على عبادك حتما مقضيا فاخرجني من قبري مؤتزرا كفني شاهرا سيفي مجردا قناتي ملبيا دعوة الداعي في الحاضر و البادي،اللهم ارني الطلعة الرشيدة و الغرة الحميدة، و اكحل ناظري بنظرة مني اليه و عجّل فرجه و سهّل مخرجه و اوسع منهجه و اسلك بي محجته و انفذ امره و اشدد ازره،و قو ظهره و اعمر اللهم به بلادك و احي به عبادك فانك قلت و قولك الحق ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت ايدي الناس فاظهر اللهم لنا وليك و ابن وليك و ابن بنت نبيك المسمى باسم نبيك(رسولك خ)حتى لا يظفر بشيء من الباطل الا مزقه و يحق الحق و يحققه،و اجعله اللهم مفزعا لمظلوم عبادك و ناصرا لمن لا يجد له ناصرا غيرك،و مجددا لما عطّل من احكام كتابك و مشيدا لما ورد من اعلام دينك و سنن نبيك صلّى اللّه عليه و آله و اجعله ممن حصنته من

ص:71

بأس المعتدين،اللهم سرّ نبيك محمد صلّى اللّه عليه و آله برؤيته و من تبعه على دعوته و ارحم استكانتا بعد اللهم اكشف هذه الغمة عن الامة بحضوره و عجّل لنا ظهوره انهم يرونه بعيدا و نريه قريبا برحمتك يا ارحم الراحمين.

و روى عن الصادق و الكاظم عليهما السّلام قالا لو قد قام لحكم بثلاث لم يحكم بهنّ احد قبله، يتقل الشيخ الزاني و مانع الزكوة،و يورث الاخ في الاظلة،و روى عن الصادق عليه السّلام انه قال رجل لعمّار بن ياسر يا ابا اليقظان آية في كتاب اللّه عز و جل افسدت قلبي و شككتني قال عمار و ايّ آية هي؟قال قوله عز و جل إِذٰا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنٰا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ الاية،فأية دابة هذه؟قال عمار و اللّه ما اجلس و لا آكل و لا اشرب حتى اريكها، فجاء عمار مع الرجل الى امير المؤمنين عليه السّلام و هو يأكل تمرا و زبدا،فقال يا ابا اليقظان إجلس، فجلس عمّار و جعل يأكل معه فتعجب الرجل منه،فلما قام عمار قال الرجل سبحان اللّه يا ابا اليقظان حلفت ان لا تأكل و لا تشرب و لا تجلس حتى ترينيها؟قال عمار قد اريتكها ان كنت تعقل،و روى في تفسير قوله تعالى سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ قال في الرجعة اذا رجع امير المؤمنين عليه السّلام و يرجع اعدائه فيسمهم كما توسم البهائم على الخراطيم الانف و الشفتان.

و روى في تفسير قوله تعالى قُتِلَ الْإِنْسٰانُ مٰا أَكْفَرَهُ ان الانسان هنا هو امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السّلام أي ما ذا فعل و ما ذا اذنب حتى قتلتموه،ثم قال من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدّره ثم السبيل يسّره،قال سبيل الخير،ثم اماته فأقبره ثم اذا شاء انشره،قال في الرجعة،كلا لما يقضّ ما امره أي لم يقض ما قد امره،و في الروايات عن امير المؤمنين و الحسنين عليهم السّلام ان اللّه تعالى خلق خلقا على خلاف الجن و النسناس،يدبّون كما تدبّ الهوام في الارض، يأكلون و يشربون كما تأكل الانعام كلهم ذكران ليس فيهم اناث لم يجعل اللّه فيهم شهوة النساء و لا حبّ الاولاد و لا الحرص و لا طول الامل،و لا يلبسهم الليل و لا ايغشاهم النهار،ليسوا ببهائم و لا هوّام،لباسهم ورق الشجر،ثم اراد اللّه ان يفرقهم فرقتين فجعل فرقة خلف مطلع الشمس من وراء البحر،فكوّن لهم مدينة جابرسا طولها اثنا عشر الف فرسخ في اثني عشر الف فرسخ،و كوّن عليها سورا من حديد يقطع الارض الى السماء ثم اسكنهم فيها،و اسكن الفرقة الاخرى خلف مغرب الشمس من وراء البحر،و كوّن لهم مدينة جابلقا طولها و سورها كالاولى،و على كل مدينة منهما سبعون الف الف مصراع من ذهب،و فيها سبعون الف الف لغة،يتكلم كل امة خلاف لغة الاخرى،قال الحسن عليه السّلام و انا اعرف تلك اللغات و ما فيها،و ما عليهما حجة غيري و غير اخي لا يعلم بهما احد من اهل اوساط الارض و لا يعلمون بطلوع الشمس و لا غروبها لانها تطلع من دونهم و تغرب من دونهم و تغرب من دونهم و لكنهم

ص:72

يستضيئون بنور اللّه و لا يرون ان اللّه تعالى خلق شيئا من الكواكب فقيل يا امير المؤمنين فأين ابليس عنهم؟قال لا يعرفونه و لا سمعوا بذكره،و لم يكتسب احد منهم خطيئة لا يسقمون و لا يهرمون و لا يموتون الى يوم القيامة يعبدون اللّه لا يفترون،الليل و النهار عندهم سواء و انهم يبرأون من فلان و فلان قيل له كيف يتبرؤن من فلان و فلان و هم لا يدرون أخلق اللّه آدم أم لم يخلقه؟فقال عليه السّلام أ تعرف ابليس الا بالخبر و قد امرت بعلنه و البرائة منه،و قد وكّل اللّه تعالى بهم ملائكة متى لم يلعنوهما عذبوا،و فيهم جماعة لم يضعوا السّلام مذ كانوا ينتظرون قائمنا يدعون ان يريهم اللّه ايّاه،و يعمر احدهم الف سنة يتلون كتاب اللّه كما علمناهم،و ان فيما نعلمهم ما لو تلى على الناس لكفروا به و لهم خرجة مع الامام اذا قاموا يسبقون فيها اصحاب السلاح فيهم كهول و شبّان،اذا رأى شاب منهم الكهل جلس بين يديه جلسة العبد لا يقوم حتى يأمره،و اذا امرهم الآمر بأمر قاموا عليه ابدا حتى يكون هو الذي يأمرهم بغيره،لهم سيوف من حديد غير هذا الحديد لو ضرب احدهم بسيفه جبلا لقدّه،يغزوا بهم الامام الهند و الديلم،و الكرك و الترك و الروم و بربر.

و عن الصادق عليه السّلام قال قال امير المؤمنين عليه السّلام في قول اللّه عز و جل رُبَمٰا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كٰانُوا مُسْلِمِينَ قال اذا خرجت انا و شيعتي و خرج عثمان بن عفان و شيعته و نقتل بني امية فعندها يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين.

و اعلم ان الاخبار قد اختلف في مدة ملك القائم عليه السّلام على ما سبق،و من الاخبار ما رواه الخثعمي قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام كم يملك القائم عليه السّلام؟قال سبع سنين يطول له الايام و الليالي حتى تكون السنة من سنينه مكان عشر سنين من سنينكم(سنيكم خ)هذه،و في رواية ابي بصير قال قلت جعلت فداك كيف يطول السنون؟قال يأمر اللّه الفلك بالثبوت و قلّة الحركة فتطول الايام لذلك و السنون،قال قلت انهم يقولون ان الفلك اذا تغيّر فسد قال ذلك قول الزنادقة فأما المسلمون فلا سبيل لهم الى ذلك،و قد شقّ اللّه القمر لنبيه صلّى اللّه عليه و آله و ردّ الشمس من قبله ليوشع بن نون،و أخبر بطول القيامة و أنه كألف سنة مما تعدّون.

و قال شيخنا الطبرسي قدّس اللّه روحه في اعلام الورى قد جائت الرواية الصحيحة بأنه ليس بعد دولة القائم دولة لاحد الا ما روى من قيام ولده عليه السّلام ان شاء اللّه تعالى،و لم ترد به الرواية على القطع و البتات،و أكثر الروايات ان القائم عليه السّلام لن يمضي من الدنيا الا قبل يوم القيامة بأربعين يوما يكون فيه الهرج و المرج،و تغلق فيه ابواب التوبة و هو علامة خروج الاموات و قيام الساعة،اقول الحق ان الاخبار الواردة في باب الرجعة مختلفة جدا مع كثرتها، فمن جملة اختلافها ترتيب ملك الائمة عليهم السّلام و كيفية حكمهم في الدنيا،أ هو على طريق الاجتماع

ص:73

ام على طريق الانفراد،و في أي دولة و ملك يتصّل بالقيامة من ملكهم عليهم السّلام،و الذي يخطر بالبال في وجه الجمع هو امران.

الاول ان ملكهم دولتهم و ان تعددت لكنها في حكم دولة واحدة سواء كان ملكهم في زمان واحد ام في ازمنة مختلفة،لانه لا تنافس بينهم في الملك سلطان كل واحد منهم ينسب الى الاخر لاتحاد الغرض لا كسلاطين الدنيا و اذا اجتمعوا عليهم السّلام في محل واحد فمن قدموه منهم في صلاة او غيرها كان هو المقدّم في ذلك الفعل ليس الا نعم اذا كان معهم في ذلك المكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و امير المؤمنين عليه السّلام فالظاهر انه لم يتقدمهما احدّ من الائمة عليهم السّلام على ما ورد في كثير من الاخبار،و اما من قال بأن ذلك العصر لما كان منسوبا الى المهدي عليه السّلام فينبغي ان يكون هو رئيس تلك العصر و المتقدم فيه على غيره فكلامه خال عن التحقيق،و ذلك ان ذلك العصر منسوب اليهم كلهم عليهم السّلام لانه وقت سلطنة الكل و دولتهم لانه لم يملك احد منهم قبل ذلك الزمان ملكا بالاستقلال لان عليا عليه السّلام قد ملك سلطان لم يتمكن فيه من عزل شريح القاضي و لا من عزل من نصبه المختلفون الثلاثة،و لا قدر على محو بدعة ابتدعوها،بل يمكن ان يقال ان نسبة تلك الدولة المستقبلة الى امير المؤمنين عليه السّلام و الحسنين عليهما السّلام اكثر من نسبته الى المهدي عليه السّلام و ذلك لان الغرض الاصلي من تلك الدولة الاخذ بالحقوق الماضية و قصاص الظالمين على ما وقع منهم،و لم يقع ظلم على أحد من مخلوقات اللّه كعشر معشار ما وقع عليهما،و اما المهدي عليه السّلام فهو و ان وقع عليه ظلم عظيم لكنه لا يصل الى ذلك الحدّ و بالجملة فهي دولة واحدة و ملك غير متعدد فينسب عقيب هذا الى ذلك و بالعكس.

الثاني انك قد عرفت ان كل واحد من الائمة عليهم السّلام يقال له القائم و المهدي لوجود ذلك المعنى فيه،فما ورد في الاخبار من ان الدنيا لا تبقى بعد القائم اكثر من اربعين يوما يجوز ان يكون المراد منه امير المؤمنين و الحسين عليهما السّلام،و هذا بعض احوال القائم عليه السّلام،روى المعلى بن خنيس عن الصادق عليه السّلام قال ان يوم النيروز و هو اليوم الذي أخذ فيه النبي صلّى اللّه عليه و آله العهد فيه بغدير خم فاقرّوا فيه بالولاية،فطوبى لمن ثبت عليها و الويل لمن نكثها،و هو اليوم الذي وجّه فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليا عليه السّلام الى وادي الجنّ فأخذ عليهم العهود و المواثيق،و هو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا اهل البيت و ولاة الامر و يظفر بالدجال فيصلبه على كناسة الكوفة و ما من يوم نيرووز الا و نحن نتوقع فيه الفرج لانه من ايامنا،حفظه الفرس و ضيعتموه،ثم ان نبيا من بني اسرائيل سأل ربه ان يحيى القوم الذين خرجوا من ديارهم و هم الوف حذر الموت فأماتهم اللّه فأوحى اللّه اليه ان صبّ الماء عليهم في مضاجعهم فصبّ عليهم الماء في هذا اليوم فعاشوا و هم ثلاثون

ص:74

الفا،فصار صبّ الماء في يوم النيروز سنة ماضية لا يعرف سببها الا الراسخون في العلم و هو اوّل يوم من سنة الفرس.

و روى المعلّى ايضا قال دخلت على ابي عبد اللّه عليه السّلام صبيحة يوم النيروز فقال يا معلّى أ تعرف هذا اليوم؟قلت لا لكنّه يوم تعظمه العجم و تبارك فيه،قال كلا و البيت العتيق الذي ببطن مكة ما هذا اليوم الا لامر قديم افسّره لك تعلمه فقل لعلمي هذا من عندك احبّ اليّ من ان اعيش ابدا و يهلك اللّه اعدائكم،فقال يا معلّى يوم النيروز يوم النيروز هو اليوم لذي اخذ اللّه فيه ميثاق العباد ان يعبدوه و لا يشركوا به شيئا،و ان يدينوا برسله و حججه و اوليائه و هو اول يوم طلعت فيه الشمس و هبّت به الرياح اللواقح و خلقت فيه زهرة الارض و هو اليوم الذي احيى اللّه فيه القوم الذين خرجوا من ديارهم و هو الوف حذر الموت فقال لهم اللّه موتوا ثم احياهم،و هو اليوم الذي هبط فيه جبرئيل عليه السّلام على النبي صلّى اللّه عليه و آله و امير المؤمنين عليه السّلام على منكبه حتى رمى اصنام قريش من فوق البيت الحرام فهشمها.

و اما الدجال فقد عرفت في حديث الصدوق انه يخرج من اصبهان،و في الاخبار الكثيرة انه يخرج من سيستان بلدة من بلاد العجم،و يمكن الجمع بين الاخبار بأنّ له خروجا مكررا كما ان احواله مختلفة عليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس اجمعين و اما الذي يقتله فهو المسيح عليه السّلام و لكن بحكم المهدي عليه السّلام بعد ان يفتح الدجال اكثر البلاد و تدخل الخلائق في سلطانه،اما رغبة في حطام الدنيا لما قد عرفت من انه اذا سار الى مكان تسير معه الجبال من الطعام امتحانا للخلق و ابتلاء حتى يتميز الزين من الشين فان ذلك الوقت هو الوقت الذي قال فيه الصادق عليه السّلام و اللّه لتغربلنّ غربلة و لتبلبلنّ بلبلة و لتساطنّ سوط القدر فيجعل اعلاكم اسفلكم،و اسفلكم اعلاكم، و يسبق سبّاقون قد كانوا مقصرين قبل خروج القائم و يتأخر من كان سابقا،و من هذا جاء التشبيه بسوط القدر من اختلاف احواله و كون العالي في بعض الاحوال يصير سافلا في الحال الاخرى و بالعكس كما وقع على الناس بعد موت النبي صلّى اللّه عليه و آله فلقد تأخر من كان متقدما و تقدّم من كان متأخرا أ لا ترى الى طلحة و الزبير مع سبقهما في الاسلام و شدّة جهادهما زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و استقامة احوالهما ذلك الزمان كيف انعكست قضيتهما حتى اخرجا المرأى و قاتلا معها إمامهما الذي بايعاه على رؤوس الاشهاد،و من هنا قال سبحانه أَ يَحْسَبُ الْإِنْسٰانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً أي مهملا متروكا من الابتلاء و الامتحان و اما فلان و فلان و فلان فلم يكونوا في زمانه صلّى اللّه عليه و آله من السابقين في الايمان و الاسلام الا باللسان،كما نقل في الاخبار ان الخليفة الاول قد كان مع النبي صلّى اللّه عليه و آله و صنمه الذي كان يعبده زمن الجاهلية معلّق بخيط في عنقه ساتره بثيابه،و كان

ص:75

يسجد و يقصد ان سجوده لذلك الصنم الى ان مات النبي صلّى اللّه عليه و آله فأظهروا ما كان في قلوبهم و قد تقدّم في مجمل احوالهم.

و اما المجتهدون منهم فقد انكروا رجعة المهدي عليه السّلام و شنّعوا علينا تشنيعا كثيرا نظما و نثرا و نسبونا في توقّع القائم عليه السّلام الى طلب المحال فكان شعراؤهم يخاطبون محبوبهم بأنّ طمعنا في و صالك قد صار كطمع الروافض في انتظار القائم،يعني ان ذلك محال و هذا مثله و اما ابو حنيفة فقد روى صاحب كتاب الاحتجاج انه قال يوما لمؤمن الطاق انكم تقولون بالرجعة؟قال نعم،قال ابو حنيفة فاعطني الان الف درهم حتى اعطيك الف دينارا اذا رجعنا،قال الطاقي فاعطني كفيلا بأنك ترجع انسانا و لا ترجع خنزيرا او قردة و اما شيخهم الغزالي فذهب في احيائه الى ان الرافضي اذا جاء يطلب بدمه نقول له ان الدم الذي تطلبه هدر في هذه الاوقات لانه موقوف على إمامك الغائب فاحضره لنا حتى نمكنك من دمك و الاخذ به،و نحن نقول له ان ذلك القاتل ان كان من جماعتكم قلنا الاذن في قتله من ائمتنا عليهم السّلام و انهم قالوا انّ دم المخالف كفارته و ديته تيس و التي خير منه،هذا اذا لم يقتل و اما اذا تعدّى على مواليه الشيعة و قتل منهم فهو من باب العبد اذا قتل مولاه فالاذن لنا حاصل في القتل لكن هذا الزمان زمان هدنة و تقية فتأخر هذا الحكم عنكم لمصالح،و اما اذا كان القاتل من الشيعة فان كنتم تخافون اللّه تعالى فارجعوهم الى علماء دينهم ليحكموا بحكم آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

فان قلت رويت في هذه الاخبار ان القائم عليه السّلام لا يقبل من احد من اهل الملل و الاديان الا القتل او الايمان،و قد روى الكليني طاب ثراه عن الباقر عليه السّلام انه اذا قام القائم عرض الايمان على كل ناصب فان دخل فيه بحقيقة و الا ضرب عنقه او يؤدي الجزية كما يؤديها اليوم اهل الذمة،و يشدّ على وسطه الهيمان و يخرجهم من الامصار الى السواد فما وجه التوفيق بين هذه الاخبار،قلت اما شيخنا المعاصر سلّمه اللّه تعالى فقد صار الى الاخبار السابقة،و اول هذا الخبر بأنه محمل على زمان اول ظهوره و ابتدائه و عند ما يستقل بالامر يقتل اهل الرايات و ذوي الرايات و الخروج يعمد الى النواصب فلا يقبل منهم الا الايمان او القتل،و اما نحن فالذي يظهر لنا هو تأويل تلك الاخبار و ان القتل فيها اما محمول على الاكثر باعتبار وقوعه برؤسائهم و من لا يقبل الجزية منهم،و اما بحمله(نحمله خ)على ارادة ما يعمّ الهوان و المذلة فان من كان منهم سلطانا في هذه الاعصار اذا حصل عليه أنواع الهوان و الذلّ كان القتل اهون عليه من تلك الحال،و يؤيده ان الشيعة في ذلك العصر يكونون حكّاما و لا ريب انهم يحتاجون الى رعايا يدخلون تحت حكمهم و يقومون بخدمتهم و لا يناسبه ان يكونوا من الشيعة ايضا بل ينبغي ان

ص:76

يكونوا من اهل المذاهب الباطلة و الاديان العاطلة،و لنرجع الان الى احوال امثالنا من الناس و لما كان الانسان محتاجا في اموره و اسفاره الى الايام و الساعات و سعودها و نحوسها فلنعقد له نورا.

نور في سعود الايام و نحوسها

اعلم ان الاخبار قد دلّت على ان كل من توكل على اللّه في جميع اموره من غير ملاحظة سعود الايام و نحوسها كان متكفلا بحفظه و حراسته،و قد روى الصدوق طاب ثراه باسناده الى الصقر بن ابي دلف،قال سألت ابا الحسن الثالث عليه السّلام فقلت حديث روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله لا اعرف معناه،قال و ما هو قلت قوله لا تعادوا الايام فتعاديكم ما معناه فقال نعم نحن الايام ما دامت السموات و الارض،فألسبت اسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،واحد امير المؤمنين عليه السّلام،و الاثنين الحسن و الحسين عليهما السّلام،و الثلثا علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد عليهم السّلام،و الاربعا موسى بن جعفر و علي بن موسى و محمد بن علي و أنا،و الخميس ابني الحسن، و الجمعة ابن ابني و اليه تجمع عصابة الخلق،و هو الذي يملأها قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا،فهذا معنى الايام فلا تعادوهم في الدنيا فيعادوكم في الاخرة،ثم قال ودّع و اخرج فلا آمن عليك،اقول الظاهر ان ما اشار اليه عليه السّلام هو تأويل الحديث و بطنه و هو لا ينافي ارادة ظاهره ايضا،فان كلام النبي صلّى اللّه عليه و آله كالقرآن في ان له ظاهرا و باطنا،و حينئذ فظاهره يرجع الى الردّ على من اخذ نحوس الايام و سعودها من اقوال المنجمين و اضرابهم،و فلا ينافي الاخبار الواردة بذم بعض الايام و الشهور،و حيث انتهى الحال الى هنا فلا بأس بذكر هذه الامور مفصلة من الاخبار و لنبتدء بذكر الشهور فنقول:

روى علي بن طاووس باسناده الى الامام ابي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام قال ان اليوم الاول من الشهر خلق اللّه فيه آدم و هو يوم مبارك لطلب الحوائج و للدخول على الحكام و السلاطين،و لطلب العلم و التزويج،و للأسفار و البيع و الشراء و شراء الحيوانات و اذا ضلّ فيه حيوان او فقد فأنه يرجع الى صاحبه بعد ثمانية ايام،و اذا مرض فيه مريض فأنه يعافى بأذن اللّه تعالى،و اذا ولد فيه يكون فرحا مستبشرا مباركا الى آخر عمره.

اليوم الثاني خلقت فيه حوا و هو مبارك للتزويج و البنيان و كتابة السجلات و الديون و غيرها،و لطلب الحوائج و اذا مرض المريض في اوله يعافى بخلاف آخره و اذا ولد فيه مولود يكون حسن الرؤية و التربية.

ص:77

اليوم الثالث يوم نحس قد اخرج آدم و حواء فيه من الجنة،و ينبغي ان يكون حاجتك في اصلاحك امور بيتك و لا تخرج فيه الى اغراضك الخارجة عن البيت ما امكنك و لا تدخل فيه على السلاطين و لا تبع فيه و لا تشتر و كل عبد يأبق فيه فأنه يردّ الى مولاه و اذا مرض فيه المريض يصل الى مشقّة شديدة و اذا ولد فيه يكون واسع الرزق طويل العمر.

اليوم الرابع مبارك للزراعة و الصيد و البناء و شراء الحيوانات،و يكره فيه السفر فمن سافر يخاف عليه القتل او نهب المال او البلاء العارض،و فيه تولّد هابيل و يكون المولود فيه مباركا،و اذا ضلّ فيه الابق عسر رجوعه الى صاحبه لانه يلجأ الى ملجأ يعسر رجوعه منه.

اليوم الخامس يوم نحس قد تولّد فيه قابيل و فيه قتل هابيل فلا تلتمس فيه اغراضك و لا تخرج فيه من بيتك،و من حلف فيه يمينا جوزي عليه سريعا و المولود فيه يكون حسن الحال،و في حديث سلمان لا تدخل فيه على السلاطين.

اليوم السادس مبارك لطلب الحوائج و للتزويج و من سافر فيه البر او البحر رجع الى اهله بما طلب،و مبارك فيه شراء الدواب،و اذا ضاع ولد يرجع الى اهله سريعا و المولود يكون فيه حسن الحال سالما من الافات و هو مبارك للصيد و طلب المعاش،و في رواية سلمان ان الطيف الذي يرى فيه يظهر تفسيره بعد يوم او يومين.

اليوم السابع مبارك لطلب الحوائج و من شرع فيه بمشق او كتابة فأنه يصير كاملا على احسن الوجوه،و من ابتدء فيه ببناء او تزويج حسن العاقبة،و المولود فيه يكون حسن التربية واسع الرزق و هو يوم مبارك للصيد.

اليوم الثامن مبارك للحوائج و من دخل فيه على السلطان قضيت حاجته و يكره فيه سفر البر و البحر و ارتكاب الحروب،و المولود فيه يكون مبارك الولادة،و الابق فيه لا يحصل في اليد الا بتعب عظيم،و من ضلّ عن الطريق لا يصل اليه الا بعد مشقة شديدة و المريض فيه ينال فيه تعبا و مشقة،و في رواية أخرى انه مبارك لكل شيء الا للسفر و في رواية سلمان انه مبارك لكل شيء.

اليوم التاسع مبارك لابتداء الاغراض و الحوائج و مبارك للقرض و الزراعة و غرس الاشجار و للظفر على الاعداء و من سافر فيه لقى الخير و ينجو من فرّ فيه من العدو،و من مرض فيه سكن عنه الم المرض و كل ما ضاع فيه يصل الى اهله،و المولود فيه يكون مباركا على جميع الاحوال و موفقا و رزقه واسع،و في رواية سلمان ان من رأى فيه طيفا ظهر اثره في ذلك اليوم.

اليوم العاشر تولّد فيه نوح عليه السّلام و المولود فيه يكون عمره طويلا و رزقه واسعا و هو مبارك لبيع و الشراء و السفر،و اذا ضاع فيه شيء وجد و الابق فيه يرجع الى صاحبه و اذا مرض فيه

ص:78

مريض فهو حقيق بأن يوصي،و هو مبارك للبذر و الحرث و لبيع السلف و في رواية سلمان ان اثر الطيف الذي يرى فيه يظهر بعد عشرين يوما.

الحادي عشر تولّ فيه شيث عليه السّلام و هو مبارك لقضاء الحوائج و للبيع و الشراء،و للسفر، و ينبغي ان يحترز فيه عن الدخول على السلاطين،و الابق فيه يرجع باختياره سريعا،و المريض فيه يرجى له الشفاء سريعا،و من ولد فيه يكون طيّب العيش في حياته،و لكن لا بدّ له قبل موته من فرار من السلطان،و في رواية سلمان ان اثر الطيف فيه يظهر بعد عشرين يوما.

الثاني عشر مبارك للتزويج و لفتح الحوانيت و للشراكة و لسفر البحر،و في هذا اليوم لا ينبغي ان يصير الانسان واسطة بين اثنين،و المريض فيه يرجى له الشفاء،و المولود فيه يكون سل التربية و الابق فيه يرجع،المولود فيه يكون طويل العمر و لا يفتقر مدّة عمره.

الثالث عشر يوم نحس فليتحرز فيه عن الجدال و النزاع و الدخول على الملوك و السلاطين و حلق الرأس و مسحه بالدهن و جميع الحوائج،و الابق فيه لا يرجع و لا يحصل سريعا،و من مرض فيه يناله التعب،و المولود فيه لا يكون عمره طويلا،و في رواية سلمان ان اثر الطيف فيه يظهر الى تسعة.

اليوم الرابع عشر مبارك لطلب الحوائج و المولود فيه يكون ظالما،و يكون مبارك لطلب العلم،و البيع و الشراء و السفر و اخذ القرض و لركوب البحر،و يرجع الابق فيه و المريض فيه يعافى ان شاء اللّه تعالى و المولود فيه يكون طويل العمر راغبا في تحصيل العلوم و يكون غنيّا في آخر عمره،و في رواية سلمان انه مبارك للدخول على السلاطين و المنام فيه يقع بعد عشرين.

يوم الخامس عشر مبارك لجميع الامور الا لاخذ القرض و كتابة القبالة و الابق فيه يرجع سريعا و المريض فيه عافى سريعا،و المولود فيه يكون اخرسا،و في رواية سلمان ان المنام فيه يظهر اثره بعد ثلاثة ايام.

السادس عشر يوم نحس لا يصلح لطلب الحوائج و لكن يكون الشروع في البنيان مباركا فيه،و المسافر فيه يكون هالكا و الابق فيه يرجع سريعا،و الضالّ فيه عن الطريق يكون سالما و المريض فيه يعافى سريعا،و المولود فيه قبل الزوال يكون مجنونا،و اذا تولد بعد الزوال يكون حسن الحال،و في رواية سلمان ان المنام فيه يظهر اثره بعد يومين.

السابع عشر يوم وسط فاحذر فيه من المجادلة و من اعطاء القرض و اخذه فمن اعطى فيه قرضا لم يرجع اليه و من اخذ فيه قرضا لم يوفق لادائه،و المولود فيه يكون حسن الاحوال و في رواية أخرى ان الحجامة فيه موجبة للشفاء.

ص:79

الثامن عشر يوم مبارك لطلب الحوائج من البيع و الشراء و الحرث و السفر،و اذا تخاصم احد مع خصمه فيع غلب عليه،و القرض فيه يرجع الى صاحبه و من مرض فيه عوفى،و المولود فيه يكون مباركا.

التاسع عشر يوم مبارك قد تولّد فيه اسحاق عليه السّلام و السفر فيه مبارك و السعي في الرزق و في الحوائج و تعلّم العلوم،و لا يصلح فيه شراء الرقيق و الدواب و الضال و الابق فيه يرجع بعد خمسة عشر يوما و المولود فيه يوفق للخيرات.

العشرون من اوسط الايام و مبارك للسفر و قضاء الحوائج و للبناء و لصنع عريش الشجر و لشراء الدواب،و من ضلّ فيه عن الطريق خيف عليه الهلاك،و المريض فيه يكون صعب المرض و المولود فيه يكون ضيّق المعاش.

الحادي و العشرون يوم نحس فلا تطلب فيه الحوائج و احذر فيه من السلطان و الدخول عليه،و المسافر فيه يخاف عليه الهلاك و المتولّد فيه يكون فقير الاحوال،و في رواية اخرى انه لا ينبغي ان يفعل فيه الا ذبح الحيوانات.

الثاني و العشرون مبارك لطلب الحوائج و البيع و الشراء و للدخول على السلاطين و الصدقة فيه مقبولة و المريض فيه معافى سريعا،و المسافر فيه يرجع بعافية و في صحة،و في حديث آخر انه يوم خفيف يصلح فيه جميع الاغراض.

الثالث و العشرون تولّد فيه يوسف عليه السّلام و مبارك لطلب الحوائج و التجارات و للدخول على السلطان و للتزويج و المسافر فيه يرجع بغنيمة و خير و المولود فيه يكون حسن التربية.

الرابع و العشرون يوم نحس تولّد فيه فرعون فلا تلتمس فيه طلب الحوائج،و من تولّد يصعب عليه معاشه في الدنيا و لا يوفّق للخير،و في آخر عمره إما يقتل او يغرق و المريض فيه يطول عمره.

الخامس و العشرون يوم نحس فاحفظ نفسك فيه و لا تخرج فيه بغير حاجة و فيه ابتلاء (ابتلى خ)اللّه سبحانه قوم فرعون في مصر بآيات العذاب و المريض فيه يبتلى بمرض صعب لكن ينجو منه،و في رواية سلمان الجأ الى اللّه من شر هذا اليوم بالدعاء و الصلوة و عمل الخير.

السادس و العشرون مبارك للسفر و لجميع الامور الا للتزويج فان من تزويج فيه يقع الفراق بينه و بين زوجته لانه اليوم الذي فرّق اللّه فيه البحر لموسى عليه السّلام و المسافر لا ينبغي ان يدخل منزله في هذا اليوم،و المريض فيه يكون حاله صعبا و المولود فيه يكون طويل العمر.

السابع و العشرون مبارك للحوائج و المولود فيه يكون حسن الخلق و الخلق طويل العمر مع سعة المعاش محبوب القلوب،و في رواية أخرى انه مبارك فيه السفر.

ص:80

الثامن و العشرون مبارك للحوائج و فيه تولد يعقوب عليه السّلام و المولود فيه يكون كثير الهمّ و الغمّ و يبتلى بأمراض العين،و برواية سلمان ان الطيف فيه يظهر اثره بعد عشرين يوما.

التاسع و العشرون مبارك لجميع الحوائج و المولود فيه يكون حليما و من سافر فيه حصّل مالا كثيرا و من مرض فيه البسه اللّه العافية،و فيه ينبغي ان يكتب الانسان وصيته و في رواية اخرى انه مبارك لجميع الحوائج خصوصا للدخول على السلاطين و الدخول على الاخوان و المحبين و في رواية سلمان ان الطيف فيه يظهر اثره في ذلك اليوم.

الثلاثون مبارك للبيع و الشراء و التزويج،و المولود فيه يكون حليما مباركا و الابق فيه يرجع الى صاحبه و من ضيّع فيه شيئا لقيه و من استقرض فيه شيئا وفّق لادائه سريعا،و عن الكاظم عليه السّلام لا تترك فيه الحجامة فان تركته فيه لا تتركه في اليوم الرابع.

و اما الايام فالاول يوم الجمعة و هو يوم مبارك و هو عيد احسن الاعياد و يستحب فيه دخول الحمام و حلق الرأس و قصّ الاظفار و اخذ الشارب و يكره السفر فيه قبل الزوال لمكان الصلوة و بعد الزوال يكون السفر مباركا،و في بعض الاخبار ان فيه ساعة من احتجم فيها هلك فلذاكره فيه الحجامة،و في بعض الاخبار تخصيص الكراهة بوقت الزوال،و في بعض آخر ان الحجامة فيها لا بأس بها و عن الكاظم عليه السّلام ان من احتاج الى الحجامة في ليل او نهار فليقرأ آية الكرسي و لحتجم،و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه اذا برد الهوى دخل الى البيت يوم الجمعة للمنام و اذا خرج وقت الحر يخرج ايضا يوم الجمعة و في بعض الروايات ان النورة فيه تورث البرص،و في كثير من الاخبار ان النورة فيه لا بأس بها بل في بعضها تصريح بالاستحباب،و في الاخبار انه يوم نكاح و تزويج و يستحب فيه نسل الشعر و التطيب و لبس الثياب الفاخرة و شراء الثمار فيه لاهل المنزل و غسل الرأس بالسدر او الخطمى و هو مبارك لجميع الامور.

يوم السبت يوم مبارك قال النبي صلّى اللّه عليه و آله بارك اللّه لامتي في سبتها و خميسها،و يبارك فيه كل امر خصوصا الاسفار،و في الحديث انه لو تحرك حجر من موضعه يوم السبت لرده اللّه الى موضعه،و تقليم الاظفار و أخذ الشارب فيه حسن ايضا،و في الحديث ان من قلّم اظفاره يوم السبت و الخميس عافاه اللّه تعالى من وجع الضرس و العين،و ان الحجامة فيه تورث الضعف.

يوم الاحد متوسط من الايام و في الحديث انه مبارك للبناء و الاغراس.

يوم الاثنين انحس الايام و في الحديث ان انحس ايام السنة يوم عاشوراء و انحس ايام الاسبوع يوم الاثنين و هو يوم منسوب الى بني امية جعلوه عيدا لما قتلوا الحسين عليه السّلام،و قد مات فيه النبي صلّى اللّه عليه و آله فلا يبارك فيه شيء من الامور،و في بعض الاخبار ان الحجامة فيه في وقت العصر

ص:81

لا بأس بها و في بعض الاخبار ان الحجامة فيه كله لا بأس بها و قد ورد في الاحاديث النهي عن السفر فيه من غير غرض مهم،و في الروايات ان صبح الاثنين لاكثر الاغراض.

يوم الثلاثاء يوم مبارك قد الان اللّه فيه الحديد لداود عليه السّلام و ان من احتجم فيه و كان هو يوم الرابع عشر او السابع عشر او العشرين شافاه اللّه تعالى من اوجاع كل السنة و في الحديث ان فيه ساعة من احتجم و اتفق فيها لم ينقطع دمه حتى يهلك و ان مات كانت له حاجة مشكلة فليطلب قضاءها يوم الثلاثاء،و في بعض الاخبار النهي عن تقليم الاظفار فيه و في الخبر انه يوم حرب و يوم صلح فيه اخذ الدم.

يوم الاربعاء يوم نحس لاكثر الاغراض و قد ورد النهي فيه عن الحجامة و النورة و السفر و في بعض الروايات تجويز الحجامة و السفر فيه و اذا احتاج الى الحجامة فيه فالاحسن وقوعها في آخر النهار و في الخبر النهي عن الحجامة فيه اذا القمر في العقرب و في الحديث انه جيد لاكل الدواء.

يوم الخميس مبارك لجميع الحوائج خصوصا للحجامة و الاحسن وقوعها قبل الزوال، و يحسن فيه تقليم الاظفار و الاولى ان يترك ظفرا منها ليوم الجمعة،و في الحديث ان النبي صلّى اللّه عليه و آله اذا احر(احتر خ)الهوى يخرج من البيت للمنام يوم الخميس،و ورد ايضا للدخول على الامراء و لقضاء الحوائج.

و في عيون الاخبار حديث طويل عن امير المؤمنين عليه السّلام قال فيه ثم قام اليه رجل فقال يا امير المؤمنين اخبرني عن يوم الاربعاء و تطيّرنا منه و ثقله و اي اربعاء هو؟فقال آخر اربعاء في الشهر و هو المحاق،و فيه قتل قابيل أخاه،و يوم الاربعاء القى ابراهيم عليه السّلام في النار،و يوم الاربعاء وضعوه في المنجنيق،و يوم الاربعاء اغرق اللّه فرعون و يوم الاربعاء جعل اللّه عز و جل عاليها سافلها،و يوم الاربعاء ارسل اللّه الريح على قوم عاد و يوم الاربعاء اصبحت كالصريم و يوم الاربعاء سلّط على نمرود البقّة،و يوم الاربعاء طلب فرعون موسى عليه السّلام ليقتله،و يوم الاربعاء خرّ عليهم السقف من فوقهم،و يوم الاربعاء امر فرعون بذبح الغلمان،و يوم الاربعاء خرّب بيت المقدس،و يوم الاربعاء حرّق مسجد سليمان بن داود باصطخر من كورة فارس و يوم الاربعاء قتل يحيى بن زكريا عليهما السّلام،و يوم الاربعا اظل فرعون اول العذاب و يوم الاربعا خسف اللّه عز و جل بقارون و يوم الاربعاء ابتلى ايوب عليه السّلام بذهاب اهله و ماله و ولده،و يوم الاربعاء ادخل يوسف عليه السّلام السجن و يوم الاربعاء قال اللّه عز و جل أَنّٰا دَمَّرْنٰاهُمْ وَ قَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ و يوم الاربعا اخذتهم الصيحة و يوم الاربعا عقروا الناقة،و يوم الاربعاء شجّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و كسرت رباعيته و يوم الاربعاء امطرت عليهم حجارة من سجيل،و يوم الاربعاء اخذت

ص:82

العمالقة التابوت،و سأله عن الايام و ما يجوز فيها من العمل فقال امير المؤمنين عليه السّلام يوم السبت يوم مكر و خديعة و يوم الاحد يوم غرس و بناء و يوم الاثنين يوم سفر و طلب و يوم الثلاثا يوم حرب و دم،و يوم الاربعا يوم شوم تتطيّر فيه الناس و يوم الخميس يوم الدخول على الامراء و قضاء الحوائج،و يوم الجمعة يوم خطبة و نكاح.

قال المؤلف عفى اللّه عنه الظاهر ان المراد باليوم في اكثر هذه الاخبار ما يشمل الليل ايضا و له شواهد من الاخبار،فان قلت ذكرت تقليم الاظفار و لم تذكر كيفيته،قلت قد وردت اكثر الاخبار مطلقة منها ما رواه الصدوق طاب ثراه عن الحسين بن ابي العلا انه قال للصادق عليه السّلام ما ثواب من اخذ من شاربه و قلّم في كل جمعة،قال لا يزال مطهرا الى الجمعة الاخرى، و قال الباقر عليه السّلام من أخذ من اظفاره و شاربه كلّ جمعة و قال حين يأخذه بسم اللّه و باللّه و على سنّة محمد و آل محمد صلوات اللّه عليهم لم يسقط من قلامة و لا جزازة الا و كتب اللّه عز و جل له بها عتق نسمة،و لم يمرض الا مرضه الذي يموت فيه و نحو ذلك من الاخبار،و هذا دليل على ان الترتيب غير منظور اليه و لكن المروي من فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله الابتداء بالمسبّحة من اليد اليمنى ثم الوسطى و هكذا الترتيب يبدأ باليسرى بالخنصر الى ان يختم بابهام اليمنى.

و قد ذكر له بعض المحققين نكتة لطيفة و هي ان اليد اشرف من الرجل فليبدأ بها و اليمنى اشرف من اليسرى،و اليمنى خمسة اصابع و المسبّحة افضل و هي المشيرة في كلمتي الشهادة من بين الاصابع،ثم بعدها ينبغي ان يبتدأ بما على يمينها اذا الشرع يستحب ادارة الطهور و غيره عن (على خ)اليمنى و ان وضعت ظهر اليد على الارض فالابهام هو اليمنى و ان وضعت الكف فالوسطى هي اليمنى و اليد اذا تركت بطبعها كان الكف مائلا الى جهة الارض اذ جهة حركت اليمنى الى اليسار و استتمام الحركة الى اليسار يجعل ظهر الكف عاليا فما يقتضيه الطبع،ثم اذا وضعت الكف على الكف صارت الاصابع في حكم حلقة دائرة فيقتضي ترتيب الدور الذهاب عن يميني المسبّحة الى ان يعود الى المسبحة فيقع البداية بخنصر اليسرى و الختم بابهامه و يبقى ابهام اليمنى،و انما قدّرت الكف موضوعا على الكف حتى تصير الاصابع كأشخاص في حلقة ليظهر ترتيبها و تقدير ذلك اولى من وضع الكفّ على ظهر الكف او وضع ظهر الكف على ظهر الكف فان ذلك لا يقتضيه الطبع.

قال و اما اصابع الرجل فالاولى عندي ان لم يثبت فيه نقل يبدء بخنصر اليمنى و يختم بخنصر اليسرى كما في التخليل فان المعاني التي ذكرناها لا تتجه هيهنا اذ لا مسبّحة في الرجل و هذه الاصابع في حكم صفّ واحد ثابت على الارض،فيبدأ من جانب اليمنى فان تقديرها حلقة بوضع الاخمص على الاخمص يأباه الطبع بخلاف اليدين انتهى كلامه،و في الفقيه انّ من

ص:83

قلّم اظفاره يوم الجمعة بيدأ بخنصره من اليد اليسرى و يختم بخنصره من اليد اليمنى و الاعتماد عندي على هذا و قد روى عكسه ايضا و اللّه سبحانه و تعالى اعلم بحقيقة الحال.

نور في بعض الاسباب الموجبة

لدفع نحوسة الايام و في احوال شهر محرم الحرام و احوال الكسوف و الخسوف اعلم ان التوكل على اللّه سبحانه من اقوى الاسباب فيه و كذلك الادعية المنقولة و آيات القرآن و التصدق فقد ورد في الحديث إقرأ آية الكرسي و احتجم في كل يوم و تصدّق و سافر في كل يوم تريد،و في الخبر ان الصدقة و الدعاء يردّان البلاء و قد أبرم ابراما و عن سهل بن يعقوب قال دخلت على الهادي عليه السّلام و كان عندي كتاب فيه اخبار عن الصادق عليه السّلام في اختيارات الايام فصححها لي فقلت له ان الانسان قد يضطر في اكثر اوقاته الى السفر في بعض الايام لاغراضه فما يفعل؟ فقال عليه السّلام يا سهل ان ولايتنا و محبتنا تحفظ شيعتنا من كلّ بلاء و مصيبة،لو انّ محبينا و موالينا يسلكون البر و البحر و يدخلون بين السباع و الاعداء من الجنّ و الانس لامنوا شرهم بولايتنا و محبتنا فاعتمد على اللّه و اخلص الولاية لنا ثم علّمه دعاء للاعتصام.

و اما احكام عاشوراء فقد روى الشيخ الراوندي في كتاب القصص عن الصدوق باسناده الى الصادق عليه السّلام قال ان في كتاب دانيال عليه السّلام ان المحرم اذا كان يوم السبت يكون الشتاء باردا و تغلو في الحنطة،و يكثر موت الاطفال و تسلم فيه الزراعة من الافات و يحصل في العنب و بعض الاشجار آفة و ترخص فيه الاسعار،و يقع فيه الطاعون في بلاد الروم و يكون حرب بين الروم و العرب و الظفر للعرب يغنمون اموال الروم و يأسرون ذراريهم و يكون الظفر للسلطان.

و اذا كان المحرم يوم الاحد يكون الشتاء معتدلا و يكون فيه مطر نافع،و يكون فيه انواع الموت و البلاء و يكون العسل قليلا في تلك السنة و يكون في الهوى اثر الطاعون و الوبا،و يكون في آخر السنة غلاء قليل في المأكولات يكون الغلاء للسلطان في آخره و اذا كان يوم الاثنين اول المحرم فانه يكون الشتاء صالحا و يكون في الصيف حرّ شديد و يكثر المطر في اوانه و يكثر العسل و يرخص الطعام و الاسعار في بلدان الجبال و تكثر الفواكه فيها و هي آذربيجان و عراق العجم و الاهواز و فارس،و قيل المراد ببلاد الجبال همدان و ما والاهما،و يكثر تلك السنة موت النساء و في آخر السنة يخرج خارجي على السلطان بنواحي المشرق،و يصيب بعض فارس غمّ و يكثر الزكام في ارض الجبل.

و اذا كان اول المحرم يوم الثلاثا فانه يكون الشتاء البرد و يكثر الغنم و العسل و يصيب بعض الاشجار و الكرم آفة من حدث يحدث في السماء،و يموت فيه خلق و يخرج على السلطان

ص:84

خارجي قوي و تكون الغلبة للسلطان و يكون في ارض فارس في بعض الغلات آفة،و تغلو الاسعار بها في آخر السنة،و اذا كان يوم الاربعاء اول المحرم فان الشتا يكون وسطا و يكون المطر في القيض صالحا نافعا مباركا و تكثر الثمار و الغلات في الجبال كلها و في ناحية المشرق الا انه يقع الموت في الرجال في آخر السنة،و يصيب الناس بأرض بابل و بالجبل آفة و ترخص الاسعار و تسكن مملكة العرب في تلك السنة و يكون الغلبة للسلطان.

و اذا كان يوم الخميس اول المحرم فأنه يكون الشتا ملائما و يكثر القمح و الفواكه و العسل بجميع نواحي المشرق،و تكثر الحمى في اول السنة و في آخره و بجميع ارض بابل في آخر السنة و يكون للروم على المسلمين غلبة ثم تظهر العرب عليهم بناحية المغرب و يقع بأرض السند حروب و الظفر لملوك العرب،و اذا كان يوم الجمعة فانه يكون الشتا بلا برد،و يقلّ المطر و ماء الاودية و العيون،و تقلّ الغلات بناحية الجبال مأة فرسخ في مأة فرسخ و يكثر الموت في جميع الناس،و تغلو الاسعار بناحية المغرب و يصيب بعض الاشجار آفة،و يكون للروم على الفرس كرّة شديدة و غلبة عظيمة.

و اما علامات كسوف الشمس في الاثنى عشر شهرا،فاذا انكسف الشمس في المحرم فان السنة تكون خصيبة الا انه يصيب الناس اوجاع كثيرة في آخرها و امراض،و يكون للسلطان الظفر على اعدائه و تكون زلزلة بعدها سلامة،و اذا انكسفت في صفر فأنه يكون فزع و جوع في ناحية المغرب،و يكون قتال في المغرب كثير،ثم يقع الصلح في ربيع الاول و الظفر للسلطان و اذا انكسفت في ربيع الاول فأنه يكون بين الناس صلح و يقل الاختلاف و الظفر للسلطان بالمغرب، و يقل البقر و الغنم و تتسع في آخر السنة الارزاق و يقع الوبا في البدو بالابل(بابل ظ)و اذا انكسفت في شهر ربيع الاول الاخر فأنه يكون بين الناس اختلاف كثير و يقتل منهم خلق عظيم و يخرج خارجي على الملك و يكون فزع و قتال و يكثر الموت في الناس.

و اذا انكشفت في شهر جمادي الاول فانه يكون السعة في جميع الناس بناحية المشرق و المغرب و يكون للسلطان الى الرعية نظر و يحسن السلطان الى اهل مملكته و يراعى جانبهم،و اذا انكسفت في جمادي الاخر فانه يموت رجل عظيم بالمغرب و يقع ببلاد مصر قتال و حروب شديدة و يكون ببلاد المغرب غلاء في آخر السنة،و اذا انكسفت في رجب فانه تعمر الارض و تكون امطار كثيرة و بناحية المشرق،و يكون جراد بناحية فارس و لا يضرهم ذلك.

و اذا انكسفت في شعبان تكون سلامة في جميع الناس من السلطان،و يكون للسلطان ظفر على اعدائه بالمغرب و يقع و باء في الجبال في آخر السنة و يكون عاقبته الى سلامة،و اذا انكسفت في شهر رمضان كان جملة الناس يطيعون عظيم فارس و يكون للروم على العرب كرة

ص:85

شديدة ثم يكون على الروم و يسبى منهم و يغنم و اذا انكسفت في شوال فأنه يكون في ارض الهند و الزنج قتال شديد و يكثر نبات الارض بالمشرق و اذا انكسفت في ذي القعدة فانه يكون مطر كثير متواتر و يقع خراب بناحية فارس.

و اذا انكسفت في ذي الحجة فانه يكون فيه رياح كثيرة و ينقص الاشجار و يقع بالارض من المغرب خراب و يغلو عليهم،و يخرج خارجي على الملك و يصيبه منه شدة و يقلّ طعام اهل فارس ثم يرخص الطعام في السنة الثانية.

في علامات خسوف القمر طول السنة اذا انكسف القمر في المحرم فانه يموت رجل عظيم و تنتقص الفاكهة بالجبال و يقع في الناس حكّة و يكثر الرمد بأرض بابل و يقع الموت و تغلو اسعارها و يخرج خارجي على السلطان و الظفر للسلطان و يقتلهم و اذا انكسف في صفر فأنه يكون جوع و مرض ببابل و بلادها حتى يتخوّف على الناس ثم يكون امطار كثيرة فيحسن نبات الارض و حال الناس و يكون بالجبال فاكهة كثيرة و اذا انكسف في شهر ربيع الاول فانه يقع في المغرب قتال و يصيب الناس يرقان و تكثر فاكهة البلاد بأرض ماه،و يقع الدود في البقول في الجبل و يقع خراب كثير بماه و اذا انكسف في شهر ربيع الاخر فانه يكثر الانداء و هي الرطوبات و المياه بالجبال و يكثر الخصب و المياه بالجبال،و تكون السنة مباركة و يكون للسلطان الظفر بالمغرب و اذا انكسف في جمادي الاولى فانه يهراق دماء كثيرة بالبدو و يصيب عظيم الشام بليّة شديدة،و يخرج خارجي على السلطان و الظفر للسلطان.

و اذا انكسف في جمادي الاخرة فأنه يقل الامطار و المياه بنينوى و يقع فيها جزع شديد و غلاء و يصيب ملك بابل الى المغرب بلاء عظيم و اذا انكسف في رجب فانه يكون بالمغرب موت و جوع و يكون في ارض بابل امطار و يكثر وجع العين في الامطار،و اذا انكسف في شعبان فان الملك يقتل او يموت ابنه،و يغلو الاسعار و يكثر جوع الناس.

و اذا انكسف في شهر رمضان يكون بالجبل برد شديد و ثلج و مطر و كثرة المياه و يقع بأرض فارس سباع كثيرة و يقع بأرض ماه موت كثير بالصبيان و النساء،و اذا انكسف في شوال فان الملك يغلب على اعدائه و يكون في الناس شرّ و بلية و اذا انكسف في ذي القعدة فانه تنفتح المدائن الشداد و تظهر الكنوز في بعض الارضين و الجبال،و اذا انكسف في ذي الحجة فانه يموت رجل عظيم بالمغرب و يدّعي رجل فاجر الملك.

قال مؤلف الكتاب عفى اللّه عنه هذه الملاحم علامات وصفها اللّه لنبيه دانيال و قد جربناها فرأيناها صادقة في كل الموارد و هو دليل على صحة الحديث الذي نقلت فيه.

ص:86

و اما الملحمة الاسكندرية فهي و ان لم تكن في الاعتبار مثل هذه الملحمة الا انها لا تخلو من قوة و اعتبار و موافقة التجارب فلذلك اردنا اختصارها هنا فنقول:

قد ذكر في تلك الملحمة ان الشمس اذا انكسف في شهر ايار مع طلوع الشمس دلّ على شمول الاضطراب سائر البلاد،و اضطراب امير الجبال و انتقال الملك عن السلطان الى غيره و على ان الملوك تتغير نياتهم على خواصهم و يستبدلون بهم و على ان المواشي تتناسل و كذلك البقر،و ان انكسفت و اظلم النهار فانه يشتد الرعود في تلك السنة و يكثر الامطار اذا مضى من هذا الشهر اثنان و عشرون يوما،و ان انكسفت و الضياء باق كان الحر شديدا بالنهار،و نهب في الناس و تفريق في اهل المدائن و زروعها و دوابهم و امتعتهم،و قتال بين الملوك و يكون في آذربيجان وقعة صعبة و امر شديد يجتمع الملوك بعضها الى بعض،و يذهب اموال اهل الشرق و الغرب،و ان كان كسوفها من قبل المشرق و ذلك في اوّل النهار،فان الملك يظفر على اعدائه و يهلكهم،و اذا انكسفت في حزيران في اول النهار يدلّ على تجدد سلطان في بلد الجبل غير سلطانه و على انه يقتل وجوه الناس و يدلّ على حسن حال المواشي و تناسلها و وقوع الوبا في السواحل و المواضع التي هي قريبة من البحر،و على انتقال الملك من بعض الملوك الى ولده و قتل والديه و انتشار الامور ببابل و اختلالها.

و ان انكسفت عند طلوعها وقع الشر و القتال بين ملكين و يهلكان جميعا و ان كان عند غروبها يدلّ على هلاك الغرب و هلاك رجل له قدر في بعض البلاد و ان كانت في وسط السماء فأمر يحدث في الارض و قتال بمصر و يقع فساد كبير في ارض بابل و ان انكسفت في تموز عند طلوعها تكثر الفتن و سائر المدن الملاصقة للمشرق و ظهور(يظهر ظ)الوباء في تلك السنة،و ان كان وسط السماء يدلّ على ارتفاع شأن ملك فارس و انقياد الملوك اليه،و يدلّ ايضا على كثرة الوبا في عموم البلاد في اكثر الارض و ان كان قبل المغرب يدلّ على خطب السنة و فساد التمور و على انه تطيع الملوك كلها ملك بابل،و تشدّ الروم على العرب و يغبلونهم.

و ان انكسفت في آب عند طلوعها يدلّ على قتال شديد و هرجة عظيمة صعبة،و ان كانت وسط السماء يدلّ على توسط حال السنة الا ان الحنطة يكثر بعضها و ينقص بعضها،و ان كان عند غروبها دلّ على كثرة الاراجيف المختلفة و القتال و يدلّ على امساك القطر و حسن امور الملك و يقتل اعدائه و تحسن نية السلطان و اولى الامر في اتباعهم و رعاياهم،و ان انكسفت في ايلول عند طلوعها اوجب الغلاء و اتصال الفتن و الشر و ان كانت وسط السماء فان بعض الملوك يقصد بلاد المغرب و يتصل الفتن في سائر البلاد،و يقل المطر و تفسد الخمور و تتعذر في

ص:87

هذه السنة و يقع الشر في ارض بابل و ان كان عند غروبها يدلّ على حين اهل نينوى و خراسان و كثرة التمور في تلك السنة.

و ان انكسفت و رأيت الشمس حمراء مستديرة في وقت الكسوف فأنه يدلّ على قتال شديد و سفك الدماء،و قال ذو القرنين انه يهلك الملك و تكون الاسعار صالحة و يهلك حصن من الحصون العظيمة و تكثر الاشجار و تصلح الارض،و يكون القتال و الحرب في ناحية مصر، و ان انكسفت في تشرين الاول في اول النهار فأنه يدلّ على هلاك رجل عظيم القدر و يموت الملك و تشتعل الحروب في الارض،و يظهر الجراد و ينقطع المطر و ان كانت وسط السماء فأنه يسقط رجل عظيم القدر و يكون فساد في آذربيجان و يصيب الدواب و الاغنام و ينقطع الغيث مدّة ثلاثة اشهر و ان انكسفت عند غروبها و قد الجراد في بلاد الروم.

و ان انكسفت في تشرين الثاني عند طلوعها و لم يتغير لونها و لم تسوّد فان السلطان يضعف امره،و يقع الغلا في ارض يونان مصر،و ان كانت في وسط السماء يدلّ على خصب السنة و حسن حالها و كثرة خيراتها مع كثرة العلل و الامراض التي تحدث آخر السنة و يدلّ ايضا على تعدي السلطان على اهل السواد و ينتقل بعض الملوك من مقر سريره الى مدينة اخرى يكون هلاكه فيها،و ان كان في آخر النهار فان الغلاء و الوباء يقعان في بلاد الروم،و يلحق العرب شدّة و يقع بينهم السيف و يكثر الغيث في البلاد و تقوى شوكة الملتصقة و ينقطع الطرقات، و ان انكسفت في كانون الاول دلّت على كثرة الخرابات و تشتد الرياح العواصف،و يقع الوبا في خراسان و فارس،و يكثر السمك و العصافير و يقع القتال في بلاد العرب و يكون الغالب الاضطراب في سائر المدن،و ينزعج ملك مصر من موضعه و ينحلّ نظام ملكه،و ان كانت بأسرها فأنه يكون جوع و موت ببابل و ارض موصل و بلد و فارس و يظهر مكر من العرب و ان كان بحمرة ينقص القمح و يكثر الشعير،و يكون قتل و فزع في المدينة و تكثر الاشرار و يهلك رؤساء قوم في ثلج و تنقص الخيرات و يقع الحروب.

و ان انكسفت في كانون الثاني ان كان جزؤيا يدل على خصب السنة و كثرة الخيرات و وفور الغلات و الثمار و اتصال الامطار و يدلّ على هرب رجل عظيم القدر من بلاد الروم و قصد فارس و دخوله على سلطانها و تتحارب السلاطين و يموت ملك مصر و تتقدم السفل و السقواط و تنحط اهل الشرف و يكثر المطر و البرد،و يظهر الجراد و تفسد الغلات و يكثر القتل و النهب في البلاد و يقهر الملك الصغير الكبير،و ان انكسفت كلها يهلك ملك حدث السنّ و يقع الغلا و القتل بمصر و يقتل الزنج ملكهم و يقتل النساء.

ص:88

ص:89

ص:90

ص:91

ص:92

ص:93

ص:94

حال الثمرات في خراسان و فارس،و ان ظهر من المغرب يدل على اضطراب الفتن و الحروب و ظفر من الملك بأعاديه،و ان ظهر في ازار من المشرق يدل على فتنة بين الملكين و ظفر احدهما بالاخر،و على الامطار و موت الاطفال،و ان ظهر من ناحية المغرب يدل على الوباء و انتقال من اماكنهم و كثرة الغلات و العصافير،و يظهر الجراد و يكون الغلاء بعد ذلك.

و اما احوال الزلازل فان كان في نيسان نهارا دلّت على حسن حال الفواكه و العنب و ان كان ليلا ينتقل الناس من اماكنهم،و ان كان في ايار نهارا دلت على كثرة الرخص و الخصب التام و المطر في اكثر البلاد،و ان كان ليلا فموت يقع في الناس و البقر و الغنم و حرب يقع في خراسان،و ان كان في حزيران نهارا دلّت على الغلاء في تلك السنة و قلّة المرعى،و ان كان ليلا يخرب مدينة بابل و يقع الموت في النساء،و يمرض خاصة الملك و يموت ملك نينوى و ان كان في تموز نهارا يدل على موت رجل جليل القدر و ان كان ليلا دلّت على ان خراسان مرضا و شرا عظيما في ايام الحصاد،و ان كان في آب نهارا دلّت عن حسن الطعام و كثرة القتال و السبي و تظهر اللصوص،و ان كان ليلا دلّت على ظهور اللصوص و قطع الطرق و فوران الحروب.

و ان كان في ايلول نهارا دلّت على كثرة التناسل و حسن حال الغلات و الثمار و موت رجل جليل القدر و ان كان ليلا يقع الحرب و ان كان في تشرين الاول نهارا دلّت على ظهور ملك يستولي على الدنيا و يفتقر الاغنياء و يستغني الفقراء و يكون موت في خراسان و ان كان ليلا تدل على اسقاط اهل الجبال،و ان كان في تشرين الثاني نهارا دلّت على كثرة الامراض و ان كان في كانون الاول نهارا دلت على موت الحيوانات،و ان كان في كانون الثاني نهارا دلّت على موت الاطفال و كثرة الخيرات و تكون امراض كثيرة و ان كان ليلا يدل على اضطراب الناس.

و ان كان في شباط نهارا يدل على اتصال الامطار و مرض الاطفال و اجتماع الجوش و تعصى الاولاد على آبائهم و لا يقبلون منهم و يقع الجوع و الوبا،و ان كان ليلا يدل على عموم الغم السائر البلدان و يتكلم الجنين في بطن امه و يكثر الشر و الامراض و يموت رجل عظيم،و ان كان في ازار نهارا يدل على كثرة اللصوص و يقتل الملك و تموت الناس ثم يكون في آخر السنة فرح و يكثر الطعام و يقع الجوع في بلاد الروم و يكثر الموت في هذه السنة،و ان كان ليلا يكون القتال بمصر و تكثر المياه و يظهر الموت في الناس و يصلح حال الاشجار و الثمار.

ص:95

نور في ذكر الشهور الاثنى عشر

و ما وقع فيها على طريق الاجمال،قال الشيخ الطوسي(ر ه)ان اول السنة هو شهر رمضان و لكن اهل التواريخ يجعلون اولها محرم الحرام،فنجري على موافقتهم،و الا فالاخبار انما دلت على قول الشيخ(ر ه)المحرم سمي بذلك لتحريم القتال فيه و الغالب عند العرب، و اليوم الاول منه معظم عند ملوك العرب و فيه استجاب اللّه تعالى دعوة زكريا و فيه ادخل ادريس عليه السّلام الجنة و في ثالثه خلاص يوسف عليه السّلام من الجب،و في خامسه عبر موسى عليه السّلام البحر، و في سابعه كلّمه على الطور،و في تاسعه اخرج يونس عليه السّلام من بطن الحوت و قد كان في بطنها سبعة ايام و طافت به سبعة ابحر،و فيه ولد موسى و يحيى و مريم عليهم السّلام،و في عاشره الداهية الكبرى التي لا تطيق الالسنة ذكرها،و في سادس عشره جعلت القبلة البيت المقدّس،و في سابع عشره نزل العذاب على اصحاب الفيل و في الخامس و العشرين منه كانت وفاة السجاد عليه السّلام.

صفر سمي بذلك لاصفرار الشجر فيه و قيل ان محال العرب كانت تصفّر من اهلها و تخلو لانهم يخرجون الى الغارات عند انقضاء المحرم،و في اوله أدخل رأس الحسين عليه السّلام الى دمشق و هو عيد بني امية،و كان مقتل زيد بن علي بن الحسين عليهما السّلام و في ثالثه احرق مسلم بن عقبة باب الكعبة و رمى حيطانها بالنهار فتصدعت،و كان يقاتل عبد اللّه بن الزبير من جهة يزيد لعنه اللّه، و فيه ولد الباقر عليه السّلام و في سابعه توفي الحسن بن علي و ولد الكاظم عليهم السّلام،و في سابع عشره توفي الرضا عليه السّلام و في العشرين منه رجوع حرم الحسين عليه السّلام الى المدينة و في الثالث و العشرين منه عاد الامر الى بني العباس و استخلف السفاح و لليلتين بقيتا منه قبض النبي صلّى اللّه عليه و آله.

ربيع الاول سمي بذلك لارتباع الناس فيه و كذا ربيع الثاني لان صلاح احوالهم كانت في هذين الشهرين،في ربيع الاول في اول يوم منه كانت وفاة العسكري عليه السّلام و مصير الامر الى القائم عليه السّلام و في اول ليلة منه هاجر النبي صلّى اللّه عليه و آله من مكة الى المدينة سنة عشر من مبعثه و كان ذلك ليلة الخميس،و فيها كان مبيت علي عليه السّلام على فراش النبي صلّى اللّه عليه و آله و في صبيحة هذه الليلة صار المشركون الى باب الغار و اقام النبي صلّى اللّه عليه و آله في الغار ثلاثة ايام بلياليهنّ،و خرج في رابعه متوجها الى المدينة فوصلها يوم الثاني عشر،و في ثامنه وفاة العسكري عليه السّلام و في تاسعه العيد الاعظم و هو مقتل عمر بن الخطاب و قد تقدم و بعضهم زعم ان مقتله يوم الاثنين لاربع بقين من ذي الحجة سنة ثلث و عشرين من الهجرة،و في عاشره تزوج النبي صلّى اللّه عليه و آله بخديجة و عمره خمس و عشرين سنة و عمرها اربعون سنة و في مثله لثماني سنين من مولده كانت وفاة جدّه عبد المطلب سنة ثمان من عام الفيل و في ثاني عشره سنة اثنتين و ثلاثين و مأة كان انقضاء دولة بني امية و في رابع

ص:96

عشره كان موت يزيد لعنه اللّه و له يومئذ ثمان و ثلثون سنة و في سابع عشره كان مولد النبي صلّى اللّه عليه و آله و مولد الصادق عليه السّلام.

ربيع الاخر في رابعه ولد العسكري عليه السّلام و قيل في عاشره اول سنة الهجرة استقر صلاة الحضر و السفر،جمادي الاولى سميّ بذلك لانه صادف ايام الشتاء حين جمد و اشتد البرد و كذا جمادي الاخر و يسمى جمادي الاولى خمسة و الثاني جمادي ستة لان الاولى خامس المحرم و الثانية سادسه،و في نصفه كان مولد السجاد عليه السّلام و فيه كانت وقعة الجمل و نزول النصر على علي عليه السّلام،جمادي الاخرة و في اول يوم منه نزول الملك على النبي صلّى اللّه عليه و آله،و في ثالثه وفاة فاطمة عليها السّلام،و في نصفه هدم ابن الزبير الكعبة بيده لما تولّى الامر و جعل لها بابين يدخل من احدهما و يخرج من الاخر،ثم ردها عبد الملك بن مروان الى ما كانت عليه،و في مثله سنة ثلث و سبعين قتل عبد اللّه بن الزبير و له ثلاث و سبعون سنة،و في عشرينه سنة اثنتين من المبعث كان مولد فاطمة عليها السّلام،و قيل سنة خمسة من المبعث،و في سابع و عشرينه كانت وفاة ابي بكر و ولاية عمر.

رجب سمي بذلك لانه يرجب أي يعظم و يسمى الاصب بالباء لانصباب الرحمة فيه و يقال له الاصمّ لانه لا يسمع فيه حركة سلام لانه من الاشهر الحرم،و في اوّله ركب نوح عليه السّلام في السفينة،و في غرته يوم الجمعة ولد الباقر عليه السّلام،و في ثالثه كانت وفاة الهادي عليه السّلام و ذكر ابن عيّاش ان مولد الهادي عليه السّلام كان ثاني رجب او في خامسه على الخلاف و ذكر ان في عاشره كان مولد الجواد عليه السّلام و في ثالث عشر يوم الجمعة ولد علي بن ابي طالب عليه السّلام في الكعبة قبل النبوة باثنى عشر سنة و للنبي صلّى اللّه عليه و آله ثمان و عشرون سنة،و في نصفه خرج النبي صلّى اللّه عليه و آله من الشعب و فيه بخمسة اشهر من الهجرة عقد النبي صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام على فاطمة عليها السّلام عقد النكاح و لها يومئذ ثلاثة عشر و روى تسعة او عشر و في هذا اليوم دعا ام داود و فيه حولت القبلة من بيت المقدس الى الكعبة،و في الثاني و العشرين منه ملك معاوية،و في خامس و عشرينه كانت وفاة الكاظم عليه السّلام و في سابع و عشرينه مبعث النبي صلّى اللّه عليه و آله.

شعبان سمي بذلك لتشعب العرب فيه الى طلب الغارات،و في ثانيه سن اثنتين من الهجرة فرض صيام شهر رمضان،و في ثالثه مولد الحسين عليه السّلام،و في نصفه مولد القائم عليه السّلام،و في عشرين منه النيروز المعتضدي.

رمضان سمي به لمصادفة شدة الرمضاء و هو شدة الحر،و قيل مأخوذ من الرمض و هو الاحتراق لاحتراق الذنوب فيه،و في الحديث ان رمضان من اسمائه تعالى فالشهر مضاف اليه، و من هذا جاء في الخبر لا تقولوا جاء رمضان و لا ذهب رمضان بل قولوا شهر رمضان،و فيه

ص:97

اوله سنة احدى و مأة كانت البيعة للرضا عليه السّلام و في عاشره سنة عشر من مبعث النبي صلّى اللّه عليه و آله قبل الهجرة بثلث سنين توفيت خديجة و توفي قبلها بثلاثة ايام في ذلك العام ابو طالب،و في نصفه مولد الحسن عليه السّلام و ليلة سبع عشر منه كانت ليلة بدر و هي ليلة الفرقان،و يوم سبعة عشر منه كانت الوقعة ببدر،و في ليلة تسع عشر منه يكتب و فد الحاج،و فيها ضرب امير المؤمنين عليه السّلام و في العشرين منه سنة ثمان فتحت مكة و فيه وضع علي عليه السّلام رجله على كتف النبي صلّى اللّه عليه و آله و نبذ الاصنام،و في الحادي و العشرين منه كان الاسراء بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و فيها رفع عيسى و قبض يوشع بن نون و موسى و علي بن ابي طالب عليهم السّلام.

و قال الطبرسي(ر ه)انزلت صحيفة ابراهيم لثلث مضين من رمضان،و التورية لست منه،و الانجيل لثلاث عشر،و الزبور لثماني عشر،و القرآن لاربع و عشرين و ليلة ثلث و عشرين من ليالي الاحياء و هي ليلة الجهني،و حديثه انه قال للنبي صلّى اللّه عليه و آله ان منزلي ناء عن المدينة فمرني بليلة ادخل فيها فأمره النبي صلّى اللّه عليه و آله ان يدخل ليلة ثلث و عشرين و هي ليلة القدر،و في الحديث ان الثلاث الليالي هنّ ليالي القدر،قال ابو عبد اللّه عليه السّلام التقدير في ليلة تسع عشر و الابرام في ليلة احدى و عشرين،و الامضاء في ليلة ثلاث و عشرين،و هذه الليلة التي قال اللّه فيها انا انزلناه في ليلة القدر و ما ادريك ما ليلة القدر ليلة القدر ليلة القدر خير من الف شهر،و هو مدة ملك بني امية كان الف شهر.

قال القاسم بن الفضل و علي بن مسلم حسبنا ملك بني امية فاذا هو الف شهر لا يزيد و لا ينقص،منها 1 سنو معاوية تسع عشر و ثمانية اشهر و اربعة عشرة يوما،2 و ملك يزيد لعنه اللّه تعالى ثلاث سنين و ثمانية اشهر و اربعة و عشرة يوما،3 و معاوية بن يزيد اربعون يوما،4 و مروان بن الحكم ستة اشهر و ثمانية عشرة يوما،5 و عبد الملك احدى و عشرون سنة و خمسون يوما،6 و الوليد بن عبد الملك تسع سنين و ثمانية اشهر و يومان،7 سليمان بن عبد الملك سنتان و تسعة اشهر و ثمانية عشرة يوما،8 و عمر بن عبد العزيز سنتان و تسعة و خمسة عشرة يوما،9 و يزيد بن عبد الملك اربع سنين و شهر،10 و هشام بن عبد الملك تسع عشر سنة و تسعة اشهر و ستة عشر يوما،11 و الوليد بن يزيد سنة و شهران و اثنان و عشرون يوما،12 و ابراهيم بن الوليد شهران و ثلثة ايام،13 و مروان بن محمد الى ان بويع العباس خمس سنين و شهران و عشرة ايام،فذلك تسعون سنة واحدة عشرة شهرا و ثمانية عشرة يوما،وضع من ذلك ايام الحسن عليه السّلام و هو خمسة اشهر و عشرة ايام،و ايام عبد اللّه بن الزبير و هي سبع سنين و عشرة اشهر و ثمانية ايام فصار الباقي بعد ذلك ثلاث او ثمانين سنة و اربعة اشهر يكون الف شهر سواء و ليالي

ص:98

الاحياء سبعة ليلتا الفطر و الاضحى و ليلة النصف من شعبان و اول ليلة من رجب و المحرم و ليلة عاشوراء و ليلة القدر.

شوال سمي بذلك لشولان الابل باذنابها في ذلك الوقت لشدة شهوة الضراب و لذلك كرهت العرب التزويج فيه و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انما سمي بذلك لان فيه شالت ذنوب المؤمنين أي ارتفعت و ذهبت و في اول يوم منه و هو العيد اوحى ربك الى النحل صنعة العسل،و في نصفه و قيل سابع عشره غزوة احد و مقتل حمزة عليه السّلام و فيه ردت الشمس على علي عليه السّلام و في آخره كانت اياك النحسات التي اهلك اللّه تعالى فيها عادا و قيل انها كانت ايام العجوز.

ذو القعدة سمي بذلك لقعودهم فيه عن الحرب و الغارات لكونه من الاشهر الحرم و في اول يوم منه و اعد اللّه تعالى موسى عليه السّلام ثلثين ليلة و في خامسه رفع ابراهيم و اسماعيل القواعد من البيت،و في خامس و عشرينه دحو الارض و في ليلته ولد ابراهيم و عيسى عليهما السّلام و في تاسع و عشرينه انزل اللّه الكعبة و هي اول رحمة نزلت من السماء.

ذو الحجة سمي بذلك لان مناسك الحج فيه و روى ان ميقات موسى ذو القعدة فأتمه اللّه بعشر ذي الحجة و في اوّله كان العزل لابي بكر عن برائة بعلي عليه السّلام و فيه ولد ابراهيم عليه السّلام و فيه اتخذه اللّه خليلا و فيه زوّج النبي صلّى اللّه عليه و آله فاطمة عليها السّلام و روى انه كان يوم السادس و قيل كان ذلك في رجب و في ثالثه تاب اللّه عز و جل على آدم عليه السّلام و في سابعه يوم الزينة التي غلب فيه موسة السحرة و ثامنه يوم التروية و تاسعه عرفة.

و قد وقع في الاخبار بوجه التسمية وجوه منها ان ابراهيم عليه السّلام رأى ليلة الثامن من ذي الحجة انه يذبح ولده اسماعيل فتروى ذلك اليوم و تفكّر في أنه هل هو اضغاث احلام ام من اللّه سبحانه الهام فعرفه في اليوم التاسع.

و منها ما روى من ان آدم و حوىّ تلاقيا بعد هبوطهما الى الدنيا و افتراقهما يوم الثامن فتروى آدم من معرفتها ذلك اليوم و عرفها يوم التاسع.

و منها ما روى من ان الحاج كانوا يقولون اذا ارادوا الخروج الى عرفات ترويتم من الماء، و اما التاسع فلقول جبرئيل عليه السّلام لادم اعترف بذنوبك،و في تاسعه سدّ النبي صلّى اللّه عليه و آله ابواب مسجده الا باب علي عليه السّلام و فيه قتل هاني و مسلم في الكوفة،و قيل ان المعراج كان فيه و كذا ولادة عيسى عليه السّلام و عاشره يوم عيد الاضحى و الثلاثة بعده ايام التشريق،و ثامن عشره يوم الغدير و فيه آخى النبي صلّى اللّه عليه و آله بين اصحابه و فيه قتل عثمان بن عفان و ليلة تسع عشر منه دخل علي عليه السّلام على الزهراء و كانت ليلة جمعة و في احد و عشرينه انزلت توبة آدم و في رابع و عشرينه نام علي عليه السّلام على فراش النبي صلّى اللّه عليه و آله و هو يوم تصدق امير المؤمنين عليه السّلام بخاتمه و هو يوم المباهلة،و روى ان يوم

ص:99

البساط الحادي و العشرين منه و في خامس و عشرينه نزلت سورة هل أتى في اهل الكساء و حيث انه قد تعارف التشأم من الايام و غيرها فلا بأس بذكره.

نور في التشام و حقيقته و اصابة العين و ما يناسبه

اعلم ان التشأم و هو الطيرة قد كان معروفا في اعصار الجاهلية و قد كانوا يتشأمون و يتطيرون(في خ)من امور كثيرة فلما جاء الشرع نهى عنها،روى شيخنا الكليني قدس اللّه ضريحه في الروضة عن النضر بن قرواش قال سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الجمال يكون فيها الجرب اعزلها من ابلي مخافة ان يعديها جربها و الدابة ربما صفرت لها حتى تشرب الماء فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام ان اعرابيا اتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال يا رسول اللّه اني اصيب الشاة و البقرة و الناقة بالثمن يسير و بها جرب فاكره شرائها مخافة ان يعدى ذلك الجرب ابلي و غنمي فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يا اعرابي فمن اعدى الاول ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا عدوى و لا طيرة و لا هامة و لا شومة و لا صفر و لا رضاع بعد فطام الحديث.و في حديث آخر قال الصادق عليه السّلام قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كفّارة الطيرة التوكل.

و روى الجمهور عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال الطيرة شرك و ما منّا و لكن اللّه يذهبه بالتوكل، هكذا جاء في الحديث مقطوعا،و لم يذكر المستثنى أي ما منا احد الا و يعتريه التطيّر و تسبق الكراهة الى قلبه فحذف اختصارا و اعتمادا على فهم السامع،و انما جعل الطيرة من الشرك لانهم كانوا يعتقدون ان التطير يجلب لهم نفعا و يدفع عنهم ضررا اذا عملوا بموجبه فكأنهم جعلوه شريكا للّه تعالى،و قوله و لكن اللّه يذهبه بالتوكل معناه ان الذنب الحاصل من عروض التطير يذهب بالتوكل فيكون كفارته كما في ذلك الحديث و في الاخبار ما يدل على الطيرة في الجملة منها ما رواه الصدوق عن سليمان بن جعفر الجعفري عن ابي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام قال الشوم للمسافر في طريقه في سبعة الغراب الناعق عن يمينه و الكلب الناشر لذنبه و الذئب العاوي الذي يعوي في وجه الرجل و هو مقع علي ذنبه يعوي ثم يرتفع ثم ينخفض ثلاثا و الظبي السانح من يمين الى الشمال و البومة الصارخة و المرأة الشمطاء تلقى فرجها و الاتان العضباء يعني الجدعاء فمن اوجس في نفسه منهنّ شيئا فليقل اعتصمت بك يا رب من شر ما اجد في نفسي فاعصمني في ذلك قال فيعصم من ذلك و المراد من الطبي السانح المارّ من جانب اليمين الى الشمال و قد كانوا يتشأمون به كما يتيمنون بخلافه فأنه امكن للتمكن من رمي السهم للظبي،و الشمطاء مأخوذ من الشمط و هو بياض شعر الرأس يخالط سواده،و قوله تلقى فرجها معناه انك تستقبلها ذاهبا اليها او مقبلة اليك،و اما العدوى و هو سراية الامراض بالمخالطة فقد

ص:100

عرفت ان النهي ورد من الشارع عنها ايضا و لكن روى اعتبارها ايضا و النهي عن ارتكاب موجباتها منها ما روى عنه عليه السّلام انه قال لا يورد ممرض على مصحح و قال عليه السّلام فرّ من المجذوم فرارك من الاسد و زعم اهل الطلب ان المسريات سبع،الجذام،و الجرب و الجدري و الحصبة و البخر و الرمد و الامراض الوبائية و وجه الجمع بين اخبار هذا الباب وجوه.

اولها ان الطيرة و العدوى قد تسريان مع التوهم منهما،روى الصدوق باسناده الى الصادق عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اوحى اللّه عز و جل الى داود عليه السّلام يا داود كما لا تضرّ الطيرة من لا يتطير منها كذلك لا ينجو من الفتنة المتطيرون.

و روى الكليني عن الصادق عليه السّلام انه قال الطيرة على ما تجعلها ان هوّنتها تهوّنت و ان شددتها تشددّت و ان لم تجعلها شيئا لم تكن شيئا،و روى ان الحسن عليه السّلام مرّ يوما بجماعة من المجذومين و هم يأكلون و كان عليه السّلام صائما فقالوا هلّم الى الغذاء فقال اني صائم و خشى ان يكون قد حصل لهم بذلك كسر قلب فقال تأتوني الليلة جميعا لافطر معكم فأتوه عند المساء و اكل معهم على خوان واحد جبرا لقلوبهم،و روى مثل ذلك عن السجاد عليه السّلام و يكون هذا من باب ما روى من ان الباد نجان لما اكل فان كان قد اكل للدواء يكون دواء و ان كان قد اكل للداء يكون داء لان معناه انه اذا اكل و توّهم من اكله الداء يكون داء لان الذي يأكله يقصد المرض و الداء فانه لم يقع ابدا فيكون تأثير الطيرة و العدوى مسببا عن التوهّم منهما و هذا ليس بغريب، و في الشرع ما هو اغرب منه كما سيأتي في نور المنام ان شاء اللّه تعالى من الاخبار الدال على ان الطيف يقع على ما يعبّر و يفسّر فيكون تعبير الطيف سببا لوقوعه على أي نحو يعبر، و العادات شاهدة بمثل هذا فانا شاهدنا جماعة قد عوّدوا انفسهم حال السعي في طلب الحوائج التشأم من قول الذي يلقاهم و يسألهم فيقول يا فلان اين تريد فيرجعون و يدعون السعي في الحوائج حتى انهم لو مضوا على طلب تلك الحاجة لما قضيت و بعضهم قد عوّد التشأم من رؤية الاعور و قد رأينا من بالغ في التشأم حتى صار يتطير من النظر الى من لبس العباة السوداء و ربما حصل له بعض الضرر اذا ترك بعض عاداته فيرى حينئذ انه على صواب بارتكاب تلك المحظورات و غرض صاحب الشرع الانور سدّ هذا الباب و الالتجاء الى التوكل على جناب الحق و دفع نحوسة التشأم من المذكورات في الخبر السابق و غيرها بالدعاء و آيات القرآن،و لقد جربنا قرائة آية الكرسي لدفع كل هول و خوف من الحاليّات و المستقبلات،و من جملتها انه قد كنا في بعض الاسفار فغار علينا جماعة من اللصوص فشرعت انا في قرائة آية الكرسي فلما وصلوا الينا تشاوروا في امرهم ثم اتوا الينا بالسلام و التحيات الخاصة و قد كنّا ضللنا عن الطريق فأرسلوا معنا واحدا منهم الى ان وصلنا الى قريب المنزل و جربنا ان قرائتها في اول

ص:101

النهار و اول الليل يقي من طوارقهما و آفاتهما و قد اشرنا الى جماعة من الجنود و العساكر الذين يباشرون الحروب فكانوا يقرأونها و يدخلون بين الصفوف و يخرجون سالمين غانمين و كذلك في الاسفار فلقد سافرنا مع قوافل كل قافلة تزهو على الالف و كنت اقرأ آية الكرسي كل يوم اذا ركبنا و اذا حللنا ليلا و نهارا فلما رجعنا من ذلك السفر الطويل رجعناهم سالمون لم يتصدعوا بوجع و لا الم و لا فقد مال و لا وجه من الوجوه و مثل هذا قد جربناه كثيرا و في الخبر ان الانسان اذ قرء آية الكرسي مرة واحدة ارسل اللّه اليه ملكا يحفظه فاذا قرئها مرتين ارسل اللّه اليه ملكين يحفظانه فاذا قرئها ثلاثا ارسل اليه ملائكة ثلاثة يحفظونه،فاذا قرأها اربعا ارسل اليه اربعة من الملائكة يحفظونه فاذا قرأها خمسا قال اللّه سبحانه للملائكة تنّحوا عنه و دعوني انا احفظه فيحفظه الجبار عزّ و جل من جميع موارد الاذى.

و ثانيها ما ذكره شيخنا الشهيد قدس اللّه روحه من ان النفي في قوله صلّى اللّه عليه و آله لا عدوى المراد به نفي ما كانوا يظنونه من ان الامراض تتعدى بأنفسها من غير مشية اللّه سبحانه فنهاهم النبي صلّى اللّه عليه و آله عن هذا الاعتقاد الفاسد من ان الطيرة و العدوى مؤثرة بنفسها من غير ارادة اللّه و مشيئته و قال لا عدوى و لا طيرة يعني انهما ليس لهما تأثير من انفسهما بل المؤثر هو مشيئته سبحانه المقارنة لوقتيهما و يؤيد هذا ان العدوى كثيرة الوقوع و يمكن ان يكون السبب في الوقوع ما مرّ في الوجه الاول.

و ثالثها ان النفي منصرف الى الكمال و الاستقلال و هو خبر لا المحذوف فيكون معناه لا عدوى و لا طيرة كاملة في الاسلام كما كانت في اعصار الجاهلية فقد رفع منها بميامن بركة النبي صلّى اللّه عليه و آله شدّة ذلك التأثير و قد بقى البعض و قد ورد الامر بخلاف ما يعمله المتطيرون روى الدقاق قال كتبت الى ابي الحسن الثاني عليه السّلام اسأله عن الحجامة يوم الاربعاء لا تدور فيكتب عليه السّلام من احتجم يوم الاربعاء لا تدور خلافا على اهل الطيرة عوفي من كل آفة و وقى من كل عاهة، و اما قوله في الحديث الاول و لا هامة فقد فسرّها صاحب النهاية بطير يتشأمون به و هو البومة و في هذه الاعصار يتشأمون بها ايضا مع انه قد روى في الاخبار ان البومة كانت تألف الناس في الحجور و على الموائد و البيوت فلما قتلوا الحسين عليه السّلام نفرت و ذهبت عنهم و ذهبت الى الدويان و المواضع الخربة تبكي على الحسين عليه السّلام و تنوح عليه بصوتها و مثل هذه لا يتشأم منها،و قيل ان العرب كانت تزعم ان روح القتيل الذي لا يدرك بثاره تصير هامة فيقول اسفرني اسفرني فاذا ادرك بثاره طارت،و قيل كانوا يزعمون ان عظام الميت و قيل روحه تصير هامة فتطير و يسمونه الصدى فنفاه الاسلام و نهاهم عنه.

ص:102

و قوله صلّى اللّه عليه و آله و لا شوم كالتأكيد لما تقدمه قوله و لا صفر قال صاحب النهاية كانت العرب تزعم ان في البطن حيّة يقال له الصفر تصيب الانسان اذا جاع و تؤذيه و انها تعدى فأبطل الاسلام ذلك و يجوز ان يكون المراد به الصفير بقرينة انه لم يذكر و يظهر من بعض الاخبار كراهته.

بقي الكلام في المام العين و تاثيرها و هو مما لا يشكّ فيه فأنه قد ورد في الادعية الاستعاذة باللّه تعالى منها و من تأثيرها،و روى في الاخبار ان النبي صلّى اللّه عليه و آله لما اقام عليا اماما للناس يوم الغدير و رقى المنبر الذي علموه له من رحال الابل و أخذ في تعداد مدائح علي و النص عليه اتى المنافقون اليه و قالوا ما بقى لنا الا ان نصيبه بالعين حتى لا يتم امر بن عمه علي فينا فطفقوا فيما راموه فقال بعضهم انظروا الى عينيه كيف يجولان في رأسه لشدة ارادته هذا الامر في ابن عمه كأنهما علقتا دم،و اخذوا في مثل هذا التشبيه حتى اطلع اللّه نبيه صلّى اللّه عليه و آله على كيدهم بقوله وَ إِنْ يَكٰادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصٰارِهِمْ لَمّٰا سَمِعُوا و هو ذكر علي بن ابي طالب عليه السّلام وَ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ أي ان محمدا مجنون في حبّ ابن عمه وَ مٰا هُوَ إِلاّٰ ذِكْرٌ لِلْعٰالَمِينَ يعني ليس ما يقولون حقا بل هو مذكر للعالمين و قد كانت العرب اذا اشتهوا اكل اللحم عمد بعضهم الى الجمل الواقف الصحيح و اخذوا في تشبيهه حتى تصيبه عيونهم فيقع الى الارض من ساعته فبادروا الى نحره و اقتسام لحمه و في هذه الاعصار ايضا قد شاهدناه كثيرا.

و من هذا قال صلّى اللّه عليه و آله ان العين لتدخل الرجل القبر و الجمل القدر،و قال ايضا لا رقية الا من عين او حمة،و الحمة بالتخفيف لسعة العقرب و اشباهه،و معناه انه لاشء ينبغي ان يبالغ في التعويذ عليه الا تأثيرات العين فأن رفعها يحتاج الى انواع الرقيات و قيل معناه انه لا يجوز الرقيات المشتملة على القرائة و النفث الا من هذين الشيئين لان النفث قد ورد النهي عنه.

و قال الصادق عليه السّلام من اعجبه من اخيه شيء فليبارك عليه فان العين حق يقول بارك اللّه عليك في كذا،و قد امر النبي صلّى اللّه عليه و آله ان يكتب عوذة لولدي جعفر بن ابي طالب من عيون الناس،و قد كانوا في اعصار الماضية اذا ارادوا ان يصيبوا حيوانا او غيره بأعينهم يتجوّعون ثلاثة ايام ثم يأتون اليه فيشبهونه حتى يقتلونه،و بالجملة فتأثير العين مما لا ينبغي الشك فيه، و قول بعضهم انه اتفاقي و ان العين لا تأثير لها مما لا ينبغي نعم من قوى توكله على اللّه تعالى لا تأخذه عين و لا غيرها بل لا تضره السباع و الافات و حيث ان المناكحات من اهم امور الناس فلا بأس بذكر احوالها.

ص:103

نور في التزويج و احواله و احكامه

اعلم ان المقصود من ايجاد هذا العالم هو العبادة كما قال تعالى وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ و كلما كانت العبيد اكثر كانت الطاعة اوفر،و من ثم قوّى سبحانه داعي النكاح بالقائه الشهوة لانه كان يعلم ان الناس لو بقوا على داعي الثواب و تحصيل النسل لما ارتكبه الا القليل،و قد ورد من صاحب الشرع الانور من الحث عليه شيء كثير.

قال الصادق عليه السّلام من كان له ما يتزوج به فلم يتزوج فليس منا،و قال عليه السّلام التمسوا الرزق بالنكاح و من ترك التزويج مخافة العيلة فقد اساء الظن بربه لقوله تعالى إِنْ يَكُونُوا فُقَرٰاءَ يُغْنِهِمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ و قال امير المؤمنين عليه السّلام افضل الشفاعات ان يشفع بين اثنين في نكاح حتى يجمع اللّه بينهما و قال صلّى اللّه عليه و آله تزوجوا فان مكاثر بكم الامم غدا يوم القيمه حتى ان السقط ليجىء محبنطئا على على باب الجنه فيقال له ادخل الجنة،فيقول لا حتى يدخل ابواى قبلى المحبنطى الممتلى غيظا و قال عليه السّلام ركعتان يصليهما متزوج افضل من صلاة رجل عزب يقوم ليله و يصوم نهار؛و قال عليه السّلام اراذل موتاكم العزاب.

و قال عليه السّلام يا معشر الشبّان من استطاع منكم الباه فليرّوح،و من لم يستطع فليد من الصوم فأنه له و جاء،و الوجاء قطع الذكر و الخصيتين،و عن ابي الحسن عليه السّلام قال جاء رجل الى ابي جعفر عليه السّلام فقال ابو جعفر عليه السّلام هل لك زوجة؟قال لا قال ما احب انّ لي الدنيا و ما فيها و ابيت ليلة و ليست لي زوجة،و قال عليه السّلام تزوّجوا و لا تطلقوا فأن الطلاق يهتز منّه العرش،و ان اللّه لا يحب الذواقين و الذواقات،و تزوجوا في الحجر الصالح فان العرق دساس،و قال عليه السّلام من تزوّج و القمر في العقرب لم ير الحسنى،و روى انه يكره التزويج في محاق الشهر،و ينبغي ان يختار من النساء النجيبة العفيفة الجميلة صاحبة الدين الولود،قال امير المؤمنين عليه السّلام تزوّج عيناء سمراء عجزاء مربوعة فأن كرهتها فعليّ الصداق،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اذا اراد ان يتزوّج امرأة بعث اليها من ينظر اليها،و قال شمّى لبتّها فان طاب عرفها و ان درم كعبها عظم كعثبها اللبة صفحة العنق،و العرف الريح الطيبة و درم كبها أي كثر لحمه،و الكعثب الفرج.

و قال عليه السّلام اذا اراد احدكم ان يتزوج فليسأل عن شعرها كما يسأل عن وجهها فان الشعر احد الجمالين،و قال عليه السّلام ما استفاد امرأ فايدة بعد الاسلام افضل من زوجة مسلمة تسره اذا نظر اليها و تطيعه اذا امرها و تحفظه اذا غاب عنها في نفسها و ماله،و قال عليه السّلام الحياء عشرة اجزاء تسعة في النساء و واحد في الرجال،فاذا خفضت المرأة (1)ذهبت جزء من حيائها،و اذا تزوجت

ص:104


1- (16) الخفض في المرأة [1]الختان للرجل.

ذهب جزء،و اذا افترعت (1)ذهب جزء و اذا ولدت ذهب جزء،و بقى لها خمسة اجزاء فان فجرت ذهبت حياؤها كلها و ان عفت بقى لها خمسة اجزاء،و قال امير المؤمنين عليه السّلام خلق اللّه الشهوة عشرة اجزاء فجعل تسعة اجزاء في النساء و جزء واحدا في الرجال و لو لا ما جعل اللّه عز و جل فيهنّ من الحياء لكان لكل رجل تسع نسوة متعلقات به،و قال الصادق عليه السّلام ان اللّه جعل للمرأة صبر عشرة رجال فاذا هاجت بها كانت لها قوة شهوة عشر رجال.

و ينبغي ان يجتنب تزويج الجميلة اذا لم تكن من الانجاب فانه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ايها الناس اياكم و خضراء الدمن،قيل يا رسول اللّه و ما خضراء الدمن؟قال المرأة الحسناء في منبت السوء،و قال الصادق عليه السّلام اذا تزوّج لما لها و جمالها ام يرزق ذلك،فان تزوجها لدينها رزقه اللّه عز و جل جمالها و مالها.

و اما في الامم السابقة فقد كان الافضل لهم ترك التزويج و لذا مدح اللّه سبحانه يحيى بأنه كان سيدا و حصورا،و الحصور الذي لم يتزوج و كانوا يترهبون في الجبال و يعبدون اللّه سبحانه و يسيحون في الارض،و كان بعضهم يمزق ترقوته فيجعل فيها سلسلة و يشدّها في سوارى المسجد ملازمة للعبادة،و كان بعضهم يخصى نفسه حتى لا يكون له داعي الشهوة و لما جائت الملّة البيضاء نسخت تلك الاحكام كلها،فقال عليه السّلام من رغب من سنتي و هو النكاح فليس مني،و قال تعلموا من الديك خصالا السخاوة و الشجاعة و الغيرة و الايقاظ لوقت الصلاة و كثرة الطروقة و هو الجماع،و سهّل علينا ما كان مضيفا على الامم المتقدمين،فقال صلّى اللّه عليه و آله ان الاتكاء في المساجد رهبانية العربية فيكون مدحا لهم لانه قائم في الفضل مقام الترهب و هو ترك الدنيا للعبادة،و المراد بالاتكاء هنا متكأ لانتظار اوقات الصلوة و العلامة(ر ه)في المنتهى قال و يكره الاتكاء في المساجد لقوله عليه السّلام الاتكاء في المساجد رهبانية العرب فعقل منه ذم الاتكاء عكس ما قلناه،و جعل بدل الخصا الصوم لانه يقللّ الشهوة و يصفى الباطن،و من هذا جاء في الحديث القدسي كل عمل ابن آدم له الا الصوم فأنه لي و انا اجرى به،و هذا الحديث لا يخلو من اشكال حيث ان ظاهره التفضل على الصلوة،مع انه صلّى اللّه عليه و آله قال افضل اعمالكم الصلوة، و من هنا تصدّى المحققون لتأويله فذكروا له وجوها.

منها انه اختص ترك الشهوات و الملاذ في الفرج و البطن و ذلك امر عظيم يوجب التشريف،و اجيب بالمعارضة بالجهاد فان فيه ترك الحياة فضلا عن الشهوات و بالحج اذ فيه الاحرام و متروكاته كثيرة،و منها انه امر خفيّ لا يمكن الاطلاع فلذلك شرّف بخلاف الصلوة و الجهاد و غيرهما،و أجيب بأن الايمان و الاخلاص و افعال القلب الحسنة خفية مع تناول

ص:105


1- (17) افترع البكر:ازال بكورتها.

الحديث اياها،و منها ان خلاء الجوف تشبيه بأجلّ صفات الربوبية و هي العلم الذاتية و كذلك الاحسان الى المؤمنين و تعظيم الاولياء و الصالحين كل ذلك فيه التخلق تشبيها بصفات اللّه تعالى،و منها ان جميع العبادات وقع التقرّب بها الى غير اللّه الا الصوم فأنه لم يتقرب به الا اليه وحده،و أجيب بأنه يفعله اصحاب استخدام الكواكب،و منها ان الصوم يوجب صفاء العقل و الفكر بواسطة ضعف القوى الشهوية بسبب الجوع،و لذلك قال عليه السّلام لا تدخل الحكمة جوفا ملئ طعاما و صفاء العقل و الفكر يوجبان حصول المعارف الربانية التي اشرف احوال النفس الانسانية و اجيب بأن سائر العبادات اذا واظب عليها اورثت ذلك و خصوصا الصلوة، قال اللّه تعالى وَ الَّذِينَ جٰاهَدُوا فِينٰا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنٰا، و قال تعالى اِتَّقُوا اللّٰهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ قال بعضهم لم ار فيه فرقا تقرّ به العين و يسكن اليه القلب و قال شيخنا الشهيد قدس اللّه روحه و لقائل ان يقول هب ان كل واحد من هذه الاجوبة مدخول بما ذكر فلم لا يكون مجموعها هو الفارق فانه لا تجتمع هذه الامور المذكورة لغير الصوم و هذا واضح.

و منها ان اللّه سبحانه قد جعل لكل عبادة جزاء مذكورا مقررا سوى الصوم كقولك خط (1)هذا الثواب بكذا و ذاك بكذا و هذا الثواب اجعل مقدر اجرته الى و لا يلزم منه ان يكون افضل من غيره فتأمل،و اما قوله أجزى به فهو على صيغة المعلوم و معناه مضاعفة الجزاء من غير عدد و حساب،لان الكريم اذا توّلى بنفسه الجزاء اقتضى عظمته وسعته،و تقديم الضمير للتخصيص او للتأكيد و الاول انسب بالسياق،أي انا اجرى به لا غيري بخلاف باقي العبادات فان جزائها قد يفوّض الى الملائكة و ذهب شيخنا المعاصر أدام اللّه ايامه الى ان أجزى من باب المجهول و المعنى ان عبادي لا يجازوني على نعمائي بمثل الصوم و هو كما ترى.

و بالجملة فالتزويج مرغب فيه من جهة الشرع و كذلك مخالطة النساء،و في الروايات ان عثمان بن مظعون قدس اللّه روحه لما نظر الى الدنيا و فنائها و سمع من النبي صلّى اللّه عليه و آله المواعظ البالغة حمله ذلك على ان لبس الثياب الخلقة و ترك اهله و مضى الى بعض جبال المدينة ليتخلى للعبادة فجائت امرأته يوما الى بيت النبي صلّى اللّه عليه و آله فلما دخل عليه السّلام البيت عرفها فقال هذه امرأة اخي عثمان،فقالت له زوجته نعم يا رسول اللّه لكن يا رسول اللّه زوجها فارقها و مال الى بعض الجبال للعبادة و من هذا امرأته لم تمسّ الطيب مدّة و لم تلبس افخر ثيابها.

فلما سمع النبي صلّى اللّه عليه و آله كلامها خرج غضبانا يجرّ طرف ردائه على الارض فرقى المنبر و اجتمع الناس و امر باحضار عثمان،فأبلغ في الخطبة و قال أ تريدون دينا خيرا من ديني و سنّة

ص:106


1- (18) من الخياطة.

أهدى من سنتي،و اللّه لو كان اخي موسى حيا لما وسعه الا اتباعي انظروا الى ما افعل اني اصوم و افطر و اصلي و انام و انكح النساء و آكل و اشرب،ثم التفت الى عثمان و قال له ان اللّه سبحانه غنيّ عن ثيابك هذه الخشنة فقم و انزعها و ادخل على(الى خ)اهلك و خالطهم و اكتسب لهم فترك عثمان ما كان فيه.

نعم ذا علم أو ظنّ ان المرأة تحمله على ما لا قدرة له عليه فيرتكب بسببها المآثم و فعل الحرام حرم التزويج كما في بعض امصار هذه الاعصار،و روى الشيخ الجليل احمد بن فهد في كتاب التحصين عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليأتينّ على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه الا من يفرّ من شاهق الى شاهق و من حجر الى حجر كالثعلب بأشباله قالوا و متى ذلك الزمان؟قال اذا لم تنل المعيشة الا بمعاصي اللّه فعند ذلك حلّت العزوبة،قالوا يا رسول اللّه امرتنا بالتزويج،قال بلى و لكن اذا كان ذلك الزمان فهلاك الرجل على يدي ابويه فان لم يكن له ابوان فعلى يدي زوجته و اولاده،فان لم يكن له زوجة و لا ولد فعلى يدي قرابته و جيرانه،قالوا و كيف ذلك يا رسول اللّه؟قال يعيرونه بضيق المعيشة و يكلفونه ما لا يطيق حتى يوردوه موارد الهلاكة،و ان لم يكن كذلك ففي التزويج فضل عظيم لما ورد في ثواب خدمتهنّ.

روى عن مولانا امير المؤمنين عليه السّلام قال دخل علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و فاطمة عليها السّلام جالسة عند القدر و انا انقى العدس،فقال يا ابا الحسن قلت لبيك يا رسول اللّه،قال اسمع مني و ما اقول الا من امر ربي،ما من رجل يعينّ امرأته في بيتها الا كان له بكل شعرة على بدنه عبادة سنة صيام نهارها و قيام ليلها،و اعطاه اللّه من الثواب مثل ما اعطاه الصابرين و داود النبي و يعقوب و عيسى عليهم السّلام،يا علي من كان في خدمة العيال و لم يأنف كتب اللّه تعالى اسمه في ديوان الشهداء و كتب له بكل يوم و ليلة ثواب الف و شهيد،و كتب له بكلّ قدم ثواب حجة و عمرة و اعطاه اللّه بكل عرق في جسده مدينة،يا علي ساعة في خدمة العيال في البيت خير من عبادة الف سنة،و الف حجة و الف عمرة و خير من عتق ال رقبة،و الف غزوة و الف مريض عاده و الف جمعة و الف جنازة و الف جايع يشبعهم و الف عار يكسوهم و الف فرس يوجهه في سبيل اللّه و خير له من الف دينار يتصدق به على المساكين و خير له من ان يقرأ التورية و الانجيل و الزبور و الفرقان و من الف اسير اعتقه،و خير له من الف بدية يعطى المساكين و لا يخرج من الدنيا حتى يرى مكانه في الجنة يا علي من لم يأنف من خدمة العيال دخل الجنة بغير حساب يا علي خدمة العيال كفارة الكبائر و يطفى غضب الرب و مهور الحور العين و يزيد في الحسنات و الدرجات يا علي لا يخدم العيال الا صديق او شهيد او رجل يريد اللّه به خير الدنيا و الاخرة

ص:107

و روى الصدوق عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال من اطاع امرأته اكبه اللّه على منخريه في النار فقيل و ما تلك الطاعة،فقال تدعوه الى النايحات و العرسات و الحمامات و الثياب الرقاق فيجيبها فان قلت ما معنى هذا الحديث.

قلت اما النايحات فلا يحرم خروج المرأة اليه كله لانه قد روى ان نساء الائمة عليهم السّلام كنّ يخرجن للتعزية و كان عليه السّلام يقول ان هذه حقوق الناس فلتقض الحقوق و كذلك العرسات فانه ورد ان ام سلمة و غيرها من نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله كنّ يخرجنّ الى عرسات اهل المدينة و حينئذ فالنهي في هذا الحديث محمول على ما اذا لم يكن خروجهنّ بقصد اداء الحقوق بل يكون بقصد التنزه و التفرّج و يكون في تلك المحافل و الامكنة آلات اللهو و الطرب الغير المحللة كما هو المعتاد في هذه الاعصار.

و اما الحمامات فلم نطّلع على خبر يرخص النساء دخولها و الاخبار متظافرة على المنع فقد روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال من كان يؤمن باللّه و اليوم الاخر فلا يبعث بحليلته الى الحمام، و قد خص هذا النهي شيخنا الشهيد قدس اللّه روحه بحالة اجتماعهنّ اما مع الانفراد فلا بأس و استثنى من الكراهة مع الاجتماع حال الضرورة و قال الائتزار يخفف الكراهة و ان اجتمعنّ، اقول و على هذا يكون النهي عنه كالنهي عن الاولين لانه اذا خرجنّ لا لضرورة يكون خروجهنّ لاجل التنزه و التنعم و ذلك لا يندفع بالايتزار كما هو المعروف ايضا،و الظاهر ان هذه لا يكون من باب الضرورة نعم الضرورة غسل الجنابة و امثاله مع برودة الهوى و ظنّ الضرر بمباشرة الماء و الاولى ان لا يجيبها في هذا ايضا بل يعودها الغسل في المنزل أ لا ترى الى كثير من البلدان التي لم يوجد فيها الحمامات فان نساء اهلها قد اعتادوا على الغسل في منازلهم و العادة قاضية بكل شيء مع ان العادة في اكثر بلاد الحمامات اجتماع النساء في الدخول بغير ازار و لا ريب في تحريمه و ما يعلم او يظن انه وسيلة الى الحرام يكون حراما.

و اما الثياب الرقاق فيجوز ان يكون النهي عنا باعتبار عدم القدرة فاذا اجابها لزمه ارتكاب المآثم في تحصيلها كما هو عادة اكثر الناس و يجوز ان يكون راجعا الى الاسراف و ان كان قادرا عليه و يجوز ان يكون باعتبار كونه حاكيا ما تحته فيطلع على بدنها الاجانب و يحملها على التبرج و هذا كله حرام.

و ينبغي ان يزوج الكفو كما قال عليه السّلام من خطب اليكم فرضيتم دينه و امانته كائنا من كان فزوجوه الا تفعلوه تكن فتنة في الارض و فساد كبير،و قال صلّى اللّه عليه و آله انما انا بشر مثلكم أتزوج فيكم و ازوجكم الا فاطمة فان تزوجيها نزل من السماء،و قال عليه السّلام الكفو ان يكون عفيفا،و عنده يسار و قال صلّى اللّه عليه و آله من زوّج كرمته من فاسق فقد قطع رحمه و من شرب الخمر بعد ما حرمها اللّه

ص:108

فليس بأهل ان يزوج اذا خطب،و قد زوّج النبي صلّى اللّه عليه و آله ابنة عمه الزبير بن عبد المطلب للمقداد و قد كان وضيع النسب لكن الاسلام رفعه ليكون سببا و حجة على الامة،كما قال صلّى اللّه عليه و آله انكحت زيد بن حارثة زينب بنت جحش و انكحت المقداد صناعة بنت زبير بن عبد المطلب ليعلموا ان الشرف شرف الاسلام،و قال رجل للصادق عليه السّلام كيف يزوّج الحائك فقال عليه السّلام ان اللّه جعله كفوا للحور العين و زوّجه بهنّ فكيف لا ترضى انت ان يكون كفوا لابنتك،و اما تزويج الهاشميات لمن لم يكن هاشميا فالظاهر جوازه و حرمه بعض الاصحاب لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله لما نظر الى اولاد علي و جعفر بناتنا لبنينا و بنونا لبناتنا،و الظاهر انه محمول على الاستحباب.

و اما الجمع بين سيدتين فقد روى في الخبر النهي عنه و أنه يدخل الحزن على فاطمة عليها السّلام، و ذلك أنه لا بد له في العادات من ان يفضل واحدة منهما،و من فضّلها فقد اضرّ بابنة فاطمة الاخرى.

و ينبغي اختيار الاشكال و الاشباه،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انكحوا الاكفاء و انكحوا فيهم و اختاروا لنطفكم،فان الخال احد الضجيعين،و عن الصادق عليه السّلام قال أتى النبي صلّى اللّه عليه و آله رجل فقال يا رسول اللّه اني احمل اعظم ما يحمل الرجال فهل لي ان آتى بعض مالي من البهائم ناقة او حمارة،فان النساء لا يقربنّ على ما عندي؟فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم يخلقك حتى خلق لك ما يحتملك من شكلك،فانصرف الرجل فلم يلبث ان عاد الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال له مثل مقالته اول مرة فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأين أنت من السوداء العنطنطة (1)قال فانصرف الرجل فلم يلبث ان عاد فقال يا رسول اللّه اشهد انك رسول اللّه حقا اني طلبت من امرتني فوقعت على شكلي مما يحتملني و قد اقنعتني ذلك.

و ينبغي ان لا يتجاوز المهر الذي تزوّج النبي صلّى اللّه عليه و آله به و ازواجه و هو خمسمائة درهم كل درهم قيمته في هذا الزمان اثنا عشر غازيا و نصف تقريبا،روى عن الحسين بن خالد قال سألت ابا الحسن عليه السّلام عن مهر السنّة كيف صار خمسمائة؟فقال ان اللّه تبارك اوجب على نفسه ان يكبره مؤمن مأة تكبيرة و يسبحه مأة تسبيحة و يحمده مأة تحميدة و يهلله مأة تهليلة،و يصلي على محمد و آله مأة مرة،ثم يقول اللّه زوجني من الحور العين الا زوجه حورا عيناء و جعل ذلك مهرها،ثم اوحي اللّه الى نبيه صلّى اللّه عليه و آله ان سنّ مهور النساء خمسمائة درهم،ففعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ايما مؤمن خطب الى اخيه حرمته فبذل له خمسمائة درهم فلم يزوجه فقد عقّه و استحق من اللّه عزّ و جل الا يزوجه حوراء.

ص:109


1- (19) السوداء العنطنطة أي الطويلة العنق مع حسن قوام و المعنطنطة الطويل.

و الاولى ان يسوق اليها جميع مهرها قبل الدخول و الا فبعضه،و لو دخل بها و قد ساق اليها شيئا كما هو المعتاد من جملة المهر كما كان متعارفا في الازمان السابقة او من غيره كما في هذه الاعصار فهل يسقط باقي المهر بالدخول ام يستقر في ذمته دينا عليه مثل غيره من الديون، المشهور هو الثاني،و بعضهم على الاول و الاخبار الصحيحة دالة على سقوط المهر بالدخول، و في مكاتبات مولانا صاحب الزمان عليه السّلام ان المهر ان كان كتب عليه كاتب فهو دين و الا فهو قد سقط بالدخول،و يمكن توجيهه بأن المراد اذا كتب عليه كاتب كان قرينة على ارادة الزوجة له، اما اذا لم يكتب عليه كتاب يكون قرينة على ارادتها الاعراض عنه و ابراء ذمة الزوج من باقيه و ان لم تصرّح به كما شاهدناه في اكثر النواحي سيما القرى و البوادي،فأنه ليس منظورهم من العقد الا تحصيل علاقة الزوجية و اما ارادة المهر فلا تخطر لهم على بال،و هذه المسألة من مشكلات المسائل حيث انها من حقوق الناس و عموم البلوى بها،و الاولى في مثل هذا ايقاع صلح بين الزوجين او ورثتهما بحيث لا تأخذ المرأة كل ما بقى من المهر و لا تحرم منه كله.

و البكر البالغة العاقلة الرشيدة قد وقع الخلاف بين الاصحاب رضوان اللّه عليهم في اختيار العقد عليها على اقوال،و الذي يقضيه الجمع بين الاخبار هو ان الاختيار في النكاح اليها لا غير و اما الاخبار الدالة على ان اختيارها ال ابيها او جدها فطريق تأويلها اما الحمل على الاستحباب او على التقية و الاحتياط ظاهر لا يخفى.

اما الصيغة فهو انكحتك و زوجتك و هذا مما لا اشكال فيه،نعم لفظ الكتاب قد ورد بالفعلين بغير لفظ من الزايدة مثل فلما قضى زيد منها و طرا زوجناكها و ان انكحك احدى ابنتي و يؤيده ان الاقوى بين النحاة هو ان من لا تزاد في الكلام الموجب و اما الاخبار فأكثرها على زيادة من كقوله عليه السّلام اذا قال زوجتك من فلانة او من نفسي فهي امرأتك فزيدت من في الايجاب كما هو مذهب الكوفيين و الاخفش و حينئذ فالاولى هو الجمع بين الصيغتين عملا بالكتاب و السنة و بقول البصريين و الكوفيين،و لا خلاف بين علمائنا بوقوعه بصيغة الماضي.

اما الحال و الاستقبال فالمشهور بينهم العدم،و الاصح هو الجواز عند قصد الانشاء بها لان قربها منه اشد من صيغة الماضي،و لان صيغة الحال وردت في خبر سهل الساعدي لما أتت المرأة الى النبي صلّى اللّه عليه و آله تطلب التزويج فقام رجل فقال زوجنيها يا رسول اللّه زوجتكها بما معك من القرآن،و قول العلاّمة طاب ثراه في المختلف و الوجه المنع لبعده عن الانشاء الموضوع له لفظ الماضي لا يخفى ما فيه بعد ما قدمناه،و اما الاستقبال فقد جوزه ابن حمزة و استدلّ عليه برواية ابان بن تغلب في المتعة اتزوجك متعة فاذا قالت نعم فهي امرأتك،و الاوضح هو الاستدلال بقوله تعالى أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ فان ظاهره يعطي ان هذا هو الايجاب و لعمرك ان فقهائنا

ص:110

رضوان اللّه عليهم قد ضيقوا المجال على الناس في ابواب صيغ العقود،و المفهوم من الاخبار اتساع الحال فيها و سنحررّه ان شاء اللّه في شرحينا على كتاب التهذيب و الاستبصار اذا بلغ الحال الى هناك.

و اذا اراد التزويج فليولم يوما أو يومين،و الثالث رياء و سمعة و هو واحد من المواضع الخمسة،و اما الاربعة فهي النفاس بالولد،و الختان و شراء الدار و قدوم الرجل من مكة و هذه الاربعة هي التي ورد التأكيد عليها،و اما هيئة زفافها فيستحب ان يكون كما روى من ان فاطمة عليها السّلام لما كانت ليلة زفافها اتى النبي صلّى اللّه عليه و آله ببغلته الشهباء و ثنّى عليها قطيفة،و قال لفاطمة عليها السّلام اركبي و امر سلمان ان يقودها،و النبي صلّى اللّه عليه و آله يسوقها فبينا هو في بعض الطريق اذ سمع النبي صلّى اللّه عليه و آله صوتا فاذا هو بجبرئيل عليه السّلام في سبعين الفا من الملائكة فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله ما اهبطكم الى الارض؟قالوا جئنا نزف فاطمة عليها السّلام الى زوجها،و كبّر جبرئيل و كبّر ميكائيل و كبّرت الملائكة و كبّر محمد صلّى اللّه عليه و آله فوضع التكبير على العرايس من تلك الليلة.

و قال الصادق عليه السّلام زفّوا عرايسكم ليلا و اطعموا ضحى،و ظاهره تأخر الطعام و اكثر الاخبار دلّت على التقدم،و الظاهر هو التخيير كما لا يخفى مع ان الواو لا تفيد الترتيب.

و اما باقي الكيفيات فرواها ابو سعيد الخدري قال اوصى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله علي بن ابي طالب عليه السّلام فقال يا علي اذا دخلت العروس بيتك فاخلع خفّها حين تجلس و اغسل رجليها و صبّ الماء من باب دارك الى اقصى دارك فانك اذا فعلت ذلك اخرج اللّه من دارك سبعين الف لون من الفقر،و ادخل فيه سبعين الف لون من الغنى،و ادخل عليك سبعين لونا من البركة و ادخل عليك سبعين الف رحمة ترفرف على راس العروس حتى تنال بركتها كل زاوية في بيتك و تأمن العروس من الجنون و الجذام و البرص ان يصيبها ما دامت في تلك الدار،و امنع العروس في اسبوعها من الالبان و الخل و الكزبرة و التفاح الحامض من هذه الاربعة،قال علي عليه السّلام يا رسول اللّه لاي شيء امنعها من هذه الاشياء الاربعة،قال لان الرحم تعقم و تبرد من هذه الاربعة الاشياء عن الولد و الحصير في ناحية البيت خير من المرأة لا تلد،فقال علي عليه السّلام يا رسول اللّه ما بال الخلّ تمنع منه؟قال اذا حاضت على الخل لم تطهر ابدا بتمامه و الكزبرة تثير الحيض في بطنها و تشدّ عليها الولادة،و التفاح الحامض يقطع حيضها فيصير داء عليها،ثم قال يا علي لا تجامع امرأتك في اول الشهر و وسطه و آخره فان الجنون و الجذام و الخبل يسرع اليها و الى ولدها.

يا علي لا تجامع امرأتك بعد الظهر فانه ان قضى بينكما ولد في ذلك الوقت يكون احول و الشيطان يفرح بالاحول في الانسان،يا علي لا تتكلم عند الجماع فانه ان قضى بينكما ولد لا

ص:111

يؤمن من ان يكون اخرس و لا ينظرنّ احد الى فرج امرأته و ليغضّ بصره عند الجماع فان النظر الى الفرج يورث العمى في الولد،يا علي لا تجامع امرأتك بشهوة امرأة غيرك فاني اخشى ان قضى بينكما ولد ان يكون مخنثا مؤنثا مخبّلا يا علي من كان جنبا في الفراش مع امرأته فلا يقرء القرآن فاني اخشى عليهما ان ينزل نار من السماء فتحرقهما.

يا علي لا تجامع امرأتك الا و معك خرقة و مع اهلك خرقة و لا تمسحا بخرقة واحدة فتقع الشهوة على الشهوة فان ذلك يعقّب العداوة بينكما ثم يؤديكما الى الفرقة و الطلاق يا علي لا تجامع امرأتك من قيام فان ذلك من فعل الحمير و ان قضى بينكما ولد كان بوالا في الفراش كالحمير البوالة في كل مكان،يا علي لا تجامع امرأتك في ليلة الفطر فانه ان قضى بينكما ولد لم يكن ذلك الولد الا كثير الشرّ،يا علي لا تجامع امرأتك في ليلة الاضحى فانه ان قضى بينكما ولد يكون له ستة اصابع او اربع،يا علي لا تجامع امرأتك تحت شجرة مثمرة فانه ان قضى بينكما ولد يكون جلادا و قتالا او عريفا،يا علي لا تجامع امرأتك في وجه الشمس و تلألئها الا ان يرخى ستر فيستركما فأنه ان قضى بينكما ولد لا يزال في بؤس و فقر حتى يموت،يا علي لا تجامع اهلك بين الاذان و الاقامة فانه ان قضى بينكما ولد يكون حريصا على اهراق الدماء،يا علي اذا حملت امرأتك فلا تجامعها الا و أنت على وضوء فأنه ان قضى بينكما ولد يكون اعمى القلب بخيل اليد يا علي لا تجامع اهلك في النصف من شعبان فأنه ان قضى بينكما ولد يكون مشوما ذا شامة في وجهه.

يا علي لا تجامع اهلك في آخر درجة منه اذا بقى يومان فأنه ان قضى بينكما ولد يكون عشّارا أو عونا للظالم و يكون هلاك فئام من الناس على يديه،يا علي لا تجامع اهلك على سقوف البنيان فانه ان قضى بينكما ولد يكون منافقا مرائيا مبتدعا،يا علي اذا خرجت في سفر فلا تجامع اهلك في تلك الليلة فانه ان قضى بينكما ولد ينفق ماله في غير حقّ اللّه و قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كٰانُوا إِخْوٰانَ الشَّيٰاطِينِ، يا علي لا تجامع اهلك اذا خرجت الى سفر مسير ثلاثة ايام و لياليهنّ فانه ان قضى بينكما ولد يكون عونا لكل ظالم،يا علي عليك بالجماع ليلة الاثنين فانه ان قضى بينكما ولد يكون حافظ لكتاب اللّه راضيا بما قسم اللّه عز و جل له يا علي ان جامعت اهلك ليلة الثلاثا فقضى بينكما ولد فانه يرزق الشهادة بعد شهادة ان لا اله اللّه محمد رسول اللّه و لا يعدّ به اللّه مع المشركين،و يكون طيّب النكهة من الفم رحيم القلب سخيّ اليد طاهر اللسان من الغيبة و الكذب و البهتان،يا علي و ان جامعت اهلك ليلة الخميس فقضى بينكما ولد فانه يكون حاكما من الحكام او عالما من العلماء،و ان جامعتها يوم الخميس عند زوال الشمس عن كبد السماء فقضى بينكما ولد فان الشيطان لا يقربه حتى يشيب و يكون

ص:112

فهما و يرزقه اللّه عز و جل السلامة في الدين و الدنيا،يا علي و ان جامعتها ليلة الجمعة و كان بينكما ولد فأنه يكون خطيبا قوالا مفوها و ان جامعتها في ليلة الجمعة بعد العشاء الاخرة فانه يرتجى ان يكون له ولد من الابدال ان شاء اللّه تعالى،يا علي لا تجامع اهلك في اول ساعة من الليل فانه ان قضى بينكما ولد لا يؤمن ان يكون ساحرا مؤثرا للدنيا على الاخرة،يا علي احفظ وصيتي هذه كما حفظتها عن جبرئيل.

و قال الكاظم عليه السّلام من أتى اهله في محاق الشهر فليسلم لسقط الولد،و عن الباقر عليه السّلام قال يكره الجماع في ليلة ينكسف فيه القمر،و اليوم الذي تنكسف فيه الشمس و فيها بين غروب الشمس الى ان يغيب الشفق،و من طلوع الفجر الى طلوع الشمس و في الريح السوداء و الحمراء و الصفراء و الزلزلة،و لقد بات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عند بعض نسائه فانكسف القمر في تلك الليلة فلم يكن منه شيء،فقالت له زوجته يا رسول اللّه بأبي أنت و امي أكل هذا البغض،فقال ويحك حدث هذا الحدث في السماء فكرهت ان اتلذذ و أدخل في شيء،لقد غير اللّه تعالى قوما و أن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم،و أيم اللّه لا يجامع احد زوجته في هذه الساعة التي و صفت فيرزق في جماعه ولدا و قد سمع هذا الحديث فيرى ما يحبّ.

و قال الصادق عليه السّلام لا تجامع في اول الشهر و لا في وسطه و لا في آخره فأنه من فعل ذلك فليسلم لسقط الولد فان تمّ او شك ان يكون مجنونا،أ لا ترى ان المجنون اكثر ما يصرع في اول الشهر و وسطه و آخره،و علّل في الكافي بأن الجن يكثرون غشيان نسائهم في اول ليلة من الهلال و في وسطه و في آخره،و الظاهر ان الوجه فيه ان هذا الولد يكون موافقا لاولاد الجن فهو (همزاد)فيكون وطي الانسان و ولادة ولده موافقا لوطي الجن و ولادة اولادهم،و قال عليه السّلام يكره الجنابة حين تصفر الشمس و حين تطلع و هي صفراء،و سأل محمد بن العيص أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال أجامع و انا عريان؟قال لا و لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها،و قال عليه السّلام لا تجامع في السفينة،و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يكره ان يغشى الرجل المرأة و قد احتلم حتى يغتسل من احتلامه الذي رآه،فأن فعل فخرج الولد مجنونا فلا يلومنّ الا نفسه،و من جامع امرأته و هي حايض فخرج الولد مجذوما او ابرص فلا يلومنّ الا نفسه،و عن الصادق عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الذي نفسي بيده لو انّ رجلا غشى امرأته و في البيت صبي مستيقظ يراهما و يسمع كلامهما و نفسها ما افلح ابدا ان كان غلاما كان زانيا و ان كان جارية كانت زانية،و كان علي بن الحسين عليهما السّلام اذا اراد ان يغشى اهله اغلق الباب و ارخى الستور و اخرج الخدم،و ظاهر هذا الحديث تخصيص الصبي الممّيز،و في بعض الاخبار اطلاق و هو منزّل على هذا المقيد.

ص:113

فان قلت كيف حمل الاصحاب رضوان اللّه عليهم هذه النواهي على الكراهة مع ترتّب الافعال المحرمة عليها لان خروج الولد مجنونا او أجذم او ابرص او نحو ذلك من الافعال يحرم على الاب مع قدرته على رفع هذه الامراض بعدم استعمال الجماع في هذه الاوقات المخصوصة.

قلت قد خطر هذا الخاطر لشيخنا البهائي قدس اللّه روحه في موضع آخر و هو ما روى عن الصادق عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الماء الذي يسخن بالشمس لا تغتسلوا به و لا تعجنوا به فأنه يورث البرص،حيث ذكر ان الفقهاء رضوان اللّه عليهم حملوا هذا النهي على الكراهة،ثم تكلم عليهم بأن النهي حقيقة في التحريم كما هو المذهب المنصور في الاصول،ثم قال و لو نزّلنا عن ذلك و قلنا باشتراكه بين التحريم فتعليله صلّى اللّه عليه و آله بأن ذلك يورث البرص قرينة كون النهي للتحريم لوجوب اجتناب المظنون أ لا ترى ان الطبيب الحاذق لو نهى شخصا عن اكل شيء و قال انه يورث ضررا عظيما لوجب عليه اجتنابه فكيف بالنهي الصادر عنه صلّى اللّه عليه و آله على ان الضرر الذي جعله علّة للنهي لو لم يكن مظنونا لكان متساوي الطرفين و كان احتمال البرص و عدمه متساوين.

و الجواب عن هذا كله و هو ان النهي في كل من باب الامر في قوله تعالى وَ لْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كٰاتِبٌ من أنه للارشاد و تفصيل هذا ان كثيرا من المحللات الشرعية قد ذكر لها الشارع ضررا بدنيا و كذلك الاطباء كالباذنجان و بعض البقول و بعض المطعومات،فاذا اخبر الشارع بترتب الضرر عليها فكيف احلها مع انه لم يحرم الا ما اضرّ بالبدن و سمّاه خبيثا،و حينئذ فحاصل معناه ان ترتب انواع هذا الضرر على هذه الامور اشد من ترتبها على غيرها لا ان بينهما عليّة و معلولية و سببية و مسببية او انه يحصل منه الظن بوقوع ذلك الضرر،أ لا ترى ان افلاطون و بطليموس و اساطين الحكماء ذكروا خوّاص المركبات و المفردات و بينوا ان في بعضها مفاسد للابدان و ذكروا وجه المفاسد مع انه لم يقل احد بحرمتها و لا احذق من هؤلاء الحكماء ان هذا كله من باب المعالجات و الادوية المتعارفة بالنسبة الى اصحاب الابدان،فمعنى قوله صلّى اللّه عليه و آله ان من جامع في هذه الاوقات يكون ولده كذا ان هذه الاوقات لها نسبة الى مثل هذه المذكورات في الاولاد لا ان بينهما ربطا يتعقبه الظن بهذا الترتب،أ لا ترى ان الولد يعلق كثيرا في تلك الاوقات من غير ان يترتب عليه تلك الامور المذكورة،و حينئذ فمعنى اخباره صلّى اللّه عليه و آله بأن من جامع في كذا يكون ولده كذا ما ذكرناه،و ذلك ان كلامهم عليهم السّلام منزّل على ما هو معروف في المحاورات شائع في الاستعمال و قد شاع في العرف قولهم لا تأكل كذا لانه يتعقبه ضرر كذا

ص:114

و ليس مرادهم الا ما حققنا،و اياك و الغفلة عن مثل هذا فأنه كثير الوقوع في الاخبار و الاشكال الذي اورده في مادة خاصة جار في كل المواد.

فان قلت مثل هذه المذكورات من أنواع الضرر هل تدفع و تزول بما ذكره صاحب الشرع في دفع نحوسة الايام،قلت الظاهر هذا و ذلك لان ما ذكره عليه السّلام عامّ في دفع كل نحوسة،اما آيات القرآن فقد ورد ان القرآن لما يقرأ فاذا قرئ بقصد رفع تلك النحوسات دخل في ذلك العموم خصوصا قرائة آية الكرسي فانا قد جربناها كما تقدم.

و اما الصدقات و أنواع الاذكار و الادعية المأثورة فالظاهر ان حكمها حكم القرآن ايضا، بل يمكن ان يقال ان التوكل على اللّه و قوة العزم و اخلاص النية ربما يدفعه ايضا كما يستفاد من ظواهر بعض الاخبار و عمومها.

رجعنا الى الكلام الاول فاذا دخلت العروس عليه و فعل معها هذه الافعال فلا يبادر الى الجماع ابتداء فيكون قد أخاف المرأة و فعل مثل الحمير بل ربما يمكن ان يقال ان ما ورد من صاحب الشرع من نزع خفّ العروس و جعله يده على ناصيته و قرائة الدعاء و صلاة ركعتين من الرجل و المرأة لاجل استقرار قلب العروس لانهما اجنبيان تلاقيا هذه الساعة،بل ينبغي المداعبة و المزاح و المطائبة،و هذا ليس مخصوصا بالعروس بل يجري في كل النساء فان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يمازح نسائه و يقبلهنّ قبل الجماع قال الصادق عليه السّلام ان احدكم ليأتي اهله فتخرج من تحته فلو اصابت زنجيا لتشبثت به فاذا أتى احدكم اهله فليكن بينهما مداعبة و هو المزاح فأنه اطيب للامر،و في موضع آخر ان الجماع من غير مزاج و تقبيل مثل فعل الحمير فان الحمار ينزو من غير مداعبة بل قيل ان الحمار يقدّم الشمّ على النزو فمن لم يفعل ما ذكر يكون اخس طبعا منه و في رسالة الامام علي بن موسى الرضا عليه السّلام التي وضعها في الطب الامر بالاكثار من المزاح عند المقاربة و الامر بتغميز ثدييها،و قد علله عليه السّلام بأن ماء المرأة يخرج من ثديها و شهوتها في وجهها فالمزاح و التقبيل طلبا لشهوتها حتى تريد منك مثل ما تريد انت منها و التغميز طلبا لنزول مائها حتى يتخلق الولد من المائين،و ذلك انه لا يتخلق من واحد كما ورد في بعض الاخبار،و لان ماء الرجل اذا تخلقت منه البنت وحده يكون اوصافها كأوصاف الرجال و هذا لا يكون مطلوبا في البنت،و ليكن عزمه بكل استمتاع اقامة السنة و طلب الولد و التحصّن من الزنا و النظر الى الاجانب حتى يكون قد فاز بالثواب الاجل و حصل له التلذذ العاجل،و لا يكون مطمح نظره افضاء الشهوة فأنه من افعال البهائم،بل روى ان البهائم تدرك هذا المعنى العالي،كما روى ان عصفورا قال لعصفورته في زمان سليمان عليه السّلام تعالى حتى اجامعك فيرزقنا اللّه ولد يثقل الارض بلا اله الا اللّه،فسمعه سليمان فقال ان هذه النية خير من ملك سليمان،و من ثم اهتم الشارع

ص:115

بأمر النطفة فلم يجوز للرجال اراقتها خارج الرحم،حتى انه لو فعل هذا كان الواجب عليه او يستحب ان يدفع الى الزوجة عشرة دنانير دية الماء و كذا الزوجة لو فعلت مثله.

و دية المطفة اذا القيت في الرحم فأخرجها مخرج عشرون دينارا،و لو افزعه مفزع حال الجماع فألقى مائه خارج الرحم فعشرة دنانير،و ان كانت المفزع هي المرأة فلا شيء لها منه، و كذا لو كان الرجل فلا شيء له و كانت الدية للأخر و دية العلقة و هي القطعة من الدم تتحول اليها النطفة اربعون دينارا،و في المضغة و هي القطعة من اللحم بقدر ما يمضغ ستون دينارا،و في ابتداء تخلّق العظم من المضغة ثمانون دينارا،و في التام الخلقة قبل و لوج الروح فيه مأة دينار ذكرا كان الجنين ام أنثى،و قيل متى لم تتم خلقته ففيه غرة عبد أو امة صحيحا لا يبلغ الشيخوخة و لا ينقص سنّه عن سبع سنين لرواية ابي بصير و غيره،و الاول اشهر فتوى و اصح رواية،و لو و لجته الروح فدية كاملة للذكر و نصف للأنثى و ان خرج ميتا تيقن حيوته في بطنها و مع اشتباه كونه ذكرا او انثى يكون على الجاني نصف الديتين،و دية المسلم بالذهب الف دينار و بالفضة عشرة آلاف درهم لأنه قد كان في زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله كل دينار قيمته عشرة دراهم لكن في هذه الاوقات ق ارتفعت قيمة الذهب فصار قيمة الدينار تزيد على عشرين درهما فبحسب هذا التفاوت تفاوتت الديتان تفاوتا كثيرا،لكن قد ورد في بعض الاخبار ان الاصل هو الدراهم منضما الى اصالة البرائة من الزائد،و هذه الدية اذا كانت صلحا عن القصاص لا تسقط العقاب الاخروي كالقصاص بل هما عقاب دنيوي،و ما ورد في الاخبار من أن الحد مسقط للذنب فالظاهر انه محمول على حقوق اللّه سبحانه كالزنا و شرب المسكرات و في الاخبار دلالة على هذا ايضا.

و قد ورد جواز العزل في مواضع منها المستمتع بها،و منها الامة،و منها الزوة السليطة، و منها الزوجة البذية،و منها الزوجة الناشزة،و وجه العلة ظاهر لا يحتاج الى البيان،فاذا اراد الجماع فليقل بسم اللّه الرحمن الرحيم حتى لا يشاركه الشيطان في ذلك الولد،فقد روى في دعاء المقاربة اللهم ان قضيت لي منها ولدا فاجعله مباركا سويا و لا تجعل للشيطان فيه شركا و لا نصيبا،قال الراوي قلت له عليه السّلام و كيف يكون شرك شيطان،فقال لي ان الرجل اذا دنى من المرأة و جلس مجلسه حضره الشيطان فان هو ذكر اسم اللّه تنحى الشيطان عنه و ان فعل و لم يسمّ ادخل الشيطان ذكره فكان العمل منهما جميعا و النطفة واحدة،قلت فبأي شيء يعرف هذا،قال بحبنا و ببغضنا،و من هذا يستفاد ان اكثر المخالفين لنا في المذهب شرك الشيطان.

و قد روى هذا في الاخبار،روى الصدوق(ره)باسناده الى علي عليه السّلام قال قد كنت جالسا عند الكعبة فاذا شيخ محدودب فقال يا رسول اللّه ادع لي بالمغفرة فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله خاب

ص:116

سعيك يا شيخ و ضلّ عملك،فلما ولّى الشيخ سألته عنه،فقال ذلك اللعين ابليس قال علي عليه السّلام فعدوت خلفه حتى لحقته و صرعته الى الارض و جلست على صدره و وضعت يدي على حلقه لاخنقه،فقال لا تفعل يا ابا الحسن فاني من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم،و اللّه يا علي اني لاحبك جدا و ما ابغضك احد الا شركت اباه في امه فصار ولد زنا فضحكت و خليّت سبيله.

و لعلك تقول ان مخالفينا يزعمون انهم لا يبغضون عليا و هذا زعم باطل،و قد روى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان علامة بغض علي تقديم غيره و تفضيله عليه،و كلّ مخالفينا قد قالوا بهذا، و ما احسن قول علي عليه السّلام لما قال له رجل يا علي اني احبك و احب عثمان فقال له انت اعور اما ان تعمى و اما ان تستبصر،و اما دعاء المباشرة فهو اللهم ارزقني لدا و اجعله تقيا زكيا ليس في خلقه زيادة و لا نقصان،و اجعل عاقبته الى خير،و هو مروي عن الباقر عليه السّلام قال فاذا انزل الماء فليقل اللهم لا تجعل للشيطان فيما رزقتني نصيبا و ينبغي المبادرة الى تزويج البنات خصوصا اذا ادركن فانهنّ كما قال عليه السّلام كالثمار تفسد بعد ادراكها اذا لم تقطف،و قال عليه السّلام من سعادة الرجل ان لا تطمث ابنته الا عند زوجها و كانوا يكرهون الاستعجال في كل الامور الا امور منها المبادرة بتزويج البنت و منها المبادرة بالتوبة بعد الذنب.

نور في تكون الاولاد في الرحم و بعض احوالهم

اعلم ان من قرر اللّه في صلبه اولادا في عالم الذر فلا بدّ ان يوجدوا منه و من لم يقرر في صلبه اولادا في ذلك العالم فهو محروم منهم،روى الكليني باسناده الى الصادق عليه السّلام قال كان علي بن الحسين عليهما السّلام لا يرى بأسا بالعزل يقرأ هذه الاية وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قٰالُوا بَلىٰ فكل شيء اخذ اللّه منه الميثاق فهو خارج و ان كان على صخرة صمّاء،و لكن لا يقول ذلك الرجل ان الامر قد فرغ منه فما فائدة الدعاء في طلب الولد،لانه قد عرفت ان اللّه سبحانه جعل الامور مربوطة بأسبابها و جعل لنفسه المشيئة في كل شيء فلعل الحكمة القديمة اقتضت كون حصول الولد معلقا على الدعاء و اشباهه و دعاء طلب الولد قد روى عن الصادق عليه السّلام و هو اللهم لا تذرني فردا و أنت خير الوارثين وحيدا وحيشا فيقصر شكري عن تفكري بل هب لي عاقبة صدقا ذكورا و انوثا آنس بهم من الوحشة و اسكن اليهم من الوحدة و اشكرك عند تمام النعمة يا وهّاب يا عظيم يا معظم،ثم اعطني في كل عافية شكرا حتى تبلغني منها رضوانك في صدق الحديث و اداء الامانة و وفاء العهد برحمتك يا ارحم الراحمين.

ص:117

و عنه عليه السّلام قال ادع و أنت ساجد رب هب لي من لدنك ذرية طيبة انك سميع الدعاء، رب لا تذرني فردا و أنت خير الوارثين،و عن الباقر عليه السّلام اذا اصبح و امسي يقول سبحان اللّه سبعين مرة و يستغفر سبع مرات و يسبح تسع مرات،و يختم العاشرة بالاستغفار قال عليه السّلام استغفروا ربكم انه كان غفار يرسل السماء عليكم مدرارا و يمددكم بأموال و بنين و يجعل لكم جنات و يجعل لكم انهارا،قال الراوي و قد جربت ذلك غير مرة و علمتها غير واحد من الهاشميين ممن لم يكن يولد فولد لهم ولد كثير و الحمد للّه و الماء الذي يكون مبدأ نشوء المؤمن ممزوج بماء الجنة،كما روى ان اللّه سبحانه اذا علم ذلك الوقت الذي يقارب المؤمن فيه زوجته ارسل ملكا و معه ماء من الكوثر فوضع ذلك الماء في الكوز التي يشرب منها فيشرب من ذلك الماء فاذا شارب قارب اهله فيكون النطفة بماء الكوثر و من ثم تلبس الايمان قلب ذلك الولد في عالم الطفولية فاذا وقعت النفطة في الرحم ارسل اللّه ملكا الى موضع قبره فجاء بشيء من ترابه و مزجه بتلك النفطة،فاذا شبّ حنت نفسه الى تلك البلد التي قرر فيها قبره،فاذا قرب الاجل هيأت اسباب السفر الى تلك البلاد و قوى عزمه عليه حتى يبلغ ذلك القبر.

فانظر كيف اعدّ اللّه سبحانه امكنة الموت و منازله قبل منازل الحياة و حبّب الى الانسان الرحيل اليه،و من هنا قال صلّى اللّه عليه و آله حب الوطن من الايمان فان المراد بالوطن في هذا الحديث على ما فهمه شيخنا البهائي(ر ه)و بعض المحققين هو الوطن الحقيقي و هو القبر الذي قال فيه عليه السّلام القبر اما روضة من رياض الجنة،و اما حفرة من حفر النيران و استدلوا عليه بأن المساكن المتعارفة من الامور الدنيوية و النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يأمر بحب الدنيا وقتا من الاوقات،بل الذي ورد عنه انما هو الحث على تركها و الرغبة عنها.

و الحق ان كلامه صلّى اللّه عليه و آله كما في الروايات مثل كلام القرآن في ان له ظاهرا و باطنا و في ان اللفظ الواحد منه يجمع المعاني المتكثرة و يكون كلها مراده(ة خ)حال القاء الكلام كما قال اوتيت جوامع الكلم،و المراد به ما قل لفظه و كثر معناه فيكون المراد بالوطن ما يتناول الوطنين الدنيوي و الاخروي،و ذلك ان الامور الضرورية للانسان من جهة الحياة قد وقع الحث من الشرع على احكامها و اتقانها و الميل اليها و الى اصلاحها،فقال صلّى اللّه عليه و آله اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا و اعمل لاخرتك كأنك تموت غدا،و اما تأويل بعضهم له حتى يراد به خلاف معناه الظاهر و هو ان يكون المراد منه ان الانسان اذا علم انه يعيش ابدا لم يكن له اهتمام بالمبادرة التي تدبير امور دنياه بل يسوفها و يؤخرها و يقول اذا كان العمر طويلا اتمكن من فعل هذا فيما بعد فلا يهتم بتعجيل امور الدنيا فيكون الفقرتان للترغيب في امور الاخرة و حدها فهو خلاف الظاهر من الخبر و من سياقه،و من ثم اورده المحدثون في الاصول في باب الحث على المعايش و المكاسب

ص:118

و ايضا هو خلاف العادات،و ذلك ان طول الامل و رجاء ان يبلغ العمر الى الثمانين و ما فوقها هو الذي حثنا و رغبنا في امور الدنيا و المبادرة اليها فكيف لو علمنا بالحيوة ابدا و هذا ظاهر و ايضا في حب الوطن نظام امر الدنيا المأمور به و ذلك ان بعض الناس على ما شاهدناهم لهم اوطان و بلاد لا يقدر غيرهم ان يقيم فيها يوما واحدا لكنها عندهم احبّ من بغداد و اصفهان و ذلك انهم لو كرهوها لما فيها من الضرر الذي لا يحتمله غيرهم لادّى الى خراب اكثر البلاد و ازدحام الناس في امكنة مخصوصة.

و ايضا فأنه صلّى اللّه عليه و آله لما هاجر الى المدينة و سكن فيها كان اذا اتاه آت من مكة يسأله عن ارضها و عن ازهارها و مياهها و يتشوق اليها،و يقول هي مسقط رأسي فيظهر الميل اليها من جهة كونه وطنا لا من جهة الشرف و الفضل فان لذلك مقاما آخر مع انه صلّى اللّه عليه و آله لقى من اهلها انواع الاذى لكنها

ديار بها حلّ الشباب تميمتي و اول ارض مسّ جلدي تربها

و كذلك الائمة عليهم السّلام كانوا يتشوقون الى اوطانهم و يظهرون الميل اليها و الحب لها لكونها اوطانا مع ان الاوطان و الديار ليستا من امور الدنيا.

و حيث انتهى الحال بنا الى هنا فلا بأس بتحقيق الدنيا و انها عبارة عن أي شيء و ما المراد بالدنيا التي اطبق اهل اللّه على ذمها،و ما المراد بالدنيا التي مدحها امير المؤمنين عليه السّلام في بعض مواطنه،و ذلك انه عليه السّلام سمع رجلا يذم الدنيا فقال ايها الذام للدنيا المنخدع بأباطيلها المغتر بغرورها،بم تذمها انت المتجرم عليها ام هي المتجرمة عليك،متى استهوتك ام متى غرتك، أ بمصارع آبائك من البلى ام بمضاجع امهاتك تحت الثرى كم عللت بكفيك و مرضت بيديك تبغي لهم الشفاء و تستوصف لهم الاطباء لم ينفع احدهم اشفاقك و لم تسعف فيه بطلبتك و لم تدفع عنه بقوتك،قد مثلت لك به الدنيا نفسك و بمصرعه مصرعك ان الدنيا دار صدق لمن صدقها و دار عافية لمن فهم عنها و دار غنى لمن تزود منها و دار موعظة لمن اتعظ بها،مسجد احباء اللّه و مصلى ملائكة اللّه و مهبط وحي اللّه و متجر اولياء اللّه اكتسبوا فيها الرحمة و ربحوا فيها الجنة فمن ذا يذمها و قد اذنت ببينها و نادت بفراقها و نعت نفعها و اهلها فمثلت لهم ببلائها البلاء و شوقهم بسرورها الى السرور راحت بعافية و ابتكرت بفجيعة ترغيبا و ترهيبا و تخويفا و تحذيرا فذمها رجال غداة الندامة و حمدها آخرون يوم القيامة،ذكرتهم الدنيا و حدثتهم فصدقوا و وعظتهم فاتعضوا و لم يعهد منه عليه السّلام مدح للدنيا سوى هذا الموضع نعم روى عن

ص:119

النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال لا تسبوا الدنيا فنعم المطية (1)للمؤمن عليها يبلغ الخير و بها ينجوا من الشر، و اذا قال العبد لعن اللّه الدنيا قالت الدنيا لعن اللّه اعصانا لربه،و اما ذمه لها و انه طلقها ثلاث مرات لم يرجع فيها فهو مشهور و في الكتب مسكور،و حينئذ فما المراد ممن الدنيا المذمومة؟ فنقول قد غلط اكثر الناس في المراد منها فقيل هو الدهر،و قيل هي الاسباب،و قيل غير ذلك و هذا كله ظاهر البطلان،اما الدهر و الايام و الليالي فقد عرفت انه عليه السّلام نهى عن ذمها و سبها و ان من سبها كان آثما مع انها مخلوقاته سبحانه خلقها لانتفاعنا بها.

و اما الاموال فقد ورد في الاخبار نعم المال الصالح و الولد الصالح للعبد الصالح و لان بالاموال ينال ثواب الصدقات و اعانة المحتاج و اغاثة الملهوف،و كل مقام من المقامات،و اما الجاه و الاعتبار فلان منه قضاء حوائج الاخوان التي قال فيها الصادق عليه السّلام ان من طاف بالبيت اسبوعا كتب اللّه له ستة آلاف حسنة و محى عنه ستة آلاف سيئة،و رفع له ستة آلاف درجة،ثم قال و قضاء حاجة المؤمن افضل من طواف و طواف و طواف حتى عدّ عشرا،و اما المنازل و الدور فكذلك ايضا لأنه قد ورد ان الدار الواسعة من روح المؤمن في الدنيا و للاحتياج اليها في بقاء نوع الانسان.

فالحاصل ان الدنيا غير هذا كله و هي الحالة التي تبّعد الانسان من ربه و ان كان كانت هي الصلاة كما ان الاخرة هي الحالة التي تقرّب الانسان من ربه و ان كانت العيشية (2)و ذلك لانا شاهدنا من واظب على الصلوات و الاذكار من الصوفية و غيرهم و لم يكن لهم نية سوى اقبال الناس عليهم و توجههم اليهم في هذه الصلوة هي الدنيا و اما كون الامور الدنيوية في الظاهر امورا أخروية فقد بلغني ان جماعة من المؤمنين من اهل العراق قصدوا الشام لبعض مطالبهم فسكنوا في بعض خاناتها فخرجوا من سحر تلك الليلة(ذات ليلة خ)الى الحمّام او المسجد،فأخذهم غلمان العسس و قيدوهم و أتوا بهم اليه و اتفق في تلك الاوقات كثرة اللصوص في تلك البلاد،فلما اوقفوهم بين يديه و قالوا ان هؤلاء لصوص،و كان ذلك الرجل عظيم الهيكل عليه لباس الروم فلما رع بصره الى المؤمنين سألهم عن بلادهم و احوالهم،فقالوا له انا من اهل العراق،فعرفهم انهم من الشيعة،فقال هؤلاء لصوص من الرافضة فحلف ان

ص:120


1- (20) المطية:الداية التي تركب و في شرح شواهد مجمع البيان-مخطوط-:و هي الدابة التي تمطو في سيرها أي تسرع.
2- (21) العيشية.كذا في النسخ المطبوعة و لكن في النسخة المخطوطة:العسسية.و كذا في النسخة المطبوعة من الكتاب سنة(1269-1271 ه ق)و لعلها الصحيح بقرينة الحكاية الآتية:و العسس:الذين يطوفون بالليل يحرسون الناس و يكشفون اهل الريبة و هو جمع عاس.

يصنع بهم أنواع السياسات فأخذتهم غلمانه و أمر ان يحبسوا بمنزله حتى يجيء هو و يقتلهم، فأتوا بهم و حبسوهم،فلما كان قرب الصبح اقبل العسس الى منزله و هم قد تيقنوا القتل،فلما وصل الى بيته و تفرق عنه جلاوزته غلقوا بابه فخرج بعض خدّامه بثياب بيض فخلع تلك الثياب و فرش له مصلاّه،و اذا فيه سجدة و سبحة و قرآن و صحيفة،فصلّى بتضرع و استكانة و بكاء فلما استتم تعقيبه امر باحضار المؤمنين،فقال لهم ايها المؤمنون انا مثلكم شيعي و لي من غلاّت الاملاك ما يفضل عن مؤنتي،و ليس لي احتياج الى هذا المنصب و مع هذا في كل سنة اعطى السلطان مبلغا جزيلا حتى يعطوني هذا المحل،و ليس هذا و اللّه لا للخوف على امثالكم من الشيعة حتى لا ينال الضرر احدا منكم لان كل عسس تقدمني كان اذا ظفر بالشيعة انزل بهم انواع البلا،و قد شاهدنا مثله في اصفهان فهؤلاء قد حصلوا الجنة بكونهم اعساسا.

و في الحديث انه ربما دخل المسجد رجلان صالح و فاسق فلما خرجا كتب الصالح فاسقا و الفاسق صالحا،و ذلك ان الصالح اذا رأى اهل المسجد يدلّ عليهم بعبادته و يحقر اعمالهم بالنظر الى عمله،فتكون عبادته تلك من الامور الدنيوية،و اما الفاسق فأنه اذا نظر الى اهل العبادة في المسجد ندم على ما وقع منه من أنواع المعاصي فيكتب بهذا من الصالحين،فيكون أنواع فسقه وسيلة الى دخوله الجنة،و روى ان الرجل ربما اذنب الذنب فدخل به الجنة،فقيل له كيف ذلك؟قال لان ذلك الذنب يكون نصب عينه فيكون خائفا منه فيدخله اللّه الجنة بذلك الخوف منه و الفزع،و بالجملة فالدنيا المذمومة هي الحالات و الاسباب الحائلة بين العبد و مولاه و اما الممدوحة فهي تلك الحالات و الاسباب ايضا لكن من جهتها الاخرى،و هي جهة القرب اليه سبحانه (1).

و لنرجع الى ما كنّا فنقول ان اللّه سبحانه قال وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسٰانَ مِنْ سُلاٰلَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنٰاهُ نُطْفَةً فِي قَرٰارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظٰاماً فَكَسَوْنَا الْعِظٰامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنٰاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبٰارَكَ اللّٰهُ أَحْسَنُ الْخٰالِقِينَ و تفصيله على ما ورد في الاخبار ان النطفة اذا وقعت في الرحم بقيت اربعين يوما نطفة ثم تصير علقة حتى يتم لها اربعون يوما ثم تصير مضغة حتى يتمّ لها اربعون يوما فاذا كمل اربعة اشهر بعث اللّه ملكين خلاقين فيقتحمان في بطن المرأة من فمها فيصلان الى الرحم و فيها الروح القديمة المنقولة في اصلاب الرجال و ارحام النساء فينفخان فيها روح الحياة و البقاء و يشقّان له السمع و البصر

ص:121


1- (22) روى ان عيسى عليه السّلام رآى الدنيا في صورة عجوز عليها كل زينة فقال لها كم تزوجت؟قالت لا احصهم كثرة قال لها اما تواعنك او طلقوك؟قالت قتلتهم كلهم فقال عليه السّلام تعسا لأزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بازواجك الماضين منه رحمه اللّه.

و ساير الجوارح،ثم يوحى الى الملكين اكتبا عليه قضائي و قدري و اشترطا الى البدا فيما تكتبان فيرفعان رأوسهما فاذا اللوح يقرع جبهته و فيه صورته و رؤيته و اجله و ميثاقه شقيّا او سعيدا و جميع شأنه فيملى احدهما على صاحبه فيكتبان جميع ما في اللوح و يختمان الكتاب و يجعلانه بين عينيه ثم يقيمانه قائما في بطن امه و ربما عتى فانقلب و لا يكون الا في عات او مارد.

فاذا بلغ اوان خروجه تاما او غير تام اوحى اللّه الى ملك يقال له زاجر فيزجره زجرة يفزع منها فيخرج باكيا من الزجرة و ينسى الميثاق،و عن ابي جعفر عليه السّلام ان النطفة تتردد في بطن المرأة تسعة ايام في كل عرق و مفصل منها،و للرحم ثلثة اقفال قفل في اعلاها مما يلي السرة من الجانب الايمن،و القفل الاخر وسطها،و القفل الاخر اسفل الرحم،فيوضع بعد تسعة ايام في القفل الاعلى فيمكث فيه ثلث اشهر فعند ذلك يصيب المرأة خبث النفس و التهوع،ثم ينزل الى القفل الاوسط فيمكث فيه ثلاثة اشهر،و صرة الصبي فيها مجمع العروق و عروق المرأة كلها منها يدخل طعامه و شرابه من تلك العروق،ثم ينزل الى القفل الاسفل فيمكث فيه ثلاثة اشهر فذلك تسعة اشهر ثم تطلق المرأة فكلما طلقت انقطع عرق من صرة الصبي فاصابها ذلك الوجع و يده على صرته حتى يقع الى الارض.

و قد ورد في تفسير قوله تعالى فَالْمُدَبِّرٰاتِ أَمْراً ان المراد بها ملائكة التصوير فاذا دخلوا بطن المرأة و اخذوا في تصويره قالوا ما نصوره يا رب أذكر أم انثى؟فان كان ذكرا قالوا على أي صورة؟فيقول سبحانه احضروا صور آبائه الى آدم و صوروه على صورة واحد منها، و ان كان انثى يقول سبحانه احضروا صور امهاته الى حوى فصورها مثل صورة واحدة منها، و من هذا ورد انه لا يجوز للرجل ان يقول هذا الولد لا يشبهني و ينفيه لاجله لانه قد يكون على صورة واحد من آبائه و كذلك البنت و قد يشبه الولد غير آبائه،روى الصدوق(ر ه)باسناده الى الرضا صلوات اللّه عليه ان الملك قال لدانيال اني اشتهي ان يكون لي ابن مثلك فقال ما محلى من قلبك؟قال اجلّ محل و اعظمه،قال دانيال عليه السّلام فاذا جامعت فاجعل همتك فيّ قال ففعل الملك ذلك فولد ابن اشبه خلق اللّه بدانيال و سيأتي تحقيق الوجه في هذا ان شاء اللّه تعالى.

و اما شبهه للاقارب فقد ورد في سؤالات الخضر لامير المؤمنين عليه السّلام اخبرني عن الرجل كيف يذكر و ينسى و عن الرجل كيف يشبه ولده الاعمام و الاخوال؟فالتفت الى الحسن عليه السّلام فقال اجبه،فقال عليه السّلام اما ما ذكرت من امر الذكر و النسيان فان قلب الرجل في حق و على حق طبق فان صلى الرجل عند ذلك على محمد و آل محمد صلاة تامة انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحق فاضاء القلب و ذكر الرجل ما كان نسى؟و ان هو لم يصل على محمد و آل محمد او نقص

ص:122

من الصلوة عليهم انطبق ذلك الطبق على ذلك الحق فاظلم القلب و نسى ذلك الرجل ما كان ذكره.

و اما ما ذكرت من امر المولود الذي يشبه اعمامه و اخواله فان الرجل اذا أتى اهله ليجامعها فجامعها بقلب ساكن و عروق هادية و بدن غير مضطرب فاسكنت تلك النطفة في جوف الرحم فخرج الولد يشبه اباه و امه،و ان وقعت النطفة في حال اضطرابها على بعض العروق فان وقعت على عرق من عروق الاعمام اشبه اعمامه و ان وقعت على عرق من عروق الاحوال اشبه الولد اخواله الحديث،و يأمرهم بان يكتبوا تحته و للّه فيه المشيّة،و من هذا قال صلّى اللّه عليه و آله السعيد من سعد في بطن امه و الشقي من شقى في بطن امه،و قد تقدم معناه في حديث آخر من ان من كان في علم اللّه انه شقي يكتبه شقيا لكن قد تحققت ان علمه سبحانه ليس علة للمعلول،فاذا تم له اربعة اشهر امر اللّه الروح بأن تدخل في ذلك البدن،و ربما امتنعت فيلطف بها الملائكة حتى تدخل،و من هنا قال الصادق عليه السّلام اذا كان بأمرأة احدكم حبل و اتى عليه اربعة اشهر فليستقبل بها القبلة و ليقرأ آية الكرسي و ليضرب على جنبها و ليقل اللهم اني قد سميتها محمدا فأنه يجعله غلاما فان و في بالاسم بارك اللّه فيه و ان رجع عن الاسم كان للّه فيه الخيار ان شاء اخذه و ان شاء تركه.

و روى عن امير المؤمنين عليه السّلام ان النطفة تجول في الرحم اربعين يوما فمن اراد ان يدعو اللّه عز و جل في تلك الاربعين قب ان يخلق ثم يبعث اللّه عز و جل ملك الارحام فيأخذها فيصعد بها الى اللّه عز و جل فيقف ما شاء اللّه فيقول الهي أذكر أم أنثى فيوحى اللّه عز و جل ما يشاء و يكتبه الملك،ثم يقول الهي أشقي أم سعيد؟فيوحى اللّه عز و جل ما يشاء من ذلك و يكتب،فيقول الهي كم رزقه و ما اجله ثم يكتب و يكتب كل شيء يصيبه في الدنيا بين عينيه ثم يرجع به فيرده في الرحم فذلك قول اللّه عز و جل مٰا أَصٰابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لاٰ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّٰ فِي كِتٰابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهٰا ،و يكون غذاه دم الحيض يدخل الى بطنه من صرته حتى يخرج الى الدنيا فيحول اللّه ذلك الدم لبنا الى الثديين فاذا تمت مدة الحمل و هي ستة اشهر او تسعة اشهر او سنة ارسل اللّه الى ملك يقال له زاجر و هو المشار اليه في قوله تعالى فَالزّٰاجِرٰاتِ زَجْراً فيدخل الى بطن المرأة و يزجر الولد زجرة عظيمة حتى ينتكس على رأسه لانه كان واقفا في بطن امه على رجليه و اما سائر الحيوانات فهي محتبية في بطون امهاتها واضعة رأسها بين رجليها و الكي الذي في يديها موضع منخريها.

و ذهب مخالفونا الى ان مدة الحمل قد تكون خمس سنين او اربع سنين،و ذلك لان محمد بن ادريس الشافعي قد سافر ابوه عن امه و بقى عنها مدة كثيرة فولدت ام الشافعي و أتت به

ص:123

بعد خمس سنين من سفر ابيه،فلما بلغ الشافعي و فهم الحكاية ذهب الى ان مدة الحمل قد تكون خمس سنين سترا على ما صنعته امه في غيبة ابيه و قد نقل هذا جمهور المخالفين و لما كان من الامور الغريبة و الكرامات العجيبة و باعثا لاتهام الروافض لهم ذكروا له علّة،و حاصلها ان محمد بن ادريس انما بقى في بطن امه هذه المدة الكثيرة لا ابا حنيفة كان حيا في الدنيا و كان الناس يستضيئون بأنوار قياساته فاستحى الامام الشافعي ان يخرج الى الدنيا و فيها الامام المعظم ابو حنيفة،فلما مات ابو حنيفة و اعلم اللّه الشافعي بموته خرج من بطن امه،فانظر الى سر هذه القبائح و الى الامام الشافعي كيف انفرد بهذه الفضيلة دون سائر مخلوقات اللّه سبحانه و لعمرك انهم لو قالوا انه ولد جار ابيه لكان اولى من هذه التكلفات كما ذكروه في النسب الشريف للخليفة الثاني.

و بالجملة فاذا زجره الملك من الظلمات الى أنوار الدنيا،و تلك الظلمات على ما قالوا هي ظلمة الرحم،و ظلمة المشيمة و هي بيت الاولاد و ظلمة البطن،و يجوز ان يكون الظلمات الثلاث عبارة عن تلك الاقفال المتقدمة فأول منزله ظلمات ثلاث و آخره ظلمات،و هي ظلمة القبر و ظلمة العمل و ظلمة الوحدة فانظر الى هذه الاحوال كيف حال صاحبها.

و قد تعسر ولادة المرأة فتحتاج الى العلاج و الدواء و لا دواء انفع من ادوية الائمة عليهم السّلام ففي الروايات عنهم عليهم السّلام انه يكتب و يعلّق على ساقها اليسرى بسم اللّه و باللّه محمد رسول اللّه كأنهم يوم يرونها الاية،اذا السماء انشقت و اذنت لربها و حقت و اذا الارض مدّت و القت ما فيها و تخلت،و لبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين و ازدادوا تسعا اخرج بأذن اللّه من البطن الطيبة الى الارض الطيبة،منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى بأذن اللّه و قدرته و إسمه بسم الذي لا يضر مع اسمه داء في الارض و لا في السماء و هو السميع العزيز الوهاب،كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا الا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك الا القوم الفاسقون،او لم ير الذين كفروا ان السموات و الارض كانتا رتقا الى قوله أ فلا يؤمنون انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء و اليه ترجعون و اذا جاء نصر اللّه السورة،و اولات الاحمال اجلهن ان يضعن حملهن.

و صورة أخرى يكتب في رقّ و يعلق على فخذها سبع مرات ان مع العسر يسرا،و مرة واحدة يا ايها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شيء عظيم الى قوله و تضع كل ذات حمل حملها و صورة أخرى يكتب على جنبها بسم اللّه و باللّه اخرج بأذن اللّه،منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى،و يصلي على النبي صلّى اللّه عليه و آله صورة أخرى بسم اللّه الرحمن الرحيم فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لاٰ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ،فهييء

ص:124

لكم من امركم رشدا، وَ عَلَى اللّٰهِ قَصْدُ السَّبِيلِ صورة اخرى يكتب على قرطاس أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ كٰانَتٰا رَتْقاً فَفَتَقْنٰاهُمٰا وَ جَعَلْنٰا مِنَ الْمٰاءِ كُلَّ شَيْ ءٍ حَيٍّ أَ فَلاٰ يُؤْمِنُونَ، وَ آيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهٰارَ فَإِذٰا هُمْ مُظْلِمُونَ وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذٰا هُمْ مِنَ الْأَجْدٰاثِ إِلىٰ رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مٰا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّٰ سٰاعَةً مِنْ نَهٰارٍ ،و يعلق على وسطها فاذا وضعت يقطع و لا يترك ان شاء اللّه تعالى أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ كٰانَتٰا رَتْقاً فَفَتَقْنٰاهُمٰا الاية،و روى انه يكتب إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ و يسقى ماؤها و ينضح على فرجها،و روى انه يقرأ عندها إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، و من بعض احوال الطفل في بطن امه انه يتغذى من وقت و لوج الروح الى تسعة اشهر و لا يكون منه عذرة،و من هنا قال عليه السّلام ان اهل الجنة يأكلون و لا يتغوطون بل يصير عرقا يرشح من ابدانهم كرائحة المسك فقال له رجل اله نظير في الدنيا؟قال عليه السّلام نعم و ذلك ان الولد في بطن امه يبقى تسعة اشهر يأكل و لا يخرج منه شيء هذه احواله قبل الولادة.

و اما احواله بعدها فاعلم انه اذا خرج من بطن امه يخرج قابضا كفيّه و عند الموت يبسطها،و في تعليله قال امير المؤمنين عليه السّلام.

و في قبض كفّ الطفل عند ولادة دليل على الحرص المركب في الحيّ

و في بسطها عند الممات مواعظ الا فانظرني قد خرجت بلا شيء

و يخرج و هو باك ايضا و السبب في بكائه امور منها ما روى ان من سببه زجرة الملك له و هو في بطن امه فيخرج خائفا باكيا و منها ما روى في تفسير قوله تعالى إِنِّي أُعِيذُهٰا بِكَ وَ ذُرِّيَّتَهٰا مِنَ الشَّيْطٰانِ الرَّجِيمِ، انه ما من مولود الا و الشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان اياه الا مريم و ابنها و منها ما رواه المفضل بن عمر قال سألت جعفر بن محمد عليهما السّلام عن الطفل يضحك من غير تعجب و يبكي من غير الم،فقال يا مفضل ما من طفل الا و هو يرى الامام و يناجيه،فبكاؤه لغيبة شخص الامام عنه و ضحكه اذا اقبل اليه،حتى اذا اطلق لسانه اغلق ذلك الباب عنه،و ضرب على قلبه بالنسيان و هذا تعليل لمطلق بكائه،و منها ما رواه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا تضربوا اطفالكم على بكائهم فان بكائهم اربعة اشهر شهادة لا اله الا اللّه و اربعة اشهر الصلوة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و اربعة اشهر الدعاء لوالديه.

و منها ما رواه المفضل في توحيده في علل الرضا (1)عليه السّلام ان الاطفال اذا خرجوا من بطون امهاتهم يخرجون و ابدانهم فيها رطوبات البطن الضارة بالبدن و هذه الرطوبات لا تخرج منه الا بالتعصّر و تشنج العروق،و لا يكون هذا الا حال البكاء و من ثم ورد النهي عن منعهم عن

ص:125


1- (23) هكذا وقعت العبارة فيما وقفنا عليه من نسخ الكتاب.

البكاء،و منها ان الولد اذا خرج الى دنيا واسعة المجال بعد ما كان في ظلمات لكن سبحانه يلهمه الموت و الفناء و الاستعداد لاهوالها و مصائبها و ما يجري عليه من التعب و العنا فيفهم هذا المعنى و يعقله فعند ذلك يشرع في البكاء فزعا و خوفا مما رآى،و من ثم كان يوم الولادة من الايام الثلاثة التي لا اصعب منها على ابن آدم و لهذا سلّم اللّه سبحانه فيها على يحيى بن زكريا و جعله سالما من آفات هذه الايام الثلاثة،فقال و سلام عليه يوم ولد و يوم يموت و يوم يبعث حيا،و كذلك قال عيسى عليه السّلام و السّلام عليّ يوم ولدت و يوم اموت و يوم ابعث حيا،و المراد بالسلام فيه على ما قاله المفسرون الامن من الاهوال و السلامة من الافات فجعل سبحانه يوم الولادة لا ليوم القيامة في المصائب و الاهوال.

فان قلت ما معنى ما روى من قول الصادق عليه السّلام اكبر ما يكون الانسان يوم يولد و اصغر ما يكون يوم يموت،قلت له معنان احدها ان يكون المراد بالكبر و الصغر الغرّة و الذل بحسب الدنيا و ثانيها ان يكون اكبريته باعتبار انه اول ايام تحصيل الكمال و القرب من اللّه بخلاف وقت الموت فانه وقت انقطاع تحصيل الكمال و هذان الوجهان للمحقق سلطان العلماء.

و ثالثها ان يوم الولادة اكبر باعتبار الاجتماع فيه بين الروح و البدن و يوم الموت هو يوم افتراقهما و رابعهما ان يوم الولادة الانسان خال فيه عن المعاصي بخلاف يوم الموت فانه قد تحمل من المعاصي و خامسها ان يوم الولادة اكبر احوال الانسان باعتبار استجماعه لجميع عمره بخلاف يوم الموت فيكون ردا على ما تعارف في العادات من قولهم هذا صغير السن و هذا كبير، و قد ذكرنا له وجوها اخرى في الهدية.

فاذا خرج يخرج على رأسه سوى الانبياء و الائمة عليهم السّلام فانهم يخرجون وقوفا على ارجلهم صونا لهم عن الانتكاس،و اما قول مولانا زين العابدين عليه السّلام في الدعاء الثاني من الصحيفة في الصلوة على النبي صلّى اللّه عليه و آله من انه ترك مكة التي هي مسقط رأسه ابتغاء وجه اللّه فالظاهر انه كناية عن محل الولادة فاذا تولّد اذّن في اذنه اليمنى و اقيم في اليسرى،و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انهما عصمة من الشيطان الرجيم،و ينبغي تحنيكه بالتمر و عن السجاد عليه السّلام انه اذا بشّر بالولد لم يسأل أذكر هو ام انثى حتى يقول سويّ فان كان سويّا قال الحمد للّه الذين لم يخلق مني شيئا مشوها.

و اما تهنية الولد فدعاؤه رزقك اللّه شكر الواهب و بارك لك في الموهوب و بلغ اشدّه و رزقك اللّه بره،و اما التوأم فأكبرهما ما رواه احمد بن اشيم عن بعض اصحابه قال اصاب رجل غلامين في بطن فهناه ابو عبد اللّه عليه السّلام ثم قال ايهما اكبر؟فقال الذي خرج اولا فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام الذي خرج آخر هو اكبر اما علمت انها حملت بذلك اولا،و ان هذا دخل على

ص:126

ذلك فلم يمكنه ان يخرج حتى خرج هذا فالذي يخرج آخرا هو أكبرهما،و الولد اذا خرج فتارة يشبه اباه و تارة يشبه عمه،و أخرى خاله و تارة لا يشبه احدا منهم.

روى الكليني طاب ثراه عن بعض اصحابه عن ابي جعفر عليه السّلام قال اتى رجل من الانصار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال هذه ابنة عمي و امرأتي اني لا اعلم منها الا خيرا و قد اتتني بولد شديد السواد منتشر المنخرين،جعد قطط افطس الانف لا اعرف شبهه في اخوالي و لا في اجدادي فقال لامرأته ما تقولين؟قالت لا و الذي بعثك بالحق نبيا ما اقعدت مقعده مني مذ ملكني احدا غيره،قال فنكس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رأسه مليا ثم رفع بصره الى السماء ثم اقبل على الرجل فقال يا هذا انه ليس من احد الا بينه و بين آدم تسعين عرقا كلها تضرب في النسب فاذا وقعت النطفة في الرحم اضطربت من تلك العروق تسأل اللّه الشبه لها فهذا من تلك العروق التي لم يدركها اجدادك و لا اجداد اجدادك خذ اليك ابنك فقالت المرأة فرضيت عني يا رسول اللّه.

و عن الصادق عليه السّلام قال ان رجلا اتى بأمرأته الى عمر فقال ان امرأتي هذه سوداء و انا اسود و انها ولدت غلاما ابيض،فقال لمن بحضرته ما ترون فقالوا نرى ان ترجمها فانها سوداء و زوجها اسود و ولدها ابيض قال فجاء امير المؤمنين عليه السّلام و قد وجّه بها لترجم فقال للاسود أ تتّهم امرأتك؟فقال لا،قال فأتيتها و هي طامث،قال قد قالت لي في ليلة من الليالي اني طامث فظننت اننها تتقي البرد فوقعت عليها،فقال للمرأة هل اتاك و انت طامث؟قال نعم سله قد خرجت عليه و ابيت قال فانطلقا فانه ابنكما و انما غلب الدم النطفة فابيض و لو قد تحرك اسودّ فلما ايفع اسودّ.

و روى محمد بن حمران عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال ان اللّه عز و جل خلق للرحم اربعة اوعية فما كان في الاول فللأب و ما كان في الثاني فللأم و ما كان في الثالث فللعمومة و ما كان في الرابع فللخؤلة،و كانت العرب تزعم ان الولد يشابه اباه اذا كان الرجل متشوقا الى الجماع و المرأة كارهة له و من هذا كانوا يتعمدون الى جماع نسائهم وقت رحيلهم و النساء على شغل بتجهيز امور الرحيل و هنّ في ذلك الوقت لا يردن الجماع و قد مدح بعض الشعراء بعضهم بقوله:

ممن حملن به و هن قواعد(قواعد خ ل) حبك النطاق فشب غير مهبّل

لانهن كنّ يتحرمنّ بمقانعهنّ وقت الارتحال لسوق الاظعان و ذلك ان الرجل اذا كان هو المتشوق كانت نطفته هي الغالبة على نطفة الام فيكون صورة الولد مشابهة لصورة ابيه و موصوفا بصفاته،و هذا هو السبب في انحطاط اولاد العلماء و الاكارم عن درجات ابيهم

ص:127

و وصفهم و ذلك انهم خصوصا العلماء انما شوقهم الى لذاتهم المعنوية و اما هذه اللذات الحسية كالنكاح و اضرابه فلا يهتمون بالتلذذ به كمال الاهتمام بل اكثر قصدهم بغشيانهم النساء انما هو امتثالهم السنة فيكون شوق المرأة الى تلك الحاجة ازيد و اعظم فيأتي الولد متصفا بأوصافها بعيد الوصول الى معالي ابيه و صفاته.

و وجه آخر قريب من هذا و يوافقه أقوال الاطباء و هو ان النطفة انما تتكون من الغذاء و كلما كان الغذاء الطف و الطبيعة متوجهة الى طبخه و نضجه و جره الى مجاريه كانت النطفة ارقّ و الطف،فأما العلماء و من نحى نحوهم فان طبايعهم الشريفة اجلّ من ان تتوجه الى الغذاء و طبخه و نضجه حتى يحسن تكون النطفة و نضجها الا القليل في قليل من الاقات و قال الصادق عليه السّلام من نعم اللّه عزّ و جل على الرجل ان يشبهه ولده و هذه النطفة هي التي روى عمار الساباطي قال سأل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن الميت هل يبلى جسده؟قال نعم حتى لا يبقى لحم و لا عظم الا طينته التي خلق منها،فانها لا تبلى تبقى منه في القبر مستديرة حتى تخلق منها كما خلق اول مرة و قوله عليه السّلام مستديرة الظاهر انه مأخوذ من دار يدور دورانا يعني منتقلة من حال الى حال و من شأن الى شأن في جميع مراتب التغيير لكنها باقية في ذاتها حتى يخلق منها كالخلق اول مرة و قد يفسر بمعنى مدورة بناء على صيرورتها بسيطة او يجعل كناية على كثرة استمدادها بناء على ان الدائرة اوسع الاشكال،و لا يخفى ما في هذين من التكلّف و الركاكة.

فان قلت كيف طريق التوفيق بين هذا الخبر و بين ما رواه شيخنا في الكافي عن الصادق عليه السّلام و قد سأل عن علة تغسيل الميت غسل الجنابة فقال ان اللّه خلق خلاقين فاذا اراد ان يخلق خلقا امرهم فأخذوا من التربة التي قال في كتابه منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى فعجن النطفة بتلك التربة التي يخلق منها بعد ان اسكنها الرحم اربعين ليلة فاذا تمت له اربعة اشهر قال يا ربّ تخلق ما ذا؟فيأمرهم بما يريد من ذكر او انثى ابيض او اسود فاذا خرجت الروح من البدن خرجت هذه النطفة بعينها منه كائنا ما كان،صغيرا او كبيرا،ذكرا او انثى فلذلك يغسل الميت غسل الجنابة و ظاهر هذا الحديث ان تلك النطفة لا تصل معه الى القبر بل تخرج منه حال الموت اما قبل خروج الروح او بعده،و في الاخبار انها تخرج تارة من عينيه بهيئة الدموع و اخرى من فمه كالزبد قلت يمكن ان يقال في وجه الجمع امران.

الاول ان الخارج منه حال الموت هو نطفة المنمى و من ثم اوجبت الغسل و الذي يبقى معه في القبر انما هو التراب الذي يؤتى به الى النطفة و يمزج معها الثاني ان يكون الخارج منه وقت الموت بعض تلك النطفة و الباقي بعض آخر و قوله عليه السّلام فلذلك يغسل الميت غسل الجنابة

ص:128

المراد به انه يغسل غسلا كغسل الجنابة في هيئته و ترتيبه و ان كان ينوي فيه غسل الاموات لا غسل الجنابة.

و روى عن الصادق عليه السّلام انه قال غسل الميت مثل غسل الجنابة،و يستفاد من هذين الحديثين الدلالة على ما هو المشهور من وجوب الترتيب بين الجانب الايمن و الايسر في غسل الجنابة،و الشيخ و الاصحاب رضوان اللّه عليهم قد استدلوا على الترتيب بقول الرضا عليه السّلام في صحيح احمد بن محمد ثم افض على رأسك و جسدك و بصحيحة محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام ثم تصب على سائر جسدك و في معناهما روايات صحيحة و هي لا تدل على الترتيب بين الجانبين و من ثم ذهب الصدوقان و ابن الجنيد و صاحب المدارك الى استحباب الترتيب بين الجانبين(في غسل الاموات خ ل)و الاولى الاستدلالى عليه بذينك الحديثين،فان الترتيب بين الجانبين في غسل الاموات مما قد انعقد عليه الاجماع و دلت عليه الاخبار.

و اعلم ان هذه النطفة كما مزجت بتراب القبر فقد مزجت بغيره ايضا كما رويناه بأسنادينا الى اسحاق بن عمار قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام الرجل آتيه اكلمه ببعض كلامي فيعرفه كله و منهم من آتيه فأكلمه بالكلام فيستوفي كلامه كله ثم يرده عليّ كما كلمته و منهم من آتيه فأكلمه فيقول اعد عليّ،فقال يا اسحاق او ما تدري لم هذا؟قلت لا:قال الذي تكلمه ببعض كلامك فيعرفه كله فذاك من عجنت نطفته بعقله،و اما الذي تكلمه فيستوفي كلامك ثم يجيبك على كلامك فذاك الذي ركب عقله في بطن امه و اما الذي تكلمه بالكلام فيقول لك اعد عليّ فذاك الذي ركب عقله فيه بعد ما كبر فهو يقول اعد عليّ.

اقول فقد تفاوت بسبب هذا مراتب الناس في الشعور و الذكاء و به ايضا تفاوتت الناس في درجات الثواب و العقاب روى الديلمي عن ابيه قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام فلان من عبادته و دينه و فضله كذا و كذا،قال فقال كيف عقله؟فقلت لا ادري فقال ان الثواب على قدر العقل ان رجلا من بني اسرائيل كان يعبد اللّه عز و جل في جزيرة من جزائر البحر خضراء نضرة كثيرة الشجر طاهرة الماء،و ان ملكا من الملائكة مرّ به فقال يا رب ارني ثواب عبدك هذا فأراه اللّه عز و جل ذلك فأستقله الملك،فأوحى اللّه عز و جل اليه ان إصحبه فأتاه الملك في صورة إنسي،فقال له من انت؟قال انا رجل عابد بلغنا مكانك و عبادتك بهذا المكان فجئت لأعبد اللّه معك فكان معه يومه ذلك فلما اصبح قال له الملك ان مكانك هذا لنزهة قال ليت لربنا حمارا فلو كان لربنا حمار لرعيناه في هذا الموضع فان هذا الحشيش يضيع،فقال له الملك و ما لربك حمار،فقال لو كان له حمار ما كان يضيع مثل هذا الحشيش،فأوحى اللّه عز و جل الى الملك انما اثيبه على قدر عقله.

ص:129

فان قلت كيف جاز ترتب ثواب العمل الاختياري على العقل الذي لا اختيار للانسان في تحصيله فعبادة هذا العابد لو وقعت من كامل العقل لكان ثوابها أزيد مع انها عمل واحد قلت الجواب عنه من وجوه الاول ان العقل و ان كان موهبيا لكن له حالات و ادوات كسبية يمكن تضاعفها و تزايدها بالممارسة و الكسب و معاشرة الانبياء و الاولياء و ارباب العقول و الاحلام و هذا شعبة من شعب تهذيب الاخلاق الذي ارسلت الانبياء له،و قد كان هذا العابد مقصرا في درجات التفكر و معاشرة من قد كان مكملا لحالات عقله التي كان يدرك بها ان اللّه سبحانه مستغن عن الحمار كما هو الموجود في تلك الاعصار من احوال اهل العبادة و عزلتهم عن الناس مع نقصانهم في الكمال الاختياري لهم و ذلك ان العزلة قد اشتملت على عين العلم و زاء الزهد،فان رفعت منها عين العلم صارت زلة أي ذنب اعظم الذنوب و ان رفعت منها زاء الزهد صارت علة كما في عزلة اكثر الصوفية فانه خالية من عين العلم و زاء الزهد.

الثاني ان العقل هنا المراد به العلم و اطلاقه عليه في الكتاب و السنة كثير جدا من باب اطلاق اسم السبب على المسبب و لا ريب ان تحصيله امر اختياري و به تقوى حالات العقل و شعبه و ذلك العابد لو كان حصّل العلم و طلبه من اهله لما خفى عليه ان اللّه ليس له حمار فقد قصر في تحصيل العلم و من ثم كان ثوابه قليلا.

الثالث ان العقل كلما اكمل كانت المعارضات و الموانع و جنود الشيطان عليه اكثر، و ذلك ان الشيطان و جنوده انما تكثر و ساسوهم و تسويلاتهم لارباب العقول و كلما كان العقل انقص كانت المعارضات له عن سلوك جادة الايمان اقل فكامل العقل لما كان كثير الجهاد لجنود الشيطان لازالة تلك الموانع كان ثوابه اكثر لكثرة اعماله الظاهرة و الباطنة التي منها ما عرفت و اما ناقص العقل فله ذلك العمل الظاهر و هو العبادة و القيام بها فاعماله اقل من اعمل ذلك الرجل فيكون كثرة الثواب و قلته هنا راجعة الى زيادة العمل و نقصانه و هذا هو العدل و ما كان ربك بظلام للعبيد.

نور في ايام رضاعه

و ما يكون فيها الى يوم فطامه اعلم ان في ارضاع الام لولدها ثوابا جزيلا،روى ابو خالد الكعبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال ايما امرأة رفعت من بيت زوجها شيئا من موضع الى موضع تريد به صلاحه نظر اللّه عز و جل اليها،و من نظر اللّه اليه له يعذبه فقالت ام سلمة رضي اللّه عنها ذهب الرجال بكل خير فأي شيء للنساء المساكين؟فقال عليه السّلام بلى اذا حملت المرأة كانت بمنزلة الصائم المجاهد بنفسه و ماله في سبيل اللّه فاذا وضعت كان لها

ص:130

من الاجر ما لا تدري ما هو لعظمه،فاذا ارضعت كان لها بكل مصة كعدل عتق محرر من ولد اسماعيل عليه السّلام فاذا فرغت من رضاعه ضرب ملك على جنبها و قال استأنفي العمل فقد غفر اللّه لك.

و الارضاع ليس بواجب عليها و يجوز لها اخذ الاجرة من الاب ان لم يكن للولد مال، نعم يجب عليها ارضاع اللبا بكسر اللام و هو اول اللبن لان الولد لا يعيش بدونه و قدرّه بعضهم بثلاثة ايام و ظاهر الجوهري و ابن الاثير انه حلبة واحدة و مع ذلك يجوز لها اخذ الاجرة عليه و لو طلبت الام زيادة اجرة على الارضاع جاز للاب انتزاعه منها و تسليمه الى الغير و اما الامة فيجوز للمولى جبرها على مطلق الارضاع و اذا ارضع ابنه فليختر الحسان الوجوه النجيبة العفيفة الدينية،قال الصادق عليه السّلام لا تسترضع من ولدت من الزنا و لا ابنتها،و قال صلّى اللّه عليه و آله لا تسترضعوا الحمقاء فان اللبن يعدى و ان الغلام ينزع الى اللبن في الرعوبة و الحمق و اللبن يغلب الطباع و الولد يشب عليه و عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في المرأة يكون لها الخادم قد فجرت تحتاج الى لبنها قال مرها فلتحللها يطيب اللبن.

و اما الحضانة بفتح الحاء و هي تولية امور الاطفال لفائدة تربيته و احواله من تنظيفه و تكحيله و جعله في مهده و غسل خرقه و ثيابه فهي للام مدّة رضاعه اذا كانت حرّة مسلمة فاذا فصل عن الرضاع فالام احق بالانثى الى سبع سنين و قيل الى تسع و قيل الى سبع فيهما و الاول مع شهرته جامع بين الاخبار المطلقة و الاب احق بالذكر بعد فصاله الى البلوغ و احق بالانثى بعد السبع و الام احق من وصى الاب فان فقد الابوان فالحضانة لاب الاب فان فقد فللاقارب الاقرب منهم الى الولد فالاقرب على المشهور لاية و اولوا الارحام بعضهم اولى ببعض،فالجدة لام كانت ام الاب و ان علت اولى من العمة و الخالة كما انهما اولى من بنات العمومة و الخؤلة و كذلك الجدة الدنيا و الخالة و العمة اولى من العليا منهن و كذا ذكور كل مرتبة ثم ان اتحد الاقرب فالحضانة مختصة به،و ان تعدد اقرع بينهم و لو اجتمع ذكر و انثى ففي تقديم الانثى قول ذهب اليه العلاّمة في التحرير مع اعترافه بعدم النص،و كون الانثى اوفق لتربية الولد سيّما الصغير و الانثى و اطلاق الدليل المستفاد من الاية يقتضي التسوية بينهما كما يقتضي التسوية بين كثير النصيب و قليله،و من يمت بالابوين و بالام خاصة لاشراك الجميع في الارث و قيل ان الاخت من الابوين او الاب اولى من الاخت من الام و كذا الاب اولى من ام الام،و الجدة اولى من الاخوات،و العمة اولى من الخالة نظرا الى زيادة القرب او كثرة النصيب و فيه نظر لان المستند و هو الاية مشترك و مجرد ما ذكر لا يصلح دليلا و قيل لا حضانة لغير الابوين اقتصارا

ص:131

على موضع النص،و عموم الاية يدفعه و لو تزوجت الام سقطت حضانتها فان طلقت عادت الحضانة على المشهور اذا عرفت هذا.

فاعلم ان الحضانة حق لمن ذكر و لكن هل يجب عليه مع ذلك ام له اسقاط حقه منها فيه قولان للاصحاب و الظاهر عدم جواز اسقاطها حيث يستلزم تركها تضييع الولد الا ان حضانته حينئذ تجب كفاية كغيره من المضطرين و في اختصاص الوجوب بذي الحق نظر و ليس في الاخبار ما يدل على غير ثبوت اصل الاستحقاق و ينبغي لمن له الحضانة و للابوين ان لا يتأذيا من بكاء الاطفال فأنك قد تحققت ان في بكاء الاطفال ثوابا جزيلا و يزيد عليه ما رواه محمد بن مسلم قال كنت جالسا عند ابي عبد اللّه عليه السّلام اذ دخل يونس بن يعقوب فرأيته يأنّ فقال له ابو عبد اللّه عليه السّلام ما لي اراك تأنّ؟قال طفل لي تأذيت به الليل اجمع،فقال له ابو عبد اللّه عليه السّلام يا يونس حدثني ابي محمد بن علي عن آبائه عليهم السّلام عن جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان جبريل عليه السّلام نزل عليه و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و علي عليه السّلام و فاطمة عليها السّلام يأنان فقال جبريل يا حبيب اللّه ما لكما تأنان؟فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من اجل طفلين لنا تأذينا ببكائهما فقال جبريل عليه السّلام يا محمد صلّى اللّه عليه و آله فأنه سيبعث لهذا القوم شيعة اذا بكى احدهم بكاؤه لا اله الا اللّه الى ان يأتي عليه سبع سنين فاذا أتى عليه السبع فبكاؤه استغفاره لوالديه الى ان يأتي على الحدّ فاذا جاز الحد فما اتى من حسنة فلوالديه و ما أتى من سيئة فلا عليهما.

فاذا اتى اليوم السابع فليعق عنه،روى عن العبد الصالح عليه السّلام قال العقيقة واجبة فاذا ولد للرجل فان احب ان يسميه من يومه فعل،و قال الصادق عليه السّلام كل مولود مرتهن بالعقيقة و عن عمر بن يزيد قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام اني و اللّه ما ادري كان ابي عقّ عني او لا قال فأمر ابو عبد اللّه عليه السّلام فعققت عن نفسي و انا شيخ و عن ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن العقيقة أ واجبة هي؟قال نعم واجبة و في الكافي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المولود مرتهن بعقيقة فكّه أبواه او تركاه و المراد انه مرتهن من الموت بعقيقة فان اراد بقائه عقّا عنه و ان ارادا موته تركا العقيقة،و بعض علمائنا كالمرتضى طاب ثراه نظر الى ظاهر هذه الاخبار فأوجب العقيقة و لكن الجمع بين الاخبار يقتضي الاستحباب و الاحتياط في عدم تركها لان الاخبار الدالة على الوجوب كثيرة و الاخبار الدالة على انها سنة يمكن حملها على ما علم وجوبه من سنته صلّى اللّه عليه و آله و الاحاديث الدالة على سقوطها يمكن حملها على الفقير الغير القادر.

و ينبغي ان لا يأكل من العقيقة ابو الولد و لا ام الولد و لا من كان في عيال بيته،و روى جواز الاكل مطلقا و تفصيل اعضائه،و قد روى جواز التصدق باللحم،و الاحسن هو الطبخ و دعاء المؤمنين،و اقلهم و لتخص القابلة بالرجل و الورك و في بعض الاخبار ان لها ربع العقيقة،

ص:132

و في بعضها ثلثها،و لو لم يكن قابلة تصدقت به الام و الدعاء المأثور عند ذبحها:بسم اللّه و باللّه اللهم ان هذه عقيقة عن فلان لحمها بلحمه و دمها بدمه و عظمها بعظمه اللهم اجعله وقاء لال محمد صلّى اللّه عليه و آله و ليكن قد حلق رأسه قبل الذبح و تصدق بوزنه ذهبا و الا فضة و يسميه في اليوم السابع بأحسن الاسماء بعد ان سمّاه محمدا،و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله ان من ولد له اربعة اولاد و لم يسم احدهم بأسمي فقد جفاني و قال عليه السّلام ليس في الارض دار فيها اسم محمد الا و هي تقدس كل يوم و عن الحسين عليه السّلام لو ولد لي مأة لاحببت ان لا اسمي احدا منهم الا عليا،و قال الرضا عليه السّلام لا يدخل الفقر بيتا فيه اسم محمد او احمد او علي او الحسن او الحسين،او طالب او جعفر او عبد اللّه او فاطمة من النساء.

و عن جابر قال اراد ابو جعفر عليه السّلام الى بعض شيعته ليعوده فقال يا جابر الحقني فتبعته فلما انتهى الى باب الدار خرج علينا ابن له صغير فقال له ابو جعفر عليه السّلام ما اسمك فقال محمد قال فبما تكنى؟قال بعلي فقال ابو جعفر عليه السّلام لقد احتظرت من الشيطان احتظارا شديدا ان الشيطان اذا سمع مناديا يا محمد يا علي ذاب كما يذوب الرصاص حتى اذا سمع مناديا ينادي باسم عدو من اعدائنا اهتزّ و اختال و قال عليه السّلام اصدق الاسماء ما سمّى بالعبودية،و افضلها اسماء الانبياء و قال عليه السّلام سمّوا اولادكم قبل او يولدوا فان لم تدروا أذكر ام انثى فسموهم بالاسماء التي تكون للذكر و الانثى فان اسقاطكم اذا لقوكم يوم القيامة و لم تسموهم يقول السقط لابيه الا سميتني و قد سمى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله محسنا قبل ان يولد.

و قال الصادق عليه السّلام لا يولد لنا ولد الا سميناه محمدا فاذا مضى سبعة ايام فان شئنا غيرنا و ان شئنا تركنا و عن الرضا عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما من قوم كانت لهم مشهورة فحضر معهم محمدا أو احمد فأدخلوه في مشهورتهم الا كان خيرا لهم.

و قد ورد النهي عن الضرب و الاسائة الى من اسمه محمد بل ينبغي اكرامه و احترامه لاجل صاحب الاسم،و قال الصادق عليه السّلام ما من رجل يحمل له حمل فينوي ان يسميه محمدا الا كان ذكرا ان شاء اللّه تعالى و قال هيهنا ثلثة كلهم محمد،محمد،محمد قال و قال ابو عبد اللّه عليه السّلام الحامل يأخذ بيدها و يستقبل بها القبلة عند الاربعة اشهر و يقول اللهم اني قد سميته محمدا، ولد له غلام فان حوّل اسمه أخذ منه،و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من كان له حمل فنوى ان يسميه محمدا أو عليا ولد له غلام و قال الصادق عليه السّلام جاء رجل الى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال يا رسول اللّه ولد لي غلام فماذ اسميه؟فقال سمّه بأحب الاسماء اليّ حمزة،و قال صلّى اللّه عليه و آله استحسنوا اسمائكم فأنكم تدعون بها يوم القيامة قم يا فلان بن فلان الى نورك،قم يا فلان بن فلان لا نور لك، و قال عليه السّلام انا لنكّني اولادنا في صغرهم مخافة النبز ان يحلق بهم،و قال عليه السّلام هذا محمد قد أذن لهم

ص:133

(لكم خ ل)في التسمية به فمن اذن لهم(لكم خ ل)في يس؟يعني التسمية و هو اسم النبي صلّى اللّه عليه و آله،و فيه دلالة على كراهة التسمية به.

و قد نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله عن اسماء ان يتسمى بها منها حكم و حكيم،و خالد و مالك و حارث و ذكر انها ستة او سبعة لا يجوز ان يتسمى بها،و نهى عن اربع كنى عن ابي عيسى و عن ابي الحكم،و عن ابي مالك و عن ابي القاسم اذا كان الاسم محمدا،و نهى عن الكنية بأبي مرة و ينبغي ان لا يفرق بين الذكور و الاناث،بل يعتقد ان ثواب تربية البيت لما كان اجزل فالميل الى ارادتها افضل قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نعم الولد البنات المخدرات،من كانت عنده واحدة جعلها اللّه له سترا ممن فالميل الى ارادتها افضل قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نعم الولد البنات المخدرات من كانت عنده واحدة جعلها اللّه له سترا من النار،و من كانت عنده اثنتان ادخله اللّه بهما الجنة و جاء رجل الى النبي صلّى اللّه عليه و آله و عنده رجل فأخبره بمولد فتغير لون الرجل فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله ما لك؟ قال خير قال قل قال خرجت و المرأة تمخض فأخبرت انها جارية فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله الارض تثقلها و السماء تظلها،و اللّه يرزقها و هي ريحانة تشمها ثم اقبل على اصحابه فقال من كانت له ابنة واحدة فهو مفدوح (1)و من كانت له ابنتان فيا غوثاه،و من كانت له ثلاث وضع عنه الجهاد و كل مكروه و من كانت له اربع فيا عباد اللّه عينوه يا عباد اللّه اقرضوه يا عباد اللّه ارحموه، و قال عليه السّلام من عال ثلاث بنات او ثلاث أخوات وجبت له الجنة.قيل يا رسول اللّه و اثنتين،قال و اثنتين قيل يا رسول اللّه و واحدة،قال و واحدة،و قال عليه السّلام البنات حسنة و البنون نعمة، فالحسنات يثاب عليها و النعم يسأل عنها،و روى انه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لرجل رآى معه صبيا من هذا؟قال ابني قال امتعك اللّه به اما لو قلت بارك اللّه فيه لك قدمته.

و ينبغي الاكثار من تقبيل الاطفال قال عليه السّلام اكثروا من قبلة اولادكم فان لكم بكل قبلة درجة في الجنة ما بين كل درجة الى درجة خمسمائة عام و قال امير المؤمنين عليه السّلام قبلة الولد رحمة و قبلة المرأة شهوة و قبلة الوالدين عبادة و قبلة الرجل أخاه دين و قبلة الامام العادل طاعة، و عن رفاعة قال سألت ابا الحسن عليه السّلام عن الرجل يكون له بنون و امهم ليست بواحدة أ يفضل احدهم على الاخر،قال نعم لا بأس به،قد كان ابي يفضلني و ينبغي ان لا يفضل الا لمزية في الولد،لما روى انه صلّى اللّه عليه و آله نظر الى رجل له ابنان فقبّل احدهما و ترك الاخر،فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله فهلا واسيت بينهما.

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من قبّل ولده كتب اللّه له حسنة و من فرّحه فرّحه اللّه يوم القيامة و من علّمه القرآن دعى بالابوين فكسيا حلتين يضيء من نورهما وجوه اهل الجنة،و قال

ص:134


1- (1) فدحه فدحا الامر او الحمل او الدين اثقله و بهضه.

الصادق عليه السّلام جاء رجل الى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال ما قبّلت صبيا قط فلما ولّى قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هذا رجل عندي انه من اهل النار.

و الارضاع ينبغي ان يكون من الثديين روى عن ام اسحاق زوجة الصادق عليه السّلام قالت نظر اليّ ابو عبد اللّه عليه السّلام و انا ارضع احد ابنيّ محمدا و اسحاق فقال يا ام اسحاق لا ترضعيه من ثدي واحد ارضعيه من كليهما يكون احدهما طعاما و الاخر شرابا،و قال عليه السّلام الرضاع واحد و عشرون شهرا فما نقص فهو جور على الصبي.

و يستحب الختان في اليوم السابع و كذا خفض الجواري و روى ان الارض تشكو الى اللّه من بول الاغلف و قال الصادق عليه السّلام كانت امرأة يقال لها ام حبيب تخفض الجواري فلما رآها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لها يا ام حبيب العمل الذي كان في يدك هو في يدك اليوم قالت نعم يا رسول اللّه فقال لها يا ام حبيب اذا انت فعلتي فلا تنهكي أي لا تستأصلي و اسيمي فأنه اشرق للوجه و احظى عند الزوج،و قال عليه السّلام ثقب اذن الغلام من السنة و ختان الغلام من السنة و لما ولد الحسن عليه السّلام هبط جبرئيل عليه السّلام على النبي صلّى اللّه عليه و آله بالتهنية في اليوم السابع و امره ان يسميه و يكنيه و يحلق رأسه و يعقّ عنه و يثقب اذنه و كذلك حين ولد الحسين عليه السّلام أتاه في اليوم السابع و امره بمثل ذلك قال و كان لهما ذو ابتان في القرن الايسر و كان الثقب في الاذن اليمنى في شحمة الاذن،و في اليسرى في اعلا الاذن،فالقرط في اليمنى و الشق في اليسرى،و قد روى ان النبي صلّى اللّه عليه و آله ترك لهما ذو ابتين في وسط الرأس و هو اصح من القرن على ما قاله الكليني و روى عن سفيان السمط قال قال لي ابو عبد اللّه عليه السّلام اذا بلغ الصبي اربعة اشهر فاحجمه في كل اربعة اشهر في النقرة فانها تجفف لعابه و تهبط الحرارة من رأسه و جسده،و قال عليه السّلام يعيش لستة اشهر و سبعة اشهر و تسعة اشهر و لا يعيش لثمانية اشهر و كان الصادق عليه السّلام يكره القنازع (1)في رؤس الصبيان و قال عليه السّلام أتى صلّى اللّه عليه و آله بولد و له قنازع فأبى ان يدعو له و قال عليه السّلام في المرأة الحامل تأكل السفرجل فان الولد يكون اطيب ريحا و اصفى لونا و نظر عليه السّلام الى غلام جميل فقال ينبغي ان يكون ابو هذا الغلام اكل السفرجل.

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ليكن اول ما تأكل النفساء الرطب فان اللّه تعالى قال لمريم و هزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا،قال يا رسول اللّه فان لم يكن ابان الرطب قال تسع تمرات من تمر المدينة،فان لم يكن فسبع تمرات من تمر امصاركم فان اللّه عز و جل قال و عزتي و جلالي و ارتفاع مكاني لا تأكل نفساء يوم تلد الرطب فيكون غلاما الا كان حليما و ان كانت جارية كانت حليمة،و قال الرضا عليه السّلام اطعموا حبالاكم ذكر اللبان فانيكن في بطنها غلام

ص:135


1- (1) القنازع و هي ان يخلع الرأس الا قليلا و يترك وسط الرأس.

خرج زكي القلب عالما شجاعا و ان تكن جارية حسن خلقها و خلقتها و عظمت عجيزتها و حظت عند زوجها و اذا فصح بالكلام فليعلم التهليل و قوله تعالى قُلِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً. الاية،و كلاهما مروي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و هو حسن.

نور في احواله من فطامه الى وقت بلوغه

و هذه المدة هي ايام دولته و فراغته التي يفعل فيها ما اراد و لكن ليس فيها ذلك الالتذاد لعدم كمال العقل و وفور التمييز فتكون داخلة تحت ايام الطفولية التي تنقضي من غير معرفة باقضائها و يشير الى الاول بقول النبي صلّى اللّه عليه و آله الولد سيد سبع سنين و عبد سبع سنين و وزير سبع سنين فان رضيت خلائقه لاحدى و عشر سنة و الا فاضرب على جنبه فقد اعذرت الى اللّه تعالى و الى الثاني قول امير المؤمنين عليه السّلام فيما نسب اليه في(من خ)الديوان.

اذا عاش امرأ ستين عاما فنضف العمر تمحقه الليالي

و نصف النصف يذهب ليس يدري لغفلته يمينا عن شمال

و ثلث النصف آمال و حرص و شغل بالمكاسب و العيال

و باقي العمر اسقام و شيب و همّ بارتحال و انتقال

خبّ المرء طول العمر جهل و قسمته على هذا النوال

فهذا حال صاحب الستين فكيف يكون حال صاحب الثلاثين و نحوها،و هذه الايام و ان كان قد رفع فيها التكليف لكن لم يرفع فيها التأديب و التعزير،قال الصادق عليه السّلام اذا بلغ الغلام ثلث سنين قل له سبع مرات لا اله الا اللّه ثم يترك حتى يتم له ثلث سنين و سبعة اشهر و عشرون يوما،ثم يقال له فقل محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سبع مرات و يترك حتى يتم له اربع سنين ثم يقال له قل سبع مرات صلّى اللّه على محمد و آله محمد ثم يترك حتى يأتي له خمس سنين،ثم يقال له ايهما يمينك و ايهما شمالك فاذا عرف ذلك حوّل وجهه الى القبلة و يقال له اسجد ثم يترك حتى يتم له ست سنين،فيقال صلّ و علم الركوع و السجود حتى يتم له سبع سنين فاذا تمت له سبع سنين قيل له اغسل وجهك و كفيك فاذا غسلهما قيل له صلّ ثم يترك حتى يتم له تسع سنين فاذا تمت له علم الوضوء و ضرب عليه و امر بالصلوة و ضرب عليها فاذا تعلّم الوضوء و الصلوة غفر لوالديه انشاء اللّه تعالى.

و قال الصادق عليه السّلام دع ابنك يلعب سبع سنين و تؤدب سبعا و الزمه نفسك سبع سنين فان افلح و الا فأنه لا خير فيه،و قال عليه السّلام اهمل صبيك حتى تأتي عليه ست سنين ثم ادبه في الكتاب ست سنين ثم ضمه اليك سبع سنين فأدبه فان قبل و صلح و الا فخلّ عنه،و عن امير المؤمنين

ص:136

عليه السّلام قال يرخى عن الصبي سبعا و يؤدب سبعا و يستخدم سبعا و ينتهي طوله في ثلث و عشرين و عقله في خمسة و ثلاثين و ما كان بعد ذلك فالتجارب،و عنه عليه السّلام ان الصبي يشبّ في كل سنة اربع اصابع بأصبع نفسه،و قال الصادق عليه السّلام اذا أتى للصبي ست سنين وجب عليه الصلوة فاذا اطاق الصوم وجب عليه الصيام و في معناه أخبار كثيرة و يستفاد منها الدلالة على ان عبادات الصبي شرعية مخاطب بها من جهة الشارع و نسبة الولي اليه في الامر بها كنسبة الامر بالمعروف الى تارك المعروف و حينئذ فينوي الصلوة الشرعية المتطوع بها و لا ينوي الوجوب المصطلح كما قاله بعض الاصحاب فأنه لا وجه له و يدخل تحت نذر من نذر لمن يعبد اللّه عبادة شرعية و يثاب على فعلها بعد بلوغه كما يثاب ابواه(بعد خ)عليها و القول الاخر انها تمرينية فيسقط اكثر هذا.

و اما الوجوب المصطلح فهو بالاحترام و نحوه كما هو المشهور و به روايات ضعيفة اما الصحيح فقد رواه الصدوق طاب ثراه باسناده الى عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال اذا بلع الغلام اشده ثلاث عشر سنة و دخل في الاربع عشر سنة فقد وجب عليه ما يجب على المحتلمين احتلم او لم يحتلم و كتب عليه السيئات و كتب له الحسنات و جاز له كل شيء الا ان يكون ضعيفا او سفيها،و ظاهر بعض المحققين من المتأخرين العمل بها و هو غير بعيد.

و اما السرقة فيعفى عنه اول مرة فان سرق ثانيا ادب فان عاد ثالثا حكّت انامله حتى تمى،فان سرق رابعا قطعت انامله فان سرق خامسا يقطع كما يقطع البالغ و به روايات كثيرة.

و اعلم انه ينبغي للاباء المسارعة الى بر الاولاد قال ابو الحسن عليه السّلام اذا وعدتم الصبيان اوفوا لهم فانهم يرون انكم الذين ترزقونهم ان اللّه ليس يغضب لشيء كغضبه للنساء و الصبيان،و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله من دخل السوق فأشترى تحفة فحملها الى عياله كان كحامل صدقة الى قوم محاويج،و ليبدأ بالاناث قبل الذكور فأنه من فرّح ابنته كان كأنما اعتق رقبة من ولد اسماعيل و في سبع سنين لعبه ينبغي للاب ان يتركه بحاله مع الصبيان و ان لا يحبسه معه و لا يمنعه من اللهو و اللعب و لا يكلفه المكتب الا بعد سبع او الست سنين،فقد روى عنه عليه السّلام انه يستحب عرامة الغلام في صغره ليكون حليما في كبره و ما ينبغي ان يكون الا هكذا.

و روى ان اكيس الصبيان اشدهم بغضا للكتاب و العرامة،قال في النهاية رجل عادم أي خبيث شرير و العرامة الشدة و القوة و الشراية و اذا اتت سنو تأديبه فأولاها ما رواه الصدوق طاب ثراه قال كان جابر بن عبد الانصاري يدور في سكك الانصار في المدينة و هو يقول عليّ خير البشر فمن ابى فقد كفر،يا معاشر الانصار ادبوا اولادكم على حب علي فمن ابى فانظروا في شأن امه،و قال الصادق عليه السّلام من جد برد حبنا على قلبه فليكثر الدعاء لامه فانها لم تخن اباه،

ص:137

و كان الصبي على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اذا وقع الشك في نسبه عرضت عليه ولاية امير المؤمنين عليه السّلام فان قبلها الحق نسبه بمن ينتمي اليه و ان انكرها نفي.

و ينبغي ان يعلمه كسبا حلالا غير مكروه فان الكسب كما سيأتي ان شاء اللّه تعالى في بابه بعضه حرام و بعضه مكروه روى عن الامام موسى بن جعفر عليهما السّلام قال جاء رجل الى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال يا رسول اللّه قد علّمت ابني هذا الكتاب ففي أي شيء اسلّمه قال اسلمه للّه ابوك و لا تسلمه في خمس،لا تسلمه سبّاء و لا صايغا،و لا قصابا،و لا حناطا و لا نخاسا فقال يا رسول اللّه و ما السبّاء،قال الذي يبيع الاكفان و يتمنى موت امتي للمولود من امتي احبّ اليّ مما طلعت عليه الشمس،و اما الصايغ فانه يعالج غبن امتي و اما القصاب فانه يذبح حتى تذهب الرحمة من قلبه،و اما الحناط فأنه يحتكر الطعام على امتي و لئن يلقى اللّه العبد سارقا احب اليّ من ان يلقاه قد احتكر طعاما اربعين يوما،و اما النخاس فأنه قد اتاني جبرئيل فقال يا محمد ان شرّ امتك الذين يبيعون الناس.

و روى عن سدير الصيرفي قال قلت لابي جعفر عليه السّلام حديث بلغني عن الحسن البصري فان كان حقا فانا للّه و انا اليه راجعون قال و ما هو؟قلت بلغني ان الحسن كان يقول لو غلى دماغه من حر الشمس ما استظل بحائط صيرفي،و لو تفرثت كبده عطشا لم يستق من دار صيرفي ماء،و هو عملي و تجارتي و عليه نبتت لحمي و دمي و منه حجتي و عمرتي،قال فجلس عليه السّلام فقال كذب الحسن خذ سواء و اعط سواء،فاذا حضرت الصلوة فدع ما بيدك انهض الى الصلوة،اما علمت ان اصحاب الكهف كانوا صيارفة يعني صيارفة الكلام و لم يعن صيارفة الدراهم.

فان قلت الكلام انما هو في صيارفة الدراهم فاذا كان اهل الكهف صيارفة الكلام فكيف يكون حسن حالهم منافيا لذّم صيارفة الدراهم،قلت هذه الفقرة من الحديث قد استشكلها المحققون حتى ان بعضهم قال ان هذا التفسير من كلام الصدوق(ر ه)لا من كلام الامام عليه السّلام و يؤيده ان الحديث موجود في الاصول الاربعة و كلها خالية من هذا التفسير سوى كتاب الفقيه، و لكن سعد بن هبة اللّه الراوندي نقل في كتاب قصص الانبياء حديثا منسدا عن الكاهلي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام و ذكر اصحاب الكهف فقال لو كلفكم قومكم ما كلفهم قومهم ما فعلتم فعلهم فقيل له و ما كلفهم قومهم؟قال كلفوهم الشرك باللّه فاظهروا من حالهم الكفر و اسرّوا الايمان حتى جائهم الفرج،و قال ان اصحاب الكهف كذبوا فآجرهم اللّه و صدقوا فآجرهم اللّه و قال كانوا صيارفة الدراهم و قال خرج اصحاب الكهف على غير ميعاد فلما صاروا في الصحراء اخذ هذا على هذا و هذا على هذا العهد و الميثاق ثم قال اظهروا امركم فأظهروه فاذا

ص:138

هم على امر واحد،و قال ان اصحاب الكهف اسروا الايمان و اظهروا الكفر و ثوابهم على اظهار الكفر اعظم منه على اسرارهم الايمان قال و بلع التقية بأصحاب الكهف ان كانوا ليشدون الزنار و يشهدون الاعياد فأعطاهم اللّه تعالى اجرهم مرتين انتهى.و حينئذ فالفقرة التي في ذلك الحديث مأخوذة من هذا الحديث و قد ذكر المحققون لذلك وجوها.

اولها ما صار اليه المحقق صاحب المنتقى قدس اللّه روحه حيث قال غاية ما يوجه به متن الحديث ان سلم عن النقص و توافقت فيه النسخ ان يكون يعني بصيغة المفعول و كذلك لم يعن فيكون المراد ان الحسن و هم من تأويل ما روى في الصيارفة فان المعنى بها صيارفة الكلام لا صيارفة الدراهم على ما روى من قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من التهديد لمن يصرف الكلام في المواعيد و غيرها و هذا الوجه لا يوافق حديث الراوندي كما لا يخفى.

و ثانيها ان صرف الكلام في مقام التقية امر ممدوح و ان كان في غيره مذموما و مقصود الامام عليه السّلام من بيان انهم صيارفة الكلام ترغب على استعمال التقية و في قوله عليه السّلام ما فعلتم فعلهم نوع شكاية من شيعة زمانه في الافشاء و ترك التقية فيكون هذا من باب التنظير كما ورد في الكافي في باب الكفالة و الحوالة عن حفض(بن خ)البختري قال ابطأت عن الحج فقال لي ابو عبد اللّه عليه السّلام ما أبطأ بك عن الحج؟فقلت جعلت فداك تكلّفت برجل فحضرني فقال عليه السّلام ما لك و للكفالات اما علمت انها اهلكت القرون الاولى ثم قال عليه السّلام ان قوما اذنبوا ذنوبا كثيرة فأشفقوا منها خوفا شديدا فجاء آخرون فقالوا ذنوبكم علينا فأنزل اللّه عز و جل عليهم العذاب ثم قال تبارك و تعالى خافوني و اجترأتم عليّ،فقد قاس عليه السّلام كفالة الاموال بكفالة الذنوب.

و ثالثها ان يكون الحسن قد فهم ان الذم متوجه الى مطلق الصراف فرّده عليه السّلام بأن اصحاب الكهف كانوا صيارفة الكلام،و لا يخفى بعده و كراهة الصياغة مستندة ايضا الى خلف الوعد كما قال عليه السّلام ويل لتجّار امتي من لا و اللّه و بلى و اللّه و ويل لصياغ امتي من اليوم و غد و كذا يكره الحياكة لانها رذالة و كذلك الحجامة قال الباقر عليه السّلام احتجم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حجمه مولى لبني بياضه و اعطاه و لو كان حراما ما اعطاه فلما فرغ قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اين الدم؟ قال شربته يا رسول اللّه فقال ما كان ينبغي لك ان تفعله و قد جعل اللّه لك حجابا من النار و سأل الاعمش أ تجوز الصلوة خلف الحائك قال نعم علي غير وضوء و سأل أتقبل شهادته؟ فقال نعم اذا كان معه شاهدان عدلان.

ص:139

نور في بعض احوال الطفل في المكتب

اعلم انه اذا اراد ان يضع ولده في المكتب فليقصد المعلم العفيف صاحب الدين المرضي و الاخلاق الحميدة و ذلك ان المعلم يكسب الصبي دينه و اخلاقه كما هو المشاهد و ليضعه بين اترابه من الصبيان و الاولى ان لا يكون بينهم بالغ يحصل الريب منه الا ان يكون نائب المعلم و الاولى ان لا يكون بالغا ايضا،و لا يوضع الصبيان و البنات بمكتب واحد لئلا ينجر الى المحبة و التعشق بينهم مع انه ورد النهي من الشارع عن تعليم البنات سوى سورة النور و ذلك ان فيها حدّ الزاني بقوله تعالى اَلزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ و يتأكدا الكراهة في تعليم سورة يوسف و أحسن احوالهن المغزل قال عليه السّلام مروا نسائكم بالمغزل فأنه خير لهنّ و ازين و قال عليه السّلام المغزل في يد المرأة الصالحة كالرمح في يد المغازي المريد وجه اللّه.

و نهى عليه السّلام عن انزال النساء الغرف و ايضا في تعليمهن علم المكتب مظنة الاجتراء على تعلم علم السحر لانه اقرب اليهن من غيرهن و كانت العرب تمدح النساء بعدم تعلم السور قال عبيد بن حصين الملقب بالراعي من كثرة وصفه الابل:

هن الحرائر لا ربات اخمرة سود المحاجر لا يقرأن بالسور

و الباء في بالسور زائدة للتأكيد،و ينبغي للمعلم اذا اتى بالصبي ان ينظر اليه اوّل نظرة بعين الهيبة و البطش حتى يخافه من ذلك و ان تكون آلة تأديبه للصيبان كالفلكة معلقة فوق رؤسهم ينظرون اليها و ان يخرج عنهم احيانا و يتركهم و انفسهم لئلا تموت قلوبهم من كثرة جلوسه معهم و لا شيء في الدنيا احب الى الطفل من مرض معلمه او غيبته و من ثم قال بعض الظرفاء لما خرجوا الى الاستسقاء فقال بعضهم اخرجوا الاطفال معكم فان دعائهم سريع الاجابة فقال ذلك الرجل دعنا من هذا الكلام لو كان لهم دعوة مستجابة لما بقى معلم على وجه الارض و ينبغي للمعلم ان يقسم لحظاته بين الصبيان الا ان يكون يعطي الاجرة من واحد ازيد من غيره و حينئذ فينبغي له كثرة التوجه اليه لانه انما يعطي لهذا و لما كان اول ما يتعلمه الصبي هو تعداد حروف الهجاء و بعده تعليم ابجد فلا بأس ببيان معناهما فنقول.

روينا بالاسانيد المتكثرة الى الرضا عليه السّلام قال ان اول ما خلق اللّه عز و جل ليعرّف به خلقه الكتابة الحروف المعجم و ان الرجل اذا ضرب على رأسه بعصى فزعم انه لا يفصح بعض الكلام فالحكم فيه ان تعرض عليه حروف المعجم ثم يعطى الدية بقدر ما لم يفصح منها و لقد حدثني ابي عن ابيه عن جدّه عن امير المؤمنين صلوات اللّه عليهم في ا ب ت ث قال الالف آلاء اللّه،و الباء بهجة اللّه،و التاء تمام الامر بقائم آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و الثاء ثواب المؤمنين على اعمالهم الصالحة،ج ح خ فالجيم جمال اللّه و الحاء حلم اللّه عن المذنبين،و الخاء خمول ذكر اهل

ص:140

المعاصي عند اللّه عز و جل،د ذ فالدال دين اللّه و الذال من ذي الجلال،ر ز فالراء من الرأوف الرحيم،و الزاء زلالزل القيامة،س ش فالسين سناء اللّه و الشين شاء ما شاء و اراد ما اراد،و ما تشاؤون الا ان يشاء اللّه،ص،ض فالصاد من صادق الوعد في حمل الناس على الصراط و حبس الظالمين عند المرصاد و الضاد ضلّ من خالف محمدا و آل محمد صلّى اللّه عليه و آله ط ظ فالطاء طوبى للمؤمنين و حسن مآب و الظاء ظن المؤمنين باللّه خيرا و ظن الكافرين به سوء،ع غ فالعين من العلم و الغين من الغنى ف ق فالفاء فوج من افواج النار،و القاف قرآن على اللّه جمعه و قرانه ك ل فالكاف من الكافي و اللام لغو الكافرين في افترائهم على اللّه الكذب،م ن فالميم ملك اللّه يوم لا مالك غيره،و يقول اللّه عز و جل لمن الملك اليوم ثم ينطق ارواح انبيائه و رسله و حججه فيقولون للّه الواحد القهار فيقول اللّه جل جلاله اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ان اللّه سريع الحساب و النون نوال اللّه للمؤمنين و نكاله بالكافرين و ه فالواو ويل لمن عصى اللّه و الهاء هان على اللخ من عصاه لاى فلا الف لا اله الا اللّه و هي كلمة الاخلاص ما من عبد قالها مخلصا الا وجبت له الجنة،و الياء يد اللّه فوق ايديهم باسطة بالرزق سبحانه و تعالى عما يشركون ثم قال عليه السّلام ان اللّه تبارك و تعالى انظل هذه القرآن بهذه الحروف التي يتداولها جميع العرب.

و روى الصدوق طاب ثراه باسناده الى الحسين عليه السّلام قال جاء يهودي الى النبي صلّى اللّه عليه و آله و عنده امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السّلام فقال له ما الفائدة في حروف الهجاء فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام اجبه و قال اللهم وفقه و سدده،فقال علي بن ابي طالب عليه السّلام ما من حرف الا و هو اسم من اسماء اللّه عز و جل ثم قال اما الالف فاللّه الذي لا اله الا هو الحي القيوم و اما الباء فباق بعد فناء خلقه،و اما التاء فالتوّاب يقبل التوبة عن عباده،و اما الثاء فالثابت الكائن يثبت اللّه الذين آمنوا بالقول الثابت و اما الجيم فجلّ ثناؤه و تقدست اسماؤه و اما الحاء حي عليم(حليم خ)و اما الخاء فخبير بما يفعله العباد و اما الدال فديان يوم الدين و اما الذال فذو الجلال و الاكرام و اما الراء فرؤف بعباده و اما الزاء فزين المعبودين و اما السين فالسميع البصير و اما الشين فالشاكر لعباده المؤمنين و اما الصاد فصادق في وعده و وعيده و اما الضاد فالضار النافع و اما الطاء فالطاهر المطهر و اما الظاء فالظاهر المظهر لاياته و اما العين فعالم بعباده و اما الغين فغياث المستغيثين و اما الفاء ففالق الحب و النوى و اما القاف فقادر على جميع خلقه و اما الكاف فالكافي الذي لم يكن له كفوا احد لم يلد و لم يولد و اما اللام فليطف بعباده و اما الميم فمالك الملك و اما النون فنور السموات و الارض من نور عرشه،و اما الواو فواحد صمد لم يلد و لم يولد و اما الهاء فهاد لخلقه و اما اللام الفا فلا اله الا اللّه وحده لا شريك له و اما الياء

ص:141

فيد اللّه باسطة على خلقه فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هذا هو القول الذي رضى اللّه عز و جل من جميع خلقه فأسلم اليهودي.

و بعد ما يعلمّه هذه الحروف يعلمه ابجد و تفسيره على ما رواه صاحب المجالس باسناده الى امير المؤمنين عليه السّلام قال سأل عثمان بن عفان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال يا رسول اللّه ما تفسير أبجد فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تعلّموا تفسير أبجد فأن فيها الاعاجيب كلها ويل لعالم جهل تفسيره فقيل يا رسول اللّه ما تفسير ابجد؟فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اما الالف فالاء اللّه حرف من اسمائه و اما الباء فبهجة اللّه و جلاله و جماله و اما الدال فدين اللّه و اما هوز فالهاء هاء الهاوية فويل لمن هوى في النار و اما الواو فويل لاهل النار و اما الزاء فزاوية اللّه في النار نعوذ باللّه مما في الزاوية يعني زوايا جهنم و اما حطي فالحاء حطوط الخطايا عن المستغفرين في ليلة القدر و ما نزل به جبرئيل مع الملائكة الى مطلع الفجر و اما الطاء فطوبى لهم و حسن مآب،و هي شجرة غرسها اللّه عز و جل و نفخ فيها من روحه و ان اغصانها لترى لهم من وراء سور الجنة تنبت بالحلي و الحلل متدلية على افواهم و اما الياء فيد اللّه فوق خلقه سبحانه و تعالى عما يشركون و اما كلمن فالكاف كلام اللّه لا تبديل لكلمات اللّه و لن تجد من دونه ملتحدا و اما اللام فالمام اهل الجنة بينهم في الزيارة و التحية و السّلام و تلاوم اهل النار فيما بينهم و اما الميم فملك اللّه الذي لا يزول و دوام اللّه الذي لا يفنى و اما النون فنون و القلم و ما يسطرون فالقلم قلم من نور و كتاب من نور في لوح محفوظ يشهده المقربون و كفى باللّه شهيدا،و اما سعفص فالصاد صاع بصاع و فص بفص يعني الجزاء بالجزاء و كما تدين تدان ان اللّه لا يريد ظلما للعباد،و اما قرشت يعني قرشهم فحشرهم و نشرهم الى يوم القيامة،و قضى بينهم بالحق و هم لا يظلمون.

و قد روى تفسير آخر عن المسيح عليه السّلام و هو انه لما نشأ صار يدور مع الصبيان فبينما هو كذلك اذ وثب غلام منهم على آخر فوكزره برجله فقتله فجاء اهله و تعلقوا بالصبيان و قالوا من قتل هذا الغلام؟فقالوا قتله عيسى فقال القاضي لعيسى لم قتلت هذا الغلام فقال عيسى للقاضي اراك حاكما جهولا لم لا تسألني هل قتلت؟فقال القاضي اراك غلاما عاقلا قال له القاضي فما اسمك؟فقال عيسى بن مريم فقال القاضي يا عيسى لم قتلته فقال عيسى للقاضي بهذا امرتك ثم دنى عيسى من المقتول،ثم قال له قم بأذن اللّه الذي يحيي العظام و هي رميم قال فاستوى المقتول جالسا،فقال له عيسى من قتلك؟فقال قتلني فلان بن فلان و هذا عيسى بريء من دمي،فتعجب الناس من ذلك و اخذوا الغلام القاتل فقتلوه ثم ان المقتول بعد اقراره على من قتله عاد الى موته كما كان ثم اخذت مريم بيد عيسى فانطلقت به الى منزلها و قالت يا بني لا ترجع تلعب مع الصبيان و انطلق معي الى معلم رأيته هناك فلعلك ان تتعلم منه شيئا

ص:142

تنتفع به فقال يا اماه ان ربي قد اعطاني غنى عن تعليم المعلمين،و قد علمني التورية و الانجيل و انا في بطنك فقالت صدقت غير انك تكون عند معلم خير من ان تكون مع الصبيان قال فانطلقت به الى ذلك المعلم فقال له المعلم يا غلام فقال عيسى ايها المعلم انك لجاهل ينبغي لك اذا سلّموا اليك غلاما ان تعرف اسمه قبل ان تعلمه فتدعوه باسمه فقال المعلم صدقت فما اسمك؟قال عيسى بن مريم قال المعلم يا عيسى إقرء بسم اللّه فقال عيسى عليه السّلام عند ذلك بسم اللّه الرحمن الرحيم فقال المعلم قل أبجد فقال عيسى عليه السّلام له ما معنى أبجد؟فغضب المعلم عند ذلك فقال له عيسى لا تغضب فان الانسان خلق و لا علم له فقال المعلم لعيسى ما ابجد فقال عيسى للمعلم قم من موضعك الى موضعي حتى اقعد مكانك ففعل المعلم ذلك فقال عيسى الالف آلاء اللّه و الباء بهاء اللّه و الجيم جمال اللّه و الدال دين اللّه قال المعلم احسنت يا عيسى فما هور قال عيسى اما الهاء فهو اللّه الذي لا اله الا هو و الواو ويل يومئذ للمكذبين و الزاء زبانية جهنم قال المعلم احسنت يا عيسى ثم قال المعلم فما حطى فقال عيسى اما الحاء فهي حطوط الخطايا عن المذنبين و الطاء شجرة طوبى و الياء يد اللّه على خلقه قال المعلم احسنت يا عيسى ثم قال فما كلمن؟قال عيسى اما الكاف فهو كلام اللّه و اما اللام فانها لقاء اهل الجنة بعضه ببعض،و اما الميم فانها ملك اللّه و اما النون فانها نساء اهل الجنة فقال المعلم احسنت يا عيسى فما صعفص،فقال عيسى عليه السّلام اما الصاد الاولى فصاع بصاع و اما العين فعلم اللّه و اما الفاء فانها افعاله الجميلة،و اما الصاد الاخرى فانها الصدق في اقواله،فقال احسنت يا عيسى ثم أخ بيده و انطلق به الى امه فقال لها خذي ولدك فانه علمني ما لم اكن احسنه و لا اعلمه.

و ينبغي للمعلم ان يعلم الصبيان هذه المعاني و ينسرها لهم و اما اجرة المعلم فقيل بتحريمه مطلقا و قيل بأن الحرام منه ما كان على تعليم القرآن و قيل لا يحرم الاجر الا على القدر الضروري منه كالفاتحة و السورة نعم قال اهل هذه الاقوال انه يعلم ليهدي اليه الهدية و لا يشارط من اول الامر فما يهدي اليه من جهة التعليم حلال اجماعا و الاولى القول بتحليل الاجر مطلقا،و حمل ما ورد فيه من النهي اما على التقية او على الكراهة و يؤيده ما رواه الشيخ عن ابي قرة قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام ان هؤلاء يقولون ان كسب المعلم سحت فقال كذبوا اعداء اللّه انما ارادوا ان لا يعلم القرآن و لو ان المعلم اعطاه رجل ديه ولده كان للمعلم مباحا.

و الذي يدل على كراهة الاجر قول الصادق عليه السّلام المعلم لا يعلم بالاجر و يقبل الهدية اذا اهدى ليه و عن اسحاق بن عمار عن العبد الصالح عليه السّلام قال قلت له ان لنا جارا يكتب و قد سألني ان اسألك عن عمله قال مره اذا دفع اليه الغلام ان يقول لاهله اني اعلمه الكتاب

ص:143

و الحساب و ائتجر عليه بتعليم القرآن حتى يطيب له كسبه و عن حسان قال سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن التعليم قال لا تأخذ على التعليم اجرا قلت الشعر و الرسائل و ما اشبه ذلك اشارطه عليه قال نعم بعد ان يكون الصبيان عند سواء في التعليم لا تفضل بعضهم على بعض.

و اما قول من قال بتحريم الاجر على الواجب منه فهو تعويل على ما قاله كثير من العلماء من تحريم اخذ الاجرة على الواجبات كتغسيل الموتى و تكفينهم و نقلهم الى حفرهم و الاذان و هذه القاعدة لا تكاد تتم اما اولا فلانه قد ورد في بعض الموارد الخاصة جواز اخذ الاجر على الواجبات.

و اما ثانيا فلان هذه الواجبات الكفائية كثيرة جدا مع ان الاصحاب رضوان اللّه عليهم قاطعون بجواز اخذ الاجر عليها،و ذلك كالخياطة و الحياكة و التجارة و نحوها مما يحتاج اليه الانسان في تعيشه و بقائه،فان اهل هذه الصناعات لو تركوا القيام بها لوجبت على غيرهم ممن يمكنه القيام بها و لجاز للحاكم ان يضطرهم و يجبرهم عليها مع انها من الواجبات نعم قد ورد النهي عن جواز اخذ الاجرة على بعض الواجبات فيقتصر فيه على مورده،و ذلك كالاذان فانه قال صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السّلام يا علي لا تتخذنّ مؤذنا يأخذ على الاذان اجرا،و روى الطاهرون عليه السّلام ابيهم علي عليه السّلام انه اتاه رجل فقال يا امير المؤمنين و اللّه اني لاحبك للّه فقال له و لكني ابغضك للّه، قال و لم؟قال لانك تبغي في الاذان و تأخذ على تعليم القرآن اجرا و سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول من أخذ على تعليم القرآن اجرا كان حظه يوم القيامة و النهي فيه للمؤذن يمكن حمله على التحريم و اما على تعليم القرآن فهو محمول على الكراهة جمعا بين الاخبار مع جواز ان يحمل حديث الجواز على ما اذا لم يشارط في تعليم القرآن اجرا معلوما،و حمل هذا الحديث و ما روى(ورد خ)في معناه على ما اذا شارط عليه كما قاله الشيخ الطوسي(ر ه).

و اذا بلغ عشر سنين مميزا جازت وصاياه و تصدقاته و وقوفاته الى غير ذلك من موراد الخير قال الصادق عليه السّلام اذا بلغ الغلام عشر سنين فأوصى بثلث ماله في حق جازت وصيته و اذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حق جازت وصيته و ما تضمنه من جواز وصيته من بلغ العشر قد عمل به اكثر الاصحاب سوى ابن ادريس(ر ه)فانه اشترط البلوغ في كل تصرفاته و لم يعمل بهذا الخبر و ما في معناه لانها اخبار آحاد عنده و اما ابن سبع سنين فلم يذهب احد الى جواز وصيته سوى ما نسبه شيخنا الشهيد الثاني(ر ه)الى ابن بابويه و ذلك انه نقل هذا الخبر في كتابه و ذكر في اول الكتاب انه يعمل بكل ما اورده فيه و اما ابن الجنيد فقد جوّز وصايا من بلغ ثمان سنين.

ص:144

نور في وقت بلوغه و ما يتبعه من الاحوال

اعلم ان المشهور بين العلماء هو ان بلوغ الصبي يعتبر تارة بالامناء يقظة او نوما و تارة بالبلوغ خمس عشرة سنة و اخرى لا لانبات و الصبية ببلوغ التسع او بالحيض و وجه انها تشب بالتسع ما يشبه(يشب ظ)الولد بالخمس عشرة،و تحيض على التسع لحرارة الطبيعة فيها و من ثم انقطع نسلها،و يأست على الخمسين او الستين،و ذلك ان حرارتها شعلة تشب من التسع الى الخمسين فتخمد نارها سريعا و تبرد حرارتها الشديدة و اما الرجل فحرارته اقل منها فتكون بارزة الى الوجود تدريجا و نظير هذا في الحكايات ما روى ان هارون الرشيد دخل عليه فقير فسأله الرشيد لم تكون اعمار الفقراء اطول من اعمار الملوك و الاغنياء؟فقال له الفقير ذلك بسبب ان الاغنياء قد آتاهم اللّه ارزاقهم دفعة واححدة فأكلوها و فنيت اعمارهم لفنائهم ارزاقهم و ما الفقراء فأرزاقهم تأتيهم على سبيل التدريج و لم يكونوا يموتوا حتى تستكمل ارزاقهم فقال له هارون صدقت ثم انه امر له بعطية جزيلة فلما اخذها و صار الى منزله مات بعد مدة قليلة فاتصل خبره بهرون فقال انا دفعنا اليه رزقه دفعة واحدة فأكله فمات.

فاذا بلغ و تمّ بلوغه استقبلته التكاليف الالهية و كتبت اعماله و اقواله في الدفاتر السماوية و نزل اليه الكاتبان رقيب و عتيد فرقيب يكون معه على يمينه يكتب حسناته و عتيد معه على يساره يكتب سيئاته ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد سمى به لانه يقول لعتيد اذا اراد المبادرة بكتابة الذنب له رقبة لعله يتوب فيرتقبه سبع ساعات و اما عتيد فهو بمعنى الحاضر و ذلك لانه لا يفارقه في حال من الاحوال و من هذا كان علي عليه السّلام اذا اراد الدخول الى بيت الخلاء التفت الى كاتبيه فقال اميطا عني فلكما اللّه علي انم لا احدث حدثا حتى اخرج اليكما و هذان الكاتبان يكتبان اعمال اليوم الى الليل فيأتيان مع الصحيفتين الى امام العصر و يعرضانهما عليه فيقرأهما فما كان من صحيفة سيئآت شيعته استغفر اللّه لهم و اصلح ما كان يقبل الاصلاح و لهذا قال عليه السّلام لشيعته اذا اتتني صحيفة سيئاتكم فلتكن صحيفة قابلة للاصلاح يعني ينبغي ان يكون كالكتاب الذي فيه غلط لا ان يكون كله غلطا فانه لا يقبل الاصلاح و العرض على امام العصر انما يكون بعد العرض على روح النبي صلّى اللّه عليه و آله و من تقدم ذلك الامام من آبائه الطاهرين و ذلك لئلا يكون علم آخرهم ازيد من علم اولهم كما وردت به الرواية.

و روى انه صلّى اللّه عليه و آله قال حياتي خير لكم و مماتي خير لكم اما حياتي فقد قال اللّه سبحانه و تعالى وَ مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ و ذلك ان بعض المنافقين قال اللهم ان كان ما يتلوه محمد من القرآن عندك فامطر علينا حجارة من السماء فقال تعالى سَأَلَ سٰائِلٌ بِعَذٰابٍ وٰاقِعٍ و قال صلّى اللّه عليه و آله ما دمت بينهم فلم ينزل عليهم العذاب و اما مماتي فهو ان اعمالكم تعرض عليّ

ص:145

خميس و جمعة فأستغفر لكم اللّه و اسأله التجاوز عن ذنوبكم و هذا كله هو المراد من قوله تعالى وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّٰهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ فان المراد بالمؤمنين هنا الائمة عليهم السّلام على ما في الاخبار.

ثم بعد هذا العرض يصعدان باعماله الى موقف العرض و يأتي اليه ملكان آخران لكتابة اعمال الليل فيكتبان على الى طلوع الفجر ثم اذا ارادا العروج هبط ملكان آخران و يجتمع الاربعة اول وقت صلاة الصبح كما قال تعالى وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كٰانَ مَشْهُوداً و المراد بقرآن الفجر صلاة الصبح من باب تسمية الكل باسم جزئه اشارة الى ارجحية طول القراءة فيها و معنى مشهودا انها تشهدها ملائكة الليل و ملائكة النهار فاذا بادر المكلف الى فعلها اول وقتها اثبتتها له ملائكة الليل و ملائكة النهار في صحائف الليل و النهار و كل ملكين يصعدان لا ينزلان الى يوم القيامة و في الحديث ان السبب فيه لا يشتهر بكثرة قبائحه بين الملائكة.

و تفصيل صعود الاعمال ما رويناه بالاسانيد الكثيرة عن خالد بن سعدان انه قال لمعاذ حدثني حديثا(بحديث خ)سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حفظته و ذكرته في كل يوم من شدته و دقته قال نعم ثم بكى بكاء طويلا ثم قال وا شوقاه الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الى لقائه ثم قال بينما انا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اذ ركب وارد فني ثم سرنا فرفع بصره الى السماء و قال الحمد يقضي في خلقه ما يشاء يا معاذ قلت لبيك يا رسول اللّه يا سيد المرسلين قال احدثك بحديث ان انت حفظته نفعك و ان انت ضيعته انقطعت حجتك عند اللّه عز و جل يا معاذ ان اللّه تعالى خلق سبع املاك قبل ان يخلق السموات فجعل في كل سماء ملكا قد جللها بعظمته و جعل لكل باب من ابواب السموات ملكا بوابا.

فيكتب الحفظة عمل العبد من حين يصبح الى حين يمسي ثم ترتفع الحفظة بعمله و له نور كنور الشمس حتى اذا بلغ سماء الدنيا فتزكيه و تكثره فيقول قفوا و اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه انا ملك الغيبة فمن اغتاب لا ادع عمله يجاوزني الى غيري امرني بذلك ربي قال ثم تجيء الحفظة من الغد و معهم عمل صالح فتمر به تزكيه و تكثره حتى يبلغ السماء الثانية فيقول الملك الذي في السماء الثانية قفوا و اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه انما اراد بهذا رض الدنيا انا صاحب الدنيا لا ادع عمله يجاوزني الى غيري قال ثم تصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجا بصدقة وصولة فتعجب به الحفظة و تجاوزه الى السماء الثالثة فيقول الملك قفوا و اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه و ظهره انا صاحب الكبر انه عمل و تكبّر على الناس في مجالستهم امرني ربي لا ادع عمله يجاوزني الى غيري،قال و تصعد الحفظة بعمل العبد يزهر كالكوكب الدري في السماء له دوي بالتسبيح و الصوم و الحج،فتمرّ به الى السماء الرابعة فيقول لهم الملك قفوا

ص:146

و اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه و بطنه انا ملك العجب انه كان يعجب بنفسه و انه عمل و ادخل نفسه العجب امرني ربي لا ادلع عمله يجاوزني الى غيري.

قال و تصعد الحفظة بعمل العبد كالعروس المزفوفة الى بعلها فتمر به الى ملك السماء الخامسة بالجهاد و الصدقة ما بين الصلوتين و لذلك العمل ضوء كضوء الشمس فيقول الملك قفوا و اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه و احملوه على عاتقه انا ملك الحسد انه كان يحسد من يتعلم او يعمل للّه بطاعته و اذا رآى لاحد فضلا في العمل و العبادة حسده و وقع فيه،فيحمله على عاتقه و يلعنه عمله،قال و تصعد الحفظة بعمل العبد فتتجاوز السماء السادسة فيقول الملك قفوا انا صاحب الرحمة اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه و اطمسوا عينيه ان صاحبه لا يرحم شيئا اذا اصاب عبد من من عباد اللّه ذنبا للاخرة او ضرّا في الدنيا شمت به امرني ربي لا ادع عمله يجاوزني قال و تصعد الحفظة بعمل العبد بفقه و اجتهاد و ورع و به صوت كالرعد وضوء كضوء البرق و معه ثلاثة آلاف ملك فتمر به الى ملك السماء السابعة فيقول الملك قفوا و اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه انا ملك الحجاب احجب كل عمل ليس للّه تعالى انه اراد رفعة القواد و ذكرا في المجالس و صيتا في المدائن امرني ربي ان لا ادع عمله يجاوزني الى غيري ما لم يكن له (للّه خ)خالصا قاتل و تصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجا من صلوا و زكوة و صيام و حج و عمرة و خلق حسن و صمت و ذكر كثير تشيعه ملائكة السموات و الملائكة السبعة بجماعتهم فيطأون الحجب كلها حتى يقوموا بين يديه سبحانه فيشهدوا له بعمل و دعاء فيقول انتم حفظة عمل عبدي و انا رقيب على ما في نفسه لم يردني بهذا العمل عليه لعنتي فيقول الملائكة عليه لعنتك و لعنتنا الحديث.و هو طويل ينبهك على ان العمل الصالح الخالص من الشوائب اقل قليل نسأل اللّه التوفيق للاخلاص فيه.

و يستفاد من هذا الحديث ان السماء لها ابواب و فرج و اليها صعود و هبوط و قد حمل بعض المحققين ما روي عن الرضا عليه السّلام من ان الصلوة لها اربعة آلاف باب على ابواب السماء التي يصعد اليها بالصلوة و الظاهر غير هذا و هو ان يكون المراد بالابواب الاحكام و يؤيده ما روي في حديث آخر من ان الصلوة لها اربعة آلاف حدّ و يمكن توجيه الحدود بان واجباتها الف كما ذكره شيخنا الشهيد في الالفية و تروك هذه الالف محرمات فهذان الفان و مستحباتها ايضا الف كما ذكر اكثره في النفلية و تروك هذه الالف مثلها من المكروهات فالمجموع اربعة آلاف،نعم ورد في كثير من الاخبار ان المؤمن اذا كات بكت عليه البقاع التي كان يعبد اللّه عليها و ملائكة اعماله و ابواب السماء التي كان يصعد منها بعمله.

ص:147

فان قلت ما معنى بكاء البقاع و الابواب و نحوها من الجمادات قلت قد ذكر له معان:

اولها ان البكاء الصادر منها انما هو بلسان الحال لا المقال و مثل هذا قد ورد في لسان العرب كثيرا و ذلك انهم ينسبون البكاء على الاحباب الى منازلهم و اطلالهم و نحوها و ثانيها ان الافعال المنسوبة الى الجمادات كالبكاء و التسبيح و التقديس و غير ذلك انما هو في الحقيقة لاهلها و لمن حل بها و هو من المجازات المشهورة.

و ثالثها ان اللّه سبحانه قد ركب في الجمادات نوعا من العلم و الشعور للخضوع و الانقياد لخالقا و بارئها و ان من شيء الا يسبح بحمده و لكن لا تفقهون تسبيحهم و من هذا قال بعضهم ان تسبيح الحصاة في كفّه صلّى اللّه عليه و آله ليس باعجاز انما الاعجاز في اسماعه الصحابة و هذا هو الذي دلّت عليه الاخبار فلا عدول عنه.

و بالجملة فرقيب و عتيد يكتبان عليه من اول بلوغه الى اربعين سنة و لكن يسامحونه هذه المدة و لا يشددان عليه في امر الكتابة لتظافر دواعي الشهوات و الاثام فاذا بلغ الاربعين اوحى اللّه الى ملكيه ان اكتبا و تحفظا على اعماله و لا تسامحوه في شيء فقد روى ان الذنب الواحد ربما كتبوه في سبعة ارقعة و ذلك لقلة الدواعي و للاخذ في انقاص الشهوات فاذا اتى ذنبا فقد اتاه من وجه شقائه لا من حيث الشهوة و كلما بلغ سنّه زاد التشديد عليه و من هذا قال عليه السّلام اني لا عجب كل العجب من رجلين و اللّه يبغضهما فقير متكبر و شيخ زان و في الرواية ان الرجل اذا شابت لحيته و بقى على ما كان عليه من مقارفة الذنب اتاه الشيطان و وقف بحياله و قال بأبي وجها لا يفلح ابدا انت مناي و مرادي فيسرجه و يلجمه و يركب على ظهره و يورده موارد الهلاك و ربما نزل عنه و قال ان ظهره لنا متى اردنا ركبناه.

و يجب على من دخل تحت قلم التكليف ان يبادر الى البحث و الفحص عن احوال طريقه و مذهبه الذي يوصله الى النجاة لان الاديان و المذاهب قد تشعبت بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و كل فرقة ادعت انها هي المحقة و انها من اهل الجنة و فسقت او كفرت غيرها و في الطريق المتواتر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله ان امة موسى افترقت بعده احدى و سبعين فرقة فرقة ناجية و الباقون في النار و ان في امة عيسى افترقت بعده اثنين و سبعين فرقة فرقة ناجية و الباقون في النار و ان امتي ستفترق بعدي ثلاثا و سبعين فرقة فرقة ناجية و الباقون في النار،و قد اخبر صلّى اللّه عليه و آله عن افتراق الامة بعده و ابتداعهم الاديان و رجوعهم القهقرى و الى هذا اشار قوله تعالى وَ مٰا مُحَمَّدٌ إِلاّٰ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ مٰاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلىٰ أَعْقٰابِكُمْ.

و قد ذهب جمهور المخالفين الى ان اختلاف الامة بعده صلّى اللّه عليه و آله هو الاصلح و الاولى بحالهم و استدلوا عليه بالكتاب و السنة اما الكتاب فقوله تعالى وَ لاٰ يَزٰالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاّٰ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ و لذلك خلقهم أي للاختلاف خلقهم،فدل على ان اختلافهم حسن لانهم خلقوا لاجله كما قال وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ و اما السنة فما روى عنه صلّى اللّه عليه و آله من قوله اختلاف امتي رحمة و الجواب اما عن الاية فقد ورد في تفسيرها عن اهل البيت عليهم السّلام ان المشار اليه في قوله و لذلك الرحمة المدلول عليها بالفعل فيكون حاصل المعنى ان ربك انما خلقهم ليرحمهم و يؤلف بينهم لكنهم اختاروا الاختلاف و التضاد فحرموا الرحمة منه سبحانه و تعالى و اما عن الحديث فقد روى عن الصادق عليه السّلام حين سأل عن معناه فقال عليه السّلام انما عنى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الاختلاف الى البلاد لتحصيل العلوم و المعارف،كما قال تعالى فَلَوْ لاٰ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ و كيف يأمر صلّى اللّه عليه و آله بالاختلاف مع استلزامه التضاد بين الامة و اختلاف الدين و هو واحد.

ص:148

و قد ذهب جمهور المخالفين الى ان اختلاف الامة بعده صلّى اللّه عليه و آله هو الاصلح و الاولى بحالهم و استدلوا عليه بالكتاب و السنة اما الكتاب فقوله تعالى وَ لاٰ يَزٰالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاّٰ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ و لذلك خلقهم أي للاختلاف خلقهم،فدل على ان اختلافهم حسن لانهم خلقوا لاجله كما قال وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ و اما السنة فما روى عنه صلّى اللّه عليه و آله من قوله اختلاف امتي رحمة و الجواب اما عن الاية فقد ورد في تفسيرها عن اهل البيت عليهم السّلام ان المشار اليه في قوله و لذلك الرحمة المدلول عليها بالفعل فيكون حاصل المعنى ان ربك انما خلقهم ليرحمهم و يؤلف بينهم لكنهم اختاروا الاختلاف و التضاد فحرموا الرحمة منه سبحانه و تعالى و اما عن الحديث فقد روى عن الصادق عليه السّلام حين سأل عن معناه فقال عليه السّلام انما عنى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الاختلاف الى البلاد لتحصيل العلوم و المعارف،كما قال تعالى فَلَوْ لاٰ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ و كيف يأمر صلّى اللّه عليه و آله بالاختلاف مع استلزامه التضاد بين الامة و اختلاف الدين و هو واحد.

و اما الداعي لهم الى هذه المقالة فهو ما وقع بين الصحابة بعده صلّى اللّه عليه و آله من التشاجر و الجدال كما وقع بين بني هاشم و بين تيم وعدي على الخلافة و كما في حكاية قتل عثمان و ان الذين قتلوه كانوا اكابر الصحابة و اجلائها حتى انه قد روى يوسف بن عبد اللّه النمري و هو من فضلائهم في كتاب استيعاب الرجال في احوال محمد بن ابي بكر ما هذا لفظه و كان علي عليه السّلام يثني على محمد بن ابي بكر و يفضله لانه كانت له عبادة و اجتهاد و كان ممن حضر قتل عثمان و قيل انه شارك في دمه انتهى،فاذا اقروا على علي عليه السّلام بأنه انما كان يعظم محمد لاجل قتل عثمان فيجب عليهم ان يبترأوا اما من علي عليه السّلام و محمد او من عثمان لان قتل امام المسلمين كفر باللّه باجماع المسلمين و كذا الرضا بقتله و الاعانة عليه.

و قد صرحوا في كتبهم ان عائشة ما خرجت في قتال البصرة الا لطلب دم عثمان حتى انها لما قالت هذا الكلام لام سلمة رضي اللّه عنها صرخت أم سلمة و قالت يا عائشة انت بالامس تشهدين على عثمان بالكفر لما منعك من ارث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سميته نعثلا باسم يهودي كان في المدينة و قلت اقتلوا تعثلا قتله اللّه،و الان تطلبين بدمه و تقولين انه امام المسلمين فقالت عائشة نعم لانه تاب و صار كالسبيكة و خرج من ذنوبه و لو انهم قتلوه ذلك الوقت لا طلبت بدمه هذا مع ان عثمان كان صاحب اولاد و كانوا اولياء دمه و عائشة اجنبية بالنسبة اليه، و الجهاد موضوع عن النساء و قد امر اللّه نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله بالاستقرار في المنازل و عدم الخروج منها فقال و قرن في بيوتكن و لا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى،و لعمرك انها زادت على برتج الجاهلية الاولى بالوقوف بين صفوف العساكر حتى قتل لاجلها آلاف من المسلمين و كذلك الاختلاف الذي وقع بين علي عليه السّلام و معاوية الذي سموه خال المؤمنين باعتبار اخته ام حبيب و قد قتل في حرب صفين ثمانون الفا من الطرفين فما هذه الرحمة التي في هذا الاختلاف أ تكفير

ص:

بعضهم بعضا ام اهراق دماء المسلمين و ليس هذا الا من عجزهم عن جواب هذه المسألة و ظنهم الخير بالطرفين و هو غير محتاج اليه فان صحبة الانبياء لو كانت وحدها مظنة حسن الحال لكان القرب اليهم بالنبوة و الزوجية يفيده بالطريق الاولى و لما ورد الذم و التوبيخ لابن نوح و زوجته و زوجة لوط مع تمام العلاقة بينهم بالنسب و قبل الخوض في الاستدلال على المذهب الحق لا بدّ من تفصيل الفرق و اديانها و اختلاف اعتقاداتها الذي بانت بسببه الطوائف بعضها عن بعض و قد تعرّض بعضهم لمثل هذا لكن اما بايجاز مخلّ او باطناب ممل.

نور في بيان الفرق و اديانها و ما يتعلق به من المقدمات و اللواحق.

اشارة

اعلم اولا ان الناس ينقسمون الى اهل الديانات و هم اليهود و النصارى و المجوس و المسلمون و الى اهل الاراء و الاهواء مثل الفلاسفة و الدهرية و الصائبة و عبدة الكواكب و الاوثان و البراهمة و يفترق كل منهم فرقا فافترقت المجوس على سبعين فرقة و اليهود على احدى و سبعين فرقة و النصارى على اثنين و سبعين فرقة و المسلمون على ثلث و سبعين فرقة كما تقدم و الناجية ابدا من الفرق واحدة،لقوله صلّى اللّه عليه و آله لا تزال طائفة من امتي ظاهرين على الحق الى يوم القيامة.

و اما ضبط القواعد التي يبنى(يبتنى خ)عليها مناط الاختلاف كله فهي اربع على ما قيل اولها الصفات و التوحيد،و يندرج فيها صفات الذات و صفات الفعل و ما يجب على اللّه و ما يجوز عليه و ما يمتنع و فيها الخلاف بين الاشعرية و الكرامية و المجسمة و المعتزلة كما سيأتي.

و ثانيها القدر و المعدل و يندرج فيها مسائل لقضاء و القدر و الجبر و الكسب و ارادة الخير و الشر المقدور و المعلوم و فيها الخلاف بين القدرية و البخارية و الجبرية و الاشعرية و الكرامية، و ثالثها الوعد و الوعيد و الاسماء و الاحكام و يندرج فيها الايمان و التوبة و الوعد و الوعيد و الارجاء و التكفير و التضليل و فيها الخلاف بين المرجئة و الوعيدية و المعتزلة و الاشعرية و الكرامية.

و رابعها السمع و العقل و الرسالة و الامامة و يندرج فيه مسائل التحسين و التقبيح و الصلاح و الاصلح و اللطف و العصمة في النبوة و شرائط الامامة نصبا عند جماعة و اجماعا عند آخرين و كيفية انتقالها على مذهب من قال بالنص و كيفية اثباتها على مذهب من قال بالاجماع و الخلاف فيها بين الشيعة و الخوارج و المعتزلة و الكرامية و الاشعرية و اصل الفرق الاسلامية اربعة القدرية،الصفائية،الخوارح،الشيعة،ثم يتركب بعضها مع بعض و ينشعب (يتشعب خ)عن كل فرقة اصناف فيصل الى ثلث و سبعين فرقة و يجب ان يدري ان السبب

ص:150

الاولى في الشبه التي انبعثت منها تفرق الاراء و المذاهب هو متابعة خطوات الشيطان في شبهاته الاولية و هي استقلاله بالرأي في مقابلة النص و اختياره الهوى في معارضة الامر و استبكاره بالمادة التي خلق منها و هي النار على مادة آدم عليه السّلام و هي الطين.

و انشعبت هذه الى سبع شبه حتى ارتكزت في اذهان الناس و سارت فيهم و زيّنها في اعينهم حتى صارت مذاهب مبتدعة و تلك الشبهات مسطورة في الاناجيل الاربعة و مذكورة في التورية متفرقة على شكل مناظرة بينه و بين الملائكة بعد الامر بالسجود و الامتناع عنه كما نقل عنه اني سلّمت ان الباري تعالى الهي و اله الخلق عالم قادر و لا يسأل عن قدرته و مشيته فانه مهما اراد شيئا قال له كن فيكون و هو عليك حكيم الا انه يتوجه على علمه و حكمته اسؤلة سبع قالت الملائكة و ما هنّ قال اولها انه علم قبل خلقي أي شيء يصدر مني فلم خلقني اولا و ما الحكمة في خلقه اياي ثانيها اذ خلقني على مقتضى ارادته و مشيئته فلم كلفني بمعرفته و طاعته و ما الحكمة في التكليف بعد ان لا ينتفع هو بطاعة و لا يتضرر بمعصية.

ثالثها اذ خلقني و كلفني فالتزمت تكليفه بالطاعة و المعرفة فعرفت و اطعت فلم كلفني بطاعة آدم و السجود له؟و ما الحكمة في هذا التكليف على الخصوص بعد ان لا يزيد ذلك في معرفتي و طاعتي؟رابعها اذا خلقني و كلفني على الاطلاق و كلفني بهذا التكليف على الخصوص فاذا لم اسجد فلم لعنني و اخرجني من الجنة و ما الحكمة في ذلك بعد ان لم ارتكب قبيحا الا قولي لا اسجد الا لك؟خامسها اذ خلقني و كلفني مطلقا و خصوصا فلم اطلع فلعنني و طردني فلم ادخلني الى آدم الجنة ثانيا حتى غررته بوسوستي فأكل من الشجرة المنهي عنها و اخرجه من الجنة معي و ما الحكمة في ذلك بعد ان لو منعني دخول الجنة استراح عني آدم و بقي خالدا فيها.

سادسها اذ خلقني و كلفني عموما و خصوصا و لعنني ثم ادخلني الجنة و كانت الخصومة بيني و بين آدم فلم سلّطني على اولاده حتى اراهم من حيث لا يرونني و يؤثر فيهم و سوستي و لا يؤثر فيّ حولهم و قوتهم و قدرتهم و استطاعتهم و ما الحكمة في ذلك بعد ان لو خلقهم على الفطرة فبعث سامعين مطيعين كان أحرى بهم و اليق بالحكمة؟سابعها سلّمت هذا كله خلقني و كلفني مطلقا و مقيدا و اذ لم اطع لعنني و طردني و اذا اردت دخول الجنة مكنني و اذ عملت عملتي اخرجني ثم سلطني على بني آدم حتى اذا استمهلته امهلني فقلت انظرني الى يوم يبعثون قال انك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم و ما الحكمة في ذلك بعد ان لو اهلكني في الحال استراح خلق مني و ما بقي شرّ في العالم أ ليس بقاء العالم على نظام الخير خيرا من امتزاجه بالشر؟قال لعنه اللّه فهذه حجتي على ما ادعيته في كل مسألة.

ص:151

قال شارح الانجيل فأوحى اللّه تعالى الى الملائكة عليهم السّلام قولوا له انك في تسليمك الاول اني الهك و اله الخلق غير صادق و لا مخلص اذ لو صدقت اليّ اله العالمين لما احتكمت عليّ بلم، فانا اللّه الذي لا اله الا انا لا اسأل عما افعل و الخلق مسؤلون فهذه اصول الشبه و الخلق كلهم قديما و حديثا قد اخذوا بها في جدال الانبياء عليهم السّلام لان قولهم أبشر يهدوننا مثل قوله اسجد لمن خلقت طينا،و قوله تعالى وَ مٰا مَنَعَ النّٰاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جٰاءَهُمُ الْهُدىٰ إِلاّٰ أَنْ قٰالُوا أَ بَعَثَ اللّٰهُ بَشَراً رَسُولاً ،فبين ان المانع من الايمان هو هذا المعنى كما قال في الاول مٰا مَنَعَكَ أَلاّٰ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قٰالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ.

و المتقدمون و المستأخرون على طريقة واحدة كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل فاللعين الاول لما حكم العقل على من لا يحكم عليه العقول لزمه ان يجري حكم الخالق في الخلق و حكم الخلق في الخالق الاول غلو و الثاني تقصير فبان من الشبهة الاولى مذاهب الحلولية و التناسخية و المشبهة و الغلاة حيث غلوا في شخص من الاشخاص حتى وصفوه صفات الجلال و صار من الشبهة الثانية مذاهب القدرية و الجبرية و المجسمة حيث قصروا في وصفه تعالى بصفات المخلوقين و المعتزلة مشبهة الافعال و المشبهة حلولية الصفات و مذهب القدرية طلب العلة في كل شيء و ذلك من فعل اللعين الاول اذ طلب العلة في الخلق اولا و الحكمة في التكليف ثانيا و الفايدة في تكليف السجود لادم عليه السّلام ثالثا و عنه نشأ مذهب الخوارج اذ لا فرق بين قولهم لا حكم الا للّه فلا يحكم الرجال و بين قوله لا أسجد الا لك ءاسجد لبشر خلقته من صلصال،و قد اخبر النبي صلّى اللّه عليه و آله بأنه يقع في هذه الامة ما وقع في الامم السالفة كما قال لتسلكن سب الامم قبلكم حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه و ذلك ان الشبهات التي نشأت زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله مأخوذة من الشبهات الاولى بدليل انهم ما كانوا يرضون بحكمه في الامر و النهي سألوا عما منعوا عنه و جادلوا بالباطل و اعتمدوا على العقل في مقابلة النص أ لا ترى الى قول التميمي إعدل يا محمد فانك لم تعدل حتى قال له ان لم اعدل فمن يعدل فعاود اللعين و قال هذه قسمة ما اريد بها وجه اللّه و ذلك خروج على النبي صلّى اللّه عليه و آله و أخذ بجادة العقل الناقص في مقابلة النص الجلي.

و انظر الى قول المنافقين يوم احد هل لنا من شيء و قولهم لو كان لنا من الامر شيء ما قتلنا هيهنا،و قولهم لو كانوا عندنا ما ماتوا و ما قتلوا فهل ذلك الا تصريح بالقدر و قول طائفة من المشركين لو شاء اللّه ما عبدنا من دونه من شيء و قول طائفة أنطعم من لو يشاء اللّه اطعمه فهذا تصريح بالجبر،فهذه احوالهم في صحة بدنه فاعتراضهم على حركاته و سكناته نشأت منها الشبهات.

ص:152

و انظر الى اختلافاتهم التي وقعت زمن مرضه صلّى اللّه عليه و آله روى محمد بن اسماعيل البخاري في مسنده عن عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنه قال لما اشتد بالنبي صلّى اللّه عليه و آله مرضه الذي مات فيه قال ائتوني بدواة و قرطاس اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي ابدا فقال عمر ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد غلب عليه الوجع و في اكثر الاحاديث بهذا اللفظ ان الرجل ليهجر أي يتكلم من غير شعور و هو الهذيان فكثر اللفظ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قوموا عني لا ينبغي عندي التنازع.

قال ابن عباس الرزية ما حال بيننا و بين رسول اللّه و قوله صلّى اللّه عليه و آله في مرضه جهزوا جيش اسامة لعن اللّه من تخلف عنها،فقال قوم يجب علينا امتثال امره و اسامة قد برز من المدينة و قال الاعرابيان قد اشتد مرض النبي صلّى اللّه عليه و آله فلا تسع قلوبنا مفارقته و كانا كاذبين في هذا القول،و انما الذي دعاهما الى التخلف عن جيش اسامة هو ارادة الوثوب على الخلافة التي تعاقدوا عليها زمن حيوة النبي صلّى اللّه عليه و آله و قد فهما ان غرضه عليه من تأمير اسامة عليهما و اخراجهما من المدينة في ذلك الوقت ان تخلوا المدينة حتى لا ينازع احد عليا عليه السّلام في امر الخلافة فلما فهما هذا رجعا من خارج المدينة و دخلاها و اتفق انهما لما دخلا كان النبي صلّى اللّه عليه و آله قد غشى عليه فلما افاق قال كلاما معناه انه طرق المدينة طارق في هذه الساعة عليه لعنة اللّه و سيكون هلاك امتي على يديه.

و اما بعد موته فقد اختلفوا ايضا فقال العامة و الخاصة عن عمر انه قال من قال ان محمدا قد مات قتلته بسيفي هذا،و انما رفع الى السماء كما رفع عيسى عليه السّلام فقال له بعض الصحابة من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات و من كان يعبد اللّه فانه حي لا يموت و قرأ هذه الاية وَ مٰا مُحَمَّدٌ إِلاّٰ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ مٰاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلىٰ أَعْقٰابِكُمْ فرجع القوم الى قوله فقال عمر كأني ما سمعت بهذه الاية حتى قرأها بعضهم فانظر الى جهل هذا الرجل بأحوال الانبياء و قد كان صلّى اللّه عليه و آله اكثر ما يحدث اصحابه في حيوته عن الموت و اهواله و موت الانبياء و موته هو صلّى اللّه عليه و آله فلعمرك لقد كان هذا الرجل أصم أذن الرأس كما كان أصم أذن القلب،و قد وقع الخلاف أيضا في موضع دفنه،فأراد أهل مكة من المهاجري رده الى مكة و دفنه بها لأنها موطنه و أراد أهل المدينة دفنه في المدينة لأنها دار هجرته و أرادة جماعة نقله الى بيت المقدس لأنها مدفن الأنبياء و منه معراجه الى السماء،فقال علي عليه السّلام ان اللّه لم يقبض روح نبيه الآ في أشرف البقاع فرجعوا الى قوله و هذا يدل على أنهم وقت مرضه صلّى اللّه عليه و آله ما كانوا ملازمين حتى يسمعوا منه موضع الدفن.

و أما الخلاف العظيم و هو الخلاف في الأمامة التي عمت بليته الخاص و العام و أهلك الأمة بعد نبيها فهو مشهور و في الكتب مسطور،و قد ظهر في زمان علي عليه السّلام الخوارج مثل الأشعث بن قيس و مسعود بن فدك التميمي و زيد بن حصين الطائي و غيرهم و كذلك ظهر في

ص:153

زمانه الغلاة في حقة مثل عبيد بن سبا و جماعة معه و من الفريقين إبتدات البدعة و الضلالة و صدق فيه قول النبي صلّى اللّه عليه و آله يهلك فيك إثنان محب غال و مبغض قال،و أنقسمت الإختلافات بعده الى قسمين،أحداهما الإختلاف في الأمامة و الثاني الإختلاف في الأصول،و الأختلاف في الأمامة على وجهين،أحدهما القول بأن الإمامة ثبتت بالنض و التعيين،و الثاني بأن الإمامة ثبتت بالأتفاق و الأختيار،فمن قال ان الإمامة ثبتت بالأتفاق قال بأمامة كل من أتفقت عليه الأمة أو الجماعة معتبرة من الأمة،أما مطلقا أو بشرط أن يكون قرشيا على مذهب قوم أو بشرط يكون هاشميا على مذهب قوم الى شرايط آخر كما سيأتي،و من قال بالأول قال بأمامة معاوية و أولاده عليهم لعنة اللّه و الملئكة و الناس أجمعين.

و من قال ان الإمامة ثبتت بالنص إختلفوا بعد علي عليه السّلام،فمنهم من قال انه انما نص على ابنه محمد بن الحنفيه و هؤلئهم الكيسانية،ثم اختلفوا بعده فمنهم من قال انه لم يمت و يرجع فيملأ الأرض عدلا،و منهم من قال مات و أنتقلت بعده الى ابنه ابي هاشم،و أفترقوا هؤلاء ،فمنهم من قال المامة بقيت في عقبه وصية بعد وصية،و منهم من قال إنتقلت الى غيره ،و أختلفوا في ذلك الغير،فمنهم من قال هو بنان بن سمعان الهدى و منهم من قال هو علي بن عبد اللّه بن عباس،و منهم من قال هو عبد اللّه بن حرب الكندي و منهم من قال هو عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب،و هؤلاء كلهم يقولون ان الدين طاعة رجل،و أما من لم يقل بالنص على محمد بن الحنفية قال بالنص على لسان الحسن و الحسين عليهما السّلام و قال لا أمامة إلا في الأخوين الحسن و الحسين عليهما السّلام ثم هؤلاء إختلفوا،فمنهم من أجرى الإمامة في أولاد الحسن عليه السّلام،و قال بعده بأمامة أبنه الحسن ثم أبنه عبد اللّه ثم أبنه محمد ثم أخيه أبراهيم الأمامين،و قد خرجا أيام المنصور فقتلا،و من هؤلاء من يقول برجعة محمد الإمام و منهم من أجرى الوصية في أولاد الحسين عليه السّلام و قال بعده بامامة ابنه زين العابدين عليه السّلام،ثم أختلفوا بعده فقال الزيدية بامامة ابنه زيد،و مذهبهم ان كل فاطمي خرج و هو عالم زاهد شجاع سخي كان أماما واجب الإتباع،و جوزوا رجوع الإمامة الى أولاد الحسن عليه السّلام،ثم منهم وقف و قال بالرجعة،و منهم من ساق و قال بإمامة من هذا حاله في كل زمان.

و أما الأمامية فقالوا بإمامة الإمام محمد بن علي الباقر عليه السّلام نصا عليه،ثم بأمامة جعفر بن محمد عليه السّلام،ثم اختلفوا بعده في أولاده من المنصوص عليه،و هم خمسة محمد و أسمعيل و عبد اللّه و علي و الأمام موسى الكاظم عليه السّلام،فمنهم من قال بإمامة محمد و هم العمارية و منهم من قال بإمامة إسمعيل و أنكر موته و هم المباركية و من هؤلاء من وقف عليه و قال برجعته و منهم من ساق الامامة في اولاده نصا بعد نص الى هذا اليوم و هم الإسماعيلية،و منهم من قال بامامة

ص:154

عبد اللّه الأفطح و قال برجعته بعد موته:لأنه مات و لم يعقب و منهم من قال بأمامة موسى عليه السّلام نصا عليه فقال والده فيه و نص عليه،ثم هؤلاء إختلفوا،فمنهم من اقتصر عليه و قال برجعته إذ قال لم يمت هو و منهم من توقف في موته و هم الممطورية،و منهم من قطع بموته و ساق الإمامة الى أبنه علي الرضا عليه السّلام و هم القطعية،ثم هؤلاء إختلفوا في كل ولد بعده فالأثنا عشرية ساقوا الإمامة من علي الرضا الى إبنه محمد،ثم الى أبنه علي،ثم الى أبنه الحسن،ثم الى أبنه المهدي و غيرهم ساقوا الإمامة الى الحسن العسكري،ثم قالوا بامامة أخيه جعفر الكذاب هذا حاصل الإختلاف في الإمامة.

و أما الإختلاف في الاصول فحدثت في آخر ايام الصحابة مقالة معبد الجهني و غيلان الدمشقي و يونس الاسواري القول بالقدر و انكار اضافة الخير و الشر الى المقدّر،و نسج على منوالهم واصل بن عطا الغزال،و كان تلميذ الحسن البصري و تلمذ له عمر بن عبيد و زاد عليه في مسائل القدر و الوعيدية من الخوارج و المرجئة من الجبرية و القدرية إبتداء بدعهم في زمان الحسن و اعتزل عنهم و عن استاذه بالقول بالمنزلة بين المنزلتين فسمى هو و اصحابه معتزلة و قد تلمذ عنده زيد بن علي كما قيل و أخذ الاصول منه فلذلك صارت الزيدية كلهم معتزلة،ثم طالع بعد ذلك شيوخ المعتزلة كتب الفلاسفة حسن فسرت ايام المأمون فخلطت منها هجها بمناهج الكلام و افردتها فنا من فنون العلم و سمته باسم الكلام إمّا لان اظهر مسألة تكلموا فيها و تقابلوا عليها هي مسألة الكلام فسمى النوع باسمها و اما لمقابلتهم الفلاسفة في تسميتهم فنا من فنون العلم بالمنطق و المنطق و الكلام مترادفان.

اذا عرفت هذا كله فلنشرع الان في بيان الفرق فنقول من كبار الفرق الاسلامية المعتزلة و يسمون اهل العدل و التوحيد و هم اصحاب واصل بن عطاء إعتزل عن مجلس الحسن البصري و ذلك انه دخل على الحسن رجل فقال يا امام الدين ظهر في زماننا جماعة يكفرون صاحب الكبيرة،يعني وعيدية الخوارج و جماعة اخرى يرجئون الكبائر و يقولون لا يضرّ مع الايمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة فكيف تحكم لنا ان نعتقد في ذلك فتفكر الحسن و قبل ان يجيب قال واصل انا اقول ان صاحب الكبيرة لا مؤمن مطلق و لا كافر مطلق ثم قام الى اسطوانة من اسطوانات المسجد و اخذ يقرر على جماعة من اصحاب الحسن ما اجاب به من ان مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن و لا كافر و يثبت له المنزلة بين المنزلتين قائلا ان المؤمن استحق المدح و الفاسق لا يستحق المدح فلا يكون مؤمنا و ليس بكافر ايضا لإقراره بالشهادتين و لوجود ساير اعمال الخير فيه فاذا مات بلا توبة خلّد في النار اذ ليس في الاخرة الا فريقان فريق في الجنة و فريق في السعير لكن يخفف عليه و يكون دركته فوق دركات الكفار فقال الحسن قد اعتزل عنا واصل

ص:155

فلذلك سمي هو و اصحابه معتزلة و يلقبون بالقدرية لاسنادهم افعال العباد الى قدرتهم قالوا ان من يقول بالقدر خيره و شره من اللّه تعالى اولى باسم القدرية منا لان مثبت القدر احق بان ينسب اليه من نافيه.

و اما في اخبار اهل البيت عليهم السّلام فيطلق هذا الاسم تارة على المعتزلة و اخرى على الاشاعرة و وجه المناسبة ظاهر و قوله عليه السّلام القدرية مجوس هذه الامة اشد انطباقا على المعتزلة لانهم اثبتوا خالقين كالمجوس و قد لقب المعتزلة انفسهم بأصحاب العدل و التوحيد و ذلك لقولهم بوجوب الاصلح و نفي الصفات القديمة و قالوا ان القدم اخص اوصاف اللّه لا يشاركه فيها ذات و لا صفة و قالوا بنفي الصفات الزائدة على الذات و ان كلامه سبحانه محدث مركب من الحروف و الاصوات و انه غير مرئي في الاخرة بالابصار و بأن الحسن و القبح عقليان و يجب عليه تعالى رعاية الحكمة و المصلحة في افعاله و ثواب المطيع و التائب و عقاب صاحب الكبيرة.

ثم انهم بعد اتفاقهم على هذه الامور المذكورة افترقوا عشرين فرقة يكفر بعضهم بعضا و كلهم على صدق في هذا الحكم منهم الواصلية اصحاب ابي حذيفة واصل بن عطا و اعتزالهم يدور على اربع مسائل.

اولها نفي الصفات قال الشهرستاني شرعت اصحابه في هذه المسألة بعد ما طالعوا كتب الفلاسفة و انتهى نظرهم الى ان ردّوا جميع الصفات الى كونه عالما قادرا ثم حكموا بأنهما صفتان ذاتيتان اعتباريتان للذات القديمة كما قاله الجبائي او حالان كما قاله ابو هاشم و ثانيهما قولهم بأن افعال العباد مستندة الى قدرتهم و امتناه اضافة الشر الى اللّه و ثالثها قولهم بالمنزلة بين المنزلتين على ما مر تفصيله و رابعها تخطئة احد الفريقين من عثمان و قاتليه و جوّزوا ان يكون عثمان لا مؤمنا و لا كافرا و ان يخلد في النار،و كذا علي عليه السّلام و متابعوه و حكموا بأن عليا و طلحة و الزبير بعد وقعة الجمل لو شهدوا على بافة بقل لم تقبل شهادتهم كشهادة المتلاعنين أي الزوج و الزوجة فان احدهما فاسق لا بعينه.

و منهم الهذيلية اصحاب ابي الهذيل حمدان العلاف شيخ المعتزلة و مقرر طريقهم اخذ العلم و الاعتزال عن عثمان بن خالد الطويل و عن واصل و قد انفرد اصحابه بعشر قواعد الاولى قوله بفناء مقدورات اللّه سبحانه و هذا قريب من مذهب جهم حيث ذهب الى ان الجنة و النار يفنيان و قالوا ان حركات اهل الجنة و النار ضرورية مخلوقة للّه اذ لو كانت مخلوقة لهم لكانوا مكلفين و لا تكليف لهم في الاخرة،الثانية ان اهل الخلدين تنقطع حركاتهم و يصيرون الى سكون دائم و يجتمع في ذلك السكون اللذات لاهل الجنة و الالام لاهل النار و انما ارتكب ابو الهذيلب هذا القول لانه التزم في مسألة حدوث العالم انه لا فرق بين حوادث لا اول لها و بين

ص:156

حوادث لا آخر لها فقال لا اقول ايضا بحركات لا اخر لها بل تصير الى سكون و توهم ان ما لزمه في الحركة لا يلزمه في السكون و لذلك سمي المعتزلة ابها الهذيل جهمي الاخرة و قيل انه قدري الاولى جهمي الاخرة.

الثالثة قوله ان الباري عالم بعلم ذاته و قادر بقدرة و قدرته ذاته حتى بحيوة و حيوته ذاته قال الشهرستاني و قد اقتبس هذا الرأي من الفلاسفة الذين اعتقدوا ان ذاته واحدة من جميع الجهات لا تعدد فيه اصلا بل جميع الجهات لا تعدد فيه اصلا بل جميع صفاته راجعة الى السلوب و الاضافات.

الرابعة قوله انه مريد بارادة حادثة لا في محل و اول من احدث هذه المقالة هو العلاف الخامسة قوله ان بعض كلامه تعالى لا في محل مثل قوله كن لانها التي كوّن بها الاشياء و بعضه في محل كالامر و النهي و الخبر و الاستخبار،السادسة قوله ان ارادته غير المراد و ذلك لان ارادته عبارة عن خلقه لشيء و خلقه للشيء مغاير لذلك الشيء بل الخلق عندهم قول لا في محل اعني كلمة كن.

السابعة قوله ان الحجحة بالتواتر فيما غاب لا تقوم الا بخبر عشرين فيهم واحد من اهل الجنة او اكثر و قالوا لا تخلوا الارض عن اولياء اللّه تعالى فهم معصومون لا يكذبون و لا يركبون شيئا من المعاصي فالحجة قولهم لا التواتر،الثامنة قوله في الاجال و الارزاق ان الرجل اذا لم يقتل مات في ذلك الوقت و لا يجوز ان يزاد في العمر او ينقص منه،و اما الارزاق فقال ان كل ما اكل منها فهو رزقه و ما حرم عليه فليس رزقا له أي ليس مأمورا بتناوله.

التاسعة قوله في الفكر ورد السمع يجب عليه ان يعرف اللّه تعالى بالدليل من غير خاطر و ان قصّر في المعرفة استوجب العقوبة ابدا و قال ايضا بطاعات لا يقصد بها التقرب الى اللّه سبحانه كالقصد الى النظر الاول فأنه لم يعرف اللّه بعد و الفعل عبادة،العاشرة قوله في الاستطاعة انها عرض من الاعراض غير السلامة و الصحة،و الفرق بين افعال القلوب و افعال الجوارح فقال لا يصح وجود افعال القلوب منه مع عدم القدرة و الاستطاعة معها في حال الفعل و جوّز ذلك في افعال الجوارح و قال بتقدمها فيفعل بها في الحال الاولى و ان لم يوجد الفعل الا في الحالة الثانية قال فحال يفعل غير حال فعل،و قال في الادراك و العلم الحادثين في غيره عند اسماعه و تعليمه ان اللّه يبدعهما فيه و ليسا من افعال العباد.

و منهم النظامية اصحاب ابراهيم بن سيار النظام و هو من شياطين القدرية طالع كتب الفلاسفة و خلط كلامهم بكلام المعتزلة و قد انفرد بثلثة عشر مسألة منها قوله لا يقدر اللّه ان يفعل بعباده في الدنيا ما لا صلاح لهم فيه،و لا يقدر ان يزيد في الاخرة او ينقص من ثواب

ص:157

و عقاب لاهل الجنة و النار،و توهموا ان غاية تنزيهه تعالى عن الشرور و القبائح لا يكون الا بسبب قدرته عليها فهم في ذلك كمن هرب من المطر الى الميزاب.

و منها قوله في الارادة ان الباري تعالى ليس موصوفا بها على الحقيقة فاذا و صفت بذلك شرعا في افعاله فالمراد بذلك انها خالقها و منشئها على حسب ما علم،و اذا وصف بكونه مريدا لافعال العبد فالمعنى انه آمر بها،و عنه أخذ الكعبي مذهبه في الارادة و منها قوله ان الانسان هو الروح و البدن آلتها،و قد اخذه النظام من الفلاسفة الا انه مال الى الطبيعيين منهم فقالوا الروح جسم لطيف سار في البدن سريان ماء الورد و الدهن و منها قوله(له)ان الاعراض كالالوان و الطعوم و الروايح و غيرها اجسام فهم تارة يحكمون بأن الاعراض اجسام و أخرى بأن الاجسام اعراض.

و منها قولهم(له)ان الجوهر مؤلف من الاعراض المجتمعة و العلم مثل الجهل المركب و الايمان مثل الكفر في تمام الماهية و أخذوا هذه المقالة من الفلاسفة حيث حكموا بأن حقيقتها حصول الصورة في القوة العاقلة و الامتياز بينهما بأمر خارج هو مطابقة تلك الصورة لمتعلقها او عدجمن مطابقتها له و منها قولهم(له خ)ان اللّه خلق المخلوقات دفعه واحدة على ما هي عليه الان معادن و نباتا و حيوانا و انسانا و غير ذلك فلم يكن خلق آدم متقدما على خلق اولاده الا انه تعالى كمن بعض المخلوقات في بعض و التقدم و التأخر في الكمون و الظهور و هذه المقالة مأخوذة من كلام الفلاسفة القائلين بالخليط و الكمون و البروز،و منها قولهم(له)نظم القرآن ليس بمعجز انما المعجز اخباره بالغيب من الامور السالفة و الآتية صرف اللّه العرب عن الاهتمام بمعارضته حتى لو خلاهم لامكنهم الاتيان بمثله بل بأفصح منه.

و منها قولهم(له)المتواتر الذي لا يحصى عدده يحتمل الكذب و الاجتماع و القياس ليس شيء منها بحجة و منها قولهم(له)بالطفرة و ذلك انه لما وافق الفلاسفة في نفي الجزء الذي لا يتجزئ لما الزم مشيى نملة على صخرة من طرف الى طرف انها قطعت ما لا يتناهى و كيف يقطع ما يتناهى ما لا يتناهى قال يقطع بعضها بالمشيء و بعضها بالطفرة و منها انهم مالوا الى وجوب النص على الامام و ثبوت النص من النبي صلّى اللّه عليه و آله على علي عليه السّلام لكن كتمه عمر و هم محقّون في هذا،و منها قولهم(له)ان من خان بالسرقة فيما دون نصاب الزكوة كمائة و تسعة و تسعين درهما و اربعة من الابل مثلا لو ظلم به على غيره بالغصب و التعدي لا يفسق.

و منهم الاسوارية اصحاب الاسوارى و افقوا النظامية فيما ذهبوا اليه و زادوا عليه ان اللّه تعالى لا يقدر على ما اخبر بعدمه او علم عدمه و الانسان قادر عليه لان قدرة العبد صالحة

ص:158

المضدين،على سواه فاذا قدر على احدهما قدر على الاخر فتعلق العلم او الاخبار من اللّه بأحد الطرفين لا يمنع مقدرية الاخرى للعبد.

و منهم الاسكافية اصحاب ابي جعفر الاسكاف قالوا اللّه لا يقدر على ظلم العقلاء بخلاف ظلم الصبيان و المجانين فأنه يقدر عليه.

و منهم الجعفرية اصحاب جعفر بن جعفر بن مبشر وافقوا الاسكافية و زادوا عليهم متابعة ابن المبشر ان فساق الامة من هو شر من الزنادقة و المجوس و الاجماع من الامة على حد الشرب خطأ لان المعتبر في الحد هو النص و سارق الحبة فاسق منخلع عن الايمان.

و منهم البشرية هو بشر بن المعتبر كان من افضل علماء المعتزلة و هو الذي احدث القول بالتوليد قالوا الاعراض من الالوان و الطعوم و الروايح و غيرها كالادراكات من السمع و الرؤية تقع متولدة في الجسم من فعل الغير كما اذا كان اسبابها من فعله و قالوا اللّه قادر على تعذيب الطفل و لو عذبه لكان ظالما لكنه لا يستحسن ان يقال في حقه ذلك،بل يجب ان يقال و لو عذبه لكان الطفل بالغا عاقلا عاصيا مستحقا للعقاب و فيه تناقض كما قيل اذ حاصله ان اللّه يقدر ان يظلم و لو ظلم لكان عادلا.

و منهم المزدارية هو ابو موسى عيسى بن صبيح المزدار هذا لقبه و هو من باب الافتعال من الزياردة و هو تلميذ بشر أخذ العلم عنه و تزهد حتى سمى راهب المعتزلة قال:اللّه قادر على ان يظلم و يكذب و لو فعل كان الها ظالما كاذبا تعالى اللّه عما قاله الظالمون علوا كبيرا، و قال ان الناس قادرون على مثل القرآن و احسن منه نظما و بلاغة و قال ان من لابس السلطان كافر لابس لا يوارث أي لا يرث و لا يورث منه و كذا من قال بخلق الاعمال و بالرؤية كافر.

و منهم الهشامية اصحاب هشام بن عمرو الغوطي الذي كان مبالغا في القدر اكثر من مبالغة ساير المعتزلة قالوا لا يطلق اسم الوكيل على اللّه تعالى مع وروده في القرآن لاستدعائه موكلا،و لم يعلموا ان الوكيل في اسمائه بمعنى الحفيظ كما في قوله تعالى و ما انت عليهم بوكيل و لا يقال الّف اللّه بين القلوب مع انه مخالف لقوله ما الّفت بين قلوبهم و لكن اللّه الف بينهم و قالوا ان الاعراض لا تدل على كونه تعالى خالقا و لا تصلح دلالة على صدق مدّعى الرسالة انما الدال هو الاجسام و يلزمهم على ذلك ان فلق البحر و قلب العصا حيّة و احياء الموتى لا يكون دليلا على صدق من ظهر على يده و قالوا لا دلالة في القرآن على حرام و حلال و الامامة لا تنعقد مع الاختلافات بل لا بد من اتفاق الكل قال شارح المواقف قيل و مقصودهم الطعن في امامة ابي بكر اذ كانت بيعته بلا اتفاق من جميع الصحابة لانه بقى في كل طرف طائفة على خلافه و قالوا ايضا ان الجنة و النار لم يخلقا بعد اذ لا فائدة في وجودهما الان و قالوا لم يحاصر

ص:159

عثمان و لم يقتل مع كونه متواترا،و قالوا ان من افسد صلاة في آخرها و قد افتتحها اولا بشروطها فأول صلاته معصية و منهى عنه مع كونه مخالفا للاجماع.

و منهم الصالحية اصحاب الصالحي و من مذهبهم انهم جوّزوا قيام العلم و لقدرة و الارادة و السمع و البصر بالميت و يلزمهم جواز ان يكون الناس مع اتصافهم بهذه الصفات امواتا،و ان لا يكون الباري تعالى حيا و جوزوا خلو الجوهر من الاعراض كلها.

و منهم الحابطية و هو احمد بن حابط نسب اتباعه الى ابيه و هو من اصحاب النظام قالوا للعالم الهان قديم هو اللّه تعالى،و محدث هو المسيح و المسيح هو الذي يحاسب الناس في الاخرة،و هو المراد بقوله و جاء ربك و الملك صفا صفا،و هو الذي يأتي في ظلل من الغمام و هو المعنى بقوله ان اللّه خلق آدم على صورته و بقوله يضع الجبار قدمه في النار،و انما سمى المسيح لانه زرع الاجسام و احدثها قال الامدي و هؤلاء كفار مشركون.

و منهم الحربية و هم اصحاب فضل الحربي و مذهبهم مذهب الحابطية الا انهم زادوا التناسخ و ان كل حيوان مكلف و ذلك انهم قالوا ان اللّه سبحانه ابدع الحيوانات عقلاء بالغين في دار سوى هذه الدار و خلق فيهم معرفة و العلم به و اسبغ عليهم نعمه ثم ابتلاهم و كلّفهم بشكر نعمه فأطاعه بعض فأقرهم في دار النعيم التي ابتدأهم فيها و عصاه بعض في الجميع فأخرجهم من تلك الدار الى دار العذاب و هي النار و اطاعه بعض في البعض دون البعض فأخرجهم الى دار الدنيا و كساهم هذه الاجساد الكثيفة على صور مختلفة كصورة الانسان و سائر الحيوانات و ابتلاهم بالبأساء و الضراء و الالام و اللذات على مقادير ذنوبهم فمن كان معاصيه اقل و طاعته اكثر كانت صورته احسن و الامه اقل و من كان بالعكس فبالعكس و لا يزال يكون الحيوان في الدنيا في صورة بعد صورة ما دامت معه ذنوبه و هذا عين القول بالتناسخ.

و منهم المعمرية هم اصحاب معمر بن عباد السلمي قالوا ان اللّه لم يخلق شيئا غير الاجسام اما الاعراض فتخترعها الاجسام اما طبعا كالنار للاحراق و الشمس للحرارة و اما اختيارا كالحيوان للالوان قيل و من العجب ان حدوث الاجسام و فنائها عند معمر من الاعراض فكيف يقول انها من فعل الاجسام و قالوا لا يوصف اللّه بالقدم لانه يدل على التقادم الزماني و اللّه سبحانه ليس بزماني و قالوا ايضا ان اللّه لا يعلم نفسه و الا اتحد العالم و المعلوم و هو ممتنع و قالوا ان الانسان لا فعل له غير الارادة مباشرة كانت لو توليدا بناء على ما ذهبوا اليه من مذهب الفلاسفة في حقيقة الانسان.

ص:160

و منهم الثمامية هو ثمامة بن اشرش النميري كان جامعا بين سخافة الدين و خلاعة النفس،قالوا الافعال المتولدة لا فاعل لها اذ لا يمكن اسنادها الى فاعل السبب لاستلزامه استناد الفعل الى الميت فيما اذا رمى الى شخص و مات قبل وصوله اليه،و لا الى اللّه تعالى لاستلزامه صدور القبيح عنه تعالى،و قالوا ان اليهود و النصارى و المجوس و الزنادقة يصيرون في الاخرة ترابا لا يدخلون جنة و لا نارا و كذا البهائم و الاطفال و قالوا ان من لا يعلم خالقه من الكفار معذور،و المعارف كلها ضرورية و لا فعل للانسان غير الارادة و ما عداها حادث بلا محدث،و كان يقول ان العالم فعل اللّه بطبعه و اراد به ما يقوله الفلاسفة من الايجاب.

و منهم الخياطية اصحاب ابي الحسن بن ابي عمر الخياط قالوا باسناد الافعال الى العباد و تسمية المعدوم شيئا أي ثابتا متقررا في حال العدم،و سموا المعدوم ايضا جوهرا و عرضا، و قالوا ان ارادة اللّه كونه قادرا غير مكره و لا كاره،و ارادته في افعال نفسه الخلق أي كونه خالقا لها،و في افعال عباده الامر بها و كونه سميعا بصيرا معناه انه عالم بمتعلقهما.

و منهم الجاحظية هو عمرو بن بحر الجاحظ كان من الفضلاء البلغاء في ايام المعتصم و المتوكل و قد طالع كتب الفلاسفة و روّج كثيرا من مقالاتهم بعباراته البليغة اللطيفة قالوا المعارف كلها ضرورية و قالوا انه يمتنع انعدام الجواهر و انما تتبدل الجواهر و الاعراض باقية على حالها كما قيل في الهيولى و قالوا ان النار تجذب اليها اهلها لا ان اللّه يدخلهم فيها،و قالوا ان الخير و الشر من فعل العبد و القرآن جسد ينقلب تارة رجلا و أخرى إمرأة.

و منهم الكعبية هو ابو القاسم بن محمد الكعبي كان من معتزلة بغداد و تلميذ الخياط قالوا فعل الرب واقع بغير ارادته فاذا قيل انه تعالى مريد لافعاله اريد انه خالق لها و اذا قيل مريد لافعال غير خ أنه آمر بها.

و منهم الجبائية هو ابو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي من معتزلة البصرة قالوا ارادة الرب حادثة لا في محل و اللّه تعالى مريد بتلك الارادة موصوف بها و اللّه متكلم بكلام مركب من حروف و اصوات يخلقه في جسم،و المتكلم بذلك الكلام من فعل الكلام و خلقه لا من قام به و حلّ فيه و لا يرى اللّه في الاخرة،و العبد خالق لفعله و مرتكب الكبيرة لا مؤمن و لا كافر و اذا كات بلا توبة يخلد في النار و لا كرامات للاولياء و يجب على اللّه رعاية ما هو الاصلح و الانبياء معصومون و شارك ابو علي في هذا كله ايا هاشم ثم انفرد عنه بأن اللّه تعالى عالم بذاته بلا ايجاب صفة هي علم و لا حالة توجب العالمية و كونه تعالى سميعا بصيرا معناه انه حتى لا آفة به و يجوز الايلام للعوض.

ص:161

و منهم البهشمة انفرد ابو هاشم عن ابيه بامكان استحقاق الذمّ العقاب بلا معصية مع كونه مخالفا للاجماع و الحكمة و بأنه لا توبة عن كبيرة مع الاصرار على غيرها عالما بقبحه و يلزمه ان لا يصلح اسلام الكافر مع ادنى ذنب اصرّ عليه و لا توبة مع عدم القدرة فلا يصحّ توبة الكاذب عن كذبه بعد ما صار اخرس و لا توبة الزاني عن زناه بعد ما جبّ و لا يتعلق علم واحد بمعلومين على التفصيل و للّه احوال لا معلومة و لا مجهولة و لا قديمة و لا حادثة قال الامدي هذا تناقض اذ لا معنى لكون الشيء حادثا الا انه ليس قديما و لا لكونه مجهولا الا انه ليس معلوما.

الفرقة الثانية من الفرق الاسلامية الشيعية و هم الذون شايعوا عليا عليه السّلام و قالوا انه الامام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالنص،اما جليّا و إما خفيّا و اعتقدوا ان الامامة لا تخرج عنه و عن اولاده فان خرجت فاما بظلم يكون من غيرهم و اما بيعة منه او من اولاده و هم اثنان و عشرون فرقة اصولهم ثلاث فرق غلاة و زيدية و امامية اما الغلاة فثمانية عشر.

السبائية قال عبد اللّه بن سبأ لعلي عليه السّلام انت الاله حقا فنفاه علي عليه السّلام الى المدائن و قيل انه كان يهوديا فأسلم و كان في اليهودية يقول في يوشع بن نون و في موسى مثل ما قال في علي، و قيل انه اول من اظهر القول بوجوب امامة علي،و منه تشعبت اصناف الغلاة و قال ابن سبأ ان عليا عليه السّلام لم يمت و لم يقتل و انما قتل ابن ملجم شيطانا تصوّر بصورة علي و علي عليه السّلام في السحاب و الرعد صوته و البرق ضوئه و انه ينزل بعد هذا الى الارض و يملأها عدلا و هؤلاء يقولون عند سماع الرعد عليك السّلام يا امير المؤمنين.

الكاملية قال ابو كامل بكفر الصحابة بترك بيعة علي و يكفر علي بترك طلب الحق،و قال بالتناسخ في الارواح عند الموت و ان الامامية نور يتناسخ أي ينتقل من شخص الى آخر و قد يصير في شخص نبوة بعد ما كان في شخص آخر امامة.

البيانية قال بيان بن سمعان التميمي النهدي اليمني اللّه على صورة انسان و يهلك كله الا وجهه و روح اللّه حلت في علي ثم ابنه محمد بن الحنفية،ثم في ابنه هاشم ثم في بيانه ابنه.

المغيرية قال مغيرة بن سعيد العجلي اللّه على صورة رجل من نور على رأسه تاج و قلبه منبع الحكمة و لما اراد ان يخلق الخلق تكلم بالاسم الاعظم فطار فوقع تاجا على رأسه و ذلك قوله تعالى سَبِّحِ ؛اِسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى اَلَّذِي خَلَقَ فَسَوّٰى ثم انه كتب على كفه عمل العباد فغضب من المعاصي فعرق فحصل من عرقه بحران احدهما ملح مظلم و الاخر حلو نيّر ثم اطلع في البحر النير و ابصر في ظلّه فانتزعه فخلق منه الشمس و القمر و افنى الباقي من الظل نفيا للشريك و قال لا ينبغي ان يكون معي الها(شريكا خ)آخر ثم خلق الخلق من البحرين فالكفار من الظلم و المؤمنين من النير ثم ارسل محمدا و الناس في ضلال و عرض الامانة و هي منع على عن

ص:162

الامامة على السموات و الارض و الجبال فأبين ان يحملنها و اشفقن منها و حملها الانسان و هو ابو بكر و حملها بأمر عمر حين ضمن ان يعينه على ذلك بشرط ان يجعل ابو بكر الخلافة بعده به،و قوله تعالى كَمَثَلِ الشَّيْطٰانِ الاية،نزلت في حق ابي بكر و عمر و هؤللاء يقولون ان الامام المنتظر هو زكريا بن محمد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السّلام و هو حي مقيم في جبل حاجز الى ان يؤمر بالخروج.

الجناحية قال عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر ذي الجناحين الارواح تتناسخ و كان روح اللّه في آدم ثم شيث ثم الانبياء و الائمة حتى انتهت الى علي و اولاده الثلاثة ثم الى عبد اللّه هذا،و قالت الجناحية هو ابي عبد اللّه حي مقيم في جبل باصفهان و سيخرج و انكروا القيمة و استحلوا المحرمات كذا نقل عنهم الشهرستاني و اللّه العالم.

المنصورية هو ابو منصور العجلي عزى نفسه الى الباقر عليه السّلام فتبرأ منه و طرده و ادعى الامامة لنفسه قالوا الامامة لمحمد بن علي بن الحسين عليهم السّلام ثم انتقلت عنه الى ابي منصور و زعموا ان ابا منصور عرج الى السماء و مسح اللّه رأسه بيده و قال يا بني اذهب فبلّغ عني،ثم انزله الى الارض و هو الكسف المذكور في قوله تعالى وَ إِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّمٰاءِ سٰاقِطاً يَقُولُوا سَحٰابٌ مَرْكُومٌ و كان قبل ادعائه الامامة لنفسه يقول الكسف علي بن ابي طالب و قالوا الرسل لا تنقطع ابدا و الجنة رجل امرنا بموالاته و هو الامام و النار بالضد أي رجل امرنا ببغضه و هو ضد الامام كأبي بكر و عمر و كذا الفرائض و المحرمات فان الفرائض اسماء رجال امرنا بموالاتهم و المحرمات اسماء رجال امرنا بمعاداتهم و مقصودهم بذلك ان من ظفر برجل منهم فقد ارتفع منه التكليف و الخطاب لوصوله الى الجنة.

الخطابية هو ابو الخطاب الاسدي عزى نفسه الى ابي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام فلما علم منه غلوه في حقه تبرأ منه فلما اعتزل عنه ادعى الامر لنفسه قالوا الائمة الانبياء و ابو الخطاب نبي و زعموا ان الانبياء فرضوا على الناس طاعة ابي الخطاب بل زادوا على ذلك و قالوا الائمة الهة و الحسنان ابناء اللّه و جعفر الصادق إله لكن ابو الخطاب افضل منه و من علي و هؤلاء يستحلون شهادة الزور لموافقيهم على مخالفيهم و زعموا ان الامام بعد قتل ابي الخطاب هو معمر فعبدوا معمرا بعد ما كانوا يعبدون ابا الخطاب و قالوا الجنة نعيم الدنيا و النار آلامها و الدنيا لا تفنى و استباحوا المحرمات و ترك الفرائض و قال جماعة منهم ان كل مؤمن يوحى اليه استدلالا بقوله تعالى وَ مٰا كٰانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّٰ بِإِذْنِ اللّٰهِ أي بوحي من اللّه اليهم و فيهم من هو خير من جبرئيل و ميكائيل و هم لا يموتون ابدا بل اذا بلغوا النهاية يرفعون الى الملكوت و قال بعضهم الامام بعد ابي الخطاب عمر بن بيان العجلي الا انهم يموتون.

ص:163

الغرابية قالوا محمد بعلي اشبه من الغراب و الذباب بالذباب فبعث اللّه جبرئيل الى علي عليه السّلام فغلط جبرئيل في تبليغ الرسالة من علي الى محمد قال شاعرهم

غلط الامين عن حيدرة فيلعنون صاحب الريش يعني جبرئيل

الذمية لقبوا به لانهم ذموا محمدا لان عليا هو الاله و قد بعثه ليدعو الناس اليه فدعاهم الى نفسه و قال طائفة منهم بالهية محمد و علي و لهم في التقديم خلاف،فبعضهم يقدم محمدا و قال طائفة منهم بالهية اهل العبا الخمسة:محمد و علي و فاطمة و الحسنان،و هؤلاء زعموا ان هذه الخمسة شيء واحد و ان الروح حالة فيهم بالسوية لا مزية لواحد منهم على الاخر و لا يقولون فاطمة تحاشيا عن و صمة التأنيث.

الهشامية اصحاب الهشامين ابن الحكم و ابن سالم الجواليقي اتفقوا على ان اللّه جسد ثم اختلفوا فقال ابن الحكم هو طويل عريض عميق متساو و طوله و عرضه و عمقه و هو السبيكة البيضاء الصافية يتلألأ من كل جانب و له لون و طعم و رايحة و نبض و قالوا ان اللّه يقوم و يقعد و يتحرك و يسكن و له مشابهة بالاجسام لولاها لم يدل عليه و يعلم ما تحت الثرى بشعاع ينفصل عنه اليه،و هو سبعة اشبار بأشبار نفسه مماس للعرش بلا تفاوت بينهما و قالوا انه يعلم الاشياء بعلم لا قديم و لا حادث لانه صفة و الصفة لا توصف و كلامه صفة له لا مخلوق و لا غيره و الاعراض لا تدل على الباري انما الدال عليه هو الاجسام لما عرفت من مشابهته اياها و الائمة معصومون دون الانبياء لان النبي يوحى اليه فيقرب الى اللّه بخلاف الامام فانه لا يوحى اليه فوجب ان يكون معصوما و قال ابن سالم هو على صورة انسان له يد و رجل و حواس خمس و انف و اذن و عين و فم و له مرة سوداء و نصفه الاعلى مجوّف و الاسفل مصمت الا انه ليس لحما و دما.

اقول هذا ما نقله عنهما الشهرستاني و امل الذي تواتر من احوالهم عن اهل البيت عليهم السّلام فهو علو الشأن و ارتفاع المحل و التوحيد الحقيقي نعم ربما روى في اخبارنا مثل هذا المنقول و قد تأوّله اصحابنا تارة بالحمل على التقية و أخرى على حالهما قبل الاستبصار فانهما كانا قبل من جمهور المخالفين ثم استبصرا.

الزرارية هو زرارة بن اعين قالوا بحدوث الصفات للّه تعالى و قبل حدوثها له لا حيوة فلا يكون حينئذ حيا و لا عالما و لا قادرا و لا سميعا و لا بصيرا،أقول هذا النقل عن زرارة كالنقل عن الهشامين في كونه كذبا محضا،فان زرارة رجل من اعاظم الشيعة و نحن نعرف اقواله و اعتقاداته اكثر من الشهرستاني و غيره.

ص:164

اليونسية و هو يونس بن عبد الرحمن القمي قال ان اللّه تعالى على العرش تحمله الملائكة و هو اقوى من الملائكة مع كونه محمولا لهم كالكرسي يحمله رجلان و هو اقوى منهما،و هذا النقل ايضا كذب محض على يونس.

الشيطانية محمد النعمان الملقب بشيطان الطاق قال انه تعالى نور غير جسماني و مع ذلك هو على صورة انسان و انما يعلم الاشياء بعد كونها و هذا النقل ايضا افتراء و محمد بن النعمان هذا هو الملقب عند الشيعة بمؤمن الطاق،و قد مدحه الائمة عليهم السّلام و اثنوا عليه و كأن الشهرستاني اراد تكميل الفرق فأخذ في هذه الاباطيل.

الرزامية اتباع الرزام،قالوا الامامة بعد علي لمحمد بن الحنفية ثم ابنه عبد اللّه بن عباس ثم اولاده الى المنصور ثم حل الاله في ابي مسلم و انه لم يتقل و استحلوا المحارم و تركوا الفرائض و منهم من ادعى الالهية في المقنع.

المفوضة قالوا ان اللّه تعالى فوّض خلق الخلائق اليه و قيل فوّض خلق ذلك الى علي عليه السّلام و لقد وقع بين شيعي و سني مجادلة في ايه الافضل أ هو ابو بكر أم علي فتراضيا على ان يتحاكما الى اول طالع عليهما فطلع عليهما رجل فتحا كما اليه فقال الشيعي انا اقول علي افضل،و قال السني انا اقول ابو بكر افضل فقال ذلك الرجل ان عليا لو لم يخلق ابا بكر و عمر لما قيل فيه مثل هذا فاتفق ان ذلك الرجل كان من المفوضة او الغلاة.

البدائية جوّز و البداء على اللّه تعالى و ان يريد اللّه شيئا ثم يبدو له أي يظهر عليه ما لم يكن ظاهرا له،و يلزمه ان لا يكون الرب تعالى عالما بعواقب الامور هذا قول الشهرستاني و الاصح هو القول بالبداء كما قال اصحابنا رضوان اللّه عليهم و في اخبارنا عن الائمة عليهم السّلام انه ما عبد اللّه بشيء مثل البدا و ان اللّه تعالى لم يرسل نبيا حتى اقرّ للّه بالبدا و لكن ليس معنى البدا ما ذكروه بل معناه ظهور شيء للخلائق لم يكن ظاهرا لهم قبل ذلك و الا فهو ظاهر عنده سبحانه،و النسخ فرد من افراد البدا و قوله يمحو اللّه ما يشاء و يثبت و عنده ام الكتاب محقق و دال عليه.

النصيرية و الاسحاقية قالوا حلّ اللّه في علي فان ظهور الروحاني في الجسد الجسماني مما لا ينكر اما في جانب الخير فكظهور جبرئيل عليه السّلام بصورة البشر و اما في جانب الشر فكظهور الشيطان في صورة الانسان قالوا و لما كان علي و اولاده افضل من غيرهم و كانوا مؤيدين بتأييدات متعلقة بباطن الاسرار قلنا ظهر الحق تعالى بصورتهم و نطق بلسانهم و أخذ بأيديهم و من هيهنا اطلقنا الالهة على الائمة أ لا ترى ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قاتل المشركين و عليا قالت المنافقين فان النبي يحكم بالظاهر و اللّه يتولى السرائر.

ص:165

الاسماعيلية لقبوا بسبعة القاب بالباطنية لقولهم بباطن الكتاب دون ظاهره فانهم قالوا للقرآن ظاهر و باطن و المراد منه باطنه لا ظاهره المعلوم من اللغة،و المتمسك بظاهره معذب بالمشقة في الاكتساب و باطنه مؤد الى ترك العمل بظاهره و تمسكوا في ذلك بقوله تعالى فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب،و هذا القول ظهوره(اخذوه خ) من المنصورية،و لقبوا ايضا بالقرامطة لان الذي دعى الناس الى مذهبهم رجل يقال به حمدان قرمط،و هي احدى قرى واسط و لقبوا ايضا بالحرمية لا باحتهم المحرمات و المحارم،و لقبوا ايضا بالسبعية لانهم زعموا ان الذين نطقوا بالشرايع سبعة آدم و نوح و ابراهيم و موسى و عيسى و محمد و المهدي سابع النطقا و بين كل اثنين من النطقا سبعة ائمة يتممون شريعة و لا بد في كل عصر من سبعة بهم يقتدون و بهم يؤمنون و بهم يهتدون و هم متفاوتون في الرتب امام يؤدي عن اللّه و هو غاية الادلة الى دين اللّه و حجة يؤدي عن الامام و يحمل علمه و ذو مصة يمص العلم من الحجة أي يأخذه منه،فهذه ثلاثة و ابواب و هم الدعاة فداع اكبر هو رابعهم يرفع درجات المؤمنين و داع مأذون يأخذ العهود على الطالبين من اهل الظاهر فيدخلهم في ذمة الامام و يفتح لهم باب العلم و المعرفة و هو خامسهم و مكلّب قد ارتفعت درجته في الدين و لكن لم يؤذن له في الدعوة بل في الاحتجاج على الناس،فهو يحتج و يرغب الى الداعي ككلب الصائد حتى اذا احتج من احد على اهل الظاهر و كسر عليه مذهبه بحيث رغب عنه و طلب الحق ادّاه المكلب الى الداعي المأذون ليأخذ عليه العهود قال الامدي و انما سمّوا مثل هذا مكلبا لانه مثله مثل الجارح يحبس الصيد على كلب الصائد على ما قاله تعالى و ما علّمتم من الجوارح مكلبين و هو سادسهم و مؤمن يتبع الداعي و هو الذي اخذ عليه العهد و آمن و ايقن بالعهد و دخل في ذمة الامام و حزبه و هو سابعهم قالوا ذلك الذي ذكرناه كالسماوات و الارضين و البحار و الايام الاسبوع و الكواكب السيارة فان كلا منها سبعة.

و من القابهم البابكية و ذلك ان طائفة منهم تبعت بابك الخرمي في الخروج بآذربيجان و لقبوا بالمحمرة للبسهم الحمرة في ايام بابك،و يلقبون بالاسماعيلية لاثباتهم الامامة لاسماعيل بن الامام جعفر الصادق عليه السّلام و هو اكبر اولاده و قيل لانتساب زعيمهم الى محمد بن اسماعيل واصل دعويهم الى ابطال الشرايع ان العبادية و هم طائفة من المجوس راموا عند قوة الاسلام تأويل الشرايع على وجوه تعود الى قواعد اسلافهم و ذلك انهم اجتمعوا فتذاكروا ما كان عليه اسلافهم من الملك و قالوا لا سبيل لنا الى دفع المسلمين بالسيف لغلبتهم على الممالك لكنا نحتال بتأويل شرايعهم الى ما يعود الى قواعدنا و نستدرج به الضعفاء منهم فان ذلك يوجب اختلافهم و اضطراب كلمتهم و رأسهم في ذلك حمدان قرمط فأخذوا في تأويل الشرايع كقولهم الوضوء

ص:166

عبارة عن موالاة الامام و التيمم هو الاخذ من المأذون عند غيبة الامام الذي هو الحجة و الصلوة هي عبارة عن الناطق الذي هو الرسول بدليل قوله تعالى إِنَّ الصَّلاٰةَ تَنْهىٰ عَنِ الْفَحْشٰاءِ وَ الْمُنْكَرِ و الاحتلام عبارة عم افشاء سر من اسرارهم الى من ليس من اهله بغير قصد منه و الغسل تجديد العهد و الزكوة تزكية النفس بمعرفة ما هم عليه من الدين و الكعبة النبي و الباب علي و الصفا هو النبي و المروة هو علي و الميقات و التلبية اجابة المدعو و الطواف بالبيت سبعا موالاة الائمة السبعة و الجنة راحة الابدان عن التكاليف و النار مشقتها بمزاولة التكاليف الى غير ذلك من مزخرفاتهم.

و من مذهبهم ان اللّه لا موجود و لا معدوم و لا عالم و لا جاهل و لا قادر و لا عاجز و كذلك في جميع الصفات و ذلك لان الاثبات الحقيقي يقتضي المشاركة بينه و بين الموجودات و هو تشبيه و النفي المطلق يقتضي المشاركة للمعدومات و هو تعطيل بل هو واهب هذه الصفات و رب المتضادات و قد خالطوا كلامهم بكلام الفلاسفة فقالوا انه تعالى ابدع بالامر العقل التام، و بتوسطه ابدع النفس التي ليست تامة فاشتاقت النفس الى العقل التام مستفيضة منه فاحتاجت الى الحركة من النقصان الى الكمال،و لم تتم الحركة الا بآلتها فحدثت الاجرام الفلكية و تحركت دورية بتدبير النفس فحدثت بتوسط الطبايع البسيطة العنصرية و بتوسط البسائط حدثت المركبات من المعادن و النبات و أنواع الحيوانات و افضلها الانسان لاستعداده لفيض الانوار القدسية عليه و اتصاله بالعالم و حيث كان العالم العلوي مشتملا على عقل كامل كلي و نفس ناقصة كلية تكون مصدرا للكائنات وجب في العالم السفلي عقل كامل يكون وسيلة الى النجاة و هو الرسول الناطق و نفس ناقصة تكون نسبتها الى الناطق في تعريف طرق النجاة نسبة النفس الاولى الى العقل الاول فيما يرجع الى ايجاد الكائنات و هي الامام الذي هو وحي ناطق و كما ان تحرك الافلاك بتحريك العقل و النفس كذلك تحرك النفوس الى النجاة بتحريك الناطق و الوحي و على هذا في كل عصر و زمان قال الامدي هذا ما كان عليه قدماؤهم و حين ظهر الحسن بن محمد الصباح جدد الدعوة على انه الحجة الذي يؤدي عن الامام الذي لا يخلو الزمان عنه و قد منع العوام عن الخواص في العلوم و الخواص عن النظر في الكتب المتقدمة كي لا يطلع على فضائحهم فلو يزالوا يستهزئون بالامور الشرعية و قد تحصنوا بالحصون و كثرت شوكتهم و خافت الملوك منهم فأظهروا اسقاط التكاليف و اباحة المحرمات و صاروا كالحيوانات العجماوات.

الزيدية و هم المنسوبون الى زيد بن علي عليهما السّلام و هم ثلاث فرق الجارودية و هو الذي سماه الباقر سرحوبا و فسره بأنه الشيطان يسكن البحر قالوا بالنص من النبي في الامام على امير

ص:167

المؤمنين عليه السّلام وصفا لا تسمية و الصحابة كفروا بمخالفته و تركهم الاقتداء بعلي بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و الامامة بعد الحسن و الحسين شورى في اولادهما فمن خرج منهم بالسيف و هو عالم شجاع فهو امام و اختلفوا في الامام المنتظر،فقال بعضهم هو محمد بن عبد اللّه بن الحسين بن علي الذي قتل بالمدينة في ايام المنصور و زعموا انه لم يقتل و ذهب آخرون الى انه محمد بن القاسم بن علي بن الحسين صاحب طالقان الذي اسر في ايام المعتصم و حمل عليه و حبسوه(حبسه خ) في داره حتى مات و قد انكروا موته و ذهب طائفة الى انه يحيى بن عمير صاحب الكوفة من اجناد زيد بن علي دعا الناس و اجتمع عليه خلق كثير و قتل في ايام المستعين باللّه و قد انكروا قتله.

السليمانية و هو سليمان بن جرير قالوا الامامة شورى فيما بين الخلق و انما تنعقد برجلين من خيار المسلمين و يصح امامة المفضول مع وجود الافضل و ابو بكر و عمر امامان و ان اخطأ الامة في البيعة لهما،مع وجود علي لكنه خطأ لم ينته الى درجة الفسق و كفروا عثمان و طلحة و الزبير و عائشة.

البترية هو بتر القومي و افقوا السليمانية الا انهم توقفوا في عثمان و اكثرهم ملقدون يرجعون في الاصول الى الاعتزال و في الفروع الى ابي حنيفة الا في مسائل قليلة.

الامامية قالوا بالنص الجلي على امامة علي و كفروا الصحابة و وقعوا فيهم و ساقوا الامامة الى جعفر الصادق عليه السّلام و بعده الى اولاده المعصومين عليهم السّلام و مؤلف هذا الكتاب من هذه الفرقة و هي الناجية ان شاء اللّه و قد تتبعنا كتب الفرق الاسلامية و رأينا ان الحق مع الامامية بالبراهين العقلية و النقلية و سيأتي ان شاء اللّه تعالى في النور الاتي.

الفرقة الثالثة من كبار الفرق الاسلامية الخوارج و هم سبع فرق المحكمة و هم الذين خرجوا على امير المؤمنين عليه السّلام عند التحكيم و كفروه و هم اثنا عشر الف رجل كانوا اهل صلاة و صيام و فيه قال النبي صلّى اللّه عليه و آله يحقر احدكم صلاته في جنب صلاتهم و صومه في جنب صومهم و لكن لا يجاوز ايمانهم تراقيهم،قالوا من نصب من قريش و غيرهم و عدل فيما بين الناس فهو امام و ان غيّر السيرة و جار وجب ان يعزل او يقتل و لم يوجبوا نصب الامام بل جوّزوا ان لا يكون في العالم امام و كفّروا عثمان و اكثر الصحابة و مرتكب الكبيرة.

البيهشية هو بيهشة بن الهيصم بن جابر قالوا الايمان هو الاقرار و العلم باللّه و بما جاء به الرسول صلّى اللّه عليه و آله فمن وقع فيما لا يعرف احلال هو ام حرام فهو كافر لوجود الفحص عليه حتى يعلم الحق و قيل لا يكفر حتى يرجع امره الى الامام فيحده و كل ما ليس فيه حد فهو مغفور، و قيل لا حرام الا في قوله تعالى قُلْ لاٰ أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً الاية،و قالوا اذا كفر الامام

ص:168

كفرت الرعية حاضرا او غائبا و هذه الاقوال لطوائف من الحكماء و قال بعضهم السكر من شراب حلال لا يؤاخذ صاحبه.

الازارقة هو نافع بن الازرق قالوا كفر بالتحكيم و هو الذي انزل في شأنه و من الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا و يشهد اللّه على ما في قلبه و هو الدّ الخصام و ابن ملجم محقّ في قتله و هو الذي فيه و من الناس من يشتري نفسه ابتغاء مرضات اللّه و فيه قال شاعرهم عليه لعنة اللّه:

يا ضربة من تقي ما اراد بها الا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

اني لا ذكره يوما فاحسبه او فى البرية عند اللّه ميزانا

و كذا عليه الف الف علنة من اللّه و الملائكة و الناس اجمعين و قالوا ايضا بكفر عثمان و طلحة و الزبير و عائشة و عبد اللّه بن عباس و سائر المسلمين معهم و قضوا تخليدهم في النار و كفّروا الذين قعدوا عن القتال و ان كانوا موافقين لهم في الدين و قالوا تحرم(بتحريم ح)التقية في القول و العمل و يجوز قتل اولاد المخالفين و نسائهم و لا رجم على الزاني المحصن اذ هو غير مذكور في القرآن و المرأة اذا قذفت احدا لا تحدّ لان المذكور في القرآن هو صيغة الذين و جوّزوا ان يكون النبي كافرا و ان كان بعد النبوة و قالوا ان مرتكب الكبيرة كافر النجدات هو نجدة بن عامر النخعي و هم فرق ثلث.

منهم العاذرية الذين عذروا الناس في الجهالات بالفروع و ذلك ان نجدة وجّه ابنه بجيش الى اهل القطيف فقتلوهم و اسروا نسائهم و نكحوهنّ قبل القسمة و اكلوا من الغنيمة قبلها ايضا فلما رجعوا الى نجدة و اخبروه بما فعلوا قال لم يسعكم ما فعلتم فقالوا لم نعلم انه لا يسعنا فعذرهم بجهالتهم فاختلف اصحابه بعد ذلك فمنهم من تابعه و قال النجدات كلهم لا حاجة للناس الى الامام بل الواجب عليهم رعاية النصفة فيما بينهم و يجوز لهم نصبه اذا توقفت عليه الامور و خالفوا الازارقة في غير التكفير.

و منهم الاصفرية اصحاب زياد بن الاصفر يخالفون الازارقة في تكفير من قعد عن القتال اذا كانوا موافقين لهم في الدين و في اسقاط الرجم فانهم لم يسقطوه و جوّزا التقية في القول دون العمل و قالوا المعصية الموجبة للحدّ لا يسمى صاحبها الا بها فيقال سارق مثلا و لا يقال كافر و ما لا حدّ فيه لعظمته كترك الصلوة و الصوم يقال لصاحبه كافر.

و منهم الاباضية هو عبد اللّه بن اباض قالوا مخالفونا من اهل القبلة كفّار غير مشركين يجوز مناكحتهم و غنيمة اموالهم من سلاحهم و كراعهم حلال عند الحرب دون غيره و دارهم دار الاسلام الا معسكر سلطانهم و قالوا تقبل شهادة مخالفيهم عليهم و مرتكب الكبيرة موحد غير مؤمن بناء على ان الاعمال داخلة في الايمان و فعل العبد مخلوق للّه تعالى و مرتكب الكبيرة

ص:169

كافر كفر نعمة لا كفر ملّة و توفقوا في النفاق أ هو شرك ام لا و كفّروا عليا و اكثر الصحابة و افترقوا فرقا اربعا.

الاولى الخفضية هو ابو خفض بن ابي المقدام زادوا على الاباضية ان بين الايمان و الشرك معرفة اللّه تعالى فانها خصلة متوسطة بينهما فمن عرف اللّه و كفر بما سواه من رسول او جنّة او نار او بارتكاب كبيرة فكافر لا مشرك الثانية اليزيدية اصحاب يزيد بن انيسة زادوا على الاباضية ان قالوا سيبعث نبي من العجم بكتاب يكتب في السماء و ينزل عليه جملة واحدة و يترك شريعة محمد صلّى اللّه عليه و آله الى ملة الصابئية المذكورة في القرآن و قالوا ان اصحاب الحدود مشركون و كل ذنب شرك كبيرة او صغيرة الثالثة الحارثية اصحاب ابي الحارث الاباضب خالفوا الاباضية في القدر أي كون افعال العباد مخلوقة للّه تعالى و في كون الاستطاعة قبل الفعل.

الرابعة العجاردة زعموا ان العبد اذا اتى بما امر و لم يقصد اللّه كان ذلك طاعة العجاردة هو عبد الرحمن بن عجردة و هو آخر السبع من فرق الخوارج زادوا على النجدات بعد ان وافقوهم في المذهب وجوب البرائة عن الطفل يعني انه يجب ان يتبرئ عن الطفل حتى يدعى الى الاسلام بعد البلوغ و يجب دعاؤه الى الاسلام اذا بلغ و هم عشر فرق.

الاولى الميمونية و هو ميمون بن عمران قالوا باسناد الافعال الى قدر العباد و تكون الاستطاعة قبل الفعل و ان اللّه يريد الخير دون الشر و لا يريد المعاصي كما هو مذهب المعتزلة قالوا و اطفال الكفار في الجنة و يروى عنهم تجويز نكاح البنات للبنين و البنين للبنات،و جوّزوا ايضا نكاح بنات البنين و بنات البنات و بنات اولاد الاخوة و الاخوات و نقل عنهم انكار سورة يوسف فانهم زعموا انها قصة من القصص و لا يجوز ان تكون قصة العشق قرآنا.

الثانية من فرق العجاردة الحمزية هو حمزة بن ادرك وافقوا الميمونية الا انهم قالوا اطفال الكفار في النار،الثالثة منهم الشعيبية هو شعيب بن محمد و هم كالميمونية في بدعتهم الا في القدر الرابعة الحازمية هو حازم بن عاصم وافقوا الشعيبية و يحكى عنهم انهم يتوقفون في امر علي و لا يصرحون بالبرائة عنه كما يصرحون بالبرائة عن غيره،الخامسة الخلفية اصحاب خلف الخارجي و هم خوارج كرمان اضافوا القدر خيره و شره الى اللّه و حكموا ان اطفال المشركين في النار بلا عمل و شرك السادس الاطرافية و هم على مذهب حمزة و رئيسهم رجل من سجستان يقال له غالب الا انهم عذروا اهل الاطراف فيما لم يعرفوه من الشريعة اذا اتوا بما يعرف لزومه من جهة العقل و وافقوا اهل السنة في اصولهم.

السابعة المعلومية هم كالحازمية الا ان المؤمن عندهم من عرف اللّه بجميع اسمائه و صفاته و من لم يعرفه كذلك فهو جاهل لا مؤمن و فعل العبد مخلوق للّه تعالى.

ص:170

المجهولية مذهبهم كمذهب الحازمية ايضا الا انهم قالوا يكفي معرفته ببعض اسمائه فمن علمه كذلك فهو عارف ربه و فعل العبد مخلوق له التاسعة الصلتية هو عثمان بن ابي الصلت هم كالعجاردة لكن قالوا من اسلم و استجار بنا توليناه و تبرئنا من اطفاله حتى يبلغوا فيدعوا الى الاسلام فيقبلوا.

العاشرة من فرق العجاردة الثعالبة هو ثعلب بن عامر قالوا بولاية الاطفال صغارا كانوا او كبارا حتى يظهر منهم انكار الحق بعد البلوغ و نقل عنهم انهم يرون اخذ الزكوة من العبيد اذا استغنوا و اعطاؤها لهم اذا افتقروا و تفرّق الثعالبة اربع فرق الاولى الاخنسية اصحاب اخنس بن قيس كالثعالبة الا انهم امتازوا عنهم بأن توقفوا فيمن هو في دار التقية من اهل القبلة فلم يحكموا عليه باسمان و لا كفر و نقل عنهم تجويز نكاح المسلمات من مشركي قومهم.

الثانية المعبدية هو معبد بن عبد الرحمن خالفوا الاخنسية في تزويج المسلمات من المشركين و خالفوا الثعالبة في زكوة العبيد أي اخذها منهم و دفعها اليهم الثالثة الشيبانية هو شيبان بن سامة قالوا بالجبر و نفى القدرة الحادثة الرابعة المكرمية هو مكرم العجلي قالوا تارك الصلوة كافر لا لترك الصلوة بل لجهله باللّه فان من علم انه مطلع على سره و علنه و مجازيه على طاعته و معصيته و لا يتصور منه الاقدام على ترك الصلوة و كذا كل كبيرة فان مرتكبها كافر لجهله باللّه تعالى فاذا فرق الخوارج تسع عشر.

الفرقة الرابعة من كبار الفرق الاسلامية المرجئة لقبّوا به لانهم يرجئون العمل عن النية أي يؤخرونه في الرتبة عنها و عن الاعتقاد او لانهم يقولون لا يضرّ مع الايمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة فهم يعطون الرجا فعلى هذا ينبغي ان لا يهمز لفظ المرجئة و فرقهم خمس اليونسية هو يونس النحري قالوا الايمان هو المعرفة باللّه و الخضوع و المحبة بالقلب فمن اجتمعت فيه هذه الصفات فهو مؤمن و لا يضر معها ترك الطاعات و ارتكاب المعاصي و لا يعاقب عليها و ابليس كان عارفا باللّه و انما كفر لاستكباره و ترك الخضوع للّه كما دلّ قوله تعالى أَبىٰ وَ اسْتَكْبَرَ وَ كٰانَ مِنَ الْكٰافِرِينَ.

العبدية اصحاب عبيد المكذب زادوا على اليونسية ان علم اللّه لم يزل شيئا غيره أي غير ذاته و كذا باقي صفاته و انه تعالى على صورة الانسان لما ورد في الحديث ان اللّه خلق آدم على صورة الرحمن.

الغسانية اصحاب غسان الكوفي قالوا ان الايمان هو المعرفة باللّه و برسوله و بما جاء من عندهما اجمالا لا تفصيلا،و هو أي الايمان يزيد و لا ينقص و لا لك الاجمال مثل ان تقول قد فرض اللّه الحج و لا ادري اين الكعبة و لعلها بغير مكة و بعث محمدا و لا ادري أ هو الذي بالمدينة

ص:171

او غيره و حرّم الخنزير و لا ادري أ هو هذه الشاة ام غيرها فان القائل بهذه المقالات مؤمن و مقصودهم بما ذكروه ان هذه الامور ليست داخلة في حقيقة الايمان و الا فلا شبهة في ان عاقلا لا يشك فيها و غسان كان يحكى ما ذهب اليه عن ابي حنيفة و بعده من المرجئة و قد كان المعتزلة في الصدر الاول يلقبون من خالفهم في القدر مرجئا.

الثوبانية اصحاب ثوبان المرجئ قالوا الايمان هو المعرفة و الاقرار باللّه و برسله و بكل ما لا يجوز في العقل ان يفعله و اما ما جاز في العقل ان يفعله فليس الاعتقاد به في الايمان و أخروا العمل كله عن الايمان قالوا لو عفى في القيمة عن عاص لعفى عن كل من هو مثله،و كذا لو اخرج واحدا من النار لا خرج كل من هو مثله.

الثومية اصحاب أبي معاذ الثومن قالوا الايمان هو المعرفة و التصديق و المحبة و الاخلاص و الاقرار بما جاء به الرسول و ترك كله او بعضه كفر ليس بعضه ايمانا و لا بعض ايمانا و من قتل نبيا او لطمه كفر لا لاجل القتل او اللطمة بل لانه دليل لتكذيبه له و بغضه.

الفرقة الخامسة من كبار الفرق الاسلامية النجارية اصحاب محمد بن الحسن النجار و هم موافقون لاهل السنة في خلق الافعال و ان الاستطاعة مع الفعل و ان العبد يكتسب فعله و موافقون للمعتزلة في نفي الصفات الوجودية و حدوث الكلام و نفي الرؤية بالابصار و فرقهم ثلاث الاولى البرغوثية قالوا كلام اللّه اذا قرى عرض و اذا كتب بأي شيء كان فهم جسم.

الثانية الزعفرانية قالوا كلامه غيره و كل ما هو غيره مخلوق و من قال كلام اللّه مخلوق فهو كافر.

الثالثة المستدركة على الزعفرانية و قالوا كلام اللّه مخلوق مطلقا لكنّا وافقنا السنة الواردة بان كلام اللّه غير مخلوق و الاجماع المنعقد عليه في نفيه و حملنا قولهم غير مخلوق على انه غير مخلوق على هذا الترتيب و النظم من هذه الحروف و الاصوات بل هو غير مخلوق على غير هذه الحروف و هذه حكاية عنها و قالوا اقوال مخالفينا كلها كذب حتى قولهم لا اله الا اللّه.

الفرقة السادسة من تلك الفرق الكبار الجبرية و الجبر اسناد فعل العباد الى اللّه و الجبرية متوسطة أي غير خالصة في القول بالجبر المحص بل هي متوسطة بين الجبر و التفويض تثبت للعبد كسبا في الفعل بلا تأثير فيه كالاشعرية و النجارية و خالصة لا تثبته كالجهمية و هم اصحاب جهم بن صفوان الترمذي قالوا لا قدرة للعبد اصلا لا مؤثرة و لا كاسبة بل هو بمنزلة الجمادات فيما يوجد منها و قالوا ان اللّه لا يعلم لشيء قبل وقوعه و علمه حادث لا في محل و لا يتصف اللّه بما يتصف به غيره كالعلم و الحياة لانه يلزم منه التشبيه و الجنة و النار يفنيان بعد دخول اهلهما فيهما حتى لا يبقى موجود سوى اللّه سبحانه.

ص:172

الفرقة السابعة المشبهة شبهو اللّه بالمخلوقات و مثلوه بالحادثات و لاجل ذلك جعلوا فرقة واحدة منهم و ان اختلفوا في طريق التشبيه فمنهم مشبهة غلاة الشيعة كالسبائية و البيانية و غيرهم القائلين بالتجسيم و الحركة و الانتقال و الحلول في الاجسام و منهم مشبهة الحشوية قالوا هو جسم لا كالاجسام مركب من لحم و دم و لا كاللحوم و الدماء و له الاعضاء و الجوارح و يجوز عليه الملامسة و المصافحة و الممانعة للمخلصين الذين يزورونه في الدنيا و يزورهم حتى نقل انه قال بعضهم اعفوني عن اللحية و الفرج و اسألوني عما رواه.

و منهم مشبهة الكرامية اصحاب ابي عبد اللّه محمد بن كرام و أقوالهم في التشبيه متعددة مختلفة غير أنها لا تنتمي الى من يعبأ به،قال زعيمهم ان اللّه على العرش من جهة العلو مماس له من الصفحة العليا و يجوز عليه الحركة و النزول؛و اختلفوا في أنه هل يملأ العرش أم لا بل هو على بعضه،و قال بعضهم ليس هو على العرش بل هو محاذ للعرش و أختلف أ ببعد متناه أم غير متناه؛و منهم من أطلق عليه لفظ الجسم؛ثم أختلفوا هل هو متناهمن الجهات كلها أو متناه من جهة التحت فقط أو لا أى ليس متناهيا بل هو غير متناه من جميع الجهات،و قال تجل الحوادث في ذاته و زعموا أنه أنما يقدر على الحوادث الحالة فيها دون الخارجة عن ذاته،و جوزوا إمامين في عصر واحد كعلي و معاوية إلا ان أمامة علي عليه السّلام على وفق السنة بخلاف أمامة معاوية،لكن يجب طاعة رعيته له و قالوا أن الأيمان قول الذر في الأزل بلى أي الأيمان و الإقرار الذي وجد من الذر حين قال تعالى (أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ) و هو باق في الكل على السوية إلا المرتدين،و أيمان المنافق مع كفره كأيمان الأنبياء لإستواء الجميع في ذلك الأيمان،و الكلمتان ليستا بأيمان إلا بعد الردة،هذا ترتيب الفرق الأسلامية على نحو ما ذكره العضدي و الشريف و غيرهما و قالا بعد تعداد هذه الفرق

و أما الفرقة الناجية المستثناة الذين قال فيهم النبي صلّى اللّه عليه و آله هم الذين على ما أنا عليه و أصحابي فهم الأشاعرة و السلف من المحدثين و أهل السنة و الجماعة؛و يرد على هذا النقل أمور

الأول أنهم أهملوا كثيرا من الفرق الشيعة من الفرق العظيمة و ذكروا فرقا شاذة لا يعبأ بمن قال بها،فمن الفرق التي أهملوا ذكرها من الفرق الشيعية النادوسية أصحاب رجل يقال له ناووس؛و قيل آل قرية ناووسان قالت ان الصادق عليه السّلام حتى بعد و لن يمت حتى يظهر فيظهر امره و هو القائم المهدي و حكى ابو حامد الزوزني ان الناووسية زعمت ان عليا عليه السّلام مات و ستنشق عنه الارض يوم القيامة فيملأ الارض عدلا أقول المراد بالقيامة هنا القيامة الصغرى

ص:173

و هي زمن رجعة النبي صلّى اللّه عليه و آله و رجعة اهل بيته في وقت ظهور المهدي كما تقدم الكلام فيه مفصلا.

و منها الافطحية قالوا بانتقال الامامة من الصادق عليه السّلام الى ابنه عبد الافطح و هو اخو اسماعيل من ابيه و امه،و كان اسن اولاد الصادق عليه السّلام و نقلوا عنه ان الامامة لا تكون الا في الولد الاكبر لكنهم لم ينقلوا آخر الحديث و هو قوله الا ان يكون به عاهة،و عبد اللّه كان افطح القدمين و الامام يجب ان يكون اكمل الناس خلقا و خلقا،و اما حكاية عمى يعقوب و شعيب و كسر ثنية النبي صلّى اللّه عليه و آله يوم احد فلا يخلّ باستواء الخلقة الاصلية اذ هذه الامور قد عرضت لما طعنوا في السن،و كذا ما روى من سقوط بعض اسنان الائمة عليهم السّلام.

و منا الواقفية و هم الذين قد وقفوا على موسى بن جعفر عليهما السّلام و انكروا موته و قالوا انه حي و هؤلاء هم خواص شيعته و ذلك انهم كانوا وكلائه عليه السّلام على جمع اموال الصدقات و الاخماس من شيعته و كان بعضهم في قم و بعض في بغداد الى غير ذلك من البلدان و لما اتصل بهم خبر فوت الكاظم عليه السّلام طمعوا في الاموال فانكروا موته و قالوا انه حي و لم يدفعوا الاموال الى الرضا عليه السّلام فأنكروا امامته و لكن من قال من الشيعة بامامة الرضا عليه السّلام قال بامامة باقي الائمة عليهم السّلام و من هذا جاء في الحديث انه لا يزور الرضا عليه السّلام الا الخالص من الشيعة و قد رأيت في الكتب المعتبرة ان من الواقفية من وقف على الباقر عليه السّلام و منهم من وقف على الصادق عليه السّلام و في بعض الاخبار دلالة عليه.

الامر الثاني انه جعل الاشاعرة و هم المنسوبون الى علي بن اسماعيل الاشعري المنتسب الى ابي موسى الاشعري فرقة واحدة و جعلهم هم الفرقة الناجية،عليه السّلام انهم فرق اربع و هم الحنفية و الشافعية و المالكية و الحنبلية،و كل فرقة من هذه الاربع تخالف الفرقة الاخرى في كثير من مسائل الاصول و الفروع فكيف صارت هذه الفرق الاربع على اختلاف اقاويلها فرقة واحدة،و قد عدّ سابقا الخمرية و الشعيبية فرقتين مع انهما لم يختلفا الا في مسألة واحدة نعم وجه الجامع بين هذه الفرق الاربع هو الاتفاق بينهم على تأخير المؤمنين علي عليه السّلام عن درجته و وضع غيره فيها فصاروا فرقة واحدة لقوله عليه السّلام الكفر ملة واحدة.

الثالث جزمه بأن الفرقة الناجية هم الاشاعرة ما نعلم من اين أخذه أمن قولهم ان الخير و الشر من اللّه و ان العبد ليس له اختيار في افعاله و اقواله و انه مجبور على كل ما يصدر منه ام من قولهم بتعدد القدماء و هي صفاته الزائدة على ذاته و قد نهى اللّه سبحانه النصارى عن القول بالتثليث و هي الاقانيم الثلاثة قال الشهرستاني و يعنون بالاقانيم الصفات كالوجود و الحياة و العلم او الاب و الابن و روح القدس و قال في موضع آخر ان المراد بروح القدس أقنوم

ص:174

الحياة و قال شيخنا البهائي طاب ثراه في الكشكول النصارى مجموعون على ان اللّه تعالى واحد بالذات و يريدون بالاقانيم الصفات مع الذات و يعبرون عن الاقانيم بالاب و الابن و روح القدس يريدون بالاب الذات مع الوجود و بالابن الذات مع العلم و يطلقون عليه اسم الكلمة و يريدون بروح القدس الذات مع الحياة و اجمعوا على ان المسيح ولد من مريم و صلب و الانجيل الذي بأيديهم انما هو سيرة المسيح جمعه اربعة من الصحابة و هم متّى و لو قال(لوقا خ)و ماريوس و يوحنا و لفظة انجيل معناها البشارة و لهم كتب تعرف بالقوانين وضعها اكابرهم يرجعون اليها في الاحكام و العبادات و المشهور من فرقهم ثلاثة.

الاولى الملكانية يقولون قد حل جزء من اللاهوت في الناسوت و اتحدّ بجسد المسيح و تدرع به و لا يسمون العلم قبل تدرعه ابناء هؤلاء قد صرحوا بالتثليث و اليهم الاشارة بقوله تعالى لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قٰالُوا إِنَّ اللّٰهَ ثٰالِثُ ثَلاٰثَةٍ و هؤلاء قالوا ان القتل و الصلب وقع على الناسوت لا اللاهوت.

الثانية اليعقوبية قالوا ان الكلمة انقلبت لحما و دما فصار المسيح هو الاله و اليهم الاشارة بقوله تعالى لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قٰالُوا إِنَّ اللّٰهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ الثالثة النسطورية قالوا ان اللاهوت اشرق على الناسوت كاشراق الشمس على البلورة و القتل و الصلب انما وقع على المسيح من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته،و المراد بالناسوت الجسد و باللاهوت الروح و قال سبحانه و لاٰ تَتَّخِذُوا إِلٰهَيْنِ اثْنَيْنِ و الاشاعرة كأنهم قد فهموا ان النهي انما ورد عن الالهين لا عن السبعة او الثمانية و حيث انتهى الكلام الى هنا فلا بأس بالاشارة الى بعض ما يرد على اعتقادهم الفاسد في شأن خلق الاعمال فنقول.

اما اصحاب مالك و اصحاب الشافعي و اصحاب احمد بن حنبل و من وافقهم على اعتقاد المجبرة فانهم اتفقوا جميعا على ان جميع ما في العالم من حركات و سكنات و مكروهات و محبوبات و مستحسنات و مستكرهات و مستقبحات فانها من فضل اللّه على العباد.

و ذكروا ان اللّه سبحانه قهرهم و منعهم عن الاختيار في كل مكروه او مراد يلحق بهؤلاء من كاتن منهم يقول ان اللّه يخلق الاعمال و العبد مكتسبا منه لان الكسب عندهم لا يوجبها و لا يوجدها و انما يوجبها و يوجدها على قولهم اللّه و انها صادرة عنه و لانه يقال لهم هل يقدر العبد على ترك الكسب فان قالوا نعم فقد قالوا بالاختيار و حصل الوفاق و ان قالوا لا يقدر على ترك الكسب فقد ساووا المجبرة في تصريحهم بان العباد مجبورون مقهورون ثم قيل لمن ثال ان العباد مجبورون ما معنى هذا لان معنى الجبر ان يكون العبد مختارا فيجبره غيره و يمنعه عن اختياره

ص:175

و انتم تزعمون ان العبد ما كان مختارا قط و لا كان له فعل على الحقيقة فما معنى قولكم ان العباد مجبورون.

و قد زاد على هذا اصحاب احمد بن حنبل ان اللّه جسم مستقر على عرشه بجوارح بشرية و بعضهم قال ان اللّه ينزل الى الارض في صورة شاب و رووا في ذلك اخبارا كثيرة يكذبها العقل و النقل و لم يتعرض الشهرستاني و لا غيره من علمائهم لنسبة هذا القول السخيف الا الى فرقة من فرق الشيعة لاجل التشنيع بها عليهم و قد كان الواجب عليهم نسبة هذا القول ايضا الى اصحاب الحنبلي و الا فنحن نبرأ من تلك الفرقة من الشيعة الذين يقولون بالجسم و نكفرهم و نلعنهم و انتم لا تكفرون اصحاب الحنبلي و لا تبرأون منهم بل ادرجتموهم في الفرقة الناجية و هم الاشاعرة بزعمكم.

و مما يستدل على بطلان مقالتهم من انه لا فاعل في العالم سوى اللّه انه يلزم ان يكون اللّه تعالى قد ارسل الرسل الى نفسه و انزل الكتب على نفسه و كان كل وعد و وعيد و تهديد صدر على لسان الملائكة و الانبياء و الرسل فانه يلزم ان يكون قد وعد نفسه و توعدها و هددها و لم يذهب الى هذا عاقل،و ايضا اذا جاز على زعمكم ان اللّه يضلّ العباد و يجبرهم على الفساد و يصدق بالمعجزات الكذابين كيف يبقى لهم طريق الى اثبات نبوة نبيهم و غيره من الانبياء و من اين يعرفون صحة شريعته؟و من اجل لزوم هذا عليهم قال صاحب الكشاف في كتاب الفائق فاما المجبرة فان شيوخنا كفروهم و حكى قاضي القضاة عن الشيخ ابي علي انه قال لمجبر كافر و من شك في كفره فهو كافر و مع هذا أ تزعمون ان صاحب الكشاف و الشيخ ابا علي من اهل الجنة و من اهل السنة و الجماعة و كل منكم يكفر الاخر،و لكن هذا القول هنا لكم فيه مطمح نظر في محل آخر و هو حروب الصحابة و تكفير بعضهم بعضا و قتله له مع انهم كلهم محقون و من اهل الجنة.

و العجب انهم صرحوا بأنه يجوز من اللّه في عدله و حكمته ان يجمع الانبياء و المرسلين و الملائكة المقربين فيخلدهم في النار و يجمع الكفار و الملاحدة و المنافقين و ابليس و جنوده فيخلدهم في الجنة و النعيم،و قالوا ان هذا انصاف منه و عدل و قد بنوا هذا على ذلك الاصل الفاسد و هو ان افعالهم من فعل اللّه فيهم و انهم بريئون منها بحيث لا يلامون على ما فعلوا فاذا كان الحال هكذا وجب على الانبياء ان يعذروهم في ترك قبول اقوالهم و اعجب منم هذا انهم قالوا متى اعتقدنا ان افعال العباد منهم صار العباد شركاء للّه فاقتضى التعظيم للّه ان تكون الافعال كلها التي من بني آدم و غيرها من اللّه فهذا اجلالهم لربهم و هو ان يصدر منه ما يصدر

ص:176

من اخس عبده من اقبح الافعال،و لعمرك انهم ما قدروا اللّه حق قدره مع ان حكاية الشركة للّه سبحانه لازم لمن قال منكم و هو اخياركم بالكسب فقد ادعيتم الشركة بين العبد و بين اللّه.

و من عجيب ما ذكروه قولهم متى اعتقدنا ان العباد يقدرون ان يفعلوا شيئا باختيارهم كان ذلك دليلا على عجز اللّه تعالى حيث يقع منهم لا يريده من المعاصي و لم يعلموا انه لا عجز يلحق المالك اذا جعل عبد مختارا لافعاله سوى فعل العبد ما يكره المولى ام يحب و لو اراد قهر عبد و موته فأي عجز هنا للمولى؟و يزيده ايضاحا ان السلطان اذا اقطع مملوكا اقطاعا، و قال له قد مكنتك و الرعية مدة معلومة عندي فان احسنت جازيتك بالاحسان و ان اسأت اليهم عاقبتك فمضى المملوك الى اقطاعه و ظلم الرعية و سار فيهم بخلاف ما يريد السلطان أ فيكون دليلا على عجز السلطان لو صبر حتى يأتي وقت المدة التي عينها للمجازاة على الاحسان او المؤأخذة على العصيان.

و من الدلائل على بطلان قولهم انهم يدّعون الاعتراف بصدق نبيهم و ثبوت كتابهم و قد تضمن حكاية اعتذار الكفار و الظالمين الى اللّه يوم القيامة بأنهم ظلمهم غير اللّه و ما تضمن الكتاب ان احدا منهم اعتذر الى اللّه و قال له انت يا رب قضيت علينا معصيتك و انت منعتنا من طاعتك فان يوم القيامة تنكشف الامور انكشافا واضحا فأقروا تارة ان المعاصي منهم فقالوا ربنا ارجعنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل و ما قالوا تعمل انت غير الذي كنت تعمل و قالوا و هم في النار ربما اخرجنا منها فان عدنا فانا ظالمون و ما قالوا فان عدت و قال بعضهم رب ارجعوني لعلي اعمل صالحا فيما تركت و ما قال لعلك تعنمل صالحا،و قال ان تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب اللّه و ما قال ما فرطت في جنبي،و اذا كان العباد ما فعلوا شيئا فما هذا التحسر و التفريط و على ما ذا ندم النادمون و بكى الباكون و من العجب ان الشياطان اعترف لهم انه هو الذي اضلهم و شهد اللّه عليه بذلك فينزهون الشيطان عن اعترافه و لا يقبلون شهادة اللّه عليه اما اعتراف الشيطان فهو في مواضع كثيرة منها قوله تعالى إِنَّ اللّٰهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَ مٰا كٰانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطٰانٍ إِلاّٰ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاٰ تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ و اما شهادته سبحانه ففي مواضع ايضا منها قوله تعالى اَلشَّيْطٰانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَ أَمْلىٰ لَهُمْ فردوا على اللّه شهادته و نزهوا الشيطان عن اللّه و قالوا ما اضلهم الا اللّه.

و يدل ايضا على تنزيه اللّه من افعال عباده قولهم ربنا انا اطعنا سادتنا و كبرائنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب و العنهم لعنا كبيرا فلو كان هؤلاء قد وجدوا في القيامة ان الذي اضلهم هو اللّه وحده ما كانوا قد اعترفوا به على انفسهم و لا ادعوه على ساداتهم و كبرائهم و اوضح من هذا قولهم ربنا ارنا اللذين اضلانا من الجن و الانس نجعلهما تحت اقدامنا

ص:177

ليكونا من الاسفلين فاذا كان اللّه هو الذي فعل بهم لقالوا له انت الذي فعلت بنا فكيف تعذبنا كيف لا و بعضهم يكابره في القيامة و يجاحده حتى يقول و اللّه ربنا ما كنا مشركين فيقول تعالى انظر كيف كذبوا على انفسهم فمن اقدم على هذه المكابرة بالكذب لو كان يعلم ان اللّه فعل ذلك ما كان يحتاج الى هذه المكابرة و كان يقدر ان يقول يا رب انت فعلت و نحن ما فعلنا شيئا و قوله تعالى انظر كيف كذبوا على انفسهم يدل على تعجب منهم كيف انكروا انهم اشركوا فلو كان هو الذي فعل فيهم الشرك فممن كان يتعجب و لو كان هو الذي قهرهم يوم القيامة على هذا الجحود و الانكار فعهل كان يقع من احكم الحاكمين و اعدل العادلين ان يتعجب منهم و هو الذي فعل فيهم و هل يكون التعجب على قولهم الا من نفسه.

و من الدلائل ايضا قوله و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها و غضب اللّه عليه و لعنه و اعدّ له عذابا عظيما فاذا كان هو الذي قتل المؤمن فعلى من يغضب و لمن يتهدد و لعمرك قد افتضح هؤلاء الجماعة و ضحكت عليهم ارباب الملل فان الذي يقول ان اللّه منعني من الدخول في دينكم و لو جبرني(خيرني خ)على الدخول لدخلت و انا اردت و هو يمنعني.

و من اقوى دلائلهم على هذا المذهب الباطل قوله تعالى لا يسأل عما يفعل و هم يسألون و هو بالدلالة على بطلان مذهبهم اوضح و ذلك ان اقصى ما يدل عليه هو انه ليس لاحد ان يسأل اللّه سبحانه عن افعاله و لكن اللّه يسأل الناس عن افعالهم فلو كانت الافعال كلها منه لكانت متساوية فما كانت تحتاج الى التقسيم الى قسمين.

و من الدلائل على بطلان مقالتهم ما روى ان ابا حنيفة اجتاز يوما على موسى بن جعفر عليه السّلام و هو طفل في المكتب فاراد ابو حنيفة امتحانه فقال له المعصية ممن؟فقال عليه السّلام اجلس حتى اخبرك فجلس ابو حنيفة بين يديه فقال موسى عليه السّلام لا بد ان يكون المعصية من العبد او من ربه او منهما فان كانت من اللّه تعالى فهو اعدل و انصف من ان يظلم عبده الضعيف و يأخذه بما لم يفعل و ان كانت المعصية منهما فهو شريكه و القوي اولى بانصاف عبده الضعيف و ان كانت المعصية من العبد وحده فعليه وقع الامر و اليه توجه النهي و له حق الثواب و حق العقاب و و جبن له الجنة و النار فقال ابو حنيفة ذرية بعضها من بعض و اللّه سميع عليم.

و من الدلائل على قولنا قول امير المؤمنين عليه السّلام كل ما استغفرت اللّه منه فهو منك و كل ما حمدت اللّه تعالى عليه فهو منه،و سأل الصادق عليه السّلام عن القدر فقال ما استطعت ان تلوم العبد عليه فهو فعله و ما لم تستطع ان تلوم العبد عليه فهو فعل اللّه تعالى يقول اللّه للعبد لم عصت لم فسقت فهذا فعل العبد و لا يقول له لم مرضت و لم طلت و لا قصرت لم ابيضضت لم اسوددت لانه فعل اللّه.

ص:178

و روى ان الفضل بن سهل سأل الرضا عليه السّلام بين يدي المأمون فقال يا ابا الحسن الخلق مجبورون فقال اللّه اعدل من ان يجبر ثم يعذب قال فمطلقون قال قال اللّه احكم من ان يهمل عبده و يكله الى نفسه.

و من الدلائل على بطلان مذهبهم قوله تعالى تكاد السموات يتفطرن منه و تنشق الارض و تخر الجبال هدّا فانه تعالى قد استعظم في القرآن مقالة المشركين هذه فاذا كان فعله(الفعل خ) فكيف يستعظمه على وجه الانكار و قيل للمجبرة ان اللّه تعالى يقول قد افلح من زكيها و قد خاب من دسيها من هذا الذي قد خاب؟فلم يكن لهم عن ذلك جواب و حكى ان بعض الجبرية اجتاز بعدلي راكب فقال له انل حتى اسألك مسألة فقال له العدلي أ فتقدر ان تسألني؟ قال لا قال أ فأقدر ان انزل اليك و اجيبك؟قال لا فقال للجبري كيف اطلب نزول من لا يقدر على سؤالي و لا اقدر على نزولي اليه و لا جوابي فانقطع الجبري و روى ان عدليا قال لمجبّر ممن الحق قال من اللّه قال فمن هو المحق؟قال اللّه قال له فممن الباطل؟قال من اللّه فقال له فمن هو المبطل؟فانقطع المجبر و لم يقدر على ان يقول اللّه المبطل و هو لازم له على مذهبه و روى ايضا ان جماعة من اليهود اجتمعوا الى ابي بحر الخاقاني فقالوا له انت سلطان عادل و منصف و في المسلمين في بلدك المجبرة و هم الذين تعتمدون عليهم في الافعال و الاقوال و هم يشهدون لنا اننا لا نقدر على الاسلام و لا على الايمان فجمع المجبرة قال لهم ما تقولون فيما قد ذكره اليهود من احتجاجهم عليكم؟فقالوا كذا نقول و انهم ما يقدرون على الاسلام و الايمان فطالبهم بالدليل على قولهم فلم يقدروا عليه فنفاهم عن بلده.

و من الدلائل على بطلان مقالتهم ان العدلي يقول للجبري عند المناظرة هذه المناظرة بيني و بينك في التحقيق او بين اللّه و بين نفسه فان كانت بيني و بينك فقد بطل ما تدعونه من انه لا فاعل سوى اللّه و ان كانت المناظرة بين اللّه و بين نفسه فهل تقبل العقول ان اللّه سبحانه يناظر نفسه لان المناظرين اذا كان احدهما محقا و الاخر مبطلا او احدهما عالما و الاخر جاهلا و كانت المناظرة كما زعموا بين اللّه و بين نفسه فكيف يتصور ان اللّه تعالى من جانب مبطل و من جانب محق و من جانب يوصف بجهل و من جانب عالم(يوصف بعلم خ)تعالى عما يقول الكافرون علوا كبيرا.

و من الدلائل التي يفحم بها اهل الجبر الذين يقولون لا فاعل سوى اللّه تعالى و ان كل فعل يظهر على العباد فهو فعل اللّه على التحقيق و ان يقال لهم ان كل انسان يعلم من نفسه انه يكون جاهلا ثم تصير عالما،ثم يكون شاكا فيصير متيقنا ثم يكون ظانا فيصير عالما و لا شبهة عند العقلاء ان الجهل و العلم و الشك و اليقين و الظن و العلم افعال،فمن هذا الجاهل و من هذا

ص:179

الشاك و من هذا الظان؟فان قلتم انه ربكم فقد كفرتم تحقيقا و صار كل واحد منكم زنديقا؟و ان قلتم انه العبد و هو الحق فقد تركتم مذهبكم و رجعتم الى الحق.

فان قال قائل ان الاشاعرة ما صرّحوا بمثل هذا فمن اين نسبت مثله اليهم قلت نعم قد صرّح به علماؤهم و المحققون منهم قال الرازي في كتاب الاربعين المسألة الرابعة و العشرون في بيان ان اللّه تعالى مريد لجميع الكائنات مذهب المعتزلة ان الارادة توافق الامر فكل ما امر اللّه تعالى به فقد اراده و كل ما نهى عن فقد كرهه مذهبنا ان الارادة توافق العلم و كل ما علم وقوعه فهو مراد الوقوع و كل ما علم عدمه فهو مراد العدم فعلى هذا ايمان ابي جهل مأمور به و غير مراد كفره منهي عنه و هو مراد هذا لفظه و يلزم عليه ان يكون ابو جهل قد غلب النبي صلّى اللّه عليه و آله بالاحتجاج بان يقول له ربك ما يريد منّا الاسلام و انت تريده و ايقاع ارادة ربك اوجب من ايقاع ارادتك فكان قد انقطع محمد صلّى اللّه عليه و آله و بانقطاعه ينقطع حجة من ارسله و ان كان الرازي يزعم ان محمدا صلّى اللّه عليه و آله ما يريد ايضا من الكفار الايمان فتكون حجتهم قد ازدادت قوة و يقولون له اذا كان اللّه تعالى قد ارسلك ما يريد الايمان منّا و انت ما تريده منّا فنحن ايضا ما نريد خلاف ارادتكم فعلام تحاربنا و تعادينا و قد وافقت ارادتنا و ارادة من ارسلك و كان ابلغ في ظهور حجة الكفار عليه و للقد كانت الجاهلية اقل كفرا من هذا الاعتقاد و الجاهلون باللّه ما بلغوا الى هذه الغاية من الكفر و الفساد لان اولئك ما عرفوه فيما نسبوا اليه خيرا و لا شرا او هؤلاء المجبرة ادعوا معرفته و نسبوا كل شر و كفر و ضرّ اليه فيعزّ على اللّه و على رسوله ما جنى هؤلاء عليه.

و ما احسن قول بعض المحققين انه يلزم على قول الرازي و من تابعه ان يكون قولهم نحو قول النصارى في عيسى بن مريم و النصيرية في علي بن ابي طالب لان عقلاء النصارى و النصيرية ما كان يخفى عليهم ان اللّه سبحانه غير هيكل عيسى و علي عليهما السّلام نعم رأوا ان الافعال الصادرة منهما خارجة عن طوق البشر فنسبوها الى انها من فعل اللّه و عبدوا فاعل تلك الافعال و غلطوا في التسمية،و هذا هو قول الرازي و من وافقه في انه لا فاعل سوى اللّه جل جلاله فانهم يلزمهم تصديق النصارى و النصيرية في ان افعال عيسى و افعال علي عليهما السّلام فعل اللّه و الفاعل لها هو اللّه جل جلاله الذي يستحق العبادة.

و اما الغزالي فهو ازهدهم و اورعهم و اعلمهم و قد قال في كتاب احياء العلوم و لا يجري في الملك و الملكوت طرفة عين و لا فلتة خاطر الا بقضاء اللّه و قدره و بارادته و مشيته فمنه الخير و الشر و النفع و الضر و الاسلام و الكفر و العرفان و النكر و و الفوز و الحسن و الغواية و الرشد و الطاعة و العصيان و الشرك و الايمان و نحو هذا قال في كتاب منهاج العابدين و هو آخر كتاب صنفه و ما خصّ بي الا خواصه كما قاله صاحب الطرائف.

ص:180

و من عجيب ما يقال لهم ان الافعال اذا كانت كلها فعل اللّه عندكم على التحقيق فقد صار كلامكم و امركم و نهيكم كالقرآن و الوحي و ككلام اللّه لموسى من الشجرة و ككلام اللّه للانبياء عن اللّه فما بقى بينكم و بينهم فرق و حصل القدح في الرسل و الطعن عليهم.

و اما الآيات الدالة على بطلان مقالتهم فهي متكثرة منها قوله سبحانه اللّه و لي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور و الذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات و لا شك ان الطاغوت غير اللّه تعالى و منها قوله سبحانه و قال الذين اشركوا لو شاء اللّه ما اشركنا و لا يباؤنا و لا حرّمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان تتبعون الى الظن و ان انتم الا تخرصون.

و من عجيب جواب بعض اهل العدل لبعض المجبرة ان المجبر قال ما ترضى ان يكون من خلق المعاصي لك ربا؟فقال لا و اللّه و لا عبدا يعني لو كان عبد يخلق المعاصي ما رضيته ان يكون عبدي و روى ان ثمامة كان في مجلس المأمون و ابو العتاهية حاضر فسأل ابو العتاهية المأمون ان يأذن له في مناظرة ثمامة و الاحتجاج عليه و كان ابو العتاهية من الجبرية فحرك ابو العتاهية يده و قال من حرك هذه فقال له ثمامة و كان من اهل العدل حركها من امّه زانية فقال ابو العتاهية شتمني يا امير المؤمنين في مجلسك فقال ثمامة ترك مذهبه يا امير المؤمنين لانه يزعم ان اللّه حركها فلأي سبب غضب ابو العتاهية و ليس للّه ام فانقطع ابو العتاهية.

و يعجبني نقل حكاية غريبة و هي ان البهلول قد اجتاز يوما على مسجد ابي حنيفة و كان يعظ الناس على المنبر فوقف على باب المسجد فاذا ابو حنيفة يقول ان جعفر بن محمد يزعم ان للعباد افعالا تصدر منهم بالاختيار و هذا كذب لانه لا فعل في افعال العباد الا من اللّه و زعم ايضا ان الشيطان يعذب في النار و هذا كذب ايضا لانه مخلوق من النار و الجنس لا يعذب بجنسه و زعم ايضا ان اللّه موجود لا يجوز عليه الرؤية و هذا ايضا كذب لان كل موجود مرئي فلما سمع البهلول كلامه عمد الى مدرة كبيرة فرمى بها الى رأس ابي حنيفة و شجّه في رأسه و جرى الدم على وجهه فركب البهلول قصبته و مضى مع الاطفال فخرج ابو حنيفة و اتى شاكيا الى الخليفة هارون الرشيد فلما رآه غضب غضبا شديدا و امر باحضار البهلول فلما حضر سأله لم فعلت بامام المسلمين هذا الفعل؟فقال سله عن هذا اما قال ان جعفر بن محمد كذب في قوله ان للعبد فعلا بل الافعال كلها من اللّه فاذا كان هذا مذهبه فاللّه سبحانه الذي شجه بهذا المدر فما يكون تقصيري انا،و قال ايضا ان الجنس لا يتعذب من جنسه فهذا ابو حنيفة مخلوق من التراب و هذا المدر من التراب فلم تعذب ابو حنيفة به؟و ايضا قال ان كل ما هو موجود مرئي

ص:181

فسله عن هذا الالم الذي حصل له من هذه الشجة أ هو مرئي ام لا؟فافحم ابا حنيفة ثم مضى البهلول و تركه.

و روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال لعنت القدرية على لسان سبعين نبيا قيل و من القدرية يا رسول اللّه؟قال قوم يزعمون ان اللّه قدّر المعاصي و عذبهم عليها و روى الخوارزمي و غيره عن محمد بن علي الملكي باسناده قال ان رجلا قدم على النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اخبرني بأعجب شيء رأيت،قال رأيت قوما ينكحون امهاتهم و بناتهم و اخواتهم فاذا قيل لهم لم تفعلون هذا قالوا اقضاه اللّه علينا و قدّره فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله سيكون في امتي أقوام يقولون بمثل مقالتهم اولئك مجوس امتي و عن جابر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال يكون في آخر الزمان قوم يعملون المعاصي و يقولون ان اللّه تعالى قدّرها عليهم الرادّ عليهم كالشاهر سيفه في سبيل اللّه.

و اما الحنابلة منهم فقد تحققت ان مذهبهم كون جسما و ذكر اسماعيل الهروي في كتاب الاعتقادات ان اعتقادهم كون اللّه تعالى له جوارح كالبشر فقال ان اللّه عاب الاصنام فقال الهم ارجل يمشون بها ام لهم ايد يبطشون بها،أم لهم أعين يبصرون بها؟ام لهم آذان يسمعون بها،قل ادعوا شركائكم و قال حكاية عن الخليل لما حاجّه قومه هل يسمعونكم اذ تدعون، و قال لابيه لم تعبد ما لا يسمع و لا يبصر و لا يغني عنك شيئا و قال ان تدعوهم لا يسمعوا دعائكم و قال ابراهيم لقومه فأسألوهم ان كانوا ينطقون و عاب العجل او لم يروا انه لا يكلمهم و لا يهديهم سبيلا،و قال أ فلا يرون ان لا يرجع اليهم قولا فلما عاب الطواغيت لعدم تلك الصفات علم و تبيّن انه تمدّح بها و انها حقائق فيه هذا لفظه،و لا يخفى ما فيه من الكفر و الزندقة و مراد اللّه سبحانه من هذه الآيات ظاهر و هو استعظام ما اتخذوه ربا لان من لا يقدر على نفع نفسه و لا على دفع الضرر عنها كيف يليق به مقام الربوبية.

و من مضحك الحنابلة قولهم ان اسمه عين مسماه و ان من قال الاسم غير المسمى فهو ملحد و رووا في افراد مسلم و البخاري عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال ان الامم تدعى يوم القيامة و ما كانت تعبد ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول من تنتظرون؟فيقولون ننتظر ربنا فيقول انا ربكم فيقولون حتى ننظر اليك فيتجلى لهم يضحك قال فينطلق بهم و يتبعونه و يعطي كل انسان منهم منافق او مؤمن نورا ثم يتبعونه و على جسر جهنم كلاليب و حسك يأخذون من شاء اللّه ثم يطفى نور المنافقين ثم ينجو المؤمنون انظروا الى هذا الحديث الباطل المكذوب به على اللّه و على جابر.

و من عجائب ما نقلوه ما ذكره الحميدي في الجميع بين الصحيحين في مسند ابي سعيد الخدري من المتفق عليه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله يذكر فيه كيف تساقط الكفار في النار،ثم قال ما خذا لفظه حتى اذا لم يبق الا من كان يعبد اللّه من بر و فاجر أتاهم اللّه في ادنى صورة من التي

ص:182

رأوه فيها فيقول لهم ما تنتظرون؟قالوا فارقنا الناس في الدنيا افقر ما كنا اليهم و لم نصاحبهم فيقول انا ربكم الاعلى فيقولون نعم فيكشف عن ساقه فلا يبقى من كان يسجد للّه من تلقاء نفسه الا اذن له بالسجود و لا يبقى من كان يسجد اتقاء و ادبا الا جعل اللّه ظهره طبقة واحدة، كلما اراد ان يسجد خرّ على قفاه ثم يرفعون رؤوسهم و قد تحول في الصورة التي رأوه فيها اول مرة فيقول انا ربكم فيقولون انت ربنا.

اقول قوله فيكشف عن ساقه الظاهر انه اشارة الى خرافة اخرى رووها في كتبهم و هي انهم رووا بالاسانيد الكثيرة ان فاطمة عليها السّلام تأتي يوم القيامة فتقف تحت العرش تشكو ممن قتل ولدها و ظلمها فترجف الخلائق رجفة عظيمة،ثم ان اللّه سبحانه يقول لها يا فاطمة اعفى و اصفحي عمن فتل ولدك و ظلمك،كما عفوت انا عن نمرود لما صعد الى جانب السماء و رماني بسهم وقع في ساقي فجرحه و الى الان لم تندمل تلك الجراحة ثم يكشف عن ساقه فتنظر اليه فاطمة و هو معصبها بعصابة فتقول يا رب اذا غفرت انت عن النمرود و قد فعل بل كل هذا فانا قد عفوت عمن قتل ولدي ثم يدخلون كلهم الى الجنة فانظر رحمك اللّه الى هذه الاكاذيب و الاباطيل التي تضحك الثكلى عند سماعها.

و من ذلك ما رواه محمد بن عمر الرازي حيث قال انهم رووا ان اللّه ينزل كل ليلة جمعة لاهل الجنة على كثيب من كافور،و قد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين بطرق متعددة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله فأما النار فلا تمتلي حتى يضع اللّه تعالى رجله فيها فتقول قط قط و عزتك فهنالك تمتلي و يزوي(يتزوى خ)بعضها الى بعض و رووا في الجمع بين الصحيحين ان رجلا يقول في القيامة رب لا تجعلني اشقى خلقك فيضحك اللّه منه ثم يأذن له في دخول الجنة،و روى الرازي فيما زعم عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لما فرغ اللّه من خلقه استلقى على قفاه ثم وضع احدى رجليه على الاخرى ثم قال لا ينبغي لاحد ان يفعل مثل هذا.

و من خرافاتهم ما رواه ابن مقاتل في كتاب الاسماء رفعه و اسنده قال قيل يا رسول اللّه مم ربنا؟فقال لا من ماء الارض و لا من ماء السماء خلق خيلا فأجراها فعرقت الخيل فحلق نفسه من عرقها و ان اللّه ينزل في كل ليلة الى سماء الدنيا و انه رمدت عيناه فعادته الملائكة و ان البحر من بزاقه و ان على رأسه شعرا جعدا قططا.

و من ذلك ما رووه في الجمع بين الصحيحين من مسند ابي هريرة يرويه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله في صفة حال الخلق يوم القيامة و انهم يأتون آدم يسألونه الشفاعة فيعتذر اليهم فيأتون نوحا فيعتذر فيأتون ابراهيم فيقولون يا ابراهيم انت نبي اللّه و خليل من اهل الارض اشفع لنا الى ربك فيقول ان ربي قد غضب عليّ غضبا لن يغضب قبله و لا يغضب بعده و اني كنت كذبت ثلاث

ص:183

كذبات اذهبوا الى غيري،فانظر الى هؤلاء المسلمين كيف وقعوا في اللّه و في انبيائه،و مع هذا يتوقعون و يجزمون بأنهم هم الفرقة الناجية.

و منه ايضا ما رواه في الجمع بين الصحيحين في الحديث الرابع و الاربعين من المنفق عليه من مسند ابي هريرة قال بينما الحبشة يلعبون عند النبي صلّى اللّه عليه و آله بحرابهم اذ دخل عمر فأهوى الى الحصى يحصيهم بها،فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دعهم يا عمر و روى الغزالي في كتاب الاحياء ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان جالسا و عنده جوار تغنين و تعلبنّ فجاء عمر فاستأذن فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله للجوار اسكتن فسكتن فدخل عمر فقضى حاجته ثم خرج،فقال لهن محمد نبيهم عدنّ الى الغنى،فقلن يا رسول اللّه من هذا الذي كلما جاء قلت اسكتن و كلما خرج قلت عدن الى الغنى؟فقالوا عن النبي انه قال ان هذا رجل لا يؤثر سماع الباطل او نحو ذلك.

و رووا في صحاحهم عدّة احاديث تتضمن امثال ذلك فانظر الى هذا الحديث و تعجب من نقله و تصديقهم له،و ما تضمنه من ان عمر كان ارشد و اهدى من نبيهم،و مثل ذلك ما رواه في الجمع بين الصحيحين في الحديث السادس من المتفق عليه من مسند حذيفة اليمان قال كنت مع النبي صلّى اللّه عليه و آله فانتهى الى بساطة فبال قائما فتنحيت فقال له ادنه فدنوت حتى قمت عند عقبيه فتوضأ و مسح على خفيه فانظر الى هؤلاء الاقوام الذين رووا في كتبهم ان النبي صلّى اللّه عليه و آله علّم الناس الاداب في البول و الخلا و سائر الامور الدينية و انه لا يبول احدهم قائما و يتباعد عن الناس وقت بوله،ثم يصدقون و يصححون انه بال قائما و انه امر حذيفة بأن يقرب منه و يطلع عليه في ذلك الحال.

و من ذلك ما روى في ذلك الكتاب من المتفق عليه من مسند عائشة قالت رأيت النبي صلّى اللّه عليه و آله يسرني و انا انظر الى الحبشة و هم يلعبون في المسجد فزجرهم عمر،فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله آمنّا يا بني رفدة يعني من الامن،و من الحديث المذكور عن عائشة ان ابا بكر دخل عليها و عندها جاريتان في ايام مني تلعبان بالدف و تضربان به،و النبي صلّى اللّه عليه و آله يتغشى بثوبه فانتهرها ابو بكر فكشف النبي صلّى اللّه عليه و آله وجهه فقال دعهما يا ابا بكر فانها ايام عبد و تلك الايام ايام منى.

و من الحديث المذكور عن عائشة قالت دخل عليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عندي جاريتان تغنيان فاضطجع على الفراش فدخل ابو بكر فانتهرني فقال من هؤلاء الشياطين عند النبي صلّى اللّه عليه و آله ؟فأقبل اليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال دعهما فلما غفل غمزتهما فخرجتا فانظر الى هؤلاء الاخيار كيف صدقوا ان نبيهم كان يفرّج زوجه على الذين يلعبون و ينبسط لهم في مثل هذه الرزائل مع ما رووه من غيرة النبي صلّى اللّه عليه و آله و كونه أغير من كل أحد مع انهم رووا عنه صلّى اللّه عليه و آله انه قال من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ادّاها اليك فان المساجد لم تبن لهذا فاذا لم يرض بانشاد

ص:184

الضالة في المسجد فكيف يرضى بأن يكون محلا للّعب و اللهو،ثم كيف يجوز ان يكون عمر و ابو بكر يستقبحان هذا الامر و النبي صلّى اللّه عليه و آله يمنعهما من استقباحهما و كيف استحسن هذا الامر لنفسه و زوجته ثم كيف يكون ابو بكر و عمر اعرف بالاداب حيث انكر المغنيات و الحبشة و هلا إقتديا به،و كان لهما فيه اسوة حسنة و كيف لا يسكتان كما سكت و حيث لم يسكتا فهلا قالا يا رسول اللّه ما سبب سكوتك عن الانكار.

و من ذلك ما رواه الغزالي في كتاب الاحياء في كتاب النكاح في الباب الثالث في ذكر حسن صحبة النبي صلّى اللّه عليه و آله لعائشة قال و روى انه صلّى اللّه عليه و آله كان يسابق عائشة في العدو فسبقته و سبقها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في بعض الايام فقال لها عليه السّلام هذا بتلك قال بعض المسلمين سبحان اللّه كيف يحسن من هذا الشيخ الغزالي و غيره نقل هذا الحديث على وجه التصديق به،و قد عرف اهل العقول و التجارب ان وقار النبوة و حرمة الرسالة و السكينة الالهية على ما تضمنه كتابهم يمنع محمدا صلّى اللّه عليه و آله ان يعدو مع عائشة برجله مثل الاطفال و الجهّال و ان العقل يشهد ان هذه الحكاية من جملة المحال و لو فعل هذا من هو دونه من العقلاء سقطت منزلته بين الفضلاء.

و يعجبني نقل نبذة من كتاب يوحنا الذمي قال بعد ان ذكر الاختلافات في المذاهب و الاديان و اوّل الشبهة و ان واضعها الشيطان كما قدمناه و آخر الشبهة و ان واضعها عمر بن الخطاب و اضرابه ما هذا لفظه قال يوحنا فلما رأيت هذه الاختلافات من كبار الصحابة الذين يذكرون مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فوق المنابر عم عليّ و غمّ عليّ الحال و كدت ان افتن في دينب فقصدت بغداد و هي اذا قبة الاسلام لاخاوض فيها علماء الاسلام(المسلمين خ)لانظر الحق و اتبعه فلما اجتمعت بعلماء المذاهب الاربعة قلت لهم انا رجل ذمي و قد هداني اللّه تبارك و تعالى للاسلام فأسلمت و قد اتيتكم لا تقبل عنكم معالم الدين و شرائع الاسلام،فقال كبيرهم و هو الحنفي يا يوحنا مذاهب الاسلام اربعة فاختر لنفسك واحدا منها ثم اشرع في قول ما تريد فقلت لهم اني رأيت تخالف المذاهب و علمت ان الحق منها واحد فأختاورا لي ما تعلمون انه الحق الذي كان عليه نبيكم،ثم قال الحنفي إنّا لا نعلم الحق الذي كان عليه نبينا،بل نعلم ان طريقته غير خارجة عن الفرق الاسلامية و كل من اربعتنا يقول انه محق لكن يمكن ان يكون مبطلا و يقول انه غيره مبطل لكن يمكن ان يكون غيره محقا.

و بالجملة ان مذهب ابي حنيفة انسب المذاهب كلها و اقيسها للحق و اطبقها للسنة و ارفعها عزا عند الناس اذ مذهبه مختار اكثر الامة و سلاطينها فعليك به تنج.

قال يوحنا فصاح به امام الشافعية و اظن انه كان بين الشافعي و الحنفي منازعات فقال له اسكت لا نطقت و اللّه لقد كذبت و تقوّلت و من اين انت و التمييز بين المذاهب و ترجيح

ص:185

المجتهدين ويلك ثكلتك امك أ لك وقوف على ما قاله ابو حنيفة و ما قاس برأيه فان المسمى بصاحب الرأي يجتهد في مقابلة النص و يستحسن في دين اللّه تعالى و يعمل به حتى اوقعه رأيه في الوهن في ان قال لو عقد في اقصى الهند على امرأة بكر و هي في الروم عقدا شرعيا ثم اتاها بعد سنين متعددة فوجدها حاملة و بين يديها اولاد يمشون فيقول لها ما هؤلاء فتقول له اولادك فيرافعها في ذلك الى القاضي الحنفي فيحكم ان الاولاد لصلبه يلحقون به ظاهرا و باطنا يرثهم و يرثونه فيقول ذلك المحارف و كيف ذلك و لم اقر بها قطّ.

فيقول القاضي يحتمل ان يكون قد احتملت و اطارت الريح منيّك في قطنة فوقعت في فرج هذه المرأة فحملت فهل يا حنفي هذا مطابق للكتاب و السنة؟قال نعم انما يلحق بها لانها فراشه،و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله الولد للفراش و للعاهر الحجر،و الفراش يتحقق بالعقد و لا يشترط فيه الوطئ فمنع الشافعي انه لا يصير فراشا بدون الوطئ فغلب الشافعي الحنفي بالحجة.

ثم قال الشافعي قال ابو حنيفة لو انّ امرأة تزّف الى بيت زوجها فعشقها رجل فادعى عند قاضي الحنيفية انه عقد عليها قبل الرجل الذي زفت اليه و ارشى المدعى فاسقين حتى شهدا له كذبا بدعواه فحكم القاضي بزوجية تلك المرأة فانها تحل عليه ظاهرا و باطنا عند ابي حنيفة،و تحرم على الرجل الاول ظاهرا و باطنا و تحل على الشهود الذين تعمدوا الكذب في شهاداتهم فانظروا ايها الناس هل هذا يصدر ممن عرف قواعد الاسلام قال الحنفي لا اعتراض لك عندنا ان حكم القاضي ينفذ ظاهرا و باطنا و هذا متفرع عليه.

و خصمه الشافعي و منع من ان ينفذ حكم القاضي ظاهرا و باطنا بقوله تعال و ان احكم بينهم بما انزل اللّه و لم ينزل اللّه تعالى ذلك.

ثم قال الشافعي قال ابو حنيفة لو ان امرأة غاب عنها زوجها انقطع خبره فجاء رجل و قال زوجك قد مات فاعتدت و بعد العدة عقد عليها رجل آخر و دخل بها و جائت منه باولاد، ثم غاب الرجل الثاني عنها و ظهر حياة الاول و حضر عندها،فان جميع اولاد الرجل الثاني يكونون اولاد الرجل الاول يرثهم و يرثونه فيا اولى العقول الباهرة هل يذهب الى هذا القول من له دراية او نظر،فقال الحنفي انما اخذ ابو حنيفة هذا من قوله:الولد للفراش و للعاهر الحجر،فاحتج عليه الشافعي بكون الفراش مشروطا بالدخول و غلبه.

ثم قال الشافعي و امامك ابو حنيفة قال لو عشق رجل امرأة مسلم و ادعى عند القاضي كذبا ان زوجها طلقها و جاء بشاهدين فشهدا له كذبا فحكم القاضي بطلاقها حرمت على زوجها الاول و جاز للمدعى نكاحها و للشهود ايضا و زعم ان حكم القاضي ينفذ باطنا و ظاهرا و قد عرفت ما فيه.

ص:186

فقال الشافعي و امامك ابو حنيفة قال اذا شهد اربعة رجال على رجل بالزنا فان صدقهم سقط الحد و ان كذبهم لزم فاعتبروا أي اولي الابصار،و قال ابو حنيفة لو لاط رجل بصبي و يوقبه(لم يمني)فلا حدّ عليه يعزّر،و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول من عمل عمل قوم لوط اقتلوا الفاعل و المفعول.

و قال ابو حنيفة ان من لف على ذكره و زنى بأمه و بنته جاز و قال ابو حنيفة لو غصب احد حنطة من مسلم فطحنها ملكها،فلو اراد صاحب الحنطة ان يأخذ حنطة و يعطي الغاصب الاجرة لم يجب على الغاصب اجابته و له منعه فلو قاتله فقتل صاحب الحنطة كان دمه هدرا، و لو قتل الغاصب قتل صاحب الحنطة به،و قال ابو حنيفة لو سرق سارق الف دينار و سرق الفا أخرى من آخر و مزجهما ملك الجميع و لزمه البدل و قال ابو حنيفة لو قتل المسلم التقي العالم كافرا قتل المسلم به و اللّه تعالى يقول في محكم كتابه و لن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا،و قال ابو حنيفة لو قتل حر عبدا قيمته عشرة دراهم قتل الحر به،و اللّه تعالى يقول الحر بالحر و العبد بالعبد و الانثى بالانثى.

و قال ابو حنيفة لو اشترى احد امه و اختها و نكحهما لم يكن عليه حد و ان علم و تعمد و قد قال اللّه تبارك و تعالى و ان تجمعوا بين الاختين الا ما قد سلف و قال ابو حنيفة لو عقد على امه او اخته عالما بانها امه او اخته و ادخل بها لم يكن عليه حد لان العقد شبهة،و قال لو نام رجل على طرف حوض من نبيذ فانقلب في نومه و وقع في الحوض ارتفعت جنابته و طهر،و قال ابو حنيفة لا تجب النية في الوضوء و لا في الغسل و في الصحيح انما الاعمال بالنيات،و قال لا تجب البسملة في الفاتحة و اخرجها عنها مع ان الخلفاء كتبوها في المصاحف بعد تجويد القرآن.

و قال لو سلخ جلد الكلب الميت و دبغ طهر و حل له شراب الماء و لبسه في الصلوة و هذا مخالف لنص تنجيسه المقتضى لتحريم الانتفاع به،بل يا حنفي في مذهبك انه يجوز للمسلم اذا اراد الصلوة ان يتوضأ بنبيذ و يلبس جلد كلب مدبوغ و يفرش تحته مثل ذلك و يسجد على عدرة يابسة و يكبر بالهندية و يقرأ بالعبرانية او الفارسية و يقول بعد الفاتحة(دو برك سبز)يعني مدها متان ثم يركع و لا يرفع رأسه ثم يسجد و يفصل بين السجدتين بمثل حد السيف و قبل التسليم يتعمد خروج الريح،فان صلاته صحيحة و ان اخرج الريح ناسيا بطلت صلاته،فاعتبروا يا اولي الابصار،أ يجوز لنبي ان يأمر امته بمثل هذه الصلوة فافحم الحنفي و امتلأ غيظا.

و قال يا شافعي اقصر فض اللّه فاك و اين انت و الاخذ على ابي حنيفة اين مذهبك من مذهبه فانما مذهبك بمذهب المجوس اليق لان في مذهبك انه يجوز للرجل ان ينكح ابنته من الزنا بل يجمع بين اختيه من الزنا و كذا عمته و خالته و اللّه تعالى يقول حرمت عليكم امهاتكم

ص:187

و بناتكم و اخواتكم و عماتكم و خالاتكم و بنات الاخ و بنات الاخت و امهاتكم اللاتي ارضعنكم و اخواتكم من الرضاعة و امهاتكم نسائكم و ربائكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فان لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم و حلائل ابنائكم الذين من اصلابكم و ان تجمعوا بين الاختين الا ما قد سلف و هذه صفات حقيقية لا تتغير بتغير الشرائع و الاديان و لا تظننّ يا شافعي يا احمق ان منعهم من التوريث يخرجهم من الصفات الذاتية و لذلك يضاف فيقال بنته و اخته من الزنا.

قال يوحنا فانظروا يا اولي الابصار هل هذا الا مذهب المجوس و يا شافعي اما امامك فأباح للناس لعب الشطرنج مع ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لاعب النرد و الشطرنج كعابد الوثن،و امامك الشافعي اباح الرقص و الدف و القصب،قال يوحنا فطال بينهما الجدال فاحتمى الحنبلي للشافعي و احتمى المالكي للحنفي و وقع المالكي و الحنبلي،و كان مما وقع بينهما ان قال الحنبلي للمالكي ان مالكا ابدع في الدين بدعا اهلك اللّه تعالى عليها امما،و هو اباحها و اباح وطؤ المملوك و قد صحّ عن النبي صلّى اللّه عليه و آله من لاط بغلام فاقتلوا الفاعل و المفعول و مالك يقول في المنظومة

و جايز نيك الغلام الامرد و جوّزوا للرجل المجرد

هذا اذا كان وحيدا في السفر و لم يجد انثى تفي الا الذكر

و انا رأيت مالكيا ادعى عند القاضي على آخر انه باعه مملوكا و المملوك لا يمكنه من و طيه،فاثبت القاضي انه عيب في المملوك له رده به،و ايضا امامك اباح لحم الكلب فرجع المالكي عليه و صاح به،و قال اسكت يا مجسم يا حلولي مذهبك اولى بالقبح لان عند امامك احمد بن حنبل ان اللّه تبارك و تعالى جسم يجلس على العرش و يفضل عن العرض بأربع اصابع،و انه ينزل كل ليلة جمعة من سماء الدنيا على سطوح المساجد في صورة امرد قطط الشعر له نعلان شراكهما من اللؤلؤ الرطب على حمار له ذوائب و علماء الحنابلة يبنون على سطوح المساجد معالف و يضعون فيها تبنا و شعيرا ليأكله منه حمار اللّه تعالى.

و من المشهور انه في ليلة جمعة صعد احد زهاد الحنبلية سطح مسجد الجامع يرتجي ان ينزل اللّه تعالى و اتفق انه كان على سطح الجامع غلام نفاط و كان قطط الشعر فلما وقع بصر الشيخ عليه ظنه ربه فوقع على قدميه يقبلهما و يقول سيدي ارحمني و لا تعذبني و يشتكي و يتضرع فبهت الغلام و ظنّ انه يريد منه فعلا قبيحا،فصاح بالناس و قال هذا الرجل يريد ان يفسق بي في سطح المسجد و أتى اليه جماعة النفاطين فأوجعوه ضربا و مضوا به الى الحاكم فحبسه الى الغد لينظر في حاله فسمع في ذلك علماء الحنابلة فأتوا الى الحاكم و اقسموا باللّه ان

ص:188

هذا الرجل مما لا يظن فيه هذا الامر و انما ظنّ انه ربه فاراد ان يقبّل قدميه فقبّح اللّه مذهبك يا حنبلي،فرع الحنبلي و الحنفي و المالكي و الشافعي رؤوسهم و علت اصواتهم و اظهروا قبائحهم حتى سأم كل من حضر من كلامهم فعاب العامة عليهم.

قال يوحنا فقلت لهم على رسلكم و اللّه اني نفرت من اعتقادكم فان كان الاسلام هذا فيا ويلاه و وا سواتاه،لكني اقسم عليكم باللّه الذي لا اله الا هو ان تقطعوا هذا البحث و تذهبوا فان القوم قد انكروا عليكم و قاموا و تفرقوا و بقوا اسبوعا لا يخرجون من بيوتهم و اذا خرجوا انكر الناس عليهم ثم اصطلحوا و اجتمعوا في المستنصرية فجلست اليهم و خاوضتهم و قلت لهم كنت اريد عالما من علماء الرافضة لتناظروه في مذهبه فهل يمكنكم ان تأتوني احدا منه؟فقال العلماء يا يوحنا الرافضة شرذمة قليلة و لا يستطيعون المناظرة بين المسلمين لقلتهم و كثرة مخالفيهم و لا يتظاهرون فضلا عن ان يستطيعوا المحاجة على مذهبهم فهم الاقلون عددا الارذلون قدرا.

قال يوحنا اما قولم انهم الاقلون و مخالفيهم الاكثرون فهذا مدح لهم لان اللّه تبارك و تعالى مدح القليل و ذم الكثير بقوله و قليل من عبادي الشكور،و ما آمن معه الا قليل و لا تجد اكثرهم شاكرين،و لكن اكثر الناس لا يعلمون.

قال العلماء يا يوحنا حالهم اعظم من ان يوصف لانا لو علمنا بأحد منهم فلا نزال نتربص بهم الدوائر حتى نقتلهم لانهم عندنا كفرة يحل علينا دمائهم و اموالهم فقال يوحنا اللّه اكبر هذا امر عظيم أ فتراهم بما استحقوا هذا أهم ينكرون الشهادتين قالوا لا،قال أهم لا يتوجهون الى قبلة الاسلام؟قالوا:بلى،قال أفهم ينكرون شيئا من الاحكام قالوا لا،قال يوحنا يا للّه العجب قوم يشهدون الشهادتين و يقرون بالاحكام كيف تحل دماءهم و اموالهم و النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول امرت ان أقاتل الناس حتى يقولون لا اله الا اللّه و اني رسول اللّه فاذا قالوها عصموا بها دماءهم و اموالهم الا بحق و حسابهم على اللّه قال العلماء يا يوحنا انهم ابدعوا في الدين فمنها انهم يدعون ان افضل الناس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله علي بن ابي طالب و يفضلونه على الخلفاء الثلاثة و الصدر الاول من الامة اجتمعوا على ان فضل الخلفاء كترتيبهم.

قال يوحنا أ فتراكم اذا قال احد علي بن ابي طالب خير من ابي بكر تكفرونه قالوا نعم لانه خلاف الاجماع.

قال يوحنا فما تقولون في محدثكم الحافظ ابي نعيم؟قال العلماء انه مقبول الرواية صحيح النقل،قال يوحنا هذا كتابه المسمى بكتاب الثاقب روى فيه ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال علي خير البشر من ابى فقد كفر،و قال ايضا علي خير هذه الامة بعد نبيها،و لا يشك في ذلك

ص:189

الا منافق،و في ذلك الكتاب ايضا انه قال علي خير من اخلفه بعدي و روى احمد بن حنبل في مسنده ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لفاطمة او ما ترضين اني زوجتك اقدم امتي سلما و اكثرهم علما و اعظمهم حلما و فيه ايضا انه قال اللهم ايتني بأحب خلقك اليك يأكل معي من هذا الطائر فجاء علي بن ابي طالب.

قال يوحنا فيا امة الاسلام لا تقولوا هذا اذ من الجايز ان يكون هذا المدح لهم في زمنه صلّى اللّه عليه و آله و بعده حصل لبعضكم الارتداد فان امامكم و محدثكم الحميدي روى في الجمع بين الصحيحين في المتفق عليه انه صلّى اللّه عليه و آله قال سيؤتى برجال من امتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب اصحابي اصحابي فيقال لي انك لا تدري ما احدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح عيسى بن مريم عليه السّلام و كنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت انت الرقيب عليهم و انت على كل شيء شهيد ان تعذبهم فانهم عبادك و ان تغفر لهم فانك انت الغفور الرحيم قال فيقال لي انهم لم يزالوا مرتدين على اعقابهم منذ فارقهم.

قال العلماء يا يوحنا هذا الذي ذكرته يدل على ارتداد بعض الصحابة لا انه يدل على ان ذلك البعض هو ابو بكر و عمر و اتباعهم و ما ندري ما الذي جرأهم على ذلك و من اين جاز لهم ذلك، قال يوحنا جرأهم على ذلك ائمتكم و علماؤكم كالبخاري و مسلم فانهم رووا انه لما مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ارسلت فاطمة عليها السّلام الى ابي بكر تسأله ميراثها من ابيها من فدك و ما بقى من خمس خيبر،فأبى ابو بكر ان يرد عليها شيئا فوجدت فاطمة على ابي بكر وجدا شديدا و هجرته و لم تكلم حتى ماتت و هي غضبانة عليه،و رووا ائمتكم ايضا في الجمع بين الصحيحين ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فال فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها و أخ الرافضة هذان الحديثان و ركبوا منه مقدمتين و هما ابو بكر آذى فاطمة و من آذى فاطمة آذى رسول اللّه و قال اللّه تعالى في كتابه ان الذين يؤذون اللّه و رسوله لعنهم اللّه في الدنيا و الاخرة و لو احتج احد عليكم بهذه الجملة لم يسعكم منع مقدمة من مقدماته،ثم اطال الكلام معهم و الزمهم بالزامات كثيرة فظهر من هذا كله فساد هذه المذاهب العاطلة و الاديان الباردة الباطلة.

نور في حقية دين الامامية و انه يجب اتباعه دون غيره

اعلم انه بعد موت النبي صلّى اللّه عليه و آله قد عمّت البلية كافة المسلمين و ذلك انه تعددت آراؤهم بحسب تعدد اهوائهم و صارت الى ثلث و سبعين فرقة اصولها و الا فهي اكثر من مائتي فرقة و الذي يدل على ان مذهب الامامية هو الحق وجوه.

منها انه اخلصها من شوائب الباطل و اعظمها تنزيها للّه تعالى و انبيائه و حججه و احسنها في مسائل الاصول و الفروع و لم يلتفتوا الى القول بالرأي و القياس اما باقي المسلمين فقد ذهبوا

ص:190

الى كل مذهب اما الاشاعرة فقالوا ان مع اللّه تعالى معاني قديمة موجودة في الخارج كالقدرة و غير ذلك فجعلوه تعالى مفتقرا في كونه عالما الى ثبوت معنى هو العلم لذاته و لا عالما لذاته و لا حيا لذاته و لا مدركا لذاته بل لمعان قديمة يفتقر في هذه الصفات اليها فجعلوه محتاجا ناقصا في ذاته كاملا بغيره تعالى اللّه عن ذلك و لا يقولون هذه الصفات ذاتية و اعترض شيخهم فخر الدين الرازي عليهم بأنه(بان خ)قال ان النصارى كفروا لانهم قالوا ان القدماء ثلاثة و الاشاعرة اثبتوا قدماء تسعة.

اقول فالاشاعرة لم يعرفوا ربهم بوجه صحيح بل عرفوه بوجه غير صحيح فلا فرق بين معرفتهم هذه و بين معرفة باقي الكفار لانه ما من قوم و لا ملة الا و هم يدينون باللّه سبحانه و يثبتونه و انه الخالق سوى شرذمة شاذة و هم الدهرية القائلون و ما يهلكنا الا الدهر و اسوء الناس حالا المشركين اهل عبادة الاوثان و مع هذا فهم انما يعبدون الاصنام لتقربهم الى اللّه سبحانه زلفى كما حكاه عنهم في محكم الكتاب بطريق الحصر فتكون الاصنام وسائل لهم الى ربهم فقد عرفوا اللّه سبحانه بذا الباطل و هو كون الاصنام مقربة اليه و كذلك اليهود حيث قالوا عزير ابن اللّه و النصارى حيث قالوا المسيح بن اللّه،فهما قد عرفاه سبحانه بأنه رب ذو ولد فقد عرفاه بهذا العنوان و كذلك من قال بالجسم و الصورة و التخطيط و ذلك لما عرفت في اول الكتاب من ان الكل قد طلبوا معرفته و خاضوا بحار وحدانيته و كانت مشايق و عرة و سبلا مظلمة فمن كان له دليل عارف عرف اللّه سبحانه،و من كان دليله اعمى مثله خاض معه بحار الظلمات و ما زاده كثرة السير الا بعدا،فالاشاعرة و متابعوهم اسوء حالا في باب معرفة الصانع من المشركين و النصارى و ذلك ان من قال بالولد او الشريك لم يقل انه تعالى محتاج اليهما في ايجاد افعاله و بدائع محكماته،فمعرفتهم له سبحانه على هذا الوجه الباطل من جملة الاسباب التي تورثت خلودهم في النار مع اخوانهم الكفار و افادتهم الكلمة الاسلامية حقن الدماء و الاموال في الدنيا فقد تباينا و انفصلنا عنهم في باب الربوبية فربنا من تفرد بالقدم و الازل و ربهم من كان شركاؤه في القدم ثمانية.

و وجه آخر لهذا لا اعلم الا اني رأيته في بعض الاخبار و حاصله انا لم نجتمع معهم على اله و لا على نبي و لا على امام و ذلك انهم يقولون ان ربهم هو الذي كان محمد صلّى اللّه عليه و آله نبيه و خليفته بعده ابو بكر،و نحن لا نقول بهذا الرب و لا بذلك النبي بل نقول ان الرب الذي خليفة نبيه ابو بكر ليس ربنا و لا ذلك النبي نبينا و وجه آخر لكنه جواب عن جواز لعن المتخلفين بل هو دال على وجوب اللعن و ذلك ان الامامة كالنبوة و الالهية مركبة من ايجاب و سلب اما الاله فمن قال اللّه اله و لم ينف عنه الشركاء و الاضداد فهو ليس بموحد باجماع المسلمين و لا مسلم

ص:191

ايضا اما النبوة فمن قال ان محمدا نبي و لم ينف نبوة من ادعاها كمسيلمة و نحوه فهو ليس بمسلم ايضا،فالسلب واجب فيها كالايجاب،و اما الامامة فهي كذلك ايضا فمن قال ان عليا امام و لم ينف امامة من ادعاها و نازعه عليها و غصبها فليس بمؤمن عند اهل البيت عليهم السّلام فظهر من هذا ان البرائة من اولئك الاقوام من اعظم اركان الايمان و مخالفونا قد خالفونا في هذا ايضا و من هذا التحقيق ظهر ان المراد بالقدرية في قوله صلّى اللّه عليه و آله القدرية مجوس هذه الامة هم الاشاعرة و ذلك ان نسبتهم اليهم قوية جدا كما لا يخفى.

و منها ما نقله العلامة الحلي عن شيخه نصير الدين الطوسي قدس اللّه روحيهما قال سألته عن المذاهب فقال بحثنا عنها و عن قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ستفترق امتي على ثلث و سبعين فرقة واحدة منها ناجية و الباقي في النار،و قد عيّن صلّى اللّه عليه و آله الفرقة الناجية و الهالكة في حديث آخر صحيح متفق عليه و هو قوله صلّى اللّه عليه و آله مثل اهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا،و من تخلف عنها غرق و هوى،فوجدنا الفرقة الناجية في الفرقة الامامية لانهم باينوا جميع المذاهب و جميع المذاهب قد اشتركوا في اصول العقائد و هذا تحقيق متين و حاصله انه لو كان الفرقة الناجية غير الامامية لكان الناجي كلهم لا فرقة واحدة و ذلك لانهم متشاركون في الاصول و العقايد الموجبة لدخول الجنة و لا يخالفهم احد سوى الامامية فانهم اشترطوا في دخول الجنة ولاية الائمة الاثنى عشر و القول بامامتهم.

و منها انهم اخذوا دينهم عن الائمة المعصومين المشهورين عند العدو و الولي بالفضل و الورع و العبادة الذين نزلت في شأنهم سورة هل أتى و آية الطهارة و ايجاب المودة لهم،و آية الابتهال و غير ذلك،فهم جازمون بصحة دينهم و نجاتهم كجزم ائمتهم عليهم السّلام و اما غيرهم من الفرق فهم و ائمتهم شاكون في النجاة و متابعة الجازم اولى من متابعة الشاك.

و منها ان الامامية لم يذهبوا الى التعصب في غير الحق بخلاف غيرهم فقد ذكر الغزالي و المتوكل و كانا امامين للشافعية ان تسطيح القبور هو المشروع لكن لما جعلته الرافضة شعارا لهم عدلنا عنه الى التسنيم و ذكر الزمخشري و كان من ائمة الحنفية في تفسير قوله تعالى هو الذي يصلي عليكم و ملائكته انه يجوز بمقتضى هذه الاية ان يصلي على آحاد المسلمين لكن لما اتخذته الرافضة في ائمتهم منعنا عن غير النبي صلّى اللّه عليه و آله و قال مصنف الهداية من الحنفية المشروع التختم في اليمين لكن لما اتخذته الرافضة عادة جعلنا التختم في اليسار و امثال ذلك فانظر بعين البصيرة الى من يغيّر الشرع و يبدّل الاحكام التي ورد بها الشرع مع انهم ابتدعوا اشياء اعترفوا بأنها بدعة كقول عمر متعتان كانتا محللتين في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و انا انهى عنهما و اعاقب عليهما و كخروج طلحة و الزبير بعائشة و لا نعلم بأي وجه يلقون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مع ان الواحد منّا لو

ص:192

تحدّث مع امرأة غيره و اخرجها من منزله و سافر بها كان اشد الناس عداوة له و كيف اطاعها على ذلك آلاف من المسلمين.

و بالجملة فاستقصاء الاخبار الدالة على حقية مذهب الامامية و الدلائل العقلية مما يوجب تطويل الكتاب.

تذييل في تفصيل بعض الكتب السماوية.

اشارة

اما التورية فهي خمسة اسفار السفر الاول يذكر فيه بدؤ الخلق و التاريخ من آدم الى يوسف عليهما السّلام،السفر الثاني فيه استخدام المصريين لبني اسرائيل و ظهور موسى عليه السّلام و هلاك فرعون و امامة هارون،و نزول الكلمات العشر و سماع القوم كلام اللّه،السفر الثالث يذكر فيه تعليم القرابين بالاجمال،السفر الرابع يذكر فيه عدد القوم و تقسيم الارض عليهم و احوال الرسل التي بعثها موسى عليه السّلام الى الشام و اخبار المن و السلوى و الغمام،السفر الخامس يذكر فيه بعض الاحكام و وفاة هارون و خلافة يوشع عليه السّلام و الربانيون و قد بقى من الفرق الاسلامية فرقتان الصوفية و النواصب فلا بأس بعقد ظلمة في بيان احوالهما.

(ظلمة حالكة في بيان أحوال الصوفية و النواصب)

إعلم أن هذا الأسم و هو التصوف كان مستعملا في فرقة من الحكماء الزايغين عن الطريق الحق،ثم قد استعمل بعدهم في جماعة من الزنادقة؛و بعد مجيء الأسلام أستعمل في جماعة من أهل الخلاف كالحسن البصري و سفيان الثوري و أبي هاشم الكوفي و نحوهم و قد كانوا في طرف من الخلاف مع الائمة عليهم السّلام،فأن هولاء المذكورين قد عارضوا الأئمة عليهم السّلام في أعصارهم و باحثوهم و أرادوا إطفاء نور اللّه،و اللّه متم نوره و لو كره الكافرون،و الذي وجد منهم في أعصار علمائنا رضوان اللّه عليهم قد عارضهم و رد عليهم و صنف علماؤنا(ر ض) كتبا في ذمهم و الرد عليهم خصوصا شيخنا المفيد(ر ه)فأنه قد أكثر من الرد على الحسين بن منصور الحلاج و متابعيه و له قصص و حكايات مذكورة في كتب أصحابنا مثل كتاب الغيبة و الأقتصاد للشيخ الطوسي(ر ه)؛و أنهم أدعوا الألهية له و ورود التوقيع من صاحب الأمر عليه السّلام بلعنه و هو الذي كان يقول ليس في جبتي سوى اللّه و كان يمنع أصحابة من السفر الى مكة للحج،و يقول طوفوا حولي فمكة بيت اللّه و أنا اللّه؛الى غير ذلك من أباطيله؛

و قد أستمر الحال الى هذه الأعصار و ما قار بها،ثم ان جماعة من علماء الشيعة طالعوا كتبهم و أطلعوا على مذاهبهم فرأوا فيها بعض الرخص و المسامحات مثل قولهم بأن الغناء المحرم

ص:193

هو الذي يستعمل في مجالس الشرب و أهل الفسوق كما صرح به الغزالي و أضرابه،فأباحوا أفراد الغناء و أنواعة لمتابعيهم و كانوا من أهل العلم؛و الناس يميلون الى من يسهل عليهم مثل هذه الأمور التي يحصل النفس إلتذاذ؛و كتركهم التزويج و الأقبال على الغلمان الحسان؛فان كل من كان عنده غلام مقبول او ولد حسن الصورة أتى به الى شيخ الصوفية و التمس منه أن يجعله خادما عنده؛ثم لم يظهر له حاله إلا عند ما يفتك بالولد و يفسق به؛فيأخذه أبوه منه لكن بعد خراب البصرة.

و العجب من بعض الشيعة كيف مال الى هذه الطريقة مع اطلاعه على انها مخالفة لطريقة اهل البيت عليهم السّلام اعتقادا و اعمالا،اما الاعتقاد فقد قالوا بالحلول و هو ان اللّه سبحانه قد حلّ بكل مخلوقاته حتى بالقاذورات تعالى اللّه عما يقول الكافرون و قد مثلوا حلول اللّه بهذه المخلوقات بالبحر وقت اضطراب امواجه فان ماء الامواج و ان كان متعددا الا انه كله ماء واحد في بحر واحد كثرة التموّج فهي واحدة بالحقيقة متعددة بالاعتبار فالمخلوقات كلها عين اللّه سبحانه و هو عينها و التعدد انما جاء من هذه العوارض الخارجية و التشخصات العارضة للمادة.

و كان من اعظم مشايخهم عندهم الشيخ العطار و لما سمع سلطان ذلك الزمان بكفره و اغوائه المسلمين ارسل اليه جلادا يأخذ رأسه فلما أتي اليه الجلاد و اخبره بما اتى به فقال الشيخ العطار،انت ربي بأي صورة شئت فتصور فان اردت قتلي فانا هذا ثم قتله،و من ذلك اعتقادهم ان السالك اذا عبد اللّه تعالى بلغ الى مرتبة اليقين حتى لا يحتاج الى العبادة بعد لقوله تعالى فاعبد ربك حتى يأتيك اليقين،و اليقين عندهم هو العلم و المعرفة باللّه سبحانه و عند اهل البيت عليهم السّلام اليقين هو الموت.

و قد حكى العلامة الحلي قدس اللّه روحه في كتاب نهج الحق قال شاهدت جماعة من الصوفية في حضرة مولانا الحسين عليه السّلام و قد صلّوا المغرب سوى شخص واحد منهم كان جالسا و لم يصل ثم صلّوا بعد ساعة العشاء سوى ذلك الشخص،فسألت بعضهم عن ترك ذلك الشخص لصلوته فقال و ما حاجة هذا الى الصلوة وثد وصل أ يجوز ان يجعل بينه و بين اللّه تعالى حاجبا؟فقلت لا فقال الصوة حاجب بين العبد و الرب،و فرّعوا على هذا الاصل جواز ان يكون بعض السالكين منهم أعلى درجة و افضل مرتبة من مراتب الانبياء و الائمة عليهم السّلام و ذلك ان السالك بزعمهم اذا فاق عبادة الانبياء فاق درجاتهم.

و قد وقع مثل هذا التجاوز لمراتب الانبياء لكثير من مشايخ الصوفية بزعمهم،و هذا الفرع منبي على ذلك الاصل،و هذا وهم باطل اذ لو استغنى عنها احد لاستغنى عنها سيد

ص:194

المرسلين و اشرف الواصلين و قد كان صلّى اللّه عليه و آله يقوم في الصلوة الى ان ورمت قدماه،و قد كان امير المؤمنين عليه السّلام الذي تنتهي اليه سلسلة اهل العرفان يصلي كل ليلة الف ركعة الى آخر عمره الشريف و كذا شأن جميع الاولياء و العارفين كما هو في التواريخ مسطور و على الالسنة مشهور.

و من اعتقاداتهم و اعمالهم الفاسدة انهم تركوا العبادات المأثورة عن اهل البيت عليهم السّلام و دوّنها الشيعة في كتبهم و اقبلوا على اختراع عبادات و اذكار لم تذكر في الشريعة و ليس هذا الا لقصد الخلاف على علماء اهل البيت حتى يكونوا في طرف النقيض فلا يقال لهم انهم مقلدوا العلماء فيزدادون بذلك اعتبارا من عوام الناس و غثائهم و ما علموا ان اللّه سبحانه لا يقبل من العبادات الا ما ارسل به حججه و قال على السنتهم و الا فقد عرفت سابقا ان الشيطان لم يتكبر على السجود للّه تعالى لكنه قال انا اسجد لك يا رب و لا اسج لادم و ذلك ان اللّه سبحانه يحب ان يطاع من حيث امر كما قال و اتوا البيوت من ابوابها.

و قد كان في زماننا رجل من الصوفية و يزعم انه من علماء الشيعة،كان يخطب اصحابه يوما فقال و هو على المنبر اني كتبت الاصول الاربعة يعني الكليني و التهذيب و الاستبصار و الفقيه و قرأتها و صححتها و لما رأيتها عديمة الفائدة بعتها بدرهم واحد و رميت ذلك الدرهم في الماء فانظر الى ايمان هذا الرجل عليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس اجمعين و قد كان مع اصحابه في حضرة مولانا الرضا عليه السّلام مشغولين بذكرهم الجلي و هو ما اشتمل على الغناء و الرقص و الترنم و الوجد فهوى بعضهم على محجّر القبر الشريف فشجّ رأسه و سال دمه و بلغ الى المحجر فاحتال الخدمة في ازالة ذلك الدم،فقال شيخ الصوفية لا تحتالوا بهذه الحيل لازالة هذا الدم فان هذا من دم العشاق و دم العشاق طاهر،ثم لما لم يسمع الناس هذا منه موّه عليهم كلاما آخر و قال ان الشمس ذكروا انها من المطهرات فكيف لا يكون شمس الرضاه مطهرة لهذا الدم فقبل هذا الكلام منه بعض البهائم من اتباعه ثم بعد زمان قليل خذله اللّه سبحانه و سقط عن درجته و اعتباره و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

و رأيت في شيراز رجلا صوفيا و كان صاحب ذكر و حلقة و اتباع و كان كل ليلة جمعة يأتي الى قبة السيد الاجل السيد احمد بن الامام موسى الكاظم (1)عليه السّلام فيضع الذكر المعهود و قد كان غربا لم يتزوج نعم كان عنده ولد مقبول من اولاد شيراز و كان ذلك الرجل صاحب تحصيل لحطام الدنيا و كل ما يحصل في نهاره يعطيه ذلك الولد و يبقى لنفسه شيئا يسع قوت الشعير و كان اذا خرج من البلاد ثم دخل اليها يسئله بعض خواصه اين كنت؟فيقول كنت

ص:195


1- (1) هو احمد بن موسى المعروف عند الفرس(شاه جراغ)له قبة بشيراز.

ازرع الادميين،و قد استمر على هذا الحال برهة من الزمان فظهر عليه و على اصحابه انهم ارادوا الخروج و ادعى واحد منهم انه الرب و آخر انه النبي و ثالث انه الامام الى غير ذلك، فأخذهم حاكم تلك البلاد و امر بقتلهم و كنت من الحاضرين ذلك الوقت فلما آتوا بشيخهم الى الميدان ليقتلوه كانت اخته فوق سطح جدار تنظر الى ما يصنع بأخيها و تضحك فقيل لها لم تضحكين؟فقالت ان اخي هذا رجل شايب فاذا قتلوه يجيء بعد اربعين يوما بصورة شاب حسن الوجه قوي البدن فظهر انهم كانوا قائلين بالتناسخ ايضا.

و قد رأينا منهم في شيراز وقائع غريبة و اطوار عجيبة لا توافق الا مذاهب الملاحدة و الزنادقة و قد كان صاحب الكشاف شديد الانكار على الصوفية و قد اكثر في الكشاف من التشنيع عليهم في مواضع عديدة و قال في قوله تعالى قل ان كنتم تحبون اللّه الاية و اذا رأيت من يذكر محبة اللّه و يصفق بيديه مع ذكرها و يطرب و ينعر و يصعق فلا تشك في انه لا يعرف اللّه و لا يدري ما محبة اللّه و ما تصفيقه و طربه و نعيره و صعقته الا تصوّر في نفسه الخبيثة صورة مستجلبة (خ)معشقة)فسماها اللّه بجهله و دعا الى ربه ثم صفق و طرب و نعر و صعق على تصورها و ربما رأيت المني قد ملأ ازار ذلك المحب عند صعقته و حمقاء العامة حواليه قد ملأوا اردانهم بالدموع لما رقتهم من حاله.

و من ذلك الاعتقاد ان افضلهم الغزالي و قد ادعى في احيائه انه من اهل الكشف و انه قد انكشف له فضل ابي بكر على امير المؤمنين عليه السّلام و ادعى انه انكشف له ايضا عدم جواز سبّ يزيد لانه رجل مسلم و لو كان قاتلا الحسين عليه السّلام لم يجز سبّه ايضا لان غاية هذا انه فعل كبيرة و ذلك لا يجوز سبّه.

و انكشف له بطلان مذهب الامامية بعد ان ترك التدريس و انقطع في دمشق و مكة المشرفة نحوا من عشرين سنة ملازما للخلوة في آخر عمره و صنّف كتابا سماه المنقذ من الضلال يتضمن الرد على من يدعي العصمة و ابطال مذهبهم و سمّاهم اهل التعليم و ضرب لهم مثلا بأخذهم عن المعصوم بمن تلوث بجميع النجاسات ثم طلب ماء يستطهر(يتطهر خ)منها و سعى في طلب ذلك الماء فلم يجد ماء يطهره و يزيل عنه الاخباث فبقى مرتكشا في النجاسات طول عمره.

و تكرر منه في الاحياء و غيره قالت الروافض خذلهم اللّه و قال فيه انه لو جاء الينا رافضي و ادعى ان له طلب دم عند احد قلنا له ان دمك هدر لان استيفائه مشروط بحضور امامك فاحضره حتى يستوفي لك،و قد تقدم الجواب عن هذا و قد صرّح في كتابه المنقذ انه كان يستفيد من الانبياء و الملائكة مع مشاهدتهم على وجه القطع كلما يريد نعم ربما نسب اليه كتاب يسمى

ص:196

سرّ العالمين فيه مقالة يظهر منها ميله الى الحق و نطقه به ليكون حجة عليه و بعضهم انكر كون الكتاب له او ان المقالة ملحقة بالكتاب.

و اما اشليخ محي الدين الاعرابي و هو من اعاظم اجلائهم فقد حكى في فتوحاته انه اسرى به الى السماء مرارا متعددة و الظاهر انه قال انها تسع و ذكر هناك انه رأى ابا بكر الصديق لما بلغ الى العرش و قد كان رآى في كل سماء واحدا من الانبياء فكان درجته و درجة ابا بكر اعلى من درجات اولي العزم و ادعى في اول فصوص الحكم انه من املاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و امره له بعين ما كتب و سمى نفسه خاتم الولاية لمنام رآه و غير ذلك من المكاشفات.

و العجب العجيب انهم كيف يصدقون بدعوى الكشف مع اختلاف آرائهم و مذاهبهم فمنهم الملحد و منهم السني و منهم الشيعي الى غير ذلك فاذا كانت هذه المكاشفات كلها صحيحة صحّت مذاهب الفرق فلا يكون الناجي فرقة واحدة بل جميع هذه الفرق ما هذا الا سفه و جنون.

و اما الاعمال و مخالفتهم بها فمن جملته ترك التزويج و من جملتها عبادات مبتدعة و اذكار مخترعة و من جملتها جلوسهم في بيت مظلم اربعين يوما لا يأكلون الا القليل من الغذا و يرتاضون في تلك المدة غاية الرياضة و يحرمون على انفسهم محللات الشرع و يقولون هذا لاجل صفاء القلب و من هذا زعموا انهم لقبوا بالصوفية لاشتقاقه من صفاء القلب و قد وهموا في هذا الاشتقاق.

و الصحيح انهم لقبوا به لانهم يلبسون الصوف كما سيأتي ان شاء اللّه تعالى في الاخبار الواردة في ذمهم و الطعن عليهم،و من ذلك تركهم لطلب العلم و اقبالهم على تلك الرياضيات زعما منهم ان معرفة اللّه من جهة طلب العلم كسيئة و من تلك الرياضيات الهامية و من هنا سلك مذهب التصوف عوام الناس و صار الصوفي من غير ثيابه و لبس ثياب الصوف او كشف رأسه شتاء و صيفا كما هو عادة بعض الصوفية و الا فهم بمعزل عن العلم حتى عن معرفة قواعد التصوف.

روى شيخنا الكليني في كاب المعيشة من الكافي باسناده الى مسعدة بن صدقة قال دخل سفيان الثوري على ابي عبد اللّه عليه السّلام فرآى عليه ثيابا بيضا كأنها عرقى البيض فقال ان هذا اللباس ليس من لباسك فقال له اسمع مني و ع،ما اقول لك فانه خير لك عاجلا و آجلا ان انت متّ على السنة و الحق و لم تمت على بدعة اخبرني ابي ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان في زمن قفر جدب فاما اذا اقبلت الدنيا فاحق اهلها بها ابرارها لا فجارها و مؤمنوها لا منافقوها و مسلموها لا كفارها فما انكرت يا ثوري فو اللّه انني لمع ما ترى ما انى عليّ مد عقلت صباح و لا مساء

ص:197

و للّه في مالي حق امرني ان اضعه موضعا الا وضعته قال و أتاه قوم ممن يظهرون الزهد و يدعون الناس ان يكونوا معهم على مثل الذي هم عليه من التقشف فقالوا له ان صاحبنا حصر عن كلامك و لم تحضره حججه قال فقال لهم فهاتوا حججكم فقالوا ان حججنا من كتاب اللّه فقال لهم فادلوا بها احق ما اتبع و عمل به فقالوا يقول اللّه تعالى مخبرا عن قوم من اصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و يؤثرون على انفسهم و لو كان بهم خصاصة و من يوق شحّ نفسه فاولئك هم المفلحون فمدح فعلهم و قال في موضع آخر و يطعمون الطعام على حبه مسكينا و يتيما و اسيرا فنحن نكتفي بهذا.

فقال رجل من الجلساء اذا رأيناكم تزهدون في الاطعمة الطيبة و مع ذلك تأمرون الناس بالخروج من اموالهم حتى تتمتعوا انتم منها فقال له ابو عبد اللّه عليه السّلام دعوا عنكم ما لا ينتفع به اخبروني ايها النفر الكم علم بناسخ القرآن و منسوخه و محكمه من متشابهه الذي في مثله ضلّ من ضلّ و هلك من هلك من هذه الامة؟فقالوا له او بعضه(ببعضه ظ)فاما كله فلا.

فقال لهم فمن هيهنا اتيتم و كذلك احاديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأما ما ذكرتم من اخبار اللّه تعالى ايانا في كتابه عن القوم الذين اخبر عنهم بحسن فعالهم فقد كان مباحا جايزا و لم يكونوا نهوا عنه و ثوابهم منه على اللّه تعالى و ذلك ان اللّه تعالى امر بخلاف ما عملوا به فصار امره ناسخا لفعلهم و كان نهى اللّه رحمة للمؤمنين و نظرا لكيلا يضروا بأنفسهم و عيالاتهم منهم الضعفة الصغار و الولدان و الشيخ الفاني و العجوز الكبيرة الذين لا يصبرون على الجوع فان تصدقت برغيفي و لا رغيف لي غيره ضعوا و هلكوا جوعا فمن ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خمس تمرات او خمس قرص او دنانير او دراهم يملكها الانسان و هو يريد ان ينفقها فأفضلها ما انفقه الانسان على والديه ثم الثانية على نفسه و عياله ثم الثالثة على قرابته الفقراء ثم الرابعة على جيرانه الفقراء ثم الخامسة في سبيل اللّه و هو اخسها اجرا.

و يقول صلّى اللّه عليه و آله للانصارى حين اعتق عند موته خمسة او ستة من الرقيق و لم يملك غيرهم و له اولاد صغار لو اعلمتموني في امره ما تركتكم تدفنوه مع المسلمين يعول صبية صغارا يتكففون الناس ثم قال حدثني ابي ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال إبدأ بمن تعول الادنى فالادنى ثم هذا ما نطق به الكتاب ردا لقولكم قال و الذين اذا انفقوا لم يسرفوا و لم يقتروا و كان بين ذلك قواما أ فلا ترون ان اللّه تعالى قال غير ما أراكم تدعون الناس اليه من الاثرة على انفسهم و سمّى من فعل ما تدعون الناس اليه مسرفا و في غير آية من كتاب اللّه يقول انه لا يحب المسرفين،فنهاهم عن الاسراف و نهاهم عن التقتير لكن امر بين امرين لا يعطي جميع ما عنده ثم يدعو اللّه ان يرزقه فلا يستجيب له.

ص:198

للحديث الذي جاء عن النبي صلّى اللّه عليه و آله ان اصنافا من امتي لا يستجاب لهم دعاؤهم رجل يدعو على والديه و رجل يدعو على غريم ثم ذهب له بمال فلم يكتب له و لم يشهد عليه، و رجل يدعو على امرأته و قد جعل اللّه تعالى تخلية سبيلها بيده،و رجل يقعد في بيته و يقول رب ارزقني و لا يخرج في طلب الرزق فيقول اللّه تعالى له عبدي أ لم اجعل لك السبيل الى الطلب و التصرف في الارض بجوارح صحيحة فتكون قد اعذرت فيما بيني و بينك في الطلب لاتباع امري و لكيلا تكون كلا على اهلك فان شئت رزقتك و ان شئت قترت عليك و انت غير معذور عندي و رجل رزقه اللّه تعالى مالا كثيرا فانفقه ثم اقبل يدعو يا رب ارزقني فيقول اللّه تعالى الم ارزقك رزقا واسعا فهلا اقتصدت فيه كما امرتك و لم تسرف و قد نهيتك عن الاسراف و رجل يدعو في قطيعة رحم.

ثم علّم اللّه تعالى اسمه نبيه صلّى اللّه عليه و آله كيف ينفق و ذلك انه كانت عنده اوقية من الذهب فكره ان تبيت عنده فصدّق بها،فاصبح و ليس عنده شيء و جاء من يسأله فلم يكن عنده ما يعطيه، فلامه السائل و اغتم هو حيث لم يكن عنده ما يعطيه و كان رحيما رقيقا صلّى اللّه عليه و آله فأدّب اللّه تعالى نبيه فقال و لا تجعل يدك مغلولة الى عنقك و لا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا،يقول ان الناس قد يسألونك و لا يعذرونك فاذا اعطيت جميع ما عندك من المال قد خسرت من المال فهذه احاديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصدقها الكتاب و الكتاب يصدقه اهله من المؤمنين.

ثم قد علمتم فضل سلمان و أبي ذر و زهدهما فأما سلمان فكان اذا اخذ عطائه رفع منه قوت سنة حتى يحضر عطائه من قابل و قيل له يا ابا عبد اللّه أنت في زهدك تصنع هذا و انت لا تدري لعلك تموت اليوم او غدا،فكان جوابه ان قال ما لكم لا ترجون لي البقاء كما خفتم الفنا،اما علمتم يا جهلة ان النفس قد تلتاث على صاحبها اذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه فاذا هي احرزت معيشتها اطمأنت.

و اما ابو ذر رضي اللّه عنه فكانت له نويقات و شويهات يحلبها و يذبح منها اذا اشتهى اهله اللحم او نزل به ضيف او رآى بأهل الماء الذين هم معه خصاصة نحر لهم الجزور او من الشاة على قدر ما يذهب عنهم يقوّم اللحم فيقسمه بينهم و يأخذ هو كنصيب واحد منهم لا يتفضل عليهم و من ازهد من هؤلاء؟و قد قال فيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما قال و لم يبلغ من امرهما ان صارا لا يملكان شيئا البتة كما تأمرون الناس بالقاء امتعتهم و شيئهم و يؤثرون به على انفسهم و عيالاتهم.

اعلموا ايها النفر انه سمعت ابي يروي عن آبائه ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال يوما ما عجبت من شيء كعجبي من المؤمن انه ان قرض جسده في دار الدنيا بالمقاريض كان خيرا له و ان ملك

ص:199

ما بين مشارق الارض و مغاربها كان خيرا له و كلما يصنع اللّه تعالى به فهو خير له،فليت شعري هل يحيق بكم ما قد شرحت لكم منذ اليوم ام ازيدكم اما علمتم ان اللّه تعالى فرض على المؤمنين في اول الامر ان يقاتل الرجل منهم عشرة من المشرمين ليس له ان يولي وجهه عنهم من ولاهم يومئذ دبره فقد تبوأ مقعده من النار،ثم حولهم عن حالهم رحمة منه لهم فصار الرجل منهم عليه ان يقاتل رجلين من المشركين تخفيفا من اللّه تعالى للمؤمنين فنسخ الرجلان العشرة و اخبروني ايضا عن القضاة اجورة هم حيث يقضون على الرجل منكم نفقة امرأته اذا قال اني زاهد و اني لا شيء لي فان قلتم جور ظلمكم اهل الاسلام و ان قلتم بل عدل خصمتم انفسكم.

اخبروني لو كان الناس كلهم كالذين تريدون زهادا لا حاجة لهم في متاع غيرهم فعلى من كان يتصدق بكفارات الايمان و النذور و الصدقات من فرض الزكوة من الذهب و الفضة و التمر و الزبيب و ساير ما وجب فيه الزكوة من الابل و البقر و الغنم و غير ذلك و لو كان الامر كما تقولون لا ينبغي لاحد ان يحبس شيئا من عرض الدنيا الا قدمه و ان كان بهم خصاصة فبئس ما ذهبتم فيه و حملتم الناس عليه من الجهل بكتاب اللّه و سنّة نبيه صلّى اللّه عليه و آله و احاديثه التي يصدقها الكتاب المنزل و ردّكم اياها بجهالتهم و ترككم النظر في غرائب القرآن من التفسير بالناسخ و المنسوخ و المحكم و المتشابه و الامر و النهي.

و اخبروني اين انتم عن سليمان بن داود حين سأل اللّه تعالى ملكا لا ينبغي لاحد من بعده فأعطاه اللّه ذلك و كان يقول الحق و يعمل به ثم لم نجد اللّه تعالى عاب عليه ذلك و لا احدا من المؤمنين و داود النبي عليه السّلام قبله في ملكه و شدّة سلطانه ثم يوسف النبي عليه السّلام حيث قال لملك مصر اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم فكان من امره الذي كان ان اختار مملكة الملك و ما حولها الى اليمن و اكنوا يمتارون الطعام من عنده لجماعة اصابتهم و كان يقول الحق و يعمل به فلم نجد احدا عاب ذلك عليه ثم ذو القرنين عبد احب اللّه فأحبه اللّه طوى له الاسباب و ملّكه مشارق الارض و مغاربها و كان يقول الحق و يعمل به ثم لم نجد احدا عاب ذلك عليه فتأدبوا ايها النفر بآداب اللّه تعالى للمؤمنين اقتصروا على امر اللّه و نهيه و دعوا عنكم ما اشتبه عليكم مما لا علم لكم به وردوا العلم الى اهله توجروا و تعذروا عند اللّه تعالى، و كونوا في طلب علم ناسخ القرآن من منسوخه و محكمه من متشابهه و ما احل اللّه فيه مما حرم فانه اقرب لكم من اللّه و ابعد لكم من الجهل و دعوا الجهالة لاهلها فان اهل الجهل كثير و اهل العلم قليل و قد قال اللّه تعالى و فوق كل ذي علم عليم.

ص:200

و في حديث آخر انهم لما دخلوا عليه و سفيان الثوري لابس الصوف الخشن و الصادق عليه السّلام لابس الثياب الرقاق،فقال له سفيان ان جدك امير المؤمنين كان يلبس ما خشن من الثياب فلم لا تقتدي به؟فقال له الصادق عليه السّلام ان علي بن ابي طالب عليه السّلام كان في زمان ضيق و لم تتسع الدنيا على المسلمين كاتساعها في هذا الوقت و نحن قوم اذا وسع اللّه علينا وسعنا على انفسنا و اذا ضيق اللّه علينا ضيقنا على انفسنا و ان اللّه تعالى انما خلق الدنيا و ما فيها من الملاذ للمؤمن لا للكافر لانه لا قدر له عنده و لو كان علي عليه السّلام في هذا العصر لما وسعه الا ان يسلك مثل ما سلك اهله لئلا يقال له انه مراء و لئلا يشهر(يشتهر خ)بثيابه و مآكله مع ان امير المؤمنين عليه السّلام كان واليا و ينبغي لوالي المسلمين ان يكون في المعايش كواحد من فقراء المسلمين و قد قيل له يا امير المؤمنين انك تبيت جايعا و لك الملك؟فقال اخاف ان اشبع و واحد في اليمامة يبيت جايعا و حتى يسهل الفقر على اهله اذا نظروا الى الوالي مع ما هو عليه و اما انا فلست بوال و الملك قد غضب منا فلو كنت واليا لاقتديت به.

ثم قال عليه السّلام لسفيان الثوري ادن مني فدنا منه فمد عليه السّلام يده الى تحت ثياب سفيان فأخرج ثوبا حريرا كان سفيان لابسه تحت ثيابه الصوف لرفاهية بدنه و الثياب الصوف فوقه لخدع الناس،ثم اخذ عليه السّلام يد سفيان فقال انظر يا سفيان ما تحت ثيابي هذه الرقاق؟فنظر فاذا هو عليه السّلام ثوبا خشنا،فقال يا سفيان هذا تواضعا للّه و هذه الثياب الرقاق اظهارا لنعمة اللّه الى نحو ذلك من المعارضات كما روى انه رئيسهم و هو الحسن البصري كان مع امير المؤمنين عليه السّلام على شط الفرات فملأ قدحا من الماء و شرب منه و صبّ باقيه خارج الماء فقال له امير المؤمنين عليه السّلام قد اسرفت في ماء الفرات حيث لم تصب الماء فعارضه و قال انت اهرقت دماء المسلمين و لم تسرف فكيف اسرفت انا في هذا الماء.

فقال علي عليه السّلام اذا عرفت اني اسرفت في اراقة تلك الدماء فلم لا خرجت معهم الى جهادي؟فقال البصري اني لبست سلاحي و خرجت لمعونة اهل الشام،فلما خرجت من المنزل سمعت هاتفا يقول القاتل و المقتول في النار فرجعت،فقال عليه السّلام صدقت ذاك اخوك الشيطان.

و من جملة اعمالهم الفاسدة الذكر الذي يسمونه ذكرا و هو مشتمل على محرمات كثيرى و لقد احسن شيخنا الكاشي ادام اللّه ايامه حيث قال و منهم قوم يسمون بأهل الذكر و التصوف يدعون البرائة من التصنع و التكلف يلبسون خرقا و يجلسون حلقا يخترعون الاذكار و يتغنون بالاشعار يعلنون بالتهليل و ليس لهم الى العلم و المعرفة سبيل ابتدعوا شهيقا و نهيقا و اخترعوا رقصا و تصفيقا قد خاضوا في الفتن و اخذوا بالبدع دون السنن رفعوا اصواتهم بالنداء و صاحوا صيحة الشقاء أمن الضرب يتألمون ام من الطعن يتظلمون ام مع اكفائهم يتكلمون؟ان اللّه لا

ص:201

يسمع بالمساخ فاقصروا من الصراخ أ تنادون باعدا ام توقظون راقدا،تعالى اللّه لا تأخذه سنة و لا تحيط به الالسنة سبحوه تسبيح الحيتان في البحر و ادعوا ربكم تضرعا و خيفة و دون الجهر انه ليس منكم ببعيد بل هو اقرب اليكم من حبل الوريد.

و اما الداعي لهم اختراع هذا المذهب و شهرته فأمور الاول ما نقل ان خلفاء بني امية و بني العباس كانوا يحبون ان يحصلوا رجالا من اهل العبادة و الزهادة و التكلم ببعض المغيبات و ان لم يقع لاجل عارضات الائمة الطاهرين و علمهم و زهدهم و كمالاتهم حتى يصغروا في اعين الناس اهل البيت و اطوارهم فلم يجدوا احدا يقدم على هذا سوى هذه الفرقة الضالة، فمن هذا مال اليهم سلاطين الجور و بنوا لهم البقاع و حملوا اليهم الاموال و طالبوا منهم الدعاء في مطالب دنياهم و قاسوهم بأهل البيت عليهم السّلام و اين الثريا من يد التناول.

الثاني سهولة هذا المسلك و صعوبة طريق العلم فان العامي منهم قد يجلس في بيت ضيق مظلم اربعين يوما و ربما تراآى له اخوانه من الجن و الشياطين فاذا خرج صار من رؤسائهم و حصّل درجة العالم التي يحصلها في خمسين سنة و اكثر بل ربما كان اعتبار هذا بين رعاع الناس ازيد من اعتبار ذلك العالم الثال ان هذا المذهب شرك (1)لصيد الاولاد و جمع الاموال و الجاه و الاعتبار و نحو ذلك.

و اما الاخبار الواردة في ذمهم فهو كثيرة جدا منها ما رواه البزنطي في الصحيح عن الرضا عليه السّلام قال من ذكر عنده الصوفية و لم ينكرهم بلسانه او قلبه فليس منا و من انكرهم فكأنما جاهد الكفار بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و في الصحيح ايضا عن البزنطي قال قال رجل للصادق عليه السّلام قد ظهر في هذا الزمان قوم يقال لهم الصوفية فما تقول فيهم؟فقال عليه السّلام انهم اعدائنا،فمن مال اليهم فهو منهم و يحشر معهم و سيكون اقوام يدّعون حبنا و يميلون اليهم و يتشبهون بهم و يلقبون انفسهم يأولون اقوالهم،الا فمن مال اليهم فليس منّا و انّا منهم براء و من انكرهم و ردّ عليهم كان كمن جاهد الكفار بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

و روى مسندا عن العسكري عليه السّلام انه خاطب ابا هاشم الجعفري فقال يا ابا هاشم سيأتي زمان على الناس وجوههم ضاحكة مستبشرة و قلوبهم مظلمة منكدرة السنّة فيهم بدعة و البدعة فيهم السنّة المؤمن بينهم محقّر و الفاسق بينهم موقّر امراؤهم جاهلون جائرون و علماؤهم في ابواب الظلمة سائرون اغنياؤهم يسرقون زاد الفقراء و اصاغرهم يتقدمون على الكبراء كل جاهل عندهم خبير و كل محيل عندهم فقير لا يميزون بين المخلص و المرتاب و لا يعرفون الضأن من الذئاب علماؤهم شرار خلق اللّه على وجه الارض لانهم يميلون الى الفلسفة و التصوف

ص:202


1- (1) الشرك حبائل الصيد جمع شرك و اشراك.

و ايم اللّه انهم من اهل العدول و التحرف يبالغون في حب مخالفينا و يضلّون شيعتنا و موالينا فان نالوا منصبا لم يشبعوا من الرشا و ان خذلوا عبدوا اللّه على الريا،الا انهم قطّاع طريق المؤمنين و الدعاة الى نحلة الملحدين من ادركهم فليحذرهم و ليصن دينه و ايمانه،ثم قال يا ابا هاشم هذا ما حدثني ابي عن آبائه عن جعفر بن محمد عليهم السّلام و هو من اسرارنا فاكتمه الا عن اهله و في كتاب قرب الاسناد روى مسندا عن الصادق عليه السّلام في حال ابي هاشم الكوفي انه كان فاسدة العقيدة جدا،و هو الذي ابتدع مذهبا يقال له التصوف و جعله مفرّا لعقيدته الخبيثة و اكثر الملاحدة و جنّة لعقائدهم.

و روى مسندا فيذلك الكتاب عن محمد بن الحسين بن ابي الخطاب قال كنت مع الهادي علي بن محمد عليهما السّلام في مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله فأتاه جماعة من اصحابه منهم ابو هاشم الجعفري و كان رجلا بليغا و كانت له منزلة عظيمة عنده عليه السّلام ثم دخل المسجد جماعة من الصوفية و جلسوا في جانبه مستديرا و اخذوا بالتهليل فقال عليه السّلام لا تلتفتوا الى هؤلاء الخدّاعين فانهم خلفاء الشياطين و مخربوا قواعد الدين يتزهدون لإراحة الاجسام و يتهجدون لتصييد الانعام يتجوعون عمرا حتى يذبحوا للايكاف (1)حمرا لا يتهللون الا لغرور الناس،و لا يقللون الغذاء الا لملأ العساس (2)و اختلاس قلب الدفناس (3)يكلمون الناس باملائهم في الحب و يطرحونهم بادلائهم في الجب اورادهم الرقص و التصدية و اذكارهم الترنم و التغنية فلا يتبعهم الا السفهاء و لا يعتقدهم الا الحمقاء فمن ذهب الى زيارة احد منهم حيّا او ميتا فكأنما ذهب الى زيارة الشيطان و عبادة الاوثان و من اعان احدا منهم فكأنما اعان يزيد و معاوية و ابا سفيان فقال رجل من اصحابه و ان كان معترفا بحقوقكم قال فنظر اليه شبه المغضب و قال دع ذا عنك،من اعترف بحقوقنا لم يذهب في عقوقنا اما تدري انهما اخسّ طوائف الصوفية و الصوفية كلهم من مخالفينا و طريقهم مخالفة(مغايرة خ)لطريقتنا و ان هم الا نصارى و مجوس هذه الامة اولئك الذين يجتهدون في اطفاء نور اللّه و اللّه متم نوره و لو كره الكافرون.

و روى مسندا عن الرضا عليه السّلام انه لا يقول بالتصوف احد الا لخدعة او ضلالة او حماقة و اما من سمّى نفسه صوفيا للتقية فلا اثم عليه و علامته ان يكتفي بالتسمية فلا يقول بشيء من عقائدهم الباطلة،و في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله لابي ذر(ر ه)يا ابا ذر يكون في آخر الزمان قوم

ص:203


1- (1) اكف و آكف ايكافا الحمار:شد عليه الاكاف أي البردغة و في كنز اللغة:ايكاف بهمزة فاء الفعل و باعتلال آن بالان كردن.
2- (2) العس القدح او الاناء الكبير.
3- (3) الدنفاس الاحمق.

يلبسون الصوف في صيفهم و شتائهم يرون الفضل بذلك على غيرهم اولئك تلعنهم ملائكة السموات و الارض و في مواعظ عيسى عليه السّلام يقول في كلام له فاحتفظوا من العلماء الكذابة الذين عليهم ثياب الصوف الحديث و الاخبار الواردة بهذا المعنى كثيرة جدا.

فان قلت بناء على ما ذكرت من ذم هذه الفرقة و ان اكثرهم من اهل الخلاف كيف رآهم الناس بعض الاحيان يخبرون عن الامر فيكون كما اخبروا و ربما استجيب دعائهم و قد يصدر منهم الافعال العجيبة و الامور الغريبة.

قلت قد ذهب جماعة من علمائنا رضوان اللّه عليهم الى ان وقوع تلك الامور اتفاقي لا مدخل لدعائهم و لا اخبارهم فيها بوجه من الوجوه و اما نحن فقد ظهر لنا من الاخبار غير هذا و حاصله ان اللّه سبحانه اخبر في كتابه فقال و من يرد حرث الدنيا نزد له في حرثه ما نشاء و ما له في الاخرة من خلاق،في الحديث ان اللّه تعالى لا يضيع عمل عامل برا كان او فاجرا و قد تقدم ان الشيطان لما صعد مع الملائكة الى السموات و قرأ في الالواح ان من عمل عملا جوري عليه سواء كان للدين او الدنيا و رآى ان الدنيا عاجلة عبد اللّه تعالى ستة آلاف سنة مضمرا في قلبه ان هذه العبادة لاجل طلب الدنيا،و بعد ما عصى طالب اللّه بثواب عبادته فأعطاه ما اضمر فهذه الحالة لرئيس الصوفية و عبّاد المخالفين اعني الشيطان فهؤلاء يعبدون اللّه و يريدون ما اراده الشيطان من الامور الدنيوية فلو اعطاهم اللّه سبحانه بعض مطالبهم المقصودة لهم حالة العبادة من الجاه و الاعتبار الدنيوي و يكون ذلك جزاء لاعمالهم و ليس لهم في الاخرة من خلاق لم يكن بعيدا أ لا ترى الى كفار الهند فانهم يريضون انفسهم رياضيات شاقة و يزعمون انها عبادة له سبحانه و كثيرا من الاخبارات و الحوادث يخبرون بها قبل وقوعها و ربما جرت على ايديهم الافعال العجيبة و الامور الغريبة،و ليس هذا الا جزاء لافعالهم التي زعموا انها عبادة.

و قد شاهدت في اصفهان في عشر السبعين بعد الالف من كفار الهند رافعا يديه الى السماء و قد يبستا و صارت اظفاره كالمناجل فرأيت الكفار يعظمونه و يسجدون له فسألتهم عن احواله فقالوا سبع سنين على هذه الحالة،و بقي له خمس سنين حتى يكون المجموع اثنتي عشرة سنة فاذا بلغ الى هذا العدد و هو على هذا الحال صار شيخا في العبادة يخبر بالاخبار الغائبة و تنكشف له الامور و رأيت انسانا جالسا في جانبه و الكفار تعظمه ايضا،فقيل لي ان هذا وقف على رجليه اثنتي عشر سنة لم يجلس على الارض الى غير ذلك من الرياضات.

و قد روى ان رجلا من الشيعة اتى موسى بن جعفر عليهما السّلام و هو في بغداد فقال يا ابن رسول اللّه رأيت هذا اليوم في ميدان بغداد رجلا كافرا و الناس مجتمعون حوله و هو يخبر كل انسان بما اضمره فهو يعلم الاسرار،فقال عليه السّلام فغدوا عليه فأتى عليه السّلام الى الميدان و رآى الناس

ص:204

حوله و هو يخبرهم عما في ضمائرهم فطلبه الامام عليه السّلام فقال له يا فلان انت رجل كافر و الاطلاع على ما في الضمائر مرتبة جليلة فما السبب في ان رزقك اللّه هذه المرتبة فقال يا عبد اللّه ما اوتيت هذا الا بأني اعمل خلاف ما تشتهيه نفسي و خلاف مطلوبها فقال عليه السّلام يا فلان اعرض الايمان على نفسك و انظر هل تقبله ام لا؟فتغشى في منديل و تفكر فلما رفع المنديل قال اني عرضت الاسلام عليها فأبت،فقال له اعمل على خلاف ارادتها كما هو عادتك التي اوتيت عليها هذه المرتبة فأسلم و حسن اسلامه و علّمه عليه السّلام شرائع الاحكام فكان من جملة اصحاب الامام عليه السّلام فقال له يوما يا فلان اضمرت انا شيئا فقل ما هو فلما رجع و تفكر لم يدر ما يقول فتعجب فقال يا ابن رسول اللّه كنت اعرف الضمائر و انا كافر فكيف لا اعرفها اليوم و انا مسلم؟فقال عليه السّلام ان ذلك كان جزاء لاعمالك و اليوم قد ذخر اللّه لك اعمالك ليوم القيامة فجزاؤها ذلك اليوم.

و قد سبق في تضاعيف هذا الكتاب حكاية الملكين الذين ارسلهما اللّه تعالى في امره فتلاقيا في الهوى فتسائلا فقال احدهما اني كنت في امر عجيب و هو ان سلطانا كافرا يعبد الاصنام قد مرض و اشتد مرضه فطلب الاطباء فقالوا له ان علاجك في سمكة و في هذه الايام ما توجد الا في البحر السابع فأنت ميت على كل حال فقال لبعض خدمه اذهبوا الى هذا البحر لعلكم تجدون هذه السمكة فامرني اللّه سبحانه ان ازجر تلك السمكة من ذلك البحر حتى تأتي الى ذلك البحر الذي هو قرب ذلك السلطان فاصطادوها و اكله فبرئ من مرضه.

فقال له الاخر و انا كنت في امر اعجب من هذا و هو ان رجلا صالحا عابدا في البلد الفلاني كان صائما نهاره و كان قد هيأ شيئا من بقول الارض لاجل الافطار و جعله في القدر و هو يغلي عليه فبعثني اللّه سبحانه الى ذلك القدر ان اكفيه حتى يبقى هذه الليلة بلا افطار و يصوم اليوم الثاني على ذلك الحال فلما عرجا الى محلهما قالا يا رب ما الحكمة في هذا فقال سبحانه ان ذلك الكافر لا يخلو من بعض العدل مع الرعية و اعمال الخير فأردت ان اكمل جزاء اعماله في الدنيا حتى اذا اتاني ليس له عندي حجة يحتج بها عليّ و اما ذلك المؤمن فأردت ان اكفّر ذنوبه حتى اذا اتاني نقيا من الذنوب فاسكنه في جواري.

اقول ربما اخّر اللّه سبحانه جزاء بعض اعمال الكفار ليوم القيامة تخفيفا في عذابهم روى ان رجلا مؤمنا قد اخافه سلطان بلاده فلحق ببلاد الكفار فاضافه رجل كافر قال عليه السّلام فاذا كان يوم القيامة قال اللّه تعالى لذلك الكافر لو كان في الجنة موضع لكافر لادخلتك الجنة فيأمر به الى النار و يقول لمالك يا مالك قل للنار هيديه و لا تؤذيه فتكون النار حوله من غير ان يصل حرها اليه،و يؤتى له بطعام طرفي النهار و امثال هذا كثيرة.

ص:205

و بالجملة فالاخبار الواردة بهذا المضمون متكثرة جدا و يتفرع عليها ما يفعله جمهور اهل الخلاف في اذكارهم و اوقاتهم من قبض الافاعي و الحيات بل و اكلها و دخول النار من غير ضرر فانها ايضا جزاء اعمالهم قهم قد حرموا لذات الجنان بمعانقة هذه الولدان،و جريان هذه الامور على ايديهم نعم ربما اشكل في هذا المقام امران.

الاول ان دخول النار قد ورد انه من معجزات الامامة و دلائلها فكيف جاز اجرائه على يدي غيره،روى المفضل بن عمر قال لما مضى الصادق عليه السّلام كانت وصيته الى موسى الكاظم عليه السّلام فادعى اخوه عبد اللّه الامامة و كان اكبر ولد جعفر عليه السّلام في وقته ذلك و هو المعروف بالافطح فأمر موسى عليه السّلام فمع حطب كثير في وسط داره و ارسل الى اخيه عبد اللّه يسأله ان يصير اليه، و مع موسى عليه السّلام جماعة من الامامية فلما جلس امر موسى بطرح النار في الحطب فاحترق و لا يعلم الناس السبب فيه حتى صار الحطب كلها نارا حمرا،ثم قام موسى و جلس بثيابه في وسط النار و اقبل يحدّث الناس ساعة ثم قام ينفض ثوبه و رجع الى المجلس فقال لاخيه عبد اللّه ان كنت تزعم انك الامام بعد ابيك فاجلس في ذلك المجلس قالوا فرأينا عبد اللّه تغيّر لونه و قام يجر ردائه حتى خرج من دار موسى عليه السّلام.

قلت دخول النار اذا قارن التحدي بالامامة و نحوها لم يجز ان يجري على يدي غير المعصوم بل قد نقل لي صحيحا ان اهل الخلاف مع شهرتهم بدخول النار و قبض الحيات و العقارب ربما عارضوا بعض عوام الشيعة و فخروا عليهم بالقدرة على مثال تلك الافعال و عدم قدرة الشيعة عليها،فيدخل الشيعي و السني الى النار فيحترق السني و يخرج الشيعي سالما مع ان دخول النار كان عمله.

الامر الثاني في ان شيعتنا في هذه الاعصار قد اقدروا على تلك الافعال التي قد خصّ بها جمهور المخالفين مثل دخول النار و غيرها و قد ظهر هذا في عشر السبعين بعد الالف في قرب الاهواز رجل قال ان علي بن الحسين عليهما السّلام قد ظهر عليه إمّا يقظة و اما نوما و اقدره على تلك الافعال و كان يعطي الناس الرخص في صنع تلك الافعال و ذلك بأن يبصق في فم من اراد تعليمه فيصير قادرا على تلك الافعال و لما وردن في حوالي تلك الاوقات الى بلادنا الجزائر اجتمع جماعة اهل نحلتنا و اوقدوا نارا و دخلوها فلما خمدت خرجوا و ثيابهم سالمين فكيف يكون مثل هذا.

قلت ان هذا و امثاله مما لا مدخل له في علم السحر و الشعبدة،نعم يجوز ان يكون السبب في صدره من شيعتنا و اقدار اللّه لهم عليه كسر شوكة مخالفينا فانهم كانوا يفتخرون بهذا على اهل مذهبنا زمانا طويلا و بها ضعف اعتقاد بعض عوام مذهبنا من ان مذهب الجمهور اذا

ص:206

كان باطلا كيف اجرى اللّه هذه الافعال على ايديهم و يعلموا ان جريان مثل هذا على يدي كفار الهند و نحوهم اشد و اكثر من هذا فلما كان سببا لافتخار مخالفينا و لضعف اعتقاد بعض عوامنا اجراه اللّه على يد بعض شيعتنا لاجل ذلك و من ثم لم يجره الا على يد عوام مذهبنا الذين لا يعرفون علما و لا عملا كاملا ليعلم ان هذا و اضرابه مما لا مدخل له في حقيقة الاديان و بطلانها و قد بقى في هذا المقام كلام طويل الذيل حررناه في المجلد الثاني من كتاب نوادر الاخبار.

و بالجملة فالتصوف ليس في لبس ثياب الصوف و اجتناب الثياب الفاخرة و لا في اكل الشعير و ترك ما انعم اللّه به من اللذات و انما التصوف العمل بأوامر الشريعة و نواهيها و ترك شبهاتها و الزهد فيها،قال الصادق عليه السّلام ليس الزهد في الدنيا باضاعة المال و لا تحريم الحلال بل الزهد في الدنيا ان لا تكون بما في يدك اوثق منك بما عند اللّه تعالى و قال امير المؤمنين عليه السّلام الزهد في الدنيا قصر الامل و شكر كل نعمة و الورع عن كل ما حرم اللّه تعالى،و ان اردت العالم الورع فهم علماء شيعتنا في جميع الاعصار و من ثم لم ينقم عليهم المخالفون الا بسبب المتخلفين و قد شكروا لهم عباداتهم و اعمالهم.

و قد كان في قريب من عصرنا مولانا الورع العالم المولى احمد الاردبيلي (1)و قد كان من سكّان النجف الاشرف و من جملة ورعه انه كان يستأجر دابة من النجف و يأخذها من صاحبها و يمضي الى زيارة الكاظميين و العسكريين عليهم السّلام فاذا اراد الرجوع ربما اعطاه بعض اهل بغداد من الشيعة كتابة ليوصلها الى بعض اهل النجف فيضع الكتابة في جيبه و يسوق الدابة و هو يمشي من بغداد الى النجف و يقول ان صاحب الدابة لم يأذن لي في حمل هذه الكتابة على دابته و كان اذا خرج من منزله يضع على رأسه عمامة كبيرة لاجل كل من طلب منه عمامة او مقنعة قطع له من تلك العمامة فاذا رجع الى المنزل ربما بقي على رأسه منها ذراع او اقل،و كان عام الغلاء يقاسم الفقراء في ما عنده من الاطعمة و يبقى لنفسه مثل سهم واحد منهم.

و قد اتفق انه فعل في بعض السنين الغالية هكذا فغضبت عليه زوجته و قالت تركت اولادنا في نثل هذه السنة يتكففون الناس فتركها و مضى عنها الى مسجد الكوفة للاعتكاف فلما كان اليوم الثاني جاء رجل مع دواب حملها الطعام الطيب من الحنطة الصافية و الطحين الناعم فقال هذا بعثه اليكم صاحب المنزل و هو معتكف في مسجد الكوفة فلما جاء المولى من اعتكافه

ص:207


1- (1) توفى قدس سره سنة(993)ه ق و دفن في جوار القبة العلوية البيضاء في مدينة العلم(النجف الاشرف)قال العلامة المجلسي(ر ه):(لم اسمع بمثله في المتقدمين و المتأخرين).

اخبرته زوجته بأن الطعام الذي ارسلته مع الاعرابي طعام حسن فحمد اللّه تعالى و ما كان له خبر فيه.

و قد حدثني اوثق مشايخي علما و عملا ان لهذا الرجل و هو المولى الاردبيلي تلميذا من اهل تفريش اسمه مير علاّم(فيض اللّه خ)و قد كان بمكان من الفضل و الورع قال ذلك التلميذ انه قد كانت لي حجرة في المدرسة المحيطة بالقبّة الشريفة فاتفق اني فرغت من مطالعتي و قد مضى جانب كثير من الليل فخرجت من الحجرة انظر في حوش الحضرة و كانت الليلة شديدة الظلام فرأيت رجلا مقبلا على الحضرة الشريفة فقلت لعلّ هذا سارق جاء ليسرق شيئا من القناديل فنزلت و أتيت الى قربه فرأيته و هو لا يراني فمضى الى الباب و وقف فرأيت القفل قد سقط و فتح له الباب الثاني و الثالث على هذا الحال فأشرف على القبر و ردّ السّلام فعرفت صوته فاذا هو يتكلم مع الامام عليه السّلام في مسألة علمية ثم خرج من البلد متوجها الى مسجد الكوفة فخرجت خلفه و هو لا يراني فلما وصل الى محراب المسجد سمعته يتكلم مع رجل آخر بتلك المسألة فرجع و رجعت خلفه فلما بلغ الى باب البلد اضاء الصبح فأعلنت نفسي له و قلت له يا مولانا كنت معك من الاول الى الاخر،فاعلمني من كان الرجل الاول الذي كلمته في القبة و من الرجل الاخر الذي كلمك في مسجد الكوفة؟فأخذ عليّ المواثيق اني لا اخبر احدا بسره حتى يموت.

فقال لي يا ولدي ان بعض المسائل تشتبه عليّ فربما خرجت في بعض الليل الى قبر مولانا امير المؤمنين عليه السّلام و كلمته في المسألة و سمعت الجواب و في هذه الليلة احالتي على مولانا صاحب الزمان و قال لي ان ولدنا المهدي هذه الليلة في مسجد الكوفة فامض اليه و سله عن هذه المسألة و كان ذلك الرجل هو المهدي عليه السّلام و هذه نبذة من بعض احواله فاعتبر احواله الباقية.

و قد روى في تفسير قوله تعالى و اما بنعمة ربك فحدّث قال عليه السّلام ليس التحديث بالقول و انما هو بالفعل حتى يرى اللّه اثر نعمته فوق عبده،و حتى لا يكون العبد من ربه بمنزلة الشاكي منه بمعنى انه ما اعطاني شيئا أ تحلّى به بين الناس نعم قد ورد في الاخبار الامر بالتواضع للّه تعالى في الثياب قال النبي صلّى اللّه عليه و آله يا ابا ذر من ترك لبس الجمال و هو يقدر عليه تواضعا للّه فقد كساه اللّه حلل الكرامة و اي شيء احسن منه و هو شعار الانبياء و الاوصياء.

و في الرواية انه اوحى الى موسى عليه السّلام يا موسى إرض بكسرة من شعير تسدّ بها جوعتك و بخرقة تواري بها عورتك و اصبر على المصائب و اذا رأيت الدنيا مقبلة عليك فقل انا للّه و انا اليه راجعون عقوبة عجّلت في الدنيا و اذا رأيت الدنيا مدبرة عنك فقل مرحبا بشعار الصالحين.

ص:208

و اما عيسى روح اللّه فانه كان يقول خادمي يداي و دابتي رجلاي و فراشي الارض و وسادي الحجر و دفئي الشتاء مشارق الارض و سراحي في الليل القمر و ادامي الجوع و شعاري الخوف و لباسي الصوف و فاكهتي و ريحاني ما انبتت الارض للوحوش و الانعام أبيت و ليس لي شيء و اصبح و ليس على وجه الارض احد اغنى مني.

و اما نوح عليه السّلام ففي بعض الروايات انه عمّر الفي سنة و خمسمائة عام و مضى من الدنيا و لم يبن فيها بيتا،و روى انه كان يسكن هو و عياله تحت ظل الشجر فلما كبر سنه قال يا رب إئذن لي ببناء بيت يقيني الحر و البرد فاذن له ان يبني بيتا اذا نام فيه يكون نصفه في الظل و نصفه في الشمس فبناه فقد كان يوما جالسا خارج ذلك البيت فأتاه ملك الموت و قال يا نوح انتهى عمرك فقال نوح يا ملك الموت إئذن لي حتى انتقل من الشمس الى الظل فلما انتقل قال يا ملك الموت ما ارى عمري هذا الذي مضى الا هذه الساعة التي انتقلت فيها من الشمس الى الظل.

و في الروايات ان نبيا من بني اسرائيل مرّ على عابد يعبد اللّه على رأس جبل في وهج الشمس،فقال له يا عبد اللّه لم لا تصنع لك ظلا يقيك من الشمس فقال نعم يا اخي قد مرّ قبلك نبي فطلبت منه ان يسأل ربه عن قدر بقية عمري،و اخبرني انه قد بقي منه سبعمائة عام فقلت لهذا العمر القليل اصنع ظلالا و اشتغل تلك الساعة عن عبادة ربي فتركته فقال له النبي يا عابد كيف لو ترى اناسا في آخر الزمان اعمارهم لا تزيد على المأة و مع هذا يبنون البيوت بالجصّ و الصخر فقال يا رسول اللّه لو اتيت في زمانهم لقطعت ذلك العمر القليل بسجدة واحدة.

و اما نبينا صلّى اللّه عليه و آله فقد خرج من الدنيا و لم يضع لبنة على لبنه و رآى صلّى اللّه عليه و آله رجلا من اصحابه يبني بيتا بجصّ و آجر فقال عليه السّلام الامر اعجل من هذا و اما ابراهيم عليه السّلام فقد كان لباسه الصوف و أكله الشعير و اما يحيى بن زكريا عليهما السّلام فقد كان لباسه الليف و اكله ورق الشجر و اما سليمان عليه السّلام فقد كان مع ما هو فيه من الملك يلبس الشعر و اذا جنّه الليل شدّ يديه الى عنقه فلا يزال قائما باكيا حتى يصبح و كان قوته من سفائف الخوص يعملها بيده.

و اما نبينا صلّى اللّه عليه و آله فروى انه اصابه يوما الجوع فوضع على بطنه حجرا ثم قال الا رب مكرم لنفسه و هو لها مهين الا رب مهين و هو لها مكرم،الا رب نفس جائعة عارية في الدنيا طاعمة في الاخرة،ناعمة يوم القيامة،الا رب كاسية ناعمة في الدنيا جائعة عارية يوم القيامة،الا رب متنعم متخوّض فيما أفاء اللّه على رسوله ما له في الاخرة من خلاق.

ص:209

و اما سيد الموحدين عليه السّلام فحاله في الزهد اشهر من ان يذكر قال سويد بن غفلة دخلت على امير المؤمنين عليه السّلام بعد ما بويع بالخلافة و هو جالس على حصير صغير ليس في البيت غيره، فقلت يا امير المؤمنين بيدك بيت المال و ليس ارى في بيتك شيئا مما يحتاج اليه البيت،فقال يا ابن غفلة ان اللبيب لا يتأثث في دار النقلة و لنا دار أمن قد نقلنا خير متاعنا اليها،و انا عن قليل اليها صائرون،و كان عليه السّلام اذا اراد ان يكتسى دخل السوق فيشتري الثوبين فيخير قنبرا بأجودهما و يلبس آخر،ثم يأتي النجار فيمدّ له احدى كميّه و يقول خذها بقدومك تخرج في مصلحة اخرى و يبقى الكم الاخرى بحالها و يقول هذه نأخذ فيها من السوق للحسن و الحسين عليهما السّلام.

و من هذا جمع بعض المحققين بين الاخبار بحمل الاخبار الدالة على استحباب لبس الخشن و اكل الجشب على من يعرف من نفسه النخوة و العجب و جماحة (1)لنفس فيكون ذلك المأكل و الملبس سوطا تخوفها به و تسوقها الى موافاة الاخيار،و اما من عرف من نفسه عكس هذا فيكون الاولى له استعمال نعم اللّه عليه من الملابس و الملاذّ و نحوهما،فان حالات النفس عجيبة فهي كحمار السوء ان جاع نهق و ان شبع زقط،فان اردت ان تعرفها فانظرها وقت ارادتها شهوتها فانك لو توسلت اليها بالانبياء و المرسلين و عرضت عليها الجنة و النار،و قلت لها هذه الجنة ان تركت هذا الذنب فهي مهيأة لك و ان فعلت فأنت من الداخلين الى هذه النار كانت حريصة على الاتيان بذلك الذنب و تركت كل تلك الوسائل و لو كانت جايعة(عر) عوصتها عن(على خ)تلك الوسائل رغيفا من خبز الشعير اقلعت عن ذلك الذنب و رضيت بذلك الرغيف فانظر كيف صار عندها رغيف الشعير احسن من وسيلة الانبياء و الجنة و النار و الحور العين،ما هذا الا عجب عجيب و امر غريب.

و اما الناصبي و احواله و احكامه فهو مما يتمّ ببيان امرين الاول في بيان معنى الناصب الذي ورد في الاخبار انه نجس و انه شرّ من اليهودي و النصراني و المجوسي و انه كافر نجس باجماع علماء الامامية رضوان اللّه عليهم فالذي ذهب اليه اكثر الاصحاب هو ان المراد به من نصب العداوة لآل بيت محمد صلّى اللّه عليه و آله و تظاهر ببغضهم كما هو الموجود في الخوارج و بعض ما وراء النهر و رتبوا الاحكام في باب الطهارة و النجاسة و الكفر و الايمان و جواز النكاح و عدمه على الناصبي بهذا المعنى.

و قد تفطنّ شيخنا الشهيد الثاني قدّس اللّه روحه من الاطلاع على غرائب الاخبار فذهب الى ان الناصبي هو الذي نصب العداوة لشيعة اهل البيت عليهم السّلام و تظاهر بالرقوع فيهم

ص:210


1- (1) جمح جمحا و جماحا و جموحا الفرس:تغلي على راكبه و ذهب به لا ينثني استعصى فهو جامع بلفظ واحد للمذكور لمؤنث جمع جوامع و منه جمحت المرأة زوجها اذا تركته و غادرت بيته الى اهلها.

كما هو حال اكثر المخالفين لنا في هذه الاعصار في كل الامصار،و على هذا فلا يخرج من النصب سوى المستضعفين منهم و المقلدين و البله و النساء و نحو ذلك و هذا المعنى هو الاولى، و يدلّ عليه ما رواه الصدوق قدس اللّه روحه في كتاب علل الشرايع باسناد معتبر عن الصادق عليه السّلام قال ليس الناصب من نصب لنا اهل البيت لانك لا تجد رجلا يقول انا ابغض محمدا و آل محمد و لكن الناصب من نصب لكم و هو يعلم انكم تتولونا و انكم من شيعتنا و في معناه اخبار كثيرة.

و قد روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله ان علامة النواصب تقديم غير عليّ عليه و هذه خاصة شاملة لا خاصة و يمكن ارجاعها ايضا الى الاول بأن يكون المراد تقديم غيره عليه على وجه الاعتقاد و الجزم ليخرج المقلّدون و المستضعفون فان تقديمهم غيره عليه انما نشأ من تقليد علمائهم و آبائهم و اسلافهم و الا فليس لهم الى الاطلاع و الجزم بهذا سبيل.

و يؤيد هذا المعنى ان الائمة عليهم السّلام و خواصهم اطلقوا لفظ الناصبي على ابي حنيفة و امثاله مع ان ابا حنيفة لم يكن ممن نصب العداوة لاهل البيت عليهم السّلام بل كان له انقطاع اليهم و كان يظهر لهم التودد نعم كان يخالف آرائهم و يقول قال علي و انا اقول،و من هذا يقوى قول السيد المرتضى و ابن ادريس قدّس اللّه روحيهما و بعض مشائخنا المعاصرين بنجاسة المخالفين كلهم نظرا الى اطلاق الكفر و الشرك عليهم في الكتاب و السنة فيتناولهم هذا اللفظ حيث يطلق، و لانك قد تحققت ان اكثرهم نواصب بهذا المعنى.

الثاني في جواز قتلهم و استباحة اموالهم قد عرفت ان اكثر الاصحاب ذكروا للناصبي ذلك المعنى الخاص في باب الطهارات و النجاسات و حكمه عندهم كالكافر الحربي في اكثر الاحكام و اما على ما ذكرناه له من التفسير فيكون الحكم شاملا كما عرفت روى الصدوق طاب ثراه في العلل مسندا الى داود بن فرقد قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام ما تقول في قتل الناصب؟قال حلال الدم لكني اتقي عليك فان قدرت ان تقلب عليه حائطا او تغرقه في ماء لكي لا يشهد به عليك فافعل فقلت فما ترى في ماله؟قال خذه ما قدرت.

و روى شيخ الطائفة نوّر اللّه مرقده في باب الخمس و الغنائم في كتاب التهذيب بسند صحيح عن مولانا الصادق عليه السّلام قال خذ مال الناصب حيث ما وجدت و ابعث الينا بالخمس و روى بعده بطريق حسن عن المعلّى قال مال الناصب حيث وجدت و ابعث الينا بالخمس قال ابن ادريس(ر ه)الناصب المعنى في هذين الخبرين اهل الحرب لانهم ينصبون الحرب للمسلمين،و الا فلا يجوز اخذ مال مسلم و لا ذمي على وجه من الوجوه انتهى و للنظر فيه مجال:

ص:211

اما اولا فلان الناصبي قد صار في الاطلاقات حقيقة في غير اهل الحرب و لو كانوا هم المراد لكان الاولى التعبير عنهم بلفظهم من جهة ملاحظة التقية لكن لما اراد عليه السّلام بيان الحكم الواقعي عبّر بما ترى و اما قوله لا يجوز اخذ مال مسلم و لا ذمي فهو مسلّم و لكن انّى لهم و الاسلام و قد هجروا اهل بيت نبيهم المأمور بودادهم في محكم الكتاب بقوله تعالى قل لا اسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى فهم قد انكروا ما علم من الدين ضرورة و اما اطلاق الاسلام عليهم في بعض الروايات فلضرب من التشبيه و المجاز و التفاتا الى جانب التقية التي هي مناط هذه الاحكام.

و في الروايات ان علي بن يقطين و هو وزير الرشيد قد اجتمع في حبسه جماعة من المخالفين و كان من خواص الشيعى فأمر غلمانه و هدموا سقف المحبس على المحبوسين فماتوا كلهم و كانوا خمسمائة رجل تقريبا فاراد الخلاص من تبعات دمائهم فأرسل الى الامام مولانا الكاظم عليه السّلام فكتب عليه السّلام اليه جواب كتابه بأنك لو كنت تقدمت اليّ قبل قتلهم لما كان عليك شيء من دمائهم و حيث انك لم تتقدم اليّ فكفر عن كل رجل قتلته منهم بتيس و التيس (1)خير منه فانظر الى هذه الدية الجزيلة التي لا تعادل دية اخيهم الاصغر و هو كلب الصيد فان ديته عشرون درهما و لا دية اخيهم الاكبر و هو اليهودي او المجوسي فانها ثمانمائة درهم و حالهم في الاخرة اخسّ و انجس.

بقي الكلام في احوال جماعة يسمّون القلندرية و حالهم انهم يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب كما قال عليه السّلام في بيان احوالهم فأبدانهم و وجوههم مسودة و قلوبهم اشدّ سوادا، و قد تركوا الكسب و طلب المعايش المأمور بهما و اقبلوا على الادبار و صاروا كلا على الناس اينما كانوا يتكففون الارزاق من جماعة ضعيفي الابدان و قوتهم و ابدانهم اشد من اغلب الناس،و حالهم في ترك العبادات خصوصا الصلاة مشهور حتى انه ورد في امثال العوام ان شيئين لا يطرقان ابواب السموات صعودا خبز الملاّ و صلاة القلندر و من اقبح اعمالهم اللواط و اضلال اولاد الناس من اهاليهم ليصحبونهم معهم،فهؤلاء كالصوفية بل هم اقبح افعالا منهم.

و قد صنّف بعض العلماء ممن قارب عصرنا رسالة شبّه فيها الدنيا برجل له رأس و قلب و يدان و رجلان الى غير ذلك من الاعضاء فشبّه الملوك بأنهم راسه و العلماء بأنهم قلبه و جعل اهل كلّ صنعة عضوا من اعضائه لان كل احد تراه فله دخل في الجملة في تمشية هذا العالم و لما اتى الى جماعة القلندرية و اشباههم شبّههم بشعر العانة و الابطين بجامع انهم لا يدخلون في

ص:212


1- (1) التيس من الغر و الجمع تيوس و اتياس.

تمشية هذا العالم بوجه من الوجود و ان الذي يصدر منهم الاضرار بالناس فهم كالشعر المذكور اذا طال فكما ان علاج دفع الشعر في ازالته بالنورة(و غيرها)نحوها فكذا ينبغي ازالة هؤلاء من وجه الارض حسما لمادة فسادهم و كثيرا ما رأوهم يشربون الخمر بدل الماء و الانسان يحسب انه ماء و كثيرا ما يكلفون الناس بالتكاليف الشاقة بان يصعدوا على مرتفع او يقفوا الى ميدان فيطلبون(فيطلبوا خ)اشياء كثيرة من الدراهم و الاقمشة و المأكولات و نحوها،و يريدون كلما طلبوا من شخص واحد،و ربما بقوا على هذه الحالة سنين و اعوام خذلهم اللّه و اخزاهم و اكثرهم يتعمد رواية قصيدة او نحوها في مدح امير المؤمنين او احد الائمة عليهم السّلام ليجعلها وسيلة الى تكففه الناس و سؤالهم و ايصالهم الضرر اليهم.

فان قلت قد ورد في الاخبار ان من تبسم في وجه تارك الصلوة فكأنما هدم البيت المعمور سبع مرات و كأنما قتل الف ملك من الملائكة المقربين و الانبياء المرسلين و لا ايمان لمن لا صلاة له و لا حظّ في الاسلام لمن لا صلاة له،و من احرق سبعين مصحفا و قتل سبعين نبيا،و زنا امّه سبعين مرة و افتض سبعين بكرا بطريق الزنا فهو اقرب الى رحمة اللّه من تارك الصلوة متعمدا، و من اعان تارك الصلوة بلقمة او كسوة فكأنما قتل سبعين نبيا،و من أخر الصلوة عن وقتها او تركها حبس على الصراط ثمانين حقبا كل حقبة ثلثمائة و ستون يوما كل يوم كعمر الدنيا فمن اقامها اقام الدين و من تركها فقد هدم الدين،فاذا قد روى مثل هذا فهل يباح اعطاء السائل الذي يظن او يعلم بالعادات تركه للصلوة؟

قلت هذه المسألة مشكلة و الكلام فيها يحتاج الى تأمل و تفكر و الذي يقتضيه ظاهر النظر هو ان الاصحاب رضوان اللّه عليهم قيّدوا الاخبار الدالة على تكفير تارك الصلوة بتاركها عمدا مستحلا لذلك الترك و من ثم ترتبت هذه العقوبات على ذلك الترك و لكن الاحاديث الواردة بكون تارك الصلوة كافرا خالية من هذا القيد بل ربما دلت على خلافه.

كما رواه الصدوق قدس اللّه روحه عن مسعدة بن صدقة قال سأل ابو عبد اللّه عليه السّلام ما بال الزاني لا تسميه كافرا و تارك الصلوة تسميه كافرا و ما الحجة في ذلك؟فقال لان الزاني و ما اشبهه انما يفعل ذلك لمكان الشهوة لانها تغلبه،و تارك الصلوة لا يتركها الا استخفافا بها و ذلك لانك لا تجد الزاني يأتي المرأة الا و هو مستلذ لاتيانه اياها قاصدا اليها و كل من ترك الصلوة قاصدا لتركها فليس يكون قصده لتركها اللذة فاذا نفيت اللذة وقع الاستخفاف و اذا وقع الاستخفاف وقع الكفر،فانه لو كان المراد الاستحلال لم يبق فرق بين الزاني و بين تارك الصلوة.

ص:213

و ايضا فانه من البعيد ان يدخل انسان في دين الاسلام و ينشأ عليه و يكون مستحلا لترك الصلوة و ذلك لانها من اضرّ ضروريات الدين فمن استحل تركها فمن اين له الدخول في الاسلام نعم ينبغي ان يقيد الترك المحكوم بكفر صاحبه بكونه على وجه الاستخفاف بها و الرغبة عنها لان تركها كما يمكن ان يكون على هذا الوجه يمكن ان يكون على وجه آخر مثل تركها للاشغال الدنيوية او للسأمة و الملال فيكون الترك على هذا فسقا و على ذلك كفرا و اما معنى الكفر فليس المراد به المعنى المصطلح الذي يقبه ترتب الاحكام عليه كالنجاسة و نحوها.

بل روى في الاحاديث المعتبرة ان الايمان درجات و الكفر درجات روى شيخنا الكليني قدس اللّه روحه عن عبد العزيز القراطيسي قال قال لي ابو عبد اللّه عليه السّلام يا عبد العزيز ان الايمان عشر درجات بمنزلة السلم (1)يصعدونه مرقاة بعد مرقاة فلا يقولن صاحب الاثنين لصاحب الواحد لست على شيء حتى تنتهي الى العاشرة فلا تسقط من هو دونك فيسقط من هو فوقك و اذا رأيت من هو اسفل منك بدرجة فارفعه اليك برفق و لا تحملن عليه ما لا يطيق فتكسره فان من كسر مؤمنا فعليه جبره.

و في حديث آخر رواه عن الصادق عليه السّلام قال ان من المسلمين من له سهم من الايمان و منهم من له ثلاثة اسهم و منهم من له اربعة اسهم و منهم من له خمسة اسهم و منهم من له ستة اسهم،و منهم من له سبعة اسهم فلا ينبغي ان يحمل صاحب السهم على ما عليه صاحب السهمين و لا صاحب السهمين على ما عليه صاحب الثلاثة و لا صاحب الثلاثة على ما عليه صاحب الاربعة و لا صاحب الاربعة على ما عليه صاحب الخمسة،و لا صاحب الخمسة على ما عليه صاحب الستة و لا صاحب الستة على ما عليه صاحب السبعة.

و سأضرب لك مثلا ان رجلا كان جار و كان نصرانيا فدعاه الى الاسلام و زيّنه له فأجابه فأتاه سحرا فقرع عليه الباب فقال له من هذا؟قال انا فلان قال و ما حاجتك قال توضأ و البس ثوبيك و مر بنا الى الصلوة قال فتوضأ و لبس ثوبيه و خرج معه قال فصليا ما شاء اللّه ثم صليا الفجر ثم مكثا حتى اصبحا فقام الذي كان نصرانيا يريد منزله فقال له الرجل الى اين تذهب النهار قصير و الذي بينك و بين الظهر قليل قال فجلس معه الى الصلوة الظهر ثم قال و ما بين الظهر و العصر قليل قال فاحتبسه حتى صلّى العصر قال ثم قال و ما بين الظهر و العصر قليل فاحتبسه حتى صلّى العصر قال ثم قام و اراد ان ينصرف الى منزله فقال له هذا آخر النهار و اقل من اوله فاحتبسه حتى صلى المغرب ثم اراد ان ينصرف الى منزله فقال له انما بقيت صلاة واحدة،قال فمكث حتى صلى العشاء الاخرة،ثم تفرقا فلما كان سحيرا غدا عليه فضرب

ص:214


1- (1) يصعد منه خ 1.

عليه الباب فقال من هذا؟قال انا فلان قال و ما حاحتك؟قال توضأ و البس ثوبيك و اخرج فصلّ قال اطلب لهذا الدين من هو افرغ مني و انا انسان مسكين و عليّ عيال قال فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام ادخله في شيء اخرجه منه،او قال ادخله من هذا و اخرجه من مثل هذا.

و الاخبار الواردة بهذا المعنى كثيرة جدا و كذلك مراتب الكفر مقابلة لمراتب الايمان فالمؤمن اذا كان في المرتبة العاشرة مثلا من مراتب الايمان الذي هي منتهاه و سقط منها بترك ما يوجب الترقي اليها دخل في المرتبة الاولى من مراتب الكفر،و هكذا يخرج من عالي الايمان و يدخل في اول الكفر و يتضح على هذا معنى قوله تعالى و للّه على الناس حجّ البيت من استطاع اليه سبيلا و من كفر بعد ذلك حيث سمى تارك الحج كافرا فانه ليس المراد به الكفر المصطلح الذي هو آخر مراتب الكفر بل المراد احدى درجاته الاولية التي دخل بها بسبب ترك مثل هذا الواجب و كذلك ما ورد في الكتاب و السنة من اطلاق الكفر على من ترك شكر نعمته سبحانه و تعالى و نحو ذلك من الاخبار المتضمنة لاطلاق الكفر على من اتى بذنب خاص من الذنوب.

و قد اشكل مثل هذا الاطلاق على بعض علمائنا حتى الجأته الضرورة الى ارتكاب التأويل في الفاظ الكفر اينما وردت و حينئذ فقوله تارك الصلوة كافر المراد بالترك تركها استخفافا كما سبق في رواية الصدوق و المراد بالكفر احد درجاته و مراتبه و حينئذ فقوله و من اعان تارك الصلوة بلقمة او كسوة المراد به تاركها استخفافا بشرط ان يعلم منه تركها.

و اما من تناله الالسن او من ظنّ به الترك في مجاري العادات فالظاهر انه غير داخل في هذا الحكم،لان الاصل في المؤمن حسن الحال و العدالة مع ما ورد من النهي عن التجسس عن احوال المسلمين و اوضاعهم،و اما قوله و من تبسم في وجه تارك الصلوة(ا ه)فهو على ظاهره و ذلك ان من درجات الامر بالمعروف و النهي عن المنكر هو ان تلقى اهل المعاصي بوجه مكفهر،كما جاء في الرواية فاذا لقيته متبسما فقد ضيعت واجبا و أتيت بحرام لان لازم التبسم التودد و المحبة.

بقي الكلام في جواز اطلاق الكافر على تارك الصلوة استخفافا و تهاونا على تارك الحج او نحوهما مما ورد في الروايات اطلاق هذا اللفظ عليه و هو لا يخلو من إشكال و ذلك ان كثيرا من الاحكام ورد في الروايات لها حكم و لا نقدر نحن على اطلاق ذلك الحكم او اللفظ على من اطلق عليه مثلا ورد من بات وده في بيت فهو ملعون و من سافر وحده فهو ملعون و من اكل زاده وحده فهو ملعون الى غير ذلك و لا يجوز لنا لعن من اتى شيئا من هذه الامور،و ذلك انه يجوز ان يكون الشارع اطلق عليه مثل هذه الالفاظ و تلك تغليظا عليه حتى لا يقدم على

ص:215

ارتكاب تلك الامور المنهي عنها.

كما ورد عنه صلّى اللّه عليه و آله انه قال لو شهدت جنازة شارب الخمر لما صليت عليه،مع وجوبها علينا اجماعا و لما مات رجل من الصحابة مديونا و حضر النبي صلّى اللّه عليه و آله جنازته ما صلى عليه حتى ضمن دينه امير المؤمنين عليه السّلام و روى انه صلّى اللّه عليه و آله همّ باحراق جماعة ما كانوا يحضرون الجماعة معه و قد كانوا يصلون في بيوتهم الى غير ذلك،و ذلك ان صاحب الشرع يجوز له السياسات في الافعال و الاقوال حتى ترتدع الخلائق من اول الامر عن ذلك القبيح.

خاتمة هذا الكلام [في مراتب الإيمان]

قد عرفت ان للايمان درجات و احوالا و ينبغي ان تعلم ايضا انه قد ورد الخلاف بين علماء الاسلام في حقيقة الايمان و المذاهب فيه ثمانية:

الاول انه التصديق القلبي بما علم ثبوته من الدين و ضرورة كالتوحيد و النبوة و البعث و هذا هو مذهب جمهور الاشاعرة،الثاني ضمّ التصديق اللساني و هو مذهب الحنفية و عليه اكثر اصحابنا رضوان اللّه عليهم،الثالث ما ذهب اليه الكرامية من انه التصديق اللساني وحده.

الرابع اضافة الاعمال الى ما تقدم و هو قول المعتزلة و الخوارج و بعض علمائنا الخامس ما ذهب اليه جهم بن صفوان من انه المعرفة باللّه تعالى،السادس انه معرفة اللّه سبحانه و ما جاء به الرسول صلّى اللّه عليه و آله اجمالا و اليه صار بعض علماء(فقهاء خ)الجمهور،السابع انه الطاعات المفترضة من الافعال و التروك دون النوافل و عليه الجبائيان،الثامن انه الطاعات كلها فرائضها و نوافلها.

و الذي يفهم من تتبع كلام الطاهرين عليهم السّلام ان النزاع الواقع بين الملل لفظي و ذلك انه قد ورد في الاخبار اطلاق الايمان على امور متفاوتة و درجات متباينة،و كل واحد من تلك الاقوال الثمانية يندرج في اطلاق من تلك الاطلاقات.

منها اطلاقه على ما يرادف الاسلام فيتناول بهذا الاطلاق جميع المسلمين و هو بهذا المعنى كثير الوقوع في الكتاب و السنة و لا فايدة له سوى حقن الدماء و حفظ الاموال في الدنيا، و اما في الاخرة فصاحبه مخلّد في النيران بالاجماع و منها اطلاقه على التصديق القلبي و الاقرار اللساني كما يكون في فسّاق المؤمنين الذين اصروا على ترك الاعمال و فائدته في الاخرى ان لا يخلد في النار و اما اصل الدخول فقد اختلف فيه لاختلاف الاخبار و مدلول الكثير منها ان مثل هذا المؤمني يدخل النار لكنه لا يخلد فيها.

ص:216

و منها اطلاقه على ما ذكر مع ترك الكبائر و فعل الفرائض التي يكون تركها كبيرة كالصلوة الزكوة و الحج،و على هذا قد دلّت الاخبار الكثيرة و غايته دخول الجنة،و قد عرفت ان ما روى من ان تارك الصلوة و الحج كافر فالمراد بكفره خروجه عن هذه المرتبة.

و منها اطلاقه على جميع الاعتقادات مع الاتيان بالواجبات و ترك المحرمات،و يترتب عليه مع ما سبق رفع الدرجات و الاقبال عليه بالكرامات و قد تحققت ايضا ان ما ورد من ان من فعل محرما من المحرمات خرج من الايمان يكون المراد به خروجه عن هذه المرتبة و منها اطلاقه على ما ذكر مع الاتيان بالمستحبات و ترك سائر المكروهات و فائدته تضاعف الدرجات و ما روى من ان من كان يؤمن باللّه فلا ينامنّ وحده او فلا يأكلنّ وحده أو فلا يبعث بحليلته الى الحمام،منزّل على هذه الدرجة من الايمان.

و منها اطلاقه على ما ذكر مع التوجه بكله الى عالم الملكوت و صرف الوقت في الاقبال على جنابه سبحانه و تعالى و هذا هو الايمان الكامل الذي لما وصفه امير المؤمنين عليه السّلام لهمام لم يطق سماعه بل غشى عليه و هذه المرتبة ينافيها فعل المباحات و من هذا تاب الانبياء و الائمة عليهم السّلام مما ينافيها من هذه الافعال و عدّوها ذنوبا،كما قال عليه السّلام حسنات الأبرار سيئات المقربين،و يدل على تنوع الأيمان ما رواه شيخنا الكلينى قدس اللّه روحه باسناد الى الزبيرى عن إبي عبد اللّه عليه السّلام قال قلت له أيها العالم أخبرني أى الأعمال أفضل عند اللّه،قال ما لا يقبل اللّه شيئا الا به، قلت و ما هو؟قال الأيمان باللّه الذي لا اله إلا هو أعلى الإيمان درجة و أشرفها منزلة و أسناها حظا قال قلت أ لا تخبرني عن الايمان اقول هو و عمل أم قول بلا عمل فقال الايمان عمل و القول بعض ذلك العمل بفرض من اللّه بيّن في كتابه واضح نوره ثابتة حجته يشهد له الكتاب و يدعوه اليه قال قلت صفه لي جعلت فداك قال الايمان حالات و درجات و طبقات و منازل فمنه التام المنتهي تمامه و منه الناقص البيّن نقصانه و منه الراجح الزائد رجحانه قلت ان الايمان ليتمّ و يزيد و ينقص؟قال نعم،قلت كيف ذلك،قال ان اللّه تبارك و تعالى فرض الايمان على جوارح بن آدم و قسمه عليها و فرّقه عليها فليس من جوارحه جارحة الا و قد و كلّت من الايمان بغير ما وكلت به اختها فمنها قلبه الذي يعقل و يفقه و يفهم و هو امير بدنه الذي لا ترد الجوارح و لا تصدر الا عن رأيه و امره و ساق الحديث و ذكر فيه تكاليف الاعضاء كلها و الحديث طويل.

و يفيد ما تقدم توضيحا انه قد وقع في كلام الطاهرين عليهم السّلام تشبيه الايمان بشخص مشتمل على جميع ما في غيره من الاعضاء و الجوارح و المزينات و المحسنات فمن تلك الاعضاء اعضاء يكون قوام ذلك الشخص و وجوده به كالرأس و القلب و بازائها من الايمان التصديق القلبي و الاقرار اللساني و منها ما يكون به جلب منافعه و دفع مضاره لا اصل وجوده كاليدين

ص:217

و الرجلين و نحوهما و بازائها من الايمان فعل الواجبات و ترك المحرمات و منها ما يكون له مدخل في تحسين صورة الشخص و تزيينها كالحاجبين و اهداب العينين،و نحوهما و بأزائه من الايمان فعل المستحبات و ترك المكروهات و الى هذا ينظر قول سيد الساجدين عليه السّلام في دعائه و حلّني بحلية المتقين.

و اما تزايده و نقصانه كما جاء في ذلك الحديث فانما يجيء من تزايد الاعمال و نقصانها و ذلك انه قد ورد في الاحاديث تشبيه الايمان بالعين النابعة و لا ريب ان زيادة ماء العين و نقصانه انما يكون بتشريع الانهار و شقّها منه حتى يجري منها الماء على وجه الارض فلا تعفنها الرياح و كذلك عين الايمان النابعة من القلب تحتاج الى تشريع انهار تجري منها على الجوارح و الاعضاء فان كل عضو من الاعضاء بمنزلة نهر من انهار العين و ايضا العين تحتاج في كل زمان الى تنقيتها من الحماة المفسدة و مما يعرض لها بتطاول الايام و كذلك عين الايمان تحتاج الى التنقية مما يفسدها من حمأة الحسد و النفاق و الرياء و الكبر و العجب حتى يصفو ماءها فيبلغ به الصفاء الى قوله لو كشف الغطاء لما ازددت يقينا.

و اعلم انه قد ظهر من التحقيق السابق النزاع لفظي و ذلك ان للايمان مراتب فكل واحد من الاقوال الثمانية عبارة عن درجة من درجات الايمان نعم يمكن ان يكون النزاع معنويا في صورة من الصور و هي ما روى في قضاء حوائج المؤمن و مواساته و اعانته و زيارته و نحو ذلك في ان المراد بهذا المؤمن صاحب أي درجة من الدرجات الايمانية قال شيخنا المعاصر ادام اللّه ايامه المراد من انضمت اعماله و تركه الكبائر الى حسن اعتقاده و ذلك لان الفاسق لا حرمة له عند اللّه سبحانه حتى يرغب في قضاء حوائجه كل ذلك الترغيب و هو كما قال.

لكن يبقى الكلام في ان من علم منه الفسق امس أ يحكم عليه اليوم بأنه فاسق ام لا؟ ذهب اليه اكثر الاصوليين الى الاول عملا بالاستصحاب و المستفاد من تتبع الاخبار عدم جواز الحكم عليه بالفسق الماضي و ذلك ان التوبة قائمة الاحتمال في كل ساعة فيجوز ان يكون قد تاب عن ذلك الذنب و يؤيد هذا ما ورد في دعاء صلاة الاموات من قوله عليه السّلام اللهم انا لا نعلم منه إلا خيرا،و ذلك ان الفاسق قد علم منه غير الخير فما وجه هذا الدعاء حينئذ؟و اجاب عنه المحققون بما ذكرنا و هو ان احتمال التوبة قائم فلعله قد تاب عن ذلك القبيح،و الايمان منه معلوم فخيره معلوم و شرّه غير معلوم لان ادنى الحال ان يشك في توبته و اذا قام الشك بطل العلم و حيث انك عرفت الفرقة الناجية فلا بد لك من الدخول في اعمالها و اشرف الاعمال هو الطهارة و الصلوة فلنعقد لهما نورا بانفرادهما.

ص:218

نور في الطهارة و الصلوة.

اعلم ان الطهارة الشرعية وضوء و غسل و تيمم في عرف اشرع و في اللغة هي النظافة و ازالة القذر و يجب ان تفكر و تعرف انك انما امرت بتطهير ظاهر الجلد و الثياب مع انهما أبعد عن ذاتك لاجل تطهير ما هو اشرف اعضائك و رئيسها و هو القلب فاجتهد في طهارته بالتوبة من نجاسات المعاصي و النفاق و الحسد و غيرها فان نجاسة الذنوب تؤثر في القلب ازيد مما تؤثره النجاسات الظاهرة بالثوب و البدن و ذلك ان هذه النجاسة تقع على الاعضاء التي يطّلع عليها المخلوقات فاذا صليت بهذه النجاسة الظاهرة مقتك المخلوق الذي هو مثلك و منعك من نظر الاخوة و الصداقة ان كان من اهل الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و اما اذا صليت مع نجاسة القلب مقتك الخالق و منعك من نظر الرحمة التي يترتب عليها سعادة الدارين و ايضا ان نجاسة القلب مما تحدث فيه رينا و وسخا فيعلو القلب حتى يصير منه اسود.

و في الروايات ان ذلك السواد ربما غلب عليه حتى ينتكس ذلك القلب فيصير اعلاه اسفله و اسفله اعلاه و يسمى القلب المنكوس فتكون البدعة في نظره سنّة و السنّة بدعة فيطبع اللّه على قلبه بخواتيم منع الالطاف فيكون ذلك القلب عرشا للشيطان و مناما و موضع استراحة يأمره اذا اراد و ينهاه اذا شاء و هذه الروايات تقلل التعجب من جماعة ينحتون اصناما فيظلون عاكفين على عبادتها و قد كان في زمن الفترة جماعة يعبدون صنما و كان موضوعا في ساحة بينهم فأتاه ثعلبان فبالا عليه ثم انهم عبدوه بعد هذا و ما استنكفوا عن عبادته سوى رجل واحد منهم حيث قال:

أ ربّ يبول الثعلبان برأسه لقد ذلّ من بالت عليه الثعالب

و قال الخوارزمي ما انتفع كافر بمعبوده كانتفاع بني حضرمة فانهم كانوا يصنعون اصناما من التمر فيعبدونها اول النهار فاذا ارتفع النهار جاعوا اكلوها.

و في كفار الهند من يعبد الثور و رأيناهم يأخذون من روثه و يمزجونه بالزعفران و يلطخون به جباههم لقصد التيمن و التبرك و كذلك ما جرى في الاسلام من عبادتهم الثور و العجل و البقرة اعني المتخلفين الثلثة،حيث قدّموهم مع فرط جهلهم في الدين و اخذوا اقوالهم التي اقروا بأنها خلاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما قال الثاني متعتان كانتا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و انا محرمهما و معاقب عليها بكسر القاف مع معاقب و الفتح هو الاوجه.

و يعجبني جواب رجل من الجمهور لما تمتع امرأة فقال له اهل مذهبه كيف تمتعت و قد نهى عنها الخليفة عمر؟فقال ما تمتعت الا بقوله و ذلك انه قال متعتان كانتا على عهد رسول اللّه محللتين فقد اخذت بهذا الخبر من حديثه،و اما قوله فانا احرمهما و اعاقب عليهما فلم اعمل

ص:219

عليه و ذلك لان الاحكام الشرعية قد كملت عند موت النبي صلّى اللّه عليه و آله و لم ينزل الوحي لا على عمر و لا على غيره فمن اين جاء التحريم.

و يحكى في سبب تحريم عمر لمتعة النساء انه قد طلب امير المؤمنين عليه السّلام الى منزله ليلة فلما مضى من الليل جانب طلب منه ان ينام عنده فنام فلما اصبح الصبح خرج عمر من داخل بيته معترضا على امير المؤمنين عليه السّلام بأنك قلت انه لا ينبغي للمؤمن ان يبيت ليلة عزبا اذا كان في البلد،و ها انت هذه الليلة بتّ عزبا فقال امير المؤمنين عليه السّلام و ما يدريك انني بتّ عزبا و انا هذه الليلة قد تمتعت بأختك فلانة فاسرها في قلبه حتى تمكن من التحريم فحرمها،فمن اطاعه في تحريمها او تحريم غيرها فقد عبده و ذلك ان العبادة هي اطاعة المتكلم كما روى في تفسير قوله تعالى اتخذوا احبارهم و رهبانهم من دون اللّه و اللّه ما صاموا و لا صلوا و لا دعوهم الى هذا لما قبول منهم لكن احلّوا لهم حراما و حرموا عليهم حلالا فقبلوا اقوالهم فمن ثم قال اربابا من دون اللّه و بيان قلّة العجب ان قلوبهم التي هي موضع الفيوض الربانية و التوفيقات السبحانية قد اسودت بنجاسات الذنوب فانتكست فمن هذا تراهم يعجبون منّا و من حبنا لاهل البيت و التمسك بشرائعهم و يستحسنون افعالهم القبيحة.

و قد نازعتني نفسي في نقل بعض ما رأيت من علمائهم فمنه انني في عشر الستين بعد الالف سافرت مع سلطان البصرة الى موضع شط بغداد لارادة التنزه فكنت يوما أعقب بعد صلاة الصبح الى ان طلعت الشمس؛فأتانى الخبر انا لسلطان لم يصل الى هذا الوقت فسألت خواصه عن السبب فقالوا ان امام جماعته كان مشغولا في الغسل عن الجنابة و كان اسمه الشيخ يحيى و كان فسطاطه قريبا من فسطاطنا و كان رجلا قد طعن في السن حتى تجاوز الثمانين فتعجبت و قلت ان الامام رجل كبير السن فكيف يحتلم؟فضحك من كان حاضرا من خواصه و قالوا ليس اغتساله من الاحتلام و انما هو من ولد يخدمه اسمه قادر و قد لاط فيه البارحة و ما سخن له الماء الى هذا الوقت فلما فرغ من الغسل مضى الى السلطان و صفّت الصفوف خلفه فكبروا و اقام و صلّى تلك الصلوة المقبولة بذلك الغسل المشروع اعاذنا اللّه من ثوابها و كان ذلك الشيخ شافعيا لا مالكيا حتى يحلل هذا و امثاله.

و من ذلك ايضا ان رجلا من علمائهم و هو الان في تاريخ تأليف الكتاب موجود في مشهد الحسين عليه السّلام و هو امام الجماعة في المشهد المقدس و اسمه ملا حسين و عنده اولاد موجودون رأيناهم و رأينا اباهم و قد حكى لي رجل عابد زاهد اثق بنقله و صلاحه عن ذلك الامام فقال ان هؤلاء اولاده و لما كان وقتهم قبل البلوغ كان الفساق كثيرا ما يأخذونهم الى منازلهم و يلوطون بهم و كان اذا قدم الى ذلك المشهد الشريف جماعة من اروام بغداد ارسلوا

ص:220

الى اولاد ذلك الامام فبقوا عندهم ليلا حتى يخرجوا من المشهد فاتى جماعة من خوّاص ذلك الامام و قالوا له ان اولادك يفعلون هذا الفعل و انت غير عالم به فانهاهم عنه.

فقال لهم قولوا لي الصدق ان احدهم اذا بات ليلة عند من يفعل به ذلك الفعل كم يعطيه درهما؟فقال يعطيه درهمين،فقال لهم ويل لكم و اللّه ان اباهم يعني نفسه الشريفة لما كان في سنهم كان يرضى طول ليلته بنصف درهم فاذا اعطى احدهم درهمين و ما يريد فسكتوا عنه فهذا حال ائمتهم اهل العبادة و الزهادة و الجمعة و الجماعة.

و اما علماؤهم من ارباب المعقول فافضلهم الملا ميرزا جان صاحب الحواشي و التحقيقات و قد كان عنده ولد يلوطون به فأخبره بعض تلاميذه عن حال ابنه فاجاب بان هذا الفعل لا ينقص من قوته الداركة شيئا و الاصل في الانسان تلك القوة و قد خلق لحراستها و اعمالها في العلوم و المعارف و اما هذه الاعضاء اللحمية فلا يبالي العاقل بما يجرى عليها.

و من ذلك ان الشيخ عبد السلام الذي كان في البصرة و بلغ في الزهد و علو الدرجة حتى كتب سلاطينهم اسمه على الاعلام التي تنشر في الحروب فكتبوا عليها لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه الشيخ عبد السّلام و لي اللّه قد صعد المنبر ذات يوم فقال من اراد ان يشتري مكانا من الجنة فليقبل فأقبلت البهائم اليه فباع مواضع الجنة و مساكنها كلا على قدر حاله حتى اخذ منهم اموالا كثيرة فلما فرغ من بيعها اقبل اليه رجل لم يكن حاضرا في البلد فقال يا شيخ اريد ان اشتري مكانا في الجنة و عندي اموال جزيلة ابدلها كلها على مكان فيها فأجابه ذلك الشيخ بأنه لم يبق من الجنة سوى مكاني و مكان دابتي فقال بعني مكانك و اكتف انت بمكان الدابة فباعه مكانه و بقي و لا مكان له في الجنة.

و قد كان هذا الشيخ يصلي ذات يوم في المسجد فقال في اثناء الصلوة كخ كخ فلما فرغ سأله اصحابه عن ذلك القول في الصلوة فقال اني رأيت و انا في الصلوة كلبا قد دخل المسجد الحرام و انتهى الى باب الكعبة فزبرته حتى خرج فتعجب الحاضرون من هذا الكشف العظيم حيث رآى و هو في البصرة كلبا في الكعبة فأتى رجل من الحاضرين الى زوجته و كانت شيعية و ذلك الرجل سني و حكى لها كرامة الشيخ و حثها على متابعة دينه فقالت له ان كنت تريد لتحولني الى دينك فاطلب هذا الشيخ الى الضيافة يوما حتى اتحول الى مذهبك في حضوره ففرح الرجل فواعد الشيخ يوما فقال للمرأة اصنعي هذا اليوم طعاما للشيخ و اصحابه فلما جلسوا وضعت الصحون بين ايديهم و على رأس كل صحن دجاجة و دجاجة صحن الشيخ وضعتها تحت الطعام فلما نظر الى صحنه غضب غضبا شديدا و امتنع عن الاكل و قل كيف ما وضعتم لي دجاجة فكانت المرأة واقفة تنظر الى ما يصنع الشيخ فلما رأت منه حالة الغضب

ص:221

اتت الى صحنه و اخرجت الدجاجة من تحت الطعام،و قالت يا شيخ انك في البصرة و رأيت الكلب وه في مكة حتى قطعت الصلوة لاجله،فكيف لا ترى الدجاجة التي هي امامك و ما بينك و بينها حايل سوى لقمة من الطعام؟فقال ذلك الشيخ هذه رافضية خبيثة،فقام و خرج و رجع زوج المرأة الى دين زوجته.

و من ذلك ان الشيخ حبيب الكهمري قد كان في البصرة و كان من اعاظم عبادهم و زهادهم،و قد كان فيه حصر البول فكان يوما من الايام جالسا مع الناس فأخذه حصر البول فتعصر و تشنجت عروقه و بقى ساعة على ذلك الحال حتى خرج منه من البول ما ابتل منه ثيابه فقالوا له لم جرى عليك هذا الحال؟فقال ان مركبا من مراكب البحر كان قد اشرف على الغرق فرأيته و هو في البحر فتناولت حبال ذلك المركب حتى نجيتهم من الغرق و قد ابتلّ ثوبي من ماء فأتوا الى ثوبه و مسحو ذلك الماء الذي في الثوب على وجوههم و لحاهم تبركا به.

و انه يجبني نقل حكاية فعلها رجل بحراني مع هذا الشيخ و هي ان ذلك الرجل البحراني قال لاصحابه يوما امضوا بنا الى الشيخ حبيب حتى نضحك على لحيته و نأخذ منه مبلغا من الدراهم فقالوا له ما نقدر على هذا الحال فقال لهم لكني انا اقدر فأتوا الى الشيخ و هو جالس بين تلاميذه فسلّم عليه و قال يا شيخ انا رجل من الشيعة و قد امنتك امانة و اريدها الان،فقال و ما هي قال انني كنت في البحر في اليوم الفلاني و قد اشرفت السفينة على الغرق فرمت التجار اموالهم في الماء و قالوا يا ماء هذا امانة الشيخ حبيب،فلما رأيتهم صنعت انا مثلهم و كان مالي الف درهم و اظن الماء لا يخونك في الامانة بل قد اداها اليك فتفكر الشيخ في نفسه و بهائمه جالسة حوله فقال نعم يا بحراني صدقت في كلامك هذا لان البحر في ذلك اليوم قد دفع الى امانات كثيرة من اهل تلك السفينة فعلّم علائم امامك فقال انها مصرورة في خرقة خضراء كذا صفتها و كذا فقال صدقت يا بحراني عندنا هذه الامانة فدخل البيت و وضع دراهم من ماله في خرقة خضراء فأتى بها الى البحراني و دفعها اليه،فقال البحراني نعم هذه امانتا.

و اما الكرامات التي ظهرت من قبور ائمتهم الاربعة فهي اكثر من ان تحصى،و اعظمها الكرامات التي شاهدها الناس من قبر ابي حنيفة و ذلك ان السلطان الاعظم شاه عباس الاول لما فتح بغداد امر بأن يجعل قبر ابي حنيفة كنيفا و قد واقف وقفا شرعيا بغلتين و امر بربطهما على رأس السوق حتى ان كل من يريد الغائط يركبها و يمضي الى قبر ابي حنيفة لقضاء الحاجة.

و قد طلب خادم قبره يوما فقال له ما تخدم في هذا القبر و ابو حنيفة الان في اسفل درك الجحيم؟فقال ان في هذا القبر كلبا اسود دفنه جدّك المرحوم الشاه اسماعيل لما فتح بغداد قبلك

ص:222

فأخرج عظام ابي حنيفة و جعل موضعها كلبا اسود فانا اخدم ذلك الكلب و كان صادقا في مقالته لان المرحوم شاه اسماعيل فعل مثل هذا.

و من كراماته ان حاكم بغداد طلب علماء اهل السنة و عبّادهم و قال لهم كيف الرجل الاعمى اذا بات تحت قبة موسى بن جعفر عليهما السّلام يرتّد اليه بصره و ابو حنيفة مع انه الامام الاعظم لم يسمع له بمثل هذه الكرامة فأجابوه بأن هذا يصدر ايضا من بركات ابي حنيفة فقال لهم احب ان ارى مثل هذا لا كون على بصيرة من ديني فأتوا رجلا فقيرا و قالوا له انا نعطيك كذا و كذا من الدراهم و الدنانير و قل اني اعمى و امش متكيا على العصا يومين او ثلاثة،ثم تبيت ليلة الجمعة عند قبر الامام ابي حنيفة فاذا اصبحت فقل الحمد للّه الذي ردّ عليّ بصري ببركات هذا صاحب القبر فقبل كلامهم ثم لما بات تلك الليلة تحت قبته اصبح بحمد اللّه و هو اعمى لا يبصر شيئا فصاح و قال ايها الناس حكايتي كذا و كذا و انا رجل صاحب عيال و حرفة فاتصل خبره بحاكم البلد فارسل اليه فقص عليه قصته و احتيالهم عليه فالزمهم بما يحتاج اليه من المعايش مدّة حيوته و نحو ذلك من الكرامات التي لا يحتمل هذا الكتاب نقلها و بالجملة فتصديق مثل هذه الخرافات و الاخذ بأقوال هؤلاء الجماعة الحمقى انما نشأ من القلب المنكوس.

و ينبغي ان تذكر بتخلّيك لقضاء الحاجة نقصك و حاجتك و ما تشتمل عليه من الاقذار و ما في باطنك كما قال سيد الموحدين عليه السّلام ابن آدم انّى لك و الفخر فان اولك جيفة و آخرك جيفة و في دار الدنيا حامل الجيف و النجاسات و قال عليه السّلام ما من عبد الا و به ملك موكل يلوي عنقه حتى ينظر الى حدثه ثم يقول له الملك يا ابن آدم هذا رزقك فانظر من اين اخذته و الى ما صار فينبغي ان يقول عند ذلك اللهم ارزقني الحلال و جنبني الحرام.

و قد امر ايضا بقناع الرأس فوق العمامة لاظهار الحياء منه سبحانه فانه على حالة خسيسة كأنه لا يجب ان ينظر اليه احد مثل قاطع الطريق فانه ينقب و يتلثم كي لا يعرف في ذلك الحال فاذا كان على هذه الطريقة في الحياء من النجاسات و الظاهرة فكيف لا يكون كذلك مع النجاسات الباطنة و دفعها و كما ان من اخرج هذه النجاسات الظاهرة و دفعها يحصل له الاستراحة بدفعها و يحصل له الحالة القابلة لدخوله في الصلوة قال الصادق عليه السّلام سمّى المستراح مستراحا لاستراحة النفوس من اثقال النجاسات و استفراغ الكثيفات و القذر فيها فكذلك اذا اخرج النجاسات الباطنة عن باطنه يحصل له الاستراحة المعنوية و يسكن قلبه من دنسها و يخفّ لبّه من ثقلها و يصلح للوقوف على بساط الخدمة و التأهل للمناجاة.

و ايضا قد امرنا الشارع بالانحراف عن القبلة و تجنبها على الحالتين اشارة الى ان الكعبة لما نسبت اليه سبحانه بأنها بيته وجب تعظيمها و تنزيهها حتى عن المواجهة بالبول و الغائط حتى انه

ص:223

روى عن الرضا عليه السّلام من بال حذاء القبلة ثم ذكر فانحرف عنها اجلالا للقبلة و تعظيما لها لم يقم من مقعده ذلك حتى يغفر له فاذا لم يرض سبحانه بمواجهة بيته الحسي المركب من الاحجار و الاخشاب بأن يواجه بالنجاسات مع ان بينه و بينه المسافات البعيدة فكيف يرضى بأن يكون بيته المعنوي و محل معرفته و محبته ملطخا بنجاسات المعاصي،كما قال سبحانه في الحديث لم تسعني سمائي و لا ارضي و لا عرشي و لا كرسيّ و لكن وسعني قلب عبدي المؤمن فجعل قلب المؤمن اجلّ و اوسع من العرش و الكرسي مع ما تقدم من احوالهما فينبغي لمن اراد الوقوف بين يديه تعالى ان يصبّ على قلبه ماء التوبة حتى يطهر ما نجس منه.

و كذا كره الشارع له الاكل على الخلا اشارة الى ان المأكول ينبغي ان يعظمه و ان يقبل عليه و ان يجلس له على احسن الاحوال لانه من اعظم نعمه تعالى،روى ان الباقر عليه السّلام دخل الخلا فوجد لقمة خبز في القذر فأخذها و غسلها و دفعها الى مملوك كان معه فقال تكون لآكلها اذا خرجت فلما خرج عليه السّلام قال للملوك اين اللقمة قال اكلتها يا ابن رسول اللّه قال انها ما استقرت في جوف احد الا وجبت له الجنة فاذهب فانت حرّ،فاني اكره ان استخدم رجلا من اهل الجنة،و هذا حال كل لقمة توجد في القذر فتغسل و توكل فقد نزّه الاكل عن بيت الخلا اذا تحققت هذا كله فاعلم انه قد بقي الكلام في مواضع.

الاول في تحقيق معنى القلب الذي قد امرت بطهارته من الرزائل و الاوساخ و امرت ايضا باحضاره في اوقات العبادات و بسببه تتفاوت مراتب الدرجات قال شيخنا الشهيد الثاني طاب ثراه (1)اعلم ان القلب يطلق على معنيين احدهما اللحم الصنوبري المشكل المودع في الجانب الايسر من الصدر و هو لحم مخصوص و في باطنه تجويف و في ذلك التحويف دم اسود،و هو منبع الروح و معدنه و هذا المعنى من القلب موجود للبهائم بل للميت و ليس هو المراد في هذا الباب و نظائره.

و المعنى الثاني لطيفة ربانية روحانية لها بهذا القلب الجسماني تعلّق و تلك اللطيفة هي المعبّر عنها بالقلب تارة و بالنفس أخرى و بالروح أخرى و بالانسان ايضا،و هي المدرك العالم العارف و هو المخطب و المطالب و المعاقب و لها علاقة مع القلب الجسداني و قد تحير عقول اكثر الخلق في ادراك وجه علاقته و ان تعلقه به يضاهي لتعلق الاعراض بالاجسام و الاوصاف بالموصوفات او تعلق المستعمل للالة بالالة او تعلق المتمكن بالمكان و حيث يطلق القلب في الكتاب و السنة فالمراد منه هذا المعنى الذي يفقه و يعلم.

ص:224


1- (1) قاله في كتابه(اسرار الصلوة)المطبوع كرار.

و قد يكنى عنه بالقلب في الصدر كما قال الهل تعالى فانها لا تعمى الابصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور و ذلك لما عرفت من العلاقة الواقعة بينه و بين جسم القلب فانها و ان كانت متعلقة بسائر البدن و مستعملة له و لكنها تتعلق به بواسطة القلب فتعلقها الاول بالقلب و كأنه محلّه و مملكته و المجرى الاول لتدبيره و تصرفه فهما بالنسبة اليه كالعرش و الكرسي بالنسبة الى اللّه تعالى و لا يستقيم هذا التشبيه الا من بعض الوجوه كما لا يخفى و هذا المعنى من القلب في الجسد بمنزلة الملك.

و له فيه جنود و اعوان و اضداد و اوصاف و له قبول للاشراق و الظلمة كالمرآة الصافية التي تقبل انطباع الصور و الاشكال المقابلة لها،و تقبل الظلمة و الفساد و البعد عن الاعداد لذلك بسبب العوارض الخارجة المنفية لجوهرها و ربما وصل اشراقه و استنارته الى حدّ يحصل فيه جليّة الحق و ينكشف فيه حقيقة الامر المطلوب و الى مثل هذا القلب الاشارة بقوله صلّى اللّه عليه و آله اذا اراد اللّه بعبد خيرا جعل له واعظا من قلبه.

و مثال الاثار المذمومة الواصلة اليه المانعة له من الاستنارة و قبول الاسرار مثال دخان مظلم يتصاعد الى مرآة و لا يزال يتراكم عليه مرة بعد اخرى الى ان يسود و يظلم و يصير بالكلية محجوبا عن اللّه تعالى و هو الطبع و الرين اللذين اشير اليهما في القرآن في قوله ان لو نشاء اصبناهم بذنوبهم و نطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون،ربط عدم السماع و الطبع بالذنوب كما ربط السماع بالتقوى في قوله تعالى و اتقوا اللّه و اسمعوا و قال تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون فمهما تراكمت الذنوب طبع على القلب و عند ذلك يعمى عن ادراك الحق و صلاح الدين و يتهاون بالاخرة و بقصر همه على الدنيا و اذا قرعه سمعه امر الاخرة دخل من اذن و خرج من اخرى،و لم يستقر في القلب و لم يحركه الى التوبة و التدارك.

و هذا هو معنى اسوداد القلب بالذنوب كما نطق به القرآن و السنة كما في قوله صلّى اللّه عليه و آله قلب المؤمن اجود فيه سراج يزهر و قلب الكافر اسود منكوس و قول الباقر عليه السّلام ان القلوب ثلاثة قلب منكوس لا يعي شيئا من الخير و هو قلب الكافر،و قلب فيه نكتة سوداء فالخير و الشر فيه يختلجان فأيهما كانت منه غلب عليه و قلب مفتوح فيه مصابيح تزهر لا يطفى نوره الى يوم القيامة،فانظر الى قوله لا يطفى نوره الى يوم القيامة فانّ هذا حكم نور القلب بالمعنى الثاني لانه باق و ان خرب البدن بخلاف الاول.

و روى زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام قال ما من عبد الا و في قلبه نكتة بيضاء فاذا اذنب ذنبا خرج في النكتة نكتة سوداء فان تاب ذهب السواد و ان تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض فاذا غطّى البياض لم يرجع صاحبه الى خير ابدا و هو قول اللّه عز و جل كلا بل

ص:225

ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون و قال تعالى ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون فأخبر ان جلاء القلب يحصل بالذكر و ان المتقين هم المتذكرون فالتقوى باب الذكر و الذكر باب الكشف و الكشف باب الفوز الاكبر.

و اعلم ان القلب مثاله مثال حصن و الشيطان عدوّ يريد ان يدخل الحصن و يملكه و يستولي عليه و لا يقدر على حفظ الحصن من العدو الا بحراسة ابواب الحصن و مداخله و مواقع تهمه فينبغي الاهتمام بمعرفة ذلك و الامر الجامع له الاقبال على اللّه و تخيّل انه واقف بين يديه فان لم تراه فانه يراك كما في الخبر فاذا اشعرت بذلك و تحققته و عملت به انسدّت الابواب دون و سادس اللعين و اقبل القلب على اللّه تعالى و تفرغ للعبادة.

و قد روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله ان العبد اذا اشتغل بالصلوة جاء الشيطان و قال له اذكر كذا اذكر كذا حتى يضلّ الرجل ان يدرك(يدري خ)كم صلّى و من هيهنا ظهر لك ان مجرد التلفظ بالذكر باللسان ليس هو الزاجر للشيطان بل لا بدّ معه من عمارة القلب بالتقوى و تطهيره من الصفات المذمومة التي هي اعوان ابليس و جنده و الا فالذكر من اقوى مداخل الشيطان و كذلك غيره من العبادات و لذلك قال تعالى ان الذي اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون فخصص ذلك ذلك بالمتقي و تأمل انت في منتهى ذكرك و عبادتك و افضل اعمالك و هو الصلوة فليس الخبر كالعيان فراقب قلبك اذا كنت في الصلوة كيف يتجاذبك الشيطان في الاسواق و البساتين و حساب العاملين و جواب المعاندين و غيرهم،و كيف يمرّ بك في اودية الدنيا و مهالكها حتى انك لا تتذكر ما نسيته في فضول الدنيا الا في صلاتك و لا يزدهم الشيطان على قلبك الا اذا صليت فلا جرم لا يطرد عنك الشيطان بصورة العبادة و ان تأدّى بها الواجب عليك و خرجت من عهدة الامر الالهي بل لا بد في دفعه مع ذلك من اصول اخرى و اصلاح الباطن من الرذائل التي هي اعوانه و جنده و الا لم يرد الا ضررا كما ان الدواء قبل الاحتماء لا يزيد المريض الا مرضا و الما ثم بعد ذلك يتصف بالفضائل و حينئذ يصير قلبه قابلا للاقبال مشفقا من التفريط و الاهمال قال اللّه تعالى الا بذكر اللّه تطمئن القلوب فاجعل هذه العلامة بينك و بين استقامة قلبك و اقباله اوقفنا اللّه و اياك بساط الاستقامة بمحمد و آله انتهى.

اقول ما ذكره طاب ثراه من تجاذب الشيطان في الاسواق مشاهد بالوجدان و يعجبني نقل حكاية حكاها رجل ثقة عادل و هو انه قال اني فكرت في قلبي انه قد جاء في الحديث ان من قبلت منه صلاة ركعتين لا يعذبه بعده فقلت اني امضي الى مسجد الكوفة و انفرد بصلوة ركعتين بحضور القلب و استجماع الشرائط فمضيت اليه و شرعت في صلاة الركعتين و فرّغت

ص:226

قلبي من وساوس الشيطان فعنّ على خاطري ان مسجد الكوفة ليس فيه منارة و لو اراد احد ان يبني فيه منارة فمن اين يأتي بالصخرة و الجص؟

فقلت لعله يستقيم من الموضع الفلاني فاذا بناها البنّاء يتمها في كم يوم و كيف يصنع رأسها فلما فرغت من صلاة الركعتين قارن فراغي من بناء المنارة فظهر لي انما اتيت الى مسجد الكوفة لبناء المنارة لا لصلوة ركعتين.

الموضع الثاني في الاستشهاد على ما ينبغي من احضار القلب في حال العبادة سيّما الصلوة التي هي عمود الدين و رأس الاعمال قال اللّه تعالى الذين هم في صلاتهم خاشعون و قال تعالى فويل للمصلين الذين هم على صلاتهم ساهون ذمهم على الغفلة عنها مع كونهم مصلّين لا لانهم سهوا عنها و تركوها و قال تعالى و الذين يؤتون ما آتوا و قلوبهم و جلة أي يفعلونه في حال قلوبهم و الاتصاف بالوجل حال العمل مستلزم لحضور القلب على اتم وجه و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله الصلوة ميزان من وفى استوفى.

و قال صلّى اللّه عليه و آله اعبد اللّه كأنه تراه فان لم تراه فانه يراك و قال صلّى اللّه عليه و آله اما يخاف الذي يحوّل وجهه في الصلوة ان يحوّل اللّه وجهه وجه حمار و قال صلّى اللّه عليه و آله من صلّى ركعتين لم يحدث فيهما نفسه بشيء من امر الدنيا غفر اللّه له ذنوبه و عنه صلّى اللّه عليه و آله من حبس نفسه في صلاة فريضة فأتمّ ركوعها و سجودها و خشوعها ثم مجّد اللّه عز و جل و عظّمه و حمده حتى يدخل وقت صلاة اخرى لم يبغ بينهما كتب اللّه له كأجر الحاج المعتمر و كان من اهل عليين و عنه صلّى اللّه عليه و آله ان من الصلوة لما يقبل نصفها و ثلثها و ربعها و خمسها الى العشر،و ان منها لما يلفّ كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها و انما لك من صلاتك ما اقبلت عليه بقلبك.

و عن ابي حمزة الثمالي قال رأيت علي بن الحسين عليهما السّلام يصلّي فسقط ردائه عن منكبيه فلم يسوّه حتى فرغ من صلاته قال فسألته من ذلك،فقال ويحك أ تدري بين يدي من كنت ان العبد لا يقبل صلاة الا ما اقبل فيها فقلت جعلت فداك هلكنا فقال كلا ان اللّه يتم ذلك بالنوافل و عن ابي جعفر عليه السّلام قال ان اول ما يحاسب به العبد عن الصلوة فاذا قبلت قبل ما سواها ان الصلوة اذا ارتفعت في وقتها رجعت الى صاحبها و هي بيضاء مشرقة تقول حفظتني حفظك اللّه و اذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت الى صاحبها و هي سوداء مظلمة تقول ضيعتني ضيعك اللّه و عن سفيان قال سألت الصادق عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل الا من اتى اللّه بقلب سليم قال السليم الذي يلقى ربه و ليس فيه احد سواه.

الموضع الثالث في الدواء النافع لحضور القلب اعلم ان المؤمن لا بدّ ان يكون معظما للّه و خائفا و راجيا و مستحيا من تقصيره فلا ينفعك عن هذه الاقوال بعد ايمانه و ان كانت قوتها

ص:227

عنده بقدر قوة يقينه فانفكاكه عنها في الصلوة لا سبب له الا تفرق الفكر و تقسم الخاطر و غيبة القلب عن المناجاة و الغفلة عن الصلوة و لا يلهى عن الصلوة الا الخواطر الواردة الشاغلة.

فالدواء في احضار القلب هو دفع تلك الخواطر و لا يدفع الشيء الا بدفع سببه و سبب توارد الخاطر اما ان يكون امرا خارجا او امرا في ذاته باطنا اما الخارج فما يقرع السمع و يظهر للبصر فان ذلك قد يخطف الهمّ حتى يتبعه و يتصرف فيه ثم ينجرّ منه الفكر الى غيره و يتسلسل و يكون الابصار سببا للافتكار ثم يصير بعض تلك الافكار سببا للبعض الاخر و من قويت رتبته و علت همته لم يلهه ما يجري على حواسه و لكن الضعيف لا بدّ و ان يتفرق به فكره فعلاجه قطع هذه الاسباب بان يغضّ بصره و يصلي في بيت مظلم و لا يترك بين يديه ما شغل حسّه و يقرب من حائط عند صلاته حتى لا تتسع مسافة بصره و يحترز من الصلوة على الشوارع و في المواضع المنقوشة المصنوعة و على الفرش المزينة و لذلك كان المتعبدون يتعبدون في بيت صغير مظلم بقدر ما يمكن الصلوة فيه ليكون ذلك اجمع للهم.

و ينبغي ان لا يعدل الى غمض العينين ما وجد السبيل الى القيام بوظيفة النظر و هي جعله قائما الى موضع سجوده و غيره من الامور المعلومة شرعا فان تعذّر القيام بها مع فتحهما فالغمض اولى لان الفائت من وظيفة الصلوة و صفتها بتقسم الخاطر اعظم منه مع الاخلال بوظيفة النظر.

و ليخطر بباله عند نظره الى موضع سجوده انه واقف بين يدي ملك عظيم يراه و يطّلع على سريرته و باطن قلبه و ان كان هو لا يراه فان التوجه اليه لا يكون الا بوجه القلب و وجه الرأس مثال و مضاف بالتبع و انه يخاف ان ولاه ظهر قلبه ان يطرده عن باب كرمه و يسلبه عن مقام خدمته و يبعده عن جناب قدسه و مقدّس حضرته و كيف يليق بالعبد ان يقف بين يدي سيده و يوليّ ظهره و يجعل فكره في غير ما يطلبه منه و لا ريب في ان هذا العبد مستحق للخذلان مستوجب للحرمان في الشاهد الخسيس و القياس البعيد فكيف في المقصد الاصلي و الملك الحقيقي و قد ورد في الحديث ان اللّه لا ينظر الى صوركم و لكن ينظر الى قلوبكم فبهذا و نظائره تجتمع الهمة و يصفو القلب و ينحصر بالنظر الى الامور الخارجية.

و اما الاسباب الباطنة فانه اشدّ فان من تشعبت به الامور في اودية الدنيا لم يحضر فكره في فنّ واحد بل لا يزال يطير من جانب الى جانب و غضّ البصر لا يعنيه فان ما وقع في القلب كاف في المشغل فهذا طريقه ان يرد النفس قهرا الى فهم ما يقرأه في الصلوة و يشغلها به عن غيره و يعنيه على ذلك ان يستعدّ قبل التحريم بأن يجدد على نفسه ذكر الاخرة و موقف المناجاة و خطر

ص:228

المقام بين يدي اللّه تعالى و هول المطلع و يفرغ قلبه قبل التحريم بالصلوة عمّا يهمه فلا يترك لنفسه شغلا يلتفت اليه خاطره فهذا طريق تسكين الافكار.

فان كان لا يسكن هائج افكاره بهذا الدواء المسكن فلا ينجيه الا المسهل الذي يقمع مادة الداء من اعماق العروق و هو ان ينظر في الامور الشاغلة الصارفة له عن احضار القلب و لا شك انها تعود الى مهماته و انها انما صارت مهمات بشهواته فيعاقب نفسه بالنزوع عن تلك الشهوات و قطع العلائق و كل ما يشغله عن صلاته فهو ضدّ دينه و جند ابليس عدوه فامساكه اضرّ عليه من اخراجه فيتخلص عنه باخراجه و قد روى ان بعضهم صلّى في حائط له فيه شجر فأعجبه ريش طائر في الشجر يلتمس مخرجا فأتبعه نظره ساعة لم يذكر كم صلى فجعل حائطه صدقة ندما و رجاء للعوض عما فاته و هكذا كانوا يفعلون قطعا لمادة الفكر و كفارة لما جرى من نقصان الصلوة فهذا هو الدواء القامع لمادة العلة لا يغني غيره فان ما ذكرناه من التلطف بالتسكين و الرد الى فهم الذكر ينفع في الشهوات الضعيفة و الهمم التي لا تشغل الا حواشي القلب.

فأما الشهوة القلبية المرهقة فلا ينفع فيها التسكين بل لا تزال تجاذبها و تجاذبك ثم تغلبك و تنقضي جميع صلواتك في شغل المجاذبة و مثاله رجل تحت شجرة اراد ان يصفو له فكره فكانت اصوات العصافير تشوش عليه فلم يزل يطيرها بخشبة هي في يده و يعود الى فكره فتعود الى التنفير بالخشبة فقيل له ان اردت الخلاص فاقلع الشجرة فكذلك شجرة الشهوة اذا تفرقت اغصانها انجذبت اليها الافكار انجذاب العصافير الى الاشجار و انجذاب الذباب الى الاقذار و الشغل يطول في دفعهما فان الذباب كلما ذبّ آب و لاجله سمي ذبابا فكذا الخواطر فهذه الشهوات كثيرة و قلما يخلو العبد عنها و يجمعها اصل واحد و هو حبّ الدنيا و ذلك رأس كل خطيئة و منبع كل فساد و من انطوى باطنه على حب الدنيا حتى مال الى شيء لا ليتزود منها و يستعين بها على الاخرة فلا يطعن في ان يصفو له لذة المناجاة في الصلوة فان من فرح بالدنيا فلا يفرح باللّه و بمناجاته و اما من كانت الدنيا معه و ليس معها و انما يصرفها حيث امره اللّه و يستعين بها على طاعة اللّه فلا بأس عليه.

فقد قال صلّى اللّه عليه و آله نعم العون على تقوى اللّه الغنا،الا ان موضع تلبيس ابليس و محل الغرور فهذا هو الدواء و لمرارته استشبعته اكثر الطباع و بقيت العلّة مزمنة و صار الداء عضالا حتى ان الابكار اجتهدوا ان يصلّوا ركعتين لا يحدثوا انفسهم فيها بأمور الدنيا فعجزوا عن ذلك فاذن لا مطمع فيه لامثالنا و ليت سلم من الصلوة شطرها او ثلثها عن الوسواس فنكون ممن خلطوا عملا صالحا و آخر سيئا هذا محصل ما حرره شيخنا الشهيد الثاني(ر ه).

ص:229

و لنشرع الان في اسرار الطهارة فنقول اذا توضأ الانسان للصلوة ينبغي ان يستحضر في قلبه ان اللّه سبحانه امره بغسل هذه الاطراف الظاهرة و تنظيفها لاطلاع الناس عليها و لمباشرتها لامور الدنيوية فلأن يطهر قلبه الذي هو محل اطلاع الخالق بالطريق الاولى قال عليه السّلام ان اللّه لا ينظر الى صوركم و لكن ينظر الى قلوبكم و لانه الرئيس الاعظم لهذه الجوارح،و المستخدم لها في الامور المقربة الى جانب القدس فيكون في الامر بغسل الظاهر برهانا على الامر بغسل الباطن فأمر في الوضوء بغسل الوجه لان التوجه في الاقبال بوجه القلب على اللّه تعالى به و فيه اكثر الحواس الظاهرة التي هي اعظم الاسباب فأمر بغسله ليتوجه به و هو خال من تلك الادناس و يترقى بذلك الى تطهير ما هو الركن الاعظم في القياس ثم امر بغسل اليدين لمباشرتها اكثر احوال الدنيا الدنية ثم بمسح الرأس لان فيه القوة المفكرة التي يحصل بواسطتها القصد الى تناول المرادات ثم بمسح الرجلين لان بهما يتوصل الى مطالبه و يتوسل الى تحصيل مآربه.

و امر في الغسل بغسل جميع البشرة لان ادنى حالات الانسان و اشدها تعلقا بالشهوات حالة الجماع و موجبات الغسل و لميع بدنه مدخل في تلك الحالة و لهذا قال صلّى اللّه عليه و آله ان تحت كل شعرة جنابة فكان جميع بدنه بعيدا عن المرتبة العليّة منغمسا في اللذات الدنية كان غسله اجمع من اهم المطالب الشرعية ليتأهل لمقابلة الجهة الشريفة و الدخول في العبادة المنيفة و لما كان للقلب من ذلك الحظّ الاوفر و النصبي الاكمل كان الاشتغال بتطهيره من الرذائل و التوجهات المانعة من ذلك الفضائل اولى من تطهير تلك الاعضاء الظاهرة عند اللبيب العاقل قال مولينا امير المؤمنين عليه السّلام لا تجوز صلاة امرء حتى يطهر خمس جوارحه الوجه و اليدين و الرأس و الرجلين بالماء القلب بالتوبة و كان الحسين عليه السّلام اذا توضأ تغيّر لونه و ارتعد مفاصله فقيل له في ذلك فقال حق لمن وقف بين يدي الملك الجبار ان يصفّر لونه و ترتعد مفاصله.

و امر في التيمم بمسح الاعضاء بالتراب عند تعذر غسلها بالماء الطهور وضعا لتلك الاعضاء الرئيسة و هضما لها بتقليها بأثر التربة الخسيسة و هكذا يخطر ان القلب اذا لم يمكن تطهيره من الاخلاق الرذيلة و تحليته بالاوصاف الجميلة فليقمه في مقام الهضم و الازراء و يسقه بسياط الذل و الاغضا عسى يرحمه مولاه و في الروايات ان جماعة من اليهود سألوا النبي صلّى اللّه عليه و آله لاي علة توضى هذه الجوارح الاربع و هي انظف المواضع في الجسد؟قال النبي صلّى اللّه عليه و آله لما ان وسوس الشيطان الى آدم صلّى اللّه عليه و آله دنى من الشجرة فنظر اليها فذهب ماء وجهه ثم قام و مشى اليها و هي اول قدم مشت الى الخطيئة ثم تناول بيده منها ما عليها فأكل فطار الحلي و الحلل عن جسده فوضع آدم يده على ام رأسه و بكى فلما تاب اللّه عز و جل عليه فرض عليه و على ذريته تطهير هذه الجوارح الاربع فأمره اللّه عز و جل بغسل الوجه لما نظر الى الشجرة و امره بغسل

ص:230

اليدين الى المرفقين لما تناول بهما و امره بمسح الرأس لما وضع يده على ام رأسه و امره بمسح القدمين لما مشى بهما الى الخطيئة و كما ان غسل الجوارح و مسحها كان كفارة ذنب ابينا آدم عليه السّلام فكذلك كفارة لنا ايضا.

و الوضوء واجب لغيره على المشهور فلا يجوز ايقاعه قبل دخول وقت الصلوة لتلك الصلوة نعم لو قصد به استباحة الصلوة و لو كانت نافلة كصلاة الليل او قضائها او تحيّة المسجد او نحو ذلك جاز بذلك الوضوء في صلاة الفريضة و لو قارب وقت الصلوة و اراد ان يتهيأ لها بتقديم الوضوء و نحوه فالظاهر الجواز و ذهب بعض مشايخنا الى ان الوضوء واجب لنفسه لقوله عليه السّلام في غير حديث اذا احدثت فتوضأ فهو يوقعه بنية رفع الحدث و يصلي اذا جاء الوقت بذلك الوضوء و هو قريب الا في القول بوجوبه لنفسه نعم هو واجب لغيره مستحب في نفسه و كذلك الغسل ايضا فيجوز تقديم غسل الجنابة على وقت الصلوة.

و منهم من قال انه واجب لنفسه و منهم من قال انه واجب لغيره و ثمرة الخلاف بينهم انما تظهر في نية الوجوب و عدمه و الذي اسقط الوجه و هو الوجه و اكتفى بنية القربة في كل العبادات كان خارجا من هذا الخلاف و مع هذا فالاولى له اذا اراد غسلا واجبا قبل وقت الصلوة ان يقصد صلاة قضاء في ذمته او قضاء صلاة نافلة او نحوها حتى يوقع الغسل بقصد تلك الصلوة و ليأت منها و لو بركعتين لا ان يجعل القصد مجرد احتيال لايقاع الغسل و ان شاء نذر صلاة ركعتين فيقولع الغسل بقصدهما كأن يقول للّه عليّ ان وفّقت للصلوة على محمد و آله لا صلي ركعتين ثم يصلي على النبي صلّى اللّه عليه و آله حذرا من الخلاف في وقوع النذر المطلق.

و اما كيفيته فهو امران الاول الترتيب و هو الاصل في غسل الجنابة و الارتماس انما شرع للتخفيف و كيفيته الكاملة ان يبول ان قدر عليه،و ان يغسل يديه ثلثا الى المرفقين قبل ان يدخلهما الاناء و ان يتمضمض و يستنشق ثلاثا و يغسل فرجه من خبث الجنابة و ينوي اغتسل لاستباحة الصلوة قربة الى اللّه،ثم يصب على رأسه ثلاث اكف ثم على جانبه الايمن كفين و الايسر كفين و تقديم جانب الايمن على الايسر مشهور و قد استدلوا عليه بقوله عليه السّلام في غير حديث،ثم يغسل جانبه الايمن و الايسر.

و اعترض على هذا الاستدلال بأن الواو لا تفيد الترتيب و الاولى هو الاستدل عليه بما ورد في الاخبار من تشبيه غسل الجنابة بغسل الميت و كذا العكس و الترتيب هناك وارد في الاخبار الصحيحة مجمع عليه فيكون الترتيب داخلا هنا ايضا بل قد تحققت سابقا ان غسل الاموات هو غسل الجنابة ايضا و ذلك ان النطفة التي خلق منها تخرج منه عند الموت فهو ايضا غسل جنابة فلو كان واقفا في الماء الى وسطه و اراد غسل الترتيب امكن ايضا،و لكن الاولى له

ص:231

ان يخرج بقية بدنه الذي يكون تحت الماء او يمرّ يديه عليها و هو في الماء ايضا و لا يكلف الخروج عن الماء كما ذهب اليه بعض المعاصرين فانه زيادة تكليف منفي بالاصل و الحديث.

الثاني غسل الارتماس و هو جائز ايضا و لو كان ناقعا في الماء الى وسطه و لا يحتاج الى الخروج خارج الماء ثم يعود اليه كما قاله ذلك الفاضل لما عرفت.

و اما التيمم فقد شرع لرفع الحرج و يجزي فيه ضربة واحدة و ان كان بدلا عن الغسل و العمل بالتفصيل جايز ايضا و علوق شيء من التراب بكفيه ليمسح به وجهه هو الاولى بل القول بوجوبه غير بعيد و اعلم ان الوضوء كما يشرع للصلوة فكذا شرع لغيره ايضا قال هشام بن سالم لابي عبد اللّه عليه السّلام اني اخرج و احب ان اكون معقبا فقال ان كنت على وضوء فانت معقّب و منها السعي في الحاجة فان الصادق عليه السّلام ضمن قضاء تلك الحاجة و منها الوضوء للنوم فان من بات على وضوء كان كمن بات في المسجد يصلي.

نور فيما يختص بالصلوة

قد عرفت انها افضل الاعمال و ان مدار قبول الاعمال على قبولها و مناط ردّ الاعمال على ردها فمن قبلت صلاته قبلت سائر اعماله و ان كانت مردودة و من ردّت عليه صلاته ردّت عليه سائر اعماله و ان كانت مقبولة هكذا جاء في الخبر عن الطاهرين عليهم السّلام.

و روى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان كل محلّة يكون فيها تارك صلاة تنزل عليها كل يوم سبعين لعنة و قال صلّى اللّه عليه و آله بني الاسلام على اربع الصوم و الصلوة و الزكوة قال بعض المحققين هذه الاحكام هي المصفية لاصول العناصر في الانسان المشتمل على البواطن و الظاهر انزل الصوم من العنصر الناري لمناسبة بين الصوم و النار و لمعنى مشترك بينهما في رفع الاغيار و تنوير مكان الابصار و الصلوة من العنصر المائي لمناسبة بينهما في اثبات الاثار و الاثمار و الحج من العنصر الريحي لمناسبة بينهما في قمّ البيوت و اخراج السكينة من التابوت و لمعنى مشترك في كشف الاستار و تبيين المقدار و الزكوة من العنصر الترابي المشترك بينهما في الامساك و التحصين و دفع الظن و التخمين و لمعنى رفع رذائل البخل.

فالانسان اذا صام ظاهرا و باطنا صار عنصره الناري ظاهرا ظاهرا و باطنا،فيتبين فيه واحد من حملة العرش و هو جبرئيل عليه السّلام النازل الى العرش و صار قلبا له على النفس و اذا صلى صلاة ناهية عن الفحشاء و المنكر صار عنصره المائي رقيقا يطهره المطهر و يتبين فيه واحد من حملة العرش و هو ميكائيل عليه السّلام و صار عقلا له و اذا حج البيت فرضا و وقف المواقف عرضا صار عنصره الريحي طويلا و عريضا و يتبين فيه واحد من حملة العرش و هو اسرافيل عليه السّلام و صار

ص:232

روحا له في الحياة و اذا زكى ماله لقطع الرذائل صار عنصره الترابي صافيا و يتبين فيه واحد من حملة العرش و هو عزرائيل عليه السّلام و صار نفسا له في دار السّلام فاذا جاء الوقت فينبغي له ان يبادر الى الصلاة لان اللّه سبحانه ارسل اليه من يطلبه لخدمته ذلك الوقتا لخاص،و هم المؤذنون و من هذا كان الحسين عليه السّلام اذا سمع المؤذن تغيّر وجهه و اصفر لونه فقيل له في ذلك؟فقال ان اللّه تعالى ارسل اليّ منيطلبني لخدمة خاصة،و لا ادري أ يقبلها مني ام لا فكيف لا يتغير لوني و في المبادرة الى الصلوة اول وقتها فوائد.

الاولى انها على ما روى يصعد بيضاء نقية تقول حفظتني حفظك اللّه اذا فعلت اول وقتها،الثانية ان صلاة الامام عليه السّلام تقع اول الوقت و تصعدها الحفظة و كذلك صلاة الاولياء و الصلحاء فاذا اتى بها اول وقتها صعدت مع صلاة الامام عليه السّلام في وقت واحد فلعل اللّه سبحانه ان يمنّ عليه بقبول تلك الصلوة المردودة بسبب صعودها مع الصلوات المقبولات لانها كأنها صارت صفقة واحدة فلا بدّ من قبول الكل بسبب الاتفاق في الصعود و لتحصيل مثل هذه الفائدة شرعت صلاة الجماعة و ذلك ان صلوات المؤمنين اذا اجتمعت كلها و صعدت الى جناب الحق تعالى فاما ان يقبلها كلها و الا يقبل شيئا منها و لكن لا بدّ من القبول لان الجماعة الكثيرة اذا تعاونوا على العبادة كان بينهم من هو مقبول الصلوة غالبا فهذه احدى فوائد الجماعة.

و الفائدة الثانية انه قد روى في الاخبار ان صلاة المتزوج تعدل صلاة العزب بسبعين مرة و كذلك صلاة المتطيب تفضل على غيره سبعين مرة و من قدّم شيئا من الصدقة قبل صلاته كانت صلاته افضل من غيرها الى غير ذلك من الامور الباعثة لمزيد الثواب و قلّ ان يكون واحد من المصلين مستجمعا لهذه المقدمات كلها،اما اذا اجتمع جماعة كثيرة على عبادة واحدة كان متطيبا و الاخر متزوجا و الثالث متصدقا الى غير ذلك فتكون صلواتهم كلها كأنها صلاة واحدة مستجمعة لتلك الامور و المقدمات كلها فيكون لكل واحد منهم ثواب الصلوة الكاملة.

و الاخرى من فوائد صلاة الجماعة ان المصلي اذا أخذ في الصلوة تقدمت اليه الشياطين و وقفت امامه ليلقوه في الوسواس و الغفلة عن الصلوة فيقوم بين المصلي و الشيطان الجهاد العظيم و من هذا سمى محراب الصلوة به لانه مكان الحرب مع الشياطين اما اذا كان المؤمنون مجتمعين متعاضدين متعاونين ظفروا على الشياطين و ابعدوهم عن امكنة العبادة و لهذا امر سبحانه بالاستعاذة حال قرائة القرآن و اكده في قرائة الصلوة و ذلك لان الشيطان كالكلب العقور الجاثي على باب صاحبه يمنع الداخلين من دخول ذلك البيت.

ص:233

فمن اراد الوصول الى منزل ذلك الرجل و الدخول الى بيته فلا بدّ له من ان يلجأ الى صاحب الكلب و يدعوه و يناديه حتى يخرج هو او احد خدّامه ليمنع الكلب فكذا هيهنا فان الشيطان كلب و الصلوة باب من اعظم ابواب اللّه تعالى و اكثر حضور الشيطان انما يكون عندها لهذا فلا بد ان يلجأ المصلّى و يناديه تعالى و يقول يا رب استعيذ بك من شر هذا الكلب العقور،و قد بقي تحقيق آخر ذكرناه في شرحنا على الصحيفة.

و في الرواية عن ابي سعيد الخدري عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال أتاني جبرئيل عليه السّلام و معه سبعون الف ملك بعد صلاة الظهر فقال يا محمد ان اللّه جل جلاله يقرئك السّلام و اهدى اليك هديتين لم يهدهما الى نبي قبلك قال يا جبرئيل و ما الهديتان؟قال الصلوات الخمس في الجماعات قلت يا جبرئيل و ما لامتي في الجماعة؟قال يا محمد اذا كانا اثنين كتب اللّه تعالى لكل واحد منهما بكل ركعة مائة و خمسين صلاة و اذا كانوا ثلثة كتب اللّه تعالى لكل واحد بكل ركعة مائتين و خمسين صلاة و اذا كانوا اربعا كتب اللّه تعالى لكل واحد بكل ركعة الفا و مائتي صلاة و اذا كانوا خمسة كتب اللّه تعالى لكل واحد بكل ركعة الفا و ثلثمائة صلاة و اذا كانوا ستة كتب اللّه لكل واحد بكل ركعة الفين و اربعمائة صلاة و اذا كانوا سبعة كتب اللّه تعالى لكل واحد بكل ركعة اربعة آلاف و ثمانمائة صلاة و اذا كانوا ثمانية كتب اللّه لكل واحد بكل ركعة تسعمائة الف صلاة و ستمائة صلاة و اذا كانوا تسعة كتب اللّه لكل واحد بكل ركعة تسعة عشر الف صلاة و اذا زادوا على عشرة فلو صارت بحار السموات و الارض كلها مدادا و الاشجار اقلاما و الثقلان و الملائكة كتابا لم يقدروا ان يكتبوا ثواب ركعة واحدة يا محمد تكبيرة يدركه المؤمن مع الامام خير له من سبعين حجة و الف عمرة سوى الفريضة.

و عن عبد اللّه بن مسعود انه فاتته تكبيرة الافتتاح يوما فأعتق رقبة و جاء الى النبي صلّى اللّه عليه و آله و قال يا رسول اللّه قد فاتتني تكبيرة الافتتاح يوما فأعتقت رقبة هل كنت مدركا فضلها؟فقال لا قال ابن مسعود ثم اعتقت أخرى فقلت هل كنت مدركا فضلها؟فقال لا يا بن مسعود لو انفقت ما في الارض جميعا لم تكن مدركا فضلها،و قال صلّى اللّه عليه و آله صلاة الرجل في جماعة خير من صلاته في بيه اربعين سنة قيل يا رسول اللّه صلاة يموه قال صلاة واحدة و اذا كان العبد خلف الامام كتب اللّه له مائة الف و عشرين رجة.

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من كان جار بيت اللّه و لم يحضر الجماعة ثلاث ايام متواليات فعليه لعنة اللّه و الملائكة و الاس اجمعين فان تزوّج فلا تزوجوه و ان مرض فلا تعودوه الا فلا صلاة له الا فلا صوم له الا فلا زكوة له الا فلا حجّ له الا فلا جهاد له.

ص:234

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اتاني جبرئيل و ميكائيل و اسرافيل و عزرائيل مع كل واحد الف ملك فقال يا محمد الجبار يقرئك السّلام و يقول قل لامتك انه من بات مفارقة الجماعة لا يشم رائحة الجنة و ان كان عمله اكبر من اهل الارض لا اقبل منه صرفا و لا عدلا يا محمد تارك الجماعة عندي ملعون و عند الملائكة ملعون و قد لعنته في التورية و الانجيل و الزبور و الفرقان و تارك الجماعة يصبح و يمسي في لعنة اللّه تعالى يا محمد تارك الجماعة لا استجيب له دعوة و لا انزل عليه رحمة و هم يهود امتك ان ماتوا فلا تشهد جنائزهم و لا يمشي على وجه الارض ابغض عليّ من تارك الجماعة يا محمد تارك الجماعة قد امرت كل ذي نفس و روح ان يلعنوه و تاركها اشر من شارب الخمر و المحتكر و من سفّاك الدماء و آكل الربوا و تارك الجماعة ليس في الجنة نصيب و شر من النباش و المخنث و القتات (1)و شاهد الزور و ادخله النار.

و اما فضيلة من امّ الجماعة و ثوابه فقد روى الصدوق في الفقيه في نواهي النبي صلّى اللّه عليه و آله عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي عليه السّلام فقال من امّ قوما باذنهم و هم به راضون فاقتصد بهم في حضوره و احسن صلاته بقيامه و قرائته و ركوعه و سجوده و قعوده فله مثل اجر القوم و لا ينقص من اجورهم شيء.

الثالثة من فوائد تقديم الصلوة اوّل وقتها ما روى ان الصلوة اول الوقت رضوان اللّه و آخر الوقت عفو اللّه و اين الرضوان من العفو فان العفو انما يكون عن ذنب و من هنا ذهب شيخ الطائفة قدس اللّه روحه الى انه لا يجوز تأخير الصلوة عن وقت فضيلتها الا لذوي الاعذار و ينبغي ان تتأهب عند حضور وقت الصلوة كما تتأهب عند القدوم على ملك من ملوك الدنيا و تلقاه بالوقار و السكينة و الخوف و الرجاء فان الرحمة عميمة و الطرد عند التقصير متوجه و كم بين ذلك قواما و لا بدّ ان تمثل في نفسك لو ان ملكا من ملوك الارض وعدك بان يكتبك في وقت معين من خواصه و ان يخاطبك في ذلك الوقت و تخاطبه على طريق الانبساط و الانس في مخاطباتك و تطلب اليه ما تحتاج اليه من مهماتك و يجعلك عنده من مقربي العباد و يخلع عليك خلعة سنيّة بين الاشهاد اما كنت تنتظر ذلك الوقت قبل ابانه(ايابه خ)و تهتم له قبل اوانه و تفرح بقربه فضلا عن دخوله أ فلا تجعل عناية اللّه جلّ جلاله بك و اعدادك لمخاطبتك و مخاطبته لك،و كتبته اياك ديوان المقربين بالصلوة التي هي افضل الاعمال مثل وعد ملك من ملوك الدنيا مع عجزه عن نفعك بدون توفيق اللّه سبحانه.

و من هنا كان النبي صلّى اللّه عليه و آله ينتظر وقت الصلوة و يشتّد شوقه و يترقب دخوله و يقول لبلال مؤذنه ارحنا بلال اشار بذلك الى انه في تعب شديد من عدم اشتغاله بهذه التكليفات و قيامه

ص:235


1- (1) القت نم الحديث تقول فلان يقت لاحاديث أي يتمها و في الحديث لا يدخل الجنة قتات.

بوظائف الصلوة و ان سرّه لا يخلو من ضروب الاباحات الا ان قرّة عينه في الصلوة و استحضر ذلك الوقت عظمة اللّه تعالى و جلاله و نقصان قدرك و كماله.

و قد روى عن بعض ازواج النبي صلّى اللّه عليه و آله انها قالت كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يحدثنا و نحدثه فاذا حضرت الصلوة فكأنه لم يعرفنا و لم نعرفه شغلا باللّه عن كل شيء و كان علي عليه السّلام اذا حضر وقت الصلوة يتململ و يتزلزل فيقال له ما لك يا امير المؤمنين؟فيقول جاء وقت امانة عرضها اللّه على السموات و الارض فأبين ان يحملنها و اشفقن منها و كان علي بن الحسين عليهما السّلام اذا حضر للوضوء اصفّر لونه فيقال له ما هذا الذي يعتادك وقت الوضوء فيقول ما تدرون بين يدي من اقوم.

و اذا سمعت المؤذن فاخطر في قلبك هول يوم القيامة و تشمر بباطنك و ظاهرك للمسارعة و الاجابة فان المسارعين الى هذا النداء هم الذين ينادون باللفط يوم العرض الاكبر فاعرض على قلبك هذا النداء فان وجدته مملوّا بالفرح و الاستبشار و مستعدا بالرغبة الى الابتدار فاعلم انه يأتيك النداء بالبشرى.

و اما وظيفة التوجه الى بيت اللّه تعالى فان تخطر ببالك انك امرت بصرف وجهك عن كل الجهات الا عن جهة بيته فكذا يجب صرف القلب عن كل ما سواه و قصره عليه بل الحقيقة كما قيل ان المطلوب هو صرف وجه القلب و انما الظواهر محركات للبواطن و وسائل اليها و معارج يترقى اليها و انما امر بضبط الجوارح و تسكينها على جهة واحدة لئلا تبغي على القلب فانها اذا بغت و علت في حركاتها و التفاتها الى جهاتها استتبغت(استعتبت خ)القلب و أخذته معها و انقلبت به عن وجه اللّه تعالى و حينئذ فليكن وجه قلبك موافقا لوجه بدنك و من هنا جاء قول النبي صلّى اللّه عليه و آله اما يخاف الذي يحوّل وجهه في الصلوة ان يحوّل اللّه وجهه وجه حمار،فان ذلك هى عن الالتفات عن اللّه و ملاحظة عظمته في حال الصلوة فان الملتفت يمينا و مشالا ملتفت عن اللّه و غافل عن مطالعة انوار كبريائه و من كان كذلك فيوشك ان تدوم تلك الغفلة عليه فيتحول وجه قلبه كوجه قلب الحمار في قلّة ادراكه للامور العلوية و عدم اكرامه بشيء من العلوم و المعارف.

و بالجملة فكمالا يتوجه الوجه الى جهت البيت الا بالصرف عن غيرها فكذا لا ينصرف القلب الى اللّه تعالى الا بالتفرغ عمّا سواه قال النبي صلّى اللّه عليه و آله اذا قام العبد الى صلاته فكان هواه و قلبه الى اللّه انصرف كيوم ولدته امه،و قال الصادق عليه السّلام اذا استقبلت القبلة فايس من الدنيا و ما فيها و الخلق و ما هم فيه،و استفرغ قلبك عن كل شاغل يشغلك عن اللّه و عاين بسرك

ص:236

عظمة اللّه تعالى و اذكر وقوفك بين يديه يوم تبول كل نفس ما اسلفت و ردوا الى اللّه موليهم الحق.

و اما وظيفة القيام فان تذكر انك قائم بين يديه تعالى و هو مطلع على سريرتك و هو اقرب اليك من حبل الوريد فاعبده حتى كأنك تراه فان لم تراه فانه يراك و انصب قلبك بين يديه كما نصبت شخصك و طأطأ برأسك الذي هو اشرف اعضائك مطرقا مستكينا و قم بين يديه قيامك بين يدي ملوك الزمان ان كنت تعجز عن كنه معرفة جلاله فانك تجد وجدانا ضروريا انك تتقهّر عن مكالمة الملك و محاورته و تلزم معه السكون و الخضوع و ربما يتبع ذلك رعدة البدن و تلعثم اللسان،و منشأ ذلك كله الخوف الحادث عن تصور عظمته فكيف تتصور جبّار الجبابرة و ملك ملوك الدنيا و الاخرة و كذلك يحصل الرجا عند تصور عظمته و استشعار ان الكل منه فان ذلك باعث على رجائه و كذلك يستلزم الحياء منه لان المتصور عظمة الامر لا يزال مستشعرا تقصيرا و متوهما ذنبا،و قدّر في دوام قيامك في صلاتك انك ملحوظ و مرقوب بعين كالئة من رجل صالح من اهلك و ممن ترغب ان يعرفك بالصلاح فانه تسكن عند ذلك اطرافك و تخشع جوارحك فقل لنفسك كيف تستحين من عبد مثلك مقدّر الوجود و الاطلاع عليك و لا تستحين من هذا الملك القهّار الذي انت بين يديه.

و روى انه سأل صلّى اللّه عليه و آله كيف الحياء من اللّه؟قال كما تستحي من رجل من قومك و كما يجب حراسة العين و الوجه عن الالتفات فكذا يجب حفظ القلب و حراسته عن الشواغل عن الاقبال و مهما خشع الباطن خشع الظاهر،قال صلّى اللّه عليه و آله و قد رأى مصليا يعبث بلحيته اما هذا لو خشع قلبه لخشعت جوارحه فان الرعين بحكم الراعي و لهذا ورد في الدعاء اللهم اصلح الراعي و الرعية يعني القلب و الجوارح،و من هذا التحقيق يظهر لك السرّ فيما ورد من النهي عن التمطي و التثأب و العبث في الصلوة فان النهي عنها معناه الامر بضدها و هو الاقبال عليه تعالى و استشعار عظمته و الوقوف بين يديه فانه اذا فعل هذا زال عنه التمطي و التثأب و غيرها من المنهيات.

و اما الاذان و الاقامة ففيهما من الفضل ما لا يحصى و في الرواية من صلّى بأذان و إقامة صلّى خلفه صفّان فيما بين المشرق و المغرب و ان صلّى بالاقامة وحدها صلّى خلفه صفّ واحد و هما في صلاة الصبح و المغرب واجبان و في غيرهما مستحبان.

و روى انه سأل النبي صلّى اللّه عليه و آله ما الحكمة في انه جعل للصلوة الاذان و لم يجعل لسائر العبادات اذا و لا دعاء،قال لان الصلوة شبيه بأحوال يوم القيامة لان الاذان شبيه بالنفخة الاولى بموت الخلائق و الاقامة شبيه بالنفخة الثانية كما قال اللّه تعالى فاستمع يوم ينادي المنادي

ص:237

من مكان قريب و القيام الى الصلوة شبيه بقيام الخلائق كما قال اللّه تعالى يوم يقوم الناس لرب العالمين،و رفع الايدي الى التكبيرة الاولى شبيه برفع اليد لاخذ الكتاب يوم القيامة،و القرائة في الصلوة شبيهة بقرائة الكتب بين يدي رب العالمين كما قال اللّه تعالى إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا،و الركوع شبيه بركوع الخلائق لرب العالمين كما قال اللّه تعالى و عنت الوجوه للحي القيوم و السجود شبيه بالسجود لرب العالمين كما قال عز ذكره يوم يكشف عن شاق و يدعون الى السجود و التشهد شبيه بالجثو بين يدي رب العالمين كما قال عز ذكره فريق في الجنة و فريق في السعير،و تفسير اللّه اكبر انه اكبر من كل شيء او من ان يدرك بالحواس و في الروايات معناه اكبر من ان يوصف فليكن قلبك موافقا للسانك و لا تجعل احدا شريكا له في العبادة بان يكون ملحوظك في الصلوة معه كما في حالات الرياء.

قال الصادق عليه السّلام اذا كبرت فاستصغر ما بين العلا و الثرى دون كبريائه فان اللّه تعالى اذا اطلع على قلب العبد و هو يكبر و في قلبه عارض عن حقيقة تكبيره قال يا كاذب أ تخدعني؟ و عزتي و جلالي لاحرمنك حلاوة ذكري،و لا حجبنك عن قربي و المسارّة بمناجاتي فاعتبر قلبك حين صلاتك فان كنت تجد حلاوتها و في نفسك سرورها و بهجتها و قلبك مسرورا بمناجاته ملتذا بمخاطباته فاعلم انه قد صدّقك في تكبيرك و الا فاعرف منه سلب لذة المناجاة و حرمان حلاوة العبادة فهذا دليل على تكذيب اللّه تعالى لك و طردك عن بابه نعوذ باللّه من ذلك.

و اما دعاء التوجه فاول كلماته وجهت وجهي للذي فطر السموات و الارض حنيفا قال شيخنا الشهيد الثاني طاب ثراه ليس المراد بالوجه الوجه الظاهر فانك انما وجهته الى جهة القبلة و اللّه سبحانه تقدس عن ان تحدّه الجهات حتى تقبل بدنك عليه انما وجه القلب هو الذي يتوجه الى اللّه فاطر السموات و الارض فانظر الى وجه قلبك أ متوجه هو الى امانيّه و هممه في البيت و السوق و غيرهما متّبع للشهوات ام مقبل على فاطر السموات و اياك ان تكون مفاتحتك للمناجاة بالكذب و الاختلاف فيصرف وجه رحمتك عنك و لن ينصرف الوجه الى اللّه الا بالانصراف عمّن سواه فان القلب بمنزلة مرآة وجهها صقيل و ظهرها كمد لا يقبل انطباع الصور فاذا توجهت الى شيء انطبع فيها و استدبرت غيره لا يمكن انطباعه و لهذا كانت الدنيا و الاخرة ضرتين كلما قربت من احديهما بعدت عن الاخرى فاجتهد في الحال في صرفه اليه و ان عجزت عنه على الدوام ليكن قولك في الحال صادقا عسى ان يسامحك في الغفلة بعد ذلك.

و اذا قلت حنيفا مسلما فينبغي ان تحضر في بالك ان المسلم هو الذي سلم المسلمون من يده و لسانه،فان لم تكن كذلك كنت كاذبا فاجتهد ان تعزم عليه في الاستقبال و تندم على ما سبق من الاحوال.

ص:238

و اذا قلت و ما انا من المشركين فاحظر ببالك الشرك الخفي و ان قوله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صلحا و لا يشرك بعبادة ربه احدا جعل من يقصد بعبادة ربه وجه اللّه و حمد الناس مشركا فاستشعر العجلة في قلبك ان وصفت نفسك في انك لست من المشركين من غير برائة من هذا الشرك فان اسم الشرك يقع على القليل و على الكثير منه.

و اما قوله محياي و مماتي فقد قال بعض المحققين المراد بالمحيا الامور الصادرة من الانسان في حيوته و المراد بالممات الامور المتعلقة على موته كالوصايا و نحوها و لكن التحقيق ان قوله محياي و مماتي مصدران و معناه ان حياتي و موتي منسوبان ليك لا اختيار لي في شيء منهما او المعنى ان حيوتي و موتي لك لا احب منهما الا ما احببته لي منهما كما روى ان سلمان قال الموت احب الي من الحياة فقال علي عليه السّلام لكني انا احب ما احبه اللّه لي الموت و الحياة و الخيف المائل من الاعوجاج الى الاستقامة و المسلم المنقاد لاوامر اللّه تعالى و نواهيه فهذه درجة الاسلام فوق الايمان الكامل و به وصف الخليل عليه السّلام نفسه حيث قال حنيفا مسلما و هو المراد في دعاء الميت في قوله عليه السّلام اللهم اغفر للمؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات و ليس لمراد به معناه العام لدخول فرق الاسلام كلها مع انهم ليسوا من اهل هذا الدعاء و ايضا فان وقوعه بعد المؤمنين و المؤمنات شاهد على ارادة ذلك المعنى الخاص كما لا يخفى.

و اما النية و وظيفتها فاعلم ان النية ليست عبارة عن الالفاظ و لا عن معانيها الدالة عليها و انما هي عبارة عن الداعي و الحامل على ذلك الفعل و الدواعي في العبادات خصوصا الصلوة و ان كانت متكثرة الا انها ربما حصرت في ثمانية اولها الرياء ثانيها قصد الثواب و الخلاص من العقاب.

ثالثها فعلها شكر اللّه تعالى على نعمه و استجلابا للمزيد،رابعها فعلها حياء منه تعالى، خامسها فعلها حبا له تعالى،سادسها فعلها تعظيما للّه و مهابة و انقيادا و اجابة سابعها فعلها موافقة لارادته و طاعة لامره،ثامنها فعلها لكونه تعالى اهلالها كما قال سيد الموحدين امير المؤمنين عليه السّلام ما عبدتك خوفا من نارك و لا طمعا في جنتك و لكن وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك.

و لا خلاف في بطلان الصلوة بالقصد الاول كما لا خلاف في صحتها بالقصد الاخير نعم ذهب سيدنا المرتضى قدس اللّه روحه الى ان الصلوة مجزية غير مقبولة يعني انها لا تحتاج الى القضاء و لكن لا يترتب عليها ثواب و المشهور هو بطلانها و احتياجها الى القضاء و اما قصد الغايات الاخر فالمشهور بين اصحابنا على ما حكاه عنهم شيخنا الشهيد طاب ثراه هو بطلان الصلوة بقصد غاية من تلك الغايات خصوصا قصد الغاية الثانية فانهم قالوا ان قاصدها انما قصد جلب النفع الى نفسه و دفع الضرر عنها و سموه قاصد الرشوة و البرطيل و بالغ في بطلان

ص:239

العبادة عند قصدها التقي ابن طاووس و الذي يفهم من الاخبار و اليه ذهب جماعة من المتأخرين هو صحة الصلوة عند قصد هذه الغايات كلها سوى الريا و ذلك ان الكتاب و السنة قد اشتملا على المرهبات من الحدود و التعزيرات و الذم و الايعاد بالعقوبات و على الرغبات من المدح و الثناء في العاجل و الجنة و نعيمها في الاجل و قد فصل نعيم الجنة الى الشراب و حور العين و الولدان و الثمار الى غير ذلك لعلمه سبحانه باختلاف طبايع العباد و رغباتهم فرغّب في طاعته كل جماعة بنوع من الانواع.

و اما الحياء فغرض مقصود و قد جاء في الخبر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله استحيوا من اللّه سبحانه حق الحياء اعبد اللّه كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك فانه اذا تخيّل الرؤية انبعث على الحياء و التعظيم و المهابة و عن امير المؤمنين عليه السّلام و قد قال له ذعلب اليماني بالذال المعجمة المكسورة و العين المعملة الساكنة و اللام المكسورة هل رأيت ربك يا امير المؤمنين؟فقال عليه السّلام لا اعبد من لا ارى فقال و كيف تراه؟قال لا تدركه العيون بمشاهدة العيان و لكن تدركه القلوب بحقائق الايمان.

فلو لم تكن هذه الموهبات و الرغبات دواعي صحيحة و بواعث صريحة لما ذكرت في مقام طلب الطاعات و ايضا فان ارادة الثواب و الخلاص من العقاب لا ينفيان الغاية الاخيرة بل هما في التحقيق راجعان اليها في حقنا مع ان مشائخنا قدس اللّه ارواحهم رووا في الحسن عن الصادق عليه السّلام انه قال العبّاد ثلاثة قوم عبدوا اللّه عز و جل خوفا من العقاب فتلك عبادة العبيد، و قوم عبدوا اللّه تبارك و تعالى طلبا للثواب فتلك عبادة الاجراء،و قوم عبدوا اللّه تبارك و تعالى حبا له فتلك عبادة الاحرار و هي افضل العبادة فان افعل التفضيل يقتضي المشاركة في اصل الفعل مع ان قول امير المؤمنين عليه السّلام ما عبدتك خوفا من نارك الحديث مما قد تمدّح به عليه السّلام و امتاز به عن الناس فكيف و انّى لغيره هذه الدرجة الرفيعة و الحالة المنيعة.

و القول باللسان لا يغني من جوع و انما الاصل ان يكون ذلك القصد من الاحوال الذاتية للانسان حال الاقبال على العبادة و ايضا فقد روى في الحديث المشهور عنه صلّى اللّه عليه و آله من بلغه شيء من الثواب على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب اوتيه و ان لم يكن الحديث كما بلغه فانه يعطي بظاهره ان ذلك العمل المثاب عليه انما يقصد الثواب و بالجملة فكل ما جعله الشارع غاية للفعل كان قصده غير مناف للاخلاص و القربة و حينئذ فما ورد من ان بعض الصلوات لجلب الارزاق و بعضها لقضاء الدين و بعضها للاولاد الى غير ذلك من الغايات الدنيوية يجوز فعلها بقصد هذه الغايات.

ص:240

و اما ما ذكره بعض فقهائنا رضوان اللّه عليهم من وجوب مقارنة النية للتكبيرة فهو بمعزل عن التحقيق و ذلك لما عرفت من ان النية ليست عبارة عن قوله اصلي صلاة الظهر لوجوبه قربة الى اللّه و لا عن معنى هذه الالفاظ الذي يتصوره بقلبه فان هذا القصد مما يجامع صلاة الريا ايضا بان يكون الحامل على فعل الصلوة هو الرياء و يكون قد قصد معاني هذه الالفاظ و قارن بها التكبير و النية بذلك المعنى الذي قلناه لازم لفعل الفاعل اذا لم يكن غافلا و لا ساهيا و من ثم قال المحقق ابن طاووس(ره)لو كلفنا بعبادة خالية عن النية لكان من باب التكليف بما لا يطاق فأين هذا المعنى من المقارنة و عدمها،و لهذا لم يرد من الشارع مثل هذه الخصوصيات.

نعم الذي ورد انما هو الحث على امر النية و ايقاعها على وجه الاخلاص و ان مدار الاعمال انما هو عليها كما قال صلّى اللّه عليه و آله انما الاعمال بالنيات و انما لكل امرئ ما نوى حتى ذكر اهل الدراية ان هذا الحديث من المتواترات لفظا و كذا قوله صلّى اللّه عليه و آله من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار و نفى تواتر غيرهما و مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله نيّة المؤمن خير من عمله و نيّة الكافر شرّ من عمله، و مثل قوله نيّاتكم خطاياكم و نحو ذلك.

فان قلت ما تقول في السؤالين الواردين على ظاهر قوله صلّى اللّه عليه و آله نيّة المؤمن خير من عمله و نية الكافر شر من عمله احدهما انه روى ان افضل العبادة احمزها و لا ريب ان العمل احمز من النية فيكون مفضولا و روى ايضا ان المؤمن اذا همّ بحسنة كتبت له عشرا و هذا صريح في ان العمل افضل من النية و خير،السؤال الثاني انه روى ان النية المجردة لا عقاب فيها فيكف يكون شرا من العمل.

قلت قد اجيب عنهما بأجوبة كثيرة الاول ما حكاه سيدنا المرتضى طاب ثراه من ان نية المؤمن بغير عمل خير من عمله بغير نية و جاب(ره)عنه بأن افعل التفضيل يقتضي المشاركة و العمل بغير نية لا خير فيه فكيف يكون داخلا في باب التفضيل و لهذا لا يقال العسل احلى من الخل.

الثاني انه عام مخصوص او مطلق مقيد أي نية بعض الاعمال الكبائر كالجهاد خير من بعض الاعمال الخفيفة كتحميدة واحدة مثلا لما في تلك النية من التعرض للهم و الغم الذي لا يوازيه تلك الافعال.

الثالث ان النية يمكن فيه الدوام بخلاف العمل فانه يتعطل عنه المكلف احيانا فاذا نسبت هذه النية الدائمة الى العمل المنقطع كانت خيرا منه،و كذا القول في نية الكافر الرابع ان النية لا يكاد يدخلها الريا و لا العجب لانا نتكلم على تقدير النية المعتبرة شرعا بخلاف العمل فانه معرضة لذنيك و يرد عليه ان العمل و ان كان معرضا لهما الا ان المراد به العمل الخالي عنهما

ص:241

و الا لم يقع التفضيل الخامس ان يراد بالمؤمن المغمور بمعاشرة اهل الخلاف فان غالب افعاله جارية على التقية و مداراة اهل الباطل و لكن نيته مع اللّه تعالى على العمل الصحيح في الواقع و هذه الاجوبة الثلاثة لشيخنا الشهيد قدس سره.

السادس ان لفظة خير ليست بمعنى افعل التفضيل بل هي الموضوعة لما فيه منفعة و يكون معنى الكلام ان نية المؤمن من جملة الخير من اعماله حتى لا يقدر مقدّر ان النية لا يدخلها الخير و الشر كما يدخل ذلك في الاعمال و حكى عن بعض الوزراء(الفضلاء خ)استحسانه لانه لا يرد عليه شيء من الاعتراضات.

السابع ان لفظة افعل التفضيل قد تكون مجردة عن الترجيح كما في قوله تعالى و من كان في هذه اعمى فهو في الاخرة اعمى و اضل سبيلا،الثامن ان المؤمن ينوي الاشياء من ابواب الخير نحو الصدقة و الصوم و الحج و لعله يعجز عنها او عن بعضها فيوجز على ذلك لانه معقود النية عليه و هذا الجواب منسوب الى ابن دريد و رواه الكليني في الاصول في باب النية عن ابي بصير عن الصادق عليه السّلام التاسع ما اجاب به الغزالي و هو ان النية سرّ لا يطلع عليه الا اللّه سبحانه و العمل السر افضل من العمل الظاهر،العاشر ان النية تدوم الى آخر العمل لا يتصور فيها الدوام لانها تتصرم شيئا فشيئا.

الحادي عشر قول الصادق عليه السّلام انما خلّد اهل النار في النار لان نياتهم كانت في الدنيا ان لو بقوا فيها ان يعصوا اللّه ابدا و انما خلّد اهل الجنة في الجنة لان نياتهم كانت في الدنيا ان لو بقوا فيها ان يطيعوا اللّه ابدا فبالنيات خلّد هؤلاء و هؤلاء،ثم تلا قوله تعالى قل كل يعمل على شاكلته قال على نيته و هذا جواب واضح الصحة،الثاني عشر ان مراده كونه طبيعة النية خيرا من طبيعة العمل و ذلك انه لا يترتب عليها عقاب اصلا بل ان كانت خيرا اثيب عليها و ان كانت شرا كان وجودها كعدمها بخلاف العمل.

الثالث عشر ان النية من اعمال القلب و هو افضل الجوارح فعمله افضل من عملها أ لا ترى ان قوله تعالى أقم الصلوة لذكري جعل سبحانه اياها وسيلة الى الذكر و المقصود اشرف من الوسيلة.

الرابع عشر ان المراد بالنية تأثر القلب عند العمل و انقياده الى الطاعة و اقباله على الاخرة و انصرافه عن الدنيا و ذلك يشتدّ بشغل الجوارح في الطاعات و كفها عن المعاصي فان بين الجوارح و القلب علاقة شديدة يتأثر كل منهما بالاخر و المقصود من اعمال الجوارح حصول ثمرة القلب فلا تظن ان في وضع الجبهة على الارض غرضا من حيث انه جمع بين الجبهة

ص:242

و الارض بل من حيث انه بحكم العادة يؤكد صفة التواضع في القلب فكانت النية روح العمل و ثمرته و المقصود الاصلي من التكليف انما هو التكليف به فكانت افضل و هذا قريب مما تقدم.

الخامس عشر ان النية ليست مجرد قولك عند الصلوة و الصوم او التدريس اصلي او اصلي او ادرّس قربة الى اللّه تعالى و انما النية المعتبرة انباث النفس و ميلها و توجهها الى ما فيه غرضها و مطلبها و هذا الانبعاث و الميل اذا لم يكن حاصلا لها لا يمكنها اختراعه و اكتسابه بمجرد النطق بتلك الالفاظ و تصور تلك المعاني و ما ذلك الا كقول الشبعان اشتهي الطعام و ذلك الميل و الانبعاث لا يحصلان الا بتخلي النفس عن الاوصاف الذميمة و التوجه الى الجادة المستقيمة فالنية الخالصة خير من العمل و اشق منه على ما هو موجود في الوجدان،السادس عشر ان العمل يوجد بالنية لا النية بالعمل،السابع عشر ان النية لا تدفع الى الخصماء كسائر الاعمال.

الثامن عشر ان الحديث ورد في سبب خاص و هو ان رجلا من الانصار نوى ان يعمل جسرا كان على باب المدينة قد انهدم فسبقه الى عمله يهودي فاغتمّ الانصاري لذلك فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله نية المؤمن خير من عمله يعني من عمل الكافر اليهودي،التاسع عشر ما رواه الصدوق في كتاب العلل عن الشحّان قال قلت لابي عبد اللّه اني سمعتك تقول نية المؤمن خير من عمله فكيف تكون النية خيرا من العمل؟قال لان العمل ربما كان راء للمخلوقين و النية خالصة لرب العالمين فيعطي عز و جل على النية ما لا يعطي على العمل و هذا يقوي الوجه الرابع و يحققه.

العشرون ما قاله بعض المعاصرين من ان خيرا و شرا منصوبان على المفعولية للنية لانه مصدر و الرفع انما وقع تحريفا فالمعنى ان المؤمن اذا نوى خيرا تكون تلك النية من جملة اعماله و كذا الكافر و يرد عليه ضبطهما بالرفع و دلالة الحديث الاول على الرفع كما هو ظاهر و الى الان لم تجتمع هذا الاجوبة كلها محررة في كتاب قبل هذا.

فان قلت قد ذكرت في تضاعيف هذه الوجوه ان النية المجردة لا يترتب عليها عقاب و قد روى ايضا مثله في الاخبار فما تقول في ظاهر قوله تعالى ان تبدوا ما في انفسكم و تخفوه يحاسبكم به اللّه فيغفر لمن يشاء و يعذب من يشاء و في بعض الاخبار ايضا ان اللّه تعالى يحاسب على خطرات القلب و لحظات العيون قلت خواطر القلب قسمان منها ما يخطر بالقلب و يكون متعلقه الجوارح كنية الزنا و السرقة اللواطة و نحوها و منها ما يكون متعلقه القلب و هو من اعماله كالنفاق و لريا و الحسد و العجب و نحو ذلك فهذا مما يعاقب عليه صاحبه لانه من اعمال القلب و هو رئيس الجوارح.

ص:243

و اما القرائة فوظائفها لا تكاد تحصى لانها حكاية كلام اللّه جل شأنه المشتمل على الحكم العجيبة و الاساليب الغريبة و ليس المقصود منه مجرد حركة اللسان بل المقصود معانيها ليستفيد منها حكمة و دقلئق و حقائق و سرارا و ترغيبا و وعدا و وعيدا فاذا قلت اعوذ باللّه من الشيطان الرجيم فاعلم انه عدوك مترصد لصرف قلبك حسدا لك على المناجاة و على سجودك له مع انه لعن على سجدة واحدة و ان استعاذتك باللّه منه انما يكون بترك ما يحبه و تبديله بما يحب اللّه تعالى لا بمجرد قولك اعوذ باللّه من الشيطان الرجيم فان من قصده عدو او سبع ليفترسه فقال اعوذ منك بذلك الحصن و هو ثابت في مكانه ان ذلك لا ينفعه بل لا يفيده الا تبديل المكان فكذلك من يتبع الشهوات التي هي محل الشياطين و مكاره الرحمن فلا يعينه مجرد القول فليقرن قوله بالعزم على التعوذ بحصن اللّه تعالى عن شر الشيطان و حصنه لا اله الا اللّه اذ قال تعالى فيما اخبر عنه نبينا لا اله الا اللّه حصني و المتحصن به من لا يعبد الها سوى اللّه تعالى فاما من اتخذ الهه هواه فهو في ميدان الشيطان لا في حصن اللّه تعالى.

و من دقائق مكائده ان يشغلك في الصلوة بفكر الاخرة و تدبر فعل الخيرات ليمنعك عن فهم معاني ما تقرأ فاعلم ان كل ما شغلك عن فهم معاني فرائتك فهو وسواس فان حركة اللسان غير مقصودة بل المقصود معانيها كما مر و الناس في القرائة ثلاثة اقسام فمنهم من يتحرك لسانه و لا يتدبر قلبه لها و هذا من الخاسرين الداخلين في توبيخ اللّه تعالى و هد يده بقوله أ فلا يتدبرون القرآن ام علوب اقفالها و دعاء نبيه صلّى اللّه عليه و آله بقوله ويل لمن لاكها بين لحييه ثم لا يتدبرها و منهم من يحترك لسانه و قلبه يتبع اللسان فيستمع و يفهم منه كأنه يسمعه من غيره و هذه درجة اصحاب اليمين و منهم من يسبق قلبه الى المعاني اولا ثم يخدم اللسان قلبه فيترجمه و هذه درجة المقربين و فرق جليّ بين ان يكون(اللسان خ)الانسان ترجمان القلب كما في هذه الدرجة و بين ان يكون معلمه كما في الدرجة الثانية،فالمقربون ترجمان يتبع القلب و لا يتبعه القلب.

و من وظائف القرائة قول الصادق عليه السّلام من قرأ القرآن و لم يخضع له و لم يرّق قلبه و لم ينشر حزنا و وجلا في سره فقد استهان بعظم شأن اللّه و خسر خسرانا مبينا و تفصيل ترجمة المعاني اختصارا انك اذا قلت بسم اللّه الرحمن الرحيم فانو به التبرك لابتداء القرائة بكلام اللّه تعالى و افهم ان معناه الامور كلها باللّه و ان المراد هيهنا بالاسم هو المسمى فاذا كانت الامور كلها باللّه فلا جرم كان الحمد للّه فاذا قلت الرحمن الرحيم فاحضرني في قلبك انواع لطفه لتتضح لك رحمته فيبعث به رجاؤك ثم استشعر من قلبك التعظيم و الخوف بقولك مالك يوم الدين اما العظمة فلأنه لا مالك(ملك خ)الا له،و اما الخوف فلهول يوم الجزاء و الحساب

ص:244

الذي هو مالكه ثم جدد الاخلاص بقولك اياك نعبد و اياك نستعين و تحقق انه ما تيسرت طاعتك الا باعانته و ان المنّة له اذ وفقك لطاعته و جعلك اهلا لمناجاته ثم قل إهدنا الصراط المستقيم الذي يشوقنا الى جوارك و يقضي بنا الى مرضاتك و زده شرحا و استشهدوا بالذين افاض عليهم نعمة الهداية من النبيين و الصديقين دون الذي غضب عليهم من الكفار و اليهود و النصارى.

فاذا تلوت الفاتحة كذلك فتشبه ان تكون ممن قال اللّه تعالى فيهم قسمت الفاتحة بيني و بين عبدي نصفين نصفها لي و نصفها لعبدي يقول العبد الحمد ببه رب العالمين فيقول اللّه حمدي عبدي و اثنى عليّ و هو قوله سمع اللّه لمن حمده الحديث،فلو لم يكن من صلاتك سوى ذكر اللّه في جلاله و عظمته فناهيك به غنيمة فكيف بما ترجوه من ثوابه و فضله.

و روى الصدوق طاب ثراه باسناده الى مولانا العسكري قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قسمت فاتحة الكتاب بيني و بين عبدي فنصفها لي و نصفها لعبدي و لعبدي ما سأل اذا قال العبد بسم اللّه الرحمن الرحيم قال اللّه جل جلاله بدأ عبدي باسمي و حقّ عليّ ان اتمم اموره و ابارك له في احواله فاذا قال الحمد للّه رب العالمين قال اللّه جل جلاله حمدني عبدي و علم ان النعمة التي له من عندي و ان البلايا التي دفعت عنه فبتطولي اشهدكم اني اضيف الى نعم الدنيا نعم الاخرة و ادفع عنه بلايا الاخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا فاذا قال الرحمن الرحيم قال اللّه جل جلاله شهد لي بأني الرحمن الرحيم اشهدكم لاوفرنّ من رحمتي حظه و لاجزلنّ من عطائي نصيبه فاذا قال مالك يوم الدين قال اللّه جل جلاله اشهدكم كما اعترف لي اني مالك يوم الدين لاسهلنّ يوم الحساب حسابه و لا تجاوزنّ عن سيأته فاذا قال العبد اياك نعبد قال اللّه تعالى صدق عبدي اياي يعبد اشهدكم لاثيبنّه على عبادته ثوابا يغبطه كل من خالفه في عبادته لي فاذا قال و اياك نستعين قال اللّه جل جلاله بي استعان و إليّ التجأ اشهدكم لاعيننه على امره و لاعينه في شدائده و لا خذنّ بيده يوم القيامة فاذا قال اهدنا الصراط المستقيم الى آخر السورة قال اللّه تبارك و تعالى هذا لعبدي و لعبدي ما سأل قد استجبت لعبدي و اعطيته ما امّل و امنته مما وجل.

اقول و من هذا يظهر معنى ما روى ان الصادق عليه السّلام قد صلّى يوما فلما بلغ في القرائة الى اياك نعبد كررها كثيرا فلما فرغ سأل عن سبب تكريره لها فقال عليه السّلام ما زلت اكررها حتى سمعتها من قائلها و ذلك ان اقوال اللّه سبحانه في الحديث المتقدم مسموعة للاولياء و الصالحين بأسماع اللبّ،و لهم عليهم السّلام بالسمعين لا كما قاله بعض الاعلام ان هذا من باب قول بعض الصوفية بالفارسية.

روا باشد انا اللّه از درختى جرا نبود روا ازينك بختى

ص:245

يعني اذا جاز ان يخرج الكلام من شجرة وسى بأنا اللّه فلم لا يجوز خروج مثل هذا الكلام من الانسان لذي هو اشرف من الشجرة و غيرها،و هذا اشارة الى ما نقلنا عن بعضهم من قوله ليس في جبتي سوى اللّه و قوله انا الحق و قد عرفت ان هذا هو الالحاد المحض و الكفر الصريح و قد بقى من وظائف القرائة امران.

الاول ما قاله فقهاؤنا رضوان اللّه عليهم من وجوب القرائت بواحدة من القرائات السبع المتواترة و في تواتر تمام العشرة باضافة ابي جعفر و يعقوب و خلف خلاف ذهب الشهيدان قدس اللّه روحيهما الى ثبوت تواتره و الى جواز القرائة به قال الشهيد الثاني(ر ه)في شرح الرسالة:و اما اتباع قرائة الواحد من العشرة في جميع السورة فغير واجب قطعا بل و لا مستحب فان الكل من عند اللّه نزل به الروح الامين على قلب سيّد المرسلين تخفيفا على الامة و تهوينا على اهل هذه الملة انتهى،و هو مصرّح بان القراءات السبع بل العشر متواترة النقل من الوحي الالهي و كذلك كلام اكثر الاصحاب و قد تكلمنا معهم في شرحنا على تهذيب الحدث و لنذكرها هنا نبذة منه فنقول ان في هذه الدعاوى السابقة نظرا من وجوه.

الاول القدح في تواترها عن القرّاء و ذلك ان اهل القرائة نقلوا انه قد كان لكل قار راويان يرويان عنه القرائة و ربما اختلفوا في الرواية عنه كثيرا نعم قد اشتهرت رواية الرأيين في الاعصار المستقبلة و بلغت حدّ التواتر مع ان من شروطه استواء الطبقات كلها في وجود التواتر.

الثاني سلّمنا تواترها عن اربابها لكنه لا يجدي نفعا و ذلك انهم آحاد من مخالفينا قد استبدوا بهذه القرائة و تصرفوا فيها و جعلوها فنّا لهم كما جعل سيبويه و الخليل النحو فنا لهما و تصرفوا فيه على مقتضى عقولهم،و فرقوا في مسائل المذاهب و من هذا ترى القراء لم يسندوا قراءتهم الى اهل البيت عليهم السّلام و ربما اسندوها في بعض الاوقات اليهم لكن يكون من باب ان جاءكم فاسق بنبأ الاية.

الثالث ان تسليم تواترها عن الوحي الالهي و كون الكل قد نزل به الروح الامين يفضي الى طرح الاخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاما و مادة و اعرابا مع ان اصحابنا رضوان اللّه عليهم قد اطبقوا على صحتها و التصديق بها نعم قد خالف فيها المرتضى و الصدوق و الشيخ الطبرسي و حكموا بأن ما بين دفتي هذا المصحف هو القرآن المنزل لا غير و لم يقع فيه تحريف و لا تبديل و من هنا ضبط شيخنا الطبرسي(ر ه)آيات القرآن و اجزائه فروى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله ان جميع سور القرآن مأة و اربع عشرة سورة و جميع آيات القرآن ستة آلاف آية و مائتا آية و ستة و ثلاثون آية و جميع حروف القرآن ثلثمائة الف حرف واحدى و عشرون الف حرف و مائتان و خمسون حرفا.

ص:246

و الظاهر ان هذا القول انما صدر منهم لاجل مصالح كثيرة منها سدّ باب الطعن عليها بأنه اذا جاز هذا في القرآن فكيف جاز العمل بقواعده و احكامه مع جواز لحوق التحريف لها، و سيأتي الجواب عن هذا كيف و هؤلاء الاعلام رووا في مؤلفاتهم اخبارا كثيرة تشتمل على وقوع تلك الامور في القرآن و ان الاية هكذا انزلت ثم غيرت الى هذا.

الرابع انه قد حكى شيخنا الشهيد طاب ثراه عن جماعة من القراء انهم قالوا ليس المراد بتواتر السبع و العشر ان كل ما ورد من هذه القراءات متواتر بل المراد انحصار المتواتر الان فيما نقل من هذه القرائة فان بعض ما نقل عن السبعة شاذّ فضلا عن غيرهم فاذا اعترف القرّاء بمثل هذا فكيف ساغ لنا الحكم على هذه القراءات كلها بالتواتر كما قاله العلامة في كتاب المنتهى و كيف ظهرت لنا القرائة المتواترة حتى نقرأ بها في الصلوة،و كيف حكمنا بأن الكل قد نزل به الروح فان هذا القول منهم رجوع عن التواتر.

الخامس انه قد استفاض في الاخبار ان القرآن كما انزل لم يؤلفه الا امير المؤمنين عليه السّلام بوصية من النبي صلّى اللّه عليه و آله فبقى بعد موته ستة اشهر مشتغلا بجمعه فلما جمعه كما انزل اتى به الى المتخلفين بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال لهم هذا كتاب اللّه كما انزل فقال له عمر بن الخطاب لا حاجة بنا اليك و لا الى قرآنك عندنا قرآن كتبه عثمان فقال لهم علي عليه السّلام لن تروه بعد هذا اليوم و لا يراه احد حتى يظهر ولدي المهدي عليه السّلام و في ذلك القرآن زيادات كثير و هو خال من التحريف و ذلك ان عثمان قد كان من كتّاب الوحب لمصلحة رآها صلّى اللّه عليه و آله و هي ان لا يكذبوه في امر القرآن بأن يقولوا انه مفترى او انه لم ينزل به الروح الامين،كما قاله اسلافهم بل قالوا هم ايضا و كذلك جعل معاوية من الكتّاب قبل موته بستة اشهر لمثل هذه المصلحة ايضا و عثمان و اضرابه ما كانوا يحضرون الا في المسجد مع جماعة الناس فما يكتبون الا ما نزل به جبرئيل عليه السّلام بين الملأ.

اما الذي كان يأتي به داخل بيته صلّى اللّه عليه و آله فلم يكن يكتبه الا امير المؤمنين عليه السّلام لان له المحرمية دخولا و خروجا فكان يتفرد بكتابة مثل هذا و هذا القرآن الموجود الان في ايدي الناس هو خطّ عثمان و سموه الامام و احرقوا ما سواه او اخفوه و بعثوا به زمن تخلفه الى الاقطار و الامصار و من ثم ترى قواعد خطّه تخالف قواعد العربية مثل كتابة الالف بعد واو المفرد و عدمها بعد واو الجمع و غير ذلك و سموه رسم الخط القرآني و لم يعلموا انه من عدم اطلاع عثمان على قواعد العربية و الخط.

و قد ارسل عمر بن الخطاب زمن تخلفه الى علي عليه السّلام بأن يبعث له القرآن الاصلي الذي هو الّفه و كان عليه السّلام يعلم انه طلبه لاجل ان يحرقه كقرآن ابن مسعود او يخفيه عنده حتى يقول

ص:247

الناس ان القرآن هو هذا الكتاب الذي كتبه عثمان لا غير يبعث به اليه و هو الان موجود عند مولانا المهدي عليه السّلام مع الكتب السماوية و مواريث الانبياء و لما جلس امير المؤمنين عليه السّلام على سرير الخلافة لم يتمكن من اظهار ذلك القرآن و اخفاء هذا لما فيه من اظهار الشنعة على من سبقه كما لم يقدر على النهي عن صلاة الضحى و كما لم يقدر على اجراء المتعتين متعة الحج و متعة النساء،حتى قال عليه السّلام لو لا ما سبقني بنو الخطاب ما زنى الا شفا يعني جماعة قليلة لاباحة المتعة و كما لم يقدر على عزل شريح عن القضاء و معاوية عن الامارة.

و قد بقى القرآن الذي كتبه عثمان حتى وقع الى ايدي القراء فتصرفوا فيه بالمد و الادغام و التقاء الساكنين مثل ما تصرف فيه عثمان و اصابه و قد تصرفوا في بعض الآيات تصرفا نفرت الطباع منه و حكم العقل بأنه ما نزل هكذا و في قريب هذه الاعصار ظهر رجل اسمه سجاوندا و نسبته الى بلدة فكتب هذه الرموز على كلمات القرآن و علّمه بعلامات اكثرها لا يوافق تفاسير الخاصة و لا تفاسير العامة و الظاهر ان هذا ايضا اذا مضت عليه مدة مديدة يدّعي فيه التواتر و انه جزء القرآن فيجب كتابته و استعماله و الحاصل ان العادة اذا وقعت اشترك فيها العدو و الولي.

السادس ان اهل التفسير و ارباب علم القرائة اذا ذكروا قرائة في آية جعلوا قرائة اهل البيت عليهم السّلام قسيمة لقرائة حفص و عاصم و نحوهما فيقولون تارة و قرائة علي هكذا و يقولون تارة اخرى و في قرائة اهل البيت هكذا فاذا كان كذلك كيف يكون قرائة علي و اهل بيته عليهم السّلام و قرائة غيرهم بمرتبة واحدة بالنسبة الى الوحي الالهي و ان جبرئيل عليه السّلام نزل بالجميع فلو كان هكذا كان ينبغي نسبة القرائة كلها اليه عليه السّلام لانه المعلم الاول في جميع الفنون كما تقدم و الذي حداهم على مثل هذه التصرفات و تصديق اصحابا لهم ما روى عنه صلّى اللّه عليه و آله انه قال نزل القرآن على سبعة احرف و فسروها بالقراءات تارة و باللغات أخرى مثل لغة قريش و هذيل و هوزان و اليمن مع ان الكليني قدس اللّه روحه قد روى في الصحيح عن الفضيل بن يسار قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام ان الناس يقولون ان القرآن نزل على سبعة احرف فقال كذبوا اعداء اللّه و لكنه انزل على حرف واحد من عند الواحد.

فان قلت كيف جاز القرائة في هذا القرائة مع ما لحقه من التغيير قلت قد روى في الاخبار انهم عليهم السّلام امروا شيعتهم بقرائة هذا الموجود من القرآن في الصلوة و غيرها و العمل باحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان فيرتفع هذا القرآن من ايدي الناس الى السماء و يخرج القرآن الذي الفه امير المؤمنين عليه السّلام فيقرى و يعمل بأحكامه و روى الكليني باسناده الى سالم بن سلمة قال قرأ رجل على ابي عبد اللّه عليه السّلام و انا استمع حروفا من القرآن ليس على ما

ص:248

يقرأها الناس فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام مه كفّ عن هذه القرائة و اقرء كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم فاذا قام قرأ كتاب اللّه على حدّه و اخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السّلام و في هذا الحديث ان عليا عليه السّلام لما فرغ من ذلك القرآن قال لهم هذا كتاب اللّه تعالى كما انزل اللّه على محمد صلّى اللّه عليه و آله و قد جمعته بين اللوحين فقالوا هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه،فقال اما و اللّه ما ترونه بعد يومكم هذا ابدا انما كان عليّ ان اخبركم حين جمعته لتقرأوه و الاخبار الواردة بهذا المضمون كثيرة جدا و عليك بسلوك جادّة الانصاف و خلع ربقة العناد و الاعتساف الامر الثاني من وظائف القرائة ترتيل القرآن بالصوت الحين الحزين الذي لا يبلغ الغناء الذي يقال له غناء في العرف و لا يشتمل على مدّ الصوت مع الترجيع الذي هو حقيقته اللغوية.

روى عن الصادق عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اقرأوا القرآن بالحان العرب و اصواتها و اياكم و لحون اهل الفسوق و الكبائر فانه سيجيء من بعدي اقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانية و لا يجوز تراقيهم قلوبهم مقلوبة و قلوب من يعجبه شأنهم.

و عن النوفلي قال ذكرت الصوت عند ابي الحسن الرضا عليه السّلام فقال ان علي بن الحسين عليه السّلام كان يقرأ فربما مرّ به المار فصعق من حسن صوته و ان الامام لو اظهر من ذلك شيئا لما احتمله الناس من حسنه قلت و لم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصلّي بالناس و يرفع صوته بالقرآن؟ فقال ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يحمل الناس من خلفه ما يطيقون اقول يظهر من هذا الخبر و ما في معناه سرّ غريب و هو الجواب عما روى من ان الرضا عليه السّلام كان اسمر اللون و كذا الكاظم عليه السّلام مع ما روى من انه يجب في الامام ان يفضل الناس خلقا و خلقا،و النبي صلّى اللّه عليه و آله لما كان يذكر الصديق و حسنه كان يقول و انا املح منه مع انه لم ينقل لهم شيء من هذه المراتب الا قليلا.

و تحقيقة ان النبي و اهل بيته عليهم السّلام انما كانوا يعاشرون الناس على قدر ما تحتمله عقولهم بالنسبة الى كل شيء و من جملته حسن الاصوات و الصور فالكاظم و الرضا عليهما السّلام قد رأيا الصلاح في ان يظهرا لشيعتهم بتلك الصور الخاصة و كانا يظهران لخواص شيعتهم على احسن الصور و اكملها و كذا باقي الائمة عليهم السّلام.

روى ان امرأة المأمون بعث الى الجواد عليه السّلام اني احب ان اراك جالسا مع ابنتي فهيأوا لها ضيافة فأتت من الغد قال راوي الحديث فدخل عليه السّلام فلما رأته زوجته ام الفضل خرّت مغشيا (مغشية خ)عليها و اتاها الحيض ذلك الوقت فرجع عليه السّلام و هو يقول فلما رأينه اكبرنه الاية،فلما افاقت قالت يا اماه لم زوجتني هذا الرجل؟قالت و كيف ذلك؟قالت انه يتصور لي كل يوم بصور متعددة و الان لما دخل علينا رأيت من وجه انوارا علت البيت و ما فيه فما قدرت على النظر اليه حتى غشى عليّ و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله اذا اتاه جبرئيل عليه السّلام بالوحي وضع ثوبا على راسه

ص:249

لئلا ينظر الناس اليه ذلك الوقت لانهم لا يستطيعون النظر اليه من شدة انواره و من هذا كان عليه السّلام يقول لي مع ربي وقت لا يحتمله احد.

فان قلت قد صحّ من هذه الاحاديث ان الغناء لا يجوز بتلاوة القرآن فكيف تقول فيما روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله من قوله ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن.

قلت هذا حديث مجمل و قد تصدى الاعلام لتوضيح معناه على وجوه الاول ما نقله المرتضى طاب ثراه عن ابي عبيدة من ان المعنى ان من لم يستغن بالقرآن فليس منا و احتج بوروده في اللغة،و بخبر رفعه عن عبد اللّه بن نهيك انه دخل على سعد ببيته فاذا مثال رث و متاع رث فقال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من لم يتغنّ بالقرآن فليس منا،قال ابو عبيدة فذكره المتاع الرث و المثال الرث يدلّ على ان التغني بالقرآن الاستغناء عن الكثير من المال و المثال،و هو الفراش قال ابو عبيدة و لو كان التغني معناه الترجيح لطمث المحنة علينا بذلك اذا كان من لم يرجع بالقرآن ليس منه عليه السّلام و ذكر عن ابي عبيدة جوابا آخر و هو انه عليه السّلام اراد من لم يحسن صوته بالقرآن و لم يرجع فيه و استدل عليه بما روى من قوله صلّى اللّه عليه و آله ان هذا القرآن نزل بحزن فاذا قرأتموه فابكوا فان لم تبكوا فتباكوا فمن لم يتغنّ بالقرآن فليس منا،و قوله صلّى اللّه عليه و آله لا يأذن اللّه لشيء من الارض الا لصوت المؤذّنين و للصوت الحسن بالقرآن.

و قد ذكر ابو بكر محمد بن القسم الانباري وجها ثالثا في الخبر قال اراد عليه السّلام من لم يتلذذ بالقرآن و يستحله و يستعذب تلاوته كاستحلاء اصحاب الطرب للغنا و التذاذهم به و سمّى ذلك تغنيا للتأثير و جواب ابي عبيدة احسن الاجوبة و جواب ابي بكر ابعدها لان التلذذ لا يكون الا في المشتهيات و كذلك الاستحلاء و الاستعذاب و تلاوة القرآن و تفهم معانيه من الافعال الشاقة فكيف يكون ملذّا مشتها و يمكن ان في الخبر وجه رابع ظهر لنا و هو ان يكون قوله يتغنى من غنى الرجل بالمكان اذا طال مقام بالمكان اذا طال مقام به،و منه قيل المغنى قال اللّه تعالى كأن لم يغنوا فيها أي لم يقيموا بها،فيكون معنى الخبر على هذا الوجه من لم يقم على القرآن و يتجاوزه الى غيره و يتعدّاه الى سواه و لم يتخذه مغنا و منزلا و مقاما ليس منا هذا محصل كلام المرتضى و الشيخ في الامالي،و لا يخفى عليك ما يرد على بعض كلماته.

و قد ذكر بعض السلاطين ممن عاصرناه وجها آخر لكنه في التحقيق راجع الى ما ذكره ابو عبيدة و حاصله ان المراد بالتغني ما يشبه الغنى كالتباكي الذي ليس هو بكاء حقيقة،و انما المراد به ما يشبه البكاء لانه لو اراد الغنا لقال ليس منا من لم يغن و الغنا حرام فأتى بلفظ التغني الذي يسلم به القارئ من حرمة الغنا و يأتي بنوع له امتياز عن الحاكي و القصاص و يكون فيه نوع حسن شبيه بالغناء.

ص:250

و اما وظيفة الركعتين الاخيرتين فان تعلم ان النبي صلّى اللّه عليه و آله هو الذي اوجبهما بتفويض اللّه سبحانه اليه شكرا على بعض النعم و اما الاوليان من كل صلاة فهما اللتان اوجبهما سبحانه على الامة ليلة المعراج و من هنا دخل الشك و السهو فيما اوجبه صلّى اللّه عليه و آله دون ما اوجبه اللّه، و الاولى له ان يقول فيهما التسبيح و لا يقرأ الحمد و ان اجمع اصحابنا رضوان اللّه عليهم على التخيير و ذلك لوجوه.

الاول ان الاخبار الدالة على قرائة الحمد موافقة لمذاهب الجمهور فيمكن حملها على التقية مع ان الخير فيما بعد عنهم،الثاني ان قارئ الحمد مردد بين محذورين اما الجهر بالبسملة او الاخفات بها،و في وجوب الجهر قال قائل و في الحرمة قال آخر بخلاف التسبيحات،الثالث طلب ما ورد فيها من الثواب.

روى الصادق عليه السّلام عن آبائه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انه قال من قال سبحان اللّه غرس اللّه له بها شجرة في الجنة و من قال الحمد للّه غرس اللّه له بها شجرة في الجنة،و من قال لا اله الا اللّه غرس اللّه له بها شجرة في الجنة،و من قال اللّه اكبر غرس اللّه له بها شجرة في الجنة،فقال رجل من قريش هو ابو بكر ان شجرنا في الجنة لكثير قال نعم و لكن اياكم ان ترسلوا عليها نيرانا فتحرقوها،و ذلك قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ.

و ينبغي ان يقول سبحانه و الحمد و لا اله الا اللّه و اللّه اكبر و استغفر اللّه ثلاثا لينطبق على جميع الاقوال و الاخبار.

و اما وظيفة الركوع فاذا صليت اليه فجدد على قلبك ذكر كبرياء اللّه تعالى و عظمته و خساسة كل ما سواه و تلاشيه فارفع يديك و قل اللّه اكبر مستجيرا في رفعك بعفو اللّه من عقابه،و متبعا سنة نبيه صلّى اللّه عليه و آله ثم تستأنف له ذلا و خضوعا و تواضعا بركوعك و اجتهد فير ترقيق قلبك و مدّ عنقك في ركوعك قاصدا ما قاله امير المؤمنين عليه السّلام حين سأل عن مدّ عنقه في الركوع فقال معناه آمنت بك و لو ضربت عنقي فيكون مدّ العنق اشارة الى ان الاسير الذليل اذا اريد ضرب عنقه يؤمر اولا بمدّ عنقه حتى يتمكن السيف من رقبته و يأخذ مأخذه منه.

و قال الصادق عليه السّلام لا يركع عبد ركوعا على الحقيقة الا زينّه اللّه تعالى بنور بهائه و اظلّه في ظلال كبريائه و كساه كسوة اصفيائه و الركوع اول و السجود ثان فمن اتى بمعنى الاول صلح للثاني و في الركوع ادب و في السجود قرب و من لا يحسن الادب لا يصلح للقرب فاركع ركوع خاضع للّه بقلبه متذلل وجل تحت سلطانه حافظ له بجوارحه حفظ خائف حزن على ما يفوقه من فائدة الراكعين و حكى ان ربيع بن خيثم كان يسهر بالليل الى الفجر في ركعة واحدة فاذا اصبح تزفر و قال آه سبق المخلصون و فظع بنا و اذا رفعت رأسك من الركوع فكبر و اذا هويت

ص:251

الى السجود فكبر و التكبير الاول لم يتعرض له اكثر فقهائنا و لكن قال به ابنا بابويه و صاحب الفاخر،و صحيحتا ابن عمار و ابن مسكان دالتان عليه و العمل بهما لا يخلو من وجه.

و اما وظيفة السجود فاعلم انه اعظم مراتب الخضوع و من هنا اوحى اللّه تعالى الى موسى بن عمران عليه السّلام أ تدري لم اصطفيتك بكلامي و اخترتك لرسالتي فقال موسى لا يا رب فقال اللّه سبحانه يا موسى اني قلبت عبادي ظهرا لبطن و بطنا لظهر فلم ار احد اذل لي منك اذا سجدت عفرت خديك بالتراب و خصوصا اذا كان تراب الحسين عليه السّلام فقد روى ان السجود عليها يخرق الحجب السبعة يعني لا يمنع الصلوة عن الصعود احد من الملائكة الموكلين بابواب السموات كما تقدم في الحديث الطويل.

و ليكن بخاطرك ما روى عن علي عليه السّلام حين سأل عن معنى لسجدة الاولى و الرفع منها و السجدة الثانية و لرفع منها فقل عناه منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى فالسجدة الاولى اشارة الى ان مادة خلقنا من هذا التراب و الرفع اشارة الى خروجنا منها و رفع رأوسنا قليلا لا يصل الى حدّ القيام اشارة الى قصر هذا الوقت و ان مدة هذا العمر اقلّ قليل و الى انتقالنا من هوان الى هوان و السجدة الثانية اشارة الى رجوعنا الى هذا التراب عند الموت و لرفع الثاني الى الحشر و النشر و البعث منها للحسنات.

و قد منعت الشريعة الغرا من السجود على ما يأكله الادميون و يلبسونه لان الناس عبيد ما يأكلون و ما يدخرون فلو سجدوا عليه لكانوا كأنهم سجدوا له كما جاء في الرواية و قال الصادق عليه السّلام ما خسر و اللّه من اتى بحقيقة السجود و لو كان في العمر مرة واحدة،و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال اللّه تعالى لا اطّلع على قلب عبد و اعلم فيح حب الاخلاص لطاعتي لوجهي و ابتغاء مرضاتي الا توليت تقويمه و سياسته و متى اشتغل بغيري فهو من المستهزئين بنفسه مكتوب اسمه في ديوان الخاسرين.

و اما وظيفة التشهد و التسليم فبأن تشهد به بالوحدانية و لرسوله بالرسالة مجددا عهد اللّه باعادة كلمتي الشهادة معترضا بهما لتأسيس مراتب السعادة و اما التسليم المخرج من الصلوة فهو السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته،و اما حقيقة التسليم فهي ان التسليم(الصلوة خ)غيبة عن الناس و حضور مع اللّه عز و جل فالانصراف منها رجوع من اللّه الى الخلق كالمأمومين و ملائكة الاعمال و غيرهم فلهذا شرع التسليم عند الانصراف منها لان التسليم تحية من غاب ثم حضر و آب فمن لم يغب في صلاته عن نفسه و عن الناس بل يكون معهم في حديث نفسه فهو لم يزل حاضرا معهم فتسليمه خال عن معناه و اما سجدة الشكر فاستجبنا بها ثابت عند تجدد النعم و دفع النقم بل و عند ذكر النعم السابقة.

ص:252

قال الصادق عليه السّلام اذا ذكرت نعمة اللّه عليك و كنت في موضع لا يراك احد فالصق خدك بالارض و اذا كنت في ملأم الناس فضع يدك على اسفل بطنك و آخر ظهرك و ليكن تواضعا للّه فان ذلك احب اليّ و يرى ان ذلك غمز وجدته في اسفل بطنك و آكد اوقاتها بعد الصلوة شكرا على نعمة التوفيق لادائها،قال الصادق عليه السّلام سجدة الشكر واجبة على كل مسلم تتم بها صلاتك و ترضى بها ربك و تعجب الملائكة منك و ان العبد اذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تبارك و تعالى الحجاب بين العبد و الملائكة فيقول يا ملائكتي انظروا الى عبدي ادّى فرضى و اتم عهدي ثم سجد لي شكرا على ما انعمت به عليه ملائكتي ما ذا له؟فتقول الملائكة يا ربنا رحمتك فيقول الرب تبارك و تعالى ثم ما ذا؟فلا يبقى شيء من الخير الا قالته الملائكة فيقول اللّه تعالى ثم ما ذا فتقول الملائكة يا ربنا لا علم لنا فيقول تعالى اشكر له كما شكر لي و اقبل عليه بفضلي كما اقبل عليّ و اريه وجهي.

و روى العامة و الخاصة ان اول من سجد سجدة الشكر في الاسلام علي بن ابي طالب عليه السّلام حين اراد الكفار ان يغدروا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال له يا علي ان اللّه يأمرك ان تنام بمكاني و انا اخرج الى الغار و لم يعلمه بالسلامة،فقال يا رسول اللّه اذا بتّ انا في منامك تنجو أنت؟ فقال نعم يا علي،فعند ذلك قال الحمد للّه الذي جعل نفسي وقاء لنفس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سجد عند ذلك سجدة شكر،قال جمهور مخالفينا ان سجدة الشكر فيها ثواب جزيل لكن لما كانت شعار الروافض لزم على المسلم تركها لئلا يتشبه بهم و نحن نقول الحمد للّه الذي لم يشابه بيننا و بينكم لا في هذه و لا في غيره.

و اما كيفيتها فروى ان في ادنى ما يجزي فيها ان يقول شكرا للّه ثلاثا و قال الصادق عليه السّلام اذا سجد العبد فقال يا رب حتى ينقطع نفسه قال له الرب عز و جل لبيك ما حاجتك و بالجملة فالاهم هو الاهتمام بحال الصلوة و الاقبال عليها خصوصا من حضور القلب الذي هو روحها، روى عن مولانا زين العابدين عليه السّلام انه كان يصلي فوقعت النار في البيت الذي كان يصلي فيه فلما علت صاح به الناس النار النار يا ابن رسول اللّه و هو مشغول لا يلتفت فلما انطفت النار و فرغ من الصلوة تعالوا عليه و اخبروه بوقوع الحريق فقال انا كنت ادفع نار جهنم عن نفسي و ما شعرت بحرارة هذه النار.

روى عن الباقر عليه السّلام انه كان يصلي الى جنب بئر في المنزل فأتى ولده يحبو اليه فوقع في البئر و هو يصلي فما التفت اليه فصاحت ام الولد ابنك وقع في البئر فلما فرغ من صلاته قالت له زوجته ما اقسى قلبك يا ابن رسول اللّه فأتى الى البئر و وجد الصبي جالسا فوق الماء فارتفع

ص:253

الماء و الصبي فوقه حتى مدّ عليه السّلام يده و اخرج الغلام فقال لامرأته لما كنت في خدمة مولاي كان هو في حراسة ولدي.

و اما حال علي عليه السّلام في الصلوة فهو اشهر من ان يذكر و كانوا يأخذون النصال من بدنه في الصلوة و ما كان يشعر بها و اما شعوره بالسائل وقت الخاتم مع كونه سكرانا في العشق فهو من باب الافاقة التي تعتري اهل الوله و ما احسن قول ابن الجوزي:

يسقى و يشرب لا تلهيه سكرته عن النديم و لا يلهو عن الكاس

اطاعه سكره حتى تمكن من فعل الصحاة فهذا اعظم الناس

نور يكشف عن الرياء و اقسامه و الداعي اليه و علاجه

اعلم ان الكتاب و السنّة قد اكثروا من الوعيد عليه قال اللّه تعالى فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤون،و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله ان النار و اهلها يعجبون من اهل الريا،فقيل يا رسول اللّه و كيف تعجّ النار؟قال من حرّ النار التي يعذبون بها و قال صلّى اللّه عليه و آله المرائي يوم القيامة ينادي بأربعة اسماء يا كافر يا فاجر يا غادر يا خاسر ضلّ سعيك و بطل اجرك و لا خلاق لك التمس الاجر ممن كنت تعمل له يا مخادع و عنه صلّى اللّه عليه و آله ان اللّه تعالى يقول انا اغنى الاغنياء عن الشرك من عمل عملا فأشرك فيه غيري فنصيبي له فانا لا اقبل الا ما كان خالصا لي.

و عنه صلّى اللّه عليه و آله ان اول ما يدعى يوم القيامة رجل جمع القرآن و رجل قاتل في سبيل اللّه و رجل كثير المال فيقول اللّه عز و جل للقارئ أ لم اعلّمك ما انزلت على رسولي فيقول بلى يا رب فيقول ما عملت به فيما علّمت؟فيقول يا رب قمت به في آناء الليل و اطراف النهار فيقول اللّه تعالى كذبت و تقول الملائكة كذبت و يقول اللّه تعالى انما اردت ان يقال فلان قارى فقد قيل ذلك و يؤتى بصاحب المال فيقول اللّه تعالى الم اوسع عليك حتى لم ادعك تحتاج الى احد؟ فيقول بلى يا رب فيقول فما عملت فيما آتيتك قال كنت اصل الرحم و اتصدق فيقول اللّه كذبت و تقول الملائكة كذبت و يقول اللّه سبحانه بل اردت ان يقال فلان جواد و قد قيل ذلك، و يؤتى بالذي قتل في سبيل اللّه فيقول اللّه تعالى ما فعلت؟فيقول امرت بالجهاد في سبيل اللّه فقاتلت حتى قتلت،فيقول اللّه كذبت و تقول الملائكة كذبت و يقول اللّه تعالى بل اردت ان يقال فلان جرى شجاع فقد قيل ذلك ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اولئك خلق اللّه تسعر بهم نار جهنم و الاخبار في ذلك كثيرة جدا.

ص:254

و اما تعريفه فهو التقريب الى المخلوقين باظهار الطاعة و طلب المنزلة في قلوبهم و الميل الى اعظامهم له و توقيرهم اياه و استجلاب تسخيرهم بقضاء حوائجه و القيام بمهماته و هو الشرك الخفي،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من صلّى صلاة يرائي بها فقد اشرك ثم قرأ هذه الاية قل انما انا بشر مثلكم يوحى اليّ انما الهكم اله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربه احدا،و اما اقسامه فاثنان رياء محض و رياء مختلط اما المحض فبأن يريد بعمله نفع الدنيا فهذا ساقط عن درجة الاعتبار فلا يحتاج الى البحث عنه،و اما المختلط فبأن يقصد به ذلك مع التقرب الى اللّه تعالى و هذا هو الشرك الخفي الذي وقع في هذه الامة و هذا الرياء يقع على وجوه بعضها جلي و بعضها خفي.

الاول من هذه الاقسام ان يفتتح الصلوة مثلا على الاخلاص المحض و الاقبال على اللّه تعالى فيدخل عليه في اثناء الصلوة داخل او ينظر اليه ناظر فيقول له الشيطان زد صلاتك حسنا حتى ينظر اليك هذا الحاضر بعين الوقار و الصلاح فتخشع جوارحه و يحسن صلاته و هذا هو الرياء الطارى و قد حدثني اوثق مشايخي ان رجلا كان لا يقدر على الاخلاص في العمل و ترك الرياء فاحتال و قال ان في طرف البلد مسجدا مهجورا لا يدخله احد فامضى اليه ليلا و اعبد اللّه فيه،فمضى اليه في ليلة مظلمة و كانت ذات رعد و برق و مطر فشرع في العبادة فبينما هو في الصلوة اذ دخل عليه داخل فأحس به فدخل السرور برؤية ذلك الداخل له و هو على حالة العبادة في الليلة الظلماء فأخذ في الجد و الاجتهاد في عبادته الى ان جاء النهار فنظر الى ذلك الداخل فاذا هو كلب اسود قد دخل المسجد مما اصابه من المطر فتندّم ذلك الرجل على ما دخله حال دخوله،و قال يا نفس اني فررت من ان اشرك بعبادة ربي احدا من الناس فوقعت في ان اشركت معه في العبادة كلبا اسود يا ويلي على هذا.

الثاني ان يكون قد فهم هذه الافة و أخذ منها حذره و لكن يأتيه الشيطان من معرض الخير فيقول له انت متبوع و مقتدى بك فاعمل هذا العمل على وجه يقتدى بك الناس حتى اذا احسنت حصل لك مثل ثواب اعمالهم و ان اسأت كان عليك الوزر و ذلك للحديث المشهور ان من سنّ سنّة حسنة فله اجرها و اجر من يعمل بها الى يوم القيامة و هذه المكيدة اعظم من الاولى و ينخدع بها من لا ينخدع بتلك و هو عين الرياء فانه اذا رأى هذه الحالة خيرا لا يرتضى لغيره تركها فلم تركها هو في الخلوة و ذلك انه لا يكون احد اعزّ على الانسان من نفسه.

الثالث ان يتنبه العاقل لهاتين و يستحي من المخالفة بين صلاته في الخلوة و الملأ فيقبل على نفسه في الخلوة و يحسن صلاته على الوجه الذي يرتضيه في الملأ و يصلي ايضا في الملأ كذلك للعلة المذكورة و هذا ايضا من الرياء الغامض لانه احسن صلاته في الخلوة ليحسن في الملأ

ص:255

فيكون لم يفرّق بين الخلوة و الملأ للناس و الاخلاص ان يكون مشاهدة البهائم لصلاته و مشاهدة الخلق على وتيرة واحدة و الى هذا الاشارة في الحديث النبوي لا يكمل ايمان العبد حتى يكون الناس عنده بمنزلة الاباعر.

الرابع هو أدقّ و اخفى و هو ان ينظر اليه الناس و هو في صلاته فيعجز الشيطان عن ان يقول له اخشع لاجلهم لانه عرف انه لا يصغي اليه بل يقول له تفكر في عظمة اللّه و جلاله و من انت واقف بين يديه و استح ان ينظر اللّه الى قلبك و انت غافل عنه فيحضر بذلك قلبه و تجتمع جوارحه و يظن ان ذلك عين الاخلاص و هو عين الرياء فان خشوعه لو كان لنظره الى عظمة اللّه سبحانه لكان حاله في الخلوة هكذا،و لكان لا يختص خطور هذه الخطرة يحضور غيره، و علامة الامن من هذه الافة ان يكون هذا الخاطر مما يألفه في الخلوة كما يألفه في الملأ و لا يكون حضور الغير هو السبب كما لا يكون حضور البهيمة سببا فما دام يفرق في احواله بين مشاهدة الناس و البهائم فهو بعد لم يخلص لربه و هذا الشرك الذي قال فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انه اخفى في قلب ابن آدم من دبيب النملة في سواد الليلة الظلماء على الصخرة الصمّاء و يعترى ذاكرين اللّه كثيرا بل قيل انه يحملهم على المهالك في كل حركة من الحركات حتى في كحل العين و قصّ الشارب و طيب يوم الجمعة و لبس الثياب فانها سنن في اوقات مخصوصة لكن للنفس فيها حظّ خفي لارتباط نظر الخلق بها،فيدخل الشيطان فيها عليه المداخل و من هذا قيل ركعتان من عالم افضل من عبادة سنة جاهل فاراد به العالم لمبصر بدقائق العبادة حتى يخلص عنها لا مطلق العالم،فان مداخل الشيطان عليه اعظم من مداخله على الجهال و اوسعها.

الخامس ان يكمل العبادة على الاخلاص المحض و النية الصالحة لكن عرض له بعد الفراغ منها حبّ اظهارها ليحصل له بعض الاغراض المحققة للرياء خديعة من الشيطان له انه قد كمل العبادة الخالصة له و قد كتبها اللّه سبحانه في ديوان المخلصين و لا يقدح فيها ما يتجدد و انما ينضم الى ما حصله بها من الخير الاجل خير عاجل فيحدث به و يظهره لذلك ايضا،فهذا ايضا مفسد للعمل و ان سبق كما يفسده العجب المتأخر و يدخل في زمرة الذين قال اللّه عنهم قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون انهم يحسنون صنعا.

و قال الصادق عليه السّلام من عمل حسنة سرا كتبت له سرا فاذا اقرّ بها محيت و كتبت جهرا، فاذا اقرّ بها ثانية و كتبت رياء و فضل عمل السر على عمل الجهر سبعون ضعفا اما لو تعلق باذاعته غرض صحيح كما لو اراد ترغيب السامع في فعل الخير فلا بأس اذا لم يمكن ترغيبه بدونه و الا كان هو الاولى و قد روى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام قال لا بأس ان تحدّث اخاك

ص:256

اذا رجوت ان ينفعه و يحثه و اذا سألك هل قمت الليلة او صمت فحدثه بذلك ان كنت فعلته، فقل قد رزق اللّه ذلك و لا تقل لا فان ذلك كذب.

السادس ان يأمره بترك العمل خوفا من ان يكون مرائيا به و هذا من جملة خدايعه و ذلك ان غرضه الاقصى ترك العمل و انما يعدل بك الى قصد الرياء و غيره عند تثبيطك عن العمل،فاذا حصل غرضه فقد استراح من خدعك و مثالك في ذلك من سلّم ليه مولاه حنطة فيها تراه و قال خلّصها من التراب و نقّها منه تنقية بالغة كاملة فيترك العمل من اصله و هذا تمام الغرض لابليس اللعين و غاية القصد فقد حصلت امنيته و ارحته من التعب بك في افساد العمل و انما سبيلك ان تجتهد في تخليص عملك بالادوية النافعة حتى يحصل مراد مولاك.

السابع ان يأمره اللعين بترك العمل ايضا لا لذلك بل خوفا على الناس ان يقولوا انه مراء فيعصون اللّه به،و هذا ايضا معه ما قبله رياء خفيّ من مكائد الشيطان لان تركه العمل خوفا من قولهم انه مراء عين الرياء و لو لا حبه لمحمدتهم و خوفه من ذمهم فما له و لقولهم قالوا انه مراء او قالوا انه مخلص و اي فرق بين ان تترك العمل خوفا من ان يقال انه مراء و بين ان يحسن العمل خوفا من ان يقال انه غافل مقصر و فيه مع ذلك الظن بالمسلمين و ما كان من حقه انه يظن بهم ذلك ثم كيف يطمع ان يتخلص من الشيطان بترك العمل و قد اطاعه فيه فانه لا يخليه ايضا بل يقول له الان تقول الناس انك تركت العمل ليقال انك مخلص لا تشتهي الشهرة الى غير ذلك من فنون اللعب به.

الثامن ان يقول له اترك العمل لئلا يظن الناس بك خيرا او تشتهر به و احبّ العباد الى اللّه الاتقياء الاخفياء الذين اذا شهدوا لم يعرفوا،فاذا عرفت بين الناس بالعبادة لم يكن لك حظ من هذا الوصف،و هذه ايضا من مكائده و ما عليك اذا اخلصت العمل للّه ان تعرف به او تجهل و انما عليك مراعاة قلبك و اصلاح سرك و كيف يخفى على الناس اذا كنت صالحا و هو تعالى يقول عليك اخفاؤه و عليّ اظهاره و يقول من اصلح سريرته اصلح اللّه علانيته و في الحديث ان العبد اذا فعل الخير في جوف بيته ارسل اللّه ملكا الى الارض بصورة رجل يخبر الناس عن حاله و يقول ان فلانا يعمل كذا و كذا من الخير،و اذا عمل ذنبا في جوف بيته ستره اللّه ثلاثا فاذا عاد الى(على خ)ذلك الفعل ارسل اللّه ملكا الى الارض بصورة رجل فيخبر الناس بما يصنع ذلك الرجل في جوف بيته.

و روى شيخنا الكليني(ر ه)باسناده الى الصادق عليه السّلام قال قال امير المؤمنين عليه السّلام ما من عبد الا و عليه اربعون جنّة حتى يعمل اربعين كبيرة فاذا عمل اربعين كبيرة انكشف عنه الجنن، فيوحى اللّه اليهم ان استروا عبدي باجنحتكم فتستره الملائكة باجنحتها قال فما يدع شيئا من

ص:257

القبيح الا قارنه حتى يمتدح الى الناس بفعله القبيح فتقول الملائكة يا رب هذا عبد ما يدع شيئا الا ركبه و انّا لنستحيي مما يصنع فيوحى اللّه تعالى اليهم ان ارفعوا اجنحتكم عنه فاذا فعل ذلك اخذ في بغضنا اهل البيت فعند ذلك ينتهك ستره في السماء و ستره في الارض (1)فتقول الملائكة يا رب هذا عبدك قد بقى مهتوك الستر فيوحى اللّه تعالى اليهم ول كانت للّه فيه حاجة لما امركم ان ترفعوا اجنحتكم عنه.

التاسع ان يأتيك اللعين و يقول اذا كنت لا تترك العمل لذلك فاخف العمل فان اللّه سيظهره عليك و اما اذا اظهرته فيمكن ان تقع في الرياء و هذا التلبيس عين الرياء لان اخفائك له كي يظهر بين الناس هو بعينه العمل لاجل الناس و ما عليك اذا كان مرضيا للّه تعالى او يخفى لو لا نظرك الى رضاء الناس فانك قد عرفت اظهاره سبحانه لعمل العبد.

روى الصدوق طاب ثراه باسناده الى الرضا عليه السّلام قال ان اللّه تعالى اوحى الى نبي من انبيائه اذا اصبحت فاوّل شيء يستقبلك فكله.

و الثاني فاكتمه،و الثالث فاقبله،و الرابع فلا تويئسه،فالخامس فاهرب منه،فلما اصبح مضى فاستقبله جبل اسود عظيم،فوقف و قال امرني ربي ان آكل هذا و بقى متحيرا ثم رجع الى نفسه،و قال ان ربي جل جلاله لا يأمرني الا بما اطيق فمشى اليه ليأكله فكلما دنى منه صغر حتى انتهى اليه فوجده لقمة فأكلها فوجدها اطيب شيء اكله ثم مضى فوجد طستا من ذهب فقال امرني ربي ان اكتم هذا فحفر له و جعله فيه و القى عليه التراب ثم مضى فاذا هو بطير و خلفه بازى فطاف الطير حوله فقال امرني ربي ان اقبل هذا ففتح كمّه فدخل الطير فيه فقال له البازي اخذت صيدي و انا خلفه منذ ايام فقال ان ربي عز و جل امرني ان لا اوئيس هذا فقطع من فخذه قطعة القاها اليه ثم مضى فاذا هم بلحم ميتة متنت مدوّد فقال امرني ربي ان اهرب من هذا فهرب منه.

و رجع فرأى في المنام كأنه قد قيل له انك قد فعلت ما امرت بهه فهل تدري ما ذا كان؟ قال لا قيل له اما الجبل فهو الغضب ان العبد اذا غضب لم ير نفسه و جهل قدره من عظم الغضب فاذا حفظ فيه و عرف قدره و سكّن غضبه كانت عاقبته كاللقمة الطيبة التي اكلتها و اما الطست فهو العمل الصالح اذا كتمه العبد و اخفاه ابى اللّه عز و جل الا ان يظهره ليزيّنه به مع ما يدّخر له من ثواب الاخرة و اما الطير فهو الرجل الذي جائك بالنصيحة فاقبله و اقبل نصيحته

ص:258


1- (1) من هذا الحديث اخذ الشاعر قوله: لطف حق با تو مداراها كند چون كه از حد بكذرى رسوا كند

و اما البازي فهو رجل الذي يأتيك في حاجة فلا توئيسه و اما اللحم المنتن فهو الغيبة فاهرب منها.

و اما الدواء النافع في دفع الرياء فبأن تتفكر في مضرة الرياء و ما يفوت بسببه من صلاح القلب و ما يحرم عنده في الحال من التوفيق و في الاخرة من المنزلة عند اللّه تعالى يتعرض من العقاب العظيم و المقت الشديد و الخزي الظاهر حيث ينادى على رؤوس الاشهاد و العباد يا فاجر يا غادر يا مرائي اما استحيت اذا اشتريت بطاعة اللّه تعالى غرض الدنيا؟راقبت قلوب العباد و استهزئت بطاعة اللّه تعالى و تحببت الى العباد بالتبغض الى اللّه تعالى و تزينت لهم بالشين عند اللّه تعالى و تقربت اليهم بالبعد من اللّه و تحمدت اليهم بالتذمم عند اللّه تعالى و طلبت رضاهم بالتعرض لسخط اللّه اما كان احد اهون عليك من اللّه فمهما تفكّر العبد في هذا الخزي و قابل ما يحصل له من العباد و التزين لهم في الدنيا بما يفوته من الاخرة و بما يحبط عليه(عنه ظ)من ثواب الاعمال مع ان العمل الواحد ربما كان يترجح به ميزان حسناته لو خلص فاذا فسد بالرياء حوّل الى كفة السيئات فيترجح به بعد ان كان مرجوحا و يهوى به الى النار.

فلو لم يكن في الرياء الا احباط عبادة واحدة لكان ذلك كافيا في معرفة ضرره و ان كان مع ذلك سائر حسناته راجحة فقد كان ينال بهذه الحسنة علوّ المرتبة عند اللّه تعالى في زمرة النبيين و الصديقين و قد حطّ عنهم بسبب الرياء ورد الى صف النعال من مراتب الاولياء ان لم يستوجب النار و الخزي و الطرد عن الملك الجبار هذا مع ما يتعرض له في الدنيا من تشتت الهم بسبب ملاحظة قلوب الخلق فان رضاء الناس غاية لا تدرك فكلما يرضى به فريق يسخط به فريق و رضاء بعضهم في سخط بعضهم.

و اما الطمع لما في ايديهم فبأن تعلم ان اللّه مسخر للقلوب بالمنع و الاعطاء و ان الخلق مضطرون فيه،و لا رازق الا اللّه سبحانه و تعالى و من طمع في الخلق لم يخل من الذل و الخيبة و الاهانة و ان وصل الى المراد لم يخل عن المنّة و المهانة و من اعتمد على اللّه كفاه اللّه همه من الدنيا و الاخرة فكيف يترك ما عند اللّه لرجاء كاذب و وهم فاسد و قد يصيب و قد يخطى و اذا اصاب فلا تفي لذته بالم منته و مذلته مع ان المرائي يظهر اللّه تعالى الخلق على باطنه و خبث نفسه و فساد نيته فيمقتونه.

روى ان رجلا من بني اسرائيل قال و اللّه لاعبدنّ اللّه عبادة اذكر بها فكان اول داخل الى المسجد و آخر خارج منه قائما لا يفطر و يجلس الى حلق الكر فمكث بذلك مدة طويلة فكان لا يمر بقوم الا قالوا فعل اللّه بهذا المرائي و صنع فأقبل على نفسه و قال اراني فيغير شيء

ص:259

لا جعلنّ عملي كله للّه فلم يزد على عمله الذي كان يعمل قبل ذلك الا انه تغيرت نيته الى الخير و كان ذلك الرجل يمر بعده بالناس فيقولون رحم اللّه فلانا الان اقبل على الخير.

ثم هب انهم احبوك و اكرموك و خفى عليهم حالك مع ان اللّه تعالى مطلع على فساد نيتك و خبث سريرتك فأي خير لك في مدح الناس و انت عند اللّه مذموم و اي شر لك من ذم الناس و انت عند اللّه ممدوح من اهل الجنة و من احضر في قلبه الجنة و نعيمها المؤبد و المنازل الرفيعة عند اللّه تعالى استحقر ما يتعلق بالخلق ايام الحياة مع ما فيه من الكدورات فان لم يكتف بهذا كله فلتأمل في ثلاثة اشياء.

احدها انه لو قيل لك ان رجلا معه جوهر نفيس لياوس مأة الف دينار و هو محتاج الى ثمنه بل الى بيعه عاجلا و الى اضعافه ثمنا فحضر من يشتري منه متاعه باضعاف ثمنه مع حاجته الى الاضعاف ايضا فأبى بيعه بذلك بفلس واحد ا ليس ذلك يكون خسرانا عظيما و عيبا فظيعا و دليلا بينا على دنائة الهمّة و قصور العلم و الفهم و ضعف الرأي ورقة العقل بل على السفه المحض و هذا بعينه حال المرائي فان ما يناله العبد بعمله من مدحه و حطام الدنيا بالاضافة الى رضاء رب العالمين و شكره و ثواب الاخرة اقلّ من فلس في جنب الف الف دينار بل في جنب الدنيا و ما فيها و اكثر و هذا هو الخسران المبين فان كان و لا بد لك من هذه الهمة الخسيسة فاقصد انت الاخرة و هو سبحانه يعطيك الدارين قال النبي صلّى اللّه عليه و آله ان اللّه يعطي الدنيا بعمل الاخرة و لا يعطي الاخرة بعمل الدنيا.

و ثانيها ان المخلوق الذي يعمل لاجله و طلب رضاه لو علم انك تعمل لاجله لابغضك و لاستهان بك مضافا الى مقت اللّه و بغضه و ما تعمله للّه خالصا يوجب رضاء الفريقين فكيف يعمل العامل لاجل لو علم بأنه يطلب رضاه لسخط عليه و اهانه.

و ثالثها ان من حصل له سعى يكتسب به رضاء اعظم ملك في الدنيا فطلب به رضاء كنّاس خسيس فطلب سخط ذلك الملك و رضاء الكنّاس فيكون هذا دليلا على ردائة الرأي و سوء المنظر و يقال له ما حاجتك الى هذا الكنّاس مع امكانك رضاء الملك و هذا هو الدواء العلمي و اما الدواء العلمي فهو ان يعوّد نفسه اخفاء العبادات و اغلاق الابواب دونها كما تغلق الابواب دون الفواحش حتى يقنع قلبه اطلاع اللّه سبحانه على عبادته و لا تنازعه نفسه الى طلب غير علم اللّه و هو امر يشقّ في ابتداء المجاهدة لكن اذا صبر عليه مدة بالتكلف سقط عنه ثقله و هان عليه ذلك بتواصل الطاف اللّه تعالى و بما يمدّ به عباده من حسن التوفيق فان اللّه لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فمن العبد المجاهدة و من اللّه الهداية قال اللّه تعالى و الذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا الاية.

ص:260

و روى ان عيسى عليه السّلام كان يقول للحواريين اذا كان يصوم احدكم فليدهّن راسه و لحيته و ليمسح شفتيه بالزيت لئلا يرى الناس انه صائم و اذا اعطى بيمينه فليخف عن شماله و اذا صلّى فليرخ سترا عليه فان اللّه يقسم الثناء كما يقسم الرزق و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان في ظل العرش ثلاثة يظلهم اللّه في ظله(بظله خ)يوم لا ظل الا ظله رجلان تحابا في اللّه و افترقا عليه و رجل تصدق بيمينه صدقة فأخفاها عن شماله و رجل دعته امرأة ذات جمال فقال اني اخاف اللّه رب العالمين هذا مختصر ما يتعلق بالرياء.

خاتمة هذا النور في العجب و سرور المرء بعمله

اما تعريفه فهو استعظام العمل الصالح و استكثاره و الابتهاج به و هو من المهلكات قال النبي صلّى اللّه عليه و آله ثلث مهلكات شحّ مطلع و هوى متبع و اعجاب المرء بنفسه و هو محبط للعمل قال عليه السّلام لو لا ان الذنب بالمؤمن خير من العجب ما خلّى اللّه عز و جل بين عبده المرمن و بين ذنب ابدا، و قال امير المؤمنين عليه السّلام سيئة تسؤك خير من حسنة تعجبك أي تورثك عجبا،و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله اوحى الى داود عليه السّلام يا داود بشّر المذنبين و انذر الصديقين قال تعالى بشر المذنبين اني اقبل التوبة و عفو عن الذنب و انذر الصديقين ان يعجبوا باعمالهم فانه ليس عبد يتعجب بالحسنات الا هلك و عنه صلّى اللّه عليه و آله قال قال اللّه تعالى انا اعلم بما يصلح به امر عبادي و ان من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادته فيقوم من رقاده و لذيذ و ساده فيجتهد و يتعب نفسه لعبادتي فاضربه بالنعاس الليلة و الليلتين نظرا مني له و اتقاء عليه فينام حتى يصبح فيقوم ماقتا لنفسه زارئا عليها و لو خلّى بينه و بين ما يريد من عبادتي لدخله من ذلك العجب باعماله فيأتيه ما فيه هلاكه لعجبه باعماله رضاه عن نفسه حتى يظن انه قد فاق العابدين و جاز في عبادته حد التقصير فيتباعد مني عند ذلك و هو يظن انه تقرب اليّ.

و روى شيخنا الكليني قدس اللّه روحه باسناده الى الصادق و الباقر عليهما السلام قال دخل رجلان المسجد احدهما عابد و الاخر فاسق فخرجا من المسجد و الفاسق صدّيق و العابد فاسق و ذلك انه يدخل العابد المسجد مدلا بعبادته فيدلّ بها فيكون فكرته في ذلك و يكون فكرة الفاسق في الندم على فسقه و يستغفر اللّه تعالى مما صنع من الذنوب و روى ان الشيطان اقبل الى موسى عليه السّلام و عليه برنس فيه الوان قال موسى ما هذا قال اختطف به قلوب بني آدم قال فما الذي صنعه الانسان استحوذت عليه؟قال اذا اعجبته نفسه و استكثر عمله و نسى ذنوبه فأحذرك ثلاثة لا تخل بامرأة فانه ما خلا رجل بامرأة لا تحل له الا كنت صاحبه حتى افتتنه بها و لا تعاهد اللّه عهدا فاني امنعك عن الوفاء به و لا تخرجنّ صدقة الا امضيتها فانه ما اخرج صدقة و لم

ص:261

يمضها الا كنت صاحبه احول بينه و بين الوفاء ثم تولى و يقول يا ويلتاه علم موسى ما يحذّر به بني آدم.

و اما علاج العجب فبأن ينظر في الالات و الاسباب التي قوى بها على العبادة التي اورثته العجب من القدرة و العلم و الاعضاء و الرزق فأنه كله من اللّه سبحانه و لولاه لم يقدر على طاعته سبحانه ثم ينظر الى نعمه عليه في ارسال الرسل و خلق العقل الذي اهتدى به ثم ينظر فيه قيمة العمل الذي عمله فلا يجده مقابلا لنعمة من هذه النعم و انما صار لعمله قيمة لما وقع من اللّه موقع الرضا،و الا فترى الاجير يعمل طول النهار بدرهمين و الحارس يسهر طول الليل بدرهم و كذلك اصحاب الصناعات و الحرف و اذا صرفت الفعل الى اللّه تعالى قصمت للّه يوما قال اللّه تعالى انما يوفّى الصابرون اجرهم بغير حساب.

و في الخبر اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأيت و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر،فهذا يومك الذي قيمته درهمان مع احتمال التعب العظيم قد صارت له هذه القيمة بتأخير غداء الى عشاء و لو قمت ليلة للّه تعالى فقد قال في شأنك فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قرّة اعين جزاء بما كانوا يعملون فهذا الذي قيمته درهم صارت له هذه القيمة فحق اذن للعاقل ان يرى حقارة عمله و قلة مقداره من حيث هو و ان لا يرى الا منّة اللّه عليه.

و حدثني اوثق مشايخي عن الصادق عليه السّلام ان عابدا كان في الاعصار السابقة يعبد اللّه سبحانه في كهف جبل صائما نهاره قائما ليله و كان قد انبت اللّه سبحانه له على باب ذلك الكهف شجرة رمان فكان يأكل منها كل ليلة واحدة و يدخر منها لشتائه فبقى يعبد اللّه تعالى خمسمائة عام تقريبا فاذا كان يوم القيامة امر اللّه سبحانه باحضار ذلك العابد فيقول لملائكة الرحمة اني قد عفوت عنه فادخلوه الجنة بفضلي فيقول العابد يا رب اني عبدتك كثيرا و اريد ان ادخل الجنة بعبادتي فيقول سبحانه اراد منّا العدل يا ملائكتي زنوا عبادته مع ما انعمت عليه في الدنيا فتوضع اعماله كلها في كفّة من الميزان و يوضع في الكفة الاخرى رمانة واحدة من ذلك الرمان فيترجح الرمانة الواحدة على كل ذلك العمل فيبقى العابد متحيرا فيقول يا رب التمس منك الفضل فيدخله الجنة فهذا قيمة عبادته خمسمائة سنة لما عامله بالعدل هذا مع ان التوفيق للقيام بوظائف العبودية ليس الا منه تعالى كما اشير اليه في خبر داود عليه السّلام حين اوحى اللّه اليه ان اشكرني حق شكري فقال يا رب كيف اشكرك و الشكر نعمتك تستحق عليه شكرا؟ فقال يا داود اذا عرفت ان ذلك مني فقد شكرتني.

و روى ان بعض الوعاظ دخل يوما على هارون الرشيد فقال عظني فقال له يا امير المؤمنين اتراك لو منعت شربة من ماء عند عطشك بم كنت تشتريها؟فقال بنصف ملكي قال يا

ص:262

امير المؤمنين أ تراها لو حبست عنك عند خروجها بم كنت تشتريها؟قال بالنصف الباقي،قال فلا يغرنّك ملك قيمته شربة ماء،فانظر ايها العاقل كم تتناول في يومك و ليلتك مما يساوي ملك الرشيد و يزيد عليه اضعافا،فما قيمة عبادتك و ما توقعه منك في يومك و ليلتك فلو جعلت للّه نفسا تقول فيه لا اله الا اللّه قال اللّه تعالى و من يعمل من الصالحات من ذكر او انثى و هو مؤمن فاولئك يدخلون الجنة و يرزقون فيها بغير حساب.

و روى ان عابدا عبد اللّه تعالى سبعين عاما صائما نهاره قائما ليله،فطلب الى اللّه حاجة فلم تقض فأقبل على نفسه و قال من قبلك أتيت لو كان عندك خير قضيت حاجتك فأنزل اللّه اليه ملكا فقال يا ابن آدم ساعتك التي ازريت فيها على نفسك خير من عبادتك التي مضت، ثم تأمل بعد ذلك ثلاثة امور احدها ان الملك من ملوك الدنيا اذا قرر لواحد من اتباعه طعاما او كسوة او دراهم فانه يستخدمه لاجلها بضروب الخدم في الليل و النهار بل ربما قام على رأسه و وقف امامه ركب لاجله لحجج البحار و ربما بذل مهجته في مقاتلة اعدائه و لا ينفعه في الاخرة فهو يتحمل كل تلك المشاق لاجل تلك المنفعة الخسيسة الفانية و يعترف له بالنعمة و الفضل مع ان تلك النعمة و الفضل كله من اللّه فكيف تستكثر انت عملك الحقير المشوب بالافات و النقائص لربك الذي خلقك و لم تك شيئا مذكورا ثم رباك و انعم عليك فقال و ان تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها.

و ثانيها ان تتفكر في ان الملك الذي من شأنه ان الملوك تخدمه أذا أذن في إدخال الهدايا عليه و وعد عليها بالعطاء العظيم،و أمر ان لا يستحي أحد بهديته و لو كانت طاقة(بطاقة خ) بقل،فدخلت عليه الأمراء و الأكابر بأنواع الهدايا ثم جاء بقال اليه بباقة(باقة خ)بقل تساوى درهما فدخل بها الى حضرته و زاحم أولئك الكابر بهداياهم الجليلة،فقبل الملك من الوضيع هديته و نظر اليها نظر القبول و أمر له بأنفس حلة قيمته مأة الف دينار كان منه غاية في الكرم و التفضل،ثم لو فرض ان هذا الفقير نظر بخاطره الى هديته و أستعظم أمرها و تعجب بها و نسى ذكر منة الملك قيل انه مجنون فاسد العقل و الرأى.

و ثالثها ان الملك الذي من شأنه ان تخدمه الملوك و الأمراء و تقوم على رأسه السادات و العظماء و يتولى خدمته الحكماء اذا أذن لسوقيّ او قرويّ في الدخول عليه و القرب منه حتى زاحم اولئك الأكابر و السادات و الأفاضل في خدمته،و جعل له مقاما في حضرته أ ليس يقال لقد كثرت على هذا الفقير المنه من الملك و عظمت عليه النعمة،فان أخذ هذا الفقير الحقير يمن على الملك بتلك الخدمة الحقيرة و يستعظم ذلك مع هذه النعمة الواصلة اليه و يعجب بعمله أ ليس ينسب الى محض السفه و الجنون و كيف و الهنا الذي وقف بخدمته الانبياء و المرسلون

ص:263

و الملائكة المقربون و لا يخفى حال نبينا صلّى اللّه عليه و آله في جدّه و اجتهاده في عبادة ربه و كذلك من بعده من الائمة الطاهرين عليهم السّلام و مع هذا كله قال صلّى اللّه عليه و آله سبحانك ما عبدناك حق عبادتك فكيف تستعظم و تستكثر انت صلاة ركعتين محشوتين من العيوب و النقائص.

و اما سرور المرء بعمله فقد علمت ان حقيقة الاخلاص ما قاله عليه السّلام ما بلغ عبد حقيقة الاخلاص حتى لا يحب ان يحمد على شيء من عمل اللّه و ان الانسان يعمل للّه مخلصا لكن اذا عرفه الناس و اثنوا عليه بذلك سرّه ذلك المدح و لا ينفك عن هذا،و كذلك اذا عمل الحسنة سر بعمله لها فهل يكون مثل هذا منافيا للاخلاص ام لا؟و اعلم ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سأل عن ذلك فيما رواه المفسرون عن سعيد بن جبير قال جاء رجل الى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال اني اتصدق واصل الرحم و لا اصنع ذلك الا للّه فيذكر مني و احمد عليه فيبرني ذلك و اعجب به فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لم يقل شيئا فنزل قوله تعالى قل انما انا بشر مثلكم يوحى اليّ انما الهكم اله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربه احدا،قال بعض المحققين من الناسكين المتقين التحقيق ان السرور باطلاع الناس ينقسم الى قسمين محمود و مذموم فالمحمود ثلاثة.

الاول ان يكون من قصده اخفاء الطاعة و الاخلاص للّه سبحانه و لكن لما اطلع عليه الخلق علم ان اللّه اطلعهم عليه و اظهر لهم الجميل من عمله تكرما منه و تفضلا،كما في الدعايا من اظهر الجميل و ستر القبيح فيستدل بذلك على حسن صنع اللّه به فيكون فرحه بجميل صنع اللّه لا بحمد الناس و حصول المنزلة في قلوبهم قل بفضل اللّه و برحمته فبذلك فليفرحوا.

الثاني ان يستدل باظهار الجميل و ستر القبيح في الدنيا انه يفعل به كذلك في الاخرة كما قل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما ستر اللّه على عبد في الدنيا الا ستر عليه في الاخرة الثالث ان تحمده المطلعون عليه فتسره طاعتهم للّه في ذلك و محبته طاعة اللّه فان من الناس من يرى اهل الطاعة فيمقتهم و يحسدهم و يهزء بهم و ينسبهم الى التصنع فهذا النوع من الفرح حسن ليس بمذموم و علامة الاخلاص في هذا النوع بأن لا يزيده اطلاعهم هذا بالعمل بل يستوي حالتاه في اطلاعهم و عدمه و ان وجد في نفسه هزّة و زيادة في النشاط فليعلم انه مراء فليجتهد في ازالته برادع العقل و الدين و الا فهو من الهالكين.

و اما المذموم فهو ان يكون فرحه لقيام منزلته عندهم؟؟و يعظموه و يقوموا بقضاء حاجاته و يقابلونه بالاكرام و التوقير فهذا رياء حقيقي و محبط للعمل و اما حديث النفس و ما يخطره الشيطان بوسواسه و من ارادة اطلاع الناس على العمل مع كونه ماقتا لنفسه و زاريا عليها على هذا الخاطر الذي قد عنّ لها فالظاهر انه لا شيء عليه في لانه لا ينفك عن الانسان و من

ص:264

هنا قال صلّى اللّه عليه و آله عفى اللّه لامتي عما حدثت بها انفسها ما لم تنطق به او تعمل به لان حركة اللسان و الجوارح مقدوران بخلاف خطرات الاوهام و وساوس القلوب نعم يجب مقابلة هذه الخطرات بأضدادها و مقابلة شهواتها بكراهتها.

و اما سرور الانسان بحسناته فقد تحققت انه من علامات الايمان كما قال عليه السّلام من سرته حسنته و سائته سيئته فهو مؤمن،و حيث انك تحققت من خبر معاذ السابق ان الصلوة تردّ من اول باب من ابواب السماء لاجل الغيبة فلا بأس بعقد نور يكشف عن احواله.

نجز الجزء الثاني من الكتاب على حسب تجزئتنا في الطبع و يليه الجزء الثالث و اوله(نور يكشف عن احواله الغيبة)و نسأل اللّه التوفيق لاتمامه و الحمد للّه اولا و آخرا،و صلّى اللّه على سيدنا محمد و آله الطاهرين صلوات اللّه عليهم اجمعين.

ص:265

محتويات الجزء الثاني

نور في بيان بعض احوال مولانا صاحب الزمان صلوات اللّه عليه 3

نور في غيبته عليه السّلام 19

نور اسمي يكشف عن أنه هل يجوز تسميته عليه السّلام باسمه ام لا؟38

نور في بلاد عليه السّلام 40

نور في علامات ظهوره عليه السّلام 45

نور في كيفية رجعته عليه السّلام 54

نور في سعود الايام و نحوسها 77

نور في بعض الاسباب الموجبة 84

نور في ذكر الشهور الاثنى عشر 96

نور في التشام و حقيقته و اصابة العين و ما يناسبه 100

نور في التزويج و احواله و احكامه 104

نور في تكون الاولاد في الرحم و بعض احوالهم 117

نور في ايام رضاعه 130

نور في بعض احوال الطفل في المكتب 140

نور في وقت بلوغه و ما يتبعه من الاحوال 145

(ظلمة حالكة في بيان أحوال الصوفية و النواصب)193

نور في الطهارة و الصلوة 218

نور فيما يختص بالصلوة 232

خاتمة هذا النور في العجب و سرور المرء بعمله 261

محتويات الجزء الثاني 266

ص:266

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.