الانوار النعمانیه المجلد 1

اشارة

سرشناسه:جزایری، نعمت الله بن عبدالله، ق 1112 - 1050

عنوان قراردادی:[الانوار النعمانیه فی بیان معرفه النشاه الانسانیه]

عنوان و نام پديدآور:الانوار النعمانیه/ تالیف نعمه الله الموسوی الجزائری

مشخصات نشر:بیروت - لبنان - دارالقاریء 1429

مشخصات ظاهری:4ج

عنوان دیگر:الانوار النعمانیه فی بیان معرفه النشاه الانسانیه

موضوع:اسلام -- مسائل متفرقه

موضوع:ادبیات عربی -- مجموعه ها

موضوع:احادیث شیعه -- قرن ق 12

ص :1

اشارة

الانوار النعمانیه

تالیف نعمه الله الموسوی الجزائری

ص :2

بسم اللّه الرحمن الرحيم

السيد نعمة اللّه الجزائري

اسمه و نسبه:

هو السيد نعمة اللّه الحسيني الموسوي الجزائري ابن السيد عبد اللّه بن السيد محمد ابن السيد حسين بن السيد أحمد بن السيد محمود بن السيد غياث الدين بن السيد مجد (صفحة 6) الدين بن السيد نور الدين بن السيد سعد الدين بن السيد عيسى بن السيد موسى بن السيد عبد اللّه بن الإمام موسى الكاظم عليه السّلام. هكذا أورد المترجم نسبه الشريف في كتابه الأنوار النعمانية (1).

آراء العلماء فيه

قال شيخه الجليل العلامة المجلسي في اجازته له: السيد الأيد، الحبيب اللبيب، الأديب الأريب، الفاضل الكامل، المحقق المدقق، جامع فنون العلم و أصناف السعادات، حائز قصبات السبق في مضامير الكمالات، الأخ الوفي، و الصاحب الرضي، السيد نعمة اللّه الحسيني الجزائري، رزقه اللّه الوصول إلى أعلى مدارج المتقين، و اقتفاء آبائه الطاهرين، فاستجازني تأسيا بسلفنا الصالحين ، و لينظم بذلك في سلك رواة أخبار أئمة الدين سلام اللّه عليهم أجمعين، و كان ذلك بعد أن بلغ الغاية القصوى في الدراية، و رقى العلوم و مناكبها، و رمى بأرواقه عن مراكبها، و عقدت لإفادته المجالس، و غصت بمواعظه المحافل و المدارس، و صنف في أكثر العلوم الدينية و المعارف اليقينية مصنفات رائقة، يسطع منها أنوار الفضل و العرفان.

و قال شيخه المحدث الحر العاملي (2)

فاضل، عالم، محقق، علامة، جليل القدر، مدرس من المعاصرين.

و قال المولى الميرزا عبد اللّه الأفندي (3)

فقيه، محدث، أديب، متكلم، معاصر، ظريف، مدرس، و الآن هو شيخ الاسلام من قبل السلطان بتستر.

و قال الفقيه المحدث الشيخ يوسف البحراني (4)

ص:3


1- 1) (1:380) . في الإجازة الكبيرة، ص 77 لحفيده العلامة السيد عبد اللّه الجزائري و كذا في مستدرك الوسائل للنوري 3:404. [1]
2- 2) أمل الآمل 2:326 [2]
3- 3) رياض العلماء 5:253. [3]
4- 4) لؤلؤة البحرين ص 111. [4]

كان هذا السيد فاضلا، محدثا، مدققا، واسع الدائرة في الاطلاع على أخبار الامامية و تتبع الآثار المعصومية الخ.

و قال حفيده العلامة السيد عبد اللّه الجزائري (1)

المتبحر الجليل النبيل، المشهور ذكره في الآفاق، المشهود بفضله على الاطلاق، و كان من مبدأ نشوئه إلى آخر عمره مولعا بطلب العلم و نشره و ترويجه، كدودا لا يفتر عنه و لا يميل، و كان في أسفاره يستصحب ما يقدر عليه من الكتب، فإذا نزلت القافلة وضعها و اشتغل بها إلى وقت الرحيل، و ربما كان يأخذ الكتاب بيده يطالع فيه و هو راكب في المسير. ثم قال: انتقل إلى تستر و أقام بها و وقع من نفوس أهلها أعظم موقع، و نشر فيها العلوم الشرعية، و قنن محاسن الشرع- و كانت مهجورة فيها منذ زمن الشيخ عبد اللطيف الجامعي-و حث الناس على بناء المساجد و أداء الجماعات و الجمعات، و تصدى للأمور الحسبية على أكمل نظام، و جميع ما يوجد إلى الآن من الرسوم و الآداب الشرعية في هذه البلدة فإنما هي من بقايا آثاره، و جميع من نشأ بعده من العلماء و المشتغلين و أئمة المساجد و الوعاظ و المتهذبين فهم من تلامذته و أتباعه و لو بالواسطة.

و قال المحقق الشيخ أسد اللّه التستري (2)

السيد السند، و الركن المعتمد، الفقيه الوجيه، المحدث النبيه، المحقق النحرير، المدقق العزيز النظير، واسع العلم و الفضل، جليل القدر و المحل، سلالة الأئمة الأبرار، والد الأماجد الأعاظم الأكارم الأخيار و الأكابر المنتشرين نسلا بعد نسل في الأقطار و الأمصار، العلامة الفهامة ، التقى الرضي السري.

و قال العلامة الخوانساري (3)

السيد السند المعتمد الجليل الأواه نعمة اللّه. . . كان من أعاظم علمائنا المتأخرين، و أفاخم فضلائنا المتبحرين، واحد عصره في العربية و الأدب و الفقه و الحديث، و أخذ حظه من المعارف الربانية بحثه الأكيد وكده الحثيث، لم يعهد مثله في كثرة القراءة على أساتيد الفنون، و لا في كسبه الفضائل من أطراف الخزون بأصناف الشجون. كان مع مشرب الاخبارية كثير الاعتناء و الاعتداد بأرباب الاجتهاد، و ناصر مذهبهم في مقام المقابلة منهم بأصحاب العناد و أعوان الفساد، صاحب قلب سليم، و وجه وسيم، و طبع مستقيم، و مؤلفات مليحة، و مستطرفات في السير و الآداب و النصيحة، و نوادر غريبة في الغاية، و جواهر من أساطير أهل الرواية. إلى غير ذلك

ص:4


1- 5) الإجازة الكبيرة ص 70.
2- 6) مقابس الأنوار ص 17. [1]
3- 7) روضات الجنات 8:150. [2]

من اطراء أصحاب المعاجم و أرباب التراجم، و لقد وصفوه و أثنوا عليه جميل الثناء، و اكتفينا بهذا النزر القليل من الاطراء عليه، و فيه كفاية لمن له قلب سليم.

مشائخه و من روى عنهم:

تتلمذ المترجم على كثير من فحول أهل زمانه و روى عنهم، و هم:

1-الميرزا إبراهيم ابن الملا صدرا، المتوفى سنة 1070 ه ق.

2-الأمير إسماعيل بن الأمير محمد باقر الخواتون آبادي، المتوفى سنة 1116 ه ق.

3-الشيخ جعفر بن كمال الدين البحراني، المتوفى سنة 1091 ه ق.

4-الشيخ حسين بن سبتي.

5-المحقق الشيخ آقا حسين الخوانساري، المتوفى سنة 1098 ه ق.

6-شاه أبو الولي بن شاه تقي الدين الشيرازي.

7-الشيخ صالح بن عبد الكريم الكركزاني البحراني، المتوفى سنة 1098 ه ق.

8-الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي، المتوفى سنة 1075 ه ق.

9-السيد شرف الدين علي بن حجة اللّه الطباطبائي الشولستاني الغروي، المتوفى سنة 1063 ه ق.

10-الشيخ علي حفيد الشهيد الثاني، المتوفى سنة 1104 ه ق.

11-الشيخ عماد الدين اليزدي.

12-العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، المتوفى سنة 1110 ه ق.

13-المولى محمد باقر السبزواري، المتوفى سنة 1090 ه ق.

14-الشيخ محمد بن سلمان الجزائري.

15-الميرزا رفيعا محمد بن حيدر الطباطبائي، المتوفى سنة 1079 ه ق.

16-ملا محسن الفيض الكاشاني، المتوفى سنة 1091 ه ق.

17-السيد محمد الميرزا الجزائري بن شرف الدين علي الموسوي.

18-السيد هاشم بن الحسين الأحسائي.

19-الشيخ يوسف بن الشيخ محمد البنا الجزائري، المتوفى سنة 1070 ه ق.

تلامذته و من روى عنه

تتلمذ عليه جماعة من العلماء، و كان المترجم مدرسا رسميا في أصفهان و تستر، و تخرج من مدرسته جماعة من فحول الاعلام، كما أنه قدس سره أجاز جماعة منهم، و هم:

1-المولى أبو الحسن الشريف الفتوني النباطي العاملي، المتوفى سنة 1138 ه ق.

ص:5

2-الحاج أبو الحسن بن الحاج زمان الشوشتري، المتوفى سنة 1143 ه ق.

3-المير أبو القاسم بن المير محمد الحسيني المرعشي الشوشتري.

4-الملا أحمد بن الملا كاظم الكبابي الشوشتري، المتوفى سنة 1146 ه ق.

5-الشيخ بهاء الدين محمد الجزائري.

6-الشيخ حسين البحراني.

7-الشيخ حسين بن محي الدين بن عبد اللطيف الجامعي العاملي.

8-الشيخ شمس الدين بن صقر البصري الجزائري.

9-الحاج عبد الحسين بن الحاج كلب علي الكركري، المتوفى سنة 1141 ه ق.

10-الملا عبد الغفار الصراف الشوشتري، المتوفى سنة 1147 ه ق.

11-الخواجة علي بن الخواجة إسماعيل الصراف الشوشتري، المتوفى سنة 1128 ه ق.

12-الشيخ علي بن الشيخ حسين بن الشيخ محي الدين الجامعي العاملي.

13-الحاج عناية اللّه أخ الحاج أبي الحسن المذكور، المتوفى سنة 1147 ه ق.

14-القاضي عناية اللّه بن القاضي محمد معصوم بن القاضي عبد الرضا.

15-الشيخ عوض البصري الحويزي.

16-الملا عيدي محمد القاري بن الملا صالح بن درويش شمس، المتوفى سنة 1138 ه ق.

17-الشيخ فتح اللّه بن علوان الكعبي الدورقي القباني، المتوفى سنة 1130 ه ق.

18-فتح علي آقا بن آقا محمد بن أسد اللّه قزلباش، المتوفى سنة 1135 ه ق.

19-الملا فرج اللّه بن الملا محمد حسين السيد محمد شاهي، المتوفى سنة 1128 ه ق.

20-القاضي مجد الدين بن القاضي شفيع الدين الدزفولي.

21-الملا محمد باقر بن الملا محمد رضا شانه تراش الشوشتري.

22-الملا محمد باقر بن محمد حسين السيد محمد شاهي الشوشتري، المتوفى سنة 1135 ه ق.

23-القاضي محمد تقي بن القاضي عناية اللّه الشوشتري.

24-الشيخ محمد الجزائري، المتوفى سنة 1131 ه ق.

25-الملا محمد زمان بن الملا محمد رضا الصحاف الشوشتري.

26-السيد محمد شاه بن مير محمد حسين المرعشي الشوشتري، المتوفى سنة 1125 ه ق.

27-الشيخ محمد الضبيري النعيمي البلادي البحراني، المتوفى سنة 1130 ه ق.

28-الملا محمد طاهر بن الملا كمال الدين الشوشتري، المتوفى سنة 1127 ه ق.

29-الشيخ محمد علم الهدى ابن الفيض الكاشاني.

ص:6

30-مير محمد هادي بن مير السيد محمد المرعشي الشوشتري، المتوفى سنة 1137 ه ق.

31-الشيخ محمد بن علي بن الحسين النجار الشوشتري، المتوفى سنة 1141 ه ق.

32-الحاج محمود بن مير علي الميمندي.

33-السيد نجم الدين بن السيد محمد بن السيد عبد الرضا الجزائري.

34-مولانا نظر علي الزجاجي الشوشتري، المتوفى سنة 1146 ه ق.

35-القاضي نعمة اللّه بن محمد معصوم الشوشتري، المتوفى سنة 1112 ه ق.

36-السيد نور الدين ابن السيد نعمة اللّه الجزائري.

37-الشيخ يعقوب البختياري الحويزي، المتوفى سنة 1147 ه ق.

مؤلفاته القيمة:

كتب السيد الجزائري مؤلفات و رسائل كثيرة، قد تجاوزت جهود الفرد الواحد، على الرغم كما عرفناه من سيرة حياته، من عدم استقراره و تفرغه للعلم، و توارد الهموم و الغموم و الغربة عليه، و لكن تلك التأليفات الرائقة فضل و توفيق من اللّه تعالى لعباده الصالحين، و هي:

1-الإجازات، كتبها لتلاميذه و معاصريه.

2-الأنوار النعمانية في بيان معرفة النشأة الانسانية.

3-أنيس الفريد أو أنيس الوحيد في شرح التوحيد، و هو عين كتابه نور البراهين.

4-الأيام النحسة و السعيدة.

5-تحفة الاسرار في الجمع بين الاخبار.

6-الجواهر الغوالي في شرح عوالي اللآلي.

7-حاشية الاستبصار.

8-حاشية أمل الآمل.

9-حاشية توحيد الصدوق قدس سره.

10-حاشية زبدة البيان.

11-حاشية شرح ابن أبي الحديد على نهج البلاغة.

12-حاشية شرح الجامي.

13-حاشية شرح اللباب.

14-حاشية الصحيفة الكاملة.

15-حاشية المغني اللبيب عن كتب الأعاريب.

16-حاشية نقد الرجال.

ص:7

17-حواشي الكتب الأربعة و غيرها.

18-الحواشي الضافية و الموازين الوافية، حواش على نهج البلاغة.

19-حل مشكلات العلوم.

20-رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار (1)

21-زهر الربيع (2).

22-شرح الصحيفة الكاملة.

23-شرح عقائد الصدوق.

24-شرح عينية ابن سينا.

25-شرح الفوائد الضيائية.

26-شرح ملحقات الصحيفة.

27-شرح منهاج الصواب.

28-شرح نهج الصواب إلى علم الاعراب في النحو.

29-طريق السالك في توضيح المسالك في النحو.

30-عقود المرجان في تفسير القرآن.

31-الغاية القصوى في النحو.

32-غاية المرام في شرح تهذيب الأحكام.

33-الفوائد في النحو.

34-الفوائد النعمانية في الحديث.

35-الفوائد النعمية في النحو.

36-قاطع اللجاج في شرح الاحتجاج للطبرسي.

37-كشف الاسرار في شرح الاستبصار.

38-لوامع الأنوار في شرح عيون الأخبار.

39-مسكن الشجون في وجوب الفرار من الطاعون.

40-مشكلات المسائل في النحو.

41-مفتاح اللبيب في شرح التهذيب في النحو.

ص:8


1- 8) طبع في دار التاريخ العربي في بيروت ناق الجزء الاول.
2- 9) طبع على الحجر و في المطبعة الحيدرية و في لبنان مرات عديدة كثر النقاش حول فصه الاخير و اعتبر البعض ان الفصل مدخولا على النسخة الاصلية

42-مقامات النجاة في شرح الأسماء الحسنى.

43-مقصود الأنام في شرح تهذيب الأحكام.

44-مناهج المطالب في النحو.

45-منبع الحياة في اعتبار قول المجتهدين من الأموات.

46-منتهى المطلب في النحو.

47-منهاج الصواب إلى علم الاعراب في النحو.

48-منهاج المبتدي في النحو.

49-نزهة الاخوان و تحفة الخلان.

50-نوادر الاخبار.

51-نهج الصواب في علم الاعراب.

52-نهج اليقين في النحو.

53-نور الأنوار في شرح كلام خير الأخيار.

54-نور البراهين في بيان أخبار السادة الطاهرين (1)

55-النور المبين في قصص الأنبياء و المرسلين (2)

56-هديه المؤمنين في الفقه.

هذا ما عثر عليها أرباب التراجم و المعاجم من تأليفاته و تصنيفاته الثمينة.

ولادته و وفاته:

ولد السيد سنة (1050) ه ق في قرية الصباغية من أرض الجزائر قرب البصرة، و لا زالت القرية تعرف بهذا الاسم إلى اليوم.

و توفي قدس سره ليلة (23) شوال سنة (1112) ه ق، و ذلك بعد سنتين من وفاة أستاذه العلامة المجلسي قدس سره، و كان عمره الشريف (62) سنة، و دفن في جايدرفيلي و تسمى اليوم پ ل دختر، و مرقده معروف يزار هناك و يتبرك. و كان مزاره الشريف مع كثرة المراجعين و قضاء الحوائج عنده متروكا و مخروبا، إلى أن وفق اللّه تعالى العلامة السيد طيب الجزائري دامت توفيقاته بتجديد البناء، فشمر الباع لهذا المقصد الكثير العناء مع بعد مقره عنه، فبني على الجدار القديم الحجري الدائر مداره بناية غالية و قبة عالية، و أخرجت القبة الأولى المخروبة من جوفها (3)

ص:9


1- 10) طبع في ايران بتحقيق مهدي الرجائي
2- 11) اشهر كتبه ذيوعا و اكثرها انتشارا و طباعة
3- 12) نور البراهين ج 1 ص 34 بتحقيق مهدي الرجائي

ص:10

مقدمة المؤلف

بسم اللّه الرحمن الرحيم

نحمده بنعمته على نعمائه و نصلي على عبده المقرب لديه محمدا و آله.

(و بعد) فأن المذنب الفقير، صاحب الخطاء و التقصير، قليل البضاعة، و كثير الإضاعة، نعمة اللّه الحسيني، عفى اللّه عن ذنوبه و ستر منه فاضحات عيوبه.

لما فرغ من كتابيه غاية المرام في شرح تهذيب الأحكام، و كشف الأسرار في شرح الإستبصار، تاقت نفسه إلى تأليف كتاب غريب على نمط عجيب لم يكتب في زبر الأولين و لم تسمح به قريحة أحد من المتأخرين، يكون للأمي و إعظا و مونسا، و للعالم مطرحا و مجلسا، ينتفع منه كل أحد على قدر رتبته، و يستضيء به كل من اراد رفع ظلمته، يشتمل على تفصيل أحوال الإنسان قبل خلقته، و يبين شأنه الى يوم و لوج حفرته و يعقبه بذكر أحواله إلى يوم دخول ناره أو جنته، بل يفصل فيه أحوال الدنيا و أهلها قبل وجودها و بعد وجودها، و بعد ما يكتب عليها الفناء، و مستمدا من اللّه سبحانه التوفيق لرفع الإحتياج إلى المخلوقين لحصول أسباب الغناء. و سميته كتاب الأنوار النعمانية في بيان معرفة النشأة الإنسانية راجيا منه سبحانه أن يجيرنا من أحوال البرزخ و الحساب، و أن يجعله مقبولا عند أصفيائه أولي الألباب و قد إلتزمنا أن لا نذكر فيه إلا ما أخذناه عن ارباب العصمة الطاهرين، أو ما صح عندنا من كتب الناقلين، فأن كتب التواريخ أكثرها قد نقله الجمهور من تواريخ اليهود، و لهذا كان اكثر ما فيها الأكاذيب الفاسدة، و الحكايات الباردة و قد رتبناه على أبواب ثلاثة.

الباب الاول: يشتمل على أنوار

نور، في معرفة الباري سبحانه

إعلم أن المحققين قد أكثروا الدلائل على إثبات الواجب، و على كيفية صفاته الثبوتية و السلبية، و قد كثرت المناقشة بينهم حتى قال بعضهم إنه لم يقم دليل على إثبات الصانع و وحدته خال عن إلاعتراض لإبتناء أكثرها على إبطال الدور و التسلسل و في إبطالهما كلام كثير و إذا كان الحال على هذا المنوال فكيف يعلق إثبات الواجب و وحدته و ما يتبعهما على مثل هذا. مع أن الدلائل على مثل هذا لا تكاد تحصى. و في كل شيء له آية تدل على أنه واحد (1). و في الدعاء يا

ص:11


1- 13) هذا البيت لابي المتاهية الشاعر المشهور و هو ابو اسحاق اسماعيل بن القاسم بن مؤيد بن كيبان العنزي بالولاء العيني الولود (130) ه و المتوفى (210) و في تاريخ وفاته اقواله اخر. بي

خفيا من فرط الظهور. و قد نقل لي أن الفاضل الدواني لما أراد كتابة رسالة في إثبات الواجب قالت له أمه ما تكتب فقال لها رسالة في إثبات الواجب فقالت له، أ في اللّه شك خالق السموات و الأرض فترك تأليف ما أراد و من تأمل دليل الأعرابي حيث سئل عن الدليل على وجود الصانع فقال البعرة تدل على البعير و آثار الأقدام على المسير أ فسماء ذات أبراج و أرض ذات فجاج (1)لا تدل على وجود اللطيف الخبير يجده أدل على المطلوب (2)من البراهين التي ذكرها إبن سينا في كتابيه (الشفا و الإشارات) و الطوسي قدس اللّه روحه في (قواعده و تجريده) فإنك قد عرفت إبتنائها على ما لا يتم و العقول سيالة و لذا ترى كل لاحق يغلط سابقه و ينقض دلائله و قد استفاض في الاخبار ان كل مولود يولد على الفطرة إلا أن أبويه يهودانه و ينصرانه و هذا المعنى شايع لا ينكر. فإن قلت إذا كان معرفته تعالى على هذا النحو من الظهور فما بال العقلاء إختلفوا في إثباته، و كيفية صفاته، و بعضهم نفاه رأسا و قال ما يهلكنا إلا الدهر و بعضهم أثبت له شركاء كالمسيح، و عزير، و قالت طائفة الملائكة بنات اللّه، و بعضهم قالوا بجسميته، حتى أن طائفة من طوائف المسلمين كالحنابلة ذهبوا إلى أنه جسم كالأجسام و أنه في صورة شاب حسن الصورة ينزل كل ليلة جمعة راكبا على حمار فيدبر أمر الأرض إلى الجمعة الأخرى حتى أنهم ربما وضعوا لحماره شعيرا فوق سطوحهم، و بعضهم صنعوا له شريكا من التمر و هم بنو حنظلة، و كانوا يعبدونه، قال صاحب الكشاف ما انتفع كافر من ربه مثل انتفاع بني حنظلة، فانهم كانوا يصنعون صنما من التمر و الحلوا فيكثرون السجود له، فإذا جاعوا أكلوه، و كان ذلك العام عام قحط و مجاع و بعضهم أثبت إلهين و هما النور و الظلمة، و قال إن النور يفعل الخير و الظلمة يفعل الشر، إلى غير ذلك من المذاهب الفاسدة و الاراء الكاسدة. قلت الجواب عن هذا من وجوه ألاول: و أن ما وقع به الإختلاف ليس هو محل الظهور فإنك قد تحققت أن مكان الظهور، و هو كونه موجودا صانعا، و هذا لم يشك به عاقل و ما ورد من فرق الكفّار من الانكار له تعالى، فهو من مجرد اللسان، كما حكاه سبحانه بقوله وَ جَحَدُوا بِهٰا وَ اِسْتَيْقَنَتْهٰا أَنْفُسُهُمْ، و قول أهل عبادة الأصنام مٰا نَعْبُدُهُمْ إِلاّٰ لِيُقَرِّبُونٰا إِلَى اَللّٰهِ زُلْفىٰ. الثاني: أن الإختلاف قد جاء من تقليد الأسلاف كما حكاه عنهم من قولهم إِنّٰا وَجَدْنٰا آبٰاءَنٰا عَلىٰ أُمَّةٍ وَ إِنّٰا عَلىٰ آثٰارِهِمْ مُهْتَدُونَ و اما أسلافهم فقد أخذتهم الحمية الجاهلية، عن متابعة الانبياء لأنهم بزعمهم انهم، أهل ملّة يقتدى بهم الناس فكيف يحسن منهم الترك لرتبة الإمامة و التنزل إلى درجة المأمومية، و لهذا ما كان يقتدى بالأنبياء سوى الفقراء

ص:12


1- 14) الفجاج الطريق الواسع الواضح بين جبلين.
2- 15) هذا الدليل الاني ادل على المطلوب بالنسبة الى افهام اكثر الناس من العوام و الخواص و اما البراهين العقلية التي ذكروها في الكتب و الاسفار العقلية فهي ادل على المطلوب عند اهل النظر و التحقيق و الفكر العميق.

و المساكين و قد عيروا به الأنبياء حيث قالوا، و اتبعك الأرذلون وَ مٰا نَرٰاكَ اِتَّبَعَكَ إِلاَّ اَلَّذِينَ هُمْ أَرٰاذِلُنٰا بادى الرأي و لا يستبعد هذا من الكفار، فان مثله قد وقع في فرق الإسلام و من محققيهم حتى أن السيد المدقق السيد شريف في شرحه على المواقف لما ذكر مطاعن الثلاثة، و ذكر فضائل امير ألمؤمنين عليه السّلام و مدائحه، قال لكنا وجدنا السلف قالوا بأن الأفضل أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي و حسن ظننا بهم يقضي بأنهم لو لم يعرفوا ذلك لما أطبقوا عليه فوجب علينا إتباعهم في ذلك القول، و تفويض ما هو الحق فيه إلى اللّه و مثل هذا قد وقع من علماء الإسلام كثيرا، حتى في أصل المذهب، و الحمد للّه الذي من علينا بإيمان الاباء و الأجداد، فإنه و عمرك من أفضل النعم، و أوفر القسم. . الثالث-أن الإختلاف قد جاء ايضا من زيادة الجاه و الأعتبار، و وفور المال في ما بين اهل تلك المذاهب الفاسدة، فاهم كثيرا ما يعظمون علمائهم، و يحملون إليهم انواع الهدايا، و العوام تبع لأهل العلم في كل ملة و قبيلة، و قد حكى تعالى عنهم بقوله عز من قائل اِتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اَللّٰهِ، و في الرواية ما صلوا و لا صاموا، و لكن حللّوا لهم حراما و حرموا لهم حلالا فقبلوه منهم فمن هذه الجهة قال أربابا من دون اللّه، و مثل هذا في فرق الإسلام كثير.

الرابع-أن العقول كلها سافرت طالبة لمعرفته، و قاصدة للوصول إلى قرب حضرته و في الدعاء يا مطلوب كل طالب، و قد كانت مسافة السفر بعيدة جدا، لأنه و إن كان أقرب من حبل الوريد، لكنه على فاستعلى فكان بالمنظر الأعلى، و في الدعاء يا بعيدا في دنوه، و مع بعد هذه المسافة قد كانت مشتملة على اخطار و آفات و قد كان سالكها يحتاج إلى جماعة من الرفقاء و إلى مطية تحمله و إلى نور شمس يستضيء بها في سيره و دليل حاذق قد تكرر سلوكه لذلك الطريق، يعرف موارد مهالكه من أماكن النجاة. فالدليل الحاذق لهذه المسافة، هم الأنبياء و أوصياؤهم المعصومون المحدثون من جانب الغيب و لذا جرت العادة الإلهية بعدم ارسال رسول الا بعد استكمال كمالاته و بلوغه الأربعين، فإنها أقصى غايات الكمال، و في هذه المدة قد كان الباري سبحانه يعلمه و يؤدبه و يعرفه أماكن النجاة و سلوك الطريق إليه، فبعد إكمال المدة أرسله الى الخلائق هاديا لأنه سبحانه قد هداه سابقا. و كرر تردده في طريق قربه و معرفته، و من ثم ذهب المحققون إلى أن أشدّ صدمة على الأنبياء من امتهم هو معاشرتهم معهم، فأن النفوس القدسية إذا تنزلت إلى مخالطة الحيوانات، و تعليمها المراتب الكمال كان عليها في نهاية الإشكال، و من هذا ما أرسل نبي ذو كتاب، إلا بعد رعي الأنعام في البراري و القفار، ليتعودوا على معاشرة الحيوانات، حتى يسهل الخطب عليه بعد الإرسال، روى أن موسى عليه السّلام كان يرعى أغنام شعيب عليه السّلام فانهزم من قطيعه تيس فصعد الجبل فبقى موسى تابعا له، عامة يومه في رؤوس الجبال، فلما لزمه قبله

ص:13

على وجهه، و مسح التراب من فوقه، و قال معتذرا عنده: أيها الحيوان أتعبتك هذا اليوم من جهة الطلب و لا كان المقصود منك القيمة، و لكن الخوف عليك من الذئاب، ثم حمله على عاتقه حتى وصله إلى الحيوانات، فلما كمل له هذا الخلق اوحى اليه أن يا موسى قد صرت قابلا للرسالة فامض إلى فرعون و قل له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى، و مثل هذا قد وقع من نبينا صلّى اللّه عليه و آله في موارد كثيرة نذكرها في موضعها إنشاء اللّه. و الحاصل أن الأدلة لهذا الطريق هم الأنبياء عليهم السّلام و أما النور الذي به يقطع تلك المسافة فهو نور العلم فإن العقل إنما يسير بنور العلم، و من هنا ترى من فقد هذا النور واقفا لا يهتدي إلى سلوك ما أمامه من الطريق، تابع لكل ناعق ينعق به، و يقول هذا هو الطريق، و هذا شأن أكثر العوام من كل الملل، و الأديان و أما مطيّة هذا المسافة فهي التحمل و الصبر حتى لا يسأم من كثرة السفر و أما أخطارها فهم الشياطين فإن على رأس كل منزل جماعات كثيرة، منهم يرغبون ذلك المسافر في النزول معهم، لقرب المسافة عندهم و لمكان الإستراحة لديهم، و لا يعرف ذلك الرجل أن غرضهم أخذ ما معه من ثياب الإيمان، و الأموال التي هي قيمة دين الاسلام. و في الحديث عن الصادق عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الإسلام عريان فلباسه الحياء و زينته الوقار و مروته العمل الصالح، و عماده الورع و لكل شيء أساس و أساس الإسلام حبنا أهل البيت. و عند سلوك هذه المسافة حصل الإختلاف في الوصول إلى المقصود فبعض بقي متابعا لدليل الطريق الحاذق فوصل إلى أن قال، لو كشف الغطاء لما ازددت يقينا و بعض تابع دليلا لا معرفة له بتلك المسافة و لا رآها قبل تلك المرة فضل به عن الطريق، فكلما أمعن في السير لم يزدد من المقصود إلا بعدا، و هؤلاء المحكى عنهم بقوله عز من قائل و منهم أمة يهدون الى النار و بقوله تعالى إِذْ تَبَرَّأَ اَلَّذِينَ اُتُّبِعُوا مِنَ اَلَّذِينَ اِتَّبَعُوا وَ رَأَوُا اَلْعَذٰابَ و بعض اقتفى الاثر و هم المؤمنون الامثل فالامثل على تفاوت درجات الاقتفاء و بعض ضل فأخذته شاطين القفار، و ربما منّ اللّه عليه بالنجاة بعد هذا فلما رجعت جماعة المسافرين، كانت على أنحاء شتى فمنهم الواصل حتى رأى بالعيان و منهم القريب إلى الحمى و منهم المسلوب ثياب ايمانه، و كذا في درجات المعرفة، فإنّ بعضهم يقول رأيت و بعضهم يقول سمعت و السماع يختلف اختلافا كثيرا، و من هذا قال بعض بالولد و آخرون بالصاحبة و جماعة بالجسمية، الى غير ذلك مما عرفت، و إن اردت ضرب مثال حسي، فانظر الى قاصدي مكة شرفها اللّه تعالى، فإن كل الحاج مقصدهم واحد، و يرجع جماعة حاجين و آخرون غير حاجين، و ثالث قد حجوا حجا فاسدا و جماعة ما أدركوا الا الاضطراريين، أو احد الاختياريين، و أناس عدلوا من نوع الحج الى نوع آخر، و ليس هذا الاختلاف الا لنظير ما عرفت، و بعد المراجعة قيل سافرت فيك العقول فما ربحت الا اذى السفر. الخامس-انه سبحانه قد احتجب عن الحواس، و في الحديث ان اللّه احتجب عن

ص:14

العقول كما احتجب عن الابصار، و ان الملأ الاعلى يطلبونه كما تطلبونه انتم و ما اثبت له من الصفات انما هو على قدر اوهامنا، و ما تصل إليه افهامنا، فأنا نعتقد اتصافه سبحانه بأشرف طرفي النقيض بالنظر الى عقولنا القاصرة، و هو تعالى ارفع و اجل، و في كلام الصادق عليه السّلام، اشارة الى هذا المعنى، حيث قال كل ما ميزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه، مخلوق مصنوع مثلكم، مردود اليكم، و لعل النمل الصغار، تتوهم ان للّه تعالى زبانيتين، فإن ذلك كمالها، و تتوهم ان عدمها نقصان لمن لا يتصف بهما و هكذا حال العقلاء فيما يصفون اللّه تعالى به. قال الفاضل الدواني هذا كلام، دقيق، رشيق، أنيق، صدر من مصدر التحقيق و مورد التدقيق و السير في ذلك ان التكليف إنما يتوقف على معرفة اللّه تعالى بحسب الوسع و الطاقة و إنما كلفوا ان يعرفوه بالصفات التي الفوها و شاهدوها فيهم، مع سلب النقائص الناشئة، عن انتسابها اليهم، و لما كان الانسان واجبا بغيره، عالما، قادرا، مريدا، حيا، متكلما، سميعا، بصيرا بأن يعتقد تلك الصفات في حقه تعالى مع سلب النقائص الناشئة عن انتسابها الى الايمان، بأن يعتقد انه تعالى واجب لذاته، لا بغيره عالم بجميع المعلومات، قادر على جميع الممكنات و هكذا في سائر الصفات و لم يكلف باعتقاد صفة، له تعالى لا يوجد فيه مثالها و مناسبها بوجه، و لو كلّف به لما امكن تعقله في الحقيقة، و هذا احد معاني قوله عليه السّلام من عرف نفسه فقد عرف ربه انتهى. و حينئذ فمن وصفه بالولد، فبزعمه انه كمال له تعالى عنه، و كذا من وصفه بالجسمية الى آخر ما عرفت، فهذا ايضا هو السبب في الاختلاف. و قد اخطأ جماعة من الصوفية في اعتقادهم الوصول الى كنه حقيقته، و انه لا يحتاج الواصل منهم الى العبادات لانها وسائل، قال العلامة الحلي قدس اللّه ضريحه في كتاب كشف الحق و نهج الصدق، اني شاهدت جماعة من الصوفية في حضرة مولانا الحسين عليه السّلام و قد صلّوا المغرب سوى شخص واحد منهم كان جالسا و لم يصل، ثم صلوا بعد ساعة لعشاء سوى ذلك الشخص فسئلت بعضهم عن ترك صلاة ذلك الشخص فقال و ما حاجة هذا الى الصلوة، و قد وصل أ يجوز ان يجعل بينه و بين اللّه تعالى حاجبا فقلت لا فقال الصلوة حاجب بين العبد و الرب انتهى. اقول امثال هذا قد شاهدنا منهم كثيرا و سننقل احوالهم انشاء اللّه تعالى و اسباب الاختلاف كثيرة لا نطول الكتاب بذكرها.

نور الهي

يتضمن برهانا مختصرا في اثبات الواجب و سائر صفاته، يتفرع عليه من التفريعات ما لا يحصى، اعلم ان هذا الصانع المحكم صنعه، على هذا النظام الذي ترى يجب ان يكون في غاية

ص:15

الكمال، بالنظر الى كل كمال و يجب ايضا ان يكون كمالاته كلها موجودة خارجة من القوة لانه لو كان له كمال، منتظر الخروج من لقوة الى الفعل لكان ناقصا بالنظر الى ذلك الكمال فلم يكن كاملا من جميع الوجوه، و قد وجب ان يكون كاملا فيه و اذا كان كذلك وجب ان يكون واحدا بالذات و الصفات لان غاية الكمال، كمال فوق جميع الكمالات و لا ريب ان الواحد بالذات و الصفات اكمل من المثيل في جميع الكمالات اذ يعقل فوق المثيل اكمل في الكمالات في جميع الكمالات و يجب حينئذ ان يكون هذا الصانع موجودا لان الوجود كمال و العدم نقص و يجب ايضا ان يكون عالما و قادرا و مختارا في فعله و مريدا و حيا و سميعا و بصيرا الى غير ذلك من صفات الايجاب و ذلك لان نقائضها نقص و قد تحققت انه يجب ان يكون في غاية الكمال فلا يحتاج الى الاستدلال على كل واحدة من هذه الصفات بدليل على حدة، كما فعل المتكلمون. و يندفع بهذا الدليل ايضا شبهة ابن كمونة المشهورة، و حاصل تقريرها: انه لا يجوز ان يكون الواجب بالذات ذاتين متباينتين، مستجمعتين، لجميع صفات الكمال بان يكون امتيازهما بالذات، و وجودهما عين ذاتيهما، كالصفات، و لا يكون وجوب الوجود مشتركا بينهما، بل كيفية نسبة الوجود اليهما، فيجاب عنها، بانهما لا يخلوان بحسب الفرض، غن انه إما ان يكونا في الصفات الخاصة بكل منهما متساويين بأن يكونا في جميع الكمالات مثلين، أو يكون احدهما اكمل بتفاوت في البين فعلى الثاني انما الواجب هو الاكمل و على الاول لا يكونان في غاية الكمال، اذ يعقل فوقهما اكمل و هو عديم المثال، و الواجب وجب ان يكون في غاية الكمال، في جميع مراتب الجلال و الجمال، و من جملة فروع هذا الاستدلال، ظهور حدوث العوالم الممكنة المتناهية في جانب الازل و الابد حدوثا زمانيا فإن من اعلى مراتب الكمال صدق قوله عليه السّلام كان اللّه و لم يكن معه شيء صدقا متناولا لجميع الاكوان ذاتا أو زمانا و كذا قوله عز من قائل في الحديث القدسي كنت كنزا مخفيا فأحببن ان اعرف فخلقت الخلق لا عرف فانه بظاهره دال على حدوث الممكنات حدوثا زمانيا و الاصل عدم التأويل فتكون الاشياء مخلوقة حادثة فلنبين أي مخلوق سبق المخلوقات وجودا.

نور نبوي

ص:16

اعلم ان الاخبار قد اختلفت في اول مخلوق خلقه اللّه تعالى. فروى رئيس المحدثين الكليني قدس اللّه روحه بإسناده الى الصادق عليه السّلام انه قال ان اللّه خلق العقل و هو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش من نوره. و في تفسير علي بن ابراهيم عن الصادق عليه السّلام انه اول ما خلق اللّه القلم. و في الاخبار المروية عن النبي صلّى اللّه عليه و آله اول ما خلق اللّه نوري و بلفظ آخر اول ما خلق اللّه روحي. و في الاخبار عن علي عليه السّلام اول ما خلق اللّه النور. و روى ان اول مخلوق هو الهوى ذكره علي بن ابراهيم في تفسير قوله تعالى وَ كٰانَ عَرْشُهُ عَلَى اَلْمٰاءِ. قال و ذلك في مبدأ الخلق ان الرب تبارك و تعالى خلق الهوى، ثم خلق القلم فأمره ان يجري فقال يا رب بم اجري فقال بما هو كائن، ثم خلق الظلمة من الهوى، و خلق النور من الهوى، و خلق الماء من الهوى، و خلق العرش من الهوى، و خلق العقيم من الهوى، و هو الريح الشديدة، و خلق النار من الهوى، و خلق الخلق كلهم من هذه الستة التي خلقت من الهوى. و في الروضة مسندا الى ابي محمد بن عطية قال جاء رجل الى ابي جعفر عليه السّلام من اهل الشام من علمائهم فقال يا ابا جعفر جئت اسئلك عن مسألة قد أعيت عليّ ان اجد أحدا يفسرها، و قد سئلت عنها ثلاثة اصناف من الناس فقال كل صنف منهم شيئا غير الذي قال الصنف الاخر فقال له ابو جعفر عليه السّلام ما ذاك قال فأني اسألك عن اول ما خلق اللّه من خلقه، فإن بعض من سئلته قال القدر، و قال بعضهم القلم و قال بعضهم الروح، فقال ابو جعفر عليه السّلام ما قالوا شيئا اخبرك ان اللّه تعالى كان و لا شيء غيره و كان عزيزا و لا احد كان قبل عزّه و ذلك قوله سُبْحٰانَ رَبِّكَ رَبِّ اَلْعِزَّةِ عَمّٰا يَصِفُونَ و كان الخالق قبل المخلوق، و لو كان اول ما خلق اللّه من خلقه الشيء اذا لم يكن له انقطاع ابدا و لم يزل اللّه اذا و معه شيء، ليس هو يتقدمه و لكنه كان اذ لا شيء غيره و خلق الشيء الذي جميع الاشياء منه، و هو الماء الذي خلق الاشياء منه فجعل نسب كل شيء الى الماء و لم يجعل للماء نسبا، يضاف اليه و خلق الريح من الماء ثم سلّط الريح على الماء فشققت الريح متن الماء حتى ثار من الماء زبد على قدر ما شاء ان يثور الحديث. فان قلت فما وجه التوفيق بين هذه الاخبار. فالجواب ان بعضها محمول على الاولية الاضافية و بعضها محمول على الاولية الحقيقية اما اولية الماء فهو بالاضافة الى الاجسام الكثيفة التي تقع عليها الابصار و اما الهوى الذي خلق الماء منه فهو ليس من الاجسام الكثيفة المرئية حتى ان بعضهم ذهب الى انكاره و اما اولية العقل فقد صرح فيه بانه اول خلق من الروحانيين أي الاجسام اللطيفة التي شبهت بالروح في اللطافة و الصفاء و منه الملائكة الروحانيون و هم نوع من الملائكة سموا به لما فيهم من اللطافة و عدم الكثافة كما في باقي انواعهم مع ان بعض المحققين ذهب الى ان العقل الوارد في الاخبار بانه اول الخلوقات هو نوره صلّى اللّه عليه و آله و سيأتي الكلام فيه. و اما اولية القلم فهي بالنظر الى ما جانسه من ادوات الكتابة كالمداد و نحوه و في العرف يقال في شأن

ص:17

الكاتب انه اول ما برأ القلم. و يؤيد ما رواه عبد الرحيم القصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال سئلته عن ن وَ اَلْقَلَمِ قال ان اللّه تعالى خلق القلم من شجرة في الجنة يقال لها الخلد قم قال لنهر في الجنة كن مدادا فجمد النهر و كان اشد بياضا من الثلج و احلى من الشهد ثم قال للقلم اكتب قال يا رب و ما اكتب قال اكتب ما كان و ما هو كائن الى يوم القيامة الحديث و سيأتي بتمامه ان شاء اللّه تعالى. و اما الاخبار الواردة بأولية النور، و نوري، و روحي، فهي واحدة و هي عبارة عن نوره صلّى اللّه عليه و آله و هو اول مخلوق على الاولية الحقيقية ليس فيه للاضافة مدخل بوجه من الوجوه لأنه قد استفاض في الاخبار ان نوره صلّى اللّه عليه و آله افرزه اللّه سبحانه من نوره و افرز من ذلك النور انوار الائمة الطاهرين و افرز من ذلك النور الثاني انوار المؤمنين، كما سيأتي بيانه في محله ان شاء اللّه تعالى فهو الاول و الاخر و الظاهر و الباطن و من هذا قال صلّى اللّه عليه و آله كنت نبيا و آدم بين الماء و الطين. و قد ذكر في شرح المواقف وجها لجمع الاخبار الثلاثة و هي اول ما خلق اللّه العقل و أول ما خلق اللّه القلم، و أول ما خلق اللّه نوري، و هو أنّ المعلول الاول من حيث إنه مجرد يفعل ذاته و مبدأه يسمى عقلا و من حيث أنه واسطة في صدور سائر الموجودات و نقوش العلوم، يسمى قلما، و من حيث توسطه في افاضة أنوار النبوة كان نورا لسيد الانبياء، و هذا يجري على مذاهبهم كما لا يخفى. و اما حقيقة هذه الانوار فلا نتحققها على حقيقتها و لكن المفهوم من هذه الاخبار هو ان المراد بهذه الانوار اجسام لطيفة نورانية على قالب هذه الاجسام و تفارقها في النور و اللطافة و الصفا و لما خلقها و ادخل الارواح فيها كانت اجساما فيها ارواح في عالم الملكوت تسبح اللّه و تقدسه و تمجده و تعلّم الملائكة بعد ان خلقوا للعبادة و التسبيح. و منه قال صلّى اللّه عليه و آله سبّحنا فسبحت الملائكة بتسبيحنا، و قدسنا فقدست الملائكة بتقديسنا، الحديث. و روى صاحب بستان الكرامة ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان جالسا، و عنده جبرئيل عليه السّلام فدخل علي عليه السّلام، فقام له جبرئيل عليه السّلام فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله أتقوم لهذا الفتى فقال له صلّى اللّه عليه و آله نعم ان له عليّ حق التعليم فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله كيف ذلك التعليم يا جبرئيل، فقال لما خلقني اللّه تعالى سئلني من أنت، و ما اسمك، و من أنا، و ما اسمي فتحيرت في الجواب و بقيت ساكتا ثم حضر هذا الشاب في عالم الانوار، و علمني الجواب فقال قل أنت ربي الجليل، و اسمك الجليل و انا العبد الذليل و اسمى جبرئيل و لهذا قمت له و عظمته فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله كم عمرك يا جبرئيل فقال يا رسول اللّه يطلع نجم من العرش في كل ثلاثين الف سنة مرة و قد شاهدته طالعا ثلاثين الف مرة الى هذا الحديث نظر محيي الدين بن عربي حيث قال في اول خطبة فتوحاته الحمد للّه الذي جعل الانسان الكامل معلم الملك و ادار بانقساره (1)بقات الفلك فالنبي و اهل بيته

ص:18


1- 16) قسرة على الامر يقسره قسرا اكرهه عليه و قهره.

صلوات اللّه عليهم قد شاركوا الملائكة في افضل صفاتهم التي هي النورية الخاصة، و زاد عليهم في الصفات العالية التي لا تكاد تحصى. و من هذا اجاب شيخنا طاب ثراه عن شبهة من ذهب الى افضلية الملائكة على الانبياء بأن في الملائكة من لا يفتر عن الطاعة و العبادة من اول عمره الى آخر فناء الدنيا. و حاصل الجواب ان هذه الصفة تنغمر في صفات الانبياء عليهم السّلام فأن ارشاد الخلائق الى طريق الهداية بعد الضلالة يفضل عبادة الملائكة بحكم قوله تعالى وَ مَنْ أَحْيٰاهٰا فَكَأَنَّمٰا أَحْيَا اَلنّٰاسَ جَمِيعاً أي من انقذها من الضلالة التي هي شبيهة بالموت بل اعظم منه كما ورد في الخبر في روايات الفريقين ان جبرئيل عليه السّلام قد اتى يوما الى منزل فاطمة عليها السّلام فتكلمت معه، و كان فيما خاطبته ان قلت له يا عمّ فلما دخل النبي صلّى اللّه عليه و آله قال له جبرئيل ان فاطمة عليها السّلام قالت لي يا عم فكيف هذا و نحن معاشر الملائكة قد خلقنا من النور و انتم معاشر البشر قد خلقتم من الطين فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله صدقت فاطمة، ثم يا جبرئيل نحن ايضا مخلوقون من النور أ تعرف النور اذا رايته قال نعم قال صلّى اللّه عليه و آله ادعوا لي عليا فلما دخل قال يا علي أدن مني فدنى نه فوضع جبهته على جبهته و حكها فيها فظهر نور لا تكاد الابصار تطيق النظر اليه، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله يا جبرئيل تعرف هذا النور فقال نعم، هذا النور الذي كنا نراه في قوائم العرش، فقال يا جبرئيل من هذا قالت لك فاطمة يا عم، و في هذا الحديث اسرار الهية و حكم ربانية لا تبلغ العقول اكثرها منها: الاشارة الى ان الايمان لا يتم بالشهادتين فقط بل لا بد من الولاية، لانه قسيمه في الكمال و الى هذا الاشارة بقوله عز من قائل اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ اَلْإِسْلاٰمَ دِيناً لما نوه النبي صلّى اللّه عليه و آله بولايته يوم الغدير، و قال من كنت مولاه فهذا علي مولاه، و منها ان المساواة بينهما انما أتت من عالم الملكوت، نعم إنما فضّله بالنبوة و بتوسط التعليم و الى هذا الاشارة بقوله صلّى اللّه عليه و آله أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. و أما قول علي عليه السّلام انا عبد من عبيد محمد صلّى اللّه عليه و آله فهو إما كما قال الصدوق طاب ثراه من ان المراد عبد طاعة لا عبد ملك أو يكون من باب التواضع لجنابه صلّى اللّه عليه و آله. و الظاهر انه لا يجوز لنا نحن ان نقول هذا القول و ننسبه الى ما نسب نفسه لان عبارات التواضع لا تحسن إلا من قائلها كما هو المتعارف في العادات الزمانية كيف لا و قد روى الصدوق طاب ثراه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال اعطيت ثلاثا و علي مشاركي فيها و اعطى علي ثلاثة و لم اشاركه فيها فقيل يا رسول اللّه و ما الثلاث التي شاركك فيها علي عليه السّلام قال لواء الحمد لي و علي حامله و الكوثر لي و علي ساقيه و الجنة و النار لي و علي قسيمها، و أما الثلاث التي اعطى علي و لم اشاركه فيها فأنه اعطي شجاعة و لم اعط مثله و اعطي فاطمة الزهراء زوجة و لم اعط مثلها و اعطي ولديه الحسن و الحسين عليهما السّلام و لم اعط مثلهما. و ينبغي ان يراد بالشجاعة هنا اعمالها و ممارسة الحروب و الدخول فيها لا مبدءها من قوة القلب و الجرأة على اقتحام الحروب لان النبي

ص:19

صلّى اللّه عليه و آله منها الحظ الاوفر. نعم لما كان هو الملك و السلطان لم يباشر الحروب بنفسه المباركة بل تصدى لها علي عليه السّلام. و روى أيضا عن عبد اللّه بن مسعود قال دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقلت يا رسول اللّه أرني الحق لأصل اليه قال يا عبد اللّه الج المخدع (1)و لجت المخدع و علي بن ابي طالب عليه السّلام يصلي و يقول في ركوعه و سجوده، اللهم بحق محمد عبدك اغفر للخاطئين من شيعتي فخرجت حتى اخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فمسعته يقول اللّه بحق علي بن ابي طالب عبدك إلاّ ما غفرت للخاطئين من امتي قال فأخذني من ذلك الهلع (2)لعظيم، فأوجز النبي صلّى اللّه عليه و آله في صلاته و قال يا بن مسعود أكفر بعد ايمان فقلت حاشا و كلا يا رسول اللّه و لكن رأيت عليا يسئل اللّه بك و رأيتك تسئل اللّه به و لا اعلم ايكما افضل عند اللّه تعالى فقال اجلس يا بن مسعود فجلست بين يديه. فقال اعلم ان اللّه خلقني و عليا من نور عظمته، قبل ان يخلق اللّه الخلق بالفي عام اذ لا تسبيح و لا تقديس و لا تهليل ففتق نوري فخلق منه السموات و الارض و انا و اللّه اجل من السموات و الارض، و فتق و نور علي بن ابي طالب فخلق منه العرش و الكرسي و علي و اللّه اجل من العرش و الكرسي، و فتق نور الحسن عليه السّلام فخلق منه اللوح و القلم و الحسن و اللّه اجلّ من اللوح و القلم، و فتق نور الحسين عليه السّلام و خلق منه الجنان و الحور العين و الحسين و اللّه اجل من الجنان و الحور العين، ثم اظلمت المشارق و المغارب فشكت الملائكة الى اللّه تعالى ان يكشف عنهم تلك الظلمة، فتكلم اللّه جل جلاله بكلمة فخلق منها روحا ثم تكلم فخلق من تلك الكلمة الاخرى نورا فأضاف النور الى تلك الروح و أقامها اما العرش، فأزهرت المشارق و المغارب، فهي فاطمة الزهراء عليها السّلام، فلذلك سميت الزهراء، يا بن مسعود اذا كان يوم القيامة يقول اللّه جل جلاله، لي و بعلي ادخلا الجنة من شئتما، و أدخلا النار من شئتما و ذلك قوله تعالى أَلْقِيٰا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّٰارٍ عَنِيدٍ فالكافر من جحد نبوتي و العنيد من جحد ولاية علي بن ابي طالب. و روى عن تاج الدين عن ابن عباس قال كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في مجلسه و عنده جماعة من المهاجرين و الانصار اذ نزل عليه جبرئيل عليه السّلام و قال له يا محمد الحق يقرئك السّلام و يقول لك احضر عليا و اجعل وجهك مقابل وجه ثم عرج جبرئيل عليه السّلام الى السماء فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليا فأحضره و جعل وجهه مقابل وجهه فنزل جبرئيل عليه السّلام ثانيا، و معه طبق فيه رطب فوضعه بينهما ثم قال كلا فأكلا ثم احضر طشتا و ابريقا فقال يا رسول اللّه قد امرك اللّه ان تصبّ الماء على يد علي بن ابي طالب فقال صلّى اللّه عليه و آله السمع و الطاعة لما امرني به ربي ثم أخذ الابريق و قام يصب الماء على يد علي بن ابي طالب عليه السّلام فقال له علي عليه السّلام يا رسول اللّه انا أولى ان أصب الماء على يديك فقال له يا علي إنّ اللّه

ص:20


1- 17) المخدع و المخدع الخزانة أي البيت الصغير توضع فيه الامتعة جمع مخادع
2- 18) هلع الرجل يهلع هلعا جزع او افحش الجزع.

سبحانه و تعالى امرني بذلك و كان كلما اصبّ الماء على يد علي بن ابي طلب عليه السّلام لم يقع منه قطرة في الطشت فقال علي عليه السّلام يا رسول اللّه إني لم أر شيئا من الماء يقع في الطشت فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يا علي إن الملائكة يتسابقون على أخذ الماء الذي يقع من يديك فيغسلون به وجوههم ليتبركوا به و غير ذلك من الاخبار.

نور امامي

قد تحققت ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و الائمة صلوات اللّه عليهم قد خلقوا من نور واحد و النبي صلّى اللّه عليه و آله له فضيلة و أما سيد الموحدين أمير المؤمنين عليه السّلام فقد فضله على الأئمة عليهم السّلام و ذكروا أن له الفضل على الأئمة و وجهه ظاهر و أما الحسنان صلوات اللّه عليهما فالذي يظهر من أخبارهم عليهم السّلام أن لهما الفضيلة أيضا على باقيهم و لعل وجهه القرب من النبي صلّى اللّه عليه و آله و مشاهدة الوحي و هبوط الملائكة في منازلهم و القرب من زمان الأسلام و غير ذلك و أما هما صلوات اللّه عليهما فلا نعرف الأفضليه بينهما لأن الإمامة و الخلافة قد أتتهما من جدّهما صلّى اللّه عليه و آله معا و قد كانا في الكمالات كفرسي رهان مع ما خص به الحسين عليه السّلام عوض الشهادة بأن جعل الشفاء في تربته و الدعاء مستجاب تحت قبته و الأئمة من ذريته و لا تعد أيام زائره جائيا و راجعا من عمره، و في الروايات الخاصة أن فاطمة عليها السّلام أتت بهما الى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقالت يا رسول اللّه، ورث ولديك، فقال صلّى اللّه عليه و آله أما الحسن فله سؤددي و علائى و أما الحسين فله سخاوتي و شجاعتي، و من هذا كان الحسين عليه السّلام في الدرجة القصوى من الكرم و الشجاعة أما الكرم فقد كان الحسن عليه السّلام يكتب إليه بأنك تعطي الشعراء و نحوهم كثير من الأموال فأجابه الحسين عليه السّلام بأنك تعلم يا أخي أن خير المال ماصين به العرض، و فيه دلالة على أن الإعطاء بقصد صون العرض حسنة، و لو لم يكن من أهل الأستحقاق و روى مصرحا به في بعض الأخبار، من أن الإعطاء لصون العرض، يكتب فيه ثواب الصدقة، و أما الشجاعة فناهيك بواقعة الطّفوف، و قدومه على الجهاد، مع ستين ألفا، و قتله الجماعات منهم حتى أحتالوا عليه بأن زاحموا إليه كلهم، و قد كانت العادة بينهم قديما أن يبرز واحد لواحد مع ما لحقه من العطش، و لأذى بقتل أهل بيته، و إخوته و لكن قد سبق الكتاب أجله، و سيأتي بيان هذا إنشاء اللّه تعالى. و في الروايات أن الحسنين عليهما السّلام قد تكاتبا، فجاء الى النبي صلّى اللّه عليه و آله ليميز بين كتابيهما و قد كانا أطفالا فقال لهما، أنا أمي و لكن أمضيا الى أبيكما فجاء أليه، فقال أبوهما أمضيا الى أمكما لتميز بينكما فلما أتيا إليها، قالت يا ولداي، عندي عقد فيه سبع من اللؤالى فأن أقطعه، فكل من يحوز الأربع فسطره الأحسن فلما ألقتها تبادر إلى التقاط فالتقط كل واحد منهما ثلاثة و أتى جبرئيل عليه السّلام يضرب بجناحه اللؤلؤة و قدها نصفين فأخذ كل واحد منهما

ص:21

نصفا، فأنظر نصفين فأخذ كل واحد منهما نصفا، فأنظر إلى رعاية حرمتهما حيث لم يرد اللّه، و رسوله و أبوهما و إمهما إدخال غم الترجيح عليهما و أمثال هذه الروايات الدالة على المساوات بينهما لا تكاد تحصى مع أنه صلّى اللّه عليه و آله، ورثهما من بدنه الشريف، فكان الحسن عليه السّلام يشبه من السرة إلى فوق و الحسين عليه السّلام يشبهه في النصف الباقي. و في الروايات الكثيرة أن الجنة قالت يا رب أسكنتني الضعفاء و المساكين قال لها اللّه تعالى، أ لا ترضين أني زينت اركانك بالسن و الحسين عليهما السّلام، قال فماست كما تميس العروس فرحا و روى أنه كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يخطب فجاء الحسن و الحسين عليهما السّلام و عليهما قميصان احمران يمشيان و يعثران، فنزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من المنبر فحملهما و وضعهما بين يديه ثم قال صدق اللّه و رسوله أَنَّمٰا أَمْوٰالُكُمْ وَ أَوْلاٰدُكُمْ فِتْنَةٌ نظرت الى هذين الصبيين يمشيان و يعثران، فلم اصبر حتى قطعت حديثي و رفعتهما. و أما بقي الائمة عليهم السّلام فالاخبار قد اختلفت في احوالهم، في المساواة و الاشرفية فروى الصدوق مسندا الى مولانا أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام قال دخلت أنا و أخي علي جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأجلس أخي على فخذه الايمن و أجلسني على فخذه الاخرى، ثم قبّلنا و قال بأبي أنتما من أمامين صالحين اختاركما اللّه مني، و من ابيكما، و أمكما و اختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة عليهم السّلام تاسعهم قائمهم، كلهم في الفضل و المنزلة عند اللّه سواء. و في الروايات الأخرى، ان افضلهم قائمهم، و لعل افضليته عليه السّلام باعتبار تشييد اركان الدين، و كثرة جهاده و اعزاز المؤمنين به، و نحو ذلك مما يأتي تفصيله ان شاء اللّه.

نور علوي

اشارة

إعلم أنه لا خلاف بين اصحابنا رضوان اللّه عليهم في اشرفية نبينا صلّى اللّه عليه و آله على سائر الانبياء عليهم السّلام للأخبار المتواترة و إنما الخلاف بينهم في افضلية امير المؤمنين و الائمة الطاهرين عليهم السّلام على الانبياء مما عدا جدهم صلّى اللّه عليه و آله فذهب جماعة الى انهم افضل باقي الانبياء ما خلا اولي العزم. فانهم افضل من الائمة عليهم السّلام، و بعضهم الى المساواة و اكثر المتأخرين الى افضلية الائمة عليهم السّلام، على اولي العزم، و هو الصواب و الدليل عليه امور: الاول: قول النبي صلّى اللّه عليه و آله لو لا علي لم يكن لفاطمة كفؤ آدم عليه السّلام فمن دونه، و قد اعترض الرازي على هذا بأن ابراهيم و اسماعيل ابواها، فلا يدخلان في هذا العموم و الجواب ظاهر و ان المراد النظر الى الكفوية، مع قطع النظر عن الابوية، مع ان غيرهما كاف في باب التفضيل، اذ لا قائل بالفرق بين موسى و ابراهيم. الثاني: ما رواه المفضل بن عمر، قال ابو عبد اللّه عليه السّلام، ان اللّه تبارك و تعالى خلق الارواح قبل الاجساد بالفي عام، فجعل اعلاها و اشرفها، ارواح محمد و علي و الحسن و الحسين

ص:22

و الائمة صلوات اللّه عليهم فعرضها على السموات و الجبال فغشيها نورهم فقال اللّه تبارك و تعالى للسموات و الارض و الجبال هؤلاء احبائي و اوليائي و حججي على خلقي و أئمة بريتي ما خلقت خلقا هو أحب اليّ منهم، و لمن تولاهم خلقت جنتي و لمن خالفهم، و عاداهم خلقت ناري الى ان قال، فلما اسكن آدم عليه السّلام و حوى الجنة نظر الى منزلة النبي صلّى اللّه عليه و آله و الائمة، فوجداها اشرف منازل اهل الجنة، فقال لهما سبحانه لولاهما، لما خلقتكما و لا يعترض على هذا، بأن الافضلية باعتبار المجموع الذي قد دخل فيه النبي صلّى اللّه عليه و آله لان قوله سبحانه ما خلقت خلقا هو أحب اليّ منهم بمنزلة قوله، ما خلقت خلقا أحبّ اليّ من محمد، و ما خلقت خلقا احبّ اليّ من علي و هكذا مع ان الاخبار الواردة على طريق الوحدة متكثرة جدا و لعلك تطلع على بعضها ان شاء اللّه تعالى في تضاعيف هذا الكتاب.

الثالث: ما روى مستفيضا من قوله صلّى اللّه عليه و آله اذا كان يوم القيامة اقام اللّه عز و جل جبرئيل و محمد عليهما السّلام على الصراط لا يجوز احد الاّ من كان معه براءة من علي بن ابي طالب عليه السّلام و الا هلك و انزله اله الدرك الاسفل و كذا روى انه لا يدخل الجنة احد الا من كان معه براءة من علي بن ابي طالب عليه السّلام واحد من الموضعين نكرة في سياق النفي، و توجيه هذا ظاهر فأنه سيأتي ان شاء اللّه تعالى في نور عرصات القيامة، ان اللّه تعالى يبعث رضوان بمفاتيح الجنة، و مالكا بمفاتيح النار فيدفعهما الى علي بن ابي طالب عليه السّلام، و يأتي شفير جهنم فيقف و الملائكة تسوق الناس الى الصراط، و هو واقف عنده فيقول يا نار هذا لي و هذا لك و هذا معنى كونه قسيم الجنة و النار، على ما تواترت به الاخبار، و في احاديث عيون اخبار الرضا عليه السّلام ان النبي صلّى اللّه عليه و آله سمّي ابا القاسم لانه ربّى عليا في حجره لما اخذه من ابي طالب عام القحط، و علي قاسم الجنة و النار، و النبي ابوه فهو ابو القاسم. الرابع: ما رواه ابن عباس، في تفسير قوله تعالى وَ إِنّٰا لَنَحْنُ اَلصَّافُّونَ وَ إِنّٰا لَنَحْنُ اَلْمُسَبِّحُونَ قال كنا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأقبل علي بن ابي طالب عليه السّلام فلما رآه النبي صلّى اللّه عليه و آله تبسم في وجهه و قال مرحبا بمن خلقه اللّه تعالى، قبل ابيه آدم عليه السّلام بأربعين الف عام، فقلت يا رسول اللّه أ كان الابن قبل الاب فقال نعم ان اللّه خلقني و خلق عليا قبل ان يخلق آدم عليه السّلام بهذه المدة خلق نورا فقسمه نصفين فخلقني من نصفه و خلق عليا من النصف الاخر، قبل الاشياء فنورها من نوري و نور علي جعلنا عن يمين العرش ثم خلق الملائكة فسبحنا فسبحت الملائكة و هللنا فهللت الملائكة و كان ذلك من تعليمي و تعليم علي و كان ذلك في علم اللّه السابق ان الملائكة تتعلم منا التسبيح، و التكبير و التهليل، و كل شيء سبح اللّه و كبره، و هلله بتعليمي و تعليم علي، و كان في علم اللّه السابق ان لا يدخل النار محب لي و لعلي، و كذا كان في علمه تعالى ان لا يدخل الجنة مبغض لي و لعلي الا و ان اللّه عز و جل خلق ملائكة بأيديهم اباريق اللجين مملوة من ماء الجنة من الفردوس،

ص:23

فما أحد من شيعة علي الا و هو طاهر الوالدين تقي نقي، مؤمن باللّه فاذا اراد واحدهم ان يواقع اهله جاء ملك من الملائكة الذين بأيدهم اباريق الجنة فطرح من ذلك الماء في انائه الذي يشرب فيه، فيشرب هو ذلك الماء فينبت الايمان في قلبه كما ينبت الزرع فهم على بينة من ربهم و من نبيهم و من وصيي علي و من ابنتي فاطمة الزهراء ثم الحسن ثم الحسين و الائمة من ولد الحسين عليهم السّلام الحديث و وجه الاستدلال بهذا ظاهر لان مرتبة الاستناد الاولى اعلى درجة من درجة التلميذ كما يظهر من قوله صلّى اللّه عليه و آله و كل شيء سبح اللّه بتعليمي و تعليم علي. الخامس: ما استفاض في الاخبار من ان علم الائمة عليهم السّلام اكمل من علوم كل الانبياء و ذلك ان من جملته علم الاعظم، و هو ثلاثة و سبعون حرفا حرف منها استأثر به اللّه سبحانه و اثنان و سبعون علمها لرسوله، و أمره ان يعلمها اهل بيته و اما باقي الانبياء عليهم السّلام فقال الصادق عليه السّلام ان عيسى بن مريم عليه السّلام اعطي حرفين كان يعمل بهما و اعطي موسى عليه السّلام اربعة أحرف و اعطي ابراهيم عليه السّلام ثمانية احرف و اعطي نوح عليه السّلام خمسة عشر حرفا، و اعطي آدم عليه السّلام خمسة و عشرين حرفا و قد جمع كل ذلك لمحمد و آله، سوى حرف واحد استأثر به اللّه. و روى صاحب كتاب الاربعين عن عمار بن خالد عن اسحاق الازرق عن عبد الملك بن سليمان قالا وجد في ذخيرة حواري عيسى عليه السّلام في رق مكتوب انه لما تشاجر موسى و الخضر عليهما السّلام في قصة السفينة و الغلام، و الجدار و رجع موسى الى قومه فسأله اخوه هارون عما شاهده من عجائب البحر قال موسى عليه السّلام انا و الخضر على شاطئ البحر اذ سقط بين ايدينا طاير فأخذ في منقاره قطرة من ماء البحر و رمى به نحو المشرق و أخذ الثانية و رمى بها نحو المغرب فأخذ الثالثة و رمى بها نحو السماء و اخذ الرابعة فرمى بها نحو الارض ثم أخذ خامسة فالقيها في البحر فبهتّ أنا و الخضر من ذلك و سألته عنه فقال لا اعلم فبينما نحن كذلك و اذا بصياد في البحر فنظر الينا و قال ما لي اركما في فكرة من أمر الطاير فقلنا هو كذلك فقال انا رجل صياد و قد علمت اشارته و أنتما بيان لا تعلمان، فقلنا لا نعلم إلاّ ما علمنا اللّه عز و جل فقال هذا الطائر في البحر يسمى مسلما لأنه اذا صاح يقول في صياحه مسلم فاشارته برمي الماء يقول يأتي في آخر الزمان نبي يكون علم اهل السموات و الارض و المشرق و المغرب عند علمه مثل هذه القطرة الملقاة في هذا البحر و يرث علمه ابن عمه و وصيه علي بن ابي طالب فعند ذلك سكن ما كنا فيه من التشاجر و استقل كل واحد منا علمه. و اما حوادث العلوم المتجددة بحوادث الايام في اعصار الائمة عليهم السّلام فقد روى ان علمها يعرض على روح النبي صلّى اللّه عليه و آله و من بعده من الائمة عليهم السّلام ثم يعرض على الامام الحي حتى لا يكون لاخرهم فضل على اولهم بالعلم و من كان اعلم كان افضل لقوله سبحانه هَلْ يَسْتَوِي اَلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ اَلَّذِينَ لاٰ يَعْلَمُونَ إِنَّمٰا يَتَذَكَّرُ أُولُوا اَلْأَلْبٰابِ. السادس: انه قد روى في عدة اخبار انه قد اجتمع في علي عليه السّلام من

ص:24

الصفات ما وجد في غيره متفرقا من الانبياء السابقين. روى الصدوق طاب ثراه باسناده الى سليم بن قيس قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله علي في السماء السابعة كالشمس بالنهار في الارض و في السماء السادسة الدنيا كالقمر بالليل في الارض اعطى اللّه تعالى عليا من الفضل جزءا لو قسّم على الارض لو سعهم و اعطاه اللّه من الفهم جزء لو قسم على اهل الارض لو سعهم شبهت لينه بلين لوط عليه السّلام و خلقه بخلق يحيى عليه السّلام و زهده بزهد ايوب عليه السّلام و سخاؤه بسخاء ابراهيم عليه السّلام و بهجته ببهجة سليمان بن داود عليهما السّلام و قوته بقوة داود عليه السّلام له اسم مكتوب على حجاب في الجنة بشرني ربي الحديث و كل من جمع الاوصاف الحسنة له فضل على كل من فيه احدها. السابع: انه روى في صفة منبر الوسيلة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه منبر يؤتى به يوم القيامة فيوضع عن يمين العرش فيرقاه النبي صلّى اللّه عليه و آله ثم يرقى من بعده امير المؤمنين عليه السّلام فيجلس في مرقاة دونه ثم الحسن عليه السّلام في مرقاة دونه الى آخر الائمة ثم يؤتى بابراهيم و موسى و عيسى و الانبياء عليهم السّلام فيجلس كل واحد على مرقاة من دون المراقي و في هذا ايضا دلالة على ترتيب الفضل و الشرف. الثامن: ما رواه ابو حمزة الثمالي قال دخل عبد اللّه بن عمر على زين العابدين عليه السّلام و قال يا بن الحسين انت الذي تقول ان يونس بن متى إنما لقى من الحوت ما لقى لانه عرضت عليه ولاية جدي فتوقف عندها قال عليه السّلام بلى ثكلتك امك قال فأرني آية ذلك ان كنت من الصادقين فأمر بشد عينه بعصابة و عيني بعصابة ثم امر بعد ساعة بفتح اعيننا فاذا نحن على شاطئ بحر تضطرب امواجه فقال ابن عمر يا سيدي دمي في رقبتك اللّه اللّه في نفسي ثم قال عليه السّلام ايتها الحوت قال فأطلع الحوت رأسه البحر مثل الجبل العظيم و هو يقول لبيك لبيك يا و لي اللّه فقال من انت قال انا حوت يونس يا سيدي ان اللّه لم يبعث نبيا من آدم الى ان صار جدك محمدا صلّى اللّه عليه و آله الا و قد عرض عليه ولايتكم اهل البيت فمن قبلها من الانبياء سلم و تخلص و من توقف عنها و تتعتع (1)في حملها لقى ما لقى آدم عليه السّلام من المصيبة و ما لقى نوح عليه السّلام من الغرق و ما لقى ابراهيم عليه السّلام من النار و ما لقى يوسف عليه السّلام من الجب و ما لقى ايوب عليه السّلام من البلاء و ما لقى داود عليه السّلام من الخطيئة الى ان بعث اللّه يونسا عليه السّلام فأوحى اللّه اليه ان يا يونس تولّ امير المؤمنين عليا و الائمة الراشدين من صلبه فقال كيف اتولى من لم اره و لم اعرفه و ذهب مغاضبا فأوحى اللّه تعالى اليّ ان التقمي يونس و لا توهني له عظما فمكث في بطني اربعين صباحا يطوف معي البحار في ظلمات ثلث ينادي ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين قد قبلت ولاية علي بن ابي طالب و الائمة الراشدين من ولده عليهم السّلام فلما آمن بولايتكم امرني ربي فقذفته على ساحل البحر فقال زين العابدين عليه السّلام ارجعي ايتها الحوت الى وكرك فرجع

ص:25


1- 19) تنتع في الكلام تردد من حصر اوعى و تعتعت الدابة ارتطمت في الرمل.

الحوت و استوى الماء. التاسع: ما اورده الصدوق طاب ثراه نقلا عن جماعة قال لما وردت حرّة بنت حليمة السعدية رضي اللّه عنهما على الحجاج بن يوسف الثقفي و جلست بين يديه فقال لها انت حرّة بنت حليمة قد قيل انك تفضلين عليا على ابي بكر و عمر و عثمان قالت لقد كذب الذي قال اني افضله على هؤلاء خاصة قال و على من غير هؤلاء قالت افضله على آدم و نوح و لوط و ابراهيم و موسى و داود و سليمان و عيسى بن مريم فقال لها ويلك اقول لك انك تفضليه على الصحابة فتزيدين عليهم ثمانية من الانبياء من اولي العزم فان لم تأتيني ببيان ما قلت و الا ضربت عنقك فقالت ما انا فضلته على هؤلاء الانبياء بل اللّه عز و جل فضله في القرآن عليهم في قوله في حق آدم فعصى آدم ربه فغوى و قال في حق علي عليه السّلام و كان سعيهم مشكورا فقال احسنت يا حرة فبم تفضليه على نوح و لوط قالت اللّه تعالى فضله عليهم بقوله ضرب اللّه مثلا للذين كفروا امرأة نوح و امرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما و علي بن ابي طالب كان ملكه تحت سدرة المنتهى زوجته بنت محمد صلّى اللّه عليه و آله فاطمة الزهرا عليها السّلام التي يرضى اللّه لرضاها و يسخط لسخطها، فقال الحجاج احسنت يا حرّة فبم تفضليه على اب الانبياء ابراهيم خليل اللّه عليه السّلام فقالت اللّه فضله بقوله قال ابراهيم رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ اَلْمَوْتىٰ قٰالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قٰالَ بَلىٰ وَ لٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي و امير المؤمنين قال قولا لم يختلف فيه احد من المسلمين لو كشف الغطاء ما أزددت يقينا و هذه كلمة لم يقلها قبله و لا بعده أحد قال أحسنت يا حرّة فبم تفضليه على موسى عليه السّلام نجي اللّه قالت بقول اللّه عز و جل فَخَرَجَ مِنْهٰا خٰائِفاً يَتَرَقَّبُ قٰالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ اَلْقَوْمِ اَلظّٰالِمِينَ و علي بن أبي طالب بات على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم يخف حتى أنزل اللّه في حقه وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اَللّٰهِ، قال أحسنت يا حرة قال فبما تفضليه على داود عليه السّلام قالت أللّه فضله عليه بقوله يٰا دٰاوُدُ إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي اَلْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ اَلنّٰاسِ بِالْحَقِّ وَ لاٰ تَتَّبِعِ اَلْهَوىٰ قال فأي شيء كانت حكومته قالت في رجلين أحدهما كان له كرم و للاخر غنم فنفشت الغنم في الكرم فرعته فأحتكما الى داود فقال تباع الغنم و ينفق ثمنها على الكرم، حتى يعود على ما كان عليه فقال له ولده يا أبه بل يأخذ من لبنها و صوفها فقال اللّه عز و جل فَفَهَّمْنٰاهٰا سُلَيْمٰانَ. و أن مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام قال أسئلوني عما فوق السماء إسألوني عما تحت العرش إسألوني قبل أن تفقدوني و أنه عليه السّلام دخل على النبي صلّى اللّه عليه و آله يوم فتح خيبر فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله للحاضرين أفضلكم و أعلمكم علي فقال لها أحسنت يا حرة، فبم تفضليه على سليمان عليه السّلام فقالت اللّه فضله عليه بقوله رب هَبْ لِي مُلْكاً لاٰ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي و مولانا عليه السّلام قال يا دنيا طلقتك ثلاثا لا رجعة لي فيك فعند ذلك أنزل اللّه عليه تِلْكَ اَلدّٰارُ اَلْآخِرَةُ نَجْعَلُهٰا لِلَّذِينَ لاٰ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي اَلْأَرْضِ وَ لاٰ فَسٰاداً وَ اَلْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ قال أحسنت يا حرة فبم تفضليه على عيسى بن مريم عليه السّلام قالت أللّه فضله عليه

ص:26

بقوله إذ قال اللّه يٰا عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّٰاسِ اِتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلٰهَيْنِ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ قٰالَ سُبْحٰانَكَ الى أخر الأية. و علي بن أبي طالب عليه السّلام لما إدعوا النصيرية فيه ما ادعوا لم يعاتبه اللّه سبحانه فقال احسنت يا حرّة خرجت من جوابك و لو لا ذلك لما كان ذلك ثم اجازها و اعطاها و سرحها سراحا حسنا. اقول هذا الجواب منها قد ورد في الاخبار و لكن لم يجتمع في خبر فلذلك نقلناه من كلام حرة و الاّ فقد رويناه في الاخبار عن الائمة الطاهرين. و في كتاب المناقب مسندا الى صعصعة بن صوحان انه دخل على امير المؤمنين عليه السّلام لما ضرب فقل يا امير المؤمنين أنت افضل ام آدم ابو البشر؟ قال علي عليه السّلام تزكية المرء نفسه قبيح لكن قال اللّه تعالى لادم يٰا آدَمُ اُسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ اَلْجَنَّةَ وَ كُلاٰ مِنْهٰا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمٰا وَ لاٰ تَقْرَبٰا هٰذِهِ اَلشَّجَرَةَ فَتَكُونٰا مِنَ اَلظّٰالِمِينَ و انا اكثر الاشياء اباحها لي و تركتها و ما قاربتها ثم قال أنت افضل يا امير المؤمنين أم نوح قال علي عليه السّلام ان نوحا دعا على قومه و انا ما دعوت على ظالمي حقي و ابن نوح كان كافرا و ابناي سيدا شباب اهل الحنة قال انت افضل ام موسى قال عليه السّلام ان اللّه تعالى ارسل موسى الى فرعون فقال اني اخاف ان يقتلوني حت قال اللّه تعالى لاٰ تَخَفْ إِنِّي لاٰ يَخٰافُ لَدَيَّ اَلْمُرْسَلُونَ و قال رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخٰافُ أَنْ يَقْتُلُونِ و انا ما خفت حين ارسلني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بتبليغ سورة براءة ان اقرأها على قريش في الموسم مع اني كنت قتلت كثيرا من صناديدهم فذهبت بها اليهم و قرأتها عليهم و ما خفتهم ثم قال انت افضل ام عيسى بن مريم قال عيسى عليه السّلام كانت امه في بيت المقدس فلما جاء وقت ولادتها سمعت قائلا يقول اخرجي هذا بيت العبادة لا بيت الولادة و انا امي فاطمة بنت اسد لما قرب وضع حملها كانت في الحرم فانشق حايط الكعبة و سمعت قائلا يقول ادخلي فدخلت في وسط البيت و انا ولدت به و ليس لاحد هذه الفضيلة لا قبلي و لا بعدي. العاشر: ما رواه الصدوق باسناده الى عمار بن ياسر رضي اللّه عنه قال لما سار علي بن ابي طالب عليه السّلام الى صفين وقف بالفرات و قال لاصحابه اين المخاض فقالوا انت اعلم يا امير المؤمنين فقال الرجل من اصحابه امض الى هذا التل و ناديا جلندا فأين المخاض قال فسار حتى وصل التل و نادى يا جلندا فاجابه من تحت الارض خلق عظيم فبهت و لم يعلم ما ذا يصنع فأتى الى امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السّلام فقال جاوبني خلق كثير فقال الامام يا قنبر امض و قل يا جلندا بن كركر اين المخاض قال فمضى و قال يا جلندى بن كركر اين المخاض قال فكلمه واحد و قال لهم يا ويلكم من عرف اسمي و اسم ابي عرف اين المخاض و انا في هذا المكان و قد بقيت ترابا و قدمت من ثلاثة الاف سنة و قد عرّفكم بأسمي و اسم ابي و هو لا يعلم اين المخاض فو اللّه اعلم بالمخاض مني يا ويلكم ما اعمى قلوبكم و اضعف يقينكم امضوا اليه و اتبعوه فأين خاض خوضوا معه فأنه اشرف الخلق بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

ص:27

اقول: وجه الاستدلال من هذا الخبر ان اخص اوصاف عيسى عليه السّلام و معجزاته احياء الموتى و هنا قد احيا اللّه الاموات لرسول علي بن ابي طالب عليه السّلام فأين هذا من ذاك. الحادي عشر:

ما رواه صاحب كتاب القدسيات و هو من اعظم محققي الجمهور عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال لعلي يا علي ان اللّه تعالى قال لي يا محمد بعث عليا مع الانبياء باطنا و معك ظاهرا ثم قال صاحب ذلك الكتاب و صرّح بهذا المعنى في قوله انت مني بمنزلة ارون من موسى و لكن لا نبي بعدي ليعلموا ان باب النبوة قد ختم و باب الولاية قد فتح. و اشارة بعث علي عليه السّلام مع الانبياء عليهم السّلام باطنا الى سر الولاية التي ظهرت بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله ليكون علماء امته الذين هم الاولياء داعين للناس في سواديه دايرة الولاية و بياضيتها الى الحق. اقول هذا الذي رواه من بعثه عليه السّلام باطنا قد روى مضمونه في اخبار اهل البيت عليهم السّلام عن علي بن ابي طالب عليه السّلام و هو اشارة الى سر الهي في الغاية القصوى من التحقيق و هو انه قد روى عنه عليه السّلام انه قال في جواب من سئله عن فضله و فضل من تقدمه من الانبياء مع انهم حازوا غاية الاعجاز اما ابراهيم عليه السّلام فقد نجاه اللّه سبحانه من نار النمرود و جعلها عليه بردا و سلاما و نوح عليه السّلام قد نجاه اللّه مع الغرق و موسى عليه السّلام من فرعون و اتاه التورية و علمه اياها و عيسى عليه السّلام اتاه النبوة في المهد و انطقه بالحكمة و النبوة و سليمان عليه السّلام الذي سخر له الريح و الجن و الانس و جميع المخلوقات فقال عليه السّلام و اللّه قد كنت مع ابراهيم في النار و انا الذي جعلتها بردا و سلاما و كنت مع نوح في السفينة فانجيته من الغرق و كنت مع موسى فعلمته التورية و انطقت عيسى في المهد و علمته الانجيل و كنت مع يوسف في الجب فانجيته من كيد اخوته و كنت مع سليمان على البساط و سخّرت له الرياح. و في الروايات الخاصة ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يوما جالسا و معه رجل من الجن يسئله عن اشياء من احكام الدين فدخل علي عليه السّلام فتصاعر ذلك الجني خوفا حتى صار مثل العصفور فقال يا رسول اللّه اجرني من هذا الشاب فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و لم تخافه فقال لاني تمردت على سليمان بن داود عليه السّلام و سلكت البحار فارسل الى جماعة من الجن و الشياطين فلم يقدروا عليّ و أتاني هذا الشاب و بيده حربة فضربني بها على كتفي و الى الان اثر جراحته فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله ادن من علي تطيب جراحتك و تؤمن به و تكون من شيعته ففعل و خطبة البيان (1)لمنقولة عنه عليه السّلام تبين هذا كله و هي الاسرار التي لا يعرف معناها الا العلماء الراسخون. الثاني عشر: ما استفاض في الروايات من ان ابراهيم عليه السّلام طلب في مدة عمره من اللّه سبحانه مرة واحدة ان يطلعه على لملكوت ليشاهده عيانا فقال رب ارني ملكوت السموات و الارض فرفع الحجاب عن وجهه حتى نظر بهذه العين الباصرة الى ما خلق اللّه في الارض

ص:28


1- 20) خطبة البيان من خطب امير المؤمنين عليه السّلام و فقراتها تحتاج الى شروح.

و السماء. و اما مولانا امير المؤمنين علي عليه السّلام فقد كانت له هذه الحالة طول عمره كما روى انه عليه السّلام كان يخطب يوما على المنبر فقال ايها الناس سلوني قبل ان تفقدوني اسئلوني عن طرق السموات فاني اعرف بها مني بطرق الارض فقام رجل من القوم فقال يا امير المؤمنين اين جبرئيل هذا الوقت فقال عليه السّلام دعني انظر فنظر الى فوق و الى الارض و يمنة و يسرة فقال انت جبرئيل فطار من بين القوم شق سقف المسجد بجناحه فكبر الناس و قالوا اللّه اكبر يا امير المؤمنين من اين علمت ان هذا جبرئيل فقال اني لما نظرت الى السماء بلغ نظري الى ما فوق العرش و الحجب و لما نظرت الى الارض خرق بصري طبقات الارض الى الثرى و لما نظرت يمنة و يسرة رأيت ما خلق و لم ار جبرئيل في هذه المخلوقات فعلمت انه هو. و روى الشيخ الطوسي قدس اللّه روحه باسناده الى ابن عباس قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول اعطاني اللّه تبارك و تعالى خمسا و اعطى عليا خمسا اعطاني جوامع الكلم (1)اعطى عليا جوامع العلم و جعلني نبيا و جعله و صيا و اعطاني الكوثر و اعطاه السلسبيل و اعطاني الوحي و اعطاه الالهام و اسري بي اليه و فتح له ابواب السماء و الحجب حتى نظر اليّ و نظرت اليه قال ثم بكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقلت له ما يبكيك فداك ابي و امي فقال يا بن عباس ان اول ما كلمني به ان قال يا محمد انظر تحتك فنظرت الى الحجب قد انخرقت و الى ابواب السماء قد فتحت و نظرت الى علي عليه السّلام و هو رافع رأسه اليّ فكلمني و كلمته و كلمني ربي عز و جل فقلت يا رسول اللّه بم كلمك قال قال لي يا محمد اني جعلت عليا وصيك و وزيرك و خليفتك من بعدك فاعلمه فيها هو يسمع كلامك فاعلمته و انا بين يدي ربي عز و جل فقال لي قد قبلت و اطعت فامر اللّه الملائكة ان تسلّم عليه ففعلت فرد عليهم السّلام و رأيت الملائكة يتباشرون به و ما مررت بملائكة من ملائكة السماء الا هنؤني و قالوا يا محمد و الذي بعثك بالحق نبيا لقد دخل السرور على جميع الملائكة باستخلاف اللّه عز و جل لك ابن عمك و رأيت حملة العرش قد نكسوا رؤسهم الى الارض فقلت يا جبرئيل لم نكس حملة العرش رؤسهم الى الارض فقال يا محمد ما من ملك من الملائكة الا و قد نظر الى وجه علي بن ابي طالب استبشارا به ما خلا حملة العرش فانهم استأذنوا اللّه عز و جل في هذه الساعة فأذن لهم ان ينظروا الى علي بن ابي طالب فنظروا اليه فلما هبطت جعلت اخبره بذلك و هو يخبرني به فعلمت اني لم اطأ موطأ الا و قد كشف لعلي عنه حتى نظر اليه. اقول هذا الحديث يدل على ان عليا عليه السّلام عرج الى ملكوت السماء و هو جالس في بيته هذه المناقب لا قعبان من لبن شيبا بماء فصار بعد ابو الا و هذا الحالة قد

ص:29


1- 21) او تيت جوامع الكلم يعني القرآن جمع اللّه بلطفه في الالفاظ اليسيرة منه معاني كثيرة واحدها جامعة أي كلمة جامعة و منه الحديث في صفته (ص) انه كان يتكلم بجوامع الكلم أي انه كان كثير المعاني قليل الالفاظ قاله ابن الاثير في النهاية [1]انظر من 176 ج 1 ط مصر.

كانت للائمة عليهم السّلام اعني مشاهدة الملكوت و بها فضلوا على سائر الانبياء عليهم السّلام. و روى صاحب مشارق الانوار باسناده الى مفضل بن عمر قال سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الامام كيف يعلم ما في اقطار الارض و هو في بيته مرخى عليه ستره قال يا مفضل ان اللّه جعل فيه خمسة ارواح روح اليحوة و بها دبّ و درج و روح القوة و بها نهض و روح الشهوة و بها يأكل و روح الايمان فبها امر و عدل و روح القدس و بها حمل النبوة فاذا قبض النبي صلّى اللّه عليه و آله انتقل روح القدس الى الامام فلا يغفل و لا يلهو و بها يرى ما في الاقطار و ان الامام لا يخفى عليه شيئا مما في الارض و لا مما في السماء و انه ينظر في ملكوت السموات فلا يخفى عليه شيء و لا همهمة و لا شيء فيه روح و من لم يكن بهذه الصفات فليس بامام. و الدلائل و الاخبار الدالة على هذا المطلب كثيرة جدا و الذي اطلعنا عليه منها زها الف حديث و لكن اردنا ان لا يخلو هذا الكتاب من بعض مدائحه الربانية فلذا ذكرنا هذا الطرف القليل و كفاه شرفا ان رقاه كتف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عند كسر الاصنام و ما احسن ما قيل فيه:

قيل لي قل في علي مدحا ذكره يخمد نارا موصده

قلت لا اقدم في مدح فتى حار ذو اللب الى ان عبده

و النبي المصطفى قال لنا ليلة المعراج لما صعده

وضع اللّه بظهري يده فأحس القلب ان قد برده

و علي واضع اقدامه بمحل وضع اللّه يده

و ليس المطلب اظهار مدائحه فأنا نجلّه و نعظّمه عن مدحنا لانّ من مدحه اللّه سبحانه في محكم آياته و متشابهها و مدحه انبياؤه المرسلون و ملائكته المقربون لا يليق بنا ان نذكر شيئا من مناقبة على طريق المدح و انما المقصود من هذا تحصيل المثوبات الاخروية بأن نتسبب بهذا و امثاله الى الانسلاك في سلك عبيدهم. و روى الصدوق (ره) في الفقيه عن ابي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السّلام قال للإمام علامات يكون اعلم الناس و احكم الناس و اتقى الناس و احلم الناس و اشجع الناس و اعبد الناس و اسخى الناس و يولد مختونا و يكون مطهرا و يرى من خلفه كما يرى من بين يديه و لا يكون له ظل و اذا وقع على الارض من بطن امه وقع على راحتيه رافعا صوته بالشهادة و لا يحتلم و تنام عيناه و لا ينام قلبه و يكون محدثا و يستوي عليه درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لا يرى له بول و غايط لان اللّه عز و جل قد وكل الارض بابتلاع ما خرج منه و يكون رائحته اطيب من رائحة المسك و يكون اولى بالناس منهم بانفسهم و اشفق عليهم من آبائهم و امهاتهم و يكون اشد

ص:30

الناس تواضعا للّه جل ذكره و يكون اخذ الناس بما يأمر به و اكف الناس عما ينهى عنه و يكون دعائه مستجابا حتى انه لو دعا على صخرة لانشقت بنصفين و يكون عنده سلاح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سيفه ذو الفقار و يكون عنده صحيفة فيها اسماء شيعته الى يوم القيامة و صحيفة فيها اسماء اعدائه الى يوم القيامة و يكون عنده الجامعة و هي صحيفة طولها سبعون ذراعا فيها جميع ما يحتاج اليه من ولد آدم و يكون عنده الجفر الاكبر و الاصغر اهاب ما عز و اهاب كبش فيهما جميع العلوم حتى ارش الخدش و حى الجلدة و نصف الجلدة و ثلث الجلدة و يكون عنده مصحف فاطمة عليها السّلام. روى الصدوق قدس اللّه روحه باسناده الى الصادق عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان اللّه تبارك و تعالى جعل لاخي علي بن ابي طالب عليه السّلام فضائل لا يحصى عددها غيره فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرا بها غفر اللّه ما تقدم من ذنبه و ما تأخر و لو وافى القيامة بذنوب الثقلين و من كتب فضيلة من فضائل علي بن ابي طالب عليه السّلام لم تزل الملائكة تستغفر ما بقي لتلك الكتابة رسم و من استمع الى فضيلة من فضائله غفر اللّه الذنوب التي اكتسبها بالاستماع و من نظر الى كتابه فضيلة من فضائله غفر اللّه له الذنوب التي اكتسبها بالنظر ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله النظر الى علي بن ابي طالب عليه السّلام عبادة و ذكره عبادة و لا يقبل ايمان عبد الا بولايته و البراءة من اعدائه. و هذا الذي يحدو المؤلفين على ذكر ما ذكروا من مناقبه عليه السّلام و قد قيل ان معوية يسئل رجلا من الشيعة كم لابن ابي طالب من المناقب فقال كيف اقول في من كتم شيعته مدائحه خوفا منك و كتم اعداؤه مناقبه حسدا منهم و قد ظهر بين الكتمانين ما ملأ الخافقين و ما احسن قول الشافعي

اولوا النهى عجزت عن و العارفون بمعنى ذاته تاهوا

ان ادعه بشرا فالعقل يمنعني و اتقى اللّه في قولي هو اللّه

و كذا قول بعضهم

هو النبأ العظيم و فلك نوح و باب اللّه و انقطع الخطاب

و ما اقول في من ينوبه الملائكة في الحروب. روى العامة و الخاصة ان النبي صلّى اللّه عليه و آله غزى غزوة فلما رجع المدينة و كان علي عليه السّلام قد تخلف عند اهله فقسم المغنم فدفع الى علي بن ابي طالب سهمين و هو بالمدينة متخلف فقال معاشر الناس ناشدتكم باللّه و برسوله ا لم تروا الى الفارس الذي حمل على المشركين من يمين العسكر فهزمهم ثم رجع اليّ فقال ان لي معك سهما و قد جعلته لعلي بن أبي طالب فهو جبرئيل عليه السّلام معاشر الناس ناشدتكم باللّه و برسوله هل رأيتم الفارس الذي حمل على المشركين من يسار العسكر ثم رجع فكلمني فقال لي يا محمد ان لي معك سهما و قد جعلته لعلي بن ابي طالب فهو ميكائيل فو اللّه ما دفعت لعلي الا سهم جبرئيل

ص:31

و ميكائيل. و روى عن الرضا عليه السّلام ان عليا عليه السّلام قال يا رسول اللّه انت افضل ام جبرئيل قال يا علي ان اللّه تعالى فضّل انبيائه المرسلين و فضلني على جميع النبيين و المرسلين و الفضل لك يا علي و للائمة من بعدك.

فايدة

ما تضمنه الدليل التاسع من قوله عليه السّلام لو كشف الغطاء لما ازددت يقينا مما استفاض نقله عنه عليه السّلام و قد اورد اصحابنا رضوان اللّه عليهم اشكالا في هذا المقام و حاصله ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قد كان يطلب زيادة المعرفة بقوله صلّى اللّه عليه و آله اللهم زدني فيك معرفة و قوله صلّى اللّه عليه و آله تب علينا فإننا بشر ما عرفناك حق معرفتك. و على هذا فيلزم ان يكون علي عليه السّلام اكمل في المعرفة منه صلّى اللّه عليه و آله و قد تفصّى عنه محققونا بوجوه. أو لها ما نقل عن العلامة الحلي قدس اللّه روحه من أن المراد أن عليا عليه السّلام لما كانت مادة استعداده لمراتب المعرفة انقص من مادة استعداد النبي صلّى اللّه عليه و آله فكأنه عليه السّلام قال اني وصلت في درجات المعرفة الدرجة التي لا اتعداها فلو كشف الحجاب و صار ما يدرك بالبصيرة مدركا بلبصر لما ازداد علمي و يقيني و هذا الجواب كما ترى. و ثانيها ما قاله شيخنا البهائي طاب ثراه من أن قول امير المؤمنين عليه السّلام منزل على درجات القيامة و مراتبها و المعنى لو كشف الغطا عن مراتب الاخرة و ما قاله الانبياء عليهم السّلام في وصفها لما ازددت علما في معرفتها و انا في هذه الدنيا فلا يكون قوله عليه السّلام في المعرفة و درجتها بل في احوال النشأة كما رواه رئيس المحدثين الشيخ الكليني نور اللّه ضريحه عن اسحاق بن عمار قل سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلّى بالناس الصبح فنظر الى شاب في المسجد و هو يخفق و يهوي برأسه مصفرا لونه قد نحف جسمه و غارت عيناه في رأسه فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كيف اصبحت يا فلان قال اصبحت يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله موقنا فعجب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من قوله و قال ان لكل يقين حقيقة فما حقيقة يقينك فقال ان يقني يا رسول اللّه هو الذي احزنني و اسهر ليلي و أظمأ هو اجري فعرفت نفسي عن الدنيا و ما فيها حتى كأني انظر الى عرش ربي و قد نصب الحساب و حشر الخلائق لذلك و انا فيهم و كأني انظر الى اهل الجنة و هم يتنعمون في الجنة و يتعارفون على الارائك متكئون و كأني انظر الى اهل النار و هم فيها معذبون مصطرخون و كأني الان اسمع زفير النار يدور في مسامعي فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لاصحابه هذا عبد نور اللّه قلبه للايمان ثم قال له الزم ما انت عليه فقال الشاب ادع اللّه لي يا رسول اللّه ان ارزق الشهادة معك فدعا له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلم يلبث ان خرج في بعض غزوات النبي صلّى اللّه عليه و آله فاستشهد بعد تسعة نفر و كان هو العاشر.

ص:32

و في رواية اخرى ان ذلك الشاب هو حارثة بن مالك الانصاري. و ثالثها ما قاله بعض الاذكياء من المعاصرين و هو ان يكون يقينا منصوبا على المفعولية لا على التمييز و حاصله ان لي يقينا في مراتب المعرفة و لو كشف الغطاء لم ازدد يقينا غير ذلك اليقين ان يتغير علمي و يحدث لي علم يغايره كما هو واقع في علومنا و ليس المراد ان ذلك اليقين لا يقبل الزيادة و النقصان بل هو قابل له غير انه لا يتغير الى يقين يغايره. و رابعها ما خطر لنا و يعد هذا رأينا في شرح استاذنا الاجل الشيخ علي اعلى اللّه شأنه على شرح اللمعة و حاصله ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كانت مراتب معرفته تتزايد يوما بعد يوم على طول مدة عمره الشريف و كان يحدث له بالوحي و الالهام من درجات المعرفة ما يعد الدرجة السابقة ذنبا بالنسبة الى الدرجة اللاحقة و لذا قال صلّى اللّه عليه و آله اني لاستغفر اللّه كل يوم سبعين مرة من غير ذنب فكان صلّى اللّه عليه و آله يطلب زيادة مراتب المعرفة في حيوته لانها تفاض عليه آنا بعد آن و لما استكملت مدته استكمل له ما يليق بمادته النبوية من افاضة العلوم اللايقة بذاته الشريفة التي هي منتهى مراتب البشر و لما مرض مرضه الذي انتقل الى جوار القدس طلب عليا و ادناه منه و علمه علوم مدة عمره الشريف بلحظة واحدة فلذا قال عليه السّلام لما سئل ما علمك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انه علمني الف باب من العلم ينفتح من كل باب الف باب و من هذا صار البطين لتراكم العلوم في صدره الشريف فهو عليه السّلام بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول اني عرفت اللّه سبحانه بما علمته من النبي حتى لو كشف الغطاء لم ازدد علما يضاف الى معرفتي الكاملة و يحتمل معان اخر ايضا.

نور مرتضوي

اشارة

في بيان ان افضل الخلق بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هو علي بن ابي طالب عليه السّلام و هذا على سبيل الاغماض عن النور الاول لان من كان افضل من ابراهيم و نوح و موسى و عيسى بالدلائل السابقة لا يحتاج تفضيله على غيرهم الى الدليل و لكن قد وقع الخلاف بين جماهير المسلمين فذهب الاشاعرة و جماعة من المعتزلة الى ان افضل الخلق بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هو ابو بكر و ذهبت الشيعة و اكثر المعتزلة الى ان الافضل علي بن ابي طالب عليه السّلام و الحق ان المعتزلة لم يخالف احد منهم في افضلية علي عليه السّلام سوى شاذ نادر و اما الاشاعرة فأن تفضيل ابي بكر و ان نقله عنهم علماؤهم المتأخرون الا ان المتقدمين منهم قد وافقوا الشيعة على ما ذهبوا اليه و لننقل كلام اعلم محققيهم حتى يتضح الحال فنقول ذكر محمد بن عمر الرازي المعروف بابن خطيب الري (1)و هو اعلم علماء الاشعرية صاحب التصانيف الكثيرة فانه قال في الكتاب الذي صنفه و جعله دستورا لولده

ص:33


1- 22) هو الامام فخر الدين الرازي الشهير المتوفى سنة (606) ه و قد يعبر عند السيد الداماد قدس سره بامام المشككين.

و سماه كتاب الاربعين في الفصل الخامس من المسئلة التاسعة و الثلاثين في بيان افضل الصحابة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و اورد عشرين حجة في ان علي بن ابي طالب عليه السّلام افضل الصحابة قال في الحجة الثالثة ما هذا لفظه الحجة الثالثة ان عليا عليه السّلام كان اعلم الصحابة و الاعلم افضل و انما قلنا ان عليا كان اعلم الصحابة للاجمال و التفصيل اما الاجمال فهو انه لا نزاع في ان عليا عليه السّلام كان في اصل الخلقة في غاية لذكاء و الفطنة و الاستعداد للعلم و كان محمد صلّى اللّه عليه و آله افضل الفضلاء و اعلم العلماء و كان علي عليه السّلام في غاية الحرص في طلب العلم و كان محمد صلّى اللّه عليه و آله في غاية الحرص في تربيته و في ارشاده الى اكتساب الفضائل ثم ان عليا عليه السّلام ربّي من اول صغره في حجر محمد صلّى اللّه عليه و آله و في كبره صار ختنا له و كان يدخل اليه في كل الاوقات و من المعلوم ان التلميذ اذا كان في غاية الذكاء و الحرص على التعلم و كان الاستاذ في غاية الفضل و في غاية الحرص على التعليم ثم اتفق لمثل هذا التلميذ ان يتصل بخدمة هذا الاستاذ من زمان الصغر و كان ذلك الاتصال بخدمته حاصلا في كل الاوقات فانه يبلغ ذلك التلميذ مبلغا عظيما و هذا بيان اجمالي في ان عليا عليه السّلام كان اعلم الصحابة فأما ابو بكر فانه انما كان اتصل بخدمته في زمان الكبر و ايضا ما كان يصل الى خدمته في اليوم و الليلة الامرة واحدة زمانا يسيرا و اما علي عليه السّلام فانه اتصل بخدمته في زمن الصغر و قد قيل العلم في الصغر كالنقش في الحجر و العلم في الكبر كالنقش في المدر فثبت بما ذكرنا ان عليا عليه السّلام كان اعلم من ابو بكر. و اما التفصيل فيدل عليه وجوه: الاول: ان اكثر المفسرين سلموا ان قوله وَ تَعِيَهٰا أُذُنٌ وٰاعِيَةٌ نزل في حق علي عليه السّلام تخصيصه بزيادة الفهم يدل على اختصاصه بمزيد العلم.

الثاني: قوله صلّى اللّه عليه و آله أقضاكم علي و القضاء يحتاج الى جميع أنواع العلوم فلما رجحه على الكل في القضاء لزم أنه رجحه عليهم في كل العلوم و أما سائر الصحابة فقد رجحه كل واحد منهم على غيره في علم واحد كقوله (أفرضكم زيد و أقرأكم أبى (1)) . الثالث: روى أن عمرا أمر برجم إمرأة ولدت لستة أشهر فنبهه علي عليه السّلام بقوله وَ حَمْلُهُ وَ فِصٰالُهُ ثَلاٰثُونَ شَهْراً فقال عمر لو لا علي لهلك عمر و روى أن أمرأة أقرت بالزنا و كانت حاملا فأمر عمر برجمها فقال له علي عليه السّلام إن كان لك سلطان عليها فما سلطانك على ما في بطنها فترك عمر رجمها و قال لو لا علي لهلك عمر فان قيل لعل عمر أمر برجمها من غير تفحص عن حالها فظن أنها ليست بحامل فلما نبهه علي عليه السّلام ترك رجمها قلت هذا يقتضي أن عمر ما كان يحتاط في سفك الدماء و هذا أشر من الأول و رووا أيضا أن عمر قال يوما على المنبر إلا لا تغالوا مهور نسائكم فمن غالي في مهر إمرأته

ص:34


1- 23) من هذا يعلم وجه تخصيصه صلّى اللّه عليه و آله عليا عليه السّلام بقوله اقضاكم علي و لم يخصه بسائر الاوصاف كقوله افقهكم او اعلمكم او افرضكم او غيرها فان القضاء لا بد فيه من اجتماع جميع تلك الاوصاف باسرها ق

جعلته في بيت المال فقامت عجوز فقالت يا عمر أ تمنع منا ما جعله اللّه لنا و قد قال اللّه تعالى وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اِسْتِبْدٰالَ زَوْجٍ مَكٰانَ زَوْجٍ وَ آتَيْتُمْ إِحْدٰاهُنَّ قِنْطٰاراً فَلاٰ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتٰاناً وَ إِثْماً مُبِيناً فقال عمر كلكم افقه من عمر حتى المخدرات في البيوت و هذه الوقايع وقعت لغير علي و لم يتفق مثلها لعلي. الرابع: نقل عن علي عليه السّلام انه قال و اللّه لو كسرت لي الوسادة ثم جلست عليها لقضيت بين اهل التوراة بتوريتهم و بين اهل الانجيل بانجيلهم و بين اهل الزبور بزبورهم و بين اهل الفرقان بفرقانهم و اللّه ما من آية نزلت في بحر و لا بر و في سهل و لا جبل و لا ارض و لا سماء و لا ليل و لا نهار الا و انا اعلم فيمن نزلت و في أي شيء نزلت طعن ابو هاشم في هذا فقال التورية منسوخة فكيف يجوز الحكم بها الجواب من وجوه: الاول: لعل المراد شرح كمال عليه بتلك الاحكام المنسوخة على التفصيل و بالاحكام الناسخة لها الواردة في القرآن. الثاني: لعل المراد لو ان قضاة اليهود و النصارى يمكنون من الحكم و القضا على وفق اديانهم بعد بذل الجزية و كان المراد انه لو جاز لمسلم ذلك لكان هو قادرا عليه الثالث لعل المراد انه يستخرج من التورية و الانجيل نصوصا دالة على نبوة محمد صلّى اللّه عليه و آله و كان ذلك قويا في التمسك بها. الخامس: انا نفحص عن احوال العلوم و اعظمها علم الاصول و قد جاء في خطب امير المؤمنين عليه السّلام من اسرار التوحيد و العدل و النبوة و القضا و القدر و احوال المعاد ما لم يأت في كلام سائر الصحابة و ايضا فجميع فرق المتكلمين ينتهي آخر نسبتهم في هذا العلم اليه اما المعتزلة فانهم ينسبون انفسهم اليه و اما الاشعرية فكلهم ينتسبون الى الاشعري و هو كان تلميذا لابي علي الجبائي المعتزلي و هو منتسب الى امير المؤمنين عليه السّلام و اما الشيعة فانتسابهم اليه ظاهر و كلهم تلامذة علي عليه السّلام و اما الخوارج فهم مع بعدهم عنه كلهم منتسبون الى اكابرهم و اولئك الاكابر كانوا تلامذة علي بن ابي طالب عليه السّلام فبينا ان جمهور المتكلمين من فرق الاسلام منسوبة اليه و افضل فرق الامة الاصوليين و كان هذا منصبا عظيما في الفضل و منها علم التفسير و ابن عباس رضي اللّه عنه رئيس المفسرين و هو كان تلميذ علي بن ابي طالب عليه السّلام و منها علم الفقه و كان فيه الدرجة و لهذا قال صلّى اللّه عليه و آله اقضاكم علي و قال علي بن ابي طالب عليه السّلام لو كسرت لي الوسادة و جلست عليها لحكمت بين اهل التورية بتوراتهم الخبر و منها علم الفصاحة و معلوم ان احدا من الفصحاء الذين بعده لم يدركوا درجته و لا القليل و منها علم النحو و معلوم انه انما ظهر منه و هو الذي ارشد ابا الاسود الدؤلي و منها علم تصفية الباطن و معلوم ان نسبة هذه العلوم تنتهي اليه فثبت بما ذكرنا انه عليه السّلام كان استاذ العالمين بعد محمد صلّى اللّه عليه و آله في جميع الخصائل المرضية و المقامات الشرعية و اذا ثبت انه اعلم الخلق بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وجب ان يكون افضل الخلق بعده لقول اللّه تعالى قُلْ هَلْ يَسْتَوِي اَلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ اَلَّذِينَ لاٰ يَعْلَمُونَ إِنَّمٰا يَتَذَكَّرُ أُولُوا اَلْأَلْبٰابِ و قوله تعالى يَرْفَعِ اَللّٰهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ اَلَّذِينَ

ص:35

أُوتُوا اَلْعِلْمَ دَرَجٰاتٍ ثم قال ذلك الفاضل الاشعري الحجة العشرون اعلم ان الفضائل اما نفسانية و اما بدنية و اما خارجية اما الفضائل النفسانية و هو محصورة في نوعين العلمية و العملية اما العلمية فقد دللنا على ان علم علي عليه السّلام كان اكثر من علم سائر الصحابة و يقوي ذلك ما روى ان عليا عليه السّلام قال علمني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الف باب من العلم فانفتح منم كل باب الف باب و اما الفضائل النفسانية العملية فأقسام منها العفة و الزهد و قد كان في الصحابة جمع من الزهاد كأبي ذر و سلمان و ابي الدرداء و كلهم كانوا فيه تلامذة علي عليه السّلام و منها الشجاعة و قد كان في الصحابة كأبي دجانة و خالد بن الوليد و كانت شجاعته اكثر عنفا من شجاعة الكل أ لا ترى ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قال يوم الاحزاب لضربة علي خير من عبادة الثقلين و قال علي بن ابي طالب عليه السّلام ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية و لكن بقوة ربانية و منها السخاوة و قد كان في الصحابة جمع من الاسخياء و قد بلغ اخلاصه في سخاوته الى ان اعطى ثلاثة اقراص فانزل اللّه تعالى في حقه وَ يُطْعِمُونَ اَلطَّعٰامَ عَلىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً و منها حسن الخلق و قد كان مع غاية شجاعته و بسالته حسن الخلق جدا و قد بلغ فيه الى حيث نسبه اعداؤه الى الدعابة و منها البعد عن الدنيا و ظاهر انه مع انفتاح ابواب الدنيا عليه لم يظهر التنعم و التلذذ و كان مع غاية شجاعته اذا شرع في صلاة التهجد و شرع في الدعوات و التضرعات الى اللّه تعالى بلغ مبلغا لا يوازيه احد ممن جاء بعده من الزهاد و لما ضربه ابن ملجم عليه اللعنة قال فزت و رب الكعبة و منها الفضائل البدنية فمنها القوة و الشدة و كان فيها عظيم الدرجات حتى قيل انه يقطّ الهام قط الاقلام و منها النسب العالي و معلوم ان اشرف الانساب هو القرب من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان اقرب الناس نسبا اليه. و اما العباس فانه و ان كان عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الا ان العباس كان اخا لعبد اللّه من الاب لا من الام و اما ابو طالب فانه كان اخا لعبد اللّه من الاب و الام و ايضا فان عليا عليه السّلام كان هاشميا من الاب و الام لانه علي بن ابي طالب بن عبد المطلب بن هاشم و امه فاطمة بنت اسد بن هاشم و منها المصاهرة و لم يكن لاحد من الخلق مصاهرة مثل ما كانت له و اما عثمان فهو و ان شاركه في كونه ختنا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الا ان اشرف اولاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هي فاطمة عليها السّلام و لذلك قال صلّى اللّه عليه و آله سيدة نساء العالمين اربع و عدّ منهنّ فاطمة عليها السّلام و لم يحصل مثل هذا الشرف للبنتين اللتين هما زوجتا عثمان و منها انه لم يكن لاحد من الصحابة اولاد يشاركون اولاده في الفضيلة فالحسن و الحسين عليهما السّلام هما سيدا شباب اهل الجنة ولداه ثم انظر الى اولاد الحسن مثل الحسن المثنى و المثلث و عبد اللّه بن المثنى و النفس الزكية و الى اولاد الحسين مثل الامام زين العابدين و الباقر و الصادق و الكاظم و الرضا عليهم السّلام فان هؤلاء الاكابر يعتدّ بفضيلتهم و علوّ درجاتهم على كل مسلم و مما يدّل على علو شأنهم ان افضل المشايخ و اعلاهم درجة ابو يزيد البسطامي و كان سقّاء في دار جعفر الصادق عليه السّلام و اما

ص:36

معروف الكرخي فانه اسلم على يد علي بن موسى الرضا عليه السّلام و كان بواب داره و بقي على هذه الحالة الى آخر عمره و معلوم ان امثال هذه الاولاد لم يتفق لاحد من الصحابة و لو اخذنا في الشرح و الاطناب لطال انتهى كلام الرازي و فيه كفاية للعاقل المنصف و العجب من هؤلاء القوم مع نقلهم مناقبه و مدائحه في كل باب و ايراد مطاعن منادعى الخلافة من المتخلفين كيف فضلوا غيره عليه حتى انهم لم يرضوا بالافضلية بدرجة بل قالوا ان ابا بكر افضل من عمر بسبعين درجة و عمر افضل من عثمان بسبعين درجة و الخلاف انما وقع بينهم في عثمان و علي فهل هما في الفضل سواء الاكثر على تفضيل عثمان عليه بسبعين درجة و الاقل على المساواة و هذا هو المصيبة العظمى و الداهية الكبرى نعوذ باللّه من سوء عاقبتها و اما محققوهم كالتفتازاني و السيد الشريف و اضرابهم فقد سمعت انهم بعد ان حاولوا إتمام مدحة من مدائح الثلاثة و لم يتم لهم لكثرة الواردات عليه قالوا انا نكل هذا التفضيل الى السلف لحسن الظن بهم، و هذا منهم اعجب من الاول فان اللّه سبحانه قد ذم اقواما في تقليدهم الاباء و الاسلاف في مسائل الاصول ذما شنيعا و العجب ان امثال هؤلاء الافاضل لم يرضوا في تقليدهم الاسلاف بالمسائل الفروعية فكيف رضوا في تقليدهم بما هو اهم و اعلى الذي هو مسائل الاصول لكن ابليس اغواهم و صيرهم عميا و بكما فلا سمعا و لا بصرا روى عن عمر بن الخطاب قال و اللّه لقد تصدقت باربعين خاتما و انا راكع لينزل فيّ ما نزل بعلي بن ابي طالب فما نزل و كأنهم اخذوا التقليد من امامهم هذا.

فايدة

في ايضاح ما ذكره ذلك الفاضل: اما قوله بأن عليا عليه السّلام كان يدخل على النبي صلّى اللّه عليه و آله في كل حين فهو حق لان عليا عليه السّلام كان له المحرمية بالنسبة الى بيت النبي صلّى اللّه عليه و آله فقد روى عنه عليه السّلام قال كنت معه في بعض الغزوات فحميت و لم يكن عند النبي صلّى اللّه عليه و آله سوى لحاف واحد و كانت معه زوجته عايئة فانا مني مه و مع زوجته تحت ذلك اللحاف و لما اقام لصلوة الليل ثنى بعض اللحاف بيني و بين زوجته و قد رأت عائشة انه صلّى اللّه عليه و آله يقرّ به هذا القرب و كونه يدخل في كل وقت هو احد الاسباب في كون القرآن الذي كتبه علي عليه السّلام قد كان اكثر من القرانات التي كتبها كتّاب الوحي لان جبرئيل عليه السّلام قد كان يأتي الى النبي صلّى اللّه عليه و آله في اكثر الخلوات و لا كان يدور معه فيها الا علي عليه السّلام و لذا قال علي عليه السّلام كان النبي صلّى اللّه عليه و آله يديرني معه كيف دار. و اما قوله بأن ابا بكر ما كان يدخل على النبي صلّى اللّه عليه و آله الا مرّة واحدة فهذا منه تواضع لابي بكر لانه ربما دخل من بين الايام مرة واحدة لمكان ابنته و في هذا الموضع عجب عجيب و هو ان العامة نقلوا ان ابا هريرة قد تفرد بنقل اثني عشر الف حديث لم يشاركه في نقلها غيره و قد تنبه لهذا المعنى سراج الدين البقيني و هو من اعظم محققيهم فأبطل كل ما تفرد بنقله ابو هريرة و قال ان وقت النبي صلّى اللّه عليه و آله قد كان مضبوطا بالنقل من اليسر

ص:37

و التواريخ و الاحاديث لانه كان يخرج عند طلوع الفجر الى المسجد و يصلّي بالناس و يبقى معقبا الى طلوع الشمس مع الناس ثم يدير وجهه الى الناس حتى يقضي حوائجهم و يبقى معهم في الكلام حتى يقرب الظهر فيدخل منزله و يخلو مع زوجاته الى صلاة الظهر ثم يخرج يصلّي بالناس و يحول وجهه اليهم بعد الصلوة لتعليم الاحكام الى قبل الغروب فيدخل منزله الى وقت الصلوة ثم يخرج للصلوة بالناس فيدخل منزله و ينام مع زوجاته الى نصف الليل ثم يقوم لصلوة الليل الى طلوع الفجر فهذا ليله و ذاك نهاره ففي أي وقت تفرّد به ابو هريرة مع بعده عن النبي صلّى اللّه عليه و آله في النسب و الحسن حتى روى عنه هذه الاخبار المتكثرة و انت اذا تصفحت اكثر اخبارهم وجدتها على هذا المنوال و سيأتي تمام الكلام فيه ان شاء اللّه تعالى. و اما قوله ان القضاء يحتاج الى جميع انواع العلم فهو كما قال و قد اطبق اصحابنا رضوان اللّه عليهم على ان من شرائط القاضي ان يكون مجتهدا في اربعة عشر علما و هي علوم الاجتهاد المذكورة في كتب الاصحاب و اما قضاة الامصار في هذه الاعصار فقد صار من جملة شرائطهم الجهل في العلوم المذكورة و موافقة الحكام الجائرين لعلة المجانسة و كل شكل لشلكه الف اما ترى الفيل يألف الفيل و لعمرك انهم باعوا حظّهم من دار الامان بدار الغرور و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون و كفى لهم بشارة قول الصادق عليه السّلام ان النواويس و هي طبقة من طبقات جهنم شكت الى اللّه عز و جل شدّة حرّها فقال لها عز و جل اسكتي فان موضع القضاة اشدّ حرا منك روى ابو حمزة الثمالي عن ابي جعفر عليه السّلام قال كان في بني اسرائيل قاض يقضي بينهم قال فلما حضره الموت قال لامرأته اذا مت فاغسليني و كفنيني و ضعيني على سريري و غطي وجهي فانك لا ترين سوءا فلما ان مات فعلت به ذلك ثم مكثت حينا و كشفت عن وجهه لتنظر اليه فاذا هي بدودة تقرض منخره ففزعت لذلك فلما كان الليل اتاها في منامها فقال لها افزعك ما رأيت قالت اجل لقد فزعت فقال اما انك فزعت فما كان ما رأيت الا من هوى اخيك فلقد اتاني و معه خصم له فلما جلسا اليّ قلت اللهم اجعل الحق له و وجه القضاء له على صاحبه فلما اختصما ليّ كان الحق له فرأيت ذلك بيّنا في القضاء له على صاحبه فأصابني ما رأيت لموضع هوى كان معه و ان وافقه الحق و روى حريز عن ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال ايما رجل كان بينه و بين اخ له مماراة في حق له فدعاه الى رجل من اخوانكم ليحكم بينه و بينه فأبى إلاّ ان يرافعه الى هؤلاء يعني القضاة مان بمنزلة الذين قال اللّه أَ لَمْ تَرَ إِلَى اَلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ مٰا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَى اَلطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ و قال الصادق عليه السّلام القضاة أربعة ثلاثة في النار و واحد في الجنة رجل قضى بجور و هو يعلم فهو في النار و رجل قضى بجورهم و هو لا يعلم فهو في النار و رجل قضى بحق و هو لا يعلم فهو في النار و رجل قضى بحق و هو يعلم فهو في الجنة و أغلب قضاة هذه الاعصار من

ص:38

الاولين لانهم أخذوا القضاء بالبذل لمن هو أعلى منهم أو بالميراث من أسلافهم أو بهما جميعا و أما أخذ الحق بحكمهم و ان كان حقا فقد مال بعض مشايخنا و بعض من تقدمنا الى عدم جوازه و لعله الاولى لما رواه مشائخنا المحدثون في كتب الاصول عن عمر بن حنظلة قال سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجلين من اصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما الى السلطان أو الى القضاة أ يحلّ ذلك فقال من تحاكم الى الطاغوت فحكم له فأنما يأخذه سحتا و ان كان حقه ثابتا لأنه أخذه بحكم الطاغوت و قد امر اللّه عز و جل ان يكفر بها قلت كيف يصنعان قال انظروا الى من كان منكم قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فلترضوا به حكما فأني قد جعلته عليكم حاكما فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما بحكم اللّه استخف و علينا ردّ و الرادّ علينا الرادّ على اللّه و هو على حدّ الشرك باللّه عز و جل و يستفاد من هذا الحديث ان علماء الامامية رضوان اللّه عليهم في هذه الاعصار منصوبون للقضاء من الامام عليه السّلام عموما و لا يجوز لاحد ردّ حكمهم و من ردّ حكمهم عليهم كان على حدّ الشرك باللّه و لا يبعد ان يقال يجب على العلماء و المجتهدين في مثل هذه الاعصار اذا تمكنوا من القضاء ان يتصدوا له و ان يظهروا علومهم فإنّ بدع القضاة قد ظهرت و قال صلّى اللّه عليه و آله اذا ظهرت البدع فليظهر العالم علمه و من لم يظهره الجمه اللّه لجاما من نار. و اما قوله في الثالث ان عمر قال لو لا علي لهلك عمر قال صاحب الكشاف و هو من علماء الحنفية ان عمر قال هذه الكلمة في سبعين موضعا حتى اشتهرت في الامثال و نقلها علماء العربية في بحث لو الشرطية. و اما قول عمر بعد رد المرأة عليه كلكم افقه من عمر حتى المخدرات في البيوت فقد نقل علماء الفريقين انه قال بعد هذا ان لي شيطانا يعتريني فاذا عثرت فقوموني و اذا غلطت فسددوني و لا تدعوا النساء تردّ عليّ كلامي و قد صدق في هذا القول و نقل ايضا مثله عن ابي بكر و هو صادق ايضا. و اما قول علي عليه السّلام لو كسرت لي الوسادة ثم جلست عليها الحديث معناه اني لو تمكنت من الحكومة بين الناس من غير منازع و هذا يدل على انه عليه السّلام لم يكن متمكنا في وقت خلافته من اقامة الاحكام على وجهها لما تقدمه المتخلفون في البدع فصار لا يقدر ان يغير ما فعلوه فمنه عزل شريح عن القضا اراده عليه السّلام فلم يتمكن منه لانه كان منصوبا من قبل المتقدمين و منه صلاة الضحى فلقد ارسل ابنه الحسن عليه السّلام ان ينادي في مساجد الكوفة ان لا تصلي فضج الناس ضجة واحدة و قالوا وا عمراه امرنا بالصلوة و انت تنهانا عنها أ رأيت الذي ينهى عبدا اذا صلّى و منه رد الفدك و العوالي الى اولاد فاطمة فانه كان مظنة الفتنة و الفساد بتغليط من تقدمه و قد روى الصدوق طاب ثراه في كتاب العلل عللا أخرى منها ما رواه مسندا الى ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال قلت له لم لم يأخذ امير المؤمنين عليه السّلام فدكا لمّا ولّى الناس و لأية علة تركها فقال لأن الظالم و المظلوم قد كانا قدما على اللّه عز و جل و اثاب اللّه المظلوم و عاقب الظالم فكره ان

ص:39

يسترجع شيئا قد عاقب اللّه عليه غاصبه و اثاب عليه المغصوبة و ذكر ايضا جوابا آخر رواه باسناده الى ابراهيم الكرخي قال سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام فقلت لأي علة ترك امير المؤمنين عليه السّلام فدكا لما ولى الناس فقال للاقتداء برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما فتح مكة و قد باع عقيل بن ابي طالب داره فقيل له يا رسول اللّه الا ترجع الى دارك فقال صلّى اللّه عليه و آله و هل ترك لنا عقيل دارا و نحن اهل بيت لا نسترجع شيئا شيئا يؤخذ منّا ظلما فلذلك لم يسترجع فدكا لما ولى و ذكر ايضا جوابا ثالثا باسناده الى علي بن فضال عن ابي الحسن عليه السّلام قال سألته عن امير المؤمنين عليه السّلام لم لم يسترجع فدكا لما ولى الناس فقال لانّا اهل بيت لا يأخذ لنا حقوقنا ممن ظلمنا الا هو يعني اللّه و نحن اولياء المؤمنين انما نحكم لهم و نأهذ حقوقهم ممن ظلمهم و لا نأخذ لانفسنا و هذا احد اسباب غضب فاطمة عليها السّلام على ابي بكر و عمر روى اصحابنا ان رجلا من اولاد البرامكة عرض لعلي بن موسى الرضا عليه السّلام بخراسان و لزم لجام دابته و قال ما تقول في ابي بكر و عمر فقال له سبحان اللّه و الحمد للّه و لا اله الا اللّه و اللّه اكبر فألح السائل عليه في كشف الجواب فقال عليه السّلام كانت لنا ام صالحة ماتت و هي عليهما ساخطة و لم يأتنا بعد موتها خبر انها رضيت عنهما و ذكر ابو هلال العسكري ان اول من رد فدكا على ورثة فاطمة عليها السّلام عمر بن عبد العزيز و كان معاوية أقطعها لمروان بن الحكم و عثمان بن عفان و يزيد بن معاوية و جعلها بينهم اثلاثا ثم قبضت من ورثة فاطمة عليها السّلام فردها السفاح ثم قبضت منهم فردها عليهم المأمون و قبضت منهم بعد المأمون فردها عليهم الواثق ثم قبضت فردها عليهم المنتصر ثم قبضت فردها عليهم المعتمد ثم قبضت فردها عليهم المعتضد ثم قبضت فردها عليهم الراضي و اما حدودها فقال موسى بن جعفر عليهما السّلام ان حدها الاول عريش مصر و الحد الثاني دومة الجندل و الحد الثالث تيما و الحد الرابع جبل احل من المدينة. و اما قوله و منها علم التفسير الى اخره فقد تحقق في الاخبار من العامة و الخاصة ان قوله تعالى وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنٰاهُ فِي إِمٰامٍ مُبِينٍ المراد به علي بن ابي طالب عليه السّلام و هو الذي فسّر الباء من بسم اللّه الرحمن الرحيم لابن عباس فقل يا ابن عباس لو طال الليل لطلناه و في الروايات الخاصة عنه عليه السّلام انه قال علم ما كان و ما يكون كله في القرآن و علم القرآن كله في سورة الفاتحة و علم الفاتحة كله في البسملة منها و علم البسملة كله في بائها و انا النقطة تحت الباء و هذا الحديث من مشكلات الاخبار و اكثر الاشكالات انما هو في قوله و انا النقطة تحت الباء و يحتمل ان يكون معناه أنّى أبين علوم القرآن و أوضح مجملاتها كما ان نقطة الباء توضحه و تميز عما يشاركه في الصورة كالتاء المثناة و الثناء المثلثة و يحتمل معان كثيرة لا يخفى بعضها على اولي الالباب و الحاصل ان العلوم كلها تنتهي اليه و لم يؤخذ علم الا منه و العلماء كلهم تلاميذه اما المعتزلة فلأن كبيرهم واصل بن عطا تلميذ ابي هاشم بن عبد اللّه بن محمد بن الحنفية و ابو هاشم تلميذ ابيه و ابو تلميذ علي عليه السّلام و اما الاشعرية فانهم ينتهون الى ابي الحسن الاشعري و هو

ص:40

تلميذ واصل بن عطا و كل فقيه في الاسلام فإليه يعزي اما مالك فأخذ الفقه عن ربيعة الراي و هو أخذه عن عكرمة و هو عن عبد اللّه بن عباس و هو عن علي عليه السّلام و اما ابو حنيفة فعن الصادق عليه السّلام و اما الشافعي فهو تلميذ مالك و اما الحنبلي فهو تلميذ الشافعي. و اما قوله منها علم النحو و هو الذي علمه الدؤلي قال ابو القاسم الزجاج في اماليه حدثنا ابو جعفر محمد بن رستم الطبري قال حدثنا ابو حاتم السجستاني قال حدثنا يعقوب بن اسحاق الحضرمي قال حدثنا سعيد بن مسلم الباهلي قال حدثنا ابي عن جدي عن ابي الاسود الدؤلي قال دخلت على علي بن أبي طالب عليه السّلام فرأيته مطرقا مفكرا فقلت فيم تفكر يا أمير المؤمنين قال أني سمعت ببلدكم هذا لحنا فأردت ان اصنع كتابا في اصول العربية فقلت ان فعلت هذا احييتنا و بقيت لنا هذه اللغة ثم أتيته بعد ثلاث فألقى اليّ صحيفة فيها بسم اللّه الرحمن الرحيم الكلام كله اسم و فعل و حرف فالاسم ما أنبأ عن المسمى و الفعل ما أنبأ عن حركة المسمى و الحرف ما أنبأ عن معنى ليس بأسم و لا فعل ثم قال لي تتبعه و زد ما وقع لك و اعلم يا ابا الاسود ان الاشياء ثلاثة ظاهر و مضمر و شيء ليس بظاهر و لا مضمر و انما تتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بظاهر و لا مضمر قال ابو الاسود فجمعت منه اشياء و عرضتها عليه فكان من ذلك حروف النصب فذكرت فيها إنّ و أنّ وليت و لعل و كأنّ و لم أذكر لكن فقال لي لم تركتها فقلت لم احسبها فيها فقال بل هي منها فزدها فيها انتهى. و ذكر ابن الاثير في المثل السائر في ابتداء وضع النحو ان ابنة لابي الاسود الدؤلي قالت له يوما يا أبت ما أشد الحر فضمت الدال و كسرت الراء، فظنها ابوها مستفهمة فقال شهر آب فقالت يا أبت إنما أخبرتك و لم أسئلك فأتى ابو الاسود الى امير المؤمنين عليه السّلام و قال له يا امير المؤمنين ذهبت لغة العرب و اخبره بخبر بنته فقال صلوات اللّه عليه، هلّم صحيفة ثم املى عليه اصول النحو و هذه الكلمات هي اصل علوم العربية و قد بسطت الكلام في هذا المقام في كتبنا النحوية. قوله و مها علم تصفية الباطن اراد به علم رياضة النفس الذي تدعيه الصوفية و تسميه العلم الحقيقي و كان عليه السّلام يقول انه ما عرض لي امران الا اخترت اشقهما على بدني و لعلك تقول ان هذا مناف لقول الباقر عليه السّلام فيما رواه الشيخ (ره) في كتاب الاستبصار في باب من احرم قبل الميقات لا يعرض لي بابان كلاهما حلال الا ان أخذت باليسير و ذلك لان اللّه يسير يحب اليسير و يعطي على اليسير ما لا يعطي على العنف و وجه التوفيق اما يأن نقول كل امام مكلف بتكاليف خاصة به فلعل هذا من ذاك و اما بأن نقول ان الباقر عليه السّلام كان بادنا، و قد كان بدانته تمنعه عن ارتكاب التكاليف الشاقة كما روى عنه عليه السّلام انه كان يصلي بعض النوافل جالسا و كان يعتذر بكثرة اللحم و البدانة. و اما قوله منها العفة و الزهد فحاله فيه مشهور و هو على الالسن مذكور في الكتب مسكور روى العامة و الخاصة انه دخل ضرار بن ضمرة الليثي على معاوية فقال له صف عليا فقال أو لا تعفيني من ذلك فقال لا أعفيك فقال كان

ص:41

و اللّه بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا و يحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه و تنطق الحكمة من نواحيه يتوحش من الدنيا و زهرتها و يستأنس بالليل و وحشته كان و اللّه غريز العبرة طويل الفكرة يقلّب كفه و يخاطب نفسه و يناجي ربه يعجبه من اللباس ما خشن و من الطعام ما جشب كان و اللّه فينا كأحدنا يدنينا اذا اتيناه و يجيبنا اذا سئلناه و كنا مع دنوه منا و قربنا منه لا نكلمه لهيبته لا نرفع اعيننا اليه لعظمته فان تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم يعظم اهل الدين و يحب المساكين لا يطمع القوي في باطله و لا ييأس الضعيف من عدله و اشهد باللّه لقد رأيته ف بعض مواقفه و قد أرخى الليل سدوله و غارت نجومه و هو قائم في محرابه قابض على لحيته يتململ تململ السليم و يبكي بكاء الحزين فكأني الان أسمعه و هو يقول يا دنيا يا دنيا أبي تعرضت أم أليّ تشوقت هيهات هيهات غريّ غيري لا حاجة لي فيك قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيك فعمرك قصير و خطرك يسير و املك حقير آه آه من قلة الزاد و بعد السفر و وحشة الطريق و عظم الموقف فوكفت دموع معوية على لحيته فنشفها بكمه و اختنق القوم بالبكاء ثم قال كان و اللّه ابو الحسن ذكلك فكيف كان حبك اياه قال كحب ام موسى لموسى و اعتذر الى اللّه من التقصير، فقال كيف صبرك عنه يا ضرار قال صبر من ذبح واحدها على صدرها فهي لا ترقى عبرتها و لا تسكن حرارتها. ثم قل و خرج و هو باك فقال معوية اما لو انكم فقدتموني لما كان فيكم من يثني عليّ مثل هذا الثناء فقال له بعض من كان حاضرا الصاحب على قدر صاحبه، و روى عن سويد بن غفلة قال دخلت على امير المؤمنين عليه السّلام بعد ما بويع بالخلافة و هو جالس على حصير صغير ليس في البيت غيره فقلت يا أمير المؤمنين بيدك بيت المال و لست أرى في بيتك شيئا مما يحتاج اليه البيت فقال عليه السّلام يا ابن غفلة ان البيت لا يتأثث في دار النقلة و لنا دار أمن قد نقلنا اليخا خير متاعنا و انا عن قليل صائرون، و كان عليه السّلام اذا اراد ان يكتسى دخل السوق فشيتري الثوبين فيخير قنبر اجودهما، و يلبس الاخر ثم يأتي النجار فيمد له احدى كميه و يقول له خذ بقدومك و يقول هذه تخرج في مصلحة أخرى و يبقى الكم الاخرى بحالها و يقول هذه نأخذ فيها من السوق للحسن و الحسين. و روى عن الاسود و علقمة، قال دخلنا على علي عليه السّلام و بين يديه طبق من خوص عليه قرص أو قرصان من شعير، و ان اسطار النخالة ليبين في الخبز، و هو يكسره على ركبتيه و يأكل بملح جريش فقلنا لجارية له اسمها فضة الا نخلت هذا الدقيق لامير المؤمنين عليه السّلام فقالت أ يأكل هو المهنى و يكون الوزر في عنقي فتبسم و قال انا امرتها ان لا تنخله قلنا و لم يا أمير المؤمنين قال ذلك اجدر ان تذل النفس و يقتدى في المؤمن فالحق باصحابي. و اما سلمان و ابو ذر فحالهما فيه مشهور، روى الشيخ الورام طاب ثراه ان سلمان الفارسي لما مرض مرضه الذي مات أتاه سعد يعوده فقال كيف انت يا عبد اللّه فبكى فقال ما يبكيك فقال و اللّه ما أبكي حرضا على الدنيا و لا حبا لها و لكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عهد الينا عهدا

ص:42

فقال ليكن بلاغ احدكم من الدنيا كزاد راكب فأخشى ان تكون قد جاوزنا مره و هذه الاساور حولي و ليس حوله الا مطهرة فيها ماء و اجانة و جفنة و دخل رجل على سلمان الفارسي رضي اللّه عنه فلم يجد في بيته الا سيفا و مصحفا فقال ما في بيتك الا ما أرى قال ان امامنا عقبة كؤدا و انا قدمنا متاعنا الى المنزل اولا فاولا و قال وقع الحريق فأخذ سلمان سيفه و مصحفه و قال هكذا ينجو المخفون. و في عيون الاخبار باسناده الى الصادق عليه السّلام قال دعى سلمان ابا ذر رحمة اللّه عليهما الى منزله فقدّم اليه رغيفين فأخذ أبو ذر رضي اللّه عنه الرغيفين فقبلهما فقال سلمان رضي اللّه عنه يا ابا ذر لأي شيء تقلّب هذين الرغيفين قال خفت الا يكونا ناضجين فغضب سلمان من ذلك غضبا شديدا ثمّ قال ما اجرأك حيث يقلب الرغيفين فو اللّه لقد عمل في هذا الخبز الماء الذي تحت العرش و عملت فيه الملائكة حتى القوه الى الريح و عملت فيه الريح و حتى القته الى السحاب و عمل فيه السحاب حتى امطره الى الارض و عمل فيه الرعد و الملائكة حتى وضعوه و عملت فيه الارض و الخشب و الحديد و البهائم و النار و الحطب و الملح و ما لا احصيه اكثر فكيف لك ان تقوم بهذا الشكر فقال ابو ذر الى اللّه اتوب و استغفر اللّه مما أحدثت و اليك اعتذر مما كرهت قال و دعا سلمان ابا ذر رحمة اللّه عليهما ذات يوم الى ضيافته فقدم اليه جرابه كسرة يابسة و بلّها من ركوته فقال ابو ذر ما أطيب هذا الخبر لو كان معه ملح فقام سلمان و خرج فرهن ركوته و حمل اليه فجعل ابو ذر يأكل من ذلك الخبز و يذّر عليه من ذلك الملح و يقول الحمد للّه الذي رزقنا هذه القناعة فقال سلمان لو كانت قناعة لم تكن ركوتي مرهونة. و روى انه لما بعث الى المدائن ركب حماره وحده فأتصل بالمداين خبر قدومه فاستقبله اصناف الناس على طبقاتهم فلما رأوه قالوا ايها الشيخ اين خلفت قال و من اميركم قالوا الامير سلمان الفارسي (ره) صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال لا اعرف الامير و انا سلمان و لست بأمير فترجلوا له و قادوا اليه المراكب و الجنائب فقال ان حماري هذا خير لي و ارفق فلما دخل البلد ارادوا ان ينزلوه دار الامارة قال كيف انزل دار الامارة و لست بأمير فنزل على حانوت في السوق فقال ادعوا لي صاحب الحانوت فاستاجر منه و جلس هناك يقضي بين الناس و كان معه و طاء يجلس عليه و مطهرة يتطهر بها للصلوة و عكازة يعتمد عليها في المشي فاتفق ان سيلا وقع في البلد و ارتفع صياح الناس بالويل و العويل يقولون وا اهلاه و والداه و امالاه فقام سلمان و وضع و طائه في عاتقه و اخذ مطهرته و عكازته بيده و ارتفع على الصعيد و قال هكذا ينجو المخففون يوم القيامة. و اما قوله لضربة علي خير من عبادة الثقلين الى يوم القيامة فهو مما استفاض نقله بل كان متواترا و قد اعترض بعضهم بأنه كيف جاز ان يكون ضربة واحدة خيرا من عبادة الجن و الانس الى يوم القيامة و اجاب عنه العامة و الخاصة اما الخاصة فقالوا ان ضربة ابن عبد ود انما قصد بها وجه اللّه سبحانه و لم يقصد اظهار الشجاعة المتعارفة بين

ص:43

الشجعان مع ان قتل مثله مما تفخر به اكابر العرب لانه كان يعدّ بألف رجل فاخلاص نيته عليه السّلام في قتل مثل هذا اوجب له الفضل على عبادة الثقلين و يؤيده انه عليه السّلام لما صرعه و ركب على صدره ضجّ المسلمون و قالوا يا رسول اللّه قل لعلي يجعل على ازهاق روحه فقال دعوه هو اعلم بما يصنع منكم و لما قمع رأسه و اتى به الى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال ما بالك يا علي توقفت في قطع رأسه فقال يا رسول اللّه أنني لما صرعته شتمني فغضبت عليه و خفت ان اقتله لاجل شتمه اياي فتوقفت حتى سكن غضبي فقتلته لاجل وجه اللّه سبحانه. و اما الوجه الذي ذكره جمهور المخالفين فهو ان الاسلام ذلك الوقت كان منحصرا في المدينة المشرفة فلو غلب ابن ودّ على الاسلام ذلك ليوم لانهدم اساس الايمان فضربة علي عليه السّلام هي التي بسببها بقي الاسلام فهي اصل في وجوده و عبادة الثقلين فرع عليها و الاصل اشرف من فرعه و هذا المعنى لطيف جدا و يؤيده قوله صلّى اللّه عليه و آله حين برز علي عليه السّلام برز الاسلام كله الى الكفر كله. و في هذا المقام روى قيس بن هلال ان ابن ود نادى عمر بأسمه يا عمر فحاد عنه و لاذ بأصحابه حتى تبسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مما داخله من الرعب و لقد قال لاصحابه الاربعة اصحاب الكتاب الذين تعاهدوا عليه الرأي أرى و اللّه ان ندفع محمدا برمته و نسلم قال امير المؤمنين عليه السّلام انهم قالوا هذا القول حين جاء العدوّ من فوقنا و من تحت ارجلنا كما قال اللّه تعالى وَ زُلْزِلُوا زِلْزٰالاً شَدِيداً وَ تَظُنُّونَ بِاللّٰهِ اَلظُّنُونَا وَ إِذْ يَقُولُ اَلْمُنٰافِقُونَ وَ اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مٰا وَعَدَنَا اَللّٰهُ وَ رَسُولُهُ إِلاّٰ غُرُوراً فقال صاحبه لا و لكن نتخذ صنما عظيما نعبده لانا لا نأمن ان يظفر ابن ابي كبشة فيكون هلاكنا و لكن يكون ذخرا فان ظفرت قريش اظهرنا عبادة هذا الصنم و اعلمناهم اننا لم نفارق ديننا و ان رجعت دولة ابن ابي كبشة كنا مقيمين على عبادة الصنم سرا فأخبر بها جبرئيل عليه السّلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فخبرني بذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعد قتل عمر بن عبد ودّ فدعاهما فقال كم صنم عبدتما في الجاهلية فقالا يا محمد لا تعيرنا بما في الجاهلية فقال كم صنما تعبدان اليوم فقالا و الذي بعثك بالحق نبيا ما نعبد الا اللّه منذ اظهرنا لك من دينك ما اظهرنا فقال يا علي خذ هذا السيف ثم انطلق الى موضع كذا و كذا فاستخرج الصنم الذي يعبد انه فأت به فان حال بينك و بينه أحد فاضرب عنقه فانكبا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقبلانه ثم قالا استرنا يسترك اللّه فقلت انا ضامن لهما من اللّه و رسوله ان لا يعبدا الا اللّه و لا يشركا به شيئا فعاهدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على ذلك و انطلقت حتى استخرجت الصنم من موضعه ثم انصرفت الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فو اللّه لقد تبين ذلك في وجوههما.

و قد ابدى ابن ابي الحديد عذرهما حيث قال:

عذرتكما إن الحمام لمبغض و ان بقاء النفس للنفس محبوب

دعا قصب العلياء يملكها امرء بغير افاعيل الدنائة مغصوب

ص:44

و لا تعجب من هذا الحديث فأنه قد روي في الاخبار الخاصة ان ابا بكر كان يصلي خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الصنم معلق في عنقه، و سجوده له. و يوضح هذا المعنى ما ذكره البلاذري و هو من الجمهور في تأريخه قال لما قتل الحسين بن علي عليه السّلام كتب عبد اللّه بن عمر الى يزيد بن معاوية، اما بعد فقد عظمت الرزية و جلّت المصيبة، و حدث في الاسلام حدث عظيم و لا يوم كيوم الحسين فكتب اليه يزيد لعنه اللّه يا احمق إنا جئنا الى بيوت منجدة و فرش ممهدة و وسائد منضدة فقاتلنا عنها فان يكن الحق لنا فعن حقنا و ان يكن لغيرنا فابوك اول من سنّ هذا و ابتزه و استأثر بالحق على اهله فبعث الى عبد اللّه بن عمر عهدا كتبه ابوه الى معاوية هذا عهد من عمر بن الخطاب الى معاوية بن ابي سفيان: اعلم يا معاوية ان محمدا قد جاء بالافك و السحر و منعنا من اللات و العزّى و حوّل وجوهنا الى الكعبة التي يزعم انها القبلة الاسلامية، فكان هذا من غاية غلّوه و علوّه و مهارته في السحر الذي بهر به على موسى و عيسى و كافة بني اسرائيل، و نحن على الذي كنا قبل ذلك و ما تركنا اللات و العزّى و الهبل، و لما توفي محمد تواطينا مع اربعين رجلا من اهل نحلتنا و شهدنا انه قال الائمة من قريش، و عزلنا عليا عن الخلافة التي فوضها اليه و جعلها مخصوصة له ثم كتفناه و اخرجناه من بيته و جئنا به الى ابي بكر و امرنا الناس ببيعته، و كنا نظاهر بسنة محمد لئلا يهرب الناس عنا و لكنّا في باطن الامر على الذي كنّا قبل ذلك انتقمنا من اولاده و ذراريه على حسب طاقتنا و قدرتنا، و اما انت يا معاوية فأوصيك الا تسمح فيها و اقتل من اولاده و احفاده ما تصل اليه يدك و قدرتك، و لو لم تقدر على استيصال طائفته خوفا منم تنّفر الناس و تباعدهم عنك و خروجهم عليك فكن في باطن الامر على دفعهم و ازالتهم عن مقامهم و انحطاط من مراتبهم، و لا تخرج محبة اللات و العزى من قلبك، فانها طريقنا و طريق آبائنا و انا على اثارهم مقتدون. فان قلت فاذا كان حالهما هذا من حب الاصنام و عبادتهما فما سبب مبادرتهما الى الاسلام في اوائله و النبي صلّى اللّه عليه و آله بمكة زادها اللّه شرفا و تعظيما، قلت هذه شبهة قديمة فتحتاج الى جواب من المعصوم عليه السّلام و قد روى صاحب كتاب الاحتجاج عن سعد بن عبد اللّه القمس الاشعري حديثا طويلا قال فيه اني بليت بأشد النواصب منازعة فقال لي يوما معاشر الروافض تقولون ان الاول و الثاني كانا منافقين و تستدلون على ذلك بليلة العقبة اخبرني عن اسلامهما كان عن طوع و رغبة او كان عن اكراه و اجبار فاحترزت عن جواب ذلك و قلت مع نفسي ان كنت اجبته بأنه كان عن طوع فيقول لا يكون على هذا الوجه ايمانهما عن تفاق، و ان قلت كان عن اكراه و اجبار لم يكن في ذلك الوقت للاسلام قوة حتى يكون اسلامهما باكراه و قهر، فرجعت عن هذا الخصم على حال ينقطع كبدي، فكتبت مسائل كثيرة و قصدت مولاي الحسن العسكري عليه السّلام فدخلت عليه و صاحب الزمان

ص:45

عليه السّلام جالس معه و هو غلام، فاجابني مولانا صاحب الزمان عليه السّلام عن المسائل كلها ثم قال: و اما ما قال لك الخصم بأنهم اسلما طوعا أو كرها لم لم تقل بل انهما اسلما طمعا و ذلك انهما كانا يخالطان اليهود و يخبرون بخروج محمد صلّى اللّه عليه و آله و استيلائه على العرب من التورية و الكتب المتقدمة، و ملاحم قصة محمد صلّى اللّه عليه و آله و يقولون لهما يكون استيلاؤه على العرب كاستيلاء بخت نصر على بني اسرائيل الا انه يدّعي النبوة و لا يكون من النبوة في شيء فلما ظهر امر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تساعدا معه على شهادة ان لا اله الا اللّه و ان محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله طمعا ان يجدا من جهة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ولاية بلد اذا انتظم امره و حسن حاله و استقامت ولايته فلما ايسا من ذلك فتوافقا مع امثالهما ليلة العقبة، و كان حالهما كحال طلحة و الزبير اذ جاءا عليا عليه السّلام و بايعاه طمعا ان يكون لكل واحد منهما ولاية، فلما لم يكن ذلك و أيسا من الولاية نكثا بيعته و خرجا عليه حتى آل امر كل واحد منهما الى ما يؤل اليه امر من ينكث العهود و المواثيق. و بالجملة فشجاعة علي عليه السّلام مما لا يحتاج بيانها الى الاستدلال روى البرسي في كتابه لما وصف وقعة خيبر، و ان الفتح فيها كان على يد علي عليه السّلام ان جبرئيل عليه السّلام جاء الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مستبشرا بعد قتل مرحب فسئله النبي صلّى اللّه عليه و آله عن استبشاره فقال يا رسول اللّه ان عليا لما رفع السيف ليضرب به مرحبا امر اللّه سبحانه اسرافيل و ميكائيل ان يقبضا عضده في الهوى حتى لا يضربه بكل قوته، و مع هذا قسمه نصفين و كذا ما عليه من الحديد و كذا فرسه و وصل السيف الى طبقات الارض فقال لي اللّه سبحانه يا جبرئيل بادر الى تحت الارض و امنع سيف علي عن الوصول الى ثور الارض حتى لا تنقلب الارض فمضيت فامسكته فكان على جناحي اثقل من مدائن قوم لوط و هي سبع مدائن قلعتها من الارض السابعة، و رفعتها فوق ريشة واحدة من جناحي الى قرب السماء، و بقيت منتظرا الامر الى وقت السحر حتى امرني اللّه بقلبها فما وجدت لها ثقلا كثقل سيف علي فسأله النبي صلّى اللّه عليه و آله لم لا قلّبتها من ساعة رفعها فقال يا رسول اللّه انه قد كان فيهم شيخ كافر نائم على قفاه و شيبته الى السماء فاستحى اللّه سبحانه ان يعذبهم فلما كان وقت السحر انقلب ذلك الشائب على قفاه فأمرني بعذابها و في ذلك اليوم لما فتح الحصن و اسروا نسائهم فكان فيهن صفية بنت ملك الحصن فأتت النبي صلّى اللّه عليه و آله و في وجهها اثر شجّة فسئلها النبي صلّى اللّه عليه و آله عنها فقالت ان عليا عليه السّلام لما اتى الحين و تعسر عليه اخذه اتى الى برج من بروجه فهزّه فاهتز الحصن كله و كل من كان فوق مرتفع سقط عنه و انا كنت جالسة فوق سريري فهويت من عليه فاصابني السرير فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله يا صفية ان عليا لما غضب و هزّ الحصن غضب اللّه لغضب علي فزلزل السموات كلها حتى خافت الملائكة و وقعوا على وجوههم، و كفى بها شجاعة ربانية. و اما باب خيبر فقد كان اربعون رجلا يتعاونون على سدّه وقت الليل و لما دخل الحصن طار ترسه ممن يده من كثرة الضرب فقلع الباب و كان في يده

ص:46

بمنزلة الترس، يقاتل و هو في يده حتى فتح اللّه عليه، و روى ان بعضهم دخل عليه ذات يوم و بين يديه خبز يابس و هو يريد كسره فيعجز عنه فيضعه على ركبته حتى يقدر عليه، فقال له ذلك الرجل يا علي اين تلك القوة التي قلعت بها باب خيبر، فقال تلك قوة اللّه تعالى و هذا قوتي، و النقل من هذه و امثاله يفضي الى فناء الاوراق و كسر الاقلام و جفاف المداد، و في شعره عليه السّلام

صيد الملوك أرانب و ثعالب و اذا ركبت فصيدي الابطال

و اما قوله و منها السخاوة، فقد عجزت اصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله مع كثرة اموالهم عن الوصول الى ادنى درجة من سخائه روى الصدوق طاب ثراه بإسناده الى خالد بن ربعي قال ان امير المؤمنين عليه السّلام دخل مكة في بعض حوائجه، فوجد اعرابيا متعلقا بأستار الكعبة، و هو يقول يا صاحب البيت البيت بيتك و الضيف ضيفك و لكل ضيف من مضيفه ضيفة قراي فاجعل قراي منك الليلة المغفرة، فقال امير المؤمنين عليه السّلام لاصحابه اما تسمعون كلام الاعرابي قالوا نعم قال اللّه اكرم من ان يرد ضيفه قال فلما كان من الليلة الثانية وجده متعلقا بذلك الركن و هو يقول يا عزيزا في عزك فلا اعز منك في عزك اعزني بعز عزك في عزّ لا يعلم احد كيف هو أتوجه اليك و اتوسل اليك بحق محمد و آل محمد عليك اعطني ما لا يعطيني احد غيرك و أصرف عني ما لا يصرفه احد غيرك، فقال قال امير المؤمنين عليه السّلام لاصحابه هذا و اللّه الاسم الاعظم بالسريانية اخبرني به حبيبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سأله الجنة فأعطاه و سأله صرف النار فصرفها عنه. قال فلما كان ليلة الثالثة وجده و هو متعلق بذلك الركن، و هو يقول يا من لا يحويه مكان و لا يخلو منه مكان بلا كيفية كان ارزق الاعرابي أربعة آلاف درهم قال فتقدم امير المؤمنين عليه السّلام و قال يا اعرابي سئلت ربك فاقراك و سئلته الجنة فاعطاك و سألته ان يصرف عنك النار و قد صرفها عنك و في هذه الليلة تسئله اربعة آلاف درهم قال الاعرابي من انت قال انا علي بن ابي طالب قال الاعرابي انت و اللّه بغيتي و بك انزلت حاجتي. قال سل يا اعرابي فقال اريد الف درهم للصداق، و الف درهم اقضي به ديني، و ألف درهمك اشتري به دارا، و ألف درهم أتعيش به، قال انصفت يا اعرابي، فاذا خرجت من مكة فسل عن داري بمدينة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأقام الاعرابي بمكة اسبوعا و خرج في طلب امير المؤمنين عليه السّلام الى المدينة، و نادى من يدلّني على دار امير المؤمنين عليه السّلام فقال الحسين بن علي من بين الصبيان انا أدلك على دار امير المؤمنين، و انا ابنه الحسين بن علي، فقال الاعرابي من ابوك قال امير المؤمنين علي بن ابي طالب قال من أمك قال فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين.

قال من جدك قال محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب قال من جدتك قال خديجة بنت خويلد قال من اخوك قال ابو محمد الحسن بن علي قال قد اخذت الدنيا بطرفيها إمش الى امير المؤمنين و قل له ان الاعرابي صاحب الضمان بمكة على الباب قال فدخل الحسين بن علي عليهما السّلام

ص:47

فقال يا أبة اعرابي بالباب يزعم انه صاحب الضمان بمكة قال فقا يا فاطمة عندك شيء يأكله الاعرابي، قالت اللهم لا فتلبّس امير المؤمنين عليه السّلام و خرج، و قال ادعوا لي ابا عبد اللّه سلمان الفارسي. قال فدخل سلمان الفارسي رضي اللّه عنه فقال يا ابا عبد اللّه اعرض الحديقة التي غرسها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على التجار، قال فدخل سلمان الى السوق و عرض الحديقة فباعها بأثني عشر ألف درهم و احضر المال و احضروا الاعرابي فاعطاه اربعة الاف درهم و اربعين درهما نفقة، و وقع الخبر الى سؤال المدينة فأجتمعوا، و مضى رجل من الانصار الى فاطمة عليها السّلام فأخبرها بذلك، فقالت آجرك اللّه في ممشاك، فجلس علي عليه السّلام و الدراهم مصبوبة بين يديه، حتى اجتمع اليه اصحابه فقبض قبضة قبضة و جعل رجل رجلا حتى لم يبق معه درهم واحد فلما اتى المنزل قالت فاطمة عليها السّلام يا ابن العم بعت الحائط الذي غرسه لك والدي، قال نعم بخير منه عاجلا و آجلا، قالت فأين الثمن قال دفعته الى اعين إستحييت ان اذلها بذّل المسألة، اعطيتها قبل ان تسألني.

قالت فاطمة عليها السّلام انا جائعة و إبناي جائعان، و لا أشك إلاّ و أنك مثلنا في الجوع لم يكن لنا منه درهم، و أخذت بطرف ثوب علي عليه السّلام فقال علي عليه السّلام يا فاطمة خليّني فقالت لا و اللّه أو يحكم بيني و بينك أبي، فهبط جبرئيل عليه السّلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال يا محمد ربك يقرئك السّلام و يقول إقرء عليا مني السّلام و قل لفاطمة ليس لك ان تضربي على يديه و لا تلزمي بثوبه، فلما أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله منزل علي عليه السّلام وجد فاطمة عليها السّلام ملازمة لعلي فقال لها يا بنية ما لك ملازمة لعلي فقالت يا ابه باع الحائط الذي غرسته له باثني عشر الف درهم لم يحبس لنا منه درهما نشتري به طعاما، فقال يا بنية ان جبرئيل يقرئني من ربي السّلام و يقول إقرأ عليا من ربي السّلام، و أمرني ان اقول ليس لك ان تضربي على يديه و لا تلزمي بثوبه، قالت فاطمة استغفر اللّه و لا اعود ابدا. قالت فاطمة عليها السّلام فخرج ابي في ناحية و زوجي في ناحية، فما لبث ان اتى ابي صلّى اللّه عليه و آله و معه سبعة دراهم سود هجرية، فقال يا فاطمة اين ابن عمي، فقلت له خرج فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هاك هذه الدراهم، فاذا جاء ابن عمي فقولي له يبتاع لكم بها طعاما فما لبث الا يسيرا حتى جاء علي عليه السّلام، فقال رجع ابن عمي فأني اجد رائحة طيبة قالت نعم و قد دفع اليّ شيئا تبتاع به طعاما، فقال علي عليه السّلام هاتيه، فدفعت اليه سبعة دراهم سود هجرية، فقال بسم اللّه و الحمد كثيرا طيبا، و هذا من رزق اللّه ثم قال يا حسن قم معي فأتيا السوق فاذا هما برجل واقف و هو يقول من يقرض العلي الوفي قال بني نعطيه قال أى و اللّه فاعطاه علي عليه السّلام الدراهم كلها قال يا أبتاه أعطيته الدراهم كلها قال نعم يا بني إن الذي يعطي القليل قادر أن يعطي الكثير، قال فمضي علي عليه السّلام الى باب رجل يستقرض منه شيئا، فلقيه أعرابي و معه ناقة، فقال يا علي أشتري مني هذة، قال ليس معي ثمنها

ص:48

قال فإني أنظرك به الى القبض قال بكم يا أعرابي قال بمائة درهم فقال علي عليه السّلام خذها يا حسن فأخذها فمضى علي عليه السّلام فلقيه أعرابي آخر ألمثال واحد و الثياب مختلفة، فقال يا علي تبيع الناقة، قال علي عليه السّلام و ما تصنع بها، قال أغزو بها اول غزوة يغزوها أبن عمك، قال أن قبلتها فهي لك بلا ثمن قال معي ثمنها و بالثمن أشتريها فبكم أشتريتها، قال بمائة درهم قال الأعرابي فلك سبعون و مائة درهم، قال علي عليه السّلام للحسن خذ السبعين و المائة و سلم المائة للأعرابي الذي باعنا الناقة و السبعين لنا نبتاع بها شيئا فأخذ الحسن عليه السّلام الدراهم و سلم الناقة، قال علي عليه السّلام فمضبت أطلب الأعرابي الذي أبتعت منه الناقة لأعطيه ثمنها فرأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جالسا في مكان لم أره فيه قبل ذلك اليوم و لا بعده على قارعة الطريق فلما نظر النبي صلّى اللّه عليه و آله الي تبسم ضاحكا حتى بدت نواجده، قال علي عليه السّلام أضحك اللّه سنك و بشرك بيومك، فقال يا أبا الحسن إنك تطلب الاعرابي الذي باعك الناقة لتوفيه الثمن، فقلت أي و اللّه فداك ابي و امي، فقال يا ابا الحسن الذي باعك الناقة جبرئيل و الذي اشتراها منك ميكائيل و الناقة و الدراهم من عند رب العالمين عز و جل فانفقها في خير و لا تخف إقتارا. و اما قوله النسب العالي فلا نسب أفخر من أخي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد روى الخاصة و العامة مسفيضا عن ابن عباس، قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتاني جبرئيل عليه السّلام و هو فرح مستبشر فقلت يا حبيبي جبرئيل مع ما أنت فيه من الفرح ما منزلة أخي و ابن عمي علي بن ابي طالب عند ربه، فقال جبرئيل يا محمد و الذي بعثك بالنبوة و اصطفاك بالرسالة ما حبطت في وقتي هذا الا لهذا، يا محمد العلي الاعلى يقرء عليك السّلام و يقول محمد نبي و رحمتي و علي مقيم حجتي لا اعذب من والاه و ان عصاني و لا ارحم من عاداه و ان اطاعني. و قد استشكل هذا بعض المحققين من المعاصرين و قال انه محمول على المبالغة، و الجواب انه لا يحتاج الى الحمل على المبالغة، بل هو محمول على الحقيقة فان فساق الشيعة مما يكره اعمالهم و لكن لانتسابهم الى امير المؤمنين عليه السّلام بالمحبة و الولاية رفع اللّه عنهم الخلود في النار، بل ظاهر بعض الاخبار ان منهم من لا يعذب اصلا، و اما المخالفون فمع ما عليه بعضهم من العبادة و الزهادة و سائر انواع البر لا يدخلون الجنة باجماع اصحابنا، و ذلك ليس الا بمعاداتهم عليا عليه السّلام و هو عليه السّلام اول هاشمي تولدّ بين هاشميّين، و لا بأس بالتعرض لنسب الخلفاء.

في نسب الخلفاء

اما ابو بكر فلم يتعرض احد لنسبه بسوء لا من العامة و لا من الخاصة، نعم ذكر المنذر بن هشام الكلبي و هو من علمائهم في كتاب المثالب ما هذا لفظه، و ممن كان ينادي على طعام بن جذعان بن سفيان بن عبد الاسد المخزومي ابو قحافة، فهل ترى لأبي قحافة مالا أو ثروة فمن اين انتقل الى ابي بكر حتى صار يغني رسول اللّه و يطعن بذلك على اللّه، حيث قال سبحانه و وجدك

ص:49

عائلا فأغنى، فكابروا هذا القول و ردوا عليه و قالوا بل اغناه ابو بكر بماله و اما عدم الطعن عليه بالسوء كما سيأتي في أنساب امثاله فلعله لان الائمة عليهم السّلام من نسله، و ذلك لان أم فروة هي ام الصادق عليه السّلام بنت القاسم بن محمد بن ابي بكر. نعم لما وليّ أبو بكر الخلافة كان ابوه ابو قحافة بالطائف فلما بويع لابي بكر كتب لابيه كتابا، عنوانه من خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الى أبيه ابي قحافة أما بعد فإنّ الناس قد تراضوا بي فأني اليوم خليفة اللّه، فلو قدمت علينا كان أحسن بك فلما قرأ أبو قحافة الكتاب، قال للرسول ما منعكم عن علي قال هو حدث السن و قد أكثر القتل في قريش و غيرها، و أبو بكر أسنّ منه قال ابو قحافة ان كان الامر في ذلك بالسن فأنا أحق من ابو بكر، لقد ظلموا عليا و قد بايع له النبي صلّى اللّه عليه و آله و أمرنا ببيعته، ثم كتب، من ابو قحافة الى ابي بكر اما بعد فقد أتاني كتابك فوجدته كتاب أحمق ينقض بعضه بعضا، مرة تقول خليفة رسول اللّه و مرة تقول خليفة اللّه و مرة تقول تراضوا بي الناس و هو أمر ملتبس فلا تدخلنّ في امر يصعب عليك الخروج منه غدا، و تكون عقباك منه الى الندامة و ملامة النفس اللوامة لدى الحساب يوم القيامة، فأن للامور مداخل و مخارج و أنت تعرف من هو أولى منك، فراقب اللّه كأنك تراه و لا تدعن صاحبها، فانّ تركها اليوم احق عليك و اسلم لك. و بقي الكلام في النسب الشريف للخليفة الثاني، فروى ابن عبد ربه في المجلد الثاني من كتاب العقد، قال و خرج عمر بن الخطاب و يده على المعلى بن جارود فليقته امرأة من قريش فقالت يا عمر فوقف لها فقالت كنا نعرفك مرة عميرا ثم صرت من بعد عمير عمر ثم صرت من بعد عمر امير المؤمنين فاتق اللّه يا ابن الخطاب و انظر في امور الناس، فأنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد و من خالف الموت خشى الفوت، و من طريف ما بلغوا اليه من القدح في اصل خليفتهم عمر، ان جدته صهاك ولدته من سفاح يعني من زنا و رووا ان ولد الزنا لا ينجب ثم مع هذا ولّوه الخلافة و شهدوا عليه بالزنا فمن رواياتهم في ذلك ما ذكره ابو المنذر هشام بن محمد السائب الكلبي، و هو من رجالهم في كتاب المثالب ما هذا لفظه في عدد جملة من ولدوا من سفاح، هشام عن ابيه قال كانت صهاك امة حبشة لهاشم بن عبد مناف فوقع عليها عبد العزى بن رياح، فجائت بنفيل جد عمر بن الخطاب فهل بلغت الشيعة الى اقبح من هذه الانساب. و من عجيب ما رواه عن الخطاب والد عمر بن الخطاب انه كان سرّاقا و قطع في السرقة، ما ذكره ابو عبيد القسم بن سلام في كتاب الشهاب، في تسمية من قطع من قريش في الجاهلية في السرقة ما هذا لفظه، قال و الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عدي بن كعب ابو عمر بن الخطاب قطعت يده في سرقة قدر و محاه ولاية عمر و رضى الناس عنه قال بعض المسلمين الا تعجب من قوم رووا ان عمر كان ولد زنا، و أنه كان في الجاهلية نخّاس الحمير و أنه كان أبوه سرّاقا و أنه ما كان يعرف الا بعمير لرذالته ثم مع هذا جعلوه خليفة قائما مقام نبيهم و نائبا

ص:50

عن اللّه في عباده و قدموه على من لا طعن عليه في حسب و لا نسب و لا إرب و لا سبب و يا ليتهم حيث ولوه و فضحوا انفسهم بذلك كانوا قد سكتوا عن نقل هذه الاحاديث التي قد سمت بها الاعداء و جعلوها طريقا الى جهلهم بمقام الانبياء و خلافة الخلفاء. و اما روايات الخاصة في هذا الباب فكثيرة و لنذكر منها حديثا واحدا و هو ما رواه رئيس المحدثين محمد بن يعقوب (ره) باسناده الى سماعة، قال تعرض رجل من ولد عمر بن الخطاب بجارية رجل عقيلي فقالت له أنّ هذا العمري قد آذاني فقال لها عديه و ادخليه الدهليز فادخلته فسدّ عليه فقتله و القاه في الطريق، فاجتمع البكريون و العمريون و العثمانيون، و قالوا ما لصاحبنا كفو لن نقتل به الا جعفر بن محمد عليه السّلام و ما قتل صاحبنا غيره، و كان ابو عبد اللّه عليه السّلام قد مضى نحو قبا فلقيته بما اجتمع القوم عليه فقال دعهم فلما جاء و ثبوا عليه و قالوا ما قتل صاحبنا احد غيرك، و لا نقتل به احدا غيرك فقال ليكلمني منكم جماعة فاعتزل قوم منهم فأخذ بأيديهم و ادخلهم المسجد فخرجوا و هم يقولون شيخنا ابو عبد اللّه جعفر بن محمد صلوات اللّه عليهما معاذ اللّه ان يكون مثله يفعل هذا أو يأمر به، فانصرفوا قال فمضيت معه فقلت جعلت فداك ما كان اقرب رضاهم من سخطهم، قال نعم دعوتهم فقلت امسكوا و إلاّ اخرجت الصحيفة فقلت ما هذه الصحيفة جعلني اللّه فداك، فقال ان ام الخطاب كانت امة للزبير بن عبد المطلب فشطر بها نفيل و هو ابو الخطاب فاحبلها فطلبه الزبير فخرج هاربا الى الطائف فخرج الزبير خلفه فبصرت به ثقيف، فقالوا يا ابا عبد اللّه ما تعمل هيهنا قال جاريتي شطر بها نفيلكم فهرب الى الشام، و خرج الزبير في تجارة له الى الشام فدخل على ملك الدومة، فقال له يا ابا عبد اللّه لي اليك حاجة قال و ما حاجتك ايها الملك، فقال رجل من اهلك قد اخذت ولده فاحبّ ان ترده عليه فقال ليظهر لي حتى اعرفه فلما ان كان من الغد دخل الى الملك فلما راه الملك ضحك فقال ما يضحكك ايها الملك قال ما اظن هذا الرجل ولدته عربية، لما رآك قد دخلت لم يملك استه ان جعل يضرط فقال يا ايها الملك اذا صرت الى مكة قضيت، فلما قد الزبير تحمل عليه ببطون قريش كلها ان يدفع اليه ابنه فأبى ثم تحمل عليه بعد المطلب فقال ما بيني و بينه عمل، اما علمتم ما فعل في ابني فلان و لكن امضوا انتم اليه فكلموه فقصدوا فقال لهم الزبير ان الشيطان له دولة و ان ابن هذا ابن الشيطان و لست آمن أن يترأس علينا، و لكن أدخلوه من باب المسجد علي على أن احمي له حديدة و أخط في وجه خطوطا، و أكتب عليه و على أبنه أن لا يتصدر في مجلس و لا يأتمر على أولادنا و لا يضرب معنا بسهم، قال ففعلوا و خط وجهه بالحديدة و كتب عليه الكتاب، و ذلك الكتاب عندنا فقلت لهم أن أمسكتم و ألا أخرجت الكتاب ففيه فضيحتكم فأمسكوا، و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة فهذا نسب الخليفة الثاني. و أما أفعاله الجميلة فلقد نقل منها محبوه و متابعوه ما لم ينقله أعداؤه منها ما نقله صاحب

ص:51

كتاب الأستيعاب في الرجال و هو من أفاضلهم، فقال أن عمر لما ضربه أبو لؤلؤة بالسكين في بطنه قال أدعو لي الطبيب فدعى الطبيب، فقال أي الشراب أحب إليك قال النبيذ فسقي نبيذا فخرج من بعض طعناته فقال الناس هذا دم هذا صديد، قال أسقوني لبنا فخرج من الطعنة فقال له الطبيب لا أرى أن تمسى فما كنت فاعلا فأفعل، و ذكر تمام الخبر في الشورى، و النبيذ هو شراب التمر و لقد كان يحب أن يلاقي اللّه سبحانه و بطنه الممزوقة ممليه من الشراب، فأنظروا يا أهل الألباب. و منها ما قال المحقق جلال الدين السيوطي في حواشي القاموس عند التصحيح لغة الأبنة، و قال هناك و كانت في جماعة في الجاهليه أحدهم سيدنا عمر و اقبح منه ما قاله الفاضل أبن الأثير و هما من أجلاء علمائهم قال زعمت الروافض أن سيدنا عمر كان مخنثا كذبوا، و لكن كان به داء دواؤه ماء الرجال و غير ذلك مما يستقبح من نقله، و قد قصروا في إضاعة مثل هذا السر المكنون المخزون و لم أرى في كتب الرافضة مثل هذا، نعم روى العياشي منهم حديثا حاصل معناه أن الأسم الذي هو لفظ أمير المؤمنين قد خص اللّه به علي بن أبي طالب عليه السّلام، و بهذا لم تسم الرافضة أئمتهم بهذا الأسم و من سمى نفسه به غير علي بن أبي طالب فهو مما يؤتى في دبره، و هذا شامل لجميع المتخلفين من الأموية و العباسية و قد نقلت أهل السنة هيهنا عن أمامهم ما هو أقبح من هذا، و لا حول و لا قوة الإباللّه العلي العظيم و قد بقي أشياء كثيرة. منها ما ذكر الطبري في تاريخه و هو من علمائهم قال أتى عمر بن الخطاب إلى منزل علي عليه السّلام فقال و اللّه لأحرقن عليكم او لتخرجن للبيعة، فخرج عليه الزبير مصلتا بالسيف فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه، قال زيد بن اسلم و هو منهم كنت ممن حمل الحطب مع عمر الى باب فاطمة عليها السّلام، حين امتنع علي و اصحابه عن البيعة، فقال عمر لفاطمة اخرجي من البيت و الا احرقته و من فيه، قال و في البيت علي و الحسن و الحسين عليهم السّلام و جماعة من اصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله فقالت فاطمة عليها السّلام تحرق علي و ولدي فقال أي و اللّه أو ليخرجنّ و ليبايعنّ. اقول و قد اعترف بهذا النقل من متقدميهم جمهور المتأخرين منهم لكن قالوا ان الوالي يفعل ما يقتضيه المصلحة و لا يخفى ما فيه، فأنّ فعله هذا انما كان في زمن خلافة ابي بكر و انتم ما اثبتتم خلافة ابي بكر الا من جهة الاتفاق و حينئذ كان الواجب على عمر ان يصبر حتى يحصل الاتفاق من علي و امثاله، فتثبت خلافة ابي بكر و ولايته فاذا ثبتت فعل ما يقتضيه رأيه و لا كان ينبغي لعمر ان يفعل ابتدا الامر ما يبطل دليل خلافة صاحبه، و لكن هذا ليس بأول قارورة كسرت في الاسلام. و اما عثمان فقد شهدوا عليه بارتداده عن الايمان، روى السدي و هو من مفسريهم في تفسير قوله تعالى وَ يَقُولُونَ آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَ بِالرَّسُولِ وَ أَطَعْنٰا ثُمَّ يَتَوَلّٰى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذٰلِكَ وَ مٰا أُولٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ قال السدي نزلت في عثمان بن عفان قال لما فتح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بني النضير و قسم اموالهم، فقال لعلي عليه السّلام إئت

ص:52

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاسئله ارض كذا و كذا، فان اعطاكها فأنا شريكك فيها و آته و اسأله انا فان اعطانيها فأنت شريكي فيها فسأله عثمان اولا فاعطاه اياها، فقال له علي عليه السّلام اشركني فأبى عثمان الشركة فقال بيني و بينك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأبى ان يخاصمه الى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال هو ابن عمه فأخاف ان يقضي له فنزل قوله وَ إِذٰا دُعُوا إِلَى اَللّٰهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذٰا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَ إِنْ يَكُنْ لَهُمُ اَلْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ اِرْتٰابُوا أَمْ يَخٰافُونَ أَنْ يَحِيفَ اَللّٰهُ عَلَيْهِمْ وَ رَسُولُهُ بَلْ أُولٰئِكَ هُمُ اَلظّٰالِمُونَ فلما بلغ عثمان ما انزل اللّه فيه اتى النبي صلّى اللّه عليه و آله و أقرّ لعلي عليه السّلام بالحق و شركه في الارض. و من غريب ما شهدوا به على طلحة و عثمان من شكهم في الاسلام و شهادة اللّه عليهم بالكفر بعد اظهار الايمان ما ذكره السدي ايضا، في تفسير قوله تعالى يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَتَّخِذُوا اَلْيَهُودَ وَ اَلنَّصٰارىٰ أَوْلِيٰاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَهْدِي اَلْقَوْمَ اَلظّٰالِمِينَ قال لما اصيب اصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله بأحد قال عثمان لا لحقنّ بالشام فأنّ لي به صديقا من اليهود يقال له دهلك فلاخذنّ منه أمانا فاني اخاف ان يدال (1)علينا اليهود و قال طلحة بن عبد اللّه لاخرجنّ الى الشام فانّ لي به صديقا من النصارى فلاخذنّ منه امانا فاني اخاف ان يدال علينا النصارى. قال السدي فأراد احدهما ان يتهود و الاخر ان ينتصر، قال فأقبل طلحة الى النبي صلّى اللّه عليه و آله و عنده علي بن ابي طالب عليه السّلام فاستأذنه طلحة في المسير الى الشام، و قال ان لي بها مالا اخذه ثم انصرف، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله على مثل هذا الحال تخذلنا و تخرج فأكثر على النبي صلّى اللّه عليه و آله من الاستيذان فقال علي عليه السّلام يا رسول اللّه إئذن لابن الحضرمية فكفّ طلحة الاستيذان عند ذلك فأنزل اللّه عز و جل فيهما وَ يَقُولُ اَلَّذِينَ آمَنُوا أَ هٰؤُلاٰءِ اَلَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللّٰهِ جَهْدَ أَيْمٰانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ يقول انه يحلف لكم انه مؤمن معكم فقد حبط عمله بما دخل فيه من امر المسلمين حيث نافق فيه.

و من غريب ما بلغوا اليه من الطعن في اصل عثمان و نسبه ما رواه علمائهم و ذكره ابو المنذر هشام بن السائب الكلبي في كتاب المثالب فقال ما هذا لفظه، و ممن كان يلعب به و يتخنث ثم ذكر من كان قال و عفان بن ابي العاص بن امية ممن كان يتخنث و يلعب به و اغرب من هذا ما ذكره في ذم اصل طلحة بن عبد اللّه و طعنهم في نسبه و كونهم جعلوه ولد زنا، و قد ذكره جماعة من الرواة و ذكره ايضا ابو المنذر هشام بن محمد السائب الكلبي في كتاب المثالب، فقال و ذكر من جملة البغايا من ذوي الرايات صعبة فقال و اما صعبة فهي بنت الحضرمي كانت لها راية بمكة فوقع عليها ابو سفيان، و تزوجها عبيد اللّه بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم فجائت بطلحة

ص:53


1- 24) دالت الايام دارت و دال الزمان دولة انقلبت من حال الى حال يقال دالت له الدولة و دالت الايام بكذا و دال الرجل دولا و دألة صارة شهرة.

بن عبيد اللّه لستة اشهر، فأختصم ابو سفيان و عبيد اللّه في طلحة فجعلا امرهما الى صعبة فالحقته بعبيد اللّه، فقيل لها كيف تركت ابا سفيان فقالت يد عبيد اللّه طلقة و يد ابي سفيان تربة ثم ذكر صاحب كتاب المثالب المشار اليه هجاءا لبني طلحة بن عبيد اللّه من جملته:

فاصدقوا يا قومنا انسابكم ثم اقيمونا على الامر الجلي

لعبيد اللّه انتم معشر ام ابو سفيان ذاك الاموي

و ذكر ايضا في كتاب المذكور ما هذا لفظه قال و ممن كان يلعب به و يتخنث عبيد اللّه ابو طلحة بن عبيد اللّه.

و من طريف ما بلغوا اليه من القدح في ولادة معاوية بن ابي سفيان ما رواه في كتبهم و رواه ابو المنذر هشام بن محمد السائب الكلبي في كتاب المثالب فقال كان معاوية لاربعة لعمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي و لمسافر بن عمر و لابي سفيان و لرجل اخر سماه، قال و كانت هند امه من المعتلمات و كان احب الرجال اليها السودان، و كانت اذا ولدت اسود قتلته، و قال في موضع آخر من الكتاب و اما حمامة فهي من بعض جدات معاوية كان لها راية بذي المجاز يعني من ذوي الرايات في الزنا، و ما احسن قول بعض المسلمين

ان هذا النسب مما يقلقل تقوم تعظيما له عند ذكره

و قد نقل في كتب كثيرة ان يزيد قد تعشق عمته و كانت بكرا فاستحى ان يظهر لها الحال فاراد ان يمتحنها، فأتى معها الى بستان و جلست في موضع فأمر ان ينزي حصان (1)على فرس و عمته تنظر اليهما، فلما نزى عليها و هي تنظر اليهما اتاها يزيد و امرها بالقيام من مكانها فلما قامت رأى في مكانها إراقة المني فعلم ارادتها لذلك الغرض فاتى اليها، فلما جامعها لم يجدها بكرا فقال لها اين بكارتك فقالت له ان اباك لم يترك بكرا، فظهر ان معاوية قد كان مخالطا لها و هذا العجب العجيب و الامر الغريب.

و اما يزيد لعنه اللّه فحاله اشهر من ان يذكر و سبب ولادته ما قاله بعض مفسريهم ان معاوية لعنه اللّه كان ذات يوم يبول فلدعته عقرب في ذكره فزوجوه عجوزا ليجامعها و يشتفي من دوائها، فجامعها مرة و طلقها فوقعت النطفة مختلطة بسم العقرب في رحم العجوز فحصل منها يزيد هذا هو المشهور و لكن رأيت في بعض كتب المسلمين انه كان عند معاوية جارية هندية تخدمه فحبلت منه و جائت بيزيد الكلب النجس، و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله اتقوا اليهود و الهنود و لو الى سبعين بطنا.

ص:54


1- 25) الحصان الفرس العتيق و كل ذكر من الخيل.

و روى الكليني انه كان بين الحسين و بين يزيد لعنه اللّه عداوة اصلية و عداوة فرعية، اما الاصلية فانه ولد لعبد مناف ولدان هاشم و امية ملتزقا ظهر كل واحد منهما بظهر الاخر ففرق بينهما بالسيف، فلم يرتفع السيف من بينهما و بين اولادهما حتى وقع حرب بن امية و عبد المطلب بن هاشم و بين ابي سفيان بن حرب و بين ابي طالب و بين معاوية بن ابي سفيان لعنهما اللّه تعالى و علي بن ابي طالب عليه السّلام و بين يزيد بن معاوية لعنه اللّه و الحسين بن علي عليه السّلام.

و اما العداوة الفرعية فان يزيد قال لابيه يا أبه قد هيأت لي وراثة الملك و ما قصرت في حقي غير انه كانت لعبد اللّه بن الزبير امرأة يقال لها فاطمة من اجمل النساء فأريد ان تزوجنيها فدعا معاوية عبد اللّه بن الزبير و قال اريد ان ارعى قرابتك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ازوجك ابنتي و اجعل لك ولاية مصر فاتخدع به عبد اللّه و رضى فبعد يوم دعاه و اخبره بانها لا ترضى الا ان يطلق زوجته خوفا من الغيرة لجمالها فطلقها فبعد يوم دعاه و اخبره بانها تأبى و تقول انه لم يف لصاحبة الجمال فكيف يصنع بي اذا زال الملك و المال فاغتم عبد اللّه فسلاه معاوية و قال لا تغتم فاني سأرسل اليها بنساء يرضينها، فلما انقضت عدّة فاطمة ارسل اليها ابا موسى الاشعري ليخطبها ليزيد فمر ابو موسى بقثم بن العباس فقال قثم اني راغب فيها ايضا، ثم بالحسين عليه السّلام كذلك فلما دخل عليها قال لها ما قالوا و قال اني راغب فيك ايضا فقالت اما انت فشيخ و انا شابة و لكن اريد منك طلب المصلحة، فقال ان تريدي الولاية و التنعم الدنيوي فيزيد، و ان تريدي العلم و الجمال و قرابة الرسول صلّى اللّه عليه و آله فقثم، و ان تريدي العلم و الزهد و بنوة النبي فالحسين و قد رأيت النبي صلّى اللّه عليه و آله يقبله و يقول سيد شباب اهل الجنة، فقالت اخترت الحسين فسمع معاوية و غضب على ابي موسى الاشعري.

فان قلت على ما ذكرت أ يجوز اطلاق ولد الزنا على ما ذكرت من هؤلاء الجماعة ام لا يجوز، قلت ان هذا الاطلاق و ان لم يصح على اولاد الكفار و نحوهم ممن تميز نكاحهم عن سفاحهم، الا ان هذا الاطلاق على ما ذكرت من الجماعة جائز لانه سفاح في مذهبهم و الشارع جوّز عليهم هذا الاطلاق كما جوّزه على من حضر واقعة الطفوف من اهل العراق و الشام و غيرهم و اما باقي الكفار فلا يجوز روى عمارة بن نعمان الجعفي قال كان لابي عبد اللّه عليه السّلام صديق لا يكاد يفارقه اين ذهب فبينما يمشي معه في الحذّائين و معه غلام سندي يمشي خلفه اذ التفت الرجل يريد غلامه ثلاث مرات فلم يره، فلما نظر في الرابعة قال يا بن الفاعلة اين كنت قال فرفع ابو عبد اللّه عليه السّلام يده فصكّ بها جبهته، قال سبحان اللّه تقذف امّة قد كنت أرى ان لك ورعا فاذا ليس لك ورع، فقالت جعلت فداك انّ امّه سندية مشركة فقال اما علمت ان لكل امّة نكاحا فتنحّ عني فما رأينته يمشي معه حتى فرّق الموت بينهما و نحوه كثير.

ص:55

و اما قوله و منها المصاهرة فلا درجة اعلى منها و ذلك ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يتمنى بان يكون له زوجة مثل فاطمة فلم يحصل و كفى به شرفا ان اكابر العرب خطبتها منه فاعرض عنهم و ما زوجها عليا عليه السّلام حتى زوجه اللّه في السماء روى الصدوق (ره) باسناده الى الصادق عليه السّلام قال قال علي عليه السّلام، لقد هممت بتزويج فاطمة بنت محمد صلّى اللّه عليه و آله حينا و لم أتجرأ أن أذكر ذلك للنبي صلّى اللّه عليه و آله و أن ذلك أختلج في صدري ليلا و نهارا حتى دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال يا علي قلت لبيك يا رسول اللّه، قال هل لك حاجة في التزويج قلت رسول اللّه أعلم و ظننت أنه يريد أن يزوجني بعض نساء قريش، و أنى لخائف على فوت فاطمة فما شعرت بشئي أذ أتاني رسول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال لي أجب النبي صلّى اللّه عليه و آله و أسرع فما رأينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أشد فرحا منه اليوم، قال فأتيته مسرعا فأذا هو في حجرة أم سلمة فلما نظر الي تهلل وجهه و تبسم حتى نظرت الى بياض أسنانه، فقال أبشر يا علي فأن اللّه عز و جل قد كفانى ما كان أهمنى من أمر تزويجك فقلت و كيف ذلك يا رسول اللّه، فقال أتاني جبرئيل و معه من سنبل الجنة و قرنفلها و لنيهما فأخذتهما فشممتها فقلت ما سبب هذا القرنفل و السنبل، فقال أن اللّه تبارك و تعالى أمر سكان الجنة من الملائكة و من فيها أن يزينوا كلها بمغارسها و أشجارها و ثمارها و قصورها و أمر ريحها فهبت بانواع العطر و الطيب و أمر حور عينها بالقرائة فيها بسورة طه و طوايسين و حمعسق ثم نادى مناد من تحت العرش ألا أن اليوم وليمة علي بن أبي طالب ألا أنى أشهدكم إني قد زوجت فاطمة بنت محمد من علي بن أبي طالب رضى منى بعضها لبعض ثم بعث اللّه سبحانه سحابة بيضاء فمطرت عليهم من لؤلؤها و زبرجدها و يواقيتها، و مالت الملئكة فنثرت من سنبل الجنة و قرنفلها هذا مما نثرت الملئكة.

ثم أمر اللّه تبارك و تعالى ملكا من ملوك الجنة يقال له راحيل و ليس في الملئكة أبلغ منه فقال أخطب يا راحيل فخطب بخطبة لم يسمع مثلها أهل السماء و لا أهل الأرض ثم نادى منادي ألايا ملائكتي و سكان جنتي باركوا على علي بن أبي طالب حبيب محمد فقد باركت عليهما؛ ألا أني قد زوجت أحب النساء الي من أحب الرجال الي بعد النبيين و المرسلين فقال راحيل الملك و ما بركتك فيهما بأكثر مما رأينا لهما في جنانك و دارك، فقال عز و جل يا راحيل من بركتي عليهما أني أجمعهما على محبتي و أجعلهما حجتي على خلقي و عزتي و جلالي لأخلقن منهما خلقا و لإنشئن منهما ذرية أجعلها خزاني في أرضي و معادن لعلمي و دعاة الى ديني بهم أحتج على خلقي بعد النبيين و المرسلين فأبشر يا علي فأن اللّه عز و جل أكرمك كرامة لم يكرم بمثلها أحدا، و قد زوجتك أبنتي فاطمة على ما زوجك الرحمن و قد رضيت لها بما رضى اللّه لها فدونك اهلك فأنك أحق بها مني، و لقد أخبرني جبرئيل عليه السّلام ان الجنة مشتاقة اليكما و لو لا أن اللّه عز و جل قدر أن يخرج منكما ما يتخذه على الخلق حجة لأجاب فيكما الجنة و أهلها، فنعم الأخ أنت و نعم الختن

ص:56

انت و كفاك برضا اللّه رضى قال علي عليه السّلام يا رسول اللّه بلغ من قدري حتى ذكرت في الجنة، و زجني اللّه في ملئكته فقال صلّى اللّه عليه و آله أن اللّه عز و جل أذا اكرم وليه و أحبه اكرمه بما لا عين رأت و لا أذن سمعت فأختارها اللّه لك يا علي فقال علي عليه السّلام رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله آمين.

و روى ان شجرة طوبى و هي شجرة في الجنة أصلها في منزل علي أن أبي طالب عليه السّلام و في كل منزل من مناز الشيعة غصن من أغصانها فيه جميع أنواع الثمار أهتزت في ذلك اليوم، و ألقت جميع أنواع الحلي الحلل و الجواهر و الياقوت فالتقطه أهل الجنه لكونه نثار فاطمة، فهم يتهادون به الى يوم القيامة و كان فيما ألقت تلك الشجرة قراطيس كثيرة، و في كل قرطاسة أسم واحد من الشيعة و أنه معتق من النار لكرامة فاطمة و علي عليهما السّلام، و تلك القراطيس عند أهل الجنة.

و أما مهرها عليها السّلام فهو ثمن درع علي عليه السّلام و هو خمسمائة درهم قيمة كل درهم أثنا عشر غازيا و نصف غازي بقيمة هذه الأعصار، و قد كان في عصر النبي صلّى اللّه عليه و آله كل مثقال ذهب و هو الأشرفي الأن قيمته عشر دراهم، لكن في هذه الأوقات أرتفعت قيمة الذهب و أنحطت الفضة فما تعارف في بعض البلاد من ان مهر السنة هو تسعة عشر مثقالا و نصف مما لا وجه له، و هذا هو المهر الذي وقع التراضي عليه في الأرض و أما العقد السماوي الذي تقدم ذكره فقد روى في كثير من الاخبار ان اللّه سبحانه جعل مهر فاطمة عليها السّلام جميع الاراضي و المياه و من هذا قال الصادق عليه السّلام ان فاطمة عليها السّلام لم تجعل احدا في حل من الارض بالمساكن و غيرها و لا بالانتفاع من الماء الا لشيعتها و محبيها، و كفانا بهذا مفخرا حين نفخر، و قد وقع التزويج الارضي في اول يوم من ذي الحجة قاله الكفعمي. و قال الشيخ الطوسي قدس اللّه روحه بأسناده الى أبان قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام يا أبن رسول اللّه لم سميت الزهراء فقال لأنها تزهر لأمير المؤمنين عليه السّلام في النهار ثلاث مرات بالنور، كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة و الناس في فرشهم فيدخل بياض النور الى حجراتهم بالمدينة فتبيض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبي صلّى اللّه عليه و آله فيسألون عما رأوا فيرسلهم الى منزل فاطمة عليها السّلام فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلي و النور يسطع من وجهها عليها السّلام بالصفرة فتدخل الصفرة حجرات الناس فتصفر ثيابهم و ألوانهم فيأتون النبي صلّى اللّه عليه و آله فيسألونه عما رأوا فيرسلهم الى منزل فاطمة عليها السّلام فيرونها قائمة في محرابها و قد زهر نور وجهها عليها السّلام بالصفرة فيعلمون ان الذي رأوه كان من وجهها فأذا كان آخر النهار و غربت الشمس إحمر وجه فاطمة عليها السّلام و أشرق نور وجهها بالحمرة فرحا و شكر اللّه عز و جل فكان يدخل حمرة وجهها حجرات القوم و تحمر حيطانهم فيعجبون من ذلك و يأتون النبي صلّى اللّه عليه و آله و يسألونه عن ذلك فيرسلهم الى منزل فاطمة عليها السّلام فيرونها جالسة تسبح اللّه و تمجدّه و وجهها يزهر بالحمرة فيعلمون ان الذي رأوا كان من نور وجه

ص:57

فاطمة عليها السّلام فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى ولد الحسين عليه السّلام فهو يتقلب في وجوهنا الى يوم القيامة في الائمة منّا اهل البيت امام بعد امام و لعلّك تطلب وجه اختصاص هذه الانوار بهذه الاوقات.

فنقول يجوز ان يكون وجهه انّ النور الابيض يدخل اليهم وقت الصبح و هم نيام ليكشف عنهم بقية ظلام الليل فيقومون الى الصلوة، و ايضا ينبغي ان يكون مخالفا لاول نور الشمس عند طلوعها حتى لا يشتبه على الناس احد النورين بالاخر، فأن نور الشمس اصفر في ذلك الوقت و اما عند انتصاف النهار فنور الشمس ابيض فيكون نورها عليها السّلام اصفر خلافا له لتلك العلّة، و لأنه نور الخوف لان وقت الزوال تفتح ابواب السماء و تنظر الملائكة الى الارض و نور الخوف اصفر، و أما آخر النهار فهو نور المحبة و الشكر على اداء الفرائض كما يظهر من قوله عليه السّلام فرحا و شكرا للّه عزّ و جل و نور المحبة احمر كما هو المتعارف.

و اعلم ان مخالفينا لما رأوا ان الطعن على الثلاثة قد تكثر من طرقهم و بعد عن ساحة عزّ علي عليه السّلام رام بعضهم ان يذكر له طعنا، حتى يشارك فيه فجال في ميدان التفحص فما وجد الا ان عليا عليه السّلام اغار فاطمة عليها السّلام، بأن اراد ان يتزوج عليها فشكته الى ابيها فقال فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني فلا بأس ان نشير اليه فنقول:

روى الصدوق باسناده الى ابن ابي المقدام و زياد بن عبيد اللّه، قال أتى رجل ابا عبد اللّه عليه السّلام فقال رحمك اللّه هل شيّعت الجنازة بنار و مشى معها بمجمرة او قنديل او غير ذلك مما يضائبه، قال فتغير لون ابي عبد اللّه عليه السّلام من ذلك و استوى جالسا ثم قال انه جاء شقيّ من الاشقياء الى فاطمة بنت محمد صلّى اللّه عليه و آله فقال لها انا علمت ان علي بن ابي طالب عليه السّلام خطب بنت ابي جهل فقالت حقا ما تقول حقا ما تقول ثلاث مرات فدخلها من الغيرة ما لا تملك نفسها و ذلك ان اللّه تبارك و تعالى كتب على النساء غيرة و جعل على الرجال جهادا، و جعل للمحتسبة الصابرة منهنّ من الاجر ما جعل للمرابط المهاجر في سبيل اللّه فاشتدّ غم فاطمة عليها السّلام من ذلك و بقيت متفكرة حتى جاء الليل، فحملت الحسن على عاتقها الايمن و الحسين على عاتقها الايسر و أخذت بيد أم كلثوم اليسرى بيدها اليمنى، ثم تحولت الى حجرة ابيها فجاء علي عليه السّلام فدخل حجرته فلم ير فاطمة عليها السّلام، فأشتد بذلك غمه و عظم عليه و لم يعلم القصة ما هي فاستحى ان يدعوها من منزل ابيها، فخرج الى مسجد فصلّى فيه ما شاء اللّه ثم جمع شيئا من كثيب المسجد و اتكى عليه.

فلما رأى النبي صلّى اللّه عليه و آله ما فاطمة عليها السّلام من الحزن افاض عليه من الماء و لبس ثوبه ثم دخل المسجد فلم يزل بين راكع و ساجد و كلما صلّى ركعتين دعى اللّه ان يذهب ما بفاطمة من الحزن و الغمّ، و ذلك انه خرج من عندها و هي تتقلب و تتنفس الصعداء فلما رأها النبي صلّى اللّه عليه و آله انه لا يهنيها

ص:58

النوم و ليس لها قرار قال لها قومي يا بنية، فقامت فحمل النبي صلّى اللّه عليه و آله الحسن و حملت عليها السّلام الحسين و اخذت بيد ام كلثوم فانتهى الى علي عليه السّلام و هو نائم في المسجد فوضع النبي صلّى اللّه عليه و آله رجله على رجل علي عليه السّلام و غمزه و قال قم يا ابا تراب فكم ساكن أزعجته أدع لي ابا بكر من داره و عمر من مجلسه فخرج علي عليه السّلام فاستخرجهما من منزلهما و اجتمعوا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يا علي اما علمت ان فاطمة بضعة مني و انا منها فمن آذاها فقد آذاني و من آذاها بعد موتي كان كمن اذاها في حياتي و من آذاها في حياتي كان كمن اذاها بعد موتي قال فقال علي عليه السّلام بلى يا رسول اللّه قال فما دعاك الى ما صنعت فقال علي عليه السّلام و الذي بعثك بالحق نبيا ما كان مما بلغها شيء و لا حدّثت به نفسي، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله صدقت و صدقت فاطمة، فعند ذلك تبسمّت حتى رأى ثغرها، فقال احدهما لصاحبه انه لعجب ما دعاه الى دعائنا هذه الساعة، قال ثم أخذ النبي صلّى اللّه عليه و آله بيد علي فشبك اصابعه فحمل النبي صلّى اللّه عليه و آله الحسن و حمل علي الحسين و حملت فاطمة ام كلثوم فادخلهم النبي صلّى اللّه عليه و آله بيتهم، و وضع عليهم قطيفة و استودعهم اللّه ثم خرج و صلّى بقية الليل.

فلما مرضت فاطمة عليها السّلام مرضها الذي ماتت فيه أتيا عائدين و أستأذنا عليها فأبت ان تأذن لهما فلما رأى ذلك أبو بكر أعطى اللّه عهدا أن لا يظله سقف بيت حتى يدخل على فاطمة و يتراضاها فبات ليلته في البقيع ما أظله شئ ثم إن عمر أتى عليا عليه السّلام فقال له ان ابا بكر شيخ رقيق القلب، و قد كان مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الغار فله صحبة و قد أتيناها غير هذه المرة مرارا، نريد الأذن عليها و هي تأبى ان تأذن لنا حتى ندخل عليها فنتراضا فان رأيت ان تستأذن لنا عليها فافعل، قال نعم فدخل علي عليه السّلام على فاطمة فقال لها يا بنت رسول اللّه قد كان من هذين الرجلين ما قد رأيت و قد ترددا مرارا كثيرة و رددتهما و لم تأذني لهما و قد سألاني ان استأذن لهما عليك، فقالت و اللّه لا اذن لهما و لا اكلمهما من رأس حتى ألقى ربي فأشكوهما اليه بما صنعاه و ارتكباه مني.

قال علي عليه السّلام فأني ضمنت لهما ذلك قالت ان كنت قد ضمنت لهما شيئا فالبيت بيتك و النساء تتبع الرجال لا اخالف عليك بشيء فاذن لمن احببت فخرج علي عليه السّلام فأذن لهما فلما وقع بصرهما على فاطمة عليها السّلام سلّما عليها فلم تردّ عليهما، و حوّلت وجهها عنهما فتحولا و استقبلا وجهها حتى فعلت مرارا و قالت يا علي جاف الثوب عليّ و قالت لنسوة حولها حوّلن وجهي، فلما حوّلن وجهها حولا وجوههما اليها فقال ابا بكر يا بنت رسول اللّه إنما اتيناك ابتغاء مرضاتك و اجتناب سخطك نسألك ان تعفى عنا و تصفحي عما كان منا اليك، قالت لا اكلمكما من رأسي كلمة واحدحة ابدا حتى القى ربي و اشكوكما اليه و اشكو صنعكما و فعالكما و ما ارتكبتما مني قالا إنا جئناك معتذرين مبتغين مرضاتك فاغفري و اصفحي عنّا و لا تؤاخذينا بما كان منّا.

ص:59

فالتفت الى علي عليه السّلام و قالت اني لا اكلمهما من رأسي كلمة حتى أسالهما عن شيء سمعا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فان صدقا رأيت قالا اللهم ذلك لها و انا لا نقول الا حقا و لا نشهدكما الا صدقا، فقالت انشدكما باللّه أ تذكران ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله استخرجكما في جوف الليل بشيء كان حدث من أمر علي فقالا اللّه نعم، قالت انشدكما باللّه فهل سمعتما النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول فاطمة بضعة مني و انا منها من آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللّه و من آذاها بعد موتي كم آذاها في حيوتي و من آذاها في حيوتي كان كمن آذاها بعد موتي قالا اللهم نعم قالت الحمد للّه ثم قالت اللّه اني اشهدك فاشهدوا يا من حضرني انهما قد اذياني في حيوتي و عند موتي و اللّه لا اكلمهما من رأسي كلمة واحدة حتى لقى ربي فأشكوكما اليه بما صنعتما بي و ارتكبتما مني.

فدعا ابو بكر بالويل و الثبور و قال يا ليت امي لم تلدني فقال عمر عجبا للناس كيف و لوّك امورهم و انت شيخ قد خرفت تجزع لغضب امرأة و تفرح برضاها، و ما يبلغ من غضب امرأة فقاما و خرجا فلما نعى الى فاطمة عليها السّلام نفسها ارسلت الى أم ايمن و كانت أوثق نسائها فقالت لها يا ام ايمن ان نفسي نعيت اليّ فادع لي عليا فدعته لها فلما دخل عليها قالت له يا بن عمّ اريد ان اوصيك بأشياء فاحفظها عليّ فقال لها قولي ما احببت قالت له تزوج فلانة تكون لولدي مربية من بعدي مثلي و اعمل نعشي فاني رأيت الملائكة قد صورته لي، فقال لها علي عليه السّلام أريني كيف صورته فارته ذلك كما وصفت له و كما امرته به ثم قالت اذا قضيت نحبي فأخرجني من ساعتك أي ساعة كانت من ليل او نهار و لا يحضرنّ من اعداء اللّه و اعداء رسوله للصلوة عليّ قال علي عليه السّلام أفعل فلما قضت نحبها و هي في جوف الليل أخذ علي عليه السّلام في جهازها من ساعته كما اوصته به فلما فرغ من جهازها خرج مع الجنازة و اشعل النار على جريدة النخل و مشى مع الجنازة بالنار حتى صلّى عليها و دفنها ليلا، فلما اصبح ابو بكر و عمر عاودا عائدين لفاطمة عليها السّلام فليقا رجلا من قريش فقالا له من أين اقبلت قال عزّيت عليا بفاطمة قالا و قد ماتت قال نعم و دفنت في جوف الليل فجزعا جزعا شديدا ثم اقبلا الى علي بن ابي طالب عليه السّلام فليقا و قالا له و اللّه ما تركت شيئا من غوائلنا و مساوينا، و ما هذا الا شيء في صدرك علينا هل هذا الا كما غسلت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دوننا و لم تدخلنا معك، و كما علّمت ابنك ان يصيح بأبي بكر ان انزل عن منبر أبي.

فقال لهما علي عليه السّلام أ تصدقاني ان حلفت لكما قالا نعم فحلف فادخلهما المسجد فقال ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لقد اوصاني و تقدم اليّ أنه لا يطلّع على عورته أحد إلاّ ابن عمه فكنت أغسله و الملائكة تقلّبه و الفضل بن العباس يناولني الماء و هو مربوط العينين بالخرقة و لقد اردت ان انزع القميص فصاح بي صائح من البيت سمعت الصوت و لم أر الصورة لا تنزع قميص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لقد سمعت الصوت يكرر عليّ فادخلت يدي من بين القميص فغسلته ثد قدم الى الكفن

ص:60

فكفنته ثم نزعت القميص بعد ما كفنته و اما الحسن ابني فقد تعلمان و يعلم اهل المدينة انه كان يتخطى الصفوف حتى يأتي النبي صلّى اللّه عليه و آله و هو ساجد فيركب على ظهره فيقوم النبي صلّى اللّه عليه و آله واحدى اليدين على ظهر الحسن و الاخرى على ركبته حتى يتم الصلوة قالا نعم قد علمنا ذلك ثم قال تعلمان و يعلم اهل المدينة ان الحسن كان يسعى الى النبي صلّى اللّه عليه و آله و يركب رقبته و يدلي رجليه على صدر النبي صلّى اللّه عليه و آله حتى يرى بريق خلخاليه من اقصى المسجد و النبي صلّى اللّه عليه و آله يخطب و لا يزال على رقبته حتى يفرغ النبي صلّى اللّه عليه و آله من خطبته و الحسن على رقبته فلما رأى الصبي على منبر أبيه غيره شقّ عليه ذلك و اللّه ما أمرته بذلك و لا فعله عن أمري.

و اما فاطمة فهي المرأة التي أستأذنت لكما عليها فقد رأيتما ما كان من كلامها لكما، و اللّه لقد اوصتني ان لا تحضرا جنازتها و لا الصلوة عليها و ما كنت الذي اخالف امرها و وصيتها اليّ فيكما، فقال عمر إذن نحفر قبرها فقال علي عليه السّلام و اللّه لو ذهبت تروم من ذلك شيئا لعلمت انك لا تصل الى ذلك حتى يبدر عنك الذي فيه عيناك، فأني كنت لا اعاملك الا بالسيف قبل ان تصل الى شيء من ذلك، فوقع بين علي عليه السّلام و بين عمر كلام فتلاحيا و اجتمع المهاجرون و الانصار فقالوا و اللّه ما نرضى بهذا ان يقال في ابن عم رسول اللّه و أخيه و وصيه، و كادت ان تقع فتنة فترفقا.

قال مؤلف هذا الكتاب هذا الذي حصّلوه بعد غاية الفحص عن مطاعن علي عليه السّلام و يا ليتهم سكتوا على هذا من غير ان يضيفوا اليه ما تشهد العقول و العادات بكذبه، بل قالوا ان فاطمة لما شكت عليا الى ابيها من جهة أنه يريد يخطب عليها بنت أبي جهل صعد النبي صلّى اللّه عليه و آله المنبر و قال سمعت ان عليا يريد ان يتزوج أبنة عدو اللّه على ابنة و لي اللّه، و ما كان هذا يجوز ان فاطمة بضعة مني الحديث. و كل عاقل يجزم ان هذا لا يليق بمرتبة النبوة و ان مثله يخاصم لابنته من جهة الزوجية مع انه صلّى اللّه عليه و آله هو الذي اباحه و عمل به، و العادات جرت بقبح هذه المخاصمة أ لا ترى ان المأمون لما كتبت اليه ابنته ام الفضل تشكو من الجواد عليه السّلام و انه يتسّرى عليها، كتب اليها اننا ما زوجناه لنحرم عليه حلالا و قد كان يمكنه أشد المنع لكنه لاحظ الشرع و مجارى العادات.

كيف لا يكون هذا و الحال ان طوائف العامة و الخاصة رووا ان عثمان قد ضرب رقية زوجته و هي بنت النبي صلّى اللّه عليه و آله بزعمهم ضربا مبرها حتى اثرت السياط في بدنها على غير جناية تستحقها، و لما أتت النبي صلّى اللّه عليه و آله شاكية تكلم عليها و قال لا يليق بالمرأة ان تشكو من زوجها و امرها بالرجوع الى منزله، ثم كرر عليها الضرب فأتت النبي صلّى اللّه عليه و آله ثم ردها ثم ضربها الضرب الذي كان السبب في موتها فأمر النبي صلّى اللّه عليه و آله عليا عليه السّلام ان يخرجها من منزل عثمان فأتى بها الى بيت النبي صلّى اللّه عليه و آله و ماتت فيه.

ص:61

فأن قلت اذا كانت فاطمة عليها السّلام مطهرة معصومة من أدناس نساء الدنيا فكيف جاز منها اعمال هذه الغيرة البشرية من غير ان تتفحص عن تحقيق الحال قلت الجواب عن هذا من وجوه:

الاول: ان هذا و امثاله غير مناف للعصمة و لا للطهارة من الادناس البشرية و ذلك ان اللّه سبحانه غيور و النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يمتدح بأنه أغير على اهله من الصحابة على اهلهم و كذلك الائمة عليهم السّلام، و لا يخفى ان التمدح بالغيورية انما كان في الامور المباحة و الا فالمحرمات مما لا يمتدح بها النبي صلّى اللّه عليه و آله على الصحابة بأنه أغير منهم لانه أفعل التفضيل لا معنى له حينئذ و تزويج ما فوق الواحدة مباح و ليس بمستحب و انما الفضل في اصل التزويج و الخروج به عن العزوبة، و لعلها عليها السّلام خطر ببالها الشريف ان عليا عليه السّلام اذا تزوج عليها و صارت ضرّة لغيرها لزم منه تحمل علي عليه السّلام ارتكاب الهموم و المشاق التي حصلت على النبي صلّى اللّه عليه و آله من تعدد الازواج و الضرّات و وصل اليها ايضا من أنواع الاذى ما كانت تشاهده في ازواج ابيها.

هذا و قد صدر من بنات الانبياء ما هو اعظم و أشد فان سارة من بنات الانبياء عليهم السّلام و الزمت ابراهيم عليه السّلام ان يخرج عنها هاجرا و ابنها اسماعيل الى واد غير ذي زرع، و لا ينزل معهما بل يضعهما فيه و هو راكب و يرجع اليها، و قد امر اللّه ابراهيم بأن يمتثل امر سارة و لو كان محرما في الشريعة لما امره به، فيستفاد من هذا كله ان اصل غيرة النساء على الرجال في هذا و امثاله ليس من الامر الحرام نعم لا يجب على الرجال قبوله الا ان يدل عليه بدليل من خارج كما وقع في شأن ابراهيم و زوجته سارة من الامر.

الثاني: ان المعصومين عليهم السّلام قد كانوا احيانا ينتزلون عن مراتبهم الى مراتب البشر و يقع منهم الغضب و الرضا و المحاورات المتعارفة في مجارى العادات، لحكم و مصالح يجوز ان يكون منها ان لا يظن بهم فوق مراتبهم كما وقع من الغلاة و أشباههم و هذا يظهر من تتبع الاخبار كثيرا و منها ايضا ان يتعقبه المحبة و الخلّة المستقيمة كما روى انه قد جرى بين الحسنين عليهما السّلام نوع من الكلام بعث على الانقطاع، و بعده قيل للحسين عليه السّلام انت أصغر من أخيك فلم لا تمشي اليه و تصالحه، قال أني سمعت من جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول من كان يسبق بالصلح فهو السابق الى الجنة و ما أحب ان اسبق اخي الى الجنة فبلغ الحسن عليه السّلام فأتى الى اخيه الحسين عليه السّلام.

الثالث: و هو الاظهر عندي انها عليه السّلام انما فعلته لمعرفتها بما يؤل اليه الامر من احضار النبي صلّى اللّه عليه و آله لمن احضر حتى يكون باعثا لاتمام الحجة عليهما، فإذا ترتب عيل مثل هذا امثال هذه الحجج و الفوائد فلا ريب ان فعله أحسن من تركه، كما وقع منها عليها السّلام مرة أخرى لفائدة جليلة، و هو ما رواه الصدوق طاب ثراه باسناده الى ابي ذر (ره) قال كنت انا و جعفر بن ابي طالب مهاجرين الى بلاد الحبشة فأهديت لجعفر جارية قيمتها أربعة الاف درهم فلما قدمنا الى المدينة اهداها لعلي عليه السّلام

ص:62

تخدمه فجعلها علي عليه السّلام في منزل فاطمة عليها السّلام فدخلت عليها السّلام يوما فنظرت الى رأس علي عليه السّلام في حجر الجارية فقالت يا ابا الحسن فعلتها فقال لا و اللّه يا بنت محمد صلّى اللّه عليه و آله ما فعلت شيئا، فما الذي تريدين قالت تأذن لي في المسير الى منزل ابي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال لها ذنت لك فتجلببت بجلبابها و تبرقعت ببرقعها و ارادت النبي صلّى اللّه عليه و آله، فهبط جبرئيل عليه السّلام فقال يا محمد ان اللّه يقرئك السّلام و يقول ان هذه فاطمة تشكو عليا فلا تقبل منها في علي شيئا، فدخلت فاطمة فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جئتني تشكو عليا قالت أي و اللّه رب الكعبة، فقال لها ارجعي اليه فقولي له رغم انفي لرضاك ثلاثا فرجعت فاطمة عليها السّلام الى علي عليه السّلام فقالت يا ابا الحسن رغم انفي لرضاك فقال علي عليه السّلام شكوتني الى خليلي و حبيبي رسول اللّه و اسئتاه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اشهد اللّه يا فاطمة ان الجارية حرة لوجه اللّه تعالى و ان الاربعمائة درهم التي فضلت من عطائي صدقة على فقراء اهل المدينة ثم تلبس و تنعل و اراد النبي صلّى اللّه عليه و آله.

فهبط جبرئيل عليه السّلام فقال يا محمد ان اللّه يقرئك السّلام و يقول لك قل لعلي ان اللّه يقرئك السّلام و يقول لك قد اعطيتك الجنة يعتقك الجارية في رضا فاطمة و النار بالاربعمائة دراهم التي تصدقت بها، فادخل الجنة من شئت برحمتي و اخرج من النار من شئت بعفوي فعندها قال علي عليه السّلام انا قسيم اللّه بين الجنة و النار، و ترتب مثل هذه الفائدة الجليلة على مثل هذا حسن جدا، و بالجملة فان اندفعنا الى ذكر بعض اوصاف الزهراء عليها السّلام لطال الكتاب و لكنّا من اهل طلب المحال.

و اول عداوة خربت الدنيا و بنى عليها جميع الكفر و النفاق الى يوم القيامة هي عداوة عائشة لمولاتها الزهراء عليها السّلام على ما روى عن الطاهرين عليهم السّلام و ذلك لما روى ان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يحب فاطمة حبا مفرطا، و كان اذا اشتاق الى الجنة و ثمارها اتى الى فاطمة عليها السّلام و قبّلها، و ما كان ينام ليلة الا بعد ان يأتي اليها و يشمها و يقبلها، و ذلك انه صلّى اللّه عليه و آله لما عرج الى السماء و دخل الجنة ناوله جبرئيل عليه السّلام تفاحة من تفاحها فأكلها و لما نزل الى الارض واقع خديجة فكانت النطفة من تلك التفاحة، و من ثم كان حمرة وجهها منها، و قد انتقلت الى الائمة عليهم السّلام فكانت في وجوههم فغارت عايشة و بغضت مولاتها فاطمة لهذا و سرت هذه العداوة من عايشة الى ابي بكر فعادا مولاه امير المؤمنين عليه السّلام و عمر كان من احباب ابي بكر لجامع النفاق فشركه في العداوة فاستمرت الى يوم القيامة.

و اما قوله و اما عثمان فهو و ان شاركه في كونه ختنا أقول الاختان اللتان اخذهما عثمان هما رقية تزوجها عتبة بن ابي لهب فطلقها قبل ان يدخل بها و لحقها منه اذى فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله اللهم سلط على عتبة كلبا من كلابك فتناوله الاسد من بين اصحابه و تزوجها بعده بالمدينة عثمان

ص:63

بن عفان فولدت له عبد اللّه و مات صغيرا نقره ديك على عينيه فمرض و مات، و توفيت بالمدينة زمن بدر فتخلف عثمان على دفنها و منعه ذلك ان يشهد بدرا، و قد كان عثمان هاجر الى الحبشة و معه رقية، و الاخرى ام كلثوم تزوجها ايضا عثمان بعد اختها رقية و توفيت عنده.

و قد اختلف العلماء لاختلاف الروايات في انهما هل هما من بنات النبي صلّى اللّه عليه و آله من خديجة او انهما ربيبتاه من احد زوجيها الاولين فانه اولا قد تزوجها عتيق بن عائد المخزومي فولدت له جارية، ثم تزوجها ابو هالة الاسدي فولدت له هندا بنت هالة، ثم تزوجها، رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هذا الاختلاف لا أثر له لأن عثمان في زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله قد كان ممن أظهر الاسلام و أبطن النفاق و هو صلّى اللّه عليه و آله قد كان مكلفا بظواهر الاوامر كحالنا نحن ايضا و كان يميل الى مواصلة المنافقين رجاء الايمان الباطني منهم، مع أنه صلّى اللّه عليه و آله لو اراد الايمان الواقعي لكان أقل قليل، فأن اغلب الصحابة كانوا على النفاق لكن كانت نار نفاقهم كامنة في زمنه، فلما انتقل الى جوار ربه برزت نار نفاقهم لوصيه و رجعوا القهقرى، و لذا قال عليه السّلام إرتد الناس كلهم بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله الا اربعة سلمان و ابو ذر و المقداد و عمار و هذا مما لا اشكال فيه.

و انما الاشكال في تزويج علي عليه السّلام ام كلثوم لعمر بن الخطاب وقت تخلفه لانه قد ظهرت منه المناكير و ارتد عن الدين ارتدادا اعظم من كل من ارتد، حتى انه قد وردت في روايات الخاصة ان الشيطان يغلّ بسبعين غلا من حديد جهنم و يساق الى المحشر فينظر و يرى رجلا امامه تقوده ملائكة العذاب و في عنقه مائة و عشرون غلا من اغلال جهنم فيدنو الشيطان اليه و يقول ما فعل الشقي حتى زاد عليّ في العذاب و انا اغويت الخلق و اوردتهم موارد الهلاك، فيقول عمر للشيطان ما فعلت شيئا سوى اني غصبت خلافة علي بن ابي طالب، و الظاهر انه قد استقل سبب شقاوته و مزيد عذابه، و لم يعلم ان كل ما وقع في الدنيا الى يوم القيامة من الكفر و النفاق و استيلاء اهل الجور و الظلم انما هو من فعلته هذه، و سيأتي لهذا مزيد تحقيق ان شاء اللّه تعالى.

فاذا ارتد على هذا النحو من الارتداد فكيف ساغ في الشريعة مناكحته و قد حرم اللّه تعالى نكاح اهل الكفر و الارتداد و اتفق عليه علماء الخاصة.

فنقول قد تفصّى الاصحاب عن هذا بوجهين عامي و خاصي.

اما الاول فقد استفاض في اخبارهم عن الصادق عليه السّلام لما سئل عن هذه المناكحة فقال انه اول فرج غصبناه، و تفصيل هذا ان الخلافة قد كانت اعزّ على امير المؤمنين عليه السّلام من الاولاد و البنات و الازواج و الاموال، و ذلك لان بها انتظام الدين و اتمام السنة و رفع الجور و احياء الحق و موت الباطل، و جميع فوائد الدنيا و الاخرة، فاذا لم يقدر على الدفع عن مثل هذا الامر الجليل الذي ما تمكن من الدفع عنه زمان معاوية و قد بذل عليه الارواح و سفك فيه المهج، حتى أنه قتل

ص:64

لاجله ستين الفا في معركة صفين و قتل من عسكره عشرون الفا، و واقعة الطفوف اشهر من أن تذكر، فاذا قبلنا منه العذر في ترك هذا الامر الجليل و قد كان معذورا كما سيأتي الكلام فيه عند ذكر اسباب تقاعده عليه السّلام عن الحرب في زمان الثلاثة ان شاء اللّه تعالى. و التقية باب فتحه اللّه سبحانه للعباد و امرهم بارتكابه و الزمهم به، كما اوجب عليهم الصلوة و الصيام حتى انه ورد عن الائمة الطاهرين عليهم السّلام لا دين لمن لا تقية له، فقبل عذره عليه السّلام في مثل هذا الامر الجزئي، و ذلك انه قد روى الكليني (ره) عن ابن ابي عمير عن هشام بن سالم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال لما خطب اليه قال له امير المؤمنين عليه السّلام انها صبية، قال فلقى العباس فقال له ما لي أبي بأس، قال و ما ذاك قال خطبت الى ابن اخيك فردني اما و اللّه لاعودنّ زمزم و لا ادع لكم مكرمة الا هدمتها و لأقيمن عليه شاهدين بأنه سرق و لاقطعنّ يمينه، فأتاه العباس و اخبره و سأله ان يجعل الامر اليه فجعل اليه.

و اما الشبهة الواردة على هذا و هي انه يلزم ان يكون عمر زانيا في ذلك النكاح و هو مما لا يقبله العقل بالنظر الى ام كلثوم فالجواب عنها من وجهين.

احدهما ان ام كلثوم لا حرج عليها في مثله لا ظاهرا، و لا واقعا و هو ظاهر، و اما هو فليس بزان في ظاهر الشريعة لانه دخول ترتب على عقد باذن الولي الشرعي، و اما في الواقع و في نفس الامر فعليه عذاب الزاني، بل عذاب كل أهل المساوي و القبائح. الثاني ان الحال لما آل الى ما ذكرنا من التقية فيجوز ان يكون قد رضى عليه السّلام بتلك المناكحة رفعا لدخوله في سلك غير الوطي المباح.

و اما الثاني و هو الوجه الخاصي فقد رواه السيد العالم بهاء الدين علي بن عبد الحميد الحسيني النجفي في المجلد الاول من كتابه المسمى بالانوار المضيئة قال مما جاز لي روايته عن الشيخ السعيد محمد بن محمد بن النعمان المفيد (ره) رفعه الى عمر بن اذينة قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام ان الناس يحتجون علينا ان امير المؤمنين عليه السّلام زوّج فلانا ابنته ام كلثوم و كان عليه السّلام متكيا فجلس و قال أ تقبلون ان عليا عليه السّلام انكح فلانا ابنته، ان قوما يزعمون ذلك ما يهتدون الى سواء السبيل و لا الرشاد، ثم صفق بيده و قال سبحان اللّه ما اللّه ما كان امير المؤمنين عليه السّلام يقدر ان يحول بينه و بينها كذبوا لم يكن ما قالوا ان فلانا خطب الى علي عليه السّلام بنته ام كلثوم فأبى فقال للعباس و اللّه لئن لم يزوجني لا نزعن منك السقاية و زمزم، فأتى العباس عليا عليه السّلام فكلمه، فأبى عليه فألح عليه العباس، فلما رأى امير المؤمنين عليه السّلام مشقة كلام الرجل على العباس و انه سيفعل معه ما قال، ارسل الى جنية من اهل نجران يهودية يقال لها سحيفة بن حريرية، فأمرها فتمثلت في مثال ام كلثوم و حجبت الابصار عن ام كلثوم بها، و بعث بها الى الرجل فلم تزل عنده حتى انه استراب بها يوما

ص:65

و قال ما في الارض اهل بيت أسحر من بني هاشم، ثم اراد ان يظهر للناس فقتل فأخذت الميراث و انصرفت الى نجران و اظهر امير المؤمنين عليه السّلام أم كلثوم اقول و على هذا فحديث اول فرج عصبناه محمول على التقية و الاتقاء من عوام الشيعة كما لا يخفى.

ظلمة حالكة في ما بقي من فضائل الشيخين اعلم ان من أقوى الدلائل و المناقب التي ذكروها لابي بكر هي حكاية الغار، لانها المصرح بها في محكم القرآن حيث قال ثاني اثنين إذ هما في الغار. الاية.

و يعجبني نقل كلام وقع اليّ من جانب شيخنا المفيد نور اللّه ضريحه، قال رأيت فيما يرى النائم كأني اجتزت في بعض الطرق فاذا انا بحلقة كبيرة دائرة و فيها رجل يعظ، فقلت من هذا فقيل عمر بن الخطاب فاستفرجت الناس فافرجوا اليّ فدخلت اليه فقت أ تأذن لي في مسألة فقال سل، فقلت أخبرني عن فضل صاحبك عتيق بن ابي قحافة من قول اللّه ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان اللّه معنا فانزل اللّه سكينته عليه، فاني أرى من ينتحل مودتكما يذكر ان له فضلا كثيرا، فقال الدلالة على فضل صاحبي عتيق ابن ابي قحافة من هذه الاية من ستة اماكن.

الاول: ان اللّه عز و جل ذكر النبي صلّى اللّه عليه و آله و ذكر ابا بكر فجعله ثانيه فقال ثاني اثنين، الثاني وصفهما بالاجتماع في مكان واحد لتأليفه بينهما فقال اذ هما في الغار، الثالث انه قد اضافه اليه بذكر الصحبة ليجمع بينهما في الرتبة، اذ يقول لصاحبه الرابع انه اخبر عن شفقته عليه و رفقته به لمكانه عنده، فقال اذ يقول لصاحبه لا تحزن الخامس انه اخبر عن كون اللّه معهما على حد سواء ناصرا لهما و دافعا عنهما، فقال ان اللّه معنا، السادس انه اخبر عن نزول السكينة على ابي بكر لان الرسول صلّى اللّه عليه و آله لم تفارقه السكينة قطّ فقال فأنزل اللّه سكينته عليه فهذه اماكن لا يمكنك و لا غيرك الطعن فيها على وجه من الوجوه و لا سبب من الاسباب، فقلت له حررت كلامك هنا و استقصيت البيان فيه و اتيت بما لا يقدر احد ان يزيد عليه غير اني بعون اللّه سأجعله كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف.

اما قولك ان اللّه تعالى ذكر النبي و ذكر ابا بكر فجعله ثانيه فهو عند التحقيق إخبار عن العدد فقط، و لعمري لقد كانا اثنين فما في ذلك من الفضل، و نحن نعلم ضرورة ان مؤمنا و مؤمنا اثنان و مؤمنا و كافرا اثنان، فما أرى في ذلك العدد طائلا يعتمد عليه.

و اما قولك انه وصفهما بالاجتماع في مكان واحد فهو كالفضل الاول و اضعف لان المكان يجمع المؤمنين و الكفار كما يجمع العدد المؤمنين و الكفار و ذلك ان مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله افضل و اشرف من الغار و قد جمع النبي و المنافقين و الكفار، قال اللّه عز و جل فَمٰا لِ اَلَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ اَلْيَمِينِ وَ عَنِ اَلشِّمٰالِ عِزِينَ، أَ يَطْمَعُ كُلُّ اِمْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ ، و ايضا فان سفينة نوح عليه السّلام افضل و اشرف من الغار و قد حملت النبي و الشيطان و البهيمة، و المكان لا يدلّ على ما ادعيت من الفضل فبطل فضلان.

ص:66

و اما قولك انه وصفهما بالاجتماع في مكان واحد فهو كالفضل الاول و اضعف لان المكان يجمع المؤمنين و الكفار كما يجمع العدد المؤمنين و الكفار و ذلك ان مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله افضل و اشرف من الغار و قد جمع النبي و المنافقين و الكفار، قال اللّه عز و جل فَمٰا لِ اَلَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ اَلْيَمِينِ وَ عَنِ اَلشِّمٰالِ عِزِينَ، أَ يَطْمَعُ كُلُّ اِمْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ ، و ايضا فان سفينة نوح عليه السّلام افضل و اشرف من الغار و قد حملت النبي و الشيطان و البهيمة، و المكان لا يدلّ على ما ادعيت من الفضل فبطل فضلان.

و اما قولك انه اضافه اليه بذكر الصحبة فهو كالفضلين الاولين و اضعف و ذلكان اسم الصحبة يقع بين المؤمنين و الكفار قال اللّه عز و جل حكاية عن بعض انبيائه قٰالَ لَهُ صٰاحِبُهُ وَ هُوَ يُحٰاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرٰابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّٰاكَ رَجُلاً فسماه صاحبا و هو كافر، و قد سمّت العرب الحمار ايضا صاحبا فقالت في ذلك:

إن الحمار مع الحمير مطيّة و اذا خلوت به فبس الصاحب

و سموا ايضا الجماد صاحبا فقالوا من ذلك للسيف. شعر

زرت هندا و ذاك بعد إجتناب و معي صاحب كلوم اللسان

فاذا كان اسم الصحبة قد وقع بشهادة كتاب اللّه عز و جل بين نبي و كافر و بشهادة لسان العرب بين عاقل و بهيمة و بين جماد و حيوان، فأي فضل لصاحبك فيه.

و اما قولك انه قال لا تحزن فهو و بل عليه و منقصة له، و ذلك دليل على خطائه، لأن قوله لا تحزن نهي له و ذلك ان صورة النهي عند العرب قول القائل لا تفعل كما ان صورة الامر عندهم القائل افعل، و ليس يخلو حزن ابي بكر من ان يكون طاعة او معصية، فلو كان طاعة لم ينه النبي صلّى اللّه عليه و آله عنه فثبت انه معصية و يجب عليك ان تستدل على أنه انتهى لان في الاية دليلا على عصيانه بشهادة النبي صلّى اللّه عليه و آله و ليس فيها دليل على انه قد انتهى.

و اما قول النبي صلّى اللّه عليه و آله ان اللّه معنا فعلى الاختصاص و عبّر عن نفسه بلفظ الجمع و نون العظمة و ذلك مشهور في كلام العرب قال اللّه عز و جل إِنّٰا نَحْنُ نَزَّلْنَا اَلذِّكْرَ وَ إِنّٰا لَهُ لَحٰافِظُونَ وَ إِنّٰا لَنَحْنُ نُحْيِي وَ نُمِيتُ وَ نَحْنُ اَلْوٰارِثُونَ و قد قالت الشيعة في ذلك قولا غير بعيد و هو انهم قالوا ان ابا بكر قال له يا رسول اللّه ما معك اخوك علي بن ابي طالب و ذلك انه خلفه على الفراش فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا تحزن ان اللّه معنا، أي معي و مع اخي علي بن ابي طالب.

و اما قولك ان السكينة نزلت على ابي بكر فهو كفر محض لان اللّه تعالى اخبر ان الذي أنزل عليه السكينة هو الذي أيده بلجنود و دلّ على ذلك بحرف العطف فقال عز و جل فَأَنْزَلَ اَللّٰهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهٰا، فان كان ابو بكر هو صاحب السكينة فهو صاحب الجنود، و هذا إخراج للنبي صلّى اللّه عليه و آله من النبوة، و بعد فقد أخبر اللّه عز و جل انه انزل السكينة على نبيه في مكانين و كان معه فيها قوم مؤمنون فشركهم معه فيها، فقال في موضع فأنزل اللّه سيكنته على رسوله و على المؤمنين، و قال في موضع آخر ثم وليتم مدبرين ثم انزل اللّه سكينته على رسوله

ص:

و على المؤمنين و لما كان في هذا الموضع خصّه وحده بالسكينة، فقال عز و جل فَأَنْزَلَ اَللّٰهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهٰا فلو كان معه في الموضع مؤمن لشركه معه في السكينة كما شرك من تقدم فدّل اخراجه من السكينة على خروجه من الايمان فلم يحر جوابا و تفرقوا و استيقظت انتهى.

اقول: انما أجرى اللّه سبحانه تلك الاستدلالات من الاية على لسان عمر ليسمع الجواب عنها، و الا فهو عاجز عن تقرير مثل هذه الاستدلالات.

و من عجيب ما رووه في كتبهم ان النبي صلّى اللّه عليه و آله ما صحب ابا بكر في الغار الا خوفا منه ان يدلّ الكفار عليه رواه ابو القاسم نصر بن الصباح في كتاب النور و البرهان رواه عن ابن شهاب قال حدثنا شهاب بن عمر (معمر خ ل) عن ابي يحيى عن محمد بن اسحاق، قال قال حسان قدمت مكة معتمرا و ناس من قريش يعذبون اصحاب محمد صلّى اللّه عليه و آله يقول حسان في هذا الحديث ما هذا لفظه، فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليا عليه السّلام فنام على فراشه و خشى من ابن ابي قحافة ان يدلهم عليه فأخذه معه و مضى به الى الغار، اقول و يقوى هذا انه لما كان معه في الغار و سمع أصوات المشركين اراد الكلام، لان يدل على النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال لا تحزن، ثم أنه مد رجله الى باب الغار كي يعلموا بمكانهما، فخرجت حية لدغته في رجله، فبكى فأبرأها النبي صلّى اللّه عليه و آله بدعائه لئلا يرفع صوته.

المنقبة الثانية من مناقب الشيخين كونهما ضجيعين لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد روى انه مرّ فضال بن الحسن بن فصال الكوفي بأبي حنيفة و هو في جمع كثير يملي عليهم من فقهه و حديثه، فقال لصاحب له و اللّه لا ابرح حتى اخجل ابا حنيفة، فقال صاحبه الذي كان معه ان ابا حنيفة ممن قد علت حاله و ظهرت حجته، قال مه هل رأيت حجة علت على حجة مؤمن، ثم دنى منه فسلم عليه فرده و رد القوم بأجمعهم فقال يا ابا حنيفة ان أخا لي يقول ان خير الناس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله علي بن ابي طالب، و انا اقول ابو بكر خير الناس و بعده عمر، فما تقول انت رحمك اللّه فأطرق مليّا ثم رفع رأسه، فقال كفى بمكانهما من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كرما و فخرا أما علمت انهما ضجيعاه في قبره فأي حجة تريد أوضح من هذا فقال له أني قد قلت ذلك لاخي فقال و اللّه لئن كان المكان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما بحق، و ان كان الموضع لهما فوهباه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقد اساءا و ما احسنا إذ رجعا في هبتهما و نسيا عهدهما فأطرق ابو حنيفة ساعة ثم قال له لم يكن له و لا لهما خاصة، و لكنهما نظرا في حق عائشة و حفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما فقال فضّال قد قلت له ذلك فقال انت تعلم ان النبي صلّى اللّه عليه و آله مات عن تسع نساء و نظرنا فكان لكل واحدة منهن تسع الثمن.

ص:68

ثم نظرنا في تسع الثمن فاذا هو شبر في شبر فكيف يستحق الرجلان اكثر من ذلك، و بعد فما بال عائشة و حفصة ترثان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و فاطمة بنته تمنع الميراث فقال ابو حنيفة يا قوم نحوّه عني فانه رافضي خبيث لعنه اللّه تعالى.

اقول و يوضح هذا ما رووه في الجمع بين الصحيحين للحميدي و غيره ان النبي صلّى اللّه عليه و آله لما هاجر الى المدينة اقام ببعض دور اهلها و استعرض مريدا للتمر كان لسهل و سهيل كانا يتيمين في حجر سعد بن زرارة ليشتريه فوهباه له.

و روى الحميدي رواية أخرى و هو ان النبي صلّى اللّه عليه و آله اراد ان يشتري موضع المسجد من قوم بني النجار فوهبوه له، و قد تضمّن القرآن كون البيوت للنبي صلّى اللّه عليه و آله بقوله يا ايها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي الا ان يؤذن لكم الى طعام، و من المعلوم ان زوجته عائشة لم يكن لها دار بالمدينة و لا لأبيها، و لا لقومها لانهم من اهل مكة و لا روى أحد انها بنت بيتا لنفسها، و مع هذا فلمّا ادعت حجرة النبي صلّى اللّه عليه و آله بعد وفاته التي دفن فيها صدّقها ابو بكر و سلّمها اليها بمجرد سكناها أو دعواها، و منع فاطمة عليها السّلام عن فدك و لم يصدقها مع شهادته لها بالعصمة و الطهارة رودّ شهودها بأن اباها وهبها ذلك في حيوته و منع فاطمة من ميراثها و اعطى ابنته الحجرة ميراثا، و دفن امواتهم فيها و ضربوا المعاول عند رأسه.

و اعجب من هذا ان جماعة من جهالهم ظنّ ان البيت لعائشة باضافته اليها في المحاورات و لم يدر أنه من باب قوله تعالى و إِذٰا طَلَّقْتُمُ اَلنِّسٰاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا اَلْعِدَّةَ وَ اِتَّقُوا اَللّٰهَ رَبَّكُمْ لاٰ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لاٰ يَخْرُجْنَ إِلاّٰ أَنْ يَأْتِينَ بِفٰاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، و معلوم ان البيوت انما هي للازواج.

و حيث انجر الكلام الى هنا فلا بأس بذكر بعض احوا فدك من طريقهم لانه منه يظهر ايضا فضائل الشيخين، فنقول ذكر صاحب التاريخ المعروف بالعباسي في حوادث سنة ثماني عشرة و مأتين ان جماعة من ولد الحسن و الحسين عليهم السّلام رفعوا قصة الى المأمون يذكرون فدك و العوالي و انها كانت لامهم فاطمة عليها السّلام و منعها أبو بكر بغير حق، فسألوا المأمون انصافهم و كشف ظلامتهم، فأحضر المأمون مائتي عالم من علماء الحجاز و العراق و غيرهم من علماء الجمهور، و توكل عليهم في اداء الصدق و سألهم عما عندهم من الحديث في ذلك، فروى غير واحد منهم عن بشر بن الوليد و الواقدي و بشر بن عتاب في احاديث يرفعونها الى النبي صلّى اللّه عليه و آله انه لما افتتح خيبر اصطفى لنفسه قرى من قرى اليهود فنزل جبرئيل عليه السّلام بهذه الآيات و آت ذا القربى حقه، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و من ذا القربى و ما حقه، فقال فاطمة تدفع اليها فدك، فدفع اليها فدك ثم اعطاها العوالي بعد ذلك فاستغلتها حتى توفى ابوها.

ص:69

فلما بويع ابو بكر منعها و كلمته فاطمة عليها السّلام في رده، فقالت ان ابي دفعها عليّ فقال لا امنعك ما اعطاك ابوك، و اراد ان يكتب لها كتابا فاستوقفه عمر بن الخطاب و قال انا امرأة فادعوها بالبينة على ما ادعت فأمرها ابو بكر ان تفعل فجائت بأم ايمن و اسماء بنت عميس مع علي بن ابي طالب عليه السّلام فشهدوا لها جميعا بذلك، فكتب لها ابو بكر فبلغ ذلك عمر فأخبره ابو بكر الخبر، فأخذ الصحيفة فمحاها، فقال ان فاطمة امرأة و علي بن ابي طالب زوجها، و هو جار الى نفسه النفع و لا يكون بشهادة امرأتين دون رجل، فأرسل ابو بكر الى فاطمة عليها السّلام فأعلمها ذلك فحلفت باللّه الذي لا اله الا هو انهم ما شهدوا الا بالحق، فقال ابو بكر لعلك ان تكوني صادقة و لكن احضري شاهدا لا يجر الى نفسه النفع فقالت فاطمة عليها أ لم تسمع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول اسماء بنت عميس و ام ايمن من اهل الجنة فقالا بلى، فقالت امرأتان من اهل الجنة تشهد ان بباطل فانصرفت صارخة تنادي اباها و تقول، قد اخبرني ابي عليه السّلام اني اول من يلحقه فو اللّه لاشكونهما اليه، فلم تلبث ان مرضت فأوصت عليا عليه السّلام ان لا يصليا عليها و هجرتهما فلم تكلمهما حتى ماتت.

ثم احضر في يوم آخر الف رجل من اهل الفقه و العلم و شرح لهم الحال و امرهم بتقوى اللّه و مراقبته، فتناظروا و استظهروا ثم افترقوا فرقتين فقالت طائفة منهم الزوج عندنا جار الى نفسه فلا شهادة له، و لكنا نرى يمين فاطمة عليها السّلام قد اوجبت لها ما ادعت مع شهادة المرأتين، و قالت طائفة نرى اليمين مع الشهادة لا توجب حكما، و لكن شهادة الزوج عندنا جائزة و لا نراه جارا الى نفسه، و قد وجب بشهادته مع المرأتين لفاطمة عليها السّلام ما ادعت فكان اختلاف الطائفة اجماعا منهم على استحقاق فاطمة عليها السّلام فدك و العوالي، فسألهم المأمون بعد ذلك عن فضائل لعلي بن ابي طالب عليه السّلام فذكروا منها طرفا جليلا و سالهم عن فاطمة عليها السّلام فرووا لها عن ابيها فضائل جميلة و سألهم عن ام ايمن و اسماء بنت عميس فرووا عن نبيهم صلّى اللّه عليه و آله انهما من اهل الجنة.

فقال المأمون أ يجوز ان يقال او يعتقد ان علي بن ابي طالب مع ورعه و زهده يشهد لفاطمة عليها السّلام بغير حق و قد شهد اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله بهذه الفضائل أو يجوز مع علمه و فضله ان يقال انه يمشي على شهادة و هو يجهل الحكم فيها، و هل يجوز ان يقال ان فاطمة عليها السّلام مع طهارتها و عصمتها و انها سيدة نساء العالمين و سيدة نساء اهل الجنة كما رويتم تطلب شيئا ليس لها، تظلم فيه جميع المسلمين و تقسم عليه أو يجوز ان يقال عن ام ايمن و اسماء بنت عميس انهما شهدتا بالزور و هما من اهل الجنة، و ان الطعن على فاطمة و شهودها طعن على كتاب اللّه و الحاد في دين اللّه، ثم عارضهم المأمون بحديث رووه ان علي بن ابي طالب عليه السّلام أقام مناديا بعد وفاة محمد صلّى اللّه عليه و آله ينادي من كان له على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دين او عدة فليحضر فحضر جماعة فأعطاهم علي بن ابي

ص:70

طالب عليه السّلام ما ذكروه بغير بينة، و ان ابا بكر امر مناديا ينادي بمثل ذلك فحضر جرير بن عبد اللّه و ادعى على النبي صلّى اللّه عليه و آله عدة فأعطاه ابو بكر ما ادعاه بغير بينة و حضر جابر بن عبد اللّه و ذكر ان محمد صلّى اللّه عليه و آله وعده ان يحثو له ثلاث حثوات من مال البحرين فلما قدم مال البحرين بعد وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله اعطاه ابو بكر ثلاث حثوات بغير بينة.

و في الجمع بين الصحيحين في الحديث التاسع من افراد مسلم في مسند جابر و ان جابرا قال فعددتها فاذا هي خمسمائة فقال ابو بكر لجابر خذ مثلها، فتعجب المأمون من ذلك فقال اما كانت فاطمة و شهودها يدرون مجرى جرير بن عبد اللّه و جابر بن عبد اللّه ثم جعل فدك و العوالي في يد محمد بن يحيى بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السّلام يعمرها و يستغلها و يقسم دخلها بين ورثة فاطمة بنت محمد صلّى اللّه عليه و آله.

و مما يقال في هذا المقام انهم رووا في صحاحهم ان علي بن ابي طالب عليه السّلام ممدوح مزكّى زمن حياته و بعد وفاته و انه افضل الصحابة و ان جاز الشك على الموصوف بتلك الصفات فانما هو شك فيمن اسندوا اليه تلك الروايات و تكذيب لانفسهم فيما صححوه مع انهم رووا عن عطية عن ابي سعد قال لما نزلت وَ آتِ ذَا اَلْقُرْبىٰ حَقَّهُ دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاطمة عليها السّلام فاعطاها فدك.

و مما يقال ايضا أن عليا عليه السّلام مع اتصافه بتلك الصفات كيف يترك زوجته المعطمة تطلب شيئا لا يثبت لها و لا تقبل في الشرع شهادة شهودها، و كيف يقدم على الشهادة لها مع ان شهادته في الشريعة غير جايزة لها.

و مما يعجب منه في اعتذارهم لابي بكر ما قاله المحمود الخوارزمي في كتاب الفائق قال ان فاطمة صادقة و انها من اهل الجنة قال فكيف تشك في دعواها فدك و العوالي و كيف يجوز ان يقال عنها انها ارادت ظلم جميع المسلمين و اصرتّ على ذلك الى الوفاة فقال الخوارزمي ما هذا لفظه، كون فاطمة صادقة في دعواها و انها من اهل الجنة لا يوجب العمل بما تدعيه الاّ ببينة لان حالها لا يكون أعلة من حال النبي صلّى اللّه عليه و آله و لو ادّعى النبي صلّى اللّه عليه و آله مالا على ذمي و حكم حكما ما كان للحكم أن يحكم له لنبوته و كونه من اهل الجنة الا ببينة.

اقول هذا الكلام مما يضحك منه العقول و يكشف عن انهم ما صدقوا نبيهم في التحريم و التحليل و العطا و المنع، مع انهم ما عرفوا ثبوت البينة و صحة العمل بها الا من نبيهم فكيف يكون ثبوت صدقه الان في الدعوى على الذمي بالبينة مع انهم ذهبوا الى ان حاكم الشرع يجوز له العمل بما علم و هو من جملة اسباب الحكم.

ص:71

و مما يقال ايضا من طرائف ما تجدد لفاطمة عليها السّلام معهم انها لما رأت تكذيبهم لها و شكهم فيها و في شهودها بأن اباها وهبها ذلك في حياته ارسلت الى ابي بكر و رووا انها حضرت بنفسها تطلب فدك بطريق الميراث من ابيها لان المسلمين اجمعوا على ان فدك كان لابيها او لها.

فمن الروايات في ذلك ما ذكره البخاري في صحيحه في الجزء الخامس من اجزاء ثمانية باسناده ان فاطمة بنت رسول اللّه صلوات اللّه عليهما ارسلت الى ابي بكر تسأله ميراثها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مما افاء اللّه عليه بالمدينة من فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال ابو بكر ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لا نورث ما تركناه صدقة، و انما يأكل آل محمد عليهم السّلام من هذا المال و اني و اللّه لا اغيّر شيئا من صدقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن حالها التي كانت عليه على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لاعملنّ فيها بما عمل به رسول اللّه فأبى ابو بكر ان يدفع الى فاطمة منها شيئا فغضبت فاطمة عليها السّلام في ذلك على ابي بكر فلم تكلمه حتى توفيت و عاشت بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله ستة اشهر فلما ماتت دفنها زوجها علي عليه السّلام ليلا و لم يؤذن بها ابو بكر و صلّى عليها علي عليه السّلام.

و روى مسلم في صحيحه هذا الحديث ايضا في الجزء الثالث و هذا بزعم ابي و صاحبه يقتضي ان محمدا صلّى اللّه عليه و آله اعمل اهل بيته الذين قال اللّه له عنهم و انذر عشيرتك الاقربين و في القرآن يا ايها الذين آمنوا قوا انفسكم و اهليكم نارا و قودها الناس و الحجارة. فيلزم على هذا انه لم ينذر عشيرته و لا وقى اهله و لا عرفهم انهم لا يرثونه و لا عرف عليا عليه السّلام و لا عباس و لا احدا من بني هاشم و لا ازواجه و لا سمعوا بهذا الحديث الذي رواه ابو بكر مدّة حياة نبيهم و لا بعد وفاته، حتى خرج بعضهم بطلب ميراته و بعضهم يرضى بذلك الطلب، و خرجت ابنته الطاهرة المعصومة تطلب ظلم جميع المسلمين على قولهم مع مخالطتها لابيها سرا و جهرا و ليلا و نهارا و لا اسمعها و لا اسمع زوجها ذلك الحديث و اسمعه ابا بكر ما هذا الا شيء عجاب ما سمعنا بهذا في كل الملل و الاديان.

و بعض الجمهور لما صحّ عنده عموم آية الارث و ما طاوعته نفسه على تكذيب ابي بكر ذكر الحديث تأويلا، و هذا هو الامام الرازي في تفسيره الكبير عند قوله تعالى يُوصِيكُمُ اَللّٰهُ فِي أَوْلاٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اَلْأُنْثَيَيْنِ بعد ان نقل الحديث الذي رواه ابو بكر نحن معاشر الانبياء لا نورث ما تركناه صدقة، قال يحتمل ان يكون قوله ما تركناه صدقة صلة، لقوله لا نورث، و التقدير ان الشيء الذي تركناه صدقة لا نورّث، و يكون المراد ان الانبياء اذا عزموا على التصدق شيء فبمجرد العزم على ذلك يخرج ذلك الشيء عن ملكهم فلا يرثه انتهى و الكلام على هذا التأويل واسع الميدان.

ص:72

و العجب انهم شهدوا في هذه الاحاديث ان فاطمة عليها السّلام هجرت ابا بكر و صاحبه الى وقت الموت و خرجت من الدنيا غاضبة عليهما مع ان مسلما روى في صحيحه في الجزء الرابع من ثلثه الاخير و رواه ايضا مسلم في صحيحه في الجزء الرابع من آخره و رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين و رواه صاحب كتاب الجمع بين الصحاح الستة في الجزء الثالث و رووه كلهم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال فاطمة بضعة مني فمن اغضبها فقد اغضبني و انه قال فاطمة سيدة نساء اهل الجنة.

و يعجبني نقل مباحثة جرت بين شيخنا البهائي قدس اللّه روحه و بين علماء مصر و هو اعلمهم و افضلهم، و قد كان شيخنا البهائي (ره) يظهر لذلك العالم انه على دينه فقال له ما تقول الرافضة الذين كانوا قبلكم في الشيخين فقال البهائي (ره) قد ذكروا لي حديثين فعجزت عن جوابهم، فقال ما يقولون، قلت يقولون ان مسلما روى في صحيحه ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال من آذى فاطمة فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللّه و من آذى اللّه فقد كفر و روى ايضا مسلم بعد هذا الحديث بخمسته اوراق ان فاطمة عليها السّلام خرجت من الدنيا و هي غاضبة على ابي بكر و عمر فما ادري ما التوفيق بين هذين الحديثين فقال له العالم دعني الليلة انظر فلما صار الصبح جاء ذلك العالم و قال للبهائي (ره) الن اقل لك ان الرافضة تكذب في نقل الاحاديث البارحة طالعت الكتاب فوجدت بين الخبرين اكثر من خمسة اوراق، هذا اعتذاره عن مارضة الحديثين.

فان قلت هذا الحديث الذي ادعيتم ان ابا بكر قد اختلقه مروي عندكم فما الجواب عنه و ذلك انه قد روى الصدوق باسناده الى الصادق عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك اللّه به طريقا الى الجنة و ان الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم رضى به و انه ليستغفر لطالب العلم من في السموات و من في الارض حتى الحوت في البحر و فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر و ان العلماء ورثة الانبياء و ان الانبياء لم يورثوا دينارا و لا درهما و لكن ورّثوا العلم فمن اخذ به اخذ بحظ وافر.

و الجواب بعد صحة الرواية و بعد ان لا نحملها على التقية بوجوه:

الاول: انهم لم يقصدوا الى توريث الدراهم و الدنانير لاولادهم و اهل ميراثهم مثل غيرهم من الناس فانهم يقصدون الى جمع الاموال و تبقيتها بعدهم لاهل ميراثهم اما اذا بقي من الانبياء شيء من الميراث اتفاقا فلا بأس به و لا ينافي الحديث.

الثاني: ان الانبياء من حيث النبوة لم يورثوا الا العلم اما من حيث الانسانية و البشرية فيجوز ان يخلفوا اشياء من الاموال و من هذا قال بعض المحققين العلماء اولاد روحانيون للانبياء لانهم يقتبسون العلوم من مشكوة انوارهم و يرثون ملكات ارواحهم كما ان الاولاد الحقيقية

ص:73

و الاقارب الصورية يرثون الاموال بل النسبة الاولى آكد من الثانية و لذلك كان حق المعلم الرباني على المتعلم اولى من حق ابيه الجسماني عليه و الحاصل انه من باب تعليق الحكم على الوصف المشعر بالعليّة.

الثالث: انهم لم يخلفوا جنس الدرهم و الدينار الذي يخلفه اهل الثروات اما غيرهما من الاملاك و الزراعات و المنازل فلا بأس بأن يخلفوها و مما يقال ايضا في هذا المقام ما رواه الشيخ اسعد في كتاب الفائق باسناده الى عروة عن عائشة انها قالت لما بلغ فاطمة ان ابا بكر قد اظهر منعها فدك وضعت خمارها على رأسها و اشتملت بجلبابها و اقبلت في حفدة من نسائها تطأ ذيولها تمشي مشية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتى دخلت على ابي بكر و هو في جماعة من المهاجرين و الانصار و غيرهم ثم اجهش القوم بالبكاء فخطبت خطبة بليغة اظهرت فيها الشكاية من ابي بكر و صاحبه و من المهاجرين و الانصار في ترك نصرتهم لها في ميراثها و في آخرها ثم انكفأت الى قبر ابيها و هي تقول:

قد كان بعدك انباء و هنبثة لو كنت حاضرها لم تكثر

انا فقدناك فقد الارض و ابلها و اختل اهلك فاشهدهم و لا

و قالت فيها افعلى عمد تركتم كتاب اللّه و اتخذتموه وراءكم ظهريا اذ يقول تعالى وَ وَرِثَ سُلَيْمٰانُ دٰاوُدَ مع ما اقتص اللّه من خبر زكريا عليه السّلام اذ قال فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ، و قال وَ أُولُوا اَلْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اَللّٰهِ ، و قال يُوصِيكُمُ اَللّٰهُ ثم عطفت على قبر ابيها و بكت و تمثلت بقول صفية:

و كان قربك بالايات يونسنا فغاب عنّا فكل الخير محتجب

و كنت بدرا و نورا يستضاء به عليك ينزل من ذي العزة

فجبهتنا (1)رجال و استخف مذ غبت عنّا و نحن اليوم

ابدت رجال لنا فحوى لما مضيت و حالت دوننا

فقد رزئنا بما لم برزه احد من البرية لا عجم و لا عرب

فسوف نبكيك ما عشنا و ما منا الشئون بتهمال (2)لها

ص:74


1- 26) جبهة كمنعة ضرب جبهته وردها و لقيه بما يكره.
2- 27) هملت عينه فاضت دموعا.

اقول: و اللّه لو وفدت بهذا الكلام على ملك من ملوك الكفار لما ردها عما طلبت و لكان اعطاها من ماله مضاعف ما ارادت ان منعها عما طلبت لكن سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون و هذا كلام وقع في البين فلنرجع الى فضائل الشيخين.

فنقول روى صاحب كتاب الاحتجاج طاب ثراه ان المأمون بعد ما زوّج ابنته ام الفضل ابا جعفر عليه السّلام كان في مجلس و عنده ابو جعفر عليه السّلام و يحيى بن اكثم و جماعة كثيرة فقال ل يحيى بن اكثم ما تقول يا بن رسول اللّه في الخبر الذي روى انه نزل جبرئيل عليه السّلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال يا محمد ان اللّه عز و جل يقرئك السّلام و يقول لك سل ابا بكر هل هو عني راض فانا عنه راض، فقال ابو جعفر عليه السّلام يجب على صاحب هذا الخبر ان يأخذه مثال الخبر الذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حجة الوداع قد كثرت عليّ الكذابة و ستكثر فمن كذب عليّ معتمدا فليتبوأ مقعده من النار، فاذا اتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب اللّه عز و جل و سنتي فخذوا به و ما خالف كتاب اللّه و سنتي فلا تأخذوا به و ليس يوافق هذا الحديث كتاب اللّه قال اللّه تعالى وَ لَقَدْ خَلَقْنَا اَلْإِنْسٰانَ وَ نَعْلَمُ مٰا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ اَلْوَرِيدِ ، فاللّه عز و جل خفي عليه رضاء ابي بكر من سخطه حتى سأل عن مكنون سره هذا مستحيل في العقول.

ثم قال يحيى بن اكثم و قد روى ان مثل ابي بكر و عمر في الارض مثل جبرئيل و ميكائيل في السماء، فقال و هذا ايضا يجب ان ينظر فيه لان جبرئيل و ميكائيل ملكان مقربان لم يعصيا اللّه قط و لم يفارقا طاعته لحظة واحدة، و هما قد اشركا باللّه عز و جل و ان اسلما بعد الشرك، و كان اكثر ايامهما الشرك باللّه فحال ان يشبها بهما قال يحيى بن اكثم و قد روى ايضا انهما سيدا كهول اهل الجنة فما تقول فيه، قال عليه السّلام و هذا الخبر محال ايضا لان اهل الجنة كلهم يكونون شبابا و لا يكون فيهم كهل، و هذا الخبر وضعه بنو امية لمضادة الخبر الذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الحسن و الحسين عليهما السّلام بأنهما سيدا شباب اهل الجنة، فقال يحيى بن اكثم و روى ان عمر بن الخطاب سراج اهل الجنة، فقال عليه السّلام و هذا ايضا محال لان في الجنة الملائكة المقربين و آدم و نوح و جميع الانبياء و المرسلين لا يضيء بانوارهم حتى يضيء بنور عمر.

فقال يحيى قد روى ان السكينة تنطق على لسان عمر، فقال عليه السّلام ان ابا بكر افضل من عمر فقال على رأس المنبر ان لي شيطانا يعتريني فاذا ملت فسددوني، فقال يحيى قد روى ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لو لم ابعث لبعث عمر فقال عليه السّلام كتاب اللّه اصدق من هذا الحديث، يقول في كتابه و لقد اخذنا من النبيين ميثاقهم و منك و من نوح، فقد اخذ اللّه ميثاق النبيين فكيف يمكن ان يبدل ميثاقه و كل الانبياء عليهم السّلام لم يشركوا باللّه طرفة عين فكيف يبعث بالنبوة من اشرك و كان اكثر ايامه مع الشرك باللّه، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نبئت و آدم بين الروح و الجسد.

ص:75

فقال يحيى بن اكثم و قد روى ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قال ما احتبس عليّ الوحي قطّ الا ظننته قد نزل على آل الخطاب فقال عليه السّلام و هذا محال ايضا لانه لا يجوز ان يشك النبي صلّى اللّه عليه و آله في نبوته، و قال اللّه تعالى يَصْطَفِي مِنَ اَلْمَلاٰئِكَةِ رُسُلاً وَ مِنَ اَلنّٰاسِ فكيف يمكن ان ينتقل النبوة ممن اصطفا اللّه تعالى الى من اشرك به قال يحيى قد روى ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لو نزل العذاب لما نجى منه الا عمر بن الخطاب فقال عليه السّلام و هذا ايضا محال لان اللّه تعالى يقول و ما كان اللّه ليعذبهم و انت فيهم، و ما كان اللّه معذبهم و هم يستغفرون، فأخبر سبحانه انه لا يعذب احدا ما دام فيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ما داموا يستغفرون اللّه تعالى الى غير ذلك من الاخبار الموضوعة الذي استقصاؤها يفضي الى الملال.

و لا تعجب من كثرة الاخبار الموضوعة فانهم بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله قد غيّروا و بدّلوا في الدين ما هو اعظم من هذا كتغييرهم القرآن و تحريف كلماته و حذف ما فيه من مدائح آل الرسول و الائمة الطاهرين و فضائح المنافقين و اظهار مساويهم كما سيأتي بيانه في نور القرآن فان قلت العجب العجيب و الامر الغريب قبول الناس مبتدعاتهم بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله مع حدوث العهد به و سبب وضع الاخبار الكثيرة في مدائح المتخلفين و آل امية و آل ابي سفيان مع انهم رووا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله الاخبار الدالة على نفاقهم و خبث سريرتهم.

قلت الجواب عن هذا اجمالا و تفصيلا اما الاول فقد روى مستفيضا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله من طريق العامة و الخاصة انه قال كذب عليّ في حيوتي و ستكثر عليّ الكذابة بعد فوتي الا فمن كذب عليّ معتمدا فليتبوأ مقعده من النار، حتى قال جماعة من الرواة انه لا خبر متواتر اللفظ عنه صلّى اللّه عليه و آله سوى هذا بعد اختلافهم في تواتر الحديث المشهور و هو قوله انما الاعمال بالنيات و لكل امرئ ما نوى.

و قد وقعت مباحثة بين السيد المرتضى قدس اللّه روحه و جماعة من الجمهور، حيث ذكروا ان الشيعة يقولون و يروون ان الناس كذبوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعد فوته و من ذا الذي يقدر على ان يتعمد الكذب عليه فتلا المرتضى هذا الحديث، و قال فهذا خبر مسند عن النبي صلّى اللّه عليه و آله فهو اما صدق و اما كذب، فان كان صدقا تمّ المطلوب و ان كان كذبا فهو من الاخبار المكذوب بها على النبي صلّى اللّه عليه و آله و هذا من الاجوبة الحاضرة كجواب شيخنا البهائي (ره) لمّ تباحث مع بعض علماء المخالفين، فقال له لم جوّزتم ايها الشيعة قتل عثمان مع انه كان من اكابر الصحابة و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله في اصحابه اصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، فقال البهائي (ره) جوّزنا قتله بهذا الحديث الذي قلته لان الذي قتله و سعى فيهم هم الصحابة محمد بن ابي بكر و اضرابه و هؤلاء من الصحابة فلما ارتكبوا القتل ارتكبنا نحن التجويز.

ص:76

و هذا مما يناسب جواب الصادق عليه السّلام و قد سئل في مجلس الخليفة عن الشيخين فقال هما امامان عادلان قاسطان كانا على الحق فماتا عليه عليهما رحمت اللّه يوم القيامة. فلما قام من المجلس تبعه بعض اصحابه و قال يا ابن رسول اللّه قد مدحت ابا بكر و عمر هذا اليوم فقال انت لا تفهم معنى ما قلت فقال بيّنه لي فقال عليه السّلام اما قولي هما امامان فهو اشارة الى قوله تعالى و منهم أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى اَلنّٰارِ.

و اما قولي عادلان فهو اشارة الى قوله تعالى و اَلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ و اما قولي قاسطان فهو المارد من قوله عز من قائل وَ أَمَّا اَلْقٰاسِطُونَ فَكٰانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً ، و اما قولي كانا على الحق فهو من المكاونة و الكون و معناه انهما كاونا على حق غيرهم لان الخلافة حق علي بن ابي طالب و كذا ماتا عليه فانهما لم يتوبا بل استمرا على افعالهم القبيحة الى ان ماتوا و قولي عليهما رحمة اللّه المراد به النبي صلّى اللّه عليه و آله بدليل قوله تعالى وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ إِلاّٰ رَحْمَةً لِلْعٰالَمِينَ ، فهو القاضي و الحاكم و الشاهد على فعلوه يوم القيامة، فقال فرّجت عني فرج اللّه عنك.

و مما يناسب هذا جواب بعض مشائخنا المعاصرين و كان رجلا مزّاحا فسأله سلطان البصرة يوما بحضور جماعة من علماء الجمهور، و كان ذلك السلطان منهم ايضا فقال يا شيخ ايما افضل فاطمة عليها السّلام ام عائشة فقال ذلك الشيخ عائشة افضل فقال و لم هذا فقال لقوله تعالى فَضَّلَ اَللّٰهُ اَلْمُجٰاهِدِينَ عَلَى اَلْقٰاعِدِينَ درجة، و عائشة خرجت من المدينة الى البصرة و جهزت العساكر و جاهدت عليا و بني هاشم و اكابر الصحابة حتى قتل بسببها خلق كبير، و اما فاطمة عليها السّلام فقد لزمت بيتها و ما خرجت منه الا الى المسجد لطلب فدك و العوالي من ابي بكر و لما منعها منه استقرت في مكانها الى يوم موتها فضحك السلطان و الحاضرون و قال السلطان هذا يا شيخ تشنيع لطيف و مثل هذه الجوابات كثير و سنفرد له نورا ان شاء اللّه تعالى.

فان قلت قوله صلّى اللّه عليه و آله اصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم أ هو حديث صحيح ام خبر مختلق قلت بل هو حديث صحيح و يدلّ عليه ما رواه الرازي عن ابيه عن الرضا عليه السّلام قال سئل عن قول النبي صلّى اللّه عليه و آله اصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم و عن قوله عليه السّلام دعوا لي اصحابي فقال هذا صحيح يريد من لم يغير بعده و لم يبدل قيل و كيف نعلم انهم غيّروا و بدّلوا قال لما يروونه من انه صلّى اللّه عليه و آله قال ليذادّن رجال من اصحابي يوم القيامة عن حوضي كما تذاد (1)غرائب الابل عن الماء فاقول يا رب اصحابي اصحابي فيقال لي انك لا تدري ما احدثوا بعدك فيؤخذ بهم ذات الشمال فاقول بعدا لهم و سحقا أ فترى هذا لمن لم يغيّر و لم يبدّل.

ص:77


1- 29) ذاده ذودا و ذيادا دفعه.

و ما الجواب التفصيلي فهو ان الناس انما قبلوا مبتدعات عمر و اصحابه لما قاله بعض المحققين من العارفين بضلالة الضالين، فقال ان السبب في ذلك هو ان المنافقين و هم اكثر المسلمين قد كان لهم طرف وافر من التعصب على اهل البيت عليهم السّلام لعلل و اسباب يطول شرحها و كون اكثر البلاد انما فتحت في خلافة عمر، فلما خرجوا من الكفر الى الاسلام صادفوا مبتدعات عمر المحدثة و لم يكونوا عالمين بسنن النبي صلّى اللّه عليه و آله فتلقوا سنن عمر رهبة و رغبة من نوابه، كما تلقنوا شهادة ان لا اله الا اللّه و ان محمدا رسول اللّه فنشأ عليها الصغير و مات عليها الكبير و لم يعتقد اصحاب البلاد التي فتحت ان عمر يقدم على تغيير شيء من سنن نبيهم، و لا ان احدا يوافقه على ذلك فأضلّ عمر نوابه و اضل نوابه من تبعهم، فما اقرب وصفهم يوم القيامة بما تضمنه كتابهم اذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا و رأوا العذاب و تقطعت بهم الاسباب، و قال الذين اتبعوا لو ان لنا كرّة فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا كذلك يريهم اللّه اعمالهم حسرات عليهم و ما هم بخارجين من النار.

و اما الاخبار الموضوعة في مدائح المتخلفين و اضرابهم، فمن جملة اسبابه ما روى في كتاب سليم بن قيس و هذا لفظه، و كتب معاوية الى ولاته في جميع الارضين ان لا يجيزوا لاحد من شيعة علي و اهل بيته شهادة و لا لأهل ولايته الذين يروون فضله و يتحدثون بمناقبه و كتب الى عماله انظروا الى من قبلكم من شيعة عثمان و محبيه و اهل ولايته و الذين يروون فضله و يتحدثون بمناقبه فادنوا مجالسهم و قربوهم و اكرموهم و شرفوهم، و اكبوا اليّ بما يروي كل رجل منهم فيه بأسمه و اسم ابيه و ممن هو ففعلوا ذلك حتى كثر في عثمان الحديث و بعث اليهم بالصلاة و الكسى و اقطع اكثرهم القطائع من العرب و الموالي و كثروا في كل مصر و تنافسوا في المنازل و الضياع و اتسعت عليهم الدنيا فليس احد يأتي على مصر او قرية فيروى في عثمان مناقبا و فضلا الا كتب اسمه و اعطى عطايا جزئيلة ثم كتب الى عماله ان الحديث في عثمان قد كثر و فشا في كل قرية و مصر و ناحية فاذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس الى الرواية في ابي بكر و عمر فان فضلهما و سوابقهما احب اليّ و اقرّ لعيني و ادحض لحجة اهل هذا البيت و اشدّ عليهم من مناقب عثمان و فضله، فقرأ كل امير و قاض كتابه على الناس فاشتغل الناس بوضع الروايات و المناقب و علموه غلمانهم و صبيانهم و تعلموه كما يتعلمون القرآن حتى علّموه بناتهم و نسائهم و خدّامهم و حشمهم فلبثوا بذلك ما شاء اللّه.

ثم كتب نسخة الى جميع عماله الى جميع البلدان ان انظروا الى من قامت عليه البينة انه يحب عليا و اهل بيته فامحوه من الديوان و لا تجيزوا له شهادة، ثم كتب كتابا آخر من اتهمتموه و لم

ص:78

تقم عليه بينة انه منهم فاقتلوه فقتلوهم على التهم و الظنون و الشبه تحت كل كوكب (1)حتى انه كان الرجل يسقط (2)بكلمة فيضرب عنقه و لم يكن ذلك البلاء في بلد أشد و لا اكثر منه بالعراق و لا سيما الكوفة، حتى انه كان الرجل من شيعة علي من اهل المدينة و غيرها يأتيه من يثق به فيدخل بيته و يلقى عليه ستره و يخاف خادمه و مملوكه و لا يحدثه حتى يأخذ عليه الايمان المغلظة ليكتمنّ عليه و جعل الامر لا يزداد الا شدة و كثر عدد محبيهم و اظهروا الاحاديث الكاذبة من اصحابهم من الزور و البهتان فلبسوا على الناس و لا يتعلمون الا منهم و مضى عليه قضاتهم و ولاتهم و كان اعظم الناس في ذلك فتنة و بلية القرّاء المذبذبين الذين يظهرون الكذب و يختلقون الاحاديث ليحظوا بذلك عندهم و عند ولاتهم و يدنوا مجالسهم و يصيبون بذلك الاموال و القطائع و المنازل حتى صارت احاديثهم شايعة كثيرة، فوقعت بيد من لا يستحل الكذب فقبلوها و هم يرون انها حق و لو علموا انها باطل لم يرووها و لم يتدينوا بها و لم يبغضوا من خالفهم فصار الصدق كذبا و الكذب صدقا، و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لتشملنكم بعدي فتنة يربوا فيها الوليد و يشبّ عليها الكبير تجري الناس عليها تتخذونها سنّة فاذا غيّر منها شيء قيل اتى الناس منكرا غيّرته السنّة، و كان عادة المتخلفين من الاموية و العباسية انهم اذا مالت طباعهم الى فعل محرم طلبوا من علمائهم من يرو لهم حديثا في مدحه الراوون عندهم كثيرون لاجل الصلات و القطائع.

كما روى ان الخليفة المهدي العباسي كان مولعا بلعب الحمام و بالمراهنة عليه ثم طلب من يروي له حديثا في مدحه و جوازه فأتى اليه وهب بن وهب القرشي و حفص بن غياث القاضي و رويا له في مدحه كثيرا من الاحاديث فأعطاهم اموالا جزيلة، فلما خرجا منه قال اعطيتهما و اعلم ان لحييهما لحيى كذاب، و قد نقل هذا المضمون جماعة من علماء الجمهور و قواعدهم و عاداتهم الى هذا الوقت على نحو ما سلف. .

نور علوي

يكشف عن سبب تقاعد امير المؤمنين عليه السّلام في خلافة المتخلفين، مع انهم على ما ذكرنا من الارتداد بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و تغيير سنته و الواجب على المتمكن من المنع على مثله ان يبذل الجهد و الطاقة فيه و قد تقدم ان عليا عليه السّلام اشجع الناس و به قد كانت تضرب الامثال، فكيف ساغ له الجلوس و الحال على ما وصفت قلت ربما وقع فيه خلاف بين الاصحاب فبعضهم قال الذي اقعده

ص:79


1- 30) ذهبوا تحت كل كوكب أي تفرقوا.
2- 31) سقط بكلامه اخطأ.

هو العجز و عدم التمكن من الدفاع، و بعضهم قال السبب فيه هو عهد عهده اليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ترك المجاهدة مهم اقول و هذان القولان كلاهما حق و العلل الشرعية معرّفات لا مؤثرات و قد روت الخاصة بل و العامة ايضا لتقاعده عليه السّلام عللا متكثرة.

منها ما رواه الكليني و الصدوق قدس اللّه روحيهما باسنادهما الى الصادق عليه السّلام قال قلت ما بال امير المؤمنين عليه السّلام لم يقاتل فلانا و فلانا، قال آية في كتاب اللّه عز و جل لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذٰاباً أَلِيماً قال قلت و ما يعني بتزايلهم قال و دائع المؤمنين في اصلاب قوم كافرين، و كذلك القائم عليه السّلام لن يظهر ابدا حتى تخرج و دائع اللّه عز و جل فاذا خرجت على من ظهر من اعداء اللّه فقتلهم اقول ان اكثر المؤمنين و الشيعة انما خرجوا من اصلاب اولئك الاقوام المرتدين فلو حاربهم علي عليه السّلام كما فعل يوم البصرة و صفين و النهروان لضاع المؤمنون في تلك الاصلاب و اما المقتولون في المواطن الثلاثة فلم يكن في اصلابهم احد من المؤمنين بعلم اللّه تعالى فلذا قتل منهم الالوف و اوصلهم الحتوف (1).

و منها ما رواه الرماني قال سئلت الرضا عليه السّلام فقلت يا ابن رسول اللّه اخبرني عن علي بن ابي طالب عليه السّلام لم لم يجاهد اعدائه خمسا و عشرين سنة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثم جاهد في ايام ولايته فقال لانه اقتدى برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في تركه جهاد المشركين بمكة ثلاث عشرة سنة بعد النبوة و بالمدينة تسعة عشر شهرا و ذلك لقلة اعوانه عليهم فلما لم تبطل نبوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مع تركه الجهاد لم تبطل ولاية علي عليه السّلام بتركه الجهاد خمسا و عشرين سنة اذ كانت العلة المانعة لهما من الجهاد واحدة، و سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام ما بال امير المؤمنين عليه السّلام لم يقاتلهم، قال للذي سبق في علم اللّه ان يكون و ما كان له ان يقاتلهم و ليس معه الا ثلثة رهط من المؤمنين اقول قوله عليه السّلام للذي سبق في علم اللّه معناه و اللّه اعلم ان اللّه تعالى قد علم بافعالهم الاختيارية و علمه تعالى ليس علة لها بل وقوعها منهم على طريق الاختيار في المستقبل علة لتعلق العلم بها في الازل فالعلم تابع للمعلوم و ليس علة له كما توهمه مجوس هذه الامة و هم الاشاعرة.

و منها ما رواه الصدوق (ره) باسناده الى بن مسعود قال اجتمع الناس في مسجد الكوفة فقالوا ما بال امير المؤمنين عليه السّلام لم ينازع الثلاثة كما نازع طلحة و الزبير و عائشة و معاوية فلبغ ذلك عليا عليه السّلام فأمر ان ينادي الصلوة جامعة فلما اجتمعوا صعد المنبر فحمد اللّه و اثنى عليه ثم قال معاشر الناس أنه بلغني عنكم كذا و كذا قالوا صدق امير المؤمنين قد قلنا ذلك قال فان لي بستة من الانبياء أسوة فيما فعلت قال اللّه عز و جل في محكم كتابه لَقَدْ كٰانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اَللّٰهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ

ص:80


1- 32) الحتوف جمع الحتف بمعنى الموت.

قالوا و من هم يا امير المؤمنين قال اولهم ابراهيم عليه السّلام اذ قال لقومه و اعتزلكم و ما تدعون من دون اللّه فان قلتم ان ابراهيم اعتزل قومه لغير مكروه اصابه منهم فقد كفرتم و ان قلتم اعتزلهم لمكروه رآه منهم فالوصي اعذر، و لي بابن خالته لوط اسوة، اذ قال لقومه لو ان لي بكم قوة أو آوي الى ركن شديد فان قلتم ان لوطا كانت له بهم قوة فقد كفرتم و ان قلتم لم يكن له بهم قوة فالوصي اعذر و لي بيوسف عليه السّلام اسوة اذ قال رب السجن احب اليّ مما يدعونني اليه فان قلتم ان يوسف دعا ربه و سئله السجن لسخط ربه فقد كفرتم و ان قلتم انه اراد بذلك لئلا يسخط ربه عليه فاختار السجن فالوصي اعذر و لي بموسى عليه السّلام اسوة اذ قال ففرت منكم لما خفتكم فان قلتم ان موسى عليه السّلام فرّ من قومه بلا خوف كان له منهم فقد كفرتم و ان قلتم ان موسى خاف فالوصي اعذر و لي بأخيه هارون عليه السّلام اسوة اذ قال لاخيه يا ابن ام ان القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني، فان قلتم لم يستضعفوه، و لم يشرفوا على قتله فقد كفرتم و ان قلتم استضعفوه و اشرفوا على قتله فلذلك سكت عنهم فالوصي اعذر و لي بمحمد صلّى اللّه عليه و آله اسوة حين فرّ من قومه و لحق بالغار من خوفهم و انا مني على فراشه فان قلتم فرّ من قومه لغير خوف منهم فقد كفرتم و ان قلتم خافهم و انا مني على فراشه و لحق هو بالغار من خوفهم فالوصي اعذر.

و منها ما رواه عن زرارة قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام ما منع امير المؤمنين عليه السّلام ان يدعو الناس الى نفسه قال خوفا أن يرتدّوا قال علي (1)أحسب في هذا الحديث قال و لا يشهدون ان محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

و منها ما رواه ابن قيس قال يا ابن ابي طالب ما معنك حين بويع اخو بني تيم و اخو عدي و اخو بني امية ان تقاتل و تضرب بسيفك فانك لم تخطبنا خطبة مذ قدمت العراق الا قلت فيها و اللّه اني اولى الناس بالناس، و ما زلت مظلوما منذ قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فما منعك ان تضرب بسيفك دون من ظلمك، قال قد قلت فاسمع الجواب، لم يمنعني من ذلك الجبن و لا كراهة المغازي، و لا ان اكون لا اعلم بأنّ ما عند اللّه خير لي من الدنيا بما فيها و لكن منعني من ذلك امر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عهده اليّ اخبرني بما احدث الامة بعده فلم اكن بما صنعوا حين عاينته باعلم به مني و لا اشدّ يقينا به مني قبل ذلك بل انا بقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أشد يقينا بما عاينت و شاهدت فقلت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فما تعهد اليّ اذا كان ذلك قال فان وجدت اعوانا فانبذ اليهم و جاهدهم، و ان لم تجد اعوانا فكفّ يدك و احقن دمك حتى تجد على اقامة كتاب اللّه و سنتي اعوانا، و اخبرني ان الامة ستخذلني و تتبع غيري و اخبرني اني منه بمنزلة هارون من موسى، و ان

ص:81


1- 33) اسم احد الرواة الذين هم في سلسلة السند.

الامة سيصيرون بعده بمنزلة هارون و من يتبعه و بمنزلة العجل و من تبعه، فقال موسى يا هرون ما منعك اذ رأيتهم ضلوا الا تتبعنّ أ فعصيت امري قال يا ابن ام ان القوم استضعفوني و كادوا يقتلوني، و قال يا ابن ام لا تأخذ بلحيتي و لا برأسي اني خشيت ان تقول فرّقت بين بني اسرائيل و لم ترقب قولي و انما يعني ان موسى امر هارون حين استخلفه عليهم ان ضلوا ثم وجدوا اعوانا ان يجاهدهم، و ان لم يجد اعوانا ان يكفّ يده و يحقن دمه و لا يفرّق بينهم، و اني خشيت ان يقول ذلك اخي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فرّقت بين الامة و لم ترقب قولي و قد عهد اليك ان لم تجد اعوانا فكفّ يدك و احقن دمك و دم اهل بيتك و شيعتك، فلما قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مال الناس الى ابي بكر فبايعوه و انا مشغول بغسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثم شغلت بالقرآن و آليت على نفسي ان لا ارتدي برداء الا للصلوة حتى اجمعه في كتاب ثم حملت فاطمة ثم أخذت بيد ابني الحسن و الحسين فلم ادع احدا من اهل بدر و اهل السابقة و من المهاجرين و الانصار الا ناشدتهم اللّه في حقي و دعوتهم الى نصرتي فلم يستجب لي من الناس الا اربعة رهط، الزبير و سلمان و ابو ذر و المقداد و لم يبق معي من اهل بيتي احدا طول به و اقوى.

و اما حمزة فقتل يوم احد و جعفر قتل يوم مؤتة، و بقيت بين حليفين خائفين ذليلين حقيرين العباس و عقيل، و هم قريبو عهد بالاسلام و اكرهوني و قهروني كما قال هرون لاخيه يا ابن ام ان القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني فلي بهرون اسوة حسنة و لي بعهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حجة قوية، و ساق الحديث الى ان قال ويلك يا ابن قيس كيف رأيتني صنعت حين قتل عثمان اذ وجدت اعوانا أهل رأيت مني فشلا او جبنا او تقصيرا في وقعتي يوم البصرة فلما بغوا عليّ فنفرت اليهم في اثني عشر الفا و هم عشرون و مائة الف فنصرني اللّه عليهم، و قتلهم بأيدينا و شفى صدور قوم مؤمنين، و كيف رأيت يا ابن قيس وقعتنا بصفين و ان اللّه قتل منهم بأيدينا خمسين الفا في صعيد واحد الى النار، و كيف رأيت يوم النهروان اذ لقيت المارقين و هم يومئذ مذبذبين كما قال اللّه عز و جل اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي اَلْحَيٰاةِ اَلدُّنْيٰا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ، فقتلهم اللّه بأيدينا في صعيد واحد الى النار لم يبق منهم الا عشرة و لم يقتلوا من المسلمين غير عشرة، و ساق كلامه الى ان قال اما الذي فقل الحبة و برأ النسمة لو وجدت يوم بويع أخو تيم الذي عيرتني بدخولي في بيعته أربعين رجلا كلهم على مثل بصيرة الاربعة الذي وجدت لما كففت يدي و لنا هضت، و لكن لم أجد خامسا قال الاشعث قلت فمن الاربعة قال سلمان و ابو ذر و المقداد و الزبير ابن صفية قبل نكثه بيعتي، فأنه بايعني مرتين.

اما الاولى فالتي و فى بها فإن عتيقا لما بويع أتاني اربعون رجلا من المهاجرين و الانصار فبايعوني فأمرتهم و فيهم الزبير ان يصبحوا عند بابي محلقين رؤوسهم عليهم السلاح فما و فى و لا

ص:82

صدقني غير اربعة سلمان و ابو ذر و المقداد و الزبير و اما البيعة الاخرى فانه اتاني هو و صاحبه طلحة بعد قتل عثمان فبايعاني غير مكرهين ثم رجعا عن دينهما مدبرين ناكثين مكابرين حاسدين فقتلهما اللّه الى النار و اما الثلاثة سلمان و ابو ذر و المقداد فثبتوا على دين محمد صلّى اللّه عليه و آله الحديث.

اقول هذه الاخبار تكشف لك عن اسباب تقاعده عليه السّلام و ان القولين السابقين كلاهما حقّ و ذلك ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و ان امره بالتقاعد في زمن الثلاثة لكن ما امره به الا بشرط عدم المعاون و لذا امره بالمجاهدة زمن معاوية لما يعلم من حصول المظاهر و المعاون و لم يأمره النبي صلّى اللّه عليه و آله بارتكاب المذلة و تحمل المهانة، و لكن علم ان الصلاح في ترك منابذتهم تلك المدة.

و اما شجاعة علي عليه السّلام فلم يكن بأشد من شجاعة النبي صلّى اللّه عليه و آله و ما تقول من وجوب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر بالنسبة الى علي عليه السّلام فنقول هو بالنسبة الى النبي صلّى اللّه عليه و آله اوجب فلم ترك منابذة الكفار بمكة و بعد قدومه الى المدينة حتى قويت شوكته و حصل له المعين و قوي الاسلام، فعلي عليه السّلام انما ترك جهاد جماعة كانوا متجاهرين بالاسلام.

و اما النبي صلّى اللّه عليه و آله فانما ترك جهاد اهل عبادة الاصنام فما توردون من الاعتراض علينا بالنسبة الى قعود علي عليه السّلام فنحن نورده عليكم بالنسبة الى قعوده صلّى اللّه عليه و آله و مما يوضح ما قلناه ان الحسين عليه السّلام كان من الشجاعة بمكان لا يدانى فيه، كيف لا و قد سبق ان النبي صلّى اللّه عليه و آله ورثه شجاعته و سخاوته، و لما صار لطلب حقه و قلّت اعوانه و كثرت الاعداء عليه اصيب بتلك المصيبة التي صدعت اركان الدين و زلزلت السموات و الارض، و هي كالحجة على ان عليا عليه السّلام انما قعد عن المنازلة لمثل هذا مع ان عليا عليه السّلام قد كان له قوة الهية و بها قلع باب خيبر و قوة بشرية و لم يكن بها قادرا على كسر قرص الشعير اليابس فبالنظر الى القوة الاولى قد كان قادرا لو لا تلك الموانع من ارتداد الناس عن الدين و من جهة الوادئع التي كانت في اصلاب المرتدين و اما بالنظر الى القوة الثانية فهو كغيره من افراد البشر يوصف بالعجز و نحوه.

ص:83

نور سماوي

اشارة

يكشف عن ثواب يوم قتل عمر بن الخطاب، روناه من كتاب الشيخ الامام العالي ابي جعفر محمد بن جرير الطبري قال المقتل الثاني يوم التاسع من شهر ربيع الاول (1)اخبرنا الامين السيد ابو المبارك احمد بن محمد بن اردشير الدستاني قال اخبرنا السيد ابو البركات بن محمد الجرجاني قال اخبرنا هبة اللّه القمي و اسمه يحيى قال حدثنا احمد بن اسحاق بن محمد البغدادي، قال حدثنا الفقيه الحسن بن الحسن السامري انه قال كنت انا و يحيى بن احمد بن جريح البغدادي فقصدنا احمد بن اسحاق القمي و هو صاحب الامام الحسن العسكري عليه السّلام بمدينة قم فقرعنا عليه الباب فخرجت الينا من داره صبية عراقية فسئلناها عنه فقالت هو مشغول و عياله فأنه يوم عيد، قلنا سبحان اللّه الاعياد عندنا اربعة عيد الفطر و عيد النحر و الغدير و الجمعة، قالت روى سيدس احمد بن اسحاق عن سيده العسكري عن ابيه علي بن محمد عليهم السّلام ان هذا يوم عيد و هو من خيار الاعياد عند اهل البيت عليهم السّلام و عند مواليهم، قلا فأستأذني بالدخول عليه و عرّفيه مكاننا، قال فخرج علينا و هو متّزر بمئزر له متّشح بكسائه يمسح وجهه فأنكرنا عليه ذلك فقال لا عليكما انني كنت اغتسل للعيد فان هذا اليوم و هو يوم التاسع من شهر ربيع الاول يوم

ص:84


1- 34) لا يخفى على القارئ العزيز ما في هذه الرواية من المخالفة لما هو المشهور بين ان عمر بن الخطاب توفى في اواخر ذي الحجة سنة (23) ه فقيل توفي ليلة الاربعاء لثلاث بقين من ذي الحجة و قيل طعن الاربعاء لاربع يقين من ذي الحجة و دفن يوم الاحد هلال محرم سنة (24) ه و قيل توفي لاربع يقين من ذي الحجة و قيل ان وفاته كانت في غرة المحرم سنة (24) ه و قيل طعن لسبع يقين من ذي الحجة و قيل لست بقين منه و قيل غير ذلك. انظر تاريخ الطبري ج 3 ص 265-266 ط مصر [1]سنة (1357) ه و تهذيب الاسماء للنووي ج 2 ص 14 و [2]ابن الاثير ج 3 ص 20 و [3]تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 136 ط مصر [4]سنة (1371) ه و غيرها من الكتب الكثيرة و لكن يظهر من النووي في تهذيب الاسماء ان في تاريخ الطعن على عمر و مدة خلافته و وفاته اقوال اخر و لا يبعد ان يكون منها القول بكون قتله في اليوم التاسع من ربيع الاول كما انه يظهر من العلامة عبد الجليل الرازي في كتاب (النفص) الملف في حدود سنة (560) ه ان قتل عمر في اليوم التاسع منه كان مشهورا بين الشيعة انظر ص 280 و تعليق الفاضل المعاصر المحدث عليه و الرواية التي نقلها المصنف لا تخلو من المناقشات التي لا سعة في المقام لذكرها و لا سيما ما في ذيل الرواية من قوله: و امرت الكرام الكاتبين ان يرفعوا القلم عن الخلق ثلاثة ايام و لا اكتب عليهم شيئا من خطاياهم) فان ظاهر هذه الفقرة مخالف لقواعد المذهب و اصول المسلمة و لا بد من تأولها و توجيها و اخراجها عن ظاهرها و نقل هذه الرواية العلامة المجلسي (ره) في البحار عن السيد ابن طاووس (ره) انظر المجلد العشرين ص 330 ط امين الضرب و فيها زيادات في آخر الرواية و ذكر اثنين و سبعين اسما ليوم التاسع من ربيع الاول و الذي يهون الخطب ان هذه الرواية لم نجدها في الجوامع الحديثية المعتبرة كالكتب الاربعة-عند الامامية و لذا يشكل الاعتماد على جميع فقراتها.

عيد فأدخلنا داره و اجلسنا على سرير له ثم قال لنا اني قصدت مولاي ابا الحسن العسكري عليه السّلام مع جماعة من اخواني في مثل هذا اليوم و هو اليوم التاسع من ربيع الاول فراينا سيدنا عليه السّلام قد أمر جميع خدمه ان يلبس ما يمكنه من الثياب الجدد و كان بين يديه مجمرة يحرق فيها العود قلنا يا ابن رسول اللّه هل تجد في هذا اليوم لاهل البيت فرحا فقال عليه السّلام و أي يوم اعظم حرمة من هذا اليوم عند اهل البيت و أفرح.

و قد حدثني ابي عليه السّلام ان حذيفة دخل في مثل هذا اليوم و هو اليوم التاسع من شهر ربيع الاول على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال حذيفة فرأيت امير المؤمنين عليه السّلام مع ولديه الحسن و الحسين عليهما السّلام مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يأكلون و الرسول صلّى اللّه عليه و آله يتبسم في وجوههما و يقول كلا هنيئا مريئا لكما ببركة هذا اليوم و سعادته فأنه اليوم الذي يقبض اللّه فيه عدوه و عدو جدكما و يستجيب دعاء امكما، فأنه اليوم الذي يكسر فيه شوكة مبغض جدكما و ناصر عدوكما كلا فأنه اليوم الذي يفقد فيه فرعون اهل بيتي و هامانهم و ظالمهم و غاصب حقهم كلا فأنه اليوم الذي يفرج اللّه فيه قلبكما و قلب امكما قال حذيفة قلت يا رسول اللّه في امتك و اصحابك من يهتك هذا الحرم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جبت من المنافقين يظلم اهل بيتي و يستعمل في امتي الريا و يدعوهم الى نفسه و يتطاول على الامة من بعدي و يستجلب اموال اللّه من غير حلّه و ينفقها في غير طاعته و يحمل على كتفه درّة الخزى و يضل الناس عن سبيل اللّه و يحرف كتابه و يغيّر سنبي و يغصب ارث ولدي و ينصب نفسه علما و يكذبني و يكذب اخي و وزيري و وصي و زوج ابنتي، و يتغلب على ابنتي و يمنعها حقها و تدعو فيستجاب لها الدعاء في مثل هذا اليوم.

قال حذيفة قلن يا رسول اللّه ادع اللّه ليهلكه في حياتك قال يا حذيفة لا احب ان اجترئ على اللّه لما قد سبق في علمه لكني سألت اللّه عز و جل ان يجعل لليوم الذي يقبضه فيه اليه فضيلة على سائر الايام و يكون ذلك سنة يستن بها احبائي و شيعة اهل بيتي و محبوهم فأوحى اللّه عز و جل اليّ فقال يا محمد انه قد سبق في علمي ان يمسك و اله بيتك محن الدنيا و بلاؤها و ظلم المنافقين و المعاندين من عبادي ممن نصحتهم و خانوك و محضتهم و غشوك و صافيتهم و كاشحوك و اوصلتهم و خالفوك و اوعدتهم فكذبوك، فأني بحولي و قوتي و سلطاني لافتحنّ على روح من يغصب بعدك عليا وصيك و و لي حقك من العذاب الاليم و لأوصلنه و اصحابه قعرا يشرف عليه ابليس فيلعنه و لا جعلنّ ذلك المنافق عبرة في القيامة مع فراعنة الانبياء و اعداء الدين في المحشر، و لاحشرنهم و اولياءهم و جميع الظلمة و المنافقين في جهنم و لادخلنهم فيها ابد الابدين، يا محمد انا انتقم من الذي يجتري عليّ و يستترك كلامي و يشرك بي و بصدّ الناس عن سبيلي و ينصب نفسه عجلا لامتك و يكفر بي اني قد امرت سكان سبع سمواتي من شيعتكم و محبيكم ان يتعيدوا في هذا اليوم الذي

ص:85

اقبضه اليّ فيه و امرتهم ان ينصبوا كراسي كرامتي بإذاء بيت المعمور و يثنوا عليّ و يستغفروا لشيعتكم من ولد آدم، يا محمد و امرت الكرام الكاتبين ان يرفعوا القلم عن الخلق ثلثة ايام من اجل ذلك اليوم و لا اكتب عليهم شيئا من خطاياهم كرامة لك و لوصيك يا محمد اني قد جعلت ذلك عيدا لك و لاهل بيتك و للمؤمنين من شيعتك، و آليت على نفسي بعزتي و جلالي و علوي في رفيع مكاني ان من وسع في ذلك اليوم على اهله و اقاربه لازيدنّ في ماله و عمره و لاعتقنه من النار و لاجعلنّ سعيه مشكورا و ذنبه مغفورا و اعماله مقبولة، ثم قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فدخل بيت ام سلمة فرجعت عنه و انا غير شاكّ في امر الشيخ الثاني حتى رأيته بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد فتح الشر و اعاد الكفر و الارتداد عن الدين و حرّف القرآن.

اقول و ذكر صاحب الاستيعاب و هو من رجال العامة، قال ذكر الواقدي قال اخبرني نافع عن ابي نعيم عن عامر بن عبد اللّه بن الزبير عن ابيه، قال غدوت مع عمر بن الخطاب الى السوق و هو متكي على يدي فلقيه ابو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة فقال الا تكلم مولاي يضع عنّي من خراجي، قال كم خراجك قال دينار قال ما أرى ان افعل لعامل محسن و ما هذا بكثير ثم قال له عمر الا تعمل لي رحى قال بلى قال فلما ولّى قال ابو لؤلؤة لاعملنّ لك رحى يتحدث بها ما بين المشرق و المغرب قال فوقع في نفسي قوله قال فلما كان في النداء لصلوة الصبح و خروج عمر الى الناس قال ابن الزبير و انا في مصلاي و قد اضطجع به ابو لؤلؤة فضربه بالسكين ست صنعات احديهن تحت سرته هي قتلته فصاح لعبد الرحمن بن عوف فقال قم فصلّ بالناس و احتملوا عمر فقالوا له لم لا تولي الخلافة لعلي بن ابي طالب قال ان ولّوها الاجلح (1)سلك بهم الطريق المستقيم يعني علي بن ابي طالب و قال له ابنه ما يمنعك ان تقدم عليا قال اكره ان اتحملها حيا و ميتا. اقول انظر الى هذا الجواب و الاعتذار و الاقرار منه حال موته بأنه قد كان متحملا للخلافة غير قابل لها و الا فلو كان من اهلها كان اعرف بمواقعها و لا كان يحتاج الى ذلك التلبيس المذكور في حكاية الشورى التي خربت بناء الاسلام و هدمت اركان الدين و احزنت سيد الموحدين، حيث قال في خطبة الشقشقية:

اما و اللّه لقد تقمصها فلان و انه ليعلم ان محلّي منها محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل و لا يرقى اليّ الطير فسدلت دونها ثوبا و طويت عنها كشها و طفقت ارتأي بين ان اصول بيد جدّاء أو اصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير و يشيب فيها الصغير و يكدح فيها مؤمن حتى

ص:86


1- 35) جلح جلحا انحسر شعره عن جانبي رأسه فهو اجلح.

يلقى ربه، فرأيت ان الصبر على هاتا احجى، فصبرت و في العين قذى و في الحلق شجى، أرى تراثي نهبا، حتى مضى الاول لسبيله فأدلى بها الى فلان بعده.

شعر

شتّان ما يومي على كورها و يوم حيّان اخي جابر

فيا عجبا بينا هو يستقلها في حياته اذ عقدها لاخر بعد وفاته لشدّ ما تشطّر اضرعيها فصيّرها في حوزة خشناء يلغظ كلمها (1)و يشخن مسها، و يكثر العثار فيها و الاعتذار منها فصاحبها كراكب الصعبة ان اشنق لها خرم و ان ابليس لها تقحّم فمنى الناس لعمر اللّه بخبط و شماس و تلوّن و اعتراض، فصبرت على طول المدة و شدة المحنة حتى اذا مضى سلبيله جعلها في جماعة زعم اني احدهم فيا للّه و للشوري متى اعترض الريب فيّ مع الاول حتى صرت اقرن الى هذه النظائر، لكني اسففت اذ اسفوا و طرت اذا طاروا فصغي منهم رجل لضغنه و مال الاخر لصهره مع هن و هن الى ان قام ثالث القوم نافجا حضينه بين نثيله و معتلفه و قام معه بنو ابيه يخضمون مال اللّه تعالى خضم الابل نبتة الربيع الى ان انتكث عليه فقتله و اجهز عليه عمله و كبت به بطنته فما راعني الاّ و الناس كعرف الضبع اليّ ينثالون عليّ من كل جانب حتى لقد وطئ الحسنان و شقّ عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم، فلما نهضت بالامر نكثت طائفة و مرقت أخرى و قسط آخرون كأنهم لم يسمعوا كلام اللّه سبحانه حيث يقول تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض و لا فسادا و العاقبة للمتقين بلى و اللّه لقد سمعوها و وعوها، و لكنهم حليت الدنيا في اعينهم و راقهم زبرجها اما و الذي فلق الحبة و برأ النسمة لو لا حضور الحاضر و قيام الحجة بوجود الناصر و ما أخذ اللّه على العلماء الا يقاروا على كظّة ظالم و لا سغب مظلوم لا لقيت حبلها على غاربها و لسقيت آخرها بكأس اولها و لا لفيتم دنياكم هذه عندي أزهد من عفطة عنز (2)قال و قام اليه رجل من اهل السوّاد عند بلوغه الى هذا الموضع من خطبته فناوله كتابا فأقبل ينظر فيه فلما فرغ من قرائته قال له ابن عباس رضي اللّه عنه يا امير المؤمنين لو اطردت مقالتك من حيث افضيت، فقال هيهات يا ابن عباس تلك شقشقة هدرت ثم قرّت قال ابن عباس و اللّه ما أسفت على كلام قطّ كأسفي على ذلك الكلام ان لا يكون امير المؤمنين عليه السّلام بلغ حيث اراد منه.

ص:87


1- 36) الكلم بمعنا الجرح كانه يقول خشونتها تجرح جرحا غليظا و في نسخة: كلامها بالضم الارض الغليظية:
2- 37) قال الشيخ محمد عبدة عقطة العنز ما تنثره من انفها كالعطفة عطفت تعطف من باب ضرب غير ان اكثر ما يستعمل ذلك ف النعجة و الاشهر في العنز النفطة بالنون يقال ما له عافط و لا نافط أي نعجة و لا عنز كما يقال ماله ثاغية و راغية و العفطة الحبقة ايضا لكن الاليق بكلام امير المؤمنين (عليه السّلام) هو ما تقدم.

اقول لا يخفى ما في هذه الخطبة البليغة من الذم لمن تقدمه من الثلاثة و من يكون على مثل هذه الحال كيف يكون قد رضى بأبي بكر و صاحبيه و بايعهما طوعا كما يقول جماعات العامة، و من هذا ذهب بعضهم الى ان هذه الخطبة من قول السيد الضري (ره) جامع نهج البلاغة، و يردّ هذا القول ان صاحب كتاب معاني الاخبار قد نقلها مسندة و مفسرة بتفسير الحسن بن سعيد العسكري و هو من اعيان الجمهور، و تاريخ وفات صاحب كتاب معاني الاخبار قبل ولادة المرتضى اخي الرضي الذي هو اكبر من الرضي رحمهما اللّه تعالى. و قد نقلها صاحب كتاب الغارات مسندة باسانيدهم، و تاريخ الفراغ من ذلك يوم الثلاثا لثلاث عشرة خلون من شوال سنة خمسة و خمسين و ثلثمائة و هذه هي السنة التي ولد فيها المرتضى الموسوي، و هو اكبر من أخيه الرضي كما عرفت و قد اعترف ابن ابي الحديد في الشرح انه اطلع عليها في نسخة تاريخها قبل ولادة الرضي مع ان طبقة كلامه عليه السّلام لا تخفى على من له معرفة بعلم البلاغة فان كلامه عليه السّلام كما قيل فوق كلام المخلوق و تحت كلام الخالق و حينئذ فلا بأس بالاشارة الى حلّ الفاظها و الا فبسط الكلام فيها يحتاج الى كتاب بانفراد.

قوله عليه السّلام اما و اللّه لقد تقمصها فلان، يعني ابا بكر لبس الخلافة متكلفا لها و ليس هو من اهلها و قوله عليه السّلام محل القطب من الرحى، معناه ان مدار الرحى و مناط عملها انما هو على القطب و لولاه لكانت الرحى صخرة موضوعة على صخرة لا ينتفع بها بوجه من الوجوه و قوله عليه السّلام ينحدر عني السيل شبّه علومه و حكمه الواصلة الى الناس بالماء الجاري من المحل المرتفع الى المكان المنخفض فالمراد بالسيل علومه و منافعه.

و قوله عليه السّلام و لا ترقى اليّ الطير معناه ان الطير لو اراد الطيران الى ادنى درجة من درجات كماله لم يبلغها، و هو من تشبيه المعقول بالمحسوس، و قوله عليه السّلام فسدلت دونها ثوبا و طوبت عنها كشحا، معناه اني ارخيت بيني و بين الخلافة ثوبا و لم اطلبها، و كذا طوبت عنها كشحا معناه اني اعرضت عن طلبها اعراضا، و الكشح هو الخاصرة.

و قوله عليه السّلام و طفقت ارتأي بين ان اصول بيد جذّاء او اصبر على طخية عمياء، معناه اني شرعت انظر و أتأمل ان اصول بيد مقطوعة، و هو كناية عن قلة الناصر و المعين و الطخية الليلة المظلمة السوداء، و هي خلافة الثلاثة كما قال تعالى أَوْ كَظُلُمٰاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشٰاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحٰابٌ ظُلُمٰاتٌ بَعْضُهٰا فَوْقَ بَعْضٍ، إِذٰا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرٰاهٰا، وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اَللّٰهُ لَهُ نُوراً فَمٰا لَهُ مِنْ نُورٍ، و قد ورد في الحديث تفسير الظلمات بخلافاتهم، قوله عليه السّلام يهرم فيها الكبير و يشبّ فيها الصغير معناه ان الكبير يسرع اليه الهرم كما ان الصغير يسرع اليه الشيب بسبب هذه

ص:88

الطخية العمياء و يكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه الكدح التعب أي المؤمن يتعب نفسه في هذه الطخية الى ان يلقى ربه.

و قوله عليه السّلام على هاتا احجى أي على الطخية اولى فصبرت و في العين قذى و في الحلق شجى، الشجى ما اعترض في الحلق من عظم و نحوه و المراد به هنا المصيبة المانعة من لذل الاكل و الشرب و قوله عليه السّلام ارى تراثي نهبا، التراث الميراث و المراد به الخلافة فانها ميراثه من النبي صلّى اللّه عليه و آله و المراد ما هو اعمّ يتناول فدك و العوالي فانه بعد فاطمة عليها السّلام صار ميراثا، قوله عليه السّلام حتى اذا مضى الاول و هو ابو بكر لسبيله فادلى بها الى فلان يعني انه دفعها الى عمر بطريق النص و الوصية و قوله عليه السّلام شتّان، البيت و هو للاعشى يقول تفرق ما بين يومي يوم سروري و هو مناد متى لاخي حيّان، و يوم شدتي و ركوبي على متن ناقتي في البراري و القفار، فهو عليه السّلام قد استعار هذا ليوميه يوم فرحه لما كان نديمه النبي صلّى اللّه عليه و آله و يوم تعبه و هو يوم ركوبه المشاق و الحروب وحده بلا معاون و نصير.

و قوله عليه السّلام فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حيوته اذ عقدها لاخر بعد وفاته أي قوم اعجبوا عجبا، بين اوقات ابي بكر يقول اقيلوني اقيلوني فلست بخيركم و علي فيكم رواه الجمهور عن ابي بكر، اذ عقدها لعمر بعد وفاته، و في هذا دلالة على ان تلك الاستقالة كانت خدعة منه، و من ثم قال بعض المحققين معنى استقالته الامر بقتل علي بن ابي طالب عليه السّلام يعني ما دام علي فيكم موجودا فأنا لست بخيركم فاقتلوه حتى اكون انا الخليفة من غير منازع، و في هذا دلالة على مخالفة ابي بكر للنبي صلّى اللّه عليه و آله لانهم يزعمون ان النبي صلّى اللّه عليه و آله مات و لم يوص الى احد، و لا ريب ان هذا باعتقادهم كان هو الاولى حتى يكون الاختيار مفوضا الى الناس فكيف يصنع ابو بكر مثل صنعه ان هذا الا خلاف بيّن، و قوله عليه السّلام لشدّ ما تشطر اضرعها، شبّه عليه السّلام الخلافة بناقة لها ضرعان و كان كل واحد منهما أخذ منها ضرعا لنفسه يحلب منه.

و قوله عليه السّلام فصيرها في حوزة خشنا الحوزة الطبيعة و المراد ان صاحب تلك الطبيعة فظّ غليظ القلب و قوله يغلظ كلمها معناه ان تلك الطبيعة يعظم جرحها و هو كناية عن ايذائه المؤمنين و يكثر العثار فيها أي يقع في الاحكام الشرعية في زمن خلافة الثاني عثار كثير و هو الغلط في الاحكام حتى كان يتعذر من كثرة اغاليطه بقوله كل الناس افقه من عمر حتى المخدرات تحت الحجال، و قوله لو لا علي لهلك عمر في سبعين موضعا قوله عليه السّلام فصاحبها كراكب الصعبة ان اشنق لها خرم و ان اسلس لها تقحم، يقال شنق البعير يشنقه أي كفه بزمامه حتى الزق ذفراه بقادمة الرجل، و المعنى ان صاحب تلك الطبيعة الخشنة التي يكثر منها العثار في الاحكام و الاعتذار عن الغلط في المسائل كراكب الصعبة ان كفها بزمامها خرم و شقه لانها لا تقف بسهولة

ص:89

و ان ارخى لها الزمام اسلسها تقحم في اودية الهلاك، و هذه طبيعة المتخلف الثاني مع انه لم يرد كفها و هي كالناقة الصعبة فلا جرم رمت به في وادي الضلال.

و قوله عليه السّلام فمنى الناس لعمر اللّه بخبط و شماس و تلون و اعتراض منى على المجهول بمعنى ابتلى يقال منى بكذا ابتلى به، و الخبط مسّ الشيطان و الشمّاس الامتناع من قبول الحق بسبب تسويلات عمر و وساوسه لهم، و التلون عدم الثبوت على هيئة و صفة واحدة و الاعتراض المنع و الاصل فيه ان الطريق اذا اعترض فيه بناء او غيره منع السائلة من السلوك و هو قد اعترض لهم في طريق الحق فمنعهم عن سلوكه قوله عليه السّلام فصبرت على طول المدة و شدة المحنة حتى اذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم اني احدهم.

و طول مدة خلافتهما هو ان مدة خلافة ابي بكر سنتان و ستة أشهر و ايام و مدة خلاقة الثاني عشر سنين فصبر عليها فلما اراد اللّه ان يقبضه الى ما هيأ له من اليم العذاب جعل عمر الخلافة في ستة رجال و جعل عليا عليه السّلام منهم، و هي علي عليه السّلام و سعد بن ابي و قاص و عبد الرحمن بن عوف و الزبير و طلحة و عثمان، و دعا ابا طلحة زيد بن سعد الانصاري فقال له كن في سبعين (خمسين خ ل) رجلا من قومك فاتقل من ابى ان يرضى ان يكون من هؤلاء الستة و ان اختلفوا فالحق في القوم الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، فقال العباس لعلي بن ابي طالب عليه السّلام ذهب الامر منا لان عبد الرحمن كانت بينه و بين عثمان مصاهرة و امور توجب انه لا يختار عليه احدا فقال علي عليه السّلام انا اعلم ذلك و لكن ادخل معهم في الشورى لا عمر قد استصلحني الان للخلافة، و كان يقول من قبل ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال ان النبوة و الامامة لا تجتمعان في بيت واحد، و اني ادخل في ذلك ليظهر انه كذب نفسه، لما روى اولا و كان مقصد عمر من هذه الشورى قتل علي بن ابي طالب عليه السّلام لعلمه بأنه لا يطيع عبد الرحمن بن عوف، فانظر الى شدّة عداوته لاهل البيت عليهم السّلام و من جملة مكائده في هذه الوصية انه لم يوص الى ابنه عبد اللّه بن عمر و قيل له في ذلك فقال انه لم يعرف يطلق زوجته فكيف اوليه الخلافة و كان اخراجه مكيدة على الناس و باعثا لهم على قبول الشورى.

و قوله عليه السّلام فيا للّه و للشورى متى اعترض الريب فيّ مع الاول حتى صرت اقرن الى هذه النظائر، أي فيا رب انت المغيث و المعين و المخلصّ من شدة الشورى و مشقتها يا رب و اين انا من الشورى و ما لي و للشورى متى اعترض الشك فيّ بمساواة ابي بكر حتى قرنني عمر بمن هو ادنى منه و من صاحبه الاول و قوله عليه السّلام لكني اسففت اذ اسفوا و طرت اذا طاروا اسف الرجل أي تتبع مداق الامور و هرب من صاحبه و طلب الامور الدنية، و المعنى انهم حين ارادوا المكر و الخدعة تابعتهم تقية من القتل و طرت معهم الى مطالبهم لما طاروا تقية ايضا.

ص:90

قوله عليه السّلام فصنعي منهم رجل لضغنه أي مال رجل من اهل الشورى و هو سعد بن ابي وقاص من الحق الى الباطل لحقده و حسده لعلي عليه السّلام فمال عنه الى عثمان، و مال الاخر لصهره مع هن و هن أي مال الرجل الاخر و هو عبد الرحمن بن عوف لمصاهرة بينه و بين عثمان مال اليه لانه كان زوجا لاخت عثمان من امه، و هي كلثوم بنت عقبة بن ابي معيط، و هذا الميل ايضا ليس لمجرد المصاهرة بل كان معه شيء من البغض و الحسد لعلي عليه السّلام، و هو المراد بقوله و هن و هن أي مع شيء شيء.

قوله عليه السّلام الى ان قام ثالث القوم نافجا حضينه بين نثيله و معتلفه يعني حتى بايعوا عثمان و قام بأمر الخلافة منتفخا جنبيه من البغض و الحسد او من الاكل و الشرب و النثيل الروث و المعتلف الاكل و معناه ان غرض عثمان و حاجته الاكل و الروث يعني يأكل و يروث.

و قوله عليه السّلام و قام مه بنو ابيه يخضمون مال اللّه تعالى خضم الابل نبتة الربيع أي اتفق مع عثمان بنو ابيه و هم بنو امية بن عبد الشمس يأكلون مال اللّه تعالى من غير مبالات كأكل الابل نبات الربيع، كان يصرف مال اللّه تعالى على نفسه و على اقاربه حتى انه اعطى منه اصهاره اربعمائة الف درهم حتى وصل الامر الى ان قال له المهاجرون و الانصار اما تخلع نفسك من الخلافة او نقتلك فاختار القتل على خلع نفسه فقتلوه و كان مطروحا في خندق اليهود الى ثلاثة ايام فلا يستحل احد دفنه و لا يقدم احد على ذلك خوفا من المهاجرين و الانصار حتى نهبه بنو امية و دفنوه و قيل كان مطروحا في مزبلة اليهود ثلاثة ايام حتى اكلت الكلب احدى رجليه فاستأذنوا عليا عليه السّلام فأذن في دفنه و هذا الذي في المدينة هو عثمان بن مظعون لا عثمان بن عفان، فان قبره الان غير معلوم.

قوله عليه السّلام الى ان انتكت عليه فتله و اجهز عليه عمله و كبت به بطنته النكت هو النقض و البطنة كثرة الاكل قوله عليه السّلام فما راعني الا و الناس اليّ كعرف الضبع ينثالون عليّ من كل جانب حتى لقد وطئ الحسنان و شقّ عطفاي أي اعجبني امر مثل هذا الامر و هو اجتماع الناس على بيعتي و تواليهم و ازدحامهم مثل عرف الضبع و ينثالون بمعنى ينصبون عليّ كانصباب الماء و شقّ عطفاي أي شق جانبا ثوبي من كثرة ازدحام الناس.

قوله كربيضة القنم أي كاجتماع الغنم حول راعيها و قوله عليه السّلام فنكث طائفة و مرقت اخرى و قسط آخرون أي نقض بيعتي و هم اهل البصرة و مرقت أخرى و هم اهل النهروان و قسط آخرون و هم اهل صفين و قد اخبره النبي صلّى اللّه عليه و آله بقوله انك يا علي ستقاتل بعدي الناكثين و القاسطين و المارقين، رواه العامة و الخاصة قوله عليه السّلام لو لا حضور الحاضر و قيام الحجة بوجود الناصر و ما اخذ اللّه على العلماء الا يقاروا على كظة ظالم و لا سغب مظلوم أي لو لا حضور الحاضر لاجل بيعتي

ص:91

و قيام الحجة على سبب وجود المعين و الناصر، و لو لا ما اخذ اللّه على العلماء ان لا يقاروا أي لا يلبثوا و لا يداهنوا على ظلم الظالمين و الكظة بالكسر البطنة و شيء يعترى من امتلاء البطن و لا سغب مظلوم أي على جوعه و تعبه الذي اصابه من ظلم الظالم.

قوله عليه السّلام لالقيت حبلها على غاربها هو جواب الشرط أي لتركت الخلافة او الامة و لالقيت زمامها على ظهرها قوله عليه السّلام و لسقيت آخرها بكأس اولها أي لخليتهم يشربون من كأس الحيرة و الجهالة بعد عثمان كما شربوه اولا في زمن الثلاثة و قوله عليه السّلام و تلك شقشقة هدرت، الشقشقة بالكسر شيء كالسرية يخرجه البعير من فيه اذا هاج، شبه هذه الخطبة بها لانها انما صدرت منه حين هاجت نفسه الشريفة من ظلم الظالمين (1).

و اما الكتاب الذي دفعه الرجل الى امير المؤمنين عليه السّلام فروى انه قد كان فيه عدة مسائل منها انه سئله ما الحيوان الذي خرج من بطنه حيوان آخر و ليس بينهما نسب فأجابه بأنه يونس بن متى خرج من بطن الحوت، و منها ما الشيء الذي قليله مباح و كثيره حرام، فقال عليه السّلام نهر طالوت لقوله تعالى إِلاّٰ مَنِ اِغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ، و منها ما العبادة التي ان فعلها احد استحق العقوبة، و ان لم يفعلها ايضا استحق العقوبة فاجاب بانها صلاة السكارى، و منها ما الطائر الذي لا فرخ له و لا اصل و لا فرع، فقال هو طائر عيسى عليه السّلام في قوله تعالى وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ اَلطِّينِ كَهَيْئَةِ اَلطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهٰا. فلينظر الى هذا الخطبة و ما اشتملت عليه من الشكاية ممن تقدمه، و العجب العجيب من جماعة المخالفين كيف احبوا عليا و عمر و كيف جمعوا بين حب علي و عمر في قلب واحد مع ان حبهما مما لا يجتمعان ابدا كما سيأتي تحقيقه، و اعجب من هذا دعواهم حب علي معاوية و اعتقادهم الخبر في كليهما مع ان كل واحد منهما قد كفّر الاخر و استحل قتله، و لعمرك لو تمكن معاوية في حرب صفين من قتل علي عليه السّلام لقتله بيده كما ان ولده الخبيث لما تمكن من قتل ولده الحسين عليه السّلام قتله و اسر حريمه و فعل فعلته الشنيعة، و لكن جوابهم انهما مجتهدان قد اخطأ واحد منهما، و يقولون المخطي هو معاوية لكن المجتهد المخطي لا عقاب عليه في اجتهاده الخطأ.

فنقول لهم اولا ان معاوية كان اعلم منكم بأحوال علي عليه السّلام و استحقاقه الخلافة لان الخلافة عند كافة المسلمين طريق ثبوتها، اما النص كما يقوله الامامية او الاجماع كما تقولونه انتم و بعد قتل عثمان لم يحصل الاتفاق و البيعة الا لعلي عليه السّلام فهو بعد عثمان خليفة واجب الطاعة باجماع كل المسلمين و معاوية كان اعرف بهذا الامر من كل احد، و قد رويتم انتم في اخباركم عن معاوية طرفا وافرا من علمه و اظهاره و استحقاق علي عليه السّلام الخلافة دونه و كذا علم اكابر اصحابه

ص:92


1- 38) و سميت هذه الخطبة الشريفة بالشقشقية لقوله عليه السّلام فيها انها شقشقت هدرت ثم قرت.

مثل عمرو بن العاص و اشباهه كما رويتم في كتبكم عن عدي بن ارطأة قال قال معاوية يوما لعمرو بن العاص يا ابا عبد اللّه ايّنا ادهى قال عمرو انا للبديهة و انت للروية قال معاوية لي على نفسك و انا ادهى منك في البديهة، قال عمرو فأين دهاؤك يوم رفعت المصاحف، قال بها غلبتني يا ابا عبد اللّه أ فلا اسألك عن شيء تصدقني فيه، قال و اللّه ان الكذب لقبيح فسل عمّا بدا لك اصدقك، فقال هل غششتني منذ نصحتني قال لا قال بلى و اللّه لقد غششتني اما اني لا أقول في كل المواطن و لكن في موطن واحد قال و اي موطن هذا قال يوم دعاني علي بن ابي طالب للمبارزة فاستشرتك فقلت ما ترى يا ابا عبد اللّه فقلت كفو كريم فأشرت عليّ بمبارزته و أنت تعلم من هو فعلمت انك غششتني قال يا امير المؤمنين دعاك رجل الى مبارزته عظيم الشرف جليل الخطر فكنت من مبارزته على أحد الحسنيين اما ان تقتله فتكون قد قتلت قتّال الاقران و تزداد شرفا الى شرفك و تخلو بملكك و اما ان تعجل الى مرافقة الشهداء و الصالحين و حسن اولئك رفيقا، قال معاوية هذه اشر من الاولى و اللّه اني لا علم اني لو قتلته دخلت النار و لو قتني دخلت النار قال له عمرو فما حملك على قتاله قال الملك عقيم و لن يسمعها مني احد بعدك فهذا اعتراف صريح من معاوية بأن عليا عليه السّلام هو القابل للخلافة و هي له.

و قد قال له عمرو بن العاص قصيدة (1)في وصف حاله مع معاوية لما وعده معاوية امارة مصر كذب عليه اولها:

معاوية الحال لا و عن سنن الحق لا

الى ان قال:

و علمتكم كشف لردّ الغضنفرة المقبل

و قلت لكم ان عليها المصاحف

و لولاي كنت شبيه تعاف الخروج من

خلعت الخلافة من محل النعال من

ص:93


1- 39) هي القصيدة المسماة بالجلجلية كتبها عمرو بن العاص الى معاوية بن ابي سفيان في جوابه كتابه اليه يطلب خراج مصر و يعاتبه على امتناعه عنه و لما سمع معاوية هذه الابيات لم يتعرض له بعد ذلك و تسمى بالجلجلية لما فيها في آخرها: (ففي عنقي علق الجلجل) مثل يظرب انظر لسان العرب ج 13 ص 129 ط مصر و [1]الجلجل الجرس الصغير يعلق في اعناق الدواب و نقل تلك القصيدة برمتها حضرة العلامة الكبير شيخنا الاميني دام ظله في كتابه القيم النفيس الغدير) [2]ج 2 ص 114 و ذكر. ترجمة عمرو بن العاص بن وائل الابتر ابن الابتر شاني محمد و آل محمد في الجاهلية و الاسلام واحد دهات العرب الخمس الذين منه دئت الفتن و اليه تعود انظر من صفحة (120) الى (176) تجد ترجمة مفصلة على نحو التحقيق و التحليل.

و البستها فيك يا ابن كلبس الخواتيم في

و لا لك فيها و لا ذرة و لا لجدودك من

و رقيتك المنبر بلا جذب سيف و لا

و كم قد سمعنا من وصايا مخصصة في

و في يوم خمّ رقى و بلّغ و الصحب لم

و امنحه أمرة فنال بها شرف

و في كفه كفه معلنا ينادي باسم العزيز

فمن كنت مولاه علي له الان نعم

فوال مواليه يا ذا و عاد معادي اخي

الى ان قال:

فان قيل بينكما نسبة فأين الحسام من

و اين الثريا و اين و اين معاوية من

و قد بدت تذرق حذار (1)الغضنفرة

و على نحو هذه الابيات من مدح علي عليه السّلام و ذمّ معاوية و هي قصيدة طويلة قال في آخرها:

فان أك فيها بلغت ففي عنقي علّق

و اما ثانيا فلأن اجتهاد معاوية قد قتل في معركة واحدة على ما تقدم ستين الفا من عسكره و عشرين الفا من عسكر علي عليه السّلام فاذا كان صاحب هذا الاجتهاد معذورا فلم لا تعذروا الشيعة في لعن عمر و صاحبيه فان مجتهديهم قد اجتهدوا في جواز هذا السب و اللعن و جوّزوه بل ربما صرّح بعضهم بوجوبه و توجيهه ان اللّه سبحانه قد كلفنا بالتوحيد و الاقرار بالرسالة و الامامة فان هذه الثلاثة من اركان الدين.

فاما الوحيد فهو مركب من ايجاب و سلب تجمعهما كلمة التوحيد و هي لا اله الا اللّه فاما من قال ان اللّه اله و لكن له شريك فهو مشرك ليس بمسلم بالاجماع، و كذا رسالة النبي صلّى اللّه عليه و آله مركبة من ايجاب و سلب ايضا، و هو ان محمدا رسول اللّه و انّ من ادعى الرسالة غيره ليس بنبي مثل مسيلمة الكذاب و نحوه فمن شرّك بينهما لا يكون مسلما ايضا و كذلك الامامة تابعة لهما في التركيب، فيجب على القائل بها ان يقول عليّ هو الخليفة و الامام و ان من ادعى الخلافة غيره ليس بامام، بل هو كاذب فكما يجب علينا التبري من الاصنام و لعنها و لعن من اتخذه الهة و كذا (40) المنجل بكسر الميم ما يحصد به الزرع.

ص:94


1- 41) حذارا من البطل المقبل خ ل.

يجب التبري من مسيلمة و لعنه يجب ايضا التبرئ و اللعن على من ادعى الامامة و ليس لها بأهل فكما عذرتم معاوية في ذلك الاجتهاد الذي سفكت فيه الدماء فاعذروا الشيعة في هذا الاجتهاد و ان كان خطاء و لا تقولون بأن من ثبت انه لعن واحدا من الخلفاء الثلاثة وجب احراقه لان هذا منكم محض عناد و تعصب فان معاوية سبّ عليا عليه السّلام على المنابر و قذف فاطمة و استمر السب و القذف ثمانين سنة الى خلافة ابن عبد العزيز حتى كان هو الذي رفعه بلطائف الحيل فاذا جاز مثل هذا بالاجتهاد جاز للشيعة ما قلناه ايضا بالاجتهاد.

و من العجب ان كل متخلف من خلفاء الجور قد زاد على الاول في مخالفته للنبي صلّى اللّه عليه و آله اما ابو بكر فقد خالفه بالنص على عمر فأنهم يزعمون ان النبي صلّى اللّه عليه و آله لم ينص على احد و اما عمر فقد خالف النبي صلّى اللّه عليه و آله و خالف شيخه ابا بكر في امر الشورى بل كان الواجب عليه متابعة احدهما، و اما عثمان و معاوية فقد زاد على الكل و ليت شعري اذا كان صلاح الامة في ترك النص على واحد بزعمكم كما تقولونه بالنسبة الى النبي صلّى اللّه عليه و آله فكيف ابو بكر لم يراع هذا الاصلح و لم يترك النص على عمر اقتداء بالنبي صلّى اللّه عليه و آله ما هذا الا عجب عجيب و امر غريب.

و مما يناسب هذا المقام نقل حديث و نقل بعض الاشعار اما الحديث فقد رواه رئيس المحدثين محمد بن يعقوب (ره) باسناده الى يونس بن يعقوب قال كان عند ابي عبد اللّه الصادق عليه السّلام جماعة من اصحابه فيهم حمران بن اعين و مؤمن الطاق و هشام بن سالم و الطيّار و جماعة من اصحابه فيهم هشام بن الحكم و هو شاب، فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام يا هشام قال لبيك يا ابن رسول اللّه قال الا تحدثني كيف صنعت بعمرو بن عبيد و كيف سألته، قال هشام جعلت فداك يا ابن رسول اللّه اني اجلّك و استحييك و لا يعمل لساني بين يديك فقال ابو عبد اللّه الصادق عليه السّلام اذا امرتكم بشيء فافعلوه، قال هشام بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد و جلوسه في مسجد البصرة و عظم ذلك عليّ فخرجت اليه و دخلت البصرة في يوم الجمعة فأتيت المسجد فاذا انا بحلقة كبيرة و اذا انا بعمرو بن عبيد عليه شملة سوداء متزر بها عن صوف و شملة مرتد بها و الناس يسألونه فاستفرجت الناس فأفرجوا لي ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي ثم قلت ايها العالم انا رجل غريب أ تأذن لي فأسألك عن مسألة، قال نعم قال قلت له أ لك عين قال يا بني أي شيء هذا من السؤال فقلت هكذا مسألتي فقال يا بني سل و ان كانت مسألتك حمقا، قلت اجبني فيها قال فقال سل قلت أ لك عين قال نعم قلت فما ترى بها قال الالوان و الاشخاص، قال قلت أ لك أنف قال نعم قال قلت له فما تصنع به قال أعرف به طعم الاشياء قال قلت أ لك لسان قال نعم قلت فما تصنع به قال أتكلم به قال قلت أ لك أذن قال نعم قلت و ما تصنع به قال أسمع به الاصوات، قال قلت أ لك يد قال نعم قلت و ما تصنع بها قال ابطش بها قلت أ لك قلب قال نعم قلت و ما تصنع

ص:95

به قال أميّز به كل ما ورد على هذه الجوارح، قال قلت أ فليس في هذه الجوارح غنى عن القلب قال لا قلت و كيف ذلك و هي صحيحة سليمة قال يا بني أن الجوارح اذا شكت في شيء شمّته او رأته أو ذاقته أو سمعته أو لمسته ردته الى القلب فتتيقن اليقين و يبطل الشك قال قلت انما أقام اللّه القلب لشك الجوارح قال نعم قال فقلت يا ابا مروان ان اللّه تبارك و تعالى ذكره لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماما يصحح لها الصحيح و تيقن ما شكّ فيه و يترك هذا العالم كله في حيرتهم و شكهم و يقيم لك إماما لجوارحك ترد اليه حيرتك و شكك قال فسكت و لم يقل شيئا.

قال ثم التفت اليّ فقال أنت هشام فقلت لا فقال لي أجالسته قلت لا قال فمن أين، قلت من اهل الكوفة فقال اذا هو ضمني اليه و اقعدني في مجلسه و ما نطق حتى قمت فضحك ابو عبد اللّه عليه السّلام ثم قال يا هشام من علّمك هذا قال قلت يا ابن رسول اللّه جرى على لساني، قال يا هشام هذا و اللّه مكتوب في صحف ابراهيم و موسى.

اقول من الامور الغريبة ان واحدا من جماعات المسلمين لو كان صاحب اولاد و عيال و اطفال فمات و لم يوص الى أحد يتكفل احوالهم و ضبط اموالهم لذمه العقلاء من اهل عصره كما هو المعروف الان فكيف جاز للنبي صلّى اللّه عليه و آله ان يخرج من الدنيا و يدع هذه الامة الكثيرة بلا راع و لا داع و لا وصي و لا و لي، ان هذا من الامر الطريف.

و اما الاشعار فهي ان الشيخ العالم العامل الشيخ صالح الجزائري كتب الى الشيخ المحقق خاتمة المجتهدين شيخنا الشيخ بهاء الدين تغمده اللّه برحمته كتابة هذا لفظها، ما قول سيدي و سندي و من عليه بعد اللّه و اهل البيت معولي و معتمدي في هذه الابيات لبعض النواصب بتر اللّه اعمارهم و خرّب ديارهم فالمأمول من انفاسكم الفاخرة و الطافكم الظاهرة ان تشرفوا خادمكم بجواب منظوم تكسر سورة هذا الناصب و شبهته و امثاله من الطغاة، نصر اللّه بكم الاسلام بمحمد و آله الكرام يقول:

أهوى عليا أمير المؤمنين و لا ارضى بسب ابي بكر و لا عمرا

و لا اقول اذا لم يعطيا فدكا بنت النبي رسول اللّه قد كفرا

اللّه يعلم ما ذا يأتيان به يوم القيامة من عذر اذ اعتذرا

فأجابه الشيخ بهاء الدين طاب ثراه الثقة باللّه وحده التمست ايها الاخ الافضل الصفي الوفي الالمعي الزكي و الذكي أطال اللّه بقال و ادام في معارج القرار تقاك الاجابة عما ذهر به هذا المخذول فقابلت التماسك بالقبول و طفقت أقول:

يا ايها المدّعي حب الوصي و لم تسمح بسب ابي بكر و لا عمرا

كذبت و اللّه في دعوى محبته تبّت يداك ستصلى في غد سقرا

ص:96

فكيف تهوى امير المؤمنين و قد اراك في سبّ من عاداه مفتكرا

فان تكن صادقا فيما نطقت به فابرأ الى اللّه ممن خات او غدرا

و أنكر النص في خم و بيعته و قال ان رسول اللّه قد هجرا

أتيت تبغي قيام العذر في فدك أ تحسب الامر بالتمويه مستترا

ان كان في غصب حق الطهر فاطمة ستقبل العذر ممن جاء معتذرا

فكل ذنب له عذر غداة غده و كل ظلم ترى في الحشر مفتقرا

فلا تقولوا لمن أيامه صرفت في سب شيخيكم قد ضلّ أو كفرا

بل سامحوه و قولوا لا نوأخذه عسى يكون له عذر اذا اعتذرا

فكيف و العذر مثل الشمس اذ بزغت و الامر متضح كالصبح اذ ظهرا

لكن ابليس اغواكم و صيركم عميا و صما فلا سمعا و لا بصرا

و حيث انتهى الحال الى هنا فلا بأس بذكر يوم الغدير و الكشف عنه.

نور غديري

يضمن حكاية يوم الغدير و نص النبي صلّى اللّه عليه و آله فيه على علي عليه السّلام بالخلافة و الامامة أعلم ان النص من اللّه و من رسوله صلّى اللّه عليه و آله على أمير المؤمنين عليه السّلام يوم الغدير مما تواتر عند شيعة أهل البيت عليهم السّلام نقلوه عن أئمتهم المعصومين عليهم السّلام بالاسانيد المتكثرة حتى بلغ حد التواتر و اهل البيت أدرى بما فيه كما أن أهل كل أمام هم اعلم بأقوال امامهم من غيرهم فأن اصحاب ابي حنيفة اعرف بمذهب ابي حنيفة من اصحاب الشافعي، و كذلك اصحاب الشافعي اعرف بمذهبه من غيرهم، و اما مخالفوهم فقد اختلفوا في التقصي عن يوم الغدير، فمنهم من انكره رأسا، و قال ام ذلك العام قد كان علي عليه السّلام في اليمن أرسله النبي صلّى اللّه عليه و آله لقبض الجزية من نصارى نجران، فهذا قد انكر يوم الغدير من اصله و هذا هو الذي ذهب اليه اكثر متأخريهم و بعضهم قال به و لكن قدح في دلالة الالفاظ على النص بتأويل ركيك سيأتي ان شاء اللّه.

اما الجواب عن انكاره فالظاهر انه غير محتاج اليه لان الاحكام الشرعية انما وصلت الينا و اليهم من صاحب الشرع باخبار الاحاد و وجب علينا العمل بمضمونها و خبر الغدير قد نقل بالتواتر الينا و اليهم اما من طرقنا فهو اجماعي و اما من طرقهم فمن خلع حبل التعصب عنقه و لم يتلفت على انا وجدنا اباءنا على امة، يظهر له تواتره ايضا، و قد صنف علماؤهم في يوم الغدير كتبا متعددة فممن صمف فيه ابو العباس احمد بن محمد بن سعيد الهمداني الحافظ المعروف بابن عقدة و هو ثقة عند ارباب المذاهب و جعل ذلك كتابا مجردا سمّاه حديث الولاية، و ذكر الاخبار

ص:97

عن النبي صلّى اللّه عليه و آله بذلك و اسماء الرواة من الصحابة و هذه اسماء من روى عنهم يوم الغدير، و نص النبي صلّى اللّه عليه و آله على علي بالخلافة و اظهار ذلك عند الكافة.

أبو بكر بن عبد اللّه، عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان، علي بن ابي طالب عليه السّلام، طلحة بن عبيد اللّه، الزبير بن العوام، عبد الرحمن بن عوف، سعيد بن مالك، العباس بن عبد المطلب، الحسن بن علي بن ابي طالب عليه السّلام، الحسين بن علي بن ابي طالب عليه السّلام، عبد اللّه بن جعفر بن ابي طالب، عبد اللّه بن مسعود، عمار بن ياسر، ابو ذر جندب بن جنادة الغفاري، سلمان الفارسي، اسعد بن زرارة الانصاري، ابو ايوب خالد بن يزيد الانصاري، سهل بن حنيف الانصاري، عثمان بن حنيف الانصاري، حذيفة بن اليمان، عبد اللّه بن عمر بن الخطاب، البراء بن عازب، رفاعة بن رافع الانصاري، سمرة بن جندب، سلمة بن الاكوع السلمي، زيد بن ثابت الانصاري، ابو ليلى الانصاري، ابو قدامة الانصاري، سهل بن سعد الانصاري، عدي بن حاتم الطائي، ثابت بن زيد بن وديعة، سعد بن عجرة الانصاري، ابو الهيثم الهيّان الانصاري، هاشم بن عتبة بن ابي وقاص الزهري، المقداد بن عمرو الكندي، عمر بن ابي سلمة، عبد اللّه بن ابي عبد الاسد المخزومي، عمر بن حصين الخزاعي، بريدة بن الخضيب الاسلمي، جبلة بن عمرو الانصاري، ابو هريرة الدوسي، ابو برزة، نضلة بن عتبة الاسلمي، ابو سعيد الخدري، جابر بن عبد اللّه الانصاري، جرير بن عبد اللّه، زيد بن ارقم الانصاري، ابو رافع مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، ابو عمير بن عمرو بن محصن الانصاري، انس بن مالك الانصاري، ناجية بن عمرو الخزاعي، ابو زينب بن عوف الانصاري، يعلى بن مرة الثقفي، سعيد بن سعد بن عبادة الانصاري، حذيفة بن اسيد ابو سريحة الغفاري، عمرو بن الحمق الخزاعي، زيد بن حارثة الانصاري، مالك بن الحوريث، ابو سليمان جابر بن سمرة السوراني، عبد اللّه بن ثابت الانصاري، عبد اللّه بن أبي اوقر الاسلمي، يزيد بن شراحيل الانصاري، عبد اللّه بن يسر المازني، النعمان بن العجلان الانصاري، عبد الرحمن بن يعمر الديلمي، ابو الحمراء خادم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، ابو فضالة الانصاري، عطية بن بشر المازني، عامر بن ليلى الغفاري، ابو الطفيل عمرو بن وائلة الكناني، عبد الرحمن بن عبد ربه الانصاري، حسان بن ثابت الانصاري، سعيد بن جنادة العوفي، عامر بن عمير النموي، عبد اللّه بن باميل، حية بن خوبه العوني، عقبة عامر الجهني، ابو دبب الشاعر، ابو شريح الخزاعي، ابو حجيفة وهب بن عبد اللّه السوني، ابو امامة الصيدي بن عجلان الباهلي، عامر بن ليلى بن ضمرة، جندب بن سفيان العجلي، اسامة بن زيد بن حارثة الكلبي، وحش بن حرب، قيس بن ثابت الانصاري، عبد الرحمن مديح، حبيب بن بديل الخزاعي، فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عائشة بنت ابي بكر ام المؤمنين، ام هانئ بنت ابي طالب، فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب،

ص:98

اسماء بنت عميس الخثعمية، ثم ذكر ابن عقدة ثماني و عشرين رجلا من الصحابة لم يذكر اسماؤهم ايضا.

و قد صنف ابو سعد مسعود بن ناصر السجستاني كتاب دراية حديث الولاية و هو شبعة عشر جزء و هو من اوثق رجال الاربعة المذاهب و قد كشف عن يوم الغدير و نص النبي صلّى اللّه عليه و آله على علي بالخلافة بعده و رواه عن مائة و عشرين نفسا من الصحابة منهم ست نساء و عدد اسانيد هذا الكتاب على ما قاله صاحب الطرائف ألف و ثلثمائة و خمسة و ثلاثون اسنادا و قد كان هذا في حجة الوداع و هي آخر ما كان له من المواقف و الاسفار فنعي الى المسلمين نفسه و عرفهم انه قد قرب انتقاله، فأقام باقي ذي الحجة و محرما و توفي في صفر و قيل في ربيع الاول، و قد روى حديث يوم الغدير محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ من خمس و سبعين طريقا، و أفرد له كتاب سمّاه كتاب الولاية ذكر أنه انما صنفه للرد على الحرقوصية يعني الحنبلية لان احمد بن حنبل من ولد حرقوص بن زهير الخارجي.

و ممن صنف في حديث يوم الغدير الحاكم عبد اللّه بن عبيد الحسكاني كتابا سمّاه كتاب دعاة الهداة الى اداء حق الموالاة، و ذكر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب الاقتصاد و غيره انه قد روى خبر يوم الغدير من مائة و خمسة و عشرين طريقا، و رواه ايضا أحمد بن حنبل في مسنده من خمسة عشر طريقا، و رواه الفقيه بن المغازلي في كتاب المناقب من اثني عشر طريقا، و قال ابن المغازلي بعد رواياته لخبر يوم الغدير هذا حديث صحيح عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد روى حديث غدير خم من نحو مائة نفس منهم العشرة و هو حديث ثابت تفرد علي بهذه الفضيلة لم يشركه فيها أحد هذا كلامه، فمن روايات الفقيه ابن المغازلي في كتاب المناقب باسناده الى جابر بن عبد اللّه الانصاري، قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بمنى و اني لادناهم في حجة الوداع قال لالفينكم ترجعون بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض و ايم اللّه لئن فعلتموها لتعرفنني في الكتيبة التي تضاربكم ثم التفت الى خلفه فقال أو علي أو علي ثلاثا فرأينا ان جبرئيل عليه السّلام غمزه فأنزل اللّه تعالى على أثر ذلك فاما نذهبن بك فانا منهم منتقمون بعلي بن ابي طالب الى آخر الحديث.

و من ذلك ما رواه ايضا الفقيه الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب باسناده الى الوليد بن صالح عن زيد بن ارقم، قال اقبل نبي اللّه في حجة الوداع حتى نزل بغدير الحجفة بين مكة و المدينة فأمر بالدرجات فقمّ ما تحتهن من شوك ثم نادى الصلاة جامعة فخرجنا الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في يوم شديد الحر و ساق الحديث الى ان قال ثم أخذ بيد علي عليه السّلام فرفعها فقال من كنت مولاه فعلي مولاه و من كنت نبيه فهذا وليه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه قالها ثلاثا.

ص:99

و من ذلك ما رواه ابو بكر بن مردويه الحافظ عندهم باسنادهم الى ابي سعيد الخدري ان النبي صلّى اللّه عليه و آله يوم دعا الناس الى غدير خم امر بما كان تحت الشجرة من الشوك فقمّ و ذلك يوم الخميس ثم دعا الناس الى علي عليه السّلام فأخذ بضبعيه فرفعها حتى نظر الناس الى بياض إبط رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم يتفرقا حتى نزلت هذه الاية اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ اَلْإِسْلاٰمَ دِيناً، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اللّه اكبر على اكمال الدين و رضى الرب برسالتي و الولاية لعلى عليه السّلام ثم قال اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والي من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و أخذل من خذله الحديث و كذلك رواه ابو سعيد مسعود بن نصار الحافظ السجستاني و من ذلك ما رواه ابن المغازلي في كتابه ايضا باسناده الى ابي هريرة قال من صام يوم ثماني عشرة من شهر ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا و هو يوم غدير خم لما أخذ النبي صلّى اللّه عليه و آله بيد علي بن ابي طالب فقال أ لست أولى بالمؤمنين من انفسهم، قالوا بلى يا رسول اللّه قال من كنت مولاه فعلي مولاه فقال عمر بن الخطاب بخ بخ لك يا ابن ابي طالب اصبحت مولاي و مولى كل مؤمن و مؤمنة، فأنزل اللّه تعالى اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ اَلْإِسْلاٰمَ دِيناً، و لو استقصينا الاخبار التي نقلها الجمهور في باب يوم الغدير لافضى الى تطويل الكتاب.

و اما التأويل فقد قاله اكثر محققيهم، و حاصله ان المولى قد ورد في اللغة لمعان منها الناصر، و منها المحب و منا الاولى من كل أحد كما يقال مولى العبد و حينئذ فقوله صلّى اللّه عليه و آله من كنت مولاه فعلي مولاه أي من كنت ناصره فعلي ناصره فلا يستلزم الاولوية المطلقة و الجواب عن هذا ظاهر فان هذا القول منه صلّى اللّه عليه و آله انما صدر بعد ان قال للناس أ لست اولى بكم من انفسكم كما في الروايات من العامة و الخاصة، و حينئذ فقوله صلّى اللّه عليه و آله من كنت مولاه فعليّ مولاه منزّل على تلك الاولوية لانتظامها معها في سياق واحد مع ان هذا المعنى الذي قالوه لا يحتاج الى هذا التأكيد العظيم في ذلك الحر الشديد، و ليس هو من خصائص علي عليه السّلام لانه يجب على كل مؤمن ان يجب و ينصر من أحبه و نصره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

و لو سلّمنا انه اراد الناصر كما زعمتم فالنصرة لا يمكنه اجراؤها الا اذا رجعت الامور اليه و كان هو الخليفة، حتى يتمكن من نصر من نصره النبي صلّى اللّه عليه و آله، و لا كان يدع عثمان يخرج ابا ذر من المدينة و يفعل ما فعل، و كذلك من تقدمه من المتخلفين و لكن باب التأويل واسع و لو فرضت ان النبي صلّى اللّه عليه و آله نص على علي عليه السّلام بأصرح من هذه الالفاظ لامكن تأويلها، و حيث انجرّ الكلام الى هنا فلنذكر الصلوة على محمد و آله و كذا لعن اعدائهم.

ص:100

نور صلواتي

يكشف عن الصلوة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و لواحقها، روى العامة و الخاصة في تفسير قوله تعالى إِنَّ اَللّٰهَ وَ مَلاٰئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى اَلنَّبِيِّ يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً قالت الصحابة يا رسول اللّه قد علمنا السّلام عليك، فكيف الصلوة عليك قال قولوا اللهم صلّ على محمد و آل محمد كما صليت على ابراهيم و آل ابراهيم انك حميد مجيد، و بارك على محمد و آل محمد كما باركت على ابراهيم و آل ابراهيم انك حميد مجيد، رواه الثعلبي في تفسيره و الحميدي في الجمع بين الصحيحين و البخاري في الجزء السادس و مسلم في الصحيح و هذه هي الكيفية الكاملة للتصلية و ادنى ما يجزي اللهم صلّ على محمد و آل محمد و صلّى اللّه على محمد و آل محمد و نحوهما.

و اما وجوب الصلوة عليه اذا ذكر أو استحبابها ففيه خلاف بين الاصحاب و الذي دلّت عليه الاخبار الصحيحة هو الوجوب كلما ذكره ذاكر سواء اتحد مجلس الذكر او تعدد و سواء صلّى عليه سابقا لا سواء ذكر باسمه او بقلبه او بكنيته، بل و بالضمير الراجع اليه فانه كناية عنه.

روى الكليني و غيره بالاسانيد المتكثرة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال من ذكرت فلم يصلّ عليّ دخل النار فأبعده اللّه، فجيب الصلوة عليه عند ذكره و لو كان السامع مشغولا بالصلوة الواجبة قطعها و صلّ عليه كما جاء في الرواية و هي على ما صلى. و اما صلاة المخالفين و بعض صلاة عوام الشيعة و هي الصلوة عليه وحده بدون ضمّ الآل فهي صلاة لا يقبلها اللّه سبحانه و لا هي الكيفية المأمور بها، روى بالاسانيد المعتبرة عنه صلّى اللّه عليه و آله انه قل لا تصلوا عليّ الصلوة البتراء، فقالوا يا رسول اللّه و ما الصلوة البتراء قال ان تقولوا اللهم صلّ على محمد بل قولوا اللهم صلّى على محمد و آل محمد و سمع الصادق عليه السّلام رجلا يقول اللهم صلّ على محمد فقال الصادق عليه السّلام لا تبترها و لا تلظمنا حقنا قل و آل محمد.

و في صحيح الاخبار انه قال من صلّى عليّ و لم يصلّ على آلي لم يجد ريح الجنة و ان ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام، و قال صلّى اللّه عليه و آله اذا صلّى عليّ و لم يتبع بالصلوة على اهل بيتي كان بينها و بين السماء سبعون حجابا يقول اللّه عزّ و جل لا لبيك و لا سعديك، يا ملائكتي لا يصعدوا دعائه الا ان يلحق بنبيي عترته فلا يزال محجوبا حتى يلحق بي اهل بيتي.

و اما ثواب الصلوة عليه فقد روى عنم المعصومين عليهم السّلام ما لا يكاد يدخل تحت قلم الضبط، منها ما رواه ابو بصير عن الصادق عليه السّلام قال اذا ذكر النبي صلّى اللّه عليه و آله فاكثروا الصلوة عليه فانه من صلّى على النبي صلّى اللّه عليه و آله صلاة واحدة صلّى اللّه عليه في الف صفّ من الملائكة، و لم يبق

ص:101

شيء مما خلقه اللّه الا صلّى على ذلك العبد لصلوة اللّه عليه و صلاة ملائكته، فمن يرغب في هذا فهو جاهل مغرور قد برئ اللّه منه و ملائكته و رسوله.

و ينبغي ان تكتب الصلوة لا بلفظ الرمز كما هو المتعارف في هذه الاعصار، قال شيخنا الشهيد الثاني قدس اللّه روحه الو من كتب صلعم قطعت يده و اقلّ ما في الاخلال بها تفويت الثواب العظيم عليها، فقد ورد عنه صلّى اللّه عليه و آله انه قل من صلّى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب انتهى.

و في الروايات انه لما نظر آدم الى حوا قال يا رب زوجني منها فقال جل اسمه هات مهرها يا آدم، فقال آدم يا رب ما اعلم قال اللّه تعالى يا آدم صلّ على محمد و آل محمد عشر مرات، فصلّى آدم كما أمره اللّه جلّ جلاله فزوجه بها، فاذا كانت الصلوة مهر حوا فكيف لا يكون مهر الحور العين.

و في الروايات ايضا ان اللّه تعالى قد خلق ملائكة سيّاحين في الارض و ليس لهم غرض إلاّ تبليغ النبي صلّى اللّه عليه و آله صلاة من يصلي عليه صلّى اللّه عليه و آله في اطراف الارض يقولون له يا رسول اللّه فلان قد بلّغك السّلام و الصلوة، فيقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و على فلان الصلوة و السّلام و كذلك يبلّغونه زيارات الزائرين كما يبلغون الائمة عليهم السّلام صلوات المصلين و زيارات الزائرين و سلام المسلّمين، و روى ايضا ان اللّه سبحانه قد خلق ريحا تبلّغ النبي صلّى اللّه عليه و آله سلام المسلّمين و صلاة المصلين.

و روى ابو سعيد في كتاب الوفي لشرف المصطفى عن علي عليه السّلام انه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اكثروا عليّ الصلوة قلت و هل تبلغك الصلوة بعد ان تفارقنا، قال نعم يا علي ان اللّه تبارك و تعالى و كلّ بقبري ملكا يقال له صلصائيل و هو في صورة الديك متن عرفه تحت عرش الرحمن و مخاليبه في تخوم الارض السابعة، له ثلاث اجنحة اذا نشرها و احداها بالمشرق و الاخر بالمغرب و الاخر منتشر على ارض قبري فاذا قال العبد اللهم صلّى على محمد و آل محمد كما صليت و باركت و ترحمت على ابراهيم و آل ابراهيم انك حميد مجيد لقطها كما يلقط الطير الحب ثم يرفرف على قبري و يقول يا محمد يا محمد ان بن فلان صلّى عليك و أقرأك السّلام فيكتب له في رقّ من نور بالمسك الاذفر و يرفع له عشرون الف حسنة و يمحي عنه عشرون الف سيئة و يغرس له عشرون الف شجرة، و من كانت له حاجة الى اللّه سبحانه و اراد قضائها فليعمل ما قاله الصادق عليه السّلام و هو ان يصلي على محمد و آله في اولها و آخرها و يذكر حاجته في الوسط فان اللّه سبحانه اكرم من ان يقبل الطرفين و يرد الوسط و هذا من باب بيع الصفقة فاما ان يقبل الكل او يرد الكل و الطرفان مقبولان فيقبل الوسط ايضا.

ص:102

و اما آله صلّى اللّه عليه و آله فقد اختلف المسلمون في المراد بهم، و الذي اجتمعت عليه شيعتهم بسبب النقل المستفيض عن المعصومين انهم المعصومون عليهم السّلام لا غير.

و يعجبني نقل كلام ذكره المحقق الدواني (1)و هو من علماء الجمهور في حواشي شرح الهيا كل و هذه عبارته آل الشخص من يؤل الى ذلك الشخص فآله صلّى اللّه عليه و آله من يؤل اليه صلّى اللّه عليه و آله اما بحسب النسب أو النسبة اما الاول فهم الذين حرّم عليهم الصدقة في الشريعة المحمدية و هم بنو هاشم و بنو عبد المطلب عند بعض الائمة و بنو هاشم فقط عند البعض و اما الثاني فهم العلماء ان كانت النسبة بحسب الكمال الصوري اعني العلم التشريعي فالاولياء و الحكماء المتألهون و ان كانت النسبة بحسب الكمال الحقيقي اعني علم الحقيقة.

اقول و كما حرم على الاول الصدقة الصورية حرم على الثاني الصدقة المعنوية اعني تقليد الغير في العلوم و المعارف، قال صلّى اللّه عليه و آله من يؤل اليه اما بحسب نسبة لحياته الجسمانية كولاده النسبية و من يحذو حذوهم من اقاربه الصورية، او بحسب نسبته لحياته العقلية كولاده الروحانية من العلماء الراسخين و الاولياء الكاملين و الحكماء المتألهين المقتبسين من مشكاة انواره سواء سبقوه زمانا أو لحقوه و لا شك ان النسبة الثانية اوكد من الاولى و الثانية من الثانية اوكد من الاولى منها و اذا اجتمع النسبتان بل النسب الثلاث كان نورا على نور كما في الائمة المشهورين من العترة الطاهرة صلوات اللّه عليهم اجمعين.

ثم قال و يحتمل ان يكون مراد المصنفين جميع افراد الآل اعني الصوريين و المعنوية و ان يكون مرادهم المعنوية سواء كانا سابقين عليه بالزمان او لا حقين له سواء انتسبوا اليه في العلم بظاهر التشريع او باطنه انتهى كلامه.

و شيخنا البهائي طاب ثراه بعد ان نقل حاصل هذا الكلام قال و هو مما يستوجب ان يكتب بالتبر على الاحداق بال بالحبر على الاوراق.

و بقي الكلام هنا في تحقيق مسأل علمية في التشبيه الذي في قوله كما صليت على ابراهيم و آل ابراهيم، و حاصل تقريرها ان هنا اشكالا و هو ان في التشبيه يعتبر كون المشبه به اقوى في وجه الشبه او مساويا، و الصلوة هنا الثناء و العطا و المنحة التي هي من آثار الرحمة و الرضوان فتستدعي

ص:103


1- 42) هو المحقق الحكيم المتكلم الشهير المولى جلال الدين محمد بن اسعد الدواني المتوفى سنة (908) ه المنتهى نسبه الى محمد بن ابي بكر كان في اوائل امره على مذهب اهل السنة ثم صار من الشيعة و صنف رسالة فارسية سماها (نور الهداية) صرح فيها بتشيعه توجد نسختها اليوم في بعض مكتبات النجف الاشرف، و السيد القاضي نور اللّه الشهيد لم يطلع عليها فتمسك في اثبات تشيعه بما لا يخلو عن تسعف، راجع الى الكتاب مجالس المؤمنين تجد صدق ما قلناه انظر الى تنقيح المقال ج 1 ص 230 ط نجف و الى الكنى و الالقاب للقمي ج 2 ص 206 [1] طصيدا.

ان يكون عطاء ابراهيم و الثناء عليه فوق الثناء على محمد صلّى اللّه عليه و آله او مساويا له و ليس كذلك و الا لكان افضل منه و الواقع خلافه، و قد تصدى المحققون للجواب عنه من وجوه:

اولها ان يكون المراد تشبيه اصل الصلوة بالصلوة لا الكمية بالكمية كما في كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلم، و المراد في اصله لا في قدره، و وقته و ردّه شيخنا الشهيد قدس اللّه روحه بأن الكاف للتشبيه و هو صفة مصدر محذوف أي صلاة مماثلة للصلوة على ابراهيم، و الظاهر ان هذا يقتضي المساواة اذ المثلان هما المتساويان في الوجوه الممكنة.

و ثانيها ان الصلوة بهذا اللفظ جارية في كل صلاة على لسان كل مصلّ الى انقضاء التكليف، فيكون الحاصل لمحمد صلّى اللّه عليه و آله بالنسبة الى مجموع الصلوات اضعافا مضاعفة و اورد عليه ايضا بان التشبيه واقع في كل صلاة تذكر في حال كونها واحدة فالاشكال قائم.

و ثالثها ان مطلوب كل مصلّ المساواة لابراهيم في الصلوة فكل منهم طالب صلاة مساوية للصلوة على ابراهيم و اذا اجتمعت هذه المطلوبات كانت زائدة على الصلوة على ابراهيم.

و رابعها ان الدعاء انما يتعلق بالمستقبل فمتى وقع تشبيه بين لفظين فانما يقع في المستقبل و حاصله ان الدعاء انما يتعلق بالمستقبل و نبينا محمد صلّى اللّه عليه و آله كان الواقع قبل هذا انه أفضل من ابراهيم و هذا الدعاء يطلب فيه زيادة على هذا الفضل مساوية لصلوته على ابراهيم فهما و ان تساويا في الزيادة الا ان الاصل المحفوظ خال من معارضة الزيادة.

و خامسها ان المشبه به المجموع المركب من الصلوة على ابراهيم و آله و معظم الانبياء آل ابراهيم، و المشبه الصلوة على نبينا و آله فاذا قوبل آله بآلهم رجحت الصلوة عليهم على الصلوة على آله فيكون الفاضل من الصلوة على آل ابراهيم لمحمد صلّى اللّه عليه و آله فيزيد به على ابراهيم، و يشكل بأن ظاهر اللفظ تشبيه الصلوة على محمد صلّى اللّه عليه و آله بالصلوة على ابراهيم و الصلوة على آله بالصلوة على آل ابراهيم تطبيقا بين المسلمين و الآلين فكل تشبيه على حدته فلا يؤخذ من احدهما للآخر.

و سادسها ان التشبيه انما هو في صلاة اللّه على محمد و في صلاته على ابراهيم و آله فقوله اللهم صلّ على محمد على هذا منقطع عن التشبيه و في هذين الجوابين هضم لآل محمد كما قيل، و قد قدمنا الدلائل على افضلية علي عليه السّلام على الانبياء، و هو واحد من الآل فيكون السؤال عند الامامية باقيا له بحاله.

و سابعها انه صلّى اللّه عليه و آله من آل ابراهيم فهو داخل في الصلوة المشبه بها منضّما الى غيره، و الصلوة المشبه مختصة به وجده فصارت الاولى افضل بهذا الاعتبار و على هذا نزلوا الجواب عن الاشكال الوارد على ظاهر قوله تعالى و فدنياه بذبح عظيم، بارادة الحسين عليه السّلام من الذبح العظيم

ص:104

كما روى تفسيره عنهم عليهم السّلام و حاصل الاشكال ان الحسين عليه السّلام فضل من اسماعيل فكيف يكون فداء له.

و الجواب ان الحسين وحده و سائر المعصومين عليهم السّلام من اولاد اسماعيل فالحسين عليه السّلام انما صار فداء لهذه السلسلة الطاهرة و هو واحد منها و الاصوب في الجواب عن هذا الاشكال هو ما رواه الصدوق طاب ثراه في عيون اخبار الرضا باسناده الى الفضل بن شاذان، قال سمعت الرضا عليه السّلام يقول لما امر اللّه تبارك و تعالى ابراهيم عليه السّلام ان يذبح مكان ابنه اسماعيل الكبش الذي انزله عليه تمنى ابراهيم عليه السّلام ان يكون قد ذبح ابنه اسماعيل عليه السّلام بيده انه و لن يؤمر بذبح الكبش مكانه ليرجع الى قلبه ما يرجع الى قلب الوالد الذي يذبح اعزّ ولده بيده فيستحق بذلك ارفع درجات اهل الثواب على المصائب فأوحى اللّه عزّ و جل اليه يا ابراهيم من احب خلقي اليك، فقال يا رب ما خلقت خلقا هو احب اليّ من حبيبك محمد صلّى اللّه عليه و آله فأوحى اللّه عز و جل اليه يا ابراهيم هو احب اليك ام نفسك قال بل هو احب اليّ من نفسي، قال فولده أحب اليك او ولدك، قال بل ولده قال فذبح ولده ظلما على ايدي اعدائه اوجع لقلبك ام ذبح ولدك بيدك في طاتي، قال يا رب بل ذبحه على ايدي اعدائه اوجع لقلبي.

قال يا ابراهيم ان طائفة تزعم انها من امة محمد صلّى اللّه عليه و آله ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلما و عدوانا كما يذبح الكبش، و يستوجبون بذلك سخطي، فجزع ابراهيم عليه السّلام لذلك و توجع قلبه و اقبل يبكي فأوحى اللّه عز و جل اليه يا ابراهيم قد فدين جزعك على ابنك اسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين و قتله، و أوجبت لك ارفع درجات اهل الثواب على المصائب، و ذلك قول اللّه عز و جل وَ فَدَيْنٰاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ و حاصله ان الفداء بمعنى التعويض و هو معناه اللغوي.

و ثامنها ان القوة في التشبيه هنا ترجع الى الظهور و الوضوح، الصلوة على ابراهيم ظاهرة مشهورة عند ارباب الملل، و الاديان اجابة لدعائه، حيث قال و اجعل لي لسان صدق في الاخرين، يعني ذكرا جميلا، و من هذا كانت الانبياء عليهم السّلام ينسبون انفسهم اليه و الى دينه، فيكون هذا التشبيه من باب قوله تعالى مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكٰاةٍ، لان نور المشكوة محسوس مشاهد لكل احد.

و تاسعها ان الكاف للتعليل مثلها في قوله تعالى وَ اُذْكُرُوهُ كَمٰا هَدٰاكُمْ، و قد بقيت هنا وجوه أخرى، ذكرناها في شرحنا الصغير على الصحيفة السجادية، اذا انتقش هذا على صحيفة بالك فأعلم ان شيخنا الشهيد قدس اللّه روحه بعد ان ذكر بعض هذه الوجوه قال قلت كل هذا بناء على ان صلاتنا عليه صلّى اللّه عليه و آله تفيده زيادة في رفع الدرجة و مزيد الثواب و قد انكر هذا جماعة من المتكلمين و خصوصا الاصحاب و جعلوا هذا من قبيل الدعاء بما هو واقع امتثالا لاوامر اللّه تعالى و الا فالنبي صلّى اللّه عليه و آله قد اعطاه اللّه من الفضل و الجزاء و التفضيل ما لا يؤثر فيه صلاة مصل وجدت او

ص:105

عدمت، و فائدة هذا الامتثال انما يعود الى المكلف فيستفيد به ثوابا كما جاء في الحديث من صلى عليّ واحدة صلّى اللّه عليه بها عشرا و حينئذ فيظهر ضعف الجواب الرابع من طلب المنافع في المستقبل فان هذا كله في قوة الاخبار عن عطاء اللّه تعالى و حينئذ يكون جواب التشبيه للاصل بالاصل سديدا و يلزمه المساواة في الصلوتين و لكن تلك الامور موهبية فجاز تساويهما فيها و ان تفاوتا في الامور الكسبية المقتضية للزيادة فان الجزاء على الاعمال هو الذي تتفاضل فيه العمال لا المواهب التي يجوز بسببها كل واحد تفضلا خصوصا على قواعد العدلية وهب ان الجزاء كله تفضل كما تقوله الاشعرية الا ان الصلاة موهبية محضة ليست باعتبار الجزاء فالذي يسمى جزاء عند العمل و ان لم يكن مسببا عن العمل هو الذي يتفاضلان فيه، هذا واضح انتهى كلامه طاب ثراه.

و يخطر بالبال التكلم عليه من وجوه اولها ان قوله ان اللّه اعطى من الفضل و الجزاء ما لا يؤثر فيه صلاة مصل وجدت او عدمت قد دلت الاخبار على نقيضه، فان درجات نواله تعالى مما لا تقف الى حد، و كل درجة فوقها درجة و نبينا صلّى اللّه عليه و آله قد امتاز عن سائر الانبياء عليهم السّلام بزيادة القبول للفيوض الربانية، و كان صلّى اللّه عليه و آله يقول ان ربي قد وعدني درجة لا تنال الا بدعاء امتي، و كان يطلب الدعاء من صلحاء المؤمنين و اكابر المتقين مع ان دعاءنا له صلّى اللّه عليه و آله و طلبنا مزيد نوال اللّه سبحانه له انما هو من جملة اعماله صلّى اللّه عليه و آله التي يستحق بها مزيد القرب و الدرجات، لانه صلّى اللّه عليه و آله قد استنقذنا من ورطة الهلاك و قد كان الناس على شفا جرف من النار فأخذ بايديهم و بلّغهم الى اقصى درجات المقربين و كذلك اولاده المعصومين عليهم السّلام فقد استحقوا بهذا منّا الصلوة و طلب الرحمة من اللّه تعالى، فدعاؤنا لهم من جملة اعمالهم، و لا شك ان اعمالهم مما يوجب مزيد الثواب لهم بلا خلاف منّا، و ليس هذا الا من باب دعاء المؤمن لاخيه بظهر الغيب، فانه مما يوجب مزيد الاجر للداعي و الدعو له، و قد اورد على هذا بأنه مناف لقوله تعالى وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسٰانِ إِلاّٰ مٰا سَعىٰ.

و الجواب عن تلك الشبهة كما قلنا هو جواب عن هذه ايضا، فان المؤمن لما صار مؤمنا باختياره و فعل ما حبب به نفسه الى المؤمنين حتى قدم المؤمنون على الدعاء له بظهر الغيب سواء كان حيا أو ميتا كان دعاء الداعي من جملة اعمال المدعو له، و في الحديث القدسي مما اوحى اللّه عز و جل الى موسى على نبينا و آله و عليه السّلام ان قل له يا موسى ادعني بلسان لم تعصني به، قال يا رب كيف ذاك و لساني قد عصيتك به قال اطلب من اخوانك الدعاء فانك لم تعصني بلسان احد منهم، و موسى عليه السّلام قد كان من اولي العزم المقربين و درجته بالنسبة الى دعاء امته كدرجة نبينا صلّى اللّه عليه و آله بالنسبة الى دعائنا كما يستفاد من ظاهر بعض الروايات.

ص:106

و ثانيها انه طاب ثراه قد فسر الصلوة بالعطا و المنحة التي هي من آثار الرحمة و العطا و المنحة التي نطلبها للنبي و اهل بيته ليست مخصوصة بما يتعلق بهم وحدهم بل هو عطاء يزيد في علوهم و يرفع شرفهم فوق شرف الانبياء عليهم السّلام، و اكمل هذا و اهمه هو مقام شفاعتهم من امتهم، و مقام شهادتهم على تبليغ سائر الانبياء و المرسلين عليهم السّلام كما روى في الاخبار الصحيحة و نحو هذين و هذا الدعاء و ان كان لهم صورة الا انه في المعنى ترجع فائدته الينا و اليهم، فالينا بقبول شفاعتهم في حقنا للخلاص من اليم العذاب و اليهم باظهار قبول شفاعتهم و حصول ملتمسهم على رؤوس الاشهاد بحضور الملائكة المقربين و الانبياء المرسلين و العباد الصالحين.

و لا ريب ان قبول الالتماس من ارفع الدرجات كما ان ردّه من اعظم النكبات و لا تظنّ ان اعلى هو اعالي الجنان و اللوس مع الحور و الغلمان فان هذا من لذات البدن و ذاك من لذات الروح، و هم عليهم السّلام انما كان مطمح انظارهم هو طلب اللذة المعنوية، كما قاله سيد الموحدين عليه افضل التسليمات ما عبدتك خوفا من نارك و لا طمعا في جنتك و لكن وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك، و في القرآن العزيز بعد ان ذكر سبحانه اللذات الحسية من الاشجار و الانهار و الحور و الغلمان قال و رضوان من اللّه اكبر، فانه لذة معنوية كما عرفت و الاشارة الى نقيضه واقعة بقوله تعالى حكاية عن دخول جهنم رَبَّنٰا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ اَلنّٰارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ، و ذلك ان الخزي عذاب روحاني و حرارة نار جهنم و ما أعدّ فيها من العقارب و الافاعي عذاب جسماني، و الاول افظع و أشدّ هولا من الثاني و لذا لم يقل من تدخل النار فقد احرقته أو عذبته أو نحو ذلك و الحاصل ان هذا الدعاء الخاص بالصلوة على النبي صلّى اللّه عليه و آله من باب ما ورد في ادعية الصلوة و تقبّل شفاعته في امته و ارفع درجته، فأن رفع الدرجة و ان كان اعمّ الا انه هنا كالتفسير و البيان لقبول الشفاعة على ما عرفت مع أنه ورد في الروايات ان معن السّلام على المعصومين عليهم السّلام هو سلامتهم و سلامة دينهم و شيعتهم في زمن القائم عليه السّلام هذا مما يتعلق بالادعية و تزيد التأثيرات فيه كما لا يخفى.

و ثالثها ان قوله طاب ثراه و تلك الامور موعبية فجاز تساويهما، يرد عليه انك قد فسرت الصلوة بالعطاء الذي هو من آثار الرحمة، فنعود و نقول ما هذا العطاء و اي شيء ذلك العطاء الذي فضّل اللّه فيه ابراهيم على محمد صلّى اللّه عليه و آله بل ساواه فيه ان كان هو في عالم الدنيا فهذا عالم محسوس مشاهد و هو صلّى اللّه عليه و آله قد فضل على سائر الانبياء في جميع الكمالات و ان كان في النشأة الاخرى فقد روى ان الحوض و الكوثر و مقام الشفاعة قسمة الجنان و النيران و الشهادة للانبياء بالتبليغ و السبق بدخول الجنة ول كمال هناك انما هو آئل اليه صلّى اللّه عليه و آله و الى اهل بيته من غير مشاركة أحد فأين هذا العطاء الموهبي الذي تساويا فيه مع ان المواهب التي تتفاوت فيها الدرجات انما

ص:107

يكون مسببة عن الاعمال و الاخلاص فيها، و من ثم فصلت ضربة ابن عبد ودّ اعمال الامة الى يوم القيامة، و لا خلاق في ان اعماله صلّى اللّه عليه و آله قد فضلت اعمال الانبياء فتكون مواهب اللّه سبحانه أزيد و أكثر و بالجملة اعتقادنا في هذه المسئلة هو ان الصلوة على النبي صلّى اللّه عليه و آله مما يعود نفعها الينا و اليه بما عرفت و اللّه اعلم.

(خاتمة هذا النور في لعن المخالفين و المتخلفين)

اعلم انه قد ورد الخلاف هنا ايضا و هو ان المؤمن اذا لعن من يستحق اللعن من ظالمي اهل البيت و غيرهم فهل يكون هذا اللعن مما يزيد في عذابهم ام ان اللّه سبحانه قد بلغ بهم الى اقصى دركات العذاب بحيث يكون اللعن لا يزيدهم عذابا و انما يزيد المؤمن ثوابا، و الاولى بل هو المستفاد من الاخبار هو اوضحية القول الاول، و ذلك ان رئيس الظالمين هو ابليس اللعين و قد روى في وصف مجيئه الى يحيى بن زكريا انه قد كان على راسه بيضة، فقال له يحيى عليه السّلام ما هذه البيضة التي على رأسك فقال بها أتوقى لعنات المؤمنين، و ذلك ان كل لعنة تأتي اليّ منهم كالشهاب الثاقب فأتوقى منها بهذه البيضة.

و اما اخوته الثلثة المتخلفون فمن اسباب تضاعف عذابهم بلعن اللاعنين هو ان اسباب ظلمهم و جورهم، و ما أحكموه في زمانهم قد امتدّ الى يوم القيامة على كل المؤمنين و لو قلت لك ان ظلمهم على آحاد المؤمنين أعظم منه على امير المؤمنين عليه السّلام لكان قريبا من الصواب، و ذلك ان اشتباه الاحكام في هذه الايام و انتشار اعلام الجور و انزواء الحق و اهله انما جاء من قبلهم، و كذلك استتار الائمة عليهم السّلام على ما حققناه سابقا و هو الذي اثار الفتن و صدع اركان الدين ففي كل ساعة و في كل لحظة يحصل للمؤمن الم من هذه الجهات فيلعنهم فيكون لعنه مقارنا لايذاء المتخلفون له فكيف لا يكون سببا في مزيد عذابهم بل و لو من غير تذكر تألم لكان كذلك ايضا لمقارنته لحالات الظلم، و من هذا قال الصادق عليه السّلام و اللّه ما اريقت محجمة دم في الاسلام الى يوم القيامة الا و هي في اعناقهما.

و في الاخبار ما هو اغرب من هذا و هو ان مولانا صاحب الزمان عليه السّلام اذا ظهر و أتى المدينة اخرجهما من قبريهما فيعذبهما على كل ما وقع في العالم من الظلم المتقدم على زمانيهما كقتل قابيل هابيل و طرح اخوة يوسف له في الجبّ و رمي ابراهيم في نار نمرود، و اخراج موسى خائفا يترقب و عقر ناقة صالح و عبادة من عبد النيران، فيكون لهما الحظ الاوفر من انواع ذلك العذاب.

و لعلك تقول ان هذا ينافي العدل إذ هما لم يحضرا تلك الاعصار و لم يكونا من اسباب ما وقع فيها من الظلم، كما كانا اسبابا لاستمرار الظلم بع زمانهم الى يوم القيامة فنقول هذا لا ينافيه

ص:108

بوجه، و ذلك ان اللّه سبحانه قد اخبر النبي الصادق بأن كل من يغصب خليفتك من بعدك و يجتري على ابنتك بمنعها حقها و ميراثها يكون شريكا للظالمين في عذابهم، و النبي صلّى اللّه عليه و آله قد اسمعهما مثل هذا فقدما على اسباب العذاب بعد العلم و السماع من الصادق الامين باختيار منهما فيكون ذلك العذاب قد استحقاه و قبلاه فلا يكون من انواع الظلم في شيء، و ليس الا من قبيل تخليد الكفار في النار الى ما لا نهاية له مع ان اعمارهم التي كانت مدة زمان كفرهم اقل قليل.

و ذلك ان اللّه سبحانه قد قرر هذا العذاب بازاء تلك المعصية و طول زمان المعصية و قصره مما لا مدخل له في طول العذاب و قصره، و كذلك ازمنة الطاعات و الثواب على المترتب فعلها.

نور في ابتداء خلق الدنيا

روى الثقاة من اصحابنا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله ان موسى سأل ربه عزّ و جل ان يعرفه بدء الدنيا منذ كم خلقت فأوحى اللّه تعالى الى موسى عليه السّلام تسألني عن غوامض علمي فقال يا رب أحب ان اعلم، فقال تعالى يا موسى خلقت الدنيا منذ مائة الف عام عشر مرات و كانت خرابا خمسين الف عام ثم بدأت في عمارتها فعمرتها خمسين الف عام، ثم خلقت فيها خلقا على مثال البقر يأكلون رزقي و يعبدون غيري خمسين الف عام ثم افنيتهم كلهم في ساعة واحدة، ثم خربت الدنيا خمسين الف عام ثم بدأت في عمارتها فمكثت عامرة خمسين الف عام ثم خلقت فيها بحرا فمكث البحر خمسين الف عام ثم خلقت دابة و سلطتها على ذلك البحر فشربته في نفس واحدة، ثم خلقت خلقا اصغر من الزنبور و اكبر من البق، فسلطت ذلك الخلق على هذه الدابة فلدغها و قتلها فمكثت الدنيا خرابا خمسين الف عام، ثم بدأت في عمارتها فمكثت خمسين الف سنة، ثم خلقت الدنيا كلها آجام القصب و خلقت السلاحف و سلطتها عليه فاكلها حتى لم يبق منه شيء ثم اهلكتها في ساعة واحدة فمكثت الدنيا خرابا خمسين الف عام، ثم بدأت في عمارتها فمكثت عامرة خمسين الف عام ثم خلقت ثلاثين آدم في ثلثين الف سنة من آدم الى آدم الف سنة فأفنيتهم كلهم بقضائي و قدري، ثم خلقت فيها خمسين الف الف مدينة من فضة بيضاء، و خلقت في كل مدينة مائة الف قصر من الذهب الاحمر، فملأتها خردلا و كان الخردل يومئذ الذّ من الشهد و أحلى من العسل و ابيض من الثلج ثم خلقت طيرا واحد أعمى و جعلت زرقه في كل سنة حبة من خردل فأكلها حتى فنيت، ثم خربتها فمكثت خرابا خمسين الف عام ثم اباك آدم عليه السّلام بيدي يوم الجمعة وقت الظهر و لم اخلق من الطين غيره و اخرجت من صلبه النبي صلّى اللّه عليه و آله.

ص:109

اقول المراد بالدنيا في هذا الحديث هو ما سوى اللّه سبحانه من اصناف المخلوقات كلها فتشمل الافلاك و العناصر و النفوس الناطقة و غيرها، و هذا هو مذهب كافة اهل الملل كالمسلمين و اليهود و النصارى و المجوس، و اما حكماء الفلاسفة فقد ذهبوا في القدم و الحدوث الى مذاهب كثيرة، فذهب ارسطو و من تبعه من متأخري الفلاسفة كالفارابي و ابن سينا الى انّ الاجسام قديمة بذواتها و صفاتها، و تفصيل مذهبهم انهم قالوا الاجسام تنقسم الى فلكيات و عنصريات اما الفلكيات فانها قديمة بموادها و صورها الجسمية و النوعية و اعراضها المعينة من المقادير و الاشكال و غيرها الا الحركات و الاوضاع الشخصية فانها حادثة قطعا، ضرورة ان كل حركة مسبوقة بأخرى لا الى نهاية، و كذا الاوضاع المعينة التابعة لها، و اما مطلق الحركة و الوضع فقديم ايضا لان مذهبهم ان الافلاك متحركة حركة مستمرة من الازل الى الابد بلا سكون اصلا.

و اما العناصر فقديمة بموادها و صورها الجسمية بنوعها، و ذلك لان المادة لا تخلو عن الصورة الجسمية التي هي طبيعة واحدة نوعية لا تختلف الا بأمور خارجة عن حقيقها يكون نوعها مستمر الوجود بتعاقب افرادها ازلا و ابدا، و بصورها النوعية بجنسها و ذهب بعضهم الى انها قديمة بذواتها محدثة بصفاتها، و هو قول من تقدم ارسطو من الحكماء و هؤلاء قد اختلفوا في تلك الذوات القديمة فمنهم من قال انه جسم و اختلف في ذلك الجسم أي الاجسام هو، فقال ثاليس الملطي انه الذي هو المبدع الاول، و منه ابدع الجواهر كلها من السماء و الارض و ما بينهما، و قال صاحب الملل و النحل و كأنه أخذ مذهبه من الكتب الالهية، ففي التورية ان اللّه تعالى خلق جوهرة و نظر اليها نظر الهيبة فذابت و صارت ماء فحصل البخار و ظهر على وجهها بحسب الحركة زبد و ارتفع منها دخان و حصل من زبدها الارض و من دخانها السماء، و قيل الارض و حصلت البواقي بالتلطيف و قيل النا و حصلت البواقي بالتكثيف و قيل البخار و حصلت العناصر بعضها بالتلطيف و بعضها بالتكثيف و قيل الخليط من كل شيء لحم و خبز و غير ذلك، و منهم من قال انه ليس بجسم، فقالت الثنوية من المجوس النور و الظلمة، فانهما قديمان و بدؤ العالم من امتزاجهما، و قال الحرنانيون منهم القائلون بالقدماء الخمس النفس و الهيولى و قد عشقت النفس بالهيولى لتوقف كمالاتها عليها فحصل من اختلاطهما أنواع المكونات، و قيل هي الوحدة فانها تحيرت و صارت الواحدات نقطا ذوات اوضاع و اجتمعت النقط فصارت خطّا و اجتمعت الخطوط فصارت سحطا و اجتمعت السطوح فصارت جسما و ذهب جالينوس الى التوقف في الكل اذ يحكى عنه انه قال في مرضه الذي توفي فيه لبعض تلامذته أكتب عني اني ما علمت ان العالم قديم او حادث و ان النفس الناطقة هي المزاج أو غيره، و قد طعن فيه اقرانه بذلك حين اراد من سلطان

ص:110

زمانه تلقيبه بالفيلسوف، هذا محصّل مقالتهم و أما الشبه التي استندوا اليها في تصحيح هذه المذاهب الفاسد فمذكورة في كتب الحكمة و كذا الاجوبة عنها.

فان قلت لعله قد روى في الاخبار ان اللّه تعالى لم يزل خلاقا و هذا الحديث بظاهره ينافي الحدوث قلت الجواب عنه من وجهين الاول ان معناه و اللّه اعلم انه لم يزل متصفا بهذه الصفة و هو صفة الخلاقية باعتبار القدرة على الخلق، فان القادر على الشيء يوصف به و ان لم يصدر منه ذلك الفعل و يدلّ عليه ما روى في الاخبار و كان خالقا اذ لا مخلوق و عالما اذ لا معلوم و قادرا اذ لا مقجور و الثاني ان الخلق بمعنى الايجاد تارة، و يمعنى التقدير أخرى و في المثل اني اذا خلقت فريت أي اذا قدرت امضيت قال الصدوق طاب ثراه و في قول ائمتنا عليهم السّلام ان افعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين و خلق عيسى عليه السّلام من الطين كهيئة الطير، و خالقه في الحقيقة اللّه عز و جل اقول و على هذا ينزّل قوله تعالى فَتَبٰارَكَ اَللّٰهُ أَحْسَنُ اَلْخٰالِقِينَ و هذا في الحقيقة، راجع الى العلم، فأنه عزّ سلطانه قد علم بالمخلوقات قبل ايجاده كعمله بعد ايجادها.

و اما قوله سبحانه في الحديث القدسي كنت كنزا مخفيا فأحببت ان اعرف فخلقت لا عرف، فالخلق في قوله فخلقت بمعنى الايجاد، و قد اورد على هذا الحديث اشكال و حاصله ان الخفا لا يكون الا مع وجود أحد يخفى عليه الشيء حتى يتصف ذلك الشيء بالخفا كما يقال هذا الشيء مخفي عن فلان، و خفى عليه الشيء الفلاني و لم يكن في عالم الاول مخلوق حتى يتصف سبحانه بالخفاء عنه فكيف قال مخفيا و الجواب عن هذا الاشكال من جهين.

الأول: ان ارباب اللغة قد صرحوا بان خفي بمعنى ظهر قال في الصحاح نقلا عن الاصمعي خفيت للشيء أخفيته كتمته و خفيته ايضا أظهرته و هو من الاضداد و نقل عن ابي عبيدة ايضا مثله، و نزل عليه قوله تعالى إِنَّ اَلسّٰاعَةَ آتِيَةٌ أَكٰادُ أُخْفِيهٰا في من قرأ بفتح الهمزة أي اظهرها و في نهاية ابن الاثير فالمعنى حينئذ اني كنت كنزا ظاهرا فخلقت الخلق ليعرفوني على هذا الظهور الذي انا عليه، و لو لم اكن بهذه الغاية من الظهور لما توصلوا الى معرفتي بعد خلفي اياهم الثاني ان يكون الخفا بمعناه الاخر و هو الانسب بالكنز و لكن المبادئ انما تطلق عليه سبحانه باعتبار غاياتها و لوازمها و معناه حينئذ اني كنت كنزا مستورا و محتجبا تحت سرادق العز و الجلال فأحببت ان ابرز من تحت هذا الحجاب، فخلقت الخلق و اظهرت نفسي لهم من تحت السرادقات ليعرفوني فانه سبحانه لما خلق مخلوقاته تنزّل من ذلك الحجاب الى غاية الظهور و أزال المواقع التي لو بقيت بعد خلق الخلق على ما كانت عليه لم تصل الى اقرب درجة من مراتب معرفته العقول الطامحة بل انبسط معهم في الخطاب و عاتبهم على ما جنوا أرفق عتاب، فقال عز من قائل من ذا الذي يقرض اللّه قرضا حسنا فيضاعفه له، و قال ان تنصروا اللّه ينصركم، حتى قالت المنافقون و اليهود ان رب

ص:111

محمد قد افتقر و انه صار عاجزا فطلب النصر فقال امير المؤمنين عليه السّلام استقرضكم و له خزائن السموات و الارض، و استنصركم و له جنود السموات و الارض و في الحديث القدسي يا ابن آدم ما اقلّ حياك كم أتحبب اليك بالاحسان و تتبغض اليّ بالمعاصي، خيري اليك نازل و شرك اليّ صاعد حتى كأني المحتاج اليك و انت الغني عني، و يكفيك في لطيف خطابه قوله يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول الا كانوا به يستهزؤن، الى غير ذلك من الآيات و الاخبار و هو الذي اطلع ابناء التراب على جناب قدسه العزيز و ادناهم الى حماه المكين الحريز حتى اسند صفاته المتعالية اليهم و افعالهم الحميدة اليه مع نقصها عن قابلية الكمال.

و روى في الحديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال ان اللّه عزّ و جل يقول يوم القيامة يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال يا ربّ كيف ادعوك و أنت رب العالمين قال أما علمت ان عبدي فلانا مرض فلم تعده أما علمت انك لو عدته لوجدتني يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال يا رب و كيف اطعمك و انت رب العالمين قال اما علمت انه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه اما علمت انك لو اطعمته لوجدت ذلك عندي يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال يا رب كيف اسقيك و انت رب العالمين قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه اما علمت انك لو سقيته لوجدت ذلك عندي و امثال ذلك من الاخبار كثيرة.

نور سماوي يكشف عن ابتداء خلق السموات

و كيفيتها و ما يتبع ذلك إعلم وفقك اللّه ان الفلاسفة و جمعا كثيرا من علماء الاسلام قد مهدّوا اصلا فاسدا و لفقوا له دلائل أوهن من بيت العنكبوت و بنوا عليه فروعا كثيرة لا تكاد تحصى و ذلك انهم نظروا الى ان اللّه تقدس و تعالى واحد حقيقي من جميع الجهات ليس للتركيب فيه مدخل بوجه من الوجوه لا خارجا و لا عقلا و لا وهما و لا غير ذلك كل مركب محتاج الى اجزائه التي تركبّ منها و أطالوا في البراهين على هذا، و البرهان الذي ذكرنا في اول هذا الكتاب متناول له ايضا كما لا يخفى فلما ثبتت وحدته الحقيقية قالوا ان هذا الواحد الحقيقي لا يجوز ان يكون مبدء الا لفعل واحد و الا لزم تعدد الجهات فيه، فذهبوا الى ان الصادر منه جوهر واحد و هو العقل الواحد فهو مخلوقه لا غير، و ذلك انه واحد فلا يصدر منه الا واحد و هذا الصادر الاول له اعتبارات ثلاثة وجوده في نفسه و وجوبه بالغير و امكانه لذاته فيصدر عنه بكل اعتبار امر فباعتبار وجوده يصدر عقل و باعتبار وجوبه يصدر نفس باعتبار امكانه يصدر جسم هو الفلك الاول و كذلك يصدر من العقل الثاني عقل ثالث و نفس ثانية و فلك ثان و هكذا الى العقل العاشر الذي في مرتبة التاسع من الافلاك، و هو فلك القمر و يسمى العقل الفعّال المؤثر في هيولى العالم

ص:112

السفلي المفيض للصور و النفوس على البسائط و على المركبات بحسب الاستعدادات المسببة عن الحركات الفلكية و الاتصالات الكوكبية، و يلزم على هؤلاء ان هذه الاعتبارات ان كانت وجودية فلا بد لها من مصادر متعددة و الا بطل اصلهم، و هو ان الواحد لا يصدر عنه الا واحد، و ان كانت اعتبارية امتنع ان تصير جزء مصورا لامور وجودية فان اجيب بأنها ليست جزء منا لمؤثر بل هي شروط التأثير و الشرط قد يكون امر اعتباريا، قلنا فليكن هذه الاعتبارات من السلوب و الاضافات عارضة للمبدأ الاول فيكون بحسبها مصدرا لأمور متعددة كالمعلول الاول، فيبطل ما ذهبوا اليه، مع اسناد الفلك الثامن مع ما فيه من الكواكب المختلفة المقادير المتكثرة كثرة لا تحص الى جهة واحدة في العقل الثاني كما زعموه مشكل جدا كما قيل و كذلك اسناد الصور و الاعراض التي في عالمنا هذا مع كثرتها الى العقل الفعال اشكل من الاول كما لا يخفى.

و بالجملة فهذه العقول العشرة عندهم انها جواهر مجردة عن المكان و المدة و المادة فهذه السموات التي تمدح اللّه عز و جل بخلقها نسبوها الى امو و همي لم يتم عليه دليل عقل كما اعترف به المحققون، و الادلة النقلية من الكتاب و السنة و الاجماع و الدليل العقلي ايضا ينادي بتكذيبه و انه لا مؤثر في ايجاد الموجودات الا باللّه سبحانه و لعمرك ان هذه الطائفة اشرّ من المجوس فان المجوس اثبتوا له سبحانه شريكا يفعل الشر سموه اهرمن و هو بلغتهم الشيطان و فاعل الخير هو يزدان و هو بلسانهم الواجب تعالى، فقد اثبتوا له كل افعال الخير و اما المشركون بالاصنام فقد حكى اللّه سبحانه عنهم ما اعتقدوه، حيث قالوا ما نعبدهم الا ليقربونا الى اللّه زلفى، و كذلك سائر طوائف الكفار على ما سيأتي ان شاء اللّه تعالى، عند ذكر الفرق الاسلامية و غيرها، و هؤلاء الحكماء الذين بلغوا من مراتب الادراك الى ان قالوا انّا لا نحتاج الى ارسال الانبياء عليهم السّلام انما يرسلهم اللّه تعالى الى اهل العقول الناقصة و اما نحن فقد كملت احلامنا و عقولنا قد عزلوا اللّه سبحانه عن عالم ملكوته كلاّ و رأسا وليتهم ذهبوا الى ما ذهبت اليه المجوس و طوائف الكفار، و العجب ان جماعة من اهل عصرنا ممن يتدين بدين الاسلام قد وافقوهم على هذه الهفوات و خرجوا عن الدين من حيث لا يشعرون و هذا كله انما جاء من جهة التعويل على العقول الناقصة.

و اما المتأخرون من الحكماء و من حذى حذوهم من طوائف المسلمين فلما رأوا قول قدمائهم بمكان من الشرك و البعد عن قول أهل الملل و الاديان اوّلوا قول قدمائهم و قالوا لا مؤثر في الوجود الا اللّه معناه ان تلك العقول المجردة هي آلات و وسائط بين اللّه سبحانه و بين مخلوقاته تسبب بها الى خلق ما خلق كما يتسبب النجار الى قطع خشبته بالمنشار و كالوالدين في حصول الاولاد و هذا تأويل لكلام من لا يرضى به و قد صرّح بخلافه مع ان مفاسده كثيرة لا تحصى.

ص:113

و اعجب من هذا كله ان من وافق الفلاسفة من علماء الاسلام كيف غفل عن هذا المعنى و هو ان كتاب ربهم و سنّة نبيهم لم تهمل مما يحتاج اليه الخلق و مما لا يحتاجون اليه حتى ان الائمة عليهم السّلام رووا في أدنى الامور كالكنف و اضرابه ضروبا من الاخبار عن جدهم صلّى اللّه عليه و آله و ذكروا آداب الاكل و الشرب و الجلوس الى غير ذلك و اهملوا هذا الامر العظيم الذي يدور عليه مدار الخلق و الايجاد، و به يتحقق الكفر و الالحاد و كيف لم تذكر هذه العقول و افاعليها في آية من الآيات و لا في حديث من الاحاديث و لا في تاريخ من التواريخ، و لا نقله خلف عن سلف و كذا ما سيأتي من اعتقادات الحكماء و متابعيهم من اهل الاسلام كيف اهملها الشارع و لم يتعرض لها بوجه من الوجوه.

و من الطرائف في هذا المقام ان أنجس المخلوقات و ادناها شرفا هو الكلب مع انه سبحانه لما امر صاحبه بتعليمه للصيد لم يرض له بتعليم صاحبه الذي يعلمه، بل قال عز من قائل يسئلونك ما ذا أحل لهم قل احلّ لكم الطيبات و ما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم اللّه، أي من العلم الذي امركم على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان تعلموه الكلاب من اتباع الكلب الصيد بارسال صاحبه و انزجاره بزجره، و لا يعتاد اكل ما امسكه، و قوله مكلبين مشتق من الكلب، أي حال كونكم صاحبي كلاب او معلمي كلاب، فاذا لم يحسن في الشرع تعليم الكلب الا من العلوم الالهية فكيف جاز لكم ايها الحكماء و العلماء ان تعلموا الانسان الذي هو اشرف المخلوقات الذي تمدّح اللّه عند تمام خلقه بقوله فتبارك اللّه احسن الخالقين، العلم الذي توهمته عقولكم و حصلته اوهامكم و زعمتم انه علم و لم يذكر في شيء من الكتب السماوية و ما سمعنا ايضا الهيولى و الصورة و لا الجزء الذي لا يتجزئ في شيء من الاخبار و ان هذا اقل فسادا مما تقدم اذا عرفت هذا.

فاعلم ان الافلاك التي اثبتها الحكماء و الرياضيون بالارصاد بسبب اختلاف الحركات تسعة افلاك كلية، و لكنها تشتمل على افلاك جزئية و اول تلك الكليات عندهم هي فلك الافلاك و هو المسمى عندهم بالفلك الاطلس، لانه غير مكوكب قالوا و هذا هو الذي يسمى بالعرش المجيد في لسان الشرع، و تحته فلك الثوابت قالوا و هو المسمى بالكرسي في الشرع، ثم فلك زحل ثم فلك المشتري، ثم فلك المريخ ثم فلك الشمس ثم فلك عطارد، ثم فلك القمر و هو السماء الدنيا، قالوا دلّ على ترتيبها الحجب فما هو اسفل يحجب ما هو أعلى، أي يصير ساترا له عنّا اذا وقع على محازاته، فانهم وجدوا القمر يحجب سائر السيارة فعلم انه تحت الجميع و وجدوا عطارد يكسف الزهرة الزهرة و المريخ و المريخ المشتري، و المشتري زحل و حل بعض الثوابت.

ص:114

و اما الشمس فانها لا تنكسف الا بالقمر و لا يتصور كسفها بشيء من الكواكب لانها تستتر بشعاعها اذا قربت منها لكن لها اختلاف المنظر دون العلوية فهي تحتها و فوق القمر و بقي الاشتباه في انها فوق الزهرة و عطارد او تحتها اذ لا سبيل الى معرفة ذلك من الكسف لما عرفت من احتراقهما تحت الشعاع عند القرآن فلذلك عدل بطليموس الى طريقة الاستحسان فقال هي كشمسة القلادة متوسطة بين السبعة السيارة اعني بين العلوية و بين السفليين و القمر و قد زعم مؤيد الدين العرضي المهندس ان فلك الزهرة دون فلك عطارد، و فوق فلك الشمس و زعموا ان هذه الافلاك لها نفوس درّاكة في نهاية الادراك و ان هذه الافلاك عندهم اكمل من الانبياء لان شرف العناصر عندهم انما هو للتشبيه بالافلاك، و قد سأل بعض تلامذة المولى صدر الدين الشيرازي المولى المذكور عن الافلاك هل لها نفوس ناطقة ام لا فأجابه بانه اذا كنت على هذه الحالة الحقيرة من صغر البدن و قلّة الكمالات لك نفس ناطقة فكيف لا يكون للافلاك نفوس ناطقة مع ما هي عليه من العظمة و الجلالة، و زعموا ان حركاتهم ارادية اختيارية فصار الحاصل من هذا كله ان مذهبهم هو ان هذه الافلاك بسائط لها نفوس ناطقة و حركات ارادية اختيارية و هذا كله مخالف لما ورد عن الائمة الطاهرين عليهم افضل الصلوات و هم اعلم بالافلاك و غيرها من بطليموس و غيره، و كان علي عليه السّلام يقول سلوني عن طرق السموات فاني اعرف بها مني بطرق الارض، و ذلك انهم علموها بالحس و العيان كما في الاخبار المستفيضة عنهم عليهم السّلام من ان ارواحهم تزور العرش في كل ليلة جمعة، و انهم يستفيدون علوما جديدة في كل زيارة و هؤلاء الحكماء قد اخذوا ما قالوه عن آرائهم و عقولهم او بالسماع من امثالهم، و ليس الرائي كالسامع فلنشرع في ما اردنا بيانه و لنذكر بعض الاخبار ليتضح بها الحال فنقول:

روى الصدوق طاب ثراه باسناده الى الرضا عليه السّلام قال كان علي بن ابي طالب عليه السّلام بالكوفة في مسجد الجامع اذ قام اليه رجل من اهل الشام فقال يا امير المؤمنين اني اسألك عن اشياء فقال سل تفقها و لا تسئل تعنتا، و أحدق الناس بأبصارهم فقال اخبرني عن اول ما خلق اللّه تبارك و تعالى، قال خلق النور، قال مم خلق السموات قال من بخار الماء قال مم خلقت الارض، قال من زبد الماء، قال فمم خلقت الجبال قال من الامواج، قال فلم سميت المكة أم القرى قل لان الارض دحيت من تحتها و سأله عن سماء الدنيا مم هي قال من موج مكفوف و سأله عن طول الشمس و القمر و عرضها قال تسعمائة فرسخ في تسعمائة فرسخ و سأله كم طول الكوكب و عرضه، قال أثنا عشر فرسخا في اثني عشر فرسخا و سأله عن الوان السموات السبع و اسمائها، فقال اسم السماء الدنيا رفيع و هي من ماء و دخان و اسم السماء الثانية قيدوم و هي على لون النحّاس، و لسماء الثالثة اسمها المادوم و هي على لون الشبه و السماء الرابعة اسمها ارقلون و هي

ص:115

على لون الفضة، و السماء الخامسة هيعون و هي على لون الذهب و السماء السادسة اسمها عروس و هي ياقوتة خضراء، و السماء السابعة اسمها عجماء و هي درة بيضاء و سأله عن المد و الجزر ما هما قال ان للّه تعالى ملكا موكلا بالبحار يقال له رومان فاذا وضع قدميه في البحر فاض الماء، و اذا اخرجهما غاض و سأله لم صار الميراث للذكر مثل حظّ الانثيين قال لأن السنبلة كان عليها ثلاث حبات فبادرت اليها حوى فأكلت منها حبة و اطعمت آدم حبتين فمن ذلك ورث الذكر مثل حظّ الانثيين و سأله عن أول من قال الشعر فقال آدم و ما كان شعره قال لما نزل الى الارض من السماء فرأى تربتها و سعتها و هواها و قتل قابيل هابيل فقال آدم:

تغيرّت البلاد و من عليها فوجه الارض مغبر قبيح

تغيّر كل ذي لون و طعم و قلّ بشاشة الوجه المليح

فأجابه ابليس

تنحّ عن البلاد و ساكنيها فبي في الخلد ضاق بك الفيسح

و كنت بها و زوجك في قرار و قلبك من أذى الدنيا مريح

فلم تنفك من كيدي و مكري الى ان فاتك الثمن الربيح

فلو لا رحمة الجبار اضحى بكفك من جنان الخلد ريح

و سأله عن بكاء آدم على الجنة و كم كان دموعه التي خرجت من عينه، قال بكى مائة سنة و خرج منعينه اليمنى مثل دجلة و من عينه اليسرى مثل الفرات و سأله عن اول من وضع سكك الدراهم فقال نمرود بن كنعان بن نوح عليه السّلام و سأله عن معنى هدير الحمام الراعبية فقال تدعو على اهل المفازف و القيان و المزامير و العيدان و سأله ما بال الماعز بادي العورة فقال لان الماعز عصت نوحا عليه السّلام لما ادخلها السفينة فدفعها فكسر ذنبها و النعجة مستورة العورة لان النعجة بادرت الى السفينة فمسح نوح عليه السّلام يده على حياها و ذنبها فاستوت الالية، و الحديث طويل اخذنا منه موضع الحاجة و غيرها، و تفصيل كلام امير المؤمنين عليه السّلام ما رواه رئيس المحدثين الشيخ الكليني طاب ثراه باسناده الى محمد بن عليّة، قال جاء رجل الى ابي جعفر عليه السّلام من اهل الشام من علمائهم، فقال يا ابا جعفر جئت اسألك عن مسألة فأجابه عليه السّلام و ساق الكلام الى ان قال، و لكن اللّه كان اذ لا شيء غيره و خلق الشيء الذي جميع الاشياء منه و هو الماء الذي خلق الاشياء منه و خلق الريح من الماء ثم سلط الريح على الماء فشققت الريح متن الماء حتى ثار من الماء زبد على قدر ما شاء ان يثور فخلق من ذلك الزبد ارضا بيضاء نقيّة ليس فيها صدع و لا نقب و لا صعود و لا هبوط و لا شجر، ثم طواها فوضعها فوق الماء ثم خلق اللّه النار من الماء فشققت النار متن الماء حتى ثار من الماء دخان على قدر ما شاء اللّه ان يثور فخلق من ذلك الدخان سماء صافية نقية

ص:116

ليس فيها صدع و لا نقب، و ذلك قوله تعالى وَ اَلسَّمٰاءِ وَ مٰا بَنٰاهٰا رَفَعَ سَمْكَهٰا فَسَوّٰاهٰا، وَ أَغْطَشَ لَيْلَهٰا وَ أَخْرَجَ ضُحٰاهٰا وَ اَلْأَرْضَ بَعْدَ ذٰلِكَ دَحٰاهٰا ، قال و لا شمس و لا قمر و لا نجوم و لا سحاب ثم طواها فوضعها فوق الارض، ثم نصب الخليقتين فرفع السماء قبل الارض، و ذلك قوله عز ذكره و الارض بعد ذلك دحيها، يقول بسطها فقال له الشامي يا ابا جعفر قول اللّه عز و جل أَ وَ لَمْ يَرَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ كٰانَتٰا رَتْقاً فَفَتَقْنٰاهُمٰا ، فقال له ابو جعفر عليه السّلام استغفر ربك فان قول اللّه عز و جل كٰانَتٰا رَتْقاً يقول كانت السماء رتقا لا تنزل المطر، و كانت الارض رتقا لا تنبت الحب فقال الشامي اشهد انك من اولاد الانبياء و ان علمك علمهم، و في هذا الحديث دلالة على ان السموات خلقت من الدخان كما هو ظاهر قوله تعالى ثُمَّ اِسْتَوىٰ إِلَى اَلسَّمٰاءِ وَ هِيَ دُخٰانٌ، و الاخبار في هذا المعنى كثيرة جدا و يدلّ ايضا على ان الارض مخلوقة من زبد الماء.

و الاخبار الكثيرة ايضا دالة عليه روى علي بن ابراهيم في تفسيره انه قال ابو عبد اللّه عليه السّلام لأبرش الكلبي يا ابرش هو كما وصف نفسه، كان عرشه على الماء و الماء على الهوى، و الهوى لا يحدد و لم يكن يومئذ خلق غيرها، و الماء يومئذ عذب فرات فلما اراد ان يخلق الارض امر الرياح فضربت الماء، حتى صارت موجا ثم ازيد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت، ثم جعله جعلا من زبد ثم دحى الارض من تحته، فقال اللّه تبارك و تعالى ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا، و في ذلك التفسير فسلّط العقيم على الماء فضربته فاكثرت الموج و الزبد و جعل يثور دخانه في الهواء فلما بلغ الوقت الذي اراد به قال للزبد اجمد فجمد و قال للموج اجمد فجمد، فجعل الزبد ارضا و جعل الموج جبالا رواسي للارض.

و بالجملة فالمحصّل من هذه الاخبار ان الماء اول مخلوق من هذه الاجسام كما تقدم في اول الكتاب و خلق من ذلك الدخان الذي اثار منه السموات كما ان خلق الارض سابقا على السماء انما هو من ذلك الزبد و المراد بالسموات هنا السبع و الا فالكرسي و العرش يأتي تحقيقه ان شاء اللّه تعالى و في قوله عليه السّلام فرفع السماء قبل الارض (اه) دفع لما توهمه بعض الملاحدة من التناقض بين الآيات في تقديم خلق السموات على الارض أو بالعكس فان ظاهر هذه تقدم خلق السماء لمكان قوله و الارض بعد ذلك أي بعد رفع السماء دحيها و سواها و ظاهر آيتين في القرآن العكس من هذا.

اما الاولى فقوله تعالى لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ اَلْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَ تَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدٰاداً ذٰلِكَ رَبُّ اَلْعٰالَمِينَ وَ جَعَلَ فِيهٰا رَوٰاسِيَ مِنْ فَوْقِهٰا وَ بٰارَكَ فِيهٰا وَ قَدَّرَ فِيهٰا أَقْوٰاتَهٰا فِي أَرْبَعَةِ أَيّٰامٍ سَوٰاءً لِلسّٰائِلِينَ ثُمَّ اِسْتَوىٰ إِلَى اَلسَّمٰاءِ وَ هِيَ دُخٰانٌ فَقٰالَ لَهٰا وَ لِلْأَرْضِ اِئْتِيٰا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قٰالَتٰا أَتَيْنٰا طٰائِعِينَ فَقَضٰاهُنَّ سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ فِي يَوْمَيْنِ.

ص:117

اما الاولى فقوله تعالى لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ اَلْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَ تَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدٰاداً ذٰلِكَ رَبُّ اَلْعٰالَمِينَ وَ جَعَلَ فِيهٰا رَوٰاسِيَ مِنْ فَوْقِهٰا وَ بٰارَكَ فِيهٰا وَ قَدَّرَ فِيهٰا أَقْوٰاتَهٰا فِي أَرْبَعَةِ أَيّٰامٍ سَوٰاءً لِلسّٰائِلِينَ ثُمَّ اِسْتَوىٰ إِلَى اَلسَّمٰاءِ وَ هِيَ دُخٰانٌ فَقٰالَ لَهٰا وَ لِلْأَرْضِ اِئْتِيٰا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قٰالَتٰا أَتَيْنٰا طٰائِعِينَ فَقَضٰاهُنَّ سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ فِي يَوْمَيْنِ.

و اما الثانية فقوله تعالى هُوَ اَلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي اَلْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اِسْتَوىٰ إِلَى اَلسَّمٰاءِ فَسَوّٰاهُنَّ سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، و حاصل الجواب الذي اشار عليه السّلام هو ان اللّه سبحانه خلق مادة الارض و هي الزبد قبل خلق الدخان الذي خلق منه السماء فلما خلق السماء من ذلك الدخان رجع الى تسطيح الارض و دحوها فدحاها و وسعها و لم يكن قبل هذا الدحو الا الارض التي هي موضع الكعبة الان و منه سميت مكة ام القرى لان ارضها مادة لكل الاراضي، فتقدم كل من السماء و الارض على الاخر باعتبار فلا تناقض.

و اجيب عن رفع التنافي ايضا بأن كلمة بعد في قوله تعالى وَ اَلْأَرْضَ بَعْدَ ذٰلِكَ دَحٰاهٰا، ليست للتأخر الزماني بل انما هو على جهة تعداد النعم و الاذكار لها كما يقول القائل ا ليس قد اعطيتك و فعلت بك كذا و كذا، و بعد ذلك خالطتك، و ربما يكون بعض ما تقدم في اللفظ متأخرا بحسب الزمان لانه لم يكن الغرض الإخبار عن الاوقات و الازمنة بل المراد ذكر النعم و التنبيه عليها و ربما اقتضت الحال ايراد الكلام على هذا الوجه و قد مال بعض اساتيذنا الى ان وجه الجمع هو ان تسوية السماء المطلقة متقدمة على دحو الارض و اما تسويتها سبعا فمتأخرة عنه، و قيل فيه وجوه أخرى و المعوّل على ما اشار اليه الامام عليه السّلام.

فان قلت الحكم بأن الماء اول مخلوق من الاجسام ينافي ما ورد في التورية و ما في تفسير علي بن ابراهيم الذي لم يأخذ كلامه في ذلك التفسير الا من الاخبار اما الذي وجد في التورية فهو ان مبدأ الخلق هو ان اللّه سبحانه و تعالى خلق جوهرة ثم نظر اليها نظر الهيبة فذابت اجزاؤها فصار الماء فثار من الماء بخار كالدخان فخلق منه السموات و ظهر على وجه الارض مثل زبد البحر فخلق منه الارض ثم ارسلها بالجبال.

و اما الذي ذكره علي بن ابراهيم قدس اللّه روحه فقد ذكر في تفسير قوله تعالى وَ كٰانَ عَرْشُهُ عَلَى اَلْمٰاءِ ، قال و ذلك في مبدء الخلق ان الربّ تبارك و تعالى خلق الهوى ثم خلق القلم فأمره ان يجري فقال يا رب بما اجري فقال بما هو كائن ثم خلق الظلمة من الهوى و خلق النور من الهوى، و خلق الماء من الهوى، و خلق العرشي من الهوى، و خلق العقيم من الهوى، و هو الريح الشديد، و خلق النار من الهوى، و خلق الخلق كلهم من هذه الستة التي خلقت من الهوى.

قلت: قد ذكرنا سابقا الوجه في الجمع بين اسبقية الهوى على الماء بان اسبقية الماء اضافية بالنسبة الى محسوسات الاجسام و الهوى ليس بمحسوس، و من ثم انكر بعضهم وجوده بقي الكلام في الدرة و الهوى فيجوز ان يكون سبحانه قد كوّن الدرة من الهوى فخلق الماء من الدرة هو خلق

ص:

الماء من الهوى لانتهائه اليه فتأمل. و لم يوافق الشرع من الحكماء على هذه المقالة سوى ثاليس الملطي الاسكندراني فانه قال بعد ان وحّد الصانع و نزّهه لكنه أبدع العنصر الي فيه صور الموجودات و العلومات كلها و هو المبدع الاول و هو الماء و منه انواع الجواهر كلها من السماء و الارض و ما بينهما و ذكر ان من جمود الماء تكونت الارض و من انحلاله تكوّن الهوى و من صفوته تكوّنت النار و من الدخان و الابخرة تكوّنت السماء و في قوله عليه السّلام في الحبر الاول استغفر ربك الى آخر كلامه ابطال لما ذهب اليه الحكماء و متابعوهم من علماء الاسلام من اصليين اصليين بزعمهم.

الاول ان الفلك عندهم لا يقبل الخرق و لا الالتيام فان فتقه بالامطار خرق له و معراج نبينا صلّى اللّه عليه و آله ببدنه الشريف سبع سموات مما يبطله ايضا و تأويلهم له بالمعراج الروحي زندقة و الحاد (1)و اما الامطار فمن اماكن مختلفة يأتي تفصيلها ان شاء اللّه تعالى في نور المطر و لنرو هنا حديثا واحدا و هو ما رواه علي بن ابراهيم باسناده الى الصادق عليه السّلام قال كان علي صلوات اللّه عليه يقوم في المطر اول ما يمطر حتى يبتلّ رأسه و لحيته و ثيابه فقيل له يا امير المؤمنين الكن الكن فقال ان هذا ماء قريب العهد بالعرش ثم انشأ يحدّث صلوات اللّه عليه فقال ان تحت العرش بحرا فيه ماء ينبت ارزاق الحيوانات فاذا اراد اللّه عزّ ذكره ان ينبت به ما يشاء رحمة منه لهم اوحى اللّه اليه فمطر ما شاء من سماء الى سماء حتى يصير الى السماء الدنيا فيما اظنّ فيلقيه الى السحاب و السحاب بمنزلة الغربال ثم يوحي الى الريح ان اطحنيه و اذيبيه ذوبان الماء ثم انطلقي به الى موضع كذا و كذا فامطري عليهم فيكون كذا و كذا عبابا و غير ذلك فتقطر عليهم على النحو الذي يأمرها به فليس من قطرة تقطر الا و معها ملك حتى يضعها موضعها، و لم ينزل من السماء قطرة من مطر الا بعدد معدود و وزن معلوم الا ما كان من ايام الطوفان فانه نزل ماء منهمر بلا وزن و لا عدد و قال في آخره قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا تشيروا الى المطر و لا الى الهلال فان اللّه عز و جل يكره ذلك.

الاصل الثاني لهم هو نفي الخلا و ان الافلاك ليس بينهما فرجة بل مقعر كل فلك مماس لمحدب الفلك الاخر فان الشامي كان يعتقد مثل هذا بالاخذ عن كتب الحكماء و اهل الرياضيات فقال له عليه السّلام استغفر ربك من هذا الذنب العظيم فيدلّ على تحريم هذا الاعتقاد و امثاله و على ان الجاهل في معرفته ليس بمعذور فابطل عليه السّلام الالتزاق و الملاصقة و في حديث زينب العطارة المسند الى الصادق عليه السّلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و ذكر الحديث الى ان قال و الارضون السبع و من فيها و من عليها عند

ص:119


1- 43) الاشكال في مسألة المعراج مبني على الهيئة القديمة لذا فتحوا باب التاويل فيها و اما على الهيئة الجديدة فليس فيها ادنى اشكال اصلا.

السماء الاولى كحلقة في فلاة قيّ، و هذا كله و السماء الدنيا و من عليها و من فيها عند التي فوقها كحلقة في فلاة قيّ و هاتان السماءان و من فيهما و من عليهما عند التي فوقهما كحلقة في فلاة قيّ حتى انتهى الى السابعة و هنّ و من فيهن و عليهنّ عند البحر المكفوف عن اهل الارض كحلقة في فلافة قيّ هذا السبع و البحر المكفوف عند جبال البرد كحلقة في فلاة قيّ، و تلا هذه الاية وَ يُنَزِّلُ مِنَ اَلسَّمٰاءِ مِنْ جِبٰالٍ فِيهٰا مِنْ بَرَدٍ و هذه السبع و البحر المكفوف و جبال البرد عند الهوى الذي تحار فيه القلوب كحلقة في فلاة قيّ، و هذه السبع و البحر المكفوف و جبال البرد و الهوى عند حجب النور كحلقة في فلاة قيّ و هذه السبع و البحر المكفوف و جبال البرد و الهوى و حجب النور عند الكرسي كحلقة في فلاة قيّ، ثم تلا هذه الاية وَسِعَ كُرْسِيُّهُ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ وَ لاٰ يَؤُدُهُ حِفْظُهُمٰا وَ هُوَ اَلْعَلِيُّ اَلْعَظِيمُ، و هذه السبع و البحر المكفوف و جبال البرد و الهوى و حجب النور و الكرسي عند العرشي كحلقة في فلاة قيّ، و تلا هذه الاية اَلرَّحْمٰنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوىٰ، و في رواية الحسن الحجب قبل الهوى الذي تحار فيه القلوب، و اذا كان الحال على هذا المنوال فأين الملاصقة و المماسة و كيف نفوا الخلاء بدلائلهم العقلية.

و قد روى ايضا مستفيضا ان غلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام و منم بين السماء الى السماء كذلك ايضا، و من هنا الى السماء الدنيا مثلها فكيف الملاصقة و الحال كما عرفت، و القيّ بكسر القاف و التشديد المفازة الخالية من الماء و الكلاء، و قد ذهب الحكماء و متابعوهم الى ان الافلاك غير ملونة.

و استدل عليه رئيس المشككين في كتاب الملخص بدليلين الاول لو كانت الافلاك ملونة لحجبت الابصار عن رؤية ما وراها فكان يجب ان لا نرى الكواكب الثاني الافلاك بسيطة و البسيط لا لون له، و الجواب عن الاول على طريقتهم انا لا نسلمّ ان كل لون حاجب فان الماء له لون و لذلك يرى و كذلك الزجاج و البلور و هما لا يحجبان، مع ان هذا الدليل لا يجري في الفلك الاعظم و عن الثاني بمنع كلية الصغرى و ينقض كلية الكبرى بالقمر و اما على طريقة الشرع فمنع الثاني ظاهر لان الاخبار على ما عرفت انما هي دالة على عدم بساطة الافلاك بل على تركبها و تلونها كل سماء بلون كما في حديث امير المؤمنين عليه السّلام السابق.

و اما الاول فلا نسلم ان الثوابت في الفلك الثامن فان في الاخبار ما ينافيه صريحا و ان بيننا و بين الفلك الثامن جبالا و بحورا و اجساما كثيفة تمنع مما قالوه مع ان قوله عز من قائل انا زيّنا السماء الدنيا بزينة الكواكب، و كذا قوله تعالى انا زَيَّنَّا اَلسَّمٰاءَ اَلدُّنْيٰا بِمَصٰابِيحَ وَ جَعَلْنٰاهٰا رُجُوماً لِلشَّيٰاطِينِ، ظاهر في ان هذه الكواكب انما هي في السماء الدنيا لا غير و مال الى هذا شيخنا البهائي (ره) و كذا بعض مفسري الجمهور، و ما ذكره المنجمّون و الحكماء من ترتيب الكواكب في الافلاك

ص:120

لك يدلّ عليه دليل من الشرع بل الاخبار على خلافه، و نقلها يفضي الى التطويل لان موضوع الكتاب ليس للمباحثة معهم و انما موضوعه نقل الكائنات في الافلاك و ارضين على طريقة الشرع، لكن لزم منم هذا ابطال مذاهبهم المأخوذة من الحدس و الرياضة اذا عرفت هذا.

فاعلم ان الظاهر من هذه الاخبار و غيرها هو ان السموات طبقات كما ان الارض طبقات لكن روى علي بن ابراهيم عن ابيه عن الحسين بن خالد عن الرضا عليه السّلام قال قلت له اخبرني عن قول اللّه و السماء ذات الحبك، فقال هي محبوكة الى الارض، و شبك بين اصابعه فقلت كيف تكون محبوكة الى الارض و اللّه يقول رفع السموات بغير عمد ترونها فقال سبحان اللّه أ ليس يقول بغير عمد ترونها قلت بلى قال فثمّ عمد و لكن لا ترونها قلت كيف ذلك جعلني اللّه فداك، قال فبسط كفه اليسرى ثم وضع اليمنى عليها فقال هذه ارض الدنيا و مساء الدنيا عليها فوقها قبّة و الارض الثانية فوق سماء الدنيا و سماء الثانية فوقها قبّة، و الارض الثالثة فوق سماء الثانية و سماء الثالثة فوقها قبة، و الارض الرابعة فوق سماء الثالثة، و مساء الرابعة فوقها قبة، و الارض الخامسة فوق سماء الرابعة و سماء الخامسة فوقها قبة، و الارض السادسة فوق سماء الخامسة و سماء السادسة فوقها قبة و الارض السابعة فوق سماء السادسة و سماء السابعة فوقها قبة و عرش الرحمن تبارك و تعالى فوق السماء السابعة، و هو قول اللّه تعالى اَلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ وَ مِنَ اَلْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ اَلْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ فاما صاحب الامر فهو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الوصي بعد رسول اللّه قائم هو على وجه الارض، فانما يتنزل الامر اليه من بين السموات و الارضين قلت فما تحتنا الا ارض واحدة، فقال ما تحتنا الى ارض واحدة و ان الست كلهم فوقنا.

اقول لا يخفى ما في هذا الحديث من الاشكال و عدم امكان تأويله حتى ينطبق على الاخبار و ظواهر الآيات او على اقوال الحكماء و الرياضيين، و هذا لا يوجب رده بل يجب التسليم و الانقياد له و ارجاعه الى متشابهات الاخبار، فان كلامهم صلوات اللّه عليهم كالقرآن له ظاهر و باطن، و منه محكم و متشابه و عامّ و خاصّ، و مطلق و مقيد و مجمل و مبين الى غير ذلك.

نعم قد وقع الخلاف بين ارباب الرياضي في الارضين السبع، فقال بعضهم بأنها طبقات سبع كما هو مدلول الاخبار، و منهم من قال انها طبقة واحدة لكن تعددها باعتبار الاقاليم السبعة، و آخرون ذهبوا الى انها ثلث طبقات الارض الصرفة البسيطة و الطينية و الظاهرة التي على وجه الارض و هي مع كرة الماء كرة واحدة و ثلث كرات الهوى و كرة النار و منهم من جعل الارض كرتين البسيطة و غيرها، و الماء كرة و منهم من قسّم الهوا كرتين، و منهم من قسمها اربع كرات، و هذه الوجوه لا ينطبق شيء منها على ظواهر الاخبار.

ص:121

نور عرشي

يكشف عن بعض احوال العرش و الكرسي

اعلم ان العرش في اصطلاح الحكماء و متابعيهم هو الفلك التاسع كما عرفت، و هو المحيط بكل المخلوقات و ليس فوقه شيء و لذا سموه محدد الجهات و منتهى الاشارة، و اما في اصطلاح اهل الشرع، فيقال على معان:

اولها علم اللّه عز و جل المحيط بكل شيء كاحاطة العرش الحسي بكل المخلوقات كما روينا في الاحاديث عن الصادق عليه السّلام في قول اللّه عز و جل وَسِعَ كُرْسِيُّهُ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ، فقال السموات و الارض و ما بينهما في الكرسي، و العرش هو العلم الذي لا يقدر احد قدره، هذا العرش هو المراد من قوله سبحانه وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فزقهم يَوْمَئِذٍ ثَمٰانِيَةٌ فقد روى ان الثمانية الذين يحملون هذا العرش يوم القيامة اربعة من الاولين و اربعة من الاخرين فاما الاولون فهم نوح و ابراهيم و موسى و عيسى، و اما الاخرون فهم محمد صلّى اللّه عليه و آله و علي و الحسنان عليهم السّلام لانهم عن حمل العرش بمعنى الجسم المخصوص في شغل شاغل، و قال الصدوق (ره) في الاعتقادات و انما صار هؤلاء حملة العلم لان الانبياء الذين كانوا قبل نبينا صلّى اللّه عليه و آله كانوا على شرائع الاربعة نوح و ابراهيم و موسى و عيسى، و عن قبل هؤلاء صارت العلوم اليهم و كذلك صار العلم من بعد محمد صلّى اللّه عليه و آله لعلي و ابنيه.

و ثانيها الملك كما رواه ابن سدير قال سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن العرش و الكرسي فقال ان للعرش صفات كثيرة مختلفة، له في كل سبب و وضع في القرآن صفة على حدة فقوله رب العرش العظيم يقول الملك العظيم.

و ثالثها عالم الامكان و هو ما سوى اللّه سبحانه، روى في تفسير قوله تعالى اَلرَّحْمٰنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوىٰ، قال على كل شيء فليس شيء اقرب اليه من شيء و ذلك ان عرش السلطان هو محل جلوسه و مظهر عظمته، و هنا كل ذرة من ذرات المخلوقات فيها من الشواهد على غرائب صنعه و ظهور قدرته ما لا يدخل تحت العدّ و الاحصاء.

و في كل شيء له آية تدلّ على انه واحد

فكل مخلوق عرش له تعالى

و رابعها صفات الجلال و الاكرام فانها مظهر قدرته و اسباب عظمته.

و خامسها قلوب عباده المؤمنين فان كل قلب منها عرش لمحل معرفته و معدن عظمته، و في الحديث القدسي لا تسعني ارضي و لا سمائي و لكن وسعني قلب عبدي المؤمن و من هذا روى ان

ص:122

التفريق بين يوسف و يعقوب هو ان يعقوب قد شغف بحبّ يوسف فأدخل البيت غير صاحبه فرماه اللّه سبحانه بأيدي الفراق، و سمعت مشافهة من شيخنا الاجل صاحب التفسير الموسوم بنور الثقلين ان العرش يطلق في اصطلاح الاخبار على ستين معنى و لعله قال سبعين.

و سادسها المعنى المبحوث عنه هنا و هو الجسم العظيم المحيط بالسموات و الارضين و الكرسي ايضا على ما عرفت من الاخبار السابقة، و في بعضها ان الكرسي شامل للعرش و هو فوقه، و حينئذ فيحمل على احد معاني العرش غير الجسم المحيط مما يناسبه و روى الصدةق طاب ثراه باسناده الى ابي الصلت الهروي قال سأل المأمون ابا الحسن الرضا عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل وَ هُوَ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّٰامٍ وَ كٰانَ عَرْشُهُ عَلَى اَلْمٰاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً فقال ان اللّه تبارك و تعالى خلق العرش و الماء و الملائكة قبل خلق السموات و الارض و كانت الملائكة تستدل بانفسها و بالعرش و بالماء على اللّه عز و جل ثم جعل عرشه على الماء ليظهر بذلك قدرته للملائكة فتعلم انه على كل شيء قدير ثم رفع العرش بقدرته و نقله فجعله فوق السموات السبع، ثم خلق السموات و الارض في ستة ايام و هو مستولي على عرشه و كان قادرا على ان يخلقها في طرفة عين و لكنه عز و جل خلقها في ستة ايام ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شيء، فتستدلّ بحدوث ما يحدث على اللّه تعالى ذكره، و قيل انه سبحانه علّم خلقه التثبت و الرفق في الامور و روى ذلك عن سعيد بن جبير.

اقول و هذا الجسم العظيم قد خلق من النور كما دلت عليه الاخبار الكثيرة و في بعضها انه مخلوق من الهوى كما تقدم، و لا منافاة بينهما لا مكان ان يكون مركبا من الامرين الا ان الدزء الغالب فيه هو النور، فلذا اضيف اليه و كذلك الكرسي، و في الرواية عن الباقر عليه السّلام عن علي بن الحسين عليهما السّلام قال ان اللّه عز و جل خلق العرش ارباعا لم يخلق قبله الا ثلاثة اشياء الهواء و القلم و النور، ثم خلقه من انوار مختلفة فمن ذلك النور نور اخضر اخضرت منه الخضرة، و نور اصفر اصفرت منه الصفرة، و نور احمر احمرت منه الحمرة، و نور ابيض و هو نور الانوار و منه ضور النهار، ثم جعله سبعين الف طبق غلظ كلّ طبق كأول العرش الى اسفل الاسفلين ليس من ذلك طبق الا يسبح بحمد ربه و يقدسه باصوات مختلفة و السنة غير مشتبهة، و لو اذن للسان منها فأسمع شيئا مما تحته لهدم الجبال و المدائن و الحصون و لخسف البحار و لا هلك ما دونه، له ثمانية اركان على كل ركن منها من الملائكة ما لا يحصى عدهم الا اللّه عز و جل يسبحون الليل و النهار لا يفترون و لو حسّ شيء مما فوقه ما قام لذلك طرفة عين بينه و بين الاحساس الجبروت و الكبرياء و العظمة و القدس و الرحمة، ثم العلم و ليس هذا مقال و ليسا في التركيب من الدخان كالسماوات السبع.

ص:123

و اما كيفية عظمة هذا الجسم فلا يحيط بها الا علاّم الغيوب، و في الخبر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لما خلق اللّه تعال العرش خلق له ثلثمائة و ستين الف ركن، و خلق عند كل ركن ثلثمائة و ستين الف ملك لو اذن اللّه لاصغرهم ان التقم السموات السبع ما كان ذلك بين لهاته الا كالرملة في المفازة الغضغاضة (1)فقال اللّه تعالى لهم يا عبادي احملوا عرشي هذا فتعاطوه فلم يطيقوا حمله و لا تحريكه، فخلق اللّه مع كل واحد منهم واحدا فلم يقدروا ان يزعزعوه (2)فخلق اللّه مع كل واحد عشرة فقلم يقدروا ان يحركوه، فخلق بعدد كل واحد منهم مثل جماعتهم فلم يقدروا ان يحركوه، فقال عز و جلّ لجميعهم خلّوه عليّ امسكه بقدرتي فخلوه فأمسكه بقدرته، ثم قال لثمانية منهم احملوه انتم فقالوا لم نطقه و هذا الخلق الكثير و الجم العفير فكيف نطيقه الان دونهم فقال اللّه عز و جل ذلك لاني انا اللّه المقرب للبعيد و المذلل للعنيد و المخفف للشديد و المسهل لعسير افعل ما اشاء و احكم ما اريد اعلمكم كلمات تقولون بها يخفف عنكم قالوا و ما هي يا ربنا قال تقولون بسم اللّه الرحمن الرحيم و لا حول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم و صلّى اللّه على محمد و يله الطيبين الطاهرين، فقالوها فحملوه و خفّ على كواهلهم كشعرة نابتة على كاهل رجل جلد قوي، فقال اللّه لسائر تلك الاملاك خلّوا على هؤلاء الثمانية عرشي ليحملوه و طوفوا انتم حوله و سبحوني و مجدوني و قدسوني فاني انا اللّه القادر على ما رأيتم و على كل شيء قدير.

و عن الصادق عليه السّلام ان حملة هذا العرش اربعة املاك احدهم على صورة آدم يسترزق اللّه سبحانه لبني آدم و الثاني على صورة الديك يسترزق اللّه سبحانه للطيور و الثالث على صورة الاسد يسترزق اللّه سبحانه للسباع، و الرابع على صورة الثور يسترزق اللّه سبحانه للبهائم، و هو قد نكس راسه حياء من اللّه تعالى من عبد بنو اسرائيل العجل، و لا تنافي بين الاخبار لجواز ان يكونوا اربعة في وقت و ثمانية في وقت آخر.

و روى عن زين العابدين عليه السّلام انه قال ان للّه ملكا يقال له خرقائيل له ثمانية عشر الف جناح، ما بين الجناح الى الجناح خمسمائة عام فخطر له خاطر هل فوق العرش فزاده اللّه تعالى مثلها اجنحة اخرى، فكان له ست و ثلاثون الف جناح ما بين الجناح الى الجناح خمسمائة عام، ثم اوحى اللّه اليه ايها الملك طر، فطار مقدار عشرين الف عام لم ينل قائمة من قوائم العرش ثم ضاعف اللّه له في الجناح و القوة و امره ان يطير فطار مقدار ثلاثين الف عام لم ينل ايضا، فأوحى اللّه اليه ايها الملك اوطرت الى نفخ الصور مع اجنحتك و قوتك لم تبلغ الى ساق عرشي، فقال الملك سبحان ربي الاعلى.

ص:124


1- 44) غضغف الماء: نقصه و تغضغض الماء نقص و غاض.
2- 45) أي يحركوه زعزعة زعزعة حركة شديدا.

و عن الصادق عليه السّلام انه قال في العرش تمثال جميع ما خلق اللّه في البر و لبحر قال و هذا تأويل و ان من شيء الا عندنا خزائنه، و ان بين القائمة من قوائم العرش و القائمة الاخرى خفقان الطير المسرع مسير الف عام، و العرش يكسى كل يوم سبعين الف لون من النور لا يستطيع ان ينظر اليه خلق من خلق اللّه سبحانه و في الخبر عن الصادق عليه السّلام قال ان للعرش صفات كثيرة مختلفة له في كل سبب و وضع في القرآن صفة على حدة فقوله رب العرش العظيم، يقول اللّه الملك العظيم و قوله الرحمن على العرش استوى يقول على الملك احتوى و هذا ملك الكيفوفة في الاشياء ثم العرش في الاصل منفرد عن الكرسي لانهما بابان من اكثر ابواب الغيوب و هما جميعا غيبان و هما في الغيب مقرونان لان الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع و منه الاشياء كلها و العرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف و الكون و القدر و الحد و الاين و المشيئة و صفة الارادة و علم الالفاظ و الحركات و الترك و علم العود و البدء و هما في العلم بابان مقرونان لان ملك العرش سوى ملك الكرسي و علمه اغيب من علم الكرسي فمن ذلك قال رب العرش العظيم، أي صفته اعظم من صفة الكرسي و هما في ذلك مقرونان قلت جعلت فداك فلم صار في الفضل جار الكرسي، قال انه صار جاره لان علم الكيفوفية فيه و فيه الظاهر من ابواب البدع و اينيتها و حدّ رتقها و فتقها فهذان جاران احدها حمل صاحبه في الظرف الحديث.

نور حجابي يكشف عن بعض ما فوق العرش

قد عرفت ان الحما و الرياضيين و المنجمين و كثيرا من علماء الاسلام قد ذهبوا الى ان العرش هو منتهى المخلوقات و ليس فوقه شيء و قد اكثروا عليه من الدلائل و ليس دلائلهم هذا الا كدلائلهم على الاحكام السابقة التي كذبهم فيها القرآن و السنة المتواترة نعم العرش منتهى مسافة العقول و الافهام فلا تصل الى ما هو فوقه و لا حامت حول الكلام فيه و العرش في جهة الفوق كالثرى في جهة التحت، و قال الصادق عليه السّلام ذا انتهى الكلام الى الثرى فقد انقطع علم العلماء، و الظاهر ان المراد كون الثرى و العرش نهايتين للعلم الكسبي الذي يمكن محاولته بالفكر و النظر و ان كان بعضه صحيحا و الاخر باطلا فان العقول تتفاوت في الادراك و الاوهام تزيد و تنقص لاسبابها المألوفة كما قرر في محله.

و اما العلم الالهي الذي اتاه النبي و اهل بيته عليهم السّلام فق تجاوزا العرش و تحت الثرى، فقد روى عن الطاهرين عليهم السّلام ان اللّه تعالى خلق مائة الف قنديل و علقها، و العرش و السموات و الارض و ما فيها حتى الجنة و النار كلها في قنديل واحد و لا يعلم ما في القناديل الباقية الا اللّه، و روى الصدوق قدس اللّه روحه عن الرضا عليه السّلام انه قال أ ترى ان اللّه لم

ص:125

يخلق بشرا غيركم بلى و اللّه لقد خلق الف الف عالم و الف الف آدم انت في آخر تلك العوالم و اولئك الادميين.

و روى الصادق عليه السّلام انه قال ان الشمس تقطع اثنى عشر برجا و اثنى عشر برا و اثنى عشر بحرا و اثنى عشر عالما، و قال عليه السّلام ان اللّه خلق اثنى عشر الف عالم كل عالم منهم اكبر من سبع سموات و سبع ارضين ما يرى عالم غيرهم و اني الحجة عليهم، و لا يخفى ان هذه العوالم لا يكون الا فوق السموات و الاول صريح في كونها فوق العرش و ان العرش في بطن القناديل، فسبحان من جلت عظمته و منعت حوزته.

قال محيي الدين بن العربي في الباب الثامن من الفتوحات ان من جملة العوالم عالما على صورنا اذا ابصره العارف يشاهد نفسه فيه، و قد اشار الى ذلك عبد اللّه بن عباس فيما روى عنه في حديث الكعبة انها بيت واحد من اربعة عشر بيتا، و ان في كل من الارضين السبع خلقا مثلنا حتى ان فيهم ابن عباس مثلي، و صدقت هذه الرواية عند اهل الكشف و كلما فيه حي ناطق و هو باق لا يتبدل، و اذا دخله العارفون فانما يدخلونه بارواحهم لا بأجسامهم فيتركون هياكلهم في هذه الارض و يتجردون، و فيها مدائن لا تحصى و بضها تسمى مدائن النور لا يدخلها من العارفين الا كل مصطفى مختار و كل حديث و آية وردت عنها مما صرفها العقل عن ظاهرها وجدناها على ظاهرها في هذه الارض، انتهى.

و هذا العالم تسميه حكماء الاشراق الاقليم الثامن و عالم المثال و عالم الاشباح قال التفتازاني في شرح المقاصد و على هذا بنوا امر المعاد الجسماني فان البدن المثالي الذي تتصرف فيه النفس حكمه حكم البدن الحسي في ان له جميع الحواس الظاهرة و الباطنة فتلتذ و تتألم باللذات و الالام الجسمانية.

و قال صاحب شرح حكمة الاشراق ان الصور الخيالية لا يكون موجودة في الاذهان لامتناع انطباع الكبير في الصغير، و لا في الاعيان و الا لرءاها كل سليم الحس، و ليست عدما محضا و الا لما كانت متصورة و لا متميزا بعضها عن بعض، و لا محكوما عليها بأحكام مختلفة، و اذا هي موجودة فليست في الاعيان و لا في الاذهان و لا في عالم العقول لكونها صورا جسمانية لا عقلية فبالضرورة تكون موجودة في صقع، و هو عالم يسمى بالعالم المثالي و الخيالي متوسط بين عالمي العقل و الحس لكونه بالرتبة فوق عالم الحس و دون عالم العقل لانه اكثر تجردا من الحس و اقل تجردا من العقل، و فيه جميع الاشكال و الصور و المقادير و الاجسام و ما يتعلق بها من الحركات و السكنات و الاوضاع و الهيئة و غير ذلك قائمة بذاتها متعلقة لا في مكان و محل، و اليه الاشارة بقوله و الحق في صور المرايا و الصور الخيالية انها ليست منطبعة، أي في المرأة و الخيال لا في غيرهما، بل

ص:126

هي صياصي أي ابدان معلقة في عالم المثل ليس لها محل لقيامها بذاتها و قد يكون لها أي لهذه الصياصي المعلقة لا في مكان مظاهر و لا يكون فيها لما بينا فصور المرءاة مظهرها المرءاة و هي معلقة لا في مكان و لا في محل، و صور الخيال مظهرها الخيال و هي معلقة لا في محل.

و اما الحجب فهي قسمان قسم منها تحت العرش و قسم منها فوقه روى الصدوق (ره) مسند الى وهب قال سئل امير المؤمنين عليه السّلام عن الحجب فقال اول الحجب سبعة، غلظ كل حجاب منها مسيرة خمسمائة عام و طوله خمسمائة عام حجبة كل حجاب منها سبعون الف ملك قوة كل لك منها قوة الثقلين، منها ظلمة و منها نور و منها دخان و منها سحاب و منها رعد و منها برق و منها ضوء و منها رمل، و منها جبل و منها عجاج و منها ماء و منها انهار، و هي حجب مختلفة غلظ كل حجاب مسيرة سبعين الف عام، ثم سرادقات الجلال و هي ستون سرادقا في كل سرادق سبعون الف ملك بين كل سرادق و سرادق مسيرة خمسمائة عام، ثم سرادق الفخر ثم سرادق الكبرياء ثم سرادق العظمة ثم سرادق القدس ثم سرادق الجبروت ثم سرادق الفخر ثم سرادق النور الابيض ثم سرادق الوحدانية و هي مسيرة سبعين الف عام، ثم الحجاب الاعلى و انقضى كلامه و سكت عليه السّلام ثم قال عمر لا بقيت ليوم لا اراك فيه يا ابا الحسن و قال عليه السّلام ان للّه سبعين الف حجاب من نور لو كشف منها حجاب واحد لاحرقت سبحات جلاله ما في الكونين، و الاخبار الواردة في هذا الباب كثيرة، فدلّ هذا و امثاله على ان العرش ليس هو منتهى المخلوقات بل فوقه ما هو اعظم منه بمراتب غير متناهية فلا تغفل.

نور قمري يتعلق باحوال القمر

اعلم ان الذي بينوه هو ان نور القمر مستفاد من نور الشمس و مستضيء به و يزيد و ينقص نوره بالقرب من الشمس و البعد عنها كما هو مذكور في كتب الهيئة، و من هذا تمت المشابهة في تفسير قوله تعالى و الشمس و ضحها و القمر اذا تليها، بان المراد من الشمس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و من القمر امير المؤمنين عليه السّلام فان نور علمه مأخوذ من نور علم النبي صلّى اللّه عليه و آله، و لكن سيأتي ان شاء اللّه تعالى في الاخبار ما يدل على ان للقمر نورا ذاتيا غير مأخوذ من غيره، و لا منافاة بينهما لجواز اجتماع النورين فيه كما اجتمعا في المشبه الذي هو علي عليه السّلام فان اللّه تعالى قد أتاه من العلم فنونا كثيرة فأكملها النبي صلّى اللّه عليه و آله في حياته و عند وفاته حيث ادخله تحت ثيابه، و لما خرج قيل له يا علي ما قال لك ابن عمك قال علمني الف باب من العلم ينفتح من كل باب الف باب.

و اما مادة القمر و اجزاؤه فقد عرفت اجماع الفلاسفة و متابعيهم على بساطة الكواكب و عدم تركبها و اما اخبار اهل البيت عليهم السّلام فقد روى الصدوق طاب ثراه باسناده الى ابن

ص:127

مسلم قال قلت لابي جعفر عليه السّلام جعلت فداك لاي شيء صارت الشمس اشد حرارة من القمر، فقال ان اللّه تبارك و تعالى خلق الشمس من نور النار و صفو الماء طبقا من هذا و طبقا من هذا حتى صارت سبعة اطباق البسها لباسا من نار، فمن صارت اشد حرارة من القمر و خلق القمر من نور النار و صفوا الماء طبقا من هذا و طبقا من هذا حتى صارت سبعة اطباق البسها لباسا من ماء، فمن ثم صار القمر ابرد من الشمس، و يجوز ان يكون التركيب من الاطباق السبع لاستضائة السموات السبع، و اما العرش و الكرسي فلهما نور غيرهما هذا كما سيأتي.

فان قلت اذا كان وجه القمر من صافي الماء فما هذا السواد و الكلف الذي على وجه القمر قلت قد تحيّر ارباب علم الفلك في سببه على اقوال سبعة، الاول ما قيل انه خيال لا حقيقة له، و رد بأنه لو كان كذلك لاختلف الناظرون فيه لاستحالة توافقهم كلهم في خيال واحد، الثاني ما قيل من انه شبح ما ينطبع فيه من السفليات من الجبال و البحار و غيرهما و اجيب عنه بأنه يلزم ان تختلف القمر في قربه و بعده و انحرافه عما ينطبع فيه.

الثالث انه السواد الكائن في الوجه الاخر و ردّ بأنه يجب على هذا ان لا يرى هذا متفرقا، الرابع ان سببه التأذي من كرة النار لقرب ما بينهما و اجاب عنه ابن سينا في شفائه بأن هذا لا يلائم الاصول الحكمية، فان الاجرام الفلكية لا تفعل عن الاجسام العنصرية و ايضا قالوا ان الفلك غير قابل للتسخنّ عندهم الخامس ان جزء منه لا يتقبل النور كسائر اجزائه القابلة له قلنا فاذن لا يطرد القول ببساطة الفلكيات كما زعمتم اذ القمر حينئذ مركب من اجزاء متخالفة الحقايق، و يبطل على هذا جميع قواعدهم المبينة على بساطتها.

السادس هو وجه القمر فانه مصوّر بصورة انسان أي بصورة وجه الانسان، فله عينان و حاجبان و أنف و فم، و ردّ بأه يلزم ان يتعطل فعل الطبيعة عندهم، لان لكل عضو طلب نفع او دفع ضرر، فان الفم لدخول الغذا و الانف لفائد الشم و الحاجبين لدفع العرض عن العينين، و ليس القمر قابلا لشيء من ذلك فيلزم التعطيل الدائم فيما زعمتم انه أحسن النظام و ابلغه، السابع و هو الذي اختاره صاحب التذكرة و كثير من المتأخرين ان هذا الكلف اجسام سماوية مختلفة مععه في تدويره غير قابلة للانارة بالتساوي حافظة لوضعها معه دائما، فاذا كانوا على هذا النحو من الاختلاف في جزئي من جزئيات الكواكب فكيف اطلعوا على كلياتها و احاطوا بها، ما هذا إلاّ رجم بالغيب و قول مستند الى الريب.

و اما سببه من طريق الاخبار فروى الصدوق قدس اللّه روحه مسندا الى يزيد بن سلام قال ما بال الشمس و القمر لا يستويان في الضوء و النور، قال لما خلقهما اللّه عز و جل اطاعا و لم

ص:128

يعصيا شيئا فأمر اللّه عز و جل جبرئيل ان يمحو ضوء القمر فمحاه فأثر المحو في القمر خطوطا سوداء و لو ان القمر ترك على حاله بمنزلة الشمس لما عرف الليل من النهار و لا النهار من الليل.

و روى القاسم بن معاوية قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام هؤلاء يروون حديثا في معراجهم أنه لما اسرى برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رأى على العرش لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه ابو بكر الصديق فقال سبحان اللّه غيروا كل شيء حتى هذا قلت نعم قال ان اللّه عز و جل لما خلق العرش كتب عليه لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه و لما خلق الماء كتب في مجراه لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه علي امير المؤمنين و لما خلق اللّه عز و جل الكرسي كتب على قوائمه لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه علي امير المؤمنين، و لما خلق اللّه عز و جل اللوح كتب فيه لا الا اللّه محمد رسول اللّه علي امير المؤمنين، و لما خلق اللخ اسرافيل كتب على جبهته لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه علي امير المؤمنين و لما خلق السموات كتب على اكنافها لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه علي امير المؤمنين، و لما خلق اللّه عز و جل الارضين كتب على اطباقها لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه علي امير المؤمنين، و لما خلق اللّه عز و جل الجبال كتب على رؤسها لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه علي امير المؤمنين، و لما خلق اللّه عز و جل القمر كتب عليه لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه علي امير المؤمنين، و هو السواد الذي ترونه في القمر، فاذا قال احدكم لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه فليقل علي امير المؤمنين و لا منافاة بين هذين الخبرين لجواز ان يكون المحو الواقع في حديث الاول بهذه الكتابة الواقعة في الحديث الثاني، و اما عدم مشاهدة هذا السواد في جرم الشمس فلعله باعتبار زيادة نورها لا يرى ما في وجهها كما هو شأن الاجسام المضيئة.

و قد وقع الخلاف بين اهل صناعة الفلك في ان فلك الشمس هو هو فوق فلك الزهرة و عطارد او تحتهما، و ذلك لما عرفت من ان الشمس عندهم لا تنكسف الا بالقمر و لا يتصور كسفها بشيء من الكواكب لانها تستتر بشعاعها، و من هذا ارجعوا الترتيب الى شمسة القلادة لكن قال ابن سينا و جماعة انهم رأوا الزهرة في وجه الشمس كالشامة كاسفة لها، و ذهب مؤيد الدين العرضي و صاحب التحفة الى ان فلك الزهرة دون فلك عطارد و فوق فلك الشمس، و كذبّوا ابن سينا فيما زعم، و قالا ان في وجه الشمس نقطة سوداء فوق مركزها بقليل كالمحو في وجه القمر، فهذه النقطة هي الشامة و اما الشامتان فجاز ان تكون احديهما هذه النقطة و الاخرى عطارد هذا كلامهم.

اقول بناء على هذه الاخبار يجوز ان يكون ذلك السواد المشاهد على وجه الشمس هو هذا المكتوب فتارة يشاهد نقطة و تارة يشاهد نقطتان، و هذا المحو الذي في القمر هو احد معاني

ص:129

قوله عز من قائل فمحونا آية الليل و جعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم، و يستفاد من قوله عليه السّلام اذا قال احدكم لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه فليقل علي امير المؤمنين، عموم استحباب المقارنة بين اسميهما عليهما السّلام الا ما اخرجه الدليل كالتشهدات الواجبة في الصلوة لانها وظائف شرعية، و اما الاذان فهو و ان كان من مقدمات الصلوة الا انه مخالف لها في اكثر الاحكام، فلا يبعد القول من هذا الحديث باستحباب لفظ علي و لي اللّه أو امير المؤمنين او نحو ذلك في الاذان لان الغرض الاتيان بأسمه كما لا يخفى.

و يؤيد هذا ما رأيته في الطيف ليلة عيد شهر رمضان المبارك و الظاهر انها كانت ليلة الجمعة و قد حصل لي في النهار انكسار و خشوع و تضرع، فرأيت كأني في بريّة واسعة و اذا فيها بيت واحد الناس تقصده من كل طرف فقصدته معهم فرأيت رجلا جالسا على باب ذلك البيت و هو يفتي الناس بالمسائل فسألت عنه فقالوا هذا هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأستفرجت الناس و تقدمت اليه صلّى اللّه عليه و آله فقلت له يا جدّه انه قد انتهى اليّ دعاء من جنابكم انه يقرأ اول الصلوة، و هو اللهم اني اقدم اليك محمدا بين يدي حاجتي و أتوجه به اليك الدعاء، و لم يذكر مع اسمك المبارك اسم علي بن ابي طالب و الفقير يقرن بين اسميكما و يخاف ان يكون قد ابدع في الدعاء حيث انه لم ينقل اليه عنكم الا كما قلت، فقرن بين اصبعيه على ما اظن و قال ان ذكر اسم علي مع اسمي ليس ببدعة، و الظاهر انه امرني بما ورد في هذا الحديث من انك اذا ذكرت اسمي فاذكر معه اسم علي فلما تيّقظت رأيت ذلك الدعاء في بعض الكتب و فيه اسم علي عليه السّلام و الذي يأتي على هذا ان يذكر اسم علي عليه السّلام في الاذان و ما شابهه نظرا الى استحباب العام و لا يقصد انه وظيفة شرعية في خصوص هذا الموضع، و هكذا الحال في اكثر الاذكار مثلا قول لا اله الا اللّه مندوب اليه في كل الاوقات، فلو خصّ منه عدد في و م معين لكان قد ابدع في الذكر و كذا سائر العبادات المستحبة فتأمل.

بقي الكلام في خسوف القمر فقد قال الرياضيون السبب فيه انه قد يكون القمر مقابلا للشمس بقرب العقدتين فتكون الارض حينئذ واقعة بينه و بين الشمس فتمنع الارض ضوءها عنه فيرى كما هو لونه الاصلي، و لان جرم الارض كثيرا من جرم الشمس و ذكروا انه يقابل جرم الارض بثلثمائة مرة فيقع الظل الناشئ من الارض مخروطا قاعدته دائرة صغيرة على الارض و رأسه على محاذاة جزء من اجزاء فلك البروج مقابلا لجزء منه حلّ فيه الشمس، فان لم يكن للقمر في حال المقابلة عرض بأن يكون في احدى العقدتين انخسف كله لانه اصغر من الارض، بل من غلظ الظل حيث وصل اليه فيقع كله في داخله و مكث فيه زمانا، و ان كان له عرض فان كان ذلك العرض بقدر نصف قطر صفحة القمر و نصف قطر دائرة الظل لم ينخسف، و ان كان ذلك

ص:130

العرض اقلّ من مجموع النصفين انخسف بعضه، و ذلك بقدر تقاطع القطرين أي تلاقيهما و تداخلهما، فان فرض ان هذا العرض الاول يساوي فضل نصف قطر الظل على نصف قطر القمر انخسف كله و ماسّ سطحه دائرة الظل من داخل و لم يكن له مكث، و ان كان اقل من ذلك الفضل انخسف بتمامه و مكث بحسب وقوعه في الظل هذا محصّل ما قالوه في خسوف القمر.

و اما كسوف الشمس فقالوا انه عند اجتماع القمر بالشمس في النهار اجتماعا مرئيا لا حقيقيا، ان لم يكن للقمر عرض مرئي يحجب بيننا و بين الشمس لوقوعه على الخط الخارج من ابصارنا اليها، فلم نر ضوء الشمس بل نرى لون القمر الكمد في وجه الشمس، فنظن ان الشمس ذهب ضوئها و هو الكسوف، ليس الكسوف تغيّر حال في ذات الشمس كالخسوف في ذات القمر، و لذلك امكن ان يقع كسوف بالقياس الى قوم دون قوم و يكون ذلك بقدر صفحة القمر فربما انكسف الشمس كلها، ان كان اصغر منها و ذلك لانه اقرب الين-ا فيؤثر قطره الزواية تؤثرها الشمس كاملا فتحجب به عنا بتمامها.

و ربما يكون الشمس وقت انكسافها في حضيضها فلقربها منا ترى اكبر و يكون القمر حينئذ في اوجه فلبعده عنا يرى اصغر فلا يكسف جميع صفحتها، بل يبقى منها حلقة نور محيط، به و قد قيل ان تلك الحلقة النورانية رأت على وجهها في بعض الكسوفات مع ندرته و ان كان للقمر في ذلك الاجتماع عرض مرئي، فان كان ذلك العرض بقدر مجموع نصف قطرهما لم يكسفها، و ان كان اكثر منهما فبالطريق الاولى، و ان كان اقل منهما كسفها بقدر ذلك، هذا حاصل كلامهم في الكسوفين.

و اما الذي ورد في الاخبار عن الائمة عليهم السّلام فروى الصدوق طاب ثراه عن زين العابدين عليه السّلام انه قال ان من الآيات التي قدّرها اللّه عز و جل للناس مما يحتاجون اليه البحر الذي خلقه اللّه بين السماء و الارض، قال و ان اللّه تعالى قد قدر منها مجاري الشمس و القمر و النجوم و قدّر ذلك على الفلك، ثم و كلّ بالفلك ملكا معه سبعون الف ملك يديرون الفلك، فاذا اداروه دارت الشمس و القمر و النجوم معه فنزلت منازلها التي قدرها اللّه تعالى ليومها و ليلتها، فاذا كثرت ذنوب العباد و احبّ اللّه ان يستعتبهم بآية من آياته امر الملك الموكل بالفلك ان يزيل الفلك عن مجاريه، قال فيأمر الملك السبعين الالف الملك ان يزيلوا الفلك عن مجاريه قال فيزيلونه فتصير الشمس في ذلك البحر الذي كان فيه الملك، فيطمس ضوئها و يتغير لونها فاذا اراد اللّه عز و جل ان يعظم الاية غمست في البحر على ما يجب ان يخوف عباده بالاية قال و ذلك عند انكساف الشمس و كذلك يفعل بالقمر، فاذا اراد اللّه عز و جل ان يجريها و يردّها الى مجريها امر الملك الموكل بالفلك ان يردّ الفلك الى مجراه فيرد الفلك و ترجع الشمس الى مجريها، قال فتخرج من الماء

ص:131

و هي كدرة و القمر مثل ذلك، قال علي بن الحسين عليهما السّلام اما انه لا يفزع للايتين و لا يرهب الا من كان من شيعتنا، فاذا كان ذلك منهما فافزعوا الى اللّه تعالى و راجعوه.

قال الصدوق (ره) ان الذي يخبر به المنجمون من الكسوف فيتفق على ما يذكرونه ليس من هذا الكسوف في شيء و انما يجب الفزع الى المساجد و الصلوة عند رؤيته، لانه مثله في المنظر و شبيه له في المشاهدة كما ان الكسوف الواقع مما ذكره سيد العابدين عليه السّلام انما وجب الفزع فيه الى المساجد و الصلوة لانه آية تشبه آيات الساعات و كذلك الزلازل و الرياح و الظلم و هي آية تشبه آيات الساعة، فأمرنا بتذكر القيامة عند مشاهدتها و الرجوع الى اللّه تبارك و تعالى بالتوبة و الانابة، و الفزع الى المساجد التي هي بيوته في الارض، و المستجير بها محفوظ في ذمة اللّه تعالى ذكره.

اقول قوله عليه السّلام البحر الذي خلقه اللّه بين السموات و الارض كما تضمنه هذا الحديث موجود في كثير من الاخبار، و هو ان اللّه سبحانه خلق بحرا بين السماء و الارض و امسكه بقدرته، و هذه الخضرة التي نراها هي خصرة ماء ذلك البحر و لا يحتاج هذا و امثاله الى التأويل حتى ينطبق على مذهب الفلاسفة، لان مثله يحوج الى تأويل الاخبار كلها من غير ضرورة، و تصديق هذا ما رواه صاحب كشف الغمة باسناد الى صفوان الجمال، قال كنت ند ابي عبد اللّه عليه السّلام بالحيرة اذ اقبل الربيع، فقال أجب امير المؤمنين فلم يلبث ان عاد فقلت دعاك فأسرعت الانصراف، فقال انه سألني عن شيء فألق الربيع فاسأله عنه كيف صار الامر الذي سألني عنه قال صفوان و كان بيني و بين الربيع لطيف، فخرجت فأتيت الربيع فسألته عما دعا المنصور ابا عبد اللّه عليه السّلام لاجله، فقال الربيع اخبرك بالعجب ان الاعراب خرجوا يجتنون الكمأة فأصابوا في البدو خلقا ملقى فأتوا به فأدخلته على المنصور لاعجبه منه، فوضعته بين يديه فلما رآه قال نحّه و ادع لي جعفر بن محمد عليه السّلام فدعوته فقال يا ابا عبد اللّه أخبرني عن الهوى ما فيه، فقال في الهوى موج مكفوف فقال فيه سكان، قال نعم قال و ما سكّانه قال خلق ابدانهم خلق الحيتان رؤسهم رؤس الطير و لهم اعراف كأعراف الديكة و بغابغ كبغابغ الديكة، و اجنحة كأجنحة الطير في الوان اشد بياضا من الفضة المجلوة، فقال المنصور هلّم الطشت فجئت بها و فيها ذلك الخلق فاذا هو و اللّه كما وصف جعفر بن محمد عليهما السّلام فلما نظر اليه جعفر عليه السّلام قال هذا هو الخلق الذي يسكن الموج المكفوف، فأذن له بالانصراف فلما خرج قال ويلك يا ربيع هذا الشجا المعترض في حلقي من اعلم الناس.

و اما قوله عليه السّلام ثم وكّل بالفلك ملائكة يديرونه، فهو مما يدل على ان حركته ليست بالارادة و الاختيار منه كما قاله الفلاسفة و متابعوهم من ان الافلاك بأجمعها حيّة ناطقة عاشقة مطيعة لمبدعها و خالقها، و اكثرهم على ان غرضها من حركاتها نيل التشبيه بجانبه و التقرّب اليه جلّ شأنه، و بعضهم على ان حركاتها لورود الشوارق القدسية عليها آنا فآنا، فهي من قبيل الطرب

ص:132

و الرقص الحاصل من شدة السرور و الفرح، و قال ان البعوضة و النملة فما دونها حيّة فما ظنك بأجرام شريفة تنزل من حركاتها البركات، و هذا الكلام مصادم للاجماع و الاخبار.

اما الاول فقال علم الهدى طاب ثراه في كتاب الغرر و الدرر لا خلاف بين المسلمين في ارتفاع الحياة عن الفلك و ما يشتمل عليه من الكواكب فأنها مسخرة و مدبرة و اما الثاني فالاخبار الدالة عليه مستفيضة بل متواترة، منها ما رواه رئيس المحدثين شيخنا الكليني طاب ثراه في باب حدوث العالم عن الصادق عليه السّلام مع الزنديق، قال فيه أما ترى الشمس و القمر و الليل و النهار يلجان فلا يشتبهان و يرجعان قد اضطرا ليس لهما مكان الا مكانهما فان كانا يقدر ان على ان يذهبا فلم يرجعان و ان كانا غير مضطرين فلم لا يصير الليل نهارا و النهار ليلا إضطرا و اللّه يا أخا اهل مصر الى دوامها و الذي اضطرهما احكم منهما و اكبر الحديث.

نعم نقول ان الافلاك كغيرها من سائر الجمادات لها شعور التسبيح و الذكر و الخضوع و الانقياد لخالقها بلسان المقال لا بلسان الحال كما قاله المرتضى (ره) و شاهده قوله عز من قائل و ان من شيء الا يسبح بحمده و لكن لا تفقهون تسبيحهم، و في الخبر ان تسبيح الماء دويه و الرعد صوته و الجدار سقوطه، و قد راز عابد عابدا فلما جلس معه في البيت و اذا السقف يتقرقع فخاف الضيف، فقال له صاحب المنزل لا تخف فان هذا السقف يسبح اللّه و يعبده فقال الضيف نعم يا أخي و لكن أخاف أن تدركه الرقة فيسجد و نظر بعض الاعلام الى ظاهر الاية و قال ان تسبيح الحصا في يده صلّى اللّه عليه و آله ليس بمعجزة له، بل المعجزة هنا اسماع الصحابة ذلك التسبيح و كذلك الوحوش و الطيور و الحيتان على ما روى من ان الطير لا يقع في الحبالة الا عند غفلته عن ذكر اللّه و التسبيح، و كذلك السمك و الوحوش و الطيور.

و قوله عليه السّلام و ذلك عند انكساف الشمس و كذلك يفعل بالقمر فيه دلالة ظاهرة على ان الشمس و القمر في فلك واحد، و لا يعارض هذا سوى أقاويل المنجمين و دلائلهم و الا فقد تحققت ان الثوابت انما هي في السماء الاولى و لا نقول كل الكواكب فيها (فيه خ ل) فأنه قد روى في الاخبار ان من الكواكب ما يكون في غيرها روى الصدوق طاب ثراه بأسناده الى ابن مزاحم قال سأل علي عليه السّلام عن الطارق، قال هو احسن نجم في السماء و ليس تعرفه الناس، و انما سمى الطارق لانه يطرق نوره سماء سماء الى سبع سموات ثم يطرق راجعا حتى يرجع الى مكانه، و عن الصادق عليه السّلام انه قال لليماني ما زحل عندكم في النجوم فقال اليماني نجم نحس، فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام لا تقل هذا فأنه نجم امير المؤمنين عليه السّلام و هو نجم الاوصياء عليهم السّلام و هو نجم الثاقب الذي قال اللّه في كتابه فقال اليماني فما معنى الثاقب فقال ان مطيعه في السماء السابعة و انه ثقب بضوئه حتى اضاء في السماء الدنيا فمن ثم سماه اللّه النجم الثاقب.

ص:133

أقول يمكن ان يكون هذا هو الطارق بعينه و يكون معنى قوله عليه السّلام لا تعرفه الناس انهم لا يعرفون صفاته و علاماته و انتهاء انواره و ان عرفوا اسمه و بعض احكامه، فان الكواكب التي عرفوها بالارصاد هي السبعة السيارة و عرفوا من الثوابت الفا و اثنين و عشرين او خمسا و عشرين ثوابت، رصدوها و عينوا مواضعها طولا و عرضا بالنسبة الى منطقة البروج و اما غير المرصودة من الثوابت فغير محصورة.

و روى رئيس المحدثين شيخنا الكليني طاب ثراه عن الصادق عليه السّلام قال ان اللّه عز و جل خلق نجما في الفلك السابع فخلقه من ماء بارد و سائر النجوم الستة الجاريات من ماء حار و هو نجم الانبياء و الاوصياء و هو نجم امير المؤمنين عليه السّلام يأمر بالخروج من الدنيا و الزهد فيها و يأمر بافتراش التراب و توسد اللبن و اكل الجشب و ما خلق اللّه نجما اقرب الى اللّه منه و هذا النجم هو زحل، و فيه دلالة على خطاء المنجمين في طبائع الكواكب و في سعودها و نحوسها، فان زحل عندهم انحس الكواكب كما عرفت.

و ام قول الصدوق (ره) ان الذي يخبر به المنجمون من الكسوف فهو غير هذا فلا يخفى ما فيه اذ المنجمون يخبرون بأكثر الكسوفات بل بكلها على ما هو المشاهد منهم في هذه الاعصار، نعم قد يخبرون عنه فلا يقع و لكن كلما يقع يخبرون عنه قبل وقوعه و سيأتي تحقيق الجواب عنه في النور الاتي ان شاء اللّه تعالى اذا عرفت هذا.

فاعلم ان بعض المحققين ممن قال بمقالة المنجمين و اهل الفلسفة من حيوة الافلاك و الكواكب و ان كل واحد من السيارات السبع مدبر لفلكه كالقلب في بدن الحيوان ان كل كوبك منها ينزل مع افلاكه منزلة حيوان واحد ذي نفس واحدة يتعلق بالكواكب اول تعلقها، و بواسطة الكواكب يتعلق بالافلاك كما يتعلق نفس الحيوان بقلبه و بأعضائه الباقية بعد ذلك، فالقوة المحركة منبعثة عن الكواكب الذي هو كالقلب في افلاكه التي هي كالجوارح و الاعضاء الباقية، قد استدل على حيوة القمر و تصرفه في فلكه بالفقرات المذكورة في اول دعاء الهلال من الصحيفة السجادية، و هي قوله عليه السّلام ايها الخلق المطيع الدائب السريع، المتردد في منازل التقدير المتصرف في فلك التدبير، و وجه الاستدلال بأمور.

الاول من جهة الخطاب و توجيهه اليه و ذلك لا يكون الا لصاحب الحياة الثاني وصفه بالسرعة فان المراد بحركته السريعة اما الحركة اذلاتية التي يدور بها على نفسه كما قال به جمع كثير من محققي الحكماء في كل الكواكب و فرّع عليه المحقق الطوسي طاب ثراه كون المحق المرئي في وجه القمر شيئا غير ثابت في جرمه و الا لتبدّل وضعه و اما حركته العرضية التي بتوسط فلكه و هو

ص:134

الاظهر لان الاولى غير محسوسة و لا معروفة و الحمل على المحسوس المتعارف أولى و سرعة حركة القمر بالنسبة الى سائر الكواكب.

اما الثوابت فظاهر لكون حركتها من ابطأ الحركات حتى ان اكثر القدماء لم يدركوها، و من ادركها من قدمائهم و متأخريهم قال انها تتمّ الدورة في ثلاثين الف سنة، و قيل انها تتم الدورة في ستة و ثلاثين الف سنة بناء على ان بطليموس وجد بالرصد انها تقطع في كل سنة جزء واحدا، و قيل تتم الدورة في ثلاثة و عشرين الف سنة و سبعمائة و ستين سنة بناء على ما وجده المتأخرون في زمان المأمون من انها تقطع درجة واحدة في كل ست و ستين سنة، و قيل تتمها في خمسة و عشرين الف سنة و مائتي سنة بناء على ان جماعة من محققي المتأخرين وجدوها تقطع جزء واحدا في كل سبعين سنة و هذا هو الموافق للرصد الجديد الذي بمراغة، و اما السيارات فلأن زحل يتم الدورة في ثلاثين سنة، و المشتري في اثنتي عشرة سنة، و المريخ في سنة و عشرة أشهر و نصف و كلا من الشمس و الزهرة و عطارد في قريب من السنة.

و اما القمر فيتم الدورة في قريب من ثمانية و عشرين يوما، و قال شيخنا البهائي (ره) لا يبعد ان يكون وصفه عليه السّلام القمر بالسرعة باعتبار حركته المحسوسة على انها ذاتية له بناء على تجويز بعض الحركات للسيارات في افلاكها من قبيل الحيتان في الماء كما ذهب اليه جماعة، و يؤيده ظاهر قوله تعالى وَ اَلشَّمْسَ وَ اَلْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ، و دعوى امتناع الخرق على الافلاك لم تقترن بالثبوت و ما لفقه الفلاسفة لاثباتها اوهن من بيت العنكبوت لابتنائه على عدم قبول الافلاك بأجزائها الحركة المستقيمة و دون ثبوته خرط القتاد، و التنزيل الالهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه ناطق بانشقاقها، و ما ثبت من معراج نبينا صلّى اللّه عليه و آله بجسده المقدس الى السماء السابعة فصاعدا شاهد بانخراقها.

الثالث من قوله عليه السّلام المتصرف في فلك التدبير فان ظاهر التصرف الحياة و الادراك كما هو ظاهر و الجواب اما عن الاول فبأن الخطاب لا يدل على الحياة لانه قد تعارف نداء الاطلال و المنازل و اما عن الثاني فبأن خالقه و مدبره و مقدره هو الذي يحركه بسرعة و بطوء و اما عن الثالث فبأن اضافة الفلك الى التدبير من قبيل اضافة الظرف الى المظروف أي الفلك الذي هو محل التدبير نظرا الى ان ملائكة سماء الدنيا يدبرون امر العالم السفلي كما ذكره جماعة من المفسرين في قوله فالمدبرات امرا.

ص:135

نور شمسي

اعلم وفقك اللّه ان من اعظم نعم اللّه تعالى على عباده خلق الشمس ضياء لهم و للسعي الى المعايش و لنضج الاثمار و لمعرفة الاوقات و غير ذلك من الفوائد و هذا النور الذي هو فيها هل هو ذاتي لها أم حصل لها من جسم آخر كالعرش كما حصل للقمر نور منها، و لعل في الاخبار دلالة على الامرين، و وجه الجمع ما تقدم في القمر و قد روى شيخنا الكليني عطر اللّه مردقه بسند صحيح عن عاصم بن حميم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال ذاكرت أبا عبد اللّه عليه السّلام فيما يروونه من الرؤية فقال الشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي و الكرسي جزءا من سبعين جزء من نور العرش، و العرش جزءا من سبعين جزءا من نور الحجاب جزء من سبعين جزء من نور الستر، فان كانوا صادقين فليملؤا اعينهم من نور الشمس ليس دونها سحاب، و هذا الحديث يحتمل الامرين لان قوله عليه السّلام جزء من سبعين جزءا يجوز ان يكون المراد في المقابلة و المعادلة، و يجوز ان يكون في الاكتساب و الاستفاضة منه.

و روى الصدوق (ره) باسناده الى ابي ذر الغفاري (رض) قال كنت آخذا بيد النبي صلّى اللّه عليه و آله و نحن نتماشى جميعا، فما زلنا ننظر الى الشمس حتى غابت فقلت يا رسول اللّه أين تغيب قال في السماء، ثم ترفع من سماء الى سماء حتى ترفع الى السابعة العليا حتى تكون تحت العرش فتخرّ ساجدة معها الملائكة الموكلون بها، ثم تقول يا رب من اين تأمرني ان اطلع من مغربي أو من مطلعي، فذلك قوله عز و جل وَ اَلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهٰا ذٰلِكَ تَقْدِيرُ اَلْعَزِيزِ اَلْعَلِيمِ، يعني بذلك صنع الرب العزيز في ملكه بخلقه، قال فيأتيها جبرئيل عليه السّلام بحلّة ضوء من نور العرش على مقادير لساعات النهار في طوله في الصيف أو قصره في الشتاء أو ما بين ذلك في الخريف و الربيع، قال فتلبس تلك الحالة كما يلبس أحدكم ثيابه ثم تنطلق بها في جو السماء حتى تطلع من مطلعها، قال النبي صلّى اللّه عليه و آله فكأني بها قد حبست مقدار ثلاث ليال ثم لا تكسى ضوء و تؤمر ان تطلع من مغربها، فذلك قوله عز و جل اذا الشمس كورت و اذا النجوم انكدرت، و القمر كذلك من مطلعه و مجراه في افق السماء و مغربه و ارتفاعه الى السماء السابعة و يسجد تحت العرش و جبرئيل يأتيه بالحلّة من نور الكرسي، فذلك قوله عز و جل و جعل الشمس ضياء و القمر نورا، قال ابو ذر (ره) ثم اعتزلنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فصلينا المغرب.

و اما حركة الشمس فقد عرفت انها بالجبر و الاضطرار لا بالشعور و الاختيار كما قاله الحكماء و المنجمون، روى الصدوق (ره) عن محمد بن مسلم أنه سئل ابا جعفر عليه السّلام عن ركود الشمس فقال يا محمد ما اصغر جثتك و اعضل مسألتك و انك لاهل الجواب، ان الشمس اذا

ص:136

طلعت جذبها سبعون الف ملك بعد ان أخذ بكل شعبة منها خمسة الاف من الملائكة من بين جاذب دافع حتى اذا بلغت الجو و جازت الكوّة قلّبها ملك النور ظهر البطن فصار ما يلي الارض الى السماء و بلغ شعاعها تخوم العرش، فعند ذلك نادت الملائكة سبحان اللّه و الحمد للّه و لا اله الا اللّه و الحمد للّه الذي لم يتخذ صاحبة و لا ولدا و لم يكن له شريك في الملك و لم يكن له وليّ من الذل و كبره تكبيرا، فقلت له جعلت فداك أحافظ على هذا الكلام عند زوال الشمس فقال نعم حافظ عليه كما تحافظ على عينيك، فاذا زالت الشمس صارت الملائكة من ورائها يسبحون اللّه في ذلك الجو الى ان تغيب.

اقول يستفاد من هذا الحديث اسرار، الاول ان نور الشمس اذا زالت يشرع في النقصان الى ان تغيب، فظهر ان السبب فيه قلب ملك النهار لها و كون قفاها صار الينا وضوئها اقلّ من ضوء وجهها، الثاني ان حركة الشمس من ابتداء الزوال يكون اسرع من حركتها اول النهار كما هو المشاهد فظهر سببه ايضا و هو أنها في اول النهار كانت صاعدة و من الزوال صارت هابطة، و حركة الهبوط اسرع من حركة الصعود كما لا يخفى، و قد لحظ الشارع هذا فجعل لفريضة الظهر قدمين و للعصر اربعة، و ذلك ان الجسم الاخذ في الهبوط كلما توغل فيه اسرع في الحركة فيكون اربعة أقدام للعصر موازية لقدمي الظهر في الزمان.

الثالث ان هذا الركود هو زمان قلب ملك النور لها ظهر البطن، و قد سئل الصادق عليه السّلام عن الشمس كيف تركد كل يوم و لا يكون لها يوم جمعة ركود، قال لان اللّه عز و جل جعل يوم الجمعة أضيق الايام قال لانه لا يعذب المشركون في ذلك اليوم لحرمته عنده و علّة أخرى رواها حريز بن عبد اللّه قال كنت عند ابي عبد اللّه عليه السّلام فسأله رجل فقال له جعلت فداك ان الشمس تنقض ثم تركد ساعة من قبل ان تزول فقال انها توامر أ تزول أم لا تزول فهذه ثلاث علل لركود الشمس، و تفصيل العلة الثانية ما رواه محمد بن اسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السّلام قال قلت له بلغني ان يوم الجمعة أقصر الايام قال كذلك هو قلت جعلت فداك كيف ذلك، قال قال ابو عبد اللّه عليه السّلام ان اللّه يجمع ارواح المشركين تحت عين الشمس، و عذبت ارواح المشركين بركود الشمس فاذا كان يوم الجمعة لا يكون ركود، و رفع عنهم العذاب لفضل يوم الجمعة فلا يكون للشمس ركود.

بقي كلام في تحقيق الركود هنا لما يرد على ظاهره من ان كل نقطة من مدار الشمس محاذية لسمت رأس أفق من الافاق، فيلزم سكون الشمس دائما لو سكنت حقيقة عند الزوال، و تخصيص الركود بأفق خاص كمكة أو المدينة مع بعده يستلزم سكونها في البلاد الاخر بحسبها في اوقات آخر، فان ظهر مكة مثلا يكون وقت الضحى في بلاد أفق آخر فيلزم ركودها في ضحى

ص:137

ذلك الافق و لا يلتزمه أحد و من ثم قال بعض محققي مشائخنا رحمهم اللّه تعالى الوجه ركود الشمس قبل الزوال تزايد شعاعها آنا فآنا و انتقاص الظل الى حد ما ثم انتقاص الشعاع و تزايد الظل.

و قد ثبت في محله ان كل حركتين مختلفتين لا بد بينهما من يكون فبعد بلوغ نقصان الظل الى الغاية و قبل أخذه في الازدياد لا بدّ و ان يركد شعاع الشمس في الارض ساعة، ثم يزيد و هذا ركودها في الارض من حيث شعاعها بحسب الواقع و قد حصل بتبعية الظلال، و الحاصل ان المراد بركود الشمس حين الزوال عدم ظهور حركتها بقدر يعتدّ بها عند الزوال و عدم ظهور تزايد الظل حينئذ بخلاف الساعات السابقة و اللاحقة و عبّر عن ذلك بالركود بناء على الظاهر و فهم العوام، هذا كلامهم قدس اللّه ارواحهم.

و يمكن ان يقال انك قد تحققت العلة في ركود الشمس و هو تعذيب ارواح الكفار و أرواح الكفار انما تعذب في نار الدنيا و هي وادي برهوت في حضر موت اليمن كما ان ارواح المؤمنين تنعمّ في وادي السّلام الواقع في ظهر الكوفة، و تعذيب ارواح الكفار في ساعة ركود الشمس في حرارتها انما هو نوع خاص من العذاب، و حينئذ فينبغي ان يكون منطا الركود هو بلاد التعذيب و ما شابهها و هو اليمن و مكة و المدينة و العراق و ما والاه و كون هذا السكون في ضحى بلاد أفق آخر مما نلتزمه و نقول به، مع ان مبنى هذا كله انما هو على كروية الارض و دونه خرط القتاد كما سيأتي ان شاء اللّه تعالى، فظهر من هذا ان الفلك ليس منتظم الحركة لا يخرج عن وضعه كما قاله الفلاسفة، و سيأتي لهذا مزيد تحقيق اذا وصلت التنوبة الى انوار الارض ان شاء اللّه تعالى، و حيث انتهى الحال بنا الى هذا المقال فلا بأس بذكر العلم المتعلق بالنجوم و حقيقته او ابطاله.

نور نجومي

في بيان العلم الذي انكبّ عليه الناس في هذه الاعصار في اكثر بلاد الاسلام و أخذوا ساعات سعودهم و نحوسهم منه و هو علم النجوم، و تحقيق الكلام فيه لا يتم الا بنقل كلام اعيان الاصحاب و الاخبار الواردة فيه عن الائمة الطاهرين عليهم السّلام حتى يظهر ان اتفاق الاصحاب انما جاء من قبل اتفاق الاخبار فنقول قال شيخنا المفيد نور اللّه ضريحه في كتاب المقالات اقول ان الشمس و القمر و سائر النجوم أجسام نارية لا حيوة لها، و لا موت و لا تميز خلقها اللّه تعالى لينتفع بها عباده، و جعلها زينة لسمواته و آيات من آياته، كما قال سبحانه هو اَلَّذِي جَعَلَ اَلشَّمْسَ ضِيٰاءً وَ اَلْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ مَنٰازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ اَلسِّنِينَ وَ اَلْحِسٰابَ مٰا خَلَقَ اَللّٰهُ ذٰلِكَ إِلاّٰ بِالْحَقِّ نُفَصِّلُ اَلْآيٰاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، و قال تعالى هُوَ اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اَلنُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهٰا فِي ظُلُمٰاتِ اَلْبَرِّ وَ اَلْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا اَلْآيٰاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، وَ عَلاٰمٰاتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ، و قال تعالى انا زَيَّنَّا اَلسَّمٰاءَ اَلدُّنْيٰا بِمَصٰابِيحَ، فاما الاحكام على الكائنات بدلائلها و الكلام على مدلول حركاتها فان العقل لا يمنع منه و لسنا ندفع ان يكون اللّه تعالى أعلمه بعض انبيائه و جعله علما له على صدقه، غير انا لا نقطع عليه و لا نعتقد استمراره في الناس الى هذه الغاية، و اما ما نجده من احكام المنجمين في هذا الوقت و اصابة بعضهم فيها فانا لا ننكر ان يكون ذلك بضرب من التجربة و بدليل عادة، و قد يختلف احيانا و يخطي المعتمد عليه كثيرا و لا يصح اصابته فيه ابدا لانه ليس بجار مجرى دلائل العقول و لا براهين الكتاب و اخبار الرسول و هذا مذهب جمهور متكلمي اهل العدل و اليه ذهب بنو نوبخت رحمهم اللّه تعالى من الامامية، و ابو القاسم و ابو علي من المعتزلة هذا كلامه طاب ثراه.

ص:138

في بيان العلم الذي انكبّ عليه الناس في هذه الاعصار في اكثر بلاد الاسلام و أخذوا ساعات سعودهم و نحوسهم منه و هو علم النجوم، و تحقيق الكلام فيه لا يتم الا بنقل كلام اعيان الاصحاب و الاخبار الواردة فيه عن الائمة الطاهرين عليهم السّلام حتى يظهر ان اتفاق الاصحاب انما جاء من قبل اتفاق الاخبار فنقول قال شيخنا المفيد نور اللّه ضريحه في كتاب المقالات اقول ان الشمس و القمر و سائر النجوم أجسام نارية لا حيوة لها، و لا موت و لا تميز خلقها اللّه تعالى لينتفع بها عباده، و جعلها زينة لسمواته و آيات من آياته، كما قال سبحانه هو اَلَّذِي جَعَلَ اَلشَّمْسَ ضِيٰاءً وَ اَلْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ مَنٰازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ اَلسِّنِينَ وَ اَلْحِسٰابَ مٰا خَلَقَ اَللّٰهُ ذٰلِكَ إِلاّٰ بِالْحَقِّ نُفَصِّلُ اَلْآيٰاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، و قال تعالى هُوَ اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اَلنُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهٰا فِي ظُلُمٰاتِ اَلْبَرِّ وَ اَلْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا اَلْآيٰاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، وَ عَلاٰمٰاتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ، و قال تعالى انا زَيَّنَّا اَلسَّمٰاءَ اَلدُّنْيٰا بِمَصٰابِيحَ، فاما الاحكام على الكائنات بدلائلها و الكلام على مدلول حركاتها فان العقل لا يمنع منه و لسنا ندفع ان يكون اللّه تعالى أعلمه بعض انبيائه و جعله علما له على صدقه، غير انا لا نقطع عليه و لا نعتقد استمراره في الناس الى هذه الغاية، و اما ما نجده من احكام المنجمين في هذا الوقت و اصابة بعضهم فيها فانا لا ننكر ان يكون ذلك بضرب من التجربة و بدليل عادة، و قد يختلف احيانا و يخطي المعتمد عليه كثيرا و لا يصح اصابته فيه ابدا لانه ليس بجار مجرى دلائل العقول و لا براهين الكتاب و اخبار الرسول و هذا مذهب جمهور متكلمي اهل العدل و اليه ذهب بنو نوبخت رحمهم اللّه تعالى من الامامية، و ابو القاسم و ابو علي من المعتزلة هذا كلامه طاب ثراه.

و قال سيدنا المرتضى اعلى اللّه مقامه في دار المقامة في جواب المسائل السلارية بعد ما ابطل كون النجوم مؤثرة بدلائل و براهين و اما الوجه الاخر و هو ان يكون تعالى اجرى العادة بان يفعل افعالا مخصوصة عند طلوع كوكب او غروبه او اتصال ما او مفارقته فقد بينا ان ذلك ليس بمذهب المنجمين البتة و انما يتحملون الان باظهاره و انه قد كان جائزا ان يجري اللّه العادة بذلك لكن لا طريق الى العلم بان ذلك قد ثبت و وقع و من اين لنا طريق ان اللّه تعالى اجرى العادة بأن يكون زحل او المريخ اذا كان في درجة الطالع كانا نحسا، و ان المشتري اذا كان كذلك كان سعدا و اي شيء خبر به و استفيد من جهته، فان عوّلوا في ذلك الى التجربة و انا جربنا ذلك و من كان قبلنا فوجدناها على هذه الصفة، و اذا لم يكن موجبا فيجب ان يكون معتادا.

قلنا و من سلّم لكم صحة هذه التجربة و انتظامها و اطرادها و قد رأينا خطائكم فيها اكثر من صوابكم و صدقكم اقل من كذبكم، فان نسبتم الصحة اذا اتفقت منكم الى الاتفاق الذي يقع من التخمين و الرجم فقد رأينا من يصيب من هؤلاء اكثر مما يخطئ و هو على غير اصل معتمد و لا قاعدة صحيحة، فان قلتم سبب خطاء المنجم زلل دخل عليه في اخذ الطالع او في سير الكواكب قلنا و لم لا كانت اصابته سببها الاتفاق و التخمين و انما كان يصح لكم هذا التأويل و التخريج لو كان على صحة احكام النجوم دليل قاطع هو و غير اصابة المنجم فاما اذا كان دليل صحة الاحكام الاصابة فقد كان دليل فسادها الخطأ.

و مما افحم به القائلون بصحة الاحكام و لم يحصل عنه منهم جواب ان قيل لهم في شيء بعينه خذوا الطالع و احكموا هل يؤخذ او يترك، فان حكموا إمّا بالاخذ أو الترك خولفوا و فعل خلاف ما اخبروا به و قد اعضلتهم هذا المسألة.

ص:

ثم قال ان من معجزات الانبياء عليهم السّلام إخبارهم بالغيوب فكيف يقدر عليها غيرهم فيصير ذلك مانعا من ان يكون ذلك معجزا لهم، ثم قال و الفرق بين ذلك و بين سائر ما يخبرون به من تأثيرات الكواكب في اجسامنا، فالفرق بين الامرين ان الكسوفات و اقترانات الكواكب و انفصالها طريقة الحساب و سير الكواكب، و له اصول صحيحة و قواعد سديدة و ليس كذلك ما يدعونه من تأثيرات الكواكب الخير و الشر و النفع و الضرر و لو لم يكن من الفرق بين الامرين الا الاصابة الدائمة المتصلة في الكسوفات و ما يجري مجراها و لا يكاد يتفق خطاء البتة فان الخطأ المعهود الدائم انما هو في الاحكام الباقية حتى ان الصواب هو العزيز فيها و ما يتفق بقلة فيها من اصابة فقد يتفق من المنجمين اكثر منه فحمل احد الامرين على الاخر قلّة دين و حياء انتهى.

و قال في الغرر و الدرر قد اجمع المسلمون قديما و حديثا على تكذيب المنجمين و الشهادة بفساد مذاهبهم و بطلان احكامهم و معلوم من دين الاسلام و دين الرسول صلّى اللّه عليه و آله ضرورة التكذيب لما يدعيه المنجمون و الازراء عليهم و التعجيز لهم و في الروايات عنه صلّى اللّه عليه و آله ما لا يحصى كثرة و كذا من علماء اهل بيته عليهم السّلام و خيار اصحابه فما زالوا يتبرأون من مذاهب المنجمين و يعدونها ظلالا و محالا هذا كلامه طاب ثراه.

و قال العلامة قدس اللّه روحه في المنتهى التنجيم حرام، و كذلك تعلّم النجوم مع اعتقاد انها مؤثرة او ان لها مدخلا في التاثير في النفع و الضرر، و بالجملة كل من يعتقد ربط الحركات النفسانية و الطبيعية بالحركات الفلكية و الاتصالات الكوكبية كافر. و أخذ الاجرة على ذلك حرام، و اما من يتعلم النجوم ليعرف قدر سير الكواكب و بعده و احواله منم التربيع و الكسوف و غيرهما فانه لا باس به انتهى.

و قال شيخنا الشهيد (ره) في قواعده كل من اعتقد في الكواكب انها مدبّرة لهذا العالم و موجدة ما فيه فلا ريب انه كافر، و ان اعتقد انها تفعل الاثارة المنسوبة اليها و اللّه سبحانه هو المؤثر الاعظم كما يقوله اهل العدل فهو مخطئ اذ لا حيوة لهذه الكواكب ثابتو بدليل عقلي و لا نقلي و بعض الاشعرية يكفرون هذا كما يكفرون الاول، و اوردوا على انفسهم عدم إكفار المعتزلة و كل من قال بفعل العبد، و فرقوا بأن الانسان و غيره من الحيوان يوجد فعله من ان التذلل ظاهر عليه فلا يحصل منه اهتضام بجانب الربوبية بخلاف الكواكب فانها غايبة عنّا فربما ادلّ ذلك الى اعتقاد استقلالها و فتح باب الفكر.

و اما ما يقال من ان استناد الافعال اليها كاستناد الاحراق الى النار و غيرهما من العاديات بمعنى ان اللّه تعالى اجرى عادته انها اذا كانت على شكل مخصوص او وضع مخصوص يفعل بما ينسب اليها و يكون ربط المسببات بها كربط مسببات الادوية و الاغذية بها مجازا باعتبار الربط

ص:140

العادات الفعلي الحقيقي فهذا لا يكفر معتقده و لكنه مخطئ ايضا و ان كان اقلّ خطأ من الاول، لان وقوع هذه الاثار عندها ليس بدائم و لا اكثري.

و قال في الدروس و يحرم اعتقاد تأثير النجوم مستقلة او بالشركة و الاخبار عن الكائنات بسببها اما لو اخبر بجريان العادة ان اللّه تعالى يفعل كذا عند كذا لم يحرم و ان كره، على ان العادة فيها لا تطرد الا فيما قلّ، و اما علم النجوم فقد حرمه بعض الاصحاب و لعله لما فيه من التعرض للمحظور من اعتقاد التأثير، أو لان احكامه تخمينا و اما علم هيئة الافلاك فليس حراما بل ربما كان مستحبا لما فيه من الاطلاع على حكم اللّه و عظم قدرته.

و قال شيخنا الشيخ علي قدس اللّه روحه التنجيم الإخبار عن احكام النجوم باعتبار الحركات الفلكية و الاتصالات الكوكبية التي مرجعها الى القياس و التخمين الى ان قل و قد روى عن صاحب الشرع النهي عن تعلم النجوم بابلغ وجوهه، حتى قال امير المؤمنين صلوات اللّه عليه غياكم و تعلم النجوم الا ما يهتدي في بر أو بحر، فانها تدعوا الى الكهانة و المنجم كالكاهن و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار.

اذا تمهّد (تقرر خ ل) ذلك فاعلم ان التنجيم مع اعتقاد ان للنجوم تاثيرا في الموجودات السفلية و لو على جهة المدخلية حرام، و كذا تعلم النجوم على هذا الوجه بل هذا الاعتقاد كفر في نفسه نعوذ باللّه منه، اما التنجيم لا على هذا الوجه مع التحرز عن الكذب فانه جائز فقد ثبت كراهية التزويج و سفر الحج في العقرب و ذلك من هذا القبيل نعم هو مكروه لئلا ينجر الى الاعتقاد الفاسد و قد ورد النهي مطلقا حسما للمادة.

و قال شيخنا البهائي عطر اللّه مرقده ما يدعيه المنجمون من ارتباط بعض الحوادث السفلية بالاجرام العلوية ان زعموا ان تلك الاجرام هي العلة المؤثرة في تلك الحوادث بالاستقلال و انها شريكة في التأثير فهذا لا يحل للمسلم اعتقاده، و علم النجوم المبتني على هذا كفر و العياذ باللّه، و على هذا حمل ما ورد في الحديث من التحذير عن علم النجوم و النهي عن اعتقاد صحته، و ان قالوا ان اتصالات تلك الاجرام و ما يعرض لها من الاوضاع علامات على بعض حوادث هذا العالم مما يوجده اللّه تعالى بقدرته و ارادته كما ان حركات النبض و اختلاف اوضاعه علامات يستدّل بها الطبيب على ما يعترض للبدن من قرب الصحة او اشتداد المرض و نحو ذلك، و كما يستدل باختلاج بعض الاعضاء على بعض الاحوال المستقبلة فهذا لا مانع منه و لا حرج في اعتقاده و ما روى من صحة علم النجوم و جواز تعلمه محمول على هذا المعنى و اما السيد الاجل ابن طاووس طاب ثراه فقد صنّف رسالة نفي فيها تأثيرات الكواكب و اثبت فيها كونها علامات و دلائل على الحوادث، و جوّز تعليمها و تعلمها و النظر فيها اذا عرفت هذا.

ص:141

فاعلم ان محصل كلام الاصحاب هو هذا و هو ان المفيد طاب ثراه اثبت كون الاصابة في علم النجوم انما هي مبني على التجربة، و اما المرتضى طاب ثراه فقد نفاه حتى التجارب فهو قد نفى علم النجوم اصلا و رأسا، نعم اثبت الكسوفات و نحوها بالحساب و ليس هو من علم النجوم في شيء، و اما العلامة و من تأخر عنه فقد قالوا بأنه علم لكن يحرم تعلمه الا لمعرفة قدر سير الكواكب و بعده و بعضهم حرمه مطلقا و اما السيد ابن طاوس و شيخنا البهائي فقد جوزا تعلمه و تعليمه على وجه خاصّ و هو كون النجوم علامات و الذي دلت عليه الاخبار هو ان هذا العلم علم شريف و ان النجوم علامات على الكائنات، و لكن قد ورد النهي من الشارع عن هذا العلم فهيهنا ثلث مقامات.

المقام الاول في ان علم النجوم علم شريف من اشرف العلوم علمه اللّه تعالى لانبيائه و الاوصياء منهم و تصديقه ما رواه السيد ابن طاوس باسناده الى قيس بن سعد قال كنت كثيرا ما اساير امير المؤمنين صلوات اللّه عليه اذا سار الية وجه من الوجوه فلما قصد اهل النهروان و صرنا بالمدائن و كنت يومئذ مسايرا له اذ خرج اليه قوم من اهل المدائن و دهاقينهم معهم برازين قد جاؤا بها هدية اليه فقبلها، و كان فيمن تلقاه دهقان من دهاقين المدائن يدعى سرسقيل (1)و كانت الفرس تحكم برأيه فيما مضى و ترجع الى قوله فيما سلف فلما بصر بأمير المؤمنين عليه السّلام قال يا امير المؤمنين لترجع عما قصدت، قال و لم ذاك يا دهقان قال يا امير المؤمنين تناحست النجوم الطوالع، فنحس اصحاب السعود و سعد اصحاب النحوس و لزم الحكيم في مثل هذا اليوم الاستخفاء و الجلوس، و ان يومك هذا يوم مميت قد اقترن فيه كوكبان قتّالان، و شرق فيه بهرام في برج الميزان، و انقدح من برجك النيران و ليس الحرب لك مكان فتبسم امير المؤمنين صلوات اللّه عليه ثم قال ايها الدهقان المنبئ بالاخبار و المحذر من الاقدار ما نزل البارحة في آخر الميزان و اي نجم حلّ في السرطان، قال سأنظر ذلك و أخرج من مكه اصطرلابا و تقويما، قال له امير المؤمنين صلوات اللّه عليه انت مسير الجاريات قال لا قال فأنت تقضي على الثابتات قال لا قال فأخبرني عن حلول (طول خ ل) الاسد و تباعده عن الطالع و المراجع، و اما الزهرة من التوابع و الجوامع، قال لا علم لي بذلك قال فما بين السواري الى الداري و بين الساعات الى المعجزات، و كم قدر شعاع المبدرات، و كم يحصل العجز في الغدوات، قال لا علم لي بذلك قال فهل علمت يا دهقان ان الملك اليوم انتقل من بيت الى بيت بلصين، و انقلب ببرج ما جين و احترقت دور بالزنج و طفح جبّ سرانديب و تهدّم حصن الاندلس و هاج نمل الشح و انهزم مراق الهندي، و فقد ديدان اليهود

ص:142


1- 46) و في رواية عن الاصبغ بن نباته ان اسمه سرسفيل سوار و في آخرها قال لأمير المؤمنين (عليه السّلام) مديدك فانا اشهد ان لا اله الا اللّه وحده لا شريك له و ان محمدا عبده و رسوله و انك الامام الوصي المفترض الطاعة.

بايله، و هدم بطريك الروم برومية و عمى راهب عمودية، و سقطت شرافات القسطنطنية أفعالم أنت بهذه الحوادث و ما الحوادث و ما الذي أحدثها شرقيها أو غربيها من الفلك، قال لا علم لي بذلك قال فهل علمت انه سعد اليوم اثنان و سبعون عالما في كل عالم سبعون عالما منهم في البر و بعض في الجبال و بعض في العمران و ما الذي اسعدهم، قال لا علم لي بذلك قال يا دهقان اظنك قد حكمت على اقتران المشتري و زحل لما استتارا لك في الغسق و ظهر تلألؤ شعاع المريخ و تشريفه في السحر و قد سار فأتصل جرمه بجرم تربيع القمر، و ذلك دليل على استحقاق اللف الف من البشر كلهم يولدون اليوم و الليلة، و يموت مثلهم و اشار بيده الى جاسوس في عسكره لمعاوية فقال و يموت هذا فأنه منهم، فلما قال ذلك ظن الرجل انه قال خذوه فأخذه شيء بقلبه و تكسرت نفسه في صدره فمات لوقته، فقال عليه السّلام يا دهقان الم ازل عين التقدير في غاية التصوير، قال بلى يا امير المؤمنين قال يا دهقات انا خبرك اني و صحبي هؤلاء لا شرقيون و لا غربيون انما نحن ناشية القطب و ما زعمت انه البارحة انقدح من برجي النيران فقد كان يجب ان تحكم معه لان نوره و ضياءه عندي و لهبه ذاهب عني، يا دهقان هذه قصبة عيس فاحسبها و ولدها ان كنت عالما بالاكوار و الادوار قال لو علمت ذلك لعلمت انك تحصي عقود القصب في هذه الاجمة و مضى امير المؤمنين عليه السّلام فهزم اهل النهروان و قتلهم و عاد بالغنيمة و الظفر، فقال الدهقان ليس هذا العلم بما في ايدي اهل زماننا هذا علم مادته من السماء.

و روى شيخنا الطبرسي قدس اللّه روحه في كتاب الاحتجاج عن ابان بن تغلب قال كنت عند ابي عبد اللّه عليه السّلام اذ دخل رجل من اهل اليمن فسلّم عليه فرّد عليه ابو عبد اللّه عليه السّلام فقال ما صناعتك يا سعد، فقال جعلت فداك انا من اهل بيت ننظر في النجوم لا يقال ان باليمن احدا أعلم بالنجوم منّا، فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام ما اسم النجم الذي اذا طلع هاجت الابل، فقال اليماني لا ادري، فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام صدقت فما اسم النجم الذي اذا طلع هاجت البقر، فقال اليماني لا ادري، فقال ابو عبد اللّه صدقت فما اسم النجم الذي اذا طلع هاجت الكلاب، فقال اليماني لا ادري و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة و هو الدلالة على ان النجوم من اشرف العلوم، و يستفاد منه ايضا ان النجوم علامات على ما في هذا العالم.

و روى ابن طاوس باسناده الى ابي جعفر عليه السّلام قال قد كان علم نبوة نوح عليه السّلام بالنجوم و روى ايضا باسناده الى عطا قال قيل لعلي بن ابي طالب عليه السّلام هل كان للنجوم اصل قال نعم نبي من الانبياء قال له قومه لا نؤمن لك حتى تعلمنا بدؤ الخلق و آجاله فأوحى اللّه عز و جل الى غمامة فأمطرتهم و استنقع حول الجبل ماءا صافيا، ثم اوحى اللّه الى الشمس و القمر و النجوم ان تجري في ذلك الماء، ثم اوحى اللّه الى ذلك النبي ان يرتقي هو و قومه على الجبل فارتقوا الجبل فقاموا

ص:143

على الماء حتى عرفوا بدؤ الخلق و آجاله بمجاري الشمس و القمر و النجوم و ساعات الليل و النهار كان احدهم يعلم من يموت و متى يمرض و من ذا الذي يولد له و من ذا الذي لا يولد له، فبقوا كذلك برهة من دهرهم ثم ان داود عليه السّلام قاتلهم على الكفر فأخرجوا الى داود عليه السّلام في القتال من لم يحضر اجله و من حضر اجله خلّفوه في بيوتهم و كان يقتل من اصحاب داود عليه السّلام و لا يقتل من هؤلاء أحد فأوحى اللّه عز و جل اليه اني كنت علمتهم بدؤ الخلق و آجاله انما أخرجوا اليك من لم يحضر اجله و من حضر اجله خلّفوه في بيوتهم فمن ثم يقتل من اصحابك و لا يقتل منهم احدا قال داود عليه السّلام يا رب على ما ذا علّمتهم، قال على مجاري الشمس و القمر و النجوم و ساعات الليل و النهار، قال فدعى اللّه فحبس الشمس عليهم فزاد في النهار و اختلطت الزيادة بالليل و النهار فلم يعرفوا قدر الزيادة فاختلط حسابهم و قال عليه السّلام فمن ثمّ كره النظر في علم النجوم.

و روى ايضا باسناده الى يونس بن عبد الرحمن قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام جعلت فداك أخبرني عن علم النجوم ما هو، قال هو علم من علم الانبياء قال فقلت كان علي بن ابي طالب عليه السّلام يعلمه، فقال كان اعلم الناس، و روى ايضا في كتاب مسائل الصباح باسناده الى الريان بن الصلت ان الصباح سأل الرضا عليه السّلام عن علم النجوم، فقال هو علم من اصل صحيح و ذكروا ان اول من تكلم بالنجوم ادريس عليه السّلام و كان ذو القرنين بها ماهرا و أصل هذا العلم من عند اللّه عز و جل، و يقال ان اللّه بعث النجوم الذي يقال له المشتري الى الارض في صورة رجل، فأتى بلد العجم فعلمهم في حديث طويل فلم يستكملوا ذلك، فأتى بلد الهند فعلّم رجلا منهم فمن هناك صار علم النجوم بها، و قال قوم هو علم من علم الانبياء خصّوا به لاسباب شتى فلم يستدرك المنجمون فيها فشابوا الحق بالكذب.

و روى ايضا عن الصادق عليه السّلام قال في السماء الرابعة نجوم لا يعلمها الا اهل بيت من العرب و اله بيت من الهند يعرفون منها نجما واحدا فبذلك قام حسابهم، أقول المراد بالعرب اوصياء محمد صلّى اللّه عليه و آله كما ان المراد بيت الهند اوصياء ادريس عليه السّلام او الذي علمه المشتري من اهل الهند، و روى ايضا باسناده الى الصادق عليه السّلام في قوله تعالى يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ قال كان القمر منحوسا بزحل فهذا جملة من الاخبار الدالة على كونه علما و على استمرار بعض احكامه و وقوعه في ايدي المنجمين، و ان النجوم علامات على آثار القادر المختار لكن لا يعرفها على الاطراد و التحقيق الا من كان كاملا في العلوم، و ليس هو الا الانبياء و الائمة عليهم السّلام، و قد كان دانيال له معرفة عظيمة فيه و كان منجم بخت نصر و كان له كتاب في النجوم بقي الى هذا الان و ليس هذا العلم الا كباقي العلوم الحقة كالحديث و الفقه فانه لا يعرفها كما هو الا من أتاه اللّه الحكم و فصل الخطاب.

ص:144

و اما هؤلاء المنجمون فقد وقع بأيديهم منه احكام قليلة قد شيب صدقها بكذبها كما اشير اليه سابقا، فمن هذا قصرت معرفتهم عن الاحاطة بما احاط به الائمة عليهم السّلام و وقع الخلاف في اكثر اخباراتهم فهي ليست اتفاقية او بالتجارب كما قاله شيخنا المفيد طاب ثراه.

المقام الثاني قد تحقّقت ان السيد بن طاوس و شيخنا البهائي قدس اللّه روحيهما ذهبا الى جواز تعلّمه و تعليمه اذا كان الاعتقاد على كونه علامة، و لكن ظاهر الاخبار النهي عنه مطلقا و تحريمه و ان كان على سبيل كونه علامة، روى الصدوق قدس اللّه روحه باسناده الى عبد اللّه بن عوف قال لما اراد امير المؤمنين عليه السّلام المسير الى النهروان أتاه منجم فقال له يا امير المؤمنين لا تسر في هذه الساعة سر في ثلاث ساعات يمضين من النهار، فقال امير المؤمنين عليه السّلام و لم ذاك؟ ، قال لانك ان سرت هذه الساعة اصابك و اصاب اصحابك اذىّ و ضرّ شديد، و ان سرت في الساعة التي امرتك بها ظفرت و ظهرت و اصبت كما طلبت، فقال امير المؤمنين عليه السّلام أ تدري ما في بطن هذه الدابة أذكر أم انثى قال ان حسبت علمت قال له امير المؤمنين عليه السّلام من صدقّك على هذا القول كذّب بالقرآن ان اللّه عنده علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الارحام و ما تدري نفس ما ذا تكسب غدا و ما تدري نفس بأي أرض تموت ان اللّه عليم خبير، ما كان محمد صلّى اللّه عليه و آله يدّعي ما أدعيت أ تزعم انك تهدي الى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء، و الساعة التي من سار فيها حاق به الضرّ، من صدقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة باللّه عز و جل في ذلك الوجه و احوج الى الرغبة اليك و دفع المكروه عنه، و ينبغي له ان يوليك الحمد دون ربه عز و جل فمن آمن لك بهذا فقد أتخذك من دون اللّه، ندا و ضدا ثم قال اللهم لا طير الا طيرك و لا خير الا خيرك و لا اله غيرك بل نكذبك و نخالفك و نسير في الساعة التي نهيت عنها.

و روى السيد الرضي في نهج البلاغة قال و من كلام له عليه السّلام ايها الناس اياكم و تعلم النجوم الا ما يهتدى به في بر او بحر فانها تدعو الى الكهانة، المنجم كالكاهن و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في الناس سيروا على اسم اللّه و عونه و الحديث طويل، و في الاحتجاج عن هشام بن الحكم في خبر النزديق الذي سأل ابا عبد اللّه عليه السّلام من مسائل و كان فيما سأله ما تقول في علم النجوم، قال هو علم قلّت منافعه و كثرت مضراته لانه لا يدفع به المقدور و لا يتقي به المحذور، و ان اخبر المنجم بالبلا لم ينجع التحرز من القضا و ان اخبر هو بخير لم يستطع تعجيله، و ان حدث به سوء لم يمكنه صرفه، و المنجم يضاد اللّه في علمه بزعمه انه يردّ قضاء اللّه عن خلقه.

و في الخصال عن ابي الحصين قال سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الساعة فقال عند ايمان بالنجوم و تكذيب بالقدر، و روى فيه باسناد آخر عن الباقر عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام قال نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن خصال و ساق الحديث الى ان قال و عن النظر في

ص:145

النجوم، و روى ابن طاوس (ره) في كتاب فتح الابواب قال ذكر الشيخ الفاضل محمد بن علي بن محمد في كتاب له في العمل ما هذا لفظه جعاء الاستخارة عن الصادق عليه السّلام تقوله بعد فراغك من صلاة الاستخارة تقول اللهم انك قد خلقت اقواما يلجأون الى مطالع النجوم لاوقات حركاتهم و سكوتهم و تصرفهم و عقدهم، و خلقتني ابرأ اليك من اللجاء اليها و من طلب الاختيارات بها، و تيقن انك لم تطلع احدا على غيبك في مواقعك و لم تسهل له السبيل الى تحصيل افاعيلها، و انك قادر على نقلها في مداراتها في سيرها عن السعود العامة و الخاصة الى النحوس و من النحوس الشاملة و المفردة الى السعود لانك تمحو ما تشاء و تثبت و عندك ام الكتاب و لانها خلق من خلقك و صنعة من صنعك و ما اسعدت من اعتمد على مخلوق مثله استمد الاختيار لنفسه و هم اولئك و لا اشقيت من اعتمد على الخالق الذي لا اله الا أنت وحدك لا شريك لك الدعاء، و يظهر من هذا الخبر و من غيره ايضا ان التطيّر و التفأل بالنجوم انما هو لمن يعتمد و يتوكل على اللّه سبحانه فان من تطيّر من شيء وقع في ضرره و لا يخلصه الى التوكل و الصدقة، روى الصدوق (ره) بسند صحيح عن ابن ابي عمير انه قال كنت أنظر في النجوم و اعرفها و اعرف الطالع فيدخلني من ذلك شيء فشكوت ذلك الى ابي الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام فقال اذا وقع في نفسك شيء فتصدّق على اول مسكين ثم امض فان اللّه عز و جل يدفع.

و روى رئيس المحدثين شيخنا ابن يعقوب الكليني عن الصادق عليه السّلام قال كان بيني و بين رجل قسمة أرض و كان الرجل صاحب نجوم و كان يتوخى ساعة السعود فيخرج فيها و أخرج انا في ساعة النحوس فاقتسمنا فخرج لي خير القسمين فضرب الرجل يده اليمنى على اليسرى، ثم قال ما رأيت كاليوم قطّ ويل لك ما ذاك، قال اني صاحب نجوم اخرجتك في ساعة النحوس و خرجت انا في ساعة السعود، ثم قسمنا فخرج لك خير القسمين فقلت الا احدثك بحديث حدثني به ابي عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من سرّه ان يدفع اللّه عنه نحس يوم فليفتتح يوما بصدقة يذهب اللّه بها عنه نحس يومه و من أحب ان يذهب اللّه عنه نحس ليلته فليفتتح ليلته بصدقة يدفع اللّه عنه نحس ليلته، فقلت اني افتتحت خروجي بصدقة فهذا خير لك من النجوم و الاخبار الواردة بهذا المضمون ست و عشرون نقلناها في كتاب نوادر الاخبار.

المقام الثالث فيما استدل به ابن طاوس (ره) على جواز تعلّمه و تعليمه روى من كتاب التجمّل عن محمد و هارون ابني ابي سهل انهما كتبا الى ابي عبد اللّه عليه السّلام ان ابانا وجدناه كان ينظر في النجوم فهل يحلّ النظر فيها، قال نعم الحديث، و الجواب انه خبر مرسل و مجهول فلا يعارض الاخبار النقية مع ان النظر فيه لا يستلزم جواز تعلمه و العمل بما فيه كما لا يخفى.

ص:146

بقي الكلام في الكسوفات يخبر بها المنجمون و ان سببها اما حيلولة القمر أو حيولة الارض و يتفق على ما يقولون و قد عرفت ان المرتضى (ره) مع كونه قد ذهب الى انكار علم النجوم و انها لا حقيقة له كالسحر، قال بحقيّة قولهم في الكسوفات لكنه اخرجها من قواعد النجوم و ادخلها في طريقة الحساب، و هذا لا اشكال فيه انما الاشكال في ان الوارد عن الائمة عليهم السّلام في سبب الكسوفات هو ادخال الشمس و القمر و رميهما في ذلك البحر تبعا لرمي الفلك فيه عند معاصي العباد و ارادة اللّه تعالى ان يهدهم و يستعتبهم و يمكن التوفيق بما عرفت من ان النجوم و اوضاعها علامات على الافعال الصادرة من القادر المختار فيجوز ان يكون وقت هذه الحيلولة هو علامة الغضب و ارادة تهديد العباد، فيقارنه القاء الفلك في ذلك البحر لان بعض علامات غضب اللّه سبحانه معلومة من الشرع فلتكن هذه مستندة الى العقل و الحدس، و اللّه اعلم بحقائق غيبه.

بقي الكلام في بيان ان علم النجوم اذا كان من اشرف العلوم فلم ورد النهي البليغ من صاحب الشرع بالخوض فيه و عن تعلمه و تعليمه و تصديق العالم به حتى قال من صدّق منجما فقد كذّب بما انزل اللّه على محمد قلت الحكم و المصالح موجودة قطعا و ان خفى اكثرها عنا و لعل ما ندركه بهذه العقول القاصرة أمور.

احدها ان من أعظم معجزات الانبياء عليهم السّلام هو الإخبار بالمغيبات، فاذا فتحنا باب جواز تعلّم النجوم و أخبر المنجم بما هو غائب عن الحواس مستقبل المجيء في الاوقات صغرت معجزات الانبياء و الائمة عليهم السّلام في الانظار خصوصا عند عوام الناس، و ثانيها ان الخوض في هذا العلم يؤل الى اعتقاد التأثير كما مرّ تحقيقه في كلام الاصحاب لان النجوم عندهم ناطقة حية يرون هذه الاثار تترتب على اوضاعها فينجرّ بهم الحال الى تأثيرها، و قد عرفت أنه كفر و لا ريب ان ما يؤدي الى الكفر حرام قطعا.

و ثالثها انك قد عرفت أنه علم شريف و لا تحتمله عقول اكثر الناس و لا حواصلهم فربما ذهبوا الى دعوى الامور الفاسدة من النبوة و الامامة كما اتفق لبعض المنجمين من ذوي العقول الناقصة بسبب تلك الاخبارات و نحوها، و رابعها انه يرفع التوكل على جناب الحق و يؤل الى ابطال قضاء اللّه و قدره و محوه و إثباته مع انه كل يوم في شأن و خامسها ان الذي وقع الى ايدي الناس من علم النجوم انما هو الحثالة (1)منه التي لا ينتفع منها بشيء، و هذه الحثالة كثيرا ما يغلط المنجمون فيها و قد شاهدنا جماعات كثيرة من المنجمين و من يعمل باحكامهم في تعب عظيم

ص:147


1- 47) الحثالة بالضم: ما يسقط من قشر الشعير و الارز و التمر و كل ذي قشارة اذا نقى و حثالة الدهن ثفله فكأنه الردئ من كل شيء.

و مشقة شديدة من ملاحظات الساعات و الاوقات للخروج و الدخول و الاقامة و السفر و الاكل و الشرب و لبس الثياب و الكلام و نحو ذلك، و مع هذه المشاق الدنيوية لم تبلغ اعمارهم الا نصف الاعمار المتعارفة او اقل منه و جماعة منهم قد خلّدوا في سجن الملوك و السلاطين اكثر اعمارهم فلم يقدروا على الاهتداء الى تخليص انفسهم من عذاب الدنيا، و عذاب الاخرة أشد و ابقى لو كانوا يعلمون.

و قد كان بعض مشائخنا رحمهم اللّه تعالى اذا أتى بثوب جديد يقول للخادم أخره حتى تأتي الساعة المنحوسة عند المنجمين فأتني به البسه، فيؤخره الخادم الى أنحس ساعاتها فيلبسه فيكون عليه مباركا الى ان يصير خلقا، و بلغ من العمر اضعاف اعمار المنجمين قدس اللّه روحه في جنات النعم، نعم قد رخّص من علم النجوم معرفة ما يهتدي به المسافرون و هذا يعرفه اكثر عوام الناس، و كذلك ورد في اخبار غير نقيّة السند ملاحظة برج العقرب عند ارادة التزويج و السفر الى مكة، فمعرفة مثل هذا لا بأس به مع أنه يمكن دفع نحوسة مثل هذا بالصدقة برغيف و فلس من الفلوس، مع ان صدقة الرغيف أولى في نظر الشارع من ملاحظة برج العقرب، فليأت به و ليترك الخوض في ذلك العلم أو الذهاب الى أهله لسؤالهم عن تلك الساعة المستلزم لزيارة المنجّم، و الاتيان اليه مع ما روى عن امير المؤمنين عليه السّلام أنه قال و نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن اتيان العرّاف و قال ان من أتاه و صدّقه فقد برئ مما انزل اللّه على محمد، و قد نص أهل اللغة على ان العرّاف المنجّم و بالجملة فعلم يكون الرغيف خيرا منه لا يكون الخوض فيه الا لداعي الخسّة و اضرابه.

نور في بعض الامور التابعة للكواكب

منها المجرة و هي الدايرة المسماة عند العوام بسبيل التبانين، و عند الاخرين بمجر الكبش، و سببه على ما قاله الحكماء احتراق حدث من الشمس في تلك الدايرة في بعض الازمان السالفة، و أجاب عنه بعضهم بأنه انما يصح اذا كانت الشمس موصوفة بالحرارة و الاحراق، و كان الفلك قابلا للتأثّر و الاحتراق و قال بعضهم ان السبب فيه هو انه بخار دخاني واقع في الهواء، و يرد عليه انه يلزم منه اختلافها في الصيف و الشتا لقلّة المدد في احدهما و كثرته في الاخر، و قيل أنه كواكب صغار متقاربة متشابكة لا تتمايز حسا بل هي لشدة تكاثفها و صغرها صرت كأنها لطخات سحابية قال الامدي بعض نقل هذا الاقوال و الغرض من نقل هذه الاختلافات ابداء ما ذكروه من الخرافات ليتحقق و يتبين للعاقل الفطن أنه لا حجة لهم فيما يقولونه و يعتقدونه و لا معوّل على ما ينقلونه من اوايلهم و يعتمدونه و انما هي خيالات فاسدة و تمويهات باردة يظهر ضعفها بأوائل النظر ثم البعض بالبعض يعتبر.

ص:148

و اما اخبار الائمة الطاهرين عليهم السّلام فقد ورد في الرواية عن الصادق عليه السّلام ان وقت الطوفات في ايام نوح عليه السّلام لما امر اللّه سبحانه السماء بماء منهمر انشقت السماء و نزل الماء منها دفعة لا قطرة قطرة، فلما بلغ الطوفان كمال حدّه امر اللّه السماء فأمسكت مائها، فتلايمت و اندملت فهذه المجرة هي اثر ذلك الاندمال، كالجرح الذي يندمل و يبقى أثره.

و منها قوس اللّه و تسميه عامة الناس قوس قزح تبعا للحكماء و المنجمين، و هو و ان كان عندهم من كائنات الجو لا تعلق له بالسماء لكن لما كان في الشرع قد ذكر من السماويات ذكرناها هنا و سببه على ما قالوه انه اذا وجد في خلاف جهة الشمس اجزاء مائية شفافة صافية و كان وراءها جسم كثيف اما جبل او سحاب مظلم، ثم كانت الشمس في افق الاخر فاذا ادبرنا على الشمس و نظرنا الى تلك الاجزاء و انعكس شعاع البصر عنها الى الشمس فيرى في كل من تلك الاجزاء ضوءها دون شكلها، لانا نعلم بالتجرية ان الصقيل الذي ينعكس منه شعاع البصر اذا صغر جدا ادّى الضوء و اللون دون الشكل فكانت تلك الاجزاء على هيئة قوس مستضيئة اقلّ من نصف الدائرة، و بحسب ارتفاع الشمس ينتقص هذا القوس لانتقاص الاجزاء التي تنعكس منها الاشعة البصرية الى الشمس من الطرفين و اما اختلاف الوانها فقيل ان السبب فيه ان الناحية العليا منها لما قربت من الشمس قوى فيها الاشراق فيرى احمر ناصعا و اما الناحية السفلى فلما بعدت عنها كانت اقلّ اشراقا فيرى فيها حمرة الى سواد، و هو الارجواني و ما توسط بينهما فان لونه متولد من ذينك اللونين و هو الكراسي هذا ما قالوه.

و اما الاخبار الواردة فيه فهو من ان الصادق عليه السّلام سأل و قيل ما تقول في قوس قزح فقال عليه السّلام لا تقل قوس قزح فان قزح اسم الشيطان بل قل قوس اللّه، و لم يكن قبل نوح عليه السّلام في السماء و ذلك انه لما ذهب الطوفان خاف نوح عليه السّلام من طوفان آخر فأوحى اللّه عز و جل اليه يا نوح اني خلقت خلقي لعبادتي و امرتهم بطاعتي فقد عصوني و عبدوا غيري و استوجبوا بذلك غضبي فغرقتهم، و اني جعلت قوسا امانا لعبادي و بلادي و موثقا مني بيني و بين خلقي يأمنون به الى يوم القيامة من الغرق، و من أوفى بعهده مني ففرح نوح عليه السّلام بذلك و تباشر و كانت القوس فيها سهم و وتر فنزع اللّه عز و جل السهم و الوتر من القوس و جعل امانا لعباده و بلاده من الغرق، قال ابن الاثير في الحديث لا تقولوا قوس قزح فأن قزح من اسماء الشيطان قيل سميّ به لتسويله الناس و تحسينه اليهم من المعاصي من التقزيح و هو التحسين، و قيل من القزح و هي الطرايق و الالوان التي في القوس، الواحدة قزحة او من قزح الشيء اذا ارتفع كأنه كرة ما كانوا عليه من عادات الجاهلية، و ان يقال قوس اللّه فيرفع قدرها كما يقال بيت اللّه و قولوا قوس و امان من الغرق.

ص:149

نور ملكي يكشف عن بعض احوال الملائكة

قال اللّه سبحانه اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ فٰاطِرِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ جٰاعِلِ اَلْمَلاٰئِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنىٰ وَ ثُلاٰثَ وَ رُبٰاعَ يَزِيدُ فِي اَلْخَلْقِ مٰا يَشٰاءُ إِنَّ اَللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، قال بعض المفسرين المراد بقوله يزيد في الخلق أي في خلق اجنحتهم كما روى ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رأى ليلة المعراج لجبرئيل عليه السّلام ستمائة جناح، و سيأتي تحقيقه ان شاء اللّه تعالى و الملائكة اجسام نورانية أي مخلوقة من النور، و قيل انها مخلوقة من الريح مادية لا مجردة اقدرها اللّه تعالى التشكل بالاشكال المختلفة و ان كان لها شكل واحد في ابتداء الخلق، كما روى ان جبرئيل عليه السّلام كان يأتي النبي صلّى اللّه عليه و آله بصورة دحية الكلبي، فقال له صلّى اللّه عليه و آله يا جبرئيل احبّ ان اراك بصورتك الاولية فقال لا تطيق يا رسول اللّه فقال بلى فقال نعم آتيك غدا فلما ان كان الغدا أى جبرئيل عليه السّلام فنظر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاذا هو قد نزل من السماء و نشر جناحين له جناح في المشرق و جناح في المغرب و ملأ ما بين الخافقين ببدنه فلم يتمكن من النظر اليه حتى غشى عليه، فتصوّر بصورة أخرى ثم افاق النبي صلّى اللّه عليه و آله من غشيته و قد كان امير المؤمنين عليه السّلام يعجب من كثرة الملائكة و عظم خلقتهم، و بديع صنايع اللّه فيهم و قال عليه السّلام منهم سجود لا يركعون و ركوع لا ينتصبون و صافّون لا يتزايلون و مسبحون لا يغشاهم نوم العيون و لا سهو العقول، و لا فترة الابدان و لا غفلة النسيان، و منهم امناء اللّه على وحيه و السنته الى رسله و مختلفون بقضائه و امره، و فيهم الحفظة لعباده و السدنة لابواب جناحه، و منهم الثابتة في الارضين السفلى اقدامهم و المارقة من السماء العليا اعناقهم و الخارجة من الاقطار اركانهم و المناسبة لقوائم العرش اكتافهم، ناكسة دونه ابصارهم ملتفعون تحته بأجنحتهم، مضروبة بينهم و بين من دونهم حجب العزّة و أستار القدرة الحديث.

و قال عليه السّلام ايضا ان للّه تبارك و تعالى ملائكة لو ان ملكا منهم هبط الى الارض ما وسعته لعظم خلقه و كثرة اجنحته و منهم من لو كلّفت الانس و الجنس ان يصفوه ما وصفوه لبعد ما بين مفاصله و حسن تركيب صورته، و كيف يوصف من ملائكته من سبع مأة عام ما بين منكبيه و شحمة أذنيه، و منهم من يسدّ الافق بجناح من اجنحته دون عظم بدنه، و منهم من السموات الى حجزته، و منهم من قدمه على غير قرار في جوّ الهوى الاسفل و الارضون الى ركبته و منهم من لو ألقى في نقرة ابهامه جميع المياه لوسعته، و منهم من لو القيت السفن في دموع عينيه لجرت، دهر الداهرين فتبارك اللّه أحسن الخالقين.

فان قلت قوله عليه السّلام لا يغشاهم نوم العيون، لعلك تقول انه بظاهره ينافي قوله تعالى لاٰ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لاٰ نَوْمٌ ، فأنه سبحانه قد تمدّح بهذه الحالة فلا ينبغي ان يشارك فيها و أجاب بعض

ص:150

المحققين بأن حالة السنة و هو أول النعاس يأخذ الملائكة، و التمدّح انما هو بمجموع الامرين لا بكل واحد و الذي أظن ان الجواب التحقيقي هذا، و هو ان مثل هذه الحالات لا تأخذه معناه انها ليست لها عليه تصرف و لا تسلط و لا هي قابلة ان تكون من حالاته فلا يتصف هو بقبولها و لا تتصف بأنها من الحالات القابلة، لان من تداولت عليه حالات الغفلة لا يكون ربا و هو ظاهر بخلاف انواع الملائكة فان حالة النوم من الاحوال القابلة لاتصافهم بها بالنظر الى الامكان و المخلوقية، و لو لحقتهم لم يكن ذلك الاختلال اللازم هناك لازما لكن خالقهم كلّفهم بهذه الحالة فقبلوا تكليفه و امتثلوا امره فأقدرهم على القيام بهذه الحالة بخلاف البشر فان ابدانهم لا تقدر على القيام بها و لم يكن المصلحة الالهية موجودة بأقدارهم عليها فمن كانت حالته من غيره كيف يكون حالته معارضة لمن كانت حالته من نفسه، و ليس هذا الاّ من قبيل ما تمدّح اللّه بها من بعض نعوته كقوله تعالى ليس بظلام للعباد، فنقول ان اللّه ليس بظلام و الانبياء و الائمة لهم هذه الصفة ايضا فقد شاركوه فيما تمدح به، و الجواب عن هذا كله واحد بما عرفت فتحفظ على هذا فأنه ينفعك في مواطن كثيرة تأتي ان شاء اللّه تعالى في تضاعيف هذا الكتاب.

و قد ورد في الاخبار جواب آخر رويناه باسنادنا الى الصدوق (ره) قال حدثني ابي رضي اللّه عنه، قال حدثنا سعد بن عبد اللّه باسناده الى داود العطار قال قال لي بعض اصحابنا اخبرني عن الملائكة أ ينامون فقلت لا أدري، فقال يقول اللّه عز و جل يُسَبِّحُونَ اَللَّيْلَ وَ اَلنَّهٰارَ لاٰ يَفْتُرُونَ، ثم قال الا اطرفك عن ابي عبد اللّه عليه السّلام فيه بشيء فقلت بلى فقال سأل عن ذلك فقال ما من حي الا و هو ينام خلا اللّه وحده عز و جل و الملائكة ينامون، فقلت يقول اللّه عز و جل يُسَبِّحُونَ اَللَّيْلَ وَ اَلنَّهٰارَ لاٰ يَفْتُرُونَ فقال انفاسهم تسبيح، فالفترة هي الكف عن اظهار الامر و النهي و اللغة تدلّ على ذلك كما قاله الصدوق يقال فتر فلان عن طلب فلان و فتر عن حاجته و انما ذلك تراخ عنه و كفّ لا بطلان الشخص و العين، و منه قول الرجل اصبتني فترة أي ضعف، و حينئذ قوله عليه السّلام لا يغشاهم نوم العين، انه لا يغشاهم النوم كما يغشى غيرهم بأن يشغلهم عن التسبيح و التقديس، و هذا من باب ما روى في باب صفات النبي صلّى اللّه عليه و آله و خواصه منان عينه تنام و قلبه لا ينام انتظارا للوحي الالهي، فالنوم و ان اعتراه لكن لا يعطله عن مراقبة ربه سبحانه كما يعطل غيره.

فان قلت ما فائدة تعدد الاجنحة في الملائكة و زيادتها على المعتاد و هو الجناحين قلت يجوز ان يكون لزيادة القدرة و القوة على الطيران و المسارعة الى قطع المسافات السماوية، فان الوحي الذي يتلقاه جبرئيل من العرش و حواليه فيسعى به الى النبي صلّى اللّه عليه و آله فيما هو اسرع من ارتداد طرف العين و غلظ كل سماء مسيرة خمسمائة ام و بين كل سمائين مسيرة خمسمائة عام على ما تقدم، و يجوز ان يكون فايدة التعدد ما روى ان صنفا من الملائكة لهم ستة اجنحة فجناحان يلقون

ص:151

بهما اجسادهم، و جناحان يطيرون بهما في الامر من امور اللّه و جناحان مرخيان على وجوههم حياء من اللّه، و حينئذ فكل جناحين لفائدة من الفوائد، و بهذا يظهر فائدة الجناح الثالث في قوله أولي اجنحة مثنى و ثلاث و رباع فيكون الثالث لفائدة أخرى غير الطيران، و اما محلّه فيجوز ان يكون في وسط الظهر بين الجناحين يمدها قوة.

و اما في جانب الكثرة فلا يعلم عددهم سواه و في الخبر عن الصادق عليه السّلام و قد سأل عن الملائكة أكثر بنوا آدم، فقال و الذي نفسي بيده لملائكة اللّه في السموات اكثر من عدد التراب في الارض، و ما في السماء موضع قدم الا و فيها ملك يسبحه و يقدسه، و لا في الارض شجر و لا مدر الا و فيها ملك موكّل يأتي اللّه كل يوم بعملها و ما منهم احد الا و يقرّ كل يوم بولايتنا اهل البيت و يستغفر لمحبينا، و يلعن اعدائنا و يسأل اللّه تعالى ان ينزل عليهم العذاب، و يكفي بهم كثرة ان مع كل قطرة مطر ملكا يضعها الموضع المأمون به و لا يصعد الى السماء الى يوم القيامة، بل يبقون في الارض يسبحون اللّه و يقدسونه و ثوابه لشيعة اهل البيت، و في الروايات ان اكثر اماكنهم المساجد.

و اعلم ان الملائكة على كثرتهم لا يخلو احد منهم من خدمة خاصة، و كل منهم له مقام معلوم كما حكاه تعالى عنهم، و ما منّا الا له مقام معلوم، و هو مقام في السموات فان كل جماعة منهم له مكان خاص و عبادة خاصة و المثل و للّه الامثال العليا، كما ان السلطان له اتباع و كل صنف منهم قد و كلّ بخدمة فمنهم من اولاه على رعيته للحماية و الحراسة و الاطلاع على ما يأتون و يذرون، و جماعة نسبهم اليه لكن على طريق التشريك بخدمة رعيته كالوزير و اضرابه، و جماعة منهم اختصهم به من غير شركة، و ذلك كاصحاب السلطان المخصوصين لديه، و من ذلك انقسمت الملائكة الى ملائكة كروبيين أي مقربين لديه، ذوي قوة على امتثال اوامره من التقديس مأخوذ من الكرب و هو القوة او من الكرب و هو الحزن لشدة خوفهم من جنابه تعالى، و ذلك انه كلما زيد في قرب الوزير زيد في خوفه من السلطان لاطلاعه على حقايق بطشه، و الى ملائكة روحانيين أي انهم يشبهون الارواح في اللطافة فهم الطف من باقي الملائكة، و هؤلاء النوعان هما سادات الملائكة و هما المشار اليهم في الحديث الصحيح عن الصادق عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مررنا ليلية المعراج بملائكة من ملائكة اللّه عز و جل خلقهم اللّه كيف شاء و وضع وجوههم كيف شاء ليس شيء من اطباق وجوههم الا و هو يسبح اللّه و يحمده من كل ناحية بأصوات مختلفة اصواتهم مرتفعة بالتسبيح و البكاء من خشية اللّه فسألت جبرئيل عنهم فقال كما ترى خلقوا، ان الملك منهم الى جنب صاحبه ما كلمه قطّ، و لا رفعوا رؤسهم الى ما فوقهم و لا خفضوها الى ما تحتهم خوفا من اللّه و خشوعا فسلّمت عليهم فردوا عليّ ايماء برؤسهم لا ينظرون اليّ من الخشوع، فقال لهم جبرئيل هذا محمد نبي الرحمة ارسله اللّه الى العباد رسولا و نبيا و هو خاتم النبيين

ص:152

و سيدهم أ فلا تكلمونه قال فلما سمعوا ذلك من جبرئيل أقبلوا عليّ بالسلام و بشروني و اكرموني بالخير لي و لامتي.

و اما سبب تفاوت مراتبهم في القرب و البعد فقد ورد في الروايات عن الصادق عليه السّلام ان اللّه سبحانه عرض ولايتنا على الملائكة فمن بادر اليها و عقد قلبه عليها صار من المقربين و سيأتي ان انواع المخلوقات انما صارت نوعين لهذا، و من هذا قال جبرئيل عليه السّلام أقرب الخلق الى اللّه انا و اسرافيل، و قسم منهم قد شركوا في الخدمات، فمنهم ملائكة العرش قال سبحانه الذين حملون العرش و من حوله يسبحون بحمد ربهم و يؤمنون به يستغفرون للذين آمنوا، و منهم جبرئيل عليه السّلام فأنه السفير بين اللّه و انبيائه و هي الساعي في تبليغ الوحي.

فان قلت اخبرني كيف يتلقى جبرئيل الوحي الالهي و كيف يبلغه قلت قد ورد في الاخبار على وجوه:

الاول ما روى ان جبرئيل عليه السّلام قال لرسول اللّه عليه السّلام في وصف اسرافيل هذا حاجب الرب و أقرب خلق اللّه منه، و اللوح بين عينيه من ياقوتة حمراء، فاذا تكلم الرب تبارك و تعالى بالوحي ضرب اللوح جبينه فنظر فيه، ثم القى الينا نسعى به في السموات و الارض، و الثاني ما روى ايضا أنه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لجبرئيل عليه السّلام من أين تأخذ الوحي قال آخذه من اسرافيل، قال و من أين يأخذه اسرافيل قال يأخذه من ملك فوقه من الروحانيين، قل و من أين يأخذه ذلك الملك، قال يقذف في قلبه قذفا.

الثالث ما ورد في الاسانيد النقية حدّث به الصادق عليه السّلام عن ابيه عن جده عن علي بن الحسين عن الحسين بن علي عن علي بن ابي طالب عليهم السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن جبرئيل عن ميكائيل عن اسرافيل عن اللوح عن القلم عن اللّه تبارك و تعالى قال ولاية علي بن ابي طالب حصني من دخله أمن من عذابي، و هذا الاختلاف منزّل على تعدد الكيفيات و ينبغي ان يراد باللوح و القلم في هذا السند الملكان فأنه قد ورد لهما في الاخبار معان متعددة و ثم ذهب الصدوق طاب ثراه في اعتقاداته الى ان اللوح و القلم ملكان، و الحق ان هذا من جملة معانيهما و قوله عليه السّلام في الحديث السابق من ياقوتة حمراء من جملة معانيه ايضا و من هذا النوع الملكي الروح، و هو المراد من قوله سبحانه يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلرُّوحِ قُلِ اَلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ مٰا أُوتِيتُمْ مِنَ اَلْعِلْمِ إِلاّٰ قَلِيلاً ، على ما في الروايات الصحيحة.

منها ما رواه الصفار عن هشام بن سالم قال سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول يسألونك عن الروح قل الروح من امر ربي، قال خلق اعظم من جبرئيل و ميكائيل لم يكن مع احد ممن مضى غير محمد صلّى اللّه عليه و آله و هو مع الائمة عليهم السّلام يرفقهم و يسددهم و ليس كلما طلب وجد، و عن امير

ص:153

المؤمنين عليه السّلام ان له سبعين الف وجه لكل وجه سبعون الف لسان لكل لسان سبعون الف لغة يسبح اللّه تعالى بتلك اللغات كلها يخلق اللّه تعالى بكل تسبيحة ملكا يطير مع الملائكة الى يوم القيامة، و لم يخلق اللّه خلقا اعظم من الروح غير العرش و لو شاء ان يبلغ السموات السبع و الارضين السبع بلقمة واحدة لفعل، و عن الصادق عليه السّلام ان الملائكة تقف كلها في صف واحد يوم القيامة و يقف هو في صف و هذا النوع يجوز ان يكون منحصرا في فرد و يجوز ان يكون متعدد الافراد و كل فرد منه متعبد بنوع خاص من التعبدات و من هذا النوع ميكائيل عليه السّلام سمي به لانه يكيل السحاب من ماء البحر و يرسل معه جماعة من الملائكة الى الموضع الذي امر فيه.

و روى الصدوق طاب ثراه عن جعفر بن البختري عن الصادق عليه السّلام قال ان اللّه تبارك و تعالى اذا اراد ان ينفع بالمطر امر السحاب ان يأخذ الماء من تحت العرش، و اذا لم يرد النبات امر السحاب فأخذ الماء من البحر، قيل ان ماء البحر مالح، قال ان السحاب يعذبه فهذا الحديث دالّ على ان مار المطر يأتي من اماكن مختلفة لمصالح كثيرة، و قد تقدم ان المطر الذي يكون اوائل المطر يجيء من تحت العرس، و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله ما اتى على أهل الدنيا يوم واحد منذ خلقها اللّه عز و جل الا و السماء فيها تمطر فيجعل اللّه ذلك حيث يشاء و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما خرجت ريح قطّ الا بمكيال الا زمن عاد، فانها عتت على خزّانها فخرجت في مثل خرق الابرة فأهلكت قوم عاد، و ما نزل مطر قطّ الا بوزن الا زمن نوح عليه السّلام فانه عتى على خزّانه فخرج مقل خرق الابرة فأغرق اللّه فيه قوم نوح.

اقول هذا العتو منهما انما هو غضب اللّه سبحانه فان قلت كيف يكون مثل خرق الابرة من الماء و الهوى باعثا لغرق آلاف من الناس و اهلاكهم، قلت يجوز ان يكون الضمير في قوله فأغرق اللّه فيه راجعا الى الماء الذي قد خرج من الخزّان لاجل الغرق لا الى الماء العاتي وحده الذي هو خرق الابرة، و يجوز ان يكون المراد بخرق الابرة موضع خروج الماء العاتي لا قدر الماء الخارج و حينئذ فيكون قد خرج من مثل هذا المكان الضيق ماء كثير و هواء كثير في مدّة كثيرة، فكان بانضمامه الى ذلك الماء و الهوى باعثا لاهلاكهم و غرقهم، مع ان اللّه سبحانه قد أهلك العظيم بالحقير و الكثير بالقليل فسبحان من هو قادر على ان يدخل الدنيا في بيضة من غير ترقيق الدنيا و لا تعظيم للبيضة و جواب آخر في الهوى رواه الكليني طاب ثراه في الروضة عن الباقر عليه السّلام في حديث قال فيه و اما الريح العقيم فانها ريح عذاب تخرج من تحت الارضين السبع، و ما خرجت منها ريح قطّ الا على قوم عاد حين غضب اللّه عليهم فأمر الخزّان ان يخرجوا منها على قدر سعة الخاتم، قال فعتت على الخزّان فخرج منها على مقدار منخر الثور تغيظا منها على قوم عاد فضجّ الخزان الى اللّه عز و جل من ذلك فقالوا ربنا انها قد عتت عن امرنا انا نخاف ان تهلك

ص:154

من لم يعصك من خلقك و عمّار بلادك فبعث اللّه عز و جل اليها جبرئيل فأستقبلها بجناحه فردها الى موضعها، و قال لها اخرجي على ما امرت به و اهلكي قوم عاد و من كان بحضرتهم و حينئذ فيجوز ان يكون في الماء مثل ذلك كما لا يخفى.

و قال امير المؤمنين عليه السّلام السحاب غربال المطر لو لا ذلك لافسد كل شيء وقع عليه و سأل ابو بصير ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الرعد أي شيء يقول، قال انه بمنزلة الرجل يكون في الابل فيزجرها هاي هاي (ها هي ها هي خ ل) كهيئة ذلك قال قلت جعلت فداك فما حال البرق قال مخاريق الملائكة تضرب السحاب فتسوقه الى الموضع الذي قضى اللّه عز و جل فيه المطر، و قال عليه السّلام الرعد صوت الملك و البرق سوطه و روى ان الرعد صوت ملك اكبر من الذباب و اصغر من الزنبور فينبغي لمن سمع صوت الرعد ان يقول سبحان من سيبّح الرعد بحمده و الملائكة من خيفته و قد ذكر الحكماء للامطار و الرعد و البرق اسبابا أخرى سيأتي ان شاء اللّه تعالى، و من الملائكة كتّاب الاعمال فأنه سبحانه بمقتضى حكمته لضبط اعمال الخلايق و افعالهم و اقوالهم و كلّ على كلّ واحد ملكين يكتبان اعماله كما قال سبحانه مٰا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّٰ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ، فرقيب كاتب الحسنات على يمين المكلّف و عتيد كاتب السيّات معه على يساره و سيأتي تمام الكلام فيهما ان شاء اللّه تعالى عند انوار المكلفين.

و من انواع الملائكة ملائكة قد و كلّ اللّه كل واحد منهم بحراسة ابن آدم من التردي في الابار او مواضع الهلاك او السباع، فاذا جاء الاجل بعّدوا عنه و قالوا أنت و هو و منهم من وكّله اللّه سبحانه بحراسة ثمر الاشجاء و حمل النخيل عن الدواب و الافات و لذا كره البول و الغايط تحت الاشجار المثمرة لمكان الملائكة، و من ثم قال الصادق عليه السّلام أ لا ترى ان للشجرة إنسا وقت الثمرة، و هذا الانس بالملائكة و منهم من يسكن الهوى و من ثم ورد النهي من صاحب الشرع بكراهة تطميح البول في الهوى، و منهم من يسكن المياه، و من ثم كره البول في الماء مطلقا، و كره ايضا دخول المياه بغير ازار لمكان سكانه من الملائكة، و منهم جماعة ملازمون الابواب و المساجد يكتبون اوّل داخل و آخر خارج، و منهم جماعة ورد في الروايات ان الانسان اذا اراد زيارة مولانا الحسين عليه السّلام بعث اللّه اليه جماعة من الملائكة لاعانته على قضاء حوائجه و يشيعونه ذهابا و ايابا، و يلازمون عتبة بابه اذا رجع و ثواب تقديسهم له، فاذا مات لازموه في قبره للانس و خرجوا معه من قبره الى ارض القيامة.

و منهم من هو بصورة الديك روى الصدوق طاب ثراه باسناده الى ابن عباس قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان للّه تبارك و تعالى ديكا رجلاه في تخوج الارض السابعة و رأسه عند العرش ثاني عنقه تحت العرش و ملك من ملائكة اللّه عز و جل خلقه اللّه تبارك و تعالى رجلاه في تخوم الارض

ص:155

السابعة السفلى مضى مصعدا فيها مدى الارضين حتى خرج منها الى افق السماء ثم مضى فيها مصعدا حتى انتهى قرنه الى العرش، و هو يقول سبحانك ربي، و لذلك الديك جناحان اذا نشرهما جاوز المشرق و المغرب، فاذا كان في آخر الليل نشر جناحيه و خفق بهما و صرخ بالتسبيح يقول سبحان الملك القدوس الكبير المتعال القدوس لا اله الا هو الحي القيوم، فاذا فعل ذلك سبحت ديكة الارض كلها و خفقت باجنحتها و أخذت في الصراخ، فاذا سكن ذلك الديك في السماء سكنت الديكة في الارض فاذا كان في بعض السحر نشر جناحيه فجاوز المشرق و المغرب، و خفق بهما و صرخ بالتسبيح فيقول سبحان اللّه العظيم سبحان اللّه العزيز القهار، سبحان رب العرش المجيد سبحان رب العرش الرفيع، فاذا فعل ذلك سبّحت ديكة الارض فاذا هاج هاجت الديكة في الارض تجاوبه بالتسبيح و التقديس للّه عز و جل و لذلك الديك ريش ابيض كأشد بياض ما رأيته قط، و له زغب اخضر تحت ريشه الابيض كأشد خضرة ما رأيتها قط، فما زلت مشتاقا الى ان انظر الى ريش ذلك الديك.

و روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال ان اللّه تبارك و تعالى ملكا من الملائكة نصف جسده الا على نار و نصفه الاسفل ثلج، فلا النار تذيب الثلج و لا الثلج يطفئ النار، و هو قائم ينادي بصوت له رفيع سبحان اللّه الذي كفّ حرّ هذه النار فلا تذيب هذا الثلج، و كفّ برد هذا الثلج فلا يطفئ حر النار، اللهم مؤلفا بين الثلج و النار ألّف بين قلوب عبادك المؤمنين على طاعتك.

و روى ايضا باسناده الى ابن نباته قال جاء ابن الكوا الى امير المؤمنين عليه السّلام فقال يا امير المؤمنين و اللّه ان في كتاب اللّه عز و جل لآية قد افسدت عليّ قلبي و شككتني في ديني فقال له عليه السّلام ثكلتك امك و عدمتك و ما تلك الاية قال قول اللّه عز و جل وَ اَلطَّيْرُ صَافّٰاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاٰتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ فقال له امير المؤمنين عليه السّلام يا ابن الكوا ان اللّه تبارك و تعالى خلق الملائكة في صور شتى، ان للّه تبارك و تعالى ملكا في صورة الديك ابح اشهب براثته في الارض السابعة السفلى، و عر مثنى تحت العرش له جناحان جناح في المشرق و جناح في المغرب، واحد من نار و الاخر من ثلج فاذا حضرت وقت الصلوة قام على براثته ثم رفع عنقه من تحت العرش ثم صفق بجناحيه كما تصفق الديوك في منازلكم فلا الذي من النار يذيب الثلج و لا الذي من الثلج يطفي النار فينادي اشهد ان لا اله الا اللّه وحده لا شريك له و اشهد ان محمدا سيد النبيين و ان وصيه سيد الوصيين، و ان اللّه سبّوح قدوس رب الملائكة و الروح، قال فتخفق الديكة بأجنحتها في منازلكم فتجيبه على قوله و هو قوله عز و جل وَ اَلطَّيْرُ صَافّٰاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاٰتَهُ و تسبيحه من الديكة في الارض و بالجملة فهم مما لا تتناهى انواعهم و سيأتي بعض انواعهم ان شاء اللّه تعالى في تضاعيف هذا الكتاب.

ص:156

و الحاصل ان لكل نوع منهم مقاما من التكليف و اما حدّهم في عالم الملكوت الذي لا يتعدونه ففي الروايات عن ابن عباس ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما اسرى به الى السماء انتهى به جبرئيل الى نهر يقال له النور، و هو قول اللّه عز و جل و خلق الظلمات و النور فلما انتهى به الى ذلك النهر فقال له جبرئيل اعبر يا محمد على بركة اللّه فقد نوّر اللّه لك بصرك و مدّ لك املك، فأن هذا نهر لم يعبره أحد لا ملك مقرّب و لا نبي مرسل غير ان لي في كل يوم اغتماسة فيه ثم أخرج منه فأنفض اجنحتي، فليس من قطرة تقطر من اجنحتي الا خلق اللّه تبارك و تعالى منها ملكا مقربا له عشرون الف وجه و اربعون الف لسان في كل لسان يلفظ بلغة لا يفقهها اللسان الاخر، فبر برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتى انتهى الى الحجب و الحجب خمسمائة جحاب، من حجاب الى حجاب مسيرة خمسمائة عام، ثم قال تقدّم يا محمد فقال له جبرئيل و لم لا تكون معي، قال ليس لي ان اجوز هذا المكان فتقدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما شاء اللّه ان يتقدم حتى سمع ما قال الرب تبارك و تعالى انا المحمود و انت محمد شققت اسمك من اسمي فمن وصلك وصلته و من قطعك بتكته انزل على عبادي فأخبرهم بكرامتي اياك، و اني لم ابعث نبيا الا جعلت له وزيرا و انك رسولي و ان عليا وزيرك فهبط رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كره ان يحدّث الناس بشيء كراهة ان يتهموه لانهم كانوا حديثي عهد و الجاهلية و الخبر طويل.

اقول هذا النهر انما هو فوق العرش، و ايضا قد سأل الصادق عليه السّلام ما فضل جدّك على سليمان بن داود الذي سخر له الريح غدوّها شهر و رواحها شهر، فقال عليه السّلام ان سليمان كان يقطع الشهرين بيوم واحد و اما جدي فقد قطع مسير خمسين الف سنة بساعة واحدة، و لما رجع الى لحافه كان حارا لم يبرد لقصر زمان سفره، و من العرش الى الارض لا يبلغ هذه المسافة اذا عرفت هذا كله.

فاعلم ان الاخبار قد تظافرت بأن الملائكة طعامهم التحميد و شرابهم التقديس، و ليس لهم شهوة الحيوان و لا ميل الى انواع اللذات الدنيوية، فاذا كان اللّه قد خلقهم على هذا المنوال فما لهم من الفضل في انفسهم حتى يفضلوا غيرهم من صلحاء المؤمنين على ان المعتزلة و ابا عبد اللّه الحليمي و القاضي ابا بكر من الاشاعرة ذهبوا الى تفضيل الملائكة العلويين على الانبياء عليهم السّلام، و اما الملائكة السفلية فلا خلاف في تفضيل الانبياء عليهم.

قلت قد اشكل هذا المعنى على جماعة من الاصحاب حتى ان شيخنا المعاصر ادام اللّه ايامه ذهب الى ان الملائكة لهم نوع من الميل الى اللذات الحسية لكنهم يجاهدون انفسهم و يمنعونها عن الارادات البشرية حتى يكون لهم جزيل من الثواب و يستحقوا محامد الثنا و التفضيل، و الجواب التحقيقي عند هذا القاصر غير هذا، و حاصله ان اللّه سبحانه قد اقدر الملائكة على انواع

ص:157

العبادات كما اقدر البشر عليها و ان كان قوة الملائكة على العبادات اشدّ و اكثر، و البشر مع قدرتهم على اكثر انواع العبادات من الواجبات و السنن قد فتروا عنها و اقبلوا على تركها، و اما الملائكة فقد اقبلوا على فعلها، و الاتيان بما وصلت اليه قدرتهم، و مع هذا قد صارت العبادات مستلذة عندهم كاستلذاذ الاكل و الشرب عندنا، فهم يأتون بكل ما يقدرون من انواع العبادات على وجه الاستلذاذ و نحن انما نأتي ببعض ما نقدر على وجه التكليف و المشقة و الخوف من العقاب فهم فضلونا باتيانهم بافعال يمكنهم تركها فلم يتركوها، و من ثم قد وقع من بعضهم الترك حتى عوقب عليه فاحترقت اجنحته و سقط من مقامه كما وقع الملك الذي وقع من السماء في زمن ادريس عليه السّلام حتى لجاء الى ادريس عليه السّلام فدعى له فرجع الى مقامه، و كالملك الذي فتر عن العبادة في عصر النبي صلّى اللّه عليه و آله فسقط ايضا من عالم الملكوت و لجأ الى الحسين عليه السّلام فتمسح به و رجع ببركة الحسين عليه السّلام الى مقامه.

و اما الانبياء و الائمة عليهم السّلام فهم قد فعلوا افعال الملائكة مع اتصافهم بالقوى الحيوانية، فهم افضل من الملائكة كما انعقد عليه اجماعنا، و من ثم كان العامل منا بما يطيق من انواع العبادات افضل من الملائكة كما ذهب اليه بعض الاصحاب و دلّت عليه بعض الاخبار.

نور ملوكتي

في بعض ما في عالم الملكوت

فنقول روى الصدوق (ره) باسناده الى الرضا عليه السّلام عن علي عليه السّلام قال دخلت انا و فاطمة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فوجدناه يبكي بكاء شديدا فقلت فداك ابي و امي يا رسول اللّه ما الذي أبكاك فقال يا علي ليلة اسري بي الى السماء رأيت نساء امتي في عذاب شديد فأنكرت شأنهنّ فبكيت لما رأيت من شدة عذابهن، رأيت امرأة معلقة بشعرها يغلي دماغ رأسها، و رأيت امرأة معلقة بلسانها و الحميم يصبّ في حلقها و رأيت امرأة معلقة بثدييها و رأيت امرأة تأكل لحم جسدها و النار توقد من تحتها، و رأيت امرأة قد شدّت رجلاها الى يديها و قد سلّط عليها الحيّات و العقارب، و رأيت امرأة صمّاء عمياء خرساء في تابوت من نار يخرج دماغ راسها من منخرها و بدنها منقطع من الجذام و البرص و رأيت امرأة يقرض لحمها بالمقاريض و رأيت امرأة معلقة برجليها في تنور من نار و رأيت امرأة يحرق وجهها و يداها و هي تأكل امعاءها و رأيت امرأة رأسها رأس خنزير و بدنها بدن حمار و عليها الف الف لون من العذاب، و رأيت امرأة على صورة الكلب و النار تدخل في دبرها و تخرج من فيها، و الملائكة يضربون راسها و يديها بمقامع من نار،

ص:158

فقالت فاطمة عليها السّلام حبيب و قرّة عيني اخبرني ما كان عملهنّ حتى وضع اللّه عليهنّ العذاب فقال يا بنيتي:

اما المعلقة بشعرها فانها كانت لا تغطي شعرها من الرجال، و اما المعلقة بلسانها فانها كانت تؤذي زوجها، و اما المعلقة بثدييها فانها كانت تمتنع من فراش زوجها، و اما التي علقت برجلها فانها كانت تخرج من بيتها بغير اذن زوجها، و اما التي كانت تأكل لحم جسدها فانها كانت تزيّن بدنها للناس، و اما التي شدّت يداها الى رجليها و سلّط عليها الحيات و العقارب فانها كانت قذرة الوضوء قذرة الثياب و كانت لا تغتسل من الجنابة و الحيض و لا تتنظف و كانت تستهين بالصلوة، و اما العمياء الصماء الخرساء فانها كانت تلد من الزنا فتعلقه في عنق زوجها، و اما التي تقرض لحمها بالمقاريض فانها كانت تعرض نفسها على الرجال، و اما التي كانت يحرق وجهها و يداها و هي تأكل امعائها فأنها كانت قوّادة و اما التي كانت رأسها راس الخنزير و بدنها بدن الحمار فانها كانت نمامة كذابة، و اما التي على صورة الكلب و النار تدخل في دبرها و تخرج من فيها فأنها كانت قينة (1)نواحة حاسدة ثم قال ويل لامرأة أغضبت زوجها و طوبى لامرأة رضي عنها زوجها.

فان قلت اكشف لنا عن حقيقة هؤلاء المعذبات أ هنّ في الارض أم في السماء و اذا كنّ في السموات ما حقيقة هذا المرئى منهنّ، قلت اما ما وقع في هذا الحديث و في كل ما روى في معناه من قوله صلّى اللّه عليه و آله رأيت ليلة اسري بي و لم يقيّده في مكان فالظاهر انه صلّى اللّه عليه و آله انما رآه في الارض قبل صعوده السموات بل يكون في عرض الطريق، فقد نقل في الاخبار انه رأى اعاجيب كثيرة و احوالا غريزة، و يؤيده ما رواه صاحب روضة الواعظين في كلام طويل في صفة المعراج، قال فيه ثم مضى مع جبرئيل عليه السّلام فمر على قوم معلقين بعراقيبهم بكلاليب (2)من نار، فقال ما هؤلاء يا جبرئيل، فقال هؤلاء الذين اغناهم اللّه بالحلال فيبتغون الحرام، قال قال ثم مرّ على قوم تخاط جلودهم بمخائط من نار فقال ما هؤلاء يا جبرئيل فقال هؤلاء الذين يأخذون عذرة النساء بغير حلّ ثم مضى، فمرّ على رجل يرفع خرمة من حطب كلما لم يستطع ان يرفعها زاد فيها، فقال من هذا يا جبرئيل فقال هذا صاحب الدين يريد ان يقضي فاذا لم يستطع زاد عليه، ثم مضى حتى اذا كان بالجبل الشرقي من بيت المقدس وجد ريحا حارة و سمع صوتا، فقال ما هذه الريح يا جبرئيل التي اجد و ما هذا الصوت الذي اسمع، قال هذه جهنم فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله اعوذ باللّه من جهنم ثم وجد ريحا عن يمينه طيبة و سمع صوتا، فقال ما هذه الريح التي اجد و ما هذا الصوت

ص:159


1- 48) الاقينة الامة مغنية كانت او غير مغنية.
2- 49) الكلاليب من الكلاب بالضم كتفاح خشبة او حديدة معوجة الرأس.

الذي اسمع، قال هذه الجنة فقال اسأل اللّه الجنة، قال ثم مضى حتى انتهى الى باب مدينة بيت المقدس، و فيها هرقل الحديث، فان في هذا تصريحا بكون ما رآه قبل الصعود.

و اما الذي وقع التصريح برؤيته في السموات و هو كثير، كما نقل في ذلك الكتاب من قوله فلما انتهى الى باب السماء استفتح جبرئيل عليه السّلام فقالوا من هذا قال محمد قالوا نعم المجيء جاء فدخل فما مرّ على ملاء من الملائكة الا سلموا عليه و دعوا له ثم مضى فمر على شيخ قاعد تحت شجرة و حوله اطفال، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من هذا الشيخ يا جبرئيل قال هذا ابوك ابراهيم فقال ما هؤلاء الاطفال، فقال هؤلاء اطفال المؤمنين حوله يغذوهم ثم مضى فمرّ على شيخ قاعد على كرسي اذا نظر عن يمينه ضحك و فرح و اذا نظر عن يساره حزن و بكى فقال من هذا يا جبرئيل قال هذا ابو آدم اذا رأى من يدخل الجنة من ذريته ضحك و فرح، و اذا رأى من يدخل النار من ذريته حزن و بكى ثم مضى فمرّ على ملك قاعد على كرسي فسلّم عليه فلم ير منه من البشر ما رأى من الملائكة فقال يا جبرئيل ما مررت بأحد من الملائكة الا رأيت منه ما احب الا هذا فمن هذا الملك، قال هذا الملك خازن النار اما انه قد كان من احسن الملائكة بشرا و اطلقهم وجها فلما جعل خازن النار إطلّع فيها اطلاعة فرأى ما اعدّ اللّه فيها لاهلها فلم يضحك بعد ذلك و نقل غير هذا ايضا.

و الجواب عن الكل واحد لكنه على وجوه احدها ما روى عنه صلّى اللّه عليه و آله انه قال ان اللّه جلّ اسمه لما عرج بي اليه مثّل لي امتي في الطين من اولها الى آخرها حتى انا اعرف بهم من احدهم بأخيه و علمني الاسماء كلها فيكون هذا الذي رآه صلّى اللّه عليه و آله من التمثيلات الطينية باعتبار ما يأول اليه حالهم، فان علمه صلّى اللّه عليه و آله مأخوذ من علم اللّه سبحانه و علمه بالاشياء قبل وجودها كعلمه بها بعد وجودها فمثلت له الاشياء قبل وجودها و شاهدها بعين العيان.

و ثانيها انه قد روى عن الصادق عليه السّلام في تفسير قوله عليه السّلام يا من اظهر الجميل و ستر القبيح ان اللّه سبحانه خلق تمثالا في السماء لكل انسان في الارض يعمل مثل عمله فاذا عمل الانسان في الارض عمر خير عمل تمثاله مثل عمله فأظهر اللّه تعالى ذلك التمثال لاهل السموات يرونه فيعلمون ان ذلك الانسان يعمل ذلك العمل الحسن فشكرته الملائكة و استغفرت له و من هذا قال في الحديث القدسي اشكرني ابن آدم في ملائك اشكرك في ملاء خير منه اشكرك في الانبياء و المرسلين و الملائكة المقربين و هو عبارة عن شكر الملائكة و الانبياء و في بعض الروايات انه سبحانه يخلق صوتا في عالم الملكوت يشكر به ذلك الشاكر و قيل المراد بشكر اللّه سبحانه للعبد المجازات له على الشكر و كل هذا حق لما ورد في الحديث القدسي ايضا من تقرب اليّ شبرا تقربت اليه ذراعا و من تقرب اليّ ذراعا تقربت اليه باعا، و هو يسبق من اراد السبق اليه و اذا شغل الانسان في الارض بالمساوي و الاعمال القبيحة عمل ذلك التمثال ذلك العمل فيأمر اللّه سبحانه بملك يرخى

ص:160

على ذك التمثال سترا حتى لا تراه الملائكة فهذا معنى يا من اظهر الجميل و ستر القبيح و حينئذ فيكون صلّى اللّه عليه و آله قد كشف له عن تلك التمثالات ليلة المعراج فرأى التمثال على ما هو عليه من الاحوال المطابقة لذوي التمثال لان ذلك المعراج قد كان بعد مبعثه صلّى اللّه عليه و آله بخمس سنين فعملت نساء امته و رجالها ما رآه في عالم الملكوت.

و ثالثها ان يكون حكمته تعالى قد اقتضت ان بعض هذه الامة ينتقلون بعد الموت اما بهذه الابدان الجسمانية او القوالب المثالية الى جنة السموات و نارها و هما جنة الاخرة و نارها و اما جنة الدنيا و نارها فهما في الارض كما سيأتي بيانها ان شاء اللّه تعالى كما ان آدم و ابراهيم و موسى و ادريس قد انتقلوا الى السموات و الجنان بهذه الابدان فيكون صلّى اللّه عليه و آله قد شاهد المعذبين في نار السموات و هي نار الاخرة كما روى انه صلّى اللّه عليه و آله قال لجبرئيل في ليلة المعراج و هو في السموات يا جبرئيل اطّلعني على النار اراها، فقال يا رسول اللّه لا تطيق النظر اليها فستأذن مالك خازن النار فكشف له الغطا عن تنور منها فثار منه دخان احاط بالسموات كلها سواده فغشي على النبي صلّى اللّه عليه و آله فوضع الغطا على التنور فأفاق و ما تضمنه الحديث السابق من قوله يرفع خرمة الحطب الحديث فينبغي ان يحمل على من لم يكن له عزم على اداء الدين كما ورد في حديث آخر، و يجوز حمله على من اسدان و لم يكن له وجه مال لادائه فان جماعة من الاصحاب ذهبوا الى عدم جواز الاستدانة لمثل هذا و قدموا عليه السؤال بالكفّ و ان لم يكن من اهله لقوله عليه السّلام الدين مفكّرة بالليل مذّلة بالنهار، قضاء في الدنيا و قضاء في الاخرة لانه يؤخذ من حسنات المديون لصاحب الدين و ان لم يكن له حسنات أخذ من ذنوب صاحب الدين و وضعت في عنق المديون و هو احد معاني قوله سبحانه لَيَحْمِلُنَّ أَثْقٰالَهُمْ وَ أَثْقٰالاً مَعَ أَثْقٰالِهِمْ و من جملة ما في السموات الانبياء عليهم السّلام اما ارواحهم بناء على عدم تجرد الارواح كما هو القول الاظهر، او مع الاجساد المثالية او هذه الاجسام بعينها فان الارض لا تأكل لحوم الانبياء و لا اوصياءهم عليهم السّلام.

روى الصدوق عن الصادق عليه السّلام ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما اسرى به امره ربه بخمسين صلاة فمرّ على النبيين نبي نبي لا يسألونه عن شيء حتى انتهى الى موسى بن عمران عليه السّلام فقال بأي شيء امرك ربك فقال بخمسين صلاة فقال موسى سل ربك التخفيف فان امتك لا تطيق ذلك فسأل ربه فحطّ عنه عشرا ثم مرّ بالنبيين نبي نبي لا يسألونه عن شيء حتى مرّ بموسى بن عمران عليه السّلام فقال بأي شيء امرك ربك فقال بأربعين صلاة فقال سل ربك التخفيف فان امتك لا تطيق ذلك، فسأل ربه فحطّ عنه عشرا ثم مرّ بالنبيين نبي نبي لا يسألونه عن شيء حتى مرّ بموسى بن عمران عليه السّلام فقال بأي شيء امرك ربك فقال بثلاثين صلاة، فقال سل ربك التخفيف فان امتك لا تطيق ذلك، فسأل ربه عز و جل فحطّ عنه عشرا ثم مر بالنبيين نبي نبي لا يسألونه عن شيء حتى مرّ بموسى بن

ص:161

عمران عليه السّلام فقال بأي شيء امرك ربك فقال بعشرين صلاة فقال سل ربك التخفيف فان امتك لا تطيق ذلك، فسأل ربه عز و جل فحطّ عنه عشرا ثم مرّ بالنبيين نبي نبي لا يسألونه عن شيء حتى مرّ بموسى عليه السّلام فقال بأي شيء امرك ربك فقال بعشر صلوات، فقال سل ربك التخفيف فان امتك لا تطيق ذلك فاني جئت الى بني اسرائيل بما افترض اللّه عز و جل عليهم فلم يأخذوا به و لم يقرّوا عليه فسأل النبي صلّى اللّه عليه و آله ربه عز و جل فخفف عنها فجعلها خمسا ثم مرّ بالنبيين نبي نبي لا يسألونه حتى مر بموسى عليه السّلام فقال له بأي شيء امرك ربك فقال بخمس صلوات فقال اسئل ربك التخفيف عن امتك فان امتك لا تطيق ذلك فقال اني لاستحي ان اعود الى ربي فجاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بخمس صلوات و قال رسول اللّه صلوات اللّه عليه و آله جزء اللّه موسى بن عمران عن امتي خيرا فلما هبط الى الارض نزل عليه جبرئيل فقال يا محمد ان ربك يقرئك السّلام فيقول انها خمس بخمسين ما يبدّل القول لدي و ما انا بظلام للعبيد اقول وجه كونها بخمسين ان الحسنة بعشر فخمس بخمسين.

و من السماويات البيت المعموم و هو بيت في السماء الرابعة بحيال الكعبة تعمره الملائكة بالطواف مثل الكعبة و هو المروي عن امير المؤمنين عليه السّلام و في الصحيح عن الصادق عليه السّلام انه في السماء السابعة يدخله كل يوم سبعون الف ملك لا يعودون اليه ابدا، و روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه في السماء الدنيا و في السماء الرابعة نهر يقال له الحيوان يدخل فيه جبرئيل عليه السّلام كل يوم طلعت فيه الشمس و اذا خرج انتفض انتفاضة جرت منه سبعون الف قطرة فيخلق اللّه من كل قطرة ملكا يؤمرون ان يؤتوا البيت المعمور فيصّلون فيه ثم لا يعودون اليه ابدا و هو اول مسجد وضع للعبادة في الارض فلما خلقت الكعبة شرّفها اللّه تعالى رفع الى حيالها، و يجوز ان يكون وجه حمل البيت المعمور على الجنس فيكون في كل واحدة من السموات المذكورة بيت للطواف مثل الكعبة بالنسبة الى اهل الارض يسمى البيت المعمور، و لشرفه عند خالقه اقسم به فقال و البيت المعمور و السقف المرفوع و يؤيده ما روى عن الرضا عليه السّلام ان اللّه سبحانه وضع في السماء الرابعة بيتا بحذاء العرش، يسمى الصراخ ثم وضع في السماء الدنيا بيتا يسمى المعمور بحذا الصراخ ثم وضع هذا البيت بحذاء البيت المعمور الحديث.

و منها البحار روى شيخنا الصدوق (ره) باسناده الى ابن درّاج قال سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام هل في السماء بحار قال نعم اخبرني ابي عن ابيه عن جدّه عليهم السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان في السموات السبع لبحارا عمق احدها مسيرة خمسمائة عام، فيها ملائكة قيام منذ خلقهم اللّه عز و جل و الماء الى ركبهم ليس فيهم ملك الا و له الف و اربعمائة جناح في كل جناح اربعة وجوه في كل وجه اربعة افواه في كل فم اربعة السن ليس فيها جناح و لا وجه و لا لسان و لا فم الا

ص:162

و هو يسبح اللّه عز و جل بتسبيح لا يشبه نوع منه صاحبه، اقول واحد منها فسر البحر المسجور أي الممتلئ ماء او حرارة او غضبا على اهل المعاصي.

نور يكشف عن مكان الجنة و النار الاخرويتان

اعلم ان الامامية رضوان اللّه عليهم قد اجمعوا استنادا الى ظاهر الآيات و الاخبار المتواترة على كون الجنة و النار مخلوقتين الان (1)و قصة آدم و حوا و اسكانهما الجنة و اخراجهما عنها و قوله تعالى أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ و أُعِدَّتْ لِلْكٰافِرِينَ و غير ذلك من الآيات شواهد صدق عليه.

و ام جمهور مخالفينا فذهب الاشاعرة و ابو علي الجبائي و بشر بن المعتمر و ابو الحسين البصري من المعتزلة الى انهما مخلوقتان الان كما قلنا، و انكره اكثر المعتزلة كابي هاشم و عبد الجبار و عباد الصمري و ضرار بن عمرو تعويلا على العقل و النقل اما الاول فمبناه على امتناع الخرق و الالتيام على الافلاك و هو اضعف من غزل العنكبوت و اما الثاني فقوله تعالى عَرْضُهَا اَلسَّمٰاوٰاتُ و الارض و هذا يقتضي ان لا يوجد الا بعد فناء السموات و الارض في القيامة و الجواب عن هذا قد روى عن الرضا عليه السّلام و ذلك انه قد سأل عن هذا بان عرضها اذا كان كعرض السموات و الارض فالان اين تكون فقال عليه السّلام انها ليست في السموات و لا في الارض و لكن فوق السموات و سقفها العرش فعلى هذا يكون ارضها محدّب الكرسي، فتكون تحت العرش و فوق الكرسي و قد دخلها النبي صلّى اللّه عليه و آله ليلة المعراج و اكل منها تفاحة، و لما أتى منزله قارب خديجة فحملت بفاطمة فكانت النطفة من تلك التفاحة و منها كان حمرة وجوه الائمة عليهم السّلام و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله اذا اراد ان يشمّ رائحة الجنة و تفاحها أتى الى فاطمة و شمها و قبلها، و من ثم حسدتها عائشة على هذا المعنى و اضمرت لها عداوتها و عداوة زوجها و اولادها و لما مضى النبي صلّى اللّه عليه و آله اظهرت نار نفاقها فجهزت العساكر و جمعت الجموع حتى خذلت و غلبت و ظفر اللّه المسلمين على عساكرها كما سمعت.

ص:163


1- 50) و خالف عن الامامية في هذا الاعتقاد سيدنا الاعظم السيد الشريف الرضي جامع نهج البلاغة المتوفى سنة (406) ه قال في الجزء الخامس من كتابه حقائق التاويل في متشابه التنزيل [1]ما هذا لفظه (فصل في ذكر الجنة و النار هل هما مخلوقتان الان ام تخلقان بعد فناء العباد و قد اختلف العلماء في ذلك فمنهم من قال هما الان مخلوقتان و قال بعضهم: ان الجنة [2]خاصة مخلوقة و الصحيح انهما تخلقان بعد الخ ص 245 ط نجف و الى هذا القول مال اخيه رئيس المذهب السيد الشريف المرتضى علم الهدى قدس سره و لكن القول الحق مال اخيه رئيس المذهب السيد الشريف المرتضى علم الهدى قدس سره و لكن القول الحق هو ما ذهب اليه المصنف ره.

و اما نار الاخرة فهي في السماء ايضا و قد استفاضت الاخبار بالدلالة عليه و قد شاهدها النبي صلّى اللّه عليه و آله ليلة المعراج، و قد حصل له فزع عظيم من هول ما شاهده منها كما تقدم الا انها تحت الجنة و ظاهر الاخبار انها في السماء الرابعة و قد رآها ادريس النبي عليه السّلام و دخلها لحظة، و كانت عليه بردا و سلاما، و سيأتي تمامه في مكانه ان شاء اللّه و هذه الجنة و النار السماويتان غير الجنة و النار المخلوقتين في الارض لعالم البرزخ لعذاب الفاسقين و لنعيم المؤمنين، فان جنة الدنيا وادي السّلام في ظهر الكوفة و نار البرزخ برهوت و هو واد في حضر موت اليمن، و تفصيلهما يذكر في محله ان شاء اللّه تعالى، فاذا كان يوم القيامة و طوى اللّه سبحانه بقدرته السموات كطيّ السجل و اعدمها و كذلك بدّل الارض كما قال يوم تبدل الارض غير الارض و السموات مطويات فيومئذ ينزل الجنة و النار من مكانهما فتمون الجنة في موضع السموات تتفاوت درجات اهلها بتفاوت اعمالهم فمسافة ارتفاع السموات كلها تكون من بعض درجات الجنة فتكون هذه الارض اسفل قيعان الجنة و درجاتها، و تنتهى في العلو و الارتفاع الى ما فوق العرش فان اللّه سبحانه كما روى عن الصادقين عليهما السّلام يعطى المؤمن في الجنة ما يقابل الدنيا مرّة، و روى سبعين مرة هذا الاقل، و اما الاكثر فلا يعلم مقداره الا هو.

و اما النار فاذا نزلت يوم القيامة مكانها طبقات الارض و تتفاوت طبقاتها في العمق على قدر تفاوت المعاصي فيكون اسفل الجنة اعلى النار، لانه قد روى ان اهل الجنة لهم غرف تفتح بعض ابوابها الى النار، حتى يشاهدوا عذاب اهلها فتعظم نعمت اللّه في اعينهم، فعند تلك المشاهدة يقول لهم اهل النار افيضوا علينا مما افاض اللّه عليكم فيقول لهم اهل الجنة ان طعام الجنة و شرابها محرم على الكافرين.

الباب الثاني

نور آدمي

في ابتداء خلق ابينا آدم و امنا حوى عليهما السّلام

و ما يتبع ذلك روى القطب الراوندي و هو من اعظم محدثي الشيعة في كتاب قصص الانبياء عليهم السّلام باسناده الى الباقر عليه السّلام قال سأل امير المؤمنين عليه السّلام هل كان في الارض خلق من خلق اللّه تعالى يعبدون اللّه قبل آدم عليه السّلام و ذريته؟ فقال نعم قد كان في السموات و الارض خلق من خلق اللّه تعالى يعبدون اللّه تعالى قبل آدم عليه السّلام و ذريته يقدسون اللّه و يسبحونه و يعظمونه بالليل و النهار، و لا يفترون فان اللّه عز و جل لما خلق الارضين خلقها قبل السموات ثم خلق الملائكة

ص:164

روحانيين لهم اجنحة يطيرون بها حيث شاء اللّه فأسكنهم فيما بين اطباق السموات يقدسونه الليل و النهار و اصطفى منهم اسرافيل و ميكائيل و جبرئيل.

ثم خلق عز و جل في الارض الجن روحانيين لهم اجنحة فخلقهم دون خلق الملائكة و خفضهم ان يبلغوا مبلغ الملائكة في الطيران و غير ذلك فاسكنهم فيما بين اطباق الارضين السبع و فوقهنّ، يقدسون اللّه بالليل و النهار لا يفترون، ثم خلق خلقا دونهم لهم ابدان و ارواح بغير اجنحة يأكلون و يشربون (1)سناس اشباه خلقهم اللّه و ليسوا بأنس و اسكنهم اوساط الارض على ظهر الارض مع الجن يقدسون اللّه بالليل و النهار لا يفترون قال و كان الجن تطير في السماء فتلقى الملائكة في السموات فيسلمون عليهم فيزورونهم و يستريحون اليهم و يتعلمون منهم الخبر ثم ان طائفة من الجن و النسناس الذين خلقهم اللّه و اسكنهم اوساط الارض تمردوا و عتوا عن امر اللّه فمرحوا و بغوا في الارض بغير الحق و علا بعضهم على بعض في العتو على اللّه تعالى حتى سفكوا الدماء فيما بينهم و اظهروا الفساد و جحدوا ربوبية اللّه تعالى، قال و أقامت الطائفة المطيعون من الجن على رضوان اللّه و طاعته و باينوا الطائفتين من الجن و النسناس الذي عتوا عن امر اللّه تعالى قال فحطّ اللّه اجنحة الطائفة من الجن الذيت عتوا عن امر اللّه تعالى و تمردوا و كانوا لا يقدرون على الطيران الى السماء و الى ملاقاة الملائكة لما ارتكبوا من الذنوب و المعاصي قال و كانت الطائفة المطيعة امر اللّه من الجن تطير الى السماء في الليل و النهار على ما كانت عليه، و كان ابليس و اسمه الحارث يظهر للملائكة انه من الطائفة المطيعة.

ثم خلق اللّه خلقا على خلاف الملائكة و على خلاف خلق الجن و على خلاف خلق النسناس يدبّون كما تدبّ الهوام في الارض يأكلون و يشربون كما تأكل الانعام من مراعي الارض كلهم ذكران ليس فيهم اناث لم يجعل اللّه فيهم شهوة النساء و لا حبّ الاولاد و لا الحرص و لا طول الامل و لا لذة العيش لا يلبسهم الليل و لا يغشاهم النهار، ليسوا ببهائهم و لا هوام لباسهم ورق الشجر و شربهم من العيون الغزار و الاودية الكبار ثم اراد اللّه ان يفرقهم فرقتين فجعل فرقة خلف مطلع الشمس من وراء البحر فكوّن لهم مدينة انشاءها لهم تسمى جابرسا طولها اثنى عشر الف فرسخ في اثنى عشر الف فرسخ و كوّن عليها سورا من حديد يقطع الارض الى السماء ثم اسكنهم فيها و اسكن الفرقة الاخرى خلف مغرب الشمس من وراء البحر و كوّن لهم مدينة انشأها تسمى جابلقا طولها اثنى عشر الف فرسخ في اثنى عشر الف فرسخ، و كوّن لهم سورا من حديد يقطع الى السماء فاسكن الفرقة الاخرى فيها لا يعلم اهل جابرسا بموضع اهل

ص:165


1- 1) ثم خلق النسناس-كذا في النسخة المخطوطة.

جابلقا، و لا اهل جابلقا بموضع اهل جابرسا و لا يعلم بهم اهل اوساط الارض من الجن و النسناس فكانت الشمس تطلع على اهل اوساط الارضين من الجن و النسناس فينتفعون بحرّها و يستضيئون بنورها ثم تغرب في عين حمئة فلا يعلم بها اهل جابلقا اذا غربت و لا يعلم بها اهل جابرسا اذا طلعت لانها تطلع من دون جابرسا و تغرب من دون جابلقا.

فقيل يا امير المؤمنين فكيف يبصرون و يجيئون و يأكلون و يشربون و ليس تطلع الشمس فقال صلوات اللّه عليه انهم يستضيئون بنور اللّه فهم في اشد ضوء من نور الشمس و لا يرون ان اللّه تعالى خلق شمسا و لا قمرا و لا نجوما و لا كواكب لا يعرفون شيئا غيره فقيل يا امير المؤمنين فاين ابليس عنهم قال لا يعرفون ابليس و لا سمعوا بذكره و لا يعرفون الا اللّه وحده لا شريك له لم يكسب احد منهم قطّ خطيئة و لم يقترف اثما لا يسقمون و لا يهرمون الى يوم القيامة يعبدون اللّه لا يفترون الليل و النهار عندهم سواء، قال ان اللّه احبّ ان يخلق خلقا و ذلك بعد ما مضى للجن و النسناس سبعة الاف سنة فلما كان من خلق اللّه ان يخلق آدم للذي اراد من التدبير و التقدير فيما هو مكوّنه في السموات و الارضين كشط عن اطباق السموات ثم قال للملائكة انظروا الى اهل الارض من خلقي من الجن و النسناس هل ترضون اعمالهم و طاعتهم لي فاطلعت و رأوا ما يعملون من المعاصي و سفك الدماء و الفساد في الارض بغير الحق اعظموا ذلك و غضبوا للّه و اسفوا على اهل الارض و لم يملكوا غضبهم.

و قالوا يا ربنا انت العزيز الجبار الظاهر العظيم الشأن و هؤلاء كلهم خلقك الضعيف الذليل في ارضك كلهم يتقلبون في قبضتك و يعيشون في رزقك و يتمتعون بعافيتك و هم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام لا تغضب و لا تنتقم منهم لنفسك بما تسمع منهم و ترى و قد عظم ذلك و اكبرناه فيك فلما سمع اللّه تعالى مقالة الملائكة قال اني جاعل في الارض خليفة فيكون حجتي على خلقي في ارضي، فقالت الملائكة سبحانك ربنا أ تجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك فقال اللّه تعالى يا ملائكتي اني اعلم ما لا تعلمون اني اخلق خلقا بيدي أجعل خلفائي على خلقي في ارضي ينهونهم عن معصيتي و ينذرونهم و يهدونهم الى طاعتي و يسلكون بهم طريق سبيلي اجعلهم حجة لي عذرا أو نذرا و أنفي الشياطين من ارضي و اطهرها منهم فاسكنهم في الهوى و اقطار الارض و في الفيافي فلا يراهم خلق و لا يرون شخصهم و لا يجالسونهم و لا يخالطونهم و لا يؤاكلونهم و لا يشاربونهم و انفرد مردة الجن العصاة من نسل بريتي و خلقي و خيرتي فلا يجاورون خلقي و اجعل بين خلقي و بين الجانّ حجابا فلا يروا خلقي شخص الجن و لا يجالسونهم و لا يشاربونهم و لا ينهجون نهجهم.

ص:166

و من عصاني من نسل خلقي الذي عظمته و اصطفيته اسكنهم مساكن العصاة و اوردهم موردهم و لا ابالي فقالت الملائكة لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العزيز الحكيم، فقال الملائكة اني خالق بشرا منم صلصال من حماء مسنون، فاذا سويته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين، قال و كان ذلك من اللّه تقدمة للملائكة قبل لمن يخلقه احتجاجا منه عليهم و ما كان اللّه ليغيّر ما بقوم الا بعد الحجة عذرا أو نذرا، فأمر تبارك و تعالى ملكا من الملائكة فاغترف غرفة بيمينه فصلصلها في كفّه فجمدت فقال اللّه تبارك منك أخلق.

و روى عن امير المؤمنين عليه السّلام قال ان اللّه تعالى خلق آدم من اديم الارض (1)منه السباخ و المالح و الطيب، و من ذريته الصالح و الطالح، و قال ان اللّه تعالى لما خلق آدم و نفخ فيه من روحه نهض ليقوم فقال اللّه و خلق الانسان عجولا، و هذا علامة الملائكة ان من اولاد آدم عليه السّلام يكون من يصير بفعله صالحا و منهم من يكون طالحا بفعله لا ان من خلق من الطيّب لا يقدر على القبيح و لا ان من خلق من السبخة لا يقدر على الفعل الحسن.

و قال الصادق عليه السّلام كانت الملائكة تمر بآدم عليه السّلام أي بصورته و هو ملقى في الجنة من طين فتقول لامر ما خلقت و قال عليه السّلام ان القبضة التي قبضها اللّه تعالى من الطين الذي خلق آدم عليه السّلام منه ارسل اليها جبرئيل ان يأخذ منها ان شاء فقالت الارض اعوذ باللّه ان تأخذ مني شيئا، فرجع فقال يا رب تعوّذت بك، فارسل اليها اسرافيل و خيّره فقالت مثل ذلك و رجع فارسل اليها ميكائيل و خيّره ايضا، فقالت مثل ذلك فرجع فارسل اللّه تعالى اليها ملك الموت فأمره على الحتم فتعوذّت باللّه ان يأخذ منها فقال ملك الموت و انا اعوذ باللّه ان ارجع اليه حتى آخذ منك قبضة، و انما سمى آدم لأنه أخذ من اديم الارض و قال ان اللّه تعالى خلق آدم من الطين و خلق حوى من آدم فهّمة الرجال الارض و همّة النساء الرجال، و قيل اديم الارض الرابعة الى اعتدال لانه خلق وسطا من الملائكة.

و روى مسندا عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما ان خلق اللّه تعالى آدم اوقفه بين يديه فعطس فالهمه اللّه تعالى ان حمده فقال يا آدم حمدتني فوعزتي و جلالي لو لا عبد ان اريد ان اخلقهما في آخر الزمان ما خلقتك قال آدم يا رب بقدرهم عندك ما اسمهم فقال تعالى يا آدم انظر نحو العرش فاذا بسطرين من نور السطر الاول لا اله الا اللّه محمد نبي الرحمة، و علي مفتاح الجنة، و السطر الثاني آليت على نفسي ان ارحمن من والاهما و أعذّب من عاداهما، و تفصيل مقدمات آدم و حوى عليهما السّلام قد ذكر في القرآن و الاخبار.

ص:167


1- 1) اديم السماء او الارض: ما ظهر منهما.

اما القرآن فقال سبحانه في سورة البقرة و اذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خلفية قالوا أ تجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك قال اني اعلم ما لا تعلمون، و فيها ايضا و اذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس ابى و استكبر و كان من الكافرين، و قلنا يا آدم اسكن انت و زوجك الجنة و كلا منها رغدا حيث شئتما و لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين، فأزلهما الشيطان عنها فاخرجهما مما كانا فيه، و قلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو و لكم في الارض مستقر و متاع الى حين فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم.

و قال سبحانه في سورة الاعراف و لقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس لم يكن من الساجدين قال ما منعك الا تسجد اذ امرتك قال انا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين قال فاهبط منها فما يكون لك ان تتكبر فيها فاخرج انك من الصاغرين، قال انظرني الى يوم يبعثون قال انك من المنظرين قال فبما اغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لاتينهم من بين ايديهم و من خلفهم و عن ايمانهم و عن شمائلهم و لا تجد اكثرهم شاكرين، قال اخرج منها مذموما مدحورا لمن تبعك منهم لاملأن جهنم منكم اجمعين و يا آدم اسكن انت و زوجك الجنة فكلا من حيث شئتما و لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما و قال نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين او تكونا من الخالدين و قاسمهما اني لكما من الناصحين فدليهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما و طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة و ناداهما ربهما أ لم انهكما عن تلكما الشجرة و اقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين قالا ربنا ظلمنا انفسنا و ان لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين، قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو و لكم في الارض مستقر و متاع الى حين، و قال تعالى في سورة صلّى اللّه عليه و آله اذ قال ربك للملائكة اني خالق بشرا من طين فاذا سويته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم اجمعون الا ابليس ابى و استكبر و كان من الكافرين، قال يا ابليس ما معنك ان تسجد لما خلقت بيديّ أستكبرت ام كنت من العالين قال انا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين، قال فاخرج منها فانك رجيم و ان عليك لعنتي الى يوم الدين، قال رب فأنظرني الى يوم يبعثون قال انك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم، قال فبعزتك لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين.

و نحو ذلك من الآيات التي كرر فيها قصتهما ناعيا عليهما زلتهما اشارة الى ان من خالف الاوامر يكون مصداق بطون هذه الآيات، و ذلك الشيطان هو هذا بعينه و ابونا آدم عليه السّلام فعل زلّة واحدة فاخرج من جوار اللّه فكيف يكون حالنا نحن مع فعل الاف من الذنوب كل يوم و مع هذا

ص:168

نطمع في جنة الخلد ما هذا الا من سخافة عقولنا، لكن بالنظر الى رحمته تعالى لا يكون بعيدا، و ما احسن قول شيخنا البهائي طاب ثراه في الشعر الفارسي

جدّ تو آدم بهشتش قدسيان كردند بهر او

يك كنه جون كرد مذنبي مذنب برو بيرون

تو طمع داري كه داخل جنت شوى اى

اما الاخبار فحيث انها لم تجتمع في خبر واحد، فلا بأس بأخذ القصة من مجموع الاخبار موافقا لمضمون (لمفهوم خ ل) الآيات فنقول ان اللّه سبحانه قد اقتضت حكمته ان يخلق آدم، و يجعله خليفة له في الارض موضع الجان بن الجان و تلك المخلوقات التي مرّ ذكرها و انها كاتنت تفسد في الارض فان قلت اذا كان سبحانه قد اخبر الملائكة قبل خلق آدم بأن الغرض من خلقه خلافة الارض لا الخلود في الجنة فآدم على كل حال ينبغي اخراجه من الجنة الى الارض لاجل المقصود من خلقته فكيف نعى عليه سبب الخروج من الجنة الى الارض و هو انما خلق له قلت كان ينبغى ان لا يخرج بسبب المعصية بل بسبب الارسال و نحوه من ايجاد النسل، و عمارة الارض و نحو ذلك كما أنه سبحانه لما علّم النبي صلّى اللّه عليه و آله من ايام طفوليته حتى بلغ الاربعين و استكمل كمالاته حتى صار منه قاب قوسين او ادنى نزّله من هذه المراتب العليّة الى تلك المراتب السفلية لانقاذ عباده من الغرق ببحار الهلاك الى ساحل النجاة و امره بمخالطتهم و معاشرتهم و مكالمتهم على قدر عقولهم و احتمال الاذى منهم و كان تحمّل هذه المشّاق عليه أشد و اصعب مما لاقى من اهوال الرسالة للطافة روحانية بسبب تعليم ذلك المعلم لك المدة الكثيرة، و هذا التنزيل المعنوي له في مراتبه صلّى اللّه عليه و آله هو المراد من قوله عز من قائل انا انزلنا اليكم ذكرا رسولا فانه صلّى اللّه عليه و آله لم يكن في مكان مرتفع في الحس حتى نزل عنه، كما كان لابينا آدم عليه السّلام قد نزل من حسي و معنوي الى حسي و معنوي و نبينا صلّى اللّه عليه و آله قد نزل من مكان معنوي الى مكان حسي، و مكان معنوي و لكن فرق كثير بين النزولين مع ان ترك الخوض في حكاية هذا الاعتراض اولى من التعرض له، و ذلك لما روى من ان آدم و موسى عليهما السّلام قد التقيا في السموات فقال موسى يا آدم انت الذي اشقيت الناس و اخرجتهم من الجنة فقال له آدم انت موسى الذي اصطفاك اللّه برسالاته و بكلامه و انزل عليك التورية قال نعم قال فوجدته قدّره لي قبل ان يخلقني، قال نعم قال فحج آدم موسى، و هذا الخبر لصعوبة معناه قد ردّه صاحب الطرايف (ره) و لكن هذا المضمون و امثاله قد روى في اخبارنا بطرق متكثرة و هو راجع الى العلم و انه ليس علة في وجود المعلوم و حصوله و سيجيء تحقيق هذه المسألة ان شاء اللّه تعالى.

و اما قول الملائكة أ تجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء، فهو قياس منهم لادم على من تقدمه من الجان و المخلوقات، يعني ان الخليفة مثل من تقدمه و يجوز هذا القول منهم على جهة

ص:169

العلم من الالواح السماوية، كما قاله جماعة من المفسرين فلما اراد خلقه ارسل جماعة من الملائكة الى الارض ليأخذوا من ترابها كما تقدم فلم يقدم على ذلك الفعل الا ملك الموت فأخذ قبضة من أديم الارض أي من وجهها و به سمى آدم و تلك القبضة من حلو الارض و ما لحها و سهلها و جبلها و خيرها و شرها و ذلك ليكون مواد مختلفة لانواع المختلفين (المخلوقين) من اولاد آدم فقال سبحانه لعزرائيل لما أجترأت على أخذ قبضة التراب من الارض فلتكن انت الذي تقبض ارواح آدم و اولاده الذين يخلقون من هذه التربة فأمر الملائكة و وضعوا ذلك التراب في المنخل و نخلوه فما كان لبابا صافيا أخذ لطينة آدم عليه السّلام و ما بقي في المنخل خلق اللّه منه النخلة، و به سميت لانها خلقت من تراب بدن آدم عليه السّلام و هي العجوة (1)

و من ثم قال النبي صلّى اللّه عليه و آله اكرموا عماتكم النخل لانها اخت الاب و قد شابهت الانسان في اكثر الاحوال و قد كان آدم عليه السّلام يأنس بها في الجنة و لما نزل الى الارض و استوحش بمفارقة الجنة طلب من اللّه سبحانه ان ينزل النخلة التي كان يأنس بها فأنزلها عليه فغرسها في الارض و كان يأنس بها في حيوته، و لما قرب وفاته اوصى الى ولده ان يضع معه في قبره جريدة منها ليأنس بها في قبره فصارت سنة فيما بين الانبياء عليهم السّلام الى زمان عيسى عليه السّلام فندرست في زمن الفترة و احياها النبي صلّى اللّه عليه و آله و قال انها ترفع عذاب القبر ما دامت خضراء، فاستعملها شيعة اهل البيت عليهم السّلام من ائمتهم و رواه الجمهور عن النبي صلّى اللّه عليه و آله بطرق كثيرة منها:

انه قال صلّى اللّه عليه و آله للأنصار خضّروا صاحبكم فما اقلّ المخضرين يوم القيامة قالوا و ما التخضير قال جريدة خضراء توضع من اصل اليدين الى اصل الترقوة (2)رأوا استعمال الشيعة له اقبلوا على انكاره و على كونه بدعة لانه صار شعار الروافض، و مما خلق من طينة آدم عليه السّلام الحمام و من ثم سنّ الشرع تربيته في البيوت و انه يطرد الشياطين و تدخل الملائكة الى ذلك المنزل و صارت تستعمل في حمل الرسائل فلما نخل ذلك التراب امر اللّه سبحانه فأمطر عليه الماء المالح اربعين صباحا ثم امطر عليه الماء الحلو اربعين صباحا حتى امتزج الطين و الماء الحلو و المالح فخمّر طينة آدم عليه السّلام تخميرا، حتى بقيت اربعين صباحا بين الطين و الماء الى هذا الوقت الخاص اشار النبي صلّى اللّه عليه و آله بقوله كنت نبيا و آدم بين الطين و الماء ثم لما اكمل خلقه من الطين بقي شبحا ملقى في السموات بغير روح و لكن عزازيل الذي صار اسمه الشيطان بعد العصيان كان يمر على ذلك الشبح كل يوم

ص:170


1- 1) في الحديث العجوة من الجنة قيل هي ضرب من اجود التمر يضرب الى السواد من غرس النبي ص بالمدينة و نخلها تسمى اللينة قيل اراد بذلك مشاركتهما ثمار الجنة في بعض ما جعل فيها من الشفاء و البركة بدعائه ص و لم يرد ثمار الجنة نفسها.
2- 2) الترقوة مقدم الحلق في اعلى الصدر حيثما يرتقي فيه النفس.

و يقول لامر ما خلقت ثم انه دخل يوما الى جوفه فغوط فيه و من ثم صار الغائط نجسا و منتنا لمكان غايط الشيطان في جوف آدم عليه السّلام.

فأمر اللّه سبحانه روح آدم ان تدخل في بدنه، فابت و قالت يا رب كيف ادخل هذا البدن، و اغفل عن طاعتك و تعتريني معاصي الابدان، و لعلها انما قالت هذا لعملها السابق بالجان الذين كانوا في الارض فان الارواح مخلوقة قبل الابدان بالفي عام و روى اكثر من هذا فلطف بها سبحانه و قال انه سأخرج من هذا البدن اقواما لا يعصوني طرفة عين و هم حججي على عبادي فدخلت الروح فلما استقرت في البدن عطس آدم فقال الحمد للّه رب العالمين فقال له اللّه تعالى رحمك اللّه يا آدم و هذا معنى ما جاء من قوله يا من سبقت رحمته غضبه، فأن اول خطاب كان مع نبينا آدم عليه السّلام هذه الرحمة فقد ابتدأ العالم بحمده و ختم به كما سيأتي من ان اهل الجنة اذا دخلوا الجنة، و اهل النار اذا دخلوا النار قال اهل الجنة اذا خرجوا من هذه الدنيا الى الجنة الحمد للّه رب العالمين كما حكاه اللّه سبحانه بقوله و قضى بينهم بالحق و قيل الحمد للّه رب العالمين.

و بالجملة فقد خلق اللّه سبحانه آدم عليه السّلام على تلك الصورة التي خلقه عليها، من غير ان يتخلق عليه الصور نطفة و علقة و مضغة و عظاما كما تداولت على اولاده و هذا هو احد معاني قوله صلّى اللّه عليه و آله ان اللّه خلق آدم على صورته و قد اجبت بهذا الجواب لما سألني بعض الافاضل في مجلس بعض الملوك و جواب آخر ايضا خطر بالبال ذلك الوقت و حاصله انه قد روى ان ملائكة التصوير اذا ارادوا تصوير النطفة ذكرا او انثى يقولون يا رب على أي صورة نصوره فان كان ذكرا قال سبحانه احضروا صور ابيه آدم و صوروه مثل واحدة منها، و ان كان انثى قال احضروا صور امهاته الى حوى فصوروه على صورة واحدة منها و من ثم قال عليه السّلام لا ينبغي لاحد ان يطعن في نسب ولده لاجل انه لا شبهه في الصورة فعله انما صوّر مثل واحد من آبائه، و هذا في غير ابينا آدم عليه السّلام و اما هو فليس له آباء و لا امهات حتى يتصور مثل واحدة منها بل خلق على تلك الصورة التي خلق عليها و قال المحقق صاحب عوالي اللئالئ المراد بالصورة الصورة المعنوية، كما قال عليه السّلام تخلقوا بأخلاق اللّه فيكون الضمير حينئذ راجعا الى اللّه سبحانه يعني على صورة اللّه المعنوية و مصداقه الحديث القدسي قال فيه اذا تقرب عبدي اليّ بالنوافل كنت سمعه الذي يسمع و يده التي بها يبطش (1)رجله التي بها يمشي الحديث.

و قال سيدنا المرتضى نوّر اللّه مضجعه ان على بمعنى مع يعني انه سبحانه خلق مادته مع صورته فيكون ردا على ما زعمه الطبيعيون من ان المادة مخلوقة و الصورة من مقتضياتها، و الذي

ص:171


1- 1) البطش الاخذ بشرعة و الاخذ بعنف و سطوة.

ورد في تفسير هذا الحديث من الاخبار حديثان، احدهما ما رواه رئيس المحدثين شيخنا الكليني قدس اللّه روحه باسناده الى محمد بن مسلم قال سألت ابا جعفر عليه السّلام عما يروون ان اللّه خلق آدم على صورته فقال هي صورة محدثة مخلوقة اصطفاها اللّه و اختارها على ساير الصور المختلفة فاضافها الى نفسه كما اضاف الكعبة الى نفسه و الروح الى نفسه، فقال بيتي و نفخت فيه من روحي.

و ثانيهما ما رواه شيخنا الصدوق (ره) باسناده الى الحسين بن خالد، قال قلت الرضا عليه السّلام يا ابن رسول اللّه ان الناس يروون ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال ان اللّه خلق آدم على صورته فقال قاتلهم اللّه لقد حذفوا اول الحديث ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مرّ برجلين يتسابان فسمع احدهما يقول لصاحبه قبّح اللّه وجهك و وجه من يشبهك فقال عليه السّلام يا عبد اللّه لا تقل هذا لأخيك فان اللّه خلق آدم على صورته، و كان المرتضى طاب ثراه انما تكلم على معنى الحديث بما سمعت من جهة ان هذين الخبرين لم يثبتا عنده بناء على اصله من عدم الاعتماد على العمل باخبار الاحاد، و لما خلق اللّه آدم عليه السّلام اسجد له الملائكة و أبى عزازيل و قال ان مادتي و جوهري الناري خير من جوهر آدم الطيني فلا أسجد له لان السجود انما هو لمكان شرف الجوهر و جوهر النار يقتضي الصعود و جوهر التراب يقتضي التسفل و الانحطاط، و من هذا قال الصادق عليه السّلام يا ابا حنيفة بلغني انك تقيس قال نعم قال لا تقس فإن اول من قاس ابليس حين قال خلقتني من نار و خلقته من طين فقاس ما بين النار و الطين و لو قاس نورية آدم بنورية النار لعرف فضل ما بين النورين و صفاء احدهما على الاخر، و عن الصادق عليه السّلام قال موسى عليه السّلام الهي كيف استطاع آدم ان يؤدي شكر ما اجريت عليه من نعمك خلقته بيديك و اسجدت له ملائكتك و اسكنته جنتك فاوحى اللّه تعالى اليه ان آدم علم ان ذلك كله مني فذلك شكره.

و اعلم ان هذا القياس الذي قاسه ابليس و ابطله الصادق عليه السّلام هو قياس الاولوية و اما اصحابنا رضوان اللّه عليهم فهم و ان ابطلوا العمل بالقياس الا ان اكثرهم قال بصحة العمل بقياس الالووية، و كذا منصوص العلة و مثلوا للأول بقوله تعالى فَلاٰ تَقُلْ لَهُمٰا أُفٍّ، حيث قاسوا تحريم الضرب على تحريم التأفيف، و للثاني بقوله صلّى اللّه عليه و آله و قد سأل عن جواز بيع الرطب مثلا بمثل قال أ ينقص اذا جف، فقيل نعم فقال فلا آذن فيكون العلة في المنع النقصان عند الجفاف فيقاس عليه كل ما وجدت فيه هذه العلة و الانصاف يقتضي المنع من العمل بهذا النوعين ايضا لوجوه احدها استفاضة الاخبار عن الطاهرين عليهم السّلام بنفي القياس مطلقا من غير تقييد بأحد افراده ردا على ابي حنيفة و اهل الرأي، و قد كانوا يعملون بكل انواع القياس، و حمل العام على احد افراده من غير مخصص، مع امكان حمله على جميع الافراد لا يجوز عند اهل الاصول.

ص:172

و ثانيها ان مبنى الشرع على اختلاف احكام المتفقات و اتفاق احكام المختلفات كما يظهر من حكاية نزح البئر بورود الاعيان النجسة عليه لعل غرض الشارع من مثله سدّ باب العقل، حتى لا يدخل في الاحكام الشرعية فاذا كان الحال على هذا لم يحصل لنا الظنّ بثبوت الحكم في المحل الخارج عن النص و ان اقتضاه القياس.

و ثالثها ما رواه الصدوق و غيره من اهل الاصول في باب الديات عن ابان بن تغلب قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام ما تقول في رجل قطع اصبعا من اصابع المرأة كم فيها قال عشرة من الابل قال قلت قطع اثنين فقال عشرون قطع ثلثا قال ثلثون، قلت قطع اربعا قال عشرون، قلت سبحان اللّه يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون فيقطع اربعا فيكون عليه عشرون ان كان هذا يبلغنا و نحن بالعراق فنبرأ ممن قاله، و نقول الذي قاله شيطان فقال مهلا يا بان هذا حكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان المرأة تعاقل الرجل الى ثلث الدية، فاذا بلغت الثلث رجعت المرأة الى النصف يا ابان انك اخذتني بالقياس و السنّة اذا قيست محق الدين و هذا في ابطال قياس الاولوية.

و رابعها قول الصادق عليه السّلام لابي حنيفة لو كان الدين يؤخذ بالقياس لوجب على الحايض ان تقضي الصلوة لانها افضل من الصوم، و بالجملة فالاخبار الدالة على نفي مطلق القياس و خصوص قياس الاولوية كثيرة جدا.

و خامسها ما قاله المرتضى (ره) حيث ابطل قياس منصوص العلة بأن علل الشرع انما تبتنئ عن الدواعي الى الفعل او عن وجه المصلحة و قد يشترك الشيئان في صفة واحدة و يكون في احدهما داعي الى فعله دون الاخر، مع ثبوتهما فيه و قد يكون مثل المصلحة مفسدة و قد يدعو الشيء الى غيره في حال دون حال و وقت دون وقت و على وجه منه دون وجه و قدر منه دون قدر، ثم قال و اذا صحّت هذه الجملة لم يكن في النص على العلة ما يوجب التخطي و القياس و جرى النص على العلة مجرى النص على الحكم في قصره على موضعه فان قلت اذا بطلت قياس الاولوية فكيف يمكنك استفادة تحريم الضرب و باقي انواع الاذى من الاية، قلت ان القرآن انما أنزله اللّه سبحانه بلغة العرب، و اجراءه على مقتضى محاوراتهم و اصطلاحاتهم، و كل أحد يعلم من تتبع كلامهم ان فيه الدلالة اللغوية و العرفية و المطابقة و التضمن و الالتزام، و حينئذ فمثل قوله تعالى فَلاٰ تَقُلْ لَهُمٰا أُفٍّ اذا صدر من آحاد العرب لا يكون الغرض منه في الاصطلاح الا شمول جميع انواع الاذى من الضرب و غيره فالضرب داخل في مفهوم الكلام عرفا، و هذا معنى قول المحقق قدس اللّه روحه لما نفى قياس الاولوية قال ان قوله تعالى فَلاٰ تَقُلْ لَهُمٰا أُفٍّ منقول عن موضوعه اللغوي الى المنع من جميع انواع الاذى لاستفادة ذلك المعنى من اللفظ من غير توقف على استحضار القياس.

ص:173

و اما قياس منصوص العلة فقد تكون القرآن الحالية قائمة على دخول الفرد الغير المذكور في الحكم المذكور و يكون المذكور من قبيل اللفظ العام المتناول لغير المذكور و حينئذ فدلالته عليه كالاول و قد لا يكون كذلك فلا يدلّ عليه بهذا الدليل، بل يحتاج الى دليل خاص و الا رجع فيه الى الاصل اذا عرفت هذا ظهر ان الشيطان قد غلط في هذا القياس من اصله، و جعله قياس اولوية و ذلك لان جوهر النار و ان كان في طبعه طلب المحيط وجهة العلو الا ان علوه غير دائم و ذلك ان النور انما تشبّ في الحوى لحظة ثم تجمد بخلاف التراب، فانه و ان كان فب طبعه طلب الهبوط، الا ان اللّه تعالى بسبب هذا التواضع منه اودعه اسرار حكمته و جعله مادة لخلق انبيائه و حججه و معدنا للمعادن و محلا للنبات و الرياحين و حلاّه حلية لم يحل بها غيره من العناصر.

فان قلت الشيطان مع طول عبادته و كثرتها في السموات حتى أنه روى انه عبد اللّه ستة آلاف سنة إما من سني الدنيا أو من سني الاخرة فكيف ابى عن هذا التكليف الخاص مع قبوله لغيره و كيف خلاّه اللّه و نفسه و لم يمنحه الالطاف الالهية، التي تمنعه عن ارتكاب المعصية كما عصم غيره من الملائكة مع ان العبادة التي صدرت منه قبل العصيان ازيد من عبادة الملائكة، حتى انه صار من رؤساء الملائكة و طاووسهم و كان يجلس على كرسي في السموات و الملائكة تقف امامه تعظيما فكيف لم يعصمه اللّه تعالى عن ارتكاب مثل هذا.

قلت قد خاجلتني هذه الشبهة برهة من الزمان حتى اطلعني شيخنا صاحب بحار الانوار على اخبار تحلّ هذه الشبهة و حاصلها ان الشيطان كما تحققت قد كان من جملة الجان الذين كانوا في الارض فلما ارسل اللّه سبحانه الملائكة اليهم بالسيوف قتلوهم و نفوهم من الارض، فبقى هذا الملعون فأظهر للملائكة انه من الطائفة المؤمنين، فقال للملائكة قتلتم اهلي و طوائفي و انا بقيت وحيدا فخذوني معكم الى السموات لا عبد اللّه تعالى معكم فأستأذنوا في هذا فأذن لهم فلما بلغ السموات و طاف بها إطّلع على الالواح السماوية و الدفاتر الالهية، فقرأ في بعضها ان اللّه سبحانه لا يضيع عمل عامل بل من عمل و اراد الدنيا اعطاه اللّه منها، و من عمل و اراد الاخرة بلّغه اللّه مناه كما قال سبحانه و مَنْ كٰانَ يُرِيدُ حَرْثَ اَلْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَ مَنْ كٰانَ يُرِيدُ حَرْثَ اَلدُّنْيٰا نُؤْتِهِ مِنْهٰا وَ مٰا لَهُ فِي اَلْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ، فاضمر في نفسه الخبيثة ان الاخرة مؤخرة و الدنيا معجلة فقصد حرث الدنيا من تلك العبادة الكثيرة و لما علم انه قد استتم نصيبه من الدنيا بادر الى اظهار ما قصده فأظهره في الاستكبار عن السجود و لو انه قصد اللّه سبحانه بتلك العبادة، بل و اقلّ منها لما خلّى و نفسه بل كان قد تداركته الالطاف الالهية، و قد كان له مرتبة في العلم لا يدانى فيها لان علمه كان من الملكوت.

ص:174

روى ان واحدا من قوم فرعون اعطاه (1)نقود عنب و قال اريد ان تخلق هذا جواهر كبارا لانك رب قادر، فأخذه فرعون فلما جنّ عليه الليل سد ابواب بيته و قال لا يدخل عليّ أحد فبقي متفكرا في حال العنب فأتاه الشيطان فدّق عليه الباب فقال فرعون من في الباب فقال ابليس ضرطتي في لحية رب لا يدري من في الباب فعرفه فرعون فقال ادخل يا ملعون، فقال ابليس ملعون يدخل على ملعون فلما دخل عليه رأى عنقود العنب بين يديه و هو حيران فقال ناولني هذا العنقود فقرأ عليه اسما فاذا هو احسن ما يكون من اللئالئ، فقال له الشيطان انصف يا عديم الانصاف انا في مثل هذا العلم و الكمال اردت ان اكون عبدا من جملة العبيد، فما قبلوني عبدا لباب هذا السلطان و انت مع جهلك هذا و حماقتك اردت ان تكون ربا و ادعيت هذه المرتبة العظيمة فقال له فرعون يا ابليس لأي شيء ما سجدت لادم لما امرت فقال لاني علمت ان طينتك هذه الخبيثة في صلبه و من هذا امتنعن من السجود له.

و لما صنع نوح عليه السّلام السفينة و اركب فيها انواع الحيوانات بقي الحمار خارج السفينة، و خاف عليه نوح من الغرق و كلما امره بالركوب امتنع، فغضب عليه نوح و قال اركب يا شيطان مخاطبا للحمار فسمع الشيطان كلام نوح فتعلق في ذنب الحمار و ركب في السفينة و نوح عليه السّلام كان يظن انه لم يركب و لم يرخص له فلما اخذت السفينة مأخذها و طافت على الماء نظر نوح فرأى ابليس جالسا صدر السفينة، فقال له من رخصك فقال انت أ لم تقل اركب يا شيطان، ثم انه قال يا نوح ان لك عندي يدا و نعمة اريد ان اكافيك عليها فقال نوح و ما هي قال انك دعوت على قومك فاغرقتهم بساعة واححدة، و لو بقوا لكنت متحيرا في اضلالهم و ايرادهم مورد الهلاك فلما علم نوح ان الشيطان قد شمت به بكى و ناح بعد الطوفان خمسمائة عام، فسمى نوحا و قد كان من قبل اسمه عبد الجبار فأوحى اللّه سبحانه الى نوح ان اسمع ما يقول لك الشيطان، و اقبل كلامه فقال ما تقول يا ابليس فقال يا نوح انهاك عن خصال.

اولها الكبر و العجب فإنّ اول ما عصى اللّه به التكبر و ذلك انه امرني بالسجود لابيك آدم و لو سجدت لما اخرجوني من عالم الملكوت، و ثانيها الحرص، فان اللّه تعالى قد اباح الجنة كلها لابيك آدم و نهاه عن شجرة واحدة، فدعاه حرصه الى الاكل منها فأكل فصار عليه ما صار.

و ثالثها ان لا تخلو بامرأة اجنبية الا و يكون معكما ثالث فانك ان خلوت بها من غير ثالث كنت انا الثالث، فأسوّل لك الامور حتى اوقعك في الزنا، فأوحى اللّه اليه بقبول قول الشيطان، و من هنا قال عليه السّلام الحكمة ضالة المؤمن و ذلك انه يدورها اينما كانت و في يد من كانت حتى

ص:175


1- 1) ظاهر المصنف (ره) ان هذا النقل ليس من المعصوم عليه السّلام و اظنة مطابئة من الاساطير.

يحصلها، و معنى آخر و هو ان الحكمة لما كانت ضالة المؤمن فيجب على كل من وجدها ان يدفعها اليه لانها ضالته و قد وقع الخلاف في سجود الملائكة لآدم عليه السّلام على أي وجه كان، فذهب اكثر المفسرين الى انه على وجه التكرمة لادم و التعظيم لشأنه و تقديمه عليهم و لذا جعل اصحابنا رضي اللّه عنهم هذه الاية دالة على ان الانبياء عليهم السّلام افضل من الملائكة و قال الجبائي و ابو القاسم البلخي و جماعة انه جعله قبلة لهم فأمرهم بالسجود الى قبلتهم و فيه ضرب من التعظيم.

و ردّه شيخنا الطوسي (ره) بأنه لو كان على هذا الوجه لما امتنع ابليس من ذلك و لما استعظمته الملائكة، و قد نطق القرآن بأن امتناع ابليس من السجود انما هو لاعتقاده تفضيله به و تكرمته مثل قوله أ رأيتك هذا الذي كرمّت عليّ لئن اخرتني الاية و لو لم يكن الا (الامر خ ل) على هذا الوجه لوجب ان يعلمه اللّه تعالى بأنه لم يأمره بالسجود على جهة تعظيمه و تفضيله عليه و انما امره على الوجه الاخر الذي لا تفضيل فيه، و لم يجز اغفال ذلك فانه سبب معصية ابليس و ضلالته فلما لم يقع ذلك علمنا ان الامر بالسجود انما كان على وجه التعظيم لادم هذا و الذي ورد في الاخبار عن الائمة الاطهار عليهم السّلام ان الامر بالسجود للملائكة انما كان لمكان نور النبي صلّى اللّه عليه و آله و اهل بيته فانه كان في صلب آدم فالسجود انما هو لتعظيم ذلك النور، و من ثم كان النور اولا في ظهر آدم و كانت الملائكة تأتيه من قفاه و تسجد لذلك النور، فقال آدم يا رب ما هذا النور الذي في ظهري و تعظمه الملائكة فقال هذا نور حججي على خلقي و لولاهم لم اخلقك يا آدم و لم اخلق سماء و لا ارضا، فقال يا رب حوّل النور الى وجهي حتى تستقبلني الملائكة فكان ذلك النور في جبهة آدم فما زال ينتقل من صلب الطاهرين الى ارحام الطاهرات حتى وافى صلب عبد المطلب فافترق فرقتين فصار فرقة في جبين عبد اللّه و الاخرى كانت في جبين ابي طالب فمن هناك كانت الاخوة بينهما عليهما افضل الصلوات و على آلهما اكمل التحيات هذا خلق آدم و كيفيته.

و اما خلق خوا و كيفيته فقد روى عن زرارة بن اعين انه قال سأل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن خلق حوى و قيل له اناسا عندنا يقولون ان اللّه عز و جل خلق حوا من ضلع آدم الايسر الاقصى فقال سبحان اللّه و تالى عن ذلك علوا كبيرا عما يقولون من يقول هذا ان اللّه تبارك و تعالى لم يكن له القدرة ما يخلق لادم زوجة من غير ضلعه، و يجعل للمتكلم من اهل التشنيع سبيلا الى الكلام ان يقول ان آدم كان ينكح بعضه بعضا اذا كانت من ضلعه ما لهؤلاء حكم اللّه بيننا و بينهم، ثم قال ان اللّه تبارك و تعالى لما خلق آدم من الطين و امر الملائكة بالسجود له و القى عليه ( عينيه خ ل) النوم ثم ابتدع له حوى فجعلها في موضع النقرة التي بين و ركيه و ذلك لكي تكون المرأة تبعا (تابعة خ ل) للرجل فأقبلت تتحرك فانتبه لتحركها، فلما انتبه نوديت ان تنحي عنه فلما

ص:176

نظر الى خلق حسن يشبه صورته غير انها انثى فكلمها فكلمته بلغته، فقال لها من أنت قالت له خلق خلقني اللّه كما ترى فقال آدم عليه السّلام عند ذلك يا رب ما هذا الخلق الحسن الذي قد آنسني فربه و النظر اليه فقال اللّه تعالى يا آدم هذه امتي حوى أ فتحب ان تكون معك تونسك و تحدثك و تكون تبعا لامرك فقال نعم يا رب و ذلك بذلك عليّ الحمد و الشكر ما بقيت، فقال له عز و جل فاخطبها اليّ فانها امتي فقد تصلح لك ايضا زوجة للشهوة و القى اللّه عليه الشهوة و قد علمه قبل ذلك المعرفة بكل شيء فقال يا رب فأني اخطبها اليك ما رضاك بذلك، فقال عز و جل رضاي ان تعلمها معالم ديني فقال ذلك لك يا رب عليّ ان شئت ذلك لي فقال عز و جل و قد شئت ذلك و قد زوجتكها فضمها اليك، فقال لها آدم عليه السّلام فاقبلي فقالت له بل انت فاقبل اليّ فأمر اللّه عز و جل آدم ان يقوم اليها و لو لا ذلك لكان النساء هنّ يذهبن الى الرجال حتى يخطبنّ على انفسهنّ فهذه قصة حوى صلوات اللّه عليها.

و اما قوله عز و جل يٰا أَيُّهَا اَلنّٰاسُ اِتَّقُوا رَبَّكُمُ اَلَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وٰاحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْهٰا زَوْجَهٰا وَ بَثَّ مِنْهُمٰا رِجٰالاً كَثِيراً وَ نِسٰاءً، فأنه روى انه عز و جل خلق من طينتها زوجها و بث منها رجالا كثيرا و نساء قال الصدوق طاب ثراه و الخبر الذي روي ان حوى خلقت من ضلع آدم الايسر صحيح معناه من الطينة التي خلقت من ضلعه الايسر فلذلك صارت اضلاع الرجل انقص من اضلاع النساء بضلع، اقول كأن الصدوق (ره) قصد وجها لجمع الاخبار الدال اكثرها على ان حوى لم تخلق من ضلع آدم الايسر الاقصى كما قاله جمهور مخالفينا من ان حوى خلقت من ضلع آدم بعد حيوته و منه سميت حوى عندهم لانها خلقت من حيّ و بين الاخبار الدالة على انها خلقت من ضلعه و حاصل وجه الجمع انه سبحانه قد قرر لكل عضو من اعضاء آدم عليه السّلام طينة منفردة و ركبّ الطينات كما تركب العضاء و الاجزاء في المركبات و تلك الطينة التي قررت و عزلت ضلع آدم الايسر لم تدخل في تركيب اعضاء آدم بل ابقيت لخلق حوى فخلقت منها حوى لا انها خلقت من آدم بعد الحياة كما قاله الجمهور، حتى يتوجه علينا تشنيع اهل الاديان و المجوس بأن آدم كيف ينكح بعضه بعضا، و حينئذ فوجه التسمية كونها اما للاحيا كما قيل، و على التقديرين صارت اضلاع الرجل ناقصة عن اضلاع المرأة بواحدة.

روى محمد بن قيس عن الباقر عليه السّلام قال ان شريحا القاضي بينما هو في مجلس القضا اذ أتته امرأة فقالت ايها القاضي اقض بيني و بين خصمي، قال لها من خصمك قالت انت قال افرجوا لها فافرجوا لها فدخلت، فقال لها و ما ظلامتك فقالت ان لي ما للرجال و ما للنساء قال شريح فان امير المؤمنين عليه السّلام يقضي على المبال، قالت فاني ابول بهما جميعا و يسكنان معا، قال شريح و اللّه ما سمعت بأعجب من هذا قالت ساورد عليك من امري ما هو اعجب من هذا قال و ما هو

ص:177

قالت جامعني زوجي فولدت منه و جامعت جاريتي فولدت مني فضرب شريح احدى يديه على الاخرى متعجبا ثم جاء الى امير المؤمنين عليه السّلام فقال يا امير المؤمنين لقد ورد عليّ شيء ما سمعت بأعجب منه ثم قصّ عليه قصة المرأة فسألها امير المؤمنين عليه السّلام عن ذلك فقالت هو كما ذكر فقال عليه السّلام لها و من زوجك قالت فلان فبعث اليه فدعاه، قال أ تعرف هذه قال نعم هي زوجتي فسأله عمار قالت قال هو كذلك فقال عليه السّلام لأنت اجرأ من خاصي الاسد (1)حيث تقدم عليها بهذه الحال، ثم قال يا قنبر ادخلها بيتا مع امرأة تعدّ اضلاعها، فقال زوجها يا امير المؤمنين لا امن عليها رجلا و لا ائتمن عليها امرأة فقال علي عليه السّلام عليّ بدينار الخصي، و كان من صالحي اهل الكوفة و كا يثق به فقال له يا دينار ادخلها بيتا، و عرّها من ثيابها و مرها ان تشدّ ميزرا و عدّ اضلاعها، ففعل دينار ذلك و كان اضلاعها سبعة عشر، تسعة في اليمين و ثمانية في اليسار فالبسها عليه السّلام ثياب الرجال و القلنسوة و النعلين و القى عليه الرداء و الحلقه بالرجال، فقال زوجها يا امير المؤمنين بنت عمي قد ولدت مني تلحقها بالرجال، فقال اني حكمت عليها بحكم اللّه ان اللّه تبارك و تعالى خلق حوى من ضلع آدم الايسر الاقصى، و اضلاع الرجال تنقص و اضلاع النساء تمام.

و بالجملة لما خلق حوى تولّى تزويجها من آدم، و في الحديث ان اللّه تعالى لم يتوّل تزويج أحد من النساء سوى حوى من آدم و زينب بنت جحش من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بقوله فلما قضى زيد منها و طرا زوجناكها، و فاطمة من علي بن ابي طالب عليه السّلام كما تقدم فاسكنهما الجنة و اخرج عنهما عزازيل و سمّاه الشيطان، فنونه ان كانت اصلية كان من الشطن أي البعد لانه بعد عن الخير الذي كان فيه أو من الحبل الطويل، كأنه طال في الشروان جعلتها زائدة كان من شاط يشيط اذا هلك، أو من استشاط غضبا اذا التهب في غضبه و سمّاه ايضا ابليس من الابلاس و هو التحيّر و الدهشة، لتحيّره في امره فأخرجه الملائكة من الجنة و بقى آدم و زوجته فأباح لهما كل الجنة الا شجرة واحدة، اما بالنوع او الشخص فقيل هي الحنطة و قيل التين و قيل العنب الى غير ذلك و قال الصادق عليه السّلام كل هذا حقّ لان شجرة الجنة لثمارها الف طعم ففيها من كل نوع طعم و في حديث آخر ان شجرة الجنة تحمل انواعا كثيرة، فالتعدد يكون باعتبار الحمل لا باعتبار الطعم.

روى الصدوق في عيون الاخبار مسندا الى الهروي قال قلت للرضا عليه السّلام يا ابن رسول اللّه اخبرني عن الشجرة التي اكل منها آدم و حوى، ما كانت فقد اختلف الناس فيها فمنهم من يروي انها الحنطة و منهم من يروي انها العنب و منهم من يروي انها شجرة الحسد فقال كل ذلك حق فقلت فما معنى هذه الوجوه على اختلافها، فقال يا ابا الصلت ان شجرة الجنة تحمل انواعا

ص:178


1- 1) في اكثر نسخ الحديث: لانت اجرا من راكب الاسد.

و كانت شجرة الحنطة و فيها و ليست كشجرة الدنيا و ان آدم عليه السّلام لما اكرمه اللّه تعالى ذكره باسجاد الملائكة له و بادخال الجنة قال في نفسه هل خلق اللّه بشرا افضل مني، فعلم اللّه عز و جل ما وقع في نفسه فناداه ارفع رأسك يا آدم فانظر الى ساق العرش، فرفع آدم رأسه فنظر الى ساق العرش فوجد عليه مكتوبا لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه علي بن ابي طالب امير المؤمنين و زوجته فاطمة سيدة نساء العالمين و الحسن و الحسين سيدا شباب اهل الجنة من الخلق اجمعين، فقال آدم يا رب من هؤلاء فقال عز و جل هؤلاء من ذريتك و هم خير منك و من جميع خلقي و لولاهم ما خلقتك و لا خلقت الجنة و لا النار و لا السماء و الارض فأياك ان تنظر اليهم بعين الحسد و تمني منزلتهم فنظر اليهم بعين الحسد و تمنى منزلتهم فتسلط عليه الشيطان حتى أكل من الشجرة التي نهى عنها و تسلط على حوى لنظرها الى فاطمة بعين الحسد حتى اكلت من الشجرة كما أكل آدم فأخرجهما اللّه عز و جل من جنته و اهبطهما من جواره الى الارض.

فان قلت ما وجه الحكمة في نهي آدم عليه السّلام عن الشجرة قلت قد ورد في حديث معتبر ان هذه الشجرة شجرة غرسها اللّه تعالى بيد قدرته لما خلق الجنة، و جعلها لعلي بن ابي طالب عليه السّلام و شيعته، بأن لا يأكل احد قبله منها كما هو المتعارف في بعض الاقطار من ان احدا اذا احدث بستانا و غرس فيه الشجر يغرس شجرة واحدة من احسن الشجر ثمرا و يخصها باسم حبيب له، و يقول هذه لفلان لا يأكل احد منها الا هو و ينهى المتردين الى ذلك البستان عن تناول شيء منها و من ثم قال بعض الاصوليين ان آدم عليه السّلام لم يصدر منه الخطأ و انما صدر منه الغلط فسماه اللّه تعالى خطاء اذ كان اللازم عليه الفحص و السؤال عن حال الاكل (الكل خ ل) و ذلك انه تعالى قال لهما و لا تقربا هذه الشجرة، فظنا انه تعالى انما اراد الشجرة المشار اليها لا نوعها فأكلا من ذلك النوع و لكن غير الشجرة المشار اليها، و يبعد هذا قول الشيطان لهما ان اللّه لم ينهكما عن هذه الشجرة الا لان كل من اكل منها كان ملكا خالدا في الجنة و هو لا يريد لكما الخلود فتوصل الشيطان الى ايقاعهما فيما نهيا عنه و ذلك بسبب الحية كما في بعض الروايات.

و ذلك ان الشيطان لما اخرج من الجنة لم يقدر على الدخول اليها فأتى الى جدار الجنة و رأى الحية على أعلى الجدار، فقال لها ادخليني الجنة و اعلمك الاسم الاعظم فقالت له ان الملائكة تحرس الجنة فيرونك فقال لها ادخل في فمك و اطبقي عليّ حتى ادخل ففعلت و من ثم صار السم في انيابها و فمها لمكان جلوس الشيطان فيه، فلما ادخلته قالت له اين الاسم الاعظم فقال لو كنت اعلمه لما احتجت اليك في الدخول فأتى آدم فوسوس له و أقسم له بالنصيحة فلم يطعه و أتى الى حوى و قال لها هذه شجرة الخلد، و اقسم لهما و لم يعهدا قبل ان احدا يقدر على ان يقسم باللّه كاذبا، فأتت حوى الى آدم فصارت عونا للشيطان عليه فقام آدم عليه السّلام معها الى الاكل

ص:179

من الشجرة فكانت اول قدم مشت الى الخطيئة فلما مدّا ايديهما اليها تطاير ما عليهما من الحلي و الحلل و بقيا عريانيين فأخذا من ورق التين فوضعها على عورتيهما فتطاير الورق فوضع آدم احدى يديه على عورته و الاخر على رأسه كما هو شأن العراة و من ثم امر بالوضوء على هذه الهيئة.

روى الصدوق طاب ثراه انه جاء نفر من اليهود الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسألوه عن مسائل فكان فيما سألوه اخبرنا يا محمد لاي علّة توضئ هذه الجوارح الاربع و هي انظف المواضع في الجسد قال النبي صلّى اللّه عليه و آله لما ان وسوس الشيطان الى آدم عليه السّلام دنى من الشجرة فنظر اليها فذهب ماء وجهه ثم قام و مشى اليها و هي اول قدم مشت الى الخطيئة ثم تناول بيده منها ما عليها فأكل فطار الحلي و الحلل عن جسده فوضع آجم يده على أم رأسه و بكى فلما تاب اللّه عز و جل عليه فرض عليه و على ذريته تطهير هذه الجوارح الاربع فأمره اللّه عز و جل بغسل الوجه لما نظر الى الشجرة و امره بغسل اليدين الى المرفقين لما تناول بهما و امره بمسجح الرأس لما وضع يده على ام رأسه و امره بمسح القدمين لما مشى بهما الى الخطيئة.

و هذه العلة لا تنافي ما روى عن الرضا عليه السّلام من ان العلة في توضئ هذه الجوارح هو كونها الاعضاء الظاهرة التي يواجه بها اللّه سبحانه حال الصلوة و يلاقي بها الكرام الكاتبين لان علل الشرع معرفات لا مؤثرات فيجوز اجتماعها على المدلول الواحد ثم ان آدم عليه السّلام و حوى انزلا من السموات على جبل في شرقي الهند يقال له ياسم، و في رواية أخرى سرانديب و هو في الاقليم الاول مما يلي معدّل النهار، و قد كانت حوى ضفرت رأسها فقالت ما اصنع بهذه الضفرة و انا مغضوب عليّ ثم انها حلّت ضفرتها، و في خبر آخر انها حلّت عقيصة واحدة فأطارت الريح ذلك الطيب في بلاد الهند فمن ثم كان اكثر الطيب منه ثم أتى جبرئيل عليه السّلام فأخذ آدم الى مكة ليعلمه المناسك فطوى له الارض فصار موضع قدميه عمران و ما بينهما خراب، فأهبط آجم على الصفا و به سمي لهبوط صفي اللّه عليه، و حوى على المروة و به سميت لنزول المرأة و هي حوى عليه، فبكى آدم على ما وقع منه و على فراق الجنة ثلثمائة سنة من ايام الدنيا، و في ايام الاخرة يوم كألف سنة ما بين العصر الى العشا و بكى حتى صار على خدّيه كالنهرين فخرج من عينه اليمنى دموع مثل دجلة و من عينه اليسرى مثل الفرات ثم ان آدم و حوى يوم الثامن من شهر ذي الحجة فلم يعرفها ذلك اليوم لشعث احوالهما و لطول حزنهما فتروّى و تفكر ذلك اليوم ثم أنه عرفها يوم التاسع فمن ثم سميّ اليوم الثامن يوم التروية و التاسع يوم عرفة، و لا ينافي هذا الوجه ما روى من ان الوجه فيه هو ان ابراهيم عليه السّلام رأى في تلك الليلة التي رأى فيها ذبح الولد رؤياه فأصبح يروي

ص:180

في نفسه هو حلم أم من اللّه تعالى فسمي يوم التروية فلما كان يوم عرفة رأى ذلك ايضا فعرف أنه من اللّه فسمى يوم عرفة.

و عن الصادق عليه السّلام قال معاوية بن عمار سألته لم سمي عرفات فقال ان جبرئيل خرج بابراهيم عليها السّلام يوم عرفة فلما زالت الشمس قال له جبرئيل عليه السّلام يا ابراهيم اعترف بذنبك و اعرف مناسكك فسميت عرفات لقول جبرئيل عليه السّلام اعترف و في رواية أخرى ان آدم عليه السّلام لما كان في الجنة نظر يوما الى ساق العرش و كان اليوم الثامن فرأى سطورا من نور فيها اسم محمد و أهل بيته صلوات اللّه عليهم فتروى ليعرفهم فلما كان الغد و هو اليوم التاسع عرّفه اللّه مراتبهم و انه لولاهم لم يخلقه و لا غيره فسميّ يوم عرفة و لما لم تقبل توبته في تلك السنين و الاعوام أتى اليه جبرئيل عليه السّلام فقال يا آدم ادع اللّه بالاسماء التي رأيتها مكتوبة على ساق العرش بسطور النور، و قل اللهم بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الائمة ان تقبل توبتي، و هنّ الكلمات المرادة من قوله تعالى فَتَلَقّٰى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمٰاتٍ فَتٰابَ عَلَيْهِ ، كما هو في روايات العامة و الخاصة، فأوحى اللّه اليه يا آدم لو لم تدعني بهذه الاسماء لما قبلت توبتك و أقسمت انه لم يدعني مذنب بها الا قبلت توبته، و وجه عدم المنافات ظاهرة مما عرفت من ان علل الشرع معرّفات.

و قيل سمي عرفة لارتفاعه على الارض مأخوذ من عرف الديك و يوم التروية لقولهم ترويتم ترويتم من الماء لان عرفات لم يكن بها ماء في تلك الاوقات ثم ان آدم عليه السّلام لما نزل من الجنة ظهرت به شامة سوداء في وجهه من قرنه الى قدمه فطال حزنه و بكاؤه على ما ظهر به فأتى اليه جبرئيل عليه السّلام فقال ما يبكيك يا آدم فقال من هذه الشامة التي ظهرت بي قال يا آدم قم فصلّ فهذا وقت الصلوة الاولى أي الظهر فصلاها فاتحطت الشامة الى عنقه و جاء في وقت صلاة العصر فأمره فصلاها فانحطت الى سرته، و في وقت الثالثة امره بها فانحطت الشامة الى ركبته و في الرابعة صلاها فانحطت الى قدميه فصلّى الخامسة فخرج منها فحمد اللّه و أثنى عليه فقال جبرئيل عليه السّلام يا آدم مثل ولدك في هذه الصلوات كمثلك في هذه الشامة من صلّى من ولدك في كل يوم و ليلة خمس صلوات خرج من ذنوبه كما خرجت من هذه الشامة، و لما تاب في وقت المغرب امر بصلوة ثلاث ركعات لخطيئته و ركعة لخطيئة حوى و ركعة لتوبته و من ثم فرضت صلاة المغرب كفّارة للذنوب و باعثا لقبول التوبة.

و اما صلاة العصر فقد عرفت ان ذلك الوقت وقت معصية ابينا آدم فتكون صلاة ذلك الوقت كفّارة ايضا لذنوبنا و ذنب ابينا آدم عليه السّلام ثم ان اللّه سبحانه لما قبل توبته اتاه جبرئيل بخيمة من خيام الجنة فوضعها له بمكة في موضع الكعبة، و تلك الخيمة من ياقوتة حمراء لها بابان شرقي و غربي من ذهب منصوبات معلّق فيها ثلاث قناديل من تبر الجنة تلتهب نورا و نزل الركن و هو

ص:181

ياقوتة بيضاء من ياقوت الجنة و كان كرسيا لآدم عليه السّلام يجلس عليه و ان خيمة آدم لم تزل في مكانها حتى قبضه اللّه تعالى ثم رفعه اليه و بنى بنو آدم في موضعها بيتا من الطين و الحجارة و لم يزل معمورا و أعتق من الغرق و لم يخر به (يجربه خ) حتى ان بعث اللّه تعالى ابراهيم عليه السّلام، كذا في بعض الروايات اقول و لعل هذا هو البيت المعمور الذي رفعه اللّه سبحانه الى السماء الرابعة ثم بنى الكعبة موضعه.

و في الروايات الخاصة ان اللّه سبحانه ارسل سحابة سوداء فظللت موضع البيت فأمر آدم ان يخط موضعها في الارض و هو الكعبة و كذلك مسجد منى، و اما قبل آدم فقد حجّه الملائكة بألفي عام، و اما الحرم و مقداره فقد روى عن المفضل انه سأل ابا عبد اللّه عليه السّلام عن التحريف لاصحابنا ذات اليسار عن القبلة و عن السبب فيه، فقال ان الحجر الاسود لمّا انزل به من الجنة و وضع في موضعه جعلوا نصاب الحرم (1)من حيث يلحقه النور نور الحجر فهي عن يمين الكعبة اربعة اميال، و عن يساره ثمانية اميال كله اثنى عشر ميلا فاذا انحرف الانسان ذات اليمين خرج عن حدّ القبلة لقلّة انصاب الحرم و اذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حدّ القبلة، و سيأتي تحقيق الحجر في بعض الانوار السماوية ان شاء اللّه تعالى.

و اما طول آدم عليه السّلام لما نزل من الجنة فروى مسندا الى مقاتل بن سليمان قال قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام كم طول ابينا آدم صلوات اللّه عليه حين أهبط الى الارض و كم كان طول حوى عليها السّلام فقال وجدنا في كتاب علي عليه السّلام ان اللّه تعالى لما اهبط آدم صلوات اللّه عليه و زوجته عليها السّلام الى الارض كان رجلاه على ثنية الصفا و رأسه دون افق السماء و انه شكى الى اللّه تعالى مما يصيبه من حر الشمس فصيّر طوله سبعين ذراعا بذارعه و جعل طول حوى خمسة و ثلاثين ذراعا بذراعها و الثنية على ما في النهاية العقبة أو الطريق العالي، و قيل اعلى المسيل في رأسه و قوله دون افق السماء أي قريبا منه و دونه و الافاق النواحي.

و اعلم ان المحققين من اصحابنا المتأخرين قد اوردوا الاشكال على هذا الحديث من وجهين، و من هذا عدّ عندهم من مشكلات الاخبار و حاصل الاشكال الاول هو انه قد تقرر في علم الهيئة و الفلك ان حرارة الشمس انما هو بسبب الانعكاس من الاجرام الارضية و قد ذكروا ان الانعكاس يبلغ في الهوى الى مقدار اربعة فراسخ، و كلما ارتفعت الاجرام من الارض ازدادت برودة كما هو المشاهد في الجبال الشاهقة فكيف يصير قصر القامة سببا في رفع التأذي من جهة

ص:182


1- 1) النصب بضمتين حجر كانوا ينصبونه في الجاهلية و يتخذونه صنما و يعبدونه و الجمع انصاب و قيل هو حجر كانوا ينصبونه و يذبحونه عليه فيحمر بالدم انظر مجمع البحرين [1]مادة (نصب) .

الحر بل يكون الامر بالعكس و اما الاشكال الثاني فهو ان كون آدم عليه السّلام سبعين ذراعا بذراعه يستلزم عدم استواء الخلقة منه كما هو المشاهد في اولاده لان تناسب الاعضاء شرط في استوائها.

و الجواب عن الاشكال الاول من وجهين احدهما انه يجوز ان سلّمنا القاعدة الرياضية ان يكون للشمس حرارة بالانعكاس و أخرى بالذات فوق الطبقة الزمهريرية و يكون طول قامة آدم عليه السّلام متجاوزا تلك الطبقة كما رواه الصدوق (ره) بسند صحيح عن الصادق عليه السّلام قال لما بكى آدم صلوات اللّه عليه على الجنة و كان رأسه في باب من ابواب السماء و كان يتأذى بالشمس فحطّ من قامته، و يؤيده ما روى من ان عوج بن عنق كان يضرب يده فيأخذ الحوت من اسفل البحر ثم يرفعه الى الشمس فيشويه في حر الشمس فيأكله و كان عمره ثلاثة آلاف و ستة مأة سنة، و روى انه لما اراد نوح ان يركب السفينة جاء اليه عوج فقال له احملني معك، فقال نوح اني لم اومر بذلك فبلغ الماء اليه و ما جاوز ركبتيه و بقى الى ايام موسى عليه السّلام فقتله موسى و يؤكد ما نحن فيه ما روى ان الشمس يوم القيامة تنزل حتى تسامت رؤس الخلائق فيكون حرارة القيامة منها، و يحتاج الخلائق الى الظ، و يكون الحرارة م قرصها كما هو الظاهر من تلك الاخبار الوجه الثاني ان تأذيه يجوز ان يكون السبب فيه انه مع ما كان عليه من الطول ما كان يمكنه ان يستظل ببناء و لا جبل و لا غير ذلك فلما قصر امكنه الاستظلال بالاظلة و هو ظاهر.

و اما الجواب عن الاشكال الثاني فمن وجوه: الاول و هو الاولى ان استواء الخلقة و عدمه ليس منحصرا فيما هو معهود في هذه الاعصار بل استواء الخلقة في كل عصر بما يليق بذلك العصر و آدم عليه السّلام لم يكن في مثل هذه الاعصار حتى نحل تقصيره باستواء خلقته بل لو كنا نحن في عصره على هذه الخلقة لظهر عدم استواء خلقتنا نحن و كذلك فيما بعده من الاعصار التي كانت الخلائق فيها اطول و اجسم و أقوى، كما روى ان موسى عليه السّلام أرسل الى العمالقة اثنى عشر نقيبا للفحص عن حالهم فظفر بهم واحد من العمالقة و ادخل الاثنى عشر في ناحية من ردن (1)ثوبه و أتى به الى ملكهم فلم يقتلهم بل ارسلهم الى موسى عليه السّلام فأمر لهم بزاد للطريق و هو رمانة واحدة نصفها خال من الحب و الاخر فيه حب و ذاك الخالي كالغطا فوق النصف الاخر فكان الاثنى عشر رجلا ينامون الليل في النصف الخالي و في النهار يجعلونه فوق النصف الذي يأكلون من حبّه و تحمله البقر معهم و كذا يدلّ على هذا المعنى ما استفاض في الاخبار من صفات حور العين من ان لبعضهن سبعين الف ذوابة كل ذوابة تحملها سبعون الف خادمة، و كذا في جانب عظم البدن و الاعضاء مع ان اهل الجنة على اكمل الاوصاف في كل باب.

ص:183


1- 1) الردن اصل الكم و طرفه الواسع و كانت العرب تضع فيه الدراهم و الدنانير و منه ثقل ردنه أي كثر ماله جمع ارادن.

الوجه الثاني ان الباء في قوله بذارعها و بذراعه باء المصاحبة و معناه انه كما قصر طوله قصر ذراعه ايضا و خصّ الذراع لان الاعضاء داخله في تقصير البدن بخلاف الذراع و حينئذ فالمراد بالذراع في قوله سبعين ذراعا إما ذراع من كان في عصر آدم أو ذراع من كان في زمان من صدر عنه الخبر الثالث ان في الكلام استخداما بأن يكون المراد بآدم حين ارجاع الضمير اليه آدم ذلك الزمان من اولاده عليه السّلام و قد نقل هذا عن شيخنا البهائي طاب ثراه و قد قيل وجوه أخرى كثيرة لكنها تشتمل على انواع من البعد و التعسف و قد حررناها في كتاب نوادر الاخبار.

فان قلت مذهبكم ايها الامامية هو عدم جواز الذنب على الانبياء صغائرها و كبائرها قبل البعثة و بعدها فكيف صدر من آدم عليه السّلام مخالفة الامر و كيف نعت عليه هذه الزلّة (الذلة خ ل) في آيات من القرآن قلنا قد صنّف اصحابنا رضوان اللّه عليهم في هذا الباب كتبا كثيرة و من جملتهم سيدنا المرتضى في كتاب تنزيه الانبياء و لكن كشف الغطاء عن مثل هذه الغوامض لا يقع بمحلّ من القبول الا اذا صدر عن الائمة عليهم السّلام و قد روى هذا الكشف عن الرضا عليه السّلام رواه الصدوق (ره) باسناده الى الهروي قال لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا عليه السّلام أهل المقالات من اهل الاسلام و الديانات من اليهود و النصارى و المجوس و الصابئين و سائر اهل المقالات فلم يقدم احد الا و قد الزمه حجته كأنه قد القم حجرا فقام اليه علي بن الجهم فقال له يا ابن رسول اللّه أ تقول بعضمة الانبياء قال بلى قال فما تقول في قوله عز و جل وَ عَصىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوىٰ و قوله عز و جل وَ ذَا اَلنُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغٰاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ و قوله في يوسف وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِهٰا لَوْ لاٰ أَنْ رَأىٰ بُرْهٰانَ رَبِّهِ و قوله عز و جل في داود وَ ظَنَّ دٰاوُدُ أَنَّمٰا فَتَنّٰاهُ، و قوله في نبيه صلّى اللّه عليه و آله وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اَللّٰهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى اَلنّٰاسَ وَ اَللّٰهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشٰاهُ، فقال مولانا الرضا عليه السّلام ويحك يا علي اتقّ اللّه و لا تنسب الى انبياء اللّه الفواحش و لا تتأول كتاب اللّه برأيك فان اللّه عز و جل يقول و ما يعلم تأويله الا اللّه و الراسخون في العلم.

و اما قوله عز و جل في آدم وَ عَصىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوىٰ، فأن اللّه عز و جل خلق آدم حجة في ارضه و خليفة في بلاده لم يخلقه للجنة و كانت المعصية من آدم في الجنة لا في الارض لتتم مقادير اللّه عز و جل فلما اهبط الى الارض و جعل حجة و خليفة عصم بقوله عز و جل إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفىٰ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْرٰاهِيمَ وَ آلَ عِمْرٰانَ عَلَى اَلْعٰالَمِينَ، و اما قوله عز و جل وَ ذَا اَلنُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغٰاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ، انما ظن ان اللّه عز و جل لا يضيق عليه رزقه الا تسمع قول اللّه عز و جل وَ أَمّٰا إِذٰا مَا اِبْتَلاٰهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ أي ضيّق عليه و لو ظن ان اللّه تبارك و تعالى لا يقدر عليه لكان قد كفر، و اما قوله عز و جل في يوسف وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِهٰا ، فأنها همّت بالمعصية و همّ يوسف

ص:184

بقتلها ان جبرته لعظم ما داخله فصرف اللّه عنه قتلها و الفاحشة و هو قول اللّه عز و جل كَذٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ اَلسُّوءَ يعني القتل و الفحشاء يعني الزنا.

و اما داود فما يقول من قبلكم فيه فقال علي بن الجهم يقولون ان داود كان في محرابه يصلي اذ تصوّر له ابليس على صورة طير احسن ما يكون من الطيور فقطع صلاته فقام ليأخذ الطير فخرج الطير الى الدار فخرج في اثره فطار الطير الى السطح فصعد في طلبه فسقط الطير في دار اوريا بن حنان فطلع داود في اثر الطير فاذا امرأة اوريا تغتسل فلما نظر اليها هواها و كان اوريا قد اخرجه داود في بعض غزواته فكتب الى صاحبه ان قدّم اوريا امام الحرب فقدّم فظفر اوريا بالمشركين فصعب ذلك على داود، فكتب الثانية ان قدّمه امام التابوت فقدمه فقتل اوريا و تزوج داود بامرأته قال فضرب الرضا عليه السّلام بيده جبهته و قال انا للّه و انا اليه راجعون لقد نسبتم نبيا من انبياء اللّه تعالى الى التهاون بصلوته حتى خرج في اثر الطير ثم بالفاحشة ثم بالقتل فقال يا ابن رسول اللّه ما كانت خطيئته فقال ويحك ان داود انما ظن ان ما خلق اللّه عز و جل خلقا هو اعظم منه فبعث اللّه عز و جل اليه ملكين فتسوّرا المحراب فقالا خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق و لا تشطط و اهدنا الى سواء الصراط، ان هذا اخي له تسع و تسعين نعجة و لي نعجة واحدة فقال اكفلنيها و عزني في الخطاب، فعجّل داود عليه السّلام بالمدعى عليه فقال لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه و لم يسأل المدعي البينة على ذلك و لم يقبل على المدعي عليه فيقول ما تقول فهذا خطيئة حكمه لا ما ذهبتم اما تسمع قول اللّه عز و جل يقول يٰا دٰاوُدُ إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي اَلْأَرْضِ الاية. فقلت يا ابن رسول اللّه فما قصته مع اوريا فقال الرضا عليه السّلام ان المرأة في ايام داود كانت اذا مات بعلها او قتل لا تتزوج بعده ابدا و اول من اباح اللّه عز و جل له ان يتزوج بامرأة قتل بعلها داود فذلك الذي شقّ على اوريا.

و اما محمد نبيه صلّى اللّه عليه و آله و قوله عز و جل وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اَللّٰهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى اَلنّٰاسَ وَ اَللّٰهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشٰاهُ فان اللّه عز و جل اعلم نبيه صلّى اللّه عليه و آله اسماء ازواجه في دار الدنيا و اسماء ازواجه في الاخرة و انهن امهات المؤمنين واحدى من سمّى له زينب بنت جحش و هي يومئذ تحت زيد بن حارثة فأخفى صلّى اللّه عليه و آله اسمها في نفسه و لم يبدها لهم كي لا يقول احد من المنافقين انه قال في امرأة في بيت رجل انها احدى ازواجه من امهات المؤمنين، و خشى قول المنافقين فقال اللّه عز و جل وَ اَللّٰهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشٰاهُ في نفسك، قال فبكى علي بن الجهم و قال يا ابن رسول اللّه انا تائب الى عز و جل ان انطق في انبياء اللّه بعد يومي هذا الا بما ذكرته.

اقول لعلك تقول أنه قد ورد في احاديث الشيعة ما تقوله المخالفون في الانبياء عليهم السّلام من وقوع المعاصي و مثل هذه الامور التي نفاها الرضا عليه السّلام في هذا الحديث و الجواب ان كل

ص:185

ما ورد من ذلك فسبيله الحمل على التقية و قد روى علي بن الجهم حديثا طويلا عن الرضا عليه السّلام ايضا و فيه نوع مغايرة لهذه الاجوبة و زيادات في السؤال و الجواب، منها قول المأمون فأخبرني عن قول اللّه تعالى وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِهٰا لَوْ لاٰ أَنْ رَأىٰ بُرْهٰانَ رَبِّهِ ، فقال الرضا عليه السّلام لقد همت به و لو لا ان رأى برهان ربه لهمّ بها كما همت به لكنه كان معصوما و المعصوم لا يهمّ بذنب و لا يأتيه، فقال المأمون للّه درك يا ابا الحسن فأخبرني عن قول اللّه تعالى لِيَغْفِرَ لَكَ اَللّٰهُ مٰا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ مٰا تَأَخَّرَ قال الرضا عليه السّلام لم يكن أحد عند مشكري مكة اعظم ذنبا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لانهم كانوا يعبدون من دون اللّه ثلثمائة و ستين صنما، فلما جائهم صلّى اللّه عليه و آله بالدعوة الى كلمة الاخلاص كبر ذلك عليهم و عظم، و قالوا أجعل الالهة إلها واحدا ان هذا لشيء عجاب فلما فتح اللّه على نبيه صلّى اللّه عليه و آله مكةّ قال يا محمد إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك اللّه ما تقدم من ذنبك و ما تأخر عند مشركي اهل مكة بدعائك الى توحيد اللّه فيما تقدم و ما تأخر، فقال المأمون لقد شفيت صدري يا ابن رسول اللّه و اوضحت لي ما كان ملتبسا فجزاك اللّه عن انبيائه و عن الاسلام خيرا.

و حاصل جوابه عليه السّلام هيهنا عن حكاية يوسف جواب الشرط محذوف، و التقدير لو لا ان رأى برهان ربه لهمّ بها كما همّت به لكنه رأى البرهان فلم يهمّ بها و البرهان هو الالطاف الالهية و التوفيقات السبحانية، و يجوز ان يكون كلامه عليه السّلام اشارة الى ان الجواب مقدّم على الجزاء كما ذهب اليه بعضهم لكن المحققون على عدم جوازه فمن ثمّ كان الاول هو الاولى، و حاصل الجواب عن مقدمة كون فتح مكة سببا لغفر ان الذنب ما ذكره اصحاب السير انّ المشركين كانوا يقولون ان مكن اللّه محمدا من بيته و حكمّه في حرمه تبيّنا انه نبي حق، فلما يسّر له فتح مكة دخلوا في دين اللّه افواجا و اذعنوا بنبوته كما نطق به الكتاب العزيز، و زال انكارهم عليه في الدعوة الى ترك عبادة الاصنام، و صار ذنبه مغفورا كما قررّه الامام عليه السّلام و قد اجاب المفسرون عن هذه الشبهات بأجوبة لا يخلو بعضها من تكلّف لكن الجواب الاصح هو ما صدر عن ارباب العصمة عليهم السّلام و قد يظهر من تعمق النظر في الاخبار و تتبع كتب خواص الائمة الاطهار عليهم السّلام جواب عن هذه الشبهات كلها، و لكن فيه نوع دقة.

و حاصله ان اللّه سبحانه قد اسمع الشيطان اولا ان عبادي ليس لك عليهم سلطان و كذا اعترف الشيطان ايضا بتصديق هذا المعنى، حيث قال لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين و آدم و من تلاه من الانبياء عباد مخلصون مطهّرون منزّهون فالشيطان ليس له عليهم تسلط، و لكن اللّه سبحانه يحب تضرع العباد اليه و بكائهم من خشيته، و هذه المحبة تتفاوت بتفاوت مراتب العباد و اكملهم الانبياء عليهم السّلام، و كلّ امر يحتاج الى سبب وداع حتى يكمل ذلك السبب فهو سبحانه قد يترك احدهم مع نفسه البشرية لحظة واحدة فيحصل معه بمقتضى الطبيعة البشرية فعل

ص:186

مكروه و ترك مستحب حتى يكون منشاءا لتحصيل الدرجات العليّة و التوفيقات الالهية كما جرى لادم عليه السّلام حيث بكى على خطيئته ثلثمائة سنة فاصطفاه اللّه بسبب هذا و جعله صفيه، و كذا داود عليه السّلام فقد ورد في الرواية ان داود عليه السّلام بكى اربعين يوما ساجدا لا يرفع رأسه حتى نبت المرعى من دموعه حتى غطى رأسه، فنودي يا داود أ جائع أنت فتطعم أم ظمأن فتسقى، أم عريان فتكسى، فنحب نحبة هاج العود فاحترق من خوفه ثم انزل اللّه التوبة و المغفرة، فقال يا رب أجعل خطيئتي في كفي فصارت خطيئته في يده مكتوبة و كان لا يبسط كفّه لطعام و لا شراب و لا لغيرهما الا رأها فأبكته قال و كان يؤتى بالقدح ثلثاه ماء فاذا تناوله ابصر خطيئته فما يضعه على شفته حتى يفيض من دموعه.

و روى انه ما رفع رأسه الى السماء حتى مات حياء من اللّه تعالى، و كان يقول في مناجاته اذا ذكرت خطيئتي ضاقت عليّ الارض برحبها و اذا تذكرت رحمتك ارتدت اليّ روحي سبحانك الهي اتيت اطباء عبادك ليداووا خطيئتي فكلهم يدلوني عليك فبؤسا للقانطين من رحمتك و كان اذا اراد ان ينوح مكث قبل ذلك سبعا لا يأكل الطعام و لا يشرب الشراب، و لا يقرب النساء فاذا كان قبل ذلك بيوم أخرج له منبر الى البر فيأمر سليمان عليه السّلام ان ينادي بصوت فيستقري البلاد و من حولها من الغياض و الاكام و الجيال و البراري و الصوامع و البيع فينادي فيها الا من اراد ان يسمع نوح داود فليأت فتأتي الوحوش من البراري و الاكام و تأتي السباع من الغايص و تأتي الهوّام من الجبال و تأتي الطير من الاوكار و تأتي العذارى من خدورهم حتى يرقى المنبر و كلّ صنف على حدته يحيطون به و سليمان عليه السّلام قائم على رأسه فيأخذ في الثناء على ربه فيضجون بالبكاء و الصراخ ثم يأخذ في ذكر الجنة فيموت الهوّام و طائفة من الوحوش و السباع و الناس ثم يأخذ في اهوال القيامة و في النياحة على نفسه فيموت من كل نوع طائفة فاذا رأى سليمان عليه السّلام كثرة الموتى، قال يا ابتاه قد مزقت المستمعين كل ممزق و ماتت طوائف من بني اسرائيل و من الوحوش و الهوّام فيأخذ في الدعاء فبينا هو كذلك اذ ناداه عبّاد بني اسرائيل يا داود عجّلت بطلب الجزاء على ربك، قال فخّر داود مغشيا عليه فلما نظر سليمان الى صاحبه و ما اصابه اتى بسرير له فحمله عليه ثم امر مناديا ينادي الا من كان له مع داود حميم فليأت بسريره يحمله عليه فان الذين كانوا معه قد قتلهم ذكر الجنة و النار ثم اذا افاق داود دخل بيت عبادته.

و روى عن الصادق عليه السّلام قال ان داود خرج ذات يوم يقرأ الزبور و كان اذا قرأ الزبور لا يبقى جبل و لا حجر و لا طائر و لا سبع الا جاوبه، فما زال يمرّ حتى انتهى الى جبل فاذا على ذلك الجبل نبي عابد يقال له حزقيل عليه السّلام فلما سمع دوي الجبال و اصوات السباع و الطير علم انه داود عليه السّلام، فقال صوت مذنب، فقال اللّه يا حزقيل لا تعيّر داود سلني العافية، فقام حزقيل فأخذ بيد

ص:187

داود فرفعه اليه، فقال داود يا حزقيل هل هممت بخطيئة قطّ، قال لا قال فهل دخل العجب فيما انت فيه من عبادة اللّه قال لا قال فهل ركنت الى الدنيا فأحببت ان تأخذ بشهوتها و لذتها، قال بلى ربما عرض بقلبي قال فما ذا تصنع اذا كان قال ادخل هذا الشعب فاتبر مما فيه قال فدخل داود النبي عليه السّلام الشعب فاذا بسرير من حديد عليه جمجمة بالية، و عظام فانية فاذا لوح من حديد فيه كتابة فقرأها داود عليه السّلام فاذا هي انا اروى شلم ملكت الف سنة و بنيت الف مدينة و افتضضت الف بكر فكان آخر عمري ان صار التراب فراشي و الحجارة و سادتي و الديدان و الحيات جيراني فمن رأني فلا يغتر بالدنيا.

و كان الخليل عليه السّلام اذا ذكر خطيئته يغشى عليه و يسمع اضطراب قلبه ميلا في ميل فيأتيه جبرئيل عليه السّلام فيقول له الجبار يقرئك السّلام و يقول هل رأيت خليلا يخاف خليله فيقول يا جبرئيل اني اذا ذكرت خطيئتي نسيت خلّتي، و نحو هذا من اطوارهم عليهم السّلام فهو سبحانه قد كان يحبّ ان يسمع مثل هذا منهم و على ما ذكر في توبة آدم ينزّل ما رواه الصدوق طاب ثراه في كتاب العلل في قول النملة لسليمان عليه السّلام انت اكبر ام ابو قال سليمان عليه السّلام بل ابي داود قالت النملة فلم زيد في حرف اسمك حرف على اسم ابيك قال سليمان ما لي بهذا علم، قالت النملة لان اباك داود داوى جرحه بودّ و أنت سليمان ارجوا ان تلحق بأبيك.

اقول هذا الحديث و هو حديث النملة عدّ من مشكلات الاخبار و قد تصدى لبيان معناه محققوا الاصحاب بوجوه كثيرة و الذي يخطر بالبال في ايضاحه و جهان احدهما ان يكون المراد من قولها انت اكبر أم ابوك المراد بالكبر العظمة و الشأن و كانت النملة عالمة بهذا لكن سألت عنه تمهيدا للجواب الاتي، فقال سليمان ان ابي اعظم مني فقالت ذا كان اعظم منك فلم زيد في حروف اسمك حرف مع ان زيادة المباني مما يدلّ على زيادة المعاني و اسماء الانبياء عليهم السّلام كلها مأخوذة من الوحي الالهي فيكون زيادة الحروف و نقصانها لا يخلو من حكمة و فايدة فقال سليمان عليه السّلام لا ادري فقالت لان اباك داود لما صدرت منه الزلة التي نعيت عليه تاب الى اللّه و تودد اليه فاشتق له اسم من مجموع داوى جرحه بودّ فصار اسمه على ما ترى، و اما أنت فقد نعيت عليك زلّة و هي ما حكاه في القرآن من قوله اني احببت حبّ الخير عن ذكر ربي حتى تواريت بالحجاب ردوها عليّ فطفق مسحا بالسوق و الاعناق، و حاصله ان الخيل و هي المراد من الخير قد عرضت علي سليمان ليراها فما استتم رؤيتها حتى توارت الشمس تحت حجابها فدعى سليمان عليه السّلام ان يرد اللّه سبحانه الشمس له ليصلي فردّت الشمس عليه فشرع في الوضوء و مسح ساقه و عنقه كما هو الوضوء المأمور به في الشرع القديم فلم تداوها بالتوبة و التفزع (التفرّغ خ ل)

ص:188

الى اللّه سبحانه لاشتغالك بالملك فاشتق لك اسم من السلامة من التودد و المداواة و ارجوا ان تلحق بأبيك في التوبة و الفراغ لعبادة اللّه سبحانه.

كما روى ان سليمان عليه السّلام رأى عصفورا يقول لعصفورته لم تمنعيني نفسك و لو شئت أخذت قبّة سليمان بمنقاري فألقيتها في البحر، فتبسّم سليمان من كلامه ثم دعا بها فقال للعصفور أ تطيق أن تفعل ذلك فقال لا يا رسول اللّه و لكن المرء قد يزيّن نفسه و يعظمها عند زوجته، و المحبّ لا يلام على ما يقول، فقال سليمان للعصفورة لم تمنعينه من نفسك و هو يحبّك فقال يا نبي اللّه انه ليس محبا و لكنه محب مدّع لانه يحب معي غيري فأثر كلام العصفور في قلب سليمان و بكى بكاء شديدا و احتجب عن الناس اربعين يوما يدعو اللّه ان يفرغ قلبه بمحبته و ان لا يخالطها بحبة غيره.

و روى ايضا انه عليه السّلام مرّ يوما بعصفور يقول لزوجته ادني مني حتى اجامعك لعل اللّه يرزقنا ولدا يذكر اللّه تعالى فإنّا قد كبرنا فتعجب سليمان عليه السّلام و قال هذه النيّة خير من مملكتي، و يجوز ان يكون معناه على هذا التقدير ان الحرف الزايد في اسمك للدلالة على الجرح الزائد في قلبك، فان الذنب في القلب كالاصبع الزايدة فهذه الزيادة اللفظية دالة على تلك الزيادة المعنوية.

التوجيه الثاني ان يكون المعنى على ذلك الى قوله و انت سليمان و حاصله ان داود صدرت منه زلّة داواها بالتودد و التوبة فاشتق له منها اسم و انت سليمان أي سليم انت من ذلك الذنب فلهذا سميت به اشتقاقا من السلامة و ان زيادة ذلك الحرف يدلّ على زيادة معنى فيك و هو السلامة من الذنب فقولها و ارجوا ان تلحق بابيك أي في الجلالة و عظم الشأن فانه بالتوبة عرج معارج السابقين و سليمان عليه السّلام بسبب الاشتغال بالملك قد قصر عنه.

و الحاصل ان صدور مثل هذا من الانبياء عليهم السّلام انما هو لنيل الكرامات الحاصلة بسبب التوبة فانه قد روى ان من علامات المؤمن انه مفتن تواب و روى انه لو لم يصدر منكم الذنب فالتوبة لاماتكم اللّه و خلق بدلكم اقواما يذنبون ثم يتوبون و في الحديث ان اللّه افرح بتوبة المؤمن من رجل كان في مفازة مع رفقة في ليل اظلم، فلما اقاموا للركوب ضلّ بعيره في ذلك الليل فطلبه فلم يجده و ارتحل عنه رفقاؤه، و بقى في تلك المفازة وحده في ذلك الليل و المفازة ليس فيها زاد و لا ماء فلما ايس من البعير اتى الى محله و جلس واضعا رأسه بين ركبتيه منتظرا للسبع او الموت، فما لبث الا و قد اتى اليه رجل بذلك البعير فقال له اركب حتى ابلغك الى رفقائك فيدخله ذلك الوقت من السرور ما لا يحصى فاللّه سبحانه افرح بتوبة المؤمن من ذلك الرجل، و في عرف العوام ليس صحبة الا من بعد عتبه و هذا جار في التجارب كما لا يخفى على المتتبع اذا عرفت هذا.

ص:189

فأعلم انه قد بقى الكلام في ادعية الائمة عليهم السّلام و اطوارهم و اعترافهم بالذنوب و كثرة بكائهم عليها خصوصا سيد الساجدين عليه السّلام فان صحيفته الشريفة قد تضمنت استقالته من الذنوب و حزنه عليها و نحن قد تقرر باجماعنا ان الائمة عليهم السّلام منزّهون عن انواع الذنوب فكيف صدر منهم هذه المقالات مع انه لم ينقل احد من المخالفين مع تكثرهم في كل الاعصار و تفحصهم على طعن عليهم بوجه من الوجوه يتعلقون به في التشنيع على مذهبنا و على الائمة عليهم الطاهرين الاسلام فلم يظفروا به فلم تنع عليهم زلة و لا ذكر فيهم من المساوئ شيء، و حينئذ فما وجه هذه الاعترافات منهم.

فنقول قد ذكرنا في شرحنا على الصحيفة وجوها كثيرة بعضها من محققي اصحابنا و بعضها من سوانح البال فلنذكر هنا بعضا منها، الاول ما قاله بعض اهل العرفان من انّ مثل هذا انما هو تعليم منهم للامة كيف يتضرعون و يبكون على ذنوبهم و كيف يعترفون فان الانبياء عليهم السّلام قبلهم كان مناط تبليغهم الرسالة على التنزل الى مكالمات البشر بمقتضى عقولهم، حتى انه صلّى اللّه عليه و آله قال للحسين عليه السّلام و هو طفل كخ كخ يا حسين لّما أخذ تمر من تمر الصدقة، و لا يخفى من هذا لمن تتبع اطوارهم عليهم السّلام فان مدلول كلامهم في مناجاتهم انما هو صدره عن نار حزن كامنة في القلوب، و خوف قد احاط بمجامع اعضائهم مع امكان تعليم الامة مثل هذه التضرعات بالقول دون الفعل، و هذا الوجه هو الذي اختاره الغزالي في كتاب الاحياء بالنسبة الى ما صدر عن الانبياء عليهم السّلام من الاعتراف بالذنب و كثرة البكاء و التضرع، و قد عرفت ما يرد عليه.

الوجه الثاني انهم عليهم السّلام لما كانوا في هذه النشأة و الانسان لا يخلو فيها اما من فعل مكروه أو ترك مستحب، و ذلك كالصلوة في الثياب السود و كالنوم على جانب اليسار و نحو ذلك، فهم عليهم السّلام قد عدّوا هذه ذنوبا و انقطعوا الى اللّه سبحانه من تبعاتها، و الظاهر ان هذا ايضا غير تامّ لانهم عليهم السّلام اهل الشرع الانور، و قد كانوا يرتكبون مثل هذه الامور تعليما للاما بجواز تلك الافعال، حيث انه قد ورد النهي عن فعل ذلك المكروه بذلك الفعل المستحب فربما ادّى فعل ذلك المكروه الى الوجوب عليهم كما لا يخفى.

الثالث ما ذهب اليه شيخنا المعاصر (1)ايده اللّه تعالى منان صدور هذا و امثاله منهم عليهم السّلام ليس هو من باب الاخبار عن فعل سابق بل هو من قبيل التواضع الانشائي كقول علي بن الحسين عليهما السّلام انا مثل الذرة او دونها، و كما يقال في العرف عند التواضع انا مقصر في خدمتك يا فلان و انا عبدك، و هذا الوجه له وجه في الجملة، و ربما كان في الاخبار دلالة عليه.

ص:190


1- 1) هو العلامة المجلسي المولى محمد باقر الاصفهاني الشهير صاحب بحار الانوار.

الرابع و هو الذي قاله صاحب كشف الغمة و تلقته الاصحاب بالقبول و حاصله انهم عليهم السّلام اوقاتهم مستغرقة بذكره تعالى و خواطرهم متعلقة بالملك الاعلى و هم ابدا في المراقبة كما قال عليه السّلام اعبد اللّه كأنك تراه فان لم تره (فان لم تكن ترا خ ل) فأنه يراك، فهم ابدا متوجهون اليه منقلبون بكليتهم عليه، فمتى انحطوا عن تلك المرتبة العالية و المنزلة الرفيعة الى الاشتغال بالمأكل و المشرب و التفرغ للنكاح و غيره من المباحات عدّوه ذنبا و استغفروا منه، أ لا ترى ان بعض عبيد ابناء الدنيا لو قعد يأكل و يشرب و ينكح و هو يعلم انه بمرئ من سيده و مسمع لكان ملوما عند الناس و مقصرا فيما يجب عليه من خدمة سيده و مالكهن فما ظنك بسيد السادات و مالك الاملاك و الى هذا اشار صلّى اللّه عليه و آله بقوله انه ليران على قلبي و اني لاستغفر اللّه بالنهار سبعين مرة، و قوله حسنات الابرار سيئات المقربين فان قلوبهم عليهم السّلام اتمّ القلوب صفاءا و اكثرها ضياء و اعرفها عرفانا و كانوا مع ذلك قد عيّنوا لترشيع الملّة فلم يكن لهم بدّ من النزول الى الرخص و الالتفات الى حظوظ النفس مع ما كانوا ممتحنين به من الاحكام البشرية فكانوا اذا تعاطوا شيئا من ذلك اسرعت كدورة ما الى قلوبهم لكمال رقّتها و فرط نورانيتها فان الشيء كلما كان ارق و اصفى كان كدورات المكدرات عليه أبين و أهدى و كانوا عليهم السّلام اذا أحسوا بشيء من ذلك عدّوه على النفس ذنبا و استغفروا منه و هذا الوجه جيّد.

الخامس ان مراتبهم عليهم السّلام بالنسبة الى المعارف اليقينية و الحقائق الالهية كانت تزداد يوما بعد يوم، مثل جدهم صلّى اللّه عليه و آله فانه سبحانه قد جمع له جميع الكمالات البشرية عند آخر عمره الشريف، و في مدّة عمره كانت المعرفة و الوحي يتجدد عليه فاذا ترقّوا من درجة الى درجة أعلى منها عدوّا تلك السابقة ذنبا الى هذه اللاحقة، و هذا سرّ لطيف يدرك بالتأمل.

السادس ان العبد الممكن المتلوث بشوائب العجز و التقصير قابل للتلبّس بجميع المعاصي لو لا الالطاف الالهية و حينئذ فالاعتراف بالذنب انما بالنسبة الى المادة البشرية لا بالنظر الى العصمة الالهية فانها من غيرهم فهم على حدّ الذنب (المذنب خ ل) و لكن المانع من الغير و قد اشير الى هذا في قول الصديق عليه السّلام ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم ربي و ما حكاه سبحانه (من خ) في شأن حبيبه صلّى اللّه عليه و آله و لو لا ان ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا، و قوله صلّى اللّه عليه و آله اللهم لا تكلني الى نفسي طرفة عين، فقالت له بعض زوجاته لو وكّلك الى نفسك ما كنت تفعل يا رسول اللّه، قال كنت فاعلا ما فعله اخي يونس بن متى.

و روى شيخنا الكليني طاب ثراه باسناده الى الباقر عليه السّلام قال ان اللّه عز و جل اوحى الى داود عليه السّلام ان آت عبدي دانيال، فقل له انك عصيتني فغرفت لك و عصيتني فغفرت لك و عصيتني فغفرت لك فان عصيتني الرابعة لم اغفر لك، فأتاه داود عليه السّلام فقال يا دنيال انني رسول اللّه اليك،

ص:191

و هو يقول انك عصيتني فغفرت لك و عصيتني فغفرت لك و عصيتني فغفرت لك فان عصيتني الرابعة لم اغفر لك، فقال له دانيال قد بلّغت يا نبي اللّه فلما كان في السحر قام دانيال فناجى ربه، فقال يا رب ان داود نبيك اخبرني عنك انني قد عصيتك فغفرت لي و عصيتك فغفرت لي و عصيتك فغفرت لي، و اخبرني عنك اني ان عصيتك الرابعة لم تغفر لي فوعزتك و جلالك لئن لم تعصمني لا عصينك ثم لا عصينك ثم لا عصينك قالها خمسا، فهذا اعتراف من دانيال النبي عليه السّلام بان المنع عن المعاصي انما هو من جهة الالطاف الالهية و العصمة الربانية، و قد كان بعض مشائخي ادام اللّه ايامه يعدّ هذا الوجه من الالهامات الربانية.

الوجه السابع و هو من الوجوه التي خطرت بالبال ان نعم اللّه سبحانه على العبد كلما كانت اكمل كان تكليفه اشد و هذا ظاهر و لا شك انه سبحانه قد اعطاهم من النعم ما لا يحدّ بحدّ، و من ذلك انه اوجب طاعتهم على سائر مخلوقاته، و خلق لاجلهم الجنان و النيران كما قال عليه السّلام لو اجتمع الناس على حب علي بن ابي طالب لما خلق اللّه النار فهم عليهم السّلام يريدون ان يشكروا اللّه سبحانه الشكر اللائق به الموازي لانعامه عليهم فلا يقدرون عليه فيعدّون عدم القدرة ذنبا، كما روى ان النبي صلّى اللّه عليه و آله بكى ذات ليلة بكاءا كثيرا، فقالت زوجته ما يبكيك يا رسول اللّه و قد غفر اللّه لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر قال صلّى اللّه عليه و آله أ فلا أكون عبدا شكورا، و لم لا افعل و قد انزل اللّه عليّ ان في خلق السموات الاية، و نظيره ما روى انه مرّ بعض الانبياء عليهم السّلام بحجر صغير يخرج منه ماء كثير فتعجب فانطقه اللّه تعالى فقال منذ سمعت قوله تعالى وَقُودُهَا اَلنّٰاسُ وَ اَلْحِجٰارَةُ انا ابكي من خوفه فسأله ان يجيره من النار فأجاره، ثم رآه بعد مدة مثل ذلك، فقال لم تبكي الان فقال ان ذاك بكاء الخوف و هذا بكاء الشكر و السرور.

الثامن انهم عليهم السّلام ملوك الامة و ساسة العباد و الذنب الذي يصدر من الرعية ينسب الى كبيرهم و العامل عليهم فهم عليهم السّلام قد عدّوا ذنوبنا ذنبا لهم كما روى في تفسير قوله تعالى لِيَغْفِرَ لَكَ اَللّٰهُ مٰا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ مٰا تَأَخَّرَ ان المراد ذنب امتك و بقيت وجوه اخرى حررناها في الشرح المذكور من ارادها فليطلبها من هناك، و هذا كلام وقع في البين فلنرجع الى ما نحن فيه من مقدمات ابينا آدم عليه السّلام.

و هو انه علمه جبرئيل عليه السّلام مناسك الحج و طاف طواف النساء هو و زوجته قال له جبرئيل عليه السّلام قد حلّت لك زوجتك يا آدم فضمها اليك فضمها اليه و اما كيفية ابتداء النسل فرواه الصدوق (ره) باسناده الى زرارة قال سأل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن بدأ النسل من آدم صلوات اللّه عليه كيف كان و عن بدأ النسل من ذرية آدم فان اناسا عندنا يقولون ان اللّه تعالى اوحى الى آدم ان يزوج بناته من بنيه و ان هذا الخلق كله اصله من الاخوة و الاخوات، فمنع ابو عبد اللّه عليه السّلام من ذلك

ص:192

و قال نبئت ان بعض البهائم تنكرت له اخته فلما نزى عليها و نزل ثم علم انها اخته قبض على غرموله أي ذكره باسنانه حتى قطعه فخرّ ميتا، و آخر تنكرت له امه ففعل هذا بعينه، فكيف الانسان في فضله و علمه غير ان جيلا من هذه الامة الذين يرون انهم رغبوا عن علم اهل بيوتات انبيائهم فأخذوه من حيث لم يؤمروا بأخذه فصاروا الى ما ترون من الضلال، و حقا أقول ما اراد من يقول هذا و شبهه الا تقوية لحجج المجوس.

ثم أنشأ يحدثنا كيف كان بدء النسل فقال ان آدم صلوات اللّه عليه ولد له سبعون بطنا فلما قتل قابيل هابيل جزع جزعا قطعه عن اتيان النساء فبقى لا يستطيع ان يغشى حوى خمسمائة سنة، ثم وهب اللّه له شيئا و هو هبة اللّه وه اول وصي اولى اليه من بني آدم في الارض، ثم رواه بعد يافث فلما ادركا و اراد اللّه ان يبلغ بالنسل ما ترون أنزل اللّه بعد العصر في يوم الخميس حوراء من الجنة اسمها نزلة فأمره اللّه ان يزوجها من شيث ثم انزل اللّه بعد العصر من الغد حوراء من الجنة اسمها منزلة فأمر اللّه عز و جل آدم ان يزوجها يافث فزوجها منه فولد لشيث غلام و ولدت ليافث جارية فأمر اللّه عز و جل آدم عليه السّلام حين ادركا ان يزوج ابنة يافث من اين شيث ففعل فولد الصفوة من النبيين و المرسلين نسلهما، و معاذ اللّه ان يكون لك على ما قالوه من الاخوة و الاخوات و مناكحتهما و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة و ما تضمنّه اول الحديث من قوله فان اناسا عندنا يقولون المراد بهم جمهور المخالفين فانهم قالوا ان حوى امرأة آدم كانت تلد في كل بطن غلاما و جارية فولدت اول بطن قابيل و توأمته اقليميا، و البطن الثاني هابيل و توأمته ليوذا فلما ادركوا جميعا امر اللّه تعالى ان ينكح قابيل اخت هابيل و هابيل اخت قابيل فرضى هابيل و ابى قابيل لان اخته كانت حسناء، و قال ما امر اللّه سبحانه بهذا و لكن هذا من رأيك فأمرهما آدم ان يقربا قربانا فرضيا فانطلق هابيل الى افضل كبش في غنمه فقربه التماسا لوجه اللّه تعالى و مرضاة ابيه و اما قابيل فانه قرّب الزوان الذي يبقى في البيدر الذي لا يستطيع البقر ان تدوسه فقرب ضغثا منه لا يريد به وجه اللّه تعالى و لا رضا ابيه فقبل اللّه اللّه قربان هابيل و أتت نار بيضاء من السماء فأخذته و ردّ على قابيل قربانه فقال ابليس لقابيل انه يكون لهذا عقب يفتخرون على عقبك بان قبل قربان ابيهم فاقتله حتى لا يكون له عقب فقتله.

و هذه مقالة المخالفين و هي موافقة لمذاهب المجوس، فان المجوس كان لهم ملك فسكر ليلة فوقع على اخته و امه فلما أفاق ندم و شقّ ذلك عليه فقال للناس هذا حلال فامتنعوا عليه فجعل يقتلهم و حفر لهم الاخدود، و في خبر آخر انه احتج لهم على جوازه باولاد آدم من انهم قد كانوا ينكحون اخواتهم فقبله جماعة و بقوا عليه الى الان و من لم يقبله قتله، و العجب من صاحب روضة الشهداء كيف عوّل على هذا النقل من تزويج الاخوة الاخوات مع ورود الاخبار بخلافه،

ص:193

و اعجب منه شيخنا الطبرسي (ره) في كتاب مجمع البيان لم يذكر سوى مقالة المخالفين و لم يتعرض لهذه الاخبار بوجه مع انها من مرويات الصدوق (ره) و هو من المتقدمين، نعم روى هذا المعنى عن الباقر عليه السّلام لكن الرواية محمولة على التقية قطعا.

و اما حكاية القربان فقد حكاه اللّه سبحانه في سورة المائدة حيث قال و اتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق اذ قربا قربانا فتقبل من احدهما و لم يتقبل من الآخر قال لاقتلنك قال انما يتقبل اله من المتقين، و ذلك لان الصدقة اذا لم يكن صاحبها ممن اتقى في تحصيلها او لم يخلص للّه سبحانه حال دفعها لا تقع من محل القبول بشيء، كما روى (في الاحتجاج خ ل) عن الصادق عليه السّلام انه قال ان اتبع هواه و اعجب برأيه كان كرجل سمعت غثاء العامة تعظمه و تصفه فاحببت لقاءه من حيث لا يعرفني لانظر مقداره و محله فرأيته في موصع قد احدق به خلق من غثاء العامة منتبذا عنهم متلثما انظر اليه و اليهم فما زال يراوغهم حتى خالف طريقهم و فارقهم و لم يقرّ فتفرقت العوام عنه لحوائجهم و تبعته اقتفى اثره، فلم يلبث اذ مرّ بخباز فتغفله فأخذ من دكانه رغيفين مسارقة فعجبت منه، ثم قلت في نفسي لعله معاملة ثم مرّ بصاحب رمان فما زال به حتى تغفله فأخذ من عنده رمانتين مسارقة، فعجبت منه ثم قلت في نفسي لعله معاملة ثم اقول و ما حاجته اذا الى المسارقة ثم لم أزل ابتعه حتى مرّ بمريض فوضع الرغيفين و الرمانتين بين يديه و مشى فتبعته حتى استقر في بقعة من الصحراء، فقلت له يا عبد اللّه لقد سمعت بك فأحببت لقاءك فلقيتك لكني رأيت منك ما شغل قلبي، قال و ما هو قال رأيتك مررت بخباز و سرقت منه رغيفين ثم بصاحب الرمان و سرقت منه رمانتين، قال فقال لي قبل كل شيء حدثني من انت قلت رجل من اهل بيت رسول اللّه، قال اين بلدك قلت المدينة، قال لعلك جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب قلت بلى قال فما ينفعك شرف اصلك مع جهلك بما شرفت به و تركك علم جدك و ابيك، قلت ما هو قال القرآن كتاب اللّه قلت و ما الذي جهلت منه، قال قول اللّه عز و جل مَنْ جٰاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثٰالِهٰا وَ مَنْ جٰاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاٰ يُجْزىٰ إِلاّٰ مِثْلَهٰا ، و اني سرقت الرغيفين كانت سيئتين و لما سرقت الرمانتين كانت سيئتين فهذه اربع سيئات فلما تصدقت بكل واحدة منها كانت اربعين حسنة فانقص من اربعين حسنة اربع سيئات يبقى لي ستة و ثلاثون، قلت ثكلتك امك أنت الجاهل بكتاب اللّه اما سمعت اللّه عز و جل يقول إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اَللّٰهُ مِنَ اَلْمُتَّقِينَ، انك لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين فلما دفعتهما الى غير صاحبهما بغير امر صاحبهما كنت انما اضفت اربع سيئات الى اربع سيئات، فجعل يلاحظني فانصرفت و تركته قال الصادق عليه السّلام بمثل هذا التأويل القبيح المستنكر يضلّون و يضلّون.

ص:194

و هذا نحو تأويل معاوية لعنه اللّه لما قتل عمار بن ياسر فارتعجت فرائص خلق كثير و قالوا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عمار تقتله الفئة الباغية، فدخل عمرو على معاوية و قال يا امير المؤمنين قد هاج الناس و اضطربوا، قال لما ذا؟ قال قتل عمار قال معاوية قتل عمار فما ذا، قال أ ليس قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عمار تقتله الفئة الباغية؟ فقال له معاوية دحضت (1)في قولك أ نحن قتلناه انما قتله علي بن ابي طالب لما القاه بين رماحنا فاتصل ذلك بعلي بن ابي طالب عليه السّلام فقال فاذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هو الذي قتل حمزة لما القاه بين رماح المشركين.

و بالجملة فابتداء النسل على ما عرفته، نعم روى الصدوق طاب ثراه قال ان اللّه تبارك و تعالى انزل على آدم حوراء من الجنة فزوجها احد ابنيه و تزوج الاخر ابنة الجان فما كان في الناس من جمال كثير أو حسن خلق فهو من الحوراء و ما كان منهم (فيهم) من سوء خلق فهو من ابنة الجان، و وجه الجمع بين هذا و ما تقدم اما حمل هذين الولدين على غير يافث و شيث لكن لما اختلط النسل في المراتب اللاحقة سرى اخلاق ابنة الجان في ذراري آدم عليه السّلام و اما بأن يكون كل واحد من يافث و شيث قد زوج زوجتين و على التقادير كلها يستلزم بقاء بنات آدم بلا زواج الا ان يجوز تزويج العمات دون الاخوات، هذا حال الخليفة الاول و هو آدم عليه السّلام و قد بقى له احوال سماوية و كذا لذريته فلنرجع الى احوال السماء حتى اذا فرغنا منها انتلقنا الى احوال الارض و اهلها.

فان قلت ما معنى قولك ان آدم هو الخليفة الاول و كم الخلفاء بعده، قلت قد روى ان عليا عليه السّلام كان يمشي مع النبي صلّى اللّه عليه و آله في بعض شوارع المدينة و اذا برجل اعرابي له لحية طويلة فسلّم و قال السّلام عليك يا امير المؤمنين السّلام عليك يا رابع الخلفاء ثم انه غاب عن اعينهم فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله أ تدري يا علي معنى ما قال، هذا هو اخوك الخضر قال قال لا قال اما الخليفة الاول فهو ابوك آدم حيث قال تعالى وَ إِذْ قٰالَ رَبُّكَ لِلْمَلاٰئِكَةِ إِنِّي جٰاعِلٌ فِي اَلْأَرْضِ خَلِيفَةً ، و اما الثاني فهو هارون حين قال له موسى فاخلفني في قومي و اما الثالث فهو داود حيث قال تعالى يٰا دٰاوُدُ إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي اَلْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ اَلنّٰاسِ بِالْحَقِّ و اما الرابع فهو أنت يا علي فانك خليفتي من بعدي و قاضي ديني.

و سأل الصادق عليه السّلام عن آدم و علي عليهما السّلام ايهما افضل فقال ان اللّه تعالى اباح الحنطة لعلي عليه السّلام فلم يأكل منها تواضعا للّه تعالى حتى قبض، و اما آدم فقد نهاه عنها فما لبث حتى أكل منها فاين علي من آدم و من جهة خلق هذه الابدان من التراب السابق روى انه سأل جعفر بن محمد

ص:195


1- 1) دحضت الحجة بطلت.

عليه السّلام لم صار الناس يكلبون ايام الغلا على الطعام و يزيد جوعهم على العادة في الرخص، قال لانهم بنوا من الارض فاذا قحطت قحطوا و اذا خصبت خصبوا و حيث انّا نريد بيان عالم الذر و اخذ الميثاق في عالمي الارواح و الذر و كيفية احاديث الطينة و هذا كله مما يتوقف على الروح كما سيأتي فلا بأس بالكلام فيها و اللّه الموفق للصواب.

نور روحاني

يكشف عن الروح و توابعها

الروح جوهر درّاك يتعلق بالبدن لتدبيره، و اعلم ان ارباب العلل قد اتفقوا على حدوث النفوس الناطقة اذ لا قديم عندهم الا اللّه لكنهم اختلفوا في انها هل تحدث مع حدوث البدن او قبله فقال بعضهم تحدث معه لقوله تعالى بعد تعداد اطوار البدن ثُمَّ أَنْشَأْنٰاهُ خَلْقاً آخَرَ ، و قال بعضهم بل قبله لقوله صلّى اللّه عليه و آله خلق الارواح قبل الاجساد بألفي عام، اقول الاخبار الدالة على ان الروح مخلوقة قبل البدن بالفي عام أو اكثر ما وردت به الاخبار مستفيضة بل متواترة حتى لا يبقى الريب في تقدمها.

و قوله صلّى اللّه عليه و آله بألفي عام المراد به تقدمها على نوع البدن و ان كان واحدا، و هو بدن ابينا آدم عليه السّلام ول فكل روح بالنظر الى البدن التي خلقت له متقدمة عليه بآلاف من السنين كما لا يخفى، و قوله تعالى ثُمَّ أَنْشَأْنٰاهُ خَلْقاً آخَرَ المراد به افاضة النفس على البدن كما هو المصرح به في كلام الصادقين عليهم السّلام.

و اما الحكماء فانهم قد اختلفوا في حدوثها فقال به ارسطو و من تبعه و منعه من قبله و قالوا بقدمها، و اما حقيقتها فلم تظهر لنا و لذا قال تعالى وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلرُّوحِ قُلِ اَلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ مٰا أُوتِيتُمْ مِنَ اَلْعِلْمِ إِلاّٰ قَلِيلاً، فان المنقول عن ابن عباس و ابن مسعود و الجبائي و جماعة انهم سأله عن هذه الروح التي في البدن فعدل عن جوابهم لعلمه بأنه الاصلح، و قيل ان اليهود قالت لكفار قريش سلوا محمدا عن الروح فان اجابكم فليس بنبي و ان لم يجبكم فهو نبي فانا نجد في كتبنا ذلك، فأمره سبحانه بالعدول عن جوابهم، و هذا يدل على ان الانبياء المتقدمين لم يتكلموا في حقيقة الروح للامة لانه الاصلح بحالهم، و المذاهب المنقولة فيها بين اهل العلم متكثرة و قد ضبطها شيخنا البهائي نور اللّه ضريحه في كتاب الكشكول حيث قال المذاهب في حقيقة النفس اعني ما يشير كل أحد يقوله انا كثيرة و الدائرة منها على الالسنة و المذكورة في الكتب المشهورة اربعة عشر مذهبا.

ص:196

احد هذا الهيكل المحسوس المعبّر عنه بالبدن و ثانيها انها القلب اعني العضو الصنوبري، اللحماني المخصوص، و ثالثها انه الدماغ، و رابعها انها اجزاء لا تتجزئ في القلب و هو مذهل النظّام و متابعيه، و خامسا انها الاعضاء الاصلية المتولدة من المني و سادسها انها المزاج، و سابعها انها الروح الحيواني و يقرب منه ما قيل انها جسم لطيف سار في البدن كسريان الماء في الورد و الدهن في السمسم و ثامنها انها الماء و تاسعها انها النار و الحرارة الغريزية، و عاشرها انها النفس و حاي عشرها انها هي الواجب تعالى عما يقولون علوا كبيرا، و ثاني عشرها انها هي الاركان الاربعة، و ثالث عشرها انها صورة نوعية قائمة بمادة البدن و هو مذهب الطبيعين.

و رابع عشرها انها جوهر مجرد عن المادة الجسمانية و عوارض الجسمانيات لها تعلّق بالبدن تعلق التدبير و التصرف و الموت هو قطع هذا التعلق، و هذا هو مذاهب الحكماء الالهيين و اكابر الصوفية و الاشراقيين و عليه استقر رأي المحققين من المتكلمين كالامام الرازي و الغزالي و المحقق الطوسي و غيرهم من الاعلام و هو الذي اشارت اليه الكتب سماوية و انطوت عليه الانباء النبوية و انقادت اليه الامارات الحسية و المكاشفات الذوقية انتهى كلامه و الانصاف ان الروح و ان طوى عنّا الاطلاع على حقيقتها و لذا قال الاكثر المراد من قوله عليه السّلام من عرف نفسه فقد عرف ربه انه لا يمكن معرفة النفس كما لا يمكن معرفة الرب، لكن الذي اشارت اليه الكتب و الاخبار هو ما قيل انه يتقرب من المذهب السابع و هو انها جسم لطيف سار في البدن و ليست مجردة.

قال في مجمع البيان اختلف العلماء في ماهية الروح فقيل انه جسم رقيق هوائي متردد في مخارق الحيوان و هو مذهب اكثر المتكلمين و اختاره الاجلّ المرتضى علم الهدى و قيل هو جسم هوائي على بنية حيوانية في كل جزء منه حيوة، عن علي بن عيسى قال لكل حيوان روح و بدن الا ان فيهم من الاغلب عليه الروح، و منهم من الاغلب عليه البدن، و قيل ان الروح عرض ثم اختلف فيه فقيل هو الحياة التي يتهيأ بها المحلّ لوجود القدرة و العلم و الاختيار، و هو مذهب الشيخ المفيد ابي عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان رضي اللّه عنه و البلخي و جماعة من المعتزلة البغدايين و قي هو معنى في القلب عن الاسواري و قال بعض العلماء ان اللّه تعالى قد خلق الروح من ستة اشياء من جوهر النور و الطيب و البقاء و الحياة و العلم و العلو أ لا ترى انه ما دام في الجسد كان الجسد نورانيا يبصر بالعينين و يسمع بالاذنين و يكون طيبا فاذا خرج من الجسد نتن و يكون باقيا فاذا فارقه الروح بلى و فنى، و يكون حيا و بخروجه يكون ميتا، و يكون عالما فاذا خرج منه الروح لم يكن شيئا و يكون علويا لطيفا توجد به الحياة بدلالة قوله تعالى في صفة الشهداء بَلْ أَحْيٰاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمٰا آتٰاهُمُ اَللّٰهُ و اجسامهم قد بليت في التراب و لا يخفى ان اكثر هذه المذاهب التي نقلها الشيخ الطبرسي (ره) لم يتعرض لنقلها شيخنا الشيخ بهاء الدين قدس اللّه

ص:197

روحه مع انه في مقام حصر المذاهب المنقولة في الكتب و ما نقل عن الاجل علم الهدى طاب ثراه و ان لم يكن عين المذهب الذي نقل انه قريب من السابع لكنه يول اليه، و الآيات و الاخبار كما عرفت انما اشارت اليه، و ذلك لان المجرد على تفسيرهم انه الموصوف بلا مكان فهو مجرد عن المكان و الالات و غيرها و لا ريب ان الاخبار قد اشتملت على اتصاف الروح باوصاف الاجسام من الصعود و الهبوط و الطيران و زيارة العرش و الجلوس حلقا.

روى عن الصادق عليه السّلام انه قال ارواحنا تزور العرش في كل ليلة جمعة و تستفيد منه العلوم، و لولاه لنفد ما عندنا، و كما رواه الكليني قدس اللّه روحه باسناده الى العرني قال خرجت مع امير المؤمنين عليه السّلام الى الظهر بوادي السّلام كأنه يخاطب الاقوام فقمت لقيامه حتى عييت ثم جلست حتى مللت و فعل (فعلت خ) ذلك غير مرة ثم عرضت على امير المؤمنين عليه السّلام الجلوس، فقال يا حبة ان هو الا محادثة مؤمن او موانسة، و لو كشف لك لرايتهم حلقا حلقا يتحادثون، فقلت اجسام او ارواح فقال ارواح، و ما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الارض الا قيل لروحه الحقي بوادي السّلام، و انها لبقعة من جنة عدن، و في سؤال الزنديق عن الصادق عليه السّلام اخبرني الروح أغير الدم، قال نعم الروح على ما وصفت لك، مادتها من الدم فاذا جمد فارق الروح البدن، قال فهل توصف بخفة و ثقل و وزن، قال الروح بمنزلة الريح في الزق فاذا نفخت فيه امتلاء الزق منها فلا يزيد في وزن الزق ولوجها فيه و لا ينقصه خروجها منه، كذلك الروح ليس لها ثقل و لا وزن، و هذا الحديث كما لا يخفى ظاهر في عدم تجردها.

و روى ايضا عن الصادق عليه السّلام ان ارواح المؤمنين لفي شجرة في الجنة يأكلون من طعامها و يشربون من شرابها، و عنه ايضا انه عليه السّلام قال ان الارواح في صفة الاجساد في شجر في الجنة يأكلون من طعامها و يشربون من شرابها، فاذا قدمت الروح (روح ظ) عليهم يقولون دعوها فانها أقبلت من هو عظيم ثم يسألونها الى غير ذلك من الاخبار المتضمنة لتنعم الروح و تعذيبها و سيرها من مكان الى مكان و اقامتها و ترفرفها فوق تابوت الميت حتى يجعل في القبر فتدخل فيه، و تأويل هذا بارادة البدن المثالي الذي تحلّ فيه في وقت ما في كل هذه الاوقات خلاف الظاهر و نقل عن شيخنا المفيد (ره) أنه كان يقول بتجرد النفس فتاب الى اللّه سبحانه و قال قد ظهر لنا انه لا مجرد في الوجود الا اللّه.

و اما تعلقها بالبدن فقال الحكماء و المتكلمون ليس هو تعلقا ضعيفا يسهل زواله بادنى سبب مع بقاء المتعلق بحاله كتعلق الجسم بمكانه و الا لتمكنت النفس من مفارقة البدن بمجرد المشية من غير حاجة الى امر آخر، و ليس ايضا تعلقا في غاية القوة بحيث اذا زال التعلق بطل المتعلق مثل تعلق الاعراض و الصور المادية بمحالها لما ذهبوا اليه من انها مجردة بذواتها غنية عما تحل فيه، بل

ص:198

هو تعلق متوسط بين بين كتعلق الصانع بالالات التي يحتاج اليها في افعاله المختلفة و كتعلق العاشق بالمعشوق عشقا جبليّا الهاميا فلا ينقطع ما دام لبدن صالحا لان يتعلق به النفس، أ لا ترى انها تحبه و لا تمله مع طول الصحبة و تكره مفارقته، و ذلك لتوقف كمالاتها و لذاتها العقلية و الحسية عليه، فانها في مبدأ خلقتها خالية عن الصفات الفاضلة كلها فاحتاجت الى آلات تعينها على تلك الكمالات و تحتاج الى ان تكون تلك الالات مختلفة فيكون لها بحسب كل آلة فعل خاص حتى اذا حاولت فعلا خاصا كالابصار مثلا التفت الى العين فتقوى على الابصار التام، و كذا الحال في سائر الافعال، و لو اتحدت الالات لاختلطت الافعال و لم يحصل لها شيء منها على الكمال فاذا حصلت لها الاحساسات توصلت منها الى الادراكات الكلية و نالت حظها من العلوم و الاخلاق المرضية، و ترفت الى لذاتها العقلية بعد احتظائها باللذات الحسية فتعلقها بالبدن على وجه التصرف و التدبير كتعلق العاشق في القوة بل اقوى بكثير.

اقول و بناءا على ما قاله الاجل علم الهدى و هو الاولى يكون تعلقها بالبدن من باب تعلق الاحوال بمحالها.

و اعلم انه قد ورد في اخبار اهل البيت عليهم السّلام تعدد الارواح، رواه جابر عن الباقر عليه السّلام قال خمسة ارواح في المقربين، روح القدس و به علموا جميع الاشياء و روح الايمان و به عبدوا اللّه، و روح القوة و به جاهدوا العدو و عالجوا المعاش، و روح الشهوة و به اصابوا لذة الطعام و النكاح و روح البدن و به يدبّون و يدرجون، و اربعة لاصحاب اليمين لفقد روح القدس منهم، و ثلاثة لاصحاب الشمال لفقد روح الايمان منهم، و على هذا نزّل ما روى عنه عليه السّلام لا يزني الزاني و هو مؤمن و ذلك ان روح الايمان تخرج من بدنه الى ان يفرغ فان عاد الى التوبة عادت تلك الروح الى بدنه و الا فارقته، و كذا معنى لا يسرق السارق و هو مؤمن، و ما روى من ان المؤمن لا يكذب كله منزّل على هذا فان روح الايمان تفارقه حال صدور الذنب منه و اذا رجع رجعت كما ورد في الروايات و اذا نام لم تفارقه روح الحياة و ان فارقه غيرها، كما سيأتي تحقيقه ان شاء اللّه تعالى في نور المنام اذا عرفت هذا.

فاعلم ان قدماء الحكماء قالوا ان للحيوانات نفوسا ناطقة مجردة، و هو مذهب الشيخ المقتول، و قد صرّح الشيخ الرئيس في جواب اسؤلة بهمنبار ان الفرق بين الانسان و الحيوانات في هذا الحكم مشكل، و قال القيصري في شرح فصوص الحكم ما قال المتأخرون من ان المراد بالنطق ادراك الكليات لا التكلم، مع كونه مخالفا لوضع اللغة لا يقيدهم لانه موقوف على ان النفس الناطقة المجردة للانسان و لا دليل لهم على ذلك و لا شعور لهم بأن الحيوانات ليس لها ادراك الكليات و الجهل بالشيء لا ينافي وجوده، و امعان النظر فيما يصدر عنها من العجائب يوجب ان

ص:199

يكون لها ادراك الكليات انتهى، و كلام القيصري يعطي ان مراد المتقدمين بالنطق هو المعنى اللغوي و بذلك صرّح ابو علي بن سينا.

نور ميثاقي يشتمل على التكليف الاول

اعلم ان الاخبار قد استفاضت بل تواترت بأن هذه الارواح قبل دخولها في هذه الاجسام قد حصل لها نوع من التكليف الالهي لما كانت في عالم الملكوت، و قد أخذ اللّه سبحانه عليها العهود المكررة و المواثيق المغلظة بأنه رب و واحد لا شريك له فأقروا عموما، و اما الاقرار بالولاية لعلي عليه السّلام و اهل بيته ففي أحد المواثيق، و لعله الميثاق الاول و هي ارواح خالصة قبل ان تباشر الذرات قد اقرت و اذعنت، و من ثم قال عليه السّلام قد اخذ اللّه ولاية الائمة عليهم السّلام على الناس من يوم العهد و الميثاق، و في احد المواثيق قد انكرت و لم تبادر الى القبول فمن ثم كانت السعادة و الشقاوة من هناك، و من هذا قال سيد الموحدين عليه السّلام ان للّه سبحانه قد كتب اسامي شيعتنا و اسامي آبائهم و امهاتهم من وجد منهم و من لم يوجد الى يوم القيامة بصحيفة، و تلك الصحيفة عندنا، و كانت الكتابة في ذلك الميثاق و هذه الصحيفة الان بعد ما توارثها الائمة عليهم السّلام انتهت نوبتها الى مولانا صاحب الزمان عليه السّلام فهي الان عنده، و كان اذا اتى رجل الى علي عليه السّلام و قال انا شيعتك كذّبه علي عليه السّلام و قال لست ارى لك اسما في صحيفة الشيعة، فيكون ذلك الرجل مدعيا و كان بعض خوّاص الشيعة اذا دخل على الصادق عليه السّلام رآه يتصفح كتابا فسأله عنه فيقول هذا الكتاب الذي اسماء شيعتي الى يوم القيامة، فيقول عليه السّلام أحب ان ترى اسمك و اسم ابيك فيقول نعم، فيطلعه عليه و هذا لا يكون من الارواح الا من بعد ما اعطاه اللّه سبحانه نوعا من الفهم و الشعور تفهم به معنى التكليف و الثواب و العقاب، لانه صار ذلك التكليف الاولى مناطا لاكثر احكام هذا التكليف الاخرى.

روى الصدوق طاب ثراه باسناده الى ابن اذينة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال كنّا جلوسا عنده فذكرنا رجلا من اصحابنا فقلنا فيه حدة فقال من علامة المؤمن ان يكون فيه حدة، قال قلنا له ان عامّة اصحابنا فيهم حدة فقال ان اللّه تبارك و تعالى في وقت ما ذرأهم امر اصحاب اليمين و انتم هم ان يدخلوا النار فدخلوها فاصابهم و هج فالحدة من ذلك الوهج، و امر اصحاب الشمل و هم مخالفونا ان يدخلوا النار فلم يفعلوا فمن ثم لهم سمت و لهم وقار و الآيات و الاخبار دالة على أخذ الميثاق في العالم الاول.

اما الآيات فقال عز من قائل و اذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و اشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا ان يقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين، او يقولوا

ص:200

انما اشرك اباؤنا من قبل و كنا ذرية من بعدهم أ فتهلكنا بما فعل المبطلون، قال اكثر المفسرين معناه ان اللّه تعالى أخرج ذرية آدم من صلبه كهيئة الذر فعرضهم على آدم فقال اني آخذ على ذريتك ميثاقهم ان يعبدوني و لا يشركون بي شيئا و عليّ ارزاقهم، ثم قال أ لست بربكم قالوا بلى شهدنا انك ربنا فقال للملائكة اشهدوا فقالوا شهدنا و قيل ان اللّه تعالى جعلهم فهماء عقلاء يسمعون خطابه و يفهمونه، ثم ردهم الى صلب آدم و الناس محبوسون باجمعهم حتى يخرج كل من أخرجه في ذلك الوقت و كل من ثبت على الاسلام فهو على الفطرة الاولى و من كفر و جحد فقد تغيّر عن الفطرة الاولى، و في بعض الاخبار المعتبرة ان الخطاب هكذا أ لست بربكم و محمد نبيكم و علي امامكم قالوا بلى فحذفوا تمام الاية كما تصرفوا في غيره من الآيات فيكون هذا الميثاق مما اقروا فيه ايضا بولاية الائمة عليهم السّلام فيكون عدم القبول لها في ميثاق آخر جمعا بين الاخبار.

و اعلم ان تأويل الاية على هذا المذكور مما دلّت عليه الاخبار النقية السند و ذهب اليه جمع اكثير من المفسرين، و قد ردّه المرتضى طاب ثراه و شيخنا الطبرسي (ره) قالوا ان اللّه سبحانه قال وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ و لم يقل من آدم، و قال مِنْ ظُهُورِهِمْ و لم يقل من ظهره، و قال ذُرِّيَّتَهُمْ و لم يقل ذريته، ثم اخبر تعالى بأنه فعل ذلك لئلا يقولوا انهم كانوا عن ذلك غافلين او يعتذروا بشرك آبائهم و انهم نشأوا على دينهم و هذا يقتضي ان يكون لهم آباء مشركون فلا يتناول ولد آدم لصلبه و ايضا فان هذه الذرية المستخرجة من صلب آدم لا يخلو إما ان يكون قد جعلهم اللّه عقلاء او لم يجعلهم كذلك فان لم يجعلهم عقلاء فلا يصح ان يعرفوا التوحيد و ان يفهموا خطاب اللّه تعالى، و ان جعلهم عقلاء و أخذ عليهم الميثاق فيجب ان يتذكروا ذلك و لا ينسوه، لان أخذ الميثاق لا يكون حجة على المأخوذ عليه الا ان يكون ذاكرا له فيجب ان نذكر نحن الميثاق، و لانه لا يجوز ان ينسى الجمع الكثير من العقلاء شيئا كانوا عرفوه و ميّزوه حتى لا يذكره واحد منهم الى غير ذلك من الاعتراضات الظاهرة الدفع التي لا ينبغي ان تذكر في معارضة خبر من الاخبار فارتكبوا في تأويل الاية معنى آخر، و هو انه سبحانه أخرج بني آدم منا صلاب آبائهم الى ارحام امهاتهم ثم رقاها درجة درجة علقة ثم مضغة ثم انشأ كلا منهم بشرا سويا ثم حيا مكلفا و اراهم آثار صنعته و مكنّهم من معرفة دلائل حتى كأنه اشهدهم و قال لهم أ لست بربكم قالوا بلى، فعلى هذا يكون معنى اشهدهم على انفسهم دلّهم بخلقه على توحيده و انما اشهدهم على انفسهم بذلك لما جعلهم في عقولهم من الادلة على وحدانيته و ركّب فيهم من عاجئب خلقته و غرائب صنعته و في غيرهم فكأنه سبحانه بمنزلة المشهد لهم على انفسهم و كانوا في مشاهدة ذلك و ظهوره فيهم على الوجه الذي اراده اللّه و تعذّر امتناعهم منه بمنزلة المعترف المقرّ و ان لم يكن هناك اشهاد صورة و حقيقة، و العجب ان هذا المعنى مع احتياجه الى التأويل في كل ظواهر لفظ

ص:201

الاية و مع عدم اعتضاده بخبر يدل عليه كيف خرّجوا عليه و اهملوا ذلك المعنى الاول مع تظافر دلالة الاخبار عليه و كلام المفسرين، و من هذا ذهب ابو الهذيل في كتاب الحجة ان الحسن البصري و اصحابه كانوا يذهبون الى ان نعيم الاطفال في الجنة ثواب عن ايمانهم في الذر و اما الاخبار.

فمنها ما رواه شيخنا الكليني طاب ثراه بسند صحيح عن حبيب السجستاني قال سمعت ابا جعفر عليه السّلام يقول ان اللّه عز و جل لما اخرج ذرية آدم من ظهره ليأخذ عليهم الميثاق بالربوبية له و بالنبوة لكل نبي فكان اول من أخذ عليهم الميثاق بنبوته محمد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله، ثم قال اللّه عز و جل لآدم انظر ما ترى قال فنظر آدم عليه السّلام الى ذريته و هم ذر قد ملأوا السماء، قال آدم عليه السّلام يا رب ما أكثر ذريتي و لامر ما خلقتهم فما تريد منهم بأخذك الميثاق عليهم، قال اللّه عز و جل يَعْبُدُونَنِي لاٰ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً و يؤمنون برسلي و يتبعونهم، قال آدم يا رب فما لي أرى بعض الذر أعظم من بعض و بعضهم له نور كثير و بعضهم له نور قليل و بعضهم ليس له نور، فقال اللّه عز و جل كذلك خلقتهم لأبلوهم في كل حالاتهم قال آدم يا رب أ فتأذن لي في الكلام فأتكلم قال اللّه عز و جل تكلم فان روحك من روحي و طبيعتك خلاف كينونتي، قال آدم يا رب فلو كنت خلقتهم على مثال واحد و طبيعة واحدة و جبلّة واحدة و الوان واحدة و اعمار واحدة و ارزاق سواء لم يبغ بعضهم على بعض و لم يكن بينهم تحاسد و لا تباغض و لا اختلاف في شيء من الاشياء.

قال اللّه تعالى يا آدم برحي نطقت و يضعف قوتك تكلفت ما لا علم لك به و انا الخالق العليم و بعلمي خالفت بين خلقهم و بمشيئتي يمضي فيهم امري و الى تدبيري و تقديري صائرون و لا تبديل لخلقي، انما خلقت الجن و الانس ليعبدوني و خلقت الجنة لمن عبدني و اطاعني منهم و اتبع رسلي و لا ابالي، و خلقت النار لمن كفر بي و عصاني و لم يتبع رسلي و لا ابالي، و خلقتك و خلقت ذريتك من غير حاجة بي اليك و اليهم و انما خلقتك و خلقتهم لابلوك و ابلوهم ايّم احسن عملا في دار الدنيا في حياتكم و قبل مماتكم، فلذلك خلقت الدنيا و الاخرة و الحياة و الموت و الطاعة و المعصية و الجنة و النار، و كذلك اردت في تقديري و تدبيري و بعلمي النافذ فيهم خالفت بين صورهم و اجسامهم و الوانهم و اعمارهم و ارزاقهم و طاعتهم و معصيتهم، فجعلت منهم الشقي و السعيد و البصير و الاعمى و القصير و الطويل و الجميل و الذميم و العالم و الجاهل و الغني و الفقير و المطيع و الصحيح و السقيم و من لا عاهة له، فينظر الصحيح الى الذي به العاهة فيحمدني على عافية و ينظر الذي به العاهة الى الصحيح فيدعوني و يسألني ان اعافيه و يصبر على بلائي فأثيبه جزيل عطائي، و ينظر الغني الى الفقير فيحمدني و يشكرني، و ينظر الفقير الى الغني فيدعوني و يسألني و ينظر المؤمن الى الكافر فيحمدني على ما هديته فلذلك خلقتهم لابلوهم في السراء

ص:202

و الضراء و فيما اعافيهم و فيما ابتليهم و فيما اعطيهم و فيما امنعهم، و ان اللّه الملك القادر و لي ان امضي جميع ما قدرت على ما دبّرت و لي ان اغير من ذلك ما شئت، و اقدّم من ذلك ما أخرّت و أؤخر ما قدمت من ذلك و أنا اللّه الفعال لما أيريد لا أسأل عما أفعل و أنا أسأل خلقي عما يفعلون.

و في قوله سبحانه و لي ان أغير من ذلك ما أشئت أشارة الى أنه لا يجوز لك ان تقول ان الأمر قد فزع منه كما قالت اليهود و تابعهم جمهور المخالفين من حيث لا يشعرون فانه سبحانه خلقهم على ما رآه آدم عليه السّلام و لكن اللّه يمحو ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب و سيأتي تحقيقه إن شاء اللّه تعالى في نور الاجال و الأعمار، و في الروايات أن تكليف اهل الشمال بدخول النار قد وقع مرارا كثيرة، قال الصادق عليه السّلام في حديث طويل لما اراد ان يخلق آدم خلق (تلك خ) تينك الطينتين ثم فرقهما فرقتين، فقال لاصحاب اليمين كونوا خلقا بأذني فكانوا خلقا بمنزلة الذرّ يسعى، و قال لاهل الشمال كونوا خلقا فكانوا خلقا بمنزلة الذر يدرج، ثم رفع لهم نارا فقال لهم ادخلوها باذني فكان اول من دخلها محمد صلّى اللّه عليه و آله ثم اتبعه اولوا العزم من الرسل و اوصيائهم و اتباعهم، ثم قال لاصحاب الشمال ادخلوها باذني فقالوا ربنا خلقتنا لتحرقنا فعصوا فقال لاصحاب اليمين اخرجوا باذني من النار فخرجوا لم تكلم النار منهم كلما و لم يؤثر فيهم اثرا، فلما رآهم اصحاب الشمال قالوا ربنا نرى اصحابنا قد سلموا فاقلنا و مرنا بالدخول، قال قد اقلتكم فادخلوها فلما دنوا و اصابهم الوهج رجعوا فقالوا يا ربنا لا صبر لنا على الاحتراق فعصوا فأمرهم بالدخول ثلاثا كل ذلك يعصون و يرجعون، و أمر اولئك ثلاثا كل ذلك يطيعون و يدخلون و يخرجون فقال لهم كونوا طينا باذني فخلق منه آدم، قال فمن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء و من كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء الحديث، و فيه دلالة على ان هذا التكليف للارواح المتعلقة بالذرات قبل ان يخلق اللّه آدم، فلما كلّفها و تبين حالها جمعها و خلق منها آدم و طينته.

و اما أخذ العهد و الميثاق عليهم بقوله أ لست بربكم فالذي يظهر من الحديث السابق انه قد وقع بعد هذا التكليف و بعد ان خلق آدم و صوره فأخرج تلك الذرات من ظهوره و علّق بها الارواح فأخذ عليها العهد و الميثاق، و لا تستبعد مثل هذا بأن بدن آدم عليه السّلام وحده كيف صار معدنا لكل ذرات ذراريه، لانك قد تحققت كبر بدنه المبارك و عظمته و ان رجليه كانتا على الصفا و رأسه في باب من ابواب السماء مع ان الذرات في غاية الصغر و الحقارة و في هذا اشارة لطيفة الى ان من كان اعظم احواله و احسنها كونه ذرة لم يحسن منه التجبر و الكبرياء و عدم امتثال الاوامر و النواهي، فكيف تسئل عن احواله الاخرى و هي كونه تارة منيا و أخرى دما و لحما ثم يتدرج من النجاسة و يترقى الى ان يكون ظرفها و معدنها ثم يصير الى حالة نجاسته الاولى و يجب على كل من

ص:203

مسّه و لاقاه ان يغتسل عن مباشرته فهو اسوء حالا من الكلب، و من هذا قال عليه السّلام يا بن آدم انّى لك و الكبر و الفخر فان اولك جيفة و آخرك جيفة و فيما بينهما حامل الجيف، و الاقرار بالربوبية لما استسهلوه لعدم النار و التكليف فيه اقروا به و لما اراد سبحانه امتحانهم بما فيه كلفة فصاروا من هناك فرقتين بالاختيار و العلم و العقل و التكليف كما في احوال هذه النشأة، و هذه العهود التي اخذت على الخلائق قد اودعها اللّه سبحانه الحجر الاسود.

و في الروايات عن الطاهرين عليهم السّلام ان اللّه عز و جل لما أخذ الميثاق له بالربوبية و لمحمد صلّى اللّه عليه و آله بالنبوة و لعلي عليه السّلام بالوصية اصطكت فرائص الملائكة و أول من اسرع الى الاقرار بذلك الحجر فلذلك اختاره اللّه عز و جل و القمه الميثاق، و هو يجيء يوم القيامة و له لسان ناطق و عين ناظرة يشهد لكل من وافاه الى ذلك المكان و حفظ الميثاق، و انما اخرج الحجر من الجنة ليذكر آدم عليه السّلام ما نسى من العهد و الميثاق و في الرواية ايضا انه انما يقبّل الحجر و يستلم ليؤدى الى اللّه عز و جل العهد الذي أخذ عليهم في الميثاق، و انما وضع اللّه عز و جل الحجر في الركن الذي هو فيه و لم يضعه في غيره لانه تبارك و تعالى حين أخذ الميثاق أخذه في ذلك المكان.

اقول معنى هذا و اللّه العالم انه قد ورد في الروايات السابقة ان الركن كان كرسيا لادم عليه السّلام في الجنة يجلس عليه و الحجر قد كان فيه و هو في الجنة و في وقت أخذ الميثاق فلما انزلهما اللّه سبحانه الى بيته بقيا على ما كانا عليه و هما في الجنة، و كان عمر اذا قبّل الحجر قال، اني لا علم انك حجر لا تضرّ و لا تنفع، و لكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبّلك فأقبلك لتقبيله اياك، فلما بلغ كلامه الى علي عليه السّلام كذّبه، و قال ان هذا الحجر ملك عظيم المحل يشهد يوم القيامة لمن صافحه، و من هنا ورد انه اذا استلم الحجر قال امانتي اديتها و ميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة الدعاء.

و في الرواية ايضا انما يستلم الحجر لان مواثيق الخلائق فيه، و كان اشدّ بياضا من اللبن فاسودّ من خطايا بني آدم، و لو لا ما مسّه من ارجاس الجاهلية ما مسه ذو عاهة الا برأ، و أما التنافر و الالفة في هذا العالم فهما مسببان عنهما في ذلك العالم، و من هذا قال الصادق عليه السّلام لم تتواخوا على هذا الامر و انما تعارفتم عليه يعني به كما قال المحدثون رضوان اللّه عليهم انكم لم تتواخوا على امر الدين ايها الشيعة في هذا العالم بل اللّه سبحانه هو الذي آخى بينكم في عالم الارواح، و انتم في هذا العالم تجددون تلك الاخوة و المحبة و تتعارفون و قد روى انه سأل الصادق عليه السّلام فقيل له يا ابن رسول اللّه اني أرى الرجل في النظرة الاولى لم اره قبل ذلك فيميل قلبي اليه و احبه من تلك الساعة، و اظنّ اني رأيته قبل ذلك و اقول لا ادري اني رأيت هذا الرجل، و بعض الناس اعاشره، و اجاوره مدّة مديدة من العمر و كلما رأيته كأني غريب منه و هو غريب مني لعدم الالفة.

ص:204

فأجاب عليه السّلام بما حاصله ان الارواح قد توافقت و ائتلفت في العالم الاول و تناكرت و اختلفت فيه ايضا، و نسيت احوال ذلك العالم بما حصل لها من الاشتغال، بعلائق هذه الابدان لكن اذا نظرت الى من الفته في العالم القديم تشوقت اليه و عرفته معرفة ما و مالت بالالفة اليه، و اذا رأيت من تناكرت معه في ذلك العالم لم تنعطف عليه في هذا العالم، و لم خالطته المخالطة التامة و المعاشرة الطويلة، و من هذا ما وقع في الاخبار الخاصة في سبب الحزن و الفرح من غير سبب يعرفه الانسان و حاصله كما قال عليه السّلام ان الانسان يكون له أخ و محب بعيد عنه و يصل اليه اسباب الحزن و الفرح على بعده و الروح من هيهنا يصير لها نوع من الاطلاع على حزن ذلك الاخ البعيد و فرحه فتفرح و تحزن في مكانها و السبب غير معروف في الظاهر، و من ثمّ اذا كان لبعض الارواح علاقة شديدة مع البعض الاخر يكون الحزن و الموت الذي يحيط بتلك النفس البعيدة معلوما بالمنام او غيره لهذه النفس فاذا ضبط التاريخ كان وقت الاطلاع هنا موافقا لوقت الوقوع هناك، و له اسباب اخرى ايضا يأتي بيانها في نور الفرح و السرور ان شاء اللّه تعالى و الدالّ على ذلك كلّه قوله صلّى اللّه عليه و آله الارواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف و هذا حديث مستفيض رواه العامة و الخاصة و جعلوه هو المراد من هذه المقالة.

قال ابن الاثير مجنّدة أي مجموعة كما يقال الوف مؤلفة و معناه الإخبار عن مبدأ كون الارواح و تقدمها على الاجساد انها خلقت اول خلقها على قسمين من ائتلاف و اختلاف كالجنود المجموعة اذا تقابلت و تواجهت، و معنى تقابل الارواح ما جعلها اللّه من السعادة و الشقاوة و الاخلاق في مبدأ الخلق، يقول ان الاجساد التي فيها الارواح تلتقي في الدنيا و تأتلف و تختلف على حسب ما خلقت عليه، و لهذا ترى الخيّر يحبّ الاخيار و يميل اليهم، و الشرير يحبّ الاشرار و يميل اليهم.

و روى عن الباقر عليه السّلام قال ان العباد اذا ناموا خرجت ارواحهم الى السماء فما رأت الارواح في السماء فهو الحق و ما رأت في الهوى فهو الاضغاث الا و ان الارواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، و ما تناكر منها اختلف فاذا كانت الروح في السماء تعارفت و تباغضت فاذا تعارفت في السماء تعارفت في الارض، و اذا تباغضت في السماء تباغضت في الارض و حيث عرفت مثل هذا فلا بأس بمعرفة احوال الطينة لانها مناط فوائد كثيرة.

ص:205

نور طيني

يكشف عن احوال طينة المؤمن و غيره

اعلم ان اللّه سبحانه بمقتضى حكمته خلق طينة المؤمن من اعلى عليين و هو اعلى مكان في الجنة و طينة الكافر و هو غير المؤمن من سجيل و هي اسفل مكان في النار لكنه خلط بين الطينتين لمصالح كثيرة، روى الصدوق قدس اللّه روحه في آخر كتاب علل الشرائع مسندا الى ابي اسحاق الليثي قال قلت لابي جعفر عليه السّلام يا ابن رسول اللّه اخبرني عن المؤمن المستبصر اذا بلغ في المعرفة و كمل هل يزني، قال اللهم لا قلت فيلوط، قال اللهم لا قلت فيسرق قال اللهم لا قلت فيشرب الخمر قال اللهم لا قلت فيأتي كبيرة من هذه الكبائر او فاحشة من هذه الفواحش قال لا قلت فيذنب ذنبا قال نعم هو مؤمن مذنب ملّم قلت ما معنى ملمّ قال الملمّ بالذنب الذي لا يلزمه و لا يصرّ عليه، قال فقلت سبحان اللّه ما اعجب هذا لا ينزني و لا يلوط و لا يسرق و لا يشرب الخمر و لا يأتي كبيرة من الكبائر و لا فاحشة فقال لا عجب من امر اللّه ان اللّه عز و جل يفعل ما يشاء و لا يسأل عما يفعل و هم يسألون فممّ عجبت يا ابا ابراهيم سل و لا تستحسر و لا تستنكف، فان هذا العلم لا يتعمله مستكبر و لا مستحسر قلت يا ابن رسول اللّه اني اجد من شيعتكم من يشرب و يقطع الطريق و يخيف السبيل و يزني و يلوط و يأكل الربى و يرتكب الفواحش و يتهاون بالصلاة و الصيام و الزكوة و يقطع الرحم و يأتي بالكبائر فكيف هذا و لم ذاك؟ فقال يا ابا ابراهيم و هل يختلج في صدرك شيء غير هذا قلت نعم يا ابن رسول اللّه أخرى اعظم من ذلك، فقال ما هي يا ابا اسحاق، قال فقلت يا ابن رسول اللّه و أجد من اعدائكم و من ناصبيكم من يكثر من الصلوة و من الصيام و يخرج الزكوة و يتابع بين الحج و العمرة، و يحرص على الجهاد و يصل الارحام و يقضي حقوق اخوانه و يواسيهم من ماله، و يتجنب شرب الخمر و الزنا و اللواط و سائر الفواحش فممّ ذاك فسّره لي يا ابن رسول اللّه، و برهنه و بينه فقد و اللّه كثر فكري و اسهر ليلي و ضاق ذرعي، فتبسّم الباقر عليه السّلام ثم قال خذ اليك يا ابا ابراهيم بيانا شافيا فيما سألت، و علما مكنونا من خزائن علم اللّه و سره، اخبرني يا ابا ابراهيم كيف تجد اعتقادهما قلت يا ابن رسول اللّه اجد محبيكم و شيعتكم على ما هم فيه مما وصفته من افعالهم لو اعطى احدهم ما بين المشرق و المغرب ذهبا و فضة لان يزول عن ولايتكم و محبتكم الى موالات غيركم و الى محبتهم ما زال و لو ضربت خيائيمه بالسيوف فيكم و لو قتل فيكم و لا ارتدع و لا رجع عن محبتكم و ولايتكم و ارى الناصب على ما هو عليه مما وصفته من افعالهم لو اعطى احدهم ما بين المشرق و المغرب ذهبا و فضة ان يزول عن محبة الطواغيت و موالاتهم الى مولاتكم ما فعل و لا زال و لو ضربت خياشيمه بالسيوف فيهم و لو قتل

ص:206

فيهم ما ارتدع و لا رجع، و اذا سمع احدهم منقبة لكم و فضلا اشمأز من ذلك و تغيّر لونه و يرى كراهية ذلك في وجهه بغضا لكم و محبة لهم، قال فتبسم الباقر عليه السّلام ثم قال يا ابا ابراهيم من هيهنا هلكن العاملة الناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية، و من اجل ذلك قال اللّه عز و جل و قدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا، ويحك يا ابا ابراهيم أ تدري ما السبب و القصة في ذلك و ما الذي قد خفى على الناس منه، قلت يا ابن رسول اللّه فبينه لي و اشرحه و برهنه، قال يا ابا ابراهيم ان اللّه تبارك و تعالى لم يزل عالما قديما خلق الاشياء لا من شيء، و من زعم ان اللّه عز و جل خلق الاشياء من شيء فقد كفر لانه لو كان ذلك الشيء الذي خلق منه الاشياء قديما معه في ازليته و هويته كان ذلك الشيء ازليا، بل خلق عز و جل الاشياء كلها لا من شيء و مما خلق اللّه عز و جل ارضا طيبة ثم فجر منها ماءا عذبا زلالا فعرض عليها ولايتنا اهل البيت فقبلتها فأجرى بذلك الماء عليها سبعة ايام ثم طبقها و عمها ثم نصب ذلك الماء عنها فأخذ من صفوة ذلك الطين طينا فجعله طين الائمة عليهم السّلام ثم أخذ من ذلك الطين فخلق منه شيعتنا و لو ترك طينكم يا ابا ابراهيم على حاله كما ترك طيننا لكنتم انتم و نحن شيئا واحدا، قلت يا ابن رسول اللّه فما فعل بطيننا، قال اخبرك يا ابا ابراهيم خلق اللّه عز و جل بعد ذلك ارضا سبخة خبيثة منتنة ثم فجر منها ماءا اجاجا آسنا مالحا فعرض عليها ولايتنا اهل البيت فلم تقبلها فأجرى ذلك الماء عليها سبعة ايام حتى طبقها و عمها، ثم نصب الماء عنها ثم أخذ عصارة ذلك الطين فخلق منه الطغاة و ائمتهم، ثم مزجه بثفل طينتكم و لو ترك طينهم على حاله و لم يمزجه بطينكم لم يشهدوا الشهادتين و لا صلّوا و لا صاموا و لا زكوا و لا حجّوا و لا ادوّا امانة و لا اشبهوكم في الصور و ليس على المؤمن اكره من ان يرى صورة عدوه مثل صورته، قلت يا ابن رسول اللّه فما صنع بالطينتين، قال مزج بينهما بالماء الاول و الماء الثاني ثم عركها عرك الاديم.

ثم أخذ من ذلك قبضة فقال هذه الى الجنة و لا ابالي، و أخذ قبضة أخرى و قال هذه الى النار و لا ابالي، ثم خلط بينها فوقع من سنخ المؤمن و طينته على سنخ الكافر و طينته، و وقع من سنخ الكافر و طينته على سنخ المؤمن و طينته، فما رايته من شيعتنا من زنا و لواط و ترك الصلوة، او صيام او حج أو جهاد او خيانة، او كبيرة من هذه الكبائر فهو من طينة الناصب و عنصره الذي قد مزج فيه لان من سنخ الناصب و عنصره و طينته اكتساب المآثم و الفواحش و الكبائر، و ما رأيت من الناصب و مواظبته على الصلوة و الصيام و الزكوة و الحج و الجهاد، و ابواب البر فهو من طينة المؤمن و سنخه الذي قد مزج فيه، لان سنخ المؤمن و عنصره و طينته اكتساب الحسنات، و استعمال الخير و اجتناب المآثم فاذا عرضت هذه الاعمال كلها على اللّه عز و جل قال انا عدل لا اجور و منصف لا اظلم و حكم لا احيف و لا اميل و لا اشطط الحقوا الاعمال السيئة التي اجترحها

ص:207

المؤمن لسنخ الناصب و طينته، و الحقوا الاعمال الحسنة التي اكتسبها الناصب بسنخ المؤمن و طينته، ردوها كلها الى اصلها فاني انا اللّه لا اله الا انا عالم السر و أخفى، و انا المطلع على قلوب عبادي لا احيف و لا اظلم و لا الزم احدا الا ما عرفتته منه قبل ان اخلقه، ثم قال الباقر عليه السّلام إقرأ هذه الاية قلت يا ابن رسول اللّه أية آية، قال قوله تعالى قٰالَ مَعٰاذَ اَللّٰهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاّٰ مَنْ وَجَدْنٰا مَتٰاعَنٰا عِنْدَهُ إِنّٰا إِذاً لَظٰالِمُونَ، هو في الظاهر ما تفهمونه و هو في الباطن هذا بعينه يا ابا ابراهيم ان للقرآن ظاهرا و باطنا و محكما و متشابها و ناسخا و منسوخا ثم قال اخبرني يا ابا ابراهيم عن الشمس اذا طلعت و بدا شعاعها في البلدان أ هو باين من القرص، قلت في حال طلوعه باين قال أ ليس اذا غابت الشمس اتصل ذلك الشعاع بالقرص حتى يعود اليه قلت نعم قال كذلك يعود كل شيء الى سنخه و جوهره و اصله فاذا كان يوم القيامة نزع اللّه سنخ الناصب و طينته مع ثقله و اوزاره من المؤمن، فيلحقها بالناصب و ينزع سنخ المؤمن و طينته مع حسناته و ابواب بره و اجتهاده من الناصب، فيلحقها كلها بالمؤمن أ فترى هيهنا ظلما أو عدوانا، قلت لا يا ابن رسول اللّه قال هذا و اللّه القضاء الفاصل، و الحكم القاطع، و العدل البيّن لا يسأل عما يفعل، و هم يسألون هذا يا ابا ابراهيم الحق من ربك فلا تكن من الممترين.

قال الليثي فقلت يا ابن رسول اللّه ما اعجب هذا حسنات اعدائكم فتردّ على شيعتكم و تأخذ سيئات محبيكم فترد على مبغضيكم، قال أي و اللّه الذي لا اله الا هو فالق الحبة و بارئ النسمة و فاطر الارض و السماء، ما اخبرتك الا بالحق و لا انبأتك الا بالصدق و ما ظلمهم اللّه و ما اللّه بظلام للعبيد و ان ما اخبرتك به لموجود في القرآن كله، قلت هذا بعينه يوجد في القرآن، قال نعم يوجد في اكثر من ثلاثين موضعا، في القرآن أ تحب ان اقرأ ذلك عليك قلت بلى يا ابن رسول اللّه فقال قال اللّه عز و جل قٰالَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّبِعُوا سَبِيلَنٰا وَ لْنَحْمِلْ خَطٰايٰاكُمْ وَ مٰا هُمْ بِحٰامِلِينَ مِنْ خَطٰايٰاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكٰاذِبُونَ وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقٰالَهُمْ وَ أَثْقٰالاً مَعَ أَثْقٰالِهِمْ الاية، قال ازيدك يا ابا ابراهيم قلت بلى يا ابن رسول اللّه قال ليحملوا اوزارهم كاملة يوم القيامة و من اوزار الذين يضلونهم بغير علم الا ساء ما يزرون أ تحب ان ازيدك قلت بلى يا ابن رسول اللّه قال فَأُوْلٰئِكَ يُبَدِّلُ اَللّٰهُ سَيِّئٰاتِهِمْ حَسَنٰاتٍ وَ كٰانَ اَللّٰهُ غَفُوراً رَحِيماً ، يبدّل اللّه سيئات شيعتنا حسنات و يبدّل اللّه حسنات اعدائنا سيئات و جلال اللّه و وجه اللّه ان هذا لمن عدله و انصافه لا رادّ لقضائه و لا معقّب لحكمه و هو السميع العليم.

الم أبين لك امر المزج و الطينتين من القرآن قلت بلى يا ابن رسول اللّه قال اقرأ يا ابا ابراهيم الذين يجتنبون كبائر الاثم و الفواحش الا اللمم ان ربك واسع المغفرة هو اعلم بكم اذ انشأكم من الارض، يعني من الارض الطيبة و الارض المنتنة فلا تزكوا انفسكم هو اعلم بمن اتقى

ص:208

يقول لا يفتخر احدكم بكثرة صلاته و صيامه و زكوته و نسكه لان اللّه عز و جل اعلم بمن اتقى منكم فان ذلك اللمم و هو المزج ازيدك يا ابا ابراهيم قلت بلى يا ابن رسول اللّه قال كما بدأوكم تعودون فريقا هدى و فريقا حقّ عليهم الضلالة انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون اللّه يعني ائمة دون ائمة الحق، و يحسبون انهم مهتدون خذها اليك يا ابا اسحاق فو اللّه انه لم عزيز احاديثنا، و باطن سرائرنا و مكنون خزائنا و انصرف و لا تطلع على سرّنا أحدا الا مؤمنا مستبصرا فانك ان اذعت سرنا بليت في نفسك و مالك و اهلك و ولدك.

و عن علي بن الحسين عليهما السّلام قال ان اللّه تعالى خلق النبيين من طينة عليين قلوبهم و ابدانهم و خلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة، و جعل ابدان المؤمنين من دون ذلك و خلق الكفار من طينة سجين قلوبهم و ابدانهم فخلط بين الطينتين فمن هذا يلد المؤمن الكافر و يلد الكافر المؤمن، و من هنا يصيب المؤمن السيئة، و من هنا يصيب الكافر الحسنة فقلوب المؤمنين تحنّ الى ما خلقوا منه و قلوب الكافرين تحنّ الى ما خلقوا منه، و قال الصادق عليه السّلام الطينات ثلاث طينة الانبياء، و المؤمن من تلك الطينة الا ان الانبياء هم من صفوتها هم الاصل، و لهم فضلهم و المؤمنون الفرع من طين لازب كذلك لا يفرّق اللّه عز و جل بينهم و بين شيعتهم.

و قال طينة الناصب من حماء مسنون، و ام المستضعفون فمن تراب لا يتحوّل لمؤمن عن ايمانه و لا ناصب عن نصبه و للّه فيهم المشيئة و في آخر عن الصادق عليه السّلام قال اللّه عز و جل لما اراد ان يخلق آدم عليه السّلام بعث جبرئيل عليه السّلام في اول ساعة من يوم الجمعة فقبض بيمينه قبضة من السماء السابعة الى السماء الدنيا و أخذ من كل سماء تربة و قبض قبضة أخرى من الارض السابعة العليا الى الارض السابعة القصوى، فأمر اللّه عز و جل كلمته فأمسك القبضة الاولى بيمينه و القبضة الاخرى بشماله، ففلق الطين فلقتين فذرأ من الارض ذروا و من السموات ذروا فقال للذي بيمينه منك الرسل و الانبياء و الاوصياء الصديقون و المؤمنون و السعداء و من اريد كرامته فوجب لهم ما قال كما قال و قال للذي بشماله منك الجبارون و المشركون و الكافرون و الطواغيت و من اريد هوانه و شقوته، فوجب لهم ما قال كما قال.

ثم ان الطينتين اختلطتا جميعا، و ذلك قول اللّه عز و جل فٰالِقُ اَلْحَبِّ وَ اَلنَّوىٰ فالحب طينة المؤمنين التي القى اللّه تعالى عليها محبته، و النوى طينة الكافرين الذين ناؤا عن كل خير و انما سمّى النوى من اجل انه نئا عن كل خير و تابعد منه، و قال اللّه عز و جل يُخْرِجُ اَلْحَيَّ مِنَ اَلْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ اَلْمَيِّتَ مِنَ اَلْحَيِّ، فالحي الذي يخرج من الميت هو المؤمن الذي تخرج طينته من طينة الكافر و الميت الذي يخرج من الحي هو الكافر الذي يخرج من طينة المؤمن فالحي المؤمن و الميت الكافر و ذلك قوله عز و جل أو من كان ميتا فأحييناه فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر و كان حيوته حين

ص:209

فرّق اللّه عز و جل كذلك يخرج اللّه عز و جل المؤمن في الميلاد من الظلمة بعد دخوله فيها الى النور و يخرج الكافر من النور الى الظلمة بعد دخوله الى النور و ذلك قوله عز و جل لِيُنْذِرَ مَنْ كٰانَ حَيًّا وَ يَحِقَّ اَلْقَوْلُ عَلَى اَلْكٰافِرِينَ .

و قال الصادق عليه السّلام ان اللّه خلقنا من عليين و خلق ارواحنا من فوق ذلك و خلق ارواح شيعتنا من عليين، و خلق اجسادهم من دون ذلك فمن اجل ذلك القرابة بيننا و بينهم و قلوبهم تحنّ الينا، و عن الصادق عليه السّلام ان اللّه خلقنا من نور عظمته ثم صوّر خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش فاسكن ذلك النور فيه فكنّا نحن خلقا و بشرا نورانيين، لم يجعل لاحد في مثل الذي خلقنا منه نصيبا، و خلق ارواح شيعتنا من طينتنا و ابدانهم من طينة مخزونة مكنونة اسفل من ذلك الطينة، و لم يجعل اللّه لاحد في مثل الذي خلقنا منه نصيبا، الا للانبياء و لذلك صرنا نحن و هم الناس و سائر الناس همج الناس و الى النار.

اقول هذا بعض احاديث الطينة، و قد روى في هذا المعنى اخبار كثيرة باسانيد متعددة، تركنا نقلها حذرا من التطويل، و لانها في المعنى راجعة الى ما ذكرناه، و لا بدّ من الكلام على هذه الاخبار و الكشف عن معناها، لان ظاهرها ان يكون الانسان في هذا العالم مجبورا على كل افعاله و ليس له اختيار اذ افعاله بمقتضى الطينة، فيخرج هو عن حالة الاختيار و يكون هذه الاخبار دليلا لمن قال بأن العبد مجبور على افعاله، كالاشاعرة و من حذى حذوهم فنقول الكلام فيها يتمّ ببيان امرين الاول في تصحيح الفاظها فنقول قول ابي اسحاق الليثي المؤمن المستبصر المراد به من يكون له بصيرة تامة في امور الدين و اما قوله عليه السّلام اللهم لا في الزنا و ما بعده و نفيه هذه الكبائر فهو اشارة الى ما يحققه عليه السّلام بعيد هذا من ان سبب ارتكاب المؤمن هذه الكبائر هو مزج الطينتين فهذه الذنوب و ان صدرت منه ظاهرا و هو آلة لها لكنها في الحقيقة قد كان مصدرها غيره و هو الماء الذي دخل في طينته حال المزج بطينة الكافر، فالكافر في الحقيقة هو الفاعل لهذه الافعال.

و قوله عليه السّلام ملمّ و ما ذكره في تفسيره اشارة الى قوله سبحانه في صفة المؤمنين وَ يَجْزِيَ اَلَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى اَلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبٰائِرَ اَلْإِثْمِ وَ اَلْفَوٰاحِشَ إِلاَّ اَللَّمَمَ، فالزنا و ما ذكر بعده من كبائر الذنوب و فواحشها، و اللمم ما قل من الذنب و صغر، و من قولهم المّ بالمكان اذا قلّ فيه لبثه و المّ بالطعام قلّ منه اكله كالنظرة و الغمزة و القبلة و قيل المراد باللمم كل ذنب لم يذكر اللّه عليه حدا و لا عقابا، و قوله عليه السّلام و لا تستحسر معناه، و لا تمل استفعال من حسر اذا اعيا و تعب، و قوله فكيف هذا و لم ذاك أي كيف صدرت منه هذه الذنوب و لم نفيها عنه سابقا مع وقوعها منه ظاهرا، و يجوز ان يكون قوله عليه السّلام و لم ذاك تأكيدا لسابقه بقرينة ما سيأتي و قوله و ضاق ذرعى معناه اني عجزت عن البلوغ اليه من قولهم مددت ذرعي اليه، فبلغت ذراعي، و مددت اليه فقصر عنه

ص:210

ذراعي، لان تناول المحسوسات انما يكون باليد غالبا و اتسع فيه فاستعمل في تناول المعقولات و الطواغيت هم فلان و فلان و فلان و من حذى حذوهم.

و قوله عليه السّلام العاملة الناصبة اشارة الى الاية، و هي هَلْ أَتٰاكَ حَدِيثُ اَلْغٰاشِيَةِ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خٰاشِعَةٌ عٰامِلَةٌ نٰاصِبَةٌ تَصْلىٰ نٰاراً حٰامِيَةً تُسْقىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ، و فسّرت تارة بأنها عاملة في النار عملا تتعب فيه، و هو جرّها السلاسل و الاغلال و ارتقاؤها دائبة في صعودها و هبوطها، و أخرى بأنها عملت و نصب في الدنيا في اعمال لا يجديها نفعا في الاخرة و هذا يؤال الى ما اراده عليه السّلام هنا فان المراد هنا انها عاملة لاعمال الخير ظاهرا، و لكنها نصبت العداوة لاهل بيت نبيها و لمحبيهم فلا ينفعها ما عملت و الآنية الحارة التي بلغت منتهاها، و قوله و قدمنا الى ما عملوا من عمل الاية، فالمراد بها اعمالهم الحسنة كصلة الرحم و العبادات، و الهباء ما يخرج من الكوّة مع ضوء الشمس شبيه بالغبار، و في الاخبار ان اللّه سبحانه في القيامة يأمر لجماعة باعمالهم الحسنة فتؤتى اليهم و هم ينظرون اليها من بعيد بيضاء نقية كالثياب القبطية، فيفرحون بها فيكونون في اشد ما يكون من الحاجة اليها، فاذا قربت اليهم ارسل اللّه اليها ريحا عاصفة، ففرقتها في الهواء و جعلتها هباءا منثورا، و هذا هو احد معاني قوله سبحانه وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اَللّٰهُ وَ اَللّٰهُ خَيْرُ اَلْمٰاكِرِينَ.

و قوله عليه السّلام فعرض عليها ولايتنا اهل البيت، يدلّ على ما قدّمناه من ان اللّه سبحانه قد اعطى الجمادات نوعا من الشعور، و الفهم تعرف به خالقها و مبدعها، و تسبحه و تعرف به اولياءه الحجج على الخلق و به قبلت بعضها ولاية الائمة عليهم السّلام فمن قبلتها كانت ارضا حلوة محلا للنماء و الزرع، و من لم يقبلها من الارض كانت مالحة منتنة سبخة ليس فيها مدخل للخير بوجه من الوجوه و قد عرضت على الحيتان فمن قبلها صار مباركا حلال الاكل و من لم يقبلها كان خبيثا حرام الاكل لا يأكله الا المخالفون كالجري و اشباهه و كذلك الطيور فانه قد روى ان العصفور يحب فلانا و فلانا، و هو سني فينبغي قتله بكل وجه و اعدامه و اكله و كذا ضروب المخلوقات و الثمار الحلوة و المرة و البقول.

و قوله اجاجا آسنا الاجاج المالح الشديد المملوحة، و الاسن المتغير الريح و السنخ الاصل من كل شيء و اما قوله و اوزار الذين يضلونهم بغير علم الاية، فانطباقه على ما هنا مشكل، و ذلك لان مخالفينا لم يضلونا و يمكن ان يراد اما اضلال علمائهم لجهالنا فانه قد يقع و ان كان نادرا، و اما ان يكون تشبيها و تمثيلا لحمل الاوزار، و فايدته نفي الاستبعاد من ان يكون الانسان في القيامة يحمل اوزار غيره و آثامه و لعل هذا هو الاولى، و الاصوب في الجواب ان يقال المراد ان ما يقع من المؤمنين من الذنوب و المعاصي انما هو سبب مزج الطينة و سراية ماء طينة الكافر، فكان الذي اضلّ

ص:211

المؤمن حتى ارتكب الفواحش هو الكافر، فالكافر قد اضل المؤمن و هو لا يعلم، لان مناطه ما وقع في العالم الاول و كل منها قد نسيه.

و اما قول علي بن الحسين عليهما السّلام من طينة عليين فالمراد بالعليين اما السماء السابعة، و اما اعلى مكان في الجنة كما قاله اهل اللغة و سجين اسفل مكان في النار و قوله عليه السّلام قلوبهم و ابدانهم الظاهر ان المراد بالقلوب هنا الارواح بقرينة ما سيأتي اطلق عليها لشدة العلاقة بينهما فان اهل المعقول من الحكماء و الاطباء قالوا ان الروح انما تتعلق اولا بالقلب و تنبعث منه الى الاعضاء.

و قوله لازب قال في القاموس لزب الطين ككرم لزق و صلب، و قوله من حماء مسنون الحمأ الطين الاسود المنتن، و المسنون المنتن، و اما قوله و اما المستضعفون الظاهر ان المراد منهم مستضعفوا المخالفين، و هم من لم يعاند على الحق و لم يتعصب عليه و لم يبغض احدا من المؤمنين على الدين، و هم طائفة من جهّال اهل الخلاف و قول الصادق عليه السّلام بعث جبرئيل عليه السّلام (ا ه) لا ينافي متقدم، من ان الملك الذي اخذ الطينة هو ملك الموت، و اما جبرئيل فقد رجع عن اخذ التربة، لان التي رجع عن اخذها جبرئيل عليه السّلام هي طينة ابينا آدم وحدها و هذه المأخوذة هي طينه كل المخلوقات من آدم و اولاده و يحتمل العكس.

الامر الثاني في الكشف عن معناها فنقول قد سلك الاصحاب رضوان اللّه عليهم فيها مسالك مختلفة اولها ما صار اليه سيدنا الاجل علم الهدى طاب ثراه من انها اخبار آحاد مخالفة للكتاب و الاجماع فوجب ردها، فلذلك طرحها كما هو مذهبه في اخبار الاحاد اينما وردت، و ذلك لان الكتاب و الاجماع قد دلاّ على ان صدور الحسنة و السيئة انما هو باختيار العبد و ليس فيه مدخل للطينة بوجه من الوجوه.

و الجواب ان اصحابنا قد رووا هذه الاخبار بالاسانيد المتكثرة في الاصول و غيرها فلم يبق مجال في انكارها، و الحكم عليها بانها اخبار آحاد بل صارت اخبارا مستفيضة بل متواترة، و اما مخالفتها للكتاب و الاجماع فسيأتي الجواب عنه.

و ثانيها ما ذهب اليه ابن ادريس (ره) من انها اخبار متشابهة يجب الوقوف عندها و تسليم امرها اليهم عليهم السّلام فان كلامهم متنوع كالقرآن الى محكم و متشابه و نحو ذلك، و هذا اقرب من الاول و اسلم عاقبة منه لكن يرد عليه ان هذه الاخبار قد القاها الائمة عليهم السّلام الى آحاد الشيعة، للتفهم و التعليم و ان يعتقدوا معانيها كما القيت اليهم و لعلهم قد فهموا معانيها بقرائن الحال و المقال.

و ثالثها ما صار اليه بعض المحدثين من حملها على المجاز و الكناية كما يقال في العرف لمن اصدى خيره الى عباد اللّه و حسن خلقه، هذا رجل قد عجنت طينته بفعل الخير و حب الكرم

ص:212

و التقوى، و هذا في غاية البعد بل حمل هذه الاخبار خصوصا الخبر الاول على مثل هذا غير محتمل بوجه من الوجوه، و ان احتمله بعض اخبار هذا الباب.

و رابعها و هو المشهور في تأويل هذه الاخبار و ما ضاهاها مما ظاهره الجبر و نفي الاختيار الوارد في كل الاخبار من انه منمزّل على العلم الالهي، فانه سبحانه قد علم الاشياء قبل وجودها كعلمه بها بعد وجودها، و قد علم في الازل احوال الخلق في الابد و ما يأتونه و ما يذرونه بالاختيار منهم، فلما علم منهم هذه الاحوال و انها تقع باختيارهم عاملهم هذه المعاملة كالخلق من الطينة الخبيثة المنتنة، و الاحوال السابقة روى الصدوق طاب ثراه باسناده الى ابن ابي عمير، قال سألت ابا الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام عن معنى قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الشقي من شقى في طبن امه، و السعيد من سعد في بطن امه، فقال الشقيي من علم اللّه عز و جل و هو في بطن امه انه سيعمل اعمال الاشقياء و السعيد من علم اللّه عز و جل و هو في بطن امه انه سيعمل اعمال السعداء، قلت فما معنى قوله صلّى اللّه عليه و آله اعملوا فكلّ مسيّر لما خلق له فقال ان اللّه عز و جل خلق الجن و الانس ليعبدوه و لم يخلقهم ليعصوه و ذلك قوله عز و جل و ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون فيسّر كلاّ لما خلق فالويل لمن استحب العمى على الهدى، و هذا الحديث الشريف يكشف عن فرد واحد من افراد هذه المقالة، و لكن الظاهر ان حكم ما عداه حكمه لاتحاد الطريق.

و خامسها ما خطر بالبال و لكن اخذا من الطاهرين عليه السّلام و حاصله انه قد تحققت من الانوار السابقة ان خلق الارواح قد كان قبل خلق عالم الذر، و قد اججّ سبحانه نارا و كلّف تلك الارواح بالدخول، فمنهم من بادر الى الامتثال و منهم من تأخر عنه و لم يأت له، فمن هناك جاء الايمان و الكفر و لكن بالاختيار فلما اراد سبحانه ان يخلق لتلك الارواح ابدانا تتعلق بها لكل نوع من الارواح مناسبا له من الابد ان كان جعل للارواح الطيبة ابدانا مثلها، و كذا للارواح الخبيثة، فيكون ما صنع بها سبحانه جزاءا لذلك التكليف السابق، نعم لما مزج الطينتين اثر ذلك المزج في قبولا الاعمال الحسنة و ضدّها، فان قلت اذا كان الحال على هذا المنوال فلأي شيء قال الصادق عليه السّلام لابي اسحاق الليثي لا تطلع على سرنا احدا الا مؤمنا و ان اطلعت غيره على هذا ابتليت في نفسك و مالك و اهلك، و ما معنى هذه التقية و من أي فريق يكون.

قلت يجوز ان يكون هذه التقية من المخالفين فانهم اذا فهموا هذا العلم علموا من القرائن ان ليس المراد باهل الشمال المذكورين في الخبر الا همّ و مثل هذا مما يتقي فيه قطعا، و يجوز ان يكون تقية او اتقاءا على الشيعة فانّ عوامهم اذا سمعوا بمثل هذا اقبلوا على الاتيان بانواع المحارم و الذنوب، فيكونون قد اتوا ذنوبا تزيد على ما يقتضيه مزج الطينتين، لانك قد تحققت ان اللمم و هي الصغائر القليلة قد يفعل المؤمن بمقتضى مادته و طبيعته، و اما الكبائر كالزنا و اللواط و نحو

ص:213

ذلك فهو انما يفعلها بمقتضى ما وصل اليه من خلط الطينات، فاذا اطلع على مثل هذا الحديث، و تعمّد افعال الكبائر لحصول اللذة الدنيوية، و لعلمه بأن وبالها الاخروي انما هو على غيره، فقد أتى بفعل من مادته و طبيعته، و زاد على ما اتى اليه من خبث المزج، لان معاصي المزج هي المعاصي المتعارفة الوقوع في كل الاعصار بمقتضى الدواعي، و اما اذا كان الداعي ما عرفت من انها ذنوب على الغير و ان فعلها هو فلا يكون فعلها من المعاصي المتعارفة، فيكون انما اتى بها منه و من مادته لا من قضية المزج، فتأمل و تفكّر في هذا المقام و قد بقى هيهنا ابحاث شريفة و شّحنا بها شرحنا على الصحيفة.

نور علمي تقديري

نور يكشف عن بعض احوال علمه القديم و تقديره الازلي سبحانه و تعالى

اعلم ان المليين قد ذهبوا الى ان علمه تعالى يعمّ المفهومات كلها، الممكنة و الواجبة و الممتنعة و يحيط بالكليات على الوجه الكلي، و بلجزئيات على الوجه الجزئي، و قد خالف في هذا الدهرية و قدماء الفلاسفة، و افترقوا ستّ فرق.

الفرقة الاولى من الدهرية ذهبوا الى انه لا يعلم نفسه قالوا لان العلم نسبة و النسبة لا تكون الا بين شيئين متغايرين، و لا تغاير بين الشيء و نفسه، و الجواب منع كون العلم نسبة بل هو اما عين الذات او صفة حقيقية ذات نسبة الى المعلوم، و نسبة الصفة الى الذات ممكنة سلّمنا كونه نسبة لكن لا نسلّم ان الشيء لا ينسب الى ذاته نسبة علمية، فان التغاير الاعتباري كاف لتحقق هذه النسبة، و كيف لا يكون كذلك و أحدنا يعلم نفسه مع عدم التغاير بالذات.

الفرقة الثانية من قدماء الفلاسفة من قال أنه لا يعلم شيئا أصلا تعالى عما يقول الكافرون علوا كبيرا، و دليلهم أنه لو علم لعلم نفسه، اذ على تقدير كونه عالما بشيء يعلم أنه يعلمه و ذلك يتضمن علمه بنفسه، و قد بينا امتناعه في مذهب الفرقة الاولى، و الجواب ان مبنى هذا القول على قول الفرقة الاولى، و قد عرفت الجواب عنه.

الفرقة الثالثة قالوا انه عالم بذاته و لكن ليس عالما بغيره، و استدلوا عليه بان العلم بالشيء غير العلم بغيره من الاشياء الاخر و الا يلزم ان من علم شيئا علم جميع الاشياء لان العلم به عين العلم بها و هو باطل، و اذا كان العلم بهذا الشيء مغايرا للعلم بذلك الشيء فيكون له بحسب كل معلوم علم على حدحة، فيكون في ذاته كثرة متحققة غير متناهية و هي العلوم بالمعلومات التي لا

ص:214

تتناهى، و ذلك محال و الجواب ان العلم واحد و التكثر انما هو واقع في الاضافات بالنسبة الى المعلومات و العلم واحد لكنه كثير الاضافات و التعلقات.

الفرقة الرابعة قالوا انه لا يعقل غير المتناهي، اذ المقول متميز عن غيره و غير المتناهي لا يتميز عن غيره بوجه من الوجوه، و الا كان له حدّ و طرف يتميز به عن الغير و اذا كان كذلك فهو غير متناه، و الجواب انه معقول له حيث عدم التناهي يعني ان المجموع من حيث هو مجموع متميز عن غيره بوصف اللاتناهي، و معقول بحسبه او نقول ان المعقول، هو كل واحد واحد من غير المتناهي، و هو متميز عن غيره من تلك الاحاد و من غيرها، و لا يضر في تميز كل واحد واحد عدم تميّز الكل من حيث هو كل او نقول لا نسلّم ان المعقول المتميز يجب ان يكون له حدّ و نهاية يمتاز بهما عن غيره و انما يكون كذلك ان لو كان تعقله بتميزه منم غيره منحصرا في الحد و النهاية، و هو ممنوع لان وجوه التمييز لا تنحصر فيه.

الفرقة الخامسة و هم جمهور الفلاسفة قالوا انه سبحانه لا يعلم الجزئيات المتغيرة و استدلوا عليه بأنه اذا علم مثلا ان زيدا في الدار الان ثم خرج زيد عنها فاما ان يزول ذلك العلم و يعلم أنه ليس في الدار، او يبقى ذلك العلم بحاله، و الاول يوجب التغيّر في ذاته من صفة الى اخرى و الثاني يوجب الجهل و كلاهما نقص يجب تنزيهه تعالى عنه، و قالوا و كذلك لا يعلم الجزئيات المتشكلة و ان لم يكن متغيّرة، كأجرام الافلاك الثابتة على اشكالها، لان ادراكهما إنما يكون بآلات جسمانية و كذا الحال في الجزئيات المتشكلة المتغيّرة اذ قد اجتمع فيها المانعان، بخلاف الجزئيات التي ليست متشكلة و لا متغيرة فانه يعلمها بلا محذور كذاته تعالى و ذوات العقول، و الجواب منع لزوم التغيّر فيه فان التغير إنما هو في الاضافات لان العلم اما اضافة مخصوصة او صفة حقيقية ذات اضافة، فاللازم انما هو تغيّر الاضافات فقط، فلا يلزم التغيّر في صفة موجودة، بل في امر اعتيادي و هو جايز و ادراك التشكل انما يحتاج الى آلة جسمانية اذا كان العلم حصول الصورة، و اما اذا كانت اضافة محضة او صفة حقيقية ذات اضافة بدون الصورة فلا حاجة اليها.

الفرقة السادسة منهم قالوا ان اللّه سبحانه لا يعلم الجميع بمعنى سلب الكل، أي رفع الايجاب الكلي لا بمعنى السلب الكلي كما زعمته الفرقة الثانية، قالوا انه لو علم كل شيء فاذا علم شيئا علم ايضا علمه به، لان هذا العلم شيء من الاشياء و مفهوم من المفهومات و كذا علم علمه بعلمه لانه شيء آخر و يلزم التسلسل في العلوم و الجواب انه تسلسل في الاضافات لا في امور موجودة، و التسلسل في الاضافات غير ممتنع، هذا محصّل مقالاتهم مجملا، و هو تعالى علوا كبيرا عن هذه المقالات و اشباهها، و سبحان من يعلم دبيب النملة السوداء على الصخرة السوداء في الليلة السوداء، و ما ذهبوا الى هذه السخيفة الا لعدم اعتقادهم بأن الرازق على الاطلاق هو

ص:215

الباري سبحانه اذ لو صاروا اليه لما وسعهم القول بهذه المزخرفات لانه سبحانه قد ضمن ارزاق مخلوقاته في كل احوالها جزئية و كليّة و ايصال الرزق في كل الاحوال فرع على العلم فيها كما لا يخفى.

و في الرواية ان موسى عليه السّلام قال يوما يا رب اريد ان اطلع على رزاقك للعباد، فقال له اذا كان غدا فأمض الى ساحل البحر و انظر ما ترى، فلما كان من الغد أقبل الى الساحل فرأى حيوانا صغيرا يعدو من البر و في فمه طعمة، فأقبل حتى وصل الى جرف البحر فطلعت ضفدع من البحر و أخذت تلك الطعمة من فيه فغاصت تحت الماء، فقال اللّه تعالى لموسى عليه السّلام إضرب البحر حتى يصير لك في طريق و اتبع الضفدع فتبعها في بطن البحر و هي تسعى حتى بلغت بطن البحر و اذا فيه صخرة سوداء مربعة و فيها ثقب فخرجت نملة من ذلك الثقب و أخذت الطعمة من فم الضفدع و دخلت، فأمر موسى بفلق الصخرة فلما فلقها نصفين رأى في بطنها دودة عمياء و رأى تلك الطعمة في فم تلك الدودة تأكل منها، فقال موسى سبحانك عجبا لمن عرفك كيف يهتم لرزقه.

و حكى في بعض السير و التواريخ ان ملكا من الملوك كان جالسا يتغذّى و فوق طعامه دجاجة مطبوخة فلم يشعر الا و قد انكبت عليه حداة من الهوى فأخذت تلك الدجاجة من فوق فغضب لهذا و ركب فرسه مع جماعة من عسكره فطلب الحداة حتى امعنوا في طلبها، فوصلت الى جبل عال و مضت الى خلف الجبل فنزلوا عن خيولهم و رقّوا ذلك الجبل فلما صعدوا الى قلّته و نظروا الى خلف الجبل رأوا تلك الحداة قد أتت و نزلت على رجل مضروبة بالاوتاد يداه و رجلاه و ملقى على قفاه، فقربت اليه الحداة و جعلت تقطع لحم تلك الدجاجة بمنقارها و مخاليبها و تضعه في فم ذلك الرجل حتى يأكله، فلما فرغت من هذا طارت الى عين الماء في ذلك الجبل و حملت اليه ماءا في حوصلتها و أتت اليه و سقته اياه ثم طارت فأتى اليه ذلك السلطان مع اصحابه و حلّوا اوتاده و اجلسوه و سألوه عن قصته فقال اني تاجر و قد قطع اللصوص عليّ هذا الطريق فأخذو مالي و اتفقوا على ان يحبسوني فوق هذا الجبل بهذه الاوتاد، فلما مضوا عني و بقيت يوما على هذه الحال أتت الىّ هذه الحداة مع طعمة و ماء و صارت تتعاهدني في كل يوم مرتين كما شاهدتم، فلما رأى السلطان كيف يوصل اللّه سبحانه روقه الى عباده قال لعن من يهتّم للرزق فترك الملك و اشتغل بالعبادة حتى مات، و من هذا النحو كثير لا نطول بذكره الكتاب و لنرجع الى ما نحن بصدده فنقول.

قد ذهب الاشاعرة و هم اكثر المخالفين الى ان عمله سبحانه بالاشياء في الازل على لوقوعها في الابد، فكل ما يقع في هذا العالم من الفسوق و المعاصي فهو مستند و معلول لذلك العلم القديم، و حتى ان بعضهم ربما لاط او زنى و لما عنّف اجاب بان اللّه سبحانه قد علم مني

ص:216

ذلك في الازل فلو لم افعله لكان قد انقلب علمه سبحانه جهلا، فهو على عيانه يرى ان له الاجر و الاحسان على اللّه تعالى حيث انه لم يخالف علمه سبحانه و تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا، و من هذا الاصل ذهبوا الى ذلك الفرع الذي امتازوا به عن جميع الملل و الاديان، و هو القول بأن العبد ليس له قدرة و لا اختيار على افعاله بل المؤثر فيها و الموجد لها هو اللّه سبحانه، فهو الذي جبّر عبده على الكبائر و المعاصي و مع هذا عاقبه عليها لانه لا يسأل عما يفعل و هم يسألون.

و التحقيق ان علمه سبحانه تابع للمعلوم و المعلوم كاشف عنه فعلى أي نحو وقع المعلوم يكون كاشفا عن ان اللّه سبحانه قد علمه على هذا النحو، لان علمه الازلي غير معلوم لنا و انما نعلمه بوقوع المعلومات، و الاشاعرة قالوا ان المعلوم تابع للعلم و نحن نقول ان العلم تابع للمعلوم، و سيأتي تحقيقه ان شاء اللّه تعالى في نور افعال العباد.

و اما القدرة و مساوقه و هو الفضا فالكلام فيهما مشكل و مع ذلك فقد ورد النهي عنه عن مولانا امير المؤمنين عليه السّلام روى الصدوق باسنادع الى الاصبغ بن نباتة قال قال امير المؤمنين عليه السّلام في القدر الا ان القدر سرّ من سر اللّه و حرز من حرز اللّه مرفوع في حجاب اللّه مطوي عن خلق اللّه مختوم بختام اللّه سابق في علم اللّه وضع اللّه العباد عن علمه، و رفعه فوق شهاداتهم و مبلغ عقولهم، لانهم لا ينالونه بحقيقة الربانية و لا بقدرة الصمدانية و لا بعظمة النورانية و لا بغرة الوحدانية لانه بحرز آخر خالص للّه عز و جل، عمقه ما بين السماء و الارض و عرضه ما بين المشرق و المغرب اسود كالليل الدامس كثير الحيّات و الحيتان يعلو مرة و يسفل أخرى في قعرها شمس تضيء، لا ينبغي ان يطلّع عليها الا اللّه الواحد الفرد فمن تطلّع عليها فقد ضادّ اللّه عز و جل في حكمه و نازعه في سلطانه و كشف عن ستره و سرّه و باء بغضب من اللّه و مأويه جهنم و بئس المصير.

فهذا مما يدلّك على ان تحقيق هذا المقام مما حجب عن ابصار العقول فلا ينبغي التفّكر فيه لانه يؤل الى مكان دقيق فيرجع العقل عنه متلبسا بمذهب اهل الحبر، و لكن لا بدّ لنا من الكلام في نوعين من انواع الاحاديث.

النوع الاول الاخبار الدالة على أنه سبحانه قد قضى و فعل ما كان و ما يكون و لم يبق شيء من افعاله الابدية تحتاج الى صنع جديد فهو قد فرغ من الامر، منها ما رواه علي بن ابراهيم عن ابيه عن ابن ابي عمير عن هشام عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال اوّل ما خلق اللّه القلم فقال له اكتب فكتب ما كان و ما هو كائن الى يوم القيامة، رواه ايضا باسناده الى عبد الرحيم القصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن نون و القلم، قال ان اللّه تعالى خلق القلم من شجرة في الجنة يقال لها الخلد ثم قال لنهر في الجنة كن مدادا فجمد النهر و كان اشدّ بياضا من الثلج و أحلى من الشهد

ص:217

ثم قال للقلم اكتب قال يا رب و ما اكتب، قال اكتب ما كان و ما هو كائن الى يوم القيامة، فكتب القلم في رقّ اشد بياضا من الفضة و اصفى من الياقوت، ثم طواه فجعله في ركن العرش ثم ختم على فم القلم فلم ينطق بعد و لا ينطق ابدا، فهو الكتاب المكنون الذي منه النسخ كلها او لستم عربا فكيف لا تعرفون معنى الكلام و احدكم يقول لصاحبه انسخ ذلك الكتاب أو ليس بنسخ من كاب آخر من الاصل و هو قوله انا كنّا نستنسخ ما كنتم تعملون.

و روى الصدوق طاب ثراه هذا المضمون باسانيد متعددة و كذا رواه العياشي ايضا و روى الصدوق طاب ثراه انه هبط جبرئيل عليه السّلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في قباء اسود و منطقة فيها خنجر، فقال يا جبرئيل ما هذا الزي فقال زي ولد عمك العباس، يا محمد ويل لولدك من ولد عمك العباس فخرج النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال يا عمّ ويل لولدي من ولدك، قال رسول اللّه أ فأجاب نفسي قال جرى القلم بما فيه، و من هذا الحديث اوحى اللّه الى نبي من انبيائه قل للمؤمنين لا يلبسوا لباس اعدائي و لا يطعموا مطاعم اعدائي و لا يسلكوا مسالك اعدائي فيكونوا اعدائي كما هم اعدائي قال الصدوق (ره) في عيون اخبار الرضا عليه السّلام لباس الاعداء هو السواد و مطاعم الاعداء النبيذ و المشكر و الفقاع و الطين و الجري و المارماهي و الزمار و الطافي (1)و كل ما ليس له فلوس من السمك و الارنب و الضبّ و الثعلب، و ما لم يدّف من الطير و ما استوى طرفاه من البيض و الدبا بالدال من الجواد و هو الذي لا يستقلّ بالطيران و الطحال و مسالك الاعداء مواضع التهمة و مجالس شرب الخمر و المجالس التي فيها الملاهي و مجالس الذين لا يقضون بالحق، و المجالس التي يعاب فيها الائمة عليهم السّلام و المؤمنون و مجالس اهل المعاصي و الظلم و الفساد. .

فاما لبس السواد للتقية فلا بأس فيه كما رواه حذيفة انه قال كنت عند ابي عبد اللّه عليه السّلام بالحيرة فأتاه رسول ابي العباس الخليفة يدعوه، فدعا بممطر أحد وجهيه اسود و الاخر ابيض فلبسه ثم قال عليه السّلام اما اني البسه و انا اعلم انه لباس اهل النار، فاذا صحّت هذه الروايات من قوله جرى القلم بما فيه، فقد صح مذهب من قال ان اللّه سبحانه قد فرغ من الامر موافقا لما قالته اليهود، فانهم قالوا انه تعالى خلق ما خلق و صنع و قدّر يوم الاثنين و الثلاثا و الاربعا و الخميس و الجمعة و فرغ يوم السبت منكل شيء فمن هذا اتخذوه عيدا لانه وقت فراغه سبحانه من جميع اشغاله حتى ردّ اللّه عليهن باللعن و انه ليس كما يقولون بل هو كل يوم في شأن و حال يقضى و يحكم و يعزل و ينصب و يمحو و يثبت.

ص:218


1- 1) الطافي السمك الذي يموت في الماء يعلو فوق وجهه يقال طفأ الشيء فوق الماء يطفو طفوا اذا علا و لم يرسب و رسب الشيء في الماء رسوبا سفل فيه.

قلت هذه الاخبار مجملة، و قد روى في هذا المعنى اخبار مفصلة منها ما روى في تفسير قوله تعالى، وَ لَقَدْ خَلَقْنَا اَلْإِنْسٰانَ مِنْ سُلاٰلَةٍ مِنْ طِينٍ الاية ان الولد اذا كمل له اربعة اشهر في بطن امه بعث اللّه ملكين خلاّقين فيقتحمان في بطن امه من فمها فيصلان الى الرحم، و فيها الروح القديمة المنقولة في اصلاب الرجال و ارحام النساء، فينفخان فيها روح الحياة و البقاء و يشتقان له السمع و البصر و سائر الجوارح، ثم يوحي الى الملكين اكتبا عليه قضائي و قدري و اشترطا لي البداء فيما تكتبان فيرفعان رؤوسهما فاذا اللوح يقرع جبهته و فيه صورته و رؤيته و اجله و ميثاقه شقيّا أو سعيدا و جميع شأنه، فيملى احدهما على صاحبه فيكتبان جميع ما في اللوح و يختمان الكتاب و يجعلانه بين عينيه و الحديث طويل اخذنا منه موضع الحاجة.

و منها ما رواه شيخنا الكليني طاب ثراه عن الباقر عليه السّلام قال أن اللّه تبارك و تعالى عالم بما غاب عن خلقه فما يقدّر من شيء و يقضيه في علمه قبل ان يخلقه و قبل ان يقضيه الى ملائكته فذلك علم موقوف عنده اليه فيه المشيئة فيقضيه اذا اراد و يبدو له فلا يقضيه فأمّا العلم الذي يقدّره اللّه عز و جل و يقضيه و يمضيه فهو العلم الذي انتهى الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثم الينا و نحو ذلك من الاخبار الدالة على ان علمه سبحانه نوعان منه، ما علّمه ملائكته و رسله لتسعى به في ما بين السموات و الارض فذلك لا يكون فيه محو و لا اثبات و لا تغيير و لا تبديل، و علم استأثر به في أم الكتاب و هو اللوح المحفوظ الذي تدخل فيه انواع التغييرات و المحو و الاثبات.

فان قلت اذا كان ذلك العلم مما يتغير لزم التغير في علمه القديم فيلزم التغير في الذات لانها عين العلم، قلت ذلك المتغير هو العلم الذي ابرزه الى القلم و اللوح المحفوظ و كتبا فيه لا العلم الذي هو عين الذات، بل انما يقع التغيير و التبديل في العلوم المكتوبة في الدفاتر الالهية بسبب العلم القديم الذي علم به الاشياء قبل وجودها، و اما العلم القديم الذاتي فلا يقال له تقدير و لا حكم و لا مكتوب، نعم اذا برز الى الوجود الخارجي اتصف بهذه الصفات، كما ان السلطان اذا علم انه يصنع غدا في ملكه الفعل الفلاني فقبل امره به و ابرازه الى الوجود لا يتصف بالقضاء و الحكم و الامر نعم يتصف بالتقدير لمكان التروي و التفكر في حقه لا في حق اللّه سبحانه.

فصار الحاصل ان الذي كتبه القلم و ختم عليه و قوله جرى القلم بما فيه علوم تداخلها المشيئة و التغيير لمكان المصالح بل و بما وقع المحو و الاثبات في العلوم الخارجة الى الانبياء كما قال امير المؤمنين عليه السّلام لو لا آية في كتاب اللّه لاخبرتكم بما كان و ما يكون الى يوم القيامة و هي قوله تعالى يَمْحُوا اَللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ اَلْكِتٰابِ و كما وقع في شأن الذي اخبر عيسى عليه السّلام بموته فلما كان الغد و لم يمت، قال له الحواريون يا روح اللّه لم يمت فقام معهم اليه فرأى الرجل حاملا حزمة حطب، فقال له ضعها في الارض فلما وضعها قال له حلّها فحلها فرأى فيها حية سوداء عاضة

ص:219

على حجر صلب فقال له يا عبد اللّه هذا قد ارسل اليك ليقتلك فما فعلت في يومك حتى كفّ اللّه عنك فقال يا روح اللّه كان عندي رغيف فتصدقت به على فقير، فقال نعم هذا الحجر الذي في فم هذا الثعبان هو الرغيف الذي تصدقت به، و قد وقع مثله في اخبارات محمد صلّى اللّه عليه و آله و هذا لا يلزم منه تكذيب الانبياء عليهم السّلام لاشتماله على تصديقهم في الاخبار و ظهور معجزة على يديهم و ان المحو و الاثبات انما كان لهذا السبب الخاص.

النوع الثاني في اخبار القضاء الدالة على انه تعالى قضى كل شيء الخير و الشر و افعال العباد كلها، روى الصدوق (ره) باسناده الى الحسن (الحسين خ) بن علي عليهما السّلام قال سمعت ابي علي بن ابي طالب عليه السّلام يقول الاعمال على ثلثة احوال فرائض و فضائل و معاص، فاما الفرائض فبأمر اللّه عز و جل و برضاء اللّه و بقضاء اللّه و تقديره و مشيته و علمه، و اما الفضائل فليست بأمر اللّه و لكن برضاء اللّه و بقضاء اللّه و بقدر اللّه و مبشية اللّه، و اما المعاصي، فليست بأمر اللّه و لكن بقضاء اللّه و بقدره و بمشيته و بعلمه ثم يعاقب عليها، و عن الصادق عليه السّلام انه جاء اليه رجل فقال له بأبي أنت و أمي عظني موعظة، فقال عليه السّلام ان اللّه تبارك و تعالى تكفل الرزق فاهتمامك لماذا و ان كان الرزق مقسوما فالحرص لماذا، و ان كان الحساب حقا فالجمع لماذا، و ان كان الخلف من اللّه عز و جل حقا فالبخل لماذا و ان كان العقوبة من اللّه عز و جل النار فالمعصية لماذا، و ان كان الموت حقا فالفرح لماذا و ان كان العرض على اللّه عز و جل حقا فالمكر لماذا، و ان كان الشياطان عدوا فالغفلة لماذا، و ان كان الممر على الصراط فالعجب لماذا، و ان كان كل شيء بقضاء و قدر فالحزن لماذا، و ان كان الدنيا فانية فالطمأنينة فيها لماذا، الى غير ذلك من الاخبار الدالة على انه تعالى قد قضى الخير و الشر و قضى جميع افعال العباد و قدّرها قبل خلق العالم بألفي عام و ظاهرها يوافق مذهب الاشاعرة القائلين بأن افعال العباد مخلوقة للّه تعالى، و العبد محل للفعل و ليس لقدرة العبد مدخل في افعاله، قلت الجواب عن هذا هو انه قد ذكر جماعة من قدماء المحدثين ان القضاء يقال على عشرة معان:

اولها العلم و منه قوله تعالى إِلاّٰ حٰاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضٰاهٰا يعني علمها، و ثانيها الاعلام و منه قوله عز و جل وَ قَضَيْنٰا إِلىٰ بَنِي إِسْرٰائِيلَ، و قوله قَضَيْنٰا إِلَيْهِ ذٰلِكَ اَلْأَمْرَ أي اعلمناه، و ثالثها الحكم و منه قوله تعالى يوم يَقْضِي بِالْحَقِّ يعني يحكم، و روى يزيد بن معاوية الشاميّ قال دخلت على الرضا عليه السّلام بمرو، فقت له يا ابن رسول اللّه روى لنا عن الصادق عليه السّلام انه قال لا جبر و لا تفويض و لكن امر بين امرين فما معناه فقال عليه السّلام من زعم ان اللّه عز و جل فعل افعالنا ثم يعذبنا عليها فقد قال بالجبر، و من زعم ان اللّه فوّض امر الخلق و الرزق الى حججه فقال قال بالتفويض، فالقائل بالجبر كافر و القائل بالتفويض مشرك فقلت له يا ابن رسول اللّه فما امر بين امرين؟ قال وجود

ص:220

السبيل الى اتيان ما امروا به و ترك ما نهوا عنه، فقلت فهل للّه مشيئة و ارادة في ذلك، فقال اما الطاعات فارادة اللّه و مشيئته فيها الامر بها و الرضا لها و المعاونة عليها، و ارادته و مشيئته في المعاصي النهي عنها و السخط لها و العقوبة عليها و الخذلان لها، فقلت فلله فيه القضا، قال نعم ما من فعل فعله العباد من خير او شرّ الا و للّه فيه القضا، فقلت فما معنى هذا القضا، قال الحكم عليهم بما يستحقونه على افعالهم من الثواب و العقاب في الدنيا و الاخرة.

و رابعها القول و منه قوله تعالى يَقْضِي بِالْحَقِّ أي يقول بالحق، و خامسها الحتم كما قال فلما قضينا عليه الموت يعني حتمناه فهو القضاء الحتم.

سادسها الامر و منه قوله و قضى ربك الا تعبدوا إلا اياه يعني امر ربك، و سابعها الخلق كما قال و قضاهنّ سبع سموات في يومين يعني خلقهنّ، و ثامنها الفعل و منه فاقض ما انت قاض أي افعل ما انت فاعل، و تاسعها الاتمام نحو فلما قضى موسى الاجل أي اتمه و قوله ايّما الاجلين قضيت أي اتممت، العاشر الفراغ من الشيء و منه قوله عز و جل قضى الامر الذي تستفتيان، و قول القائل قد قضيت لك حاجتك اذا تحققت هذا.

فاعلم ان القضاء في كل خبر ينزل على معنى من المعاني الماسبة له فما وقع في الروايات من قولهم عليهم السّلام ان الاشياء كلها بقضاء اللّه و بقدره تبارك و تعالى بمعنى ان اللّه عز و جل قد علمها و علم مقاديرها، و له عز و جل في جميعها حكم من خير او شر فما كان من خير فقد قضاه بمعنى انه امر به و حتمه و جعله حقا و علم مبلغه و مقداره، و ما كان من شر فلم يأمر به و لم يرضه و لكنه عز و جل قضاه و قدره بمعنى انه علم بمقداره و مبلغه و حكم فيه بحكمه و اما المعاصي فقضاء اللّه عز و جل فيها حكمه فيها و مشيئته فيها نهيه عنها، و قدره فيها علمه بمقاديرها و مبالغها، و هذا كله مأخوذ من كلام قدماء المحدّثين الذين لا يتكلمون الا عن الاخبار الواضحة، و من الاخبار الواردة بظواهر مثل ما تقدّم من ايهامها كون الضلال و الاضلال عنه تعالى لفظ الفتنة فانه قد نسب في الآيات و الاخبار اليه سبحانه و الجواب ايضا ان الفتنة كما يستفاد من الاحاديث و المحدثين يقال على عشرة اوجه.

اولها الضلال و هو ظاهر، و ثانيها الاختبار و منه و فتّناك فتونا، و قوله ان يقولوا آمنا و هم لا يفتنون، و ثالثها الحجة نحو ثم لم تكن فتنتهم الا ان قالوا و اللّه ما كنا مشركين و رابعها الشرك نحو قوله تعالى وَ اَلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ اَلْقَتْلِ، و خامسها الكفر و منه الا في الفتنة سقطوا يعني في الكفر، و سادسها الاحراق بالنار نحو ان الذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات الاية، يعني احرقوا في الكفر، و سابعها العذاب و منه يوم هم على النار يفتنون يعني يعذبون و قوله ذوقوا فتنتكم هذا يعني عذابكم و قوله و من يرد اللّه فتنته فلن تملك له من اللّه شيئا و ثامنها القتل نحو ان خفتم ان يفتنكم

ص:221

الذين كفروا و قوله فما آمن لموسى الا ذرية من قومه على خوف من فرعون و ملأه ان يفتنهم، و تاسعها الصد نحو و ان كادوا ليفتنونك عن الذي اوحينا اليك يعني ليصدونك.

و عاشرها شدّة المحنة نحو ربنا لا يجعلنا فتنة للذين كفروا، و قوله ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين أي محنة فيفتنوا بذلك و يقولوا في انفسهم لم نقتلهم و الا و دينهم الباطل و ديننا الحق فيكون داعيا لهم الى النار على ما هم عليه من الكفر و الظلم، و زاد علي بن ابراهيم على هذه الوجوه وجها آخر و هو المحبة نحو قوله عز و جل أَنَّمٰا أَمْوٰالُكُمْ وَ أَوْلاٰدُكُمْ فِتْنَةٌ أي محبة، و الذي روى في ذلك ان وجوه الفتنة عشرة على ما قاله الصدوق (ره) و ان الفتنة في هذا الموضع ايضا المحنة بالنون لا المحبة بالباء، و تصديق ذلك قول النبي صلّى اللّه عليه و آله الولد مجهلة محنة منجلة رواه الصدوق قدس اللّه روحه.

و اما قول الصادق عليه السّلام ما شاء كان و ما لم يشأ لم يكن ففيه وجوه اربعة الاول ما قاله شيخنا المفيد نور اللّه ضريحه من ان هذا مخصوص بافعاله تعالى دون افعال المكلفين يشهد بذلك قوله و اللّه لا يحب الفساد و ما اللّه يريد ظلما للعباد، و يكون حاصل معناه ان كل فعل يريد اللّه وقوعه فانه يقع و كذا ما لم يرد وقوعه فانه لا يقع بخلاف العباد فان كل ما يريدون فعله لا يدخل تحت قدرتهم، الثاني القول بعمومه و شموله لافعال المكلفين لكن المشيئة فيه بمعنى العلم كما هو الوارد في بعض الروايات مثل المشيئة في قوله تعالى وَ مٰا تَشٰاؤُنَ إِلاّٰ أَنْ يَشٰاءَ اَللّٰهُ أي ما تريدون شيئا الا ان اللّه سبحانه قد علمه في الازل لكن قد تحققت ان علمه تعالى ليس علة للمعلول كما لا يصير علمنا بان الشمس تطلع غدا علة في طلوعها.

الثالث ان يكون المشيئة في كل فقرة قد استعملت بواحد من معانيها ففي قوله عليه السّلام ما شاء اللّه كان بمعنى الارادة، و في قوله ما لم يشأل لم يكن بمعنى العلم جمعا بين العقل و النقل، الرابع ان يكون المشيئة في اللفظين بمعنى الارادة لكنها في الثاني مجاز عن عدم الحيلولة و منع الالطاف الربانية الحاجزة عن افعال المساوى و الذنوب، فيكون من قبيل قوله تعالى يدي من يشاء و يضلّ من يشاء فان الاضلال كما توافق عليه العقل و النقل لا يريده اللّه سبحانه و لا يأمر به لكنه عبارة عن تخلية المرء و نفسه، و قد تقدّم في دعائه صلّى اللّه عليه و آله رب لا تكلني الى نفسي طرفة عين، و حكاية دانيال و داود قد تقدمت ايضا و على هذا يحمل كل ما ورد في القرآن الشريف و السنة من الالفاظ الموهمة لنسبة الاضلال اليه سبحانه.

فان قلت كيف جاز الخطاب منه سبحانه للعباد بمثل هذه الالفاظ الموهمة حتى تمسّك بها اهل الجبر في صحة مذهبهم السخيف و اعتمدوا عليها و جعلوها دلائلهم على ان العبد ليس له اختيار في فعل من افعاله مقل قوله تعالى وَ مٰا تَشٰاؤُنَ إِلاّٰ أَنْ يَشٰاءَ اَللّٰهُ و مثل قوله تعالى قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اَللّٰهِ، و مثل قوله يَهْدِي مَنْ يَشٰاءُ و يضلّ من يشاء الى غير ذلك من الآيات و الاخبار.

ص:222

قلت ان القرآن بحر واسع ظاهره انيق و باطنه عميق قد اشتمل على انحاء الكلام و التعبيرات الواقعة في كلام العرب المتداولة فيما بينهم من المجاز و الكناية و الاستعارة و إطلاق السبب على المسبب و عكسه و لا يميز مواقع كلامه تعالى بعضها عن بعض الا منم خاطبه اللّه به و اطلعه على جميع معانيه، و ليس هو الا النبي صلّى اللّه عليه و آله و امره اللّه سبحانه بان يعلّمه اهل بيته المعصومين عليهم السّلام و يجب على الناس ان يرجعوا اليهم في اخذ علوم القرآن، فهذه الالفاظ الموهمة انما هي موهمة عندنا و ليس نحن مما خوطبنا به حتى يلزم الاغراء بما له ظاهر و اريد خلاف ظاهره، و الذين خوطبوا به قد فهموا معانيه منه تعالى من غير ابهام، و لذا سمّاهم تراجمة وحيه، و ليس هذا الا من باب ان يكون سلطان له رعية لا يفهمون كلامه فيجعل بينهم و بيه مترجما في تفهيم كلام ذلك السلطان للرعية فهو يخاطب المترجم و يفهمه ما اراد و المترجم يفهم الرعية معنى كلام السلطان، فليس للرعية ان يعترضوا و يقولوا ان هذا السلطان قد خاطبنا بما لا نفهم لانه لم يخاطبهم بل خاطب المترجم، و ليس لهم ايضا ان يأتوا الى كلام الملك و يحاولوا فهم معناه لعدم قابليتهم لفهمه لانه رموز و كنايات بينه و بين من وجه الخطاب اليهم فربما فهموا من كلامه غير ما اراد كما اتفق في تفاسير الجمهور من حمل كلام الباري سبحانه على المحامل التي ارادوها بآراعهم الفاسدة.

و من هذا ذهب بعض مشائخنا المحققين الى ان القرآن كله متشابه بالنسبة الينا لا يجوز لنا ان نتكلم في محكمه على ما هو الظاهر منه، حتى انه قد سأله بعض الافاضل و انا كنت من الحاضرين في مسجد الجامع من شيراز فقال له ما تقول في قل هو اللّه احد فانها آية محكمة ظاهرة الدلالة على معناها، فأجابه بأنّ الاحد ما معناه و ما مبدء اشتقاقه و ما الفرق بينه و بين الواحد، و اطال الكلام في مثل هذا و طبق عليه ما روى من قوله عليه السّلام من فسّر القرآن برأيه فقد كفر، فان ظاهره شمول كلّ آياته و لما انتهى بنا الحال الى هنا فلا بأس بتحقيق هذا المقام و لم نر من حققه سوى شيخنا شيخ الطائفة طاب ثراه في تفسير التبيان و هذا كلامه.

و اعلم ان الرواية ظاهرة في اخبار اصحابنا في ان تفسير القرآن لا يجوز الا بالاثر الصحيح عن النبي صلّى اللّه عليه و آله او عن الائمة عليهم السّلام الذين قولهم حجة كقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و ان القول فيه بالرأي لا يجوز، و روت العامة ايضا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال من فسّر القرآن برأيه فأصاب الحق فقد اخطأ و كره جماعة من التابعين و فقهاء المدينة القول في القرآن بالرأي كسعيد بن المسيب و عبيدة السلماني و نافع بن محمد بن القسم و سالم بن عبد اللّه و غيرهم و رووا عن عائشة انها قالت لم يكن النبي صلّى اللّه عليه و آله يفسّر القرآن الا ان يأتي به جبرئيل عليه السّلام و الذي نقوله في ذلك انه لا يجوز ان يكون في كلام اللّه تعالى و كلام نبيه صلّى اللّه عليه و آله تناقض و تضادّ و قد قال تعالى إِنّٰا جَعَلْنٰاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا، و قال بلسان

ص:223

عربي، و قال و ما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه، و قال فيه تبيان كل شيء، و قال و ما فرطنا في الكتاب من شيء فكيف يجوز ان يصفه بأنه عربي و انه بلسان قومه و انه بيان للناس و لا يفهم من ظاهره شيء و هل ذلك الا وصف له باللغز و المعمى الذي لا يفهم المراد به الا بعد تفسيره و ذلك منزّه عن القرآن.

و قد مدح اللّه تعالى اقواما على استخراج معاني القرآن فقال لعلمه الذين يستنبطونه منهم، و قال تعالى في قوم يذمهم حيث لم يتدبروا القرآن أ فلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها، و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله اني صلّى اللّه عليه و آله اني مخلف فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي اهل بيتي فبين ان القرآن حجة كما ان العترة حجة و كيف يكون حجة ما لا يفهم منه شيء و روى عنه عليه السّلام قال اذا جاءكم عني حديث فاعرضوه على كتاب اللّه فما وافق كتاب اللّه فاقبلوه و ما خالفه فاضربوا به عرض الحائط، و روى مثل ذلك عن ائمتنا عليهم السّلام و كيف يكون العرض على كتاب اللّه و هو لا يفهم منه شيء و كلّ ذلك يدلّ على ان ظاهر هذه الاخبار متروك و الذي نقول ان معاني القرآن على اربعة اقسام.

احدها ما اختص اللّه تعالى بالعلم به فلا يجوز لاحد تكّلف القول فيه و لا تعاطى معرفته و ذلك مثل قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلسّٰاعَةِ أَيّٰانَ مُرْسٰاهٰا قُلْ إِنَّمٰا عِلْمُهٰا عِنْدَ رَبِّي لاٰ يُجَلِّيهٰا لِوَقْتِهٰا إِلاّٰ هُوَ ، و مثل قوله إِنَّ اَللّٰهَ عِنْدَهُ عِلْمُ اَلسّٰاعَةِ الاية، فتعاطى معرفة ما اختصّ العلم به خطأ، و ثانيها ما يكون ظاهره مطابقا لمعناه فكل من عرف اللغة التي خوطب بها عرف معناه، مثل قوله تعالى وَ لاٰ تَقْتُلُوا اَلنَّفْسَ اَلَّتِي حَرَّمَ اَللّٰهُ إِلاّٰ بِالْحَقِّ ، و مثل قوله قُلْ هُوَ اَللّٰهُ أَحَدٌ، و غير ذلك، و ثالثها ما هو مجمل لا ينبئ ظاهره عن المراد به مفصلا مثل قوله تعالى أَقِيمُوا اَلصَّلاٰةَ وَ آتُوا اَلزَّكٰاةَ، و قوله تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى اَلنّٰاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، و قوله تعالى وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ، و قوله فِي أَمْوٰالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ، و ما اشبه ذلك فأن تفاصيل اعداد الصلاة و عدد ركعاتها و تفصيل مناسك الحج و شروطه و مقادير النصاب في الزكوة لا يمكن استخراجه الا ببيان النبي صلّى اللّه عليه و آله و وحي من جهة اللّه تعالى فتكلف القول في ذلك خطأ ممنوع و يمكن ان يكون الاخبار متناولة له.

و رابعها ما كان اللفظ مشتركا بين معنيين فما زاد عليهما، و يمكن ان يكون كل واحد منها مرادا فأنه لا ينبغي ان يقدم أحد فيقول ان مراد اللّه منه بعض ما يحتمل الا بقول نبي أو امام معصوم، بل ينبغي ان يقول ان الظاهر يحتمل الامور و كل واحد يجوز ان يكون مرادا على التفصيل و اللّه اعلم بما اراد، و متى كان اللفظ مشتركا بين شيئين او ما زاد عليهما و دلّ الدليل على أنه لا يجوز ان يريد الا وجها واحدا جاز ان يقال انه هو المراد، و متى قسمنا هذه الاقسام نكون قد قبلنا هذه الاخبار و لم نردها على وجه يوحش نقلتها و المتمسكين بها، و لا منعنا بذلك

ص:224

من الكلام في تأويل الاي جملة، و لا ينبغي لاحد ينظر في تفسير آية لا ينبئ ظاهرها عن المراد مفصلا ان يقلد احدا من المفسرين الا ان يكون التأويل مجمعا عليه فيجب اتباعه لمكان الاجماع لان من المفسرين من حمدت طرائقه و مدحت مذاهبه كابن عباس و الحسن و قتادة و غيرهم، و فيهم من ذمت مذاهبه كأبي صالح و السدي و الكلبي و غيرهم هذا في الطبقة الاولى.

و اما المتأخرون فكلّ واحد منهم نصر مذهبه و تأوّل على ما يطابق اصله فلا يجوز لاحد ان يقلد احدا منهم بل ينبغي ان يرجع الى الادلة الصحيحة، اما العقلية او الشرعية من اجماع عليه او نقل متواتر به عمّن يجب اتباع قوله، و لا يقبل في ذلك خبر واحد و خاصة اذا كان مما طريقه العلم، و متى كان التأويل مما يحتاج الى شاهد من اللغة فلا يقبل من الشاهد الا ما كان معلوما بين اهل اللغة شايعا فيما بينهم، فأما ما طريقه الاحاد من الابيات النادرة فأنه لا يقطع بذلك و لا يجعل شاهدا على كتاب اللّه و ينبغي ان يتوقف فيه، و يذكر ما يحتمله و لا يقطع على المراد منه بعينه، فانه متى قطع على المراد كان مخطئا و ان اصاب الحق، كما روى عنه صلّى اللّه عليه و آله قال ذلك تخمينا و حدسا و لم يصدر ذلك عن حجة قاطعة و ذلك باطل بالاتفاق انتهى. و هو كلام رشيق انيق، و يستفاد من آخره ان القول فيما يدرك من القرآن بقواعد لعربية تخمينا و تشهيا خطأ ايضا و ان اصاب و قد اشار الى هذا المحقق الشريف في حاشية الكشاف و يظهر من كلام الشيخ (ره) انّ اللفظ اذا احتمل وجوها و لم يذكر المتقدمون الا وجها واحدا منها لم يجز للمتأخر ان يحمل الاية على غيره.

و ذهب الاجل المرتضى (ره) في الذريعة الى جوازه و هذه عبارته و الذي يوضح ما ذكرناه انا اذا تأولنا قوله تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نٰاضِرَةٌ إِلىٰ رَبِّهٰا نٰاظِرَةٌ على ان المراد بها الانتظار لا الرؤية، و فرضنا انه لم ينقل عن المتقدمين الا هذا الوجه دون غيره جاز للمتأخر ان يزيد على هذا التأويل و يذهب الى ان المراد أنهم ينظرون الى نعم اللّه لان الغرض في التأويل جميعا انما هو ابطال ان يكون اللّه تعالى في نفسه مرئيا و التأويلان مشتركان في دفع ذلك، و قد قام كل واحد مقام صاحبه في الغرض المقصود و جرى التأويلان مجرى الادلة في انه يغني بعضها عن بعض، ثم قال و قد خالفت في هذا المذاهب انتهى. و لا بأس به غير ان مراده بالمذاهب بعضها فان المخالف في ذلك بعض العامة و اما اكثرهم فمعترفون بان استنباط المعاني على قوانين اللغة العربية مما لا قصور فيه بل يعدونه فضلا و كمالا كما يعلم من تتبع كلامهم و ما ذكره من جواز التأويل لا يخلو من قوة و قد بقى من عالم الملكوت احوال كثيرة كالاجال و الارزاق نذكرها ان شاء اللّه تعالى في الانوار الارضية.

و اما خلق النهار و الليل و ان ايهما اسبق فروى عن الرضا عليه السّلام انه قد سألني رجل بالمدينة فقال النهار خلق قبل ام الليل، و كان الفضل بن سهل و المأمون حاضرين فقلت لهم فما عندكم

ص:225

فقال الفضل للرضا عليه السّلام أخبرنا بها، قال من القرآن ام من الحساب فقال له الفضل من جهة الحساب، قال علمت يا فضل ان طالع الدنيا الرسطان و الكواكب في موضع شرفها فزحل في الميزان و المشتري في السرطان و الشمس في الحمل و القمر في الثور، فذلك يدل على كينونة الشمس في الحمل في العاشر من الطالع في وسط الدنيا فالنهار خلق قبل الليل، و في قوله تعالى لاَ اَلشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهٰا أَنْ تُدْرِكَ اَلْقَمَرَ وَ لاَ اَللَّيْلُ سٰابِقُ اَلنَّهٰارِ، أي قد سبقه النهار، و اما سبب الظلمة فروى ابو ولاّد قال قال ابو عبد اللّه عليه السّلام ان اللّه تعالى خلق حجابا من ظلمة مما يلي المشرق و وكّل به ملكا فاذا غابت الشمس اغترف ذلك الملك غرفة بيديه ثم استقبل بها المغرب يتبع الشفق و يخرج من بين يديه قليلا قليلا و يمضي فيوافي المغرب عند سقوط لشمس فيسرح في الظلمة، ثم يعود الى المشرق فاذا طلع الفجر نشر جناحيه فاستاق الظلمة من المشرق الى المغرب يوافي بها المغرب عند طلوع الشمس.

نور يشتمل على العجائب

الواقعة بين السماء و الارض اعلم ان الحكماء و متابعيهم ذهبوا الى ان طبقات العناصر سبع اعلاها الطبقة النارية الصرفة، و هي كرة محدبها مماس لمقعر فلك القمر و تحته طبقة نارية مخلوطة من النار الصرفة و الاجزاء الهوائية الحارة تتلاشى في هذا الطبقة الادخنة المرتفعة، و تتكون فيه الكواكب ذوات الاذناب و النيازك و ما يشبهها بل قيل ان فيها تكون الشهب، ثم الطبقة الزمهريرية و هي الهواء الصرف الي برد لمجاورة الارض و الماء و لم يصل اليه اثر انعكاس الاشعة، و المشهور بينهم ان هذه الطبقة منشأ السحب و الرعد و البرق و الصواعق فلا يكون هواءا صرفا ثم الطبقة البخارية و هي الهوائية المخلوطة مع المائية، ثم الطبقة الترابية و هي ما فيه ارضية و هوائية ثم الطبقة الطينية و هي ارضية مع مائية، ثم الطبقة الارضية الصرفة التي هي قريبة من المركز، هذا المحصل و في طبقات العناصر اقوال مختلفة لا فائدة في استقصائها.

و تفصيل القول في هذه الامور على ما قالوه هو ان حرّ الشمس و غيرها يصعد الى الجو اجزاءا إمّا هوائية و مائية مختلطتين و هو البخار و صعوده ثقيل، و إمّا نارية و ارضية و هو الدخان و صعوده خفيف، و قلّما يصعد ان سازجين بل يتصاعد البخار و الدخان في الاغلب ممتزجين، و منهما تتكون جميع الاثار العلوية على زعم الحكماء اما البخار فان قل و اشتد الحر في الهوى خلل الاجزاء المائية و قلّبها الى الهوائية و بقى الهواء الصرف، و ان كان البخار كثيرا و لم يكن في الهواء من الحرارة ما يخللّه، فان وصل ذلك البخار بصعوده الى الطبقة الزمهريرية التي هي الهواء البارد جمعه ببرودة و تكاثف فصار سحابا و تقاطرت الاجزاء المائية، اما بلا جمود اذا لم يكن

ص:226

البرد شديد و هو المطر، و إمّا مع جمود كما اذا كان البرد شديدا، فان كان الجمود قبل الاجتماع و التقاطر و صيرورته حبّات كبارا فهو الثلج، و ان كان الجمود فهو البرد بفتح الراء و ان لم يصل البخار الصاعد الى الزمهريرية فإمّا ان يكون كثيرا و قليلا فالكثير قد ينعقد سحابا ماطرا كما حكوه عن ابن سينا من انه شاهده في بعض الجبال، و قد لا ينعقد فهو الضباب (1)المجاور للارض و هذا القليل الذي لم يصل الى الطبقة الزمهريرية قد يتكاثف ببرد الليل فينزل نزولا ثقيلا في اجزاء صغار لا يحسن بنزولها الا عند اجتماع شيء يعتدّ به، فاما بلا جمود بعد النزول و هو الطلّ (2)او معه و هو الصقيع و نسبته الى الطلّ كنسبة الثلج الى المطر.

و قد يتكون السحاب من انقباض الهواء بالبرد الشديد فيحصل حينئذ منه الاقسام المذكورة و اما الدخان فربما يخالط السحاب ان يرتفع ابرخة و ادخنة كثيرة مختلطة الى الطبقة الزمهريرية فيتكاثف البخار و ينعقد سحابا فينحس ذلك الدخان في جوف السحاب فيحرقه امام في صعوده بالطبع لبقائه على حرارته المقتضية لتصعيده او عند هبوطه للتكائف بالبرد الشديد فيحدث من خرق الدخان للسحاب و مصاكته اياه صوت هو الرعد و قد يشتعل الدخان بقوة التسخين و ذلك لانه شيء لطيف و فيه مائية و ارضية عمل فيها الحرارة و الحركة عملا قرب مزاجه من الدهنية فصار بحيث يشتعل بأدنى سبب فكيف لا يشتعل بالتسخين القوى الحاصل من الحرارة الشديدة و المصاكة، و اذا اشتعل فاللطيف منه ينطفي سريعا و هو البرق و كثيفه لا ينطفي حتى يصل الى الارض و هو الصاعقة و اذا وصل اليها فربما صار لطيفا ينفد في المتخلل و لا يحرقه.

و حكوا في كتبهم ان صبيا كان في صحراء فأصابت ساقيه صاعقة فسقط رجلاه و لم يخرج منه دم لحصول الكي بحرارتها، و قد يصل الدخان الى كرة النار لانه اجزاء ارضية يابسة فتحفظ الحرارة التي تصعدها بخلاف البخار، فاذا وصل الدخان الى تلك الكرة فيحترق الدخان كالشمعة التي تطفى و يحاذى بها من تحت شمعة مشتعلة فيشتعل الدخان الواصل الى الشمعة الفوقانية و تتصل النار التي وقعت في ذلك الدخان بالشمعة السفلانية فتشعل بهذه النار فما كان من ذلك الدخان لطيفا صار مشتعلا و نفذ النار فيه بسرعة فرأى ذلك لمشتعل كأنه كوكب ينقضّ و هو الشهاب، و ما كان منه كثيفا لا في الغاية تعلّق به النار تعلقا تاما م نغير اشتعال بل ثبت فيه الاحتراق و دام متصلا لا ينطفي اياما و شهورا و يكون على صورة ذوابة او ذنب او رمح او حيوان له قرون.

ص:227


1- 1) الضباب كسحاب جمع ضبابة كسحابة و هو ندى يغشي الارض بالغدوات و في الصحاح سحابة تغشي الارض الدخان.
2- 2) الطل المطر الضعيف القطر و الجمع الطلال بالكسر.

و حكى ان بعد المسيح عليه السّلام بزمان كثير ظهر في السماء نار مضطربة من ناحية القطب الشمالي و بقيت السنة كلها و كانت الظلمة تغشى العالم من تسع ساعات من النهار الى الليل حتى انه لم يكن أحد يبصر شيئا و كان ينزل من الجو شبه الهشيم (1)و الرماد و اذا كان البحار غليظا او كثيفا جدا تعلّق به النار تعلقا ما فيحدث في الجو علامات سود او حمر على حسب غلط المادة، فاذا كانت غليظة ظهرت الحمرة و اذا كانت اغلظ ظهر السواد، و قد تقف الذوابات و نحوها تحت كوكب فيدبرها الفلك معه مشايعة اياه فيرى كأن لذلك الكوكب ذوابة او ذنبا او قرنا، و ان اتصل الدخان بالارض تشتعل النار فيه نازلة الى الارض و يسمى الحريق و اما اسباب الهوى فقد ذكروا فيه ان الدخان قد ينكسر حرّه عند الوصول الى الكرة الزمهريرية فيرجع بطبعها الى الارض، و قد لا ينكسر و حينئذ يصعد و يصادم كرة النار فيرجع و يمتدّ بمصادمة كرة النار المتحركة بحركة الفلك رجوعا الى جهات مختلفة فيتموج الهواء و يضطرب و هو الريح، و الريح كما يحدث بهذا يحدث ايضا بان يتخلل الهواء فيندفع عن مكانه بواسطة عظم مقداره فيدافع ما يجاوره فيطاوعه و يدافع ذلك المجاور ايضا، فيتموج الهوى و يتضعف تلك المدافعة شيئا فشيئا الى غاية ما فيقف، و قد تحدث رياح مختلفة الجهة دفعة فتدافع تلك الرياح الاجزاء الارضية فتنضغط الارضية بينها مرتفعة كأنها تلوى على نفسها و هي الزوايع و الاعصار، و يقال له بالفارسية (كردباد) .

و اما مهبّ الرياح فغير منحصرة حقيقة في عدد الا انهم جعلوا اصولها اربعة هي نقطة المشرق و المغرب و الشمال و الجنوب، و العرب تسمي الرياح التي تهب منها بالقبول و الدبور و الشمال و الجنوب، و تسمى التي تهبّ مما بينها نكبا، و هذا كله انما قال به الفلاسفة لاجل نفيهم القادر المختار، فأحالوا اختلاف الاجسام بالصور الى استعداد في موادّها يقتضي اختلاف الصور الحالة فيها، و احالوا اختلاف آثارها الى صورها المتباينة و امزجتها المخالفة، و احالوا كلّ هذا الى حركات الافلاك و اوضاعها و اما المتكلمون فقالوا الاجسام متجانسة بالذات لتركبها من الجواهر الافراد، و انها متماثلة لا اختلاف فيها و انما يعرض الاختلاف للاجسام لا في ذواتها بل بما يحصل فيها من الاعراض بفعل القادر المختار، هذا محصّل مقالتهم و هي عن الشرع بمعزل فانه قد ورد في الشريعة الغرا لكل واحد من هذه الامور اسباب من جهة القادر المختار دلّنا عليها من رأى السموات و صعد اليها و مشى فوقها و شاهدها عيانا و هو النبي الامي صلّى اللّه عليه و آله و لنشرع الان في بيان اسبابها من الآيات و الاخبار فنقول.

ص:228


1- 1) الهشيم اليابس من النبيت و تهشم و تكسر هشمت الشيء كسرته.

اما الشهب فقال تعالى إِنّٰا زَيَّنَّا اَلسَّمٰاءَ اَلدُّنْيٰا بِزِينَةٍ اَلْكَوٰاكِبِ وَ حِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطٰانٍ مٰارِدٍ، لاٰ يَسَّمَّعُونَ إِلَى اَلْمَلَإِ اَلْأَعْلىٰ وَ يُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جٰانِبٍ دُحُوراً وَ لَهُمْ عَذٰابٌ وٰاصِبٌ إِلاّٰ مَنْ خَطِفَ اَلْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهٰابٌ ثٰاقِبٌ، فانه سبحانه في مقام الامتنان على عبيده بأنه زيّن لهم هذه السماء الدانية اليهم و هو الاولى بزينة الكواكب الظاهرة المشاهدة و حفظها من صعود الشياطين اليها بانهم اذا صعدوا اليها لاستماع ما تقوله الملائكة قذفوهم بالشهب من كل جانب من جوانب السموات دحورا أي طردا، و لهم عذاب في القيامة واصب أي دائم، الا من خطف الخطفة و التقدير انهم لا يسمعون الى الملائكة الا من وثب الوثبة الى قريب من السماء لتسلب السماع بسرعة فأتبعه شهاب ثاقب أي فلحقته نار محرقة، و قد اوضح في موضع آخر عن رؤيتنا لتلك الشهب فقال الا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين لانهم كانوا يسترقون السمع و يستمعون الى كلام الملائكة و يلقون ذلك الى ضعفة الجن و كانوا يوسوسون بها في قلوب الكهنة و يوهمونهم انهم يعرفون الغيب، و قد كان الشيطان بعد ان طرد الى الارض يصعد الى السموات و يطلّع على ما في عالم الملكوت فلما ولد عيسى عليه السّلام منع عن ما فوق السماء الرابعة، و لما ولد النبي صلّى اللّه عليه و آله منع من السموات كلها فهذه الشهب المشاهدة هي النيران السماوية التي تطرد الملائكة بها الشياطين المخترقة للسمع.

و قد رام بعض المتكلفين التوافق بين هذا و بين قول الفلاسفة السابق بأن يكون احتراق تلك الاجرام مقارنة لصعود الشياطين و رمى الملائكة لهم، و لا يخفى انه صلح من غير تراضي الخصمين مع ان مفاسده مما لا تحصى كثرة، و اما السحاب فهو مخلوق من مخلوقاته سبحانه لا يصال الارزاق الى عباده، و لها مكان خاصّ تستقرّ فيه فاذا اراد اللّه سبحانه ان يحملها المياه امر الملائكة المؤكلين بها فيسوقونها الى البحر على مقدار احتياج العباد، و ميكائيل عليه السّلام على البحر فيكيل لها الماء و يأمرها بالمسير الى المكان الذي يريده، و يجعل مع كل سحابة ملكا يسوقها، و هو اصغر من الزنبور و اكبر من الذبابة، و في يده سوط يسوقها فالرعد صوته و البرق سوطه، و قد شاهدنا نحن و غيرها من السحاب نوعا من الشعور، و هو انه ربما استقر و سكن على رؤوس الجبال اما في ذهابه او ايابه فاذا اتى الانسان نحوه و قرب اليه ارتفع من بين يديه سريعا حتى انه ربما اصطادوه كما يصطادون الحيوانات، و ذلك انهم يجعلون كلابا في راس جبل طويل و يحفرون لهم حفائر في رؤوس الجبال فيخفون انفسهم فيها، فاذا وقع السحاب على الجبال خرجوا بسرعة من الحفيرة، فاذا ارتفع رموه بذلك الجبل فيعلق بالكلاب منه قطعة تنعزل من السحابة فيأخذونها لمصالح كثيرة، و قد رأيناها على هيئة بيت الزنبور لاجل ان تكون غربالا للمطر حتى يقع متقاطرا و الا خرّب البلاد التي وقع فيها كما في وقت طوفان نوح عليه السّلام، و يجوز ان يكون ذلك الاحساس للملك الموكل بالسحابة فتأمل.

ص:229

روى الكليني باسناده الى العزرمي رفع قال قال امير المؤمنين عليه السّلام و سأل عن السحاب اين يكون قال يكون على شجر كثيب على شاطئ البحر يأوي اليه فاذا اراد اللّه عز و جل ان يرسله ارسل ريحا فأثارته، و وكّل به ملائكة يضربونه بالمخاريق و هو البرق فيرتفع ثم قرء هذه الاية وَ هُوَ اَلَّذِي يُرْسِلُ اَلرِّيٰاحَ فَتُثِيرُ سَحٰاباً فَسُقْنٰاهُ إِلىٰ بَلَدٍ مَيِّتٍ، و الملك اسمه الرعد.

و اما الامطار فقد تقدّم ان المطر الاول يأتي من بحر تحت العرش و هو الذي ينبت به ارزاق الحيوانات، و البعض الاخر يأتي من البحر من الملك الموكل به، و هو ميكائيل و في الحديث ان اللّه سبحانه قد خلق في السماء من برد و جبالا من ثلج و جبالا من الجمد، فاذا اراد ان يمطر منه امطر، و ذهب افلاطون الى ان لكل قطرة من المطر و الثلج و كلّ حبة من حب الغمام و كل شجر و نبت و حيوان عقلا مربيا له في العالم العلوي يحصل منه نماه و نشوه، و تفاضلها في هذا العالم لونا و طعما و رايحة و انما هو باعتبار تفاوت مراتب تلك العقول المربية، و بالغ متابعوه في هذا المعنى حتى قالوا ان لكل ريشة من الطاووس عقلا يستند اليه اختلاف الوان ذلك الريش، و التوفيق بين القولين بأن البخار ينعقد حال هذه الارادات لا يخلو من تكلّف لان غرض الفلاسفة هو عدم اسناد هذه الامور اليه سبحانه بناء على ذلك الاصل الضعيف، و هو ان الواحد لا يصدر عنه الا فعل واحد مع انه سبحانه على ما يشاء قدير.

و اما الرياح فهي من اقوى جنود اللّه سبحانه و منها رياح رحمة، و منها رياح عذاب و نقمة كما قال سبحانه انا أَرْسَلْنَا اَلرِّيٰاحَ لَوٰاقِحَ، و قال الريح العقيم فانها تعقم الشجر من حمل الثمار و تعقم ارحام النساء و اصلاب الرجال، كما روى ان اللّه سبحانه لما اراد إهلاك قوم نوح ارسل الريح العقيم فهبت عليهم فعقمت الاصلاب و الارحام فبقوا اربعين سنة لا يولد لهم مولود حتى اغرقهم لان الاطفال لا ذنب لهم و قول نوح عليه السّلام لا يلدوا الا فاجرا كفارا لعله اراد انهم لما بلغوا كانوا كذلك، او انه اشار الى ان ولد الكافر يجري عليه ما جرى على ابويه من الاسم و بعض الاحكام، قال صاحب الغريبين لم يأت لفظ الريح الا بالشر و الرياح الا في الخير، قال اللّه تعالى و عٰادٍ إِذْ أَرْسَلْنٰا عَلَيْهِمُ اَلرِّيحَ اَلْعَقِيمَ، و قد صلى علي بن الحسين عليه السّلام في الصحيفة على الملائكة القوّام على خزائن الرياح، قال الباقر عليه السّلام ان الريح العقيم ريح عذاب تخرج من تحت الارضين السبع و ما خرجت منها ريح قطّ الا على قوم عاد حين غضب اللّه عليهم.

و روى الكليني طاب ثراه في حديث طويلا عن الباقر عليه السّلام قال فأما الرياح الاربع الشمال و الجنوب و الصبا و الدبور، فانما هي اسماء الملائكة الموكلين بها، فاذا اراد اللّه ان يهبّ شمالا امر الملك الذي اسمه الشمال فيهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فيضرب بجناحيه فتفرقت ريح الشمال حيث يريد اللّه من البر و البحر و اذا اراد اللّه ان يبعث جنوبا امر الملك الذي

ص:230

اسمه جنوب فيهبط على البيت الحرام، فقام على الركن الشامي فضرب بجناحيه ريح الجنوب في البر و البحر حيث يريد اللّه و اذا اراد اللّه ان يبعث الصبا امر الملك الذي اسمه الصبا فيهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب بجناحيه فتفرقت ريح الصبا حيث يريد اللّه عز و جل في البر و البحر و اذا اراد اللّه ان يبعث دبورا امر الملك الذي اسمه الدبور فيهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب على جناحيه فتفرقت ريح الدبور حيث يريد اللّه من البر و البحر، ثم قال ابو جعفر عليه السّلام اما تسمع لقوله ريح الشمال و ريح الجنوب و ريح الدبور و ريح الصبا انما يضاف الى الملائكة الموكلين بها و قال عليه السّلام و اما الريح العقيم فانها ريح عذاب لا تلقح شيئا من الارحام و لا شيئا من النبات، و هي ريح تخرج من تحت الارضين السبع و ما خرجت منها ريح قط الا على قوم عاد و الحديث طويل و قد تقدم تمامه.

و عن العزرمي قال كنت مع ابي عبد اللّه عليه السّلام جالسا في الحجر تحت الميزاب و رجل يخصم رجلا، و احدهما يقول لصاحبه و اللّه ما تدري من ابن تهب الريح فلما اكثر عليه قال له ابو عبد اللّه عليه السّلام فهل ترى انت قال لا و لكني اسمع الناس يقولون فقلت انا لابي عبد اللّه عليه السّلام جعلت فداك من اين تهب الريح؟ فقال ان الريح مسجونة تحت هذا الركن الشامي فاذا اراد اللّه عز و جل ان يخرج منها شيئا اخرجها، اما جنوب فجنوب او شمال فشمال او صباء فصباء او دبور فدبور، ثم قال عليه السّلام من آية ذلك انك لا تزال ترى هذا الركن متحركا ابدا في الشتا و الصيف و الليل و النهار و لا منافاة بين الخبرين لان قوله عليه السّلام مسجونة تحت هذا الركن يجوز ان يكون كناية عن كونه محلا للرياح التي تحصل من وقوف الملائكة عليه و يجوز ان يكون اشارة الى تنوعه انواعا.

فان قلت يلزم ان يكون مهبّ الرياح كلها جهة القبلة مع ان الذي ذكره الفقهاء و غيرهم ان الجنوب محلها ما بين مطلع سهيل الى مطلع الشمس في الاعتدالين، و الصبا محلها ما بين مطلع الشمس الى الجدي، و الشمال محلها من الجدي الى مغرب الشمس في الاعتدال، و الدبور محلها من مغرب الشمس الى سهيل، قلنا هذا غير لازم لان جناح الملك لعظمته يمكنه ان يحركه بأي نحو اراد، و قد روى ان ريح الشمال اذا خرجت من محلها تخرج لكنها تمرّ على وادي السّلام و هي جنة الدنيا الواقعة بظهر الكوفة فتكتسب منها اللطافة و البرودة و اما الجنوب فهي تخرج من محلها باردة لكنها تمرّ على برهوت واد في المن و هو نار الدنيا فتصير حارة بمرورها عليه.

و اما الذي رويناه في نور اول المخلوقات من انه تعالى اول ما خلق الماء، ثم خلق الريح من الماء فالظاهر ان المراد به جوهر شفاف مغاير لهذه الرياح، و يجوز ان يكون مادة لها كما كان لغيرها، و روى ابو بصير قال سألت ابا جعفر عليه السّلام عن الرياح الاربع الشمال و الجنوب و الصبا و الدبور، و قلت له ان الناس يقولون ان الشمال من الجنة و الجنوب من النار، فقال ان للّه عز و جل

ص:231

جنودا من الريح يعذب بها من عصاه موكّل لكل ريح منهنّ ملك مطاع، فاذا اراد اللّه عز و جل ان يعذب قوما بعذاب اوحى اللّه الى الملك الموكل بذلك النوع من الريح الذي يريد ان يعذبهم بها، فيأمر بها الملك فتهيج كما يهيج الاسد المغضب و لكل ريح منهن اسم تسمع لقول اللّه عز و جل انا ارسلنا عليهم ريحا صرصرا في و م نحس مستمر.

و قال عز و جل اَلرِّيحَ اَلْعَقِيمَ و قال فَأَصٰابَهٰا إِعْصٰارٌ فِيهِ نٰارٌ و الاعصار التي فيها نار و ما ذكر في الكتاب من الرياح التي يعذب بها من عصاه و للّه عز و جل رياح رحمة لواقح و رياح تهب السحاب فتسوق السحاب و رياح تحبس السحاب بين السماء و الارض، و رياح تعصره فتمطر باذن اللّه عز و جل و رياح تفرق السحاب و رياح مما اعدّ اللّه عز و جل في الكتاب و قال الصادق عليه السّلام نعم الريح الجنوب تكسر البرد عن المساكين و تلقح الشجر و تسيل الاودية.

و قال علي عليه السّلام الرياح خمسة منها العقيم فنعوذ باللّه من شرها و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله اذا هبّت ريح صفراء او حمراء او سوداء تغيّر وجهه و اصفّر و كان كالخائف الوجل حتى تنزل من السماء قطرة من مطر فيرجع اليه لونه، و يقول جائتكم بالرحمة، و روى انه قال كامل كنت مع ابي جعفر عليه السّلام فهبّت ريح شديدة فجعل ابو جعفر عليه السّلام يكبّر ثم قال ان التكبير يردّ الريح، و قال عليه السّلام ما بعث اللّه عز و جل ريحا الا رحمة او عذابا فاذا رأيتموها فقولوا اللهم انا نسألك خير ما ارسلت له، و نعوذ بك من شرها و شرّ ما ارسلت له و كبروا و ارفعوا اصواتكم بالتكبير فانه يسكرها، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا تسبوا الرياح فانها مأمورة، و لا الجبال و لا الساعات و لا الايام و لا الليالي فتأثموا و ترجع اليكم.

اقول ظاهر قوله صلّى اللّه عليه و آله فتأثموا هو التحريم لان المكروه خال منا لاثم و لم يذكره احد من الاصحاب رضوان اللّه عليهم سوى ظاهر ابن بابويه، و القول بالتحريم غير بعيد لان الريح و ما ذكر معها جند من جنود اللّه و مخلوقات من خلقه خلقها لمصالح العباد و لاستعتابهم و للشهادة عليهم، كما في الحديث ان الايام تتجسم و تأتي في القيامة تشهد للانسان او عليه فلا تستحق السب و اللعن، و السب ليس هو خصوص اللعن بل ما يتناوله مع الشتم و في الحديث ان اللعنة اذا خرجت من صاحبها ترددت فان رأت محلا علّقت به و الا رجعت الى صاحبها و هو اولى بها، و لا شكّ ان هذه الامور ليست محلا لتلك اللعنة فهي ترجع الى صاحبها و من هنا حصل له الاثم.

و روى ان رجلا نازعته الريح فلعنها فقال عليه السّلام لا تلعهنا فانها مأمورة، و انه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه، و قال صلّى اللّه عليه و آله لا يأتي على الناس زمان الا و الذي بعده شر منه، لا تسبوا الدهر فان اللّه هو الدهر و معناه كما قيل لا تسبوا الدهر فان اللّه مصرّف الدهر و مقلبه و لا فعل للدهر بحال، فحذف المضاف و اقام المضاف اليه مقامه، و قال بعض الافاضل المعتمد في

ص:232

الحديث ان الملحدين و من نفي الصانع منهم نسبوا افعال اللّه تعالى المختصة به من الموت و الحياة و الصحة و المرض الى الدهر جهلا منهم و يذمون الدهر و يسبّونه من حيث انهم اعتقدوا ان هذه الافعال صادرة منه، فنهاهم النبي صلّى اللّه عليه و آله و قال لا تسبوا الدهر أي لا تسبوا من فعل بكم هذه الافعال ممن تتقدون أنه الدهر فأن اللّه تعالى هو الفاعل لهذه الافعال، و انما قال فان اللّه هو الدهر من حيث إنهم نسبوا افعال اللّه الى الدهر أي من جعلتموه دهرا باعتقادكم الفاسد.

و قد حكى اللّه ذلك عنهم في قوله ما هي الا حيوتنا الدنيا نموت و نحيى و ما يهلكنا الا الدهر، و في سؤال النزديق للصادق عليه السّلام في حديث طويل قال فاخبرني ما جوهر الريح قال الريح هواء اذا تحرك يسمى ريحا و اذا سكن يسمى هواءا و به قوام الدنيا و لو كفّت الريح ثلاثة ايام لفسد كل شيء على وجه الارض و نتن، و ذلك لان الريح بمنزلة المروحة تذهب و تدفع الفساد عن كل شيء و تطيبه فهي بمنزلة الروح اذا خرجت عن البدن نتن البدن و تغيّر تبارك اللّه احسن الخالقين.

و في كتاب الاحتجاج روى عن علي بن يقطين انه قال امر ابو جعفر الدوانيقي يقطين ان يحفر بئرا بقصر العبادي فلم يزل في حفرها حتى مات ابو جعفر و لم يستنبط منها الماء، فأخبر المهدي بذلك فقال احفر ابدا حتى يستنبط الماء و لو انفقت جميع ما في بيت المال، قال فوجّه يقطين أخاه ابا موسى في حفرها فلم يزل يحفرها حتى ثقبوا ثقبا في اسفل الارض فخرجت منه الريح قال فهالهم ذلك فاخبروا به ابا موسى، فقال انزلوني فانزل و كان رأس البئر اربعين ذراعا في اربعين ذراعا فاجلس في شق محمل و دلي في البئر فلما صار في قعرها نظر الى هول و سمع دوي الريح في اسفل ذلك فأمرهم ان يوسعوا لخرق فجعلوه شبه الباب العظيم، ثم دلى فيه رجلان في شقّ محمل فقال ائتوني بخبر هذا ما هو قال فنزلا في شقّ محمل فمكثا مليا ثم حركا الحبل فاصعدا فقال لهما ما رأيتما قالا امرا عظيما رجالا و نساءا و بيوتا و آنية و متاعا كله ممسوخ من حجارة، فأما الرجال و النساء فعليهم ثيابهم فمن بين قاعد و مضطجع و متكي فلما مسسناهم فاذا ثيابهم تنفش شبه الهبا، و منازل قائمة، قال فكتب بذلك ابو موسى الى المهدي فكتب المهدي الى المدينة الى موسى بن جعفر عليهما السّلام يسأله ان يقدم عليه فقدم اليه فأخبره فبكى بكاءا شديدا و قال يا امير المؤمنين هؤلاء بقية قوم عاد غضب اللّه عليهم فساخت بهم منازلهم هؤلاء اصحاب الاحقاف قال فقال له المهدي يا ابا الحسن و ما الاحقاف قال الرمل.

و الحاصل ان الرياح من جنوده سبحانه و تعالى عما يقول الفلاسفة علوا كبيرا و اما الصاعقة فهي نار تتكون من ضرب مخاريق الملائكة للسحاب، و هو جسم كثيف اذا وقع على الارض شقّها، قالوا انه لا يسكن الا اذا وصل الى الماء و ذكروا من خواصه انه اذا نزل على ذهب

ص:233

او فضة في معدن اذابه و اذا جعل ذلك الذهب في كيس او نحوه فلا يغيّر جوهره و لا يذيبه، و زعم ابن سينا في شفائه ان السيوف التي تمدحها الشعراء متخذة من حديد الصواعق.

و من المكونات في الهوى الذرات روى الصدوق (ره) مسندا الى علي عليه السّلام و قد سأل مما خلق اللّه عز و جل الذر الذي يدخل في كوّة البين فقال ان موسى عليه السّلام لما قال رب ارني انظر اليك قال اللّه عز و جل ان استقر الجبل لنوري فانك ستقوى على ان تنظر اليّ و ان لم يستقرّ فلا تطيق ابصاري لضعفك، فلما تجلّى اللّه تبارك و تعالى للجبل تقطع ثلاث قطع، فقطعة ارتفعت في السماء و قطعة غاصت تحت الارض، و قطعة بقيت فهذا الذر من ذلك الغبار غبار الجبل اقول يجوز ان يكون معناه ان مادة الذر هو ذلك الجبل المتقطع لا انّ كل ذر منه فان المشاهد ان بعض الذر يرتفع من الاجسام المحسوسة و يشاهد في الكوة لكن يكون هذا الذر قد انضاف الى ذلك الذر.

و من جملة كائنات الهوى الشياطين و الجن و هما عند الملّيين اجسام تتشكل بأي شكل شائت و تقدر على ان تتولّج في بواطن الحيوانات و تنفذ في (من) منافذها الضيقة نفوذ الهوى، و قد اختلفوا في اختلافهما بالنوع مع اتفاقهم على انهما من اصناف المكلفين، و اما الفلاسفة فقد انكروها رأسا و قالوا ان ما يتوهمه (هم) الناس كونه جنا فانما هو خيالات و اخلاط من السوداء و الصفراء و غير ذلك و قد استندوا في نفيهما الى خيالات و همية سموها دلائل عقلية لا نطول الكتاب بذكرها لظهور فسادها.

و قال قوم هي النفوس الناطقة المفارقة فالخيرة من المفارقة عن الابدان تتعلق بالخيرة من المقارة لها نوعا من التعلق و تعاونها على الخير و السداد و هي الجن، و الشريرة منها تتعلق بالشريرة و تعاونها على الشر و الفساد و هي الشياطين و المفهوم من الآيات و الاخبار انهما نوعان متقاربان في الذات و الصفات داخلان تحت قلم التكليف، الا ان المسلمين من الجن اكثر من مسلمي الشياطين و الا فالشياطين فيهم المؤمن ايضا، روى الصفار و غيره قال قال ابو عبد اللّه عليه السّلام بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذات يوم جالس اذ اتاه رجل طويل كأنه نخلة فسلّم عليه، فقال من انت يا عبد اللّه فقال الهام بن الهيم بن لاقيس بن ابليس، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كم اتى لك، قال انا ايام قتل قابيل هابيل غلام افهم الكلام و انهى عن الاعتصام و آمر بقطيعة الارحام و افسد الطعام، و لكني تبت على يدي نوح و كنت معه في السفينة (سفينته خ ل) و عاتبته على دعائه على قومه حتى بكا و ابكاني، و قال لا جرم اني على ذلك من النادمين، و كنت مع ابراهيم حين القى في النار، و علمني موسى سفرا من التورية، و عيسى سفرا من الانجيل، و قال ان ادركت محمدا صلّى اللّه عليه و آله فاقرأه مني السّلام فدفعه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الى علي عليه السّلام و علمه سورا من القرآن الحديث.

ص:234

و اما مادة خلقتهما فالمشهور انهام من النار كما قال تعالى وَ اَلْجَانَّ خَلَقْنٰاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نٰارِ اَلسَّمُومِ، و قوله وَ خَلَقَ اَلْجَانَّ مِنْ مٰارِجٍ مِنْ نٰارٍ، و المارج هو لهب النار الخالص من الدخان، فعلى هذا يكون عنصره واحدا، و قيل هو مركب من العناصر الاربعة الا ان الاغلب عليه النار فلذا كان هو المنسوب اليه، و يؤيده ان في الآيات ذكر خلق الانسان معه هكذا خَلَقَ اَلْإِنْسٰانَ مِنْ صَلْصٰالٍ كَالْفَخّٰارِ وَ خَلَقَ اَلْجَانَّ مِنْ مٰارِجٍ مِنْ نٰارٍ و الصلصال الطين اليابس، و الفخار الطين المطبوخ بالنار، فلذا لم يذكر للانسان سوى الطين لكونه الاغل فيه، و من ثم كان المكان الطبيعي للجسم هو مكان اغلب عناصره، و قد ثبت هذا بالبرهان و المراد بالجان في هذه الآيات على ما قاله اكثر المفسرين ابو الجنّ، و قال الحسن هو ابليس ابو الجن فيكون النوع واحدا و قد تواترت الاخبار ببقائهما بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله الى يوم القيامة.

اما الشياطين فلا خلاف فيه بين المسلمين و اما الجن فقد نقل لي شيخنا الثقة ان الفاضل القزويني (1)دام اللّه ايامه قد انكر وجودهم بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و قال انه دعا عليهم فماتوا جميعا و الى هذا ذهب سلطان العلماء قدس اللّه روحه و حكى لي ابنه المقدس العدل ان اباه كان يتعمد في الليالي للاماكن الموحشة المظلمة لعله يرى احدا منهم فلم يتّفق له قال ولده فقلت له انهم لا يظهرون على من له قوة قلب و انما يظهرون على ضعفاء القلوب، و بالجملة فان عليا عع قد قاتلهم زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله فاسلم منهم جماعة و عيّن عليهم خليفة منهم، و كانت خلائه عليهم بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله كلما مات خليفة عيّن عليه السّلام لهم موضعه خليفة.

و هكذا روى شيخنا المفيد قدس اللّه روحه في ارشاده مسندا الى ابن عباس قال لما خرج النبي صلّى اللّه عليه و آله الى بني المصطلق جنّب عن الطريق فادركه الليل و نزل بقرب واد وعر، فلما كان في آخر الليل هبط جبرئيل عليه السّلام يخبره ان طائفة من كفّار الجن قد استنبطوا الوادي يريدون كيده عليه السّلام و إيقاع الشر باصحابه عند سلوكهم اياه فدعى امير المؤمنين فقال له اذهب الى هذا الوادي فسيعرض لك من اعداء اللّه الجن من يريدك فادفعهم بالقوة التي اعطاك اللّه عز و جل و تحصّن منهم باسماء اللّه عز و جل التي خصّك بعلمها و انفذ معه مائة رجل من اخلاط الناس و قال لهم كونوا معه و امتثلوا امره فتوجه امير المؤمنين عليه السّلام الى الوادي فلما قرب من شفيره امر المائة الذين صحبوه ان يقفوا بقرب الشفير و لا يحدثوا شيئا حتى يؤذن لهم، ثم تقدم فوقف على شفير الوادي و تعوّذ باللّه من اعدائه و سمى اللّه عز اسمه و اومى الى القوم الذين اتبعوه ان يتقربوا منه، فقربوا و كان بينه و بينهم فرجة مسافتها غلوة سهم ثم رام الهبوط الى الوادي فاعترضت ريح عاصف كاد

ص:235


1- 1) هو العالم الفاضل الشهير المولى خليل القزويني رحمه اللّه المتوفى (1089) ه له آراء و اقوال غريبة و اعوجاج في السليقة و كلمات عجيبة في فهم عبارات الائمة عليهم السّلام راجع الى روضات الجنات و [1]غيرها.

ان تقع على وجوههم لشدتها و لم تثبت على الارض من هول الخصم و من هول ما لحقهم فصاح امير المؤمنين عليه السّلام اما علي بن ابي طالب بن عبد المطلب وصي رسول اللّه و ابن عمه اثبتوا ان شئتم، فظهر للقوم اشخاص على صورة الزطّ (1)خيّل في ايديهم شعل النيران قد اطمأنوا و اطافوا بجنبات الوادي، فتوغلّ امير المؤمنين عليه السّلام بطن الوادي و هو يتلوا القرآن و يومي بسيفه يمينا و شمالا، فما لبثت الاشخاص حتى صارت كالدخان الاسود و كبّر امير المؤمنين عليه السّلام ثم صعد من حيث هبط فقام مع القوم الذين اتبعوه حتى اسفر الموضع عما اعتراه.

فقال له اصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما لقيت يا ابا الحسن فلقد كدنا ان نهلك خوفا و اشفقنا عليك اكثر مما لحقنا، فقال عليه السّلام انه لما تراءى لي العدو، جهرت فيهم باسماء اللّه فتضاءلوا، و علمت ما حلّ بهم من الجزع فتوغلت الوادي غير خائف منهم، و لو بقوا على نياتهم لاتيت على آخرهم و قد كفى اللّه كيدهم و كفى المؤمنين شرهم و ستسبقني بقيتهم الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يؤمنون به و انصرف امير المؤمنين عليه السّلام بمن معه الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و اخبره الخبر فسرى (فسر ظ) عنه و دعى له بخير، و قال له قد سبقتك يا علي من اخافه اللّه بك و اسلم و قبلت اسلامه، ثم ارتحل بجماعة المسلمين حتى قطع (قطعوا خ) الوادي آمنين غير خائفين اقول هذا الحديث رواه العامة و الخاصة، و مثله قتاله عليه السّلام مع جنّ وادي البصرة، و ايضا في المدينة الطيّبة قد قاتلهم و في زمن خلافته اتاه الثعبان و هو على المنبر في مسجد الكوفة و كان ابن خليفته على الجن و قد كان مات ابوه فخلفه موضع ابيه و كان اسمه عمرو بن عثمان و خرج ذلك الثعبان من الباب التي اشتهرت بباب الثعبان، و لما اشتهر ذلك الباب بهذا الوصف ربط به بنو امية فيلا ليقال له باب الفيل، فانكار الجن في هذه الاعصار انكار للضروريات، و قد كان منهم رجل اسمه عبد علي و امرأة اسمها حنّاء يطرقان محلتنا في بعض الايام لاجل بعض مصالحهما، فحصل بينهما و بين اهل تلك المحلة نوع صداقة ربما سألناهما عن احوال ما غاب عنّا من البلدان و عن اهلها و احوالهم ذلك اليوم و يكون كما قالا.

و كان للصادق عليه السّلام جماعة من الجنّ يخدمونه و يرسلهم الى الاماكن البعيدة روى عن سدير الصيرفي قال اوصاني ابو جعفر عليه السّلام بحوائج له بالمدينة فخرجت فبينا انا في فج الروحا، و هو موضع بين الحرمين على ثلاثين ميلا، اذ انسان يلوى بثوبه قال فملت اليه و ظننت انه عطشان فناولته الاداوة، فقال لي لا حاجة لي بها و ناولني كتابا طينه رطب، قال فلما نظرت الى الخاتم فاذا

ص:236


1- 1) الزط بضم الزاي و تشديد المهملة جنس من السودان و الهنود و هندي و هنود مثل زنجي و زنوج و زنوج و زط زطا الذباب: صوت في اقرب الموارد: الزط طائفة من اهل الهند معرب جت و اليهم تنسب الثياب الزطية الواحد زطى فلان.

خاتم ابي جعفر عليه السّلام فقلت متى عهدك بصاحب الكتاب، قال الساعة، و اذا بالكتاب اشياء يأمرني بها ثم التفت فاذا ليس عندي احد قال ثم قدم ابو جعفر عليه السّلام فلقيته، فقلت له جعلت فداك رجل أتاني بكتابك و طينه رطب فقال يا سدير ان لنا خدما من الجن فاذا اردنا السرعة بعثناهم، و في رواية اخرى قال ان لنا اتباعا من الجن كما ان لنا اتباعا من الانس فاذا اردنا امرا بعثناهم.

و روى عن النعمان بن بشير قال، كنت مزاملا (1)جابر بن يزيد الجعفي فلما ان كنّا بالمدينة دخل على ابي جعفر عليه السّلام فودعه و خرج من عنده و هو مسرور، حتى وردنا الاخيرجة اول منزل يعدل من فيد الى المدينة يوم الجمعة فصلينا الزوال، فلما نهض بنا البعير اذا انا برجل من طوال آدم مع كتاب فناتوله جابرا فتناوله فقبّله و وضعه على عينيه و اذا هو من محمد بن علي الى جابر بن يزيد، و عليه طين اسود رطب فقال له متى عهدك بسيدي، فقال الساعة فقال له قبل الصلوة او بعد الصلوة، فقال بعد الصلوة قال ففكّ الخاتم فأقبل يقرء و يقبض وجهه حتى اتى على آخره، ثم امسك الكتاب فما رأيته ضاحكا و لا مسرورا حتى وافى الكوفة، فلما وافينا الكوفة ليلا بتّ ليلتي فلما اصبحت اتيته إعظاما له فوجدته قد خرج عليّ و في عنقه كعاب قد علقها و قد ركب قصبة و هو يقول أجد منصور بن جمهور اميرا غير مأمور.

و ابياتا من نحو هذا فنظر في وجهي و نظرت في وجهه فلم يقل لي شيئا و لم اقل له و أقبلت ابكي لما رأيته، و اجتمع عليّ و عليه الصبيان و الناس و جاء حتى دخل الرحبة فأقبل يدور مع الصبيان و الناس يقولون جنّ جابر بن يزيد، فو اللّه ما مضت الايام و الليالي حتى ورد كتاب هشام بن عبد الملك الى واليه، ان أنظر رجلا يقال له جابر بن يزيد الجعفي، فاضرب عنقه و ابعث اليّ برأسه فالتفت الى جلسائه فقال لهم من جابر بن يزيد الجعفي، قالوا اصلحك اللّه كان رجلا له فضل و علم و حديث و حجّ فجنّ و هو اذا في الرحبة مع الصبيان على الصقب يلعب معهم، قال فاشرف عليه فاذا هو مع الصبيان يعلب على القصب فقال الحمد للّه الذي عافاني من قتله، قال و لم تمض الايام حتى دخل منصور بن جمهور الكوفة، فصنع ما كان يقول جابر.

و الحاصل انه بقى متكلفا للجنون كل زمان هشام فلما جاء خبر نعيه فما اصبح الصباح الا و قد جلس جابر في مسجد المدينة يحدث الناس عن الباقر عليه السّلام و ذلك الرسول الذي ناوله الكتاب كان من الجانّ، و قد كان جماعة من الجانّ يصعدون النخل عند رجل من اهل بلدتنا و قد كان منفردا بمنزله و كان منزله في بستان نخل له فاذا صعدوا رموه بالحجارة و كان يشاهدهم و يسمع كلامهم و كانهم قصدوا اخراجه من ذلك المنزل فجمع رجالا ذات ليلة، و لما شاهدوا الجن على

ص:237


1- 1) الوميل الذي يزاملك أي يعادلك في المحمل و الزميل الرفيق في السفر الذي يعينك على امورك و الزميل الرديف.

رأس النخلة صعدوا اليهم فرموا بأنفسهم الى الماء و بقى منهم عباة صغيرة قصيرة ليس على صنعة الناس بل صنعتها على نمط غريب.

و اعلم ان جماعة منهم و هو نوع من الغول الجاني يسكن بلادنا الجزائر في الشطوط و المياه و يسمونه طنطلا بلغتهم و هو اسود البدن طوله كطول النخلة اجعد الشعر اقدامه كحافر الفيل، و قد شاهده بعض ثقاة اخواننا في شط الفرات، و من خواصه انه يأتي الى الانسان اذا تفرد به فيركبه، و ربما اضر بذلك الشخص ركوبه و يخاف من الجري خوفا كثيرا و ذلك انهم عرفوه بهذه الصفة، فاذا اصطادوا السمك صادوا جرية و حفظوها معهم حتى اذا جاء اليهم ذلك الغول، و اراد الاضرار بهم اخرجوا اليه تلك الجرية و ضربوه بها حتى يرمي بنفسه الى الماء فلا يرونه بعد هذا، و الجن و الشياطين يسكنون الهوى و المياه و كذا بعض الملائكة و من ثم كره تطميح البول في الهواء و كذا كره البول في الماء و دخول الانهار و المياه بغير ازار استحياء من ساكنيها و لئلا يؤذيهم فيؤذونه.

و اما اكل الجانّ فهو العظام و ما شابهه اما بالاكل حقيقة و اما انهم يشمونها فيشبعون و كلاهما قد روى في الاخبار، و من ثم كره انتهاك العظام و هو المبالغة في اخذ ما عليها من اللحم، و قال عليه السّلام انها طعام من الجن (الجان) فاذا انتهكت العظم اخذوا من طعامك ما قابله، و الجمع بين الخبرين إمّا بتعدد انواعهم بان يكون منهم من يشمّ العظام و منهم من يأكلها و اما بالقول بأن العظام طعامهم تارة يأكلونها، و تارة أخرى يشمونها و تكون غذاء لهم على التقديرين، و الحق ان هذا طعامهم المعتاد و الا فهم يأكلون من طعامنا ايضا فأنه قد شوهد متواترا ان الناس يصنعون طعاما خاصا لهم في بعض الاوقات و يضعونه في مكان خاص بالقرب منهم و لعلهم يشاهدونه في بعض الاحوال، و تأكله الجان و في الروايات عن الطاهرين عليهم السّلام ان الطعام اذا حضر بين ايدي الجماعة حفته ملائكة و شياطين، فاذا ذكروا اسم اللّه قبل الاكل او ذكره واحد منهم اقبل الملائكة على الشياطين فطردوهم، و ان لم يذكروا اسم اللّه على الطعام قربت الجن و الشياطين فأكلوا معهم، و من هنا ترى الطعام يؤكل سريعا و لم يشبع القوم، و يقال ليس لهذا الطعام بركة و سيأتي تمام هذا البحث في آداب الاكل ان شاء اللّه تعالى، و اما طعام دوابهم فقد روى انه الروث، و هو ايضا إما بالاكل او بالشمّ، و قد عرفت ان من جملة ما في الهوى البحر المكفوف بقدرته سبحانه، و فيه انواع المخلوقات و ما يعلم خلق ربك الا هو هذا مجمل ما في العالم العلوي و أتت نوبة العالم السفلي.

ص:238

نور ارضي

اعلم ان اللّه سبحانه قد تمدّح في معرض الامتنان بخلق الارض فقال أ لم نجعل الارض مهادا و الجبال اوتادا و قوله فمهدنا فنعم الماهدون، فنحن كالاطفال و الارض مهدنا و هو تعالى المربي لنا و المنعم، و من هذا نعت به نفسه كل وصف فقال الحمد رب العالمين أي مربيهم و مرقّيهم في المراتب الحسية و المعنوية الى درجات الكمال و الارض طبقات كما ان السموات طبقات و قد اختلف الاخبار في ترتيب ما تحت الارض، ففي كثير منها ان قرار الارض على عاتق ملك و قد ما ذلك الملك على صخرة و الصخرة على قرن ثور و الثور قوائمه على ظهر الحوت في اليّم الاسفل، و اليمّ على الظلمة و الظلمة على العقيم، و العقيم على الثرى، و ما يعلم تحت الثرى الا اللّه تعالى.

و في خبر آخر عن الصادق عليه السّلام قال فيه ان اللّه خلق النهار قبل الليل و الشمس قبل القمر و الارض قبل السماء و وضع الارض على الحوت في الماء و الماء على صخرة مجوفة و الصخرة على عاتق ملك، و الملك على الثرى، و الثرى على الريح العقيم، و الريح على الهوى تمسكه القدرة، و ليس تحت الريح العقيم الا الهوى و الظلمات، و لا وراء ذلك سعة و لا ضيق و لا شيء يتوهّم، ثم خلق الكرسي فحشاه السموات و الارض، و الكرسي اكبر من كل شيء خلق اللّه، ثم خلق العرش فجعله اكبر من الكرسي، و يمكن الجمع بين الخبرين بحمل الحوت و الثور على انهما ملكان بشكل الحوت احدهما و بشكل الثور الاخر كما في حامل العرش، فان كل واحد بصورة حيوان كما تقدم، او ان يقال بتعدد الهقيم فتكون واحدحة حاملة للثرى، و الاخرى محمولة له و نحو ذلك.

فان قلت ما معنى قولهم عليهم السّلام انه عند الثرى ينقطع علم العلماء كما قال في الحديث الاول و ما يعلم تحت الثرى الا اللّه تعالى مع ما ورد من شمول علم الائمة عليهم السّلام و احاطته بما فوق الثرى و ما تحته قلت يجوز ان يكون معناه ان العلم المأذون لهم في تبليغه للأمة و إلقائه اليهم هو ما ينتهي الى الثرى فاذا انتهى الحال اليه انقطع العلم المأذون لهم بتبليغه و يجوز ان يكون من اسرار الحرف الذي هو جزء من الاسم الاعظم الذي امتاز اللّه سبحانه بعلمه و لم يعلمه نبيا فمن دونه كما سبق في الانوار المتقدمة.

فان قيل كيف بيّن عليه السّلام في الحديث الاخير ما تحت الثرى من العقيم و الهوى قلت يجوز ان يكون المراد بما تحت الثرى من العلم الذي حجب عن الناس هو العلم بتفاصيله مفصلا بأن يكون للظلمات و الهوى التي هي تحت الثرى احوال غريبة و اوضاع عجيبة حجب علمها عن ان يعلم

ص:239

للخلايق او انه تعالى استأثر به لا بذلك المجمل و يؤيده انه قد ورد في الاحاديث تفاصيل احوال ما فوق الثرى و عدم ذكر احوال التي تحته.

و اعلم انه قد وقع الخلاف بين الحكماء و المنجمين في سكون الارض و تحركها فذهب الاكثر الى انها ساكنة غير متحركة و ذهب آخرون الى انها هاوية أي متحركة الى اسفل دائما ابدا فلا تزال الارض تنزل في خلاء غير متناه لما في طبيعتها من الاعتماد و الثقل الهابط، و ذهب ثالث الى انها تدور متحركة على مركز نفسها من المغرب الى المشرق خلاف الحركة اليومية و الحركة اليومية لا توجد على هذا التقدير و انما يتخيل بسبب حركة الارض ان يتبدّل الوضع من الفلك بالقياس الينا دون اجزاء الارض اذ لا يتغيّر الوضع بيننا و بينها فانا على جزء معين منها فانها اذا تحركت من المغرب الى المشرق ظهر علينا من جانب المشرق كواكب كانت مخفية عنّا بحدبة الارض و خفى عنّا بحدبتها من جانب المغرب كواكب كانت ظاهرة علينا فيظنّ لذلك ان الارض ساكنة في مكانها و المتحرك هو الفلك فيكون حينئذ متحركا من المشرق الى المغرب و ذلك كراكب السفينة فانه يرى السفينة ساكنة مع حركتها حيث لا يتبدّل وضع اجزائها منه و يرى الشطّ متحركا مع سكونه حيث يتبدّل وضعه منه مع ظنّ انه ساكن في مكانه و كذلك يرى القمر سائرا الى الغيم حين يسير الغيم اليه و غير ذلك من الامور التي يغلط بها الحسّ.

و اما الوارد في الشريعة المطهرة فهو كونها ساكنة و ان الجبال اوجبت سكونها قال اللّه تعالى وَ أَلْقىٰ فِي اَلْأَرْضِ رَوٰاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ و قال تعالى وَ اَلْجِبٰالَ أَوْتٰاداً روى عن ابن عباس انه قال ان الارض بسطت على الماء فكانت تكفأ بأهلها كما تكفأ السفينة فأرساها اللّه تعالى بالجبال و ذكروا لهذا وجوها أحدها ما قاله الرازي في التفسير و هو انّ السفينة اذا القيت على وجه الماء فأنها تميل من جانب الى جانب و تضطرب فاذا وقعت الاجرام الثقيلة فيها استقرت على وجه الماء فكذلك لمّا خلق اللّه تعالى الارض على وجه الماء اضطربت و مادت فخلق اللّه تعالى عليها هذه الجبال و وتدها بها فاستقرت على وجه الماء بسبب ثقل الجبال ثم اعترض على هذا و حاصله ان حركات الاجسام طبيعية و لا شك ان الارض اثقل من الماء و الاثقل يغوص في الماء و لا يبقى طائفا عليه فامتنع ان يقال انها كانت تميد و تضطرب بخلاف السفينة فانها متخذة من الخشب و في داخل الخشب تجويفات غير مملوة فلذلك تميد و تضطرب على وجه الماء فاذا ارسيت بالاجسام الثقيلة استقرت و سكنت فظهر الفرق.

و اجاب عن هذا الاشكال شيخنا المحقق ادام اللّه ايامه بان الارض و ان كانت ثقيلة و في طبعها طلب المركز لكنّ الماء يحركها بأمواجه حركة قسرية و يزيلها عن مكانها الطبيعي بسهولة،

ص:240

فكانت تميد و تضطرب بأهلها و تغوص قطعة منها و تخرج قطعة و لما ارساه اللّه تعالى بالجبال و ثقّلها قاومت الماء و امواجها بذلك الثقل فكانت كالاوتاد مثبتة لها.

و ثانيها ما قاله الرازي ايضا بعد ان زيّف الوجه الاول بايراد اشكالات كما هو شأنه في التشكيك حتى ان المحقق الداماد قدس اللّه زكي ترتبته سمّاه شيخ المشككين لكثرة تشكيكه في المسائل، قال و الذي عندي في هذا الموضع المشكل ان يقال انه ثبت بالدلائل اليقينة ان الارض كرة، و ان هذه الجبال على سطح هذه الكرة جارية مجرى خشونات و تضريسات تحصل على وجه هذه الكرة، اذا ثبت هذا فنقول اذا فرضنا هذه الخشونات ما كانت حاصلة بل كانت الارض كرة حقيقية خالية عن هذه الخشونات و التضريسات لصارت بحيث تتحرك بالاستدارة بأدنى سبب لان الجرم البسيط المستدير و ان لم يجب كونه متحركا بالاستدارة عقلا الا انه بأدنى سبب يتحرك على هذا الوجه اما اذا حصل على سطح كرة الارض هذه الجبال و كانت كالخشونات الواقعة على وجه الكرة فكل واحد من هذه الجبال انما يتوجه طبعه الى مركز العالم، و توجه ذلك العالم نحو مركز العالم بثقله العظيم و قوته الشديدة يكون جاريا مجرى الوتد الذي يمنع كرة الارض من الاستدارة فكان تخليق هذه الجبال على الارض كالاوتاد المغروزة في الكرة المانعة لها من الحركة المستديرة او كانت مانعة للارض عن الميد و الميل و الاضطراب بمعنى انها منعت الارض عن الحركة المستديرة، فهذا ما وصل اليها خاطري في هذا الباب و اللّه اعلم، و اعترض بعض افاضل العصر عليه بوجوه كثيرة لا نطول الكلام بذكرها.

و ثالثها ما قاله بعض مشائخنا من ان يكون مدخلية الجبال بعدم اضطراب الارض بسبب اشتباكها و اتصال بعضها في بعض اعماق الارض بحيث يمنعها عن تفتت اجزائها انفكاكها، فهي بمنزلة الاوتاد و المسامير المثبتة في الابواب المركبة من قطع الخشب بحيث تصير سببا لالتزاق بعضها ببعض، و هذا معلوم ظاهر لمن حفر الابار في الارض فانها تنتهي عند المبالغة في حفرها الى الاحجار الصلبة.

و رابعها ما قاله بعض المحدثين من ان المراد بالجبال و الرواسي الانبياء و الاولياء و العلماء و بالارض الدنيا، اما وجه التجوّز بالجبال عن الانبياء و العلماء فلان الجبال لما كانت على غاية من الثبات و الاستقرار و مانعة لما يكون تحتها من الحركة و الاضطراب عاصمة لما يلتجي اليها من الحيوان عما يوجب له الهرب فيسكن بذلك اضطرابه و قلقلته اشبهت الاوتاد من بعض هذه الجهات، ثم لما كانت الانبياء و العلماء هم السبب في انتظام امور الدنيا و عدم اضطراب احوال اهلها كانوا كالاوتاد للارض فلا جرم صحّت استعارة لفظ الجبال لهم، و لذلك يقال في العرب فلان جبل منيع يأوي اليه كل ملهوف، اذا كان يرجع اليه في المهمات و الحوائج و العلماء اوتاد اللّه

ص:241

في الارض، و الحق ان العلماء و ان ورد في الاخبار اطلاق الاوتاد عليهم بل قد فسّر بهم اوتاد الآيات الا ان ذلك تفسير لباطن الآيات، و اما الظاهر فقد فسرت في الاخبار ايضا فالاعراض عن ارادة الظاهر و الاقتصار على ارادة بواطن الآيات كما هو أدب بعض المعاصرين ليس من دأب المحققين.

و اعلم ان وراء هذه الارض ارضا أخرى روى عجلان بن ابي صالح قال سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن قبّة آدم فقلت له هذه قبة آدم، فقال نعم و للّه قباب كثيرة ان خلف مغربكم هذا تسعة و ثلاثين مغربا ارضا بيضاء مملوة خلقا يستضيئون بنورها لم يعصوا اللّه طرفة عين لم يدروا ان اللّه عز و جل خلق آدم ام لم يخلقه يبرأون عن فلان و فلان و فلان قيل كيف هذا و كيف يبرأون من فلان و فلان و فلان، و هم لا يدرون ان اللّه خلق آدم ام لم يخلقه فقال للسائل عن ذلك أ تعرف ابليس، فقال لا الا بالخبر، فقال أ فأمرت بلعنته و البراءة منه قلن (قال ظ) نعم قال و كذلك امر هؤلاء.

و روى جابر بن يزيد عن ابي جعفر عليه السّلام قال ان وراء شمسكم هذه اربعين عين شمس ما بين عين شمس الى عين شمس أخرى اربعون عاما، فيها خلق كثير ما يعلمون ان اللّه خلق آدم أم لم يخلقه، و ان من وراء قمركم هذا اربعين قرصا ما بين القرص الى القرص اربعون عاما، فيها خلق كثير ما يعلمون ان اللّه خلق آدم ام لم يخلقه، قد الهموا كما الهمت النحل لعنة الاول و الثاني و الثالث في كل الاوقات، و قد و كلّ بهم ملائكة متى لم يعلنوا عذّبوا، و سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما خلف جبل قاف، قال خلفه سبعون ارضا من ذهب و سبعون ارضا من فضة و سبعون ارضا من مسك و خلفه سبعون ارضا سكانها الملائكة لا يكون فيها حرّ و لا برد، و طول كل ارض مسيرة عشرة آلاف سنة، قيل و ما خلف الملائكة قال حجاب من ظلمة، قيل و ما خلفه، قال حجاب من ريح قيل و ما خلفه قال حجاب من نار، قيل و ما خلف ذلك قال علم اللّه تعالى و قضائه و سأل عن عرض قاف و طوله و استدارته فقال عليه السّلام عرضه مسيرة الف سنة من ياقوت احمر قصته (1)ن فضة بيضاء و زّجه من زمردة خضراء، له ثلاث ذوائب من نور ذوابة بالمشرق و ذوابة بالمغرب و الاخرى في وسط السماء عليها مكتوب الاول بسم اللّه الرحمن الرحيم، الثاني الحمد للّه رب العالمين، الثالث لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه.

و اعلم ان من جملة حوادث الارض الزلازل و ذكر الحكماء في سببه ان البخار اذا احتبس في الارض يميل الى جهة و يبرد بالارض فقلب مياها مختلطة بأجزاء بخارية ان قلّ، فاذا كثر

ص:242


1- 1) القصة و القصة و القص الجص لغة حجازية و قيل الحجارة من الجص و قد قصص داره أي جصصها و في الحديث نهى رسول اللّه ص عن تقصيص القبور و هو بناؤها بالقصة (لسان العرب) . [1]

بحيث لا تسعه الارض اوجب انشقاق الارض و انفجار العيون، و اذا غلظ البخار بحيث لا ينفذ في مجاري الارض بأن كانت الارض كثيفة عديمة المسام اجتمع فجنح طالبا للخروج و لم يمكنه النفوذ فزلزلت الارض و ربما قويت المادة على شقّ الارض فيحدث صوت هائل، و قد تخرج نار لشدة الحركة المقتضية لاشتعال البخار و الدخان الممتزجين على طبيعة الدهن، هذا كلامهم قاتلهم اللّه و اخزاهم، و اما الذي ورد عن الائمة الطاهرين عليهم السّلام.

فمنها ما رواه الصدوق عن الصادق عليه السّلام قال ان ذا القرنين لما انتهى الى السد جاوزه فدخل في الظلمات فاذا هو بملك قائم على جبل طوله خمسمائة ذراع، فقال له الملك يا ذا القرنين اما كان خلفك مسلك، فقال له ذو القرنين من انت قال انا ملك من ملائكة الرحمن موكّل بهذا الجبل و ليس من جبل خلقه اللّه الا و له عرق متّصل بهذا الجبل، فاذا اراد اللّه عز و جل ان يزلزل مدينة اوحى اليّ فزلتها، و منها ما روى عنه عليه السّلام أنه قال ان اللّه تبارك و تعالى خلق الارض فأمر الحوت فحملتها فقالت حملتها بقوتي فبعث اللّه عز و جل اليها حوتا قدر قشر فدخلت في منخرها فاضطربت اربعين صباحا، فاذا اراد اللّه ان يزلزل ارضا ترائت لها تلك الحوتة الصغيرة فزلزلت الارض خوفا، و منها ما روى عنه عليه السّلام انه قال ان اللّه تبارك و تعالى امر الحوت ان تحمل الارض و كل بلد من البلدان على فلس من فلوسه، فاذا اراد اللّه تبارك و تعالى ان يزلزل ارضا امر الحوت ان تحرّك ذلك الفلس فتحركه، و لو رفع الفلس لانقلت الارض باذن اللّه عز و جل و هذه العلل كلها حق و كلها اسباب و يجمعها ارادة الاستعتاب و التوبة من العباد بعد صدور الذنوب الموبقة منهم.

و لقد حدث في عشر الثمانين بعد الالف زلازل بطوس حتى خرّبت البنيان و اهلكت النفوس فذهب من المشهد الرضوي على صاحبه افضل الصلوات الاف من الانفس من الرجال و النساء و تصدّعت قبته عليه السّلام و ذهب من نيشابور فوق اربعة الاف انسان، و قد حدث في شيروان زلازل انقلبت منها بلاد كثيرة و تحولت بها رساتيق من اماكنها الى امكنة بعيدة عن مكانها الاول و ذهبت انفس لا يحصى عددها الا اللّه سبحانه، و كذلك حدث في سنة التاسعة و الثمانين بع الالف و هي سنة تاريخ تأليف هذا الكتاب زلازل في بلاد طبرستان حتى ساخت منها بعض البلدان تحت الارض و انقبلت به بعض البلاد و هلكت النفوس، و روى عن الصادق عليه السّلام قال اذا فشت ظهرت اربعة، اذا فشا الزنا ظهرت الزلازل، و اذا امسكت الزكوة هلكت الماشية، و اذا جار الحكام في القضا امسك القطر من السماء و اذا خفرت الذمة نصر المشركون و خفر الذمة نقض العهد.

ص:243

و روى ان الارض التي يزنى عليها تضج الى اللّه تعالى شاكية، بل ورد ان سبب الوبا هو الزنا و ذلك ان الارض لا تقبل غسالة الزاني فيصير ذلك الماء بخارا فيرتفع الى السماء فلا تقبله السماء ايضا فينزل على جنسه على الابار و العيون و الغدر ان و الانهار و البحار فيتكيّف الهوى عند مرور البخار عليه مرتين بشمومها و سمومها، و يتكيّف المياه ايضا و أشدّ ما يحتاج اليه الناس في استقامة الامزجة و يخافون منه في انحرافها هو الهوى ثم الماء فيتنفسون في ذلك الهوى المسموم و يشربون من ذلك الماء فتحصل المواد الفاسدة في امزجتهم فتنزل و تظهر في بعض الاعضاء، و لهذا يكثر وقوعه على الاطفال الضعيفة الامزجة و الغرباء الغير المعتاد لهواء تلك الارض، و روى انه سبب الطاعون و ذلك ان الزنا اذا كثر في ارض سلّط اللّه على اهلها جنودا من الجن يحاربونهم و يطعنونهم بحرابهم و يجردونهم و يروعونهم بالتشكل و التخيل في عيونهم فتارة يتمثلون بصور الكلاب و الذئاب و طورا بصور الطوايف المبتدعة الهائلة الصور.

و في الروايات ان يوشعا عليه السّلام قاد بني اسرائيل بعد موت موسى عليه السّلام من التيه الى بلدة الجبابرة و حاصروها فطلب اهلها ان يدعو بلعم على يوشع كما دعى على موسى عليه السّلام فقال لهم و ما دعاء الكافرين الى في ضلال، و لكن اخرجوا اليهم الزواني و الفواحش، ففعلوا فاختلط الرجال بالنساء و كثر الزنا فيما بين جنود يوشع فوقع فيهم الطاعون فهلك خلق كثير فأمر يوشع عساكره (عينا ظ) فطعن رجلا على امرأة حتى نفذ الرمح من ظهر الرجل و خرج من ظهر المرأة فرفعهما على سنان الرمح و نصب الرمح في وسط المعسكر و هما على السنان، فأمر مناديا ينادي في العسكر الا من زنى بعد اليوم فاني اصنع به ما صنعت بهذين فانقطع فعل الزنا و ارتفع الطاعون، و عنه صلّى اللّه عليه و آله انه قال اياكم و الزنا فان فيه عشر خصال نقصان العقل و الدين و الرزق و العمر، و آفة الهجران، و غضب الرحمن و هجوم النسيان، و بغض اهل الايمان و ذهاب ماء الوجه و ردّ الدعاء و العبادة، و لا يستبعد مثل هذه التاثيرات، فقد روى ان آدم عليه السّلام تقيأ ما اكل من شجرة الحنطة على الارض بعد ما بي في بطنه ثلاثين يوما فنبت منه السموم المعدنية و النباتية، و ما بقي من قوته في صلب آدم تولّد قابيل فاذا كان الحرام في بطن آكله سمّا مضرا له و لغيره الى ان ظهر اثره في نطفته و نسله فليس بعجيب.

و من تأثيرات الزنا و مقدماته سرايته الى الزاني و محرماته، روى ان رجلا سقّاء كان في بلاد بخارى و كان يجيء دار صائغ منذ ثلاثين سنة و لم يصدر منه نظر سوء قطّ، فيوما جعل السقاء يمسك زوجة الصايغ من زندها و يلمسها و يقبلها و يضمها الى نفسه حتى فعل غير الجماع من دواعيه، فراخ السقّاء و جاء الصايغ فسألته امرأته عن فعله في السوق ذلك اليوم و الحتّ عليه في الصدق قال ان امرأة كشف زندها لتدخلها في السوار فلما رأيت ساعدها لمستها بسكر الشهوة،

ص:244

و قبلت المرأة و فعلت بها غير الجماع من دواعيه فكبّرت زوجته و اخبرته بقصة السقاء، و روى عن النبي ص انه قال لكل عضو من ابن آدم حظّ من الزنا فالعين زناها النظر، و اللسان زناه الكلام، و الاذنان زناهما السمع و اليدان زناهما البطش، و الرجلان زناهما المشي، و الفرج يصّدق ذلك و يكذبه، و روى ايضا انه كان في زمان داود عليه السّلام رجل فاسق فأتى يوما الى امرأة رجل فقير ليزني بها فلما اشتغل بالزنا وقع في قلبه ان رجلا يزني بامرأته فلما اتى منزله وجد رجلا فوق بطن امرأته فأخذه الى داود عليه السّلام ليقيم عليه الحد، فأوحى اللّه تعالى الى داود قل له كما تدين تدان، زنيت بامرأة الرجل الفلاني فزنى رجل بامرأتك و في الحديث ان من زنى فقد زنى به فان لم يكن به فبأولاده و ذراريه، و قد عدّ الزنا من الكبائر، و من هذا كان للمتعفف منه و التائب بعد فعله درجة في الدنيا و الاخرة لا يدانى فيها.

روى الكليني قدس اللّه روحه باسناده الى اسحاق بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال كان ملك في بني اسرائيل و كان له قاض، و للقاضي أخ و كان رجلا صدقا، و كان له امرأة قد ولّدتها الانبياء فاراد الملك ان يبعث رجلا في حاجة فقال للقاضي إيتني رجلا ثقة، فقال ما اعلم احدا اوثق من اخي فدعاه ليبعثه فكره ذلك الرجل و قال لاخيه اني اكره ان اضيع امرأتي فعزم عليه فلم يجد بدا من الخروج، فقال لاخيه يا اخي اني لست اخلف شيئا أهم اليّ من امرأتي فاخلفني و توّل قضاء حاجتها، قال نعم فخرج الرجل و قد كانت المرأة كارهة لخروجه و كان القاضي يأتيها و يسألها عن حوائجها و يقوم بها، فأعبجته فدعاها الى نفسه فأبت عليه فحلف عليها لئن لم تفعلي لاخبرنّ الملك انها قد فجرت فقالت اصنع ما بدا لك لست اجيبك الى شيء مما طلبت، فأتى الملك فقال ان امرأة اخي فجرت و قد حقّ ذلك عندي فقال له الملك طهّرها فجاء اليها فقال ان الملك قد امرني برجمك فرجمها و معه الناس فلما طنّ انها قد ماتت تركها و انصرف و جنّها الليل و كان بها رمق فتحركت و خرجت من الحفرة ثم مشت على وجهها حتى خرجت من المدينة.

فانتهت الى دير فيه ديراني فنامت على باب الدير فلما اصبح الديراني فتح الباب فرءاها فسألها عن قصتها فخبرته فرحمها و ادخلها، و كان له ابن صغير لم يكن له غيره و كان حسن الحال فداواها حتى برأت من علتها و اندملت، ثم دفع اليها ابنه فكانت تربيه و كان للديراني قهرمان يقوم باوامره فأعجبته فدعاها الى نفسه فأبت فجهد بخا فأبت فقال لها لئن لم تفعل لاجهدنّ في قتلك، فقالت اصنع ما بدا لك فعمد الى الصبي فدقّ عنقه و اتى الديراني، فقال له عمدت فاجرة فجرت فدفعت اليها ابنك فقتلته، فجاء الديراني فلما رآه قال لها ما هذا فقد تعلمين صنيعي بك فأخبرحته بالقصة فقال لها ليس تطيب نفسي ان تكوني عندي فاخرجي فاخرجها ليلا و دفع اليها عشرين درهما و قال لها تزودي هذه الليلة حسبك فخرجت ليلا.

ص:245

فأصبحت في قرية فاذا فيها مصلوب على خشبة و هو حيّ فسألت عن قصته فقالوا لها عليه دين عشرون درهما و من كان عليه دين عندنا عشرون درهما لصاحبه صلبه حتى يؤدي الى صاحبه، فأخرجت العشرين درهما و دفعتها الى غريمه و قالت لا تقتلوه فانزلوه عن الخشبة فقال لها ما احد اعظم عليّ منّة منك نجيتني من الصلب و من الموت انا معك حيث ما ذهبت، فمضى معها و مضت حتى انتهيا الى ساحل البحر فرأى جماعة و سفنا فقال لها اجلسي حتى اذهب انا اعمل لهم و استطعم و آتيك به، فأتاهم فقال لهم ما في سفينتكم هذه قالوا هذه تجارات و جواهر و عنبر و اشياء من التجارة، و اما هذه فنحن فيها قال و كم يبلغ ما في سفينتكم هذه، قالوا كثيرا لا نحصيه قال فان معي شيئا خطيرا هو خير مما في سفينتكم، قالوا و ما معك، قال جارية لم تروا مثلها قطّ، قالوا فبعناها قال نعم على شرط ان يذهب بعضكم فينظر اليها ثم يجيء و يشتريها و لا يعلمها و يدفع اليّ الثمن و لا يعلمها حتى امضي انا، فقالوا ذلك لك فبعثوا من نظر اليها فقال ما رأيت مثلها قطّ فشتروها منه بعشرة الاف درهم، و دفعوا اليه الدراهم و مضى لها فلما امعن اتوها فقالوا لها قومي و ادخلي السفينة، قالت لم؟ قالوا اشتريناك من مولاك، قالت ما هو بمولاي قالوا تقومين او لنحملنّك فقامت و مضت معهم، فلما انتهوا الى الساحل لم يأمن بعضهم بعضا عليها فجعلوها في السفينة الى فيها الجواهر و التجارة، و ركبوا في السفينة الاخرى فدفعوها فبعث اللّه عز و جل ريحا فغرقتهم و سفينتهم و نجت السفينة التي كانت فيها حتى انتهت الى جزيرة من جزائر البحر، فخرجت من السفينة و ربطتها ثم دارت في الجزيرة فاذا فيها ماء و شجر فيه ثمر فقالت هذا ماء اشرب منه و ثمر آكل منه اعبد اللّه في هذا الموضع.

فأوحى اللّه الى نبي من انبياء بني اسرائيل ان يأتي ذلك الملك فيقول له ان في جزيرة من جزائر البحر خلقا من خلقي فاخرج انت و من في مملكتك حتى تأتوا خلقي هذا و تقروا له بذنوبكم، ثم تسألوا من ذلك الخلق ان يغفر لكم فان غفر لكم غفرت لكم فخرج الملك بأهل مملكته الى تلك الجزيرة فرأوا امرأة فتقدّم اليها الملك فقال لها ان قاضيّ هذا أتاني فخبّرني ان امرأتي اخيه فجرت فأمرته برجمها و لم تقم عندي البينة فأخاف ان اكون قد تقدمت على ما لا يحلّ لي فأحب ان تستغفري لي، فقالت غفر اللّه لك اجلس، ثم اتى زوجها و لم يعرفها فقال لها انه كان لي امرأة و كان من فضلها و صلاحها و اني خرجت عنها للسفر و هي كارهة لذلك، فأخبرني اخي انها فجرت فرجمها و انا اخاف ان اكون قد ضيعتها فاستغفري لي غفر اللّه لك، فقالت غفر اللّه لك اجلس فأجلسته الى جنب الملك.

ثم اتى القاضي فقال انه كان لاخي امرأة و انها اعجبتني فدعوتها الى الفجور فابت فأعلمت الملك انها قد فجرت فأمرني برجمها فرجمتها و انا كاذب عليها فاستغفري لي فقالت غفر

ص:246

اللّه لك، ثم اقبلت على زوجها فقالت إسمع، ثم تقدم الديراني فقصّ قصته و قال اخرجتها بالليل و انا اخاف ان يكون قد لقيها سبع فقتلها فقالت غفر اللّه لك اجلس، ثم تقدم القهرمان فقصّ قصته فقالت للديراني اسمع غفر اللّه لك، ثم تقدم المصلوب فقصّ قصته فقالت لا غفر اللّه لك، ثم اقبلت على زوجها فقالت انا امرأتك و كل ما سمعت فانما هو قصتي و ليست لي حاجة في الرجال فانا احب ان تأخذ هذه السفينة و ما فيها و تخلّي سبيلي فأعبد اللّه عز و جل في هذه الجزيرة فقد ترى ما لقيت من الرجال ففعل و أخذ السفينة و ما فيها و انصرف الملك و اله مملكته.

فانظر الى تقوى هذه المرأة كيف عصمها من الرجم و من تهمة القهرمان و من رقّ التجار، ثم انظر ما بلغ من كرامتها على اللّه حيث جعل رضاه مقرونا برضاها و مغفرته بمغفرتها، و كيف جعل من نصب لها مكرا و هيأ لها مكروها خاضعا لها طالبا منها المغفرة و الرضا و كيف رفع قدرها و نوّه بذكرها حيث امر نبيه بأن يحشر اليها الملوك و القضاة و العباد و يجعلوها بابا الى اللّه تعالى و ذريعة الى رضوانه، و اعجب من هذا أنه سبحانه لم يجر على لسان أحد منهم ذنبا من الذنوب سوى الذنب الذي اتوه الى المرأة مع ان ذنوب كل واحد منهم لا تكاد تحصى، خصوصا القاضي فان هذا الذنب الذي ذكره حسنة منه بالنسبة الى باقي ذنوبه، و لعمرك ان قضاة زماننا انما تعدّ حسناتهم و افعالهم الجميلة مثل ذنب ذلك القاضي فانظر الى افعالهم السيئة و الى ذنوبهم كيف تكون.

و روى عن الصادق عليه السّلام قال كان عابد في بني اسرائيل لم يقارف من امر الدنيا شيئا، فنخر ابليس نخرة فاجتمع جنوده فقال من لي بفلان بن فلان فقال بعضهم انا له، قال من اين تأتيه قال من ناحية النساء قال لست له لم يجرب النساء، قال آخر فانا له من ناحية الشراب و اللذات قال لست له، قال آخر فأنا له من ناحية البر قال انطلق فأنت صاحبه، فانطلق الى موضع الرجل فأقام حذاه يصلي، قال و كان الرجل ينام و الشيطان لا ينام و يستريح و الشيطان لا يستريح فتحوّل اليه الرجل و قد تقاصرت اليه نفسه و استصغر عمله، فقال يا عبد اللّه بأي شيء قويت على هذه الصلوة، فلم يجبه، ثم اعاد عليه، فقال يا عبد اللّه اني اذنبت ذنبا و انا تائب منه فاذا ذكرت الذني قويت على الصلاة، قال فأخبرني عن ذنبك حتى اعمله و اتوب فاذا فعلته قويت على الصلاة، قال ادخل المدينة و سل عن فلانة البغيّة فاعطها درهمين و نل منها، قال و من اين لي درهمين ما ادري ما الدرهمين فتناول الشيطان من تحت قدميه درهمين فناوله اياهما، قال فقدم المدينة بجلابيبه فسأل عن منزل فلانة البغيّة فأرشدوه الناس، فظنوا انه جاء يعظها فارشدوه فجاء اليها فرمى اليها بالدرهمين و قال قومي، فقامت و دخلت منزلها، و قالت ادخل و قالت انك جئتني في هيئة ليس يؤتى مثلي في مثلها فاخبرني، فاخبرها فقالت له يا عبد اللّه ان ترك الذنب اهون من طلب التوبة

ص:247

و ليس كل من طلب التوبة وجدها، و انما ينبغي ان يكون هذا شيطان مثّل لك، فانصرف و ماتت من ليلتها فاصبحت فاذا على بابها مكتوب احضروا فلانة فانها من اهل الجنة، فارتاب الناس و مكثوا ثلاثا لا يدفنونها ارتيابا في امرها، فأوحى اللّه عز و جل الى نبي من بني اسرائيل لا اعلمه الا موسى بن عمران ان إئت فلانة فصلّ عليها و مر الناس ان يصلوا عليها فأني قد غفرت لها، و أوجبت لها الجنة بتثبيطها فلان عبدي عن معصيتي، فانظر رحمك اللّه كيف استحقت هذه المرأة التي صرفت عمرها في الزنا مراتب الرحمة بمنعها عبدا من عباد اللّه عن الزنا.

و في الرواية عن الصادق عليه السّلام ان امرأة كانت في سفينة فانكسرت السفينة و خرجت المرأة على لوح الى جزيرة في البحر، فمشت ساعة و كان هناك رجل قاطع طريق تلك الجزيرة فلما رأى تلك المرأة قال لها انت من الانس ام من الجن، فما تمّ كلامه حتى جلس منها مجلس الرجل من المرأة فارتعدت خوفا، فقال لها مم تخافين، قالت من اللّه الذي ينظر الينا، قال لها أفعلت هذا الفعل من قبل هذا؟ قالت لا فقام من فوقها و قال انا احقّ منك بالتوبة لاني فعلت هذا مرارا بالاختيار و انت لم تفعليه و انا قد اضطررتك الى هذا فأنا تائب الى اللّه تعالى، فأخذ المرأة و سار معها الى البلد فلقيا في الطريق رجلا عابدا فترافقا معه في الطريق، فلما حميت عليهم الشمس قال العابد لذلك الرجل يا اخي تعال ندعوا اللّه ان يظللنا بغمامة نمشي تحتها، فقال له الرجل يا اخي ليس لي وجه ابيض عن اللّه تعالى و لا لي سابقة عمل ارجو به قبول الدعاء لكن ادع أنت، فقالوا ادعو انا و انت تؤمن على دعائي فدعى الراهب و امّن ذلك الرجل فاظلتهم سحابة فسارا تحتها فلما بلغا مفترق الطريقين تبعت السحابة ذلك الرجل و بقى العابد يمشي تحت الشمس فرجع العابد و قال له يا اخي أ لم تقل أنه ليس لك سابقة عمل و هذه السحابة قد سارت معك فاخبرني بما صنعت، فحكى الخبر و ماجرى من معاملة المرأة و انصرف معه السحابة.

و روى انه كان في بني اسرائيل امرأة بغية و كانت مفتتنة بجمالها و كان باب دارها ابدا مفتوحا، و هي قاعدة في دارها على السرير بحذاء الباب و كلّ من نظر اليها افتتن بها، فان اراد الدخول عليها احتاج الى احضار عشرة دنانير حتى تأذن له بالدخول فمرّ ببابها عابد فوقع بصره عليها فافتتن بها و لم يملك نفسه حتى باع قماشا له و اتى اليها بالدنانير، فأخذتها و جلس معها على السرير فلما مدّ يده اليها وقع في قلبه ان اللّه يراني على هذه الحالة فوق عرشه، و انا في الحرام و قد حبط عملي كله، فتغير لونه فنظرت اليه فقالت له أي شيء اصابك، قال اني اخاف اللّه فاذني لي بالخروج، فقالت له ويحك ان كثيرا من الناس يتمنون الذي وجدته فقال لها اني اخاف اللّه و الملك لك حلال فاذني لي بالخروج فخرج من عندها و هو يدعو بالويل و الثبور و يبكي على نفسه، فوقع الخوف في قلب المرأة، فقالت ان هذا الرجل اول ذنب اذنبه و قد دخل عليه من الخوف ما دخل

ص:248

و اين اذنبت منذ كذا و كذا سنة، و ان ربه الذي يخاف منه هو ربي و خوفي منه ينبغي ان يكون اشد، فتابت الى اللّه و اغلقت بابها و لبست ثيابا خلقة و اقبلت على العبادة فقالت في نفسها اني لو انتهيت الى ذلك الرجل فلعله يتزوجني فأكون عنده فأتعلّم منه امر ديني و يكون عونا لي على عبادة اللّه فتجهزت و حملت اموالها و خدمها فانتهت الى تلك القرية و سألت عنه فأخبر العابد انها قد قدمت امرأة تسأل عنك فخرج العابد اليها، فلما رأته المرأة كشف عن وجهها ليعرفها فلما رءاها عرفها و تذكر الامر الذي كان بينه و بينها فصاح صيحة و خرجت روحه فبقيت المرأة حزينة، و قالت اني خرجت لاجله و قد مات فهل له من اقربائه احد يحتاج الى امرأة؟ فقالوا ان له اخا صالحا و لكنه معسر ليس له مال فتزوجته فولد له منها خمسة اولاد كلهم صاروا انبياء في بني اسرائيل.

و من ذلك ما روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه كان في بني اسرائيل عابد و كان قد اوتي جمالا و حسنا و كان يعمل القفاف بيده فيبيعها، فمرّ ذات يوم بباب الملك فنظرت اليه جارية لامرأة الملك فدخلت اليها فقالت لها هيهنا رجل ما رأيت احسن منه يطوف بالقفاف يبيعها، فقالت ادخليه عليّ فأدخلته فلما دخل نظرت اليه فاعجبها، فقالت له اطرح هذه القفاف، و خذ هذه الملحفة، و قالت لجاريتها هاتي الدهن يا جارية فقضى منه حاجتنا و يقضيها منّا، و قالت نغنيك عن بيع هذا، فقال ما اريد ذلك مرارا فقالت و ان لم ترده فانك غير خارج حتى نقضي حاجتنا منك و امرت بالابواب فاغلقت فلما رأى ذلك قال هل فوق قصركم هذا متوضأ؟ قالت نعم يا جارية إرقى له بوضوء فلما رقى جاء الى ناحية السطح فرأى قصرا مرتفعا و لا شيء يتعلق به ليرسل نفسه من السطح فجعل يعاتب نفسه و يقول يا نفس منذ سبعين سنة تطلبين رضاء ربك حريصة عليه في الليل و النهار ثم جاءتك عشية واحدة تفسد عليك هذا كله، انت و اللّه خائبة ان جاءتك هذه العشية ارسلي نفسك من هذا السطح تموتين فتلقى اللّه ببقية عملك فجعل يعاتبها.

قال صلّى اللّه عليه و آله فلما تهيأ ليلقى نفسه قال اللّه سبحانه لجبرئيل عليه السّلام يا جبرئيل قال لبيك و سعديك، قال عبدي يريد ان يقتل نفسه فرارا من سخطي و معصيتي فالقه بجناحك لا يصيبه مكروه، فبط جبرئيل عليه السّلام جناحه فأخذه بيده ثم وضعه وضع الوالد الرحيم لولده قال فأتى امرأته و ترك القفاف و قد غابت الشمس فقالت له امرأته اين ثمن القفاف فقال لها ما اصبت لها اليوم ثمنا، فقالت فعلى أي شيء نفطر الليلة قال نصبر ليلتنا هذه ثم قال لها قومي فاسجري تنورك فانّا نكره ان يرى جيراننا اننا لم نسجر التنور فأنهم اذا لم يروا انّا سجرنا التنور اشتغلت قلوبهم بنا، فقامت و سجرت، ثم جاءت و قعدت فجاءت امرأة من جيرانها، فقالت يا فلانة هل عندك وقود؟ فقالت نعم ادخلي و خذي من التنور، فدخلت ثم خرجت فقالت يا فلانة ما لي اراك جالسة

ص:249

تتحدثين مع فلان يعني زوجها و قد نضج خبزك في التنور يريد ان يحترق، فقامت فاذا التنور محشو خبزا نقيا فجعلته في جفنة ثم جاءت به الى زوجها، فقالت له ان ربك لم يصنع بك هذا الا و أنت عليه كريم فادع اللّه ان يبسط علينا بقية عمرنا في معاشنا، قال لها تصبري على هذا فلم تزل به حتى قال نعم افعل فقام في جوف الليل يصلي و دعا اللّه تعالى، و قال اللّه ان زوجتي قد سألتني فاعطها ما تتوسع به في بقية عمرها فانفرج السقف فنزلت اليه كفّ عليها ياقوتة بيضاء اضاء لها البيت كما يضيء الشمع، فغمز رجلها و كانت نائمة فقال لها اجلسي و خذي ما سألت فقالت لا تعجل كنت قد رأيت في المنام كأني انظر الى كراسي مصفوفة من ذهب مكلل بالياقوت و الزبرجد فيها ثلمة، فقلت لمن هذا قالوا هذا مجلس زوجك فقلت فمم هذه الثلمة فقالوا من اشتغاله بدعاء استجابة ما سألته منه فما لي حاجة في شيء أثلم عليك مجلسك أدع ربك فدعا فرجع الكف.

و قد نقل في بعض التفاسير ان رابعة العدوية قال دخلت ذات يوم على تبة و هو فيما فيه من الزهد و العبادة، فقلت له كيف بدء توبتك، قال اني كنت في حداثتي مولعا بالنساء، و كان يهواني بالبصرة اكثر من الف امرأة فخرجت ذات يوم فاذا انا بامرأة لا يتبين منها غير عينيها فكأنما قدحت من قلبي نارا، و كلمتها فلم تكلمني فقلت لها ويحك انا عتبة الذي تعشقني اكثر نساء البصرة و اكلمك فلا تكلمني، قالت فما الذي تريد مني، قلت اجيء الى ضيافتك قالت يا هذا انا مغطاة فكيف احببتني، قلت لها ان عينيك قد افتتناني قالت صدقت اني غفلت عنهما فتعال الى منزلي لتنال حاجتك فذهبت معها حتى ادخلتني دارا ما رأيت فيها شيئا من الاساس، فقلت لها ما لي أرى الدار فارغة فقالت حولّنا القماش عنها الى الدار التي قال اللّه عز و جل تِلْكَ اَلدّٰارُ اَلْآخِرَةُ نَجْعَلُهٰا لِلَّذِينَ لاٰ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي اَلْأَرْضِ وَ لاٰ فَسٰاداً وَ اَلْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.

اياك ان تبيع الجنة بالبدنيا و الحوريات بالادميات، فقلت لها دعيني من هذه التقوى و اقضي حاجتي، فقالت و لا بدّ من ذلك فقلت نعم فدخلت الى بيت آخر و تركتني فاذا في البيت الاخر عجوز، فصاحت الصبية الى العجوز و قالت لها ايتني بكوز فيه ماء اتوضوء فتوضأت و صلّت الى نصف الليل و انا متفكر فقالت للعجوز اعطيني طبقا و قطعة قطن فقدمت ذلك اليها، و بعد ساعة صاحت العجوز و قالت انا للّه و انا اليه راجعون و لا حول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم، فنظرت فاذا الجارية قد قلعت عينيها جميعا و قد طرحتهما على قطعة القطن في الطبق و العينان يلعبان في الشحم، فخرجت العجوز بهما اليّ و قالت خذ ما كنت تعشقهما لا بارك اللّه لك فيهما، لقد حيرتنا حيّرك اللّه كانت هذه الصبية تخرج و تشتري و تبيع لنا و نحن عشرة نسوة في هذه المحلة فقد حيرتنا حيرك اللّه فلما سمعت كلام العجوز غشى عليّ و مرّت عليّ تلك الليلة و انا افكر فلما اصبحت حملت الى منزلي و بقيت في منزلي اربعين يوما عليلا فكان هذا سبب توبتي.

ص:250

و فيه ان زليخا قعدت على ممر يوسف فلما اخبرتها جاريتها بدنوه منها قالت يا يوسف بحق الذي اعزك و اذلني ان تقف ساعة و لا تغيب عني، فقال يا زليخا اين مالك و جمالك، قالت ذهبا في سبيلك، قال و اين عينيك، قالت ذهبت في البكاء عليك، قال و اين عشقك، قالت في صدري كما كان، فقال فأين برهانك، قالت ناولني سوطك فناولها اياه فتأوهت و نفخت فيه فاحترق السوط بنفسها، فألقاه يوسف من يده و صرف عنان الفرس فرارا، فقالت يا يوسف انك بدعوى الرجولية لم تكن مثل المرأة فاني حفظت تلك النار في صدري منذ اربعين سنة و لم انهزم كانهزامك.

و في اخبارنا عن الائمة عليهم السّلام ان زليخا ارادت ان تقف يوما على طريق يوسف تشكو اليه الحاجة فقالوا لها انك فعلتي ما فعلتي معه و نحن نخاف عليك منه، فقالت زليخا لكني لا اخاف منه لانه رأيته يخاف اللّه و انا لا اخاف من يخاف اللّه، فوقفت على طريقه فلما قرب منها قالت يا يوسف الحمد للّه الذي جعل العبيد بطاعتهم له ملوكا و جعل الملوك بمعصيتهم عبيدا، فوقف لها يوسف عليه السّلام و قال لها ما حملك على الامر الذي اردته مني، قالت حسنك و جمالك و انه ليس كان في مصر مثلي في الحسن و كان زوجي عنينا فقال لها يوسف عليه السّلام يا زليخا كيف لو رأيت نبيا يكون في آخر الزمان اسمه محمد صلّى اللّه عليه و آله أحسن مني وجها و اسمح كفا فقالت آمنت بذلك النبي و صدّقت به فقال كيف تؤمنين به و لم ترينه قالت لانك لما ذكرت اسمه وقع حبّه في قلبي، فأوحى اللّه سبحانه جبرئيل عليه السّلام الى يوسف عليه السّلام لما صدّقت زليخا بنبيي و لم تره اعطيتها ما تسأل، فقال لها يوسف عليه السّلام يا زليخا هذا جبرئيل عليه السّلام يقول إسألي ما اردت، قال أسأل خصالا ثلاثا:

الاولى ان يرجع اليّ شبابي، الثانية ان تكون انت زوجي، الثالثة ان اكون معك في الجنة فمسح جبرئيل عليه السّلام جناحه عليها فصارت الى شبابها فزوجها جبرئيل عليه السّلام يوسف عليه السّلام و في الجنة تكون معه و هذا عاقبة الصبر عن الزنا و هو الوصول الى المطلوب حلالا.

و روى ان مؤذنا لعلي عليه السّلام كان يدخل منزله فرأى فيه خادمة فهواها و كلما التقى معها قال اصبر الى ان يحكم اللّه لي و هو خير الحاكمين، ثم ان الخادمة أتت عليا عليه السّلام و اخبرته بهوى المؤذن اياها، فقال لها عليه السّلام ما قال لك قالت كلما رءاني قال اصبر حتى يحكم اللّه، فطلبه علي عليه السّلام قال يا فلان الان حكم اللّه فزوجها اياه فاستمتع منها حلالا.

و في رواية ان رجلا عشق جارية لجاره فأتى مولانا الصادق عليه السّلام فأخبره فقال له قل كلما رأيتها اللهم اني اسألك من فضلك فكان يكرر هذا الكلام فبعد مدّة اراد مولى الجارية السفر فأتى الى ذلك الرجل ليودعه اياها، فقال يا فلان انا عزب و جاريتك ما احبّ ان تبقى عندي، فقال اقوّمها عليك بقيمة فتنال منها حلالا، فاذا قدمت من سفري انت مخيّر بين ان تعطيني الثمن او

ص:251

الجارية، فدفعها و استمتع منها ثم ان الخليفة احتاج الى جواري فوصفت له الجارية بعد مدة فدفع مالا جزيلا الى ذلك الرجل و باعها من الخليفة، ثم لما قدم صاحبها (ر خ) دفع الرجل ذلك المال اليه فقال يا اخي ما آخذ منك الا القيمة التي قومتها عليك، و هذا كله مالك فأخذه فانظر الى عاقبة الصبر كيف استفاد منه التمتع بالجارية و المال.

و من هذا الباب ما رواه صاحب الروضة قال كان رجل من اهل بيت المقدس ورد الى مدينة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو حسن الشباب مليح الصورة، فزار حجرة النبي صلّى اللّه عليه و آله و قصد المسجد و لم يزل ملازما مشتغلا بالعبادة صائم النهار قائم الليل، و ذلك في زمان خلافة عمر بن الخطاب حتى كان اعبد الناس، و الخلق يتمنى ان يكون مثله و كان عمر يأتي و يسأله ان يكلفه حاجة فيقول له المقدسي الحاجة الى اللّه، و لم يزل كذلك حتى عزم الناس على الحج فجاء الى عمر بن الخطاب و قال يا ابا حفص اني قد عزمت على الحج و معي وديعة احب ان تستودعها مني الى حين عودي من الحج، فقال عمر هات الوديعة فأحضر الشاب حقا من عاج عليه قفل من حديد مختوم بخاتم الشاب فتسلمه و خرج الشاب مع الوفد و خرج عمر الى مدقدم الوفد و قال له اوصيك بهذا المقدسي خيرا، فرجع عمر و كان في الوفد امرأة من اهل الشام فما زالت تلاحظ المقدسي و تنزل بقربه حيث نزل فلما كان في بعض الايام دنت منه و قالت له يا شاب اني و اللّه ارق لهذا الجسم الناعم المترف كيف يلبس الصوف، فقال لها يا هذه جسم يأكله الدود و مصيره التراب هذا له كثير، فقالت اني اخاف على هذا الوجه المضيء كيف تشعثه الشمس، فقال لها يا هذه إتقي اللّه و كفّي فقد اشغلتني بكلامك عن عبادة ربي، فقالت له لي اليك حاجة فان قضيتها فلا كلام و ان لم تقضها فما انا بتاركتك حتى تقضيها، فقال لها و ما حاجتك؟ قالت له حاجتي ان تواقعني فزرجها و خوّفها من اللّه عز و جل فلم يردعها ذلك، قالت و اللّه ان لم تفعل ما آمرك به لارمينّك بداهية من دواهي النساء و مكرها فلا تنجو منها، فلم يلتفت اليها و لم يعبأ بكلامها فلما كان في بعض الليالي و قد سهر اكثر ليله من عبادة ربه، ثم رقد في آخر الليل و غلب عليه النوم فأتته و تحت راسه مزادة فيها زاده فانتزعها من تحت رأسه و طرحت فيها كيسا فيه خمسمائة دينار ثم اعادتها تحت رأسه فلما ثور الوفد قامت الملعونة من نومها و قالت انا باللّه و بالوفد مستجيرة، و انا امرأة مسكينة و قد سرق مالي و نفقتي انا باللّه و بكم فجلس المقدم على الوفد و امر رجلا من الانصار و رجلا من المهاجرين ان يفتشا الفريقين ففتشوا (ففتشا خ) فلم (يجدا) يجدوا شيئا، و لم يبق من الوفد رجل الا و قد فتّش رحله غير المقدسي فأخبروا مقدم الوفد بذلك، فقالت الملعونة يا قوم ما ضركم لو فتشتموه فله اسوة بالمهاجرين و الانصار، و ما يدريكم ان يكون ظاهره مليحا و باطنه قبيحا و لم تزل بهم حتى حملتهم على تفتيش رحله، فقصده جماعة من الوفد و هو قائم يصلي

ص:252

فلما رعاهم أقبل اليهم فقال ما بالكم و ما حاجتكم، فقالوا له هذه الامرأة الشامية ذكرت انه سرق نفقتها و قد فتشّنا رحل الوفد بأجمعه و لم يبق منهم غيرك و نحن لا نتقدم الى رحلك الا بأذنك، لما سبق من وصية عمر في حقك، فقال لهم يا قوم ما يضرني ذلك ففتشوا ما احببتم و هو واثق من نفسه، فأول ما نفضوا المزادة التي فيها زاده وقع منها الهميان، فصاحت الملعونة اللّه اكبر هذا و اللّه كيسي و مالي فيه كذا و كذا دينار و فيه عقد لؤلؤ و وزنه كذا و كذا مثقال فنظروا فوجدوه كما قالت فمالوا عليه بالضرب الموجع و السبّ و الشتم، و هو لا يردّ جوابا فسلسلوه و قادوه الى مكة راجلا، فقال لهم يا وفد اللّه بحق هذا البيت الحرام الا ما تصدقتم علي و تركتموني حتى اقضي الحج و اشهد اللّه و رسوله على اني اذا قضيت الحج رجعت اليكم، فأوقع اللّه الرحمة في قلوبهم فأطلقوه فلما قضى مناسكه و ما عليه من الحج و الفرائض عاد الى القوم، و قال لهم هنا أنا عدت اليكم فافعلوا بي ما تريدون فقال بعضهم لبعض لو اراد المفارقة لما عاد اليكم فاتركوه، فتركوه و رجع الوفد طالبا مدينة النبي صلّى اللّه عليه و آله فأعوزت تلك المرأة الملعونة الزاد في الطريق فوجدت راعيا فطلبت منه الزاد فقال لها عندي ما تريدين غير اني لا ابيعه فان اردتي ان تمكنيني من نفسك اعطيتك ففعلت و أخذت منه زادا.

فلما انحرفت عنه اعترض لها ابليس فقال لها يا فلانة انت حامل فقالت ممن فقال لها من الراعي فقالت وا فضيحتاه فقال لها مع رجوعك الى الوفد فقولي لهم اني سمعت قراءة المقدسي فقربت منه، فلما غلبني النوم دنى مني و واقعني و لم اتمكن من الدفاع عن نفسي و قد حملت منه و انا امرأة من الانصار و خلفي جماعة، ففعلت الملعونة ما اشار اليها ابليس فلم يشكوا في قولها لما عاينوا من وجود الكيس في رحله فعكفوا على الشاب المقدسي، و قالوا يا هذا ما كفاك السرقة حتى فسقت فأوجعوه ضربا و شتما و سبا و اعادوه الى السلسلة و هو لا يرد جوابا، فلما قربوا من المدينة على مشرفه و آله السّلام خرج عمر بن الخطاب و معه جماعة من المسلمين للقاء الوفد، فلما قرب من الوفد لم يكن له همّة الا السؤال عن المقدسي، فقالوا له يا ابا حفص ما اغفلك عن المقدسي فقد سرق و فسق و قصوا عليه القصة، فأمر باحضاره بين يديه فأتوا به و هو مسلسل فقالوا له يا ويلك يا مقدسي تظهر بخلاف ما ننظر فيك حتى سرقت و فضحك اللّه تعالى، لانكلنّ بك اشد النكال و هو لا يرد جوابا، و اجتمع الناس ينظرون ما ذا يفعل به فبينما هم كذلك و اذا بالنور قد سطع، فتأملوه فاذا هو عيبة علم النبوة علي بن ابي طالب عليه افضل الصلوة و السّلام فقال ما هذا الوهج في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقالوا يا امير المؤمنين ان الشاب المقدسي الزاهد سرق و فسق، فقال عليه السّلام و اللّه ما سرق و لا فسق و لا حجّ أحد غيره، فلما اخبروا عمر بذلك قام قائما

ص:253

على قدميه و اجلسه موضعه، فنظر الى الشاب المقدسي و هو مسلسل مطرق الى الارض و الامرأة قاعدة.

فقال امير المؤمنين محل (حلال خ) المشكلات و كاشف الكربات يا ويلك قصّي علي قصتك فانا باب مدينة العلم، فقالت يا امير المؤمنين ان هذا الشاب سرق مالي و قد شاهده الوفد في مزادته و ما كفاه ذلك حتى كنت ليلة من الليالي قريبة منه فاستغرني بقرائته و استنامني فوثب اليّ و واقعني و ما تمكنت من المدافعة عن نفسي خوفا من الفضيحة و قد حملت منه فقال لها امير المؤمنين عليه السّلام كذبت يا ملعونة فيما ادعيت ثم قال يا ابا حفص ان الشاب مجبوب ليس له احليل و احليله في حقّ من عاج، ثم قال عليه السّلام يا مقدسي اين الحق فرفع المقدسي رأسه و قال له يا علي من يعلم ذلك يعلم اين الحق، فالتفت علي عليه السّلام الى عمر و قال له يا ابا حفص قم هات وديعة الشاب، فأرسل العمر فاحضر الحقّ بين يدي امير المؤمنين عليه السّلام فأمر بفتحه ففتحوه فاذا هو خرقة حرير و فيها احليل الشاب فعند ذلك قال الامام عليه السّلام يا مقدسي قم فقام فقام جردوه من ثيابه لتنظروا و تتحققوا من اتهمه بالفسق، فجردوه من اثوابه فاذا هو مجبوب، فعند ذلك ضج الناس بالتكبير فقال لهم الامام عليه السّلام اسكتوا و اسمعوا مني الحكومة اخبرني بها حبيبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

ثم قال ويلك يا معلونة فقد تجرأت على اللّه أ لم تأتي اليه و قلت له كيت و كيت أبى ذلك، فقلت له و اللّه لارمينك بحيلة من حيل النساء لا تنجو منها ابدا، فقالت بلى يا امير المؤمنين قد كان ذلك، ثم قال عليه السّلام فأتيته و هو نائم فوضعت الكيس في مزادته فقرّي فقالت نعم يا امير المؤمنين فقال اشهدوا عليها ثم قال عليه السّلام حملك هذا من الراعي الذي طلبت منه الزاد فقال انا لا ابيع الزاد و لكن مكنيني من نفسك و خذي حاجتك، ففعلت ذلك و اخذت الزاد و هو كذا و كذا، فقالن صدقت يا امير المؤمنين فضجّ العالم فسكتّهم امير المؤمنين عليه السّلام.

و قال لها لما خرجت من الراعي عرض لك شيخ صفته كذا و كذا فناداك و قال لك يا فلانة انك حامل من الراعي فصرخت و قلت وا فضيحتاه، فقال لا بأس عليك قولي للوفد ان المقدسي استنامني و واقعني و قد حملت منه فيصدقوك لما ظهر لهم من سرقته ففعلت ما قال لك الشيخ، فقالت نعم فقال لها عليه السّلام أ تعرفين ذلك الشيخ فقالت لا قال هو ابليس لعنة اللّه عليه فتعجب الناس من ذلك، فقال عمر يا ابا الحسن ما تريد ان تفعل بها قال يحفر لها في مقابر اليهود و تدفن الى نصفها و ترمى بالحجارة ففعل بها ذلك كما امر مولانا امير المؤمنين عليه السّلام و اما المقدسي فانه لم يزل ملازما لمسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الى قبض رضي اللّه عنه فعند ذلك قام عمر و هو يقول لو لا علي لهلك عمر، ثم انصرف الناس و قد تعجبوا من حكومة علي عليه السّلام.

ص:254

و من ذلك ما رواه الصدوق باسناده الى الدوسي قال دخل معاذ بن جبل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله باكيا فسلّم فرّد عليه السّلام ثم قال ما يبكيك يا معاذ قال يا رسول اللّه ان بالباب شابا طري الخدّ نقي اللون حسن الصورة يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها يريد الدخول عليك، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله ادخل عليّ الشاب يا معاذ، فأدخله عليه فسلّم على النبي صلّى اللّه عليه و آله فردّ عليه السّلام ثم قال ما يبكيك يا شاب؟ قال كيف لا ابكي و قد ركبت ذنوبا ان اخذني اللّه عز و جل على بعضها ادخلني نار جهنم و لا اراني الا و سيأخذني بها و لا يغفر لي ابدا فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هل اشركت باللّه شيئا؟ قال اعوذ باللّه ان اشرك بربي شيئا، قال أ قتلت النفس التي حرم اللّه عليك، فقال لا فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله يغفر اللّه لك ذنوبك و ان كانت مثل الجبال الرواسي، قال الشاب، فانها اعظم من الجبال الرواسي، قال النبي صلّى اللّه عليه و آله يغفر اللّه لك ذنوبك و ان كانت مثل الارضين السبع و بحارها و رمالها و اشجارها و ما فيها من الخلق فقال الشاب و انها اعظم من الارضين السبع و بحارها و رمالها و اشجارها و ما فيها من الخلق فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله يغفر اللّه لك ذنوبك و ان كانت مثل السموات و نجومها و مثل العرش و الكرسي فقال و انها اعظم من ذلك.

قال فنظر النبي صلّى اللّه عليه و آله اليه كهيئة الغضبان ثم قال ويحك يا شاب ذنوبك اعظم ام ربك فخرّ الشاب على وجهه و هو يقول سبحان اللّه ربي ما شيء اعظم من ربي، ربي اعظم يا نبي اللّه من كل عظيم، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله فهل يغفر الذنب العظيم الا الربّ العظيم فقال الشاب لا و اللّه يا رسول اللّه، ثم سكت الشاب فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله ويحك يا شاب الا تخبرني بذنب واحد من ذنوبك، قال بلى أخبرك اني كنت انبش القبور سنين و اخرج الموتى و انزع الاكفان عنهم، فمات جارية من بعض بنات الانصار فلما حملت الى قبرها و دفنت و انصرف عنها اهلها و جنّ عليها الليل أتيت قبرها فنبشتها ثم استخرجتها و نزعت ما كان عليها من اكفانها، و تركتها مجردة على شفير قبرها و مضيت منصرفا فأتاني الشيطان فأقبل يزينها و يقول اما ترى بطنها و بياضها، اما ترى و ركيها فلم يزل يقول لي هكذا حتى رجعت اليها و لم املك نفسي حتى جامعتها و تركتها مكانها، فاذا انا بصوت من ورائي يقول يا شاب ويل لك من ديّان يوم الدين يوم يقفني و اياك كما تركتني عريانة في عساكر الموتى و نزعتني من حفرتي و سلبت اكفاني و تركتني اقوم جنبة الى حسابي فويل لشبابك من النار، فما اظن اني اشمّ ريح الجنة ابدا فما ترى لي يا رسول اللّه.

فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله تنحّ عني يا فاسق اني اخاف ان احترق بنارك فما اقربك من النار، ثم لم يزل صلّى اللّه عليه و آله يقول و يشير اليه حتى امعن من بين يديه فذهب فأتى المدينة فتزود منها و خرج و اتى بعض جبالها فتعبّد فيها و لبس مسحا و غلّ يديه جميعا الى عنقه و نادى يا رب هذا عبدك بهلول بين يديك مغلول، يا رب انت الذي تعرفني زلّ مني ما تعلم يا ربي و سيدي اني اصبحت من

ص:255

النادمين و أتيت نبيك تائبا فطردني و زادني خوفا فاسألك باسمك و جلالك و عظمة سلطانك ان لا تخيب رجائي، سيدي و لا تبطل دعائي و لا تقنطني من رحمتك، فلم يزل يقول ذلك اربعين يوما و ليلة و يبكي له السباع و الوحوش، فلما تمتّ اربعون يوما و ليلة رفع يديه الى السماء و قال اللهم ما فعلت في حاجتي ان كنت استجبت دعائي و غرفت خطيئتي فأوح الى نبيك عليه السّلام و ان لم تستجب لي دعائي و لم تغفر لي خطيئتي و اردت عقوبتي فعجّل بنار تحرقني او عقوبة في الدنيا تهلكني و خلّصني من فضيحة يوم القيامة، فأنزل اللّه تبارك و تعالى على نبيه صلّى اللّه عليه و آله و الذين اذا فعلوا فاحشة يعني لزنا او ظلموا انفسهم، يعني بارتكاب ذنب اعظم من الزنا، و هو نبش القبور و اخذ الاكفان، ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم، يقول خافوا فعجلوا التوبة، و من يغفر الذنوب الا اللّه، يقول اللّه عز و جل اتاك عبدي يا محمد تائبا فطردته فأين يذهب و الى من يقصد و من يسأل ان يغفر له ذنبا غيري، ثم قال عز و جل وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلىٰ مٰا فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ، يقول لم يقيموا على الزنا و نبش القبور و اخذ الاكفان، اولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم و جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها و نعم اجر العاملين.

فلما نزلت هذه الاية على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خرج و هو يتلوها و يبتسم فقال لاصحابه من يدلني على ذلك الشاب لتائب، قال معاذ انا ادلّك عليه يا رسول اللّه بلغنا انه في موضع كذا و كذا، فمضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله باصحابه حتى انتهوا الى ذلك الجبل فصعدوا اليه يطلبون الشاب، فاذا هم بالشاب قائم بين صخرتين مغلولة يداه الى عنقه قد اسوّد وجهه و تساقطت اشفار عينيه من البكاء، و هو يقول قد احسنت خلقي و احسنت صورتي فليت شعري ما ذا تريد بي أ في نارك تحرقني ام في جوارك تسكنني، و يقول اللهم انك قد اكثرت الاحسان اليّ و انعمت عليّ فليت شعري ما ذا يكون آخر امري الى الجنة تزفني ام الى النار تسوقني، اللهم خطيئتي اعظم من السموات و الارض و من كرسيك الواسع العظيم و عرشك العظيم فليت شعري تغفر لي خطيئتي ام تفضحني بها يوم القيامة، فلم يزل يقول نحو هذا و هو يبكي و يحثوا التراب على رأسه و قد احاطت به السباع و صفّت فوق راسه الطير و هم يبكون لبكائه فدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأطلق يديه من عنقه و نفض التراب عن رأسه و قال يا بهلول إبشر فانك عتيق اللّه من النار، ثم قال لاصحابه هكذا تداركوا الذنوب كما تداركها بهلول، ثم تلا عليه السّلام ما انزل اللّه عز و جل فيه و بشرّه بالجنة.

فان قلت كيف اطمعه النبي صلّى اللّه عليه و آله في قبول التوبة اولا و ان ذنبه قابل للغفران و ان كان اثقل من السموات و ما ذكر ثم لما ذكر ذنبه اعرض عن قبول توبته و طرده و منعه.

ص:256

قلت يمكن التقصي عن هذا بوجوه، الاول ان يكون ذنبه اثقل من الارضين و السموات كما ورد في الاخبار من ان بعض الذنوب من الكبائر اثقل من العرش و ما تحته كما ان بعض الطاعات كذلك فيكون قد اطمعه صلّى اللّه عليه و آله في قبول التوبة، فلما رأى عظن ذنبه اعرض عنه.

الثاني انه عليه السّلام انما منّاه بالتوبة لظنه ان ذنبه و جرحه (مه) من حقوق اللّه سبحانه فلما أظهره كان من حقوق الناس فلم يكن له صلّى اللّه عليه و آله يد على قبول توبته حتى قبلها اللّه سبحانه، الثالث انه تهديد و سياسة للامة حتى لا يقدموا على مثل هذه العظائم من الذنوب كما كان دأبه صلّى اللّه عليه و آله فأنه قد امر باحراق البيوت على من لم يحضر صلاة الجماعة معه مع انها سنة و تطوّع و امثال هذه الحكايات و الاخبار كثيرة لا نطوّل الكتاب بذكرها و كفى به قوله صلّى اللّه عليه و آله من عشق فعفّ فمات دخل الجنة، و سيأتي لهذا مزيد بيان في نور العاشقين ان شاء اللّه تعالى.

نور في سلسلة النبوة و الوصاية

روى الصدوق عن الصادق عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انا سيد النبيين و وصيي سيد الوصيين و اوصياؤه سادة الاوصاء، ان آدم عليه السّلام سأل اللّه عز و جل ان يجعل له وليا صالحا، فأوحى اللّه تعالى اني اكرمت الانبياء بالنبوة ثم اخترت خلقا فجعلت خيارهم الاوصياء، فأوحى اللّه تعالى ذكره اليه يا آدم اوص الى شيث و هو هبة اللّه بن آدم و أوصى شيث الى ابنه شبان بالشين المثلثة و الباء الموحدة و هو ابن نزلة الحوراء التي انزلها اللّه تعالى على آدم من الجنة فزوجها ابنه شيثا، و اوصى شبان الى محلث بالحاء المهملة و الثاء المثلثة، و اوصى محلث الى محوق بالحاء المهملة و القاف، و اوصى محوق الى عثميا بالثاء المثلثة و الياء المثناة بعد الميم، اوصى عثميا على اخنوخ و هو ادريس النبي عليه السّلام و اوصى ادريس الى ناخور بالنون و الخاء المعجمة، و دفعها ناخور الى نوح عليه السّلام و اوصى نوح الى سام، و اوصى سام الى عثامر بالعين المهملة و الثاء المثلثة و الراء اخيرا و اوصى عثامر الى برغيثاشا بالغين المعجمة بعدها ياء تحتانية و بعد الياء ثاء مثلثة و آخر الحروف الف قبلها شين مثلثة، و اوصى برغيثاشا الى يافث و اوصى يافث الى برة و اوصى برة الى جفشية بالجيم و الفاء و الشين المعجمة بعدها ياء تحتانية، و اوصى جفشية الى عمران و دفعها عمران الى ابراهيم الخليل عليه السّلام.

و اوصى ابراهيم عليه السّلام الى ابنه اسماعيل عليه السّلام و اوصى اسماعيل عليه السّلام الى اسحاق و اوصى اسحاق الى يعقوب و اوصى يعقوب الى يوسف و اوصى يوسف الى بثريا (برثيا ظ) بالباء الموحدة و الثاء المثلثة و اوصى بثريا (برثيا ظ) الى شعيب و دفعها الشعيب الى موسى بن عمران و اوصى موسى بن عمران عليه السّلام الى يوشع بن نون، و اوصى يوشع بن نون الى داود و اوصى داود الى

ص:257

سليمان عليه السّلام و اوصى سليمان الى آصف بن برخيا، و اوصى آصف بن برخيا الى زكريا و دفعها زكريا الى عيسى بن مريم، و اوصى عيسى بن مريم الى شمعون بن حمون الصفا و اوصى شمعون الى يحيى بن زكريا و اوصى يحيى بن زكريا الى منذر، و اوصى منذر الى سليمة و اوصى سليمة الى بردة، ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و دفعها اليّ بردة و انا ادفعها اليك يا علي، و انت تدفعها الى وصيك و يدفعها وصيك الى اوصيائك من ولدك واحدا بعد واحد حتى تدفع الى خير اهل الارض بعدك، و لتكفرنّ بك الامة و ليختلفنّ عليك اختلافا شديدا و الثابت عليك كالمقيم معي و الشاذ عنك في النار و النار مثوى الكافرين.

و قال جابر بن عبد اللّه الانصاري قال دخلت على فاطمة عليها السّلام و بين يديها لوح فيه اسماء الاوصياء من ولدها فعددت اثنى عشر احدهم القائم ثلثة منهم محمد و اربعة منهم علي عليهم السّلام.

فان قلت اذا كان اسماء الائمة عليهم السّلام مكتوبا في لوح فاطمة عليها السّلام و في الدفاتر السماوية قبل خلق آدم و بعده فما معنى ما روى من قول ابي عبد اللّه عليه السّلام لابنه موسى عليه السّلام لما مات اسماعيل ما بدا للّه في شيء مثل ما بدا له في اسماعيل، و قوله عليه السّلام يا بني احدث للّه شكرا فقد احدث فيك عهدا، فان ظاهرها كما فهم بعض المحدثين ان الامامة كانت في اسماعيل فبدا للّه تعالى فيه بمعنى انه رفع ذلك الحكم الثابت فيه، و هو الامامة الى غيره و هو موسى عليه السّلام.

قلت ليس معناه ما قالوه بل معناه و اللّه العالم ان الشيعة كانت تعتقد ان الامامة في اسماعيل لانه اكبر الاولاد، و رووا ان الامامة في الاكبر فلما مات اسماعيل زمن ابيه ظهر للشيعة انه ليس بامام فذاك البدا الذي بدا للّه هو في ظاهر الحال عند الشيعة لا في الواقع و نفس الامر، و كذا معنى قوله عليه السّلام احدث فيك عهدا معناه انه كشف عن امامتك للخلائق بعد ان كنت اماما عنده، و من كون اسماعيل كان هو الاكبر و كان الناس يزعمون انه الامام بقي طائفة من الشيعة على ذلك الاعتقاد و قالوا انه حي لم يمت و انه الامام بعد ابيه و هم الاسماعيلية، و ستأتي مقالتهم ان شاء اللّه تعالى عند تعداد الفرق الاسلامية.

و اما قوله عليه السّلام في الحديث الاول و دفعها زكريا الى عيسى بن مريم الى قوله يحيى بن زكريا فهو مناف لما اشتهر في الكتب من ان يحيى عليه السّلام قتل قبل ابيه و من ثم ذهب بعض المحققين الى تخطئة المشهور لهذا و لرواية بريد (يزيد ظ) الكناسي المذكورة في باب حالات الائمة عليهم السّلام، و يمكن ان يقال ان زكريا بعد دفعها الى عيسى عليه السّلام كان باقيا حتى قتل يحيى.

و اما تاريخ الدنيا من خروج آدم عليه السّلام من الجنة الى الارض الى هذه السنة و هي سنة تأليف هذا الكتاب سنة التاسعة و الثمانين بعد الالف فقد ذكر اهل التواريخ ان من خروج آدم من الجنة

ص:258

الى طوفان نوح الفين و مأتين و خمسين سنة، و من نوح الى ابراهيم الفا و مائة و اثنين و اربعين سنة و من ابراهيم الى موسى خمسمائة و ستة و ستين سنة، و من موسى الى داود خمسمائة و تسعين سنة، و من داود الى عيسى الفا و ثلثة و خمسين سنة و من عيسى الى محمد صلّى اللّه عليه و آله ستمأة و ستين سنة و حيث انتهى الحال الى هنا فلنذكر اعمار بعض الانبياء و الاوصياء عليهم السّلام.

فنقول ذكر صاحب كتاب شذور العقود و كتاب مفاتح التنزيل ان آدم عليه السّلام عاش تسعمائة و ثلاثين سنة و لم يمت حتى بلغ ولده و ولد ولده اربعين الفا، و اما حوى فعاشت بعده سنة و دفنت معه، و قد ورد في جملة من الاخبار ان آدم و نوح ضجيعان لامير المؤمنين عليه السّلام في قبره، و في قصص الراوندي روى الباقر عليه السّلام ان عمر آدم منذ خلقه اللّه الى ان قبضه سبعمائة و ست و ثلاثون سنة، و دفن بمكة و كان بين آدم و نوح صلوات اللّه عليهما الف و خمسمائة سنة، و اما شيث فقد ولد بعد هابيل بخمس سنين و لم يعقب من ولد ابيه غيره و اليه تنتهي سلسلة جميع الناس و عاش تسعمائة و اثنى عشر سنة.

و اما ادريس عليه السّلام و هو اخنوخ سمي لكثرة درسه لكتب اللّه تعالى فقد رفع الى السماء بعد ثلثمائة و خمس و ستين سنة، و اما نوح عليه السّلام فقد عاش الفي سنة و خمسمائة سنة منها ثمانمائة سنة قبل ان يبعث و الف و سنة الا خمسون عاما و هو في قومه يدعوهم و مائتا سنة في عمل السفينة و خمسمائة عام بعد ما نزل من السفينة، و اما هود فقد عاش ثمانمائة و سبعا، و اما صالح و هو من اولاد ثمود فقد توفي بمكة و عمره ثمانية و خمسين سنة، و اما ابراهيم عليه السّلام بن تارخ فقد عاش مأة و خمسا و سبعين، و اما اسماعيل عليه السّلام فقد عاش مأة و عشرين سنة و ولد و لابيه اربع و ثمانون و اما اسحاق عليه السّلام فقد عاش مأة و ثمانين و ولد و لابيه مأة سنة، و اما يعقوب عليه السّلام فعمره مأة و ست و اربعون، و هو والد الاسباط كلهم، و اما يوسف الصديق عليه السّلام فعمره مأة و عشرين سنة، و اما لوط عليه السّلام فهو اول من آمن بابراهيم و كان ابن اخته و قيل ان خالته.

و اما شعيب عليه السّلام فقد عاش عمرا طويلا و تزوج بنت لوط عليه السّلام و الان له مدفن قريب بلد شوشتر، و ذكر جماعة من اهل التاريخ ان عسكر الاسلام لما فتح شوشتر أتوا الى مكان وراء حجرة مبنية و عليها قفل حديد و رأوا رجلا كبير السن خارج تلك الحجرة فسألوه عن احوال ما في الحجرة فقال ان آبائي كانوا يخدمون خارج الحجرة و يذكرون ان في داخلها شعيب النبي، و انا اخدمها على ذلك الحال و لا رأيت الى الان ما في بطن هذه الحجرة، فأتى مقدم العسكر و حلّ الحجرة و دخلها مع جماعة من المسلمين فرأوا سريرا و عليه شيه شائب و هو ميت حسن الوجه طري الجسد فكتبوا الى عمر بن الخطاب لان الفتح كان زمان خلافته، فكتب اليهم ان ادفنوه

ص:259

فدفنوه حيث قبره الان في قرب بلاد شوشتر، و قد وصلنا اليه مرارا و زرناه، و اما ايوب بن الموص فقد تزوج بنت يعقوب و هي التي ضربها بالضغث.

و اما موسى بن عمران عليه السّلام فقد عاش مأة و ستا و عشرين سنة، و اما هارون عليه السّلام فعمره مأة و ثلاث و ثلاثون سنة توفي قبل موسى بثلاث سنين، و اما يوشع فهو ابن نون بن ابراهيم بن يوسف عليه السّلام، و اما الخضر فهو ابن ملكان بن قالع بن هود، و اما يونس فهو ابن متى المرسل الى اهل نينوى من اهل الموصل، و اما إلياس فهو من سبط يوشع بن نون، و اما اليسع فقد كان تلميذ إلياس عليه السّلام و نبّاه اللّه تعالى، و اما ذو الكفل فهو نبي بعث قبل عيسى عليه السّلام، قيل سمي بذبك لانه كفل سبعين نبيا و نجّاهم من العذاب و ما طالوت فقد تزوج داود ابنته و سمى طالوت لطوله، و اما داود بن ايشى فعمره مأة و اربعون سنة، و اما سليمان عليه السّلام فعمره و سبعمأة و اثنتى عشرة سنة و ملك ثلاثا و عشرين سنة و اما زكريا بن آزر من اولاد داود فعمره تسع و تسعون سنة، و اما ارميا فهو الذي بعثه اللّه الى اهل بيت المقدس فكفروا فسلّط اللّه عليهم بخت نصر، و اما حيقوق فهو نبي بعد موسى عليه السّلام على دينه.

و اما دانيال و عزيز فقد اسرهما بخت نصر فنجاهما اللّه تعالى منه و مال دانيال بناحية الشوش و دفن فيها، و الشوش بلد كبير في ناحية شوشتر لكنها هذا الان من توابع الحويزة و قد خربت و صارت تلاّ من التراب و قد وصلنا اليها مرارا و شاهدنا فيها اثارا غريبة و اطوار عجيبة و قبر دانيال عليه السّلام قريب منها يتّبرك به الناس و قد شوهد (شاهدوا خ) له كرامات كثيرة، و في بعض الروايات ان اهل الشوش شكوا الى احد المعصومين عليهم السّلام كثرة الامطار فكتب اليهم ان عظام اخي دانيال تحت السماء و السماء تهطل (1)موعا عليه فواروه تحت التراب حتى تسكن عنكم الامطار، فواروه تحت التراب و قريب من قبره المبارك النهر الذي حفره شايور ذو الاكتاف، و قد عمل قريبا من القبر حوض كبير فيه سمك كثير شاهدناها لما وصلنا الى زيارته، و قد الفت الزائرين حتى كنّا قد نجلس على جوف النهر و نضع الخبز في ايدينا و تظهر الحيتان من الماء تأكله من ايدينا شيئا فشيئا، و الشوش في لغة الفرس القديمة اسم للشيء الحسن و لما بنوا شوشتر سموها بهذا الاسم و معناه الاحسن يعني انها احسن من الشوش، و في قبته صخرة اذا وقف عليها الانسان و حركها تحركت مستديرة و الانسان فوقها ثم تبقى على الحركة حتى ينزل الانسان من فوقها، و اما جرجيس فهو من اهل فلسطين بعثه اللّه بعد المسيح الى ملك الموصل.

ص:260


1- 1) تهطل المطر: نزل متتابعا عظيم القطر:

و اما خالد بن سنان و هو من العرب فقد بعث بعد عيسى عليه السّلام و اما حنظلة بن صفوان فقد كان في زمن الفترة بين عيسى و النبي صلّى اللّه عليه و آله و اما ما ورد في الدعاء من قوله عليه السّلام اللهم صلّ على الابدال و الاوتاد، فروى عن علي عليه السّلام ان الابدال بالشام و هم الخيار من الناس، قيل ان الارض لا تخلو من القطب و اربعة اوتاد و اربعين ابدالا و سبعين نجيبا و ثلثمأة و ستين صالحا، لان الدنيا كالخيمة و المهدي كالعود و تلك الاربعة اطنابها و قد تكون الاوتاد اكثر من اربعة و الابدال اكثر من اربعين و النجباء اكثر من سبعين و الصالحون اكثر من ثلثمأة و ستين، و الظاهر كما قيل ان الياس و الخضر عليهما السّلام من الاوتاد فهما ملاصقان لدائرة القطب.

و اما صفة الاوتاد فهم قوم لا يغفلون عن ربهم طرفة عين و لا يجمعون من الدنيا الا البلاغ و لا تصدر منهم هفوات الشرّ و لا يشترط فيهم العصمة من السهو و النيسان بل من فعل القبيح، و يشترط ذلك في القطب، و اما الابدال فدون هؤلاء في المراقبة و قد تصدر منهم الغفلة فيتداركونها بالتذكر و لا يتعهدون (يتعاهدون خ) ذنبا، و اما النجباء فهم دون الابدال.

و اما الصالحون فهم المتقون الموصوفون بالعدالة، و قد يصدر منهم الذنب فيتداركونه بالاستغفار و الندم، قال اللّه تعالى إِنَّ اَلَّذِينَ اِتَّقَوْا إِذٰا مَسَّهُمْ طٰائِفٌ مِنَ اَلشَّيْطٰانِ تَذَكَّرُوا فَإِذٰا هُمْ مُبْصِرُونَ ، قيل اذا نقص احد من الاوتاد الاربعة وضع بدله من الاربعين و اذا نقص احد من الاربعين وضع بدله من السبعين، و اذا نقص احد من السبعين وضع بدله من الثلاثمأئة و ستين، و اذا نقص أحد من الثلاثمأئة و ستين وضع بدله من سائر الناس و اللّه العالم.

نور في مولد النبي صلّى اللّه عليه و آله و عدد اولاده و زوجاته

اما النبي صلّى اللّه عليه و آله فالمشهور بيننا ان مولده الشريف سابع عشر ربيع الاول يوم الجمعة عند طلوع الشمس، و اما الجمهور فالمشهور بينهم ان تولده ثاني عشر ذلك الشهر و وافقهم شيخنا الكليني (1)على ذلك، و لعل بعض الاخبار الواردة به محمولة على التقية، فان قلت كيف طريق تصحيح قول الكليني طاب ثراه ان امه حملت به في ايام التشريق عند الجمرة الوسطى، و ذلك انه يلزم على هذا ان يكون صلّى اللّه عليه و آله بقى في بطن امه ثلاثة اشهر او سنة و ثلاثة اشهر و على التقديرين يكون خارقا للعادة فيكون من خصائصه صلّى اللّه عليه و آله مع ان العلماء و اهل السير و التواريخ لم يذكروه و لو كان كذلك لنقل البتة.

ص:261


1- 1) و وافقهم ايضا من الامامية على ابن الحسين المسعودي المؤرخ الكبير صاحب مرج الذهب و اثبات الوصية ذلك الكتاب القيم النفيس.

قلت ذكر جماعة من مشايخنا قدس اللّه ارواحهم أنه مبني على النسئ المراد من قوله تعالى إِنَّمَا اَلنَّسِيءُ زِيٰادَةٌ فِي اَلْكُفْرِ ، و ذلك ان المشركين كانوا يؤخرون موسم الحجّ فمرة كانوا يحجون في صفر و مرة أخرى في محرم، و هكذا تبعا لاعتدال الوقت و الهوى و كان حجهم في سنة تولده في جمادي الاخرة، و يؤيده ما رواه ابن طاووس في كتاب الاقبال انه صلّى اللّه عليه و آله حملت به امه ثمان عشر مضت من جمادي الاخرة، و لما فتح النبي صلّى اللّه عليه و آله مكة كان حجهم في شهر ذي الحجة فقال صلّى اللّه عليه و آله الان دار الزمان كما كان فلا يجوز لاحد تغييره و لا تبديله، و قد بقي بمكة بعد مبعثه ثلاثة عشر سنة ثم هاجر الى المدينة و مكث بها عشر سنين ثم قبض لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الاول يوم الاثنين (1)و قال الكفعمي و جماعة ان وفاته صلّى اللّه عليه و آله لليلتين بقيتا من صفر.

و اما نسبه الظاهر فهو محمد بن عبد اللّه بن عد المطلب و اسمه شيبة الحمد بن هاشم و اسمه عمرو بن عبد مناف و اسمه المغيرة، بن قصي و اسمه زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر و هو قريش، بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، روى عنه صلّى اللّه عليه و آله انه قال اذا بلغ نسبي عدنان فامسكوا و روى عن ام سلمة زوجة النبي صلّى اللّه عليه و آله قالت سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول معد بن عدنان بن ادد بن زيد بن ثرا بن اعراق الثرى، قالت ام سلمه زيد هميسع و ثرا بنت و اعراق الثرى اسماعيل بن ابراهيم، ثم قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عادت و ثمود و اصحاب الرس و قرونا بين ذلك كثيرا لا يعلمهم الا اللّه.

ذكر الشيخ ابو جعفر بن بابويه عدنان بن ابن ادد بن زيد بن تعدد (يقدد خ) بن تعدم (تقدم خ) بن الهميسع بن بنت بن قيدار بن اسماعيل، و قيل ان الاصح الذي اعتمد عليه اكثر النساب و اصحاب التواريخ ان عدنان بن هواد بن ادد بن اليسع بن الهميسع بن سلامان بن بنت بن حمل بن قيدار بن اسماعيل بن ابراهيم عليه السّلام بن تارخ بن ناخور بن ساروغ بن ارغون بن قالع بن عاير و هو هود النبي عليه السّلام بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح عليه السّلام بن ملك بن متشولخ بن اخنوخ و هو ادريس عليه السّلام بن بارد (مارد خ) بن مهلائيل بن قينان بن انوش بن شيث بن آدم ابي البشر عليه السّلام.

و أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف و اما جدته ام ابيه فهي فاطمة بنت عمرو بن عايذ بن عمران بن مخزوم، و ام عبد المطلب سلمى بنت عمر من بني النجار، و ام هاشم عاتكة بنت مرة بن هلال من بني سليم و صدع بالرسالة يوم السابع و العشرين من رجب و له يومئذ اربعون سنة، و قبض يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من الهجرة و هو ابن ثلاث و ستين كذا في اعلام

ص:262


1- 1) هذا هو المشهور عند جمهور العامة و اما الامامية فالمشهور بينهم انه توفى صلّى اللّه عليه و آله في الثامن و العشرين في شهر صفر.

الورى، و ذكر انه ايضا عاش ثلاثا و ستين سنة منها مع ابيه سنتين و اربعة اشهر و مع جده عبد المطلب ثماني سنين ثم كفله عمه ابو طالب بعد وفاة جده عبد المطلب، و ذكر محمد بن اسحاق ان اباه عبد اللّه مات و امه حبلى، و قيل ايضا انه مات و النبي صلّى اللّه عليه و آله ابن سبعة اشهر، و ذكر ابن اسحاق ان آمنة توفيت و النبي صلّى اللّه عليه و آله ابن ست سنين و هذا لم نتحققه، روى عن ربدة قال انتهى النبي صلّى اللّه عليه و آله الى رسم قبر فجلس و جلس الناس حوله فجعل يحرّك رأسه كالمخاطب ثم بكى، فقيل ما يبكيك يا رسول اللّه، قال هذا قبر آمنة بنت وهب استأذنت ربي في ان ازوره قبرها فاذن لي فادركتني رقتها فبكيت فما رأيت اكثر باكيا من تلك الساعة.

و تزوج خديجة بنت خويلد و هو ابن خمس و عشرين سنة، و توفي عمه ابو طالب ولد ست و اربعون سنة و ثمانية اشهر و اربعة عشرون يوما، و توفيت خديجة بعده بثلثة ايام و سمى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذلك العام عام الحزن، و اقام بمكة بعد البعثة ثلاث عشر سنة ثم هاجر منها الى المدينة بعد ان استتر في الغار ثلاثة ايام، و دخل المدينة يوم الاثنين الحادي عشر من شهر ربيع الاول و بقي بها عشر سنين ثم قبض صلّى اللّه عليه و آله و سببه ان امرأة يهودية طلبته للضيافة و قدّمت اليه سخلة مسمومة، فلما مدّ يده ليأكل تكلمت السخلة و قالت انا مسمومة فلا تأكل مني، فأتاه جبرئيل عليه السّلام فقال له صلّى اللّه عليه و آله قل بسم اللّه و كل انت و اصحابك فسمّوا (فسمى خ) و اكلوا بعده امرهم جبرئيل عليه السّلام بالحجامة فاحتجموا، و كان في كل سنة تطلع الجراحات في بدنه الشريف من آثار ذلك السم حتى انه مات بذلك السم ليكون له ثواب الشهادة، و قيل انها اهدت اليه كراعا مسموما لانه كان يحب اكل الكراع و ذلك ان آدم عليه السّلام قرّب قربانا عن الانبياء و سمى لكل نبي عضوا من تلك الشاة فسمى للنبي صلّى اللّه عليه و آله الكراع و من ذلك كان يكثر اكله، و قال صلّى اللّه عليه و آله ما زالت تلك الاكلة معي حتى قطعت انياط قلبي، و من هنا قال عليه السّلام ما منّا الا قتيل او مسوم، و اما ازواجه صلّى اللّه عليه و آله.

فأول امرأة تزوجها خديجة بنت خويلد و كانت قبله عند عتيق بن عايد المخزومي فولدت له جارية، ثم تزوجها ابو هالة الاسدي فولدت له هند بن ابي هالة، ثم تزوجها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ربى ابنها هندا، فأول ما حملت و ولدت عبد اللّه بن محمد و هو الطيب الطاهر و ولدت له القاسم و قيل ان القاسم اكبر ولده و كان يكنى به و الناس يغلطون فيقولون ولد له منها اربع بنين، القاسم و عبد اللّه و الطيب و الطاهر، و انما ولدت له ابنان و اربع بنات زينب و رقية و ام كلثوم و فاطمة، فأما زينب بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فتزوجها ابو العاص بن الربيع في الجاهلية فولدت له جارية اسمها امامة تزوجها علي بن ابي طالب عليه السّلام بعد وفات فاطمة عليها السّلام و قتل امير المؤمنين عليه السّلام و عنده امامة فخلف عليها بعده المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب و ماتت زينب بالمدينة لسبع سنين من الهجرة.

ص:263

و اما رقية فتزوجها عتبة بن ابي لهب فطلقها قبل ان يدخل بها و لحقها منه اذى فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله اللهم سلّط على عتبة كلبا من كلابك فتناوله الاسد من بين اصحابه، و تزوجها بعد بالمدينة عثمان بن عفان فولدت له عبد اللّه و مات صغيرا نقره ديك على عينيه فمرض و مات، و توفيت بالمدينة زمان بدر فتخلّف عثمان على دفنها و منعه ذلك ان يشهد بدرا و قد كان عثمان هاجر الى الحبشة و معه رقية، و اما ام كلثوم فتزوج ايضا عثمان بعد اختها رقية و توفيت عنده، و ذلك انه ضربها ضربا مبرحا فماتت منه و قد تقدم اختلاف اصحابنا رضوان اللّه عليهم في ان رقية و ام كلثوم هل هما ربيبتاه صلّى اللّه عليه و آله ام ابنتاه و الحال عندنا لا يتفاوت لان عثمان في زمان النبي صلّى اللّه عليه و آله كان مظهر للاسلام و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله يريد تأليف قلوبهم و دخول الاسلام اليها، فكان يلاطفهم بانواع اللطائف من الاموال و المناكحات و غيرها.

و اما فاطمة عليها السّلام فالاظهر في روايات اصحابنا رضوان اللّه عليهم انها ولدت سنة خمس من المبعث بمكة في العشرين من جمادي الاخرة و ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قبض و لها ثماني عشرة سنة و سبعة اشهر، و روى عن جابر بن يزيد قال سأل الباقر عليه السّلام كم عاشت فاطمة عليها السّلام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال اربعة اشهر، و توفيت و لها ثلاث و عشرون سنة و هذا قريب مما روته العامة، و ذكر ابو سعيد الواعظ ان جميع اولاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ولدوا قبل الاسلام الا فاطمة و ابراهيم، و اما ابراهيم فهو من مارية القبطية ولد بالمدينة سنة ثمان من الهجرة و مات بها و له سنة و ستة اشهر و ايام و قبره بالبقيع.

و الثانية من زوجها سودة بنت زمعة و كانت قبله عند السكران بن عمرو فمات عنها بالحبشة مسلما، و الثالثة عايشة بنت ابي بكر تزوجها بمكة و هي بنت سبع و لم يتزوج بكرا غيرها و دخل بها و هي بنت تسع لسبعة اشهر من مقدم المدينة و بقيت الى خلافة معاوية لعنه اللّه، و الرابعة ام شريك التي وهبت نفسها للنبي صلّى اللّه عليه و آله و اسمها عرنة بنت دودان بن عوف، و كانت قبله عند ابي العكر بن سمى الازدي فولدت له شريكا، و الخامسة حفصة بنت عمر بن الخطاب تزوجها لما مات زوجها خنيس السهمي، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد وجهه الى كسرى فمات و لا عقب له و ماتت بالمدينة في خلافة عثمان، و السادسة ام حبيبة بنت ابي سفيان و اسمها رملة و كانت تحت عبيد اللّه بن جحش الاسدي، و السابعة ام سلمة و هي بنت عمته عاتكة بنت عبد المطلب.

و الثامنة زينب بنت جحش و هي بنت عمته ميمونة بنت عبد المطلب و كانت قبله عند زيد بن حارثة و هي التي ذكرها اللّه سبحانه في كتابه، و التاسعة زينب بن خزيمة الهلالية من ولد عبد مناف، و كانت قبله عند عبيدة الحارث و كانت يقال لها ام المساكين و العاشرة ميمونة بنت الحارث و كانت قبله عند ابي مرة العامري، و الحادية عشر حورية بنت الحارث من بني المصطلق سباها

ص:264

فاعتقها و تزوجها، و الثانية عشر صفية بنت حيّ من خيبر اصطفاها لنفسه من الغنيمة ثم اعتقها و تزوجها و جعل عتقها صداقها، و هذه اثنتا عشرة امرأة دخل بهنّ.

و قد تزوج صلوات اللّه عليه و آله عالية بنت ظبيان و طلقها حين دخلت عليه و تزوّج ابنة قيس فمات قبل ان يدخل بها، و تزوج فاطمة بنت ضحّاك و خيرها حين نزلت عليه آية التخيير فاختارت الدنيا و فارقها (قته خ) و كانت بعد ذلك تلتقط البعرة و تقول انا الشقية اخترت الدنيا، و تزوّج سنا بنت الصلب فماتت قبل ان تدخل عليه، و تزوج اسماء بنت النعمان، فلما ادخلت عليه قالت اعوذ باللّه منك، فقال الحقي بأهلك و كان بعض ازواجه علّمتها ذلك فطلقها و لم يدخل بها، و تزوج الملكية الليثية فلما دخل عليها قال لها هبي لي نفسك، فقالت و هل تهب المليكة نفسها فالحقها باهلها، و تزوج عمرة بنت يزيد فرأى بها بياضا فقال دلّستم عليّ فردها، و تزوّج ليلى بنت الحطيم فقالت اقلني فاقالها.

و خطب امرأة ن بني مرّة فقال ابوها ان بها برصا و لم يكن بها فرجع فاذا هي برصاء، و خطب امرأة فوصفها ابوها ثم قال ازيدك انها لم تمرض قطّ فقال صلّى اللّه عليه و آله ما لهذه عند اللّه من خير، و قيل انه تزوجها فلما قال ذلك ابوها طلقها، فهذه احدى و عشرون امرأة و مات عن عشر واحدة منهنّ لم يدخل بها، و قيل عن تسع عايشة و حفصة و ام سلمة و ام حبيبة و زينب بنت جحش و ميمونة و صفية و حويرة و سودة، و كانت سودة ثد وهبت ليلتها لعايشة حين اراد طلاقها و قالت لا رغبة لي في الرجال و انما اريد ان احشر في ازواجك.

و اما مواليه صلّى اللّه عليه و آله فزيد بن حارثة و كان لخديجة اشتراه لها حكيم بن حزام باربعمائة درهم، فوهبته لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاعتقه و زوجه ام يمن، فولدت له اسامة فتبنّاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فكان يدعى زيد بن رسول اللّه، حتى انزل اللّه ادعوهم لابائهم، و ابو رافع اسمه اسلم و كان العباس و هبه له، فلما اسلم العباس بشّر ابو رافع النبي صلّى اللّه عليه و آله باسلامه فاعتقه و زوجه سلمى مولاته، فولدت له عبيد اللّه بن ابي رافع فلم يزل كاتبا لامير المؤمنين عليه السّلام ايام خلافته، و سفينة و اسمه رياح اشتراه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاعتقه، و ثوبان من حمير اشتراه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و اعتقه، و يسار و كان عبدا نوبيا اعتقه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و شقران و اسمه صالح، و ابو كبشة و اسمه سليمان، و ابو ضميرة اعتقه و كتب له كتابا فهو في يد ولده و مدغم و ابو مويهبة و انيسة و فضالة و طهان و ابو ايمن، و ابو هند و ابحشة و صالح و ابو سلمى و ابو عسيب و ابو عبيد، و افلح و رويقع و ابو ليقط و ابو رافع الاصغر و يسار الاكبر و كركرة و رياح و ابو لبابة و ابو البشير.

و اما مولياته فان صاحب الاسكندرية اهدى اليه جاريتين احدهما مارية القبطية ولدت له ابراهيم و وهب الاخرى لحسان بن ثابت، و ام ايمن خاصة النبي صلّى اللّه عليه و آله و كانت سوداء ورثها من

ص:265

امه، و كان اسمها بركة فاعتقها و زوجها عبيد اللّه الخزرجي بمكة فولدت له ايمن فمات زوجها فزوجها النبي صلّى اللّه عليه و آله من زيد، فولدت له اسامة اسود يشبهها فاسامة و ايمن اخوان لام ريحانة بنت شمعون غنمها من قريضة، و اما خدمه من الاحرار فانس بن مالك و هند و اسماء انتا خارجة.

نور في بعض احوال الائمة عليهم السّلام

اما امام الموحدين امير المؤمنين عليه السّلام فولد بمكة في البيت الحرام (1)يوم الجمعة ثالث عشر من شهر اللّه الاصم رجل بعد عام الفيل بثلاثين سنة، و لم يولد في بيت اللّه قطّ غيره، و لقبه امير المؤمنين و لم يجوز اصحابنا ان يطلق هذا اللفظ لغيره من الائمة عليهم السّلام و قالوا انه انفرد بهذا اللقب و لا يجوز ان يشاركه في ذلك غيره كما سبق و قبض عليه السّلام ليلة الجمعة لتسع بقين من شهر رمضان سنة اربعين من الهجرة، و اما اولاده عليه السّلام فهم سبعة و عشرون ولدا ذكرا و انثى، الحسن و الحسين عليهما السّلام، و زينب الكبرى و زينب الصغرى المكنّاة بأم كلثوم امهم فاطمة البتول، و محمد المكنّى بأبي القاسم امه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية، و العباس و جعفر و عثمان و عبد اللّه الشهداء مع اخيهم بكربلا امهم بنت البنين بن خزام و كان العباس يكنى ابا قربة لحمله الماء لاخيه الحسين عليه السّلام و قتل و له اربع و ثلاثون سنة و عمرو و رقية امهما ام حبيب بن ربيعة، و كانا تؤأمين، و محمد الاصغر المكنى بأبي بكر و عبيد اللّه الشهيدان مع اخيهما الحسين عليه السّلام امهما ليلى بنت مسعود الدارمية، و يحيى امه اسماء بنت عميس الخثعمية و توفي صغيرا قبل ابيه و اخوته لامه عبد اللّه و محمد و عون ابناء جعفر بن ابي طالب و محمد بن ابي بكر و ام الحسن و رملة امهما ام سعد بنت عروة بن مسعود الثقفي، و نفيسة و هي ام كلثوم الصغرى و زينب الصغرى و رقية الصغرى و ام هانئ و ام الكرام و الجمانة المكنّاة بأم جعفر و امامة ام سلمة و ميمونة و خديجة و فاطمة لامهات اولاد شتى.

و اعقب عليه السّلام من خمسة بنين الحسن و الحسين و محمد و عباس و عمر، و قد مرّ ان فاطمة عليها السّلام اسقطت بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله ذكرا و قد سمّاه النبي صلّى اللّه محسنا، و قد سبق سبب اسقاطها له و هو ضرب غلام ذلك الرجل الخيّر لها، و كونه ضعط بطنها على الباب و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، فعلى هذا يكون اولاده عليه السّلام ثمانية و عشرين ولدا، اما زينب الكبرى بنت فاطمة البتول فتزوجها عبد اللّه بن جعفر بن ابي طالب و ولد له منها علي و جعفر و عون الاكبر و ام كلثوم اولاد عبد بن جعفر، و اما ام كلثوم التي تزوجها عمر فقد مرّ تحقيق معنى ذلك التزويج، و اما رقية

ص:266


1- 1) هذا هو المعروف بين المسلمين لا شك فيه لاحد.

بنت علي عليه السّلام فكانت عند مسلم بن عقيل فولدت له عبد اللّه قتل بالطف و عليا ابني مسلم، و اما زينب الصغرى فكانت عند محمد بن عقيل فولدت له عبد اللّه و فيه العقب من ولد عقيل.

و اما ام هانئ فكانت عند عبد اللّه الاكبر بن عقيل بن ابي طالب فولدت له محمدا قتل بالطف و عبد الرحمن و اما ميمونة فكانت عند عبد اللّه الاكبر بن عقيل بن ابي طالب فولدت له عقيلا، و اما نفيسة فكانت عند عبد اللّه الاكبر بن عقيل فولدت له ام عقيل و اما زينب الصغرى فكانت عند عبد الرحمن بن عقيل فولدت له سعدا و عقيلا، و اما فاطمة بنت علي عليه السّلام فكانت عند ابي سعيد بن عقيل فولدت له حميدة، و اما امامة بنت علي عليه السّلام فكانت عند الصلت بن عبد اللّه بن نوفل الحارث.

و اما الحسن الزكي الطيب الطاهر فقد ولد بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة و كنيته ابو محمد و قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و له سبع سنين و اشهر و قيل ثماني سنين و قام بالامر بعد ابيه و له سبع و ثلثون سنة، و اقام في خلافته ستة اشهر و ثلثة ايام و وقع الصلح بينه و بين معاوية لعنه اللّه في سنة احدى و اربعين و انما هادنه عليه السّلام خوفا على نفسه اذ كتب جماعة من رؤساء اصحابه بالسر اليه بالطاعة و ضمنوا له تسليمه اليه عند دنوهم من عسكره، و لم يكن منهم من يؤمن غائلته الا خاصة من شيعته لا يقومون بأجناد الشام و كتب اليه معاوية في الهدنة و الصلح و بعث بكتب اصحابه اليه فصالحه و شرط الحسن عليه السّلام شروطا، و ما و فى معاوية بواحد منها فخرج الحسن عليه السّلام الى المدينة و اقام بها عشر سنين و مضى الى رحمة اللّه تعالى لليلتين بقيتا من صفر سنة خمسين من الهجرة و له سبع و اربعون سنة و اشهر مسموما، سمته زوجته جعدة بنت الاشعث بن قيس و كان معاوية لعنه اللّه قد دسّ اليها من حملها على ذلك و ضمن لها ان يزوجها من يزيد و اوصل اليها مأة الف درهم فسقته السم، و بقى عليه السّلام اربعين يوما مريضا و تولّى اخوه الحسين عليه السّلام تجهيزه و دفنه عند جدته فاطمة بنت اسد بالبقيع.

و اما اولاد الحسن عليه السّلام فهم ستى عشر ذكرا و انثى، زيد بن الحسن و اختاه ام الحسن و ام الحسين امهم ام بشير بنت ابي مسعود الخزرجية، و الحسن بن الحسن امه خولة بنت منظور الفزارية و عمر بن الحسن و اخواه عبد اللّه و القاسم ابنا الحسن عليه السّلام قتلا مع الحسين عليه السّلام بكربلا امهم ام ولد، و عبد الرحمن بن الحسن امه ام ولد و الحسين بن الحسن الملقب بالاثرم و اخوه طلحة و اختها فاطمة امهم ام اسحاق بنت طلحة بن عبيد اللّه التيمي و ابو بكر قتل مع الحسين عليه السّلام، و ام عبد اللّه و فاطمة و ام سلمة و رقية لامهات اولاد شتى و كان زيد بن الحسن عليه السّلام يلى صدقات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان جليل القدر و مات و له تسعون سنة و خرج من الدنيا و لم يدّع الامامة و لا ادعى له مدّع من الشيعة. ؟

ص:267

و اما الحسن بن الحسن فكان جليلا فاضلا و كان يلي صدقات امير المؤمنين عليه السّلام و روى انه خطب الى عمه الحسين عليه السّلام واحدة ابنتيه فقال له الحسين عليه السّلام يا بني اختر احبهما اليك، فاستحى الحسن فقال الحسين عليه السّلام فاني قد اخترت لك ابنتي فاطمة فهي اكثرهما شبها بأمي فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان عبد اللّه بن الحسن قد زوجه الحسين عليه السّلام ابنته (1)فقتل قبل ان يبنى بها.

و اما الحسين عليه السّلام فمولده بالمدينة يوم الثلاثا و قيل يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان، و قيل لخمس منه سنة اربع من الهجرة، و قيل ولد آخر شهر ربيع الاول سنة ثلاث من الهجرة و لم يكن بينه و بين اخيه الحسن عليه السّلام الا الحمل و الحمل ستة اشهر و عاش عليه السّلام سبعا و خمسين سنة و خمسة اشهر، و كان مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سبه سنين و مع امير المؤمنين عليه السّلام سبعا و ثلثين سنة، و مع اخيه الحسن عليه السّلام سبعا و اربعين سنة، و كانت مدة خلافته عشر سنين و اشهرا، و قتل صلوات اللّه عليه يوم عاشوراء يوم الاثنين، و قيل يوم الجمعة سنة احدى و ستين من الهجرة.

و اما كيفية مقتله فنفرد له ان شاء اللّه تعالى نورا في مصائب المؤمنين، و اما اولاده عليه السّلام فهم ستة علي بن الحسين زين العابدين عليه السّلام امه شاه زنان بنت كسرى يزدجرد بن شهريار، و علي الاصغر امه ليلى بنت ابي مرة بن مسعود الثقفية، و جعفر بن الحسين و امه قضاعية و مات في زمن ابيه و لا عقب له، و عبد اللّه قتل مع ابيه صغيرا و هو في حجره و سكينة بنت الحسين و امها الرباب بنت امرئ القيس بن عدي، و فاطمة بنت الحسين عليه السّلام و امها ام اسحاق بن طلحة بن عبد اللّه.

و اعلم انه قد وقع خلاف بين علمائنا رضوان اللّه عليهم في علي المقتول في واقعة الطفوف هل هو علي الاصغر او علي الاكبر، فذهب شيخنا الشهيد (ره) في الدروس و ابن ادريس في سرائره و الكفعمي في مصباحه الى ان المقتول مع ابيه هو علي الاكبر الذي امه تليلى بنت ابي مرة، و هو اول قتيل في الواقعة و ولده في امارة عثمان، و ذهب جماعة و منهم صاحب اعلام الورى الى ان المقتول هو علي الاصغر و هو ابن الثقفية، و ان علي الاكبر هو زين العابدين عليه السّلام امه شهربانو بنت كسرى، قال محمد بن ادريس و الاولى الرجوع الى اهل هذه الصناعة السابقين و اهل السيرة و التواريخ مثل الزبير بن بكّار و ابو الفرج الاصفهاني و البلاذري و المزني و العمري و ابن قتيبة و الطبري و ابي الازهري و الدينوري، و صاحب كتاب الانوار و هؤلاء كلهم اتفقوا على ان المقتول المدفون مع ابيه هو علي الاكبر الذي امه الثقفية، و لا فائدة تبنى على مثل هذا الخلاف سوى الاطلاع على احوالهم عليهم السّلام، و اما القائم على باب الحسين عليه السّلام فهو رشيد الهجري.

ص:268


1- 1) و هي سكينة عليها السّلام كما صرح به الامام الطبرسي ره في اعلام الورى [1]انظر ص 127.

و اما سيد الساجدين و زين العابدين عليه السّلام فيكنّى بأبي محمد و ابي القاسم، و من القابه عليه السّلام ذو الثفنات و ذلك ان موضع السجود كنقرة البعير من كثرة السجود ولد بالمدينة يوم الجمعة يوم الخميس في النصف من جمادي الاخرة و قيل لتسع خلون من شعبان سنة ثمان و ثلاثين من الهجرة، و قيل سنة ستت و ثلاثين، و في اعلام الورى ان عليا عليه السّلام ولىّ حريث بن جابر الحنفي جانبا من بلاد المشرق فبعث اليه بأبنتي يزدجرد بن شهريار فنحل ابنه الحسين عليه السّلام احدهما فأولدها زين العابدين عليه السّلام و نحل اخرى محمد بن ابي بكر فولدت له القاسم بن محمد بن ابي بكر، فهما ابنا خالة و توفي صلوات اللّه عليه يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة خمس و تسعين من الهجرة، و كانت مدة امامته بعد ابيه اربعا و ثلاثين سنة، و مات و له سبع و خمسون سنة، و كان في ايام امامته عليه السّلام بقية ملك يزيد بن معاوية و ملك معاوية بن يزيد و مروان بن الحكم و عبد الملك بن مروان و توفي في زمان ملك الوليد بن عبد الملك و قد مات مسموما سمّه هشام بن عبد الملك لعنه اللّه تعالى.

و اما اولاده عليه السّلام فهم خمسة عشر ولدا محمد الباقر عليه السّلام امه ام عبد اللّه فاطمة بنت الحسن بن علي بن ابي طالب عليه السّلام و ابو الحسين زيد و عمر امهما ام ولد، و عبد اللّه و الحسن و الحسين امهم ام ولد، و الحسين الاصغر و عبد الرحمن و سليمان لام ولد و علي كان اصغر ولده عليه السّلام و خديجة امهما ام ولد و محمد الاصغر امه ام ولد، و فاطمة و عليّة و ام كلثوم و كان زيد بن علي بن الحسين افضل اخوته بعد اخيه الباقر عليه السّلام و كان عابدا ورعا سخيّا شجاعا و ظهر بالسيف يطلب ثارات الحسين عليه السّلام، و يدعوا الى الرضا من آل محمد صلّى اللّه عليه و آله فظنّ الناس انه يريد بلك نفسه، و جاءت الرواية ان سبب خروجه بعد الذي ذكرناه انه دخل عليه السّلام على هشام بن عبد الملك و قد جمع هشام اهل الشام ان يتضايقوا له في المجلس حتى لا يتمكن من الوصول الى قربه، فقال له زيد انه ليس من عباد اللّه احد فوق ان يوصي بتقوى اللّه، و لا من عباده احد دون ان لا يوصي بتقوى اللّه و انا اوصيك بتقوى اللّه يا هشام فافقه، فقال له هشام انت المؤهّل نفسك للخلافة و ما انت و ذاك لا امّ لك و انما انت ابن امة، فقال له زيد اني لا اعلم احدا اعظم منزلة عند اللّه من نبي و هو ابن امة ن فلو كان ذلك يقصر عن منتهى غاية لم يبعثه و هو اسماعيل بن ابراهيم عليه السّلام فالنبوة اعظم منزلة عند اللّه ام الخلافة، و بعد فما يقصر برجل ابوه (جده ظ) رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو ابن علي بن ابي طالب عليه السّلام، فوثب هشام عن مجلسه و دعا قهرمانه و قال لا يبيتن هذا في عسكري، فخرج زيد و هو يقول انه لم يكره قوم قطّ حرّ السيوف الا ذلّوا، و كان مقتله يوم الاثنين لليلتين خلتا من صفر سنة عشرين و مائة، و كان سنّه يوم قتل اثنين و اربعين سنة.

ص:269

و اما الامام الباقر عليه السّلام فمولده بالمدينة سنة سبع و خمسين من الهجرة يوم الجمعة غرّة شهر رجب، و قيل الثالث من صفر، و قبض عليه السّلام سنة اربع عشر و مأة في ذي الحجة، و قيل في شهر ربيع الاول و قد تمّ عمره سبعا و خمسين سنة و مات مسموما سمّه ايضا هشام بن عبد الملك في وقت ملكه، امه ام عبد اللّه فاطمة بنت الحسن عليه السّلام فهو هاشمي من هاشميين علوي من علويين، و قبره بالبقيع الى جانب ابيه زين العابدين عليه السّلام، عاش مع جدّه الحسين عليه السّلام اربع سنين، و مع ابيه تسعا و ثلاثين سنة و كانت مدة امامته ثماني عشرة سنة، و كان في ايام امامته بقية ملك الوليد بن عبد الملك و سليمان بن عبد الملك و عمر بن عبد العزيز و يزيد بن عبد الملك و هشام بن عبد الملك و توفي في ملكه، و اما اولاده عليه السّلام فهم سبعة ابو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام و كان يكنّى به، و عبد اللّه بن محمد و امهما ام فروة بنت القاسم بن محمد بن ابي بكر، و ابراهيم و عبيد اللّه و امهما ام حكيم بنت اسد بن المغيرة الثقفية، و علي و زينب لام ولد، و ام سلمة لام ولد و قيل ان لابي جعفر عليه السّلام ابنة واحدة فقط ام سلمة و اسمها زينب.

و اما الصادق عليه السّلام فولد بالمدينة لثلث عشر ليلة بقيت من شهر ربيع الاول سنة ثلاث و ثمانين من الهجرة، و مضى عليه السّلام في النصف من رجب و يقال في شوال سنة ثمان و اربعين و مأة و له خمس و ستون سنة، اقام منها مع ابيه وجده اثنتى عشرة سنة، و بعد ابيه ايام امامته اربعا و ثلاثين سنة، و كان في ايام امامته بقية ملك هشام بن عبد الملك و ملك الوليد بن يزيد بن عبد الملك و ملك يزيد بن الوليد بن عبد الملك و ملك ابراهيم بن الوليد و ملك مروان بن محمد الحمار، ثم صارت المسودة من اهل خراسان مع ابي مسلم الخراساني سنة اثنين و ثلثين و مأة، فملك ابو العباس عبد اللّه بن محمد بن علي بن عبد اللّه بن عباس الملقب بالسفاح اربع سنين و ثمانية اشهر، ثم ملك اخوه ابو جعفر الملقب بالمنصور احدى و عشرين سنة واحد عشر شهرا، و توفي الصادق عليه السّلام بعد عشر سنين من ملكه قد سمّه بعنب و دفن بالبقيع.

و اما اولاده عليه السّلام فهم عشرة، اسماعيل و عبد اللّه و ام فروة امهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن ابي طالب، و موسى و اسحاق و فاطمة و محمد لام ولد اسمها حميدة البربرية، و العباس و علي و اسماء لامهات اولاد شتى، اما اسماعيل فكان اكبر اخوته فمات في حيوة ابيه بالعريض و حمل على رقاب الرجال الى المدينة حتى دفن بالبقيع و روى ان ابا عبد اللّه عليه السّلام جزع عليه جزعا شديدا و تقدم سريره بغير حذاء و لا رداء و امر بوضع سريره على الارض قبل دفنه مرارا كثيرة، و كان يكشف عن وجهه و ينظر اليه يريد بذلك تحقيق امر وفاته عند الظانين خلافته من بعده، و ازالة الشبهة عنهم في حيوته و لما مات اسماعيل انصرف عن القول بامامته بعد ابيه من كان يظنّ كذلك و اقام على حيوته طائفة ممن لم يكونوا من خواص ابيه بل كانوا من الاباعد و لما مات

ص:270

الصادق عليه السّلام انتقل جماعة منهم الى القول بامامة موسى بن جعفر عليهما السّلام، و افترق الباقون منهم فريقين فريق منهم رجعوا عن حيوة اسماعيل و قالوا بامامة ابنه محمد بن اسماعيل لظنهم ان الامامة كانت في ابيه و ان الابن احق بمقام الاب من الاخ، و فريق منهم ثبتوا على حيوة اسماعيل و هذان الفريقان يسميان الاسماعيلية.

و اما عبد اللّه بن جعفر فانه كان اكبر اخوته بعد اسماعيل و لم يكن له منزلة عند ابيه و كان متهما بالخلاف على ابيه في الاعتقاد و ادّعى الامامة بعد وفاة ابيه فاتبعه جماعة و رجع اكثرهم الى القول بامامة موسى عليه السّلام لما ظهر عندهم براهين امامته، و لم يبق الا طائفة يسيرة تسمى الفطحية، و ذلك لان عبد اللّه كان افطح الرجلين، او لان داعيهم الى ذلك رجل اسمه عبد اللّه بن افطح، و اما محمد بن جعفر فكان يرى رأي الزيدية في الخروج بالسيف، و كان سخيّا شجاعا و كان يصوم يوما و يفطر يوما و يذبح كل يوم كبشا للضيافة، و خرج على المأمون سنة تسع و تسعين و مأة فخرج لقتاله عيسى الجلودي فهزم اصحابه و اخذه و انفذه الى المأمون، فوصله و اكرمه و كان مقيما معه بخراسان و اما اسحاق بن جعفر فكان ورعا فاضلا مجتهدا و كان يقول بامامة اخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام.

و اما علي بن جعفر فكان من الورع بمكان لا يدانى فيه و كذلك من الفضل و لزم اخاه موسى بن جعفر عليهما السّلام و قال بامامته و امامة الرضا و الجواد عليهم السّلام و كان اذا رأى الجواد مع الصبيان يقوم اليه من المسجد بين جماعة الشيعة و ينكب على اقدامه و يمسح شيبه على تراب رجليه و يقول قد رأى اللّه هذا الصبي اهلا للامامة فجعله اماما و لم تر شيبتي هذه اهلا للامامة لا جماعة من الشيعة كانوا يقولون له انت امام فادّع الامامة و كان لا يقبل منهم قولا، و روى ان الجواد عليه السّلام اذا ارد ان يفصد لاخذ الدم يقول علي بن جعفر للفصّاد تعال افصدني حتى اذوق حرارة الحديد قبل الجواد عليه السّلام و اما من كان ملازما لباب الصادق عليه السّلام فهو المفضل بن عمر و من هذا قال المفيد طاب ثراه في ارشاده ان المفضل من شيوخ اصحاب ابي عبد اللّه عليه السّلام و خاصّته و بطانته و ثقاته من الفقهاء الصالحين، و اكثر اصحابنا من اهل الرجال ضعّفوه بارتفاع القول و بموافقة اخباره لاخبار الغلاة.

يستفاد من كلام ابن طاووس و المفيد و جماعة من القدماء ان الائمة عليهم السّلام كانوا يخصّون بعض الشيعة باسرار الاحاديث و لم يحدثوا بها غيرهم لعدم احتمال الغير لها، فاذا حدّث الخواص بتلك الاحاديث ردّت عليهم و اتهموا في روايتها و نسبوا الى ارتفاع القول و الغلو، و الى انها احاديث اختلفوها حيث انه لم يشاركهم في نقلها من الائمة عليهم السّلام غيرهم، كمحمد

ص:271

بن سنان و المفضل بن عمر و نحوهما من الابواب فقد ذمه قوم بما مدحه آخرون، و كم من فرق بين المذهبين و قد حققنا المقام في كتاب كشف الاسرار في شرح الاستبصار و اللّه الموفق للصواب.

و اما الكاظم عليه السّلام فقد ولد بالابواء و هو منزل بين مكة و المدينة لسبع خلون من صفر سنة ثمان و عشرين و مأة و قبض عليه السّلام ببغداد في حبس السندي بن شاهك لخمس بقين من رجب و قيل لسبع خلون من رجب سنة ثلاث و ثمانين و مأة، و له يومئذ خمس و خمسون سنة، و امه ام ولد، يقال لها حميدة البربرية، و كنيته ابو الحسن و هو ابو الحسن الاول و ابو ابراهيم و ابو علي و يعرف بالعبد (بعبد) الصالح و كانت مدّة امامته عليه السّلام خمسا و ثلاثين سنة، و قام بالامر و له عشرون سنة، و كانت في ايام امامته بقية ملك المنصور ابي جعفر ثم ملك ابنه المهدي عشر سنين و شهرا ثم ملك ابنه الهادي موسى بن محمد سنة و شهرا ثم ملك هرون بن محمد الملقب بالرشيد، و استشهد عليه السّلام بعد مضي خمس عشر سنة من ملكه سمّه هارون في رطب، و قيل في طعام قدمه اليه و قد كان عليه السّلام يعلم ان هارون يسمه في الرطبات و كذلك باقي الائمة عليهم السّلام.

فان قلت اذا كان الحال على هذا فكيف جاز تناول ذلك الطعام المسموم و هل هذا الا اعانة على النفس و الالقاء بالايدي الى التهلكة المنهي عن كل منهما، قلت قد روى عن ابراهيم بن ابي محمود قال قلت لابي الحسن الرضا عليه السّلام الامام يعلم متى يموت فقال نعم، قلت حيث بعث اليه يحيى بن خالد بالرطب و الريحان المسمومين علم به قال نعم قلت فأكله و هو يعلم فيكون معينا على نفسه فقال لا انه يعلم قبل ذلك ليتقدم فيما يحتاج اليه فاذا جاء الوقت القى اللّه على قلبه النسيان ليمضي فيه الحكم، و هذا الحديث يكشف عن الشهبة الواردة على كثير من احوال الائمة عليهم السّلام التي كانت السبب في موتهم كما لا يخفى و كفّن فيه حبرة استعملت بالفي و خمسمائة دينار عليه القرآن كله.

و اما عدد اولاده عليه السّلام فهم سبعة و ثلاثون ولدا ذكرا و انثى، الامام علي الرضا عليه السّلام و ابراهيم و العباس و القاسم لامهات اولاد، و احمد و محمد و حمزة لام ولد و عبد اللّه و اسحاق و عبيد اللّه و زيد و الحسين و الفضل و سليمان لامهات اولاد، و فاطمة الكبرى و فاطمة الصغرى و رقية و حكيمة و ام ابيها و رقية و الصغرى و كلثم و ام جعفر و لبابة و زينب و خديجة و علية و آمنة و حسنة و بريهة و عايشة و ام سلمة و ميمونة و ام كلثوم، و كان احمد بن موسى عليه السّلام كريما و كان موسى عليه السّلام يحبه، و كان محمد بن موسى عليه السّلام صالحا ورعا و هما مدفونان في شيراز و الشيعة تتبرك بقبورهما و تكثر زيارتهما و قد زرناهما كثيرت، و اما ابراهيم بن موسى عليه السّلام فكان شجاعا كريما و اما والد مؤلف الكتاب عفا اللّه عنه فهو السيد عبد اللّه و نسبه هكذا نعمة اللّه بن السيد عبد اللّه بن السيد محمد بن السيد حسين بن السيد احمد بن السيد محمود بن السيد غياث الدين بن السيد

ص:272

مجد الدين بن السيد نور الدين بن السيد سعد الدين بن السيد عيسى بن السيد موسى بن السيد عبد اللّه بن الامام الهمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السّلام بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السّلام اولئك آبائي فجئني بمثلهم اذا جمعتنا يا جرير المجامع.

و قد احسن ابو نواس حيث قال في مدح الرضا عليه السّلام:

مطهرون نقيات ثيابهم تجري الصلوة عليهم اينما ذكروا

من لم يكن علويا حين تنسبه فما له من قديم الدهر مفتخر

فانتم الملأ الاعلى و عندكم علم الكتاب و ما جائت به السور

فقال له الرضا عليه السّلام قد جئتنا بابيات ما سبقك اليها احد و قد مدحه حين جعله المأمون و لي عهده و خطب و ضرب الدراهم باسمه و اعطى الشعراء الجوائز على مدحه فمدحوه سوى ابي نواس فعاتبه الخليفة على تركه المدح الرضا عليه السّلام فقال:

قيل لي انت اوحد الناس طرا في المعاني و في الكلام النبيه

لك من جوهر الكلام بديع يثمر الدر في يدي مجتنيه

فعلى ما تركت مدح ابن موسى و الخصال التي تجمعّن فيه

قلت لا اهتدي لمدح امام كان جبرئيل خادما لابيه

و قد كان جدنا المرحوم ورد الى الجزائر فبقى فيها و الان له ذراري كثيرة و اولاد و احفاد كثر اللّه العلويين في مشارق الارض و مغاربها، و اما ابوابه عليه السّلام فهو محمد بن الفضل بن عمرو و هو مجهول الحال في كتب الرجال و لكن كونه من الابواب مما يدلّ على مدحه بل على توثيقه، فيكون حديثه صحيحا و كثيرا ما اهمل الرجاليون توثيق من لا يختلج الريب في حسن حاله، و قد ذكرنا وجهه في شرح تهذيب الحديث.

و اما الامام علي الرضا عليه السّلام فقد ولد بالمدينة سنة ثمان و اربعين و مأة بعد الهجرة و يقال انه ولد لاحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة، يوم الجمعة سنة ثلث و خمسين و مأة بعد وفاة ابي عبد اللّه عليه السّلام بخمس سنين و قيل يوم الخميس و أمه ام ولد يقال لها ام البنين و اسمها نجمة، و يقال لها سكن النوبية، و يقال تكتم و كانت من اشراف العجم، و قد سمه المأمون لعنه اللّه في رمان و عنب و قد غسله ابنه الجواد عليه السّلام اتى اليه من المدينة بطي الارض و هو مريض فأخذ منه علوم الامامة و جهزه ثم تركه فلما دخل عليه المأمون رآه كأنه لم يغسل و لم يكفن و لم يصلّ عليه، و له

ص:273

من الاولاد ثلاثة اولاد و اما من كان بابه فهو عمر بن الفرات و قد ذكر اهل الرجال في شأنه انه كاتب بغدادي غال و هذا ايضا من ذاك لان وصفه بالغلو لما تقدم فيكون دليلا على علو رتبته.

و اما الامام ابو جعفر محمد بن علي الرضا عليه السّلام فقد ولد في شهر رمضان سنة خمس و تسعين و مأة لسبع عشر ليلة مضت من الشهر و قيل للنصف من ليلة الجمعة و في رواية اين عياش ولد يوم الجمعة لعشر خلون من رجب و قبض عليه السّلام ببغداد في آخر ذي القعدة سنة عشرين و مأتين، و له يومئذ خمش و عشرون سنة، و كانت مدة خلافته لابيه سبع عشرة سنة، و كانت في ايام امامته بقية ملك المأمون و قبض عليه السّلام في اول ملك المعتصم و امه ام ولد يقال لها خيزران و كانت نوبية، و دفن في مقابر قريش في ظهر جده موسى عليه السّلام مات مسموما قد سمه المعتصم، و اما وكيل بابه فهو عمر بن الفرات ايضا و له من الاولاد علي ابنه الامام عليه السّلام و موسى، و من البنات حليمة و خديجة و ام كلثوم، و يقال انه خلف فاطمة و امامة ابنتيه و لم يخلف غيرهم.

و اما الامام ابو الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى عليهم السّلام فقد ولد بالمدينة للنصف من ذي الحجة سنة اثنتي عشر و مأتين، و في رواية ابن عياش يوم الثلاثا الخامس من رجب و قبض عليه السّلام بسر من رأى في رجب سنة اربع و خمسين و مأتين و له يومئذ احد و اربعون سنة و اشهر، و كانت مدة امامته ثلاثا و ثلثين سنة، و امه ام ولد يقال لها سمانة و لقبه النقي و العالم و الفقيه و الامين و الطيب و يقال له ابو الحسن الثالث، و كانت في ايام امامته عليه السّلام بقيت ملك المعتصم ثم ملك الواثق خمس سنين و سبعة اشهر ثم ملك المتوكل اربعة عشر سنة ثم ملك ابنه المنتصر ستة اشهر ثم ملك المستعين و هو احمد بن محمد بن المعتصم سنتين و تسعة اشهر ثم ملك المعتز و هو الزبير بن المتوكل ثماني سنين و ستة اشهر و في آخر ملكه استشهد و لي اللّه علي بن محمد سمّه المعتزّ لعنه اللّه تعالى و اما وكيل بابه فهو عثمان بن سعيد و هو على باب ابنه الحسن و باب صاحب الدار عليهم السّلام، و قد وثقه الاصحاب و اثنوا عليه و له عليه السّلام من الاولاد ابنه الحسن عليه السّلام الامام بعده و الحسين و محمد و جعفر الملقب بالكذاب و ابنته غالية.

و امام الامام الحسن العسكري عليه السّلام فقد كان مولده بالمدينة يوم الجمعة لثمان خلون من شهر ربيع الاول سنة اثنتي و ثلثين و مأتين و قبض عليه السّلام بسر من رأى لثمان خلون من شهر ربيع الاول سنة ستين و مأتين و له يومئذ ثمان و عشرون سنة، امه ام ولد يقال لها حديثة و كانت مدة خلافته ست سنين و لقبه الهادي و السراج، و العسكري عليه السّلام و كان ابوه وجده يعرف كل منهم في زمانه بابن الرضا و كانت في سني امامته بقية ملك المعتز اشهرا ثم ملك المهتدي احد عشر شهرا و ثمانية و عشرين يوما ثم ملك احمد المعتمد على اللّه ابن جعفر المتوكل عشرين سنة واحد عشر

ص:274

شهرا و بعد مضي خمس سنين من ملكه سمّه المعتمد و دفن في بيته بسرّ من رأى في البيت الذي دفن فيه ابوه عليه السّلام.

نجزّ الجزء الاول من الكتاب على حسب تجزئتنا في الطبع و يتلوه الجزء الثاني و اوله (نور في بيان بعض احوال مولانا صاحب الزمان صلوات اللّه عليه) و نسأل اللّه التوفيق لاتمامه، و الحمد للّه اولا و آخرا، و صلّى اللّه على سيدنا محمد و آله الطاهرين صلوات اللّه عليهم اجمعين.

و قد تصدى لتصحيحه و بذل الجهد فيه العبد الحقير عيسى الاهري و عمران الغريبدوستي و وفقنا اللّه تعالى لاتمامه في شهر ذي الحجة الحرام سنة 1378 ه.

ص:275

محتويات الجزء الاول

(الباب الاول) يشتمل على أنوار 11

نور، في معرفة الباري سبحانه 11

نور الهي 15

نور نبوي 16

نور امامي 21

نور علوي 22

فايدة 32

نور مرتضوي 33

نور علوي 79

نور سماوي 84

نور غديري 97

نور صلواتي 101

نور في ابتداء خلق الدنيا 109

نور سماوي يكشف عن ابتداء خلق السموات 112

نور عرشي 122

يكشف عن بعض احوال العرش و الكرسي 122

نور حجابي يكشف عن بعض ما فوق العرش 125

نور قمري يتعلق باحوال القمر 127

نور شمسي 136

نور نجومي 138

نور في بعض الامور التابعة للكواكب 148

نور ملكي يكشف عن بعض احوال الملائكة 150

نور ملوكتي 158

في بعض ما في عالم الملكوت 158

نور يكشف عن مكان الجنة و النار الاخرويتان 163

نور آدمي 164

ص:276

في ابتداء خلق ابينا آدم و امنا حوى عليهما السّلام 164

نور روحاني 196

يكشف عن الروح و توابعها 196

نور ميثاقي يشتمل على التكليف الاول 200

نور طيني 206

يكشف عن احوال طينة المؤمن و غيره 206

نور علمي تقديري 214

نور يكشف عن بعض احوال علمه القديم و تقديره الازلي سبحانه و تعالى 214

نور يشتمل على العجائب 226

نور ارضي 239

نور في سلسلة النبوة و الوصاية 257

نور في بعض احوال الائمة عليهم السّلام 266

ص:277

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.