المجالس المعصومیة کریمة أهل البیت السیدة فاطمة بنت موسی بن جعفر علیها السلام

اشارة

سرشناسه:تاج الدین، مهدی، 1347 -

عنوان و نام پديدآور: المجالس المعصومیة کریمة أهل البیت السیدة فاطمة بنت موسی بن جعفر علیها السلام/ نویسنده مهدی تاج الدین.

مشخصات نشر:قم - ایران : مکتبه الحیدریه 1393.

مشخصات ظاهری:260 ص.

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع: حضرت معصومه علیها السلام

ص :1

اشارة

ص :2

المجالس المعصومیة کریمة أهل البیت السیدة فاطمة بنت موسی بن جعفر علیها السلام

نویسنده مهدی تاج الدین

ص :3

ص :4

كلمة الناشر

يُعتبر الحديث عن أهل البيت عليهم السلام، ومن يرتبط بهم ودراسة شخصيّاتهم وبيان فضائلهم حديثاً عن الحق الذي أمرنا اللّه تعالى لنسلّم له ونؤمن به، فقد كانوا بحق نجوم هداية مضيئة في سماء الأُمة، وعَلَم رشاد يُهتدي بهم في مختلف ميادين الحياة، وذلك لما حباهم اللّه سبحانه بمزايا وسجايا وخصال كريمة، فهم مُودَع أسراره وعيبة علمه وخزّان وحيه والحجّة على خلقه.

وقد أفاض القرآن المجيد بالحديث عنهم في كثير من آياته الشريفة حتى نزلت أكثر من سبعمائة آية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام(1)، وروي عن ابن عباس قال: «نزلت في علي عليه السلام أكثر من ثلاثمائة آية في مدحه»(2).

ص:5


1- (1) أُنظر كتاب علي عليه السلام في القرآن لآية اللّه العظمى المرجع السيّد صادق الشيرازي (دامت بركاته).
2- (2) ينابيع المودة للقندوزي: 377/1، الحديث 15، خصائص الوحي المبين للحافظ ابن البطريق: 32.

فهم: المعنيُّون بآية التطهير(1)، والمودّة(2)، والولاية(3)، والتبليغ(4)، والذكر(5)، والوسيلة(6)، والمباهلة(7)، على ما ذكره أرباب التفسير والحديث في شأن نزول هذه الآيات الشريفة من كلا الفريقين (سُنَّة وشيعة).

وأ مّا سورة الإنسان فهي فيهم بلا منازع، في قصّة معروفة ومشهورة مذكورة في كتب التاريخ والتفسير والحديث، وكذلك بالنسبة إلى سورة الكوثر وغيرها من السور والآيات الشريفة النازلة بحقهم.

كما تحدث عنهم الرسول الكريم صلى الله عليه و آله وأبان فضل أهل بيته على الناس أجمعين وأشار بذكرهم وبمناسبات شتى بما لا يدع للشك

ص:6


1- (1) قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. سورة الأحزاب: 33.
2- (2) قوله تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى. سورة الشورى: 23.
3- (3) قوله تعالى: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ. سورة المائدة: 55.
4- (4) قوله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ سورة المائدة: 67.
5- (5) قوله تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. سورة النحل: 43، وسورة الأنبياء: 7.
6- (6) قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَ جاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. سورة المائدة: 35.
7- (7) قوله تعالى: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ. سورة آل عمران: 61.

والريب مجال، فهم: كسفينة نوح، وهم أحد الثقلين، وهم مصابيح الدجى وأركان التقى، وهم العروة الوثقى والحجة على أهل الدنيا، وهم حبل اللّه المتين وصراطه المستقيم، وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «لا يقاس بآل محمد صلى الله عليه و آله من هذه الأُمة أحد ولا يُسوّى بهم مَن جَرت نعمتهم عليه أبداً: هم أساس الدين وعماد اليقين، اليهم يفيء الغالي وبهم يلحق التالي، ولهم خصاص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة»(1).

إلى غير ذلك من الصفات والنعوت التي لا توجد ولم توجد ولن توجد إلّافيهم (صلوات اللّه عليهم أجمعين) مطلقاً وأبداً، وهي مذكورة في كتب الأحاديث المؤلفة من قبل علماء الأُمة أجمع.

ومن طليعة هذه الذوات والتي ارتبطت بأهل البيت ارتباطاً وثيقاً هي صاحبة هذا الكتاب السيّدة الجليلة رقية بنت الإمام الحسين عليهما السلام.

وهذا الكتاب الذي بين أيدينا «المجالس المعصومية» لسماحة الخطيب الشيخ مهدي تاج الدين حفظه اللّه، وقد تناول فيه حياة وسيرة السيّدة رقية بنت الحسين عليهما السلام واستلهم منها الدروس والعبر بأُسلوب جذّاب، عِلماً بأنّ هذا الكتاب هو أحد الكتب التي قمنا بطباعتها فقد طبعنا له سابقاً ما يلي من كتبه:

1 - زاد الخطباء في أيام عاشوراء.

ص:7


1- (1) نهج البلاغة: خطبه 2 بعد انصرافه عليه السلام من صفين.

2 - في ظلال شهر رمضان «يحتوي على ثلاثين مجلساً لشهر رمضان».

3 - المجالس المرضيّة في أيام الفاطميّة عليها السلام.

4 - النور المبين في شرح زيارة الأربعين.

5 - المجالس الشجيّة في آثار أُمّ البنين التقيَّة عليها السلام.

6 - المجالس الزاهرة في النبي والعترة الطاهرة.

7 - المجالس الزينبية.

8 - المجالس النقية عن حياة السيّدة رقية عليها السلام (بين يديك).

9 - المجالس المعصومية (بين يديك).

وأما الكتب المخطوطة للمؤلف فهي:

10 - كتاب تيسير الأُصول: بحث القطع والظن والتجري.

11 - رجال الدولة العلوية: دولة أمير المؤمنين عليه السلام.

والمؤلف إنما يكتب لما يرى عليه من الواجب في سبيل توعية وإرشاد المجتمع، وأيضاً استجابة لما طلب منه كثير من المؤمنين بالأخص الخطباء منهم لما رأوا من كتبه المباركة السلاسة وعدم التعقيد في المطالب والتسهيل في أمر الخطابة.

وكما أنّ المؤلف يتقدّم بجزيل الشكر والإمتنان إلى سماحة الخطيب الشيخ علي أكبر القحطاني وسماحة الخطيب العلّامة الأُستاذ السيّد إبراهيم القزويني حيث ساهما في إنجاز هذا الكتاب المبارك راجياً من المولى القدير أن يكتب جهودهما في حسنات أعمالهم.

ص:8

وإنّ مؤسسة «المكتبة الحيدرية» في قم المقدّسة إذ تقوم بطبع ونشر هذه الكتب، مُساهمة منها لبناء المجتمع الإسلامي، نسأل الباري تعالى أن ينفع به وأن يأخذ بيد الجميع لما فيه الخير والصَّلاح واللّه وليّ التوفيق.

أخوكم أبو زينب الكتبي

مؤسسة المكتبة الحيدرية - قم المقدّسة

1435 ه

ص:9

ص:10

مقدمة الكتاب

بسم اللّه الرحمن الرحيم

والحمد للّه رب العالمين، ثمّ الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه و آله وآله الطيبين الطاهرين الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، ثمّ اللعنة الدائم على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين.

أما بعد؛

فقد تكبّدت الذرّية الطاهرة... وأبناء أمير المؤمنين علي والصديقة الزهراء عليهم السلام... في الحياة من المآسي والمعاناة، وصنوف التشريد والمطاردة، ما لا يحتمله غيرهم من بني الإنسان منذ الخليقة إلى يوم الناس هذا، وهم في خلال تلكم المراحل القاسية والظروف العارمة، والأحوال القاتمة التي اجتازتهم او اجتازوها صابرون محتسبون، صامتون يبتغون فضلاً من اللّه ورضواناً... فهاموا على وجوههم في البراري والقفار، ووقعوا في الشدّة والمشقة، وضيق العيش وفارقوا أوطانهم وديارَهم وأولادهم، لم يستقر بهم مقام، ومثوى، ولم يكن ملجأ يضمّهم... ولا مكان يلفّهم.

ص:11

كلّ ذلك بسبب وطأة الحكّام والمتربّعين على أريكة الخلافة الإسلامية المغتصَبة من قبل أسلافهم، منذ وفاة الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله...

وما جرى على أهل بيته الطاهرين من المصائب التي تقشعرُّ منها الجلود وتهتزُّ لها الضمائر والعواطف.

لقد ترك آلُ رسول اللّه موطنهم الأصيل، وفارقوا عاصمة جدّهم صلى الله عليه و آله المدينة المنوّرة، وأصبحوا طرائق قدداً، وتبدّدت بهم الحياة.. ومع ذلك كلِّه لم يستسلموا للاطماع والزخارف الدنيويَّة، ولم يخضعوا لعبيد الشياطين، ولم تستهويهم الرتب والكراسي، ولم يَشغلهم الإرهاب والتشريد.. عن ذكر اللّه، واقام الصلاة، وايتاء الزكاة...

وهذه الحالة لم تكن محصورة في الرجال منهم فحسب، بل شاركتهم النساء الفاضلات العقيلات من الذريَّة الطاهرة والسيّدات العالمات من بنات الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء لما أودع اللّه فيهنّ من الصبر، والثبات والشهامة والشجاعة والأنفة، والسكينة، والصمود، والشكيمة.

لقد أعطاهم اللّه تعالى، «ما لم يؤت أحداً من العالمين، طأطأ كلّ شريف لشرفهم، وبخع كلّ متكبّر لطاعتهم، وخضع كلّ جبّار لفضلهم، وذلّ كلّ شيء لهم، وأشرقت الأرض بنورهم، وفاز الفائزون بولايتهم، بهم يسلك إلى الرضوان، وعلى من جحد ولايتهم غضب الرحمان..» فهم من مصاديق الآية الكريمة: وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللّهِ

ص:12

وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللّهِ وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً1 .

ولستُ أُبالي حين اقتل مسلماً على أيّ جنب كان في اللّه مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزّع

إنّ العقيلات من بنات العترة الطاهرة... والناشئات في أحضان الولاية والإمامة كنّ بصورة عامة متحلّيات بالقيم الإنسانية، ومتّصفات بالمُثل العليا، ومتوسّمات بالفضيلة والطهارة، لا تأخذّهن في اللّه لومة لائم، ولا يصدّهن عن العبادة والرشاد والتقوى رادع نفساني، ولا دافع شيطاني، فلم يحصل لواحدة منهنّ ما يدفعها إلى الانحراف والزيغ والخروج عن مهيع الحق، والصراط المستقيم، وهن مع ضروب الظلم، والعنف والفتك وأنواع البطش، والعدوان، والتشريد، والتعذيب والنفي، صابرات محتسبات لم يكن لهنّ شاغل غير التهليل، والتكبير، والترجيع، والاستغفار...، اَلَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ * أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ 2 .

ص:13

من هنا.. فإن تاريخ الذرّية الطاهرة، وحتى العقيلات والفتيات منهم جدير بالبحث والدراسة والتأليف والكتابة والتصنيف، وتوجيه الناس نحو الاقتداء بهم والاستضاءة من أنوارهم الإلهيَّة. وتبيان أحوالهم وظروفهم الاجتماعية والسياسيَّة على الرغم من ضياع أخبارهم، وإهمال ذكرهم وفقدان معالم شخصيّاتهم، وتبدّد خطبهم المنبرية، وحِكَمهم الجامعة عبر القرون، من جرّاء المراحل السياسية القاسية، والظروف الحاكمة التوسعيّة التي مُرّوا بها في العهدين المظلمين الأموي والعباسي، ولم يصلنا منهم إلّاالقليل القليل.

وفي هذا الكتاب حاولنا أن نسلّط الأضواء على حياة احدى شخصيّات هذه الأُسرة المباركة والبيت النبوي العلوي الطاهر ألا وهي السيّدة الجليلة العابدة الزاهدة السيّدة فاطمة المعصومة بنت سابع أئمة أهل البيت الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام.. وهذه السيّدة لها الحق الكثير عليَّ فلقد جاورتُها أكثر من ثلاثين سنة طالباً للعلم والانتهال من فكر أهل البيت عليهم السلام في حوزتها المباركة فهي لم تخذل جارها ولم تهمل من أناخ بأرضها ولم تخيب من دعاها في حاجة أو معضلة المَّت به كيف لا وهي ابنة باب الحوائج إلى اللّه الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام ولقد صدرت منها آلاف الكرامات والمعاجز. وقد كتبت هذا الكتاب ورتبته على شكل مجالس بعنوان:

«المجالس المعصومية عن حياة فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهما السلام»

ص:14

كي ينتفع به الخطباء والوعاظ وهذا الكتاب هو قبس من نورهم المبارك كتبته راجياً من اللّه تعالى أن يجعله ذخراً لآخرتي إن شاء اللّه تعالى عز أن يتفضل اللّه عليَّ بالقبول بفضله وكرمه إنه واسع عليم.

هذا وقد جرت العادة أن يُهدي المؤلف كتابه إلى أحد شخصيات العصر وعظماء الزمان، وانني لا أعلم أحد أفضل وأعظم من سيدنا ومولانا صاحب العصر والزمان الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف) وكذلك أُهديه إلى أُمّه الزهراء فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

فإليكما يا حُجَّتي اللّه على خلقه، وصفيَّيه من بين عباده أُهدي هذه الصفحات المتعلقة بالسيّدة الجليلة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام، فتقبلا مني هذه البضاعة المزجاة وتصدَّقا علينا إن اللّه يجزي المتصدقين.

الشيخ مهدي تاج الدين

قم المقدّسة

1435 ه

ص:15

ص:16

تقريظ الكتاب

تاريخ تأليف كتاب (المجالس المعصومية عن حياة السيّدة فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهما السلام) تأليف شيخنا الفاضل مهدي تاج الدين أيده اللّه.

لِمَجالِسِ الْمَعْصومَةِ صَوْنُ دِينٍ وَلِلأَطْهارِ كَمْ فِيهَا الْفَضائل

فَخُذْ ما قَدْ رَوَى الْمَهْدِيُّ عَنْها عَنِ الأَسلافِ وَالجَمْعِ الْفَطاحِل

وَمَشكورٌ عَلى ما قَدْ حَبانا بِسِفْرٍ قَيِّمٍ فَخْمُ الدَّلائل

أَيَا الْمَهْدِيَّ أَرِّخْ أَوْ (تَلَمَّحْ أَمَجالِسُ الْمَعْصومَةِ كالْمَناهِل)(1)

478 + 135 + 646 + 177 =

1435 الهجري

18 / صفر / 1435 ه

كربلاء المقدّسة

ص:17


1- (1) لشاعر أهل البيت عليهم السلام الشيخ سلطان صابري الحائري، كربلاء المقدّسة، 1435 ه.

ص:18

المجلس الأول: ولادتها وألقابها وزواجها واخواتها

اشارة

بِاسمِكَ ربّي أبدءُ وأَحمَد صلّ على آل النبيِّ أحمَدْ

مبارِكاً للكلِّ عيدَ ميلاد كريمةِ آلِ النبيِّ الأمجادْ

سليلةِ الإمام موسى الكاظمِ ذاة المزايا الغُرِّ والمكارمْ

أُختِ الرضا أَفديهما الشَّقيقَه أوِ المثاليَّةِ في الحقيقهْ

دُونكها منظومةً مفهومه تُذَهبُ عن مسامِعها هُمُومَهْ

إليكَ مِن حياتها اشراقه ومن زُهور النظم فيها باقهْ

مَولدُها بطيبةَ المُنوَّره ذِكراه ناهيك بها مُعطَّرَهْ

غُرَّةِ ذي القِعدةِ حَسبما ذُكر وذلكم لدى المُوالين شُهِرْ

فلتبتهج بها جميعُ الشيعه فإنّها لكلها الشفيعهْ

حَقَّ لها الحفلُ بيومها الأغر بورِكَ مَن صَلّى عليها وابتشرْ

وليدةٌ سعيدٌُ حميده سيدةٌ سديدةٌ رشيدهْ

تدرَّجت طبعاً بمهد العِصمَه تخرَّجت من مَعهد الأئمهْ

قد أشبهت عمتها العقيله زينبَ الكبرى يا لها فضيلهْ

ص:19

تُعرَفُ بالزيارة المأثوره عن الرِّضا تُعطيك عنها صُورهْ

تقول: (يا فاطمةُ اشفعي لي في الجنة) بجاهكِ الجليلِ

إنّ لكِ عند الإله شأناً أ نّى لنا إدراكُ هذا المعنى

ذِكرى ورودِ الجارَة الجليله فاطمةَ المعصومةِ النبيله

لِقُم يوم الثالث والعشرين من الربيع الأول البلدُ زين

بطلعةِ شمس محيّاها الأغرُ قرةِ عينِ آل يس الغرر

بُوركتموا يا أهل قُم فيها صلّوا عليها وعلى ذويها

تلك التي قد حوت المناقب حياتها قرينة المصائب

تيتّمَت إذ فقدَت أبوها روحي فداها وهي في صِباها

قام برعيها شقيقُها الرضا إمامُنا الثامِنُ راضٍ بالقضا

حتى إذا فارَقها ماضٍ إلى مَرو خراسانَ عليها حُمِّلا

طال على السيّدة الفراقُ هام بها الوجدُ والاشتياقُ

فغادَرت موطِنها المدينه وهي مع اخوةٍ لها حزينه

جائت إلى إيران ضمن قافله وأعينُ الأعداءِ غيرُ غافله

فحاصرتهم تلكم الأنذال أعقبها هناك الاقتتالُ

فاستشهدت اخوتها في ساوه بعد دفاع بالغ الضراوه

وما أتت أنباؤها القميين شيعة آلِ البيت الأشعريين

حتى انبروا لدفن تلك الأبدان وواسوا السيّدة بالأحزان

ثمّ أتوا بها إلى هذا البلد مكرمةً وهي بغاية الكَمَد

وأُنزلت بيتاً بخير الدُّور ويعرف اليوم ببيت النُور

ص:20

بعنفوان عُمرها كأُمِّها فاطمة الزهراء قضت بهظمها

فارتجّت البلدة بالبكاء وبالحداد العام والعزاء

هذا ومنواها الشريف الخالد يؤوي إليه الشارد والوارد

وإنّ قُم حرم الأئمة وعُشّهم لجه لدى الملمّه

لُذ بعناه وفناء بضعة ال إمام موسى أبداً فلا تضل

زائرها مبشّر بالجنة طوبى له هنالكم فليَهْنَ

وفضلها الخاص على هذا البلد ما لا يُعدُّ أبداً ولا يُحد

كم دفعت بقبرها الأخطار شاهدةٌ لذلك الأخبار

من هزّة أو فيضان أو مرض لأنها الجوهرُ يذهب العرض

يا أيها المحب ليل نهار صل عليها وذويها الأبرار(1)

***

يوم ميلادها الملائك صلت بولاء على النبي المبشر

هذه البضعة الكريمة حلّت عشّها مأمن بقم لمعشر

كل من زارها يكون حقيقاً بجنان الخلود بهن ويفخر

ابنة المجد وهو موسى بن جعفر تلك أُخت الرضا علي المطهر

حرم الطهر فاطم ابنة موسى دونه باب حطة الذنب يغفر(2)

***

ص:21


1- (1) لشاعر أهل البيت الخطيب الشيخ محمد محسن النجفي دامت بركاته.
2- (2) لشاعر أهل البيت الشيخ فاضل الفاضلي حفظه اللّه.

قال الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ للّه حرماً وهو مكة، ألا إن لرسول اللّه صلى الله عليه و آله حرماً وهو المدينة، ألا وإن لأمير المؤمنين عليه السلام حرماً وهو الكوفة، ألا وإن قم الكوفة الصغيرة، ألا إن للجنة ثمانية أبواب، ثلاثة منها إلى قم، تقبض فيها امرأة من ولدي اسمها فاطمة بنت موسى، وتدخل بشفاعتها شيعي الجنة بأجمعهم»(1).

تاريخ ولادتها عليها السلام:

اختلف المؤرخون في تاريخ ولادتها سلام اللّه عليها فذهب ابن شهر آشوب أنها ولدت في المدينة المنورة عام (183 ه)(2) وينقل المؤرخ علي أكبر مهدي پور(3) عن كراس مرجع تاريخه إلى أربعين سنة نشر فيه أنّ ولادة فاطمة بنت موسى بن جعفر عليه السلام في المدينة المنورة في غرة ذي القعدة الحرام (183 ه) ووفاتها في العاشر من ربيع الثاني سنة (201 ه) في مدينة قم المقدّسة.

ومصدر هذا الكُتيّب هو كتاب نُزهة الأبرار في نسب أولاد الأئمة الأطهار وكتاب (لواقح الأنوار في طبقات الأخبار).

وذُكر أن هذا المطلب أخذه من هذين الكتابين في مكتبة المدينة المنورة التي أنارت الوجود بنور ساكنها صلى الله عليه و آله.

ص:22


1- (1) بحار الأنوار 228:57، باب 36، حديث 59.
2- (2) المناقب: 367/4.
3- (3) زندگانى كريمه اهل البيت عليهم السلام.

وصاحب كتاب نزهة الأبرار السيّد موسى البرزنجي الشافعي المدني ولم يطبع هذا الكتاب(1). وكتاب لواقح الأنوار للمؤلف عبد الوهاب الشعراني الشافعي المتوفى سنة (937 ه)(2).

ولكن الظاهر أن ولادة السيّدة المعصومة عليها السلام في سنة (173 ه) هو الأرجح ويذهب إلى هذا الرأي كثير من المحققين منهم:

الشيخ علي النمازي المتوفى سنة (1405 ه) في كتابه (مستدرك السفينة) في مادة (فطم) حيث يقول فاطمة المعصومة المولودة في غرة ذي القعدة سنة (173 ه)(3) وسبب رجحان هذا القول بأن ولادتها سنة (173 ه) هو الالتفات إلى شهادة مولانا الإمام موسى الكاظم عليه السلام أي في سنة (183 ه) ولا شك أن الإمام الكاظم عليه السلام والدها قضى السنوات الأخيرة من عمره المبارك في سجون بغداد.

وقد صرح البعض أنه قبض على الإمام عليه السلام سنة (179 ه)(4) وأودع السجن وبقي في السجن حتى قضى شهيداً ولم يرجع إلى المدينة فلا يمكن تصور ولادتها بتاريخ شهادته عليه السلام.

أما اليوم والشهر وهو غرة ذي القعدة الحرام فلم يختلف فيه، وأهم الوثائق التي ذكرت اليوم والشهر بلا اختلاف هي:

ص:23


1- (1) الذريعة: 17/24.
2- (2) كشف الظنون: 1565/2.
3- (3) مستدرك السفينة للشيخ علي النمازي: 257/8.
4- (4) أُصول الكافي: 397/1 وتاريخ بغداد وتاريخ قم: 199 عن زندگانى كريمه اهل بيت: 82.

كتاب العوالم للعلّامة البحراني (ج 21، ص 328).

وكتاب گنجينه آثار قم تأليف الشيخ عباس فيض (ج 1، ص 386).

وكتاب حياة الست للمرحوم الشيخ مهدي المنصوري (ص 10).

وكتاب فاطمة بنت موسى الكاظم للدكتور محمد هادي الأميني بن العلّامة الأميني (ص 21).

وكتاب زندگى (حياة) حضرة معصومة للمرحوم الشيخ مهدي المنصوري (ص 34).

والاسم المبارك فاطمة لم يكن مختص بفاطمة المعصومة المدفونة بقم المقدّسة فهناك فواطم أُخرى من بنات الإمام موسى الكاظم عليه السلام.

كما ينقل ذلك ابن الجوزي في تذكرة الخواص(1).

إن لموسى بن جعفر أربع بنات باسم فاطمة وهن: فاطمة الكبرى وفاطمة الوسطى وفاطمة الصغرى وفاطمة الأُخرى.

وفاطمة الصغرى معروفة ب (بي بي هيبت) مدفونة في أذربيجان روسيا السابقة في منطقة جنوب (يادكوبه)(2).

ولقد تعرضت قبتها المقدّسة إلى هدم من قبل الشيوعية وبعد زوال الشيوعية عن هذا البلد بدأ الشيعة في بنائها والحمد للّه.

أما فاطمة الوسطى فهي مدفونة في إصفهان وقيل أن منطقة الزينبية

ص:24


1- (1) تذكرة الخواص لابن الجوزي: 317.
2- (2) مرآة البلدان: 237/2.

لها علاقة بالسيّدة فاطمة الوسطى ولكن الظاهر أن للإمام الكاظم عليه السلام بنت اسمها زينب تسمى المنطقة باسمها. أما فاطمة الأُخرى ولها لقب آخر وهو فاطمة الطاهرة مدفونة في رشت ولها مرقد يُزار(1).

وأما القابها عليها السلام

فمنها:

أ - المعصومة:

الظاهرة أن إطلاق اسم المعصومة على مولاتنا السيّدة المعصومة هي من اطلاقات مولانا الإمام الرضا عليه السلام كما جاء في رواية ينقلها الميرزا محمد تقي خان المتوفي سنة (1297) في كتابه ناسخ التواريخ. قال الإمام الرضا عليه السلام: «مَن زار المعصومة بقم كمن زارني»(2) فكلمة المعصومة وردت في نص الرواية وأشار إلى ذلك أيضاً ذبيح اللّه المحلاتي في كتاب رياحين الشريعة(3).

ب - أُخت الرضا:

ينقل المرحوم الميرزا النوري في كتاب دار السلام رؤية صادقة حين رأى النصراني في قضية سنذكرها في كرامات السيّدة المعصومة

ص:25


1- (1) فاطمة المعصومة عليها السلام أُخت الرضا، لوهاب إسماعيل الدرّاجي: 77.
2- (2) ناسخ التواريخ لمحمد تقي خان: 68/3.
3- (3) رياحين الشريعة لذبيح اللّه المحلاتي: 35/5.

سلام اللّه عليها حيث قالت السيّدة المعصومة للنصراني عندما سألها عن شخصها (أنا المعصومة أُخت الرضا)(1).

ولا يعتمد كثيراً على الرؤى في كتب التاريخ ولكن بما أن ما نقله المحقق النوري يعتبر مورد ثقة واعتماد من قبل العلماء ولذا يؤخذ باخباره فهو منزه عن الكذب وحتى رؤاه تكون صادقة في هذا المجال.

ج - كريمة أهل البيت عليهم السلام:

هناك قصّة معروفة تُنقل عن المرحوم آية اللّه السيّد محمود المرعشي النجفي(2) المتوفى سنة (1338 ه) صاحب مشجرات العلويين.

وكان يرغب في معرفة مكان قبر مولاتنا السيّدة الزهراء بنت الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله ولذا اتبع طريقة قراءة بعض الأذكار والختوم المجربة وخلال أربعين ليلة داوم على ذلك للحصول على معرفة مكان قبر الزهراء عليها السلام.

وفي ليلة الأربعين بعد أن أكمل الأذكار وتوسل كثيراً باللّه سبحانه وتعالى من أجل معرفة ذلك.

أخذته غفوة وإذا به يرى في عالم الرؤيا الإمام الباقر عليه السلام أو الإمام الصادق عليه السلام.

قال له الإمام عليه السلام: عليك بكريمة أهل البيت عليهم السلام.

تصور هذا العالم أن كريمة أهل البيت هي الزهراء عليها السلام.

ص:26


1- (1) دار السلام للميرزا النوري: 170/2.
2- (2) الظاهر أ نّه والد السيّد آية اللّه العظمى شهاب الدين المرعشي النجفي (المرجع الكبير المعروف).

قال للإمام فداك نفسي أنا عملت هذه الأذكار حتى أعرف محل قبرها الشريف حتى أزور قبرها عليها السلام.

قال له الإمام عليه السلام مرادي من كريمة أهل البيت هي السيّدة معصومة عليها السلام في قم وأضاف إلى ذلك:

هناك مصالح إلهية وإرادة ربانية في اخفاء قبرها، وأنّ قبر السيّدة المعصومة عليها السلام هو تجلي لقبر السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام(1).

د - شفيعة يوم الجزاء:

لقد وردت الآيات القرآنية الكريمة والروايات المباركة ونحن في غنى عن ذكرها بشفاعة الرسول صلى الله عليه و آله وأهل البيت عليهم السلام للمؤمنين في يوم القيامة وكذلك المقربين والشهداء، فهناك كتب وبحوث مختصة بذلك قد تناولته بالتفصيل.

ومن أهل الشفاعة في يوم القيامة هي مولاتنا السيّدة المعصومة عليها السلام فلقد جاء في متن زيارتها عن مولانا الإمام الرضا عليه السلام: «يا فاطمة اشفعي لي في الجنة»(2).

وكذلك عن الإمام الصادق عليه السلام: «ألا إن للجنة ثمانية أبواب ثلاثة منها إلى قم تقبض فيها امرأة من ولدي واسمها فاطمة بنت موسى تدخل بشفاعتها شيعتنا الجنة بأجمعهم»(3).

ص:27


1- (1) المرعشي النجفي دائماً ينقل هذه القصّة عن كتاب كريمة أهل البيت: 42.
2- (2) بحار الأنوار: 266/102.
3- (3) النقض: 214، والبحار: 216/60، ومجالس المؤمنين: 83/1.

ولم يرد هذا التعبير لغيرها فهي بحق من المنزلة القريبة من مولاتنا الزهراء عليها السلام.

ه - عالمة آل العباء:

ينقل حجة الإسلام الحاج الشيخ محمود الأنصاري المتوفي سنة (1419 ه) عن المرحوم آية اللّه نصر اللّه المستنبط(1) عن كشف اللئالي لمؤلفه (صالح بن عرندس الحلي):

إن مجموعة من الشيعة قصدوا لقاء الإمام الكاظم عليه السلام بعد أن ذهبوا إلى المدينة وعندهم مجموعة من الاستفتاءات، لكنهم لم يجدوا الإمام عليه السلام في داره وكان على سفر، وكانت في الدار مولاتنا السيّدة المعصومة عليها السلام فحولوا الأسئلة إلى مولاتنا وبعد يوم جاؤوا إلى دار الإمام لتوديعه وأخذ الأجوبة وقد عزموا السفر إلى أوطانهم.

ولكنهم أيضاً لم يجدوا الإمام عليه السلام - أي لا زال في سفره - فطالبوا بالأسئلة وتأجيل ذلك إلى السفر الثاني لكن مولاتنا أجابت عن هذه الأسئلة وسلمتها إلى هؤلاء. وفي أثناء رجوعهم صادفوا الإمام عليه السلام في الطريق وعرضوا له قصتهم.

قال لهم الإمام عليه السلام: اعطوني ما كتب.

فقال عليه السلام: «فداها أبوها»(2). بعد أن اطلع على اجابتها، فهي كعمتها

ص:28


1- (1) الظاهر أنه صهر آية اللّه العظمى السيّد أبو القاسم الخوئي قدس سره.
2- (2) كريمة أهل بيت، لعلي أكبر مهدي پور: 53-54 انقل الرواية عن الفارسي (ترجمة) وليست نص.

زينب عليها السلام التي قال في حقها مولانا زين العابدين: عمّة أنت بحمد اللّه عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة(1).

و - المحدّثة فاطمة المعصومة:

فقد كانت العقيلة فاطمة... عالمة ومحدّثة وراوية، أخذت وحدّثت عن آبائها الأئمة الطاهرين، وأخذت عنها وتحدّثت جماعة من الذريّة وأرباب الحديث وحفظته، وأثبتت لها أصحاب السنن والآثار روايات ثابتة وصحيحة من الفريقين الخاصّة والعامة، فذكروا أحاديثها في مرتبة الصحاح الموجبة والجديرة بالقبول والاعتماد، والتوثيق، والعمل، وعدم مخالفة نصوصها، ومضامينها لأنها تروى عن صالح، بعد صالح، وصادق بعد صادق، والخيرة بعد الخيرة، واعلام الدين، وقواعد العلم، من العترة الهادية.

أما الذين تروى عنهم فاطمة... فقد ذكر أئمة الحديث أنها كانت لا تروى إلّاعن ثقة، وعلم ركيز ويقين صادق بالنسبة للراوي وصدقه امانته وحجته وإليك بعضاً من روايتها:

1 - قال الإمام الحافظ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الجزري الشافعي المتوفى (833 ه) في كتابه: ما حدثّنا به شيخنا خاتمة الحفاظ أبو بكر محمد بن عبد اللّه بن المحب المقدسي مشافهة، أخبرتنا الشيخة أُم محمد زينب ابنة أحمد بن عبد الرحيم المقدسية عن

ص:29


1- (1) فاطمة المعصومة، لوهاب إسماعيل الدرّاجي: 85.

أبي المظفر محمد بن فتيان بن المسيني، أخبرنا أبو موسى محمد بن أبي بكر الحافظ أخبرنا ابن عمّة والدي القاضي أبو القاسم عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد المديني، بقرائتي عليه أخبرنا ظفر بن داعي العلوي باسترآباد، حدّثني والدي وأبو أحمد بن مطرف المطرفي، قالا:

حدّثنا أبو سعيد الادريسي اجازة فيما أخرجه من تاريخ أسترآباد، حدّثني محمد بن محمد بن الحسن أبو العباس الرشيدي من ولد هارون الرشيد بسمرقند، وما كتبناه إلّاعنه، حدّثنا أبو الحسن محمد بن جعفر الأهوازي مولى الرشيد، حدثّنا بكر بن أحمد القصري، حدّثتنا فاطمة بنت علي بن موسى الرضا، حدّثتني فاطمة، وزينب، وأُم كلثوم بنات موسى بن جعفر، قلن حدّثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمد الصادق، حدّثتني فاطمة بنت محمد بن علي، حدّثتني فاطمة بنت علي بن الحسين، حدّثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن علي، عن أُمّ كلثوم بنت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه و آله عن فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله قالت: «أنسيتم قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم غدير خم، من كنت مولاه فعليّ مولاه».

وقوله صلى الله عليه و آله: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى عليهما السلام»؟

وهكذا أخرجه الحافظ الكبير أبو موسى المديني في كتابه...

المسلسل بالأسماء، وقال: وهذا الحديث مسلسل من وجه آخر وهو أنّ كل واحدة من الفواطم تروي عن عمّة لها فهو رواية خمس بنات أخ كل واحدة منهن عن عمتها(1).

ص:30


1- (1) أسنى المطالب: 49 ط. إيران. الغدير 196:1.

2 - حدّثنا محمد بن علي بن الحسين، قال: حدّثني أحمد بن زياد بن جعفر، قال: حدثّني أبو القاسم جعفر بن محمد العلوي العريضي، قال، قال أبو عبد اللّه أحمد بن محمد بن خليل، قال:

أخبرني علي بن محمد بن جعفر الأهوازي، قال: حدّثني بكر بن أحنف، قال: حدّثتنا فاطمة بنت علي بن موسى الرضا عليه السلام، قالت:

حدّثتني فاطمة، وزينب وأُم كلثوم بنات موسى بن جعفر عليهم السلام، قلن:

حدّثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمد عليهما السلام، قالت: حدّثتني فاطمة بنت محمد بن علي عليهما السلام، قالت: حدّثتني فاطمة بنت علي بن الحسين عليهما السلام، قالت: حدّثتني فاطمة، وسكينة ابنتا الحسين بن علي عليهما السلام عن أُم كلثوم بنت علي عليه السلام عن فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله، قالت: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول:

لما أسرى بي إلى السماء دخلت الجنة فإذا أنا بصر من درّة بيضاء مجوّفة وعليها باب مكلّل بالدرّ والياقوت، وعلى الباب ستر فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب (لا إله إلّااللّه، محمد رسول اللّه، علي وليّ القوم) وإذا مكتوب على الستر بخّ بخّ من مثل شيعة علي؟

فدخلته فإذا أنا بقصر من عقيق أحمر مجوّف وعليه باب من فضّة مكلّل بالزبرجد الأخضر، وإذا على الباب ستر فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب (محمد رسول اللّه، علي وصيّ المصطفى) وإذا على الستر مكتوب (بشّر شيعة علي بطيب المولد).

ص:31

فدخلته فإذا أنا بقصر من زمرّد أخضر مجوّف لم أر أحسن منه وعليه باب من ياقوتة حمراء مكللة باللؤلؤة وعلى الباب ستر فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الستر (شيعة عليّ هم الفائزون)(1) فقلت: حبيبي جبرئيل، لمن هذا؟ فقال: يا محمد، لابن عمك ووصيّك علي بن أبي طالب عليه السلام، يحشر الناس كلهم يوم القيامة حفاة عراة إلّاشيعة علي، ويدعى الناس باسماء أُمهاتهم ما خلا شيعة علي عليه السلام، فإنهم يدعون بأسماء آبائهم فقلت: حبيبي جبرئيل، وكيف ذاك؟ قال: لأنهم احبّوا علياً فطاب مولدهم.

بيان (فطاب مولدهم) لعل المعنى انه لما علم اللّه من أرواحهم انّهم

ص:32


1- (1) القول في أنّ علياً عليه السلام خليفة النبي صلى الله عليه و آله ووصيّه، جاء بعدة أسانيد وطرق كما في تاريخ الطبري 62:2، كنز العمال 392:6، 397 وقال: اخرجه ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي، معاً في الدلائل، مجمع الزوائد 314:8، كنوز الحقائق: 145، تاريخ بغداد 135:1، أُسد الغابة 32:4، مستدرك الصحيحين 172:3، وذخائر العقبى: 146، تهذيب التهذيب 106:3، بسنده عن أنس. الرياض النضرة 178:2، حلية الأولياء 63:1. أما قول النبي صلى الله عليه و آله (انّ علياً وشيعته هم الفائزون) فقد ذكره الفريقان بطرق ثابتة صحيحة وأسانيد جمة كما في كتاب كنوز الحقائق: 92 وفيه أخرجه الديلمي. مجمع الزوائد 82:9 عن عبد اللّه بن أبي نجي. الصواعق المحرقة: 96 وفي الصفحة 139 جاء وفي رواية (انّ اللّه قد غفر لشيعتك ولمحبي شيعتك) وجاء في ذيل آية إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ قال النبي صلى الله عليه و آله: أنت يا علي وشيعتك. تفسير ابن جرير الطبري 171:30، الصواعق المحرقة: 96، نور الأبصار: 70، 101، مناقب الخوارزمي: 66، كفاية الطالب: 119، الدرّ المنثور 379:6، شواهد التنزيل 356:2، غاية المرام: 327، تفسير الفرات: 219، المراجعات: 62، الفصول المهمة: 123.

يحبّون علياً واقرّوا في الميثاق بولايته طيب مولد أجسادهم(1).

3 - حدّثنا أحمد بن الحسين المعروف بأبي علي بن عبد ربه، قال:

حدثّتنا الحسن بن علي السكري، قال: حدّثنا محمد بن زكريا الجوهري، قال: حدثّنا العباس بن بكار، قال: حدثّني الحسن بن يزيد عن فاطمة بنت موسى عن عمر بن علي بن الحسين، عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام، عن أسماء بنت أبي بكر(2) عن صفية بنت عبد المطلب قالت: لما سقط الحسين عليه السلام من بطن أُمّه وكنت وليّتها، قال النبي صلى الله عليه و آله: يا عمّة هلمّي إليّ ابني، فقلت: يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله إنّا لم ننطفّه بعد، فقال صلى الله عليه و آله:

يا عمّة أنت تنظفّيه؟ إنّ اللّه تبارك وتعالى قد نظّفه وطهّره(3).

هذا ما تسنّى لنا الوقوف على بعض من روايات السيّدة المعصومة فاطمة عليها السلام.. العالمة المحدّثة من كتب الأحاديث والأخبار ولا شك أنّ لها أخبار غير ما ذكرنا، ولعلّ اللّه سبحانه يوفّقنا بالوقوف عليها إنّه وليّ التوفيق(4).

ص:33


1- (1) البحار 76:68 الطبعة الجديدة، الفوائد الرضوية: 60، سفينة البحار 729:1، وكتاب المسلسلات لأبي محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي نزيل الري من فقهاء القرن الرابع الهجري ومن رجال الحديث المتضلّعين له تآليف جمّة منها كتاب العروس، فضل الجمعة، المانعات من دخول الجنة، الغايات، أدب الإمام والمأموم، جاء أنّه صنّف مأتين وعشرين كتاباً بقم والري.
2- (2) الصحيح أسماء بنت عميس فإنّ فاطمة بنت الإمام الحسين عليه السلام، تروى عن بنت عميس لاعن بنت أبي بكر. كتاب فاطمة بنت الحسين عليه السلام: 89.
3- (3) الأمالي: 82.
4- (4) فاطمة بنت الإمام الكاظم محمد هادي الأميني: 57.

سبب عدم زوجها عليها السلام:

في حياتها المقدّسة لم تتزوج مولاتنا المعصومة عليها السلام وهذا أمر مسلم، أما البحث في علة ذلك وما هي الأسباب؟

البعض يقول بأن الإمام الكاظم عليه السلام أوصى بذلك يذكر اليعقوبي في تاريخه(1).

إن الإمام الكاظم عليه السلام أوصى بأن لا تتزوج بناته ولم يتزوجن ما عدا أُم سلمة ولم يكن زواجها واقعياً ولكنها عزمت إلى الحج من مصر إلى الحجاز فتزوجت ظاهراً ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر الصادق عليه السلام أي مجرد عقد لرفع الحرمة في سفرها ومداراتها في حجها.

ولكن كلمات اليعقوبي غير صحيحة وذلك:

لأن هذه الوصية التي ذكرها اليعقوبي هي خلاف السنة النبوية وسيرة أهل البيت عليهم السلام. ثمّ لو راجعنا الوصية التي خلفها مولانا الإمام الكاظم عليه السلام بهذا الخصوص لم نجد لهذا التفصيل من أثر.

بل ما ورد في هذه الوصية ما يلي:

«وإن أراد رجل منهم أن يزوّج أُخته فليس له أن يزوّجها إلّابإذنه وأمره فإنه أعرف بمناكح قومه» (2) (3).

ص:34


1- (1) تاريخ اليعقوبي: 151/3.
2- (2) أُصول الكافي: 317/1.
3- (3) إذا أراد واحد من أولادي أن يزوّج أُخته أي من أُمه وأبيه فعليه أن يراجع الإمام الرضا عليه السلام لأنه أعلم بمناكح قومه (معنى الرواية).

الرأي الثاني:

لم يكن هناك الاكفاء.

ولكن هذا الرأي إن صح فهو يصح فقط في مقام مولاتنا السيّدة المعصومة لا بقية بنات الإمام الكاظم عليه السلام.

بالاضافة إلى أن هناك من أولاد الأئمة واخوانهم من له شأن عظيم وكفؤ في قضية الزواج.

والظاهر أن الظروف القاسية التي مرّ بها أولاد الإمام الكاظم عليه السلام لم تسنح بالزواج وخصوصاً الأمر بالنسبة لمولاتنا السيّدة المعصومة أو هناك سرّ الهي لا نعرفه.

الوجه الثالث:

ما أجاب به الإمام الكاظم عليه السلام عندما سأله هارون «فلِمَ لا تزوِّج النسوان من بني عمومتهن واكفائهن»؟.

قال عليه السلام: اليد تقصر عن ذلك.

قال: ما حال الضيعة؟

قال عليه السلام: تعطي في وقت وتمنع في وقت(1).

الوجه الرابع:

نتيجة الضغوطات العنيفة والممارسات التعسفية التي كانت السلطة العباسية تنهجها تجاه الإمام عليه السلام وشيعته وما كان أحد يتجسر أن يتقدم

ص:35


1- (1) عيون أخبار الرضا: 88، حديث 11.

من الإمام ليطلب كريمته أو أُخته بحيث إن الشيعة لم يتجرؤ أن يقتربوا من دار الإمام عليه السلام لزيارته ومسائلته، بحيث كان يلجأ البعض في استفتائهم إلى الحيلة للذهاب إلى دار الإمام كأن يتلبس بثاب البائع للخضر والخيار يحمل سلة حتى يتمكن من دخول دار الإمام فيستفتيه ويخرج.

فإذا كان اتباع أهل البيت عليهم السلام لا يستطيعون الاقتراب من داره لهذا الغرض فما ظنك بمن يريد مصاهرة الإمام عليه السلام(1) أو الاندكاك في عائلته.

اشكالات واهية في عدم زواجها عليها السلام:

ان الزواج من المستحبات المؤكدة فكيف اعرضت فاطمة المعصومة عليها السلام عن الزواج؟

العزوبة تصبح خارجة عن كراهية في بعض الأزمنة، كما ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه و آله:

«إذا لم ينل المعيشة إلّابمعاصي اللّه فعند ذلك حلت العزوبة»(2).

فالحكم الأولي الكراهية والحكم الثانوي هو رفع هذه الكراهية فلا كراهية في عدم زواجها إذا لم تكن الظروف مؤاتية والحياة مستقرة.

وفاطمة المعصومة سيّدة جليلة معظمة ومعروفة بالسيّدة المعصومة(3) فلا تعمل المكروه بل هي تدور مدار مرضاة اللّه.

ص:36


1- (1) سيدة عش آل محمد: 28.
2- (2) بحار الأنوار: 315/14.
3- (3) منتهى الآمال: 241/2.

ويقول العلّامة الكبير الشيخ محمد تقي التستري عن صاحب قاموس الرجال ما معناه:

لم يكن هناك أعظم شأن من السيّدة المعصومة من أولاد الإمام الكاظم عليه السلام ما عدا الإمام الرضا عليه السلام رغم كثرة أولاد الإمام(1).

ونترك بيان عظمة شأنها ومقامها الشامخ إلى أهل بيت العصمة فهم أدرى بمكانتها وأعرف بمنزلتها وقربها من المولى الحق سبحانه وتعالى.

وأما الاشكالات الواهية على عدم زواجها فقد أودع أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح اليعقوبي الكاتب العباسي المتوفي (384 ه) في تاريخه من الهفوات القضايا الواهية العارية من الصحة والصواب والحقيقة ومنها قوله في ترجمة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ففي المجلد الثاني (ص 415) قال ما لفظه:

(وأوصى ألّا تتزوّج بناته، فلم تتزوّج واحدة منهنّ إلّاأُمّ سلمة فإنّها تزوّجت بمصر، تزوّجها القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد، فجرى في هذا بينه وبين أهله شيء جديد حتى حلف أنّه ما كشف لها كنفاً، وإنّه ما أراد ألّا أن يحجّ بها).

هذا القول المختلق، مغاير ومخالف للسنة النبوية، وحاشا الإمام أبي الحسن موسى عليه السلام وهو صاحب الولاية والإمامة بنصّ من النبيّ

ص:37


1- (1) تواريخ النبي والآل: 65 عن زندگانى كريمه أهل البيت: 23.

الكريم صلى الله عليه و آله... من القول والوصيّة بما يعارض السيرة، والسنة التي خطها جدّه للإنسانية، وما أعلنه في هذا السبيل من الأقوال الشريفة ومنها قوله صلى الله عليه و آله: «اتخذوا الأهل فإنه أرزق لكم».

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «ما بني في الإسلام بناء أحب إلى اللّه (عزوجل) وأعز من التزويج».

وعنه عليه السلام: «مَن عمل في تزويج حلالين حتى يجمع اللّه بينهما، زوجّه اللّه من الحور العين وكان له بكل خطوة خطاه وكلمة تكلمها عبادة سنة».

وعن النبي صلى الله عليه و آله: «من سنتيّ التزويج، فمن رغب عن سنّتي فليس مني».

وعن النبي صلى الله عليه و آله: «من تزوّج فقد احرز نصف دينه فليتقّ اللّه في النصف الباقي».

وعن النبي صلى الله عليه و آله: «تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإنّي أُباهي بكم الأُمم يوم القيامة ولو بالسقط».

وعن النبي صلى الله عليه و آله: «المتزوج النائم أفضل عند اللّه من الصائم القائم العزب».

وعن النبي صلى الله عليه و آله: «من أحبّ أن يلقي اللّه طاهراً مطهراً فليلقه بزوجة.

شرار أُمتي عزّابها».

وعن النبي صلى الله عليه و آله: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوّج، فإنّه اغضُ للبصر وأحصن للفرج».

ص:38

من أحبّ فطرتي، فليستنّ بسنتي، ومن سنّتي النكاح.

وقال صلى الله عليه و آله: «ما من شاب تزوج في حداثة سنّه إلّاحج شيطانه يا ويله يا ويله عصم مني ثلثي دينه فاليتقي اللّه العبد في الثلث الباقي».

بالاضافة إلى ما ورد في القرآن الكريم من الآيات البيّنات، ولا حاجة إلى ذكرها، خشية الإطالة والاسهاب.

هذا من ناحية، ومن ناحية أُخرى أنّ قول اليعقوبي وزعمه مخالف للوصيّة التاريخية، الهامة الصادرة عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام، وقد تناقلتها الأجيال، واثبتتها المحدّثون، وحفظتها كتب الحديث، وهي في الواقع عبارة عن وصيّتين فقط لا ثالثة لهما تخصّ أولاد الإمام عليه السلام(1).

وصية الإمام الكاظم عليه السلام لأولاده:

حدّثنا الحسن بن أحمد بن إدريس قال: حدّثنا أبي، قال حدّثنا محمد بن أبي الصهبان، عن عبد اللّه بن محمد الحجال انّ إبراهيم بن عبد اللّه الجعفري، حدّثه عن عدّة من أهل بيته، انّ إبراهيم موسى بن جعفر عليه السلام أشهد على وصيّته إسحاق بن جعفر بن محمد وإبراهيم بن محمد الجعفري، وجعفر بن صلح، ومعاوية بن الجعفريين، ويحيى بن الحسن بن يزيد وسعد بن عمران الأنصاري ومحمد بن الحارث الأنصاري ويزيد بن سليط الأنصاري، ومحمد بن جعفر الأسلمي...

ص:39


1- (1) فاطمة بنت موسى الكاظم عليه السلام للدكتور محمد هادي الأميني: 145.

بعد أن أشهدهم أ نّه، يشهد أن لا إله إلّااللّه، وحده لا شريك له... وانّ محمداً عبده ورسوله، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها وأنّ اللّه يبعث من في القبور، وأنّ البعث بعد الموت حقّ، وأنّ الحساب والقصاص حقّ، وأنّ الوقوف بين يدي اللّه عزّ وجل حقّ، وأنّ ما جاء به محمد صلى الله عليه و آله حقّ، حقّ، حقّ، وأنّ ما نزل به الروح الأمين حقّ، على ذلك أحيى وعليه أموت، وعليه ابعث إن شاء اللّه.

أشهدهم انّ هذه وصيّتي بخطّي، وقد نسخت وصيّة جدّي أمير المؤمنين عليه السلام ووصايا الحسن والحسين وعلي بن الحسين ووصيّة محمد بن علي الباقر، ووصيّة جعفر بن محمد عليهم السلام قبل ذلك حرفاً بحرف، وأوصيت بها إلى علي ابني، وبنى بعده معه إن شاء اللّه، فإن آنس منهم رشداً وأحبّ اقرارهم فذاك له، وإن أكرههم وأحبّ أن يخرجهم فذاك له، ولا أمر لهم معه وأوصيت إليه بصدقاتي، وأموالي، وصبياني الذي خلّفت، وولدي وإلى إبراهيم، والعباس وإسماعيل، وأحمد، وأُم أحمد، وإلى عليّ أمر نسائي دونهم، وثلث صدقة أبي، وأهلي يضعه حيث يرى... ويجعل منه ما يجعل منه ذو المال في ماله، إنّ أحبّ أن يجري ما ذكرت في عيالي، فذاك له وإليه، وإن كره فذاك إليه، وإن أحبّ أن يبيع أو يهب أو ينحل، أو يتصدّق على غير ما وصيته فذاك إليه وهواناً في وصيتي في مالي، وفي أهلي، وولدي، وإن رأى أن يقرّ اخوته الذين سمّيتهم في صدر كتابي هذا أقرّهم، وإن كره فله أن يخرجهم غير مردود عليه.

ص:40

عدم نهي الإمام عليه السلام لتزويج بناته:

وقال عليه السلام في وصيته: «وإن أراد رجل منهم، أن يزوّج أُخته، فليس له أن يزوّجها إلّابإذنه وأمره وأيّ سلطان كشفه عن شيء أو حال بينه وبين شيء مما ذكرت في كتابي فقد برئ من اللّه تعالى، ومن رسوله، واللّه ورسوله منه بريّان، وعليه لعنة اللّه، ولعنة اللاعنين والملائكة والمقرّبين والنبيين والمرسلين أجمعين، وجماعة المؤمنين، وليس لأحد من السلاطين أن يكشفه عن شيء لي عنده من بضاعة، ولا لأحد من ولدي ولي عنده مال، وهو مصدّق فيما ذكر من مبلغه إن قلّ أو كثر فهو الصادق، وإنّما أردت بادخال الذين أدخلت معه من ولدي التنويه باسمائهم وأولادي الأصاغر وأُمهات أولادي ومن أقام منهم في منزله، وفي حجابه فله ما كان يجري عليه في حياتي، إن أراد ذلك.

ومن خرج منهنّ إلى زوج، فليس لها أن ترجع إلى جرايتي إلّاأن يرى عليّ ذلك، وبناتي مثل ذلك.

ولا يزوّج بناتي أحد من اخواتهنّ، من أُمهاتهنّ ولا سلطان ولا عمل لهنّ إلّابرأيه، ومشورته، فإن فعلوا ذلك فقد خالفوا اللّه تعالى ورسوله صلى الله عليه و آله، وحادّوه في ملكه، وهو أعرف بمناكح قومه إن أراد أن يزوّج، زوّج وإن أراد أن يترك ترك، وقد أوصيتهم بمثل ما ذكرت في صدر كتابي هذا... وأشهد اللّه عليهم، وليس لأحد أن يكشف وصيّتي، ولا ينشرها وهو على ما ذكرت وسمّيت فمن أساء فعليه، ومن أحسن فلنفسه وما ربّك بظلّام للعبيد.

ص:41

وليس لأحد من سلطان ولا غيره أن يفضّ كتابي هذا الذي ختمت عليه أسفل فمن فعلى ذلك فعليه لعنة اللّه ورسوله وملائكته بعد ذلك ظهير، وجماعة المسلمين والمؤمنين».

إنّ الإمام موسى الكاظم عليه السلام لم ينه عن تزويج بناته كما قرأت وإنّما أناط تزويجهنّ إلى رأي الإمام علي بن موسى الرضا عليهم السلام، وأنّ له الاختيار التام، والعام المطلق في مناكحة بناته، ولهنّ أن يتزوجّن مع موافقة الإمام الرضا عليه السلام وتأييده وتصحيحه ومصادقته ومساعدته، ومراده، ورضاه(1).

الوصية الثانية له عليه السلام:

«هذا ما تصدّق به موسى بن جعفر... تصدّق بأرضه مكان كذا وكذا، وحدود الأرض كذا وكذا، كلها ونخلها وأرضها وبياضها ومائها وارجائها وحقوقها وشربها من الماء وكلّ حق هولها في مرفع أو مظهر، أو غيض مرفق أو مساحة أو مسيل، أو عامر أو غامر...

تصدّق بجميع حقّه من ذلك على ولده من صلبه للرجال والنساء يقسّم وإليها ما أخرج اللّه تعالى من غلّتها بعد الذي يكفيها في عمارتها، ومرافقها وبعد ثلثين غدقاً يقسّم في مساكين أهل القرية بين ولد موسى بن جعفر للذكر مثل حظّ الأُنثيين.

ص:42


1- (1) فاطمة بنت موسى الكاظم قدس سره لمحمد هادي الأميني: 148 عن عيون أخبار الرضا: 27/1.

فإن تزوّجت امرأة من ولد موسى بن جعفر فلا حقّ لها في هذه الصدقة حتى ترجع إليها بغير زوج، فإن رجعت كان لها مثل حظّ التي لم تتزوّج قطّ من بنات موسى، ومن توفّي من ولد موسى، فولده على سهم أبيهم للذكر مثل حظ الانثيين، على مثل ما شرط موسى بين ولده من صلبه، ومن توفّى من ولد موسى، ولم يترك ولداً ردّ حقّه على أهل الصدقة، وليس لولد بناتي في صدقتي هذه حقّ إلّاأن يكون آباءهم من ولدي، وليس لأحد في صدقتي هذه حق مع ولدي وولد ولدي، وأعقابهم ما بقى منهم أحد، فإن انقرضوا ولم يبق منهم أحد فصدقتي على ولد أبي، من أُمي ما بقى منهم أحد على ما شرطت بين ولدي، وعقبى، فإن انقرض ولد أبي وأولادهم فصدقتي على ولد أبي، وأعقابهم ما بقي منهم أحد، فإن لم يبق منهم أحد فصدقتي على الأولى فالأولى، حتى يرث اللّه تعالى الذي ورثها، وهو خير الوارثين» (1).

ففي الوصية الثانية للإمام موسى بن جعفر عليه السلام تعيين صدقة ماليّة لبناته اللاتي لم يرغبن في الزواج وامتنعن منه لعدم وجود من يقوم بتسديد نفقاتها، وتأمين حياتها الفرديّة، شرط إن لم تتزوّج إلى الأبد، فإذا ما تزوّجت ووجد لها كفواً، انقطعت عنها الصدقة والمعونة... وإذا طلّقت وعادت إلى بيت أبيها مجرّدة أُجريت عليها ثانية الراتب المقرّر لها لأنها فقدت من تعين أو تستعين به على حياتها.

ص:43


1- (1) عيون أخبار الرضا عليه السلام 27:1-29.

وصيّة دقيقة مبرمة أساسية مركّزة متينة وليس في الوصيتين لفظ أو عبارة أو كلمة تشعر بأنّ الإمام موسى عليه السلام، أوصى ألّا تتزوّج بناته كما ذهب إليه اليعقوبي واختلقه... وأتى به في تاريخه، وكم له لدة هذه المفتعلات في صفحات كتابه.

هذا والمشهور بين المؤرّخين خلاف ما ذهب إليه ابن واضح اليعقوبي... فإنّ من بين بنات الإمام موسى الكاظم عليه الصلوات والسلام من تزوّجت، وانجبت أولاد أمثال، أُمّ جعفر، وأُم سلمة، وأُم عبد اللّه، وأُمّ فروة، وأُم القاسم.

وذكر شيخ الشرف يحيى العبيد لي، النسابة المتوفى عام (277 ه) في أخبار زينب بنت الإمام موسى عليه السلام أنّها خرجت من المدينة وهاجرت إلى مصر مع زوج أُختها القاسم بن محمد بن جعفر الصادق(1).

عدد بنات الإمام الكاظم عليه السلام:

في أقوال المؤرخين اختلافات شتى وآراء متباينة بالنسبة إلى تعيين عدد بنات الإمام موسى بن جعفر عليه السلام من أُمهات شتى... والاختلاف هذا لم يكن محصوراً في بناته عليه السلام، وإنّما هو سائد ومطرّد في أولاد وأعقاب جميع الأئمة عليهم السلام بصورة عامة بحيث لم نجد اتفاقاً بين المؤرّخين بالنسبة إلى أولاد إمام واحد فكيف بمجموعهم عليهم السلام من جميع

ص:44


1- (1) أخبار الزينبيات: 132.

الجوانب، وهذا التضارب باعث عن عاملين اهتديت إليهما خلال دراستي(1) للتاريخ منذ أمد سحيق.

1 - تستّر الذرّية الطاهرة وانعزالهم وتكتّمهم عن الأنظار وعدم حضورهم المجتمعات والمحافل، والمجالس خشية بطش اعدائهم من الأمويين والعباسيين، وفلولهم الذين كانوا يترقبون بهم الدوائر للفتك بهم والوقيعة بحياتهم، وأخذهم بالقوّة وايداعهم غياهب السجون والمعتقلات... بالاضافة إلى عدم منحهم ما للفرد من حريّة وكرامة في الاجتماع فهم منذ الولادة ونعومة أظفارهم كانوا مطاردين، ومشردين ومتشتتين، من قبل أذناب السلطة الحاكمة يومذاك كي لا يستقرّ بهم مكان، ولئلّا يجمعهم سقف ولا مجلس:

لا أضحك اللّه سنّ الدهر إن ضحكت وآل أحمد مظلومون قد قهروا

مشردّون نفوا عن عقر دارهم كأ نّهم قد جنوا ما ليس يغتفر

وهذا ما دفع بالذريّة الطاهرة من ترك موطنهم المقدّس (المدينة) ومغادرة عاصمة جدّهم النبي الأعظم صلى الله عليه و آله والخروج منها في وجل، وذعر، وارتباك، والسير في الصحاري والبراري، ومن ثمّ اللجوء إلى الأقطار المجاورة، والبلدان الشقيقة ذات الغابات الكثيفة المترامية والجبال، والكهوف المتزاحمة... فمنهم من استقرّ به المقام في بلد ما، وعاش فيه طويلاً في ورع وتقوى، وعبادة وزهد، وعرفان، ومعرفة

ص:45


1- (1) الكلام للشيخ الدكتور محمد هادي الأميني في كتابه فاطمة بنت موسى الكاظم عليهما السلام: 23.

ودعوة إلى أن أدركه الأجل فيه فعرف واشتهر... ومنهم من شطّت به النوى والأحوال، وضاقت المخارج عليه فهام بوجهه البراري بلا زاد ولا راحلة وانقطعت عن الجميع أخباره وأدركته المنيّة وراح إلى ما جهله الإنسان والتاريخ فلم يقف على حاله، ولم يهتد إلى خبره إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها.

ب - عدم تتبّع المؤرّخين ونقلة الأخبار والحوادث أحوالهم والتحقيق عنهم ولو بصورة موجزة... وكذا عدم العناية بهم أ مّا للخوف من السلطة الجائرة الحاكمة، ولها الأثر الفعّال والتأثير البالغ في كبت الأرواح، وتحطيم العواطف وقتل النفوس وكسر اليراع وتشويه التاريخ، وابادة الحريّات وتدمير القيم والمثل... لا في عصر دون آخر وإنّما في كافة الأدوار والعصور دون استثناء، ودفع الشعوب إلى شفير البلبلة والقلق الفكري، والاجتماعي، لتحطيم الأعصاب وتقتيل القوى وافتقاد الرشد، والصواب وأخيراً دفع الأُمّة إلى عالم الفناء والقبور.

أو لانحراف المؤرّخين عن ولائهم، ومحبّتهم، وعدم رغبتهم في تتبّع اخبارهم... وهذا القول ممّا يؤيّده التاريخ، ويثبته فإنّ المؤرّخين ونقلة الأخبار والحوادث في القرون الإسلامية الأُولى كانت تسجّل، وتكتب ما يرضى الخليفة أو الأمير أو الحاكم أو المحافظ أو الوالي، وإن اقتضى التحوير والتحريف والتزوير والجعل والاختلاق، والتمويه، والافتراء في الحق والواقع... لذلك نال الكثير من الصحابة ونقلة الحديث

ص:46

والأخبار والتاريخ، مراتب رفيعة في الدولة ومناصب عالية في الحكومة على أثر نشاطهم الواسع وسعيهم الحثيث في تحوير الحقايق، وتحويل الواقع واخراجها عن طابعها الأصيل وشكلها الحقيقي.

تاريخ الإسلام بيد الظلام:

فإنّ تاريخ الإسلام هو تاريخ العرب والعرب قصّروا في دراسة تاريخهم دراسة علمية مجرّدة عن الغرض والهوى.

والذين كتبوا التاريخ الإسلامي في عهود الأمويين والعباسيين لم يخل أكثرهم من شبهات الميل إلى العاطفة والانحياز عن الحقّ فلن يستطع المتأخّرون النقادون استخراج الوقائع والحقائق والأحداث وربطها ببعضها البعض بسياق العبر واستجلاء الأسباب، واظهار النتائج، وهي من أهمّ مقاصد التاريخ.

أنّ العالم الإسلامي الذي لا يزال في حاجة ماسّة إلى مثل هذه الدراسات يهمّه أن يعلم تطوّر الحكم قبل الإسلام وبعده وأسباب الأحداث التي رافقت قضيّة الخلافة والخلفاء وما جرى في أيامهم، ويهمّه أن يعلم لماذا تعدّدت دول الإسلام وتفرّقت؟ وماذا حدث في عصورها من حروب وأعمال؟ وكيف زالت تلك الدول، وحلّ محلها غيرها؟ وماذا أدّى كلّ منها من الخدمات إلى الحضارة الإسلامية وإلى الذين شادوا بنيانها، ورفعوا منارها ويهمّه أن يعلم ما هي عوامل

ص:47

السرعة في الفتوحات واتسّاعها وانتشار الإسلام بيد الأُمم، والشعوب على اختلاف مللهم، ونحلهم؟ ولماذا بدأ الاختلاف بعد وفاة الرسول الأعظم، وابعدوا بنو هاشم عن حقّهم؟ ويهمّه أن يعلم ما هي بواعث الانحطاط... والانحلال في المسلمين حتّى أصبحوا على ما هم عليه؟ وما هي الطرق المؤدّية إلى وحدة كلمتهم، ونهضتهم، دينياً وسياسياً واقتصادياً، وأدبياً، وعلمياً؟؟؟ وهل يمكن تدارك ما فات بالرجوع إلى ما كتبته التواريخ القديمة والاعتماد عليها؟ أم يجب البحث والعمل، والانصراف إلى التحرّي، والاستقراء بتجرّد ونزاهة؟ حتى يمكن الاستنباط والتحقّق من العلل، واستخراج الأسباب وبيان ما يجب أن يتهيّأ له الجيل الجديد، للأخذ بمقوّمات العلم والنهضة والتمسّك بالمثل العليا التي تمثّل لنا مبادئ الرسول وسيرته وتعاليمه وتعاليم من ساروا سيرته، وعملوا بهديه واستناروا بنوره، وكانوا مصابيح الشريعة وسند الحقّ وكعبة الحياة السعيدة ومثالاً للزهد، والتقوى(1).

عدد أولاد الإمام الكاظم عليه السلام:

والواقع أنّ التاريخ أو المؤرّخين لم ينصفوا الذريّة الطاهرة بصورة عامة، لذلك حصل الاختلاف والتضارب في تاريخ الأئمة المعصومين، ومن بعدهم أولادهم، وذراريهم، وإليك نصوصاً منه على سبيل المثال.

ص:48


1- (1) الغدير (المقدمة): 4.

قال أبو الحسن علي بن عيسى الإربلي: وكان لأبي الحسن الكاظم عليه السلام سبعة وثلاثون ولداً ذكراً وأُنثى(1).

وقال أبو محمد عبد اللّه بن أحمد بن الخشاب البغدادي المتوفى (567 ه): ولد له عشرون ابناً وثمانية عشر بنتاً من أُمّهات شتى(2).

وقال سبط ابن الجوزي المتوفى (654 ه): قال علماء السير وله عشرون ذكراً وعشرون أُنثى(3).

وقال كمال الدين محمد بن طلحة العدوي الشافعي المتوفى (652 ه): وأما أولاده فقيل ولد له عشرين ابناً وثماني عشرة بنتاً(4).

وقال أبو جعفر رشيد الدين محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني البغدادي المتوفى (588 ه): أولاده ثلاثون فقط، ويقال سبعة وثلاثون فابناؤه ثمانية عشر وبناته تسع عشرة من أُمّهات شتى(5).

وذكر أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي من أعلام القرن السادس الهجري: الفصل السادس في ذكر أولاده عليه السلام كان له سبعة وثلاثون ولداً ذكراً وأُنثى(6).

ص:49


1- (1) كشف الغمة 236:2، الإرشاد: 302، الصراط السويّ: 389.
2- (2) المصدر السابق 237:2.
3- (3) تذكرة الخواص: 351.
4- (4) مطالب السؤول 65:2.
5- (5) المناقب 326:4.
6- (6) اعلام الورى 312:2 من أُمهات أولاد شتى.

وقال النسابة السيّد جمال الدين أحمد بن علي الحسني المتوفى (828 ه): وولد موسى الكاظم عليه السلام، ستّين ولداً سبعاً وثلاثين بنتاً، وثلاثة وعشرين ابناً درج منهم خمسة لم يعقبوا بغير خلاف(1).

إلى غير هذا من الأقوال المتضاربة التي لم تقف عند حدّ.

أسماء بنات الإمام الكاظم عليه السلام:

هذا وقد أجمع أصحاب السير والتراجم انّ أولاد الإمام موسى الكاظم عليه السلام كلّهم من ذوي الفضائل النفسية، والكمالات المعنوية، والمراتب العالية، ولهم تراجم في المعاجم، وكانوا صاحب وضوء، وصلاة، وعبادة، وتقوى، ونسك، وقد جاء أنّ لكلّ واحد من أولاد أبي الحسن موسى عليه السلام فضل، ومنقبة مشهورة(2).

وفي رواية ولكل واحد من أولاد أبي الحسن موسى الكاظم عليه السلام فضل مشهور(3).

أما الأسماء فمرتّبة حسب الحروف(4) وهي:

ص:50


1- (1) عمدة الطالب: 196-197، الصراط السوي: 390.
2- (2) كشف الغمة 236:2، الارشاد: 303.
3- (3) الفصول المهمّة: 242.
4- (4) اخبار الزينبيات، الإرشاد، اعلام النساء، اعلام الورى، أعيان الشيعة، الأنوار النعمانية، البداية والنهاية، تاج المواليد، تاريخ الأئمة، تاريخ قم، تحفة العالم، تذكرة الخواص، تذكرة القبور، خرات الحسان، رياحين الشريعة، ريحانة الأدب، سفينة البحار، الصراط السوي،

1 - أُم أبيها

عرفت هذه السيّدة في التاريخ بهذا الاسم، وكانت صالحة عابدة من ربّات العقل، والحجى والرأي والرشاد، قال ابن الأثير عند ذكر حوادث سنة (231 ه): وفيها ماتت أُمّ أبيها بنت موسى بن جعفر أُخت علي بن الرضا عليه السلام.

2 - أُم جَعفر

نصّت المعاجم، والسير على كونها من بنات الإمام موسى بن جعفر عليه السلام.

3 - أُم سَلَمَة

من بنات الإمام الكاظم عليه السلام.

4 - أُم عَبد اللّه

جاء اسمها ضمن بنات الإمام عليه السلام.

5 - أُم فَروَة

6 - أُم القاسِم

7 - أُم كُلثُوم الكُبرى

8 - أُم كُلثُوم الوسطى

9 - أُم كُلثُوم الصغرى

انفرد بذكرها ابن عنبة.

ص:51

10 - آمِنَة

من ربّات العبادة، والصلاح، والزهد، والتقوى، وكانت من طبقة الأشراف... حكى خادم روضتها أ نّه كان يسمع عندها قراءة القرآن في الليل، وينسب إليها المشهد المعروف باسمها بمصر بالقرافة الصغرى، وروى سادن روضتها أنّ رجلاً جاء بعشرين رطلاً من الزيت وعاهد الخادم، أن يوقدها في ليلة واحدة فجعله الخادم في القناديل فلم يوقد منه شيء، فتعجّب الخادم من ذلك فرآها في المنام، فقالت له: يا فقيه، ردّ عليه زيته، واسأله من أين اكتسبه فإنّا لا نقبل إلّاالطيّب.

فلما أصبح جاء إلى الرجل الذي أعطاه الزيت وقال له: خذ زيتك.

فقال: لم آخذه.

فقال: إنّه لم يوقد منه شيء.

ورأيتها في المنام، فقالت: لا نقبل إلّاالطيّب، فقال: صدقت السيّدة إنّي رجل مكاس فقال: قف فخذه.

11 - أَسماء

12 - أَسماء الكُبرى

تفرّد بذكرها ابن عنبة.

13 - أُمامة

14 - أَمِينَةُ الكُبرى

15 - أَمِينَةُ الصُغرى

16 - بُرَيهة

ص:52

17 - بِي بِي هَيْبَت

قبرها في مدينة (بادكوبه) ويقال: إنّ أُمّ هؤلاء الأربعة من ولد الإمام الكاظم عليه السلام واحدة وهم: الإمام الرضا عليه السلام، فاطمة المعصومة، بي بي هيبت، الحسن المعروف بالسيّد جلال الدين أشرف.

18 - حَسنَةُ

19 - حَكِيمة

عالمة جليلة من ربّات العبادة، والشرف والصلاح، شهدت ولادة الإمام التاسع الجواد عليه السلام، وعاشت طويلاً غير أنّ التاريخ لم يذكر لنا عن حياتها، وأعقابها شيئاً، وكأ نّها كانت صاحبة النفوذ، والعقل، مطاعة عند العترة الطاهرة عليهم السلام وسيّدات أهل البيت عليهم السلام.

قالت: لما حضرت ولادة الخيزران أُم أبي جعفر الجواد، دعاني الرضا عليه السلام فقال: «يا حكيمة احضري ولادتها، وادخلي وايّاها والقابلة بيتاً»، ووضع لنا مصباحاً، وأغلق الباب علينا فلمّا أخذها الطلق طفى المصباح، وبين يديها طشت فاغتممت بطفي المصباح، فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر عليه السلام في الطشت وإذا عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره، حتى اضاء البيت فأبصرناه، فأخذته فوضعته في حجري ونزعت عنه ذلك الغشاء... فجاء الرضا عليه السلام ففتح الباب وقد فرغنا من أمره فأخذه فوضعه في المهد، وقال: «يا حكيمة الزمي مهده»، قالت: فلما كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء، ثمّ قال: «أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأشهد أنّ محمداً رسول اللّه...» فقمت ذعرة فأتيت أبا الحسن عليه السلام

ص:53

فقلت له: قد سمعت عجباً من هذا الصبي، فقال: «ما ذاك؟» فأخبرته الخبر، فقال: «يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر».

وفي جبال طريق بهبهان مزار ينسب إليها يزوره المترددون من الشيعة.

20 - حَليمة

ذكرها الكثيرون من المؤرّخين وأنها من بنات الإمام موسى عليه السلام.

21 - خَديجة الكبرى

تفرّد بذكرها ابن عنبة.

22 - رُقيَّة

23 - رُقيَّة الصُغرى

في الإرشاد رواية عن هاشمية مولاة رقية بنت موسى قالت: كان محمد بن موسى، صاحب وضوء وصلاة، وكان ليله كلّه يتوضّأ ويصلّي فيسمع سكب الماء ثم يصلّي ليلاً ثمّ يهدئ ساعة فيرقد، ويقوم فيسمع سكب الماء والوضوء ثم يصلي ليلاً فلا يزال كذلك حتى يصبح، وما رأيته قط إلّاذكرت قول اللّه تعالى: كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ .

24 - رَملَة

25 - زَينَب

في مدينة إصفهان مرقد يعرف بالزينبية والمشهور أنها قبر العقيلة زينب بنت الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ويقع خارج البلد في قرية تسمّى (ارزنان).

ص:54

26 - زينب الصغرى

هاجرت إلى مصر مع زوج أُختها القاسم بن محمد بن جعفر الصادق.

وفي بلدة (كاهن) التابعة لمدينة (بيرجند) مزار ينسب إلى العقيلة زينب الصغرى... لم يزل موضع التكريم والتقديس كما صرّح به الحجة الشيخ محمد حسين الآيتي البيرجندي في كتابه (بهارستان) وختم حديثه عن المرقد بقصيدة طويلة.

27 - عائشة

28 - عَباسّة

29 - عَطفَة

30 - عَليّة

31 - فاطمة

قبرها في (بادكوبه) خارج البلد يبعد عنه بفرسخ من جهة جنوب البلد، واقع في وسط مسجد بنائه قديم، هذا ما ذكره الوزير محمد حسن صنيع الدولة بن علي اعتماد السلطنة المراغي المتوفى (1313 ه) في كتابه (مرآة البلدان).

وفي مدينة رشت الواقعة في محافظة (گيلان) مزار ينسب إلى فاطمة الطاهرة أُخت الإمام الرضا عليه السلام يقع في محلة (سوخته تكيه) ويتولى إدارة الروضة العلّامة الحجة آية اللّه الحاج الشيخ محمد بن العالم الجليل آية اللّه الشيخ مهدي اللاكاني الرشتي (من كبار علماء گيلان) ففي الآونة الأخيرة تصدّى سماحته إلى تجديد وبناء وتعمير

ص:55

المزار وأضاف إليه دوراً كبيرة بجهود ومساعي أهل الخير والبرّ والاحسان، كما أقام على المرقد قبّة ممتازة كل ذلك على ضوء الهندسة الفنيّة مع اشرافه التام على البناء، وتخصيص مرافق وغرف صحّية للزائرين، ولم يزل العمل متواصلاً فيه بحول اللّه وقوّته.

إنّ المرقد هذا يعرف عند أهل (الرشت) بقبر (أُخت الإمام) وموضع التقديس والاحترام لديهم تفد إليه الزوّار والوفود من كلّ صوب وجهة متضرّعة في الروضة إلى الباري سبحانه في قضاء حوائجهم واجابة أدعيتهم... إذ لا نجاة لنا من مكاره الدنيا إلّابعصمته... ولا حول لنا ولا قوّة إلّابقدرته...

ولسماحة الشيخ في مدينة (رشت) مشاريع ومآثر حيّة أُخرى أخذ اللّه بعضده ووفّقه إلى مرضاته.

32 - فاطمةُ الكُبرى

وهي التي عقدنا هذه الدراسة للتحدّث عن حياتها الكريمة المفعمة بأنواع العذاب وصنوف الشدائد... توفّيت بمدينة قم المقدّسة عام (201 ه).

33 - قَسيمة

34 - كَلثَم

35 - محمودة

36 - ميمونة

دفنت إلى جوار أُختها العقيلة فاطمة الكبرى في قم المقدّسة.

ص:56

هذا ما توصّلنا إليه بحول اللّه وقوته... من جمع أسماء بنات الإمام موسى بن جعفر عليه السلام حسبما جاءت في المصادر والمراجع... واللّه الموفّق للصواب(1).

ونختم المجلس بأبيات عن ولادتها عليها السلام:

ميلادُ المعصومة نَوَّر يا حي بت موسى بن جعفر

***

يالمعصومه آخر ابشهر شوّال شع ضي ميلادچ او نوَّر كُل دلال

ياللّي حبچ منّ الگلب ما ينزال يالبيچ الدلال اتنوّر

يا حي بت موسى بن جعفر

***

ياللي اعلومچ من الزهره اومن زينب او خدريچ بمر اللّه من البدايه اترتب

او منّ الجلاله الچ هذا المنصب ظل يشهد بيچ البَحر او بر

يا حي بت موسى بن جعفر

ص:57


1- (1) فاطمة بنت الإمام الكاظم عليه السلام للشيخ محمد هادي الأميني: 28 عن كشف الغمة: 236/2، الارشاد: 303، تذكرة الخواص: 351، عمدة الطالب: 196، المناقب 324/4، الأنوار النعمانية: 380/1، تاريخ قم: 199.

اخت الرضا او راضيه ابحكم المعبود چفچ بحر للعطه او كرم والجود

او حبچ ابگلب اهل الوطيه موجود ابداً ما ينزال او يكثر

يا حي بت موسى بن جعفر

***

انتي بت موسى الكاظم او معصومه واللي اعصمچ اللّه ابحكمه واعلومه

اسمچ شفه المهجه غدت مسگومه واتنجينه من الخطر

يا حي بت موسى بن جعفر

***

يالمعصومه كلّ الگصد لچ ما خاب او دارچ صُفت مهبط علم للطلاب

وانتي وديعة زهره أُم الأطياب دوحة علي فارس مضر

يا حي بت موسى بن جعفر

***

قم أصبحت تتباها بسمچ عالكون او لزيارتچ گلب الموالي مفتون

ص:58

يالمعصومه وانتي اتگرّين الاعيون مهيمنه اشما جار الدهر

يا حي بت موسى بن جعفر

***

من روضتچ صدي لينه اباحسانچ يالچالشمس ما ينكسف عنوانچ

فاطمه المعصومه المرتفع شانچ ضي مولدچ شع وازدهر

يا حي بت موسى بن جعفر

***

إِنزف تهاني الوالدچ والينه او لعضيدچ البالطوس يرئف لينه

او يوم القيامه امن اللظه اينجّينه او نرجه الشفاعه بالمحشر

يا حي بت موسى بن جعفر(1)

***

بشراكُم يا معشر المؤمنين بالمصطفى وآله الطاهرين

بحُبهم سُدنا جميع الورى فحبهم يا سادتي مفتخر

ص:59


1- (1) ديوان حسينيات الفراتي لشاعر أهل البيت المرحوم الحاج علي الفراتي رحمه الله: 360.

ولاؤهم أضحى لنا مفخرا مثيل أهل البيت يا هل تُرى

سادوا بأمر اللّه كل البشر في الصحف قد جاء نص الخبر

لنا بال المصطفى مفتخر وحقنا نفخر يالطيبين

فآية التطهير نص جلي في الطهر طه وأخيه علي

وهل أتى في فضلهم قد أتى هذا الذي قد جاء نصرٌ مبين

اختارهم ربُ السما سادةً وللموالينَ غدوا قادةً

كم أنزل اللّه بهم آية يذكرها القارئ للمؤمنين

مولدُ مولاتنا فاطمة ضاءت به الكون وكل الفضا

بحبها نرجو النجا من لظى بجدها ذاك النبي الأمين

قد عم بشراها جميع البلاد واستبشر فيه جميع العباد

بشرى المحبين بميلادها تحيةً منا لاجدادها

يا صاحب العصر بكم فخرُنا وانتمُ يومَ الجزاء ذُخرنا(1)

***

هليله الگمر يضوي ابّلادي ابمولد فاطمه بضعة الهادي

هليله الفرح لاح هليله العطر فاح

ابمولد فاطمه بضعة الهادي

***

هليله الگمر يضوي ابّلدنه ابمولد فاطمه افراح عدنه

ص:60


1- (1) الأبيات للخطيب الحسيني المرحوم الشيخ هادي الكربلائي مع تصرف يسير من المؤلف.

طير الفرح غرّد تشعشع نور أحمد

ابهذا اليوم اريد اظهر ودادي

***

خل ننشر الزينه اعله الخلايج وانهني الوصي باب الحوايج

شع النور وازهر ابِّت موسى ابن جعفر

نهلهل فرح وانشيل الأيادي

***

شع النور وازهر علمدينه نهني المصطفى او حيدر علينه

وانهني الزچيه خلي ايدك بديه

او صيح ابصوت يا شيعي او نادي

***

يا شيعة علي زفو التهاني النجمه أُم الرضا بأحسن أماني

اوهنو الحسن واحسين والكاظم ابهلحين

اوّدّو تهنيه العود الجوادي

***

يا شيعة علي أكبر سعاده نهنّي أُم الرضا ابهاي الولاده

بالمعصومه فاطم ابحبها الگلب هايم

نسمع صوت المبشّر ينادي

***

ص:61

الهي ابجاه اهل بيت النبوّه او نورك هالذي علكون ضوّه

يا رب الجلاله صلِّ اعله الرساله

واحفظ هالجمع من الأعادي(1)

***

ص:62


1- (1) للشيخ خادم أهل البيت عزيز الواحدي.

المجلس الثاني: هجرتها عليها السلام لأخيها الرضا عليه السلام

اشارة

والتُباهي بفاطمٍ أرضُ قُم ولها الفخر والثناء المكرَّر

أصبحت جَنَّةَ الحياةِ وتُدعى عُشَّ آلِ الرّسول في الدَّهرِ تُذكَر

حوزةُ العلمِ في حِماها تَجَلَّت بالأساطينِ والمراجعِ تَزخَر

قبرُها صارَ مؤئلاً وملاذاً وبها كل مُعسِرٍ يتيسَّر

والكراماتُ لا تُعَدُّ وتُحصى وبها صَفوُ كلِّ عَيشٍ مُكدَّر

كأبيها بابِ الحوائجِ تُقضى عندَها كلُّ حاجةٍ تتعسَّر

عَمُّها المجتبى إمامٌ كريمٌ وعَطاياها لا تُحدُّ وتُحصَر

وهي تُدعَى كريمةٌ دونَ شكٍّ وعلى فَضلِها الكريمةُ تُشكَر

واسمُها شاعَ في الأنامِ بفَخرٍ ولها يُنظَمُ المديحُ ويُنثَر

شأنها قد تسامى جلالاً وقدراً واجتباها الإله من عالم الذَر

وَحَباها حِلماً وقَلباً صبوراً وجميلَ العُقبى لمَن قد تَصبَّر

شَأنُها شَأنُ فاطمٍ بنت طه فهيَ كالنور واضحٌ ليسَ يُنكَر

فَبذي قِعدةٍ بأوّل يومٍ وُلدَت والبشيرُ صاحَ وبشَّر

ص:63

هي أُختُّ الرّضا علي بن موسى وأبوها الإمام موسى بن جعفر(1)

***

من شوكها اتعنت لخوها اوصلت بلد قم اوجوها

أهل المودة ايتلگوها لاچن بعد مدة افگدوها

او للگبر لمن شيعوها ذكرواامصاب اللي اعصروها

بالباب وامصاب السبوها وللشام مسبيه خذوها

***

قال الإمام الصادق عليه السلام: إذا عمت البلدان الفتن فعليكم بقم وحواليها ونواحيها فإن البلاء مدفوع عنها(2).

ولما وصلت عليها السلام إلى ساوه سألت كم بينها وبين قم؟ قالوا: عشر فراسخ، فقالت عليها السلام: «احملوني إلى قم».

اشتياق فاطمة لأخيها عليها السلام:

إنّ البواعث النفسيّة الركيزة الدافعة بكريمة الإمام الكاظم عليه السلام...

فاطمة... للخروج من مدينة الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله ساعية في البراري والقفار، ومتجوّلة ومتنقلة في البلدان، وكافة الأمصار علّها تلحق بأخيها الإمام الرضا عليه السلام أو تقف على أخبار له بعد أن اخرج كرها

ص:64


1- (1) لشاعر أهل البيت الشيخ باقر الإيرواني.
2- (2) تاريخ قم: 97، مجالس المؤمنين: 83/1، البحار: 214/60.

وبالقوّة، من المدينة المنوّرة إلى مدينة طوس حسب طلب المأمون (عبد اللّه) الحاكم العباسي يوم ذاك، المتربّع على أريكة الخلافة الإسلامية التي ورثها عن أسلافه الذين ابتزّوها وانتزعوها بالقوّة، والغلبة والمكر، والخديعة عن أصحابها الشرعيين وسرقوها من ذويها الواقعيين من دون ذمّة ولا شرف ولا خجل وحياء يتلاعبون بها كالكرة، ويتداولونها فيما بينهم، ويهبونها لا وغاد، وقردة ومناكير ويخضمون مال اللّه خضمة الإبل نبتة الربيع.

أجل فبعد أن انقضى أمر الرشيد، واستوى الحكم للمأمون... توجّه نحو الطالبيين، وآل أبي طالب وقصد اخضاعهم وارغامهم لحكمه القاسي وسلطته التعسّفية كتب إلى الإمام الرضا عليه السلام يستقدمه إلى خراسان بعبارات خلّابة والفاظ ومواعيد فاتنة خادعة... فاعتلّ عليه الإمام عليه السلام بعلل جمة، ومعاذ ير كثيرة، وما زال المأمون يكاتبه، ويراسله ويسأله ويلحّ عليه حتّى أيقن الإمام عليه السلام إنّه لا يكف عنه بحال من الأحوال، لعلم الإمام بنواياه الخبيثة، ومآربه الشيطانية الجهنمية...

وأخيراً قتله وشهادته، واستشهاده الواقع على يديه.

انّ الإمام الرضا عليه السلام كان على علم صادق، ويقين لا يخامره شك وابهام بما يضمره المأمون له في طوايا نفسه من مآرب دنيئة ومخططات عارمة لا انسانية، وعما يهدف إليه المأمون من طلبه الإمام بصورة خاصة، وآل أبي طالب بصورة عامة.

ص:65

كما أنّ عقد المأمون العهد من بعده للإمام الرضا عليه السلام لم يكن حباً للإمام، وإنّما لا مردّ بر على ضوء مخطّط للتخلّص من ثورات الطالبيين، وقيامهم العنيف في كل صوب وحدب وناحية وجهة ضدّ العباسيين، واخماد نيران الثورة في مهدها... وبعد هذه المرحلة كيف يسوغ لمسلم الوقوف بوجه حكومة يتولّى الإمام الرضا عليه السلام ولاية العهد من بعد الخليفة العباسي...؟ فكلّ ثورة وانتفاضة ويقظة ووقوف بوجه الخليفة المأمون يعتبر خرقاً للأُمة وكلمتها، وصفوفها، ومن كان هذا شأنه فقتله واراقة دمه مباح، وانتزاع أمواله وممتلكاته حلال.

ولو فرضنا جدلاً إنّ المأمون ولّاه العهد حباء وكرامة فما معنى إذ هدّد الإمام ضرب عنقه ان خالف وامتنع عن قبول ولاية العهد...؟ ومن ثمّ سقيه الإمام السمّ بيده...؟

دعوة المأمون للإمام الرضا عليه السلام إلى خراسان:

قال أبو الفرج الإصفهاني: إنّ المأمون وجّه إلى جماعة من آل أبي طالب فحملهم إليه من المدينة وفيهم عليّ بن موسى الرضا فأخذ بهم على طريق البصرة حتى جاؤه بهم، وكان المتولّي لإشخاصهم المعروف بالجلودي من أهل خراسان، فقدم بهم على المأمون فأنزلهم داراً وأنزل عليّ بن موسى الرضا داراً، ووجّه المأمون إلى الفضل بن سهل فأعلمه إنّه يريد العقد له، وأمره بالاجتماع مع أخيه الحسن بن سهل على ذلك

ص:66

ففعل، واجتمعا بحضرته فجعل الحسن يعظم ذلك على المأمون ويعرّفه ما في اخراج الأمر من أهله عليه.

فقال المأمون له إنّي عاهدت اللّه أن أخرجها إلى أفضل آل أبي طالب إن ظفرت بالمخلوع، وما أعلم أحداً أفضل من هذا الرجل، فاجتمعا معه على ما أراد، فأرسلهما إلى علي بن موسى الرضا عليه السلام فعرضا ذلك عليه فأبى فلم يزالا به وهو يأبى ذلك ويمتنع منه إلى أن قال له احدهما:

إن فعلت وإلّا فعلنا بك وضعنا، وتهدّده، ثمّ قال أحدهما: واللّه أمرني بضرب عنقك إذا خالفت ما يريد.

ثمّ دعا به المأمون فخاطبه في ذلك فامتنع، فقال له قولاً شبيهاً بالتهدّد.

إنّ الخلفاء الغاصبين، من الأمويين والعباسيين، كانوا على حذر شديد من العترة الطاهرة عليهم السلام، ومن الذين كان لهم شرف الصلة بالنبوة، وفضل الميراث للعلم، ورسوخ القدم في الدين... إذ كانوا يشعرون بخطورة الموقف، وإنّ أولاد عليّ والزهراء... اللغم المودع في طريق دولتهم، وإنّ وجودهم يشكّل خطراً عارماً، بالنسبة لدولتهم ومخطّطاتهم، والآعيبهم وليس لهم إلّاالتخلّص منهم، وقطع جذورهم بحال من الأحوال، وشتّى الصور والحيل الاجرامية، وبكل ما لديهم من قوّة ومكيدة ومآرب جهنمية كلّ ذلك، للسيطرة عليهم، وابادتهم كي يخلو لهم الجوّ ويعيدون هواجس أحلام العهد الأموي وتنتهي إليهم الأحوال من تفرّدهم بالخلافة وتربّعهم على دست واريكة الحكومة الإسلامية.

ص:67

ومن هنا اندفع المأمون... وراح يكتب إلى الإمام الرضا عليه السلام ويدعوه إلى خراسان ويعرض عليه ولاية العهد من بعده فيأتي بالإمام بالقوّة والكره وبعد أيام يقضي على حياته ويسقيه السمّ امام الملأ وبذلك يكون قد ضمن البقاء للحكم العباسي المنهار الذي يأمل بكل صورة استمراره وتداومه.

وفي كتب الأحاديث رواية متواترة توقفنا على موقف الإمام عليه السلام من ولاية العهد فبعد أن سدّ المأمون عليه الأبواب وضيّق عليه الخناق، وارغمه إلى تقبلها يحدّثنا ياسر فيقول: لما ولى الرضا عليه السلام العهد، سمعته وقد رفع يديه إلى السماء، وقال: «اللهمّ إنّك تعلم إنّي مكره مضطرّ فلا تؤاخذني كما لم تؤاخذ عبدك ونبيك يوسف حين وقع إلى ولاية مصر»(1).

خروج فاطمة عليها السلام من المدينة إلى خراسان:

لما انقطعت أخبار الإمام الرضا عليه السلام عن آل أبي طالب، وأهل المدينة المنوّرة عن فاطمة المعصومة عليها السلام بعد أن سبق من الإمام عند خروجه إلى خراسان، اخباره عن عدم عودته، وشهادته في السفر هذا، خرجت أُخته فاطمة.. بعده بسنة (عام 201 ه) متوكّلة على حول اللّه وقوّته، ومستسلمة لتقديره، ومشيّته تعالى... بروح توّاقة، وعزيمة

ص:68


1- (1) بحار الأنوار 130:49 الطبعة الجديدة.

وثّابة، ونفسية ثابتة، تتحسّس عن أخيها الإمام المفترض، طاعته من قبل اللّه سبحانه... متابعة اثره، ومقتفية سيره وركبه، وناشدة ومتفحصّة وطالبة اخباره تجتاز القرى والمدن التي اجتازها الإمام عليه السلام في سفره ومسيره، والمراحل التي قطعها في رحلته، لعلّها تبلغ ضالّتها، وتجد ضائعتها غير انّ وعثاء السفر ومتاعب الطريق، ومشاقّ السير والشدائد التي قابلتها، الزمتها الفراش وأقعدتها عن السير، وألقت عليها المرض والأسقام، فلم تستطع مواصلة السير كما لم تتمكن من متابعة التحسّس، وهي في طريقها إلى مدينة (قم) علماً منها أنّ أخاها الإمام الرضا عليه السلام كان قد دخل (قم) ومكث فيها أياماً.

قال الشريف النقيب السيّد غياث الدين عبد الكريم بن طاووس بهذا الصدد، ما لفظه:

وإنّما لم يزر الرضا عليه السلام، مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، لأنّه لما طلبه المأمون من خراسان توجّه من المدينة إلى البصرة ولم يصل الكوفة، ومنها توجّه على طريق الكوفة إلى بغداد، ثمّ إلى قم ودخلها وتلقّاه أهلها وتخاصموا فيمن يكون ضيفه منهم، فذكر أنّ الناقة مأمورة فما زالت حتى بركت على باب، وصاحب ذلك الباب رأى في منامه أنّ الرضا عليه السلام يكون ضيفه في غد، فما مضى إلّايسيراً حتى صار ذلك الموضع مقاماً شامخاً، وهو اليوم مدرسة مطروقة ثمّ منها إلى (فريومد) وقال: في حالهم الخبر المشهور(1).

ص:69


1- (1) فرحة الغري: 105.

وصول فاطمة عليها السلام إلى قم المقدّسة:

فابنة فاطمة الزهراء... فاطمة... كانت متوجّهة إلى مدينة (قم) فعند ما بلغت مدينة (ساوه) اقعدها المرض وألزمها الفراش فسألت عن المسافة بين مدينتي (ساوه) و (قم) فأجيبت عشرة فراسخ، فأمرت الخادم بايصالها إلى (قم) قال العلّامة المجلسي في كتابه نقلاً عن تاريخ قم لحسن بن محمد القمي:

قال أخبرني مشايخ قم عن آبائهم إنّه لما أخرج المأمون الرضا عليه السلام من المدينة إلى مرو لولاية العهد في سنة (200) من الهجرة خرجت فاطمة أُخته تقصيده في سنة إحدى ومائتين (201 ه) فلما وصلت ساوه مرضت فسألت كم بينها، وبين قم؟ قالوا عشرة فراسخ، فقالت:

احملوني إليها فحملوها إلى قم، وانزلوها في بيت موسى بن خزرج بن سعد الأشعري.

قال: وفي أصحّ الروايات انّه لما وصل خبرها إلى مدينة (قم) استقبلها اشراف قم، وتقدّمهم موسى بن الخزرج، فلما وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وجرّها إلى منزله وكانت في داره سبعة عشر يوماً ثمّ توفيت سلام اللّه عليها... فأمرهم موسى بتغسيلها وتكفينها وصلّى عليها، ودفنها في أرض كانت له وهي الآن روضتها، وبنى عليها سقيفة من البواري إلى أن بَنت زينب بنت محمد بن علي الجواد عليه السلام عليها قبّة(1).

ص:70


1- (1) بحار الأنوار 290:48. راجع فصل (مصلّى فاطمة).

إنّ هذه السطور إن دلّت على شيء فإنما تدلّ على أنّ كريمة آل بيت محمد صلى الله عليه و آله تكبّدت من المصاعب والمتاعب في سبيل التحسّس عن أخيها الإمام الرضا عليه السلام، واجتيازها الفيافي والبراري ممّا جعلتها طريحة الفراش بعد أن أضناها الشوق، والحبّ والوجد، والمحبة، وأقرح كبدها الهجران، والفرقة وأدمى لبهاً وفؤادها الجزع وهي مع كلّ هذه الشدائد، صابرة ومحتسبة وعلى يقين بأن كلّ أمر صادر من اللّه تعالى، وما ابتلى به عباده من ضيق أو سعة أو مرض، أو شقاء، وكل أمر مرهوب، أو مرغوب صادر وفق الحكمة، والمصلحة الإلهية بالذات... لذلك أعدّت نفسها للصبر والسكينة، ومقاومة الهوى في الغم والحزن، وطابت بقضائه وقدره وتوسع صدرها بمواقع حكمه، وأيقنت بأنّ قضاءه لم يجر عليها إلّابالخيرة وإلى هذا المعنى، اشارة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: «اطرح عنك واردات الهموم، بعزائم الصبر وحسن اليقين» ومن بلغ هذه المرتبة يتلذّذ بكلّ ما يرد عليه، ويتمتّع بثروة لا تنفذ، ويتأيّد بعز لا يفقد، فيسرح في ملك الأبد، ويعرج إلى قضاء السرمد، كما نالتها المعصومة الطاهرة فاطمة.

أما قولها... احملوني إلى قم... لعلمها بموضع وفاتها ودفنها وعلمها بما أخبر به جدّها الإمام الصادق جعفر عليه السلام في حياته في حديث.

عن الصادق عليه السلام: «إنّ للّه حرماً وهو مكة، وإنّ للرسول حرماً وهو المدينة، وإنّ لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة، وإنّ لنا حرماً وهو بلدة قم، وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمى فاطمة فمن زارها

ص:71

وجبت له الجنة».

قال الراوي: وكان هذا الكلام منه عليه السلام قبل أن يولد الكاظم عليه السلام(1).

وفي رواية أُخرى أيضاً عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «إنّ للّه حرماً وهو مكة، ألا إنّ لرسول اللّه حرماً وهو المدينة، ألا وإنّ لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة، ألا وإنّ قم الكوفة الصغيرة، ألا إنّ للجنة ثمانية أبواب ثلاثة منها إلى قم، تقبض فيها امرأة من ولدي اسمها فاطمة بنت موسى، وتدخل بشفاعتها شيعتي الجنّة بأجمعهم»(2).

ولذلك أمرت فاطمة... بحملها إلى مدينة قم، وفيها لفظت أنفاسها الأخيرة المقدّسة وثوت في تربة طابت وطهرت وتشرفت بها.

ركب السيّدة فاطمة عليها السلام واخواتها:

كانت مولاتنا المعصومة عليها السلام لها علاقة خاصة روحية وارتباط وثيق بمولانا الإمام الرضا عليه السلام وكذلك الإمام يبادلها هذه العلاقة واستطيع أن أُشبه هذه العلاقة بعلاقة مولاتنا زينب عليها السلام بمولانا الإمام الحسين عليه السلام.

لذا نجد أن مولاتنا فاطمة المعصومة لم تطق فراق الإمام الرضا عليه السلام، فارقته ما يقارب السنة ولما استقر مولانا الرضا عليه السلام في خراسان أرسل كتاباً خاصاً يستدعي مولاتنا المعصومة للالتحاق به.

ص:72


1- (1) تاريخ قم: 214، سفينة البحار 446:2، مجالس المؤمنين 83:1.
2- (2) مستدرك الوسائل (كتاب الحج)، تاريخ قم: 213.

ولما انتهى الكتاب إليها عليها السلام تجهزت للسفر وخرج ركبها مع بعض اخوتها وخرج من المدينة ركب آخر من اخوتها باتجاه طوس وكلا الكربين مقصدهما واحد وهو اللقاء بالمولى الإمام الرضا عليه السلام.

فموكب السيّدة المعصومة اتخذ طريق السير باتجاه ساوه والركب الآخر اتجه عن طريق شيراز.

والظاهر أن كلا الركبين مأذون لهما بالقدوم إلى الإمام الرضا عليه السلام من قبل المأمون(1).

والسر في انقسام اخوة السيّدة المعصومة إلى موكبين هو سر الهي وإرادة ربانية ظهرت بعد رحيلهم إلى الملأ الأعلى وأصبحوا قبلة للزائرين والعاشقين لأهل البيت عليهم السلام في هذه البقاع المباركة.

قررت مولاتنا الهجرة للقاء المولى الإمام الرضا عليه السلام بعد أن وصل كتابه إليها بيد أحد مواليه.

ويقول صاحب جوهرة الكلام(2):

وتمضي الليالي والأيام على مفارقة السيّدة المعصومة لأخيها الإمام الرضا عليه السلام فتستلم منه كتاباً يأمرها أن تلتحق به فقد كانت اثيرة عنده وعزيزة عليه ولما انتهى الكتاب إليها تجهزت للسفر إليه.

ويخرج ركب السيّدة المعصومة مع بعض اخوتها ويخرج بعض آخر

ص:73


1- (1) سيّدة عش آل محمد: 68.
2- (2) جوهرة الكلام: 146.

من اخوتها في ركب ثان باتجاه طوس ركبان عظيمان يتجهان نحو طوس للقاء امامهم عليه السلام.

أحدهما يتجه عن طريق الري وساوه، والآخر يتجه إليه عن طريق شيراز. فالإمام الرضا عليه السلام قد استأذن المأمون في قدومهم عليه(1).

وكانت قافلة السيّدة المعصومة عليها السلام وتضم اثني وعشرين علوياً وعلى رأسهم مولاتنا السيّدة المعصومة، وكان من اخوتها في ركبها السيّد هارون وفضل وجعفر وهادي وقاسم وبعض أولاد اخوتها وبعض الخدم(2).

وقيل كان معها مائتا نفر من العلويين من المدينة إلى قم(3). فوصلت إلى ساوه وكان أهلها من المخالفين لولاية أهل البيت عليهم السلام فهجموا على موكبها وقتلوا جمعاً من أصحابها واخوتها.

واستشهد من اخوتها السيّد هارون والسيّد فضل والسيّد جعفر والسيّد هادي وكذا البعض من أولاد اخوتها ومن الخدم وأرسل المأمون شرطته إلى هذه القافلة نقلاً عن رياض النساب ومجمع الأعقاب فقتل وشرد كل من في القافلة وجرح هارون ثم هجموا عليه وهو يتناول الطعام فقتلوه(4).

ولا يبعد أن يكون سبب وفاتها أنها قد دس السم إليها في ساوه(5).

ص:74


1- (1) شبهاى نيشابور: 110.
2- (2) الحياة السياسية للإمام الرضا عليه السلام لجعفر مرتضى العاملي: 428.
3- (3) شهد الأرواح للأُستاذ السيّد العلوي: 63.
4- (4) الحياة السياسية للإمام الرضا عليه السلام: 428.
5- (5) شهد الأرواح للأُستاذ السيّد عادل العلوي: 63، وقيام سادات علوى: 168.

فاتجهت إلى قم موطن شيعة أجدادها الطاهرين.

وقيل أنها لما وصلت إلى ساوه مرضت فيها بعد فقد اخوتها وقتلهم وكان قد وصل خبرها إلى قم فخرج اشرافها لاستقبالها يتقدمهم موسى بن خزرج الأشعري فلما وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وقادها إلى منزله تحف بها اماؤها وجواريها(1).

بقيت في دار موسى بن خزرج الأشعري سبعة عشر يوماً فلم تمتد حياتها في قم إلّاهذه الأيام القليلة وتوفيت عليها السلام.

وبعد وفاتها أمر موسى بن خزرج بتغسيلها وتكفينها وتحنيطها وحملوها إلى مقبرة (بابلان) ووضعوها على حافة سرداب حفر لها فاختلفوا في مَن يُنزلها إلى السرداب ثم اتفقوا على خادم لهم صالحٌ عابدٌ كبير السن يقال له (قادر) فلمّا بعثوا إليه رأوا راكبين مقبلين من جانب الرملة فلمّا قربا من الجنازة نزلا السرداب وانزلا الجنازة ودفناها ثم خرجا ولم يكلّما أحداً وركبا وذهبا ولم يدر أحد مَن هما(2).

ولا يزال المحراب الذي كانت تصلي فيه فاطمة المعصومة ويسمى الآن ببيت النور وهو بيت موسى بن خزرج.

ويصادف يوم وفاتها العاشر من ربيع الثاني سنة (201 ه) ونقل انها توفيت في الثاني من ربيع الثاني.

ص:75


1- (1) ترجمة تاريخ قم: 213.
2- (2) ترجمة تاريخ قم: 213-214.

وقيل أنها توفيت في الثامن من شعبان سنة (201 ه)(1) كما تقدم الخلاف في ذلك(2).

موكب اخوتها (رضوان اللّه عليهم) إلى شيراز:

كان اخوة الإمام الرضا عليه السلام أحمد ومحمد وحسين على رأس هذا الموكب والذي ضمّ عدداً كبيراً من بني أعمامهم وأولادهم وأقاربهم ومواليهم ووصل عددهم إلى ثلاثة آلاف(3).

وفي الطريق انضمّ إليهم جمعٌ كثيرٌ من موالي ومحبي أهل البيت عليهم السلام فصار عددهم ما يقارب خمسة عشر ألف من الرجال والنساء(4).

ولما وصل خبر القافلة وهذا التجمع الكبير إلى المأمون خشي على ملكه وسلطانه من التزلزل خصوصاً إذا وصلت هذه القافلة العظيمة إلى خراسان فأمر ولاته واعوانه بمنع زحف هذا الموكب وارجاعهم إلى المدينة فجهّز حاكم شيراز - آنذاك - جيشاً جراراً من أربعين ألف جندياً وتوجه إلى الركب فالتقى بهم في (خان زينان) على ثمانية فراسخ من شيراز فتوقفت قافلة بني هاشم لاستطلاع الأمر. فجاء الحاكم

ص:76


1- (1) كما نقله الشيخ المنصوري في حياة الست نقلاً عن كتاب مخطوط باسم رياض الأنساب ومجمع الأعقاب الذي نقله بدوره عن الرسالة (العربية العلوية) للعاملي صاحب الوسائل.
2- (2) فاطمة المعصومة أُخت الرضا: 96.
3- (3) أعيان الشيعة: 192/3.
4- (4) شبهاى نيشابور: 117.

وقال لهم: إن الخليفة يأمر بارجاعكم من حيث أتيتم.

فقال آمر الركب وهو السيّد أحمد بن الإمام موسى الكاظم اننا لا نريد سوى زيارة أخينا الإمام الرضا عليه السلام وما قصدناه إلّابعد الاستئذان واجازة المأمون نفسه.

قال الحاكم: قد يكون ما ذكرت ولكن أصدر الأمر إلينا بمنعكم من اكمال مسيرتكم فتشاور الاخوة فيما بينهم واتفقوا على اكمال مسيرتهم واحتاطوا لذلك بجعل النساء في آخر القافلة وتحركوا من جديد ولكن حاكم شيراز وجنده الأربعين ألف قطعوا الطريق عليهم فبدأت معركة دامية أبدى فيها اخوة الإمام وسائر افراد القافلة شجاعة فائقة ولا عجب في ذلك فهم بني هاشم أصل الشجاعة ومنبت البطولة وعلى اثر ذلك انكسر جيش الأعداء وتفرقوا فلجأوا إلى الحيلة والمكر ونادى رجل منهم ان كنتم تريدون الوصول إلى الرضا عليه السلام فقد مات. فسرت هذه الشائعة بين أفراد القافلة كالبرق وهدت أركانهم وكيف لا وانهم يسمعون خبر وفاة امامهم عليه السلام وكان ذلك سبباً لتفرق القافلة وتشتتهم عن الاخوة الكرام فتوجه الاخوة الثلاثة إلى شيراز ليلاً بعد أن غيّروا البستهم حتى لا يُعرفوا وتفرغوا فيها للعبادة ولبثوا مدة دون أن يعرفهم أو يتوصل إليهم أحد ولكن على اثر انتشار الجواسيس توصلوا إلى مكان السيّد أحمد بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام وكان قد اختفى في دار أحد الموالين لهم فخرج من الدار يقاتلهم قتالاً شديداً دفاعاً عن نفسه.

ص:77

فماذا يا تُرى أن يفعل فردٌ واحدٌ امام بلدة مخالفة وجيش كبير لقد أظهر شجاعة فائقة وكان بين فترة وأُخرى يدخل الدار ويستريح، وعندما لم يتمكنوا منه لجأوا إلى الجيران وأحدثوا فجوة إلى تلك الدار عبر دار الجيران وغافلوه وقتلوه في الموضع الذي تراه اليوم في شيراز والمعرف (شاه چراغ) هذا المرقد الذي يأمه العاشقون.

كما أنهم قتلوا أخاه حسيناً بالقرب من بستان وله الآن مزار في شيراز يعرف بالسيد (علاء الدين حسين).

وأما السيّد محمد الأخ الثالث فلم يتمكنوا منه وعرف بكثرة العبادة ولذا كان يلقب بمحمد العابد، وتوفي ودُفن في بقعة شريفة في شيراز(1).

وفاتها أم شهادتها عليها السلام:

هناك اتفاق في سنة وفاتها ورحلتها سنة (201 ه) ولم نجد قولاً آخراً في ذلك، ولكن هناك اختلاف في اليوم والشهر فهناك ثلاثة أقوال في ذلك:

1) العاشر من ربيع الثاني:

وهذا القول منقول عن كتاب نزاهة الأبرار ولواقح الأنوار وبعض المعاصرين نقل هذا القول(2).

ص:78


1- (1) فاطمة المعصومة عليها السلام أُخت الرضا عليه السلام: 100 عن شهد الأرواح للسيّد عادل العلوي: 63، وتحفة العوالم: 28/2.
2- (2) منتخب درياى سخن: 34، وزندگانى حضرة معصومة: 37 عن كريمد أهل البيت: 83.

2) الثاني عشر من ربيع الثاني:

المرحوم علي النمازي في مستدرك السفينة ينقل أن رحيل السيّدة المعصومة بنت الإمام الكاظم عليه السلام في الثاني عشر من ربيع الثاني(1).

3) الثامن من شعبان:

ينقل هذا القول المرحوم المنصوري من كتاب خطي منسوب إلى الشيخ الحر العاملي اسمه (الرسالة العربية العلوية)(2).

والشيخ العاملي عندما عدد مؤلفاته ذكر هذا الكتاب تحت عنوان العربية العلوية واللغة المروية(3).

هذه هي الأقوال في رحلتها ولكن أشهرها هو العاشر من ربيع الثاني عند القميين من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام. وعلى أي حال فقد تركت ابنة الإمام موسى عليه السلام... فاطمة... مدينة جدّها الرسول صلى الله عليه و آله وهجرت مسقط رأسها، وما تملكها من اللّه سبحانه وتوجّهت إلى خراسان باحثة عن أخيها بعد ان انقطعت أخباره عنها، وعن الذريّة الطاهرة من أولاد، وبنات علي، والزهراء عليها السلام مدّة سنة كاملة فلم تطق صبراً فخرجت مع بعض خدمها إلى أن بلغت (ساوه) وشاء اللّه ولا رادّ لقضاءه... أن يعتريها المرض، ويقعدها النصب والتعب ويلزمها الفراش فسألت

ص:79


1- (1) مستدرك السفينة: 257/8.
2- (2) حياة الست: 11.
3- (3) أمل الآمل: 144/1.

كم بين (ساوه) و (قم) قالوا عشرة فراسخ، فقالت: اذهبوا بي إليها وهي لا تنفك عن عبادة اللّه وتمجيده وتحميده، وشكره في السرّاء والضرّاء.

قال الحسن بن محمد القمي في كتابه (تاريخ قم) أخبرني مشايخ قم عن آبائهم، إنّه لما أخرج المأمون الرضا عليه السلام، من المدينة إلى مرو لولاية العهد في سنة مأتين (200) من الهجرة خرجت فاطمة أُخته تقصده في سنة إحدى ومائتين (201) ولما وصلت إلى ساوه مرضت، فسألت كم بينها وبين قم؟ قالوا: عشرة فراسخ.

فقالت: احملوني إليها فحملوها إلى قم، وأنزلوها في بيت موسى بن خزرج بن سعد الأشعري.

قال: وفي أصح الروايات انّه لما وصل خبرها إلى قم استقبلها أشراف قم وتقدّمهم موسى بن الخزرج، فلما وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وجرّها إلى منزله وكانت في داره سبعة عشر (17) يوماً ثمّ توفّيت رضي اللّه عنها.

فأمر موسى بتغسيلها، وتكفينها، وصلّى عليها، ودفنها في أرض كانت له، وهي الآن روضتها وبنى عليها سقيفة من البواري، إلى أن بَنت زينب بِنت الإمام محمد بن علي الجواد عليهم السلام، عليها قبّة(1).

ص:80


1- (1) البحار 299:102 الطبعة الجديدة، تاريخ قم: 213.

حضور راكبين لدفنها عليها السلام:

قال: وأخبرني الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه(1) عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد(2) انّه لما توفّيت فاطمة رضي اللّه عنها، وغسّلت وكفنت حملوها إلى مقبرة (بابلان) ووضعوها على سرداب حفر لها فاختلف آل سعد في من ينزلها إلى السرداب ثمّ اتفقوا على خادم لهم صالح، كبير السنّ يقال له (قادر) فلما بعثوا إليه راوا راكبين مقبلين من جانب (الرملة) وعليهما لثام، فلما قربا من الجنازة نزلا، وصلّيا عليها، ثمّ نزلا السرداب، وانزلا الجنازة ودفناها فيه ثمّ خرجا، ولم يكلّما أحداً، وذهبا ولم يدر أحد من هما.

وقال المحراب الذي كانت فاطمة رضي اللّه عنها تصلّي فيه موجود إلى الآن في دار موسى، ويزوروه الناس(3).

توفيت ابنة الإمام... وأُخت الإمام... وعمّة الإمام... ولم تشاهد أخاها الإمام الرضا عليه السلام لأنّ المرض والموت حالا دون وصولها إلى ضالّتها، وغايتها المقدّسة المنشودة.

ص:81


1- (1) أبو عبد اللّه القمي كان حياً عام (378 ه) من كبار الفقهاء والمتكلمين والمؤلفين، روى عنه الشريف المرتضى علم الهدى وغيره. لسان الميزان 306:2، أعيان الشيعة 28:27، رجال النجاشي: 50، رجال الشيخ الطوسي: 469، نوابغ الرواة: 115.
2- (2) أبو جعفر القمي المتوفى (343 ه) شيخ القميين، وفقيههم تخرّج عليه نفر كبير من الفقهاءوالأعلام. نوابغ الرواة: 259، تنقيح المقال 101:3، تأسيس الشيعة: 332، هدية العارفين 41:2، مصفى المقال: 403، جامع الرواة 90:2، رجال الشيخ الطوسي: 495.
3- (3) البحار 290:48، تاريخ قم: 214، مجالس المؤمنين 83:1، مستدرك الوسائل 227:2.

ومهما يكن من أمر فابنة الإمام موسى الكاظم عليه السلام فاطمة المعصومة الطاهرة... دفنت في الموضع الذي يزار الآن، ولها مزار عظيم، وروضة مجلّلة وعلى مرقدها الشريف صخرة كتبت على جوانبها (آية الكرسي) وجاء في وسطها (توفّيت فاطمة بنت موسى في سنة احدى ومأتين... كتبه وعمله محمد بن طاهر بن أبي الحسن في اليوم الثاني من شهر رجب 652).

ولقد أجاد شاعر أهل البيت محمد حسن دكسن حيث صور وجسد مظلومية فاطمة المعصومة عليها السلام بهذه الأبيات المباركة:

بدر طوس التشعشع على الوقتين غاب اشلون غيبه غيبة اسنين

وسفه مات ابو محمد ابحسره قبل ما يموت راد اخته تحضره

كتب لوّح ابخطه اشصار اشجره يقللها تعالي لا توانين

بسما راح خطه او وصل لخته حنت والجفن لاح ابدمعته

اجت تنشد الطارش چيف شفته خبّرني ابعزيزي او قرة العين

تغيّر لون وجهه ابقلب مهموم قاللها الخبر بالطرس مرسوم

عليها اشصار ذاك اليوم من يوم تلوج ابروحها او كتن الجفنين

مشت قطعت لرض طوس ابحزنها لما وصلت القم ما هجه ونها

لن اصياح اهاليها ابوطنها كلها اتصيح حيف اتهدّم الدين

حنت بچت من سمعت الصايح ودّت تنشد اشهاذي النوايح

ص:82

دخل ينشد اشعدكم شنهو رايح صاحو راح نور البيه مضوين

يهل تنشد عزيز المصطفى فات شال اليوم من عدنا الرضا او مات

امس ما بين ادينا او بالقبر بات هذا اليوم عنه غيبه البين

صفق بيده او صاح اتلقوا اخته امن ابلاد المدينه اليوم اجته

تحاذر لا يجيها الخبر بغته لقتكم بالبچه او صرخة محزنين

فرّن بالبچه النسوان ليها تلقنها يعزّنها ابوليها

حنت ولولت صفقت بديها خفق ويلي قلبها او دمعة العين

اجتها الناس بأسود علم منشور تعزيها او تصيح ابقلب مكسور

جيمي انياحتچ ضخرچ بلقبور مات اللي عليه حيتي تنشدين

اجت لخت الرضا تصرخ الصوبين مات اللي عليه جيتي تنشدين

اويلي اشلون صاحت صوت عالي اللّه اوياك يا عزّي او دلالي

من شفت النياحه انشلش حالي آيا امصيبتك يبن الميامين

تعنيتك يخوي ابقلب هايم الخاطر شوفتك يا بدر هاشم

قلبي طار من شفت العلايم بيارغ سود والوادم محزنين

ابحياة اللّه عليكم يلتنوحون اخبروني ابعزيزي او نور العيون

مات ابحتف لو سمه المأمون صاحو سمه المأمون سمين

صاحو صيحة المهظوم بحزان ما ندري اشنگلچ يبت عدنان

سمه ابعنب سمه ابماي رمان صاحت آه علميت ابسمين

ص:83

صاحت فرد صيحة ابلقب مرتاع ألف وسفه يخويه اتضمك القاع

شهقت فرد شهقه او ماتت ابساع على وصف المرض ماشافته ابعين

هاي أُخت الرضا شهقت او عافت عمرها وبمراح الحزن طافت

بس اشحال زينب يوم شافت اخوها ابغير راس او غير چفين

هاي أُخت الرضا ماتت بلحزان من سمعت ابفقده عن اخريسان

زينب شافت احسين اعلى تربان جسد والقوم قصدت له مطلبين

ايا فعلة الما مش مثلها جارت على المعصومين كلها

بني أُميه عدت واتعدت الها اوبني العباس سووعمل جسرين(1)

***

لطمية لفاطمة المعصومة عليها السلام

انقارن امصابين آهٍ يا زمن بين معصومه وبين أُم الحسن

مظلومه يا معصومه

***

الزهره مظلومه توّن من الدهر ما رعوها والضلع منها انكسر

بتها معصومه الدهر بيها غدر ورثت امصيبة الأُم ابهالمحن

مظلومه يا معصومه

***

ص:84


1- (1) الروضة الدكسنية لشاعر أهل البيت الخطيب محمد حسن دكسن: 10.

الزهره من بعد النبي متلوّعه وبگلبها المنفجع چم فاجعه

هاذي معصومه گضت متصدعه من أبوها الكاظم ابغربه انسجن

مظلومه يا معصومه

***

الزهره من حرگو عليها دارها امن السقيفه الظالمه وغدارها

هاذي معصومه تهل أعبارها عالرضه حزنانه وبنوح وشجن

مظلومه يا معصومه

***

الزهره تبچي وتبچي وياها الفضه ابيوم من گادو عليّ المرتضه

والرضا واويلي لمصاب الرضه ادموع معصومه لخوها دم جَرن

مظلومه يا معصومه

***

الزهره بت وأُم نبينه المصطفه دارها حرگوها أصحاب الجفه

هاذي معصومه اشجره اعليها وصفه عگب أخوها الرضه صابتها الفتن

مظلومه يا معصومه

***

طلعت اخلاف الأُخو تجري الدمع تمشي بالوديان وبنوحُ وجَزع

مثل الزهره إلي توّن من الضلع هاذي معصومه اطلعت من الوطن

مظلومه يا معصومه

***

ص:85

اطلعت چن زينب حزينه وثاكله واعله أخوها الرضه ظلت مخوله

رسمت النه الوفه ومحنة كربله ماتت ابسم ونواظرها انطفن

مظلومه يامعصومه(1)

***

لطمية أُخرى

اختك معصومه وجيت خويه يا خويه

امن المدينه ناديت خويه يا خويه

يلرضه غايب وين آهٍ آه امن البين

***

يا نور عيني ودنيتي وكل عمري يلغايب عني وصار مظلم دهري

ابنار افراگك يا خويه يلهب صدري چن عمتي زينب غريبه تدري

گلبي الفگدك مجروح خويه يا خويه

لا مهجه ولا من روح خويه يا خويه

تصرخ دمعات العين آهٍ آه امن البين

***

ص:86


1- (1) شاعر أهل البيت محمد علي النادب الكربلائي.

عفت المدينه ابدمعتي والحسره وطلعت من يم مرقد أُمي الزهره

وأنشد اعليكم يلرضه بالعبره وين الرضه أصرخ ودمعي جمره

تتفرج ليّه الناس خويه يا خويه

مثل الفگدت عباس خويه يا خويه

ينبع دمع الجفنين آهٍ آه امن البين

***

بت موسه ابن جعفر المات ابسجنه وعشت العُمر بالنايبه والونه

معصومه آنه وگلبي يسعر حزنه وين الرضه دلوني أنشد عنه

ما أتحمّل فرگاك خويه يا خويه

وتعنيت الملگاك خويه يا خويه

فرگتك الها اسنين آهٍ آه امن البين

***

وگطعت وديان وسهول وأقطار والدمع من فرگاك عالوجنه نار

أيّست من ملگاك يبن الأطهار وآنه الغريبه والدهر بيه جار

ص:87

جور الدرب ذبني خويه يا خويه

وافراگك عذبني خويه يا خويه

ما تسمع هالونين آهٍ آه امن البين

***

بس شوفه منك خاف تطفه عيني والگبري آخذ حسرتي ونيني

يمته اشوفك يلرضه يا عيني ابليّاك ما يسوه العمر وسنيني

صوت احزاني ناداك خويه يا خويه

ذبحو اخواني اعداك خويه يا خويه

امصابي صار امصابين آهٍ آه امن البين

***

چن عمتي زينب توّن عالوليان عالگطعو اصفوفه تون عالعطشان

وآنه اخوتي امضرحه بالوديان والقم تعنّيت ابمناطه واخوان

يلرضه وعمري غاب خويه يا خويه

صارت الحسره اتراب خويه يا خويه

يعله صوتي ابكل حين آهٍ آه امن البين(1)

ص:88


1- (1) لخادم أهل البيت الشاعر نادب الكربلائي.

المجلس الثالث: في زيارتها عليها السلام

اشارة

لهفَ نفسي لِبنتِ «موسى» سقاها الدَّهرُ كأساً فزادَ مِنهُ بلاها

فارَقَت والداً شفيقاً عَطوفاً حارَبَت عَينُها عليهِ كراها

أودَعَتهُ قَعرَ السجونِ أُناسٌ أنكَرت رَبَّها الذي قد بَراها

وإلى أن قضى سَميماً فراحَت تُثكِلُ النّاسَ في شديدِ بُكاها

وأتى بعدَهُ فُراقُ أخيها حينَ في «مَروَ» أسكَنَتهُ عِداها

كُلُّ يومٍ يَمُرُّ، كان عليها مثلَ عامٍ فأَسرَعت في سُراها

أقبَلت تقطَعُ الطريقَ اشتياقاً لأخيها الرِّضا وحامي حِماها

ثُمَّ لَمّا بها الظَعينَةُ وافَت أرض قُمٍّ وذاكَ كانَ مُناها

قامَ «موسى»(1) لها بحُسنِ صَنيعٍ إذ ولاء الرِّضا أخيها ولاها

نَزَلت بيتَهُ فقامَ بما اسطاعَ مِن خدمةٍ لها أسداها

ما مَضَت غيرَ بُرهَةٍ من زمانٍ فاعتراها مِن الأسى ما اعتراها

وإلى جَنبِهِ سِقامٌ أذابَ الجسمِ منها وثقلُهُ أظناها

ص:89


1- (1) موسى بن خزرج الأشعري هو كبير قومه في قم حينذاك.

فَقَضَت نَحبها غريبةَ دارٍ بَعدَما قَطَّعَ الفراقُ حشاها

اطبَقَت جفنها إلى الموت لكن ما رَأت والدَ الجوادِ أخاها(1)

***

تعنيت الك من المدينه وانشد اخيي الرضا وينه

ليش ابو امحمد ما يجينه لنّي اسمعت صرخه حِنينه

جاني الناعي او تهل عينه او يصفح عله ايساره ابمينه

اينادي اخيّچ سامّينه او گلبه يويلي امگطّعينه

ابهل الحال واذكرت الحزينه زينب اخيها الذابحينه

واتصيح وينه اليعزّينه يا ريت يحضرنه علينه

وابكربله ايباري الضعينه(2)

***

قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله:

«من أراد أن يزور قبراً فليزره، ولا يقول إلّاخيراً، فإنّ الميت يتأذّى منه مما يتأذّى منه الحي»(3).

وقال علي بن موسى الرضا عليه السلام:

«يا سعد عندكم لنا قبر؟» قلت: جعلت فداك، قبر فاطمة بنت موسى عليهما السلام... قال: «نعم، من زارها عارفاً بحقّها فله الجنّة».

ص:90


1- (1) القصيدة للخطيب المرحوم الشيخ محمد سعيد المنصوري قدس سره، ديوان ميراث المنبر.
2- (2) للخطيب الشيخ عزيز الواحدي حفظه اللّه.
3- (3) الغدير 166:5-172 بأسانيد صحيحة ثابتة.

زيارة مشهدها عليها السلام:

منذ عصر النبي الأعظم صلى الله عليه و آله جرت السيرة المطرّدة إلى يومنا هذا على زيارة قبور ومراقد ومشاهد ضمنت في كنفها نبياً مرسلاً، أو إماماً طاهراً أو وليّاً صالحاً أو ذريّة من العترة الطاهرة أو عظيماً من العظماء...

وكانت الصلاة لديها، والدعاء عندها والتبرّك والتوسل بها، والتقرّب إلى اللّه تعالى وابتغاء الزلفة لديه باتيان تلك المشاهد، من المتسالم عليه بين جميع فرق المسلمين، من دون أيّ نكير من آحادهم، وأيّ غميزة وامتناع من أحد منهم على اختلاف مذاهبهم، وتباين نحلهم، فسار المسلمون على امتداد تاريخ الإسلام على تلكم السنة الجارية سنّة اللّه التي لا تبديل لها، ولن تجد لسنّة اللّه تحويلاً.

زر من تحبّ وان شطّت بك الدار وحال من دونه ترب وأحجار

لا يمنعنّك بعد عن زيارته انّ المحبّ لمن يهواه زوّار

لقد أجمعت أئمة الشيعة الإمامية، وكذا أئمة المذاهب الأربعة الإسلامية على استحباب زيارة المراقد، لما ورد في السنّة الصحيحة المتفّق عليها الأمر بزيارة القبور، والحث عليها، وأصفقت آراء أعلام الإسلامية على الفتيا بمفاده، وإنّها تستحبّ بل قال بعض الظاهريّة بوجوبها، كما نصّ عليه غير واحد، أخذا بظاهر الأمر فقد جاء عن النبي الأقدس صلى الله عليه و آله: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها».

«ألا فزوروا القبور فإنّها تزهد في الدنيا، وتذكّر الآخرة».

ص:91

«نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنّها تذكّركم الموت».

«نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ولا تقولوا هجراً».

«إنّي كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها وليزدكم زيارتها خيراً».

«إنّي نهيتكم عن زيارة القبور فمن شاء أن يزور قبراً فليزره فإنّه يرقّ القلب، ويدمع العين».

«زر القبور تذكّر بها الآخرة».

«إنّي نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنّ فيها عبرة».

«ايتوا موتاكم فسلّموا عليهم، او صلّوا فإنّ بكم عبرة».

«نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، واجعلوا زيارتكم لها صلاة واستغفاراً لهم».

«من أراد أن يزور قبراً فليزره، ولا يقول إلّاخيراً، فإنّ الميت يتأذّى منه مما يتأذّى منه الحي» (1).

وهناك ألفاظ كثيرة في زيارة القبور نقلت عن الأئمة، وأعلام المذاهب تنبأنا، إنّ الزائر في وسعه أن يزور الميّت ويدعو له بأيّ لفظ شاء وأراد، وله سرد ما يروقه من مناقبه، وفضائله، وذكر ما يوجّه إليه عطف المولى سبحانه، ويستوجب له رحمته ثمّ يتوسّل بأهل تلك المقابر، أعني بالصالحين منهم، في قضاء حوائجه، ومغفرة ذنوبه

ص:92


1- (1) الغدير 166:5-172 بأسانيد صحيحة ثابتة.

والدعاء لنفسه، ولوالديه، وأقاربه، ويجأر إلى اللّه تعالى، بالدعاء عندهم ويكثر التوسّل بهم، إلى اللّه سبحانه لأنّه تعالى، اجتباهم واصطفاهم وشرّفهم، وكرّمهم، فكما نفع بهم في الدنيا ففي الآخرة أكثر وأوفى.

فمن أراد حاجة فليذهب إليهم، ويتوسّل بهم فإنّهم الواسطة بين اللّه تالى، وخلقه وقد تقرّر في الشرع وعلم ما للّه بهم من الاعتناء، والاكبار، وذلك كثير مشهور، وما زال الناس من العلماء، والأكبار كابراً عن كابر، مشرقاً ومغرباً يتبرّكون بزيارتهم، وزيارة قبورهم...

ويجدون بركة ذلك حسّاً ومعنى.

قال الحجة السيّد محسن الأمين العاملي:

وكذا الصلاة لدى القبور تبرّكاً بذوي القبور فليس بالصنع الردّي

إنّ الأئمة من سلالة هاشم ثقل النبيّ وقدوة للمقتدى

قالوا الصلاة لدى محل قبورنا في الفضل تعدل مثلها في المسجد

عنهم روته لنا الثقات فبالهدى عنهم إذا شئت الهداية فاقتد

شرف المكان بذي المكان محقّق وأخو الحجا في ذاك لم يتردّد

خير عبادة ربّنا في مثله من غيره فإليه فاعمد واقصد

وكذلكم طلب الحوائج عندها من ربّنا أرجى لنيل المقصد

بركاتها ترجى لداع انّها بركات شخص في الضريح موسّد

لابدع إن كان الدعاء إليه في ها صاعداً وبغيرها لم يصعد

***

ص:93

أهمية زيارة القبور:

لما كانت زيارة قبور الفقهاء والعلماء والصلحاء والشهداء، والصديقين، من القضايا المشروعة، المباحة فما ظنّك بعد بزيارة مشاهد العترة الطاهرة... وقبور عقائل النبوة... ومراقد ذراري الولاية... وهم أولاد النبي الأقدس وأبناء عليّ والزهراء... ولهم شرف النسب برسول اللّه صلى الله عليه و آله، وفضيلة السبق إلى الإيمان، وقوّة التمسك بالدين، والتضحية في سبيل الحق، وكذا الثبات على العقيدة، وقد عرفوا بالطهارة، والنضال المجيد، في سبيل حفظ مقدّرات الدين، والتفاني في اقرار حقوق المخلوقين، فقد نشأوا في مهد العلم، والفقه، والقرآن، والطهارة، والتقى، والشجاعة، والفضيلة، والزهادة، في المغريات.

إنّهم آل النبي صلى الله عليه و آله وابناء عليّ والزهراء عليهما السلام وإنّ لحومهم ودماؤهم، وابدانهم، وكافة اجزاء واعضاء أجسامهم آثار ناطقة حيّة من أجدادهم المعصومين الذين اصطفاهم اللّه، واجتباهم، من بين خلقه، فهم موضع سرّه، ولجأ أمره وعيبة علمه، وموئل حكمه وكهوف كتبه، وجبال دينه، بهم أقام انحناء ظهره، واذهب ارتعاد فرائصه.

دع الفكر والصبر فالزمان صعائبه تزول وكم قلّت بمحو عصائبه

إذا أزمة زادت وكرب تكاثرت مصايبه والخطب عمّت نوائبه

وضاق الفضا في صدم نازلة القضا وضاقت على العبد الضعيف مذاهبه

ص:94

فأبواب أولاد الرسول بها الرجا بحامل هم باعدته أقاربه

هم النعمة العظمى هم الغوث للورى هم الغيث لكن لا تغبّ سواكبه

هم المدد العالي هم المشرب الذي تعطّر بالمسك الإلهي شاربه

هم الكعبة الغراء والخيف والصفا هم الحرم السامي الذي عزّ جانبه

هم الحبل للطلّاب في كلّ وجهة هم البحر لكن لا تعدّ عجائبه

هم العضب لكن ليس يغمد نصله هم الكنز لكن ليس يحرم طالبه

هم الكوكب المحمود في الأرض والسما هم الافق لكن لا تغيب كواكبه

هم البيت بيت الأمن والمجد والتقى وبالعسكر الغيبيّي حفّت جوانبه

هم الأوصياء العارفون بربّهم وبالغيب قد سحّت عليهم سحائبه

هم الأولياء المحلقون بجدّهم وفي بيتهم تطوى وتبدو مناقبه

ص:95

هم الهيكل العلويّ في كلّ حضرة أساليبه تحكي وتروي غرائبه

هم قاف قرب اللّه سينا الهدى الذّي تغشّت بأنوار النبي كتائبه

هم الحزب حزب اللّه حزب مؤيّد به الدين دهراً والذليل محاربه

هم علم جفر طرّزته يد الخفا بخطّ الهيّ، تقدّس كاتبه

هم العَلم السامي على هامة العلى وفي قعر بحر الأرض حطّت ذوائبه

هم ركب برهان خفيّ مطلسم إلى الملك والملكوت سارت نجائبه

هم القمر الوضّاح، والشمس والضحى هم الفجر لكن عنه زيحت غياهبه

هم روح جسم الكون بل نور عينه تشرّف فيهم شرقه ومغاربه

ألوذ بهم والقلب أودى به الضنى من الهمّ والغم المقرّح غالبه(1)

ص:96


1- (1) رشفة الصادي من بحر فضائل بني النبي الهادي: 50، والقصيدة من نظم محمد بن حسن الرفاعي الصيادي الحسيني.

محبة ذرية النبي صلى الله عليه و آله:

قال السيّد نور الدين علي بن أحمد السمهودي المصري المدني المتوّفى (911 ه) عن الشيخ العارف باللّه أبي الحسن الحراني في كلامه عن الإيمان الثام بخير الأنام صلى الله عليه و آله قال: إنّ خواصّ العلماء رحمهم اللّه من هذه الأُمة يجدون لأجل اختصاصهم بهذا الايمان محبّة خاصّة لنبيهم، وتقربّاً له في قلوبهم حتى يجدوا ايثاره على أنفسهم، وأهليهم، وأموالهم، ويحبّون بحبّه قرابته وذريّته وأصحابه، ويجدون لهم في قلوبهم مزيّة على غيرهم ويستحبّون أن يعينوهم، ويدنوهم رعاية لآبائهم، وعلماً باصطفاء نطفهم الكريمة، قال تعالى: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ ما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ 1 فلا يكونون كمن ليست له سابقة.

قال: وبالحقية لا يعد من المؤمنين، من لم يجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وذريّته أحبّ إليه، وأعزّ عليه من أهله وولده والناس أجمعين.

ثمّ قال في موضع آخر ومن علامة محبته صلى الله عليه و آله محبّة ذريّته واكرامهم، والاغضاء عن اعتقادهم فما انتقد ذريّة محمد صلى الله عليه و آله محبّ لمحمد قط، ومن علامات محبّته محبة أصحابه ومن علامات محبّة أصحابه، محبة ذرّيتهم، وان ينظر إليهم اليوم نظرة إلى آبائهم بالأمس لو كان معهم، ويعلم أنّ نطفهم طاهرة وإنّ ذرّيتهم ذرّية مباركة، وأن يغضّ المؤمن عن

ص:97

انتقاد ذريّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وأهل بيته لأنّهم قوم شرّف اللّه ذرّيتهم، وأخلاقهم... ولا تبغض سيّما من كان من الذريّة الشريفة لما صحّ من قوله صلى الله عليه و آله: فاطمة بضعة منّي... ومعلوم انّ أولادها بضعة منها فيكونون بواسطتها، بضعة منه صلى الله عليه و آله(1).

وكان الحجّة شيخنا الأكبر العلّامة الأميني (الوالد المغفور له) كرّم اللّه وجهه... شديد الحبّ والإخلاص والخضوع لأولاد الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله فعندما كان يلتقي بواحد من الذريّة السادة (العلوية) صغيراً كان أو شيخاً، كان يقوم له من مجلسه إجلالاً وتعظيماً ويعانقه، ويبادره التحية والسلام، ويقول: إنّ أولاد فاطمة مثلها لأنّهم بضعة منها، وفك الفرع من أصله هو فك الشيء من نفسه وهو غير ممكن ومحال، باعتبار أنّ ذلك الفرع هو الشخص.

وليس معنى هذا أنّ المنسوب إلى الذريّة الطاهرة والشجرة النبويّة...

حرّفي تصرّفاته وأعماله، وأقواله وسيرته، وحركاته وسكناته، بحجّة أ نّه من آل النبي صلى الله عليه و آله فيتمكن من ارتكاب كلّ فضيحة وشنيعة وجريمة ووقيعة، أو يحكم ويقول، خلال ما أنزل اللّه تعالى، ولا يحقّ لأحد ردعه وتأديبه، وتنبيهه ومنعه لأنّه علويّ أو سيّد... فهذا ما لا يسيغه العقل والشرع والعرف... ولا يجيزه النبي الأقدس صلى الله عليه و آله.

إنّ العلوي المنتسب للشجرة المباركة، هو الرجل، والعالم، الوردع

ص:98


1- (1) رشفة الصادي: 50.

التقيّ الزاهد الشريف الشهم، المخيّر، المقدام، المناضل، الهصور، الأبيّ، العفيف المحسن، المجمل، الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر، والمتجنّب عن البدع والضلالات، والزلّات، والمساوئ...

وتكون سيرته مشابهة لسيرة آبائه الأئمة الأطهار عليهم السلام، ويسير على هديهم ومنهاجهم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه....

أجل يكون سلماً لمن سالم أهل البيت عليهم السلام، وحرباً لمن حاربهم، ويحافظ على رسالة جدّه ويتفانى في سبيلها، ويقوّم الأود، ويداوي العمد، ويقيم السنّة، ويكون نقيّ الثوب، قليل العيب يؤدّي إلى اللّه طاعته، ويتّقيه بحقه... لا أن يسير خلف الدعايات الضالّة الكاذبة، ويصافح الشيطان وأعوانه، وزبانيته، ويقوم بوجه رسالات الأئمة عليهم السلام، ويكون حليف الأعداء، والقتلة ومن على شاكلتهم من الناصبين، والغاصبين، والمارقين، والقاسطين، والناكثين:

إذا العلويّ تابع ناصبياً بمذهبه فما هو من أبيه

وكان الكلب خيراً منه طبعاً لأنّ الكلب طبع أبيه فيه

***

الأحاديث في زيارتها عليها السلام:

ومهما يكن من أمر فقد وردت أحاديث جمّة صحيحة، وثابتة وموثوقة عن الأئمة الطاهرين عليهم السلام، في فضل وثواب... زيارة مشهد العقيلة فاطمة المعصومة عليها السلام... وتناقلتها ائمة الحديث والروايات

ص:99

وأدرجوها في مؤلّفاتهم مع تصحيحهم الكامل لأسانيدها، ورجالها وإليك بعضاً من نصوصها:

1 - حدّثني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه(1) عن علي بن إبراهيم بن هاشم(2) عن أبيه(3) عن سعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن زيارة فاطمة بنت موسى عليه السلام قال: «من زارها فلّه الجنّة»(4).

2 - حدّثني أبي وأخي، والجماعة عن أحمد بن إدريس(5) وغيره عن العمركي بن علي البوفكي عمن ذكره عن ابن الرضا عليه السلام قال: «من زار قبر عمّتي بقم فله الجنّة»(6).

ص:100


1- (1) أبو الحسن القمي المتوفى (329 ه) الفقيه له تصانيف كثيرة تبلغ مائة كتاب. نوابغ الرواة: 185، رجال النجاشي: 184، الفوائد الرضوية: 280، هدية العارفين 678:1، منتهى المقال: 213، تأسيس الشيعة: 280، جامع الرواة 574:1، ابن النديم: 291، فهرست الطوسي: 119، مستدرك الوسائل 527:3، لؤلؤة البحرين: 388، مجالس المؤمنين 453:1.
2- (2) أبو الحسن القمي، كان حياً إلى عام (307 ه) محدّث مفسر فقيه وله ثلاثة بنين كلهم من أصحاب الحديث. نوابغ الرواة: 167، معجم الأُدباء 215:12، رجال النجاشي: 183، تنقيح المقال 260:2، هدية العارفين 678:1.
3- (3) أبو إسحاق الكوفي كان حياً قبل (203 ه) فقيه محدّث قيل انّه لقى الإمام الرضا عليه السلام وله تصانيف. فهرست الطوسي: 4، منتهى المقال: 28، جامع الرواة 38:1، رجال النجاشي: 12.
4- (4) مستدرك الوسائل 227:3، أنوار المشعشعين 11:1، 111، البحار 267:102، كامل الزيارات: 324، تاريخ قم: 215.
5- (5) أبو علي أحمد بن إدريس بن أحمد الأشعري القمي المتوفى (306 ه) له تآليف، وهو من كبار مشايخ الإمامية. نوابغ الرواة: 19، فهرست الطوسي: 26، ايضاح المكنون 346:2، منهج المقال: 38، لسان الميزان 136:1، أعيان الشيعة 56:8.
6- (6) سفينة البحار 376:2، كامل الزيارات: 324.

3 - حدّثنا أبي، ومحمد بن موسى بن المتوكل رضى الله عنه، قالا: حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن سعد بن سعد قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن زيارة فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهما السلام، فقال: «من زارها فله الجنّة»(1).

4 - الحسن بن محمد بن الحسن القمي، في تاريخ قم روى عدّة من أهل الري أنّهم دخلوا على أبي عبد اللّه عليه السلام، وقالوا نحن من أهل الري، فقال عليه السلام: «مرحباً باخواننا من أهل قم»، فقالوا: نحن من أهل الريّ، فأعاد عليه السلام الكلام، قالوا ذلك مراراً وأجابهم بمثل ما أجاب به، فقال عليه السلام: «إنّ للّه حرماً وهو مكة، وإنّ للرسول صلى الله عليه و آله حرماً وهو المدينة، وإنّ لأمير المؤمنين عليه السلام حرماً وهو الكوفة، وإنّ لنا حرماً وهو بلدة قم وستدفن فيها امرأة من ولادي تسمّى فاطمة فمن زارها، وجبت له الجنّة».

قال الراوي: وكان هذا الكلام منه عليه السلام قبل أن يولد الكاظم عليه السلام(2).

5 - حدّث علي بن إبراهيم عن أبيه عن سعد عن علي بن موسى الرضا عليه السلام، قال: يا سعد عندكم لنا قبر، قلت له جعلت فداك قبر فاطمة بنت موسى عليهما السلام؟ قال: «نعم، من زارها عارفاً بحقّها فله الجنّة»(3).

ص:101


1- (1) المصدر السابق.
2- (2) سفينة البحار 446:2، مستدرك الوسائل 227:2، البحار 267:102 الطبعة الجديدة.
3- (3) بحار الأنوار 299:102، سفينة البحار 446:2.

6 - وفي رواية عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام انّه قال: «انّ زيارتها تعادل الجنّة»(1).

هذا إلى غيره من الأحاديث الواردة في فضيلة وثواب زيارة مشهد العقيلة فاطمة... وقد أجمعت فقهاء، وعلماء الإمامية على فضيلة زيارة قبور أولاد الأئمة الأطهار صلوات اللّه عليهم، فقال شيخ الطائفة المفيد البغدادي رضى الله عنه في كتابه (المزار) الزيارة الأُولى، لأولاد الأئمة عليهم السلام.

تعظيم الأئمة بزيارتهم:

ثمّ اعلم أنّ المشاهد المنسوبة إلى أولاد الأئمة الهادية والعترة الطاهرة، وأقاربهم صلوات اللّه عليهم، يستحب زيارتها، والإلمام بها فإنّ في تعظيمهم تعظيم الأئمة وتكريمهم، والأصل فيهم الإيمان...

والصلاح، إلى أن يعلم منهم خلافهما، كجعفر الكذّاب، وأضرابه لكن المعلوم حاله من بينهم بالجلالة، والمعروف بالنبالة كجعفر بن أبي طالب عليه السلام، المدفون بمؤتة، وفاطمة بنت موسى عليهما السلام المدفونة بقم، وعبد العظيم الحسني رضى الله عنه، المقبور بالريّ، وعلي بن جعفر عليهما السلام المدفون بقم وجلالته أشهر من أن يحتاج إلى البيان، وأمّا كونه مدفوناً في قم فغير مذكور في الكتب المعتبرة لكن أثر قبره الشريف موجود قديم، وعليه اسمه مكتوب.

ص:102


1- (1) سفينة البحار 446:2، عيون أخبار الرضا عليه السلام 271:2.

وكذا يستحب زيارة المراقد المنسوبة إلى الأنبياء عليهم السلام كإبراهيم، وإسحاق ويعقوب، وذي الكفل، ويونس وغيرهم صلوات اللّه عليهم أجمعين، وكذا يستحبّ زيارة كلّ من يعلم فضله، وعلوّ شأنه ومرقده ورمسه من أفضل صحابة النبي صلى الله عليه و آله كسلمان وأبي ذر والمقداد وعمار وحذيفة وجابر الأنصاري، وكذا أفاضل أصحاب كلّ من الأئمة عليهم السلام المعلوم حالهم من كتب الرجال كميثم التمار، ورشيد الهجري، وقنبر، وحجر بن عدي، وزرارة، ومحمد بن مسلم، وبريد، وأبي بصير، والفضيل بن يسار، وأمثالهم مع العلم بموضع قبرهم. وكذا المشاهير من محدّثي الشيعة وعلمائهم الحافظين لآثار الأئمة الطاهرين، وعلومهم، كالمفيد، والشيخ الطوسي، والسيدين الجليلين المرتضى والرضي، والعلّامة الحلي، وغيرهم رضي اللّه عنهم(1).

مزار السيّدة فاطمة عليها السلام:

عقد العلّامة المجلسي محمد باقر في كتابه الكبير (البحار) باباً في زيارة فاطمة بنت موسى عليهما السلام، وقد سبقه إليه الشيخ المفيد، في كتابه (المزار) وغيرهما من فطاحل علماء الإمامية وأثبتوا لها زيارة خاصّة نقلاً عن الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام، فقال:

أقول: رأيت في بعض كتب الزيارات، حدّث علي بن إبراهيم عن أبيه عن سعد، عن علي بن موسى الرضا عليه السلام، قال، قال:

ص:103


1- (1) البحار 299:102.

«يا سعد عندكم لنا قبر؟» قلت: جعلت فداك، قبر فاطمة بنت موسى عليهما السلام... قال: «نعم، من زارها عارفاً بحقّها فله الجنّة».

قبرها الشريف:

بعد أن ثوت العالمة المحدّثة فاطمة... في مثواها الأخير... وأودعت في تربتها المقدّسة أصبحت روضتها محطّ انظار العترة الطاهرة من أبناء علي والزهراء عليهما السلام بشتى جماعاتهم يقصدون زيارتها، والتبرّك بمرقدها من كلّ صوب، وحدب وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على مكانة السيّدة المعصومة... لدى الذريّة الطاهرة، وما كانت عليها من المنزلة السامية والمقام الرفيع عند الأئمة عليهم السلام، كما أسلفنا القول عنها في الفصل السابق بالاضافة إلى أنّ بعضاً من سيّدات البيت النبوي وكريمات الصدّيقة الطاهرات فاطمة الزهراء... غادرون أوطانهنّ وجاورن قبرها وأقمن في ضواحي روضتها، واوصين بالدفن إلى جوارها إذا جاء أجلهنّ في يوم ما.

وليس بغريب فإنّ هذه البقعة (قم) تعتبر من الأمصار العلمية والعواصم الفكريّة التي عرف أهلها بالتشيّع ومحبّة أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا... واشتهرت بالموالات لأمير المؤمنين عليه السلام وأولاده الأئمة الهداة المهديين الخلفاء وبالبراءة من أعدائهم، ومناوئيهم، وقاتليهم المتربّعين على اريكة الخلافة الإسلامية بالقوّة والخديعة، وبحكم السيف والنار... منذ وفاة النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله

ص:104

وهنا يذكر لنا الإمام شهاب الدين ياقوت ابن عبد اللّه الحموي الرومي البغدادي قصّة طريفة عند ذكره قم فيقول:

قم مدينة مستحدثة اسلاميّة كبيرة حسنة طيّبة وأهلها كلّهم شيعة امامية فلا يوجد بها سنّي قط، ومن ظريف ما يحكي أ نّه ولّى عليهم وال وكان سنّياً، متشدّداً فبلغه عنهم إنّهم لبغضهم الصحابة الكرام لا يوجد فيهم من اسمه أبو بكر قط ولا عمر فجمعهم يوماً، وقال لرؤسائهم بلغني انّكم تبغضون صحابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وانّكم لبغضكم إيّاهم لا تسمّون أولادكم بأسمائهم وأنا أقسم باللّه العظيم لئن لم تجيئوني، برجل منكم اسمه أبو بكر وعمر ويثبت عندي انّه اسمه لأفعلنّ بكم، ولأصنعنّ فاستمهلوه ثلاثة أيام، وفتشّوا مدينتهم، واجتهدوا فلم يروا إلّارجلاً صعلوكاً حافياً عارياً أحول أقبح خلق اللّه منظراً، اسمه أبو بكر لأنّ أباه كان غريباً استوطنها، فسمّاه بذلك فجاؤا به فشتمهم، وقال: جئتموني بأقبح خلق اللّه تتنادرون عليَّ، وأمر بصفعهم، فقال له بعض ظرفائهم:

أيّها الأمير اصنع ما شئت فإنّ هواء قم لا يجيء منه من اسمه أبو بكر أحسن صورة من هذا فغلبه الضحك وعفا عنهم(1).

البقعة الكريمة:

ومهما يكن من أمر فهذه البقعة الكريمة منذ عام (201 ه) أصبحت محطّ رحال الشيعة الإمامية تقصد للزيارة والتبرّك والتوسّل، والدعاء

ص:105


1- (1) معجم البلدان 398:4.

والاستشفاء، وقضاء الحوائج، وحلّ المشكلات بناء على ما جاء في الأحاديث الصحيحة الثابتة المسندة المتواترة في فضائل زيارتها، وانّها تعدل الجنة، وقد مرّت نصوصها من قبل، ولذلك جاورتها الكثيرات من بنات الزهراء... وذراريها وحين بلوغ أجلهن المحتوم، دفنونهن داخل الروضة إلى جوار العقيلة فاطمة... حسب وصيّتهن... فقد ذكر المؤرّخون، والعلماء أنّ ثلاثة من بنات الإمام الجواد عليه السلام دفنّ داخل الروضة وهنّ: أُم حميدة، زينب، ميمونة.

وهكذا بريهة بنت موسى المبرقع ابن محمد الجواد ابن الإمام علي الرضا عليهم السلام، بالاضافة إلى وصيفتين لهنّ (1).

وفي بعض الروايات نقلاً عن تاريخ (قم) انّ المدفونات من السيّدات الطاهرات مع العقيلة فاطمة... هنّ:

زينب، أُم محمد بنت موسى بن محمد بن علي الرضا عليه السلام، ميمونة، أُم محمد بنات الإمام محمد الجواد عليه السلام، ميمونة، بريهة (بنات موسى المبرقع)، أُم اسحاق مولاة محمد بن موسى المبرقع، أُم حبيب مولاة أبي علي محمد بن أحمد بن الرضا عليه السلام(2).

لذلك ينبغي أن يخاطبهنّ الزائر بعد زيارة العقيلة فاطمة بهذه العبارة ويقول:

ص:106


1- (1) تحفة العالم 62:2، تتمة المنتهى: 208، تاريخ قم: 216، گنجينه آثار قم 393:1، تعليقات نقض 1369:2، سفينة البحار 376:2.
2- (2) أنوار المشعشعين 217:1-219.

السَلامُ عَليكنّ يا بَناتَ رسول اللّه، السَلامُ عَليكنّ وَرَحمَةُ اللّه وَبَركاتُه.

وليس بغريب هذا لأنّ العترة الطاهرة عليهم السلام خشية بطش العباسيين، وفتكهم الذريع ووقيعتهم فيهم كما تحدّثنا في الفصول السالفة اضطرّتهم إلى الفرار واللجوء إلى الأمصار... والبلدان المجاورة، وفي مقدّمتها الجارة الشقيقة المسلمة المؤمنة الشيعية إيران... إذ كان القطر الفذّ الذي عرف بتشيّعه خلال امتداد التاريخ وبموالاته لأمير المؤمنين عليه السلام، وأبنائه الكرام، فاستقبلهم بصدر رحب وحفاوة بالغة وحفظهم في حلّهم وترحالهم فأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.

لهذه البواعث العقائدية، المنبعثة من صميم الواقع وغيرها هاجرت أبناء العترة الطاهرة من مواطنهم، وبلادهم وتوجّهوا إلى إيران وعاشوا بين ظهراني الشعب سعيداً، وفارقوا الدنيا سعيداً إذ لم يكن يومذاك بلد يأويهم، ويضمّهم، ويلفّهم غير إيران... لذلك نجد للمآت والآلآف منهم في عرض البلاد، وطولها مراقد ومزارات يتشرّف الشعب بلثم أعتابها الكريمة في آناء الليل، وأطراف النهار... وتتوسّل وتتضرّع في قضاء حوائجهم بهم إلى اللّه سبحانه وقد وضع بعض العلماء والمحقّقين حول مزارات أولاد العترة الطاهرة والمدفونين في إيران، معاجم على ضوء التحقيق، والبحث والتتبّع العلمي.

هذا وهناك الكثير من أولاد الذريّة النبوية المدفونين في مقابر (قم)

ص:107

بيد أنّ مراقدهم اندرست أثر الحوادث والظروف التي انتابت المدينة سيّما السيول العارمة فهدّمت قبورهم ولم تبق لهم غير الذكر في بطون الكتب.

كيفيّة زيارتها عليها السلام:

فإذا أتيت القبر، فقم عند رأسها مستقبل القبلة، وكبّر أربعاً وثلاثين تكبيرة، وسبّح ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، واحمد اللّه ثلاثاً وثلاثين تحميدة، ثمّ قل:

السَّلامُ عَلى آدَمَ صَِفْوَةِ اللّهِ السَّلامُ عَلى نُوحٍ نَبِيِّ اللّهِ، السَّلامُ عَلى ابْراهيمَ خَليلِ اللّهِ، السَّلامُ عَلى مُوسى كَليمِ اللّهِ، السَّلامُ عَلى عيسى رُوحِ اللّهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللّهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا خَيْرَ خَلْقِ اللّهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا صَفِيَّ اللّهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ، خاتَِمَ النَّبِيّينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا اميرَ الْمُؤْمِنينَ عَلِيَّ بْنَ ابيطالِبٍ، وَصِيَّ رَسُولِ اللّهِ، السَّلامُ عَلَيْكِ يا فاطِمَةُ سَيِّدَةَ نِسآءِ الْعالَمينَ، السَّلامُ عَلَيْكُما يا سِبْطَيْ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، وَسَيِّدَيْ شَبابِ اهْلِ الْجَّنَةِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا عَليَّ بْنَ الْحُسَيْنِ، سَيِّدَ الْعابِدينَ، وَقُرَّةَ عَيْنِ النّاظِرينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ باقِرِ الْعِلْمِ بَعْدَ النَّبِيِّ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصّادِقَ الْبآرَّ الْأَمينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ الطّاهِرَ الطُّهْرَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الرِّضا الْمُرْتَضى، السَّلامُ عَلَيْكَ يا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ التَّقِيَّ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ النَّقِيَّ

ص:108

النّاصِحَ الْأَمينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا حَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، السَّلامُ عَلَى الْوَصيِّ مِنْ بَعْدِهِ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى نُورِكَ وَسِراجِكَ، وَوَلِيِّ وَلِيِّكَ، وَوَصِيِّ وَصِيِّكَ، وَحُجَّتِكَ عَلى خَلْقِكَ، السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ رَسُولِ اللّهِ، السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ فاطِمَةَ وخَديجَةَ، السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ اميرِالْمُؤْمِنينَ، السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ وَلِيِّ اللّهِ، السَّلامُ عَلَيْكِ يا اخْتَ وَلِيِّ اللّهِ، السَّلامُ عَلَيْكِ يا عَمَّةَ وَلِيِّ اللّهِ، السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْكِ عَرَّفَ اللّهُ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَحَشَرَنا في زُمْرَتِكُمْ، وَاَوْرَدَنا حَوْضَ نَبِيِّكُمْ، وَسَقانا بِكَاْسِ جَدِّكُمْ، مِنْ يَدِ عَلِيِّ بْنِ ابيطالِبٍ، صَلَواتُ اللّهِ عَلَيْكُمْ، اسْئَلُ اللّهَ انْ يُرِيَنا فيكُمُ السُّرُورَ وَالْفَرَجَ، وَاَنْ يَجْمَعَنا وِاِيّاكُمْ في زُمْرَةِ جَدِّكُمْ مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَاَنْ لا يَسْلُبَنا مَعْرِفَتَكُمْ، انَّهُ وِلِيٌّ قَديرٌ، اتَقَرَّبُ الَى اللّهِ بِحُبِّكُمْ، وَالْبَرآئَةِ مِنْ اعْدآئِكُمْ، وَالتَّسْليمِ الَى اللّهِ راضِياً بِهِ غَيْرَ مُنْكِرٍ وَلا مُسْتَكْبِرٍ، و عَلى يَقينِ ما اتى بِهِ مُحَمَّدٌ وَبِهِ راضٍ، نَطْلُبُ بِذلِكَ وَجْهَكَ، يا سَيِّدي، اللّهُمَّ وَرِضاكَ وَالدّارَ الْاخِرَةَ، يا فاطِمَةُ اشْفَعي لي في الْجَنَّةِ فَاِنَّ لَكِ عِنْدَ اللّهِ شَاْناً مِنَ الشَّاْنِ، اللّهُمَّ انّي اسْئَلُكَ انْ تَخْتِمَ لي بِالسَّعادَةِ، فَلا تَسْلُبْ مِنّي ما انَا فيهِ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ الاّ بِاللّهِ الْعَلِيِّ الْعَظيمِ، اللّهُمَّ اسْتَجِبْ لَنا وَتَقَبَّلْهُ بِكَرَمِكَ وَعِزَّتِكَ، وَبِرَحْمَتِكَ وَعافِيَتِكَ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ اجْمَعينَ، وَسَلَّمَ تَسْليماً، يا ارْحَمَ الرّاحِمينَ.

***

ص:109

نص آخر لزيارتها عليها السلام:

وفي كتب المزار زيارة أُخرى توجد بروايات معتبرة تزار بها العقيلة فاطمة... وهي:

السَّلامُ عَلى خاتَمِ النَبيين، السَّلامُ عَلى سيدَ المُرسَلين، السَّلامُ عَلى حَبىَ رَبِّ العالمين وَرَحمةُ اللّه وَبَركاتهُ، السَّلامُ عَلى أمير المؤمنين، السَّلامُ عَلى سيّد الوصييّن، السَّلامُ عَلى حُجَّةِ ربِّ العالمين ورحمةُ اللّه وَبَركاتُهُ، السَّلامُ عَلى البَتولِ العَذراء والإنسيةِ الحَوراء بنتَ خِيرَة سَيّدَ الأَنبياء وأُمِّ الأئمةِ النُجَباء، وَحَليلَةِ سيّدِ الأَوصياءِ فاطِمَةِ الزَّهراء سيّدةِ نِساءِ العالَمين وَرَحمةُ اللّهِ وَبَركاتُهُ، السَّلامُ عَلى الإمامين الهَمامين النورين النيرين الطُهرين الطاهِرَين الشهيديَنِ المظلومَين الحسَسَن والحُسَين، سيِّدي شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ والتِسعَةِ المعَصومينَ مِن ذُريَّةِ الحُسين عليهم السلام ورَحمةُ اللّهِ وَبَركاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْكِ يا فاطمةُ يا بنتَ موسى بن جَعفَر وحُجَتّهُ وأمِينهُ ورَحمةُ اللّهِ وَبَركاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْكِ يا فاطمةُ يا أُختَ الرِّضا المُرتضى المُجتبى وَرحمةُ اللّهِ وَبَركاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْكِ أَيّتُها الطاهِرةِ الحَميدةِ البَرَّة الرشيدةِ التقيَّةِ النقيّةِ الرَضيّةِ المَرضيّة وَرحمةُ اللّهِ وبَركاتهُ. أَشهدُ أ نّهم الأئمَةِ الرّاشِدونَ المَهديُّونَ المَعصُومونَ المُكَرَّمونَ المُقرَّبون المُتّقون الصادِقونَ وأَنّ الحَقَّ مَعَهُم وَفِيهِم وَاِليهِم وانَّ مَن والاهُم فَقَد والا اللّهَ وَمَن عاداهُم فَقَد عَادا اللّهَ، أتيتُكِ يا سيّدَتي يا فاطمةُ زائِراً لَكِ عارِفاً بِحَقِّكِ وبِحَقِ أَخيكِ وآباءكِ الأطهارِ طالباً فِكاكَ رَقبتي منَ النّارِ ومُلتَمياً مِنكِ الشفاعَةَ إذا

ص:110

امتازَ الأخيارُ مِنَ الأشرارِ فاشفَعي لِي عِندَ رَبّكِ وعِندَ آباءِكِ الأَبرارِ فإنّكِ مِن أهل بيتِ لا يَخسرِ مَن تولّاهُم وَلا يخيبُ مَن أتاهُم.

اللهمَّ إنّه قَد جائَني الخَبَرَ عَن الصادِقينِ مِن أهل بيتِ نبيكَ عَليهُم أَفضَلِ الصَلاةِ والسَّلامِ أَنَّ مَن زارَ فاطِمةَ بِقُم فَلَهُ الجَنَّة فَها أَنا ذا يا إلهي قَد جِئتُها زائِراً لَها عارفاً بِحقّها فَصلِّ عَلى مُحمّدٍ وآلِ مُحَمّدٍ وانفَعُني بزيارَتها، ولا تَحرمني شَفاعتها، وارزُقني الجنَّة كَما وَعَدتَها إنّكَ على كُلِّ شيءٍ قَدير بِرحمتكَ يا أَرحمَ الرّاحمين(1).

لطمية لفاطمة المعصومة عليها السلام

معصومه.. ماتت غريبه يا دهر معصومه.. واعله الرضه ابضيم وقهر

وا ويلاه وا ويلاه

***

معصومه طلعت بالحزن عالرضه تجري العبره من يم گبر جدها النبي وأُمها الشفيعه الزهره

واليها وسلطان الدهر شاف الظلم من دهره مأمون الغادر صوّبه وآذه الإمام ابعصره

ص:111


1- (1) أنوار المشعشعين 211:1، تاريخ قم: 215.

معصومه.. ابيم الي والدها انسجن معصومه.. متلوعه من المحن

وا ويلاه وا ويلاه

***

مأمون جابه للرضه وعالرضه ظل يتعده ما رحم ضنوة فاطمه والنبي طاها جده

خلّاه عنده بالسجن هالظالم خالف وعده كل گصده يگضي عالرضه حته ابولاية عهده

معصومه.. مشتاگه تبجي للرضه معصومه.. عبرتها ظلت فايضه

وا ويلاه وا ويلاه

***

مأمون الغادر مختلف عن الثاني وفعاله ذاك الحرك دار النبي او هوه الي صوّب آله

صاب الرضه وكل عيلته هوه الفجع لطفاله چن زينب معصومه تون اعله الرضه وغربة حاله

معصومه.. طلعت حزينه وصابره معصومه.. عالرضه تبجي امكدره

وا ويلاه وا ويلاه

***

ص:112

شدّت ظعنها وعنت تگطع صحاري وبلدان رادت لخوها تعتني ويگصد ظعنها اخريسان

لا چنها وبسوط الدرب هجموه عليها العدوان چتلوا اخوتها وسممو معصومه اخت السلطان

معصومه.. اصبح گلبها منفجع معصومه.. چن زينب اتهل الدمع

وا ويلاه وا ويلاه

***

معصومه ماتت بالهظم واعله الرضه واغيابه ماتت وحسرتها بگت مثل الخيم لهابه

17 يوم امن الحزن عالاخو واعله امصابه انصار معصومه اجت ابدمعة حزن سچابه

معصومه.. انصاب الچ يا فاطمه معصومه.. صرختنه تهلل للسمه

وا ويلاه وا ويلاه

***

النعشچ اجينه انشيّعه ابثوب الحزن والعبره ونصيح آيا فاطمه واليوم يوم الزهره

ما ننسه يا أُخت الرضه كسر الضلع والعصره دفانه جينه اويه الرضه ويّه جواد العتره

ص:113

معصومه.. من كربله صوت الخدم معصومه.. خدام شيال العلم

وا ويلاه وا ويلاه(1)

***

ص:114


1- (1) لخادم أهل البيت الشاعر محمد علي النادب حفظه اللّه.

المجلس الرابع: خصائص السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام

اشارة

سال قلبي بحبهم وتحير حبذا العمر بعد ودّ تيسر

فمحا الذنب والشقاء بقلبي وأتى بالرجا رخاءً مظفر

جنة الخلد والنعيم لحبي فاطماً ولدها أباها وحيدر

كلنا يرتجى الشفيع بيوم عُدَّ خمسينألف عام مقدر

وبه الخوف والبكاء عميم وذهول وحيرة تتسعر

واحتضار كالموت يغشى وجوهاً وسعير زفيرها يتفجر

وجموع الأنام ظمئى لهوف ومن الضيم والضنا تتعثر

وهنا يدرك الأنام شعاع وضياء ورحمة تتوفر

والمنادي في الحشر غضواً لتأتي بضعة المصطفى شفيعة محشر

فتنادي المحب هيا تقدم دونك الورد والهناء بكوثر

وعلى الحوض احمدٌ وعلي وشبير وفاطم ثم شبّر

وهنا أندب الحسين وأبكي سيدي بالبتول أُمك أفخر

أنا عبد قد مسني الضر أرجوا منكم الجود بالنعيم أُبشر

ص:115

أتراني أروى لأني محب لكم بالجنان أحظى وأُؤجر

فلكم آل أحمد كل ودي وسلامي لبنت موسى بن جعفر

هلّ يوم بذكره نتعطر فرضاب الأحباب مسك وعنبر

وبه البشر والبشائر تتلو فرج عاجل وأمر سيظهر

يا لذي القعدة المبارك بالفتح وهذي البلاد تحيا وتزهر

بجهاد المعصومة الغر تحكي أُمها الطهر مثل فاطمة تُقهر

لتحامي الإمام من كيد مأمون يوليه ما به يتستر

فانبرت تكشف الحقائق للخلق إذا ما الحقائق الغر تُضمر

فتذوق السم المذاب بصبر واحتساب كزينب السبط تُنصر

يوم هلّت لها الملائك صلّت بولاء على النبي المبشر

هذه البضعة الكريمة حلّت عشّها مأمن بقم لمعشر

كل من زارها يكون حقيقاً بجنان الخلود يهنى ويفخر

ابنة المجد وهو موسى بن جعفر تلك أُخت الرضا علي المطهر

حرم الطهر فاطم ابنة موسى دونه باب حطة الذنب يغفر

فادخل الباب والحوائج تُقضى ثم آنس بنار موسى بن جعفر(1)

***

ص:116


1- (1) لشاعر أهل البيت الشيخ فاضل الفاضلي حفظه اللّه تعالى.

قال الإمام الكاظم عليه السلام في حقها ثلاثاً لما نظر إلى أجوبة مسائلها عليها السلام:

«فداها أبوها»(1)

وقال الإمام الرضا عليه السلام:

«بأن للجنة ثمانية أبواب وأهل قم واحد منها فطوبى لهم ثم طوبى لهم ثم طوبى لهم»(2).

خصائص السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام:

اشارة

نذكر في هذا المجلس بعضاً من خصائصها عليها السلام وإلّا فخصائصها يطول بها المقام ولا يتسع لها هذا الموجز.

فمن خصائصها: الأب والأُم:

فأبوها هو الإمام الكاظم عليه السلام، وهو الإمام السابع من أئمة أهل البيت عليهم السلام، وهو أكمل الناس وأفضلهم.. في عصره.

وأما أُمها فهي السيّدة تكتم عليها السلام ولا بأس بذكر شيء مما يدل على مكانة هذه السيّدة الجليلة.

عن هشام بن أحمر قال: قال لي أبو الحسن الأول عليه السلام:

«هل علمت أحداً من أهل المغرب قدم؟ قلت: لا، قال: (بلى، قد قدم رجل من أهل المغرب المدينة، فانطلق بنا) فركب وركبت معه

ص:117


1- (1) كشف اللئالي لابن العرندس الشاعر المعروف المتوفي عام (840 ه).
2- (2) مجالس المؤمنين: 83/1 عن بحار الأنوار: 215/60.

حتى انتهينا إلى الرجل، فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق، فقلت له: اعرض علينا، فعرض علينا سبع جوار كل ذلك يقول أبو الحسن عليه السلام:

(لا حاجة لي فيها) ثم قال: (اعرض علينا) فقال: ما عندي إلّا جارية مريضة، فقال له: «ما عليك أن تعرضها؟» فأبى عليه، فانصرف. ثم أرسلني من الغد فقال لي: (قل له: كم كان غايتك فيها؟ فإذا قال لك: كذا وكذا، فقل: قد أخذتها) فأتيته فقال: ما كنت أريد أن أنقصها من كذا وكذا، فقلت: قد أخذتها. قال: هي لك، ولكن أخبرني من الرجل الذي كان معك بالأمس؟ قلت: رجل من بني هاشم، قال: من أي بني هاشم؟ فقلت: ما عندي أكثر من هذا. فقال:

أخبرك أني اشتريتها من أقصى المغرب، فلقيتني امرأة من أهل الكتاب فقالت: ما هذه الوصيفة معك؟ قلت: اشتريتها لنفسي، فقالت: ما ينبغي أن تكون هذه عند مثلك، إن هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض، فلا تلبث عنده إلّاقليلاً حتى تلد غلاماً لم يولد بشرق الأرض ولا غربها مثله. قال: فأتيته بها فلم تلبث عنده إلّاقليلاً حتى ولدت الرضا عليه السلام»(1).

ونقل المحدّث القمي أ نّه عليه السلام لمّا ابتاعها (أي تكتم) جمع قوماً منأصحابه ثمّ قال: واللّه ما اشتريت هذه الأُمة إلّابأمر اللّه(2).

ص:118


1- (1) الإرشاد للشيخ المفيد 254:2-255.
2- (2) منتهى الآمال 406:2.

قال في دلائل الإمامة في ذكر ولد الإمام موسى الكاظم عليه السلام: «علي الإمام الرضا وفاطمة لأُم.

والعباس وإبراهيم والقاسم لأُمهات شتى.

وإسماعيل...»(1).

فإذن تختص السيّدة المعصومة عليها السلام بأنها الشقيقة الوحيدة للإمام الرضا عليه السلام، دون بقية اخوانها وأخواتها، كما صرح بذلك الطبري في دلائل الإمامة.

فالسيّدة المعصومة عليها السلام هي زهرة من هذه الشجرة المباركة، وقد حظيت بما حي به الإمام الرضا عليه السلام في هذا الجانب.

من خصائصها: اللّه اختار اسمها:

روي عن عدّة من أهل الري أنهم دخلوا على أبي عبد اللّه عليه السلام، وقالوا: نحن من أهل الري. فقال: (مرحباً باخواننا من أهل قم)! فقالوا: نحن من أهل الري! فأعاد الكلام، قالوا ذلك مراراً وأجابهم بمثل ما أجاب به أولاً، فقال: «إن للّه حرماً وهو مكة، وإن للرسول حرماً وهو المدينة، وإن لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة، وإن لنا حرماً وهو بلدة قم، وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمى فاطمة، فمن زارها وجبت له الجنة».

قال الراوي: وكان هذا الكلام منه قبل أن يولد الكاظم عليه السلام(2).

ص:119


1- (1) دلائل الإمامة: 148.
2- (2) بحار الأنوار للعلامة المجلسي 216:57-217.

وروى القاضي نور اللّه التستري (قدس اللّه روحه) في كتاب «مجالس المؤمنين» عن الصادق عليه السلام أنه قال: «إن للّه حرماً وهو مكة، ألا إن لرسول اللّه حرماً وهو المدينة، ألا وإن لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة، ألا وإن قم الكوفة الصغيرة، ألا إن للجنة ثمانية أبواب، ثلاثة منها إلى قم، تقبض فيها امرأة من ولدي اسمها فاطمة بنت موسى، وتدخل بشفاعتها شيعتي الجنة بأجمعهم»(1).

فهذا الكلام من الإمام الصادق عليه السلام قبل ولادة السيّدة المعصومة عليها السلام، بل قبل ولادة الإمام الكاظم عليه السلام كما نص عليه الراوي في الرواية الأُولى، مما يدلنا على أن اللّه تعالى أولى عناية بهذه السيدة الجليلة، فاختار اسمها وأخبر به الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله الذي أبلغه إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حتى وصل إلى الإمام الصادق عليه السلام الذي أخبر به. فهي بذلك شابهت جدتها الزهراء عليها السلام في الاسم، وفي اختيار الاسم من قبل اللّه تعالى، كما اختار اللّه تعالى اسم جدتها الزهراء عليها السلام.

من خصائصها: منحها أعلى الأوسمة:

(فداها أبوها)، كلمة عظيمة، وتزداد عظمتها إذا كان هذا الأب هو المعصوم، الإمام الكاظم عليه السلام، فهو يفدّي نفسه لابنته المعصومة عليها السلام، فعن كتاب كشف اللئالي لابن العرندس الحلي: أن جمعاً من الشيعة قصدوا بيت الإمام موسى بن جعفر عليه السلام للتشرّف بلقائه والسلام عليه، فأُخبروا

ص:120


1- (1) بحار الأنوار للعلّامة المجلسي 228:57.

أن الإمام عليه السلام خرج في سفر، وكانت لديهم عدّة مسائل فكتبوها، وأعطوها للسيدة فاطمة المعصومة عليها السلام ثم انصرفوا.

وفي اليوم التالي - وكانوا قد عزموا على الرحيل إلى وطنهم - مرّوا ببيت الإمام عليه السلام، ورأوا أن الإمام عليه السلام لم يعد من سفره بعد، ونظراً إلى أ نّه لابدّ لهم أن يسافروا طلبوا مسائلهم على أن يقدموها للإمام عليه السلام في سفر آخر لهم للمدينة، فسلّمت السيّدة فاطمة عليها السلام المسائل إليهم بعد أن كتبت أجوبتها، ولمّا رأوا ذلك فرحوا وخرجوا من المدينة قاصدين ديارهم.

وفي أثناء الطريق التقوا بالإمام الكاظم عليه السلام وهو في طريقه إلى المدينة، فحكوا له ما جرى لهم فطلب إليهم أن يروه تلك المسائل، فلمّا نظر في المسائل الشرعية وأجوبتها، ووقف على صحة ما أجابت به السيّدة فاطمة المعصومة على تلك المسائل أعجبه ذلك فقال تأييداً لها واكراماً بها فداها أبوها وهو يكرّرها ثلاث مرات(1).

وهذه الحادثة تذكرنا بما قاله النبي الأكرم صلى الله عليه و آله للصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام، فقد نقلت كتب التأريخ هذه الحادثة، فعن البحار عن محمد بن قيس قال: كان النبي صلى الله عليه و آله إذا قدم من سفر بدأ بفاطمة عليها السلام، فدخل عليها، فأطال عندها المكث، فخرج مرّة في سفر، فصنعت فاطمة عليها السلام مسكتين من ورق وقلادة وقرطين وستراً لباب البيت، لقدوم أبيها وزوجها عليها السلام، فلما قدم رسول اللّه صلى الله عليه و آله، دخل عليها، فوقف أصحابه

ص:121


1- (1) كريمة أهل البيت عليهم السلام: 63-64. كشف اللئالي لابن العرندس المتوفي عام (840 ه).

على الباب لا يدرون يقفون أو ينصرفون لطول مكثه عندها، فخرج عليهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وقد عرف الغضب في وجهه، حتى جلس عند المنبر، فظنت فاطمة عليها السلام أنه إنما فعل ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله لما رأى من المسكتين والقلادة والقرطين والستر، فترعت قلادتها وقرطيها ومسكتيها: ونزعت الستر، فبعثت به إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقالت للرسول:

قل له: (تقرأ عليك ابنتك السلام، وتقول: اجعل هذا في سبيل اللّه)، فلما أتاه قال: (فعلت فداها أبوها «ثلاث مرات»، ليست الدنيا من محمد ولا من آل محمد، ولو كانت الدنيا تعدل عند اللّه من الخير جناح بعوضة ما أسقى فيها كافراً شربة ماء)، ثمّ قام فدخل عليها(1).

من خصائصها: أنها المعصومة:

من أشهر ما تعرف به السيّدة فاطمة بنت الإمام الكاظم عليه السلام أنها المعصومة، وتستفاد عصمتها من وجوه، أهمها:

1 - من الإمام الرضا عليه السلام حيث قال: «من زار المعصومة بقم (كان) كمن زارني»(2).

2 - مجيء الإمامين الرضا والجواد عليهما السلام لتجهيز ودفن هذه السيّدة الجليلة دليل واضح على عصمتها. وقد مرّ عليك ذلك.

3 - السيرة المستمرة بين العلماء والمؤمنين منذ زمان الأئمة المعصومين عليهم السلام حيث ذكر الجميع أن لقبها المعصومة...

ص:122


1- (1) بحار الأنوار للعلّامة المجلسي 20:43.
2- (2) ناسخ التواريخ 337:7، نقلاً عن كتاب: سيدة عش آل محمد.

4 - ما ذكره المحدّث النوري في دار السلام حيث قال: ومن آيات اللّه العجيبة التي تطهر القلوب عن رجز الشياطين، أ نّه في أيام مجاورتنا في بلد الكاظمين عليهما السلام، كان رجل نصراني ببغداد يسمّى يعقوب، عرض له مرض الاستسقاء، فرجع إلى الاطباء فلم ينفعه علاجهم، واشتد به المرض وصار نحيفاً ضعيفاً إلى أن عجز عن المشي.

قال: وكنت اسأل اللّه تعالى مكرراً الشفاء أو الموت، إلى أن رأيت ليلة في المنام - وكان ذلك في حدود الثمانين بعد المائتين والألف وكنت نائماً على السرير - سيداً جليلاً، نورانياً طويلاً، حضر عندي فهزّ السرير، وقال: (ان اردت الشفاء فالشرط بيني وبينك أن تدخل بلد الكاظمين عليهما السلام وتزور، فانك تبرء من هذا المرض)، فانتهبت من النوم وقصصت روياي على أُمي، فقالت: هذه من الشياطين، وأتت بالصليب والزنار وعلقتهما عليّ، ونمت ثانياً فرأيت امرأة منقّبة عليها ازارها(1) فهزّت السرير وقالت: «قُم فقد طلع الفجر، ألم يشترط عليك أبي ان تزوره فيشفيك؟» فقلت: ومن أبوك؟

قالت: «الإمام موسى بن جعفر عليه السلام». فقلت: ومن أنتِ؟

قالت: «أنا المعصومة اخت الرضا عليه السلام».

فانتبهت متحيراً من أمري، ما اصنع؟ وأين أذهب؟

فوقع في قلبي أن أذهب إلى بيت السيّد الراضي البغدادي الساكن في

ص:123


1- (1) المقصود حجابها.

محلة الرواق منه، فمشيت إليه، فلما دققت الباب، نادى: من أنت؟ فقلت: افتح الباب.

فلما سمع صوتي نادى بنته: افتحي الباب، فإنه نصراني يريد أن يدخل في الإسلام.

فقلت له بعد الدخول: من أين عرفت ذلك؟

فقال: أخبرني بذلك جدي عليه السلام في النوم، فذهب بي إلى الكاظمين عليهما السلام وادخل بي على الشيخ الأجل الشيخ عبد الحسين الطهراني اعلى اللّه مقامه، فحكيت له القصة، فأمر بي أن يذهب إلى الحرم المطهر، فذهبوا بي إليه وطافوا بي حول الشباك ولم يظهر لي أثر.

فلما خرجت منه تألّمت هنيئة وعرض لي عطش، فشربت الماء فعرض لي اختلاط فوقعت على الأرض، فكأنه كان على ظهري جبل فحطّ عني وخرج نفخ بدني وبدّل اصفرار وجهي إلى الحمرة ولم يبق فيَّ أثر من المرض، فرجعت إلى بغداد لآخذ مؤونتي من مالي، فاطلع أهلي وأقاربي؛ فأخذوني واذهبوا بي إلى بيت فيه جماعة فيها أُمي، فقالت لي: سود اللّه وجهك ذهبت وكفرت، فقلت: ترين ما بقى من مرضي أثر؟ فقالت: هذا من السحر، ونظر سفير الدولة الإنكليزية إلى عمي، وقال: ائذن لي أن أُودبه فإنه قد كفر اليوم، وغداً يكفر جميع طائفتنا، فأمر بي فجردوني واضجعوني وضربوني بالآلة المعروفة بقرپاچ، وهو مشتمل لشعب من السيم الموضوعة على رأسه شبه الابر، فجرى الدم من أطراف بدني ولكن لم يؤثر فيه من جهة الوجع والألم، إلى أن

ص:124

أوقعت أُختي نفسها عليَّ فكفّوا عني وقالوا لي: اقبل على شأنك، فرجعت إلى الكاظمين عليهما السلام ودخلت على الشيخ المعظم، فلقّنني الشهادتين وأسلمت على يديه، فلما كان وقت العصر بعث المتعصّب العنيد (نامق پاشا) رسولاً إلى الشيخ ومعه كتاب فيه: أن رجلاً أتى إليك ليسلم، وهو من رعايانا وتبعة الافرنج، فلابد ان يسلم عند القاضي، فأجابه: أن الذي ذكرته أتى عندي، ثم ذهب لشأنه، وأخفاني وبعثني إلى كربلا، واختتنت هناك، وزرت المشهد الغروي ورجعت، ثم ابعثني مع رجل صالح من أهل اصطهبانات من توابع شيراز إلى العجم، وكنت في القرية المذكورة سنة.

فلما دخلت بلد الكاظم عليه السلام تحرك في عرق الرحم، واشتقت إلى لقائهم، وذكرت ذلك للشيخ الأجل الأفقه الشيخ محمد حسن الكاظمي المدعو بياسين جعله اللّه في درعه الحصين فمنعني، وقال: اخاف أن يلزموك فاما أن تعذّب أو ترجع إلى النصرانية، فرجعت عن قصدي ورأيت في تلك الليلة في النوم كأني في بريّة واسعة مخضّرة من النبات وفيها جماعة من السادة وكان رجل واقف فيها، فقال لي: لم لا تسلّم على نبيّك؟ فسلّمت عليهم فقال لي أحد السيّدين اللذين كانا مقدّمين على جمعيهم: أتحب أن ترى أباك؟ فقلت: نعم فقال لذلك الرجل:

اذهب به إلى أبيه ليراه، فاذهب بي فرأيت جبلاً مظلماً يستقبلني، فلما قرب مني استحرّ الهواء، فصار مثل الصيف، وارتفع صوت وفتح منه باب صغير يشتعل ناراً يصيبني شررها، وأسمع من داخله صياح انسان

ص:125

وكان أبي، فاستوحشت فردّني إلى السادة، وكانوا يضحكون عليَّ، وقالوا: أتريد أباك بعد هذا؟ فقلت: لا ثم أمروا بي أن اغتمس في حياض كانت هناك وهي سبعة؛ فاغتمست بأمرهم في كل واحد منها ثلاث مرات، ثم أتى لي بثياب بيض فلبستها، وانتبهت من النوم، فرأيت بدني يحك وخرجت من محلّ كلها دماميل كبار، وذكرت ذلك للشيخ الأجل، فقال: ذلك مما في بدنك من لحم الخنزير، وأثر الخمر، يريد اللّه أن يطهرك منه لما أسلمت، وكان يخرج منها القروح إلى أُسبوع وانصرف عن عزمه زيارة أهله ورجع إلى محل هجرته وتزوّج فيه، واشتغل بذكر قراءة مصايب أبي عبد اللّه عليه السلام وهو الآن به(1).

5 - ما نقله آية اللّه السيّد محمود المرعشي، والد آية اللّه العظمى السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي، أ نّه كان يريد معرفة قبر الصديقة الزهراء عليها السلام، وقد توسّل إلى اللّه تعالى من أجل ذلك كثيراً، حتى أ نّه دأب على ذلك أربعين ليلة من ليالي الأربعاء من كل أُسبوع في مسجد السهلة بالكوفة، وفي الليلة الأخيرة حظي بشرف لقاء الإمام المعصوم عليه السلام، فقال له الإمام عليه السلام: «عليك بكريمة أهل البيت»، فظنّ السيّد محمود المرعشي أن المراد بكريمة أهل البيت عليهم السلام هي الصديقة الزهراء عليها السلام، فقال للإمام عليه السلام: جعلت فداك إنّما توسّلت لهذا الغرض، لأعظم بموضع قبرها، وأتشرّف بزيارتها، فقال عليه السلام: مرادي من كريمة أهل البيت قبر السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام في قم.

ص:126


1- (1) دار السلام 169:2-171 نقلاً عن كتاب فاطمة المعصومة قبس من أشعة الزهراء.

وهذه الخصيصة، وهذا اللقب قد كان مسلّماً عند الجميع حتى أصبح كالعلم، بل علماً على السيّدة فاطمة بنت الإمام الكاظم عليه السلام.

من خصائصها: قبرها قبر جدتها الزهراء عليها السلام:

شاءت الحكمة الإلهية أن يبقى قبر السيّدة الزهراء عليها السلام مخفياً، مغيّباً عن الناس، وقد عوّض اللّه تعالى المؤمنين المشتاقين لزيارة قبر بضعة الرسول صلى الله عليه و آله والاستفادة من فيوضاته وبركاته، بقبر السيّدة المعصومة عليها السلام، فقد نقل السيّد محمود المرعشي، عن أبيه آية اللّه العظمى السيّد شهاب الدين، عن جدّه آية اللّه السيّد محمود المرعشي، أ نّه كان يريد معرفة قبر الصدّيقة الزهراء عليها السلام، وقد توسّل... وقد مرت عليك الحادثة، إلّاأن في آخرها أنّ الإمام عليه السلام قال: «إنّ اللّه تعالى قد جعل قبر الصديقة الزهراء من الأسرار، وقد اقتضت الإدارة الإلهية تبعاً لبعض المصالح أن يكون قبرها مخفياً، لا يطّلع على موضعه أحد من الناس، فلا يمكن الإخبار عنه، ولكن جعل اللّه قبر السيّدة فاطمة المعصومة موضعاً يتجلّى فيه قبر الصديقة الزهراء عليها السلام، وإن ما قدّر لقبر الصديقة الزهراء عليها السلام من الجلال والعظمة والشأن - لو كان معلوماً ظاهراً - قد جعله اللّه تعالى لقبر السيّدة المعصومة».

وعلى إثر ذلك عزم السيّد محمود المرعشي على السفر من النجف الأشرف إلى قم لزيارة كريمة أهل البيت عليهم السلام(1).

ص:127


1- (1) كريمة أهل البيت عليهم السلام: 43-45 وسيدة عش آل محمد صلى الله عليه و آله: 37-38.

من خصائصها: أنها من أصحاب الشفاعة:

(يا فاطمة اشفعي لي في الجنة...) هكذا ورد في زيارتها على لسان أخيها الإمام الرضا عليه السلام، وهو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلّاوحي يوحى.

ولا نتصور أن شفاعتها كشفاعة بقية المؤمنين، حيث ورد أن المؤمن يشفع يوم القيامة، وإنما شفاعتها من نوع خاص وهي أشبه بشفاعة آبائها وأجدادها عليهم السلام ولتقريب الفكرة استمع إلى هذه الرواية.

عن الصادق عليه السلام أنه قال: «إنّ للّه حرماً وهو مكة، ألا إن لرسول اللّه صلى الله عليه و آله حرماً وهو المدينة، ألا وإن لأمير المؤمنين عليه السلام حرماً وهو الكوفة، ألا وإن قم الكوفة الصغيرة، ألا إن للجنة ثمانية أبواب، ثلاثة منها إلى قم، تقبض فيها امرأة من ولدي اسمها فاطمة بنت موسى، وتدخل بشفاعتها شيعي الجنة بأجمعهم»(1).

فشفاعة السيّدة المعصومة عليها السلام من الشفاعات الشاملة، حيث إنها تشمل جميع الشيعة.

رأى شخص في المنام السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام فتقدم نحوها، وسلّم عليها، ثم استأذنها في السؤال، فأذنت له، فقال متسائلاً: هل صحيح ما ينقل عنكم من أنكم تشفعون عند اللّه لأهل قم؟

فقالت السيّدة المعصومة عليها السلام في جوابه: إن الذي يشفع لأهل قم هو الميرزا القمي صاحب القوانين، وأما أنا فإني أشفع لأهل العالم.

ص:128


1- (1) بحار الأنوار للعلامة المجلسي 228:57.

ونقل عن الثقات أ نّه في سنة (1295 ه) تعرّضت أطراف مدينة قم المقدّسة ونواحيها لجدب وجفاف، كاد يؤدي بحياة المواشي السائمة من أغنام وغيرها، ولم يرَ أهالي المنطقة حلاً لهذه المشكلة أفضل من التوسل بالسيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام لتشفع لهم عند اللّه بإرسال الغيث والخصب، فاختاروا من بينهم أربعين رجلاً من المعروفين بالصلاح والسداد، وبعثوهم إلى قم المقدّسة، ليأتوا إلى روضة السيّدة المعصومة عليها السلام ويتوسلوا بها، ويشفعوها إلى اللّه تعالى في إرسال المطر عليهم، وتبديل الجدب إلى الخصب.

جاء الوفد المذكور، ولجأوا إلى روضة السيّدة المعصومة عليها السلام، وتحصنوا فيها ثلاثة أيام، وفي الليلة الثالثة رأى أحدهم الميرزا القمي - المرجع الكبير المعروف بصاحب القوانين - في المنام، وهو يقول:

لماذا تحصنتم في هذا المكان الشريف؟

فيقول له: لقد ابتليت مناطقنا بالجدب والجفاف لعدم هطول الأمطار، مما أدى إلى تضرر مواشينا وأنعامنا، وتعرضها للهلاك، فجئنا لنتوسل بالسيّدة المعصومة عليها السلام لتشفع لنا عند اللّه في نزول الأمطار، وخصب أراضينا وانتعاش مواشينا وأنعامنا.

فرد عليه الميرزا القمي في المنام قائلاً: ولهذا جئتم وتحصنتم؟ فيقول الرجل: نعم.

فيجيب الميرزا القمي وبمسامحة تامة: هذه ليست بحاجة مهمة، وهية مقدورة لنا، وفي مجال شفاعتنا بإذن اللّه تعالى، فإذا حصلت لكم

ص:129

حوائج كهذه فارجعوا فيها إلينا. نعم لو كنتم تطلبون شفاعة العالم بأسره، ففي ذلك الوقت توسلوا بالسيّدة المعصومة عليها السلام الشفيعة إلى اللّه في يوم الجزاء.

ونقل عن الثقات أنّ المحدّث الشيخ عباس القمي صاحب كتاب مفاتيح الجنان، كان يصعد المنبر بدعوة خاصة من تجار قم وكسبتها، وذلك في السوق الكبير وسط مدينة قم، وبمناسبة عزاء الفاطمية - أيام استشهاد السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام - قص ذات ليلة وهو على المنبر القصّة التالية:

قال: رأيت ذات ليلة، العالم النحرير، والشيخ الكبير الميرزا القمي - صاحب القوانين - في عالم الرؤيا فتقدمت إليه وسألته بتلهف وتواضع قائلاً: هل صحيح أنّ شفاعة أهل قم بيد السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام من عند اللّه تعالى؟

قال: وما إن تم كلامي حتى نظر إليّ الميرزا القمي نظر تعجب واستغراب، وقال: شفاعة أهل قم بيدي، وأما فاطمة المعصومة فشفاعتها لأهل العالم.

من خصائصها: حازت مرتبة الشهادة:

نقل العلّامة المجلسي قدس سره في زيارة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام:

(...، السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة...)(1)، فالزهراء عليها السلام شهيدة،

ص:130


1- (1) بحار الأنوار للعلّامة المجلسي 195:97.

وحازت مرتبة الشهادة، وكذلك السيّدة المعصومة عليها السلام فقد حازت مرتبة الشهادة، خصوصاً إذا عرفنا ما جرى عليها وعلى قافلتها من جيش الأعداء، حتى نقل أنها قد أُصبيت في تلك الحادثة، أو ما نقل أ نّها عليها السلام قُدمّ لها السم وهي في ساوة، فمرضت مرضها الذي توفيت فيه، فقد شابهت جدتها الزهراء عليها السلام، في ما تعرضت له من الظلم، وفي حصولها على درجة الشهادة.

من خصائصها: تجهيز المعصوم عليه السلام لها:

ورد في بحار الأنوار: أ نّه «لما توفيت فاطمة رضي اللّه عنها وغُسّلت وكُفّنت حملوها إلى مقبرة (بابلان) ووضعوها على سرداب حفر لها، فاختلف آل سعد في من ينزلها إلى السرداب، ثم اتفقوا على خادم لهم صالح كبير السنّ، يقال له (قادر).

فلما بعثوا إليه رأوا راكبين مقبلين من جانب الرملة وعليهما لثام، فلمّا قربا من الجنازة نزلا وصلّيا عليها، ثمّ نزلا السرداب، وأُنزلا الجنازة، ودفناها فيه، ثمّ خرجا، ولم يكلّما أحداً وركبا ولم يدر أحد من هما»(1).

وقد مر عليك عند الحديث عن وفاتها وتجهيزها توضيح ذلك، وهذا من خصائصها، ولا شك.

من خصائصها: مكانها حرم أهل البيت:

ولا نطيل عليك الكلام في هذه النقطة، فقد مر عليك ما نقلناه عن الإمام الصادق عليه السلام من أن قم هي حرم أهل البيت عليهم السلام، وأنه ستدفن فيها

ص:131


1- (1) بحار الأنوار للعلّامة المجلسي 290:48.

ابنته فاطمة بنت موسى عليهما السلام، فمكانها هو حرم أهل البيت عليهم السلام، كل أهل البيت، وهي التي شرّفت هذا المكان بقدومها إليه.

من خصائصها: زيارة المهدي عليها السلام لها:

ومما يدل أيضاً على عظمة هذه السيدة الجليلة علاقة الإمام المهدي أرواحنا لتراب مقدمه الفداء بهذه السيّدة العظيمة، ففي مذكرات آية اللّه العظمى الشيخ مرتضى الحائري نجل مؤسس الحوزة العلمية بقم المقدّسة آية اللّه العظيم الشيخ عبد الكريم الحائري ما مضمونه:

«أنه لم يكن يرتضي ما يقوم به بعض العلماء والفقهاء وأهل التحقيق والتدقيق عند زيارة السيّدة المعصومة عليها السلام، من الوقوف عند رأسها واستقبال القبلة، ثم البدء في السلام والتحية، وقراءة المأثور من زيارتها عليها السلام. وذلك لأن السلام عادة وعرفاً يكون عند استقبال ومواجهة من يريد الإنسان السلام عليه، لا أن يقف على رأسه مستقبلاً القبلة، حيث يكون الجسد الطاهر على يسار الإنسان.

مضافاً إلى أن الصندوق المبارك الموضوع على القبر الشريف يكون منحرفاً باتجاه اليمين، وليس بحسب وضع الشباك المنير، مما يؤدي إلى أن يكون الرأس الشريف خلف ظهر الزائر الواقف في هذا الاتجاه حين الاشتغال بالسلام وقراءة الزيارة.

لذلك كله لم يرتض الشيخ ما يقوم به بعض الخواص من زوارها عليها السلام، لكنه يرى ذات ليلة في المنام أنه قد تشرّف إلى زيارة السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام، وإذا به يرى قدوم ثلاثة رجال عليهم الهيبة والوقار،

ص:132

يتوسطهم من يشار إليه بأنه الإمام المهدي صاحب العصر والزمان صلوات اللّه وسلامه عليه، ثم يأتون حتى يقفون خلف الشباك المبارك، مما يلي الرأس، مستقبلي القبلة، ويبدو أنه بزيارة السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام، لكنه لم يسمع عبارة الزيارة وألفاظها.

وعند انتباهه من النوم يراجع أسناد الزيارة المأثورة عن الإمام الرضا عليه السلام، والتي تزار بها السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام، فيرى أن الإمام الرضا عليه السلام يوصي سعداً بأن يقف للزيارة عند رأسها مستقبل القبلة، وعلى نهج ما رآه في المنام من زيارة الإمام المهدي عجل اللّه تعالى فرجه الشريف لها عليها السلام»(1).

هذا بالاضافة إلى ما ورد من الحث على زيارتها عليها السلام من قبل الأئمة عليهم السلام، والكثير من المشاهدات والمكاشفات والكرامات التي حصلت منه عليه السلام في قم المقدّسة، وفي مسجد جمكران، فلذا يكون من المقطوع بحضور الإمام عليه السلام لزيارتها.

الحث على زيارتها من ثلاثة من المعصومين عليهم السلام:

فقد ورد الحث على زيارتها من الإمام الصادق عليه السلام: وقد مرت عليك الرواية، ولكن لا بأس بإعادتها تبركاً وتيمناً، فقد روى عدّة من أهل الري، أنهم دخلوا على أبي عبد اللّه عليه السلام وقالوا: نحن من أهل الري،

ص:133


1- (1) مذكرات الشيخ الحائري: 118، مخطوط، نقلاً عن خصائص السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام.

فقال عليه السلام: «مرحباً باخواننا من أهل قم»، فقالوا: نحن من أهل الري، فأعاد عليه السلام الكلام، قالوا ذلك مراراً، وأجابهم بمثل ما أجاب به أولاً، فقال: «إنّ للّه حرماً وهو مكة، وإنّ للرسول حرماً وهو المدينة، وإنّ لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة، وإنّ لنا حرماً وهو بلدة قم، وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمى فاطمة فمن زارها وجبت له الجنة». قال الراوي: وكان هذا الكلام منه عليه السلام قبل أن يولد الكاظم عليه السلام.

وفيه أيضاً: وفي رواية أُخرى، عن الصادق عليه السلام: «إن زيارتها تعادل الجنة»(1).

وورد عن الإمام الصادق عليه السلام أ نّه قال: «تقبض فيها امرأة من ولدي، واسمها فاطمة بنت موسى، تدخل بشفاعتها شيعتنا الجنة بأجمعهم»(2).

وورد الحث كذلك على زيارتها عن الإمام الرضا عليه السلام: فعن سعد، عن علي بن موسى الرضا عليه السلام، قال: قال: «يا سعد عندكم لنا قبر»، قلت له:

جعلت فداك، قبر فاطمة بنت موسى عليهما السلام، قال: «نعم، من زارها عارفاً بحقها فله الجنة... الزيارة»(3).

وذكر الشيخ الصدوق في «ثواب الأعمال» و «عيون الأخبار» عن سعد بن سعد قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن زيارة فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهما السلام بقم؟ فقال: «من زارها فله الجنة».

ص:134


1- (1) مستدرك الوسائل 368:10.
2- (2) بحار الأنوار 228:60.
3- (3) مستدرك الوسائل 368:10-369.

وعن كتاب ناسخ التواريخ: عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال: «من زار المعصومة بقم كمن زارني»(1).

وكذلك ورد الحث على زيارتها عن الإمام الجواد عليه السلام: ففي كتاب كامل الزيارات:... عن ابن الرضا عليه السلام(2) قال: «من زار قبر عمتي بقم فله الجنة»(3).

هذه بعض الخصائص التي اختصت بها السيّدة المعصومة عليها السلام.

مصيبة فاطمة المعصومة عليها السلام:

لما حمل المأمون الإمام الرضا عليه السلام إلى خراسان جبراً ليسلمه ولاية العهد التي كانت مؤامرة على أهل البيت عليهم السلام اشتد الشوق بها إلى أخيها الرضا عليه السلام فخرجت في أثره وذلك في سنة (201 ه) فلما وصلت إلى ساوه مرضت مرضاً شديداً فسألت عن المسافة الفاصلة بين المكان الذي هي فيه وبلدة قم التي تضم الكثير من وجوه التشيع فقيل لها المسافة عشرة فراسخ فقالت احملوني إلى قم فحملت ولما أشرفت على قم إذ مر بضعينتها راكب فسئل لمن هذه الضعينة؟ فقيل له هي لفاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر وهي وافدة من الحجاز لغرض اللقاء بأخيها أبي محمد الرضا عليه السلام فأقبل ذلك الرجل إلى مجلس موسى بن

ص:135


1- (1) ناسخ التواريخ 68:3 نقلاً عن زندگانى كريمه اهل البيت، علي أكبر مهدي پور.
2- (2) يعني الإمام الجواد عليه السلام.
3- (3) كامل الزيارات: 324.

خزرج الأشعري وهو من وجوه الشيعة في قم آنذاك وكان مجلسه حاشداً بالناس فقال الرجل وهو باك: يا موسى لقد حل الشرف في بلدكم ونزلت الخيرات والبركات بساحتكم فقال موسى: لا زلت مبشراً بخير ما الذي جرى؟ قال: ضعينة أُخت الرضا عليه السلام دخلت أول قم.

فلما سمع موسى بكى فرحاً وقام لاستقبالها مع أصحابه فلما وافى الضعينة تناول يد القائد لناقتها فقبلها وقال لي إليك حاجة، قال وما هي قال أن تشرفني باعطائي زمام الناقة حتى أكون أنا القائد لناقة هذه الشريفة العفيفة لدى دخولها قم وهكذا سلّم إليه زمام الناقة فقادها موسى بيده حتى أنزل السيّدة فاطمة عليها السلام بيته.

بقيت عليها السلام في بيت موسى سبعة عشر يوماً معززة مكرمة ثم توفيت سلام اللّه عليها وحزن الناس عليها أشد الحزن وأمر موسى بتغسيلها وتكفينها فتولت النساء تغسيلها وتكفينها ثمّ صلى عليها موسى في حشد كبير من شيعة أهل البيت في قم. قال بعضهم واختلف أهل قم فيمن ينزلها في قبرها فبينما هم كذلك وإذا بفارس ملثم أقبل إلى الجنازة فتولى انزالها في القبر ثم أهال التراب عليها وعاد من حيث أتى ولا أحد يدري من هو.

صار الهم علينا من البچه ويد وبعض من الوسف ظل يصفج الايد

شريفه او گاصدها الخيها امن ابعيد او برض قم گربت منها المنيه

***

ص:136

وينه اللي يوصل ليه الاخبار ابهالساعه او يگله بالجره او صار

هُمّه ابهل حچي او لن شعّت انوار يم جثمانها او ونّه شجيه

***

من المدينه اگصدت بحزان اتعنيت اريد اوصل اخريسان

لِبن والدي والگلب لهفان ما حسبت الدهر خوان

ايسمّون اخيي گمر عدنان ابماي العنب وابماي رمان

اللّه يساعد أُم الحزان زينب الظلت بين عدوان

ابكربله او تنعه عله الوليان متحيره او فاگده الخوان

واحسين نايم عله التربان اينادي يزينب خويه عطشان(1)

***

نعم لقد ماتت السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام غريبة ولكن شاء اللّه أن يكون لها قبر شامخ يأمه آلاف الناس كل يوم ولكن جدتها فاطمة الزهراء عليها السلام التي ماتت بين أهلها وأصحاب أبيها ليس لها قبر!!! يقصده الزائرون:

ولأي الأُمور تدفن سراً بضعة المصطفى ويعفى ثراها

بنت من أُم من جليلة من ويل لمن سن ظلمها وآذاها

***

ص:137


1- (1) للخطيب الشيخ عزيز الواحدي.

لطمية لفاطمة المعصومة عليها السلام

صبراً لأمر اللّه هذا قضاءُ اللّه

معصومه ماتت بالغرب معصومه ماتت

***

معصومه من جور الدهر هلت دموع الأحزان

شافت أبوها بالسجن يجرع مآسي السجان

اربوطعش عام ابسجن والدها وسط الزنزان

ظلت توّن الفرگته ابلوعه ودموع الأجفان

حزناً على المسموم والصابر المهظوم

معصومه ماتت بالغرب معصومه ماتت

***

والدها بالغربه اندفن لا أهل عنده ولا دار

والرضه من جور الدهر ظل يفتر بين الأقطار

عاف أهله وديار الوطن وامن المأمون الغدار

طلعت حزينه معصومه عالاخو مدمعها جار

تنعاهُ بالعبرات تنساهُ لا هيهات

معصومه ماتت بالغرب معصومه ماتت

***

فاطمه المعصومه ابحزن طول الدهر والأيام

جور السفر والنايبه صوّب گلبها بسهام

ص:138

والأشد لغياب الرضه هَدمو رُكنها الظلام

من زينب ورثت محنتها محنة زينب امن الشام

صاحَت بدمع العين أين الحبيبُ أين

معصومه ماتت بالغرب معصومه ماتت

***

معصومه محتاره وتون عالرضا ولوعة دهره

نزلت ابقم امكدره تنعه وتنوح ابحسره

لغياب أبوها وغربته هامل جفنها العبره

چن زينب عمتها ابغرب اتحوم اعله الگعو نحره

هاجَت بيها الأزراء كزينبِ الحوراء

معصومه ماتت بالغرب معصومه ماتت

***

بت موسى بن جعفر گضت ونطفه ضي شمعتها

شالو نعشها بالدمع وبقم دفنو جثتها

يوم الحزن والنايبه هذا اليوم امصيبتها

شيعة المعصومة ابحزن لمصيبتها وغربتها

يومٌ عظيمٌ صار قَد حَلَ بالأكدار

معصومه ماتت بالغرب معصومه ماتت(1)

***

ص:139


1- (1) خادم أهل البيت عليهم السلام الشاعر محمد علي النادب.

ص:140

المجلس الخامس: تاريخ قم وتشيعها

اشارة

ما لي أرى الدنيا يفوح أريجها وتقشبت أغصانها ومروجها

والطير يشدو في الفضاء مغردا وتألقت وسط السماء بروجها

واستبشرت أرض المدينة يومها وبمكةٍ عم السرور حجيجها

وتجمعت أشياع آل محمد في يثرب والنوق بان وسيجها(1)

وكذا أتت نحو الحجاز جماعة قد أحكمت فوق النياق حدوجها

يحدو بها الحادي بجد مسرعاً وعلا بذاك عجاجها وعجيجها(2)

والخيل مسرعة بجمع منهم قد زينت تلك الخيول سروجها

مذ شاهدت باب المدينة أسرعت وتسابقت كل يريد ولوجها

مالت إلى بيت لآل محمد فيها الملائك حطها وعروجها

بيت الوفادة ليس يخمد نارها حتى رأت كل الوفود أجيجها(3)

ص:141


1- (1) الوسج: سير الإبل.
2- (2) العجيج: الصياح.
3- (3) الأجيج: تلهب النار.

فسألت هل خبر أتاكم يقتضي أن تمتطوا بين الجياد زلوجها(1)

قالوا نعم ولدت شبيهة فاطمٍ هي زهرة مثل العبير وهيجها(2)

معصومة ولدت لموسى بضعة للمصطفى هي للبتول أريجها

لهفي لها لما مضى عنها أبو ال حسن الرضا فعلا بذاك نشيجها

حتى قضت كمداً ب «قم» ليتني من دونها روحي يحين خروجها

ولفقدها بكت العيون بحسرة فعلا على بنت النبي ضجيجها(3)

***

قال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام:

«ستخلو الكوفة من المؤمنين ويأزر عنه العلم كما تأزر الحية في حجرها ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها «قم» وتصير معدناً للعلم والفضل فيفيض العلم منه إلى سائر البلدان في المشرق والمغرب، فيتم حجة اللّه على الخلق حتى لا يبقى أحد على وجه الأرض لم يبلغ إليه الدين والعلم ولا يبقى في الأرض مستضعف في الدين حتى المخدرات في الحجال وذلك عند قرب ظهور قائمنا فيجعل اللّه قم وأهله قائمين مقام الحجة ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها»(4).

ص:142


1- (1) الزلوج: السريع.
2- (2) الوهيج: رائحة الطيب المتقدة.
3- (3) لخادم أهل البيت عليهم السلام الشاعر إبراهيم غلوم حفظه اللّه تعالى.
4- (4) شجرة الطوبى، للعلّامة الشيخ مهدي الحائري المازندراني: 21.

تاريخ قم وتشيعها:

(1)

إن مدينة قم قد تم فتحها عهد حكومة الثاني(2)، حيث إن إيران قد تم فتحها في ذلك الزمان. والكلام يدور حول كيفية تشيعها، لأن الثاني كان بعيداً كل البعد عن التشيع والولاء لأهل البيت عليهم السلام.

حسب التتبع الذي قمنا به فإن التشيع في إيران قد مر بخمسة أدوار:

الدور الأول: تشيعها من خلافة أمير المؤمنين عليه السلام:

كان أول أدوار التشيع قد ظهر في مدينة قم المقدّسة من زمن حكومة وخلافة الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام؛ لأنّ الإمام عليه السلام كان هو الحاكم المطلق للبلاد الإسلامية، وكما نعلم فإن الحكومة الإسلامية كانت واسعة جداً ومترامية الأطراف، من ليبيا إلى بلاد القوقاز في الاتحاد السوفيتي، وأن إيران كانت جزءً من هذه الحكومة الكبيرة، وأن الإمام علي عليه السلام كان على عكس طريقة الثاني (عمر)، إذ كان (صلوات اللّه وسلامه عليه) ينظر إلى الإيرانيين بنفس العين التي ينظر بها إلى باقي المسلمين، حيث لا فرق بين عربي وعجمي إلّابالتقوى.

أما الثاني فقد ميز بين العرب والعجم بشكل كبير على ما هو مذكور في التاريخ. وهذا ما يخالف القرآن الكريم وسيرة الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله

ص:143


1- (1) نقلنا هذا البحث مع التصرف اليسير من كتاب في رحاب السيّدة المعصومة عليها السلام لآية اللّه العظمى المرحوم السيّد محمد الشيرازي قدس سره: 34.
2- (2) الثاني: كناية عن عمر بن الخطاب.

وجميع تعاليم الإسلام.

فعلى سبيل المثال: إن الثاني لم يسمح للإيرانيين بالدخول إلى المدينة المنورة، والشيء الآخر أنه اعتبرهم مواطين من الدرجة الثانية، وكان يقول بأفضلية العرب على غيرهم، ومنع العجم من التزويج من العرب، إلى غير ذلك مما ورد في التاريخ(1).

في كتاب معاوية إلى زياد: وأُنظر إلى الموالي ومنأسلم من الأعاجم فخذهم بسنة عمر بن الخطاب فإن في ذلك خزيهم وذلهم، أن ينكح العرب فيهم ولا ينكحونهم، وأن يرثوهم العرب ولا يرثوا العرب، وأن تقصر بهم في عطائهم وأرزاقهم، وأن يقدموا في المغازي، يصلحون الطريق ويقطعون الشجر، ولا يؤم أحد منهم العرب في صلاة، ولا يتقدم أحد منهم في الصف الأول إذا أحضرت العرب إلّاأن يتم الصف، ولا تول أحداً منهم ثغراً من ثغور المسلمين، ولا مصراً من أمصارهم، ولا يلي أحد منهم قضاء المسلمين ولا أحكامهم، فإن هذه سنة عمر فيهم وسيرته جزاه عن أُمة محمد وعن بني أُمية خاصة أفضل الجزاء، فلعمري لولا ما صنع هو وصاحبه وقوتهما وصلابتهما في دين اللّه لكنا وجميع هذه الأُمة لبني هاشم الموالي ولتوارثوا الخلافة واحداً بعد واحد... إلى أن قال: يا أخي لو أن عمر سن دية الموالي على النصف من دية العربي فذلك أقرب للتقوى لما كان للعرب فضل على العجم فإذا

ص:144


1- (1) أُنظر بحار الأنوار 261:33 ضمن حديث 534.

جاءك كتابي هذا فأذل العجم وأهنهم وأقصهم ولا تستعن بأحد منهم ولا تقض لهم حاجة... إلى أن قال: وحدّثني ابن أبي المعيط أنك أخبرته أنك قرأت كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري وبعث إليه بحبل طوله خمسة أشبار وقال له أعرض من قبلك من أهل البصرة فمن وجدت من الموالي ومن أسلم من الأعاجم قد بلغ خمسة أشبار فقدمه فاضرب عنقه فشاورك أبو موسى في ذلك فتهيته وأمرته أن يراجع فراجعه وذهبت أنت بالكتاب إلى عمر وإنما صنعت ما صنعت تعصباً للموالي وأنت يومئذ تحسب أنك ابن عبد ثقيف فلم تزل تلتمس حتى رددته عن رأيه وخوفته فرقة الناس فرجع وقلت له يومئذ وقد عاديت أهل هذا البيت أخاف أن يثوروا إلى علي فينهض بهم فيزيل ملكك فكف عن ذلك، وما أعلم يا أخي ولد مولود من أبي سفيان أعظم شؤماً عليهم منك حين رددت عمر عن رأيه ونهيته عنه وخبرني أن الذي صرفت به عن رأيه في قتلهم أنك قلت إنك سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول:

لتضربنكم الأعاجم على هذا الدين عودوا كما ضربتموهم عليه بدءاً، وقال: ليملأن اللّه أيديكم من الأعاجم وليصيرن أسداً لا يفرون فليضربن أعناقكم وليغلبنكم على فيئكم، فقال لك وقد سمع ذلك من علي يرويه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله فذلك الذي دعاني إلى الكتاب إلى صاحبك في قتلهم وقد كنت عزمت على أن أكتب إلى عمالي في سائر الأمصار فقلت لعمر: لا تفعل يا أمير المؤمنين! فإني لست آمن أن

ص:145

يدعوهم علي عليه السلام إلى نصرته وهم كثير وقد علمت شجاعة علي وأهل بيته وعداوته لك ولصاحبك فرددته عن ذلك....

وحدثتني أنك ذكرت ذلك لعلي في إمارة عثمان فأخبرك أن أصحاب الرايات السود، وفي رواية أُخرى وخبرتني أنك سمعت علياً في إمارة عثمان يقول إن أصحاب الرايات السود التي تقبل من خراسان هم الأعاجم وأنهم الذين يغلبون بني أُمية على ملكهم ويتقلونهم تحت كل كوكب، فلو كنت يا أخي لم ترد عمر عن ذلك لجرت سنة ولاستأصلهم اللّه وقطع أصلهم وإذا لانتست به الخلفاء بعده حتى لا يبقى منهم شعر ولا ظفر ولا نافخ نار، فإنهم آفة الدين فما أكثر ما قد سن عمر في هذه الأُمة بخلاف سنة رسول اللّه صلى الله عليه و آله فتابعه الناس عليها وأخذوا بها فتكون هذه مثل واحدة منهن.

وقد سار عثمان من بعده على هذا المنوال، إذ لم يكن للإيرانيين في زمان عثمان قيمة تذكر.

وأما أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام فقد كان قانونه نفس قانون القرآن إذ يقول: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ 1 ، ونفس كلام الرسول صلى الله عليه و آله في اليوم الأول: «لا فضل لعربي على عجمي إلّابالتقوى»(1)، فمن كان الأتقى فهو الأفضل، سواء كان عبياً أم أعجمياً. وعليه فقد رأى الإيرانيون

ص:146


1- (2) راجع معدن الجواهر: 21 باب ما جاء في واحد.

أن الإمام عليه السلام يقوم بتطبيق العدالة، ومن الطبيعي أن كل شخص يجب العدالة ويطلبها. وهذا كان من أسباب نمو الحركة الشيعية في إيران.

إن من مقومات العدالة هي المساواة بين الناس أمام القانون، مثلاً: لا يفرق بين أحد والآخر لأنه ولد في مدينة كذا، فهو أفضل من الشخص الذي ولد في مدينة أُخر، فهذا ما لا وجه له في الإسلام أبداً. أو مثلاً:

لأنّ فلان لغته عربية أو فارسية فهو الأفضل من غيره، هذه معايير الجاهلية، بل الميزان في الإسلام هو قوله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ 1 والميزان الصحيح، هو ميزان الكفاءة والقيم المعنوية، لا ميزان القومية والتبعية والحدود الجغرافية وأمثالها.

لقد أعاد الإمام علي عليه السلام ومنذ ابتداء حكومته كافة القوانين التي أمر بها الإسلام ونزل بها الذكر الحكيم، وجعلها رسول اللّه صلى الله عليه و آله، وعمل الخلفاء على خلافها، والشاهد على هذا المطلب قصص كثيرة مذكورة في التاريخ، وليس البحث الآن عن ذلك، بل الكلام حول قم المقدسة وتاريخ تشيعها.

إن أهم سبب في نشر التشيع هي السيرة العادلة للإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام، فعندما جعل الإمام عليه السلام الكوفة عاصمة لحكومته، وعم العمران والازدهار والتطور والرخاء للجميع، حيث ازداد عدد سكانها حتى بلغت ستة ملايين نسمة، ومساحتها عشرة فراسخ، أي طول الكوفة

ص:147

كان في حدود ستين كيلومتراً، كان (صلوات اللّه وسلامه عليه) ينظر إلى العرب والعجم هناك بشكل واحد، فلهم شخصية واحدة، وحقوق متساوية، وكان يدفع لهم عطاءً واحداً، فكان من نتيجة هذا امتعاض بعض العرب الجاهليين وانزعاجهم من هذه السياسة العادلة؛ لأنهم يرون أن امتيازاتهم قد زالت.

أنا عربية وهذه عجمية:

يروى أن امرأتين جاءتا إلى أمير المؤمنين عليه السلام وأظهرتا الفاقة، فأمر عليه السلام خادمه بأن يعطي كل واحدة منهن عشرين ديناراً، وكُراً من الحنطة، وهو مكيال أهل العراق. فاعترضت إحدى المرأتين، وقالت:

أنا عربية وهذه عجمية، فكيف تساوي بالعطاء بيننا!

فقال الإمام عليه السلام: «إني لم أجد في كتاب اللّه فضيلة لبني إسرائيل على بني إسحاق»(1)؛ لأنّ العجم من أولاد إسحاق، والعرب من أولاد إسماعيل.

وقال عليه السلام: إني قد قرأت كتاب اللّه فلم أجد فضلاً للعرب على العجم.

المؤمن كفو المؤمنة:

ومما ابتدعته الثاني في عهده حيث فرق بين العرب والعجم، أنه لم يرض بتزويج الإيرانيين من العرب، وفرق بينهم وبين العرب في الإرث، وفي صلاة الجماعة وغيرها(2). ولما جاء أمير المؤمنين عليه السلام إلى

ص:148


1- (1) راجع بحار الأنوار 106:40، باب 91.
2- (2) أُنظر بحار الأنوار 261:33-264.

الكوفة، اشتكى إليه الإيرانيون وأخبروه بأنهم قد ظلموا حيث لا ينظر إليهم بعين المساواة والأُخوة.

فتأثر الإمام عليه السلام، فذهب إلى المسجد وجمع المسلمين من العرب وخطب عليهم خطبة، وأخبرهم بأن هذا الأمر غير صحيح، لكن بعض العرب لم يقبل بذلك، فقال أمير المؤمنين عليه السلام للإيرانيين: إذا رأيتم أن البعض لا ينظر إليكم بنظر الاحترام، فعليكم باتخاذ التجارة عملاً حتى تصبحوا أثرياء، وبالنتيجة سيحترمكم الناس، وهناك رواية بهذا الخصوص(1).

ومنذ ذلك الوقت حيث رأى الإيرانيون أن الإمام عليه السلام هو التطبيق العملي الصحيح للإسلام والقرآن، وهو الحاكم بالعدل والمساواة بين الناس، أصبحوا من محبي أمير المؤمنين عليه السلام وهذه هي بذرة التشيع في إيران.

كانت هذه هي النواة والدور الأول لتشيع إيران ولكنها لم تتسم بالشمولية؛ لأن حكومة الإمام عليه السلام الظاهرية كانت قصيرة جداً.

الدور الثاني: في تشيع إيران:

الدور الثاني من التشيع في إيران والذي كان السبب في تشيع قم هو عهد الأشعريين اليمنيين.

ص:149


1- (1) راجع كتاب الغاارات 341:2 غارة سفيان بن عوف الغامدي على الأنبار.

فقد كانت قم في بداية الأمر عبارة عن قلاع متفرقة وصغيرة تعود لبعض اليهود أو المجوس. وفي زمان بني أُمية كانت اليمن شيعية؛ لأن أهل اليمن أسلموا على يد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وقد كانوا شيعة منذ القدم وإلى يومنا هذا، فإن اليمن شيعة ولكنهم زيدية(1)، ويبلغ عدد سكان اليمن خمسة وعشرون مليون نسمة، وهم يعتقدون بالنبي صلى الله عليه و آله، وأمير المؤمنين عليه السلام، والإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام، والإمام زين العابدين عليه السلام، ولكنهم بعد الإمام زين العابدين عليه السلام يعتقدون بإمامة الشهيد زيد بن الإمام زين العابدين عليه السلام.

وفي زمان بني أُمية كانت اليمن تعتبر من مراكز الشيعة، وكان هذا التجمع يشكل خطراً على بني أُمية أعداء علي عليه السلام، ولهذا فقد قاموا بإبعاد أعداد كبيرة منهم إلى مكان (بيغولة)(2) أي قم، وهو عبارة عن واد لا زرع فيه حتى لا يتمكنوا من النشاط والفعالية، ولا يتصل بهم الناس.

وهؤلاء الذين أبعدوا كانوا أشعريين(3)، ولا زال أولادهم وذريتهم

ص:150


1- (1) الزيدية: طائفة من الشيعة تقول بإمامة زيد بن علي بن الحسين السجاد عليه السلام، وبإمامة كل فاطمي دعا إلى نفسه، وهو على ظاهر العدالة، ومن أهل العلم والشجاعة، وكانت بيعته على تجريد السيف للجهاد. والزيدية ثلاث فرق: الجارودية وهم أصحاب أبي الجارود زياد بن المنذر، والسليمانية من أتباع سليمان بن حريز، والبترية ويسمون بالصالحية أيضاً لأن من رؤسائهم الحسن بن صالح.
2- (2) بيغولة: كلمة فارسية وتعني الناحية البعيدة عن الناس، كما تعني الأرض الخراب أيضاً.
3- (3) الأشعريون: قبيلة مشهورة باليمن نسبة إلى أشعر، والأشعر هو نبت بن أدد، قال ابن

موجودين في قم المقدسة.

ولعل قم هي أول المدن الإيرانية التي تشيعت، وبعدها كاشان، والسر في ذلك قربها من قم وتقبل أهلها للحق.

علماً بأن الشيعة الذين جاؤوا إلى قم اشتغلوا بالزراعة ونشطوا، وبالنتيجة فقد تشيعت القرى التي كانت في أطراف قم وكذلك ساوة وكاشان.

إذن فإن قم وكاشان هما أولى المدن التي تشيعت.

الدور الثالث لتشيع إيران:

الدور الثالث لتشيع إيران، أوجده البويهيون(1)، وهم في الأصل من

ص:151


1- (1) البويهيون: أُسرة شيعية حكمت من سنة (334 ه) واستمر حكمها إلى سنة (447 ه). تنسب إلى (أبي شجاع بويه)، ولكن مؤسسيها الحقيقيين هم أبناؤه الثلاثد: 1 - علي (الملقب بعماد الدولة). 2 - الحسن (الملقب بركن الدولة). 3 - أحمد (الملقب بمعز الدولة). امتد سلطانها على جزء كبير من البلاد الإسلامية. خدم (البويهيون) التشيع أيام حكمهم، وسعوا

أهل مازندران، وكان قسم من إيران مثل شيراز ونواحي فارس إلى خوزستان والعراق تحت سلطانهم، وكانوا شيعة. وقد كان في زمانهم كبار العلماء من أمثال:

الصدوقين(1)..

ص:152


1- (1) وهما علي بن الحسين بن بابويه القمي، وابنه محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق. فالوالد كان من أبرز علماء وفقهاء زمانه. فالبرغم من وجود الكثير من العلماء والمحدثين في قم، إلّاأن لواء الهداية والمرجعية في الفتوى كان بيد هذا العالم العابد، والمحدث الزاهد، صاحب الكرامات. كان له دكان صغير في سوق قم يعيش بالكسب والتجارة منه زاهداً عفيفاً. ويقضي ساعات من النهار في منزله في التدريس، وتبليغ الأحكام، ونقل الروايات. وأما الشيخ الصدوق فأمره أشهر من يذكر فلقد ولد ببركة دعاء مولانا صاحب العصر والزمان (عجل اللّه تعالى فرجه)، فهو من أكبر الشخصيات العلمية في العالم الإسلامي، ومن أبرز الوجوه اللامعة في العلم والفضل. ولقد أسدى للإسلام والتشيع خدمات جليلة يقل نظيرها، حيث كان يعيش في عصر قريب من الأئمة المعصومين عليهم السلام، يجمع روايات أهل البيت عليهم السلام، ويؤلف الكتب القيمة. أدرك الشيخ الصدوق (20) سنة من حياة والده، وقد اكتسب خلال هذه المدة العلم والحكمة من والده وسائر علماء قم. توفي رحمه الله عام (381 ه)، بعد عمر حافل بالبركات.

والمفيد(1)..

والمرتضى(2)..

والرضي(3)..

ص:153


1- (1) أبو عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام العكبري الملقب بالشيخ المفيد. من أجل مشايخ الشيعة، ولد في عام (336 ه) بأطراف بغداد، في أُسرة عريقة في التشيع معروفة بالإحسان والطهارة. وقد أنهى دراساته الابتدائية في أُسرته ومسقط رأسه، ثم سافر إلى بغداد واشتغل بتحصيل العلم عند الأساتذة والعلماء ليصبح بعد ذلك المقدم في علم الكلام والفقه والأُصول، وكان من تلامذة ابن عقيل. وفضله أشهر من أن يوصف انتهت رئاسة الإمامية إليه في وقته. توفي رحمه الله عام (413 ه) ببغداد عن (75) عاماً قضاها بالعلم والعمل، ودفن في الحرم الكاظمي الشريف بجوار الإمام الجواد عليه السلام وبجانب قبر أُستاذه ابن قولويه.
2- (2) أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام، المشهور ب (السيّد المرتضى) و (الريف المرتضى) و (ذي الثمانين) و (ذي المجدين) و (علم الهدى)، لقبه بهذا اللقب أمير المؤمنين عليه السلام في قصّة معروفة. ولد في بغداد عام (355 ه) من أُسرة هاشمية عالية النسب، فله نسب شريف من ناحية أبيه وأُمه. كان السيّد المرتضى عالماً جامعاً، ومتكلماً فقيهاً، وأديباً بارعاً. جمع من العلوم ما لم يجمعه أحد، كان نقيب الطالبيين في عصره، وكان يحظى بمنزلة سامية في العلم والفقه قل نظيرها. صار إماماً في الفقه والكلام ومرجعاً للإمامية في عصره بعد وفاة الشيخ المفيد. له تصانيف مشهورة منها: (الشافي في الإمامة) وكتاب (الطيف والخيال) وكتاب (الغرر والدرر)، وله ديوان شعر فيه أكثر من عشرين ألف بيت. قيل: إنه خلف بعد وفاته (80) ألف مجلداً من مقرئاته ومصنفاته ومحفوظاته. توفي رحمه الله في بغداد عام (436 ه)، وصلّى عليه ابنه، ودفن بقرب الروضة الكاظمية المباركة.
3- (3) السيّد الرضي جامع نهج البلاغة، هو أبو الحسن محمد بن أبي أحمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام، ولد في بغداد عام (359 ه) من أُسرة شريفة وأصيلة، يصل نسبه إلى الأئمة المعصومين عليهم السلام. يعود نسبه من أبيه إلى الإمام الكاظم عليه السلام، ومن أُمه إلى الإمام السجاد عليه السلام. وهو عالم مفكر ذو ذكاء خارق وفهم عال،

وابن الجنيد(1) (رضوان اللّه عليهم أجمعين)، وقد مهدت الحكومة لنشر علوم آل محمد صلى الله عليه و آله فحدثت موجة من التشيع في إيران.

الدور الرابع لتشيع إيران:

أما الدور الرابع فقد أوجده العلّامة الحلي(2)، فقد جاء إلى إيران ومعه

ص:154


1- (1) أبو علي محمد بن أحمد بن الجنيد الكاتب الإسكافي، والإسكافي نسبة إلى إسكاف، وهي ناحية ببغداد على صوب النهروان من سواد العراق، ينسب إليها جماعة من العلماء. يعتبر ابن الجنيد من أجلة علماء الإمامية (رضوان اللّه عليهم أجمعين)، كان وجيهاً عندهم وثقة عند جميعهم، يُعد من أعيان الطائفة، وأعاظم الفرقة، وأفاضل قدماء الإمامية، وأكثرهم علماً وفقهاً وأدباً، وأكثرهم تصنيفاً وأحسنهم تحريراً، وأدقهم نظراً. صنّف في الفقه والكلام والأُصول والأدب والكتابة وغيرها، تبلغ مصنفاته نحواً من خمسين كتاباً، منها: (تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة)، كتاب كبير في عشرين مجلداً يشتمل على جميع كتب الفقه، وكتاب (المختصر الأحمدي في الفقه المحمدي)، و (مختصر التهذيب)، وغيرها. توفي رحمه الله بالري عام (381 ه).
2- (2) الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي، المعروف بالعلّامة الحلي، ولد في (29 رمضان سنة 648 ه) في مدينة الحلة. بدأ بتحصيل العلم واكتساب الكمال منذ طفولته، وقد تعلم الأدب العربي والمقدمات والعلوم العصرية في الحلة، عند أبيه وسائر علماء المنطقة الكبار، وكذلك عند خاله المحقق الحلي، وابن عم أُمه الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد، والسيّد أحمد

مجموعة كبيرة من تلامذته في زمان الملك خدابندة(1)، وقد أ لّف عدة كتب في إيران، وقد عمل على نشر التشيع ما تمكن، فأحدث موجة من التشيع، ولكن بقيت إيران لحد كبير سنية إلى أن جاء الدور الخامس.

الدور الخامس:

الدور الخامس هو تشيع إيران بالكامل فقد حدث ذلك بجهود مباركة من الصفويين(2)، فقد تمكنوا وبمساعدة مجموعة من العلماء مثل:

ص:155


1- (1) محمد بن أرغون بن أبغا بن هلاكو بن تولى بن جنكز خان المغولي، السلطان غياث الدين المعروف ب (خدا بنده)، ومعناه: عبداللّه. ملك العراق وخراسان وأذربيجان، ولد سنة نيف وسبعين وستمائة، كان على مذهب العامة فتشيع على يد العلّامة الحلي رحمه الله في قصة معروفة، ثم بعث إلى البلاد والأقاليم حتى يخطبوا باسم الأئمة الاثني عشر عليهم السلام ويضربوا السكك على أسمائهم، وينقشوها على أطراف المساجد والمشاهد. وكان يحب العمارة، أنشأ مدينة جديدة بأذربيجان سماها السلطانية، توفي سنة (716 ه).
2- (2) الصفويون أُسرة شيعية علوية عريقة تنتسب إلى صفي الدين الأردبيلي المدفون بأردبيل في أذربيجان. بعدما آلت زعامة الأُسرة إلى إسماعيل أحد أحفاد صفي الدين بعد مقتل والده، جمع جيشاً من أتباعه وقاده إلى قتال أُسرة آقاقوينلو الحاكمة في أذربيجان والعراق، فقضى

المجلسي الأول(1)..

والمجلسي الثاني(2)..

ص:156


1- (1) المولى محمد تقي المجلسي المعروف بالمجلسي الأول كان عالماً فاضلاً، ومحدثاً وفقيهاً، وزاهداً وصاحب كرامات، ومقامات روحية سامية. درس على يد الشيخ البهائي والميرداماد. تبحر في مختلف العلوم الإسلامية، وله مصنفات عديدة. أصبح مرجعاً للتقليد في زمانه. كان يقيم الجمعة والجماعة حيث كان إماماً لصلاة الجمعة في أصفهان. ولد رحمه الله عام (1003 ه) وتوفي عام (1070 ه).
2- (2) محمد باقر بن محمد تقي بن مقصود علي المجلسي، المعروف بالعلّامة المجلسي وبالمجلسي الثاني، ولد عام (1037 ه) في مدينة أصفهان. كان عالماً في التفسير والحديث والفقه والأُصول والتاريخ والرجال والدراية. قلّده الشاه سليمان الصفوي في سنة (1098 ه) منصب شيخ الإسلام في أصفهان، وكان هذا المنصب أفضل وأهم منصب ديني وتنفيذي في ذلك الزمان. له مصنفات عديدة، أشهرها (بحار الأنوار) ويقع في (110) مجلدات، والآخر (مرآة العقول) في (26) مجلداً. توفي رحمه الله في ليلة 27 رمضان سنة (1110 ه) في أصفهان عن ثلاثة وسبعين عاماً.

والميرفندرسكي(1)..

والشيخ البهائي(2)..

ص:157


1- (1) السيّد الأمير أبو القاسم الفندرسكي الحسيني الموسوي، والفندرسكي: بكسر الفاء والنون نسبة إلى فندرسك قصبة من ناحية أعمال أسترآباد، بينهما (12) فرسخاً. كان من أكابر تلامذة المير محمد باقر الداماد، وكان حكيماً فاضلاً ماهراً في العلوم العقلية والرياضية. أخذ عنه الحكمة المحقق الخوانساري. عاصر السلطان شاه عباس الصفوي، والسلطان شاه صفي، وكان معظماً عندهما. سافر إلى الهند وكشمير، وناظر مع علماء الهند وغيرهم، وغلب عليهم حتى أسلم بيده جمع من الهنود. له إلمام بالشعر، ومهارة في العلوم الهندسية والرياضية. له من المولفات: (الرسالة الصناعية) بالفارسية مختصرة معروفة، وشرح كتاب المهارة من كتب حكماء الهند بالفارسية، وكتاب كشف اللغات (جوك باشست) في ترجمة اللغات الهندية المستعملة، وهي (460) لغة هندية. توفي رحمه الله في أصفهان سنة (1050 ه)، ودُفن في تخت فولاد وقبره مزار معروف إلى اليوم، وكان له من العمر نحو من ثمانين سنة تقريباً.
2- (2) بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي الجعبي، المعروف بالشيخ البهائي، والحارثي نسبة إلى الحارث الهمداني. ولد في بعلبك عام (953 ه)، انتقل به والده وهو صغير إلى إيران، فنشأ فيها وتتلمذ على يد والده وغيره، في الفقه والأُصول والعقائد والتفسير والنحو وغير ذلك من العلوم. ساح في البلدان ثلاثين عاماً، فسافر من أصفهان إلى الحجاز، ثم مصر والقدس وحلب، ثم رجع إلى أصفهان، وشرع التأليف والكتابة. انتهت إليه رئاسة المذهب، كان ماهراً في العلوم المختلفة بلا نظير، واشتهر بعلم الرياضيات، وله فيه خلاصة الحساب. كما تنسب إليه أشياء عجيبة في الهندسة ما زالت آثارها باقية إلى الآن في العراق وإيران. له شعر كثير جيد بالعربية والفارسية. خلف آثاراً عديدة منها: الحبل المتين في إحكام أحكام الدين، مشرق الشمسين وإكسير السعادتين، العروة الوثقى في تفسير القرآن، شرح الصحيفة السجادية، حاشية شرح العضدي على مختصر الأُصول، الخلاصة في الحساب. توفي رحمه الله في خراسان مشهد الرضا عليه السلام في شهر شوال سنة (1030 ه)، وقيل: (1031 ه)، وقيل: (1035 ه)، ودُفن في بيته الذي هو الآن جزء من الحضرة الرضوية المقدّسة.

من نشر التشيع في كافة أنحاء إيران، حتى أصبحت إيران من أهم دول الشيعة في العالم.

وقد سعت السنة كثيراً للقضاء على التشيع في إيران ولكن باؤوا بالفشل، والسر في ذلك هو أن المجلسيين والشيخ البهائي وسائر العلماء قاموا بتوعية وتثقيف الناس الذين تشيعوا، وذلك بواسطة الكتب والبحث العلمي والحوار الهادف، قد تمكنوا من تغيير ثقافتهم نحو أهل البيت عليهم السلام حتى علم الناس بالدليل والبرهان أحقية مذهب أهل البيت عليهم السلام.

من هنا ترى أن مجموعة من الغربيين والسنة يقولون بأن التشيع في إيران هو من إيجاد الصفويين.

وفي الواقع أن التشيع في إيران لم يكن من إيجاد الصفويين، بل إن الصفويين قاموا بنشر علوم الشيعة وهي علوم أهل البيت عليهم السلام وفي المقابل فإن علوم السنة لم تتمكن من المقاومة والبقاء أمام مدرسة أهل البيت عليهم السلام فقد زالت جانباً. وأخذ هذا الدور الحق بالتقدم.

هذا ملخص عن أدوار إيران في تشيعها، أما مدينة قم المقدّسة فقد تشيعت في الدور الثاني أي بجهود الأشعريين وهم شيعة اليمن.

كما أن أول مدينة في العراق تشيعت هي الكوفة، وذلك في زمان أمير المؤمنين عليه السلام، وقد سعى بنو أُمية كثيراً للقضاء على الكوفة فلم يتمكنوا وبقيت شيعية.

وهكذا بالنسبة إلى إيران حيث إن أول مدينة تشيعت منها - بعد الكوفة في العراق - هي قم.

ص:158

وكانت قم المقدّسة - ولا تزال بحمد اللّه تعالى - تضم عدداً من كبار الإمامية المعروفين طول التاريخ، مثل:

الصدوقين(1).. وعلي بن إبراهيم(2)...

وسائر المحدثين والفقهاء.

أما سائر مدن إيران فكانت سنية، فمثلاً طهران كانت سنية بالكامل، وكانوا من أتباع المذهب الشافعي والحنفي، وكثيراً ما حدثت معارك شديدة بين هذين الطائفتين.

مستقبل قم ودورها في نشر التشيع:

المحور الأول: حرم السيّدة معصومة عليها السلام:

إن أهم معالم قم المقدّسة هو حرم السيّدة معصومة عليها السلام، فإن هذه السيّدة الجليلة هي سبب الخير والبركة لمدينة قم وأهاليها، بل للعالم والعالمين بأجمعهم.

ص:159


1- (1) مرت ترجمتهما.
2- (2) ولد في عائلة عرفت بولائها ومحبتها لآل البيت عليهم السلام، من أعلام القرنين الثالث والرابع الهجري، من كبار المحدثين في مدينة قم المقدّسة. ومن أبرز وأوثق رواة الشيعة، معاصر للإمام الحسن العسكري عليه السلام. وكان يحظى باحترام خاص من علماء الشيعة، وقد أورد الشيخ الكليني في الكافي كثيراً من رواياته المستندة إليه. يطلق عليه الفقهاء عنوان أُستاذ مشايخ قم. قم. له مؤلفات كثيرة منها: نوادر القرآن، الناسخ والمنسوخ، قرب الإسناد، تفسير القمي، وغيرها.

ولكن الحرم الشريف والأروقة وما أشبه لا تتناسب مع عظمة السيّدة معصومة عليها السلام ولا تناسب دور قم في إيصال معارف أهل البيت عليهم السلام إلى العالم.

فهذا الحرم وبهذا الأُسلوب لا يناسب قم ولا التشيع، وأنا أتصور أنه يلزم العمل لتوسيع الحرم الشريف بدرجة يتسع مليون زائر.

فإن الناس حتى غير الملتزمين منهم يعتقدون بالدين وبالأئمة وذويهم، فحتى أُولئك الذين لا يلتزمون بالأُمور الشرعية، مثل الشخص الذي لا يصلي، أو الذي يشرب الخمر - والعياذ باللّه - أو المرأة السافرة، فإنهم يحترمون السيّدة معصومة عليها السلام فالدين يرتبط بروح الناس وهو أمر فطري لا يمكن القضاء عليه.

من هنا فإن حرم السيّدة معصومة عليها السلام هي مأوى لجميع الناس، فينبغي أن يكون بحيث يسع أكبر عدد منهم.

إن الشيعي الذي يعيش في أقصى الباكستان أو أفغانستان أو الهند أو سوريا أو لبنان أو بلاد الغرب وأُوروبا، فإنه متعلق بقلبه بالسيّدة معصومة عليها السلام، ومتعلق بأهل البيت عليهم السلام فرداً فرداً، ويود أن يوفق لزيارتهم والاستفادة من معين بركاتهم.

من هنا يلزم أن يكون الحرم الشريف يسع أكبر عدد من الزوار حتى من غير الإيرانيين ومن شيعة العالم بأجمعهم. فإن الدين وحب الصالحين والأنبياء والأئمة عليهم السلام أمر فطري، فأنتم شاهدتم الاتحاد السوفيتي كان يقتّل الناس سبعين سنة ليتخلوا عن الدين.

ص:160

سبعون سنة! إنها ليست يوماً أو يومين، يعني أربعة أجيال؛ لأنه لا تحسبون أن بين جدكم الأعلى وبينكم سبعين سنة، فقد تغيرت أربعة أجيال في الاتحاد السوفيتي، وبالرغم من هذا لم يتمكنوا من القضاء على الدين وجذوره، فمع زوال الضغط قد عاد الجميع إلى دينهم الأول.

المسيحيون واليهود عادوا إلى دينهم، والمسلمون والشيعة عادوا إلى دينهم ومذهبهم، لقد قابلت مجموعة منهم فوجدتهم شيعة مثلنا مع فارق بسيط وهو أنه وبسبب عدم وجود المبلغين فقد جهلوا بعض الأُمور، وإلّا فإن الإسلام والتشيع في الاتحاد السوفيتي لم ينقص منه شيئاً.

وعلى كل حال فإن الكلام حول لزوم توسعة حرم السيّدة معصومة عليها السلام إلى درجة بحيث يتسع إلى مليون مصل وزائر على أقل التقادير.

ربما يقول البعض أن في توسيع الحرم خراب لبعض الأماكن الأثرية؟

ولكننا نقول: إنه يلزم ملاحظة الأهم والمهم، وربما أمكن الجمع بين التوسعة وحفظ الآثار، فإن الدين هو المقدم دائماً على كل شيء، فإن مجموعة من المؤمنين كانوا يعيشون قبل مائة عام وبنوا ما يناسبهم من الحرم والقبة وحسب حاجة ذلك الوقت فجزاهم اللّه خيراً، ولكن اليوم تغيرت المعادلات، فإنّ الأصل والمعيار هو الدين والإنسان والروح والواقعيات.

لقد شاهد الكثير منكم المسجد الحرام، فقد كان في الماضي مسجداً صغيراً، وقد تشرفتُ بزيارته قبل ثمان وثلاثين عاماً فكان صغيراً،

ص:161

ولكنه توسع الآن بحيث يتسع لمليون مصلٍ، فهذا أفضل من أن يبقى المسجد كما كان في السابق.

إذن يلزمنا العمل لأجل توسعة الروضة المعصومية المباركة، بحيث يكون حرم السيّدة معصومة عليها السلام على الأقل يستوعب مليون زائر، وحتى يمكن حضور مليون مصلٍ في صلاة الجماعة، وبالطبع لا نريد بذلك توحيد صلوات الجماعة؛ فإنها من البدع التي ابتدعها السعوديون على خلاف الإسلام والإنسانية، وذلك بتوحيد الصلوات في جماعة واحدة وإجبار الناس عليها.

في الوقت الذي كان النبي الأعظم صلى الله عليه و آله قد بنى في المدينة المنورة وكانت صغيرة في يومه، سبعاً وأربعين مسجداً، فمن أراد الصلاة مع النبي صلى الله عليه و آله صلّى معه، ومن أراد الصلاة مع غيره صلى معهم.

إذن يلزم أن تكون صلوات الجماعة متعددة وحرة، حتى يختار الناس الإمام الذين يريدون الاقتداء به في الصلاة.

الحريات من أسباب انتشار الإسلام:

وأساساً فإن الحريات التي منحها الإسلام للناس، هي أحد الأشباب الرئيسية في انتشار الإسلام، وفي اجتماع الناس حول الدين وقادته، فليس من الضروري أن يصلي الجميع بجماعة واحدة.

وبالطبع إلى ما قبل زمان آل سعود كان الوضع كذلك، بحيث كان كل شخص يتمكن من الصلاة جماعة في المسجد الحرام، حتى أنه زمان

ص:162

المرحوم الحاج آقا حسين القمي(1)، وكان من مراجع الشيعة الكبار، وقد توفي قبل خمسين عاماً، عندما ذهب إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة كان يقيم صلاة الجماعة في المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف وكان قتدي به الشيعة هناك.

فأي فخر في أن يكون جميع الناس يصلون خلف إمام واحد، أو يكونوا على شاكلة واحدة.

هذا أُسلوب البهلوي(2) وأمثاله، الذي أمر الناس بتوحيد لباسهم...

ص:163


1- (1) آية اللّه السيّد حسين بن السيّد محمود القمي. فقيه أُصولي ومن مراجع التقليد الأفذاذ، ولدفي قم المقدّسة عام (1282 ه)، ودرس فيها مقدّمات العلوم، ثمّ هاجر إلى العراق فحضر أبحاث كبار العلماء منهم: السيّد المجدد الشيرازي، والميرزا حبيب اللّه الرشتي، والمولى علي النهاوندي، والشيخ محمد كاظم الخراساني، والسيّد محمد كاظم اليزدي، والشيخ محمد تقي الشيرازي، فحاز على درجة سامية من العلم. كان معروفاً بالصلاح والتقى والنسك والزهد وكثرة العبادة. في سنة (1331 ه) هبط المشهد الرضوي الشريف، فصار من أكبر مراجع التقليد في إيران، وعندما أصدر رضا خان بهلوي قانون السفور ومنع الحجاب، تحرك السيّد رحمه الله إلى طهران للوقوف ضد هذا القانون، ولكن تم اعتقاله ونفيه إلى العراق، فسكن كربلاء المقدسة والتف العلماء حوله وصار من كبار مراجع التقليد. ولما توفي السيّد أبو الحسن الأصفهاني رحمه الله عام (1365 ه)، رشح السيّد القمي للمرجعية، إلّاأنّ الأجل لم يمهله حيث توفي يوم الأربعاء (14 ربيع الأول 1366 ه) في بغداد، أثناء إجراء علملية جراحية له، وله من العمر آنذاك (84) عاماً. ثمّ نقل جثمانه إلى النجف الأشرف، ودُفن في الصحن العلوي الشريف. من مؤلفاته: رسالة مختصرة الأحكام، حاشية الرسالة الرضاعية، حاشية رسالة صحة المعاملات، حاشية الرسالة الربانية، وحاشية مجمع المسائل.
2- (2) رضا خان المعروف بالبهلوي الأول، ولد عام (1878 م)، دخل في الجيش الإيراني، وأصبح ضابطاً. أطاح بالأُسرة القاجارية الحاكمة، وأعلن نفسه شاهاً على إيران للفترة

فهل رأيتم أحد العقلاء يدعو الناس إلى أن يأكلوا نوعاً واحداً من الطعام.

فأي كلام هذا!! الكل أحرار في أعمالهم، ومنها ما يرتبط بمسألة اختيار إمام الجماعة للصلاة.

إذن من الخطأ ما نراه من البعض حيث يمدح آل سعود على هذا العمل المخالف للإسلام.

وربما مدحوهم بأنه عندما يحل وقت الظهر، تغلق جميع المحال التجارية ويذهبون إلى الصلاة؛ فإن الناس يجتمعون خوفاً من عصا الآمرين بالمعروف! وهذه ليست فضيلة، بل بالعكس، فإنها بدعة في الدين.

فلم يرد في التاريخ أن النبي صلى الله عليه و آله أو أمير المؤمنين عليه السلام قد أجبرا بالعصا شخصاً على ترك عمله وحضور صلاة الجماعة، حتى عمر الذي يعتقدون به لم يفعل مثل هذا.

علماً بأن هذا العمل الخاطئ من الجبر والإكراه لحضور الصلاة، وغير

ص:164

ذلك من الأخطاء الكثيرة التي قام بها حكام السعودية كان السبب في تشويه صورة الإسلام في العالم، في الوقت الذي يمنح الإسلام الكثير من الحريات للناس ويدعوهم إلى اللّه بالحكمة والموعظة الحسنة من دون جبر وإكراه.

قال تعالى: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ .

وقال عزّ وجل: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ .

نعم، الإسلام يمنع عن المحرمات من شرب الخمر وما أشبه والمحرمات قليلة جداً، ولكن في غير المحرمات فإن جميع الأشياء في الإسلام مطلقة وحرة حتى العبادة، فأنت حر في أن تصلي في بيتك أو في المسجد أو في غيرهما.

وخلاصة الكلام: يلزم أن يكون الحرم الشريف في قم المقدسة يتسع لمليون زائر، فنحن لسنا مثل اليابان نعاني من قلة الأرض، بحيث نجبر على إدغام الأعمال وبناء الطبقات. إن في قم مساحات شاسعة من كل ناحية، من قم إلى كاشان إلى أصفهان إلى طهران إلى غيرها.

علماً بأن هذه الأراضي الواسعة من نعم اللّه علينا، ثم إن الناس على ابتعداد لدفع الأموال من أجل الأُمور الدينية وفي سبيل أهل البيت عليهم السلام بشكل لا حدود له، وحتى النساء على استعداد لبذل حليهن وذهبهن في هذا اللّه وأهل البيت عليهم السلام.

فثقوا إذا ما حدث مثل هذه التوسعة من أجل مستقبل قم؛ فإن الناس

ص:165

سيدفعون المال اللازم حلال ثلاث سنوات، فالسيّد البروجردي(1) (رضوان اللّه عليه) بنى مسجداً الأعظم بأموال الناس وبتبرعات من المؤمنين، وكانت التبرعات بكثرة حتى أن السيّد أخبرهم بأنه لا حاجة بعد للمال، فقد جمع المال الكافي.

المحور الثاني: نظافة مدينة قم المقدّسة:

الإسلام دين النظافة وأفضل نموذج فيها، وكلنا سمع وقرأ الحديث الشريف: «النظافة من الإيمان»(2).

علماً بأن للنظافة معنى شمولياً واسعاً(3)، لسنا بصدد بحثه الآن.

والكلام في مدينة قم المقدّسة، حيث يلزم أن تكون في غاية النظافة والطهارة، حتى يشعر كل من يرد إليها بأنها نموذج ومثال من النظافة الإسلامية.

لقد أخذ المسيحيون - والغرب بشكل عام - عدّة أشياء من الإسلام وعملوا بها، وبالنتيجة فقد تقدموا، كانت النظافة واحدة منها.

ص:166


1- (1) السيّد حسين بن السيّد علي بن السيّد أحمد بن السيّد علي تقي بن السيّد جواد الطباطبائي البروجردي، ولد في عام (1292 ه)، ثمّ هاجر إلى النجف الأشرف عام (1320 ه). اتجهت الأنظار إليه بعد وفاة السيّد أبو الحسن الأصفهاني في عام (1365 ه). بنى مدرسة علمية كبيرة في النجف الأشرف عام (1373 ه)، وقد هيأ لها مكتبة كبيرة تحوي بعض الأسفار النفسية والآثار النادرة. توفي في عام (1380 ه) في قم المقدسة، ودفن في المسجد الأعظم الذي بناه بالقرب من مقام السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام.
2- (2) مستدرك الوسائل 319:16، باب 92، حديث 20016.
3- (3) راجع للإمام الشيرازي (فقه النظافة) يقع في (567) صفحة. طبعة هيئة محمد الأمين صلى الله عليه و آله - الكويت، (1421 ه - 2000 م).

عندما كنا في الكويت وفي أحد الأيام كنت ماراً بالسيارة من حي يسمى بالشرق، فلاحظت تواجد أعداد كثيرة من الناس، وقد كانوا في غاية النظافة، حيث ارتدوا ملابس نظيفة وجميلة، وقد امتلئ الجو بعبق عطورهم.

فسألت من السائق وكان كويتياً - لأني لم أكن أملك السيارة، نعم أراد البعض أن يعطونا سيارة لكنني لم أقبل بذلك -: ما الخبر؟ فقال:

هنا كنيسة وهؤلاء يجتمعون هنا كل يوم أحد للعبادة.

المسيحين في الكويت قليلون جداً، وأكثرهم طلّاب أو عمال أو ما أشبه، ولكن في أيام الأحد يرتدون أفضل ملابسهم، ويتعطرون بأفضل العطور، ثم يجتمعون في الكنيسة.

أما الكنيسة نفسها - فحسب ما قاله بعض أصدقائنا - فهي واسعة جداً، وهي نظيفة مزينة بالورود، ويستقبل العاملون فيها الناس بتقديم الشرابت والحلوى والمرطبات. بحيث يرى الشخص أن هذه الأشياء من مظاهر الدين فينجذب إليهم.

ومن الطبيعي أن الإنسان إذا ذهب إلى مكان نظيف وتلقى أفضل الاحترام والاستقبال، فسوف يذهب إليه مرة أُخرى وهكذا.

إن الغربيين تعلموا هذه الأُمور من الإسلام فتقدموا، ولكننا قد أعرضنا عنها فتأخرنا.

إذن يلزم علينا أن نعمل لأن تكون مدينة قم المقدّسة مثالاً عالياً

ص:167

للنظافة والجمال، يعني إذا أراد شخص أن يرى مكاناً نظيفاً وجميلاً فيه مظاهر الحضارة والتقدّم، يُرشد إلى قم المقدّسة.

وهذه مسؤولية الجميع، ويمكن لكل فرد منا أن يساهم في هذا الأمر، فقد قال النبي الأكرم صلى الله عليه و آله: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته»(1).

المحور الثالث: الاستعداد لاستقبال شيعة العالم:

إن مدينة قم المقدّسة وكما في الروايات: «عش آل محمد ومأوى شيعتهم»(2).

وللسيّدة معصومة عليها السلام مئات الملايين من المحبين في جميع أنحاء العالم، حيث تواجد الشيعة، فيلزم أن تكون قم المقدّسة بحيث تصبح مأوى للشيعة كما ورد في الحديث، فتستوعب الملايين من الزوار وتنشر بينهم ثقافة أهل البيت عليهم السلام، وخاصة من شيعة خارج إيران، فإن ذلك يوجب التماسك بين أتباع أهل البيت عليهم السلام وارتباطهم بحوزاتهم العلمية والعلماء والمراجع، والتزود من علوم آل محمد صلى الله عليه و آله، مضافاً إلى الفوائد الاقتصادية الكبيرة للناس.

وهذا كله بفضل السيّدة المعصومة عليها السلام وعظمتها وبركاتها، وإن كنا لا نعلم الكثير من سيرتها، لكن يكفيها فخراً أن ثلاثة من الأئمة

ص:168


1- (1) جامع الأخبار: 119، ف 75.
2- (2) بحار الأنوار 314:57.

المعصومين عليهم السلام(1) قالوا في حقها: «من زارها وجبت له الجنة»(2).

إن الشيعة يعتقدون بهذا الكلام، وأن كل ما يقوله المعصوم عليه السلام هو الواقع مائة في المائة، وعليه فإذا أراد شيعة العالم أن يزوروا قم المقدّسة فهل نحن مستعدون لذلك؟

علماً بأن الشيعة هم نصف المسلمين، وهذا ما اعترف به أنور السادات(3) رئيس جمهورية مصر السابق، حيث قال إن الشيعة يشكلون نصف العالم الإسلامي، وطبقاً لإحصاءات الجامع الأزهر حيث ذكرت قبل مدة بأن عدد مسلمي العالم يبلغ ألف وستمائة مليون مسلم(4)، إذن نصفهم يعني ثمانمائة مليون، وهم الشيعة في العالم.

ص:169


1- (1) وهم الإمام الصادق عليه السلام والإمام الرضا عليه السلام والإمام الجواد عليه السلام.
2- (2) راجع بحار الأنوار 317:48 فيما يتعلق بأحوال أولاده عليه السلام، والبحار 267:99، باب 1، حديث 5.
3- (3) محمد أنور السادات زعيم عسكري وسياسي مصري. ولد عام (1918 م)، كان أحدالضباط الأحرار الذين ثاروا على الملك فاروق عام (1952 م). أصبح رئيساً للجمهورية ما بين عام (1970-1981 م) خلفاً لجمال عبد الناصر، قاد الحرب المعروفة بحرب أكتوبر (1973 م). قام بزيارة مفاجئة للكيان الصهيوني، وألقى خطاباً في الكنيست الإسرائيلي، ثم وقع في (26 مارس / آذار عام 1979 م) معاهدة للصلح مع الكيان الصهيوني، سمح للأمريكان عام (1400 ه / 1979 م) باستخدام القاعدة الجوية في مصر، لمهاجمة إيران من أجل إطلاق سراح المحتجزين في السفارة الأمريكية بطهران. استقبل شاه إيران محمد رضا بهلوي بعد خروجه من إيران على أثر انهيار حكمه. اغتيل في ما كان يشهد عرضاً عسكرياً في القاهرة، يوم (السادس من أكتوبر / تشرين أول عام 1981 م) على يد أحد الضباط والمدعو خالد الإسلامبولي.
4- (4) بلغ عدد المسلمين اليوم أكثر من ملياري مسلم.

فعلى الجميع أن يهتم بتوسيع المدينة لكي تستعد لاستقبال الملايين من الزوار، وذلك ببناء الفنادق الفخمة والشوارع الواسعة والطرق السريعة والمرافق العامة وسائر الخدمات للزوار. وهناك إحصائيات تقول بأنه في العام الماضي وفد إلى مشهد الإمام الرضا عليه السلام اثنا عشر مليون زائر.

وهكذا يلزم أن تكون قم المقدسة، بل أن يزداد عدد الزوار في مشهد وفي قم.

إذن يلزم بناء الأماكن لاستقبال الزائرين، وتقديم الخدمات لهم، علماً بأن هذا العمل يمكن أن يقوم به الناس، إذ ما أعطينا الحريات الكافية للشعب، وشجعنا رأس المال للاستثمار الصحيح، فإن الناس والمؤسسات الأهلية هم الذين يقومون ببناء الفنادق وأماكن استقبال الزائرين وما أشبه.

ونحن يلزم أن لا نكون أقل من الملحدين؛ ففي موسكو - على ما يقال - قام ستالين ببناء فندق ضخم يضم عشرة آلاف غرفة، هذا في حكم فندق الإلحاد والاستبداد والدكتاتورية والماديات، فكيف يلزم أن تكون الدول الإسلامية وخاصة التي تضم المزارات الشريفة.

المحور الرابع: التبليغ والإرشاد الديني:

إن مختلف الناس بحاجة إلى التبليغ والإرشاد، ومعرفة معالم دينهم، وعليه يلزم أن يعود كل زائر أتى إلى قم المقدّسة، سواء كان رجلاً أو

ص:170

امرأة أو طفلاً إلى وطنه بالزاد الروحي والمعنوي والتبليغ الديني والاستفادة من علوم أهل البيت عليهم السلام.

وهذه مسؤولية الجميع أيضاً، من المؤسسات التبليغية، وإدارة الروضة المعصومية، والحوزات العلمية، وغيرها، فإني أرى ضرورة أن يكون لكل مرجع من الفقهاء المراجع محطة إذاعية وتلفزيونية حتى يتم بواسطتها التبليغ والإرشاد الصحيح. وعند ذلك يمكن أن نحافظ على الشباب وإيمانهم.

إن الأديان والمذاهب الباطلة تدعو إلى دينها ومذهبها باستمرار وبمختلف الوسائل والامكانات الحديثة، أما نحن فأقل الناس عملاً، ألا يلزم أن يكون لنا تبليغ بالمستوى العالمي.

لو فرضنا أن عدد الفقهاء المراجع في قم المقدسة المعترف بهم من قبل الحوزة عشرة، فيلزم أن يكون لكل منهم محطة إذاعية وتلفزيونية، حتى يشتغل كل واحد بالتبليغ والإرشاد وطبع وتوزيع الكتب والكراريس والملصقات والنشرات وغيرها، حتى لا نرى بعدها الشباب المنحرفين.

إذن يلزم أن يكون العمل التبليغي بحيث إن كل شخص يزور قم المقدّسة يرجع منها بزاد روحي ومعنوي.

إن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأهل بيته الطاهرين والأئمة المعصومين عليهم السلام تركوا لنا جميع الجوانب الدينية والدنيوية، وكذلك الجوانب الروحية والجسمية، وما يضمن للإنسان سعادته في الدنيا والآخرة، ولكن يلزم علينا الاستفادة من بركات هذه الأنوار الطاهرة.

ص:171

الاغتيالات سياسة الطغاة:

وعلى كل، فإن الشيء الذي يملكه حكام الجور هو تلك الاغتيالات التي يقومون بها ضد المؤمنين الأبرياء إما بالسيف، وإما بالسم إن لم يمكنهم السيف، وكان أولهم معاوية الذي قام باغتيال مالك الأشتر (رضوان اللّه عليه) عن طريق سقيه السم بالعسل مما أدى إلى استشهاده، ولما وصل إليه خبر شهادة مالك قال مفتخراً: إن للّه جنوداً من عسل(1)! يعني أن ذلك العسل المسموم هو الذي قضى على مالك واعتبره معاوية أنه من جنود اللّه!

لكن العاقبة للمتقين، حيث ترى اليوم أن قبر مالك الأشتر في مصر أصبح مزاراً للمؤمنين، وقبر معاوية في سوريا عادي مزبلة، ولقد شاهدت بنفسي قبر معاوية وكيف أنها مزبلة.

وبعد معاوية فقد سلك حكام الجور من بني أُمية وبني العباس وغيرهم نفس الطريقة لأنها طريقة سهلة ربما لا يفهم بها كل أحد، فقتلوا أكثر الأئمة وذراريهم وأصحابهم بالسم.

توفيت مسمومة شهيدة:

الميرزا القمي رحمه الله صاحب القوانين المدفون بقرب الروضة المعصومية المباركة، له عدّة مؤلفات قيمة، أشهرها (قوانين الأُصول)، وله كتاب

ص:172


1- (1) راجع الاختصاص للشيخ المفيد: 81 مالك الأشتر.

آخر على شكل السؤال والجواب تحت عنوان: (جامع الشتات)(1) في ثلاث مجلدات، وهو كتاب فقهي كثير الفائدة وقداشتمل على بعض الفوائد الأُخرى. نقل المرحوم الميرزا في هذا الكتاب روايتين تدل على أن السيّدة المعصومة عليها السلام قد فارقت الحياة قبل الإمام الرضا عليه السلام.

حيث أرادت (سلام اللّه عليها) الالتقاء بالإمام الرضا عليه السلام، وأكبر ظني أنها توجهت بأمر الإمام عليه السلام نحو إيران، ثم ما أن وصلت إلى قم حتى فارقت الحياة.

فما كان السبب في وفاتها؟

في البحار: روى مشايخ قم أنه لما أخرج المأمون علي بن موسى الرضا عليه السلام من المدينة إلى المرو في سنة مائتين خرجت فاطمة أُخته في سنة إحدى ومائتين تطلبه فلما وصلت إلى ساوه مرضت، فسألت كم بيني وبين قم؟ قالوا: عشرة فراسخ، فأمرت خادمها فذهب بها إلى قم وأنزلها في بيت موسى بن خزرج بن سعد.

ثمّ قال: والأصح أنه لما وصل الخبر إلى آل سعد اتفقوا وخرجوا إليها

ص:173


1- (1) جامع الشتات في أجوبة السؤالات، المعروف ب «السؤال والجواب»، فيه ما صدرت منه من أجوبة المسائل بالفارسية أو العربية المتفرقة، وبعض رسائل مستقلة له، وقد جمعها غيره ورتبها على بابين: الباب الأول: في العقائد الدينية والمسائل الكلامية، وفيه الرد على الصوفية، والطعن على بعض مشايخهم، مثل بايزيد، والمولى الرومي، ومحيي الدين، وغيرهم في القول بوحدة الوجود، والعقول العشرة، وغير ذلك من عقائد اليونانيين، الباب الثاني: في الأحكام الشرعية على ترتيب الكتب الفقهية. مبتدأ بمسائل التقلية، ثم الطهارة إلى الديات.

أن يطلبوا منها النزول في بلدة قم، فخرج من بينهم موسى بن خزرج فلما وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وجرها إلى قم وأنزلها في داره فكانت فيها ستة عشر يوماً ثم مضت إلى رحمة اللّه ورضوانه، فدفنها موسى بعد التغسيل والتكفين في أرض له وهي التي الآن مدفنها وبنى على قبرها سقفا من البوراي، إلى أن بنت زينب بنت الجواد عليه السلام عليها قبة(1).

إذن توفيت (سلام اللّه عليها) على أثر مرض مفاجئ لم يذكر سبب لهذا المرض.

فما كان السبب في ذلك؟

عندما كنا في العراق قرأت كتاباً تاريخياً يذكر بأن المأمون العباسي كما قام بقتل الإمام الرضا عليه السلام بالسم، كذلك دس السم إلى السيّدة معصومة عليها السلام وهي في طريقها لزيارة أخيها بخراسان، فقد استشهدت هي بالسم أيضاً.

وأتصور أن هذا الرأي هو الصحيح، فإن التاريخ لم يذكر سبباً خاصاً في وفاة السيّدة معصومة عليها السلام من مرض مسبق أو ما أشبه، في الوقت الذي كانت تلك المخدرة قد رحلت عن الدنيا وهي في شبابها حيث كان عمرها (18) أو (20)، أو (28) سنة، من دون أن تكون مسبوقة بمرض أو علة.

ص:174


1- (1) بحار الأنوار 219:57-220، باب 36، حديث 49.

وطبقاً لنقل ذلك الكتاب فإن المأمون كان قد سمها (سلام اللّه عليها)(1).

كما قام المأمون بقتل اخوتها - بالسيف أو بالسم - في طريقهم لزيارة الإمام الرضا عليه السلام.

عند دفن السيّدة معصومة عليها السلام:

ورد في التاريخ أنه حضر دفن السيّدة معصومة عليها السلام اثنان من الفرسان الملثمين وقاما بدفنها(2)، ولعل لأنّ السيّدة لم يكن لها أقرباء في قم وكانت غريبة.

واحتمل أن يكون هذان الاثنان من إخوتها، فأحدهما الإمام الرضا عليه السلام والثاني أخوه، لأن الإمام الرضا عليه السلام كان له عدة إخوة، ويحتمل أن يكون الآخر هو الإمام الجواد عليه السلام(3).

ص:175


1- (1) أُنظر أيضاً كتاب (قم المقدسة رائدة الحضارة): 92، حيث يقول الإمام الشيرازي قدس سره فيه: فلما وصلت السيّدة معصومة عليها السلام إلى ساوة، تمرضت، وكان سبب مرضها عليها السلام كما في التاريخ أن المأمون كتب إلى عماله أن يدسوا لها السم الفتاك في طعامها، فأثر ذلك السم فيها، وضعفت عن مواصلة سفرها إلى خراسان، ولما أحست بالخطر، سألت عليها السلام من معها عن مقدار المسافة الباقية إلى قم....
2- (2) راجع بحار الأنوار 290:48، باب 12، حديث 9، والبحار 219:57، باب 36.
3- (3) وقد يكون الاحتمال الأخير ضعيفاً، وذلك لأن الإمام الجواد عليه السلام كان عمره الشريف حينذاك ست أو سبع سنوات. فإن ولادته في العاشر من شهر رجب عام (196 ه) أو (195 ه)، ووفاة السيدة معصومة عليها السلام في 10 ربيع الثاني (201 ه)، فتأمل.

روى العلّامة المجلسي رحمه الله في البحار: أنه لما توفيت فاطمة عليها السلام وغسلوها وكفنوها ذهبوا بها إلى بابلان ووضعوها على سرداب حفروه لها، فاختلف آل سعد بينهم في من يدخل السرداب ويدفنها فيه فاتفقوا على خادم لهم شيخ كبير صالح يقال له قادر فلما بعثوا إليها رأوا راكبين سريعين متلثمين يأتيان من جانب الرملة، فلما قربا من الجنازة نزلا وصليا عليها ودخلا السرداب وأخذا الجنازة فدفناها ثم خرجا وركبا وذهبا ولم يعلم أحد من هما، والمحراب الذي كانت فاطمة عليها السلام تصلي إليها موجود إلى الآن في دار موسى بن الخزرج(1).

وأما لسان حال فاطمة المعصومة عليها السلام:

تعنيتك يخويه ابگلب هايم گلبي طار من شفت العلايم

بيارغ سود والوادم محزنين ابحياة اللّه عليكم يالتنوحون

خبروني ابعزيزي او نور العيون مات ابحتف لو سمه المأمون

صاحوا سمه المأمون سمين صاحوا صيحة المهضوم بحزان

ما تدري شنگلچ يبت عدنان سمه ابعنب سمه ابماي رمان

صاحت آه يا لميت ابسمين(2)

***

يخويه العمر ما يسوه من اجفاك ويجفني اشمايهل دمعك من اجفاك

منهو الي حضر موتك من اجفاك الجواد ابنك اظن وكت المنيه

ص:176


1- (1) بحار الأنوار 219:57-220، باب 36، حديث 49.
2- (2) الروضة الدكسنية.

المصايب من صغر سني ولني حزينه ونخطف وجهي ولني

اجيت انشد على اعضيدي ولني سمعت اصباح مات بن الزچيه(1)

***

يخيِّ سلم عالمعصومه وحيه صوتك وصلّه الحيه وحيه

حيِّ فاطمة الزهرة وحيه وحي المرتضى حامي الحميّه

***

لطمية فاطمة المعصومة عليها السلام (يا فاطمة اشفعي لي بالجنة)

سيدتي ومولاتي يا فاطمه المعصومه اشفعي الشيعتچ بالجنه

تشفع النه انشا الله معصومه والشفاعه ابايدها مختومه

***

تشفع النه انشا الله بنت الطهر او تحضر النه بساعة اهوال الحشر

مثل حيدر جدها يحظر بالقبر والمحب ايعرفه من ارسومه

***

ص:177


1- (1) للشيخ عقيل الصيمري.

تشفع النه سيدتنه فاطمه مثل أُمها البشفاعه اموسّمه

بت رسول اللّه الشفيعه فاطمه تلتقطنه او ما تمسنه الحاطمه

الشيعه من نار الحشر مفطومه ***

تشفع النه بت علي خير العمل او للشفاعه كل محب عنده أمل

والّي ينكر هالشفاعه اشما عمل ما نجامل ما ضال بايمانه خلل

نطعن ابافكاره المسمومه ***

فاطمه المعصومه بنت الطيبين نحمد اللّه امجاوريها ابهالسنين

وابمحبتها ابشرف متمسكين والمصيبتها نهل دمعة العين

ابآه ماتت بالغرب مالومه ***

ماتت بغربه لمن سمعت خبر مصاب اخوها ذاك عنوان الفخر

ص:178

آه كل الآه من سهم الدهر السدد الچبد الرضا بسمومه

***

للرضا او لمصابچ انهل الدمع نعلن اشجان ابقلبنه المنفجع

او نذكر امصيبة المكسورة ضلع او نلعن الطاغي السطرها لو قومه

***

كل مصيبه تهون بس هذا المصاب الظالم الجاب الحطب واحرگ الباب

مصيبة المسمار محسن بالاعتاب انقول اللّه ايساعده الداحي الباب

بالوصيه امچتف او منلومه

***

ساعد اللّه قلبه من صاحت علي يسمع الزهره تنادي يالولي

او من درت مچتوف بوصية النبي صاحت ابفضه يفضه لحقي لي

او اجت فضه تساعد المظلومه ***

ص:179

الجار يا معصومه حقه عله الجار واحنه صار اسنين نعتز بالجوار

الأمل باللّه نرد يا بنت الأطهار القبر الحسين او صحن حامي الجار

انجدد مصاب الشهيد او يومه(1)***

ص:180


1- (1) لخادم الزهراء عليها السلام أبو منتظر ملا عزيز النعماني.

المجلس السادس: كرامتها عليها السلام

اشارة

وَكَم صَحَا بِها كَفاقِدِ البَصَر ثُمَّ أَعادَ عِندَهَا نُورَ النَّظر؟

ضَريحُها أَمانُ كُلِّ قاصِدٍ يَقصُدُها مَمها يَكُن مِن وافِدٍ

لأ نّها الكَريمَةُ المُباركَة تُنيرُ آفاقَ الدَّياجي الحالِكَه

بِنُورها استنارَ نُورُ المَعرِفَة مِن بَحرِها الطّامِي الجَميعُ غَارِفَة

لِذا تَرَى الحَوزاتِ فِي جِوارِهَا قَد أُنشِأَت تَغرِفُ مِن أَنوَارِهَا

فَنُورُهَا نُورُ النَبيِّ المُصطَفَى وَفَهمُهَا فَهمُ عَلِيِّ المُرتَضَى

مِن نُورِهَا سَمَاءُ قُم مُشرِقَة بالعِلمِ وَالفَضلِ سَمَهَا بارِقَة

تَقطُنُها الأَشرافُ والأَسيادُ مِن كُلِّ فَجٍّ يَأتِها الوُفّادُ

لاذَ بِها وَزَارَها الزُّهادُ جَاوَرها طُولَ المَدَى العُبّادُ

بِفاطِمٍ قُمٌّ تَسامَت شَرَفا مِن فَيضِ عِلمِهَا استَفاضَ العُرَفا

فِيها نَمَا العِلمُ وَزادَ بسطة حتّى غَدَت قُمٌّ لَهُ مَحَطَّة

مَوطِنُها مَحطَّةُ فِيها الشَّرف ما مَرَّ فِيها شَرَفٌ إلّاوَقَف

وَكُلُّ ذاكَ كَرمُ لِفاطِمَة مَن يَدُها تُطفئ نارَ الحاطِمَة

ص:181

بِفاطمٍ قُمٌّ غَدت لِلشيعَة مَلاذُها المأمولُ فِي الوَسيعة

فِيها أمانُ آخرِ الزَّمانِ مِن فِتنةِ الدّجالِ والشيطانِ

حافِظُها اللّهُ العزيزُ المُقتدر مِن كُلِّ سوء ظالم ومُبتدر

بُشرى ورودِ الرَّحمة العليَّة فاطِمَةَ بالنِّعمة الجليّة

لِقُمٍّ العاليةِ المُشرَّفة أنعِم بِها من بلدةٍ مُعرَّفة

بِعشِّ آلِ البيتِ والرّسُولِ صَلُّوا اخوتي عَليه من مأمولِ (1)

***

ورد في الحديث القدسي عن اللّه تعالى:

«عبدي أطعني تكن مثلي أو مَثَلي، أنا أقول للشيء كن فيكون وأنتَ تقول للشيء كن فيكون»(2).

وأيضاً ورد في الحديث القدسي عن اللّه تعالى:

«ما يتقرّب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، وانه ليتقرب إليّ بالنوافل حتى أُحبُّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذين يسمع به وبصره الذين يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها»(3).

ص:182


1- (1) لشاعر أهل البيت الشيخ عبد عباس الأسدي.
2- (2) خليفات كتاب مأساة الزهراء عليها السلام للسيّد جعفر مرتضى: 352/2، بحار الأنوار للعلّامة المجلسي: 164/10، مستند الشيعة للنراقي: 6/1.
3- (3) البحار: 22/67، جامع أحاديث الشيعة للسيّد البروجردي: 99/7، شرح أُصول الكافي: 88/1.

حقائق حول كرامات أهل البيت عليهم السلام

قد يتساءل البعض قائلاً: لماذا يؤكد البعض على ذكر الكرامات وعنايات أهل البيت عليهم السلام ومَن يرتبط بهم؟ أو ليس من الأفضل أن نركز على سيرتهم ومكارمهم بدل الاعتماد على الكرامات التي لا تغني المكلّف معرفتها شيئاً؟

وهل من الصحيح أن نسلّط الأضواء على العنايات والكرامات والحال أنّ العالم اليوم بلغ ما بلغ من التطوّر والتقدّم؟

في جواب مثل هذه التساؤلات نقول: إنّ التأكيد على عنايات أهل البيت عليهم السلام وكراماتهم له عدّة فوائد منها تقوية عقائد الناس بأهل البيت عليهم السلام وتوثيق علاقاتهم بهم خاصّة إذا كانت العنايات موثّقة وقريبة زماناً من الناس. من جانب آخر كثير من المنحرفين ممّن كانوا لا يعتقدون بأهل البيت عليهم السلام أو ينكرون مقاماتهم الرفيعة اهتدوا وصاروا من الموالين الخلّص ببركة هذه العنايات، والشواهد على ذلك كثيرة سنشير إلى بعضها في طيّات البحث.

بالإضافة إلى ذلك ذِكرُ كرامات أهل البيت عليهم السلام ومَن يرتبط بهم، وعناياتهم نوع من بيان مقاماتهم ومناقبهم للموالين وهذا في حدّ نفسه مطلوب، فالموالي مهما بلغ من العلم والمعرفة يبقى محتاجاً إلى الاعتقاد بمقامات آل الرسول صلوات اللّه عليهم لأنّها تربّى النفوس وتهذّبها وتطمئن القلوب بصحّة العقيدة وأحقّانية المعتقد.

ص:183

بالطبع التركيز على كرامات أهل البيت عليهم السلام لا ينافي التأكيد أيضاً على سيرتهم ومعارفهم وأما مسألة التقدم والتطور الذين يشهده العالم فهو الذي يدعو إلى التركيز على العنايات لا التخلّي عنها لأن العالم اليوم غارق في أمواج الماديّة ومتناسى لمعظم القيم الدينية، ولذا فهو بحاجة إلى مَن ينقذه من هذا الوضع المزرى، ولا نبالغ إذا ما قلنا إن تعرف العالم بكرامات وعنايات أهل البيت عليهم السلام له حصّة كبيرة في استنقاد البشرية من الماديّة وربطها بعالم المثل والمعنويات(1).

شرائط نيل عناية أهل البيت عليهم السلام

هناك عدّةُ أُمور ينبغي توضيحها للقارئ الكريم حول كرامات أهل البيت عليهم السلام وهي:

لا شك أنّ في ثبوت العنايات والكرامات لأهل البيت عليهم السلام دلالة واضحة على علو مقامهم وعظمة شأنهم عند اللّه عزّ وجل، فإنّ الباري تعالى لا يخصّ بكراماته إلّاأصحاب المقامات الرفيعة والدرجات العالية وهذا لا ينكره إلّاجاهل أو مغرض ضالّ.

من جانب آخر في بعض الأحيان لا تكتمل شرائط العناية من قبل أهل البيت عليهم السلام أو يوجد مانع دون عنايتهم أو مصلحة في عدم شمول الفرد لعناياتهم هذا لا ينافي كرمهم أو لطفهم بالعباد.

ص:184


1- (1) العنايات الخالدة للشيخ جاسم الأديب: 10.

ولذا ينبغي لنا أن نسعى دائماً في تحقيق الشرائط وتوفير الأجواء ثمّ نوكل الأمر إليهم.

أضف إلى ذلك أنّ شمول عناياتهم للبعض دون غيرهم لا يعني أنّ البقية غير مقبولين عندهم، فلربما كانت في البين مصلحة أو حكمة ما لا تقتضي منهم أن يشملوا الفرد بعنايتهم، بل إنّ الذين تشملهم عنايات أهل البيت عليهم السلام ليس من المحرز أ نّهم لصرف قضاء حاجتهم وتوفيقهم بالعناية صاروا أفضل من غيرهم، فقد شاءت الأقدار أن تتحقّق فيهم شرائط العناية، ومن المعروف أنّ كرم أهل البيت عليهم السلام واسع يشمل حتّى الذين لا يعتقدون بهم.

وإنّ أهم مسألة في قضية عنايات أهل البيت عليهم السلام هي معرفة الضوابط العامّة لنيل لطفهم والتوفيق لجلب عنايتهم وهذه من المباحث المهمّة التي تحتاج إلى تدقيق وإمعان نظر لكثرة فائدتها وشدّة أهميّتها.

أ مّا الضوابط فهي في الحقيقة غير واضحة، فإنّنا لا نعرف الملاكات الحتمية عندهم في عناياتهم ولا أتصوّر أنّ أحداً يدّعي معرفته الدقيقة بها، ومع ذلك فإنّ هناك بعض الضوابط المتصيّدة التي يمكن أن نعدها من الضوابط الظاهرية ومنها:

1 - الإخلاص لهم: كثيرة هي الأدلّة والشواهد الدالّة على عناية أهل البيت عليهم السلام للمخلصين لهم، فعلى مرّ التاريخ تجد أنّ المخلصين لأهل البيت عليهم السلام يحظون بتسديداتهم وعناياتهم الخاصّة.

ص:185

2 - التوسل الشديد: كما أنّ الإلحاح في الدعاء مطلوب ومحبّذ كذلك التوسل الشديد بأهل البيت عليهم السلام مطلوب وله دور كبير في التوفيق لنيل عناياتهم.

3 - تقديم الوجهاء إليهم: وهذا ملموس في سيرة المتشرّعة، فهم إذا توسّلوا بوجيه من الوجهاء يقدّمون بين يديهم وجيهاً عنده لينالوا حاجتهم، وكشاهد على ذلك تجد أنّ زوّار سيّد الشهداء عليه السلام يقدّمون بين يدي حاجاتهم باب الحوائج أبي الفضل العباس عليه السلام أو رضيعه المظلوم عبد اللّه الرضيع أو علي الأكبر أو يتيمة الشام السيّدة رقيّة عليها السلام.

4 - تهيأة المقتضيات للعناية: كأن يعقد المتوسل بهم مجلساً باسمهم ويدعو الموالين ويحيى ذكرهم فيتوسلون بهم في قضاء حوائجهم، أو ينذر صاحب الحاجة نذراً لهم وما شابه.

5 - السعي لرفع الموانع: ففي كلّ حال ينبغي لمن يريد أن يحظى بعنايات أهل البيت عليهم السلام أن يرفع موانع الفوز بهذا التوفيق، وإذا كان لا يعرف ما هي الموانع يراجع العلماء وأهل الفضل ويشاورهم في مسألة ويحاول تشخيص المانع ليرفعه(1).

اعتراف المخالفين بكرامات أهل البيت عليهم السلام والسيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام

بلغت عناية أهل البيت عليهم السلام حدّاً من الاستفاضة بل والتواتر حتّى أنّ

ص:186


1- (1) العنايات الخالدة للشيخ جاسم الأديب: 16.

مخالفيهم أشادوا بها وتعرّضوا لها في مصنّفاتهم، وكما يقال: الفضل ما شهد به الأعداء.

بطبيعة الحال إنّنا لم نذكر أقوال المخالفين لنبرهن على عنايات أهل البيت عليهم السلام فإنّ مخالفتهم لا تغيّر القضية شيء، وإنما من باب بيان إقرار القوم بهذه المناقب نستعرض بعض أقوالهم ومنها:

1 - ابن بطوطة: تعرّض ابن بطوطة في رحلته إلى زيارته لمدينة النجف الأشرف، فقال: ثمّ رحلنا من القادسية فنزلنا مدينة مشهد علي بن أبي طالب عليه السلام بالنجف وهي مدينة حسنة في أرض فسيحة صلبة من أحسن مدن العراق وأكثرها ناساً وأتقنها بناءً... وأهل هذه المدينة كلّهم رافضية. وهذه الروضة ظهرت بها كرامات لأنّ بها قبر علي عليه السلام.

فمنها أنّ في ليلة السابع والعشرين من رجب وتسمّى عندهم ليلة المحيا يؤتي إلى تلك الروضة بكلّ مقعد من العراقيين وخراسان وبلاد فارس والروم فيجتمع منهم الثلاثون والأربعون نحو ذلك، فإذا كان بعد العشاء الآخرة جعلوا فوق الضريح المقدّس والناس ينتظرون قيامهم وهم ما بين مصلّ وذاكر وتال ومشاهد للروضة.

فإذا مضى من الليل نصفه أو ثلثاه أو نحو ذلك قام الجميع أصحّاء من غير سوء وهم يقولون: لا إله إلّااللّه محمّداً رسول اللّه علي ولي اللّه.

ومن الناس في بلاد العراق وغيرها من يصيبه المرض فينذر للروضة نذراً إذا برئ ومنهم من يمرض رأسه فيصنع رأساً من ذهب أو فضة

ص:187

ويأتي به إلى الروضة فيجعله النقيب في الخزانة وكذلك اليد والرجل وغيرهما من الأعضاء خزانة الروضة عظيمة فيها من الأموال ما لا يضبط لكثرته(1).

2 - الشبراوي: عقد الشبراوي الشيخ عبد اللّه الشافعي (المتوفى 1172 ه) في كتابه «الاتحاف بحبّ الأشراف» باباً في مشهد رأس الحسين عليه السلام وذكر فيه زيارته وشطراً من الكرامات له وإحياء يوم الثلاثاء بزيارته.

فقال: والبركات في هذا المشهد مشاهدة مرئية، والنفحات العائدة على زائريه غير خفية، وهي بصحّة الدعوى ملية، والأعمال بالنية، ولأبي الخطاب بن دحية في ذلك جزء لطيف مؤلف، واستفتي القاضي زكي الدين عبد العظيم في ذلك، فقال: هذا مكان شريف وبركته ظاهرة والاعتقاد فيه خير والسلام.

وقال في ذكر الكرامات: منها أنّ رجلاً يقال له: شمس الدين القعويني كان ساكناً بالقرب من المشهد، وكان معلم الكسوة الشريفة حصل له ضرر في عينيه فكفّ بصره، وكان كلّ يوم إذا صلّى الصبح في مشهد الإمام الحسين يقف على باب الضريح الشريف.

ويقول: يا سيّدي أنا جارك قد كفّ بصري وأطلب من اللّه بواسطتك أن يردّ عليَّ ولو عيناً واحدة، فبينما هو نائم ذات ليلة إذا رأى جماعة

ص:188


1- (1) رحلة ابن بطوطة: 203-204.

أتوا إلى المشهد الشريف، فسأل عنهم فقيل له: هذا النبي صلى الله عليه و آله والصحابة معه جاؤوا لزيارة السيّد الحسين عليه السلام.

فدخل معهم ثمّ قال ما كان يقوله في اليقظة، فالتفت الحسين إلى جدّه صلى الله عليه و آله وذكر له ذلك على سبيل الشفاعة عنده في الرجل، فقال النبي صلى الله عليه و آله للإمام علي: «يا علي كحّله».

فقال: سمعاً وطاعة وأبرز من يده مكحلة ومردوداً وقال له: «تقدّم حتّى أُكحّلك» فتقدّم فلوّث المرود ووضعه في عينه اليمنى فأحسّ بحرقان عظيم فصرخ صرخة عظيمة فاستيقظ منها وهو يجد حرارة الكحل في عينه، ففتحت عينه اليمني فصار ينظر بها إلى أن مات.

فاصطنع البسط التي تفرش في مشهد الإمام الحسين، وكتب عليها وقفاً ولم تزل تفرش حتّى تولّى مصر الوزير المعظّم محمّد باشا الشريف من طرف حضرة مولانا السلطان محمّد خان نصره اللّه فجدّد بسطاً أُخرى وهي التي تفرش إلى الآن(1).

3 - قال محمد بن طلحة الشافعي في الإمام موسى بن جعفر عليه السلام: هو الإمام الكبير القدر، العظيم الشأن، الكبير المجتهد، الجاد في الاجتهاد، المشهور بالعبادة، المواظب على الطاعات، المشهود له بالكرامات، يبيت الليل ساجداً وقائماً، ويقطع النهار متصدّقاً وصائماً.

ولفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه دعى كاظماً، كان يجازى

ص:189


1- (1) الغدير للعلّامة الأميني: 187/5.

المسيء بإحسانه إليه ويقابل الجاني بعفوه عنه، ولكثرة عبادته كان يسمّى بالعبد الصالح، ويعرف بالعراق باب الحوائج إلى اللّه لنجح مطالب المتوسلين إلى اللّه به، كرامته تحار منها العقول، وتقضى بأنّ له عند اللّه تعالى قدم صدق لا تزلّ ولا تزول(1).

من كرامتها عليها السلام شفاء نصراني وتشيعه:

هذا وقد ذكر بعض المراجع على صفحاته كرامات للسيّدة العقيلة فاطمة... بالاضافة إلى الكثير من الخوارق التي تتناقلها الأفواه وتتداولها نقلة الأخبار، وهي سائدة وسائرة بين طبقات الفقهاء، والعلماء والأُدباء، بحيث لا يمكن حصرها في مجلدات إذا حاولنا تدوينها، وجمعها غير انّنا نكتفي بنقل بعض منها:

قال الفقيه الحجة المحدث الميرزا حسين بن الشيخ محمد تقي النوري الطبرسي المتوفى (1320 ه) ما لفظه:

ومن آيات اللّه العجيبة التي تطهر القلوب عن رجز الشياطين انه في أيام مجاورتنا في بلد الكاظمين عليهما السلام كان رجل نصراني ببغداد يسمّى يعقوب، عرض له مرض الاستسقاء، فرجع إلى الاطباء فلم ينفعه علاجهم، واشتد به المرض وصار نحيفاً ضعيفاً إلى أن عجز عن المشي.

قال: وكنت اسأل اللّه تعالى مكرراً الشفاء أو الموت، إلى أن رأيت

ص:190


1- (1) مطالب السؤول: 447.

ليلة في المنام، وكان ذلك في حدود الثمانين بعد المائتين والألف وكنت نائماً على السرير سيداً جليلاً، نورانياً طويلاً، حضر عندي فهزّ السرير، وقال: ان اردت الشفاء فالشرط بيني وبينك أن تدخل بلد الكاظمين عليهما السلام وتزور، فانك تبرء من هذا المرض، فانتهبت من النوم وقصصت روياي على أُمي، فقالت: هذه من الشيطان، وأتت بالصليب والزنار وعلقتهما عليّ ونمت ثانياً فرأيت امرأة منقّبة عليها ازارها فهزّت السرير وقالت:

قُم فقد طلع الفجر، ألم يشترط عليك أبي ان تزوره فيشفيك؟ فقلت:

ومن أبوك؟

قالت: الإمام موسى بن جعفر عليه السلام. فقلت: ومن أنتِ؟

قالت: أنا المعصومة اخت الرضا عليه السلام.

قال: فانتبهت متحيراً من أمري، ما اصنع؟ وأين أذهب؟

فوقع في قلبي أن أذهب إلى بيت السيّد الأيد الراضي البغدادي الساكن في محلة الرواق منه، فمشيت إليه، فلما طرقت الباب، نادى:

من أنت؟ فقلت: افتح الباب.

فلما سمع صوتي نادى بنته: افتحي الباب، فإنه نصراني يريد أن يدخل في الإسلام.

فقلت له بعد الدخول: من أين عرفت ذلك؟

فقال: أخبرني بذلك جدي عليه السلام في النوم، فاذهب بي إلى الكاظمين عليهما السلام وادخل بي على الشيخ الأجل الشيخ عبد الحسين الطهراني اعلى اللّه

ص:191

مقامه، فحكيت له القصة، فأمر بي أن يذهب إلى الحرم المطهر، فاذهوبا بي إليه واطافوا بي حول الشباك ولم يظهر لي أثر.

فلما خرجت منه تأملت هنيئة وعرض لي عطش، فشربت الماء فعرض لي اختلاط فوقعت على الأرض، فكأنه كان على ظهري جبل فحط عني وخرج نفخ بدني وبدل اصفرار وجهي إلى الحمرة ولم يبق فيَّ أثر من المرض، فرجعت إلى بغداد لآخذ مؤونتي من مالي، فاطلع أهلي وأقاربي؛ فاخذوني واذهبوا بي إلى بيت فيه جماعة فيها أُمي، فقالت لي: سود اللّه وجهك ذهبت وكفرت فقلت: ترين ما بقى من مرضي أثر؟ فقالت: هذا من السحر ونظر سفير الدولة الإنكليزية إلى عمي، وقال:

اذن لي أن أُودبه فإنه قد كفر اليوم وغدا يكفر جميع طائفتنا، فأمر بي فجردوني واضجعوني وضربوني بالآلة المعروفة بقر پاچ وهو مشتمل لشعب من السيم الموضوعة على رأسه شبه الابر، فجرى الدم من أطراف بدني ولكن لم يؤثر فيه من جهة الوجع والألم إلى أن أوقعت أُختي نفسي عليَّ فكفوا عني وقالوا لي: اقبل على شأنك، فرجعت إلى الكاظمين عليهما السلام ودخلت على الشيخ المعظم، فلقنني الشهادتين وأسلمت على يديه، فلما كان وقت العصر بعث المتعصب العنيد والي بغداد نامق پاشا رسولاً إلى الشيخ ومعه كتاب فيه: أن رجلاً أتى إليك ليسلم وهو من رعايانا وتبعة الافرنج، فلابد ان يسلم عند القاضي فأجابه بأن الذي ذكرته أتى عندي، ثم ذهب لشأنه واخفاني وابعثني إلى كربلا واختتنت

ص:192

هناك، وزرت المشهد الغروي ورجعت، ثم ابعثني مع رجل صالح من أهل اصطهبانات من توابع شيراز إلى العجم، وكنت في القرية المذكورة سنة، ثم رجعت إلى العتبات.

فلما دخلت بلد الكاظم عليه السلام تحرك في عرق الرحم، واشوقت إلى لقائهم وذكرت ذلك للشيخ الأجل الأفقه الشيخ محمد حسن الكاظمي المدعويين جعله اللّه في درعه الحصين فمنعني، وقال: اخاف أن يلزموك فاما أن تعذب أو ترجع إلى النصرانية، فرجعت عن قصدي ورأيت في تلك الليلة في النوم كأني في بريّة واسعة مخضرة من النبات وفيها جماعة من السادة وكان رجل واقف فيها فقال لي: لم لا تسلم على نبيك؟ فسلمت عليهم فقال لي أحد السيّدين اللذين كانا مقدمين على جمعيهم: أتحب أن ترى أباك فقلت: نعم فقال لذلك الرجل:

اذهب به إلى أبيه ليراه، فاذهب بي فرأيت جبلاً مظلماً يستقبلني، فلما قرب مني استحر الهواء، فصار مثل الصيف وارتفع صوت وفتح منه باب صغير يشتعل ناراً يصيبني شررها واسمع من داخله صياح انسان وكان أبي، فاستوحشت فردّني إلى السادة، وكانوا يضحكون عليَّ وقالوا:

أتريد أباك بعد هذا، فقلت: لا ثم أمروا بي أن اغتمس في حياض كانت هناك وهي سبعة؛ فاغتمست بأمرهم في كل واحد منها ثلاث مرات، ثم أتى لي بثياب بيض فلبستها وانتبهت من النوم، فرأيت بدني يحك وخرجت من محل جميعه دماميل كبار وذكرت ذلك للشيخ الأجل، فقال: ذلك مما في بدنك من لحم الخنزير واثر الخمر يريد اللّه أن يطهرك

ص:193

منه لما اسلمت، وكان يخرج منها القروح إلى أُسبوع وانصرف عن عزمه زيارة أهله ويرجع إلى محل هجرته وتزوج فيه واشتغل بذكر قراءة مصايب أبي عبد اللّه عليه السلام وهو الآن به، وله أهل وأولاد، وتشرّف في خلال تأليف الكتاب مع أهله بزيارة أئمة العراق عليهم السلام ثانياً، ثمّ رجع كثر اللّه تعالى أمثاله وأصلح باله وأحسن مآله(1).

المرعشي ينظر إلى جثمانها الطاهر عليها السلام:

نقل لي المرجع الديني آية اللّه العظمى السيّد المرعشي النجفي رحمه الله، أنه في قصّة دخل السرداب التي دفنت السيّدة معصومة عليها السلام فيه، فرأى جثمانها الطاهر وكأنها دفنت في نفس اللحظة حيث كان البدن الشريف طرياً وذلك بعد أكثر من ألف سنة(2).

ص:194


1- (1) دار السلام 169:2-172.
2- (2) للتفصيل أُنظر كتاب (قم المقدسة رائدة الحضارة): 200-201 للإمام الشيرازي. وفيه: نقل لي آية اللّه السيّد المرعشي النجفي رحمه الله: أن شقوقاً حدثت في اسطوانات الروضة المباركة للسيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام، تلك الاسطوانات التي تعتمد عليها القبة الذهبية المنورة، فاستدعي المعمارون لترميم الشقوق وإصلاح الاسطوانات، فقال المعمارون: لأجل الاطمئنان من أن هذه الشقوق الحادثة في الاسطوانات سطحية، وليست عميقة، لابد وأن ينزل أحد إلى السرداب المحيط بالقبر الشريف، ويستعلم حال السرداب والجدران والأعمدة التي تعتمد عليها الاسطوانات. فانتخبوا جماعة من السادة، ومن بينهم السيّد المرعشي، للنزول إلى داخل السرداب حيث القبر الشريف، فنزل السيّد المرعشي ومن معه من السادة، وإذا بهم يرون السيّدة فاطمة

وكيف لا يكون كذلك وقد رأي جثمان القطب الراوندي(1) المدفون في صحن فاطمة المعصومة عليها السلام طرياً، وذلك عند بناء الصحن الشريف حيث انهدم قبره وظهر جسد الراوندي طرياً بعد سبعمائة عام.

الاهتداء بنور قبرها عليها السلام:

فقد نقل متواتر عن المرحوم السيّد محمد الرضوي أحد خدّام الحرم المطهّر، قال: في ليلة رأيت السيّدة المعصومة عليها السلام في عالم الرؤيا وهي تقول: قم وأضيء مصابيح المنائر، فانتبهت من نومي، ونظرت إلى الساعة فرأيت أ نّه بقي أربع ساعات إلى أذان الصبح، فعدت إلى النوم ثانية، فرأيت نفس الرؤيا بعينها، ولكني عدت إلى النوم، وفي المرّة الثالثة رأيت نفس الرؤيا وقالت لي بغضب: ألم أقل لك أن تقوم وتضيء مصابيح المنائر؟ فقمت وأضأت المصابيح، وكان الجوّ شديد البرودة

ص:195


1- (1) قطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة اللّه الراوندي، فقيه محدث شاعر أديب، له مصنفات جليلة منها: الخرائج والجرائح، وقصص الأنبياء، وفقه القرآن، وغيرها، وينقل له كرامات.

والثلج يتساقط بغزارة وقد غطّى الأماكن. وفي اليوم التالي كان الجوّ صحواً، وكنت واقفاً في الصحن المطهّر فرأيت جمعاً من الزوار يتحدّثون وأحدهم يقول للآخر: كم يجب علينا أن نشكر هذه السيّدة، ولو تأخرت إضاءة المصابيح دقائق معدودة لهلكنا من شدّة البرد.

فتبيّن أنّ هؤلاء الزوّار على إثر تساقط الثلج بغزارة واختفاء معالم البلد قد ضلّوا الطريق، وبقوا في وسط الصحراء، ولكن لمّا أمرتني السيّدة بإضاءة المصابيح بانت معالم المدينة لهم وأوصلوا أنفسهم إليها، ونجوا من أذى البرد وشدّته.

ومنها: ما نقله من كتاب قصص العلماء للميرزا الحاج محمد التنكابني المتوفى سنة (1302 ه) قال: في إحدى زياراتي لحرم السيّدة المعصومة عليها السلام مرض ولدي وزوجتي مرضاً شديداً، وأشرفا على الموت، فجئت إلى حرم ابنة باب الحوائج، وقلت: نحن جئنا من مكان بعيد ولذنا بباب بيتك، ولا نتوقّع أبداً أن نرجع من عندك بالحزن ورغم الأنف والخيبة، وفي نفس تلك اللحظة شفي كلا المريضين وأنقذا من حافّة الموت.

شفاء الأذربيجاني من آلام رجله:

ومنها: ما نقل عن المرحوم الحاج الشيخ محمود علمي الذي كان متولياً على المدرسة الفيضية من قبل آية اللّه البروجردي، أ نّه قال: في زمان المرحوم آية اللّه الحائري مؤسس الحوزة العلمية في قم المتوفى

ص:196

في (17 ذي القعدة) سنة (1355 ه)، كنت أرى شخصاً عاجزاً لا يستطيع أن يجمع رجليه، وكان يتّكىء على يديه ويسحب بدنه زاحفاً على الأرض، وكان يأتي على هذه الحالة إلى الحرم للزيارة من دار الشفاء عن طريق المدرسة الفيضية. فسألته يوماً عن حاله، فقال: أنا من أهل القفقاز (آذربيجان) وعروق رجلي يابسة، ولا قدرة لي على المشي، وقد زرت مشهد الإمام الرضا عليه السلام للاستشفاء ولكن بلا فائدة، فجئت ولعلّي أجد الشفاء هنا.

وكان من المتعارف في ذلك الوقت أ نّه إذا حدثت كرامة من كرامات السيّدة المعصومة عليها السلام تضرب النقّارة ويسمع صداها إعلاماً لعامة الناس بما وقع.

وفي ليلة من ليالي شهر رمضان رأيت النقّارة تضرب، وسمعتهم يقولون إنّ السيّدة المعصومة قد شافت شخصاً مصاباً بالفلج.

كنت مع بعض الأصدقاء في سفر إلى (أراك) وركبنا عربة تجرّها الخيول، وخرجنا من قم إلى (أراك) فلمّا وصلنا إلى مسافة تبعد عن أراك ستة فراسخ وإذا بنا نرى ذلك الشخص الكسيح العاجز عن المشي ورجلاه سليمتان وقد عوفي من مرضه تماماً، وكان عازماً على زيارة كربلاء مشياً على قدميه، فأركبناه في العربة معنا حتى أوصلناه إلى أراك. ومنها: ما نقله عن صاحب كتاب أنوار المشعشعين أنه قال: أذكر أن جملاً قد آذاه صاحبه، فالتجأ إلى حرم السيّدة المعصومة، وبرك مستريحاً في أسفل الإيوان حتى جاء صاحبه وأخذه.

ص:197

ولا عجب من كرامات أهل البيت عليهم السلام، فإنهم ملجأ الخائفين وأمان المروّعين.

شفاء أقدام زوجة خادم الروضة المعصومية:

يقول السيّد شريفي مسؤول قسم مستودعات الأحذية في مرقد السيّدة المعصومة عليها السلام:

ذكر أحد العمال الفخريين لمستودع الأحذية والعزيز علينا:

كانت زوجتي تعاني من آلام عصيبة في أقدامها منذ عدة شهور، راجعنا خلالها عدّة أطباء، غير أنهم أعلنوا عجزهم عن معرفتهم لمرضها وتشخيصه وعلاجه.

آنذاك شعرت بالإحباط واليأس. واتجهت ذات يوم لأرتدي الزي الخاص حين ممارستي لعملي في الروضة المطهرة فوجدته وسخاً.

فالتفت لزوجتي قائلاً:

لماذا لم تغسلي معطف العمل؟ فانفجرت بالبكاء وقالت: - إني لم أعد أقوى على الوقوف على أقدامي. مضى الكثير على خدمتك في مرقد السيّدة المعصومة وأنت تعمل في مستودع الأحذية خادماً لها.

فالتمسها الشفاء لأقدامي!

لقد هزّتني زوجتي بكلامها، مما جعلني أشعر بالخجل أمام نفسي، فأخذت أحدثها عن سبب هذا التقاعس في الاستغاثة بها عليها السلام منذ البداية.

اتجهت نحو المرقد الشريف، وحين وصلت إلى مستودع الأحذية اختليت مع نفسي بضع دقائق. وأخذت بالبكاء وكلمت السيّدة

ص:198

المعصومة عليها السلام بلهجة عامية بعيداً عن التكلف قلت: يا سيدتي، إذا لم تشفي زوجتي من آلام قدمها، فإنني سوف أترك العمل في خدمتك؛ لأنني سوف أضطر للبقاء في البيت لأعتني بزوجتي.

وبعد أربع ساعات من العمل في مستودع الأحذية، غادرت العمل متجهاً نحو البيت فذهلت لرؤية زوجتي الّتي هرعت لاستقبالي وهي باكية. فاستغربت لذلك لأنّ زوجتي منذ مدة طويلة وهي لا تقوى على السير على أقدامها لبضع خطوات، وزاد استغرابي وحيرتي حين وجدت البيت نظيفاً مرتباً. فسألتها: ماذا حدث؟ فأجابت:

بعد مغادرتك المنزل، ذهبت لأستلقي على فراشي لمدة ساعة، فإذا بي أرى في عالم الرؤيا سيّدة جليلة دنت مني ومسحت بيدها على أقدامي وقالت:

عاملنا فلان في مستودع الأحذية قادم الآن، وكان قد طلب مني شفاءك.

فانهضي ونظفي البيت واغسلي ملابسه وأخبريه أني لا أغفل لحظة واحدة عن أحوالكم.

دعوات السيّدات المنقبات:

يقول السيّد بهرام علي پور، أحد عاملي مستودع الأحذية التابع لحرم السيّدة المعصومة عليها السلام:

لقد عشت فترة عصيبة وظروفاً بالغة الصعوبة حين كنت عاملاً بسيطاً

ص:199

في إحدى القرى التابعة لمدينة تبريز(1)، وذات ليلة وإثر التعب والإرهاق الذي ألم بي غلبني النعاس، فرأيت في المنام بعض النسوة المنقبات اللاتي قلن لي: إننا نتقبلك عندنا. وفجأة أفقت من النوم وكلما حاولت أن أجد تفسيراً لحلمي لم أستطع.

وبعد انقضاء فترة قررت الذهاب إلى المدينة وانتخاب مدينة أُخرى، وعلى ضوء ذلك اقترح كل فرد من أفراد العائلة مدينة معينة، وفجأة ودون تفكير مسبق، قلت: - ما رأيكم بمدينة قم؟ رحب الجميع بالفكرة، ثمّ قدمنا إلى مدينة قم دون أي تصميم أو قرار مسبق، وبقيت عدّة أيام أبحث عن عمل مناسب في مدينة قم إلى أن ذهبت ذات يوم إلى إدارة التولية المسؤولة عن توظيف وتعيين العاملين وكذلك شؤون الروضة المعصومية وسألتهم: - إنني أرغب في العمل في خدمة السيّدة المعصومة عليها السلام فهل تقبلوني؟ فقبلت. وبدأت العمل منذ اليوم التالي، ثمّ أصبحت موظفاً وقد مضت الآن مدّة خمسة وعشرين عاماً وأنا في خدمة السيّدة المعصومة عليها السلام والروضة المعصومية، وإني لأعلم جيداً بأن السيّدة المعصومة عليها السلام كانت من بين تلك السيّدات المنقبات.

الخلاص من السجن:

قال السيّد شريفي مسؤول قسم مستودعات الأحذية للعاملين الفخريين:

ص:200


1- (1) تبريز إحدى المدن الإيرانية الّتي تمثل مركز أذربيجان الشرقية.

أن أحد خدام وموالي أهل البيت عليهم السلام:

في عام 1993 م، وفي حين العودة من مأمورية عملي تسببت في حادثة اصطدام سيارة أودت بحياة امرأة عجوز، وبما أن الحادث كان في شهر محرم الحرام، فلقد حكمت المحكمة بدفع (350) ثلاثمائة وخمسين ألف تومان كدية، وقد أُمهِلتُ عامين لتهيئة المبلغ المذكور، ثمّ تضاعف المبلغ بعد عامين ليصبح (950) تسعمائة وخمسين ألف تومان، ولأنني لم أستطع دفع المبلغ فقد ارتفع إلى 1/200/000، مليون ومائتي ألف تومان، وقد طرقت جميع الأبواب فوجدتها موصدة، ولم أجد شخصاً أعرفه إلّاوعرضت عليه مشكلتي ولكن دون جدوى.

وبما أن عائلة المتوفاة مصرّة على دفع الدية فقد تقرر دخولي إلى السجن في حالة عدم دفعي للمبلغ، في إحدى الليالي أعلن أحد مسؤولي الحرم المطهر أن الليلة تقام مراسم تنظيف وإزالة الغبار عن ضريح السيّدة المعصومة عليها السلام، وقد حالفني الحظ في المشاركة في هذه المراسم المقدّسة، ودخلت داخل الضريح فجعلت رأسي على القبر الطاهر وبكيت بكاءً عالياً، وأخذت أكلمها بلهجة عامية أشكو لها همي، وقلت لها: إن لم استطع تهيئة المبلغ فسوف أسجن، ولم يعد لي مكان هنا ولن استطيع القيام بخدمتك.

بعد الانتهاء من العمل اتجهت نحو البيت، وفي المنام رأيت نفسي في حرم السيّدة المعصومة عليها السلام وقد أعطيت ورقة خضراء من قبل سيّدة جليلة وقالت: لا تيأس ولا تحزن، وبعد مرور عدّة أيام من هذا المنام

ص:201

قمت ببيع أثاث منزلي بقيمة (200) مائتي ألف تومان، ثمّ رأيت أحد الأصدقاء، وسألني: ماذا فعلت بالنسبة لقضيتك؟

لقد كنا في ذكرك في المنزل، فهل حلت أم لا؟ فقلت: كلا، وإن لم أستطع تهيئة المبلغ وهو مليون تومان فسوف أدخل السجن، حينها ذكر لي أحد أصدقائه وكان رجلاً خيّراً فطلب مني أن أُدون تفاصيل قضيتي في ورقة كي يحملها إلى صديقه المذكور، فنفذت ما طلب مني.

وبعد مرور مدّة من ذلك اللقاء واقتراب موعد المحكمة بحيث لم يبق لدي سوى يومين بالضبط من المهلة التي أعطيت لي، إذا بساعي البريد يطرق بابي ويخبرني: وصلت إليك ورقة شيك باسمك من طهران، وعندما استلمت (الشيك) وجدت المبلغ المرقوم (800) ثمانمائة ألف تومان وهو بالضبط المبلغ الذي كنت بحاجة إليه ولم أكد أصدق ما يجري من حولي. وهكذا خلصتني كريمة أهل البيت من المأزق الذي وقعت فيه والذي كاد أن يؤدي بي للسجن، حين عجز الجميع عن مدّ يد العون والمساعدة.

شفاء قدم الخادم:

يقول السيّد شريفي أحد خدام في الحرم الشريف ومسؤول قسم مستودعات الأحذية الخاص بالروضة المقدّسة: عن أحد خدام حرم السيّدة المعصومة أنه قال: كنت أعاني من آلام في مفصل الركبة، فراجعت عدّة أطباء نصحوني باستعمال بعض الأدوية والعقاقير، ولكن بلا جدوى.

ص:202

وفي أحد الأيام وأنا ذاهب إلى محل عملي في مستودع الأحذية رقم (13) الواقع بين المسجد الأعظم ومسجد بالا سر [أي مسجد فوق الرأس الشريف] اغتنمت الفرصة التي كنت فيها غير مشغول بالعمل وأخذت أتوسل بالسيّدة المعصومة عليها السلام وقلت: يا مولاتي إنّني أكره أن أرى نفسي عاجزاً عن أداء وظيفتي وخدمتي في حرمك المطهر، وأنحني وأستقيم في خدمة زوارك حتى ولو نصف ساعة، أود التشرف في الخدمة لك، ثم انصرفت من مستودع الأحذية لأُجدد وضوئي ثم دخلت إلى الحرم المطهر وصليت ركعتين، ثمّ اقتربت من ضريح السيّدة المعصومة عليها السلام ووضعت رأسي على ضريحها وبكيت، وقد راودني خشوع خاص ثم عدت إلى عملي في مستودع الأحذية وأتممت عملي.

وبعد الانتهاء من عملي اتجهت نحو البيت، وحين خلدت للنوم رأيت في المنام أنني في الحرم المطهر إلى جانب سيدي ومولاي الإمام الرضا عليه السلام ثمّ جلسنا في مكان معين وإذا بسيدي يضع يده على قدمي، وتكلم معي قليلاً فشعرت أني لم أعد أتألم من قدمي، وحين أفقت لأداء فريضة الصبح لم أجد أي أثر لوجع قدمي، وقد اختبرتها بكل الحالات والاتجاهات، فبكيت فرحاً وفجأة رددت هذه الكلمات مع نفسي:

رحابة هذا الحرم من الكعبة أكثر ومقدم على غيره كل من كان قلبه كسيراً أكثر

ص:203

شفاء ابن الخادم:

يقول السيّد مختار شعباني، أحد خدّام وخطباء أهل البيت عليهم السلام:

كان لديّ طفل عمرهُ عامان، وكان مريضاً جداً وأردت أخذه إلى الطبيب، ولكن الساعة كانت متأخرة والعيادات الشخصية مغلقة، مع ذلك قلت لزوجتي: لا حاجة لمجيئك معي للمستشفى سأحمله بمفردي، أحضر لي بطانية أو شرشفاً كي أغطي الطفل لئلّا يبرد.

وجئت بالطفل مباشرة إلى الحرم المطهر للسيّدة المعصومة عليها السلام بدلاً من الطبيب، ووضعت الطفل على الأرض إلى جانب الضريح، ورقدت إلى جانبه وخاطبتها:

أُريد شفاء طفلي منك فأنت الطبيب الحقيقي لي فإن لم تشافيه فإني أُقسم عليك بأبيك موسى الكاظم عليه السلام وبقلب الجواد الحزين عليه السلام فلينقلوا أجسادنا من حرمك المطهر بعد لحظات رأيت الطفل قد نهض وأخذ يمشي.

وعندما عدت إلى البيت قلت لزوجتي: لقد أخذته للطبيب، فقالت:

وأين الأدوية؟ فلم أملك جواباً لها مع أني لم أُكذب عليها، فأطلعتها على الحقيقة وقلت: لقد أخذت الطفل إلى السيّدة المعصومة عليها السلام وتفضلت عليّ وشفته. فقالت زوجتي وهي باكية: عند ذهابكم رقدت قليلاً فرأيت في المنام سيدة تقول لي: انهضي! فقد جاء زوجك وطفلك الذي شافيناه.

ص:204

التفاتة إلى آية اللّه العظمى السيّد المرعشي النجفي رحمه الله:

يقول السيّد أصغر خادم، أحد خدّام كريمة أهل البيت عليهم السلام:

عندما كان آية اللّه العظمى السيّد المرعشي النجفي على قيد الحياة، فإنّه كان كلما تشرف بزيارة السيّدة المعصومة عليها السلام كان رحمه الله كثيراً ما يأمر وينهي الخدمة قائلاً: اعملوا لا تجلسوا بدون عمل!

وفي إحدى الليالي رأى رحمه الله في عالم الرؤيا السيّدة المعصومة عليها السلام تقول له: يا شهاب(1)، لا تكثر من التشدد على الخدمة فإنهم مجدون في العمل، انظر ما بين اصبعي هاتين الاثنتين!

يقول السيّد المرعشي رحمه الله: وحين نظرت بين اصبعيها شاهدت جميع الخدمة مجدين ودؤوبين في الخدمة والعمل، ومنذ ذلك الحين لم يعد السيّد المرعشي رحمه الله يتشدد مع الخدمة.

مسامحة الخادم وانتباه الزائر:

يقول السيّد مختار شعباني أحد خدّام وخطباء أهل البيت عليهم السلام: كان الساعة حوالي الحادية عشرة والنصف وإذا بعدد من الأشخاص جاؤوا للزيارة، فقلت لهم: إن الحرم يغلق في الساعة الحادية عشرة ولا يحق لنا بعد هذه الساعة استلام الأحذية من الزائرين، هذا الدستور من قبل جهات عليا، فاهبوا الليلة وتعالوا في الفجر في الساعة الثالثة والنصف حين يفتح الحرم؟

ص:205


1- (1) الاسم الأول للمرحوم آية اللّه العظمى السيّد المرعشي النجفي.

فلم يعيروا لكلامي أهمية ثم ارتفع صوتهم وعلا وأساؤوا الأدب ولم أجبهم سوى أن قلت لهم: إنكم قادمون لزيارة السيّدة المعصومة عليها السلام في حين أنكم لم تحفظوا حرمة خادمها واحترامه.

إذهبوا إلى (إيوان المرايا) وسلموا عليها وتأكدوا أنها سوف ترد سلامكم.

وإن لم ترد لكم السلام فاللعة عليَّ، فقال أحدهم للآخرين: إن هذا الخادم بأدبه وأخلاقه نبهنا إلى خطئنا، ثم ذهبوا.

وكان هذا الحادث قد جرى في فصل الربيع، وبعد عدّة أشهر وفي فصل الخريف جاء ثلاثة أشخاص فقال أحدهم: نعم، إنه هو خادم ذلك اليوم، ثمّ دخلوا للزيارة وعند عودتهم قال أحدهم والذي كان أكبرهم سناً: أيها الخادم المحترم، أرجو أن تسامحنا!

فقلت: وماذا فعلتم؟ فقال: إنني والد الفتى الذي قبل أشهر قد أساء إليك، وقد شاهد ولدي في المنام السيّدة المعصومة عليها السلام تقول له: قدمتم إليّ وسلمتم ورددت عليكم سلامكم، فلماذا أسأتم الأدب في حق خادمي ولم تحترموه.

إذهبوا إلى قم واطلبوا السماح منه وبراءة الذمة فإن لم تفعلوا فإنكم لستم من شيعة والدي موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام. فقلت للرجل الحسن: أقسم بالسيّدة المعصومة عليها السلام بأنني سامحته ولم أحمل عليه حقداً ولا ضغينة. واعلموا أنّ السيّدة المعصومة عليها السلام لا تغفل لحظة واحدة عن خادميها.

ص:206

ولادة في الحرم المطهر للسيّدة المعصومة عليها السلام:

يقول السيّد محمد فرخي أحد خدمة السيّدة المعصومة عليها السلام والذي أمضى ثلاثة وثلاثين عاماً بالتشرّف بخدمة السيّدة المعصومة عليها السلام:

في إحدى الليالي وفي صحن أتابك والآن اسمه صحن الإمام الرضا عليه السلام و (اتابك) اسم أحد الوزراء المدفونين في هذا الصحن يقول:

رأيت امرأة تجلس أمام مستودع الأحذية الخاص بالرجال والذي ربط الآن بمسجد الطباطبائي، وكان المكان الذي تحت قدمها يحتاج إلى تطهير فدنوت منها وقلت لها: المعذرة يا سيدتي! أرجوك القيام من هذا المكان لأنني أُريد غسله (تطهيره) فأطرقت برأسها حياءً ولم تتفوه بأي كلمة، وفي هذه الأثناء جاءت سيدة ترتدي عباءة واقتربت مني وقالت: أيها الخادم إن هذه المرأة على وشك الولادة فأرجوك جلب مقص ومقداراً من الخيط، فذهبت على الفور وجلبت لها ما أرادت وقامت بعض السيدات بتغطيتها بالعباءات فولدتها القابلة وولد الطفل وقد اتصلنا بالإسعاف الفوري فأرسلوا على وجه السرعة سيارة الإسعاف وحملوا المرأة وطفلها، وقد كانت القابلة واقفة إلى جانب زوجها قرب إدارة نظم الحرم، وكنت إلى جانب السيّد عباس فتحي، فدنونا من القابلة وقلنا: نحن بصفتنا خدمة السيّدة المعصومة عليها السلام فإننا نشكرك على إنقاذ حياة زائرتها فأجابت: إنني قابلة في مستشفى بمدينة شهركرد كنا قد قررنا اليوم أنا وزوجي (العودة إلى مدينتنا) وقد قلت لزوجي:

تعال نذهب مرة أُخرى للحرم المطهر فقال لي: هذا غير ممكن لأننا حجزنا تذاكر السفر بالاضافة إلى أنّ اجازتك قد انتهت ولكنه عندما

ص:207

رأى اصراري وافق على الذهاب إلى الحرم المطهر، وعند دخولنا إلى الحرم وجدنا ازدحاماً شديداً عند ضريح السيّدة المعصومة عليها السلام فاضطررنا إلى ترك الحرم والمجيء إلى الصحن، وقد رأينا هذه المرأة وهي في حالة ولادة فأسرعنا لمساعدتها.

وبعد أن قصت علينا ما جرى ودعتنا هي وزوجها ثم ذهبا وبقيت أنا والأخ عباس فتحي نذكر دائماً ولا ننسى أبداً الطفل الذي ولد في حرم السيّدة المعصومة عليها السلام وكيف هيأت له السيّدة المعصومة عليها السلام قابلة كي تلده أُمه.

لطمية عن فاطمة المعصومة عليها السلام

أرى قبراً... به الزهراء... أم المعصومة الحيرى

همت وابعالم أفكاري اوگفت بالونّه والدمعه

ابأرض قم وأشوف الناس كلها بلوعه مجتمعه

انحمل نعش واجه الناعي يصيح بفاطمه وينعه

احسبتها فاطمه الزهره اطلعت من فاطمه بضعه

لها يسعى.. لكي ينعى.. فؤادُ خديجة الكبرى

***

اسألت هذا النعش المن أظنّه ايخُص بني هاشم

صحت منهو اليجاوبني وسمعت اجواب هالوادم

ص:208

هاي اخت الرضا ماتت هاي اوديعة الكاظم

گضت مظلومه يالسائل مثل أُمها الطُهر فاطم

وللضلع.. جرى دمعي.. وعيني لم تزل عبرى

***

الأرض لو بلقع اخضرّت إذا بدموعي تتروّه

على المعصومه والهفي وفلا حول ولا قوّه

قسى المأمون ويّاها وسف وابغدرته اشسوّه

الأصل ذاك الهجم على الدار ولا شك الفرع هوّه

فبالسّمِ.. غدت تُهمي.. دموعاً تختمُ العمرا

***

الدمع يتعثّر ابخدّي وأغص ابشهگة الأنفاس

بني العباس ما تملك لا من ذمّه لا إحساس

النبي لو تحچي يگربها اگطعت گلب النبي يا ناس

شياطين الإنس صارت أعوذ من بني العباس

فكم قاست.. وكم عانت.. سميّةُ فاطم الغرا

***

اجه الجثمان للمدفن يريت ابگبري جثماني

وگبل أچفان هالحره يريت انسجت اچفاني

اجو شخصين دفنوها يآزر الواحد الثاني

بلثام العصمه متلثمين والهم نور رباني

جهلتهما.. وربهما.. وبسرهما هو الأدرى

ص:209

اعله هالدفانه اتسائل إذا دفانه تتسمّه

گلت هذا علي اتعنّه ومحمد اعتقد يمّه

علي بن موسى لو هذا علي الكرار اجه ابهمّه

الجواد ابنه محمد لو محمد مرسل الأُمّه

من الآتي.. بآهاتِ.. يواري في الثرى البدرا(1)

***

ص:210


1- (1) لشاعر أهل البيت الأخ علي السقاي حفظه اللّه تعالى.

المجلس السابع: حول الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام

اشارة

رَحلُوا وما رَحلُوا أُهيلُ وِدادي إلّا بِحُسنِ تَصَبُّري وفُؤادي

ساروا ولكن خَلّفوني بعدَهُم حُزْناً أصبُّ الدّمعَ صوبَ عِهادِ

وخَلت منازلُهمُ فها هي بَعدَهُم قَفرى وما فيها سِوى الأوتادِ

تأوي الوحوشُ بها فسربٌ رائحٌ بفناءِ ساحتها وسِربٌ غادي

ولَقد وقفتُ بها وقوفَ مُوَلّهِ وبمُهجتي للوجدِ قَدحُ زِنادِ

أبكي بها طوراً لفرطِ صَبابتي وأصيحُ فيها تارةً وأُنادي

يا دارُ أين مضى ذوُوكِ أما لَهم بعدَ التّرحلِ عنكِ يومَ معادِ

يا دارُ قد ذكّرْتَني بِعِراصِك القَفرى عِراصَ بني النبيّ الهادي

لمّا سَرَى عنها ابنُ بنتِ محمدٍ بالأهلِ والأصحابِ والأولادِ

تبّاً لهم من امّةٍ لَم يَحفَظوا عهدَ النبيّ بآلهِ الأمجادِ

قد شتّتوهُم بين مقهُورٍ ومأسُورٍ ومَنحورٍ بسَيفِ عِنادِ

هذا بسامراء وذاك بكربلاء وبطوسِ ذاكَ وذاكَ في بغدادِ

لهفي وهل يُجدي أسىً لهفي على موسى بنِ جعفرِ علّةِ الإيجادِ

ما زالُ ينقل في السجود معانياً عضَّ القيود ومُثقلَ الاصفادِ

ص:211

قَطَعَ الرشيدُ عليه فرضَ صلاتهِ قَسْراً وأظهَر كامنَ الاحقادِ

حتى إليه دسَّ سُماً قاتلاً فأصاب أقصى منية ومُرادِ

وضعوا على جسرِ الرصافةِ نَعْشَهُ وعليه نادى بالهوان مُنادي(1)

***

قال اللّه الحكيم في محكم كتابه الكريم:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ 2 .

(صدق اللّه العلي العظيم)

رأينا من المناسب أن نختم المجالس المعصومية عليها السلام باسم والدها الإمام باب الحوائج موسى بن جعفر عليهما السلام لكي يتقبل منّا هذا الجهد المتواضع إن شاء اللّه تعالى:

ولادة الإمام موسى الكاظم عليه السلام:

الإمام موسى بن جعفر عليه السلام المعروف ب «كاظم الغيظ» سابع أئمة المسلمين بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأحد أعلام الهداية الربانية في دنيا الإسلام وشمس من شموس المعرفة في دنيا البشرية التي لا زالت تشع نوراً وبهاءً في هذا الوجود.

ص:212


1- (1) للسيّد مهدي الأعرجي.

إنّه من العترة الطاهرة الذين قرنهم الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله بمحكم التنزيل وجعلهم قدوة لاُولي الألباب وسفناً للنجاة وأمناً للعباد وأركاناً للبلاد.

ولد الإمام عليه السلام في نهاية العهد الاُموي، يوم السابع من شهر صفر سنة (128 ه) في منطقة الابواء منزل بين مكة والمدينة من ام طاهرة اسمها حميدة المصفاة، وكانت أمةً، وقد أثنى عليها الإمام الصادق عليه السلام قائلاً:

«حميدة مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب ما زالت الأملاك تحرسها حتّى ادّيت إليّ كرامة من اللّه والحجة من بعدي» (1). وقال عليه السلام: «حميدة في الدنيا محمودة في الآخرة»، وكانت في غاية العلم والفقاهة والتبحر في أحكام الدين، حتّى أن الإمام الصادق عليه السلام كان يأمر النساء بالرجوع إليها في أخذ الأحكام.

وعاش الإمام الكاظم عليه السلام في ظلّ أبيه الصادق عليه السلام عقدين من عمره المبارك وتفيّأ بظلال علوم والده الكريم ومدرسته الربانية التي استقطبت بأشعتها النافذة العالم الإسلامي بل الإنساني أجمع.

فعاصر حكم السفّاح ثمّ حكم المنصور الذي اغتال أباه، وتصدّى لمنصب الإمامة بعد أبيه الصادق عليه السلام في ظروف حرجة كان يخشى فيها على حياته.

لقد عاش الإمام موسى الكاظم عليه السلام ثلاثة عقود من عمره المبارك والحكم العباسي لما يستفحل، ولكنّه قد عانى من الضغوط في عقده الأخير ضغوطاً قلّما عاناها أحد من أئمة أهل البيت عليهم السلام من الأمويين

ص:213


1- (1) منتهى الآمال 287:2 عن البحار 6:48 عن الكافي 477:1.

وممن سبق الرشيد من العباسيين من حيث السجن المستمرّ والاغتيالات المتتالية حتّى قُِتلَ واستشهد في سبيل اللّه على يدي عملاء السلطة الحاكمة باسم اللّه ورسوله. وقد روي أنّ الرشيد خاطب الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله معتذراً منه في اعتقال سبطه موسى بن جعفر عليهما السلام، زاعماً أنّ وجوده بين ظهراني الاُمة سبب للفرقة... وهكذا تسلط الرشيد على رقاب المسلمين بل وأئمة المسلمين.

ولقد اشتهر الإمام عليه السلام بكاظم الغيظ لشدّة حلمه، حيث لم يستسلم لضغوط الحكام العباسيين لأجل تحجيم نشاطه الرباني الذي كانت تفرضه عليه الحكومة الظالمة، وبقى عليه السلام ثابتاً مقاوماً لا تأخذه في اللّه لومة لائم، حتّى قضى نحبه مسموماً شهيداً محتسباً مضحياً بكل ما يملكه في سبيل اللّه واحياء دين جدّه رسول اللّه وذلك في الخامس والعشرين من شهر رجب سنة (183) و (184 ه)(1).

عبادته وتقواه عليه السلام:

نشأ الإمام موسى عليه السلام في بيت القداسة والتقوى، وترعرع في معهد العبادة والطاعة، لقد رأى الإمام عليه السلام جميع صور التقوى ماثلة في بيته، فصارت من مقوّمات ذاته ومن عناصر شخصيته، وحدّث المؤرخون أ نّه كان أعبد أهل زمانه(2) حتّى لقّب بالعبد الصالح، وبزين المجتهدين

ص:214


1- (1) أعلام الهداية - موسى بن جعفر عليه السلام -: 18.
2- (2) جوهرة الكلام: 139.

إذ لم تر عين انسان نظيراً له قط في الطاعة والعبادة فإذا رأيت صلاته فقد كانت أجمل الساعات وأثمنها عند الإمام عليه السلام هي الساعات التي يخلو بها مع اللّه تعالى فقد شغل أغلب أوقاته في الصلاة فكان يصلّي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح، ثمّ يعقب حتى تطلع الشمس، ويخرّ للّه ساجداً فلا يرفع رأسه من الدعاء والتمجيد حتّى يقرب زوار الشمس(1)، من مظاهر طاعته أ نّه دخل مسجد النبي صلى الله عليه و آله في أول الليل فسجد سجدة واحدة وهو يقول بنبرات تقطر إخلاصاً وخوفاً منه:

«عظم الذنب من عبدك، فليحسن العفو من عندك» (2).

ولمّا أودعه طاغية زمانه هارون الرشيد في ظلمات السجون تفرغ للطاعة والعبادة حتّى بهر بذلك العقول وحير الألباب، فقد شكر اللّه على تفرغه لطاعته قائلاً:

«اللهم إنّني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهمّ وقد فعلت فلك الحمد» (3).

وحدّث الشيباني(4) عن مدى عبادته، فقال: كانت لأبي الحسن

ص:215


1- (1) الإرشاد 231:2، وعنه في كشف الغمة 18:3.
2- (2) وفيات الأعيان 293:4، وكنز اللغة: 766، وتاريخ بغداد 27:13، وعنه في الأنوار البهية: 190.
3- (3) مناقب آل أبي طالب 343:4، ووفيات الأعيان 293:4.
4- (4) الشيباني: هو أبو عبد اللّه محمد بن الحسن مولى لبني شيبان حضر مجلس أبي حنيفة سنين، وتفقه على أبي يوسف، وصنف الكتب الكثيرة ونشر علم أبي حنيفة وقال الشافعي: حملت

موسى عليه السلام في بضع عشر سنة سجدة في كل يوم بعد ابيضاض الشمس إلى وقت الزوال(1)، وقد اعترف عدوه هارون الرشيد بأ نّه المثل الأعلى للانابة والإيمان، وذلك حينما أودعه في سجن الفضل بن ربيع فكان يطل من أعلى القصر فيرى ثوباً مطروحاً في مكان خاص من البيت لم يتغير عن موضعه، فيتعجب من ذلك ويقول للربيع:

«ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟!».

- يا أمير المؤمنين: ما ذاك بثوب، وإنما هو موسى بن جعفر، له في كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال.

فبهر هارون وانطلق يبدي إعجابه.

- أما إنّ هذا من رهبان بني هاشم!!

والتفت إليه الربيع بعد ما سمع منه اعترافه بزهد الإمام وعزوفه عن الدنيا طالباً أن يطلق سراحه ولا يضيّق عليه قائلاً:

يا أمير المؤمنين: ما لك قد ضيّقت عليه في الحبس!!؟

فأجابه هارون بما انطوت عليه نفسه من عدم الرحمة والرأفة قائلاً:

«هيهات: لابد من ذلك!»(2).

ص:216


1- (1) حياة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام 140:1 عن بحار الأنوار.
2- (2) عيون أخبار الرضا 95:1، الحديث 14 وعنه في الأنوار البهية: 189.

وأما خضوعه عليه السلام في سفره لبيت اللّه الحرام فما من شيء يحبه اللّه وندب إليه إلّافعله الإمام عن رغبة وإخلاص، فمن ذلك أ نّه حجّ بيت اللّه ماشياً على قدميه، والنجائب تقاد بين يديه، وقد حجّ معه أخوه علي بن جعفر وجميع عياله أربع مرات، وحدّث علي بن جعفر عن الوقت الذي قطعوا به طريقهم فقال: كانت السفرة الاُولى ستاً وعشرين يوماً، والثانية كانت خمساً وعشرين يوماً، والثالثة كانت أربعاً وعشرين يوماً، والرابعة كانت إحدى وعشرين يوماً(1).

جوده وسخاؤه وحلمه عليه السلام:

لقد تجلّى الكرم الواقعي، والسخاء الحقيقي في الإمام عليه السلام فكان مضرب المثل في الكرم والمعروف، فقد فزع إليه البائسون والمحرومون لينقذهم كابوس الفقر وجحيم البؤس وقد أجمع المؤرخون أ نّه أنفق عليه السلام جميع ما عنده عليهم، كل ذلك في سبيل اللّه لم يبتغ من أحد جزءاً أو شكوراً، وكان عليه السلام في انفاقه يتطلب الكتمان وعدم الذيوع لئلّا يشاهد على الآخذ ذلة الحاجة، وكان يلتمس في ذلك وجه اللّه ورضاه، ولهذا كان يخرج في غلس الليل البهيم فيصل الطبقة الضعيفة ببرّه وإحسانه وهي لا تعلم من أيّ جهة تصلها تلك المبرة، وكان يوصلهم بصراره التي

ص:217


1- (1) بحار الأنوار 100:48، الحديث 2 عن قرب الأسناد.

تتراوح ما بين المائتي دينار إلى الاربعمائة دينار(1) وكان يضرب المثل بتلك الصرار فكان أهله يقولون:

«عجباً لمن جاءته صِرار موسى وهو يشتكي القلّة والفقر!!» (2).

وأما حلمه عليه السلام فكانت من أبرز صفاته وكان مضرباً للمثل، وكان يعفوا عمن أساء إليه، بل كان يحسن إلى من اعتدى عليه بالمعروف، ليمحوا بذلك روح الشر والأنانية من نفوسهم، فقد ذكر المؤرخون: «أن شخصاً من أحفاد عمر بن الخطاب كان يسيء للإمام، ويكيل السب والشتم لجده أمير المؤمنين عليه السلام فأراد بعض شيعة الإمام اغتياله فنهاهم عليه السلام عن ذلك ورأى أن يعالجه بغير ذلك فسأل عن مكانه، فقيل:

أنه يزرع في بعض نواحي المدينة، فركب عليه السلام بغلته ومضى إليه متنكراً، فوجده في مزرعته فأقبل نحوه، فصاح العمري بالإمام قائلاً: لا تطأ زرعنا واستمر الإمام عليه السلام حتى وصل إليه، ولمّا انتهى إليه جلس إلى جنبه، وأخذ يلاطفه ويحدّثه بأطيب الحديث، وقال له بلطف ولين:

- «كم غرمت في زرعك هذا؟» قال: مائة دينار.

قال عليه السلام: «كم ترجو أن تصيب منه؟» قال: أنا لا أعلم الغيب!!

قال عليه السلام: «إنما قلت لك: كم ترجو أن يجيئك منه؟» قال: أرجو أن يجيئني منه مئتا دينار.

ص:218


1- (1) تاريخ بغداد 28:13.
2- (2) عمدة الطالب: 185.

فأعطاه عليه السلام ثلاثمائة دينار، وقال: «هذه لك وزرعك على حاله» فتغيّر العُمري، وخجل من نفسه على ما فرط من قَبْل في حق الإمام، وتركه عليه السلام ومضى إلى الجامع النبوي، فوجد العمري قد سبقه، فلما رأى الإمام مقبلاً قام إليه تكريماً وانطلق يهتف: اَللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ في من يشاء.

فبادر إليه أصحابه منكرين عليه هذا الانقلاب، فأخذ العمري يخاصمهم، ويتلو عليهم مناقب الإمام ومآثره، ويدعو له، فالتفت عليه السلام إلى أصحابه قائلاً:

«أ يّما كان خيراً؟ ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار؟» (1).

ومن آيات حلمه عليه السلام أنه اجتاز على جماعة من حسّاده وأعدائه، وكان فيهم ابن هياج فأمر بعض أتباعه أن يتعلّق بلجام بغلة الإمام ويدّعيها، فمضى الرجل إلى الإمام وتعلّق بزمام بغلته، فادعاها له فعرف الإمام غايته فنزل عن بغلته وأعطاها له(2). لقد أقام عليه السلام بذلك أسمى مثل للإنسانية الفذّة والحلم الرفيع.

ص:219


1- (1) تاريخ بغداد 28:13-29، والإرشاد 233:2 وعنه في إعلام الورى 26:2-27، وكشف الغمة 18:3-19، واختصر في مناقب آل أبي طالب 344:4.
2- (2) بحار الأنوار 148:48 عن فروع الكافي 86:8.

المنصور يأمر الإمام أن يحضر عيد النيروز:

روى ابن شهر آشوب انّه: حكي انّ المنصور تقدّم إلى موسى بن جعفر عليه السلام بالجلوس للتهنئة في يوم النيروز، وقبض ما يحمل إليه من الهدايا، فقال عليه السلام: «إنّي قد فتّشت الأخبار عن جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلم أجد لهذا العيد خبراً، وانّه سنّة للفرس ومحاها الإسلام ومعاذ اللّه أن نحيي ما محاه الإسلام».

فقال المنصور: انّما نفعل هذا سياسة للجُنْد، فسألتك باللّه العظيم إلّا حضرت جلست، فجلس عليه السلام ودخلت عليه الملوك والاُمراء والأجناد يهنّونه، ويحملون إليه الهدايا والتحف، وعلى رأسه خادم المنصور يُحصي ما يحمل.

فدخل في آخر الناس رجل شيخ كبير السنّ، فقال له: يابن بنت رسول اللّه إنّني رجل صلعوك(1) لا مال لي، أُتحُفك(2) بثلاث أبيات قالها جدّي في جدّك الحسين بن علي عليه السلام:

عجبتُ لمصقولٍ علاك فرنده(3) يوم الهياج وقد علاك غُبارُ

ولأسهم نفذتك دون حرائرٍ يدعون جدَّك والدموع غزارُ

الّا تغضغضت(4) السهامُ وعاقها عن جسمِك الاجلالُ والاكبارُ

ص:220


1- (1) الصلعوك: الفقير.
2- (2) في البحار والعوالم: (لا مال لي أتحفك ولكن أتحفك...).
3- (3) فرند السيف (بكسر الفاء والراء) جوهره ووشيه.
4- (4) التغضغض: الإنتقاص.

قال عليه السلام: «قبلت هديتك اجلس بارك اللّه فيك»، ورفع رأسه إلى الخادم وقال: «امض إلى أمير المؤمنين وعرّفه بهذا المال (من الهدايا) وما يصنع به»، فمضى الخادم وعاد وهو يقول: كلّها هبة منّي له يفعل به ما أراد، فقال الإمام عليه السلام للشيخ: «اقبض جميع هذا المال فهو هبة منّي لك» (1)(كرامة للأبيات التي قراءها في الإمام الحسين عليه السلام).

شقيق البلخي وما شاهده من دلائل الغيب:

روى الشيخ الأربلي عن شقيق البلخي انّه قال: خرجت حاجاً في سنة (149 ه)، فنزلنا القادسية فبينا أنا أنظر إلى الناس في زينتهم وكثرتهم فنظرت إلى فتى حسن الوجه، شديد السمرة، ضعيف، فوق ثيابه ثوب من صوف، مشتمل بشملة، في رجليه نعلان، وقد جلس منفرداً، فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلاًّ على الناس في طريقهم واللّه لأمضينّ إليه ولأوبخنّه.

فدنوت منه فلمّا رآني مقبلاً قال: يا شقيق:... اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ...2 .

ثمّ تركني ومضى فقلت في نفسي: إنّ هذا الأمر عظيم، قد تكلّم بما في نفسي ونطق باسمي، وما هذا إلّاعبد صالح لألحقنّه ولأسألنّه أن

ص:221


1- (1) منتهى الآمال 296:2 عن المناقب 318:4 - عنه البحار 108:48 - والعوالم 189:21، ضمن حديث 4.

يحالني، فاسرعت في أثره فلم ألحقه وغاب عن عيني، فلمّا نزلنا منطقة واقصة وإذا به يصلّي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تجري، فقلت:

هذا صاحبي أمضي إليه وأستحلّه.

فصبرت حتّى جلس وأقبلت نحوه، فلمّا رآني مقبلاً قال: «يا شقيق أتل: وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى 1 ».

ثمّ تركني ومضى فقلت: إنّ هذا الفتى لمن الأبدال لقد تكلّم على سرّي مرّتين، فلمّا نزلنا منطقة زبالة إذا بالفتى قائم على البئر وبيده ركوة يريد أن يستقي ماء، فسقطت الركوة من يده في البئر وأنا أنظر إليه، فرأيته وقد رمق السماء وسمعته يقول:

أنت ربّي إذا ظمئت إلى الماء وقوّتي إذا أردت الطعاما

«اللهم سيّدي مالي غيرها فلا تعدمنيها»، قال شقيق: فو اللّه لقد رأيت البئر وقد ارتفع ماؤها فمدّ يده وأخذ الركوة وملأها ماءاً، فتوضّأ وصلّى أربع ركعات، ثمّ مال إلى كثيب رمل فجعل يقبض بيده ويطرحه ويشرب، فأقبلت إليه وسلّمت عليه فردّ عليّ السلام، فقلت: أطعمني من فضل ما أنعم اللّه عليك.

فقال عليه السلام: «يا شقيق لم تزل نعمة اللّه علينا ظاهرة وباطنة، فأحسن ظنّك بربك»، ثمّ ناولني الركوة فشربت منها فإذا هو سويق وسكّر، فواللّه ما شربت قط ألذ منه ولا أطيب ريحاً، فشبعت ورويت وبقيت

ص:222

أياماً لا أشتهي طعاماً وشراباً، ثمّ إني لم أره حتّى دخلنا مكة، فرأيته ليلة إلى جنب قبة الشراب في نفس الليلة قائماً يصلي بخشوع وأنين وبكاء، فلم يزل كذلك حتّى ذهب الليل.

فلمّا رأى الفجر جلس في مصلّاه يسبّح ثمّ قام فصلّى الغداة وطاف بالبيت اسبوعاً، فخرج فتبعته، وإذا له حاشية وموال وهو على خلاف ما رأيته في الطريق ودار به الناس من حوله يسلّمون عليه، فقلت لبعض من رأيته يقرب منه: من هذا الفتى؟ فقال: هذا موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، فقلت: قد عجبت أن تكون هذه العجائب إلّالمثل هذا السيد(1).

وكان شقيق البلخي أحد مشايخ الطريقة، وقد صاحب إبراهيم بن أدهم وأخذ منه الطريقة، وكان استاذاً لحاتم الأصمّ، وقتل سنة (194) في غزوة كولان من بلاد الترك.

وفي كشكول البهائي وغيره انّ شقيق البلخي كان في أوّل أمره ذا ثروة عظيمة، وكان في أوّل أمره كثير الأسفار للتجارة، فدخل سنة من السنين في بلاد الترك وهم عبدة الأصنام فقال لعظيمهم: إنّ هذا الذي أنتم فيه باطل، وإنّ لهذا الخلق خالقاً ليس كمثله شيء وهو رزّاق كلّ شيء.

فقال له: إنّ قولك هذا لا يوافق فعلك، فقال شقيق: وكيف ذلك؟ فقال:

زعمت انّ لك خالقاً رازقاً، وقد تعبت في السفر إلى هنا لطلب الرزق.

ص:223


1- (1) كشف الغمة 3:3، ومثله حلية الأبرار 246:2.

فلمّا سمع شقيق منه هذا الكلام رجع وتصدّق بجميع ما يملكه ولازم العلماء والزّهاد إلى أن مات رحمه الله(1).

واعلم انّ الكثير من علماء الشيعة والسنة أوردوا حكاية شقيق مع موسى بن جعفر عليه السلام في كتبهم وأعقبوها بأبيات وهي:

سل شقيق البلخي عنه بما شا هد منه وما الذي كان أبصر

قال لمّا حججت عاينت شخصاً ناحل الجسم شاحب اللون أسمر

سائراً وحده وليس له زا د فما زلت دائباً أتفكّر

وتوهّمت انّه يسأل النا س ولم أدر انّه الحجّ الأكبر

ثمّ عاينته ونحن نزول دون فيدٍ(2) على الكثيّب الأحمر

يضع الرمل في الإناء ويشربه فناديته وعقلي محيّر

اسقني شربة فلمّا سقاني منه عاينته سويقاً وسكّر

فسألت الحجيج من يك هذا قيل هذا الإمام موسى بن جعفر

***

الإمام عليه السلام في السجن

مع عليّ بن المسيّب وما شاهده من المعجزات:

قال المحقّق البهبهاني في تعليقته على كتاب الرجال الكبير عند ذكر أحوال عليّ بن المسيّب الهمداني: وفي بعض الكتب المعتمدة انّه اخذ

ص:224


1- (1) الكشكول 230:3.
2- (2) فَيد: ماء.

[أي عليّ بن المسيّب] من المدينة مع الكاظم عليه السلام وحبس معه في بغداد، وبعدما طال حبسه واشتدّ شوقه إلى عياله قال عليه السلام له: «اغتسل»، فاغتسل، فقال: «غض عينيك»، فغض، فقال: «افتح»، ففتح فرآه عند قبر الحسين عليه السلام، فصلّيا عنده وزاراه.

ثمّ قال عليه السلام: «غمّض»، وقال: «افتح» فرآه معه عند قبر الرسول صلى الله عليه و آله، فقال: «هذا بيتك فاذهب إلى عيالك وجدّد العهد وارجع إليّ»، ففعل، فقال عليه السلام: «غمّض»، وقال: «افتح»، ففتح فرآه معه فوق جبل قاف وكان هناك من أولياء اللّه أربعون رجلاً فصلّى عليه السلام وصلّوا مقتدين به، ثمّ قال عليه السلام: «غمّض»، وقال: «افتح»، ففتح فرآه معه في السجن(1).

موقف الإمام عليه السلام مع أخيه عبد اللّه الأفطح حول الإمامة:

يروى ان عبد اللّه الأفطح ادعى الإمامة بعد أبيه الإمام الصادق عليه السلام، ولكن الإمام عليه السلام أبقى علاقته مع أخيه ودّيّة، ولم يجعل من المشكلة سبباً للمقاطعة بدليل أنه دعاه للحضور في منزله كما تذكره الرواية التي سنذكرها.

ثمّ إن الإمام عليه السلام استخدم اسلوب المعجزة التي تميّزه عن أخيه عبد اللّه باعتباره عليه السلام اماماً مفترض الطاعة فقام عليه السلام باثبات ذلك أمام جمع من خواصّ الشيعة.

ص:225


1- (1) منتهى الآمال: 326/2.

فقد قال المفضّل بن عمر: لمّا قضى الإمام الصادق عليه السلام كانت وصيّته في الإمامة إلى ابنه موسى الكاظم عليه السلام فادّعى أخوه عبد اللّه الإمامة، وكان أكبر ولد جعفر الصادق عليه السلام في وقته ذلك هو المعروف بالأفطح، فأمر موسى عليه السلام بجمع حطب كثير في وسط داره، فأرسل إلى أخيه عبد اللّه يسأله أن يصير إليه، فلمّا صار عنده ومع الإمام عليه السلام جماعة من وجوه الإمامية، وجلس إليه أخوه عبد اللّه، أمر الإمام عليه السلام أن يجعل النار في ذلك الحطب كله فاحترق كلّه ولا يعلم الناس السبب فيه، حتّى صار الحطب كلّه جمراً ثمّ قام الإمام الكاظم عليه السلام بثيابه وجلس في وسط النار، وأقبل يحدّث الناس ساعة، ثمّ قام فنفض ثوبه ورجع إلى المجلس، فقال لأخيه عبد اللّه: «إن كنت تزعم انك الإمام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس»، فقالوا: رأينا عبد اللّه قد تغيّر لونه، فقام يجرّ رداءه حتّى خرج من دار الإمام الكاظم عليه السلام(1).

والجدير بالذكر أن الطائفة التي اتبعته قد رجع أكثرهم بعد ذلك إلى القول بإمامة أخيه «موسى الكاظم» لمّا تبيّنوا ضعف دعواه وقوّة رأي أبي الحسن «موسى الكاظم عليه السلام» ودلالة حقّه، وبراهين امامته(2).

الموقف الثاني: موقف الإمام موسى عليه السلام من العناصر التي تصدّت للمرجعية العلمية والدينية، وأصبحت فيما بعد مرجعاً عاماً يدعم من

ص:226


1- (1) الخرائج والجرائح 308:1، الحديث 2، وعنه في بحار الأنوار 251:47 و 67:48.
2- (2) الإرشاد 210:2-211.

قبل السلطان ويحظى برعايته، ليجعل منهم أدوات طيّعة تبرّر له سلوكه وخلافته.

وانطلاقاً من ضرورة الحفاظ على الصيغ الأصلية، ومخافة أن تتعرض الشريعة للتحريف بسبب الاتّجاهات والمناهج التي وجدت في مدرسة الخلفاء.

تصدّى الإمام موسى الكاظم عليه السلام لتلك المناهج والاتّجاهات وحاول أن يسلبها الصيغة الشرعية الزائفة التي كان يتمتع بها أصحابها حينما جعلوا في مواقع الفتيا في الدولة.

قال يونس بن عبد الرحمن: قلت لأبي الحسن الأول (وهو الإمام الكاظم): بِمَ اوحد اللّه؟

فقال عليه السلام: «يا يونس لا تكونن مبتدعاً، من نظر برأيه هلك، ومن ترك أهل بيت نبيّه ظل، ومن ترك كتاب اللّه وقول نبيّه كفر»(1).

وقال عليه السلام في موضع آخر: «مالكم والقياس؟ إنما هلك من هلك من قبلكم بالقياس».

محاسبته عليه السلام لشيعته المتعاطفين مع حكّام الجور:

كان الإمام عليه السلام يحاسب شيعته واتباعه المتعاطفين مع الحكّام والولاة ولا يسمح لهم بالانخراط في دائرة الظالمين وأعوان الظالمين إلّافي موارد خاصة كان هو الذي يأمر بها ويشرف على سيرها وتصرّفاتها.

ص:227


1- (1) أُصول الكافي 56:1-58.

قال زياد بن أبي سلمة دخلت على أبي الحسن موسى عليه السلام فقال لي:

«يا زياد، انك لتعمل عمل السلطان»؟

قال: قلت أجل: قال لي: «ولِمَ»؟!

قلت: أنا رجل لي مروة وعليَّ عيال وليس وراء ظهري شيء.

فقال لي: «يا زياد لأن أسقط من على حالق (المكان الشاهق) فأُقطّع قطعة قطعة، أحب إليّ من أن أتولّى لأحدٍ منهم عملاً أو أطأ بساط رجل منهم، إلّالماذا»؟

قلت: لا أدري جعلت فداك.

قال: «إلّالتفريج كربة عن مؤمن، أو فكّ أسره، أو قضاء دينه.

يا زياد! إنّ أهون ما يصنع اللّه بمن تولّى لهم عملاً أن يضرب عليه سرادقاً من نار إلى أن يفرغ من حساب الخلائق.

يا زياد! فإن وليت شيئاً من أعمالهم، فأحسن إلى اخوانك، فواحدة بواحدة واللّه من وراء ذلك.

يا زياد! أ يّما رجل منكم تولّى لأحد منهم عملاً، ثمّ ساوى بينكم وبينهم، فقولوا له: أنت منتحل كذاب.

يا زياد! إذا ذكرت مقدرتك على الناس فاذكر مقدرة اللّه عليك غداً ونفاذ ما أتيت إليهم عنهم، وبقاء ما أتيت إليهم عليك» (1). فالخط السلبي في حياة الإمام عليه السلام بل وكل الأئمة عليهم السلام مع الظلمة والطغاة

ص:228


1- (1) الكافي 109:5-110، وعنه في بحار الأنوار 172:48.

ورفضهم للظلم جعلهم يعيشون الضغط والإرهاب من قبل الطغاة، ولو أن الأئمة أيضاً عاشوا أجواء التقية وكذلك الإمام الكاظم عليه السلام أيضاً عاش التقية بمعنى عدم الثورة المسلحة وعدم مجابهة الظلمة، ولذلك أحد الثوّار ويدعى يحيى بن عبد اللّه بن زيد يكتب للإمام عليه السلام كتاباً يطلب منه أن يمد يد العون إليه وينصره في ثورته على الظالمين، الإمام يجيبه ويقول له: «إياك إن تخالف الحكام والولاة، إياك أن تعصيهم وتتمرد عليهم»، ثمّ ان هذا الكتاب نفسه يقع في يد هارون الرشيد فيلتفت هارون إلى أصحابه يقول: إن الناس يثيرونني ضد موسى بن جعفر وهذا كتاب الإمام بين يدي، فالإمام عليه السلام كان يعيش دور التقية ولن يعلن الثورة المسلحة لعدم الناصر، ولكن هذا لا يعني انه اقرّ الظلم وداهن الظلم مستحيل، فالإمام وقف بصلابة ضد الظلم والطغاة وأدلى دليل على ذلك ما هو من رواية زياد بن أبي سلمة التي مرّت، فالإمام كان يُحذر شيعته أن يعاونوا الظلمة والطغاة.

حكم موسى الهادي العباسي وثورة فخ:

إن أحد الطغاة الذين عاصرهم الإمام الكاظم عليه السلام موسى الهادي بعد وفاة أبيه المهدي بن المنصور في العشر الأخير من محرم سنة (169 ه) وتوفي في السنة (170 ه) وكان عمره (26) سنة(1) وبالرغم من قصر

ص:229


1- (1) تاريخ اليعقوبي 401:2-406.

المدّة التي حكم فيها موسى الهادي العباسي إلّاأ نّها قد تركت آثاراً سيئة على الشيعة، وامتازت بحدث مهم في التاريخ الإسلامي وهو «واقعة فخ» التي قال عنها الإمام الجواد عليه السلام: «لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ»(1) فكانت سياسة الهادي قد امتازت بنزعات شريرة ظهرت في سلوكه حتى نقم عليه القريب والبعيد وأبغضه الناس جميعاً وقد حقدت عليه امّه ووالدته الخيزران حتى بلغ بها الغيظ له نهايته، قيل أنها هي التي قتلته(2).

ولقد نكّل بالعلويين وأذاع الخوف والرعب في صفوفهم وقطع ما أجراه لهم المهدي من الأرزاق والأعطيات وكتب إلى جميع الآفاق في طلبهم وحملهم إلى بغداد(3).

وإنّ الذي فجّر الثورة على الحاكم العباسي هو الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.

والأسباب التي أدّت إلى الثورة عديدة، نذكر منها سببين:

الأول: الاضطهاد والإذلال الذي مارسه الخلفاء العباسيون ضد العلويين واستبداد موسى الهادي على وجه الخصوص.

الثاني: الولاة الذين عيّنهم موسى الهادي على المدينة مثل تعيينه

ص:230


1- (1) الإمام موسى الكاظم 457:2.
2- (2) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: 172 عن سر السلسلة العلوية: 14. ونقل القول الإصفهاني في مقاتل الطالبيين وعنه في بحار الأنوار 165:48.
3- (3) تاريخ اليعقوبي 404:2.

إسحاق بن عيسى بن علي الذي استخلف عليها رجلاً من ولد عمر بن الخطاب يعرف بعبد العزيز.

وقد بالغ هذا الأثيم في إذلال العلويين وظلمهم فالزمهم بالمثول عنده كل يوم، وفرض عليهم الرقابة الشخصية فجعل كل واحد منهم يكفل صاحبه بالحضور، وقبضت شرطته على كل من الحسن بن محمد بن عبد اللّه بن الحسن ومسلم بن جندب وغيرهم، وادعت الشرطة انها وجدتهم على شراب فأمر بضربهم وجعل في أعناقهم حبالاً وأمر أن يطاف بهم في الشوارع ليفضحهم(1).

فثار عليه الحسين بن علي سنة (169 ه) واستولى على المدينة وتوجّه نحو مكة حتّى وصل منطقة فخ وكان معه (300) مقاتل فقاتل العباسيين حتى استشهد وحمل رأسه ورؤوس أصحابه إلى موسى الهادي ومعهم الأسرى وقد قيّدوا بالحبال والسلاسل ثمّ أمر الطاغية بقتلهم فقتلوا صبراً وصلبوا على باب الحبس(2).

حكم الرشيد وسياسته مع الإمام عليه السلام:

تعتبر السنوات الأخيرة من عمر الإمام موسى الكاظم عليه السلام من أعقد مراحل حياته وأشدّها صعوبة وأذىً على الإمام عليه السلام بالقياس إلى

ص:231


1- (1) بحار الأنوار 161:48 عن الإصفهاني في مقاتل الطالبيين.
2- (2) تاريخ الطبرسي 29:10.

المراحل الاُخرى التي سبقتها، وقد عاصر فيها هارون الرشيد لمدة (14) سنة وأشهراً(1) وكانت حافلة بالآلام والمصاعب.

وقد صبّ فيها هارون كلّ الحقد الجاهلي وما تطويه نفسه الخبيثة من لؤم ودهاء على أهل البيت عليهم السلام فقد صمّم سياسة ظالمة تميّز بها عن غيره من الخلفاء، حتّى كان من شأنها أن شل حركة الإمام عليه السلام وعزله عن الاُمة تمهيداً لقتله فيما بعد داخل السجن، وبهذا تشكل حياة الإمام موسى لجوؤه لأساليب اخرى من العمل مرحلة جديدة بالنسبة لحركة الأئمة عليهم السلام الذين سبقوه. ولو راجعنا الظواهر الانحرافية في عهد الرشيد والفساد الذي تفشى في عهده لاعطتنا الصورة الواقعية وحجم المأساة التي عانها الإمام عليه السلام، إذا لاحظنا الأموال التي كانت تجبى للرشيد من أطراف البلاد لوجدناها تفوق ضخامتها ورقمها أموال كل من سبقه من الخلفاء، وكانت تنفق على غير مصالح المسلمين حتّى أسرف هارون في هباته للمغنين واغدق عليهم الأموال الطائلة.

وغنّاه إبراهيم الموصلي بها فأعطى كل واحد منها مائة ألف درهم ومائة ثوب(2).

وكان هارون مولعاً بالجواري حريصاً على الاستماع والتلذّذ بهنّ حتّى أفرط في ذلك، وكان له قصّة مع الجارية (غادر) جارية أخيه

ص:232


1- (1) إعلام الورى 7:2 وعنه في بحار الأنوار 1:48، الحديث 1.
2- (2) الأغاني 74:4.

الهادي، وكانت حسناء من أحسن الناس وجهاً وغناءاً، وكان الهادي يحبها وشك ذات يوم بأن الرشيد سيتزوجها حال مماته، فقال للرشيد:

أريد أن تحلف بأنك لا تتزوجها بعدي، فحلف واستوفى عليه الايمان من الحج راجلاً وطلاق الزوجات وعتق المماليك وتسبيل ما يملكه إذا تزوجها، ثمّ أحلفها بمثل ذلك فحلفت فلم يمض على ذلك إلّاشهر فمات الهادي وبويع الرشيد فبعث إلى (غادر) وخطبها(1)، فقالت:

سيدي كيف بأيمانك وأيماني، فتزوجها وحجّ ماشياً بيمينه فشغف بها أكثر من أخيه فكانت تنام في حجره وهو لا يتحرك حتى تنتبه فبينما ذات ليلة انتهبت فزعة فقال لها مالكِ قالت: رأيت أخاك في المنام وهو يقول:

اخلفتِ وعَدَكِ بعدما جاورتُ سكان المقابر

ونسيتني وحنثتِ في أيمانكِ الكذب الفواجر

وتزوجت غادرةً أخي صَدَقَ الذي سَمّكِ غادر

لا يُهنِك الالفُ الجديد ولا تدر عنك الدوائر

ولحقتِ بي قبل الصباح وصرتِ حيث غدوت صائر

واللّه يا أمير المؤمنين كأ نّها مكتوبة في قلبي ما نسيت منها كلمة، فقال هارون: هذه أضغاث أحلام.

ص:233


1- (1) نساء الخلفاء: 46.

فقالت: كلّا واللّه ما أملك نفسي... وما زالت ترتعد حتّى ماتت بعد ساعة(1).

وكان الرشيد شديد الولع بالغناء فاشتمل قصره على مختلف الآلات الموسيقية وقد أمر المغنّين أن يختاروا له مائة صوت فاختاروها ثمّ أمرهم باختيار عشرة فاختاروها، ثمّ أمرهم باختيار ثلاثة ففعلوا(2) وانقطع إبراهيم عن الغناء لأنه عاهد الهادي بعدم الغناء بعده، لكن الرشيد أمره أن يغنّي فامتنع فرماه في السجن ولم يطلق سراحه حتّى غنّى في مجلسه(3).

وكان هارون من المدمنين على شرب الخمرة، وكان يدعو خواصّ جواريه إذا أراد الشراب.

قال حماد بن إسحاق عن أبيه: أرسل إليّ الرشيد ذات ليلة فدخلت عليه فإذا هو جالس وبين يديه جارية عليها قميص مورّد وسراويل مورّدة، فلما غنّت، فقال: لمن هذا اللحن؟ فقلت: لي يا أمير المؤمنين فقال: هات لحن ابن سريج فغنّيته إياه فطرب وشرب رطلاً وسقى الجارية رطلاً وسقاني رطلاً(4).

ص:234


1- (1) من شواهد المبلغين: 294، شاهد 65 للشيخ أكرم جزيني، عن الطفل بين التربية والوراثة عن ثمرات الأوراق. نساء الخلفاء: 46.
2- (2) الأغاني 7:1.
3- (3) الأغاني 162:1.
4- (4) الأغاني 126:5-127.

وكان الرشيد شديد التعلّق بلعب القمار (النرد) و (الشطرنج)(1) وبذل الأموال الطائلة من أجل هذه الألعاب.

أ مّا موقفه من العلويين فكان الرشيد شديد العداء والحقد عليهم وقد أقسم حين تولّى الخلافة على استئصالهم وقتلهم فقال: واللّه لأقتلنّهم ولأقتلنّ شيعتهم(2) وفعلاً نفّذ قسمه بقتل طائفة كبيرة من أعلام العلويين هم خيرة المسلمين علماً وورعاً في الدين.

وعندما رأى جماهير غفيرة من الاُمة الإسلامية تتهافت على زيارة مرقد الإمام الحسين عليه السلام قام بهدم الدور المجاورة له، واقتلاع السدرة التي كانت إلى جانب القبر الشريف(3) كما أمر بحرث أرض كربلاء ليمحو بذلك كلّ أثر للقبر المطهر، وقد انتقم اللّه منه فإنّه لم يدُر عليه الحول حتى هلك في خراسان(4).

وامتدّ سلوك هذا الحاكم الفاسد إلى الاُمة، حيث اشيع في البلاد الإسلامية كل أنواع الفساد، وتحوّلت بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية في عصره إلى مسرح للّهو، والرقص، وحانات الخمور ودور المجون، حتّى أصبحت هذه المظاهر سمة بارزة يتميّز بها ذلك العصر، وعكس لنا

ص:235


1- (1) الأغاني 126:9-127.
2- (2) الأغاني 225:5.
3- (3) المناقب 19:2، والأمالي: 206.
4- (4) تاريخ كربلاء: 198.

الشعراء انطباعاتهم وأحاسيسهم باللهو وحبّ الجواري والتلذّذ بالخمرة، وكرّس أبو نؤاس مجهوده الفكري في وصف الأكواب والكؤوس والسقاة والخمّارين والندماء وافتتن الناس بخمرياته.

وامتاز عصر هارون بالفقر والبؤس، الذي عمّ الملايين فنجد جموع المسلمين تعرى وتجوع، فيما زخرت بغداد بأموال المسلمين والتي تكرّست عند طبقة خاصة من الخلفاء وأبنائهم وعشيرتهم ووزرائه والمغنّين والجواري والخمّارين والوشاة والمنتفعين من مائدة الخلافة.

وحيث ظهر الفقر والبؤس في موطن كان منشئاً للكفر. فقد ظهرت في ذلك العصر حركات إلحادية نشطت بين البسطاء.

يقول (فلهوزن): إنّ هناك صلة وثيقة بين الدعوة العباسية والزنادقة، ويقول: إنّ العباسيين في ذلك الوقت جمعوا الزنادقة حولهم ولم ينبذوهم إلّافيما بعد(1).

والغريب أنّ هذه الحركات الهدّامة التي انتشرت في البلاد الإسلامية مثل «المزدكيّة» وغيرها كانت تدعو للتحلّل من جميع القيم وهي نوع من أنواع الشيوعية، يقول الشهرستاني: إنّ مزدك أحلّ النساء وأباح الأموال وجعل الناس شركة كاشتراكهم في المال والنار والكلاء(2).

ص:236


1- (1) الدولة العربية: 489.
2- (2) أعلام الهداية: 125 عن الملل والنحل 229:1.

احترام الرشيد للإمام عليه السلام ومنها تشيّع المأمون الظاهري:

يصوّر لنا عبد اللّه المأمون بن الرشيد ذلك المستوى من الفهم الذي يمتلكه الرشيد إزاء الإمام، والذي اعترف به من خلال الإكرام والإجلال الذي قام به الرشيد للإمام الكاظم عليه السلام والذي يستبطن مدى الحقد والبغض، ويكشف هذا المشهد ثقل الإمام الشعبي الذي دفع بالرشيد إلى أن يفتعل هذا المشهد من أجل إضلال الجماهير. روى الشيخ الصدوق في العيون عن سفيان بن نزار انه قال: كنت يوماً على رأس المأمون فقال: أتدرون من علمني التشيّع؟ فقال القوم جميعاً: لا واللّه ما نعلم، قال: علمنيه الرشيد، قيل له: وكيف ذلك والرشيد كان يقتل أهل هذا البيت؟ قال: كان يقتلهم على الملك لأن الملك عقيم(1).

لقد حججت معه (الرشيد) سنة فلما صار إلى المدينة تقدّم إلى حجابه وقال: لا يدخلنّ عليَّ رجل من أهل المدينة ومكة من أبناء المهاجرين والأنصار وبني هاشم وسائر بطون قريش إلّانَسَبَ وعرّف نفسه، فكان الرجل إذا أراد أن يدخل عليه يقول: أنا فلان ابن فلان حتى ينتهي إلى جدّه من هاشم أو قريش وغيرهما فيدخل ويصله الرشيد بخمسة آلاف وما دونها إلى مائتي على قدر شرفه وهجرة آبائه.

فبينما أنا ذات يوم واقف إذ دخل الفضل بن الربيع فقال: يا أمير المؤمنين على الباب رجل زعم أ نّه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن

ص:237


1- (1) العقيم من ليس له ولد وبما أن الرجل يقتل ولده وأبيه وعمه وأخيه للمك سمى الملك عقيماً.

الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فأقبل علينا ونحن قيام على رأسه والأمين والمؤتمن وسائر القوّاد، وقال احفظوا على أنفسكم.

ثمّ قال لآذنه ائذن ولا ينزل إلّاعلى بساطي، فأنا كذلك إذ دخل شيخ قد انهكته العبادة كأنه شن بال، قد كلم السجود وجهه وأنفه، فلما رأى الرشيد رمى بنفسه عن حمار كان يركبه فصاح الرشيد: لا واللّه إلّاعلى بساطي فمنعه الحجّاب من الترجّل، ونظرنا إليه بأجمعنا بالاجلال والاعظام، فما زال يسير على حماره حتى سار إلى البساط والحجّاب والقوّاد محدقون به.

فنزل وقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط وقبّل وجهه ورأسه وأخذ بيده حتّى جرّه في صدر المجلس وأجلسه معه وجعل يحدّثه ويقبل عليه ويسأله عن أحواله.

ولمّا قام الرشيد لقيامه وودّعه، ثمّ أقبل عليَّ (المأمون) وعلى الأمين والمؤتمن، وقال: يا عبد اللّه ويا محمد ويا إبراهيم: سيروا بين يدي عمّكم وسيّدكم وخذوا بركابه وسوّوا عليه ثيابه.

قال المأمون: فلمّا خلا المجلس قلت: يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي عظمته وأجللته، وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته، وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه، ثمّ أمرتنا بأخذ الركاب له؟!

قال: هذا إمام الناس، وحجّة اللّه على خلقه، وخليفته على عباده.

فقلت: يا أمير المؤمنين أو ليست هذه الصفات كلّها لك وفيك؟!

ص:238

فقال: أنا إمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق.

واللّه يا بنيّ إنّه لأحقّ بمقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله منّي ومن الخلق جميعاً، واللّه لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك فإن الملك عقيم(1).

ونلاحظ أن هذا التصريح من الرشيد والاعتراف بحقانية إمامة الكاظم عليه السلام كان أمراً سرياً.

قال المأمون: فلما أراد الرشيد الرحيل من المدينة إلى مكة أمر بصرّة فيها مائتا دينار، ثمّ أقبل على الفضل بن الربيع فقال له: اذهب بهذه إلى موسى بن جعفر عليه السلام وقل له: يقول لك أمير المؤمنين نحن في ضيق وسيأتيك برّنا بعد هذا الوقت.

فقمت في صدره فقلت: يا أمير المؤمنين تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وسائر قريش، وبني هاشم، ومن لا يعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار إلى ما دونها وتعطي موسى بن جعفر - وقد أعطيته مائتي دينار - أخسّ عطية أعطيتها أحداً من الناس؟!

فقال: اسكت لا امّ لك، فإنّي لو أعطيت هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غداً بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم(2).

ص:239


1- (1) عيون أخبار الرضا 88:1، الحديث 11، وبحار الأنوار 129:48، ومدينة المعاجز: 499، الحديث 74، وحلية الأبرار 269:2، وإثبات الهداة 511:5، الحديث 29، ومستدرك الوسائل 52:2، الحديث 5، ومنتهى الآمال 52:2، الحديث 5.
2- (2) عيون أخبار الرضا 88:1، الحديث 11، وبحار الأنوار 129:48، الحديث 4.

هارون الرشيد وإرجاع فدك:

إنّ هارون الرشيد كان يقول للإمام موسى بن جعفر عليه السلام: «حُدّ فدكاً حتّى أردّها إليك، فكان الإمام عليه السلام يأبى حتّى ألحّ عليه.

فقال عليه السلام: «لا آخذها إلّابحدودها». قال: وما حدودها؟

قال عليه السلام: «إن حددتها لم تردّها». قال: بحق جدّك إلّاما فعلت.

قال عليه السلام: «أ مّا الحد الأول فعدن». فتغير وجه الرشيد وقال: ايهاً.

قال عليه السلام: «والحد الثاني سمرقند». فاربدّ وجهه.

قال عليه السلام: «والحدّ الثالث افريقية». فاسودّ وجهه وقال: هيه.

قال عليه السلام: «والرابع سيف البحر مما يلي الجزر وأرمينيه». قال الرشيد: فلم يبق لنا شيء، فتحوّل إلى مجلسي!

قال موسى عليه السلام: «قد أعلمتك أنني إن حددتها لم تردّها». فعند ذلك عزم على قتله»(1).

الإمام عليه السلام يربي أصحابه على خدمة الناس:

ومن أبرز مواقفه في ذلك مع علي بن يقطين وزير هارون عندما أراد إبراهيم الجمال رضى الله عنه ان يدخل على علي بن يقطين ولم يأذن له نجد تعبير الإمام (بأخيك) ليؤكد أن وجودك يا علي في هذا المنصب هو لخدمة

ص:240


1- (1) تاريخ بغداد 31:13 وعنه في تذكرة الخواص: 313، وفي مناقب آل أبي طالب 346:4 وعنه في بحار الأنوار 144:48.

هؤلاء لا لشيء ومن هنا أذن له الإمام بالبقاء بل أمره بالبقاء عندما أراد أن يعتزل من هذا الموقع.

عن محمد بن علي الصوفي قال: استأذن إبراهيم الجمّال رضى الله عنه على أبي الحسن علي بن يقطين الوزير فحجبه ولم يدخله.

فحجّ علي بن يقطين في تلك السنة فاستأذن بالمدينة على مولانا موسى بن جعفر عليه السلام فحجبه (أي لم يأذن له بالدخول عليه).

فرآه ثاني يومه فقال علي بن يقطين: يا سيدي ما ذنبي؟ فقال عليه السلام:

«حجبتك لأنك حجبت أخاك إبراهيم الجمّال وقد أبى اللّه أن يشكر سعيك أو يغفر لك إبراهيم الجمّال».

فقلت: سيدي ومولاي من لي بإبراهيم الجمّال في هذا الوقت وأنا بالمدينة وهو بالكوفة؟

فقال عليه السلام: «إذا كان الليل فامض إلى البقيع وحدك من غير أن يعلم بك أحداً من أصحابك وغلمانك واركب نجيباً هناك مسرّجاً».

قال: فوافى البقيع وركب النجيب ولم يلبث أن أناخه على باب إبراهيم الجمّال بالكوفة.

فقرع الباب وقال: أنا علي بن يقطين.

فقال إبراهيم الجمّال من داخل الدار: وما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي؟!

فقال علي بن يقطين: يا هذا إنّ أمري عظيم، ثمّ آلى عليه أن يأذن له، فلمّا دخل قال: يا إبراهيم إنّ المولى عليه السلام أبى أن يقبلني أو تغفر لي.

ص:241

فقال: يغفر اللّه لك.

فآلى علي بن يقطين على إبراهيم الجمّال أن يطأ خدّه فامتنع إبراهيم من ذلك فآلى عليه ثانياً ففعل.

فلم يزل إبراهيم يطأ خده وعلي بن يقطين يقول: اللهم اشهد، ثمّ انصرف وركب النجيب، وأناخه في ليلته بباب موسى بن جعفر عليه السلام بالمدينة فأذن له ودخل عليه فقبله»(1).

ومن حرص الإمام موسى عليه السلام على قضاء حوائج المؤمنين واهتم بها وهو في أحلك الظروف وأشدّها قساوة، فقد حثّ الشيعة على التمسك بهذا المبدأ الأخلاي، بل أمر بعض الخواص بالبقاء في جهاز السلطة الظالمة لأجل قضاء حوائج المؤمنين.

من هنا ندرك مستوى اهتمامه ومدى سعيه لتحقيق هذا المبدأ في فكر وسلوك أبناء الجماعة الصالحة.

عن محمد بن سالم قال: «لمّا حمل سيدي موسى بن جعفر عليه السلام إلى هارون جاء إليه هشام بن إبراهيم العباسي، فقال له: يا سيدي قد كُتب لي صك إلى الفضل بن يونس تسأله أن يروح أمري.

قال: فركب إليه أبو الحسن عليه السلام فدخل عليه حاجبه فقال: يا سيدي! أبو الحسن موسى بالباب، فقال: فإن كنت صادقاً فأنت حرّ ولك كذا وكذا!

ص:242


1- (1) أعلام الهداية عن بحار الأنوار 85:48، الحديث 105 عن عيون المعجزات: 90.

فخرج الفضل بن يونس حافياً يعدو حتّى خرج إليه: فوقع على قدميه يُقبّلهما ثمّ سأله أن يدخل، فدخل فقال له: «اقض حاجة هشام بن إبراهيم»، فقضاها(1).

اعتقال الإمام عليه السلام واهتداء جارية في السجن:

وبعد زيارة الرشيد لقبر الرسول صلى الله عليه و آله ولقائه بالإمام عليه السلام أمر الطاغية هارون باعتقال الإمام عليه السلام وفعلاً القي القبض على الإمام وهو قائم يصلي عند رأس جدّه النبي صلى الله عليه و آله ولم يمهلوه لإتمامها.

فحمل وقيّد فشكى الإمام لجدّه الرسول صلى الله عليه و آله قائلاً: «إليك أشكو يا رسول اللّه»(2) وبعد اعتقال الإمام غدت الناس تتحدث فيما بينها باستنكار هذا الحدث المهم، فتألمت الاُمة كثيراً فلم يبق قلب إلّا وتصدّع من الأسى والحزن فخافت السلطات أن يكون اعتقال الإمام محفزاً للثورة عليها. فحمل جملين، واحداً إلى البصرة والثاني إلى الكوفة لغرض الايهام على الناس، أي: لئلّا يعرف محل حمل الإمام في أ يّهما. ثمّ جيء بالإمام إلى البصرة.

وكان المأمور بحراسة الإمام عليه السلام أثناء الطريق من المدينة إلى البصرة

ص:243


1- (1) أعلام الهداية عن اختيار معرفة الرجال: 500، الحديث 957 وكان الفضل من الشيعة فطلبتهم السلطة فاختفى وكتب كتاباً على مذهب الراوندية العباسية باثبات الإمام للعباس فدسّه إلى السلطان فآمنه واستعمله. بحار الأنوار 109:48.
2- (2) عيون أخبار الرضا 85:1، الحديث 10.

حسان السروي(1) وقبل أن يصل إلى البصرة تشرّف بالمثول بين يديه عبد اللّه ابن مرحوم الأزدي فدفع له الإمام كتباً وأمره بايصالها إلى وليّ عهده الإمام الرضا وعرّفه بأ نّه الإمام من بعده(2) وسارت القافلة تطوي البيداء حتّى وصلت البصرة، وأخذ حسّان الإمام ودفعه إلى عيسى بن أبي جعفر فحبسه في بيت من بيوت المحبس وأقفل عليه أبواب السجن فكان لا يفتحها إلّافي حالتين: احداهما في خروجه للطهور، والاُخرى لادخال الطعام له عليه السلام.

فلقد انقطع عليه السلام إلى اللّه في عبادته فكان يصوم النهار ويقوم الليل وكان يقضي وقته في الصلاة والسجود والدعاء، ولم يضجر ولم يسأم من السجن واعتبر التفرّغ للعبادة من أعظم النعم، وكان يقول في دعائه: «اللهم إنك تعلم اني كنت اسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهم وقد فعلت فلك الحمد»(3).

ولمّا شاع خبر اعتقال الإمام في البصرة وعلم الناس بمكانه هبّت إليه العلماء وغيرهم لغرض الاتّصال به من طريق خفيّ فاتصل به ياسين الزيات الضرير البصري وروى عنه(4). ثمّ إن هارون الرشيد أوعز إلى عيسى يطلب منه فوراً القيام باغتيال الإمام لكن لمّا وصلت أوامر

ص:244


1- (1) عيون أخبار الرضا 85:1، الحديث 10.
2- (2) عيون أخبار الرضا 27:1، الحديث 13.
3- (3) المناقب 343:4.
4- (4) النجاشي: 453 برقم 1227.

الرشيد لعيسى باغتيال الإمام عليه السلام ثقل عليه الأمر، وجمع خواصّه وثقته فعرض عليهم الأمر فأشاروا عليه بالتحذير من ارتكاب الجريمة فاستصوب رأيهم، وكتب إلى الرشيد رسالة يطلب فيها اعفاءه عن ذلك.

واستجاب الرشيد لطلب عيسى وخاف من عدم تنفيذه لطلبه أن يساهم في إطلاق سراح الإمام عليه السلام ويخلّي سبيله، فأمره بحمله إلى بغداد وفرح عيسى بذلك، ولمّا وصل الإمام إلى بغداد أمر الرشيد باعتقاله عند الفضل فأخذه وحبسه في بيته.

وأشرف هارون على سجن الإمام عليه السلام إذ كان يتوجّس في نفسه الخوف من الإمام عليه السلام فلم يثق بالعيون التي وضعها عليه في سجنه فكان يراقبه ويتطلّع على شؤونه خوفاً من أن يتصل به أحداً ويكون الفضل قد رفّه عليه، فأطلّ من أعلى القصر على السجن فرأى ثوباً مطروحاً في مكان خاص لم يتغيّر عن موضعه كما ذكرناها سابقاً فراجع.

ثمّ أنفذ هارون الرشيد إلى الإمام عليه السلام جارية وضّاءة بارعة في الجمال والحسن، أرسلها بيد أحد خواصّه للتولى خدمة الإمام ظانّاً أنه سيفتتن بها، فلما وصلت إليه قال عليه السلام لمبعوث هارون:

قل لهارون: «بل أنتم بهديتكم تفرحون، لا حاجة لي في هذه ولا في أمثالها».

فرجع الرسول ومعه الجارية وأبلغ هارون قول الإمام عليه السلام فالتاع غضباً وقال له:

ص:245

ارجع إليه، وقل له: ليس برضاك حبسناك ولا برضاك أخدمناك واترك الجارية عنده، وانصرف.

فرجع ذلك الشخص وترك الجارية عند الإمام عليه السلام وأبلغه بمقالته.

وأنفذ هارون خادماً له إلى السجن ليتفحص عن حال الجارية، فلما انتهى إليها رآها ساجدة لربّها لا ترفع رأسها وهي تقول في سجودها:

«قدوس، قدوس».

فمضى الخادم مسرعاً فأخبره بحالها فقال هارون: سحرها واللّه موسى ابن جعفر، عليَّ بها.

فجيء بها إليه، وهي ترتعد قد شخصت ببصرها نحو السماء وهي تذكر اللّه وتمجّده، فقال لها هارون: ما شأنك؟!

قالت: شأني الشأن البديع، إني كنت عنده واقفة وهو قائم يصلّي ليله ونهاره، فلمّا انصرف من صلاته قلت له: هل لك حاجة أُعطيكها؟

فقال الإمام عليه السلام: «وما حاجتي إليك؟».

قلت: إني ادخلت عليك لحوائجك.

فقال الإمام عليه السلام: «فما بال هؤلاء» - وأشار بيده إلى جهة - فالتفتُّ فإذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها من أولها بنظري، ولا أولها من آخرها، فيها مجالس مفروشة بالوشي والديباج، وعليها وصفاء ووصايف لم أر مثل وجوههنّ حسناً، ولا مثل لباسهنّ لباساً، عليهن الحرير الأخضر، والاكاليل والدر والياقوت، وفي أيديهن الاباريق والمناديل، ومن كل الطعام، فخررت ساجدة حتّى أقامني هذا الخادم،

ص:246

فرأيت نفسي حيث كنت.

فقال لها هارون وقد اترعت نفسه بالحقد:

يا خبيثة لعلّك سجدت، فنمت فرأيت هذا في منامك!

قالت لا واللّه يا سيدي، رأيت هذا قبل سجودي، فسجدت من أجل ذلك.

فالتفت الرشيد إلى خادمه، وأمره باعتقالها واخفاء الحادث لئلّا يسمعه أحد من الناس، فأخذها الخادم، واعتقلها عنده، فأقبلت على العبادة والصلاة. فإذا سئلت عن ذلك قالت: هكذا رأيت العبد الصالح(1).

ولمّا طالت مدّة الحبس على الإمام عليه السلام وهو رهين السجون، قام في غلس الليل البهيم فجدّد طهوره وصلّى لربه أربع ركعات وأخذ يدعو بهذا الدعاء:

«يا سيدي: نجّني من حبس هارون، وخلّصني من يده، يا مخلّص الشجر من بين رمل وطين، ويا مخلّص النار من بين الحديد والحجر، ويا مخلص اللبن من بين فرث ودم، ويا مخلّص الولد من بين مشيمة ورحم، ويا مخلّص الروح من بيت الأحشاء والأمعاء، خلصني من يد هارون».

ص:247


1- (1) أعلام الهداية: 17 عن الحلبي في مناقب آل أبي طالب 322:4 عن العامري في كتاب الأنوار.

واستجاب اللّه دعاء العبد الصالح فأنقذه من سجن الطاغية هارون وأطلقه في غلس الليل(1).

لقد مكث الإمام عليه السلام في سجن الفضل مدّة طويلة في الزمن لم يعيّنها لنا التأريخ.

وبقي عليه السلام بعد إطلاق سراحه في بغداد لم يخرج منها إلى يثرب وكان يدخل على الرشيد في كل اسبوع مرة يوم الخميس(2).

الإمام عليه السلام في سجن السندي بن شاهك:

ولما شاع ذكر الإمام عليه السلام وانتشرت فضائله ومآثره، ضاق على الرشيد ذلك فاعتقله ثانية وأودعه في بيت الفضل بن يحيى، فرأى الفضل عبادة الإمام فلم يضيق عليه ووسع عليه في السجن، فاوعز الرشيد للفضل باغتيار الإمام عليه السلام، امتنع ولم يجبه إلى ذلك وخاف من اللّه، لأنّه كان ممن يذهب إلى الإمامة ويدين بها، وهذا هو الذي سبب تنكيل الرشيد بالفضل واتهام البرامكة بالتشيّع(3).

وبعد سجن الفضل أمر هارون بنقل الإمام عليه السلام إلى سجن السندي بن شاهك وأمره بالتضييق عليه فاستجاب هذا الاثيم لذلك فقابل الإمام عليه السلام

ص:248


1- (1) عيون أخبار الرضا 94:1، الحديث 13، وراجع المناقب 330:4.
2- (2) عيون أخبار الرضا 93:1، الحديث 13، وعنه في بحار الأنوار 219:48، الحديث 20.
3- (3) راجع مقاتل الطالبيين: 503.

بكل جفوة وقسوة، والإمام صابر محتسب فأمره الطاغية أن يقيّد الإمام عليه السلام بثلاثين رطلاً من الحديد ويقفل الباب في وجهه ولا يدعه يخرج إلّاللوضوء.

وامتثل السندي لذلك فقام بإرهاق الإمام عليه السلام وبذل جميع جهوده للتضييق عليه.

وكان السندي عدواً لآل محمد صلى الله عليه و آله ناصبياً قاسي القلب وقد قيّد الإمام عليه السلام بثلاثين رطلاً من الحديد، وقفل عليه الأبواب ووضعه في طامورة لا يعرف فيها الليل من النهار، وقد أَثَّر الحديد في جسده الشريف، ولذا ورد في زيارته: «وَصَلِّ عَلى موُسَى بْنِ جَعْفَرٍ وَالْمُعَذَّبِ في قَعْرِ السُّجوُنِ، وَظُلَمِ الْمَطاميٖرِ، ذِي السّاقِ الْمَرْضُوضِ بِحَلَقِ الْقُيوُدِ».

وكان عليه السلام إذا ضاق نفسه لضيق الطامورة يأتي إلى بابها وستنشق الهواء فإذا رآه السنديّ لطم الإمام عليه السلام على وجهه وارجعه إلى داخل الطامورة.

أفي أيّ كفٍّ يلطم الرجس وجهه وما هي إلّافرع للطمة فاطم

وبقى معذباً بأبي واُمي إلى أن دسّ إليه السندي بأمر الرشيد ذلك الرطب المسموم، واُجبر الإمام على أكله فأخذ السم يسري في بدنه والإمام يعاني أشد الآلام في تلك الطامورة ولا أحد عنده ثمّ تغيّر وجه الإمام عليه السلام وعرق جبينه وسكن أنينه ومد يديه ورجليه وفارقت روحه الدنيا رحم اللّه من نادى وا اماماه.

ص:249

مَن مُبلغُ الزهراء ان سليلها قد ماتَ في سجنِ الرشيدِ سَميمَا

ملقا على جسر الرصافة نعشه فيه الملائك أحدقوا تعظيما

يقول المسيب بن زهرة وكان قريباً من الإمام في السجن: فبينما أنا أنظر إلى الإمام يتقلب وإذا بغلام هو أشبه الناس بالإمام موسى بن جعفر عليه السلام يقول بينا إنا كذلك إذ غاب الغلام عني فأقبلت إلى الإمام موسى بن جعفر وإذا به جثة هامدة قد فارق الحياة.

الإمام عليه السلام على جسر الرصافة بعد شهادته:

يروى ان علي بن سويد كان زعيم بني تميم وهو من خواص الإمام عليه السلام وقد قدّم مالاً إلى الحراس ووصل إلى الإمام ليلاً فسأله الإمام «ما الذي جاء بك»؟ قال: ان الشوق حملني إليك ثمّ قال سيدي متى الفرج ضاقت صدورنا، فقال عليه السلام: «الفرج قريب يابن سويد يوم الجمعة ضحىً على الجسر ببغداد».

يقول ابن سويد: كدت أطير فرحاً، أخبرت أصحابنا: البشارة البشارة سيخرج موسى بن جعفر، اجتمعنا على الجسر، يا لهول المفاجأة فبينا نحن بالإنتظار وإذا بجنازة يحملها أربعة من السجّانين على درفة باب لا نعش! ثلاثة من الخلف وواحد من جهة الرأس، نعم الثلاثة من الخلف لثقل السلاسل والأغلال التي وضعوها في يديه ورجليه عليه السلام أقبلوا به وضعوه على الأرض وكشفوا عن وجهه.

ص:250

شالوا يويلي والحِديد امسلسل ابرجليه لا واحد من أعمامه حضر يمّه وگدر يحميه

خل هاشم ابسرعه تجي البغداد واتشوفه وتتعناه للجسر منها الراس مكشوفه

ويلي على المسموم ويلي على المسموم

***

گلبي من الهظم يالظم بالسم وثغري من الفرح ما يوم بسم

على المات ابسجن هارون بالسم وضل اعلى الجسر نعشه رميّه

***

ثمّ صار السندي (لعنه اللّه) ينادي عليه: هذا إمام الرافضة قد مات حتف أنفه فانظروا إليه، فجعل الناس يتفرّسون في وجهه.

يقول عليّ بن سويد: جئت لأنظر إليه وإذا به سيّدي ومولاي موسى بن جعفر عليه السلام! فلطمت وجهي وصحت: وا إماماه، وا سيداه، وا كاظماه!

أخذ علي بن سويد بالبكاء والنحيب عند رأس الإمام عليه السلام فبينما هو كذلك إذ مرّ به طبيب نصراني كانت بينهما صحبة فقال له ابن سويد:

أقسمت عليك بالمسيح إلّاما رأيت سبب موت هذا المسجّى! فقال:

اكشف لي عن باطن كفّه، فكشف له عن باطن كفّ الإمام فأخذ ينظر فيها ويهزّ رأسه، فقال ابن سويد: أخبرني ما رأيت؟ قال: يابن سويد هل لهذا الرجل عشيرة؟ فقال: بلى هذا موسى بن جعفر سيّد بني

ص:251

هاشم! وعندئذ قال له الطبيب: يابن سويد ابعث إلى أهله فليحضروا وليطلبوا بدمه فإنه مات مسموماً!

وسمع النّداء على جنازة الإمام عليه السلام سليمان عمّ الطاغية هارون فقال:

ما الخبر؟ قيل له: إنّ على الجسر جنازة أحد النّاس مات في السّجن، فقال: ما أكثر الذين يموتون في السّجن ولكن ما لي أرى بغداد تموج بأهلها؟ ويحكم انظروا لمن هذه الجنازة!

فذهبوا وسرعان ما عادوا وهم يقولون: يا أمير إنّها جنازة رجل حجازيّ، فقال: انظروا من أين، قالوا: إنّه من بني هاشم، فقال:

ويحكم أنا من بني هاشم من تكون هذه الجنازة؟ قالوا: هي جنازة موسى بن جعفر، فصاح بولده وغلمانه: انزلوا وخذوه من أيديهم فإن مانعوكم فاضربوهم وخرّقوا ما عليهم من سواد!

فنزلوا إليهم وأخذو الجنازة من أيديهم فأمرهم سليمان أن يضعوه على مفترق أربعة طرق وأقام المنادين ينادون: ألا من أراد أن يحضر جنازة الطّيب ابن الطّيب فليحضر جنازة موسى بن جعفر(1).

لن من القصر مشرف سليمان ونعش باب الحوائج لاح إله وبان

يقلّهم هالجنازة ما لها أعوان غريبه ولا وراها ناس يمشون

قالوله غريب أهله مبيّنين لكن بالمدينة عليه بعيدين

ابن عمّك الكاظم قال هالحين روحوا جيبوا نعشه ولا تخافون

ص:252


1- (1) منتهى الآمال: 287/2 عن الشيخ الصدوق.

وبمفرق طرقها عليه نادى هذا الطيّب وطيبة جداده

وسوّى بعكس ما هارون راده نادى عليه هذا اللي بيه تنجون

هرول الناس إلى حمل الجنازة، مرّوا بالسوق سوق الرياحين، سوق العطارين في بغداد وتجمهر الناس للتشييع، جاؤوا إلى الكاظمية وبالتالي دُفن بعزّ واحترام. ما سلبوا جنازته ما داسته الخيل بحوافرها!

لكن حرّ قلبي لغريب كربلاء أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام بقي على وجه التراب ثلاثاً بلا غسل ولا كفن نظرت إليه العقيلة زينب وهو على تلك الحال والسياط على متنها فودعته وهي على الناقة.

ودعتك اللّه يا عيوني يردون عنك ياخذوني

او شمر وزجر وخولّه اليباروني نخيت اخوتي او لا جاوبوني

وابغصب عنكم فارگوني

***

خويه لتگول ما عندچ امروّه او لتگول ضيّعت الاخوه

آنه ماخوذة يحسين گوّه شوف الشمر بيّه اشسوّه

سوطه على اموني تلوه

***

ص:253

وفي الختام نقول:

نسأل من اللّه العلي القدير أن يجعل هذا الكتاب ذخراً لنا في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلّامن أتى اللّه بقلب سليم ونستغفر اللّه تعالى من الزيادة والنقصان والسهو والغلط والنسيان إنه غفور منان واللّه عالم بعواقب الأُمور ومصالح العباد.

«اللهم انا نرغب إليك في دولةٍ كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتُذل بها النفاق وأهله وتجعلنا فيها من الدُعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة».

اللهم عجّل فرج ولينا الحجة بن الحسن عليه السلام وسهل مخرجه واجعلنا من أنصاره وأعوانه والآخذين بثاره وممن يكر في رجعته ويملك في دولته وتقر عيوننا برؤيته.

«اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً برحمتك يا أرحم الراحمين».

والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته

تم بعون اللّه تعالى

1435 ه - قم المقدّسة

الشيخ مهدي تاج الدين

ص:254

الفهرست

كلمة الناشر 5

مقدمة الكتاب 11

تقريظ الكتاب 17

المجلس الأول

ولادتها وألقابها وزواجها واخواتها

تاريخ ولادتها عليها السلام 22

وأما القابها عليها السلام 25

سبب عدم زوجها عليها السلام 34

اشكالات واهية في عدم زواجها عليها السلام 36

وصية الإمام الكاظم عليه السلام لأولاده 39

عدم نهي الإمام عليه السلام لتزويج بناته 41

الوصية الثانية له عليه السلام 42

ص:255

عدد بنات الإمام الكاظم عليه السلام 44

تاريخ الإسلام بيد الظلام 47

عدد أولاد الإمام الكاظم عليه السلام 48

أسماء بنات الإمام الكاظم عليه السلام 50

المجلس الثاني

هجرتها عليها السلام لأخيها الرضا عليه السلام

اشتياق فاطمة لأخيها عليها السلام 64

دعوة المأمون للإمام الرضا عليه السلام إلى خراسان 66

خروج فاطمة عليها السلام من المدينة إلى خراسان 68

وصول فاطمة عليها السلام إلى قم المقدّسة 70

ركب السيّدة فاطمة عليها السلام واخواتها 72

موكب اخوتها (رضوان اللّه عليهم) إلى شيراز 76

وفاتها أم شهادتها عليها السلام 78

حضور راكبين لدفنها عليها السلام 81

لطمية لفاطمة المعصومة عليها السلام 84

لطمية أُخرى 86

ص:256

المجلس الثالث

أهميّة زيارتها عليها السلام

زيارة مشهدها عليها السلام 91

أهمية زيارة القبور 94

محبة ذرية النبي صلى الله عليه و آله 97

الأحاديث في زيارتها عليها السلام 99

تعظيم الأئمة بزيارتهم عليهم السلام 102

قبرها الشريف 104

البقعة الكريمة 105

كيفيّة زيارتها عليها السلام 108

نص آخر لزيارتها عليها السلام 110

لطمية لفاطمة المعصومة عليها السلام 111

المجلس الرابع

خصائص السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام

خصائص السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام 117

الأب والأُم 117

اللّه اختار اسمها 119

ص:257

منحها أعلى الأوسمة 120

أنها المعصومة 122

قبرها قبر جدتها الزهراء عليها السلام 127

أنها من أصحاب الشفاعة 128

حازت مرتبة الشهادة 130

تجهيز المعصوم عليه السلام لها 131

مكانها حرم أهل البيت 131

زيارة المهدي عليها السلام لها 132

الحث على زيارتها من ثلاثة من المعصومين عليهم السلام 133

مصيبة فاطمة المعصومة عليها السلام 135

لطمية لفاطمة المعصومة عليها السلام 138

المجلس الخامس

تاريخ قم وتشيعها

تاريخ قم وتشيعها 143

مستقبل قم ودورها في نشر التشيع 159

الاغتيالات سياسة الطغاة 172

توفيت مسمومة شهيدة 172

عند دفن السيّدة معصومة عليها السلام 175

لطمية فاطمة المعصومة عليها السلام: (يا فاطمة اشفعي لي بالجنة) 177

ص:258

المجلس السادس

كرامتها عليها السلام

حقائق حول كرامات أهل البيت عليهم السلام 183

شرائط نيل عناية أهل البيت عليهم السلام 184

اعتراف المخالفين بكرامات أهل البيت عليهم السلام وفاطمة المعصومة عليها السلام 186

من كرامتها عليها السلام شفاء نصراني وتشيعه 190

المرعشي ينظر إلى جثمانها الطاهر عليها السلام 194

الاهتداء بنور قبرها عليها السلام 195

شفاء الأذربيجاني من آلام رجله 196

شفاء أقدام زوجة خادم الروضة المعصومية 198

دعوات السيّدات المنقبات 199

الخلاص من السجن 200

شفاء قدم الخادم 202

شفاء ابن الخادم 204

التفاتة إلى آية اللّه العظمى السيّد المرعشي النجفي رحمه الله 205

مسامحة الخادم وانتباه الزائر 205

ولادة في الحرم المطهر للسيّدة المعصومة عليها السلام 207

لطمية عن فاطمة المعصومة عليها السلام 208

ص:259

المجلس السابع

حول الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام

ولادة الإمام موسى الكاظم عليه السلام 212

عبادته وتقواه عليه السلام 214

جوده وسخاؤه وحلمه عليه السلام 217

المنصور يأمر الإمام أن يحضر عيد النيروز 220

شقيق البلخي وما شاهده من دلائل الغيب 221

الإمام عليه السلام في السجن 224

مع عليّ بن المسيّب وما شاهده من المعجزات 224

موقف الإمام عليه السلام مع أخيه عبد اللّه الأفطح حول الإمامة 225

محاسبته عليه السلام لشيعته المتعاطفين مع حكّام الجور 227

حكم موسى الهادي العباسي وثورة فخ 229

حكم الرشيد وسياسته مع الإمام عليه السلام 231

احترام الرشيد للإمام عليه السلام ومنها تشيّع المأمون الظاهري 237

هارون الرشيد وإرجاع فدك 240

الإمام عليه السلام يربي أصحابه على خدمة الناس 240

اعتقال الإمام عليه السلام واهتداء جارية في السجن 243

الإمام عليه السلام في سجن السندي بن شاهك 248

الإمام عليه السلام على جسر الرصافة بعد شهادته 250

الفهرست 255

ص:260

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.